نهاية الأفكار المجلد 3

هوية الكتاب

المؤلف: الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي

الطبعة: 0

الموضوع : أصول الفقه

تاريخ النشر : 0 ه.ق

الصفحات: 496

الجزء الثالث

من كتابنهاية الأفكار

في مبحث القطع والظن وبعض الاصول العلمية

لحضره

حجة الاسلام والمسلمين آية اللّه في العالمين الورع التقي الشيخ محمد تقي البروجردي دامت افاضاته بالنبي وآله

تأليف الفقيه المحقق والأصولي المدقق الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي قدس سره

المصححة بيد المؤلف قدس سره الشريف

انتشارات اسلامي

وابسته بجامعه مدرسين حوزه علميه قم

ص: 1

اشارة

سرشناسه: عراقي، ضياء الدين، 1240 - 1321.

عنوان و نام پدیدآور: نهاية الأفكار «في مباحث الألفاظ» / تقرير أبحاث ضياء الدين العراقي ؛ تأليف محمد تقي البروجردي النجفي.

مشخصات نشر: قم: جماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم ، مؤسسة النشر الإسلامي، 1422ق.=1380.

مشخصات ظاهري: 4 ج. (در 3 مجلد).

فروست: (مؤسسة النشر الاسلامي جماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم؛ 196، 198، 199.

شابك: (دورة): 3-272-470-964-978؛ ج. 2-1: 0-950-470-964-978

ج. 3: 7-951-470-964-978؛ ج. 4: 4-952-470-964-978.

یادداشت: عربي.

یادداشت: چاپ قبلی: مؤسسة النشر الإسلامي جماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم، 1405 ق.= 1365.

یادداشت: ج. 1-4 (چاپ ششم: 1435 ق. = 1393).

یادداشت: كتابنامه.

یادداشت: ج. 3. في مبحث القطع والظن وبعض الأصول العلمية. - ج. 4. في مبحث الاستصحاب.

موضوع: مباحث ألفاظ.

شناسۀ افزوده: جامعۀ مدرسين حوزۀ علميۀ قم. دفتر انتشارات اسلامي.

رده بندی كنگره: 1380 9 ن 4 ع / 164 BP

رده بندی دیویی: 297/31

شمارۀ كتابشناسي ملّي: 17890-81م.

نهاية الأفكار (ج 3)

تأليف: الفقيه المحقّق والأصولي المدقّق الشيخ محمّد تقي البروجردي النجفي (طاب ثراه)

تقرير أبحاث: العلّامة المحقّق آية اللّه العظمی الشيخ آغا ضياء الدين العراقي قدس سره

الموضوع: الأصول

طبع و نشر: مؤسسة النشر الإسلامي

عدد الصفحات: 608

الطبعة: السابعة

المطبوع: 300

التاريخ: 1438 ه.ق

شابك ج 1-2: 0-950-470-964-978

ISBN 978-964-470-950-0

مؤسسة النشر الإسلامي

التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة

ص: 2

هذا هو

هذا هو

الجزء الثالث من كتاب

نهاية الأفكار في مبحث القطع

والظن وبعض الأصول

العملية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريته محمد وآله الطاهرين الغر الميامين ولعنة اللّه على أعدائهم ومخالفيهم أجمعين إلى قيام يوم الدين « وبعد » فهذا هو الجزء الثالث من كتابنا الموسوم بنهاية الأفكار وهو يشتمل على مهمات مباحث القطع والظن وبعض الأصول العملية وهي نتيجة ما استفدناه من بحث أستاذ الفقهاء والمجتهدين شيخنا العلامة آية اللّه العظمى الشيخ ضياء الدين العراقي قدس سره فنقول وبه نستعين « اعلم » ان كل من وضع عليه قلم التكليف إذا التفت إلى حكم شرعي ، فاما ان يحصل له القطع به أو الظن أو الشك فيه ، ولا اشكال في اختلاف هذه الأقسام بحسب اللوازم والاحكام كما سنحررها في محالها ( كما لا ينبغي ) الاشكال أيضا في عموم ما يذكر لها من الاحكام لكل من المجتهد والمقلد ( إذ لا وجه ) لتخصيصها بالمجتهد بعد اطلاق أدلتها ( عدا توهم ) كونه من مقتضيات اختصاص عناوين موضوعاتها بخصوص المجتهد ، بتقريب ان حصول تلك الصفات من القطع والظن والشك انما هو فرع الالتفات التفصيلي إلى الحكم الشرعي ومثله مختص بالمجتهد ، والا فالعامي من جهة غفلته لا يكاد تحصل له تلك الصفات ، وعلى فرض حصولها له لا عبرة بظنه وشكه بعد عجزه عن تشخيص موارد الأصول والامارات ومجاريها وعدم تمكنه من فهم مضامينها والفحص التام في مواردها ، والحال ان اختصاص تلك الخطابات بالمتمكن من تشخيص مجاريها والقادر على الفحص التام في مواردها في الوضوح كالنار على المنار ، كوضوح اختصاص خطاب لا تنقض أيضا بمن أيقن الحكم الفعلي وشك في بقائه وعدم شموله لغيره ( ولكنه كما ترى ) إذ نقول انه لا مانع من فرض حصول الصفات المزبورة لغير المجتهد أيضا كما

ص: 3

في كثير من المحصلين غير البالغين مرتبة الاجتهاد ، فإذا فرض حينئذ شمول اطلاقات أدلة الامارات والأصول لمثله يتعدى إلى العامي المحض بعدم القول بالفصل ( واما ) شبهة عدم تمكنه من الفحص عن الأدلة والبحث فيها ( فتندفع ) بقيام المجتهد مقامه بمقتضى أدلة الافتاء والاستفتاء ، فيكون فحصه عن الدليل وعن المعارض فحصه وترجيحه لاحد الخبرين ترجيحه ، بل بهذا الاعتبار يكون يقينه وشكه أيضا بمنزلة يقينه وشكه في شمول اطلاقات الأدلة ، بلا احتياج إلى اتعاب النفس في التشبث بعدم الفصل ( مع أنه ) يمكن فرض حصول اليقين والشك للعامي المحض أيضا في الشبهات الحكمية بعين فرض حصولها للمجتهد فإنه كما أن المجتهد برجوعه إلى الأدلة في حكم الماء المتغير بالنجاسة مثلا يحصل له اليقين بنجاسته وبعد زوال تغيره من قبل نفسه وعدم ظفره بدليل يقتضي طهارته أو نجاسته حينئذ يشك في بقاء نجاسته السابقة ، كذلك العامي فإنه برجوعه إلى الفقيه في حكم الماء المتغير بالنجاسة وافتائه إياه بالنجاسة يحصل له اليقين بنجاسته لان فتوى الفقيه بالنسبة إليه بعينه كالامارة القائمة لدى المجتهد على النجاسة في الحجية بمقتضى أدلة الافتاء والاستفتاء ( وحينئذ ) لو زال تغيره من قبل نفسه يشك قهرا في بقاء ذلك الحكم الكلي أعني النجاسة ، وبعد رجوعه ثانيا إلى الفقيه في حكم المسألة وعدم افتائه بالنجاسة الواقعية بل واعلامه بعدم ظفره في هذا الحال بدليل يقتضى طهارته أو نجاسته ، يستقر شكه قهرا ، فيتوجه إليه حينئذ خطاب لا تنقض من جهة تحقق كلا ركنية بالنسبة إليه وهما اليقين السابق والشك اللاحق ، غير أنه لما كان غير عارف بمضمون هذا الخطاب وما يقتضيه من الوظيفة الفعلية ينوب عنه المجتهد بمقتضى أدلة الافتاء والاستفتاء كنيابته عنه في التكاليف الواقعية فيفتيه حينئذ بنفس الاستصحاب الذي هو مفاد لا تنقض كافتائه إياه بالحكم الواقعي ( ونتيجة ذلك ) هو تخير المجتهد عند رجوع العامي إليه بين الافتاء بالواقع بمقتضى الاستصحاب الجاري في حق نفسه ، وبين اقراره على شكه وافتائه بالأخذ باليقين السابق وعدم نقضه بالشك بالخلاف ( وهذا ) بخلاف مبنى تخصيص تلك الخطابات بالمجتهد ، فإنه يتعين عليه الافتاء بنفس الواقع حسب الاستصحاب الجاري بالنسبة إليه وليس له الافتاء بالاستصحاب والاخذ باليقين السابق هذا ( وقد ) يتوهم منافاة ما ذكرناه من التعميم لما هو المعهود من ديدن أرباب الفتاوى قديما وحديثا على

ص: 4

الافتاء بالحكم الواقعي عند رجوع العامي إليهم حيث لم يعهد منهم ولو في مورد ما الافتاء في الاحكام الكلية بالحكم الأصولي فيقال انه يستكشف من بنائهم المزبور فهمهم تخصيص تلك الخطابات بخصوص المجتهد وعدم شمولها للعامي ( ولكنه مندفع ) أولاً بمنع استقرار ديدن الأصحاب على ذلك ( وثانيا ) بمنع كشف مثله عن فهم اختصاص المجتهد بتلك الاحكام ، كيف ومن المحتمل قويا كون الوجه في بنائهم المزبور هو التسهيل على العامي ومع هذا الاحتمال كيف يبقى المجال للكشف المزبور.

( ثم اعلم ) ان تثليث الأقسام في المقام انما هو بلحاظ ما للأقسام المذكورة من الخصوصيات الموجبة للطريقية والحجية من حيث الوجوب والامكان والامتناع لا بلحاظ مرحلة الحجية الفعلية ، حيث إن القطع من جهة تماميته في الكشف عن الواقع مما وجب حجيته عقلا ولا يعقل المنع عنه ، والظن من جهة نقصه في الكاشفية مما أمكن حجيته شرعا ، واما الشك فحيث انه لا كشف فيه أصلا لكونه عبارة عن نفس الترديد بين الاحتمالين الذي هو عين خفاء الواقع كان مما يمتنع حجيته ويستحيل اعتباره حجة في متعلقه ، لان اعتبار الحجية والطريقية انما يكون فيما من شأنه الكشف عن الواقع ولو ناقصا لا فيما لا يكون كذلك ، نعم أحد طرفي الشك وهو الاحتمال فيه جهة كشف ضعيف عن الواقع كالوهم المقابل للظن فأمكن اعتباره شرعا حجة في متعلقه بتتميم كشفه ، ولكنه خارج عن الفرض إذ الكلام في نفس الشك بما هو شك وترديد بين الاحتمالين والى ذلك نظر الشيخ قدس سره في تثليث الأقسام في المقام كما صرح به في أول البراءة بقوله القطع حجة في نقسه لا يجعل جاعل الخ فراجع ( وحينئذ ) فلا يتوجه عليه ما أفيد من الاشكال ( تارة ) بأنه لا وجه لتخصيص العلم في التقسيم المزبور بخصوص ما تعلق بالحكم الواقعي بعد كون موضوع الآثار المرغوبة هو العلم بمطلق الحكم الفعلي ولو ظاهريا ، وعليه فلابد وأن يكون التقسيم ثنائيا لدخول الشك الموضوع للوظائف الشرعية في اقسام العلم بمطلق الحكم ( وأخرى ) بأنه لا مقابلة حقيقية بين الظن والشك فيما هو الغرض المهم ، إذ ليس الظن بما هو ظن مانعا من اجراء ، الأصول كي تصح لأجله المقابلة المزبورة ، وانما المانع من اجرائها هو وجود الحجة ومانعية الظن أيضا كانت بهذا الاعتبار لا بما هو ظن وعليه فلا يستقيم المقابلة بين الظن والشك ، إذ يلزم تداخل القسمين في الحكم بحسب المصداق ، فإنه رب

ص: 5

ظن يكون ملحقا بالشك كالظن الغير المعتبر ، وبالعكس رب شك يكون ملحقا في الحكم بالظن ( وثالثة ) بأنه لا يصح بل ولا يعقل جعل الشك الموضوع للوظائف الفعلية عبارة عن الشك بالحكم الفعلي لاستحالة وقوع الشك بالحكم الفعلي موضوعا للوظائف الفعلية فلابد حينئذ من جعل متعلقه أعم من الحكم الفعلي والشأني ولازمه بمقتضى المقابلة جعل متعلق العلم أيضا عبارة عما يعم الفعلي والشأني ( وانما قلنا لا يتوجه ) لابتناء ذلك كله على كون التقسيم بلحاظ الحجة الفعلية ، والا فعلى ما ذكرنا من كونه بلحاظ خصوصيات الأقسام من حيث الاقتضاء لوجوب الحجية أو الامكان أو الامتناع لا يتوجه تلك المحاذير ، ضرورة صحة المقابلة حينئذ بين الظن والشك وبينهما وبين القطع ولا يتوجه أيضا محذور تداخل الأقسام ، ومجرد عدم اختصاص الآثار المرغوبة في القطع بخصوص القطع بالحكم الواقعي حينئذ كما ذكر في الاشكال الأول لا يقتضي تثنية الأقسام بعد فرض تعلق الغرض باستيفاء مباحث الأقسام الثلاثة ، إذ حينئذ لابد من جعل متعلق العلم عبارة عن خصوص الحكم الواقعي كي به يصح تثليث الأقسام توطئة لبيان موضوع المسائل الآتية ( والا ) فعلى فرض تثنية الأقسام لا يناسب التقسيم للتوطئة المزبورة خصوصا مع ما يلزمه أيضا من لزوم كون البحث عن حجية الظن والاستصحاب ومبحث التراجيح من مبادي القطع بالحكم لان نتيجتها مما تورث القطع بالحكم الظاهري مع أنه كما ترى لا داعي للمصير إليه ( ومن ذلك ) ظهر النظر أيضا فيما أفيد من التقسيم الاخر بقوله ان المكلف اما ان يحصل له القطع أو لا وعلى الثاني فاما ان يقوم عنده طريق معتبر أو لا ، إذ ذلك أيضا مضافا إلى عدم مناسبته لتوطئة بيان موضوع المباحث الآتية يلزمه كون البحث عن حجية الظن بحثا عن ثبوت الشيء لا عن ثبوت شيء لشئ ( واما الاشكال ) الأخير الناشئ عن عدم امكان جعل الشك الموضوع الوظائف الشرعية عبارة عن الشك بالحكم الفعلي ، فهو أيضا مبني على عدم امكان الجمع بين فعلية الاحكام الواقعية والظاهرية ( والا ) فبناء على امكانه على ما سيجيء توضيحه بما لا مزيد عليه فلا وقع لهذا الاشكال أيضا وحاصله هو ان ما لا يجامع الترخيص الشرعي انما هو الفعلي بقول مطلق بنحو يقتضي عدم قناعة الشارع بصرف خطابه الواقعي المتعلق بذات العمل في ظرف جهل المكلف به ولزوم صيرورته بصدد تحصيل

ص: 6

مقصوده في مرتبة الجهل بخطابه بايجاد الداعي للمكلف ولو بانشاء آخر من ايجاب احتياط ونحوه لكي يرفع به عذره العقلي على المخالفة ، ولكن مثل هذه المرتبة من الفعلية ، كما لا يجامع الترخيص الشرعي على الخلاف ، لا يجامع أيضا العذر العقلي فلابد من المصير إلى نفي فعليته حتى في مورد الترخيص العقلي ( واما الفعلي ) من قبل المولى الراجع إلى كونه بصدد تحصيل مقصوده من ناحية خصوص خطابه الواقعي المتعلق بذات العمل لا من جميع الجهات حتى من ناحية المقدمات المتأخرة من خطابه الواقعي ( فمثله ) مما لا شبهة في اجتماعه مع الترخيص الشرعي كاجتماعه مع العذر العقلي لأجل الجهل ، ولا نعني من الحكم الفعلي المشترك بين العالم والجاهل الا هذا فتدبر ( وكيف كان ) فبعد ان عرفت تثليث الأقسام فلنرجع إلى بيان ما يخص كل واحد منها من اللوازم والاحكام ( فنقول ) ان اشباع الكلام فيها يقع في طي مقاصد.

المقصد الأول في القطع

الجهة الأولی

وفيه جهات من البحث ( الجهة الأولى ) لا شبهة في وجوب متابعة القطع عقلا والوجه فيه ظاهر فان القطع من جهة كونه بذاته وحقيقته عين انكشاف الواقع بالكشف التام والوصول إليه بحيث يرى القاطع نفسه واصلا إلى الواقع إذا فرض تعلقه بحكم من الاحكام يكون له السببية التامة لحكم العقل تنجيزا بوجوب المتابعة ( على معنى ) حكمه بلزوم صرف الغرض والإرادة نحو امتثال امر المولى الراجع إليه أيضا حكمه بحسن الإطاعة وقبح المخالفة « لا بمعنى » حصول الحالة الانقداحية والمحرك العقلاني للجري إلى العمل على وفقه « لان » مثل هذا المعنى عند انكشاف الواقع وتعلق فعلية الغرض بالحركة نحو المقصود امر قهري الحصول والتحقق بمقتضى الجبلة والفطرة ، ومثله غير مرتبط بمرحلة التحسين والتقبيح العقلين ولذا ترى جريانه بالنسبة إلى غير الانسان من أصناف الحيوانات أيضا ، وبالجملة محل الكلام في المقام انما هو المرتبة الأولى أعني سببية القطع لحكم العقل تنجيزا بتحسين صرف الإرادة نحو امتثال امر المولى ( والا ) فالمرتبة الأخيرة تابعة لفعلية غرض المكلف بصرف ارادته نحو الطاعة والامتثال فان تعلق غرضه الفعلي بذلك يتحقق قهرا بمقتضى الجبلة تلك الحالة الباعثة للجري العملي نحو المقصود ، والا فلا ( وعلى كل حال ) فبعد ان

ص: 7

عرفت الجهة الكاشفية والطريقية الذاتية للقطع وسببيته التامة لحكم العقل التنجيزي بلزوم المتابعة وحسن الطاعة في المرحلة الأولى ولتحقق الحركة نحو المقصود في ظرف تعلق الغرض الفعلي بتحصيله في المرحلة الأخيرة ( نقول ) انه من المستحيل حينئذ قابلية مثله لتعلق الردع به ( لان الردع ) عنه اما ان يرجع إلى سلب طريقيته تكوينا واما ان يرجع إلى المنع عن متابعته والعمل على وفقه تشريعا ( والأول ) واضح الاستحالة لبداهة امتناع سلب ما هو ذاتي الشيء عن الشيء أو اثباته له ، بل ولا يظن أيضا توهمه من أحد ( واما الثاني ) فعدم امكانه أيضا بالنسبة إلى المرحلة الأخيرة واضح لما عرفت من أن في ظرف انكشاف الواقع وتعلق الغرض الفعلي بتحصيل المقصود تكون الحركة على وفق المقصود قهرية بحيث لا يمكن الردع عنها الا بسلب جهة كشفه ، واما بالنسبة إلى المرحلة الأولى أعني حكم العقل بتحسين صرف الإرادة نحو الطاعة ، فعدم امكانه انما هو من جهة منافاته لحكم العقل التنجيزي بوجوب المتابعة وحسن الطاعة ، لان مرجع ردعه حينئذ إلى ترخيصه في معصيته وترك طاعته ومثله كما ترى مما يأبى عنه الوجدان ولا يكاد يصدقه بعد تصديقه بالخلاف لكونه من التناقض في نظر القاطع وان لم يكن كذلك بحسب الواقع ( ولا يقاس ) المقام بالنهي عن الظن القياسي عند الانسداد على الحكومة ، فإنه لو قيل بصحة النهي المزبور حينئذ ، فإنما هو من جهة دعوى تعليقية حكم العقل هناك بعدم ورود منع شرعي على الخلاف الناشئ ذلك من جهة قصور الظن ونقصه في الكاشفية ، إذ حينئذ بنهي الشارع عن القياس لا يبقى حكم للعقل بلزوم الاخذ بالظن كي يتحقق بينهما التنافي والتضاد ، وهذا بخلاف المقام المفروض فيه تنجيزية حكم العقل بحسن الطاعة وقبح المخالفة حيث إن في مثله يتحقق بينهما التنافي والتضاد فيأبى العقل حينئذ عن امكان مجيء الردع عن قطعه لما يرى من كونه ترخيصا في معصيته وترك طاعته ، كما أنه على التنجيزية هناك أيضا نلتزم بعدم امكان الردع عن الظن القياسي ( نعم لو قيل ) في المقام أيضا بتعليقية حكم العقل بوجوب المتابعة كما قيل به في العلم الاجمالي ، كان لدعوى صحة الردع عن متابعة القطع مجال واسع ( ولكن ) عهدة اثباتها على مدعيها ( ولكن ) على هذا المبني لا مجال للمنع عن صحة الردع بما أفيد من برهان المناقضة ومحذور التسلسل الناشئ من جهة ذاتية الطريقية للعلم ( إذ نقول ) ان المقصود من

ص: 8

برهان المناقضة ان كان مناقضة ترخيصه مع الحكم الشرعي المحفوظ في الرتبة السابقة على القطع ( ففيه ) انه لا مناقضة ولا تضاد بينهما بعد كون مرجع ردعه إلى الترخيص في الرتبة اللاحقة عن القطع ، كيف وانه بذلك يختلف الرتبة بين الحكمين فيرتفع المناقضة والتضاد من البين ( وان كان ) المقصود مناقضته مع الحكم العقلي في الرتبة المتأخرة عن القطع ( ففيه ) انه مبني على ثبوت تنجيزية حكم العقل بوجوب المتابعة لأنه من مبادي المناقضة المزبورة والا فعلى فرض تعليقيته لا يكاد يبقى مع الردع عنه حكم للعقل بوجوب المتابعة كي ينتهى الامر بينهما إلى مقام المضادة والمناقضة ( واما ) محذور التسلسل ، فهو أيضا مما ينقطع بانقطاع الردع لما هو المفروض من حكم العقل بدونه بلزوم المتابعة ( وحينئذ ) فالعمدة في المنع عن امكان مجيء الردع هو اثبات تنجيزية حكم العقل ويكفي في اثباته ما ذكرناه من الوجدان وابائه بحسب الارتكاز عن امكان مجيء ردع عن العمل بقطعه لكونه ترخيصا من الشارع في المعصية وترك الطاعة.

( ايقاظ ) لا يخفى ان الآثار المترتبة على القطع من نحو وجوب الطاعة عقلا أو الجري عملا انما كانت آثارا لنفس القطع بحيث كان القطع بما هو طريق إلى الواقع تمام الموضوع للآثار المزبورة ( لا انها ) من آثار المقطوع والمرئي بوجوده الواقعي كما توهم ، كيف وفى ملاحظة موارد الجهل المركب شهادة على خلافه كما في القاطع بالتكليف بالقطع المخالف للواقع حيث إنه بمجرد قطعه يترتب عليه حكم العقل بلزوم الامتثال وحسن الإطاعة ولذا لم يشك أحد في حسن الانقياد وكالعطشان القاطع بكون السراب ماء والجبان القاطع بكون الشبح أسدا ( حيث ) يرى بالوجدان انقداح تلك الحالة الباعثة للتوجه نحو السراب والفرار عن الشبح ، مع أنه لا واقع لمقطوعه في الخارج ، وبالعكس في القاطع بكون الخمر ماء والماء سرابا والأسد شبحا ، حيث لا حكم للعقل في الأول بوجوب الاجتناب ولا ينقدح في النفس تلك الحالة الباعثة للتوجه نحو الماء ( فإنه ) يكشف ذلك كله عن ما ذكرناه من كون تلك الآثار من اثار العلم والكاشف ومن لوازم المرئي بوجوده الزعمي الملحوظ كونه في لحاظه مرآة للخارج بنحو لا يلتفت بهذا اللحاظ إلى ذهنيته لا من آثاره بوجوده الواقعي ( ولعل ) منشأ التوهم المزبور أيضا هو ما يقتضيه العلم وغيره من الصفات من التعلق أولاً وبالذات بالصور الذهنية الملحوظ كونها مرآة للخارج بنحو لا يلتفت إلى ذهنيتها الا

ص: 9

بلحاظ اخر ثانوي ، فان هذه الجهة من المرأتية للخارج صار منشأ لتخيل كون تلك الآثار آثارا للمرئي بوجوده الخارجي الذي هو المعلوم بالعرض ، مع كونها بحسب الدقة والحقيقة بالنظر الثانوي من اثار المرئي بوجوده الذهني ومن لوازم نفس العلم من حيث منوريته وكاشفيته ( ثم إن ذلك ) بالنسبة إلى الأعمال المترتبة على القطع ، واما الآثار الشرعية كحرمة الشرب مثلا في الخمر فلا ريب في كونها مترتبة على نفس عناوين موضوعاتها بوجودها ، الواقعي بلا مدخلية فيها للقطع أصلا.

الجهة الثانية

لا ريب في أن مرجع القطع بكل شيء انما هو إلى تعلقه بالنسبة بين الشيء ووجوده أو وصفه العنواني كخمرية الموجود أو بالنسبة بين المعنون بالوصف العنواني والمحمول المترتب عليه ، وبهذه الجهة قيل إن القطع بكل قضية هو عين اثبات النسبة فيها على معنى الحكم بالثبوت المساوق للتصديق بثبوتها الذي هو أحد اجزاء القضية على القول بالتربيع في اجزائها ، وبذلك يكون القطع بكل شيء من شؤون النسبة بين المنتسبين وفى رتبة متأخرة عنها ، ولازمه هو امتناع اخذ عنوانه في أحد طرفيها من الموضوع أو المحمول بلحاظ تأخر رتبته عن النسبة المتأخرة عنهما ( وبذلك ) لابد من تجريد كل من المنتسبين من مثل هذا الشأن بحيث لو تشكل القضية يقال هذا موجود أو خمر أو حرام من دون اخذ عنوانه جزءا للموضوع أو المحمول بان يقال هذا مقطوع الخمرية أو مقطوع الحرمة ونحو ذلك ، كيف وان عنوان الموضوع امر واقعي يدور مدار واقعه وكذا المحمول المترتب عليه يدور ترتبه مدار واقع عنوان الموضوع من غير أن يكون لعنوان القطع به دخل في ترتبه على موضوعه ( ومن هذه الجهة ) نقول أيضا بعدم صحة اطلاق الحجة بمعناها المصطلح على القطع على نحو اطلاقها على غيره وان صح اطلاقها عليه بمعنى آخر وهو القاطعية للعذر ، فان الحجة بالمعنى المصطلح في فن الميزان عبارة عن الوسط الذي به يحتج لثبوت الأكبر للأصغر لما بينه وبين الأكبر الذي أريد اثباته للأصغر من نحو علقة وربط ثبوتي بنحو العلية أو المعلولية أو التلازم كما في التغير في قولك العالم متغير وكل متغير حادث « ومن المعلوم » بداهة عدم تصور ذلك بالنسبة إلى القطع الطريقي الذي شانه مجرد التصديق بثبوت النسبة بين المنتسبين ،

ص: 10

إذ لا يكاد يطلق عليه الحجة بالمعنى المزبور ولا يصح اخذ عنوانه في أحد المنتسبين من الموضوع أو المحمول في مقام تأليف القياس بمثل ان هذا مقطوع الخمرية وكل مقطوع الخمرية خمر أو حرام لما عرفت ان عنوان الموضوع امر واقعي يدور مدار واقعه وان ترتب الحرمة انما كان على نفس عنوان موضوعه وهو الخمر من دون ان يكون للقطع دخل في ترتبه عليه بل ولا له علاقة ثبوتية أيضا مع الأكبر ولو بنحو التلازم كما هو واضح ( ومن التأمل ) فيما ذكرنا ظهر لك عدم صحة اطلاق الحجة في باب الأدلة عليه أيضا ، لان الحجة في باب الأدلة عبارة عن الطرق والامارات الواقعة وسطا لاثبات احكام متعلقاتها بحسب الجعل الشرعي ومثله لا يكاد يصدق على القطع ، فإنه من جهة ذاتية طريقيته وتماميته كشفه يكون بنفسه عين اثبات الشيء لا واسطة له فمجرد تعلقه بالنسبة بين الشيء ووجوده أو وصفه العنواني كخمرية الموجود بعد احراز أصل الكبرى من الأدلة الخارجية وهو وجوب الاجتناب عن الخمر يقطع بالنتيجة بحيث يقال في مقام تأليف القياس هذا خمر وكل خمر يجب الاجتناب عنه ، بلا احتياج إلى اخذ عنوانه وسطا في القياس المؤلف ولا إلى توسيط جعل شرعي في البين في مثبتيته ( وهذا ) بخلاف الظن فإنه وان كان كالعلم في كونه من شؤون النسبة ، الا انه من جهة نقصه في الكاشفية لاحتمال الخلاف وجدانا لم يكن للعقل حكم في مورده ، بل يحتاج الحكم الجزمي بكون المظنون خمرا أو واجب الاجتناب إلى عناية اثبات من الشارع تتميم جهة كشفه وجعله بهذه العناية من مصاديق العلم والاحراز ، وبهذا الاعتبار يقع وسطا في القياس لاثبات حكم متعلقه فيقال هذا مظنون الخمرية وكل مظنون الخمرية خمر أو يحرم شربه.

( ثم اعلم ) ان مفاد دليل اعتبار الظن ( تارة ) يكون تتميم الكشف بعناية اعتبار كونه من العلم والاحراز ، وذلك اما بنحو يكون المجعول البدوي هو الطريقية والكاشفية ، واما بنحو يكون المجعول البدوي هو التكليف أعني وجوب المعاملة مع الظن معاملة العلم بحيث يكون عناية اعتبار الظن من مصاديق العلم والاحراز من توابع ذلك الحكم التكليفي المجعول بعكس الأول ( وأخرى ) يكون مفاده مجرد تنزيل المؤدي بادعاء كونه هو الواقع بلا نظر في هذا التنزيل إلى تتميم جهة كشفه ( وثالثة ) يكون مفاده مجرد جعل الحجية للظن ( وعلى التقادير ) قد يمنع عن وقوع الظن وسطا

ص: 11

حقيقة لاثبات حكم المتعلق في القياس المؤلف من مثل هذا مظنون الخمرية وكل مظنون الخمرية كذا ، وليس هو الا صورة قياس أشبه بالمغالطة ( واما على الأول ) فواضح لان نتيجة جعل الطريقية واعمال عناية الاثبات الحقيقي للظن انما هو وقوعه في القياس وسطا لاثبات العلم التعبدي بالواقع بحيث يقال هذا مظنون الخمرية وكل مظنون الخمرية معلوم الخمرية بالعلم التعبدي ، لا لاثبات حكم المتعلق ، نعم لازم عناية الشارع واعتباره للاثبات هو ترتيب اثار الواقع على الموضوع الذي تعلق به الظن ، ولكن ذلك من نتائج الاثبات والتصديق بثبوت النسبة فلا يرتبط بمقام وسطية الظن لاثبات حكم المتعلق ( واما على الثاني ) وهو كون جعل الاحراز بلحاظ الحكم التكليفي المجعول في البين فلازمه وان كان صحة تأليف القياس ، تارة من حيث جعل الاحراز المنتج لكون الظن بالشيء علما به ، وأخرى من حيث الحكم التكليفي المنتج لوقوع الظن وسطا في القياس لثبوت حكم المتعلق ، الا ان وسطيته حينئذ كانت بالعناية لا بالدقة والحقيقة لضرورة عدم وقوعه وسطا حينئذ لثبوت حكم المتعلق وانما هو لما يماثله كيف والمحمول الواقعي انما كان ترتبه على الموضوع الواقعي لا على ما أدى إليه الظن الا على القول بالتصويب ( وعلى الثالث ) أيضا كذلك فإنه وان وقع الظن وسطا في القياس بقوله هذا مظنون الخمرية وكل مظنون الخمرية يحرم شربه ، ولكنه لا بالنسبة إلى حكم المتعلق بل لما يماثله ، فعلى كل تقدير لا يكون الظن وسطا في القياس بالنسبة إلى حكم المتعلق ولا يصح تأليف القياس الحقيقي منه وانما هو صورة قياس ( أقول ) ولا يخفى ان روح الحكم وحقيقته الذي هو موضوع حكم العقل بحسن الإطاعة وقبح العصيان وباستحقاق الثواب والعقاب بعد أن كان عبارة عن الإرادة المبرزة بالخطاب بهذا العنوان التوليدي ، وكان انتزاع عنوان الوجوب والحرمة ونحوهما من مقام مبرزية الإرادة الجدية بالخطاب لا من نفسها بعنوانها الأولى ( فلا شبهة ) في أن مثل هذه الحقيقة لها مادة عبارة عن نفس الإرادة الجدية التي هي لب الحكم وصورة هي بروز هذه الإرادة بالخطاب ووصوله إلى المكلف ، ومن المعلوم ان هذا البروز كما يكون بالخطاب الواقعي ، كذلك قد يكون هذا البروز بالخطاب الثانوي الظاهري المتوجه إلى المكلف في ظرف جهله بالخطاب الواقعي ( إذ كما ) ان شأن الخطابات الواقعية بأي لسان كانت هي المبرزية عن الإرادة الواقعية الجدية ( كذلك )

ص: 12

الخطابات الظاهرية المتعلقة بعنوان الظن أو الشك فشأنها أيضا بأي لسان عبر عنها لا يكون الا المبرزية للإرادة الواقعية التي تتضمنها الخطابات الأولية كما سنحققه انشاء اللّه تعالى بلا ان يكون تحتها إرادة أخرى مستقلة غير الإرادة التي هي مضمون الخطابات الأولية ( وبذلك ) نقول أيضا برجوع جميع الخطابات الثانوية الظاهرية في موارد الامارات والأصول باي لسان تكون إلى كونها أحكاما طريقية راجعة في صورة المصادفة إلى كونها عين الحكم الواقعي وفي صورة عدم المصادفة إلى كونها أحكاما صورية وانشاءات محضة خالية عن الإرادة الجدية ( وحينئذ نقول ) ان الإرادة المبرزة بالخطاب الظاهري المتعلق بعنوان الظن أو الشك بعد أن كانت بمادتها واقعية وبصورتها من توابع الظن بالواقع ( صح ) بهذه الملاحظة وقوع الظن وسطا في القياس بالنسبة إلى حكم متعلقه ، حيث إنها من جهة بروزها بالخطاب الثانوي المتعلق بعنوان الظن يكون الظن نظير التغير واسطة في الثبوت وبذلك يكون القياس المؤلف منطقيا ، ومن حيث نفس المبرز بالفتح الذي هو عين الإرادة الواقعية القائمة بنفس المتعلق كان الظن واسطة في الاثبات بلحاظ صحة إضافة الحكم بروحه حينئذ إلى المتعلق ويكون القياس المؤلف حقيقيا بلا لزوم مغالطة فيه ( نعم ) المغالطة في القياس انما يلزم على القول بكون المبرز في الخطابات الظاهرية إرادة أخرى في قبال الإرادة الواقعية ، ولكن مثل هذا المعنى أجنبي عن الاحكام الطريقية كما هو ظاهر ( وبما ) ذكرنا أيضا يمكن الجمع بين كلامي الشيخ قدس سره في المقام من تنظيره الظن أولاً بالتغير الذي يكون القياس فيه منطقيا وتفرقته أخيرا بين الظن والقطع الموضوعي ( بجعل ) التنظير بالتغير بلحاظ نفس الجعل وإلا نشأ الظاهري المبرز عن الإرادة الواقعية ، وتفرقته بين الظن والقطع الموضوعي بلحاظ كون المثبت في القطع الموضوعي هو الحكم المجعول المستقل المغاير لحكم المتعلق بخلافه في الظن فإنه من جهة مبرزية الخطاب الظاهري عن نفس الإرادة الواقعية القائمة بالمتعلق يكون المثبت فيه عبارة عن نفس حكم المتعلق لا حكم آخر غيره ( وعلى كل حال فما ذكرناه ) من امتناع اخذ عنوان القطع في الموضوع انما هو بالنسبة إلى حكم متعلقه ، واما بالنسبة إلى حكم آخر فلا باس بأخذه في الموضوع كما سنذكره وعليه أيضا يصح اطلاق الحجة عليه ويتألف منه القياس المنطقي من غير فرق بين كونه تمام الموضوع أو جزئه أو قيده ، غاية الامر يكون على الأول

ص: 13

تمام الوسط وعلى الثاني جزئه ( نعم ) لابد ان يكون الحكم الذي اخذ القطع في موضوعه ملائما مع حكم المتعلق بحيث أمكن اجتماعهما ، والا ففي فرض مضادته فلا يجوز ولو بنحو تمام الموضوع فلا يمكن جعل القطع بالخمر الذي حكمه حرمة شربه موضوعا لوجوب شربه ، من جهة منافاته مع الحكم العقلي التنجيزي بوجوب الاجتناب عنه ( كما أنه ) لا يجوز ذلك في فرض المماثلة أيضا ، فإنه وان لم يلزم منه المحذور المتقدم ، الا انه يلزمه محذور اللغوية حيث إنه بعد حكم العقل بوجوب الاجتناب في المرتبة المتأخرة عن القطع وعدم قابلية الحكمين للتأكد لمكان طوليتهما يكون حكم الشارع في تلك الرتبة بوجوب الاجتناب لغوا محضا لعدم انتهائه بوجه إلى الداعوية والمحركية كما هو ظاهر.

الجهة الثالثة

في اقسام القطع ، اعلم أن القطع اما ان يتعلق بموضوع خارجي أو بحكم شرعي ، وعلى الأول فاما ان يكون ذلك الموضوع ذا حكم شرعي في نفسه ، أولاً بل كان لتعلق القطع به دخل في ترتب الحكم الشرعي عليه ( فعلى الأول ) لا اشكال كما عرفت في أن القطع بالنسبة إلى ذلك الموضوع وكذا بالنسبة إلى الحكم الشرعي المترتب عليه طريق محض فلا يعقل ان يكون له دخل في عنوان ذلك الموضوع ولا في الحكم الشرعي المترتب عليه ( واما على الثاني ) فبالنسبة إلى نفس عنوان الموضوع الخارجي وان كان طريقا محضا أيضا ، الا انه لا باس بأخذ عنوان القطع به موضوعا لثبوت حكم شرعي ( وهذا ) يتصور على وجوه حيث إن دخل عنوان القطع في ثبوت الحكم الشرعي ، قد يكون بنحو تمام الموضوع بحيث يدور الحكم الشرعي مدار عنوانه وجودا وعدما صادف الواقع أم خالف ، وقد يكون بنحو جزء الموضوع أو قيده بحيث كان للواقع أيضا دخل في ثبوت الحكم الشرعي ، وعلى التقديرين ، تارة يكون دخله من جهة كونه نورا في نفسه وصفة خاصة قبال سائر الصفات ، وأخرى من جهة طريقيته ومنوريته للغير ، وعلى الأخير أيضا ، تارة يكون دخله في الموضوع لخصوصية في كشفه ، وأخرى بما انه من أحد افراد الطرق بان كان الملحوظ هو مطلق الطريق وكان تخصيص القطع بالذكر لمكان انه أجلى الطريق وأتم افراد الحجة ( فهذه ) اقسام

ص: 14

أربعة بل خمسة للقطع المأخوذ في الموضوع ولا اشكال أيضا في امكان الأقسام المذكورة في نفسها ( نعم ) يظهر من بعض الأعاظم الاشكال في أصل امكان اخذه تمام الموضوع على وجه الطريقية والكاشفية مع تسليمه جواز اخذه جزء الموضوع ( بتقريب ) ان اخذه تمام الموضوع يستدعى عدم لحاظ الواقع وذي الصورة واخذه على نحو الكاشفية والطريقية يستدعي لحاظ الواقع وذي الطريق الملازم لعدم الالتفات في لحاظه إلى نفس العلم والكاشف وبذلك يكون لحاظه طريقا منافيا مع لحاظه تمام الموضوع ( أقول ) لا يخفى ان العلم وغيره من الصفات الوجدانية القائمة بالنفس وان كانت متعلقة بالصور الحاكية عن الخارج بنحو لا يلتفت إلى ذهنيتها في ظرف وجودها ، ولكن مع ذلك أمكن التنبه والالتفات التفصيلي للقاطع ولو بالنظر الثانوي إلى نفس العلم من حيث كشفه وتعلقه بالخارج وان الخارج غيره ومتعلقه وانه المنكشف لا الكاشف ، خصوصا بالنسبة إلى الجاعل الذي هو غير القاطع حيث أمكن له ولو بالنظر الأولى تفكيك العلم عن متعلقه ولحاظ مفهومه من حيث عروضه على الصور الحاكية عن الخارج قبال قيامه بنفس القاطع بما هو صفة من الصفات وجعله بهذا اللحاظ تمام الموضوع للحكم ولا نعنى من تصور جهة كاشفية العلم الا هذا ، كيف ولو كان لحاظه من حيث الكاشفية موجبا للغفلة عن نفسه ، لامتنع جعله بهذا اللحاظ جزء الموضوع أيضا ، إذ لا فرق بينهما في الامكان والاستحالة بعد احتياج الموضوع على كل تقدير إلى لحاظه بنفسه باجزائه وقيوده ( واما الثالث ) وهو القطع بالحكم الشرعي فلا باس بأخذ عنوانه موضوعا لحكم آخر غير ما تعلق به ويأتي فيه الأقسام الأربعة من كونه تمام الموضوع أو جزئه وكونه على نحو الصفتية أو الطريقتية.

( واما ) اخذه في نفس ذلك الحكم الذي تعلق القطع به فهو مما لا يمكن لما عرفت من استحالة تقييد الحكم أو موضوعه بنفس العلم بحكمه لاستلزامه تقدم الشيء على نفسه كاستحالة اطلاقه أيضا على نحو يشمل مرتبة العلم أو الجهل به ( نعم ) يمكن تصويره على نحو نتيجة التقيد الراجع إلى جعل الحكم لحصة من الذات في المرتبة السابقة التوأمة مع العلم بحكمه في المرتبة المتأخرة لا مقيدا به على نحو كان عنوان التوئمية مع العلم المزبور معرفا محضا لما هو الموضوع وكان الموضوع هو الحصة الخاصة بلا تعنونه بعنوان التوئمية أيضا فضلا عن عنوان العلم بحكمه ونحوه من العناوين المتأخرة ، كما هو الشأن أيضا في كل معروض بالنسبة إلى عارضه الملحوظ

ص: 15

في المرتبة المتأخرة ، وكما في ملازمة كل علة لمعلولها من دون اقتضاء التلازم والتوئمية لاتحاد الرتبة بينهما أصلا ، إذ على هذا البيان أمكن تصوير تضيق دائرة الموضوع على نحو يساوق التقييد بحسب النتيجة وهذا المقدار لا يحتاج في تصحيحه إلى متمم الجعل كما أفيد ، بل يكفيه نفس الجعل الأولى ، غاية الامر يحتاج في مقام الاثبات إلى قيام قرينة في البين يقتضي كون معروض الحكم ثبوتا في مقام الجعل والتشريع عبارة عن الحصة الخاصة الملازمة مع العناوين المتأخرة لا الذات المطلقة ( نعم الاحتياج ) إلى متمم الجعل انما يكون في فرض قيام المصلحة من الأول بالمقيد بالعناوين المتأخرة بما هو مقيد نظير قصد القربة بناء على دخله في المأمور به شرعا ، فإنه يعد عدم امكان اخذه في متعلق الامر ولو لقصور في الامر مع قيام المصلحة بالمقيد بما هو مقيد يحتاج الآمر في الوصول إلى غرضه إلى تعدد الجعل بتعلق الجعل الأولى بنفس الذات في المرتبة السابقة والجعل الاخر باتيانها بداعي الامر ( لا في مثل المقام ) المفروض خروج تلك العناوين المتأخرة طرا عن موضوع الحكم والمصلحة ، إذ مجرد عدم سعة الغرض ثبوتا عن الشمول لغير صورة العلم بالحكم لا يقتضى دخله في الغرض وفي موضوع المصلحة كما أن مجرد استحالة الاهمال في الواقع ثبوتا وامتناع التقييد بالعلم لا يقتضى المصير إلى التقييد بنحو متمم الجعل بعد امكان تصويره بنحو آخر يتكفله نفس الجعل الأولى بتعلقه بحصة من الذات في الرتبة السابقة الملازمة مع العلم بحكمها في الرتبة اللاحقة ، نعم غاية ما يكون احتياجه في مقام الاثبات إلى القرنية عليه ولكن ذلك أيضا غير مرتبط بمسألة متمم الجعل هذا كله في فرض العلم بالجعل في الرتبة المتأخرة وأما إذا لوحظ العلم بانشائه الملازم مع العلم بحقيقة الحكم فأمكن تقييد موضوع الحكم المنشأ بهذا الانشاء بالعلم بانشائه المحفوظة في الرتبة السابقة الملازمة مع العلم بنفسه في الرتبة اللاحقة أيضا بلا ورود محذور في البين ( ثم إن ) من هذا البيان يظهر امكان تصوير توسعة الحكم وكذا اطلاق موضوعه أيضا ، بفرض جعل الحكم لذات الموضوع المحفوظ في الرتبة السابقة عن العلم به الموسع في مرتبة ذاته من جهة الشمول لحالتي وجود العلم وعدمه بان يلاحظ الحالتين في مقام الجعل والتشريع بنحو كونهما من لوازم الذات في الرتبة المتأخرة قبال الحصة الخاصة المقارنة لوجود العلم لا ملحوظا في نفس الموضوع ، ومن المعلوم انه يكفي في هذا الاطلاق مجرد عدم لحاظ الإناطة والتقييد ولو من جهة استحالتهما ، إذ بمجرد عدم لحاظه في مرحلة الجعل والتشريع يكون له

ص: 16

سعة الانطباق بحكم العقل لحالتي وجود القيد وعدمه بلا اختصاص له بصورة امكان التقييد « ومن هذه الجهة » نقول ان جعل التقابل بين الاطلاق والتقييد مطلقا من باب تقابل التضاد أو العدم والملكة منظور فيه ، لان ما به قوام هذا الاطلاق هو عدم لحاظ التقييد ولو من جهة استحالته فيكون التقابل بينهما من باب الايجاب والسلب محضا ، قبال الاطلاق والتقييد اللحاظي الراجع فيه التقابل إلى تقابل التضاد أو العدم والملكة « نعم » مثل هذا الاطلاق يختص بصورة قابلية الحكم بذاته للسعة لحالتي فقدان القيد ووجد انه ، والا ففي صورة عدم قابليته بذاته للسعة بالنسبة إلى فقدان القيد فلا يتصور فيها الاطلاق كما في قيد التقرب بالنسبة إلى موضوع الحكم حيث إنه من جهة ضيق الحكم يطرء قهرا ضيق في موضوعه أيضا بنحو لا يتصور له اطلاق يشمل حال فقده « ولكن » ذلك لا يجرى في باب العلم ، إذ في مثله وان لم يمكن اخذه قيدا الا ان لسعة الحكم ذاتا لحال فقده كمال مجال ، ولقد عرفت كفاية مجرد عدم لحاظ الإناطة أو التقييد ثبوتا في سعة انطباقه بحكم العقل لحالتي وجود العلم وعدمه من غير احتياج أيضا في هذا المقدار إلى متمم الجعل بانشاء آخر ، نعم في مقام الاثبات يحتاج إلى قيام القرينة عليه من قاعدة اشتراك ونحوها هذا « ويمكن » أيضا تصوير الاطلاق بوجه آخر وهو لحاظ اطلاقه في المرتبة السابقة بالنسبة إلى الأزمنة التي هي في الواقع اما زمان العلم بالحكم أو الجهل به حيث إنه بمثله يثبت الحكم في كلتي حالتي وجود العلم وعدمه بلا ورود محذور في البين ولا احتياج إلى متمم الجعل أيضا غير أنه يحتاج في مقام للاثبات إلى القرينة عليه من قاعدة اشتراك ونحوها « نعم » مثل هذا التصوير لا يجرى في التقييد بزمان العلم لاحتياجه إلى لحاظ إضافة الزمان إلى العلم الذي هو في الرتبة المتأخرة الراجع بالآخرة إلى التقييد بالعلم ولحاظه في الرتبة السابقة ولو بتوسيط الزمان فتأمل « ثم انه » قد يعد مسألة الجهر والاخفات وكذا القصر والاتمام مثالا لشرطية العلم لثبوت الحكم واقعا بنحو نتيجة التقييد ، ولكنه لا يخلو عن نظر ، من جهة قوة احتمال ان عدم الإعادة في المثالين عند الجهل من باب جعل البدل المفوت لبقية المصلحة كما ربما يشهد له ما ينسب إلى ظاهر الأصحاب كما في مصباح الفقيه وغيره من الحكم باستحقاق الجاهل المقصر للعقوبة في الفرعين

ص: 17

المزبورين والا فبناء على التقييد بالعلم ولو بنحو متمم الجعل لا يبقى مجال لاستحقاق العقوبة لعدم تصور تقصير حينئذ في حق الجاهل فتدبر.

الجهة الرابعة

في قيام الطرق والامارات والأصول مقام القطع باقسامه ، وتنقيح المرام فيها يستدعى اشباع الكلام في مقامين « الأول » في قيام الامارات والأصول مقام القطع الطريقي « الثاني » في قيامهما مقام القطع الموضوعي « فنقول » اما المقام الأول فلا اشكال في قيام الطرق والامارات والأصول المحرزة وغيرها مقام القطع الطريقي ، كما لا ينبغي الاشكال أيضا في أن قيامهما مقام العلم انما كان من جهة وجوب الاتباع والجري العملي الذي هو من الجهات المترتبة على القطع ، وانه تشرك الامارات في هذه الجهة مع الأصول بلا اقتضاء حيثية تتميم الكشف فيها تفاوتا بينهما في جهة قيامهما مقام القطع ، « إذ على » ما هو التحقيق فيها من كونها أحكاما طريقية ناشئة عن مصلحة الواقع ومبرزة عن نفس الإرادة الواقعية التي تضمنتها الخطابات الواقعية لا عن إرادة أخرى « يكون » مأل الجميع إلى امر واحد ، وهو الامر بالبناء والجري العملي بابراز الإرادة الواقعية في ظرف الجهل بها بهذه الانشاءات المتأخرة على اختلاف ألسنتها ، من كونها بنحو تتميم الكشف أو تنزيل المؤدي ، أو الامر بالبناء والجري العملي أو غير ذلك « حيث إنه » بذلك يكون جميع هذه الانشاءات المتأخرة حتى مثل ايجاب الاحتياط الذي لا عناية فيه بوجه أصلا مبرزة عن الإرادة الواقعية وموجبة لتنجيزها بعين مبرزية الخطابات الأولية عنها ، الا ان الفرق بينهما بأوسعية دائرة هذه الانشاءات عن لب الإرادة لأنه قد لا تكون في مورد انشائها إرادة في الواقع « بخلاف » الخطابات الأولية فان دائرة انشائها دائما تكون بمقدار الإرادة لا أوسع منها « ومن هذه الجهة » قلنا بان الخطابات الظاهرية طرافي فرض عدم المصادفة للواقع انشاءات صورية خالية عن الإرادة ، وفي فرض المصادفة ووجود الحكم في الواقع احكام حقيقية وانها من حيث المبرزية التي بها حكمية الحكم وقوامه ظاهرية وفي طول الواقع ، ومن حيث المبرز بالفتح أعني الإرادة التي هي حقيقة الحكم وروحه عين الحكم الواقعي

ص: 18

« وبهذا الوجه أيضا » صححنا اطلاق الوسطية في الثبوت والاثبات على الظن بلا لزوم مغالطة في القياس فراجع كما أنه بهذه الجهة من المبرزية ولو في ظرف وجود لب الحكم تكون هذه الخطابات موجبة لتنجيز الواقع المنوط تنجزه بوصوله إلى المكلف بلا احتياج في منجزيتها للواقع إلى عناية أخرى في البين من نحو اثبات الاحراز وتتميم الكشف وغيره ، ولذا نجري حتى في مثل ايجاب الاحتياط الذي لا عناية فيه بوجه أصلا ، حيث كان موجبا لتنجيز الواقع في مورده ولاستحقاق العقوبة في ترك الاحتياط على مخالفته لا على مخالفة نفسه ، ولا يضر الجهل بالفرض المزبور بعد كون الحكم على تقدير وجوده مقرونا بالبيان الواصل ، لأنه بمثله يرتفع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان بلحاظ ان موضوعه هو عدم البيان على تقدير وجود الحكم لا عدم البيان بقول مطلق وسيجئ لذلك مزيد بيان في محله انشاء اللّه تعالى ( وبالتأمل فيما ذكرناه ) ينقدح ما في كلام بعض الأعاظم قده من التفصيل بين الامارات والأصول في جهة قيامهما مقام القطع ، بدعوى ان المجعول في الطرق والامارات حيث كان هي المحرزية والكاشفية كان موجبا لتخصيص جهة قيامها مقام العلم بالجهة الثانية من العلم أعني الطريقية والكاشفية التي كان العلم واجدا لها بذاته ، لأنه بنفس تتميم الكشف يتحقق مصداق الاحراز والعلم بالواقع وبتحققه يترتب عليه تنجيز الواقع فيترتب عليه بحكم العقل جهة البناء والجري العملي بخلاف الأصول المحرزة فان المجعول فيها عبارة عن الجهة الثالثة من العلم وهو الجري والبناء العملي على ثبوت الواقع ، ولا يمكن ان يكون المجعول فيها هي الكاشفية كالأمارات ، لان ذلك انما يكون فيما فيه جهة كشف عن الواقع ولو ناقصا ولا كشف للشك الذي اخذ موضوعا في الأصول ( إذ نقول ) ان المراد من مجعولية الاحراز والطريقية والكاشفية ، اما ان يكون احداث حقيقته التي هي منشأ انتزاع مفهومه بنحو يطبقه العقل على المورد بالوجدان ، واما ان يكون احداثه عناية وادعاء بادعاء ما ليس بمحرز حقيقة محرزا حقيقيا المستلزم لكون تطبيق عنوانه على المورد بنحو العناية والادعاء نظير جعل الحياة أو الممات لزيد بالجعل التشريعي ولا ثالث لهذين المعنيين « والأول » واضح الاستحالة لبداهة ان الجعل التشريعي انما يتعلق بالحقائق الجعلية التي يكون تشريعها عين تكوين حقيقتها في

ص: 19

الوعاء المناسب لها ويكون القصد والانشاء من قبيل الجزء الأخير من العلة في تحققها كالملكية والزوجية ونحوهما ، لا بالأمور التكوينية الخارجية ، وحقيقة الاحراز والكشف التام المساوق لعدم احتمال الخلاف لكونها من الأمور التكوينية والصفات الوجدانية غير قابلة للتحقق من قبل الجعل والانشاء بشهادة احتمال الخلاف بعد الجعل والتشريع أيضا ( واما الثاني ) فهو وان كان متينا جدا ، ولازمه صحة اطلاق العلم ومرادفاته على الظن بنحو الحقيقة بعد الادعاء المزبور على ما هو مذهب السكاكي ولا يكون مجازا في الكلمة ( ولكن نقول ) ان تطبيق عنوان المجعول على المورد بعد أن كان ادعائيا لا حقيقيا يحتاج في صحة الادعاء والتنزيل المزبور إلى لحاظ اثر مجعول في البين ولو في طرف المنزل يكون هو المصحح للتنزيل كما في غيره من التنزيلات الشرعية وغيرها ، والا فبدونه لا يكاد يصح التنزيل أصلا وحيث إن الأثر المصحح لمثل هذا التنزيل في المقام لا يكون الا امر الشارع بالمعاملة مع ما أدى إليه الظن معاملة الواقع لكونه هو الذي زمام امر وضعه ورفعه بيده ويصلح أيضا لتنجيز الواقع لا غيره من الآثار الأخرى ولا نفس عمل المكلفين لأنه من جهة عدم نشؤه من قبله غير صالح للمصححية لتنزيله ، فلا جرم يكون مرجع تشريع الاحراز المزبور إلى الامر بالمعاملة مع مؤدى الظن معاملة الواقع ( وبعد كفاية ) مثل هذا الامر الطريقي من جهة مبرزيته لتنجيز الواقع ، تشترك الامارات لا محالة مع الأصول في جهة المنجزية وقيامها مقام القطع من جهة البناء والجري العملي لرجوع الجميع بالآخرة إلى الامر بالمعاملة والجري العملي الراجع إلى ابراز الإرادة الواقعية بمثل هذه الانشاءات ، غاية الامر هو كون الامر بالمعاملة في الأصول مجعولا بدوا وفى الامارات مستكشفا من جعل الاحراز وتتميم الكشف بدوا أو امضاء ( والوصول ) المعتبر في تنجيز الاحكام انما هو بمعنى المبرز الجاري حتى في ايجاب الاحتياط لا بمعنى تتميم الكشف والا يلزمه عدم منجزية ما عدى الامارات الملحوظ فيها تتميم الكشف مع أنه كما ترى ( وتوهم ) كفاية هذا المقدار في الفرق بينهما في جهة القيام مقام العلم بدعوى ان التنجيز لا يكون الا بالوصول إلى الواقع واحرازه وجدانا أم جعلا ومن الواضح انه بنفس تتميم الكشف يتحقق مصداق الاحراز فيترتب عليه التنجيز قهرا ( مدفوع ) بان مجرد ادعاء كون الظن علما

ص: 20

وتنزيله منزلته بدون استكشاف الامر بالمعاملة معه معاملة العلم لا يكون ملزما عقليا بالعمل ، ومعه يكون تمام الملزم العقلي بالعمل هو الامر الطريقي المستكشف منه وهو الموجب أيضا لقيام الظن مقام العلم لا جهة تتميم كشفه كما هو الشأن أيضا لو قلنا في مفاد أدلة الامارات بكونه مجرد التعبد بكون المؤدي هو الواقع بلا تتميم كشف فيه « وما ربما يقال » في توجيه جعل الطريقية والمحرزية في الامارات من أن المقصود به امضاء الشارع لما عليه سيرة العقلاء في موارد الامارات من الاعتماد عليها بما انها كواشف تامة وكونها علوما عادية عندهم من جهة غفلتهم عن احتمال الخلاف وان التفتوا إليه بعد التأمل والتدبر ، لا ان المقصود من ذلك جعل الشارع الطريقية والكاشفية التامة للظن تأسيسا بحيث يتحقق بجعله مصداق المحرز التام ، كي يتوجه الاشكال المتقدم من أنه من المستحيل تعلق الجعل التشريعي بما هو من قبيل الأمور التكوينية ( فمدفوع ) بمنع كون اعتماد العقلاء على الطرق والامارات من باب حصول العلم العادي ، لما يرى منهم بالعيان والوجدان من الاعتماد عليها حتى مع الالتفات ، بل ومع الظن بالخلاف أيضا كما في الظنون النوعية كظواهر الألفاظ المصرح في كلماتهم بان حجيتها انما هي من باب الظن النوعي الذي لا ينافيه الظن الشخصي بالخلاف ، لا من جهة إفادة الظن الشخصي فضلا عن كونها من باب الاطمينان أو العلم العادي ، وحينئذ فلابد وأن يكون ذلك منهم من باب البناء والتنزيل بلحاظ بنائهم على العمل بها فيكون مرجع امضاء الشارع للتنزيل المزبور إلى ايجاب معاملة العلم معها فينتهى بالأجرة إلى الحكم التكليفي ( وعليه ) فلا يكاد ينتج مثل هذه العنايات تفاوتا بين الامارات والأصول في جهة قيامها مقام العلم ( نعم ) انما يثمر مثل هذه الألسنة في مقام تقديم الامارات على الأصول وتحكيم الأصول بعضها على بعض ، حيث إنه بناء على تتميم الكشف في الامارات يكون تقديمها على مثل الاستصحاب ودليل الحلية والطهارة بمناط الحكومة بلحاظ اقتضائها بالعناية المزبورة لحصول المعرفة التي هي الغاية فيها بخلاف مسلك جعل المؤدى ، إذ عليه لا مجال لتقديمها عليها بمناط الحكومة لعدم اقتضائها حينئذ لاثبات العلم بالواقع الحقيقي لا وجدانا ولا عناية ، وانما غايته اقتضائه للعلم الوجداني بالواقع التعبدي وبعد كون الغاية في الأصول هو العلم بالواقع الحقيقي يحتاج في

ص: 21

قيام هذا العلم مقام العلم بالواقع الحقيقي إلى دليل آخر ، والا فلا يفي به مجرد التعبد بكون المؤدى هو الواقع ، ومن اجل ذلك التزم صاحب هذا المسلك بتقديم الامارات على الأصول بمناط اخر غير الحكومة كما سنذكره ( ولكن ) مثل هذه الجهة غير مرتبطة بجهة قيامها مقام القطع كما هو واضح ( ثم انه ) بالتأمل فيما ذكرنا يظهر لك الحال في الأصول المحرزة أيضا كالاستصحاب وانه لا يفرق فيها في جهة قيامها مقام القطع بين رجوع التنزيل فيها إلى اليقين أو المتقين لرجوعه على كل تقدير إلى ايجاب المعاملة وترتيب آثار الواقع عملا ( واما الأصول ) الغير المحرزة كايجاب لاحتياط فهي أيضا باعتبار مبرزيتها للإرادة الواقعية في ظرف الشك تقوم مقام القطع ، غير أن قيامها مقامه في جهة التنجيز لا في ترتيب آثار الواقع لعدم تكفل مثلها لاثبات الواقع ، ولا لاثبات العلم به ولو عناية وادعاء ، كما أنه بما ذكرنا ظهر أيضا عدم استلزام القول بجعل المؤدى في الامارات للتصويب وشبهه كما توهم لان ذلك لو سلم لزومه فإنما هو في فرض حكاية الجعل والا نشأ الظاهري عن إرادة أخرى قبال الإرادة الواقعية ، والا فبناء على حكايته في ظرف الجهل عن الإرادة الواقعية كما شرحناه فلا يبقى مجال لهذا الاشكال على من يقول بجعل المؤدي « وظهر أيضا » وجه حكومة الامارات والأصول المحرزة على الاحكام الواقعية ، وانه من باب الحكومة الظاهرية بلحاظ اقتضاء الامارة أو الأصل المحرز بمعونة دليل الاعتبار لتوسعة الواقع وايصاله عناية في الظاهر وفي ظرف الشك بالتكليف الواقعي ، حيث إنه بهذه العناية تكون حكومتها ظاهرية ، لا واقعية موجبة للتوسعة الحقيقية في موضوع الحكم « وفي ذلك » لا يفرق بين كون نتيجة الجعل تتميم الكشف ، أو تنزيل المؤدى ، وان كان في الحكومة على عناية تتميم الكشف نحو خفاء باعتبار ان مقتضى العناية المزبورة انما هي التوسعة في العلم الموجبة لحكومتها على أدلة الأصول كالاستصحاب ودليلي الحلية والطهارة ، لا التعبد بثبوت الحكم الواقعي ، ولكنه يرتفع هذا الظلام بما ذكرناه سابقا من رجوعه لبا إلى جعل حكم ظاهري في البين « ثم إن » ذلك على ما اخترناه في الامارات والا فعلى ما أفاده بعض الأعاظم قده من مجعولية نفس الاحراز والطريقية فيها ، بلا استتباعه لحكم شرعي ظاهري ، ولا تصرف في

ص: 22

الواقع ولو بالعناية فلا مجال لحكومتها على الاحكام الواقعية لا بالحكومة الواقعية كما هو ظاهر ، ولا بالحكومة الظاهرية ، لان غاية ما يقتضيه الجعل المزبور انما هو التوسعة في طريق الحكم لا في نفسه ولو عناية وتنزيلا ، ومعه كيف تكون الامارات حاكمة على الاحكام الواقعية بالحكومة الظاهرية بل وان تأملت ترى عدم حكومتها على أدلة الأصول أيضا نظرا إلى أنه بنفس جعل الاحراز والكشف التام يتحقق مصداق المعرفة وجدانا وبذلك تكون الامارات واردة على أدلة الأصول لا حاكمة عليها.

« المقام الثاني » في قيام الامارات والأصول المحرزة مقام القطع الموضوعي « فنقول » قد عرفت ان اخذ القطع في الموضوع ، تارة يكون على نحو الصفتية وأخرى على نحو الطريقية ، وعلى التقديرين ، تارة يكون تمام الموضوع ، وأخرى جزئه وقيده ( فإن كان ) مأخوذا بنحو الصفتية فلا اشكال في أنه لا تقوم مقامه الامارات فضلا عن الأصول « لان » أدلة الامارات ولو على تتميم الكشف انما تكون ناظرة إلى كونها كالعلم في ترتيب اثاره من حيث طريقيته وكاشفيته لا من حيث نوريته وصفتيته ، حيث إن هذه الجهة تحتاج إلى قيام دليل عليها بالخصوص يقتضي تنزيل الظن منزلته من حيث كون نورا وصفة خاصة قبال سائر الصفات النفسانية « والا » فنفس أدلة حجيتها غير وافية باثبات التنزيل من هذه الجهة ، ولكن الذي يسهل الخطب انه لم يوجد في الفقه مورد يكون القطع فيه مأخوذا على نحو الصفتية والأمثلة التي يتوهم كونها في بادي النظر من هذا القبيل كلها بالتأمل في النصوص راجعة إلى دخله من حيث الطريقية والكاشفية ، كباب أداء الشهادة ، والحلف عن بت ، والركعتين الأوليين المعتبر فيهما الاحراز ونحو ذلك فتدبر فيها تجد صدق ما ادعيناه ( واما ان كان القطع ) مأخوذا على نحو الطريقية فتقوم مقامه الامارات على المختار فيها من تتميم الكشف ، واما على القول بتنزيل المؤدى فيها ، ففي قيامها مقام القطع الموضوعي اشكال إذ بعد عدم تكفل دليلها لتتميم كشفها واثبات كونها علما بالواقع ولو عناية وادعاء لا يبقى مجال لقيامها مقامه ( وبهذه الجهة ) أيضا منعنا حكومتها على أدلة الأصول بلحاظ عدم اقتضاء مجرد تنزيل المؤدى والتعبد بكونه هو الواقع لاثبات العلم بالواقع لا وجدانا

ص: 23

ولا تعبد أو تنزيلا ( نعم ) نتيجة ذلك انما هو العلم الوجداني بالواقع التعبدي ولكنه بعد تغاير العلمين يحتاج في قيامها مقام العلم الموضوعي إلى توسيط جعل آخر يقتضى تنزيل العلم بالواقع التعبدي منزلة العلم بالواقع الحقيقي ، والا فلا يفي به مجرد جعل المؤدى وتنزيله منزلة الواقع كما هو ظاهر ( وهذا بخلاف ) القول بتتميم الكشف حيث إنه وان لم يحصل بقيام الامارة العلم الوجداني بالواقع ، الا انه باقتضاء دليلها لتتميم كشفها تكون الامارة احرازا تعبديا للواقع فتقوم بهذا الاعتبار مقام العلم الموضوعي ومرجعه حينئذ إلى التوسعة الحقيقية في دائرة موضوع الحكم بجعله عبارة عما يعم العلم الوجداني والتعبدي بالواقع الحقيقي ( وبهذه الجهة ) أيضا تكون حكومتها من باب الحكومة الواقعية الموجبة لتوسعة موضوع الحكم واقعا نظير الطواف بالبيت صلاة ، لا من الحكومة الظاهرية الموجبة لتوسعة الحكم في مرحلة الظاهر وفي ظرف الشك به كما افاده بعض الأعاظم قدس سره ( وكذا الامر ) على مسلك جعل المؤدى بناء على قيام الدليل على تنزيل العلم بالواقع الجعلي منزلة العلم بالواقع الحقيقي ، حيث إن حكومتها أيضا واقعية لا ظاهرية ( إذ ) بانتفاء القطع الوجداني بالواقع الحقيقي يقطع بانتفاء الحكم المترتب عليه ( معه ) كيف يكون اثبات اثار القطع بشيء للظن به توسعة لحكمه في الظاهر كي تكون الحكومة ظاهرية ( نعم ) الحكومة الظاهرية كما أسلفنا انما تكون بالنسبة إلى احكام المتعلق التي يكون القطع بالنسبة إليها طريقا محضا ( واما ) بالنسبة إلى احكام نفس القطع وآثاره فالحكومة لا تكون الا واقعية ( ثم إن ) في المقام اشكالا للمحق الخراساني قدس سره في أصل قيام الامارات مقام القطع الموضوعي بعد تسليم قيامها مقام القطع الطريقي بتقريب ان قيامها مقام القطع الطريقي يستدعى لحاظ المنزل والمنزل عليه آليا وقيامها مقام القطع الموضوعي يستدعى لحاظهما استقلاليا حيث إن اللحاظ في الحقيقة على الوجه الأول متعلق بالمؤدي والواقع وعلى الثاني بنفس المنزل والمنزل عليه ، وبعد ان لم يكن بينهما جامع ولم يمكن الجمع بينهما في تنزيل واحد لاستلزامه اجتماع اللحاظين المتنافين فلابد ان يكون نظر التنزيل إلى أحد الامرين ، اما إلى المؤدى والواقع واما إلى نفس المنزل والمنزل عليه ومع الدوران المزبور يكون المتعين هو الأول لكونه

ص: 24

هو المتيقن من أدلة الاعتبار لظهورها في غير المقام في النظر إلى نفس المؤدى والواقع لا إلى حيث وصول الواقع والعلم به ( ولكنه كما ترى ) إذ نقول ان ما أفيد انما يتم إذا كان التنزيل في موارد الطريقية المحضة متوجها إلى نفس الواقع بلحاظ الحكم الشرعي المترتب عليه ( والا ) فبناء على كون التنزيل فيها راجعا إلى نفس وصول الواقع والعلم به بلحاظ الآثار العملية المترتبة على وصول الواقعيات على ما هو التحقيق من تتميم الكشف فيها ( فلا يرد ) في البين محذور من اطلاق التنزيل ، حيث إنه من الممكن حينئذ كون التنزيل في التعبد بالظن ناظرا إلى جهة وصول الواقع والعلم به بلحاظ مطلق الآثار العملية المترتبة عليه بجعل الظن بشيء كالعلم به في كونه جاريا مجراه في الوصول الراجع إلى الامر بالمعاملة معه معاملة العلم من الحركة والجري العملي على وفقه في اي اثر يقتضيه العلم ، اما بموافقة حكم نفسه ، واما بموافقة متعلقه كما لو كان العلم حاصلا بالوجدان ، وبذلك يقوم الظن مقام العلم بكلا نحويه بلا ورود محذور في البين ، وعدم كون الأثر شرعيا في القطع الطريقي غير ضائر بصحة اطلاق التنزيل لان شرعيته في طرف المنزل كافية في صحة التنزيل وان لم يكن كذلك في طرف المنزل عليه فتدبر.

( هذا كله ) في القطع المأخوذ تمام الموضوع ( اما ) القطع المأخوذ جزء الموضوع ، فحكمه كالمأخوذ تمام الموضوع فتقوم مقامه الامارات على المختار من تتميم الكشف فيها ، حيث إنه بقيام الامارة يتحقق مصداق الاحراز ولو بالعناية فيتحقق كلا جزئي الموضوع المركب من الاحراز والواقع كما لو حصل العلم الوجداني بالواقع ، فيترتب عليها بعد عموم التنزيل اثر الواقع والاحراز بلا احتياج إلى جهة زائدة من احراز آخر للاحراز فكان التنزيل المزبور ينحل إلى تنزيلين أحدهما قائم بذات العلم والاخر بطريقيته للمتعلق الموجب لاختلاف جهة حكومتها أيضا بكونها بالنسبة إلى ما لنفس العلم من الأثر الضمني واقعية وبالنسبة إلى ما للمتعلق ظاهرية ( واما على القول ) بتنزيل المؤدي ففيه الاشكال المتقدم من حيث عدم اقتضاء مثله لاثبات العلم بالواقع لا وجدانا ولا عناية وادعاء لان ما يحصل من التنزيل المزبور انما هو العلم الوجداني بالواقع التعبدي وهو انما يجدى بالنسبة إلى جزء الموضوع فيحتاج جزئه الاخر إلى جعل آخر يقتضي تنزيل

ص: 25

العلم بالواقع التعبدي منزلة العلم بالواقع الحقيقي كي يلتئم كلا جزئي الموضوع والا فلا يفي به مجرد تنزيل المؤدي منزلة الواقع ( ودعوى ) الملازمة العرفية بين التنزيلين ( ممنوعة ) جدا حيث لا تلازم بين تنزيل المؤدى منزلة الواقع وتنزيل العلم بالواقع التنزيلي منزلة العلم بالواقع الحقيقي لا عقلا ولا عرفا ومن هنا استشكل فيها في الكفاية أيضا ( نعم ) لو أغمض عن هذه الجهة وقلنا بثبوت الملازمة العرفية بين التنزيلين ( لا يرد ) عليه اشكال الدور بما أفيد في الكفاية من أن تنزيل أحد جزئي الموضوع بلحاظ اثره انما يصح إذا كان جزئه الاخر أيضا محرزا اما بالوجدان أو بتنزيل آخر في عرضه كما لو كان هناك دليل على تنزيل كلا الجزئين بالمطابقة وأما إذا لم يكن كذلك بان كان تنزيل الجزء الاخر من لوازم تنزيل هذا الجزء كما في المقام فلا يكاد يصح التنزيل الا على وجه دائر ، من جهة توقف دلالته على تنزيل المؤدى على دلالته على تنزيل العلم به منزلة العلم بالواقع الحقيقي إذ لولاه لا يكون للمؤدى اثر مصحح لتنزيله ، وتوقف دلالته الالتزامية على تنزيل أحد العلمين منزلة الاخر على تمامية التنزيل المطابقي في طرف المؤدي فيدور ( إذ نقول ) انما يرد اشكال الدور إذا قلنا باحتياج تنزيل الجزء إلى وجود الأثر الفعلي والا فبناء على كفاية الأثر التعليقي للجزء بأنه لو انضم إليه جزئه الاخر لوجب فعلا فلا يرد محذور الدور نظرا إلى صحة تنزيل المؤدى حينئذ بلحاظ اثره التعليقي بلا توقفه على شيء ( وحينئذ ) فالعمدة هو منع الملازمة بين التنزيلين ( هذا كله في الامارات ( واما الأصول المحرزة ) كالاستصحاب فقيامه مقام القطع الموضوعي مبنى على أن التنزيل في لا تنقض ناظر إلى المتيقن أو إلى اليقين ( فعلى الأول ) لا يقوم مقام القطع الموضوعي لعين ما ذكرناه في الامارات ( وعلى الثاني ) يقوم مقام القطع الموضوعي تماما أو جزء نظرا إلى اقتضائه بتلك العناية لاثبات العلم بالواقع ، ومرجعه على ما عرفت إلى ايجاب ترتيب اثار العلم بالواقع في ظرف الشك به ( نعم ) حيث إنه لوحظ في موضوعه الجهل بالواقع والشك فيه يحتاج في قيام مثله مقام القطع الموضوعي إلى استظهار كون موضوع الأثر في الدليل هو صرف انكشاف الواقع محضا بلا نظر إلى نفي الشك فيه ( والا ) فلا مجال لقيام الاستصحاب

ص: 26

مقامه نظرا إلى ما عرفت من انحفاظ جهة الشك بالواقع في موضوعه كغيره من الأصول غير أن الفرق بينه وبينها هو تكفل دليله لاثبات اليقين بالواقع في ظرف الشك به بخلاف سائر الأصول حيث لم يكن لأدلتها هذا النظر وبهذه الجهة يكون الاستصحاب جامعا للجهتين ، فمن حيث نظره إلى اثبات اليقين بالواقع يكون مقدما على سائر الأصول ، ومن حيث كون موضوعه الشك بالواقع والجهل به كان مؤخرا عن الامارات الناظر دليلها إلى الغاء احتمال الخلاف وتتميم الكشف محضا وعلى ذلك فلابد في قيامه مقام القطع الموضوعي تماما أو جزء من لحاظ ان الأثر في الدليل مترتب على مجرد العلم بالواقع وانكشافه أو على عدم الشك فيه محضا فيقوم مقامه على الأول دون الثاني ولعله إلى مثل هذه الجهة أيضا نظر المشهور فيما حكى عنهم من عدم جواز الحلف والشهادة تعويلا على الاستصحاب وان كان فيه ما فيه أيضا.

( تذييل ) كلما ذكرنا من الشقوق والصور في القطع يجرى في الظن أيضا من حيث تعلقه تارة بالموضوع وأخرى بالحكم وكونه طريقا محضا تارة وموضوعا أخرى تماما أو جزء وقيدا على نحو الصفتية تارة والطريقية والكاشفية أخرى وفيه أيضا يجرى الاشكال المتقدم سابقا في أصل امكان اخذه تمام الموضوع على نحو الطريقية والكاشفية مع دفعه بما بيناه في القطع ( ويزيد الظن في المقام ) في أن اخذه تمام الموضوع أو جزئه وقيده تارة بما انه حجة شرعية وطريق محرز لمتعلقه وأخرى بما انه ذات الظن واجمال الكلام في هذه الأقسام هو ان الظن إذا كان حجة شرعية فلا اشكال في عدم جواز اخذه موضوعا بالنسبة إلى نفس حكم متعلقه بعين ما ذكرناه في القطع من محذور تقدم الشيء على نفسه الا بنحو نتيجة التقييد على ما فصلناه سابقا من دون فرق بين الظن بنفس الحكم الشرعي والظن بموضوعه ( واما بالنسبة ) إلى حكم آخر غير حكم متعلقه فيجوز اخذه فيه على نحو الصفتية أو الطريقية ما لم يكن مضادا لحكم متعلقه أو مماثلا له كما لو رتب وجوب الحد على شرب مظنون الخمرية أو مظنون الحرمة من دون فرق فيه بين كونه تمام الموضوع وكونه جزئه على اشكال متوهم في الأول تقدم بيانه مع دفعه في القطع ( واما ) لو كان مضادا لحكم متعلقه أو مماثلا له فلا يجوز اخذه في الموضوع تماما أو جزء صفة أو طريقا ( لا ) مرجع حجيته إلى اثبات الواقع في المرتبة المتأخرة

ص: 27

عن الظن به فلو حكم الشارع حينئذ في هذه المرتبة بما يضاد الواقع أو يماثله بجعل الظن بالخمر أو بحرمته موضوعا لجواز شربه أو حرمته يلزم اجتماع الضدين أو المثلين في مرتبة واحدة في موضوع واحد ومثله مما يأبى عنه العقل هذا إذا كان الظن حجة وطريقا محرزا لمتعلقه شرعا ( واما ) إذا لم يكن حجة شرعية فلا باس بأخذ صفة أو طريقا موضوعا للحكم وان كان مضادا لحكم متعلقه ( واما ) ما أفيد من استلزامه حينئذ لمحذور اجتماع الضدين ولو في الجملة وفى بعض الموارد ( فيدفعه ) طولية الحكمين الموجب لاختلاف الرتبة بينهما إذ لا محذور حينئذ في اخذه في الموضوع بنفس ذاته بعد عدم حجيته شرعا ( ومن ذلك ) يظهر صحة اخذه أيضا موضوعا لمماثل حكم المتعلق بلا اقتضائه لتأكد الحكمين أيضا كما أفيد ( كيف ) والتأكد يقتضي وحدة الوجود ومع اختلاف الرتبة وطولية الحكمين يستحيل الاتحاد في الوجود ومعه لا يتصور التأكد ( نعم ) انما يلزم ذلك في فرض اخذ عنوان المظنونية بنحو الجهة التقييدية لا بنحو الجهة التعليلية الموجبة لطولية الحكمين ( ومن العجب ) عد مسألة النذر أيضا من باب التأكد مع أنه لا شبهة في أن عنوان المنذورية من الجهات التعليلية للحكم ( هذا كله ) في الظن المأخوذ تمام الموضوع ( واما ) المأخوذ جزء الموضوع ( ففيه ) اشكال منشئه عدم انتهاء الامر بعد عدم حجية الظن المزبور إلى مرحلة احراز جزئه الاخر لا وجدانا ولا تعبدا وتنزيلا ، إذ حينئذ لا تصل النوبة إلى مقام تطبيق كبرى الأثر على المظنون كي يحكم عليه بالوجوب أو الحرمة فيلزم حينئذ لغوية الجعل المزبور فان جعل الحكم لموضوع لا يقدر المكلف على تطبيقه في الخارج لغو محض ( نعم ) لا يجرى هذا الاشكال في الظن الذي هو حجة شرعا لأنه بمقتضى حجيته يكون احرازا لجزئه الاخر بالتعبد بالظن المزبور بمكان من الامكان ( واما الاشكال ) عليه بلزوم الدور من جهة إناطة الظن المزبور في حجيته ومشموليته لدليل الاعتبار بترتب الأثر الشرعي على المظنون وإناطة الأثر في ترتبه وفعليته بقيام الحجة عليه ( فمدفوع ) بما ذكرناه سابقا من كفاية الأثر التعليقي للجزء وهو كونه بحيث لو انضم إليه الطريق الشرعي لوجب أو حرم فعلا ( لان ) مثل هذا المعنى أيضا اثر شرعي وعليه فيرتفع الدور المزبور حيث إن ما أنيط ترتبه على قيام الطريق

ص: 28

عليه انما هو فعلية الأثر وما ينوط به الظن في حجيته انما هو الأثر التعليقي الواصل إلى مقام الفعلية بقيام الطريق عليه فتدبر هذا إذا كان المأخوذ في الموضوع تماما أو جزء هو ذات الظن مطلقا ( واما ) إذا كان المأخوذ في الموضوع هو الظن المصادف للواقع أو غير المصادف ففيه أيضا اشكال منشئه عدم امكان تطبيق كبرى الأثر على المورد ( نعم ) في الفرض الثاني يمكن القول بجوازه بلحاظ انتهاء الامر حينئذ إلى العلم الاجمالي بأحد الحكمين فيخرج عن محذور اللغوية لانتهائه بالآخرة إلى مرحلة ترتيب الأثر ، ولكن ذلك أيضا في فرض كون الحكم المترتب على الظن المزبور ملائما مع حكم المظنون أو مماثلا له ( والا ) فمع فرض مضادته له فلا مجال لصحة اخذه في الموضوع لعدم تأثير مثل هذا العلم الاجمالي بعد دوران المعلوم بالاجمال بين المحذورين الراجع إلى التخيير بمقتضى اللابدية العقلية ( واما ) الكلام في قيام غيره مقامه من الطرق الشرعية الغير المفيدة للظن فمجمل القول فيه هو ان الظن ان كان طريقا محضا إلى متعلقه يقوم مقامه العلم الوجداني وسائر الطرق الشرعية والأصول المحرزة ( واما ) ان كان موضوعا فإن كان على نحو الصفتية أو لكونه طريقا ناقصا لخصوصية في نقصه فلا يقوم مقامه العلم الوجداني فضلا عن الطرق الشرعية والأصول التعبدية ( وان كان ) اخذه بلحاظ رجحانه بلا نظر إلى جهة نقصه في الكاشفية ولا إلى جهة كونه صفة فيقوم مقامه العلم الوجداني ولكن لا تقوم مقامه الامارات التعبدية والأصول العملية ولو على القول بتتميم الكشف فيها نظرا إلى عدم اقتضاء دليل التنزيل المثبت لخصوصية العلم لاثبات مطلق الرجحان الا على القول بالمثبت بشهادة عدم اقتضاء استصحاب الفرد والخصوصية لاثبات الكلى والجامع ( فتأمل ) واما لو كان اخذه بلحاظ كونه حجة ومنجزا للواقع فيقوم مقام العلم الوجداني والامارات المعتبرة والأصول العملية حتى مثل ايجاب الاحتياط لكونه منجزا أيضا للواقع وان لم يكن طريقا مثبتا له هذا ولكن الفروض المزبورة أكثرها مجرد فرض ليس لها واقع أصلا.

الجهة الخامسة

لا اشكال في أن من شؤون القطع كونه حجة وقاطعا للعذر مع المصادفة بحيث

ص: 29

يوجب استحقاق العقوبة على المخالفة والمثوبة على الموافقة ( وانما الكلام ) في كونه قاطعا للعذر مطلقا حتى في فرض عدم المصادفة بمحض كونه تجريا على المولى باتيان ما قطع بأنه حرام ومبغوض مثلا أولاً فيه وجوه وأقوال ( منها ) ما ارتضاه الشيخ قدس سره من عدم اقتضاء التجري شيئا سوى الكشف عن سوء سريرة الفاعل وخبث باطنه الذي لا يترتب عليه سوى اللوم كالبخل والحسد ونحوهما من الأوصاف المذمومة التي لا يترتب عليها استحقاق العقوبة ما لم تبرز في الخارج مع بقاء العمل المتجرى به على ما هو عليه من المحبوبية قبل تعلق القطع به ( ومنها ) اقتضائه للقبح الفاعلي محضا بمعنى كون الفعل من حيث صدوره من هذا الفاعل قبيحا لا من حيث ذاته الراجع إلى التفكيك في القبح بين ذات الفعل وجهة صدوره مع عدم استحقاق العقوبة عليه بدعوى ان مناط الاستحقاق انما هو القبح الفاعلي المتولد من القبح الفعلي لا المتولد من سوء السريرة وخبث الباطن ومنها اقتضائه لاستحقاق العقوبة على مجرد العزم على العصيان محضا لا على الفعل المتجري به نظرا إلى أن التجري كالتشريع من المحرمات الجنانية لا الجوارحية ( ومنها ) اقتضائه لكون الفعل المتجرى به قبيحا ومعاقبا عليه من جهة انطباق عنوان الطغيان عليه مع بقاء ذات العمل على ما هو عليه في الواقع ، بلا استتباعه لحرمته شرعا بهذا العنوان الطاري ( ومنها ) اقتضائه زايدا على ذلك لصيرورة العمل بهذا العنوان الطارئ عليه محرما شرعيا لكن لا مطلقا بل في بعض الموارد كما هو مختار الفصول قدس سره نظرا إلى دعوى مزاحمة الجهات الواقعية مع الجهات الظاهرية الناشئ من منع كون قبح التجري ذاتيا وأنه يكون بالوجوه والاعتبار ( ومنها ) اقتضائه لكون حراما شرعيا على الاطلاق لكون قبح التجري ذاتيا وعدم صلاحية الجهات الواقعية للمزاحمة مع مفسدته بلحاظ كونه طغيانا على المولى وظلما له ( فهذه ) وجوه ستة في المسألة والذي يقتضيه التحقيق هو الوجه الرابع توضيح المرام في المقام يقتضي بسط الكلام في مقامين.

اما المقام الأول فنقول لا ينبغي الارتياب في حكم العقل بقبح الاقدام على العمل الصادر عن اعتقاد المعصية واستحقاق العقوبة عليه « وذلك » لا من جهة اقتضاء مجرد القطع بالمبغوضية لصيرورة العمل قبيحا ومعاقبا

ص: 30

عليه ( كي يدفع ) ذلك بأنه خلاف ما يقتضيه الوجدان من بقاء الواقع على ما هو عليه من المحبوبية لدى المولى وعدم كون القطع بحرمة شيء بالقطع المخالف للواقع من العناوين المغيرة لجهة حسنه ومحبوبيته ( بل ) من جهة ان نفس اقدامه على ما اعتقد كونه مبغوضا للمولى ومعصية له مما ينطبق عليه عنوان الطغيان على المولى لكونه ابرازا للجرئة عليه وخروجا عن مراسم العبودية وان مبغوضية العمل واستحقاق العقوبة عليه انما هو لأجل هذا العنوان الطارئ عليه ، كما هو الشأن في اقدامه على العمل من قبل العلم المصادف ، حيث إن قبحه أيضا انما هو من جهة كونه طغيانا على المولى بابرازه للجرئة عليه بلا خصوصية في ذلك لعنوان العصيان فتمام المناط في القبح الفعلي واستحقاق العقوبة انما هو عنوان الطغيان المنطبق على الاقدام على ما اعتقد كونه مبغوضا للمولى ومعصية له الأعم من المصادف وغيره ولا يستلزم ذلك اخذ عنوان العلم في موضوع القبح على نحو الصفتية كما توهم ( بل العلم ) بما هو مأخوذ على نحو الطريقية والكاشفية يكون تمام الموضوع في احداث عنوان الطغيان على اقدامه ( واما ) الاشكال في امكان اخذه تمام الموضوع على نحو الطريقية ، فقد عرفت الجواب عنه فراجع ( واما المنع ) عن كون العلم الغير المصادف علما وانه حقيقة جهل مركب أطلق عليه العلم لمكان انه في نظر القاطع كاشف عن الواقع ، لا من جهة كونه كاشفا حقيقة ( فيدفعه ) كفاية مثل هذا الجهل أيضا كالعلم المصادف في احداث عنوان الطغيان على العمل المتجرى به وفى اشمئزاز العقل عنه بعين اشمئزازه عنه في العلم المصارف كاحداثه لعنوان التسليم على اقدامه في طرف الانقياد « كما » هو الشأن أيضا في مقام الانبعاث حيث كان مثل هذا الجهل محدثا لإرادة العالم بالبعث والمصلحة بعين محدثية العلم المصادف كما هو ظاهر ( نعم ) بينهما فرق من حيث إصابة المصلحة وعدمها ، ولكن ذلك أجنبي عن المقام الذي هو من وجدانيات العقل فتدبر « ولعمري » ان تمام المنشأ للتوهم المزبور انما هو تخيل ان الاحكام العقلية الوجدانية كغيرها مما تكون مصلحتها واقعية قابلة لتخلف الطريق عنها كما في مدركاته التي هي مركز بحث الملازمة ، مع أنها ليست كذلك جزما كما أوضحناه في محله « وعلى ذلك » لا يبقى في البين ما يقتضي المنع عن مبغوضية العمل المتجرى

ص: 31

به واستحقاق العقوبة عليه الا شبهة انقلاب الواقع عما هو عليه أو اجتماع الضدين وهما المحبوبية والمبغوضية والحسن والقبح في ذات واحدة وفى وجهة فاردة ( بتقريب ) ان مثل هذه الجهات بعد كونها من الجهات التعليلية الغير الموجبة للمكثرية فلا محالة يكون المنشأ فيها واحدا ذاتا وجهة وحيثية ، وحينئذ لو قيل بقبح التجري ومبغوضية العمل المتجرى به مع عدم انقلاب الواقع عما هو عليه ، يلزم اجتماع الضدين وهما المحبوبية والمبغوضية في ذات واحدة وفى جهة فاردة وهو من المستحل ولو على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي في العنوانين المتحدين في الوجود فضلا عن القول بعدم جوازه ( لان ) القول بالجواز هناك انما هو في صورة اختلاف العنوانين في الجهة والحيثية لا في المقام المفروض اتحادهما ذاتا وجهة أيضا ، إذ في مثله لا شبهة في عدم جوازه حتى من القائل بالجواز هناك « ولكن فيه » أولاً النقض بباب الإطاعة المتسالم على حسنها حتى عند الأشعري ، وكذا الانقياد المتسالم على حسنه كموارد الاحتياط التي تسالموا على حسنه فيها عقلا وشرعا باعتبار كونه انقيادا وإطاعة حكمية حتى قيل بامكان تصحيح العبادة باتيانها بداعي حسنها الانقيادي مع كون العمل في الواقع مباحا أو مبغوضا ، وكباب النذر الذي تسالموا على اعتبار رجحان المتعلق في نفسه لولا النذر ، إذ فيه أيضا اجتماع الرجحانيين في ذات واحدة ، أحدهما الرجحان الثابت قبل النذر ، والاخر الرجحان الطارئ عليه من قبل النذر ، وكما في العهد واليمين عند تعلقهما بما هو راجح في نفسه ، وكما في امر الوالد ولده بما هو راجح في نفسه ، وغير ذلك من الموارد الكثيرة ( وثانيا ) الحل فتقول بعد الجزم بتعلق الاحكام بل جميع الصفات الوجدانية بنفس العناوين الحاكية عن مناشئها وعدم تعديها إلى المعنوات الخارجية لابد أولاً بالسراية بتوسيط العناوين كما أوضحناه في محله « ان مناط » استحالة اجتماع الضدين في العنوانين المتحدين في الوجود خارجا انما هو سراية الحكمين بواسطة اطلاق العنوانين لحال اجتماعهما في وجود واحد إلى جهة واحدة وحيثية فاردة ، وهذا لا يكون الا في العنوانين المنتزعين المشتركين ولو في بعض المنشأ نظير الغصب والصلاة بناء على اشتراكهما في بعض المنشأ على ما حققناه في محله « إذ حينئذ » تصير تلك الجهة الواحدة بلحاظ اطلاق العنوانين موردا لتوارد الحكمين المتضادين « والا »

ص: 32

فمع فرض عدم اشتراكهما ولو في بعض المنشأ كما في الأجناس بالقياس إلى فصولها وكما في الغصب والصلاة بناء على أن الغصب من مقولة والصلاة من مقولة أخرى فلا باس باجتماع الحكمين المتضادين في العنوانين المتحدين في وجود واحد ، إذ بعد وقوف كل حكم على نفس عنوان موضوعه وعدم تعديه إلى المعنون الخارجي لا يكاد يمنع مجرد وحدة المعنون خارجا عن اجتماع الحكمين لعدم انتهاء الامر في مثله إلى توارد الحكمين في جهة واحدة ( كما أنه ) في فرض طولية العنوانين بان كان انتزاع أحدهما عن الذات في مرتبة معروضيتها للإرادة والاخر عن الذات في المرتبة المتأخرة عن تعلق الإرادة بها لا بأس أيضا بالالتزام باجتماع الحكمين بلحاظ عدم سراية حكم كل عنوان حينئذ إلى العنوان الاخر « وبعد ذلك » نقول في المقام ان الاشكال المزبور انما يتوجه إذا كان ما ينطبق عليه عنوان التجري والطغيان هي الذات في مرتبة معروضيتها للإرادة وليس كذلك ، بل ما ينطبق عليه التجري انما هي الذات في المرتبة المتأخرة عن تعلق الإرادة بها أعني مرتبة موافقتها « وذلك » « لان » انتزاع عنوان التجري والانقياد كعنوان الإطاعة والعصيان انما كان عن الذات في المرتبة المتأخرة التي هي مرتبة فعلية تأثير الإرادة ، قبال العنوان المنتزع عن الذات المعروضة للإرادة المحفوظة في المرتبة السابقة عليها بنحو يرى المحكى منهما في مقام التصور ذاتان ، إحديهما في المرتبة السابقة معروضة للإرادة والاشتياق ، والأخرى في المرتبة المتأخرة التي هي مرتبة موافقتهما ، كعنوان الصلاة مثلا التي هي متعلق الامر المولوي ، وعنوان اطاعته المنتزع عن الفعل الماتى بدعوته بحيث يتخلل بينهما الفاء الكاشف عن اختلاف مرتبتهما ، كما في قولك أردت الصلاة فصليت وان لم يكن في الخارج لهاتين الذاتين الا منشأ واحد « وحينئذ » فحيث ان مثل هذه المرتبة مرتبة سقوط الإرادة بمباديها عن التأثير لا مرتبة ثبوتها لاستحالة سراية الحسن القائم بالذات في المرتبة السابقة على الإرادة إلى الذات المرئية في المرتبة المتأخرة عنها ، ولم يكن للمصلحة الواقعية أيضا تأثير في الحسن في هذه المرتبة لان تأثيرها كان ممحضا في المرتبة السابقة « فلا » غرو في مركزية إحدى الذاتين للحسن والمحبوبية ، والأخرى للمبغوضية العقلية ، فأمكن الالتزام حينئذ بمبغوضية العمل المتجرى به واستحقاق العقوبة

ص: 33

عليه لأجل انطباق عنوان الطغيان عليه ، مع الالتزام ببقائه على ما هو عليه في الواقع من الحسن والمحبوبية مثلا ، من غير أن تؤثر جهة وحدة وجود المعنون خارجا في المنع عن ذلك لعدم انتهائه إلى اجتماع الضدين في شيء واحد « بل » ولئن تأملت ترى الوجود الخارجي دائما بإزاء هذا العنوان الطارئ لا بإزاء العنوان الذي تعلق به الامر وان كان منشأ لانتزاعه لأنه يعتبر في تعلق الامر بعنوان عرائه عن الوجود ، إذ وجوده في الخارج منشأ سقوط الامر عنه لا ثبوته « واما » توهم مضادة المصلحة القائمة بتلك الذات مع مفسدة التجري ( فمدفوع ) بعدم كون مبغوضيته ناشئة عن مفسدة في ما ينطبق عليه بل هو كاردافه بنفسه مبغوض مستقلا « وما قيل » من أن العنوان المأخوذ في الحكم بعد أن لم يكن بلحاظ وجوده الذهني الاستقلالي بل بلحاظ آليته وحكايته عن الوجود الخارجي « فلا جرم » بعد اتحاد العنوانين المزبورين في الوجود الخارجي ، يكون المرئي منهما عبارة عن جهة واحدة وحيثية فاردة ، ولازمه اتصاف تلك الجهة الواحدة بحكمين متضادين بلحاظ ما كان بينها وبينهما بهذا اللحاظ من العينية والاتحاد وهذا مما يأبى العقل عنه « مدفوع » بان العنوانين بعد كونهما طوليين لا يرى في عالم اللحاظ والاعتبار من عنوان ما يرى من العنوان الاخر بل كان المرئي فيهما في عالم التصور ذاتان إحديهما معروضة للامر وفي رتبة سابقة عنه ، والأخرى معلولة للامر وفي رتبه لاحقة عنه ، وان لم يكن في الخارج وفي عالم التصديق الا ذات واحدة في قبال العنوان الطارئ وبإزائه ، لا العنوان الأول كما أشرنا إليه « وحينئذ » فبعد عدم مانعية وحدة المنشأ خارجا لمثل هذين الاعتبارين في عالم التصور وكون مدار تعلق الاحكام أيضا على الأنظار التصورية لا التصديقية « فلا محذور » في الالتزام بقبح الفعل المتجرى به بعنوان كونه تجريا وطغيانا مع بقاء الواقع على ما هو عليه من المحبوبية ، ( كما هو الشأن ) أيضا في الانقياد المتسالم على حسنه لديهم حسب اطباقهم على حسن الاحتياط حتى في العبادات على وجه يتوهم صلاحيته للتقرب وتصحيح العبادة المحتملة بمثله ، مع كونه في ظرف المخالفة انقيادا محضا ، حيث إنه بعد بقاء الواقع في مثله أيضا على ما هو عليه من الحكم يتأتى فيه أيضا شبهة اجتماع الضدين ، ولا تندفع هذه الشبهة الا بما ذكرنا من طولية العنوانين الموجبة

ص: 34

لعدم تعدى الحكم من عنوان إلى عنوان متأخر عنه رتبة « بل وكذا » الامر في الإطاعة الحقيقية والعصيان الحقيقي ، ولا يندفع شبهة اجتماع المثلين أو الضدين فيهما الا بما ذكرنا ( وبهذا البيان ) أيضا تندفع شبهة اجتماع المثلين في نحو النذر وغيره من العناوين المأخوذة جهة تعليلية للحكم ، حيث إنه بمقتضى طولية الحكمين نلتزم بالجمع بينهما بلا ورود محذور في البين ، ومن غير أن نلتزم بالتأكد أيضا في أمثال المقام كما أفيد ، كيف وان التأكد يقتضي الاتحاد في الوجود ، ومثله ينافي طولية الحكمين بنحو يتخلل بينهما الفاء الموجب للمغايرة ، إذ في مثله يستحيل الاتحاد فكيف يتصور التأكد فتدبر.

( ثم انه قد يتوهم ) اشكال آخر على ما ذكرنا من قبح التجري واستحقاق العقوبة عليه ، بتقريب ان اتصاف كل شيء بأي عنوان بالحسن أو القبح الموجبين للمثوبة والعقوبة فرع اختيارية ذلك العنوان ، إذ يأبى العقل عن تحسين ما لا يطاق أو تقبيحه واستحقاق المثوبة أو العقوبة عليه ، وهي غير متصورة في المقام ، لان عنوان التجري أو مقطوع المبغوضية بالقطع المخالف بهذا العنوان لا يكون اختياريا بحيث يقصده الفاعل ، لامتناع التفات الفاعل إليهما حين عمله ، والا ينقلب عن كونه متجريا ومقدما على مقطوع المبغوضية بالقطع المخالف بهذا العنوان ، ومعه يستحيل اتصافه بالقبح الموجب لاستحقاق العقوبة ( ولكنه يندفع ) بما أشرنا إليه سابقا من أن التقبيح والعقوبة انما يكونان على عنوان التمرد والطغيان وابراز الجرئة على المولى الذي هو جامع بين التجري والعصيان ، لا على خصوص عنوان التجري أو العصيان ، كي يقال ان الأول من جهة الغفلة عنه غير اختياري ، والثاني غير متحقق بالفرض ، ومن المعلوم بداهة كون هذا العنوان الجامع مما يلتفت إليه المتجرى حين اقدامه ، فان القادم على ارتكاب مقطوع المبغوضية قادم على هتك المولى وعلى الطغيان عليه ، غاية الامر يتخيل تحقق هذا العنوان في ضمن العصيان لغفلته عن الفرد الاخر وفي الواقع كان متحققا في ضمن فرد اخر وهو التجري ، ومن المعلوم ان مثل هذه الغفلة عن فرد الجامع مع الالتفات إلى نفسه غير ضائره بالتقبيح واستحقاق العقوبة عليه كما هو ظاهر ، فتمام الخلط انما هو في جهة تخيل كون مناط التقبيح والعقوبة خصوص عنوان العصيان والتجري

ص: 35

والا فبناء على جعل المناط بتمامه عنوان الطغيان على المولى أو التسليم له الجامعين بين العصيان والتجري والإطاعة والانقياد فلا يلزم محذور ، ( وبذلك أيضا ) يندفع ما أفيد من اشكال لزوم تعدد العقوبة في موارد العصيان ، تارة على تجريه المنطبق على العزم على العصيان الذي هو عبارة عن هيجان الرغبة بعد الشوق إلى العمل ولو بشروعه في بعض مقدماته ، وأخرى على نفس عصيانه المتحقق باتيان ما هو حرام ومبغوض للمولى « إذ نقول » ان مناط استحقاق المثوبة والعقوبة كما أنه عنوان التسليم للمولى والطغيان عليه ، كذلك مناط وحدة المثوبة والعقوبة وتعددهما أيضا هي وحدة التسليم والطغيان وتعددهما ، فالطغيان المتحقق في مورد العصيان الحقيقي ، حيث إنه طغيان واحد مستمر من حين شروعه في مقدمات المعصية إلى آخر العمل ، كانت العقوبة المترتبة عليه أيضا واحدة ، فحصول الطغيان وان كان بشروعه في مقدمات المعصية المفضية إليها ، الا انه يستمر طغيانه ذلك إلى آخر العمل ، فمتى استمر على عمله كان طغيانه أيضا مستمرا ، والا فينقطع من حيث قطعه ، كما هو الشأن أيضا في تسليمه للمولى في مقام الإطاعة ، ومن ذلك ترى العقلاء بأنهم لا ينتظرون في ذم المقدم على المعصية بايجاد المقدمات المفضية إليها إلى زمان صدور المعصية ، بل بنفس الاقدام على المقدمة المفضية إليها يقبحونه ويذمونه بطغيانه على المولى وابرازه للجرئة عليه ، وحينئذ فلا يكون طغيانه ولو بلغ باستمراره ما بلغ حسب كثرة المقدمات الا طغيانا واحدا مستتبعا لعقوبة واحدة « هذا مع امكان » التفكيك بين أصل الاستحقاق وجهة وحدة العقوبة وتعددها بجعل مناط أصل الاستحقاق عنوان التسليم والطغيان على المولى المتحقق ولو بالاقدام على المقدمة ، لا نفس العصيان وتفويت الغرض الأصلي ، ومناط وحدة العقوبة وتعددها وحدة الغرض الفائت وتعدده ، ولازم ذلك عدم استحقاقه بتفويت غرض اصلى واحد الا عقوبة واحدة ، ولو مع مخالفته لواجبات غيرية متعدده فتدبر ثم انك بعد ما عرفت استقلال العقل بقبح التجري واستحقاق العقوبة عليه بمناط كونه طغيانا على المولى ، يقع الكلام في المقام الثاني ، وهو استتباع مثل هذا القبح للتكليف المولوي وعدمه ( فنقول ) لا ينبغي الاشكال في عدم صلاحية عنوان التجري والانقياد كعنوان الإطاعة والعصيان للتكليف المولوي ( وذلك )

ص: 36

اما أولاً فلعدم قابلية مثل هذه العناوين لأعمال جهة المولوية فيها ، بل لو ورد امر أو نهى شرعي بعنوانهما لابد وأن يكون ارشادا محضا إلى حكم العقل ، كما في النهى عن العصيان والامر بالإطاعة « لان » الغرض من الحكم المولوي حينئذ ليس الا البعث نحو الشيء بالايجاد أو الزجر عنه للفرار عما يترتب على مخالفة التكليف الواقعي أو الاعتقادي من التبعات « ومن المعلوم » انه مع زجر العقل عنه وحكمه باستحقاق العقوبة لا يحتاج إلى زجر آخر بعنوان التجري أو العصيان لكونه لغوا محضا « ولئن شئت » قلت إن النهى المقطوع به ان كان زاجرا عن العمل بحكم العقل ، فلا يحتاج إلى زجر آخر مولوي بهذا العنوان ( والا ) فلا يكون النهى الثاني أيضا زاجرا عنه ( واما ثانيا ) فلعدم صلاحية مثل هذا القبح العقلي في المقام لاستتباع التكليف المولوي على وفقه ، لان الحسن والقبح العقليين انما يستتبعان التكليف المولوي على الملازمة إذا كانا ناشئين عن مصلحة أو مفسدة في نفس العمل ومثله غير متصور في المقام « إذ لا يحدث » من قبل طرو عنوان التجري والانقياد وكذلك الإطاعة والعصيان مصلحة أو مفسدة في نفس العمل ، كي بذلك يكون مثل هذا الحسن أو القبح العقلي مستتبعا على الملازمة للحكم الشرعي « وحينئذ » فلو ثبت حكم شرعي لكان ذلك بلا ملاك يقتضيه كما هو ظاهر ( بل وبمثل ) هذا البيان نقول بعدم المجال لاثبات الحكم المولوي أيضا ولو على القول بعدم اقتضاء التجري شيئا سوى الكشف عن سوء سريرة الفاعل فضلا عن سائر الأقوال ، حيث إن المنع عنه حينئذ انما هو من جهة عدم المقتضى للحكم المولوي ( نعم ) على سائر الأقوال يتجه المنع من جهة وجود المانع أيضا كما ذكرناه ( ثم انه ) بالتأمل فيما ذكرنا في وجه المختار يتضح لك ضعف سائر الأقوال وانه لا مجال لانكار القبح والعقوبة رأسا كما افاده شيخنا العلامة الأنصاري قدس سره ( إذ هو ) مع مخالفته لما عرفت من حكم الوجدان بقبح الطغيان على ولى النعمة والاحسان مناف لما تسالموا عليه من حسن الانقياد وترتب المثوبة عليه ( واما توهم ) ان الثواب فيه تفضلي ( فيدفعه ) تصريحهم برجحان الاحتياط بالفعل الماتى بداعي المحبوبية لكونه انقيادا وإطاعة حكمية ، حتى أنه قدس سره بنى على امكان تصحيح العبادة المحتملة بهذا المقدار من الحسن العقلي ( ولا ) للتفكيك بين ذات الفعل وجهة صدوره

ص: 37

عن الفاعل بالتزام القبح في الثاني دون الأول كما افاده بعض الأعاظم قدس سره ( إذ بعد ) الغض عن عدم مكثرية مثل هذه الجهات للوجود يتوجه عليه انه ( ان أريد ) من موضوع القبح الفعل المضاف إلى الفاعل بإضافة صدورية ، فهو عين الالتزام بقبح نفس الفعل غايته بقبح ضمني لا استقلالي وهو خلاف المقصود ( وان أريد ) به نفس إضافة الفعل إلى الفاعل ، فلازمه أيضا سراية القبح المزبور إلى ما تقوم به الإضافة المزبورة ولو غيريا ( وان أريد ) به كشف صدور الفعل عن الفاعل عن سوء سريرته بلا قبح لا في نفس الفعل ولا في صدوره من الفاعل ابدا ( فهو ) لكونه خارجا عن الاختيار لا يكاد يوجب مثله لاحداث قبح فيه ، فيلزمه انكار أصل القبح كما افاده شيخنا العلامة الأنصاري قدس سره لا اثبات القبح الفاعلي ( ولازم ) ذلك أيضا الالتزام بعدم استحقاق المثوبة في طرف الانقياد ، بل ولازمه عدم رجحان الاحتياط باحتمال كونه انقيادا ( وهو ) كما ترى خلاف مقصود هذا القائل ( وحينئذ ) فالالتزام بقبح صدور الفعل عن الفاعل فقط لا نفس الفعل مما لم نفهم له وجها ( ولعمري ) ان تمام المنشأ في الاستيحاش عن قبح الفعل المتجرى به المستتبع لاستحقاق العقوبة عليه ، انما هو من جهة شبهة التضاد بعد الفراغ عن بقاء ذات العمل على ما هو عليه في الواقع من الحكم بتوهم عدم امكان اجتماع حسن العمل ومحبوبيته واقعا مع مبغوضيته بالعنوان الطاري عليه ، حيث إنه لأجل هذه الشبهة التزم بما التزم ( ولكنه ) بعد حل هذه الشبهة مما أسلفناه لا يبقى مجال لهذه الالتزامات ( كما لا مجال ) أيضا لما افاده في الكفاية من تخصيص موضوع القبح بالعزم على المعصية الذي هو من المقدمات الخارجية ( إذ نقول ) ان مناط القبح في العزم بعد أن كان حيث طغيانه على المولى ، فلا شبهة في تحققه في نفس الفعل الصادر عن اعتقاد المعصية ، بل استحقاقه للعقوبة على العزم المزبور حينئذ انما هو لكونه شروعا في الطغيان بايجاد مقدمته ، والا فلا وجه للالتزام باستحقاق العقوبة على مجرد القصد والعزم ، كما هو الشأن أيضا في طرف الانقياد الذي هو إطاعة حكمية فان حسنه واستحقاق المثوبة عليه ، انما كان باعتبار اشتغاله باظهار العبودية بعمله وصيرورته في مقام التسليم لأوامر مولاه كما هو ظاهر ( بل ) وبما ذكرنا ظهر أيضا انه لا وجه لما عن الفصول قدس سره من

ص: 38

دعوى المزاحمة بين محبوبية العمل في الواقع ومبغوضيته بعنوان التجري ووقوع الكسر والانكسار بين الجهات الموجب لصيرورة التجري محكوما بأحكام خمسة وانقلاب الواقع أحيانا ( إذ ذلك ) كله فرع عدم امكان الجمع بين الحسن والقبح والمحبوبية والمبغوضية في الفعل بعنوانه الواقعي وبالعنوان الطارئ عليه لشبهة انقلاب الواقع أو اجتماع الضدين ( وبعد ) دفع تلك الشبهة بما بيناه من تعدد العنوانين وطوليتهما بنحو لا يسرى الحسن القائم بعنوان إلى العنوان المعروض للقبح ( لا يبقى ) مجال توهم المزاحمة بين تلك الصفات كي ينتهى الامر أحيانا إلى انقلاب الواقع أو عدم قبح التجري ( نعم ) لو اغمض عن ذلك لا يتوجه عليه ما افاده شيخنا العلامة الأنصاري قدس سره من الاشكال ( تارة ) بان التجري على المولى قبيح ذاتا لكونه ظلما عليه فيمتنع عروض الصفة الحسنة له ، كما أن الانقياد بعكس ذلك ، فيمتنع ان يعرضه جهة مقبحة ( وأخرى ) بان المصالح الواقعية انما تصلح للمزاحمة مع مفسدة التجري مع الالتفات إليها لا مع الغفلة عنها ( والا ) فيكون التأثير للمفسدة الملتفت إليها ( إذ يمكن ) ان يجاب عن الأول بامكان أهمية مصلحة الواقع بالنسبة إلى مفسدة التجري في نظر المولى بنحو يمنع عن تأثير التجري في المبغوضية الفعلية ( وعن الثاني ) بان غفلة المكلف عن مصلحة الواقع ، انما تمنع عن تأثيرها في المصلحة بحسب نظره الذي به قوام حكم عقله بالقبح ( والا ) فبالنسبة إلى نظر المولى العالم بالواقع والملتفت إلى الجهتين فلا تمنع غفلة المكلف عن تأثير المصلحة التي هي أهم في نظره في المحبوبية الفعلية المانعة عن تأثير التجري في المبغوضية الفعلية والحرمة ( نعم ) تأثيرها في تحسين الفاعل واستحقاقه بذلك للمثوبة يحتاج إلى التفاته إلى الجهات المحسنة كما هو كذلك في تأثيرها في توجيه الحكم الفعلي إليه بنحو يصير داعيا ومحركا له على وفقه ، لما عرفت غير مرة من أن العلم والالتفات تمام الموضوع في هذه المراحل ( ولكن ) هذه الجهة غير مرتبطة بمرحلة مؤثرية المصلحة الواقعية في فرض أهميتها بنظر المولى في المحبوبية الفعلية المانعة عن تأثير مفسدة التجري في الحرمة ( وحينئذ ) فالأولى هو الاشكال عليه بما ذكرنا من منع المزاحمة بين تلك الجهات بعد تعدد الموضوع لها وطوليته ( ثم إن ) في الفصول كلاما اخر في مبحث مقدمة الواجب ( وهو ) ان التجري على المعصية

ص: 39

معصية أيضا لكنه ان صادفها تداخلا وعدا معصيته واحدة ( أقول ) وهو بظاهره مشكل بان التجري وان كان يصدق على ترك مقدمة من مقومات الواجب كما هو محل كلامه ويلزمه تحققه مع العصيان أيضا إذ ليس من مقومات التجري عدم مصادفته مع العصيان كما افاده بعض الأعاظم قدس سره وانما قوامه بعدم صدق العصيان عليه ( ولكنه ) بعد أن يباين العصيان وجودا وموردا بلحاظ ان مورده هي المقدمة التي هي غير نفس العصيان يستحيل تداخله معه ( وحينئذ ) لو قيل باستحقاق العقوبة على خصوص هذا العنوان المقابل للعصيان ، يلزمه لا محالة تعدد العقوبة ولا مجال للتداخل ( نعم ) على ما ذكرنا من أن مدار العقوبة على عنوان الطغيان على المولى الجامع بين التجري والعصيان لا على خصوص عنوانهما ( لا باس ) بالالتزام بوحدة العقوبة في الفرض المزبور بلحاظ كونه حينئذ طغيانا واحدا مستتبعا لعقوبة واحدة ولكن ذلك غير مرتبط بالتداخل كما هو واضح ولا يبعد ان يكون نظر الفصول أيضا إلى ما ذكرناه ولكنه سامح في مقام التعبير فعبر عنه بالتداخل هذا ( وقد أفيد ) في توجيه كلامه قدس سره بان المراد من المعصية المجتمعة مع التجري غير المعصية التي تجرى فيها بل معصية أخرى كما لو شرب مايعا باعتقاد انه خمر ثم تبين انه مغصوب فان المكلف تجرى بالنسبة إلى شرب الخمر وعصى بالنسبة إلى شرب المغصوب ، بناء على أن العلم بجنس التكليف يكفي في تنجز التكليف وان لم يعلم فصله كما سيأتي في العلم الاجمالي فيقال في المثال انه قد تعلق علمه بحرمة شرب المانع على أنه خمر فبالنسبة إلى كونه خمرا أخطأ علمه وبالنسبة إلى الحرمة لم يخطأ وصادف الواقع لأنه كان مغصوبا ، فيكون قد فعل محرما ويعاقب عليه وان لم يعاقب على خصوص الغصبية لعدم تعلق العلم بها بل يعاقب على القدر المشترك بين الخمرية والغصبية ، فلو فرض ان عقاب الغصب أشد يعاقب عقاب الخمر ولو انعكس الامر يعاقب عقاب الغصب لأن المفروض انه لم يشرب الخمر فلا يعاقب عليه وفي الصورة الأولى انما كان يعاقب عقاب شرب الخمر مع أنه لم يشرب الخمر من جهة ان عقاب ما يقتضيه شرب الخمر هو المتيقن الأقل والمنفي هو العقاب الزائد الذي يقتضيه الغصب انتهى ( ولكنك خبير ) بما في هذا التوجيه مع ما فيه من التشويش والاضطراب إذ مضافا إلى كونه خارجاً

ص: 40

عن مورد كلام الفصول الذي هو التجري بترك مقدمة الواجب ( نقول ) ان كان الغرض ان الغصبية طرف للعلم الاجمالي فلا ريب في أن الغصبية كما انها محتملة كذلك الخمرية محتملة أيضا ، فلا معنى حينئذ لفرض العلم بالخمرية « وان كان » الغرض ان الغصبية غير محتمله رأسا وان المعلوم هو الخمرية فقط « ففيه » ان مجرد العلم بحرمة الخمر لا يستلزم العلم بحرمة الغصب ولا بالجامع بينهما ( إذ هما ) وانكانا تحت جامع الحرمة ، ولكن المعلوم بعد أن كان هي الحصة الخاصة من الحرمة المتعلقة بالخمر لا يسرى العلم منها إلى الحصة الأخرى المتعلقة بالغصب ولا إلى الجامع بينهما القابل للانطباق على كل من الحصتين ، كما في العلم بوجود زيد في الدار فإنه لا يكون الا علما بحصة من الانسانية المتحققة في ضمنه لا علما بمطلقه القابل للانطباق على سائر الافراد ، وما يأتي في العلم الاجمالي بجنس التكليف فإنما هو في مورد تعلقه بالجنس القابل للانطباق على كل واحد من الفردين لا فيمثل المقام « وحينئذ » فبعد عدم اقتضاء العلم بشخص حرمة الخمر للعلم بشخص حرمة الغصب ولا بالجامع بينهما فأين يتصور عصيان لحرمة الغصب أو للقدر المشترك بينهما وبين حرمة الخمر كما هو ظاهر ( بقى ) الكلام في اقسام التجري ( فنقول ) ان التجري ( تارة ) يكون في مقطوع المعصية ( وأخرى ) في مظنونه ( وثالثة ) في محتمله وعلى الأخيرين ( تارة ) يكون اقدامه على العمل برجاء المصادفة للواقع ( وأخرى ) برجاء عدم المصادفة للواقع ( وثالثة ) لمحض دعوة شهوته ( واما ) حكم هذه الأقسام فالقسم الأول منها قد تقدم مشروحا ( واما ) القسم الثاني وهو التجري في مظنون المعصية فحكمه كالتجري في مقطوع المعصية ان قام دليل معتبر على حجية ظنه ( لان ) ملاك القبح مخالفة ما هو المنجز في حقه علما كان أو غيره من غير فرق بين الصور الثلاث المتقدمة ( وان كان ) فرق بينها من جهة أشدية التجري في الصورة الأولى ( اللّهم ) الا ان يمنع أصل صدق التجري في الصورة الثانية ، بدعوى ان الامر بالغاء احتمال الخلاف لما كان حكما طريقيا راجعا إلى حكم صوري في ظرف المخالفة للواقع فالاقدام على العمل برجاء عدم مصادفة الطريق للواقع يرجع إلى البناء على كونه ترخيصا ، والاقدام مع هذا البناء لا يكون تجريا لا بالنسبة إلى الواقع ولا بالنسبة إلى الطريق فتدبر ( واما ) إذا لم يقم دليل

ص: 41

معتبر على حجية ظنه فلا اثر لتجريه بعد عدم حجية ظنه وعدم تنجز الواقع عليه بل يمكن التأمل في أصل تجريه حتى في فرض اتيان العمل برجاء المعصية ( وهكذا ) الكلام في القسم الثالث ( بقى ) الكلام فيما يمكن ان يجعل ثمرة لهذا النزاع ( وهو ) انه على المختار من قبح التجري ذاتا ومبعديته لو قامت امارة معتبرة على حرمة شيء فلا اشكال في عدم صلاحية العمل المتجرى به حينئذ للمقربية ولو مع اتيانه برجاء مطلوبيته واقعا ، من جهة انه مع قبحه فعلا ومبعديته يستحيل صلاحيته للمقربية ( واما ) على مختار الشيخ قدس سره فيمكن التقرب بمثله باتيانه برجاء المطلوبية الواقعية ، إذ لا تنافي بين كشفه عن سوء سريرته وبين صلاحيته للمقربية ( وتوهم ) مانعية سوء سريرته حينئذ عن مقربية عمله كما في عمل الكافر المأتي بقصد التقرب بناء على عدم مانعية الكفر ( ممنوع ) إذ يحتاج مثله إلى قيام دليل عليه ( واما ) على مختار الكفاية فيمكن الالتزام أيضا بصحة عمله وصلاحيته للمقربية ( إذ ) بعد عدم سراية القبح إلى نفس العمل ووقوفه على نفس العزم على المعصية فلا قصور في صلاحية عمله للمقربية ، اللّهم الا ان يقال بان قوام مقربية الأعمال بعد أن كان بقصدها ، فلا محاله يكون مبعدية قصده مانعا عن مقربية عمله ( ولعله ) إلى ما ذكرناه أيضا نظر الأصحاب في حكمهم ببطلان العبادة مع خوف الضرر الغير المالي ، وكذا بنائهم على بطلان عبادة الحائض في أيام الاستظهار أو عند الاشتباه بدم آخر قبل الاختبار بناء على الحرمة الذاتية ولو لم يكن في الواقع حيضا ولا كان في الواقع ضرر ( إذ بعد ) كون المرتكز في الأذهان هو طريقية هذه العناوين لا موضوعيتها يتمحض بنائهم على البطلان من جهة كونه تجريا ( واما ) توهم ان بنائهم على البطلان في نحو هذه الموارد انما هو من جهة التشريع لا التجري ( فيدفعه ) استلزامه للبناء على صحة العبادة في فرض الاتيان بها برجاء المطلوبية واقعا ، لعدم تأتي التشريع المحرم حينئذ ولو مع قيام الامارة المعتبرة على الحرمة مع أنهم لا يلتزمون بذلك

الجهة السادسة

« قد عرفت » ان القطع إذا كان طريقا محضا فلا يفرق فيه بين أسبابه

ص: 42

وأشخاصه وأزمانه وانه متى تحقق يتبعه حكم العقل تنجيزا بلزوم متابعته والحركة على وفقه بنحو يستحيل الردع عنه من قبل الشارع ( الا انه ) خالف في ذلك جماعة من أصحابنا الأخباريين فقالوا بأنه لا اعتبار بالقطع الناشئ من غير الأدلة السمعية ( وهو ) بظاهره مشكل بداهة اباء العقل بعد تنجيزية حكمه بلزوم الاتباع عن تشريع خلافه لكونه من المناقضة الواضحة في نظره ( نعم ) لهذا الكلام مجال بناء على تعليقية حكمه على عدم الردع عنه ( إذ حينئذ ) بالردع يرتفع حكم العقل فترتفع المناقضة ( كما لعله ) إلى ذلك أيضا نظر القائلين بجواز ارتكاب جميع الأطراف في العلم الاجمالي فكان تجويزهم ارتكاب الجميع من جهة دعوى كون حجية العلم الاجمالي كالظن في حال الانسداد على الحكومة ( معلقة ) على عدم ورود ترخيص شرعي على الخلاف ( وحينئذ ) فلا يبقى في البين الا شبهة المناقضة والمضادة الواقعية ، وهي أيضا مندفعة بما يجاب به في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي من اختلاف الرتبة بين الحكمين هذا ولكن المبنى واضح البطلان ، بداهة انه ليس حكم العقل بلزوم اتباع القطع الا على نحو التنجيز الغير القابل للمنع عنه ، بشهادة ارتكاز المناقضة الكاشف إنا عن كون حكمه بلزوم اتباع القطع على نحو التنجيز والعلية التامة ، نظير كشف التبادر عن ثبوت الوضع ( إذ ) المناقضة المزبورة الارتكازية ثبوتا من توابع تنجيزية حكم العقل ( وعلى ذلك ) فمتى حصل القطع يتبعه حكم العقل التنجيزي بوجوب الموافقة سواء كان حصوله من المقدمات العقلية النظرية أو الضرورية أو الأدلة السمعية ، وسواء كان القاطع قطاعا أو غيره ، لاستواء الجميع بنظر العقل ( نعم ) يمكن ان يفرق بين القطع الناشي عن تقصير المكلف في مقدمات حصول قطعه وبين غيره في جهة معذريته عند مخالفة قطعه للواقع ، بدعوى عدم معذورية من يقصر في مقدمات قطعه خصوصا إذا كان ذلك من جهة الخوض في المقدمات العقلية التي نهى عن الخوض فيها ( ولكن ) مثل هذه الجهة غير مرتبطة بجهة منجزيته وعليته لحكم العقل بوجوب الحركة على وفقه ( إذ ) لا تلازم بين عدم معذرية قطعه ذلك عند تخلفه عن الواقع ، وبين عدم منجزيته في مقام اثبات الاشتغال بالتكليف وصحة الردع عن العمل على وفقه ( ولا بأس ) أيضا بالالتزام بهذا المقدار ، كما يشهد له النصوص الناهية عن

ص: 43

الخوض في المطالب العقلية ز بناء على شمولها للقطع بالأحكام الفرعية ، بل وما ورد من نفي الثواب على ما لا يكون بدلالة ولى اللّه ( فان ) الظاهر المستفاد منها هو النهي عن الخوض في المباني العقلية في مقام استنباط الاحكام الفرعية كالأقيسة والاستحسانات كما كان عليه ديدن العامة اللذين استغنوا بأمثال هذه الأمور عن أهل البيت عليهم الصلاة والسلام « لولا » دعوى سوقها في مقام شرطية الولاية في صحة الأعمال خصوصا بقرينة بناء الاسلام عليها ( نعم ) ما كان منها بلسان عدم جواز العمل به لابد من حمله على الظنون العقلية والاستحسانات الظنية ونحوها مما لا يستتبع حكم العقل بوجوب الاتباع ( ولعله إلى ما ذكرنا ) نظر القائل بعدم اعتبار قطع القطاع فيراد من ذلك عدم اعتباره في مقام المعذرية ، ولو بملاحظة تقصيره في مقدمات قطعه من الأول الناشئ من جهة قلة مبالاته وعدم تدبره الموجب لخروجه بذلك عما عليه متعارف الناس من الاستقامة إلى الاعوجاج في السليقة بنحو يحصل له القطع من كل شيء مما لا يكون مثله سببا عاديا لحصول الظن بل الشك لمتعارف الناس ، لا عدم اعتباره في مقام المنجزية ومرحلة اثبات التكليف والاشتغال به ( بل ويمكن ) ان يحمل عليه أيضا مقالة الأخباريين في حكمهم بعدم اعتبار القطع الناشئ من غير الأدلة السمعية لولا تصريح بعضهم بالخلاف ولو بدعوى كون القطع الناشئ من المقدمات العقلية أكثر خطأ من القطع الناشي من الأدلة السمعية وان كان فيه ما فيه أيضا لمنع أكثرية الخطأ في ذلك عما يحصل من الأدلة السمعية بنظر العقل ومساواتها بنظره من جميع الجهات ( وربما ) أفيد في توجيه كلامهم كما عن بعض الأعاظم قدس سره بجعله ناظرا إلى شرطية العلم الخاص في أصل ثبوت التكليف الواقعي بنحو نتيجة التقييد ( بل ) نفي البعد أيضا عن كون العلم الحاصل من غير الطرق الشرعية كالرمل والجفر وغيرهما مانعا شرعيا عن أصل ثبوت التكليف الواقعي « ولكنه » كما ترى فان نظر الأخباريين لو كان فيما اختاروه إلى شرطية العلم من سبب خاص في ثبوت الحكم الشرعي ولو بمتمم الجعل يلزمهم انكار حصول العلم بالحكم من غير الكتاب والسنة كما توجه إلى ذلك أيضا هو قده قبيل ذلك « لا المنع » عن حجيته ولزوم متابعته ( مع ) ان كلماتهم كما ترى مشحونه بأنه لو حصل العلم من غير الكتاب والسنة يطرح ولا يصلح

ص: 44

للمعارضة مع العلم الحاصل من الدليل النقلي ( ومن ذلك ) ترى الشيخ قدس سره يستوحش من هذه المقالة غايته وينادي بأنه ليت شعري مع حصول العلم من دليل العقل ، كيف يعقل حصول العلم بخلافه من غيره وبالعكس ، حتى يقع بينهما المعارضة وينتهي الامر إلى ترجيح النقلي عليه ، وانه في فرض حصول العلم كيف يعقل الردع عنه ( واما ) ما وقع منه قدس سره من جعل مقالة الأخباريين من أمثلة العلم المأخوذ في الموضوع فإنما هو لمحض التمثيل على ما يقتضيه مذاق الأخباريين من عدم العبرة بالعلم الحاصل من غير الكتاب والسنة لا انه لأجل تصحيح كلامهم والا لم يكن مجال للانكار عليهم والاستيحاش من مقالتهم كما هو ظاهر وقد يوجه » كلامهم بوجه آخر وتقريبه ان قصد التقرب في الأحكام الشرعية لما كان منوطا بالجزم بالامر الشرعي الباعث على الاتيان كان للشارع تقييد القربة المعتبرة في المأمور به بالقرب الناشئ عن خصوص الجزم الناشئ من الأدلة السمعية لا مطلقا فحينئذ تصح مقالة الاخباري من عدم العبرة بالقطع الناشئ من المقدمات العقلية ، مؤيدا بما ورد من النصوص بعدم الثواب على الأعمال التي لم تكن بدلالة ولى اللّه الظاهرة في كون عدم المثوبة من جهة الاخلال بقصد القربة ( أقول ) ولا يخفى ان هذا التوجيه وان كان وجيها في نفسه ولا يرد عليه اشكال امتناع ردع الشارع عن العمل على وفق القطع الناشئ عن غير الأدلة السمعية لخروجه في الحقيقة عن مفروض البحث الذي هو القطع الطريقي ( ولكن ) يرد عليه مضافا إلى اختصاصه بالتكاليف العبادية وعدم جريانه في كلية التكاليف ، انه لا دليل على التقييد المزبور في العبادات لو لم نقل بظهور أدلة اعتبار قصد القربة في كفاية مطلق القرب الناشئ ولو من الجزم الناشي من الطرق العقلية ، واما التأييد المزبور فقد عرفت ان هذه النصوص ، بين ما يكون في مقام اعتبار شرطية الولاية في أصل صحة الأعمال ، وبين ما يكون في مقام النهى عن الخوض في الأقيسة والاستحسانات العقلية الظنية كما عليه العامة ( وحينئذ ) فأحسن التوجيهات لمقالتهم هو ما ذكرناه أولاً من تعليقية حكم العقل في وجوب اتباع القطع على عدم ردع الشارع عن خلافه كما ربما يؤيده كلام المحدث البحراني قدس سره في ترجيح للنقل على العقل عند تعارض القطعين وتأييد أحدهما بالنقلي فتأمل

ص: 45

الجهة السابعة

في أنه هل يعتبر العلم الاجمالي كالعلم التفصيلي والكلام فيه يقع ( تارة ) في مقام اثبات التكليف به ( وأخرى ) في مقام الاسقاط به ( اما المقام الأول ) فيقع الكلام فيه ( تارة ) في تأثيره في التنجيز بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية في قبال من يدعى عدم اقتضائه رأسا وانه كالشك البدوي ( وأخرى ) في تأثيره بالنسبة إلى الموافقة القطعية ، وعلى التقديرين فهل هو على نحو الاقتضاء أو بنحو العلية التامة غير القابل لمجئ الترخيص على خلافه ، أو يفصل بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية بكونه على نحو العلية في الأولى وعلى نحو الاقتضاء في الثانية ( فنقول ) لا ينبغي الاشكال في أن العلم الاجمالي كالعلم التفصيلي في كونه علة تامة لاثبات الاشتغال بالتكليف وتنجيزه على وجه يأبى العقل عن الترخيص على خلافه ويشهد لذلك ارتكاز المناقضة هنا كما في العلم التفصيلي فإنها من تبعات عليه العلم الاجمالي وتنجيزية حكم العقل بالاشتغال ولولا عليته لما تحققت المناقضة المزبورة ( وبذلك ) اتضح فساد القول بالاقتضاء فضلا عن القول بعدم الاقتضاء رأسا وانه كالشك البدوي ( وبذلك يظهر الحال ) في الموافقة القطعية أيضا حيث إن لازم علية العلم الاجمالي لأصل الاشتغال وتنجيز المعلوم بالاجمال هو لزوم الخروج عن عهدته ، ولا يكون ذلك الا باتيان جميع المحتملات ، لان الاقتصار على بعضها مساوق لاحتمال عدم الخروج عن عهدة ما تنجز من التكليف ، ولازمه اباء العقل عن الترخيص الشرعي ولو في بعض الأطراف ، إذ مع تردد الواقع بين المحتملين واحتمال كون الطرف المرخص فيه هو الواقع المنجز ، يرى ترخيصه فيه ترخيصا في محتمل المعصية ومناقضا بحسب ارتكازه لما علم ثبوته في عهدته ، ( وعليه لا يبقى ) مجال للتفكيك بين الموافقة القطعية والمخالفة القطعية بحرمة الثانية وعدم وجوب الأولى ، إذ العلم الاجمالي ان كان قاصرا في أصل اقتضائه للاشتغال فلا مقتضى لحرمة المخالفة القطعية ، فأمكن اجراء الأصلين في الطرفين بلا ورود ومحذور في البين ، وان كان تاما في اقتضائه للاشتغال ، يلزمه وجوب الموافقة القطعية أيضا ، لان الاشتغال بالتكليف يقتضي الفراغ اليقيني عنه ولا يحصل ذلك الا باتيان جميع ما يحتمل انطباق

ص: 46

المعلوم عليه من الأطراف ( ثم إن المنشأ لتوهم ) التفكيك المزبور انما هو تخيل كون متعلق العلم الاجمالي هو نفس الجامع بين الطرفين بما انه حاك عن منشأه نظير الجامع المأخوذ في حيز التكاليف الشرعية فيقال ان شأن العلم اجمالا أو تفصيلا بعد أن كان تنجيز متعلقه لا غيره فلا جرم ان المنجز بالعلم الاجمالي ليس الا نفس الجامع بين الطرفين ، بلا سراية إلى الخصوصيتين ولازمه وان كان وقوع كل واحد من العناوين التفصيلية موردا للترخيص العقلي بمناط قبح العقاب بلا بيان ، ولكنه من جهة استتباع الترخيص في ارتكاب جميع الأطراف لمحذور الوقوع في المخالفة القطعية لذلك التكليف المعلوم بالاجمال ، يقتصر في مقام الارتكاب على بعض الأطراف ، إذ هو مقتضى الجمع بين تنجز الجامع وبين الترخيص في ارتكاب كل واحد من الأطراف بعناوينها التفصيلية كما هو الشأن في جميع الواجبات التخييرية التي يكون مرجع الوجوب فيها إلى ايجاب الجامع بين الافراد فكما ان مقتضى الامر بالجامع هناك مع الترخيص في ترك الخصوصيات هو الاقتصار في الترك على بعض الأطراف دون جميعها لافضاء ترك الجميع إلى محذور المخالفة القطعية للتكليف بالجامع كذلك الامر في المقام أيضا ، « ولكنك خبير » بما فيه إذ نقول ان متعلق العلم الاجمالي ومعروضه وان كان هو الجامع بين الطرفين ليس الا لبداهة خروج الخصوصيتين عن متعلق العلم رأسا ، لكن لا بما انه في حيال ذاته ولا بما انه حاك عن منشأه كما في الطبيعي المأخوذ في حيز التكاليف ، بل بما انه مرات اجمالي عن الخصوصية الواقعية المرددة في نظره بين إحداهما بنحو تكون نسبته إليها نسبة الاجمال والتفصيل بحيث لو كشف الغطاء كان المعلوم بالاجمال عين المعلوم التفصيلي وينطبق عليه بتمامه لا بجزء تحليلي منه كالطبيعيات الصرفة ، فيكون المقام من هذه الجهة أشبه شيء بمدلول النكرة الذي هو عبارة عن إحدى الخصوصيات قبال عنوان الواحد الحاكي عن صرف منشئه من دون ان يكون مراتبا اجماليا للخصوصية وان كان بين المقامين فرق من حيث إن النكرة يراد بها الخصوصية المبهمة بنحو لا تعين لها في الواقع أيضا ، بخلاف المقام حيث إن للعنوان المعلوم بالاجمال واقعا محفوظا بنظر القاطع ، ولكنه مجهول عنده فلم يدر انه هذا أو ذاك والسر في الفرق المزبور هو ان الجامع في متعلق الاحكام عبارة عن نفس الطبيعة لا بوصف

ص: 47

تعينها وموجوديتها خارجا ، بل في ظرف عدمها بنحو يكون الطلب محركا لايجادها في الخارج ويكون تعينها بايجادها في الخارج ، والا فقبل ايجادها تكون لها قابلية الانطباق على كل واحد من الافراد ، وهذا بخلاف الجامع المتعلق للعلم الاجمالي ، فإنه عبارة عن المهية بوصف موجوديتها وتعينها في الخارج ، الا انه من جهة عدم تعينه في نظر القاطع يتردد انطباقه في نظره على هذا أو ذاك ، ولذلك لم تكن قابلية انطباقه على كل واحد من الطرفين الا احتماليا محضا ، ومن المعلوم بداهة سراية التنجز من مثل هذا الجامع إلى نفس تلك الخصوصية الواقعية ، ومع احتمال وجوده في كل واحد من الطرفين ، يحتمل في كل واحد منهما وجود الواقع المنجز ، ولازمه بحكم العقل الجزمي بالاشتغال لزوم الاتيان بجميع المحتملات لان الاقتصار على بعضها مساوق لاحتمال عدم الخروج عن عهدة ما تنجز عليه ، وان أبيت عن سراية التنجز من الجامع إلى الخصوصية الواقعية نقول بعد انحصار فرد هذا الجامع بإحدى الخصوصيتين لابد في مقام الخروج عن عهدة التكليف بهذا الجامع المنحصر فرده بإحدى الخصوصيتين ، من الاتيان بكلتا الخصوصيتين إذ مع الاتيان بأحديهما مع احتمال انحصاره بالأخرى ، يشك في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم ، وحينئذ فعلى أي تقدير لا يبقى مجال التفكيك بين الموافقة القطعية والمخالفة القطعية ( وتوهم ) الفرق بينهما بان عدم جواز الترخيص في المخالفة القطعية ، انما هو باعتبار تعلقه بنفس المعلوم ومثله مما يأبى عنه العقل ، لارتكاز المناقضة بخلاف الترخيص في ترك الموافقة القطعية ، فإنه انما يتعلق بالمشكوك ، ومثله مما لا يأبى عنه العقل كما في الشبهات البدوية ( مدفوع ) بان منشأ ارتكاز المناقضة في الترخيص في المخالفة لا يكون الا تنجيزية حكم العقل بالاشتغال والا فلا مجال لتوهم المناقضة المزبورة ، وحينئذ فإذا فرضنا تنجيزية حكمه بالاشتغال فلا محالة نفس هذا المعنى يقتضي لزوم تحصيل الجزم بالفراغ عما ثبت الاشتغال به ولا يكون ذلك الا باتيان جميع المحتملات ( نعم ) للشارع الترخيص في ترك بعض الأطراف بجعل بعضها الاخر بدلا ظاهريا عن المأمور به في مقام تفريغ الذمة ولكنه غير مرتبط بمقام الترخيص في ترك الموافقة القطعية ، ولذلك يجرى هذا المعنى في موارد ثبوت التكليف بالعلم التفصيلي أيضا ، كما في موارد جريان

ص: 48

الاستصحابات الموضوعية المنقحة لموضوع الفراغ كاستصحاب الطهارة والستر ونحوهما ، وكذا موارد جريان قاعدة التجاوز والفراغ ونحو ذلك ، مع أنه لا شك في علية العلم التفصيلي بالتكليف لوجوب الموافقة القطعية « وبالجملة » لا نعنى بعلية العلم الاجمالي الا كونه كالعلم التفصيلي في مقام اثبات الاشتغال ، بنحو لا يحتاج إلى جعل من قبل الشارع ولا يقبل المنع عنه « واما » مرحلة الفراغ المترتبة على الاشتغال فللشارع التصرف فيها بجعل بعض الأطراف مصداقا للمفرغ عما ثبت الاشتغال به ، من جهة ان هم العقل في هذه المرحلة انما هو تحصيل المفرغ بالأعم من الحقيقي والجعلي ، كما هو الشأن في حكمه بالفراغ في مورد ثبوت الاشتغال بالعلم التفصيلي الجارية فيه الأصول المنقحة لموضوع الفراغ وليس همه لزوم تحصيل الفراغ الحقيقي باتيان ما هو مصداق المأمور به حقيقية ، فالمقصود من علية العلم الاجمالي للتنجيز ، انما هو عليته لاستحقاق العقوبة على ترك الموافقة بأحد الوجهين وجدانا أو جعلا ولزوم تطبيق العمل على طبق المعلوم بأحد الوجهين وعلى ذلك لا يبقى مجال للتشبث بموارد قيام الامارة على نفى التكليف في بعض الأطراف ، وقيام الأصل المحرز للتكليف في بعضها ، لاثبات عدم علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية ، وذلك لما عرفت من الفرق بين المقامين من حيث رجوع الموارد المزبورة إلى مرحلة التوسعة في ناحية المفرغ التي هي غير منافية مع علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية ، لا إلى مقام الترخيص في ترك تحصيل القطع بالموافقة ، ولذلك لا يفرق في هذه الجهة بين ثبوت الاشتغال بعلم تفصيلي وثبوته بعلم اجمالي كما أشرنا إليه ، وسيجئ مزيد بيان لذلك في مبحث البراءة والاشتغال.

« ثم انه » بعد ما اتضح اعتبار العلم الاجمالي في مقام اثبات التكليف ( يبقى ) الكلام في المقام الثاني وهو اعتباره في مقام اسقاط التكليف في ظرف ثبوت الاشتغال به بأي طريق كان ، وانه هل يجوز الاكتفاء بالامتثال الاجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي ، فيه خلاف بين الاعلام « فنقول » اما في التوصليات فلا ينبغي الاشكال في جوازه مطلقا لسقوط الامر والتكليف باتيان المأمور به كيفما اتفق ، واما في العبادات ، فلا اشكال أيضا في فرض تعذر

ص: 49

الامتثال التفصيلي ، من غير فرق بين استلزامه للتكرار وعدمه ( والا ) يلزم سد باب الاحتياط في العبادات بالمرة وهو كما ترى ( وانما الكلام ) في صورة التمكن من الامتثال الجزمي التفصيلي أو الظني المعتبر خصوصا في فرض استلزامه للتكرار « ومنشأ » الاشكال انما هي شبهة اعتبار قصد الوجه ، والتمييز في العبادة المستلزم للامتثال التفصيلي « والا » ففي سائر الوجوه المذكورة في كلامهم كاللعب بأمر المولى ونحوه مناقشة واضحة « وتقريب الشبهة المزبورة » انه بعد احتمال دخل قصد الوجه والتمييز في العبادة كأصل قصد القربة ، وعدم امكان نفي اعتبارهما باطلاق دليل العبادة ولو مع كونه مسوقا في مقام البيان بلحاظ عدم كون مثل هذه القيود على تقدير دخلها مما يمكن اخذها في المأمور به شرعا ، حتى يدفع اعتبارها باطلاق دليل العبادة أو بالأصل بلحاظ معلومية متعلق التكليف بتمام حدوده للقطع بعدم دخلها في المأمور به ، وان كانت على فرض اعتبارها دخيلة في أصل الفرض ، وفى سقوط الامر « لا مناص » من المصير إلى الاحتياط عند الشك في دخل مثلها في الغرض ولو على القول بمرجعية البراءة في الأقل والأكثر الارتباطيين ، بلحاظ ان الشك هناك راجع إلى الشك في أصل التكليف بالجزء المشكوك ، بخلاف المقام فان الشك فيه راجع إلى الشك في الامتثال والخروج عن عهدة ما ثبت الاشتغال به يقينا وفي مثله يحكم العقل بلزوم تحصيل القطع بالفراغ ولا يكون ذلك الا باتيان العمل بداعي وجوبه تفصيلا بحيث يجزم حال الاتيان بالعمل بكون الماتى به هو الواجب والمأمور به ، وعلى هذه الجهة فرعوا بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد وجعلوا الاحتياط خلاف الاحتياط بلحاظ ان في ترك سلوك الطريقين اخلال بقصد الوجه المحتمل دخله في العبادة ، هذا « أقول » وفيه انه وان احتمل دخل مثله في الغرض والمصلحة ، ولكنه بعد كون مثل هذه الأمور من القيود المغفول عنها غالبا فلا بأس بالتمسك بالاطلاقات المقامية في نفي اعتبارها في الغرض فان مقتضى الاطلاق المقامي هو عدم اعتبار ما شك في دخله من نحو هذه القيود المغفول عنها ، والا يلزم اخلال المولى بغرضه بسكوته وعدم التعرض لدخله في غرضه ولو بخطاب آخر « ويمكن التمسك » بالاطلاق اللفظي أيضا بما بنياه في مبحث التعبدي والتوصلي من امكان اخذ قيد

ص: 50

دعوة الامر في متعلقه بالتزام ان الحكم المنشأ بالانشاء الوارد في الخطاب الشخصي هو سنخ الحكم الساري في ضمن افراد طولية بعضها محقق لموضوع الاخر بنحو قابل للانحلال إلى خطابات متعددة بعدد الافراد ، كما في وجوب تصديق العادل الشامل باطلاقه للاخبار مع الواسطة ، إذ على هذا البيان تكون هذه القيود المتأخرة كغيرها من القيود في امكان اخذها في المتعلق ، الا انها تفترق عنها بتوقف اخذها في المتعلق على طلبين يتعلق أحدهما بذات العمل والاخر باتيانه بداعي امره بخلاف القيود الاخر فإنه يكفي في اخذها نفس الطلب المتعلق بالمقيد وحينئذ فعند الشك في دخل قصد الوجه في المصلحة ، لا بأس بالتمسك باطلاق الخطاب باعتبار كشفه عن الطلب لنفي اعتباره في المتعلق وعدم دخله في المصلحة ، ومجرد قصور شخص الخطاب وعدم قابليته للتقييد بما هو من شؤونه ولوازم وجوده ، غير ضائر باطلاق الإرادة ( إذ هي ) سعة وضيقا تابعة للمصلحة القائمة بالمتعلق فإذا لم يكن للقيد المشكوك دخل في المصلحة القائمة بالمتعلق تتبعها الإرادة قهرا في الاطلاق ، وبالجملة الفعل المأمور به وان لم يكن له اطلاق من ناحية شخص الخطاب المتعلق به الا انه من حيث الإرادة التشريعية التابعة للمصلحة القائمة به قابل للاطلاق والتقييد فأمكن التمسك باطلاقه لعدم دخل القيد في المتعلق ، إذ على تقدير دخله في المصلحة الموجبة للإرادة لابد للشارع من بيانه واخذه في حيز خطابه فمع عدم اخذه في خطابه يتمسك باطلاق الخطاب لنفي اعتباره في متعلق امره ( ويمكن ) تقريب الاطلاق بوجه اخر حتى على فرض كون المنشأ بالخطاب حكما شخصيا ، بتقريب انه وان يقطع بعدم امكان تقييد المأمور به بمثل قصد الوجه ، لامتناع اخذ ما هو من شؤون الامر في متعلقه ، ولكنه لا شبهة في أنه في فرض اعتباره في الغرض لا يكون له اطلاق أيضا يشمل حال فقده ، بل هو حينئذ عبارة عن الحصة الخاصة التوئمة مع قصد الوجه على نحو نتيجة التقييد كما أسلفنا وحينئذ فلو شك في دخله في الغرض يكون مرجع الشك المزبور لا محالة إلى الشك في اطلاق المأمور به وعدم اطلاقه الراجع إلى الحصة التوئمة وبعد ان كان للشارع بيان هذه الجهة يتمسك باطلاق خطابه في نفي اعتباره في غرضه ، وحينئذ فلولا قصور هذه المطلقات من جهة كونها في مقام البيان ، لا قصور في التمسك باطلاقها من هذه الجهة ( ثم انه )

ص: 51

لو بنينا على عدم تمامية الاطلاقات حتى المقامية منها فلنا ان نتمسك بالبرائة العقلية بناء على جريانها في الأقل والأكثر كما هو التحقيق ، فان ما أفيد في تقريب الاشتغال في المقام بعينه هو الاشكال الجاري هناك إذ احتمال دخل القيد في الغرض وفى الخروج عن عهدة الامر بالصلاة في المقام مساوق احتمال دخل الجزء المشكوك في الخروج عن عهدة التكليف بالأقل هناك غاية الامر انه في صورة امكان اخذ القيد في المتعلق ينبسط التكليف حسب تبعيته للغرض على ذوات الاجزاء مع تقييدها بالقيود على نحو كيفية قيام الغرض بها ، واما في صورة عدم امكان اخذه في المتعلق كما في المقام فيستقل ذات المقيد بالامر بلحاظ قصور التكليف حينئذ عن الشمول للقيد ولكن استقلالها بالامر لا يكون على نحو الاطلاق بحيث يشمل حال فقد القيد بل يكون وجوبها في حال انضمام القيد إليها على نحو القضية الحينية المعبر عنه بوجوب الحصة التوئمة مع القيد لان ذلك هو الذي تقتضيه المصلحة الضمنية القائمة بها « نعم » لو كان استقلال الذات بالامر في المقام ناشئا عن مصلحة مستقلة قائمة بها وراء المصلحة القائمة بالمقيد « لأمكن » الفرق بين المقامين في البراءة والاشتغال وارجاع الشك في المقام إلى التعيين والتخيير ، ولكنه ليس كذلك بل كان ثبوت التكليف بالذات في المقام ناشئا عن نفس تلك المصلحة القائمة بالمقيد وان استقلال الذات بالامر انما كان من جهة قصور في نفس الامر عن الشمول لمثل هذه القيود المتأخرة رتبة عنه ، وحينئذ فيشترك المقام مع الأقل والأكثر فكان مرجع الشك في المقام بعد احتمال دخل القيد في الغرض إلى الشك في أن ما في العهدة هو نفس هذه الذوات فقط أو هي بما انها توئمة مع القيد فيرجع إلى الأقل والأكثر ، ومن المعلوم انه لا يستقل العقل في مثله الا بلزوم الخروج عن عهدة التكليف من قبل ما تم البيان عليه دون غيره ، وفي هذا الظرف وان كان يحتمل عدم سقوط التكليف واقعا الا ان احتماله لما كان مستندا إلى جهة أخرى لم يتم البيان عليها لا من جهة قصور في الماتى به كان مما لا يعتني به العقل ، إذ ليس هم العقل اسقاط التكليف واقعا وفى نفس الامر وانما همه الا من عن تبعة مخالفة ما تم عليه البيان وذلك يحصل باتيان متعلق التكليف عاريا عن القيد « وبما ذكرنا » ظهر وجه عدم اعتبار قصد الوجه والتمييز بمقتضى الأصول

ص: 52

والاطلاقات وانه لا مجال للاشكال من هذه الجهة في الامتثال الاجمالي ولا ينتهى النوبة إلى ما قيل من بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد ( نعم ) في المقام شبهة أخرى وهي ان مراتب الامتثال حيث كانت أربعة فلابد في الانتقال من كل مرتبة إلى المرتبة التالية من تعذر المرتبة السابقة ، والا فلا تصدق الإطاعة عقلا ويترتب عليه عدم جواز الاكتفاء بالاحتياط والامتثال الاجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي خصوصا في فرض استلزامه للتكرار لرجوعه حينئذ إلى الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي وانبعاثه عن احتمال البعث الذي هي الدرجة الأخيرة مع تمكنه من المرتبة القصوى بانبعاثه عن امر جزمي حال الاتيان بالعمل ، ولا أقل من الشك في اعتبار ذلك ، فيرجع إلى أصالة الاشتغال لرجوعه إلى الشك في التعيين والتخيير ( ولكنها مدفوعة ) بأنه لا دليل على ما أفيد في لزوم هذا الترتيب بين الامتثالين لولا رجوعه إلى دعوى لزوم قصد الوجه والتمييز في العبادة الذي تقدم الكلام فيه مفصلا وما أفيد من مرجعية الاحتياط عند الشك لرجوع الشك فيه إلى التعيين والتخيير ممنوع بل هو راجع إلى الشك في الأقل والأكثر في مراتب الامتثال إذ يكون الشك في دخل مرتبة زائدة من تلك المراتب المختلفة من حيث اشتمال بعضها على خصوصية زائدة دون بعض ومثله راجع إلى الأقل والأكثر ، والمرجع فيه على ما حقق في محله هي البراءة لا الاحتياط كما لا يخفى « كما أن ما أفيد أيضا » من كون الانبعاث في الامتثال الاجمالي انبعاثا عن احتمال البعث لان الداعي له على الاتيان في كل محتمل هو احتمال الامر « ممنوع » بان الانبعاث لا يكون الا عن الجزم بالامر ولو اجمالا وانما الاحتمال مقدمة لتطبيق ما يدعوه جزما على مورده لا ان ما يدعوه بنفسه هو احتمال الامر وبين الامرين فرق واضح وسيأتي مزيد بيان لذلك انشاء اللّه تعالى عند التعرض لذكر شرائط جريان الأصول.

الجهة السابعة

هل تنجز التكليف بالقطع تفصيلا أم اجمالا أو بغيره من الطرق الشرعية كما يقتضى وجوب الموافقة عملا ، يقتضى وجوبها التزاما بالتدين به والتسليم له اعتقاداً

ص: 53

وانقيادا بحيث يكون له امتثالان واطاعتان « فيه خلاف » المشهور العدم وهو المختار ، لانتفاء ما يقتضى ذلك شرعا وعقلا ، مضافا إلى شهادة الوجدان بعدم استحقاق الآتي بالمأمور به من دون التزام للعقوبة ( إذ لو كان ) واجبا كنفس العمل للزم في الفرض المزبور استحقاقه للعقوبة ، بل ولزم تعددها في فرض ترك الموافقة العملية أيضا ( وهو كما ترى ) يحكم بداهة الوجدان بخلافه ( نعم ) لا باس بدعوى رجحانه في نفسه ، بلحاظ كونه منشأ لكمال العبد وقربه إلى سيده وارتفاع درجته لديه ، بخلاف العكس فإنه موجب لتنقيصه وانحطاط درجته لديه ، لما يرى بالوجدان من الفرق بين الآتي بالمأمور به ملتزما بوجوبه ، وبين الآتي به غير ملتزم به ولكن ليس ذلك إلى حد يقتضى لزومه ( وتوهم ) وجوبه حينئذ باعتبار كونه من مراتب شكر المنعم الذي يجب القيام به عقلا كما في الالتزام وعقد القلب بأصول العقائد وبما جاء به النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ( مدفوع ) بان المقدار المسلم من الشكر الواجب انما هو الالتزام الاجمالي بالأحكام ( واما ) الالتزام التفصيلي بكل واحد من الاحكام ، فلم يقم على وجوبه دليل من الشرع ولا حكم من العقل ومجرد كونه من مراتب الشكر لا يقتضى وجوبه ، بل وجوب الالتزام الاجمالي بما جاء به النبي صلی اللّه علیه و آله انما هو من جهة كونه من شؤون التدين والتصديق بنبوته لا من جهة كونه شكرا ( واضعف ) من ذلك الاستدلال على وجوبه بحرمة التشريع إذ ذلك أيضا كما ترى ، للفرق بين عدم الالتزام بالوجوب وبين التشريع الذي هو الالتزام بالخلاف ، مع وضوح عدم اقتضاء عدم وجوب الالتزام بالحكم لجواز الالتزام بخلافه كما هو ظاهر « تنبيهان » الأول لا يخفى انه لا اختصاص لهذا النزاع بخصوص الأحكام المتعلقة بأفعال الجوارح كوجوب الصلاة والحج ونحوهما « بل يعم » الأحكام المتعلقة بأفعال الجوانح كوجوب الاعتقاد بالمبدء ووجوب عقد القلب به وبرسالة أنبيائه ونحو ذلك ، فان وجوب الاعتقاد وعقد القلب ليس الا كسائر الكبريات الشرعية من نحو وجوب الصلاة والصوم غير أن متعلق الوجوب في أحدهما فعل الجوارح وفي الاخر فعل الجوانح فيقال فيها أيضا انه بعد ثبوت وجوب الاعتقاد وعقد القلب بشيء هل يجب الالتزام والتدين بهذا الوجوب من جهة الموافقة الالتزامية « الثاني » انه بعد البناء على وجوب الموافقة الالتزامية

ص: 54

بمناط شكر المنعم أو بمناط آخر لا شبهة في وجوبها في صورة قيام العلم التفصيلي بالتكليف بل وفي صورة ثبوت التكليف بالامارة المعتبرة حيث إنه يجب الالتزام بالحكم الظاهري على الجزم وبالواقع على ما هو عليه ، واما في صورة ثبوت التكليف بالعلم الاجمالي فالمقدار الواجب انما هو الالتزام بالواجب الواقعي المردد بين الامرين لكونه هو المقدار الممكن في حقه ، واما الالتزام التفصيلي بوجوب كل واحد من الامرين فهو غير واجب بل غير جائز ( نعم الالتزام ) الاحتمالي بوجوب كل منهما رجاء حيث كان ممكنا أمكن دعوى وجوبه أيضا من دون ان ينافي ذلك ما تقتضيه الأصول الموضوعية أو الحكمية الموجبة للالتزام التفصيلي بالحكم الظاهري في مواردها ( وحينئذ ) ففي موارد جريان الأصول المثبتة في أطراف العلم الاجمالي وموارد دوران الامر بين المحذورين الجاري فيها أصالة الإباحة على ما هو التحقيق ينتهى الامر إلى وجوب التزامات ثلاثة ، الالتزام الجزمي بما هو الواجب الواقعي المردد بين الامرين ، والالتزام الاحتمالي بوجوب كل واحد من الامرين رجاء والالتزام التفصيلي بالحكم الظاهري المستفاد من الأصول الجارية في الأطراف فتدبر هذا تمام الكلام في المقصد الأول

المقصد الثاني

اشارة

ويقع الكلام فيه في مقامين الأول في امكان التعبد في الظن الثاني في وقوعه خارجا بعد الفراغ عن أصل امكانه « اما المقام الأول » فالمعروف المشهور بينهم هو امكانه ، بل الظاهر عدم الخلاف فيه عدى ما حكى عن ابن قبة وبعض آخر من دعوى استحالته وامتناعه لشبهة نقض الغرض وتحريم الحلال وعكسه وتفويت المصلحة والالقاء في المفسدة ( أقول ) ظاهر هذا العنوان يقتضى خروج الظن في حال الانسداد على تقرير الحكومة عن حريم النزاع ( إذ ) على الحكومة لا يكون في البين تعبد من قبل الشارع بالظن كي يلزم منه المحاذير المزبورة ، بل لا يكون الا حكم العقل بلزوم الاخذ بالظن والعمل على طبقة لأقربيته إلى الواقع بالنسبة إلى الشك والوهم ( بل ) لئن ضم إلى ذلك ملاحظة عصر ابن قبة الذي هو قبل عصر السيد ( أمكن ) دعوى خروج مطلق الظن عند الانسداد عن حريم

ص: 55

النزاع ، وان كان ما ذكر من التعليل للمنع عنه من نحو شبهة اجتماع الضدين وتحليل الحرام وعكسه يعم كلا الحالين ( ثم لا ينبغي الاشكال ) في أنه ليس المراد من الامكان المبحوث عنه في المقام هو الامكان الذاتي وهو الذي لا يأبى بذاته عن الوجود والعدم المقابل للامتناع بهذا المعنى كاجتماع النقيضين والضدين بل المراد منه هو الامكان الوقوعي وهو الذي لا يكون بنفسه محالا ولا مستلزما لأمر محال ويقابله الامتناع الوقوعي وهو ما يكون مستلزما لأمر محال وان لم يكن بذاته محالا بنظر العقل كما في وجود أحد الضدين في ظرف وجود ضده الاخر حيث إن نفس وجود الضد وتحققه في ظرف وجود ضده لا يكون محالا وانما محاليته من جهة استلزامه لمحذور اجتماع الضدين الذي هو بنفسه محال عقلا ( وذلك ) لوضوح ان التعبد بالظن بنفسه لا يكون في الاستحالة من قبيل اجتماع النقيضين أو الضدين وانما محاليته لأجل ما يلزمه من محذور تحريم الحلال وعكسه واجتماع الضدين وتفويت المصلحة ونحو ذلك من المحاذير التي يدعيها القائل بالامتناع ( نعم قد ) يقال ان المراد من الامكان في المقام هو الامكان التشريعي المقابل للامتناع في عالم التشريع من حيث أداء التعبد بالامارة إلى تفويت المصلحة والالقاء في المفسدة ووجوب ما يكون حراما وحرمة ما يكون واجبا ونحو ذلك ، لا الامكان التكويني بنحو يلزم من التعبد بالامارة محذور في عالم التكوين ، فان المحاذير المزبورة كلها راجعة إلى عالم التشريع لكونها بين ما يرجع إلى المحذور الملاكي كتفويت المصلحة والالقاء في المفسدة وبين ما يرجع إلى المحذور الخطابي كوجوب ما يكون حراما وعكسه وعلى كل حال مرجع هذه المحاذير كلها إلى عالم التشريع دون التكوين ( وفيه ) ان مجرد كون موضوع الامكان والاستحالة أمرا تشريعيا لا يقتضى خروج الامكان والاستحالة عن معناهما التكويني ، كيف ومثل محذور اجتماع الضدين أو صدور لقبيح ممن يستحيل صدوره منه كنقض الغرض ونحوه هل هو غير الاستحالة التكوينية في هذا التعبد والتشريع وهل يقابله غير الامكان التكويني ، وحينئذ فلا وجه لاخراج الامكان والاستحالة في المقام عن الامكان التكويني بمجرد كون موضوعهما أمرا تشريعا كما هو ظاهر ( وكيف ) كان فيكفي القائل بالامكان مجرد احتماله وعدم قيام برهان عقلي على استحالته

ص: 56

في ترتيب اثار الممكن عليه في مقام العمل وعدم طرح الدليل الدال على التعبد به ، فان المانع عن الاخذ بما دل على التعبد بالظن وترتيب الأثر عليه انما هو قيام البرهان على استحالته وامتناعه فمع فرض احتمال امكانه وجدانا وعدم قيام برهان عقلي على استحالته يؤخذ بما دل على التعبد به ويرتب عليه اثر الممكن من دون حاجة إلى اتعاب النفس في اثبات الامكان والقطع به كي يرد عليه الاشكال كما عن الشيخ قده وغيره بتوقفه على الإحاطة بجميع الجهات المؤثرة في الحسن والقبح والعلم بها وهو غير حاصل ، وان كان فيه ما فيه أيضا بملاحظة امكان حصول العلم بالامكان ولو من جهة الغفلة عن الجهات المؤثرة في الحسن والقبح ( ولكن الذي يهون الامر ) هو ما ذكرناه أولاً من عدم الحاجة فيما هو المهم من ترتيب اثر الممكن في مقام العمل وعدم طرح ما يدل على التعبد به ، إلى اثبات الامكان وانه يكفيه مجرد احتماله وعدم قيام برهان على استحالته ( والى ذلك ) أيضا نظر الشيخ قدس سره في قوله وهذا طريق يسلكه العقلاء في الحكم بالامكان ( لا إلى ) الحكم الجزمي بالامكان كي يورد عليه ، تارة بأنه لا معنى للحكم الجزمي بالامكان مع احتمال امتناعه بالوجدان ، وأخرى بالمنع عن استقرار طريقة العقلاء على ذلك مع احتمال الامتناع بالوجدان ، واما القائل بالامتناع فإنه لا يكفيه مجرد احتماله في طرح ما دل على التعبد به بل لابد له من اتعاب النفس في إقامة البرهان على ما يدعيه من الاستحالة والامتناع ( ثم ) انه استدل للقول بالامتناع بأمور ( منها ) اقتضاء جواز التعبد بخبر الواحد غير المفيد للعلم في الاخبار عن النبي صلی اللّه علیه و آله أو الأئمة علیهم السلام ، جوازه في الاخبار عن اللّه سبحانه والتالي باطل اجماعا فالمقدم مثله لعدم الفرق بينهما الا من جهة المخبر عنه في كونه هو اللّه سبحانه تارة والنبي صلی اللّه علیه و آله أو الأئمة أخرى وذلك لا يوجب فرقا بينهما بعد اشتراكهما فيما هو المهم من الاخبار عن الحكم التكليفي ( وفيه ما لا يخفى ) فان الاجماع على عدم جواز التعبد به في الاخبار عن اللّه سبحانه يمكن ان يكون من جهة ما يلزمه من الاخبار عن نبوة نفسه بلحاظ ان الاخبار عن اللّه سبحانه لا يكون الا بتوسيط الوحي أو نزول الملك عليه ، وهذان لا يكونان الا ممن كان نبيا من قبله سبحانه وأين ذلك والاخبار عن النبي صلی اللّه علیه و آله أو الأئمة علیهم السلام في الحكم التكليفي وحينئذ فإذا كان اتفاقهم على عدم جواز

ص: 57

التعبد بالخبر الواحد في الاخبار عن اللّه سبحانه من هذه الجهة فذلك لا تقتضي المنع عنه في الاخبار عن النبي صلی اللّه علیه و آله والأئمة (عليهم السلام) ، إذ لا تلازم بينهما بعد الفرق المزبور ( مع أن ) في الاخبار عن اللّه سبحانه أيضا يمكن التفكيك بين الجهتين بالمصير إلى جواز التعبد به من جهة اخباره عن الحكم التكليفي وعدم جوازه بالنسبة إلى ما يلزمه من الاخبار عن نبوة نفسه لاحتياجه بالضرورة إلى العلم الوجداني كغيره من أصول العقائد ، والتفكيك بين اللوازم غير عزيز في مرحلة التعبد كما في الخبرين المتعارضين من حيث حجيتهما في مدلولهما الالتزامي في نفي الثالث مع سقوطهما عن الحجية في مدلولهما المطابقي ، وحينئذ فلنا ان ندعي جواز الاخذ باخباره عن اللّه سبحانه في خصوص الحكم التكليفي وتخصيص الاجماع على عدم الجواز بما يلزمه وهو الاخبار عن نبوة نفسه ، مضافا إلى أنه يمكن ان يكون وجه الاجماع على عدم قبول خبر الواحد في الاخبار عن اللّه سبحانه هو استناد اخباره في ذلك إلى الحدس المحض الذي ليس معتبرا عند العقلاء أيضا ، وذلك من جهة ما هو الواضح من عدم كون الوحي بمثابة يدرك بتلك القوى الحسية عند نزوله ولذلك لا يكون بحيث يسمعه من كان حول النبي صلی اللّه علیه و آله بل شخص النبي صلی اللّه علیه و آله عند نزوله يطرء له نحو حالة مخصوصة وكان نزوله أيضا على قلبه الشريف وهذا بخلاف ما نحن فيه فلا مجال للتعدي بمقتضى الاجماع المزبور إلى الاخبار عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الذي كان مبناه ممحضا بالحس ( نعم ) لو أحرز من الخارج كون اتفاقهم على عدم جواز التعبد بالخبر في الاخبار عن اللّه سبحانه لأجل جهة مقبحة في نفس التعبد بالخبر الواحد الموجبة لاستحالة صدوره عن الحكيم تعالى ، فلابد من التعدي إلى الاخبار عن النبي والوصي بلحاظ تحقق تلك الجهة المقبحة فيه أيضا ولكن انى باثبات ذلك ، إذ لا أقل من احتمال كون المناط في عدم جواز التعبد بالخبر الواحد في الاخبار عن اللّه تعالى هو ما ذكرناه ( ثم إن ) الشيخ قدس سره أجاب عن ذلك بعد الاشكال بان الاجماع انما هو على عدم الوقوع لا الامتناع بقوله ان الاجماع على عدم جواز التعبد بالخبر عن اللّه سبحانه انما هو فيما إذا بنى تأسيس الشريعة أصولا وفروعا على العمل بالخبر الواحد عن اللّه لا فيمثل المقام الذي ثبت أصل الدين أصولا وفروعا بالأدلة القطعية ولكن عرض الخفاء على بعضها لأجل اخفاء الظالمين

ص: 58

« ويمكن المناقشة » فيما افاده بان مدرك المنع في التعبد بالخبر عن اللّه سبحانه. ان كان وجود جهة مقبحة فيه السارية في التعبد بالخبر عن النبي والوصي (عليه السلام) بنحو لا يمكن صدوره من الحكيم تعالى ، فلا فرق بين ما لو بنى أساس الدين أصوله وفروعه على العمل بخبر الواحد وبين ما لو ثبت أساس الدين بالأدلة القطعية الا من جهة أقلبة القبح وأكثريته ، وان كان مدرك المنع هو ما احتملناه من كون وجه اتفاقهم استناد الخبر عن اللّه سبحانه إلى الحدس المحض دون الحس وما يقرب منه فلا فرق أيضا بين الفرضين فتأمل ( ومنها ) أي من الأمور التي استدل بها لامتناع التعبد بالظن لزوم تحليل الحرام وتحريم الحلال كما عن محكى ابن قبة ( ومنها ) لزوم تفويت المصلحة والالقاء في المفسدة ( ومنها ) لزوم اجتماع الضدين من الوجوب والحرمة عند عدم الإصابة واجتماع المثلين عند الإصابة بناء على اشتراك العالم والجاهل في التكاليف الواقعية ، ولزوم التصويب الباطل بناء على عدم الاشتراك وكون الحكم الفعلي في حق الجاهل هو مؤدى الامارة ( ومنها ) لزوم نقض الغرض فإنه بعد تعلق الإرادة الجدية بايجاد العمل أو تركه يكون الامر بالتعبد بالامارة المؤدية إلى خلاف الواقع نقضا منه لغرضه وهو من المستحيل حتى عند المنكرين للتحسين والتقبيح العقليين ، فهذه جملة من المحاذير التي ذكروا لزومها في التعبد بغير العلم وان شئت فاجعل الوجوه الثلاثة الأخيرة من شؤون شبهة تحريم الحلال وتحليل الحرام المذكورة في كلام ابن قبة هذا ولا يخفى عليك ان تلك المحاذير على تقدير تماميتها لا تكون على منوال واحد على الموضوعية والطريقية وفى الحال الانفتاح والانسداد ، وذلك ( اما في ) ظرف الانسداد فعلى الطريقية لا يجرى شيء منها ( اما شبهة ) اجتماع الضدين والمثلين فعدم جريانها واضح لان مقتضى التعبد بالامارة على الطريقية ليس الا مجرد تنجيز الواقع عند الإصابة والاعذار عند عدم الإصابة من دون ان يكون في العمل بالامارة أو سلوكها مصلحة فلا يكون في البين انشاء حكم من المولى كي يلزمه محذور اجتماع المثلين أو الضدين ( واما شبهة ) نقض الغرض وتفويت المصلحة فهما غير جاريتين في ظرف الانسداد ، لان فوت الغرض والمصلحة حينئذ امر قهري لازم بمقتضى حكم العقل بالبرائة فلا يكون ذلك مستندا إلى التعبد بالامارة كما هو واضح ( واما ) على الموضوعية فيجرى فيه خصوص شبهة اجتماع الضدين أو المثلين

ص: 59

( واما شبهة ) نقض الغرض ولزوم تفويت المصلحة فهما أيضا غير واردتين ، لما عرفت من أن مع حكم العقل بالبرائة يكون الفوت قهريا بل حينئذ يكون تعبده بها موجبا لحفظ غرضه وللمصالح الواقعية في موارد إصابة الامارة للواقع هذا كله بالنسبة إلى حال الانسداد ( واما في حال الانفتاح ) والتمكن من تحصيل العلم بالواقع ولو بالسؤال عن الإمام (عليه السلام) ، فبناء على الموضوعية ربما تتوجه المحاذير الثلاثة المتقدمة واما على الطريقية فلا يتوجه الا شبهة تفويت المصلحة ونقض الغرض دون شبهة اجتماع الضدين أو المثلين كما هو ظاهر ( ولا مجال ) لدفعهما بما أفيد من أن المراد من انفتاح باب العلم انما هو امكان الوصول إلى الواقع بالسؤال من الإمام (عليه السلام) لا فعلية الوصول ويمكن ان تكون الأمارات الظنية في نظر الشارع كالأسباب المفيدة للعلم التي يعتمد عليها المكلف من حيث الإصابة والخطأ أي كانت إصابة الامارات وخطائها بقدر إصابة العلم الحاصل للمكلف وخطائه فلا يلزم حينئذ محذور من التعبد بالامارة الغير العلمية لعدم تفويت من الشارع للمصلحة في تعبده بالامارة ( إذ فيه ) ان فوت المصلحة من المكلف في موارد العلوم الخطائية امر قهري الحصول لعدم التفات القاطع حين قطعه إلى خطأ قطعه ، وهذا بخلاف التعبد بالامارة مع احتمال خطائها حيث إنه تفويت اختياري من الشارع عليه وهو قبيح ومعه لا مجال لمقايسة أحدهما بالآخر فتدبر « وكيف كان » فينبغي التكلم في الجواب عن أصل تلك الشبهات حتى على الموضوعية وحال الانفتاح فنقول وعلى اللّه التكلان ان توضيح المرام في المقام يقتضي تمهيد مقدمات.

« المقدمة الأولى» ، لا شبهة في أن الاحكام بحقائقها الراجعة إلى الاقتضاء والتخيير في مقام عروضها لا تكون قائمة الا بنفس العناوين المنتزعة عن الجهة التي قامت بها المصلحة الخارجية لكن لا بما انها ذهنية ولا بما هي شيء في حيال ذاتها في قبال الخارج بحيث يلتفت إلى مبائنتها مع الخارج ، لان ذلك مما يأبى عنه الوجدان بداهة عدم كون المفهوم بما هو في قبال الخارج محبوبا أو مبغوضا فضلا عن كونه ملحوظا ذهنيا ، بل بما انها ملحوظة خارجية على وجه لا يرى بالنظر التصوري كونها غير الخارج وان كانت بالنظر التصديقي غيره مع وقوف الحكم على نفس العنوان وعدم سرايته بتوسيطه إلى المعنون الخارجي كيف وان سرايتها إلى الخارج ملازم

ص: 60

لوجود المعنون في موطنه وهو ملازم لسقوط الحكم ومعه كيف يعقل صيرورة المعنون الخارجي مركز عروض الحكم وهل هو الا طلب الحاصل ( نعم ) مقتضى لحاظ العنوان خارجيا هو اتصاف المعنون الخارجي بهذا الاعتبار بعنوان المطلوبية والمرادية والمبغوضية والمحبوبية كاتصاف تلك العنوان بكونها ذا اثر ومصلحة ، ولكن هذا الاتصاف من الطرفين لا يكون الا بالعناية ناشئا من جهة اكتساب كل من العنوان والمعنون لون الاخر لما بينهما من الاتحاد بل العينية في هذا الحاظ ، والا فمعروض المصالح ليس الا المعنون الخارجي كما أن معروض الإرادة والكراهة حقيقة ليس الا نفس العناوين بما هي ملحوظة خارجية ، ولعله إلى ذلك نظر القائل بمرأتية العنوان للخارج فكان المقصود من انكاره هو عدم كون العناوين في حيال ذاتها وبالاستقلال في قبال الخارج معروضة للأحكام وان معروضيتها لها انما هو بلحاظها خارجية بحسب النظر التصوري بنحو لا يرى من العنوان في هذا النظر غير الخارج لا ان المقصود وساطة العنوان لسراية الحكم إلى الخارج ، والا يتوجه عليه ما ذكرنا من استحالة سراية الحكم إلى الخارج.

« المقدمة الثانية » انه كما يتنزع من وجود واحد عنوانان عرضيان ، كذلك يمكن ان ينتزع منه عنوانان طوليان على وجه يكون انتزاع أحد العنوانين في طول الحكم المتعلق بالعنوان الاخر وفي هذا القسم ( تارة ) تكون طولية العنوانين من جهة طولية الوصف المأخوذ في أحد العنوانين بلا طولية في طرف الذات المعروضة للوصف كما في الخمر والخمر المشكوك حكمها حيث إن تأخر العنوان الثاني عن الأول بلحاظ اخذ صفة المشكوكية فيه والا فنفس الذات في الموضعين تكون محفوظة في مرتبة واحدة غير أنها تلحظ تارة مجردة عن الوصف وأخرى موصوفة ومقيدة بالوصف من غير أن يكون لحاظها موصوفة منشأ لطولية الذاتين أصلا ولذلك ترى صحة انطباق الأول على الثاني بنحو يرى الجمع مصداقا لهما في عالم اللحاظ كما في المطلق والمقيد بل في هذه الجهة لا يفرق بين الأوصاف الخارجية كالايمان ونحوه أو اللحاظية كوصف مشكوكيتها ومشكوكية حكمها فإنه على كل تقدير يكون المعروض وهو الذات محفوظا في الموضعين في مرتبة واحدة على وجه لا يكون له اطلاق في عالم اللحاظ يشمل المرتبة

ص: 61

المتأخرة عن وصفه لبداهة استحالة لحاظ المعروض في ظرف وجود العارض الذي هو في مرتبة متأخرة عنه نعم نتيجة تقييد الذات حينئذ بالوصف المزبور انما هو دخل إضافة معروضية الذات لوصفها في حكمها في قبال اطلاقها الكاشف عن عدم دخل الإضافة المزبورة في حكمها ولكن هذا المقدار لا يقتضى سير الذات من مرتبة إلى مرتبة كما هو ظاهر ( وأخرى ) تكون طولية العنوانين حتى من جهة الذات المحفوظة فيهما المستلزمة لاعتبار الذات في رتبتين ، تارة في الرتبة السابقة على الوصف التي رتبة معروضيتها له ، وأخرى في الرتبة اللاحقة عن الوصف نظير الذات المعروضة للامر والذات المعلومة لدعوته المنتزع عنها عنوان الإطاعة على ما تقدم شرحه في مبحث التجري ( ومن هذا الباب ) كل وصف ينوط به الحكم القائم بالذات كما في القضايا الطلبية الشرطية ، فإنه لابد من فرض وجود الوصف قائما بموصوفه والحكم في هذا الظرف على نفس الذات الملحوظة في الرتبة المتأخرة عن الوصف بلا اخذ الوصف قيدا لهذا الموضوع ( ولذلك ) أيضا نقول انه لابد في القضايا الشرطية الطلبية من تجريد موضوع الحكم في عالم معروضيته له عن الوصف قبال القضايا التقييدية التوصيفية ( ومن هذا القبيل ) صفة المشكوكية بناء على كونها من الجهات التعليلية للأحكام الظاهرية لا من الجهات التقييدية المأخوذة في ناحية موضوعاتها كما هو الظاهر من أدلتها ، حيث إن المستفاد من أدلتها هو اخذ صفة المشكوكية على نحو الشرطية لنفس الاحكام الظاهرية لا على نحو القيدية لموضوعها وان شرب التتن مثلا لكونه مشكوك الحل والحرمة كان حلالا لا ان الحلية مترتبة عليه بعنوان كونه مشكوك الحل والحرمة ولازم ذلك على ما عرفت اعتبار الذات في رتبتين ، تارة في الرتبة السابقة على الوصف ، وأخرى في الرتبة للاحقه عنه ، وبذلك يختلف موضوع الحكم الواقعي والظاهري بحسب الرتبة بحيث لا يكاد تصور المجمع لهما في عالم عروض الحكم بخلاف فرض طولية العنوانين بالمعنى الأول إذ عليه تكون الذات مجمعا لهما حيث يرى كون الذات بنحو الاطلاق القابل للانطباق على المقيد معروضة للحكم الواقعي وفي ضمن المقيد معروضة للحكم الظاهري ( ودعوى ) عدم امكان تصور المجمع لهما على هذا الفرض أيضا بلحاظ ان موضوع الحكم الظاهري بعد امكان

ص: 62

هو الذات المقيد بوصف كونه مشكوك الحكم يلزمه لا محالة ملاحظة الذات في ظرف وجود الحكم الواقعي والشك به ومن المعلوم انه لا يكاد يرى في هذه المرتبة ولو ضمنا موضوع الحكم الواقعي الذي هو متقدم في الرتبة على الشك بحكمه كما أنه لا يكاد يرى من موضوع الحكم الواقعي موضوع الحكم الظاهري لان موضوع الحكم الواقعي انما هو الذات المجردة عن ملاحظة صفة مشكوكية حكمها لاستحالة ملاحظة هذه الصفة القائمة بالحكم في موضوعه ولذلك قيل باستحالة تقييد الذات بمثل هذه الطوارئ اللاحقة كاستحالة اطلاقها من هذه الجهة أيضا وعلى ذلك يختلف موضوعا الحكم الواقعي والظاهري في عالم اللحاظ الذي به قوام موضوعية العناوين للأحكام بلا سرايتها إلى المعنونات الخارجية ومع اختلاف الموضوعين وعدم سراية الاحكام إلى الخارج لا يفرق بين جعل عنوان المشكوكية من الجهات التعليلية لنفس الاحكام الظاهرية وبين جعله من الجهات التقيدية لموضوعاتها في عدم تصور المجمع لهما أصلا ( مدفوعة ) مضافا إلى أن اعتبار الذات في ظرف وجود قيدها والصفة المنسوبة إليها لا يصح الا فيما كان دليل المقيد بلسان كون الشيء في ظرف وجود كذا ككون التجارة في ظرف وجود الرضا لا فيما كان بلسان كون الشيء موصوفا بكذا كما هو قضية تقييد الذات بالصفة لاستحالة لحاظ المعروض حينئذ في ظرف وجود عارضه ( ان ما أفيد ) من كون موضوع الحكم الواقعي في ظرف تعلق الحكم به هي الذات المجردة عن ملاحظة الصفات الطارية على الحكم وان كان صحيحا الا ان عنوان التجرد المزبور في عالم اللحاظ ليس مأخوذا في حدود الموضوع وقيوده ، وانما هو منشأ لسعة اطلاقه وقابلية انطباقه على المقيد كما في جميع المطلقات الملحوظ كون الطبيعة فيها مجردة عن جميع القيود حتى قيد التجرد ، وبذلك ترى الذات بنحو الاطلاق القابل للانطباق على المقيد معروضة للحكم الواقعي وفي ضمن المقيد معروضة للحكم الظاهري ( نعم لو كان ) لوصف تجرد الموضوع في مقام اللحاظ دخل في عالم موضوعيته لأمكن دفع شبهة التضاد بمثل البيان المزبور ، ولكنك عرفت ما فيه.

( المقدمة الثالثة ) لا شبهة في أن لوجود المراد وتحققه في الخارج مقدمات اختيارية من قبل المأمور نظير الستر والطهور وغيرهما بالنسبة إلى الصلاة ، ومقدمات

ص: 63

اختيارية من قبل الآمر كخطابه الموجب لعلم المأمور بإرادته الباعث على ايجاده وخطابه الاخر في طول ذلك عند جهل المأمور بالخطاب الأول وهكذا ( ولا ) شبهة في أن الإرادة التشريعية التي يتضمنها الخطاب المتعلق بعنوان الذات انما يقتضي حفظ وجود المتعلق من قبل خصوص المقدمات المحفوظة في الرتبة السابقة على تلك الإرادة وهي المقدمات الاختيارية المتمشية من قبل المأمور سوى ارادته المنبعثة عن دعوة الخطاب كالستر والطهور وغيرهما من قيود المأمور به « واما » المقدمات المحفوظة في الرتبة المتأخرة عن تلك الإرادة كالخطاب الموجب لاعلام المكلف بإرادته الباعث لدعوته ، فلا تقتضي تلك الإرادة حفظها ، بل تعلق الإرادة بها انما يكون ناشئا عن إرادة أخرى متعلقة بعنوان آخر في طول إرادة الذات التي هي مضمون الخطاب ولا يمكن نشوها من قبل تلك الإرادة ، كيف وان مقدمية الخطاب لوجود المرام انما هو من جهة كونه سببا لعلم المكلف بمضمونه « وبعد كون » العلم المزبور الذي هو الغرض من تكوين الخطاب في رتبة متأخرة عن إرادة الذات « لا يمكن » ان يصير الخطاب محفوظا من قبل تلك الإرادة وناشئا قصده وارادته من قبلها ، بل لا محيص وأن يكون قصده وارادته ناشئا عن إرادة أخرى متعلقة بعنوان آخر « ومن هذه الجهة » نقول ان الغرض من الخطابات طرا انما هو تحريك المكلف من قبلها إلى ايجاد العمل بداعية ، من غير فرق في ذلك بين التعبدي والتوصلي ، وان كان بينهما فرق من حيث دخل الانبعاث عن الامر في التعبديات في الغرض الداعي إلى الامر بها بخلاف التوصليات ( وبهذا ) البيان يظهر وجه خروج إرادة المكلف المنبعثة عن دعوة الخطاب عن حيز اقتضاء الإرادة التشريعية كنفس الخطاب ، لأنها من جهة تأخرها لا يمكن ان يشملها اطلاق الخطاب ، فما هو في حيز اقتضائها انما هو ذات الفعل بماله من المقدمات المتمشية من قبل المأمور غير ارادته الناشئة من دعوة الخطاب « ومن » هذه الجهة نقول باستحالة صيرورة إرادة المكلف المنبعثة عن دعوة الخطاب واجبة بالوجوب الشرعي ولو غيريا ، وان وجوبها وجوب عقلي محض ، لاستقلال العقل بلزوم تحصيلها واستحقاق العقوبة على تفويتها لولا مسقط خارجي كما في التوصليات « نعم » الغرض من ايجاد الخطاب لما كان هو الانبعاث عن

ص: 64

دعوة خطابه كانت إرادة المكلف بهذا الاعتبار في حيز إرادة الامر في مقام ايجاد الخطاب ، إذ كان مرجع تكوين خطابه إلى ارادته لحفظ المرام من قبل دعوة خطابه.

« المقدمة الرابعة » بعدما عرفت من أن لوجود المرام مقدمات اختيارية من قبل المأمور ومقدمات اختيارية من قبل الآمر كخطابه الباعث لدعوة المأمور إلى الاتيان بالعمل ، وخطابه الاخر عند جهل المكلف بالخطاب الأول « نقول » انه لا شبهة في اختلاف مراتب الاهتمام بحفظ المرام بالنسبة إلى المقدمات المتأخرة المتمشية من قبل الامر حسب اختلاف المصالح الواقعية في الأهمية ، فان المصلحة في الشيء « قد تكون » بمرتبة من الأهمية تقتضي تصدى المولى لحفظه في جميع المراتب المتأخرة « وقد تكون » بمرتبة دونها بحيث لا تقتضي الا حفظ وجود الشيء من قبل خطابه الأولى ( ففي الصورة ) الأولى لا شبهة في أنه لابد للمريد الحكيم من كونه بصدد حفظ مرامه في اي مرتبة من المراتب بحيث لو لم يتحقق من قبل خطابه الواقعي لجهل المأمور به يجب عليه الاهتمام بحفظه في المراتب المتأخرة عنه بتوجيه خطاب آخر إلى المأمور في ظرف جهله ولو بمثل ايجاب الاحتياط ، وليس له الاقتصار على مجرد خطابه الواقعي وابقاء المكلف على جهله فضلا عن صيرورته بصدد تفويته بانشاء آخر على خلافه ، الا إذا فرض قيام مصلحة مهمة جابرة لما فات أو مزاحمة له فيجوز له السكوت بل وانشاء خلافه « واما في الثانية » فلازمه جواز الاكتفاء في حفظه بمجرد خطابه الواقعي في المرتبة الأولى ، فإذا فرض عدم علم المأمور بخطابه لا يلزم عليه توجيه خطاب آخر إليه في المراتب المتأخرة ، بل له السكوت حينئذ وايكال المأمور إلى حكم عقله بالبرائة ، بل يجوز له أيضا في هذه المرتبة انشاء خلافه بلا احتياج إلى وجود مصلحة مهمة جابرة أو مزاحمة ، بل يكفي حينئذ أدنى مصلحة في انشاء الخلاف هذا كله في مقام الثبوت « واما مقام الاثبات » فلا طريق لاحراز كيفية المصالح الواقعية ومراتب الاهتمام بها الا الخطابات ، وحيث إن من قبل كل خطاب لا تستكشف المصلحة الا بمقدار استعداده للحفظ ( نقول ) انه بعد عدم شمول اطلاق كل خطاب للمراتب المتأخرة عن نفسه فلا تستكشف المصلحة من الخطابات

ص: 65

الواقعية الا بمقدار استعدادها للحفظ من قبلها ولو بتوسيط وصولها إلى المكلف بالأسباب العادية ، فإذا فرض عدم وصول الخطاب إلى المكلف ، اما لقصور في الخطاب في الوصول إليه ، أو لقصور المكلف في وصوله إليه ، فلا يلزم على المولى ان يتصدى لحفظ مرامه في المراتب المتأخرة بتوجيه خطاب آخر إليه ولو بمثل ايجاب الاحتياط ، فان لزوم ذلك عليه تابع لفعلية غرضه بحفظه حتى في المرتبة المتأخرة عن خطابه وحينئذ لو سكت المولى في هذه المرتبة وأوكل المكلف إلى حكم علقه بالبرائة ، لا يلزم قبح عليه من حيث نقص الغرض وتفويت المصلحة ، بل كان له انشاء خلافه بجعل الطريق المؤدى إلى الخلاف المستتبع الترخيصة في الترك من غير أن يكشف ذلك عن وجود مصلحة مزاحمة جابرة في المؤدى أو في سلوك الطريق ( نعم ) يستكشف ذلك في فرض قيام المصلحة في الشيء بمرتبة تقتضي الاهتمام بحفظه حتى في المراتب المتأخرة عن خطابه ، وذلك أيضا إذا لم يحتمل مانعا عن الجري على ما تقتضيه المصلحة ( ولكنه ) لا طريق إلى كشف المصلحة بهذه المرتبة ، لان الطريق إليها ليس الا الخطاب ، وبعد عدم شمول اطلاقه للمراتب المتأخرة لا يستكشف منه المصلحة الا بمقدار استعداده للحفظ من قبله بوصوله إليه بالأسباب العادية ( نعم ) في فرض الانفتاح وتمكن المكلف من الفحص ربما يستكشف من وجوبه بمقتضى ما دل من العقل والنقل كعموم هلا تعلمت بلوغ مصلحة العمل في الاهتمام بمرتبة تقتضي حفظه ولو بالفحص ( فيحتاج ) في مورد انشاء خلافه إلى كشف مصلحة جابرة في البين أو مزاحمة أهم ، ولكن ذلك أيضا لولا دعوى كشف ترخيصه في ترك الفحص عن عدم بلوغ المصلحة في المورد إلى مرتبة لزوم الفحص ( والا ) فلا ينتهى الامر أيضا إلى كشف المصلحة الجابرة أو المزاحمة الأهم كما هو ظاهر ( نعم ) نتيجة اطلاق الإرادة الواقعية حينئذ انما هي المحركية الفعلية نحو المطلوب في فرض وصولها إلى المكلف ( إذ بالعلم بها ) يحكم العقل بالطاعة ، ومرجعه إلى إناطة التكليف عقلا في مرحلة الفاعلية والمحركية بوصوله إلى المكلف ، نظير الواجب المشروط مع بقائه على فعليته في ظرف عدم وصوله إلى المكلف ، بلا اقتضاء هذه المرتبة من الفعلية لتصدي المولى لرفع جهل المكلف بنصب البيان على مراده في المراتب المتأخرة عن خطابه

ص: 66

( لان ) ذلك انما هو من لوازم الفعلية المطلقة لا مطلق الفعلية والتكليف الفعلي المشترك بين العالم والجاهل انما هو الفعلي بهذا المعنى ، لا الفعلي على الاطلاق كي ينافيه انشاء الخلاف في المراتب المتأخرة.

( وبعد ان عرفت ما مهدناه ) من المقدمات يظهر لك اندفاع الشبهة المذكورة في امكان جعل الطريق على خلاف الواقع بتقاريريها حتى على الموضوعية فضلا عن الطريقية في حال الانفتاح والانسداد ( اما تقريرها ) بلزوم اجتماع الضدين أو المثلين ( فعلى الطريقية ) قد عرفت انه لا موضوع لهذه الشبهة ، لان مقتضى الطريقية ليس الا تنجيز الواقع عند الإصابة والاعذار عند عدم الإصابة ، فلا يكون انشاء حكم من المولى على طبق الامارة وراء الحكم الواقعي حتى يلزم محذور اجتماع الضدين أو المثلين ، من غير فوق في ذلك بين حال الانفتاح والانسداد ( واما ) على الموضوعية فلازمها وان كان اشتمال المؤدي على حكم آخر في قبال الواقع ، الا انه لا ضير فيه بعد طولية العنوانين ووقوف الحكم على نفس العناوين وعدم تعديه إلى وجود المعنون على ما بيناه في المقدمة الأولى والثانية إذ حينئذ يختلف معروضا الحكمين ومع اختلافهما لا مانع من الجمع بينهما بعروض الإرادة على أحدهما والكراهة على الاخر ( نعم ) لو بنينا على سراية الحكم من العنوان إلى وجود المعنون خارجا ( لاتجه ) الاشكال المزبور ، ولا يجدى مجرد طولية العنوانين في الجمع بين المحبوبية والمبغوضية والإرادة والكراهة ، إذ مقتضى السراية حينئذ هو طرو المتضادين على المعنون الوجداني الخارجي ، وهو من المستحيل ، ولكن الشأن في ذلك كما عرفت ( وحينئذ ) ففي فرض طولية العنوانين حتى في جهة الذات على ما تقدم في المقدمة الثانية بجعل صفة المشكوكية ، من الجهات التعليلية لنفس الاحكام الظاهرية ، لا من الجهات التقييدية المأخوذة في موضوعاتها ( لا بأس ) بالالتزام بالجمع بين الحكمين ( نعم ) لو كانت طولية العنوانين لمحض الوصف المأخوذ في أحدهما بلا طولية في طرف الذات ( كان ) للاشكال المزبور كمال مجال ، ولا يجدى في رفعه أيضا مجرد طولية الحكمين ( فان الذات ) فيهما بعد أن كانت محفوظة في مرتبة واحدة ( يلزمه ) تعلق الحكم الثاني أيضا بما تعلق به الحكم الأول ، فيقتضى بذلك محبوبية تفويت الذات بفتح بعض أبواب عدمها

ص: 67

من قبل المقدمات المتمشية من قبل المأمور ، ومثله من المستحيل فإنه يؤدى إلى التضاد في مرحلة اقتضاء المولى من حيث الإرادة والكراهة والحب والبغض بالنسبة إلى حيث الذات ، وهو مما يأبى عنه العقل ، وان لم يكن أحد الخطابين مؤثرا في إرادة المأمور لجهله المانع عن تنجزه ( كما لا يجدى ) أيضا ما بيناه في المقدمة الأخيرة من اختلاف أنحاء المصلحة ومراتب الاهتمام بها في اقتضائها لحفظ الذات تارة على الاطلاق ، وأخرى في بعض المراتب ( فان ذلك ) انما يجدى بالنسبة إلى الجهات المتأخرة عن الخطاب لا في رفع التضاد بين الإرادة والكراهة في نفس المولى بالنسبة إلى الأمور المتقدمة على الخطاب ( وحينئذ ) فلا محيص في رفع التضاد بينهما عن الالتزام بما ذكرنا من تعدد الذات وعدم سراية الإرادة إلى الخارج ( واما تقريرها ) بلزوم نقض الغرض فمندفع أيضا بما بيناه في المقدمة الرابعة من أنها انما ترد في فرض احراز قيام المصلحة بوجود المرام على الاطلاق بنحو يقتضى لزوم كون المولى بصدد حفظه في اي مرتبة من المراتب ( وهذا ) مما لا طريق إليه ، لان الطريق إلى المصالح الواقعية لا يكون الا الخطابات الواقعية والمقدار الذي يقتضيه كل خطاب انما هو فعلية غرض المولى بالحفظ من ناحية ذلك الخطاب ، ومن المعلوم انه بانشاء الخطاب الواقعي يتحقق هذا المقدار من الحفظ حتى في فرض عدم وصوله إلى المكلف ، واما الزائد عن هذا المقدار فحيث انه لا يقتضيه اطلاق خطابه ، فلا محذور في صيرورته بصدد تفويت مرامه في المراتب المتأخرة عن خطابه بسكوته أو بانشاء خلافه في ظرف جهل المكلف بالخطاب الذي هو ظرف عدم محركيته ، إذ لا يكاد يلزم منه نقض غرض في البين ، بل لا محذور فيه حتى في فرض تمكن المكلف من الفحص ، حيث كان له الترخيص في الخلاف في هذه المرتبة ويرتفع به حكم العقل بلزوم الفحص بلحاظ تعليقية حكمه باللزوم على عدم ترخيص الآمر بالخلاف ، من غير كشف ترخيصه عن وجود مصلحة جابرة أو مزاحمة أهم ، ولا منافاته لما يقتضيه الخطاب الواقعي من الإرادة الفعلية في المورد كما هو ظاهر ( وبهذا ظهر ) الجواب عن تقرير الشبهة بلزوم تفويت المصلحة ، إذ ذلك أيضا فرع قيام المصلحة بالشيء على الاطلاق بنحو تقتضي الاهتمام بحفظه حتى في المراتب المتأخرة ( والا ففي فرض )

ص: 68

عدم قيام المصلحة الباعثة على الحفظ الا بمقدار استعداد الخطاب الواقعي ولو بتوسيط وصوله بالأسباب العادية فلا يلزم التفويت بسكوته أو انشاء خلافه في المراتب المتأخرة ، فان حفظ المصلحة بمقدار يقتضيه استعداد الخطاب الواقعي قد تحقق بنفس انشاء الخطاب الواقعي وفي الزائد عن هذا المقدار لم يكن لها اقتضاء الحفظ ( مع أنه ) لو فرضنا قيام المصلحة بالشيء على الاطلاق حتى في المراتب المتأخرة عن الجهل بالخطاب ( فيمكن ) أيضا دفع تلك الشبهة بالالتزام بالمصلحة الجابرة أو المزاحمة لها في انشاء الخلاف ، إذ لا قبح حينئذ في التفويت بعد كونها متداركة أو مزاحمة لما هو أهم منها « وبما حققنا » اندفعت الشبهة بتقاريرها على الطريقية والموضوعية في حال الانفتاح والانسداد حيث أمكن الالتزام بفعلية الحكم الواقعي بمقدار يقتضيه اطلاق الخطاب مع قيام الطريق المؤدى إلى الخلاف حتى على الموضوعية من غير أن يستلزم التصويب بشيء من معانيه « لان ذلك » انما هو في فرض خلو الواقع عن الحكم الفعلي « ولا الاجزاء عن الواقع » الا إذا فرض كون المصلحة القائمة بالمؤدى جابرة لما فات من المصلحة الواقعية « وعلى » ذلك لا يكون للأحكام الواقعية بعد وجود مقتضياتها الا مرتبتان ، مرتبة الفعلية ، ومرتبة الفاعلية والمحركية المعبر عنها بمرتبة التنجز ، وان الأخيرة تدور مدار قيام الطريق دون الأولى فإنها ثابتة حتى مع قيام الطريق على الخلاف على ما عرفت مرارا « ثم إن المحقق الخراساني قده » تصدى للتقصي عن الشبهة المزبورة بوجه آخر حيث إنه مع بنائه على عدم اجداء طولية الموضوع لدفع شبهة التضاد أجاب عنها بان مرجع جعل الطريق انما هو إلى جعل الحجية المستتبعة لحكم العقل بالتنجيز عند المصادفة وصحة الاعتذار به عند عدمها ، بلا استتباع لجعل تكليف مولوي على طبق المؤدى كي يلزم اجتماع الضدين أو المثلين ، فتكون أوامر الطرق طرا ارشادا إلى هذ الجعل ، وليست بأوامر مولوية « وعلى فرض » استتباعه لجعل حكم مولوي على وفق المؤدى ، نمنع المضادة أيضا « لان » مثل هذا التكليف لا يكون الا تكليفا طريقيا ، لا حقيقيا بحيث يكون حاكيا عن إرادة ناشئة عن مصلحة في المتعلق قبال الإرادة الواقعية « ومثله » لا ينافي الواقع ، لأنه مجرد ايجاب طريقي لحفظ الواقع ، ونتيجته كما في جعل الحجية هي تنجيز الواقع

ص: 69

عند المصادفة وصحة الاعتذار به عند عدمها ، بل استتباعه لترخيص شرعي على خلاف الواقع أصلا ، كما في جعل الحجية « نعم » في بعض الأصول كقاعدة الطهارة والحلية واستصحابهما لما كان مفادها الترخيص الشرعي والاذن في الاقتحام وكان مثله ينافي الإرادة الواقعية ، لاستحالة اجتماع فعلية الإرادة الواقعية مع الترخيص على الخلاف « التزم فيها » بعد فعلية التكليف الواقعي في مواردها ولكن لا بنحو لو علم به المكلف لم يتنجز عليه كالأحكام الانشائية المحضة « بل على نحو » لو علم به المكلف لبلغ إلى مرتبة التنجز ، ففي الحقيقة هي مرتبة من الشأنية التي قد تم فيها مقتضيات الفعلية ( الا ان ) المانع عن فعليته هو جهل المكلف ( فمع ) ارتفاعه تبلغ إلى مرتبة الفعلية فيتنجز ( فكان ) الفارق بين موارد الامارات وبين الأصول المؤدية إلى خلاف الواقع بعد اشتراك التكليف الواقعي في مواردهما في التنجيز بمحض علم المكلف ( هو بلوغه ) في مورد الامارات إلى مرحلة الفعلية بنحو يتمحض تنجيزه بعلم المكلف ( بخلاف ) موارد الأصول المرخصة فان التكليف فيها لا يكون فعليا ، بل كان بمرتبة من الشأنية بحيث لو علم به المكلف لبلغ إلى مرتبة الفعلية فيتنجز عليه ( هذا محصل ما افاده قد ) في التفصي عن الشبهة ، وفي الفرق بين موارد الامارات والأصول من حيث فعلية التكليف وعدم فعليته ( أقول ) وفيه ان ما افاده قده أولاً من ارجاع أوامر الطرق إلى جعل الحجية غير المستتبع لحكم تكليفي وان كان يدفع به محذور اجتماع الضدين ( الا ) انه لا يدفع به محذور نقض الغرض وتفويت المصلحة كما في حال الانفتاح ( حيث إنه ) مع فعلية الغرض بحفظ المرام وصيرورة المكلف بصدد تحصيله بحكم عقله بوجوب الفحص ( فلا محاله ) يكون جعل ما يوجب تفويته نقضا منه لغرضه وهو من المستحيل ( ولا يقاس ) ذلك بفرض قيام الحجة العقلية على الخلاف ( فان ) فوت الغرض هناك يكون قهريا غير مستند إلى اختيار الآمر ، بخلاف جعل ما يوجب تفويته ، حيث إنه تفويت منه لغرضه باختياره وهو قبيح مستحيل صدوره من الحكيم « نعم » في فرض الانسداد وانتهاء الامر إلى البراءة بحكم العقل « أمكن » منع صدق التفويت بالنسبة إليه لان فوت الغرض حينئذ امر قهري لازم بحكم العقل بالبرائة كان هناك جعل طريق على الخلاف أو لم يكن

ص: 70

ولكن مورد الاشكال في امكان جعل الطريق لا يكون مختصا بهذا الفرض بل يعم فرض الانفتاح ( وبذلك ظهر ) الاشكال فيما افاده قده ثانيا من جعل أوامر الطرق أوامر طريقية غير مستتبعة للترخيص الشرعي ( إذ نقول ) انه في فرض فعلية الإرادة يتوجه عليه محذور نقض الغرض في حال الانفتاح عند مخالفة الامارة الواقع ، ومع فرض عدم فعلية الإرادة وعدم بلوغها إلى مرحلة الانقداح ، لابد من الالتزام بشأنية التكليف في موارد الامارات المخالفة للواقع على نحو ما افاده في موارد الأصول المرخصة ، فلا مجال للتفكيك بينهما ( مضافا ) إلى أن هذه الانشاءات ما لم تكن عن داعي جعل الترخيص في ظرف المخالفة لا تكون صالحة للمعذرية عند الانفتاح وحكم العقل بلزوم الفحص ، ومع كونها عن داعي جعل الترخيص في ظرف المخالفة لابد من رفع اليد عن فعلية الواقع والالتزام فيه بالشأنية كما في موارد الأصول المرخصة لاستحالة اجتماع فعلية الإرادة الواقعية مع الترخيص الفعلي بالخلاف ( وبما ذكرنا ) يظهر انه لا تندفع مثل هذه الشبهة بما أفيد في الامارات من أنه ليس المجعول فيها حكما تكليفيا وانما المجعول فيها مجرد الطريقية والكاشفية والوسطية في الاثبات فلا يكون في البين الا الحكم الواقعي فقط أصاب الطريق للواقع أو أخطأ ( إذ بعد ) الغض عما فيه من الاشكال في أصل المبنى ( يرد عليه ) بأنه وان يدفع به محذور التضاد الا انه يبقى محذور نقض الغرض على حاله في حال الانفتاح وصيرورة المكلف بحكم عقله بوجوب الفحص بصدد تحصيله ( ضرورة ) انه مع فعلية الإرادة الواقعية حينئذ بحفظ الغرض وشمولها ولو بنتيجة الاطلاق لمرتبة الجهل بها حسب اعترافه غير مرة في الجواب عن الشيخ قدس سره وغيره ( يكون ) جعل ما يوجب تفويته نقضا منه لغرضه وهو المستحيل ( كما أنه ) لا يدفع به محذور تفويت المصلحة في فرض الانفتاح وتمكن المكلف من الفحص ( وقياسه ) بفرض قيام الحجة العقلية على الخلاف ( مدفوع ) بما تقدم من أن القاطع حين قطعه لما لم يحتمل الخلاف يكون الفوت في مورده قهريا ( بخلاف المقام ) فإنه مع احتمال مخالفة الامارة للواقع وجدانا يكون التعبد بها تفويتا للمصلحة من المولى وهو قبيح هذا ( مع أنه ) لا يجرى هذا الوجه في الأصول المحرزة لأنها فاقدة للطريقية ( ودعوى ) انه المجعول فيها هو الجري العملي والبناء على أحد طرفي الشك على

ص: 71

انه هو الواقع ، لا الحكم التكليفي ( كما ترى ) لا نفهم له وجها ( كيف ) وان البناء والجري فعل للمكلف ومثله غير قابل لتعلق الجعل به ، وما هو القابل للجعل انما هو الامر بالمعاملة والبناء على أحد طرفي الشك على أنه الواقع ( ومعه ) يقع الكلام في هذا الامر عند مخالفة الأصل للواقع ( فيتوجه ) عليه مضافا إلى المحذورين المتقدمين محذور التضاد أيضا « نعم » ما أفيد في الأصول غير المحرزة كاصالة الاحتياط والحل والبرائة ، من التزام طولية الموضوع في الحكم الواقعي والظاهري مع جعل الواقع « تارة » بمثابة من الأهمية بحيث يلزم على المولى رعايته حتى في ظرف الجهل ولو بانشاء آخر من ايجاب احتياط ونحوه ، وأخرى بمثابة لا يلزم عليه رعايته في مرتبة الجهل به « في غاية المتانة » وليته سلك هذا الوجه أيضا في موارد الطرق والأصول المحرزة حيث إنه يرجع إلى ما ذكرنا وتندفع بمثله الشبهة المعروفة بتقاريرها « ولكنه » ينافي ما تقدم منه غير مرة من عدم اجداء طولية الحكمين لرفع التضاد نظرا منه إلى الشمول الحكم الواقعي ولو بنتيجة الاطلاق لمرتبة الجهل به « ولعمري » ان الالتزام بمثل هذه الجهات ، انما هو لمحض دفع شبهة التضاد بتوهم عدم اجداء تعداد العنوان وطوليته في رفعها ، بتخيل سراية الحكم من العنوان إلى المعنون الخارجي « وبعد » ان عرفت طولية العنوانين حتى في جهة الذات ووقوف الحكم على نفس العناوين وعدم سرايته إلى المعنون ( لا يبقى ) مجال الشبهة المزبورة بوجه من تقاريرها حتى على الموضوعية وفى حال الانفتاح فضلا على الطريقية وفى حال الانسداد « ثم انه ما ذكرنا » من الطريقية والموضوعية في الامارات انما هو بحسب مرحلة الامكان ومقام الثبوت ( واما ) في مقام الاثبات والتصديق ، فلا ينبغي الارتياب في أن المتعين فيها هي الطريقية نظرا إلى ما هو المرتكز عند العرف والعقلاء في العمل بالطرق والامارات غير العلمية « لوضوح » ان اعتبارهم الطرق غير العلمية ليس الا من باب الاستطراق بها إلى الواقع « ومن المعلوم » أيضا ان الشارع في التعبد بالامارات غير متخطي عن طريقتهم وليس له طريق خاص في مقام اعتبار الامارات على خلاف الطريقة المألوفة بين العرف والعقلاء « على أن » اعتبار الامارة في الاحكام ليس الا كاعتبارها في الموضوعات ولا ريب في أن النظر في اعتبارها في الموضوعات انما كان على

ص: 72

وجه الطريقية لا غيرها ( وقد يستدل ) لاثبات الطريقية بقيام الاجماع على بطلان التصويب ( وفيه ان ) قيام الاجماع على بطلان التصويب لا يصير شاهدا على كون اعتبار الامارة من باب الطريقية لما بيناه من أنه لا تلازم بين الموضوعية وبين التصويب بجميع معانيه فالعمدة ، في اثبات كون اعتبار الامارة من باب الطريقية دون الموضوعية هو ما ذكرناه فتدبر.

« بقي الكلام » في وجه منجزية أوامر الطرق والأصول المحرزة كالاستصحاب ونحوه ، حيث إنه على الطريقية قد يستشكل بان مرجع تلك الأوامر على تقدير مخالفة الامارة للواقع لما كانت إلى انشاءات محضة خالية عن الإرادة الجدية ، فمع الشك واحتمال مخالفتها للواقع كيف يصلح مثلها لتنجيز الواقع واستحقاق العقوبة على مخالفته ، نعم هذا الاشكال يختص بفرض الانسداد وانتهاء الامر إلى حكم العقل في المورد بالبرائة وقبح العقاب بلا بيان لولا هذا الجعل ( والا ) ففي فرض الانفتاح وتمكن المكلف من تحصيل العلم بالواقع لا موقع لهذا الاشكال من جهة كفاية مجرد احتمال التكليف حينئذ على وفق المؤدي في حكم العقل بتنجيز الواقع ( كما أنه ) على الموضوعية لا يرد هذا الاشكال ، لأنه بقيام الامارة على التكليف يقطع تفصيلا بالتكليف مرددا بين الواقع والظاهر فيحكم العقل بوجوب العمل على وفق المؤدى واستحقاق العقوبة على المخالفة ( فالاشكال كله ) انما هو على الطريقية في فرض الانسداد ، وحينئذ ينبغي صرف الكلام إلى دفع هذه الشبهة ( فنقول ) انه تفصى عن الشبهة بوجوه منها ) ما افاده بعض الأعاظم قده من أن المجعول في الطرق والامارات حيث كان هي الطريقية والكاشفية الموجب لصيرورة الظن وسطا حقيقة في الاثبات وكونه من مصاديق العلم فيترتب عليه جميع ما للعلم من الشؤون والآثار العقلية من الحجية والمنجزية والقاطعية للعذر ونحوها ( لان ) موضوع حكم العقل في هذه اللوازم أعم من العلم الوجداني والجعلي ومرجعه إلى قصر تصرف الشارع في التعبد بالامارة تأسيسا أو امضاءا بمقام الاحراز والكشف بلا تصرف منه في المؤدي بجعل حكم تكليفي من ايجاب المعاملة ونحوه ، وان امره بالعمل بالطرق لارشاد المكلف في بنائه على تتميم الكشف تبعا لجعل الشارع وبنائه لا انه امر مولوي تكليفي ( أقول ) وفيه مضافا إلى اختصاص البيان المزبور بخصوص الطرق والامارات

ص: 73

التي كان لسان دليل اعتبارها بنحو تتميم الكشف وعدم جريانه في الأوامر الواردة في باب الأصول كالاستصحاب ونحوه مما كان الامر الوارد فيها بلسان الامر بالمعاملة معه معاملة الواقع الذي هو راجع إلى الجهة الثالثة من العلم كما نص عليه هو قده قبال الطريقية التي هي الجهة الثانية من شؤون العلم ( إذ ليس ) في لسانها تتميم كشف أصلا ( فلابد ) فيها اما من الالتزام بالموضوعية المستتبعة لاستحقاق العقوبة على مخالفتها مطلقا ولو خالفت الواقع ( أو الالتزام ) بكفاية مثلها أيضا في المنجزية واستحقاق العقوبة على الواقع وان لم يكن في البين تشريع مصداق العلم ، ( فيقال ) انه بعد كفاية هذا المقدار في تنجيز الواقع لم لا يلتزم به في أوامر الطرق أيضا ولم التزم في خصوص أوامر الاحتياط بالوجوب النفسي مع وضوح ظهور أوامر الاحتياط في كونها لمحض احراز الواقع والفرار عن مخالفته كغيره من الأوامر الطريقية مع أن لازم النفسية استحقاق العقوبة على مخالفته وان لم يصادف الواقع وهو كما ترى ( ودعوى ) ان ذلك انما يكون فيما إذا كان حفظ الواقع حكمة لايجاب الاحتياط لا فيما كان علة له ، فإنه حينئذ يدور الحكم مدارها ولا يمكن ان يتخلف عنها ( مدفوعة ) بان الحكم الواقعي إذا كان علة لتشريع الاحتياط يلزمه انتفاء التشريع المزبور بانتفاء الحكم الواقعي ومعه يتردد الامر بالاحتياط لا محالة بين كونه أمرا حقيقيا أم صوريا فيتوجه الاشكال حينئذ في صلاحية مثل هذا الامر للمنجزية المستتبعة للعقوبة على المخالفة ( نقول ) ان تمامية الكشف بعد ما لم يكن من الحقائق الجعلية التي يكون تشريعها عبارة عن عين تكوين حقيقتها نظير الملكية والزوجية ونحوها من الحقائق الجعلية بل كانت من الأمور الواقعية كالموت والحياة والفسق والعدالة الغير القابلة لتحقق حقيقتها بالجعل والتشريع ( فلابد ) وأن يكون مرجع التشريع المزبور إلى نحو ادعاء وعناية تنزيل مستتبع لانطباق عنوان العلم عليه كسائر العنايات والتنزيلات ، فيحتاج إلى اثر شرعي مصحح للتنزيل المزبور ولو في طرف المنزل كغيره من التنزيلات الشرعية ولا يكون ذلك الا امره بالمعاملة مع الامارة مقابلة العلم بالواقع فتشترك مع الأصول حينئذ في ذلك وفى قيامها مقام القطع من حيث الجهة الثالثة كما ذكرناه سابقا ، غير أن الفرق بينهما في كون الامر بالمعاملة مجعولا بدوا في الأصول وفي الامارات مستكشفا من جعل

ص: 74

الطريقية « وعليه » فيتوجه الكلام في هذا الوجوب بأنه موضوعي مستتبع لاستحقاق العقوبة على مخالفته ولو خالفت الامارة للواقع أم طريقي وعلى الثاني يبقى الاشكال في وجه منجزيته للواقع ( واما توهم ) عدم الاحتياج إلى الامر الشرعي وكفاية مجرد هذا الادعاء والتنزيل في ترتيب الآثار العقلية كالحجية والمنجزية وغيرهما كما ترى إذ مرجعه إلى اكتفاء العقل في الحكم بالتنجيز بمجرد ادعاء كون الشيء علما بلا اثر شرعي منجز للواقع وعهدة اثباته على مدعيه ( وبالتأمل ) فيما ذكرنا يظهر الحال في فرض انتزاع الطريقية من الامر بالغاء احتمال الخلاف ، فان الامر المزبور لكونه منشأ لانتزاع الطريقية يكون في مرتبة سابقة عليها ، فيقع الكلام في أن هذا الامر مولوي أو ارشادي إلى جعل الطريقية ( والثاني ) يرجع إلى المسلك السابق إذ لا تكليف حينئذ في البين ينتزع منه الطريقية فيعود الكلام فيه ( واما على ) الأول فيتوجه الكلام بأنه موضوعي مستتبع للعقوبة على المخالفة مطلقا أو طريقي فيعود البحث في وجه منجزيته للواقع.

« ومنها ما عن الكفاية » من أن المجعول في باب الطرق والامارات هو الحجية بناء منه على أن الحجية من الأمور الاعتبارية العقلائية القابلة للجعل نظير الملكية والزوجية وأمثالهما وانها متى تحققت بالجعل تستتبع حكم العقل بوجوب الاتباع والقاطعية للعذر ومرجع امر الشارع بالتعبد بالامارة باي لسان كان إلى جعل الحجية لها « وفيه » ان ذلك وان كان مما يدفع به الشبهة المزبورة ويسلم أيضا عما ذكرناه من الاشكال على المسلك السابق إذا لحجية بهذا المعنى غير الكاشفية والوسطية للاثبات ( الا ) انه لا يساعد عليه الاعتبار إذ هو متفرع على اعتبار الواسطة في القطع بين كاشفيته وبين قاطعيته للعذر وليس كذلك ، بداهة ان العقل في حكمه بالقاطعية للعذر لا يرى المصحح لها الا نفس الكاشفية التامة بلا اعتبار وجود شيء زائد على الكاشفية ومعه لا مجال لاثبات الواسطة والالتزام بمجعولية الحجية بالمعنى المزبور في الامارات ( وتوهم ) كون المجعول حينئذ هي القاطعية للعذر والمصححية للعقوبة ( مدفوع ) بان جهة المصححية للعقوبة ليست الا من سنخ السببية غير القابل باعترافه للجعل إذ سببية الشيء ناشئة عن خصوصية تكوينته فيه الموجبة لتأثيره في المسبب ومثله مما لا يكاد تناله يد الجعل الشرعي كما أن المسبب وهو

ص: 75

حكم العقل باستحقاق العقوبة أيضا غير قابل لتعلق الجعل الشرعي به ( وبذلك ) ظهر اندفاع ما يقال من أن مرجع جعل السببية إلى جعل المسبب عند تحقق السبب كما في جعل سببية الدلوك لوجوب الصلاة الراجع جعلها إلى جعل الوجوب للصلاة عند الدلوك ( وذلك ) لما عرفت من عدم قابلية المسبب هنا للجعل ( نعم ) ما هو قابل له ليس الا ما صرح به من الحجية التي هي نحو اعتبار موجب لحكم العقل بالقاطعية للعذر كما في القطع ، غير أنه في القطع من جهة تمامية كشفه يكون ذلك منجعلا وفى الامارات يكون مجعولا ( ولكنه ) قد عرفت انه مما لا يساعد عليه الاعتبار والوجدان فلا وجه حينئذ لما التزم به من حمل أوامر الطرق على الارشاد إلى حكم العقل بالموافقة بملاحظة كشفها عن الحجية المجعولة إذ لا داعي إلى الالتزام بمثله بعد فرض صلاحية الأوامر المزبورة مع بقائها على مولويتها للمنجزية كأوامر الاحتياط على ما اعترف به قدس سره فتدبر.

ومنها ما عن بعض الأساطين قدس سره ، من دعوى ان تلك الأوامر ايجابات طرقية ناشئة عن إرادات جدية لحفظ الواقعيات ومثل لذلك بما إذا فقد من الانسان جوهر نفيس بين أحجار ولم يتمكن من تمييزه لظلمه أو غيرها ، حيث إنه يتمشى منه الإرادة لاخذ كل واحد من تلك الأحجار ، مع وضوح ان ارادته المتعلقة بأخذ تلك الأحجار ليست إرادة نفسية لغرض في تلك الأحجار ، وانما هي إرادة طريقية تعلقت باخذها لتحصيل ذلك الجوهر ( ثم قال ) كما أن الامر هذا في الإرادة التكوينية في المثال ( كذلك ) في الإرادة التشريعية المتعلقة بفعل الغير وان الامارات المطابقة للواقعيات بمنزلة ذلك الجوهر ، والامارات المخالفة للواقع بمنزلة تلك الأحجار من حيث إن الإرادة المتعلقة بها إرادة طريقية ناشئة عن غرض هو حفظ الواقع في موارد الامارات المطابقة ، وبذلك تكون تلك الأوامر المتعلقة بالطرق صالحة للمنجزية والداعوية بلحاظ نشوها عن إرادة نفسية حتى في موارد الامارات المخالفة للواقع ، وانها من هذه الجهة تشبه الموضوعية ، غير أن الفرق بينهما من حيث استحقاق العقوبة على الموضوعية على مخالفة الامارة مطلقا بخلاف ذلك فإنه في فرض مخالفتها للواقع لا يترتب على مخالفة الامارة الا التجري ( وفيه ) ان ما أفيد في المثال فهو على خلاف الوجدان حيث يرى بالضرورة انه ليس في البين الا

ص: 76

إرادة واحدة متعلقة بتحصيل مطلوبه وهو ذاك الجوهر الا انه لما لم يتميز عن غيره واحتمل انطباقه على كل واحد من الأحجار ، كان نفس احتمال الانطباق منشأ لمحركية الإرادة المتعلقة بالمطلوب لاخذ تلك الأحجار كما في صورة القطع بالانطباق ، غير أنه في صورة القطع بالانطباق تكون محركية الإرادة نحو ما يقطع بانطباقه عليه جزميا وفى صورة احتمال الانطباق تكون محركيتها نحو ما يحتمل الانطباق عليه رجائيا كما في كلية موارد العلم الاجمالي فلا تكون إرادات متعددة متعلقة بأخذ الأحجار كي يبقى المجال للبحث عن كونها نفسية أم طريقية لأجل غرض حفظ المطلوب وتحصيله بل لا يكون في البين الا إرادة واحدة متعلقة بما هو المطلوب غير أنه في مقام المحركية يتعدد محركيتها حسب تعدد المحتملات ( على أنه ) لو سلم تعدد الإرادة فإنما يتصور ذلك بالنسبة إلى الجاهل بالواقع ، لا بالنسبة إلى العالم به إذ يستحيل تمشى الإرادة الحقيقية منه بالنسبة إلى غير المطلوب ( والمقام من هذا القيل ) لإحاطة الشارع وعلمه بالواقعيات وتميز الامارات المطابقة للواقع عن غيرها عنده ( لا يقال ) انه كذلك بالنسبة إلى ما يتعلق بفعل نفس العالم بالواقع والا فبالنسبة إلى ما يتعلق بفعل الغير ( فلا محذور ) فيه بعد فرض اشتباه الامر عليه ، فإنه لا محيص للامر من إرادة جميع المحتملات مقدمة لحصول مرامه الذي هو في مورد الامارات المطابقة إذ لولا ذلك لفات غرضه لاتكال المأمور على حكم العقل بالبرائة « فإنه يقال » ان أريد بذلك مقدمية المجموع لحصول المراد وانه بذلك تتوجه إرادة غيرية نحوها ففساده واضح « ضرورة » ان المقدمية تحتاج إلى الترتب والعلية بينها وبين ذيها ولا ترتب في البين بينهما ، حيث إن كل واحد من المحتملات يدور امره بين كونه نفس الواقع وبين كونه أمرا أجنبيا عنه « نعم » لما لم يكن الواقع خارجا عنها صار هذه الجهة منشأ للتلازم بين حصول المجموع وحصول ما هو المطلوب « ولكن » مثله هذا التلازم الاتفاقي أيضا لا يقتضى مطلوبية المجموع لعدم اقتضاء مطلوبية الشيء مطلوبية لازمه ( وان أريد ) مقدمية نفس الإرادة المتعلقة بالمجموع لتحقق المرام ، بتقريب انه لولا التوسعة في الإرادة بنحو تشمل المجموع لم يتمكن الامر من تحصيل غرضه فلابد له من التوسعة في ارادته ليحصل للمكلف الداعي إلى الاتيان بالجميع فيحصل مطلوبه ضمنا فهو

ص: 77

في غاية المتانة الا انه مبني على كفاية مجرد المصلحة في نفس الامر والإرادة في الامر بالشيء وهو في محل المنع كما حققناه في محله « لأنه » مضافا إلى كونه خلاف الوجدان لقضاء الضرورة بعدم تعلق الإرادة بل ولا الميل والمحبة بما لا يكون فيه الصلاح مندفع بالبرهان « إذ المصلحة » المزبورة باعتبار قيامها بالإرادة تكون لا محالة في مرتبة متأخرة عن الإرادة فيستحيل صيرورتها من مقتضيات الإرادة ومن علل وجودها فان ما هو من مقتضيات الشيء لابد وأن يكون في رتبة سابقه على الشيء « ولا يقال » ان ذلك يتم إذا كان ماله الدخل في الإرادة هي المصلحة بوجودها الخارجي دون اللحاظي والا فلا يرد الاشكال ، إذ من الممكن تصور المصلحة القائمة بالإرادة ولحاظها قبل الإرادة لتحققها « فإنه يقال » ان ماله الدخل في الإرادة وان كان هي المصلحة بوجودها اللحاظي دون الخارجي ، الا ان المصلحة الملحوظة في المقام لما كانت خارجية بنحو ترى في هذا اللحاظ عين الخارج فلا محالة ترى المصلحة في هذا النظر قائمة بالإرادة وفى مرتبة متأخرة عنها ، ومع لحاظها كذلك يستحيل صيرورتها من مقتضيات نفس الإرادة ، فيستحيل مقدمية الإرادة المزبورة لحصول المطلوب « وتوهم » جريان هذه الشبهة في فرض قيام المصلحة في المتعلق أيضا نظرا إلى تأخرها وجودا عن المتعلق المتأخر عن الإرادة ، « مدفوع » بان المتعلق وان كان بوده الخارجي معلولا للإرادة الا انه في مقام معروضيته لها يكون في رتبة سابقة عليها وفي هذه المرحلة لما لوحظ بالنظر التصوري عين الخارج يرى في هذا النظر متصفا بالمصلحة قبل الإرادة ، وبذلك يصير مورد تعلق الإرادة والكراهة « وهذا » بخلاف المقام فان المصلحة في مقام لحاظها خارجية لما لوحظت قائمة بالإرادة ترى في هذا اللحاظ في مرتبة متأخرة عن الإرادة فيستحيل صيرورتها من مقتضيات تلك الإرادة ومن علل وجودها كما هو واضح اللّهم الا ان يريد قيام المصلحة بنفس انشاء هذه الايجابات فان ذلك امر متصور.

والتحقيق في رفع هذه الشبهة ان يقال ان التكاليف الطرقية وان لم تكن في صورة المخالفة للواقع الا ايجابات صورية خالية عن الإرادة « ولكنها » في فرض المصادقة للواقع لما كانت كاشفة عن اهتمام المولى بحفظ غرضه بحد لم يرضى بفوته حتى في ظرف الجهل به وتصدى لحفظه بانشاء خطاب آخر ظاهري ( فلا محالة )

ص: 78

يحصل للمكلف من نفس هذه الخطابات القطع بالاهتمام بالتكليف المحتمل بنحو لا يرضى بتركه حتى في ظرف الجهل به وبذلك يخرج المورد عن موضوع حكم العقل بقبح العقاب ويندرج في موضوع حكمه بوجوب دفع الضرر المحتمل كما في حكمه بوجوب النظر في المعجزة فيكون شأن الأوامر الطريقية احداث القطع بالاهتمام بالتكليف المحتمل من غير فرق في ذلك بين ما كان بلسان تتميم الكشف والامر بالغاء احتمال الخلاف وبين ما لم يكن بهذا اللسان كأوامر الاحتياط ودليل حرمة النقض « ولنا بيان آخر » في جواب الشبهة المزبورة ، وحاصله ان شأن الأوامر الطريقية لما كان هو ابراز الإرادة الواقعية في ظرف الجهل بها كما أسلفناه كان التكليف المحتمل على تقدير وجوده مما قام عليه البيان فيخرج بذلك عن اللابيان الذي هو موضوع القبح وبذلك يفترق المقام عن الشبهات البدوية الجارية فيها البراءة لان موضوع البراءة انما هو الا بيان على التكليف في فرض الوجود ، إذ في ظرف عدم التكليف يكون عدم العقوبة مستند إلى عدم المقتضى لا إلى وجود المانع أعني عدم البيان بنحو لو أريد تشكيل القضية تشكل بنحو القضية الشرطية المتضمنة لشرطية أخرى بجعل الشرط في الشرطية الأولى محققا للشرطية الثانية فيقال ان التكليف المحتمل ان كان ثابتا في الواقع فان لم يقم عليه البيان تقبح المؤاخذة عليه وان تم عليه البيان جازت المؤاخذة عليه « ولا ريب » في صدق هذا المعنى في الشبهات البدوية « لأنه » في فرض الوجود يصدق بأنه مما لم يقم عليه بيان واصل من المولى بخلاف المقام فإنه بعد مبرزية الأوامر الطريقية عن الإرادة الواقعية في ظرف الجهل بها يصدق على التكليف المحتمل في مورد الامارة بأنه على فرض الوجود كان مما قام عليه البيان « وعلى ذلك » فشأن الأوامر الطريقية في الحقيقة انما هو رفع موضوع حكم العقل بالقبح ، فإنها في فرض عدم المصادفة وان كانت الزامات صورية ( الا ) انها في فرض المصادفة للواقع تكون بيانا على التكليف المحتمل وجوده في البين « وعليه » يندفع الاشكال المزبور في منجزية أوامر الطرق بما بيناه من صلاحية تلك الأوامر على تقدير المصادفة للبيانية والرافعية لموضوع القبح ( واما ) توهم اقتضاء مثل هذا البيان لسد باب البراءة حتى في الشبهات البدوية نظرا إلى دعوى وجود القطع بالتكليف الفعلي على تقدير مصادفة الاحتمال للواقع ( فمدفوع ) بأنه في

ص: 79

الشبهة البدوية لما كان وجود القطع معلقا على فرض وجود التكليف المجهول فلم يتحقق بيان فعلى في البين وهذا بخلاف الامارة فإنها لم تكن في أصل وجودها منوطة على وجود الواقع ولا في بيانيتها وانما تقصر عن البيانية من جهة عدم وجود واقع في البين حتى تكشف وتحكى عنه ( هذا كله ) فيما يتعلق بالمقام الأول ولقد عرفت امكان جعل الطرق غير العلمية على خلاف الواقعيات على الطريقة والموضوعية في حال الانفتاح والانسداد.

« واما المقام الثاني فالكلام » في وقوعه ( وقبل الخوض ) في المرام ينبغي تأسيس ما هو الأصل في المسألة عند الشك في حجية شيء وعدم الظفر بالدليل على حجيته والتعبد به ( فنقول ) وعليه التكلان لا شبهة في أن جواز البناء على مؤدى الطريق بمعنى التعبد به واسناده إليه سبحانه وجواز الحكم على طبقه والاخبار به ونحو ذلك غير مرتبط بجهة المنجزية والحجية وهو كون الشيء بحيث يصح به المؤاخذة والاحتجاج وذلك لوضوح امكان التفكيك بين المنجزية وبين جواز التعبد به والاسناد إليه سبحانه كما في احتمال التكليف قبل الفحص وكذلك الظن في حال الانسداد بناء على الحكومة ( نعم ) بناء على مسلك تتميم الكشف في الطرق يكون جواز التعبد من لوازم منجزيتها إذ مرجع الامر بتتميم الكشف والغاء احتمال الخلاف إلى ترتيب تلك اللوازم من جواز التعبد به ونسبته إليه سبحانه وجواز الحكم والافتاء على طبقه والاخبار على وفق المؤدي بأنه الواقع ، بخلاف بقية المسالك حيث لا تلازم بين الامرين لامكان التفكيك بينهما ولذا لو شككنا في جواز التعبد به ولو مع القطع بأصل الحجية تجري أصالة عدم جواز التعبد ( ولعل نظر الشيخ قدس سره ) في تأسس الأصل في جواز التعبد بالمؤدى والاسناد إليه سبحانه إلى كفاية حيث تتميم الكشف في جواز التعبد بالمؤدي والاسناد إليه تعالى ككفايته في المنجزية على ما عرفت من الملازمة بين الامرين على هذا المسلك كما أن نظر المحقق الخراساني قدس سره في تأسيس الأصل في جهة المنجزية والحجية إلى ما اختاره في الامارات من جعل الحجية التي هي غير مرتبطة بحيث جواز التعبد به وعليه لا مجال للاشكال عليه بما أفيد لأنه راجع إلى الاشكال على أصل المبنى لا على بنائه والا فهو أوضح من أن يخفى كيف وقد عرفت ان مجرد المنجزية غير ملازم لجواز التعبد كما في ايجاب الاحتياط

ص: 80

في الشبهات البدوية فإنه مع كونه منجزا للواقع لا يجوز التعبد المزبور فيها وهكذا الظن على الحكومة في باب الانسداد بناء على كونه مثبتا للتكليف كما هو أحد المسالك في تلك المسألة على ما يأتي بيانه انشاء اللّه تعالى لا مسقطا له على ما هو مسلك التبعيض في الاحتياط ( وكيف كان ) لا شبهة في أن مثل هذه الأحكام انما هو من توابع العلم بالحجية ، فمع الشك في الحجية لا يترتب شيء منها ، لأصالة عدم الحجية وأصالة عدم التعبد بالمؤدى ( وقد يقال بعدم جريان الاستصحاب لا من جهة عدم ترتب اثر عملي على عدم الحجية الواقعية ، كي يقال في رده بما افاده العلامة الخراساني قده من كفاية كون المستصحب في نفسه أمرا شرعيا ولو لم يكن اثر عملي الا بتوسيط استصحابه كما في استصحاب الاحكام التي لا يترتب عليها عمل الا بتوسيط حكم العقل المترتب على استصحابها ( بل من جهة ) ان الاستصحاب لما لم يكن رافعا للشك في الواقع كالأمارات ، وانما مقتضاه اثبات حكم في ظرف الشك ( فلا يتحقق ) العلم بعدم الحجية من قبل الاستصحاب الا في رتبة متأخرة عن الشك ( وحينئذ ) وان كانت تلك الأحكام مترتبة على العلم بعدم الحجية أيضا ( الا ) ان الموضوع لها لما كان هو الجامع بين العلم بالعدم وعدم العلم فقهرا بعد تأخر العلم بالعدم عن الشك كان الشك أسبق فردي الموضوع فيترتب عليه الأثر بحكم العقل فيستحيل ترتبه ثانيا على الاستصحاب لكونه لغوا محضا ( ولا يجدى حينئذ ) مجرد شرعية المستصحب ما لم يترتب عليه عمل ولو بتوسيط استصحابه ( وبذلك ) يفرق بين الاستصحاب المزبور ، وبين قيام الامارة المعتبرة على عدم الحجية ( فان ) الامارات لما كان شأنها رفع الشك عن الواقع واثبات العلم به كانت موجبة لارتفاع موضوع القاعدة وهو الشك تعبدا فلا يبقى حينئذ معها مجال لجريان القاعدة المزبورة ( بخلاف ) الاستصحاب فإنه لا يكون رافعا للشك عن الواقع ( بل غاية ) اقتضائه بناء على رجوع التنزيل فيه إلى اليقين هو اثبات العلم التعبدي بالواقع في ظرف الشك به ، وبعد كون العلم المزبور في رتبة متأخرة عن الشك ، فبمجرد الشك يترتب عليه الأثر المترتب على الجامع بين عدم العلم والعلم بالعدم لكونه أسبق فردي الموضوع وبترتبه عليه لا يبقى مجال لترتبه ثانيا على الاستصحاب لكونه من تحصيل الحاصل هذا ( وفيه ) انه يتجه هذا الاشكال في فرض كون تلك الآثار من لوازم العلم

ص: 81

بالحجية فقط « والا » فعلى فرض كونها من اثار الواقع أيضا ولو بنحو الاقتضاء « لا مجال » لهذا الاشكال « إذ يكفي » في جريان الاستصحاب حينئذ مجرد كون المستصحب مقتضيا لترتب العمل عليه ولو في ظرف العلم به ، كما هو الشأن في الوجوب الواقعي بالنسبة إلى وجوب الامتثال حيث يكفي ذلك في استصحاب عدم الوجوب وحكومته على قاعدة قبح العقاب بلا بيان وعلى ذلك « نقول » انه بعد كون الحجية الواقعية مما يترتب عليها حكم العقل بالتنجيز ولزوم الموافقة فعند الشك فيها يجرى استصحاب عدمها ويترتب عليه عدم حكم العقل بالتنجيز ولزوم الموافقة ، وبجريانه لا يبقى مجال لجريان القاعدة وترتيب اثر عدم الحجية على نفس الشك « وان شئت » قلت إن الشك في الحجية ، كما يكون موضوعا للقاعدة ، كذلك يكون موضوعا للاستصحاب وعليه فعند الدوران لابد من تقديم الاستصحاب « لان بجريانه » يرتفع موضوع القاعدة وهو الشك تعبدا بخلاف العكس فإنه يلزم من تقديمها تخصيص الاستصحاب لبقاء موضوعه وعدم اقتضاء القاعدة لنفيه « لان » غاية ما يقتضيه القاعدة انما هي لغوية جريانه مع أن لازم البيان المزبور هو المنع عن استصحاب الحجية ، بل وعن استصحاب الطهارة والحلية في قبال القاعدة المثبتة لهما « مع أنه كما ترى » لا يظن التزامه بأحد خصوصا في الأخيرين ، حيث إن كلماتهم مشحونة بجريان استصحاب الطهارة والحلية وحكومته على القاعدة المثبتة لهما ( وما أفيد ) في الفرق بين المقام وما هناك بان المجعول هناك طهارتان ظاهرية واقعية وان ما يثبته الاستصحاب غير ما تثبته القاعدة فبالاستصحاب يتحقق الغاية وهو العلم بالطهارة أو النجاسة فيرتفع موضوع القاعدة وهو الشك ( بخلاف المقام ) ، حيث إنه لا يكون في البين الا حكم واحد مترتب على الجامع بين الشك والعلم بالعدم ( ومن المعلوم ) ترتب مثله على نفس الشك الذي هو أسبق فردي الموضوع ( مدفوع ) مضافا إلى منافاة ذلك لما التزم به في غير المقام من وحدة المجعول فيهما ( بان المجعول ) في مورد القاعدة لو كان هي الطهارة الظاهرية للزم عند العلم بنجاسة الماء المتوضى به الجاري فيه قاعدة الطهارة ، اما الحكم بصحة الوضوء واقعا ، واما عدم صحة التوضي به أصلا ( بيان الملازمة ) هي ان الطهارة المعتبرة في صحة الوضوء ، اما ان تكون هي الطهارة الواقعية ، أو الأعم منها

ص: 82

ومن الطهارة الظاهرية ( فعلى الأول ) لا يجوز التوضي بالماء المزبور لعدم احراز الطهارة الواقعية بقاعدة الطهارة لأن مفادها هي الطهارة الظاهرية ( وعلى الثاني ) يلزم عدم اقتضاء كشف نجاسته بعد ذلك لبطلان وضوئه به حال جريان القاعدة ، مع أنهم لا يلتزمون بذلك ، فيكشف ذلك عن وحدة ما هو المجعول في مورد القاعدة والاستصحاب ، وان مفاد القاعدة أيضا هو البناء على الطهارة الواقعية في المشكوك طهارته ونجاسته ( وعليه ) يتجه اشكال الانتقاض باستصحاب الحجية واستصحاب الطهارة والحلية وحينئذ فلا محيص عن المصير إلى ما ذكرنا من جريان استصحاب عدم الحجية وترتب لازمه عليه من دون وصول النوبة مع جريانه إلى القاعدة ( نعم ) لو قيل إن البيان الرافع لموضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان عبارة عن خصوص البيان على التكليف أو ما هو بحكمه لا مطلق البيان ولو على نفي التكليف ( لاتجه ) المنع عن استصحاب عدم الحجية لعدم ترتب فائدة حينئذ على الاستصحاب المزبور ( ولكن ) الشأن في ذلك ، حيث إن لازمه عدم حجية الامارة النافية للتكليف لعدم ترتب فائدة عليها مع حكم العقل بالبرائة والالتزام به كما ترى ( ثم انه قد يقرر ) الأصل بوجوه اخر ( منها ) ان الأصل إباحة العمل بالظن بمقتضى أصالة الإباحة في الأشياء ومن جملتها العمل بالظن المشكوك حجيته وقد نسب ذلك إلى السيد المحقق الكاظمي قده ( وفيه ) انه ان أريد مجرد العمل بالظن من دون الاكتفاء به في تحصيل فراغ الذمة عن التكاليف فغير مفيد ، وان أريد جواز العمل به في مقام تفريغ الذمة والتعبد بمؤداه فغير سديد ، بداهة انه لا معنى لإباحته وذلك اما في فرض الانفتاح والتمكن من تحصيل العلم فظاهر لاستقلال العقل حينئذ بعدم جواز الاعتماد على الظن ووجوب تحصيل العلم في مقام الخروج عن عهدة التكليف ( واما في فرض ) الانسداد والعلم الاجمالي بالتكاليف فمع وجود الطرق المعتبرة بمقدار المعلوم بالاجمال فكذلك ، فان الواجب بحكم العقل هو تحصيل تلك الطرق والاخذ بها في مقام الخروج عن عهدة التكاليف المعلومة بالاجمال دون الاخذ بالظن المشكوك حجيته ( واما ) مع عدم وجود الطرق المعتبرة اما رأسا أو بالمقدار الوافي ففي مثله وان كان ينتهى الامر إلى مقام الاخذ بالظن والعمل به الا ان العمل بالظن حينئذ يكون واجبا لا جائزا ( فعلى كل تقدير ) يدور امر العمل بالظن بين كونه واجبا أو غير

ص: 83

جائز فلا معنى لدعوى جواز العمل بالظن واباحته ، كما أنه لا معنى لدعوى التخيير بين العمل بالظن وبين العمل بالأصل أو الدليل الموجود في المسألة فتدبر ( ومنها ) ان العمل بالظن يدور امره بين الوجوب والحرمة لكون العمل به على تقدير الحجية واقعا واجبا وعلى تقدير عدم الحجية غير جائز ، وفي مثله لابد اما من التخيير أو ترجيح جانب الحرمة بناء على أولوية دفع المفسدة ( وأورد ) عليه الشيخ قدس سره بمنع الدوران نظرا إلى كفاية مجرد عدم العلم بالحجية في ثبوت التحريم الثابت بالأدلة الأربعة وهو كما افاده قده ، ولكن مقتضى ظاهر كلامه هذا تسليم انه لو كانت الحرمة من اثار عدم الحجية واقعا كان المقام من باب الدوران بين الوجوب والحرمة وهذا مما لا يلتزم به حيث إن لازم الدوران المزبور هو التخيير عقلا وجواز العمل بالظن لا إلى بدل وهو ينافي ما بنى عليه قده من دوران الامر حينئذ بين التعبد بالظن وبين التعبد بغيره من الأصول والدليل الموجود في البين إذ حينئذ يدور الامر في الحقيقة بين الوجوبين اما وجوب الاخذ بالظن والعمل به واما وجوب الاخذ بغيره من الأصول الجارية في المسألة ( ونتيجة ذلك ) هو التخيير أو تعيين الثاني لرجوع الشك في اعتبار الظن إلى الشك في تخصيص أدلة اعتبار تلك الأصول ، لان الحكومة نحو من التخصيص فبأصالة عدم التخصيص يتعين العمل بالأصول ( ومنها ) ان الامر دائر ، بين وجوب تحصيل مطلق الاعتقاد بالأحكام الشرعية المعلومة اجمالا ، وبين وجوب تحصيل خصوص الاعتقاد القطعي فتكون المسألة من صغريات مسألة التعيين والتخيير ، والأصل فيها هو التعيين ( وأجاب عنه ) الشيخ قده أولاً بان تحصيل الاعتقاد بالأحكام انما هو مقدمة عقلية للعمل بها وحيث إن الحاكم بوجوبه هو العقل فلا يعقل ترديده في حكمه الفعلي ( وثانيا ) انه تكفي أدلة الأصول المخالفة له لاثبات تحريمه بلحاظ ان العمل بالظن في مورد مخالفته للأصول الموجودة في المسألة مخالفة قطعية عملية لحكم الشارع بوجوب الاخذ بتلك الأصول والعمل بها حتى يعلم خلافها هذا ( وقد ) أورد أيضا المحقق الخراساني قده على جعل المسألة من صغريات مسألة التعيين والتخيير ، بان تلك المسألة انما هي في صورة تعلق الشك بأحد الامرين في مقام اثبات التكليف ، لا في مرحلة اسقاط التكليف الثابت بمقتضى العلم الاجمالي ، وما

ص: 84

نحن فيه من قبيل الثاني لان الترديد انما هو في كيفية الفراغ عن الاحكام المعلومة بالاجمال ، وفى مثله لم يتوهم أحد جريان البراءة عن التعيين فلا يصح جعل المقام من مسألة التعيين والتخيير الذي هو معركة الآراء بين الاعلام ( ولكن نقول ) ان ما أفيد من الاشكال انما يتم إذا كان العلم الواجب تحصيله تعيينا أو تخييرا معينا للتكليف المعلوم بالاجمال ( واما ) إذا لم يكن متكفلا لتعيينه بل كان مثبتا للتكليف في بعض الأطراف بنحو يحتمل انطباق المعلوم بالاجمال عليه على وجه يوجب انحلاله حكما فلا يكون المقام من موارد الشك في الاسقاط بل هو راجع إلى الشك في الاثبات وانحلال العلم الاجمالي بخصوص العلم أو مطلق الاعتقاد ( هذا كله ) في تأسيس الأصل في المسألة ولقد عرفت ان الأصل فيما شك في حجيته شرعا هو عدم الحجية وعدم ترتب لوازمها لكونها بنظر العقل من توابع العلم بالحجية

في حجية الظواهر

( واما ما خرج ) عن هذا الأصل أو قيل بخروجه فأمور ( منها ) الأصول المعمولة في استنباط الأحكام الشرعية من الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة والكلام فيها يقع في مقامين ( الأول ) فيما يعمل في تشخيص مراد المتكلم من ألفاظه عند احتمال إرادة خلاف الظاهر بعد الفراغ عن أصل ظهورها بالوضع أو بقرينة عامة أو خاصة وهي الأصول اللفظية المعروفة كاصالة الحقيقة والعموم والاطلاق وعدم القرينة وغيرها ( الثاني ) فيما يعمل في تشخيص أصل ظهورها والمقام الثاني وان كان بحسب الطبع مقدما على المقام الأول ولكن تبعا لشيخنا العلامة الأنصاري قده نتكلم أولاً في المقام الأول ( فنقول وعليه التكلان ) ان الشك في إرادة المتكلم خلاف ظاهر كلامه تارة يكون من جهة الشك في مطابقة الإرادة الاستعمالية للظهور لاحتمال كون الاستعمال على نحو المجاز ( وأخرى ) من جهة الشك في مطابقة الظهور مع الإرادة الجدية مع القطع بان الإرادة الاستعمالية على طبق الظهور بان كان الشك في مطابقة الإرادة الاستعمالية مع الإرادة الجدية ، والمتكفل لرفع الشك في الجهة الأولى هي الأصول العدمية من أصالة عدم القرينة

ص: 85

وأصالة عدم التقييد والتخصيص ، ولرفع الشك في الجهة الثانية هي أصالة الحقيقة والعموم والاطلاق المثبتة لكون المراد الجدي على طبق الحقيقة والاطلاق والعموم ( نعم ) قد يقال كما عن العلامة الأنصاري قده برجوع الأصول الثلاثة الوجودية إلى أصل واحد عدمي وهو أصالة عدم القرينة على التخصيص والتقييد والمجاز على خلاف الحقيقة والعموم ، ولكن العلامة الخراساني قده ارجع الجميع إلى أصل وجودي واحد وهي أصالة الظهور عند احتمال إرادة خلافه ( ولكن التحقيق ) ان يقال بابتناء هذا الخلاف على النزاع المعروف من قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة وعمل المكلف وعدمه ( فإنه على القول ) بالقبح لا محيص من ارجاع جميع الأصول إلى أصل واحد عدمي ( لان ) الشك في إرادة خلاف الحقيقة والعموم والاطلاق مسبب عن الشك في اقتران الكلام بالقرينة الصارفة إذ بدونها يقطع بإرادة الحقيقة حسب الفرض من قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة فلا يحتمل حينئذ خلافها فلا يبقى موقع لجريان الأصول الثلاثة الوجودية بل يحتاج إلى أصالة عدم القرينة ( واما على القول ) بعدم قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة على ما حققناه في باب تعارض النسخ والتخصيص حيث قلنا ان القبيح انما هو تأخير البيان عن وقت حاجة المولى أي الوقت الذي تعلق غرضه لبيان مرامه الواقعي بلفظه بحيث لو أخل به لزم نقض غرضه لا تأخيره عن وقت حاجة المكلف وعمله بداهة امكان القاء الظهور على خلاف مرامه لمصلحة تقتضيه ، فلا يصح ارجاع الأصول الوجودية إلى أصل عدمي فان القطع بعدم القرينة لا يجدي لرفع الشك في المراد فضلا عن أصالة عدمها ضرورة بقاء الشك في المراد بعد على حاله ولو مع الجزم بعدمها من جهة احتمال كون المراد الجدي على خلاف ما يقتضيه ظاهر لفظه وانه سيقيم عليه البيان فيما بعد ( وحينئذ لو قيل ) ان الحمل على الحقيقة وأخويها من باب التعبد المحض لمحض الشك في خلافها ولو مع عدم ظهور فعلى للفظ من جهة اتصاله بما يصلح للقرينية عليه فلا محيص من الاحتياج إلى الأصول الوجودية المزبورة ( واما لو قيل ) كما هو المختار ان الحمل على الحقيقة وأخويها من باب الظهور المستقر المستتبع لعدم حجية الكلام عند اتصاله بما يصلح للقرينية عليه فلابد من ارجاع الأصول الثلاثة الوجودية أيضا إلى أصل واحد وجودي وهو أصالة الظهور

ص: 86

كما افاده المحقق الخراساني قده ( نعم ) على القول ، بان موضوع الحجية هو الظهور الصادر من المتكلم لا الظهور الواصل إلى المكلف ربما يحتاج أيضا إلى أصل عدمي كما لو شك في اقتران الكلام حين صدوره بما يصلح للقرينية عليه إذ بدونه لا يحرز صغرى الظهور بالأصل الوجودي المزبور فقط ، فيحتاج إلى اعمال كلا الأصلين حيث لم يكن أحدهما مغنيا عن الاخر وعلى ذلك فينبغي تنقيح ما هو موضوع الحجية.

فنقول ان هنا جهات من البحث « الجهة الأولى » لا ريب في أن مدار الحجية في الظهورات ليس مجرد الظهور التصوري وانما المدار فيها الظهور المستقر التصديقي الصادر عن المتكلم في مقام الجد وإفادة مرامه الواقعي كما يكشف عنه عدم بنائهم على الحمل على الحقيقة عند اتصال الكلام بما يصلح للقرينية على الخلاف كالأمر الوارد في مقام توهم الخطر ( كيف ) وانه ليس لنا دليل لفظي في البين حتى يمكن الاخذ باطلاقه لان عمدة ما في الباب هي السيرة وبناء العقلاء وحيث انها لبية فلابد من الاخذ بالقدر المتيقن منها ولا يكون ذلك الا الظهور التصديقي المستقر الذي لا يتحقق الا بتجرد الكلام عما يصلح للقرينية وعليه فلا حاجة إلى الأصول الثلاثة الوجودية كما لا حاجة أيضا إلى الأصل العدمي على ما تقدم بيانه بل يكتفي بأصل وجودي واحد وهو أصالة الظهور ( نعم قد يقال ) بكفاية مجرد ظهور اللفظ الصادر من المتكلم في مقام الافهام ولو لم يكن في مقام الجد بإفادة مرامه الواقعي بلفظه بل كان في مقام اعطاء الحجة والظهور إلى المكلف ليكون مرجعا له عند الشك في مقام لم تقم حجة أقوى على خلافه ويلزمه جواز التمسك بعموم العام في الشبهات المصداقية في المخصصات اللبية بل اللفظية أيضا حتى مع القطع بكون المتكلم أيضا شاكا في مصداقية المشكوك للمخصص ( ولكنه يضعف ) بما بيناه انفا من لبية دليل الحجية في المقام لكونه هي السيرة وبناء العقلاء والقدر المتيقن منه هو الظهور المستقر التصديقي الصادر من المتكلم في مقام الجد بإفادة مرامه الواقعي ، ولازمه عدم جواز التمسك بالعام فيما شك في مصداقيته للمخصص في المخصصات اللبية فضلا عن اللفظية كما حققناه في مبحث العام والخاص.

« الجهة الثانية » في أن موضوع الحجية هو الظهور الصادر من المتكلم

ص: 87

أو الظهور الواصل إلى المكلف فيه وجهان ( أوجههما الأول ) ( لما عرفت ) من لبية الدليل المقتضية للاخذ بالمتيقن منه وتظهر الثمرة فيما شك في اقتران الكلام حين صدوره بما يصلح للقرينية عليه ، حيث إنه على الأول لا تجرى أصالة الظهور الا بعد احراز ظهوره حين صدوره ولو باجراء الأصل العدمي كما تقدم بيانه انفا بخلاف الثاني فإنه لا يحتاج الا إلى أصل وجودي واحد ولا يلتفت إلى احتمال اقتران الكلام بالقرينة أو ما يصلح لها بعد تحقق الظهور الفعلي بالوجدان واحتمال مطابقته للواقع ، وتظهر الثمرة أيضا في مورد يعلم بسقط من الكلام بنحو الاجمال على وجه يحتمل كونه قرينة حافة به ويحتمل عدمه حيث إنه على الظهور الصادر كان احتمال قرينية الساقط ملازما لاحتمال عدم ظهور الكلام حين صدوره فلا يحرز صغرى الظهور ( فلابد ) من التوقف ، واما أصالة عدم القرينة فهي غير مجدية لرفع الشك في قرينية ما يعلم وجوده في البين وأصالة عدم قرينية الموجود مما ليس له مبني ولا دليل وهذا بخلاف المسلك الثاني حيث إنه بعد فرض تحقق الظهور فيه بالوجدان واحتمال مطابقته للواقع تجري فيه أصالة الظهور ( وقد يتوهم ) ترجيح الثاني بان لازم اختصاص الحجية بالظهور الصادر هو الاخذ بأصالة الظهور في مورد القطع باقتران الكلام بما يصلح للقرينية عليه مع احتمال كونه من دس الداسين وكون الكلام حين صدوره مجردا عن ذلك ( وذلك ) من جهة جريان أصالة عدم القرينة وعدم اقتران الكلام بما يصلح للقرينية حين صدورها وهو كما ترى لا يلتزم به أحد بل المعلوم منهم عدم الاخذ بالظهور المزبور وعدم الاعتناء باحتمال كون الموجود من دس الداسين ( ولكنه مدفوع ) بان عدم اعتنائهم باحتمال دس الداسين فيما يحتمل قرينيته للكلام انما هو من جهة شمول دليل الاعتبار لمثله أيضا وحينئذ فلا ينافي ذلك تخصيص الحجية بالظهور الصادر فتدبر.

« الجهة الثالثة » في أن أصالة الظهور تختص بما إذا شك في الخروج عن الحكم مع القطع بفردية المشكوك للعام ( أو تعم ) ما لو كان الشك في فرديته للعام مع القطع بخروجه عن حكمه على كل تقدير كما لو ورد اكرام العلماء وعلم بعدم وجوب اكرام زيد ولكنه شك في أنه من افراد العام ومصاديقه كي يكون خروجه من باب التخصيص أو انه ليس من افراده كي لا يكون خروجه موجبا لتخصيص في العام

ص: 88

( فيه وجهان ) بل قولان ، والذي يظهر منهم في غير مورد من الموارد الثاني ( منها ) مسألة الصحيح والأعم حيث استدل بمثل قوله الصلاة معراج المؤمن وانها قربان كل تقى لاثبات الوضع للصحيح بتقريب دلالة الروايات المزبورة بعكس النقيض على أن كل ما لا يكون معراج المؤمن لا يكون بصلاة حقيقة فيستفاد منها ان الصلاة اسم للصحيح والا يلزم التخصيص ( ومنها ) في صيغة الامر حيث استدل على كون الامر للوجوب بمثل قوله سبحانه فليحذر الذين يخالفون عن امره بلحاظ ما هو المعلوم من عدم وجوب الحذر في غيره ( ومنها ) في غسالة الاستنجاء لو شك في أنه طاهر أو نجس يجوز استعماله في الشرب ونحوه حيث استدل على طهارتها بعموم ما دل على عدم جواز استعمال النجس ( ومنها ) في دم القروح والجروح من جهة الشك في أنه نجس معفو عنه في الصلاة أو طاهر ( ومنها ) في الزكاة من جهة الشك في أنها متعلقة بالعين أو الذمة بعد الفراغ عن كون تعيينها بيد مالك النصاب ( ومنها ) في المعاطاة من جهة انه بيع يفيد الإباحة أو ليس ببيع من أصله إلى غير ذلك من الموارد التي يقف عليها المتتبع في الفقه ( ولكن ) الأقوى هو الأول لما تقدم من لبية دليل الحجية في المقام وهي السيرة وبناء العقلاء والقدر المتيقن منها ما لو كان الشك في خروج ما هو من افراد العام عن حكمه.

« الجهة الرابعة » هل الحجية في الظهور منوطة بالظن الفعلي بالمراد أو بالظن النوعي وعلى الثاني فهل يناط الحجية بعدم الظن الفعلي على الخلاف أولاً ( فيه وجوه ) وأقوال أضعفها الأول لكونه خلاف ما تقتضيه السيرة من العمل بالظهورات والاخذ بها على الاطلاق حتى في موارد عدم إفادتها للظن بالمراد كيف ولازمه سد باب التعارض في الاخبار بالمرة والغاء مبحث التعادل والترجيح من الأصول رأسا لاستحالة الظن الفعلي بالمتنافيين كي ينتهى الامر إلى الترجيح أو التخيير ، إذ لا يخلوا ( اما ) ان لا يفيد واحد منهما الظن بالمراد ( واما ) ان يفيده أحدهما دون الاخر ( وعلى التقديرين ) لا ينتهى الامر فيهما إلى التعارض لانتفاء ملاك الحجية فيهما في الأول وكونه من باب تعارض الحجة واللاحجة في الثاني فيدور الامر بين الوجهين الأخيرين والمتعين منهما هو الأخير لقيام السيرة على الاخذ بالظواهر والعمل بها مطلقا حتى في صورة قيام الظن الفعلي على الخلاف على نحو

ص: 89

غيره من الامارات التي حجيتها باعتبار الظن النوعي الذي لا ينافيه الظن بالخلاف ( نعم ) لو شككنا في هذا المقام كان اللازم هو الاقتصار على صورة عدم قيام الظن الفعلي على الخلاف لكونه القدر المتيقن من السيرة وبناء العقلاء ولكنه مجرد فرض لما عرفت من اطلاق السيرة ( ثم انه بعد ) وضوح هذه الجهات نقول ، انه لا ريب في جواز الاخذ بالظواهر لاستكشاف المراد عند الشك فيه لاستقرار السيرة القطعية من العقلاء على اتباع الظواهر المتداولة بينهم في مقام تفهيم مقاصدهم واستكشاف مراداتهم ، ومن الواضح أيضا عدم تخطى الشارع عن هذه الطريقة المألوفة حيث لم يكن له طريق خاص في تفهيم مقاصده بل كان طريقته هي الطريقة المألوفة لدى العقلاء في تفهيم مقاصدهم لكونه في الحقيقة أحدهم ، وهذا مما لا اشكال فيه ( وانما ) الخلاف والاشكال في موضعين أحدهما في حجية مطلق الظواهر بالنسبة إلى غير من قصد افهامه بالخطاب وثانيهما في حجية ظواهر الكتاب.

« فنقول اما الموضع الأول » فقد خالف فيه المحقق القمي قده حيث منع عن حجية الظواهر بالنسبة إلى غير من قصد افهامه بالخطاب وحاصل ما افاده في وجه التفصيل بين المقصود بالخطاب وغيره هو ان أصالة الظهور وأصالة عدم القرينة انما تكون حجة إذا كان المكلف ممن قصد افهامه بالخطاب ( لان ) احتمال الوقوع في خلاف المقصود لا يكون الا بأحد أمرين اما من جهة غفلة المتكلم عن نصب القرينة على المراد واما من جهة غفلة المخاطب وعدم تفطنه إلى القرينة المنصوبة وكلا الاحتمالين مرجوحان عند العقلاء ولا يعتنون بهما ( واما ) إذا كان المكلف غير مقصود بالخطاب ففي هذه الصورة لا ينحصر احتمال الوقوع في خلاف الواقع بالاحتمالين المزبورين ( بل هنا ) احتمال آخر وهو احتمال ان يكون بين المتكلم ومن قصد افهامه قرينة حالية أو مقالية معهودة سابقة الذكر أو لاحقة بنحو لا يطلع عليها غير المخاطب ومثل هذا الاحتمال ليس مما لا يعتنى به العقلاء ، ومن المعلوم بالبداهة انه مع مثل هذا الاحتمال لا يتحقق للكلام ظهور تصديقي في المراد فلا يجوز له الاخذ بظهوره لكشف مراد المتكلم ، إذ لم يثبت من العرف والعقلاء بناء على الاخذ بأصالة الظهور مطلقا ( وفيه ) ان هذا الاحتمال كسابقيه منفي بالأصول العقلائية ولا اختصاص لها باحتمال غفلة المتكلم أو المخاطب فكما ان

ص: 90

احتمال الغفلة من المتكلم أو المخاطب مرجوح عند العقلاء كذلك احتمال القرينة الخفية بينه وبين المخاطب مرجوح عند العقلاء وهي منفية بأصالة عدمها ( واما ) دعوى اختصاص حجية الظهور لدى العقلاء بما لو أحرز كون المتكلم في مقام تفهيم مرامه لكل أحد لا لشخص خاص ( والا ) فلا يفيد لغيره الظن بالمراد ولو نوعا ( فمدفوعة ) بمنع الاختصاص ، بل الظاهر هو كفاية مجرد كون المتكلم في مقام تفهيم مرامه ولو لشخص خاص في الاخذ بظهور كلامه كما يكشف عنه الزام العقلاء المتكلم بما هو ظاهر كلامه عند سماع كلامه الملقى إلى غيره ، ولذا ترى انه لو وقع كتاب شخص إلى شخص بيد ثالث لا يتأمل ذاك الثالث في استخراج مراده من كتابه وترتيب الأثر عليه ولذلك جرى ديدن الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم على الاخذ بظواهر الاخبار الصادرة عن المعصومين (عليهم السلام) في جواب السائلين واستفادة الأحكام الشرعية منها مع كون المقصود بالافهام فيها هم السائلون ( فتأمل ).

« واما الموضع الثاني » وهو حجية ظواهر الكتاب فقد خالف فيه بعض الأخباريين واستدلوا على المنع بوجوه « منها » ان الكتاب وارد في مقام الاعجاز فلا تكون ظواهره كسائر الظواهر التي يعرف المراد منه كل أحد « بل يختص » فهم المراد منها بمن خوطب به وهو النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والأوصياء فلا يجوز الاخذ حينئذ بشيء من ظواهره لاستفادة الأحكام الشرعية الا بمعونة ما ورد عن الأئمة من التفسير « ومنها » دعوى العلم الاجمالي بوقوع التحريف في القران الموجب لطرو الاجمال على الظواهر « ومنها » الأخبار الكثيرة الدالة على عدم جواز الاخذ بظواهر الكتاب معللا في بعضها بان الآية يكون أولها في شيء واخرها في شيء وانه كلام متصل ينصرف إلى وجوه « ومنها » العلم الاجمالي بالتقييد والتخصيص في كثير من المطلقات والعمومات الكتابية الموجب لسقوط ظواهرها عن الحجية « ولكن » لا يخفى ما في هذه الوجوه « اما الوجه الأول » ففيه عدم اقتضائه للمنع عن الاخذ بالآيات الظاهرة الدلالة بحسب الفهم العرفي ولا ينافي ذلك غموضها بحسب ما كان لها من البطون كما في النصوص « واما الوجه الثاني » ففيه منع العلم الاجمالي بوقوع التحريف في القران ، وعلى فرض التسليم لا اثر لمثل هذا العلم الاجمالي بعد احتمال كونه في الآيات غير المرتبطة بآيات الاحكام كآيات القصص ونحوها خصوصا مع

ص: 91

احتمال كون مورد التحريف جملة مستقلة غير مرتبطة بما قبلها وما بعدها من الظواهر وان كانت مشتملة على الحكم « واما الوجه الثالث » ففيه ان الأخبار الناهية عن العمل بالكتاب وان كانت مستفيضة بل متواترة الا انها على كثرتها بين طائفتين طائفة تنهى عن تفسير القران بالرأي والاستحسانات الظنية وطائفة تدل على المنع عن الاستقلال في العمل بظواهر الكتاب من دون مراجعة إلى ما ورد من الأئمة علیهم السلام ، ومن المعلوم ان شيئا منهما لا ينفع ما يدعيه الخصم من المنع عن العمل بظواهر الكتاب اما الطائفة الأولى فلوضوح عدم اندراج العمل بالظاهر في التفسير بالرأي لتشمله الأخبار الناهية « كيف » وان التفسير عبارة عن كشف القناع ولا قناع في الظواهر الواضحة الدلالة لأنها مما يعرفها كل أحد من أهل اللسان فيختص ذلك بالمتشابهات فإنها هي التي تحتاج إلى التفسير وكشف القناع عنها ( واما ) الطائفة الثانية ، فلان محل الكلام هو العمل بالظواهر بعد الرجوع إلى الاخبار والفحص عن تخصيصها ونسخها وإرادة خلاف ظاهرها وهذا مما لا ينفيه تلك الأخبار لما عرفت من أنها في مقام النهى عن الاستقلال بالرأي في العمل بالكتاب والاستغناء عن الرجوع إلى أهل البيت علیهم السلام كما عليه العامة ( هذا كله ) مضافا إلى ما ورد في بعض الاخبار من الامر بالرجوع إلى الكتاب والاخذ بظواهره كرواية عبد الاعلى فيمن عثر فانقطع ظفره فجعل على إصبعه مرارة من قوله (عليه السلام) يعرف هذا وأشباهه من كتاب اللّه ما جعل عليكم في الدين من حرج امسح على المرارة فان في إحالة معرفة المسح عليها على كتاب اللّه إشارة إلى عدم احتياج مثل ذلك إلى السؤال من جهة وجوده في ظاهر الكتاب ، كما أن في اطلاق المعرفة على ذلك دلالة على ما ذكرناه سابقا من أن حجية الظواهر من باب تتميم الكشف ( ومنها ) ما في رواية زرارة في جواب قوله من أين علمت أن المسح ببعض الرأس من قوله (عليه السلام) لمكان الباء حيث عرفه (عليه السلام) مورد استفادة ذلك من الكتاب ( ومنها ) الأخبار الواردة في عرض الاخبار المتعارضة على الكتاب وفى رد الشرط المخالف للكتاب إلى غير ذلك « واما الوجه » الرابع فقد أجيب عنه بان العلم الاجمالي ينحل بعد الفحص عن تلك المقيدات والمخصصات والعثور على مقدار منها يمكن انطباق المعلوم بالاجمال عليه « ولكنه كما ترى » لا يفي بدفع الشبهة مثل هذا العلم التفصيلي اللاحق ، إذ

ص: 92

مجرد الظفر بمقدار المعلوم بالاجمال من المقيدات والمخصصات لا يرفع اثر العلم ولا يوجب انحلاله ما لم يكن قيامه على تعيين المعلوم بالاجمال لان من المحتمل ان يكون ما ظفر به من موارد إرادة خلاف الظاهر من التخصيصات والتقييدات غير ما هو المعلوم بالاجمال « والا » لما كان وجه لوجوب الفحص بعد الظفر بمقدار المعلوم بالاجمال في بقية الظواهر فوجوب الفحص حينئذ في بقية الظواهر كاشف عن بقاء اثر العلم الاجمالي وعدم انحلاله ( فالأولى ) ان يقال في الجواب عن الشبهة ان هذا العلم الاجمالي مقرون حين وجوده بعلم اجمالي آخر وهو العلم بمقدار من المخصصات والمقيدات في ما بأيدينا من الاخبار بنحو لو فحصنا لظفرنا بها فينحل العلم الاجمالي الكبير بما في دائرة العلم الاجمالي الصغير من الأول ولازم هذا العلم الصغير هو الفحص عن كل ظاهر فإذا فحصنا ولم نظفر بقرينة على الخلاف نقطع بخروج ذلك الظاهر عن دائرة العلم الصغير من الأول فتدبر ( بقى الكلام ) في ما لو اختلفت القراءة في الكتاب كما في قوله سبحانه حتى يطهرن بالتخفيف من الطهارة الظاهرة في النقاء من الحيض وبالتشديد من التطهر الظاهر في الاغتسال واجمال القول في ذلك أنه اما ان نقول بتواتر القرائات واما لا وعلى الثاني اما ان نقول بالتلازم بين جواز القراءة بكل قرائة وجواز الاستدلال بها واما لا ( فعلى الأول ) ان أمكن الجمع بينهما بحمل الظاهر منهما على الأظهر أو النص ولو بدعوى نصوصية يطهرن بالتخفيف في أن الواجب هو النقاء من الحيض وظهور يطهرن بالتشديد في أن الواجب هو الاغتسال فلا اشكال في حمل الظاهر منهما على النص أو الأظهر والحكم باستحباب الغسل والا يتوقف ويرجع إلى الأصل أو الدليل الموجود في المسألة لان حالهما حينئذ كآيتين متعارضتين ( وعلى الثاني ) فالامر كذلك فمع امكان التوفيق العرفي يجمع بينهما والا يتوقف ( واما على الثالث ) فبعد عدم تواتر القرائتين وعدم ثبوت التلازم بين جواز القراءة وجواز الاستدلال لابد من التوقف والرجوع اما إلى عموم جواز الاتيان بالزوجة في اي زمان بناء على استفادة العموم الا زماني من قوله سبحانه فأتوا حرثكم انى شئتم أو إلى استصحاب حكم المخصص على الخلاف المذكور في محله ولكن الذي يسهل الخطب ورود النص على الجواز بمجرد حصول النقاء وقد عمل به المشهور فلا ينتهى الامر إلى مقام البحث عن مرجعية عموم العام أو استصحاب حكم المخصص وان كان

ص: 93

المتعين في مثله هو الأول على ما حققناه في محله هذا تمام الكلام في المقام الأول.

واما المقام الثاني وهو ما يعمل في تشخيص أوضاع الألفاظ وتشخيص ظاهرها عن غيره ككون لفظ الصعيد حقيقة في مطلق وجه الأرض وان صيغة الامر حقيقة في الوجوب وان الجملة الشرطية ظاهرة في كذا ونحو ذلك والمتكفل لاثبات هذا المقام هي الأوضاع اللغوية فيما لم تكن المعاني من المرتكزات العرفية والا فالعبرة به وان خالف الأوضاع اللغوية ثم إن استكشاف الأوضاع اللغوية ان كان بالعلم فلا اشكال وان كان بالظن ففي حجيته خلاف بين الاعلام والمشهور على ما حكى هو عدم الحجية وهو الأقوى لان المتيقن من السيرة انما هو حجية الظاهر بعد الفراغ عن ظهوره واما حجية الظن بان هذا ظاهر في كذا وان ذاك حقيقة في كذا فلا دليل عليها ( نعم ) نسب إلى جماعة حجية قول اللغويين في تعيين الأوضاع واستدل عليه تارة باجماع العقلاء والعلماء على الرجوع إليهم في استعلام المعنى اللغوي والاستشهاد بقولهم في مقام الاحتجاج ( وأخرى ) بما دل على حجية خبر الواحد ( وثالثة ) بما دل على حجية قول أهل الخبرة والبصيرة من ذوي الفنون فيرجع إليهم حينئذ ويقبل قولهم كما يرجع إلى أهل الخبرة من ذوي الفنون والصناعات البارعين في فنونهم بمقتضي السيرة القطعية من العرف والعقلاء ولكن الكل كما ترى ( اما الأول ) ففيه ان رجوع العلماء إلى علماء اللغة في استعلام حال اللغات وفى مقام الاستشهاد والاحتجاج لو سلم فإنما هو فيما يتسامح فيه كتفسير خطبة وبيان شعر ومعنى رواية غير متعلقة بالحكم الشرعي لا في مقام استنباط الحكم الشرعي إذ لم يعهد منهم في هذا المقام الرجوع إلى اللغوي والاخذ بقوله نعم قد يحصل بالمراجعة إليهم الوثوق والاطمينان ولو من قول لغوي واحد بان المعنى من المسلمات عند اللغويين ولكن ذلك خارج عن مفروض البحث الذي هو حجية قول اللغوي في تعيين الأوضاع بما هو ( واما الوجه ) الثاني فيدفعه اختصاص أدلة حجية خبر الواحد بالأحكام الشرعية وعدم شمولها للموضوعات الخارجية وعلى فرض تسليم قيام السيرة وبناء العقلاء على الاخذ بخبر الواحد حتى في الموضوعات نقول انه يكفي في الردع عن بنائهم قوله (عليه السلام) في رواية مسعدة بن صدقة والأشياء كلها على هذا حتى تستبين أو تقوم بها البينة مضافا إلى أن دأب اللغويين ليس الا بيان موارد الاستعمالات لا بيان المعنى الموضوع له هذا ( وربما يورد ) عليه بان قول اللغوي

ص: 94

من جهة تضمنه لأعمال الاجتهاد والرأي يكون من الاخبار عن الحدس فلا يكون مشمولا لأدلة حجية خبر الواحد لاختصاصها كأدلة الشهادة بالاخبار عن حس أو الحدس القريب منه ( ولكن يضعف ) بان اخباره إذا كان مستندا إلى اللوازم المحسوسة العادية أو القرائن النوعية الملازمة مع المخبر به كشياع المعنى عند أهل تلك اللغة كان داخلا في الحدسيات القريبة من الحس فتشمله أدلة حجية الخبر فالعمدة في الاشكال عليه هو ما ذكرناه من الاشكال كبرويا وصغرويا ( واما الوجه ) الثالث ففيه ان الرجوع إلى أهل الخبرة والبصيرة من ذوي الفنون والصناعات فيما يرجع إلى فنهم وان كان في الجملة مما لا سبيل لانكاره لكونه مما استقرت عليه طريقة العقلاء واستمرت عليه السيرة العرفية ولم يردع عنه الشارع أيضا الا ان القدر المتيقن من السيرة هو ما إذا حصل الوثوق والاطمينان من قول أهل الخبرة لا بمحض كونهم من أهل الخبرة والبصيرة فإنه لم يثبت بنائهم على الاخذ بقول أهل الخبرة والعمل عليه تعبدا ولو مع الشك وعليه نمنع اعتبار قولهم إذا كان مبنيا على الحدس المحض ولو مع اشتماله على شرائط الشهادة من التعدد والعدالة من غير فرق بين باب فصل الخصومة وباب خيار العيب والتقويم وغير ذلك نعم يتجه ذلك فيما لو كان حدسه قريبا من الحس فيعتبر حينئذ فيه ما اعتبر في الشهادة من التعدد والعدالة لاندراجه في ضابط الشهادة ولا يفرق في ذلك بين الخصومة وغيرها « فما أفيد » من التفصيل في حجية قول أهل الخبرة بين باب الخصومة وغيرها باعتبار شرائط الشهادة في خصوص الأول بمقتضى قوله انما أقضي بينكم بالبينات والايمان مع الاعتراف بامتيازه عن باب الشهادة لكون الشهادة هي الاخبار عن حس بخلاف قوله أهل الخبرة « منظور فيه » إذ بعد الاعتراف بامتيازه عن باب الشهادة لا مجال للتفصيل المزبور واعتبار التعدد والعدالة فيه في باب الخصومة بمقتضى قوله انما أقضي بينكم بالبينات والايمان اللّهم الا ان يكون اجماع تعبدي في البين على لزوم اشتماله على شرائط الشهادة في باب الخصومة وخيار العيب ولكنه غير اعتبارها فيه بمقتضى دليل حصر القضاء مع الاعتراف بعدم شمول أدلة البينة لمثله لاختصاصها بالاخبار عن حس ( نعم ) عمدة الاشكال في حجية قول اللغوي هو عدم كونهم بصدد تعيين المعنى الموضوع له وتشخيص المعنى الحقيقي عن غيره وذلك لما هو الظاهر من حالهم

ص: 95

من كونهم بصدد تعداد موارد استعمال اللغات بلا نظر إلى تعيين ما هو الموضوع له نعم قد يظهر من بعضهم كونه بصدد بيان المعني الموضوع له اما بالتنصيص على عدم تعرضه لغير المعنى الحقيقي أو التنصيص على أن المذكور أولاً من المعاني هو المعنى الحقيقي كما نسب ذلك إلى القاموس ولكن الكلام حينئذ في حصول الوثوق من قول لغوي واحد إذ بدونه لا مجال لحجية قوله كما أشرنا إليه آنفا ( وقد يستدل ) على حجية قول اللغوي بالانسداد الصغير ( وفيه ) ما لا يخفى فان انسداد باب العلم في بعض الموضوعات التي يتوقف عليها العلم بالحكم لا يوجب حجية الظن المطلق ما لم يرجع إلى انسداد باب العلم بمعظم الاحكام بحيث يلزم من اعمال الأصول النافية أو الرجوع إلى الاحتياط محذور الخروج من الدين أو العسر والحرج الشديد واستلزامه لذلك محل نظر بل منع لانفتاح باب العلم بمعظم الألفاظ المستعملة في الكتاب والسنة ولو بمعونة القرائن الخارجية فلا محذور حينئذ في الرجوع إلى القواعد فيما انسد فيه باب العلم ومع الاغماض عن ذلك يتوجه عليه ما أوردناه انفا من عدم كون اللغويين في مقام تشخيص الأوضاع فتدبر

في حجية الاجماع المنقول

ومن الظنون التي قيل بخروجه عن الأصل الاجماع المنقول بالخبر الواحد حيث وقع فيه الخلاف بين الأصحاب ونسب القول بحجيته إلى جماعة من الاعلام واستدل عليها بما دل على حجية خبر الواحد لاندراجه فيه بل هو من الخبر العالي السند لرجوع دعوى الاجماع إلى حكاية قول الإمام (عليه السلام) أو رأيه بلا واسطة فتشمله أدلة حجية الخبر من السيرة والاخبار وآية البناء وغيرها « وفيه » ان المستند لمدعى الاجماع في اخباره عن الإمام (عليه السلام) حيث كان هو الحدس المحض لبعد وصوله إلى الامام وسماع قوله خصوصا في الغيبة الكبرى « لا يكون » اخباره مشمولا لأدلة حجية خبر الواحد لاختصاص أدلتها كأدلة الشهادة بما إذا كان الاخبار مستندا إلى الحس أو الحدس القريب منه كالاخبار بالشجاعة وملكة العدالة ونحوهما « فان » عمدة الدليل على حجية خبر الواحد هي السيرة العقلائية والاجماعات وحيث انهما لبيتان لا يكون لهما اطلاق حتى يمكن الاخذ به لكل خبر ولو عن حدس

ص: 96

( واما الأدلة اللفظية كالاخبار والآيات فهي واردة في مقام امضاء السيرة العقلائية التي عرفت الحال فيها لا في مقام التأسيس ( مع أنها ) ناظرة إلى نفي احتمال الخلاف الناشي من جهة تعمد الكذب لا إلى كيفية خبر العادل من حيث المستند وعليه فلا يبقى مجال للتشبث بمثل هذه الأدلة لاثبات حجية الاجماع المنقول هذا ( ولكن ) التحقيق في المسألة التفصيل في الاجماعات المحكمية حسب اختلاف المباني في حجية الاجماع المحصل ، من باب التضمن ، أو قاعدة اللطف أو الحدس ونحو ذلك ( فما كان ) منها في أواخر الغيبة الصغرى وأوائل الغيبة الكبرى كالاجماعات الواقعة في كلمات مثل الكليني والصدوقين والمفيد والسيدين ونظرائهم قدس اللّه اسرارهم ممن أمكن في حقهم عادة الوصول إلى الإمام (عليه السلام) « لا بأس » بالأخذ به حيث إنه بعدما أمكن في حقهم ان يكون دعواهم اتفاق الأمة الظاهر في دخول المعصوم (عليه السلام) فيهم مستندة إلى الحس يكون دعواهم الاتفاق المتضمن لقول المعصوم حجيته فيشمله أدلة حجية الخبر فان من المعلوم كفاية مجرد احتمال كونه عن حس في حجية من غير حاجة إلى احراز حسيته بل وان فرض استناد ذلك إلى الحدس فهو من الحدس القريب من الحس فان استكشاف قول الإمام (عليه السلام) أو رأيه وان كان بطريق الحدس ولكنه من جهة الملازمة العادية بين اتفاق المجمعين الذين فيهم السفراء على حكم وبين رأى الإمام (عليه السلام) يكون ذلك من الحدس القريب من الحس نظير الاخبار بالشجاعة والعدالة باعتبار لوازمهما المحسوسة العادية ومنه يظهر الحال في الاجماعات المنقولة لنا عن مثل هؤلاء فإنها مشمولة لأدلة حجية الخبر ( واما ) ما كان منها مستندا إلى قاعدة اللطف كالاجماعات الواردة في كلام الشيخ قده ومن تبعه في هذا المسلك فللتوقف فيه مجال لضعف أصل المبني ( واما ) ما كان مبناه الحدس برأي الإمام (عليه السلام) ورضاه بما أجمع عليه للملازمة بين اتفاق آراء المرؤسين المنقادين لرئيسهم على حكم وبين رأى رئيسهم ورضائه به ( ففيه اشكال ) لكونه مستندا إلى الحدس الا إذا فرض كون الملازمة بينهما عادية نظير ملازمة لوازم الشجاعة والعدالة لهما فيقبل حينئذ لكونه من الحدس القريب إلى الحس ولعله ليس ببعيد لوضوح الملازمة العادية بين اتفاق آراء المرؤسين المنقادين لرئيسهم من حيث كونهم كذلك وبين رأى رئيسهم كما هو الشأن أيضا فيما كان مبناه على الكشف عن وجود دليل معتبر في المسألة مع كون مورد

ص: 97

الاتفاق مخالفا للأصول والقواعد فإنه أيضا يكون من الحدس القريب إلى الحس ( وبالجملة ) فالمدار كله في الحجية هو كون الاخبار مستند إلى الحس أو الحدس القريب منه المستند إلى اللوازم الحسية العادية نظير لوازم الشجاعة وملكة العدالة في قبال ما لو استند إلى غير اللوازم العادية الحسية من قرائن شخصية مثلا الحاصلة من حسن ظنه بالمجمعين فإنه يكون من الحدس المحض نظير الاخبار بموت زيد المستند إلى علمه الناشئ بصدق المخبر من جهة حسن ظنه به أو المبادئ الحدسية الاخر كالرمل ونحوه هذا كله في نقل لاجماع من حيث رجوعه إلى نقل المسبب وهو رأى الإمام (عليه السلام) و ( اما ) بالنسبة إلى نقل السبب الذي هو اتفاق الكل فهو أيضا يختلف من حيث كونه تارة حسيا وأخرى حدسيا ناشئا من لحاظ اتفاق جمع من أساطين الفقهاء على حكم بنحو يظهر منهم كونه من المسلمات حيث إنه يحصل من ذلك الحدس القوى بكونه متفقا عليه بين جميع الأمة ويختلف ذلك بحسب اختلاف الناقلين من حيث الإحاطة بكلمات الأصحاب وعدمها بنحو يبعد عادة اطلاع مثله على فتاوى الأصحاب من أهل عصره جميعا فضلا عن الاعصار المتقدمة على عصره وعلى كل حال يكون اخباره بالسبب معتبرا في المقدار الذي يحتمل في حقه الاطلاع عليه فيؤخذ بما يحكيه من السبب لاندراجه في حجية الخبر فان بلغ ذلك إلى مقدار يلازم عادة رأي الامام (عليه السلام) في نظر المنقول إليه فهو والا فيحتاج إلى ضم ما يتم به السبب ولكن لابد في هذه الضميمة عدم احتمال كونها هو المقدار الذي استند إليه ناقل الاجماع والا فلا يفيد هذه الضميمة شيئا أصلا فح يختلف الحال في استكشاف رأي الإمام (عليه السلام) باختلاف الحاكي من حيث قرب عهد الحاكي بزمان الإمام (عليه السلام) ومن حيث كثرة تتبعه وطول باعه ومن حيث دلالة اللفظ وصراحته في اتفاق الكل وعدمه ومن جهة كون المسألة معنونة في كلمات الأصحاب أو غير معنونة وهكذا يختلف باختلاف نظر المحكي له فلابد له من لحاظ تلك الخصوصيات في الحكم بالحجية وعدمها فتدبر ( ومن هذا البيان ) ظهر الحال في نقل التواتر فإنه يأتي فيه ما ذكرناه في نقل الاجماع إذ هو أيضا بما يختلف باختلاف الأنظار ومن حيث إحاطة الناقل وكثرة اطلاعه وعدمها ، فيؤخذ حينئذ بما احتمل في حق الناقل في نقله للتواتر من اخبار عشرين أو أزيد فإذا كان هذا المقدار بحد يثبت به التواتر عند المنقول إليه

ص: 98

لو ظفر هو باخبار تلك الجماعة فيرتب عليه حينئذ ماله من الآثار الشرعية والا فيحتاج إلى الضميمة على التفصيل المذكور في نقل الاجماع مع مراعاة عدم احتمال كون ما ظفر به هو عين ما استند إليه الناقل في نقل التواتر ( هذا إذا كان ) الأثر مترتبا على ما هو المتواتر واقعا أو المتواتر عند المنقول إليه واما لو كان الأثر مترتبا على التواتر في الجملة ولو عند الناقل كما لو نذر ان يحفظ الأخبار المتواترة ولو عند غيره أو يكتبها فلا يحتاج في ترتيب الأثر المزبور إلى الضميمة بل يكفيه تواتره ولو عند الناقل كما هو ظاهر

في حجية الشهرة

ومن الظنون التي قيل بخروجها عن الأصل الشهرة والمراد بها الشهرة الفتوائية فان الشهرة على اقسام ثلاثة ( الشهرة الروائية ) ( والشهرة العملية ) ( والشهرة الفتوائية ) ( اما الشهرة الروائية ) فهي عبارة عن اشتهار الحديث بين الرواة وأرباب الحديث بكثرة نقلها وتكررها في الأصول وهي التي تكون من المرجحات في باب التعارض والمقصود مما ورد من قوله (عليه السلام) خذ بما اشتهر بين أصحابك ( واما الشهرة العملية ) فهي عبارة عن اشتهار العمل بالرواية والاستناد إليها عند الأصحاب في مقام الفتوى ومثل هذه هي الجابرة لضعف الرواية ومصححة للعمل بها ولو كانت الرواية بحسب القواعد الرجالية في منتهى درجة الضعف لكن ذلك إذا كانت الشهرة من قدماء الأصحاب القريبين لعهد الحضور لا من المتأخرين ( ويكفيك ) في ذلك الحديث النبوي المعروف على اليد ما اخذت حتى تؤدى فإنه على ما ذكره بعض مشايخنا مما لم يذكره أحد من رواتنا ولا كان معروفا من طرقنا ولا مذكورا في شيء من جوامعنا وانما روته العامة في كتبهم منتهيا إلى الحسن البصري عن سمرة بن جندب عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الذي قضاياه معروفة مع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث لا ضرر مع وجود خلل آخر في الرواية وهو ان أرباب الحديث منهم ذكروا ان الحسن البصري لم يسمع حديثا قط منه ومع ذلك ترى بناء الأصحاب رضوان اللّه عليهم على الاخذ بالحديث المزبور في أبواب الفقه والاستناد إليه في مقام الفتوى بلحاظ جبره بعمل القدماء ( واما الشهرة الفتوائية ) فهي عبارة عن مجرد اشتهار الفتوى في

ص: 99

مسألة من الأصحاب من دون استناد منهم إلى رواية سواء لم يكن هناك رواية أصلا أم كانت على خلاف الفتوى أو على وفقها ولكنه لم يكن استناد الفتوى إليها والمقصود بالبحث في المقام هي هذه الشهرة ( فنقول ) انه استدل على حجيتها بوجوه « منها » الأولوية بدعوى اقوائية الظن الحاصل من الشهرة من الظن الحاصل من الخبر الوحد « ومنها » ما في المرفوعة من قوله (عليه السلام) خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر حيث دل على الاخذ بها وترك ما يقابلها « ومنها » ما في المقبولة من التعليل بقوله فان الجمع عليه لا ريب فيه حيث تدل على وجوب الاخذ بكل ما لا ريب فيه وترك الاخذ بما فيه ريب فتدل بعموم التعليل على حجية الشهرة لكونها مما لا ريب فيه هذا ولكن الكل كما ترى « اما الأول » فلان مناط الحجية في الخبر الواحد ليس هو الظن الشخصي حتى يقال بأولوية الشهرة في الحجية لأقوائية الظن الحاصل منها من الظن الحاصل من الخبر الواحد وانما ذلك من جهة قيام دليل بالخصوص على حجيته من السيرة وغيرها ولو من جهة كونه مفيدا للظن النوعي ولذلك نقول بحجيته حتى في مورد قيام الظن الشخصي على خلافه « واما الثاني » ففيه مع الاغماض عما في سند الرواية نقول انها مختصه بالشهرة الروائية ولا عموم لها يعم كل شهرة كما يكشف عنه قول الراوي بعد ذلك فقلت يا سيدي هما معا مشهوران مأثوران عنكم فإنه من المعلوم عدم امكان تحقق الشهرة الفتوائية في الطرفين ومنه ظهر الجواب عن الثالث « لوضوح » اختصاصه بالشهرة في الرواية ، فان المراد من المجمع عليه هو كون أحد الخبرين مما قد اتفق الكل عليه وهو مخصوص بباب الشهرة في الرواية ، حيث أمكن كون أحد الخبرين مما قد اتفق الكل على روايته حتى الراوي لخبر الشاذ كامكان كون الخبرين كليهما مجمعا عليهما بهذا المعنى بخلاف الشهرة الفتوائية فإنها لا يمكن فيها هذا المعنى « واضعف » من ذلك كله الاستدلال على حجيتها بما في ذيل آية النباء من التعليل بقوله سبحانه ان تصيبوا قوما بجهالة بتقريب ان المراد من الجهالة هي السفاهة والاعتماد على ما لا ينبغي الاعتماد عليه والشهرة لا يكون الاعتماد عليها مما لا ينبغي الاعتماد عليه « إذ فيه » ان غاية ما تقتضيه الآية على هذا البيان هو عدم جواز الاخذ بكل ما تصدق عليه الجهالة ، واما وجوب الاخذ بما لا يكون من الجهالة والسفاهة

ص: 100

فلا دلالة لها عليه أصلا « وحينئذ » فإذا لم يقم دليل على حجيتها تبقى لا محالة تحت الأصل « نعم » مثل هذه الشهرة إذا كانت من القدماء تكون موهنة للرواية التي على خلافها بحيث يخرجها عن الحجية ، وان لم تكن جابرة لضعف الرواية التي على وفاقها بعكس الشهرة العملية الاستنادية حيث إنها كانت جابرة لضعف الرواية ، كما أشرنا إليه انفا « فتدبر »

في حجية خبر الواحد

ومن الظنون الخارجة عن الأصل بالخصوص خبر الواحد في الجملة عند المشهور وكون البحث عن حجيته من المسائل الأصولية بل أهمها مما لا ينبغي التأمل فيه فان ضابط كون المسألة أصولية امكان وقوعها في طريق استنباط الحكم الكلي أو الوظيفة الفعلية كما تقدم تفصيله عند التعرض لبيان تعريف علم الأصول ( ومن المعلوم ) تحقق ذلك في المقام لوقوع نتيجتها كبرى القياس في مقام الاستنباط « بل لو » قيل في ضابط كون المسألة أصولية انها المسألة التي يختص تطبيقها بالمجتهد لكان منطبقا على المسألة المزبورة أيضا لأنها من جهة احتياجها إلى الفحص عن المعارض يختص تطبيقها بالمجتهد ( وكيف كان ) فاثبات الحكم الشرعي بالخبر الواحد يتوقف على عدة أمور ( منها ) أصل الصدور ( ومنها ) صدور الخبر عن المعصوم (عليه السلام) لبيان الحكم الواقعي لا للتقية ونحوها ( ومنها ) ظهور الكلام الصادر من المعصوم (عليه السلام) في إرادة ما هو ظاهره فلا يثبت الحكم الشرعي بخبر الواحد الا بعد احراز هذه الأمور ولو بالأصول العقلائية ( ولكن المقصود ) بالبحث في المقام هو الامر الأول وهو صدور الخبر من المعصوم (عليه السلام) والمتكفل لاثباته هي الأدلة الدالة على حجية الخبر الواحد ( واما المتكفل ) لجهة صدور الخبر هي الأصول العقلائية المقتضية لكون الكلام صادرا لبيان الحكم الواقعي ، ( والمتكفل ) لأصل ظهور الكلام الأوضاع اللغوية والقرائن العامة ، ولإرادة الظاهر هي أصالة الظهور التي عرفت كونها من الأصول العقلائية المتداولة بينهم في محاوراتهم ( نعم ) البحث عن الجهة الأولى يقع من وجهين ، تارة من جهة تعمد كذب الراوي في نقله عن الإمام (عليه السلام) ، وأخرى من جهة خطائه وغفلته ( والمقصود )

ص: 101

بالبحث في المقام هي الجهة الأولى والمتكفل للجهة الثانية هي أصالة عدم الخطاء والغفلة وحينئذ ( نقول ) ان المشهور حجية خبر الواحد بل يمكن دعوى الاجماع عليه في الاعصار المتأخرة خصوصا بالنسبة إلى الاخبار المدونة فيما بأيدينا من الكتب المعروفة حيث يظهر منهم كون وجوب العمل بهذه الاخبار من المسلمات عندهم ، وان اختلفوا في وجهه حيث إن منهم من يرى قطعية صدور تلك الأخبار ومنهم من يعتمد عليها من اجل اعتماده على الظن المطلق ومنهم من يعتمد عليها من جهة قيام الدليل بالخصوص عنده على حجيتها ومنهم من يعتمد على غير ذلك من الجهات ( ولكن ) الظاهر أن اختلافهم في وجه الاستناد انما هو من قبيل العلل بعد الوقوع وتطبيق ما هو المسلم عندهم على ما اختاروا من الوجه بحيث لو فرض التفاتهم إلى عدم تمامية ما استندوا إليه من الوجوه لم يزالوا باقين على ما أفتوا به من وجوب العمل بهذه الاخبار ومن المعلوم ان مثل هذا الاختلاف لا يخل بالاجماع كما هو ظاهر « نعم » حكى القول بعدم الحجية عن جماعة ( كالسيد ) ( والقاضي ) ( وابن زهرة ) ، ( والطبرسي ) ، ( وابن إدريس ) ، بل نسب ذلك إلى الشيخ أيضا ( ولكن ) المشهور هو المنصور والمهم هو اثبات الحجية في الجملة قبال السلب الكلي كما يدعيه القائل بالمنع ولنقدم الكلام أولاً في ذكر أدلة النافين للحجية ( فنقول ) وعليه التكلان ، استدل للمنع بالأدلة الأربعة ( اما الكتاب ) فبآيات ( منها ) ما دل على النهى عن اتباع غير العلم كقوله سبحانه ولا تقف ما ليس لك به علم ( ومنها ) ما دل على النهى عن الاستطراق بالظن والعمل به كقوله سبحانه ان الظن لا يغنى من الحق شيئا ( ومنها ) التعليل المذكور في اية النبأ على ما ادعاه امين الاسلام الطبرسي قده من دعوى دلالته على عدم حجية خبر الواحد ( ولكن ) في الكل ما لا يخفى ، اما الآيات الناهية عن اتباع غير العلم فلأنها انما تدل على المنع عن العمل بخبر الواحد في فرض عدم تمامية الأدلة المثبتة للحجية ، إذ في فرض تماميتها لا مجال للتمسك بتلك الآيات لحكومة تلك الأدلة عليها حسب اقتضائها لتتميم الكشف واثبات العلم بالواقع حيث إنها تقتضي كون العمل به عملا بالعلم ، ( وهذا ظاهر ) بعد معلومية وضوح عدم تكفل الآيات لاحراز موضوعها الذي هو عدم العلم ، وتمحضها لاثبات حكم كلي لموضوع كلي ، وبذلك ظهر عدم صلاحية تلك

ص: 102

الآيات للمعارضة مع تلك الأدلة أيضا ( ومن هذا البيان ظهر ) الجواب عن الآيات الناهية عن العمل بالظن واتباعه ، إذ بعد الغض عن كون مساقها في مقام اثبات حرمة العمل بالظن في أصول العقائد وتسليم عمومها لمطلق الأحكام الشرعية ( نقول ) بحكومة أدلة حجية خبر الواحد عليها فإنها على تقدير تماميتها في نفسها توجب خروج كون العمل به عن كونه عملا بالظن بادراجه في العمل بالعلم حسب اقتضائها لتتميم الكشف ( هذا كله ) مع امكان دعوى ظهور الأدلة الناهية في كونها في مقام نفي اقتضاء الحجية في الظن من حيث ذاته قبال العلم الذي فيه اقتضاء الحجية بحكم العقل لا بصدد بيان اقتضائه لعدم الحجية فلا ينافي حجيته لمقتضى خارجي ( نعم ) لو كان مفاد الآية اثبات اقتضاء ذاته لعدم الحجية بنحو لا يزاحمه مقتضى خارجي « لكانت » دالة على المطلوب ، فتصلح حينئذ للمعارضة مع الأدلة المثبتة للحجية « ولكن » دون اثبات ذلك خرط القتاد ( ثم ) ان هذا كله فيما عدى السيرة العقلائية القائمة على حجية الخبر « واما السيرة » فقد يقال بصلاحية الآيات الناهية عن العمل بما وراء العلم للردع عنها ، فإنها بعد عدم اقتضائها الحجية في نفسها وإناطة حجيتها بامضاء الشارع وعدم ردعه عنها فلا جرم تصلح الآيات الناهية بعمومها للردع عنها فيخرج عن الحجية « ولكنه مندفع » بان ذلك يتم إذا كان بناء العقلاء في العمل بخبر الثقة من باب العمل بالظن « واما » إذا كان عملهم به من جهة انكشاف الواقع لديهم بقيام خبر الثقة وعدم اعتنائهم باحتمال الخلاف لبنائهم على تتميم الكشف المقتضى لالغاء احتمال خلافه فلا تصلح الآيات الناهية للردع عنها لخروج العمل بخبر الثقة « حينئذ » عن موضوع الآيات الناهية وهو العمل بالظن أو بما وراء العلم « نعم » لو اغمض عن ذلك لا يتوجه الاشكال على رادعية الآيات بما أفيد من محذور الدور ، بتقريب ان الردع عن السيرة بالآيات الناهية يتوقف على أن لا تكون السيرة مخصصة لعمومها ، وعدم كونها مخصصة لها يتوقف على كون الآيات رادعة عنها ولا أقل من أن يكون حال السيرة حال سائر أدلة حجية الخبر من كونها حاكمة على الآيات الناهية والمحكوم لا يصلح ان يكون رادعا عن الحاكم « إذ فيه » ان حجية السيرة بعد أن كانت معلقة على عدم الردع عنها يكون عدم الردع في المرتبة السابقة عن حجيتها لأنه بمنزلة

ص: 103

شرطها ، « وحينئذ » ففي المرتبة السابقة عن حجيتها تجرى أصالة العموم في الآيات الناهية فتوجب خروج مثلها عن الحجية بلا محذور دور « كيف » وحكومة السيرة المزبورة أو ورودها على الآيات فرع حجيتها المتأخر عن عدم الردع ، فلا يستقيم تشكيل الدور في رادعية الآيات الناهية وانما هو في ظرف مخصصية السيرة أو حكومتها على عمومات النواهي لتوقف مخصصيتها أو حكومتها على حجيتها المتأخرة عن عدم رادعية الآيات عنها في المرتبة السابقة وهو ظاهر « نعم ما أفيد » من محذور الدور في الرادعية يتم في فرض اقتضاء الحجية في نفس السيرة وكون الردع مانعا عنها ، إذ « حينئذ » يمكن ان يقال بكون المانعية معلقة في طرف الآيات على عدم تأثير المقتضى التنجيزي الموجب لعدم صلاحية الآيات للرادعية الا بنحو الدور ولكن الامر ليس كذلك بل أصل حجيتها منوط بامضاء الشارع لها وعدم ردعه عنها بحيث لولا الامضاء لما كان فيها اقتضاء الحجية أصلا ، وعليه فينحصر تصوير الدور في طرف المخصصية ( ثم إن ) ما ذكرنا من صلاحية الآيات للردع عن السيرة انما هو في السيرة العقلائية غير الراجعة إلى أمور معادهم والا فيرجع إلى سيرة المتشرعة ، و ( وفى مثله ) لا تصلح هذه النواهي للردع عنها لمضادتها حينئذ لأصل وجود السيرة وتحققها ( إذ ) من المستحيل تحقق السيرة المزبورة منهم بما هم متدينون مع ثبوت الردع من الشارع ، وعليه فمن قيام السيرة واستمرارها يستكشف بمقتضى المضادة المزبورة عدم صلاحية الآيات الناهية للردع عما بنوا عليه من العمل بخبر الثقة وسيأتي مزيد بيان لذلك ( واما السنة ) فهي على طائفتين ( الأولى ) ما دل على الاخذ بما علم صدوره عنهم (عليهم السلام) والتوقف والرد إليهم فيما لا يعلم أنه منهم فمن ذلك قوله (عليه السلام) في المروى عن بصائر الدرجات ما علمتم انه قولنا فالزموه وما لم تعلموه فردوه إلينا ( الثانية ) ما دل على عرض الاخبار المروية عنهم (عليهم السلام) على كتاب اللّه عز وجل وهي على طائفتين * أحدهما * تدل على الاخذ بما يوافق الكتاب ورد ما لا يوافقه * وأخرى * ما تدل على الاخذ بما لا يخالف الكتاب ورد ما يخالفه وكل منهما * على قسمين * من حيث كونه بلسان نفي الصدور ، تارة ولسان نفي الحجية ، أخرى * فمن الطائفة الأولى * قوله (عليه السلام) ما جائكم عنى ما لا يوافق القران فلم أقله ، وقوله (عليه السلام) وما اتاكم من

ص: 104

حديث لا يوافق كتاب اللّه فهو باطل ، وقوله (عليه السلام) كل شيء مردود إلى كتاب اللّه عز وجل والسنة ، وكل حديث لا يوافق كتاب اللّه فهو زخرف ونحو ذلك من الأخبار الكثيرة الظاهرة في نفى صدور ما لا يوافق القران عنهم « ومن الطائفة الثانية » قوله (عليه السلام) لا تصدق علينا الا ما يوافق كتاب اللّه وسنة نبيه ، وقوله إذا جائكم حديث عنا فوجدتم عليه شاهدا أو شاهدين من كتاب اللّه عز وجل فخذوا به والا فقفوا عنده ثم ردده إلينا حتى نبين لكم ، وقوله (عليه السلام) في خبر ابن أبي يعفور بعد أن سئله عن اختلاف الحديث يرويه من يوثق به ومن لا يوثق به إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب اللّه عز وجل أو من قول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فخذوا به والا فالذي جائكم أولى به ، وقوله (عليه السلام) ما جائكم عنا فان وجدتموه موافقا للقران فخذوا به وان لم تجدوه موافقا للقران فردوه وان اشتبه الامر عندكم فقفوا عنده حتى نشرح لكم من ذلك ما شرع لنا ، وقوله (عليه السلام) لمحمد بن مسلم ما جائك من رواية من بر أو فاجر يوافق كتاب اللّه فخذ به وما جائك من رواية من بر أو فاجر يخالف كتاب اللّه فلا تأخذ به بناء على كون المراد من المخالفة بقرينية الصدر هو عدم الموافقة ونحو ذلك من الاخبار الظاهرة في عدم حجية ما لا يوافق الكتاب « ومن الطائفة الثالثة » قوله (عليه السلام) ما خالف كتاب اللّه عز وجل فليس من حديثي أو لم أقله كما في خبر آخر ، قوله (عليه السلام) ما جائكم عنى يخالف كتاب اللّه عز وجل فلم أقله أو ذره على الجدار كما في آخر أو زخرف كما في ثالث أو باطل كما في رابع « ومن الطائفة الرابعة » قوله (عليه السلام) لا تقبلوا عنا خلاف القران فانا ان حدثنا حدثنا بموافقة القران وموافقة السنة ، وقوله (عليه السلام) لا تقبلوا عنا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ونحو ذلك من النصوص الظاهرة بل الصريحة في عدم حجية ما يخالف الكتاب والسنة هذا ( والجواب ) « اما عن الطائفة الأولى » الظاهرة في عدم جواز الاخذ بما لا يعلم صدوره عنهم (عليهم السلام) « فبعد الغض » عن كونها من اخبار الآحاد التي لا يمكن التمسك بمثلها لعدم حجية خبر الواحد « يرد عليها » ما أوردناه على الآيات الناهية عن اتباع غير العلم من توقف الاستدلال بها على عدم تمامية أدلة حجية خبر الواحد لما عرفت من حكومة تلك الأدلة عليها على فرض تماميتها لاقتضائها لتتميم الكشف « واما

ص: 105

الطائفة الثانية » الدالة على عرض الاخبار على كتاب اللّه والسنة على اختلاف ألسنتها فبالنسبة إلى كل واحد منها يجري الاشكال المتقدم لكونها من اخبار الآحاد ولا يجوز التمسك بها لعدم حجية خبر الواحد « واما المجموع » من حيث المجموع فهو وان كان بالغا إلى حد التواتر « ولكن » التواتر المزبور فيها لما كان اجماليا لا معنويا بلحاظ اختلافها في المضمون وعدم وجود جهة متحدة فيها يحكى عنها الجميع « فلابد » من الاخذ بما هو أخص مضمونا منها لكونه القدر المتيقن على قواعد العلم الاجمالي بين الأقل والأكثر وحيث إن الأخص مضمونا من الجميع هي النصوص المتضمنة لعنوان المخالف للكتاب لا خصية مضمونها من النصوص المتضمنة لعنوان ما لا يوافق وعدم احتمال صدور المخالف أو حجية دون ما لا يوافق ( فلابد ) في مقام الدوران من الاخذ بهذه الطائفة ( ثم ) بعد القطع بصدور الاخبار المخالفة للكتاب منهم (عليهم السلام) بنحو العموم المطلق بل وعلى نحو العموم من وجه ( لابد ) من حمل المخالف فيها على المخالفة بنحو التباين الكلي وبذلك أيضا ينحل العلم الاجمالي بعدم الصدور وعدم الحجية والقبول في الاخبار المخالفة ، للقطع التفصيلي بعدم جواز الاخذ بالخبر المخالف للكتاب والسنة بنحو التباين الكلي ، اما لعدم صدوره ، أو لعدم حجية فيصير الشك بدويا في البقية ( وعليه ) فلا محذور في الاخذ بما عدى هذه الطائفة من الاخبار المخالفة للكتاب بنحو العموم المطلق أو من وجه فضلا عن الاخبار غير المخالفة ولا ملازمة بين عدم جواز الاخذ بالاخبار المخالفة بنحو التباين الكلي وعدم حجيتها وبين عدم حجية غيرها من الاخبار كما هو ظاهر ( واما الاجماع ) المدعى في المقام فهو المحكى عن السيد قدس سره من أن العمل بالخبر الواحد عند مذهب الشيعة كالعمل بالقياس ( ففيه ) ان المحصل من هذا الاجماع غير حاصل لو لم نقل ان المتحقق خلافه كما أشرنا إليه سابقا ( والمنقول منه ) مع أنه غير حجة معارض بما يأتي من دعوى الشيخ قدس سره الاجماع على حجيته ( هذا ) مع امكان توجيه كلام السيد قدس سره بإرادة الاخبار الخالية عن شواهد الصدق على الصدور لابتلائه في زمانه بالعامة واخبارهم المروية بطرقهم غير النقية فلأجل ذلك أنكر هو قدس سره حجية اخبار الآحاد للتخلص عن محذور عدم العمل باخبارهم ( كيف ) ومن البعيد جدا خفاء هذا المعنى على

ص: 106

الشيخ قدس سره مع كونه في عصره وزمانه فيدعى الاجماع على خلاف ما يدعيه السيد فتدبر ( واما الدليل العقلي ) فهو البرهان المعروف المحكى عن ابن قبة في امتناع جعل الطرق غير العلمية من جهة محذور اجتماع الضدين ولزوم تحليل الحرام وعكسه وقد تقدم الجواب عن تلك الشبهة بما لا مزيد عليه.

( واما المثبتون ) فاستدلوا على حجية خبر الواحد أيضا بالأدلة الأربعة ( الكتاب والسنة ) ، ( والاجماع عملا وقولا ) ( والعقل ) ( اما الكتاب ) فبآيات ( منها ) قوله عز من قائل في سورة الحجرات يا أيها الذين آمنوا ان جائكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ( وتقريب ) الاستدلال بهذه الآية المباركة من وجوه تارة من جهة دلالة الاقتضاء ، وأخرى من جهة مفهوم الشرط من حيث تعليق سنخ الحكم على مجيئ الفاسق بالنبأ ، ( وثالثة ) من جهة مفهوم الوصف من حيث تعليق سنخ الحكم على اخبار الفاسق المستلزم للانتفاء عند الانتفاء * اما الأول * فبدعوى ان المناسبة بين الحكم والموضوع تقتضي حجية خبر العادل لان وجوب التبين وعدم القبول بدونه يناسب جهة فسق المخبر لعدم تحرزه عن المعاصي التي منها تعمد كذبه فوجب التبين عن حال خبره لئلا يقع المكلف في خلاف الواقع ، فيحصل له الندامة * وهذا * بخلاف خبر العادل ، فإنه من جهة تورعه عن محارم اللّه لا يقدم على التعمد بالكذب فاحتمال تعمد كذبه في خبره منفي بعدالته ولازمه حجية خبره ووجوب العمل على طبقه بدون التبين * واما تقريبه * من جهة مفهوم الشرط ، فبدعوى ظهور الآية في إناطة كلي الحكم وسنخه وهو وجوب التبين على مجيء الفاسق بالبناء ، ولازمه انتفاء الحكم بسنخه عند انتفاء الشرط ، فيترتب عليه وجوب القبول بدون التبين عند مجيء العادل به * إذ * لورد * حينئذ * يلزم أسوئية العادل من الفاسق وبعد بطلان ذلك يتعين القبول بلا تبين * نعم * قد يقال تبعا للشيخ قدس سره بعدم الاحتياج إلى ضم مقدمة الأسوئية وتمامية الاستدلال بدونها لابتناء الاحتياج المزبور على كون التبين في الآية واجبا نفسيا في خبر الفاسق * والا * فبناء على كونه واجبا شرطيا في جواز العمل بقول الفاسق فلا يحتاج إلى الضميمة المذكورة من جهة تمامية الاستدلال بدونها أيضا ( لان ) مفاد المنطوق على هذا هو وجوب

ص: 107

التبين وشرطيته في العمل بقول الفاسق ، ومفاد المفهوم فيها هو انتفاء وجوب التبين في العمل بقول العادل * ولا ريب * في ظهور الآية في نفسها خصوصا بملاحظة التعليل الواقع في الذيل في الوجوب الشرطي لا الوجوب النفسي لأنه مع بعده في نفسه لا يكاد يناسب مع التعليل * ولكن فيه * ان التبين في الآية المباركة ، اما ان يكون بمعنى تحصيل العلم الوجداني ، واما ان يكون بالمعنى الأعم الشامل للوثوق والاطمينان * وعلى الأول * لا معنى لشرطية التبين للعمل بخبر الفاسق * إذ مع حصول العلم يكون العمل لا محالة بالعلم ، لا بالخبر * فمفاد * المنطوق على هذا هو الغاء خبر الفاسق بالمرة ولزوم تحصيل العلم بالواقع عند إرادة العمل * وحيث * كان الوجوب فيه عقليا كان الامر بالتبين ارشاديا محضا لا نفسيا ولا شرطيا وعلى ذلك تحتاج إلى مقدمة الأسوئية * ببيان * ان عدم وجوب التبين عن خبر العادل اما ان يكون من جهة القطع بكذبه فيكون أسوء حالا ، واما ان يكون لحجيته وهو المطلوب * واما على الثاني * فما أفيد من استفادة الوجوب الشرطي للتبين من الآية في العمل بخبر الفاسق وان كان وجيها * ولكن * هذا المقدار لا يجدى في نفي الاحتياج إلى مقدمة الأسوئية الا في فرض ان تكون الآية ناظرة إلى مجرد اثبات الشرطية ، فارغا عن أصل وجوب العمل بالخبر * واما * في فرض كونها ناظرة إلى وجوبه مقدمة للعمل بخبر الفاسق فلا تقتضي عدم الحاجة إلى المقدمة المزبورة * فان * مرجع الوجوب المزبور بعد كونه إلى الوجوب الغيري للعمل ، فنفيه في طرف المفهوم كما يناسب مع نفي شرطية التبين * كذلك * يناسب مع نفي أصل وجوب العمل أو جوازه ، فلا يتعين الأول الا بضم مقدمة الأسوئية وبالجملة نقول انه بعد ابطال الوجوب النفسي للتبين لا ينحصر الامر في الوجوب الشرطي * بل * كما يحتمل كونه وجوبا شرطيا * كذلك * يحتمل كونه وجوبا غيريا مقدميا للعمل بخبر الفاسق الموثق * ومع * دوران الامر بينهما يتعين الثاني * فإنه * على الأول لابد من رفع اليد عن ظهور الامر في المولوية وحمله على الارشاد إلى شرطية التبين التي هي الوضع * بخلاف الثاني * فإنه عليه يبقى ظهور الامر في المولوية ، بحاله * وعليه * لا محيص عن مقدمة الأسوئية * هذا * مع امكان دعوى ان مجرد عدم وجوب التبين في خبر العادل لا يقتضى نفي الشرطية المزبورة

ص: 108

( لان ) من الممكن ان يكون ذلك من جهة تحقق الشرط المزبور وحصوله في نبأ العادل بلحاظ ما هو الغالب من إفادة بناء العادل للوثوق بالواقع ( نعم ) قد يتوهم اختلال امر المفهوم حينئذ لوقوع الاشكال في موارد عدم إفادة قول العادل للوثوق ( ولكنه ) مدفوع بأنه يكفي للوثوق النوعي في الحجية فتدبر « واما تقريبه من جهة الوصف » فبوجهين ، تارة من جهة ظهور القضية في تعليق كلي الحكم وسنخه على عنوان الفسق المستلزم للانتفاء عند الانتفاء ، وأخرى من جهة دلالة الاقتضاء الناشئة من استناد وجوب التبين إلى عنوان الفسق الذي هو من العناوين العرضية ، لا إلى كونه خبر واحد ( بتقريب ) انه اجتمع في خبر الفاسق وصفان أحدهما ذاتي وهو كونه خبر الواحد * والاخر * عرضي وهو كون المخبر فاسقا فمن اقتران الكلام بالوصف واستناد الحكم إليه في ظاهر القضية يستفاد ان ما هو العلة لوجوب التبين هو هذا العنوان العرضي لا العنوان الذاتي نظير قوله أكرم عالما حيث يستفاد منه ان ماله الدخل في الحكم هو العالمية لا الانسانية ( والا ) يلزم بمقتضى الطريقة المألوفة بين أهل المحاورة استناده إلى العنوان الذاتي أعني الانسانية في المثال ووصف كونه خبر واحد في المقام لكونه في رتبة سابقة على العنوان العرض وحصوله قبل حصوله خصوصا مع لزوم خلو ذكر الوصف عن القائدة ( وحينئذ ) فمن نفس الانتقال من الذات إلى العرض يستفاد ان العلة والمنشأ هو وصف كون المخبر فاسقا ، ولازمه انتفاء وجوب التبين عند كون المخبر عادلا وبضميمة مقدمة الأسوئية يستفاد حجية قول العادل ( بل يمكن ) ان يقال بعدم الاحتياج إلى ضم المقدمة المزبورة بدعوى ظهورية الآية في أن تخصيص مقتضى التبين هذا بهذا العرض انما هو بالإضافة إلى عرض اخر وهو إضافة الخبر إلى العادل ومن المعلوم ان لازم ذلك هو حجية قول العادل والا لكان فيه أيضا مقتضى التبين * بل ولعل * هذه الجهة هي العمدة في الانتقال إلى العرض حيث كانت في مقام تمييز الحجية عن غيرها وما يجب فيه التبين عن ما لا يجب * لا ان * سر الانتقال هو عدم الاقتضاء في الذات المزبورة للتبين وانحصار مقتضيه بالخبر الفاسق كي يستشكل عليه ، تارة بان لازم عدم حجية قول الفاسق هو عدم وجود الاقتضاء للحجية في ذات الخبر المعروض لهذه الإضافة الملازم لاقتضاء

ص: 109

نفس الذات للزوم التبين أيضا فلا يثبت بهذا التقريب ( حينئذ ) انحصار مقتضى التبين بخصوص العرض دون الذات ( وأخرى ) بمخالفته لما عليه بناء الأصحاب من عدم اقتضاء الحجية لعنوان خبر الواحد بما هو كذلك لان القائلين بالحجية ، بين قائل بحجية خصوص خبر العدل بلحاظ هذا الوصف الطارئ ، وبين قائل بحجية خبر الموثق بما هو كذلك ، فلم يعهد من أحدهم القول بالحجية لذات الخبر الواحد بما هو كذلك والا للزم القول بحجية كل خبر لم يتصف بكونه صادرا عن الفاسق عند من يقول بجريان الأصل في مثله من الاعدام الأزلية ، ولم يلتزموا بذلك ما لم تحرز العدالة ( وهذا ) بخلاف ما ذكرناه ( إذ ) عليه يتم تقريب الاستدلال من دون ان يرد عليه شيء من الايرادين المذكورين وان لم يكونا خاليين عن الاشكال أيضا ( ولئن شئت ) فاجعل ذلك تقريبا ثالثا للوصف غير ما ذكرنا ( هذا ) كله في تقريب الاستدلال بالآية الشريفة على حجية خبر العادل من جهة اقتضاء الشرط تارة والوصف أخرى ولقد عرفت تمامية الاستدلال وصفا وشرطا بناء على استفادة المفهوم من نحو هذه القضايا بملاحظة ظهور القضية في مدخلية عنوان الفسق لوجوب التبين كما في كلية العناوين المأخوذة في لسان الأدلة ( وحينئذ ) فإذا كان المحمول في عقد الحمل هو الحكم السنخي فلا جرم يستفاد من اناطته بالشرط أو الوصف انتفاء الحكم السنخي عند الانتفاء هذا ( ولكن قد أورد على التمسك بها بأمور ).

« منها » ما يرجع إلى انكار أصل مفهوم الشرط ، بدعوى كون القضية فيها من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع حتى أن الشيخ قده جعل ذلك من الاشكالات غير القابلة للدفع عنها ( وتقريب الاشكال ) ان الشرط المذكور في الآية لما كان مما يتوقف عليه وجود الجزاء والمشروط عقلا بحيث لا يمكن فرض وجود الجزاء بلا فرض وجود الشرط ( كانت ) من القضايا المسوقة لبيان تحقق الموضوع كما في قولك ان رزقت ولدا فاختنه وان ركب الأمير فخذ ركابه ، وكقوله تعالى وإذا قرء القران فاستمعوا له وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها ( وبالجملة ) الضابط في كون القضية من ذوات المفهوم ( هو ) امكان فرض وجود الجزاء بلا فرض وجود الشرط بنحو كان السلب فيها من قبيل السلب بانتفاء المحمول وهذا المعنى

ص: 110

لا يتصور في المقام وانما المتصور فيه كونه من قبيل السلب بانتفاء الموضوع ( أقول ) تنقيح المرام في المقام يحتاج إلى بيان مقدمة في شرح كيفية اخذ المفاهيم من القضايا الملفوظة ( وهي ) انه لا شبهة في أن استخراج المفهوم من القضايا ( يحتاج ) إلى تجريد ما هو الموضوع المذكور فيها في طرف المفهوم من القيود التي أريد استخراج المفهوم من جهتها شرطا أو وصفا أو غاية ففي مثل ان جائك زيد يجب اكرامه ( لابد ) في استخراج مفهوم الشرط منه من تجريد الموضوع الذي هو زيد من اضافته إلى المجيء ، بجعله عبارة عن نفس الذات مهملة ( والا ) ففي فرض عدم تجريده منه لم يبق مجال لاستخراج المفهوم منه لكونه ( حينئذ ) من السالبة بانتفاء الموضوع ( فان ) الموضوع وما يرجع إليه الضمير في قوله يجب اكرامه ( يكون ) عبارة عن زيد المقيد بالمجئ ، ومن الواضح ان الانتفاء عند الانتفاء ( حينئذ ) لا يكون الا من باب السلب بانتفاء الموضوع من جهة انتفاء المقيد بانتفاء قيده ( وهذا ) بخلاف فرض تجريده عن الخصوصية ، إذ معه كان المجال لحفظ الموضوع في طرف المفهوم فأمكن استخراج مفهوم الشرط من القضية المزبورة ( وهكذا ) الكلام بالنسبة إلى الوصف والغاية والضابط الكلي هو ما عرفت من لزوم تجريد الموضوع في القضية عن كل قيد أريد استخراج المفهوم من جهته شرطا أو وصفا أو غاية أو غيرها بجعله من الجهات التعليلة لترتيب سنخ الحكم على الموضوع ( ومن ذلك ) لو كان في القضية قيود اخر كقوله ان جاء زيد راكبا يوم الجمعة يجب اكرامه يتعدد المفهوم حسب تعدد تلك القيود فمن تجريد الموضوع من اضافته إلى كل قيد يستخرج مفهوم غير المفهوم المستخرج من الاخر ( وإذا عرفت ذلك ) نقول ان المحتملات المتصورة في الشرط في الآية الشريفة ثلاثة « منها » كون الشرط فيها نفس المجيء خاصة مجردا عن متعلقاته « وعليه » يتم ما افاده الشيخ قده من انحصار المفهوم فيها بالسالبة بانتفاء الموضوع « فان لازم » الاقتصار في التجريد على خصوص المجيء هو حفظ إضافة الفسق في ناحية الموضوع بجعله عبارة عن البناء المضاف إلى الفاسق « ولازمه » هو كون الانتفاء عند الانتفاء من باب السلب بانتفاء الموضوع ، لضرورة انتفاء الموضوع وهو النبأ الخاص بانتفاء الشرط المزبور ( ومنها ) كون الشرط هو المجيء مع متعلقاته ( ولازمه ) بعد تجريد

ص: 111

الموضوع عن اضافته إلى المجيء الخاص هو كون الموضوع نفس النبأ مجردا عن اضافته إلى الفاسق أيضا لا النبأ الخاص كما في الفرض السابق وعليه يكون للآية مفهومان ( أحدهما ) السالبة بانتفاء الموضوع ( وثانيهما ) السالبة بانتفاء المحمول لان عدم مجيء الفاسق بالنبأ يعم مجيء العادل به فلا يلزم من عدم مجيئه به انتفاء ما يتبين عنه بقول مطلق حتى ينحصر المفهوم في القضية بالسالبة بانتفاء الموضوع ( ومنها ) كون الشرط عبارة عن الربط الحاصل بين المجيء والفاسق الذي هو مفاد كان الناقصة ، ولازمه بمقتضى ما ذكرنا هو الاقتصار في التجريد على خصوص ما هو المجعول شرطا أعني النسبة الحاصلة بين المجيء والفاسق ، وبعد حفظه قيد المجيء في ناحية الموضوع بجعله عبارة عن النبأ المجيء به ، وإناطة سنخ الحكم بكون الجائي به هو الفاسق « ينحصر » المفهوم فيه بالسالبة بانتفاء المحمول إذ بعد كون الموضوع هو النبأ المتحقق يكون عدم مجيء الفاسق به ملازما لكون الجائي به عادلا كما هو ظاهر ( فهذه وجوه ثلاثة متصورة ) فيما ذكر شرطا في الآية ولكن الأخير منها في غاية البعد لظهور الجملة الشرطية في الآية في كون الشرط هو المجيء أو هو مع اضافته إلى الفاسق ، لا الربط الحاصل بين المجيء والفاسق بما هو مفاد كان الناقصة مع خروج نفس المجيء عن الشرطية كي يلزمه ما ذكر من كون الموضوع فيها هو النبأ المجيء به كما افاده في الكفاية ( ويتلوه في البعد ) الوجه الأول الذي مرجعه إلى كون الشرط هو المجيء فقط فان ذلك أيضا مما ينافي ظهور الآية المباركة ، فان المتبادر المنساق منها عرفا كون الشرط هو المجيء بما هو مضاف إلى الفاسق ، بل وهو المتبادر عرفا في أمثال هذه القضية نحو ان جائك زيد بفاكهة يجب تناولها لظهوره في كون الشرط لوجوب التناول هو مجيء زيد بها ( وعليه ) فكما يجب تجريد الموضوع في المقام عن اضافته إلى المجيء كذلك يجب تجريده عن متعلقاته فيكون الموضوع وما يتبين عنه نفس طبيعة النبأ لا البناء الخاص المضاف إلى الفاسق ( ولازمه ) جواز التمسك باطلاق المفهوم في الآية لعدم انحصاره ( حينئذ ) بخصوص السالبة بانتفاء الموضوع كما عرفت * فتمام * الاشكال المزبور ناشئ عن تخيل كون الموضوع لوجوب التبين هو النبأ الخاص المضاف إلى الفاسق * والا * فمع فرض تجريده عن تلك الخصوصية لا يبقى مجال

ص: 112

للاشكال المزبور « ومنها » معارضة المفهوم فيها مع عموم التعليل في الذيل بإصابة القوم بجهالة « بتقريب » ان المراد بالجهالة هو عدم العلم بصدق المخبر وحيث إن ذلك مشترك بين خبر العادل والفاسق فمقتضى عموم التعليل هو وجوب التبين عن كل خبر غير علمي لا يؤمن في العمل به من الوقوع في خلاف الواقع الموجب لحصول الندامة ولو كان المخبر عادلا فيقع ( حينئذ ) بينهما التعارض ، فيدور الامر بين رفع اليد عن ظهور الجملة الشرطية أو الوصفية في المفهوم ، أو رفع اليد عن عموم التعليل في اقتضائه لوجوب التبين في كل خبر غير علمي ( وفى مثله ) يتعين الأول وترجيح عموم التعليل والحكم بخلو الجملة الشرطية أو الوصفية عن المفهوم لما هو المعلوم من اقوائية ظهور التعليل في العموم من ظهور الجملة الشرطية أو الوصفية في المفهوم وتبعيته له تبعية المعلول لعلته في العموم والخصوص كقوله لا تأكل الرمان لأنه حامض ولا تشرب الخمر لأنه مسكر ، حيث يخصص المنع في الأول بخصوص الفرد الحامض من الرمان ، ويعمم في الثاني لكل مسكر ولو لم يكن خمرا كما عليه بناء الأصحاب ( ففي ) المقام يؤخذ بظهور التعليل في العموم ويتعدى بمقتضى عمومه إلى كل ما لا يؤمن فيه عن الوقوع في الندم لا انه يؤخذ بالمفهوم ويخصص به عموم التعليل هذا ( وقد أجيب ) عنه ( تارة ) بمنع كون الجهالة في الآية بمعنى الجهل المقابل للعلم بل هي بمعنى السفاهة ، وذلك لا بمعناها المصطلح كي يستبعد من جهة اعتماد الصحابة على قول الوليد وإرادتهم تجهيز الجيش لقتال بنى المصطلق عند اخبار الوليد بارتدادهم * بل بمعنى * الركون إلى ما لا ينبغي الركون إليه بعد التأمل والتدبر ولا ريب في أن العمل بقول الفاسق من هذا القبيل ، حيث إنه من جهة فسقه الموجب لعدم الامن من تعمد كذبه في اخباره يكون العمل بقوله والركون إليه من السفاهة بالمعنى المزبور ( وهذا ) بخلاف العمل بقول العادل ، فإنه ليس الركون إليه والاعتماد على قوله عند العقلاء من الركون إلى ما لا ينبغي الركون إليه وعليه لا يشارك خبر العادل خبر الفاسق كي يندرج بذلك في عموم التعليل * وأخرى * بحكومة المفهوم على العموم المزبور ولو مع فرض كون الجهالة بالمعنى المقابل للعلم * بتقريب * ان المفهوم على تقدير ثبوته في نفسه من جهة اقتضائه لتتميم الكشف

ص: 113

والغاء احتمال الخلاف في خبر العادل موجب لجعله محرزا وكاشفا عن الواقع ولو تعبدا ، فيوجب خروج خبر العدل عن عموم التعليل موضوعا ببيان عدم كونه من افراده ، ومعه لا يكاد يعقل وقوع التعارض بينه وبين عموم التعليل فضلا عن تقديم العلة عليه ( بل يقدم ) المفهوم عليها ولو كان ظهورها أقوى بمراتب من ظهوره كما هو الشأن في كل حاكم ومحكوم حيث يقدم الحاكم عليه بعد الفراغ عن حكومته واصل نظره ولو كان ظهوره أضعف بمراتب من ظهور المحكوم ( فان ) اقوائية الظهور انما تجدي في موارد التخصيص والتقييد فيقدم ما هو الأقوى ظهورا على غيره ولذلك قد يقدم العام على الخاص والمطلق على المقيد عند كونهما أقوى ظهورا من الخاص والمقيد واما موارد الحكومة فيقدم الحاكم على المحكوم ولو كان أضعف ظهورا من المحكوم « وعمدة النكتة » فيه انما هو من جهة تعرض الحاكم بمدلوله للفظي وشارحيته لعقد وضع دليل المحكوم بالتوسع فيه ، تارة بادخال ما ليس داخلا فيه والتضيق أخرى باخراج ما كان داخلا فيه عنه كما في المقام من حيث اقتضاء المفهوم لتضيق موضوع العام واخراج خبر العادل عنه موضوعا بعناية تتميم كشفه ومحرزيته للواقع وكونه من مصاديق العلم « وحينئذ » فبعد عدم تكفل العموم المزبور الا لبيان حكم موضوع في فرض وجوده بلا تكفله لبيان موضوعه وضعا أو رفعا « يقدم » المفهوم على فرض ثبوته في نفسه على العموم المزبور ولا يقع التعارض بينهما « نعم » يتجه التعارض بينهما بناء على القول بكون مفاد أدلة حجية الامارات هو تنزيل المؤدى منزلة الواقع لا اثبات الاحراز وتتميم الكشف ولكن التحقيق خلافه على ما مر غير مرة من كونه من باب تتميم الكشف في كلية الامارات هذا « أقول » ولا يخفى ان ما أفيد في الجواب الأول مبني على كون التبين في الآية بمعنى الوثوق لا العلم؟ إذ ( حينئذ ) يكون المراد من الجهالة ما يقابل الوثوق ولا يكون ذلك الا السفه بالمعنى المزبور أعني الركون والاعتماد إلى ما لا ينبغي الركون إليه عند العقلاء * ولكنه * خلاف ظاهر الآية المباركة كيف وان السفاهة بالمعنى المزبور انما توجب الملامة لا الندامة فلا يناسب التعبير ( حينئذ ) بالندامة وما يوجب الندامة انما هو العمل بكل امارة مخالفة للواقع خصوصا في الأمور المهمة كما في مورد الآية الشريفة ( وعلى ذلك )

ص: 114

تكون الجهالة في الآية عبارة عن مطلق خلاف العلم فيشارك خبر العادل خبر الفاسق في العلة وبذلك ظهر الجواب عن الثاني أيضا حيث نقول بجريان العلة حتى في صورة العمل بما هو حجة عند العقلاء من خبر الثقة والعدل فان العمل بقول الثقة والعدل عند مخالفته الواقع وان لم يكن موجبا للملامة والمذمة ولكنه موجب للندامة فتشمله العلة المذكورة في الآية فتقتضي الردع عن العمل بمثله ومعه لا مجال لحكومة المفهوم على عموم العلة ( بل ) يكون عموم العلة موجبا لمنع المفهوم في القضية هذا ( ولكن ) الانصاف انه لا وقع لهذا الاشكال ( فإنه بعد ) ان كان الندم في الأحكام الشرعية بل في مطلق الاحكام الجارية بين المولي والعبيد ملازما للملامة والعقوبة لما هو المعلوم من أن هم العقل في أمثال ذلك انما هو مجرد الفرار عن تبعة ما يترتب على مخالفة التكاليف الواقعية من الملامة والعقوبة ، لا تحصيل المصالح والاغراض الواقعية ( كان ) ذلك موجبا لاختصاص الندم في الآية بالندم الملازم مع اللوم والعقوبة ، فمع فرض اقتضاء المفهوم لحجية خبر العدل تترتب عليه المعذورية وعدم الملامة والعقوبة وعليه يتجه الجواب المزبور من حكومة المفهوم على عموم العلة ( كيف ) وان لازم ذلك هو الالتزام بالتخصيص الكثير في عموم العلة بالامارات المعتبرة كالبينة واليد والسوق والاقرار ونحوها من الموارد التي رخص فيها الشارع في ترك تحصيل العلم بالواقع والعمل على طبق الامارات المنصوصة مع أنه كما ترى ، فلا محيص ( حينئذ ) من تخصيص الندم المذكور في الآية بالندم الملازم مع الملامة ( فتدبر ) * نعم يمكن المناقشة * في تقرير الحكومة بوجه آخر * وحاصله * منع اقتضاء المفهوم في المقام لتتميم الكشف بلحاظ وجوب التبين ، حيث إنه لا طريق على التنزيل المزبور في طرف المفهوم الا من جهة نفي وجوب التبين المستفاد من الفهوم وبعد كون العلم بتتميم الكشف في رتبة متأخرة عن احراز عدم وجوب التبين يستحيل كون نظر تتميم الكشف في اثبات الاحراز إلى مثل هذا الأثر ومعه فلابد وأن يكون تقديم المفهوم على عموم التعليل في الرتبة السابقة عن احراز تتميم الكشف بمناط التخصيص * لان * في تلك المرتبة لا يكون تتميم كشف في البين حتى يتم معه الحكومة فلو قيل * حينئذ * بعدم وجوب التبين لابد وأن يكون بمناط التخصيص * لا يقال * انه كذلك إذا كان التنزيل ثبوتا في الرتبة المتأخرة

ص: 115

عن احراز عدم وجوب التبين ، وليس المقصود ذلك « بل المقصود » هو كشف عدم وجوب التبين عن اطلاق التنزيل في الرتبة السابقة كشفا آنيا « وعليه » فلا يتوجه الاشكال المزبور لتمامية الحكومة المزبورة في المرتبة السابقة « فإنه يقال » العبرة في الحكومة انما هي بكيفية دلالة الدليل وكشفه عن المعنى المراد ، وبعد فرض كون الكشف المزبور في الرتبة المتأخرة عن احراز عدم وجوب التبين يستحيل كون نظر تتميم الكشف في اثبات الاحراز إلى احراز مثل هذا الأثر المعلوم من غير ناحية جهة تتميم الكشف فيستحيل « حينئذ » تقديم المفهوم على عموم العلة بمناط تتميم الكشف كما هو ظاهر.

« ومن الاشكالات » ان المفهوم غير معمول به في الموضوعات الخارجية التي منها مورد الآية فان مورد نزولها انما هو في الاخبار عن الارتداد الذي لا يكاد يثبت الا بالعلم الوجداني أو البينة العادلة وحيث انه لا يجوز اخراج المورد عن عموم المفهوم فلابد من طرح المفهوم رأسا « وأجيب عنه » بان المورد داخل في عموم الكبرى في طرف المنطوق وهي قوله ان جائكم فاسق الخ فان خبر الفاسق لا اعتبار به لا في الموضوعات ولا في الاحكام « واما » المفهوم فلم يرد كبرى لصغرى مفروضه الوجود والتحقق لأنه لم يرد في مورد اخبار العادل بالارتداد بل يكون حكم المفهوم من هذه الجهة حكم سائر العمومات الابتدائية التي لم ترد في مورد خاص القابلة للتخصيص باي مخصص فلا مانع من تخصيص عموم المفهوم بما عدى الخبر الواحد القائم على الموضوعات الخارجية ولا فرق بين المفهوم والعام الابتدائي سوى ان المفهوم كان مما تقتضيه خصوصية في المنطوق تستتبع ثبوت المفهوم والا فهو كالعام الابتدائي الذي لم يرد في مورد خاص « وفيه » ان المفهوم لابد وأن يكون تابعا للمنطوق فإذا كان الموضوع في المنطوق هو النبأ الكلي الشامل لخبر الارتداد فلا محيص من اخذ مثل ذلك في طرف المفهوم أيضا ومعه لا يكون الموضوع في المفهوم كليا غير ناظر إليه بخصوصه ليكون كسائر العمومات الابتدائية قابلا للتخصيص فيبقى الاشكال المزبور ( حينئذ ) من عدم جواز اخراج المورد عن عموم المفهوم بحاله ( فالأولى ) في الجواب هو ما افاده الشيخ قدس سره من تسليم العموم في طرف المفهوم والحكم بعدم وجوب التبين في خبر العادل مطلقا غاية ما هناك اعتبار ضم عدل

ص: 116

اخر إليه في الموضوعات التي منها باب الارتداد الداخل في العموم ولا يلزم من اخذ هذا الشرط واعتباره في بعض افراد العام تخصيصا للعام بما يلزم خروج المورد عن عموم المفهوم وتقييده بغير هذا الفرد أو تخصيصه بخصوصية لا تشمل خبر الارتداد كما هو ظاهر ( نعم ) هنا اشكال اخر في طرف المنطوق وحاصله لزوم الاكتفاء بالخبر الفاسق في مثل باب الارتداد مع التبين وهو كما ترى مما لا يمكن الالتزام به ولو مع التقييد بالتعدد لان في الموضوعات لابد « اما » العلم الوجداني أو البنية العادلة وهذه الشبهة وان كانت مدفوعة بإرادة التبين العلمي في الآية ولكنه لا يناسب مع ما ذهب إليه الشيخ قدس سره من شرطية وجوب التبين لجواز العمل بخبر الفاسق فان دعوى الوجوب الشرطي لا يناسب مع التبين العلمي إذ لا معنى لشرطية تحصيل العلم بالواقعة لجواز العمل بخبر الفاسق لان مع العلم بالواقعة تكون الحجة هو نفس العلم دون خبر الفاسق فالمناسب للوجوب الشرطي انما هو التبين الوثوقي ومعه يتوجه الاشكال المتقدم « ومن الاشكالات » ان العمل بالمفهوم « غير ممكن » اما في الموضوعات فظاهر للزوم التعدد فيها واما في الاحكام فلوجوب الفحص فيها عن المعارض ( وفيه ) ما لا يخفى ( فان ) وجوب الفحص عن المعارض والمزاحم غير وجوب التبين عن الخبر صدقا وكذبا فان الأول مؤكد لحجيته بخلاف الثاني فإنه مما ينافيها ( فان ) وجوب التبين عن الخبر صدقا وكذبا انما هو من جهة عدم اقتضاء الخبر للحجية بدونه ، لا من جهة احتمال وجود المانع أو المزاحم ( ومن الاشكالات ) ان الفاسق هو مطلق الخارج عن طاعة اللّه ولو بارتكاب صغيرة من الصغائر فيقابله العادل وهو الذي لم يخرج من طاعة اللّه ولو بارتكاب الصغيرة ( ومن معلوم ) إفادة قول مثله للعلم بالواقع لانحصاره بالمعصوم ومن يتلو تلوه فلا يمكن الاستدلال بالمفهوم لحجية خبر غير المعصوم فيمن يحتمل في حقه العصيان « وفيه » ما لا يخفى من منع كون المراد بالفاسق في الآية مطلق الخارج عن طاعة اللّه ولو بارتكاب الصغيرة فان الظاهر منه كما هو الشايع في عرفنا خصوص الخارج عن طاعة اللّه بالمعاصي الكبيرة الثابت تحريمها في زمان نزول الآية ( وهذا ) لولا دعوى ظهوره في الكافر بملاحظة كثرة اطلاقه عليه في الكتاب كما في قوله سبحانه أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا فالمرتكب للصغيرة غير مندرج تحت اطلاق الفاسق في الآية

ص: 117

هذا مع امكان فرض الخلو من الصغيرة فيمن علم منه التوبة من الذنب السابق واما « احتمال » فسقه من جهة تعمد كذبه في هذا الخبر ( فيدفعه ) ان المراد من العادل هو العادل لولا هذا الاخبار كما أن المراد من الفاسق في المنطوق هو ذلك إذ المراد بالفسق المترتب عليه وجوب التبين هو الفسق السابق مع قطع النظر عن هذا الاخبار

ومن الاشكالات

ما لا يختص بالآية بل يعم جميع أدلة حجية خبر الواحد « منها » وقوع التعارض بينها وبين عموم الآيات الناهية عن العمل بالظن وما وراء العلم فيكون المرجع بعد التعارض أصالة عدم الحجية ( وفيه منع ) صلاحية الآيات الناهية للمعارضة معها لان تلك الأدلة حسب اقتضائها لتتميم الكشف كانت حاكمة على تلك الآيات حيث إنها توجب خروج العمل بالخبر الواحد عن كونه عملا بما وراء العلم أو بالظن تعبدا مع امكان ان يدعى ان الآيات الناهية عن العمل بالظن انما هي بصدد نفى اقتضاء الحجية في الظن ذاتا وعدم كونه بنفسه مما يصح الركون إليه والاعتماد عليه في قبال العلم الذي فيه اقتضاء الحجية ذاتا وليست بصدد اثبات اقتضاء الظن لعدم الحجية ، فلا ينافيها حجيته لمقتضى خارجي كما هو ظاهر.

( ومنها ) ان المفهوم لو دل على حجية خبر الواحد لدل على حجية خبر السيد واتباعه في نقلهم الاجماع على عدم خبر الواحد ويلزم من حجيته عدم حجية خبر الواحد « وفيه بعد » الغض عن منع شمول المفهوم لنقل الاجماع الذي لا يكون مستنده الا الحدس وتسليم شموله لنقل مثل السيد رأى الإمام (عليه السلام) بلحاظ قرب عصره من عصر الإمام (عليه السلام) وامكان اطلاعه على رأيه ولو بمقدمات حدسية قريبة إلى الحس ( والغض ) عن معارضته بمثل اجماع الشيخ قدس سره ومن تبعه على الحجية ( أولاً ) انه من المستحيل شمول اطلاق المفهوم لمثل خبر السيد الحاكي عن عدم الحجية وذلك ، لا من جهة استلزام دخوله فيه لخروجه عنه كما قيل بل من جهة استلزامه لشمول اطلاق المفهوم لمرتبة الشك بمضمون نفسه

ص: 118

( فان ) التعبد باخبار السيد بعدم حجية خبر الواحد انما كان في ظرف الشك في الحجية واللاحجية الذي هو عين الشك بمضمون الآية « ومن المعلوم » استحالة شمول اطلاق مضمون الآية لمرتبة الشك في نفسه « بل على هذا » لا يمكن شموله لمثل خبر الشيخ الحاكي عن الحجية أيضا ، فان مناط الاستحالة جار في كليهما ولا يختص بالخبر الحاكي عن عدم الحجية كما أنه بهذه الجهة نقول بعدم شمول مضمون خبر السيد بعدم حجية كل خبر لنفس خبره الحاكي عن هذا المضمون « فالعمدة » في وجه عدم شمول مضمون المفهوم في الآية المباركة لخبر السيد هو ما ذكرناه وعليه لا ينتهى الامر إلى ما أفيد من أن ما يلزم من اعتباره عدم اعتباره لا يكون من الأول مشمولا لدليل الاعتبار « إذ » ذلك وان كان متينا في نفسه ، ولكنه يتوقف على امكان شمول اطلاق المضمون لمثل هذه المراتب المتأخرة ( والا ) فلا ينتهي الامر إلى مثل هذا الجواب « وثانيا » انه بعد شمول أدلة حجية خبر الواحد التي منها المفهوم لما عدى خبر السيد من سائر الأخبار لا يبقى مجال لشمولها لمثل خبر السيد ، لان القطع بحجيتها ملازم لانتفاء الشك في مطابقة مضمون خبر السيد للواقع وعدمها ، فيخرج بذلك عن عموم أدلة حجية الخبر ، ففي الحقيقة يكون عدم شمول الأدلة لمثل خبر السيد الحاكي عن عدم الحجية من باب التخصص لانتفاء الشك في مطابقة مؤداه للواقع « وهذا » بخلاف ما لو شمل المفهوم أولاً لخبر السيد ، إذ عليه يلزم كون خروج ما عداه من سائر الأخبار من باب التخصيص لتحقق الموضوع فيها وهو الشك في ز المطابقة وجدانا ( ومن ) المعلوم انه مع الدوران بين التخصص والتخصيص يتعين الأول « لا يقال » ، كيف ولازم شمول المفهوم لمثل خبر السيد أيضا هو القطع بعدم حجية ما عداه من سائر الأخبار فيلزم ان يكون خروج ما عداه أيضا من باب التخصص لا التخصيص « فإنه يقال » ان المدار في التعبد بكل امارة انما هو الشك في مطابقة مضمونه ومؤداه للواقع ، ومؤديات ما عدى خبر السيد لا يكون حجية خبر الواحد كي بشمول أدلة الاعتبار لخبر السيد الحاكي عن عدم الحجية يقطع بعدم الحجية فينتفي الشك في مطابقة مؤدياتها للواقع ، بل وانما مؤديات ما عداه من الاخبار عبارة عن وجوب امر كذا وحرمة كذا واقعا ، ولا ريب في بقاء الشك في

ص: 119

مطابقة هذا المضمون للواقع وجدانا ولو على تقدير القطع بحجية خبر السيد فيشملها أدلة الحجية فلا يكون رفع اليد عن ذلك بمقتضى حجية خبر السيد والحكم بخروجها من عموم المفهوم الا من باب التخصيص لا غير ، مضافا إلى أنه على فرض الدوران بين خروج خبر السيد وخروج ما عداه لا شبهة في تعين الأول لما يلزم على الثاني من القبح إلى الغاية والفضاحة إلى النهاية ( وذلك ) لا من جهة استلزامه للتخصيص الكثير أو الأكثر كي يندفع بالالتزام بالتقييد بل من جهة خروج الكلام في فرض الاختصاص عما يقتضيه الطريقة المألوفة بين العقلاء وأرباب اللسان إذ لو كان المقصود من تلك الأدلة عدم حجية اخبار الآحاد كان اللازم هو التعبير بنحو ذلك بدوا لا التعبير بما يدل على حجية كل خبر إذ ذلك نظير ما لو قيل صدق زيدا في جميع ما يخبرك فأخبر زيد بألف خبر ثم أخبر بكذب كل ما أخبر به فإنه لو أريد من الامر بتصديق زيد في جميع اخباره بنحو العموم خصوص الخبر الأخير يلزم منه القبح إلى الغاية والاستهجان إلى النهاية عند أولى الدراية ( واما ما قد يجاب ) عن ذلك بالتفكيك في الأزمنة بإرادة حجية كل خبر من الصدر الأول إلى زمان صدور خبر السيد وإرادة خصوص خبر السيد الحاكي عن عدم الحجية من زمان صدوره إلى ما بعده من الأزمنة فيرتفع بذلك القبح المزبور لكونه في الحقيقة من باب انتهاء أمد حكم العام في زمان صدور خبر السيد ( فيدفعه ) قيام الاجماع على عدم الفصل وان خبر الواحد لو كان حجة في زمان لطائفة كان حجة في جميع الأزمنة ولو لم يكن حجة في الأزمنة المتأخرة لم يكن حجة في الأزمنة المتقدمة أيضا ( مع أنه ) لو فرض جواز الفصل واقعا أو ظاهرا لا محيص أيضا من الغاء خبر السيد بلحاظ أظهرية الكلام في العموم الأزماني والاستمرار من عمومه الافرادي الموجب للشمول لخبر السيد كما هو ظاهر.

( ومنها ) الاشكال في أصل شمول أدلة الحجية للاخبار الحاكية لقول الإمام (عليه السلام) بواسطة أو بوسائط ( وتقريبه ) من وجوه « الأول » دعوى انصراف أدلة الحجية إلى الاخبار الحاكية لقول الامام بلا بواسطة ( وأجاب عنه ) الشيخ قدس سره بان كل واسطه من الوسائط يخبر خبرا بلا واسطة فإذا قال الشيخ حدثني المفيد انه قال حدثني الصفار انه قال سمعت العسكري (عليه السلام) يقول كذا

ص: 120

فهناك اخبارات متعددة حسب تعدد الوسائط « وفيه » انه يتوجه ذلك إذا كان المدعى هو الانصراف إلى ، ما لا واسطة في مطلق النباء ولو من غير الامام والا فلو أريد بالانصراف الاختصاص بالخبر الحاكي لقول الإمام (عليه السلام) بلا واسطه فلا يرد عليه ذلك ( وأجيب ) عنه أيضا بان كل واحد من الوسائط حيث إنه مجاز عن شيخه في نقل الرواية يدخل خبره في الاخبار عن الإمام (عليه السلام) بلا واسطة لان كل مجاز بإجازة شيخه يكون بمنزلة المجيز في نقل الرواية وهكذا فنقل الشيخ قدس سره باعتبار كونه مجازا عن المفيد بمنزلة نقل المفيد لنا الذي نقله أيضا بمنزلة نقل الصفار عن الامام ( ولذا ) كان الأصحاب من أرباب الحديث يهتمون بأخذ الإجازة في نقل الرواية لفوائد شتى منها هذه الجهة التي يدفع بها هذا الاشكال ( وفيه ) انه لو تم ذلك فغاية ما يجدى انما هو في صحة نقل الرواية عن الإمام (عليه السلام) بالغاء الوسائط من البين ( لا ) بالنسبة إلى مرحلة الحجية المفروض انصراف أدلتها إلى الاخبار الحاكية لقول الإمام (عليه السلام) بلا واسطة حتى يصح ان يدفع به الاشكال ( فالأولى ) في الجواب هو منع الانصراف هو ولذلك ترى بناء الأصحاب حتى في الصدر الأول على الاخذ بالاخبار المروية عن الامام ولو بوسائط عديدة من غير تشكيك منهم في الحجية من جهة تعدد الوسائط ( الوجه الثاني ) دعوى امتناع شمول أدلة الحجية للاخبار مع الواسطة لامتناع شمولها للوسائط التي لم يثبت أصل موضوع الخبر فيها الا بنفس الحكم بوجوب التصديق وبيانه ان الموضوع لوجوب التصديق لابد وأن يكون متحققا اما بالوجدان أو بالتعبد ليحكم عليه بوجوب التصديق والمتحقق بالوجدان في الاخبار مع الواسطة انما هو اخر السلسلة وهو خبر الشيخ قدس سره عن المفيد مثلا واما بقية الوسائط فلم يثبت موضوع وجوب التصديق فيها لا بالوجدان ولا بالتعبد مع قطع النظر عن وجوب التصديق وانما يثبت الموضوع فيها بنفس وجوب التصديق الشامل لاخبار الشيخ لاقتضائه لثبوت مضمونه وهو اخبار المفيد وهكذا غيره من الوسائط ( وهو ) من المستحيل ، لان ما ثبت أصل وجوده بوجوب التصديق يكون في مرتبة متأخرة عن وجوب التصديق فيستحيل صيرورته موضوعا لنفس هذا الحكم ( الوجه الثالث ) امتناع شمول أدلة الحجية للاخبار مع الواسطة من جهة استلزامه لان يكون الأثر الذي بلحاظه يجب

ص: 121

التصديق عين وجوب التصديق ( بتقريب ) انه لا معنى للتعبد بقول العادل ووجوب تصديق مضمونه الا ترتيب ما للمخبر به من الآثار الشرعية فلابد في صحة التعبد بالخبر من أن يكون للمخبر به في نفسه مع قطع النظر عن هذا الحكم اثر شرعي كي يكون الامر بالتصديق بلحاظ كما هو الشأن في التعبد في كلية الامارات القائمة على الموضوعات الخارجية ( وفى المقام ) لما لم يترتب على خبر الشيخ عن المفيد في نفسه اثر شرعي غير وجوب التصديق الثابت بهذا الانشاء ( لا يكاد ) يشمله دليل وجوب التصديق لا يقال ان وجوب التصديق أيضا اثر من الآثار الشرعية ( فإنه يقال ) نعم ولكن لما لم يكن ثابتا له مع قطع النظر عن الحكم بتصديقه بل كان ثبوته له بنفس هذا الحكم أعني وجوب التصديق ، فلا يمكن شمول الحكم بوجوب تصديقه بلحاظ ترتب نفسه على المخبر به وبذلك ظهر انه لا مجال لدفع الاشكال بالتشبث بتنقيح المناط أو القضية الطبيعية بدعوى ان الأثر الذي رتب عليه وجوب التصديق هو طبيعي الأثر الشامل لنفس هذا الحكم المستفاد من قوله يجب التصديق لان الحكم إذا رتب على الطبيعة يدور مدارها أينما دارت ( إذ ذلك ) انما يتم إذا كان الاشكال من جهة قصور اللفظ في مقام الاثبات بعد الفراغ عن امكانه ثبوتا ، وليس الامر كذلك لان الاشكال انما هو في امكانه ثبوتا ( ولذلك ) قلنا في مسألة قصد القربة بعدم اجداء مجرد اخذ القضية طبيعية في دفع الاشكال المذكور هناك بحيث تعم مطلق الدعوة ولو كانت ناشئة من قبل شخص هذا الامر المتعلق بالعبادة ، نظرا إلى امتناع اخذ ما هو الناشي من قبل الامر في متعلق شخصه ( هذا ) غاية ما يمكن ان يقال في تقريب الاشكالين ( ولكن ) لا يخفى ما فيهما ( اما الأول ) فان الممتنع انما هو توقف فردية بعض افراد العام ثبوتا على ثبوت حكم العام لبعض افراده الاخر ولزومه ممنوع في المقام ( إذ ) من الواضح عدم توقف خبرية قول المفيد ثبوتا على شمول حكم وجوب التصديق لخبر الشيخ عن المفيد ، بل المتوقف عليه انما هو العلم التنزيلي والاحراز التعبدي باخبار المفيد ، ومثله مما لا مانع عنه على مسلك تتميم الكشف في الامارات ( فإذا ) فرضنا بان لاخبار المفيد في حد ذاته اثر شرعي ولو كان هو وجوب التصديق بان أغمضنا عن الاشكال الثاني يكون لا محالة مشمولا لوجوب التصديق غاية الامر تنجز هذا

ص: 122

التكليف يتوقف على احراز موضوعه اما بالوجدان أو التعبد ، فإذا أخبر الشيخ باخبار المفيد كان اخباره بمقتضى وجوب التصديق طريقا لاحراز خبر المفيد الذي حكمه في نفسه وجوب التصديق فيكون كما لو أحرز خبره بالوجدان وهكذا بالنسبة إلى سائر الوسائط إلى أن ينتهى إلى من يروى عن الامام ( هذا ) بناء على تتميم الكشف في الامارات ( واما ) على مسلك تنزيل المؤدي منزلة الواقع والتعبد بثبوته عند الشك أو مسلك جعل الحجية فيمكن أيضا دفع الاشكال المزبور ( لان ) مرجع وجوب التصديق والتعبد بالمؤدى انما هو إلى ايجاب ترتيب اثار الواقع على المؤدى والمعاملة معه معاملة الواقع فإذا كان خبر المفيد في الواقع محكوما بوجوب التصديق فعند اخبار الشيخ باخبار المفيد إياه عن الصفار « كان » مقتضى التعبد بخبر الشيخ ووجوب تصديقه هو لزوم ترتيب الأثر على مؤداه الذي هو عبارة عن وجوب التصديق المترتب على قول المفيد واخباره واقعا ومرجع هذا الوجوب أيضا إلى ترتيب اثر مؤداه الذي هو قول الصفار عليه وهكذا إلى أن ينتهى إلى المؤدى الذي هو قول الإمام فيجب ترتيب الأثر عليه والحركة على طبقه فتأمل « على أنه » لو اغمض عن ذلك « نقول » انه يتوجه هذا الاشكال إذا كان الحكم المزبور حكما شخصيا لا سنخيا قابلا للانحلال واختصاص كل من الوسائط بشخص من وجوب التصديق غير الشخص المختص بالموضوع الاخر والا فلا مجال لهذه الشبهة لان الحكم الذي يتولد لأجله فردية خبر المفيد لموضوع العام عبارة عن شخص حكم غير الحكم الذي أريد اثباته لخبر المفيد « والممتنع » كما ذكر في تقرير الشبهة انما هو شمول الحكم لموضوع توقف فرديته للعام على شمول ذلك الحكم لبعض الافراد الاخر لا شمول شخص حكم لموضوع يتوقف فرديته على ثبوت شخص حكم آخر متحد معه في السنخ لفرد آخر من العام لان ذلك امر ممكن في نفسه ولا برهان يقتضي امتناعه * الا توهم * ان نسبة الانشاء إلى منشئه في الأحكام التكليفية من قبيل العلة لمعلولاته فلا يعقل ان يكون لعلة واحدة معاليل متعددة طولية بنحو يكون بعضها موضوعا للاخر لان المعاليل المتعددة إذا انتهت إلى علة واحدة وجب ان تكون عرضية لا طولية * لكنه مدفوع * بما ذكرناه مرارا من عدم معقولية ذلك في الأحكام التكليفية وان شأن الانشاءات فيها مجرد المبرزية عن الإرادة التي هي

ص: 123

روح الحكم ولبه فلا مانع من ابراز إرادات طولية بنحو يكون بعضها موضوعا للاخر بانشاء واحد فان الانشاء الوارد في الخطاب الشخصي « كما يمكن » ان يكون كاشفا عن الإرادة الشخصية القائمة بموضوع شخصي كقوله أكرم زيدا « كذلك » يمكن ان يكون كاشفا ومبرزا عن سنخها المتحقق في ضمن افراد عرضية كقوله أكرم العلماء وأحل اللّه البيع ونحوهما أو افراد طولية « اما من جهة » طولية أحد الفردين للاخر ذاتا كقوله إذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور حيث كان وجوب الطهور من جهة معلوليته لوجوب الصلاة في طول وجوبها « واما من جهة » إناطة موضوع بعضها بشمول فرد آخر من الحكم لموضوعه كما في المقام في قوله صدق العادل فأريد من انشاء وجوب تصديق العادل سنخه المتحقق في ضمن افراد طويلة على النحو الأخير « وبذلك » تندفع الشبهة الثانية أيضا « توضيح الاندفاع » ان دليل الاعتبار وهو قوله صدق العادل مثلا وان كان بحسب الصورة قضية واحدة ولكنها تنحل إلى قضايا متعددة حسب تعدد حصص الطبيعي بتعدد الافراد « وبعد » فرض انتهاء سلسلة سند الرواية إلى الحاكي لقول الامام (عليه السلام) وشمول دليل وجوب التصديق له لكونه المخبر به في خبره حكما شرعيا تصير بقية الوسائط ذات اثر شرعي فيشملها دليل وجوب التصديق إذ حينئذ يصير وجوب التصديق المترتب على مثل قول الصفار الحاكي لقول الامام (عليه السلام) اثرا شرعيا له ، فإذا قال الصدوق ان الصفار اخبرني فقد أخبر بموضوع ذي اثر شرعي في نفسه فيجب تصديقه بحكم الآية وبذلك يصير وجوب التصديق أيضا اثرا شرعيا لقول الصدوق الذي يحكى عنه المفيد وهكذا إلى منتهى الوسائط فكان كل لاحق مخبرا عن موضوع ذي اثر شرعي ووجوب التصديق المترتب على كل سابق اثرا شرعيا لاخبار لاحقه نظير سلسلة الأنواع والأجناس فتكون تلك الوجوبات الطولية المترتبة على الافراد الطولية بين ما هو اثر وموضوع محض كوجوب التصديق المترتب على قول الصفار الحاكي عن الإمام (عليه السلام) وبين ما هو حكم محض كوجوب التصديق المترتب على منتهى السلسلة وهو خبر الشيخ وبين ما فيه الجهتان باعتبارين كوجوب التصديق المترتب على قول المفيد فإنه باعتبار حكايته لقول الصدوق يكون حكما وباعتبار حكاية الشيخ عنه يكون اثرا وموضوعا

ص: 124

لوجوب التصديق المترتب على قول الشيخ فينتزع مما هو الحكم محضا أو اعتبارا مفهوم الوجوب مثلا بما هو حاك عن وجوبات متعددة وارادات طولية ، ومما هو اثر محضا أو اعتبارا مفهوم الأثر كذلك فيسند ذلك الحكم السنخي إليه بمثل قوله رتب الأثر على الخبر وعليه فيرتفع هذه الشبهة أيضا « فتدبر » ( نعم ) لو اغمض عما ذكرنا لا يتجه الجواب عنها بأنه بناء على أن المجعول في باب الطرق هي الطريقية والوسطية في الاثبات لا مورد لهذا الاشكال كي يحتاج إلى التفصي عنه ( فان ) المجعول في جميع السلسلة انما هو تتميم الكشف والطريقية إلى ما تؤدي إليه فكان كل لاحق طريقا إلى سابقه إلى أن ينتهى إلى قول الحاكي لقول الإمام (عليه السلام) ( إذ فيه ) ان الغرض من تتميم الكشف والوسطية في الاثبات ان كان هي الوسطية لاثبات اثر المؤدى ، فبعد ما لم يكن للمؤدى اثر غير تتميم الكشف « يبقى » الاشكال بحاله بأنه كيف يشمل تتميم الكشف نفسه « وان كان » الغرض وسطيته لاثبات اثر آخر السلسلة فلا يحتاج إلى شمول الدليل للوسائط واثبات حجيتها بتتميم الكشف فيها بل يقال بكفاية تتميم كشف أول السلسلة وحجيته لاثبات مضمون آخر السلسلة مع أنه كما ترى لا يمكن الالتزام به وعليه ينحصر التفصي عن الشبهة بما ذكرناه من البيان « ومن الاشكالات » ان المسألة أصولية فلا يكتفي فيها بالظن والظهور اللفظي لا يفيد الا مجرد الظن ومثله لا يكتفي به في المسألة لاثبات حجية خبر الواحد « وأورد عليه » الشيخ قدس سره بان الأصول التي لا يتمسك فيها بالظن مطلقا هي أصول الدين لا أصول الفقه والظن الذي لا يتمسك به في الأصول مطلقا هو مطلق الظن وظاهره اعتبار الظن الخاص في الفقه والأصول وهو كما افاده قدس سره ولذلك لم يفرق أحد ممن يقول بحجية الخبر الواحد والظهورات اللفظية بين المسائل الفرعية والأصولية كالاستصحاب ونحوه ولكن لا مجال لتخصيص حجية الظن المطلق بالفروع ونفي اعتباره في أصول الفقه لان الظن المطلق الذي ثبت اعتباره بدليل الانسداد لا يفرق فيه بين المسائل الأصولية والفرعية خصوصا على مختاره قده هناك كما سيأتي بيانه انشاء اللّه تعالى.

« ومن الآيات التي استدل بها » على حجية خبر الواحد قوله سبحانه في سورة البراءة فلولا نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا

ص: 125

رجعوا إليهم لعلهم يحذرون « وتقريب » الاستدلال بها من وجوه « الأول » ان كلمة لعل بعد انسلاخها عن معنى الترجي المستحيل في حقه سبحانه ظاهرة في الطلب ومحبوبية مدخولها وهو يلازم وجوب الحذر في المقام « اما » عقلا كما ذكره صاحب المعالم قدس سره من أنه لا معنى لحسن الحذر ندبا لأنه مع قيام المقتضي له يجب الحذر ومع عدمه لا يحسن للجزم بعدم العقوبة عند عدم تمامية الحجية « واما » شرعا للاجماع المركب لان كل من قال بحسنه قال بوجوبه فلا قائل بالفصل بينهما « الثاني » ان الحذر غاية للانذار الواجب الذي هو أيضا غاية للنفر الواجب بمقتضى كلمة لولا التحضيضية وغاية الواجب إذا كان من الأفعال الاختيارية واجبة لا محاله لان عدم وجوبها ملازم لجواز تركها وهو ينافي كونه غاية للنفر الواجب ( الثالث ) استلزام ايجاب الانذار لايجاب الحذر للزوم لغوية ايجاب الانذار بدونه كما في اية حرمة كتمان النساء ما في أرحامهن ، حيث استدلوا بهذه الآية على وجوب تصديق المرأة وقبول قولها في العدة فرارا عن لزوم اللغوية بدونه فيستفاد حينئذ من ايجاب الانذار وجوب التصديق فتدل الآية على حجية خبر الواحد وهو المطلوب ( ولكن ) يمكن المناقشة في الوجوه المزبورة ، اما الأول فبما مر منا في مبحث الأوامر وغيره من أن مثل أدوات الترجي والتمني والاستفهام ونحوها موضوعة لمعانيها الايقاعية الانشائية التي يوقعها المتكلم ، تارة عن داعي وجود هذه الصفات حقيقة في نفس المتكلم ، وأخرى عن داع آخر غيره والمستحيل في حقه سبحانه انما هو الأول ، وعليه لا يكون لكلمة لعل دلالة وظهور في الطلب ومطلوبية الحذر حتى يقال بوجوبه من جهة الاجماع المركب أو البرهان المزبور « واما ما أفيد » من أن كلمة لعل مهما تستعمل تدل على أن ما يتلوها يكون من العلل الغائية لما قبلها سواء كان من الأفعال الاختيارية أم من غيرها ولازمه في فرض اختيارية كونه محكوما بحكم ما قبلها وجوبا أو استحبابا « فيدفعه » منع الكلية المزبورة لاستعمال هذه الكلمة في غير ما ذكر كما في قوله ( لا تهن الفقير علك ان تركع والدهر قد رفعه ) فان من المعلوم عدم كون التالي غاية لعدم الإهانة « وان استعمال » هذه الكلمة في أمثال المقام انما كان لمجرد ابداء الاحتمال بلا اقتضائها لمطلوبية في مدخولها ومن ذلك قولك لا تدخل زيدا في بيتك لعله عدوك

ص: 126

« واما الوجه الثاني » فيما أورده شيخنا العلامة الأنصاري قدس سره من منع اقتضاء الآية لمطلوبية الحذر مطلقا ولو مع عدم حصول العلم للمنذرين بالفتح فإنه لا اطلاق للآية من هذه الجهة وانما اطلاقها مسوق لبيان ايجاب الانذار على المنذرين بالكسر بما هو الواقع من الأحكام الشرعية لا لبيان وجوب الحذر والقبول مطلقا فيمكن حينئذ ان يكون مطلوبية الحذر عند الانذار منوطا بحصول العلم فالمعنى انه يجب الانذار بالواقع لعله يحصل لهم العلم بالواقع فيحذرون كما يشهد لذلك استشهاد الإمام (عليه السلام) بتلك الآية على وجوب النفر لمعرفة الامام وانذار المتخلفين بما رأوه من اثار الإمامة ( كما ) في صحيحة يعقوب بن شعيب قال قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) إذا حدث على الامام حدث كيف يصنع الناس قال (عليه السلام) أين قول اللّه عز وجل فلولا نفر الخ ثم قال هم في عذر ما داموا في الطلب وهؤلاء الذين ينتظرونهم في عذر حتى يرجع إليهم أصحابهم ( وصحيح ) عبد الاعلى ومحمد بن مسلم وغيرها من الاخبار المتضمنة لاستشهاد الإمام (عليه السلام) بهذه الآية على وجوب النفر لمعرفة الامام ووجوب انذار المتخلفين مع وضوح عدم ثبوت الإمامة الا بالعلم فان في ذلك شهادة على ما ذكرنا من عدم تكفل الآية لاثبات مطلوبية الحذر مطلقا ( بل ) يؤيد ذلك التعبير بالطائفة لان الطائفة عبارة عن الجماعة ومن المعلوم ان اخبار الجماعة بشيء يوجب عادة العلم بذلك الشيء فوجوب الحذر عليهم حينئذ انما كان لحصول العلم للمنذرين وعليه لا دلالة في الآية على حجية خبر غير العلمي ( والاشكال ) عليه بأنه يتم إذا أريد من الجمع في قوله تعالى ليتفقهوا وقوله تعالى ولينذروا هو انذار مجموع النافرين من حيث المجموع واما بناء على ما هو الظاهر من إرادة الجمع الاستغراقي الافرادي فلا يبقى موقع لهذا الاشكال ( مدفوع بان ) كون الجمع في تلك الفقرات على نحو العموم الاستغراقي لا المجموعي لا يقتضى الا وجوب الانذار على كل واحد واما كون موضوع الوجوب اخبار كل فرد حتى في حال الانفراد فيتوقف على اطلاق حالي بالنسبة إلى ذلك وبعد فرض اهمال الآية من هذه الجهة لا يكفي مجرد وجوب الانذار على كل واحد بنحو الاستغراق لاثبات اطلاق الآية من تلك الجهة الا إذا فرض كون المراد من الآية وجوب انذار كل واحد من النافرين لطائفة من المتخلفين فإنه يلازم الاطلاق من تلك الجهة

ص: 127

واثبات مثله من الآية محل منع ( نعم ) لو تم ذلك لا مجال لاحتمال التقييد بصورة إفادة العلم للزوم حمله على النادر ( وبذلك البيان ) ظهر الجواب عن الوجه الثالث إذ محذور اللغوية انما يتوجه إذا كان المراد انذار كل واحد من المتفقهين لطائفة خاصة من المنذرين بالفتح لا انذار كل واحد لكل واحد من أشخاص المتخلفين إذ عليه لا يلزم من عدم وجوب القبول في فرض عدم حصول العلم محذور لغوية ايجاب الانذار لامكان ان يكون ذلك من باب اظهار الحق ليتم به الحجة على المنذرين بالفتح لاستلزامه عادة حصول العلم بالواقع لأجل كثرة المنذرين أو احتفاف الانذار بالقرينة الموجبة لذلك ( وبذلك ) ظهر وجه الفرق بين المقام وبين مسألة تحريم كتمان ما في الأرحام على النساء فان قول المرأة واخبارها بنفسه لما كان غير موجب بحسب العادة للعلم بالواقع يستفاد من اطلاق تحريم الكتمان عليهن وجوب القبول للزوم اللغوية بدونه ( وهذا ) بخلاف المقام حيث إنه لا يلزم منه هذا المحذور بعد فرض امكان حصول العلم عادة من انذار المنذرين وتراكم انذاراتهم ( هذا ) مضافا إلى ما أورده الشيخ قدس سره من أن وجوب الحذر انما يكون عقيب الانذار بما تفقه والتفقه عبارة عن العلم بأحكام الدين من الواجبات والمحرمات الواقعية ، فلابد في وجوب الحذر عقيب الانذار من أن يكون المنذر بالفتح عالما بان انذار المنذر كان بالمحرمات والواجبات الواقعية والا فلا يجب عليه الحذر فيختص اعتبار قول المنذر بما إذا حصل العلم للمنذر بالفتح بالحكم الشرعي من قوله وانذاره ( والاشكال عليه ) بان الآية حسب اقتضائها لتتميم الكشف تدل على كون ما انذر به المنذر من الاحكام الواقعية لكونه نتيجة حجية قول المنذر وطريقيته شرعا كما في سائر الأدلة الدالة على اعتبار الطرق ( مدفوع ) بأنه يتم ذلك في فرض ثبوت حجية قول المنذر بدليل آخر يقتضى تتميم كشفه والا فلا يمكن اثبات جهة الكاشفية والمحرزية لقول المنذر بنفس دلالة الآية على وجوب الحذر لما يلزمه من محذور الدور لتوقف وجوب القبول على احراز كون ما انذر به من الاحكام الواقعية وتوقف ذلك على محرزية قول المنذر وكاشفيته المتوقف على وجوب الحذر والقبول ( فتأمل ) هذا ثم إن الشيخ قده أورد على التمسك بالآية اشكالا آخر بما حاصله ان الانذار الذي رتب عليه وجوب الحذر

ص: 128

ليس مطلق الاخبار عن الحكم وانما هو عبارة عن الاخبار المشتمل على التخويف الناشئ من اعمال الرأي والاجتهاد في فقه الاحكام من مفاد الاخبار الصادرة عن الحجج (عليه السلام) « ومن » المعلوم ان الحذر الواجب عقيب هذا الانذار انما يناسب حجية فتوى المجتهد لا حجية الخبر الحاكي عن قول الإمام (عليه السلام) لان وظيفة الراوي ليست الا مجرد حكاية الرواية بألفاظها أو بمضمونها وقضية حجيته ليس الا وجوب تصديقه فيما يحكيه عن الامام لا الحذر عند تخويفه وانذاره إذ ليس لفهم الراوي بتضمن الرواية للتحريم أو الوجوب الموجبين للخوف مدخلية في وجوب الحذر لعدم حجية فهمه بالنسبة إلى المنقول إليه كي يجب عليه الحذر وانما ذلك منوط وجودا وعدما مدار فهم المنقول إليه ونظره ، وهذا بخلاف فتوى الفقيه ، فان الحجة فيه بالنسبة إلى المقلد انما هو رأى المجتهد واعتقاده وان حجية اخباره من جهة كشفه عن رأيه الذي هو الحجة عليه وحيث انه رتب وجوب الحذر على الانذار الذي هو الاخبار المتضمن للتخويف بما تفقه يلزمه الاختصاص لا محالة بمقتضى المناسبة بمقام حجية الفتوى ووجوب التقليد لا بمقام حجية الخبر ، ومن ذلك استدل جماعة بهذه الآية على وجوب الاجتهاد كفاية ووجوب التقليد على العامي ( وأورد ) عليه بان الانذار وان كان هو الاخبار المشتمل على التخويف الا انه أعم من الصراحة والضمنية فإنه يصدق الانذار على الاخبار المتضمن للتخويف ضمنا وان لم يصرح به المنذر والا لم يصدق على فتوى المفتى أيضا لأنه ليس في الافتاء بالوجوب أو الحرمة تصريح بالتخويف فيشارك الفتوى حينئذ مع الرواية في أن كلا منهما يشتمل التخويف ولو ضمنا ومعه لا يبقى مجال لتخصيص الآية بمقام الفتوى « وفيه » ان مبنى تخصيص الآية بالفتوى ليس من جهة دعوى كون الانذار هو الاخبار المشتمل على التخويف كي يجاب عنه بان التخويف يعم التخويف الضمني ، وانما ذلك من جهة احتياج الانذار والتخويف إلى تفقه المنذر بالكسر والتفاته إلى لازم تخويفه وعنوانه ومثله لا يصدق على العامي الذي يحكى لمسموعاته عن الإمام (عليه السلام) ومع فرض صدقة لا يكون فهمه تضمن الرواية الوجوب أو الحرمة المستتبعين لاستحقاق العقوبة على المخالفة حجة على المجتهد ليجب الحذر عقيب انذاره ، وانما ذلك منوط بفهم المنقول إليه كما هو ظاهر ( ومن الآيات ) قوله سبحانه ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات

ص: 129

والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاعنون « تقريب » الاستدلال بها كما في الآية السابقة ان وجوب الاظهار يلازم وجوب القبول حذرا عن اللغوية « وفيه » ان سوق الآية انما هو في أصول العقائد ردا على أهل الكتاب الذين أخفوا شواهد النبوة وبيناته وكتموا علائم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) التي بينها اللّه سبحانه لهم في الكتب السالفة ، فلا نرتبط بما نحن بصدده وعلى فرض التعميم « نقول » انه من المحتمل قويا ان يكون وجوب الاظهار عليهم لأجل رجاء وضوح الحق بسبب اخبارهم من جهة حصول العلم لهم لأجل تعدد المظهرين كما يقتضيه ظهور سوقها في أصول العقائد التي لا يكتفي فيها بغير العلم « نعم » لو كان للآية اطلاق يقتضي وجوب الاظهار عليهم ولو في فرض عدم إفادته للعلم بالواقع أمكن التمسك بها على وجوب القبول بمقتضى ما ذكر من الملازمة ولكن الشأن في اثبات هذه الجهة « ومن الآيات » قوله سبحانه فاسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون ، بتقريب ان وجوب السؤال يلازم وجوب القبول للزوم اللغوية بدونه وخصوصية المسبوقية بالسؤال غير معتبرة في وجوب القبول للاجماع فتعم القول الابتدائي فثبت المطلوب ( وفيه ) مضافا إلى ورود الآية في أصول العقائد التي لا يكتفي فيها بغير العلم لظهورها بمقتضى السياق في إرادة علماء أهل الكتاب والسؤال منهم فيما يرجع إلى علائم النبوة المكتوبة في كتبهم السماوية « والى ما ورد » من النصوص في تفسير أهل الذكر بالأئمة المعصومين ، كخبر الوشا سئلت الرضا (عليه السلام) عن قوله فاسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون فقال (عليه السلام) نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون فقلت فأنتم المسؤولون ونحن السائلون فقال ( نعم ) قلت حق علينا ان نسئلكم قال نعم قلت حق عليكم ان تجيبونا قال (عليه السلام) لا ذاك إلينا ان شئنا فعلنا وان شئنا لم نفعل اما تسمع قول اللّه عز وجل هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ( انه لا شبهة ) في أن المتبادر من مثل هذه الجملة إرادة وجوب السؤال لتحصيل العلم بالواقع كما يقال لمن ينكر شيئا لعدم العلم به سل فلانا ان كنت لا تعلم ( فالمراد ) فاسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون حتى تعلمون لا وجوب السؤال للعمل بالجواب تعبدا ( اللّهم ) الا ان يقال انه بعد شمول اطلاق الآية الشريفة للسؤال عن الواحد من أهل الذكر الذي لا يفيد قوله للعلم بالواقع يستفاد

ص: 130

من الآية تكفلها لتطبيق العلم والمعرفة على المورد بنفس شمولها لقول الواحد من أهل الذكر ، فتكون من هذه الجهة نظير اطلاق العلم والمعرفة على ظواهر الكتاب في رواية عبد الاعلى بقوله (عليه السلام) يعرف هذا وأشباهه من كتاب اللّه عز وجل فلا ينافي دلالتها على حجية خبر الواحد ظهورها في السؤال لتحصيل العلم بالواقع مضافا إلى أنه يتوجه عليها ما أوردناه في الآية السابقة من اختصاصها بباب التقليد لظهورها في السؤال عن أهل الذكر والعلم بما هم أهل الذكر والعلم عما هم عالمون به ومن المعلوم ان مثل ذلك انما يناسب مقام الفتوى وحجية الرأي لا مقام الرواية ونقل مسموعاته ومبصراته الخارجية ، فان السؤال عما يرجع إلى مقام المسموعات والمبصرات الخارجية لا يكون سؤالا من أهل العلم والذكر بما هم كذلك عما هم عالمون به وان كان شخص المسؤول أيضا من أهل العلم ( وعليه ) لا وجه للمناقشة في ذلك بفرض كون الراوي من أهل النظر والاجتهاد فإذا وجب التعبد بقوله بحكم الآية يتعدى إلى غيره بعدم القول بالفصل ، إذ مجرد فرض كون المسؤول من أهل العلم لا يقتضى كون السؤال عما يرجع إلى مبصراته ومسموعاته الخارجية سؤالا عما صار لأجله من أهل العلم والذكر فتدبر « ومن الآيات » قوله تعالى في سورة البراءة ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن قل اذن خير لكم يؤمن باللّه ويؤمن للمؤمنين ( بتقريب ) انه سبحانه مدح نبيه صلی اللّه علیه و آله بتصديقه للمؤمنين وقرنه بالتصديق باللّه ، فإذا كان التصديق حسنا يكون واجبا ، إذ لا قائل بالفصل وبذلك يتم المطلوب وهو حجية خبر الواحد وفيه منع كون المراد من التصديق في الآية هو التعبد بثبوت المخبر به وترتيب الأثر عليه ( وانما ) هو بمعنى مجرد اظهار القبول وعدم المبادرة إلى تكذيب المخبر فيما يخبر به والانكار عليه ، كما يشهد له تكرار لفظ الايمان وتعديته في الأول بالباء وفى الثاني باللام ، كما أن المراد بالاذن فيها أيضا هو ما ذكرنا لأنه هو الذي يكون خيرا لجميع الناس دون المعنى الأول ( لا ان ) المراد منه هو سريع الاعتقاد ( كيف ) وان ذلك لا يناسب مقام النبوة ، فضلا عن كونه كمالا له وموجبا لمدح اللّه سبحانه إياه ( فكانت ) الآية المباركة في مقام بيان آداب المعاشرة مع الناس من اظهار القبول فيما يقولون وعدم المبادرة إلى تكذيبهم والانكار عليهم لما فيه من أدائه إلى العداوة والبغضاء

ص: 131

فيما بينهم مع العمل بما تقتضيه المصلحة من الاحتياط حسب ما يقتضيه المقام ( فمدحه سبحانه ) نبيه انما كان من اجل هذه الجهة حيث إنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من جهة محاسن أخلاقه ورأفته بالأمة لم يكن يبادر إلى تكذيب من يخبره بخبر يعلم بكذبه « بل » كان يظهر له القبول من غير ترتيب اثر عملي على اخباره ( كما قيل ) في سبب نزول الآية انه نم منافق وهو الجلاس بن سويد أو نبتل بن الحرث على النبي صلی اللّه علیه و آله فأخبره اللّه سبحانه بذلك فلما أحضره وسئله عما قال حلف انه لم يقل شيئا فقبل منه النبي صلی اللّه علیه و آله فاخذ المنافق يطعن على النبي ويقول إنه اذن يقبل كلما يسمع اخبره اللّه تعالى اني قلت كذا فقبل وأخبرته اني لم أقل شيئا فقبل فرده اللّه تعالى بقوله قل اذن خير لكم ( فان ) من المعلوم بالضرورة ان تصديقه صلی اللّه علیه و آله لذلك المنافق لم يكن الا صوريا لا حقيقا ( والى ما ذكرنا ) أيضا يشير قوله (عليه السلام) يا أبا محمد كذب سمعك وبصرك عن أخيك فان شهد عندك خمسون قسامه انه قال قولا وقال لم أقله فصدقه وكذبهم حيث إن تصديق الأخ في هذه الرواية وتكذيب خمسين ليس الا بالمعنى الذي ذكرنا من كونه مجرد اظهار القبول لا بالمعنى الذي يراد في العمل بخبر الواحد كما هو ظاهر ( واما الرواية ) المتضمنة لقصة إسماعيل من قوله (عليه السلام) إذا شهد عندك المسلمون فصدقهم وتوبيخه على ابقاء الدنانير عند الرجل القرشي والحث على اخذها منه ( فإنما ) هو لأجل عدم الاخذ بالاحتياط واستيمانه من أخبر بأنه يشرب الخمر لا بمعنى ترتيب آثار الواقع.

( واما السنة فهي على طوائف ) منها الاخبار العلاجية المتكفلة لحكم الرواية المتعارضة من الترجيح بالشهرة والشذوذ وبموافقه الكتاب والسنة وبمخالفة العامة حيث إنها ظاهرة الدلالة بالملازمة في حجية خبر الواحد في نفسه عند عدم ابتلائه بالمعارض ( ومنها ) الأخبار الكثيرة الواردة في ارجاع الأئمة علیهم السلام إلى الصحابة ونقلة الأحاديث ( منها ) ما رواه محمد بن سنان عن الفضل بن عمر ان أبا عبد اللّه (عليه السلام) قال للفيض بن المختار في حديث فإذا أردت حديثنا فعليك بهذا الجالس مشيرا إلى زرارة بن أعين ( ومنها ) خبر يونس بن عمار ان أبا عبد اللّه (عليه السلام) قال اما ما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) فلا يجوز لك ان ترده ( ومنها ) قوله (عليه السلام) في رواية عبد الحميد رحم اللّه زرارة بن أعين لولا زرارة ونظرائه لاندرست

ص: 132

أحاديث أبي « ومنها » قوله (عليه السلام) لابن أبي يعفور بعدما سئله عمن يرجع إليه إذا احتاج فما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي فإنه سمع من أبي وكان عنده وجيها « ومنها » خبر أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن (عليه السلام) قال سئلته وقلت من أعامل وعمن آخذ وقول من اقبل فقال (عليه السلام) العمرى ثقة فما أدى إليك عنى فعنى يؤدى وما قال لك عنى فعنى يقول فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون قال وسئلت أبا محمد (عليه السلام) عن مثل ذلك فقال (عليه السلام) العمرى وابنه ثقتان فما أديا إليك عنى فعنى يؤديان وما قالا لك فعنى يقولان فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان الحديث « ومنها رواية » على بن المسيب الهمداني قال قلت للرضا (عليه السلام) شقتي بعيدة ولست أصل إليك في كل وقت فممن آخذ معالم ديني فقال (عليه السلام) من ذكر يا بن آدم القمي المأمون على الدين والدينا « ومنها » خبر ابن أبي عمير بن شعيب العقرقوقي قال قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) ربما احتجنا ان نسأل عن الشيء فمن نسئل قال (عليه السلام) عليك بالأسدي يعنى أبا بصير « ومنها » ما في مكاتبة على بن سويد السائي إلى أبى الحسن (عليه السلام) واما ما ذكرت يا علي ممن تأخذ معالم دينك لا تأخذن معالم دينك من غير شيعتنا فإنك ان تعديتهم اخذت دينك عن الخائنين الحديث ( ومنها ) ما رواه مسلم بن أبي حبة قال كنت عند أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خدمته فلما أردت ان أفارقه ودعته وقلت أحب ان تزودني فقال (عليه السلام) ائت أبان بن تغلب فإنه قد سمع منى حديثا كثيرا فما رواه لك فاروه عنى ( ومنها ) خبر عبد العزيز بن المهتدي قال قلت للرضا (عليه السلام) ان شقتي بعيده فلست أصل إليك في كل وقت فاخذ معالم ديني عن يونس مولى آل يقطين قال (عليه السلام) نعم « ومنها » خبره الاخر عن الرضا (عليه السلام) قال قلت لا أكاد أصل إليك أسئلك عن كل ما احتاج إليه من معالم ديني افيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج إليه من معالم ديني فقال (عليه السلام) ( نعم ) « ومنها » قوله (عليه السلام) في خبر آخر لعبد العزيز بعد أن سئله عمن يأخذ معالم دينه خذ عن يونس بن عبد الرحمن ( ومنها ) ما في التوقيع على القسم بن علا فإنه لا عذر لاحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا قد عرفوا بانا نفاوضهم سرنا ونحمله إليهم ( ومنها ) قوله (عليه السلام) في مكاتبه أحمد بن حاكم ابن ماهويه وأخيه اعتمدا في دينكما على كل مسن في حبنا وكل كثير القدم في أمرنا

ص: 133

( ومنها ) ما في كتاب الغيبة للشيخ واكمال الدين للصدوق والاحتجاج للطبرسي من قول الحجة عجل اللّه فرجه واما الحوادث الوقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ( ومنها ) ما دل على الحث والترغيب في الرواية وتدوينها إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المتواترة الدالة على وجوب الرجوع إلى الثقات من رواة الحديث في اخذ معالم الدين ( ولا يخفى ) ان التواتر المدعى في تلك الأخبار وان لم يكن لفظيا الا انه يكون معنويا لوضوح كون الجميع بصدد بيان معنى واحد وهو حجية قول الثقة ووجوب العمل على طبقه بل وظاهر بعضها هو كون وجوب العمل بخبر الثقة أمرا مركوزا عندهم بحيث كان من المسلمات عند أصحاب الأئمة ولذلك وقع السؤال فيها عن الموضوع وهو كون الراوي ثقة أو غير ثقة ، كما في خبر عبد العزيز المتقدم ، وربما يشهد لذلك أيضا تعليله (عليه السلام) في خبر أحمد بن إسحاق بعدما ارجع إلى العمري وابنه بقوله انهما الثقتان المأمونان وحينئذ فلا ينبغي الارتياب في حجية خبر الثقة ووجوب الاخذ به ( ثم إن الثقة ) في تلك الأخبار وان كانت ظاهرة في العدالة بل أعلى درجتها ( ولكن يمكن ) دعوى عدم اعتبار وصف العدالة في الراوي في حجية روايته وان مدار الحجية انما كان على حيث الوثوق في نقل الرواية بنحو يضعف فيه احتمال الكذب بحيث لا يعتني به العقلاء وان التعبير بالمامونية في الدين والدينا انما هو من جهة كونه ملزوما للوثاقة في الحديث لا من جهة مدخلية لخصوصية المأمونية في الدين في الراوي في حجية روايته ( كما يشهد ) لذلك ما ورد منهم (عليهم السلام) من الامر بالأخذ بكتب بنى فضال بقوله (عليه السلام) خذوا ما رووا وذروا ما راو ، وما ورد من الاخذ بما روته العامة عن علي (عليه السلام) ، ومثل مرفوعة الكناني عن الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله سبحانه « ومن يتق اللّه الخ » ان هؤلاء قوم من شعيتنا ضعفاء وليس عندهم ما يحملون به إلينا فيسمعون حديثنا ويفتشون من علمنا فيرحل قوم فوقهم وينفقون أموالهم ويتعبون أبدانهم حتى يدخلوا علينا ويسمعوا حديثنا فينقلبوا إليهم فيعيه أولئك ويضعه هؤلاء فأولئك الذين يجعل اللّه لهم مخرجا ويرزقهم من حيث لا يحتسبون الخبر ( حيث ) ان فيه دلالة على جواز العمل بقول الثقة وان كان المخبر ممن يضيعه ولا يعمل به ( ولا ينافي ) ذلك ما ورد من حصر المعتمد في الشيعة

ص: 134

والمسن في الدين وفي حبهم فإنه محمول على وثاقتهم في الحديث وعدم تطرق احتمال الكذب في حقهم احتمالا يعتنى به العقلاء في قبال غيرهم ممن يتطرق في نقله تعمد الكذب على ما يشهد له التعليل الوارد في النهى عن اخذ معالم الدين من غير الشيعة بقوله (عليه السلام) فإنك ان تعديتهم اخذت دينك من الخائنين الذين خانوا اللّه ورسوله وخانوا أماناتهم انهم ائتمنوا على كتاب اللّه عز وجل فحرفوه وبدلوه فلعنة اللّه ولعنة رسوله ولعنة ملائكته ولعنة آبائي الكرام البررة ولعنتي ولعنة شيعتي عليهم إلى يوم القيمة الخبر ( حيث ) ان فيه دلالة واضحة على أن المنع عن اخذ معالم الدين منهم انما هو من جهة كونهم خائنين غير الموثقين في نقل الحديث من جهة تطرق احتمال تعمد الكذب في حقهم ( لا انه ) من جهة مجرد كونهم من غير الشيعة ولو مع كونهم موثقين في نقل الحديث ومتحرزين عن تعمد الكذب غاية التحرز فتأمل ( ومن ذلك ) ترى بناء الأصحاب رضوان اللّه عليهم على العمل بالخبر الموثوق به ولو من غير الشيعة إذا علموا بان الراوي سديد في نقل الرواية ومتحرز عن الكذب وكان ممن لا يطعن في روايته وان كان مخطئا في اعتقاده وسالكا غير الطريقة المستقيمة التي سلكها الشيعة والفرقة المحقة كأخذهم بروايات حفظ بن غياث وغياث بن كلوب ونوح بن دراج وغيرهم من العامة وكذا اخذهم باخبار جماعة من الفطحية وغيرها كعبد اللّه بن بكير وسماعة بن مهران وعلي بن أبي حمزة البطائني اللعين الشقي وكتب بنى فضال ونحوهم ممن عرف منهم كونهم موثقين في نقل الحديث ( وناهيك ) في ذلك حديث النبوي المعروف على اليد ما اخذت المستدل بها في أبواب المعاملات ( مع أن ) من المعلوم انه لم يروه أحد من رواتنا الامامية ولا كان موجودا في شيء من جوامعنا ( وانما ) هو مروى في كتب العامة بطرقهم المنتهية إلى سمرة بن جندب الشقي عمن هو مثله فان ذلك شاهد صدق لما ذكرنا من أن مدار الحجية عندهم على مجرد كون الخبر موثوق الصدور عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أو الأئمة بنحو يضعف فيه احتمال الكذب ضعفا لا يعتنى به العقلاء بنحو يعد المعتنى به من الوسواسين ( لا ان ) مدار الحجية عندهم على عدالة الراوي وحينئذ فلا اشكال في دلالة تلك الأخبار على حجية خبر الموثوق به صدورا أو مضمونا كما يدل على الأول الترجيح بالشهرة والشذوذ وبعدالة الراوي ووثاقته وعلى

ص: 135

الثاني الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة « ثم إن هذا كله » بناء على ثبوت التواتر المعنوي للاخبار المزبورة « واما بناء » على المنع عنه فلا أقل من تواترها اجمالا ولازمه وان كان هو الاقتصار في الحجية على الأخص مضمونا منها وهو ما اجتمع فيه الوصفان أي العدالة والوثاقة « ولكنه » يمكن دعوى نهوض ما اجتمع فيه الوصفان من تلك الأخبار على حجية مطلق الخبر الموثق الذي يضعف فيه احتمال الخلاف ومعه يئول الامر بالآخرة أيضا إلى حجية خبر الموثق ( نعم ) لو منعنا من ذلك أيضا فلابد من الاقتصار في الحجية على خصوص ما اجتمع فيه الوصفان من الاخبار لا التعدي عنها إلى غيرها.

واما الاجماع فتقريره من وجوه ( الأول ) اتفاق الأصحاب طرا عدى السيد واتباعه على حجية خبر الواحد ، كما يظهر ذلك بالتتبع في فتاوى الأصحاب وكلماتهم وملاحظة الاجماعات المنقولة في ذلك ، حيث يعلم من ذلك كله كونهم مطبقين على حجية خبر الواحد خصوصا بالنسبة إلى الاخبار المدونة فيما بأيدينا من الكتب المعروفة « ولا يعارضها » الاجماع المدعى في كلام السيد قده على المنع ( لامكان ) حمل ما ادعاه السيد على الاخبار التي روته العامة في كتبهم بطرقهم غير النقية في المسائل التي روى أصحابنا الامامية خلافها كما لعله ليس ببعيد لابتلائه قده في زمانه بالعامة واخبارهم ، حيث إنه قده لعدم تمكنه من رد اخبارهم الخالية عن شواهد الصدق والتصريح بذلك والطعن عليهم « احتاج » في التخلص عن ذلك إلى دعوى الاجماع على المنع عن العمل باخبار الآحاد ( أو حمل العلم ) الذي يدعيه قده في العمل بالاخبار على الوثوق والاطمينان الذي يسكن به النفس المعبر عنه بالعلم العادي كما يشهد بذلك ما حكى عنه في تعريف العلم بأنه ما يقتضى سكون النفس ولقد صرح بذلك أيضا المحدث الاسترآبادي في الفوائد المدنية حيث إنه قده بعد أن ادعى قطعية صدور ما بأيدينا من الاخبار المودعة في الكتب الأربعة قال في كلام له بعد ذلك ما حاصله ان مرادنا من العلم واليقين هو ما يشمل العلم العادي الذي يقتضي سكون النفس دون اليقين الذي لا يقبل الاحتمال فراجع ، فمراد السيد من القرائن التي أوردها في عبارته هي مطلق ما يوجب الوثوق والاطمينان بالصدور الموجب لسكون النفس ولو كان من الأمور الخارجية قبال القول بحجية

ص: 136

خبر الواحد تعبدا ولو مع خلوه عن إفادة الوثوق ، وعليه يرتفع التهافت والتدافع بينه وبين الشيخ في دعويهما الاجماع « مع امكان » ان يقال ان انكار السيد ومنعه عن العمل باخبار الآحاد غير العلمية انما هو لعدم احتياجه إلى الاخبار المجردة عن القرائن القطعية بلحاظ انفتاح باب العلم لديه ومعلومية معظم الفقه عنده بالضرورة والاجماع القطعي وبالاخبار المتواترة « كما يشهد » له قوله في الجواب عما اعترض على نفسه بقوله فان قلت إذ سددتم طريق العمل باخبار الآحاد فعلى اي شيء تعولون في الفقه كله ، قلت إن معظم الفقه يعلم بالضرورة وبالاخبار المتواترة وما لم يتحقق ذلك فيه ولعله الأقل يعول فيه على اجماع الامامية وما يبقى من المسائل الخلافية يرجع فيها إلى التخيير « حيث إنه يفهم من ذلك تسليمه قده وجوب العمل باخبار الآحاد والتعويل عليها في الفقه في فرض انسداد باب القرائن المفيدة للعلم « الثاني » وهو الاجماع العملي فيظهر أيضا من اتفاق الأصحاب عملا على الاستناد في مقام الاستنباط والفتوى بتلك الأخبار المدونة فيما بأيدينا من الكتب في أبواب الفقه ولا يضره اختلاف وجه استناد كل طائفة لما تقدم في أول البحث من أن ذلك منهم انما هو من قبيل بيان العلل بعد الوقوع وتطبيق كل طائفة ما هو المسلم لديه ولدى الكل على وجه وقاعدة مخصوصة بحيث لو التفتوا إلى بطلان مستندهم لم يرفعوا اليد عن فتواهم بالحجية وتمسكهم بالروايات في أبواب الفقه ( الثالث ) السيرة وتقريرها تارة بإضافتها إلى المسلمين بما هم مسلمون وأخرى بإضافتها إلى العقلاء بما هم عقلاء وقد يعبر عن الأول بالسيرة وعن الثاني ببناء العقلاء وطريقتهم اما تقريب السيرة فبدعوى استقرار طريقة المسلمين من حيث كونهم متشرعين على العمل باخبار الآحاد فيما يرجع إلى أمور دينهم وهي على فرض تحققها لا اشكال في حجيتها والاعتماد عليها لكشفها لا محالة عن رضاء الشارع بذلك لأنه من المستحيل استقرار السيرة المزبورة من المسلمين من حيث كونهم متدينين على امر من تلقاء أنفسهم من دون جعل شرعي فيما قامت السيرة عليه وعلى هذا لا يحتاج في حجيتها إلى اثبات عدم ردع الشارع عنها لوضوح مضادة ردع الشارع لأصل السيرة المزبورة فلا تصلح الآيات الناهية عن العمل بما وراء العلم للردع عن مثل هذه السيرة لمضادتها لأصل وجود السيرة فمهما استقرت السيرة المزبورة يستكشف

ص: 137

انه لم يكن لهم رادع شرعي نعم ذلك انما يكون في السيرة العقلائية فإنها بعد عدم مضادتها وجودا مع الردع الشرعي يحتاج حجيتها إلى اثبات عدمه واما بناء العقلا على الاعتماد بخبر الثقة والاتكال عليه في أمورهم الشرعية وغيرها مما يرجع إلى مصالحهم الدنيوية فلا شبهة في تحققه بمقتضى ارتكازاتهم والجبلة والفطرة المودعة فيهم والى ذلك يرجع ما في بعض الأخبار المتقدمة من السؤال عن وثاقة الراوي لا عن حكم العمل بقوله وكذا ما ورد في تلك الأخبار من التعليل بالثقة في مقام الارجاع إلى رواة الحديث بل من تلك الأخبار يستفاد كونها طرا في مقام الامضاء لما عليه الطريقة المألوفة العقلائية من جواز العمل بقول الثقة وحجيته في الاحكام لا في مقام تأسيس الحجية وجواز العمل باخبار الثقة بل ويمكن ) اثبات الامضاء أيضا بمعونة عدم الردع إذ لولا رضاء الشارع بها يلزمه ردعهم عما استقر عليه طريقتهم ( والآيات ) الناهية عن العمل بما وراء العلم غير صالحة للردع عن بنائهم بعد كون عملهم به من باب تتميم الكشف وكونه من افراد العلم الموجب لعدم التفاتهم إلى احتمال الخلاف إذ لا يكاد يرون العمل به حينئذ من باب العمل بغير العلم كي يصلح الآيات للردع عن ذلك فلابد حينئذ في فرض عدم رضائه بذلك من ردعهم ببيان آخر نعم انما تصلح الآيات الناهية للردع إذا لم يكن بنائهم من باب تتميم الكشف واما اشكال الدور فقد عرفت الجواب عنه في طي أدلة النافين.

واما دليل العقل فتقريره من وجوه ( الأول ) العلم الاجمالي بصدور كثير من الاخبار المتضمنة للتكاليف المودعة فيما بأيدينا من الكتب عن الأئمة علیهم السلام بمقدار واف بمعظم الفقه كما يظهر ذلك بمراجعة أحوال الرواة في تراجمهم من حيث شدة اهتمامهم ومواظبتهم على حفظ الأحاديث واخذها من الكتب المعتبرة وتنقيح ما أودعوه في كتبهم لئلا يودع فيها الاخبار المدسوسة المكذوبة على الأئمة (عليهم السلام) حتى أنهم من شدة مواظبتهم في ذلك كانوا غير معتنين باخبار من كان يعمل بالقياس ومتحرزين عمن كان يروى عن الضعفاء أو يعتمد على المراسيل وان كان هو بنفسه من الثقات كما اتفق ذلك بالنسبة إلى البرقي الذي هو من أجلتهم ويشهد لما ذكرنا ما عن علي بن الحسين بن الفضال من أنه لم يرو كتب أبيه معتذرا بأنه يوم مقابلته الحديث مع أبيه كان صغير السن ليس له كثير معرفة بالروايات فقرئها

ص: 138

ثانيا على أخويه احمد ومحمد فمن ذلك كله يحصل العلم الاجمالي بصدور كثير من الاخبار المتضمنة للتكاليف عن الأئمة فيما بأيدينا من الاخبار الموجودة بل جلها الا ما شذ ومثل هذا العلم الاجمالي موجب لانحلال العلم الاجمالي الكبير بثبوت تكاليف كثيرة بين الروايات وسائر الأمارات الظنية كالشهرة والاجماع المنقول ونحوها بما في دائرة خصوص الاخبار والشك البدوي في غيرها كاقتضاء العلم الاجمالي الكبير أيضا لانحلال العلم الاجمالي الأوسع بالتكليف في مجموع الوقايع المشتبهة ( ولازم ) هذا الانحلال هو الاقتصار على خصوص دائرة العلم الاجمالي الصغير ومقتضاه وجوب العمل على طبق جميع الاخبار المثبتة للتكليف مع الامكان وجواز العمل على طبق النافي منها لو لم يكن هناك أصل مثبت للتكليف من استصحاب ونحوه ومع عدم امكانه فالواجب هو الاخذ بما ظن صدوره منها ( هذا ولكن ) ( أورد عليه ) الشيخ قده أولاً بمنع انحلال العلم الاجمالي الكبير لأنه كما أن العلم الاجمالي بالتكليف حاصل في خصوص ما بأيدينا من الاخبار كذلك العلم الاجمالي حاصل لنا في مجموع الاخبار وسائر الأمارات الظنية الاخر من الشهرة والاجماع المنقول وغيرها بحيث عند التأمل كان الحاصل علمان ومعلومان بلا عنوان أحدهما متعلق بما في دائرة الاخبار والاخر بمجموع الأمارات الظنية من الاخبار وغيرها فكان سائر الامارات الاخر طرفا للعلم الاجمالي لا خارجا عنه بشهادة بقاء العلم الاجمالي بحاله عند عزل طائفة من الاخبار بمقدار المعلوم بالاجمال وضم سائر الأمارات الظنية إلى البقية فبقاء هذا العلم الاجمالي كاشف عن تعدد العلمين وعدم انحلال أحدهما بما في دائرة الاخر ( ولازمه ) وجوب مراعاة العلم الاجمالي الكبير بالاحتياط أو العمل بالظن في مجموع الأمارات الظنية لا في خصوص الاخبار ( وثانيا ) ان وجوب الاخذ بتلك الأخبار بعد ما كان من جهة تضمنها للتكاليف الواقعية لا بما هي هي ( كان ) اللازم هو الاخذ بما يظن كون مضمونه حكم اللّه ولو من جهة الشهرة لا بما ظن بصدوره ولو لم يحصل الظن بكون مضمونه حكم انه ( وثالثا ) ان أفضى ما يقتضيه الدليل المزبور انما هو وجوب العمل بالاخبار المثبتة للتكليف دون الاخبار النافية له مع أن مجرد وجوب العمل بها ( لا ) يقتضى حجيتها شرعا كي تنهض لصرف ظواهر الكتاب والسنة القطعية لان وجوب العمل بها انما

ص: 139

كان بحكم العقل من باب الاحتياط وهو لا يوجب حجيتها ونهوضها لتخصيص عمومات الكتاب والسنة كما لا يخفى ( أقول ) لا يخفى ان مجرد فرض العلم الاجمالي بالتكليف في سائر الأمارات الظنية وبقية الاخبار بعد عزل طائفة منها ، انما يمنع الانحلال ويقتضي الاحتياط في الجميع ، في فرض تغاير مؤديات الامارات المنضمة مع مضمون الاخبار المعزولة والمعزول منها ، إذ في مثله يكون المعلوم بالاجمال في الامارات المنضمة وبقية الاخبار ، غير ما هو المعلوم بالاجمال في مجموع الاخبار ، فيلزمه الاحتياط في الدائرتين ( واما ) مع احتمال اتحاد مؤدياتها مع الاخبار المعزولة أو الاخبار المعزول منها ( فلا يمنع ) ذلك عن انحلال العلم الاجمالي الكبير بما في دائرة الاخبار ( فان مرجع ) العلمين بعد احتمال اتحاد المعلوم بالاجمال في الأمارات الظنية وبقية الاخبار ، مع المعلوم بالاجمال في مجموع الاخبار ( انما ) هو إلى علم اجمالي بالتكليف في دائرة خصوص الاخبار والشك البدوي في غيرها لكونه من العلم الاجمالي بالتكليف المردد بين الأقل والأكثر ( ومن المعلوم ) ان لازمه هو الانحلال بما في دائرة خصوص الاخبار وعدم وجوب الاحتياط في غيرها ( نعم ) غاية ما يقتضيه العلم الاجمالي المزبور انما هو التخيير عقلا في مقام الاحتياط بين الاخذ بالاخبار تماما ، وبين الاخذ بسائر الأمارات الظنية والاخبار المعزول منها ( حيث ) انه بكل من الامرين يقطع بالفراغ عما ثبت الاشتغال به يقينا ( كما هو ذلك ) أيضا في فرض احتمال اتحاد مؤديات الامارات المنضمة مع خصوص الاخبار المعزول منها ، غير أن التخيير حينئذ بين الاخذ بالاخبار تماما وبين الامارات المنضمة والاخبار المعزولة ( وعلى كل تقدير ) يكون الاخذ بالاخبار تماما موجبا للقطع بتفريغ الذمة عما ثبت الاشتغال به يقينا ( واما توهم ) رجوع العلم الاجمالي المزبور حينئذ إلى المتبائنين لا الأقل والأكثر ، لكونه من قبيل العلم بالتكليف المردد بين تكليف واحد أو تكليفين ، فيجب الاحتياط في الجميع ( فمدفوع ) بأنه كذلك إذا كان المعلوم بالاجمال من باب التكليف المردد بين تكليف واحد في طرف أو تكليفين آخرين في طرف آخر « وليس » المقام كذلك بل انما هو من قبيل التكليف المردد بين تكليف واحد أو تكليفين ، أحدهما هذا التكليف الثابت في هذا الطرف ، وثانيهما تكليف آخر في ذاك الطرف « وما قرع سمعك »

ص: 140

من وجوب الاحتياط انما هو الأول دون الثاني ، لأنه راجع إلى الأقل والأكثر لا المتبائنين « نعم » انما يكون ذلك في فرض تغاير مضمون الامارات المنضمة مع مضمون كل من الاخبار المعزولة والاخبار المعزول منها ، إذ كان مرجع العلمين حينئذ إلى العلم الاجمالي بالتكليف المردد بين تكليف واحد مثلا في دائرة الاخبار المعزولة أو تكليفين آخرين ، أحدهما في الاخبار المعزول منها ، وثانيهما في سائر الأمارات الظنية ، ولذلك قلنا في مثل هذا الفرض بعدم الانحلال ووجوب الاحتياط في الجميع ( نعم ) بناء على الانحلال يتوجه عليه ما افاده قده من الاشكال بان وجوب الاخذ بالاخبار الصادرة بعد أن كان من جهة تضمنها للأحكام الواقعية « كان » اللازم هو الاخذ بالاخبار التي يظن بمطابقة مضمونها للواقع ولو من جهة الشهرة والاجماع المنقول ، وان لم يظن بصدورها « لان العبرة » انما هي بظن مطابقة مضمون الخبر للواقع لا بظن الصدور « واما » ما افاده ثالثا من أن مقتضى التقريب المزبور انما هو مجرد وجوب العمل بالاخبار المثبتة للتكليف ولا يثبت به حجيتها شرعا على وجه تنهض لصرف ظواهر الكتاب والسنة القطعية « فهو » وان كان وجيها « ولكن » نقول انه يترتب عليه حينئذ نتيجة التخصيص والتقييد ، إذ مقتضى أصالة الظهور الجارية في الاخبار الصادرة المعلومة بالاجمال هو خروج العمومات المثبتة والنافية عن الحجية ، لانتهاء الامر فيها إلى العلم الاجمالي بإرادة خلاف الظاهر في بعض تلك العمومات والمطلقات من المثبت والنافي « ولازمه » بعد عدم المرجح هو اجراء حكم التخصيص والتقييد عليها لسقوطها بذلك عن الاعتبار « نعم » لو لم يجزم بظهور ما هو الصادر اجمالا بمقدار المعلوم بالاجمال كانت العمومات المثبتة والنافية الجارية في مواردها باقية على حجيتها « لان » رفع اليد عن العمومات والمطلقات تخصيصا أو تقييدا فرع جريان أصالة الظهور في الاخبار الصادرة المعلومة بالاجمال وهو متوقف على احراز موضوعها وهو الظهور « والا فبدونه » لا تجرى أصالة الظهور فيها فتبقى العمومات والمطلقات على حجيتها « واما الأصول » الشرعية والعقلية ، فالنافية منها من الأول غير جارية في أطراف العلم مطلقا ، وان كانت بلا معارض لمانعية العلم الاجمالي عنها « واما الأصول المثبتة » فان كانت عقلية كقاعدة الاشتغال ،

ص: 141

فلا مانع عن جريانها في أطراف العلم الاجمال لعدم تنافيها معه كي يمنع عن جريانها « واما ان كانت » شرعية كالاستصحاب ونحوه ، فهي على المختار وان كانت جارية في جميع أطراف العلم الاجمالي « الا » ان في جريانها في المقام في دائرة الاخبار « اشكالا » نظر إلى ما تقتضيه أصالة الظهور الجارية في الاخبار الصادرة ، حيث إنه من جهة تردد انطباقها في تمام موارد الأصول المثبتة تسقط الجميع عن الاعتبار ، لمكان العلم الاجمالي حينئذ بحكومة تلك الحجج الشرعية على بعض تلك الأصول الجارية في مواردها وتخصيص لا تنقض بالنسبة إليها الموجب لسقوط الجميع بمقتضى عدم المرجح عن الاعتبار « وبهذه الجهة نقول » بعدم صلاحية الاستصحابات المثبتة لانحلال العلم الاجمالي بالاخبار الصادرة وان كانت بضميمة الأصول العقلية للمثبتة بمقدار المعلوم بالاجمال « نعم » لو بنينا على عدم حجية أصالة الظهور في الاخبار الصادرة المعلومة بالاجمال وان وجه اتباعها من جهة العلم الاجمالي بمطابقة جملة منها للواقع ، أو كانت الأصول المثبتة جارية في بعض الأطراف كان لجريان الأصول المثبتة الشرعية مجال ( إذ ) على الثاني واضح لعدم العلم حينئذ بقيام ظاهر حجة في موارد تلك الأصول من جهة احتمال انطباق ما هو الظاهر الصادر اجمالا في غير مواردها ( وكذلك على الأول ) لان رفع اليد عن الاستصحابات الجارية في مواردها انما هو من لوازم جريان أصالة الظهور في الاخبار الصادرة اجمالا وبعد عدم جريان أصالة الظهور فيها تجرى الأصول المثبتة في مواردها ( ولكن ) الشأن في هذا البناء ، حيث نقول انه مع احراز ظهور ما هو الصادر اجمالا بمقدار المعلوم بالاجمال لا قصور في جريان أصالة الظهور فيها وبجريانها تسقط الأصول عن الاعتبار بمقتضى ما ذكرناه فتدبر « الثاني » من وجوه تقرير دليل العقل ما عن صاحب الوافية من الاستدلال على حجية الاخبار المودعة في الكتب المعتمدة للشيعة « بانا » نقطع ببقاء التكليف إلى يوم القيمة سيما بالأصول الضرورية كالصلاة والزكاة والحج ونحوها وان جل اجزائها وشرائطها وموانعها انما يثبت بالخبر الواحد غير القطعي بحيث لو ترك العمل بالخبر الواحد خرجت هذه الأمور عن حقائقها « ولكن » يرد عليه ما افاده الشيخ قده من أن العلم الاجمالي بثبوت الاجزاء

ص: 142

والشرائط والموانع حاصل في دائرة جميع الاخبار بل جميع الامارات غير العلمية فلا وجه لتخصيصه بالاخبار المدونة في الكتب المزبورة ومجرد العلم الاجمالي في دائرتها أيضا لا يقتضى التخصيص بها فيلزم حينئذ مراعاة الاحتياط في جميع الدوائر لا في خصوص الأخبار المذكورة ( مع أن ) لازم ذلك هو الاخذ بخصوص الاخبار المثبتة لهذه الأمور لا ما يعم النافية لها خصوصا إذا كان في قبالها أصل مثبت للتكليف ( الثالث ) من وجوه تقرير دليل العقل ما ذكره بعض المحققين في حاشيته على المعالم لاثبات حجية خصوص الظن الحاصل من الخبر وملخص ما افاده هو ان وجوب العمل بالكتاب والسنة ثابت بالاجماع والضرورة والأخبار المتواترة وبقاء هذا التكليف أيضا ثابت بالنسبة إلينا بالأدلة المذكورة وحينئذ ان أمكن الرجوع إليهما على وجه يحصل العلم بالحكم أو الظن الخاص فهو والا فالمتبع هو الرجوع إليهما على وجه يحصل الظن منهما بالحكم ( وفيه ) ان المقصود ان كان وجوب العمل بالاخبار المدونة في ما بأيدينا من الكتب من جهة دعوى العلم الاجمالي بصدور كثير منها فهو راجع إلى التقريب الأول الذي ذكرناه بطوله فلا يكون دليلا برأسه في قباله ( وان كان ) المقصود هو ثبوت التكليف بالواقع وبقائه فعلا من جهة العلم الاجمالي بوجود تكاليف كثيرة في الواقع كما يقتضيه ظهور السنة في كلامه في السنة الواقعية فهو مع رجوعه إلى الدليل الآتي المعروف بدليل الانسداد لا يقتضي التخصيص بخصوص الاخبار بل يعم كل ما يظن بان مدلوله مضمون للكتاب أو السنة التي هي قول المعصوم وفعله وتقريره وان كان ) المقصود ثبوت التكليف شرعا بالرجوع إلى تلك الأخبار غير المفيدة للعلم وعدم جواز طرحها عملا بان كان المراد من السنة في كلامه هو الخبر الحاكي عن السنة لا نفس السنة الواقعية فللمنع عنه مجال إذ لم يثبت ذلك باجماع ولا ضرورة من الدين أو المذهب خصوصا مع دعوى مثل السيد الاجماع على المنع عنه وجرى العمل به مجرى العمل بالقياس عند الإمامية ( هذا ) كله في الوجوه العقلية التي استدل بها لاثبات حجية خبر الواحد ( وقد استدل أيضا بوجوه اخر عقلية لاثبات حجية مطلق الظن ) الشامل للخبر الواحد من غير تخصيص بالظن الخبري ( منها ) ان الظن بالتكليف ظن بالضرر ودفع الضرر المظنون واجب ( وفيه ) ان المراد من الضرر المظنون ان كان هو الضرر الأخروي

ص: 143

أي العقوبة فالصغرى ممنوعة لعدم استلزام الظن بالتكليف للظن بالعقوبة على المخالفة مع حكم العقل الجزمي بقبح العقاب بلا بيان فلابد في اثبات حجية الظن من دليل اخر يقتضى حجيته ( وان كان ) المراد من الضرر المظنون المفسدة المظنونة بناء على ما هو التحقيق من تبعية الاحكام لملاكات في متعلقاتها لا في نفسها كما توهم فعليه وان كان الظن بالتكليف يستتبع الظن بالمفسدة ( ولكنه ) نمنع كون مجرد فوات المصلحة أو الوقوع في المفسدة ضررا كي يستلزم الظن بالتكليف الظن بالضرر ( وعلى فرض ) التسليم يتم إذا لم يتدارك المفسدة والضرر بأمر آخر والا فمع تداركها لا حكم للعقل بالوجوب كما هو الشأن في الظنون التي نهى عن العمل بها وحينئذ فلا يمنع مجرد الظن بالمفسدة والضرر عن جريان الأصول المرخصة العقلية والشرعية وبجريانها يستكشف التدارك فيرتفع به موضوع حكم العقل لا العكس كما توهم بزعم انه مع الظن بالمفسدة والضرر ( يجري ) حكم العقل بقبح الاقدام على ما لا يؤمن معه من الضرر فيستتبع الحكم الشرعي بالحرمة ومعه لا مجال لجريان البراءة العقلية والشرعية من جهة حكومته عليهما ( واما توهم ) المنع عن تدارك الضرر بما أفيد من أن تدارك الضرر انما يجب على الشارع إذا كان هو الذي أوقع المكلف في خلاف الواقع وهذا لا يكون الا في فرض انفتاح باب العلم وتمكن المكلف من الوصول إلى الواقع ( واما في ) فرض الانسداد فلا يتم ذلك في التعبد بالأصول العملية لان الوقوع في الضرر والمفسدة حينئذ لا يكون مستندا إلى الشارع لأنه لولا التعبد بالأصول كان المكلف يقع في المفسدة ( فمدفوع ) بأنه بعد فرض كون المفسدة أيضا ضررا لابد للشارع من حفظ المكلف عن الوقوع في الضرر ولو بايجاب الاحتياط عليه المعبر عنه بمتمم الجعل ( وتوهم ) إناطة وجوب ذلك بأهمية المصلحة الواقعية ( مدفوع ) بأنه كذلك في فرض عدم الملازمة بين المفسدة والضرر والا فأي شيء أهم من ذلك فلابد له من جعل ايجاب الاحتياط عليه ( هذا ومع الغض ) عن ذلك كله ليس حكم العقل بوجوب دفع الضرر الدنيوي الا ارشاديا نظير أوامر الطبيب ونواهيه وعلى فرض مولوية هذا الحكم العقلي اما لكونه طريقيا لمكان طريقية الظن في نظره أو لكونه نفسيا بان كان مجرد الظن بالتكليف الموجب للظن بالمفسدة والضرر تمام الموضوع لحكمه بقبح الاقدام لا تأثير لهذا الحكم العقلي الا من جهة استتباعه للحكم

ص: 144

الشرعي المتوقف على تمامية قاعدة الملازمة وهي ممنوعة لعدم إحاطة العقل بجميع الجهات الدخيلة في الأحكام الشرعية لاحتمال ان يكون في البين ما يمنع عن فعلية التكليف بحيث لم يدركه العقل فلا يكاد ينتج هذا المقدار لاثبات المطلوب كما هو ظاهر ( ومنها ) ان الامر في مورد الظن بالتكليف يدور بين الاخذ به وبين الاخذ بالوهم الذي هو الطرف المرجوح ( فيتعين الأول ) فرارا عن لزوم ترجيح المرجوح على الراجح ، وفيه انه ان أريد ذلك في حال الانسداد وتمامية مقدماته فيرجع إلى دليل الانسداد الآتي ذكره لأنه في الحقيقة مقدمة من مقدمات ذاك الدليل فلا يصلح جعله دليلا برأسه في قباله ( وان أريد ) ذلك في حال انفتاح باب العلم أو العلمي بمعظم الفقه ( فقيه ) انه لا دوران حينئذ في البين بل بعد الظفر بما يفي بمعظم الفقه يكون المرجع في الزائد هو البراءة فيجوز الاخذ بالفعل الذي هو الطرف الراجح مثلا أو الاخذ بالترك الذي هو الطرف المرجوح كما هو الشأن في الشبهات الموضوعية الجارية فيها البراءة ولو مع الظن بوجود التكليف ( ومنها ما عن السيد العلامة المجاهد قدس سره ) من أنه لا ريب في وجود واجبات ومحرمات كثيرة في الوقايع المشتبهة ومقتضى ذلك وان كان وجوب مراعاة الاحتياط باتيان كل ما يحتمل الوجوب وترك كل ما يحتمل الحرمة ولو موهوما ( وحيث ) ان ذلك يؤدى إلى العسر والحرج المنفيين في الشريعة يكون مقتضى الجمع بين قاعدة الاحتياط ، وقاعدة العسر والحرج هو العمل بالاحتياط في المظنونات دون المشكوكات والموهومات ( وفيه ) أيضا ان ذلك راجع إلى دليل الانسداد الآتي لكونه عبارة عن بعض مقدمات ذاك الدليل فلا وجه لجعله دليلا برأسه في قباله.

في دليل الانسداد

( وهو ) مركب من مقدمات ( الأولى ) انسداد باب العلم والعلمي بمعظم الأحكام الشرعية ( الثانية ) عدم جواز اهمال التكاليف في الوقايع المشتبهة والرجوع في كل منها إلى البراءة ( الثالثة ) بطلان الرجوع إلى الوظائف المقررة للجاهل بالأحكام من الاحتياط

ص: 145

التام في جميع الوقايع ، أو الرجوع إلى فتوى الغير ، أو الرجوع في كل مسألة إلى الأصل الجاري فيها من البراءة والاستصحاب والتخيير ونحوها ( الرابعة ) قبح ترجيح المرجوح على الراجح بالأخذ بالموهومات والمشكوكات فيتعين العمل بالظن ( وقد ) يضاف إليها مقدمة أخرى خامسة وهو العلم الاجمالي بثبوت تكاليف كثيرة في الشريعة في الوقايع المشتبهة « أقول » لا يخفى ان الاحتياج إلى هذه المقدمة انما يكون على بعض المسالك في الانسداد ، لأنها على ما يأتي مختلفة من حيث المقدمات ، ومن حيث النتيجة « فان » النتيجة على بعض المسالك هو التبعيض في الاحتياط والرجوع إلى الظن في مقام اسقاط التكليف ( وعلى ) البعض الاخر حجية الظن ومرجعيته في مقام اثبات التكليف بنحو الحكومة تارة ، والكشف أخرى ( ومنشأ ) هذا الاختلاف هو الاختلاف في مدرك عدم جواز اهمال التكاليف وانه هو العلم الاجمالي بالتكاليف في الوقايع المشتبهة ، أو هو الاجماع ومحذور الخروج عن الدين « فعلى الأول » يحتاج إلى مقدمية العلم الاجمالي وتكون النتيجة هو التبعيض في الاحتياط محضا « وعلى الثاني » لا يحتاج إليها وتكون النتيجة حجية الظن ومرجعيته في مقام اثبات التكليف بنحو الحكومة أو الكشف على التفصيل الآتي « بيان ذلك » انه بعد تنجيزية حكم العقل بالبرائة وقبح العقاب في ظرف الشك في التكليف لا شبهة في أن وجوب التعرض لامتثال التكاليف المجهولة وعدم جواز اهمالها لا يكون الا إذا كان هناك منجز في البين يكون رافعا لموضوع حكم العقل بالقبح « والا » ففي فرض اللابيان على التكليف ، لا مجال لدعوى وجوب التعرض للتكاليف المجهولة لاستقلال العقل حينئذ بالبرائة وقبح العقاب « وحيث عرفت ذلك » نقول ان البيان الرافع لموضوع حكم العقل بالقبح ، اما ان يكون هو العلم الاجمالي بالتكليف بحيث كان الاجماع ومحذور الخروج عن الدين من توابع العلم الاجمالي المزبور ، بحيث لو فرض انتفائه رأسا أو عدم منجيزيته اما مطلقا أو في خصوص المقام « لكان » المرجع في الوقايع المشتبهة هو البراءة « واما ان يكون » هو الاجماع أو محذور المخالفة الكثير المعبر عنها بالخروج عن الدين ولو في فرض انتفاء العلم الاجمالي أو عدم منجيزيته وكونه كالشك البدوي كما عليه المحقق الخونساري فيما نسب إليه « فعلى الأول » لا شبهة

ص: 146

في لزوم المصير إلى التبعيض في الاحتياط محضا ومرجعية الظن في مقام اسقاط التكليف لا اثباته إذ المثبت له على هذا التقرير انما هو العلم الاجمالي بالتكليف ولا معنى بعده لاثباته بمنجز آخر ولازم ذلك وان كان بحكم العقل هو الاحتياط التام في المظنونات والمشكوكات والموهومات الا انه بضميمة بقية المقدمات يتعين الاحتياط في مقام تحصيل الفراغ في خصوص دائرة المظنونات ومرجعه إلى التبعيض في الاحتياط ومرجعية الظن في مقام اسقاط التكليف الثابت بالعلم الاجمالي لا في مقام اثباته كي ينتهى الامر إلى حجية الظن ومثبتيته للتكليف بنحو الحكومة عقلا أو الكشف شرعا ومن المعلوم ان في هذه المرحلة لا مجال لتصرف الشارع وجعله مولويا الا على نحو جعل البدل ( كيف ) وان لازم حجية الظن ومنجيزيته هو سقوط العلم الاجمالي المزبور عن المقدمية والمنجزية للتكليف لانحلاله حينئذ بما في موارد قيام الظن بالتكليف فيكون الشك بدويا في غيرها وهذا كما ترى ينافي ما هو الفرض من مقدمية العلم الاجمالي ومنجزيته « فلا محيص » على هذا المسلك من كون النتيجة هي التبعيض في الاحتياط ( وعلى الثاني ) وهو كون الاجماع ومحذور الخروج عن الدين مانعا مستقلا عن الرجوع إلى البراءة في الوقايع المشتبهة كما لا يبعد ذلك لامكان تحصيل الاجماع على عدم جواز اهمال التكاليف عند انسداد باب العلم والعلمي حتى من القائلين بعدم منجزية العلم الاجمالي ( فان ) المسألة وان لم تكن معنونة في كلام الأصحاب ولم يقع البحث عنها في قديم الزمان لانفتاح باب العلم والعلمي لديهم ( ولكن ) يكفي الاجماع التقديري ( حيث ) يعلم منهم اتفاقهم على وجوب التعرض للتكاليف في فرض انسداد باب العلم والعلمي بمعظم الفقه وانتفاء العلم الاجمالي بالتكليف أيضا أو عدم منجزيته ( بحيث ) كان المقتصر على التدين بالتكاليف المعلومة التارك للأحكام المجهولة في الوقايع المشتبهة يعد عندهم كالخارج من الدين والمتدين بغير دين سيد المرسلين صلی اللّه علیه و آله « وكيف كان » على هذا المسلك يتعين المصير إلى حجية الظن ( ومرجعيته في مقام ) اثبات التكليف اما بنحو الحكومة عقلا أو بنحو الكشف شرعا ولا تنتهي النوبة إلى التبعيض في الاحتياط ومرجعية الظن في مقام اسقاط التكليف ( إذ بالاجماع ) المزبور يستكشف وجود منجز واصل بنحو الاجمال يكون هو الرافع لقبح العقاب بلا بيان وبعد تعينه

ص: 147

بالظن بضميمة بقية المقدمات لا تنتهي النوبة إلى بيانية العلم الاجمالي ومنجزيته لانحلاله بذلك المنجز المستكشف من الاجماع المزبور وبهذا البيان ظهر عدم صحة الجمع بين مقدمية العلم الاجمالي وبين الاجماع ومحذور الخروج من الدين على مسلك واحد بجعل الاجماع ومحذور الخروج من الدين في قبال العلم الاجمالي محذورا مستقلا لعدم الاهمال والرجوع إلى البراءة ، فاللازم على الشيخ ونحوه ممن سلك مسلك التبعيض في الاحتياط هو الاقتصار على مقدمية العلم الاجمالي ( كما أن ) اللازم على من سلك غير مسلك التبعيض من المسالك الاخر الآتية هو الغاء العلم الاجمالي بالمرة عن المقدمية والاقتصار على الاجماع ومحذور الخروج عن الدين كما أنه ظهر ابتناء مسلكي الحكومة والكشف على ابطال مسلك التبعيض بالغاء العلم الاجمالي عن المنجزية واسقاطه عن البيانية ولو بدعوى قيام الاجماع على بطلان الاحتياط ولو تبعيضا المستكشف منه وجود مرجع آخر في البين ومثبت للتكاليف بمقدار الكفاية غير العلم الاجمالي الموجب قهرا لانحلاله ( كما ) يستفاد ذلك أيضا من الاجماع ومحذور الخروج عن الدين الذين هما المستند للمقدمة الثانية ( والا ) فبدونه لا تصل التوبة إلى مقام حجية الظن ومثبتيته للتكليف بنحو الحكومة أو الكشف ( كما أنه ) في فرض انتهاء الامر إلى ما عدى مسلك التبعيض من المسالك الاخر لا تنتهي النوبة إلى مسلك الكشف باقسامه حتى مثل ايجاب الاحتياط الشرعي الا بعد ابطال مسلك الحكومة ( اما ) بمنع حكم العقل بلزوم اتخاذ مرجع اخر في البين بمقدار يخرج عن محذور الخروج عن الدين وتعيينه في الظن ( واما ) بمنع ايكال الشارع إلى هذا الحكم العقلي في الحكم بلزوم التعرض لامتثال الاحكام ( والا ) فمع فرض استقلال العقل بذلك عند الانسداد وايكال الشارع إلى هذا الحكم العقلي ولو احتمالا لا مجال للكشف عن جعل شرعي في البين ولو بايجاب الاحتياط ( بداهة ) ان الكشف المزبور انما هو في فرض اللابدية العقلية وبعد حكم العقلي بمرجعية الظن في مقام تعرض التكليف ( واحتمال ) ايكال الشارع إلى هذا الحكم العقلي لا طريق إلى الكشف المزبور كما لا يخفى ( بل ) ولئن تدبرت ترى الترتب بين أنحاء الكشف أيضا لابتناء كشف حجية الظن وطريقيته شرعا على ابطال مجعولية مثل ايجاب الاحتياط الشرعي ولو بدعوى قيام الاجماع

ص: 148

على عدم بناء الشريعة في امتثال الاحكام بصرف احتماله ولزوم كون امتثال الاحكام بعناوينها الخاصة وجوبيا أو تحريميا ( إذ ) حينئذ لابد من كشف طريق شرعي في البين ويتعين بمقتضى المقدمة الأخيرة في الظن ( والا ) فمع المنع عن مثل هذا الاجماع لا ينتهى الامر إلى كشف ان المجعول هي الوسطية والطريقية للظن لوضوح ان ايجاب الاحتياط أخف مؤنة من جعل الكاشفية والوسطية للظن لاحتياج هذه إلى عناية زائدة ( مضافا ) إلى أن الاحتياط هو الطريق الموصل بالذات إلى الواقع ، وان لم يكن واصلا بنفسه لعدم الملازمة بينهما كما توهم ( لان ) المراد من الواصل بنفسه ما هو معلوم بنفسه طريقيته للمكلف بلا احتياج إلى طريق آخر توصله إلى العباد ومن الواصل بطريقه الطريق الذي ظن حجيته بظن علم حجية هذا الظن لدى المكلف بانسداد آخر قبال ما لا يكون واصلا إلى المكلف أصلا ولو بطريقه وكل ما علم جعله بنفسه فهو الطريق الواصل بنفسه وفي هذه الجهة لا يفرق بين كون المجعول ايجاب الاحتياط الذي هو محرز بنفسه للواقع أو حجية الظن ( وعلى ذلك ) فالمسالك في المقام أربعة بل خمسة مترتبة ومختلفه بحسب النتيجة لكونها في بعضها هي حجية الظن ومرجعيته في مقام اسقاط التكليف ، وفي بعضها مرجعيته في مقام اثبات التكليف بنحو الحكومة العقلية وفي بعضها مرجعية الظن في مجرد وجوب العمل على طبقه من باب الاحتياط ، وفي بعضها مرجعية الظن من جهة الحجية والمنجزية ، وفي بعضها مرجعيته في مقام المثبتية للتكليف شرعا ( وإذا عرفت ) ذلك فلنشرع في تفاصيل المقدمات واثباتها بما يمكن الاستدلال به لها وبيان ما هو المختار من المسالك المزبورة ( فنقول ) وعليه التكلان ( اما المقدمة ) الأولى فهي بالنسبة إلى انسداد باب العلم الوجداني مما لا اشكال فيه بداهة ان ما يوجب العلم التفصيلي بالحكم من النصوص المتواترة والاجماعات القطعية في غاية القلة بحيث لا يفي بأقل قليل من الأحكام الشرعية ( واما ) بالنسبة إلى انسداد باب العلمي فللمنع عنه مجال لما تقدم من تمامية الأدلة على حجية الخبر الموثوق به مع وفائه لكثرته بحمد اللّه بمعظم الفقه بحيث لا يلزم من الرجوع إلى الأصول العملية في الموارد الخالية عن الاخبار الموثوق بها محذور وحينئذ فلا مجال لدعوى انسداد باب العلم والعلمي في معظم الأحكام الشرعية

ص: 149

كي ينتهى الامر بضم بقية المقدمات إلى حجية الظن ومرجعيته بنحو الحكومة أو الكشف ( ومن ) هنا كان هذا البحث قليل الجدوى إذ لا يكاد يترتب عليه ثمرة مهمه عملية كما هو ظاهر ( واما المقدمة الثانية ) وهي عدم جواز اهمال التكاليف في الوقايع المشتبهة والاعتماد فيها على البراءة الأصلية فمما لا اشكال فيها ولا ريب يعتريها بل كادت ان تكون ضرورية ( وانما ) الكلام في مدرك هذه المقدمة بأنه هو العلم الاجمالي بتكاليف كثيرة في الشريعة ( أو هو ) الاجماع ومحذور الخروج عن الدين بحيث يكونان محذورا مستقلا لابطال الرجوع إلى البراءة في الوقايع المشتبهة ولو مع فرض انتفاء العلم الاجمالي رأسا أو عدم منجزيته ( حيث ) استدل عليها بكل واحد من هذه الوجوه الثلاثة ( وقد ) عرفت اختلاف النتيجة تبعيضا وحكومة وكشفا بحسب هذه الوجوه ( والذي يقتضيه التحقيق ) هو الثاني وهو كون المدرك الاجماع ومحذور الخروج عن الدين بداهة قيام الاجماع والضرورة على عدم جواز اهمال الوقايع المشتبهة بالرجوع فيها إلى البراءة عند الانسداد ولزوم التعرض لامتثال الاحكام فيها ( ولأنه ) بدونه يلزم المخالفة الكثيرة المعبر عنها بالخروج عن الدين ( إذ ) بمقتضى هذا المحذور والاجماع المزبور ولو تقديريا يستكشف لا محالة وجود مرجع آخر في البين مثبت للتكاليف الواقعية بالمقدار الوافي غير العلم الاجمالي ، وبذلك يسقط العلم الاجمالي عن البيانية لانحلاله بذلك المنجز المستكشف من الاجماع ومحذور الخروج عن الدين بل يمكن دعوى كون العمدة في المستند لهذه المقدمة هو محذور الخروج عن الدين لقوة احتمال كون نظر المجمعين في بطلان الاهمال إلى محذور الخروج عن الدين ( إذ ) مع هذا الاحتمال لا مجال لكشف هذا الانفاق عن رأى المعصوم ( وبما ) ذكرنا انقدح فساد مسلك التبعيض في الاحتياط وانه لا وجه لتقرير دليل الانسداد على هذا الوجه لابتنائه كما عرفت على مقدمية العلم الاجمالي وعدم انحلاله بكشف وجود منجز آخر مثبت للتكاليف بمقدار الكفاية ( والا ) فلا تصل النوبة إلى هذا المسلك كما هو ظاهر بلا حاجة إلى ما في الكفاية من دعوى انحلال العلم الاجمالي بالأحكام الثابتة في الشريعة بما في موارد الأصول المثبتة بضميمة ما علم تفصيلا من الاحكام بمقتضى الاجماعات القطعية والنصوص المتواترة أو المحفوفة بالقرائن القطعية سنداً

ص: 150

ودلالة كي يحاب عنه وترمى بالغرابة بان هذه لقلتها بمثابة لا تفي بأقل قليل من الاحكام المعلومة بالاجمال ( ومما يوهن ) المسلك المزبور أيضا ما سيأتي من قيام الاجماع على الترخيص المطلق في طرف الموهومات بل المشكوكات بمقتضى الاضطرار أو الحرج المقارن للعلم ( إذ ) لازم ذلك هو سقوط العلم الاجمالي عن المنجزية بالنسبة إلى بقية الأطراف الاخر أيضا ( واما المقدمة الثالثة ) وهي بطلان الرجوع إلى أحد الطرق المقررة للجاهل من التقليد أو الرجوع في كل شبهة إلى الأصل الجاري فيها أو الاخذ بالاحتياط في جميع الوقايع المشتبهة ( اما التقليد ) فبطلانه مما لا ريب فيه فان الجاهل الذي وظيفته الرجوع إلى العالم انما هو الجاهل العاجز عن الفحص الذي لا يرى بطلان مدرك فتوى العالم ( واما ) الجاهل الباذل لجهده المعتقد لبطلان مدرك العالم المخطئ له في اعتقاده كما هو المفروض في المقام فلا دليل على حجية فتواه بالنسبة إليه بل ذلك من باب رجوع العالم إلى الجاهل ، لان من يرى انسداد باب العلم والعلمي لاعتقاده بعدم تمامية الأدلة على حجية خبر الواحد يخطئ القائل بحجيته فلا يجوز له الرجوع إلى مثله والاخذ بقوله تعبدا ( هذا ) كله مضافا إلى ما افاده الشيخ قده من دعوى الاجماع القطعي على عدم جوازه ( واما ) الرجوع إلى الأصول العملية في الوقايع المشتبهة فبالنسبة إلى الأصول النافية للتكليف فبطلانه مما لا اشكال فيه للعلم الاجمالي ولاستلزامه المخالفة القطعية الكثيرة المعبر عنها بالخروج عن الدين ( واما ) بالنسبة إلى الأصول المثبتة للتكليف من الاستصحاب والاحتياط في الموارد التي كانت الشبهة من أطراف العلم الاجمالي الشخصي ( فقد ) أفيد في ابطالها بوجهين ( أحدهما ) استلزمهما للعسر والحرج المنفيين كما عن الشيخ قده ( وثانيهما ) من جهة مانعية العلم الاجمالي بانتقاض الحالة السابقة في بعض موارد الاستصحابات كما افاده بعض الأعاظم قده بدعوى قصور المجعول في الأصول التنزيلية كلية عن الشمول لأطراف العلم الاجمالي ولو مع عدم استلزامه للمخالفة العملية ( بتقريب ) ان المجعول في الأصول التنزيلية لما كان هو البناء العملي والاخذ بأحد طرفي الشك على أنه هو الواقع والغاء الطرف الآخر بجعله كالعدم في عالم التشريع فذلك انما يتم في الشبهات البدوية وفي بعض أطراف العلم الاجمالي ( واما ) بالنسبة إلى جميع أطراف العلم فلا يمكن

ص: 151

ذلك ، لأنه مع العلم الاجمالي يعلم بانتقاض الحالة السابقة في بعض الأطراف وانقلاب الاحراز السابق الذي في جميع الأطراف إلى احراز آخر يضاده ، ومع ذلك لا يمكن الحكم ببقاء الاحراز السابق في جميع الأطراف ولو تعبدا ( إذ ) لا يكاد يجتمع الاحراز التعبدي في جميع الأطراف مع الاحراز الوجداني بالخلاف في بعضها ( ولكن ) لا يخفى ما في كلا الوجهين ( اما الأول ) فلمنع استلزامهما للحرج والعسر وما يلزمه انما هو الاحتياط التام في جميع الوقايع المشتبهة كما يأتي الكلام فيه ( واما ) بالنسبة إلى الاحتياط الذي تقتضيه الموارد الشخصية من جهة كونها من أطراف العلم الاجمالي الشخصي والاستصحابات المثبتة للتكليف فدعوى لزوم الحرج والعسر منهما ممنوعة جدا نظرا إلى قلة مواردهما ( واما الوجه ) الثاني ففيه انه بعد تغاير متعلق اليقين والشك في العلم الاجمالي وعدم تعلق اليقين فيه الا بالعنوان الاجمالي بلا سرايته منه إلى العناوين التفصيلية كهذا الاناء وذاك الاناء على ما يأتي انشاء اللّه لبقائهما على مشكوكيتهما لا وجه لدعوى المضادة المزبورة بين جعل الاستصحابين في الطرفين مع العلم الاجمالي المزبور ( فان ) موضوع الا بقاء التعبدي فيهما لا يكون الا العناوين التفصيلية كهذا الاناء وذاك الاناء وبالعلم الاجمالي المزبور المتعلق بالعنوان الاجمالي لم ينقلب اليقين السابق في شيء منهما بعنوانهما التفصيلي إلى اليقين بالخلاف بل كان كل واحد منهما وجدانا مما يشك فيه بعد كونه مسبوقا باليقين من غير أن يتخلل بين الشك واليقين في واحد منهما يقين آخر يضاد اليقين السابق ( نعم ) الذي انقلب باليقين الاجمالي انما هو اليقين بأحد العنوانين أو أحد اليقينين بهذا العنوان الاجمالي ( ولكن ) موضوع التعبد بالابقاء لا يكون هو اليقين بأحد العنوانين ولا أحد اليقينين حتى ينافي العلم الاجمالي ( وانما ) هو اليقين بكل واحد من العناوين التفصيلية من اناء زيد واناء عمر ومثلا ونحو ذلك ( نعم ) لو كان اليقين الاجمالي ساريا إلى العناوين التفصيلية واقعا كان لما أفيد وجه ( ولكنه ) من المستحيل كيف ولازمه عدم امكان اجتماع اليقين والشك في وجود خارجي بتوسيط العناوين الاجمالية والتفصيلية مع بداهة خلافه كما في كلية موارد العلم الاجمالي المقرونة بالشكوك التفصيلية وهذا كاشف عن وقوف العلم على نفس متعلقه وهو العنوان

ص: 152

الاجمالي وعدم سرايته منه إلى المعنون الخارجي ولا إلى العناوين التفصيلية فإذا لم يكن الاحراز الوجداني منافيا مع الشك فيه بعنوانه التفصيلي مع كون العنوانين متحدين وجودا ومنشأ فكيف يكون منافيا مع ما هو من احكام هذا الشك المعبر عنه بالاحراز التعبدي « وبما ذكرنا » ظهر اندفاع توهم المنع عن جريان الأصول المحرزة في أطراف العلم الاجمالي لاستلزامه المناقضة بين الصدر والذيل في قوله (عليه السلام) ولا ينقض اليقين ابدا بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر « فإنه » بعد ظهوره في تعلق اليقين الناقض بعين ما تعلق به اليقين والشك من العنوان ، وتغاير متعلق اليقين الاجمالي بالانتقاض في المقام مع متعلق الشك « لا ينتهى » الامر باجراء الاستصحابين في طرفي العلم الاجمالي إلى المناقضة المزبورة بين الصدر والذيل كما هو ظاهر « فعلم » من ذلك أنه لا مانع من جريان الأصول المثبتة من الاستصحاب والاحتياط في أطراف العلم الاجمالي « نعم » الذي يسهل الخطب هو انه لا يجدى هذا المقدار في المنع عن جريان مقدمات الانسداد نظرا إلى قلتها وعدم كونها ولو بضميمة المعلومات التفصيلية إليها بمقدار ينحل به العلم الاجمالي ويرتفع به محذور الخروج عن الدين « واما بطلان » الاحتياط التام في جميع الوقايع المشتبهة « فيدل » عليه الاجماع القطعي ، وقاعدة نفي الحرج والعسر ، بل ولزوم اختلال النظام النوعي والشخصي لوضوح كثرة الوقايع المشتبهة وانتشارها في جميع ما يتوقف عليه النظام مما يرجع إلى المعاش والمحاورة والعقود والايقاعات ونحوها مما يوجب العمل بالاحتياط فيها اختلال النظام « بل » لا أقل من استلزامه للعسر والحرج الشديد المنفيين بالاجماع وبأدلة نفي العسر والحرج ، من غير فرق في ذلك بين ان يكون الحاكم بالاحتياط هو العقل من جهة العلم الاجمالي أو كان الحاكم به هو الشرع من جهة الاجماع ومحذور الخروج عن الدين ( فإنه ) على كل تقدير ينفي وجوبه بالاجماع المزبور ، وأدلة نفي العسر والحرج « واما الاشكال » في شمول دليل نفى الحرج على الثاني ، بدعوى ان أدلة نفي الحرج كأدلة نفي الضرر لما كانت حاكمة على الأدلة المتكفلة للأحكام المترتبة على الموضوعات الواقعية الشاملة باطلاقها لحالتي الحرج وغيره فلابد ان يكون لمتعلق الحكم حالتان حالة يلزم منها الضرر والعسر وحالة لا يلزم منها ذلك لتكون أدلة نفيهما موجبة لنفي

ص: 153

الحكم عن المتعلق في موضوع يلزم منه الضرر والعسر « واما » لو اختص الحكم بما يلزم منه الضرر والعسر دائما كوجوب الخمس والزكاة والجهاد فلا يكون لها نظر إلى نفي تلك الأحكام « والاحتياط » في المقام من هذا القبيل حيث كان من التكاليف التي يلزمها العسر والحرج دائما فلا يكون مشمولا لدليل نفي الحرج « فمدفوع » بان ذلك انما يتم إذا كان دليل نفي الحرج ناظرا بدوا إلى ايجاب الاحتياط واما « لو كان ناظرا » إلى الحكم الواقعي فلا شبهة في أنه يتصور له حالتان حالة لا يلزم من امتثاله الحرج والعسر وحالة يلزم منه ذلك كما في فرض الاشتباه ومنه المقام فينفي دليل الحرج حينئذ فعلية التكليف الواقعي بالنسبة إلى حال الاشتباه ويرفع فعليته في هذا الحال ينفي وجوب الاحتياط ، لأنه من لوازم فعلية التكيف الواقعي في هذا الحال « وبهذا البيان » يجاب عن شبهة عدم شمول أدلة نفي الضرر والحرج لنفي الاحتياط العقلي بدعوى ان أدلة نفي الضرر والحرج انما كانت ناظرة إلى التكاليف الشرعية التي يلزمها الضرر والعسر وفى المقام لا يلزم الضرر والعسر من قبل نفس التكاليف الواقعية لعدم تعلقها بما فيه الضرر والعسر « وانما » كانا من جهة امر خارج وهو حكم العقل بالجمع بين المحتملات وأدلة نفي الضرر والعسر لا تكون ناظرة إلى مثله كي يكون منفيا بعموم تلك الأدلة « إذ يقال » ان الضرر والعسر وان كانا من جهة امر خارج وهو حكم العقل ولكن المنشأ لذلك لما كان فعلية التكاليف المجهولة في هذا الحال فلا جرم بنفيها يرتفع ايجاب الاحتياط العقلي أيضا لأنه من لوازم فعلية التكاليف الواقعية في هذا الحال وحينئذ لا فرق في شمول دليل نفي الضرر والحرج في المقام بين كون ايجاب الاحتياط عقليا من جهة العلم الاجمالي أم شرعيا « واما » توهم اقتضاء البيان المزبور لعدم لزوم رعاية الاحتياط فيما عدى ما يدفع به الضرر والحرج لارتفاعه أيضا بارتفاع فعلية التكليف بمقتضى دليل نفي الحرج وهو كما ترى ( فمدفوع ) بأنه يتم ذلك لو أريد رفع فعلية التكاليف الواقعية على الاطلاق والا فلو أريد رفعها بمقدار يرتفع معه العسر في هذا الحال فلا يلزم منه ذلك بل لابد حينئذ من رعاية الاحتياط في الزائد عما يرتفع معه محذور الحرج والعسر فان الضرورات تتقدر بقدرها ( فإذا ) كان رعاية الاحتياط في الجميع يوجب الحرج فلا يرتفع بأدلة

ص: 154

نفي الحرج الا الاحتياط الكلي ( نعم ) لهذا الاشكال مجال إذا كان حكم العقل بالاحتياط من جهة العلم الاجمالي كما هو مسلك التبعيض فإنه بعد ثبوت الترخيص المطلق في طرف الموهومات بمقتضى الاضطرار أو الحرج يقع الاشكال في أنه كيف المجال حينئذ لمنجزية هذا العلم الاجمالي بالنسبة إلى بقية الأطراف ( فإنه ) بعد تقارن الاضطرار مع العلم الاجمالي واحتمال كون الطرف المضطر إليه هو الحرام الواقعي ( يرتفع ) العلم الاجمالي بالتكليف الفعلي ومع ارتفاعه لا يبقى مقتض لوجوب رعاية الاحتياط في الطرف الآخر من جهة صيرورة الشبهة بالنسبة إليه بدوية كما أشرنا إليه أيضا في طي موهنات مسلك التبعيض ( نعم ) انما يجب ذلك إذا كان الاضطرار متأخرا عن العلم الاجمالي أو كان متعلقا بغير المعين مطلقا لان الاضطرار الطارئ كتلف بعض الأطراف لا يمنع عن تأثير العلم الاجمالي السابق كما حققناه في محله ( وكذلك ) الاضطرار إلى غير المعين لا يمنع الا عن الجمع بين المحتملين الملازم لرفع اليد عن اطلاق التكليف في كل طرف بنحو يلزم رعايته مطلقا حتى في حال الاتيان بالطرف الاخر المقتضى لحكم العقل بلزوم الجمع بين المحتملين لا انه يرتع أصل التكليف ( فكان ) العلم الاجمالي بأصل التكليف حينئذ باقيا على حاله ، غير أنه بمقتضى سراية الاضطرار إلى الواقع ، يرفع اليد عن اطلاق التكليف بالنسبة إلى كل طرف ويلتزم بتكليف توسطي بين نفي التكليف رأسا ، وبين ثبوته على الاطلاق ولازمه التخيير في ارتكاب أحد الطرفين كما حققناه في مبحث الاشتغال ( ولكن ) مفروض المقام انما هو من باب الاضطرار المتعلق بالمعين مع كونه مقارنا للعلم ، حيث إن الثاني واضح ( واما ) الأول فلان الاضطرار وان كان بدوا إلى غير المعين ولكنه بعد انتهائه بمقتضى المقدمة الرابعة إلى الترخيص المطلق نحو الابعد وهو الموهومات كان لا محالة بحكم المعين فيتوجه المحذور المزبور ( نعم ) لو فرضنا اقتضاء قاعدة الحرج بضميمة المقدمة الرابعة لتوجيه الترخيص نحو الموهومات في ظرف اتباع المظنونات بنحو يستتبع لنحو ترتب في حكم العقل بمتابعة العلم الاجمالي الراجع إلى حكمه بلزوم اتباع المظنونات على الاطلاق واتباع الموهومات على تقدير المخالفة في المظنونات ( كان ) ذلك بحكم الاضطرار إلى غير المعين ( ولكن ) الظاهر هو عدم التزامهم بذلك ، فان بنائهم

ص: 155

على كون الموهومات بقول مطلق تحت الترخيص ( وعليه ) يتوجه ما ذكرناه من مانعية مثله عن منجزية العلم الاجمالي ( وفي هذه ) الجهة أيضا لا يفرق بين القول باقتضاء العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية وبين القول بعليته ، فإنه على كل تقدير يرتفع العلم الاجمالي بالتكليف بعد احتمال كون معلومه في مورد اضطراره ، وانما يفترقان فيما لو كان الترخيص في بعض الأطراف بمناط آخر غير الاضطرار أو الحرج من اجماع ونحوه ( حيث ) انه على القول بالاقتضاء وتعليقية حكم العقل يتعين العمل في البقية بعنوان الاحتياط ، بخلافه على القول بالعلية فإنه بعد مضادة الترخيص ولو في بعض الأطراف مع حكم العقل التنجيزي لابد من كشف جعل البدل من الترخيص المزبور كما يأتي بيانه في محله ( وحينئذ فما أفيد ) من لزوم التبعيض في الاحتياط مهما أمكن منظور فيه خصوصا فيما افاده من عدم الفرق بين الاضطرار إلى المعين وغير المعين فلاحظ كلامه ترى فيه مواقع للنظر ( واما توهم ) ان وجوب الاحتياط في البقية انما هو الاحراز المقتضى في البين ورجوع الشك في الحقيقة إلى الشك في طرو المانع عن تأثير المقتضى ، حيث إن العقل يحكم في مثله بالاحتياط نظير حكمه في الشك في القدرة ( فمدفوع ) بأنه بعد ارتفاع العلم الاجمالي لأجل الاضطرار أو الحرج كان الشك في البقية في أصل وجود المقتضى لا في المانع عن تأثيره وبينهما بون بعيد ، ومعه لا يبقى مجال لجريان الاحتياط كي يتم به مسلك التبعيض في الاحتياط ( ثم انه ) لو اغمض عما ذكرنا وقلنا ببقاء العلم الاجمالي على صفة التنجيز ( نقول ) انه لا ينتج هذا المسلك الا وجوب الاحتياط في خصوص المظنونات التي يظن بانطباق المعلوم بالاجمال عليها ، لا في مطلق مظنون التكليف كما يدعيه القائل بالتبعيض ( لان ) العلم الاجمالي في المقام وان كان بحسب الأطراف من قبيل العلم الاجمالي بين المتبائنات بنحو الكثير في الكثير ( ولكنه ) بعد كونه بحسب الاعداد من قبيل الأقل والأكثر لتردده مثلا بين الف وزيادة يلزمه لا محالة انحلاله بما في دائرة الأقل والشك البدوي في الأكثر ، فإذا كان الأقل منتشرا في أطراف بعضها ما يظن انطباق المعلوم بالاجمال عليه وبعضها مما يشك في انطباقه عليه وبعضها مما يوهم ذلك ( فلابد ) بمقتضى حكم العقل باقتضاء الاشتغال اليقيني بالتكليف للفراغ اليقيني عنه من الاحتياط

ص: 156

في خصوص هذه الأطراف وبعد اقتضاء الاضطرار أو الحرج لعدم لزوم رعاية الاحتياط في المشكوكات والموهومات ولو بمعونة الاجماع أو المقدمة الرابعة يتعين الاخذ بالاحتياط في خصوص المظنونات التي يظن بانطباق التكليف المعلوم بالاجمال عليها لا في مطلق الظن بالتكليف ولو لم يظن بانطباق المعلوم عليه ( كيف ) وان هم العقل انما هو الخروج عن عهدة ما تنجز عليه من التكاليف بمقتضى العلم الاجمالي ، لا الخروج عن عهدة مطلق التكاليف الواقعية ولو لم تكن منجزة عليه مع أن القائل بالتبعيض لا يفرق بين نحوي المظنون ( هذا كله ) بناء على عدم ارتفاع الحرج والعسر بترك الاحتياط في الموهومات ، والا فمقتضى القاعدة على هذا القول هو وجوب الاحتياط في المشكوكات أيضا ، الا إذا كان هناك اجماع على الحاق المشكوكات بالموهومات كما احتمله الشيخ قده ، ولكن لا يلزمه حينئذ الكشف عن حجية الظن شرعا ومثبتيته ، كما توهم ( لان ) وصول النوبة إلى مثبتية الظن للتكليف انما هو بعد الفراغ عن ابطال مثبتية العلم الاجمالي ومنجزيته للتكاليف ، بل وابطال وجود مثبت آخر أيضا كما سنذكره ( والا ) ففي فرض عدم ابطال العلم الاجمالي ولو من جهة امكان التبعيض في الاحتياط ( لا يبقى ) مجال للكشف المزبور ، خصوصا على مبنى القول باقتضاء العلم الاجمالي وتعليقية حكم العقل بوجوب الموافقة القطعية على عدم ترخيص الشارع في بعض الأطراف ( إذ ) في مثله لا يكشف الترخيص في المشكوكات عن وجود مثبت كاف في البين كي ينتهى إلى حجية الظن ، ومجرد وجوب العمل على طبقه من باب التبعيض في الاحتياط ، غير حجيته ومثبتيته شرعا « نعم » بناء على علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية كما هو المختار ، يلازم الترخيص المزبور في المشكوكات مع جعل البدل أو الانحلال لمضادة الترخيص في بعض الأطراف مع تنجيزية حكم العقل بوجوب الموافقة القطعية « فلابد » حينئذ من كشف جعل البدل المزبور من ترخيصه ومرجعه إلى اكتفاء الشارع في مقام تحصيل الفراغ عن التكليف الثابت بالعلم الاجمالي بالعمل بالمظنونات ، ولكنه غير حجية الظن ومثبتيته للتكليف كما هو ظاهر الا إذا كان ذلك راجعا إلى الانحلال وفيه تأمل ظاهر « هذا » إذا كان الاجماع المزبور قطعيا « واما » إذا كان

ص: 157

ظنيا فلا يرفع اليد لأجله عن تأثير العلم ، فإنه بمقتضى الملازمة وان ظن بجعل البدل البدل أو الانحلال « ولكن » الظن بالانحلال لا يقتضى الانحلال « والى ذلك » أيضا نظر الشيخ قده في الجواب عما أورده في المقام على نفسه بقوله ، فان قلت إذا ظن بعدم وجوب الاحتياط في المشكوكات فقد ظن بان المرجع فيها الأصول الموجودة الجارية فيها الخ « قلت » مسألة اعتبار الظن بالطريق الخ « وحاصله » ان نتيجة مقدمات الانسداد وان كانت أعم من الظن بالواقع والطريق ، الا ان ذلك فرع سلامة المقدمات وتماميتها ، والكلام بعد في سلامة المقدمة الثالثة ، إذ لم يثبت بعد بطلان الاحتياط رأسا حتى في الوقايع المشكوكة لتصير النتيجة هي حجية الظن مطلقا ( ولكنه ) قد ضرب على ذلك في بعض النسخ المصححة ، ( وأبدل ) في الحاشية بما لفظه ، قلت مرجع الاجماع قطعيا أو ظنيا على الرجوع في المشكوكات إلى الأصول هو الاجماع على وجود الحجة الكافية في المسائل التي انسد فيها باب العلم حتى تكون المسائل الخالية عنها موارد الأصول ومرجع هذا إلى دعوى الاجماع على حجية الظن بعد الانسداد انتهى « أقول » هذا الكلام وان كان لبعض الأعاظم من تلاميذه وهو السيد الكبير الشيرازي قده على ما نقله الأستاذ قده ، الا ان الظاهر على ما حكى هو كونه برضاء الشيخ قده وامضائه ( ويا ليته ) لم يرتضه ولم يضرب على كلامه الأول لما عرفت من أن الاجماع القطعي لا يكشف عن وجود الحجة الكافية في المسألة خصوصا على مسلك اقتضاء العلم الاجمالي ، فضلا عن الاجماع الظني لان الظن بالانحلال لا يقتضى الانحلال ( وحينئذ ) فبعد فرض اندفاع العسر برفع اليد عن العلم الاجمالي في خصوص الموهومات لا مجال لرفع اليد عن المشكوكات ولو كانت موهومة من حيث الأثر حسب الظن بمرجعية الأصول فيها ، ومجرد كونها كذلك لا يقتضى الحاقها بموهوم الواقع الذي يرفع اليد عنه لأجل العسر « إذ » لا دليل في البين يقتضى باطلاقه رفع اليد عن كل موهوم حقيقة أم اثرا هذا « مع » ان غاية ما يقتضيه البيان المزبور انما هو نفي مثبتية العلم الاجمالي « واما » اثبات كون الظن طريقا ومثبتا للتكاليف شرعا ، فيتوقف على ابطال مثبت آخر في البين غيره ، واثبات هذه الجهة يتوقف على انعزال العقل عن الحكومة وعدم حكمه بمرجعية امر آخر في البين وتعيينه

ص: 158

بالظن بمقتضى المقدمة الرابعة « والا » فمع حكم العقل بذلك واحتمال ايكال الشارع في حكمه بلزوم تعرض التكاليف إلى هذا الحكم العقلي لا مجال لكشف جعل من قبل الشارع « ومن » هذا البيان ظهر الحال فيما لو كان بطلان الاحتياط ولو تبعيضا من جهة الاجماع على عدم كون مبنى الشريعة في امتثال التكاليف عند الانسداد على الاحتياط ( وانه لا مجال ) لتوهم اقتضاء الاجماع المزبور لتعين كون النتيجة هي حجية الظن ومثبتيته شرعا للتكاليف « إذ » غاية ما عليه الاجماع المزبور انما هو بطلان الاحتياط الناشئ من قبل منجزية العلم الاجمالي تماما أو تبعيضا ومرجعه إلى عدم منجزية العلم الاجمالي وعدم اقتضائه للاحتياط ولو تبعيضا ، ولازمه « وان كان » هو الكشف عن وجود مرجع اخر في البين ومثبت للتكاليف بمقدار الكفاية غير العلم الاجمالي الموجب لانحلاله ( كما ) هو المستفاد أيضا من بطلان الخروج عن الدين ( ولكن ) هذا المقدار لا يكشف عن حجية الظن ومثبتيته شرعا ( الا ) بعد ابطال حكم العقل بمرجعية شيء في البين وتعيينه في الظن بمقتضى المقدمة الرابعة كما يدعيه القائل بالحكومة ، أو اثبات عدم ايكال الشارع إلى هذا الحكم العقلي في لزوم التعرض للتكاليف ، بل وابطال منجز آخر شرعي بغير تتميم الكشف والا فلا مجال للكشف المزبور أصلا بلا فرق في هذه الجهة بين كون المستند لعدم جواز الاهمال هو العلم الاجمالي وبين كونه هو الاجماع ومحذور الخروج عن الدين ، فعلى كل تقدير لابد من ابطال مثبت آخر للتكاليف غيره وهو متوقف على عزل العقل عن الحكم ولا يكفيه مجرد قيام الاجماع على بطلان الاحتياط كلا أو بعضا « الا » إذا كان الاجماع قائما على عدم بناء الشريعة في امتثال الاحكام على الاكتفاء بصرف احتماله ولزوم الاتيان بكل تكليف بعنوانه الخاص وجوبا أو تحريما لا بعنوان الاحتمال ورجاء انطباقه على المأتي به ، فإنه بمقتضى هذا الاجماع لابد من الكشف عن جعل طريق شرعي في البين فيتعين ذلك حينئذ في الظن بمقتضى المقدمة الرابعة لان ما عداه يكون الامتثال فيه احتماليا « وهذا » الاجماع وان احتمله الشيخ قده في بعض كلماته وأصر به بعض الأعاظم قده الا ان الشأن كله في ثبوت هذا الاجماع وتحققه ولو ظنيا فضلا عن القطع به فان القدر المسلم من الاجماع انما هو قيامه على بطلان الاحتياط التام

ص: 159

لا مطلقا حتى يقتضى بطلان التبعيض وعلى فرض التسليم فالمسلم منه هو الاجماع على بطلان الاحتياط في الشريعة الموجب لرفض العلم الاجمالي عن المنجزية والبيانية رأسا واما قيامه على لزوم تعرض كل من المشتبهات بعنوانه الخاص وعدم جواز كونه بعنوان الاحتمال ورجاء انطباقه على المكلف به فغير معلوم بل ولا مظنون ( كيف ) وان القائلين بالحكومة على خلاف ذلك ( فان ) همهم اثبات كفاية اتيان مظنون التكليف بما هو مظنون لكونه منجزا بهذا الظن بحكم العقل ومعه لا يمكن دعوى اتفاق الأصحاب واجماعهم على الخلاف ( واما توهم ) ان مبنى الاجماع على بطلان الاحتياط ولو تبعيضا هو ما ذكر من عدم كفاية الامتثال الاحتمالي ولزوم كون امتثال التكاليف بعناوينها الخاصة ( فممنوع ) جدا بأنه لا شاهد على هذا الدعوى ولا بينة ، بل الظاهر كونه من جهة رفض العلم الاجمالي عن المنجزية بالتقريب الذي ذكرناه ، ولا أقل من كونه هو المتيقن منه ( ومعه ) لا سبيل إلى دعوى كشف حجية الظن شرعا فضلا عن كونها بنحو تتميم الكشف الا برفض مسلك الحكومة العقلية اما بمنع حكومته العقلي رأسا أو منع ايكال الشارع إلى هذا الحكم العقلي ( والأول ) مما لا سبيل إليه لرجوعه إلى دعوى تجويز العقل عند عدم تصرف شرعي في البين لتعطيل الاحكام والخروج عن الدين بعدم تعرض المكلف للوقايع المشكوكة وهو كما ترى خلاف الوجدان السليم والذوق المستقيم ( ولا ) مجال لما أفيد من مقايسة مثل المقام بالوقايع المشتبهة القليلة التي لا يلزم من عدم حكم العقل فيها بشيء محذور تعطيل الاحكام والخروج عن الدين ( وذلك ) لوضوح الفرق ، بين مثل المقام المحرز شدة الاهتمام به بمقتضى بطلان الخروج عن الدين ولو مع عدم تصرف من الشارع بجعل شيء في البين ، وبين ما هناك الذي لم يحرز فيه اهتمام الشارع وعليه فلا يكون عدم حكم العقل بشيء في تلك الوقايع المشتبهة القليلة شاهدا لمنع حكمه فيمثل المقام الذي يلزم منه محذور الخروج عن الدين كما هو ظاهر ( واما الثاني ) فيكفيه مجرد احتمال ايكال الشارع إلى هذا الحكم العقلي إذ معه لا يبقى مجال للكشف عن جعل شرعي في البين أصلا وإذا عرفت ما ذكرناه في شرح المقدمات ( فنقول ان الحق ) هو تقرير دليل الانسداد على نحو الحكومة العقلية بمعنى مثبتية الظن للتكليف عقلا الراجع إلى تنزله من العلم إلى

ص: 160

الظن في مقام الاثبات لا في مقام الإطاعة والاسقاط وذلك لفساد ما عداه من المسالك الاخر الراجعة إلى التبعيض في الاحتياط ومرجعية الظن في مقام الاسقاط أو الكشف بأنحائه « اما » مسلك التبعيض فلما تقدم من ابتنائه على منجزية العلم الاجمالي وعدم انحلاله بكشف وجود منجز آخر في البين بمقدار الكفاية ( وهي ) ممنوعة جدا بما تقدم من قيام الاجماع والضرورة على بطلان الخروج من الدين ولو في فرض عدم علم اجمالي رأسا أو فرض عدم منجزيته للتكليف ( إذ ) بمثله يكشف عن وجود مرجع آخر في البين بمقدار الكفاية غير العلم الاجمالي موجب لانحلاله ولذلك جعلنا هذا المحذور هو العمدة في المستند للمقدمة الثانية أعني عدم جواز الاهمال ( مضافا ) إلى ما أوردنا عليه سابقا من لزوم سقوطه عن المنجزية أيضا بمقتضى الترخيص المطلق في طرف الموهومات بل المشكوكات من جهة الاضطرار أو الحرج والعسر المقارن للعلم الاجمالي ( فبعد ) سقوط العلم الاجمالي ( يتعين ) تقرير الحكومة ( إذ ) بعد انسداد باب العلم والعلمي وعدم ثبوت جعل من الشارع ولو بمثل ايجاب الاحتياط يحكم العقل بلزوم اتخاذ طريق في امتثال الاحكام بمقدار يرتفع به محذور الخروج عن الدين ويتعين في الظن بمقتضى المقدمة الرابعة باعتبار كونه أقرب إلى الواقع من الشك والوهم فيحكم بلزوم الاخذ به والرجوع فيما عداه إلى البراءة وان لم يستلزم الظن بانحصار التكليف في دائرة ظنونه ( لان هم ) العقل هو حصر مثبت التكليف في دائرة ظنونه لكي يرجع فيما عداه إلى البراءة ، لا ان همه تحصيل الظن بالفراغ كي يحتاج إلى الظن بحصر التكليف في الظنون وانما يكون ذلك بناء على مسلك التبعيض الراجع إلى مرجعية الظن في مقام الإطاعة والاسقاط ( فاعتبار ) ذلك على الحكومة كما أفيد لا يخلو عن خلط بين الحكومتين فراجع ( وبالجملة ) فهذا التقرير أعني الحكومة لا يحتاج الا إلى عدم وجود منجز آخر من علم أو علمي تفصيلي أو اجمالي ( فبعد ) انسداد باب العلم والعلمي وسقوط العلم الاجمالي عن البيانية والمنجزية للواقع بمقتضى الانحلال الناشئ من الاجماع والضرورة على بطلان الخروج عن الدين ، وعدم ثبوت جعل شرعي أيضا في البين ولو بمثل ايجاب الاحتياط يتعين تقرير الحكومة بالمعنى الذي عرفت ( واما ) فساد تقرير الانسداد نحو الكشف باقسامه حتى كشف ايجاب

ص: 161

الاحتياط الشرعي ، فيكفيه مجرد احتمال ايكال الشارع في حكمه بلزوم تعرض الاحكام إلى هذا الحكم العقلي ( إذ ) مع الاحتمال المزبور لا يبقى طريق لكشف جعل من الشارع في البين خصوصا مسلك كشف حجية الظن وطريقيته شرعا واليه نظر الشيخ قده في الجواب الأول بقوله اما أولاً فلان مقدمات الانسداد لا تستلزم جعل الشارع ( نعم ) بناء على ما ادعى من الاجماع على عدم بناء الشريعة في امتثال الاحكام على الاتيان بمحتمل التكليف بما هو محتمل ولزوم كونه بعنوانه الخاص من الوجوب والحرمة فعلا وتركا ( كان ) لما أفيد وجه ( فإنه ) لابد حينئذ بمقتضى هذا الاجماع من كشف وسط مجعول في البين ( ولكن ) الشأن كله كما عرفت في تحقق هذا الاجماع حيث لم يكن منه عين ولا اثر في كلمات الأصحاب ( فان ) ما يمكن تسليمه انما هو الاجماع على بطلان الاحتياط ولو تبعيضا لو لم نقل باختصاصه على بطلان الاحتياط الكلي الذي هو غير موجب لنفي ايجاب الاحتياط بنحو يتعين في دائرة الظنون ( ومن المعلوم ) ان هذا المقدار من الاجماع لا يجدى في اثبات جعل من الشارع فضلا عن اقتضائه لاثبات حجية الظن بنحو الوسطية والكاشفية ( الا بانضمام ) دعوى انعزال العقل في هذه المرحلة أو عدم ايكال الشارع في مقام تنجيز احكامه إلى حكم العقل ( بل ) على فرض اقتضائه لثبوت جعل شرعي في البين لا مجال لاثبات ان المجعول هو خصوص حجية الظن بنحو الوسطية ( إذ ) كما أنه يناسب ذلك يناسب أيضا مع كون وجوب العمل بالظن من باب المقدمة لتنجيز الواقع نظير ايجاب الاحتياط في الشبهات البدوية ، فتعيين الأول يحتاج إلى اثبات عدم صلاحية غير الحجية بمعنى الوسطية للمنجزية للواقع وانحصار المنجز بالعلم والعلمي ، وهذا وان ادعاه في بعض كلماته ، الا انه كما ترى لا يلتزم به أحد ، كيف ولازمه هو الالتزام في موارد ايجاب الاحتياط الشرعي بالعقوبة على مخالفة نفس ايجاب الاحتياط مطلقا ولو في مورد المخالفة للواقع مع أن بناء الأصحاب على خلافه ، هذا ( مع أنه ) في فرض تسليم الاجماع بالمعنى الأول ( نقول ) انه بعد عدم اقتضاء هذا الاجماع لحجية الظن بدوا وبلا واسطة شيء وتوقفه على ضم بقية المقدمات ، لأنه بدونه يخرج عن كونه نتيجة دليل الانسداد ، لرجوعه إلى قيام الاجماع عند الانسداد على حجية الظن شرعا كما

ص: 162

أشار إليه الشيخ قده ( فلا جرم ) يدور الامر في الوسط المجعول بين كونه في دائرة الظنون ، وبين كونه في غيرها ، وبعد انعزال العقل عن الحكم حينئذ يتوجه عليه بأنه ما المعين في كونه في دائرة الظنون بعد قابلية غيرها أيضا للجعل كما أشار إليه الشيخ قده في الجواب الثاني عن مسلك الكشف ، وأقربية الظن من غيره في نظر العقل كما على الحكومة لا ينفع في تعيين ما هو الأقرب بنظر الشارع كي يتعين مجعوله فيه ( واما ) توهم عدم قابلية غير الظن لتتميم الكشف والطريقية ( فكلام ) شعري ، فان كل محتمل قابل لتتميم ، كشفه الناقص حتى الوهم كما في الظنون النوعية كما أشرنا إليه في مبحث القطع ( ومعه ) من أن يحصل الجزم بكونه في دائرة الظنون بمقتضى الأقربية بنظر العقل ( فحينئذ ) يحتاج إلى اجراء مقدمات الانسداد مرة أخرى في تعيين ما هو المجعول شرعا ( فنقول ) انه بعد تردد الوسط المجعول بين كونه في دائرة الظنون وبين غيرها وسقوط العلم الاجمالي في هذه المرحلة أيضا عن المنجزية بمقتضى بطلان الخروج عن الدين ، ولزوم كون الطريق المجعول واصل إلى المكلف ولو بطريقه ، لان الطريق غير الواصل ولو بطريقه لا يزيد حكمه عن أصل التكليف الواقعي الذي انسد باب العلم به ( وعدم ) كونه بوجوده الواقعي منجزا للواقع ( يحتاج ) لا محالة في تعيين الوسط المجعول إلى منجز آخر في البين ( وفي هذه ) المرحلة أيضا يتأتى ما ذكرناه من الحكومة والكشف وهلم جرا ( فلا محيص ) من انتهاء الامر بالآخرة إلى حكومة العقل واستقلاله بكون الوسط المجعول هو الظن ( وهذا ) مع كونه منافيا للاجماع المزبور لرجوعه بالآخرة إلى كون امتثال الاحكام بالاحتمال ، لا بالجزم ، تبعيد للمسافة فلم لم يلتزم بالحكومة ابتداء في الظن بالتكليف ، والتزم بالكشف ( فتدبر ) في أطراف ما ذكرناه تجده حقيقا بالقبول ( فتحصل ) من جميع ما ذكرناه ان القول بالكشف خصوص الكشف بمعنى الوسطية مما لا مبنى له ولا أساس ولا ينبغي المصير إليه وانه بعد بطلان القول بالتبعيض وانتهاء الامر إلى مثبتية الظن لا محيص عن القول بالحكومة العقلية ( ثم إن ) تقرير الحكومة يتصور على وجهين الأول ) دعوى استقلال العقل عند الانسداد وعدم مثبت للتكاليف تفصيلا أو اجمالا بوجوب الاخذ بالاحتمال بمقدار يرتفع به محذور الخروج عن الدين وتعيينه بالظن

ص: 163

بمقتضى المقدمة الرابعة ( الثاني ) من جهة حكم العقل بلزوم الاخذ باحتمال تكليف يقطع على فرض وجوده باهتمام الشارع بها بنحو لا يرضى بتركه ولو في ظرف الجهل ، وخروج مثل الاحتمال المزبور عن موضوع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان نظير ما ذكرناه في وجه منجزية أوامر الطرق المجعولة ( فإنه ) بمقتضى الضرورة والاجماع على بطلان الاهمال ولو مع عدم علم اجمالي في البين يستكشف عن بلوغ التكاليف الواقعية على فرض وجودها في المحتملات في الاهتمام بمرتبة لا يرضى الشارع بتركها حتى في ظرف الجهل بها ، وبعد احراز هذا الاهتمام من الشارع بالتكاليف الواقعية والجزم بتلك القضية التعليقية في الموارد المحتملة يستقل العقل بلزوم التعرض لها ويحكم بحجية احتمال التكليف ومنجزيته ( نعم ) حيث إن مراتب الاهتمام بحفظ المرام مختلفة ، لكونه تارة بمرتبة يقتضى رعايته حتى في طرف الموهوم ، وأخرى بمرتبة لا يقتضى الا رعايته في طرف المظنون والمشكوك وثالثة بنحو يقتضى رعايته في خصوص طرف المظنون دون الموهوم والمشكوك ( كان ) القدر المتيقن من الاهتمام المحرز هي المرتبة الأخيرة فيستقل العقل بلزوم الاخذ بالظن ، ويبقى الموهوم والمشكوك على الشك في أصل الاهتمام بحفظ الواقع في موردهما فيرجع فيهما إلى الأصول ( وبذلك ) يتعين الاخذ بالظن حيث يكون حجة ومنجز للواقع بالحكومة العقلية ، من دون احتياج إلى المقدمة الرابعة بل ولا إلى المقدمة الثالثة أعني ابطال الاحتياط التام بمقتضى الاجماع أو الحرج والعسر ( فإنه ) بعد تخصيص الوجوب بمقتضى الاهتمام المحرز بخصوص المظنونات يبطل الاحتياط الكلي في المشكوكات والموهومات بانتفاء ملاكه فيهما ( وهذا ) بخلاف التقريب الأول ، فإنه يحتاج في تعيين خصوص الظن في المرجعية إلى المقدمة الرابعة ( لان ) التخلص عن محذور الخروج عن الدين كما يكون بالأخذ بالمظنونات ، كذلك يكون بالأخذ بما عدى المظنونات فيحتاج في تعين خصوص الظن إلى التشبث بالمقدمة الرابعة ( نعم ) ذلك أيضا لا يحتاج إلى المقدمة الثالثة ، حيث لا يلزم من حكم العقل بوجوب التعرض للتكاليف بمقدار يرتفع به محذور الخروج عن الدين الاحتياط الكلي كي يلزمه محذور الحرج والعسر فبطلان الاحتياط الكلى حينئذ كان من جهة انتفاء ملاكه من الأول ( ثم من الأوجه )

ص: 164

في تقرير الحكومة هو التقريب الثاني دون الأول ( لعدم ) ثبوت ملاك واضح لحكم العقل بمنجزية مطلق الاحتمال عدى توهم مناط الاحتمال قبل الفحص والنظر في المعجزة ( وهو ) غير متحقق في المقام ، لوضوح ان مناط حكم العقل بالتنجيز هناك ليس مجرد احتمال التكليف الفعلي والا لم يبق مورد لجريان البراءة وقاعدة قبح العقاب بلا بيان ( وانما ) المناط فيه هو احتمال الظفر بما يوجب تنجز التكليف ، من علم أو علمي ، وذلك أيضا في فرض كون احتمال الظفر بالدليل احتمالا عقلائيا لكون المنجز المحتمل بنحو لو تفحص عنه لظفر به على تقدير وجوده ، ففي الحقيقة الاحتمال المتحقق هناك احتمال للتكليف الثابت تنجزه بالدليل ( ومن المعلوم ) انتفاء هذا الملاك في المقام المفروض فيه انسداد باب العلم والعلمي بالتكليف بالمرة والقطع بعدم الظفر بالدليل ولو بعد الفحص التام ( وبذلك ) ظهر الحال في حكمه بوجوب النظر في المعجزة ( فان ) المناط فيه انما هو احتمال حصول العلم بصدق مدعى النبوة بالنظر في المعجزة ( وهو ) غير مرتبط بمسئلتنا هذه التي انسد فيها باب العلم والعلمي ( واما التخلص ) عن محذور الخروج عن الدين ، فهو انما يصلح ان يكون ملاكا لحكم العقل بمنجزية الاحتمال إذا كان محذور الخروج عن الدين بنفسه علة لعدم جواز الاهمال ، وليس كذلك ( وانما ) ذلك من جهة كشفه عن وجود منجز في البين يكون هو العلة لعدم جواز الاهمال ( وهو ) لا يكون الا ما ذكرناه من الاهتمام ، بل يمكن قويا كون مدرك المجمعين على بطلان الاهمال ولو مع عدم علم اجمالي أو عدم منجزيته هو استكشافهم الاهتمام المزبور وعليه يتعين الحكومة بالتقرير الثاني

بقى التنبيه على أمور

( الأول ) في أن نتيجة مقدمات الانسداد هل هي اعتبار الظن في خصوص المسألة الأصولية وهي كون الشيء طريقا ( أو هي ) اعتبار الظن في خصوص المسألة الفقهية « أو هي » اعتبار الظن في كل من المسألة الأصولية والفقهية « فنقول » « اما » على تقرير الكشف باقسامه فلا ينبغي الاشكال في عموم النتيجة « إذ » بعد استكشاف حجية الظن لا يفرق العقل فيه بين الظن بالواقع

ص: 165

والظن بالطريق فيحتاج تخصيصه بأحد الامرين إلى مخصص « واما » على تقرير الحكومة فتختلف باختلاف تقرير الحكومة « فعلى » تقريرها بملاك الاهتمام يمكن دعوى اختصاصها بخصوص الظن المتعلق بالواقع « لان » القدر المتيقن « من » الاهتمام المحرز انما هو اهتمام الشارع بالتكاليف الواقعية في دائرة الظنون « واما » بالنسبة إلى الاخذ بالطرق المجعولة واقعا ، فلم يحرز اهتمامه بها بنحو لا يرضى بتركها ولو في ظرف الجهل بها ومع عدم احراز هذا الاهتمام بالنسبة إليها لا يبقى مجال لتعميم النتيجة لمطلق الظن « واما بناء » على تقريبها بمناط التخلص عن محذور الخروج عن الدين فلا يفرق فيه بين الظن بالواقع أو الطريق « لان » في العمل بكل منهما يرتفع المحذور المزبور « واما » على مسلك التبعيض في الاحتياط الناشئ من جهة العلم الاجمالي فتختلف النتيجة تعميما وتخصيصا باختلاف تقريب العلم الاجمالي « فعلى تقريبه » بالعلم الاجمالي بخصوص التكاليف الواقعية يلزم تخصيص النتيجة بخصوص الظن بالمسائل الفرعية « وتوهم » عموم النتيجة حينئذ بدعوى ان تمهيد مقدمات الانسداد انما هو لأجل رعاية التكليف المعلوم بالاجمال والخروج عن عهدته وهو كما يحصل بالظن بالواقع يحصل بالظن بالطريق ( مدفوع ) بان لازم تخصيص العلم الاجمالي بالأحكام الفرعية هو انتفاء العلم الاجمالي في الاحكام الأصولية اما بانتفاء العلم فيها رأسا واما من جهة عدم انسداد باب العلم فيها وعلى كلا التقديرين لا مجال للاكتفاء بالفراغ الظني الجعلي « وهذا » على الثاني ظاهر فإنه بعد عدم انسداد باب العلم بالأحكام الأصولية بحكم العقل بتحصيل الفراغ اليقيني الجعلي ولا معنى حينئذ للاكتفاء بالفراغ الظني الجعلي « وكذلك » على الأول لوضوح تبعية الظن للعلم الاجمالي فكلما ثبت الاشتغال به بمقتضى العلم الاجمالي كان الظن بمقتضى المقدمات المزبورة مرجعا في مقام اسقاطه والخروج عن عهدته فإذا فرض اختصاص العلم الاجمالي بخصوص الاحكام الواقعية وكان الشك بالنسبة إلى الطرق بدويا محضا فيما يترتب عليها من النتيجة لا يكون الا مرجعية الظن المتعلق بالواقع دون الطريق فتأمل « واما على تقريبه بالعلم الاجمالي » بمطلق الوظيفة الفعلية أعم من الواقعية والظاهرية فما يترتب عليها من النتيجة انما هو الظن بقول مطلق كان متعلقا بالواقع أو الطريق ( واما ) على تقريبه

ص: 166

بعلم اجمالي بالتكاليف الواقعية وعلم اجمالي آخر بجعل الطرق الخاصة للتكاليف الواقعية الوافية بالمعلوم بالاجمال من الاحكام ( فتختص ) النتيجة بالظن بالطريق لانحلال العلم الاجمالي بالتكاليف الواقعية بما في مؤديات تلك الطرق المعلومة بالاجمال والشك البدوي في غيرها ، ولازمه بعد عدم طريق علمي إلى تعيين تلك الطرق هو الرجوع فيها إلى الظن ( والى ذلك ) نظر صاحب الفصول قده فيما افاده من اعتبار الظن بالطريق دون الواقع ( حيث ) قال ما لفظه لا ريب انا كما نقطع بانا مكلفون في زماننا هذا تكليفا فعليا بأحكام كثيرة لا سبيل بحكم العيان وشهادة الوجدان إلى تحصيل كثير منها بالقطع ولا بطريق معين نقطع من السمع بحكم الشارع بقيامه أو قيام طريقه القطع ولو عند تعذره ( كذلك ) نقطع بان الشارع قد جعل لنا إلى تلك الأحكام طرقا مخصوصة وكلفنا تكليفا فعليا بالرجوع إليها في معرفتها ومرجع هذين القطعين عند التحقيق إلى امر واحد وهو القطع بانا مكلفون تكليفا فعليا بالعمل بمؤدي الطرق وحيث لا سبيل لنا غالبا إلى تعيينها بالقطع ولا طريق نقطع من السمع بقيامه بالخصوص مقامه ( فلا ريب ) في أن الوظيفة الفعلية في مثل ذلك بحكم العقل انما هو الرجوع في تعيين تلك الطرق إلى الظن انتهى ( فان قوله ) قده سره ومرجع القطعين الخ ظاهر فيما ذكرنا من انحلال العلم الاجمالي بالتكاليف الواقعية بما في مؤديات تلك الطرق المعلومة بالاجمال والشك البدوي في غيرها ( لان ) بالعلم الاجمالي بنصب طرق خاصة للأحكام الواقعية تأسيسا أو امضاء وافية بالمعلوم بالاجمال من الاحكام ينحل العلم الاجمالي بالأحكام لا محالة بالعلم بما تضمنته تلك الطرق والشك البدوي في ما عداها ، ولازمه اختصاص النتيجة بالظن بالطريق دون الواقع ( ولا يخفى ) انه على هذا التقريب لا يتوجه عليه ما افاده الشيخ قده سره في الاشكال الخامس من منع اقتضائه لتعيين العمل بالظن بالطريق وان غايته كونه مجوزا له فيجوز العمل بالظن بالواقع أيضا ( إذ ) يتم ذلك لولا الانحلال المزبور ( واما ) مع انحلال العلم الاجمالي بالواقع وصيرورة الشك في غير ما تضمنته الطرق المنصوبة المعلومة بالاجمال بدويا ، فلا محيص من تخصيص النتيجة بخصوص الظن بالطريق ( واما توهم ) منع اقتضاء مجرد العلم الاجمالي بنصب الطرق لانحلال العلم الاجمالي بالتكاليف « بتقريب » ان انحلال

ص: 167

العلم الاجمالي بالأحكام انما هو من لوازم جريان الأصول اللفظية والجهية في الطرق المجعولة وجريان هذه الأصول منوط بوصول تلك الطرق إلى المكلف تفصيلا بنحو يميزها عن غيرها كي بالعلم بها وظهورها وجهة صدورها ينحل العلم الاجمالي الكبير ( والا ) فمع عدم العلم بها تفصيلا لا يكاد تجرى فيها الأصول اللفظية والجهية ومع عدم جريانها يبقى العلم الاجمالي الكبير بالتكاليف على حاله ومقتضاه هو الخروج عن عهدتها علماء مع التمكن منه وظنا مع عدم التمكن من العلم ( فمدفوع ) بأنه يتم ذلك في فرض عدم الجزم بظهور ما هو الصادر اجمالا ( والا ) ففي فرض الجزم بظهوره فلا قصور في جريان الأصول وحجية مثل هذا الظهور المعلوم صدوره اجمالا بين الاخبار وسببيته لانحلال العلم الاجمالي الكبير بالأحكام الواقعية كما لا يخفي ، وعليه لا مجال للاشكال على الفصول من هذه الجهة ( نعم ) يمكن الاشكال عليه بمنع العلم الاجمالي المستقل بجعل الطرق المخصوصة للتكاليف ، ومنع كونها فيما بأيدينا فيمنع حينئذ أصل العلم الاجمالي بجعل الطرق الخاصة للتكاليف ولو امضاء إذ من الممكن ايكال الشارع واحالته للعباد في امتثال التكاليف إلى ما تداول بينهم في امتثال احكام مواليهم العرفية من الرجوع أولاً إلى العلم الحاصل من تواتر النقل ومع فقده إلى الظن والاطميناني أو الاخذ بالاحتياط ومع هذا الاحتمال لا مجال لدعوى القطع بنصب الشارع طرقا خاصة إلى ما هو المجعول من الاحكام الواقعية بتوهم ان كل حاكم لابد له من نصب طرق خاصة إلى احكامه المجعولة في مقام السلوك إليها وان الشارع أيضا غير متخطي عن تلك الطريقة المألوفة ( ولعله ) لما ذكرنا أنكر السيد قده ومن تبعه نصب طرق خاصة للأحكام الواقعية ( نعم ) دعوى العلم الاجمالي بمطلق الوظيفة الفعلية أعم من الواقعية والظاهرية كما هو مقتضى التقريب الثاني في محلها ( ولكنه ) غير دعوى العلم الاجمالي المستقل بجعل طرق خاصة بمقدار المعلوم بالاجمال وهذا هو الذي منعنا عنه ( كيف ) وانه لو كان لبان واشتهر لعموم البلوى به وتوفر الدواعي إلى نقله ( واما الانتصار ) له بان الممنوع انما هو نصب الشارع واختراعه طرقا مخصوصة للأحكام بنحو التأسيس فإنها هي التي تتوفر الدواعي إلى نقلها ( واما ) كونه بنحو الامضاء فلا مانع من دعوى العلم الاجمالي بامضاء الشارع لبعض ما بيد العرف والعقلاء من الطرق العقلائية

ص: 168

وافية بالأحكام الشرعية لخفاء ما أمضاه وعدم علمنا به تفصيلا ( فان ) النصب بهذا المعنى ليس مما تتوفر الدواعي إلى نقله كي يستبعد وقوعه خصوصا مع كفاية مجرد عدم الردع في الامضاء ( فمندفع أولاً ) بان دعوى العلم الاجمالي بامضاء الشارع لبعض ما بيد العرف من الطرق العقلائية ولو من جهة عدم الردع منوطة باثبات تخصيص الامضاء ببعض دون بعض ( والا ) فيلزم بمقتضى عدم الردع على ما أفيد حجية جميع الطرق العقلائية ، واثبات تخصيص الامضاء ببعض دون بعض لا يكون بأقل من جعل الشيء طريقا بالاستقلال في توفر الدواعي إلى نقله واشتهاره كما هو ظاهر ( وثانيا ) نمنع كونها فعلا فيما بأيدينا من جهة احتمال كونها من الامارات غير الواصلة إلينا وان كانت موجودة في الصدر الأول ( ومع هذا ) الاحتمال لا ينتهى الامر إلى لزوم العمل بالظن بالطريق ( وثالثا ) ان اللازم حينئذ هو الاخذ بما هو المتيقن منها في الحجية وهو الصحاح من الاخبار المفيدة للاطمينان إذ لا يحتمل عدم حجيتها وحجية ما عداها من الخبر الموثق والشهرة والاجماع المنقول ونحوها ( فمع ) وفائها بمعظم الفقه يقتصر عليها والا فيضاف إليها الموثقات لكونها متيقنة بالإضافة إلى مطلق الخبر والشهرة والاجماع المنقول ونحوها ومع عدم وفائها أيضا فالمتيقن بالإضافة وهكذا « ومع » الغض عن ذلك ولو بدعوى عدم كفاية الصحاح وانتفاء ما هو متيقن الحجية والاعتبار بالإضافة في البقية من جهة تساوى احتمال النصب في كل واحد منها كما قيل لا ينتج ذلك أيضا تعين العمل بالظن بالطريق « بل » يعم الظن بالتكليف الذي يظن كونه مؤدى طريق معتبر في الواقع « فان » القدر الذي يقتضيه البرهان المزبور انما هو خروج الظن بالتكليف الذي لا يظن كونه مؤدى طريق معتبر لا خروج مطلق الظن بالتكليف ولو مع الظن بكونه مؤدى طريق معتبر واقعا فحكم هذا الظن حكم الظن بطريقية طريق خاص في جواز الاكتفاء به وان لم يحصل الظن بطريقية طريق خاص « وهذا » أيضا لولا دعوى وجوب الاحتياط حينئذ في الجميع « ويمكن » توجيه كلامه قده بوجه آخر وان كان بعيدا وهو ان يكون المراد من قوله ومرجع القطعين « الخ » هو صرف التكاليف الفعلية إلى مؤديات الطرق المعلومة بالاجمال بدعوى ان العلم بجعل الطرق للتكاليف موجب للقطع بان الحكم الفعلي

ص: 169

ليس الا عبارة عن الاحكام التي قامت عليها الطرق لا مقيدة بقيام الطرق عليها كي يلزم التصويب وان غير ما في دائرة تلك الطرق المعلومة بالاجمال لا يكون حكما فعليا يجب اتباعه بل حكما شأنيا ومما سكت اللّه عنه ولازمه هو الاقتصار على خصوص الظن بالطريق دون الواقع للقطع حينئذ بعدم كونه حكما فعليا يجب اتباعه هذا « ولكن » فيه ان لازم البيان المزبور بعد تسليمه وان كان هو عدم تصور القطع ولا الظن بالحكم الفعلي في غير دائرة الطرق المجعولة ، الا ان لازمه كما ذكرنا هو الاخذ بما هو متيقن الاعتبار ولو بالإضافة بما يفي بمعظم الفقه ومع عدم كفايته أو عدم وجود المتيقن لتساوي احتمال الحجية في الجميع يتعدى إلى ما يظن كونه مؤدى طريق معتبر واقعا وان لم نعلمه نحن ولا كان واصلا إلينا أصلا « لا انه » يتعين الاخذ بخصوص الظن بالطريق « بل حينئذ » لا يكاد ينفك الظن بالحكم الفعلي في فرض حصوله عن الظن بكونه مما قام عليه طريق معتبر بحسب الواقع ، فمتى حصل الظن بالتكليف الفعلي ولو من طريق موهوم الحجية كالشهرة والاستحسان فلابد من الكشف عن كونه مؤدى طريق معتبر واقعا ( فلا ) يترتب حينئذ ثمرة بين هذا القول وبين القول بالتعميم ، لأنه على كل حال لا ينفك الظن بالحكم الفعلي عن الظن بكونه مؤدى طريق معتبر في الواقع وان لم يحصل الظن بطريقية طريق خاص فتدبر ( ثم إن في المقام تقريبا ) آخر لصاحب الحاشية قده سره في وجه تخصيص النتيجة بالظن بالطريق بلا احتياج فيه إلى دعوى العلم الاجمالي بجعل الطرق قال قده فيما حكى انه لا ريب في كوننا مكلفين بالأحكام الشرعية ولم يسقط عنا التكليف بالأحكام الشرعية في الجملة وان الواجب علينا أولاً هو تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم المكلف بان يقطع معه حكمه بتفريغ ذمتنا عما كلفنا به وسقوط التكليف عنا سواء حصل العلم منه بأداء الواقع أو لا حسب ما مر تفصيل القول فيه وحينئذ نقول ان صح لنا تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم الشارع فلا اشكال في وجوبه وحصول البراءة وان انسد علينا سبيل العلم به كان الواجب علينا تحصيل الظن بالبرائة في حكمه إذ هو الأقرب إلى العلم به فيتعين الاخذ به عند التنزل من العلم في حكم العقل بعد انسداد سبيل العلم والقطع ببقاء التكليف دون ما يحصل الظن بأداء الواقع كما يدعيه القائل بأصالة حجية الظن وبينهما بون بعيد إذ ) المعتبر

ص: 170

في الوجه الأول هو الاخذ بما يظن كونه حجة بقيام دليل ظني على حجية سواء حصل منه الظن بالواقع أولاً ( وفي الوجه ) الثاني لا يلزم حصول الظن بالبرائة في حكم الشارع ( إذ ) لا يستلزم الظن بالواقع الظن باكتفاء المكلف بذلك الظن في العمل سيما بعد النهى عن اتباع الظن « فإذا » تعين تحصيل ذلك بمقتضى العقل يلزم اعتبار امر آخر يظن معه برضى المكلف بالعمل به وليس ذلك الا الدليل الظني الدال على حجيته فكل طريق قام ظن على حجيته عند الشارع يكون حجة دون ما لم يقم عليه انتهى « أقول وملخص » مرامه قده هو ان هم العقل حسب اقتضاء الاشتغال اليقيني للفراغ اليقيني انما هو تحصيل اليقين بالفراغ وجدانا أو جعلا وتنزيلا الذي هو عبارة عن تحصيل الحجة على الواقع بنحو كان تحصيل الحجة على الفراغ في عرض تحصيل اليقين بالفراغ الواقعي لا في عرض الفراغ الواقعي « ولازم » هذه العرضية انه مع التمكن من تحصيل اليقين أو اليقيني بالفراغ يتعين عليه ذلك قهرا ومع عدم التمكن وانتهاء الامر إلى الظن ( هو ) لزوم تحصيل الظن بالفراغ عن يقين تنزيلي الذي هو في عرض الفراغ عن يقين وجداني وهو منحصر بالظن بطريقية شيء وحجيته دون الظن بأداء الواقع « لان » الظن بأداء الواقع وان كان ظنا بالفراغ الواقعي ( ولكنه ) لا يلازم الظن بالفراغ عن يقين وجداني أو تعبدي بخلاف الظن بالطريق فإنه يلازم الظن بالفراغ اليقيني التنزيلي وان لم يلازم الظن بالفراغ الحقيقي حيث إن حجية شيء بتتميم كشفه مساوق لجعله يقينا تنزيلا فلا جرم يكون الظن بالطريق ملازما للظن بحكم الشارع بالفراغ فيظن حينئذ بالفراغ عن يقين تعبدي تنزيلي « ولئن » شئت قلت إن موضوع الزام العقل بعد أن كان هو تحصيل القطع أو القطعي بالفراغ فمع التمكن منه يتعين عليه ذلك حيث يقطع بحصول موضوع الالزام العقلي ، ومع عدم التمكن منه وانتهاء النوبة إلى الظن يتعين الاخذ بالظن بالطريق لكونه ظنا بما هو موضوع الالزام العقلي أعني الفراغ اليقيني التنزيلي ، بخلاف الظن بالواقع فإنه لا يكون ظنا بموضوع الالزام ، إذ لا يكون ظنا بالفراغ عن يقين وجداني ولا ملازما للظن بحكم الشارع بالفراغ كي يكون ظنا بالفراغ اليقيني التعبدي نعم هو ملازم للظن بالفراغ الواقعي الذي هو خارج عن

ص: 171

موضوع الزام العقل ( ولا يخفى انه ) على هذا البيان لا يرد عليه ما أفيد من الاشكال « تارة » بأنه لا معنى محصل لقوله الواجب علينا أولاً هو تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم المكلف فان باب الامتثال وتفريغ الذمة ليس مما يقبل الجعل الشرعي والحكم بأنه حصل الامتثال بل هو دائر مدار فعل متعلقات التكاليف فمع الآيتان بالمأمور به بما له من الاجزاء والشرائط يترتب عليه قهرا حصول الامتثال وتفريغ الذمة ، ومعه لا يبقى مجال حكم الشارع بالفراغ كي يحتاج إلى تحصيل العلم به ويتنزل عند الانسداد إلى لزوم تحصيل الظن بحكمه بتفريغ الذمة « وأخرى » بان تفريغ الذمة انما هو بفعل ما اراده الشارع في ضمن الأوامر الواقعية ، والاكتفاء بما قام عليه الطريق الجعلي انما هو لكون مؤداه بحكم الشارع نفس المراد الواقعي لا من جهة انه شيء مستقل في عرض الواقع فلا معنى حينئذ لجعل الطرق في عرض الواقع والحكم بتخيير المكلف بين تحصيل العلم بالواقع وبين العمل بالطرق ( وثالثة ) بان العلم بالواقع كما يلازم العلم بالفراغ في حكم الشارع كذلك يكون الظن بالواقع ملازما للظن بالفراغ في حكم الشارع إذ لا يعقل الفرق بين العلم والظن من هذه الجهة وغير ذلك من الاشكالات ( إذ نقول ) بابتناء المحاذير المزبورة على أن يكون مورد الزام العقل عند الاشتغال بشيء هو الفراغ الواقعي « والا » فلو كان مورد الزامه تحصيل اليقين أو اليقيني بالفراغ المستتبع لحكم الشارع به ولو ارشادا فلا يرد عليه شيء من المحاذير المزبورة حيث إنه بنفسه معنى وجيه وقابل لاخذ النتيجة منه إذ كان تحصيل تلك الطرق حينئذ في عرض تحصيل العلم بالواقع لا في عرض نفس الواقع والتخيير انما كان بين تحصيل العلم الوجداني بالفراغ الحقيقي وبين تحصيل العلم التعبدي التنزيلي بالفراغ الناشي من حجية شيء شرعا بتتميم كشفه الناقص في ظرف الجهل بالواقع ، لا ان التخيير كان بين نفس أداء الواقع وبين العمل بالطرق كي ترمى بالغرابة كما أن مراده بحكم الشارع بتفريغ الذمة حينئذ انما هو حكمه ارشادا بلزوم تحصيل اليقين أو اليقيني بالفراغ لا مولويا ( ومن ) المعلوم ان لازم ذلك في حال الانسداد عند التنزل إلى الظن هو الاخذ بما يظن كونه موضوع الزام العقل وهو لا يكون الا الظن بحجية شيء دون الظن بالواقع لعدم كونه ظنا بموضوع الزام العقل ( وملازمة ) العلم بالواقع

ص: 172

للعلم بالفراغ انما هي باعتبار العلم بحصول موضوع الالزام العقلي وأين ذلك والظن بصرف الواقع ، فإنه لا يكون ملازما للظن بحصول الزام العقل لا وجدانا ولا تنزيلا ( وفي ) هذا المقدار من الدعوى لاخذ النتيجة المزبورة ، لا يحتاج إلى دعوى العلم الاجمالي بنصب الشارع طرقا إلى احكامه تقتضي اشتغال الذمة بمؤدياتها كي يرد عليه ما أورد سابقا على الفصول ( بل ) يكفيه مجرد دعوى استقلال العقل عند الاشتغال بشيء بلزوم تحصيل اليقين بالفراغ أو اليقيني منه ، فإنه ينتج عند عدم التمكن من تحصيل العلم أو العلمي بالفراغ لزوم الاخذ بما يظن كونه مورد الزام العقل الذي هو منحصر بالظن بالطريق « فتدبر » وحينئذ ( فالتحقيق ) في الجواب عنه هو ان يقال بان اكتفاء العقل عند الانسداد بمثل الظن المزبور ليس من جهة صرف كونه ظنا بالفراغ الجعلي بل انما ذلك من جهة حجية هذا الظن بمقدمات الانسداد وانتهائه بالآخرة إلى الفراغ اليقيني ( وفى ذلك ) نقول ان مقدمات الانسداد إذا اقتضت حجية الظن بالطريق تقتضي حجية الظن بالواقع أيضا لاقتضاء تلك المقدمات قيام الظن بالشيء عند الانسداد مقام العلم به في المنجزية والمعذرية فكما ان العلم بأداء الواقع الجعلي يجدى في تفريغ الذمة كذلك الظن بالواقع عند الانسداد فإنه بعد حجيته بمقدمات الانسداد يحصل القطع بالفراغ الجعلي ، فلا فرق حينئذ بين الظن بالطريق وبين الظن بالواقع لان بكل منهما بعد حجيته وقيامه مقام العلم بمقدمات الانسداد يحصل الفراغ اليقيني الذي هو مورد الزام العقل ( هذا ) « ويمكن توجيه كلام المحقق المزبور » وان كان بعيدا بما نسب إلى بعض منهم الشيخ الكبير كاشف الغطاء قده أستاذ المحقق المزبور من كون حجية القطع تعليقية قابلة لردع الشارع عنه ، فإنه على ذلك يتم ما افاده من الاحتياج إلى تحصيل العلم بحكم الشارع بتفريغ الذمة عن التكليف وعدم جواز الاكتفاء بمجرد القطع باتيان الواقع في الخروج عن عهدة التكاليف ما لم يحرز حكمه بالفراغ ولو بسكوته الكاشف عن امضائه وهذا بخلاف العمل على طبق ما علم طريقيته بجعل الشارع إذ القطع به مستلزم لحكمه بتفريغ الذمة عند سلوكه ، وعليه ففي فرض الانسداد وانتهاء الامر إلى الظن لابد من التنزل إلى خصوص الظن الذي يظن معه بحكم الشارع

ص: 173

بتفريغ الذمة وهو لا يكون الا الظن بالطريق دون الواقع لان الظن بطريقية شيء ملازم قهرا مع الظن بحكم الشارع بالفراغ بخلاف الظن بالواقع فإنه لا يكون بأعظم من القطع الوجداني بالواقع ، فإذا لم يكن ذلك مستلزما للقطع بحكم الشارع بتفريغ الذمة عما كلف به الا بضميمة امضائه ولو بسكوته الكاشف عنه ، فكيف بالظن بالواقع الذي هو غير مستلزم للظن بحكمه بالفراغ ولكن ) يرد عليه مضافا إلى فساد أصل هذا المبنى كما حققناه في محله ما أوردناه أخيرا على التقريب السابق من أن اكتفاء العقل بمثل الظن المزبور ليس من جهة صرف كونه ظنا بالفراغ الجعلي ، وانما ذلك من جهة حجية هذا الظن بمقدمات الانسداد وانتهائه بالآخرة إلى الفراغ اليقيني الجعلي وفى هذه الجهة لا يفرق العقل بين الظن بالطريق وبين الظن بالواقع إذ بعد حجية الظن بالواقع بمقتضى مقدمات انسداد وانتهائه بالآخرة إلى القطع برضاء الشارع بالأخذ به يكون لا محالة كالظن المتعلق بالطريق ، ومعه لا مجال لتخصيص حجية الظن بخصوص الظن بالطريق كما هو ظاهر.

( الامر الثاني ) في أن نتيجة الانسداد هل هي مطلقة أو مهملة والمراد باطلاق النتيجة هي كلية النتيجة واعتبار الظن مطلقا من جهة الأسباب والموارد والمراتب ويقابلها اهمال النتيجة بمعنى قابليتها للكلية والجزئية بحسب الموارد والأسباب والمراتب أو بالنسبة إلى بعض الجهات المزبورة وان كان المتيقن هو الجزئية ( فنقول ) اما بناء على مسلك التبعيض في الاحتياط بمناط منجزية العلم الاجمالي الراجع إلى مرجعية الظن عقلا في مقام اسقاط التكليف فلا ينبغي الاشكال في اطلاق النتيجة ( فان ) مقتضى العلم الاجمالي بعد عدم التمكن من الاحتياط التام أو عدم وجوبه وان كان هو التخيير في الاحتياط التبعيضي ولكنه بعد انتهاء النوبة إلى الامتثال الظني بمقتضى المقدمة الرابعة لا يفرق العقل في حكمه بمرجعية الظن بين موارده وأسبابه ومراتبه ( واما على مسلك ) الحكومة الذي هو المختار فلا اهمال فيها أيضا بل هي بحسب الموارد والأسباب على نحو الكلية من غير فرق في ذلك بين ان نقول ببطلان الاحتياط والبرائة في مجموع المسائل أو في كل واحد منها حيث إنه بعد استقلال العقل بمرجعية الظن بمقتضى المقدمة الرابعة لا يفرق فيه بين الموارد والأسباب ( فتوهم ) لزوم الاهمال فيه بناء على فرض كون بطلان الاحتياط والبرائة

ص: 174

في مجموع المسائل منظور فيه ( كيف ) وعلى الحكومة كان الامر بيد العقل وبعد احراز مناطه لديه لا معنى لاهمال حكمه ( نعم ) بحسب المراتب يتعين الاخذ بأقوى المراتب من الظنون في فرض كونه وافيا بمعظم الفقه لكونه هو المتيقن لدى العقل بل مقتضى المقدمة الرابعة ذلك أيضا ( إذ ) المناط فيها هو الاخذ بأقرب الطرق إلى الواقع فلابد من الاخذ بأقوى المراتب من الظنون مع وفائها بالفقه والا فما دونها من المراتب الاخر ، من غير فرق في ذلك أيضا بين تقريب الحكومة بمناط الاهتمام أو بمناط التخلص عن محذور الخروج عن الدين وعلى كل تقدير لا اهمال في النتيجة على هذا المسلك ( واما على مسلك الكشف ) ففيها اهمال من الجهات الثلاث موردا ومرتبة وسببا بل على هذا المسلك كما ذكرنا لا وجه لتعيين ما هو المجعول حجة في الظنون مع احتمال كون مناط الحجية في غير الظن وفرض عدم ايكال الشارع في بيان ما هو المجعول لديه إلى حكم العقل بلزوم الاخذ بالأقرب بالمقدمة الرابعة ( إذ ) حينئذ كما يحتمل ان يكون المجعول حجة هو مطلق الظن أو الظن في الجملة ، كذلك يحتمل ان يكون المجعول حجة غيره ( وعلى فرض ) انتهاء الامر إلى حجية الظن شرعا ( يتوجه ) الاشكال بأنه كما يحتمل ان تكون الحجة هو مطلق الظن ، كذلك يحتمل ان تكون هو الظن في الجملة ( وحيث ) لا يكون مناط جعل الشارع بيد العقل كي يحكم به تعميما أو تخصيصا ، فلابد في استفادة التعميم من المعممات الخارجية ، والا فيأتي فيه الاهمال من الجهات الثلاث ولو مع البناء على بطلان الاحتياط والرجوع إلى البراءة في كل مسألة من مسائل الفقه ، حيث لا يجدى مجرد ذلك في اثبات التعميم وكلية النتيجة كما هو ظاهر ( مضافا ) إلى ما تقدم من منع بطلان الاحتياط على الاطلاق وان المسلم منه انما هو بطلان الاحتياط الكلي في مجموع المسائل لا بطلانه في كل مسألة من غير فرق بين كون المستند لذلك هي أدلة نفي الحرج والعسر وبين كونه هو الاجماع فان القدر المسلم من الاجماع أيضا هو الاحتياط التام في مجموع الوقايع ( وكذا ) عدم جواز الرجوع إلى البراءة ، فان عمدة الدليل على ذلك بعد سقوط العلم الاجمالي عن المنجزية بما بيناه انما هي المخالفة الكثيرة المعبر عنها بلزوم الخروج عن الدين ، ومن المعلوم عدم اقتضاء ذلك لبطلان الرجوع إلى البراءة

ص: 175

الا في مجموع الوقايع المتشبهة لا في كل واقعة واقعة ( واما ما أفيد ) من أن الوجه في ذلك انما هو استقلال العقل بقبح الاعتماد على البراءة في الوقايع المشتبهة قبل الفحص واليأس عن الظفر بالدليل على مراد المولى ( وانه ) بذلك تسقط البراءة رأسا ولا تجرى ولو في مسألة واحدة ( فمدفوع ) بان ذلك يتم في فرض التمكن من الفحص والظفر بالدليل ، وهو غير متصور في ظرف الانسداد كي يقتضى المنع عن جريانها ( وتوهم ) ان الفحص في ظرف الانسداد انما هو بتعميم مقدمات الانسداد إلى أن ينتهى إلى حجية الظن ووجوب العمل على طبقه كشفا أو حكومة ( مدفوع ) بان مقدمات الانسداد انما تنتج حجية الظن ومرجعيته في ظرف سقوط البراءة عن الجريان ، حيث كان عدم جريان البراءة من مقدمات هذه النتيجة ( فلا ) يعقل كون ترتب هذه النتيجة مانعا عن جريان البراءة كما هو واضح وحينئذ ( فالتحقيق ) ان يقال ان النتيجة على القول بالكشف ، اما ان تكون الطريق الواصل بنفسه ( واما ) ان تكون الطريق الواصل بطريقه ( واما ) ان تكون مطلق الطريق ولو لم يصل ( والمراد ) من الطريق الواصل بنفسه هو ما علم حجيته ولو من جهة غاية خارجية ومعمم خارجي ككون الظنون متساوية الاقدام بنحو لا يحتاج في تعيين الحجة المجعولة إلى اجراء مقدمات الانسداد مرة أخرى أو مرارا إلى أن ينتهى إلى ظن واحد أو ظنون متعددة متساوية الاقدام ، ولا ينتهى أيضا إلى الاحتياط في الطريق ، في قبال الواصل بطريقه وغير الواصل رأسا ( لا ) ما علم حجيته بنفس مقدمات الانسداد الأول بلا ضم عناية خارجية ، ومن ذلك تريهم يعممون الظن من جهة تساوى الظنون وعدم ترجيح في البين ( فان ) نظرهم في التعميم بهذه الجهة إلى كون النتيجة هي الطريق الواصل بنفسه في قبال التعميم من جهة اجراء مقدمات الانسداد مرة أخرى ، أو من جهة الاحتياط في الطريق الراجعين إلى الطريق الواصل بطريقه وغير الواصل ولو بطريقه ( وعلى كل حال ) نقول انه على الأول وهو كون النتيجة الطريق الواصل بنفسه ( يلزمه ) عدم الاهمال لا بحسب الموارد ولا بحسب الأسباب بل ولا المراتب ( لان ) مقتضى ذلك هو الالتزام بايكال الشارع في تعيين مجعوله إلى حكم العقل ( ومن المعلوم ) انه بعد استقلال العقل بلزوم الاخذ

ص: 176

بالأقرب بمقتضى المقدمة الرابعة لا مجال لتصور الاهمال فيه ، إذ العقل لا اهمال في حكمه ( فلابد ) حينئذ وأن تكون النتيجة مطلقة بحسب الموارد والأسباب ومتعينة بحسب المرتبة بالأخذ بالأقرب ثم الأقرب من بين الظنون مع التفاوت في المرتبة ( الا بفرض عدم ايكال الشارع في تعيين مجعوله إلى حكم العقل ( ولكن ) ذلك مضافا إلى كونه خلاف الفرض وهو كون النتيجة الطريق الواصل بنفعه ، يتوجه عليه ما أشرنا إليه من أنه لا وجه حينئذ لتعيين ما هو المجعول حجة في الظنون ، فيلزمه الاحتياط في الطريق كما في الطريق غير الواصل ولو بطريقه ( ومن هذه ) الجهة نقول ان الجمع بين حجية الظن مع القول باهمال النتيجة لا يخلو عن تهافت ظاهر ، لان لازم القول بحجية الظن هو الالتزام بايكال الشارع إلى حكم العقل في تعيين مجعوله بما تقتضيه المقدمة الرابعة ، والا فلا يبقى مجال جعل النتيجة حجية الظن شرعا ( ومع ) فرض الايكال في تعيين الحجة المجعولة إلى حكم العقل بالأخذ بالأقرب لا محيص بعد عدم تصور الاهمال في حكم العقل عن الالتزام بعدم الاهمال ، لا بحسب الموارد والأسباب ، ولا بحسب المرتبة أيضا ، حيث إنه مع تساوى الظنون في المرتبة يحكم بالتعميم لعدم المرجح ومع التفاوت يحكم بالأخذ بالأقرب ثم الأقرب ( ومن ذلك ) نقول بترجيح مظنون الاعتبار على غيره لكونه أقرب إلى الواقع والى بدله في فرض المخالفة للواقع باعتبار ان الظن بالحجية ظن بالجبران في فرض المخالفة للواقع فبعين المناط الذي يحكم العقل بالأخذ بالأقرب يحكم أيضا بالأخذ بمظنون الحجية والاعتبار لا قربية مظنون الاعتبار إلى الواقع بجبرانه بلا احتياج في هذا التعيين إلى دليل خارجي كما توهم ، بل لازم ذلك كما افاده الشيخ قده هو الاخذ بما ظن حجيته بظن قد ظن حجيته وهكذا في فرض ترامي الظنون باعتبار كونه حينئذ أبعد عن مخالفة الواقع وبدله من غيره ، كما لو فرض حصول الظن من الشهرة بالواقع ثم حصل الظن من الخبر الواحد بحجية الشهرة ثم حصل الظن بحجية خبر الواحد من الاجماع المنقول وهكذا ( حيث ) انه يصير مثل هذا الظن من جهة ترامي الظنون المتأخرة أقرب إلى الواقع وبدله من غيره مما لا يكون كذلك من جهة ان الظن الثاني ظن بالجبران ووهم بعدمه والظن الثالث يسد هذا الوهم بالظن بالجبران وهكذا الظن الرابع فيلزمه صيرورة الظن المزبور أقرب إلى الواقع وجبرانه

ص: 177

فيكون عدم الجبران وهم في وهم ( فما أفيد ) من الاشكال على الشيخ قده بأنه لا اثر لترامي هذه الظنون في الأقربية إلى الواقع وجبرانه وانه بالوجدان لا يحصل ولو مع حصول الف ظن الا مجرد بادراك الواقع وبدله من غير أن يوجب هذا الترامي لقوة الظن بالواقع أو بدله الذي كان حاصلا في المرتبة الأولى ( منظور ) فيه ( فتلخص ) مما ذكرنا انه بناء على كون نتيجة الانسداد هو الطريق الواصل بنفسه لا يكون اهمال في النتيجة لا بحسب الموارد ولا الأسباب بل ولا بحسب المرتبة من غير فرق في ذلك بين ان يكون بطلان الاحتياط والبرائة في مجموع الوقايع المشتبهة أو في كل واحد منها حيث إنه بالبيان المتقدم يرتفع الاهمال ولو على بطلان الاحتياط والبرائة في مجموع الوقايع المشتبهة بلا احتياج في اثبات التعميم إلى ابطالهما في كل واحد من الوقايع المشتبهة بالعلم الاجمالي وبالاجماع المدعى على عدم بناء الشريعة على الامتثال الاحتمالي فتدبر ( واما بناء على كون النتيجة الطريق الواصل ) ولو بطريقه فيحتاج في رفع الاهمال بعد العلم الاجمالي بنصب الطريق إلى اجراء مقدمات انسداد آخر في تعيين ذلك الطريق المستكشف مرة أو مرارا إلى أن ينتهى إلى ظن واحد فيؤخذ به لتعينه قهرا أو ظنون متعددة متساوية في الاعتبار فيؤخذ بالجميع لعدم المرجح أو متفاوتة في كون بعضها متيقن الاعتبار وبعضها مظنون فيقتصر على المتيقن مع كفايته ولكن انتهاء النوبة إلى هذه المرحلة انما هو في فرض عدم ايكال الشارع في الانسداد الأول إلى حكم العقل بمقتضى المقدمة الرابعة والا فيخرج عن فرض كون النتيجة الطريق الواصل بطريقه لاستقلال العقل حينئذ بالأخذ بالأقرب فالأقرب فلا مجال للاهمال كي ينتهى الامر إلى الانسداد الثاني ( ولذلك ) لا يجرى فيه أيضا الترجيح بمظنون الاعتبار بالتقريب المتقدم لأنه مبنى على كون النتيجة الطريق الواصل بنفسه كما أنه في فرض انتهاء الامر إلى الانسداد الثاني بعدم الايكال إلى المقدمة الرابعة في الانسداد الأول لا يختص جريانه بما ظن حجيته في خصوص الظنون بل يعم غيرها أيضا ( ومن ذلك ) ظهر الحال في الانسداد الثالث والرابع حيث إن انتهاء الامر إلى الانسداد الثالث فرع عدم ايكال الشارع إلى المقدمة الرابعة في تعيين الطريق في الانسداد الثاني من الاخذ بما هو أقرب الطرق إلى الطريق المجعول بالانسداد الأول والا فلا

ص: 178

تنتهي النوبة إلى جريان مقدمات الانسداد في الطريق ( كما أنه في فرض ) عدم الايكال إلى حكم العقل بمقتضى المقدمة الرابعة مطلقا لا في الانسداد الأول ( ولا ) في الانسداد في الطريق لابد من الاخذ بالاحتياط بمراعاة أطراف الاحتمال تماما أو تبعيضا تخييريا ما لم يكن بينها متيقن الاعتبار بمقدار الكفاية حيث إن عدم الايكال إلى حكم العقل بالمقدمة الرابعة مطلقا في معنى كون النتيجة هي الطريق غير الواصل ولو بطريقه ، ولازمه هو الاخذ بالاحتياط في دائرة الطرق تماما أو تبعيضا تخييرا بلا تعين في بعض دون بعض وهكذا الامر في فرض احتمال كون النتيجة الطريق غير الواصل رأسا فإنه لابد أيضا من الاحتياط في دائرة الطرق بلا مجال لاجراء الانسداد في تعيينه كما هو ظاهر.

( الامر الثالث ) في وجه خروج القياس عن عموم نتيجة دليل الانسداد ( حيث ) انهم وقعوا في حيص وبيص من أنه كيف يمكن خروج القياس عن عموم النتيجة ، وكيف يجتمع نهى الشارع عن العمل بالقياس مع استقلال العقل وحكمه التنجيزي بان الظن في حال الانسداد كالعلم في كونه مناطا للإطاعة والمعصية ، مع أن الدليل العقلي غير قابل للتخصيص ( ولكن ) لا يخفى ان هذا الاشكال انما هو على خصوص مسلك التبعيض في الاحتياط بمناط العلم الاجمالي بالتكليف ( والا ) فعلى غيره من المسالك الاخر لا موقع للاشكال في خروجه ( وذلك ) اما على مسلك الكشف عن جعل ايجاب الاحتياط الشرعي أو جعل الحجية أو الطريقية والكاشفية للظن فظاهر لأنه بالنهي عن اتباع القياس لا يحتمل الحجية حتى يتوهم خوله في عموم النتيجة ( وكذلك الامر على مسلك المختار من الحكومة الراجع إلى حجية الظن ومثبتيته للتكليف عقلا بمناط الاهتمام ( فان ) حكم العقل حينئذ بمرجعية الظن انما كان مخصوصا باحتمال تكليف يقطع باهتمام الشارع به على فرض وجوده في مورد الاحتمال ( دون ) ما شك في أصل اهتمام الشارع به على فرض وجود ( ومن المعلوم ) انه مع نهى الشارع عن العمل بالظن القياسي لا مجال للقطع باهتمام الشارع به كي يكون مورد حكم العقل بالالزام بل هو كالشك البدوي في أصل الاهتمام في كونه مورد حكمه بالبرائة وقبح العقاب بلا بيان ( وهكذا الكلام ) بناء على تقريب الحكومة بمناط منجزية الاحتمال كما

ص: 179

في احتمال قبل الفحص للتخلص عن محذور الخروج عن الدين حيث نقول بتعليقية حكم العقل حينئذ على عدم ترخيص واصل من الشارع أو نهيه عن الاخذ ببعض المحتملات ، فمع نهى الشارع حينئذ لا يبقى مورد لحكم العقل ( ولا يتوجه ) عليه ان لازم تعليقية حكم العقل على عدم نهى الشارع عن العمل بالظن هو عدم استقلاله بلزوم الاخذ بالظن في غير القياس أيضا ، نظرا إلى احتمال نهى الشارع عن امارة أخرى مثل نهيه عن العمل بالقياس ( ولا يندفع ) ذلك الا بالالتزام بتنجيزية حكم العقل في حال الانسداد بلزوم الاخذ بالظن وكونه مناطا للإطاعة والمعصية ، ومعه يتوجه اشكال خروج القياس على مسلك الحكومة أيضا « إذ نقول ان » ذلك انما يتم إذا كان حكم العقل معلقا على عدم المنع عنه واقعا « والا » فبناء على كونه معلقا على عدم وصول المنع الشرعي فلا مجال لهذا الاشكال كما هو ظاهر « وحينئذ » ينحصر الاشكال على مسلك التبعيض في الاحتياط بمناط منجزية العلم الاجمالي وعليته لحكم العقل الجزمي بلزوم الاخذ بالأقرب في مقام اسقاط التكليف بعد صرف أدلة الحرج إلى غيره « ولا دافع » للاشكال حينئذ الا الالتزام بتعليقية حكم العقل في أصل اقتضاء العلم الاجمالي أو استكشاف جعل البدل من النواهي كما تقدم نظيره بالنسبة إلى دليل الحرج « والا » فمع البناء على تنجيزية حكم العقل لا محيص عن الالتزام بعموم النتيجة وعدم خروج القياس عنها ولو بحمل تلك النواهي صرفا أو انصرافا على صورة الاستطراق بالقياس إلى الواقع في مقام اثبات التكليف كما كان عليه ديدن العامة من استطراقهم بالقياس ونحوه واستغنائهم بذلك عن الحجج الطاهرة عليهم الصلاة والسلام ، لا في مقام الاسقاط خصوصا في فرض الانسداد الذي هو مفروض الكلام « واما » ما ذكروه في التفصي عن الاشكال « فلا يجدى » شيئا خصوصا ما أفيد من أن الأحكام الشرعية ليست كالأحكام العرفية والعقلية في كون مناطاتها بيد العرف والعقل ، لما يرى من كون مبنى الشريعة على تفريق المجتمعات وجمع المتفرقات ، وان استقلال العقل بكفاية الامتثال الظني انما هو إذا كان عن منشأ عقلائي لا يكثر الخطاء فيه ، وبعد التفات العقل إلى كثرة خطأ القياس لا يستقل بكفاية الامتثال الظني الحاصل منه ولو مع قطع النظر عن الأدلة

ص: 180

القطعية الدالة على المنع عن العمل به ( ونحوه ) دعوى عدم حصول الظن من القياس بعد الالتفات إلى نهى الشارع عنه ( إذ من الواضح ) جدا انه كثيرا يحصل الظن من القياس ما لا يحصل من غيره من الامارات الاخر ( كوضوح ) ان عمدة المناط في نظر العقل في حكمه بلزوم الاخذ بالظن انما هو حيث قربه إلى الواقع لا جهة عقلائيته وانه ربما يكون الظن الحاصل من القياس أقرب من غيره إلى الواقع في نظر العقل الحاكم بالأخذ بالأقرب ( نعم ) ربما يكون الالتفات إلى كثرة خطائه منشأ لعدم حصول الظن بالواقع ، ولكنه غير مرتبط بمحل البحث الذي هو فرض حصول الظن بالواقع من القياس ( وعليه ) لا محيص في التفصي عن الاشكال من دعوى تعليقية حكم العقل في فرض الانسداد على عدم ردع شرعي على خلافه والا فعلى فرض تنجيزية حكمه لابد من الالتزام بعموم النتيجة وعدم خروج القياس ( واما ) الاشكال في أصل صحة نهى الشارع ومنعه عن العمل بالقياس ولو على القول بتعليقية حكم العقل نظرا إلى أنه قد يصيب الواقع ( فمدفوع ) بامكان اشتمال سلوكه لمفسدة غالبة على مصلحة الواقع بعكس مصلحة السلوكية في الطرق والامارات المجعولة كما ذكرناه سابقا فراجع.

( الامر الرابع ) في الظن المانع والممنوع كما لو قام ظن من افراد الظن المطلق على عدم حجية ظن بالخصوص ، وفي وجوب العمل بالظن المانع أو الممنوع أو تساقطهما خلاف مشهور بين الاعلام ، والذي يقتضيه التحقيق هو الأول ( وهذا ) على مسلك الحكومة بالتقريب المختار واضح ، لعدم احراز الاهتمام حينئذ في مورد ظن الممنوع ( وكذلك ) الامر على مسلك الكشف باقسامه والحكومة بالتقريب الاخر ، لما تقدم من تعليقية حكم العقل في باب الانسداد بالأخذ بالأقرب على عدم قيام دليل أو حجة على المنع عنه ( إذ حينئذ ) لابد من تقديم المانع ( فإنه ) من جهة تنجيزية اقتضائه للحجية يصلح للمانعية عن الظن الممنوع ، حيث لا مانع عنه بالفرض من دخوله تحت دليل الانسداد وحكم العقل فيه بالحجية الا الظن الممنوع الذي يكون أصل اقتضائه للحجية في ظرف عدم تأثير المقتضى التنجيزي في طرف المانع ( ومن المعلوم ) انه من المستحيل صلاحية مثله للمانعية عنه لكونه ، دوريا ، لتوقف مانعيته على حجيته المتوقفة على عدم تأثير المقتضى التنجيزي

ص: 181

في طرف المانع ، وتوقف ذلك على حجيته ومانعيته ( وحينئذ ) فلابد من تقديم المانع عليه بالتقريب المزبور كما في مقتضيين يكون أحدهما تنجيزيا والآخر تعليقيا ( من دون ) احتياج إلى اثبات الترجيح بقاعدة التخصيص والتخصص ، كي يناقش فيه بان مرجع هذه القاعدة انما هو إلى التمسك بأصالة العموم عند الشك في ورد التخصيص عليه ، باثبات لازمه وهو التخصص بالنسبة إلى خروج الفرد الاخر ، ومثلها أجنبية عن المقام لاختصاصها بالأدلة اللفظية الجارية فيها الأصول المعهودة ( نعم ) بناء على تنجيزية حكم العقل في باب الانسداد ( يتوجه ) الاشكال في تقديم المانع بلحاظ تنجيزية الاقتضاء في كل من المانع والممنوع وصلاحية كل منهما للمانعية عن الاخر ( بل ) قد يقوى حينئذ لزوم الاخذ بالممنوع بلحاظ انه مع استقلال العقل بلزوم الاخذ بالأقرب إلى الواقع لا يحتمل المنع ( ولكنه ) مشكل حيث إن ذلك فرع تطبيق دليل الانسداد أولاً على الظن الممنوع ، ولا ترجيح في ذلك بعد تساوى الظنين في نظر العقل وتنجيزية الاقتضاء في كل منهما ( نعم ) ذلك يتجه بناء على مسلك التبعيض في الاحتياط بمناط منجزية العلم الاجمالي حيث إنه بعد تنجيزية حكم العقل بالأخذ بالأقرب في مقام تحصيل الفراغ وآبائه عن مجيء الترخيص على الخلاف ( لا محيص ) عن الاخذ بالممنوع وطرح المانع ، ولذا كان عمدة اشكال خروج القياس أيضا على هذا المسلك ( مضافا ) إلى عدم اقتضاء المانع حينئذ لالغاء الظن الممنوع رأسا لان غاية ما يقتضيه هو عدم حجية الظن الممنوع ومنجزيته فأمكن الجمع بين الاخذ بالممنوع عملا بمناط التبعيض في الاحتياط وبين عدم اعتباره ، حيث لا يترتب اثر عملي عليه كي يقتضى العلم الاجمالي تنجزه ( مع ) انك عرفت في التفصي عن اشكال خروج القياس تعليقية حكم العقل في باب الانسداد حتى على هذا المسلك أيضا ( وعليه ) لابد من تقديم الظن المانع ( ثم انه ) بما ذكرنا يندفع ما أورده الشيخ قده في المقام من دعوى ان حصول الظن من المانع بعدم حجية الممنوع انما هو مع قطع النظر عن دخول الممنوع تحت دليل الانسداد ( والا ) فعلى فرض دخوله يقطع لا محالة بحجيته ومعه يستحيل بقاء المانع على إفادته للظن بعدم الحجية وحينئذ فعند الدوران لابد من تقديم الممنوع ، لأنه بدخوله تحت دليل الانسداد موجب لارتفاع الموضوع في طرف

ص: 182

المانع حيث يرتفع الظن بعدم الحجية وجدانا ( بخلاف ) العكس فإنه لا يلزم من دخول المانع ارتفاع الظن الممنوع وجدانا ، وانما غايته اقتضائه لالغاء حكمه ومنعه عن دخوله تحت الانسداد ( إذ نقول ) ان ما أفيد من لزوم ارتفاع الظن المانع في فرض تطبيق دليل الانسداد على الممنوع وان كان متينا ( الا ان ) الكلام في أصل تطبيق دليل الانسداد حينئذ على الممنوع مع وجود المانع التنجيزي وصلاحيته للمانعية عنه دونه ( فان ) الظن المانع حينئذ من جهة تنجيزية اقتضائه يقدم قهرا على الظن الممنوع فإنه لا مانع عنه في هذه الرتبة بالفرض عدى الممنوع الذي عرفت استحالة صلاحيته للمانعية عنه وبدخوله تحت الانسداد وحكم العقل فيه بالحجية يرتفع الموضوع في طرف الممنوع ( وان شئت ) قلت إن اقتضاء الممنوع للحجية من جهة تعليقته انما هو في الرتبة المتأخرة عن سقوط المانع عن الحجية ( ففي الرتبة ) السابقة يندرج المانع قهرا تحت دليل الانسداد بلا وجود مزاحم له في هذه المرتبة وبعد حكم العقل فيه بالحجية في هذه المرتبة لا يبقى مجال لحكمه بحجية الممنوع ( هذا ) وقد أورد على الشيخ قدس سره بمخالفة ما افاده من عدم امكان حصول الظن بعدم الحجية للوجدان ( وفيه ) ما لا يخفى فإنه ناشئ عن عدم التأمل في كلام الشيخ قدس سره ( ثم إن هذا ) كله في فرض عدم تخصيص دليل الانسداد بخصوص الظن بالواقع ، والا فعلى التخصيص به يتعين الاخذ بالممنوع محضا كما أنه في فرض تخصيصه بالظن بالطريق يتعين الاخذ بالظن المانع مع كون مفاد الممنوع هو الحكم الفرعي ( نعم ) في فرض كون مفاده حينئذ هو الحجية يأتي فيه الخلاف المتقدم كما لو قام امارة على عدم حجية امارة قامت على حجية امارة كذائية ومقتضى المختار فيه أيضا لزوم الاخذ بالامارة المانعة دون الممنوعة فتدبر.

( الامر الخامس ) لا يخفى ان ما ذكرنا في نتيجة دليل الانسداد على الحكومة والكشف في مرجعية الظن في مقام اثبات التكليف أو اسقاطه انما هو في مقام الخروج عن عهدة الاحكام الكلية المنسد فيها باب العلم والعلمي ( والظن ) انما كان مرجعا في مقام تعيين الحكم الكلي ، لا في مقام تطبيق المأمور به على المأتي به وموضوع الحكم الكلي المعلوم على الموضوع الخارجي فإذا شك في الصلاة المفروضة يوم الجمعة وقد ظن بكونها هي الجمعة فيتبع حينئذ ظنه ذلك واما لو ظن باتيان صلاة

ص: 183

الجمعة بعد ثبوت وجوبها فلا اعتماد على هذا الظن ( بل لابد ) بمقتضى قاعدة الاشتغال من الاتيان بها على نحو يقطع بانطباق المأمور به عليها ( وكذا الكلام ) في الشك في الموضوعات الخارجية كالشك في كون الشيء ترابا خالصا ، والشك في أن الجهة المعينة هي القبلة ونحو ذلك من الموارد الراجعة إلى الشك في تطبيق المفاهيم الكلية عليها ( فإنه ) لا يجدى مجرد الظن بالتطبيق والظن بالامتثال وبرائة الذمة عن الواقع في نحو هذه الأمور ( فالظن ) بالامتثال انما يجدي ويجوز الاعتماد عليه في أصل تعيين كون قبلة العراق مثلا ما بين المشرق والمغرب وتعيين كون الوظيفة يوم الجمعة هي صلاة الجمعة ، لا في تطبيق موضوع الحكم الكلي المعين على المأتي به ( الا ) إذا فرض رجوعه إلى الظن في تعيين الحكم الكلي كالظن ببعض المسائل الأصولية واللغوية ونحوهما ( نعم ) قد يجرى دليل الانسداد في بعض الموضوعات الخارجية كما في موضوع الضرر الذي أنيط به احكام كثيرة من نحو جواز التيمم والافطار ونحو ذلك فان باب العلم به لما كان منسدا في الغالب بحيث لا يعلم به الا بعد تحققه وكان اجراء أصالة العدم فيه أيضا موجبا للوقوع فيه غالبا أمكن دعوى جريان الانسداد فيه والاكتفاء بمجرد الظن بالضرر في ترتب الاحكام المزبورة ( ولكن ) ذلك أيضا لو لم نقل بإناطة تلك الأحكام حقيقة على مجرد الظن بالضرر وخوفه لا على الضرر الواقعي والا فلا يحتاج إلى اجراء الانسداد فتدبر.

( الامر السادس ) في جابرية مطلق الظن وموهنيته للرواية سندا ودلالة والمقصود بالكلام هو الظن الذي لم يقم دليل على اعتباره ولا على عدم اعتباره ( واما ) ما قام الدليل على عدم اعتباره كالظن القياسي فيظهر حكم مما سنذكره ( ومحل الكلام ) في ذلك يقع ، تارة في جابرية الظن أو موهنيته للسند ( وأخرى ) للدلالة فنقول اما جابرية الظن وموهنيته للرواية سندا فاجمال القول فيه هو انه يختلف ذلك باختلاف الوجوه المذكورة في مناط حجية الرواية من « كونه » مطلق الوثوق الشخصي بصدور الرواية عن الامام (عليه السلام) ولو من الخارج « أو كونه » الوثوق الحاصل من نفس الرواية باعتبار المزايا الداخلية لا مطلق الوثوق ولو من الخارج « أو كونه الوثوق » النوعي الناشئ من الأمور الداخلية كالظنون الرجالية المعمولة في تميز المشتركات وتحصيل عدالة الراوي

ص: 184

ووثاقته « أو مطلق » الوثوق النوعي ولو من الخارج اما مطلقا أو بشرط عدم قيام ظن فعلى على الخلاف « فعلى الأول » يلزمه المصير إلى جابرية الظن المزبور فإذا أفاد امارة غير معتبره كالشهرة الظن بصدور رواية عن الامام (عليه السلام) وكان الخبر ضعيفا في نفسه انجبر قصور سنده بها « كما أنه » يلزمه في الفرض المزبور الالتزام بالموهنية أيضا لأنه بقيام الظن الفعلي على الخلاف يرتفع الوثوق الشخصي بالصدور قهرا « ولو » مع كون الظن المزبور من الظنون القياسية المنهى عنها « وذلك » لا من جهة الاعتماد على الظن المزبور بل من جهة ملازمته لارتفاع الوثوق بالصدور الذي هو مناط الحجية « واما » على الثاني فلا عبرة بالظن المزبور لا جبرا ولا وهنا الا من جهة ملازمته لارتفاع الوثوق الفعلي بالصدور « وكذلك الامر » على الثالث بل الامر فيه أوضح إذ لا يكاد يؤثر قيام الظن الفعلي من الخارج في الجبر ولا في الوهن فإذا كان الخبر في نفسه باعتبار المزايا الداخلية مفيدا للوثوق النوعي لابد من الاخذ به ولو مع قيام الظن الفعلي على الخلاف نعم على القول بإناطة حجية الخبر بعدم قيام الظن الفعلي من الخارج على الخلاف اتجه قادحية الظن المزبور ولكن الكلام في أصل المبنى « واما » على الرابع وهو إناطة الحجية بمطلق الوثوق النوعي بالصدور ولو من الخارج فلا باس بجابرية الظن المزبور واما موهنيته له مع إفادته الوثوق النوعي في نفسه فلا « الا » إذا فرض كشفه عن خلل في سنده بنحو يرتفع معه الوثوق النوعي بالصدور « والا » فلا يقدح فيه مجرد قيام الظن المزبور على الخلاف نعم على فرض إناطة الحجية فيه بعدم قيام ظن شخصي على خلافه اتجه قادحيته ولكن الفرض ضعيف جدا « وحيث » ان التحقيق هو الاحتمال الرابع وهو كون مدار الحجية على مجرد الوثوق النوعي بالصدور ولو من الخارج من دون إناطة بعدم قيام الظن الفعلي على الخلاف كما تقدم في مبحث حجية خبر الواحد فلا يقدح في حجيته قيام الظن الفعلي على الخلاف « الا إذا » فرض كشفه عن خلل فيه يوجب ارتفاع الوثوق النوعي « ومن هذا البيان » ظهر عدم الاحتياج إلى القواعد الرجالية المعمولة في تصحيح الاخبار ، فان الاحتياج إليها انما هو على القول بتخصيص الوثوق الفعلي أو النوعي بالوثوق الناشئ

ص: 185

من المزايا الداخلية ( والا فعلى ) المختار من كفاية مطلق الوثوق النوعي ولو من الخارج كالشهرة الفتوائية الاستنادية لا يحتاج إلى اعمال القواعد الرجالية ( فإذا ) كان الخبر مما يفيد الوثوق النوعي بالصدور ولو من جهة استناد المشهور إليه في فتاويهم يؤخذ به ، وان كان ضعيفا في نفسه بمقتضى القواعد الرجالية ( كما أنه ) باعراض المشهور عنه لابد من طرحه ولو كان في نفسه صحيحا وكان رواته جميعا مزكاة بتزكية العدلين ( لان ) اعراض المشهور عن مثله يكشف لا محالة عن خلل في سنده موجب لارتفاع الوثوق عنه ( ومن ) هذه الجهة اشتهر بينهم بان الخبر كلما ازداد صحة ازداد باعراض المشهور عنه وهنا ( ثم إن هذا ) كله في الظن الذي لم يقم دليل على اعتباره ( واما ) ما قام الدليل على عدم اعتباره كالقياس فلا شبهة في أنه لا يعتنى به جبرا ولا وهنا حتى على القول بتخصيص الحجية بصورة عدم قيام ظن فعلى على خلافه إذ بعد نهى الشارع عن القياس واعماله فلا جرم بمقتضى النهى المزبور لابد من طرحه وفرضه كان لم يكن جبرا ووهنا ( نعم ) قادحية مثل القياس انما هو في صورة اعتبار مطلق الوثوق الفعلي في حجية الخبر إذ حينئذ بقيام الظن القياسي على الخلاف يرتفع الوثوق الفعلي وجدانا وبارتفاعه يخرج عن الحجية ( ثم إن ) هذا كله في جابرية الظن وموهنيته لسند الرواية ( واما مقام ) الترجيح به لاحد المتعارضين على الاخر فعلى القول بالتعدي من المرجحات المنصوصة فلا باس بالترجيح به عند التعارض ما لم يكن من الظنون المنهى عن أعماله والا فلا يعتني به ( واما ) على القول بعدم التعدي من المرجحات المنصوصة فلا عبرة بوجوده في هذا المقام كما سنذكره انشاء اللّه تعالى في محله ( واما ) الجهة الثانية الراجعة إلى مقام دلالة الرواية ( فتبتني ) على الوجوه المذكورة لحجية الظهورات ( فبناء ) على ما حققناه في تلك المسألة من كون مدار الحجية على ظهور اللفظ في المعنى المراد اما بحافة أو بمعونة القرائن الحافة المكتنفة بالكلام ( فلا ) شبهة في أنه لا تأثير للظنون الخارجية على الوفاق أو الخلاف ، لان الحجية حينئذ تدور وجودا وعدما مدار ظهور الكلام وعدمه ، ولا عبرة بقيام الظن من الخارج على الوفاق أو الخلاف ، الا إذا فرض كشفه عن احتفاف الكلام حين صدوره بقرينة قد خفيت علينا لأجل بعد الزمان وتقطيع الاخبار كما لعله من ذلك الظن

ص: 186

الحاصل من ذهاب المشهور من القدماء إلى الفتوى على خلاف عموم الرواية أو اطلاقها فإنه ربما يكشف ذهابهم إلى الفتوى على الخلاف مع قربهم بزمان صدور الاخبار عن احتفاف الخبر بقرينة قد خفيت علينا من جهة تقطيع الاخبار وبعد الزمان ( فتأمل ) هذا بناء على ما اخترناه في حجية أصالة الظهور ( واما ) على القول بكون مدار الحجية فيها على إفادته للظن الفعلي بالمراد فعليه يقع الاشكال بلحاظ ان قيام الظن الخارجي على الخلاف موجب لارتفاع الظن الفعلي بالمراد وبارتفاعه يخرج عن الحجية والاعتبار ولو كان الظن المزبور من الظنون التي نهى عنها بالخصوص كما هو ظاهر هذا كله في حجية الظن في الفروع العملية.

( تذيل ) في المسائل الاعتقادية المطلوب فيها عمل الجوانح فقد وقع الكلام فيها في وجوب تحصيل الظن فيها وقيامه مقام العلم في وجوب عقد القلب والتدين والانقياد على طبقه وعدمه ( ولكن ) التحقيق الثاني فان الاكتفاء بالظن في الاحكام الفرعية والمسائل العملية عند انسداد باب العلم والعلمي فيها انما هو من جهة عدم التمكن من تحصيل الواقع الا بالاحتياط المفروض عدم وجوبه أو عدم التمكن منه فمن ذلك يتعين بحكم العقل الاخذ بالأقرب إلى الواقع والعمل على طبقه وهذا المعنى لا يجرى في الأصول الاعتقادية فان باب العلم وان فرض انسداده فيها ( الا ) ان باب الاعتقاد الاجمالي بما هو واقع الامر والتدين والانقياد به على ما كان غير منسد على المكلف فلا مجال لجريان دليل الانسداد فيها كي ينتهى الامر إلى وجوب الانقياد بمظنونه وحينئذ فالواجب أولاً هو تحصيل المعرفة بما يجب الاعتقاد به كمعرفة الواجب تعالى وما يرجع إليه من صفات الجلال والجمال ومعرفة أنبيائه ورسله وحججه الذين هم وسائط نعمه مع التدين والانقياد لجميع ذلك ومع عدم التمكن من المعرفة التفصيلية يعتقد وينقاد بما هو الواقع بنحو الاجمال ( واما ) وجوب تحصيل الظن عليه والتدين والانقياد بمظنونه فلا دليل عليه لعدم حكم للعقل حينئذ بوجوبه وعدم ثبوت كون مثله من مراتب شكر المنعم خصوصا مع التمكن من الاعتقاد الاجمالي بما هو واقع الامر إذ حينئذ لا ألجأ في التنزل إلى الظن كما كان في الفروع العملية.

( ثم إن ) ملخص المقال في الأصول الاعتقادية يقع في مقامات ( الأول ) فيما يرجع

ص: 187

إلى أصل وجوب المعرفة مع الامكان وبيان ما يجب تحصيل العلم والمعرفة به ( الثاني ) في وجوب التدين والانقياد بما ثبت وجوب المعرفة به ( الثالث ) فيما يقتضيه الأصل عند الشك في وجوب المعرفة والاعتقاد بالنسبة إلى الزائد من المقدار المعلوم ( الرابع ) في حكم غير المتمكن من تحصيل المعرفة من حيث الوضع والتكليف ( فنقول ) ( اما المقام الأول ) فلا ينبغي الاشكال في وجوب تحصيل معرفة الواجب تعالى ومعرفة ما يرجع إليه من صفاته الجمال والجلال ككونه واحدا قادرا عالما مريدا حيا غنيا لم يكن له نظير ولا شبيهه ولم يكن بجسم ولا مرئي ولا له حيز ونحو ذلك كما لا اشكال أيضا في كون الوجوب المزبور نفسيا لان المعرفة بالمبدء سبحانه هي الغاية القصوى والغرض الأصلي من خلق العباد وبعث الرسل كما ينبئ عنه قوله سبحانه ( وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون ) حيث إن حقيقة العبودية هي المعرفة ولا ينافي ذلك مقدميتها لواجب اخر عقلي أو شرعي كالتدين والانقياد ونحوه ( ثم إن عمدة ) الدليل على وجوب المعرفة انما هو حكم العقل الفطري واستقلاله بوجوب تحصيل المعرفة بالمبدء تعالى على كل مكلف بمناط شكر المنعم باعتبار كونها من مراتب أداء شكره فيجب بحكم العقل تحصيل المعرفة به سبحانه وبما يرجع إليه من صفات الجمال والجلال بل ويجب أيضا معرفة أنبيائه ورسله وحججه الذين هم وسائط نعمه وفيضه ( والا ) فمع الاغماض عن هذا الحكم العقلي الفطري لا تجدي الأدلة السمعية كتابا وسنة من نحو قوله سبحانه ( ما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون لعدم تمامية مثل هذه الاستدلال للجاهل بهما لا الزاما ولا اقناعا لان دليليتهما فرع الاعتقاد بهما وبكلامهما وحينئذ فالعمدة في الدليل على الوجوب هو حكم العقل الفطري ( نعم ) بعد تحصيل المعرفة بالمبدء ووسائط نعمه بحكم العقل لا باس بالاستدلال بالكتاب والسنة لاثبات وجوب المعرفة لما عداهما في فرض تمامية اطلاق تلك الأدلة من حيث متعلق المعرفة والا فبناء على عدم اطلاقها من هذه الجهة فلا مجال للتمسك بها أيضا ( ثم ) انه مما ذكرنا ظهر الحال في المقام الثاني حيث إنه بعد ما وجب تحصيل المعرفة بالواجب تعالى وبوسائط نعمه يجب بحكم العقل الاعتقاد وعقد القلب والانقياد له سبحانه لكون مثله أيضا

ص: 188

من مراتب أداء شكره الواجب عليه بل الظاهر أن وجوب ذلك أيضا كوجوب أصل المعرفة مطلق غير مشروط بحصول العلم من الخارج فيجب عليه حينئذ تحصيل العلم مقدمة للانقياد الواجب ( هذا كله ) بالنسبة إلى أصل وجوب المعرفة ( واما المقدار ) الواجب منها فإنما هو المعرفة بالمبدء جل شانه وبوحدانيته وبما يرجع إليه من صفاته الجمال والجلال وكذا معرفة أنبيائه ورسله وحججه الذين هم وسائط نعمه وفيضه وكذلك الحشر والنشر ولو بنحو الاجمال « واما » ما عدى ذلك كتفاصيل التوحيد وكيفية علمه وارادته سبحانه وتفاصيل المحشر وخصوصياته وان الميزان والصراط باي كيفية ونحو ذلك فلا يجب تحصيل العلم ولا الاعتقاد بها بتلك الخصوصيات « نعم » في فرض حصول العلم بها من الخارج يجب الاعتقاد وعقد القلب بها فوجوب الاعتقاد بخصوصيات الأمور المزبورة انما كان مشروطا بحصول العلم بها من باب الاتفاق لا ان وجوبها مطلق حتى يجب تحصيل العلم بها من باب المقدمة « نعم » الواجب على المكلف هو الاعتقاد الاجمالي بما هو الواقع ونفس الامر فيعتقد وينقاد بتلك الأمور على ما هي عليها في الواقع ونفس الامر ومن « هذا » البيان ظهر الحال في المقام الثالث أيضا فان مقتضى الأصل فيما عدى المقدار المزبور هو عدم وجوب تحصيل المعرفة زائدا على المقدار الذي يستقل العقل بوجوب تحصيله الا ما ثبت من الخارج وجوب الاعتقاد به من ضرورة ونحوه كالمعاد الجسماني « واما » الاستدلال على وجوب المعرفة بتفاصيل الأمور المزبورة بما ورد من الأدلة النقلية كتابا وسنة كقوله سبحانه : « وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون » وعموم اية النفر وقوله (عليه السلام) لا اعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من الصلوات الخمس وقوله (عليه السلام) طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة « فيدفعه » مضافا إلى قضاء العادة بامتناع حصول المعرفة بما ذكر الا للأوحدي من الناس « انه » لا اطلاق لها من حيث متعلق المعرفة لأنها بين ما كان في مقام بيان فضيلة الصلاة والحث والترغيب إليها لا في مقام بيان حكم المعرفة وبين ما كان بصدد اثبات أصل وجوب المعرفة بالمبدء ورسله وحججه لا في مقام وجوبها على الاطلاق حتى بالنسبة إلى التفاصيل المزبورة « وعليه » فعند الشك لابد من الرجوع إلى الأصل المقتضى لعدم وجوبها « نعم » حيث قلنا بعدم وجوب

ص: 189

تحصيل المعرفة في الزائد عن المقدار المعلوم فليس له انكاره والجحد به ، إذ لا يستلزم عدم وجوب المعرفة بشيء جواز انكاره « بل » ربما يكون انكاره حراما عليه بل موجبا لكفره إذا كان من الضروريات لما يظهر منهم من التسالم على كفر منكر ضروري الدين كالمعراج والمعاد الجسماني ونحوهما فلابد لمثل هذا الشخص حينئذ من الاعتقاد اجمالا بما هو الواقع « وحيث » انجر الكلام إلى هنا ينبغي عطف الكلام إلى بيان ان كفر منكر الضروري هل هو لمحض انكاره ، أو انه من جهة استتباعه لتكذيب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وتظهر الثمرة فيما لو كان منشأ الانكار الاعتقاد بعدم صدور ما أنكره عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أو اشتباه الامر عليه « فإنه » على الأول يحكم عليه بالكفر ويرتب عليه اثاره بمحض انكاره بخلاف الثاني حيث لا يحكم عليه بالكفر في الفرض المزبور « فنقول » ان ظاهر اطلاق كلماتهم في كفر منكر الضروري وان كان يقتضى الوجه الأول « ولكن » النظر الدقيق فيها يقتضى خلافه وذلك لما هو المعلوم من انصراف اطلاق كلماتهم إلى المنكر المنتحل للاسلام المعاشر للمسلمين « ومن » الواضح ظهور انكار مثل هذا الشخص في تكذيبه للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومع هذا الانصراف لا مجال للاخذ باطلاق كلامهم في الحكم بكفر منكر الضروري حتى مع العلم بعدم رجوع انكاره إلى تكذيب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وبعد عدم دليل في البين على ثبوت الكفر بمحض الانكار أمكن الالتزام بعدم الكفر فيمن يحتمل في حقه الشبهة وخفاء الامر عليه بحسب ظهور حاله كما فيمن هو قريب عهد بالاسلام عاش في البوادي ولم يختلط بالمسلمين حيث إن انكار مثله لا يكون له ظهور في تكذيب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وبذلك يندفع ما قد يتوهم من اقتضاء البيان المزبور عدم الحكم بالكفر حتى في من نشأ في الاسلام وعاشر المسلمين مع احتمال الشبهة في حقه خصوصا مع دعواه عدم اعتقاده بصدور ما أنكره عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وانه من الموضوعات « إذ نقول » انه كذلك لولا ظهور حال مثله في تكذيب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعدم خفاء شيء عليه من أساس الدين وضرورياته « حيث » ان العادة قاضية بان من عاشر المسلمين مدة مديدة من عمره لا يخفى عليه شيء من أساس الدين وضرورياته فضلا عمن كان مسلما وكان نشوه من صغره بين المسلمين ،

ص: 190

فانكار مثل هذا الشخص يكشف لا محالة بمقتضي ظهور حاله عن تكذيب النبي بحيث لو ادعى جهله بذلك أو اعتقاده بعدم صدور ما أنكره عن النبي لا يسمع منه بل يحكم بكفره ( وهذا ) بخلاف غيره ممن كان نشوه في البوادي أو البلاد التي لا يوجد فيها المسلم فان ظهور حاله ربما يكون على العكس ، ومن ذلك لا نحكم بكفره بمجرد انكاره لشئ من ضروريات الدين خصوصا مع دعواه عدم علمه بكون ما أنكره صادرا عن النبي صلی اللّه علیه و آله ( بل ) ولعل في جعل مدار الكفر على انكار الضروري ( دلالة ) على ما ذكرنا من طريقية الانكار للتكذيب بلحاظ بعد خفاء ما هو أساس الدين وضرورياته على المنتحل للاسلام المعاشر مع المسلمين بخلاف غير الضروري حيث لا بعد في خفائه والا فلا فرق في استلزام الانكار للتكذيب بين الضروري وغيره ، وحينئذ فيمكن الجمع بين اطلاق كلامهم في كفر منكر الضروري وبين ما هو الظاهر من طريقية الانكار للتكذيب بحمل الاطلاقات على المنكر المنتحل للاسلام المعاشر مع المسلمين برهة من عمره ( وقد ) يستدل على استتباع مجرد الانكار للكفر بما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) من قوله (عليه السلام) لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا ، ولكن يدفعه ظهور الرواية في الانكار الناشئ عن العناد إذ الجحد ليس الا عبارة عن ذلك ومن المعلوم عدم صلاحية مثله للدلالة على ثبوت الكفر بمحض الانكار ومجرد كون الانكار العنادي موجبا للكفر لا يقتضى تسرية الحكم إلى مطلق الانكار ، ومن ذلك نقول ان الانكار العنادي موجب للكفر مطلقا ولو في غير الضروري ( هذا ) كله في صورة التمكن من تحصيل العلم والاعتقاد الجزمي ولقد عرفت وجوبه عليه فيما يرجع إلى اللّه جل شأنه وما يرجع إلى أنبيائه ورسله وحججه وانه مع الاخلال به يكون معاقبا لا محالة ( نعم يبقى الكلام ) حينئذ في كفره وترتيب اثاره عليه من النجاسة وغيرها مع الاخلال بتحصيل المعرفة فنقول اما مع عدم اظهاره للشهادتين فلا اشكال في كفره وترتيب اثاره عليه من النجاسة وعدم الإرث والمناكحة ( واما مع ) اظهار الشهادتين « ففيه » اشكال ينشأ من كفاية مجرد اظهار الشهادتين مع عدم الانكار في الحكم بالاسلام ومن عدم كفايته ولزوم الاعتقاد في الباطن أيضا ولكنه لا ينبغي التأمل في عدم كفايته « فان » حقيقة

ص: 191

الاسلام عبارة عن الاعتقاد بالواجب تعالى والتصديق بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بكونه رسولا من عند اللّه سبحانه وان الاكتفاء باظهار الشهادتين من جهة كونه امارة على الاعتقاد في الباطن كما يظهر ذلك أيضا من النصوص الكثيرة ( ولا ) ينافي ذلك ما يترائى في صدر الاسلام من معاملة النبي صلی اللّه علیه و آله مع المنافقين معاملة الاسلام بمجرد اظهارهم الشهادتين مع علمه صلی اللّه علیه و آله بعدم كونهم مؤمنين باللّه ولا مصدقين برسوله واقعا وان اظهارهم الشهادتين كان لمحض الصورة اما لأجل خوفهم من القتل واما لبعض المصالح المنظورة لهم كالوصول إلى مقام الرياسة والآمال الدنيوية لما سمعوا وعلموا من الكهنة بارتقاء الاسلام وتفوقه على سائر المذاهب والأديان مع أنهم لم يؤمنوا باللّه طرفة عين كما نطقت به الاخبار والآثار المروية عن الأئمة الأطهار ( إذ ) نقول ان في معاملة النبي صلی اللّه علیه و آله والوصي مع هؤلاء المنافقين في الصدر الأول معاملة الاسلام بمحض اظهارهم الشهادتين وجوه ومصالح شتى ( منها ) تكثير جمعية المسلمين وازديادهم في قبال الكفار وعبدة الأوثان الموجب لازدياد صولة المسلمين في أنظار المشركين ومنها حفظ من في أصلابهم من المؤمنين الذين يوجدون بعد ذلك ( ومنها ) تعليم الأمة في الاخذ بما يقتضيه ظاهر القول بالشهادتين في الكشف عن الاعتقاد في الباطن ، فإنه لو فتح مثل هذا الباب في الصدر الأول لقتل كل أحد صاحبه لأجل ما كان بينهم من العداوة في الجاهلية بدعوى ان اعتقاده على خلاف ما يظهره باللسان وان اظهار الشهادتين كان لأجل الخوف من القتل أو الطمع في الشركة في اخذ الغنيمة ( مثله ) لا يزيد المسلمين وشوكتهم الا ضعفا ( كما ) يشهد لذلك الآية الشريفة ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا ( وقضية ) أسامة بن زيد في ذلك معروفة ( ومنها ) غير ذلك من المصالح التي لاحظها النبي صلی اللّه علیه و آله مع علمه بكونهم حقيقة غير مؤمنين على ما نطق به الكتاب المبين في مواضع عديدة في قوله سبحانه يحلفون باللّه انهم لمنكم وما هم منكم وقوله وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض الخ وغير ذلك من الآيات الكثيرة ، وأين ذلك وزماننا هذا الذي قد كثر فيه المسلمون كثرة عظيمه ، وحينئذ فلا يمكن الالتزام بترتيب اثار الاسلام على مجرد اظهار الشهادتين مع العلم بعدم كون اظهارها الا صوريا محضا خصوصا مع ظهور اعتبار القول في كونه لأجل

ص: 192

الحكاية والطريقية عن الاعتقاد في الباطن بل لابد من ترتيب اثار الكفر عليه في الفرض المزبور ( بقى ) الكلام في المقام الرابع في حكم غير المتمكن من تحصيل العلم ويقع البحث فيه في جهتين ( الأولى ) في وجوب تحصيل الاعتقاد الظني عند عدم التمكن من الاعتقاد الجزمي ( الثانية ) في كونه معاقبا وترتيب اثار الكفر عليه فنقول ( اما الجهة الأولى ) فقد مر الكلام فيها بأنه لا دليل على وجوب تحصيل الظن حينئذ لعدم ثبوت كونه كالعلم والمعرفة من مراتب أداء شكر المنعم ودليل الانسداد أيضا غير جار في المقام بعد تمكنه من الاعتقاد الاجمالي بالواقع وعقد القلب على ما هو عليه في نفس الامر ( نعم ) يبقى الكلام فيما لو تفحص وحصل له الظن في أنه هل يقوم ظنه مقام العلم في ترتيب اثار العلم عليه من وجوب التدين والانقياد بمظنونه أم لا ( والتحقيق هو الثاني ) وهذا إذا كان الظن الحاصل من الظنون المطلقة التي لم يثبت حجيتها لدى العقلاء فظاهر واما لو كان من الظنون الخاصة المتبعة عندهم في أمور معاشهم ومعادهم فعدم قيام مثله مقام القطع في ترتيب اثاره عليه من التدين والتسليم وعقد القلب على طبقه انما هو من جهة كونها من الآثار العقلية المخصوصة بالعلم إذ حينئذ لا يجدي مجرد كونه من الطرق العقلائية في قيام مثله مقام العلم في ترتب الآثار المزبورة خصوصا مع عدم اطلاق لأدلة اعتبار الظن عقلا أو شرعا بالنسبة إلى أمثال هذه الأمور التي يمكن ترتيبها على نفس الواقع من دون احتياج إلى تعينه بالظن ( واما الجهة الثانية ) فيقع الكلام فيها ، تارة في الجاهل المقصر ، وأخرى في الجاهل القاصر ( اما الأول ) فلا شبهة في كفره وترتب اثاره عليه وفى استحقاقه للعقوبة أيضا لمكان تقصيره في اخلاله بتحصيل المعرفة ( واما الثاني ) فكفره وترتيب اثاره من النجاسة وعدم المناكحة والتوارث مما لا اشكال فيه لان ترتيب الآثار المزبورة كما تقدم انما هو على اظهار الشهادتين مع احتمال الاعتقاد في الباطن ومتى انتفى تنتفي تلك الآثار ( واما النسبة ) إلى استحقاق العقوبة والخلود في النار ( فقد ) يقال باستحقاقه للعقوبة لما يقتضيه الآيات والأخبار الكثيرة من خلود الكافر في النار وعدم الواسطة بين المؤمن والكافر وفيه تأمل لاستقلال العقل في الفرض المزبور بقبح العقوبة ( واما ) توهم كشف اطلاق تلك الأدلة الدالة على خلود الكافر في النار وعدم الواسطة بين

ص: 193

المؤمن والكافر عن تقصيره لا محالة في تحصيل المعرفة لتمكنه منها ولو في بعض الأزمنة الموجب لعدم معذوريته أيضا لدى العقل ( فمدفوع ) بأنه مع كونه خلاف مفروض البحث مخالف للوجدان حيث نرى قصور بعض الاشخاص وعدم تمكنه من تحصيل المعرفة ولو في زمان من الأزمنة ( بقى الكلام ) في أنه هل يعتبر في المعرفة بالواجب تعالى وصفاته الثبوتية والسلبية ومعرفة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من كونها حاصلة عن اجتهاد ونظر واستدلال ( أو انه ) يكفي مطلق المعرفة ولو كانت ناشئة من كثيرة القاء الأبوين وغيرهما ( فيه وجهان ) ظاهر المحكى عن جماعة من أصحابنا الامامية رضوان اللّه عليهم منهم العلامة قده « الأول » حيث اعتبر لزوم كون المعرفة باللّه سبحانه وصفاته الثبوتية والسلبية عن اجتهاد منه ونظر واستدلال لا عن تقليد بل وادعى عليه اجماع العلماء « ولكن » الأقوى وفاقا للمعظم هو الثاني من كفاية مطلق المعرفة وعدم اعتبار كونها عن نظر واستدلال « لان » المقدار الذي دلت عليه الأدلة العقلية والنقلية انما هو مجرد المعرفة والتصديق والاعتقاد ، واما كونها عن اجتهاد ونظر واستدلال فلا ، لقصور الأدلة عن اثباته وحينئذ فلو فرض حصول المعرفة والاعتقاد بالواجب تعالى ورسله من غير جهة النظر والاجتهاد ( فلا ) وجه لوجوب تبديلها عليه بالمعرفة الناشئة عن النظر والاستدلال ( كيف ) وان لازم القول بعدم كفاية مطلق الجزم والمعرفة هو الالتزام بكفر أكثر العوام بل كلهم الا ما شذ وندر مع أنه كما ترى خلاف ما جرت عليه سيرة العلماء قديما وحديثا بل سيرة الأئمة علیهم السلام ( إذ ) لم يسمع ان أحدا منهم أنكر على من لم يكن اعتقاده بالواجب تعالى وصفاته الثبوتية والسلبية عن اجتهاد ونظر وبرهان ولم يسنده لو سئل عنه إلى حجة عقلية أو شرعية ( بل ) المعلوم من حالهم معاملتهم مع مثل هؤلاء معاملة المسلم من غير نكير منهم عليهم ( هذا ) مع أن النظر في البراهين أيضا قد لا يفيد الجزم بالواقع بلحاظ كثرة الشبهات الحادثة في النفس والمدونة في الكتب خصوصا الشيطان يغتنم الفرصة بوسوسوته وتشكيكه في البديهيات وحينئذ فلا ينبغي الاشكال في كفاية مطلق الجزم والمعرفة ولو من التقليد وكثرة القاء الأبوين وغيرهما ( نعم ) لو أريد من التقليد مجرد الاعتماد على قول الغير تعبدا نظير التقليد في الفروع بلا حصول جزم

ص: 194

في البين كان للمنع المزبور كمال مجال ( ولكنه ) خلاف مفروض الكلام لان الكلام انما هو في فرض حصول الجزم والاعتقاد من جهة كثرة القاء الأبوين وغيرهما ولو بضميمة بعض القرائن الدالة على الصدق ( وهذا هو الذي قلنا بكفايته وعدم لزوم كونه عن اجتهاد ونظر واستدلال ( هذا ) تمام الكلام في المقصد الثاني.

المقصد الثالث في احكام الشكوك

اشارة

( وقبل الشروع في المقصود ) ينبغي تقديم أمور الأول انه لا شبهة في أن المراد من الشك المبحوث عنه في المقام ليس خصوص تساوي الطرفين المقابل للظن والوهم كما ربما يوهمه ظاهر العنوان ( بل ) المراد منه هو مطلق خلاف اليقين ومطلق استتار الواقع وعدم انكشافه بعلم أو علمي فان الأحكام المذكورة فيما بعد مترتبة على الجهل بالواقع وعدم انكشافه علما أو علميا كما هو الشأن في الوظائف العرفية عند الجهل بالواقع ( فإنه ) كما أن لهم في ظرف عدم القطع الوجداني بالواقع طرقا عقلائية يعتمدون عليها في أمور معاشهم ونظامهم وامتثال احكام مواليهم في الاستطراق بها إلى الواقع كالخبر الموثق وباب ظواهر الألفاظ ونحوهما كذلك كان لهم أصول تعبدية ووظائف عملية في ظرف الجهل بالواقع وعدم انكشافه لهم بالعلم به وجدانا أو بما هو بمنزلته جعلا وتنزيلا ( بل ) ان تأملت ترى انه ليس للشارع في هذين الجعلين تأسيس جديد وطريقة خاصة وراء ما هو المعهود عند العرف والعقلاء في موارد طرقهم وأصولهم من حيث اعتبارهم مكشوفية الواقع في موارد قيام الطرق ، واعتبارهم مستوريته في موارد الأصول وان الحكم المجعول في مورد الأصل انما كان في ظرف الشك بالحكم الواقعي ( ومن ) هذه الجهة يكون مفاد الأصول دائما في الرتبة المتأخرة عن مفاد الامارات ( إذ ) مفاد الامارات عبارة عن نفس الحكم الواقعي ( بخلاف ) الأصول فان مفادها عبارة عن الحكم الثابت في ظرف الشك بالحكم الواقعي وبهذه الجهة يصير مفادها متأخرا رتبة قهرا عن مفاد الامارة ويكون الدليل رافعا لموضوع الأصل حقيقة ان كان علميا وحكومة ان كان غير علمي لأنه بمقتضى تتميم الكشف والغاء احتمال الخلاف يثبت

ص: 195

العلم التعبدي بالواقع وبه يرتفع الشك المأخوذ في الأصول ولو تعبدا وتنزيلا فلا مجال لجريانها في قبال الامارة كي يقع بينهما التنافي ( وهذا ) هو الذي افاده الشيخ قده سره في فرائده بقوله ان دليل الامارة وان لم يكن رافعا لموضوع الأصل كالدليل العلمي الا انه نزل شرعا منزلة الرافع فهو حاكم على الأصل لا مخصص له الخ ، إذ لا نعنى من الحكومة الا ما يكون رافعا لموضوع الاخر تعبدا وتنزيلا قبال الورود الذي عبارة عن رافعية أحد الدليلين بعناية التعبد به لموضوع الاخر وجدانا ، في قبال التخصص الراجع إلى خروج فرد عن موضوع الاخر تكوينا بلا عناية تعبد في البين نظير خروج الجاهل عن موضوع العالم المحكوم بوجوب اكرامه ( بل ) لا اختصاص للحاكم بان يكون ناظرا إلى رفع موضوع الاخر وتضيق دائرته وانه ربما يكون شأنه التوسعة في دائرة موضوع الاخر كما لو ورد دليل على وجوب اكرام العالم وورد دليل اخر على أن زيدا المشكوك عالميته عالم حيث إن الدليل الثاني بمدلوله اللفظي ناظر إلى توسعة موضوع وجوب الاكرام بما يشمل زيدا « ومن » ذلك باب الامارات بالقياس إلى الأدلة المأخوذة فيها العلم موضوعا للحكم تماما أو جزء أو شرطا كقوله مقطوع الخمرية يحرم شربه أو ان شربه موجب للحد فان قيام الامارة على خمرية مايع مثلا يوجب بدليل اعتبارها المقتضى لتتميم كشفها توسعة في دائرة الموضوع المزبور ويثبت العلم التعبدي غير أن الحكومة في المثال الأول ظاهرية وفي الثاني واقعية « ومن » هذه الجهة قلنا في أول الكتاب بقيام الامارات مقام القطع المأخوذ في الموضوع طريقا بنحو التمامية أو الجزئية أو الشرطية « كما » انه لذلك نلتزم أيضا بكفاية مجرد قيام الامارة على الحكم في جريان الاستصحاب بلا احتياج إلى اليقين الوجداني بالحكم السابق ، فان الامارة بدليل اعتبارها يوسع دائرة اليقين الذي اخذ ركنا في الاستصحاب بما يعم اليقين التعبدي بلحاظ اثر حرمة النقض كما كانت الامارة المخالفة للحالة السابقة موجبة لكون النقض بها نقضا باليقين لا بالشك ( ثم ) ان هذا كله بناء على المختار في مفاد أدلة الامارات من كونها بنحو تتميم الكشف واثبات الاحراز التعبدي « واما » على القول بكونها في مقام تنزيل المؤدى منزلة الواقع بلا نظر إلى حيث تتميم الكشف واثبات الاحراز فيشكل حينئذ تقديمها

ص: 196

على الأصول بمناط الحكومة نظرا إلى بقاء الشك المأخوذ في موضوع الأصل على حاله وعدم ارتفاعه بقيام الامارة لا وجدانا ولا تعبدا وتنزيلا فيلزمه وقوع التنافي بينهما لان كلا منهما يثبت حكما ظاهريا على خلاف الاخر ( ولكن ) يمكن تقريب حكومتها بدعوى ان المعتبر في الحكومة ان يكون أحد الدليلين ناظرا إلى دليل الاخر بوجه ما ولو إلى حكمه ولا يلزم كونه ناظرا إلى موضوعه بتوسعة أو تضيق فيكفي في حكومتها مجرد تكفل دليل اعتبارها لتنزيل المؤدى إذ باثبات كون المؤدى هو الواقع تعبدا وتنزيلا يوجب تضيق دائرة الحكم الذي يتكفله الأصل وتخصيصه بغير مورد ثبوت الواقع ولو تنزيلا ( نعم ) لو اغمض عن ذلك فلا محيص من كون تقديمها بمناط التخصيص لا غير كما قيل بتقريب ان النسبة بين الامارة وبين كل واحد من الأصول وان كانت من وجه الا ان الامارة لما لا يخلو موردها عن وجود أحد الأصول الثلاثة أي البراءة والاستصحاب والتخيير دون العكس وقام الاجماع على عدم الفرق بين الأصول في أنه لو قدم أحدها على الامارة في مورد يقدم الجميع عليها في سائر الموارد وبالعكس فلابد من تقديم الامارة على الأصول لان تقديم الامارة عليها لا يستلزم محذور اللغوية في جعل الأصول لبقاء موارد كثيرة لها غير الجارية فيها الامارة ( بخلاف ) العكس فإنه يلزم من تقديم الأصول عليها بعد قيام الاجماع المزبور على عدم الفصل بينها محذور لغوية جعل الامارة من جهة أعمية موارد الأصول وعدم خلو موارد جريان الامارة عن وجود أحد هذه الأصول هذا ( وقد ) يقرب تقديمها على الأصول حينئذ بمناط الورود بدعوى ان المراد من المعرفة واليقين في نحو دليل الحلية والطهارة وكذا الاستصحاب هو ما يعم المعرفة بالحكم الواقعي الحقيقي أو التنزيلي الظاهري وان بقيام الامارة على الحرمة أو النجاسة وان لم يحصل اليقين الوجداني بالحكم الواقعي ، الا انه يحصل اليقين الوجداني بالحكم الواقعي التعبدي وبحصوله يتحقق الغاية في دليلي الحلية والطهارة وجدانا فيرتفع موضوع الحلية والطهارة في قاعدتهما حقيقة ويصير النقض في الاستصحاب من نقض اليقين باليقين لا بالشك هذا ( ولكنك ) خبير بما فيه فإنه خلاف ما تقتضيه ظواهر تلك الأدلة بداهة ظهور دليل الحلية ونحوها في أن الغاية هي المعرفة بخصوص ما تعلق به الشك وهو الحكم الواقعي

ص: 197

النفس الأمري لا بما يعم الحكم الظاهري كما هو الشأن في اليقين والشك المأخوذين في حرمة النقض أيضا ، وعليه فلا يفيد مجرد المعرفة بالحكم الظاهري في حصول الغاية في دليلي الحلية والطهارة وفي صدق كون النقض بها من نقض اليقين باليقين لا بالشك وحينئذ فلا محيص في تقديم الامارات عليها على هذا المسلك اما من جهة مناط الحكومة بالتقريب الذي أشرنا إليه أو من جهة التخصيص بنحو ما أسلفناه ( ثم ) انه بما ذكرنا في وجه تقديم الامارات على الأصول يظهر وجه تقديم الأصول بعضها على بعضها الاخر كالأصول التنزيلية بالنسبة إلى غيرها وانه على نحو الحكومة ( فإنه ) من جهة اقتضاء الأصول التنزيلية لثبوت الواقع في مواردها توجب خروجها عن موضوع ما عداها من الأصول المحضة مثل حديث الرفع ودليل الحجب ونحوهما مما ليس له نظر إلى ثبوت الواقع ( نعم ) قد يقع الاشكال في تقديم بعض الأصول التنزيلية على البعض الاخر كالاستصحاب بالنسبة إلى قاعدة الطهارة بل الحلية أيضا في وجه قوى ، فإنها على ما يظهر من الأصحاب تكون من الأصول التنزيلية المثبتة للطهارة الواقعية للمشكوك ولذلك يرتبون عليها اثار الطهارة الواقعية في ظرف الشك من جواز التوضي به وجواز الدخول معه في الصلاة ونحو ذلك ( وعمدة ) الاشكال انما هو على مبنى رجوع التنزيل في لا تنقض إلى بقاء المتيقن لابقاء اليقين والا فعلى الثاني كما هو المختار على ما سيجيء لاشكال في تقديم الاستصحاب على القاعدة المزبورة بمناط الحكومة كالأمارات ( حيث ) انه من جهة تكفله لبقاء اليقين السابق مثبت لحصول ما هو الغاية وهي المعرفة في قاعدتي الحلية والطهارة كما في الامارات ، غير أن الفرق بينهما هو تكفل دليل الامارة لنفي الشك والغاء احتمال الخلاف أيضا بخلاف دليل حرمة النقض حيث إنه ناظر إلى ابقاء اليقين السابق مع حفظ أصل الشك والاحتمال ، ومن هذه الجهة يكون الاستصحاب برزخا بين الأصول وبين الامارات ( فإنه ) من جهة انحفاظ الشك والاحتمال في موضوعه كان شبيها بالأصول ويقدم عليه الامارات بنحو الحكومة ومن جهة اقتضائه لبقاء اليقين السابق كان شبيها بالامارات ويقدم على سائر الأصول الشرعية والعقلية ويقوم أيضا مقام القطع المأخوذ في الموضوع طريقا إلى متعلقه كما في باب الشهادة ومن ( ذلك ) نقول انه يجوز

ص: 198

للشاهد ان يشهد بالملكية الفعلية بمقتضى الاستصحاب وان لم يجز ذلك لنفس الحاكم في حكمه لعدم كون مثله من الموازين المجعولة لفصل الخصومات وانحصار ميزانه عند الشك بالبينات والايمان والاقرار ( فتدبر ).

( الامر الثاني ) لا يخفى ان الخلاف في البراءة والاشتغال في المقام غير مبتنى على الخلاف في أن الأصل في الأشياء الحظر أو الإباحة ، بداهة وضوح الفرق بين المقامين فان النزاع هناك انما هو فيما يستقل به العقل في حكم الأشياء مع قطع النظر عن ورود حكم من الشارع للأشياء ( بخلاف ) المقام فان الخلاف فيه براءة أو احتياطا انما هو بعد ملاحظة ورود حكم الأشياء من قبل الشرع وبين الامرين بون بعيد بل إن تأملت ترى عدم التلازم بين المسئلتين في الحكم أيضا ، حيث إنه أمكن اختيار الاحتياط في فرض اختيار الإباحة في تلك المسألة كامكان العكس ، وحينئذ فتوهم اتحاد المسئلتين وكفاية البحث في إحديهما عن البحث في الأخرى ساقط من أصله لما عرفت من عدم التلازم بين المسئلتين فضلا عن اتحادهما وعليه فلا مجال لتكثير الأدلة في المقام بايراد ما استدل به هناك على البراءة والاشتغال في المقام.

( الامر الثالث ) لا شبهة في أن أصالة البراءة المبحوث عنها في المقام أصل برأسه غير مرتبط بالاستصحاب ولا بمسألة عدم الدليل دليل العدم اما الأول فظاهر ( واما عدم ) ارتباطها بمسألة عدم الدليل دليل العدم ، فلان المهم في تلك المسألة انما هو نفي الحكم الواقعي في نفس الامر ولو مع القطع بعدم كونه فعليا بنحو يستتبع العقوبة على مخالفته ، بخلاف المقام فان المهم فيه لدى القائل بالبرائة انما هو نفي الحكم الفعلي ظاهرا ونفي المؤاخذة على مخالف ما لا طريق للمكلف إلى العلم به لا نفيه بحسب الواقع ونفس الامر كما هو ظاهر.

الامر الرابع لا ريب في أن من القضايا المسلمة بين الأخباريين والأصوليين بل بين قاطبة العدلية هي قاعدة قبح العقاب بلا بيان وانه لا نزاع بينهم في أصل هذا الكبرى ، إذ لا يتوهم انكارها ممن له أدنى مسكة ودراية فضلا عن مثل هؤلاء الاجلاء ( كما أن ) من القضايا المسلمة بين الفريقين قاعدة دفع الضرر المحتمل الأخروي بل هذه القاعدة أيضا كسابقها مما أطبق عليه العقلاء ومن ذلك ترى

ص: 199

استدلال المتكلمين بهذه القاعدة على وجوب النظر في معجزة مدعى النبوة لما في تركه من احتمال الضرر والعقوبة ( كما ) لا اشكال أيضا في ورود القاعدة الأولى على القاعدة الثانية وانه في فرض جريانها في مورد يقطع فيه بعدم العقوبة فلا يحتمل فيه الضرر والعقوبة كي تجرى فيه القاعدة الثانية ويقع بينهما التعارض وحينئذ فتمام النزاع ( بين الأخباريين ) والأصولين في أصل الصغرى ، وفي كون مورد الشبهة مندرجا تحت كبرى قاعدة القبح أو تحت قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل ( فكان ) هم الاخباري اثبات اندراج مورد الشبهة تحت القاعدة الثانية بدعوى وجود البيان على التكليف المشتبه من جهة العلم الاجمالي أو من جهة اخبار الاحتياط بزعم صلاحيتها للبيانية على التكليف الواقعي ( كما ) ان هم الأصولي انكار هذه الجهة واثبات عدم صلاحية اخبار الاحتياط للبيانية وللمنجزية للتكليف المشكوك اما بنفسها أو من جهة معارضتها بما دل على الترخيص في ارتكاب المشتبه الموجب لحملها على الاستصحاب أو الارشاد فعليه لا مجال لتكثير الأدلة من الطرفين بايراد القاعدتين المزبورتين والتشبث بهما أو بما يرجع إليهما من الأدلة السمعية لاثبات المطلوب في محل النزاع.

إذا عرفت ذلك فلنشرع في بيان المقصود من ذكر احكام الشكوك وبيان أقسامها ( فنقول ) اما أقسامها فهي حسب الحصر العقلي أربعة ( لأنه ) اما ان يلاحظ فيه الحالة السابقة ( أولاً ) وعلى ( الثاني ) ( فاما ) ان لا يكون هناك حجة على التكليف المشكوك من علم اجمالي أو غيره ( واما ) ان يكون في البين ذلك ( وعلى الثاني ) فاما ان يتمكن المكلف من الاحتياط تماما أو بعضا ( واما لا ) فالأول مجرى الاستصحاب ( والثاني ) مجرى البراءة ( والثالث ) مجرى الاحتياط ( والرابع ) مجرى التخير ولا يخفى انه على هذا التقسيم لا يتوجه اشكال تداخل الأقسام في الحكم بتوهم جريان البراءة والإباحة الظاهرية في الفرض الأخير أيضا كصورة دوران الامر بين المحذورين لوضوح ان الترخيص الظاهري بمناط اللابيان انما يكون في الرتبة المتأخرة عن سقوط العلم الاجمالي عن التأثير والمسقط له عن التأثير في المقام انما هو حكم العقل بالترخيص بمناط اللاحرجية في الفعل والترك بضميمة بطلان الترجيح بلا مرجح ومع حصول الترخيص العقلي بمناط عدم

ص: 200

القدرة وعدم المرجح في الرتبة السابقة لا مجال للترخيص الظاهري في الرتبة المتأخرة بمناط اللابيان كما هو ظاهر ( ثم إن تنقيح الكلام في هذه الأقسام ) يكون في مقامين ( الأول ) في حكم الشك في الحكم الواقعي من دون ملاحظة الحالة السابقة ( الثاني ) في حكمه بملاحظة الحالة السابقة ومقتضى الطبع وان كان تقديم المقام الثاني لكونه من الأصول المحرزة الناظرة إلى الواقع ولكن تبعا للشيخ قدس سره نقدم الكلام في المقام الأول وفي هذا المقام يقع البحث في موضعين ( الأول في حكم الشك في التكليف مع عدم قيام حجة عليه ( الثاني ) في حكم الشك في المكلف به بعد العلم بأصل الالزام ( اما الموضع الأول ) ففيه مبحثان ( الأول ) في الشبهة التحريمة ( الثاني ) في الشبهة الوجوبية ومنشأ الشك فيهما ، تارة يكون فقدان النص ، وأخرى اجماله ، وثالثة تعارض النصين ورابعة الأمور الخارجية فنقول وعليه التكلان.

المبحث الأول

اشارة

في الشبهة التحريمية وفيها مسائل ( المسألة الأول ) في الشبهة الحكمية التحريمية لأجل فقدان النص ، وقد وقع فيها خلاف عظيم ، فذهب جمهور المجتهدين إلى البراءة ، وأصحابنا الأخباريون إلى الاحتياط وقد استدل على البراءة بالأدلة الأربعة ، ( اما الكتاب ) فبآيات ( منها ) قوله عز من قائل لا يكلف اللّه نفسا الا ما آتاها ، بتقريب ان المراد من الموصول هو الحكم والتكليف ومن الايتاء الاعلام ( لان ) الايتاء عبارة عن الاعطاء وهو في الأمور المعنوية والمطالب العلمية عبارة عن الاعلام بها حيث إن اعطاء كل شيء بحسبه فكان إيتاء التكاليف عبارة عن الاعلام بها بخطابه ويقابله الاخذ بهذا المعنى كقولك اخذت من فلان علم كذا ومنه ما في النص خذ معالم دينك من كل مسن في ديننا ( فتدل ) الآية المباركة على نفي التكليف عند الشك فيه إذ كان مفادهما انه سبحانه لا يكلف عباده بشيء من احكامه الا بما أوصله إليهم بخطابه وأعلمهم إياه ( وأورد عليه ) بأنه كما يحتمل ان يراد من الموصول الحكم ومن الايتاء الاعلام ( كذلك ) يحتمل ان يراد منه خصوص المال ومن الايتاء الملكية بقرينة المورد ، أو يراد من الموصول

ص: 201

مطلق فعل الشيء وتركه ومن الايتاء الاقدار عليه ( ولا ظهور ) في الآية في الأول لولا دعوى ظهورها بقرينة المورد في الثاني أو الثالث ( ولا مجال ) لاحتمال إرادة الأعم من التكليف والمال والفعل من الموصول ( لعدم ) تصور جامع قريب بينها كي به يصح إضافة الفعل أي التكليف إليه ( لان ) الموصول على الأول عبارة عن المفعول المطلق وعلى الأخيرين عبارة عن لمفعول به وإضافة الفعل إلى الموصول بكل تقدير تبائن اضافته إليه بتقدير آخر ( فإنه ) على المفعول المطلق يحتاج في إضافة الفعل إلى الموصول إلى لحاظ كونه من شؤون الفعل وكيفياته على نحو يكون وجوده بعين وجود الفعل ، بخلافه على المفعول به فإنه يحتاج في إضافة الفعل إليه إلى لحاظ كونه موجودا في الخارج قبل الفعل ليكون الفعل موجبا لايجاد وصف عليه بعد وجوده ومفروغية ثبوته ( وبعد ) عدم تصور جامع قريب بينهما بنحو يوجب رجوع النسبتين إلى نسبة واحدة ، لا يمكن إرادة الجميع من الموصول الا بنحو استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ، ومثله من المستحيل ( مع ) ما يلزمه من أن يكون للفعل الواحد في الكلام في تعلقه بالموصول نسبتان مختلفتان إلى المفعول به تارة والمفعول المطلق أخرى المستلزم ذلك لاجتماع اللحاظين المتنافيين في كلام واحد باعتبار قوام تعدد النسبة بتعدد اللحاظ ( أقول ) وأنت خبير بما في هذا الاشكال ( اما أولاً ) فلانه يرد ذلك في فرض إرادة الخصوصيات المزبورة من شخص الموصول ( والا ) فبناء على استعمال الموصول في معناه الكلى العام وإرادة الخصوصيات المزبورة من دوال اخر خارجية فلا يتوجه محذور ، لا من طرف الموصول ، ولا في لفظ الايتاء ، ولا من جهة تعلق الفعل بالموصول وذلك ( اما من ) جهة الموصول فظاهر فإنه لم يستعمل الا في معناه الكلي العام وان إفادة الخصوصيات انما كان بتوسيط دال آخر خارجي ( وكذلك ) الامر في لفظ الايتاء فإنه أيضا مستعمل في معناه وهو الاعطاء غير أنه يختلف مصاديقه من كونه تارة هو الاعلام عند اضافته إلى الحكم ، وأخرى الملكية أو الاقدار عند اضافته إلى المال أو الفعل ( وهكذا ) في تعلق الفعل بالموصول حيث لا يكون له الا نحو تعلق واحد به ومجرد تعدده بالتحليل إلى نحو التعلق بالمفعول به والتعلق بالمفعول المطلق لا يقتضى تعدده بالنسبة إلى الجامع الذي

ص: 202

هو مفاد الموصول كما هو ظاهر غاية الامر انه يحتاج إلى تعدد الدال والمدلول كما أشرنا إليه ( واما ثانيا ) فلان إرادة الحكم من الموصول انما يقتضى كونه المفعول المطلق لو كان المراد من التكليف في الآية أيضا هو الحكم ( والا ) ففي فرض كونه بمعناه اللغوي أعني الكلفة والمشقة ، فلا يتعين ذلك ( فإنه ) من الممكن حينئذ جعل الموصول عبارة عن المفعول به أو المفعول النشوي المعبر عنه في كلام بعض بالمفعول منه وارجاع النسبتين إلى نسبة واحدة ( إذ بذلك ) يتم الاستدلال بالآية على المطلوب ، فان معنى الآية على الأول انه سبحانه لا يوقع عباده في كلفة حكم الا الحكم الذي أوصله إليهم بخطابه ، وعلى الثاني انه لا يوقع عباده في كلفة الامن قبل حكم اعلمه إياهم وأوصله إليهم بخطابه وحينئذ لو أريد من الموصول معناه الكلي العام مع إفادة الخصوصيات المزبورة بتوسيط دال آخر خارجي لا يتوجه على الاستدلال المزبور محذور من جهة كيفية تعلق الفعل بالموصول ، لما عرفت من أن نحو تعلقه به حينئذ تعلق واحد وهو تعلق الفعل بالمفعول به أو المفعول منه ( بل ) وان تأملت ترى انه لا مجال لجعل الموصول عبارة عن المفعول المطلق ولو على تقدير كون التكليف في الآية بمعناه الاصطلاحي فضلا عن كونه بمعناه اللغوي أعني الكلفة والمشقة ( وذلك ) لما يلزمه على الأول من محذور اختصاص التكاليف الواقعية بالعالمين بها ، لان مفاد الآية حينئذ هو عدم تكليف الجاهل بالأحكام الواقعية ( وعلى الثاني ) من لزوم اخذ المشقة التي هو معلول العلم في متعلقه فان مفاد الآية على ذلك أنه سبحانه لا يجعل عباده في مشقة الا مشقة اعلمهم بها وهو من المستحيل ( فلا محيص ) حينئذ من جعل التكليف في الآية عبارة عن المشقة والموصول عبارة عن الحكم والتكليف المبرز بالانشاء ، فيكون الموصول حينئذ ممحضا بالمفعول به أو المفعول منه ولا يتصور فيه كونه المفعول المطلق العدم كونه من جنس الفعل المذكور في الكلام ( وحينئذ ) بعد امكان إرادة الأعم من الحكم والفعل والمال ولو بنحو تعدد المال والمدلول ، أمكن التمسك باطلاق الآية على مطلوب القائل بالبرائة من عدم وجوب الاحتياط عند الشك وعدم العلم بالتكليف هذا ويمكن المناقشة فيه ( أولاً ) بعدم تمامية اطلاق الآية مع وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب ( حيث ) ان القدر المتيقن منه بقرينة السياق انما

ص: 203

هو خصوص المال ، ومثله يمنع عن الاخذ باطلاق الموصول لما يعم المال والتكليف ( وثانيا ) ان غاية ما يستفاد من الآية انما هو نفي الكلفة والمشقة من قبل التكاليف المجهولة غير الواصلة إلى المكلف لا نفي الكلفة مطلقا ولو من قبل جعل ايجاب الاحتياط فمفاد الآية حينئذ مساوق لكبري قبح العقاب بلا بيان ( ومن المعلوم ) عدم كون مثله مضرا بالاخباري القائل بالاحتياط ، إذ هو انما يدعى اثبات الكلفة والمشقة على المكلف من جهة جعل ايجاب الاحتياط الواصل إلى المكلف بدعوى دلالة الاخبار على وجوب الاحتياط عند الشك وعدم العلم بالتحريم ( لا يقال ) ان ذلك يتم بناء على كون ايجاب الاحتياط عند الشك ايجابا نفسيا مستتبعا للعقوبة على مخالفة نفسه ( والا ) فبناء على كون ايجابه طريقيا فما هو الموجب للكلفة لا يكون الا نفس التكاليف المجهولة ( وبعد ) دلالة الآية على نفيها من ناحية التكاليف المجهولة فلا جرم يتم المطلوب ويصح التمسك بها في قبال الأخباريين ( فإنه يقال ) نعم وان كان ايجابه حينئذ طريقيا ، ولكنه باعتبار كونه منجزا للتكليف على تقدير وجوده كان هو الموجب للضيق والرافع للبرائة العقلية كما هو الشأن في جميع الطرق الشرعية والعقلية الموجبة لتنجيز الواقع ( وعليه ) لا تصلح مثل هذه الآية لرد مقالة الاخباري القائل بوجوب الاحتياط واستحقاق العقوبة على الواقع إذ الكلفة والضيق ليس الا من قبل ما اوتى وهو جعل ايجاب الاحتياط الواصل إلى المكلف ( وثالثا ) ان الايتاء في الآية المباركة لما كان منسوبا إليه سبحانه كان عبارة عن اعلامه سبحانه بالتكليف بالأسباب العادية المتعارفة بين الموالى والعبيد والحكام والرعية لا الاعلام بقول مطلق ولو بغير الأسباب العادية ( وحيث ) كان اعلامه سبحانه بالتكاليف بتوسيط الوحي إلى سفرائه وأمرهم بابلاغ ما أوحي إليهم إلى العباد ( كان ) عدم اعلامه عبارة عن عدم الوحي إلى سفرائه أو عدم الامر بابلاغ ما أوحي إليهم إلى العباد فيكون مفاد الآية المباركة أجنبيا عن المقام لان مساقها حينئذ مساق قوله (عليه السلام) ان اللّه سكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا فكانت دلالتها ممحصة في نفي الكلفة عما لم يوصل علمه إلى العباد لمكان سكوته وعدم بيانه واظهاره لا نفي الكلفة مطلقا عما لم يصل علمه إلى العباد ولو كان من جهة ظلم الظالمين واخفائهم للأحكام الصادرة عن النبي صلی اللّه علیه و آله والوصي بأمره سبحانه فان مثل ذلك

ص: 204

مما لا دلالة للآية المباركة عليه فتأمل.

( ومن الآيات ) قوله سبحانه وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ، فان فيها دلالة على نفي العقوبة قبل بعث الرسل الذي هو كناية عن بيان التكليف ( وأورد ) عليه بان ظاهر الآية الشريفة انما هو الاخبار بعدم وقوع التعذيب على الأمم السابقة فيما مضى الا بعد بعث الرسل واتمام الحجة ، فيختص بالعذاب الدنيوي الواقع في الأمم السابقة ، فلا تدل على نفي العقوبة على ارتكاب مشكوك الحرمة ( وفيه ) انه مبنى على جعل المضي في وما كنا معذبين بلحاظ حال الخطاب وهو خلاف ظاهر الآية ( بداهة ) ظهورها في كونه بلحاظ زمان البعث واتمام الحجة لا بلحاظ زمان الحال والخطاب كما كان الاستقبال في بعث الرسول أيضا بلحاظ العذاب المنفي لا بلحاظ زمان الخطاب ، ( ومثله ) لا يختص بالعذاب الدنيوي ( بل الظاهر منها ) هو كونها بصدد اظهار العدل ببيان انه سبحانه لم يكن من شأنه عز وجل ان يعذب قوما الا بعد البيان واتمام الحجة نظير قوله وما كنا ظالمين ( ومن الواضح ) عدم اختصاص ذلك بقوم دون قوم ولا بعذاب دون عذاب ( كوضوح ) ملازمة ذلك لكون المنفي فيها هو الاستحقاق والمعرضية للعذاب الفعلي ، لا الفعلية المحضة مع ثبوت الاستحقاق ( لعدم ) مناسبة ذلك مع البيان المزبور ( لان ) مع الاستحقاق وان كان من شأنه سبحانه العفو رأفة ورحمة على العباد ، الا انه كان من شأنه العذاب أيضا ، ومثله ينافي ظهورها في أنه ليس من شأنه ذلك ( وعليه ) تكون للآية المباركة دلالة على مطلوب القائل بالبرائة لظهور المنطوق فيها في كون المنفي قبل البعث الذي هو عبارة عن اتمام الحجة ، هو أصل الاستحقاق والمعرضية للعذاب الفعلي ، لا انه مجرد الفعلية المحضة كي ( يحتاج ) في اثبات المدعى إلى دعوى الاجماع وعدم الفصل في خصوص المقام أعني الشبهات بين نفى الفعلية ونفي الاستحقاق ( أو دعوى ) كفاية عدم الفعلية أيضا للقائل بالبرائة من جهة اعتراف الخصم بالملازمة بين الفعلية والاستحقاق بمقتضى ما دل على الوقوع في الهلكة في الشبهات ، والتزامه بعدم المقتضى للاستحقاق على تقدير عدم الفعلية ( مع ما في الدعوى ) الأخيرة من لزوم كون الاستدلال بالآية جد لا محضا والزاما للخصم بما التزم به من الملازمة بين الفعلية والاستحقاق

ص: 205

( لا برهانا ) موجبا للتصديق والاذعان بالمطلوب ، ( ولذلك ) نقول بصحة ما أورده المحقق القمي قدس سره من اشكال المناقضة على من جمع بين الاستدلال بالآية على البراءة بان المنفى فيها هو الاستحقاق ، وبين رد من استدل بها على عدم الملازمة ، بان المنفي في الآية هو التعذيب الفعلي ونفي الفعلية أعم من نفى الاستحقاق لعدم الملازمة بينهما كما في الظهار ( حيث ) أنه مع تسليم دلالة الآية على نفي الاستحقاق لا مجال للثاني ، ومع عدم تسليم ذلك لا يصح الاستدلال بها على البراءة الا جدلا والزاما للخصم ، ( نعم ) لا مجال لمنكر الملازمة أيضا الاستدلال بها على عدمها الا باثبات ظهور مفهوم الغاية في الآية الشريفة في حصر الاستحقاق ببعث الرسول الظاهري والبيان النقلي ( والا فبناء ) على منع ظهور المفهوم في ذلك من جهة دعوى ان بعث الرسول كناية عن مطلق بيان التكليف وان التعبير به لكون البيان به غالبا لاحتياج الاحكام الا ما شذ وندر في اعلامها إلى بعث الرسول ( لا يبقى ) مجال التمسك بالآية على نفي الملازمة كما هو ظاهر ، ( نعم ) يتوجه على الاستدلال بالآية للبرائة انها لا تصلح للمقاومة مع أدلة الأخباريين لكونها مورودا بالنسبة إليها ( لان ) مفادها مساوق كبرى قبح العقاب بلا بيان.

( ومن الآيات ) قوله سبحانه « وما كان اللّه ليضل قوما بعد إذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون » أي ما يجتنبونه من الافعال والتروك ( وتقريب ) الاستدلال بها كما في آية نفي التعذيب ( ويتوجه ) عليه أيضا الاشكال السابق بأنه مساوق كبرى قبح العقاب بلا بيان ، فلا ينفع التشبث بها في قبال الخصم المدعي لوجوب الاحتياط بمقتضى رواية التثليث ونحوها ( فان ) الخذلان على زعمه لا يكون الا عن بيان ( نعم ) لو كان المراد من البيان في الآية خصوص الاعلام بحكم الشيء واقعا بعنوانه الأولى لا الاعلام بمطلق حكمه ولو بعنوان كونه مشكوك الحكم وان الغرض من نفي الخذلان هو نفي جعل ما هو السبب لذلك من ايجاب احتياط أو غيره ( لكان ) للاستدلال بها على المطلوب مجال لصلاحيتها حينئذ للمقاومة مع اخبار الاحتياط ( ولكن ) دون اثباته خرط القتاد ( ثم ) انه أورد على الاستدلال بالآية بوجهين آخرين ( أحدهما ) بما في آية

ص: 206

نفي التعذيب من دعوى ظهورها في الاخبار عن حال الأمم السابقة بالنسبة إلى العذاب الدنيوي النازل بهم ، فلا تشمل العذاب الأخروي ( وثانيهما ) ان اضلاله سبحانه عبارة عن خذلانه الموجب لاستحقاق العذاب الدائم والخلود في النار ، وتوقف هذه المرتبة على البيان لا يستلزم توقف غيرها من المراتب النازلة عليه « ولكنهما » مردودان « اما الأول » فيما تقدم في آية نفي التعذيب من أن الآية انما تكون بصدد اظهار العدل بنفي ديدنه على التعذيب قبل البيان لكونه ظلما ، وفى ذلك لا فرق بين العذاب الدنيوي والأخروي « وبذلك » يظهر الجواب عن الاشكال الثاني « إذ نقول » ان المانع عن العذاب الدائم عند الجهل ليس الا عدم البيان الموجب لحكم العقل بقبحه على الحكيم تعالى « وفيه » لا يفرق بين مراتب العذاب لوجود المناط المزبور في جميع مراتب العقوبة.

« ومن الآيات » : قوله سبحانه « قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه الا ان يكون ميتة أو دما مسفوحا » الآية « وتقريب » الاستدلال بها انه سبحانه لقن نبيه صلی اللّه علیه و آله طريق الرد على اليهود ، حيث حرموا على أنفسهم بعض ما رزقهم اللّه بقوله قل لا أجد الخ فرد عليهم بان ما حرمتموه على أنفسكم مما لم يعلم حرمته فالتزامكم بتحريمه افتراء عليه سبحانه ، فدلت الآية المباركة على الترخيص في ارتكاب كل ما لم يعلم حرمته « فان » عدم وجدانه صلی اللّه علیه و آله وان كان دليلا قطعيا على عدم وجوده فيما أوحي إليه « الا ان » في العدول عنه إلى هذا العنوان دلالة على كفاية ذلك في الترخيص في الارتكاب وابطال الحكم بالحرمة بملاحظة كونه من الأصول المسلمة عند العقلاء ويلزمه عدم وجوب الاحتياط عند الشك لكونه لازم ترخيصه في ارتكاب المشكوك « وأورد عليه الشيخ قدس سره » بان غاية ما تقتضيه الآية انما هو مجرد الاشعار بالمطلوب واما الدلالة فلا « وتأمل » المحقق الخراساني قدس سره في الاشعار أيضا بأنه من المحتمل كون النكتة في التعبير بذلك هو تلقين ان يجادلهم بالتي هي أحسن لما في التعبير بعدم الوجدان من مراعاة الأدب ما ليس في التعبير بعدم الوجود « وفيه » ان هذا الاحتمال لا يمنع عن ظهور سوق الآية في التوبيخ على اليهود والزامهم بما هو من الأصول المسلمة العقلائية بان ما لا يعلم حرمته

ص: 207

لا يجوز الالتزام بتركه وترتيب آثار الحرام عليه وانه يكفي في الترخيص وجواز الارتكاب مجرد عدم العلم بحرمته واقعا « وتوهم » ان التوبيخ على اليهود انما هو من جهة ما يقتضيه التزامهم بالترك من التشريع المحرم ، لا من جهة مجرد الترك من باب الاحتياط « مدفوع » بان الآية كما تنفي ذلك تنفي ايجاب الاحتياط بنفس تكفلها لتجويز الاقتحام عند عدم وجدان خطاب على حرمته واقعا « فإنه » بذلك تكون الآية معارضة مع ما دل على وجوب التوقف والاحتياط ، وصالحه للقرينية على تلك الأدلة على الاستحباب.

« ومن الآيات » : قوله عز من قائل « وما لكم ان لا تأكلوا مما ذكر اسم اللّه عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم » « وتقريب » الاستدلال بها كما في الآية السابقة ، لورودها في التوبيخ على اليهود في التزامهم بترك الفعل مع خلو ما فصل عن ذكر ما يجتنبونه ، بل لعل هذه أظهر من سابقتها « لان » السابقة تدل على أنه لا يجوز الحكم بحرمة ما لم يوجد تحريمه فيما أوحى إلى النبي ، وهذه تدل على أنه لا يجوز التزام ترك الفعل مع عدم وجوده فيما فصل « ولكن » الدلالة موهونة بما أفاده الشيخ قدس سره من أن ظاهر الموصول العموم « فالتوبيخ » على الالتزام بترك شيء مع تفصيل جميع المحرمات الواقعية وعدم كون المتروك منها في محله « لان » لازم تفصيل المحرمات الواقعية هو العلم بعدم كون المتروك محرما واقعيا ، فلا ترتبط الآية حينئذ بما نحن بصدده من جواز الاقتحام فيما شك في حرمته واقعا « هذا كله » فيما استدل به من الآيات على البراءة ، وقد عرفت دلالة بعضها على المطلوب ونهوضه لابطال ما يدعيه الاخباري من لزوم التوقف ووجوب الاحتياط.

واما الأخبار الدالة على البراءة

« منها » : النبوي المعروف المروي في الخصال بسند صحيح كما في التوحيد عن أحمد بن محمد بن يحيي العطار عن سعد بن عبد اللّه بن يعقوب بن يزيد عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : رفع عن أمتي تسعة : الخطاء والنسيان وما أكرهوا

ص: 208

عليه وما لا يطيقون وما لا يعلمون وما اضطروا إليه والحسد والطيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفه ( فيقال ) ان حرمة شرب التتن مثلا مما لا يعلم حرمته فتكون مرفوعة عن الأمة ( أقول ) ولما كان هذا الحديث الشريف محل اعتماد الأصحاب رضوان اللّه عليهم في أبواب الفقه من العبادات والمعاملات في العقود والايقاعات وغيرها ( كان الحري ) هو بسط الكلام في بيان فقه الحديث وما يستفاد من الفقرات المذكورة فيه ( وتنقيح ) ذلك يستدعى تقديم أمور.

( الامر الأول ) لا شبهة في أنه يعتبر في صدق الرفع وروده على امر ثابت ومن ذلك لابد في صحة استعماله من فرض وجود المرفوع في الزمان السابق أو المرتبة السابقة عن ورود الرفع بحيث لولا الرفع لكان موجودا ( بخلاف الدفع ) فإنه لا يعتبر في صدقه وصحة استعماله حقيقة الا كونه بعد ثبوت المقتضى لوجود الشيء ( لان ) شأن الدفع انما هي الممانعة عن تأثير مقتضى الشيء في تحققه وحينئذ فالرفع والدفع وان اشتركا في اعتبار ورودهما بعد فرض المقتضى للشيء ( الا ) انهما يفترقان من حيث الاحتياج إلى فرض وجود الأثر سابقا وعدمه ( فان ) العناية المصححة لصدق الرفع وصحة اطلاقه حقيقة انما هو فرض تأثير المقتضى في الشيء في الزمان السابق أو المرتبة السابقة عن وروده ( بخلاف ) الدفع ، فان المعتبر في صدقه انما هي الممانعة عن تأثير المقتضى في الوجود المقارن ( نعم ) لا يعتبر في صدق الرفع وصحة استعماله حقيقة وجود المرفوع حقيقة ( بل ) يكفي في العناية المصححة لذلك وجوده عناية وادعاء ولو باعتبار وجود مقتضيه ، ( فان ) مع وجود المقتضى للشيء يعتبر العقلاء وجود الشيء ويرونه كأنه موجود فيرتبون عليه أحكاما كثيرة ، كما في اطلاق السقوط في اشتراط سقوط الخيار في متن عقده مع أنه في الحقيقة عبارة عن عدم الثبوت ، حيث كان المصحح لاطلاق السقوط عليه وجوده الادعائي بلحاظ وجود مقتضيه وهو العقد ( وبذلك ) يظهر انه لا مانع من ابقاء الرفع في الحديث الشريف على ظهوره في الرفع الحقيقي في جميع الأمور التسعة حيث إنه يكفي في صحة اطلاق الرفع فيها مجرد اعتبار وجود الشيء سابقا على الرفع عند وجود مقتضيه ، بلا حاجة إلى جعل الرفع في الحديث بمعنى الدفع ، بالمصير إلى التجوز في الكلمة أو الاسناد ،

ص: 209

أو المصير إلى ما أفيد من أن حقيقة الرفع هي الدفع وان العناية المصححة لذلك هو كون الرفع في مرتبة وروده دفعا أيضا حقيقة باعتبار ممانعته عن تأثير مقتضى الشيء في بقاء ذلك الشيء في الآن المتأخر عن حدوثه ( فان ) ذلك كله كما ترى اتعاب للنفس بلا موجب يقتضيه ، مع وضوح فساد الأخير بما بيناه في الفرق بين الرفع والدفع ، من احتياج الرفع في مرحلة صدقه إلى وروده على امر مفروغ الثبوت والتحقق الملازم لفرض تأثير المقتضى في الزمان السابق أو المرتبة السابقة عن وروده ( قبال ) الدفع المعتبر في صدقه فرض عدم تأثير المقتضى في زمان سابق عن وروده ( إذ ) في مثله لا يكاد يوجب مجرد احتياج الموجود السابق في بقائه إلى علة البقاء وإفاضة الفيض عليه في كل آن ( انقلاب ) الرفع في مرحلة وروده إلى كونه دفعا حقيقة كما هو ظاهر.

( الامر الثاني ) ان مقتضى ظهور الحديث الشريف في الفقرات الأربع ، وهي ما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما أكرهوا عليه ، وما اضطروا إليه من حيث إضافة الرفع فيها إلى الموصول ( هو كون ) العناوين المزبورة من الجهات التعليلية للرفع والمانعة عن تأثير ما يقتضى انشاء الحكم ( بخلاف ) مثل الطيرة ، والحسد ، والوسوسة ( فإنها ) لا تكون مانعة عن تأثير المقتضى كما في الأربع المتقدمة بل المقتضى للحرمة فيها هو نفس تلك العناوين الثلاثة والا فلا يكون ورائها مقتض آخر تمنع هذه العناوين عن تأثيره ، ولذلك أضيف الرفع في الحديث إلى نفس الأمور الثلاثة على خلاف الأربع المتقدمة حيث إنه من جهة اقتضائها للحرمة كان الشارع رفعها لمانع خارجي من امتنان أو غيره واما المانع ) عن اقتضاء مثل هذه الأمور لتشريع الحكم التحريمي من جهة عدم اختباريتها ( فمدفوع ) بأنها بمباديها تكون اختيارية حيث يمكن التحرز عنها وعدم الوقوع فيها بالرياضات والمجاهدات ولذا كانت من الواجبات الأخلاقية ( واما الخطاء والنسيان ) فمقتضى الجمود على ظاهر الحديث هو كونهما كالثلاثة المتقدمة في تعلق الرفع بنفس الخطاء والنسيان بلحاظ آثارهما لا بما أخطاء وما نسى ( ولكن ) الذي يظهر منهم هو خلافه وان المرفوع فيهما هو المخطئ والمنسى كما يظهر من استدلالهم بهذا الحديث على صحة الصلاة المنسية فيها السجدة أو التشهد بتطبيق الرفع على السجدة

ص: 210

المنسية والتشهد المنسى ( وعليه ) يشكل الجمع بين ما يقتضيه ظهور الحديث في تعلق الرفع بنفس الخطأ والنسيان ، وبين ما تسالموا عليه من كون المرفوع هو هو المخطئ والمنسى ( واما الالتزام ) بكون المصدر حينئذ بمعنى المفعول وان المراد من الخطأ والنسيان هو المخطئ والمنسى ( فبعيد ) عن ظاهر الرواية ( وابعد ) منه توهم ان ذلك مقتضى السياق الظاهر في كون الرفع فيهما على حذو الرفع فيما لا يعلمون وما استكرهوا عليه ( إذ نقول ) انه كذلك لولا الطيرة والحسد والوسوسة في التفكر في الخلق المقتضية لاختلاف سياق الرواية في الأشياء التسعة ( نعم ) لا بأس بارتكاب خلاف الظاهر في الرواية بجعل الخطأ والنسيان فيها كناية عن المخطئ والمنسي كما يؤيده خبر البزنطي الوارد فيمن حلف بالطلاق والعتاق المتضمن لحكمه (عليه السلام) بعدم تأثير الحلف بالطلاق واستشهاده بقول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) رفع عن أمتي ما أكرهوا عليه وما لا يطيقون وما أخطأوا ، حيث إنه من جهة تضمنه للتصريح بما أخطأوا يستفاد ان المراد من الخطأ والنسيان في حديث الرفع أيضا ذلك لان الاخبار يفسر بعضها بعضا ( وهذا ) لو لم نقل بظهوره في كون ما استشهد به هو ذاك الحديث المتضمن للأشياء التسعة ، لا كونه خبر آخر عنه صلی اللّه علیه و آله ، والا فالامر أوضح وسيأتي مزيد بيان لذلك انشاء اللّه تعالى.

( الامر الثالث ) لا شبهة في أن الرفع بالنسبة إلى جميع المذكورات لا يكون الا رفعا تنزيليا لا حقيقيا فلا يحتاج حينئذ إلى تقدير امر في شيء من الأشياء التسعة ( لان ) الاحتياج المزبور انما هو فيما لو كان الرفع حقيقيا حيث إنه صونا لكلام الحكيم عن اللغوية يحتاج إلى تقدير شيء في البين فيقال انه خصوص المؤاخذة أو غيرها والا فبناء على كونه في جميع المذكورات من باب العناية والتنزيل لا يحتاج إلى شيء فيصح إضافة الرفع إليها تشريعا كما يصح اخبارا ولا يلزم منه أيضا مجاز في الاسناد أو الكلمة ( نعم ) حيث إن التنزيل لابد من كونه بلحاظ الآثار المترتبة على الشيء ، ففي فرض تعدد الأثر ربما يقع الكلام في أن التنزيل هل هو بلحاظ جميع الآثار أو بلحاظ بعضها ، ولكن ذلك غير مرتبط بالتقدير وحينئذ فما في كلام شيخنا العلامة الأنصاري قده من التعبير بالتقدير لا يخلو عن مسامحة واضحة ( نعم ) لابد وأن يكون الأثر المرفوع من الآثار الشرعية التي

ص: 211

كان امر رفعها ووضعها بيد الشارع فما لا يكون كذلك كان خارجا عن مصب الرفع في الحديث الشريف.

( الامر الرابع ) الظاهر من حديث الرفع بملاحظة وروده في مقام الامتنان على الأمة هو الاختصاص برفع الآثار التي يكون وضعها خلافه المنة ، فما لا يكون كذلك كان خارجا عن مصب الرفع ولا مجال للتمسك بالحديث لرفعه وان فرض الامتنان في رفعه ( ولا أقل ) من الشك في شمول حديث الرفع لمثله فيؤخذ بالقدر المتيقن ولا يكون ذلك الا الآثار التي كان وضعها خلاف المنة على المكلف لا مطلق ما يكون في رفعه الامتنان والتوسعة على المكلف وان لم يكن في وضعه ضيق عليه ( ومن ذلك ) نقول انه لا يشمل الحديث فيما لا يعلمون الحكم الواقعي الثابت للذات في الرتبة السابقة على الشك لعدم كونه بوجوده الواقعي مما فيه الضيق على المكلف حتى يقتضى الامتنان رفعه ( كما أنه ) لا يشمل الجهل بالحكم وكذا الخطاء والنسيان عن تقصير من المكلف وكذلك الاضطرار ونحوه إذ لا يأبى العقل حينئذ عن فعلية التكليف واستحقاق العقوبة على المخالفة ( نعم ) لو بلغ التحفظ عن الوقوع في الأمور المزبورة إلى حد الحرج ( يشمله ) حديث الرفع لان وضع التكليف حينئذ خلاف الامتنان على المكلف ( فكان ) حديث الرفع من هذه الجهة نظير حديث نفي الضرر الوارد في مقام الارفاق بالأمة الغير الشامل للمقدم على الضرر ( ولذلك ) تريهم يفرقون في أبواب المعاملات ، بين المقدم على الضرر كمورد الاقدام على المعاملة مع العلم بالغبن ، وبين غيره ، حيث يتمسكون بنفي الضرر على نفي لزوم المعاملة الغبنية في الثاني دون الأول ، مع أن في نفي اللزوم كمال المنة على المقدم في الأول أيضا ( ومما ذكرنا ) من ورود الحديث في مقام الامتنان على الأمة يظهر اختصاص المرفوع أيضا بالآثار التي لا يلزم من رفعها خلاف الارفاق على المكلف ( فما ) لا يكون كذلك لا يشمله حديث الرفع ، كما في الشرائط الراجعة إلى أصل التكليف كالاستطاعة بالنسبة إلى الحج ونحوها ( حيث ) لا يجرى فيها حديث الرفع لاقتضاء رفع الشرطية فيها لوضع التكليف على المكلف وهو خلاف الارفاق في حقه ( بخلاف ) شرائط الواجب فإنه يجرى فيها حديث الرفع كما سنشير إليها ( كما أنه ) لو كان رفع التكليف عن شخص موجبا لضيق على الاخر

ص: 212

لا يجرى فيه حديث الرفع ( لان ) رفعه وان كان منة على الأول ولكنه من جهة استلزامه لوضع التكليف على الاخر يكون خلاف الارفاق عليه فمن ذلك لا يشمله الحديث لكونه منافيا لما يقتضيه من الامتنان على الأمة الظاهر في الارفاق على جميع الأمة لا على بعض دون بعض ( ونظيره ) حديث نفي الضرر حيث نقول فيه بعدم جريانه في موارد استلزامه للضرر على شخص آخر.

( الامر الخامس ) يعتبر في الأثر الذي يراد رفعه ان يكون من الآثار المترتبة على عناوين موضوعاتها لا بشرط عن طرو العناوين المذكورة في الحديث بمعنى انه لم يعتبر في موضوع الأثر عنوان العمد أو الخطأ والنسيان ونحو ذلك ( والا ) لم يكن مرفوعا بالحديث ( فلو فرض ) انه اعتبر في موضوع الأثر عنوان العمد كالقصاص في القتل والكفارة في الافطار بالاكل ونحوه فمع الخطاء أو النسيان لا يجرى فيه حديث الرفع من جهة ارتفاعه بنفسه بانتفاء موضوعه وهو العمد ( كما أنه ) لو اعتبر في موضوعه عنوان الخطأ والنسيان كالدية في قتل الخطأ وسجدتي السهو لا يكون مرفوعا بحديث الرفع ، بل لا يمكن ذلك ( لان ) عنوان الموضوع يقتضى وضع تلك الآثار لا رفعها وهكذا الكلام في الاكراه والاضطرار ونحوهما.

( وإذا عرفت ) هذه الأمور فلنرجع إلى ذكر العناوين المذكورة في الحديث وبيان ما يصلح ان يكون مرفوعا فيها من الآثار التكليفية والوضعية ( فنقول ) وعليه التكلان من العناوين المذكورة في الحديث عنوان ما لا يعلم ، والظاهر انحصار المرفوع فيه بايجاب الاحتياط ( لأنه الذي ) يكون امر رفعه ووضعه بيد الشارع وهو الذي يكون المكلف من قبل وضعه في الضيق ويقتضي الامتنان رفعه فيكون هو المرفوع حقيقة من بين الآثار ، دون المؤاخذة واستحقاق العقوبة ، ودون الحكم الواقعي ولو بمرتبته الفعلية ( إذ ) المؤاخذة والاستحقاق انما هي من المدركات العقلية التي لا تنالها يد الجعل التشريعي بلا توسيط منشئها الذي هو ايجاب الاحتياط ( واما العقوبة ) الفعلية فرفعها وان كان بيد الشارع حيث كان له العفو تفضلا مع ثبوت الاستحقاق ( الا ) ان رفعها ليس من تمام المنة على المكلف ، فان تمام المنة انما هو رفع أصل الاستحقاق بحيث يرى المكلف نفسه غير مستوجب

ص: 213

لشيء ( مضافا ) إلى أنه لا يجدى فيما هو المهم في المقام من نفي استحقاق العقوبة على ارتكاب المشتبه ( واما الحكم الواقعي ) فهو وان كان مجعولا شرعيا ، الا انه لا يمكن ان يتعلق به الرفع الحقيقي لوجوه ( منها ) ما عرفت في الامر الرابع من أن حديث الرفع ناظر إلى رفع الآثار التي وضعها خلاف الامتنان بحيث لولا الرفع كان المكلف من قبل وضعها في الضيق ، فان من الواضح ان ذلك لا يتصور في التكليف الواقعي ولو بمرتبة فعليته ، إذ لا يكون المكلف من جهة مجرد ثبوته في الواقع ونفس الامر في الكلفة والضيق حتى يجرى فيه دليل الرفع فيكون هو المرفوع حقيقة ( وهذا ) بخلاف ايجاب الاحتياط فإنه لولا الرفع كان المكلف من قبله في الكلفة ، فيتعين كونه هو المرفوع حقيقة ( نعم ) لما كان ايجاب الاحتياط منشأ لاستحقاق العقوبة على الواقع باعتبار كونه بيانا ومنجزا للواقع ورافعا لموضوع حكم العقل بقبح المؤاخذة كان رفعه رفعا للاستحقاق وبهذه العناية يصدق ان المرفوع هي المؤاخذة والاستحقاق ( كما أن ) مرجع رفع ايجاب الاحتياط لما كان إلى دفع مقتضيات الاحكام في تأثيرها في جعل ايجاب الاحتياط في ظرف الجهل بالواقع لاقتضاء الاهتمام بالواقع حينئذ عدم القناعة في حفظ المرام الواقعي بصرف الخطاب الواقعي المتعلق بعنوان الذات ولزوم كونه بصدد حفظه في المرتبة المتأخرة عن الجهل بخطابه بانشاء آخر متعلق بعنوان الاحتياط ( كان ) رفع ايجابه يعد بهذه العناية رفعا للحكم الواقعي ومصححا لإضافة الرفع إلى عنوان ما لا يعلم ( ومنها ) كونه خلاف مقتضى ظهور سياق الحديث في سائر الفقرات الاخر كالخطأ والنسيان والاكراه والاضطرار ونحوها فإنه بعد أن كان الرفع فيها رفعا بالعناية لا رفعا حقيقيا ، يقتضى السياق كونه كذلك فيما لا يعلم أيضا ( ومنها ) ظهور الحديث الشريف في كون الجهل من الجهات التعليلية للرفع ، حيث إن مقتضى علية الجهل وسببيته للرفع هو كونه في المرتبة المتأخرة عن الجهل بالواقع ( ولازمه ) بعد عدم شمول اطلاق الواقع لمرتبة الجهل بنفسه هو امتناع تعلقه بالحكم الواقعي ، لاستحالة ورود الرفع في ظرف الجهل بشيء على الشيء الملحوظ في الرتبة السابقة عن الجهل بنفسه ( كيف ) ورفع كل شيء عبارة عن نقيضه وبديله ونقيض الشيء لابد وأن يكون في مرتبته ، ولا

ص: 214

يكون الحكم الواقعي بما هو ملحوظ في المرتبة السابقة على الجهل نقيضا لهذا الرفع المتأخر عن الشك حتى يمكن تعلق الرفع الحقيقي بالحكم الواقعي ولو بمرتبة فعليته وحينئذ ) لا محيص من تعلق الرفع الحقيقي بايجاب الاحتياط بلا توجيهه إلى ما لا يعلمون الا بنحو العناية ( وذلك ) أيضا لا من جهة كونه اثرا للحكم الواقعي كما توهم ، بل من جهة كونه بنفسه هو المرفوع بدوا ( كيف ) وان انشاء ايجاب الاحتياط في ظرف الشك بالواقع انشاء مستقل مبرز عن الإرادة الواقعية في قبال الانشاء الواقعي المتعلق بعنوان الذات في الرتبة السابقة كما أوضحناه في مبحث جعل الطرق ، إذ حينئذ لا يرتبط مثل ايجاب الاحتياط بالحكم الواقعي ولا كان من لوازمه وآثاره ( نعم ) مرجع رفع ايجاب الاحتياط كما ذكرناه لما كان إلى دفع مقتضيات الاحكام في تأثيرها في جعل ايجاب الاحتياط في ظرف الشك بالخطاب الواقعي كان رفعه بهذه العناية رفعا للحكم الواقعي إذ يصدق بهذا الاعتبار ان المرفوع هو الحكم الواقعي ولو بمرتبة من الفعلية المقتضية لايجاب الاحتياط في ظرف الشك بالواقع ( كما أنه ) بعناية كون ايجاب الاحتياط منشأ لصحة المؤاخذة والاستحقاق يكون رفعه رفعا لهما ، والا فالرفع الحقيقي لا يكون الا متوجها بايجاب الاحتياط ( وبهذا البيان ) يمكن الجمع بين الكلمات بارجاعها إلى معنى واحد لبا وهو رفع الأثر المجعول الذي لولا الرفع كان المكلف من قبله في الكلفة والمشقة ، لوضوح عدم كون مراد القائل برفع جميع الآثار أو الأثر المناسب الظاهر هو مطلق الأثر المترتب على الشيء ولو لم يكن في وجوده ضيق على المكلف ، وعدم كون مراد القائل برفع خصوص المؤاخذة من بين الآثار رفعها بلا توسيط رفع منشئها الذي هو ايجاب الاحتياط ( إذ على جميع ) التقادير لا ينطبق المرفوع الا على ايجاب الاحتياط قيل بان المرفوع هو جميع الآثار أو الأثر المناسب أو المؤاخذة واستحقاق العقوبة.

( بقى ) الكلام عموم الرفع للشبهات الحكمية والموضوعية وعدم عمومه ( حيث ) انه قد يقال باختصاصه بالشبهات الموضوعية ( تارة ) من جهة اقتضاء وحدة السياق في إرادة الموضوع المشتبه من الموصول فيما لا يعلمون ( بتقريب ) ان المراد من الموصول فيما أكرهوا وما لا يطيقون وما اضطروا وما أخطأوا بعد

ص: 215

ان كان هو الفعل الذي أكره عليه أو اضطر إليه أو لا يطيقونه ، فوحدة السياق تقتضي ان يكون المراد من الموصول فيما لا يعلمون هو الفعل الذي اشتبه عنوانه كالشرب الذي لم يعلم كونه شرب خمر أو شرب خل ( وأخرى ) من جهة عدم تصور الجامع بين الشبهات الحكمية والموضوعية حتى يمكن إرادة ما يعمهما من الموصول ، بدعوى ان المرفوع في الشبهات الحكمية بعد ما كان عبارة عن نفس متعلق الجهل أعني الحكم الواقعي المجهول ، كان استناد الرفع فيه إلى الموصول من قبيل الاسناد إلي ما هو له ( بخلاف ) الشبهات الموضوعية فان متعلق الجهل فيها أولاً وبالذات هو الموضوع الخارجي ، وبالتبع يتعلق بالحكم الشرعي والموضوع الخارجي لما كان بنفسه غير قابل للرفع ( كان ) اسناد الرفع إليه من قبيل الاسناد إلى غير ما هو له ، وحيث انه لا يمكن الجمع بينهما في استعمال واحد واسناد واحد يدور الامر بين ان يراد من الموصول الحكم المشتبه أو الموضوع ، فمع قطع النظر عن السياق وان كان الأولى هو الأول حفظا لظهور الاسناد في كونه اسنادا إلى ما هو له ( الا ) ان وحدة السياق تقتضي تخصيص الموصول بالشبهات الموضوعية لأقوائية ظهور السياق من الظهور المزبور ( ولكن ) لا يخفى ما فيه اما ( الوجه الأول ) فلمنع وحدة السياق ( كيف ) وان من الفقرات في الحديث الطيرة والحسد والوسوسة ولا يكون المراد منها الفعل ، ومع هذا الاختلاف كيف يمكن دعوى ظهور السياق في إرادة الموضوع المشتبه ( مع أن ) ذلك يقتضي ارتكاب خلاف ظاهر السياق من جهة أخرى فان الظاهر من الموصول فيما لا يعلمون هو ما كان بنفسه معروض الوصف وهو عدم العلم كما في غيره من العناوين الاخر كالاضطرار والاكراه ونحوهما حيث كان الموصول فيها معروضا للأوصاف المزبورة فتخصيص الموصول بالشبهات الموضوعية ينافي هذا الظهور إذ لا يكون الفعل فيها بنفسه معروضا للجهل وانما المعروض له هو عنوانه ، وحينئذ يدور الامر بين حفظ السياق من هذه الجهة بحمل الموصول فيما لا يعلم على الحكم المشتبه وبين حفظه من جهة أخرى بحمله على إرادة الفعل ولا ريب في أن العرف يرجح الأول فيتعين الحمل فيما لا يعلمون على إرادة الحكم ( واما الوجه الثاني ) ففيه ان المراد من الموصول فيما لا يعلم هو مطلق الحكم الشرعي المجهول الجامع بين الشبهات

ص: 216

الحكمية والموضوعية ، حيث لا فرق بينهما الا ان منشأ الشك في الشبهات الحكمية فقد النص أو اجماله وفى الشبهات الموضوعية الأمور الخارجية ولا يوجب ذلك فرقا بينهما في إضافة الرفع واسناده إلى الموصول كما هو ظاهر ( وعليه ) يتم الاستدلال بهذا الحديث على البراءة في قبال القائل بوجوب التوقف والاحتياط عند الشك في التحريم ، لان مقتضاه كما عرفت انما هو نفي وجوب الاحتياط عند الشبهة والترخيص في الارتكاب فيعارض ما دل على وجوب التوقف والاحتياط ( ثم انه ) بعد أن ظهر عموم الرفع للشبهات الحكمية والموضوعية ، نقول انه لا فرق ، بين التكاليف الاستقلالية ، أو الضمنية ، فنجري في الثاني أيضا عند الشك في جزئية شيء أو شرطيته أو مانعيته للمأمور به كما سنحققه في مبحث الأقل والأكثر انشاء اللّه تعالى ( هذا ) بناء على جريان البراءة العقلية في تلك المسألة واما على القول بالاشتغال العقلي فيها ، ففي جريان دليل الرفع اشكال كما سيأتي بيانه انشاء اللّه تعالى.

« ومن العناوين » المذكورة في الحديث ، عنوان الخطاء ، والنسيان والمراد بهما كما قربناه سابقا هو المنسي وما أخطأ لا نفس عنوان الخطأ والنسيان فكل ما كان مخطيا أو منسيا فعلا كان أو تركا جزء كان أو شرطا أو مانعا يكون مرفوعا بهذا الحديث ( ومرجع ) الرفع فيهما بعد كونه رفعا تنزيليا لا حقيقيا إلى رفع ما يترتب عليهما من الأثر المجعول الذي كان المكلف من قبله في الكلفة ويناسب الامتنان رفعه « ومرجعه » فيهما إلى رفع ايجاب التحفظ المستتبع لرفع التكليف الفعلي عن المنسى وما أخطأ حال النسيان ( فان ) الناسي وكذلك المخطئ وان سقط عنه التكليف حال النسيان « الا » ئنه لما كان متمكنا قبل النسيان من امتثال التكليف بالتحفظ وعدم الوقوع في مخالفة الواقع بالنسيان « كان » هذا المقدار كافيا في فعلية التكليف في حقه قبل النسيان بنحو يستتبع وجوب حفظ الالتفات مقدمة لعدم الوقوع في خلاف الواقع ويوجب استحقاق العقوبة على المخالفة ( الا ) ان الشارع من باب الامتنان رفع عن الناسي والمخطئ وجوب التحفظ يرفع منشئه الذي هو التكليف الفعلي « وعلى » ذلك فلو شرب خمرا أو ترك واجبا مثلا خطأ أو نسيانا كان هذا الشرب وهذا الترك كالعدم في عدم ترتب حكم عليهما

ص: 217

« فلا يستحق » العقوبة والمؤاخذة على مثل هذا الشرب وذاك الترك الناشئين عن الخطاء والنسيان « نعم » لابد من تقييد ذلك بما إذا لم يكن ترك التحفظ ناشئا عن سوء اختيار المكلف « والا » فلا يشمله حديث الرفع كما أشرنا إليه سابقا « ثم انه بما ذكرنا » يظهر الحال في نسيان الجزء والشرط والمانع « حيث » ان مقتضى رفع النسيان في هذه الأمور انما هو رفع التكليف الفعلي عن الجزء والشرط المنسيين ويلزمه بمقتضى الارتباطية سقوط التكليف عن البقية أيضا ما دام النسيان « الا انه » بعد النسيان تقتضي المصلحة القائمة بالمركب احداث التكليف بالاتيان إعادة في الوقت وقضاء في خارجه كاقتضائها في أصل التكليف به قبل النسيان « وبذلك » يظهر انه لا مجال للتمسك بهذا الحديث لاثبات اجزاء المأتي به في حال النسيان ، بتقريب انه بعد الزام العقل في حال النسيان باتيان البقية يستكشف من رفع جزئية المنسي أو شرطيته عن رفع وجوب الإعادة « إذ نقول » انه كذلك إذا كان نظر الحديث إلى رفع جزئية المنسي مطلقا حتى بعد التذكر والالتفات الملازم لتحديد دائرة الطبيعة المأمور بها حال النسيان بما عدا الجزء المنسي « والا فبناء » على ما هو الظاهر منه من كونه ناظرا إلى رفع المنسي ما دام النسيان بلا نظر منه إلى تحديد دائرة المأمور به واثبات كونه في حال النسيان هو ما عدا الجزء المنسي « فلا يتم » ذلك « لان » غاية ما تقتضيه حينئذ انما هو رفع ايقاء الامر والتكليف ما دام النسيان « واما » بعده فالمصلحة الداعية إلى الامر بالمركب أولاً لما بقيت غير مستوفاة تقتضي احداث التكليف بالإعادة بعد الالتفات « نعم لو اغمض » عن هذه الجهة لا يتوجه عليه الاشكال ، تارة من جهة المثبتية « بتوهم » ان وجوب الإعادة وان كان من الآثار الشرعية ، الا ان ترتبه على نسيان الجزء أو الشرط انما يكون بتوسيط امر عقلي وهي مخالفة المأتي به للمأمور به « فلا يجرى » فيه حديث الرفع لان دليل الرفع كغيره من التنزيلات ناظر إلى خصوص الآثار الشرعية المترتبة عليه بلا واسطة « وأخرى » بما افاده بعض الأعاظم قده من أن شأن حديث الرفع انما هو تنزيل الموجود منزلة المعدوم لا تنزيل المعدوم منزلة الموجود لان تنزيل المعدوم منزلة الموجود انما يكون وضعا وحديث الرفع لا يتكفل الوضع لان مفاده انما هو مجرد الرفع وعليه فلا يمكن تصحيح

ص: 218

العبادة الفاقدة لبعض الاجزاء والشرائط لنسيان أو غيره بحديث الرفع « وهذا » بخلاف الفعل الصادر عن المكلف نسيانا أو اضطرارا فإنه يشمله حديث الرفع لاقتضاء رفعه جعله بمنزلة المعدوم في عدم ترتيب اثر الوجود عليه « أقول » ولا يخفى ما في هذين الاشكالين « اما الأول » فبمنع كون ترتب وجوب الإعادة على عنوان مخالفة المأتي به للمأمور به « بل هو » انه مترتب على بقاء الامر الأول كترتب عدم وجوب الإعادة على عدم بقائه ، غاية الامر يلازم بقاء الامر وعدم بقائه مع مخالفة المأتي به للمأمور به وموافقته معه ، ومجرد هذا التلازم لا يقتضي ترتب وجوب الإعادة على هذا الامر العقلي حتى يتوجه عليه الاشكال المزبور « وحينئذ » فإذا كان بقاء الامر كحدوثه أمرا شرعيا تناله يد الجعل والرفع فلا محذور في التمسك بالحديث من هذه الجهة لنفي وجوب الإعادة « فتأمل » « واما الثاني » ففيه ان مرجع رفع الشيء بعد أن كان إلى الرفع بالعناية الراجع إلى خلو صفحة التشريع عن حكمه وعدم اخذه موضوعا لاحكامه « لا يكاد » يفرق بين رفع الفعل أو الترك « إذ » كما أن معنى رفع الوجود في عالم التشريع عبارة عن رفع الأثر المترتب عليه وخلوه عن الحكم في عالم التشريع ( كذلك في رفع العدم ) حيث إن مرجع رفعه إلى رفع الأثر المترتب على هذا العدم الراجع إلى عدم اخذه موضوعا للحكم بالفساد ووجوب الإعادة مثلا بملاحظة دخل نقيضه وهو الوجود في الصحة ( لا ان ) مرجع رفعه إلى قلب العدم بالوجود وتنزيله منزلة الموجود ، أو تنزيل الموجود منزلة المعدوم كي يشكل بان رفع المعدوم لا يكون الا بالوضع وحديث الرفع لا يتكفل الوضع ( إذ فرق ) واضح بين قلب الوجود بعدم ذاته وتنزيله منزلته وبالعكس وبين قلب اخذه موضوعا للحكم بعدم اخذه في مرحلة تشريع الحكم وخلو خطاباته عنه ( والاشكال ) المزبور انما يرد على الأول دون الثاني ، وما يقتضيه بحديث الرفع انما هو الثاني دون الأول « وعلى ذلك » نقول انه لا بأس بالتمسك بحديث الرفع لصحة العبادة الفاقدة لبعض الاجزاء والشرائط لنسيان أو غيره « فان » رفع ترك الجزء عن نسيان ، انما هو بلحاظ الأثر المترتب عليه وهو الفساد الذي هو نقيض الصحة المترتبة على وجوده ومرجعه إلى خلو صفحة تشريع الحكم بالفساد عن مثل هذا

ص: 219

الترك الراجع إلى رفع جزئية المنسى وعدم دخله في الصحة ( لا ان ) الرفع بلحاظ الأثر المترتب على الوجود كي يحتاج إلى تنزيل المعدوم منزلة الموجود فيشكل بان رفع المعدوم لا يمكن الا بالوضع ( ولا ) بان يجرى حديث الرفع بلحاظ رفع ذلك حتى يقال بأنه خلاف الامتنان ( وحينئذ ) فلا قصور في شمول الرفع للجزء والشرط المنسيين واقتضائه لصحة العبارة الفاقدة لهما باخراج مثل هذا الترك عن حيز تشريع الفساد ( كما كان ذلك ) هو الشأن أيضا في المانع إذا اتى به نسيانا أو اضطرارا ، حيث إن الأثر المرتب على المانع لا يكون الا الفساد وعدم الصحة ( والا ) فليس له اثر مستقل حتى يكون هو المصحح لجريان حديث الرفع فيه ، فلولا كفاية ذلك في شمول دليل الرفع يلزم عدم محل للرفع فيه أيضا ، مع أنه معترف بجريان حديث الرفع في المانع ( ومن ذلك ) يظهر عدم تمامية ما افاده من الاشكال على رفع جزئية المنسي ، بان المنسى ليس هي الجزئية حتى ترتفع بهذا الحديث وانما هو وجود الجزء ، ومع العلم بالجزئية والالتفات إليها ليس في البين ما يرد الرفع التشرعي عليه من حيث الموضوع والأثر حتى يمكن تصحيح العبادة الفاقدة للجزء والشرط ( إذ فيه ) ان هذا الاشكال بعينه جار في صورة ايجاد المانع نسيانا حيث لا يكون المنسي فيه أيضا هي المانعية ( فكما انه ) يجرى دليل الرفع في نسيان المانع ويكون رفعه راجعا إلى رفع مانعيته ( كذلك ) يجرى في نسيان الجزء والشرط ( وحينئذ فالعمدة ) هو الاشكال عليه بما ذكرناه من أن غاية ما يقتضيه رفع النسيان انما هو رفع التكليف الذي هو منشأ انتزاع الجزئية ما دام النسيان ( لا رفع ) دخل المنسي في المصلحة ، لان مثل هذا الدخل امر تكويني لا يتعلق به الرفع التشريعي ( إذ حينئذ ) بعد النسيان تكون المصلحة الداعية إلى إلى التكليف بالمركب مؤثرة في التكليف بالإعادة بعد زوال النسيان ( نعم ) لو كان مفاد رفع النسيان هو تحديد دائرة المأمور به في حال النسيان بما عدا المنسى بان كان ناظرا إلى الاطلاقات الأولية المثبتة للاجزاء والشرائط بتخصيص الجزئية والشرطية فيها بغير حال نسيان الجزء والشرط كما في دليل نفي الحرج بالنسبة إلى الاطلاقات الأولية المثبتة للجزئية والشرطية ( لكان ) لاستفادة الاجزاء وعدم وجوب الإعادة مجال واسع ( ولكن ذلك ) خارج عن عهدة حديث الرفع ، حيث

ص: 220

انه لم يكن من شأنه اثبات التكليف بالفاقد للجزء المنسي وانما شأنه مجرد رفع التكليف عن المنسي ما دام النسيان ( وعليه ) لابد من الالتزام بعدم الاجتزاء بالفاقد للجزء أو الشرط المنسي ولزوم الإعادة بعد زوال النسيان ، لخروج البقية بمقتضى الارتباطية عن حيز الامر والتكليف وعن تحت المصلحة الضمنية ( من غير ) فرق في ذلك بين نسيان المستوعب للوقت وغيره ، ولا بين ترك الجزء والشرط وبين فعل المانع ( فلابد ) للحكم بالصحة من التماس دليل آخر يقتضى الاجتزاء بالفاقد للجزء أو الشرط المنسي كما في الصلاة من قوله (عليه السلام) لا تعاد الصلاة الا من خمس حيث دل على عدم بطلان الصلاة بالاخلال السهوي بما عدا الأركان ( هذا كله ) في الأحكام التكليفية ( واما الأحكام الوضعية ) كالعقود والايقاعات ، فلا مجال لرفع الخطاء والنسيان فيهما ، ووجهه ما عرفت سابقا من اختصاص الرفع بالأمور التي لم يعتبر في قوام تحققها القصد والعمد ، والمعاملات لما كانت متقومة بالقصد والعمد كانت خارجة عن مصب الرفع في الحديث ( لان ) في فرض الخطاء والنسيان لا يتحقق عنوان العقد ولا عنوان المعاملة حتى يجرى فيها الرفع ( هذا ) بالنسبة إلى عنوان المعاملة ( واما بالنسبة ) إلى الشرائط الراجعة إليها كالعربية والماضوية وتقدم الايجاب على القبول لو قلنا باعتبارها في العقد ، فعدم جريان الرفع فيها انما هو من جهة اقتضائه للوضع الذي هو التكليف بالوفاء بالفاقد ( ومثله ) خلاف الامتنان في حق المكلف ولذا فرقنا بين شرائط الوجوب وشرائط الواجب وقلنا باختصاص الحديث بالثاني دون الأول بلحاظ اقتضاء نفي الشرطية لاثبات الوجوب على المكلف.

( ومن العناوين ) المذكورة في الحديث قوله (عليه السلام) ما اضطروا إليه وحكمه حكم الخطأ والنسيان في الاختصاص بالتكليفيات وعدم شموله للوضعيات من العقود والايقاعات الا ان عدم شموله لها انما هو من جهة اقتضائه للضيق على المكلف ( فان ) رفع الصحة عن المعاملة التي اضطر إليها المكلف لقوت نفسه وعياله موجب لتأكد اضطراره وهو خلاف ما يقتضيه الارفاق والامتنان ( وهذا ) بخلاف التكليفيات فان في رفعها كمال الامتنان على المكلف ( نعم ) ينبغي تقييده بما إذا لم يكن الاضطرار إلى ترك الواجب أو فعل الحرام ناشئا عن سوء اختيار

ص: 221

المكلف ، والا فلا يكون مرفوعا لما تقدم من عدم شمول الحديث للمقدم على المخالفة بسوء اختياره ( ولذا ) لا شبهة في استحقاق مثله للعقوبة على التفويت ( ثم إن ) المرفوع فيه هو نفس التكليف الوجوبي أو التحريمي لأنه بنفسه قابل للثبوت في حقه عنه الاضطرار ولا يأباه العقل أيضا ، فيكون رفعه منة عليه بلا احتياج إلى ارجاع الرفع فيه إلى ايجاب التحفظ ( نعم ) انما يحتاج إلى ذلك إذا كان الاضطرار بمرتبة لا يقدر معه على التجنب عن الوقوع في مخالفة التكليف ، فإنه من جهة اباء العقل حينئذ عن فعلية التكليف في مورده يحتاج إلى ارجاع الرفع فيه إلى رفع ايجاب التحفظ ( كما أنه ) في فرض عدم تمكنه من التحفظ أيضا يخرج عن مصب الرفع رأسا لاستقلال العقل حينئذ بانتفاء التكليف وكذا المؤاخذة في مورده ، فلا يكون في البين شيء يقتضي الامتنان رفعه عنه ( وكيف كان ) فلا فرق في رفع التكليف في الاضطرار بين كونه متعلقا بالوجود أو العدم ( ولا بين ) كون الاضطرار متعلقا بالوجود أو العدم ( فإنه ) على كل تقدير يجرى فيه الرفع ، ومرجعه في الجميع على ما عرفت في الخطأ والنسيان إلى خلو ما اضطر إليه فعلا أو تركا عن الحكم في عالم التشريع لا إلى جعل الموجود بمنزلة المعدوم وبالعكس كما توهم ، كي يشكل في الاضطرار إلى الترك بان تنزيل المعدوم منزلة الموجود يكون وضعا وحديث الرفع لا يتكفل الوضع ( كيف ) ولازم عدم شمول حديث الرفع للترك هو الالتزام بوجوب الاتيان بكلا طرفي العلم الاجمالي بالتكليف عند الاضطرار إلى ترك أحدهما معينا أو غير معين مع أنه كما ترى ( فتأمل ) « ثم انه » بما ذكرنا من اختصاص الرفع في الاضطرار بالتكليفيات يظهر عدم شموله لرفع الحكم الوضعي كالجزئية والشرطية بالنسبة إلى الجزء أو الشرط الذي اضطر إلى تركه ( وذلك ) لما يلزمه حينئذ من اقتضائه لاثبات التكليف بالبقية وهو خارج عن عهدة حديث الرفع ( إذ لولا ) الرفع كان المكلف من جهة ارتباطية التكليف بالمركب باضطراره إلى ترك الجزء في فسحة عن التكليف بالبقية ، حيث لا يكون له ملزم عقلي أو شرعي باتيان البقية ، وبذلك يمتاز المقام عن فرض نسيان الجزء ( فان ) الناسي من جهة غفلته عن نسيانه يكون له ملزم عقلي باتيان البقية ( بخلاف ) الاضطرار ( فإنه ) من جهة التفاته إلى اضطراره بترك الجزء

ص: 222

والتفاته إلى ارتباطية التكليف واقتضائه لسقوط التكليف عن المركب بتعذر بعض اجزائه ( لا يكون ) له ملزم باتيان البقية « وعلى ذلك » يحتاج في اثبات التكليف بها إلى ملزم خارجي من قاعدة ميسور ونحوه « والا » فلا مجال لاثباته بحديث الرفع بتطبيقه على الجزء أو الشرط المتعذر لما عرفت من كون ذلك خارجا عن عهدة حديث الرفع « فلا محيص » حينئذ من تطبيقه على نفس المركب « ونتيجة » ذلك هو رفع التكليف الفعلي عن المركب ما دام الاضطرار بالبيان المتقدم سابقا « ولازمه » وجوب الإعادة بعد ارتفاع الاضطرار لاقتضاء المصلحة الداعية إلى التكليف بالمركب حينئذ الامر بالإعادة في الوقت والقضاء في خارجه ( الا ) إذا قام دليل بالخصوص أو بالعموم على وجوب الاتيان بالفاقد للجزء المتعذر من قاعدة ميسور ونحوه فيستفاد منه بضميمة الاجتماع على أنه لا يكون عليه الا تكليف واحد الاجزاء وعدم وجوب الإعادة.

( ومن العناوين ) قوله صلی اللّه علیه و آله ، وما لا يطيقون ويجرى فيه جميع ما ذكرناه في الاضطرار ( فيختص ) ذلك أيضا بالتكليف ولا يشمل المعاملات ، ويكون المرفوع فيه هي المؤاخذة الناشئة من عدم حفظ الطاقة بمقدماته الاختيارية بناء على كون المراد به معناه الحقيقي ( نعم ) لو كان المراد به المشقة الشديدة التي لا يتحمل عادة ( أو كان ) المراد هو ما لا يطاق العرفي اي التكليف الشاق الناشئ عن اختيار المكلف البالغ إلى حد الحرج كما لعله هو الظاهر من الحديث ( كان ) المرفوع هو نفس التكليف الفعلي ، إذ لا يحتاج في مثله إلى ارجاع الرفع فيه إلى رفع ايجاب تحفظه بعد كونه بنفسه قابلا لتعلق التكليف به فيكون رفعه حينئذ منة عليه ، بل ولعل ذلك أيضا هو المراد في الآية المباركة الحاكية عما استوهبه النبي صلی اللّه علیه و آله من ربه جل ذكره ليلة المعراج لا ان المراد هو ما لا يتحمل عادة أو العذاب والعقوبة ، فكان مفاد الآية حينئذ مساوقا لما نفاه اللّه عز وجل في آية أخرى بقوله عز من قائل وما جعل عليكم في الدين من حرج ( ثم ) ان في شمول الحديث الشريف لرفع الجزئية عن الجزء الذي لا يطاق فعله ( الاشكال ) المتقدم من حيث استلزامه لوضع التكليف بالبقية الذي هو خلاف الامتنان عليه نظرا إلى ما هو المفروض من عدم اطلاق لدليلها بنحو يشمل حال فقد جزء آخر

ص: 223

( ومن العناوين ) قوله صلی اللّه علیه و آله ، وما أكرهوا عليه ( والظاهر ) اختصاص مجرى الرفع في هذا العنوان بباب المعاملات بالمعنى الأخص بعكس الرفع في عنوان الاضطرار فلا يجرى في التكليفيات من الواجبات والمحرمات ( لان ) الاكراه على الشيء بصدق بمجرد عدم الرضا وعدم طيب النفس بايجاده ولذا يصدق عنوان الاكراه على المعاملة بمجرد التوعيد على تركها ولو بأخذ مال يسير لا يكون تحمله حرجيا عليه حتى مع امكان التفصي بالتورية ونحوها كما هو ظاهر النصوص والأصحاب ( ومن المعلوم ) بداهة عدم كفاية ذلك في تسويغ ترك الواجبات ما لم ينته إلى المشقة الشديدة الموجبة للعسر والحرج فضلا عن الاقتحام في ارتكاب المحرمات التي لا يسوغها الا الاضطرار ( ومن هنا ) لم يلتزم أحد بجواز ترك الواجب بمطلق الاكراه عليه ولو لم يبلغ إلى حد الحرج نعم لو بلغ الاكراه إلى حد الحرج جار ذلك ولكنه حينئذ من جهة الحرج لا الاكراه ( بخلاف ) باب المعاملات ، حيث إن بنائهم فيها على كفاية مطلق الاكراه على المعاملة ولو بايعاد ضرر يسير على تركها في فساد المعاملة ( ثم ) ان الوجه في اختصاص مجرى الرفع في الاكراه بباب المعاملات بالمعنى الأخص انما هو بملاحظة ما اعتبر فيها من الرضا وطيب النفس في مترتب الأثر عليها بمقتضى قوله سبحانه تجارة عن تراض وقوله (عليه السلام) لا يحل مال امرء الا بطيب نفسه ( فان ) الاكراه لما كان منافيا لطيب النفس بالمعاملة اقتضى الامتنان رفعها ، وهذا المناط وان كان جاريا في الاضطرار بالمعاملة أيضا ، الا ان عدم جريان الرفع فيها انما هو من جهة كونه خلاف الارفاق والامتنان في حق المضطر ، لاقتضاء رفع الصحة عن المعاملة المضطر إليها لقوت نفسه وعياله تأكدا في اضطراره ( بخلاف ) باب الاكراه فان في رفع الصحة عن المعاملة المكره عليها كمال الارفاق في حق المكره « ثم إن » الأثر المرفوع في ذلك انما هي الصحة الفعلية لأنها هي التي يقتضى الامتنان رفعها ( لا أصل ) صحتها بنحو لا يصححها الإجازة المتأخرة ( فان ) ذلك خلاف الامتنان على المكره بالفتح لأنه قد يتعلق غرضه بامضاء تلك المعاملة والرضا بها لما يرى فيها من الصلاح ( ولا الاحكام ) التكليفية المترتبة على الصحة كوجوب القبض والتسليم فان ترتب هذه الآثار انما يكون في فرض صحة المعاملة وتأثيرها في النقل والانتقال ( وفي )

ص: 224

فرض صحة المعاملة وان كان رفعها منة على المكره بالفتح ( ولكنه ) خلاف الامتنان في حق المشترى لرجوعه إلى سلب سلطنة المشتري على المبيع مع فرض كونه مالكا له.

« ومن العناوين » المذكورة في الحديث ، الحسد والطيرة ، والوسوسة في التفكر في الخلق « والظاهر » ان المرفوع في الجميع بقرينة إضافة الرفع إلى نفس المذكورات هي المؤاخذة عليها بملاحظة ما فيها من الاقتضاء لتشريع الحكم التحريمي ، فالشارع من باب الامتنان دفع المقتضى فيها عن تأثيره في تشريع الحكم التحريمي ( واما الاشكال ) في ذلك بان هذه الأمور لكونها غير اختيارية خصوصا الحسد لكونه عبارة عن الملكة الرذيلة الخاصة أو الخطرات القلبية الناشئة منها ، لا يصح تعلق الرفع بها ولو باعتبار حكمها حيث لا يمكن اقتضاء مثلها لتشريع الحكم التحريمي ( فمدفوع ) بأنها وان كانت بنفسها غير اختيارية ولكنها بمباديها كانت اختيارية حيث أمكن التحرز عنها وعدم الوقوع فيها ويكفي هذا المقدار في اقتضائها للتحريم ( ويمكن ) ان يكون المرفوع فيها غير ذلك ، بان يقال ان المرفوع ( في الحسد ) انما هو وجوب رفعه بالرياضات والمجاهدات التي منها التحفظ وعدم التفتيش في أمور الناس والاطلاع على ما أعطوا من الأموال والأولاد ونحو ذلك مما هو منشأ حصول هذه الصفة الرذيلة ، فان الانسان إذا صرف نفسه إلى أحوال نفسه وامر آخرته ولم يتعرض للناس وما وهب لهم من النعيم كالرياسة والأموال والأولاد والسعة في العيش ونحو ذلك مما هو فاقد له لا يحصل له هذه الملكة الرذيلة ولو كانت حاصلة تزول عنه تلك الملكة وتنقطع عنه مادة الحسد على التدريج ( فكان ) الشارع امتنانا رفع هذا الوجوب مع كون رفعه مستحسنا في نفسه في مقام تحسين الأخلاق كرفع ساير الأخلاق الرذيلة والصفات الذميمة ( نعم ) لا يجوز ترتب الأثر الخارجي عليه لكونه حراما بلا اشكال وعليه أيضا يحمل ما دل من الاخبار على النهى عنه واثبات العقوبة عليه ( واما الطيرة ) فالمرفوع فيه هو الصد عن المقاصد عند التطير والتشأم لكونه أمرا قابلا للجعل ولو امضاء لما عليه بناء العرف من الالتزام بالصد عن المقاصد عند التطير والتشاءم فنفاه الشرع امتنانا على الأمة كما يشهد

ص: 225

لذلك قوله (عليه السلام) إذا تطيرت فامض ( واما الوسوسة ) في التفكر في الخلق فالمرفوع فيها هو وجوب التحفظ وصرف الذهن إلى أمور اخر غير مرتبطة بمقام امر الخلقة ولكن إرادة رفع الحرمة فيها أظهر بقرينة ظهور استناد الرفع إلى نفسها وقد استفاضت النصوص أيضا على أنه لا شيء فيها وانه تقول لا إله إلا اللّه.

( ومنها ) أي من الاخبار التي استدل بها للبرائة قوله (عليه السلام) ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم ( فإنه ) يدل على نفي الكلفة ووجوب الاحتياط فيما حجب علمه من الاحكام المجهولة كحرمة شرب التتن ونحوه فيعارض ما دل على وجوب الاحتياط عند الشك ( ولعل ) هذا الخبر أظهر في الدلالة على المطلوب من حديث الرفع ، إذ لا يتوجه عليه اشكال الاختصاص بالشبهات الموضوعية ، بل يمكن فيه دعوى العكس ( فان ) الموصول وان كان عاما لكن بقرينة استناد الحجب إليه سبحانه يختص بالأحكام التي كان رفع الجهل عنها من وظائفه سبحانه بايصال البيان إلى العباد ولو بتوسيط رسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهي لا تكون الا الاحكام الكلية دون الجزئية لان رفع الجهل عنها لا يكون من وظائف الفقيه فضلا عن الشارع ( وقد أورد ) على الرواية كما عن الشيخ قده بأنها بقرنية استناد الحجب إليه سبحانه ظاهرة في الاختصاص بالأحكام التي ما بينها الشارع للعباد رأسا فلا تشمل الاحكام التي بينها الشارع للعباد واختفيت عليهم بعد ذلك لأجل معصية من عصى اللّه سبحانه بكتمان الحق ( فتكون ) الرواية مساوقة لما ورد عن علي (عليه السلام) بان اللّه سبحانه حدد حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تعصوها وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلفوها رحمة لكم ( فلا ) تصلح للاستدلال بها في المقام ( لان ) محل الكلام بين الأخباريين والمجتهدين انما هو في الاحكام المبينة من قبله سبحانه التي لم يصل إلى المكلفين ولم يقم عليها طريق معتبر وان كان سبب ذلك اخفاء الظالمين ودش الداسين ( وبعبارة أخرى ) مورد النزاع انما هي الاحكام المجهولة التي يقطع بفعليتها على تقدير ثبوتها واقعا لا الاحكام الشأنية المحضة ( والرواية ) بقرنية استناد الحجب إليه سبحانه مختصة بالثاني ( لان ) ما لم يبينه الشارع وسكت عن اظهاره يقطع بعدم فعليته ولو مع القطع بثبوته في نفس الامر كما في الضد المبتلى بالأهم ( ولكن ) فيه ان ما أفيد

ص: 226

من عدم فعلية الاحكام مع السكوت عنها انما يتم في فرض السكوت عنها بقول مطلق حتى من جهة الوحي إلى النبي صلی اللّه علیه و آله ( واما ) في فرض اظهاره للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بتوسيط خطابه ووحيه ( فيمكن ) دعوى كونها من الاحكام الفعلية ( إذ ) لا نعنى من الحكم الفعلي الا ما تعلقت الإرادة الأزلية بحفظه من قبل خطابه ( حيث ) انه يستكشف من تعلق الإرادة بايجاد الخطاب عن فعلية الإرادة بالنسبة إلى مضمون الخطاب ولو مع القطع بعدم ابلاغ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إياه إلى العباد ، اما لعدم كونه مأمورا بابلاغه ، أو من جهة اقتضاء بعض المصالح لاخفائه ( وتوهم ) منافاة ذلك مع فعلية الإرادة المضمونية ( ممنوع ) جدا حيث إن المنافى له انما هي الفعلية المطلقة لا الفعلية ولو من جهة الخطاب ( والا ) ينافيها الترخيصات الشرعية الظاهرية في جعل الامارات والأصول المخالفة للواقع ، فلابد من الالتزام فيها أيضا بعدم فعلية التكليف الواقعي ، مع أنه كما ترى ( وحينئذ ) بعد كفاية هذا المقدار في فعلية التكليف ( نقول ) ان رواية الحجب وان لم تشمل التكاليف المجهولة التي كان السبب في خفائها معصية من عصى اللّه ( ولكن ) بعد شمول اطلاقها للأحكام الواصلة إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بتوسيط خطابه إليه التي لم يؤمر من قبله سبحانه بابلاغها إلى العباد بملاحظة صدق استناد الحجب فيها إليه سبحانه يمكن التعدي إلى غيرها من الاحكام المجهولة التي كان سبب خفائها الأمور الخارجية بمقتضى عدم الفصل بينهما بعد صدق التكليف الفعلي على مضامين الخطابات المنزلة إلى النبي ولو مع عدم الامر بابلاغها إلى العباد وبذلك تصلح الرواية لمعارضة ما دل على وجوب الاحتياط هذا كله ( مع امكان ) دعوى شمول الموصول فيما حجب للأحكام المبينة عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أو الوصي (عليه السلام) المجهولة بسبب الأمور الخارجية وان نسبة حجب علمها إليه سبحانه كنسبة سائر الأشياء إليه تعالى نظير قوله (عليه السلام) ما غلب اللّه على العباد فهو أولى بالعذر فكان المراد من حجب اللّه سبحانه هو الحجب في مقام التكوين الراجع إلى عدم توفيقه سبحانه لمعرفتها مع فعليتها في الواقع كما يؤيده لفظة موضوع عنهم الظاهرة في وضع الاحكام الفعلية عند الجهل بها عن العباد بعدم ايجابه للاحتياط في ظرف الجهل خصوصا بعد ملاحظة ظهور الحجب في كون العلة للوضع هو الجهل بالواقع الملازم لكون الرفع في المرتبة المتأخرة

ص: 227

عنه إذ حينئذ يكون المرفوع منحصرا بايجاب الاحتياط فتصلح للرد على الاخباري القائل بوجوب الاحتياط.

( منها ) قوله (عليه السلام) ، الناس في سعة ما لا يعلمون ( ودلالتها ) على المطلوب ظاهرة كانت كلمة ما مصدرية ظرفية ، أو موصولة أضيف إليه السعة ( إذ ) المعنى على الأول انهم في سعة ما داموا غير عالمين بالواقع ( وعلى الثاني ) انهم في سعة ما لا يعلمونه من الاحكام الراجع إلى عدم كونهم في كلفة ايجاب الاحتياط فيعارض ما دل على وجوب التوقف والاحتياط ( وأورد ) على الاستدلال المزبور بان الخصم غير منكر للسعة على من لم يعلم بوجوب الاحتياط من العقل والنقل بعد التأمل والتدبر وانما يدعى الضيق والكلفة من جهة العلم بوجوب الاحتياط بزعم قيام الدليل العقلي والنقلي على وجوبه فتكون أدلة الاحتياط على تقدير تماميتها واردة على هذه الرواية ( ولكن فيه ) ان ذلك يتم إذا كان دعوى الاخباري اثبات العقوبة على مخالفة نفس ايجاب الاحتياط في قبال الواقع وليس كذلك ( بل مقصودهم ) انما هو اثبات العقوبة على مخالفة التكليف المجهول بمقتضى ما دل على وجوب التوقف والاحتياط في قبال الأصولي ( فان ) هذا هو الذي يساعد أدلتهم من نحو رواية التثليث من نحو قوله (عليه السلام) وهلك من حيث لا يعلم ( وعليه ) فلا وجه لتوهم ورود أدلة الاحتياط على الرواية ولا حكومتها عليها ( نعم ) لو كان أدلة الاحتياط متكفلة لاثبات العلم بالواقع كالأمارات كان لدعوى الحكومة كمال مجال ( ولكنه ) ليس كذلك ، بداهة ان مفاد تلك الأدلة لا يكون الا مجرد اثبات وجوب التوقف والاحتياط عند الجهل بالواقع ( ومجرد ) صلاحيتها لتنجيز الواقع عند الموافقة لا يقتضي الطريقية والكاشفية أيضا كما هو ظاهر ( نعم ) لو كان العلم في الرواية كناية عن مطلق قيام الحجة على الواقع ، أو كان المراد من عدم العلم الذي عليه مدار السعة هو عدم العلم بمطلق الوظيفة الفعلية لأمكن دعوى ورود أدلة ايجاب الاحتياط عليها ( ولكن ) ذلك خلاف ما يقتضيه ظهور الرواية في كون العلم الذي عليه مدار الضيق هو العلم بالواقع كما هو ظاهر.

( ومنها ) رواية عبد الاعلى عن الصادق (عليه السلام) قال سئلته عمن لا يعرف شيئا هل عليه شيء قال (عليه السلام) لا ( بتقريب ) ان الظاهر من الشيء الأول في كلام السائل

ص: 228

هو مطلق ما لا يعرفه من الاحكام ، ومن الشيء الثاني الكلفة والعقوبة من قبل الحكم الذي لا يعرفه ، فيستفاد من نفي العقوبة عليه في جواب الامام (عليه السلام) بقوله لا عدم وجوب الاحتياط عليه ، فتعارض ما دل على وجوب الاحتياط عند الشك وعدم العلم بالحكم الواقعي ( ويمكن المناقشة ) فيه بظهور الشيء الأول في إرادة عموم الاحكام فيختص بالجاهل القاصر الغافل عن الاحكام كما في أهل البوادي والسودان ويخرج عن مفروض البحث ( اللّهم ) الا ان يمنع اختصاصه بالغافل بدعوى شموله أيضا للجاهل بمجموع الاحكام الملتفت إليها مع كونه غير قادر على الفحص عنها لكونه ممن يصدق عليه انه لا يعرف شيئا فإذا استفيد من قوله (عليه السلام) في الجواب لا نفي العقوبة بنفي منشئها الذي هو وجوب الاحتياط يتعدى إلى الجاهل ببعض الاحكام بعد الفحص لعدم الفصل بينهما ( ومنها ) قوله (عليه السلام) ، ايماء امرء ركب أمرا بجهالة فلا شيء عليه ( حيث ) ان فيه الدلالة على نفي الباس وعدم العقوبة على ارتكاب ما لا يعلم حرمته ( وأورد ) عليه الشيخ قده بان الباء في قوله (عليه السلام) بجهالة ظاهر في السببية للارتكاب فيختص بالغافل والجاهل المركب ولا يشمل الجاهل البسيط المحتمل لكون فعله صوابا أو خطأ ، ثم أيده باحتياجه إلى التخصيص بالنسبة إلى الجاهل المقصر بناء على التعميم بخلافه على التخصيص بالغافل محضا والجاهل المركب المعتقد لكون فعله صوابا لا غيره ( وفيه ) ان الالتزام بالتخصيص مما لابد منه على اي حال للزوم خراج الجاهل المقصر وان كان معتقدا بالخلاف ولعل امره بالتأمل إشارة إلى ذلك ( واما ما افاده ) في وجه التخصيص بالجاهل المركب والغافل بكونه مقتضى ظهور الباء في السببية ( ففيه ) انه كذلك في الجهل البسيط أيضا لكونه هو السبب في الارتكاب بمقتضى حكم عقله بقبح العقاب بلا بيان ( ودعوى ) ان الباء ظاهر في السببية بلا واسطة فلا يشمل الجهل البسيط ( لان ) سببيته للارتكاب انما هو بتوسيط حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان كما ترى ( نعم ) لو كان المراد بالجهالة هو الجهل بمطلق الوظيفة الفعلية ، يشكل التمسك به على المطلوب لورود أدلة الاحتياط حينئذ عليه ( ومنها ) قوله (عليه السلام) ان اللّه يحتج على العباد بما آتاهم وعرفهم اي آتاهم من الاحكام وأوصلها إليهم ( حيث ) يدل على نفي العقوبة على مخالفة الاحكام المجهولة غير الواصلة إلى المكلف

ص: 229

ولو من جهة اخفاء الظالمين وفيه انه لا يقاوم أدلة الاحتياط لأنها على تقدير تماميتها تكون واردة عليه حيث يكون الاحتجاج والمؤاخذة على الواقع من قبل ما اوتى وهو جعل ايجاب الاحتياط ( الا ) ان يدعى ظهوره في إيتاء الاحكام الواقعية بعناوينها الأولية ومعرفتها كذلك فيعارض حينئذ ما دل على وجوب الاحتياط.

( ومنها ) قوله (عليه السلام) ، كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى ( وقد ) جعل الشيخ قده هذه الرواية أظهر ما في الباب في الدلالة على المطلوب ( وهو ) كما افاده بناء على كون المراد من النهى الواقعي المتعلق بالشيء بعنوانه الأولى كما هو ظاهر ، ومن الورود وصوله إلى المكلف لا مجرد صدوره واقعا فإنه على ذلك يدل على المطلوب بلحاظ ظهور اطلاق الشيء في الترخيص وعدم وجوب الاحتياط عند الجهل بالحرمة ( واما ) بناء على كون المراد من النهى الذي جعل غاية للاطلاق هو مطلق النهى المتعلق بالشيء ولو من حيث كونه مجهول الحكم فلا يتم الاستدلال به للمطلوب من جهة كونه حينئذ مورودا بأدلة الاحتياط ( كما ) لا يتم الاستدلال به أيضا لو كان المراد من الورود هو مجرد صدور النهي واقعا ولو لم يعلم به المكلف ( إذ ) عليه يصير مفاد الرواية خارجا عن مفروض البحث بين الفريقين لان ما لا نهى فيه واقعا لا كلام في أنه لا عقوبة على ارتكابه ولا يجب فيه الاحتياط عند الاخباري ( ولعل ) إلى مثل هذا البيان نظر من استدل بهذه الرواية على كون الأصل في الأشياء الإباحة لا الحظر ( ولكن ) احتمال كون المراد من النهى هو مطلق النهى المتعلق بالشيء ولو بعنوان كونه مجهول الحرمة بعيد جدا عن ظاهر الرواية ( واما احتمال ) كون المراد من الورود هو مجرد ورود النهى واقعا لا وصوله إلى المكلف فغير بعيد عن ظاهر الرواية ( وعليه ) لابد في صحة الاستدلال بها للمطلوب من سد هذا الاحتمال ( والا ) فبدونه لا يستقيم الاستدلال بها في قبال الأخباريين ( واما ) توهم بعد الاحتمال المزبور في نفسه لأوله إلى توضيح الواضح لكون مفاده حينئذ ان ما لم يرد فيه نهى لا نهى فيه ومثله مما يبعد جدا عن مساق الرواية الظاهرة في مقام التوسعة على العباد ( فيتعين ) الاحتمال الأول ويتم معه الاستدلال بها على المطلوب ( فمدفوع ) بمنع أوله إلى توضيح الواضح فان مفادها حينئذ انما هو نفي الحرمة الفعلية في الشيء قبل ورود النهى

ص: 230

عنه ولو مع وجدانه لمقتضيات الحرمة من المفاسد ، ومن المعلوم ان بيان هذه الجهة لا يكون من قبيل بيان البديهيات ( والثمرة ) المترتبة عليه انما هو نفي ما يدعيه القائل بالملازمة ، ويترتب عليه عدم جواز الاتيان بالشيء الذي أدرك العقل حسنه بداعي الامر به شرعا وعدم جواز ترك ما أدرك العقل قبحه عن داعي النهى الشرعي لكونه من التشريع المحرم فتدبر.

( ومنها ) صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال سئلته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة أهي ممن لا تحل له ابدا فقال (عليه السلام) أما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها فقد يعذر الناس بما هو أعظم من ذلك قلت باي الجهالتين اعذر بجهالة ان ذلك تحرم عليه أم بجهالة انها في العدة قال (عليه السلام) إحدى الجهالتين أهون من الأخرى الجهالة بان اللّه تعالى حرم عليه ذلك وذلك لأنه لا يقدر معه على الاحتياط قلت فهو في الأخرى معذور قال (عليه السلام) نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يزوجها ( وتقريب ) الدلالة انما هو من جهة قوله (عليه السلام) فقد يعذر الناس بما هو أعظم حيث دل على معذورية الجاهل من جهة العقوبة عند الجهل وعدم العلم بالواقع الشامل باطلاقه للمعذورية عن العقوبة والنكال الأخروي « ولكن » فيه ان الظاهر من الجهالة في هذه الفقرة بقرينة التعليل بعدم القدرة على الاحتياط انما هي الغفلة عن أن اللّه تعالى حرم عليه ذلك دون الشاك الملتفت ( فأنه ) مضافا إلى بعد ذلك في نفسه مع اشتهار الحكم بين المسلمين وعدم خفائه على أحد ممن كان نشؤه في الاسلام ( لا يستقيم ) تعليله بعدم القدرة على الاحتياط ، لوضوح قدرة الجاهل الملتفت بالحرمة على الاحتياط ( وهذا بخلاف ) الغافل عن الحكم الشرعي فإنه في ظرف غفلته لا يقدر على الاحتياط ، فيصح فيه التعليل المزبور ( بل لو فرض ) ظهور لفظ الجهالة في الشك والترديد لابد من صرفه عن ظهوره وحمله بقرينة التعليل المزبور على الغفلة « وعليه » يخرج مفروض الرواية عن مورد البحث في المقام فلا يستقيم الاستدلال بها للمطلوب لا في الشبهات الحكمية ولا في الشبهات الموضوعية من غير فرق بين صور الشك وأنحائه « وتوضيحه » ان الشك في الحرمة في مفروض المسألة يكون من جهات « تارة » من جهة الشك في أصل تشريع العدة على المرأة المطلقة أو المتوفى

ص: 231

عنها زوجها في الشريعة ، وأخرى من جهة الشك في مقدارها مع العلم بتشريع العدة عليها في الجملة ، وثالثة من جهة الشك في انقضائها بعد العلم بتشريع العدة ومقدارها ، ورابعة من جهة الشك في كونه عدة وفاة أو طلاق ، وخامسة من جهة الشك في أصل تكليفها بضرب العدة من جهة جهله بكونها معقوده للغير ( وعلى جميع المقادير ) لا ينتهى الامر فيها إلى البراءة أو الاشتغال ، لأصالة عدم حل النكاح وعدم تأثير العقد كما في الصورة الأولى والاستصحاب المثبت لبقاء العدة في الصورة الثانية والثالثة والرابعة ( أو الاستصحاب ) النافي لوجوب العدة عليها بنفي كونها معقودة للغير كما في الصورة الأخيرة ثم انه على ما ذكرنا يبقى اشكال في الرواية من حيث التفكيك فيها بين الجهالتين من جهة القدرة على الاحتياط وعدمها ان يقال ان المراد من الجهالة في قوله (عليه السلام) فقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك أن كان هي الغفلة فلا وجه لتخصيص التعليل بعدم القدرة على الاحتياط بالجاهل بالحكم لان الجاهل بالعدة أيضا إذا كان غافلا لا يقدر على الاحتياط ( وان كان ) المراد الجهل البسيط ( فلا ) يستقيم التعليل المزبور ( لان ) الجاهل بالحكم كالجاهل بالعدة يكون قادرا على الاحتياط ( وبالجملة ) لا فرق بين الجهل بالحرمة وبين الجهل بالعدة ( فإنه ) بمعنى الشك والترديد كان قادرا على الاحتياط في الصورتين ، وبمعنى الغفلة لا يكون قادرا على الاحتياط في الصورتين ( ويمكن ) دفع ذلك بان المراد بالجهالة في الموضعين انما هو مطلق الجهل الشامل للغافل والشاك في قبال العالم ( ولكن ) تخصيص الأولى بالغفلة انما هو لبعد تصور الجهل بالحرمة مع الالتفات إليها ممن كان نشؤه في الاسلام بعد اشتهار حرمة تزويج المعتدة بين المسلمين وصيرورتها من الضروريات غير الخفية على الملتفت إليها والى موضوعها ( إذ حينئذ ) لا يتصور الجهل بالحرمة الا من جهة الغفلة عنها ( بخلاف ) الجهل بكونها في العدة ( فإنه ) بعكس ذلك لان الغالب هو التفات المكلف إليها عند إرادة التزويج بحيث قلما ينفك إرادة التزويج عن الالتفات إلى كونها في العدة ( وبذلك ) يستقيم تخصيص الأولى بعدم القدرة على الاحتياط دون الثانية حيث كان النظر إلى ما هو الغالب في الجهل المتصور في الموردين ( من غير ) ان يلزم منه تفكيكا بين الجهالتين بإرادة الغافل من إحديهما والملتفت من الأخرى فان

ص: 232

الاختلاف المزبور انما نشاء من جهة اقتضاء خصوصية الموردين والا فما أريد من الجهالة في الموردين الا المعنى العام الشامل للغفلة والشك.

( ومنها ) قوله (عليه السلام) في صحيحة عبد اللّه بن سنان ، كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه ( بتقريب ) دلالتها على أن كل فعل قابل لان يتصف بالحلية والحرمة فهو حلال حتى تعرف حرمته ( وفيه ) ان ظاهر قوله (عليه السلام) كل شيء فيه انما هو كون الشيء منقسما إليهما فعلا بمعنى وجود القسمين فيه بالفعل لا تردده بين كونه حلالا أو حراما ( وهذا ) لا يتصور في الشبهات الحكمية فان القسمة فيها ليست فعلية وانما هي فرضية محضة حيث إنه ليس فيها الا احتمال الحل والحرمة كما في شرب التتن المشكوك حليته وحرمته وكذا لحم الحمير ونحوه ( فيختص ) بالشبهات الموضوعية التي كان الشك فيها في الحل والحرمة من جهة الشك في انطباق ما هو الحرام على المشتبه كما يؤيده ظاهر كلمة منه وبعينه أيضا ( إذ ) فيها يصح الانقسام الفعلي كما في اللحم المطروح المشكوك كونه من المذكى أو الميتة ، فان اللحم قسم منه حرام بالفعل وهو الميتة وقسم منه حلال وهو المذكي فإذا اشتبه الحال ولا يعلم أن المشكوك من اي القسمين يحكم عليه بالحلية إلى أن يعلم كونه من القسم الحرام ( فتكون ) هذه الرواية مساوقة لرواية عبد اللّه بن سنان عن أبي جعفر (عليه السلام) الواردة في السؤال عن حكم الجبن قال سئلت أبا جعفر (عليه السلام) عن الجبن فقال (عليه السلام) سئلتني عن طعام يعجبني ثم اعطى الغلام درهما فقال يا غلام ابتع لنا جبنا ثم دعى بالغذاء فتغذينا واتى الجبن فأكلنا فلما فرغنا قلت ما تقول في الجبن قال أو لم ترني آكله قلت أحب ان أسمعه منك فقال (عليه السلام) سأخبرك عن الجبن وغيره كل ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه ( فان ) المنساق منها أيضا بقرينة المورد هو الاختصاص بالشبهات الموضوعية هذا ( ولكن يمكن ) ان يقال بشمول الرواية للشبهات الحكمية نظرا إلى امكان فرض الانقسام الفعلي فيها أيضا كما في كلي اللحم ( فان ) فيه قسمان معلومان حلال وهو لحم الغنم وحرام وهو لحم الأرنب وقسم ثالث مشتبه وهو لحم الحمير لا يدرى بأنه محكوم بالحلية أو الحرمة ومنشأ الاشتباه فيه هو وجود القسمين المعلومين فيقال بمقتضى عموم الرواية انه حلال حتى تعلم حرمته

ص: 233

( بل يمكن ) فرضه في لحم الغنم أيضا بالإضافة إلى اجزائه ، فإنه مما يوجد فيه قسمان معلومان ( وقسم ثالث ) مشتبه كالقلب مثلا فلا يدري انه داخل في الحلال منه أو الحرام فيقال انه حلال حتى يعلم كونه من القسم الحرام ويخرج بذلك عن دائرة المشتبهات المحكوم فيها بالحلية ، وبعد شمول العموم المزبور لمثل هذا المشتبه الذي يوجد في نوعه القسمان المعلومان ، يتعدى إلى غيره بعدم القول بالفصل.

( ومنها ) قوله (عليه السلام) كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام ( ودلالتها ) على المطلوب ظاهرة لو كانت هي غير رواية مسعدة بن صدقه لخلوها عن الاشكالات المتقدمة في الرواية السابقة ( والا ) فعلى تقدير كونها هي تلك الرواية ، فيشكل الاستدلال بها للمطلوب في الشبهات الحكمية ( حيث ) انها بملاحظة تطبيقها على ما في ذيلها من الأمثلة بقوله (عليه السلام) وذلك مثل الثوب يكون عليك ولعله سرقة أو العبد يكون عندك ولعله قد باع نفسه الخ تكون ( ظاهرة ) في الاختصاص بالشبهات الموضوعية ولا أقل من كون مثلها هو المتيقن في مقام التخاطب المانع عن ظهور الصدر في العموم للشبهات الحكمية ( وعليه ) تكون هذه الرواية نظير الرواية المتقدمة بل أسوء حالا منها في الدلالة على المطلوب ( ولكن ) الذي يقتضيه ظاهر كلام شيخنا العلامة الأنصاري قده في المقام بل وصراحته في الشبهة الموضوعية التحريمة هو ان هذه الرواية غير رواية مسعدة المذيلة بالأمثلة المذكورة ( نعم ) نحن لم نظفر بها فيما تفحصنا عنه في كتب الاخبار الموجودة عندنا ، وظني واللّه العالم انها مضمون ما رواه في الكافي بسنده عن أبان بن عبد الرحمن عن عبد اللّه بن سليمان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الجبن قال (عليه السلام) كل شيء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان ان فيه ميتة ( وكيف كان ) قد يورد على رواية المسعدة اشكال آخر من جهة تطيق كبرى الحلية على الأمثلة المذكورة في الذيل الجارية فيها الأصول الموضوعية واليد والسوق الحاكمة كلها على الكبرى المزبورة ( ولكن ) يمكن دفعه بأنه يتجه ذلك إذا كان الصدر انشاء للحلية في الأمثلة المزبورة بعنوان كونها مشكوك الحرمة ( والا فبناء ) على كونه حاكيا عن انشاءات الحلية في الموارد المزبورة بعنوانات مختلفة من نحو اليد والسوق والاستصحاب ونحوها من العناوين التي منها عنوان مشكوك الحل والحرمة ( فلا )

ص: 234

يرد اشكال ، إذ المقصود حينئذ بيان عدم الاعتناء بالشك في الحرمة في هذه الموارد لمكان جعل الحلية الظاهرية فيها بعنوانات مختلفة غير أنه جمع الكل ببيان واحد ( لا ان ) ، المقصود هو انشاء الحلية في الموارد المزبورة بعنوان قاعدة الحلية فتدبر هذه جملة ما استدل به من الاخبار على البراءة وعدم وجوب الاحتياط فيما لا نص فيه في الشبهات ولقد عرفت ظهور بعضها في الدلالة على ذلك بحيث لو فرض تمامية الاخبار الآتية للقول بالاحتياط وقعت المعارضة بينهما.

( واما الاجماع ) فتقريره ، تارة باجماع العلماء كافة على أن الحكم فيما لم يرد فيه دليل عقلي أو نقلي على تحريمه من حيث إنه مجهول الحكم هي البراءة ، وأخرى باجماعهم على عدم وجوب الاحتياط فيما لم يرد دليل معتبر على حرمته من حيث هو ( ولا يخفى ما في كلا التقريرين ، فان الأول غير نافع لكونه مساوقا لحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان المسلم عند الاخباري أيضا ( واما الثاني ) فهو أيضا غير تام مع مخالفة الأخباريين وذهابهم إلى وجوب الاحتياط في الشبهة التحريمة الحكمية ( مضافا ) إلى عدم كشف مثله في المقام عن رأى المعصوم (عليه السلام) ولا عن وجود دليل معتبر غير واصل إلينا ، فإنه من المحتمل كون منشأ اتفاقهم سائر الأدلة كما يظهر من كلماتهم ( نعم ) لو فرض مفروغية أصل الحكم عند المجمعين بان كان تمسكهم ببعض الأدلة من قبيل بيان نكتة الشيء بعد وقوعه بحيث لو لم تتم تلك الأدلة لزالوا باقين على حكمهم بالبرائة « كان » للاستدلال به مجال واسع ، ولكن الشأن في ثبوت ذلك ولا أقل من الشك فلا يتم الاستدلال به للمطلوب.

( واما العقل ) فحكمه بالبرائة لقبح العقاب بلا بيان واصل إلى المكلف مما لا يكاد لا يخفى ( الا ) انك عرفت عدم الجدوى للتشبث بهذه الكبرى في محل النزاع لان أصل الكبرى مسلمة عند الفريقين ولا نزاع فيها بينهم وانما النزاع بين المجتهدين والأخباريين في صغراها حيث يدعى الأخباريين منع الصغرى باثبات بيانية أدلة الاحتياط من العلم الاجمالي والاخبار ( نعم ) لو اغمض عن ذلك لا يرد عليها ما توهم من معارضتها مع قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل بل ورود القاعدة الثانية على الأولى ، بدعوى انها بيان عقلي فيرتفع بها موضوع حكم العقل بالقبح ( لوضوح ) انه مع جريان القاعدة الأولى يقطع بعدم العقوبة والضرر في المشتبه

ص: 235

فلا يحتمل الضرر فيها حتى تجرى القاعدة الثانية ( ولا مجال ) لدعوى العكس بتوهم ان حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل بيان عقلي فلا موضوع لقاعدة القبح مع جريان قاعدة دفع الضرر ( إذ نقول ) ان حكم العقل بالوجوب انما هو فرع وجود موضوعه وهو احتمال الضرر في الرتبة السابقة ، والا فمن المستحيل تحقق الموضوع من قبل حكمه ، وتحقق احتمال الضرر فرع ابطال قاعدة القبح في المرتبة السابقة عن الوجوب المزبور ( فلو أريد ) حينئذ ابطال قاعدة قبح العقاب بمثل هذا الوجوب المتفرع على احتمال الضرر يلزم الدور ( وببيان ) أوضح ان البيان الذي ينشأ منه احتمال الضرر لابد من كونه في الرتبة السابقة على الاحتمال المزبور كما هو شأن كل علة بالقياس إلى معلوله ، وبعد عدم امكان نشو الاحتمال المزبور عن مثل هذا الوجوب المتفرع على الاحتمال المزبور ، لابد في تحقق هذا الاحتمال من فرض وجود بيان آخر غير هذا الوجوب حتى ينشأ منه احتمال الضرر على المخالفة فيترتب عليه هذا الوجوب العقلي ، والا فبدونه تجرى قاعدة القبح ويقطع معها بعدم العقوبة والضرر ( ولما ) كان المفروض عدم وجود بيان آخر غير هذا الوجوب العقلي ، ففي الرتبة السابقة عنه التي هي ظرف اللابيان تجرى قاعدة قبح العقاب بلا بيان فيقطع بعدم العقاب على ارتكاب المشتبه ومعه لا يبقى موضوع لقاعدة دفع الضرر المحتمل ( الا ) بانكار حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان بادعاء ان مجرد احتمال التكليف حتى في ظرف اللابيان ملازم لاحتمال العقاب على المخالفة ( وهذا ) كما ترى فإنه مضافا إلى بطلانه في نفسه ينافي دعوى ورود قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل على تلك الكبرى العقلية ، فإنها تقتضي تسليم كبرى قبح العقاب بلا بيان في نفسها ، ولازمه الاعتراف بعدم العقوبة والضرر في ظرف اللابيان على التكليف الواقعي لا المنع عن حكم العقل بالقبح ( هذا كله ) لو أريد العقوبة ( واما لو أريد ) به المصالح والمفاسد التي تكون مناطات الاحكام فعليه وان كان احتمال التكليف مستتبعا لاحتمال المفسدة في مخالفته بناء على ما هو التحقيق من تبعية الاحكام لملاكات في متعلقاتها ولا يرتفع الاحتمال بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ( ولكنه ) تمنع كون مجرد فوات المصلحة أو الوقوع في المفسدة ضررا يحكم العقل بوجوب دفعه ، فان الضرر عند العقلاء عبارة عن النقصان الوارد على النفس والبدن والمال ، ومطلق

ص: 236

المفسدة لا يكون نقصانا في العمر أو البدن والمال ( وعلى فرض ) تسليم حكم العقل بوجوب التحرز عن مثله يمنع كونه حكما مولويا يستتبع القبح واللوم ، بل هو ارشاد محض للتخلص عن الوقوع في المفسدة المحتملة نظير أوامر الطبيب ونواهيه ( ومع تسليم ) مولويته نفسيا أو طريقيا يمنع استتباعه للحكم الشرعي في صورة القطع بالمفسدة فضلا عن فرض احتمالها ، فان ذلك مبني على تمامية الملازمة بين حكم العقل بالحسن والقبح وحكم الشرع بالوجوب والحرمة وهو في محل المنع لعدم كون مجرد تحقق المناط في الشيء علة تامة للتكليف به شرعا لاحتياجه إلى أمور اخر من فقد الموانع والمزاحمات الواقعية التي لا سبيل للعقل إلى دركها ( ومع الغض ) عن ذلك نقول انه يتم ذا إذا لم تكن المفسدة متداركة ، والا فلا حكم للعقل في مطلق الضرر والمفسدة ، كيف ولازمه هو عدم جريان البراءة في الشبهات الموضوعية أيضا لتحقق المناط المزبور فيها وهو كما ترى لا يلتزم به القائل المزبور ، فلابد فيها من الالتزام ، اما بعدم وجوب دفع المفسدة المحتملة ، أو الالتزام بتخصيص الوجوب الضرر بالضرر غير المتدارك فبكلما يوجه ذلك يقال بمثله في الشبهات الحكمية أيضا ( حيث ) أمكن فيها دعوى الجزم بتدارك المفسدة على تقدير تحققها بمقتضى الأدلة المرخصة ، إذ يستكشف من اطلاقها جبران المفسدة المحتملة وتداركها على تقدير تحققها واقعا ، وبذلك لا يبقى موضوع للقاعدة المزبورة.

( ثم إن السيد أبو المكارم قده ) استدل في الغنية للبرائة بان التكليف بما لا طريق إلى العلم به تكليف بما لا يطاق ( والظاهر ) ان المراد به كما استظهره الشيخ قده هو الاتيان بالعمل على وجه الإطاعة والامتثال بحيث كان الامر هو الداعي إلى اتيان العمل ، لا مجرد صدور العمل في الخارج كيفما اتفق ، والا فلا يكون ذلك مما لا يطاق بمجرد عدم العلم بالتكليف به ( وبيان ذلك ) ان الغرض من الامر المولوي لما كان هو داعوية الامر ومحركيته لايجاد العمل ولو بتوسيط حكم العقل بلزوم الإطاعة ، فلا جرم في مقام توجيه التكليف يحتاج إلى ايصال الخطاب إلى المكلف ليتمكن من اتيان المأمور به على وجه الإطاعة والامتثال ، والا فبدونه يستحيل توجيه التكليف الفعلي إلى المكلف بايجاد العمل لعدم تمكنه حينئذ من الايجاد عن دعوة الامر وعدم ترتب ما هو الغرض من الامر والخطاب

ص: 237

وهي الدعوة ( وتوهم ) كفاية مطلق ايجاد الفعل ولو عن دعوة شهوة المكلف في الغرض من التكليف به ، مندفع بأنه من المستحيل كون الغرض من التكليف بشيء مطلق وجوده ولو عن غير دعوته حتى في التوصليات وان سقط التكليف فيها بمجرد الفعل أو الترك كيفما اتفق « كاندفاع » توهم كفاية مجرد الاتيان بالعمل عند الشك انقيادا بداعي احتمال المطلوبية في التكليف به « إذ نقول » ان مجرد احتمال المطلوبية ان كان كافيا بحكم العقل في لزوم العمل اغنى ذلك عن التكليف بايجاده وان لم يكن ذلك كافيا بحكم العقل فمضافا إلى أنه لا ينفع التكليف بالشكوك حينئذ في حصول الغرض المزبور « يتوجه عليه » بأنه تكليف بما لا يطاق هذا غاية ما قيل أو يمكن ان يقال في توجيه كلامه قده ( ولكن نقول ) ان ذلك انما يتم إذا كان الغرض من الامر والتكليف في الخطابات هي الداعوية والمحركية الفعلية « وليس كذلك » بل نقول ان الغرض من الامر انما هي الداعوية الشائنية والمحركية الاقتضائية على نحو تكون فعليتها في ظرف قابلية المكلف للانبعاث الملازم لعلمه بالامر والخطاب ، وبعد وضوح اجتماع هذا المرتبة من الدعوة مع الجهل المأمور بالخطاب أمكن الالتزام بفعلية التكاليف في حق الجاهل من غير أن يلزم منه محذور التكليف بما لا يطاق ولا نعنى من التكليف الفعلي المشترك بين العالم والجاهل الا الفعلي من قبل الخطاب بالمعنى الذي عرفت لا الفعلي على الاطلاق « نعم » لا يكفي هذا المقدار في تنجيز الواقع على المكلف وصحة المؤاخذة على المخالفة ، بل يحتاج إلى ايصال البيان إلى المكلف ليتم عليه الحجة ولو كان ذلك بجعل ايجاب الاحتياط.

( وقد يستدل ) للبرائة أيضا بالاستصحاب « وتقريبه » من وجوه تارة باستصحاب عدم التكليف بالمشكوك وعدم المنع الواقعي الثابت قبل البلوغ وأخرى باستصحاب البراءة وعدم الاشتغال بالتكليف به ، وثالثة باستصحاب عدم استحقاق العقوبة والمؤاخذة على ارتكاب المشتبه قبل البلوغ « اما التقريب الثاني والثالث » فالظاهر أنه لا سبيل إلى دعواه من جهة اختلال أحد ركنية وهو الشك على كل تقدير ، لوضوح انه لا يخلو اما ان يكون في البين بيان على التكليف المشكوك ، واما لا وعلى التقديرين لا شك في الاشتغال وفى استحقاق العقوبة ( فإنه على الأول ) يقطع بالاشتغال وباستحقاق العقوبة ( وعلى الثاني ) يقطع بالعدم فلا شك على

ص: 238

التقديرين حتى ينتهى الامر إلى الاستصحاب ( وعلى فرض ) وجود الشك لا مجال أيضا للاستصحاب ( إذ ) بعد ما لم يكن شأن الاستصحاب رفع الشك عن المتيقن السابق كان الشك في العقوبة وبرائة الذمة على حاله حتى في ظرف جريان الاستصحاب فيلزمه بمقتضى قاعدة دفع الضرر المحتمل التوقف والاحتياط ( وببيان ) آخر ان كانت نتيجة الاستصحاب المزبور هو القطع بالترخيص والامن من العقوبة في ظرف الشك بها يلزمه بمقتضى المضادة بين القطع بالأمن والشك في العقوبة ارتفاع الشك المزبور بنفس جريان الاستصحاب ، وهو كما ترى من المستحيل ، لاستحالة كون الحكم رافعا لموضوعه وان لم يقتض الاستصحاب القطع بالترخيص والامن من العقوبة بان كان الشك في العقوبة وبرائة الذمة على حاله في ظرف جريانه ، فلا فائدة في الاستصحاب المزبور ، لأنه مع الشك في العقوبة وعدم بقاء المستصحب يحكم العقل بلزوم تحصيل القطع ببرائة الذمة والقطع بالمؤمن وبدونه لابد بمقتضى قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل من التوقف والاحتياط بترك ما يحتمل الحرمة وفعل ما يحتمل الوجوب فتأمل ( نعم لو اغمض ) عما ذكرنا لا يرد عليه اشكال كون المستصحب من الاحكام العقلية ( إذ يمكن ) دفعه بما تقدم في حديث الرفع من كفاية كونه بمنشئه شرعيا في شمول دليل التعبد لمثله ( فان للشارع ) حينئذ رفع الاستحقاق المزبور بتوسيط منشئه وهو الاذن والترخيص في الارتكاب وعدم ايجابه للاحتياط ( واما التقريب الأول ) فالظاهر أنه لا قصور في استصحابه حيث لا يرد عليه اشكال حتى الاشكال الوارد على الوجهين الأخيرين ، إذ لم يؤخذ في موضوعه على هذا التقريب احتمال العقوبة حتى ينافي الترخيص الظاهري من قبل الاستصحاب وانما المأخوذ فيه هو مجرد احتمال التكليف والمنع الواقعي وهو يلائم القطع بالترخيص الظاهري ( واما الاشكال ) عليه بان عدم المنع عن الفعل لا يكون من الأمور المجعولة حتى يجرى فيه استصحابه ( فمندفع ) بما مر منا مرارا من كفاية مجرد كون الشيء مما امر رفعه ووضعه بيد الشارع في مجعوليته « ولا ريب » في أن للشارع ابقاء عدم المنع السابق على حاله كما كان له رفعه باحداث المنع عنه فإذا حكم الشارع بمقتضى الاستصحاب ببقاء عدم المنع السابق ظاهر يترتب عليه جميع لوازمه التي منها الاذن في الارتكاب وعدم استحقاق العقوبة ، لأنها من اللوازم العقلية المترتبة على الأعم من الواقع

ص: 239

والظاهر ، نظير وجوب الإطاعة وحرمة المعصية المترتبتين على مطلق التكليف الشرعي ولو ظاهريا ، من غير فرق في ذلك بين القول باعتبار الاستصحاب من باب الظن ، أو من باب التعبد بمقتضى الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك ( واما ما أفيد ) من الاشكال عليه بعدم الفائدة للاستصحاب المزبور بعد حكم العقل بالبرائة لقبح العقاب بلا بيان واستتباعه للقطع بعدم استحقاق العقوبة الذي هو المطلوب من الاستصحاب وملاحظة الحالة السابقة ( فمدفوع ) بما حققناه في محله من ورود الاستصحاب على قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، فإنه من جهة كونه مثبتا لنفي الواقع يكون بيانا على النفي فيرتفع به عدم البيان الذي هو موضوع القاعدة ( نعم ) لو كان المراد من عدم البيان هو خصوص البيان على التكليف أو ما بحكمه لا مطلق البيان ولو على العدم لاتجه الاشكال المزبور في جريان الاستصحاب لبقاء موضوع القاعدة حينئذ على حاله وعدم ارتفاعه بالاستصحاب ، فتجري القاعدة حينئذ وبجريانها لا يحتاج إلى استصحاب عدم المنع السابق لعدم ترتب فائدة عليه « ولكن » الالتزام بذلك مشكل ، فان لازمه هو المنع عن جريان الامارات النافية أيضا لعدم ترتب فائدة عليها مع حكم العقل بالبرائة وهو كما ترى « مضافا إلى أنه » يكفي في فائدته معارضته مع ما دل على وجوب التوقف والاحتياط كرواية التثليث ونحوها « فإنه » لولا الاستصحاب لكانت تلك الأخبار واردة على القاعدة لصلاحيتها للبيانية والمنجزية للواقع المجهول بخلاف ما لو قلنا بجريان الاستصحاب المزبور فإنه موجب لسقوط ما دل على وجوب التوقف والاحتياط اما بالحكومة كما هو التحقيق أو بالمعارضة فيرجع بعد سقوط الطرفين إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان من دون احتياج في هذا المقدار إلى تعميم عدم البيان الذي هو موضوع قاعدة القبح بمطلق البيان ولو على عدم التكليف « نعم » انما يثمر ذلك في الشبهات الموضوعية البدوية التي لا تجب الاحتياط فيها عند الجميع ( فإنه ) بناء على التخصيص بالبيان على وجود التكليف يمكن المنع عن جريان الاستصحاب النافي بمقتضى البيان المزبور ، ولكن ذلك أيضا إذا كان الأثر ممحضا بالترخيص في الارتكاب « واما » إذا كان هناك اثر آخر مترتب على الحلية الواقعية أو عدم المنع الواقعي كجواز الصلاة في محلل الاكل ونحوه فيجرى الاستصحاب أيضا « هذا كله » فيما استدل به للبرائة

ص: 240

القسم الثاني

الجزء الثالث

من كتاب نهاية الأفكار

في مبحث القطع والظن وبعض الأصول العملية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

واستدل للاحتياط بالأدلة الثلاثة

« اما الكتاب » فبآيات ( منها ) ما دل على النهى عن القول بغير علم لكونه افتراء عليه سبحانه كقوله عز وجل لم تقولون على اللّه ما لا تعلمون ، وقوله سبحانه قل آلله اذن لكم أم على اللّه تفترون ( بتقريب ) ان الحكم بالترخيص في محتمل الحرمة قول بغير علم وافتراء عليه سبحانه ( ومنها ) ما دل على لزوم الورع والاتقاء ولزوم المجاهدة في اللّه كقوله سبحانه واتقوا اللّه حق تقاته ، وجاهدوا في اللّه حق جهاده ، بتقريب دلالتها على لزوم الاتقاء عما يحتمل الحرمة والمجاهدة بعدم ارتكابه لكونه حق التقوى وحق الجهاد الذي امر به في الآية « ومنها » ما دل على حرمة القاء النفس في التهلكة كقوله عز من قائل ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، بتقريب ان في ارتكاب المشتبه القاء للنفس في التهلكة فيجب التوقف والاحتياط ( ومنها ) ما دل على المنع عن متابعة ما لا يعلم الظاهر في وجوب التوقف وعدم المضي كقوله سبحانه ولا تقف ما ليس لك به علم ( ومنها ) ما دل على التوقف ورد ما لا يعلم حكمه إلى اللّه سبحانه ورسوله كقوله عز وجل فان تنازعتم في شيء فردوه إلى اللّه ورسوله ( والجواب ) اما عن الطائفة الأولى فبمنع كون الحكم بالترخيص الظاهري بمقتضى الأدلة المتقدمة قولا بغير علم « واما الحكم » بالترخيص الواقعي فهو وان كان قولا بغير علم ولكنه لا يدعيه القائل بالبرائة ( لان ) تمام همه انما هو اثبات الترخيص الظاهري في ارتكاب المشتبه وعدم وجوب الاحتياط كما أن هم القائل بالاحتياط انما هو اثبات المنع الظاهري بمقتضى ما دل على وجوب التوقف والاحتياط « واما عن الطائفة الثانية » فبمنع كون ارتكاب المشتبه بمقتضى الأدلة المرخصة منافيا مع المجاهدة والتقوى ، بل المنافي لها هو ترك

ص: 241

الواجبات وفعل المحرمات كما تدل عليه النصوص الكثيرة ، على أن غاية ما تقتضيه انما هي الدلالة على رجحان هذه المرتبة من التقوى التي ينافيها ارتكاب المشتبه ، فان حق التقوى لا يكون الا باتيان المندوبات وترك التعرض للمكروهات والمشتبهات فتكون هذه المرتبة هي حق التقوى التي لا تكون فوقها مرتبة ، وهي مما لا اشكال في رجحانها عقلا ونقلا فكان الامر بتقوى اللّه سبحانه حق تقاته في هذه الآية مساوقا لما في الآية الأخرى من قوله عز من قائل ان أكرمكم عند اللّه اتقيكم في كونه للاستحباب لا للوجوب « اما عن الطائفة الثالثة » فالهلاك بمعنى العقوبة مقطوع العدم بمقتضى أدلة البراءة وبمعنى آخر غيرها تقدم الجواب عنه سابقا « واما الطائفة الرابعة » فيعلم الجواب عنها بما يأتي في الجواب عما دل على وجوب التوقف والاحتياط من الاخبار الآتية انشاء اللّه « واما الطائفة الخامسة » الا مرة برد مالا يعلم إلى اللّه سبحانه ورسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فبعد الغض عن دعوى ظهورها في عدم الحكم بالترخيص الواقعي عند الشك ، انها محمولة على صورة التمكن من إزالة الشبهة بالرد إليهم صلوات اللّه عليهم ، فلا تعم الشبهات البدوية بعد الفحص واليأس عن الظفر بما يوجب إزالة الشبهة.

« واما السنة » فباخبار كثيرة وهي أيضا على طوائف « الأولى » ما دل على حرمة الافتاء بغير علم كقوله (عليه السلام) في خبر زرارة ، على العباد ان يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لا يعلمون « وقد » ظهر الجواب عنها بما ذكرناه في الآيات « الثانية » ما دل على وجوب التوقف فيما لا يعلم ورد حكمه إليهم (عليهم السلام) وهي كثيرة « منها » قوله (عليه السلام) في رواية المسمعي الواردة في اختلاف الحديثين ، وما لم تجدوا في شيء من هذه الوجوه فردوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم الكف والتثبت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا « ومنها » قوله (عليه السلام) ، إذا اشتبه الامر عليكم فقفوا عنده وردوه إلينا حتى نشرح لكم ما شرح اللّه لنا إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الواردة بهذا المضمون « والجواب » عنها قد تقدم في الآيات باختصاصها بصورة التمكن من إزالة الشبهة فلا تعم مفروض البحث الذي هو فرض عدم التمكن من ازالتها « الثالثة » ما دل على أن الوقوف عند الشبهة من الورع كقوله (عليه السلام) أورع

ص: 242

الناس من وقف عند الشبهة وقوله (عليه السلام) ، لا ورع كالوقوف عند الشبهة وقوله (عليه السلام) ، من ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له اترك « وقد تقدم » الجواب عنها أيضا بأنها ظاهرة في الاستحباب فلا تصلح للمقاومة مع ما دل على الترخيص في ارتكاب المشتبه « الرابعة » ما دل على الامر بالوقوف عند الشبهة معللا بالاقتحام في الهلكة وهي أيضا كثيرة « منها » قوله (عليه السلام) قفوا عند الشبهة فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة « ومنها » قوله (عليه السلام) في موثقة سعد بن زياد عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، انه قال لا تجامعوا في النكاح على الشبهة وقفوا عند الشبهة إلى أن قال فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ونحوها رواية التثليث « وفيه » انها بقرينة ما في ذيلها من التعليل مختصه بموارد تمامية البيان من الخارج كالشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي فلابد من حملها على الارشاد وتخصيص الشبهة فيها بغير الشبهات البدوية المحضة بعد الفحص ( حيث إن ) ظاهر التعليل هو كون الهلكة المترتبة على الاقتحام مفروضة الوجود والتحقق مع قطع النظر عن الامر بالتوقف وانها هي العلة للامر بالوقوف عند الشبهة ( ومن ) الواضح انه لا يمكن فرض وجود الهلكة الا بفرض منشأ آخر لها في المرتبة السابقة عن الامر بالتوقف من علم اجمالي ونحوه يكون هو المنجز للتكليف والرافع لقبح العقاب بلا بيان ، والا فيستحيل ترتب الهلكة المفروضة على نفس هذه الأوامر المتأخرة عنها ، فلا محيص حينئذ من حمل الامر بالتوقف في هذه الأخبار على الارشاد المحض وتخصيص الشبهة فيها بالشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي والشبهات البدوية قبل الفحص ، إذ لا يمكن شمول اطلاقها للشبهات البدوية المحضة بعد الفحص ، لأنها بمقتضى قبح العقاب بلا بيان مما يقطع بعدم الهلكة فيها ، كما لا يمكن ان يكون الامر بالتوقف فيها أمرا مولويا وبيانا على الواقع المجهول ، لان شأن البيان ان يكون منشأ لترتب الهلكة على المخالفة ، وبعد كون الهلكة المحتملة مفروضة في رتبة سابقة عن الامر بالتوقف يستحيل صلاحية مثله للبيانية على التكليف المحتمل ( نعم ) هنا تقريب آخر للاستدلال بهذه الاخبار ( وحاصله ) انه بعد شمول اطلاق الشبهة للشبهات البدوية بعد الفحص وظهور الهلكة في العقوبة

ص: 243

يستكشف من اطلاقها بنحو الان بضميمة حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان عن ايجاب الشارع الاحتياط في الرتبة السابقة عن الامر بالتوقف والسكون ، وبعد صلاحية ايجاب الاحتياط المستكشف للبيانية والمنجزية للتكليف المجهول تخرج الشبهات البدوية عن مورد حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ( وأجاب عنه ) الشيخ قده ان ايجاب الاحتياط المزبور ، ان كان مقدمة للتحرز عن العقوبة المحتملة فهو مستلزم لترتب العقوبة على التكليف المجهول وهو قبيح ، وان كان حكما ظاهريا نفسيا لا مقدميا فالهلكة وان كانت معلومة لكنها مترتبة حينئذ على مخالفة نفس هذا التكليف لا على مخالفة الواقع انتهى ( أقول ) وكان ذلك منه قده مبنى على تخصيص البيان الرافع لحكم العقل بالقبح بخصوص العلم الوجداني أو التعبدي كما تقدمت الإشارة إليه في مبحث الانسداد وعند البحث عن وجه منجزية أوامر الطرق ، فإنه على هذا المسلك صح المنع عن صلوح ايجاب الاحتياط للبيانية لعدم كون شأن مثله تتميم الكشف كما في الامارات ( ولكن فيه ) مضافا إلى منافاته لما افاده في حديث الرفع في دفع اشكال عدم كون استحقاق العقوبة اثرا شرعيا ، من أن رفعه انما هو برفع منشئه وهو ايجاب الاحتياط ولما افاده غير مرة من ورود أدلة الاحتياط على أغلب أدلة البراءة ( انه لا ينحصر ) البيان المصحح للعقوبة على الواقع بخصوص العلم الوجداني أو التعبدي ، بل هو يعم ذلك وايجاب الاحتياط أيضا كما يشهد به الوجدان والارتكاز من العرف والعقلاء فان البيان الرافع لحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان عبارة عن مطلق ما انشاء بداعي حفظ المرام الواقعي عند الشك به كان ذلك بلسان تتميم الكشف أو بلسان ايجاب الاحتياط أو غير ذلك ، وعليه نقول انه لا ينحصر الامر في ايجاب الاحتياط المستكشف بما أفيد من الشقين النفسي والمقدمي ، فإنه يتصور فيه شق ثالث وهو كونه ايجابا طريقيا أنشأ بداعي حفظ المرام الواقعي في مرتبة الشك به بملاحظة بلوغ الاهتمام به بمرتبة لم يكتف الشارع في حفظه بخطابه الواقعي ( كما أن ) وجوب التعلم في قوله هلا تعلمت على بعص الوجوه يكون من هذا القبيل حيث يكون ايجابه ايجابا طريقيا لا نفسيا ولا مقدميا كي يشكل عليه بلزوم انفكاكه في بعض الموارد عن وجوب ذيها ( وعليه ) فبعد صلاحية مثل ايجاب الاحتياط للمنجزية يتوجه

ص: 244

الاشكال المزبور ، فان للقائل بالاحتياط حينئذ اثبات العقوبة على مخالفة الواقع المشكوك بنفس ايجاب الاحتياط المستكشف من اطلاق الشبهة في هذه الأخبار ولا يكاد اندفاعه بما أفيد من جعل ايجاب الاحتياط مرددا بين النفسي والغيري كما هو ظاهر ( وحينئذ ) فالأولى هو الاشكال على الاستدلال المزبور من جهة لزوم الدور ( بتقريب ) توقف جريان أصالة الاطلاق لاحراز ان كل شبهة فيها الهلكة حتى الشبهة البدوية على العلم بوجود البيان في الرتبة السابقة على ذلك ، إذ لولاه يقطع بعدم الهلكة في ارتكابها بمقتضى قبح العقاب بلا بيان ومع القطع بالعدم لا يحتمل مطابقة الظهور الاطلاقي للواقع فلا تجرى فيه أصالة الظهور ، وتوقف العلم بالبيان على جريان أصالة الاطلاق في المشتبه ( لان ) الفرض انه لا طريق لكشف جعل ايجاب الاحتياط في الشبهات البدوية بعد الفحص سوى هذا الاطلاق فيدور ( نعم ) لو كان مجرد البيان بوجوده الواقعي كافيا في تنجيز التكليف المجهول لكان للتمسك بالاطلاق المزبور مجال ، لتصور الشك في مطابقة الظهور الاطلاقي حينئذ للواقع للشك في وجود البيان في نفس الامر على التكليف المشكوك ( ولكن ) ذلك مما يقطع ببطلانه ، فإنه لا شبهة في أن مدار التنجيز انما هو على البيان بوجوده الواصل إلى المكلف بحيث لولا وصوله يحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ، كيف وان مثل هذا البيان المجهول لا يزيد عن أصل الخطاب الواقعي المجهول ، فالالتزام بحسن العقوبة معه مساوق انكار قبح العقوبة على ما لا يعلم ( لا يقال انه ) من الممكن حينئذ اجراء أصالة الاطلاق بالنسبة إلى المشافهين بهذه الخطابات الا مرة بالتوقف لكشف وجوب الاحتياط عليهم في الشبهات البدوية بخطاب سابق عن هذه الخطابات ، فإنه بعد أن يحتمل وجوب الاحتياط عليهم ولو بخطاب آخر ، لا مانع عن التمسك باطلاق الشبهة للشبهات البدوية بعد الفحص بالنسبة إلى الموجودين في زمان الخطاب ( بعد ) ان ثبت وجوب الاحتياط عليهم بمقتضى الاطلاق المزبور ، يثبت في حقنا أيضا بمقتضى قاعدة الاشتراك ( فإنه يقال ) ان ذلك مبني على جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فإنه بعد اقتضاء أدلة البراءة نفي الهلكة على ارتكاب المشتبه في ظرف عدم البيان يراد بالتمسك بالاطلاق المزبور في أن كل شبهة فيها الهلكة لادخال الشبهات

ص: 245

البدوية تحت حكم العام باثبات ان الهلكة فيها كانت مع البيان ( ومثله ) كما ترى غير جائز على ما حقق في محله ( ومع الغض ) عن ذلك وانتهاء الامر إلى المعارضة مع أدلة البراءة ( يتعين ) تقديم أدلة البراءة عليها فإنها من جهة قصورها عن الشمول للشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي تكون أخص مطلق من أدلة الاحتياط الشاملة للشبهات البدوية والثانوية ( الخامسة ) ما دل على الاخذ بالاحتياط مطلقا بلا تعليل بالهلكة وهي كثيرة ( منها ) قوله (عليه السلام) أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت ( ومنها ) قوله (عليه السلام) ليس بناكب عن الصراط من سلك سبيل الاحتياط ( ومنها ) قوله (عليه السلام) خذ الاحتياط في جميع أمورك ما تجد إليه سبيلا واهرب من الفتيا هربك من الأسد ولا تجعل رقبتك عتبة للناس ( ومنها ) صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان الحزاء بينهما أو على كل واحد منهما جزاء ، قال (عليه السلام) بل عليهما ان يجزى كل واحد منهما الصيد ، قلت إن بعض أصحابنا سئلني عن ذلك فلم أدر ما عليه ، قال (عليه السلام) إذ أصبتم بمثل هذا فعليكم بالاحتياط حتى تسئلوا عنه وتعلموا ( ومنها ) موثقة عبد اللّه بن وضاح قال كتبت إلى العبد الصالح (عليه السلام) تواري القرص ويقبل الليل ويزيد الليل ارتفاعا ويستر عنا الشمس ويرتفع فوق الجبل حمرة وتؤذن عندنا المؤذنون فأصلي حينئذ وأفطر ان كنت صائما أو انتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الجبل ، فكتب (عليه السلام) أرى لك ان تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك ، فان الظاهر منها هو السؤال عن الشبهة الحكمية فكان جوابه (عليه السلام) بالأخذ بالاحتياط دالا على المقصود ( ولكن الجواب ) اما عن الأولين ، فبظهورهما في الاستحباب لكونهما مسوقين في بيان أعلى مراتب الاحتياط وان كلما تحتاط لدينك كان في محله لكونه بمنزلة أخيك ومنه يظهر الجواب عن الثالث أيضا ، واما الهرب عن الفتيا بالواقع عند عدم العلم فمما يعترف به المجتهدون أيضا إذ تمام همهم انما هو اثبات الترخيص الظاهري وعدم وجوب الاحتياط بمقتضى أدلة البراءة ( وبذلك ) يظهر الجواب عن الرابع أيضا ( فان ) مفاده انما هو المنع عن الافتاء بالواقع عند الجهل به وهو مما يعترف به المجتهدون ، فلا يرتبط بما هو مفروض البحث وهو الاحتياط في مقام العمل ( واما عن الخامس ) وهو قوله (عليه السلام) في الموثقة أرى لك ان تأخذ

ص: 246

بالحائطة لدينك ، فبالحمل على التقية بناء على ما استظهرناه من كون المسؤول عنه فيها هي الشبهة الحكمية ، إذ لولاها لكان اللازم هو الجواب بالحكم الواقعي لا تقرير السائل وابقائه على جهله وأمره بالأخذ بالاحتياط ، فان ذلك بعيد عن شأن الامام (عليه السلام) ويشهد لذلك أيضا امارات آخر منها شدة التقية في زمانه (عليه السلام) وعدم تمكنه من بيان احكام اللّه سبحانه ، ومنها اشتهار الحكم باستتار القرص بين العامة « ومنها » تعبيره (عليه السلام) بقوله أرى لك الخ حيث إنه يستشم من مثل هذا التعبير رائحة التقية وانه كان ذلك منه لخوفه عن اظهار الحق ببيان الحكم الواقعي خصوصا في المكاتبات التي كان الاتقاء فيها ما لا يكون في غيرها ( حينئذ ) فكان قوله (عليه السلام) أرى لك ان تأخذ بالحائطة لدينك بيانا لوجوب الانتظار إلى ذهاب الحمرة المشرقية والتعبير بالاحتياط لأجل التباس الامر على العامة لكي يزعموا ان الحكم بالتأخير انما هو لأجل الاحتياط ، ومن المعلوم خروج ذلك حينئذ عن مفروض البحث في المقام ( هذا كله ) بناء على كون المسؤول عنه هي الشبهة الحكمية ( واما بناء ) على احتمال كونه هي الشبهة الموضوعية لاحتمال كون المراد من الحمرة المرتفعة غير الحمرة المشرقية فعليه وان كان الواجب هو الاحتياط والانتظار كما في الرواية ، ولكن وجوب الانتظار حينئذ انما هو لأجل الاستصحاب وقاعدة الاشتغال بالصلاة والصيام فتخرج مفاد الرواية عن مفروض البحث كما هو ظاهر.

( واما الدليل العقلي ) فتقريبه من وجهين ( الأول ) ان احتمال التكليف الوجوبي أو التحريمي مساوق لاحتمال الضرر على مخالفته ودفع الضرر المحتمل واجب عقلا ( وربما ) يجعل ذلك أصلا في الافعال غير الضرورية فيقال ان الأصل فيها الحظر فلابد من العمل به حتى يثبت من الشرع الإباحة ولم يرد فيما لا نص فيه إباحة من الشارع ، وما ورد معارض بما ورد من الامر بالتوقف والاحتياط وبعد التعارض يرجع إلى الأصل المزبور وقد احتج على ذلك شيخ الطائفة قده في العدة فقال فيما حكى عنه ان الاقدام على ما لا يؤمن المفسدة فيه كالاقدام على ما يعلم فيه المفسدة ( والجواب ) عنه قد تقدم سابقا وحاصله ان المراد من الضرر ان كان هي العقوبة فالصغرى ممنوعة وان كان غير العقوبة وهي

ص: 247

المفسدة التي تبتني عليها الاحكام على مذهب العدلية ( فهذا ) أيضا بعد تسليم ان كل مفسدة ضرر ، وتسليم مولوية هذا الوجوب العقلي ، وتمامية الملازمة بين حكم العقل والشرع مبنى على كون موضوع الوجوب المزبور عند العقل مطلق الضرر ولو كان متداركا ، والا فعلى فرض اختصاصه بالضرر غير المتدارك كما هو التحقيق فلا مجال لدعوى الوجوب المزبور ، إذ حينئذ يمكن دعوى تدارك الضرر على فرض وجوده بمقتضى أدلة البراءة كحديث الرفع وغيره حيث إنه يستكشف من هذه الأدلة المرخصة تدارك الضرر وجبرانه على فرض وجوده كما هو الشأن في الشبهات الموضوعية الجارية فيها البراءة باتفاق الفريقين بل الشبهات الحكمية الوجوبية أيضا ( الوجه الثاني ) من تقريب العقل العلم الاجمالي ، بتقريب انه قبل مراجعة الأدلة يعلم اجمالا بثبوت محرمات كثيرة في الشريعة فيجب بحكم العقل الجزمي الاجتناب عن كل ما يحتمل الحرمة تحصيلا للجزم بالفراغ لاقتضاء الاشتغال اليقيني بالتكليف البراءة اليقينية باتفاق المجتهدين والأخباريين ، إذ لم يحصل بعد المراجعة إلى الأدلة والعمل بها ما يعلم معه الخروج عن عهدة تلك المحرمات الواقعية التي كلفنا الشارع بالاجتناب عنها ( وفيه ) انه لا تأثير لمثل هذا العلم الاجمالي بعد العلم بقيام طرق خاصة على مقدار من المحرمات التي يمكن انطباق المعلوم بالاجمال عليها خصوصا بعد أن ضم إليها موارد الأصول المثبتة الشرعية والعقلية كالاستصحاب وقاعدة الاشتغال ، فإنه بذلك ينحل العلم الاجمالي ويخرج عن المنجزية فيرجع فيما عداها من الشبهات المشكوكة من قبل العلم الاجمالي إلى البراءة ، وهذا المقدار مما لا اشكال فيه ( وانما الكلام ) في أن الانحلال المزبور حقيقي أو حكمي.

( وتنقيح المرام ) يحتاج إلى تمهيد مقدمة وهي ان موضوع البحث في الانحلال الحقيقي أو الحكمي في المقام انما هو صورة قيام الطريق القطعي أو الظني المعتبر على التكليف في بعض الأطراف بلا عنوان بنحو قابل لانطباق المعلوم بالاجمال عليه ، واما صورة قيام الطريق القطعي أو الظني على تعيين المعلوم بالاجمال وتشخيصه في بعض الأطراف بالخصوص فهو خارج عن محط البحث في الانحلال في المقام ( فان الصورة الأولى ) كانت راجعة إلى مقام انكشاف الواقع وتبدل

ص: 248

الصورة الاجمالية إلى الصورة التفصيلية والصورة الثانية راجعة إلى مقام جعل البدل المعين لمصداق المعلوم بالاجمال في مرحلة الفراغ والخروج عن عهدة التكليف ، ومثله غير مرتبط بمقام الانحلال ، ولذا يجرى ذلك في موارد ثبوت التكليف بالعلم التفصيلي أيضا كما في قاعدتي التجاوز والفراغ ( وبالجملة ) فرق واضح بين باب الانحلال وبين باب جعل البدل ( فان الأول ) راجع إلى الممانعة عن تأثير العلم الاجمالي في الاشتغال بمعلومه حيث إن الامارة القائمة على ثبوت التكليف في مورد بالخصوص كانت مانعة عن تأثير العلم الاجمالي في الاشتغال بمعلومه ( بخلاف ) جعل البدل فإنه راجع إلى التصرف في ناحية الفراغ عن عهدة التكليف فارغا عن أصل الاشتغال به بعلم تفصيلي أو اجمالي ومرجعه إلى اكتفاء الشارع في مقام الخروج عن عهدة التكليف الواقعي بفعل ما قام عليه الطريق بدلا عن الواقع ولذلك لا يعتبر في قيام الطريق على تعيين المفرغ كونه مقارنا للعلم الاجمالي بل يكتفي به ولو كان قيامه بعد العلم الاجمالي ، بخلاف باب الانحلال فإنه على ما يأتي يعتبر كونه مقارنا للعلم الاجمالي والا فلا يمنع عن تأثير العلم الاجمالي في التنجيز ( وحيث ) اتضح ذلك نقول ان ما به الانحلال اما ان يكون هو العلم ، واما ان يكون غيره من امارة ظنية معتبرة أو أصل مثبت للتكليف في بعض الأطراف شرعيا كان كالاستصحاب ونحوه أو عقليا كقاعدة الاشتغال ( وعلى التقادير ) فقيام الطريق المثبت للتكليف تارة يكون مقارنا لحصول العلم الاجمالي ، وأخرى يكون سابقا عليه ، وثالثة يكون متأخرا عنه وأمثلة الكل واضحة ( وعلى التقادير ) فتارة يكون ذو الطريق وهو التكليف المعلوم بالتفصيل قبل التكليف المعلوم بالاجمال كما لو علم تفصيلا بنجاسته شيء معين ثم بعد ذلك علم اجمالا بموجب آخر للنجاسة وتردد متعلقها بين كونه ذاك الشيء المعين أو غيره ، وأخرى يكون مقارنا لما هو المعلوم بالاجمال وثالثة متأخرا عنه كان زمان العلم به سابقا عليه أو مقارنا أو متأخرا عنه ( وبعد ذلك ) نقول أما إذا كان قيام الامارة التفصلية مقارنا لحصول العلم الاجمالي للتكليف ( فقد يتوهم ) كونه منشأ لانحلال العلم الاجمالي حقيقة وانقلابه إلى علم تفصيلي وشك بدوي وجدانا كما في الأقل والأكثر الاستقلاليين من جهة رجوع العلمين عند التأمل إلى علم واحد بالتكليف في طرف بالخصوص وشك بدوي في غيره

ص: 249

( بتقريب ) ان ذلك هو مقتضى تعلق العلم الاجمالي بالجامع القابل للانطباق على كل واحد من الطرفين فإنه إذا علمنا بحرمة أحد الانائين بلا عنوان فيه وعلمنا أيضا بحرمه أحدهما المعين يلزمه انطباق المعلوم بالاجمال بما هو معلوم على الاناء المعلوم حرمته تفصيلا ومع انطباقه عليه واتحاده معه خارجا يستحيل بقاء العلم الاجمالي على حاله لاستحالة توارد العلمين على شيء واحد فلا محيص حينئذ من ارتفاع العلم الاجمالي وتبدله بالعلم التفصيلي بحرمة أحد الانائين معينا والشك البدوي في الاخر ( هذا ) غاية ما قيل في تقريب انحلال العلم الاجمالي بالجامع وانقلابه حقيقة إلى العلم التفصيلي بالتكليف في أحد الطرفين معينا والشك البدوي في الطرف الآخر ، مضافا إلى دعوى الوجدان بعدم العلم بأزيد من حرمة الانائين معينا ( وفيه ) مضافا إلى عدم تماميته في الطرق غير العلمية لعدم حصول العلم التفصيلي منها بالواقع ( انه يتم ذلك ) في صورة العلم بانطباق المعلوم بالاجمال وهو الجامع على الفرد المعلوم حرمته تفصيلا ، والا فلا يقتضى مجرد تعلق العلم الاجمالي بالجامع لانحلاله بقيام العلم التفصيلي على التكليف في بعض الأطراف ( فإنه ) كما يحتمل انطباقه على الطرف المعلوم حرمته تفصيلا ، كذلك يحتمل بالوجدان انطباقه على الطرف الآخر ، إذ ليس احتمال التكليف فيه بدويا محضا كسائر الشبهات البدوية ، وانما كان ذلك من جهة احتمال انطباق المعلوم بالاجمال عليه ( ومع ذا ) كيف يمكن دعوى ارتفاع العلم الاجمالي بالتكليف وتبدله بالعلم التفصيلي ، بل وجود هذا الاحتمال حينئذ كاشف قطعي عن بقاء العلم الاجمالي لكونه من لوازمه حيث لا يمكن بقاء الاحتمال المزبور بدون بقاء ملزومه وهو العلم الاجمالي ( وبذلك ) يظهر فساد مقايسة المقام بباب الأقل والأكثر ( لان ) في الأقل والأكثر لا يكون من الأول الا علم تفصيلي بوجوب الأقل والشك البدوي في الزائد حتى في الارتباطي منه ، وانما الاجمال فيه في حدى الأقل والأكثر لا بالنسبة إلى ذات التكليف ولذلك لا تصدق فيه تلك القضية التعليقية اللازمة للعلم الاجمالي وهي انه لو كان الواجب هو الأكثر لكان الأقل غير واجب من جهة القطع بوجوب الأقل على كل تقدير ( وهذا ) بخلاف المتبائنين الذي كان الاجمال فيه في ذات التكليف من حيث تردده بين كونه في هذا أو ذاك ، فإنه تصدق فيه تلك القضية التعليقية من

ص: 250

الطرفين حتى مع العلم التفصيلي بالتكليف في طرف بالخصوص فصدق هذه القضية التعليقية من الطرفين في المقام حتى بعد العلم التفصيلي يكشف عن بقاء ملزومها وهو العلم الاجمالي وعدم انحلاله حقيقة كما في الأقل والأكثر ( واما ما أفيد ) من البرهان المزبور في وجه الانحلال واتحاد العلمين بأنه لولا الانحلال يلزم اجتماع العلمين في موضوع واحد ( ففيه ) انه يرد هذا المحذور بناء على تعلق العلم بالخارجيات ( والا فبناء ) على ما هو التحقيق من تعلقه بالعناوين والصور الذهنية غايته لا بالنظر إليها استقلالا وبنحو التخلية في الذهن بل بالنظر إلى كونها مرأتا للخارج بنحو لا يرى بذاك النظر الا الخارج ، من دون اقتضاء هذا النظر أيضا لسرايته من العناوين والصور الذهنية إلى وجود المعنون في الخارج ( فلا يلزم ) هذا المحذور ، إذ نقول ان وجود الجامع وان كان متحدا في الخارج مع الفرد والخصوصية ، ولكن بعد كونهما في الذهن صورتان متبائنتان وفرض قيام العلم بمثل هذه الصور المتبائنة بلا سراية إلى الخارج لا محذور من تعلق العلمين بشيء واحد بتوسيط عنوانين الاجمالي والتفصيلي ، إذ لا يلزم من مثله محذور اجتماع المثلين في موضوع واحد ، كيف ولا يزيد ذلك عن التضاد بين العلم والشك وبعد امكان تعلق العلم بشيء بعنوان والشك فيه بعنوان آخر ووقوعه في جميع موارد العلم الاجمالي لا مجال للاشكال في تعلق العلمين بشيء بتوسيط عنوان الاجمالي والتفصيلي فلا مجال حينئذ لدعوى اتحاد العلمين بمحض قابلية العنوانين بذاتهما للانطباق على وجود واحد ( نعم ) لا بأس بدعوى الانحلال الحكمي فيه ( بتقريب ) انه مع قيام المنجز في أحد طرفي العلم الاجمالي علما كان أو امارة أو أصلا يخرج العلم الاجمالي عن تمام المؤثرية في هذا الطرف لما هو المعلوم من عدم تحمل تكليف واحد للتنجيزين وبخروجه عن قابلية التأثر من قبل العلم الاجمالي مستقلا يخرج المعلوم بالاجمال وهو الجامع الاطلاقي عن القابلية المزبورة ، فلا يبقى مجال لتأثير العلم الاجمالي في متعلقه لان معنى منجزية العلم الاجمالي هو كونه مؤثرا مستقلا في المعلوم على الاطلاق وهذا المعنى غير معقول بعد خروج أحد الأطراف عن قابلية التأثر من قبله مستقلا فلا يبقى في البين الا تأثيره على تقدير خاص وهو أيضا مشكوك من الأول إذ لا يكون التكليف على ذاك التقدير متعلقا للعلم فما هو المعلوم

ص: 251

وهو الجامع المطلق القابل للانطباق على كل واحد من الطرفين غير قابل للتأثر من قبل العلم الاجمالي وما هو القابل لذلك وهو الجامع المقيد انطباقه على الطرف الآخر لا يكون من الأول معلوما لعدم قابليته للانطباق على الطرف المعلوم بالتفصيل وبذلك يسقط العلم الاجمالي عن السببية للاشتغال بمعلومه بجعله في عهدة المكلف وبسقوطه تجرى الأصول النافية في الطرف الآخر ، ( وفى ذلك ) لا فرق بين أنحاء الطرق بل الأصول المثبتة حيث إن الجميع على منوال واحد في كون الانحلال حكميا لا حقيقيا ، كما لا فرق بين ان يكون ذو الطريق وهو التكليف المعلوم بالتفصيل سابقا أو مقارنا لزمان التكليف المعلوم بالاجمال ( هذا كله ) إذا كان العلم التفصيلي أو الامارة مقارنا للعلم الاجمالي ( واما ) إذا كان سابقا على العلم الاجمالي فلا شبهة في أنه لا يكون بوجوده السابق منشأ لانحلال العلم الاجمالي من جهة وضوح ان العلم بالتكليف في كل آن انما يكون منجزا للتكليف في ذلك الان لا انه بحدوثه منجز إلى الأبد ( فلابد ) من بقائه إلى زمان حدوث العلم الاجمالي كي بتأثيره في تنجيز التكليف في ذلك الآن يخرج العلم الاجمالي عن المؤثرية ومعه يرجع إلى العلم المقارن ، من غير فرق في ذلك بين قيامه على التكليف السابق الباقي إلى زمان العلم الاجمالي ، وبين قيامه على حدوث التكليف حين وجود العلم الاجمالي بالتكليف فعلى كل تقدير لابد في الانحلال من وجوده حين العلم الاجمالي والا فبدونه كان العلم الاجمالي مؤثرا في تنجيز متعلقه ( وأما إذا كان ) العلم أو الامارة التفصيلية متأخرا عن العلم الاجمالي ففي انحلال العلم الاجمالي بمثله مطلقا ولو حكما ، أو عدم انحلاله كذلك ، أو التفصيل بين سبق التكليف المعلوم بالتفصيل أو تقارنه للتكليف المعلوم بالاجمال وبين لحوقه بانحلال العلم الاجمالي حقيقة أو حكما في الأول وعدمه في الثاني وجوه وأقوال ( أقواها ) أوسطها ( فان ) توهم الانحلال في هذه الصورة ولو حكما مبنى على تأثير العلم اللاحق في تنجيز التكليف السابق على وجوده ( وهو ممنوع ) جد الامتناع تأثير العلم المتأخر في تنجيز التكليف فيما قبل وجوده فيبقى العلم الاجمالي السابق على حاله فيؤثر من حين حدوثه في الاشتغال بمعلومه فيجب مراعاته بحكم العقل بالاجتناب عن الطرفين ، من غير فرق بين قيام الطريق التفصيلي على التكليف السابق أو المقارن أو اللاحق ( لان ) التنجيز

ص: 252

انما هو من لوازم العلم والطريق لا المعلوم وذي الطريق ( لا يقال ) سلمنا ذلك لكن لا مانع من تأثير العلم التفصيلي المتأخر من حين قيامه على أحد الطرفين ، فإنه بعد ما لا يكون العلم الاجمالي السابق بحدوثه علة للاشتغال بالتكليف المردد إلى الأبد ودوران تأثيره في كل آن مدار وجوده في ذاك الان وبقائه على صفة حدوثه ، فلا محالة يكون العلم التفصيلي بالتكليف في الطرف المعين من حين وجوده بضميمة المقدمة المزبورة من قبيل العلم المقارن فيمنع عن استقلال العلم الاجمالي في تنجيزه بقاء للجزم بدخل هذا العلم التفصيلي حين وجوده في تنجيزه وبذلك يسقط العلم الاجمالي عن التأثير في الجامع فلا يلزم رعاية الاحتياط في الأطراف الاخر ( فلو ) علم اجمالا في أول الصبح نجاسة أحد الكأسين ثم علم تفصيلا في أول الزوال بنجاسة أحدهما المعين فإنه وان لم يسقط العلم الاجمالي عن التأثير فيما قبل الزوال ، ولكنه من حين الزوال الذي هو زمان حدوث العلم التفصيلي يسقط عن التأثير في الاشتغال بالامر المردد في البين لابتلائه حينه بالعلم التفصيلي المقارن ولازمه عدم لزوم رعاية الاحتياط من حين الزوال في بقية الأطراف ( فإنه يقال ) نعم العلم الاجمالي المزبور وان سقط عن التأثير من حين وجود العلم التفصيلي ( ولكن ) هناك علم اجمالي آخر يكون هو الموجب للاحتياط في بقية الأطراف وهو العلم الاجمالي التدريجي المتعلق بوجوب الاجتناب اما عن خصوص الذي صار معلوما بالتفصيل في أول الصبح أو عن الطرف الآخر المقابل له في أول الزوال نظير العلوم الحاصلة في التدريجات ( بيان ذلك ) هو ان العلم الاجمالي بالتكليف المردد بين الطرفين تبعا لانحلال التكليف المعلوم بحسب الانات إلى تكاليف متعددة ينحل إلى علوم متعددة ( بعضها ) دفعي كالعلم بالتكليف المردد بين الطرفين في كل من انات الأزمنة كالصبح والزوال في المثال المتقدم ( وبعضها ) تدريجي وهو العلم بحدوث التكليف في طرف في الصبح أو بقائه في الطرف الآخر في الزوال مثلا ( والذي ) يسقط عن التأثير حين وجود العلم التفصيلي انما هو العلم الاجمالي الدفعي ( واما الثاني ) وهو العلم الاجمالي التدريجي فيبقى على تأثيره بعد عدم صلاحية العلم التفصيلي اللاحق للتأثير في تنجيز المعلوم السابق عن نفسه حيث يحكم العقل في مثله بالاشتغال بالمردد بينهما ولزوم تحصيل الجزم بالفراغ عنه ما دام بقاء العلم

ص: 253

الاجمالي بحاله وعدم انقلابه بالشك البدوي بالحدوث من الأول بنحو الشك الساري ( وبمثل ) هذا البيان نقول بلزوم مراعاة العلم الاجمالي في صورة الاضطرار الطارئ بعد العلم وكذا تلف بعض الأطراف أو خروجه عن الابتلاء بعد العلم حيث إن المناط كله في لزوم رعاية الاحتياط في المحتمل الاخر انما هو هذا العلم الاجمالي التدريجي الموجب لصيرورة جميع الآنات في الطرف الباقي طرفا للعلم بالتكليف في الان الأول في الطرف الآخر التالف بعد العلم ( والا ) فلا شبهة في سقوط العلم الاجمالي الدفعي حين طرو الاضطرار أو تلف بعض الأطراف حيث لا يكون علم بالتكليف الفعلي بعد التلف أو الاضطرار ولازمه جواز الرجوع إلى البراءة حينئذ في الطرف الباقي الا باتعاب النفس بالتزام تأثير العلم الاجمالي بحدوثه في التنجيز الأبدي ولو مع سقوطه وارتفاعه بعد ذلك ما لم يكن ارتفاعه بانقلابه بالشك البدوي بالحدوث من الأول ( ولكنه ) كما ترى فإنه لازمه بقاء التنجيز السابق مع زواله من جهة احتمال نسخ أو غيره ( وحينئذ ) فالعمدة في لزوم رعاية الاحتياط في المقام وفى موارد التلف أو الاضطرار الطارئ بعد العلم هو العلم الاجمالي التدريجي بالمردد بين ثبوت التكليف في الان الأول في طرف أو بقائه في الآن الثاني في الطرف الآخر فان العقل يحكم في مثله بالاشتغال بالامر المردد بينهما ولزوم الاحتياط في الطرف الآخر وان شك في سقوطه من جهة عصيانه أو امتشاله أو خروجه عن الابتلاء بمضي زمانه ، حيث لا يعتنى العقل بالشك في السقوط من الجهات المزبورة ( نعم ) على هذا قد يتوهم تسجل دعوى الاخباري وجوب الاحتياط في الشبهات بمقتضى العلم الاجمالي بالمحرمات الواقعية ( حيث ) يقال ان العلم التفصيلي بالمحرمات بمقدار المعلوم بالاجمال بعد ما لم يكن سابقا أو مقارنا للعلم الاجمالي بالوجدان بل كان متأخرا عنه لوضوح عدم حصوله الا بعد الرجوع إلى الأدلة والسير التام فيها وملاحظة موارد الاجماعات والنصوص الواردة عن الأئمة علیهم السلام والأصول المثبتة للتكاليف شرعيها وعقليها ( فلابد ) بمقتضى البيان المزبور من الاحتياط في كل ما يشك كونه من المحرمات الواقعية ولو بعد حصول العلم التفصيلي بجملة من المحرمات بمقدار المعلوم بالاجمال ( ولكنه ) مدفوع بأنه يتم ذلك لولا حكم العقل بمنجزية الاحتمال الطرق القائمة على ثبوت التكاليف في بعض

ص: 254

الأطراف من الأول بمناط الشبهة قبل الفحص ( والا ) فعلى ما هو التحقيق من حكمه بذلك لا مجال لتأثير العلم الاجمالي فان حال العلم الاجمالي مع الاحتمال المزبور بعد تقارنه لوجود العلم بعينه حاله مع العلم التفصيلي المقارن فيمنع ذلك أيضا عن تأثير العلم الاجمالي في تنجيز متعلقه كما يمنع عنه العلم التفصيلي ( وعليه ) فلا يكون الظفر بالامارات التفصيلية بعد ذلك مضرا بموجبيتها لانحلال العلم الاجمالي ، لان بالظفر بها يستكشف عن موجبيتها لانحلال العلم السابق لكونها من المنجز المقارن له ، ولازمه رجوع الشك في الشبهات بعد الفحص إلى الشك البدوي فتجري فيها البراءة.

( بقى الكلام في التنبيه على أمرين ( الامر الأول ) يعتبر في جريان أصالة الإباحة في مشتبه الحكم عدم وجود أصل حاكم عليها ، بل لا يختص ذلك بأصل الإباحة فيجرى في غيرها من الأصول أيضا ، بل في جعل ذلك من الشرائط مسامحة في التعبير ( لان ) مرجع ذلك في الحقيقة إلى اشتراط تحقق الموضوع للأصل في جريانه ، فان مع وجود الحاكم لا مورد لجريان الأصل المحكوم لارتفاع موضوعه ولو تعبدا بجريان الأصل الحاكم ( ومن ذلك ) ما لو شك في الحكم الوجوبي أو التحريمي لأجل الشك في النسخ ، فإنه تجرى فيه أصالة عدم النسخ وبجريانها لا يبقى مورد لأصالة الإباحة والبرائة عن التكليف ( ومنه ) أيضا ما لو شك في حل اكل لحم حيوان من جهة الشك في تذكيته مع عدم كونه في سوق المسلمين ولا في يد المسلم ، حيث إنه مع جريان أصالة عدم التذكية لا تجرى فيه أصالة الحل والبرائة ( ولما انتهى ) الكلام إلى ذلك لا بأس بالتعرض بما يتعلق بالمثال من الشقوق المتصورة للشك في طهارة اللحم وحليته من جهة الشك في التذكية ، فنقول ان الشك فيها ، تارة يكون من جهة الشبهة الحكمية كالشك في قابلية الحيوان الكذائي للتذكية في فرض عدم قيام دليل على قابلية كل حيوان للتذكية ، وكالشك في اعتبار اسلام الذابح أو الاستقبال مثلا فيها ، وأخرى من جهة الشبهة الموضوعية وصورها كثيرة وعلى أي تقدير ( التذكية ) اما ان تكون عبارة عن امر بسيط معنوي متحصل من قابلية المحل وقطع الأوداج الأربعة بالحديد وسائر ما يعتبر فيه نظير الطهارة بالنسبة إلى الغسلات الخاصة ( واما ان تكون ) عبارة عن قطع الأوداج الأربعة بشرائطه الوارد على المحل القابل بان

ص: 255

تكون القابلية شرطا لتأثير الأمور المزبورة ( واما ان تكون ) عبارة عن مجموع الأمور المزبورة مع القابلية ( فعلى الأول ) تجرى في جميع الصور أصالة عدم التذكية من غير فرق بين ان يكون الشك من جهة الشبهة الحكمية أو من جهة الشبهة الموضوعية بأنحاء ما يتصور فيها من الشك ( فإنه ) يشك حينئذ في تحقق ذلك الأثر الحاصل البسيط والأصل عدمه ( ويترتب ) عليه الحرمة بل النجاسة في وجه قوى ، ولا ينافي ذلك ما دل على ترتب الحرمة والنجاسة على عنوان الميتة التي هي عبارة عما مات حتف أنفه حتى يشكل بعدم اقتضاء الأصل المزبور لاثبات هذا العنوان الا على القول بالمثبت ( إذ الحكم ) كما رتب في الأدلة على عنوان الميتة ، كذلك رتب على ما يعم العنوان المزبور وهو غير المذكى ( ومن الواضح ) انه لابد في مثله من الاخذ بذلك العنوان العام كما يكون ذلك هو الشأن في كل مورد رتب الحكم الشرعي في لسان الدليل على عنوانين أحدهما أعم من الاخر ، حيث تكون العبرة بالعنوان العام دون الخاص ( ثم إن ذلك ) إذا لم نقل ان الميتة في لسان الشارع عبارة عن غير المذكى والا فبناء على كونها عبارة عن غير المذكى كما قيل به فالامر أوضح ( واما على الثاني ) وهو كون التذكية عبارة عن نفس فرى الأوداج بشرائطه مع كون القابلية شرطا في تأثيره ، فان كان الشك في الطهارة والحلية من جهة الشك في ورود فعل المذكي عليه تجرى فيه أصالة عدم التذكية واما ان كان الشك من جهة قابلية الحيوان للتذكية اما من جهة الشبهة الحكمية أو الموضوعية كالشك في كون اللحم المطروح من الحيوان الذي يقبل التذكية كالغنم أو من الذي لا يقبل التذكية فمع العلم بورود فعل المذكى عليه من فرى الأوداج الأربعة بما اعتبر فيه لا تجرى أصالة عدم التذكية ، بل ومع الشك فيه أيضا فإنه وان لم يكن قصور حينئذ في جريان أصالة عدم التذكية ، ولكنه مع الشك في القابلية لا ينتج شيئا ، كيف وان القطع بوجوده لا تثمر شيئا مع الشك في القابلية ، وحينئذ فان كانت القابلية مسبوقة بوجودها كما لو شك في زوالها بمثل الجلل ونحوه تجرى فيها استصحابها ويترتب عليه اثار فرى الأوداج وعدمه ولو بالأصل ( والا ) فتجري أصالة الطهارة والحلية في اللحم المزبور لعدم كون القابلية المزبورة مسبوقة باليقين بالعدم حتى تستصحب ( واما توهم ) امكان احراز

ص: 256

عدمها حينئذ بالأصل بنحو السلب المحصل كما في مشكوك القرشية والشرط المشكوك مخالفته للكتاب ومشكوك الانتساب في الإرث لكون القابلية المزبورة بهذه الملاحظة مسبوقة بالعدم قبل الوجود ( فمدفوع ) بأنه وان كان المختار هو جريان الأصل في الاعدام الأزلية ، ولكن ذلك انما يكون في الأوصاف العارضة على الذات بتوسيط وجودها كالقرشية في المثال ( لا بالنسبة ) إلى ما هو من لوازم ذات الشيء فان في مثله لا مجال لجريان الأصل من جهة وضوح عدم كونه مسبوقا باليقين حتى في مرحلة صقع الذات قبل الوجود ، وقابلية الحيوان للتذكية انما تكون من هذا القبيل ، إذ لم تكن القابلية المزبورة من الأوصاف العارضة على الذات بتوسيط وجودها وانما هي من الأمور المأخوذة في ذات الحيوان وبهذه الجهة لم تكن لها حالة سابقة حتى في مرحلة صقع الذات كي يجرى فيها الأصل ( وعليه ) ينتهى الامر إلى الأصول الحكمية وهي أصالة الطهارة والحلية ( ومن ذلك ) البيان يظهر الحال على الاحتمال الثالث في التذكية وهو كونها عبارة عن مجموع الأمور الخمسة وقابلية المحل ( فإنه ) مع الشك قي قابلية الحيوان للتذكية لأجل الشبهة الحكمية أو الموضوعية لا تجرى فيه أصالة عدم التذكية ، لان التذكية على ذلك تكون من الموضوعات المركبة التي لابد في جريان الأصل فيها من لحاظ خصوص الجهة المشكوكة لا المجموع المركب من حيث المجموع وبعد عدم جريان الأصل في الجهة المشكوكة وهي القابلية تجري فيه لا محالة أصالة الطهارة والحلية من غير فرق في ذلك بين صورة العلم بورود فعل المذكى على الحيوان وعدمه نظرا إلى ما تقدم من عدم ترتب فائدة على استصحاب عدمه مع الشك في القابلية وعدم كون القطع بوجوده مع الشك المزبور منتجا لشيء ( نعم ) ينتج ذلك في فرض احراز قابلية الحيوان للتذكية فإنه مع الشك في ورود فعل المذكى عليه يجرى فيه أصالة العدم فيترتب عليه الحرمة والنجاسة ( ثم إن المتعين ) من المحتملات الثلاثة المتصورة في التذكية انما هو المعني الثاني ( فان المستفاد ) من قوله سبحانه الا ما ذكيتم من نسبة التذكية إلى الفاعلين ، وكذا قوله (عليه السلام) في ذيل موثقة ابن بكير ، ذكاة الذبح أم لا ، وقوله في خبر علي بن أبي حمزة بعد قول السائل أو ليس الذكي ما ذكى بالحديد ، بلى إذا كان مما يؤكل لحمه ( هو ان التذكية )

ص: 257

عبارة عن فعل المذكى وان قابلية المحل امر خارج عن حقيقة التذكية وكان لها دخل في تأثيرها في الطهارة والحلية لا انها عبارة عن مجموع فعل الذابح بما اعتبر فيه مع قابلية المحل ، ولا كونها عبارة عن الأثر الحاصل منهما ( وعليه ينبغي ) التفصيل في جريان أصالة الطهارة والحلية ، بين ان يكون الشك في حرمة اللحم ونجاسته من جهة الشك في قابلية الحيوان المذبوح للتذكية ، وبين ان يكون ذلك من جهة الشك في ورود فعل الذابح عليه فتجري في الأول أصالة الطهارة والحلية لعدم أصل حاكم عليهما ( بخلاف الثاني ) فإنه تجرى فيه أصالة عدم التذكية ويترتب عليها الحرمة والنجاسة.

( الامر الثاني ) لا اشكال ولا خلاف في رجحان الاحتياط عقلا ( وانما الاشكال ) في قابليته للرجحان الشرعي والاستحباب المولوي من جهة الأخبار الآمرة بالاحتياط ( والتحقيق في المقام ) يتوقف على شرح حقيقة الاحتياط وبيان الوجوه المتصورة في الامر به من حيث الارشادية والمولوية ( فنقول ) الوجوه المتصورة في مفاد الأوامر الواردة في هذا الباب أربعة ( أحدها ) كونه لمحض الارشاد إلى عدم الوقوع في المفاسد الواقعية والحزازة للنفس الامرية على تقدير وجودها واقعا نظير أوامر الطبيب ونواهيه بحيث لا يترتب على موافقتها سوى التخلص عن الوقوع في المفسدة الواقعية المحتملة ، واليه يرجع كلام الشيخ قده من حيث تنظيره بأوامر الطبيب ونواهيه وبالاشهاد عند المعاملة لئلا يقع التنازع فيها ( وثانيها ) كونه ارشادا إلى ما في نفس عنوان الاحتياط من الحسن والرجحان العقلي مطلقا حتى في صورة عدم مصادفة الاحتمال للواقع لكونه انقيادا وإطاعة حكمية نظير الامر بعنوان الإطاعة ، ولازمه استحقاق المثوبة عليه وان لم يصادف الواقع بناء على ما اخترناه في مبحث التجري ، فارشادية الامر المتعلق به حينئذ انما هي بمعنى خلوه عن جهة المولوية كما في الامر بعنوان الإطاعة لا بمعنى خلو المتعلق بالعنوان المزبور عن الرجحان رأسا كما في الصورة الأولى ( وثالثها ) كونه حكما مولويا نفسيا بان كان في الفعل المشكوك حكمه بهذا العنوان مصلحة اقتضت استحبابه النفسي في مرتبة الشك بالواقع فيثاب عليه وان لم يحصل به الاجتناب عن الحرام الواقعي ( ورابعها ) كونه حكما مولويا طريقيا انشاء

ص: 258

بداعي حفظ المرام الواقعي عند الشك به كما في جميع أوامر الطرق والامارات على ما مر شرحه مفصلا ( ولازم ) ذلك وان كان ترتب المثوبة عليه مطلقا الا انها على تقدير المصادفة تكون بعنوان الإطاعة وعلى تقدير آخر بعنوان الانقياد والإطاعة الحكمية ( بخلاف ) فرض المولوية النفسية فإنه عليه يكون ترتب المثوبة على الموافقة على كل تقدير بعنوان الإطاعة الحقيقية للامر المتعلق بعنوان الاحتياط ( واما عنوان الاحتياط ) فاما يكون عبارة عن الفعل أو الترك المنبعث عن دعوة احتمال الوجوب أو الحرمة ، واما ان يكون عبارة عن مجرد فعل مشكوك الوجوب أو ترك مشكوك الحرمة بهذا العنوان ( والفرق ) بينهما واضح فإنه على الأول يكون عنوان الاحتياط منتزعا عن الذات في المرتبة المتأخرة عن الذات المعروضة للوجوب أو الحرمة بنحو يرى في عالم التصور ذاتان إحديهما في رتبة سابقة عن الوجوب والأخرى في الرتبة المتأخرة عن دعوه احتمال الوجوب نظير عنوان الإطاعة وبذلك لا يلزم اجتماع الضدين أو المثلين في ذات واحدة كما تقدم شرحه في مبحث التجري ، ويترتب عليه حكم العقل بحسنه مطلقا حتى في صورة المخالفة للواقع لكونه بهذا العنوان انقيادا وإطاعة حكمية ( بخلاف الثاني ) فإنه وان كان منتزعا عن العنوان في المرتبة المتأخرة عن الامر بعنوان ذات الشيء الا ان تأخره لا يكون بتمام العنوان حتى بلحاظ ذات الموصوف ، بل انما كان ذلك بلحاظ قيده ووصفه فقط وهو الجهل مع كون الذات في العنوانين محفوظة في مرتبة واحدة غير أنها تلاحظ تارة مجردة وأخرى موصوفة كعنوان الخمر والخمر المشكوكة خمريتها أو المشكوكة حكمها مع قابلية الأول للانطباق علي الثاني كما في كل مطلق ومقيد ( وبعد ) ذلك نقول انه بناء على المعنى الأول للاحتياط لا شبهة في أن من لوازمه عدم قابليته للامر المولوي نفسيا أو طريقيا ضرورة انه بهذا المعنى مما يستقل العقل بحسنه لكونه مما ينطبق عليه عنوان الإطاعة والانقياد ومعه لا يكون الامر به الا ارشادا محضا إلى حكم العقل بحسنه بلا شائبة مولوية فيه كما في الامر بعنوان الإطاعة الحقيقية ، كما أنه على هذا المعنى لا يتأتى فيه احتمال الارشاد بالمعنى الأول أيضا لتمحضه بالارشاد العقلي الاطاعي ( بخلاف المعنى ) الثاني الاحتياط فإنه قابل لاستحباب المولوي الطريقي أو النفسي من جهة امكان اشتمال الفعل المشكوك

ص: 259

حكمه بما هو مشكوك على مصلحة تقتضي استحبابه النفسي في هذه الرتبة حتى في فرض المخالفة للواقع من غير أن ينافي ذلك مع الحكم الواقعي كما توهم بتخيل ان الذات على هذا الفرض لما كانت واحدة يلزم اجتماع الضدين في ذات واحدة ، إذ بعد قصور الخطابات الواقعية عن الشمول لمرتبة الشك بنفسها كما تقدم بيانه في وجه الجمع بين الاحكام الواقعية والظاهرية لا مانع من تعلق حكم آخر في هذه المرتبة يقتضي استحبابه ( نعم ) على هذا المعنى لا مجال لدعوى رجحانه العقلي لما هو المعلوم من أنه لا يكون فعل ما شك في وجوبه بهذا العنوان مع قطع النظر عن نشوه عن داعي احتمال الوجوب مصبا لحكم العقل بالحسن والرجحان حتى يتأتى فيه الارشاد العقلي الاطاعي وان كان لتصور الارشاد بالمعنى الأول فيه مجال واسع ( وبما ذكرنا ) ظهر أنه لا مجال لما عن الشيخ قده وغيره من جعل المحتملات الأربعة المتقدمة في عنوان المسألة على منوال واحد ، لما عرفت من أنه على المعنى الأول للاحتياط لا تصلح الأوامر الشرعية لغير الارشاد العقلي الاطاعي ( وعلى ) المعنى الاخر وان كانت قابلة للمولوية وللارشاد بالمعنى الاخر ، ولكنه خارج عن مصب حكم العقل بالرجحان إذ لا حكم للعقل برجحان فعل المشتبه أو تركه بهذا العنوان ما لم يؤخذ فيه جهة نشوه عن دعوة احتمال الوجوب أو الحرمة وينطبق عليه عنوان الإطاعة والانقياد كما هو ظاهر ( وحيث ) ان الظاهر من عنوان الاحتياط خصوصا بقرينة اتفاقهم على حسنه عقلا هو العمل المأتى عن داعي احتمال الوجوب لا مجرد اتيان مشكوك الوجوب أو ترك مشكوك الحرمة بهذا العنوان ( فلا محيص ) من حمل الأوامر الشرعية المتعلقة بعنوان الاحتياط على الارشاد إلى حكم العقل برجحانه ( نعم ) هنا عنوان آخر قابل للرجحان العقلي والشرعي وهو جعل احتمال الوجوب أو الحرمة في المشتبه داعيا إلى الفعل أو الترك ، فان هذا المعنى مما يحسنه العقل تحصيلا للإطاعة والانقياد ويكون قابلا أيضا للامر المولوي ( ولكنه ) بعيد عن مساق الاخبار وعن الكلمات ( وبعد ) ان عرفت ذلك فلنرجع إلى بيان ما يستفاد من الاخبار الا مرة بالتوقف والاحتياط ( فنقول ) ان الأخبار الواردة في المقام على طوائف ( منها ) ما يشتمل على عنوان الاحتياط كقوله (عليه السلام) أخوك دينك فاحتط لدينك ، وقوله (عليه السلام) إذا أصبتم بمثل هذا فعليكم بالاحتياط

ص: 260

( ومنها ) ما يشتمل على عنوان المشتبه وهذه الطائفة على صنفين ( أحدهما ) ما يكون مذيلا بالتعليل بأنه خير من الاقتحام في الهلكة ( وثانيهما ) ما لا يكون له هذا الذيل ، كقوله (عليه السلام) من ترك الشبهات كان لما استبان له اترك ( اما الطائفة الأولى ) فلابد من حملها على الارشاد كأوامر الإطاعة والانقياد ( واما الطائفة الثانية فهي أيضا بمقتضى التعليل الواقع في ذيلها ظاهرة في الارشاد لكن لا إلى حكم العقل بحسن الإطاعة ، بل إلى عدم الوقوع في مخالفة التكاليف الواقعية والمفاسد النفس الامرية نظير أوامر الطبيب ونواهيه ( واما الطائفة الثالثة ) فهي وان كانت قابلة للارشاد وللمولوية الا ان ظهورها في المولوية ينفي الارشادية ( نعم ) يدور أمرها بين الاستحباب النفسي ، أو الطريقي كسائر الاحكام الطريقية المجعولة لحفظ الواقعيات المجهولة كما في أوامر الطرق والامارات على ما بيناه ، وحينئذ فظاهر تعلق الامر بعنوان المشتبه وان كان يقتضى كونه مستحبا نفسيا حكمته اعتياد المكلف على الترك بنحو يهون عليه الاجتناب عن المحرمات المعلومة ( ولكن ) لا يبعد ترجيح الطريقية نظرا إلى بعد الاستحباب النفسي عن مساق تلك الأخبار لظهورها الثانوي في كونها على حذو سائر الأحكام الطريقية المجعولة لأجل حفظ الواقع في موارد الشبهات من غير أن ينافي ذلك مع الحكمة المزبورة المؤدية إلى الاعتياد على الترك « مضافا » إلى بقاء اطلاق مصلحة الواقع على الطريقية في اقتضائها لمحبوبية الذات حتى في المرتبة المتأخرة عن الجهل بخطابه « بخلافه » على الموضوعية والاستحباب النفسي فإنه لابد من رفع اليد عن اقتضاء المصلحة للإرادة بجميع مباديها حتى المحبوبية نظرا إلى مضادة الاشتياق الذي هو من مبادي الإرادة الواقعية في مرتبة الشك مع الاشتياق بخلافه في هذه المرتبة وبهذه الجهة رجحنا الطريقية على الموضوعية في أوامر الطرق بلحاظ عدم اقتضاء الطريقية في ظرف المخالفة للواقع الا رفع اليد عن فعلية الإرادة في ظرف الشك لا عن مباديها من الاشتياق والمحبوبية لعدم التنافي بين محبوبية الواقع في هذه المرتبة وبين الترخيص على خلافه لمصلحة تقتضيه « فعلى هذا » صح لنا دعوى عدم استفادة الاستحباب المولوي النفسي من الأخبار الواردة في المقام حتى المشتمل منها على عنوان المشتبه.

ص: 261

« المسألة الثانية » في الشبهة الحكمية التحريمية لأجل اجمال النص ، وهو قد يكون من جهة اجمال ما يدل على الحكم اما ذاتا كما لو قلنا باشتراك الصيغة في النهى بين الحرمة والكراهة ، واما من جهة وجود القرائن الحافة بالكلام المانعة عن ظهوره في الحرمة كما في النهى عقيب توهم الوجوب ، وقد يكون من جهة المتعلق ، سواء كان لأجل الشك في المراد منه مع العلم بوضعه كما إذا شك في شمول الخمر للخمر غير المسكرة ولم يكن في البين اطلاق يؤخذ به ، أم لأجل الشك في نفس المفهوم من جهة الوضع مع العلم بكون المراد ما هو مدلول هذا اللفظ ، كما في الغناء إذا قلنا باجماله وتردده بين مطلق الصوت المطرب أو خصوص الصوت المطرب مع الترجيع ، وكما في الفسق إذا قلنا باجماله وتردده بين خصوص المرتكب للكبائر أو ما يعم المرتكب للصغاير « ثم إن » التردد في المتعلق « تارة » يكون بين الأقل والأكثر كالأمثلة المزبورة « وأخرى » يكون بين المتبائنين كما لو دل الدليل على حرمة اكرام زيد وتردد بين شخصين « فهذه » صور الاجمال في المسألة ، ولكن الحكم فيما عدى الصورة الأخيرة هي البراءة « وذلك » اما في صورة الاجمال في ناحية الدال على الحكم اما ذاتا واما من جهة احتفافه بما يصلح للقرينية فظاهر لكون الشك حينئذ في أصل التكليف التحريمي فيكون كصورة فقد النص فيجرى فيه جميع ما ذكرناه من الأدلة الدالة على البراءة عقليها ونقليها « واما » في صورة اجمال المتعلق كمثال الغناء أو اجمال المراد منه فكذلك من جهة انتفاء العلم بالتكليف في الزائد عن المقدار المعلوم من غير فرق في ذلك بين ان يكون تعلق النهى على نحو الطبيعة السارية أو على نحو صرف الوجود فإنه في الجميع تجرى البراءة في المشكوك ويحكم فيه بجواز الارتكاب ( واما توهم ) ان المطلوب في النهى بعد أن كان عبارة عن ترك صرف الطبيعي كان اللازم هو الاحتياط بترك المشكوك مقدمة لامتثال التكليف المعلوم في البين ( فمدفوع ) بان هذا الاشكال لو تم لكان ساريا في جميع موارد الأقل والأكثر الارتباطيين ولا يكون له اختصاص بالمقام وسيجيء دفعه بما لا مزيد عليه انشاء اللّه تعالى « وحينئذ » يكون الحكم في جميع صور اجمال النص هي البراءة الا في فرض اجمال المتعلق وتردده بين المتبائنين ، فان المرجع فيه هي قاعدة

ص: 262

الاحتياط للعلم الاجمالي بحرمة اكرام أحد الشخصين.

( المسألة الثالثة ) ما لو اشتبه الحكم الشرعي من جهة تعارض النصين كما لو قام نص على حرمة شيء وقام نص آخر على عدم حرمته والحكم فيها أيضا كما في صورة فقدان النص هي البراءة ( فان ) المناط فيها انما هو فقد الحجة على التكليف فلا يفرق فيها بين ان لا يكون في المسألة نص أصلا أو كان ولكنه سقط عن الحجية بالمعارضة ( وقد يستدل ) على الاحتياط بما في غوالي اللئالي من مرفوعة العلامة إلى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) من قوله بعد ذكر المرجحات وفرض الراوي تساوى الخبرين في جميع ما ذكره الإمام (عليه السلام) من المرجحات فخذ الحائطة لدينك واترك ما خالف الاحتياط ( ولكن فيه ) بعد الغض عن ضعف الرواية ان الاحتياط حينئذ يكون مرجحا للخبر الموافق له لا مرجعا ، فيخرج عن مفروض الكلام ( فان ) مفروض الكلام في المقام انما هو صورة فقد الحجة الشرعية على التكليف وهذا انما يكون إذا لم يكن في البين ما يقتضى ترجيح أحد الخبرين ولو كان هي قاعدة الاحتياط بناء على القول به كما تقتضيه المرفوعة ( والا ) فمع وجود المرجح يخرج عن مفروض البحث ( نعم ) يتحد ذلك بحسب النتيجة مع القول بمرجعية الاحتياط ، ولكنه لا من جهة انه مورد فقدان الحجة الشرعية على التكليف ، بل من جهة كونه مورد قيام الحجة الشرعية على التكليف ( وبما ذكرنا ) ظهر انه لابد من فرض الكلام في المسألة براءة واشتغالا على القول بالتساقط في الخبرين المتعارضين ( والا ) فعلى القول بالتخيير في المتعارضين من الاخبار تخرج المسألة عن مفروض البحث بين الفريقين ( ولكن ) حيث إن الحكم في المتعارضين من الاخبار بمقتضى الاخبار العلاجية يكون هو التخيير اما مطلقا كما هو التحقيق أو في صورة فقد المرجحات المنصوصة أو صورة تكافئهما في الجميع لا التساقط كان الحري عدم ادخال هذه المسألة في مسألة البراءة نظرا إلى العلم بوجود حجة معتبرة في البين على التكليف وهو أحد الخبرين اما على التعيين أو على التخيير ( نعم ) يدخل في المسألة تعارض الآيتين وتعارض الاجماعين المنقولين بناء على عدم الحاقهما بالخبرين المتعارضين في الترجيح والتخيير « المسألة الرابعة » ما لو اشتبه الحكم الشرعي في الواقعة الجزئية لأجل الاشتباه في الأمور الخارجية كالشك في كون المايع الخاص خمرا أو خلا ولا اشكال ولا خلاف حتى من

ص: 263

الأخباريين في أن مقتضى الأصل فيه الإباحة ، ويدل عليه مضافا إلى الاجماع الأدلة المتقدمة من الكتاب والسنة والعقل ، بل ظاهر بعضها هو الاختصاص بهذه المسألة كرواية مسعدة بن صدقه وغيرها.

المبحث الثاني

فيما لو دار حكم الفعل بين الوجوب وغير الحرمة كالدعاء عند رؤية الهلال المردد حكمه بين الوجوب والاستحباب « وفيه » أيضا المسائل الأربع المتقدمة في المبحث الأول ( والتحقيق ) فيها أيضا هو البراءة من غير فرق بين ان يكون منشأ الشك هو فقدان النص أو اجماله أو تعارض النصين أو الأمور الخارجية للأدلة المتقدمة من مثل حديث الرفع ودليل الحجب وحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان وعدم الفصل بين المقامين لان كل من قال بالبرائة في المسألة الأولى قال بها في هذه المسألة وان لم يكن الامر بالعكس لمصير جماعة من محققي الأخباريين في الشبهة الوجوبية إلى البراءة وفاقا للمجتهدين مع قولهم بالاحتياط في الشبهة التحريمية الحكمية ، فلا يحتاج إلى افرادها بالبحث المستقل واطناب الكلام فيها « نعم ينبغي التنبيه على أمور » الأول في ذكر الشقوق المتصورة في الشبهة الموضوعية وان كانت تحريمية وبيان أحكامها « فنقول » وعليه التكلان ، اعلم أن متعلق الطلب وجوبيا أو تحريميا « تارة » يكون نفس فعل المكلف من دون تعلقه بموضوع خارجي كالصلاة والحج والكذب والغيبة « وأخرى » يكون له تعلق بالموضوع الخارجي كاكرام العالم وتوهينه « وعلى الثاني » فتارة يكون التكليف منوطا شرعا بوجود الموضوع في الخارج كما في مثال اكرام العالم « وأخرى » لا يكون كذلك بل كان التكليف مطلقا بالنسبة إليه بحيث يقتضى لزوم ايجاد الموضوع في الخارج مع التمكن منه في الأوامر واعدامه في النواهي في فرض عدم التمكن من الاجتناب عنه الا باعدامه « وعلى التقادير » فتارة يكون المطلوب في الطلب الوجوبي أو التحريمي هو صرف وجود الشيء و « أخرى » يكون المطلوب هو الطبيعة السارية في كل فرد « وثالثة » على نحو العموم الاستغراقي أو المجموعي ، والفرق بين الطبيعة السارية والعموم الاستغراقي ظاهر ، فإنه على

ص: 264

الأول يكون المطلوب هو الطبيعي بخصيصة السارية في ضمن الافراد مع خروج الخصوصيات الفردية عن حيز الحكم والتكليف ، بخلاف على الثاني فإنه على ذلك تكون الخصوصيات الفردية أيضا داخلة في حيز التكليف ( وربما يثمر ) ذلك فيما لو اتى بالفرد وقصد الامتثال بالخصوصية ، فإنه على الأول يكون مشرعا في قصده بالنسبة إلى الخصوصية ، بخلاف الثاني فإنه عليه لا تشريع من جهة وقوع الخصوصية أيضا في حيز التكليف ( وحيث اتضح ) هذه الفروض فلنشرع في بيان حكم كل واحد منها ( فنقول ) أما إذا كان التكليف وجوبيا متعلقا بفعل المكلف بصرف وجوده ولا يكون له تعلق بموضوع خارجي كالصلاة والحج ونحوهما ( فلا اشكال ) في أنه عند الشك لابد من الاشتغال وعدم جواز القناعة بالفراغ الاحتمالي ، لاستقلال العقل بعد العلم بأصل الخطاب بلا اجمال في ناحية الحكم والتكليف ولا في ناحية موضوعه ومتعلقه ، بلزوم الجزم بالفراغ باتيان ما يعلم كونه مصداق المأمور به وجدانا أو جعلا وتنزيلا وعدم جواز الاكتفاء باتيان ما يشك معه الخروج عن عهدة التكليف ( واما لو كان ) له تعلق بالموضوع الخارجي ( فان كان ) التكليف مطلقا بالنسبة إلى ذلك الموضوع بنحو يقتضى مع الامكان وجوب ايجاده كسائر مقدمات الواجب المطلق فكذلك أيضا ( فإنه ) مع العلم بوجود الموضوع في الخارج لا يجوز العدول عنه إلى غيره مما هو محتمل المصداقية للطبيعي لاستقلال العقل حينئذ بعد العلم بالتكليف والقدرة على امتثاله بلزوم تحصيل الجزم بالفراغ وعدم الاكتفاء في مقام الامتثال بالفراغ الاحتمال ( ومع الشك ) فيه وانحصار الامر فيما هو محتمل المصداقية ، لابد من الاحتياط ، لرجوع بعد العلم بأصل الغرض وقيامه بالشيء إلى الشك في القدرة على الامتثال المحكوم عقلا بالاحتياط ووجوب التعرض للامتثال إلى أن يحصل الجزم بالعجز على ما هو الشأن في جميع موارد الشك في القدرة على الامتثال ( ولا مجال ) في مثله للرجوع إلى البراءة ، لان الرجوع إليها انما يكون في مورد كان الشك فيه راجعا إلى الشك في أصل غرض المولى ( لا في مورد ) الشك في القدرة على تحصيله بعد الجزم بأصله فان في مثله يحكم العقل بالاحتياط ، ولذلك لا يعتني باحتمال عدم القدرة في الواجب المبتلى باحتمال وجود المزاحم الأهم ( نعم ) انما يرجع إلى البراءة عند الشك في القدرة فيما لو

ص: 265

كان التكليف منوطا بها شرعا كالاستطاعة بالنسبة إلى الحج ، فان الشك فيها حينئذ يرجع إلى الشك في أصل ثبوت الغرض وتحققه ، لا مطلقا حتى فيما كان الحاكم باعتبارها هو العقل لان في مثله يكون الغرض مما يعلم بوجوده ولو مع القطع بعدم القدرة على الامتثال ( وحينئذ ) فمع الشك في القدرة بعدم الجزم بأصل الغرض لابد من الاحتياط ( واما لو كان ) التكليف منوطا بوجود الموضوع كما في اكرام العالم واطعام الجايع ، فمع العلم بوجود الموضوع في الخارج أو بعدمه لا اشكال ومع الشك في أصل وجوده يكون المرجع هي البراءة لرجوع الشك المزبور إلى الشك في ثبوت الغرض وفي أصل توجه التكليف إليه وهو ظاهر ( هذا كله ) إذا كان تعلق التكليف على نحو صرف الوجود ( واما لو كان ) تعلقه على نحو الطبيعة السارية أو العموم الاستغراقي بنحو ينحل التكليف المتعلق بالطبيعي إلى تكاليف متعددة حسب تعدد الحصص والافراد ، ففي ذلك مهما شك في الموضوع يكون المرجع فيه البراءة دون الاشتغال من جهة رجوع الشك المزبور بعد انحلالية التكليف إلى الشك في التكليف الزائد فيندرج في مسألة الأقل والأكثر الاستقلالين التي كان المرجع فيها هي البراءة بالاتفاق ( من غير فرق ) بين ان يكون لمعروض التكليف الذي هو فعل المكلف تعلق بموضوع خارجي كاكرام العالم وعدمه كالصلاة ( ولا ) بين ان يكون التكليف منوطا بوجود ذلك الموضوع ، وبين كونه مطلقا بالنسبة إليه ، فإنه على جميع التقادير يكون المرجع عند الشك هي البراءة ، نظرا إلى رجوع الشك المزبور بعد سراية الطلب إلى الحصص والافراد إلى الشك في أصل اقتضاء الخطاب تكليفا بالنسبة إلى المشكوك فيه زائدا عما علم بانطباق الطبيعي عليه ( لا يقال ) على هذا لم التزمت بالاحتياط في فرض كون التكليف على نحو صرف الوجود ( لان ) مجرد الشك في انطباق الطبيعي على فرد لو كان كافيا في الحكم بالاشتغال ووجوب الاحتياط كما في فرض تعلق التكليف بالشيء بصرف وجوده فليكن كذلك في فرض تعلقه به بنحو الطبيعة السارية ( وان لم يكن ) ذلك كافيا في الحكم بالاشتغال كما في مفروض المسألة نظرا إلى دعوى احتياج التكليف في تنجزه إلى احراز عنوان موضوعه في الخارج وانطباق الكبرى المجعولة عليه فمع الشك في وجود الموضوع وانطباق عنوانه على المورد لا يكون للعقل حكم بالاشتغال

ص: 266

بمثله ( فليكن كذلك ) في فرض تعلق التكليف بالشيء بصرف وجوده ، فعلى اي حال لا وجه للتفصيل بين الفرضين في مرجعية البراءة والاشتغال ( فإنه يقال ) ان الفرق بين الفرضين هو ان في التكليف بصرف الوجود كان موضوع التكليف عبارة عن الطبيعي بما هو قابل للانطباق على اي فرد لا الطبيعي المنطبق على فرده ، وبذلك يكون امر تطبيقه على الفرد في عهدة المأمور في مقام الخروج عن عهدة التكليف لا في عهدة الامر حتى يجب عليه بيانه ( ولازمه ) بعد العلم بتعلق التكليف بالطبيعي المزبور وخروج جهة الانطباق عن موضوع التكليف ، هو رجوع الشك في انطباق الطبيعي على المورد إلى الشك في القدرة على التطبيق فيجب بحكم العقل الاحتياط باتيان ما يحتمل كونه مصداقا للطبيعي كما بيناه ( وهذا بخلاف ) التكليف المتعلق بالطبيعة السارية ( فان ) موضوع التكليف فيه بنظر الامر انما كان هي الطبيعة المنطبقة على افراده فتكون جهة الانطباق على الفرد مأخوذة في موضوع التكليف وفي عهدة الامر حيث إنه كان عليه بيانه بعكس الفرض الأول ، فمتى شك في فردية شيء للطبيعي يكون ذلك راجعا إلى الشك في بيان الامر وفى توجيه تكليفه إلى مشكوك الانطباق وعدمه لا إلى الشك في القدرة على الامتثال كما هو ظاهر فتدبر ( هذا كله ) في فرض كون التكليف وجوبيا ( واما لو كان ) التكليف تحريميا ( فان كان ) النهى متعلقا بالطبيعة السارية ، فلا اشكال في أن المرجع عند الشك في الموضوع هي البراءة دون الاحتياط من غير فرق ، بين ان يكون لمعروض النهى الذي هو فعل المكلف تعلق بأمر خارجي كشرب الخمر ، وعدمه كالغنا والكذب ( ولا بين ) كون النهى منوطا شرعا بذلك الامر الخارجي ، وعدمه ( فإنه ) بعد انحلال التكليف إلى تكاليف متعددة بمقتضى السراية إلى الحصص يكون المرجع عند الشك في المصداق في جميع هذه الصور هي البراءة لرجوع الشك المزبور إلى الشك في أصل الخطاب بالنسبة إلى المشكوك فيه ( واما لو كان ) متعلقا بصرف الطبيعي ( فان كان ) الفعل مما له تعلق بموضوع خارجي وكان النهي أيضا منوطا شرعا بفرض وجود ذلك الموضوع ( فلا اشكال ) في البراءة مع الشك في الموضوع لعدم احراز الخطاب بالاجتناب عن المشكوك فيه ( وأما إذا ) لم يكن للفعل المنهى عنه تعلق بأمر خارجي ( أو كان ) ولكن كان النهي مطلقا بالنسبة إليه لا مشروطا بوجوده بحيث ربما يقتضى

ص: 267

لزوم اعدامه في فرض عدم التمكن من الاجتناب عنه الا باعدامه « فقد يقال » باقتضاء مثل هذا النهي كالأمر المتعلق بصرف الوجود للاشتغال « بدعوى » اقتضاء النهي عن صرف الوجود المبين حكما وموضوعا للاشتغال بعدم الطبيعي الذي هو نقيض صرف وجوده « ولازمه » بحكم العقل هو الاجتناب عن كل ما يحتمل كونه من افراده تحصيلا للفراغ اليقيني عما ثبت الاشتغال به يقينا « ولكن فيه » ما لا يخفى فان النهي عن صرف وجود الطبيعي وان كان يقتضى الاشتغال بعدم الطبيعي الذي هو نقيض صرف وجوده ولا يحصل ذلك الا بعدم تمام افراده ( الا انه ) بعد اختلاف دائرة عدم الطبيعي سعة وضيقا بازدياد الافراد وقلتها بلحاظ ان عدم الطبيعي عين عدم افراده ، لا انه امر حاصل منها « فلا محالة » يكون مرجع الشك في انطباق الطبيعي على المشكوك إلى الشك في مقدار دائرة المأمور به ، بان تلك المرتبة من العدم المنبسط على الافراد بحد يكون المشكوك داخلا فيه أو بحد يكون المشكوك خارجا عنه « فيندرج » في صغريات الأقل والأكثر الارتباطيين فيجري فيه البراءة بناء على المختار في جريانها في تلك المسألة « وبذلك » يتضح الفرق ، بين التكليف الوجوبي المتعلق بصرف الوجود ، وبين التكليف التحريمي المتعلق به ( حيث ) ان الالتزام بالاشتغال في الأول انما هو من جهة عدم التكرر لصرف وجود الطبيعي وعدم تصور السعة والضيق في دائرة موضوع التكليف بازدياد الافراد وقلتها كي يتصور فيه الوجود الساري بنحو الانضمام ( لان ) ما يتصور فيه التوسعة والتضييق من جهة قلة الافراد وكثرتها انما هو بالنسبة إلى ما ينطبق عليه موضوع التكليف لا بالنسبة إلى نفس موضوع التكليف ( وهذا بخلاف ) فرض كون التكليف تحريميا ، إذ عليه تكون كثرة الافراد وقلتها موجبة لاتساع دائرة موضوع التكليف وتضييقه ( نعم ) لو قيل إن عدم الطبيعي عبارة عن معنى غير عدم الافراد وان نسبة الافراد إليه من قبيل المحقق والمحصل كما قيل به في طرف الوجود حيث جعل نسبة الافراد إلى وجود الطبيعي من قبيل المقدمة بالنسبة إلى ذيها لكان للفول بمرجعية الاشتغال عند الشك في المصداق مجال « ولكن » الشأن في صحة المبنى ، فان التحقيق كما عليه المحققون هو ان وجود الطبيعي عين وجود فرده ، فيكون عدمه عبارة عن عين اعدام افراده ، لا بمعنى

ص: 268

ان النقيض هو عدم كل فرد فرد بخصوصيته ، كي يشكل بأنه لا يكون لصرف وجود الطبيعي الا نقيض واحد ، بل بمعنى ان النقيض هو العدم الساري في ضمن تمام الأعدم الفردية مع خروج خصوصيات اعدام الافراد عن النقيض بعين خروج خصوصيات الوجود عن صرف الوجود ( وعليه ) يندرج المقام في الأقل والأكثر ويكون المرجع فيه هي البراءة دون الاحتياط « من غير فرق » بين ان يكون المنهى عنه على نحو السالبة المحصلة كقوله لا تشرب الخمر أو الموجبة المعدولة المحول كقوله كن لا شارب الخمر « وما أفيد » من لزوم الاحتياط في الثاني بملاحظة ان ترك الافراد حينئذ مقدمة للاتصاف بالسلب المزبور فيكون مرجع الشك في خمرية مايع إلى الشك في حصول عنوان كونه لا شارب الخمر مع عدم ترك المشكوك ومرجعه إلى الشك في الامتثال « مدفوع » بان مجرد وقوع السلب قيدا للربط والاتصاف في المعدولة لا يوجب مغايرة السلب المزبور مع سلب الافراد خارجا بل بل هو على حاله من العينية مع سلب الافراد كما السلب الوارد على الربط في السالبة المحصلة « بداهة » ان المسلوب في المعدولة انما هي الطبيعة المتعلقة لسلب الربط في السالبة « فكما ان » وجود الطبيعي لا يكون الأعين وجود فرده « كذلك » عدمه لا يكون الأعين اعدام افراده ، لا انه امر متحصل منها « فإذا » كان العدم المزبور مرددا بين الأقل والأكثر من جهة قلة الافراد وكثرتها « فلا جرم » يكون وقوعه طرفا للربط والاتصاف في المعدولة موجبا للترديد في نفس الاتصاف أيضا فيكون اللاشاربية مرددا بين الأقل والأكثر بملاحظة تبعية المعنى الحرفي للمتعلق في القلة والكثرة والترديد والتعيين كتبعيته له في الكلية والجزئية « وعليه » فلا فرق بين كون النهى عنه في القضية على نحو السالبة أو المعدولة ، فإنه على كل تقدير يكون التكليف انحلاليا لرجوع التكليف مع الشك في المصداق إلى التكليف بالمردد بين الأقل والأكثر فتجري البراءة عن التكليف بالترك الزائد المشكوك « نعم » الفرق بين المعدولة والسالبة هو ان في المعدولة يكون العدم المردد بين الأقل والأكثر من قيود عنوان المأمور به وهو كونه لا شارب الخمر ، وفي السالبة نفس عنوان المكلف به « ولكن » هذا المقدار لا يوجب فرقا بينهما في مرجعية البراءة ، ولذلك لم يلتزم أحد بالاحتياط في موارد تقييد المأمور به بشيء مردد بين الأقل

ص: 269

والأكثر ( ثم إن هذا كله ) في النواهي النفسية ( واما ) النواهي الغيرية فتجري فيها أيضا الشقوق المتصورة في النواهي النفسية ويكون المرجع فيها أيضا عند الشك في المصداق هي البراءة دون الاحتياط « نعم » قد يتصور الاحتياط فيما لو كان النهى عن الشيء منوطا بوجود صفة خاصة كما في النهي عن ايقاع الصلاة في غير المأكول في ظرف لبس الحيواني بناء على استفادة إناطة المانعية بوجود صفة الحيوانية في لباسه ، فإنه في ظرف العلم بحيوانية الملبوس مع الشك في مأكولية « أمكن » دعوى مرجعية الاشتغال بلحاظ ان في ظرف لبس الحيواني لا يتصور لمأكوليته افراد حتى يتصور فيه العدم الساري في ضمن الا افراد ليندرج في الأقل والأكثر الارتباطيين ، فمتى علم يكون الملبوس حيوانيا وشك في مأكوليته ، لابد من الاحتياط للعلم بتوجيه التكليف بالتقييد بعدم مأكولية ملبوسه ذلك فلابد من تركه لبسه في الصلاة تحصيلا للجزم بالفراغ ( ولكن الفرض ) بعيد جدا كما بيناه في محله ( فتلخص ) من جميع ما ذكرنا انه إذا كان التكليف تحريميا ففي جميع صور المسألة يكون المرجع عند الشك في الموضوع هي البراءة حتى في صورة تعلق النهي بصرف وجود الشيء ( وأما إذا كان التكليف وجوبيا فلابد من التفصيل بين تعلقه بصرف الوجود وتعلقه بالوجود الساري ( فعلى الأول ) يكون المرجع عند الشك في الموضوع الاحتياط ( الا إذا ) كان لمعروض التكليف الذي هو فعل المكلف تعلق بالموضوع الخارجي وكان التكليف منوطا أيضا بوجود ذلك الموضوع ، فإنه يكون المرجع فيه عند الشك هي البراءة ( واما على الثاني ) فالمرجع فيه عند الشك في الموضوع مطلقا هي البراءة ، من غير فرق بين شقوق المسألة وصورها لرجوع الشك المزبور بعد انحلال التكليف بمقتضى السراية إلى الحصص والافراد إلى الأقل والأكثر الراجع إلى الشك في أصل اقتضاء الخطاب تكليفا بالنسبة إلى المشكوك هذا ( ولكن الذي ) يظهر من جماعة بل قيل إنه المشهور في مسألة تردد الفائتة من الصلاة بين الأقل والأكثر هو خلاف ما ذكرنا ( حيث إن ) بنائهم في تلك المسألة على وجوب الاحتياط ولزوم القضاء إلى أن يعلم أو يظن بالفراغ مع أن ) المسألة من صغريات الأقل والأكثر الاستقلاليين ( فيشكل ) الفرق بين هذه المسألة وسائر موارد الأقل والأكثر الاستقلاليين كالدين المردد بين الأقل والأكثر ( حيث ) ان بنائهم في غير

ص: 270

فرض المسألة المزبورة على البراءة وعدم وجوب الاحتياط « ويظهر من الشيخ قده » ابتناء المسألة براءة واشتغالا على الخلاف في مسألة « ان القضاء » بتكليف جديد مغاير للتكليف الأول بان كان الامر بالصلاة في الوقت على نحو وحدة المطلوب وكان الامر بالقضاء في خارج الوقت من باب تداركه بعد فوته « أو انه بمقتضى » الامر الأول بحيث كان الامر بالقضاء كاشفا عن استمرار المطلوب بالامر الأول من حين دخول وقته إلى آخر زمان تمكن المكلف من الاتيان به ولو في خارج الوقت الراجع إلى كون الامر الأول على نحو تعدد المطلوب بان يكون الكلي المشترك بين ما في الوقت وخارجه مطلوبا وكون اتيانه في الوقت مطلوبا آخر ، فحاول تطبيق فتوى المشهور في وجوب الاحتياط على المبني الثاني ، نظرا إلى اقتضائه للاشتغال بالكلي المشترك بين ما في الوقت وخارجه ورجوع شكه إلى الشك في الخروج عن عهدة ما ثبت الاشتغال به « ولكن » فيه ان ما أفيد من التوجيه مع أنه غير تام لا ينتج وجوب الاحتياط الا بنحو الموجبة الجزئية « إذ للمسألة » فروض كثيرة لأن الشك في قضاء الفوائت وتردده بين الأقل والأكثر « تارة » يكون من جهة الشك في عدد السنين التي مضت من عمره كما لو علم بفوت فرائضه في تمام ما مضى من عمره اما لعدم الاتيان بها رأسا أو لاخلاله بما يوجب فسادها ولكنه لا يعلم مقدار ما مضى من عمره وانه ثلثين سنة أو أكثر « وأخرى » بعكس ذلك وهو ان يكون الشك في مقدار ما فات منه من جهة نسيانه أو نومه أو تساهله في الاتيان بالفريضة مع العلم بكمية عمره « وفى هذه الصورة » تارة يقطع أو يحتمل التفاته إلى الفائتة في كل يوم قبل مضي الوقت وأخرى لا يحتمل ذلك بل يكون التفاته إلى الفوت حادثا بعد مضى الوقت « وبعد ذلك » نقول ، اما الصورة الأولى وهي ما كان الشك في مقدار الفائتة ناشئا من جهة الشك في عدد السنين التي مضت من عمره « فلا اشكال » في جريان البراءة عن الأكثر لرجوع الشك فيه إلى الشك في أصل التكليف بالقضاء بالنسبة إلى المشكوك « من غير فرق » في ذلك بين القول بوحدة المطلوب في الامر الأول واحتياج القضاء إلى تكليف جديد ، وبين القول بتعدد المطلوب وكون القضاء باقتضاء الامر الأول « وذلك » على الأول ظاهر « واما على الثاني » فكذلك أيضا لعدم العلم بالاشتغال بالكلي المشترك بين ما في الوقت

ص: 271

وخارجه بأزيد من المقدار المعلوم ( وكذلك الامر ) في الصورة الأخيرة ، فان المرجع فيها أيضا هي البراءة عن الأكثر ولو على القول بان القضاء بالامر الأول لا بأمر جديد « فان مقتضى » الأصل الأولى حينئذ وان كان هو الاحتياط والاخذ بالأكثر « الا ان » مقتضى الأصل الثانوي وهي قاعدة حيلولة الوقت ، هي البراءة وعدم وجوب الاحتياط ( حيث ) ان مقتضى القاعدة المزبورة هو رفع الاشتغال الثابت بالتعبد بالفراغ عن عهدة التكليف ( واما ) الأصل الموضوعي وهو أصالة عدم الاتيان بالفريضة كل يوم في وقتها فهو أيضا غير جار مع جريان هذه القاعدة المضروبة في مورده نظرا إلى أخصيتها منه باختصاص موردها بالشك الحادث بعد الوقت ( واما الصورة الثانية ) وهي ما كان الشك حادثا في الوقت كل يوم وبقى الشك إلى أن خرج الوقت أو انه غفل عن شكه ولم يلتفت الا بعد مضى الوقت ، فمقتضى القاعدة في مثل هذا الفرض هو الاحتياط ووجوب القضاء إلى أن يعلم بالفراغ حتى القول بوحدة المطلوب وكون القضاء بتكليف جديد مغاير للتكليف بالأداء فضلا على القول بوحدة المطلوب ( والوجه ) في ذلك انما هو الأصل الموضوعي المزبور وهي أصالة عدم الاتيان بالفريضة في وقتها ( فان ) مقتضى الأصل المزبور حينئذ بعد عدم جريان قاعدة حيلولة الوقت في الفرض لاختصاص جريانها بمورد الشك الحادث بعد الوقت ، انما هو الاخذ بالأكثر ووجوب القضاء إلى أن يعلم بالفراغ ( واما توهم ) عدم اقتضاء الأصل المزبور لاثبات وجوب القضاء بلحاظ ترتبه على عنوان الفوت غير المحرز بالأصل المزبور الا على المثبت ( فمدفوع ) بمنع كون القضاء مترتبا على عنوان الفوت ( بل هو ) على ما يستفاد من مجموع الأدلة مترتب على ما يعم ذلك وهو الترك وعدم الاتيان بالفريضة المأمور بها على وجهها بما اعتبر فيها من الاجزاء والشرائط ( وحينئذ ) لا قصور في جريان هذا الأصل لاثبات وجوب القضاء كما هو ظاهر ، وحينئذ فعلى كل تقدير لا يتم ما افاده من التوجيه المزبور لكلام المشهور ، لما عرفت من أن في جميع هذه الصور لا فرق بين القول بان القضاء بأمر جديد والقول يكونه مقتضى الامر الأول ( وقد أفيد ) في تطبيق فتوى المشهور على القاعدة بوجه آخر ، وحاصله انه يعتبر في جريان البراءة بل الأصول العملية مطلقا ان يكون الشك الذي اخذ موضوعا فيها بدويا غير مسبوق بالعلم ،

ص: 272

والا فمع سبقه بالعلم ولو انا ما لا يبقى مجال لجريان البراءة في المشتبهة ( لان بسبق ) العلم ولو آنا ما يتنجز التكليف عليه فلا يكون العقاب معه عقابا بلا بيان ، بل ومع احتمال سبق العلم بحكم الشبهة وتنجزه عليه أيضا ، إذ لا قطع بالمؤمن حينئذ حيث لا تجري الأصول العملية مطلقا عقلية كانت أو شرعية ( اما الأولى ) فلعدم استقلال العقل حينئذ بقبح العقاب ( واما الثانية ) فلانه مع احتمال سبق العلم يحتمل حصول الغاية فيها فيكون التمسك بها من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ( وعلى ذلك ) فحيث ان الغالب هو حصول العلم بالفائتة عند فوات كل فريضة تكون فتوى المشهور لا محالة في محلها ( لأنه ) بالنسبة إلى الزائد المشكوك كما يحتمل فوته كذلك يحتمل تعلق العلم بفوته على تقدير فوته واقعا ومع احتمال سبق العلم لا تجرى فيه البراءة ولا قاعدة حيلولة الوقت فلابد من الاحتياط ووجوب القضاء إلى أن يعلم بالفراغ ( أقول ) وفيه ما لا يخفى ، فإنه ليس مجرد حدوث العلم في آن علة لتنجيز معلومه إلى الأبد حتى مع زواله لان ذلك مما يأبى عنه العقل ، وانما يكون تأثيره في كل آن مقصورا بحال وجوده في ذاك الآن ( وحينئذ ) فبعد طرو الشك تجرى لا محالة أدلة البراءة عقليها ونقليها حيث لا مانع عنها في الحالة الفعلية ( ولأجل ذلك ) التزم أخيرا بجريان البراءة العقلية والشرعية حيث جعل المدار في التنجيز على البيان في الحالة الفعلية ، ولكنه خص الحكم بالبرائة بفرض احتمال حصول العلم سابقا ويا ليته يلتزم بها حتى في فرض الجزم يسبق العلم مع زواله في الحالة الفعلية ، إذ بعد ما لا يكون العلم السابق الا منجزا في حال وجوده لا يفرق في الحالة الفعلية بين الفرضين وحينئذ لا يمكن تطبيق فتوى المشهور من هذه الجهة على القاعدة ( وحينئذ ) فالأولى هو حمل كلامهم على الفرض الأخير الذي فرضناه ، فإنه عليه تكون فتواهم بوجوب الاخذ بالأكثر وعدم جريان البراءة في المشكوك في محلها حتى على القول بمغايرة التكليف بالقضاء مع التكليف الأول وانهما من باب الأمر بالشيء والامر بتداركه بعد فوته ، كما أنه عليه يكون منعهم عن جريان قاعدة حيلولة الوقت في محله أيضا بلحاظ اختصاصها بمورد الشك الحادث بعد الوقت.

( الامر الثاني ) لا اشكال في رجحان الاحتياط وجريانه في التوصليات حتى فيما كان الدوران بين الوجوب والكراهة حيث أمكن الاحتياط فيها باتيانها برجاء

ص: 273

المطلوبية ويترتب عليه المثوبة أيضا لكونه مرددا بين الطاعة والانقياد ( كما لا اشكال ) أيضا في جريانه في العبادات فيما لو كان الدوران بين الوجوب والاستحباب ولو على القول باعتبار القربة الجزمية في العبادة ، فإنه بعد الجزم بتعلق الامر الشرعي بالعمل يمكن الاحتياط فيها باتيانها بداعي الامر الجزمي المتعلق به ( واما لو كان ) الدوران بين الوجوب وغير الاستحباب ، ففي جريان الاحتياط فيها اشكال ينشأ من اعتبار الجزم بالامر الشرعي تفصيلا أو اجمالا في تحقق القرب المعتبر في العبادة ( فإنه ) قد يقوى العدم نظرا إلى أن الاحتياط عبارة عن الاتيان بالعمل المحرز للواقع وهذا بعد اعتبار القربة الجزمية في العبادة مما لا سبيل إليه لانتفاء الجزم بالامر الشرعي وعدم العلم به تفصيلا ولا اجمالا ( وفي ذلك ) لا يفرق بين كون القربة مأخوذة شطرا أو شرطا في العبادة ، وبين خروجها عنها وكونها مأخوذة عقلا في الغرض منها ، فإنه على كل تقدير يستحيل جريان الاحتياط فيها لاستحالة تحقق القربة الجزمية مع الشك في الامر ( ولكن الأقوى هو الجريان لمنع اعتبار القربة الجزمية في عباديته مطلقا وكفاية مجرد احتمال المطلوبية في ذلك فيما لا يعلم مطلوبيته ويترتب عليه المثوبة أيضا كما في التوصليات حيث يستقل العقل بالمثوبة على الاتيان بما يحتمل الوجوب بداعي احتمال وجوبه من جهة كونه إطاعة وانقيادا لأمر الشارع كاستقلاله بذلك في الاتيان بالواجب بداعي وجوبه الجزمي ( إذ لا فرق ) بين التعبدي والتوصلي من هذه الجهة ، وانما الفرق بينهما من جهة حصول الغرض في التوصليات باتيانها كيفما اتفق بخلاف التعبديات فان حصول الغرض وسقوط الامر فيها يتوقف على اتيانها عن داعي قربى اللّهى ( نعم ) لو قلنا بعدم كفاية القربة الرجائية في عباديته واحتياج العبادة إلى ضم القربة الجزمية لاشكل جدا جريان الاحتياط في العبادة ( ولا تجديه ) دعوى كفاية الاتيان بذات العمل بداعي حسنه العقلي في المقربية ( لاستحالة كون ) مثل هذا الحسن العقلي المترتب على عنوان الاحتياط من مبادئ ثبوته وتحققه ( وبالجملة ) نقول ان العمل الصادر بعنوان الإطاعة والانقياد على ما أسلفناه في مبحث التجري وان كان متصفا بالحسن الجزمي العقلي ولكن المتصف بهذا الحسن بعد أن كان هي الذات الملحوظة في المرتبة المتأخرة عن الإرادة ( فلابد ) في ترتب هذا الحسن العقلي من الجزم بحسن الذات

ص: 274

في المرتبة السابقة على الطاعة المحرك إليها كي به يتحقق عنوان الموضوع وهي الطاعة في العبادة فيترتب عليه هذا الحسن العقلي ( والا ) فمع عدم الجزم بذلك حسب الفرض لا يتحقق عنوان الموضوع وهي الطاعة كي يصير حسنا بذلك الحسن العقلي المردد بين الإطاعة والانقياد ( وبذلك ) يظهر فساد القول بان الاحتياط في العبادة انما هو الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدى نية القربة وان قربيته يتحقق باتيانه بداعي حسنه العقلي الجزمي ( وذلك ) لما عرفت من أن موضوع هذا الحسن انما هو عنوان الإطاعة والانقياد ، ولا يكون الفعل بنفسه إطاعة ولا انقيادا ليكون حسنا بالحسن العقلي ( كما أنه ) يظهر به فساد دعوى الاكتفاء في التقرب بما يحتمل عباديته باتيانه بداعي الأوامر المتعلقة بالاحتياط ( فإنه مضافا ) إلى عدم صلاحية مثل هذه الأوامر للمقربية لكونها ارشادية محضه ( ان الكلام ) انما هو في موضوع الاحتياط الذي يتوقف عليه هذه الأوامر ( نعم ) انما يتم ذلك بناء على جعل الموضوع في تلك الأوامر عبارة عن مجرد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدى نية القربة ، فإنه بضميمة استفادة الاستحباب النفسي من الأوامر المتعلقة بعنوان الاحتياط ( أمكن ) تصحيح الاحتياط في العبادات ، حيث يأتي المكلف بذات العبادة المحتملة مستجمعة لجميع ما يعتبر في العبادة شرطا وشطرا ويقصد التقرب بها بإطاعة هذه الأوامر بناء على كفاية مطلق الامر المتعلق بالشيء في المقربية ( وكذلك ) الامر بناء على جعل الاحتياط منتزعا عن الفعل بعنوان كونه مشكوك الحكم ومحتمل المطابقة للواقع بهذا العنوان الثانوي بحيث كان احتمال الوجوب قيدا للمأمور به فإنه على هذا المعنى أيضا يندفع الاشكال المزبور ( ولكنهما ) كما ترى ، اما الأول فمضافا إلى كونه التزاما بالاشكال لوضوح عدم كونه احتياطا حقيقة ، انه لا دليل يساعد عليه بعد ظهور الأخبار الآمرة بموضوع الاحتياط في معناه الحقيقي غير المتحقق في العبادات ( ومنه ) يظهر الكلام في الثاني أيضا ، فإنه مضافا إلى أن الظاهر من عنوان الاحتياط هو العمل المأتي بداعي الاحتمال لا صرف اتيان مشكوك الوجوب بما هو كذلك ( انه ) خارج عن موضوع حكم العقل بالحسن لعدم كون فعل ما شك في وجوبه بهذا العنوان مع قطع النظر عن نشوه عن دعوة احتمال الوجوب محكوما عقلا بالحسن

ص: 275

والرجحان ، فلو ثبت حسنه حينئذ بهذا العنوان لكان عبادة مستقلة غير مرتبطة بالاحتياط في العبادة الذي هو موضوع حكم العقل بالحسن كما هو ظاهر ( ولكن الذي ) يسهل الخطب هو كفاية مجرد احتمال المطلوبية فيما لا يعلم مطلوبيته ولو اجمالا في تحقق القرب المعتبر في العبادة ( وعليه ) فلا موقع للاشكال في جريان الاحتياط في العبادات لبداهة التمكن من الاتيان بما احتمل وجوبه بداعي احتمال مطلوبيته لدى المولى كما هو ظاهر ( نعم ) على ذلك لا يجوز الافتاء باستحباب العمل الذي يحتمل وجوبه بل لابد من تقييد اتيانه بكونه برجاء المطلوبية ، وعليه فيشكل الامر فيما حكى عن المشهور من الفتوى باستحباب العمل الذي يحتمل وجوبه من غير تقييد اتيانه بكونه بداعي احتمال المطلوبية.

( ثم انه لو كان ) منشأ احتمال الوجوب قيام خبر ضعيف عليه فقد يقال بعدم الاحتياج حينئذ في الافتاء بالاستحباب إلى أوامر الاحتياط وكلفة اثبات كونها للاستحباب المولوي لا الارشاد العقلي لورود الأخبار الكثيرة الامرة بفعل كل ما بلغ فيه الثواب بخبر ضعيف ، حيث إن المستفاد منها هو استحباب ما بلغ فيه الثواب ( وحيث انجر الكلام إلى ذلك فلا بأس بالتعرض لذكر الأخبار الواردة في الباب وبيان ما يستفاد منها من الوجوه المحتملة فيها ( فنقول ) ان الأخبار الواردة في الباب كثيرة ( منها ) صحيحة هشام بن سالم المحكية عن المحاسن عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال من بلغه عن النبي صلی اللّه علیه و آله شيء من الثواب فعمله كان اجر ذلك له وان كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لم يقله ( ومنها ) المروى عن صفوان عن الصادق (عليه السلام) قال ، من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير فعمل به كان له اجر ذلك وان كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لم يقله ( ومنها ) خبر محمد بن مروان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال من بلغه عن النبي صلی اللّه علیه و آله شيء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبي صلی اللّه علیه و آله كان له ذلك الثواب وان كان النبي صلی اللّه علیه و آله لم يقله ( ومنها ) خبره الاخر قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول من بلغه ثواب من اللّه تعالى على عمل ففعله التماس ذلك الثواب أوتيه وان لم يكن الحديث كما بلغه « ومنها » ما رواه الصدوق عن محمد بن يعقوب بطرقه إلى الأئمة ، من بلغه شيء من الخبر فعمل به كان له من الثواب ما بلغه وان لم يكن الامر كما نقل إليه ( ومنها ) ما في

ص: 276

الاقبال عن الصادق (عليه السلام) قال من بلغه شيء من الخير فعمل به كان له ذلك وان لم يكن الامر كما بلغه إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المستفيضة المتقاربة بحسب المضمون ( ولا اشكال ) فيها من جهة السند بعد استفاضتها وكون بعضها من الصحاح وعمل المشهور بها والفتوى على طبقها ( وانما الاشكال ) في دلالتها على الاستحباب حيث إن الوجوه المحتملة فيها كثيرة ( أحدها ) ان يكون مفادها الاستحباب وذلك بجعل عنوان البلوغ قيدا للموضوع بان يكون العمل البالغ عليه الثواب بهذا العنوان فيه المصلحة اقتضت استحبابه نظير عنوان ما أخبر به العادل على الموضوعية « فكان » المستفاد من قوله (عليه السلام) فعمله أو ففعله هو الامر بالفعل اما لكون الجملة الخبرية بمعنى بالانشاء والطلب كما قيل ، أو لدلالتها عليه بالملازمة أو غير ذلك من الوجوه المذكورة في وجه استفادة الطلب من أمثال هذه الجمل الواردة في مقام تشريع الاحكام كقوله من سرح لحيته فله كذا وقوله تسجد سجدتي السهو وتعيد الصلاة « ثانيها » ان تكون الجملة الخبرية أيضا بمعنى الانشاء ولكن مفادها هو الحكم المولوي الطريقي لا النفسي الراجع إلى تيمم كشف قول المبلغ وحجية اخبار الضعاف في الحكم الاستحبابي نظير الأوامر الدالة على حجية خبر الواحد ، فتكون هذه الأخبار حينئذ مخصصه لما دل على اعتبار الوثاقة والعدالة وانها انما تعتبر في الخبر القائم على الحكم الإلزامي « واما » في الخبر القائم على الحكم الاستحبابي فلا يعتبر فيه ذلك « ثالثها » ان تكون ارشادا إلى حكم العقل بحسن الانقياد في مورد بلوغ الثواب واحتمال المطلوبية كما يقتضيه ظهور قوله (عليه السلام) طلب قول النبي والتماس الثواب بل وقوله (عليه السلام) فعمله الظاهر في تفريع العمل على البلوغ الذي هو كناية عن احتمال المطلوبية « رابعها » ان يكون مفادها مجرد الاخبار عن فضل اللّه سبحانه وانه إذا عمل العامل عملا بلغه ثواب عليه اعطاء اللّه سبحانه بفضله ذلك الثواب الذي بلغه وان لم يكن الامر في الواقع كما بلغه ، من غير أن تكون هذه الأخبار بصدد بيان حال العمل قبل صدوره من العامل وانه مستحب أو راجح « وبالجملة » تكون هذه الأخبار ناظرة إلى العمل فارغا عن وقوعه من العامل لا ناظرة إليه قبل صدوره منه « وعليه » فيمكن ان يعتبر في الخبر القائم على الحكم الاستحبابي ما يعتبر في الخبر القائم على الحكم الإلزامي من

ص: 277

العدالة والوثاقة والضبط في الراوي حيث لا اطلاق لها من هذه الجهة حتى يؤخذ به لعدم اعتبار شرائط الحجية في قول المبلغ « ولكن » الوجه الأخير منها بعيد عن ظاهر تلك الأخبار فان الظاهر المتبادر منها هو كونها مسوقة لبيان حال العمل قبل صدوره من العامل والحث والترغيب نحوه بالايجاد اما بنحو المولوية النفسية أو الطريقية أو على نحو الارشاد إلى حكم العقل بحسن الطاعة والانقياد « لا لبيان » العمل بعد وقوعه من حيث تفضله سبحانه باعطاء الثواب الموعود للعامل ولو مع عدم مصادفة قول المبلغ للواقع حتى يقال بامكان اعتبار شرائط الحجية من العدالة والوثاقة وغيرهما في صحة الاخذ بقول المبلغ ولو بدعوى ان العامل لا يعتمد في عمله على قول المبلغ الا إذا كان فيه شرائط الحجية « فان ذلك » كله مخالف لما يقتضيه ظاهر هذه النصوص من كونها مسوقة للترغيب إلى العمل وما هو الظاهر من بلوغ الثواب من كونه كتابة عن ثبوت مقتضيه خصوصا المتضمنة منها لذكر الاجر الظاهر في الاستحقاق لا التفصل ، مع أنه لا ينحصر وجه صدور العمل عن العامل في كونه عن اعتماد على قول المبلغ ، فإنه كما أن الخبر الصحيح يكون داعيا على العمل ، كذلك قد يكون الداعي عليه هو الاحتمال ورجاء الوصول إلى الواقع خصوصا في الاحكام غير الالتزامية « ومعه » لا يبقى مجال حمل تلك النصوص على صورة كون خبر المبلغ واجدا لشرائط الحجية « فلابد » حينئذ اما من حمل تلك النصوص على الاستحباب النفسي المولوي أو الاستحباب الطريقي الراجع إلى حجية الخبر الضعيف في الحكم الاستحبابي كما يقتضيه ظاهر عناوين الكلمات من التعبير بالسامح في أدلة السنن « أو حملها » على بيان الارشاد إلى حكم العقل بحسن الاتيان بالعمل برجاء الواقع واحتمال المطلوبية وترتب المثوبة عليه بلا مولوية نفسية فيها ولا طريقية « لكن » استفادة الامر الطريقي منها في غاية البعد لاباء الاخبار عن استفادة ذلك بمقتضى قوله (عليه السلام) وان لم يكن الامر كما بلغه « نعم » على المختار من استحقاق المنقاد أيضا للثواب على العمل لا بأس بترتب الثواب على العمل بقول مطلق لكونه من الثواب المردد بين الإطاعة والانقياد « فيتردد الامر » حينئذ بين الحمل على الاستحباب النفسي المولوي « وبين » الحمل على الارشاد إلى ما يستقل به العقل من حسن الانقياد وترتب المثوبة عليه « ولا

ص: 278

ريب » في أن المتقين من الاخبار هو الثاني ، كما يشهد له قوله (عليه السلام) في تلك الأخبار فعمله أو ففعله بعد قوله من بلغه الظاهر في كون العمل متفرعا على البلوغ وكونه هو الداعي والباعث على الاتيان به ( بل ويشهد ) له تقييد العمل في بعض تلك الأخبار بطلب قول النبي صلی اللّه علیه و آله وفي البعض الاخر بالتماس ذلك الثواب ( فإنه ) ظاهر بل صريح في كون الامر به للارشاد ( مضافا ) إلى ما يلزم من الحمل على الاستحباب النفسي من رفع اليد عن ظهور الثواب المحتمل في الفعلية بحمله على الثواب الاقتضائي حذرا من لزوم اجتماع المثلين ( فلابد ) حينئذ من صرف تلك الأخبار لبيان الارشاد إلى ما يستقل به العقل من استحقاق العامل برجاء المطلوبية للثواب ولو مع عدم مصادفة الاحتمال للواقع ( وعليه ) فلا مجال لاستفادة الاستحباب المولوي النفسي أو الطريقي منها بمحض ظهور بعضها كصحيحة هشام بن سالم في ترتب الثواب على ذات العمل بعنوانه الأولى لا بعنوان كونه مأتيا بداعي احتمال الثواب ( بدعوى ) انه يستكشف من ترتب الثواب على ذات العمل عن كونه متعلقا لأمر شرعي مولوي وان الأجر والثواب انما هو بلحاظ كونه إطاعة لذلك الامر الشرعي المستكشف كما يستكشف ذلك من نحو قوله (عليه السلام) من سرح لحيته أو من صلى أو صام فله كذا ( إذ فيه ) انه كذلك لولا ظهور الاخبار في داعوية البلوغ لنفس العمل ( والا ) فيعد ظهورها بمقتضى التفريع في كونه ناشئا عن داعي البلوغ وعدم اطلاق للعمل يشمل حال عدم داعوية البلوغ ( فلا جرم ) ينطبق عليه عنوان الانقياد وبانطباقه عليه يستقل العقل فيه بالمثوبة ( وبعد ) ذا لا طريق لاستكشاف الامر الشرعي من ترتب الثواب على ذات العمل ( وبذلك ) يظهر وضوح الفرق بين مفاد هذه الأخبار ، ومفاد ما دل على أن من سرح لحيته فله كذا ( فان ) استكشاف الامر الشرعي هناك انما هو من جهة انحصار مناط المثوبة عليه بالإطاعة الحقيقة بلحاظ انتفاء البلوغ من الخارج وعدم احتمال رجحانه أيضا مع قطع النظر عما دل على ترتب المثوبة عليه ( بخلاف ) المقام المفروض ظهور الاخبار في داعوية البلوغ والاحتمال لنفس العمل ، فإنه ينطبق عليه عنوان الانقياد وبعد حكم العقل باستحقاق المثوبة عليه لا طريق لاستكشاف الامر الشرعي ( ومثل ) هذا الداعي وان لم يكن قيدا لموضوع الأجر والثواب ولا يوجب

ص: 279

وجها وعنوانا للعمل كما هو شأن كل جهة تعليلية ( ولكنه ) مانع عن اطلاقه بنحو يشمل حال عدم داعوية البلوغ بداهة اقتضاء كل علة ضيقا في ناحية معلوله على وجه يستحيل شمول اطلاقه لحال عدم علته ( ومعه ) لا ينتج ذلك شيئا في الكشف المزبور كما هو ظاهر ( نعم ) لو قلنا بعدم اقتضاء التجري والانقياد شيئا سوى الكشف عن سوء سريرة الفاعل وحسنها كما عليه الشيخ قده ، أو قلنا باقتضائهما لاستحقاق المثوبة والعقوبة لكن على صرف العزم على الطاعة والمعصية لا على العمل الصادر خارجا كما عليه صاحب الكفاية قده ( لاتجه ) ما أقيد من الكشف المزبور ، لانحصار مناطا المثوبة عليه حينئذ بالإطاعة الحقيقية التي لا تكون الا بتعلق الامر الشرعي به كما في قوله (عليه السلام) من سرح لحية فله كذا ( ولكنهما ) على ما بيناه في مبحث التجري خلاف التحقيق ( نعم ) على ذلك لا مجال للتفصيل في اخبار الباب ، بين المشتمل منها على التقييد بطلب قول النبي أو التماس الثواب الموعود ، وبين ما لا يشتمل على ذلك باستفادة الاستحباب النفسي من الثانية دون الأولى ( فإنه ) بناء على منع انطباق عنوان الانقياد على نفس العمل الصادر خارجا ( لابد ) من استكشاف الامر الشرعي في الطائفة الأولى أيضا من مجرد إضافة الأجر والثواب إلى العمل المعنون والمقيد ، نظرا إلى الجزم حينئذ بعدم ترتب الثواب الانقيادي على العمل وانحصار مناط المثوبة عليه بالإطاعة الحقيقية ( كما أنه ) على القول بانطباق عنوان التجري والانقياد على نفس العمل واقتضائهما لاستحقاق العقوبة والمثوبة عليه لابد من المصير في الطائفتين إلى الارشاد من جهة ما ذكرنا من استقلال العقل حينئذ بترتب المثوبة على العمل من جهة الانقياد ( وبما ذكرنا ) يظهر النظر فيما افاده الشيخ قده في المقام من أن ترتب الثواب الموعود على العمل في هذه الأخبار انما هو باعتبار الانقياد والإطاعة الحكمية وان ما ورد من الامر به انما كان لمحض الارشاد إلى حكم العقل كما في أوامر الاحتياط ( حيث ) تقول ان ما افاده في المقام وان كان صحيحا ، ولكنه مناف لما اختاره في مبحث التجري من عدم اقتضائه سوى الكشف عن سوء سريرة الفاعل ، فان لازمه هو انكار المثوبة في الانقياد أيضا لان التجري والانقياد كالإطاعة والعصيان توئمان يرتضعان من ثدي واحد ولا مجال للتفكيك بينهما

ص: 280

( وينبغي التنبيه على أمور ) الأول لا يخفى انه بناء على استفادة الاستحباب المولوي يختص هذا الحكم بمن قام عنده خبر ضعيف على الوجوب أو الاستحباب نظرا إلى موضوعية البلوغ في ترتب الحكم المزبور ( وحينئذ ) فللفقيه استنباط هذا الحكم القائم بموضوعه من الدليل والافتاء بمضمونه من استحباب العمل لمن بلغ إليه الثواب ( واما الافتاء ) باستحبابه حتى بالنسبة إلى من لم يبلغ إليه الثواب فليس له ذلك ، بداهة عدم شمول هذا الحكم ثبوتا لغير من صدق عليه عنوان البلوغ ( وعليه ) يشكل ما حكى عن المشهور من الفتوى باستحباب العمل مطلقا من غير تقييد بكونه لمن بلغ إليه الثواب ، حيث لا ينطبق على القواعد ( ولا تجدي ) في تصحيح ذلك أدلة نيابة المجتهد عن المقلد في استنباط حكمه ( لأنها ) انما تكون في فرض شمول الحكم المزبور ثبوتا لغير البالغ إليه الثواب ، لا في فرض اختصاصه بخصوص البالغ إليه الثواب « فان » في مثله لابد في الفتوى بالاستحباب اما من التقييد بعنوان البالغ إليه الثواب ، واما من الاخبار أولاً بان في المورد خبر ضعيف على وجوبه أو استحبابه ليتحقق بذلك البلوغ ثم الافتاء باستحباب الاتيان به « اللّهم » الا ان يحمل فتواهم بالاستحباب مطلقا عن فهمهم من البلوغ ما يعم البلوغ إلى المقلد نفسه ومن هو نائب عنه في الفحص عن الأدلة « هذا » بناء على استفادة الاستحباب النفسي من الروايات المتقدمة « واما بناء » على استفادة الحكم الطريقي منها الراجع إلى حجية الخبر الضعيف القائم على وجوب شيء واستحبابه بالنسبة إلى أصل الرجحان فلا محذور في الفتوى باستحباب العمل علي الاطلاق ( فإنه ) بقيام خبر ضعيف على وجوب شيء أو استحبابه يرى الفقيه ثبوت رجحانه في الواقع لجميع المكلفين فيفتى على طبق مضمونه من استحباب ذات العمل واقعا وان كان دليل اعتبار هذا الطريق مختصا بالمجتهد لكونه هو البالغ إليه الثواب « كما » ان له الفتوى أيضا بما هو مفاد تلك الأخبار من الحكم الأصولي بناء على عدم لزوم الفحص في مثله واختصاصه بالأحكام الكلية الالزامية « واما » بناء على استفاد الارشاد منها ، فالامر أشكل حيث لا مجال حينئذ للفتوى بالاستحباب مطلقا ولو مع التقييد بعنوان البالغ إليه الثواب ، كما لا يجوز للفقيه البناء على استحبابه في عمل نفسه ، بل اللازم هو الاتيان بالعمل برجاء المطلوبية كما أنه في مقام الفتوى لابد

ص: 281

أيضا من التقييد بهذا العنوان كقوله لا بأس بالعمل به رجاء فتدبر.

« الثاني » الظاهر عدم اختصاص هذا الحكم بناء على استفادة الاستحباب بما لو كان مفاد الخبر الضعيف ومؤداه هو الاستحباب بل يعم ما يكون مفاده الوجوب أيضا فإنه من جهة اشتماله على أصل الرجحان يصدق عليه بلوغ الثواب فتشمله الروايات « وهكذا » الامر بناء علي استفادة الامر الطريقي منها المنتج لحجية الخبر الضعيف غاية الامر انه يبعض في مضمونه فيؤخذ به من جهة دلالته على أصل الرجحان ويترك دلالته على المنع عن النقيض « واما » بناء على الارشاد فالامر أوضح « وهل » يلحق بالوجوب والاستحباب الحرمة والكراهة فتشملهما تلك الأخبار بلحاظ ما يترتب على تركهما من الثواب « وجهان » بل قولان أظهرهما العدم ، فان الظاهر بل المنصرف من تلك النصوص من قوله بلغه ثواب على عمل فعمله هو الاختصاص بالامر الوجودي غير الصادق على التروك في باب المحرمات والمكروهات ، بل وكذا قوله (عليه السلام) من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير لظهوره أيضا في الاختصاص بالامر الوجودي بلحاظ ما فيه من المصلحة المقتضية لمطلوبية « ومن » المعلوم ان مطلوبية الترك في المحرمات ليس من جهة قيام المصلحة بنفس الترك ، وانما كان ذلك باعتبار ما في الفعل من المفسدة الموجبة لمبغوضية الوجود وللزجر عن ايجاده ، ولذلك نقول ان حقيقة النهى عن الشيء سواء كان بنحو الالزام أو غيره عبارة عن الزجر عن الوجود باعتبار ما فيه من المفسدة ، قبال الامر بالشيء الذي هو عبارة عن البعث إلى الوجود باعتبار ما فيه من المصلحة ، من دون ان يكون في البين ما يقتضى مطلوبية الترك بوجه أصلا وان ما تعارف من تفسير النهي بطلب الترك قبال الامر الذي هو طلب الفعل انما هو باعتبار كونه من لوازم الزجر عن الوجود ، لا من جهة ان المطلوب في النهي حقيقة هو نفس الترك « وحينئذ » لا مجال لتوهم شمول الاخبار للمحرمات والمكروهات باعتبار ما في تركها من الأجر والثواب حتى يشكل في موارد قيام الخبر الضعيف على الكراهة قبال ما يقتضى الوجوب أو الاستحباب « فإنه » على ما ذكرنا لا يكون في ترك المحرمات مصلحة حتى يصدق عليه بلوغ الثواب ( نعم ) ربما يكون نفس الترك موردا للطلب والبعث لقيام المصلحة به كما في تروك

ص: 282

الصوم فيندرج بذلك في عموم اخبار من بلغ كما لو قام خبر ضعيف على استحباب ترك شيء أو وجوبه ( ولكنه ) خارج عن مفروض الكلام كما هو ظاهر ( ثم إن هذا كله ) بناء على استفادة الاستحباب النفسي أو الطريقي من الاخبار ( واما بناء ) على الارشاد والانقياد فيتعدى إلى المحرمات والمكروهات بلا كلام ، فان حسن الانقياد لا يختص بالواجبات والمستحبات بل يعمهما والمحرمات والمكروهات أيضا.

« الثالث » لا يخفى ان الظاهر من الاخبار بناء على الاستحباب النفسي أو الطريقي انما هو استحباب الشيء على النحو الذي دل عليه الخبر الضعيف من كونه نفسيا استقلاليا ، أو جزء واجبيا أو مستحبيا لأمر واجب أو مستحب ، أو شرطا كذلك « فلابد » حينئذ من ملاحظة الخبر القائم على الوجوب أو الاستحباب ، فإذا كان مفاده هو جزئية الامر الكذائي وجوبا أو استحبابا لأمر واجب أو مستحب ، أو شرطيته له ، فيحكم باستحبابه وصيرورته من الاجزاء المستحبة للمركب « ولازمه » جواز ترتيب ما لذلك المركب عليه من اللوازم والآثار الخاصة ، ومن ذلك غسل مسترسل اللحية في الوضوء « فإذا » قام خبر ضعيف على وجوب غسله أو استحبابه ، يحكم عليه بكونه من الاجزاء المستحبة فيترتب عليه جواز المسح ببلته كبلة بقية الاجزاء فلا يفرق في هذا الحكم بين بلة الحاجبين وبين بلة المسترسل من اللحية « نعم » لو كان مفاد الجزء الضعيف مجرد استحباب غسل المسترسل من اللحية نفسيا من دون ان يقتضى جزئيته أو كان مفاد تلك الأخبار اثبات الاستحباب النفسي لما بلغ عليه الثواب لا على النحو الذي دل عليه الخبر الضعيف « لاشكل » الاكتفاء ببلته في المسح ، لان المقدار الثابت من المسح بالبلة انما هو المسح ببلة الوضوء لا مطلقا « واما بناء على الارشاد » كما استفدناه فلا اشكال في عدم جواز المسح ببلته لما عرفت من لزوم كون المسح ببلة الوضوء ولم يثبت كونها بلته.

« الرابع » لا اشكال في أنه يعتبر في صدق البلوغ ظهور اللفظ في المعنى المراد والا فلا يصدق عنوان البلوغ « وعليه » فيعتبر في صدق البلوغ عدم اتصال الكلام بما يوجب سلب ظهوره من القرائن الحافة « نعم » على الانقياد

ص: 283

لا باس بذلك نظرا إلى عدم توقفه على صدق البلوغ وكفاية مجرد احتمال المطلوبية فيه ولو مع اجمال اللفظ وعدم ظهوره في المعنى المراد اما في نفسه أو من جهة اتصاله بما يوجب اجماله أو صرفه عماله من الظهور إلى غيره « نعم » لا اعتبار بقيام القرائن المفصلة على الخلاف ، لأنها على ما حقق في محله لا توجب انثلاما لظهور الكلام كالقرائن المتصلة ، وانما غاية افتضائها هو المنع عن حجيته خاصة مع بقاء أصل ظهوره على حاله ، فلو قام خبر ضعيف على وجوب اكرام العلماء أو استحبابه ، وقام خبر آخر على عدم استحباب اكرام النحويين منهم أو كراهته « فعلى » الاستحباب يجرى فيه التسامح ويحكم باستحباب اكرام الجميع نظرا إلى تحقق موضوعه وهو البلوغ بعد عدم انثلام ظهوره في العموم بواسطة ذاك الخاص المنفصل ، وكذلك الامر فيما لو كان هناك ما يعارضه بنحو التباين حيث يجري فيه التسامح لتحقق موضوعه الذي هو البلوغ « ولا ينافيه » عدم استحبابه أو كراهته بواسطة ما يعارضه من الخبر الدال على عدم استحبابه « لان » غاية ذلك هي عدم اقتضائه من هذه الجهة لان يكون مشمولا لعمومات الاخبار « لا ان » فيه اقتضاء العدم كي ينافي استحبابه من جهة بلوغ الثواب « هذا إذا » لم يكن الخبر الدال على عدم استحبابه معتبرا في نفسه « وأما إذا » كان معتبرا في نفسه « فقد » يقال بعدم جريان التسامح نظرا إلى اقتضاء دليل تتميم كشفه حينئذ بالغاء احتمال الخلاف للقطع التعبدي بعدم استحبابه « ويلزمه » ارتفاع البلوغ المأخوذ في تلك الأخبار فلا يبقى معه مجال للحكم باستحبابه « ولكنه » مدفوع بأنه لا تنافى بينهما حيث لا يردان النفي والاثبات فيهما على موضوع واحد ( بداهة ) ان ما تثبته اخبار التسامح انما هو استحباب العمل البالغ عليه الثواب بهذا العنوان أو استحباب ذات العمل لكونه بلغ عليه الثواب على الخلاف المتقدم في كون البلوغ قيدا لموضوع الثواب أو داعيا على العمل وهذا مما لا تنفيه ذلك الدليل المعتبر فان ما ينفيه انما هو استحبابه بعنوانه الأولى ، وحينئذ فبعد صدق بلوغ الثواب بالوجدان وعدم اقتضاء ذلك الدليل المعتبر للمنع عن ظهور ما دل على استحبابه « تشمله » تلك الأخبار لا محالة ، ولا يكاد انتهاء الامر إلى المعارضة بين دليل حجية تلك الامارة الدالة على عدم الاستحباب وبين تلك الأخبار المثبتة لاستحباب العمل الذي بلغ عليه الثواب

ص: 284

من غير فرق بين ان نقول في مفاد دليل حجية الامارة بكونه عبارة عن تتميم الكشف أو تنزيل المؤدى منزلة الواقع بجعل مضمونها حكما ظاهريا للمكلف فإنه على كل تقدير تجرى فيه أدلة التسامح وان كان جريانها على الثاني أوضح فتأمل « نعم » بناء على استفادة الحكم الطريقي ينتهى الامر في فرض المسألة إلى التعارض والتساقط « لان » مفاد اخبار من بلغ حينئذ هو حجية قول المبلغ وان ما أخبر به من استحباب العمل هو الواقع فيعارض ما دل على عدم استحبابه واقعا « هذا كله » بناء على استفادة الحكم المولوي النفسي أو الطريقي من اخبار من بلغ « واما على » ما اخترناه من استفادة الارشاد فلا اشكال في جريانه حتى في مورد قيام الامارة المعتبرة على الخلاف بل ومع عدم قيام خبر ضعيف أيضا على الثواب ، فإنه يكفي في الانقياد مجرد احتمال الثواب ورجاء المطلوبية في الواقع « ولذلك » ترى اطباقهم على حسن الاحتياط في موارد احتمال الوجوب أو الاستحباب ولو مع قيام الامارة المعتبرة على عدم الوجوب أو الاستحباب « بقى الكلام » فيما لو ورد خبران ضعيفان أحدهما على استحباب شيء والاخر على استحباب شيء آخر مع العلم الاجمالي بكذب أحد الخبرين في الواقع « فنقول » اما على الانقياد فلا اشكال ، فإنه يكفي في جريانه مجرد احتمال المطلوبية في كل منهما ولا يمنع عنه العلم الاجمالي المزبور « كما أنه كذلك » بناء على الاستحباب النفسي لما تقدم من أنه يكفي في شمول اخبار من بلغ مجرد كون الشيء مما بلغ عليه الثواب مع احتمال المطابقة للواقع ، فإذا قام على استحباب كل منهما خبر ضعيف واحتمل المطابقة للواقع أيضا في كل واحد منهما في نفسه مع قطع النظر عن الاخر فلا جرم تشمله اخبار التسامح ويستفاد منها استحباب كل بالخصوص بما لمنه بلغ عليه الثواب ولا يضربه العلم الاجمالي بعدم استحباب أحدهما في الواقع بعنوان ذاته وعدم وجود ملاك الرجحان فيه كذلك « واما بناء » على الحكم الطريقي الراجع إلى حجية اخبار الضعاف في المستحبات ، فحيث ان المدلول الالتزامي في كل من الخبرين بمقتضى العلم الاجمالي المزبور هو نفي الاستحباب الاخر « فان قلنا » بشمول اخبار من بلغ لكل واحد منهما بمالهما من المدلول المطابقي والالتزامي فلا جرم يتحقق بينهما المعارضة وينتهي الامر فيهما بعد التعارض إلى التساقط « واما ان »

ص: 285

قلنا باختصاص الحجية حينئذ من جهة دلالتهما على الثواب أعني مدلولهما المطابقي دون الالتزامي كما لعله هو الظاهر أيضا ( فلا مانع ) من الاخذ بهما معا ( حيث ) يكون هذين الخبرين كالأصلين المثبتين للتكليف الذين بينا في محله جريانهما في طرفي العلم الاجمالي.

( الخامس ) هل يلحق بالخبر الضعيف فتوى الفقيه بالوجوب والاستحباب فتشمله الاخبار ، فيه وجهان ، بل قولان ( ومحل الكلام ) في المقام هو ما لو كان الافتاء بالاستحباب بمثل قوله يستحب كذا مع احتمال استناده إلى رواية عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ( واما ) مع عدم احتمال ذلك بان علم استناد فتواه إلى بعض القواعد العقلية كتحسين العقل الاقدام على الاتيان بمقدمات الواجب مثلا فلا اشكال في عدم الالحاق خصوصا لو كان مستنده غير تام لدى مجتهد آخر ( وكذلك ) الامر فيما لو كان فتواه بمثل قوله رأيي أو ان المختار عندي هو استحباب امر كذائي ( فإنه ) وان صدق عليه البلوغ حينئذ بملاحظة كشف رأيه عنه الا ان عدم الالحاق انما هو من جهة انصراف اخبار البلوغ إلى البلوغ بلا واسطة ولو مع احتمال استناد فتواه إلى رواية عن الأئمة (عليهم السلام) ( وحينئذ نقول ) اما على الانقياد فلا اشكال لما عرفت من أنه يكتفي في جريانه مجرد احتمال الثواب ورجاء المطلوبية الواقعية وان لم يكن هناك خبر أصلا ( واما على الاستحباب النفسي المولوي أو الطريقي ففي التعدي إلى فتوى الفقيه ( اشكال ) خصوصا على الطريقية والحجية ( حيث ) ان الاستحباب خلاف الأصل والقدر المتيقن من تلك الأخبار هي صورة قيام الخبر على الاستحباب مضافا إلى دعوى انصراف اخبار بلوغ الثواب إلى الثواب البالغ من غير جهة الحدس فلا تشمل حينئذ لمثل فتوى الفقيه المستندة إلى حدسه باعمال اجتهاداته الظنية ( بقي الكلام ) فيما لو قام خبر ضعيف على استحباب شيء مع قيام الشهرة الفتوائية أيضا على طبقه فإنه بناء على استفادة الاستحباب النفسي أو الطريقي لا اشكال في جواز الافتاء باستحبابه ( واما بناء ) على استفادة الارشاد والانقياد ، فلا اشكال ، أيضا فيما لو علم استناد فتواهم بالاستحباب إلى ذلك الخبر حيث يجوز الافتاء بمضمونه بالاستحباب الواقعي نظرا إلى انجبار ضعفه حينئذ بتلك الشهرة ( واما لو لم ) يعلم منهم الاستناد إليه بان يحتمل استنادهم في ذلك إلى

ص: 286

أدلة التسامح ففيه اشكال نظرا إلى بقاء الخبر بعد على ضعفه بل لا يجوز ذلك من جهة كونه حينئذ من التشريع المحرم ، فلابد حينئذ من نفي الباس عن العمل به رجاء لادراك الواقع كما هو ظاهر.

« الامر الثالث » في أن أدلة البراءة هل تختص بما لو كان الشك في الوجوب التعييني بالأصل أو بالعرض كالواجب المخير المتعين لأجل الانحصار ، أو يعم الشك في الوجوب التخييري ( الظاهر ) هو الثاني لانتفاء ما يقتضى التخصيص بالوجوب التعييني بعد عموم أدلتها ( ودعوى ) ان الظاهر من أدلتها هو عدم تعين الشيء المجهول على المكلف بنحو يلتزم به ويعاقب على تركه وليس المشكوك المردد حكمه بين الوجوب التخييري والإباحة من هذا القبيل ( مدفوع ) بان ما يحتمل كونه من افراد الواجب المخير أيضا كان مما يعاقب على تركه ولو على تركه المقرون بترك الاخر المعبر عنه بالترك لا مع البدل فمن هذه الجهة تعمه أدلة البراءة ( واما توهم ) ان المنسبق من أدلتها هو الاختصاص بما لو كان المشكوك مما يحتمل العقوبة على تركه بقوله مطلق فتختص حينئذ بما لو كان الشك في الوجوب التعييني ( فمدفوع ) بان ذلك مجرد دعوى لا برهان عليها ولا شاهد لها ، بل لا يعتبر في جريانها أزيد من كون الشيء مما يحتمل فيه العقوبة ولو على بعض أنحاء تروكه وهو الترك في حال ترك العدل والبدل ( لان ) مثل هذه الجهة أيضا نحو ضيق على المكلف فترفعه أدلة البراءة عقليها ونقليها ، هذا ( ولكن ) الذي يقتضيه دقيق النظر هو التفصيل في المقام براءة واشتغالا بين شقوق المسألة ( حيث ) ان الشك في الشئ في وجوبه التخيير بتصور على وجوه ( الأولى ) الشك في كون الشيء واجبا تخييريا أو مباحا سواء احتمل وجوبه التعييني أيضا أم لا ( اما الثاني ) كالشك في أن الارتماس في نهار رمضان هل يقتضى وجوب إحدى الخصال تخييرا أو لا يقتضي شيئا « واما الأول » كالشك في أن المفطر الكذائي هل يقتضى الكفارة أو لا وعلى تقدير الاقتضاء فهل يقتضى كفارة معينة كالصوم مثلا أو يقتضى إحدى الخصال بحيث كان الصوم على تقدير وجوبه أحد افراد الواجب المخير « الثانية » الشك في كون الشيء واجبا تعيينيا أو تخييريا مع العلم بأصل وجوبه ، كما لو علم بتعلق التكليف بشيء بخصوصه كالعتق مثلا ( ولكنه ) يشك في شيء

ص: 287

آخر في أنه هل هو واجب وعدل لذلك حتى يكون ما علم وجوبه أحد فردي الواجب المخير ، أو انه ليس عدلا له حتى يكون ذاك واجبا تعيينيا ( الثالثة ) ما لو علم بتعلق التكليف بكل من العتق والصوم مثلا ولكنه يشك في كونهما واجبان تعيينيان أو تخييريان « الرابعة » ما لو علم بوجوب شيء بخصوصه كالقراءة في الصلاة وعلم أيضا بان الاخر مسقط له كالجماعة ، الا انه يشك في أن مسقطيته له لكونه عدلا له أو لكونه مستحبا أو مباحا مسقطا للواجب من جهة مفوتيته لملاكه أو غير ذلك فهذه صور الشكوك المتصورة في المسألة ( فنقول ) اما الصورة الأولى فلا ينبغي الاشكال في جريان البراءة فيها مطلقا عقلية وشرعية لرجوع الشك فيها إلى الشك في أصل تعلق التكليف بالنسبة إلى المشكوك ، بل ويمكن دعوى انصراف كلام الشيخ قده عن هذه الصورة في منعه عن جريان البراءة ( واما الصورة الثانية ) وهي ما لو علم بتعلق التكليف بشيء بخصوصه كالعتق مثلا وشك في كون شيء آخر عدلا له فقد يقال فيها أيضا بجريان البراءة عن التعيين لأنه كلفة زائدة توجب الضيق على المكلف فتنفي بأدلة البراءة عقليها ونقليها ( ولكن التحقيق ) فيها هو الاحتياط ( وذلك ) لان مرجع كون الشيء واجبا تعينييا انما هو إلى كونه مطلوبا بطلب تام تائم به بشرا شر وجوده الموجب بمقتضى النهي عن النقيض للمنع عن جميع أنحاء عدمه حتى العدم في حال وجود غيره ، في قبال الواجب التخييري الذي مرجعه إلى كونه متعلقا لطلب ناقص على نحو لا يقتضى الا المنع عن بعض أنحاء عدمه وهو العدم في حال عدم العدل ( فتمام ) الامتياز بين الواجب التعييني والواجب التخييري انما هو من هذه الجهة من حيث كون الطلب المتعلق بالشيء تارة على نحو يكون طاردا لجميع أنحاء عدمه ( وأخرى ) كونه على نحو لا يكون الا طاردا لبعض أنحاء عدمه ( لا ان ) الامتياز بينهما من جهة تقييد الطلب في الواجب التخييري بعدم الاتيان بالغير كما توهم ، ولا من جهة مجرد جعل العدل له في طي الخطاب وعدمه ( وكيف ) ويرد على الأول ان لازمه هو عدم تحقق الامتثال بالواجب التخييري عند الاتيان بهما معا وهو كما ترى لا يمكن الالتزام به ( وعلى الثاني ) بان جعل العدل وعدم جعله في طي الخطاب انما هو من لوازم نقص الطلب المتعلق بالشيء وتماميته من حيث اقتضائه تارة لطرد جميع اعدام الشيء

ص: 288

وأخرى لبعض اعدامه ( لا ان ) ذلك من مقومات تعيينية الطلب وتخييريته ( وعلى ذلك ) نقول ان مرجع الشك في كون الشيء واجبا تعيينيا أو تخييريا حينئذ إلى العلم الاجمالي ، اما بوجوب الاتيان بخصوص الذي علم بوجوبه في الجملة وحرمة تركه مطلقا حتى في ظرف الاتيان بما احتمل كونه عدلا له « واما » بحرمة ترك الاخر المحتمل كونه عدلا له في ظرف عدم الاتيان بذلك « ولازم » هذا العلم الاجمالي انما هو الاحتياط بتحصيل الفراغ اليقيني باتيان خصوص ما علم وجوبه في الجملة ، ووجوب الاتيان بما احتمل كونه عدلا له عند عدم التمكن من الاتيان بما علم وجوبه لاضطرار ونحوه « نعم » لو اغمض عن ذلك لا مجال للمنع عن جريان البراءة عن التعيين بما افاده بعض الأعاظم قده من أن صفة التعينية المشكوكة ليست من الأمور الوجودية المجعولة شرعا ولو بالتبع حتى يجري فيها حديث الرفع وانما كانت عبارة عن عدم جعل العدل فمهما تعلق التكليف بشيء ولم يجعل له عدل في طي الخطاب كان التكليف تعيينيا كما أنه مهما تعلق التكليف بشيء له عدل كان التكليف تخييريا فتعيينية التكليف حينئذ عبارة عن تعلق الإرادة المولوية بشيء ليس له عدل بلا فصل وجودي ( وعلى ذلك ) فلا تكون جهة تعيينية التكليف صفة وجودية للخطاب حتى تجرى فيها البراءة ، بل كان مقتضى الأصل بعد رجوع الطلب التخييري إلى تعلق التكليف بشيء يكون له البدل والعدل هو عدم جعل العدل ووجوبه المنتج لتعينية وجوبه نظرا إلى رجوع الشك في التعيينية والتخييرية إلى الشك في وجوب العدل وعدمه والأصل عدم وجوبه ( وفيه ) ما عرفت من أن صفة التعينية للطلب انما تنتزع عن كون الطلب المتعلق بالشيء حاويا لجميع حدود وجوده بنحو يقتضى طرد جميع أنحاء عدمه التي منها عدمه الذي في حال وجود غيره ، ويقابلها التخييرية حيث إنها كانت منتزعة عن قصور الطلب وعدم احتوائه الا لبعض حدود وجوده الملازم لخروج بعض أنحاء عدمه وهو العدم في حال وجود الاخر عن حير المنع وكونه تحت الترخيص ( نعم ) من لوازم هذا القسم من الطلب غير الحاوي للوجود على الاطلاق هو جعل البدل والعدل في حيز الخطاب لا انه مما به قوام حقيقته وكونه فصلا وجوديا له ( فالوجوبان ) حينئذ مختلفان سنخا لا انهما متحدان وكان الاختلاف من جهة وجوب العدل وعدمه ولقد أجاد

ص: 289

بعض المحققين في المقام فيما أفاد من التعبير عن الواجب التخييري بأنه طلب الفعل مع المنع عن بعض أنحاء تروكه ( فإذا كانت ) جهة التعيينية منتزعة عن سعة الطلب وشموله للوجود على الاطلاق وفي قبالها التخييرية الراجعة إلى قصور الطلب وعدم شموله لجميع حدود وجود الشيء ( فلا جرم ) يكون مرجعها إلى صفة وجودية للخطاب ( وفي مثله ) لو شك في التعيينية والتخييرية يكون مرجع الشك إلى جهة زائدة عما يقتضيه الخطاب التخييري فتجري فيها البراءة ثم إن ذلك ) كله أيضا بالنسبة إلى البراءة الشرعية ، واما البراءة العقلية فلا يحتاج في جريانها إلى اثبات ان التعينية صفة وجودية بل يكفي في جريانها مجرد كون المشكوك بخصوصه موجبا للعقوبة ( وبما ذكرنا ) ظهر النظر فيما افاده من الرجوع إلى أصالة عدم وجوب العدل فإنه انما ينتج ذلك لو كان العدل وعدمه مما به قوام حقيقة التعينية والتخييرية والا فبناء على ما ذكرنا من كونه من لوازم نقص الطلب وقصوره عن الشمول لجميع حدود وجود الشيء فلا ينتج مثل هذا الأصل الجاري في اللوازم لاثبات تعينية الطلب كما هو ظاهر ( وحينئذ ) فالعمدة في المنع عن جريان البراءة في المقام هو ما ذكرناه من العلم الاجمالي ( واما الصورة الثالثة ) وهو صورة العلم بوجوب الشيئين مع الشك في أنهما واجبان تعينيان أو تخييريان فلا يجري فيها العلم الاجمالي المزبور لاحتمال التعينية في كل منهما ( وبعد ) العلم التفصيلي بحرمة ترك كل منهما في حال ترك الاخر يرجع الشك المزبور إلى الشك في حرمة ترك كل واحد في حال وجود غيره فيجري البراءة فيهما لاندراجه في الأقل والأكثر الارتباطيين ( ولا مجال ) لاجراء قاعدة الشك في المسقط ، لان ذلك انما يكون في فرض ثبوت أصل الاشتغال بالتكليف وفي المقام كان الشك في أصل التكليف بالترك الخاص في كل منهما ومثله كما عرفت يكون مجرى للبرائة ( كما أنه ) لا مجال للتمسك باستصحاب وجوب كل منهما بعد الاتيان بالآخر ، لان الوجوب المردد بين الأقل والأكثر مما لا ينتج شيئا والوجوب الاخر من الأول كان مشكوكا ( واما الصورة الرابعة ) وهي ما لو علم بتعلق التكليف بشيء مع العلم بان الاخر مسقط للتكليف به ، ولكن يشك في أن ذلك من جهة كونه عدلا له وانه أحد فردي الواجب المخير أو انه من جهة كونه مفوتا لملاكه أو غير ذلك ( فالحكم فيها ) أيضا هي البراءة عن وجوب ما علم

ص: 290

كونه مسقطا ولو مع عدم التمكن من الاتيان بما علم تعلق التكليف به وتعذره عليه ( نظرا ) إلى الشك في أصل تعلق التكليف به ولو تخييرا ثم انه قد يقال ان الجماعة بالنسبة إلى الصلاة الفرادى من هذا القبيل وانه يتأتى فيها الاحتمالات المزبورة فيشك في وجوبيها حينئذ عند تعذر القراءة على المكلف ( ولكن ) التحقيق فيها انها طرف التخيير بالنسبة إلى الصلاة فرادى بما لها من العرض العريض الصادقة على الفرد الاختياري والاضطراري ان المكلف في كل حال مخير بين الصلاة فرادى وبين الصلاة جماعة لا انها طرف التخيير بالنسبة إلى الفرد الاختياري ولا كونها مستحبة مسقطة للوجوب عن الصلاة فرادي ، ولا كونها من حيث قرائة الامام منزلة قرائة المأموم ولو في ظرف اختيار الجماعة ( وعليه ) فلا تجب الجماعة عند تعذر القراءة ، بل المكلف مخير بين الفرادى بما يحسن من القراءة وبين الجماعة ( هذا كله ) فيما لو دار حكم الشيء بين الوجوب التخييري والإباحة ( واما لو دار الامر ) بين الوجوب الكفائي والإباحة ، فمقتضى الأصل فيه أيضا هي البراءة عن وجوبه حتى مع العلم بعدم اقدام الغير على الاتيان به نظرا إلى الشك في أصل توجه التكليف بالنسبة إليه ولو كفائيا فتجري فيه أدلة البراءة عقليها ونقليها ( سواء ) كان الشك في وجوبه عليه من جهة الشك في أصل توجه التكليف الكفائي بالنسبة إليه أم كان الشك في وجوبه عليه كفائيا مع العلم بوجوبه المردد بين العيني والكفائي على الغير ( فإنه ) على كل تقدير تجري البراءة عن وجوبه عليه ولو مع العلم بعدم اقدام الغير على الاتيان به فيجوز له ترك الاتيان بما احتمل وجوبه عليه كفائيا وان لم يجز ذلك بالنسبة إلى ذلك الغير ( وفي ) سقوط التكليف عن المتيقن توجه التكليف إليه باقدام هذا واتيانه بما احتمل وجوبه عليه كفائيا اشكال ( ودقيق النظر ) في ذلك يقتضى ملاحظة كيفية توجيه التكليف الكفائي ( وانه ) بنحو يكون تعلقه بجامع المكلفين بان يكون هناك غرض واحد يقتضي تكليفا واحدا متوجها إلى الجامع وكان كل فرد بما انه ينطبق عليه الجامع مكلفا بالايجاد نظير التكليف التخييري بين الافراد المندرجة تحت جامع واحد أو انه بنحو يكون متعلقا بكل واحد من آحاد المكلفين ولكن بوجوب ناقص كما هو التحقيق نظير ما ذكرناه في الواجب التخييري ( أو انه ) بنحو يكون متعلقا بكل واحد من آحاد المكلفين بحيث كان هناك تكاليف متعددة ناشئة عن اغراض

ص: 291

عديدة متعلقه بآحاد المكلفين بنحو يكون اقدام بعضهم على الاتيان موجبا لسقوط التكليف عن البقية اما بملاك المفوتية أو غيرها ( فعلى الأولين ) تجرى البراءة عن التكليف بالنسبة إليه بعد اتيان الغير به من جهة رجوع الشك فيه مع اتيان الغير به إلى الشك في أصل الاشتغال بالتكليف لا في الشك في السقوط كما توهم ( فان ) القدر المتيقن من اقتضاء الخطاب المزبور حينئذ انما هو حرمة تركه في ظرف عدم اتيان الغير بالفعل ، واما حرمة تركه على الاطلاق حتى في ظرف اتيان الغير بالعمل فمن الأول كانت مشكوكة لعدم العلم بكون التكليف المتوجه إليه تكليفا عينيا حتى تقتضي حرمة تركه على الاطلاق فكان الشك حينئذ في أصل الاشتغال بالترك الخاص ومثله كما عرفت يكون مجرى للبرائة ( واما على الأخير ) فلازمه المصير إلى الاشتغال ، من جهة رجوع الشك بعد العلم بأصل الاشتغال وقيام الغرض بالشيء إلى الشك في القدرة على الامتثال المحكوم عقلا بلزوم الاخذ بالاحتياط بالتعرض للامتثال وعدم الاعتناء بالشك في السقوط واحتمال العجز ( بل وتجري ) فيه أيضا استصحاب بقاء التكليف وعدم سقوطه عنه باقدام الغير فتدبر

خاتمه في دورانه الامر بين المحذورين

إذا دار حكم الشيء بين الوجوب والحرمة ، اما جهة فقدان النص ، أو اجماله ، أو تعارض النصين ، واما من جهة الاشتباه في الامر الخارجي ( فتارة ) يكون كل من الواجب والحرام المحتملين توصليا يسقط الغرض منه بمجرد الموافقة كيفما اتفق ( وأخرى ) يكون أحدهما أو كلاهما تعبديا يتوقف سقوط التكليف عنه إلى قصد الامتثال ( وعلى الأول ) تارة تكون الواقعة المبتلى بها واحدة كما في المرأة المردد وطيها في ساعة معينة بين الوجوب والحرمة لأجل الحلف المردد تعلقه بالفعل أو الترك ( وأخرى ) تكون متعددة كالمثال المزبور إذا كان الحلف المردد تعلقه بالفعل أو الترك في كل ليلة مثلا ( اما الصورة الأولى ) فلا شبهة في حكم العقل بالتخيير بينهما بمعنى عدم الحرج في الفعل والترك نظرا إلى اضطرار المكلف وعدم قدرته على مراعاة العلم الاجمالي بالاحتياط وعدم خلوه في الواقعة تكوينا من الفعل أو الترك ، فيسقط العلم الاجمالي حينئذ عن التأثير بعين اضطراره

ص: 292

الموجب لخروج المورد عن قابلية التأثر من قبله بداهة ان العلم الاجمالي انما يكون مؤثرا في التنجيز في ظرف قابلية المعلوم بالاجمال لان يكون داعيا وباعثا للمكلف نحوه وهو في المقام غير متصور حيث لا يكون التكليف المردد بين وجوب الشيء وحرمته صالحا للداعوية على فعل الشيء أو تركه ( وبذلك ) نقول انه لا يصلح المقام للحكم التخييري أيضا فان الحكم التخييري شرعيا كان كما في باب الخصال أو عقليا كما في المتزاحمين انما يكون في مورد يكون المكلف قادرا على المخالفة بترك كلا طرفي التخيير فكان الامر التخييري باعثا على الاتيان بأحدهما وعدم تركهما معا « لا في » مثل المقام الذي هو من التخيير بين النقيضين « فإنه » بعد عدم خلو المكلف تكوينا عن الفعل أو الترك لا مجال للامر التخييري بينهما واعمال المولوية فيه لكونه لغوا محضا ، نعم لا باس بجريان التخيير في باب تعارض الأدلة في المقام « فان » مرجع التخيير هناك انما هو إلى التخيير في الاخذ بأحد الدليلين بنحو ينتج الحكم التعيني في المأخوذ « ومثله » يتصور في المقام حيث أمكن الامر التخييري بالأخذ بأحد الاحتمالين بنحو يستتبع الحكم الظاهري التعيني بعد الاخذ ولا محذور فيه عقلا ولكنه يحتاج إلى قيام دليل عليه الخصوص فينحصر التخيير في المقام حينئذ بالعقلي المحض بمناط الاضطرار والتكوين بضميمة بطلان الترجيح بلا مرجح لا بمناط الحسن والقبح كما هو ظاهر « وبهذه » الجهة نقول انه لا مجال لجريان أدلة البراءة وأصالة الحلية والإباحة في المقام لاثبات الترخيص في الفعل والترك وذلك لا من جهة ما افاده الشيخ قده سره من انصراف أدلتها عن مثل الفرض « بل من جهة » اختصاص جريانها بما إذا لم يكن هناك ما يقتضى الترخيص في الفعل والترك بمناط آخر من اضطرار ونحوه غير مناط عدم البيان ، فمع فرض حصول الترخيص بحكم العقل بمناط الاضطرار والتكوين لا ينتهى الامر إلى الترخيص الظاهري بمناط عدم البيان « ولئن شئت » قلت إن الترخيص الظاهري بمناط عدم البيان انما هو في ظرف سقوط العلم الاجمالي عن التأثير ، والمسقط له حيثما كان هو حكم العقل بمناط الاضطرار فلا يبقى مجال لجريان أدلة البراءة العقلية والشرعية نظرا إلى حصول الترخيص حينئذ في الرتبة السابقة عن جريانها بحكم العقل بالتخيير بين الفعل والترك « نعم » لو اغمض عن ما ذكرنا لا مجال للمنع

ص: 293

عن جريان الأصول النافية والمرخصة كاستصحاب عدم الوجوب وعدم الحرمة وأصالة الحل والإباحة في كل من الفعل والترك بما أفيد من مناقصة مفاد أصالة الإباحة في المقام لنفس المعلوم بالاجمال « لان » مفادها انما هو الرخصة في كل من الفعل والترك وهو ينافي العلم بالالزام وان لم يكن منجزا فلا تجرى حينئذ لعدم انخفاظ مرتبة الحكم الظاهري فيها « وكذا » استصحاب عدم الوجوب والحرمة « حيث » ان التعبد بالبناء على عدم وجوب الفعل وعدم حرمته ينافي العلم بوجوب الفعل أو حرمته « إذ فيه » ما لا يخفى من منع المناقضة والمضادة بينهما « فان » قوام العلم وكذا الشك والظن في مقام عروضها بعد أن ان كان بنفس العناوين والصور الذهنية بما هي مرأت إلى الخارج بلا سرايتها منها إلى وجود المعنون خارجا ولا إلى العنوان المعروض لصفة أخرى بشهادة اجتماع اليقين والشك في وجود واحد بتوسيط العناوين الاجمالية والتفصيلية « فلا محالة » ما هو معروض للعلم الاجمالي انما هو عبارة عن عنوان أحد الامرين المبائن في عالم العنوانية مع العنوان التفصيلي لا خصوص الفعل ولا خصوص الترك إذ كل واحد من الفعل والترك بهذا العنوان التفصيلي لهما كان تحت الشك « وعليه » فبعد ان كان موضوع الحلية والإباحة التعبدية هو الشك في لزوم الفعل والترك بهذا العنوان التفصيلي « كان » الموضوع لهما متحققا بالوجدان حيث كان كل من الفعل والترك بعنوانه التفصيلي مشكوكا وان كان بعنوان أحدهما معلوم الالزام « وبعد » عدم اقتضاء أصالة الحل والإباحة بأزيد من الترخيص في عنوان الفعل والترك المشكوكين وعدم شموله للعنوان الاجمالي ، فلا قصور في جريانها في كل من الفعل والترك « إذ لا يكاد » يضاد هذا المعنى مع العلم الاجمالي بعنوان أحد الامرين ( نعم ) لو قلنا بان مفاد أصالة الإباحة هو عدم لزوم الفعل والترك مجتمعا لا عدم لزوم كل منهما منفردا ( اتجه ) المنع عن جريان أصالة الإباحة في المقام لمضادة لا وجوبهما مجتمعا مع العلم بجنس الالزام بينهما كمضادة احتمال عدم وجوبهما كذلك مع العلم الاجمالي بالالزام بينهما « ولكن ذلك » ممنوع بل مفادها انما هو عدم لزوم كل منهما منفردا بعنوانه التفصيلي المشكوك كما في سائر الأصول كالاستصحاب وحديث الرفع ، غير أن الفرق هو اقتضاء أصالة الإباحة للترخيص في طرفي العلم الاجمالي بتطبيق

ص: 294

واحد وفى سائر الأصول بتطبيقين تارة على الفعل وأخرى على الترك ، وهذا المقدار لا يوجب فرقا بينهما فيما هو الهم فتدبر ، وحينئذ فالعمدة في المنع عن جريان أدلة البراءة العقلية الشرعية في مفروض البحث هو ما ذكرناه من أن مع حكم العقل بالتخيير لا موقع لجريان أدلة البراءة لاثبات الترخيص الظاهري بمناط عدم البيان ( ثم إن ذلك كله ) عند تساوى المحتملين ملاكا بنظر العقل ( واما ) مع عدم تساويهما فلا حكم للعقل بالتخيير بينهما بل يحكم حينئذ بلزوم لاخذ بذى المزية منهما حيث إن مناط حكمه بالتخيير انما هو فقد المرجح لاحد المحتملين فمع وجوده لا حكم له بالتخيير ، وحينئذ ربما ينتهى الامر إلى جريان البراءة بالنسبة إلى ذي المزية منهما بل مطلقا ( نعم ) لا يكفي في ذلك الترجيح من حيث الاحتمال فلا يؤثر مجرد اقوائية احتمال الوجوب مثلا في تعيين الاخذ به ( كما لا يكفي ) نفس احتمال الحرمة في ترجيح جانبها على احتمال الوجوب ( وما قيل ) في الترجيح بذلك من أولية دفع المفسدة المحتملة من جلب المنفعة مدفوع بمنع الكلية وانه انما يكون ذلك تابع احراز الأهمية في المفسدة المحتملة ( وعليه ) ربما يكون الامر بالعكس فيجب تقديم المصلحة المحتملة بملاحظة ما فيها من شدة الاهتمام بما لا تكون في جانب المفسدة كما في الغريق المردد بين كونه نبيا أو كافرا مهدور الدم ( فتخلص ) انه في فرض تساوى المحتملين ملاكا لابد من المصير إلى التوقف والتخيير عقلا بمناط الاضطرار والتكوين ( لا البراءة ) والحكم بالإباحة ظاهرا ( ولا الاحتياط ) بمعنى تقديم جانب الحرمة المحتملة ( ثم إن ذلك كله ) مع وحدة الواقعة المبتلى بها ) ( واما مع ) تعددها فالحكم فيه أيضا التخيير عقلا كما في فرض وحدة الواقعة ( نعم ) انما الكلام في أن التخيير فيه بدوي فليس له ان يختار في الواقعة الثانية الا ما اختاره أولاً ( أو انه استمراري ) فيجوز له ان يختار خلاف ما اختاره في الواقعة الأولى وان لزم منه الوقوع في المخالفة القطعية ( وحيث ) ان استمرار التخيير يلازم القطع بكل من الموافقة والمخالفة بخلافه على بدوية التخيير حيث لا يلزم منه إلا احتمالهما ( فقد يقال ) بلزوم تقديم حرمة المخالفة القطعية على الموافقة القطعية بدعوى ان حكم العقل بمنجزية العلم الاجمالي بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية التدريجية لما كان على نحو التنجيز والعلية وبالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية على نحو الاقتضاء

ص: 295

القابل لمنع المانع عنه فلا جرم عند الدوران بين الطاعتين يقدم جانب العلية على الاقتضاء لصلاحيته للمانعية عن اقتضائه بالنسبة إلى الموافقة القطعية ونتيجته هو المنع عن استمرار التخيير الموجب للوقوع في المخالفة القطعية ( أقول ) وفيه ما لا يخفى فإنه مضافا إلى ما هو التحقيق من كون العلم الاجمالي بالنسبة إلى الموافقة القطعية أيضا كالمخالفة علة تامة ( ان البحث ) في الاقتضاء والعلية للعلم بالنسبة إلى الموافقة والمخالفة القطعية ، انما هو بالنسبة إلى الترخيصات الظاهرية الجارية بمناط عدم البيان بعد عدم قصور المعلوم بالاجمال في نفسه للتنجز من قبل العلم ( حيث ) ان هم القائل بالاقتضاء انما هو اثبات قابلية العلم الاجمالي للترخيص الشرعي على خلافه في جميع الأطراف أو بعضها ( كما أن ) هم القائل بالعلية اثبات عدم قابليته لذلك وانه كالعلم التفصيلي في المثبتية للتكليف والمنجزية بنحو يمنع عن الترخيص على خلافه ولو في بعض الأطراف ( لا بالنسبة ) إلى الترخيص بمناط الاضطرار وكبرى لا يطاق « إذ لم يلتزم أحد بمنجزية العلم التفصيلي في هذه المرحلة فضلا عن العلم الاجمالي وذلك لا من جهة قصور في نفس العلم والكاشف ، بل من جهة القصور في المعلوم والمنكشف وعدم قابليته مع الاضطرار في مورده للبلوغ إلى مرتبة الفعلية فضلا عن التنجز حتى في مورد العلم التفصيلي الذي لا شبهة في عليته لوجوب الموافقة القطعية ( وعليه ) نقول ان عدم الجمع بين تحصيل الموافقة القطعية وبين الفرار عن المخالفة القطعية بعد أن كان بمناط الاضطرار من جهة ملازمة تحصيل الموافقة القطعية للوقوع في المخالفة القطعية بمقتضى الاضطرار والتكوين ، وبالعكس حيث يلازم ترك المخالفة القطعية لعدم القدرة على تحصيل الموافقة القطعية ( فلا جرم ) يدور الامر بمقتضى الاضطرار والتكوين بين رفع اليد اما عن حرمة المخالفة واما عن وجوب الموافقة ( وبعد ) عدم الترجيح في هذا المقام لاحد الامرين ينتهي الامر إلى التخيير بينهما ونتيجته هو التخيير الاستمراري ( هذا كله ) فيما لو كان كل من الواجب والحرام توصليا ( واما لو كانا ) أو أحدهما تعبديا يحتاج في سقوط التكليف عنه إلى قصد الامتثال كما يتصور ذلك فيما تراه المرأة المضطربة وقتا وعددا من الدم المردد بين كونه حيضا أو استحاضة الموجب لتردد صلوتها بين الوجوب والحرمة بناء على حرمتها على

ص: 296

الحائض ذاتا ( ففي مثله ) وان لم يتمكن المكلف من تحصيل القطع بالموافقة كما في التوصليين ، ولكن بعد التمكن من المخالفة القطعية ولو باتيان الصلاة لا بقصد الامتثال يكون العلم الاجمالي مؤثرا بالنسبة إليها فيدخل في مسألة الاضطرار إلى أحد أطراف العلم الاجمالي لا على التعيين في الشبهة المحصورة ( وبناء ) على المختار في تلك المسألة من لزوم مراعاة العلم الاجمالي بقدر الامكان وعدم جواز الغائه رأسا ( لابد ) في المقام ، اما من ترك الصلاة رأسا ، واما من الاتيان بها عن قصد قربى ولا يجوز ترك كلا الامرين رأسا ( نعم ) على مختار صاحب الكفاية في مسألة الاضطرار المزبور لا باس بالغاء العلم الاجمالي والاقتحام في مخالفة كلا الامرين ( ولكن ) من العجب التزامه قده سره في المقام بوجوب رعاية العلم الاجمالي بقدر الامكان وعدم جواز المخالفة القطعية على خلاف مختاره في تلك المسألة من عدم منجزية العلم الاجمالي مع الاضطرار إلى بعض الأطراف ولولا على التعيين المستلزم لجواز المخالفة القطعية ولذلك التزم في مبحث الانسداد باستكشاف ايجاب الاحتياط من الخارج بحيث لولاه لما كان لمنجزية العلم الاجمالي مجال مع ترخيص العقل في الاقتحام في بعض الأطراف من جهة العسر المخل بالنظام فتدبر هذا تمام الكلام في الموضع الأول.

الموضع الثاني

في الشك في المكلف به مع العلم بالتكليف من التحريم أو الايجاب وفيه مبحثان ( الأول ) في الشبهة التحريمية وفيه المسائل الأربع المتقدمة وحيث إن الحكم متحد في الجميع نقتصر على البحث عن الشبهة الموضوعية لاشتهار عنوانها في كلمات الأصحاب وعموم البلوى بها فنقول وعليه التكلان ان الكلام يقع فيها من جهات « تارة » في أصل منجزية العلم الاجمالي قبال من يدعى قصوره عن ذلك وانه كالشك البدوي كما هو المحكى عن بعض ( وأخرى ) في أنه على فرض منجزيته هل يكون ذلك على نحو الاقتضاء القابل لمنع المانع عنه حتى بالنسبة إلى المخالفة القطعية المستتبع لجريان الأصول النافية في جميع الأطراف أو انه يكون على نحو العلية ينحو يمنع عن مجيء الترخيص على خلافه مطلقا أو

ص: 297

بالنسبة إلى خصوص حرمة المخالفة القطعية وتنقيح الكلام فيها يستدعي بيان أمور.

( الأول ) لا يخفى ان البحث في قابلية أطراف العلم الاجمالي لمجئ الترخيص على خلافه في المقام ليس في تمامية الحكم الواقعي في الفعلية وعدمه وانه بأي مرتبة من الفعلية يكون قابلا للترخيص على الخلاف وباي مرتبة لا يكون قابلا لذلك بل البحث انما هو في قصور العلم الاجمالي في المنجزية وعدمه وفى كيفية طريقيته من حيث قابليته للارتفاع بالترخيص وعدمه بعد الفراغ عن تمامية التكليف الثابت في مورده في الفعلية بمقتضى ظهور الخطابات وعدم قصوره في التنجيز على المكلف في ظرف قيام الطريق التنجيزي إليه عقليا أو نقليا كيف ومحل البحث في المقام انما هو صورة تعلق العلم الاجمالي بما هو مفاد الخطابات الواقعية ، ولا اشكال في ظهور الخطابات الواقعية في فعليه التكاليف المتعلقة بذوات الأشياء على وجه تتصف بالباعثية أو الزاجرية الفعلية في ظرف وصولها إلى المكلف بقيام طريق تنجيزي إليها كما لا ينبغي الاشكال في أن هذا المقدار من الفعلية التي يقتضيها ظهور الخطابات مما لا ينافيه الترخيص على الخلاف في ظرف الجهل بالواقع ، نعم الذي ينافيه الترخيص انما هو الفعلية على الاطلاق الناشئ عن إرادة حفظ المرام حتى في مرتبة الجهل بالحكم الواقعي ولو بخطاب آخر ثانوي في طول الخطاب الأول ولكن هذه المرتبة من الفعلية كانت خارجة عن عهدة الخطابات الواقعية قطعا لاستحالة تكفلها للفعلية بأزيد من مقدار استعدادها لحفظ وجود المرام من قبلها كما شرحناه في الجمع بين الاحكام الظاهرية والواقعية ، كيف وان كل مقدمة من مقدمات وجود المرام انما تشاء عن الإرادة المقتضية لحفظ المرام من قبلها لا أزيد ومع عدم اقتضاء الخطابات الواقعية لحفظ المرام حتى في ظرف الجهل بها يستحيل تمشى قصد التوصل إلى وجود المرام على الاطلاق من قبل مجرد انشاء الخطاب الواقعي وعليه فلا مجال للبحث عن مراتب فعلية الخطابات الواقعية وانها بأي مرتبه تكون قابلة للترخيص على الخلاف وباي مرتبة لا تكون قابلة لذلك لما عرفت من أن ما تضمنته الخطابات الواقعية لا يكون الا مرتبة خاصة من الفعلية المتحققة حتى في ظرف الجهل واتصاف مثل هذه المرتبة بالباعثية أو الزاجرية الفعلية بقيام الطريق إليها لا يوجب تفاوتا في ناحية الإرادة بسيرها من مرتبة إلى مرتبة أخرى لان طرو مثل هذه

ص: 298

الصفات عليها انما كان في رتبة متأخرة عن قيام الطريق إليها ( الثاني ) ان قوام العلم والشك بل جميع الصفات الوجدانية كالإرادة والكراهة والتمني والترجي وغيرها بعد ما كان بقيامها بنفس العناوين والصور الذهنية بما هي ملحوظة كونها خارجية بلا سراية منها إلى وجود المعنون خارجا لان ظرف عروضها هو الذهن وان الخارج ظرف اتصافه بالمعلومية بشهادة انه قد لا يكون للمعنون وجود في الخارج فلا محالة يكون مرجع العلم الاجمالي بشيء تكليفا كان أو غيره إلى تعلقه بصورة اجمالية حاكية عن الواقع لا بشراشره ومن لوازمه قهرا هو الشك الوجداني بكل واحد من العناوين التفصيلية للأطراف مع وقوف كل من الوصفين على نفس عنوان معروضه من غير أن يكون وحدة وجود المعنون لهما في الخارج موجبا لسراية أحد الوصفين إلى متعلق الاخر بشهادة اجتماع اليقين بالعنوان الاجمالي مع الشك بكل واحد من العناوين التفصيلية للأطراف ولو مع اتحاد العنوانين في المعنون الخارجي فإنه لولا وقوف كل من الوصفين على عنوان معروضه للزم اجتماع اليقين والشك في موضوع واحد ، مع أن مضادة اليقين والشك في الوضوح كالنار على المنار و ( بما ذكرنا ظهر ) وجه امتياز العلم الاجمالي عن العلم التفصيلي وانه انما كان من جهة المعلوم والمنكشف لا من جهة العلم والكاشف فكان اتصاف العلم بالتفصيل من جهة ان متعلقه عنوان تفصيلي للشيء حاك عن شراشر وجوده ، ولذلك لا يجتمع مع الشك لأوله إلى اجتماع الضدين ، بخلاف العلم الاجمالي فان اتصافه بالاجمال انما كان باعتبار متعلقه لكونه عبارة عن الصورة الاجمالية المعبر عنها بعنوان أحد الامرين وبالجامع بين الطرفين ، وذلك أيضا لا بمعنى ان الجامع بنفسه وحيال ذاته متعلق للعلم الاجمالي ولو بنحو الحكاية عن منشيه كما في الطبيعي المأخوذ في حين التكاليف ، بل بما انه مرآت اجمالي إلى الخصوصية الواقعية المرددة في نظر القاطع بين خصوصيات الأطراف بنحو تكون نسبته إليها نسبة الاجمال والتفصيل بحيث لو كشف الغطاء لكان المعلوم بالاجمال عين المعلوم بالتفصيل ومنطبقا عليه بتمامه لا بجزء تحليلي منه كما في الطبيعي بالنسبة إلى فرده فكان المقام من هذه الجهة أشبه شيء بمدلول التكرة المأخوذة في متعلق الاحكام الذي هو عبارة عن إحدى الخصوصيات قبال عنوان الواحد الحاكي عن صرف منشئة ، غير أن الفرق بينهما هو ان في النكرة يراد بها الخصوصية المبهمة بنحو لا تعين لها

ص: 299

في الواقع أيضا ، بخلاف المقام فان للعنوان المعلوم بالاجمالي واقع محفوظ بنظر القاطع ولكنه مجهول عنده فلم يدر انه هذا أو ذاك ومن ذلك تنحل القضية المعلومة بالاجمال دائما إلى قضية معلومة على سبيل منع الخلو وهي وجوب أحد الامرين وقضيتين أو قضايا مشكوكة بالنسبة إلى كل واحد من الأطراف حيث كان انطباقه على كل واحد منها احتماليا محضا وبهذه الجهة يفترق هذا الجامع عن الجامع المأخوذ في متعلقات الاحكام ، حيث إن الجامع المأخوذ في حيز التكاليف عبارة عن الطبيعي قبل الانطباق لا بوصف تعينه وموجوديته خارجا بل في ظرف عدمه بنحو يكون الطلب محركا لايجاده ويكون تعينه بايجاده في الخارج والا فقبل الايجاد لا يكون له الا مجرد قابلية الانطباق على كل فرد ، ولذا يتحقق الامتثال باتيان أي فرد يختاره المكلف حتى في مثل النكرة التي تكون قابلية الانطباق فيها تبادليا وهذا بخلاف الجامع المتعلق للعلم الاجمالي فإنه عبارة عن الجامع المنطبق بوصف موجوديته وتعينه في الخارج وكان الترديد في أن المنطق عليه هو هذا أو ذاك ومن لوازم ذلك كما سيجيء هو سراية التنجز إلى الواقع بملاحظة كونه من توابع ما هو الموجود من الحكم في الخارج وان لم يسر إليه العلم لوقوفه على نفس العنوان الاجمالي.

الثالث الظاهر أنه لا قصور في شمول أدلة الأصول بذاتها للشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي مع قطع النظر عن منجزية العلم ، وذلك اما الأصول غير التنزيلية فظاهر لتحقق موضوعها وهو الشك بالوجدان فان كل واحد من الانائين الذين علم بحرمة أحدهما أو بنجاسته مما يصدق عليه بعنوانه الخاص انه شيء لا يعلم حرمته أو نجاسته فتشمله حديث الرفع والحجب ودليل السعة والحلية والطهارة من غير فرق بين ما كان منها مذيلا بالغاية وهي المعرفة وبين غيره مما لم يكن مذيلا بهذا الذيل وهذا بناء على انصراف الغاية إلى العلم التفصيلي واضح وكذلك بناء على منع الانصراف المزبور وشمول المعرفة للعلم الاجمالي أيضا ، فان جريان الأصول انما كان في كل واحد من المشتبهين بعنوانه الخاص ، ومع تغاير متعلق كل من اليقين والشك في العلم الاجمالي ووقوف العلم على نفس عنوان معروضه من الصورة الاجمالية وعدم سرايته إلى الخارج ولا إلى العناوين التفصيلية ، لا قصور في شمولها لكل واحد من الأطراف بخصوصه ، حيث إن كل واحد منها مما يصدق عليه بعنوانه الخاص انه مما لا يعلم حرمته لا تفصيلا

ص: 301

ولا اجمالا فيكون حلالا بمقتضى عموم دليل الحلية وكان الناس في سعة من جهته وكان مرفوعا وموضوعا عنهم فان الذي علم حرمته انما هو العنوان الاجمالي المعبر عنه بأحد الامرين ، ولكن نفى السعة من جهته لا يقتضى نفيها من غير تلك الجهة كما أنه ليس مؤدى شيء من الأصول أيضا نفى الالزام بالنسبة إلى العنوان المزبور لما عرفت من أن مؤدياتها انما هو نفى الالزام في كل واحد من المشتبهين بخصوصه ( نعم ) لو كان مفادها هو نفى الالزام في كل واحد منضما مع الاخر ، لاتجه المنع عن جريانها لمكان العلم الاجمالي بحرمة أحدهما ولكنه ليس كك ، بل انما مفادها هو عدم حرمة هذا بخصوصه وذاك بخصوصه ، وبعد عدم تعلق العلم الاجمالي بحرمة شيء منهما بعنوانه الخاص لا يكاد يمنع العلم الاجمالي المزبور عن شمول العمومات المزبورة لكل واحد منهما بعنوانه الخاص خصوصا مع اقتران ذيل بعضها كعمومات الحلية بكلمة بعينه الظاهرة في العلم التفصيلي بمقتضى ظهورها في اتحاد متعلق الشك والغاية ( نعم ) في رواية السعة يمكن منع شمولها لأطراف العلم الاجمالي بناء على احتمال كون كلمة ما مصدرية ظرفية لا موصولة فإنه بناء على تعميم العلم فيها بالعلم الاجمالي يشكل شمولها لأطراف العلم الاجمالي ( ولكن ذلك ) مضافا إلى كونه خلاف الظاهر أنه يكفي * ح * سائر العمومات المرخصة حيث لا قصور في شمولها لكل واحد من الأطراف من حيث نفسه مع قطع النظر عن منجزية العلم الاجمالي.

( واما الأصول التنزيلية ) كالاستصحاب ونحوه مما كان ناظرا إلى الواقع فقد يمنع عن جريانها في أطراف العلم الاجمالي ولو مع قطع النظر عن منجزية العلم الاجمالي واستلزامه المخالفة العملية وقد أفيد في وجه المنع ) بوجهين أحدهما ما عن بعض الأعاظم قده من دعوى قصور المجعول فيها ثبوتا عن الشمول لجميع أطراف العلم نظرا إلى مضادة جعل الاستصحابين في الطرفين مع ذات العلم الاجمالي بتقريب ان مع العلم الاجمالي بنجاسة أحد الانائين يعلم بانتقاض الحالة السابقة في بعض الأطراف وانقلاب الاحراز السابق الذي كان في جميع الأطراف إلى احراز آخر يضاده ، فلا يمكن ثبوتا جعل الاستصحابين في الطرفين والتعبد ببقاء الاحراز السابق فيهما لامتناع اجتماع الاحراز التعبدي فيهما مع الاحراز الوحداني بالخلاف في أحدهما من غير فرق بين ان يلزم من جريان الاستصحابين مخالفة عملية للتكليف المعلوم بالاجمال

ص: 302

وهو وجوب الاجتناب عن النجس بينهما وعدم جواز استعماله في المشروط بالطهارة ، وبين ان لا يلزم من جريانهما مخالفة عملية ، كما في الانائين مقطوعي النجاسة سابقا مع العلم بطهارة أحدهما لاحقا حيث لا يلزم من استصحاب نجاستهما مخالفة عملية للمعلوم الاجمالي فعلى كل تقدير لا يمكن ثبوتا جعل كلا الاستصحابين معا في الطرفين لامتناع اجتماع الاحراز التعبدي فيهما مع الاحراز الوجداني في أحدهما بالخلاف ( ولكن لا يخفى ما فيه ) إذ بعد ما عرفت في شرح العلم الاجمالي من تغاير متعلق اليقين والشك ووقوف العلم على معروضه الذي هو العنوان الاجمالي وعدم سرايته منه إلى الخارج ولا إلى العناوين التفصيلية للاطراف ، نقول انه لا وجه لدعوى المضادة المزبورة بين الاحراز التعبدي في كل من الطرفين بخصوصه مع الاحراز الوجداني بنحو الاجمال بالخلاف ، فان موضوع الابقاء التعبدي فيهما لا يكون الا المتيقن أو اليقين السابق بنجاسة كل من اناء زيد واناء عمر وبخصوصه ، وبالعلم الاجمالي المزبور لم « ينقلب » اليقين السابق في شيء منهما إلى اليقين بالخلاف إذ كل واحد منهما بعنوانه الخاص مما يشك وجدانا في بقاء طهارته بعد كونه مسبوقا باليقين بها ( نعم ) ما هو المنقلب بالعلم الاجمالي انما هو اليقين بأحد العنوانين أو أحد اليقينين بهذا العنوان الاجمالي ولكن موضوع التعبد بالبقاء لا يكون هو اليقين بأحد العنوانين ولا أحد اليقينين حتى ينافي العلم الاجمالي ( وانما الموضوع ) فيه هو خصوص اليقين بنجاسة اناء زيد واليقين بخصوص اناء عمرو وشئ منهما لا يعلم بانتقاضه حتى يمنع عن جعل كلا الاستصحابين ومجرد اتحاد العنوانين بحسب المنشأ والعنوان الخارجي لا يقتضى قلب الاحراز السابق فيهما إلى احراز اخر يضاده بعد فرض تغاير العنوانين ووقوف كل من اليقين والشك على نفس متعلقه من العنوان الاجمالي والتفصيلي ( نعم ) لو قيل بسراية اليقين من متعلقه الذي هو العنوان الاجمالي إلى الخارج لكان لما أفيد وجه وجيه ، ولكنه ممنوع جدا بشهادة اجتماع اليقين والشك في العلم الاجمالي بتوسط العنوان الاجمالي والتفصيلي فإنه لولا وقوف كل من الوصفين على عنوان معروضه للزم اجتماع اليقين والشك مع ما كان بينهما من المضادة في موضوع واحد « وعليه نقول » انه إذا لم يكن هذا الاحراز الوجداني القائم بالعنوان الاجمالي منافيا مع الشك بالعنوان التفصيلي ولو مع كونهما متحدين وجودا في

ص: 303

الخارج ، فكيف يكون منافيا مع ما هو من احكام هذا الشك القائم بالعنوان التفصيلي المعبر عنه بالاحراز التعبدي ، وبالجملة لا تعرف وجها لانكار الجمع بين الاحراز التعبدي في كل من الطرفين مع الاحراز الوجداني بالخلاف في أحدهما بنحو الاجمال فإنه ان أريد بالعلم بالانتقاض انقلاب اليقين بخصوص اناء زيد وخصوص اناء عمرو إلى اليقين بالخلاف فهي مما يكذبه الوجدان ، وان أريد به انقلاب أحد اليقينين بنحو الاجمال أو اليقين بأحد الامرين فهو مسلم ولكنه لا يجدى في المنع عن جريان الاستصحابين في الطرفين بعد كون موضوع الابقاء التعبدي فيهما هو خصوص اليقين بطهارة اناء زيد وخصوص اليقين بطهارة اناء عمرو ، مع أن لازم البيان المزبور هو المنع عن جريان الأصول في الموارد التي يلزم من جريانها التفكيك بين المتلازمين كاستصحاب بقاء الحدث وطهارة البدن عند الوضوء بمايع مردد بين الماء والبول نظرا إلى تحقق المناط المزبور وهو المضادة فيه أيضا فإنه كما أن التعبد بنجاسة الانائين ينافي الاحراز الوجداني بطهارة أحدهما كك التعبد ببقاء كل من الحدث وطهارة البدن ينافي الاحراز الوجداني بعدم بقاء أحدهما مع أن ذلك كما ترى خلاف ما تسالموا عليه من التفكيك بين المتلازمين والجمع بين الاستصحابين في نحو الفرض المزبور ، ودعوى الفرق بين القسمين بان المنع عن جريان الأصل في طرفي العلم الاجمالي انما يكون إذا كان الاستصحابان متحدين في المؤدي ومتوافقين على نفي ما علم تفصيلا ثبوته أو على ثبوت ما علم تفصيلا نفيه كما في استصحاب طهارة الانائين أو نجاستهما مع العلم بنجاسة أحدهما أو طهارته حيث كان الاستصحابان متوافقين على نفي ما يعلم تفصيلا من نجاسة أحدهما أو طهارته فيعلم تفصيلا بكذب ما يؤديان إليه ، وأما إذا لم يكونا كك بان كانا متخالفين في المؤدي كما في استصحاب طهارة البدن وبقاء الحدث في المثال فلا مانع من جريانهما إذ لا يلزم من التعبد بهما العلم التفصيلي بكذب ما يؤديان إليه وانما يعلم بعدم مطابقة أحدهما للواقع ولا ضير في هذا المقدار بعد عدم توافقهما على خلاف ما يعلم تفصيلا ثبوته أو نفيه ( مدفوعة ) بان مجرد مخالفة مؤدي الأصلين لا يجدى في رفع المضادة بين التعبد ببقاء كل من الامرين مع العلم بعدم بقاء أحدهما تفصيلا.

الثاني من وجهي المنع مما يظهر من بعض كلمات الشيخ قدس سره

ص: 304

من المنع عن شمول أدلة الأصول لأطراف العلم بدعوى انه يلزم من الشمول لأطراف العلم الاجمالي مناقضة الصدر والذيل في مثل قوله (عليه السلام) لا تنقض اليقين بالشك ولكن انقضه بيقين آخر ، حيث إن حرمة نقض اليقين بالشك في كل واحد من الامرين ينافي وجوب نقض اليقين بمقتضى الذيل والحكم بالأخذ بخلاف الحالة السابقة في أحدهما فمع العلم الاجمالي بارتفاع الحالة السابقة في أحد المستصحبين لابد من خروجهما عن عموم لا تنقض ، إذ لا يمكن ابقاء كل منهما تحت عمومه لمحذور المناقضة ، ولا ابقاء أحدهما المعين لعدم الترجيح بعد اشتراك الاخر معه في مناط الدخول ولا أحدهما المخير لعدم كونه من افراد العام إذ ليس فردا ثالثا غير الفردين المشخصين في الخارج « ولكن فيه » بعد الغض عن انصراف الذيل إلى اليقين المتعلق بما تعلق به الشك واليقين السابق في قوله (عليه السلام) لا تنقض غير الشامل لليقين الاجمالي ، انه يمنع كون وجوب النقض عند العلم بالخلاف ولو اجمالا حكما تعبديا كي يتحقق المناقضة المدلولية بين حرمة النقض في كل واحد من اليقينين وبين وجوب النقض في أحدهما كيف وان وجوب النقض عند اليقين بالخلاف ارتكازي عقلي غير قابل لتصرف الشارع فيه مولويا بخلاف حرمة نقض اليقين بالشك ، فلا محيص من أن يكون ارشادا محضا إلى ما يقتضيه حكم العقل من تنجيز الواقع في ظرف اليقين بالخلاف ، وذلك أيضا في فرض تعلق العلم الاجمالي بتكليف ملزم بنحو يلزم من جريان الأصل في الطرفين مخالفة عملية للتكليف المعلوم بالاجمال ، والا ففي فرض عدم تعلقه بالتكليف فلا يقتضي ذلك وجوب نقضه كما في العلم بطهارة أحد الانائين مع اليقين السابق بنجاستهما لان غاية ما يقتضيه ذلك هو عدم الاجتناب عنه عملا وهو غير مناف لوجوب الاجتناب عن كل منهما بمقتضى حرمة النقض ، نعم لو أريد بذلك تقييد الصدر بصورة عدم قيام العلم بالخلاف مطلقا ولو اجمالا لكان لما افاده وجه وجيه فان للشارع ان يجعل حكم الصدر مغيا بعدم العلم بالخلاف ولو اجمالا مطلقا ، ولكنه مضافا إلى بعده عن ظاهر الرواية لظهور الذيل فيها في كونه لمحض الارشاد إلى حكم العقل كما بيناه بلا نظر إلى حيث لتقييد المزبور ، مبني على اطلاق اليقين في الذيل وشموله للموارد التي لا يلزم من جريان الأصل في الطرفين طرح ونقض عملي للمعلوم بالاجمال

ص: 305

وهو في محل المنع ولا أقل من اجماله من هذه الجهة فيؤخذ باطلاق الصدر الشامل لكلا الشكين ( وعلى فرض ) اجماله أيضا ولو من جهة اتصاله بالذيل المزبور لا مانع من الرجوع إلى اطلاق الاخبار الخالية عن هذا الذيل في الشمول لطرفي الشبهة ( مع أن ) لازم المنع عن الشمول لموارد العلم بارتفاع الحالة السابقة في أحدهما مطلقا ولولا يلزم مخالفة عملية هو المنع عنه في الصورة الثالثة في كلامه التي صرح بعدم مانعية العلم الاجمال عن العمل بالأصلين كاستصحاب طهارة البدن وبقاء الحدث فيمن توضأ غفلة بمايع مردد بين الماء والبول لجريان مناط المنع فيها أيضا ( وكيف كان ) فالتحقيق انه لا قصور في شمول أدلة الأصول بنفسها لأطراف العلم الاجمالي ما لم يستلزم طرحا لتكليف منجز في البين من غير فرق فيه بين الأصول التنزيلية وغيرها ، وان عدم جريانها في أطراف العلم انما هو لمانعية العلم الاجمالي من جهة منجزيته لا من جهة قصورها بنفسها ولا من جهة مناقضة الصدر والذيل ( و ح ) على القول بعلية العلم الاجمالي للموافقة القطعية كما هو التحقيق لا مجال لجريانها ولو في بعض الأطراف حتى مع فرض الخلو عن المعارض ( كما أنه على ) القول بالاقتضاء بالنسبة إلى الموافقة القطعية دون المخالفة كان المانع عن جريانها معارضة كل منها مع الاخر الموجب لسقوط الجميع عن الجريان ، وهذا أيضا لولا ما سيجيء من شبهة التخيير الناشئ من تقييد جريان كل واحد من الأصلين في ظرف عدم العمل بالآخر لان علية العلم لحرمة المخالفة القطعية انما تكون مانعة عن الجمع بينهما وبعد التقييد المزبور لا باس بجريانهما واما على القول بالاقتضاء حتى بالنسبة إلى المخالفة القطعية وقابليته لمنع المانع فلا باس بجريانها في جميع الأطراف حتى الاستصحاب الذي هو من الأصول المحرزة نظرا إلى صلاحيتها للمانعية عن اقتضائه ، كما أنه في الأصول المثبتة الموافقة للمعلوم بالاجمال أيضا لا مانع من؟ جريانها في أطراف العلم كما هو ظاهر.

« وبعد ما عرفت هذه الأمور » فلنشرع في المقصود من صلاحية العلم الاجمالي للمنجزية وعليته بالنسبة إلى الحرمة المخالفة القطعية ( فنقول ) لا اشكال في أنه لا قصور في منجزية العلم الاجمالي لما تعلق به من التكليف ، وانه بنظر العقل بالإضافة إلى ما تعلق به كالعلم التفصيلي في حكمه بوجوب الامتثال ، إذ لا فرق بينهما الا من حيث اجمال

ص: 306

المتعلق وتفصيله وهو غير فارق في المقام بعد كون مناط التحميل بنظر العقل احراز طبيعة امر المولى بلا دخل خصوصية فيه ، فمع فرض انكشاف ذلك لدى العقل يتحقق موضوع حكمه فيحكم بالاشتغال ووجوب الامتثال ، بل التحقيق ان حكمه بذلك يكون على نحو التنجيز بحيث يأبى عن الردع عنه بالترخيص على خلاف معلومه في تمام الأطراف ، كابائه عنه في العلم التفصيلي لكون ذلك بنظرة ترخيصا من المولى فيه معصيته وترك طاعته ، ومثله مما لا يصدقه وجدان العقل بعد تصديقه خلافه ، والشاهد على ذلك هو وجدان تلك المناقضة الارتكازية المتحققة في مورد العلم التفصيلي في المقام أيضا ( ومن الواضح ) انه لا يكون ذلك الا من جهة علية العلم الاجمالي وسببيته لحكم العقل تنجيزيا بصيرورة معلومه في العهدة بنحو يأبى عن الردع عنه ( والا ) فعلى فرض عدم اقتضاء العلم الاجمالي للاشتغال رأسا ، أو اقتضائه وتعليقية حكم العقل باشتغال العهدة بالتكليف بعدم مجيء الترخيص على الخلاف المفنى لطريقيته كالظن في حال الانسداد على ما قيل لم يكن مجال المناقضة المزبورة ( وذلك ) على الأول واضح ، إذ عليه لم يثبت شيء في العهدة حتى ينافيه الترخيص ( وكذلك على الثاني ) فإنه بالنسبة إلى فعلية الحكم الواقعي بمقدار يقتضيه ظهور الخطابات الواقعية لا تنافي بينهما بعد كون مرجع الردع عنه إلى الترخيص في المرتبة المتأخرة عن الواقع التي هي رتبة حكم العقل بالإطاعة ، ( بداهة ) اجتماع هذا المقدار من الفعلية مع الترخيص على الخلاف عند الجهل بالواقع ( نعم الذي ) لا يجتمع مع الترخيص انما هو الفعلي على الاطلاق حتى في ظرف الجهل بالواقع ، ولذا ينافيه الترخيص حتى في الشبهات البدوية المحضة الخارجة عن مفروض الكلام « دون الفعلي » من قبل الخطاب بمقدار اقتضائه واستعداده لحفظ وجود المرام « والأول » خارج عن مفروض الكلام « لان » محل البحث في علية العلم الاجمالي واقتضائه انما هو فرض تعلقه بصرف فعلية الخطابات الواقعية على وجه تتصف بالباعثية والزاجرية الفعلية عند قيام طريق منجز إليها عقليا كان أو شرعيا « و ح » فكما ان الترخيص في ظرف الجهل بالواقع غير مناف مع فعلية التكليف الواقعي « كك » الترخيص المحدث للجهل المفنى لطريقية الطريق بناء على التعليقية غير مضاد مع فعلية الواقع لعدم كون مثله موجبا لنقص في فعليته « واما بالنسبة »

ص: 307

إلى حكم العقل بالاشتغال ولزوم المتابعة في الرتبة المتأخرة عن القطع ، فلان ثبوت المناقضة بينهما فرع تنجيزية حكم العقل بالاشتغال من قبل العلم الاجمالي ، لأنه من مبادئ المناقضة المزبورة ( والا ) فعلى فرض تعليقية حكمه بعدم الردع عنه بالترخيص على خلافه لا مجال للمناقضة في هذه المرحلة أيضا لوضوح ارتفاع موضوع حكم العقل بنفس الترخيص على خلاف « ولا فرق » فيما ذكرنا بين العلم الاجمالي والتفصيلي ، فإنه على مبنى اقضاء العلم التفصيلي أيضا وتعليقية طريقيته على عدم مجيء الترخيص على خلافه ، كان للشارع الغاء طريقيته بترخيصه على الخلاف « لان » مرجع تعليقية طريقيته إلى كونه قابلا لان لا يحصل به الاشتغال بالتكليف بترخيص الشارع على الخلاف من غير أن ينافي هذا الترخيص مع فعلية الواقع ولا مع حكم العقل بوجوب المتابعة والامتثال كما ذكرناه ( وحيث ) ان المناقضة الارتكازية في المقام متحققة فلا جرم يكشف مثلها انا عن علية العلم لاجمالي للاشتغال وتنجيزية حكم العقل من قبله بلزوم الامتثال بنحو يأبى عن الردع عنه بالترخيص على الخلاف في جميع الأطراف ، ولا نعنى من علية العلم الاجمالي لحرمة المخالفة القطعية الا ذلك « هذا كله » فيما يتعلق بالجهة الأولى.

( واما الجهة الثانية ) فالتحقق فيها أيضا هو علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية على وجه يمنع عن مجيء الترخيص على الخلاف ولو في بعض الأطراف « ويظهر » وجهة مما قدمناه في الجهة الأولى « حيث نقول » ان من لوازم علية العلم الاجمالي بالتكليف للاشتغال به وسببيته لحكم العقل التنجيزي بتنجز ما يحكى عنه العنوان الاجمالي على المكلف وصيرورته في عهدته ، انما هو حكم العقل تنجيزيا بوجوب التعرض للامتثال ولزوم تحصيل الجزم بالفراغ والخروج عن عهدة ما تنجز عليه من التكليف بأداء ما في العهدة ( ومقتضى ) ذلك بعد تردد المعلوم بالاجمال ومساوقة احتمال انطباقه على كل طرف لاحتمال وجود التكليف المنجز في مورده المستتبع لاحتمال العقوبة على ارتكابه ، هو حكم العقل بلزوم الاجتناب عن كل ما يحتمل انطباق المعلوم عليه من الأطراف وعدم جوز القناعة بالشك في الفراغ والموافقة الاحتمالية ، لعدم الا من من مصادفة ما ارتكبه لما هو الحرام المنجز عليه ، فتجري فيه قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل ، ولازمه

ص: 308

اباء العقل أيضا عن مجيء الترخيص الشرعي ولو في بعض الأطراف من جهة كونه من الترخيص في محتمل المعصية الذي هو من الحكيم في الاستحالة كالترخيص في مقطوعها ( ولازمه ) بطلان التفكيك في علية العلم الاجمالي بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية ، بل بناء على العلية في طرف المخالفة لا محيص عن الالتزام بها في طرف الموافقة القطعية أيضا بنحو بمنع عن مجيء الترخيص الشرعي ولو في بعض الأطراف بلا معارض ( وبذلك يظهر ) اندفاع توهم الفرق بين المقامين من دعوى ان عدم تجويز العقل الاذن في الاقتحام في جميع الأطراف انما هو من جهة استلزامه الترخيص في نفس ما هو المعلوم المنجز في البين ، ومثله مما يمنع عنه العقل لكونه ترخيصا في المعصية ، بخلاف الاذن في الارتكاب بالنسبة إلى بعض الأطراف فإنه لما لا يستلزم ذلك لا يمنع عنه العقل لعدم تعلقه بنفس المعلوم بالاجمال وعدم العلم يكون الطرف المأذون فيه هو الحرام المعلوم في البين ( وجه ) الاندفاع ما عرفت من أن المنع عن الترخيص في كل طرف ، انما هو من جهة احتمال انطباق ما هو المنجز عليه الموجب لاحتمال العقوبة عليه ولكون الترخيص فيه ترخيصا في محتمل المعصية ( لا من جهة ) قصور أدلة الترخيص عن الشمول لأطراف العلم من جهة عدم الموضوع كي يصح الفرق المزبور بين المخالفة القطعية وموافقتها بعدم انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري في الأولى وانحفاظها في الثانية ( واما دعوى ) ان شأن العلم تفصيليا أو اجماليا انما هو تنجيز متعلقه دون غيره وبعد وقوف العلم الاجمالي على نفس متعلقه وهو العنوان الاجمالي والجامع بين الافراد وعدم سرايته إلى الواقع ولا إلى خصوصيات الأطراف ( يلزمه ) لا محالة وقوف التنجيز أيضا تبعا للعلم على نفس الجامع بلا سرايته إلى الخارج ولا إلى العناوين التفصيلية لخصوصيات الأطراف ومع عدم سرايته يكون كل واحد من افراد الجامع تحت الترخيص العقلي بمناط عدم تمامية البيان ومعه لا موجب لوجوب الموافقة القطعية كي يمنع عن مجيئ الترخيص الشرعي في بعض الأطراف لعدم اقتضاء مثل هذا اليقين المتعلق بالجامع أزيد من حرمة المخالفة القطعية ، بل لازم ذلك جواز ترك الموافقة القطعية أيضا ولو لم يكن في البين ترخيص من قبل الشارع لكونه مقتضى الجمع بين تنجز الجامع وبين الترخيص العقلي في كل واحد من الافراد ( فمدفوعه )

ص: 309

بان تنجز الاحكام انما هو من لوازم وجودها خارجا في ظرف وصولها إلى المكلف بأي طريق لا من لوازم وجودها ذهنا ولو بمرأتيته إلى الخارج ولذا عند كشف الخلاف وتبين عدم وجود الحكم لا تنجز في البين حقيقة وانما هو مجرد اعتقاد التنجز بتبع اعتقاد وجود الحكم ، ومجرد قيام العلم بالصور الذهنية وعدم قابليته للسراية إلى الخارج لا يقتضى عدم سراية التنجز إليه ، ( و ح ) فمع تنجز واقع التكليف بطريقه واحتمال وجوده في أي طرف يصير كل منهما لا محالة محتمل التنجز بعلمه فيجئ فيه احتمال الضرر والعقوبة ، فيندرج تحت كبرى وجوب دفع الضرر المحتمل لا كبرى قبح العقاب بلا بيان ( ولعل ) منشأ التوهم المزبور ، هو تخيل كون متعلق العلم الاجمالي عبارة عن صرف الطبيعي والجامع بين الافراد بما هو في حيال ذاته أو بما هو حاك عن منشئه محضا نظير الجوامع المأخوذة في حيز التكاليف القابلة للانطباق عرضيا أو تبادليا على أي فرد و ( لكنه ) توهم فاسد لما تقدم من الفرق بينهما وان الجامع المتعلق للعلم الاجمالي انما هو العنوان الاجمالي بما هو حاك عن الخصوصية الواقعية المرددة في نظر القاطع بين خصوصيات الأطراف بنحو تكون نسبته إليها نسبة الاجمال والتفصيل وينطبق عليها في فرض انكشاف الحال بتمامها لا بجزء تحليلي منها كما في الطبيعي المأخوذ في حيز التكاليف ( ومن ) الواضح ان من لوازم العلم بالجامع المزبور انما هو سراية التنجز منه إلى ما هو الموجود من الحكم خارجا ، فمع احتمال وجوده في كل طرف لا محيص بحكم العقل من الاجتناب عن الجميع ، لان في الاقتصار على البعض لا يؤمن من مصادفة ما ارتكبه لما هو الحرام المنجز عليه ( ولئن أبيت ) عن سراية التنجز إلى الواقع ( نقول ) بعد انحصار فرد هذا الجامع بأحد المحتملين ، انه يكفي في وجوب الموافقة القطعية مجرد تنجز الجامع المزبور ، لان من لوازم الاشتغال المزبور هو حكم العقل تنجيزيا بوجوب تحصيل الجزم بالفراغ بأداء ما في العهدة ولازمه وجوب الاجتناب عن الجميع ، لان الاقتصار على بعضها مساوق لاحتمال عدم الخروج عن عهدة ما تنجز عليه ، ولازمه اباء العقل عن الترخيص في ترك الموافقة القطعية بالاكتفاء بمشكوك الفراغ ( نعم ) لما لم يكن حكم العقل في مقام تفريغ الذمة مخصوصا بالمفرغ الوجداني الحقيقي ، بل يعم المفرغ الجعلي التعبدي ، كان للشارع

ص: 310

التصرف في هذه المرحلة بجعل بعض الأطراف بدلا ظاهريا عن الواقع في مقام تفريع الذمة ومصداقا جعليا لما هو المفرغ عما اشتغلت الذمة به من غير أن يكون ذلك منافيا مع حكم العقل في أصل تحصيل الجزم بالفراغ ، كما كان له ذلك في موارد ثبوت التكليف بالعلم التفصيلي الذي لا شبهة في كونه علة تامه لوجوب الموافقة القطعية ، كما في الامارات والأصول المجعولة في وادى الفراغ كقاعدتي التجاوز والفراغ والاستصحابات الموضوعية ونحوها المنقحة لموضوع الفراغ ، وهذا » بخلاف الترخيص في بعض الأطراف بلا جعل بدل ، فإنه مستلزم اما لتعليقية حكم العقل بالاشتغال من قبل العلم الاجمالي ، واما لتعليقية حكمه في ظرف الاشتغال بالتكليف بتحصيل القطع بالفراغ ، وهما كما ترى * كيف * وان لازم الأول تجويز المخالفة القطعية بمجئ الترخيص على الطرفين ، كما أن لازم الثاني تجويز الاكتفاء بمشكوك الفراغ حتى في موارد العلم التفصيلي بوجوب شيء كالصلاة ونحوها باجراء حديث الرفع ونحوه عند الشك في مصداق شرطه أو جزئه كموارد الشك في الطهارة عند تعاقب الحالتين وموارد الشك في المحصل ونحوه ، نظرا إلى اتحاد المناط فيهما ، إذ لا فرق في حكم العقل بتحصيل الجزم بالفراغ في ظرف الاشتغال بالتكليف بين ان يكون الاشتغال بطريق تفصيلي أو اجمالي ، ولا بين ان يكون الطريق عقليا أو جعليا ، مع أنه لا يلتزم به أحد ، فيكشف ذلك عن تنجيزية حكم العقل في المقامين * وعليه * لا محيص من عدم التفكيك في علية العلم الاجمالي بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية * ثم إن ما ذكرنا * من علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية هو الظاهر بل الصريح من كلام الشيخ قده في الجواب عن القائل بجريان أصالة الحل في الطرفين بقوله * قلت * ان أصالة الحلية غير جارية في المقام بعد فرض كون المحرم الواقعي مكلفا بالاجتناب عنه منجزا عليه على ما هو مقتضي الخطابات بالاجتناب عنه لان مقتضى العقل في الاشتغال اليقيني بترك الحرام الواقعي هو الاحتياط والتحرز عن كلا المشتبهين حتى لا يقع في محذور فعل الحرام وهو معنى المرسل في بعض الكتب اترك ما لا بأس به حذرا عما به البأس فلا يبقى مجال الاذن في فعل أحدهما انتهى * وأصرح * من ذلك ما افاده في الشبهة الوجوبية في الجواب عن القول بالتفكيك بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية ، بقوله قلت

ص: 311

العلم الاجمالي كالتفصيلي علة تامة لتنجز التكليف بالمعلوم الا ان المعلوم اجمالا يصلح لان يجعل أحد محتمليه بدلا عنه في الظاهر فكل مورد حكم الشارع بكفاية أحد المحتملين للواقع اما تعيينا كحكمه بالأخذ بالاحتمال المطابق للحالة السابقة واما تخييرا كما في موارد التخيير بين الاحتمالين فهو من باب الاكتفاء عن الواقع بذلك المحتمل لا الترخيص لترك الواقع بلا بدل فان الواقع إذا علم به وعلم إرادة المولى بشيء وصدور الخطاب عنه إلى العبيد وان لم يصل إليهم لم يكن بد عن موافقته اما حقيقة بالاحتياط واما حكما بفعل ما جعله الشارع بدلا عنه انتهى ، حيث إن كلامه ذلك كما ترى ينادى بأعلى الصراحة بعلية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية بنحو يمنع عن مجيء الترخيص على خلافه ولو في بعض الأطراف « نعم » ربما يظهر من التصريح بتعارض الأصول النافية وتساقطها في بعض كلماته الاخر ما يوهم خلاف ذلك ، حيث يستفاد منه ان المانع من جريان الأصول النافية في أطراف العلم هي المعارضة ، ومثله يناسب القول بالاقتضاء للموافقة القطعية دون العلية ، لأنه على العلية لا تجرى الأصل النافي ولو في طرف واحد بلا معارض * ولعل * ذلك هو المنشأ لما عن بعض من نسبة التفصيل المزبور إليه قده والا فلم يكن في شيء من كلماته التصريح بهذه الجهة بل التصريح منه كان على خلافه * ولكن * لا يصلح هذا المقدار لنسبة التفصيل المزبور إليه ، لان غاية ما يقتضيه ذلك هو مجرد التلويح على القول بالاقتضاء ومثله لا يكاد يقاوم التصريح بالعلية ، فيمكن حمل كلامه ذلك على بيان كون المعارضة في الأصول وجها آخر لعدم جريانها في أطراف العلم ولو على الاقتضاء لا بيان حصر المانع بذلك كي يلزم جريانها في فرض عدم التعارض فينافي تصريحه بالعلية ( وكيف كان ).

فالظاهر أن المنشأ لتوهم التفصيل المزبور في العلم الاجمالي بين حرمه المخالفة ووجوب الموافقة انما هو من جهة الخلط بين المقام وبين مقام الانحلال ومرحلة جعل البدل ، بتخيل ان جواز الرجوع إلى الأصل النافي في موارد الانحلال عند قيام منجز عقلي أو شرعي على ثبوت التكليف في بعض الأطراف بلا عنوان وكذا موارد قيام الطريق على تعيين المعلوم بالاجمال وتطبيقه على طرف أو قيامه على نفي التكليف في طرف خاص كموارد جعل البدل ، انما هو من جهة الاكتفاء فيها

ص: 312

بالموافقة الاحتمالية ، فجعل ذلك شاهدا على اقتضاء العلم الاجمالي بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية وجواز الاذن في ترك تحصيل القطع بالموافقة بالترخيص في البعض ولو بلا جعل بدل ، بدعوى ان العلم الاجمالي ان كان علة تامة لوجوب الموافقة القطعية فلا يجوز الترخيص حتى مع جعل البدل وان كان مقتضيا فيجوز ولو بلا جعل بدل ( ولكنه فاسد جدا ) لوضوح الفرق بين مقامنا وذين المقامين ، وذلك اما مقام الانحلال فواضح * فان * جواز الرجوع فيه إلى الأصل النافي في غير ما قام عليه المنجز العقلي أو الشرعي انما هو من جهة انتفاء أصل الاشتغال وعدم مؤثرية العلم الاجمالي في الاشتغال بمعلومه واثباته في العهدة ، لان العلم انما ينجز التكليف المردد بين الطرفين في صورة قابلية كل طرف للتنجز من قبله مستقلا ومع خروج أحد الطرفين بقيام المنجز عليه عن القابلية المزبورة يخرج المعلوم المردد بما هو قابل للانطباق على كل طرف عن صلاحية التنجز من قبل العلم الاجمالي فلا يصلح؟ مثل هذا العلم للمنجزية لمعلومه * نعم * ما هو الصالح للتنجز انما هو التكليف المقيد انطباقه على الطرف الآخر ، ولكنه لا يكون متعلقا للعلم بل كان مشكوكا من الأول ففي الحقيقة يكون مرجع الانحلال إلى التصرف في أصل الاشتغال وهذا بخلاف المقام فان البحث عن اقتضاء العلم الاجمالي وعليته بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية انما هو في ظرف الفراغ عن أصل ثبوت الاشتغال بالتكليف بالعلم الاجمالي بلا قصور لا من جهة العلم والكاشف في المنجزية ولا من جهة المعلوم في قابليته للتنجز من قبله ومع ذلك أين يبقي مجال مقايسة المقام بباب الانحلال * واما مقام * جعل البدل كموارد قيام الامارة على تعيين المعلوم بالاجمال في طرف خاص اما مطابقة أو التزاما فلما عرفت من أن اكتفاء العقل بالأخذ بذلك في مقام تحصيل الفراغ انما هو من جهة كونه معينا لموضوع الفراغ عما اشتغلت الذمة به لا من جهة الاكتفاء بالشك في الفراغ وتجويز الترخيص في الاكتفاء بمشكوك الموافقة كما هو مورد البحث في المقام ، إذ ليس المقصود من علية العلم الاجمالي كونه علة لوجوب خصوص الفراغ الحقيقي الوجداني ، بل المقصود منه كونه علة لوجوب تحصيل مطلق ما يوجب معه الخروج عن عهدة التكليف الأعم من المفرغ الحقيقي أو الجعلي إذ لا خصوصية بنظر العقل في حكمه بالفراغ للمفرغ

ص: 313

الحقيقي الوجداني بل يكتفي فيه بما كان بحكم الشارع مصداقا لما اشتغلت الذمة به لكونه أيضا معينا للفراغ فكان للشارع التصرف في هذه المرحلة بجعل بعض الأطراف بدلا ظاهريا ومصداقا جعليا لما هو المفرغ ، من غير أن ينافي ذلك مع علية العلم الاجمالي لوجوب تحصيل الجزم بالفراغ ( كيف ) وليس حال العلم الاجمالي من هذه الجهة بأولى من العلم التفصيلي بالتكليف ، مع بداهة عدم انحصار الخروج عن العهدة في مورده بخصوص المفرغ الحقيقي بشهادة الطرق المجعولة في وادى الفراغ كقاعدتي التجاوز والفراغ والأصول الموضوعية ونحوها ، مع أنه لا شبهة في علية العلم التفصيلي بالتكاليف لوجوب الموافقة القطعية ، فكما ان جعل تلك الطرق والأصول الجارية في وادى الفراغ لا ينافي العلية في العلم التفصيلي بل كان مؤكدا لما يقتضيه العلم من لزوم تحصيل الجزم بالفراغ وعدم جواز الاكتفاء بالشك فيه ، كذلك في العلم الاجمالي فلا تنافي الامارة المعينة لموضوع الفراغ في بعض الأطراف مع العلية فيه أيضا ، لما عرفت من اكتفاء العقل بذلك في الخروج عن عهدة التكليف لكونه مصداقا جعليا لما هو المأمور به ( وهذا ) بخلاف صرف الترخيص في بعض الأطراف بلا جعل بدل فإنه ملازم للترخيص في الاكتفاء بالشك في الفراغ فينافي الحكم العقل التنجيزي في ظرف الاشتغال بالتكليف بلزوم تحصيل الجزم بالفراغ بأداء ما في العهدة وجدانا أو تعبدا وابائه عن الترخيص في ترك تحصيل القطع بالفراغ بأحد النحوين ( ولا يندفع ) ذلك الا بالالتزام بتعليقية حكم العقل في هذه المرحلة ، وهذا مع أنه خلاف ما يقتضيه بداهة الوجدان ، يلزمه جواز الاكتفاء بمشكوك الفراغ حتى في مورد العلم التفصيلي عند الشك في مصداق شرطه أو جزئه باجراء مثل حديث الرفع ونحوه في المشكوك لاتحاد المناط فيهما ، مع أن ذلك كما ترى لا يلتزم به أحد ( وتوهم ) رجوع الترخيص في ارتكاب بعض الأطراف إلى جعل البدل في الطرف غير المأذون فيه ولو كان ذلك بمثل أصالة الإباحة والبرائة إذا فرض جريانهما في بعض الأطراف بلا معارض ( مدفوع ) بأنه ان أريد بذلك جعل الطرف الآخر معينا للفراغ ومصداقا جعليا للمعلوم بالاجمال فهو متين جدا ( ولكنه ) مضافا إلى كونه اعترافا بالعلية يحتاج إلى احرازه بطريق آخر لوضوح انه ليس المصحح للترخيص

ص: 314

عند العقل مجرد جعل البدل الواقعي وانما المصحح له هو ذلك بوجوده الواصل إلى المكلف وعليه لابد في تطبيق الأصول النافية من احراز البدلية من الخارج ، والا فلا يمكن احرازها بعموم دليل الترخيص من جهة لزوم الدور ، لان شموله فرع العلم بالبدلية والمصداقية في الطرف الآخر غير المأذون فيه فلا يمكن حصول العلم بها من نفس عموم دليل الترخيص وشموله « وان أريد به » جواز الاكتفاء بالطرف الاخر مع الشك في مصداقيته للمأمور به لمحض الاذن في ارتكاب بعض الأطراف نظرا إلى حصول المؤمن وهو الاذن كما يظهر ذلك من التزام هذا القائل في ذيل كلامه بان الأصل النافي للتكليف في بعض الأطراف إذا كان بلا معارض موجب للتأمين في الطرف الذي يجرى فيه ولو لم يقم دليل على كون الطرف الآخر بدلا ومصداقا للمعلوم بالاجمال ولا كان فيه أصل مثبت للتكليف من غير ناحية العلم الاجمالي ( فيتوجه ) عليه ما ذكرنا من لزوم جواز الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية في مورد العلم التفصيلي بالتكليف أيضا باجراء مثل حديث الرفع ونحوه عند الشك في تحقق شرطه أو جزئه لكونه موجبا للتأمين على ترك الموافقة المشكوكة أو المخالفة غير المعلومة ومانعا عن حكم العقل بعدم جواز الاكتفاء بمشكوك الفراغ ( وبما ذكرنا ) ظهر انه لا مجال لمقايسة الأصول المرخصة بالامارات النافية القائمة على نفي التكليف في طرف خاص ، حيث إن جواز الاخذ بالامارة النافية انما هو من جهة مثبتية الامارة بمدلولها الالتزامي لتعيين المعلوم بالاجمال في الطرف الآخر الموجب لكونه مصداقا جعليا للمأمور به في مقام تفريغ الذمة ، فان دليل الحجية كما يشمل ظهورها في المدلول المطابقي كذلك يشمل ظهورها في المدلول الالتزامي ( وهذا ) بخلاف الأصول المرخصة أو النافية للتكليف إذا فرض جريانها في بعض أطراف العلم بلا معارض ، فإنه ليس لها مثل هذه الدلالة ، لان غاية ما تقتضيه تلك الأصول انما هو البناء على الحلية والترخيص في الارتكاب في الطرف المأذون فيه ، واما اقتضائها للبناء على كون المعلوم بالاجمال هو المشتبه الاخر فلا « نعم » لازم البناء على الحلية في طرف مع العلم الاجمالي بحرمة أحد الامرين هو البناء على كون الحرام المعلوم في الطرف الآخر غير المأذون فيه ، ولكن الاخذ بمثل هذا اللازم مبنى على حجية المثبت ، بدعوى

ص: 315

شمول اطلاق التنزيل لمثل هذه اللوازم العقلية أو العادية ولكن ذلك مع أنه مخصوص بالأصول التنزيلية لا في مثل حديث الحجب والرفع ودليل الحلية على أحد الوجهين خلاف « ما هو التحقيق » من عدم حجية مثبتات الأصول فلا مجال لجريانها في طرف العلم بلا ثبوت جعل بدل من الخارج وان فرض كونها بلا معارض * ولا ينتقض * ذلك بما لو كان المتكفل لتطبيق دليل الترخيص على بعض أطراف العلم هو الشارع حيث يؤخذ بالترخيص في الطرف المأذون فيه ويكتفي في موافقة العلم بالاجتناب عن الطرف الآخر ( لان ) هذا الفرض لو فرض تحققه فلابد بمقتضى تنجيزية حكم العقل بتحصيل الفراغ الجزمي ، من التصرف في ترخيصه بجعله كناية عن جعل الطرف الآخر بدلا عن الواقع ، أو المصير إلى حجية المثبت في خصوص ذلك المورد فرارا عن الترخيص بلا جعل بدل ( كما لا ينتقض ) أيضا بموارد الدوران بين التكليفين المترتب أحدهما على عدم التكليف بالآخر كما في نذر الصوم المعلق على عدم كونه مديونا ، وكما في وجوب الحج المترتب على عدم كونه مكلفا بأداء دين ونحوه مما يوجب دعم الاستطاعة من جهته ، بدعوى انه لا شبهة في بنائهم على اثبات وجوب الصوم والحج في المثالين باجراء الأصول النافية مطلقا حتى غير التنزيلية بالنسبة إلى الدين ونحوه وانه لا يكون ذلك الا من جهة اقتضاء العلم الاجمالي للموافقة القطعية ، والا فبناء على علية العلم الاجمالي ومنعه عن جريان الترخيص في بعض الأطراف بلا جعل بدل في الرتبة السابقة ، لا مجال لاجراء الأصول المرخصة في المثالين بالنسبة إلى التكليف بأداء الدين فان في رتبة جريانها لم يثبت تكليف بالصوم والحج بل ثبوت التكليف بهما انما يكون في رتبة متأخرة عن جريان الأصول بالنسبة إلى التكليف بالدين ، ومثله لا يناسب علية العلم الاجمالي ( إذ نقول ) ان بنائهم على جريان الأصل النافي بالنسبة إلى الدين ونحوه في نحو المثال المزبور انما هو بالنظر إلى ما يترتب عليه من الأثر الوجودي وهو ثبوت التكليف بالصدقة في المثال الأول والحج في الثاني الموجب لسقوط العلم الاجمالي عن التأثير بالنسبة إلى طرفه ، لا انه بدوا بلحاظ صرف الترخيص والمعذورية فيه ( ومن الوضح ) انه مثله لا ينافي علية العلم الاجمالي ، لأنه بهذه الجهة يكون من قبيل الأصول المشتبه للتكليف في

ص: 316

بعض أطراف العلم الموجبة لسقوطه عن التأثير بالنسبة إلى الطرف الآخر ، ورجوع الشك فيه بدويا كما لو لم يكن له اثر غير ذلك ، ففي الحقيقة يكون ذلك نحو حيلة لايجاد العذر والتسهيل على المكلف باجراء الأصول النافية في بعض أطراف العلم ، ولكن لا بلحاظ نفس العذر والتسهيل كي ينافي علية العلم الاجمالي بل بمعونة احداث التكليف بالتصدق والحج الموجب لسقوط العلم عن التأثير ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون التكليف مترتبا شرعا على عدم التكليف بالدين واقعا ، أو على مطلق الحكم الأعم من الواقعي والظاهري ، غير أنه على الأول ينحصر الأصل الجاري في الدين في مقام اثبات التكليف بالأصول المحرزة كالاستصحاب ، بخلاف الثاني فإنه يكفي لاثبات التكليف المزبور الأصول غير التنزيلية أيضا ( ثم إن ذلك ) كله في فرض ترتب التكليف المزبور على عدم التكليف بالدين واقعا أو على مطلق عدم التكليف بالدين ولو ظاهرا ( واما لو كان ) مترتبا على مجرد معذورية المكلف عن الدين ولو عقليا كما في الحج بناء على ترتب وجوبه على القدرة الناشئة عن مطلق معذورية المكلف عن الدين أو عن تكليف آخر ، فجريان البراءة عن التكليف بالدين في هذا الفرض انما هو من جهة عدم منجزية مثل هذا العلم الاجمالي ( فان ) صلوح تأثيره في التنجيز انما يكون في فرض قابلية كل طرف من جهة احتمال انطباق المعلوم عليه للتنجز من قبله في عرض تنجز الطرف الآخر على نحو كان العلم الاجمالي محدثا عقلا لايجاب الحركة على وفق المحتملين كما في العلم الاجمالي بحرمة أحد الانائين حيث لا ينفك منجزية العلم الاجمالي في كل طرف عن منجزيته في الطرف الآخر ( ومن ) الواضح ان ذلك غير متصور في المقام ، إذ لا يكاد يجتمع منجزية العلم الاجمالي للتكليف بالحج مع منجزيته للتكليف بالدين لان في فرض منجزيته للتكليف بالدين نقطع بعدم وجوب الحج واقعا فلا يحتمل وجوبه كي يتنجز من قبله ومعه لا يصلح العلم المزبور للمنجزية ( وهذا ) بخلاف فرض ترتب وجوبه على عدم التكليف بالدين واقعا ( فان ) في فرض منجزية العلم للتكليف بالدين يحتمل وجوب الحج أيضا لاحتمال براءة ذمته عن الدين واقعا فلا قصور في العلم الاجمالي في منجزيته لكل من التكليفين لولا اقتضاء الأصل النافي للتكليف في طرف لاثبات التكليف في الطرف الآخر * وعلى كل حال *

ص: 317

لا مجال للتشبث بمثل هذه الموارد لاثبات اقتضاء العلم الاجمالي للموافقة القطعية لما عرفت من عدم كون الترخيص الجاري فيها منافيا مع علية العلم الاجمالي لوجوب تحصيل الجزم بالفراغ عند الاشتغال بالتكليف.

« هذا كله » مضافا إلى ما يلزم القول بالاقتضاء من الالتزام بالتخيير في الأصول النافية المشتملة على الترخيص على خلاف الواقع ، وذلك لا من جهة بقاء أحدهما لا بعينه تحت عموم دليل الترخيص كي يقال ان أحدهما المخير ليس من افراد العام ، بل من جهة تقييد اطلاق دليل الترخيص الجاري في كل طرف بحال عدم ارتكاب الاخر * لان * منجزية العلم الاجمالي وعليته لحرمة المخالفة القطعية على مسلك الاقتضاء انما يكون مانعا عن اطلاق الترخيص في كل واحد من طرفي العلم بالنسبة إلى حال الاجتناب عن الطرف الآخر وعدمه المستتبع لتجويز الجمع بينهما في الارتكاب ، وبالتقييد المسطور يرتفع المحذور المزبور ، ولا يحتاج إلى ارتكاب التخصيص باخراج كلا الفردين عن عموم أدلة الأصول ولو بضميمه بطلان الترجيح بلا مرجح ( إذ لا وجه ) لارتكاب التخصيص بعد امكان ابقاء كلا الفردين تحت عموم أدلة الأصول بتقييد الترخيص الجاري في كل طرف بحال عدم ارتكاب الاخر ( ونتيجة ) ذلك هو الالتزام بالتخيير في جريان الأصول في أطراف العلم ، لا التساقط * مع أن * ذلك مما لا يلتزم به أحد فيما اعلم * فان * بنائهم طرا على عدم جريان الأصول النافية في أطراف العلم الاجمالي ولو على نحو التقييد بالتقريب الذي ذكرناه * وقد أجاب * بعض الأعاظم قده عن هذا الاشكال بما حاصله ان التخيير في الموارد التي نقول به عند عدم قيام دليل عليه بالخصوص لابد وأن يكون بأحد الامرين ( أحدهما ) من جهة اقتضاء الكاشف والدليل الدال على الحكم ، كما لو ورد دليل عام على وجوب اكرام العلماء وعلم بخروج زيد وعمرو عن حكم العام في الجملة ، ولكنه شك في أن خروجهما عن عمومه هل هو على وجه الاطلاق بحيث لا يجب اكرامهما في حال من الأحوال ، أو أن خروجهما لا يكون على وجه الاطلاق بل كان خروج كل منهما مشروطا ومقيدا بحال اكرام الاخر بنحو يلزم من خروج كل منهما عن العام دخول الاخر فيه ، فالتزم في ذلك بان الوظيفة هو

ص: 318

التخيير في اكرام أحد الفردين وترك اكرام الاخر من جهة رجوع الشك بعد دوران التخصيص بين الافرادي والأحوالي إلى الشك في مقدار الخارج عن العموم المزبور ، المعلوم لزوم الاقتصار فيه على المتيقن خروجه وهو التخصيص الأحوالي فقط ( وثانيهما ) من جهة اقتضاء المدلول والمنكشف ولو مع عدم اقتضاء الدليل والكاشف لذلك ، كما في موارد تزاحم الواجبين في مقام الامتثال لعدم القدرة على الجمع بينهما ( وشئ ) من الوجهين غير تام في باب تعارض الأصول ( إذ لا ) شاهد عليه لا من جهة الدليل والكاشف ولا من جهة المدلول والمنكشف ، اما الأول فمن جهة اقتضاء دليل كل أصل من الأصول العملية جريانه عينا سواء عارضه أصل آخر أم لا ، وعدم ما يوجب التخيير في اجراء الأصلين المتعارضين ، واما الثاني فمن جهة ان المجعول في باب الأصول العملية انما هو مجرد الحكم بتطبيق العمل على مؤدى الأصل اما بقيد انه الواقع ، واما لا بقيد ذلك على اختلاف المجعول في باب الأصول التنزيلية وغيرها ، مع اعتبار أمور ثلاثة فيه ، أحدها الجهل بالواقع ، وثانيها امكان الحكم على المؤدى بأنه الواقع ، وثالثها عدم لزوم المخالفة العملية من اجرائها الموجب لانتفاء الحكم الظاهري بانتفاء أحد هذه الأمور الثلاثة ( وحيث ) انه يلزم من جريان الأصول في أطراف العلم الاجمالي مخالفة عملية فلا يمكن جعلها جميعا ، وجعل أحدهما تخييرا وان كان ممكنا الا انه يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه ، لا من ناحية أدلة الأصول ولا من ناحية المجعول فيها لعدم كون المجعول فيها معنى يقتضى التخيير انتهى ( ولكن لا يخفى ) ما فيه فإنه لم يعرف وجه للفرق بين المقام وبين ما ذكره من المثال في موارد ثبوت التخيير من جهة اقتضاء الكاشف بل المنكشف أيضا ( إذ نقول ) ان عموم دليل الأصل كقوله كل شيء لك حلال بعدما يقتضى بنفسه الشمول للشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي ، انما هو بمنزلة عموم اكرام العلماء في المثال ، وحكم العقل بقبح الترخيص في المخالفة القطعية المخرج لكلا المشتبهين في الجملة عن عموم دليل الحلية ، بعينه بمنزله ذلك المخصص المخرج لزيد وعمرو عن عموم اكرام العلماء ، والشك في أن خروج كل واحد من الطرفين عن عموم الحلية على وجه الاطلاق الشامل لحالي ارتكاب الاخر وعدمه

ص: 319

أولا على وجه الاطلاق بل مقيدا بحال عدم ارتكاب الاخر ، بمنزلة تردد خروج زيد وعمر وفي المثال في كونه على وجه الاطلاق أو مقيدا بحال عدم اكرام الاخر بنحو يلزم من خروج أحدهما عن العموم دخولي الاخر فيه ، فكما ان بعموم أكرم العلماء في المثال يعين التخصيص الأحوالي ويقال ان الوظيفة هو التخيير في اكرام أحدهما وترك اكرام الاخر « كذلك » بعموم دليل الحلية في المقام لكل من المشتبهين بعين التخصيص الأحوالي ويثبت التخيير في اجراء أحد الأصلين المتعارضين ، جمعا بين عموم دليل الحلية لكل واحد من الفردين ، وبين حكم العقل بعدم امكان الجمع بين الحليتين ، بل التخيير في المقام أوضح مما في المثال * لان * المنع العقلي فيه بدوا انما كان عن الاطلاق الحالي في الأصل الجاري في كل واحد من الفردين الموجب للجمع بينهما في الحكم بالحلية ، لا عن أصل عموم الحلية لكل واحد منهما ولو مقيدا بحال دون حال ، فبالتقييد الحالي يرتفع المنع العقلي ، وتصير النتيجة هو التخيير في اجراء أحد الأصلين ، بخلاف المثال فان الحكم بالتخيير فيه انما هو من جهة قضية الاقتصار على المتيقن خروجه بعد اجمال المخصص ودورانه بين كونه أفراديا وأحواليا ( وتوهم ) ان عدم جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي انما هو من جهة عدم انحفاظ مرتبه الحكم الظاهري مع العلم الاجمالي لا من جهة مخصص لعمومه * مدفوع * بما تقدم سابقا من عدم منافاة مجرد العلم الاجمالي مع قطع النظر عن منجزيته عن شمول الأصل ثبوتا لأطراف العلم بعد الشك الوجداني في كل واحد منها * وبما ذكرنا * ظهر امكان تطبيق التخيير في المقام على التخيير في باب المتزاحمين * بتقريب * ان عدم امكان الجمع بين الفعلين في المتزاحمين كما يكون مانعا عن الاخذ باطلاق التكليفين في الفعلية لكونه من التكليف بما لا يطاق « كذلك » يكون حكم العقل بامتناع الجمع بين الحليتين مانعا عن الاخذ باطلاق الحليتين ، وكما أن المانع في المتزاحمين لا يقتضى الا رفع اليد عن إحدى الفعليتين لا عن كليتهما ، كذلك لا يقتضي هذا المانع الا رفع اليد عن إحدى الحليتين لا عن كليتهما ( ولازمه ) هو الالتزام بالتخيير في المقام أيضا ، اما بالتقييد الحالي في اطلاق الحلية لكل من الطرفين ، واما لكشف العقل الحلية التخييرية بعين كشف الحكم التخييري في

ص: 320

المتزاحمين بعد سقوط التكليفين ، لوجود الملاك التام في كل من الحليتين كالتسهيل على المكلفين ونحوه لا البناء على التساقط واخراج كلا الفردين عن عموم الحلية ، ولعمري ان هذا الاشكال على القول بالاقتضاء في الوضوح بمثابة لا مجال للخدشة فيه ولا للذب عنه الا بالالتزام بعلية العلم الاجمالي للموافقة القطعية.

( ثم إن لازم ) القول بالاقتضاء جواز الرجوع إلى الأصل النافي للتكليف في بعض الأطراف عند خلوه عن المعارض في الطرف الآخر كما يفرض ذلك في العلم الاجمالي بنجاسة أحد الانائين اللذين كان أحدهما متيقن الطهارة سابقا ، فان مقتضى ذلك بعد تعارض أصالة الطهارة الجارية في الطرف الآخر مع استصحاب الطهارة في متيقن الطهارة ، هو الرجوع إلى قاعدة الطهارة في الاناء الجاري فيه استصحابها ، نظرا إلى سلامتها عن المعارض في ظرف جريانها ، لسقوط معارضها في المرتبة السابقة عن جريانها بمعارضته مع الاستصحاب الحاكم عليها ( مع أن ذلك ) كما ترى لا يظن التزامه من أحد ، حيث إن ظاهر الأصحاب قدس اللّه اسرارهم هو التسالم على عدم ترتيب اثار الطهارة على مثله من جواز شربه واستعماله فيما يعتبر فيه الطهارة كما يكشف عنه حكمهم بلزوم اهراقهما والتيمم للصلاة كما في النص الشامل باطلاقه لمثل الفرض ( وقد يقال ) في التفصي عن ذلك بان عدم التزامهم بالطهارة في نحو الفرض المزبور انما هو من جهة سقوط أصالة الطهارة فيه بمعارضتها مع أصالة الطهارة الجارية في الاناء الاخر ( بتقريب ) ان تعارض الأصول انما هو باعتبار تعارض مؤدياتها وما هو المجعول فيها ( وحيث ) ان المجعول والمؤدى في كل من القاعدة والاستصحاب لا يكون الا طهارة واحدة لمشكوك الطهارة والنجاسة ، لا طهارتان مستقلتان ، تارة بمقتضى الاستصحاب وأخرى من جهة القاعدة ، لوضوح عدم امكان جعل الطهارتين لشئ واحد ، لأنه مضافا إلى لغوية الجعل الثاني بعد جعل الأول بمقتضى الاستصحاب ، يلزم اجتماع المثلين في موضوع واحد ( فلا جرم ) بعد العلم الاجمالي بنجاسة أحد الانائين ووحدة المؤدى والمجعول في كل من الاستصحاب والقاعدة ، تعارض قاعدة الطهارة في الاناء الاخر مع كل من

ص: 321

الاستصحاب والقاعدة في متيقن الطهارة ، فتسقط الجميع في عرض واحد ، ولا يلتفت إلى ما بين استصحاب الطهارة وقاعدتها من الحكومة بعد اتحاد المجعول فيهما ( ولكن فيه ) أولاً ان الممتنع انما هو جعل الطهارتين لشئ واحد في عرض فارد ، واما جعل الطهارتين الطوليتين بنحو يكون أحد الجعلين في طول الجعل الاخر وفي ظرف عدم ثبوته ، فهو في غاية الامكان ، إذ لا محذور من مثل هذين الجعلين بعد عدم اجتماعهما في زمان واحد بل ومرتبة واحدة وعدم ثبوت المتأخر الا عند عدم ثبوت المتقدم ومعه يبقى الاشكال على حاله لجريان قاعدة الطهارة في الاناء الجاري فيه استصحابها بلا معارض ( وثانيا ) مع الاغماض عن ذلك ، نقول انه بعد جعل الشارع لهذا المجعول الواحد طريقين أحدهما في مرتبة الدلالة والحجية في طول الاخر بحيث لا يكاد وصول النوبة إلى التعبد بعموم الثاني الا بعد سقوط عموم الأول عن الحجية ولو بالتعارض ، لا بأس في الاخذ بالقاعدة والتمسك بعمومها في ظرف سقوط الاستصحاب عن الحجية بالتعارض ( وما أفيد ) من معارضه قاعدة الطهارة في الاناء الاخر مع كل من الاستصحاب والقاعدة في متيقن الطهارة « مدفوع » بان الأصل الواحد الجاري في طرف وان كان يعارض الأصول المتعددة في الطرف الآخر ، الا انه لا يعارض الا ما كان جاريا في ظرف جريانه « وبعد ما » لا تجرى قاعدة الطهارة في مستصحب الطهارة الا في ظرف سقوط أصالة الطهارة في الطرف الآخر في المرتبة السابقة عن جريانها بالمعارضة مع الاستصحاب الحاكم عليها ، لا مجال لدعوى السقوط فيها كما هو واضح « مع أن » لازم البيان المزبور هو المنع عن جريان قاعدة الطهارة في طرف المسبب أيضا عند سقوط الأصل الجاري في السبب بالمعارضة كما في الثوب المغسول في الاناء المتيقن طهارته في الفرض ، وكذا المغسول بالماء المتمم كرا بطاهر أو نجس ، نظرا إلى ما يلزمه من تعدد الجعل فيه « تارة » من ناحية الأصل الجاري في السبب وهو الماء بلحاظ كونه من الآثار الشرعية المترتبة على طهارة الماء المغسول به الموجب لكون التعبد بطهارته تعبدا بطهارة الثوب أيضا ( وأخرى ) من جهة الأصل الجاري في نفس الثوب في ظرف سقوط الأصل السببي ( فلا بد ) ح من المنع عن جريان استصحاب

ص: 322

الطهارة أو قاعدتها فيه بعين مناط المنع عن جريان قاعدة الطهارة في الطرف الجاري فيه استصحابها ، وهو كما ترى لا يظن توهمه من أحد « فلا محيص » من الالتزام بجريان أصالة الطهارة في طرف الثوب في نحو المثال المزبور عند سقوط الأصل الجاري في طرف السبب ، اما بمناط الطولية بين الجعلين كما ذكرناه ، واما بمناط الطولية بين الطريقين في فرض وحدة المجعول وعدم تعدده « ولازمه » المصير في المقام إلى طهارة أحد الطرفين لجريان قاعدة الطهارة فيه بلا معارض ، وهذا أيضا مما لا يكون له دافع الا الالتزام بعلية العلم الاجمالي للموافقة القطعية ومنعه عن جريان الأصل النافي للتكليف في بعض الأطراف ولو بلا معارض.

بقى التنبيه على أمور

( الأول ) لا فرق في منجزية العلم الاجمالي وعليته لوجوب الموافقة القطعية ، بين ان يكون المعلوم بالاجمال عنوانا معينا ذا حقيقة واحدة كالعلم الاجمالي بنجاسة أحد الانائين ، وبين ان يكون عنوانا مرددا بين عنوانين مختلفي الحقيقة كما في العلم الاجمالي اما بنجاسة هذا الاناء أو غصبية الاناء الاخر ، فيجب الاجتناب عن الجميع للأدلة المتقدمة ( خلافا ) للمحكي عن صاحب الحدائق قدس فاعتبر ان يكون المعلوم بالاجمال عنوانا معينا غير مردد ، نظرا إلى أنه مع التردد بين العنوانين لا علم بخطاب جامع بينهما ( لان ) المعلوم فيه انما هو مفهوم الخطاب وهو غير صالح للتنجز « ولكن » فيه انه يكفي في تنجيز الواقع العلم بما هو منشأ انتزاع هذا المفهوم وهو الالزام المولوي بعثا وزجرا فان مناط التحميل بنظر العقل انما هو احراز طبيعة امر المولى أو نهيه بلا دخل خصوصية فيه فمع فرض انكشاف ذلك لدى العقل وعدم قصور العلم في كشفه عن الالزام المولوي بالاجتناب عن أحد الانائين يتحقق موضوع حكمه بالاشتغال ووجوب الموافقة القطعية « واما توهم » عدم تأثير العلم الاجمالي في الفرض المزبور ، بدعوى ان حرمة التصرف في العصب انما هي من الآثار المترتبة على العلم بالغصبية بحيث كان للعلم والاحراز دخل في ترتبها ، لا انها من لوازم الغصب الواقعي بشهادة بنائهم

ص: 323

على صحة الوضوء والغسل بالماء المغصوب مع الجهل بالغصبية حين الوضوء ، ومع عدم احرازها لا اثر للعلم الاجمالي المزبور ، إذ لا يحدث من مثله العلم بالتكليف الفعلي على كل تقدير « لان » أحد الطرفين وهو مشكوك الغصبية لا تكليف بالاجتناب عنه ، والطرف الآخر وهي النجاسة يرجع الشك فيها إلى الشك البدوي ( فمدفوع ) بمنع دخل العلم والاحراز في موضوع الحرمة في طرف الغصب ، بل تمام الموضوع لها كما تقتضيه النصوص وكلمات الأصحاب انما هو الغصب الواقعي علم به المكلف أو جهل ، غاية الامر مع الجهل به يكون المكلف معذورا كمعذوريته في شرب النجس مع الجهل بالموضوع أو الحكم لا عن تقصير ، وبنائهم على صحة العبادة مع الجهل بالغصبية ولو على الامتناع وتغليب المفسدة ، انما هو من هذه الجهة لاشتمال الماتى به « ح » على المصلحة وتأثيرها في حسنه الفعلي ولو من حيث صدوره عن الفاعل بعد عدم تأثير المفسدة الغالبة مع المعذورية بالجهل المزبور في المبغوضية الفعلية ، ولذلك لا يفرقون في الحكم بالصحة والمعذورية من جهة العقوبة بين الجهل بالموضوع والجهل بالحكم لا عن تقصير ( و ح ) فإذا لم يكن قصور في العلم الاجمالي في كشفه عن الالزام المولوي المردد في البين ، فلا محالة يؤثر في التنجيز ولازمه بحكم العقل هو الخروج عن عهدة التكليف بترك التصرف في كل من الانائين وترتيب اثار كل من النجاسة والغصب على كل منهما تحصيلا للموافقة القطعية لكلا الحكمين.

( الامر الثاني ) الظاهر أنه لا فرق في تأثير العلم الاجمالي في وجوب الموافقة القطعية ، بين الموجودات فعلا ، والموجودات تدريجا لجريان الأدلة المتقدمة واتحاد المناط فيهما فيجب على المرأة المضطربة التي تعلم أنها تحيض في الشهر ثلاثة أيام الاجتناب عن قرائة الغرائم ودخول المساجد ويجب على زوجها الاجتناب عن وطيها في تمام الشهر ( وكذا ) يجب على التاجر الذي يعلم ابتلائه في يومه أو شهره بالمعاملة الربوية الامساك عن ما لا يعلم حكمه من المعاملات في تمام اليوم والشهر ( من غير فرق ) في ذلك بين ما يكون الزمان فيه مأخوذا على نحو الظرفية المحضة بلا دخل فيه لا في التكليف ولا في موضوعه كما في المثال الثاني ، وبين ما يكون الزمان فيه مأخوذا على نحو القيدية ، للمكلف به كما

ص: 324

لو نذر أو حلف على ترك الوطي في ليلة خاصة واشتبهت بين ليلتين أو أزيد ، أو لنفس التكليف كمثال الحيض المتقدم فان لأيام الحيض دخل في ملاك الحكم وفي أصل التكليف بترك الوطي والعبادة ودخول المساجد وقراءة العزائم ( فان ) في جميع هذه الصور لابد بمقتضى العلم الاجمالي من الاحتياط بالاجتناب عن جميع الأطراف ( اما الصورة الأولى ) كمثال العلم بالابتلاء بالمعاملة الربوية في خلال اليوم أو الشهر ، فظاهرة « للعلم » بالتكليف الفعلي من أول اليوم أو الشهر بالاجتناب عن المعاملة الربوية في تمام اليوم أو الشهر ، فلابد من التحرز في تمام اليوم والشهر عن كل معاملة يحتمل كونها ربوية « نعم بناء » على عدم التفكيك بين ظرف فعليته التكليف وظرف فاعليته الذي هو ظرف المأمورية وارجاع الواجب المعلق لأجله إلى الواجب المشروط بزمانه « لابد » من الحاق هذه الصورة بالواجب المشروط للاشكال حينئذ في تأثير مثل هذا العلم الاجمالي بعدم تعلقه بالتكليف الفعلي على كل تقدير ( بداهة ) انه على المبنى المزبور لا يكاد يكون التكليف بالترك في اخر اليوم والشهر فعليا من أول اليوم والشهر كي يصدق العلم الاجمالي بالتكليف الفعلي على الاطلاق من أول اليوم والشهر ، بل لابد وأن يكون التكليف بالترك في اخر اليوم مشروطا بزمانه لرجوعه إلى دخل الزمان فيه في أصل الخطاب وتوجيه التكليف الفعلي بالنسبة إليه وان لم يكن له دخل في ملاك الحكم ، ولازمه جريان الأصول النافية للتكليف في جميع الأطراف لولا دعوى استقلال العقل حينئذ بقبح الاقدام على ما يؤدى إلى تفويت مراد المولى ( وبما ذكرنا ) ظهر الحال في الصورة الثانية أيضا ، فإنه على المختار من امكان المعلق كما حققناه في مبحث مقدمة الواجب لا اشكال في وجوب الاجتناب ، لامكان التكليف الفعلي من الحين بالنسبة إلى الامر الاستقبالي قبل مجيء وقته فيجب بمقتضى العلم الاجمالي الاحتياط بترك الوطي في كل من الليلتين ولزوم حفظ القدرة فعلا على الطرف الآخر في ظرفه وموطن قيده ، لاقتضاء فعلية الخطاب حينئذ لاحداث الإرادة الغيرية نحو المقدمات المفوتة حتى في الموقتات قبل وقتها ، كما يكون ذلك هو الشأن في فرض كون الخطاب وجوبيا ( فإنه ) مع العلم الاجمالي بوجوب أحد الامرين يحكم العقل بلزوم الآيتان بالطرف الفعلي مع حفظ القدرة على الطرف

ص: 325

الاخر في موطنه ، من دون احتياج إلى خطاب آخر مسمى بمتمم الايجاب وبالوجوب التهئ ، ولا إلى اتعاب النفس باثبات انه مع العلم بتحقق الملاك الملزم فيما بعد يستقل العقل بقبح تفويته ( نعم ) انما يتجه ذلك بناء على ارجاع المعلق إلى المشروط لعدم التفكيك بين ظرف فعلية التكليف وظرف المأمور به ( فإنه بعد ) ما لا يكون التكليف بترك الوطي في الليلة المتأخرة فعليا من الليلة الحاضرة لخروجه عن القدرة فعلا ، يحتاج في المنع عن جريان الأصول النافية إلى دعوى استقلال العقل في ظرف العلم بتحقق الغرض الملزم من المولى ، بلزوم حفظ القدرة على تحصيله وقبح الاقدام على ما يوجب فواته المنتج في المقام لحكمه بترك الاقتحام في الطرف الفعلي مع حفظ القدرة على الطرف الآخر في زمانه ( وبذلك اتضح ) حكم ما إذا كان للزمان دخل في كل من الملاك والخطاب كالحيض المردد بين كونه في أول الشهر أو اخره ( فإنه ) وان لم يكن تأثير للعلم الاجمالي لعدم تعلقه بالتكليف الفعلي في شيء من آنات أزمنة الشهر ( الا انه ) بعد استقلال العقل بقبح الاقدام على ما يوجب فوات مطلوب المولى لابد من الاحتياط بترك الاقتحام في الطرف الفعلي مع حفظ القدرة على الطرف الآخر في زمانه ، لرجوع العلم الاجمالي المزبور مع هذا الحكم العقلي إلى العلم بلزوم أحد الامرين عليه ، ومعه لا يبقى المجال لجريان الأصول النافية للتكليف في الأطراف كي ينتهى الامر إلى جواز المخالفة القطعية ( ثم إن ذلك ) على ما هو المشهور في الواجب المشروط من إناطة فعلية البعث والتكليف بوجود الشرط خارجا ( واما على ) ما هو المختار فيه كما حققناه في محله من عدم اناطته الا بفرض وجود الشرط ولحاظه طريقا إلى الخارج من دون توقف لفعليته على وجوده في الخارج فالامر أوضح ، نظرا إلى فعلية الايجاب والإرادة التي هي مضمون الخطاب في الفرض المزبور ، غاية الامر محركية مثل هذه الإرادة وفاعليتها انما تكون في ظرف وجود القيد في الخارج وتطبيق العبد إياه على المورد ، ولكن مثل هذه المرحلة خارجة قطعا عما هو مفاد الانشاء في الخطابات التكليفية ، لأنها انما تنتزع عن مرتبة تأثير الخطاب في تحريك العبد نحو الإطاعة التي هي متأخرة عن مرتبة الخطاب ومضمونه فلا يمكن اخذ مثل هذه الجهة في مضمون

ص: 326

الخطاب في عالم جعل الاحكام ولتحقيق الكلام في هذه الجهة مقام آخر ، والمقصود في المقام بيان انه على المختار في الخطابات التكليفية طرا من كفاية مجرد فرض وجود الموضوع بحدوده وقيوده في لحاظ المولى طريقا إلى الخارج في فعلية مرتبة من الإرادة الباعثة إلى التوصل إلى حفظ المراد من ناحية انشاء الخطاب واقتضائها بحكم العقل بلزوم حفظ القدرة من ناحية غير شرط الوجوب ، لا قصور في المقام في صدق العلم الاجمالي بالتكليف الفعلي ومنجزيته عقلا ، فإنه في ظرف العلم بحصول شرط الوجوب في موطنه بحكم العقل بمقتضى العلم الاجمالي بلزوم ترك الطرف الفعلي مع حفظ القدرة على الطرف الآخر في موطنه كما هو ظاهر.

( الامر الثالث ) الظاهر أنه لا فرق في وجوب الاحتياط بالموافقة القطعية ، بين ان يكون ثبوت التكليف في البين من جهة العلم الوجداني كما في العلم الاجمالي بنحاسة أحد الكأسين أو خمرية أحد المايعين ، وبين ان يكون بقيام طريق تعبدي عليه كما لو قامت البينة على خمرية أحد المايعين ففي الثاني أيضا لابد من اجراء قواعد العلم الاجمالي من حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية ومقتضاه هو المنع عن جريان الأصول النافية أيضا ولو في طرف واحد بلا معارض فضلا عن جريانها في الطرفين كل ذلك لدليل التعبد بالبينة ( نعم ) قد يتوهم حينئذ وقوع التنافي بين التعبد بنجاسة أحد الكأسين بمقتضى البينة ، وبين التعبد بطهارة كل من الكأسين بمقتضى الأصل الجاري فيهما ( بتقريب ) ان مفاد البينة لما لا يكون الا نجاسة أحد الكأسين بهذا العنوان الاجمالي ، فلا جرم تجرى أصالة الطهارة في كل واحد من الكأسين بعنوانهما التفصيلي لمكان تحقق موضوعها هو الشك الوجداني في كل واحد منهما وعدم ارتفاعه لا بالوجدان ولا بالتعبد ، لاختلاف موضوع التعبد بالبينة مع موضوع التعبد بالطهارة في الأصلين ( ومع جريان ) أصالة الطهارة فيهما يقع التنافي بين التعبد بالبينة بالنسبة إلى العنوان الاجمالي المعبر عنه بأحد الكأسين ، وبين التعبد بكل من الأصلين في كل واحد من الكأسين ، ولا ترجيح في تقديم التعبد بالبينة على التعبد بالأصل الجاري في الطرفين ( ولا يقاس ) ذلك بالعلم الوجداني بنجاسة أحد الكأسين ، لان

ص: 327

العلم الاجمالي لما كان بنفسه كاشفا تاما عن الواقع وحجة على ثبوت التكليف في البين كان مانعا بحكم العقل عن مجيء الترخيص على خلافه في الأطراف ( وهذا بخلاف ) مثل البينة حيث إن طريقيتها لثبوت التكليف لا يكون ذاتيا كالعلم لمكان احتمال الخلاف بالوجدان وانما كان ذلك بمعونة جعل شرعي بالتعبد بها ، ومع فرض التنافي بين قضية التعبد بها وبين التعبد بالأصل الجاري في كل واحد من الأطراف ، يتوجه الاشكال في تقديم البينة على الأصل الجاري في الأطراف بعد تغاير موضوعهما وعدم اقتضاء البينة ولو بدليل اعتبارها لرفع موضوع الأصل ( ولكن يندفع ذلك ) بان مفاد البينة في مفروض البحث وان كان نجاسة أحد الكأسين بهذا العنوان الاجمالي الا ان تقديمها على الأصل الجاري في الطرفين انما يكون بمناط الحكومة لمكان ورودها على موضوع الأصلين واقتضائها بالالتزام لنفى الطهارة الثابتة في كل من الطرفين بنحو يلازم نفيها في كل طرف لثبوتها في الطرف الآخر ( توضيح ذلك ) انه لا شبهة في أن مقتضى أصالة الطهارة في الطرفين مع قطع النظر عن قيام البينة على نجاسة أحدهما انما هو طهارة كل واحد من الكأسين بالطهارة المطلقة المجتمعة مع طهارة الكاس الاخر ، واما بعد قيام البينة على نجاسة أحدهما ، فحيث انه يلازم قيامها على ذلك لقيامها على انتفاء تلك الطهارة المطلقة التي يقتضيها الأصل في كل منهما ، فلا محاله بشمول دليل اعتبارها لمدلولها الالتزامي ترتفع تلك الطهارة المطلقة الثابتة بمقتضى الأصل لكل واحد من الطرفين ، ولازمه الغاء التعبد بالأصلين في كل من الطرفين من هذه الجهة لحكومة دليل التعبد بالبينة من هذه الجهة حسب اقتضائه لتتميم الكشف على دليل التعبد بالطهارة فيهما ( نعم ) بعد قيام البينة على نحاسه أحد الكأسين واقتضائها بدليل اعتبارها لالغاء احتمال تلك الطهارة المطلقة فيهما ، يحدث شك اخر في طهارتهما على نحو يلازم طهارة كل منهما لنجاسة الاخر ( ولكن ) نشؤ هذا الشك حيث كان من قبل قيام البنية على نجاسة أحدهما ، يتمحض التنافي في هذه المرحلة بين الأصلين الجاريين في الطرفين لاقتضاء كل أصل لقصر الطهارة في مورده وفى مثله لابد من اعمال قواعد العلم الاجمالي من حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية المستلزم للمنع عن جريان الأصل ولو في طرف

ص: 328

واحد بلا معارض.

( الامر الرابع ) لو كان العلم الاجمالي في أطراف غير محصورة عرفا ، ففي تأثيره في وجوب الاجتناب مطلقا أو بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية وعدمه خلاف بين الاعلام والمشهور على عدم وجوب الاحتياط ، وتنقيح الكلام فيه يقع من جهتين ( الأولى ) في بيان الضابط لكون الشبهة غير محصورة ( الثانية ) في بيان حكمها ( اما الجهة الأولى ) فقبل التعرض لها لا بأس بتمهيد مقدمة في تحرير موضوع البحث ، وهي انه لا شبهة في أن البحث في المقام عن منجزية العلم الاجمالي وعدمه كما يقتضيه ظاهر العنوان في كلماتهم ممحض في مانعية كثرة الأطراف عن تأثير العلم وعدمه فلابد حينئذ من فرض الكلام في مورد يكون خاليا عن جميع ما يوجب المنع عن تأثير العلم الاجمالي كالعسر والحرج وكالاضطرار إلى ارتكاب بعض الأطراف ، أو خروجه عن مورد الابتلاء ، بحيث لولا كثرة الأطراف لكان العلم الاجمالي منجزا بلا كلام ، والا فمع طر واحد هذه الطوارئ لا يفرق بين المحصور وغيره ، لان في المحصور أيضا لا يجب الاحتياط فلا خصوصية حينئذ لغير المحصور كي يصح جعله عنوانا برأسه في قبال المحصور ( وعليه ) فلا مجال للاستدلال في المقام على عدم وجوب مراعاة العلم الاجمالي ، بالعسر والحرج تارة ، وبعدم كون جميع الأطراف محل الابتلاء أخرى ، وثالثه بغير ذلك من الطوارئ المانعة عن تأثير العلم الاجمالي ( وتوهم ) ان ذلك من جهة ملازمة كثرة الأطراف مع أحد هذه الموانع خصوصا العسر والحرج ( مدفوع ) بأنه لو سلم ذلك فإنما هو في العلم الاجمالي في الواجبات ( واما ) في المحرمات المقصود منها مجرد الترك فلا ، لان كثيرا ما يتصور خلو كثرة الأطراف عن الموانع المزبورة ( مع أن العبرة ) حينئذ تكون بها لا بكثرة الأطراف ( وبعد ما عرفت ) ذلك نقول انهم ذكروا وجوها في ضابط كون الشبهة غير محصورة ( منها ) ما عن الشيخ قدس سره من تحديده بما بلغ كثرة الأطراف إلى حد يوجب عدم اعتناء العقلاء بالعلم الاجمالي فيها ، لما هو المعلوم من اختلاف حال العلم الاجمالي عند العقلاء في التأثير وعدمه مع قلة المحتملات وكثرتها ، كما يرى بالوجدان الفرق الواضح بين قذف أحد

ص: 329

الشخصين لا بعينه وبين قذف أحد من في البلد ، حيث يرى تأثير كلا الشخصين في الأول وعدم تأثير أحد من في البلد في الثاني وكذا لو أخبر شخص بموت شخص مردد بين ولده وشخص اخر أجنبي ، فإنه يضطرب حاله بمجرد سماع هذا الخبر ، بخلاف صورة الاخبار بموت شخص من أهل بلده مرددا كونه في نظره بين ولده وبين غيره من أهل البلد ، حيث لا يتأثر ولا يضطرب حاله من الاخبار المزبور ( وفيه ان ) ما أفيد من عدم اعتناء العقلاء بالضرر مع كثرة الأطراف ، انما يتم في مثل المضار الدنيوية ، وذلك أيضا فيما يجوز توطين النفس على تحملها لبعض الاعراض ، لاما يكون مورد الاهتمام التام عندهم كالمضار النفسية ، والا ففيها يمنع اقدامهم على الارتكاب بمحض كثرة الأطراف لو علم بوجود سم قاتل في كأس مردد بين الف كؤوس أو أزيد يرى أنه لا يقدم أحد على ارتكاب شيء من تلك الكؤوس وان بلغت الأطراف في الكثرة ما بلغت ، لا في المضار الأخروية التي يستقل العقل فيها بلزوم التحرز عنها ولو موهوما ، فان في مثله لابد في تجويز العقل للارتكاب من وجود مؤمن يوجب القطع بعدم العقوبة على ارتكابه ولو باخراجه عن دائرة المفرغ بجعل ما هو المفرغ غيره من الأطراف الاخر ، والا فبدونه لابد من الاحتياط بالاجتناب عن كل ما يحتمل انطباق المعلوم بالاجمال عليه ولو موهوما ، نظرا إلى مساوقة احتمال المزبور لاحتمال الضرر والعقوبة المحكوم بحكم العقل بوجوب دفعه والتجرز عنه ( ومنها ) تحديده كما عن جماعة بما بلغ كثرة الأطراف إلى حد يعسر عدها في زمان قليل ( وفيه ) أيضا ما لا يخفى ، فان لازمه ان يكون العلم الاجمالي بنجاسة حبة من الحنطة أو الأرز أو غصبيتها في ضمن أوقية من غير المحصور للمناط المزبور ، مع أنه كما ترى لا يظن منهم الالتزام بذلك ( ومنها ) ما عن بعض الاعلام قدس سره من تحديد عدم حصر الشبهة ببلوغ كثرة الأطراف إلى حد لا يتمكن المكلف عادة من جمعها في الاستعمال من اكل أو شرب أو غيرهما ، لا مجرد كثرة الأطراف ولو مع التمكن العادي من المخالفة بالجمع بين الأطراف في الاستعمال ، ولا مجرد عدم التمكن العادي من الجمع بينها من دون كثرة الأطراف ( وفيه ) ان أريد من عدم التمكن من الجمع بين الأطراف في

ص: 330

الاستعمال عدم التمكن منها ولو تدريجا بمضي الليالي والأيام ، فلا ريب في فساده إذ ما من شبهة غير محصورة الا ويتمكن المكلف من الجمع بين أطراف الشبهة ولو تدريجا وفى أزمنة طويلة ( وان أريد ) بذلك عدم التمكن من الجمع بينها في زمان قصير ، فهذا يحتاج إلى تحديده بزمان معين ولا معين في البين « مع أن لازمه » اندراج الشبهة الكثير في الكثير في غير المحصور من جهة تحقق الضابط المزبور كما في العلم الاجمالي بنجاسة الف ثوب في الفين ، مع أنه لا شبهة كما سيجيء في كونها ملحقة بالمحصور « وحينئذ فالأولى » ان يقال في تحديد كون الشبهة غير محصورة ان الضابط فيها هو بلوغ الأطراف في الكثرة بمثابة توجب ضعف احتمال وجود الحرام في كل واحد من الأطراف بحيث إذا لو خط كل واحد منها منفردا عن البقية يحصل الاطمينان بعدم وجود الحرام فيه الملازم للاطمينان بكون الحرام المعلوم في بقية الأطراف « وتوهم » منافاة الاطمينان بالعدم في كل واحد منها مع العلم الاجمالي بوجود الحرام في بعضها لضرورة مضادة العلم بالموجبة الجزئية مع الظن بالعدم في كل طرف بنحو السلب الكلي ( مدفوع ) بأنه كذلك في فرض اقتضاء ضعف الاحتمال في كل طرف للاطمينان بعدم التكليف فيه تعينيا ولو ملحوظا معه غيره من الأطراف الاخر ( واما ) اقتضاء الاطمينان بالعدم في كل طرف ملحوظا كونه منفردا عن البقية بنحو يلازم للاطمينان بالوجود فيما عداه فلا محذور فيه ، إذ لا يلزم منه اجتماع العلم بالموجبة الجزئية مع الظن بالسلب الكلي ، بل ما يلزمه انما هو العلم بالموجبة الجزئية مع الظن بالسلب الجزئي في كل طرف على البدل ولا تنافي بينهما كما هو ظاهر ( فإذا فرض ) حجية هذا الاطمينان لدى العقلاء لبنائهم على عدم الاعتناء باحتمال الخلاف البالغ في الضعف إلى هذه المثابة ولو لكونه من العلوم العادية لهم فلا يجب رعاية العلم الاجمالي بالاحتياط في الجميع ولو مع التمكن العادي من ذلك ( ثم اعلم ) ان العبرة في المحتملات قلة وكثرة انما هي بكثرة الوقايع التي تقع موردا للحكم بوجوب الاجتناب مع العلم بالحرام تفصيلا ، ويختلف ذلك في أنظار العرف باختلاف الموارد ، فقد يكون تناول أمور متعددة باعتبار كونها مجتمعة يعد في انظارهم وقعة واحدة كاللقمة من الأرز ويدخل المشتمل على الحرام

ص: 331

منها في المحصور كما لو علم بوجود حبة محرمة أو نجسة من الأرز أو الحنطة في الف حبة مع كون تناول الف حبة من الأرز في العادة بعشر لقمات فان مرجعه إلى العلم بحرمة تناول أحد لقماته العشر ومضغها لاشتمالها على مال لغير أو النجس ، وقد يكون تناول كل حبة يعد في انظارهم واقعة مستقلة كما لو كانت الحبوب متفرقة أو كان المقام يقتضي كون تناولها بتناول كل حبة حبة ، ومضغها منفردة فيدخل بذلك في غير المحصور ( واما الجهة الثانية ) فالمشهور بين الأصحاب رضوان اللّه عليهم شهرة عظيمة هو عدم وجوب الموافقة القطعية فيها على خلاف بينهم في حرمة المخالفة القطعية ، بل ونقل الاجتماع عليه مستفيض كما عن الروضى ومحكى جامع المقاصد ، بل عن المحقق البهبهاني قدس سره دعواه صريحا مع زيادة انه من ضرورة الدين قال في حاشيته على المدارك ان الاجماع وضرورة الدين وطريقة المسلمين في الاعصار والأمصار على عدم وجوب الاجتناب فيها ونحوه كلامه الاخر المحكى عن فوائده وهو كما أفادوه ، فإنه بالتتبع في كلماتهم في الفقه يظهر بان عدم وجوب الاجتناب في الشبهات غير المحصورة في الجملة عندهم من المسلمات ، بل يمكن دعوى كونه مغروسا في أذهان عوام المتشرعة أيضا ، ولا ينافي ذلك ما عن بعضهم من الاستدلال للحكم المزبور ، تارة بالعسر والحرج المنفيين ، وأخرى بعدم كون جميع الأطراف مع عدم الحصر مورد ابتلاء المكلف ، وثالثه بغير ذلك كالاضطرار ونحوه ، فان الظاهر أن ذلك منهم من قبيل بيان نكتة الشيء بعد وقوعه ، وبعد ذا لا يصغى إلى ما عن بعض من الوسوسة في الحكم المزبور ومصيره إلى الخلاف ، كل ذلك ( مضافا ) إلى كونه من مقتضيات الضابط الذي ذكرناه لغير المحصور ( فإنه ) مع بلوغ كثرة الأطراف إلى حد تورث الوهن في احتمال مصادفة كل فرد بشخصه للحرام الواقعي عند لحاظه منفردا عن البقية بحيث يطمئن فيه بالعدم ، يخرج احتمال التكليف في كل فرد عن مورد اعتناء العقلاء ، فلا يستقل العقل فيه بوجوب الاجتناب مراعاتا للاحتمال المزبور ( نعم ) لما كان ضعف احتمال وجود التكليف في كل فرد بانفراده ملازما لقوة احتمال وجوده في البقية ( أمكن ) دعوى ان بنائهم على عدم الاعتناء باحتمال التكليف في كل فرد ( انما ) هو لاخذهم بالظن القائم بالوجود في البقية

ص: 332

الراجع إلى بنائهم على بدلية أحد الأطراف عن الواقع في المفرغية ولو تخييرا ( والا ) فضعف احتمال وجود التكليف في كل فرد لا يكون مصححا لجواز الارتكاب وان بلغ في الضعف ما بلغ خصوصا على مبنى علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية ( ولعلة إلى ) ذلك يكون نظر الأصحاب في بنائهم على عدم وجوب الاحتياط ورعاية احتمال التكليف في كل فرد ، والا فمن البعيد جدا قيام اجماع تعبدي منهم في البين على الحكم المزبور كما هو ظاهر ( هذا بالنسبة ) إلى الموافقة القطعية ( واما المخالفة ) القطعية فيظهر حكمها مما ذكرناه ، فإنه على ما اخترناه من الضابط يكون العلم الاجمالي على تأثيره في حرمة المخالفة القطعية ، بل عرفت ان مقتضاه وجوب الموافقة أيضا كما في المحصور وان عدم وجوب الاجتناب عن كل فرد انما هو بمناط جعل البدل لا بمناط سقوط العلم عن التأثير بالنسبة إلى الموافقة القطعية ( والى ذلك يكون ) نظر الشيخ قدس سره في مصيره إلى حرمة المخالفة القطعية كما صرح به في صورة الشك في كون الشبهة محصورة ( نعم ) لو كان بناء العقلاء في عدم الاعتناء باحتمال التكليف في كل فرد من جهة عدم اعتدادهم بالعلم الاجمالي الحاصل في البين لخروجه لديهم عند كثرة الأطراف عن التأثير وصلاحية البيانية والمنجزية للواقع « لكان » مقتضاه جواز المخالفة القطعية أيضا « ولكن الشأن » في اثبات هذه الجهة ، ولا أقل من عدم احراز ذلك فيبقى العلم الاجمالي على تأثيره في حرمة المخالفة القطعية « ومنه يظهر » الكلام فيما لو كان المستند لجواز الارتكاب هو الاجماع ( فان المسلم منه ) هو قيامه على الترخيص في ترك تحصيل القطع بالموافقة بالاحتياط ، وذلك أيضا بمناط كشفه عن بدلية أحد الافراد عن الواقع في مقام المفرغية ولو بنحو كان اختيار تعينيه بيد المكلف ، والا فمع علية العلم الاجمالي حتى بالنسبة إلى الموافقة القطعية ، يستحيل بدونه الترخيص في البعض أيضا لمنافاته مع حكم العقل تنجيزيا بلزوم الخروج عن العهدة ، ومقتضى ذلك هو عدم جواز المخالفة القطعية لبقاء العلم الاجمالي على تأثيره في حرمتها ( نعم ) لو قيل بكشف الاجماع المزبور عن حجية تلك الظنون المتعلقة بعدم التكليف في كل فرد عند انفراده في اللحاظ عن غيره ، لأمكن دعوى عدم

ص: 333

حرمة المخالفة القطعية ، فإنه بعد أن يلازم الظن بعدم التكليف في كل فرد للظن بالوجود في البقية ، يصير كل ظن بقيامه على عدم التكليف في كل فرد مخرجا له عن دائرة المفرغ لاقتضائه بالملازمة لكون الحرام المعلوم في غيره من الأطراف ، نظير الامارات القائمة على تعيين المعلوم بالاجمال في بعض الأطراف إلى أن ينتهى إلى الفرد الاخر فيكون الظن القائم بعدم التكليف فيه مخرجا له أيضا عن دائرة المفرغ لاثباته بالملازمة لكون المعلوم بالاجمال في غيره من الافراد التالفة الخارجة بآثارها عن مورد ابتلاء المكلف نظير الأمارة القائمة على تعيين المعلوم بالاجمال في أحد طرفي العلم بالخصوص بعد تلفه ( ولكن ) الكلام في استفادة ذلك من الاجماع المزبور ( فإنه ) غاية ما يقتضيه الاجماع انما هو الترخيص في ترك الموافقة القطعية بالاحتياط وبضميمة علية العلم الاجمالي للموافقة القطعية يكون المستكشف منه هو جعل بدلية أحد الافراد عن الواقع في مقام تفريغ الذمة بنحو يكون اختيار تعينيه بيد المكلف ( واما ) اقتضائه لحجية تلك الظنون فلا ، إذ ذلك يحتاج إلى دلالة وهي مفقودة ( ومع ) الغض عن ذلك ، فالمتيقن منها هو حجيتها تخييرا فيما عدى مقدار المعلوم بالاجمال الملازم لوجوب ابقاء مقدار الحرام وعدم ارتكابه ( لا حجية ) كل واحد منها تعينيا ( مضافا ) إلى العلم الاجمالي حينئذ بمخالفة أحد هذه الظنون للواقع الموجب بمقتضى بطلان الترجيح بلا مرجح لسقوط الجميع عن الحجية ( الا ان ) يدفع ذلك بأنه مع تدريجية هذه الظنون وعدم اجتماعها في زمان واحد لا يضر العلم الاجمالي المزبور ، إذ لا ينتهى الامر من حجية الجميع إلى التعبد بظنون متعددة على خلاف العلم في زمان واحد ، فتأمل ( وكيف كان ) فهذا كله على المشرب المختار في ضابط كون الشبهة غير محصورة ( واما ) على المشارب الاخر فعلى المشرب الأول الذي يرجع إليه ظاهر كلام الشيخ قدس سره من جعل ضابط عدم الحصر بلوغ كثرة الأطراف إلى حد يوجب عدم اعتناء العقلاء بالعلم الاجمالي الحاصل في البين وصيرورته لديهم كالشك البدوي ، لا اشكال في أن لازمة هو جواز المخالفة القطعية من غير فرق بين كون الشبهة وجوبية أو تحريمية ( واما ) على مشرب من جعل الضابط فيها بلوغ كثرة الأطراف حدا يوجب عدم التمكن العادي من الجمع بين المحتملات في الاستعمال ( فلازمه ) في الشبهة الوجوبية هو

ص: 334

التبعيض في الاحتياط ووجوب الموافقة الاحتمالية نظرا إلى امكان المخالفة القطعية ح ، بترك جميع الأطراف ( نعم ) لما لا يتمكن من الموافقة القطعية بالجمع بين الأطراف في الاستعمال يسقط وجوبها ، ونتيجة ذلك هو التبغيض في الاحتياط كما أشرنا إليه ( واما ) في الشبهة التحريمية ، فقد يقال بافتضائه لسقوط العلم الاجمالي رأسا ( اما ) بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية فلعدم التمكن منها ، واما بالنسبة إلى الموافقة القطعية ، فلان وجوبها فرع حرمة المخالفة القطعية لان وجوب الموافقة القطعية متفرغ على تعارض الأصول وتساقطها وهو متفرغ على حرمة المخالفة القطعية ، فإذا لم تحرم المخالفة القطعية ، ولو بعدم التمكن العادي منها فلا تعارض بين الأصول ومع عدم تعارضها لا يجب الموافقة القطعية ، ثم أشكل على ما افاده الشيخ قدس سره من التفصيل بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية بحرمة الأولى وعدم وجوب الثانية ، بان حرمة المخالفة القطعية قرع التمكن من المخالفة ومع التمكن منها لا تكون الشبهة غير محصورة ( وفيه ) ان عدم امكان الجمع بين المحتملات بعدم التمكن من البعض غير المعين لا يقتضى الا عدم انتهاء الامر إلى القطع بالمخالفة لا عدم التمكن من المخالفة واقعا كي يقتضى عدم حرمة مخالفة المعلوم بالاجمال ، وحينئذ فمع فرض القدرة على فعل كل واحد في ظرف عدم الاخر ، تحرم المخالفة لا محالة ، وان لم ينتهى الامر إلى القطع بها ، ولازمه المنع عن جريان الأصول النافية الموجب لحكم العقل بوجوب الموافقة القطعية ( واما ) ما أفيد من تعليل عدم وجوب الموافقة القطعية بعدم تعارض الأصول في الأطراف ، نظرا إلى أن المانع من جريانها انما هي المخالفة القطعية العملية ومع عدم انتهاء الامر إلى القطع بها لا تعارض بينها فلا يجب الموافقة القطعية ( ففيه ) مضافا إلى جريان مثله في الشبهة المحصورة أيضا في فرض عدم تمكن المكلف من المخالفة القطعية بالجمع بين الأطراف كما لو علم بخمرية أحد المايعين ولم يتمكن الا من شرب أحدهما ، فإنه مع عدم التمكن من المخالفة القطعية لا ينتهى الامر على هذ المبنى إلى تعارض الأصول ، فلابد من المصير إلى جواز ارتكاب أحدهما ، مع أنه كما ترى لا يظن التزامه من أحد ، انه مبنى على القول باقتضاء العلم الاجمالي للموافقة القطعية ، ( والا فعلى ) القول بعلية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية ومانعيته عن جريان الأصل النافي للتكليف

ص: 335

ولو في بعض الأطراف بلا معارض كما هو التحقيق ، فلا يتم ذلك ( لان ) مجرد عدم التمكن من المخالفة القطعية بالجمع بين المحتملات لا تقتضي سقوط العلم عن التأثير بالنسبة إلى الموافقة القطعية مع التمكن منها بترك جميع الأطراف كما هو ظاهر ( واما ) اشكاله على الشيخ قدس سره فالانصاف انه في غير محله ( إذ هو ) قدس سره لم يقل بالضابط المذكور بل ، ولا ذكره أيضا في عداد الضوابط ( نعم ) مقتضى ما افاده قدس سره من الضابط كما ذكرناه هو جواز المخالفة القطعية ، ولكنه اعرض عنه والتزم بنحو ما ذكرناه من مؤثرية العلم الاجمالي في التنجيز كما في المحصور بنحو يمنع عن الترخيص على خلافه ولو في البعض الا بجعل بعض الأطراف بدلا ظاهريا عن المعلوم بالاجمال يقتضى قيامه مقامه في مقام الامتثال وتفريغ الذمة فراجع ( بقى الكلام ) في حكم الشك في كون الشبهة غير محصورة ( والظاهر ) هو اختلافه باختلاف الوجوه المتقدمة في ضابط عدم حصر الشبهة ( فعلى الوجه ) الأول الذي ارتضاه الشيخ قدس سره يكون ملحقا بغير المحصور لرجوع الشك في الحصر وعدمه حينئذ إلى الشك في بيانية العلم الاجمالي لدي العقلاء وصلاحيته للمنجزية فيكون المرجع في مثله هي البراءة ( واما على الوجه الثاني ) وهو بلوغ كثرة الأطراف حدا لا يتمكن من الجمع بينها في الاستعمال ، فلازمه هو الحاق صورة الشك في الحصر بالمحصور في وجوب الاحتياط ( لرجوع ) الشك المزبور حينئذ إلى الشك في القدرة مع العلم بالخطاب ووجود الملاك ، فلابد من الاحتياط لاستقلال العقل في مثله بلزوم الجري على ما يقتضيه العلم وعدم الاعتناء باحتمال العجز ( وكذلك ) الحال على الضابط المختار فمقتضاه أيضا هو الحاق فرض الشك في الحصر بالمحصور في وجوب رعاية العلم الاجمالي ( لان ) مرجع الشك في الحصر إلى الشك في جعل البدل الذي هو المصحح للترخيص في ترك الاحتياط ، ومع الشك فيه وعدم احرازه لابد من مراعاة العلم الاجمالي فيجب الاحتياط بالاجتناب عن جميع المحتملات ، هذا اتمام الكلام في الشبهة غير المحصورة ( واما ) شبهة الكثير في الكثير وهي ما كان المردد بين الأمور غير المحصورة افراد كثيرة نسبة مجموعها إلى المشتبهات كنسبة الشيء إلى الأمور المحصورة ، كما إذا علم بوجود خمسمائة شاة موطوئة في الفين شاة ، حيث إن نسبة مجموع المعلوم بالاجمالي إلى

ص: 336

المشتبهات كنسبة الواحد إلى الأربعة ، فحكمها حكم الشبهة المحصورة بل هي في الحقيقة من افرادها فتجري فيها قواعد العلم الاجمالي من حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية

( الامر الخامس ) الظاهر أنه لا فرق في وجوب رعاية العلم الاجمالي بالموافقة القطعية ، بين ان يكون العلم الاجمالي بالتكليف في دائرة واحدة كالعلم الاجمالي بنجاسة أحد الانائين ، وبين ان يكون العلم الاجمالي بالتكليف في دائرتين كما إذا علم بوقوع قطرة بول في أحد الانائين ، اما الأبيض منهما أو الأحمر ، مع العلم أيضا بوقوع قطرة أخرى من البول اما في الاناء الأبيض أو الأسود بحيث تقع الاناء الأبيض طرفا للعلمين الاجماليين ( ففي القسم الثاني ) أيضا لابد بمقتضى العلم الاجمالي من الاجتناب عن الأواني الثلاث ، لرجوع العلمين المزبورين إلى علم اجمالي ، اما بتكليف واحد متعلق بالاجتناب عن الاناء الأبيض ، أو تكليفين متعلق أحدهما بالاجتناب عن الاناء الأحمر ، والاخر بالاجتناب عن الاناء الأسود ( فان ) مقتضى ذلك بعد تردد المعلوم بالاجمال بين المتبائنين انما هو الاجتناب عن الجميع تحصيلا لليقين بالفراغ ( وتوهم ) ان الواجب حينئذ هو الاجتناب عن الانائين منها وهما الاناء الأبيض الذي هو المجمع وآخر من الانائين الباقيين مخيرا بينهما ( بتقريب ) ان مرجع ذلك بعد تقارن العلمين واحتمال انطباق المعلوم بالاجمال فيهما على الاناء الأبيض الذي هو المجمع ، انما هو إلى الأقل والأكثر حيث كان الاناء الأبيض من جهة وقوعه طرفا للعلمين مما يعلم بوجوب الاجتناب عنه على كل تقدير ، غير أنه لا بد من ضم أحد الانائين الآخرين إليه من جهة طرفيته له وبالاجتناب عنهما يصير الشك بالنسبة إلى الاناء الباقي بدويا ، فيرجع فيه إلى البراءة ( مدفوع ) بمنع رجوع الشبهة في المقام إلى الأقل والأكثر ، كيف وان ضابط كون الشبهة من صغريات الأقل والأكثر كما سيجيء انشاء اللّه تعالى هو ان يكون ما فرض كونه أقلا مما يعلم بوجوبه أو حرمته على كل تقدير بحيث كان الأقل محفوظا في ضمن الأكثر ولولا بحده كما في العلم باشتغال الذمة بالدين المردد بين كونه درهما أو درهمين ( كما أن ) ضابط كون الشبهة من المتائيين ، هو ان لا يكون هناك شيء متيقن الوجوب أو الحرمة على كل تقدير بان كان التكليف المعلوم في البين مرددا في أصله بين تعلقه

ص: 337

بهذا الشيء المتيقن أو بذلك الاخر بحيث يستتبع تشكيل قضية منفصلة حقيقية من الطرفين ، فيقال اما ان يكون الواجب هذا أو ذاك الاخر ( ومن الواضح ) عدم صدق الضابط المزبور في الأقل والأكثر في مفروض المسألة ، بل الصادق فيه انما هو الضابط الثاني لعدم وجود القدر المتيقن في المأمور به ، والاناء الأبيض الذي فرضيناه مجمع العلمين لا يعلم كونه مكلفا بالاجتناب عنه على كل تقدير ، لان من المحتمل انطباق المعلوم بالاجمال في كل من العلمين على غيره من الانائين الآخرين ( ومعه ) أين يمكن دعوى اندراج المقام في الأقل والأكثر ( فلا محيص ) ح من الاجتناب عن الجميع لاندراجه في كبرى العلم الاجمالي بالتكليف المردد بين تكليف واحد في طرف أو تكليفين في طرف آخر ( نعم ) ما هو من قبيل الأقل والأكثر هو ان يكون المعلوم بالاجمال مرددا بين تكليف واحد في طرف أو تكليفين أحدهما ذاك التكليف الثابت في الطرف الخاص والاخر في غيره ( ولكنه انى ) يكون المقام من هذا القبيل فتدبر ( هذا ) إذ كان العلمان متقارنين زمانا ( واما لو كان ) أحدهما سابقا على الاخر ، فيمكن ان يقال انه لا اثر للعلم اللاحق لوروده على ما تنجز أحد طرفيه بالعلم الاجمالي السابق « فان » من شرط تأثير العلم الاجمالي هو ان يكون كل طرف منه قابلا للتنجز من قبله مستقلا وبعد عدم قابلية تكليف واحد للتنجزين تكون هذه القابلية مفقودة في العلم الاجمالي اللاحق ، إذ بتنجز أحد طرفيه بالعلم السابق يخرج ذلك الطرف عن قابلية التنجز بالعلم اللاحق مستقلا وبخروجه يخرج العلم الاجمالي عن تمام المؤثرية في معلومه وهو الجامع الاجمالي القابل للانطباق على كل طرف ، ولازمه عدم تأثيره في الطرف الآخر أيضا لرجوع الشك بالنسبة إليه إلى الشك البدوي ، فيرجع فيه إلى البراءة « ولكن فيه » ان ذلك انما يتم إذا كان العلم السابق يجدونه مؤثرا في التنجيز إلى الأبد « والا فعلى » ما هو التحقيق في كل طريق من أن التنجيز في كل آن منوط بوجود العلم في ذاك الان ، فلا فرق بين هذا الفرض والفرض السابق « فان » من حين حدوث العلم اللاحق يكون حاله بعينه حال صورة تقارن العلمين ، فلابد فيه أيضا من الاجتناب عن الأواني الثلاثة لرجوعه إلى العلم الاجمالي بالتكليف المردد بين تكليف واحد في طرف أو تكليفين في طرفين آخرين « ثم انه » يلحق بما ذكرنا

ص: 338

في وجوب رعاية المحتملات في المحصور ما إذا اشتبه بعض أطراف العلم الاجمالي بغيره كما لو علم بنجاسة أحد الانائين ثم اشتبه أحدهما بثالث فان الواجب حينئذ هو الاجتناب عن الثلاثة لصيرورة الاناء الثالث أيضا طرفا للعلم الاجمالي.

« الامر السادس » يعتبر في الحكم بوجوب الاجتناب ان يكون العلم الاجمالي مؤثرا في ثبوت التكليف الفعلي بالاجتناب عن الحرام المشتبه على كل تقدير ، بمعنى اعتبار ان يكون كل واحد من الأطراف بحيث لو علم تفصيلا كونه هو الحرام المشتبه لكان التكليف بالاجتناب عنه منجزا « فلو لم يكن » بعض الأطراف كذلك ، بان كان بعضها مما لا يحدث العلم تكليفا بالنسبة إليه لكونه تالفا أو كثيرا لا ينفعل بملاقات النجس أو كونه مما اضطر المكلف إلى ارتكابه بسبب سابق على العلم الاجمالي ، لما كان للعلم الاجمالي تأثير في التكليف الفعلي بالاجتناب أصلا ولو بالنسبة إلى الطرف الآخر لرجوع الشك في التكليف بالنسبة إليه إلى كونه شكا في أصل التكليف لا في المكلف به « وكذا » إذا كان بعض الأطراف خارجا عن محل ابتلاء المكلف بمثابة يوجب خروجه عن تحت القدرة ، اما عقلا ، أو عادة بنحو يعد المكلف أجنبيا عن العمل عرفا وغير متمكن منه « وهذا على » الأول واضح لامتناع تعلق الإرادة الفعلية على نحو التنجيز بما لا يقدر عليه المكلف ( وكذا ) على الثاني ، فإنه وان لم يكن مانعا عن أصل تمشى الإرادة عقلا ولكنه مانع عرفا عن حسن توجيه الخطاب لاستهجان الخطاب البعثي نحو الفعل أو الترك عند العرف بما يعد المكلف أجنبيا عنه الا بنحو الاشتراط بفرض ابتلائه وتمكنه العادي منه ، بل قد يكون بعد الوصول إلى الشيء لبعد المقدمات بمثابة يوجب استهجانه ولو بنحو التقييد والاشتراط كان يقال لعامي بليد إذا صرت مجتهدا يجب عليك التسهيل في الفتوى ، أو لدهقان فقير إذا صرت سلطانا فلا تظلم رعيتك ، حيث إنه وان أمكن عقلا بلوغ ذلك البليد إلى مرتبة الاجتهاد وكذا الدهقان الفقير إلى مرتبة الملوكية على خلاف ما تقتضيه العادة ، الا ان بعد المقدمات يوجب عرفا استهجان الخطاب المزبور ولو بنحو الاشتراط « وبما ذكرنا » ظهر ان المناط في استهجان توجيه الخطاب انما هو ببعد وصول المكلف إلى العمل بمثابة يعد كونه أجنبيا عنه عرفا وغير قادر عليه عادة لا ان المناط فيه هو متروكية العمل قهرا كما يظهر من الشيخ

ص: 339

قدس سره وعليه فلا فرق في الاستهجان بين كون الخطاب أمرا أو نهيا « فإنه » كما أن العرف لا يحسنون توجيه الخطاب التحريمي إلى من يرونه أجنبيا عن العمل وغير قادر عليه بحسب العادة ، كذلك لا يحسنون توجيه الخطاب الايجابي أيضا في الفرض المزبور ، ولذا ترى استهجان الخطاب الايجابي على وجه التنجيز إلى سوقي فقير بتزويج بنات الملوك غير معلق بفرض الابتلاء والتمكن العادي منه ، بعين استهجان التكليف بالاجتناب عن تزويجهن ، وهكذا الخطاب بوجوب اكله من الطعام الموضوع قدام الملك أو لبسه الثياب التي لبسها الملك ونحو ذلك من الأمور التي يعد المكلف بحسب حاله أجنبيا عنها وغير قادر عليها عادة ، ومجرد كون الغرض من النهى هو الترك الحاصل قهرا ، ومن الامر الايجاد غير مجد في رفع استهجان الخطاب إلى من يرونه العرف غير قادر على العمل بحسب العادة « فان » محذور لغوية الخطاب لكونه تكليفا بأمر حاصل بالفعل غير محذور استهجانه من جهة كونه تكليفا بما هو غير مقدر عادى للمكلف ، وليس يجدي ارتفاع أحد المحذورين في ارتفاع المحذور الاخر كما هو ظاهر « فالتفصيل » حينئذ كما عن بعض في اعتبار القدرة العادية بين الخطاب التحريمي والخطاب الوجوبي باعتبارها في الأول في صحة الخطاب وحسنه دون الثاني لكفاية مجرد القدرة العقلية فيه في صحة الخطاب وحسنه « منظور فيه » يظهر وجهه مما قدمناه « نعم » يتجه الفرق المزبور بين الأمر والنهي لو كان مناط الاستهجان هو لغوية الخطاب من حيث كونه تكليفا بأمر حاصل ، لا كونه تكليفا بما هو غير مقدر عادى للمكلف « لان » المطلوب في النواهي بعد أن كان هو مجرد الترك واستمراره وعدم نقضه بالوجود فلا جرم بعدم القدرة العادية على الايجاد يتحقق الترك الذي هو المطلوب وبحصوله يصير النهي عنه لغوا مستهجنا لكونه من التكليف بترك ما يكون منتركا عادة فلا يبقى معه مجال لأعمال المولوية « بخلاف » الأوامر فان المطلوب فيها انما يكون هو الفعل لاشتماله على مصلحة لازمة الاستيفاء في عالم التشريع ، وحيث إن السبب لايجاده لا يكون الا دعوة امره وكان المفروض هو تمكن المكلف من الايجاد عقلا كان لأعمال المولوية فيه مجال واسع ، فله الامر بايجاده ولو بتحصيل الأسباب البعيدة الخارجة عن القدرة العادية للمكلف « ولكن ذلك كما ترى » إذ مضافا إلى

ص: 340

رجوعه إلى انكار دخل القدرة العادية في صحة التكليف وحسنه رأسا حتى في الخطابات التحريمية ، لعدم اجداء العجز العادي حينئذ شيئا سوى كونه منشأ للانتراك الذي هو الموجب للغوية النهى واستهجانه ، فلا يكون تفصيلا في اعتبار القدرة العادية ، ان اللازم بمقتضى التقابل بين الأمر والنهي هو الالتزام بلغوية الامر أيضا في مورد لا يتمكن المكلف من الترك عادة ، فإنه مع الجزم للأبدية؟ المكلف من الايجاد عادة لولا الامر يكون احداث الداعي في حقه لغوا ، مع أنه ليس كذلك جزما ، بل اللازم بمقتضى المناط المزبور هو لغوية النهى في كل مورد يكون حصول الترك من جهة تنفر الطبع على الاقدام على الايجاد ، كما في كشف العورة بمنظر من الناس خصوصا بالنسبة إلى أرباب المروة ، والكذب بالنسبة إلى أهل الشرف ، وكذا شرب الخمر بالنسبة إلى كثير من الأشخاص ولو لم يكن في البين نهى أصلا ، حيث لا فرق في الاستهجان بمقتضى المناط المزبور بين ان يكون الترك حاصلا من جهة عدم القدرة العادية على الايجاد ، أو من جهة تنفر الطبع عنه « فلابد » من قصر النواهي الشرعي بمن لم يتنفر طبعه من ايجاد المنهي عنه بتقييد الخطاب بعدمه كتقييده بالقدرة ، مع أن ذلك مما لا يمكن الالتزام به « ودعوى » ان الترك الناشئ من تنفر الطبع راجع إلى عدم إرادة المكلف للفعل وهي مما لا دخل لها في حسن الخطاب كي يقيد بحال وجودها ، بل لا يعقل ذلك ( لان ) الخطاب انما هو لتحريك المكلف من قبله وبعث ارادته بجعله داعيا إلى المأمور به فعلا أو تركا فلا يمكن اخذها قيدا في التكليف ( مدفوعة ) بمنع رجوع التقييد به إلى التقييد بالإرادة بل تنفر الطبع بنفسه مانع عن الاقدام على الفعل وكانت الإرادة من تبعاته كتبعيتها للقدرة فلا مانع حينئذ من تقييد الخطاب بعدمه ، فيكشف ذلك عن انه لا يكون مجرد ذلك مناطا لاستهجان الخطاب ، وان المناط فيه انما هو بعد تمكن المكلف من العمل بمثابة يرى العرف كونه أجنبيا عنه وغير متمكن منه بحسب العادة ، وعليه لا فرق في الاستهجان بين كون الخطاب تحريميا أو ايجابيا ( وكيف كان ) فما ذكرنا من سقوط العلم الاجمالي عن التأثير حتى بالنسبة إلى الطرف المبتلى به انما يكون إذا كان خروج بعض الأطراف عن الابتلاء قبل العلم الاجمالي أو مقارنا له ( وأما إذا ) كان خروجه عن الابتلاء بعد العلم الاجمالي ، فلا شبهة في منجزية

ص: 341

العلم الاجمالي ووجوب الاجتناب عن الطرف المبتلى به ( وتوهم ) عدم الوجوب في هذه الصورة أيضا لانتفاء العلم بالتكليف الفعلي على كل تقدير عند خروج بعض الأطراف عن الابتلاء ، لاحتمال كون الظرف الخارج عن الابتلاء هو المعلوم بالاجمال ( مدفوع ) بكفاية وجود العلم الاجمالي التدريجي في وجوب الاجتناب عن الطرف المبتل به فعلا كما شرحناه في طي مبحث الانحلال فراجع ( نعم ) يبقى الكلام فيما إذا شك في أن خروج الطرف عن الابتلاء كان قبل العلم أو بعده ، فإنه قد يقال بعدم وجوب الاجتناب عن الطرف المبتلى به فعلا لعدم العلم بالتكليف الفعلي مع الشك المزبور ( ولكن ) التحقيق خلافه فإنه وان يستتبع الشك المزبور الشك في ثبوت التكليف الفعلي ، ولكنه بعد ما لم يكن ذلك لقصور في اقتضاء التكليف من المولى ، بل كان ذلك لاحتمال قصور العبد عن الامتثال مع تمامية مقتضيات التكليف فلا جرم يدخل في الشك في القدرة ويكون مصبا لقاعدة دفع الضرر المحتمل لا قبح العقاب بلا بيان كما هو ظاهر ( نعم ) لو اغمض عن ذلك لا مجال لاثبات الوجوب باستصحاب بقاء القدرة وعدم خروج الطرف عن الابتلاء إلى زمان حدوث العلم الاجمالي ، لوضوح ان الأثر المقصود وهو تنجز المعلوم بالاجمال لا يكون من الآثار الشرعية للمستصحب وانما هو من الآثار العقلية المحضة والاستصحاب المزبور لا ينتج الأثر المقصود كي يترتب عليه بحكم العقل وجوب الاجتناب عن الطرف المبتلى به ( كما لا مجال ) أيضا لاستصحاب عدم وجوب الاجتناب عن المشكوك قبل العلم الاجمالي ( إذ هو ) انما يجدى إذا كان الشك في الوجوب من جهة القصور في الكاشف أو المنكشف وهو الجعل الشرعي في مرحلة اقتضائه ، لا فيما كان الشك من جهة شرائط التنجيز الراجع إلى الشك في قابلية المحل للتنجز على كل تقدير كما هو مفرض الكلام فإنه لا ينفع الأصل المزبور من هذه الجهة ، لعدم العدم المزبور حينئذ مجعولا شرعيا ولا موضوعا لاثر مجعول حتى يجرى فيه التعبد بعدم نقض اليقين بالشك ، فتدبر.

( وبما ذكرنا يظهر ) ان الحكم كذلك في صورة الشك في خروج بعض أطراف العلم عن مورد الابتلاء من جهة الشبهة المصداقية أو الشبهة في الصدق كالشك في صدق الخروج عن الابتلاء بالنسبة إلى الخمر الموجود في البلاد المتوسطة

ص: 342

بين القريبة والبعيدة المستتبع للشك في ثبوت التكليف المنجز بالاجتناب عنه ( فان ) الواجب حينئذ هو مراعاة العلم الاجمالي بالاحتياط ( لوجهين ) أحدهما وهو العمدة ما عرفت من رجوع الشك المزبور إلى الشك في القدرة المحكوم عقلا بوجوب الاحتياط ( فإنه ) بعد تمامية مقتضيات التكليف من طرف المولى وعدم دخل قدرة المكلف بكلا قسميها من العقلية والعادية في ملاكات الاحكام ، يستقل العقل بلزوم رعاية الملاك بالاحتياط وعدم الاعتناء باحتمال الموانع الراجعة إلى قصور العبد عن الامتثال إلى أن يتبين العجز ، ولا مجال في مثله لجريان قبح العقاب بلا بيان ، لما عرفت من أن مصب تلك القاعدة انما هو صورة احتمال القصور من ناحية تمامية اقتضاء التكليف من طرف المولى ( وقد يتوهم ) اقتضاء المناط المزبور لوجوب الاجتناب عن الطرف المبتلى به حتى في فرض الجزم بخروج بعض الأطراف عن الابتلاء نظرا إلى تخيل صدق الشك في القدرة فيه أيضا ( ولكنه ) تخيل فاسد ناش عن قلة التأمل ، ضرورة وضوح الفرق بين الفرضين ( فان ) موضوع حكم العقل بالاحتياط انما هو الشك في القدرة في مورد الملاك والمصلحة ، وهذا المعنى متحقق في فرض الشك في خروج بعض الأطراف عن الابتلاء ، حيث إن الطرف المشكوك على فرض كونه ظرفا لوجود الملاك والمصلحة يشك فيه في القدرة ( بخلاف ) الفرض السابق فإنه لا شك فيه في القدرة على مورد المصلحة ، فإنه على تقدير وجود المصلحة في الخارج عن الابتلاء يقطع فيه بعدم القدرة ، وعلى تقدير وجودها في غيره يقطع فيه بالقدرة فليس للمكلف شك في القدرة على كل تقدير ، وانما الشك في أن مورد الملاك والمصلحة اي الامرين منهما ، ومرجع ذلك إلى الشك في وجود الملاك في المقدور لا في القدرة وبين الامرين فرق واضح ( الوجه الثاني ) هو ما افاده الشيخ قدس سره من التمسك باطلاق أدلة المحرمات ، بتقريب ان من البين شمول اطلاق ما دل على حرمة شرب الخمر أو النجس لكلتا صورتي الابتلاء به وعدمه ، والمقيد لذلك انما هو حكم العقل باعتبار التمكن العادي من موضوع التكليف وعدم خروجه عن الابتلاء في حسن التكليف والخطاب واستهجانه بدونه وبعد اجمال مفهوم القيد وتردده بين الأقل والأكثر لابد من الاقتصار في تقييد اطلاقه على المتيقن خروجه عن الابتلاء والرجوع في الزائد إلى أصالة

ص: 343

الاطلاق ، لما تقرر في محله من أن التخصيص والتقييد بالمجمل مفهوما المردد بين الأقل والأكثر لا يمنع عن التمسك بالعام والمطلق فيما عدى القدر المتيقن من التخصيص والتقييد خصوصا إذا كان المقيد لبيا كما في المقام ( وقد أورد عليه ) بوجوه ، الأول ان جواز الرجوع إلى العام والمطلق عند اجمال المخصص والمقيد وتردده بين الأقل والأكثر انما هو في المخصصات المنفصلة من اللفظية وما بحكمها من العقليات النظرية ( واما ) في المخصصات المتصلة اللفظية وما بحكمها من العقليات الضرورية الارتكازية ، فلا يجوز ذلك لسراية اجمالها حينئذ إلى العام والمطلق باتصالها بهما فلا ينعقد معهما ظهور للعام والمطلق في جميع ما يحتمل انطباق مفهوم المخصص والمقيد عليه حتى يجوز الاخذ بهما في المشكوك ويحكم عليه بحكم العام والمطلق ( ومن المعلوم ) ان المخصص في المقام انما يكون من قبيل الثاني ، لان حكم العقل باعتبار القدرة العادية على موضوع التكليف في صحة التكليف به واستهجان توجيه الخطاب بما لا يمكن ابتلاء المكلف به عادة انما يكون من الضروريات العقلية المرتكزة في أذهان العرف والعقلاء بحيث ينتقل إليه الذهن بمجرد صدور الخطاب ويرى صرفه بحسب الارتكاز عما لا يقدر عليه المكلف ، فإذا اشتبه حاله وتردد لاجمال مفهومه بين الأقل والأكثر فلا محالة يسرى اجماله إلى العمومات والمطلقات فتسقط عن قابلية التمسك بها ( وفيه ) منع كون حكم العقل باعتبار القدرة مطلقا على موضوع التكليف في الارتكاز بمثابة يكون كالتخصيص بالمتصل في كونه من القرائن المحفوفة بالكلام ( ولو سلم ) ذلك فإنما هو في القدرة العقلية خاصة ، لا في مثل القدرة العرفية العادية التي بدونها يستهجن البعث والزجر ، فان من الواضح انه ليس اعتبار هذه عند العقل في الوضوح بمثابة يكون من الضروريات المرتكزة في أذهان العرف والعقلاء بحيث ينتقل الذهن بدوا إلى اعتبارها عند صدور الخطاب ، بل انما هي من الأمور المحتاجة اعتبارها في صحة توجيه الخطاب إلى نحو تأمل من العقل وتدبر منه ، وعليه يكون المقيد في المقام من المقيدات المنفصلة غير الكاسرة لظهور المطلقات ، ولازمه بعد الاعتراف باجمال القيد مفهوما وتردده بين الأقل والأكثر هو الاخذ باطلاق الخطابات فيما عدى القدر المتيقن من التقييد هذا ( وأجاب عنه ) بعض الأعاظم قدس سره على ما في تقرير بعض تلاميذه تارة بنحو ما ذكرنا ، وأخرى

ص: 344

بعد تسليم انه من قبيل المخصص المتصل ، بما حاصله ان المخصص المتصل على قسمين ( أحدهما ) ان يكون الخارج عن العام عنوانا واقعيا غير مختلف المراتب كعنوان الفاسق المردد مفهومه بين خصوص مرتكب الكبيرة أو الأعم منه ومن مرتكب الصغيرة ( وثانيهما ) ان يكون الخارج عن العام عنوانا ذا مراتب مختلفه كعنوان عدم الابتلاء في المقام ( فالتزم ) بقدح اجمال المخصص في الأول دون الثاني نظرا إلى أن مراتب المخصص بمنزلة مخصصات عديدة ، فيقتصر في تخصيص العام على المرتبة المتيقن خروجها ويتمسك به فيما عداها من المراتب الاخر لرجوع الشك فيها إلى الشك في ورود مخصص آخر للعام غير ما علم التخصيص به ( وفيه ) أولاً ان غاية ما يقتضيه البيان المزبور انما هو رجوع الشك في التخصيص في الزائد عن القدر المتيقن إلى الشك البدوي لانحلال العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي بالأقل والشك البدوي في غيره ، ولكنه لا يدفع غائلة لزوم اجمال العام ، فإنه يكفي فيه اتصاله بما يصلح للقرينية عليه ولو بنحو الشك البدوي كما في موارد الاستثناء المتعقب لجمل متعددة ، ولذا ترى بنائهم على الحكم بالاجمال فيما عدى الجملة الأخيرة ، لا الاخذ بالعموم نظرا منهم إلى صلاحيته للرجوع إلى الجميع ، وما يترائى منهم من التمسك بأصالة العموم والاطلاق والحقيقة عند الشك في القرنية فإنما هو فيما كان الشك في أصل وجود القرنية ، لا فيما كان الشك في قرينية الموجود المحفوف بالكلام ، وحينئذ فبعد تسليم كون المقام من قبيل المخصص المتصل فلا محالة يكفي في اجمال العام مجرد الشك البدوي في التخصيص به ، ومعه لا يفرق بين كون الخارج عن العام عنوانا واقعيا غير مختلف المراتب ، وبين كونه عنوانا ذا مراتب مختلفة فان الملاك في القدح انما هو اتصال المجمل به لا كونه ذا مرتبة واحدة ( وثانيا ) منع كون المقام من قبيل التخصيص بمختلف المراتب ، بل هو من قبيل التخصيص بعنوان غير ذي مراتب ، نظير عنوان الفاسق الخارج عن عموم اكرام العلماء الذي اعترف بسراية اجماله إلى العام عند اتصاله به ، لوضوح ان البحث في المقام انما هو في الشك في تحقق عنوان الخروج عن الابتلاء بكون موضوع التكليف في البصرة مثلا بعد القطع بان الخارج بحكم العقل هو مطلق مراتبه الصادق على أول وجوده ، فكان الشك ح في أن أول وجود الخروج عن

ص: 345

الابتلاء يتحقق بأي مرتبة من البعد من موضوع التكليف ، لا ان الشك في أن أي مرتبة من الخروج عن الابتلاء فارغا عن صدق العنوان عليه مخصص للعام حتى يكون من قبيل التخصيص بعنوان ذي مراتب ، فيكون المقام من هذه الجهة نظير عنوان الفسق الذي يشك في حصوله بارتكاب الصغيرة ( نعم ) انما يكون المقام من قبيل التخصيص بمختلف المراتب فيما لو كان حكم العقل بخروج الخارج عن الابتلاء على نحو الاهمال ، ولكنك عرفت ما فيه وعرفت أيضا عدم اجدائه لرفع غائلة اجمال العام باتصاله بالمجمل ( الثاني ) من وجوه المنع عن التمسك بالاطلاق ما افاده المحقق الخراساني قدس سره في كفايته ، من أن صحة الرجوع إلى الاطلاق انما هو فيما إذا شك في التقييد بشيء بعد الفراغ عن صحة الاطلاق بدونه ، لا في الشك في تحقق ما هو معتبر جزما في صحته ( وحاصله ) بتحرير منا هو ان القدرة على موضوع التكليف بكلا قسميها من العقلية والعادية كما انها شرط في صحة الخطاب الواقعي وتشريع الحكم النفس الأمري وبدونها يقبح التكليف ويستهجن الخطاب بعثا وزجرا ، كذلك شرط في الخطاب الظاهري الدال على ايجاب التعبد بظهور الخطاب أو صدوره أيضا ، ولذا لا يصح التعبد بالظهور أو الصدور في الخارج عن الابتلاء لعدم ترتب اثر عملي حينئذ على التعبد بمثله ، وحينئذ فكما ان الخطاب الواقعي مشكوك مع الشك في القدرة على موضوع التكليف ، كذلك الخطاب الظاهري الدال على ايجاب التعبد بظهوره مشكوك أيضا ( فان ) مرجع التعبد بظهور الخطاب انما هو إلى جعله طريقا إلى الواقع مقدمة للعمل ومع الشك في القدرة على موضوع التكليف يشك في الأثر العملي فلا يقطع بحجية الخطاب حتى يجوز التمسك به لاثبات التكليف الفعلي في المورد المشكوك فيه ( فمرامه ) قدس سره في المنع عن التمسك بالاطلاق انما هو من جهة عدم احراز قابلية المورد اثباتا لحجية الخطاب مع الشك في القدرة التي هي شرط أيضا للحكم الظاهري ، لا انه من جهة اشتراط احراز قابلية الحكم النفس الأمري للاطلاق على وجه يعم المشكوك فيه ( وعليه لا وجه ) لرمي كلامه بالغرابة بمخالفته لما عليه ديدن الأصحاب من التمسك بالمطلقات واستكشاف الاطلاق النفس الأمري من اطلاق الكاشف ، والاشكال عليه باقتضائه لسد باب التمسك بالمطلقات والعمومات

ص: 346

اللفظية كلية ( إذ ما ) من مورد يشك في قيدية شيء الا ويرجع الشك فيه إلى الشك في امكان تسرية الحكم النفس الأمري إلى حالة عدمه خصوصا على مذهب العدلية من تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد الكائنة في متعلقاتها ، لملازمة الشك في قيدية شيء للشك في ثبوت المصلحة الموجبة للتقييد به المستلزم على تقدير ثبوتها في الواقع لامتناع الاطلاق للنفس الأمري على وجه يشمل حال عدمه ( كما لا وجه ) للاعتراض عليه بمنافاة ذلك لما بنى عليه في مبحث العام والخاص من جواز التمسك بالعموم والاطلاق فيما إذا خصص أو قيد بأمر لبى عقلي أو غيره كقوله لعن اللّه بني أمية قاطبة مع حكم العقل بقبح لعن المؤمن ، بدعوى ان الملاك جاز في جميع القيود العقلية وليس لعدم الابتلاء خصوصية ( لوضوح الفرق ) بين المقامين ، فان المخصص العقلي هناك بقبح لعن المؤمن يكون مقيدا لخصوص الحكم الواقعي فجاز التمسك باطلاق اللعن لاثبات عدم ايمان من شك في ايمانه من تلك الشجرة الخبيثة وتسرية الحكم النفس الأمري بالنسبة إليه ( بخلاف ) حكمه باعتبار القدرة التي هي شرط للحكم الظاهري أيضا ، فإنه مع الشك فيها يشك في الحكم الظاهري ، فلا يقطع بحجية الخطاب ، حتى يجوز التمسك باطلاقه لاثبات فعلية التكليف للمشكوك فيه هذا ( ولكن ) فيه ان ما أفيد من شرطية القدرة عقلا في الخطابات الظاهرية انما يتم على القول بالموضوعية ( واما ) على ما هو التحقيق فيها من الطريقية الراجعة إلى مجرد الامر بالبناء العملي على مطابقة الظهور للواقع بلا جعل تكليف حقيقي في البين ، فلا يلزم محذور ، فان مرجع الامر المزبور حينئذ إلى كونه منجزا للواقع في صورة المصادفة مع كونه ايجابا صوريا في فرض عدم المصادفة ( ومن ) الواضح انه مع الشك في القدرة على موضوع التكليف لا محذور في توجيه مثل هذا التكليف إلى المكلف فتأمل ولازمه بمقتضى العلم الاجمالي هو الاجتناب عن الطرف المبتلى به عقلا ( الثالث ) من وجوه المنع ما افاده المحقق الخراساني قدس سره في حاشيته من أن الرجوع إلى الاطلاقات انما يجوز فيما لو كان القيد من الانقسامات السابقة على الخطاب بحيث يكون من أحوال ما أطلق وأطواره ، لا فيما كان من القيود اللاحقة للخطاب كقيد الابتلاء بموضوع التكليف ، فإنه بحكم العقل والعرف يكون من شرائط تنجز الخطاب المتأخر عن

ص: 347

أصل انشائه ويكون رتبة وجوده متأخرة عن رتبة أصل الخطاب ، فكيف يرجع إلى الاطلاقات الواردة في مقام أصل انشائه في دفع ما شك في اعتباره في تنجزه ( وفيه ) ما لا يخفى إذ نمنع كون الابتلاء بموضوع التكليف من القيود المتأخرة عن الخطاب ، بل هو كالقدرة العقلية من الانقسامات السابقة على التكليف والأوصاف العارضة على المكلف قبل التكليف من حيث كونه قادرا في نفسه على ايجاد موضوع التكليف مع قطع النظر عن تعلق التكليف به ، فأمكن حينئذ لحاظها في المرتبة السابقة على التكليف كغيرها من القيود الاخر كالاستطاعة والستر والطهارة ، فارجاع القدرة حينئذ إلى كونها من شرائط تنجيز الخطاب كالعلم به لا من شرائط نفسه مما لا نفهم له وجها ( فان ) العلم بالخطاب لكونه من شؤونه وفي رتبة متأخرة عنه غير صالح لتقييد مضمونه ، فمن ذلك لا محيص من ارجاعه إلى شرائط تنجيز الخطاب دون نفسه ، وأين ذلك من القدرة التي تصلح لتقييد نفس الخطاب في الرتبة السابقة عن تنجزه ، ولهذا ترى بناء الأصحاب طرا على الفرق بين العلم والقدرة في صلاحية القدرة لتقييد الخطاب ولو عقلا بخلاف العلم به ( نعم ) على فرض تسليم كونها من الانقسامات اللاحقة غير الموجبة لتقييد الخطاب بها لا مجال للاشكال عليه بان شرط التنجيز منحصر بالعلم وما يقوم مقامه فلا سبيل إلى دعوى كونها من الشرائط الموجبة للتنجيز ( إذ يمكن ) دفع ذلك بان المقصود من تنجيز الخطاب انما هو كونه منشئا لاستحقاق العقوبة على المخالفة ، وهذا كما أن للوصول دخل فيه كذلك للقدرة دخل فيه ، إذ لا يترتب ذلك على مجرد الوصول محضا ( ثم لا يخفى ) ان صحة التمسك بالاطلاقات انما هو فيما كان الشك في الابتلاء وعدمه من جهة الشبهة في الصدق ، واما لو كان ذلك من جهة الشبهة المصداقية فلا يجوز التمسك بها لما حققناه في محله من عدم جواز التمسك بالعمومات والمطلقات في الشبهات المصداقية حتى في المخصصات اللبية.

إزاحة شبهة قد يقال كما عن بعض انه يلحق بالخروج عن الابتلاء موردان ( أحدهما ) ماذا كان بعض أطراف العلم الاجمالي مما لا يقدر المكلف على التصرف فيه شرعا كما لو كان ملكا للغير الذي لا يرضى بالتصرف فيه ، فالتزم فيه بعدم تأثير العلم الاجمالي بنجاسته أو نجاسة الاخر الذي هو ملكه وتحت تصرفه الا إذا كان في معرض

ص: 348

البيع والشراء وكان المكلف بصدد شرائه بدعوى ان النهى الشرعي عن التصرف في ملك الغير موجب لسلب القدرة عنه ولأجله يصير بمنزلة غير المقدور العادي في استهجان التكليف بالاجتناب عنه فيسقط العلم الاجمالي عن التأثير ، وبسقوطه يبقى الأصل النافي الجاري في الطرف الآخر بلا معارض ( وثانيهما ) ما إذا كان بعض الأطراف مما يبعد عادة اتفاق ابتلاء المكلف به كما لو علم اجمالا بنجاسة أحد الترابين أحدهما التراب الذي أعده للسجود عليه أو التيمم به ، والاخر تراب الطريق الذي يبعد عادة اتفاق ابتلائه به من السجود عليه أو التيمم به ، فالتزم فيه أيضا بعدم تأثير العلم الاجمالي ( ولا يخفي عليك ما فيه ) اما المورد الأول ، فلان مجرد المنع الشرعي عن بعض أطراف العلم بوجه خاص كالغصب ونحوه لا يقتضى خروجه عن قابلية توجيه النهى إليه بوجه اخر حتى يقتضى سقوط العلم الاجمالي عن التأثير ( فان ) المعتبر في منجزية العلم الاجمالي كما أشرنا إليه واعترف به القائل المزبور ، هو ان يكون كل من الأطراف بحيث لو علم تفصيلا كونه هو المعلوم بالاجمال لصح من المولى توجيه التكليف الفعلي بالاجتناب إليه ( ومن الواضح ) صدق هذا المعنى في المقام ، فإنه على تقدير كون النجس المعلوم بالاجمال الاناء الذي هو ملك الغير لا قصور في صحة توجيه الخطاب بالاجتناب عنه من جهة نجاسته بعد فرض قدرة المكلف عادة على التصرف فيه بغصب أو سرقة واستيلائه عليه خارجا ( والا ) لاقتضى ذلك في المورد العلم التفصيلي أيضا ، ولازمه المنع عن امكان اجتماع النواهي المتعددة في شيء واحد بجهات عديدة وملاكات مختلفة ( مع أن ) البداهة قاضية ببطلانه ، فإنه لا شبهة في أن من شرب الخمر التي هي ملك الذمي غصبا يكون عاصيا من جهتين ويعاقب عقاب الغاصب وشارب الخمر ويترتب على النهى من كل جهة اثره الخاص من وجوب الحد عليه وضمان القيمة للذمي ، وكذا فيمن زنى بجارية الغير حال طمثها فان العصيان فيه يكون من جهات ، ولا يكون ذلك الا لكونه مجمع النواهي المتعددة ، والأمثلة لذلك كثيرة لا تحصى ، ولذا ربما تجرى البراءة عن بعض تلك النواهي إذا شك فيه من جهة الشبهة الحكمية أو الموضوعية حيث يجرى فيه حديث الرفع والحجب ، بل ودليل الحلية أيضا على اشكال فيه ، ويترتب عليه استحقاق العقوبة من الجهة المحرمة المعلومة دون الجهة المشكوكة ، وإذا كانت

ص: 349

الجهة المعلومة في نفسها من الصغاير لا يترتب على ارتكابه اثار الفسق بعد جريان البراءة بالنسبة إلى الجهة المشكوكة ( واما المورد الثاني ) الذي أفاد الحاقه بالخارج عن الابتلاء ، ففيه ان البعد المتصور في نحو المثال ان كان بمثابة يعد المكلف عرفا أجنبيا عنه عادة فهو من مصاديق الخارج عن الابتلاء لا ملحق به ، وان لم يكن كذلك بل كان بعد اتفاق ابتلاء المكلف به من جهة بناء شخص المكلف على عدم ارتكابه واستقرار عادته على ترك السجود على تراب الطريق والتيمم به أو لكونه معرضا عنه بالطبع لمكان خسته وحقارته مع القدرة العادية عليه فلا وجه للالحاق ( كيف ) ولازمه تخصيص النواهي الشرعية بمن ينقدح في نفسه إرادة الفعل لولا النهى وهو كما ترى ، فإنه لا شبهة في صحة النهي وحسنه في الموارد التي يكون المكلف بالطبع غير مريد للفعل كما في كشف العورة بمنظر من الناس ونحوها التي يمتنع عنها الطبع البشري لولا النهي « فرع » إذا كان المكلف محدثا وكان عنده ماء وتراب وعلم بنجاسة أحدهما مع انحصار الطهور بهما ، ففي وجوب الجمع بين الوضوء والتيمم أو وجوب الوضوء فقط أو عدم وجوب شيء عليه لكونه بحكم فاقد الطهورين ، وجوه « والتحقيق » ان يقال انه ان كان التراب مورد ابتلائه أيضا من غير جهة التيمم به ، فاللازم هو الجمع بين الوضوء والتيمم للعلم الاجمالي والتمكن من تحصيل الطهارة ، بل الواجب هو تقديم التيمم على الوضوء لان في فرض العكس يعلم تفصيلا ببطلان تيممه اما من جهة نجاسة محاله أو من جهة نجاسة ما يتيمم به ( واما ) إذا لم يكن التراب مورد ابتلائه الفعلي من غير جهة التيمم به ، فالواجب هو الوضوء فقط ، لا لان أصل الطهارة الجاري في الماء يرفع الابتلاء بالتيمم كما عن بعض المعاصرين ، بل لعدم اقتضاء العلم الاجمالي حينئذ لاحداث التكليف الفعلي على كل تقدير فإنه على تقدير كون النجس هو التراب لا يحدث من قبل نجاسته تكليف بالاجتناب عنه ( لان ) فرض نجاسته ملازم لطهارة الماء المستتبع للتكليف بالطهارة المائية ، فعدم تكليفه حينئذ بالتيمم به ليس من جهة نجاسته بل هو من جهة كونه واجدا للماء الطاهر ، وحينئذ فبعد سقوط العلم الاجمالي المزبور عن التأثير يرجع الشك في نجاسة الماء إلى كونه بدويا فتجري فيه أصالة الطهارة ويترتب على جريانها وجوب الوضوء.

ص: 350

( الامر السابع ) إذا اضطر إلى ارتكاب بعض أطراف العلم الاجمالي ، ( فتارة ) يكون الاضطرار إلى البعض المعين ( وأخرى ) إلى غير المعين ( وعلى التقديرين ) تارة يكون الاضطرار قبل العلم بالتكليف أو مقارنا لحدوثه ، ( وأخرى ) بعده بزمان يمكن فيه الامتثال ، وعلى الأول فاما أن يكون أمد الاضطرار بمقدار أمد التكليف المعلوم بالاجمال ، أو يكون أقل منه كما لو كان أمد الاضطرار من أول الصبح إلى الزوال وكان أمد التكليف من الصبح إلى الغروب وربما يتصور صور أخرى بمقايسته مع زمان تعلق التكليف من حيث السبق واللحوق ولكنه لما لم يوجب اختلافا في الحكم نقتصر على الصور المزبورة « فنقول » : أما إذا كان الاضطرار إلى المعين ، فان كان قبل العلم أو مقارنا لحدوثه وكان أمده أيضا بمقدار أمد التكليف أو أزيد ، فلا شبهة في عدم وجوب الاجتناب عن الطرف الآخر ، فإنه بعد احتمال انطباق المعلوم على الطرف المضطر إليه لا علم بالتكليف الفعلي ، فيرجع الشك في الطرف الآخر بدويا والمرجع فيه هي البراءة ومثله ما إذا كان الاضطرار بعد العلم ولكنه بزمان لا يمكن فيه الامتثال ، من غير فرق في ذلك كله بين سبقه أيضا على التكليف المعلوم أو لحوقه له ، لان التنجيز انما يكون من لوازم العلم والكاشف لا المعلوم والمنكشف فإذا لم يكن العلم مؤثرا في تنجيز التكليف بالإضافة إلى زمان قبل وجوده ، فلا اثر لمجرد سبق زمان حدوث التكليف على الاضطرار كما هو ظاهر ( وأما إذا كان ) الاضطرار بعد العلم الاجمالي بزمان يمكن فيه الامتثال ، فالواجب هو الاجتناب عن الطرف غير المضطر إليه للعلم الاجمالي التدريجي بالتكليف في الطرف المضطر إليه قبل طرو الاضطرار أو في الطرف الآخر بقاء أحال طروه وهو كاف في المنجزية كما شرحناه في طي مبحث الانحلال وان شئت قلت بوجود العلم الاجمالي بالتكليف المردد بين المحدود في الطرف المضطر إليه وغير المحدود في الطرف الآخر فان مقتضاه هو لزوم الاجتناب عن الطرف غير المضطر إليه ( وهكذا ) الكلام في عكس الفرض وهو ما يكون الاضطرار مقارنا للعلم الاجمالي مع كون أمده أقل من أمد التكليف ، فان الواجب فيه أيضا هو الاجتناب عن الطرف الآخر للعلم الاجمالي المزبور ، هذا كله في الاضطرار إلى المعين ( واما الاضطرار ) إلى غير المعين ففي كونه كالاضطرار

ص: 351

إلى المعين كما اختاره المحقق الخراساني ( قده ) قولان « أقواهما » العدم من غير فرق بين ان يكون الاضطرار قبل العلم أو بعده فإنه على كل تقدير لابد من مراعاة العلم الاجمالي بالاجتناب عن غير ما يدفع به الاضطرار ( لان ) غاية ما يقتضيه الاضطرار المزبور بعد رجوعه إلى الاضطرار إلى ترك الجمع بين المحتملين في الامتثال انما هو رفع الحكم الظاهري بوجوب الجمع بينهما المعبر عنه بالموافقة القطعية لا رفع أصل فعلية التكليف كما في الاضطرار إلى المعين كي يلزم سقوط العلم بالمرة عن التأثير حتى بالنسبة إلى المخالفة القطعية ، ولازمه وان كان هو الترخيص في تطبيق الاضطرار على مورد التكليف ولكنه لما لم يكن الاضطرار المزبور بنفس وجوده مزاحما للتكليف مع قطع النظر عن الجهل بموضوعه كالاضطرار إلى المعين بل كان يلائمه كمال الملائمة بشهادة لزوم صرفه إلى غير مورد التكليف في فرض تبين الحال والعلم به تفصيلا ، فلا محالة كان الواقع على فعليته ، ولازمه بقاء العلم الاجمالي على تأثيره غير أنه يرفع اليد لأجله عن لزوم الموافقة القطعية ويجمع بين هذا الترخيص الظاهري في هذه المرتبة وبين فعلية الواقع بما يجمع به بين الاحكام الواقعية والظاهرية بلا مضادة بينهما « نعم » بناء على علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية لابد من رفع اليد عن فعلية الواقع ولو بمرتبة منه ، لأنه بدونه يستحيل الترخيص في ترك الموافقة القطعية ولو بمناط الاضطرار فان حكم العقل تنجيزيا بلزوم الموافقة القطعية عند العلم بالتكليف ليس مما تناله يد الجعل وضعا ورفعا « فلو » ورد حينئذ ترخيص في ترك الموافقة القطعية ولو بعنوان الاضطرار إلى الجامع لابد وأن يكون برفع اليد عن منشأه أعني فعلية التكليف على تقدير تطبيقه على مورد التكليف « وعليه » قد يتوجه الاشكال بأنه إذا كان التكليف فعليا على تقدير دون تقدير فلا يصلح العلم به للمنجزية لان الشرط في تنجيزه ان يكون متعلقا بتكليف فعلي على كل تقدير ، ولعله إلى هذه الجهة نظر المحقق الخراساني « قده » فيما افاده في وجه الحاق الاضطرار إلى غير المعين بالمعين من دعوى مضادة الترخيص لأجل الاضطرار للتكليف الفعلي « لا إلى » كلية المضادة بين الاحكام الواقعية والظاهرية كي يجاب عنه بمنع

ص: 352

المضادة بينهما بعد عدم تكفل اطلاق الخطابات الواقعية للمرتبة المتأخرة عن الجهل بها هذا ( ولكن ) يمكن دفع ذلك بان غاية ما يقتضيه البيان المزبور انما هو رفع اليد عن قضية اطلاق فعلية التكليف في كل محتمل بالنسبة إلى حال الاجتناب عن المحتمل الآخر وعدمه بتقييده بحال الاجتناب عن المحتمل الاخر ، لا رفع اليد عن أصل فعليته بقول مطلق كي يوجب سقوط العلم عن التأثير رأسا ، فإنه بمثل هذا التقييد يرتفع المحذور المزبور ويترتب عليه رفع الحكم بلزوم الموافقة القطعية مع بقاء العلم الاجمالي على تأثيره بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية ( ومرجع ) ذلك إلى انقلاب العلم بالتكليف المطلق إلى العلم بالتكليف الناقص الحافظ للمتعلق بمرتبة منه بالنسبة إلى المحتملين الراجع إلى الترخيص في دفع الاضطرار بكل واحد منهما مشروطا بالاجتناب عن المحتمل الاخر ، ومرجعه إلى اثبات تكليف توسطي بين نفي التكليف رأسا وبين ثبوته بقول مطلق الحافظ لمتعلقه تعيينا على كل تقدير إذ لا نعني من التوسط في التكليف الا هذا التكليف الناقص ، لا ما كان فعليا على تقدير وغير فعلي على تقدير آخر كما افاده بعض الاعلام كي يلزم صدقه في الاضطرار إلى المعين أيضا ، وبذلك أيضا يجمع بين هذا الترخيص الاضطراري وبين فعلية الواقع بلا مضادة بينهما لما عرفت من أن ما يضاد الترخيص انما هي الفعلية المطلقة لا مطلق الفعلية وبعد رفع اليد عن اطلاق فعلية الواقع بالمعنى الذي عرفت لا يبقى مضادة بينهما كما لا يخفى ( ثم إن ) ذلك بناء على المختار من علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية ( واما ) بناء على اقتضاء العلم لذلك فالامر أوضح لما عرفت من أن للشارع الترخيص الظاهري في ترك الموافقة القطعية والاذن في رفع الاضطرار بما يختاره خارجا وان كان منطبقا على مورد التكليف بلا احتياج إلى التصرف في الواقع ولو برفع اليد عن فعليته المطلقة بارجاعه إلى إلى التكليف الناقص ، فإنه بعد أن كان الترخيص المزبور في طول الواقع أمكن الجمع بين بقاء الواقع على فعليته المطلقة وبين هذا الترخيص الاضطراري في هذه الرتبة بما يجمع به بين الاحكام الواقعية والظاهرية ( ومرجع ) ذلك إلى التكليف المتوسط بين نفي التنجيز رأسا الملازم لجواز المخالفة القطعية وبين ثبوته بقول مطلق الملازم لوجوب الموافقة القطعية هذا « ولكن التحقيق » انه لا فرق بين القول بالاقتضاء والعلية فإنه على كل القولين لا محيص من التوسط في التكليف نفسه

ص: 353

بالتقريب الذي قدمناه « والتفصيل » المزبور انما يصح بالقياس إلى إضافة الاضطرار إلى الحكم العقلي بوجوب الجمع بين المحتملين في ظرف قبل الاختيار ، لا بالقياس إلى اضافته إلى الواقع في ظرف تطبيق المختار على موضوع التكليف الذي هو ظرف مصداق المضطر إليه ، فان في ظرف التطبيق يصلح الاضطرار المزبور للمزاحمة مع التكليف الواقعي لكونه من حدوده وقيوده ومع الصلاحية المزبورة واحتمال انطباق مورد التكليف على ما يختاره المكلف في مقام التطبيق لا محيص ولو على الاقتضاء من التصرف في التكليف ولو برفع اليد عن اطلاق فعليته في كل طرف من حيث الاجتناب عن الاخر وعدمه لا عن أصل فعليته ونتيجة ذلك هو التوسط في التكليف نفسه لا في تنجيزه فتدبر.

« الامر الثامن » هل الملاقي لاحد أطراف العلم الاجمالي بالنجاسة في الشبهة المحصورة محكوم بحكم الملاقى في وجوب الاجتناب عنه واجراء احكامه عليه ، فيه خلاف « وتحقيق » القول في المقام يستدعى تقديم أمور « الأول » انه غير خفي في أن مركز هذا البحث انما هو فيما إذا لم يكن هناك ملاقي آخر لبقية الأطراف الاخر ، والا فيخرج عن مفروض البحث بلا كلام ، إذ لا شبهة حينئذ في وجوب الاجتناب عن كلا المتلاقيين للعلم الاجمالي بنجاسة أحدهما « كما » انه لابد أيضا من فرض الكلام فيما إذا لم يكن في البين ما يقتضي نجاسة كلا المشتبهين أو أحدهما المعين كالاستصحاب ونحوه ، والا فيخرج أيضا عن موضوع البحث ، فان في فرض قيام الاستصحاب على نجاسة الطرفين أو خصوص الملاقى لا اشكال في كونه اي الملاقي محكوما بالنجاسة ووجوب الاجتناب لأنها من الآثار الشرعية لنجاسة الملاقى بالفتح فكان التعبد بنجاسته تعبدا بنجاسة ملاقيه أيضا كما أن في فرض قيامه على نجاسة طرف الملاقى لا اشكال أيضا في عدم وجوب الاجتناب عن الملاقى فضلا عن ملاقيه لانحلال العلم الاجمالي بالنجاسة حينئذ بالعلم بالتكليف في خصوص الطرف وصيرورة الشك بدويا في الملاقى ( الامر الثاني ) لا اشكال نصا وفتوى بل وضرورة في نجاسة ملاقي النجس ووجوب الاجتناب عنه « وانما الكلام » في وجه نجاسته ، وغاية ما قيل أو يمكن ان يقال في ذلك أمور « أحدها » ان تكون نجاسته لمحض التعبد الشرعي بان يكون

ص: 354

الملاقي للنجس موضوعا مستقلا حكم الشارع بنجاسته ووجوب الاجتناب عنه في قبال جعل النجاسة للملاقى بالفتح نظير نجاسة الكلب في قبال نجاسة الخنزير ، غاية الامر كان هذا الحكم في ظرف ملاقاته للتنجيس بحيث يكون مثل هذه الجهة مأخوذا في موضوعه على نحو الشرطية من دون ان تكون نجاسته من جهة السراية من الملاقى بأحد الوجهين الآتيين ( ثانيها ) ان تكون من جهة السراية بمعنى الاكتساب بان تكون نجاسة الملاقي ناشئة عن نجاسة الملاقي بالفتح ومسببة عنها وفي طولها نظير نشو حركة المفتاح من حركة اليد فكان الملاقاة سببا لهذا النشو لا انها حكم مجعول مستقل في عرض الحكم بنجاسة الملاقى - بالفتح - ، ولا كونها انبساطا للنجاسة الثابتة للملاقى « ثالثها » ان تكون نجاسته لأجل السراية بمعنى الانبساط بان يكون الملاقاة منشأ لاتساع دائرة نجاسة الملاقى وانبساطها إلى الملاقى كاتساعها في صورة اتصال الماء المتنجس بغيره وامتزاجه به فكانت نجاسة الملاقي حينئذ من مراتب نجاسة الملاقى بل بوجه عينها ، لا انها فرد آخر من النجاسة في قبال نجاسة الملاقى كما في الصورة الأولى ، ولا مسببا عن نجاسته بحيث تكون في طول نجاسته وفى رتبة متأخرة عنها ( هذه ) وجوه ثلاثة متصورة في وجه نجاسة الملاقي للنجس ( وبتأتي ) مثلها أيضا بالنسبة إلى ملكية المنفعة والنماءات المتصلة والمنفصلة ، فان ملكية النماء والمنفعة ( تارة ) تعتبر ملكية مستقلة تعبدية في عرض ملكية العين بان كان تبعيتهما للعين بحسب الوجود محضا لا بحسب الملكية ( وأخرى ) تعتبر كونها ناشئة عن ملكية العين بحيث أخذ ملكية العين علة لملك النماء والمنفعة ( وثالثة ) تعتبر ملكيتهما من مراتب ملكية العين ومقام انبساطها بما يشمل النماء والمنفعة ( فعلى الوجه ) الأخير لا شبهة في أنه مع العلم الاجمالي بنجاسة أحد الشيئين أو غصبيته يجب الاجتناب عن الملاقي لاحد طرفي العلم وعماله من التوابع المتصلة والمنفصلة لوقوع الملاقي والنماء بمقتضى الانبساط المزبور طرفا للعلم الاجمال بالتكليف في عرض طرفية الملاقى والعين المثمرة الموجب لرجوع العلم الاجمالي إلى العلم بتكليف واحد في طرف أو تكليفين في طرف آخر ، بخلافه على الوجهين الأوليين ، فإنه لا يجب الاجتناب فيهما عن الملاقي للشك في ملاقاته للنجس المعلوم في البين وعدم احراز صغرى

ص: 355

الخطاب بالاجتناب عن ملاقي النجس ولو اجمالا هذا ( ولكن الوجه الأخير ) منها وكذا الوجه الأول ، غاية البعد ، فإنه مما لا يساعد عليه كلمات الأصحاب من التعبير بمثل ينجسه أو لا ينجسه ويفعل ونحوه ، فان الظاهر من نحو هذه التعبيرات هو كون نجاسة الملاقي من جهة السراية بمعنى السببية لا الانبساط ولا من جهة التعبد ، وكذا ما في متفرقات النصوص من التعبير بنحو ما ذكر كقولهم (عليهم السلام) ( الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شيء ) الظاهر في سببية نجاسة الشيء لنجاسة الماء عند عدم بلوغه كرا ( بل كلماتهم ) مشحونة بالسراية بمعنى السببية كما يشهد له بنائهم على ملاحظة السببية والمسببية بينهما والتزامهم بعدم معارضة أصالة الطهارة في الملاقي مع استصحاب النجاسة في الملاقى - بالفتح - ( والا فعلى ) السراية بمعنى الانبساط والاتساع لا مجال لهذا الكلام فان نجاسة الملاقى حينئذ انما تكون في عرض نجاسة الملاقى لكونها مرتبة سعة نجاسته وبعد عدم اقتضاء التعبد بنجاسة الملاقى لاثبات السراية التي هي من اللوازم العادية الواقعية تجري أصالة الطهارة في الملاقي فتعارض مع استصحاب النجاسة في الملاقى مع أنهم لا يلتزمون بذلك ، كل ذلك مضافا إلى قضاء الارتكاز العرفي في التنجيسات العرفية وقذاراتهم ، فان مقتضى الارتكاز العرفي هو كون نجاسة الملاقي من شؤون نجاسة الملاقى - بالفتح - وجائية من قبل ما لاقاه ، لا انها مرتبة سعة نجاسة الملاقى كطول الخط بالنسبة إلى ذاته ، ولا انها نجاسة مستقلة تعبدية في قبال نجاسة الملاقى ، ولذا ترى اباء ، ارتكازهم عن سراية النجاسة إلى الماء العالي الوارد ( وحينئذ ) فالمتعين من مجموع الكلمات والنصوص بضميمة الارتكاز العرفي هو الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة المتقدمة لا الوجه الأول ولا الوجه الثالث فإنهما مما لا شاهد عليه لا من الاخبار ولا من الكلمات ، بل كان الشاهد فيهما على خلافهما ، ( الامر الثالث ) لا اشكال في أن كل طريق معتبر إذا قام على عنوان ذي أثر يوجب بقيامه عليه بحكم العقل ترتيب كل ما لذلك العنوان من الآثار التكليفية والوضعية عليه من غير فرق بين كون الطريق هو العلم الوجداني أو غيره ومن غير فرق بين كونه تفصيليا أو اجماليا ، فمع العلم الاجمالي بعنوان ذي أثر كالعلم بخمرية أحد المايعين يترتب على عنوان المعلوم جميع ما له من الآثار التكليفية والوضعية كحرمة شربه ونجاسة ملاقيه وفساد بيعه ووجوب الحد على شربه ،

ص: 356

ولكن ترتب الآثار المزبورة انما يكون على نفس عنوان المعلوم بالاجمال لا على كل واحد من المشتبهين ( فان ) نتيجة منجزية العلم الاجمالي للتكليف بالجامع لا تكون الا وجوب الاجتناب عقلا عن كل واحد من المشتبهين من باب المقدمة العلمية ومناط الفرار عن الضرر المحتمل لعدم الامن عن كون ما ارتكبه هو الحرام المنجز في البين وهذا المقدار لا يقتضي اشتراكهما مع المعلوم بالاجمال في جميع الآثار ، فلو فرض حينئذ انه لم يرتكب الا أحد الطرفين بشرب أو بيع ونحو ذلك لا يترتب عليه الآثار الشرعية المترتبة على المعلوم بالاجمال من الحرمة والنجاسة وفساد البيع ( كيف ) وان ثبوت تلك الآثار بحسب الجعل الأولي انما كان للعناوين الواقعية ولابد في ترتيبها على موضوع من احراز انطباق عناوينها عليه كي به يحرز صغرى الخطاب فيترتب عليه الآثار المزبورة ، ومع الشك الوجداني في انطباق المعلوم بالاجمال على كل واحد من الطرفين لا مجال لترتب الآثار الشرعية المترتبة على المعلوم بالاجمال عليهما ، بل لابد في كل منهما من الرجوع إلى الأصول الجارية فيه بالخصوص فيرجع في المثال المزبور بالنسبة إلى كل أثر إلى الأصل الجاري فيه من أصالة عدم موجب الحد بشربه ، وأصالة عدم نجاسة ملاقيه ، وأصالة عدم فسقه بارتكابه بناء على عدم كون التجري موجبا للفسق ويرجع في البيع الواقع عليه خارجا إلى أصالة الفساد بناء على علية العلم الاجمالي للموافقة القطعية ومنعه عن جريان الأصل النافي في بعض الأطراف ولو بلا معارض ( نعم ) على القول بالاقتضاء يكون المرجع فيه هي أصالة الصحة لو لم يكن هناك أصل حاكم عليها كاصالة عدم السلطنة وأصالة عدم الملكية من جهة خلوها حينئذ عن معارضة جريانها في الطرف الآخر لفرض عدم وقوع البيع الا على أحدهما ( وتوهم ) معارضتها بأصالة عدم السلطنة على بيع الاخر كما عن بعض ، بدعوى ان الصحة والفساد عبارة أخرى عن السلطنة وعدمها غير أنه قبل البيع يعبر عنهما بالسلطنة على البيع وعدم السلطنة عليه وبعد البيع يعبر بالصحة والفساد فمع معارضة أصالة السلطنة وسقوطها بمقتضى العلم الاجمالي من الطرفين لا يبقى مجال الحكم بالصحة فيه ( مدفوع ) بمنع رجوع الفساد إلى السلطنة المسلوبة بل انما هو مسيب عنها ، فإنه كما أن القدرة وهي السلطنة على البيع تكون متقدمة على البيع لكونها سبب ايجاده ، كذلك في طرف النقيض يكون عدم

ص: 357

السلطنة مقدما رتبة على عدم البيع ، ومعه كيف يمكن دعوى عينية كل من الصحة والفساد مع السلطنة ونقيضها ( وعليه ) لا محيص من اعتبار الصحة والفساد في ظرف وقوع البيع خارجا كما اعترف به القائل المزبور في العلم الاجمالي بين أمرين تدريجيين ، ولازمه خصوصا على ما اختاره من عدم جريان الأصول التنزيلية مطلقا في أطراف العلم هو الرجوع إلى أصالة الصحة التي لا يكون مجراها الا بعد البيع أو مقارنه ( نعم ) على المختار من جريان الأصول التنزيلية في أطراف العلم في صورة عدم استلزام جريانها للمخالفة العملية للمعلوم بالاجمال لا بأس بالحكم بالفساد بمقتضى أصالة عدم السلطنة أو أصالة عدم ملزومها وهي الملكية لو فرض جريانها ولو على القول بالاقتضاء ( الامر الرابع ) لا يخفى انه عند العلم بنجاسة أحد الشيئين وملاقاة ثالث لأحدهما كما يكون العلم الاجمالي بالنجاسة حاصلا بين الشيئين نفسهما ، كذلك يكون حاصلا بين الثالث الملاقي لأحدهما وبين طرف الملاقى ، بل العلم الاجمالي حاصل أيضا بين المتلاقيين أو الطرف ( الا ) ان العلم بنجاسة الملاقي - بالكسر - قد يكون ناشئا عن العلم بنجاسة الملاقى - بالفتح - ومسببا عنه كما لو علم بالملاقات بعد العلم بنجاسة أحد الشيئين ، وقد يكون سببا للعلم بنجاسة الملاقى بالفتح كما لو علم من الأول بنجاسة الملاقي - بالكسر - أو الطرف ثم علم بأنه على تقدير كون النجس المعلوم هو الملاقي لا يكون السبب في نجاسته الا جهة ملاقاته للملاقي - بالفتح - حيث أنه من قبل هذا العلم الاجمالي يحدث علم اجمالي آخر بنجاسة الملاقى بالفتح أو الطرف بحيث كان العلم بنجاسته في طول العلم بنجاسة الملافي وفى رتبة متأخرة عنه وان كان المعلوم بهذا العلم المتأخر ثبوتا في رتبة سابقه عن المعلوم بالعلم السابق ، وثالثة يكون العلمان ناشئين عن وجود ثالث بلا سبق رتبي لأحدهما على الاخر كما لو علم بنجاسة المتلاقيين من الأول لا من جهة الملاقاة بل بأمر آخر مفيد للعلم ، ثم علم بانحصار منشأ نجاسة الملاقي بملاقاته مع الملاقى - بالفتح -.

( إذا عرفت هذه الأمور فاعلم ) انه بناء على المختار في وجه نجاسة الملاقي - بالكسر - من كونه لأجل السراية بمعنى السببية الموجب لكون نجاسة الملاقي في طول نجاسة الملاقي وناشئة عن نجاسته ، فعلى القول باقتضاء العلم الاجمالي

ص: 358

للموافقة القطعية لا اشكال في أن لازمه هو الاقتصار في وجوب الاجتناب على خصوص الملاقى - بالفتح - والطرف نظرا إلى جريان أصالة الطهارة في الملاقي - بالكسر - بلا معارض ، من غير فرق في ذلك بين طولية العلمين أو عرضيتهما ( فان ) المانع عن جريان الأصل على هذا المسلك انما هو ابتلائه بالمعارضة بجريانه في الطرف الآخر ، وبعد مسببية الشك في نجاسة الملاقي والتكليف بالاجتناب عنه عن الشك في نجاسة الملاقى - بالفتح - وسقوط الأصل الجاري في الطرف بمعارضته مع الأصل الجاري في السبب وهو الملاقى في المرتبة السابقة يبقى الأصل الجاري في الملاقي - بالكسر - في ظرف جريانه بلا معارض ( وبذلك ) يظهر أنه على هذا المسلك لا يحتاج في الحكم بطهارة الملاقى إلى التشبث بالانحلال ولحاظ طولية العلمين ، فإنه في فرض عدم الانحلال أيضا تجري فيه أصالة الطهارة لخلوها عن معارضة جريانها في الطرف الآخر ، بل الحكم كذلك حتى في فرض خروج الملاقى - بالفتح - عن الابتلاء بتلف ونحوه قبل العلم الاجمالي ، لما يأتي من أن مجرد خروجه عن الابتلاء قبل العلم لا يوجب سقوط الأصل الجاري فيه بعد فرض الابتلاء بأثره الذي هو نجاسة ملاقيه ، فان لازمه هو معارضة الأصل الجاري فيه بملاحظة هذا الأثر مع الأصل الجاري في الطرف الآخر في المرتبة السابقة فيبقى الأصل في الملاقي في مرتبة جريانه سليما عن المعارض ( واما على القول بعلية العلم الاجمالي ) للموافقة القطعية ومنعه عن جريان الأصل النافي ولو في بعض الأطراف كما هو التحقيق ، فحيث ان الملاقي بنفسه يكون طرفا للعلم الاجمالي بالنجاسة بينه وبين الطرف كالملاقي - بالفتح - لا انه من قبيل ضم مشكوك بمعلوم بشهادة وجود العلم الاجمالي بينه وبين الطرف حتى مع فرض تلف الملاقى - بالفتح - ، كان اللازم هو التفصيل في منجزية هذا العلم بين الشقوق المتصورة سابقا في العلمين من حيث الطولية والعرضية ( وعليه ) نقول انه إذا كان العلم بنجاسة الملاقي أو الطرف ناشئا عن العلم بنجاسة الملاقى أو الطرف ، فلا شبهة في اختصاص التأثير بالعلم الاجمالي السابق بنجاسة الملاقى - بالفتح - أو الطرف وانه لا أثر معه للعلم الاجمالي المتأخر رتبة من جهة تنجز التكليف بالاجتناب عن الطرف في المرتبة السابقة بالعلم الاجمالي السابق رتبة ، فإنه يعتبر في منجزية العلم الاجمالي ان لا يكون مسبوقا بمنجز آخر

ص: 359

موجب لتنجز أحد طرفيه والا فيخرج عن صلاحية المنجزية ومعه يرجع الشك في نجاسة الملاقي - بالكسر - ووجوب الاجتناب عنه إلى الشك البدوي فتجري فيه أصالة الطهارة ( وأما إذا كان ) الامر بعكس هذه الصورة بان كان العلم بنجاسة الملاقى - بالفتح - ناشئا عن العلم بنجاسة الملاقي - بالكسر - أو الطرف ومسببا عنه ، فاللازم حينئذ هو الاجتناب عن خصوص الملاقي والمشتبه الاخر دون الملاقى - بالفتح - لان العلم بنجاسة الملاقي أو الطرف بسبقه رتبة يؤثر في وجوب الاجتناب عن الملاقي والطرف وبعده لا يبقى مجال لتأثير العلم المتأخر رتبة بنجاسة الملاقى - بالفتح - أو الطرف في التنجيز كي يقتضي وجوب الاجتناب عن الملاقى فضلا عن اقتضائه لانحلال العلم السابق رتبة بين الملاقي والطرف ( لا يقال ) ان العلم الاجمالي بنجاسة الملاقي - بالكسر - أو الطرف وان كان سابقا رتبة على العلم بنجاسة الملاقى بالفتح ولكن المعلوم بالاجمال في العلم اللاحق لما كان مقدما بحسب الرتبة على المعلوم بالاجمال في العلم السابق أوجب ذلك انحلال العلم الاجمالي السابق بالعلم الاجمالي اللاحق بنجاسة الملاقى بالفتح والطرف ، لان المدار في تأثير العلم في التنجز انما هو على سبق المعلوم والمنكشف لا على سبق العلم والكاشف ، فإذا كان التكليف بالملاقى سابقا في الرتبة على التكليف بالملاقي بالكسر لكون التكليف به جائيا من قبل التكليف بالملاقى ، فلا محالة في جميع فروض العلم الاجمالي يكون سبق التكليف المعلوم بين الملاقى بالفتح والطرف على التكليف المعلوم بين الملاقي والطرف موجبا لسبق تنجزه أيضا وان كان تعلق العلم به في طول العلم بالتكليف بالملاقي بالكسر وناشئا من قبله ، ولازمه سقوط العلم الاجمالي بنجاسة الملاقي والطرف عن التأثير في جمع فروض المسألة لانقلابه من حين حدوث العلم بالتكليف بين الملاقى والطرف عن صلاحية المؤثرية في تنجيز متعلقه ، فترجع الشبهة بالنسبة إلى الملاقي بالكسر بدوية تجرى فيه أصالة الطهارة بلا معارض ( فإنه يقال ) ان هذه شبهة أوردها بعض الاعلام ( قده ) على المحقق الخراساني ( قده ) بما افاده من التفصيل بين فروض المسألة في وجوب الاجتناب عن الملاقي تارة ، والملاقى أخرى ، وثالثة عنهما بما يرجع حاصله إلى ما ذكر ( ولكنه ) من غرائب الكلام ، إذ بعد الجزم بان التنجز من لوازم العلم بالتكليف وحيث انكشافه

ص: 360

لا من لوازم نفس المعلوم والمنكشف بما هو ، والجزم بان التكليف في اي مرتبة وزمان لا يمكن تنجزه الا في ظرف العلم به لاستحالة تأثير العلم من حين وجوده في تنجز معلومه في المرتبة السابقة عن تحقق نفسه كما هو الشأن في كل علة بالنسبة إلى معلومه نقول ) انه لا مجال لتوهم انحلال العلم السابق بالتكليف بين الملاقي والطرف بالعلم اللاحق بالتكليف بين الملاقى والطرف بمحض سبق معلومه رتبة على المعلوم بالعلم السابق ، الا بفرض امكان تأثير العلم اللاحق في التنجيز السابق على وجوده أو فرض كون التنجيز من لوازم نفس التكليف الواقعي لا من لوازم وصوله وانكشافه ، وبعد بطلان الفرضين لا محيص في الفرض المزبور من تخصيص التنجيز بالعلم بالملاقي بالكسر ، لأنه بسبقه رتبة على العلم بالملاقى يؤثر في التنجيز وبتأثيره لا يبقى مجال لتأثير العلم اللاحق في تنجيز التكليف السابق ولو في ظرف وجوده ، ولا يجديه مجرد سبق معلومه بعد تأخر علمه عن علمه الموجب لقيامه على ما تنجز أحد طرفيه بمنجز سابق عليه رتبة ( وما قيل ) من أن التنجز وان كان من لوازم العلم بالتكليف وحيث انكشافه ، ولكنه بعد أن كان العلم من لوازم المعلوم وتوابعه كان سبق السبب على المسبب موجبا لسبق علمه على العلم بمسببه أيضا على معنى اقتضائه لتقدم الانكشاف القائم بالسبب على الانكشاف القائم بالمسبب وبهذه الجهة يكون تنجزه أيضا سابقا على العلم بالمسبب ( مدفوع ) غاية الدفع بأنه مع فرض تأخر العلم بالسبب في مرتبة تحققه عن العلم بالمسبب كيف يتصور اقتضاء تقدم السبب لتقدم علمه على العلم بالمسبب ( واما دعوى ) اباء الذوق المستقيم عن وجوب الاجتناب عن الملاقي دون الملاقي مع كون التكليف به جائيا من التكليف بالملاقي ( مدفوع ) أيضا بان مجرد تبعية أحد المحكمين للاخر ثبوتا لا يقتضي التبعية في مقام التنجز أيضا ( كيف ) وان كل تكليف لابد في تنجزه من قيام الطريق إليه بخصوصه ولا يكفي مجرد العلم بأحد الحكمين في تنجز الحكم الاخر بلا كونه بنفسه طرفا لعلم اجمالي منجز ، فإذا كان العلم الاجمالي بين الملاقي والطرف منجزا للتكليف في الملاقي بالكسر دون الملاقى بالفتح لسقوط علمه عن قابلية المؤثرية لأجل تأثير العلم السابق ، فأي ذوق يستوحش من التفكيك بينهما في مرحلة التنجز

ص: 361

( مع أن القائل المزبور على مختاره من القول بالاقتضاء لا يحتاج في الحكم بطهارة الملاقي بالكسر إلى اتعاب النفس لاسقاط العلم بالمسبب عن التأثير ، فإنه على مبناه من جعل منشأ سقوط الأصول في أطراف العلم هي المعارضة يجرى الأصل المسببي في الملاقي بالكسر بلا معاوض لسقوط أصالة الطهارة الجارية في طرفه في المرتبة السابقة بمعارضتها مع أصالة الطهارة الجارية في السبب وهو الملاقى ( نعم ) بناء على علية العلم الاجمالي ومنعه عن جريان الأصل ولو في طرف واحد يحتاج الحكم بطهارة الملاقي إلى دعوى انحلال علمه بالعلم المتأخر بالتكليف بين الملاقى بالفتح والطرف ( ولكنك ) عرفت انه لا سبيل إلى دعواه ، وانه لابد بمقتضى قواعد العلم الاجمالي من تخصيص التنجيز بالعلم بالتكليف بين الملاقي والطرف ، لأنه بسبقه رتبة على العلم بالملاقي بالفتح يؤثر في التنجيز في الرتبة السابقة فلا يبقى بعد مجال لتأثير العلم اللاحق رتبة لأنه انما يتحقق في رتبة غير قابلة للتأثير فيرجع الشك بالنسبة إلى الملاقى بالفتح بدويا تجري فيه أصالة الطهارة ( ثم انه بالتأمل ) فيما ذكرناه يظهر الحال في الصورة الثالثة وهي صورة عرضية العلمين كما فرضنا ( فإنه ) بعد عدم اقتضاء سبق المعلوم في أحد العلمين على المعلوم بالعلم الآخر لسبق تنجزه لابد بمقتضى عرضية العلمين وتقارنهما من الاجتناب عن الملاقي والملاقى معا والطرف لتأثير كل من العلمين - ح - بوروده على غير المنجز أحد طرفيه بمنجز سابق في تنجز متعلقه ، وفى الحقيقة مرجع ذين العلمين إلى علم واحد بالتكليف المردد بين تكليف واحد في طرف وتكليفين في طرفين آخرين ومقتضاه هو وجوب الاجتناب عن الجميع ( هذا كله ) بناء على كون نجاسة الملاقي بالكسر في طول نجاسة الملاقى اما بمناط التعبد محضا أو بمناط السراية بمعنى السببية كما هو المختار ( واما بناء ) على عرضية نجاستهما كما هو لازم السراية بمعنى الانبساط والاتساع ( فقد يقال ) بكفاية مجرد العلم الاجمالي بنجاسة الملاقى والطرف في وجوب الاجتناب عن الملاقى بالكسر بلا حاجة إلى كونه بنفسه طرفا للعلم الاجمالي ، لأنه على هذا تكون نجاسته من شؤون نجاسة الملاقى بالفتح بل عين نجاسته فيكفي في وجوب الاجتناب عنه بمجرد العلم بنجاسة الملاقى والطرف ( ولا يخفى ) ما فيه فإنه وان كان نجاسة الملاقي بناء على الانبساط مرتبة من نجاسة الملاقى بالفتح ، ولكنه بعد أن كان الملاقي معروضا مستقلا للنجاسة لابد وأن يكون التكليف المتولد من نجاسته أيضا تكليفا مستقلا في عرض التكليف المتولد من نجاسة الملاقي ومع تعدد

ص: 362

تكليفهما لا محيص في تنجز كل تكليف من العلم به مستقلا فلا معنى لدعوى كفاية العلم بالتكليف بين الملاقي والطرف في تنجز التكليف بالملاقى ولو مع عدم كونه بنفسه طرفا للعلم الاجمالي كما هو ظاهر وحينئذ فلا محيص في وجوب الاجتناب عن الملاقي بالكسر من فرض وقوعه بنفسه طرفا للعلم الاجمالي ليدخل بذلك في صغرى العلم الاجمالي اما بتكليف واحد في طرف أو تكليفين في طرفين آخرين ( ثم انه بما ذكرنا كله ) ظهر حال النماء والمنفعة بالنسبة إلى ذي النماء والعين على كل من فرضي كون ملك النماء والمنفعة في طول ملك العين بحيث اخذ ملكية العين علة لملك النماء والمنفعة أو في عرض ملك العين بحيث كان تبعيتهما للعين بحسب الوجود محضا لا بحسب الملكية أيضا ، فإذا كانت الشجرة المثمرة طرفا للعلم الاجمالي بالغصب يجري في الشجرة وثمرتها جميع ما ذكرناه في الملاقى والملاقي حرفا بحرف ( تذييل ) لبعض الأجلة من المعاصرين قده اشكال على من خصص وجوب الاجتناب بالملاقى بالفتح والطرف دون الملافي بالكسر بتقريب ان التكليف بالملاقى وان كان جائيا من قبل التكليف بالملاقى وبذلك تكون رتبة الأصل الجاري في السبب وهو الملاقى بالفتح متقدمة على الأصل الجاري في الملاقي ولا تصل النوبة إليه مع جريان الأصل السببي ، الا انه بعد سقوط أصالة الطهارة في الملاقى بمعارضتها مع أصالة الطهارة الجارية في الطرف ينتهي الامر إلى أصل مسببي آخر وهي أصالة الحلية من جهة سببية الشك في حلية كل من الملاقى والطرف عن الشك في طهارته ، وحيث إن هذا الأصل في عرض أصالة الطهارة الجارية في الملاقي بالكسر فلا محالة في هذه المرتبة تسقط الأصول الثلاثة ، وبعد سقوطها تصل النوبة إلى أصالة الحلية في الملاقي بالكسر لسقوط معارضها وهي أصالة الحلية في الطرف في المرتبة السابقة فيلزم الحكم حينئذ بجواز شربه مع عدم صحة الوضوء به ونحوه مما هو مشروط بطهارته ، مع أن هذا التفكيك مما لا قائل به فان كل من قال بجواز شربه قال بصحة الوضوء به لأصالة طهارته ( ولا يخفى عليك ) انه على المختار من علية العلم الاجمالي ومانعيته عن جريان الأصل النافي ولو بلا معارض لا وقع لهذا الاشكال ، فإنه بتأثير العلم السابق بنجاسة الملاقى بالفتح أو الطرف لا مجال لجريان شيء من الأصول الجارية في الطرف حتى أصالة الحلية ولو على فرض خلوها عن المعارض ومعه لا تجري أصالة الحلية في الطرف كي تصلح للمعارضة مع أصالة الطهارة في الملاقي بالكسر فتجري حينئذ أصالة الطهارة في الملاقي لرجوع الشك في نجاسته

ص: 363

إلى الشك البدري ( نعم ، بناء على مسلك اقتضاء العلم وحصر سقوط الأصول بالمعارضة لا مناص عن الاشكال المزبور ، ولا يجديه أيضا دعوى انحلال العلم الاجمالي بين الملاقي والطرف وسقوطه عن التأثير بتأثير العلم السابق بالتكليف بين الملاقى بالفتح والطرف ، لان مناط سقوط الأصول على هذا المسلك انما هي المعارضة ، فمع تحقق المعارضة بين أصالة الطهارة في الملاقي وأصالة الحلية في الملاقى والطرف لا محيص من جريان أصالة الحلية في الملاقي فيتوجه شبهة التفكيك المزبور.

( فرعان ) الأول لو فقد الملاقى بالفتح فان كان ذلك بعد العلم الاجمالي بنجاسته أو المشتبه الآخر فلا اثر لفقده بالنسبة إلى ملاقيه ( واما لو كان ) ذلك قبل العلم الاجمالي كما إذا حصل الملاقاة وفقد الملاقى بالفتح ثم حصل العلم الاجمالي اما بنجاسة المفقود أو المشتبه الاخر ، فعلى مسلك علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية لا اشكال في وجوب الاجتناب عن ملاقيه للعلم الاجمالي بالتكليف بينه والطرف وعدم ما يوجب منعه عن التأثير من أصل أو قاعدة اشتغال مثبت للتكليف في بعض أطرافه بعد انعزال العلم الاجمالي السابق بين الملاقى بالفتح والطرف عن التأثير بحدوثه بعد خروج بعض أطرافه عن الابتلاء ( واما على مسلك ) الاقتضاء فقد يقال بقيام ملاقيه مقامه في وجوب الاجتناب نظرا إلى معارضة الأصل الجاري فيه مع الأصل الجاري في الطرف بعد عدم جريانه في المفقود والخارج عن الابتلاء ( وفيه ان ) عدم جريان الأصل في التالف أو الخارج عن الابتلاء انما هو بالنسبة إلى اثره الخارج عن مورد ابتلاء المكلف فعلا من نحو حرمة ارتكابه ووجوب الاجتناب عنه ، واما بالنسبة إلى اثره المبتلى به فعلا كنجاسة ملاقيه فلا باس بجريان الأصل فيهما بلحاظ هذا الأثر ، ولذا ترى بنائهم على اجراء أصالة الطهارة في الماء التالف فعلا عند الابتلاء بأثره من نحو صحة الوضوء به وطهارة البدن والثوب المغسول به بلا التفات منهم إلى الأصول الجارية في نفس الأمور المزبورة ( وعليه نقول ) انه بعد أن كان نجاسة الملاقي بالكسر ووجوب الاجتناب عنه من آثار نجاسة الملاقي بالفتح ، تجرى فيه أصالة الطهارة بلحاظ هذا الأثر ولو في ظرف تلفه وخروجه بنفسه عن الابتلاء ، فتعارض أصالة الطهارة الجارية في المشتبه الاخر وبعد سقوطهما تصل النوبة إلى الأصل

ص: 364

الجاري في المسبب وهو الملاقي بالكسر ، فتجري فيه أصالة الطهارة لسقوط معارضها في المرتبة السابقة بالمعارضة مع الأصل الجاري في الملاقى بالفتح كما في في صورة عدم فقده ( واما توهم ) ان المجعول في الملاقي بالكسر لا يكون الا طهارة واحدة لا طهارتان لامتناع جعل طهارتين لشئ واحد ومع سقوطها بالمعارضة مع الأصل في الطرف لا يبقى مجال لجريانها ثانيا في الملاقي ( فمدفوع ) بان الممتنع انما هو جعل طهارتين لشئ في عرض واحد واما جعل الطهارتين الطوليتين إحداهما من حيث نفسه والأخرى من حيث سببه بنحو لا يكاد اجتماعهما في مرتبة واحدة بل وزمان واحد ، فلا برهان يقتضى امتناعه ، والا اقتضى المنع عن جريان أصالة الطهارة فيه حتى في ظرف بقاء الملاقى بالفتح ، مع أنه لا يلتزم به المتوهم المزبور أيضا ( ومع الغض ) عن ذلك ، نقول انه بعد أن كان لهذه الطهارة الواحدة المجعولة طريقان أحدهما في مرحلة الدلالة والحجية في طول الاخر بحيث لا تصل النوبة إلى الثاني الا بعد سقوط الأول عن الحجية ولو بالتعارض ، فلا مانع عن الاخذ بالأصل الجاري في الملاقي بعد سقوط الأصل في الطرف بمعارضته مع الأصل الجاري في الملاقى ، لان ذلك هي نتيجة جعل الطريقين الطوليين ، والا لا يجرى الأصل فيه حتى في ظرف وجود الملاقى بالفتح كما هو ظاهر وحينئذ فلا محيص من التفصيل في وجوب الاجتناب عن الملاقى بالكسر عند فقد الملاقى قبل العلم بين المسلكين في العلم الاجمالي ، ولعل اطلاق كلام الشيخ قده بقيام الملاقي بالكسر مقام الملاقى بالفتح عند فقده مبنى على القول بعلية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية كما هو مختاره قده ، والا فعلى القول بالاقتضاء لا وجه لدعوى قيامه مقام التالف ومعارضة الأصل الجاري فيه مع الأصل الجاري في الطرف ، بل اللازم على هذا المسلك هو عدم التفصيل في جريان أصالة الطهارة في المسبب وهو الملاقي بين صورة وجود الملاقى بالفتح وبين صورة فقده أو خروجه عن الابتلاء ( نعم ) انما يتجه التفصيل المزبور بين صورة وجود الملاقى وفقده فيما إذا كان الأصل من الأصول غير التنزيلية ، كاصالة الحلية على وجه ، فإنه بعد عدم جريانها في التالف بعدم صلاحية التالف لجعل الحلية الظاهرية فيه ، ينتهي الامر مع فقده في أصالة الحلية في الملاقي ، فتعارض الأصل الجاري في الطرف ، وبعد تساقطهما يؤثر العلم الاجمالي بينهما اثره ( ثم لا يخفى ) ان ما ذكرنا من وجوب

ص: 365

الاجتناب عن ملاقي المفقود على العلية ، انما هو في صورة عدم علمه بعود المفقود بعد ذلك وصيرورته مورد ابتلاء المكلف ، والا ففي فرض عوده في زمان يمكن فيه الامتثال لا يجب الاجتناب عن الملاقي من جهة سقوط علمه حينئذ عن التأثير بسبقه بعلم اجمالي آخر وهو العلم بتكليف غير محدود في الطرف أو بتكليف محدود في الملاقى بالفتح ، فإنه بتأثير هذا العلم في التنجيز يخرج العلم بين الملاقي والطرف عن صلاحية المنجزية ، فيرجع الشك بالنسبة إلى الملاقي بدويا تجري فيه أصالة الطهارة كما هو ظاهر ( الثاني ) إذا كان لاحد طرفي العلم الاجمالي اثر واحد وللآخر اثران ولكنه يشك في أن الاثرين عرضيان أو طوليان كما في نجاسة الملاقى والملاقي بناء على الشك في أن نجاسة الملاقي من باب السراية بمعنى الانبساط أو من باب السراية بمعنى الاكتساب أو التعبد ، وكما في ضمان المنافع مع الشك في كونه في عرض ضمان العين بلحاظ ان اليد على العين يد على العين والمنفعة ، أو في طول ضمان العين ( فنقول ) ان الصور المتصورة في ذلك ثلاثة ، فإنه تارة يكون الدوران بين العرضية والطولية في كل واحد من الاثرين « وأخرى » يكون احتمال العرضية والطولية في خصوص أحد الاثرين ، واما الاخر فلا يحتمل فيه ذلك ، بل امره يدور بين ان يكون في عرض ذلك الأثر أو في رتبة سابقة عليه ، كما في نجاسة الملاقي والملاقى ، وكما في ضمان المنافع في الأعيان المغصوبة « وثالثة » لا يحتمل العرضية في شيء من الاثرين ، بل الدوران بينهما كان في الطولية خاصة لاحتمال السببية والمسببية في كل منهما كما يفرض ذلك في الملاقي والملاقى بناء على السراية بمعنى السببية فيما لو اشتبه الملاقي بالملاقى ولم يدر أيهما هو الملاقى ( فهذه ) هي الصور المتصورة في المقام ( واما حكمها ) ففي جميع الصور المزبورة على كل واحد من مسلكي العلية والاقتضاء في العلم الاجمالي هو الاحتياط ، وذلك ( واما على مسلك ) الاقتضاء فظاهر ، لان جريان الأصل النافي على هذا المسلك في بعض الأطراف انما هو بمناط السببية والمسببية الموجبة لحكومة أحد الأصلين على الاخر ، ومن الواضح ان ذلك انما يكون في فرض العلم بوجود الحاكم واحرازه بعينه المتوقف على العلم بالطولية بين الاثرين أيضا ، والا فلا يكفي مجرد احتمال وجود الحاكم واقعا في رفع اليد عن أصل المحكوم ، وحينئذ فعند الشك وعدم احراز الحاكم بعينه لابد من الاحتياط للشك في أصل وجود الحاكم ، في

ص: 366

الصورة الأولى ، والثانية ، وفي تعيينه في الصورة الثالثة ( واما على مسلك ) علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية فلما عرفت غير مرة من أن جواز الرجوع إلى الأصل النافي ولو في بعض الأطراف انما يكون بانحلال العلم الاجمالي بقيام ما يوجب انحلاله أو بدلية بعض الأطراف تعيينا عن الواقع ، ومن الواضح انه لابد في ذلك من العلم بالانحلال وجعل البدل ووصولهما إلى المكلف ، والا فلا يكفي مجرد احتمالهما في رفع اليد عما يقتضيه العلم الاجمالي من لزوم الاحتياط كما هو ظاهر ( وكيف كان ) فهذا كله في الشبهة الموضوعية التحريمية ( واما الشبهة ) الحكمية فيعلم حكمهما مما ذكرنا في الشبهة الموضوعية ، حيث يجرى فيها جميع ما ذكرناه من منجزية العلم الاجمالي وعليته لوجوب الموافقة القطعية حرفا بحرف فلا يحتاج إلى إعادة البحث فيها ( هذا كله ) إذا كان الحرام المشتبه مرددا بين المتبائنين ( واما ) إذا كان مرددا بين الأقل والأكثر فسيتضح حكمه انشاء اللّه تعالى في طي الشبهة الوجوبية

المبحث الثاني في الشبهة الوجوبية

وفيها مقامان ( الأول ) فيما إذا كان الواجب مرددا بين أمرين متباينين كما لو تردد الامر بين وجوب الظهر والجمعة في يوم الجمعة ، وبين القصر والاتمام في رأس أربعة فراسخ ، ونحو ذلك ( والأقوى ) فيها وجوب الاحتياط بالموافقة القطعية ، لعين ما تقدم في الشبهة التحريمية من منجزية العلم الاجمالي وعليته بحكم العقل لحرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية على وجه يمنع عن مجيء الترخيص الظاهري على خلاف التكليف المعلوم بالاجمال ولو في بعض الأطراف ، الا إذا كان هناك ما يوجب انحلال العلم الاجمالي أو بدلية بعض الأطراف عن الواقع من أصل موضوعي أو حكمي مثبت للتكليف في بعض الأطراف ، من غير فرق في ذلك كله بين كون الشبهة موضوعية ، أو حكمية ، ولا في الثاني بين كون منشأ الاشتباه هو فقد نص المعتبر ، أو اجماله ، أو تعارض النصين ( نعم ، في فرض تعارض النصين يكون الحكم هو التخيير في الاخذ بأحد الخبرين ، للنصوص الامرة في التخيير في الاخذ بأحدهما فيخرج مثل هذه الصورة عما هو معقد البحث في العلم الاجمالي ( نعم ، يدخل في المقصد تعارض الآيتين والاجماعين المنقولين

ص: 367

بناء على عدم الحاقهما بالخبرين المتعارضين في الحكم المزبور كما هو التحقيق أيضا ، فيرجع فيهما بعد التساقط إلى قواعد العلم الاجمالي ( ثم انه قد يتمسك ) بالاستصحاب لوجوب الاتيان بالمحتمل الاخر عند الاتيان بأحد المحتملين ، اما مطلقا ، أو في مورد لم يكن هناك قاعدة اشتغال ، كما لو حدث العلم الاجمالي بوجوب أحد الامرين بعد الاتيان بأحدهما ، وذلك تارة باجرائه في الموضوع باستصحاب عدم الاتيان بما هو الواجب المعلوم في البين ، وأخرى في الحكم باستصحاب بقاء وجوب ما وجب سابقا وعدم سقوطه بفعل أحدهما ، نظرا إلى تمامية أركانه فيهما من اليقين السابق والشك اللاحق ( ولكن فيه ما لا يخفى ) اما الأول ، فهو وان تم فيه أركان الاستصحاب لتعلق الشك بعين ما تعلق به اليقين السابق وهو العنوان الاجمالي المعبر عنه بأحد الامرين ، الا ان الاشكال فيه انما هو من جهة عدم تعلق اليقين والشك بعنوان ذي اثر شرعي ، فان العنوان الذي تعلق به اليقين والشك وهو العنوان الاجمالي لا يكون بهذا العنوان مما له الأثر الشرعي حتى يصح التعبد ببقائه ، وماله الأثر الشرعي انما هي العناوين التفصيلية كعنوان صلاة الظهر والجمعة والقصر والاتمام ، ومثل هذه العناوين مما اختل فيه أحد ركني الاستصحاب من اليقين السابق أو الشك اللاحق ( وبهذه الجهة ) نقول أيضا بعدم جريان الاستصحاب في الفرد المردد ، ولا في المفهوم المجمل المردد بين الأقل والأكثر كعنوان الرضاع المحرم ( لان ) ما هو مشكوك البقاء لا اثر له وما له الأثر وهو العنوان التفصيلي مردد بين ما هو متيقن الارتفاع وما هو متيقن البقاء « فعلى كل حال » لا يجرى الاستصحاب ، اما لفقد الأثر ، واما لاختلال أحد ركني الاستصحاب وهو الشك في البقاء ( ولا يقاس ) المقام بباب استصحاب الكلى والقدر المشترك بين الفردين كاستصحاب الحدث المردد بين الأكبر والأصغر ، للفرق الواضح بين المقام وما هناك ، حيث إن الكلى بنفسه موضوع للأثر الشرعي فيجري فيه الاستصحاب - بخلاف المقام - فإنه ليس لذلك العنوان المعلوم بالاجمال وهي الصلاة المرددة بين القصر والاتمام أو الظهر والجمعة اثر شرعي بهذا العنوان حتى يصح التعبد ببقائه بلحاظه وهو واضح ( نعم لو اغمض عما ذكرنا ) وقلنا بكفاية مرأتية عنوان المشكوك بقائه لما له الأثر الشرعي في صحة التعبد ببقائه - لا يرد عليه ما عن بعض الاعلام من الاشكال باستلزامه التعبد بما هو معلوم

ص: 368

البقاء وما هو معلوم العدم - من جهة ان معنى استصحاب الفرد المردد انما هو التعبد ببقاء الفرد الحادث على ما هو عليه من الترديد وهو يقتضي الحكم ببقاء الحادث على كل تقدير سواء كان هو الفرد الباقي أو الزائل - وهو ينافي العلم بارتفاع الحادث على تقدير وبقائه على تقدير آخر ( حيث إن الاشكال ) المزبور مبني على سراية اليقين والشك من متعلقه الذي هو العنوان الاجمالي إلى العناوين التفصيلية - والا فبناء على وقوفهما على نفس العنوان الاجمالي كما هو التحقيق بشهادة اجتماع اليقين الاجمالي بالشيء مع الشك التفصيلي بالنسبة إلى خصوصيات الأطراف - فلا يقتضي استصحاب الفرد المردد أيضا الا التعبد ببقاء ما هو المعلوم سابقا من دون تعديه إلى العناوين التفصيلية ( كيف ) وان التعبد الاستصحابي انما هو تابع شكه وبعد عدم تعدي الشك عن مورده الذي هو متعلق اليقين الاجمالي إلى العناوين التفصيلية لا يكاد يتعدى التعبد بالبقاء أيضا عن مورد شكه - كي يقتضى ابقاء كل واحد من الطرفين المعلوم تفصيلا بقاء أحدهما وارتفاع الاخر وحينئذ فالعمدة في الاشكال على الاستصحاب المزبور هو ما ذكرناه - فتدبر ( هذا كله ) في استصحاب الموضوع ( واما استصحاب ) الحكم والتكليف المعلوم وجوده في البين ( فان ) أريد به استصحاب شخص التكليف المعلوم بالاجمال بما هو مردد بين الوجوب المتعلق بالظهر أو الجمعة ( يتوجه عليه ) الاشكال المتقدم من عدم كون المستصحب بهذا العنوان الاجمالي اثرا شرعيا كي يجري فيه الاستصحاب ( وان أريد ) به استصحاب الكلى والقدر المشترك بين ما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع - ( فله ) وجه بناء - على أن نتيجة استصحاب الحكم والتكليف عبارة عن جعل المماثل - حيث إنه بعد عدم امكان جعل الجامع الا في ضمن الفصل والخصوصية أمكن اثبات خصوص وجوب الفرد الباقي بالاستصحاب المزبور - لأنها حينئذ تكون من اللوازم العقلية لمطلق وجود الكلى والجامع ولو ظاهرا - لا انها من لوازم خصوص الواقع كي يرد عليه اشكال المثبتية - وبعد عدم امكان كون فصله هي الخصوصية المرتفعة فبالاستصحاب المزبور بتعين خصوص وجوب الباقي - وبذلك لا يبقى مجال لجريان قاعدة الاشتغال من جهة ورود الاستصحاب عليها لكونه بيانا ورافعا لموضوعها كما في استصحاب شخص التكليف في موردها وهو ظاهر ( نعم ) بناء على المختار من كون نتيجة الاستصحاب سواء في الحكم أو الموضوع عبارة عن مجرد الامر بالمعاملة مع المشكوك

ص: 369

معاملة المتيقن في لزوم الجري العملي على وفقه بلا جعل حكم في البين « يتوجه عليه » اشكال المثبت على تقدير إرادة اثبات وجوب الفرد الباقي ، كما أنه على تقدير عدم اثبات ذلك يتوجه عليه محذور لغوية الاستصحاب المزبور « لوضوح » انه انما يجري استصحاب الجامع في صورة الجزم بترتب الأثر العملي عليه ، وهذا انما يكون في ظرف اليقين بان المورد مورد عمله وامتثاله واحراز انه مصداق للجامع ، والا فمع الشك فيه كما في المقام لم يحرز لهذا الجعل اثر عملي فلا يجري الاستصحاب كي يقتضى وجوب الاتيان بالمحتمل الاخر ، وان لم يكن في البين قاعدة اشتغال أيضا كما هو ظاهر.

« وينبغي التنبيه على أمور » الأول ( قد يقال ) بعدم وجوب الاحتياط في موارد الشبهة الموضوعية في الشرائط والموانع كالقبلة والساتر وما يصح السجود عليه - بدعوى سقوط الشرطية عند الاشتباه وحكي عن الحلي قده الحكم بوجوب الصلاة عاريا عند اشتباه الساتر الطاهر بالنجس لسقوط وجوب الستر حينئذ - ولم يعلم وجه لسقوط الشرطية بمجرد الجهل بالموضوع وتردده بين أمور محصورة - الا إذا استفيد من دليل الشرطية اختصاصها بصورة العلم بموضوعها تفصيلا - والا فعلى فرض اطلاق أدلتها - لا محيص بمقتضى العلم الاجمالي من الاحتياط وتكرار الصلاة ( نعم ) في فرض اشتباه الساتر الطاهر بالنجس - أمكن دعوى سقوط الشرطية حينئذ لأهمية حيث مانعية النجاسة من شرطية الساتر في الصلاة - كما هو ذلك في فرض انحصار الساتر بالنجس - حيث إنه أفتى جماعة - بل قيل إنه المشهور بوجوب الصلاة عاريا - فيقال حينئذ ان لزوم ترك لبسهما في الصلاة بمقتضى العلم الاجمالي مستتبع لعدم القدرة على الساتر وهو موجب لسقوط شرطيته عند الاشتباه بالنجس ( ولعله ) إلى ذلك أيضا نظر الحلي قده في مصيره إلى الغاء شرطية الستر ووجوب الصلاة عاريا - لا انه من جهة استفادة اختصاص الشرطية من دليل الشرط بصورة العلم التفصيلي بطهارة الثوب ( ولكن ) مثل هذا الكلام انما يتم في صورة ضيق الوقت بحيث لا يفي الا لصلاة واحدة - واما مع سعة الوقت والتمكن من تكرار الصلاة فيهما - فلا مجال لهذه المزاحمة - بعد امكان حفظ كل من شرطية الستر ومانعية النجاسة بتكرار الصلاة فيهما - اللّهم الا ان يكون نظر الحلي قده في حكمه بوجوب الصلاة

ص: 370

عاريا إلى تقديم اعتبار الامتثال التفصيلي في العبادة على شرطية الستر - كما يكشف عنه حكمه بعدم جواز الاكتفاء بالاحتياط إذا توقف على تكرار العبادة حتى مع عدم التمكن من الامتثال التفصيلي ( ولكن ) سيجيء ما فيه انشاء اللّه تعالى.

( الثاني ) إذا كان المعلوم بالاجمال من العبادات ، فهل يكفي في صحتها مجرد الاتيان بها بداعي احتمال الامر والمطلوبية كما في الشبهات البدوية المحضة ، أو لا يكتفي بذلك ، بل لابد من قصد امتثال الامر المعلوم بالاجمالي على كل تقدير المتوقف على أن يكون المكلف حال الاتيان بأحد المحتملين قاصدا للاتيان بالمحتمل الآخر أيضا ( فيه وجهان ) مبنيان على المسلكين في مبحث قصد القربة من البراءة والاشتغال في نحو هذه القيود غير المأخوذة في متعلق الامر « فعلى القول بالبرائة هناك كما هو المختار » يجوز الاكتفاء في المقام بداعي احتمال الامر في الخروج عن العهدة كما في موارد الشبهات البدوية ولا يعتبر في صحة الماتى به ان يكون حال الاتيان به قاصدا للاتيان بالمحتمل الاخر بل يصح ذلك ويحصل الامتثال به على على تقدير تعلق الامر به واقعا ولو كان قاصدا لعدم الاتيان بالمحتمل الآخر ( واما على القول ) بالاشتغال فلابد في صحة المأتي به والخروج عن عهدة الامتثال من قصد امتثال الامر المعلوم بالاجمال على كل تقدير ولا يجوز الاكتفاء بقصد احتمال تعلق الامر به ( ومن العجب ) ان بعض الاعلام قده مع التزامه باعتبار الامتثال الجزمي في العبادة مهما أمكن في حسن الطاعة وتحقق الامتثال وبنائه على الاشتغال في نحو هذه القيود عند الشك في اعتبارها ، التزم في المقام بجواز الاكتفاء بداعي احتمال تعلق الامر بالمأتي به ، نظرا إلى تخيل كون الامتثال احتماليا على كل تقدير ( حيث ) أورد على الشيخ قده القائل بلزوم قصد امتثال الامر المعلوم بالاجمال على كل تقدير في حسن الطاعة والامتثال وعدم جواز الاكتفاء بمجرد قصد احتمال الامر ( بان ) مجرد العلم بتعلق الامر بأحد المحتملين لا يوجب فرقا في كيفية النية في الشبهات بين البدوية والمقرونة بالعلم الاجمالي ، فان الطاعة والامتثال على كل حال لا تكون الا احتماليا ، لأنه لا يتمكن المكلف بأزيد من قصد امتثال الامر الاحتمالي عند الاتيان بكل من المحتملين ، فلا يتوقف تحقق الامتثال في كل منهما على قصد الامر المعلوم بالاجمال ، بل لو اتى المكلف بأحد

ص: 371

المحتملين من دون ان يكون قاصدا للاتيان بالمحتمل الاخر يحصل الامتثال ( ولا يخفى عليك ) وضوح الفرق بين ان يكون الداعي على الاتيان بالمحتمل احتمال تعلق الامر به ، وبين ان يكون الداعي على الاتيان به هو احتمال انطباق العبادة المعلومة بالاجمال المأتية بداعي امره الجزمي عليه ، فان الانبعاث على الثاني يكون انبعاثا عن الامر الجزمي وان الاحتمال مقدمة لتطبيق ما يدعوه جزما على مورده ، لا ان ما يدعوه إليه هو احتمال الامر والمطلوبية ، بخلاف الأول فإنه انبعاث عن الامر المحتمل بما هو محتمل ، وبعد الالتزام باعتبار الانبعاث الجزمي في صحة العبادة مهما أمكن لا مناص من المصير في المقام إلى لزوم قصد الامر المعلوم بالاجمال في كل من المحتملين المتوقف على كونه حال الاتيان بأحد المحتملين قاصدا للاتيان بالمحتمل الآخر ، فتدبر فيما ذكرنا فإنه دقيق وبالقبول حقيق.

( الثالث ) لو كان المعلوم بالاجمال أمرين مترتبين ، كالظهر والعصر المردد بين القصر والاتمام ، أو بين الجهات الأربع عند اشتباه القبلة ، فهل يعتبر في صحة الدخول في محتملات العصر ان يكون بعد استيفاء جميع محتملات الظهر ، أو انه لا يعتبر ذلك ، فيجوز الاتيان ببعض محتملات العصر قبل استيفاء جميع محتملات الظهر بان يأتي بكل واحد من محتملات العصر عقيب فعل كل واحد من محتملات الظهر إلى الجهة التي صلى الظهر إليها بنحو يحصل له اليقين بحصول الترتيب بينهما بعد الاتيان بمجموع محتملات المشتبهين ( فيه وجهان ) قد يقرب الأول من جهة دعوى تقدم رتبة الامتثال التفصيلي مهما أمكن على الامتثال الاجمالي ، ببيان انه كما يجب تقديم الامتثال التفصيلي مع الامكان في موارد اشتباه القبلة واشتباه الثوب الطاهر بالنجس ، فلا يجوز تكرار الصلاة كذلك في المقام ، فإنه بعد اشتراط الترتيب بين الظهرين لابد في مقام الامتثال من احراز تحقق الترتيب حال الاتيان بمحتملات العصر ، ولا يكفي مجرد العلم بتحققه بعد الاتيان بمجموع محتملات المشتبهين بعد امكان رفع الترديد من جهة شرطية الترتيب ، بان يكون شروعه في محتملات العصر بعد القطع بفراغ ذمته عن التكليف بالظهر ( ولكن فيه ) أولاً منع تقدم رتبة الامتثال التفصيلي على الامتثال الاجمالي ، بعد كون الثاني كالأول في الخروج عن العهدة ، لعدم تمامية ما أفادوه في وجه تقديم الامتثال التفصيلي كما حققناه في محله

ص: 372

( ولو سلم ذلك ) فإنما هو إذا كان اهماله موجبا للتردد في أصل الواجب بنحو يلزم منه التكرار في العبادة ، فلا يجري في مثل المقام - حيث لا يلزم من اهماله تكرار زائد عما يقتضيه حيث اشتباه القبلة مثلا - كي يقال انه كما يجب رفع أصل الترديد مع الامكان - كذلك يجب تقليله مهما أمكن « وثالثا » مع الغض عن ذلك ( نقول ) ان ذلك انما ينتج إذا كان المعتبر في الصلاة هو القطع بوقوع محتمل العصرية بما انه محتمل عقيب الظهر الواقعي ( والا ) فبناء على أن المعتبر هو القطع بوقوع العصر الواقعي عقيب الظهر الواقعي - فلا يفرق بين الصورتين ( فان الإضافة ) القبلية كما انها مشكوكة في الصورة الثانية حال الاتيان بكل واحد من محتملات العصر ، كذلك تكون مشكوكة في الصورة الأولى - نظرا إلى الشك في عصرية المحتمل المأتى به - غير أن الفرق بينهما انه في الصورة الثانية يكون الشك في تحقق الإضافة القبلية ناشئا عن الشك في تحقق طرفي الإضافة ، وفي الصورة الأولى يكون الشك فيها ناشئا عن الشك في تحقق طرف واحد وهو عصرية المأتي به ، وهذا المقدار من الفرق غير مجد في التفرقة بينهما ( واما الجزم التقديري ) بتحقق الترتيب بينهما - فهو كما أنه حاصل في الصورة الأولى - كذلك هو حاصل في الصورة الثانية - فإنه على تقدير كون المأتي به عصرا واقعيا يقطع بتحقق الترتيب بينهما - من جهة ملازمة عصرية الماتى به واقعا لكون تلك الجهة هي القبلة الملازم لكون الماتى به أولاً إلى تلك الجهة بعنوان الظهرية واقعيا ( ولئن شئت قلت ) ان الشك في جميع المحتملات متعلق بالقبلة محضا. والا فمن حيث الترتيب لا شك فيه ولا ترديد بل هو مما يقطع بتحققه في فرض كون القبلة هي الجهة التي صلى الظهرين إليها ، لا ان هناك ترديد ان يتعلق أحدهما بالقبلة - والاخر بالترتيب - كي يقال بلزوم رفع الجهل والترديد وتقليله مع الامكان ( كيف ) ولازم تعدد الجهل انما هو بقاء أحدهما في فرض ارتفاع الاخر - كما في الجهل الحاصل من جهة القبلة واللباس وليس كذلك في المقام - فإنه لو فرض ارتفاع الجهل من جهة القبلة لا ترديد من جهة الترتيب وذلك لا من جهة لملازمة ارتفاع الترديد من جهة القبلة لارتفاعه من جهة الترتيب ، بل من جهة عدم كونه بنفسه مع قطع النظر عن الجهل بالقبلة موردا للشك والترديد ( وحينئذ ) فالتحقيق هو الوجه الثاني - وهو كفاية فعل بعض

ص: 373

محتملات الظهر في صحة الشروع في محتملات العصر على نحو يحصل اليقين بحصول الترتيب بينهما بعد الاتيان بمجموع محتملات المشتبهين فتدبر ( هذا كله ) فيما كان الواجب مرددا بين المتبائنين.

المقام الثاني

في الأقل والأكثر ، وهو اما استقلالي أو ارتباطي ، والفرق بينهما انما هو من جهة وحدة التكليف والغرض في ظرف وجوب الأكثر في الثاني وتعدده في الأول المستتبع لتعدد المثوبة والعقوبة عند الموافقة والمخالفة ، ولتحقق الإطاعة بمجرد الاتيان بالأقل ولو لم يكن في ضمن الأكثر ، بخلاف الارتباطي ، فان امتثال الأقل على فرض وجوب الأكثر منوط بكونه في ضمن الأكثر ( ثم انه لا اشكال ) في جريان البراءة عن الأكثر في الأول ، لانحلال العلم الاجمالي فيه حقيقة حسب انحلال الخطاب إلى خطابات متعددة مستقلة إلى علم تفصيلي بالتكليف بالأقل وشك بدوي في التكليف بالأكثر ، فتجري فيه البراءة عقليها ونقليها ، سواء فيه بين كون الشبهة وجوبية أو تحريمية ، وسواء فيه بين كون منشأ الاشتباه هي الأمور الخارجية وبين كونه فقدان النص ، أو اجماله ، أو تعارض النصين نعم فيه يكون الحكم هو التخيير بمقتضى النصوص الخاصة.

( وانما الكلام والاشكال ) في جريانها في الأقل والأكثر الارتباطي « وقبل » الخوض في البحث ينبغي تقديم أمور ( الأول ) ان محل الكلام في المقام ، انما هو إذا كان الأقل بنفس ذاته وحصته المعينة سوى حد الأقلية محفوظا في ضمن الأكثر ، مع كونه من جهة الزيادة مأخوذا على نحو لا بشرط « واما » إذا لم يكن الأقل محفوظا بذاته في ضمن الأكثر ، أو كان مأخوذا من جهة الزيادة على نحو بشرط لا ( فهو خارج ) عن مركز هذا النزاع ، وبذلك يخرج ما كان الدوران فيه بين الطبيعي والحصة كالانسان بالنسبة إلى زيد عن موضوع الأقل والأكثر ، لان الطبيعي باعتبار قابليته للانطباق على حصة أخرى منه المبائنة مع زيد لا تكون محفوظا بمعناه الاطلاقي في ضمن الأكثر ، فيدخل في التعيين والتخيير الراجع إلى المتبائنين ( كما أنه ) يخرج

ص: 374

باب الدوران بين القصر والاتمام عن موضوع هذا البحث ، فإنه باعتبار اخذ الأقل فيه بشرط لا عن الزيادة داخل في عنوان المتبائنين لتبائن الأقل المحدود بكونه بشرط لا مع الأكثر ( الثاني ) الظاهر هو رجوع هذا النزاع في المقام بين الاعلام إلى بحث صغروي في أن المورد من موارد الشك في التكليف الجاري فيه البراءة ، أو الشك في المكلف به الجاري فيه الاحتياط ، حيث إن هم القائل بالبرائة فيه انما هو اثبات اندراجه في صغري الشك في التكليف ، كما أن هم القائل بالاشتغال اثبات كونه من صغريات الشك في المكلف به الجاري فيه الاحتياط ، لا ان النزاع بينهم كان في أصل الكبرى حتى مع تسليم اندراج المقام في الشك في التكليف أو المكلف به ( كيف ) وهو مع بعده في نفسه ، تنافيه قضية استدلالاتهم في المقام بارجاع الشك في الأكثر إلى الشك في التكليف كما عن القائل بالبرائة ، والى الشك في المكلف به والخروج عن عهدة التكليف كما عن القائل بالاشتغال ( الثالث ) الظاهر أنه لا اختصاص لهذا النزاع بخصوص المركبات ، بل يجري في البسائط أيضا إذا كانت ذات مراتب متفاوتة ( حيث ) ان الامر البسيط باعتبار مراتبه يدخل في عنوان الأقل والأكثر فيجري فيه النزاع ( ولذلك ) قلنا في مبحث الصحيح والأعم انه لا يبتنى النزاع في الصلاة من جهة الوضع للصحيح أو الأعم ، وكذا في مرجعية البراءة ، أو الاشتغال عند الشك في دخل شيء فيها بنحو الشطرية أو الشرطية على خصوص القول بالتركب فيها ، بل يجري فيها كلا النزاعين ولو على البساطة أيضا إذا فرض كونها ذات مراتب مختلفة حاصل كل مرتبة منها من قبل جزء أو شرط ( لان ) مرجع الشك في مدخلية شيء بنحو الجزئية أو الشرطية إلى الشك في التكليف بالنسبة إلى تلك المرتبة المتحققة من قبل المشكوك فيه على تقدير دخله ، فيرجع إلى الأقل والأكثر ( نعم ) انما لا يجري هذا النزاع إذا كان البسيط أمرا وحدانيا غير مختلف المراتب ، كما أنه عليه لا يجري النزاع المعروف هناك من حيث الوضع للصحيح أو الأعم ، لدورانه حينئذ بين الوجود والعدم ، فلا يتصور له وجود يتصف بالصحة تارة ، وبالفساد أخرى حتى يجري فيه النزاع من حيث الوضع للصحيح أو الأعم كما هو ظاهر.

« وبعد ما عرفت ذلك » ( نقول ) ان للأقل والأكثر اقسام كثيرة

ص: 375

( فان ) الترديد بين الأقل والأكثر ، اما ان يكون في نفس المأمور به أعني فعل المكلف وتركه المطالب به أو لمتعلقه فيما كان لمعروض التكليف تعلق بموضوع خارجي ، واما ان يكون في الأسباب والمحصلات الشرعية أو العقلية والعادية ( وعلى التقديرين ) تارة يكون الأقل والأكثر من قبيل الجزء والكل ( وأخرى ) يكون من قبيل الشرط والمشروط ، ( وثالثة ) يكون من قبيل الجنس والنوع ، ثم ما كان من قبيل الشرط والمشروط ، ( تارة ) يكون منشأ انتزاع الشرطية أمرا خارجا عن المشروط مغايرا معه في الوجود خارجا كالطهارة والستر بالنسبة إلى الصلاة ( وأخرى ) يكون متحدا مع المشروط وقائما به نظير قيام العرض بمعروضه كما في جميع المحمولات بالضميمة ( وعلى التقادير ) تارة تكون الشبهة وجوبية ( وأخرى ) تحريمية ومنشأ الاشتباه ، اما ان يكون هو فقد النص المعتبر واما اجماله - أو تعارضه ، ورابعة الأمور الخارجية ( ولنقدم الكلام ) في القسم الأول من الصورة الأولى وهو ما يكون الترديد بين الأقل والأكثر في اجزاء المركب المأمور به كالشك في جزئية السورة أو جلسة الاستراحة للصلاة ( فنقول ) انه اختلف فيه كلماتهم على أقوال ثلاثة ( أحدها ) البراءة عقلا ونقلا ( وثانيها ) الاحتياط كذلك ( وثالثها ) الاحتياط عقلا والبرائة نقلا ( ولكن المختار ) هو القول الأول وتوضيح المرام يستدعي تقديم أمور.

( الأول ) في أن الاجزاء في المركبات هل هي مقدمة للكل والمركب بحيث كان فيها ملاك المقدمية

( وعلى فرض ) تحقق ملاك المقدمية فيها لتحقق المركب الاعتباري ، هل يمكن ان تتصف بالوجوب الغيري علاوة عن اتصافها بالوجوب النفسي ( فنقول ) الذي يظهر منهم في مبحث مقدمه الواجب من تقسيمهم المقدمة إلى الداخلية والخارجية وعدهم الاجزاء من قبيل الأول الذي يكون دخله في أصل حقيقة الشيء وماهيته هو القول بمقدمية الاجزاء للمركبات ودخولها في حريم النزاع ( وغاية ) ما قيل أو يمكن ان يقال في وجه ذلك ، هو دعوى ان الاجراء عبارة عن ذوات الاجزاء لا بشرط من حيث الانضمام إلى الأكثر والمركب عبارة عن الذوات المزبورة بشرط الاجتماع بنحو كان لوصف الاجتماع الطارئ عليها دخل في المركب نظير الهيئة الخاصة في

ص: 376

السرير في المركب الخارجي الحاصلة من انضمام ذوات الأخشاب بعضها ببعض على هيئة مخصوصة فذوات الاجزاء حينئذ بملاحظة كونها وجودات مستقلة معروضة للهيئة الاجتماعية المقومة للكل والمركب متقدمة طبعا على الكل والمركب وبذلك تكون فيها ملاك المقدمية للمركب ، وباعتبار كونها وجودات ضمنية للمركب تكون عين الكل والمركب ( وبهذين ) الاعتبارين يقرب أيضا وجه صحة عروض الوجوب الغيري والنفسي عليها ولو مع اتحادها مع المركب في الخارج ( وذلك أيضا ) بضميمة ما مر منا مرارا من كون معروض الإرادة والكراهة وغيرهما من الصفات القائمة بالنفس هي الصور الحاكية عن الخارج بنحو لا يلتفت إلى ذهنيتها في ظرف وجودها ، مع عدم تعديها من الصور إلى الموجود الخارجي ، إذ الخارج ظرف اتصافه بها ، لا ظرف عروضها ، لان ظرف عروضها لا يكون الا الذهن ( فيقال ) حينئذ انه بعد تغاير هذين الاعتبارين في الذهن ووقوف الطلب على نفس العناوين والصور ، لا مانع من اتصاف الاجزاء بأحد الاعتبارين بالوجوب الغيري وبالاعتبار الاخر للوجوب النفسي الضمني - فان - المتصور في الذهن بهذين الاعتبارين صورتان متغايرتان غير الصادق إحداهما على الأخرى - نعم - بناء على تعلق الاحكام بالخارج اما بدوا أو بالسراية بتوسيط الصور ، يستحيل اتصاف الاجزاء بالوجوبين لكونه من اجتماع المثلين الذي هو في الاستحالة ، كاجتماع الضدين ، وفى مثله لا مجال لتوهم التأكد أيضا - لأنه - انما يصح إذا كان الحكمان في عرض واحد ومرتبة فأرده ، لا فيمثل المقام الذي كان أحد الحكمين معلولا للاخر وفي مرتبة متأخرة عنه - فان - تأخر أحد الحكمين حينئذ رتبة يمنع عن التأكد كما هو ظاهر - ولكن - أصل المبنى فاسد جدا ، لما عرفت مرارا من أن معروض الاحكام انما هي العناوين والصور ، وعليه يتجه اتصافها بالوجوب الغيري والنفسي ، هذا ( ولكن لا يخفى عليك ) فساد القول بمقدمية الاجزاء فان مناط مقدمية شيء لشئ ليس الا كونه مما يتوقف عليه وجود الشيء وفي رتبة سابقة عليه بنحو يتخلل بينهما الفاء في قولك وجد فوجد على ما هو الشأن في كل علة باجزائها بالنسبة إلى المعلول - ومن الواضح - استتباع ذلك للمغايرة والا ثنينية بين المقدمة وذيها في الوجود علاوة عن اختلافهما مرتبة ، والا فبدونه لا يكاد يصح انتزاع هذا العنوان عن

ص: 377

الشئ وبعد ذلك ، نقول انه من الواضح عدم تحقق هذا المناط بالنسبة إلى اجزاء المركب ، فإنها باعتبار كونها عين المركب بحسب الهوية والوجود لا يكاد يتصور فيها ملاك المقدمية ، ولو على القول بان المركب عبارة عن الاجزاء مع وصف الاجتماع ، لان لازم ذلك هو دخول الاجزاء في المركب وعينية وجودها مع وجوده ، غاية الامر على نحو الضمنية - لا الاستقلالية - ولازمه انتفاء ملاك المقدمية فيها أعني استقلال كل من المقدمة وذيها في الوجود وتقدمها على ذيها رتبة - نعم - لازم ذلك هو تقدم بعض اجزاء المركب على البعض الاخر وهو الجزء الصوري أعني وصف الاجتماع ، نظير تقدم ذوات أخشاب السرير على الهيئة السريرية العارضة عليها - وذلك غير مرتبط بمقدمية الاجزاء للمركب - لان المركب حينئذ عبارة عن الاجزاء الخارجية مع الجزء الصوري - لا انه عبارة عن خصوص الجزء الصوري والهيئة الاجتماعية - والا يلزم خروج الاجزاء عن كونها مقدمات داخلية - لاندراجها حينئذ في المقدمات الخارجية ، نظير الطهارة والستر والقبلة بالنسبة إلى الصلاة - وهو خلف - على أنه - من الواضح انه ليس مناط تركب الواجب بما هو واجب وارتباطه على مثل هذه الوحدة الناشئة عن اجتماع أمور متكثرة تحت هيئة واحدة خارجية ، بل المناط كله في تركب الواجب وارتباط بعض اجزائه بالآخر واستقلاله ، انما هو بوحدة الغرض والتكليف المتعلق بأمور متكثرة وتعددهما ( فإنه ) بقيام تكليف واحد بأمور متكثرة تبعا لوحدة الغرض القائم بها ، ينتزع منها في مرتبة متأخرة عن تعلق الوجوب بها عنوان التركب والارتباط للواجب وعنوان الكلية للمجموع والجزئية لكل واحد منها ولو لم تكن تحت هيئة واحدة خارجية أو غيرها من زمان أو مكان ونحو ذلك ، كما في اطعام ستين مسكينا في الكفارة ( كما أنه ) بتعلق تكاليف متعددة مستقلة وأغراض كذلك بكل واحد منها ، ينتزع منها استقلال كل واحد منها في عالم الواجبية ، فيكون كل واحد واجبا مستقلا ناشئا عن غرض مستقل له امتثال وعصيان مستقل في قبال الاخر ولو مع فرض كونها في الخارج تحت هيئة مخصوصة خارجية كهيئة السير مثلا ، غاية الامر اعتبار كونها تحت هيئة خاصة أوجب تلازم امتثالها خارجا ( ولكن ) مجرد ذلك لا يوجب خروجها عن كونها واجبات مستقلة غير مرتبط أحدها

ص: 378

بالآخر في عالم واجبيته حتى في فرض دخل الهيئة المخصوصة على نحو الشرطية في تعلق الوجوب بكل واحد منها ، فضلا عن فرض عدم دخلها ( وبمثل هذا البيان ) نفرق بين العام المجموعي والافرادي أيضا ، حيث نقول ان العمدة في الفرق بينهما انما هو من جهة وحدة الحكم المتعلق بالافراد لبا وتعدده على نحو ينحل الحكم الواحد انشاء إلى احكام عديدة مستقلة حسب تعدد الافراد - ويكون لكل إطاعة مستقلة وعصيان مستقل - لا ان الفرق بينهما من جهة خصوصية في المدخول توجب اختلافا في نحوي العموم كما توهم ، وحينئذ فإذا لم يكن مدار تركب الواجب بما هو واجب واستقلاله الا على وحدة التكليف المتعلق بالمتكثرات الخارجية وتعدده تبعا لوحدة الغرض القائم بها وتعدده ( نقول ) من الواضح انه لابد من تجريد متعلق الوجوب في عالم عروضه عن الارتباط الناشئ من قبل وحدة الوجوب أيضا لاستحالة اعتبار مثل هذا الارتباط والتركب الناشئ من قبل وحده الوجوب في معروضه ( كيف ) وان اعتبار التركب والكلية والجزئية للواجب بما هو واجب انما هو في رتبة متأخرة عن تعلق الوجوب ، وهذه الرتبة لا تكون صقع عروض الوجوب عليها وانما صقع عروضه هي المرتبة السابقة ، وفى هذه المرتبة لا يكون اعتبار الكلية والتركب للواجب كي يتعلق الوجوب بالمركب ( وحينئذ ) فلا يتصور لمتعلق الوجوب تركب وارتباط في في مرحلة عروضه ، كي يبقى مجال توهم مقدمية اجزاء الواجب ، وينتهي الامر إلى البحث عن وجوبها الغيري ، كما هو ظاهر - لا يقال - ان الممتنع انما هو اخذ الارتباط الناشئ من قبل وحدة التكليف في متعلق نفسه وكذا الارتباط الناشي من قبل اللحاظ والمصلحة في متعلقهما - واما اعتبار الوحدة الناشئة من قبل وحدة اللحاظ والمصلحة في متعلق الامر والتكليف ، فلا مانع عنه لامكان تعلق اللحاظ أو لا بما هو المؤثر والمتصف بالمصلحة ، وتعلق الوجوب بما هو المتصف بالملحوظية بهذا العنوان الطاري ، فيكون تركب الواجب وكليته حينئذ بهذا الاعتبار - فإنه يقال - ان ذلك وان كان ممكنا في نفسه ، ولكنه بهذا العنوان لا يكون معروضا للوجوب وانما معروضه هو ما تقوم به اللحاظ والغرض وهو لا يكون الا نفس المتكثرات الخارجية لكونها هي المؤثرة في الغرض

ص: 379

والمصلحة ، لا العنوان الطاري عليها من قبل قيام وحدة اللحاظ أو المصلحة بها كما هو ظاهر ، وحينئذ فإذا كان انتزاع تركب الواجب بما هو واجب أو كليته ممحضا بكونه من جهة تعلق وجوب واحد بأمور متكثرة ، فلا يتصور في معروض هذا الوجوب تركب وكلية للواجب كي يصير مركز البحث في مقدمية اجزائه ووجوبها غيريا ( نعم ) لو كانت الوجودات المتكثرة في نفسها تحت هيئة واحدة خارجية كاجزاء السرير مثلا وتعلق وجوب واحد بكل واحد من الذوات مع الهيئة المخصوصة العارضة عليها ، لا بأس بدعوى مقدمية بعض الواجبات الضمنية لواجب ضمني آخر وهي الهيئة المخصوصة ( ولكن ذلك ) مع كونه غير مرتبط بمقام تركب الواجب بما هو واجب ، لا يكاد يصلح هذا المقدار مع وحدة الوجوب المتعلق بالجميع لترشح الوجوب الغيري إليها ( فإنه ) مع وجوب كل واحد من ذوات الاجزاء في الرتبة السابقة بعين وجوب الجزء الاخر يستحيل ترشح الوجوب الغيري إليها ثانيا عما هو متحد مع وجوبها ، ولا مجال في مثله للتأكد أيضا ، لان ذلك انما هو فيما كان الوجوبان في عرض واحد ( نعم ) انما يتجه ذلك فيما لو كان كل واحد من الذوات المزبورة مع الهيئة المعارضة عليها واجبا مستقلا في قبال الاخر ، فإنه مع تعدد الوجوب لا بأس بمقدمية بعض الواجبات المستقلة لواجب آخر مستقل وترشح الوجوب الغيري من ذي المقدمة إلى مقدمته ، حيث إن نتيجة ذلك بعد عرضية الوجوبين انما هو تأكد وجوبه ، ولكن أين ذلك والمقام الذي لا يكون كذلك ، فتدبر.

« الامر الثاني » لا شبهة في أن من لوازم ارتباطية الواجب ، هو ان يكون دخل كل واحد من ذوات الاجزاء في تحقق الغرض والمصلحة على نحو المؤثرية الضمنية لا الاستقلالية ، كما هو الشأن في جميع العلل المركبة بالنسبة إلى معاليلها ، حيث يكون دخل كل واحد من ذوات اجزاء العلة في تحقق المعلول بنحو المؤثرية الضمنية الراجع إلى مؤثرية كل جزء منها لسد باب عدم المعلول من قبله ( ولازمه ) بعد عدم قابلية الغرض الواحد القائم بذوات الاجزاء للتبعيض عقلا ، وان كان إناطة الغرض في مقام تحققه بتحقق جميع الاجزاء بأسرها ، الملازم لعدم اتصاف شيء من الاجزاء بالوجوب الفعلي والمؤثرية الفعلية الا في ظرف انضمام

ص: 380

بقية الاجزاء الاخر ، لان بانتفاء بعضها ينتفي الغرض والمصلحة لا محالة ، فلا يكاد اتصاف البقية بالوجوب الفعلي والمؤثرية الفعلية ( ولكنه ) من المعلوم ان عدم اتصافها بذلك ليس من جهة قصورها فيما لها من المؤثرية الضمنية في الغرض والمصلحة ، بل انما يكون ذلك من جهة قصور المصلحة والإرادة المتعلقة بها من جهة ضمنيتها عن الشمول لها حتى في حال انفرادها عن بقية الاجزاء الاخر ، الناشئ ذلك من جهة عدم تحقق الاجزاء الاخر ، نظرا إلى عدم قابلية الإرادة الواحدة والغرض الواحد القائمين بتمام ذوات الاجزاء للتبعيض في مقام التحقق ( كيف ) وان شأن كل جزء أو شرط لا يكون الا سد باب عدم المطلوب من قبله ، ولا اشكال في أنه بتحقق كل جزء يتحقق السد المزبور لا محالة ، الا ان عدم تحقق المطلوب عند عدم انضمام بقية الاجزاء إليه انما يكون من جهة عدم انسداد عدمه من قبل اجزاء غير الماتى بها ، لا انه من جهة القصور في الاجزاء المأتى بها فيما لها من الدخل في تحقق المطلوب ( وتوهم ) رجوعه بالآخرة إلى القصور في الاجزاء المأتي بها في مرحلة اتصافها بالمؤثرية والوجوب الفعلي ، نظرا إلى تخيل تقيد الاجزاء كل واحد منها في مقام الاتصاف بالواجبية والمؤثرية الفعلية بصورة الانضمام ببقية الاجزاء ، ومع عدم تحقق جزء منها لا يكاد تتصف الاجزاء المأتية بالمؤثرية ، لان المؤثر الفعلي في الغرض انما يكون هو المقيد بالانضمام المزبور ، وهو غير متحقق ( مدفوع ) بان معروضية الاجزاء للاتصاف المزبور انما يكون تابعا لمعروضتها للوجوب والمصلحة ، وكما أن في مقام العروض لا يكون معروض الوجوب والمصلحة الا نفس ذوات الاجزاء ، لا انها بما هي متقيدة بالانضمام المزبور ، كذلك فيقام اتصافها بالواجبية والمؤثرية الفعلية في الغرض والمصلحة ( وثانيا ) مع الاغماض عن ذلك ، نقول انه بعد انحلال المقيد إلى الذات والتقيد ، فلا محالة تكون ذوات الجزء الذي هو طرف التقيد على ماله من الشأن في الدخل في تحقق الغرض سواء انضم إليه حيث التقيد المزبور أم لا ، حيث إن عدم تحقق الغرض حينئذ انما كان من جهة فقد التقيد الناشئ من جهة فقد بقية الاجزاء ، لا انه من جهة القصور في الاجزاء المأتى بها ( فعلى كل حال ) يكون انتفاء الغرض وعدم اتصاف الاجزاء الماتى بها بالواجبية والمؤثرية الفعلية مستندا إلى

ص: 381

فقد بقية الاجزاء ، لا إلى قصور الاجزاء المأتية في عالم مؤثريتها في الغرض ، قلنا بان لحيث التقيد بالانضمام المزبور دخل أيضا في تحقق الغرض أم لا ، بل كان المؤثر في تحققه هو نفس ذوات الاجزاء ، غاية الامر في حال الانضمام على نحو القضية الحينية لا التقييدية.

« الامر الثالث » لا يخفى ان وصف الأقلية والأكثرية للواجب في المقام انما يكون باعتبار حد التكليف من حيث وقوفه على الأقل أو شموله وانبساطه على الجزء المشكوك ( فمرجع ) الشك في أن الواجب هو الأقل أو الأكثر إلى أن شخص التكليف المنبسط على ذوات الاجزاء هل هو محدود بحد يشمل الجزء المشكوك أو بحد لا يشمله نظير شخص الحظ الذي يشك في أنه محدود بكونه إلى ذراع أو أزيد ( ومن الواضح ) ان هذا المقدار من الحدود المتبادلة لا يوجب اختلافا في ذات الوجوب التي هي مصب حكم العقل بالإطاعة ، ولا في ناحية معروض هذا الوجوب أيضا بحيث يكون الواجب المعروض للوجوب محدودا في الرتبة السابقة عن تعلق الوجوب به بحد القلة أو الكثرة ، بل هو من المستحيل ، بداهة ان طرو حد القلة انما نشاء من ناحية قصور الوجوب تبعا لقصور مقتضيه وهي المصلحة عن الشمول للزائد ، فيستحيل اخذ مثله في معروض هذا الوجوب ( كما أن حد الكثرة ) للأكثر أيضا لا يوجب تقييد الأقل المعروض للوجوب بكونه في ضمن الأكثر كي يختلف حاله بوجوبه استقلالا أو ضمنا ( لان ) مثل هذه الضمنية التي هي منشأ ارتباط الاجزاء بالاجزاء انما جاء من قبل وحدة الغرض والتكليف المتعلق بالجميع ، فيستحيل اخذ مثل هذه الحيثيات الناشئة من قبل الامر والتكليف في متعلقه ( نعم ) هو مانع عن اطلاقه ، فلا يكون الأقل المعروض للوجوب الضمني الا ذات الأقل بنحو الاهمال ، لا مقيدة بقيد الانضمام ولا مطلقة من حيث الانضمام ( كما أنه ) بقصور الوجوب عن الشمول للزائد عند وجوب الأقل لا يكون الواجب في عالم عروض الوجوب عليه الا الذات التوئمة مع حد القلة لا بشرط القلة ولا لا بشرطها ، مع كون الواجب من جهة الانضمام بالزائد خارجا مأخوذا بنحو لا بشرط على معنى عدم اضرار انضمام الزائد بوجوبه ، من غير اعتبار حد القلة فيه خارجا ، والا يدخل في المتبائنين ، كالقصر والاتمام

ص: 382

فيجب فيه الاحتياط بتكرار العمل خارجا ، تارة باتيان الأقل لا في ضمن أكثر ، وأخرى في ضمنه ، لا الاكتفاء باتيانه في ضمن الأكثر ، كما هو مرام القائل بالاحتياط في المقام ( وحينئذ ) فمتى شك في كون الواجب هو الأقل أو الأكثر لا يكون هذا الشك الا في حد الوجوب محضا في أنه محدود بحد لا يشمل الزائد أو بحد يشمله ، من غير أن يوجب ذلك اختلافا في الأقل المعروض للوجوب استقلالا أو ضمنا ، كي يتردد بذلك بين المتبائنين ، بل ما هو الواجب مستقلا بعينه هو الواجب ضمنا بذاته ومرتبته ، غير أن الامتياز انما هو بشمول الوجوب وانبساطه على الزائد وعدمه ( ومن ذلك ) لا مجال لتشكيل العلم الاجمالي في المقام بالنسبة إلى نفس الواجب وذات التكليف مع قطع النظر عن حد الأقلية والأكثرية إذ لا يكون الامر المردد في المقام من باب مجمع الوجودين كما في المتبائنين حتى يجئ فيه المناط المقرر في العلم الاجمالي من صحة تشكيل قضيتين منفصلتين حقيقيتين في في الطرفين ، وانما يكون ذلك من باب مجمع الحدين ، حيث كان العلم الاجمالي بين حدي الوجوب الطاري بالعرض على معروضه ، والا فبالنسبة إلى ذات الوجوب وحيث وجوده الذي هو مصب حكم العقل بوجوب الإطاعة لا يكون الأعلم تفصيلي بمرتبة من التكليف بالنسبة إلى الأقل وشك بدوي بمرتبة أخرى منه متعلقة بالزائد ، كما هو ظاهر.

« وإذ عرفت هذه الأمور » يظهر لك انه متى تردد الواجب بين الأقل والأكثر لا قصور في جريان البراءة العقلية عن الأكثر ، لوجود المقتضى وهو الشك وانتفاء المانع وهو العلم الاجمالي ( لما عرفت ) من أن العلم الاجمالي المتصور في المقام انما هو بالنسبة إلى حد التكليف من حيث تردده بين كونه بحد لا يتجاوز عن الأقل أو بحد يتجاوز عنه ويشمل الزائد - والا فبالنسبة إلى نفس التكليف والواجب - لا يكون من الأول الأعلم تفصيلي بمرتبة من التكليف وشك بدوي محض بمرتبة أخرى منه متعلقة بالزائد ( ولذلك ) نقول ان في تسمية ذلك بالعلم الاجمالي مسامحة واضحة - لأنه في الحقيقة لا يكون الا من باب ضم مشكوك بمعلوم تفصيلي ( نعم ) لو كان لحد القلة والكثرة وجهة الارتباط والانضمام دخل في موضوع التكليف بحيث يكون قصور الوجوب عن الشمول للزائد موجباً

ص: 383

لاختلاف الأقل في عالم معروضيته للوجوب الاستقلالي والضمني ، لكان لدعوى العلم الاجمالي كما عن المحقق صاحب الحاشية قده مجال ، نظرا إلى تردد الواجب حينئذ بين المتبائنين وصيرورته باعتبار تردد الحدود من باب مجمع الوجودين ، فإنه على تقدير كون متعلق التكليف هو الأقل يكون الأقل في عالم عروض الوجوب عليه مأخوذا على نحو لا بشرط عن الزيادة ، وعلى تقدير كون متعلق التكليف هو الأكثر يكون الأقل في عالم تعلق التكليف الضمني به مأخوذا بشرط انضمامه مع الزيادة ، ومع تباين المهية اللا بشرط القسمي للمهية بشرط شيء ، لا محيص بمقتضى العلم الاجمالي من الاحتياط باتيان الأكثر ، ( ولكنك ) عرفت فساده بما مهدناه في المقدمة الثالثة ، من أن مثل هذه الضمنية وجهة ارتباط الاجزاء بالاجزاء انما كانت ناشئة من قبل وحدة الوجوب المتعلق بالجميع ، فلا يصلح مثلها لتقييد الأقل المعروض للوجوب في ضمن الأكثر بكونه منضما بالأكثر ( وعليه ) لا يختلف معروض الوجوب على التقديرين ، بل ما هو الواجب مستقلا بعينه هو الواجب ضمنا عند وجوب الأكثر ، وانما الاختلاف يكون بالنسبة إلى حد وجوبه من حيث تردده بين انبساطه على الزائد وعدمه ( وحينئذ ) فمع الشك في كون الواجب هو الأقل أو الأكثر لا يكون العلم الاجمالي الا بين حد الوجوب خاصة دون نفسه حيث يكون من باب العلم بشخص الوجوب المردد حده بين الحدين المتبادلين ، وبعد وضوح كون مصب حكم العقل بالامتثال والخروج عن العهدة هو ذات التكليف دون حيث حده تجري البراءة العقلية عن التكليف بالأكثر لا محالة من غير أن يمنع عنها هذا العلم الاجمالي كما هو ظاهر ( نعم ) لو اغمض عما ذكرناه ، لا مجال لما عن بعض الأعاظم قده من الاشكال عليه ، تارة بانحلال العلم الاجمالي حينئذ بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل على كل حال لكونه هو المتيقن في تعلق الطلب به وانه لا يضر به اختلاف سنخي الطلب من كونه طورا متعلقا بالمهية لا بشرط وطورا بالمهية بشرط شيء ( وأخرى ) بان المهية لا بشرط لا تباين المهية بشرط شيء ، إذ ليس التقابل بينهما من تقابل التضاد حتى يكون التغاير بينهما بالهوية والحقيقة ولا يكون بينهما جامع ، وانما التقابل بينهما من تقابل العدم والملكة ، لان مرجع المهية لا بشرط إلى عدم لحاظ شيء معها - لا لحاظ العدم - ومعه يكون

ص: 384

الجامع بينهما نفس المهية ويكون التقابل بينهما بصرف الاعتبار محضا لا بالهوية والحقيقة ( إذ فيه ) اما الاشكال الأول - فبأنه مع تسليم اختلاف سخي الطلب وتردد الواجب بين المتبائنين من حيث كونه لا بشرط وبشرط شيء - لا مجال لدعوى انحلال العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي بمطلق وجوب الأقل ( فان ) هذا العلم التفصيلي لكونه عين العلم الاجمالي المزبور ومتولدا من قبله غير صالح لحله ( واما الاشكال الثاني ) فبمنع كون مرجع المهية لا بشرط إلى مجرد عدم لحاظ شيء معها - بل مرجعها ثبوتا انما هو إلى سعة وجودها في مقابل ضيقه - ومن الواضح انه ليس التقابل بينها وبين المهية بشرط شيء الا بالهوية والحقيقة - لا انه يكون اعتباريا محضا ( نعم ) في مقام الاثبات والدلالة يكفي في إرادة المهية لا بشرط مجرد ارسالها - بخلاف المهية بشرط شيء أو بشرط لا - فإنه لابد فيها من ذكر القيد والخصوصية ( ثم إن من العجب ) ان القائل المزبور مع استشكاله على صاحب الحاشية بما عرفت - اختار القول بالاحتياط العقلي في المقام - ولم يفد في تقريب مختاره على ما في التقريرين الا الوجه المتقدم ذكره من المحقق المحشى قده - ويا ليت الناظر البصير يبين وجه الفرق بين تقريب مختاره وبين كلام صاحب الحاشية قده ( وكيف كان ) فالتحقيق ما عرفت من أن العلم الاجمالي المتصور في المقام انما هو بين حدي التكليف ( واما ) بالنسبة إلى ذات التكليف التي عليها مدار الإطاعة والامتثال - فلا يكون الموجود الأعلم تفصيلي بوجوب الأقل واستحقاق العقوبة على تركه وشك بدوي في أصل وجوب الزائد - فتجري فيه البراءة لقبح العقاب بلا بيان واصل ( وتوهم ) استتباع البراءة عن الأكثر على فرض وجوبه لعدم وجوب الأقل أيضا من جهة تبعية الأقل حينئذ للأكثر ثبوتا وسقوطا واشتغالا - ومعه لا مقتضى لوجوب الاتيان بالأقل الا على تقدير مشكوك - وهو تقدير كون الواجب النفسي هو الأقل - وهو أيضا تحت البراءة للشك في وجوبه كذلك - ولازمه عدم وجوب الاتيان بالأقل وجواز المخالفة القطعية ( مدفوع ) بأنه لو تم ذلك فإنما هو إذا قيل باقتضاء أصل البراءة نفي التكليف عن الجزء المشكوك واقعا ( والا ) فبناء على عدم اقتضائه الا نفي الالزام عنه ظاهرا في ظرف الشك بالواقع الراجع إلى نفى استحقاق العقوبة على ترك الأكثر في فرض وجوبه واقعا من قبل ترك الجزء المشكوك فيه لكونه من

ص: 385

هذه الجهة عقابا بلا بيان ، فلا محذور ولا تنافى بين جريان البراءة عن الأكثر وبين وجوب الاتيان بالأقل ( فان ) تبعية الأقل للأكثر انما تكون بحسب الحكم الفعلي لا بحسب التنجز أيضا ( كيف ) وان تنجز كل تكليف لا يكون الا بمقدار قيام البيان عليه لا أزيد ، فوجوب الاتيان بالأقل انما هو من جهة استقلاله في قيام البيان عليه ، حيث إنه يعلم تفصيلا بوجوبه واستحقاق العقوبة على تركه وان لم يعلم أن العقاب لأجل ترك نفسه أو لترك ما هو سبب في تركه ، وأين ذلك والجزء المشكوك الذي لم يقم عليه البيان على فرض وجوبه واقعا ، ومرجع ذلك إلى التفكيك في مجيء الأكثر في العهدة على فرض وجوبه من جهة دون جهة الراجع إلى معذورية المكلف من تركه الناشئ عن ترك الجزء المشكوك لكون العقاب عليه من هذه الجهة عقابا بلا بيان ، دون الترك الناشئ عن ترك الاجزاء المعلومة.

( ثم انه ) من التأمل فيما ذكرنا يظهر فساد الوجوه التي استدل بها في المقام لتقريب الاشتغال ( منها ) دعوى العلم الاجمالي بالتكليف النفسي المردد بين تعلقه بالأقل أو الأكثر ، وعدم صلاحية العلم التفصيلي بمطلق وجوب الأقل المردد بين النفسي والغيري لحل العلم الاجمالي ، لكونه معلولا للعلم الاجمالي بالوجوب النفسي بينهما وفي رتبة متأخرة عنه ( فان ) في مثله يكون العلم الاجمالي في الرتبة السابقة مؤثرا في تنجز معلومه في الطرفين ، وبتأثيره لا يبقى مجال لتأثير العلم التفصيلي المتأخر حتى يوجب انحلاله ، ولازمه بحكم العقل هو الاحتياط ووجوب الاتيان بالأكثر ( وتوضيح ) الفساد يظهر بالمراجعة إلى ما ذكرناه في المقدمة الأولى من منع تحقق ملاك المقدمية في اجزاء المركب أولاً ، ومنع قابليتها لعروض الوجوب الغيري عليها عما هو متحد مع وجوبها النفسي ثانيا ، بداهة ان الاجزاء باعتبار كونها عين المركب خارجا يكون كل واحد منها بعروض وجوب واحد على الجميع واجبا بوجوب نفسي هو عين وجوب الكل والمركب ، ومع وجوبها كذلك يستحيل ترشح الوجوب الغيري إليها ثانيا مما هو عين وجوبها النفسي ( وما قرع ) سمعك من امكان كون الشيء واجبا بوجوبين النفسي والغيري من جهتين ، فإنما ذلك في فرض تعدد الوجوب النفسي كما في كل واجب نفسي يكون

ص: 386

هو مقدمة لواجب نفسي آخر ، ونتيجة ذلك هو تأكد وجوبه حينئذ ، لا فيمثل المقام المتحد وجوب الكل والمركب مع وجوب نفس الجزء ، فان في مثله يستحيل ترشح الوجوب الغيري إليها مما هو متحد مع وجوبها ، ولا يكون قابلا للتأكد أيضا ، لأنه فرع عرضية الوجوبين كما هو ظاهر ( وحينئذ ) فبعد كون الاجزاء واجبة بوجوب نفسي هو عين وجوب الكل والمركب بلا مغايرة بينهما بالنفسية والغيرية لا قصور في انحلال العلم الاجمالي المزبور بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل ، بل عرفت انتفاء العلم الاجمالي حقيقة بالنسبة إلى ذات التكليف التي هي مصب حكم العقل بالإطاعة وانه لا يكون الا علم تفصيلي بشخص التكليف المتعلق بالأقل وشك بدوي محض في تعلقه بالزائد من جهة التردد بين الحدين.

« ومنها » ما عن صاحب الكفاية قده من دعوى الملازمة بين تنجز التكليف بالأقل بقول مطلق وعلى كل تقدير غيريا أو نفسيا ضمنيا أو استقلاليا ، وبين تنجزه في الأكثر ، نظرا إلى تبعية وجوب الأقل بمقتضى الارتباطية لوجوب الأكثر وعدم انفكاك وجوبه الضمني أو الغيري عن وجوبه ثبوتا وسقوطا وتنجزا ( بتقريب ) انه لو لم يتنجز التكليف بالأكثر على تقدير تعلقه به لم يجب الاتيان بالأقل أيضا ، لان وجوبه حينئذ يتبع وجوب الأكثر - فمع عدم تنجز التكليف بالأكثر لم يتنجز التكليف بالأقل أيضا الا على تقدير مشكوك فلا يجب الاتيان به لعدم العلم بوجوبه على كل تقدير ( فلا بد ) حينئذ بمقتضى الالتزام بوجوب الاتيان بالأقل وتنجز التكليف به على كل تقدير من الالتزام بوجوب الأكثر وتنجزه ، من غير فرق في ذلك بين القول بوجوب الاجزاء غيريا أو نفسيا ، فإنه بناء على وجوبها الغيري أيضا لابد من الالتزام بوجوب الأكثر وتنجزه بعين الالتزام بتنجز الأقل ووجوب الاتيان به على كل تقدير والعلم التفصيلي المتولد بمطلق وجوب الأقل غير صالح لانحلال العلم الاجمالي ولو قلنا بصلاحيته لذلك في غير المقام ، وذلك لما يلزمه من محذور الخلف ، حيث يلزم من تأثير العلم بوجوب الأقل وتنجزه بقول مطلق في الانحلال عدم تنجز التكليف به بقول مطلق المستلزم لعدم وجوب الاتيان به أيضا كما شرحناه « ولكن فيه » ان ما أفيد من ملازمة تنجز التكليف بالأقل على كل تقدير لتنجز التكليف بالأكثر على تقدير

ص: 387

وجوبه مبني على اخذ حيث الانضمام بالزائد على تقدير كون متعلق التكليف هو الأكثر قيدا للأقل في مرحلة كونه معروضا للوجوب الضمني كما هو مختاره أيضا فإنه حينئذ يستحيل تصور مجيء الأقل في العهدة مستقلا وانفكاكه عن تنجز الأكثر ضرورة منافاة ذلك مع اخذ حيث الارتباط والانضمام بالزائد في موضوع الوجوب ولكن المبنى فاسد جدا ، لما عرفت من أن جهة الارتباط والانضمام غير مأخوذة في موضوع الوجوب لأنها انما كانت جائية من قبل وحدة الوجوب المتعلق بالاجزاء بأسرها ، وان موضوع الوجوب في الرتبة السابقة انما كان هو نفس الاجزاء بلا ارتباط لبعضها بالآخر في عالم طرو الوجوب عليها ( وعليه ) فلا قصور في مجيء الأقل نفسه في العهدة وتنجزه مستقلا بسبب العلم بوجوبه دون الأكثر ، بداهة امكان التفكيك ( حينئذ ) بين تنجزه وتنجز الأكثر ، فان تنجز كل تكليف انما هو تابع مقدار قيام البيان عليه لا أزيد ولا شبهة في أنه بالعلم بوجوب الأقل ولو ضمنا يستقل التكليف به في قيام البيان عليه وان احتمل عدم استقلاله في الوجود لاحتمال كون الواجب هو الأكثر ، ولازمه صيرورة الأقل في العهدة مستقلا حتى على فرض وجوب الأكثر ، بخلاف الأكثر فإنه على فرض وجوبه واقعا لم يقم عليه بيان يقتضي تنجزه وجوب الاتيان به لما هو المفروض من الشك الوجداني في وجوبه ( ومرجع ) ذلك كما ذكرناه انفا إلى نحو تفكيك في مجيء الأكثر في العهدة على فرض وجوبه من جهة دون جهة الراجع إلى عدم جواز تركه من قبل ترك الاجزاء المعلومة وحسن العقوبة عليه من هذه الجهة لكونه عقابا ببيان ، وعدم استحقاق العقوبة على مخالفته الناشئة من قبل ترك الجزء المشكوك لكونه عقابا بلا بيان ، لا ان المقصود اشتغال العهدة مستقلا بالاجزاء المعلومة بما هي في قبال الكل حتى يقال ان الجزء بما هو في قبال الكل لا عهدة له مستقلا وانما عهدته يتبع عهدة الكل.

( ومنها ) التشبث بالعلم التفصيلي بالاشتغال بالأقل كما عن الفصول ( قده ) ( بتقريب ) ان التكليف بالجزء أو الشرط الزائد وان كان مشكوكا ولم يكن من هذه الجهة ما يقتضي تنجزه ووجوب الاتيان به بل كان من هذه الجهة مجرى للبرائة العقلية لقبح العقاب بلا بيان ، الا ان هناك جهة أخرى تقتضي لزوم الاتيان

ص: 388

به واستحقاق العقوبة على تركه على تقدير تعلق التكليف به ، وهي استتباع الاشتغال اليقيني بالتكليف بالأقل بحكم العقل للفراغ اليقيني عنه حيث إنه بعد ارتباطية التكليف واحتمال دخل الزائد الناشئ من احتمال وجوب الأكثر في سقوط التكليف بالأقل والخروج عن عهدته يستقل العقل بلزوم الاتيان بالأقل على نحو يقطع بوقوعه على صفة الوجوب وكونه مصداقا للمأمور به ، ومع ارتباطية التكليف واحتمال وجوب الأكثر وجدانا لا يتحقق ذلك الا بالاتيان بالأكثر ، إذ لو اقتصر على الأقل لم يعلم بالخروج عن عهدة ما تنجز عليه من التكليف المعلوم فالفراغ عن عهدة التكليف حينئذ كان احتماليا ، ومثله مما لا يجوزه العقل مع جزمه بالاشتغال ( ولئن شئت ) قلت إن سقوط التكليف واقعا فرع حصول الغرض الداعي عليه ومع احتمال دخل الزائد يشك في حصول الغرض فيشك في سقوط التكليف والخروج عن عهدته والعقل يستقل بلزوم تحصيل القطع بالفراغ عند الجزم بالاشتغال ( ونظير ) ذلك ما قيل في تقريب الاشتغال في الأوامر المستقلة عند الشك في التعبدية والتوصلية بأنه بعد دخل القربة في العبادات في تحقق الامتثال وحصول الغرض الداعي على الامر بها لا محيص عند الشك في تعبدية الواجب وتوصليته من الاحتياط باتيان العمل مقرونا بقصد القربة ، لان بدونه يشك في تحقق الامتثال وسقوط الامر المعلوم ، للشك في حصول الغرض ، غاية الامر الفرق بين المقامين هو ان الامر المعلوم في المقام على تقدير وجوب الأكثر ضمني وهناك استقلالي ، والا فهما مشتركان في لزوم الاحتياط بحكم العقل بلزوم تحصيل الجزم بالفراغ هذا ( ولكنه ) يندفع بما بيناه في المقدمة الثانية من أن حكم العقل بتحصيل الجزم بالفراغ تابع لمقدار ثبوت الاشتغال بالتكليف ، والمقدار المعلوم ثبوت الاشتغال به في المقام انما هو التكليف بذات الأقل وهي الاجزاء المعلومة المحفوظة بذاتها في ضمن الأكثر وعدمه ( ومن الواضح ) انه باتيان الأقل في الخارج يتحقق الفراغ عن عهدة التكليف المتعلق به ولو لم تنضم إليه الاجزاء المشكوكة ، فان الفراغ عن عهدة كل تكليف لا يكون الا بايجاد متعلقه في الخارج على نحو لا يكون قصور في المأتي به وبايجاده لا محالة يتحقق الخروج عن العهدة بالنسبة إلى ما تنجز التكليف به سواء انضم إليه الجزء المشكوك أم لا ( ومجرد )

ص: 389

الشك في حصول الغرض وسقوط التكليف بالأقل واتصاف المأتي به بالوجوب الفعلي والمؤثرية الفعلية غير ضائر بالمقصود بعد عدم القصور في الأقل المأتى به في وفائه بالغرض ، وما قرع سمعك من عدم تجويز العقل الاكتفاء بالشك في الفراغ عند اليقين بالاشتغال انما هو فيما كان الشك في سقوط التكليف والفراغ عن عهدته لقصور من ناحية الماتى به ، لا فيما كان ذلك من جهة قصور في سقوط حكمه الناشئ من جهة فقدان الجزء المشكوك الذي هو بنفسه مجرى البراءة والترخيص كما في المقام ، حيث إن احتمال عدم سقوط التكليف بالأقل حينئذ مع الاتيان بمتعلقة انما كان من جهة احتمال ملازمة سقوطه مع ما لا يتنجز من القطعة المشكوكة المتعلقة بالزائد ( وبالجملة ) نقول ان هم العقل في حكمه بلزوم تحصيل الجزم بالفراغ وعدم جواز القناعة بالشك فيه عند الجزم بالاشتغال بالتكليف ، انما هو لزوم رفع الشك عن جهة متعلق التكليف بايجاده في الخارج للتخلص عن تبعة مخالفته لا رفع الشك عنه من جهة سقوط التكليف عنه واتصافه بالوجوب الفعلي والمؤثرية الفعلية في تحقق الغرض ولو كان ذلك من جهة قصور حكمه الناشئ من جهة امر آخر هو بنفسه تحت الترخيص ( ولا ريب ) ان ذلك مما يقطع بتحققه باتيان الأقل ولو على تقدير وجوب الأكثر واقعا ، حيث إنه باتيانه يقطع بالخروج عن عهدة ما تنجز عليه من التكليف به ولا يبقى معه شك الا من جهة اتصافه بالوجوب والمؤثرية الفعلية ، وبعد ما لم يكن هم العقل رفع الشك عنه من هذه الجهة لعدم كون ذلك لقصور في الماتى به فلا يبقى مجال لاثبات وجوب الاتيان بالأكثر بقاعدة الاشتغال المزبور كما هو ظاهر ( هذا كله في البراءة العقلية.

( واما البراءة النقلية ) فعلى القول بجريان البراءة في المشكوك كما هو المختار ، فلا اشكال في جريانها أيضا من دون احتياج إلى اثبات ان الواجب هو الأقل ( واما بناء ) على القول بعدم جريان البراءة العقلية ، فعلى تقريبه من جهة العلم الاجمالي ، فان قلنا باقتضاء العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية ، فلا اشكال أيضا في جريان البراءة الشرعية ( فان ) المانع عن جريانها على هذا المبنى انما هو ابتلائها بالمعارض وهو مفقود في المقام ، لسلامة الأصل الجاري في الأكثر من معارضة جريانه في الأقل بعد العلم التفصيلي بوجوبه على كل تقدير ، هذا بالنسبة إلى ذات الوجوب

ص: 390

المتعلق بالأقل ( واما بالنسبة ) إلى حده فلا تجري فيه الأصل أيضا ، لعدم ترتب ثمرة عملية عليه بعد حكم العقل بالاشتغال بالنسبة إلى ذات التكليف ( هذا بناء ) على تقرير العلم الاجمالي من جهة اخذ الحدود في متعلق التكليف ( واما ) على تقريره من جهة الغيرية والنفسية ، فالأصل الجاري في الأكثر في وجوبه النفسي وان كان معارضا بالأصل الجاري في الوجوب النفسي للأقل - فيبقى العلم الاجمالي على حاله من هذه الجهة ، الا انه بالنسبة إلى جزئية المشكوك للواجب لا مانع عن جريانه بعد عدم جريانه في الأقل للعلم التفصيلي بوجوبه اما لكونه تمام المأمور به أو لكونه جزئه ( وتوهم ) عدم جريان الأصل في جزئية المشكوك لعدم كونها مجعولا شرعيا ( يدفعه ) بأنه يكفي في جريانه مجرد كونها مما امر رفعه ووضعه بيد الشارع ولو بتوسط منشئه وهو التكليف ( فان ) للشارع رفع الجزئية عن المشكوك برفع اليد عن فعلية التكليف المتعلق بالأكثر ( وحينئذ ) فعلى مسلك الاقتضاء في العلم الاجمالي تجري الأصول الشرعية النافية للتكليف في الأكثر من غير حاجة إلى اتعاب النفس باثبات ان الواجب هو الأقل ( واما بناء ) على علية العلم الاجمالي للموافقة القطعية ومنعه من جريان الأصل النافي ولو في بعض أطرافه بلا معارض كما هو المختار ، فالتفكيك بين البراءة العقلية والشرعية في غاية الاشكال إذ بعد انتهاء الامر بمقتضى علية العلم الاجمالي إلى حكم العقل بوجوب الاحتياط ولزوم تحصيل الجزم بالفراغ ولو جعليا لا مجال لجريان الأصول النافية ولو في فرض كونها بلا معارض ، الا على فرض اقتضاء جريانها لاثبات ان الواجب الفعلي هو الأقل ولو ظاهرا كي ببركة اثباته ذلك يكون الاتيان به فراغا جعليا عما ثبت في العهدة ، وهو أيضا في محل المنع ، لمنع اقتضاء مجرد نفي وجوب الأكثر والخصوصية الزائدة لاثبات هذه الجهة الا على القول بالمثبت الذي لا نقول به ( نعم ) قد يتوهم تكفل مثل حديث الرفع لاثبات ذلك بتقريبات ثلاثة ( أحدها ) ان الحديث ناظر إلى اطلاقات أدلة الجزئية واقعا بتقييد مفاد فعليتها بحال العلم بها وانه برفع فعلية التكليف عن المشكوك واقعا مع ضميمة ظهور بقية الاجزاء في الفعلية يرتفع الاجمال من البين ويتعين كون متعلق التكليف الفعلي هو الأقل وبالاتيان به يتحقق الفراغ والخروج عن عهدة التكليف ( وثانيها ) تقريبه من

ص: 391

جهة المضادة بين فعلية التكاليف الواقعية والترخيصات الظاهرية ، بان نفي التكليف عن المشكوك ظاهرا ملازم حينئذ لعدم فعليته واقعا على تقدير تعلقه بالأكثر واقعا وبضميمة ظهور أدلة بقية الاجزاء في الفعلية يستكشف ان الواجب الفعلي هو الأقل ( وثالثها ) تقريبه من جهة الملازمة العرفية بين رفع الجزئية عن شيء ولو ظاهرا مع كلية غيره ( ولكن الجميع ) كما ترى ( اما الوجه الأول ) فلمنع صلاحية حديث الرفع لان يكون ناظرا إلى نفي فعلية التكليف عن المشكوك واقعا ، إذ مفاد الرفع فيه كما أوضحناه في محله عند التعرض لشرح الحديث انما هو مجرد الرفع الظاهري الثابت في المرتبة المتأخرة عن الجهل بالواقع ، ومثله غير صالح لتقييد إطلاق الجزئية الواقعية المحفوظة حتى بمرتبة فعليتها في المرتبة السابقة عن تعلق الجهل بها ( كيف ) وبعد ان كانت العناوين المأخوذة في الحديث التي منها عنوان ما لا يعلم من الجهات التعليلية للرفع والمانعة عن تأثير ما يقتضي انشاء الحكم ، لا محيص من أن يكون الرفع في المرتبة المتأخرة عن الجهل بالواقع ، ولازمه بعد عدم شمول اطلاق الواقع حتى بمرتبة فعليته لمرتبة الجهل بنفسه هو امتناع تعلق الرفع في تلك المرتبة بالجزئية الواقعية المحفوظة في المرتبة السابقة على الجهل بها ، لاستحالة ورود الرفع في ظرف الجهل بشيء على الشيء الملحوظ كونه في المرتبة السابقة على الجهل بنفسه ، ولأن رفع كل شيء عبارة عن نقيضه وبديله ، فلا يمكن ان يكون الرفع في هذه المرتبة نقيضا لما هو في المرتبة السابقة ، لان وحدة الرتبة بين النقيضين من الوحدات الثمان التي تعتبر في التناقض والتضاد ( وحينئذ ) فلو كانت مقتضيات الفعلية في المرتبة السابقة على الجهل متحققة ، لا يكاد يصلح مثل هذا الحديث للمانعية عنها كي يستكشف بمعونة ظهور أدلة بقية الاجزاء في الفعلية تحديد دائرة الواجب الفعلي بالأقل ( ومعه ) يبقى العلم الاجمالي على حاله في تأثيره في وجوب الاحتياط ( وتوهم ) ان الحكم الظاهري وان لم يكن في مرتبة الحكم الواقعي لكونه في المرتبة المتأخرة عن الشك في الحكم الواقعي الذي هو أيضا متأخر في الرتبة عن نفس وجوده ، الا ان الحكم الواقعي ولو بنتيجة الاطلاق يكون في مرتبة الحكم الظاهري وبذلك أمكن تعلق الرفع في تلك المرتبة بفعلية الحكم الواقعي ( مدفوع ) بأنه مع الاعتراف بكون الحكم الظاهري في طول الحكم

ص: 392

الواقعي كيف يمكن توهم كون الحكم الواقعي ولو بنتيجة الاطلاق في عرض الحكم الظاهري وفى مرتبته ( فان ) مرجع طولية الحكم الظاهري بعد أن كان إلى اخذ الشك في الحكم الواقعي في موضوعه كيف يعقل ان يكون الحكم الواقعي في مرتبة الشك بنفسه وهل هو الا دعوى ان المعروض في مرتبة عارضه ( نعم ) الحكم الواقعي يجتمع مع الحكم الظاهري زمانا ( ولكن ) اجتماعه معه زمانا لا يقتضي اجتماعهما رتبة ، بل كل منهما حينئذ محفوظ في رتبة نفسه بلا تعديه من مرتبة إلى مرتبة كما اجتماع العلة مع معلولها كما هو ظاهر ( واما الوجه الثاني ) ففيه انه مبنى على تسجيل المضادة بين فعلية الاحكام الواقعية والترخيصات الظاهرية ( ودون ) اثباته خرط القتاد ، لما ذكرنا غير مرة من أنه لا مضادة بين الترخيصات الظاهرية وبين فعلية الاحكام التي تتضمنها الخطابات الواقعية ( فان ) ما يضاد الترخيصات الشرعية الظاهرية بل العقلية أيضا انما هو الفعلي على الاطلاق على نحو يقتضي عدم قناعة المولى في حفظ مرامه بصرف خطابه الواقعي المتعلق بذات العمل بصيرورته بصدد حفظه حتى في المراتب المتأخرة عن الجهل بخطابه بايجاد الداعي للمكلف ولو بانشاء آخر من ايجاب احتياط ونحوه « لا الفعلي » من قبل الخطاب الواقعي الراجع إلى كون المولى بصدد حفظ مرامه من قبل دعوة خصوص خطابه الواقعي المتعلق بذات العمل ، فان ذلك مما يجتمع مع الترخيص الظاهري على الخلاف في المراتب المتأخرة عن الجهل بخطابه « والأول » مما لا طريق إلى احرازه « لان » الطريق إلى فعلية الاحكام الواقعية والاغراض النفس الامرية لا يكون الا الخطابات الواقعية ، والمقدار الذي يقتضيه كل خطاب ليس الا الفعلية بمقدار استعداد ذلك الخطاب لحفظ المرام من قبله ، لا أزيد منه « وبعد » اجتماع هذا المقدار من الفعلية مع الترخيص الظاهري على الخلاف لا يبقى مجال كشف تخصيص الفعلية بالبقية واثبات ان الواجب الفعلي هو الأقل بمجرد نفي الوجوب عن الأكثر والخصوصية الزائدة وعلى فرض تسليم التضاد بين هذه المرتبة من الفعلية أيضا ، انما يكون ذلك مع الترخيص الظاهري ، لا مع مجرد عدم الفعلية ظاهرا كما هو مقتضى حديث الرفع ، فان نتيجة ذلك لا تكون الا مجرد العذر العقلي ، ومثله لا يضاد فعلية الاحكام الواقعية عند القائل بالتضاد فتأمل « ثم إن ذلك » أيضا في

ص: 393

فرض ظهور الأوامر الواردة في مقام شرح المركب في المولوية ، واما على ما هو التحقيق من ظهورها في الارشاد إلى الجزئية والشرطية ، فالامر أشكل ( فان ) استفادة الامر الفعلي بالاجزاء حينئذ انما يكون من ناحية الامر بالكل ومع فرض اجماله وتردده بين الأقل والأكثر من أين يثبت كلية الأقل وفعلية التكليف به بمجرد الترخيص الجاري في الأكثر ، بل وكذلك الامر في فرض ظهور تلك الأوامر في المولوية الفعلية ( فان ) فعليتها حينئذ تتبع فعلية ما سيقت هذه لشرحه وهو الامر بالكل وبعد ان لا يكون لفعلية امره اطلاق يشمل حال فقد بعض الاجزاء لا مجال للاخذ باطلاق فعلية تلك الأوامر لاثبات فعلية وجوب الأقل كما هو ظاهر ( واما الوجه الثالث ) ففيه ان المورد الذي يحكم العرف بالملازمة بين الامرين حتى في مقام التنزيل ومرحلة الظاهر انما هو إذا كان التنزيل متوجها بدوا إلى عنوان أحد المتلازمين كما في تنزيل الأبوة لزيد ، لا فيما كان التنزيل متوجها بدوا إلى عنوان عام وكان المتكفل لتطبيقه على المورد هو العقل ( فان ) في مثله يمنع عن فهم العرف الملازمة بينهما حتى في مقام التنزيل ( والمقام ) من هذا القبيل حيث إن الرفع في دليل الرفع انما كان متوجها إلى عنوان عام وهو عنوان ما لا يعلم ، لا إلى عنوان الجزئية ، فلا يبقى مجال حينئذ للتشبث بفهم الملازمة لاثبات كلية الأقل ، ولذا لم يتوهم أحد اثبات كليته باستصحاب عدم جزئية المشكوك فيه بالملازمة المزبورة ( ولا أقل ) من الشك في ذلك فيبقى العلم الاجمالي على تأثيره ، لما عرفت غير مرة من أن المصحح للترخيص في أطراف العلم الاجمالي على هذا المسلك انما هو جعل البدل الواصل ، لا مجرد جعل البدل الواقعي ، فمع الشك في جعل البدلية وعدم احراز تحديد دائرة الواجب بالأقل ولو ظاهرا من جهة الشك في فهم العرف الملازمة بين التنزيلين ، كان العلم الاجمالي على مؤثريته في التنجيز والمانعية عن مجيء الترخيص على خلاف معلومه ولو في بعض الأطراف ( ثم انه من التأمل ) فيما ذكرنا يظهر الحال على سائر المسالك الاخر في الاحتياط العقلي أيضا ( فإنه ) لا مجال لجريان البراءة النقلية في الأكثر والخصوصية الزائدة المشكوكة خصوصا على مسلك صاحب الفصول قدس سره ( إذ حكم العقل ) بوجوب الاتيان بالأكثر وبالخصوصية الزائدة المشكوكة ليس من جهة الفراغ عن عهدة

ص: 394

التكليف بالأكثر نفسه ولا للتخلص عن احتمال العقوبة على ترك الخصوصية المشكوكة حتى يجديه دليل الرفع ، وانما ذلك من جهة كونه من لوازم الفراغ عن عهدة التكليف بالأقل ، ودليل الرفع على فرض جريانه لا يكاد يرفع هذا الحكم العقلي الا على فرض كونه ناظرا إلى تعيين كون الأقل هو تمام المأمور به واقعا ، وهو أيضا مما عرفت الكلام فيه مفصلا - ثم إن ذلك كله - على القول بالاحتياط العقلي في المقام - واما على القول - بالبرائة العقلية كما هو المختار ، فقد عرفت انه تجري البراءة النقلية أيضا كحديث الرفع والحجب في نفي المشكوك فيه بل ودليل الحلية أيضا في وجه ، بل وكذا يجري فيه استصحاب العدم من غير حاجة إلى اثبات كلية الأقل كي يتوجه اشكال المثبتية - فإنه - بعد رجوع العلم الاجمالي في المقام إلى علم تفصيلي بتعلق مرتبة من التكليف بالأقل وشك بدوي في تحقق مرتبة أخرى منه متعلقة بالزائد ، فلا شبهة في أن الأصل يقتضي عدمه لتحقق أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق ، ونفى هذه المرتبة وان لم يثبت حد التكليف بخصوص الأقل ، ولكنه يكفي حينئذ في عدم الالتزام بالمشكوك فيه مجرد عدم وجوبه من الأزل بضمية اكتفاء العقل في حكمه بتحصيل الفراغ بالاتيان بما علم وجوبه وان لم يعلم أنه تمام المأمور به - من غير فرق - بين ان يكون المستصحب هو عدم وجوب الجزء المشكوك فيه ، أو عدم وجوب الأكثر المشتمل على الجزء المشكوك فيه - فإنه - على كل تقدير يجري استصحاب عدم وجوبه أزلا ، بل وأصالة عدم جعله لتحقق أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق حتى في الأول - لان - ما اختل فيه ركنه حينئذ انما هو العدم النعتي بما هو مفاد ليس الناقصة بنحو يصدق مجعول مركب لم يلحظ فيه الجزء المشكوك فيه ، لا العدم المحمولي بما هو مفاد ليس التامة - فإنه لا ريب - في كونه مسبوقا باليقين بالعدم - فإذا - كان مرجع جعل الشيء إلى تعلق اللحاظ به بجعله واجبا أو جزء وكان يختلف مراتب الجعل واللحاظ أيضا بوحدة المجعول وتعدده ، فلا جرم بعد اليقين بتحقق مرتبة منه والشك في تحقق مرتبة أخرى تجري أصالة عدم الوجوب أو أصالة عدم تعلق الجعل بالجزء المشكوك فيه وبالأكثر المشتمل عليه - وتوهم - انه لا اثر لمجرد عدم تعلق اللحاظ والجعل

ص: 395

بالمشكوك فيه ، لان الآثار الشرعية بل العقلية من الإطاعة والامتثال انما تترتب على الأحكام الشرعية وجودا وعدما فلا اثر لمجرد عدم الجعل الا من جهة استتباعه لعدم المجعول وهو مبنى على حجية المثبت أو دعوى خفاء الواسطة ( مدفوع ) بان عدم جعل الوجوب واقعيا كان أو ظاهريا مستتبع لعدم الوجوب كذلك ، ومثله غير مرتبط بالأصول المثبتة ، فان عدم الوجوب الظاهري حينئذ انما كان من لوازم عدم الجعل الظاهري الذي هو الاستصحاب ، لا من لوازم نفس المستصحب واقعا ( وبعد ان كان ) نفس الجعل مما امر رفعه ووضعه بيد الشارع ويكتفي به في الأثر الشرعي في باب الاستصحاب ، فلا قصور في جريان استصحاب عدم تعلق الجعل به ، وان لم يثبت بنفي هذه المرتبة تحديد مرتبة الجعل بخصوص الأقل ( كيف ) ولازم المنع عن جريان أصالة عدم الجعل في المقام لأجل عدم ترتب الأثر عليه الا باعتبار ما يستتبعه من عدم تحقق المجعول ، هو المنع عن جريانه في الاحكام الكلية التي علم بعدمها قبل تشريع الاحكام وشك في ثبوتها في الشريعة عند تشريع الاحكام ، مع أن ذلك كما ترى ( واضعف من ذلك ) توهم معارضة أصالة عدم تعلق الجعل بالأكثر المشتمل على الجزء المشكوك فيه أو أصالة عدم وجوبه بأصالة عدم تعلق الجعل بالأقل الفاقد للجزء المشكوك فيه وعدم وجوبه ( فان ذلك مبنى ) على اخذ حد القلة في معروض الوجوب في المرتبة السابقة عن تعلق الوجوب به ، وهو في محل المنع ( لما عرفت ) من أن الواجب على تقدير كونه هو الأقل انما هو ذات الأقل مهملة المحفوظة في حال الانضمام بالزائد وعدمه ، وان طرو حد القلة عليه انما نشاء من جهة قصور الوجوب أو الجعل عن شموله للزائد ، فلا يمكن اخذ مثل هذا الحد الجائي من قبل الوجوب في معروضه ( وعلية ) فبعد العلم بتعلق الوجوب بذات الأقل وحكم العقل بلزوم الاتيان به ، لا يكاد يجري فيه أصالة العدم كي يعارض الأصل الجاري في طرف الأكثر كما هو ظاهر ( وبما ذكرنا ) ظهر الحال في العدم السابق على البلوغ ، والعدم السابق على حضور وقت العمل في الموقتات ( فإنه ) على ما ذكرنا لا قصور في جريان الاستصحاب فيهما من غير فرق بين جعل المستصحب هو عدم وجوب الجزء المشكوك فيه أو عدم وجوب الأكثر المشتمل عليه ( وحينئذ ) فما يظهر من بعض الاعلام قده من الاشكال على تلك الاستصحابات من جهة المثبتة في

ص: 396

بعضها وعدم ترتب الأثر في البعض الاخر وعدم اليقين السابق في ثالث ( منظور فيه ) يظهر وجهه مما ذكرناه ( هذا كله ) فيما لو كان الترديد بين الأقل والأكثر في الاجزاء ( وأما إذا كان الترديد ) بين الأقل والأكثر في شرائط المأمور به وموانعه ، فالكلام فيه هو الكلام في الاجزاء حرفا بحرف ، والمختار فيها أيضا هي البراءة عقلا ونقلا من غير فرق بين ان يكون منشأ انتزاع الشرطية أمرا خارجا عن المشروط مبائنا معه في الوجود ، أو متحدا مع المشروط وقائما به ، فان مرجع شرطية شيء للمأمور به بعد أن كان إلى اعتبار دخل التقيد به في موضوع التكليف النفسي في المرتبة السابقة على تعلق الوجوب به بحيث كان التقيد جزء للموضوع ولو تحليلا ونفس القيد خارجا ، فلا محالة يكون مرجع الشك في شرطية شيء للمأمور به إلى الشك في أن موضوع التكليف النفسي هي ذات الشيء أو هي مع التقيد بأمر كذائي فتجري فيه أدلة البراءة عقليها ونقليها.

( واما لو كان ) الأقل والأكثر من قبيل الجنس والنوع أو الطبيعي والحصة كما إذا دار الامر بين وجوب اطعام مطلق الحيوان أو الانسان ، أو وجوب اكرام الانسان أو خصوص زيد ، ففي جريان البراءة فيه عن الخصوصية المشكوكة اشكال ، منشئه الاشكال في كون الشهبة فيه من الأقل والأكثر أو المتبائنين ( ولكن الأقوى ) فيه وجوب الاحتياط ( لا لما قيل ) من أن الترديد بين الجنس والنوع وان كان بالتحليل العقلي من الأقل والأكثر ، ولكنه بنظر العرف خارجا يكون من الترديد بين المتبائنين ، من جهة تباين مفهوم الانسان بحسب الارتكاز العرفي مع مفهوم الحيوان ، فيجب فيه الاحتياط - إذ لازم - ذلك هو التفصيل بين ان يكون الترديد في متعلق الخطاب بين الحيوان والانسان ، وبين الحيوان والحيوان الناطق بالمصير في الثاني إلى البراءة لاندراجه في الأقل والأكثر حتى بنظر العرف بلحاظ اتحاد المفهوم من الحيوان في الحيوان الناطق مع المفهوم من الحيوان المطلق ، مع أن الالتزام بذلك كما ترى - فان محل الكلام - انما هو فيما لو كان تردد متعلق التكليف أو موضوعه من قبيل الجنس والنوع أو الطبيعي والحصة ، بأنه يندرج مثله في الأقل والأكثر أو المتبائنين ، كان التعبير عن ذلك بعنوان بسيط كالانسان أو بعنوان مركب كالحيوان الناطق ، أو بغير ذلك من

ص: 397

أنحاء التعبير ( بل ذلك ) من جهة عدم تحقق ملاك الأقل والأكثر فيه حتى بحسب التحليل العقلي ( فان ) مناط كون الشبهة من الأقل والأكثر كما عرفت غير مرة هو ان يكون الأقل على نحو يكون بذاته وحصته الخاصة سوى حده الأقلية محفوظا في ضمن الأكثر نظير الكليات المشككة المحفوظ ضعيفها بذاته لا بحد ضعفه في ضمن شديدها ( ومن الواضح ) عدم صدق المناط المزبور في مفروض البحث ( فإنه بعد ) تخصص الطبيعي في المتواطيات بالضرورة إلى حصص متعددة وآباء كذلك بعدد الافراد بحيث كان المتحقق في ضمن كل فرد حصة وأب خاص من الطبيعي المطلق غير الحصة والأب المتحقق في ضمن فرد آخر كالحيوانية الموجودة في ضمن الانسان بالقياس إلى الحيوانية الموجودة في ضمن نوع آخر كالبقر والغنم ، وكالانسانية المتحققة في ضمن زيد بالقياس إلى الانسانية المتحققة في ضمن بكر وخالد « فلا محالة » في فرض الدوران بين وجوب اكرام مطلق الانسان أو خصوص زيد لا يكاد يكون الطبيعي المطلق بما هو جامع الحصص والاباء القابل للانطباق على حصة أخرى محفوظا في ضمن زيد كي يمكن دعوى العلم بوجوبه على اي حال « لان » ما هو محفوظ في ضمنه انما هي الحصة الخاصة من الطبيعي ، ومع تغاير هذه الحصة مع الحصة الأخرى المحفوظة في ضمن فرد آخر كيف يمكن دعوى اندراج فرض البحث في الأقل والأكثر ولو بحسب التحليل بل الامر في أمثال هذه الموارد ينتهي إلى العلم الاجمالي بتعلق التكليف اما بخصوص حصة خاصة أو بجامع الحصص والطبيعي على الاطلاق بما هو قابل الانطباق على حصة أخرى غيرها ، ومرجعه إلى العلم الاجمالي اما بوجوب هذه الحصة الخاصة وحرمة ترك الاتيان ، بها مطلقا ، واما بوجوب حصة أخرى غيرها المشمولة لاطلاق الطبيعي وحرمة تركها في ظرف ترك الحصة الخاصة ، وفى مثله بعد عدم انطباق أحد التركين على الاخر وعدم قدر متيقن في البين في مشموليته للوجوب النفسي الأعم من الاستقلالي والضمني ، يرجع الامر إلى المتبائنين فيجب فيه الاحتياط باطعام خصوص زيد « لان » باطعامه يقطع بالخروج عن عهدة التكليف المعلوم في البين ، بخلاف صورة اطعام غير زيد ، فإنه لا يقطع بحصول الفراغ ولا يؤمن العقوبة على ترك اطعام زيد « وبما ذكرنا » يظهر الحال في جميع

ص: 398

موارد الدوران بين التخيير والتعيين الشرعي كما في الخصال الثلاث فإنه بمقتضى ما ذكرناه من البيان لابد من الاحتياط بالاتيان بما يحتمل وجوبه تعيينا ( من دون ) فرق بين القول برجوع التخيير فيه إلى التخيير العقلي الراجع إلى كون الواجب هو الجامع بين الأمور المزبورة ، وبين القول برجوعه إلى وجوب كل واحد منها بوجوب مستقل ناش من مصلحة مستقلة وانه بالاتيان بأحدها يسقط الوجوب عن البقية لمكان المضادة بين ملاكاتها في مقام التحقق « فإنه » على كل تقدير عند الشك في الوجوب التعييني لاحدها لابد بمقتضى العلم الاجمالي المزبور من الاحتياط عقلا باتيان ما يحتمل تعيينيته والى ما ذكرنا يكون نظر الشيخ « قده » في مصيره إلى الحاق المقام بالمتبائنين الا الأقل والأكثر ، فلا يلزم عليه حينئذ الالتزام بالبرائة في المقام على نحو ما اختاره في الأقل والأكثر كي يشكل عليه بأنه لا وجه للتفكيك بين المقامين فتدبر ، هذا كله في البراءة العقلية - واما البراءة الشرعية - فعلى المختار من علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية لا تجري البراءة الشرعية أيضا - واما على القول - باقتضاء العلم الاجمالي لذلك ، فالظاهر أنه لا مانع عن جريانها في كل واحد من التركين وهما ترك العتق في ظرف وجود الاطعام والصيام وترك الاطعام والصيام المقرون بترك العتق - وذلك - اما من جهة العلم الاجمالي فلما هو المفروض من اقتضائه لوجوب الموافقة القطعية وقابليته لمنع المانع ، واما من جهة محذور استتباع جريانها للمخالفة القطعية ، فلعدم لزومها في المقام ، لان ما يعلم تفصيلا حرمته انما هو ترك العتق المقارن لترك الاطعام والصيام واما تركه في ظرف وجود الاطعام والصيام فلا يعلم حرمته ، كما لا يعلم أيضا حرمة ترك ، الاطعام والصيام المقرون مع ترك العتق ، لأنه من المحتمل كون العتق هو الواجب التعييني ، إذ على هذا التقدير لا يكون ترك الاطعام والصيام حراما ولا معاقبا عليه وانما العقاب حينئذ يكون على ترك العتق ، غاية الامر انه قارن ترك الاطعام والصيام مع ترك العتق الذي هو المحرم والمعاقب عليه ( وبذلك ) يندفع توهم المنع عن جريان البراءة في طرف ترك الصيام والاطعام في ظرف ترك العتق ، بدعوى العلم التفصيلي بحرمته والعقوبة عليه ( وجه ) الاندفاع ما عرفت من أن المعلوم تفصيلا حرمته انما هو ترك العتق في ظرف ترك البقية لا ترك الصيام والاطعام المقرون بترك العتق

ص: 399

المحتمل وجوبه تعيينا ، فان من المحتمل حينئذ إباحة تركهما وان العقوبة المترتبة تكون على ترك خصوص العتق ( ولكن ) الذي يسهل الخطب هو فساد المبنى المزبور ، وان التحقيق هو علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية على نحو يمنع عن مجيء الترخيص على خلافه ولو في بعض الأطراف ، وعليه فلا محيص من الاحتياط باتيان ما هو المتيقن وجوبه ( هذا كله ) إذا كانت الخصوصية المشكوك دخلها في المطلوب من قبيل الخصوصيات المنوعة أو المشخصة المفردة ( واما ) إذا كانت من الخصوصيات العرضية غير المشخصة مثل العدالة والايمان ونحوها كما في الترديد بين العام والخاص والمطلق والمقيد كتردد متعلق العتق الواجب بين مطلق الرقبة أو الرقبة المؤمنة ، ففي جريان البراءة فيه أيضا اشكال منشئه الاشكال المتقدم في نحو الجنس والنوع في اندراجه في الأقل والأكثر أو المتبائنين ( وقد ) يقرب البراءة فيه برجوعه إلى الشك في التكليف بالقيد والخصوصية المشكوكة فتجري فيه البراءة على نحو ما مر في الشك في الجزئية ( ولكن ) التحقيق في المقام هو التفصيل ، بين ان يكون القيد المشكوك فيه على نحو يكون كل فرد من افراد الطبيعي قابلا للاتصاف به كالقيام والقعود والايمان في الرقبة ، وبين ما لا يكون كذلك كالهاشمية ونحوها ( بالمصير ) فيما كان من قبيل الأول إلى البراءة نظرا إلى رجوع الشك حينئذ في كل ما يفرض كونه من افراد الطبيعي وينطبق عليه أول وجود الطبيعي إلى أن الواجب هذه الحصة الفاقدة للخصوصية أو هي بشرط وجدانها للخصوصية الزائدة القابلة لطروها عليها فيرجع إلى الأقل والأكثر وتجري فيه البراءة عقليها ونقليها ، من غير فرق بين ان يكون القيد متحدا مع المشروط وقائما به ، وبين ان يكون خارجا عنه ومغايرا معه في الوجود ( وفى الثاني ) إلى الاشتغال ، لرجوع الشك حينئذ إلى الشك في أن الواجب هو خصوص الحصة الواجدة للخصوصية أو الجامع بينها وبين الفاقد الذي هو غير قابل لان يوجد مع الخصوصية فينتهى الامر إلى الدوران بين التعيين والتخيير والعلم الاجمالي بين المتبائنين بنحو ما قربناه في الدوران بين الجنس والنوع فيجب الاحتياط باتيان الواجد للخصوصية ( والسر ) في الفرق المزبور بعد اقتضاء التكليف بالطبيعي الصرف بنظر العقل مطلوبية أول وجوده ، هو ان في فرض قابلية

ص: 400

جميع افراد الطبيعي لطرو الخصوصية عليه يكون كل ما يفرض عند العقل كونه أول وجود لهذه الطبيعة يعلم بمطلوبية ذاته وانما الشك في أنه هو الواجب أو هو مع الخصوصية الزائدة القابلة لطروها عليه ، وبذلك يندرج في الأقل والأكثر ( بخلاف ) فرض عدم قابلية بعض افراد الطبيعي لطرو الخصوصية عليه ، فإنه لو فرض كون الفرد الفاقد للخصوصية أول وجوده لا يعلم بمطلوبية الحصة المحفوظة في ضمنه ، لاحتمال كون المطلوب هي الحصة الواجدة للخصوصية أو القابلة لايجادها فيها ، فيندرج بذلك في المتبائنين ، لتردد الواجب حينئذ بين الجامع بين الوجودين أو خصوص الواجد للخصوصية فيجب فيه الاحتياط باتيان الواجد للخصوصية ( وعليك ) بالتأمل فيما ذكرناه في الفرق بين الفرضين ، فإنه ينفعك أنشأ اللّه تعالى عند التباس الامر عليك في أمثال الموارد لتمييز باب الأقل والأكثر في المشروطات والمقيدات من باب التعيين والتخيير الراجع فيه العلم الاجمالي إلى المتبائنين ( هذا كله ) في شقوق الترديد بين الأقل والأكثر في معروض التكليف الذي هو فعل المكلف أو متعلقه الذي هو الموضوع الخارجي من حيث الشك في الجزئية أو الشرطية أو المانعية ( وقد عرفت ) ان المختار في جميع فروض المسألة هي البراءة عقليها ونقليها ، الا فيما كان الترديد فيه من قبيل الترديد بين الجنس والنوع والكلي والحصة ( فان ) المرجع فيمثله هو الاشتغال عقلا ( من ) دون فرق فيما ذكرناه من البراءة بين كون الشبهة وجوبية أو تحريمية ، لاتحاد مناط البراءة في الجميع ، غير أن الشبهات التحريمية تكون على عكس الشبهات الوجوبية ، فان في الشبهات الوجوبية يكون الأقل متيقن الوجوب والأكثر مشكوكا ، وفي الشبهات التحريمية يكون الأكثر متيقن الحرمة والأقل مشكوكا فلو شك حينئذ في دخل شيء في الحرام المركب على نحو الجزئية أو القيدية ، تجري البراءة عن حرمة الأقل مع ترك المشكوك فيه ( بل لو قلنا ) بالاحتياط العقلي في الشبهات الوجوبية لمكان شبهة الفصول من اقتضاء الاشتغال بالأقل للفراغ اليقيني عنه الذي لا يحصل الا باتيان الأكثر ، أمكن القول بالبرائة في الشبهات التحريمية ، لمكان عدم اقتضاء قاعدة الشغل المزبور فيها وجوب الاجتناب عن الأقل ( فإنه ) بعد أن كان عصيان الحرام المركب بارتكاب مجموع الاجزاء من

ص: 401

حيث المجموع ، ويكتفي العقل في تحقق ترك العصيان بترك جزء المركب ولو كان هو الجزء الأخير منه ( فلا جرم ) مع الشك في دخل شيء في موضوع الحرمة بنحو الجزئية أو القيدية يكتفى العقل بتركه في عدم حرمة البقية ، للشك حينئذ في أصل حرمة البقية ( والفرض ) أيضا عدم اقتضاء قاعدة الشغل بترك الحرام المركب الا الفراغ عنه بترك المجموع من حيث المجموع بلا اقتضاء مجرد اليقين بالشغل المزبور لحرمة البقية ( وهذا ) بخلاف الواجب المركب ، فان عصيانه لما كان بترك جزء منه ، فمع العلم باشتغال العهدة بالتكليف بالأقل يمكن اثبات وجوب الاتيان بالأكثر بقاعدة الشغل بالأقل ( وحينئذ ) فما توهم من اقتضاء وجوب الاحتياط في الشبهات الوجوبية لوجوبه أيضا في الشبهات التحريمية مما لا ينبغي الاصغاء إليه.

« الصورة الثانية » في دوران الأقل والأكثر في الأسباب والمحصلات ، فيما كان الواجب والمأمور به عنوانا بسيطا كالغسلات الخاصة في باب الطهارة الحدثية والخبثية ، بناء على أن المأمور به هي الطهارة وان الامر بالغسلات انما هو لكونها محصلة لها ، لا انها هي المأمور بها « وفى جريان البراءة » عند الشك في دخل شيء في المحقق بنحو الجزئية أو القيدية اشكال ، والمشهور العدم مطلقا في الأسباب الشرعية والعقلية والعادية ( لان ) التكليف بالامر البسيط معلوم بجميع حدوده والشك في دخل شيء في تحققه راجع إلى الشك في حصول الفراغ منه بدونه ومقتضى اطلاق كلامهم هو عدم الفرق بين كون الامر البسيط دفعي الحصول والتحقق أو متدرج الحصول من قبل اجزاء محققه ( ولكن التحقيق ) التفصيل بين ان يكون العنوان البسيط الذي هو المأمور به ذا مراتب متفاوتة متدرج الحصول والتحقق من قبل اجزاء علته ومحققه بان يكون كل جزء من اجزاء سببه مؤثرا في تحقق مرتبة منه إلى أن يتم المركب فيتحقق تلك المرتبة الخاصة التي هي منشأ الآثار ، نظير مرتبة خاصة من النور الحاصلة من عدة شموع والظاهر أنه من هذا القبيل باب الطهارة كما يكشف عنه ظاهر بعض النصوص الواردة في باب غسل الجنابة من نحو قوله (عليه السلام) تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وانقوا البشرة وقوله (عليه السلام) في الصحيح فما جرى عليه الماء فقد طهر ، وقوله في الصحيح الاخر وكل شيء أمسسته الماء فقد أنقيته ( ويعضده )

ص: 402

استدلال جمع منهم على ناقضية الحدث الأصغر الواقع في أثناء الغسل ، بان الحدث الأصغر ناقض للطهارة بكمالها فلابعاضها أولى « وبين » ما لا يكون كذلك بان كان العنوان البسيط غير مختلف المراتب دفعي الحصول والتحقق عند تمامية محققة - فعلى الأول - لا قصور في جريان أدلة البراءة عند الشك في المحقق ودورانه بين الأقل والأكثر ، فان مرجع الشك في دخل الزائد في المحقق حينئذ بعد فرض ازدياد سعة الامر البسيط بازدياد اجزاء محققه إلى الشك في سعة ذلك الامر البسيط وضيقه ، فينتهى الامر في مثله إلى الأقل والأكثر في نفس الامر البسيط ، فتجري فيه البراءة عقليها ونقليها ، من غير فرق بين كون المحصل له من الأسباب العقلية والعادية أو الأسباب الشرعية كباب الطهارة الحدثية بل الخبثية أيضا ( واما على الثاني ) وهو فرض كون البسيط دفعي الحصول والتحقق عند تحقق الجزء الأخير من علته ، فلا محيص عند الشك في دخل شيء في محققه من الاحتياط « لان » التكليف قد تنجز بمفهوم مبين معلوم بالتفصيل بلا ابهام فيه ، والشك انما كان في تحققه وحصول الفراغ منه بدونه ، والعقل يستقل في مثله بوجوب الاحتياط تحصيلا للجزم بالفراغ عما ثبت الاشتغال به يقينا ( ولازمه ) المنع عن جريان الأصول النافية أيضا من غير فرق بين كون المحقق من الأسباب العادية والعقلية أو من الأسباب الشرعية ( نعم ) بناء على تعليقية حكم العقل بالفراغ الجزمي على عدم مجيء الترخيص على الخلاف كما هو أساس القول باقتضاء العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية ، لا قصور في جريان أدلة المرخصة حتى في فرض كون المحقق من الأسباب العقلية والعادية فضلا عن كونه من الأسباب الشرعية ، حيث إنه يشك في حرمة مخالفة التكليف بالبسيط من قبل الجزء المشكوك دخله في محققه وان كانت سببيته عقلية أو عادية ، فيجري فيه حديث الرفع ونحوه ، من دون احتياج إلى اثبات سببيته الأقل ومؤثريته في الامر البسيط ، ولا إلى اجزاء الأصل في نفس السبب كي يرد عليه اشكال المثبتية تارة ، وعدم مجعولية السببية أخرى حتى في الأسباب الشرعية ، بدعوى انه مع تعلق الجعل الشرعي بالمسبب لا يعقل تعلقه أيضا بنفس السبب ( فان المانع ) عن جريان الأصول النافية على هذا المبنى في أطراف العلم انما

ص: 403

هو تساقطها بالتعارض ، وبعد عدم جريانها في مقطوع المخالفة من ناحية الأقل لا قصور في جريانها بالنسبة إلى مشكوك المخالفة من ناحية مشكوك الدخل في السبب كما هو ظاهر ( ولكن ) الذي يسهل الخطب كما بيناه مرارا هو فساد هذا المبنى ( فان التحقيق ) هو تنجيزية حكم العقل عند اليقين بالاشتغال بوجوب تحصيل الجزم بالفراغ الأعم من الحقيقي والجعلي على نحو يأبى عن الترخيص على خلافه ( وعليه فبعد ) رجوع الشك في دخل المشكوك فيه في السبب إلى الشك في تحقق المسبب المأمور به بدونه لا محيص من الاشتغال ، ولا مجال لجريان الأصول النافية والترخيصات الظاهرية كحديث الرفع وأصالة عدم الجزئية ، وعدم تعلق الجعل بالزائد المشكوك فيه في الأسباب الشرعية ، وان قلنا بمجعولية السببية فيها مستقلا أو كفاية مطلق المجعولية ولو تبعيا في جريان الأصل ، الا على تقدير مثبتيتها لسببية الأقل ومؤثريته في تحقق المسبب ليكون بذلك مثبتا للفراغ الجعلي الظاهري ، ومثله كما ترى خارج عن عهدة تلك الأصول الا على القول بالأصل المثبتة ( لا يقال ) انه يمكن جريان البراءة على هذا المبنى أيضا في نفس المسبب في طرف تركه ( فإنه ) بعد ما ينعدم الامر البسيط بانعدام كل واحد من اجزاء محققه على نحو العموم البدلي ، فلا محالة عند الشك في جزئية شيء لمحققه ينتهى الامر في طرف حرمة تركه إلى الأقل والأكثر ، حيث إن تركه الناشئ من قبل ترك الأقل مما يعلم تفصيلا حرمته واستحقاق العقوبة عليه للعلم بافضاء تركه إلى ترك المأمور به ( واما ) تركه الناشئ من قبل ترك المشكوك جزئيته للسبب ، فلم يعلم حرمته لعدم العلم بافضاء تركه إلى تركه وانطباق النهى عن ترك المأمور به عليه ، فتجري فيه أدلة البراءة عقليها ونقليها ، كما في صورة تركب المأمور به وتردد اجزائه بين الأقل والأكثر خصوصا في الأسباب والمحصلات الشرعية التي لا سبيل للعقل إلى معرفتها الا ببيان الشارع ( فإنه يقال ) هذا انما يتم إذا كان إضافة اجزاء المحقق بالكسر إلى المحقق بالفتح من قبيل الجهات التقييدية الموجبة لتكثر اعدام المأمور به بالإضافة إليها حيث إنه بتعدد اجزاء المحقق حينئذ بتعدد الإضافات والتقيدات ، وبذلك يتكثر الاعدام أيضا فينتهى الامر من جهة حرمة الترك إلى الأقل والأكثر ( وليس الامر كذلك ) بل إضافة اجزاء المحقق إليه انما تكون ممحضة بكونها من الجهات

ص: 404

التعليلية ، وعليه لا يكاد يتصور للبسيط الذي هو المسبب الا عدم واحد وان بلغ اجزاء محققه في الكثرة ما بلغ لا اعدام متعددة وانما التعدد المتصور فيه انما هو في إضافة ذلك العدم الواحد إلى اجزاء علته ومحققه من حيث تحققه بانعدام كل واحد من اجزاء علته ( وبعد ) العلم بوقوع العدم المزبور تحت النهي والمبغوضية الفعلية حسب اقتضاء الامر بالشيء النهى عن النقيض ، لا محيص في مقام الفراغ من تحصيل الجزم بالخروج عن عهدته ، ولا يكون ذلك الا بالاتيان بجميع ما يحتمل دخله في محققه ( وبما ذكرنا من البيان ) ظهر فساد مقايسة المقام بصورة تركب المأمور به ( فان ) جريان البراءة فيه انما هو لأجل ان لكل واحد من اجزاء المركب المأمور به عدم مستقل يكون متعلقا للنهي الضمني قبال الاخر « فإنه » بهذا الاعتبار يتصور للمأمور به اعدام متعدده حسب تعدد اجزائه ، فينتهي الامر فيها إلى الأقل والأكثر ، وأين ذلك والامر البسيط الذي لا يتصور له إلا عدم واحد.

« تذييل » قد يتولد مما ذكرنا من الوجه في أصالة الاشتغال وعدم جريان البراءة عند الشك في المحقق ودورانه بين الأقل والأكثر « الاشكال » في جريان البراءة في جميع موارد دوران الامر بين الأقل والأكثر في المركبات أيضا « بتقريب » ان المصالح والملاكات المبتنية عليها التكاليف الشرعية على مذهب العدلية أيضا من قبيل العناوين البسيطة والمسببات التوليدية من متعلقات التكاليف والافعال الصادرة من المكلف ، فان الغرض من الامر بالافعال الخارجية انما هو حصول تلك المصالح والملاكات ، ومع وقوعها تحت الإرادة الفعلية الموجبة لتوجيه البعث نحو محققها من الافعال الخارجية ، لابد بمقتضى البيان المتقدم من الاشتغال في جميع موارد دوران المكلف به بين الأقل والأكثر ( لان ) العقل ملزم في مثله بتحصيل مرام المولى ولو لم يكن بنفسه في حيز خطابه مستقلا ، فيلزم سد باب البراءة كلية في جميع موارد الأقل والأكثر الارتباطي ، فإنه ما من مورد يشك فيه في دخل شيء في المكلف به على نحو الجزئية أو الشرطية الا والشك فيه يرجع إلى الشك في حصول الملاك وتحققه بدون المشكوك فيه فلابد بمقتضى اشتغال العهدة بتحصيل الملاك من الاحتياط بالاتيان بكل ما يحتمل دخله في

ص: 405

حصول الملاك ( وقد أفاد الشيخ « قده » في دفع الاشكال بوجهين ( تارة ) بفرض الكلام على مذهب الأشاعرة المنكرين للحسن والقبح ، أو على مذهب من يقول من العدلية بكفاية المصلحة في نفس الامر والتكليف وان لم تكن في المأمور به ( وأخرى ) بان نفس الفعل من حيث هو ليس لطفا ولو لم يؤت به على وجه الامتثال وان اللطف انما هو في الاتيان به على وجه الامتثال ، فيحتمل حينئذ ان يكون اللطف منحصرا في امتثاله التفصيلي مع معرفة وجه الفعل ليوقع الفعل على وجهه كما صرح به بعضهم ( وبعد ) تعذر ذلك كما في المقام حيث إن الآتي بالأكثر لا يعلم أنه الواجب أو الأقل ، لا يعلم بحصول اللطف بالأقل المأتي به من الجاهل الخ ( ولا يخفى عليك ) ما في هذين الجوابين ( اما الأول ) فظاهر لأنه في الحقيقة تسليم للاشكال على ما يقتضيه مذهب العدلية من تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد الكائنة في متعلقاتها ( واما الثاني ) ففيه أولاً انه خلاف ما هو التحقيق حتى على مختاره ( قده ) من عدم دخل قصد الوجه في تحقق الامتثال ( وثانيا ) ان قصد الوجه على تقدير اعتباره انما يكون مختصا بالعبادات المتوقف صحتها والخروج عن عهدة الامر بها على الاتيان بها عن قصد امتثال أمرها ، وليس محل الكلام مختصا بالعبادات ، بل يعم التوصليات ( لان ) في الأوامر التوصلية أيضا لابد من اشتمال متعلقاتها على المصالح والملاكات ( وثالثا ) ان اعتبار قصد لوجه في حصول الغرض في العبادات انما يكون في صورة التمكن من ايقاع الفعل على وجهه ، فلا يوجب سقوطه حينئذ لأجل التعذر انتفاء أصل الملاك كي يقتضى عدم وجوب الاحتياط باتيان الأكثر ، والا لاقتضى عدم وجوب الأقل أيضا ، من جهة اقتضاء وجوبه حينئذ لكونه بلا ملاك يقتضيه ( وقد تصدى ) بعض الأعاظم « قده » لدفع الاشكال المزبور على ما في تقرير بعض تلاميذه ، بما يرجع حاصله إلى منع دخول المصالح والملاكات الكائنة في متعلقات التكاليف تحت الإرادة الفعلية بحيث تصير في عهدة المكلف ويجب عليه تحصيلها ، بدعوى انه يعتبر في صحة تعلق التكليف الفعلي بشيء ان يكون ذلك الشيء مقدورا للمكلف ولو بواسطة سببه وعلته بان يكون من المسببات التوليدية لفعل المكلف كالقتل والاحراق ، اما بان يكون الفعل الصادر منه تمام العلة لحصوله ، أو الجزء الأخير

ص: 406

منها ، وبدون ذلك لا يكاد يصح ان يتعلق به الإرادة الفعلية من الآمر ، والمصالح والملاكات الكائنة في متعلقات التكاليف من هذا القبيل ، حيث إنها بنفسها لا تكون مقدورة للمكلف ، ولا كانت أيضا من قبيل المسببات التوليدية لفعل المكلف بحيث يصح ان تستند إليه كالقتل والاحراق « لعدم » كون الفعل الصادر من المكلف سببا توليديا لتلك الآثار بنحو العلية التامة أو الجزء الأخير منها حتى يصح بذلك وقوعها تحت إرادة الآمر وتكليفه ، وانما يكون ذلك من المقدمات الاعدادية المحضة لحصول الأثر ، فيتوسط بين الفعل الصادر عن الفاعل والأثر أمور اخر خارجة عن قدرة الفاعل كصيرورة الزرع سنبلا والبسر تمرا ، حيث إن الفعل الصادر من الفاعل لا يكون الا حرث الأرض ونثر البذر وهو بنفسه غير كاف في حصول السنبل ، بل يحتاج حصوله إلى مقدمات أخرى خارجه عن تحت قدرة الفاعل واختياره « وبذلك » لا يصلح شيء من المصالح والاغراض التي هي مناطات الاحكام لان يتعلق به إرادة الآمر وتكليفه ، بل ما يتعلق به الإرادة الفعلية حينئذ انما هي نفس الافعال الصادرة عن المكلف ، فيندفع الاشكال المزبور من رأسه في المركبات الارتباطية ( لان ) المأمور به فيها انما هي الافعال الصادرة عن المكلف ، دون الملاكات والمصالح والاغراض ، وانما هي من الدواعي والعلل التشريعية لإرادة الآمر ( بخلاف ) العناوين التوليدية لفعل المكلف ، فإنها من جهة كونها تحت قدرة المكلف واختياره ولو بالواسطة أمكن ان يتعلق الامر بتحصيلها ، ومع الاشتغال بتحصيلها ودوران محققها بين الأقل والأكثر لابد فيها من الاحتياط بالاتيان بالأكثر ( وفيه ما لا يخفى ) فان غاية ما يقتضيه البيان المزبور انما هو عدم وقوع المصالح والملاكات تحت الامر والتكليف بوجودها الطارد لجميع الاعدام من جهة خروجها كذلك عن تحت قدرة المكلف ، واختياره ( لا مطلقا ) حتى بحفظ وجودها من قبل الافعال الصادرة من المكلف ، فإنه بعد أن كان للأفعال الصادرة من المكلف دخل في حصول الملاكات ولو بنحو الاعداد المستتبع للانتفاء عند الانتفاء لا محيص من وقوعها بهذا المقدار تحت إرادة الآمر وتكليفه كما أوضحناه في مبحث مقدمة الواجب ، ومرجعه إلى ايجاب حفظ الغرض وسد باب عدمه من قبل ما يتمشى منه من المقدمات الاختيارية ( وعليه )

ص: 407

يتوجه الاشكال المزبور ، حيث يكفي هذا المقدار في المنع عن جريان البراءة عند الشك وتردد المأمور به بين الأقل والأكثر ، لان ما هو الموجب لعدم جريان البراءة في صورة الشك في حصول العنوان ، موجب لعدم جريانها عند الشك في حصول الملاك أيضا ( وتوهم ) عدم امكان تعلق الإرادة الآمرية بالاغراض وملاكات الاحكام رأسا حتى يحفظ وجودها من قبل المأمور به ، لان الإرادة الآمرية انما تتعلق بما يمكن ان تتعلق به الإرادة الفاعلية ، والآثار المترتبة على الأفعال الاختيارية انما تتعلق بها الإرادة الفاعلية إذا كان الفعل الاختياري علة تامة لحصولها أو جزء أخيرا منها ( وإذا ) لم يكن كذلك بان كان في البين واسطة غير اختيارية في ترتبها ، يستحيل تعلق الإرادة الفاعلية بنفس تلك الآثار ، فيستحيل تعلق الإرادة الآمرية بها أيضا ، بل لو كان هناك إرادة آمرية لابد وان تتعلق بالمقدمات الاختيارية ليس الا ( مدفوع ) بما ذكرناه من أن المستحيل انما هو تعلق الإرادة الفاعلية بوجود الأثر على الاطلاق الطارد لعدمه من جميع الجهات ( واما ) تعلق الإرادة الفاعلية بوجوده الطارد لعدمه من الجهة التي هي تحت اختياره فهو في غاية الامكان ونظائره كثيرة لا تحصى ( كما في ) الحجر الكبير المتوقف حركته على تحريك شخصين أو أزيد وكالبيع بمعنى اسم المصدر المتوقف على ايجاب البايع وقبول المشترى ( فإنه ) مع خروج وجوده الطارد لعدمه على الاطلاق عن حيز قدرة البايع واختياره ، يقصد البايع ويريد بانشاء ايجابه التوصل إلى وجود الملكية للمشتري في الخارج مع علمه بعدم كون ايجابه علة تامة لحصول الملكية ولا جزء أخيرا منها ( وكما ) انه يصحح ذلك ويقال ان مرجع قصده إلى التوصل إلى وجود الملكية في الخارج من قبل انشاء ايجابه الذي هو فعل اختياري له ويصحح بذلك أيضا صحة التكليف بايجاد ملكية شيء لزيد بمثل قوله ملك زيدا كذا وأوجد ملكية دارك لزيد ، بارجاع التكليف بايجاد الملكية لزيد في الخارج إلى ايجاب حفظ وجود الملكية من قبل ما يتمشى منه وسد باب عدمها من ناحية ايجابه ( كذلك ) في المقام حرفا بحرف ، فيتوجه الاشكال بان اشتغال العهدة بتحصيل ملاك الواجب وحفظ وجوده من قبل المردد بين الأقل والأكثر يقتضى الفراغ اليقيني عنه ، وبالاتيان بالأقل يشك في تحقق الحفظ المزبور فلابد من الاتيان بالأكثر تحصيلا

ص: 408

للقطع بالفراغ عما ثبت الاشتغال به في العهدة جزما ( فالأولى ) حينئذ في دفع الاشكال المزبور ان يقال ان حكم العقل بلزوم تحصيل الجزم بالفراغ تابع لمقدار ثبوت الاشتغال بالتكليف الفعلي بالغرض ، والمقدار الثابت من فعلية الإرادة بالنسبة إلى الملاك والغرض انما هو فعليتها بمقدار حفظه من قبل الأقل ( فان الطريق ) إلى استكشاف فعلية الإرادة بالنسبة إلى الملاكات والاغراض لا يكون الا الامر والبعث الفعلي نحو الافعال المحصلة لها ، وبالمقدار المعلوم من البعث الفعلي نحو الافعال الصادرة عن المكلف يستكشف فعلية الإرادة بحفظ الغرض من قبلها ، والا فليس الغرض بنفسه تحت خطاب مستقل كي يستكشف من اطلاقه فعلية الإرادة بالنسبة إلى الغرض أو حفظه على الاطلاق ( وحيث ) انه مع تردد المأمور به بين الأقل الأكثر لم يعلم الا التكليف بالأقل ، فلم يعلم فعلية الإرادة بحفظ الغرض أزيد مما علم ارادته من العمل ، ومعه لا ملزم للعقل بالاحتياط فيرجع إلى البراءة وقبح العقاب بلا بيان ( هذا ) كله في صورة دوران الامر بين الأقل والأكثر من جهة الشبهة الحكمية.

وأما إذا كان دوران الامر بين الأقل والأكثر الارتباطي في الشبهة الموضوعية ، فالذي يظهر من الشيخ ( قده ) هو القول بالاحتياط بارجاع الشبهة الموضوعية في الأقل والأكثر إلى ما يرجع إلى الشك في المحصل ( وتحقيق الكلام في ذلك ) هو ان الشبهة في المصداق ، تارة يكون من جهة الشك في اتصاف الموجود بعنوان الكبرى كالشك في اتصاف زيد بعنوان العالمية في مثال أكرم العالم ، وأخرى يكون من جهة الشك في وجود ما هو المتصف بعنوان الكبرى ( وعلى الأول ) تارة يكون الخطاب مبهما من جهة حدود موضوع الحكم بحيث يكون قابلا للانطباق على القليل والكثير كما في مثال أكرم العالم ، وأخرى يكون معينا من هذه الجهة بلا ابهام فيه من ناحية نفس الخطاب كما في الامر باكرام عشرة عالم وأمثاله ( فعلى الأول ) لا شبهة في أن الشك في المصداق موجب للترديد في مقدار إرادة المولى من حيث شمولها للمشكوك فيه وعدمه ( فإنه ) بعدما يختلف دائرة الحكم سعة وضيقا بازدياد افراد موضوعه ومتعلقه وقلتها في الخارج ، فلا محالة يكون الشك في اتصاف فرد بعنوان العالمية يستتبع الشك في

ص: 409

الحكم وضيقه من ناحية نفس الخطاب ( فإذا ) علم بمقدار من افراد العلماء وشك في عالمية زيد فالاكرام الواجب في قوله أكرم العلماء يتردد بين الأقل والأكثر ( ويكون ) المرجع في مثله هي البراءة عن وجوب اكرامه ( من غير فرق ) في ذلك بين ان يكون لحاظ العلماء في قوله أكرم العلماء على نحو العام الاستغراقي أو على نحو العام المجموعي ( فإنه ) على كل تقدير يرجع الشك في الموضوع الخارجي في اتصافه بعنوان موضوع الكبرى إلى الشك في سعة الحكم وضيقه من ناحية الخطاب ( غايته ) انه في الأول تكون الشبهة من الأقل والأكثر الاستقلالي ، وفى الثاني من الأقل والأكثر الارتباطي مع كون منشأ الشبهة في الصورتين هي الأمور الخارجية ( ولكن الظاهر ) هو خروج هذا الفرض من الشبهة في المصداق عن فرض كلام الشيخ قده سره ( فان ) محط كلامه على ما يظهر من تمثيله ببين الهلالين والشك في المحقق انما هي صورة تعين مقدار دائرة الحكم من ناحية نفس الخطاب بحيث كان الشك في وجوب الأقل والأكثر ممحضا بكونه في عالم التطبيق ليس الا بلا ابهام في ناحية دليل الكبرى ، فينحصر فرضه حينئذ بمثل الامر باكرام عشرة مساكين ونحوه مما لا ترديد في مقدار الإرادة من جهة نفس الخطاب ( والا ) فلا وجه لعدم تمثيله لفرض تردد الواجب بين الأقل والأكثر لأجل الشبهة في المصداق بنحو ما ذكرناه من الأمثلة الواضحة وتمثيله له بمثل بين الهلالين والشك في المحقق الذين لا يخلوان عن المناقشة أيضا كما ستطلع عليها فإنه - من البعيد جدا خفاء ذلك على أصاغر الطلبة فضلا عن مثل الشيخ - قده - الذي هو أستاذ هذا الفن ، فلا ينبغي حينئذ نسبة الغفلة عن ذلك أو تخيل عدم امكان فرض الشبهة الموضوعية في الأقل والأكثر إلى مثله ( قده ) فإنه إساءة للأدب وجفاء عليه « قده » « واما على الثاني » وهو فرض كون الشك في وجوب الأقل والأكثر ممحضا من جهة التطبيق واتصاف الموضوع الخارجي بعنوان موضوع الحكم مع تبين حدوده المأخوذة في موضوع الكبرى وتعين مقدار الإرادة من ناحية نفس الخطاب بلا ابهام فيه من طرف الزيادة نظير عنوان عشرة مساكين أو العلماء في قوله أكرم عشرة مساكين أو العلماء ( فيشكل ) فرض تردد التكلف بين الأقل والأكثر لأجل الشبهة في المصداق ، بل الظاهر عدم

ص: 410

تصوره ( لان ) الشبهة المصداقية لعنوان العشرة مثلا ، اما ان يكون مع انحصار الامر بالمشكوك عالميته والتسعة الأخرى ، أولاً مع الانحصار بذلك ، وعلى التقديرين لا مجال لتصور تردد التكليف بين الأقل والأكثر « وذلك » على الأول ظاهر ، فإنه مع الانحصار بالمشكوك عالميته يشك في القدرة على الاكرام العشرة لأجل الشك في تحقق موضوع الحكم ، فيشك في أصل التكليف بالاكرام ، فلا يتصور حينئذ أقل معلوم الوجوب وأكثر مشكوك ( وعلى الثاني ) وان أمكن تصور الشك في الأقل والأكثر من هذه الجهة ، الا ان المشكوك حينئذ طرف الشك في الايجاب التخييري في مقام الامتثال لا الوجوب التعييني ومثله خارج عن فرض البحث في الأقل والأكثر ، فان فرض الكلام فيه انما هو الشك في وجوب المشكوك فيه بالوجوب التعييني « وكذلك » الكلام في الشبهة الموضوعية لأجل الشك في وجود ما اتصف بعنوان موضوع الكبرى ، فإنه مع الشك في أصل الوجود لا يكون في البين أقل معلوم الوجوب وأكثر مشكوكه ومع الاتيان بمقدار من المأمور به والشك في وجود بقية الاجزاء واتيانه في الخارج لا يكون الأقل معلوم الوجوب بل حينئذ يقطع بسقوطه وكان الشك في سقوطه عن البقية « واما » ما أورده الشيخ « قده » من المثالين ، فالأول منهما وهو بين الهلالين يكون مبهما من حيث الحد نظير كلي العالم في قوله أكرم العالم ، حيث يكون مرجع الشك في كونه ثلاثين أو أقل إلى الشك في سعة دائرة الحكم وضيقه في قوله صم بين الهلالين والمرجع فيه عند عدم قيام دليل في البين أو أصل محرز يقتضي وجوب الصيام هي البراءة ( واما الثاني ) وهو الشك في المحقق ، فبالنسبة إلى السبب تكون الشبهة حكمية لا موضوعية ، وبالنسبة إلى المسبب تكون الشبهة موضوعية لأمر بسيط ، ولا تردد فيه بين الأقل والأكثر الا إذا كان الامر البسيط مما له مراتب متفاوتة بالشدة والضعف كالنور مثلا ( ولكن ) الشبهة حينئذ ترجع إلى كونها حكمية بالنسبة إلى المأمور به لا موضوعية * فعلى كل حال » لا يتصور في هذه المقامات الشك في وجوب الأقل والأكثر من جهة مجرد الشك في المصداق زائدا على الشك من ناحية الكبرى ، - وبهذه الجهة - ارجع الشيخ « قده » الشبهة الموضوعية في الأقل والأكثر الارتباطي إلى ما يرجع إلى الشك في المحصل فتدبر.

ص: 411

( بقى الكلام في حكم الشك في القواطع والموانع ( وتحقيق الكلام ) في ذلك يستدعى تمهيد مقدمة لبيان المائز بين القاطع والمانع - فنقول - الظاهر أن مرجع كون الشيء قاطعا في المركبات الاعتبارية انما هو إلى كونه بوجوده مفنيا لما هو الشرط المأخوذ في المركب المأمور به وهو الجزء الصوري المعبر عنه بالهيئة الاتصالية ، الحادثة بالتكبيرة والمستمرة إلى آخر التسليمة من غير أن يكون لعدمه دخل في المأمور به * فان « معنى القطع عبارة عن الفصل الذي هو نقيض الوصل أو ضده ، ولا يصدق ذلك الا إذا كان للمركب جزء صوري وهيئة إتصالية لها دخل في ملاك المركب ( والا ) فبدونه لا مجال لتصوير كون الشيء قاطعا للمأمور به ولا للنهي عن ايجاده بعنوانه الخاص ( وهذا بخلاف المانع ) فان مرجع مانعيته إلى قيدية عدمه للمأمور به قبال الشرائط الراجعة إلى دخل وجودها في المأمور به ( وحينئذ ) فالمانع والقاطع وان كانا يشتركان في الاخلال بالمأمور به ، الا ان المايز بينهما هو ان في المانع يكون حيث التقيد بعدمه مأخوذ في المأمور به ، وكان له دخل في في ملاكه بخلاف القاطع فإنه ليس مما لعدمه دخل في المأمور به وانما هو مفني لما هو المعتبر فيه وهو الجزء الصوري المعبر عنه بالهيئة الاتصالية هذا ( وقد يفرق ) بينهما بوجه آخر وهو جعل المانع عبارة عما يمنع وجوده عن صحة المأمور به إذا وقع في خصوص حال الاشتغال بالاجزاء والقاطع عبارة عما يمنع وجوده عن صحته عند وقوعه في أثناء المأمور به مطلقا حتى في حال السكونات المتخللة بين الاجزاء « ولكن فيه نظر » فإنه كما يمكن ثبوتا كون المانع مانعا عن صحة المأمور به في خصوص حال الاشتغال بالاجزاء ( كذلك ) يمكن كونه مانعا عن الصحة مطلقا حتى في حال السكونات المتخللة في البين كما * ان الامر * في طرف القاطع كذلك * حيث * يتصور فيه ثبوتا كونه قاطعا مطلقا أو في خصوص حال الاشتغال بالاجزاء ، لأنه تابع كيفية اعتبار الشارع إياه * واما في مقام الاثبات فيحتاج استفادة كل من الاعتبارين في كل من المانع والقاطع إلى قيام الدليل عليه ، ويختلف ذلك باختلاف كيفية لسان الأدلة الواردة في باب القواطع والموانع ولا يبعد استفادة المانعية والقاطعية المطلقة مما ورد بلسان النهى عن ايقاع شيء في الصلاة بنحو جعل الصلاة ظرفا لعدم وقوع المانع أو القاطع فيها

ص: 412

لولا مزاحمة الجهات الاخر المقتضية بالتخصيص المانعية أو القاطعية بحال الاشتغال بالاجزاء ( ومع الشك ) وعدم استفادة أحد الامرين من الأدلة ، يندرج في الأقل والأكثر ، فان المتيقن من المانعية أو القاطعية حينئذ انما هو في خصوص حال الاشتغال بالاجزاء والمرجع في الزائد هي أصالة العدم ( ثم انه بعدما ظهر ) ثبوتا وجه الفرق بين المانع والقاطع من رجوع القاطع إلى كونه قاطعا للجزء الصوري والهيئة الاتصالية القائمة بمواد الاجزاء من غير أن يكون لعدمه دخل في المأمور به وفى حصول الملاك والمصلحة ، بخلاف المانع فان مرجعه إلى دخل عدمه في ملاك المطلوب ومصلحته ( يبقى الكلام ) في مقام الاثبات في أن للمركبات الاعتبارية جزء صوري يكون له دخل في المأمور به وراء مواد الاجزاء الخارجية أم لا ( ولكن الظاهر ) عدمه ، لانتفاء الدليل عليه بالخصوص في المركبات المعهودة كالحج والوضوء والصلاة ونحوها ( فان ) غاية ما يقتضيه دليل المركب في كل واحد منها انما هو كونه عبارة عن عدة أمور معهودة متباينة في الوجود ، واما ان لهذه المركبات جزء صوري آخر قائم بمواد الاجزاء الخارجية فيحتاج ثبوته فيها إلى قيام دليل عليه بالخصوص ( نعم ) في خصوص الصلاة يستفاد من التعبير بعنوان القاطع في بعض النواهي الواردة في باب القواطع ان لها وراء الاجزاء الخارجية جزء صوري آخر قائم بمواد الاجزاء من جهة ملازمة مثل هذا العنوان مع اعتبار هيئة إتصالية وجزء صوري قائم بمواد الاجزاء يكون هو المطلوب ( واما توهم ) المنع عن ثبوت ذلك حتى في باب الصلاة نظرا إلى دعوى انه لا يكون في الأدلة الا النهي الغيري عن عدة أمور كالالتفات إلى الوراء ونحوه ولا يدل مثله على أن وراء الاجزاء الخارجية امر وجودي آخر يسمى بالجزء الصوري لامكان ان يكون النهى عنها من جهة كونها مانعا قد اعتبر عدمها في الصلاة ( فمدفوع ) بأنه كذلك لولا تعنون تلك النواهي بعنوان القاطعية « واما مع تعنونها » بذلك فلا محالة بعد امكان وجود الجزء الصوري لها ثبوتا يكشف مثلها عن أن للصلاة هيئة إتصالية وجزء صوري قد اعتبرها الشارع فيها ، لما ذكرنا من ملازمة العنوان المزبور المأخوذ في حيز تلك النواهي مع اعتبار الهيئة الاتصالية في الاجزاء الخارجية ، وبذلك يستكشف أيضا عن

ص: 413

تعلق الطلب والبعث بالجزء الصوري على نحو تعلقه بالاجزاء الخارجية ، وان النهي عن ايجاد القاطع في الأثناء انما هو لأجل النهى عن قطع الهيئة الاتصالية الذي هو عين النهى عن نقيض الاتصال المطلوب ، لا ان ذلك لخصوصية فيه أوجبت النهى عنه « وحينئذ » فما عن بعض من المنع عن تعلق الطلب بالجزء الصوري المستكشف من النواهي الواردة في باب القواطع * منظور فيه * فإنه مع الاعتراف بكشف تلك النواهي عن وجود جزء صوري للصلاة لا محيص من كونه متعلقا للطلب أيضا ، ومعه لا يكون النهى عن ايجاد القاطع الا من جهة كونه علة لرفع الجزء الصوري والهيئة الاتصالية المعتبرة في المطلوب ، لا من جهة تقيد المأمور به بعدم نفسه كي يحتاج إلى رفع الشك عن جهة نفسه في مقام الحكم بالصحة كما هو ظاهر - وبعد ما عرفت - ذلك نقول ان الشك في القاطع يتصور على وجوده - فإنه - تارة يكون الشك فيه من جهة دوران المشكوك بين القاطع والمانع وهذا اما مع العلم بعدم خلوه في الواقع منهما ، واما لا مع العلم بذلك ، بل مع احتمال عدم كونه منهما - وأخرى - يكون من جهة الشك في أصل اعتبار الجزء الصوري للمأمور به شرعا مع القطع بأنه لو كان له جزء صوري لكان ذلك قاطعا بلا كلام - وثالثه - يكون من جهة الشك في كونه مصداقا للقاطع كالشك في كون التبسم مصداقا للضحك واما حكمها - ففي الصورة الأولى لا اشكال في وجوب التحرز عن المشكوك - لأنه - مع دورانه بين القاطع والمانع يقطع بكونه مضرا بصحة المأمور به ، اما لكونه مانعا قد اعتبر عدمه قيدا للمأمور به ، واما لكونه رافعا للجزء الصوري المعتبر فيه - من دون فرق - في ذلك بين احراز وجود الجزء الصوري للمأمور به وعدمه - وذلك - على الأول ظاهر ، وكذلك على الثاني ، فإنه وان كان الشك بالنسبة إلى الجزء الصوري من الأقل والأكثر ، الا انه مع العلم بتعلق النهي عن ايجاد مشكوك المانعية والقاطعية ولزوم الاحتراز عن المعلوم المردد بينهما ، لا مجال لجريان البراءة عنه لعدم ترتب سعة على جريانها حينئذ بعد العلم بلزوم التحرز عن المشكوك - واما في الصورة الثانية - وهي صورة دوران المشكوك بين القاطع والمانع بالشبهة البدوية ، فمع الشك في اعتبار الجزء الصوري للمأمور به لا اشكال في جريان البراءة لرجوع الشك المزبور حينئذ بالنسبة إلى

ص: 414

كل واحد من جزئية الهيئة الاتصالية وقيدية عدم المشكوك فيه للمأمور به إلى الأقل والأكثر ، بل وكذلك الامر مع احراز الجزء الصوري للمأمور به ، فإنه بالنسبة إلى احتمال المانعية ترجع الشبهة إلى الأقل والأكثر ، فتجري فيها البراءة ، وبالنسبة إلى احتمال القاطعية يرجع إلى استصحاب بقاء الهيئة الاتصالية ( وهكذا الكلام ) في الصورة الثالثة والرابعة ، فإنه في الصورة الثالثة تكون الشبهة بالنسبة إلى اعتبار جزئية الهيئة الاتصالية من صغريات الأقل والأكثر الجاري فيها البراءة ( وفى الصورة ) الرابعة التي تكون الشك فيها في كون المشكوك قاطعا من جهة الشبهة الحكمية أو الموضوعية يكون المرجع فيها استصحاب بقاء الجزء الصوري والهيئة الاتصالية ، فإنه بعد ما لا يجرى الأصل في السبب الذي هو مشكوك القاطعية ، اما لعدم احراز الحالة السابقة فيه أو لعدم اجدائه لرفع الشك عن مسببه الذي هو بقاء الهيئة الاتصالية ولو على تقدير وجود الحالة السابقة فيه باعتبار كون ترتب بقاء الهيئة عليه عقليا لا شرعيا ، فلا محالة ينتهى الامر إلى الأصل المسببي وهو الأصل الجاري في نفس الجزء الصوري والهيئة الاتصالية ، وبجريانه فيها تترتب صحة الصلاة الواقع فيها مشكوك القاطعية من دون احتياج في الحكم بالصحة إلى رفع الشك عن مشكوك القاطعية أيضا ، كي يقال انه بالاستصحاب المزبور لا ترتفع الشبهة من هذه الجهة لعدم كون الأصل الجاري في الشك المسببي رافعا للشك السببي ( فإنه ما لابد منه ) في الحكم بالصحة انما هو رفع الشك عما اعتبر في المأمور به على نحو الشرطية أو الشطرية ، وهو لا يكون الا نفس الجزء الصوري والهيئة الاتصالية القائمة بمواد الاجزاء ، دون القاطع نفسه ، ومع احراز الجزء الصوري بالأصل يترتب عليه قهرا صحة الصلاة ( واما النهى ) عن القاطع فهو كما عرفت انما يكون من جهة سببيته للقطع المنهى عنه بالنهي الذي هو عين النهى عن نقيض الاتصال المطلوب ، لا انه من جهة تقيد المأمور به بعدم نفسه كما في الموانع حتى يحتاج في الحكم بالصحة إلى رفع الشك عن قاطعية الموجود أيضا كما هو ظاهر ( ولعمري ) ان تمام المنشأ للتوهم المزبور انما هو تخيل ان النهي عن القطع غير النهي عن نقيض الجزء الصوري والهيئة الاتصالية ، أو عدم كفاية النهي عن نقيض الشيء لاستصحاب وجوده ، وكلا الامرين كما ترى ( واما المنع )

ص: 415

عن استصحاب بقاء الهيئة الاتصالية ، بان الهيئة الاتصالية بقيامها بالاجزاء المتدرجة الوجود ، تكون أيضا متدرجة الوجود ، فلا مجال لاستصحاب بقائها لأنها بين ما هي متصرمة بتصرم الاجزاء السابقة وبين ما هي لم تحدث ( فمدفوع ) بأنه لا مانع من استصحاب الأمور التدريجية كما سيأتي تحقيقه في محله انشاء اللّه تعالى ( هذا كله ) فيما يتعلق بالشك بالقاطع من جهة الشبهة الحكمية أو الموضوعية ( واما الشك في المانع ) فالحكم فيه أيضا هي البراءة كما تقدم لرجوع الشك فيه إلى الشك في تقيد المأمور به بعدمه فيرجع إلى الأقل والأكثر ، والمرجع فيه هي البراءة ، من دون فرق بين ان تكون الشبهة حكمية أو موضوعية ، ولابين ان يكون المانع مأخوذا على نحو الطبيعة السارية الموجب لانحلال تقيد المأمور به بعدمه حسب تعدد افراد المانع في الخارج إلى تقيدات متعددة ، أو مأخوذا على نحو صرف الوجود ( واما توهم ) لزوم الاشتغال في الفرض الأخير ، بدعوى ان اشتغال الذمة بعدم الطبيعي الذي هو نقيض صرف وجوده يقتضى الفراغ اليقيني عنه ولا يحصل ذلك الا بالاجتناب عن جميع ما يحتمل كونه من افراد المانع ومصاديقه ( فمدفوع ) بأنه انما يتم إذا كان الفرد مقدمة لوجود الطبيعي في الخارج ، فإنه حينئذ يكون عدم الطبيعي أمرا واحدا بسيطا متحصلا من اعدام فرده ، وبالاشتغال بمثله المبين موضوعا وحكما ينتهى الامر إلى مقام تحصيل الفراغ ، فلابد من الاجتناب عما يشك كونه من افراد المانع ومصاديقه ، واما على ما هو التحقيق وعليه المحققون من عينية وجود الطبيعي مع وجود فرده ، فلا يتم ذلك ( إذ لا شبهة ) في أنه بعدما تتسع دائرة انطباق صرف الطبيعي وتتضيق بكثرة الافراد وقلتها ( كذلك الامر ) في طرف نقيضه ، فإذا كان عدم الطبيعي الذي هو نقيض صرف وجوده عبارة عن العدم المتحقق في ضمن تمام اعدام الافراد فلا محالة يختلف دائرة العدم المزبور سعة وضيقا بازدياد الافراد وقلتها ( فلو علم ) حينئذ بمطلوبية عدم الطبيعي الذي هو نقيض صرف وجوده وشك في انطباق الطبيعي على فرد فقهرا يندرج في الأقل والأكثر الارتباطي حيث إنه يشك في مقدار دائرة المأمور به من أنه بمرتبة يكون المشكوك خارجا عنه أو بمرتبة يكون المشكوك داخلا فيه ، فتجري فيه البراءة العقلية والشرعية لعدم احراز اقتضاء الخطاب

ص: 416

تكليفا بالنسبة إلى المشكوك فيه ( وحينئذ ) فلا فرق بين القسمين من هذه الجهة ( نعم ) بينهما فرق من جهة أخرى ، وهي لزوم تقليل المانع مهما أمكن عند الاضطرار إلى ايجاده في الجملة ( فإنه ) على الأول وهو كون المانع هو الطبيعي بوجوده الساري في ضمن الافراد لابد عند الاضطرار من تقليل المانع مهما أمكن والاقتصار على ما يدفع به الاضطرار كما في الاضطرار إلى لبس النجس أو الحرير ونحو ذلك في الصلاة ( بخلافه ) على الثاني فإنه لا يجب تقليله عند الاضطرار إلى صرف الطبيعي لسقوط النهي عنه بالاضطرار المزبور ( ولكن ) الذي يسهل الخطب هو عدم وجود القسم الثاني في باب النواهي لا في النواهي النفسية ، ولا في النواهي الغيرية حيث لم نظفر فيها بمورد يكون النهى متعلقا بصرف وجود الشيء نعم قد يتصور ذلك في النواهي العرضية كما في باب النذر والحلف فيما لو نذر أو حلف ان لا يشرب الشاي أو التتن بنحو كان من قصده صرف وجودهما المنطبق على أول وجود الافراد ( كما أن ) الامر في باب الشرائط بعكس ذلك حيث يكون مورد التكليف فيها هو صرف الوجود ( نعم ) في الواجبات النفسية يوجد فيها كلا القسمين كما في الصلاة واكرام المؤمن وان كان الغالب فيما لا تعلق له بموضوع خارجي هو كونه على نحو صرف الوجود.

( بقى الكلام ) في أنه هل يمكن استصحاب صحة العبادة عند الشك في طرو مفسد لها لفقد ما يشك في اعتبار وجوده في العبادة أو وجود ما يشك في اعتبار عدمه فيها ، أولاً ، حيث إن فيه خلافا مشهورا ( والذي ) اختاره الشيخ قده هو المنع عنه ( ومحصل ) ما افاده قده في تقريب المنع هو ان المراد من الصحة المستصحبة اما ان يكون هي الصحة الفعلية أو هي الصحة الشأنية التأهلية ( والأول ) مما لا سبيل إلى استصحابه لعدم كون الصحة بهذا المعنى مما له حالة سابقة لأنها انما تكون في ظرف اتيان المأمور به بماله من الاجزاء والشرائط ( ومع الشك ) في مانعية الموجود لا يقين بالصحة الفعلية بمعنى المؤثرية الفعلية للاجزاء السابقة حتى يستصحب واما الصحة بالمعنى الثاني فهي وان كانت ثابتة للاجزاء السابقة لكنها لا شك في بقائها ، إذ الصحة بهذا المعنى عبارة عن كون الاجزاء السابقة على نحو لو انضم إليها بقية الاجزاء والشرائط لالتأم الكل في

ص: 417

قبال الجزء الفاسد وهو الذي لا يلزم من انضمام بقية الاجزاء والشرائط إليه وجود الكل وهذا المعنى مما يقطع باتصاف الاجزاء والسابقة به ولو مع القطع بعدم ضم بقية الاجزاء والشرائط الباقية فضلا عن الشك في ذلك ( وكذا ) الكلام في الصحة بمعنى الموفقة للامر ، حيث إن موافقة الاجزاء السابقة للامر المتعلق بها متيقنه سواء فسد العمل أم لا ( وفيه ) ان ما أفيد من الاشكال الأول على استصحاب الصحة بمعنى المؤثرية الفعلية انما يتم إذا كان الأثر المترتب عليها دفعي الحصول والتحقق عند تحقق جزء الأخير من المركب ( وأما إذا كان ) الأثر مما يتدرج حصوله شيئا فشيئا من قبل الاجزاء بحيث يكون كل جزء مؤثرا في تحقق مرتبة منه إلى أن يتم اجزاء المركب فيتحقق تلك المرتبة من الأثر الخاص المترتب على المجموع ، فلا قصور في استصحاب صحة العبادة فإنها بهذا المعنى مما تم فيه أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق ، حيث إنه باتيان جزء الأول من المركب تتحقق الصحة ويتصف الجزء المأتى به بالمؤثرية الفعلية وبوقوع مشكوك المانعية في الأثناء يشك في بقاء الصحة وانقطاعها فتجري فيها الاستصحاب كسائر الأمور التدريجية ( ومنه ) يظهر الحال بناء على تفسيرها بموافقة الامر ، حيث إنه يمكن المصير إلى جريان استصحاب الصحة فيها ، من دون فرق بين القول بامكان المعلق والالتزام بفعلية التكليف المتعلق بالجزء الأخير من المركب في ظرف الاتيان بالجزء الأول منه بالتفكيك بين فعلية التكليف المتعلق بالاجزاء وفاعليته ، وبين القول بعدم امكانه والمصير إلى تدريجية فعلية التكليف المتعلق باجزاء المركب بجعل فعلية التكليف بكل جزء في ظرف فاعليته الذي هو ظرف الفراغ عن الاتيان بالجزء السابق عليه ( وهذا ) على الأول ظاهر ، فإنه باتيان جزء الأول من المركب يتحقق الموافقة الفعلية للامر وبعد ايجاد مشكوك المانعية أو ترك مشكوك الشرطية في الأثناء يشك في بقاء الموافقة فيستصحب ( وكذلك الامر ) على الثاني ، فإنه بتبع تدريجية فعلية التكليف المتعلق بالاجزاء يتدرج الموافقة أيضا فيجرى فيها الاستصحاب ( واما توهم ) عدم شرعية المستصحب حينئذ لكونه أمرا عقليا ( يدفعه ) كونه مما امر رفعه ووضعه بيد الشارع ولو بتوسيط منشئه الذي هو امره وتكليفه ، إذ لا نعنى من شرعية الأثر الا ما كان امر رفعه ووضعه بيد

ص: 418

الشارع ولو بتوسيط منشئه فتدبر ( إزاحة شبهة ) قد يقال في الفرض المزبور بوجوب الاحتياط بالجمع بين اتمام هذه الصلاة واعادتها ، بدعوى انه بايجاد مشكوك المانعية في الصلاة أو ترك مشكوك الشرطية فيها يحصل العلم الاجمالي بوجوب أحد الامرين عليه اما اتمام هذا الفرد من الصلاة أو اعادتها باتيان فرد آخر من الصلاة مباين مع هذا الفرد ( وبعد ) رجوع العلم الاجمالي المزبور إلى المتبائنين لا الأقل والأكثر لابد من الاحتياط بالجمع بين الاتمام والإعادة ، ولا اثر لأصالة البراءة الجارية في مشكوك المانعية والشرطية قبل طروه في الصلاة مع وجود هذا العلم الاجمالي واقتضائه وجوب الاحتياط بالجمع بين الاتمام والتمام ( ولكنك ) خبير بما فيه ) إذ بعد أن كان مقتضى أصالة البراءة عن مشكوك الشرطية والمانعية هو الترخيص في ايجاد مشكوك المانعية وترك مشكوك الشرطية في الصلاة ووجوب اتمام الصلاة الواقع فيها الخلل المشكوك فيه ، فلا محالة لا يبقى معه مجال التأثير للعلم الاجمالي الحادث المزبور ، لقيامه حينئذ بما تنجز أحد طرفيه سابقا بالعلم التفصيلي بوجوب اتمام هذه الصلاة الواقع فيها مشكوك المانعية ( وحينئذ ) فإذا كانت نتيجة الشك البدوي السابق هو وجوب اتمام هذا الفرد من الصلاة في ظرف ايجاد مشكوك المانعية فيها وعدم العقوبة على ترك اعادتها في الفرض المزبور كيف يمكن دعوى تأثير العلم الاجمالي الحادث في وجوب الإعادة والعقوبة على تركها فتدبر.

« بقى التنبيه على أمور متعلقه بالجزء والشرط »

( الأول ) إذا ثبت جزئية شيء للمأمور به وشك في ركنيته فهل الأصل يقتضى الركنية فيبطل العمل بالاخلال به أو بزيادته ولو سهوا أو لا ( وقبل الخوض في المرام ) لا بأس بتمهيد مقدمة ( وهي ) ان الركن وان لم يكن له ذكر في الاخبار ، ولكن المراد به على ما يظهر من كلماتهم هو ما أوجب الاخلال به سهوا بطلان المركب ، فيكون غير الركن هو الذي لا يوجب الاخلال السهوي به بطلان العمل والمركب ( نعم ) يظهر من جمع آخر الحاق الزيادة بالنقيصة ، حيث فسروه بما أوجب نقصه وزيادته بطلان المركب ولعله من جهة دعوى

ص: 419

الملازمة بان كلما أوجب بطلان العمل بنقصه أوجب بطلانه بزيادته ( وعليه ) يكون الفرق بين الجزء الركني وغيره من طرفي الزيادة والنقيصة السهوية جميعا ( ولكن ) التفسير الأول أقرب إلى معناه اللغوي ، بل لعله من مقتضيات نفس الجزئية ( بخلاف ) التفسير الثاني فان مجرد الجزئية لا يقتضى قادحية الزيادة العمدية فضلا عن السهوية ، الا إذا كان الجزء مأخوذا بشرط لا من جهة الزيادة فيرجع حينئذ إلى الاخلال من طرف النقيصة ( وكيف كان ) فتحقيق الكلام يقع في مقامين ( الأول ) في حكم الاخلال السهوي بالجزء في طرف النقيصة وما يقتضيه الأصل في ذلك من البطلان وعدمه ( الثاني ) في حكم الاخلال به في طرف الزيادة السهوية والعمدية ( اما المقام الأول ) فالكلام فيه يقع من جهات ( الأولى ) في امكان تكليف الناسي ثبوتا بما عدى الجزء المنسى من سائر الأجزاء ( الثانية ) في أنه على فرض امكان ذلك فهل هناك في مقام الاثبات ما يقتضى التكليف بما عدى الجزء المنسى في حال النسيان من دليل اجتهادي أو أصل عملي أو لا ( الثالثة ) في أنه على فرض عدم امكان تكليف الناسي ثبوتا بما عدى المنسى أو عدم قيام دليل أو أصل يقتضى التكليف به اثباتا على فرض امكانه ثبوتا ، فهل هناك ما يقتضى الاجتزاء بالمأتي به حال النسيان من دليل اجتهادي أو أصل عملي وان لم يكن مأمورا به حتى لا يجب عليه الإعادة بعد زوال النسيان ( اما الجهة الأولى ) فلا اشكال في عدم امكان التكليف والبعث الفعلي بالنسبة إلى الجزء المنسي حال نسيانه * واما بالنسبة * إلى ما عدى المنسي من سائر الأجزاء ، فالذي يظهر من جماعة منهم الشيخ قده هو عدم امكانه أيضا * بتقريب * انه من المستحيل توجيه التكليف الفعلي إلى الناسي حال نسيانه بما عدى الجزء المنسي على وجه يؤخذ الناسي عنوانا للمكلف ويخاطب بذلك العنوان بمثل أيها الناسي للسورة يجب عليك الصلاة بدونها * بداهة * انه لغفلته عن نسيانه لا يرى نفسه واجدا لهذا العنوان ومخاطبا بمثل هذا الخطاب ، فلا يمكن حينئذ انبعاثه عن مثله ، لان الالتفات إلى ما اخذ عنوانا للمكلف مما لابد منه في الانبعاث عن التكليف ، وعلى فرض التفاته إلى نسيانه يخرج عن عنوان الناسي ويدخل في عنوان المتذكر ، فعلى كل حال يكون الخطاب المزبور * لغوا مستهجنا لعدم انتهائه إلى مقام الداعوية والمحركية نحو المأمورية في حال من الأحوال « أقول » الظاهر عدم ابتناء هذا الاشكال بصورة اخذ النسيان في موضوع

ص: 420

الخطاب عنوانا للمكلف ، بل الاشكال يتأتى حتى في صورة اخذ عنوانه قيدا للتكليف أو للمكلف به ولو كان الخطاب بعنوان عام شامل للمتذكر والناسي كعنوان المكلفين أو المؤمنين كقوله يا أيها الذين امنوا يجب عليكم الصلاة بدون السورة ان نسيتم السورة فيها ، أو ان الصلاة المنسى فيها السورة واجبة بدونها * فإنه * بعد أن كان الالتفات مر والتكليف مما لابد منه في الانبعاث عن التكليف لا يكاد يفرق في امتناع توجيه البعث والتكليف الفعلي إلى الناسي بما عدى الجزء المنسى بين اخذ النسيان عنوانا للمكلف في موضوع الخطاب ، وبين اخذه قيدا للتكليف أو للمكلف به * فلا وجه * حينئذ لتخصيص الاشكال بصورة اخذه عنوانا للمكلف كما هو ظاهر هذا * ولكن * يمكن التفصي عن الاشكال بأنه من الممكن ان يكون المكلف به في حق كل من الذاكر والناسي هي الطبيعة الجامعة بين الزائد والناقص التي يتصورها القائل بالصحيح في مقام اخذ الجامع بين المصاديق المختلفة ، وان دخل النسيان انما هو في خصوصية الفرد المتقوم بها فردية صلاة الناسي للطبيعة المأمور بها على نحو يكون الاختلاف بين الذاكر والناسي من جهة المصداق محضا من حيث إن المتمشي من كل طائفة حسب طرو الحالات المختلفة مصداق خاص غير ما يتمشى من الاخر ، لا في أصل المأمور به فإنه على هذا البيان لا محذور ثبوتا في تكليف الناسي بما عدى الجزء المنسى ضرورة امكان التفات الناسي حينئذ إلى الطبيعة المأمور بها وانبعاثه كالذاكر عن الامر المتعلق بالطبيعة المأمور بها غايته انه من جهة غفلته عن نسيانه يعتقد بان المصداق المتمشي من قبله هو المصداق المتمشى من الذاكر ولكنه بعد خروج المصاديق عن حيز الامر والتكليف لا يضر مثل هذه الغفلة والخطأ في التطبيق في عالم المصداق بمقام انبعاثه عن الامر والتكليف ، فتمام الاشكال حينئذ مبنى على اختصاص الناسي حال نسيانه بتكليف خاص مغاير لتكليفه في حال ذكره ( والا فعلى ) ما بيناه لا وقع أصلا للاشكال المزبور ( مع أنه على فرض ) تعلق التكليف بالمصداق واختلافه بحسب الحالتين نقول انه بعد أن كانت المغايرة المتصورة بين التكليفين من جهة الحدود محضا لا بحسب ذات التكليف بان كان التكليف المتوجه إلى الناسي حال نسيانه بعينه هو التكليف المتوجه إليه حال ذكره غير أنه في حال النسيان يكون بحد لا يشمل الجزء

ص: 421

المنسي ، فلا قصور في داعوية ذات التكليف المحفوظة بين الحدين ( إذ لا غفلة ) حينئذ بالنسبة إلى ذات التكليف التي عليها مدار الدعوة والإطاعة عقلا ، وانما الغفلة تكون بالنسبة إلى حيث حده من حيث تخليه لنسيانه كونه إلى حد يشمل الجزء المنسى ، مع عدم كونه في الواقع كذلك وبعد عدم دخل داعوية خصوصية الحد بنظر العقل في غرض الامر لا يكاد يضر مثل هذه الغفلة بمقام انبعاثه عن ذات التكليف كما هو ظاهر ( نعم ) لو فرض انه كان لخصوصية الحد أيضا دخل في الداعوية في غرض الآمر أو المأمور ، أو كانت المغايرة المتصورة بين التكليفين في حالتي الذكر والنسيان بحسب ذات التكليف وحيث وجوده بحيث يكون هناك وجودان من التكليف أحدهما أوسع بحسب المتعلق من الاخر ( يتجه الاشكال ) المزبور من جهة الغفلة المانعة عن الدعوة والانبعاث ( ولا يندفع ) ذلك حينئذ بما توهم من امكان داعوية الامر الشخصي حينئذ من باب الخطأ في التطبيق بدعوى ان الناسي للجزء يكون قاصدا لامتثال شخص الامر المتوجه إليه بالعنوان الذي يعتقد كونه واجدا له ، حيث إنه لغفلته عن نسيانه يرى نفسه ذاكرا ، فيتخيل بذلك ان امره الباعث له على الاتيان بما عدى المنسي هو امر الذاكر وفى الواقع يكون غيره ( إذ يرد عليه ) ان ذلك انما يثمر في دفع الاشكال إذا كان الانبعاث والدعوة من لوازم الامر والتكليف بوجوده الواقعي ( والا ) فعلى ما هو الواضح من كونه من لوازم وجوده العلمي بحيث يكون العلم به تمام الموضوع لذلك فلا يثمر حيث الخطأ في التطبيق المزبور في دفع الاشكال ( فإنه ) مع الغفلة عن نسيانه وعدم التفاته إلى ما يخصه من الامر ولو اجمالا ، لا يكون الداعي والباعث له على الاتيان بما عدى المنسي الا ما تخيله من الامر الزعمي دون الامر الواقعي لاستحالة باعثية امره حينئذ مع الغفلة عن نسيانه ( فيبقى الاشكال ) المزبور في صحة توجيه الامر إلى الناسي بالحالي عن الجزء المنسي من جهة محذور اللغوية والاستهجان على حاله ( اللّهم الا ان يدفع ذلك ) بامكان توجيه الامر إلى الناسي حينئذ ولو بتوسيط عنوان عام أو خاص ملازم لعنوان الناسي للجزء أو الملائم له مما يمكن الالتفات إليه حال نسيان الجزء كعنوان المتذكر لمقدار من الاجزاء الجامع بين البعض والتمام ( فان ) الناسي وان لم يلتفت إلى نسيانه ، لكنه بعد التفاته إلى العنوان المزبور ،

ص: 422

بل وامكان التفاته إلى أن المرئي بهذا العنوان كان هو الناسي أيضا ( أمكن ) ثبوتا تخصيص الناسي بخطاب يخصه بمثل العنوان المزبور بجعله مرآة للناسي ويقصد الناسي أيضا بالتفاته إلى العنوان المزبور الذي هو واجد له الامر المتوجه إليه ( والى ذلك ) يكون نظر المحقق الخراساني « قده » فيما أفاد في كفايته في الجواب الثاني عن الاشكال ( فلا يرد عليه ) حينئذ بان ذلك مجرد فرض لا واقع له ( لأنه ) ليس في البين عنوان يلازم نسيان جزء من الصلاة دائما خصوصا مع تبدل النسيان في الاجزاء بحسب الموارد والأوقات من كون المنسي تارة هي السورة وأخرى التشهد وثالثة الفاتحة ، وهكذا بقية الاجزاء ( ثم لا يخفى ) ان ما ذكرنا من الجواب أولى مما افاده بعض الاعلام قده في الذب عن الاشكال من أن المكلف به أولاً في حق كل من الذاكر والناسي هو خصوص بقية الاجزاء ما عدى الجزء المنسي وان الذاكر يختص بتكليف يخصه بالنسبة إلى ما كان ذاكرا له فيكون المكلف به في حقه هو العمل المشتمل على الجزء الزائد المتذكر له ، ولا محذور في تخصيص الذاكر بخطاب يخصه وانما المحذور في تخصيص الناسي بخطاب يخصه ( إذ يرد عليه ) انه مع تبدل النسيان في الاجزاء بحسب الموارد والأوقات لا يكون في البين امر مضبوط ، فان كان المأمور به المشترك في حق للذاكر والناسي حينئذ هو عنوان بقية الاجزاء مما عدى الجزء المنسي ، فالناسي غير ملتفت إلى هذا العنوان ، لان بالالتفات إليه ينقلب إلى كونه ذاكرا وان كان المأمور به هي الاجزاء المعينة بمقدار خاص يلزم ان يكون المأمور به هو المنسي في بعض الأوقات ( نعم لا يرد ) ذلك على المحقق الخراساني قده ، فإنه لم يجعل عنوان المأمور به المشترك بين الذاكر والناسي عنوان بقية الاجزاء ما عدى الجزء المنسى بل جعل ذلك عبارة عن الاجزاء التي يكون لدليلها اطلاق يشتمل حال النسيان ، حيث جعل الامر متعلقا بالخالي عما شك بحسب دليله في دخله في المركب مطلقا ( ومن الواضح ) ان الالتفات إلى مثل هذا العنوان لا يلازم الالتفات إلى نسيان نفسه ، بخلاف عنوان بقية الاجزاء ما عدى المنسى ، فإنه يستلزم الالتفات إليه الالتفات إلى نسيان نفسه أيضا « وكيف كان » فقد ظهر من ذلك كله ان أسلم ما يمكن ان يقال في تصوير تكليف الناسي ثبوتا بما عدى الجزء المنسي هو ما

ص: 423

ذكرناه أولاً وانه هو الذي ينبغي المصير إليه في تصويره « هذا كله » في الجهة الأولى.

الجهة الثانية في قيام الدليل على تكليف الناسي حال نسيان الجزء بالخالي عن الجزء المنسى وعدمه ، ونخبة الكلام فيها انه لا شبهة في أن مقتضى الأصل الأولى هو بطلان العبادة بنقص الجزء سهوا فيما لو كان لدليل المثبت لجزئية المنسى اطلاق يشمل حال الذكر والنسيان « فان » مقتضى اطلاقه حينئذ بعد سقوط التكليف عن المنسى هو عدم التكليف بما عداه من سائر الأجزاء « لأنه » ليس في البين الا تكليف واحد متعلق بمجموع الاجزاء الذي منه الجزء المنسى ، وبنسيان بعض الاجراء وسقوط التكليف عنه يسقط التكليف عن البقية لا محالة « ولازمه » هو بطلان الماتى به ولزوم الإعادة عليه بعد زوال النسيان الا إذا كان هناك دليل من الخارج يقتضى التكليف بالبقية في هذا الحال « وأما إذا لم يكن » لدليل المثبت لجزئية المنسى اطلاق يعم حال الذكر والنسيان « فان كان » لدليل المركب وهو قوله أقيموا الصلاة اطلاق يؤخذ باطلاقه ويحكم بعدم كون المنسى جزء في حال النسيان اقتصارا في تقييد اطلاقه بخصوص حال الذكر « وان لم يكن » لدليل المركب أيضا اطلاق اما من جهة اتصاله بما يصلح للقرينية عليه ، أو من جهة عدم كونه مسوقا في مقام البيان من هذه الجهة بل في مقام أصل تشريع المركب « فالمرجع » عند الشك في الجزئية وعدمها في حال النسيان هي أصالة البراءة لاندراجه في الشك بين الأقل والأكثر « ولكن دعوى » ثبوت الاطلاق لدليل المركب ساقطة عن الاعتبار ، لوضوح ان مثل هذه الخطابات انما كانت مسوقة لبيان مجرد تشريع المركب بنحو الاجمال ، لا لبيان ما يعتبر فيه حتى يكون مرجعا عند الشك في جزئية شيء أو شرطيته للمركب « واما دليل المثبت للجزئية » فلا يبعد دعوى اقتضائه للركنية لقوة ظهوره في الاطلاق والشمول لحال النسيان ، من غير فرق بين ان يكون بلسان الوضع كقوله لا صلاة الا بفاتحة الكتاب ولا صلاة الا بطهور ، وبين ان يكون بلسان الامر والتكليف كقوله اركع في الصلاة واسجد فيها ونحو ذلك من الأوامر المتعلقة باجزاء المركب ( نعم ) في مورد يكون دليل اعتبار الجزء هو الاجماع يمكن تخصيص الجزئية المستفادة منه بحال

ص: 424

الذكر لكونه هو المتيقن من الاجماع على ثبوت الجزئية ، بخلاف ما لو كان دليل الجزء غير الاجماع ، فان اطلاقه مثبت لعموم جزئية الجزء لحال النسيان أيضا ( لا يقال ) ان ذلك يستقيم إذا كان دليل اعتبار الجزء بلسان الوضع ، كقوله لا صلاة الا بفاتحة الكتاب ( وأما إذا كان ) بلسان الامر والتكليف ، كقوله اركع في الصلاة فلا يتم ذلك ، لان الجزئية حينئذ تتبع الحكم التكليفي ، فإذا كان الحكم التكليفي مختصا بحكم العقل بحال التذكر ولا يمكن شموله لحال الغفلة والنسيان فالجزئية المستفادة منه تتبعة وتختص بحال الذكر أيضا ( فإنه يقال ) انه لو تم ذلك فإنما هو في فرض ظهور تلك الأوامر المتكفلة لبيان الاجزاء والشرائط في المولوية النفسية أو الغيرية ( والا ) فعل ما هو التحقيق من ظهورها في الارشاد إلى جزئية متعلقاتها للمركب ودخلها في الملاكات والمصالح الكائنة فيه فلا يستقيم ذلك ( إذ لا يكون ) حينئذ محذور عقلي أو غيره في عموم الجزئية لحال النسيان ( مع أنه ) على فرض ظهورها في المولوية ولو بدعوى كونها بحسب اللب عبارة عن قطعات ذلك الامر النفسي المتعلق بالمركب غير أنها صارت مستقلة في مقام البيان ، ( نقول ) ان المنع المزبور عن عموم الجزئية لحال النسيان انما يتجه إذا كان الحكم العقلي بقبح تكليف الناسي والغافل في الارتكاز بمثابة يكون كالقرينة المحتفة بالكلام بحيث يمنع عن انعقاد ظهوره في الاطلاق ، وهو في محل المنع ( فان الظاهر ) هو عدم كونه من العقليات الضرورية المرتكزة في أذهان العرف والعقلاء ( وانه ) من العقليات غير الارتكازية التي لا ينتقل الذهن إليها الا بعد الالتفات والتأمل في المبادي التي أوجبت حكم العقل ( فيدخل ) حينئذ في القرائن المنفصلة المانعة عن مجرد حجية ظهور الكلام لا عن أصل ظهوره ( وعليه ) يمكن ان يقال ان غاية ما يقتضيه الحكم العقلي المزبور انما هو المنع عن حجية ظهور تلك الأوامر في الاطلاق بالنسبة إلى الحكم التكليفي ( واما بالنسبة ) إلى ظهورها في الحكم الوضعي وهو الجزئية واطلاقها لحال النسيان ، فحيث لا قرينة على الخلاف من هذه الجهة يؤخذ بظهورها في ذلك ( وعلى فرض الاغماض ) عن ذلك أيضا يمكن التمسك باطلاق المادة لدخل الجزء في الملاك والمصلحة حتى في حال النسيان ، فلا فرق حينئذ في صحة التمسك باطلاق دليل الجزء لعموم الجزئية لحال النسيان بين كونه بلسان الحكم التكليفي

ص: 425

أو بلسان الوضع ( نعم ) لو اغمض عما ذكرنا لا يستقيم الجواب عنه بما عن بعض الأعاظم قده من أن منشأ انتزاع الجزئية والشرطية ليس هو الحكم التكليفي النفسي كي يلزم اختصاصهما تبعا للحكم التكليفي بالذاكر ، بل منشأ انتزاعهما انما هو التكليف الغيري المتعلق باجزاء العبادة ، ولا موجب لتوهم اختصاص الأوامر الغيرية بالمتمكن من الجزء والذكر له ، بل نعم العاجز والناسي وتثبت الجزئية والشرطية في حقهما إذا كان لدليل الجزء في نفسه اطلاق يشمل حال العجز والنسيان ( إذ فيه ) ان المراد من الامر الغيري ان كان هو الامر المقدمي ، فلا شبهة في أنه غير صالح لان يكون منشأ لانتزاع الجزئية والشرطية ( بداهة ) ان الامر الغيري يتعلق بما هو فارغ الجزئية والشرطية فيستحيل كونه منشأ لانتزاعهما ( بل منشأ ) انتزاع الجزئية والشرطية لابد وأن يكون هو الامر النفسي المتعلق بالمجموع أو المقيد مع تقيده ، غاية ما يكون انه قد يستقل في مقام البيان قائما بموضوعه ( ولكنه ) بذلك لا يكون أمرا غيريا مقدميا ، بل هو اما قطعة من الامر النفسي المتعلق بالمجموع كما أشرنا إليه ، أو هو امر ارشادي إلى الجزئية والشرطية وكاشف عن وجود منشأ الانتزاع لهما ( وعلى فرض ) مقدمية تلك الأوامر المتعلقة باجزاء العبادة ، لا وجه لمنع اختصاصها بحال الذكر ، فإنه يكفي في التخصيص المزبور حينئذ استقلال العقل بقبح توجيه التكليف الفعلي ولو غيريا إلى ما لا يطاق ( نعم ) لو كان المراد من الامر الغيري هو الامر الارشادي لا بأس بدعوى شمول اطلاق خطابه للناسي والذاكر كما بيناه ( هذا كله ) مقتضى الأصل الأولى المستفاد من الأدلة الاجتهادية.

( واما الأصل الثانوي ) فقد يقال ان مقتضى اطلاق أدلة الاجزاء والشرائط وان كان هو ثبوت الجزئية في حال النسيان « الا ان » مقتضى حديث الرفع الحاكم على الأدلة الأولية هو عدم الجزئية في حال النسيان واختصاصها بحال الذكر ، ولازمه هو كون المأتى به في حال النسيان الفاقد للجزء المنسى هو تمام المأمور به ( أقول ) لا يخفى ان التمسك بهذا الحديث الشريف لرفع جزئية المنسى في حال النسيان ، تارة يكون من جهة تطبيق عنوان ، ما لا يعلم ، وأخرى من جهة عنوان النسيان « وتنقيح الكلام » فيه يحتاج إلى تمهيد أمور « الأول » لا شبهة في أن مورد

ص: 426

تطبيق عنوان ما لا يعلم انما يكون في فرص عدم تحقق اطلاق في البين لأدلة الاجزاء أو لدليل المركب ، لأنه مع وجود الاطلاق لدليل المركب أو لأدلة الاجزاء يكون المتبع هو الاطلاق ويخرج به الجزء المنسي عن عنوان ما لا يعلم فلا يبقى له موضوع حتى يجرى دليل الرفع ( بخلاف ) عنوان النسيان ، فإنه لابد في تطبيقه في المقام من أن يكون في فرض يكون لأدلة الاجزاء اطلاق يقتضي ثبوت الجزئية في حال النسيان أيضا ( والا ) فمع عدم اطلاقها كذلك لا موقع لجريان رفع النسيان ( إذ لا يكون ) حينئذ امر ثابت في حال النسيان حتى يرفع لأجل النسيان ( الامر الثاني ) لا شبهة في أنه لابد وأن يكون ظرف التطبيق في كل واحد من العنوانين المزبورين هو ظرف التذكر والالتفات لا ظرف الغفلة والنسيان ( لان ) في ظرف النسيان لا يكاد التفات الناسي إلى العنوان المزبور فلا يعقل ان يتوجه إليه خطاب رفع الجزئية عن المنسي ( الامر الثالث ) ان الحديث المبارك بملاحظة وروده في مقام الامتنان على الأمة انما يرفع الآثار التي في وضعها خلاف المنة ( فما لا يكون ) كذلك كان خارجا عن مصب الرفع ، ولا مجال للتمسك به في رفعه وان فرض كونه مما في رفعه التوسعة على المكلف ، ولأجل ذلك قلنا في مبحث البراءة عند التعرض لمفاد الحديث انه لا يجوز التمسك به فيما لا يعلمون لرفع الحكم الواقعي الثابت في المرتبة السابقة على الشك لعدم كونه بوجوده الواقعي مما فيه الضيق على المكلف حي يقتضي الامتنان رفعة ( الامر الرابع ) انه يعتبر ان يكون المرفوع من الآثار التي تنالها يد الوضع والرفع التشريعي اما بنفسه أو بتوسط منشئه ، فلا يرفع ما لا يكون كذلك كالآثار العقلية والعادية ( الامر الخامس ) الظاهر اختصاص الرفع في الحديث برفع ما لولاه يكون قابلا للثبوت تكليفا كان أو وضعا فما لا يكون كذلك لا يشمله الحديث وبذلك يختص المرفوع في عنوان النسيان بمثل ايجاب التحفظ دون التكليف المتعلقة بنفس المنسي فإنها مرتفعة بقبح التكليف بما لا يطاق ( إذا عرفت ذلك ) فاعلم أن التمسك بهذا الحديث في المقام لرفع جزئية المنسي واثبات عدم وجوب الإعادة بعد التذكر ، تارة يكون من جهة عنوان ما لا يعلم ، وأخرى من جهة عنوان النسيان ( اما الأول ) فالظاهر أنه لا قصور في التمسك بالحديث لرفع جزئية المنسي للطبيعة المأمور بها في حال النسيان ، حيث إنه

ص: 427

بعد ما لم يكن للأدلة اطلاق يقتضي الجزئية حتى في حال النسيان ، يشك في أن الثابت في حق الناسي للجزء هي الطبيعة الواجدة للجزء أو الفاقدة له ، فيكون من صغريات الأقل والأكثر الارتباطي ، فيجري فيه حديث الرفع ويترتب على جريانه كون المأتى به حال النسيان مصداقا ظاهريا للطبيعة المأمور بها ، فيترتب عليه عدم وجوب الإعادة بعد التذكر وزوال الغفلة ، كجريانه في غير المقام مما كان الشك في أصل جزئية شيء أو شرطيته للمأمور به ( من غير فرق ) بين تطبيق الرفع على الأكثر المشتمل على الجزء المنسى أو تطبيقه على الجزء المنسى المشكوك دخله حال النسيان في المأمور به ( وتوهم ) ان الجزئية انما هي من الأمور الانتزاعية الصرفة ولا معنى لتعلق الرفع بها في المقام ( لأنه ) بالنسبة إلى مقام الدخل في المصلحة يكون الدخل المزبور تكوينيا لا تناله يد الوضع والرفع التشريعي ، وبالنسبة إلى التكليف الفعلي الذي هو منشأ انتزاع الجزئية الفعلية لا يكون التكليف بنفسه قابلا للثبوت لولا الرفع للقطع بانتفائه في حال النسيان لمكان استحالة التكليف بما لا يطاق ( مدفوع ) بأنه يكفي في صحة الرفع وجود المقتضى لثبوت التكليف والجزئية في حال النسيان الموجب لبقاء الامر المستلزم لوجوب الإعادة بعد زوال النسيان « نعم هنا اشكال آخر » لبعض الأعاظم قده ، وحاصله ان أقصى ما يقتضيه الحديث انما هو رفع الجزئية ما دام النسيان ولا يقتضى رفعها على الاطلاق في تمام الوقت الا مع استيعاب النسيان تمام الوقت ، فلو فرض انه ارتفع النسيان في الوقت بمقدار يمكن ايجاد الطبيعة المأمور بها بتمام مالها من الاجزاء والشرائط فلا تقتضي البراءة عن الجزء المنسى في حال النسيان عدم وجوب الفرد التام عليه في ظرف تذكره ، بل مقتضى اطلاق الأدلة هو وجوبه عليه ، ولا ملازمة بين رفع الجزئية بأدلة البراءة في حال النسيان لرفعها في ظرف التذكر ، لأن الشك في الأول يرجع إلى ثبوت الجزئية في حال النسيان ، والثاني يرجع إلى سقوط التكليف بالجزء في حال الذكر ، والأول مجرى البراءة ، والثاني مجرى الاشتغال ( وفيه ما لا يخفى ) من الخلط بين رفع الجزئية بعنوان ما لا يعلم ، وبين رفعها بعنوان النسيان ( فان الذي ) يقتضيه رفع الجزئية بعنوان المشكوكية انما هو بقاء الرفع ما دام بقاء موضوعه وهو الشك في الجزئية لا ما دام بقاء النسيان ( فإذا كان ) المفروض في المقام الشك في جزئية المنسى

ص: 428

للطبيعة المأمور بها حال النسيان لفرض عدم اطلاق الأدلة وكان المفروض أيضا هو وجود هذا الشك في ظرف التذكر وزوال الغفلة ، فلا محالة يلزمه بقاء الرفع ببقاء موضوعه وهو الشك في الجزئية ولازم رفعها حينئذ هو كون المأتى به في حال النسيان مصداقا ظاهريا للطبيعة المأمور بها ، ولازمه عدم وجوب الإعادة عليه في ظرف تذكره لسقوط الامر بالطبيعة المأمور بها بالمأتي به في حال النسيان ( ومعه ) لا مجال لدعوى رجوع الشك في حال التذكر إلى الشك في سقوط التكليف بالجزء كما لا مجال لدعوى اقتضاء اطلاق الأدلة عند التذكر وجوب الاتيان بالطبيعة الواجدة للجزء المنسي ( فان فرض الكلام ) في الرجوع إلى أدلة البراءة انما هو في صورة عدم اطلاق الأدلة ، وفي هذا الفرض أين اطلاق حتى يقال ان مقتضاه وجوب الاتيان بالطبيعة الواجدة للجزء المنسي ( نعم ) يتم هذا الكلام في رفع الجزئية بعنوان النسيان لا بعنوان المتكوكية ، فإنه مع العلم بالجزئية بمقتضى اطلاق أدلة الاجزاء يشك في سقوط التكليف عن الجزء المنسي في حال التذكر باتيان ما عداه في حال النسيان ( ولكنه ) خارج عن فرض المسألة كما هو ظاهر ( هذا كله ) في رفع الجزئية بعنوان ما لا يعلم ، وقد عرفت انه مع الشك في جزئية المنسي للطبيعة المأمور بها في حال النسيان وعدم اطلاق الأدلة لا قصور في التمسك بحديث الرفع لرفع الجزئية في حال النسيان وعدم وجوب الإعادة عند التذكر وزوال الغفلة ( واما رفعها ) بعنوان النسيان ، فقد يقال ان مقتضى رفع النسيان هو عدم الجزئية في حال النسيان واختصاصها بحال الذكر ولازمه الاجتزاء بالمأتى به بدون المنسى وعدم لزوم الإعادة عند التذكر * ولكن فيه اشكال * فان المرفوع ، اما ان يجعل كونه نفس النسيان بجعله في إضافة الرفع إليه عنوانا مستقلا لامرأتا إلى امر آخر غايته لا على نحو الحقيقة كي يلزم الكذب بل على نحو من العناية والادعاء فيكون رفعه بلحاظ اثره وما يترتب عليه من ترك الجزء الموجب لترك الكل وهو أيضا بلحاظ ما يترتب عليه من الفساد ووجوب الإعادة ، أو يجعل كونه هو المنسي اما بجعل النسيان بمعنى المنسي أو بجعله عنوانا مشيرا إلى ما هو المرفوع وهو المنسي ( وعلى التقديرين ) لا مجال للتمسك بالحديث لاثبات الاجتزاء بالمأتى به في حال النسيان وعدم وجوب الإعادة في ظرف التذكر وزوال الغفلة ، وذلك على الأول ظاهر ، لعدم كون

ص: 429

وجوب الإعادة في المقام من الآثار الشرعية الثابتة للنسيان ، وانما ترتبه عليه يكون بتوسيط ترك الجزء الذي يكون ترتبه على النسيان عقليا ، والرفع في الحديث كما تقدم في مقدمات المقصد يختص بالآثار الشرعية ، فلا يشمل الآثار غير الشرعية ولا الآثار الشرعية المترتبة بتوسيط امر عقلي أو عادي ( واما على الثاني ) فمع ان أثر وجود الجزء لا يكون الا الصحة لا الجزئية لأنها من اثار طبيعة الجزء لا من اثار وجود الجزء المنسي ورفع الصحة يقتضى البطلان ووجوب الإعادة ( انه ان أريد ) برفع الجزئية رفع الجزئية أو الشرطية عن الجزء والشرط المنسيين في مقام الدخل في الملاك والمصلحة ، فلا شبهة في أن هذا الدخل امر تكويني غير قابل لان يتعلق به الرفع التشريعي ، وان أريد رفعهما بلحاظ انتزاعهما عن التكليف الضمني المتعلق بالجزء والتقيد بالشرط ( ففيه ) مضافا إلى ما تقدم من اختصاص الرفع في الحديث برفع ما لولاه يكون قابلا للثبوت تكليفا أو وضعا وعدم شموله للتكاليف المتعلقة بالمنسي في حال النسيان لارتفاعها بمحض تحقق النسيان بملاك استحالة التكليف بما لا يطاق ( ان غاية ) ما تقتضيه الحديث حينئذ انما هو رفع ابقاء الامر الفعلي والجزئية الفعلية عن الجزء المنسي في حال النسيان الملازم بمقتضى ارتباطية التكليف لسقوط الامر الفعلي عن البقية أيضا ما دام النسيان ( واما اقتضائه ) لسقوط المنسى عن الجزئية والشرطية في حال النسيان لطبيعة الصلاة المأمور بها رأسا على نحو يستتبع تحديد دائرة الطبيعة في حال النسيان بالبقية ويقتضي الامر باتيانها فلا ( بداهة ) خروج ذلك عن عهدة حديث الرفع ، وذلك لا من جهة ان الامر بالبقية موجب للكلفة والضيق الذي هو خلاف الارفاق على الأمة كما توهم ، لامكان دفعه بان كلفة الاتيان بالبقية حينئذ انما يكون بالزام عقلي لا بالزام شرعي ، فلا يلزم حينئذ ضيق على المكلف من ناحية امر الشارع بالبقية ( بل ذلك ) من جهة عدم تكفل الحديث لاثبات الوضع والتكليف لان شأنه انما هو التكفل للرفع محضا ( وحينئذ ) بعد عدم اقتضاء الحديث للامر بالبقية واثبات ان المأتى به في حال النسيان تمام المأمور به ، فعند زوال النسيان تكون المصلحة الداعية إلى الامر بالمركب أولاً ابقائها غير مستوفاة مقتضية لاحداث التكليف الفعلي باتيانه إعادة في الوقت وقضاء في خارجه ( وبالجملة ) ان صحة التمسك بحديث الرفع في المقام للاجتزاء بالمأتي به في حال النسيان

ص: 430

وعدم وجوب الإعادة بعد زوال الغفلة ، يحتاج إلى الالتزام بأحد الأمور الثلاثة ( اما دعوى ) ان الحديث ناظر إلى رفع دخل الجزء المنسى في ظرف النسيان في مصلحة المركب ( أو دعوى ) اقتضاء الحديث برفع جزئية المنسي تحديد دائرة الطبيعة المأمور بها في حال النسيان بالبقية واثبات التكليف بها ولو بنحو جعل البدل ( أو الالتزام ) باستفادة تعدد المطلوب من الخطاب المتعلق بالصلاة بان تكون الصلاة المشتملة على تمام الاجزاء والشرائط مطلوبا والصلاة المشتملة على ما عدى الجزء المنسى مطلوبا آخر ولو كان ذلك من جهة حديث الرفع بضميمة المطلقات الأولية المثبتة للاجزاء والشرائط ( ولكنه ) لا سبيل إلى اثبات شيء منها « اما الأول » فبما عرفت من أن دخل الجزء والشرط في المصلحة امر تكويني وحديث الرفع لا يكون ناظرا إلى مثله ، كما أنه لا يكون ناظرا إلى تحديد دائرة الطبيعة المأمور بها واقعا بالبقية واثبات التكليف بها ، لخروج مثله عن عهدة حديث الرفع « واما الثالث » فلكونه خلاف ما تقتضيه اطلاقات الأوامر المتعلقة بالمركبات من الظهور في وحدة المطلوب وما تقتضيه اطلاقات الأدلة المثبتة للاجزاء والشرائط من الجزئية والشرطية المطلقتين ، ولذلك ترى بنائهم على سقوط التكليف عن المركب عند تعذر بعض اجزائه الا إذا كان هناك ما يقتضى ثبوت التكليف بالبقية ووجوب الاتيان بها كقاعدة الميسور ونحوها « نعم » لو اغمض عما ذكرناه من الاشكال على التمسك بحديث الرفع لاثبات الاجتزاء بالمأتى به حال النسيان « لا يرد » عليه الاشكال بما عن بعض الأعاظم قده « تارة » بان المنسى ليس هي الجزئية والا يرجع إلى نسيان الحكم وهو من اقسام الجهل فيندرج في قوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) رفع ما لا يعلمون ( وأخرى ) بان محل البحث ليس هو النسيان المستوعب لتمام الوقت في الموقتات أو لتمام العمر في غيرها ، وانما البحث في النسيان غير المستوعب لتمام الوقت ، ومن الواضح ان سقوط الجزئية في خصوص حال النسيان لا يقتضى سقوطها في تمام الوقت حتى في ظرف التذكر وزوال صفة النسيان « وثالثة » انه ليس في المركبات الا طلب واحد متعلق بعدة أمور متباينة يجمعها واحدة اعتبارية وينتزع جزئية كل واحد منها من انبساط ذلك الطلب الوحداني عليه وتعلقه به بتبع تعلقه بالكل ، لا ان جزئية كل واحد منها كانت مستقلة بالجعل ، وحينئذ فالذي يلزم من نسيان

ص: 431

بعض الاجزاء انما هو سقوط الطلب عن الكل لا عن خصوص الجزء المنسى ، فإنه مع كون الطلب واحدا لا معنى لتبعيضه وتقطيعه وجعل الساقط هو خصوص القطعة المختصة منه بالجزء المنسي ، فان ذلك يتوقف على قيام دليل عليه بالخصوص ولا يمكن الاستدلال له بمثل قوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) رفع النسيان « إذ فيه » اما الاشكال الأول فبان المقصود من رفع الجزئية ليس كونها هو المنسي حتى يتوجه عليه الاشكال المزبور ، وانما المقصود من رفعها باعتبار وكونها من اثار ذات الجزء المنسى واقتضاء رفعه رفع الجزئية الثابتة له ، لان لازم جزئية المنسي للمركب حينئذ انما هو بطلان المأتى به في حال النسيان فيكون رفعه عبارة عن سقوطه عن الجزئية في حال النسيان ، ولازمه هو صحة الماتى به في حال النسيان من جهة اقتضائه لكون المأتى به حال النسيان تمام المأمور به في حقه ومثله يستتبع عدم وجوب الإعادة عليه بعد التذكر « وبذلك » يظهر اندفاع الاشكال الثاني أيضا * حيث * ان عدم وجوب الإعادة بعد التذكر انما هو من لوازم سقوط المنسى عن الجزئية في حال النسيان واقتضائه تحديد دائرة الطبيعة المأمور بها بما عدى الجزء المنسي ، فان لازمه كما عرفت انما هو كون الماتى به الفاقد للجزء المنسي تمام المأمور به ومثله يستتبع قهرا سقوط التكليف بالإعادة لمكان اتيانه بما هو مصداق الطبيعي المأمور به الثابت في حقه ( كما أنه ) بهذا البيان يندفع الاشكال الثالث أيضا ، فان سقوط الطلب عن خصوص الجزء المنسى لا عن الكل انما هو من جهة اقتضاء رفع الجزء المنسى تحديد الطبيعة المأمور بها في حال النسيان بالبقية الملازم لتحديد دائرة الطلب والبعث الفعلي أيضا بما لا يشمل الجزء المنسى ، فان لازمه حينئذ هو سقوط الطلب عن الطبيعة بالمأتي به حال النسيان لكونه تمام المأمور به الثابت في حقه ( وحينئذ ) فالعمدة في الاشكال عليه هو ما ذكرناه من منع اقتضاء رفع النسيان تحديد دائرة الطبيعة المأمور بها بالبقية واثبات الامر الفعلي بها ( إذ حينئذ ) يكفي في وجوب الإعادة عند التذكر اطلاق دليل الجزئية الموجب لدخل المنسى في مصلحة المركب وملاكه حتى في حال النسيان هذا ( وقد يقرب ) التمسك بالحديث بوجه آخر لاثبات عدم وجوب الإعادة وهو تطبيق الرفع على نفس ترك الجزء المنسى ( بتقريب ) ان رفع الترك عبارة عن جعله كان لم يكن في عالم تشريع الحكم على معنى عدم جعله

ص: 432

موضوعا للحكم بالفساد ووجوب الإعادة الراجع إلى البناء على صحة المأتى به الفاقد للجزء المنسى بجعله بدلا عن الواقع في القناعة به عنه في مقام تفريع الذمة ( ولكن فيه ) انه يتم ذلك إذا كان الرفع فيه ناظرا إلى تحديد دائرة الطبيعة المأمور بها في حال النسيان بما عدى المنسى ، والا فلا اثر لمجرد رفع الترك الأعدم بقاء الامر والتكليف بايجاد الجزء في حال النسيان ، ومثله غير مجدي في الحكم بالصحة وعدم وجوب الإعادة كما هو ظاهر ( وقد أورد عليه ) بوجه آخر وحاصله ان استفادة الاجتزاء بالمأتى به حينئذ مبنى على اقتضاء رفع الترك للبناء على وجود الجزء المنسي وتحققه وهو بمعزل عن التحقيق ( لان ) شأن حديث الرفع انما هو تنزيل الموجود منزلة المعدوم لا تنزيل المعدوم منزلة الموجود ( لان ) تنزيل المعدوم منزلة الموجود يكون وضعا وحديث الرفع لا يتكفل الوضع ، فمن ذلك لا يمكن تطبيق الرفع على ترك الجزء المنسي ( وفيه ) ان مرجع الرفع في الحديث بعد ما كان إلى الرفع بالعناية الراجع إلى خلو صفحة التشريع عن المرفوع على معنى عدم اخذه موضوعا في عالم تشريع الاحكام ، لا يكاد يفرق بين رفع الفعل أو الترك ( فإنه كما أن ) مرجع رفع الوجود لي عالم التشريع إلى رفع الأثر المترتب عليه وخلوه عن الحكم في عالم التشريع ( كذلك ) في رفع العدم ، فرفعه أيضا عبارة عن عدم اخذه موضوعا في عالم تشريع الاحكام ، وحينئذ فإذا كان الأثر المترتب على ترك الجزء هو الفساد ووجوب الإعادة مثلا بلحاظ دخل نقيضة وهو الوجود في الصحة ، فلا جرم يكون مرجع رفع هذا الترك إلى عدم اخذه موضوعا للحكم بالفساد وخلو صفحة التشريع عن حكمه ، لا ان مرجعه إلى قلب العدم بالوجود بالنبأ على وجوده وتحققه حتى يتوجه الاشكال المزبور ( إذ فرق واضح ) بين قلب الوجود بعدم ذاته وتنزيله منزلته وبالعكس ، وبين قلب اخذ كل من الوجود والعدم في مقام كونه موضوعا للحكم بعدم اخذه موضوعا في مرحلة تشريع الحكم ( والاشكال ) انما يرد على الأول دون الثاني وما يقتضيه حديث الرفع هو الثاني دون الأول ( نعم ) لو كان رفع الترك بلحاظ الأثر المترتب على الوجود لا بلحاظ نقيضه المترتب على العدم لاتجه الاشكال المزبور ، إذ يحتاج في الحكم بالصحة إلى تنزيله منزلة الوجود ( ولكنه ) لا داعي إليه بعد كفاية نقيض الأثر المترتب على الوجود في صحة تطبيق الرفع على

ص: 433

نفس الترك كما هو ظاهر * هذا كله * في الجهة الثانية ، وقد عرفت ان مقتضى القاعدة هو عدم الاجتزاء بالمأتى به في حال النسيان عن الواقع.

* واما الجهة الثانية * فقد ورد اخبار كثيرة في باب الصلاة على عدم لزوم اعادتها بالاخلال السهوي بما عدى الخمسة المعروفة من اجزائها وشرائطها كقوله (عليه السلام) لا تعاد الصلاة الا من خمس ، الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود ( ولا اشكال ) في الحكم بالصحة فيها بمقتضى تلك للأخبار النافية للإعادة ( نعم انما الكلام ) في بيان مفاد هذه الأخبار ومقدار دلالتها من حيث الاختصاص بصورة الاخلال السهوي أو العموم لصورة الجهل بل العمد أيضا * فنقول وعليه التكلان * الذي يظهر من جماعة من الاعلام هو اختصاص مفاد تلك الأخبار بصورة الاخلال السهوي وعدم عمومه لما يشمل الجهل ( بتقريب ) ان الظاهر المستفاد من قوله (عليه السلام) لا تعاد انما هو نفي الإعادة في مورد لولا هذا الدليل يكون المكلف مخاطبا بايجاد المأمور به بعنوان الإعادة بمثل قوله أعد الصلاة ، وهذا يختص بموارد السهو والنسيان ( فإنه ) لما لا يمكن بقاء الامر والتكليف بايجاد المأمور به في حال النسيان يكون الامر بايجاده ممحضا بكونه بعنوان الإعادة « بخلاف موارد » الجهل والعمد ، فان التكليف بايجاد المأمور به يكون متحققا في ظرف الجهل ويكون وجوب الإعادة باقتضاء الامر الأول الباقي في ظرف الجهل ، لا انه بخطاب جديد متعلق بعنوان الإعادة كما في مورد السهو والنسيان « وبذلك » يختص لا تعاد بخصوص صورة الاخلال الناشئ عن السهو والنسيان ، ولا يشمل صورة الجهل والعمد ( ولكن فيه ) ان إعادة الشيء في الطبايع الصرفة بعد أن كانت حقيقتها عبارة عن ثاني وجود الشيء على نحو يكون له وجود بعد وجود فلا شبهة في أنه لابد في صدق هذا العنوان وتحققه من أن يكون الشيء مفروض الوجود أو لا اما حقيقة أو ادعاء وتخيلا ليكون الايجاد الثاني تكرارا لوجود ذلك الشيء وإعادة له ( والا فبدونه ) لا يكاد يصدق هذا العنوان ، فمهما فرض انه كان لصرف الطبيعي وجود مسبوقا كونه بوجود آخر له حقيقة أو تخيلا وزعما ينتزع منه عنوان الإعادة باعتبار كونه ثاني الوجود لما اتى أو لا من المصداق الحقيقي أو الزعمي ، كان تعلق الامر بهذا الوجود الثاني بعنوان الايجاد ، أو

ص: 434

بعنوان الإعادة ( وحينئذ نقول ) انه كما أن في موارد الاخلال السهوي بالجزء يصدق هذا العنوان وينتزع من الايجاد الثاني عنوان الإعادة ، كذلك يصدق العنوان المزبور في موارد الجهل بل العمدة أيضا حيث إنه ينتزع العقل من الايجاد الثاني عنوان الإعادة باعتبار كونه إعادة لما اتى أو لا من الفرد الفاسد « غاية الامر » يكون وجوب هذا العنوان في موارد الجهل والعمد من جهة اقتضاء التكليف الأول الباقي في ظرف الجهل وفى موارد السهو والنسيان بخطاب جديد * ولكن * هذا المقدار لا يوجب فرقا بينهما فيما نحن بصدده كي يوجب اختصاص لا تعاد من جهة اشتماله على لفظ الإعادة بموارد النسيان ، بل ذلك كما يشمل السهو والنسيان ، كذلك يشمل الجهل بل العمد أيضا * ويشهد لما ذكرنا * جملة من الاخبار المشتملة على لفظ الإعادة في مورد الجهل والعمد * منها * قوله (عليه السلام) من زاد في صلوته فعليه الإعادة الظاهر في العمد * ومنها * قوله (عليه السلام) فيمن اجهر في موضع الاخفات أو أخفي في موضع الجهر ، اي ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلوته وعليه الإعادة فان فعل ساهيا أو لا يدري فلا شيء عليه وقد تمت صلوته * ومنها * قوله (عليه السلام) فيمن صلى أربعا في السفر انه ان قرء عليه آية التقصير وفسرت له فصلى أربعا أعاد وان لم يكن قرأت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه فان في هذه الأخبار دلالة على ما ذكرنا من عدم اختصاص مورد الامر بعنوان الإعادة بصورة السهو والنسيان ، بل في قوله (عليه السلام) فان فعل ساهيا أو لا يدري فلا شيء عليه وقد تمت صلوته وكذا في قوله (عليه السلام) وان لم يكن قرأت عليه الخ شهادة على شمول لا تعاد لصورتي الجهل والنسيان ، نظرا إلى ظهورها في كون الجميع على سياق واحد فتأمل * وحينئذ * لا قصور في اطلاق لا تعاد وشموله لمطلق الاخلال بما عدى الخمسية من الاجزاء والشرائط نسيانا أو جبلا وعمدا * غير أنه * بمقتضى الاجماع والنصوص الخاصة يرفع اليد عن اطلاقه بالنسبة إلى خصوص العمد ويؤخذ به في صورتي النسيان والجهل * اللّهم * الا ان يتشبث في تقييد اطلاقه بخصوص الاخلال السهوي بما في صحيح زرارة من قوله (عليه السلام) ان اللّه فرض الركوع والسجود والقرائة سنة فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ومن نسى فلا شيء عليه ، وقوله (عليه السلام) في خيره الاخر ومن نسى القراءة فقد تمت صلوته بضميمة ما في ذيل لا تعاد في خبره الثالث من قوله (عليه السلام) القراءة سنة

ص: 435

والتشهد سنة ولا تنقض السنة الفريضة ، فان قوله (عليه السلام) القراءة سنة بمنزلة التعليل لما ذكره أولاً من نفى الإعادة * فكأنه قال (عليه السلام) * لا تعاد الصلاة بترك السنة وبعد تقييده بما في خبر زرارة من قوله (عليه السلام) فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ومن نسى فلا شيء عليه يصير المتحصل هو اختصاص نفي الإعادة بصورة الاخلال السهوي بملاحظة اندراج الاخلال الجهلي في الاخلال العمدي لصدق الترك العمدي على الاخلال بالجزء عن جهل منه بالحكم أو الموضوع ، كما لعله يشهد بذلك قضية المقابلة بين الترك العمدي والترك السهوي في رواية زرارة المتقدمة بقوله (عليه السلام) فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ومن ترك ناسيا فلا شيء عليه فإنه يستفاد من التقابل المزبور اندراج صورة الاخلال الجهلي خصوصا الجهل بالحكم بالاخلال العمدي الذي حكم فيه بالبطلان ووجوب الإعادة فتأمل * ثم لا يخفى * ان ما ذكرنا من اندراج الاخلال بالجزء عن جهل بالحكم أو الموضوع في الاخلال العمدي انما هو إذا لم يكن امر شرعي بالمضي في العمل * وأما إذا كان * هناك امر شرعي بوجوب المضي وعدم الاعتناء بالشك في اتيان الجزء فلا محالة يوجب ذلك خروج الاخلال المزبور عن الاخلال العمدي * لان * المكلف حينئذ من جهة كونه مقهورا من طرف الشارع بوجوب المضي يكون مسلوب القدرة على الترك ولو بحكم العقل بوجوب الإطاعة ، وبذلك يخرج الترك عن كونه عمديا فيندرج في عموم قوله (عليه السلام) لا تعاد * وعليه * يندفع ما ربما يتخيل من الاشكال في وجه الفرق ، بين صورة الشك في اتيان الجزء بعد الدخول في غيره ، وبين الشك فيه قبله في فرض مضيه في الصورتين وتبين عدم الاتيان به واقعا بعد الصلاة ، من حيث بنائهم في الأول على الصحة والبطلان في الثاني ووجوب إعادة الصلاة ، بدعوى ان ترك الجزء مع الشك المزبور ان صدق عليه الترك العمدي الموجب لاندراجه في قوله ومن ترك السنة متعمدا أعاد الصلاة ، فليكن كذلك في الصورتين ، وان لم يصدق عليه الترك العمدي فليكن كذلك أيضا في الصورتين ولا يجدي في الفرق بينهما مجرد حدوث الشك في إحدى الصورتين بعد مضي محله الشكي وفي الأخرى قبله ( وجه الاندفاع ) ما عرفت من أن الفارق بينهما في الحكم المزبور انما هو امر الشارع بالمضي في الصورة الأولى الموجب لخروج ترك الجزء

ص: 436

عن الترك العمدي الموجب لوجوب الإعادة ، وعدم امره به في الصورة الثانية ( وكيف كان ) هذا كله فيما يتعلق بالمقام الأول وهي صورة الاخلال بالجزء من طرف النقيصة ، وقد عرفت ان مقتضى القاعدة الأولية فيه هي الركنية والبطلان بالاخلال بالجزء ( الا في ) خصوص باب الصلاة ، فكان مقتضى القاعدة الثانوية المستفادة من قوله لا تعاد فيها هو عدم الركنية فيما عدى الخمسة وعدم وجوب الإعادة بعد التذكر وزوال صفة النسيان.

« المقام الثاني »

في بطلان العمل بزيادة الجزء عمدا وسهوا ( والكلام فيه ) أيضا يقع من جهات ثلاث ( الأولى ) في تصوير وقوع الزيادة الحقيقة في الاجزاء والشرائط ( الثانية ) في بيان حكم كل من الزيادة العمدية والسهوية من حيث الصحة والبطلان بحسب ما تقتضيه القاعدة الأولية ( الثالثة ) فيما تقتضيه القاعدة الثانوية على خلاف ما اقتضته القاعدة الأولية ( اما الكلام في الجهة الأولى ) فتوضيحه يحتاج إلى تمهيد أمور ( الأولى ) لا شبهة في أنه يعتبر في صدق الزيادة الحقيقية في الشيء ان يكون الزائد من سنخ المزيد عليه وبدونه لا يكاد يصدق عنوان الزيادة الحقيقة ، ولذا لا يصدق على الدهن الذي أضيف إليه مقدار من الدبس انه زاد فيه الا على نحو من العناية ( نعم ) الصادق انما هو عنوان الزيادة على ما في الظرف بعنوان كونه مظروفا لا بعنوان كونه دهنا ، فقوام الزيادة الحقيقية حينئذ في اجزاء المركبات وشرائطها انما هو بكون الزائد من سنخ ما اعتبر جزء أو شرطا لها ( فإذا كان ) المركب بنفسه من العناوين القصدية كالصلاة مثلا على ما هو التحقيق من أن حقيقتها عبارة عن الافعال والأذكار الخاصة الناشئة عن قصد الصلوتية ، لا انها عبارة عن مجرد الافعال والأذكار والهيئات الخاصة ولا مجردة عن قصد الصلوتية بشهادة عدم حرمتها كذلك على الحائض إذا أتت بها على الكيفية الخاصة لا بعنوان الصلوتية ، يحتاج في صدق عنوان الزيادة فيها إلى قصد عنوان الصلوتية بالجزء المأتى به أيضا ، والا فمع فرض خلوه عن قصد الصلوتية وعنوان الجزئية لها لا يكون المأتى

ص: 437

به حقيقة من سنخ الصلاة فلا يرتبط حينئذ بالصلاة حتى يصدق عليه عنوان الزيادة في الصلاة الا على نحو من العناية للمشاكلة الصورية ( الثاني ) يعتبر أيضا في صدق عنوان الزيادة في الشيء ان يكون المزيد فيه مشتملا على حد مخصوص ولو اعتبارا حتى يصدق بالإضافة إليه عنوان الزيادة وعدمها كما في ماء الحب أو النهر مثلا ، فإنه لابد في صدق هذا العنوان من أن يفرض للماء حد مخصوص ككونه بالغا إلى نقطة كذا ومقدار كذا ليكون الزائد موجبا لانقلاب حده الخاص إلى حد آخر فيصدق عليه بهذا الاعتبار عنوان الزيادة فيه ( والا فبدون ) ذلك لا يصدق عليه العنوان المزبور وان بلغ في الكثرة ما بلغ ( وكذلك ) الامر في المركبات ففيها أيضا لابد من اعتبار حد خاص فيما اعتبر جزء لها في مقام اختراع المركب واختراعه ليتحقق بذلك عنوان الزيادة في المكتوبة ( الثالث ) ان اخذ الجزء أو الشرط في المركب في مقام اعتباره واختراعه يتصور على وجوه ثلاثة ( أحدها ) اعتبار كونه جزء أو شرطا على نحو بشرط لا من جهة الزيادة في مقام الوجود والتحقق ( وثانيها ) اعتبار كونه جزء على نحو لا بشرط من طرف الزيادة على معنى انه لو زيد عليه لكان الزائد خارجا عن ماهية المركب باعتبار عدم تعلق اللحاظ بالزائد في مقام اعتباره جزء للمركب كما لو فرض انه اعتبر في جعل ماهية الصلاة الركوع الواحد لا مقيدا كونه بشرط عدم الزيادة ، ولا طبيعة الركوع ، فان في مثله يكون الوجود الثاني من الركوع خارجا عن حقيقة الصلاة لعدم تعلق اللحاظ به في مقام جعل ماهية الصلاة ( الثالثة ) اعتبار كونه جزء على نحو لا بشرط بنحو لو زيد عليه لكان الزائد أيضا من المركب وداخلا فيه لا خارجا عنه ( كما لو اعتبر ) في جعل ماهية الصلاة طبيعة الركوع في كل ركعة منها الجامعة بين الواحد والمتعدد ، لا الركوع الواحد كما في الصورة الثانية ( وبعدما عرفت ذلك ) نقول انه على الاعتبار الأول لا شبهة في أنه لا مجال لتصور تحقق الزيادة ( فإنه ) من جهة اشتراطه بعدم الزيادة في مقام اعتباره جزء للمركب تكون الزيادة فيه موجبة للاخلال بقيده فترجع إلى النقيضة ( وكذلك الامر ) على الاعتبار الثاني فإنه وان لم ترجع الزيادة فيه إلى النقيصة ، الا ان عدم تصور الزيادة الحقيقية انما هو لكان عدم كون الزائد من سنخ المزيد عليه ، فإنه بعد خروج الوجود الثاني عن دائرة اللحاظ في مقام جعل ماهية الصلاة يستحيل اتصاف الوجود الثاني بالصلوتية

ص: 438

فلا يرتبط حينئذ بالصلاة حتى يصدق عليه عنوان الزيادة ويصدق على الصلاة انها تكون مزيدا فيها ، بل يكون ذلك من قبيل ضم الدبس إلى الدهن ( نعم ) لو قصد الصلوتية بالوجود الثاني تشريعا بان اتى به بعنوان انه من الصلاة يصدق عليه الزيادة بهذا الاعتبار ، ولكنه ادعاء لا حقيقة ( وتوهم ) صدق الزيادة حينئذ على الوجود الثاني عرفا ( ممنوع ) جدا فان المدار في الزيادة المبحوث عنها في المقام ليس على مجرد كون الصلاة ظرفا لوقوع مطلق ما زيد على ما اعتبر فيها ولو لم تكن من سنخها بل المدار على صدق كون الصلاة مزيدا فيها ، وكونها ظرفا للزيادة على ما اعتبر فيها غير كونها مزيدا فيها ، والمستفاد من الأدلة من نحو قوله من زاد في صلوته هو الثاني دون الأول كما هو ظاهر ( واما على الاعتبار الثالث ) فالظاهر أنه لا قصور في تصور الزيادة الحقيقية ( فان المدار ) في زيادة الشيء في الشيء على ما عرفت انما هو بكون الزائد من سنخ المزيد فيه مع كونه موجبا لقلب جده إلى حد آخر ، ولا ريب في صدق ذلك وتحققه على هذا الاعتبار ، من غير فرق بين ان يكون الجزء مأخوذا في مقام الامر والطلب بشرط لا ، أو على نحو لا بشرط بالمعنى الأول الذي لازمه هو خروج الوجود الثاني عن دائرة المطلوبية ، أو اللابشرط بالمعنى الثاني الراجع إلى كون المطلوب هو صرف وجود الطبيعي المتحقق بأول وجوده ( وذلك على الأولين ) ظاهر فان الوجود الثاني من طبيعة الجزء مما يصدق عليه عنوان الزيادة بالنسبة إلى ما اعتبر في المأمور به من تحديد الجزء بالوجود الواحد ، حيث إنه يتعلق الامر بالصلاة المشتملة على ركوع واحد مثلا يتحدد طبيعة الصلاة بالقياس إلى دائرة المأمور به منها بحد يكون الوجود الثاني بالقياس إلى ذلك الحد من الزيادة في الصلاة الموجب لقلب حده إلى حد آخر وان لم يصدق عليه عنوان الزيادة بالنسبة إلى المأمور به بما هو مأمور به ( غاية ) ما هناك انه على الأول تكون الوجود الثاني من الزيادات المضرة بالمأمور به من جهة رجوعه إلى الاخلال به من جهة النقيصة ( بخلافه ) على الثاني فإنه لا تكون من الزيادات المبطلة ، وانما غايته هو كونه لغوا وخارجا عن دائرة المطلوبية ( وكذلك الامر ) على الأخير ، إذ بانطباق صرف الطبيعي على الوجود الأول في الوجودات المتعاقبة يتحدد دائرة المركب والمأمور به قهرا يجد يكون الوجود الثاني بالقياس إليه من الزيادة في المركب والمأمور به فتأمل ( وحينئذ )

ص: 439

فإذا أمكن ثبوتا تصوير الزيادة الحقيقية في الاجزاء على ما بيناه ، نقول انه لا بأس بحمل ما ورد في الأدلة بعنوان الزيادة على ظاهره في الزيادة الحقيقية ، كقوله (عليه السلام) إذا استيقن انه زاد في المكتوبة ، وقوله (عليه السلام) من زاد في صلوته فعليه الإعادة ، إذ لا داعي إلى رفع اليد عن ظهور هذه النصوص وحملها على الزيادة التسامحية العرفية ( نعم ) لابد في صدق الزيادة على الوجود الثاني ان يكون الاتيان به بعنوان الصلوتية وعن قصد الجزئية لها ، والا فلا يرتبط بالصلاة كي يصدق انه زاد فيها ، بل يكون ذلك حينئذ من ضم الأجنبي إلى الأجنبي كما أشرنا إليه انفا ولا فرق في ذلك بين ان يكون ما يفرض كونه زائدا من سنخ الأقوال كالقراءة أو من سنخ الافعال كالركوع والسجود ( وتوهم ) صدق الزيادة عرفا على الوجود الثاني مطلقا خصوصا في الافعال ولو لم يقصد به الصلوتية والجزئية لها ( مدفوع ) بمنع صدق الزيادة عرفا مطلقا على الوجود الثاني ، بل لا أقل من الاحتياج إلى تشريع جزئيته ولا يكون ذلك الا إذا اتى به بقصد الجزئية للصلاة كما لا يخفى ( نعم ) قد يظهر من التعليل الوارد في بعض الأخبار الناهية عن قرائة سور العزائم في الصلاة بان السجدة زيادة في المكتوبة عدم اعتبار قصد الصلوتية والجزئية في صدق الزيادة فيما كان من سنخ أفعال الصلاة وانه يكفي في صدقها الاتيان بمطلق ما يكون من سنخ أفعال الصلاة ولو لم يقصد به عنوان الصلوتية والجزئية لها ، بل ومع قصد الخلاف به أيضا ( ولكنك ) بعدما عرفت قصدية عنوان الصلاة وعدم كونها عبارة عن مجرد ذوات تلك الأقوال والافعال والهيئات الخاصة ، لابد من حمل اطلاق الزيادة في تلك النصوص على السجدة العزيمة على ضرب من العناية ، اما من جهة مشاكلتها بحسب الصورة للسجدة الصلوتية ، أو لأجل كونها من توابع السورة المأتى بها بعنوان الجزئية للصلاة ( وعلى كل حال ) فحيث ان الحكم المزبور يكون على خلاف القاعدة يقتصر فيه على مورد النص ولا يتعدى منه إلى غيره كسجدة الشكر ونحوها مما لا يقصد به الجزئية للصلاة ( وربما يؤيد ) ما ذكرنا أيضا النصوص المرخصة لقرائة العزائم في غير المكتوبة من الصلوات المندوبة مع وضوح اشتراك الصلوات المندوبة مع المكتوبة في الشرائط والموانع ولذا لا يجوز فيها أيضا تكرار الركوع أو السجود بقصد الجزئية للصلاة كما لا يخفى.

ص: 440

( الجهة الثانية ) في حكم الزيادة العمدية والسهوية من حيث صحة العمل وبطلانه بحسب ما تقتضيه القاعدة الأولية ( واجمال القول فيه ) انه لا شبهة في أن مقتضى القاعدة الأولية هو عدم بطلان العمل بالزيادة العمدية فضلا عن السهوية ( وذلك ) اما بناء على امكان فرض الزيادة الحقيقية في اجزاء المركب وشرائطه كما تصورناه بفرض اخذ الجزء في مقام جعل المركب على نحو لا بشرط بالمعنى الثاني وفى مقام الامر والطلب على نحو لا بشرط بالمعنى الأول الراجع إلى خروج الوجود الثاني مع كونه من المركب حقيقة عن دائرة المأمور به ، فظاهر لعدم اقتضاء مجرد الزيادة بطلان العمل والمركب بعد اتيان المكلف بما هو المأمور به وعدم تشريعه في امر الشارع ( بل وكذلك الامر ) مع التشريع أيضا ببنائه على شمول الامر الزائد والمزيد عليه ( إذ مجرد ) تشريعه في امر الشارع ببنائه على شموله للوجود الثاني لا يضر بامتثاله بعد أن يكون الداعي والباعث له على الاتيان بالواجب هو الامر الواقعي ( نعم ) لو كان الداعي والباعث له الاتيان بالواجب ممحضا بالامر التشريعي أو كان الداعي هو مجموع الامر الواقعي وما شرعه من قطعة الامر المتعلق بالزائد بحيث لولا ما شرعه من الامر لما يدعوه الامر الشرعي إلى الاتيان بالواجب ( لكان المتجه ) هو البطلان من جهة الاخلال حينئذ بقصد الامتثال ( ولكن ) هذا الفرض من جهة ندرته كاد ان يلحق بالعدم ، هذا بناء على تصورناه من امكان فرض الزيادة الحقيقية في اجزاء المركب ( واما بناء ) على عدم امكان فرضها ثبوتا الموجب لحمل ما ورد في الأدلة من التعبير بالزيادة على الزيادة العرفية كما هو قضية فرض اخذ الجزء في مقام جعل ماهية المركب بنحو لا بشرط بالمعنى الأول ( فكذلك أيضا ) ، إذ لا يكون في البين ما يقتضى بطلان العمل بمحض الاتيان بالزائد بقصد الجزئية للمأمور به ، لا من جهة نفس الزيادة ، ولا من جهة تشريعه في قصد الجزئية بالوجود الثاني ( اما الأول ) فظاهر بعد فرض عدم كون الجزء مأخوذا في حقيقة المركب أو المأمور به على نحو بشرط لا من الزيادة ( والا يرجع ) إلى النقيصة فيخرج عن مفروض البحث ( وكذلك الامر على الثاني ) سواء كان التشريع في أصل ماهية المركب بجعل الجزء فيه عبارة عن الجنس الشامل للوجود الثاني ، أو في المأمور به ، أو في الامر الشرعي بان يتعلق تشريعه بمرتبة امر

ص: 441

الشارع وارادته بما يشمل الزائد أيضا ما لم يكن ذلك منه راجعا إلى كونه من قبيل وحدة؟ المطلوب على نحو يوجب الاخلال باستقلال الامر الواقعي في الداعوية والباعثية على الاتيان بمتعلقه ( فان ) في جميع هذه الصور لا قصور في صحة العمل بعد عدم اضرار حيث تشريعه في المأمور به أو الامر بالنسبة إلى الزائد بالواجب المأتى به من جهة قصد التقرب والامتثال كما هو ظاهر ( هذا كله ) في فرض احراز أخذ الجزء في المركب أو المأمور به بنحو اللابشرط بالمعنى الأول الراجع إلى خروج الوجود الثاني عن المركب عن حيز الطلب والامر ( وأما ) مع الشك في ذلك واحتمال كونه مأخوذا على نحو بشرط لا ، فلا شبهة في أن مرجع الشك المزبور حينئذ إلى الشك في مانعية الزيادة المتحققة في اتصاف الوجود الأول بالجزئية للمأمورية فيكون من صغريات دوران الامر بين الأقل والأكثر فتجري البراءة العقلية والشرعية بالنسبة إلى مانعية الزيادة ، بل يمكن التمسك لعدم مانعية الزيادة باستصحاب صحة المزيد عليه من جهة ملازمة الشك المزبور حينئذ للشك في صحة المزيد عليه تأهليا فيجرى فيه استصحابها ( وتوهم ) ان الصحة بالمعنى المزبور قطعية على كل تقدير حتى مع اليقين بمانعية الزيادة فلا شك فيها حتى تستصحب ( مدفوع ) بأن الصحة التأهلية انما لا تكون مشكوكة إذا كان الجزء مأخوذا لا بشرط وقد استفيد مانعية الزيادة في الصلاة من الأدلة الخارجية كقوله (عليه السلام) من زاد في صلوته فعليه الإعادة ( وأما إذا كان ) الجزء مأخوذا في أصل جزئيته للمركب أو المأمور به بشرط عدم الزيادة ، فلا شبهة في أن وجود الزيادة كان مفنيا لأصل جزئية الجزء ولذا ترجع الزيادة فيه إلى النقيصة ، ومعه يكون الشك في أخذه لا بشرط أو بشرط لا شكا لا محالة في صحة المزيد عليه تأهليا عند وجود الزائد فتجري فيها الاستصحاب ، فنفى الشك في صحة المزيد عليه تأهليا لا يكون إلا من الخلط بين المقامين فتدبر.

( الجهة الثالثة ) فيما تقتضيه القاعدة الثانوية المستفادة من الأدلة على خلاف مقتضى القاعدة الأولية ( فنقول ) انه وإن لم يقم دليل عام يقتضى بطلان المركب بالزيادة السهوية أو العمدية مطلقا في جميع المركبات ( إلا أنه ) في باب الصلاة وكذا باب الطواف الحاقا له بالصلاة قد تظافرت الاخبار على بطلانها بالزيادة

ص: 442

في الجملة ( كقوله ) (عليه السلام) في خبر أبي بصير من زاد في صلوته فعليه الإعادة ، وقوله (عليه السلام) فيما رواه الكليني والشيخ ( قدهما ) عن زرارة وبكير بن أعين ، إذا استيقن انه زاد في صلوته المكتوبة. لم يعتد بها واستقبل صلوته استقبالا إذا كان استيقن يقينا ، ومقتضى اطلاق بعض هذه الأخبار ، هو عدم الفرق في البطلان بالزيادة بين العمدية والسهوية ، ولا بين الأركان وغيرها ( ولكن ) مقتضى حديث لانعاد في عقد المستثنى منه هو الصحة وعدم وجوب الإعادة فيما عدا الخمسة المذكورة فيه بالزيادة السهوية ، بل بمطلق الزيادة ولو عمدية بناء على عموم الحديث لغير صورة النسيان أيضا ، فإنه على كل تقدير النسبة بين مفاد الحديث في عقد المستثنى منه ، وبين عموم قوله (عليه السلام) من زاد في صلوته هو العموم من وجه ، فتقع بينهما المعارضة في الزيادة السهوية بل العمدية في غير الأركان ( والترجيح ) حينئذ لعموم لا تعاد ، أما لحكومته على أدلة الاجزاء والشرائط والموانع التي منها أدلة مانعية الزيادة ، وأما لأقوائية ظهوره بمقتضى الاستثناء من ظهور عموم من زاد في مطلق الزيادة ولو في غير الأركان خصوصا مع احتمال كون المراد من الزيادة المبطلة في قوله من زاد هي الزيادة في اعداد ركعات الصلاة ، كما هو ذلك في رواية زرارة وبكير المتقدمة فيما رواه الكليني ( قده ) بزيادة لفظ الركعة فيها بعد قوله (عليه السلام) في صلوته المكتوبة ( وأما توهم ) ان حديث لا تعاد يختص بصورة الاخلال من جهة النقيصة فقط بقرينة ما في ذيله من استثناء الطهور والوقت والقبلة ، فلا عموم له حينئذ يشمل الزيادة حتى يعارض ما دل على مانعية الزيادة « فمدفوع » بان مجرد عدم قابلية الثلاثة المزبورة للتكرر لا يوجب قصر مفاد الحديث بالاخلال في طرف النقيصة كما هو ظاهر « نعم يبقى الكلام » حينئذ فيما يقتضيه الجمع بين الحديث المزبور ، والأدلة الواردة في باب الزيادة السهوية ، كقوله (عليه السلام) تسجد سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة ، وقوله (عليه السلام) إذا استيقن انه زاد في المكتوبة فليستقبل صلاته « والكلام » في ذلك يقع في مقامين « الأول » في الجمع بين قوله (عليه السلام) تسجد سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة الشامل للركن وغيره وبين عقد المستثنى في الحديث ، حيث إن مقتضى الأول هو صحة الصلاة وعدم وجوب اعادتها في زيادة الركن كالركوع والسجود ، ومقتضى الثاني هو بطلان

ص: 443

الصلاة بزيادة الركوع والسجود « الثاني » في بيان النسبة بين قوله (عليه السلام) إذا استيقن انه زاد في صلوته المكتوبة فليستقبل صلاته وبين عقد المستثنى منه في الحديث وما يقتضيه الجمع بينهما « اما المقام الأول » فقد يقال ان النسبة بين قوله (عليه السلام) تسجد سجدتي السهو لكل زيادة وبين عقد المستثنى في الحديث هي العموم من وجه ، لان قوله (عليه السلام) تسجد سجدتي السهو لكل زيادة تختص بصورة السهو والنسيان ويعم الركن وغيره ، وعقد المستثنى في الحديث يختص بالأركان ويعم صورة النسيان وغيره ، فتقع بينهما المعارضة في الزيادة السهوية في الأركان حيث إن مقتضى الأول هي الصحة وعدم وجوب الإعادة ، ومقتضى الثاني هو البطلان ووجوب الإعادة ، وبعد تساقطهما في المجمع يكون المرجع فيه هي القاعدة الأولية المقتضية لعدم البطلان ( نعم ) لو قلنا باختصاص لا تعاد صرفا أو انصرافا بصورة السهو والنسيان لابد بمقتضى قاعدة الاطلاق والتقييد من تقديم لا تعاد على قوله تسجد سجدتي السهو لأخصية الحديث حينئذ من دليل سجدتي السهو فيخصص به عمومه بما عدى الأركان ( ولكنه ) بعد المنع من الانصراف المزبور كما تقدم بيانه تكون المعارضة بينهما في الجمع متحققة ، وبعد تساقطهما فيه يكون المرجع هي القاعدة الأولية ( هذا غاية ما قيل ) أو يمكن ان يقال في وجه تعارض عقد المستثنى في الحديث مع ما دل على وجوب سجدتي السهو لكل زيادة ( ولكنه ) كما ترى ، إذ يرد عليه ( أولاً ) ان المعارضة المزبورة انما تكون فيما لو كان دليل سجدتي السهو في مقام تكفل الحكمين ، أحدهما نفي وجوب الإعادة من جهة الزيادة ، وثانيهما وجوب سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة ( وهو في محل المنع جدا ) ، فان الظاهر منه انما هو تمحضه لتكفل حكم الزيادة السهوية من جهة وجوب سجدتي السهو في فرض احراز صحة الصلاة وعدم مانعية الزيادة من الخارج مع سكوته عن بيان انه أي مورد تصح فيه الصلاة ولا تكون الزيادة مانعة ( وعليه ) لا مجال لتصور المعارضة بينهما ، إذ لا يكون مفاد هذه الأدلة منافيا لما يقتضيه عقد المستثنى في الحديث حتى ينتهي الامر إلى توهم المعارضة بينهما ( وثانيا ) مع الاغماض عن ذلك وتسليم سوق هذه الأدلة لبيان صحة الصلاة أيضا « نقول » انه لابد من تقديم الحديث على مثل هذه الأدلة من جهة ما يلزم من العكس من لزوم محذور اللغوية في عقد المستثنى ( بيان ذلك ) انه لو أخرجنا مورد التصادق

ص: 444

عن عقد المستثنى في لا تعاد بمقتضى أدلة وجوب سجدة السهو وحكمنا بالصحة في الزيادة السهوية في الأركان وخصصناه بالزيادة العمدية ، يلزم مساواة الخمسة في عقد المستثنى مع ما عداها في الحكم « لان » فيما عدا الخمسة أيضا بمقتضى قوله (عليه السلام) ان اللّه تعالى فرض الركوع والسجود والقرائة سنة فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ومن نسى فلا شيء عليه ، مع ضميمة عدم الفصل بين النقيصة والزيادة يكون الحكم هو البطلان بالزيادة العمدية ، فيساوى عقد المستثنى حينئذ مع عقد المستثنى منه في الحكم حيث إن الزيادة العمدية فيهما تكون موجبة للبطلان ووجوب الإعادة ، والزيادة السهوية فيهما غير موجبة لذلك ، فيلزم لغوية الاستثناء المزبور « وهذا بخلاف العكس » فإنه لا يلزم من تقديم الحديث في المجمع لغوية دليل وجوب سجدة السهو لكل زيادة « وان شئت قلت » ان الحكم في العامين من وجه انما يكون هو التساقط إذا لم يكن في البين مرجح لاحد العامين ، وإلا فيؤخذ بذى المرجح منها ، وفي المقام يكون محذور لزوم اللغوية في الاستثناء مرجحا لحديث لا تعاد فيجب تقديمه على عموم قوله (عليه السلام) تسجد سجدتي السهو لكل زيادة « هذا » وقد يقال ان اللازم حينئذ بعد تعارض الحديث مع ما دل على وجوب سجدة السهو لكل زيادة وتساقطهما انما هو الرجوع إلى عموم قوله (عليه السلام) من زاد في صلوته فعليه الإعادة « وفيه » ما لا يخفي فان دليل وجوب سجدة السهو كما يعارض الحديث ، كذلك يعارض العموم المزبور بل ويقدم عليه لكونه أخص من عموم من زاد الشامل لصورة العمد والسهو كما هو ظاهر « هذا كله » في المقام الأول « واما المقام الثاني » فالكلام فيه في الجمع بين قوله (عليه السلام) إذا استيقن انه زاد في صلوته المكتوبة فليستقبل صلاته وبين عقد المستثنى منه في الحديث ، حيث إنه قد يقال بوقوع المعارضة بينهما في الزيادة السهوية في غير الأركان ، لان النسبة بينهما هي العموم من وجه لاختصاص قوله (عليه السلام) إذا استيقن بالزيادة السهوية وعمومه للأركان وغيرها واختصاص عقد المستثنى منه في الحديث بغير الأركان ، وعمومه للزيادة والنقيصة وبعد تساقطهما في المجمع أعني الزيادة السهوية في غير الركن يرجع إلى عموم قوله (عليه السلام) من زاد في صلوته فعليه الإعادة ( وفيه ) بعد الاغماض عما ذكرناه من اختصاص الرواية بزيادة

ص: 445

الأركان وعدم عمومها لمطلق الزيادة السهوية حتى في غير الأركان كما يشهد له زيادة لفظ الركعة فيها في رواية الكليني قدس سره عنه (عليه السلام) من قوله إذا استيقن انه زاد في صلوته المكتوبة ركعة ، نقول انه لابد من تقديم لا تعاد عليه واخراج المجمع من عموم قوله إذا استيقن بعين الوجه الذي ذكرناه في تقديم عقد المستثنى في لا تعاد على قوله تسجد سجدتي السهو وهو محذور لزوم اللغوية في لا تعاد ( بيان ذلك ) انه لو قدم قوله (عليه السلام) إذا استيقن على عقد المستثنى منه في لا تعاد وحكم في الزيادة السهوية في ما عدا الأركان بالبطلان ووجوب الإعادة يلزم بمقتضى عدم الفصل بين الزيادة والنقيصة لغوية لا تعاد ، لأنه لم يبق له حينئذ مورد يتمسك به لا في طرف الزيادة ، ولا في طرف النقيصة * اما الأول * فلكونه مقتضى قوله (عليه السلام) إذا استيقن * واما الثاني * فلكونه مقتضي عدم الفصل بين الزيادة والنقيصة ، لان كل من قال ولو فرضا بوجوب الإعادة بالزيادة السهوية في غير الأركان قال به في النقيصة أيضا وان منعناه في طرف العكس ، فيلزم حينئذ لغوية قوله (عليه السلام) لا تعاد لعدم بقاء مورد له يمكن التمسك به لعدم وجوب الإعادة ، ولأجل هذا المحذور لا محيص من تقديم لا تعاد على قوله إذا استيقن وتخصيصه بالزيادة السهوية في الأركان * وثانيا * مع الاغماض عن ذلك نقول انه لابد من تخصيص قوله إذا استيقن بالأركان بمقتضى ما دل على وجوب سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة * لان * النسبة بينهما وان كانت هي التباين الكلي لاختصاصهما بالزيادة السهوية وعمومهما من جهة الركن وغيره * إلا أنه * بعد تخصيص قوله (عليه السلام) تسجد سجدتي السهو بما عدا الأركان بمقتضى ما دل على وجوب الإعادة في زيادته الركن ، يتعين تقديمه على قوله (عليه السلام) إذا استيقن بالنسبة إلى زيادة غير الركن ، إذ لولاه يلزم لغوية قوله (عليه السلام) تسجد سجدتي السهو لكل زيادة لبقائه حينئذ بلا مورد * وثالثا * ان ذلك هو الذي تقتضيه قاعدة الأظهر والظاهر * فإنه * لا شبهة في أن قوله (عليه السلام) تسجد سجدتي أظهر في الدلالة على الصحة في زيادة غير الركن من دلالته عليها في زيادة الركن لمكان أولوية الصحة في زيادة غير الركن من الصحة في زيادة الركن * كما أن قوله (عليه السلام) إذا استيقن يكون أظهر في الدلالة على البطلان ووجوب الإعادة في

ص: 446

زيادة الركن من دلالته على البطلان في زيادة غير الركن * فلابد * بمقتضى * قاعدة الأظهر والظاهر من حمل الظاهر في كل منهما على ما يكون الآخر أظهر فيه ، وهو انما يكون برفع اليد عن عموم كل منهما بحمل عموم قوله إذا استيقن على خصوص زيادة الركن ، وعموم قوله (عليه السلام) تسجد سجدتي السهو على زيادة غير الركن * وعلى ذلك * فصار المتلخص من جميع ما ذكرنا بعد الجمع بين الأدلة هو ان الزيادة العمدية في الأركان توجب بطلان الصلاة ووجوب اعادتها ، وكذا في غير الأركان على اشكال فيه * واما الزيادة السهوية * فان كانت في الأركان فهي أيضا توجب البطلان ووجوب الإعادة « وأما إذا كانت » في غير الأركان فلا توجب البطلان ، بل مقتضي الأدلة فيها هي الصحة وعدم وجوب الإعادة.

الامر الثاني

إذا تعذر بعض ماله الدخل في المأمور به وجودا كالجزء والشرط أو عدما كالمانع باضطرار ونحوه كما لو اضطر إلى ترك جزء أو شرط أو ايجاد مانع أو أو قاطع ، ففي سقوط التكليف عن البقية وعدمه ( وجهان ) مبنيان على ما تقدم من اطلاق جزئية المتعذر أو قيديته حتى في حال التعذر أو اختصاصها بحال التمكن منه ( وتحقيق الكلام فيه ) يقع فيهما مقامين.

( الأول ) فيما يقتضيه الأصل الأولى المستفاد من دليل القيد أو المقيد ( الثاني ) فيما يقتضيه الأصل الثانوي ( اما المقام الأول ) فاجمال القول فيه كما تقدم في الامر الأول هو الرجوع أولاً إلى اطلاق دليل جزئية المتعذر أو قيديته للمركب والمقيد إذا كان له اطلاق يقتضي الجزئية أو القيدية حتى في حال تعذره فيؤخذ باطلاقه ويحكم بسقوط التكليف عن المركب والمقيد ( من غير فرق ) بين ان يكون بلسان الوضع كقوله (عليه السلام) لا صلاة الا بفاتحة الكتاب ولا صلاة إلا بطهور ، أو يكون بلسان الامر والتكليف ، ولا بين ان يكون الدليل المثبت للجزئية أو القيدية هو نفس دليل المركب كما لو امر بالصلاة المشملة على القراءة والركوع والسجود أو دليل آخر منفصل عن دليل المركب أو متصل به ، فعلى كل تقدير

ص: 447

لابد بمقتضى اطلاقه من الحكم بسقوط التكليف عن البقية ، إلا إذا كان هناك دليل آخر من أصل أو قاعدة تقتضي التكليف بالبقية كما سيأتي بيانه إن شاء اللّه ، ولا يرجع مع اطلاق دليل الجزء والقيد إلى دليل المركب والمقيد وان فرض له اطلاق في نفسه وكان واردا في مقام البيان ( لان ) اطلاق دليل الجزء والقيد حينئذ يكون حاكما على اطلاق دليل المركب والمقيد ( واما إن لم يكن ) لدليل الجزء والقيد اطلاق يقتضي ثبوت الجزئية أو القيدية حتى في حال تعذره ، فالمرجع حينئذ هو اطلاق دليل وجوب المركب والمقيد ان كان له اطلاق يشمل حال تعذر جزئه أو قيده فيؤخذ باطلاقه لاثبات التكليف بالبقية ( وان لم يكن ) لدليل المركب اطلاق أيضا ، فالمرجع عند الشك في وجوب فعل الفاقد للمتعذر هي أصالة البراءة عن وجوبه الا إذا كان في البين ما يقتضي وجوبه من استصحاب أو قاعدة ميسور ونحو ذلك ( ثم انه ) لا فرق فيما ذكرنا بين ان يكون المتعذر هو الجزء أو الشرط ، وبين ان يكون المتعذر هو المانع ، فمع الاضطرار إلى ايجاد المانع يجري فيه ما ذكرناه في تعذر الجزء والشرط ( نعم ) يختص مورد الكلام فيه بما إذا كان مناط مانعيته راجعا إلى دخل التقيد بعدمه في مناط المطلوب ومصلحته ، أو إلى مزاحمة مفسدة وجوده مع أصل مناط المطلوب ومصلحته بحيث يوجب تقييد أصل مناط المطلوب واقعا بغير مورد النهي كما في باب النهي عن العبادة ولذا كان النهي بوجوده الواقعي مقتضيا لفساد العبادة ( واما ) إذا كان راجعا إلى مجرد الممانعة عن تأثير مناط المطلوب في الرجحان الفعلي كما في النهي في باب اجتماع الأمر والنهي بناء على الامتناع وتغليب جانب النهي في المجمع ، أو الممانعة عن تأثيره في الإرادة الفعلية بناء على القول بالجواز ، فيخرج عن موضوع هذا البحث في المقام حتى على القول بالامتناع فضلا عن القول بالجواز ، حيث إنه مع سقوط النهى بأحد موجباته من الاضطرار وغيره يمكن تصحيح العبادة باتيان المجمع والتقرب به بقصد التوصل به إلى غرض المولى ولو على القول بالامتناع وان لم يمكن التقرب بداعي امره أو بداعي رجحانه الفعلي بلحاظ عدم ارتفاع المفسدة التي هي ملاك النهي بطرو الاضطرار إلى ايجاد المنهى عنه ( نعم ) بناء على القول بالجواز وعدم سراية الامر إلى مورد النهي لا بأس بالتقرب به بداعي رجحانه

ص: 448

ومحبوبيته ، بل وبداعي امره أيضا في فرض سقوط النهي الفعلي بالاضطرار المزبور ، إذ بسقوطه حينئذ يبقى الاطلاق في طرف الامر بلا مراحم ( وتوهم ) انه على الامتناع وتقديم جانب النهى يندرج في صغرى باب النهي عن العبادة فيلزم بطلان العبادة حينئذ حتى مع الاضطرار إلى ايجاد المنهي عنه بناء على أن المانعية معلومة لملاك النهي وهي المفسدة لا لنفس النهي الفعلي الساقط بالاضطرار ( مدفوع ) بوضوح الفرق بين البابين « فان » المانعية في باب النهي عن العبادة انما هي من جهة اقتضاء النهي هناك لتقييد مناط الامر ومصلحته بغير مورد النهي ولذا كان النهي هناك بوجوده الواقعي مقتضيا للفساد « بخلاف » النهي في باب الاجتماع ( فان ) النهي المتعلق بعنوان آخر متحد مع العبادة وجودا ولو على الامتناع وتقديم النهي لا يقتضي تقييد ملاك الامر بغير مورد النهي ، وانما قضيته هي الممانعة عن تأثير مصلحة الامر في الفرد في الرجحان الفعلي والمحبوبية الفعلية مع بقاء أصل المصلحة بحالها في الشمول للمجمع ، ولذا لا يكون باب الاجتماع إلا في صورة احراز اجتماع الملاكين في المجمع ولو بمقتضى اطلاق الخطابين ولا يكون الفساد فيه أيضا إلا من لوازم تنجز النهى لا من لوازم نفس النهى بوجوده الواقعي كما هو واضح وان شئت مزيد تحقيق لذلك فراجع ما سطرناه في مبحث اجتماع الأمر والنهي في الجزء الثاني من الكتاب * وكيف ما كان * فلنرجع إلى محل البحث من أن تعذر بعض ماله الدخل في المأمورية جزءا أو قيدا هل يوجب سقوط التكليف عن المركب والمقيد رأسا أو لا؟ وقد عرفت في المقام الأول ان مقتضى القاعدة الأولية في صورة اطلاق دليل المركب وعدم اطلاق دليل الجزء والقيد لحال الاضطرار هو عدم سقوط التكليف عن البقية ووجوب الاتيان بها * واما * في غير هذه الصورة فمقتضى القاعدة الأولية هو سقوط التكليف عن البقية رأسا * اما * لكونه مقتضى اطلاق دليل الجزء والقيد * واما * لكونه مقتضى الأصول العملية ، إلا إذا قام دليل أو أصل في البين على عدم سقوط التكليف عن البقية.

( المقام الثاني ) في قيام الدليل على ثبوت التكليف بما عدا المتعذر على خلاف ما اقتضته القاعدة الأولية ( فنقول ) انه ربما يتمسك لاثبات وجوب ما عدا

ص: 449

المتعذر بأمور ( الأول ) الاستصحاب ( ولا يخفى ) ان صحة التمسك به لاثبات وجوب البقية انما يتم في صورة عدم اطلاق كل من دليلي القيد والمقيد وفرض انتهاء الامر إلى أصالة البراءة ، وإلا ففي صورة اطلاق دليل القيد أو المقيد لا يكاد انتهاء الامر إلى جريان الاستصحاب « لان مع وجود » اطلاق دليل الجزء والقيد يلزمه لا محالة سقوط التكليف المتعلق بالكل والمقيد فلا يبقى معه شك في بقاء التكليف حتى يجرى فيه الاستصحاب ( كما أنه ) مع اطلاق دليل المقيد وعدم اطلاق دليل الجزء والقيد يكون وجوب البقية بدليل اجتهادي ( ولعل ) اطلاق كلام الشيخ قدس سره في المقام وعدم تخصيصه الاستصحاب بفرض خلو المورد عن وجود الاطلاق ، مبنى على ايكاله قدس سره ذلك إلى وضوحه من عدم جريان الأصول العملية كلية في مورد يجري فيه الاطلاق « وعلى كل حال » فتقريب التمسك بالاستصحاب يكون من وجوه ( منها ) تقريبه باستصحاب طبيعة الوجوب الجامع بين النفسي والغيري الثابت لما عدا المتعذر قبل طرو الاضطرار ، حيث إنه بعد طرو الاضطرار يشك في ارتفاع مطلق الوجوب الثابت للبقية فيستصحب ( ومنها ) استصحاب الوجوب النفسي الثابت للكل والأكثر بتسامح من العرف في موضوعه بجعله عبارة عن الأعم من الواجد للجزء المتعذر والفاقد له نظير استصحاب كرية الماء الذي اخذ منه مقدارا ( ومنها ) استصحاب الوجوب الضمني الثابت للاجزاء الباقية سابقا في ضمن وجوب الكل ، حيث إنه يشك في بقاء هذه المرتبة من الوجوب وارتفاعها فيستصحب وان كان يستتبع بقائه عند ارتفاع الوجوب عن الجزء المتعذر لتبدل حده السابق بحد آخر نظير استصحاب بقاء مرتبة من اللون المتحقق في ضمن الشديد المقطوع ارتفاعه ، إذا شك في ارتفاعها رأسا أو بقائها محدودة بحد آخر ضعيف ( ولكن ) يرد على التقريب الأول مضافا إلى ابتنائه على الالتزام بالوجوب الغيري للاجزاء ، وهو خلاف التحقيق كما برهنا عليه مرارا ، انه انما يجري الاستصحاب ويكون من استصحاب القسم الثاني من استصحاب الكلي المتفق على جريان الاستصحاب فيه فيما لو كان ثبوت كل واحد من نحوي الوجوب مشكوكا من الأول بحيث يكون الثابت مرددا امره بين ما هو مقطوع الارتفاع وما هو مقطوع البقاء

ص: 450

كالحدث المردد بين الأصغر والأكبر بعد فعل ما يوجب رفع الأصغر وكالحيوان المردد بين البق والفيل بعد انقضاء زمان عمر البق ، وليس الامر في المقام كذلك ( وانما يكون ) ذلك من استصحاب القسم الثالث من الكلي الذي كان الشك في بقاء الكلي لاحتمال وجود فرد آخر مقارنا لوجود الفرد المعلوم أو مقارنا لارتفاعه ( فان ) ما علم ثبوته للاجزاء سابقا انما هو الوجوب الغيري الذي علم بارتفاعه والمحتمل بقائه انما هو الوجوب النفسي من جهة احتمال مقارنة مناطه لمناط الغيرية أو قيام مناطه مقام مناطها ( والاستصحاب ) في مثله غير جار قطعا * الا * إذا كان المحتمل بقائه من مراتب الفرد الذي ارتفع كأصل اللون المتحقق في ضمن الفرد الشديد * وثانيا * ان الشك في بقاء الوجوب للاجزاء الباقية وعدمه مسبب عن الشك في بقاء جزئية المتعذر في حال تعذره ، فإنه على تقدير بقاء الجزئية في حال التعذر يقطع بارتفاع التكليف عن المركب رأسا ، فأصالة بقاء الجزئية في حال الاضطرار يقتضي سقوط التكليف عن البقية ، فلا ينتهي الامر مع جريان استصحابها لاستصحاب بقاء وجوبها ( واما ) توهم مثبتية الأصل المزبور باعتبار كون ترتب سقوط التكليف عن البقية من اللوازم العقلية للاضطرار إلى ترك الكل الذي هو من اللوازم العقلية لترك الجزء ، مدفوع ، بان ذلك لا ضير فيه ، لأنه من اللوازم العقلية المترتبة على ما يعم الواقع والظاهر ، نظير وجوب الإطاعة الذي هو من لوازم مطلق الوجوب الأعم من الواقع والظاهر ، فإنه ، كما أن من لوازم ثبوت الجزئية واقعا هو سقوط التكليف عن الكل عند تعذر جزئه لاقتضاء الاضطرار إلي تركه الاضطرار إلى ترك الكل ، كذلك ، من لوازم الجزئية الظاهرية أيضا هو سقوط التكليف الظاهري عن الكل والمركب بالاضطرار إلى ترك جزئه ، فكان الجزء الظاهري حينئذ كالجزء الواقعي في أن من لوازم الاضطرار إلى تركه هو سقوط التكليف عن الكل والمركب ، وتوهم ، انه لا معنى لاستصحاب جزئية المتعذر في حال الاضطرار إلى تركه ، فإنه ، بالنسبة إلى مقام الدخل في الملاك والمصلحة يكون الدخل المزبور تكوينيا لا تناله يد الوضع والرفع التشريعي ، وبالنسبة إلى التكليف الفعلي الضمني الذي هو منشأ انتزاع الجزئية الفعلية لا يكون التكليف بنفسه قابلا للثبوت للقطع بارتفاعه عند تعذره لاستحالة التكليف بما لا يقدر

ص: 451

عليه المكلف ( مدفوع ) بان الجزئية لا يختص أمرها بالاعتبارين المزبورين ( لان ) لها اعتبار ثالث وهو اعتبار دخلها في المجعول في مقام جعل المركب واختراعه كما تقدم التنبيه عليه ، ومن الواضح ، ان الجزئية بهذا الاعتبار من الأمور التي تنالها يد الجعل والرفع التشريعي ، لان للشارع في مرحلة جعل المركب التي هي رتبة قبل الامر اعتبار المركب بنحو يدخل فيه الجزء المتعذر ، كما أن له اعتباره بنحو يخرج عنه وان كان منشأ هذا الاعتبار هي المصالح الواقعية ( وحينئذ ) فبعد كونها بهذا الاعتبار من المجعولات الشرعية ، فمع اليقين بثبوت الجزئية في حال والشك في ثبوتها في حال آخر يجري فيها الاستصحاب ويترتب على استصحابها ما ذكرناه من سقوط التكليف عن المركب رأسا وعدم وجوب الاتيان بالبقية ( واما التقريب ) الثاني للاستصحاب ، فيرد عليه انه لو يجدي ذلك فإنما هو فيما لا يكون المتعذر من الاجزاء المقومة والا فيقطع بارتفاع شخص ذلك الحكم ، ومعه لابد وأن يكون الشك في البقاء متعلقا بحكم آخر محتمل التحقق حين وجود الحكم الأول أو محتمل الحدوث حين ارتفاع الحكم الأول بحدوث مناط آخر في البين ( هذا ) مع وضوح الفرق أيضا بين المقام ومسألة استصحاب الكربة للماء الذي اخذ منه بعضه ، فان جريان الاستصحاب هناك انما هو باعتبار كون منشأ الشك في بقاء الكرية وعدمه هو ذهاب البعض المأخوذ منه المحتمل دخله في وصف الكرية ، بخلاف المقام ، فان منشأ الشك في وجوب البقية ليس هو تعذر الجزء ، وانما منشأه هو الشك في جزئية المتعذر للمركب في حال الاضطرار مع الجزم بجزئيته للمركب قبل طرو الاضطرار ودخله في شخص الحكم المتعلق بالمركب أولاً « ومع هذا » لا مجال لمقايسة المقام بما هناك فتدبر « واما التقريب الثالث » للاستصحاب ، فالظاهر أنه لا مانع منه في بعض فروض المسألة فيما كان الشك في بقاء وجوب البقية من جهة احتمال وجود مناط آخر في البين يقتضي تبدل حده الضمني بحد آخر مستقل ، واحتمال تبدل المناط السابق بمناط آخر مستقل للاجزاء الباقية يقتضي استقلالها في الوجوب عند تعدد الكل ( فان ) في أمثال ذلك لا مانع من جريان الاستصحاب ، لكونه من استصحاب الذات المحفوظة بين الحدين الباقية دقة ولو ضن أحد آخر ، نظير استصحاب بقاء أصل اللون

ص: 452

المتحقق سابقا في ضمن شديده المقطوع ارتفاعه إذا شك في ارتفاعه رأسا أو بقاء مرتبة منه بحد آخر ضعيف * نعم * لابد في جريان مثل هذه الاستصحابات من مساعدة العرف عليه أيضا بان يكون الباقي على تقدير بقائه معدودا في انظارهم كونه من مراتب الموجود السابق ، وإلا فلا يجرى فيه الاستصحاب.

« الثاني » حديث الرفع وتقريب التمسك به لاثبات وجوب البقية على نحو ما تقدم في مسألة نسيان الجزء ، وذلك أيضا تارة بقوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ما لا يعلم ، وأخرى بقوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ما اضطروا إليه ( بتقريب ) اقتضاء الحديث الشريف بكل من التقريبين رفع الجزئية عن المتعذر في حال تعذره ، فيترتب عليه وجوب الاتيان بالبقية * لان * الموجب لسقوط التكليف عنها انما هو بقاء المتعذر على جزئيته في حال التعذر وبعد ارتفاع جزئيته في حال تعذره بمقتضى حديث الرفع يترتب عليه وجوب فعل البقية « فعلى * كل من التقريبين يقتضى الحديث الشريف وجوب الاتيان بالبقية ، نعم ، غاية ما يكون من الفرق بينهما هو ان تقريب التمسك به من جهة تطبيق عنوان ما لا يعلم لابد وأن يكون في ظرف لا يكون اطلاق لدليل القيد أو المقيد ، بخلاف تقريبه من جهة تطبيق عنوان ما اضطروا إليه ، فإنه لابد وأن يكون ذلك في فرض اطلاق دليل الجزء والقيد واقتضاء اطلاقه ثبوت الجزئية والقيدية على الاطلاق الموجب لسقوط التكليف عن المركب والمقيد رأسا عند تعذر جزئه وقيده ( وفيه ) ان الحديث يختص جريانه بمورد يوجب التوسعة على العباد لا الضيق ، فلا يمكن اقتضائه لاثبات وجوب البقية لأنه من الكلفة والضيق الذي هو خلاف الارفاق على المكلف ( ولا ينتقض ) ذلك بما قربنا جريانه في مسألة النسيان ( لان ) بين المقام وما هناك فرق واضح ينشأ من وجود الملزم العقلي في النسيان باتيان ما عدا الجزء المنسى ( فان ) الناسي للجزء لغفلته عن نسيانه يرى نفسه ملزما بحكم عقله باتيان البقية وبعد زوال النسيان يجرى في حقه حديث الرفع لاقتضائه كون المأتى به حال نسيانه مصداق الواجب المستلزم لسقوط التكليف عنه بالإعادة ، فيكون في جريانه كمال الارفاق على المكلف ( بخلاف المقام ) فان ظرف تطبيق دليل الرفع انما يكون في ظرف الاضطرار إلى ترك الجزء والقيد وفى هذا الظرف بمقتضى اطلاق دليل الجزئية لا يرى المكلف نفسه ملزما باتيان البقية ، فإذا

ص: 453

جرى فيه حديث الرفع واقتضى وجوب البقية برفع جزئية المضطر إليه يكون ذلك نحو ضيق على المكلف ومثله خلاف ما سيق له الحديث الشريف ( الثالث ) عمومات الاضطرار كقوله (عليه السلام) في خبري زرارة ومحمد بن مسلم التقية في كل شيء اضطر إليه فقد أحله اللّه ، أو ان التقية في كل شيء وكل شيء اضطر إليه ابن آدم فقد أحله اللّه كما في بعض النسخ المصححة على ما ذكره بعض الأساطين قدس سره ، بناء على كون المراد من الحلية فيها معناها اللغوي الشامل للحلية الوضعية أيضا كما في قوله سبحانه أحل اللّه البيع المعلوم إرادة الحلية الوضعية منه ( وتقريب ) الاستدلال ان حلية الجزء والشرط والمانع المتعذر عبارة عن سقوطه عن الجزئية والشرطية والمانعية في حال تعذره ومقتضى ذلك بعد حكومة هذه العمومات على الأدلة المثبتة للاجزاء والشرائط والمواقع هو تخصيص الجزئية والشرطية والمانعية المستفادة منها بغير حال التعذر ولازمه وجوب الاتيان بالباقي لكونه تمام المركب المأمور به في هذا الحال المستلزم لمفرغيته عما في الذمة وعدم وجوب الإعادة عليه بعد ارتفاع الاضطرار ( لا يقال ) انه كما أن بتعذر الجزء والقيد يصدق الاضطرار إلى الجزء والقيد فيشملهما عموم قوله (عليه السلام) كل شيء اضطر إليه ابن آدم فقد أحله اللّه ( كذلك ) يصدق الاضطرار إلى ترك المركب والمقيد بنفس الاضطرار إلى جزئه وقيده فيشمله عموم الحلية أيضا وبشموله له تقع بينهما المعارضة ( لان ) لازم تطبيقه على الجزء والقيد هو وجوب فعل البقية ، ولازم تطبيقه على الكل والمقيد هو سقوط التكليف عنهما رأسا لمكان تعذرهما ، وبعد عدم مرجع لأحدهما لا مجال لتطبيقه على أحدهما لبطلان الترجيح بلا مرجح « فإنه يقال » انه يكفي في ترجيح تطبيقه على الجزء والقيد المتعذر اقتضاء تطبيقه عليهما رفع الاضطرار عن الكل والمركب « لان » لازمه حينئذ هو كون تمام المركب المأمور به في حال تعذر الجزء أو القيد هو البقية المعلوم عدم صدق الاضطرار بالنسبة إليها فعدم شمول العموم حينئذ للكل والمقيد انما يكون من جهة التخصيص وعدم صدق الاضطرار بالنسبة إليه ( بخلاف ) فرض تطبيق العموم أولاً على نفس الكل والمقيد ، فإنه لما لا يقتضى ذلك رفع الاضطرار بالنسبة إلى الجزء والقيد يلزم من تطبيقه على الكل والمقيد دون الجزء والقيد تخصيص عمومه بالنسبة إليهما بلا موجب يقتضيه

ص: 454

( وإذا ) كان الدوران بينهما من باب التخصيص والتخصص فلا شبهة في أن المتعين في مثله هو الثاني ، ومعه لا محيص من تطبيق عمومات الاضطرار على خصوص الجزء والقيد والحكم بما تقتضيه من وجوب فعل البقية ( نعم ) قد يناقش حينئذ في أصل اقتضاء عمومات الاضطرار لاثبات وجوب البقية ، بدعوى ان غاية ما تقتضيه العمومات المزبورة انما هو رفع الجزئية أو الشرطية والمانعية عن المضطر إليه ( واما ) اقتضائها لاثبات التكليف بالبقية فلا ، بل يحتاج ذلك في غير مورد اطلاق دليل المركب والمقيد إلى قيام دليل عليه اما بنحو العموم أو الخصوص ولو بمثل قوله (عليه السلام) الصلاة لا تترك بحال مؤيدا ذلك بعدم بناء الأصحاب فيما عدا الموارد التي وردت فيها النصوص الخاصة على التمسك بعمومات الاضطرار لاثبات التكليف بالمركب والمقيد عند تعذر جزئه وقيده ، حيث إن بنائهم في أمثال المقام انما هو على اثباته بأمور اخر كقاعدة الميسور ونحوها مما تتضمن وجوب فعل البقية ( ولكنه ) يندفع ذلك بان تكفل هذه العمومات لاثبات وجوب البقية انما هو بعين تكفل رفع الجزئية والشرطية والمانعية عن المضطر إليه ، فان من لوازم رفع الجزئية والشرطية عن المضطر إليه هو كون الباقي في حال الاضطرار مصداق المأمور به ، فإذا فرض اقتضائها رفع الجزئية والشرطية عن المضطر إليه يستفاد منه ان الباقي تمام المأمور به في حال الاضطرار فيجب الاتيان به بلا حاجة إلى التماس دليل آخر في البين يقتضي وجوب الاتيان بالباقي ( وربما يشهد لما ذكرناه ) ما في كثير من النصوص من استشهاد الامام (عليه السلام) بمثل هذه العمومات لرفع جزئية المتعذر أو شرطيته وايجاب الامر بالبقية ، كاستشهاد (عليه السلام) في خبر عبد الاعلى لرفع شرطية المسح على البشرة بعموم أدلة الحرج ، ولرفع جزئية القيام والركوع لغير المتمكن منهما في خبر آخر بقوله وليس شيء مما حرم اللّه إلا وقد أحله لمن اضطر إليه ، وكذا ما ورد في مسألة المسلوس من قوله * (عليه السلام) ، وان لم يقدر على حبسها فاللّه أولى بالعذر ( اللّهم ) إلا ان يناقش فيها بان استشهاد الامام * (عليه السلام) » بهذه العمومات انما هو لمجرد رفع الجزئية والشرطية عن المتعذر وان ايجاب فعل البقية في تلك الموارد انما كان مستفادا من الخارج أو من نفس الامر المستفاد من تلك النصوص ، لا ان ذلك كان من جهة اقتضاء عمومات الاضطرار فتأمل.

ص: 455

الرابع قاعدة الميسور

وعمدة المدرك لها ( النبوي ) المعروف إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وقوله (عليه السلام) ما لا يدرك كله لا يترك كله ، وقوله (عليه السلام) الميسور لا يسقط بالمعسور ، واشتهار هذه الروايات الثلاث بين الأصحاب في أبواب العبادات تغنى عن التكلم في سندها ( فالمهم ) هو عطف الكلام إلى بيان مقدار دلالتها ، فنقول : ( اما قوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ) إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، فقد نوقش في دلالته على المطلوب ( بدعوى ) ظهور الشيء المأمور به في الرواية بقرينة المورد في الاختصاص بالكلي الذي له افراد طولية أو عرضية ( فان ) موردها انما كان في الحج عند سؤال بعض الصحابة عن وجوبه في كل عام ، فإنه بعد اعراضه صلی اللّه علیه و آله عن جواب السائل حتى كرر السائل سؤاله مرتين أو ثلاث ، أجاب صلی اللّه علیه و آله بقوله ويحك وما يؤمنك ان أقول نعم واللّه لو قلت نعم لوجب عليكم ولو وجب ما استطعتم إلى أن قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، فتكون الرواية حينئذ مختصة بالكلي الذي له افراد طولية ، وكان مفادها انه إذا أمرتكم بكلي تحته افراد فأتوا من افراد ذلك الكلى بمقدار استطاعتكم ، ولا تشمل الكل والمركب الذي له اجزاء وان كانت في نفسها ظاهرة بمقتضى كلمة من الظاهر في التبعيض في الكل ذي اجزاء * وفيه * ان مورد الرواية وان كان في الكلي ذي افراد ، ولكن مجرد ذلك لا يقتضي تخصيصها بذلك بعد عموم الشيء في نفسه وشموله لكل من الكل والكلي « فان » العبرة في مقام استفادة الحكم انما هي على عموم اللفظ لا على خصوصية المورد ، فمع عموم الشيء في نفسه لا يقتضي مجرد تطبيقه على مورد خاص تخصيص عمومه به « واما توهم » عدم امكان عموم الشيء في الرواية لكل من الكل ذي اجزاء والكلي الذي له افراد ، لمبائنة لحاظ عموم الافراد في الكلى مع لحاظ الاجزاء في الكل لاقتضاء لحاظه بالاعتبار الأول لكون كلمة من بمعنى الباء أو بيانيته وبالاعتبار الثاني تبعيضية وبعد عدم جامع بينهما يقتضي استعمال لفظة من في الأعم من الاجزاء والافراد يتعين خصوص الثاني بقرينة المورد ( مدفوع ) بمنع اقتضاء إرادة الكلى من الشيء ولحاظ الافراد لكون لفظه من بمعنى البأ أو بيانية

ص: 456

بل هو كما يلائم ذلك يلائم أيضا مع كونها بمعنى التبعيض بلحاظ تبعض الحصص الموجودة منه في ضمن افراده ، فان الكلى إذا لوحظ كونه على نحو الشياع في ضمن الافراد يصدق على كل واحد من الحصص الموجودة منه في ضمن الافراد انه بعض الطبيعي ، وبهذه الجهة لا مانع من إرادة ما يعم الكل والكلي من الشيء المأمور به حيث يمكن إرادة التبعيض من الكلى أيضا بلحاظ حصصه الموجودة في ضمن افراده « فالأولى » في الاشكال على دلالة الرواية على المطلوب هو ان يقال ان العموم المستفاد من الشيء في الرواية لكل من الكل والكلي انما هو من جهة الاطلاق ومقدمات الحكمة ، وحيث إن من المقدمات انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب ، فلا مجال للاخذ باطلاقه في المقام لوجود القدر المتيقن في مقام التخاطب وهو ما يقتضيه المورد من الكلى الذي تحته افراد ، فإنه مع وجود ذلك لا يبقى له ظهور في الاطلاق يعم الكل والكلي حتى يصح التمسك بظهوره لاثبات وجوب ما عدا الجزء المضطر إليه.

واما قوله (عليه السلام) ما لا يدرك كله لا يترك كله ، فالظاهر هو عموم المراد من الموصول لكل من الكل والكلي لولا دعوى ظهوره المنساق منه في خصوص الكل ذي اجزاء ، وعلى كل تقدير لا شبهة في دلالته على المطلوب من ثبوت التكليف بالاجزاء الممكنة من المركب وعدم سقوطه بتعذر بعض اجزائه أو قيوده « واما المناقشة » في الرواية بان لازم شمولها لكل من الكل والكلي هو ان يكون قوله لا يترك مستعملا في الارشاد والمولوية معا ، لأنه في الكلى الذي تحته افراد يكون الامر باتيان الميسور من افراد الطبيعي المأمور به بعد انحلال خطابه إلى خطابات متعددة حسب تعدد الافراد ارشاديا محضا لاستقلال العقل بوجوب الاتيان بالافراد الممكنة من الطبيعي وعدم سقوط وجوبها بسقوط الوجوب عن الافراد المتعذرة وفي الكل ذي اجزاء يكون الامر باتيان الميسور من الاجزاء مولويا ناشئا عن داعي البعث والتحريك لاقتضاء ارتباطية التكليف حينئذ سقوط الامر عن الاجزاء الممكنة بتعذر بعض اجزاء المركب ، وحيث لا جامع بينهما يلزم في فرض إرادة الأعم استعمال الامر في المعنيين ( فمندفعه ) بما حققناه في محله من أن المستعمل فيه الامر والصيغة في جميع الموارد لا يكون الا معنى واحدا وهو ايقاع النسبة التحريكية

ص: 457

بين المادة التي طرأت عليها الصيغة وبين الفاعل المخاطب بها ، وان حيث المولوية والارشادية وغيرهما انما تكون من دواعي الانشاء في مقام الاستعمال ، فإنه قد ينشأ المتكلم بداعي البعث الجدي والطلب الحقيقي فيكون بعثا حقيقيا وقد ينشأ بداعي الارشاد فيكون ارشادا وقد ينشأ بداعي التهديد فيكون مصداقا للتهديد وهكذا « فتلخص » انه لا قصور في الرواية في دلالتها على وجوب الاتيان بالاجزاء الممكنة من المركب وعدم سقوط حكمها بتعذر بعض اجزائه ( نعم ) يظهر من الشيخ قدس سره المناقشة في عموم الرواية للكل الافرادي ، بدعوى انه لو أريد من الكل فيها الافرادي يلزم لغوية قوله لا يترك كله ( لان ) المعنى حينئذ ان ما لا يدرك شيء من افراد الكلى لا يترك شيء منها وهو كما ترى ، فلا محيص من أن يكون المراد منه هو المجموعي لا الافرادي ( ولكنه ) كما ترى إذ ذاك انما يرد إذا كان النفي في الرواية متعلقا بكل فرد بحيث يكون مفاد القضية هو عموم السلب لا سلب العموم ، وهو خلاف ظاهر الرواية « فان » الظاهر منها هو كون النفي فيها متوجها إلى العموم المستفاد منه سلب العموم لا عموم السلب ، وعليه فلا يتوجه على حمل الكل على إرادة الافرادي منه محذور اللغوية كما هو ظاهر.

( واما قوله (عليه السلام) ) الميسور لا يسقط بالمعسور فلا شبهة أيضا في دلالته على المطلوب لظهوره كالرواية السابقة في عدم سقوط الميسور من كل شيء بسقوط معسوره الشامل بعمومه للاجزاء الميسورة من المركب ، بل لولا ظهور اللام فيه في كونه للجنس المساوق للشيء أمكن دعوى اختصاصه بالمركب والكل ذي.

اجزاء ، لوضوح انه انما يقال ذلك في مورد يكون نحو ارتباط بين الميسور والمعسور في التكليف بحيث يقتضي سقوطه عن المعسور سقوطه عن الميسور أيضا ولا يكون ذلك إلا في المركب والكل ذي اجزاء وإلا ففي الكلى الذي تحته افراد لا تلازم بين سقوط التكليف عن فرد لسقوطه عن الفرد الآخر بعد انحلال الخطاب واستقلال كل فرد في التكليف « وعلى كل حال » لا اشكال في أن المراد من عدم سقوط الميسور انما هو عدم سقوطه بما له من الحكم الوجوبي والاستحبابي ، لوضوح ظهور مثل هذه العبارة في عدم سقوط ما ثبت سابقا وبقائه في العهدة لاحقا بعين ثبوته سابقا الراجع إلى ابقاء الامر السابق أيا ما كان

ص: 458

وجوبيا واستحبابيا نظير الحكم بالبقاء المستقاد من قوله (عليه السلام) لا تنقض اليقين بالشك في اخبار الاستصحاب التابع لكيفية ما حدث سابقا لزوميا أو غيره فتعم القاعدة حينئذ لكل من ميسور الواجب والمستحب بلا ورود محذور في البين ( نعم ) لو كان النفي في الرواية مسوقا لبيان انشاء حكم تكليفي راجع إلى الامر بمعاملة عدم السقوط مع الميسور من اجزاء المركب ، يلزم منه أحد المحذورين ، اما عدم دلالته على عدم السقوط لزوما ، أو عدم شموله للمستحبات ( لان ) الامر المستفاد من مثل هذا الانشاء اما مطلق الرجحان فلا يستفاد منه الوجوب في الواجبات ، أو لخصوص الرجحان اللزومي فلا تشمل القاعدة حينئذ للمستحبات ( ولكنه ) خلاف ظاهر الرواية ، فان الظاهر المنصرف منها هو كونها في مقام بيان القيام بوظائف الاحكام من حيث عدم سقوط ما ثبت سابقا في العهدة وجوبا كان أو استحبابا لا انها في مقام انشاء حكم بدوي خاص بلا نظر إلى بقاء الامر السابق فتأمل ( وكيف كان ) فلا شبهة في أنه يعتبر في هذه القاعدة ان يكون الميسور من الاجزاء المقدورة مما يعد كونه عرفا من سنخ المأمور به وبعضه وميسوره ، لان ذلك هو الظاهر المنساق من هذه الأخبار فلا اطلاق لها يشمل ما يعد بسبب قلة الاجزاء المقدورة كونه مبائنا مع الكل والمركب ( وانما الكلام ) في أن المدار في صدق الميسور على الباقي هل هو على الركن وما به قوام المركب بنحو يلزمه كون المعسور من الخصوصيات الخارجة عما به قوام الركب ، أو ان المدار على ما يفهمه العرف انه من سنخ المركب وميسوره ولولا يكون من أركانه ومقوماته. فيه وجهان ( أظهرهما الثاني ) فإنه ليس في الأدلة التعبير بالركن أو المقوم في المركبات الشرعية حتى يدور مداره في اخذ الميسور ، وانما الموجود فيها هو الامر بعدة أمور معينة ، فإذا بين الشارع للعباد موضوع حكمه وعرفهم ذلك ثم ألقى إليهم الخطاب بالأخذ بالميسور من المركب المأمور به عند تعذر الاتيان بالمجموع ولم يبين ما يدار عليه الميسور من المأمور به ، يكون المتبع في مثله هو فهم العرف في تشخيص كون الباقي ميسورا ، حيث يفهم من الخطاب المزبور ايكال تشخيص الميسور من كل شيء إلى فهم العرف فيما يرونه بحسب ارتكازهم كونه من سنخ المأمور به وبعضه وميسوره وفي ذلك لا يفرق بين الموضوعات العرفية والشرعية

ص: 459

( لان ) كون الموضوع شرعيا لا ينافي كون تشخيص السنخية بيد العرف بمقتضى ما بيناه ( فاندفع ) بذلك ما توهم من الاشكال بان في الموضوعات الشرعية لا طريق إلى تشخيص كون الباقي ميسورا إلا ببيان الشارع ، لأنه لا سبيل لفهم العرف فيها حتى يؤخذ بما يرونه ميسورا للمأمور به ، ولابد عند الشك من الرجوع إلى ما تقتضيه الأصول العملية ( وجه الاندفاع ) ما عرفت من أنه كذلك إذا كان المدار في صدق ميسور الشيء على الركنية الواقعية التي يقصر فهم العرف عن تشخيصها في الموضوعات الشرعية ، وإلا فعلى ما ذكرناه من البيان لا فرق بين الموضوعات العرفية والشرعية فإنه على كل تقدير يكون المتبع في تشخيص كون الباقي ميسورا هو فهم العرف ( نعم ) يبقى الكلام في أن المدار في الميسور من الشيء على السنخية الصورية ، أو على السنخية المعنوية من حيث وفاء الاجزاء الباقية بمعظم الغرض القائم بالكل والمركب وان لم يصدق عليها الميسور بحسب الصورة ، غاية الامر انه جعلت السنخية الصورية التي يراها العرف في صدق الميسور من الشيء حسب ارتكازهم طريقا إلى السنخية المعنوية والوفاء بمعظم الغرض في مقام الحكم بوجوب الاتيان بالاجزاء الباقية ( فيه وجهان ) فعلى الأول يكون اخراج الميسور من الشيء في بعض الموارد وادخال غير الميسور في الميسور منه اخراجا وادخالا حكميا لا حقيقيا ( بخلاف ) الثاني فإنه عليه يكون الاخراج والادخال المزبور على خلاف ما يراه العرف حقيقيا لا حكميا لرجوع ذلك في الموارد التي ثبت الحكم فيها على الخلاف إلى تخطئة الشارع العالم بالواقعيات لانظار العرف في تشخيص الميسور عن غيره وان ما يرونه ميسور الشيء بحسب الصورة أو غير ميسور لا يكون ميسوره بحسب الوفاء بمعظم المصلحة ، لا انه يرجع إلى تخصيص تلك القاعدة في تلك الموارد كما على الأول ( وبعد ) انتهاء الامر إلى ذلك لا يبعد ترجيح الأول ، فان الالتزام بتخطئة العرف في موارد ثبوت الحكم على الخلاف مبني على أمرين أحدهما اثبات كون نظر دليل القاعدة في الاخذ بالميسور من الشيء إلى الميسور منه في مقام الوفاء بالغرض ( وثانيهما ) التفات العرف إلى هذه الجهة بجعلهم السنخية في تشخيص الميسور طريقا إلى السنخية المعنوية من حيث الوفاء بمعظم الغرض ( وكلا الأمران ) في نهاية المنع ، اما الثاني فظاهر ، لوضوح عدم التفات العرف

ص: 460

في تشخيص الميسور خصوصا في الشرعيات إلا إلى السنخية الصورية ( واما الأول ) فلانه لا طريق إلى احراز كون نظر دليل القاعدة إلى الميسور في مقام الوفاء بالغرض « نعم » من حكم الشارع بعدم السقوط يستفاد وفاء الميسور بمقدار من الغرض القائم بالمجموع ، لا انه مأخوذ في نفس الميسور الذي هو الموضوع في القضية وبين الامرين فرق واضح « وعليه » فلا يكون موضوع القاعدة إلا الميسور بحسب الصورة الذي يراه العرف بلا كونه طريقا إلى الميسور المعنوي بحسب الوفاء بالغرض وعليه فلا يكون لموارد قيام الدليل على خلاف القاعدة مساس بباب التخطئة لانظار العرف في فهم مصداق الموضوع ، بل يكون ذلك مخصصا لها محضا « وعليه » يشكل التمسك بعموم القاعدة في أبواب العبادات في غير مورد عمل الأصحاب بها ، حيث إن كثرة ورود التخصيص عليها أوجبت وهنا في عمومها بنحو يحتاج في العمل بها إلى عمل الأصحاب « نعم » على المسلك الآخر الراجع موارد قيام الدليل فيها على خلاف القاعدة اخراجا أو ادخالا إلى تخطئة العرف في تشخيص مصداق الميسور ، يمكن ان يقال بعدم اضرار كثرة موارد الردع بالأخذ بما يراه العرف كونه ميسور الشيء لاستكشاف كونه هو الميسور منه في مقام الوفاء بمعظم الغرض ( لان ) مقتضى الاطلاق المقامي حينئذ هو ايكال الشارع فهم الميسور من كل شيء إلى أنظار العرف بجعل ما يرونه ميسور الشيء في الصورة طريقا إلى الميسور منه معنى في مقام الوفاء بالغرض ، ولازمه هو الاخذ بما يراه العرف كونه ميسور الشيء إلا في الموارد التي ثبت الردع فيها ببيان الشارع ( ثم الظاهر ) انه لا فرق في جريان هذه القاعدة بين ان يكون المتعذر من الاجزاء أو الشرائط فمع صدق الميسور عرفا على الفاقد للشرط المتعذر تجرى القاعدة المزبورة ولا وجه لتخصيصها بما إذا كان المتعذر خصوص الجزء.

( بقى الشيء ) وهو انه إذا كان للمركب بدل اضطراري كالوضوء والغسل وتعذر بعض اجزائه ، ففي وجوب الاتيان بالناقص أو الانتقال إلى البدل أو التخيير بينهما ( وجوه ) من أن الانتهاء إلى البدل انما هو في صورة عدم التمكن من المبدل وقاعدة الميسور بجريانها تقتضي التمكن من المبدل فلا ينتقل إلى البدل ، ومن

ص: 461

ان البدل يكون وجودا تنزيليا للمبدل ومع التمكن من الاتيان به ينتفى موضوع القاعدة لان جريانها انما يكون في ظرف تعذر الواجب المنتفي بالتمكن من البدل ، ومن أن كلا من الميسور والبدل وجود تنزيلي للواجب ولا ترجيح لأحدهما على الآخر فيتخير ( ولكن ) الوجه الأول بعيد غايته ، فإنه بعد ما لم يكن مفاد القاعدة هو تنزيل الباقي منزلة الكل والمركب وانما مفاده انشاء أو اخبارا هو عدم سقوط ما ثبت في العهدة من التكليف المتعلق بالاجزاء الباقية ، يتوقف تقديمها على البدل الاضطراري على كون نظر دليل البدلية إلى صورة تعذر المبدل بجميع مراتبه ( وإلا ) فعلى ما هو الظاهر منه من كون نظره إلى صورة تعذر مبدله ولو بمرتبة الكاملة منه ، فلا مجال في الفرض لتقديم القاعدة عليه ( وكذلك الوجه الثاني ) فبعده أيضا انما هو لعدم اطلاق لدليل البدلية يقتضي قيامه مقام المبدل في الوفاء بجميع مراتب مصلحته ، لان غاية ما يقتضيه انما هو قيامه في الوفاء ببعض مراتب مصلحته ، لا بتمامها ، فيتعين الوجه الأخير وهو التخيير بين الاتيان بالمبدل ناقصا ، وبين الاتيان ببدله الاضطراري.

( فرعان ) الأول إذا دار الامر بين سقوط الجزء أو الشرط لتعذر الجمع بينهما في الامتثال ، ففي وجوب صرف القدرة إلى الجزء أو إلى الشرط ، أو التخيير بينهما مطلقا أو في صورة عدم احراز مزية لأحدهما ملاكا ( وجوه ) أقواها الأخير كما هو الشأن في كلية المتزاحمين ( الثاني ) لو دار الامر بين كون الشيء شرطا أو مانعا ، أو كونه جزء أو زيادة مبطلة كالجهر بالقراءة يوم الجمعة أو الجهر بالبسملة في الركعتين الأخيرتين ، وكتدارك الحمد عند الشك فيه بعد الدخول في السورة ( وحكمه ) قد تقدم سابقا من كونه هو الاحتياط ، لا التخير كما توهم ، لمكان العلم الاجمالي بين المتبائنين من وجوب إحدى الصلاتين عليه اما بدون المشكوك فيه أو معه ، هذا تمام الكلام في الجزء والشرط.

خاتمة فيما يعتبر في العمل بالأصول

والكلام فيها يقع تارة في الاحتياط ، وأخرى في البراءة ( اما الاحتياط ) فالظاهر أنه لا يعتبر في العمل به أزيد من تحقق موضوعه وهو احتمال التكليف ، ويكفي

ص: 462

في حسنه مجرد احراز الواقع المشكوك فيه ولو كان على خلافه دليل اجتهادي ، غايته انه مع وجوده لا يجب الاحتياط ، لا انه لا يجوز معه الاحتياط ( فان ) مرجع الامر بالغاء احتمال خلاف الامارة انما هو الغائه في مقام التعبد به عملا ، لا في مقام تحصيل الواقع رجاءا ، فيجوز للمكلف حينئذ ان يعمل أولاً بما يقتضيه الاحتياط ثم العمل بما تقتضيه الحجة كما يجوز له العكس ولو أن ذلك مستلزما لتكرار العمل خارجا ، كما لو قامت الامارة المعتبرة على وجوب صلاة الجمعة يوم الجمعة في عصر الغيبة واحتمل كون الواجب في عصر الغيبة هو خصوص الظهر ( وتوهم ) لزوم العمل حينئذ أولاً بما تقتضيه الحجة ، ثم العمل بما يقتضيه الاحتياط ، بخيال ان في صورة العكس الغاء للتعبد بالامارة عملا ، لأنه عين الاعتناء باحتمال مخالفة الامارة للواقع ( مدفوع ) بما عرفت من أن غاية ما تقتضيه حجية الامارة انما هو وجوب العمل على طبق مفادها الذي هو وجوب صلاة الجمعة ، واما عدم جواز فعل ما يخالف مفادها لأجل رعاية احراز الواقع فلا يقتضيه دليل الامارة ، وإلا لاقتضى عدم جواز رعاية جانب الاحتياط حتى بعد العمل بما تقتضيه الامارة ( وبالجملة ) يكفي في العمل بالاحتياط مجرد تحقق موضوعه وهو احتمال التكليف ولا يعتبر فيه شيء سوى ذلك ، فمتى تحقق موضوعه يحكم العقل بحسنه ولو كان مستلزما للتكرار وكان المكلف متمكنا من إزالة الشبهة بالفحص ، وهذا في التوصليات مما لا خلاف فيه ولا اشكال ( واما في العبادات ) فقد أشكل جريانه فيها قبل الفحص عن الأدلة لوجهين ( أحدهما ) من جهة استلزامه للاخلال بقصد الوجه والتمييز المعتبر في صحة العبادة ( فان ) المشهور على ما حكى على المنع عن جريان الاحتياط في العبادات مع التمكن من إزالة الشبهة بالرجوع إلى الأدلة المثبتة لوجه الفعل ، وعلى ذلك أيضا بنوا على بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد مع التمكن من أحدهما وجعلوا الاحتياط فيها على خلاف الاحتياط ( وثانيهما ) من جهة اخلاله بالجزم بالنية المعتبرة في تحقق الإطاعة عقلا حال الاتيان بالعبادة ( بتقريب ) ان للامتثال مراتب أربعة ، الأولى الامتثال التفصيلي ، الثانية الامتثال الاجمالي ، الثالثة الامتثال الظني ، الرابعة الامتثال الاحتمالي ، وانه لابد بحكم العقل في الانتقال إلى المرتبة اللاحقة من كونه في صورة تعذر المرتبة السابقة

ص: 463

لها ، وبدونه لا تتحقق حقيقة الإطاعة عقلا ( لان ) حقيقة الإطاعة هي المطاوعة الراجعة إلى كون إرادة العبد تبعا لإرادة المولى بنحو ينبعث عن بعثه ويتحرك بتحريكه ، وهذا المعنى يتوقف على علم المأمور بأمر الامر وبعثه نحو المأمور به ، وبدونه لا يكاد انبعاثه عن امره وبعثه حقيقة فلا يتحقق حقيقة الإطاعة والامتثال ، ولازمه هو عدم جواز الانتقال من المرتبة الأولى إلى المراتب اللاحقة إلا في صورة تعذر المرتبة السابقة وعدم التمكن من الامتثال التفصيلي الذي هو حقيقة الإطاعة ( فان ) الانبعاث عن الامر المحتمل وان كان مرتبة من العبودية ونحوا من الطاعة عند العرف والعقلاء ( ولكنه ) بعد ما لا يكون ذلك انبعاثا حقيقة يحتاج أصل حسنه بحكم العقل إلى كونه في صورة عدم التمكن من الانبعاث عن البعث الجزمي ، وحيث * ان الامتثال في جميع موارد الاحتياط حتى الموارد المقرونة بالعلم الاجمالي يكون احتماليا ، باعتبار عدم العمل بتعلق البعث بالعمل المأتي به حال صدوره من العامل ، فلا محالة يتوقف حسنه العقلي على عدم التمكن من الامتثال الجزمي التفصيلي بإزالة الشبهة بالفحص عن الواقع ، وبذلك يختص أصل حسنه بما بعد الفحص عن الأدلة وعدم الظفر بما يوجب إزالة الشبهة عن الواقع ، هذا * ولكن الانصاف * انه لا وقع لهذا الاشكال بشيء من الوجهين المزبورين ( اما الوجه الأول ) فلما فيه من منع اعتبار شيء من قصد الوجه والتمييز أو قصد الجهة التي اقتضت وجوب الإعادة أو استحبابها في صحة العبادة وفى التقرب المعتبر فيها « فان » اعتبار هذه الأمور في العبادة اما ان يكون لأجل توقف صدق الإطاعة عليه عقلا ، أو يكون ذلك لقيام دليل خاص عليه * وهما ممنوعان * اما الأول فلوضوح صدق الإطاعة والامتثال عقلا وعرفا باتيان المأمور به بقصد الامر الواقعي وان لم يعلم بوجوبه أو استحبابه ( واما الثاني ) فلا سبيل إلى دعواه لخلو الأدلة عما يدل على اعتبار شيء من ذلك في العبادة ، ولا أقل من الشك في ذلك فتجري فيه البراءة كالشك في أصل التعبدية والتوصلية ، كما تقدم بيانه في أول الكتاب وفى مبحث التعبدية والتوصلية ، بل وعلى فرض القول بالاشتغال العقلي في نحو هذه القيود باعتبار رجوع الشك فيها بعد عدم كونها من القيود الممكن اخذها في المأمور به إلى الشك في الخروج بدونها عن عهدة امتثال الامر المتعلق

ص: 464

بالعبادة ، يمكن التمسك في نفى اعتبارها في الغرض بالاطلاقات المقامية * فان * مقتضى الاطلاق المقامي هو عدم اعتبار ما يشك في دخله في الغرض من نحو هذه القيود الخفية المغفول عنها غالبا ، بل ويمكن التمسك في نفى اعتبارها بالاطلاق اللفظي أيضا بما بيناه في مبحث التعبدي والتوصلي وحققناه أيضا في أول الكتاب في مبحث العلم الاجمالي فراجع هناك ( واما الوجه الثاني ) ففيه منع اعتبار خصوص الانبعاث عن الامر الجزمي التفصيلي في تحقق العبودية وصدق الإطاعة الحقيقية بل القدر المعتبر في تحقق القرب والطاعة عقلا انما هو مطلق الانبعاث عن امر المولى جزميا كان أو رجائيا ، ففي الأخير أيضا تتحقق حقيقة القرب والطاعة لان مرجعه إلى جعل امره المحتمل داعيا له حقيقة لان يتحرك من قبله ، غير أن تحريكه يكون بواسطة احتماله ، فكل من الجزم بالامر واحتماله حينئذ يكون واسطة في محركية الامر. والتحريك والانبعاث في الصورتين يكون من قبل امر الشارع ( وان شئت ) قلت إن شرط محركية الامر هو التفات المأمور إليه اما جزما أو احتمالا وبكل منهما يتحقق محركية الامر وباعثيته على الاتيان بالعمل وبذلك تتحقق حقيقة القرب والطاعة عقلا ويصدق الامتثال عرفا ( وحينئذ ) فحصر صدق حقيقة الانبعاث والطاعة بصورة الجزم بالامر بالعمل حال صدوره من العامل لا يكون إلا مصادرة محضة ، مضافا إلى ما يلزمه من عدم صحة الامتثال والإطاعة الاحتمالية مطلقا ولو في ظرف عدم التمكن من الامتثال الجزمي التفصيلي لعدم كون مثله إطاعة وانبعاثا حقيقة ، وهو كما ترى لا يلتزم به القائل المزبور ( فتلخص ) ان المعتبر عقلا في حقيقة القرب والطاعة هو مطلق الانبعاث عن امر المولى جزميا أو احتماليا ، وانه كما يصدق الامتثال ويتحقق حقيقة الطاعة في صورة كون الانبعاث عن الامر بواسطة الجزم به ، كذلك تتحقق في صورة كون الانبعاث عنه بواسطة احتماله ، هذا ( ولا أقل ) من الشك في ذلك فتجري فيه البراءة على نحو جريانها في الشك في دخل قصد الوجه والتمييز ، وفى أصل اعتبار القرب عند الشك في التعبدية والتوصلية ( واما توهم ) ان المرجع حينئذ يكون هو الاشتغال لا البراءة باعتبار كون الترديد في المقام بين التعيين والتخيير لاحتمال تعين خصوص الامتثال التفصيلي مع التمكن منه في تحقق القرب والطاعة ، لا بين الأقل

ص: 465

والأكثر كما في الشك في اعتبار قصد الوجه والتمييز ، إذ لا جامع بين الامتثال التفصيلي والاحتمالي حتى يندرج بذلك في الأقل والأكثر ، فلابد من اجراء حكم المتبائنين في المقام من وجوب الاحتياط والاخذ بالتعيين « فمدفوع » بان الجامع والقدر المشترك بينهما هو مطلق القرب والطاعة الجامع بين الامتثالين ، فيندرج بذلك في الأقل والأكثر حيث يكون المتيقن اعتباره هو مطلق القرب والطاعة الجامع بين نحوي الامتثال الجزمي والاحتمالي كما في كلية التشكيكيات وكان الشك في اعتبار مرتبة زائدة ، كيف ولازم المنع عن وجود الجامع بينهما هو المنع عن أصل كون الامتثال الاحتمالي من مراتب القرب والطاعة وذلك كما ترى ، فإنه مضافا إلى كونه خلاف ما يقتضيه الوجدان وما عليه سيرة العرف والعقلاء في مقام الطاعة والعبودية ، مناف لما صرح به القائل المزبور من جعل الامتثال الاحتمالي مرتبة من مراتب القرب والطاعة ( فان ) لازم ذلك هو الالتزام بوجود القدر المشترك بين الامتثال الجزمي والاحتمالي ولازمه المصير إلى اندراجه في الأقل والأكثر لا في التعيين والتخيير ( فتلخص ) ان التحقيق هو جواز العمل بالاحتياط عند تحقق موضوعه وهو احتمال التكليف في العبادات وغيرها ولو مع التمكن من الامتثال التفصيلي بإزالة الشبهة ( من غير ) فرق بين كون الشبهة موضوعية أو حكمية ، ولا بين كونها بدوية أو مقرونة بالعلم الاجمالي ، ولا بين الالزامية وغيرها ، ولا بين صورة استلزامه لتكرار العمل خارجا وبين عدم استلزامه لذلك ( فإنه ) في جميع تلك الصور يجوز للمكلف العمل بما يقتضيه الاحتياط وترك الامتثال التفصيلي ولو مع التمكن منه بإزالة الشبهة بالفحص.

( فرعان ) الأول لو اشتبه ثوبه الطاهر بثوب آخر نجس ولم يتمكن من تطهير أحدهما والصلاة فيه اما لفقد الماء أو لضيق الوقت أو غير ذلك ، فعلى ما اختبرناه من عدم اعتبار الامتثال التفصيلي مع التمكن منه في صحة التقرب بالعبادة ، لا اشكال في لزوم الصلاة في الثوبين مكررا ( واما ) على القول باعتبار الامتثال التفصيلي ، ففي تقديم الامتثال التفصيلي على شرطية الستر ولزوم الاتيان بصلاة واحدة عاريا كما عن محكى الحلي قده ، أو تقديم شرطية الستر ولزوم الاتيان بصلوتين في ثوبين أو التخيير بينهما ، وجوه ( ولكن ) الحري ان يقال

ص: 466

ان ثبوت شرطية الستر في الصلاة ، تارة يكون بدليل لفظي له اطلاق يقتضى اعتباره فيها مطلقا حتى في حال اشتباهه بالنجس ، وأخرى يكون بدليل لي لا يكون له فيها هذا الاطلاق من اجماع ونحوه ( فعلى الثاني ) يلزم الاتيان بالصلاة عاريا للشك في شرطية الستر حينئذ للصلاة ( لان ) القدر المتيقن من الشرطية حينئذ انما هو في ظرف عدم اشتباهه بالنجس واما في ظرف اشتباهه به فيشك في أصل اعتباره ، فتجري فيه البراءة ، ولازمه كما ذهب إليه الحلي قدس سره هو وجوب الصلاة عاريا « واما على الأول » فاللازم هو تكرار الصلاة في الثوبين ، ولا يزاحمه حينئذ قضية شرطية الامتثال التفصيلي لان الشرطية على القول به انما هو في صورة التمكن من ذلك ، وبعد اقتضاء اطلاق دليل شرطية الستر وجوب تحصيله يصير المكلف غير متمكن من الامتثال التفصيلي ، ومع عدم تمكنه منه بمقتضى اطلاق دليل شرطية الستر تسقط شرطية الامتثال التفصيلي ( ولكن ) حيث إن الدليل على شرطية الستر هو ظواهر الأدلة ، فالتحقيق هو سقوط الامتثال التفصيلي ولزوم حفظ شرطية الستر بتكرار الصلاة في الثوبين ( وقد يقال ) بلزوم تقديم شرطية الستر على شرطية الامتثال التفصيلي بوجه آخر غير ما ذكرنا وهو لزوم الدور في فرض العكس « بتقريب » ان ثبوت اعتبار الامتثال التفصيلي حينئذ يتوقف على التمكن منه وهو يتوقف على سقوط شرطية الستر وسقوطه يتوقف على ثبوت اعتبار الامتثال التفصيلي فيدور « ولكن » فيه نظر فإنه يمكن تقريب الدور في طرف العكس ، بدعوى ان سقوط الامتثال التفصيلي حينئذ يتوقف على بقاء شرطية الستر في هذا الحال وبقائه على الشرطية يتوقف على سقوط اعتبار الامتثال التفصيلي فيدور « ولا محيص » في أمثال المقام من أن يقال انه من باب التزاحم وملازمة وجود كل واحد مع عدم الآخر فيكون الدور من الطرفين معيا ولا يضر مثله « ومعه » لا يبقى مجال دعوى سقوط اعتبار الامتثال التفصيلي بمثل البيان المزبور « وحينئذ » فالأولى في وجه سقوط اعتبار الامتثال التفصيلي هو ما ذكرناه فتدبر.

( الثاني ) انه لو عرض في أثناء الصلاة ما يوجب الترديد واتمام العبادة بداعي احتمال الامر ، فتارة يكون ذلك من جهة طرو ما يحتمل المانعية أو القاطعية

ص: 467

وأخرى من غير تلك الجهة « فعلى الأول » فان قلنا بعدم جريان استصحاب الصحة في الاجزاء المأتى بها عند طرو ما يحتمل المانعية كما هو مختار الشيخ قدس سره ، وعدم جريان استصحاب بقاء الهيئة الاتصالية عند طرو ما يحتمل القاطعية كما اختاره بعض الاعلام حسب ما تقدم منه من ارجاع القاطع إلى المانع وجعله إياهما على نمط واحد ، فلا اشكال في أن لازمه بناء على اعتبار الامتثال التفصيلي هو وجوب القطع واستيناف الصلاة عن داعي الامر الجزمي ، حيث لا يزاحمه حينئذ دليل حرمة الابطال بناء على شموله لمطلق ابطال العبادة لان الشبهة حينئذ تكون مصداقية لاحتمال انبطال الصلاة بطرو ما يحتمل المانعية أو القاطعية « واما ان قلنا » بجريان استصحاب الصحة عند ما يحتمل المانعية واستصحاب بقاء الهيئة الاتصالية بطرو ما يحتمل القاطعية كما هو المختار على ما تقدم بيانه ، فعلى القول باعتبار الامتثال التفصيلي ، ففي تقديم جانب حرمة الابطال ووجوب اتمام الصلاة بداعي احتمال الامر ( أو تقديم ) اعتبار الامتثال التفصيلي ووجوب قطع الصلاة واستينافها بداعي الامر الجزمي نظرا إلى التمكن من ذلك باستيناف العمل بعد قطعه « أو التخيير » بين القطع والاستيناف وبين اتمامه بداعي احتمال الامر الواقعي ، « وجوه وأقوال » « ولكن الأظهر » هو الوجه الأخير ، نظرا إلى كونه من باب المزاحمة بين حرمة الابطال المقتضي لوجوب الاتمام ، وبين اعتبار الامتثال التفصيلي المقتضي لوجوب القطع والاستيناف « فإنه » بعد عدم قدرة المكلف على الجمع بين التكليفين في الامتثال وعدم احراز الأهمية في أحدهما يكون الحكم فيه هو التخيير كما في كلية المتزاحمين « هذا إذا كان » الترديد في الأثناء من جهة طرو ما يحتمل المانعية أو القاطعية « واما لو كان ذلك » من غير تلك الجهة بحيث يقطع بصحة العبادة من غير ناحية قصد الامتثال التفصيلي ، كما لو عر ض الشك في فعل من أفعال الصلاة كالتشهد مثلا في الأثناء وتردد بين كون شكه فيه قبل تجاوز المحل حتى يجب عليه فعل المشكوك فيه أو بعده حتى يجب عليه المضي في الصلاة ، حيث إن هذه الصلاة حالها كحال قبل عروض الشك في كونها مما يقطع بصحتها ، الا ان عروض الترديد فيها كان من جهة قصد الامتثال التفصيلي « وبالجملة » ففي هذا الفرض أيضا تجري الوجوه الثلاثة المتقدمة ، والتحقيق

ص: 468

فيه أيضا هو التخيير ، إذ بعد القطع بصحة الصلاة وجريان حرمة الابطال تقع المزاحمة بين حرمة الابطال واعتبار الامتثال التفصيلي وبعد عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما في الامتثال وعدم احراز أهمية أحد التكليفين يحكم العقل فيه بالتخيير ( واما ما توهم ) من المنع عن التخيير في المقام ، بدعوى ان الحكم بالتخيير في المتزاحمين مقصور بالتكاليف الاستقلالية ، واما التكاليف الغيرية فلا تصل النوبة فيها إلى التخيير لامكان الجمع بين القيدين المتزاحمين ولو بتكرار العمل ( فمدفوع ) بمنع القدرة على الجمع بين التكليفين بالنسبة إلى هذا الفرد من الصلاة ( فان ) هذا الفرد كما يكون متعلقا لحرمة الابطال الذي هو تكليف نفسي استقلالي ، كذلك يكون مورد الشرطية الامتثال التفصيلي ، إذ مورده ومحله وان كان هو الطبيعة ، ولكنها بعد أن كانت على نحو العموم والسريان فلا محالة تشمل هذا الفرد أيضا وبعد عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما في هذا الفرد يكون الحكم فيه حسب اعترافه هو التخيير ( واما دعوى ) امكان الجمع بين القيدين في المقام بتكرار العمل « ففيه » ما لا يخفى فإنه باتمام هذا العمل يحتمل كونه هو المأمور به واقعا ومع هذا الاحتمال لا يكاد يتصور القدرة على الإطاعة التفصيلية لا بالإعادة ولا بهذا الفرد المأتى به ، ومن هنا اعترف به القائل المزبور فيما ذكره في الجواب عن الوجه الرابع في المسألة الذي مقتضاه هو الجمع بين الوظيفتين ( هذا تمام الكلام في الاحتياط ) وقد عرفت ان المختار فيه هو عدم اعتبار شيء في جريانه سوى تحقق موضوعه وهو احتمال التكليف.

( واما البراءة ) فظاهر الأصحاب رضوان اللّه عليهم في غير الشبهات الموضوعية هو الوفاق على اعتبار الفحص فيها وعدم جريانها إلا بعد استفراغ الوسع في الأدلة واليأس عن الظفر بما يخالفها من الطرق الشرعية ( وتنقيح الكلام في ذلك يقع من جهات « الأولى » في اعتبار الفحص وعدمه « الثانية » في بيان مقداره « الثالثة » في استحقاق التارك للفحص للعقاب وعدمه « الرابعة » في صحة العمل المأتى به قبل الفحص وعدمه ( اما الجهة الأولى ) فالكلام فيها يقع تارة في البراءة العقلية ، وأخرى في البراءة الشرعية ( اما البراءة العقلية ) فيمكن ان يقال ان مقتضى القاعدة هو اشتراط الفحص فيها ، نظرا إلى دعوى ان اللابيان

ص: 469

الذي هو موضوع حكم العقل بقبح العقوبة عبارة عن خصوص الشك المستقر الذي لا يكون في معرض الزوال بالفحص عن الأدلة لا انه مطلق الجهل بالواقع ، فمع احتمال زواله بالفحص وتمكنه من الوصول إلى الواقع لا يكاد يحرز الموضوع المزبور ومع عدم احرازه لا يكون للعقل حكم بالقبح ، بل حينئذ يجئ احتمال الضرر والعقوبة فيتبعه حكم العقل بوجوب دفعه « نعم » ليس للعقل حينئذ حكم بحجية الاحتمال ومنجزيته للواقع نظير حكمه بحجة الظن في ظرف الانسداد لدى المشهور حتى يلزمه استحقاق العقوبة على مخالفة الواقع ولو لم يكن له طريق واصل إليه على تقدير فحصه ، وانما يكون ذلك من جهة احتمال الضرر الموضوع لحكمه بوجوب الدفع لعدم احراز موضوع القبح ، ونتيجة ذلك أنه تكون العقوبة على الواقع متفرعة على فرض قيام الطريق الواصل إليه إلى المكلف على تقدير ، فحصه منه ، وعليه فلو ترك الفحص وعمل على خلاف الواقع لا يكون معاقبا على مخالفة الواقع ، بل لو عوقب حينئذ فإنما يكون ذلك على تجريه محضا على القول به ( هذا ) في البراءة العقلية ( واما في البراءة الشرعية ) فمقتضاها هو عدم اشتراطها بالفحص بعكس ما اقتضته القاعدة في البراءة العقلية ، نظرا إلى اطلاق أدلتها الشامل لمطلق الجهل بالواقع ولو قبل الفحص ( وتوهم ) انصراف هذه الأدلة أيضا إلى الشك المستقر الذي لا يكون في معرض الزوال بالفحص عن الأدلة فتوافق موضوعا مع البراءة العقلية في الاختصاص بما بعد الفحص من الأدلة والطرق الشرعية ( مدفوع ) بأنه دعوى بلا شاهد ، بل الشاهد على خلافها وهو تمسك الأصحاب باطلاق مثل دليل الرفع والحجب والحلية لعدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية ، فإنه لولا فهم الاطلاق منها لما كان وجه لتمسكهم بهذه الأدلة لعدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية ( مؤيدا ) ذلك بما في رواية مسعدة بن صدقة من قوله (عليه السلام) الأشياء كلها على هذا حتى تستبين أو تقوم بها البينة ( وعلى ذلك ) ينقلب ما أسسناه في البراءة العقلية من اقتضاء القاعدة فيها وجوب الفحص إلى عدمه ، فإنه باطلاق أدلة الترخيصات الشرعية كدليل الحلية وحديث الرفع والحجب يرتفع حكم العقل بوجوب الفحص لأجل احتمال الضرر بارتفاع موضوعه ، لوضوح انه مع جريانها يجزم بعدم الضرر ، فلا يبقى معه حكم للعقل بوجوب الفحص ، كما أنه على ذلك

ص: 470

يكون عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية على القاعدة ، لا ان ذلك لاجماع تعبدي في البين كما توهم ، فمقتضى القاعدة حينئذ في جميع الشبهات موضوعية أو حكمية هو عدم وجوب الفحص فيها ، فتحتاج في الخروج عن القاعدة في كل من الشبهات الموضوعية والحكمية إلى دليل مخرج من عقل أو نقل ( وبعد ذلك ) نقول انه في الشبهات الموضوعية قام الدليل على الخروج عن القاعدة في الجملة كما في موارد النفوس والاعراض المعلوم كثرة اهتمام فيها وكذا في مسألة النصاب في الزكاة لما ورد فيها من الامر بالتسبيك عند الاشتباه ، بل ومسألة الاستطاعة المالية في الحج عند الشك فيها في وجه قوى وكذا باب الماليات كالدين المردد بين الأقل والأكثر مع ضبطه في دفتر الحساب وتمكنه من الرجوع إليه لمعرفة مقداره فان الظاهر هو بناء الأصحاب على التعدي مما ورد في باب الزكاة إلى مثل هذه الموارد ( واما في الشبهات الحكمية ) فلا اشكال في اعتبار الفحص في جريان البراءة فيها بل ومطلق الأصول النافية للتكليف ( وعمدة الوجه ) في ذلك هو دعوى العلم الاجمالي قبل الاخذ في استعلام المسائل بالفحص بواجبات ومحرمات كثيرة في المسائل المشتبه في مجموع ما بأيدينا من الاخبار المدونة في الكتب المعهودة مع كونها على نحو لو تفحصنا عنها لظفرنا بها ومقتضى هذا العلم الاجمالي هو وجوب الفحص في كل مسألة مسألة وعدم جواز الاخذ بالبرائة في المسائل المشتبه الا بعده ( وقد نوقش فيه ) بكونه أعم من المدعى ( فان المدعي ) انما هو وجوب الفحص في خصوص ما بأيدينا من الكتب المعروفة ، والمعلوم بالاجمال يعم ذلك ، لان متعلق العلم هي الاحكام الثابتة في الشريعة واقعا ، لا خصوص ما بأيدينا ، فلا ينفع الفحص حينئذ مما في أيدينا في جواز الاخذ بالبرائة « ويندفع » ذلك بأنه كما يعلم ذلك كذلك يعلم اجمالا بأحكام كثيرة في خصوص ما بأيدينا من الكتب بمقدار يحتمل انطباق ما في الشريعة عليها فينحل العلم الاجمالي الكبير حينئذ بالعلم الاجمالي الصغير ولازمه هو الاقتصار في الاخذ بالبرائة بالفحص عما بأيدينا من الكتب * وتوهم * منع هذا العلم الاجمالي الخاص وانه ليس لنا الأعلم اجمالي واحد وهو العلم بأحكام كثيرة في الشريعة فيما بأيدينا من الكتب فعلا وغيرها مما لا تكون بأيدينا « يدفعه » قضاء الوجدان بخلافه ، ضرورة حصول هذا العلم الاجمالي الخاص لكل أحد قبل

ص: 471

اخذه في استعلام المسائل بوجود تكاليف كثيرة في الشريعة في خصوص ما بأيدينا من الكتب « كما أن » توهم الزيادة المعلوم بالاجمالي في العلم الاجمالي العام على المعلوم بالاجمال في العلم الاجمالي الخاص الموجب لعدم جواز الاخذ بالبرائة بمجرد الفحص مما في أيدينا من الكتب « يدفعه » منع مثل هذا العلم الاجمالي ، فان مجرد عدم وصول كثير من الاخبار المدونة في كتب أصحاب الأئمة عليهم الصلاة والسلام إلينا لمكان ظلم الظالمين لا يقتضى كون مضامينها من التكاليف مغايرة للتكاليف التي تضمنتها الاخبار التي بأيدينا « فان من المحتمل » كون مضامينها بعينها هي مضامين تلك الأخبار المدونة في الكتب التي بأيدينا كما هو غير عزيز أيضا ، حيث يرى بالوجدان والعيان انه يكون حكم واحد مضمونا لاخبار كثيرة تبلغ عشرين أو أزيد * ومع هذا الاحتمال * أين يبقى مجال دعوى زيادة التكليف المعلوم بالاجمال في العلم الاجمالي العام من التكليف المعلوم بالاجمال في العلم الاجمالي الخاص حتى يمنع من الانحلال المزبور كما هو ظاهر * وقد نوقش * فيه أيضا بأنه أخص من المدعى ، لان مقتضى العلم الاجمالي انما هو وجوب الفحص عن الأدلة قبل الظفر بها بمقدار المعلوم بالاجمال ولو في جملة من المسائل لا بعده ، والمقصود في المقام انما هو وجوب الفحص مطلقا في كل مسألة وعدم جواز الاخذ بالبرائة الا بعد الفحص عن الأدلة فيها واليأس عن الظفر بها ، وهذا مما لا يفي به التقريب المزبور للعلم الاجمالي قلنا بان العلم التفصيلي المتأخر بمقدار المعلوم بالاجمال الأول موجب لانحلاله أو لم نقل بذلك * وبتقرير آخر * ان كان الظفر بجملة من الاحكام بمقدار يحتمل انحصار المعلوم بالاجمال فيها موجبا لانحلال العلم الاجمالي وكون الشك في الباقي شكا في أصل التكليف فلا مقتضى لوجوب الفحص وعدم الرجوع إلى البراءة في الباقي ، وان لم يكن موجبا لذلك فلا يجوز الرجوع إلى البراءة حتى بعد الفحص وعدم الظفر بالدليل لبقاء العلم الاجمالي على حاله في المؤثرية في تنجيز أطرافه وعدم كون الفحص في محتمل التكليف واليأس عن الظفر على التكليف فيه مخرجا له عن الطرفية للعلم الاجمالي ، مع أن ذلك خلاف المقصود لان المقصود هو جواز الرجوع إلى البراءة في كل مسألة بعد الفحص وعدم الظفر بالدليل على التكليف * ويندفع * ذلك أيضا بأنه يتجه ذلك لو كان متعلق العلم الاجمالي مطلقا ، أو كان مقيدا بالظفر

ص: 472

به على تقدير الفحص ولكن كل تقريب العلم الاجمالي هو كونه بمقدار من الاحكام على وجه لو تفحص ولو في مقدار من المسائل لظفر به ( واما لو كان ) تقريبه بما ذكرناه من العلم بمقدار من الاحكام في مجموع المسائل المحررة على وجه لو تفحص في كل مسألة تكون مظان وجود محتمله لظفر به ، فلا يرد اشكال ، فإنه على هذا التقريب يترتب عليه النتيجة المزبورة وهي عدم جواز الرجوع إلى البراءة قبل الفحص ولا يجدي في رفع اثر العلم مجرد الظفر بمقدار المعلوم بالاجمال في جملة من المسائل ليكون الشك بدويا في البقية ، كما أنه يترتب عليه جواز الرجوع إلى البراءة في كل مسألة بعد الفحص وعدم الظفر فيها بالدليل على التكليف ، فإنه بمقتضى التقييد المزبور يستكشف من عدم الظفر بالدليل فيها عن خروجها عن دائرة المعلوم بالاجمال من أول الامر ( وقد أجاب بعض الأعاظم قده ) عن الاشكال المزبور بوجه آخر وحاصله على ما في التقرير هو ان الانحلال انما يكون في مورد يكون متعلق العلم بنفسه عنوانا مرددا بين الأقل والأكثر ، كما لو علم بان في هذا القطيع من الغنم موطوئة وتردد بين كونها عشرة أو عشرين ( واما لو كان ) متعلقه عنوانا ليس بنفسه مرددا بين الأقل والأكثر من أول الامر ، بل المعلوم بالاجمال هو العنوان بماله في الواقع من الافراد ، وكان التردد بين الأقل والأكثر في مصاديق ذلك العنوان ، كما لو علم بموطوئية البيض من هذا القطيع بماله من الافراد وتردد البيض بين كونها عشرة أو عشرين ( ففي هذه الصورة ) لا ينحل العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي بمقدار يحتمل انحصار المعلوم بالاجمال فيه ، بل لابد من الفحص التام عن كل ما يحتمل انطباق المعلوم بالاجمال عليه ( لان العلم ) أوجب تنجز متعلقه بماله في الواقع من الافراد ( فيجب في المثال ) الاجتناب عن كل ما يحتمل كونه في الواقع من افراد البيض ولا يوجب العلم التفصيلي بموطوئية عدة من البيض يحتمل انحصار المعلوم بالاجمال فيها انحلال العلم الاجمالي ( وما نحن فيه ) من هذا القبيل ، لان المعلوم بالاجمال في المقام هي الاحكام الموجودة فيما بأيدينا من الكتب وبه قد تنجز جميع الأحكام المثبتة في الكتب ، ولازمه وجوب الفحص من جميع الكتب ولو بعد الظفر بمقدار من الاحكام في بعض المسائل يحتمل انحصار المعلوم بالاجمال فيها إذ لا ينحل العلم الاجمالي باستعلام جملة من الاحكام بمقدار يحتمل انحصار المعلوم

ص: 473

بالاجمال فيها ومن هنا لا يجوز الاخذ بالأقل لو علم اشتغال ذمته بالدين لزيد بما في الطومار وتردد ما في الطومار بين الأقل والأكثر ، بل لابد من الفحص عن جميع صفحات الطومار ( وفيه ما لا يخفى ) من الفساد ضرورة عدم اقتضاء مجرد العلم بتعلق التكليف بعنوان في الخطابات الانحلالية تنجزه بالنسبة إلى جميع ما لذلك العنوان في الواقع من الافراد ولو مع عدم احراز ان المشكوك فيه من افراده ومصاديقه ، بل لابد حينئذ في تنجز التكليف بالنسبة إلى كل فرد من احراز انه من افراد ما علم تعلق التكليف به ( والا فبدونه ) تجري فيه البراءة لا محالة ( الا ترى ) انه لو ورد في الخطاب حرمة شرب الماء من كأس زيد وتردد كأسه بين الأقل والأكثر ، أو ورد حرمة اكرام العالم الفاسق وتردد افراده بين الأقل والأكثر ونحو ذلك من الأمثلة في الخطابات الانحلالية في الشبهات الموضوعية أو الحكمية ( فهل تجد ) ان أحدا يلتزم فيه بالاحتياط ، أو ترى ذلك مجرى للبرائة ( وبالجملة ) لا فرق في مرجعية البراءة في فرض انحلالية التكليف وتردده بين الأقل والأكثر بين ان يكون متعلقه عنوانا مرددا بين الأقل والأكثر ، وبين ان يكون عنوانا ليس بنفسه مرددا من الأول بين الأقل والأكثر ، وانما التردد بين ذلك في افراد ذلك العنوان ومصاديقه كما في عنوان العالم الفاسق وعنوان البيض من الغنم في المثال ، فعلى كل تقدير في فرض انحلالية التكليف يكون العلم التفصيلي بمقدار يحتمل انحصار المعلوم بالاجمال فيه موجبا لانحلاله وصيرورة الشك في البقية بدويا فلا يجب في المثال المزبور الا الاجتناب عن المقدار الذي يحتمل انحصار المعلوم بالاجمال فيه ويلزمه في المقام عدم وجوب الفحص في الرجوع إلى البراءة بعد استعلام جملة من الاحكام بمقدار المعلوم بالاجمال لانحلال العلم الاجمالي بالأحكام الموجودة فيما بأيدينا من الكتب بما استعلم تفصيلا وصيرورة الشك في البقية بدويا محضا ، وحينئذ على القول بانحلال العلم الاجمالي السابق بالعلم التفصيلي البعدي يتوجه الاشكال المزبور وينحصر دفعه بما ذكرناه من البيان ( واما ما أفيد ) في مسألة الطومار عند اشتغال الذمة بالدين ، فالوجه فيه لو قلنا بذلك انما هو من جهة دعوى انصراف أدلة البراءة بما إذا كان الجهل بالواقع من جهة القصور في المحل من حيث عدم تهيئة أسباب العلم للمكلف وعدم شموله لما كان الجهل من جهة عدم نظرا لمكلف وفحصه

ص: 474

باختياره مع حصول أسباب العلم لديه ( هذا مضافا إلى ما يرد عليه من أن لازم بقاء العلم الاجمالي في المقام وعدم انحلاله هو وجوب الفحص التام عليه إلى أن يقطع بالعدم ولا يكفيه الفحص بمقدار يحصل له الاطمينان بالعدم وخروج المورد عن معرضية وجود الحكم ، مع أن المقصود في المقام كفاية ذلك المقدار في جواز الاخذ بالبرائة ( وقد استدل ) لوجوب الفحص بأمور اخر ( منها ) الاجماع القطعي قولا وعملا على عدم جواز الاخذ بالبرائة ومطلق الأصول النافية قبل الفحص واستفراغ الوسع في الأدلة ( ومنها ) الأدلة الدالة على وجوب تحصيل العلم كآيتي النفر والسؤال والأخبار الدالة على الحث والترغيب في التفقه والذم على ترك السؤال ، بتقريب انه لولا وجوب الفحص لم يكن وجه لايجاب السؤال والذم على تركه مع كون الشبهة بدوية الجارية فيها عموم كل شيء لك حلال وحديث الرفع والحجب ( ومنها ) الأخبار الدالة على مؤاخذة الجاهل بفعل المعاصي من جهة ترك تفقههم في الدين ، مثل قوله صلی اللّه علیه و آله فيمن غسل مجدورا اصابته جنابة فكز ومات قتلوه قتلهم اللّه الا سئلوا ألا يمموه ( وقوله (عليه السلام) ) فيمن أطال الجلوس في بيت الخلاء لاستماع الغناء ما كان أسوء حالك لو مت على هذه الحالة ، بتقريب ان الذم على إطالة الجلوس لاستماع الغناء انما هو لعدم تعلمه حرمه الإطالة لاستماع الغناء ( وقوله (عليه السلام) ) في تفسير قوله تعالى فلله الحجة البالغة من أنه يقال للعبد يوم القيمة هل علمت فان قيل نعم قيل فهلا عملت وان قال لا قيل له هلا تعلمت حتى تعمل حيث يدل على وجوب التعلم مقدمة للعمل وعدم جواز الاخذ بالبرائة بمجرد الشك في التكليف قبل استفراغ الوسع في الأدلة فيقيد بها أدلة البراءة ( ولكن يرد ) على الجميع أولاً بعدم صلاحية هذه الأدلة لتقييد أدلة البراءة النقلية في الشبهات البدوية ، لظهورها في الارشاد إلى حكم العقل بلزوم الفحص لأجل استقرار الجهل الموجب لعذره ، فعموم أدلة البراءة حينئذ واردة عليها ( لأنه ) بقيام الترخيص الشرعي على جواز الارتكاب قبل الفحص يرتفع حكم العقل بوجوب الفحص ( نعم ) لو كان مثل هذه الأخبار مسوقا لأعمال التعبد في البين بوجوب الفحص في الشبهات الحكمية البدوية لكان لتقييد أدلة البراءة بمثلها مجال ( ولكنه ) كما ترى بابي سوقها عن إفادة ذلك ، مضافا إلى مكان دعوى اختصاصها بصورة العلم الاجمالي بالحكم فتكون ظاهرة أيضا في الارشاد إلى

ص: 475

حكم العقل بوجوب الفحص ( وثانيا ) بقصورها عن إفادة تمام المطلوب ، لأنها ظاهرة في الاختصاص بصورة يكون الفحص فيها مؤديا إلى العلم بالواقع ، والمطلوب يعم ذلك وما لم يكن الفحص مؤديا إلى العلم بالواقع ( واما الاجماع ) فلا وثوق به لقوة احتمال كون مدرك المجمعين هو حكم العقل وهذه الأدلة « ومنها » حكم العقل بعدم معذورية الجاهل القادر على الفحص التارك له واستحقاق العقوبة عند تأدية ترك فحصه للوقوع في مخالفة الواقع * وتقريبه * من وجهين * الأول * حكمه بمنجزية احتمال التكليف وبيانيته للواقع قبل الفحص عن الأدلة نظير حكمه بحجية الظن في ظرف الانسداد على الحكومة وحكمه بوجوب النظر في المعجزة لاحتمال صدق مدعى النبوة ( الثاني بما قربناه من كونه لأجل احتمال الضرر الموضوع لحكمه بوجوب دفعه لعدم استقرار الجهل الذي هو الموضوع لحكمه بقبح العقوبة والمعذورية لاحتمال ان يكون في البين طريق موصل إلى التكليف المحتمل وتمكنه من الوصول إليه ( ويرد عليه ) أيضا ما تقدمت الإشارة إليه من ورود اطلاق أدلة البراءة الشرعية المثبتة للترخيص في الارتكاب على الحكم العقلي المزبور بكلا تقريبه.

( الجهة الثانية ) في مقدار الفحص الواجب ، والظاهر أنه ليس له بنحو الكلية حد خاص وقدر معين ، فان المدار فيه انما هو على ما يحصل معه اليأس عن وجود الدليل فما؟ بأيدينا من الكتب بنحو يستقر معه الشك في الواقعة ، ويخرج عن معرضية الزوال على مسلك من اعتبر الفحص من جهة حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل أو منجزية نفس احتمال التكليف قبل الفحص ، وتخرج معه الواقعة عن الطرفية للعلم الاجمالي على مسلك من اعتبره لأجل العلم الاجمالي كما قربناه ، ويختلف مقدار ذلك باختلاف الاعصار بل الأشخاص أيضا ، فالواجب على المكلف حينئذ هو بذل الجهد واستفراغ الوسع لتحصيل الأدلة فيما بأيدينا من الكتب وفى فحاوي كلمات الأصحاب لتحصيل الاجماع ، بل اللازم أيضا الفحص عن أفكارهم في مقام تطبيق القواعد والكبريات على الموارد ، إذ لعله قد خفى عليه شيء وبالفحص عن آرائهم يحصل له رأى آخر على خلاف رأيه الأول ( وعلى كل حال ) لابد في الفحص من بلوغه إلى حد يحصل معه اليأس العادي عن الظفر بالدليل على معنى بلوغه بمقدار

ص: 476

تقتضي العادة بأنه لو كان في البين دليل على حكم الواقعة لوصل إليه بهذا المقدار من الفحص ولا يعتبر فيه أزيد من ذلك ، ولعل من حدده بالخروج عن مظان الوجود أو بالعسر والحرج يريد به ما ذكرناه ، لملازمة الخروج من مظان الوجود مع اليأس العادي عن وجوده ، وكذلك العسر والحرج ، فان الظاهر هو إرادة النوعي منها لا العسر والحرج الشخصي ، ومثله يلازم اليأس العادي عن وجود الدليل على حكم الواقعة.

( الجهة الثالثة ) في استحقاق التارك للفحص للعقاب وعدمه ( والأقوال ) فيه ثلاثة ( أحدها ) ، هو المنسوب إلى المدارك من استحقاق العقوبة على ترك الفحص والتعلم مطلقا صادف عمله الواقع أم خالفه * ثانيها * ، يظهر من الشيخ قده واختاره بعض الأعاظم أيضا من استحقاق العقوبة على ترك الفحص والتعلم لكن لا مطلقا بل عند أدائه إلى مخالفة الواقع * ثالثها ما نسب إلى المشهور من استحقاق العقوبة على مخالفة الواقع لو اتفق لا على ترك التعلم والفحص ، فمن شرب العصير العنبي من غير فخص عن حكمه يستحق العقوبة ان اتفق كونه حراما في الواقع ، وان لم يتفق كونه حراما واقعا فلا عقاب الا من حيث تجريه على القول به * ومنشأ * هذا الخلاف هو الخلاف في وجوب التعلم المستفاد من العمومات المتقدمة من نحو قوله هلا تعلمت من حيث كونه وجوبا نفسيا استقلاليا كسائر التكاليف النفسية الاستقلالية الموجبة للعقوبة على مخالفتها ، أو تهيئا انشاء لأجل تهئ المكلف بالفحص وتعلم الاحكام لامتثال الواجبات والمحرمات الثابتة في الشريعة * أو كونه * وجوبا طريقيا كسائر الاحكام الطرقية الثابتة في موارد الأصول والامارات المثبتة الموجبة لاستحقاق العقوبة على مخالفتها عند مصادفتها للواقع * أو وجوبا * شرطيا من جهة دعوى شرطية الفحص تعبدا لحجية أدلة الاحكام والأصول النافية * أو كونه * وجوبا مقدميا غيريا نظرا إلى دعوى مقدميه الفحص والتعلم للعمل بأدلة الاحكام ( أو كونه ) ارشاديا محضا إلى حكم العقل بلزوم الفحص للفرار عن العقوبة المحتملة اما لأجل العلم الاجمالي ، أو لاستقرار الجهل الموجب لعذره ، أو لحكمة بمنجزية احتمال التكليف قبل الفحص بناء على عدم اطلاق لأدلة البراءة الشرعية يشمل مطلق الشك في التكليف ولو قبل الفحص ( ولكن التحقيق ) هو ما عليه المشهور ، لاباء مثل هذه العمومات عن كونها

ص: 477

مسوقة لأعمال تعبد في البين يقتضى كونه اي التعلم واجبا نفسيا أو شرطيا ، وظهور سوقها في كونها للارشاد إلى ما هو المغروس في الذهن من حكم العقل بلزوم الفحص في الشبهات الحكمية وعدم جواز الاخذ بالبرائة فيها قبل الفحص ، اما بمناط العلم الاجمالي بوجود التكليف في المشتبهات على التقريب المختار ، أو بمناط وجوب دفع الضرر المحتمل لعدم استقرار الجهل الموجب لعذره مع عدم اطلاق أيضا لأدلة البراءة الشرعية يشمل مطلق الشك في التكليف ( كما يشهد ) لذلك أيضا افهام العبد بما قيل له من قول هلا تعلمت وعدم تمكنه من الجواب بعدم علمه بوجوب التعلم ، فإنه لولا سوق مثل هذه الأوامر للارشاد إلى ما يحكم به العقل من وجوب الفحص والتعلم للفرار عن العقوبة المحتملة وعدم معذورية الجاهل مع التقصير في مخالفة التكليف الواقعي ، لكان له ان يجيب بعدم علمه بوجوب الفحص والتعلم كما أجاب بذلك أولاً حين ما قيل له هل عملت ( وحينئذ ) فلا مجال لرفع اليد عن ظهور هذه الأوامر في إرادة الارشاد بحملها على الوجوب النفسي الاستقلالي أو التهئ أو الوجوب الشرطي ( كما لا مجال ) أيضا لحملها على الوجوب الطريقي كما افاده بعض الأعاظم قده ، بل لا يصح ذلك في المقام ( لان الامر الطريقي ) كما ذكرناه غير مرة هو ما يكون بحسب لب الإرادة في فرض الموافقة عين الإرادة الواقعية ويكون موضوعه عين موضوعها بحيث يكون امتثاله والعمل على وفقه عين امتثال الامر الواقعي ، كما يكون ذلك في جميع الأوامر الواردة في موارد الامارات والأصول المثبتة حتى مثل ايجاب الاحتياط ( ومن المعلوم ) بالضرورة انه لا يكون المقام كك ، لوضوح مبائنة الامر بتعلم حكم الصلاة مثلا مع الامر بالصلاة لاختلاف موضوعهما وعدم كون تحصيل العلم بأحكام الصلاة عين فعل الصلاة وامتثال الامر بها ( ومعه ) كيف يمكن توهم كون الامر بتحصيل الفحص والتعلم أمرا طريقيا ( الا ) ان يجعل الامر بالفحص والتعلم كناية عن لازمه الذي هو ايجاب الاحتياط والنهي عن مخالفة التكاليف الواقعية المحتملة ، فيصلح حينئذ للطريقية ، ولكنه عليه يتعين كونه للارشاد محضا ، حيث لا مجال لأعمال المولوية بعد استقلال العقل بوجوبه وحكمه بعدم معذورية الجاهل مع تقصيره في ترك تحصيل الواقع ( نعم ) يتجه ذلك بناء على عدم حكم العقل بلزوم الفحص ، اما من جهة عموم اللابيان لمطلق الجهل بالواقع ، أو من جهة اطلاق أدلة البراءة الشرعية وشمولها لمطلق

ص: 478

الجهل بالواقع ولو قبل الفحص كما قويناه سابقا مع المنع عن تمامية تقريب العلم الاجمالي المذكور سابقا لوجوب الفحص ( فإنه على هذا المبنى ) يتعين حمل تلك الأوامر على المولوي الطريقي ، لعدم تأتي الارشادية فيها مع جريان البراءة ولو شرعية وحكم العقل بعدم وجوب الاحتياط والفحص ، وبعد كونها مسوقة لأعمال تعبد في المبين يقتضى وجوبه نفسيا لجهة موجبة لحسنه ذاتا أو شرطيا لحجية الأصول النافية ( واما احتمال ) كون الامر بالفحص والتعلم أمرا غيريا ، فيدفعه انتفاء ملاك المقدمية فيه لوضوح انه لا يكون الفحص وتحصيل العلم بالأحكام مما يتوقف عليه فعل الواجبات وترك المحرمات بوجه لامكان الاحتياط مع الشك فيها ( نعم ) في فرض يكون ترك الفحص والتعلم موجبا للغفلة عن صورة العمل في موطن ابتلائه ، أو عن حكمه كما يتصور ذلك بالنسبة إلى كثير من أهل البوادي والسواد الذين لم يتعلموا شرايع الاسلام فغفلوا لأجله عن كثير من الواجبات والمحرمات واحكامها ، أمكن دعوى مقدمية الفحص ووجوبه غيريا بمناط المفوتية ( فإنه بدونه ) لغفلته عن صورة العمل أو عن حكمه لا يقدر على الاخذ بالاحتياط في فعل الواجبات وترك المحرمات فيستقل العقل في مثله بلزوم الفحص وتحصيل العلم وعدم معذورية المكلف في تفويت القدرة باختياره على فعل المأمورية ترك المنهي عنه ( بل وكذا الكلام ) فيما لا يكون ترك الفحص والتعلم موجبا للغفلة عن صورة العمل أو عن حكمه مع كون الواجب من العباديات بناء على القول باعتبار الأمثال التفصيلي فيها ، فإنه على هذا القول تكون القدرة على تحصيل الجزم بالامتثال منوطة بالفحص وتحصيل العلم ويكون تركه موجبا لتفويت القدرة على تحصيل القيد المزبور ( وعليه ) لا وجه لما عن بعض من اطلاق المنع من كون الفحص والتعلم من المقدمات الوجودية وما يتوقف عليه القدرة على فعل المأمور به خصوصا على مختاره من اعتبار الامتثال التفصيلي مهما أمكن في صحة العبادة ( نعم ) مع التمكن من الاحتياط في الواجبات التوصلية وكذا العبادية منها على المختار من عدم اعتبار الامتثال التفصيلي فيها لا مجال لدعوى مقدميه الفحص ووجوبه غيريا ، لاستقلال العقل حينئذ بجواز ترك الفحص والاخذ بالاحتياط في مورد ابتلائه « ولكن » ذلك كله لا ينافي ما ذكرنا من ظهور هذه الأوامر في الارشاد إلى حكم العقل بلزوم الفحص عن الأدلة في مقام الاخذ بالبرائة للفرار عن العقوبة المحتملة بمناط العلم الاجمالي أو بمناط آخر غيره

ص: 479

كما لا ينافي أيضا ظهورها في الحكم الطريقي ولو باعتبار لازمها الذي هو ايجاب الاحتياط علي المسلك الاخر الذي قدمناه كما هو ظاهر « ونتيجة ذلك كله » على كل من المسلكين في الأوامر المتعلقة بتحصيل الفحص والتعلم من الارشادية أو المولوية الطريقية هو استحقاق العقوبة على مخالفة التكليف الواقعي ان اتفق ، لا على ترك الفحص مطلقا ، ولا على تركه المؤدى إلى الوقوع في مخالفة التكليف الواقعي فإذا شرب العصير العنبي قبل الفحص يستحق العقوبة إذا صادف كونه حراما في الواقع وإذا لم يصادف فلا يستحق العقوبة الا من حيث تجربة على القول به ( ولا فرق ) في ذلك بين ان يكون هناك طريق تعبدي على طبق الواقع أو على خلافه بحيث لو تفحص لظفر به ، أو لم يكن في الواقع طريق أصلا ، ( فإنه ) على المختار يكون المنجز للواقع هو العلم الاجمالي لا وجود الطريق المنصوب إليه ولأجله يحكم العقل بعدم المعذورية مع التقصير واستحقاق العقوبة على مخالفة الواقع ان صادف ولو كان في الواقع طريق تعبدي يؤدى إلى خلافه ( وكذلك الامر ) على المسلك الاخر أيضا ، فإنه عليه يكون المنجز للتكليف الواقعي هو الايجاب الطريقي ولا يفرق فيه بين وجود الطريق في الواقع وعدمه ( نعم ) انما يثمر وجود الطريق في الواقع وعدمه على بعض التقريبات المتقدمة لحكم العقل بعدم معذورية الجاهل ، وهو تقريبه من جهة عدم احراز موضوع القبح لاحتمال وجود البيان في الواقع وتمكن المكلف من الوصول إليه بالفحص عنه مما بأيدينا من الأدلة ( فإنه عليه ) تكون العقوبة على الواقع مترتبة على وجدان الطريق المؤدى إليه على تقدير الفحص عنه ، وبدونه لا عقاب على مخالفة الواقع الا من حيث تجربة على القول به فضلا عن صورة وجود الطريق على خلافه ( كما لا فرق ) بين ان يكون التكليف المحتمل من التكاليف المطلقة المنجزة ، أو التكاليف الموقتة أو المشروطة قبل تحقق أوقاتها وشرائطها ، فعلى ما ذكرنا من الارشاد لا يفرق العقل في لزوم الفحص وعدم معذورية الجاهل مع التقصير في ترك تحصيل الواقع بين تلك الموارد ( وكذلك ) الحال بناء على مقدمية الفحص ووجوبه غيريا بمناط المفوتية للقدرة على العمل في الموارد التي يتحقق فيها المناط المزبور ( فإنه على المختار ) في الواجبات المشروطة من الالتزام فيها بالوجوب الفعلي المنوط قبل حصول شرطها في الخارج ، بجعل المشرط والمنوط به فيها هو الشيء بوجوده في لحاظ الامر المتحقق حالا حين انشاء الوجوب لا بوجوده العيني الخارجي

ص: 480

وان الوجود الخارجي شرط لمحركية الامر لا لأصل فعليته لاشكال في وجوبه غيريا واستحقاق العقوبة على مخالفة الواجب بتركه ، فإنه من قبل الطلب الفعلي المنوط بوجود الشرط في لحاظه الامر يترشح طلب غيري منوط بذلك الشيء في لحاظه إلى مقدماته الوجودية التي منها الفحص لحفظ القددة على الواجب في موطن حصول الشرط ( كما لا اشكال ) أيضا على مسلك من ارجع المشروطات طرا إلى المعلقات كالشيخ قده ، حيث إن فعلية وجوبها حينئذ يستتبع قهرا ترشح الوجوب الغيري نحو المقدمات الوجودية ، وبذلك يجب الفحص بوجوب غيري ( نعم ) بناء على مسلك المشهور في المشروطات من اشتراط الوجوب فيها بجميع مباديه بوجود الشرط في الخارج بحيث لا وجوب فيها الا بعد تحقق شرطه في الخارج ، يشكل جدا الالتزام بوجوب التعلم والفحص غيريا ، إذ بعد عدم اتصاف ذيه بالوجوب الفعلي قبل حصول شرطه يستحيل ترشح الوجوب الغيري إلى الفحص والتعلم ، ولازمه هو عدم استحقاق العقوبة على مخالفة التكليف الواقعي بترك الفحص لعدم تعلق تكليف فعلي به لا قبل حصول الشرط لكونه مقتضى إناطة وجوبه بحصوله في الخارج ، ولا بعده أيضا لعدم القدرة على المكلف به في موطن تحقق الشرط لأجل الغفلة الناشئة من ترك التعلم والفحص « ولأجل ذلك » التزم بعضهم كصاحب المدارك قده بالوجوب النفسي التهئ للتعلم واستحقاق العقوبة على ترك نفسه لا على ما أدى إليه من ترك الواجب « وبعض آخر » بوجوبه عقلا للقاعدة العقلية المشتهرة من أن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار « بتقريب » ان العقل كما يحكم بقبح تعجيز العبد نفسه عن القيام بالواجب في الواجب المطلق أو المشروط بعد حصول شرطه ، كذلك يحكم بقبح تعجيز نفسه قبل حصول شرطه عن القيام بالواجب في موطن حصول شرطه فيجب عليه حفظ القدرة على الواجب في وقت امتثاله ، كما يكون على ذلك ديدن العقلاء فيما يتعلق بهم من المصالح والاغراض فيما يأتي من الزمان « فان » بنائهم على الاحتفاظ بما يتمكنون معه على نيلهم بتلك المصالح والاغراض في موطنها ( ولكنهما أيضا كما ترى ) فان الأول منهما غير دافع للاشكال ، إذ بعد ما لا يكون الغرض من الايجاب المزبور بحكم الوجدان هو مطلوبية التهيأ في نفسه ، وانما كان ذلك من جهة مقدميته للتوصل به إلى الايجاب البعدي المعلوم كون الغرض منه أيضا هو التوصل

ص: 481

به إلى وجود المطلوب في موطن حصول شرطه. فلا جرم يعود الاشكال المزبور بأنه إذا كان مطلوبية المطلوب منوطة بوجود الشرط في موطن الخارج كيف يعقل وجوب ما هو مقدمة له قبله مع أن تبعية وجوب المقدمة لوجوب ذيها في الوضوح كالنار على المنار ( واما الثاني ) فبان مورد تلك القاعدة العقلية المشتهرة هو ما إذا كان الامتناع ناشئا عن سوء اختيار المكلف ولا يكون ذلك الا إذا تحقق التكليف الفعلي بالواجب في حقه وقد تساهل المكلف في تحصيل مقدماته حتى عجز عن امتثاله ، وأما إذا لم يتحقق التكليف الفعلي في حقه كما هو مفروض البحث من اباطة التكليف بجميع مباديه بحصول الشرط في الخارج ففي هذه الصورة لا يكون تساهل المكلف في تحصيل تلك المقدمات قبل حصول الشرط في الخارج موجبا لتقصيره ليكون الامتناع امتناعا عن سوء اختياره فلابد حينئذ في جريان تلك القاعدة من اثبات وجوب تلك المقدمات من الخارج عقلا أو نقلا كي يصدق على ترك تحصيلها التفويت عن تقصير فيترتب عليه استحقاق العقوبة بمقتضى القاعدة المزبورة ، والا فاثبات وجوبها بتلك القاعدة وكون التفويت المذكور عن تقصير دور واضح ( وكيف كان ) فقد تلخص مما ذكرنا كله ان أقوى الوجوه في المسألة هو ما نسب إلى المشهور من كون العقاب على ترك الواقع محضا ، وان أضعف الوجوه هو ما نسب إلى المدارك من كون العقاب على نفس ترك التعلم والفحص مطلقا وان لم يؤد إلى ترك الواقع ، فإنه مبنى على كون التعلم واجبا نفسيا تهيئيا ، ومثله مع كونه خلاف المنساق من ظواهر النصوص قد عرفت ما فيه بما لا مزيد عليه ، كما أن أردء الوجوه هو القول بكون العقاب على ترك التعلم والفحص المؤدى إلى ترك الواقع ، إذ هو مبنى على جعل الامر بتحصيل العلم طريقيا ولو باعتبار لازمه الذي هو ايجاب الاحتياط والنهي عن مخالفة التكاليف الواقعية المحتملة ، مع الالتزام أيضا بكونه في فرض المطابقة للواقع ايجابا نفسيا متعلقا بذات العمل في طول الايجاب الواقعي المتعلق به ليكون العقاب على مخالفة نفسه ( وهو كما ترى ) لما فيه أولاً انه مع استقلال العقل بعدم معذورية الجاهل مع التقصير في ترك الواقع يتعين كون الامر به للارشاد محضا حيث لا يبقى معه مجال لأعمال المولوية ( وثانيا ) ما عرفت من أن الحكم الطريقي المصطلح في باب الامارات والأصول هو ما يكون في لب الإرادة

ص: 482

في فرض المطابقة عين الإرادة الواقعية القائمة بالمتعلق بحيث يكون امتثاله عين امتثال الامر الواقعي من دون ان يكون تحت انشائه إرادة أخرى وراء الإرادة الواقعية ومن المعلوم انه لا ينطبق ذلك على الحكم المذكور الا ان يكون لهذا القائل اصطلاح جديد في الحكم الطريقي.

( الجهة الرابعة ) في صحة العمل المأتي به قبل الفحص وفساده ( والتحقيق ) في ذلك على ما يقتضيه أصول المخطئة هو كون العبرة في صحة عمل الجاهل وفساده بمطابقة الواقع ومخالفته ، من غير فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات ، فلو اتى الجاهل قبل الفحص بعمل عبادي أو معاملي بما يطابق البراءة ، مثل لو اتى بالصلاة بدون السورة أو عقد بغير العربية بمقتضى البراءة من جزئية السورة ومن شرطية العربية ، فان انكشف مطابقة العمل للواقع يكون صحيحا مجزيا ، وان انكشف مخالفته للواقع يكون فاسدا غير مجز ( ولا فرق ) في ذلك بين العبادات والمعاملات ، ولا بين ان يكون في البين طريق منصوب على وفق عمله أو على خلافه أو لم يكن في البين طريق أصلا ، فان وجود الطريق المنصوب على الوفاق أو الخلاف على أصول المخطئة غير مثمر في هذه الجهة ( ومن هنا لا نفرق أيضا بين ان يكون العمل الصادر من العامل حال صدوره عن استناد إلى طريق متبع من امارة معتبرة أو فتوى مجتهد ونحو ذلك ، أولاً عن استناد إلى طريق متبع ، فان العبرة كلها في الصحة والفساد تكون بمطابقة العمل للواقع ومخالفته ، فكلما كان العمل مطابقا للواقع كان صحيحا مجزيا لا محالة وان خالف الطريق المنصوب ، وكلما كان مخالفا للواقع كان فاسدا وغير مجز وان وافق الطريق المنصوب الا إذا قام دليل بالخصوص من اجماع أو غيره على الاجتزاء به عن الواقع ، والا فلا يثمر مجرد الموافقة لطريق منصوب في صحة العمل واجزائه ( نعم ) انما تثمر الموافقة للطريق المنصوب في مقام الحكم بالصحة والاجزاء ظاهرا عند عدم انكشاف المخالفة للواقع ، فإنه يكفي في صحته مجرد موافقته للطريق المعلوم حجيته في حقه الواصل إليه ولو بعد عمله ، ولا يلزم في ذلك أن يكون العمل عن اسناد إليه ( ولكن ) ذلك في صورة لم يكن في البين طريق معتبر آخر يقتضى فساد العمل والا فالحكم بالصحة والاجزاء مبنى على اخذ المكلف بالطريق الموافق لعمله ( والسر في هذا التفصيل ) انما هو من جهة احتياج الطرق عند ابتلائها بالمعارض في كونها

ص: 483

حجة فعلية إلى الاخذ بها ( فان ) مقتضى القاعدة الأولية في المتعارضين بعد أن كان هو التساقط وعدم الحجية ، فلا جرم بمقتضى القاعدة الثانوية المستفادة من اخبار التخيير يحتاج كل منهما في صيرورته حجة فعلية على المكلف إلى اخذه به واختياره ليصير بعد الاخذ حجة فعلية ، والا فقبل الاخذ لا يكون واحد منهما حجة فعلية عليه ( وعلى ذلك ) فلو اتى المكلف بعمل عبادي أو معاملي قبل الفحص ثم ظهر بعد ذلك بدليلين أحدهما يوافق عمله والاخر يخالفه ، فقبل الاخذ بأحدهما لا يكون المأتى به محكوما بالصحة ولا الفساد ، واما بعد الاخذ بأحدهما فان كان المأخوذ هو الطريق الموافق يكون المأتى به من حين الاخذ محكوما بالصحة والاجزاء من الأول ويترتب عليه الأثر المقصود ( والا ) فيكون محكوما بالفساد وعدم الاجزاء من الأول ( ويترتب ) على ما ذكرنا انه لو عمل الجاهل العامي عملا من غير تقليد ثم بنى على التقليد فان وافق فتوى المجتهد الذي قلده بعد ذلك كان العمل صحيحا مجزيا وتبرء ذمته وان كان مخالفا لفتوى من يجب تقليده حال العمل « وان انعكس الفرض بان خالف فتوى المجتهد الذي قلده فعلا كان العمل فاسدا غير مجزى وان وافق فتوى من يجب تقليده حال العمل « لان ذلك » هو الذي تقتضيه الحجة الفعلية والامر بالمعاملة معها معاملة الواقع « وكذلك الكلام » فيما لو كان العمل حال وقوعه عن استناد إلى طريق متبع في نفسه ثم انكشف الخلاف بالظفر بقيام طريق أقوى من الطريق السابق مؤدى إلى خلافه « فان » مقتضى القاعدة على ما هو التحقيق من اعتبار الطرق والامارات من باب الطريقية والكاشفية لا الموضوعية والسببية هو عدم الاجتزاء بما عمل ولزوم اعادته على طبق الطريق الفعلي « حيث لا تجدي » قضية الاستناد إلى الطريق السابق الا مجرد المعذورية في مخالفة الواقع من حيث العقاب ما دام بقاء الطريق على حجيته وطريقيته ، لا من حيث الحكم التكليفي والوضعي ، فإذا زال حجيته بقيام طريق أقوى منه على خلافه يجب إعادة ما عمل سابقا على طبق الطريق الفعلي ( وكذلك الكلام ) فيما لو تبدل اجتهاده أو تقليده السابق باجتهاده أو تقليد آخر مؤدى إلى فساد ما عمل سابقا ، فان اللازم هو إعادة ما عمل على طبق الحجة الفعلية ، الا إذا قام دليل من اجماع أو غيره على الاجتزاء بما عمل وترتيب اثار الصحة عليه ، كما في العبادات ( فان الظاهر ) هو قيام الاجماع فيها في الجملة على الاجزاء وعدم

ص: 484

وجوب الإعادة والقضاء في الصور التي يكون كشف الخلاف فيها ظنيا اجتهاديا لا قطعيا ، بخلاف المعاملات بالمعنى الأعم فإنه لم يثبت فيها اجماع كذلك ( وعلى ذلك ) فلو عقد على امرأة بغير العربية مثلا معتقدا صحته باجتهاد أو تقليد فتبدل اجتهاده أو تقليده بعد ذلك إلى فساد العقد المزبور يجب عليه تجديد العقد عليها بمقتضى الاجتهاد أو التقليد الفعلي ، وكذا فيمن اعتقد اجتهادا أو تقليدا حلية الذبيحة بفري الودجين فتبدل اجتهاده أو تقليده بعدم حليتها الا بفري الأوداج الأربعة ، ( فإنه ) يجب عليه ترتيب آثار الميتة عليها من النجاسة وحرمة الاكل وعدم جواز البيع ونحو ذلك من الآثار المبتلى بها فعلا.

( تنبيه ) قد تبين مما ذكرنا سابقا في الجاهل التارك للفحص من دوران استحقاق العقاب على مخالفة لواقع وعدمه الملازمة بين استحقاق العقاب وفساد العمل واقعا وكذلك الملازمة بين صحة العمل واقعا وعدم استحقاق العقاب ( ولكن ) قد انتقض هذه الملازمة في موردين ( أحدهما ) الجهر بالقراءة في موضع وجوب الاخفات وبالعكس جهلا بالحكم ولو عن تقصير ( وثانيهما ) الاتمام في موضع وجوب القصر وبالعكس على قول وان كان التحقيق خلافه ( فان الأصحاب ) قدس هم قد أفتوا تبعا للنصوص المتضافرة المروية عن الأئمة علیهم السلام بصحة الصلاة في الموردين مع الجهل بالحكم ولو عن تقصير ، مع التسالم على استحقاق العقوبة أيضا بمقتضى اطلاق كلماتهم من عدم معذورية الجاهل بالحكم عن تقصير ( ولأجل ذلك ) وقع الاشكال بأنه كيف يمكن الجمع بين صحة المأتى به واستحقاق العقاب ( بتقريب ) ان المأمور به ان كان هو المأتى به كما يشعر به قوله (عليه السلام) تمت صلوته فلا معنى لاستحقاق العقاب ، وان كان غيره فلا وجه لصحة المأتى به وتماميته في الوفاء بالفريضة مع فرض انكشاف الخلاف في الوقت والتمكن من الاتيان بما هو الواجب واقعا ( ولكن ) يمكن الذب عن الاشكال بالالتزام بتعدد المطلوب بان يكون الجامع بين القصر والتمام ، وكذا الجهر والاخفات مشتملا على مرتبة من المصلحة الملزمة ويكون لخصوصية القصرية وكذا الجهرية مصلحة زائدة ملزمة أيضا ، مع كون المأتى به الفاقد لتلك الخصوصية من جهة وفائه بمصلحة الجامع المتحقق في ضمنه مفوتا للمصلحة الزائدة القائمة بالخصوصية القصرية أو الجهرية بحيث لا يبقى مع استيفائها به مجال لتحصيل مصلحة الزائدة القائمة بالخصوصية ، وذلك أيضا لا بمناط العلية كي يلزم حرمته وفساده ، بل بمناط

ص: 485

المضادة بين المصلحتين ولو من جهة حديهما القائمين بالخصوصيات المفردة للطبيعة ( فإنه بهذا البيان ) يمكن الجمع بين صحة المأتى به في حال الجهل وتمامية في الوفاء بالفريضة الفعلية ، وبين استحقاق العقوبة على ترك الواجب « حيث إن » صحة المأتى به وتمامية انما هو لوفائه بمرتبة من المصلحة الملزمة القائمة بالجامع المتحقق في ضمنه وصيرورته بذلك مأمورا به بمرتبة من الامر المتعلق بالجامع ضمنا « واما استحقاق » العقاب فهو من جهة تفويته للمصلحة الزائدة القائمة بالخصوصية القصرية ، أو الجهرية والاخفاتية « واما توهم » اقتضاء البيان المزبور للاجتزاء بالفاقد للخصوصية مطلقا حتى في صورة العلم بوجوب الخصوصية ، لوضوح عدم كون العلم بوجوبها موجبا لقلب الفاقد عما له من الوفاء بمصلحة الطبيعي والجامع ، ومثله مما يقطع بفساده « فمدفوع » بأنه كذلك لولا اختصاص فردية الفاقد بحال الجهل بالامر بالخصوصية والا فينحصر الفرد في حال العلم بخصوص الواجد ، ومعه لا يعقل تحقق المصلحة ولو بمرتبة منها بغير الواجد حتى يتوجه الاشكال المزبور « وبما ذكرنا » يندفع أيضا ما عن بعض من الاشكال على التقريب المزبور بأنه ان كان للخصوصية القصرية أو الجهرية دخل في مصلحة الواجب في حال الجهل فلا يعقل حصولها وسقوط التكليف عنه بفعل الفاقد لتلك الخصوصية خصوصا مع امكان استيفاء تلك الخصوصية في الوقت كما لو علم بالحكم في الوقت ، لأنه لا يعتبر في استيفاء المصالح الا مجرد القدرة على فعل متعلقاتها وهي بالوجدان حاصلة ، الا إذا كان ثبوت المصلحة في الصلاة المقصورة مشروطا بعدم سبق الصلاة التامة من المكلف وهذا خلف ، فان لازمه خلو الصلاة المقصورة عن المصلحة في حال الجهل ولازمه عدم استحقاق العقاب رأسا وان لم يكن لها دخل في مصلحة الواجب ، فاللازم هو الحكم بالتخيير بين القصر والتمام غايته ان يكون القصر أفضل فردي التخيير لاشتماله على الخصوصية الزائدة ولا وجه لاستحقاق العقاب « إذ فيه » ان للخصوصية القصرية وان كان دخل في مصلحة الواجب حتى في حال الجهل الا ان دخلها انما هو في كمال المصحلة لا في أصلها ولو بمرتبة ملزمه منها وهذه المرتبة تحصل لا محالة بفعل الفاقد غايته ان يكون حصولها به موجبا لعدم التمكن من استيفاء الزائد لمكان تضاد المصلحتين ولو بلحاظ حديهما القائمين بالخصوصيات المفردة للطبيعي بنحو لا يمكن اجتماعها في الاستيفاء

ص: 486

وبهذه الجهة قلنا باستحقاق العقوبة على تفويت المصلحة الزائدة ( قوله ) انه لا يعتبر في استيفاء المصلحة الا القدرة على متعلقها وهي حاصلة بالوجدان خصوصا في الوقت ( فيه ) ان الحاصل بالوجدان انما هو القدرة على الاتيان بصورة الصلاة المقصورة ، لا القدرة على الاتيان بحقيقتها القائمة بها المصلحة الكاملة ولا ملازمة بين القدرة على صورة الصلاة والقدرة على استيفاء مصلحتها كما هو ظاهر ( واما قوله الا إذا كان ثبوت المصلحة في الصلاة المقصورة مشروطا الخ ، ففيه ان المشروط بعدم سبق الصلاة التامة من المكلف انما هو القدرة على استيفاء مصلحة الصلاة المقصورة لا أصل مصلحتها ، وبينهما فرق واضح ، والتوالي الفاسدة انما تترتب على الثاني لا الأول ، فإنه يكون من قبيل تفريت شرط الواجب لا الوجوب ، فالاشكال المزبور بلزوم الخلف وعدم استحقاق العقاب ناش عن الخلط بينهما فتدبر ( وحينئذ ) فعلى ما ذكرنا لا قصور في المقام بالجمع بين استحقاق العقوبة وصحة المأتى به بعنوان كونه فريضة فعلية كما هو ظاهر قوله (عليه السلام) تمت صلوته المنصرف إلى كون اتيانه بهذا العنوان ، حيث إنه بالالتزام بتعدد المطلوب يكون المأتى به صحيحا ومأمورا به بالامر بالجامع بين الفردين المتحقق في ضمن هذا الفرد أيضا ، من دون حاجة إلى اثبات الامر به من الخارج ( نعم ) انما يحتاج إلى ذلك فيما لو كان فردية الفاقد للطبيعة في ظرف الجهل بالامر بأصل الطبيعة التي هي مرتبة من المطلوب ، فإنه بعد استحالة شمول الامر بالطبيعة لمثل هذا الفرد ، لا محيص في كونه مأمورا به بالامر الفعلي من أن يكون بأمر آخر غير الامر بالطبيعي المتحقق في ضمن الخصوصية ( لا فيما كان فرديته ) في ظرف الجهل بالامر بالخصوصية ، فإنه حينئذ يمكن كونه مأمورا به فعلا بنفس الامر بالطبيعي المتحقق في ضمنه خصوصا إذا قلنا بعدم اختصاص فردية الفاقد للطبيعي بحال الجهل بوجوب الخصوصية أيضا وان غايته هو انحصار فرد الجامع عند العلم بوجوب الخصوصية بخصوصية الواجد ، لا اختصاص فردية الفاقد بحال الجاهل به ( وعليه ) فلا بأس بالاتيان به بداعي الامر بالطبيعي المتحقق في ضمنه ( ولا وجه ) لمنع كونه مأمورا به بالامر الفعلي ، إذ لا يلزم من الالتزام بما ذكرنا محذور بعد سقوط الامر بالخصوصية في ظرف الجهل به عن المحركية الفعلية خصوصا مع الغفلة عن الواقع لأجل ترك الفحص حيث لا يلزم منه اجتماع الامرين في المحركية الفعلية في زمان واحد كما هو

ص: 487

ظاهر ( وبذلك ) أيضا نقول انه لا يحتاج في تصحح الامر الفعلي بالفاقد إلى التشبث بقاعدة الترتب المعروف ، كي يمنع عن صحة كبرى القاعدة تارة ، وعن صغراها في المقام أخرى ، وان كان التحقيق هو صحة كبرى القاعدة ، بل وصغراها أيضا في المقام مع قطع النظر عما ذكرناه ولو بالالتزام بطولية المصلحتين وكون الامر بالفاقد مشروطا بمخالفة الواقع عن جهل ، فإنه بهذا المقدار يمكن الالتزام في المقام بالخطاب الترتيبي إذ لا نعني من الخطاب الترتيبي الذي هو محل النزاع الا اجتماع الامر المطلق بشيء والمشروط بمخالفته بشيء آخر في زمان واحد كان طولية الامرين من جهة طولية المصلحتين أو من جهة طولية القدرة على استيفائهما كما هو ظاهر ( وقد يتقصى ) عن الاشكال بوجه آخر ، وحاصله هو انه من الممكن في مسألة الجهر والاخفات ان يكون الواجب على عامة المكلفين هو القدر المشترك بينها ويكون الجهر والاخفات بالقراءة في موارد وجوبهما واجبان نفسيان مستقلان في الصلاة بنحو تكون الصلاة ظرفا لامتثالهما كسائر موارد وجوب الشيء في ظرف واجب آخر الا انه بالعلم به ينقلب وجوبه النفسي إلى وجوب الغيري ويصير قيدا للصلاة ولا مانع من أن يكون صفة العلم موجبة لتبدل صفة الوجوب من النفسية إلى الغيرية ، وبذلك يرتفع أصل الاشكال اما صحة المأتى به فلكونه مأمورا به في حال الجهل ، واما العقاب فهو من جهة ترك الواجب النفسي ، وكذلك الامر في مسألة الاتمام في موضع وجوب القصر فيكون الواجب على المسافر هو أحد الامرين من القصر والتمام تخييرا ، ولكن في القصر خصوصية تقتضي تعينه لا على وجه القيدية بل على وجه النفسية وبالعلم بالحكم ينقلب وتصير تلك الخصوصية قيدا للصلاة ( وفيه ) مضافا إلى بعده في نفسه وان صفه استقلالية الوجوب بعد أن كانت محفوظة في رتبة سابقة على العلم بها يستحيل صيرورة العلم بها موجبا لانقلاب الوجوب عما هو عليه من الصفة في مرتبة وجوده إلى صفة أخرى ( نعم ) الممكن انما هو صيرورة العلم بوجوب الشيء موجبا لاحداث وجوب آخر في المرتبة المتأخرة عنه ، ولكن لازم ذلك في المقام هو الالتزام بتعدد العقوبة عند ترك الجهر بالقراءة مع العلم بوجوب الجهر ، أحدهما على ترك الجهر المعلوم وجوبه نفسيا ، وثانيهما على ترك الصلاة المقيدة به في الرتبة المتأخرة عن العلم وهو كما ترى « ولكنه » على ما في التقرير عدل عن ذلك فالتزم بان الواجب على المسافر الجاهل

ص: 488

انما هو التمام ولا يصح منه القصر ولو تمشى منه قصد القربة واستظهر أيضا تسالم الفقهاء على ذلك بعدما استظهر خلافه سابقا ومنع عن أصل العقاب « وفيه أيضا » لا يخفى فإنه من غرائب الكلام خصوصا فيما استظهره من تسالم الأصحاب على ذلك ، إذ هو مع كونه على خلاف ما بنوا عليه من اشتراك الاحكام بين العالم والجاهل وما تقتضيه اطلاق كلامهم باستحقاق الجاهل بالحكم عن تقصير للعقاب الشامل للمقام بل تصريح بعضهم بذلك ، انه لا يستفاد من كلماتهم في المقام الا صحة المأتى به تماما في حال الجهل بالحكم تبعا لما في النصوص من أنه لا إعادة عليه إذا لم تقرء عليه آية التقصير ولم يعلمها « واما » ان الواجب واقعا في حق المسافر الجاهل هو التمام بحيث لا يصح منه القصر ولو تمشى منه قصد القربة فلا ، بل الظاهر هو تسالمهم على الصحة قصرا في الفرض المزبور « هذا تمام الكلام » في الجزء الثالث من الكتاب ويتلوه

الجزء الرابع انشاء اللّه والحمد لله أولاً وآخرا وصلى اللّه على محمد خير خلقه

وآله الطاهرين ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين « وقد وقع

الفراغ من تسويده على يد العبد الاثم محمد تقي النجفي البروجردي ابن

عبد الكريم في ثلاثة خلون من شهر رجب المرجب سنة 1352

اثنين وخمسين بعد الألف وثلاثمائة من الهجرة النبوية

عليه وعلى أخيه والأئمة من ذريته آلاف الثناء والتحية

ويتلوه الجزء الرابع في الطبع انشاء اللّه تعالى

ص: 489

الفهرست

في الحالات الطارئة للمكلف عند التفاته للحكم الشرعي وعمومية الاحكام الاصولية للمجتهد والمقلد 1

في بيان وجه تثليث الاقسام... 4

المقصد الاول في حجية القطع عقلا... 6

في امتناع اخذ عنوان القطع في متعلقه وعدم صحة اطلاق الحجة عليه... 9

في صحة وقوع الظن وسطا في القياس... 11

في اقسام القطع... 14

في قيام الامارات والاصول مقام القطع الطريقي... 18

في قيام الامارات والاصول المحرزة مقام القطع الماخوذ تمام الموضوع... 23

في قيام الامارات والاصول المحرزة مقام القطع الماخوذ جزء الموضوع... 25

في جريان الشقوق والصور المذكور في الظن ايضا... 27

في حرمة التجري ونقل الاقوال الستة فيه... 30

في الجواب عن شبهة اجتماع الضدين على القول بالحرمة... 31

في عدم استتباع التجري للحكم المولوي وتضعيف سائر الاقوال فيه... 36

الكلام في اقسام التجري وفيما يمكن ان يجعل ثمرة للنزاع في التجري... 41

في عدم الفرق بين اسباب القطع الطريقي المحض وفي مخالفة جماعة من اصحابنا الاخباريين... 42

في توجيه كلام الاخباريين في عدم اعتبار القطع الناشي من غير الادلة السّمعية... 44

في اعتبار العلم الاجمالي وتنجزه في حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية... 46

في عدم لزوم الموافقة الالتزامية... 53

المقصد الثاني في امكان التعبد بالظن ووقوعه خارجا... 55

ص: 490

في ادلة القائلين بامتناع التعبد بالظن... 57

في الجواب عن تلك الادلة القائمة بالامتناع وصحة الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري... 60

في جواب المحقق الخراساني قده عن شبهة اجتماع الحكمين في موضوع ومتعلق واحد... 69

في الجواب عما افاده قده وبعض الاعاظم قده... 70

في بيان وجه منجزية اوامر الطرق والاصول المحرزة... 73

الكلام في وقوع التعبد خارجا وتأسيس الاصل عند الشك في حجية شيء وعدم الظفر بالدليل على حجيته 80

في حجيته الظواهر والبحث عن مصاديقها... 85

في اناطة حجية الظهور بالظن الفعلي او بالظن النوعي... 89

في حجية مطلق الظواهر بالنسبة الى غير من قصد افهامه بالخطاب ومخالفة المحقق القمي قده... 90

في حجية ظواهر الكتاب ومخالفة بعض الاخباريين وادلّتهم والجواب عنهم... 91

في حجية ظواهر الكتاب في ما لو اختلف القرائة في الكتاب ... 93

في حجية قول اللغوي... 94

في حجية الاجماع المنقول... 96

في حجية الشهرة الفتوائية... 99

في حجية الخبر الواحد... 101

في استدلال النافين للحجية بالايات والجواب عنه... 102

في استدلال النافين للحجية بالاخبار والجواب عنه... 104

في استدلال النافين للحجية بالاجماع والعقل والجواب عنه... 106

في اثبات حجية الخبر الواحد بآية النباء... 107

في بيان ما اورد على الاستدلال بالاية على حجية الخبر الواحد والجواب عنه... 110

في بيان الاشكالات الواردة لجميع ادلة حجية الخبر الواحد والجواب عنها... 118

الاشكال في اصل شمول ادلّة الحجية للاخبار الحاكية لقول

ص: 491

الامام 7 بواسطة أو بوسائط والجواب عنه... 120

الاستدلال على حجية الخبر الواحد بايه النفر والمناقشة فيها والجواب عنها... 125

الاستدلال على حجية الخبر الواحد بايه الكتمان والسؤال... 129

الاستدلال على حجية الخبر الواحد بايه الاذن... 311

الاستدلال بالاخبار الدالة على حجية الخبر الواحد... 132

الاستدلال بالاجماع على حجية الخبر الواحد... 136

الاستدلال بالسّيرة على حجية الخبر الواحد... 137

الاستدلال بالدليل العقلي بوجوهه على حجية الخبر الواحد... 138

الاستدلال على حجية الخبر الواحد بوجوه عقلية اخر دالة لحجية مطلق الظن... 143

في دليل الانسداد وبيان المقدمات المعتبرة فيه وفي منشاء اختلاف المسالك فيه ... 145

في الاستدلال لاعتبار المقدمات في دليل الانسداد... 149

في الوجوه الدالة على بطلان الاحتياط التام في جميع الوقايع المشتبهة... 153

في ان بطلان الاحتياط التام لا يستلزم الكشف... 156

في تقرير دليل الانسداد على نحو الحكومة العقلية... 160

في بيان الوجهين المتصورين في تقرير الحكومة... 163

دليل الانسداد والتنبيه على امور... 165

الاول في كون نتيجة المقدمات هو العموم او الخصوص... 651

الثاني في ان نتيجة الانسداد هل هي مطلقة او مهملة... 174

الثالث في وجه خروج القياس عن عموم نتيجة دليل الانسداد... 179

الرابع في وجوب العمل بالظن المانع والممنوع او تساقطهما... 181

الخامس في عدم اعتبار الظن بالامتثال بدليل الانسداد... 183

السادس في جابرية مطلق الظن وموهنيته للرواية سندا ودلالة... 184

في حجية الظن في الاصول الاعتقادية... 187

في بيان وجه كفر منكر الضروري هل هو لمحض انكاره او استلزامه لتكذيب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 190

في كفاية اظهار الشهادتين في الحكم بالاسلام وعدمها ولزوم

ص: 492

الاعتقاد في الباطن ايضا... 191

هل يعتبر في معرفة الواجب تعالى وصفاته ومعرفة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من كونها حاصلة عن اجتهاد ونظر أو يكفي الحزم الحاصل من التقليد 419

المقصد الثالث في أحكام الشكوك

في حكومة الامارات على الأصول... 196

في اصالة البرائة... 199

في حكم الشك في التكليف ( في الشبهة الحكميّة التحريميّة لاجل فقدان النص ) ... 201

في الاستدلال بالايات على البرائة... 202

في الاستدلال بالأخبار على البراءة... 208

في حديث الرفع... 209

في الاستدلال على البرائة بحديث الحجب... 226

في الاستدلال على البرائة بالاجماع... 235

في الاستدلال على البرائة بدليل العقل... 235

في الاستدلال على البرائة بالاستصحاب... 238

الاستدلال بالاخبار الاخر على البرائة... 239

في بيان ادلة وجوب مراعات الاحتياط في الشبهات الحكمية ( الاستدلال بالايات )... 241

في الاستدلال بالاخبار... 242

في الاستدلال بدليل العقل... 247

اعتبار عدم وجود اصل حاكم في جريان اصالة الاباحة في مشتبه الحكم... 255

في رجحان الاحتياط... 258

في الشبهة التحريمية لاجل اجمال النص... 262

في الشبهة التحريمية لاجل تعارض النصين... 263

في ذكر الشقوق المتصورة في الشبهة الموضوعية الوجوبية والتحريمية... 264

في تردد الفائتة من الصلوة بين الاقل والاكثر... 270

في رجحان الاحتياط وجريانه في التوصليات والتعبديات... 273

في التسامح في ادلة السنن... 276

عمومية ادلة البرائة في الشك في الوجوب التعييني والتخييري... 287

في دوران الامر بين الوجوب الكفائي والاباحة... 291

في دوران الامر بين المحذورين... 292

ص: 493

الموضع الثاني في الشك في المكلف به مع العلم بالتكليف... 297

في العلم الاجمالي... 298

في شمول ادلة الاصول بذاتها للشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي مع قطع النظر عن منجزية العلم 300

في صلاحية العلم الاجمالي للمنجزية بالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية... 305

في علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية على وجه يمنع عن مجئ الترخيص على الخلاف ولو في بعض الاطراف 307

في ان جعل البدل لا ينافي علية العلم الاجمالي... 313

لازم القول بالاقتضاء هو التخيير في الاصول النافية المشتملة على خلاف الواقع... 317

لازم القول بالاقتضاء جواز الرجوع الى الاصل النافي للتكليف في بعض الاطراف عند خلوه عن المعارض في الطرف الاخر 320

في تنبيهات منجزية العلم الاجمالي... 322

في بيان الضابط لكون الشبهة غير محصورة... 328

في حكم الشك في كون الشبهة غير محصورة... 335

اعتبار دخول جميع الاطراف في محل الابتلاء... 338

حكم الشك في خروج بعض اطراف العلم الاجمالي عن مورد الابتلاء... 341

فيما الحق بالخروج عن الابتلاء... 347

في انحلال العلم الاجمالي بالاضطرار الى البعض المعين والى غير المعين وعدمه... 350

حكم ملاقي ( بالكسر ) بعض اطراف الشبهة المحصورة... 353

حكم الملاقي بالفتح اذا كان نجاسته ناشئة عن العلم بنجاسة الملاقي بالكسر او الطرف... 359

في حكم ما لو فقد الملاقي بالفتح... 363

في حكم ما اذا كان لاحد طرفي العلم الاجمالي اثر واحد وللاخر اثران وشك في ان الاثرين عرضيان او طوليان 365

المبحث الثاني في الشبهة الوجوبية اذا كان الواجب مرد دابين أمرين متباينين... 366

في وجوب الاحتياط في موارد الشبهة الموضوعية في الشرائط والموانع وعدمه... 369

في كيفية الاحتياط في العبادة في موارد العلم الاجمالي... 370

حكم ما لو كان المعلوم بالاجمال امرين مترتبين... 371

دوران الامر بين الاقل والاكثر... 373

في اقسام الاقل والاكثر... 374

ص: 494

ذكر الوجوه التي استدل بها في المقام لتقريب الاشتغال والجواب عنها... 385

في جريان البرائة الشرعية في الاقل والاكثر وعدم صحّة التفكيك بينها وبين العقلية... 389

فيما لو كان الاقل والاكثر من قبيل الجنس والنوع... 396

في جريان البرائة الشرعية في الاقل والاكثر اذا كانا من قبيل الجنس والنوع عدمه... 398

في دوران الاقل والاكثر في الاسباب والمحصلات فيما كان المأمور به عنوانا بسيطا... 401

في دوران الامر بين الاقل والاكثر الارتباطي في الشبهة الموضوعية... 408

في بيان المايز بين القاطع والمانع وحكم الشك في القواطع والموانع... 411

في حكم الشك في المانع... 415

في امكان استصحاب صحة العبادة عند الشك في طرو المفسد لها... 416

اذا ثبت جزئية شيء وشك في ركنيته فهل الاصل يقتضي الركنية أولا... 418

في عدم امكان تكليف الفعل بالنسبة الى الجزء المنسي حال نسيانه وامكانه بالنسبة بما عداه او عدم امكانه 419

في قيام الدليل على تكليف الناسي حال نسيان الجزء بالخالي عن الجزء المنسي وعدمه... 423

صحة التمسك بحديث الرفع في عدم الجزئية في حال النسيان وعدمها... 425

في عمومية حديث لا تعاد لصورتي الجهل والنسيان وعدمها... 433

بطلان العمل بالزيادة عمدا وسهوا وتصوير الزيادة الحقيقية في الاجزاء... 436

في حكم الزيادة العمدية والسهوية من حيث صحة العمل وبطلانه بحسب ما تقتضيه القاعدة الاولية... 440

فيما تقتضيه القاعدة الثانوية المستفادة من الأدلة على خلاف مقتضى القاعدة الاولية... 441

مقتضى القاعدة في الاضطرار الى ترك الجزء او الشرط... 446

في قيام الدليل على ثبوت التكليف بما عدا المعتذر على خلاف ما اقتضه القاعدة الاولية... 448

في قاعدة الميسور واثبات ما عدا المعتذر... 455

اذا كان للمركب بدل اضطراري وتعذر بعض اجزائه فهل يلزم الاتيان بالناقص او الانتقال الى البدل او التخيير 460

الخاتمة فيما يعتبر في العمل بالاصول ، في ما يعتبر في الاحتياط... 461

ص: 495

فيما لو عرض في اثناء الصلوة ما يوجب الترديد في اتمام العبادة... 466

فيما يعتبر في العمل بالبرائة... 468

في استحقاق التارك للفحص للعقاب وعدمه... 476

في ان العبرة في صحة العمل مطلقا بمطابقة الواقع... 482

في حل الاشكال في مسئلة القصر والاتمام والجهر والاخفات... 484

ص: 496

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.