سرشناسه : سیدمرتضی، علی بن حسین ، 355 - 436 ق.
عنوان و نام پديدآور : الملخص فی اصول الدین/ علی بن الحسین الموسوی علم الهدی ؛ تحقیق عده من المحققین؛ اشراف محمدحسین الدرایتی؛ [تهیه کننده] مرکز همایش های علمی و پژوهش های آزاد دارالحدیث.
مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی ، 1441ق. = 1398.
مشخصات ظاهری : 2ج.
فروست : الموتمرالدولی لذکری الفیه الشریف المرتضی. مولفات الشریف المرتضی ؛ 8.
شابک : دوره : 978-600-06-0396-0 ؛ ج.1 : 978-600-06-0397-7
وضعیت فهرست نویسی : فاپا
يادداشت : عربی.
موضوع : توحید
*Tawhid (Unity of God)
خدا -- صفات
God-- Attributes
شیعه امامیه -- عقاید
*Imamite Shi'ah -- Doctrines
عدل (اصول دین)
*Justice (Pillars of Islam)
شناسه افزوده : درایتی ، محمدحسین ، 1343 -
شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی
شناسه افزوده : Islamic Research foundation
شناسه افزوده : موسسه علمی فرهنگی دارالحدیث . مرکز همایش های علمی و پژوهش های آزاد
رده بندی کنگره : BP217/4
رده بندی دیویی : 297/42
شماره کتابشناسی ملی : 5559722
اطلاعات رکورد کتابشناسی : فاپا
ص: 1
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 2
الملخّص في أُصول الدين الشريف المرتضى
عليّ بن الحسين الموسوي، علم الهدى
(355-436 ه)
المجلّد الثاني
تحقيق
عدّة من المحقّقين
مؤلّفات الشريف المرتضى / 9
ص: 3
ص: 4
تتمّة القسم الثاني: الصفات السلبيّة
الفصل الرابع: في الدلالة علىٰ أنّه تعالىٰ واحد لا ثاني له في القدم... 7
الفصل الخامس: في الردّ على الأديان المخالفة في صفاته تعالىٰ ... 37
الباب الثالث: الكلام في العدل... 67
الفصل الأوّل: في بيان ضروب الأفعال و أقسامها... 71
الفصل الثاني: في أنّه تعالىٰ قادر علىٰ القبيح، لكن لا يختاره... 103
الفصل الثالث: الكلام في الإرادة... 133
الفصل الرابع: الكلام في الكلام و أحواله و أحكامه... 217
الفصل الخامس: الكلام في المخلوق... 313
الفهارس العامّة... 367
ص: 5
ص: 6
ص: 7
ص: 8
الذي يَدُلُّ علىٰ ذلكَ : أنّه لَو شارَكَه مُشارِكٌ في القِدَمِ ، لَوجبَ أن يَكونَ مِثلاً له، و مُستَحِقّاً لجميعِ ما يَستَحِقُّه مِن الصفاتِ النفسيّةِ ، و ذلكَ يَقتَضي كَونَه قادراً لذاتِه، و الاشتراكُ في كَونِهما قادرَينِ لذاتِهما يَنقُضُ حُكمَ كَونِ القادرِ قادراً؛ لأنّ حُكمَ كُلِّ قادرٍ صحّةُ التمانُعِ بَينَه و بَينَ غَيرِه مِن القادرِينَ ، و إذا كانا قادرَينِ للنَفسِ (1) لَم يَجُز أن يَتَمانَعا؛ لأنّ أحَدَهما إذا أرادَ أن يَفعَلَ ضِدَّ ما يَفعَلُه الآخَرُ، لَم يَخلُ مِن أن يوجَدَ المُرادانِ ، أو أن يَرتَفِعا، أو يُوجَدَ أحَدُهما.
و في الأوّلِ وجودُ الضِّدَّينِ . (144)
و في الثاني وجودُ ضَعفِهما و تَناهي مَقدورِهما، و إخراجُهما مِن أن يَكونا قادرَينِ لأنفسِهما.
و في الثالثِ وجوب ضَعفِ الذي(2) لَم يُوجَدْ مُرادُه و تَناهي مقدورِه، و ذلكَ يَقتَضي كَونَه قادراً بقُدرةٍ ، و أنّه جسمٌ مُحدَثٌ .
ص: 9
فوجبَ نَفيُ ثانٍ في القِدَمِ ؛ لفَسادِ ما يُؤَدّي إليه.
و هذه الجُملةُ التي ذَكَرناها في الاستدلالِ ، لا تَثبُتُ (1) إلّابَعدَ بيانِ أشياءَ :
[1.] مِنها: أنّ القَديمَ قَديمٌ لنفسِه، و أنّ ما شارَكَه في كَونِه قديماً يَجِبُ أن يَكونَ مِثلَه و مُشارِكاً له في جميعِ صفاتِه النفسيّةِ .
و هذا ممّا قد مَضَى الكلامُ عليه في بابِ الصفاتِ مُستَقصىً (2).
[2.] و مِنها: أنّ التمانُعَ يَصِحُّ بَينَ كُلِّ قادرَينِ ، و أنّه مِن حُكمِ كَونِ القادرِ قادراً. و يدخُلُ في [ذلكَ ](3) أنّ مقدورَ كُلِّ واحدٍ مِنهما يَجِبُ أن يَكونَ غَيرَ مقدورِ صاحبِه، و أنّ القادرَ علَى الشيءِ لا بُدَّ مِن أن يَكونَ قادراً علىٰ جنسِ ضِدِّه، إذا كانَ له ضِدٌّ.
[3. و مِنها: أنّ القادرَ لنفسِه يَجِبُ أن لا يَتَناهىٰ مقدورُه مِن الجنسِ الواحد في الوقتِ الواحدِ].(4)
[4.] و مِنها: أنّ الممنوعَ لا بُدَّ أن يَكونَ مُتَناهيَ المقدورِ.
[5.] و مِنها: أنّ المُتَناهِيَ المقدورِ لا يَكونُ إلّاقادراً بقُدرةٍ .
[6.] و مِنها: أنّ القادرَ بقُدرةٍ لا يَكونُ إلّاجسماً، و الجسمَ لا يَكونُ إلّامُحدَثاً.
فأمّا الكلامُ في أنّ التمانُعَ يَصِحُّ بَينَ كُلِّ قادرَينِ فواضِحٌ ؛ لأنّ مُفارَقةَ حالِ القادرِ
ص: 10
الواحدِ في ذلكَ لِحالِ القادرَينِ مِن المعلومِ ضَرورةً ، و كُلُّ مَن عَلِمَ القادرَ قادراً، عَلِمَ صحّةَ مُمانَعتِه لِقادرٍ آخَرَ قَبلَ تَصفُّحِ أحوالِه. و صحّةُ التمانُعِ تَنفي(1) أن يَكونَ مقدورُهما واحِداً(2)، و تَقتضي(3) أنّ كُلَّ واحدٍ مِنهما قادرٌ(4) علىٰ ضِدِّ ما يَقدِرُ عليه صاحبُه.
علىٰ أنّ صحّةَ التمانُعِ بَينَ القادرَينِ تَفتقِرُ(5) إلىٰ أصلَينِ ، ما فيهما إلّاثابتٌ بالدليلِ الواضحِ :
أحدُهما: أنّ القادرَينِ لا يَجوزُ أن يَكونَ مقدورُهما واحداً، و أنّه لا بُدَّ مِن تَغايُرِ مقدورِهما.
و الثاني: أنّ القادرَ علَى الشيءِ قادرٌ علىٰ جنسِ ضِدِّه.
و هذانِ الأصلانِ مِن حَقِّهما أن يُذكَرا عند الكلامِ في أبوابِ العَدلِ ، إلّاأنّنا نَتكلَّمُ الآنَ علىٰ أنّ المقدورَ الواحدَ لا يَكونُ مقدوراً - علىٰ سَبيلِ الإحداثِ - لقادرَينِ ، و نؤَخِّرُ إبطالَ كَونِهما «مقدورَين علىٰ وَجهَين مُختَلِفَين لقادرٍ واحدٍ» إلَى الكلامِ في العَدلِ ؛ فإنّه(6) أخَصُّ به(7). و نُشيرُ إلىٰ جُملةٍ في أنّ القادرَ علَى الشيءِ قادرٌ علىٰ جنسِ ضِدِّه، و نؤَخِّرُ استقصاءَ ذلكَ إلىٰ مَوضِعِه(8).
ص: 11
و الذي يَدُلُّ علىٰ فَسادِ كَونِ المقدورِ الواحدِ لقادرَينِ : أنّه يؤَدّي إلىٰ إضافةِ الفعلِ (1) إلى مَن يَجِبُ نَفيُه عنه، أو نَفيُه عمّن يَجِبُ إضافتُه إليه؛ و في هذا إبطالُ الطريقِ إلَى العِلمِ بكَونِ الفاعلِ فاعلاً أو أنّه(2) لَيسَ بفاعلٍ .
و إنّما قُلنا ذلكَ ؛ مِن حَيثُ عَلِمنا أنّ مقدورَهما إذا كانَ واحداً، فيَجِبُ متىٰ وُجِدَ، أن يَكونَ فِعلاً لهما جميعاً؛ لأنّ (3) ما له يَصيرُ الفِعلُ فِعلاً لفاعلِه لَيسَ بأكثَرَ مِن وجودِه بَعدَ أن كانَ قادراً عليه، و هذا الحُكمُ حاصلٌ معهما له، فيَجِبُ أن يَكونَ فِعلاً لهما.
و إذا ثَبَتَ ذلكَ ، و نَحنُ نَعلَمُ أنّه يَصِحُّ مِن أحَدِهما أن تَدعوَه الدواعي إلىٰ فِعلِ ذلك المقدورِ فيُريدَ إيجادَه، مع كَونِ الآخَرِ كارهاً لإيجادِه مصروفاً مِن فِعلِه؛ لأنّ كَونَهما قادرَينِ يَقتَضي صحّةَ ذلكَ ، و إنّما يَستَحيلُ علَى الذاتِ الواحدةِ في الحالةِ الواحدةِ الاختلافُ في الدواعي و الإرادةِ و الكَراهةِ .
و إذا ثَبَتَت هذه الجُملةُ ، لَم تَخلُ حالُ ذلكَ المقدورِ مِن وَجهَينِ : إمّا أن يوجَدَ، أو لا يوجَدَ. و في وجودِه إثباتُ الفِعلِ لِمَن يَجِبُ نفيُه عنه؛ لأنّ غايةَ ما يَقتَضي (145) انتفاءَ (4) الفِعلِ مع التخليةِ هي الكَراهةُ و ثُبوتُ الصَّوارفِ . و في ارتفاع الفِعلِ نفيُه عمّن يَجِبُ إثباتُه له؛ مِن حَيثُ كانَ كَونُ المُريدِ مُريداً، و حُصولُ
ص: 12
الدواعي، مع التخليةِ (1) و زَوالِ المَوانعِ ، غايةَ ما يَقتَضي ثُبوتَ الفِعلِ .
و يَجِبُ علىٰ هذا الوجهِ أيضاً تَعذُّرُ الفِعلِ علَى القادرِ مِن غَيرِ مَنعٍ .
فيَجِبُ علىٰ هذا فَسادُ كَونِ المقدورِ الواحدِ مقدوراً لقادرَينِ ؛ لاستحالةِ (2) ما يؤَدّي إليه.
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَعتَرِضَ كلامَنا بما(3) يَقتَضي اتِّفاقَ القادرَينِ في الدواعي و الإرادةِ و الكَراهةِ ؛ لأنّا لَم نَبنِ الدليلَ إلّاعلىٰ صحّةِ اختلافِهما في ذلكَ ، و جَوازِه دونَ وجوبِه.
و لا له أن يَعتَرِضَه بمَن(4) يَكونُ مُضطَرّاً إلَى الإرادةِ ، و هو غَيرُ فاعلٍ لمُرادِها. أو بمُضطَرٍّ إلَى الكَراهةِ و هو مع كَراهَتِه فاعلٌ لِما تَناوَلَته(5)، إذا عَلِمَ أنّ له فيه نَفعاً و دَفعَ ضررٍ.
و ذلك أنّا إنّما شَرَطنا التخليةَ احترازاً مِن هذه الاعتراضاتِ ، فقُلنا: مِن حَقِّ المُريدِ مع التخليةِ أن يَفعَلَ ما أرادَه، [و] مِن حَقِّ الكارِهِ ، مع(6) التخليةِ [أن] لا يوجِدَ(7) ما كَرِهَه.
و ممّا يَدُلُّ أيضاً علىٰ أنّ مقدورَهما إذا كانَ واحداً ثُمّ وُجِدَ وجبَ أن يَكونَ
ص: 13
فِعلاً لهما معاً: أنّا(1) نَعلَمُ أنّهما لَو أحدَثاه جميعاً، لَم يَحصُلْ له مِن الحُكمِ إلّاما حَصَلَ له عندَ حُدوثِه مِن أحَدِهما؛ لأنّ الحُدوثَ لا يَتزايَدُ، فيَجِبُ مَتىٰ حَدَثَ أن يَكونَ فِعلاً لهما.
فإن قيلَ : دُلّوا علىٰ أنّ الحدثَ لا يَتزايدُ، و أنّ الذاتَ لا يَصِحُّ أن تَكونَ مُختَرَعةً مِن وَجهَينِ .
قُلنا: لَو ساغَ أن تَكونَ (2) للذاتِ في الوجودِ صفتانِ ، لَجازَ أن يَجعَلَ الذاتَ (3) بَعدَ إيجادِ أحَدِ القادرَينِ لها، القادرُ الآخَرُ علَى الصفةِ الأُخرىٰ ؛ لأنّه إذا جازَ أن تَحصُلَ هاتانِ الصفتانِ للذاتِ في الحالةِ الواحدةِ ، جازَ أن تَحصُلَ في حالَين، و هذا يَقتَضي صحّةَ إيجادِ الموجودِ مع عِلمِنا باستحالتِه؛ ألا تَرى أنّ وجودَ الشيءِ في أنّه مُحيلٌ للقُدرةِ عليه جارٍ مَجرى عدمِه في إحالةِ تَعلُّقِ الإدراكِ به ؟ و لهذا يَتعذَّرُ علىٰ أحَدِنا
إيجادُ ما أَوجَدَه، كما يَتعذَّرُ عليه إيجادُ مقدورِ غَيرِه.
و لَو ساغَ إيجادُ الموجودِ، لَم يَمتَنِعْ أن يَحمِلَ أحَدُنا الجسمَ الثقيلَ و يَنقُلَه مِن مكانٍ إلىٰ آخَرَ، ثُمّ يوجِدَ مِن حَملِه ثانياً ما أَوجَدَه أوّلاً، و هذا يَقتَضي أن يَجِدَ مِن نَفسِه مِن المَشَقّةِ ما وَجَدَها أوّلاً. و كانَ يَجِبُ أيضاً أن يُفرِّقَ القادرُ مِنّا بَينَ أن يَفعَلَ في الجسمِ الثقيلِ مِن وَجهَينِ ، و بَينَ أن يَفعَلَ مِن وَجهٍ واحدٍ؛ و يَجِدَ مِن نفسِه
ص: 14
ذلكَ . و كانَ يَجِبُ أيضاً أن يَصِحَّ مِن غَيرِ هذا الفاعلِ ، أن يُبطِلَ فِعلَه في الثاني مِن حَيثُ هو باقٍ ، و أن لا يَصِحَّ إبطالُه مِن حَيثُ كانَ حادثاً. و فسادُ ذلكَ ظاهرٌ.
و ممّا يَدُلُّ أيضاً علىٰ أنّ الحَدَثَ لا يَتَزايَدُ، و أنّ الذاتَ لا تَحصُلُ لها صفتانِ بالحُدوثِ : أنّه لَو جازَ ذلكَ ، لَم يَمتَنِعْ أن يَحدُثَ علىٰ أحَدِ الوَجهَينِ دونَ الآخَرِ، و يَجريَ وَجهَا الحُدوثِ فيها مَجرىٰ فِعلَينِ . [و] أنّه مُحالٌ أن يُقالَ : إنّ لأحَدِ الوَجهَينِ تَعلُّقاً بالآخَرِ يَقتَضي أن لا يَحصُلَ إلّامعه؛ لأنّه يؤَدّي إلىٰ حاجتِه في كَونِه علىٰ كُلِّ واحدٍ مِن الوَجهَينِ إلىٰ كَونِه علَى الوَجهِ الآخَرِ. [و] إذا صَحَّ ما ذَكَرناه، و عَلِمنا أنّ مِن شَأنِ «ما يَصِحُّ أن يَحدُثَ » متىٰ لَم يَحدُثْ ، أن يَبقىٰ معدوماً، فهذا(1)يَقتَضي أن تَكونَ الذاتُ في الحالةِ الواحدةِ موجودةً معدومةً .
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَجعَلَ بقاءَه معدوماً، موقوفاً على (146) أن لا يَحدُثَ مِن الوَجهَينِ جميعاً؛ لأنّه لا فَرقَ بَينَه و بَينَ مَن جَعَلَ وجودَه موقوفاً علىٰ حُدوثِه مِن الوَجهَينِ جميعاً.
و هذه الطريقةُ يُمكِنُ أن تُسلَكَ في ابتداءِ الاستدلالِ علَى استحالةِ كَونِ المقدورِ الواحدِ لِقادرَينِ ؛ بأن(2) يُقالَ : لَو ساغَ ذلكَ لَم يَمتَنِعْ أن يَفعَلَه أحَدُنا في وقتٍ آخَرَ، فَيَكونَ موجوداً معدوماً. و هذا الوَجهُ أبيَنُ و آكَدُ؛ لأنّه كانَ يَجِبُ كَونُه معدوماً مِن الوجهِ الذي وُجِدَ عليه.
و أمّا الذي يَدُلُّ علىٰ أنّ القادرَ علَى الشيءِ يَجِبُ أن يَكونَ قادراً على جنسِ
ص: 15
ضِدِّه: [فهو أنّ ](1) مِن حَقِّ القادرِ أن يَتصرَّفَ في الفِعلِ بحَسَبِ دَواعيهِ ؛ لِيُفارِقَ بذلك حالَ الممنوعِ و المُضطَرِّ، و مَتىٰ لَم يَكُن قادراً علىٰ جنسِ ضِدِّ مقدورِه، لَم
تكُن(2) أفعالُه واقعةً بحَسَبِ دَواعيهِ ، و ارتَفَعَتِ المُفارَقةُ بَينَه و بَينَ المُضطَرِّ.
و استقصاءُ هذا البابِ يأتي مِن بَعدُ بمَشيّةِ اللّٰهِ (3).
و أمّا الذي يَدُلُّ علىٰ أنّ القادرَ لِنَفسِه يَجِبُ أن لا يَتَناهىٰ مقدوره مِن الجنسِ الواحدِ في الوقتِ الواحدِ: [فهو] أنّا قد بيّنّا فيما تَقدَّمَ عندَ الكلامِ في الصفاتِ ، أنّ تَعلُّقَه بالمقدوراتِ تَعلُّقُ القادرِينَ لا تَعلُّقُ القُدَرِ(4)، و القادرُ مِن حَيثُ كانَ قادراً لا يَنحَصِرُ ما يَصِحُّ أن يَتعلَّقَ به؛ ألَاتَرىٰ أنّ أحَدَنا يَقدِرُ مِن الجنسِ الواحدِ و المَحَلِّ الواحدِ علىٰ أفعالٍ كثيرةٍ لا تَنحَصِرُ إلّابانحصارِ قُدَرِه ؟ فالانحِصارُ راجعٌ إلَى القُدَرِ دونَ تَعلُّقِ القادرِ. و إذا كانَ تَعالىٰ قادراً لنفسِه، وجبَ أن يَكونَ قادراً - ممّا ذَكَرناه - علىٰ ما لا يَتَناهى؛ إذ لا مُقتَضيَ للحَصرِ فيه.
و أمّا الذي يَدُلُّ علىٰ أنّ الممنوعَ يَجِبُ أن يَكونَ مُتَناهيَ المقدورِ: فهو أنّه إنّما يُمنَعُ بأن يَفعَلَ أكثَرَ ممّا في مقدورِه، و ما وُجِدَ ما يَزيدُ عليه لا بُدَّ أن يَكونَ مُتناهياً.
ص: 16
و أمّا الذي يَدُلُّ علىٰ أنّ مَن يَتناهىٰ مقدورُه لا يَكونُ إلّاقادراً بقُدرةٍ : فهو أنّ المُقتَضيَ لِحَصرِ المقدوراتِ إنّما هو القُدَرُ؛ لأنّ القُدرةَ لَو تَعلَّقَت في الوقتِ الواحدِ و المَحَلِّ الواحدِ مِن الجنسِ الواحدِ بما لا يَنحَصِرُ، لَم يَتعذَّر علينا حَملُ الجِبالِ العظيمةِ ؛ بأن نَفعَلَ (1) في كُلِّ جُزءٍ منها بعَدَدِ أجزاءِ جميعِها، و لا تَفاضَلَ القادرونَ فيما يَصِحُّ أن يَحمِلوه، و لا افتَقَرَ بعضُهم - في الاستقلالِ بما يَحمِلُه - إلىٰ مُعاوَنةِ غَيرِه.
و أيضاً: فإذا كُنّا قد دَلَّلنا علىٰ أنّ القادرَ لنفسِه لا يَتَناهىٰ مقدورُه، فواجبٌ فيمَن تَناهى مقدورُه أن لا يكونَ قادراً إلّابقُدرةٍ ؛ لأنّ كَونَ القادرِ قادراً(2) لا يُستَحَقُّ [إلّا] مِن هذَينِ الوَجهَينِ .
و أمّا الكلامُ في أنّ القادرَ بقُدرةٍ لا يَجوزُ أن يَكونَ إلّاجسماً: فقَد تَقدَّمَ ؛ حَيثُ دَلَّلنا علىٰ أنّها يَجِبُ (3) أن تَحُلَّ بعضَ القادرِ حَتّىٰ يَصِحَّ أن يَفعَلَ بها، و أنّ الفِعلَ لا يَصِحُّ أن يَقَعَ بها ابتداءً إلّافي مَحَلِّها.
و القولُ في حُدوثِ الأجسامِ أيضاً قد تَقدَّمَ (4).
فلَم يَبقَ مِن مُقَدَّماتِ الدليلِ (5) شيءٌ يَحتاجُ إلَى الدَّلالةِ عليه.
ص: 17
فإن قيلَ : ما ذَكَرتُموه مِن التمانُعِ مَبنيٌّ علَى اختلافِهما في الدواعي، و لَيسَ يَصِحُّ ذلك؛ لأنّ كُلَّ واحدٍ منهما عالِمٌ بحُسنِ ما يَرومُه الآخَرُ، فلا يَجوزُ - و هذه حالُه - أن تَدعُوه(1) الدواعي إلىٰ ضِدِّه.
قُلنا: ألَم تُبْنَ (2) الدلائلُ إلّاعلىٰ صحّةِ التمانُعِ دونَ وقوعِه ؟ و يَكفي في ذلكَ صحّةُ اختلافِهما في الدواعي، و الذي(3) تَضمَّنَه السؤالُ إنّما يمنَعُ مِن ثُبوتِ اختلافِ دَواعيهما، و لا يَمنَعُ مِن صحّةِ ذلكَ و جَوازِه.
علىٰ أنّ العالِمَ (4) بحُسنِ الفِعلِ لا يَقتَضي أن يَفعَلَ ، بل يَجوزُ مع العِلمِ بحُسنِه أن لا يَختارَه؛ (147) لأنّ دَواعيَ الحُسنِ لَيسَ بموجِبٍ ، و علىٰ هذا لا يَمتَنِعُ أن يَعلَمَ كُلُّ واحدٍ مِنهما حُسنَ تَحريكِ الجسمِ و تَسكينِه، و يَدعُوَ أحَدَهما عِلمُه بحُسنِ تَحريكِه إلىٰ ذلكَ ، و يَدعُوَ الآخَرَ عِلمُه بحُسنِ تَحريكِه إلىٰ تَسكينِه.
و بمِثلِ هذا نُجيبُ مَنِ اعتَرَضَ بأنّ التمانُعَ لا يَنفَعُ ؛ مِن حَيثُ كانَ كُلُّ واحدٍ مِنهما يَعلَمُ أنّ الذي [يُريدُه الآخَرُ](5) حِكمةٌ و صَوابٌ ، فلا يُريدُ خِلافَه.
لأنّا لَم نَبنِ الكلامَ علىٰ وقوعِ التمانُعِ ، بَل علىٰ صحّتِه؛ و كيفَ يُبنَى الدليلُ
ص: 18
علىٰ وقوعِ التمانُعِ ؛ و هو لا يَصِحُّ إلّابَعدَ إثباتِ الثاني الذي يُقصَدُ إلىٰ نفيِه ؟
و لَيسَ يَجِبُ إذا بَنَينا الكلامَ علَى الصحّةِ أن نتَوقَّفَ عن القضاءِ بأنّ الممنوعَ ضَعيفٌ مِن حَيثُ لَم يَقَعِ التمانُعُ ؛ لأنّا إذا عَلِمنا أنّهما لَو تَمانَعا لَوقعَ فِعلُ أحدِهما، وجبَ أن نَقضيَ بضَعفِ مَن لَم يَقَعْ مُرادُه، و أنّ الذي مَنَعَه أقدَرُ مِنه، و إن لَم يَكُن هُناكَ تَمانُعٌ ؛ لأنّ التمانُعَ يَكشِفُ علىٰ سَبيلِ الدَّلالةِ عن قُوّةِ القَويِّ و ضَعفِ الضَّعيفِ ، و لَيسَ بموجِبٍ لذلكَ ؛ ألا تَرىٰ أنّا متىٰ عَلِمنا مِن حالِ زَيدٍ أنّه مَتىٰ مانَعَ الأسَدَ و دافَعَه غَلَبَه الأسَدُ و قَهَرَه، قَضَينا بضَعفِ زَيدٍ عن الأسَدِ و قُوّةِ الأسَدِ، و إن لَم يَكُن بَينَهما تَمانُعٌ؟ و كذلكَ مَتىٰ عَلِمنا مِن حالِ زَيدٍ أنّه لو رامَ الفِعلَ لَوقعَ مِنه، نَحكُمْ بأنّه قادرٌ عليه، كما يَجِبُ ذلكَ لَو وَقَعَ الفِعلُ مِنه.
و إنّما يُعلَمُ بتقديرِ التمانُعِ أنّ الأقدَرَ مِنهما كذلكَ في كُلِّ حالٍ ، مِن وَجهَينِ :
أحدُهما: أنّه إنّما يَكونُ أقدَرَ لِما هو عليه في ذاتِه، فاستمرارُه(1) في الأحوالِ [كُلِّها](2) واجبٌ .
و الوَجهُ الآخَرُ: أنّه إذا كانَ لا حالَ يُشارُ إليهما إلّاو قَدَّرنا التمانُعَ بَينَهما لِمَنعِ صاحبِه، فيَجِبُ أن يَكونَ أقدَرَ في جميعِ الأحوالِ .
ص: 19
و بما ذَكَرناه - مِن أنّ الدليلَ مَبنيٌّ علىٰ صحّةِ التمانُعِ و تَقديرِه، دونَ ثُبوتِه - يَسقُطُ اعتراضُ مَن اعتَرَضَ بأن يَقولَ : كيفَ يَصِحُّ أن يَمنَعَ الحَكيمُ مِن الحَسَنِ و يَقصِدَ إلىٰ ذلكَ ، و المَنعُ مِن الحَسَنِ لا يَكونُ إلّاقَبيحاً؟
لأنّ ذلكَ لَو كانَ قبيحاً - علىٰ ما ادَّعىٰ - لَم يَمنَعْ مِن التقديرِ؛ لأنّ القَديمَ تَعالىٰ يَصِحُّ مِنه فِعلُ القَبيحِ ، و إن كانَ لا يَفعَلُه.
فإن قيلَ : كيفَ يَصِحُّ ما ذَكَرتُموه، و القَديمُ إنّما يُريدُ بإرادةٍ توجَدُ لا في مَحَلٍّ ، و إذا كانَ له ثانٍ في القِدَمِ (1)، وجبَ أن تَكونَ (2) تلكَ الإرادةُ مُتَعلِّقةً بهما جميعاً؛ لفَقدِ الاختصاصِ بهما، و هذا يَقتَضي أنّ كُلَّ واحدٍ منهما مريدٌ(3) لِما يُريدُ صاحِبُه ؟
قُلنا: لَيسَ يَجوزُ [أن يكونَ ] اتِّفاقُهما في الإرادةِ مانعاً ممّا رتَّبنا عليه الدليلَ ؛ لأنّ الإرادةَ إنّما تَدعو المُريدَ بها إلَى الفِعلِ مَتىٰ كانَت مِن فِعلِه(4)، و إذا كانَت مِن فِعلِ غَيرِه فيه لَم تؤَثِّرْ(5) في مقدورِه، و لَم تَكُنْ داعيةً (6) إليه.
ألا تَرىٰ أنّ اللّٰهَ تَعالىٰ لَو خَلَقَ في قَلبِ المُشرِفِ علَى الجَنّةِ و النارِ، العالِمِ بما
ص: 20
فيهِما مِن النفعِ و الضررِ، إرادةَ دُخولِ النارِ و كَراهةَ دُخولِ الجَنّةِ ، لم يَقَعْ مِنه إلّا دُخولُ الجَنّةِ ، و لَم يَكُن لإرادتِه لِدُخولِ النارِ تأثيرٌ؛ مِن حَيثُ لَم تَكُن مِن فِعلِه و لا تابعةً لِدَواعيه ؟
فالقَديمانِ علىٰ هذا، و إنِ اتَّفَقا في الإرادةِ ، فيَجِبُ أن تكونَ (1) الدواعي لكُلِّ واحدٍ مِنهما إلىٰ فِعلِه هي الإرادةَ التي فَعَلَها هو دونَ صاحبِه، و إن كانَ مُريداً بالأُخرى، فيَصِحُّ التمانُعُ بالفِعلَينِ الضِّدَّينِ عَلىٰ هذا، و لا يَمنَعُ منه اتِّفاقُهما في الإرادةِ .
علىٰ أنّ أحَدَهما و إن أرادَ ما أرادَه صاحبُه، فهو يُريدُ بهذه الإرادةِ مقدورَه، و صاحبُه يريدُ بها (148) مقدورَ غَيرِه، و مَن أرادَ مَقدورَ غَيرِه لا حَظَّ لإرادتِه في إيجادِ ذلك المَقدورِ؛ لاستحالةِ وجودِه مِن جهتِه، و إنّما يُريدُ إرادتَه في مقدورِه(2)، فيَجِبُ علىٰ هذا أن تكونَ (3) إرادةُ كُلِّ واحدٍ مِنهما لِما(4) أرادَهُ مِن مقدورِه دونَ ما سِواه.
علىٰ أنّ أكثَرَ ما في السؤالِ أن يَكونَ قَدحاً في التمثيلِ بذِكرِ إرادةِ الحركةِ و إرادةِ السُّكونِ ، و القَدحُ في المِثالِ لا يَكونُ قَدحاً في المُستَدَلِّ عليه.
و لو عُدِلَ عن ذلكَ إلىٰ أن يُقالَ : لَو دَعا أحَدَهما الداعي(5) إلىٰ ضِدِّ ما دَعا الآخَرَ الداعي إليه، كيفَ كانت تَكونُ (6) الحالُ؟ لَصَحَّ الكلامُ .
ص: 21
و كذلكَ (1) لَو نَقَلنا التمانُعَ إلىٰ نَفسِ الإرادِة و الكَراهةِ ، فقُلنا: لَو رامَ أحَدُهما أن يَفعَلَ إرادةَ الشيءِ ، و رامَ الآخَرُ فِعلَ كَراهَتِه، لَصَحَّ أيضاً الكلامُ ؛ لأنّ التمانُعَ يَصِحُّ في كُلِّ فِعلَينِ ضِدَّينِ ، و لا اعتبارَ بالقَصدِ إليهما، و لا باختلافِ أجناسِهما.
فإن قيلَ : ما أنكَرتُم علىٰ مَن جَوَّزَ التمانُعَ بَينَهما، و أن يَمنَعَ أحدُهما صاحبَه، و امتَنَعَ [مِن](2) القولِ بأنّ المانعَ أقدَرُ، و القولِ بأنّه لَيسَ بأقدَرَ؟ كما امتَنَعتُم مِن القولِ بأنّ الظُّلمَ لَو وَقَعَ مِن القَديمِ تَعالىٰ لَكانَ دالاًّ علىٰ جهلِه و حاجتِه، و مِن القولِ بأنّه كانَ لا يَدُلُّ علىٰ ذلك!
قُلنا: إنّه لَيسَ (3) يَجوزُ إثباتُ الموجِبِ و المَنعُ مِن الموجَبِ ، كما لا يَجوزُ إثباتُ الموجَبِ و المَنعُ مِن موجِبِه. و المَنعُ إنّما يَصِحُّ مِن القادرِ؛ لكَونِه أقدَرَ، فهو حُكمُ هذه الصفةِ ؛ كما أنّ الفِعلَ إنّما يَصِحُّ مِنه؛ لكَونِه قادراً. و إثباتُه مانِعاً و الامتناعُ مِن كَونِه أقدَرَ، كإثباتِه فاعلاً و الامتناعِ مِن كَونِه قادراً، في أنّه نَقضٌ و نَفيٌ لِما ثَبَتَ .
و لَيسَ هذه حالَ الظُّلْمِ (4) المقدورِ وقوعُه؛ لأنّه لَيسَ بموجَبٍ عن الجهلِ و الحاجةِ ، و لا مِن حُكمِهما، و لَم يَصِحَّ الظُّلم لأجلهما، و إنّما صَحَّ مِن الفاعلِ لِكَونِه قادراً؛ سَواءٌ كانَ غَنيّاً أو مُحتاجاً، عالِماً أو جاهلاً. فافتَرَقَ الأمرانِ .
ص: 22
علىٰ أنّ الامتناعَ في الظُّلْمِ مِن القولِ بأنّه يَدُلُّ أو لا(1) يَدُلُّ ، إنّما ساغَ مِن حيثُ تَقدَّمَ العِلمُ بأنّه سُبحانَه عالِمٌ غَنِيٌّ ، و أنّ الظُّلْمَ دليلُ الحاجةِ أو الجهلِ ، فمنعنا(2) من إطلاقِ عبارةٍ تَقتَضي(3) نَقضَ ما عَلِمناهُ بالأدلّةِ . و لَيسَ كذلكَ القولُ في التمانُعِ ؛ لأنّه لَم يَتقدَّمْ أنّ معه تَعالىٰ ثانياً(4) على صفاتِه، حَتّىٰ يَمنَعَ مِن إطلاقِ ما يَقتَضي نفيَه.
و هذا لَو صَحَّ الاعتراضُ به في دليلِ التمانُعِ ، لَصَحَّ لقائلٍ أن يَقولَ في الجسمِ :
«إنّه لَم يَسبِقِ الحَوادِثَ ، غَيرَ أنّي لا أقولُ مع ذلكَ : إنّه مُحدَثٌ ، و لا أقولُ : إنّه قديمٌ ، كما لَم تَقولوا أنتُم في الظُّلْمِ كَذا و كَذا». و ساغَ أيضاً للمُشَبِّهةِ أن تُثبِتَه تَعالىٰ جسماً، و تَمنَعَ مِن القولِ بأنّه مُنفَكٌّ مِن الحَوادثِ أو لا مُنفَكٌّ مِنها. و هذا لَو صَحَّ لَفَسَدَ أكثَرُ الأدلّةِ .
فإن قيلَ : نَراكُم قد بَنَيتُم استدلالَكم(5) على أنّهما إذا تَمانَعا فَلَم يوجَد مُرادُهما
جميعاً وجبَ ضَعفُهما، و هذا غَيرُ صحيحٍ ، بَلِ الواجبُ أنّ مُرادَهما جميعاً لا يوجَدُ؛ مِن حَيثُ كانَ مقدورُهما لا يَتَناهىٰ . و علىٰ هذا لا يَكونُ مقدورُ أحدِهما بالوجودِ أَولىٰ مِن مقدورِ صاحبِه؛ فأيُّ ضَعفٍ يَلحَقُهما مَتىٰ لَم يُوجَدْ مُرادُهما؟ و هَل المَرجعُ بالضَّعفِ عندَ التحقيقِ إلّاإلىٰ تَناهِي المَقدورِ الذي لَم يَحصُلْ هاهنا،
ص: 23
بل الحاصلُ خِلافُه ؟ لأنّ سببَ ارتفاعِ مُرادِهما - علىٰ ما ذَكَرنا - هو أنّ مقدورَهما لا يَتَناهىٰ ، و إنّما لَحِقَ الضَّعفُ المُتَمانِعَينِ مِنّا إذا لَم يُوجَدْ مُرادُهما، مِن حَيثُ اقتَضىٰ ذلك تَناهيَ مَقدورِهما، و أنّ كُلَّ واحدٍ منهما لا يَقدِرُ علىٰ أكثَرَ مِن القَدرِ الذي أَوجَدَه، و هذا مُنتَفٍ في القادِرَينِ لأنفسِهما.
قُلنا: مِن شأنِ القادرِ أن يَصِحَّ مِنه (149) الفِعلُ إلّالِمَنعٍ (1) أو ما جَرىٰ مَجراه(2)مِن الوجوهِ المعقولةِ التي يَتعذَّرُ معها الفِعلُ . و إذا كانَ مُرادُ القادرَينِ لأنفُسِهما لَم يَقَعا، فلا بُدَّ مِن أن يَكونَ كُلُّ واحدٍ قد مَنَعَ صاحِبَه، و هذا مُستَحيلٌ ؛ علىٰ ما بُيِّنَ في السؤالِ . فلَم يَبقَ إلّاأنّه امتَنَعَ الفِعلُ علىٰ كُلِّ واحدٍ مِنهما مِن غَيرِ وَجهٍ معقولٍ يَقتَضي امتناعَ الفِعلِ ؛ لأنّه لا وَجهَ يُمكِنُ ذِكرُهُ (3) ممّا يَقتَضي تَعذُّرَ الفِعلِ عليهما. و ما أدّىٰ إلَى امتِناعِ الفِعلِ مِن غَيرِ مَنعٍ أو ما جَرىٰ مَجراه، يَقتَضي نَقضَ حقيقةِ القادرَينِ ، و ما أدّىٰ إلىٰ ذلكَ فمعلومٌ فَسادُه، و المُؤَدّي إليه(4) إثباتُ قادرَينِ لأنفُسِهما(5).
فإن قيلَ : دليلُكم هذا المُلقَّبُ ب «دليلِ التمانُعِ » مَبنيٌّ علىٰ أنّ مقدورَ كُلِّ واحدٍ مِن القَديمَينِ غَيرُ مقدورِ صاحبِه، و مِن مَذهَبِكم أنّ المُشتَرِكَينِ في صفةٍ
ص: 24
مِن صفاتِ النفسِ يَجِبُ أن يَكونا مُتَماثِلَينِ ، و يَستَحِقَّ كُلُّ واحدٍ مِن الصفاتِ النفسيّةِ ما يَستَحِقُّه الآخَرُ. و يَجِبُ علىٰ هذا إذا كانَ [كُلُّ واحدٍ مِن] القَديمَينِ قادراً علىٰ مقدوراتِه لنفسِه، أن يُشارِكَه نَظيرُه في ذلكَ ، فيَكونَ قادراً علىٰ هذه المقدوراتِ بعَينِها. و قَد جَعَلَ أكثَرُ الشُّيوخِ هذا المعنىٰ دليلاً مُفرَداً في نفيِ الثاني(1). و هذا مُتَناقِضٌ كما تَرَونَ ؛ لأنّكم تارةً توجِبونَ تَغايُرَ مقدورِهما، و تارةً توجِبونَ أنّ مقدُورَهما واحدٌ، و ظُهورُ تَنافِي الطريقَينِ يُغني عنِ الإكثارِ.
قُلنا: قد أُجيبَ عن هذا السؤالِ ، بأنّ تَنافيَ ما يُبنىٰ عليه هذانِ الدليلانِ في نفيِ الثاني، لا يَقتَضي فَسادَ الاستدلالِ بهما؛ لأنّ كُلَّ واحدٍ منهما مَتى سَبَقَ
الناظِرُ إلىٰ أصلِه الذي يُبنىٰ عَليه، صَحَّ استدلالُه به، و إن لَم يَخطُر ببالِه الأصلُ الآخَرُ؛ لأنّ الناظِرَ متىٰ عَلِمَ أنّ كُلَّ قادرَينِ يَجِبُ صحّةُ التمانُعِ بَينَهما، و أن يَكونَ مقدورُهما مُتَغايِراً، صَحَّ استدلالُه بدليلِ التمانُعِ ، و إن لَم يَخطُرْ ببالِه أنّهما مَتىٰ كانا قادرَينِ للنفسِ ، فواجبٌ أن يَكونَ مقدورُهما واحداً. و كذلك إن كانَ قد سَبَقَ إلَى العِلمِ بأنّ مِن حَقِّ القادرَينِ لنفسِهما أن يَكونَ مقدورُهما واحداً، صَحَّ أن يَستَدِلَّ بالدليلِ الآخَرِ، و يَتَوصَّلَ به إلىٰ نَفيِ الثاني. و الكلامُ في هذا البابِ إنّما هو مَبنيٌّ علَى التقديرِ لأمرٍ مُحالٍ ، فلا يَمتَنِعُ أن يَتعلَّقَ الكلامُ فيه بالنفيِ و الإثباتِ معاً.
و أجوَدُ ما يُقالُ في الجوابِ عن السؤالِ : أنّا نُقَسِّمُ في الأصلِ الكلامَ ، فنَقولُ : لَو كانَ معه تَعالىٰ ثانٍ قادرٌ لنفسِه، لَم يَجُز(2) أن يَكونَ مقدورُهما واحداً؛ لِما دَلَّلنا به علَى
ص: 25
استحالةِ ذلكَ (1)، و لا يَجوزُ أن يَكونَ مُتغايِراً؛ لما بيّنّاه(2) في دليلِ التمانُعِ (3).
و يُمكِنُ أن يُقالَ أيضاً: إثباتُ قادرَينِ للنفسِ يؤَدّي إلىٰ أن يَكونَ مقدورُهما واحداً و مُتَغايراً معاً؛ لأنّ مِن حَيثُ كانا قادرَينِ يَجِبُ صحّةُ التمانُعِ بَينَهما، و أن يَكونَ مقدورُهما مُتَغايِراً، [و] مِن حَيثُ استَحَقّا هذه الصفةَ للنفسِ يَجِبُ أن يَكونَ مقدورُهما واحداً.
و ممّا يُقالُ في هذا البابِ أيضاً: إنّ صحّةَ التمانُعِ بَينَ القادرَينِ في(4) حُكمِ كَونِهما قادرَينِ علَى الشيءِ و علىٰ جنسِ ضِدِّه، و يَجري مَجرىٰ صحّةِ الفِعلِ مِن القادرِ. و لَيسَ يَجوزُ أن يَكونَ المؤَثِّرُ في كَونِهما قادرَينِ يُحيلُ هذا الحُكمَ ؛ لأنّ المؤَثِّرَ في الصفةِ لا يَجوزُ أن يَكونَ مُحيلاً لِحُكمِها(5). و قد عَلِمنا أنّ كَونَهما قادرَينِ للنفسِ يُحيلُ التمانُعَ بينَهما؛ لأنّ استنادَ (150) هذه الصفةِ فيهما إلى النفسِ تَقتَضي أن يَكونَ مقدورُهما واحداً، و ذلكَ مُحيلٌ (6) لِصحّةِ التمانُعِ . و قد بيّنّا أنّ صحّةَ التمانُعِ في(7) حُكمِ كَونِهما قادرَينِ علَى الشيءِ و جنسِ ضِدِّه، و هذا(8) يَقتَضي أنّ المؤَثِّرَ في الصفةِ هو المُحيلُ لِحُكمِها(9).
ص: 26
و لكَ أيضاً أن تَقولَ : إذا ثَبَتَ أنّ مِن حَقِّ كُلِّ قادرَينِ علَى الشيءِ و جنسِ ضِدِّه، صحّةَ وقوعِ التمانُعِ بَينَهما، و كُلُّ ما يَقتَضي رَفعَ هذا الحُكمِ يَجِبُ القَضاءُ بفَسادِه. و إثباتُ قادرَينِ للنفسِ يَقتَضي ذلكَ ؛ لأنّ التمانُعَ [بَينَهما مُحالٌ ]؛(1)
بدَلالةِ أنّه لا يَجوزُ أن يَتَمانَعا بقَدرٍ مِن الفِعلِ ، و في مقدورِهما زيادةٌ عليه؛ لأنّ المُمانعَ (2) لغَيرِه إذا عَلِمَ أنّ غَرَضَه لا يَتِمُّ بإيجادِ بعضٍ مِن المقدورِ، فلا بُدَّ مِن أن يَفعَلَ ما يَزيدُ علىٰ ذلك مَتىٰ كانَ قادراً عليه. و هذا يَقتَضي أن يَكونَ كُلُّ واحدٍ منهما مُمانِعاً لصاحبِه بكُلِّ ما في مَقدورِه، و ذلكَ يَستَحيلُ فيما لا يَتَناهىٰ . و كُلُّ هذا واضحٌ .
دليلٌ آخَرُ: و ممّا استُدِلَّ به علىٰ ذلكَ : أنّ في إثباتِ ثانٍ مُماثِلٍ له تَعالىٰ ما يَقتَضي تَعذُّرَ الفِعلِ علَى القادرِ، مِن غَيرِ وَجهٍ معقولٍ يَقتَضي تَعذُّرَه، و ذلكَ فاسدٌ، فيَجِبُ فَسادُ ما يؤَدّي إليه.
و إنّما قُلنا: إنّه يؤَدّي إلىٰ ما ذَكَرناه؛ مِن حَيثُ إنّهما إذا كانا قادرَينِ لأنفُسِهما، فلا بُدَّ مِن أن يَكونَ كُلُّ واحدٍ مِنهما قادراً علَى الشيءِ و جنسِ ضِدِّه إذا كانَ له ضِدٌّ.
فلَو فَرَضنا أنّ أحَدَهما يُريدُ تَحريكَ جسمٍ ، و يُريدُ الآخَرُ تَسكينَه في حالٍ واحدٍ، لَوجبَ أن يَتعذَّرَ(3) علىٰ كُلِّ واحدٍ مِنهما الفِعلُ ؛ لغَيرِ مَنعٍ و لا ما جَرى مَجراه؛ لأنّه
ص: 27
لا يُمكِنُ أن يُقالَ : «إنّ أحَدَهما يَمنَعُ الآخَرَ» مع كَونِ كُلِّ واحدٍ مِنهما قادراً علىٰ ما لا نِهايةَ له. و إنّما يَصِحُّ أن يَمنَعَ أحَدُنا غَيرَه مِن الفِعلِ ، بأن يُوجِدَ أكثَرَ ممّا في مقدورِ الممنوعِ . و ما لا يَتَناهىٰ لا يَصِحُّ أن يَكونَ غَيرُه أكثَرَ منه.
و لا يَصِحُّ القولُ بأنّ كُلَّ واحدٍ مانِعٌ للآخَرِ، علىٰ حَسَبِ ما نَقولُ (1) في المتجاذبَين مِنّا لِجسمٍ وَقَفَ فلَم يَتحرَّكْ إلى جهةِ أحدِهما؛ لأنّ ذلكَ إنّما صَحَّ أيضاً مع تَناهي المقدورِ، و إذا كانَ كُلُّ واحدٍ مِن القَديمَينِ يَقدِرُ علىٰ أكثَرَ مِن كُلِّ قَدرٍ يَخرُجُ إلَى الوجودِ، و لا يَنتَهي في ذلكَ إلىٰ حَدٍّ(2) إلّاو الزيادةُ عليه مُمكِنةٌ ، بَطَلَ أن يَكونَ كُلُّ واحدٍ مانِعاً لصاحبِه. فلَم يَبقَ إلّاما ذَكَرناه مِن تَعذُّرِ الفِعلِ لِغَيرِ وجهٍ مَعقولٍ يَقتَضي(3) تَعذُّرَه، و هذا يَنقُضُ حقيقةَ القادرِ.
فإن قيلَ : ألّاكانَ كَونُ كُلِّ واحدٍ منهما قادراً علىٰ ما لا نِهايةَ له هو وَجهُ التعَذُّرِ، أو لأنّ وجودَ مقدورِ أحدِهما لَيسَ بأَولىٰ مِن وجودِ مقدورِ الآخَرِ، أو لِتَساويهِما في كَونِهما قادرَينِ؟
قُلنا: لَيسَ يَجوزُ أن يُجعَلَ [كَونُ ] كُلِّ واحدٍ قادراً علىٰ (4) ما لا نِهايةَ له هو
ص: 28
المُقتضيَ لِتَعذُّرِ الفِعلِ ؛ لأنّ كَونَ القادرِ قادراً أو أَقدَرَ لا حَظَّ له في بابِ المَنعِ مِن
الفِعلِ ؛ ألَاتَرىٰ أنّ أحَدَنا لا يَمنَعُ غَيرَه مِن التصَرُّفِ بكَونِه أقدَرَ مِنه ؟ و إنّما يَمنَعُه بأن يَفعَلَ أكثَرَ ممّا يَقدِرُ عليه الممنوعُ ، و لهذا لا يَمتَنِعُ أن يَفعَلَ الأقدَرُ في يدِ الضعيفِ بعضَ مقدورِه مِن الحركةِ ، فلا يَكونَ بذلكَ مانعاً له مِن تَسكينِ يدِه، و لَو فَعَلَ فيها أكثَرَ مِن مقدورِه مِن الحركةِ لَمَنَعَه. فعُلِمَ بذلكَ أنّ المَنعَ يَتبَعُ الفِعلَ دونَ كَونِ القادرِ قادراً أو أقدَرَ.
و ممّا يُبيِّنُ ذلكَ : أنّ المَنعَ مِن الفِعلِ لا بُدَّ أن يَكونَ بَينَه و بَينَه تَنافٍ ، و إلّالَم يَكُن مَنعاً. (151) و كَونُ الأقدَرِ أقدَرَ أو قادراً علىٰ ما لا يَتَناهىٰ ، لا يُنافي وقوعَ الفِعلِ مِن غَيرِه؛ فكيفَ يَكونُ مَنعاً مِنه ؟
علىٰ أنّ مَن عَلَّقَ المَنعَ بكَونِ القادرِ قادراً علىٰ وجهٍ مِن الوجوهِ ، فقَد جَعَلَ المؤَثِّرَ في صحّةِ الفِعلِ هو المؤَثِّرَ في تَعذُّرِه و امتناعِه، و ذلكَ مُحالٌ .
و بمِثلِ هذا الطريقِ يُعلَمُ أنّ تَساويَ القادرَينِ في المقدورِ لا يوجِبُ تَعذُّرَ الفِعلِ .
فأمّا أنّ مقدُورَ أحَدِهما لَيسَ بالوجودِ أَولىٰ مِن مقدورِ الآخَرِ، فالذي(1) يُبطِلُ أن يَكونَ وَجهاً في تَعذُّرِ الفِعلِ : أنّ أحَدَ مَقدورَي(2) الساهي ليسَ بالوجودِ [أَولىٰ ](3) مِن الآخَرِ، ثُمّ لم يَكُن ذلكَ موجِباً لِتعذُّرِ الفِعلِ عليه.
فإن قيلَ : [إنّ ] القادرَينِ مِنّا لَو قَدَّرنا أن يَفعَلا(4) اختراعاً فيما نأىٰ عنهما مِن الأجسامِ ، و كانا مُتَساويَيِ (5) المقدورِ، و حاوَلَ أحَدُهما تَحريكَ جسمٍ في حالِ ما
ص: 29
يُحاوِلُ الآخَرُ تَسكينَه، لَكانَ الفِعلُ يَمتَنِعُ عليهما جميعاً مِن حَيثُ كانا مُتساويَيِ المَقدورِ، و أنّ مقدورَ أحَدِهما لا يكونُ بالوجودِ أولىٰ مِن مقدورِ الآخَرِ، فَقُولوا بمِثلِ ذلكَ في القَديمَينِ .
قُلنا: هذا تقديرٌ لأمرٍ قد عُلِمَت استحالَتُه؛ لأنّ القادرَ بقُدرةٍ لا يَجوزُ أن يَبتَدئَ بالفِعلِ فيما نأىٰ عنه. و تَجويزُ ذلك يَقتَضي قَلبَ جنسِ القُدرةِ ، علىٰ ما دَلَّلنا عليه فيما مَضىٰ مِن الكتابِ .
و لَو صَحَّ ذلكَ و لَم يَفسُدْ - مِن حَيثُ يُؤَدّي إلىٰ ما ذَكَرناه مِن بُطلانِ حُكمِ القُدرةِ - لَكانَ لا يَمتَنِعُ أن نَجعَلَ الوَجهَ في فَسادِه ما راعَيناه في القادرَينِ لأنفُسِهما، فنَقولَ : إنّ ذلكَ إذا كانَ مؤَدّياً إلىٰ «تَعذُّرِ الفِعلِ علَى القادرَينِ مِن
غَيرِ منعٍ و لا ما جَرىٰ مَجراه» فيَجِبُ إحالتُه و المَنعُ مِن صحّةِ أن يَفعَلا عَلى هذا الوجهِ .
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَقولَ :
أ لَيسَ الفِعلُ يَمتَنِعُ عليه تَعالىٰ فيما لَم يَزَلْ لِغَيرِ مَنعٍ و لا ما جَرى مَجراه ؟ فقولوا بمِثلِ ذلكَ في هذا المَوضِعِ .
و ذلكَ أنّ الفِعلَ إنّما استَحالَ وجودُه فيما لَم يَزَل لوَجهٍ معقولٍ ؛ و هو أنّ وجودَه في تلكَ الحالِ يَقتَضي كَونَ المُحدَثِ قَديماً، و يؤَدّي إلىٰ قَلبِ جنسِه. و إيجادُ الذاتِ فرعٌ علىٰ صحّةِ وجودِها في نَفسِها، و لَيسَ [مثلُ ] هذا المعنىٰ (1) في المَوضِعِ الذي ذَكَرناه.
ص: 30
و بهذا الجوابِ يَسقُطُ اعتراضُ مَن اعتَرَضَ بتَعذُّرِ إيجادِ المقدورِ المُختَصِّ بالعاشرِ في الوقتِ الثاني.
لأنّا قد بيّنّا أنّ هاهنا وجهاً معقولاً؛ و هو أنّ الوقتَ الثانيَ لَيسَ بوقتٍ للمُختَصِّ بالعاشرِ، فلا يَصِحُّ وجودُه في غَيرِ وقتِه. و مِثلُ هذا(1) غَيرُ موجودٍ في الضِّدَّينِ إذا أرادَهما القادرانِ لأنفُسِهما.
و اعلَمْ أنّ هذا الدليلَ يُداخِلُ «دليلَ التمانُعِ » الذي قَدَّمناه و يُشابِهُه، و لنا في «تمييزِ أحَدِهما و تخليصِه مِن صاحبِه مِنه، علىٰ وَجهٍ يَسلَمُ معه أن يَكونا دليلَينِ في هذه المسألة» نظرٌ. و لعلَّنا أن نَكشِفَه في غَيرِ هذا المَوضِعِ ، بمَشيّةِ اللّٰهِ .
دليلٌ آخَرُ: و ممّا يَدُلُّ علىٰ ذلكَ أنّ في تجويزِ ثانٍ قديمٍ أو إثباتِه، إثباتاً لذاتَينِ لا تَنفَصِلُ حالُهما مِن حالِ الذاتِ الواحدةِ ، و لا بُدَّ مِن الفَصلِ بَينَ الذاتِ و الذاتَينِ بصفةٍ أو حُكمٍ ، و إلّاأدّىٰ ذلكَ إلىٰ كُلِّ جهالةٍ . و ما القولُ بإثباتِ ذاتَينِ لا يَصِحُّ أن يَختَلِفا في شيءٍ مِن صفاتِهما و أحكامِهما حَتّىٰ يَكونا كالذاتِ الواحدةِ ، إلّاكالقولِ بإثباتِ ذاتٍ واحدةٍ تَختَلِفُ صفاتُها و تَتَغايَرُ أحكامُها، حتّىٰ تَكونَ بمَنزلةِ الذاتَينِ .
و فَسادُ أحَدِ الأمرَينِ كفَسادِ الآخَرِ.
بيانُ ما ذَكَرناه: أنّ اشتراكَهما في القِدَمِ يَقتَضي اشتراكَهما في جميعِ الصفاتِ الذاتيّةِ ، و فيما يَستَحِقّانِه أيضاً مِن (152) صفاتِ المَعاني؛ لأنّ الإرادةَ إنّما تَختَصُّ أحَدَهما بأن توجَدَ(2) لا في مَحَلٍّ ، و كذلكَ الكَراهةُ . و حالُهما مع كُلِّ واحدٍ
ص: 31
منهما في بابِ الاختصاصِ كحالِهما مع الآخَرِ، فيَجِبُ أن يُريدا جميعاً بالإرادةِ و يَكرَها بالكراهةِ .
و ما يَرجِعُ مِن الصفاتِ إلَى النفسِ بتوَسُّطِ غَيرِها(1)، ككَونِهما(2) مُدرِكَينِ
لِلمُدرَكاتِ ، يَجِبُ أيضاً أن يَشتَرِكا فيه. و الأحكامُ الراجعةُ إلىٰ هذه الصفاتِ يَجِبُ تَساويهِما فيها؛ لِتَساويهِما في الصفاتِ التي تَقتَضِيها.
[ج -] و يَجِبُ أيضاً أن يَكونَ مقدورُهما واحداً؛ لِتَماثُلِهما، و أنّ أحَدهما إذا قَدَرَ علىٰ مقدوراتِه لِنفسِه، وجبَ فيمَن كانَ مِثلَه و مُشارِكاً له في صفاتهِ النفسيّةِ أن يَكونَ قادراً علىٰ مقدوراتِه، و إلّاأدّىٰ ذلكَ إلىٰ كَونِهما مُتَماثِلَينِ مُختَلِفَينِ .
فلا يَصِحُّ مع هذه الجُملةِ أن يَختَصَّ أحَدُهما بصفةٍ أو حُكمٍ بسببِ الآخَرِ. و في هذا ما تَقدَّمَ ؛ مِن أنّا لَو أثبَتناهما ذاتاً واحدةً ، لَم نَزِد(3) علىٰ ذلكَ .
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَقولَ : إنّهما يَختَلِفانِ في الدواعي؛ بأن يَكونَ عِلمُ أحَدِهما بحُسنِ بعضِ الأفعالِ يَدعوهُ إلىٰ فِعلِه و إيجادِه، و إن لَم يَدعُ عِلمُ الآخَرِ بذلكَ إلىٰ فِعلِه، فيَنفَصِلُ حالُهما علىٰ هذا مِن حالِ الذاتِ الواحدةِ .
و ذلكَ أنّ مقدورَهما إذا كانَ (4) واحداً، فأحَدُهما مَتىٰ فَعَلَ ما تَدعوهُ الدواعي إلىٰ
ص: 32
فِعلِه، فالآخَرُ فاعِلٌ له، فقَد آلَ الأمرُ إلىٰ أنّه لا تأثيرَ لِاختلافِ الدواعي؛ لأنّ اختلافَهما إنّما يؤَثِّرُ لَو صَحَّ أن يَفعَلَ أحَدُهما ما لا يَكونُ الآخَرُ له فاعلاً، فأمّا إذا كانَ ما يَفعَلُه الواحدُ هُوَ فِعلٌ للآخَرِ، فلا تأثيرَ لِاختلافِ الدواعي؛ لأنّهما لو اتَّفَقا في الدواعي لَم يَزِدِ الحالُ علىٰ هذا.
و بَعدُ، فإنّ ذلك يوجِبُ فَساداً آخَرَ؛ و هو أن يَكونَ الفِعلُ فِعلاً لِمَن لا داعِيَ له إليه مع العِلمِ بحالِه، و هذا ظاهِرُ البُطلانِ .
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَجعَلَ طريقةَ الفَصلِ بَينَ كَونِهما ذاتاً واحدةً و ذاتَينِ ، أن يُفعَلَ العِلمُ الضروريُّ فينا بتَغايُرِهما، و أنّهما اثنانِ و إنِ استَوَيا في الصفاتِ كُلِّها.
و ذلكَ أنّ طريقَ إثباتِ القَديمِ إذا كانَ هو الدليلَ ، فيَجِبُ أن تَكونَ صفاتُه و أحكامُه معلومةً مِن هذا الطريقِ أيضاً، و لا بُدَّ أن يَكونَ في الأدلّةِ ما يَقتَضي الفَصلَ بَينَ كَونِه واحداً أو اثنينِ .
و مَتىٰ كانا اثنَينِ فلا بُدَّ أن يَكونا في أنفُسِهما علىٰ ما يَقتَضي تمييزَهما مِن الذاتِ الواحدةِ ، مِن غَيرِ أن يُرجَعَ في التمييزِ إلىٰ نَفسِ العِلمِ ؛ لأنّ العِلمَ إنّما يَتعلَّقُ بالشيءِ علىٰ ما هو عليه، إلّاأنّه(1) يَجعَلُه على ما هو عليه، فيَبقَى أن يَتميَّزا في نُفوسِهما بما هُما عليه مِن الصفاتِ و الأحكامِ ؛ حَتّىٰ يَتعلَّقَ العِلمُ بكَونِهما كذلكَ .
و متىٰ ساغَ التعلُّقُ في هذا المَوضِعِ بالعِلمِ في بابِ الأمرِ المُتميِّزِ(2)، ساغَ لِمُدَّعٍ أن
ص: 33
يَدَّعيَ (1) أنّ مع كُلِّ عِلّةٍ مؤَثِّرةٍ - كالعِلمِ و الحركةِ و ما أشبَهَهما - عِلّةً أُخرىٰ تؤَثِّرُ تأثيرَهما بعَينِه.
فإذا قيلَ له: لا حُكمَ لِما تَدَّعيه مِن العِلّةِ ، و لا فَرقَ بَينَ وجودِها و انتفائها، و لا يُمكِنُ أن تَزيدَ الحالُ لَو كانَت العِلّةُ واحدةً علىٰ ما هي عليه الآنَ ، فَزَعَ (2) إلىٰ ما سألَنا عنه، و قالَ : يُمكِنُ الفَصلُ بَينَ وجودِها و انتفائِها، و بَينَ أن تَكونَ (3) عِلّةً و عِلّتَينِ ؛ بأن يُفعَلَ فينا(4) العِلمُ الضروريُّ بذلكَ . و هذا طريقُ الجَهالاتِ .
فإن قيلَ : ما أَنكَرتُم أن يَكونَ الفَصلُ بَينَ أن يَكونَ القَديمُ واحداً، و بَينَ أن يَكونا اثنَينِ ، هو أنّهما إذا كانا اثنَينِ ، و تُوُهِّمَ خُروجُ أحَدِهما مِن كَونِه قادراً، يَصِحُّ مِنَ الآخَرِ الفِعلُ ، و إذا كانَ واحداً لَم يَصِحَّ ذلك ؟ و هذا حُكمٌ معقولٌ ، و فَرقٌ بَيِّنٌ في بابِ تمييزِ الواحدِ مِن الاثنَينِ .
قُلنا: هذا تقديرٌ لأمرٍ مُستَحيلٍ ؛ فكيفَ يُعلَّقُ به الفَصلُ (153) بَينَ الواحدِ و الاثنَينِ؟ و هذا الفَصلُ لا بُدَّ مِن ثُبوتِه و حُصولِه في كُلِّ حالٍ ؛ و كيفَ يَصِحُّ أن يَتعلَّقَ ما لا بُدَّ مِن ثُبوتِه بما يَستَحيلُ ثُبوتُه ؟
و بَعدُ، فإنّ هذا الاعتراضَ يُمكِنُ في جميعِ العِلَلِ ؛ بأن يُقالَ : إنّ مع كُلِّ عِلّةٍ توجِبُ حالاً، عِلّةً أُخرىٰ تُؤَثِّرُ تأثيرَها.
ص: 34
فإذا قيلَ : لَو كانَ كذلكَ لَظَهَرَ للتأثيرِ أثَرٌ(1)، و لَكانَ هاهنا فَرقٌ بَينَ وجودِها و انتفائِها.
أمكَنَ أن يقالَ : الفَرقُ بين ثُبوتِ الثانيةِ و انتفائِها، هو أنّ مع العِلّتَينِ إذا تَوَهَّمنا خُروجَ واحدةٍ عن الإيجابِ ، لَم يَنتَفِ الحُكمُ و لا أخَلَّ ذلكَ به، و في الواحدةِ لا يَتِمُّ مِثلُ هذا، بَل مَتىٰ قَدَّرنا انتفاءَها فلا بُدَّ مِن انتفاءِ الحُكمِ .
دليلٌ آخَرُ: و ممّا يَدُلُّ علىٰ نَفيِ ثانٍ قديمٍ أنّ في إثباتِه إثباتاً لِحَيَّينِ ، يَستَحِيلُ أن يُريدَ أحَدُهما ما يَكرَهُه الآخَرُ أو لا يُريدُه، بَل يوجِبُ استحالةَ كَونِ أحَدِهما مُريداً علىٰ وجهٍ مِن الوُجوهِ ، مِن غَيرِ أن يَكونَ الآخَرُ مُريداً.
و قَد(2) عُلِمَ في كُلِّ حَيَّينِ صحّةُ كَونِ أحَدِهما مُريداً و الآخَرِ كارهاً، أو غَيرَ مريدٍ،
[و] كُلُّ ما(3) أدّىٰ إلىٰ خِلافِ المعلومِ مِن ذلكَ يَجِبُ إبطالُه. و المؤَدّي إليه إثباتُ قَديمَينِ ؛ مِن حَيثُ كانَت الإرادةُ التي يُريدُ بها أحَدُهما لا تَختَصُّه(4) دونَ صاحبِه؛ و كيفَ تَختَصُّه دونَ الآخَرِ، و هي إنّما توجِبُ له حالَ المُريدِ، بأن توجَدَ لا في مَحَلٍّ؟ فتَعلُّقُها بأحَدِهما كتَعلُّقِها بالآخَرِ.
ص: 35
فإن قيلَ : ما أَنكَرتُم أن تَكونَ القضيّةُ التي أطلَقتُموها غَيرَ واجبةٍ ، و أنّ الحَيَّينِ إنّما يَصِحُّ أن يَكونَ أحَدُهما مُريداً و الآخَرُ كارهاً إذا كانَ ما يُريدُه أحَدُهما يَختَصُّه دونَ الآخَرِ، فلا يَجِبُ ذلكَ فيمَن [هو](1) يُريدُ بإرادةٍ ، اختصاصُها به كاختصاصِها بغَيرِه ؟
قلنا: ما ذَكَرناه مِن صحّةِ كَونِ أحَدِ الحَيَّينِ مُريداً دونَ الآخر(2)، أصلٌ مُقَرَّرٌ في العُقولِ مُطلَقٌ فيها، فلا يَجوزُ الاعتراضُ عليه بالتقييدِ و التخصيصِ .
كما أنّه مِنَ المُقَرَّرِ فيها صحّةُ كَونِ أحَدِ الحَيَّينِ عالِماً و الآخَرِ غَيرَ عالِمٍ ، و كَونِ أحَدِ الموصوفَينِ علىٰ صفةٍ و إن لَم يَكُنِ الآخَرُ عليها؛ ألا تَرى أنّه سَبَقَ ما ذَكَرناه مِن العُلومِ في العُقولِ ، العِلمَ بكيفيَّةِ اختصاصِ المُريدِ بإرادتِه، و الموصوفِ بما يوجِبُ (3) له الصفةَ؟ و لَو كانَ مُقيَّداً بكيفيّة اختصاصِ المُريدِ بإرادتِه لَم يَكُن مُطلَقاً، و تَوَقَّفَ العِلمُ بما ذَكَرناه مِن القضيّةِ علىٰ هذا التَفصيلِ و التميّزِ(4)، و قد عُلِمَ خِلافُه.
و ما مِثالُ مَن قَسَّمَ هذا العِلمَ و فَصَّلَه، إلّاكمَن قَسَّمَ العِلمَ المُتقرِّرَ في العُقولِ :
بأنّ المَعلومَ لا يَخلو مِن أن يَكونَ موجوداً أو معدوماً، و الموجودَ لا يَخلو مِن أن يَكونَ قَديماً أو مُحدَثاً؛ كما نَقَلَتِ الكُلّابِيّةُ (5) و مَن وافَقَها. و لا طريقَ إلىٰ إفسادِ قولِ
ص: 36
الجَميعِ إلّابالرُّجوعِ إلىٰ ما ذَكَرناه، مِن اعتبارِ ما تَقَرَّرَ إطلاقُه في العُقولِ ، و المنعِ مِن نَقضِه و تخصيصِه.
علىٰ أنّه لا يَخلو الحَيّانِ مِن أن تَكونَ القضيّةُ التي ذَكَرناها إنّما وَجَبَت مِنهما لِكَونِهما حَيَّينِ - علىٰ ما ذَكَرناه - أو لأنّ إرادةَ كُلِّ واحدٍ منهما تختصُّه(1). و لا يَجوزُ أن يكونَ ذلكَ الوَجهَ الثانيَ ؛ لأنّ صحّةَ كَونِ أحَدِهما مُريداً لِما يَكرَهُه الآخَرُ أو لا يُريدُه، حُكمٌ يَرجِعُ إليهما، و يَجِبُ أن يَكونَ المؤثِّرُ فيه صفةً تَعودُ أيضاً إليهما. و وجودُ الإرادةِ في بعضِ أحدِهما دونَ الآخَرِ لَيسَ ممّا يَرجِعُ إلَى الجُملةِ ؛ فكيفَ يؤثِّرُ في حُكمٍ يَعودُ إليها؟ و إن كانَ ذلكَ إنّما وَجَبَ لِكَونِهما حَيَّينِ ، فهو الذي قَصَدناه.
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَجعَلَ المُصَحِّحَ لِما اعتَبرناه مِن القضيّةِ كَونَهما حَيَّينِ ، لكِن بشرطِ [أن] لا تَكونَ إرادتُهما موجودةً علىٰ وجهٍ لا تَختَصُّ (2) معه بأحَدِهما دونَ الآخَرِ. (154)
و ذلكَ أنّ هذا عندَ التحقيقِ يَقتَضي اشتراطَ الشيءِ بنفسِه؛ لأنّ مَعنىٰ ما ذَكَرناه مِن أنّ إرادتَهما لا تَكونُ بحيثُ لا تَختَصُّ ، لَيسَ بأكثَرَ مِن أنّ أحَدَهما يَصِحُّ أن يُريدَ ما لا يُرِيدُه الآخَرُ. و كأنّه يُشتَرَطُ الشيءُ بنفسِهِ (3).
ص: 37
و يُمكِنُ أن يُستَدَلَّ بالسمعِ علىٰ نَفيِ ثانٍ قديمٍ ؛ لأنّ تجويزَ ذلكَ و الشكَّ فيه لا يَمنَعُ مِن العِلمِ بأنّه عالِمٌ بقُبحِ القَبيحِ ، و بأنّه غَنيٌّ عنه، و هذا الأصلُ هو الذي لا يَصِحُّ معرفتُه بالسمعِ .
ص: 38
[الفصل الخامس] [في الردِّ على الأديان المخالفة في صفاته تعالىٰ ](1)
فأمّا القولُ بالاثنَينِ فقد دَخَلَ فَسادُه فيما مَضىٰ مِن كتابِنا؛ لأنّهم يُثبِتونَ قِدَمَ النُّورِ و الظُّلمةِ (1)، و هما جسمانِ ، و قد دَلَّلنا فيما تَقدَّمَ علىٰ حُدوثِ جميعِ الأجسامِ (2).
علىٰ أنّ إثباتَهم النُّورَ و الظُّلمةَ قَديمَينِ ، يَمنَعُ مِن اختلافِهما؛ لأنّا قد بيّنّا(3) فيما مَضىٰ أنّ القَديمَ قَديمٌ لنفسِه(4)، و أنّ المُشارِكَ له في هذه الصفةِ يَجِبُ أن يَكونَ مِثلاً له. و مِن قولِهم: إنّ النُّورَ و الظَّلمةَ مُختَلِفانِ ، و هذا تَناقُضٌ (5).
و بَعدُ، فإنّهم يَقولونَ : إنّ النُّورَ يَفعَلُ الخَيرَ بطَبعِه(6)، و الظُّلمةَ تَفعَلُ (7) الشَّرَّ بطَبعِها، و هذا ممّا قد عُلِمَ فَسادُه؛ مِن حَيثُ دَلَّ (8) الدليلُ علىٰ أنّ الفِعلَ لا يَقَعُ بالطَّبعِ ، و أنّ ما اقتَضىٰ بابَ الفِعلِ يَقتَضي كَونَه مُختاراً، فلا فَرقَ بَينَ مَن نَفاه و بَينَ مَن أثبَتَه علىٰ خِلافِ الوجهِ الذي يَقتَضي الدَّليلُ إثباتَه عليه.
علىٰ أنّهم يُثبِتونَ الفِعلَ مِن كُلِّ فاعلٍ بطَبعِه، و هذا معلومٌ ضَرورةً فَسادُه؛ لأنّه يوجِبُ دَفعَ الاختيارِ الذي نَعلَمُه مِن أنفُسِنا ضَرورةً .
ص: 40
و علىٰ قولِهم بالمِزاجِ بَينَ النُّورِ و الظُّلمةِ (1)، و أنّ العالَمَ مُشتَرَكٌ بَينَهما(2)، يَجِبُ أيضاً أن يَكونَ كُلُّ جِسمٍ حَيّاً(3)، و لا شُبهةَ (4) في أنّ بَعضَ الأجسامِ بهذه الصفةِ دونَ بعضٍ . و قدِ استَقصَىٰ مَن تَقدَّمَ الكلامَ عليهم في المِزاجِ و كيفيّتِه و سببِه.
و أقوىٰ ما قيلَ لهم في ذلك(5): أنّ الأصلَينِ القائمَينِ ...(6) [في] ما لَم يَزَل عندَكُم، لَيسَ يَخلو إثباتُهما مِن أن يَكونَ لطَبعِهما، أو لوجودِ معنىً ، أو لاختيارِ مُختارٍ.
و لا يَجوزُ أن يَكونَ ذلكَ لمعنىً ، و لا لِاختيارِ مُختارٍ؛ لأنّه يوجِبُ إثباتَ أصلٍ ثالثٍ (7)، فلا بُدَّ مِن أن يَكونَ للطَّبعِ (8)، و ما يَقتَضيهِ الطَّبعُ لا يَتغيَّرُ؛ فكيفَ حَصَلَ المِزاجُ بَينَهما، و طَبعُهما يَقتَضي التبايُنَ و التنافُرَ؟ و هذا يُبطِلُ القولَ بالمِزاجِ ؛ سَواءً أضافوه إلَى اختيارِ الظُّلمةِ أو النُّورِ، أو إلى الاتِّفاقِ . و الكلامُ في هذا الجنسِ يَطولُ ، و طريقةُ الكلامِ عليهم فيه معروفةٌ .
و بعدُ، فإنّ مَذهَبَهم يؤَدّي إلىٰ قُبحِ الأمرِ و النَّهيِ ، و المَدحِ و الذَّمِّ ، و معلومٌ حُسنُ ذلكَ في العُقولِ .
و إنّما قُلنا: إنّه يؤَدّي إلىٰ ما ذَكَرناه؛ لأنّ الأمرَ بالحَسَنِ لا يَخلو عندَهم مِن أن يَكونَ متوجِّهاً إلَى النُّورِ، أو الظُّلمةِ .
ص: 41
فإن كانَ مُتَوجِّهاً إلَى النُّورِ، فهو مطبوعٌ (1) علَى الخَيرِ لا يَتمكَّنُ مِن الانفكاكِ عنه، و مَن هذه حالُه لا يَحسُنُ أمرُه، كما لا يَحسُنُ أمرُ مَن هَوىٰ مِن شاهقٍ (2)بالنُّزولِ و الهُوِيِّ .
و إن كانَ مُتَوجِّهاً إلَى الظُّلمةِ ، فهي مطبوعةٌ (3) علَى الشَّرِّ، لا تَقدِرُ على الخَيرِ؛ فكيفَ تؤمَرُ بما لا تَقدِرُ(4) عليه، و هي مطبوعةٌ (5) علىٰ خِلافِه ؟ و أمرُ العاجِزِ و مَن لَيسَ بقادرٍ قَبيحٌ في العُقولِ .
و كذلكَ القولُ في النَّهيِ (6) عن القَبيحِ إذا قَسَمناه هذه القِسمةَ ؛ لأنّه إن تَوَجَّهَ إلَى النُّورِ، فهو عندَهُم لا يَقدِرُ علَى القَبيحِ ، و لا يَتأتّىٰ مِنه؛ فكيفَ يُنهىٰ عنه ؟
و إن تَوجَّهَ إلَى الظُّلمةِ ، فهي مطبوعة(7) علَى القَبيحِ ، فكيفَ تُنهىٰ (8) عنه، و [هي] لا تَتمكَّنُ مِن الانفِكاكِ مِنه ؟
و إذا بَطَلَ الأمرُ و النَّهيُ ، بَطَلَ المَدحُ و الذَّمُّ ؛ لأنّ ما له يَقبُحُ الجَميعُ واحدٌ، و قد
أشرنا إليه.
و هذا الكَلامُ يَلزَمُ الدَّيْصانيّةَ (9) مِن وَجهٍ ؛ لأنّهم يُثبِتونَ (155) الظُّلمةَ مَواتاً غَيرَ
ص: 42
حَيّةٍ (1)، فقَد زادوا الإلزامَ قوّةً ، و يَجِبُ أن لا يَحسُنَ أمرُ الظُّلمةِ و لا نَهيُها؛ لأنّها مَواتٌ لا تَعقِلُ الأمرَ و النَّهيَ ، و لأنّها مطبوعةٌ .
و الذي دَعا هؤلاءِ إلىٰ إثباتِ أصلَينِ ، اعتقادُهم تَضادَّ الخَيرِ و الشَّرِّ، و اختلافَ أجناسِهما، و أنّهما إذا كانا كذلكَ لَم يَصِحَّ أن يَقَعا مِن فاعلٍ واحدٍ.(2)
و أنّ ما في هذا: أنّ الخَيرَ و الشَّرَّ لا يَتَضادّانِ و لا يَختَلِفانِ مِن حَيثُ كانا خَيراً و شَرّاً، و كذلك النفعُ و الضررُ، بل رُبَّما كانا مِن جنسٍ واحدٍ؛ ألَاتَرىٰ أنّ اللَّذّةَ مِن جنسِ الألَمِ؟ و لهذا يَألَمُ زَيدٌ بما يَلتَذُّ(3) به عَمرٌو، إذا(4) كانَ أحَدُهما مُشتَهياً و الآخَرُ نافراً. و كذلك الصِّدقُ مِن جنسِ الكَذِبِ ؛ لأنّ السامِعَ لهما لا يُميِّزُ بَينَهما، و يشتبهان(5) عليه عندَ إدراكِهما. بل نَفسُ ما يَكونُ صِدقاً يُمكِنُ أن يَقَعَ كَذِباً باختلافِ قَصدِ فاعلِه و المُخبِرِ به. و القَبيحُ أيضاً مِن جنسِ الحَسَنِ (6)؛ لأنّ لَطمةَ اليَتيمِ علىٰ سَبيلِ التأديبِ مِن جنسِ لَطمَتِه علىٰ سَبيلِ الظُّلمِ ، و قد استُقصِيَ ذلك في غَيرِ مَوضِعٍ ، فبَطَلَ ما ظَنّوه مِن تَضادِّ الخَيرِ و الشَّرِّ.
ص: 43
و لَو سُلِّمَ أنّ ذلكَ مُتَضادٌّ مُختَلِفٌ ، لَم يَكُن تَضادُّه بأقوىٰ مِن تَضادِّ الأكوانِ في الأماكنِ المُختَلِفَةِ ، و الإرادةِ و الكَراهةِ ، و العِلمِ و الجهلِ ، و قد عُلِمَ وقوعُ كُلِّ ذلكَ مِن فاعلٍ واحدٍ، [فوقوعُ الخَيرِ و الشَّرِّ مِن فاعلٍ واحدٍ](1) أولى.
علىٰ أنّ نَفسَ الخَيرِ قد يَتَضادُّ و تَختَلِفُ أجناسُه، و كذلكَ الشَّرُّ، و لَم يَجِبْ عندَهُم أن يُثبِتوا لِكُلِّ جنسٍ مِن الخَيرِ فاعلاً، بَل أضافوا كُلَّ الخَيرِ إلىٰ فاعلٍ واحدٍ.
و هذا يُبطِلُ أنّ تَضادَّ الأجناسِ و اختلافَهما يوجِبُ اختلافَ الفاعِلَينِ .
و لَيسَ لهم أن يقولوا: لَو وَقَعَ الخَيرُ و الشَّرُّ مِن فاعلٍ واحدٍ، لَوجبَ أن يَستَحِقَّ في الوقتِ الواحدِ المَدحَ و الذَّمَّ معاً.
و ذلكَ أنّ هذا جائزٌ عندَ مَن لَم يُثبِتِ الإحباطَ و التكفيرَ(2). و مَن يُثبِتُهما(3) يَقولُ :
إنِ استَوىٰ ما يَفعَلُه مِن الخَيرِ و الشَّرِّ في مقدارِ المُستَحَقِّ عليه، لَم يَستَحِقَّ ذَمّاً و لا مَدحاً؛ و إن زادَ أحَدُهما علَى الآخَرِ، ثَبَتَ له الزائدُ و بَطَلَ الآخَرُ، فلا يَكونُ مُستَحِقّاً للأمرَينِ معاً.
و ممّا يُنبئُ عن فَسادِ مَذاهِبِهم: أنّا وَجَدنا حَوادِثَ كثيرةً تَغُمُّ قوماً و تَسُرُّ آخَرينَ ، و تَنفَعُ قوماً و تَضُرُّ سِواهم، و تَكونُ (4) مِن وَجهٍ نَفعاً و مِن الآخَرِ ضَرَراً؛ ألَاتَرىٰ أنّ بعضَ الأطعمةِ تَنفَعُ الصَّحيحَ و تَضُرُّ العَليلَ ، و أخذُ المالِ علىٰ وَجهِ الغَصْبِ يَضُرُّ بالمأخوذِ منه و يَنفَعُ الآخِذَ؟ و هذا أكثَرُ مِن أن يُحصىٰ و يُحصَرَ. و قد قال الشاعرُ:
ص: 44
أعتَقَني سوءُ ما صَنَعتُ مِن الرِّ *** قِّ فَيا بَردَها علىٰ كَبِدي
فصِرتُ عَبداً لِلسوءِ فيكَ و ما *** أحسَنَ سوءٌ قَبلي إلىٰ أحَدِ(1)
فبَيَّنَ كما تَرى أنّه انتَفَعَ بالسُّوءِ مِن وجهٍ مِنَ (2) الوجوهِ .
فأمّا وقوعُ الضررِ بالأجسامِ النيِّرةِ ، و النفعِ بالأجسامِ المُظلِمةِ ، فهو الأظهَرُ مِن أن يَخفىٰ ؛ و ذلكَ أنّ سَوادَ الليلِ يُخفي المطلوبَ ظُلماً عن طالبِه، و بَياضَ النَّهارِ قد يَكونُ سبباً للظَّفَرِ به. و الرَّمَدُ(3) يَنتَفِعُ بالظُّلمةِ و يَستَضِرُّ بالضَّوءِ ، و بسَوادِ النَّقشِ تَتِمُّ الكِتابةُ و تُضبَطُ الأُمورُ و تُكتَبُ العُهودُ؛ و قد قالَ الشاعرُ:
و كَم لظَلامِ اللَّيلِ عندَكَ مِن يَدٍ *** تُخبِّرُ أنّ المانَويّةَ (4) تَكذِبُ
و قال أيضاً:
أزورُهم و سَوادُ اللَّيلِ يَشفَعُ لي *** و انثَني و بَياضُ الصُّبحِ يُغري بي(5)
و ممّا سُئلوا عنه أن قيلَ لهم: خَبِّرُونا عن «المُعتَذِرِ مِن جُرمِه»؛ مَن هو؟
فإن قالوا: النُّورُ، أضافوا [إليه] القَبيحَ !
و إن قالوا: الظُّلمةُ ، أضافوا إليها التَّوبةَ و هي حَسَنَةٌ !
ص: 45
و إن قالوا: المُسيءُ جُزءٌ مِن الظُّلمةِ و المُعتَذِرُ جُزءٌ مِن النُّورِ.
قُلنا: هذا باطلٌ ؛ لِما فَرَضناه(1) مِن اعتذارِ المُعتَذِرِ مِن جُرمِه و ممّا يَعلَمُ أنّه جَناه،
و هذا معلومٌ ضَرورةً .
علىٰ أنّ الفاعلَ هو جُملةُ الإنسانِ دونَ أجزائِه، فكيفَ يَصِحُّ إضافةُ الأفعالِ (156) إلىٰ أجزائِه ؟!
علىٰ أنّ اعتذارَ مَن لَم يَفعَلِ القَبِيحَ قَبيحٌ ، و النُّورُ لا يَقَعُ عندَهم مِنه القَبيحُ ، فيَجِبُ أن يَكونَ المُعتَذِرُ هو المُذنِبَ ، حتّىٰ يَكونَ الاعتذارُ حَسَناً.
و كذلكَ (2) يُسألونَ عنِ «العالِمِ بأنّه مسيءٌ »؛ مَن هو؟
فإن قالوا: النُّورُ، فذلِكَ يَقتَضي إضافةَ الإساءةِ (3) إليهِ !
و إن قالوا: الظُّلمةُ ، فالعِلمُ صفةُ مَدحٍ لا تَليقُ بالظُّلمةِ علىٰ مَذاهِبِهم!
و كذلكَ يُسأَلونَ عن القائلِ «بأنّه ظالِمٌ شِرّيرٌ»:
فإن كانَ النُّورَ، وجبَ أن يَكونَ كاذباً!
و إن(4) كانَتِ الظُّلمةَ ، فهي صادقةٌ في هذا الخبرِ، فيَجِبُ أن يُضافَ الصِّدقُ - و هو خيرٌ(5) - إليها!
و ما يُناقَضونَ به كثيرٌ، و فيما أشَرنا إليه كفايةٌ .
***
ص: 46
[2] [فَصلٌ ] [في](1) الكلامُ علَى المَجوسِ
فمنهم: مَن زَعَمَ أنّ اللّٰهَ تَعالىٰ و الشَّيطانَ معاً جسمانِ قَديمانِ .
و منهم مَن قالَ : إنّه تَعالىٰ جسمٌ ، و الشَّيطانُ لَيسَ بجسمٍ .
وَ الآخَرونَ قالوا: الشَّيطانُ جسمٌ ، و اللّٰهُ تَعالىٰ غَيرُ جسمٍ .
و أكثَرُهم يَذهَبُ إلىٰ أنّه تَعالىٰ قَديمٌ و الشَّيطانُ مُحدَثٌ ، و أنّه حَدَثَ عن فِكرةٍ (2).
و قولُهم في أنّ الألَمَ لا يَكونُ إلّاقَبيحاً، و اللَّذَّةَ لا تَكونُ إلّاحَسَنةً ، و أنّهما لا يَقَعانِ مِن فاعلٍ واحدٍ(3)، يُضاهي قولَ الثَّنَويّةِ . و هذا [هو] الّذي دَعاهم إلىٰ إثباتِ فاعلَينِ ؛ يَختَصُّ أحَدُهما بالخَيرِ و الآخَرُ بالشَّرِّ.
و قد مَضَى الكلامُ علىٰ مَن أثبَتَه جسماً في بابِ نَفيِ الشَّبيهِ (4).
و مَضىٰ أيضاً الكلامُ في حُدوثِ الأجسامِ (5)، و أنّ الجسمَ لا يَجوزُ أن يَكونَ
قديماً، فبَطَلَ قولُ مَن أثبَتَ الشَّيطانَ قَديماً مع أنّه جسمٌ .
ص: 47
و مَضَى الكلامُ - في الرَّدِّ علَى الثَّنَويّةِ - علىٰ مَن أثبَتَ فاعِلَينِ للخَيرِ و الشَّرِّ، و بيّنّا(1) أنّ الخَيرَ و الشَّرَّ لا يَختَلِفانِ و لا يَتَضادّانِ مِن حيثُ كانا خَيراً و شَرّاً، و أنّهما لَو اختَلَفا و تَضادّا لَصَحّا مِن فاعلٍ واحدٍ؛ كصحّةِ الأفعالِ مُتَضادّةً في الشاهدِ مِن الفاعلِ الواحدِ.
و الكلامُ في أنّ الآلامَ تَحسُنُ و تَقبُحُ ، و اللذّةُ ممّا يَقبُحُ و يَحسُنُ ، يَجيءُ فيما يأتي من الكتابِ (2).
و أمّا الكلامُ علىٰ مَن أثبَتَ مِنهم حُدوثَ الشَّيطانِ ، فهو أن يُقالَ له: لا يَخلو عندَكَ مِن أن يكونَ حادثاً لا مُحدِثَ له، أو يكونَ مُحدِثُه القَديمَ تَعالىٰ ، و حَدَثَ عن فِكرِه و شَكِّه؛ علىٰ ما تَهوَّسوا به.
و لا يَجوزُ أن يكونَ لا مُحدِثَ له؛ لأنّه يؤَدّي إلىٰ تَجويزِ مِثلِ ذلك في جميعِ الحَوادثِ مِن الأجسامِ و الأعراضِ ، و هذا يُبطِلُ إثباتَ القَديمِ تَعالىٰ و الشَّيطانِ (3) جميعاً.
علىٰ أنّا قد دَلَّلنا فيما سَلَفَ مِن الكِتابِ علىٰ أنّ المُحدَثَ يَحتاجُ إلىٰ المُحدِثِ مِن حَيثُ كانَ مُحدَثاً(4)، و لا يَصِحُّ مع ذلكَ إثباتُ مُحدَثٍ لا مُحدِثَ له.
و لا يَجوزُ أن يَكونَ القَديمُ (5) تَعالىٰ علىٰ مَذهَبِهم هو المُحدِثَ للشَّيطانِ ؛
ص: 48
لأنّه أصلُ المَضارِّ عِندَهُم، و إذا جازَ أن يُحدِثَه مع كَونِه ضرراً، جازَ أن يُحدِثَ سائرَ المَضارِّ، و يَستَغنيَ عن إثباتِ شَيطانٍ يَختَصُّ بفِعلِ ذلكَ (1).
و لَيسَ لهم أن يقولوا: فأنتم تَقولونَ : إنّه يَفعَلُ الشَّيطانَ و كُلَّ فاعلٍ للقبيحِ ، و إن لَم يَجُز أن يَفعَلَ نفسَ القَبيحِ ؛ فكيفَ ألزَمتُمونا ما يَلزَمُكم ؟
و ذلكَ أنّ الشَّيطانَ عندَهم مطبوعٌ علَى الشَّرِّ، و الخَيرُ مُستَحيلٌ فيه، فهو كالسببِ في المَضارِّ و الشُّرورِ، فخَلقُه يَجري مَجرىٰ ما هو سببٌ فيه. و عندَنا أنّ الشَّيطانَ و غَيرَه مِن فاعلِي القَبيحِ مُختارونَ للقَبيحِ ، قادِرونَ علَى الامتناعِ مِنه، فخَلقُهم و تَمكينُهم - مع تكليفِهم الامتناعَ مِن القَبيحِ الذي يَقدِرونَ علَى الامتناعِ منه - حَسَنٌ غَيرُ قَبيحٍ .
و لهذا(2) المعنىٰ قالَتِ المَجوسُ (3): إنّ الحَيّاتِ و العَقارِبَ و ما جَرىٰ مَجراهما
مِن فِعلِ الشَّيطانِ ، و إن لَم تَكُن ضرراً في نُفوسِها، لكِن مِن حَيثُ كانَت كالسببِ في الضررِ و الآلةِ فيه. و الشَّيطانُ يَجري عندَهم مَجراها؛ فكيفَ يَكونُ مِن فِعلِ الحَكيمِ (157) تَعالىٰ؟
فأمّا مَن أثبَتَ الشَّيطانَ مُتَوَلِّداً(4) عن الفِكرةِ : فالّذي يُبطِلُ (5) قَولَه، ما تَقدَّمَ مِن الدَّلالةِ علىٰ أنّ المُحدَثَ لا بُدَّ له مِن مُحدِثٍ قادرٍ مختارٍ(6).
و بَعدُ، فإذا كانَ تَعالىٰ هو المُحدِثَ لذلكَ الفِكرِ أو الشكِّ الذي حَدَثَ الشَّيطانُ
ص: 49
عنه؛ لأنّهم(1) إن أثبَتوه قَديماً، لَم يَجُز علىٰ مَذهَبِ مَن أفرَدَه تَعالىٰ بالقِدَمِ ، فيَجِبُ علىٰ هذا أن يَكونَ الشَّيطانُ مِن فِعلِه، و إن كان(2) بواسطةٍ ؛ لأنّ فاعلَ السببِ هو فاعلُ المُسَبَّبِ . و إذا جازَ أن يُحدِثَ ما يَتولَّدُ عنه الشَّيطانُ ، جازَ أن يُحدِثَ الشَّيطانَ و سائرَ المَضارِّ ابتداءً .
و بَعدُ، فإنّ مِن شأنِ ما يوجِبُ الضررَ، أن يَكونَ في حُكمِه عندَ العقلاءِ ، فالفِكرُ علىٰ هذا إذا كانَ موجِباً للضررِ، يَجِبُ أن يَكونَ في نفسِه له حُكمُ الضررِ، و لا فَرقَ بَينَه و بَينَ سائرِ المَضارِّ.
و ما ناقَضنا به الثَّنَويّةَ ، و بيّنّا به صحّةَ وقوعِ القَبيحِ (3) و الحَسَنِ مِن فاعلٍ واحدٍ، مِن المسائلِ التي ذَكَرناها - كمَن قَتَلَ ثُمّ نَدِمَ و غَيرِ ذلكَ (4) - يَصلُحُ أن يُناقَضَ به أيضاً هؤلاءِ ، فلا معنىٰ لإعادتِه.
***
اعلَمْ أنّ إبطالَ المَذهَبِ فَرعٌ علىٰ كَونِه معقولاً مُمكِناً اعتقادُه، و الظاهرُ مِن قولِ
ص: 50
النَّصارى في التثليثِ تَناقُضٌ ، لا يُمكِنُ أن يَعتَقِدَه علىٰ ظاهرِه عاقِلٌ . و لَو كانوا صَرَّحوا بالتثليثِ - كما صَرَّحَ غَيرُهم بالتثنيةِ - لَكانَ ما تَقدَّمَ مِن أدلّةِ التوحيدِ كافيةً للاحتجاجِ (1) عليهم.
و نَحنُ نَقسِمُ (2) ما يَحتَمِلُه قَولُهم قِسمةً لا زيادةَ عليها، فنَقولُ :
لا يَخلو مُرادُهم بقولِهم: «إنّه جَوهرٌ واحدٌ ثلاثةُ أقانيمَ »:
أنّ الواحدَ علَى الحقيقةِ ثلاثةٌ على الحقيقةِ .
أو يَكونُ معناه أنّه جُملةٌ واحدةٌ ذاتُ أجزاءٍ كثيرةٍ ، كما نقولُ في الإنسانِ : إنّه واحدٌ، و إن كانَ ذا أجزاءٍ كثيرةٍ .
أو يُريدونَ بذلكَ أنّه واحدٌ، و أنّ له عِلماً و قُدرةً و حَياةً (3)، كما قالت الكُلّابيّةُ .
أو يُريدونَ به [أنّه] ذاتٌ واحدةٌ يَختَصُّ بصفاتٍ ؛ مِثلُ كَونِه قادِراً و عالِماً و حَيّاً.
و القولُ الأوّلُ : مُتَنافٍ مُتَناقضٌ ، لا يجوزُ أن يَعتَقِدهُ عاقلٌ ؛ لأنّ في إثباتِ الواحدِ نفياً للزيادةِ عليه؛ مِن الثاني و الثالثِ و كُلِّ الأعدادِ، فإذا قُلنا: «ثَلاثةٌ » أثبَتنا ما نَفَيناه بعَينِه.
و القولُ الثاني: فاسِدٌ؛ لأنّه تَعالىٰ ذاتٌ واحدةٌ ، و الجُملةُ لا تَكونُ إلّاذواتٍ كثيرةً .
و ما أبطَلنا به أن يَكونَ جسماً مُؤلَّفاً، يُبطِلُ أن يَكونَ جُملةً ذاتَ أجزاءٍ .
علىٰ أنّ هذا القولَ لا يُشبِهُ ما نَقولُه في الإنسانِ : «إنّه واحدٌ و إن كانَ [مركّباً] مِن أجزاءٍ كثيرةٍ »، و العَشَرةِ «أنّها عَشَرةٌ واحدةٌ »؛ لأنّا نُثبِتُ أبعاضَ الإنسانِ مُتَغايرةً علَى
ص: 51
الحقيقةِ ، و كذلك آحادُ العَشَرةِ ، و نَقولُ : «إنّه إنسانٌ »؛ لِيُبِينَ (1) هذه الجُملةَ مِن سائرِ الجُمَلِ ، ثمّ نَقولُ : «واحدٌ»؛ ليُفِيدَ أنّه واحدٌ مِن هذه الجُملةِ (2)؛ لأنّه واحدٌ علَى الحقيقةِ . و كذلكَ القولُ في العَشَرةِ : إنّه وَصفٌ يُبِينُ هذه الجُملةَ مِن سائرِ جُمَلِ الأعدادِ، ثُمّ نَقولُ : «واحدٌ» تنبيهاً علىٰ أنّه مَرّةٌ واحدةٌ (3).
فيَجِبُ أن يَقولوا - إذا أرادوا مُساواتَنا -: إنّ الأقانيمَ مُتَغايِرةٌ ، و يَصِفونَها بالواحدةِ علىٰ سَبيلِ المَجازِ، أو أنّ مُرادَهم أنّها(4) جُملةٌ واحدةٌ . و يَلزَمُ أيضاً، أن يَصِفوا بذلكَ (5) كُلَّ معدودٍ بَلَغَ ثَلاثةً ، كما نَصِفُ نَحنُ بالعَشَرةِ كُلَّ معدودٍ بَلَغَ هذا المَبلغَ .
[و القول الثالث]
فأمّا ما يَفسُدُ به قولُهم إذا قَصَدوا إلىٰ معنَى الكُلّابيّةِ ، و وَصَفوا المَعانيَ التي بها كانَ علَى الصفاتِ بأنّها (158) أقانيمُ ، فهو الذي قَدَّمناه في الردِّ علىٰ مَن أثبَتَ هذه المَعانيَ (6).
علىٰ أنّه يَلزَمُهم أن يَتَجاوَزوا الثلاثةَ (7) إلىٰ أن يُثبِتوا مِن المَعاني مِثلَ ما أثبَتَه
ص: 52
الكُلّابيّةُ ؛ لأنّه تَعالىٰ قادرٌ و سَميعٌ و بَصيرٌ، فيَجِبُ أن يُثبِتوا له قُدرةً و سَمعاً و بَصَراً(1)، و يصفوا(2) الجميعَ بأنّه أقانيمُ ، و لا يَقتَصِروا علىٰ ثلاثةٍ .
فإن قالوا: هو قادرٌ لِذاتِه(3)؛ فيَجِبُ أن يَكونَ أيضاً حَيّاً لِذاتِه، و عالِماً لذاتِه،
و نستغني عن إثباتِ الرُّوحِ و العِلمِ الذي هو عندَهم الكلمةُ (4).
و إن قالوا: قُدرَتُه هي حَياتُه و عِلمُه.(5)
قُلنا: فاجعَلوا عِلمَه هو حياتَه(6)، و استَغنُوا بذلكَ عن أحَدِ الأقانيمِ . و لَم يُمكِنهم أن يَنفوا كَونَه قادراً؛ لأنّ ذلكَ يَجري مَجرىٰ نَفيِ كَونِه حَيّاً عالِماً، و في هذا إبطالُ الأقانيمِ .
علىٰ أنّه يَلزَمُهم - إذا كانَتِ الأقانيمُ عندَهم قَديمةً -، أن لا يَختَصَّها بعضُها مِن الصفاتِ بما لا يُشارِكُه فيه الكُلُّ ؛ لأنّا قد بيّنّا فيما مَضىٰ أنّ القَديمَ قَديمٌ لنفسِه، و أنّ ما شارَكَه في القِدَمِ يَجِبُ أن يَكونَ مُماثِلاً له، أو مُشارِكاً في جميعِ ما يَختَصُّ به لِذاتِه، و هذا يوجِبُ عليهم القولَ بأنّ الابنَ أبٌ و الأبَ ابنٌ ، و الأبَ روحٌ و الرُّوحَ أبٌ ، و يَلزَمُ أيضاً أن يَكونَ للابنِ ابنٌ و للرُّوحِ (7) روحٌ ، و يَلزَمُ للابنِ روحٌ و للرُّوحِ ابنٌ ، علَى الطريقةِ التي قَدَّمناها في اعتبارِ التماثُلِ و المُشارَكةِ فيما يَرجِعُ إلَى الذاتِ .
ص: 53
فأمّا القِسمُ الرابعُ :(1) و هو أن يُريدوا بقَولِهم: «جَوهرٌ واحدٌ» أنّه موصوفٌ ، و ب «الأقانيمِ الثلاثةِ » أنّه يَختَصُّ بكَونِه حَيّاً قديماً مُتَكلِّماً.
فأوّلُ ما فيه: أنّه يُخالفُ ما يُصَرِّحُ به النَّصارىٰ مِن مَذهَبِهم(2) في الجَوهرِ و الأقانيمِ ؛ ألَاتَرىٰ أنّ مِن مَذهَبِهم أنّ الابنَ يَتَّحِدُ بعيسىٰ (3)، فيَخُصّونَ الابنَ بالاتّحادِ(4)؟ و لَو كانَ القَديمُ عندَهم شيئاً واحداً، لَم يَكُن هذا القولُ صحيحاً؛ لأنّه كانَ يَقتَضي أنّ الذي اتَّحَدَ هو الذي لَم يَتَّحِدْ!
و إنّما فَزِعَ (5) مَن تأَخَّر منهم إلىٰ هذا التأويلِ ، لمّا رأىٰ فَسادَ غَيرِه و قُوّةَ الكلامِ عليه.
و مَن صارَ إلىٰ هذا القولِ فإنّما يُخالِفُ في العبارةِ دونَ المعنىٰ ، و هو مُخطئٌ علىٰ كُلِّ حالٍ ؛ لأنّ الشيءَ الواحدَ لا يَجوزُ وَصفُه بالأعدادِ الكثيرةِ ، إذا اختَصَّ بالصفاتِ الكثيرةِ ؛ يُبيِّنُ ذلكَ أنّ السوادَ لا يَصِحُّ وصفُه بأنّه مِن ثلاثةٍ مِن حيثُ كانَ موجوداً و سَواداً و مُحدَثاً، و كذلك الجَوهرُ مِن حيثُ كانَ جَوهراً و مُتحيِّزاً و موجوداً.
و يَلزَمُ على ذلك أن لا يَقتَصِروا في صفاتِه تَعالىٰ علىٰ ثلاثةٍ فَقَط، بل يُثبِتوا(6) له مِن الأقانيمِ بعَددِ أحوالِه و صفاتِه كُلِّها.
و يَلزَمُ أيضاً أن يَكونَ الواحدُ مِنّا علىٰ هذا التفسيرِ ذا أقانيمَ ؛ مِن حَيثُ كان
ص: 54
مُختَصّاً بصفاتٍ ؛ نَحوُ كَونِه حَيّاً و قادِراً و عالِماً.
فأمّا ما يَذهَبونَ مِن إثباتِهم المسيحَ «ابناً» له - تَعالىٰ عن ذلكَ عُلُوّاً كبيراً - فظاهرُ
البُطلانِ ؛ لأنّ حقيقةَ هذه اللفظةِ لا تَجوزُ عليه تَعالىٰ ، و لا مَجازَها.
أمّا حقيقتُها: فهي لِمَن خُلِقَ مِن ماءِ غَيرِه(1)، أو وُلِدَ علىٰ فِراشِه. و مَجازُها يُستَعمَلُ فيمَن يَصِحُّ أن يَكونَ له ولدٌ(2) [يجوز أن يُنسب] لِمَن أُضيفَ إليه؛ ألا تَرىٰ أنّه لا يُضافُ إلَى الإنسانِ علىٰ طريقِ التَّبَنّي به بعضُ البهائمِ ؛ لمّا لَم يَكُن مِن جنسِها، و لا هي ممّا يَصِحُّ أن يَكونَ ولداً؟ و كذلكَ لا يُقالُ : «تَبنَّى الشابُّ شَيخاً كبيراً»؛ لَمّا لَم يُمكِنْ أن يَكونَ وَلَداً له. و معلومٌ أيضاً أنّ معنىٰ هذا المَجازِ لا يَليقُ به تَعالىٰ ؛ لأنّ مُخالَفتَه للأجسامِ أشَدُّ مِن مُخالَفةِ الإنسانِ للبهائمِ ، و لأنّ تَعذُّرَ كَونِ الوَلَدِ (159) له أشَدُّ مِن تَعذُّرِ كَونِ الشيخِ وَلَدَ الشابِّ . هذا لَو جازَ القياسُ علَى المَجازِ؛ فكيفَ و ذلكَ ممّا لا يُقاسُ عليه ؟!(3)
و هذا يُبطِلُ تفسيرَهم لهذا اللفظِ بمعنَى الكَرامةِ (4)؛ بأنّا قد بيّنّا أنّها لا تُستَعمَلُ أيضاً بمعنَى الكَرامةِ إلّافي مَوضِعٍ مخصوصٍ لا يَليقُ به تَعالىٰ .
علىٰ أنّ ذلكَ يَقتَضي كَونَه أباً في حالِ خَلقِ عيسى، وَ يُبطِلُ قولَهم: إنّه أبٌ فيما لَم يَزَلْ .
ص: 55
علىٰ أنّه لَو كانَ معنَى التبَنّي التعظيمَ و الكَرامةَ ، لَصَحَّ في كُلِّ مَن يُعَظِّمُه و يُكَرِّمُه أن يُتَبَنّىٰ ، و ذلكَ فاسِدٌ.
و بَعدُ، فقَد كانَ يَجِبُ أن لا يُخَصَّ عيسىٰ في هذا البابِ بما لَيسَ لغَيرِه مِن سائرِ الأنبياءِ ؛ لأنّ الكَرامةَ و التعظيمَ شامِلانِ للكُلِّ (1).
و بَعدُ، فإنّ أحَدَنا كما يَتَبَنّىٰ غيره(2) على جِهةِ الإكرامِ ، كذلكَ قد يؤاخيهِ علىٰ هذا الوَجهِ ، و علىٰ مَعنى التشبيه(3) بالأُخُوّةِ علَى الحقيقةِ ، فلا فَرقَ بَينَ مَن أثبَتَ للّٰهِ تَعالىٰ علىٰ هذا المعنَى ابناً(4) و بَينَ مَن أثبَتَ له أخاً.
فأمّا ادّعاؤهم أنّ في الإنجيلِ حِكايةً عن عيسىٰ : «إنّي ذاهبٌ إلىٰ أَبي»(5)، و أنّه أمَرَ الحَوارِيّينَ أن يَقولوا في صَلاتِهم: «يا أَبانا». فكُلُّ (6) ذلكَ ممّا لَم يَثبُتْ عندَنا فيَصِحَّ الاحتجاجُ به؛ لأنّ نَقلَ كُتُبِهم لَم يَرِدْ مَورِدَ الحُجّةِ و إيجابِ العَمَلِ . و لَو كانَ ثابتاً لَجازَ أن يَكونَ له وَجهٌ مِن المَجازِ صحيحٌ تَحتَمِلُه(7) تلكَ اللُّغةُ ، و يَكونَ المُرادُ بهذه اللفظةِ فيها ما يَليقُ به تَعالىٰ ؛ لأنّ اللُّغاتِ إذا اختَلَفَت لَم يُنكَرْ أن يُتَجوَّزَ ببعضِ
الألفاظِ في بعضِها علىٰ وَجهٍ لا يُستَعمَلُ في بابِ اللُّغاتِ .
ص: 56
و الذي يَلزَمُنا أن تُعلَمَ استحالةُ إيجادِ الوَلَدِ عليه بحَسَبِ قيامِ الدَّلالةِ ، و إن كانت لفظةٌ (1) كانَ ظاهرُها يُخالِفُ ذلكَ ، فهي(2) إذا صَحَّت، محمولةٌ علىٰ ما يُطابِقُ مدلولَ الدَّلالةِ .
فأمّا قياسُهم قولَهم في البُنُوّةِ علىٰ قولِه: «إنّ إبراهيمَ خَليلُه»: فبَعيدٌ مِن الصحّةِ ؛ لأنّ الخُلّةَ مأخوذةٌ مِن الاختصاصِ و الاصطفاءِ ، فمَن اختَصَّ مِنّا غَيرَه و اصطَفاه و أطلَعَه علىٰ أمرِه، وُصِفَ بأنّه «خَليلُه» علىٰ هذا المعنىٰ .
و يُقوّي ذلكَ أنّه مُقتَبَسٌ (3) مُشتَقٌّ مِن خَلّةِ الأُمورِ، فيَكونُ مِن حيثُ أُطلِعَ عليه و أُفشيَت الأسرارُ إليه، كأنّه جُعِلَ في خُلَلها.
و هذا المعنىٰ ثابِتٌ في إبراهيمَ ؛ لأنّه تَعالىٰ خَصَّه مِن كَرامتِه و رِسالتِه بما لَم يَخُصَّ به أحَداً مِن أهلِ زَمانِه. و هذا المَعنىٰ و إن كان موجوداً في جميعِ الأنبياءِ ، فغَيرُ مُمتَنِعٍ أن يَصيرَ كاللَّقَبِ لإبراهيمَ ؛ مِن حَيثُ غُلِّبَ عليه و اختُصَّ به، كما خُصَّ مُوسى بأنّه «كَليمُ اللّٰهِ »، و إن كانَ تَعالىٰ قد كَلَّمَ الملائكةَ ، و البَيتَ الحَرامَ بأنّه «بَيتُ اللّٰهِ »، و ناقةَ صالِحٍ بأنّها «ناقةُ اللّٰهِ »، و [مِثلُ ] هذا كثيرٌ.
و قد قيلَ : إنّ وَصفَه بأنّه «خَليلُ اللّٰهِ » مأخوذٌ مِن المَحبّةِ ؛ لأنّه تَعالىٰ مُحِبٌّ له.
و قيل: إنّه مأخوذٌ مِن الخَلّةِ - بفَتحِ الخاءِ - التي هي الافتقارُ و الحاجةُ ، و مِنه قَولُ الشاعرِ(4):
ص: 57
فإن أتاه خَليلٌ يَومَ مَسغَبةٍ (1) *** يَقولُ : لا غائبٌ مالي و لا حَرِمُ (2)
و كأنّه عليه السلام لمّا ظَهَرَ مِن حاجتِه و انقطاعِه إلَى اللّٰهِ ما لَم يَظهَرْ مِن غَيرِه، و لمّا اختَلَّ فيه اختلالاً لَم يَنَلْ أحَداً قَبلَه؛ مِثلَ قَذفِه في النارِ، و امتحانِه بذَبحِ ابنِه، و البَراءةِ مِن أبيهِ (3)، وُصِفَ بذلكَ و صارَ كاللّقَبِ له.
فإن قيلَ : فما معنىٰ وَصفِكم أنتم له عليه السلام بأنّه «رُوحُ اللّٰهِ و كَلِمَتُه»؟
قُلنا: معنىٰ وَصفِه بأنّه «رُوحٌ »: أنّ الناسَ لَمُحيَونَ به في أديانِهم، كما يُحيَونَ في أجسادِهم بأرواحِهم، و هذا أحسَنُ تشبيهٍ و أبلَغُه.
و قيلَ أيضاً: إنّ اللّٰهَ تعالى لمّا أجرَى العادةَ بأن تُخلَقَ (4) الأرواحُ في نُطَفِ الرِّجالِ ، (160) إذا استَقَرَّت في أماكنِها مِن النِّساءِ ، و خَلَقَ في مَريَمَ رُوحاً وَ جَسَداً علىٰ خِلافِ مَجرَى العادةِ و بغَيرِ واسطةٍ ، جازَ أن يُقالَ : إنّه «رُوحُ اللّٰهِ ».
و قد سَمَّى اللّٰهُ تَعالَى القُرآنَ رُوحاً، و جِبريلَ رُوحاً، و لَم يَكُن في ذلكَ دليلٌ علىٰ جوازِ التسميةِ بالبُنُوّةِ ؛ فكيفَ يَصِحُّ التوَصُّلُ (5) بتَسميَةِ عيسىٰ بأنّه «رُوحُ اللّٰهِ »
ص: 58
إلىٰ جَوازِ وَصفِه بأنّه «ابنُ اللّٰهِ »؟ تَعالَى اللّٰهُ عَمّا يَقولُ المُبطِلونَ عُلُوّاً كبيراً.
و أمّا مَعنىٰ وَصفِه بأنّه «كَلِمةُ اللّٰهِ »: فهو مِن حَيثُ كانَ النّاسُ يَهتَدونَ به كما يَهتَدونَ بكلامِه تَعالىٰ ، و هذا كما سَمَّى اللّٰهُ تَعالىٰ كلامَه - مِن حَيثُ الاهتداءِ به و النَّجاةِ في الدينِ - نُوراً و شِفاءً .
و قيلَ : إنّ معنىٰ ذلكَ أنّه صارَ حَملاً مِن غَيرِ ذَكَرٍ؛ كأنّه قيلَ له: «كُن» فكانَ ؛ مِن
غَيرِ تَوسُّطِ جِماعٍ ، و لا خَلقٍ مِن نُطفةٍ .
و كُلُّ هذا لا يُشبِهُ قولَهم في البُنُوّةِ ؛ لأنّا قد بيّنّا(1) أنّ تلكَ اللفظةَ لا تَجوزُ علَى اللّٰهِ تَعالىٰ حقيقتُها و لا مَجازُها.
و أمّا ما يَذهَبونَ إليه في الاتّحاد: فمِنه ما يُعقَلُ و إن كانَ باطلاً، و مِنه ما لا يُعقَلُ .
و المعقولُ : هو تفسيرُهم لذلكَ بالحُلولِ ، أو المُجاوَرةِ ، أو الاتّفاقِ في المَشيّةِ ؛ حتّىٰ صارَ كُلُّ ما يَشاءُ أحَدُهما يَشاؤه الآخَرُ.
و الّذي لا يُعقَلُ : قولُهم: إنّ الذاتَينِ صارَت واحدةً ، و صارَ ما لَيسَ بإلهٍ إلهاً و ما كانَ مُحدَثاً قَديماً.
و قد مَضَى القولُ في [أنّ ] القَديمَ تَعالىٰ لا يَجوزُ عليه الحُلولُ و لا المُجاوَرةُ ، مُستَقصىً .(2)
فأمّا الاتّفاقُ في المَشيّةِ : فأوّلُ ما فيه أنّ مِن حَقِّ كُلِّ حَيَّينِ صحّةَ كَونِ أحَدِهما مُريداً لِما يَكرَهُه الآخَرُ أو لا يُريدُه، كما أنّ مِن حَقِّهما صحّةَ الاختلافِ في
ص: 59
الدواعي و الأفعالِ ، و لَولا ذلكَ لَما تَميَّزَ الحَيُّ الواحدُ مِن الحَيَّينِ . و هذا يُبطِلُ ما ادَّعَوه مِن وجوبِ اتّفاقِهما في المَشيّةِ .
علىٰ أنّ مِن حَقِّ المُريدِ للشيءِ أن يَكونَ عالِماً به، أو في حُكمِ العالِمِ .
و القَديمُ تَعالىٰ مِن حَيثُ كانَ عالِماً لنفسِه، يَعلَمُ كُلَّ ما يَكونُ في المُستَقبَلِ مِن المَصالحِ ، و يُريدُ مِن ذلكَ ما يَعلَمُه، و المَسيحُ عليه السلام يَعلَمُ بعِلمٍ ، و كما لا يَجِبُ (1) أن يَعلَمَ كُلَّ شيءٍ عَلِمَه القَديمُ (2) تَعالىٰ ، فكذلكَ لا يَجِبُ (3) أن يُريدَ كُلَّ ما يُريدُه(4).
علىٰ أنّ هذا القولَ يَقتَضي أنّه مُتَّحِدٌ بسائرِ الأنبياءِ ؛ لأنّ عيسىٰ إنّما تَجِبُ له المُوافَقةُ في المَشيّةِ مِن [حيثُ ] كانَ نَبيّاً، فلَيسَ هو بذلكَ أَولىٰ مِن غَيرِه مِن الأنبياءِ .
علىٰ أنّ عيسىٰ قد أرادَ الأكلَ و الشُّربَ و ما شاكَلَهما مِن المُباحاتِ ، و أرادَ الصغائرَ مِن الذُّنوبِ علىٰ رأيِ كثيرٍ مِن الناسِ (5). و القَديمُ تَعالىٰ لا يَجوزُ أن يُريدَ شيئاً مِن ذلكَ .
ثُمّ (6) لا يَخلُو مَن أَوجَبَ اتّفاقَهم في الإرادةِ : أن يَجعَلَ إرادتَهما واحدةً ، أو أن
يُثبِتَ لهما إرادتَينِ مُتَغايِرتَينِ . و ما قَدَّمناه مِن الكلامِ يُفسِدُ الجميعَ .
ص: 60
و ممّا يُبطِلُ كَونَ إرادتِهما واحدةً خاصّةً : أنّ أحَدَنا إنّما يُريدُ بإرادةٍ توجَدُ في قَلبِه، و القَديمَ تَعالىٰ إنّما يُريدُ بإرادةٍ توجَدُ لا في مَحَلٍّ - علىٰ ما يُستَدَلُّ عليه مِن بَعدُ(1) -؛ فكيفَ يَجوزُ علىٰ هذا أن تَكونَ إرادتُهما واحدةً؟
و لَو جازَ أن يُريدَ - بإرادتِه تَعالَى الموجودةِ لا في مَحَلٍّ - عيسى(2)، لَم يَكُن بأن تَتعلَّقَ به أَولىٰ مِن أن تَتعلَّقَ (3) بغَيرِه مِن الأحياءِ ؛ لِفَقدِ الاختصاصِ . و هذا يَقتَضي أنّ جميعَ الأحياءِ (161) يُريدونَ بإرادتِه تَعالىٰ ، و ذلكَ يؤَدّي إلَى امتناعِ إرادةِ القَبيحِ علىٰ أحدِنا؛ لأنّ القَديمَ تَعالىٰ كانَ [كارهاً] لذلكَ القَبيحِ بكراهةٍ تَتعلَّقُ بهذا الحَيِّ ، فيؤَدّي إلىٰ كَونِه مُريداً للشيءِ كارهاً له في(4) الحالِ الواحدةِ .
علىٰ أنّ هذا يَقتَضي كَونَه مُتَّحِداً بجميعِ الأحياءِ ، و يَبطُلُ اختصاصُهم عيسىٰ بذلكَ (5).
و لَيسَ يجوزُ أن [يُريدَ] القَديمُ تَعالىٰ بإرادةِ عيسَى الموجودةِ في قَلبِه؛ لأنّه لا اختصاصَ لها به تَعالىٰ ، و لَو جازَ أن يُريدَ بما في قَلبِه، لَجازَ أن يَعلَمَ بما في قَلبِه مِن العُلومِ ، و كذلكَ القولُ في الجَهلِ و السهوِ و سائرِ المُتعلَّقاتِ ؛ لأنّ ما يَقتَضي تَعلُّقَ الكُلِّ أو يَمنَعُ مِنه(6) واحدٌ.
و يوجِبُ أيضاً أن يُريدَ بإرادةِ غَيرِ عيسىٰ مِن الأحياءِ ، و يَتعلَّقَ به ما يوجَدُ في قُلوبِهم. و هذا يَقتَضي كَونَه مُريداً للقَبيحِ إذا أرادَه بَعضُ الأحياءِ ، و يَمنَعُ مِن كَونِ
ص: 61
أحَدِنا مُريداً لِما غَيرُه كارهٌ (1) له، و عالِماً بما غَيرُه جاهلٌ به؛ لأنّ في تَجويزِ ذلك - مع تعلُّقِ ما في قُلوبِنا به تَعالىٰ - ما يوجِبُ كَونَه تَعالىٰ مُريداً كارهاً للشيءِ الواحدِ في الحالِ الواحدةِ ، و كذلكَ القَولُ في العِلمِ و الجَهلِ .
و يوجِبُ أيضاً ما قَدَّمناه مِن أنّ الاتّحادَ(2) الذي ادَّعَوه عامٌّ لجميعِ الأحياءِ ، غَيرُ مُختَصٍّ بعيسىٰ .
فأمّا قولُهم: «إنّ الذاتَينِ صارَتا واحدةً »، ممّا لا يُعقَلُ و لا يَصِحُّ أن يَعتَقِدَه عاقلٌ ؛ لأنّ الشيئَينِ (3) يَستَحِيلُ أن يَصيرا شيئاً واحداً - علىٰ قولِهم - بالحقيقةِ (4)، كما يَستَحيلُ في الشيءِ الواحدِ أن يَصيرَ شيئَينِ .
و أبعَدُ مِن ذلكَ [و] أشَدُّ استحالةً أن يَصيرَ المُحدَثُ قَديماً؛ لأنّ المعلومَ أنّ ما وُجِدَ بَعدَ أن لَم يَكُن، لا يَجوزُ أن يَصيرَ موجوداً لَم يَزَلْ ؛ لأنّه يؤَدّي إلى إثباتِه موجوداً معدوماً في حالٍ واحدٍ.
و ما ذَكَرناه مِن إبطالِ مَذاهبِهم في الاتّحاد(5)، يُبطِلُ ما يَذهَبونَ إليه في عِبادةِ المَسيحِ ؛ لأنّ ذلكَ مَبنيٌّ علىٰ قولِهم بالاتّحادِ، و قد أفسَدناه.
علىٰ أنّ العِبادةَ إنّما استَحقَّها القَديرُ(6) مِن حَيثُ كانَت نِعَمُه أُصولاً لِشُكرِ النِعَم؛ إذ
ص: 62
لَولا نِعمةُ اللّٰهِ لَم تَصِحَّ نِعمةُ مُنعِمٍ سِواه؛ لأنّه خَلَقَ المُنعِمينَ و مَلَّكُهم لِما(1) يُنعِمونَ به، و خَلَقَ الشهوةَ التي لَولاها لَم تَكُنِ النِّعمةُ نِعمةً ، و جَعَلَ ما به تَكونُ النِّعمةُ على الصفاتِ التي يَقَعُ الانتفاعُ بها، فصارَت جميعُ النِّعَمِ كأنّها نِعَمٌ منه؛ لِما ذَكَرناه.
و أيضاً: فإنّ نِعَمَه بَلَغَت قَدراً عظيماً لا يَجوزُ أن تُوازِيَه(2) نِعَمُ غَيرِه مِن المُنعِمينَ ، فلهذا استَحَقَّ العبادةَ دونَ غَيرِه مِن سائرِ المُنعِمينَ . و معلومٌ أنّ ذلكَ لا يَتَأتّىٰ مِن غَيرِه تَعالىٰ ؛ لأنّ غَيرَه مِن الفاعلينَ لا يَكونُ إلّاجسماً قادراً بقُدرةٍ ، و بالقُدرةِ لا تَصِحُّ الحَياةُ (3) و الشهَواتُ و الطُّعومُ و غَيرُ ذلكَ ؛ ممّا ذَكَرنا أنّ العبادةَ تُستَحَقُّ له.
و بَعدُ، فمِن المعلومِ أنّ عيسىٰ كانَ يَعبُدُ اللّٰهَ ، و يَدعو إلىٰ عِبادتِه؛ فكيفَ يَكونُ هو المعبودَ علَى الحقيقةِ؟ و كيفَ يَصِحُّ في المعبودِ أن يَعبُدَ نَفسَه ؟
و كُلُّ هذا ممّا(4) لا شُبهةَ علىٰ عاقلٍ فيه.
***
حُكِيَ عن بَعضِ هؤلاءِ القولُ بأنّ العالَمَ مخلوقٌ مِن هَيولىٰ قَديمةٍ .
و أكثَرُهم: يُثبِتُ العالَمَ مُحدَثاً علَى الحقيقةِ ، و يُثبِتُ له صانعاً حكيماً علىٰ
ص: 63
ما يَقولُه المُوَحِّدونَ ، (162) إلّاأنّهم يَذهَبونَ إلىٰ عِبادةِ الكَواكِبِ ، و تَعظيمِ أقدارِها.
و مِنهم مَن سَمّاها آلِهةً ، و أكثَرُهم يُسَمّيها مَلائكةً (1).
و الردُّ(2) علىٰ مَن أثبَتَ العالَمَ قَديماً، أو أثبَتَه مفعولاً مِن هَيولىٰ قَديمةٍ ؛ قد سَلَفَ فيما مَضىٰ مِن الكتابِ (3).
فأمّا إبطالُ قَولِهم في عِبادةِ الكَواكِبِ : فالأصلُ فيه أنّ العِبادةَ إذا كانَت إنّما تُستَحَقُّ بنِعَمٍ مخصوصةٍ - علىٰ ما ذَكَرنا في الردِّ علَى النَّصارىٰ (4) -، فمَن لَيسَ بحَيٍّ و لا قادرٍ كيفَ تَصِحُّ عِبادتُه ؟
و لَو كانتِ النُّجومُ أيضاً حَيّةً قادرةً ، لَم يَجُز أن تُنعِمَ (5) بما يُستَحَقُّ مِن أجلِه العِبادةُ ؛ لأنّ الجسمَ لا يَقدِرُ إلّابقُدرةٍ ، و القادِرُ بقُدرةٍ لا يَصِحُّ مِنه فِعلُ الأجسامِ و الحَياةِ و الشهَواتِ و سائرِ ما عَدَّدناه؛ مِمّا يَفعَلُه مُستَحِقُّ العِبادةِ .
و آكَدُ ما دَلَّ علىٰ أنّ الكَواكِبَ غَيرُ حَيّةٍ و لا قادرةٍ السمعُ ؛ فإنّ ذلكَ معلومٌ مِن دينِ نَبِيِّنا صلّى اللّٰه عليه و آله، و لا خِلافَ بَينَ الأُمَّةِ فيه(6)، و في أنّ اللّٰهَ تَعالىٰ هو
ص: 64
الذي يُصرِّفُها و يُحرِّكُها، و أنّه لا تصريفَ لها في نُفوسِها.
و قَدِ استُدِلَّ (1) أيضاً علىٰ أنّها غَيرُ حَيّةٍ بأنّ (2) فَرطَ الحَرارةِ لا يَجوزُ أن يَثبُتَ مع الحَياةِ ، و أنّ ما كانَ في الحَرارةِ كالنارِ لا يَجوزُ أن يَكونَ حَيّاً؛ لأنّ حَرارةَ النارِ تُفرِّقُ البِنيةَ ، و بتفريقِها تَبطُلُ الحَياةُ . و قد عَلِمنا أنّ حَرارةَ الشمسِ أعظَمُ كثيراً مِن حَرارةِ النارِ؛ بدَلالةِ أنّها تؤَثِّرُ مع البُعدِ، و لا(3) تؤَثِّرُ النارُ مِن القُربِ . و إذا لَم تَثبُتِ الحَياةُ مع حَرارةِ النارِ، فأَولىٰ أن لا تَثبُتَ مع ما هو أشَدُّ حَرارةً مِنها.
و إذا لَم تَكُن حَيّةً ، فلَيسَت قادرةً ؛ و كيفَ تَكونُ النُّجومُ قادرةً ، مع أنّ تَصرُّفَها يَجري علىٰ طريقةٍ واحدةٍ مِن غَيرِ اختلافٍ؟ و مِن شأنِ القادِرِ أن يَختلِفَ (4) دواعيه، و لا يَجِبَ اتّفاقُها و وقوعُ أفعالِه علىٰ نَمَطٍ واحدٍ، و لَولا ما ذَكَرناه لَما انفَصَلَ المُسَخَّرُ مِنَ المُختارِ.
و لَو سُلِّمَ أنّها قادرةٌ ، لَم تَجُز عِبادتُها؛ لِما ذَكَرناه(5) مِن استحالةِ وقوعِ ما به يُستَحَقُّ العبادةُ من جِهَتِها.
علىٰ أنّها أجسامٌ ، و الجسمُ لا يَصِحُّ أن يَفعَلَ في غَيرِ مَحلِّ قُدرَتِه إلّابالمُماسّةِ ، و قد عُلِمَ أنّ الكَواكِبَ غَيرُ مُماسّةٍ لنا؛ فكَيفَ تَفعَلُ (6) فينا؟
ص: 65
و لَيسَ يَجوزُ أن يُجعَلَ مُماسَّتُها للهَواءِ الذي يُماسُّنا و اتّصالُ (1) شُعاعِها بنا يَقومُ مَقامَ المُماسّةِ لنا؛ و ذلكَ أنّ الشُّعاعَ و كذلكَ الهَواءَ جسمانِ لَطيفانِ ، و لا يَجوزُ أن يَكونا آلةً في فِعلِ الجسمِ في غَيرِه.
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَقولَ : لَولا أنّها مُدبِّرةٌ للعالَمِ ، لَم يَجُز حُدوثُ كثيرٍ مِن الحادثاتِ فيه بحَسَبِ قُربِها و بُعدِها و حركاتِها.
و ذلكَ : أنّ هذا لَو صَحَّ - علىٰ ما فيه مِن الدعوىٰ -، لَم يَمتَنِعْ أن يَكونَ القَديمُ الحَكيمُ تَعالىٰ أجرَى العادةَ بأن يَحدُثَ (2) الحَوادثُ عندَ حركاتِ الكَواكِبِ المخصوصةِ ؛ لِما يَعلَمُه مِن المَصلَحةِ ، كما أنّه تَعالىٰ قد أجرَى العادةَ بأن يَحدُثَ الوَلَدُ عِندَ الوطءِ ، و لَم يَدُلَّ ذلكَ علىٰ أنّه مِن فِعلِ الواطِئِ .
***
اعلَمْ أنّ العِبادةَ إذا كانَت لا تُستَحَقُّ إلّابالنِّعَمِ المخصوصةِ ؛ لأنّها ضَربٌ مِن الشُّكرِ و كَيفيّةٌ له، و الشُّكرُ (163) لا يَكونُ إلّاعلَى النِّعَمِ ، فمِن المعلومِ أنّ ما لا تَصِحُّ مِنه النِّعمةُ لا يَستَحِقُّ العِبادةَ ، كما لا يَستَحِقُّ الشُّكرَ.
و لَيسَ يَجوزُ أن يُعبَدَ لِيُقرِّبَ إلَى اللّٰهِ تَعالىٰ ، علىٰ ما حُكِيَ عنهم(3)؛ لأنّ عِبادةَ
ص: 66
مَن لَيسَ بمُنعِمٍ تَقبُحُ ، كما يَقبُحُ شُكرُه، و القَبيحُ لا يُتقرَّبُ به إلَى اللّٰهِ تعالى، بَل هو أقوىٰ ما يُبَعِّدُ عنه. و لَو(1) جازَ أن يُعبَدَ(2) تَقرُّباً إليه.(3)
و لَيسَ جَعلُ الجسمِ قِبلةً و السُّجودُ [إليه] مِن العِبادةِ في شيءٍ ، فلذلكَ جَوَّزنا أن يُتَّخَذَ بعضُ الجَمادِ قِبلةً و يُصَلّىٰ إليه، إلّاأنّ ذلكَ و إن جازَ عقلاً، فالعِبادةُ به موقوفةٌ علَى السمعِ ، كما أنّ الصلاةَ إلىٰ جهةٍ مخصوصةٍ طريقُ (4) الشرعِ .
ص: 67
ص: 68
ص: 69
ص: 70
اعلَمْ أنّ غَرَضَنا في هذا البابِ ، أن نُثبِتَ أنّه تَعالىٰ لا يَفعَلُ القَبيحَ ، و لا ما يَجري مَجرَى القَبيحِ مِن الإخلالِ بالواجبِ ؛ لِيَصِحَّ أنّ أفعالَه كُلَّها حَسَنةٌ .
و الكلامُ في العَدلِ علىٰ هذا مَتىٰ تُؤُمِّلَ لَم يَخرُجْ عن الأفعالِ و ما يَتعلَّقُ بها(1) و يَرجِعُ إليها، و لهذا وجبَ أن نُبَيِّنَ ضُروبَ الأفعالِ و أقسامَها و أحكامَها؛ مِن(2)حُسنٍ و قُبحٍ و وُجوبٍ ، و يَتعلَّقُ بهذه الأحكامِ النَّفيُ و الإثباتُ .
و لمّا كانَ تنزيهُه تَعالىٰ عن القَبيحِ ، إنّما يَتِمُّ بأن يَكونَ قادراً علىٰ ما إذا فَعَلَه كانَ قبيحاً، وجبَ أن يُدَلَّ علىٰ ذلكَ ، و يُبَيَّنَ الوَجهُ الذي لأجلِه لَم يَختَرْ فِعَلَ القَبيحِ .
و كذلكَ أيضاً يَصِحُّ تنزيهُه عن إرادةِ القَبيحِ ، و الإخبارِ بالكَذِبِ ، بَعدَ أن نُبَيِّنَ أنّ إرادتَه و كلامَه مِن فِعلِه، و أنّهما لَيسا مِن صفاتِ ذاتِه علىٰ ما يَذهَبُ إليه المُخالِفُ .
و لا بُدَّ مِن بيانِ أنّ تَصرُّفَنا مُحدَثٌ مِن جِهتِنا؛ لأنّ ذلكَ متىٰ لَم يَثبُتْ لَم يَجِبْ إضافةُ القَبيحِ و الحَسَنِ فيما نَتصرَّفُ (3) فيه إلينا دونَه تَعالىٰ . و لَو أنّه كانَ مِن فِعلِه عَزَّ و جَلَّ لَم يَكُن إلّاحَسَناً، و لَانتَفىٰ عنه القَبيحُ .
ص: 71
و يَلحَقُ بذلكَ الكلامُ فيما عَدَّه المُخالِفونَ واجباً و لَيسَ بواجبٍ ؛ كالأصلَحِ و ما أشبَهَه.
و الكلامُ فيما نَفَوا وجوبَه و هو واجبٌ ؛ كاللُّطفِ و العِوَضِ ، و بِعثَةِ الأنبياءِ لِتَعريفِ المَصالِحِ ، و ما جَرىٰ مَجرىٰ ذلكَ .
و الكلامُ في حُسنِ التكليفِ و شَرائطِه و صفاتِ المُكلَّفِ ، يَلحَقُ أيضاً بذلكَ ؛ لأنّ فيه ما يَحسُنُ و فيه ما يَجِبُ . و قد ادَّعىٰ قومٌ قُبحَ التكليفِ في الأصلِ ، و ادَّعىٰ آخَرونَ وجوبَه علىٰ بعضِ الوُجوهِ ، فلا بُدَّ مِن تَمييزِ الصحيحِ مِن ذلكَ مِن الباطِلِ .
و نَحنُ نُفصِّلُ ذلكَ و نُرتِّبُه في أبوابِه إن شاءَ اللّٰهُ (1).
ص: 72
اعلَمْ أنّ الفِعلَ هو «ما وُجِدَ بَعدَ أنْ كانَ مقدوراً». و إن شِئتَ أن تَقولَ : هو «ما حَدَثَ عن قادرٍ»، و لهذا لا يَعلَمُه فِعلاً(1) إلّامَن عَلِمَ ما ذَكَرناه، و لا يَعلَمُ ما ذَكَرناه إلّا مَن عَلِمَه فِعلاً.
و إنّما لَم يُقتَصَرْ في حدِّه علىٰ أنّه «المُحدَثُ »، أو أنّه «كائنٌ بَعدَ أن لَم يَكُن»؛ لأنّ ذلكَ لا يُنبئُ عن تَعلُّقِه بالفاعلِ . و قد يَعلَمُه مُحدَثاً مَن لا يَعلَمُه فِعلاً؛ كأصحابِ الطبائعِ و غَيرِهم.
و الفِعلُ يَنقَسِمُ في الأصلِ إلىٰ قِسمَينِ :
أحَدُهما: لا صفةَ له زائدةً علىٰ حُدوثِه؛ كالكلامِ الذي يَقَعُ مِن الساهي و النائمِ . و هذا القِسمُ لا يوصَفُ بقُبحٍ و لا حُسنٍ .
ص: 73
و القِسمُ الآخَرُ: يَكونُ له صفةٌ زائدةٌ علىٰ حُدوثِه، و هو علىٰ قِسمَينِ :
أحَدُهما: أن يَكونَ فاعلُه مُلجَأً إليه، فيَخرُجُ مِن بابِ ما يُستَحَقُّ به المَدحُ أو الذَّمُّ .
و الآخَرُ: أن يَكونَ مُخَلًّى بَينَه و بَينَه.
و ما هو علىٰ ذلكَ علىٰ ضَربَينِ : قَبيحٍ ، و حَسَنٍ .
فما مِن حَقِّه (164) أن يَستَحِقَّ فاعلُه به الذَّمَّ علىٰ بَعضِ الوجوهِ ، هو القَبيحُ .
و ما مِن حَقِّه أن لا يَستَحِقَّ مَن فَعَلَه الذَّمَّ ، هو الحَسَنُ .
فأمّا القَبيحُ (1) فلَيسَ يَنقَسِمُ في هذا البابِ انقسامَ الحَسَنِ (2)، و إن كانَ يَنقَسِمُ علىٰ
وَجهٍ آخَرَ إلىٰ كُفرٍ و فِسقٍ ، و صغيرٍ و كبيرٍ؛ عندَ بعضِ الناسِ (3).
و أمّا الحَسَنُ فله أقسامٌ خَمسةٌ :
فأوّلُها: أن لا تَكونَ (4) له صفةٌ زائدةٌ علىٰ حُسنِه، و لا يَتعلَّقَ بفِعلِه ذَمٌّ و لا مَدحٌ ، و هذا هو «المُباحُ » في المعنىٰ ، و إن كانَ لا يُسمّىٰ بذلكَ إلّاإذا عَلِمَ فاعلُه أن لا يَتعلَّقَ بفِعلِه ذَمٌّ و لا مَدحٌ ، أو دَلَّ علىٰ ذلكَ مِن حالِه(5).
ص: 74
و ثانيها: أن يَحصُلَ للحُسنِ صفةٌ زائدةٌ ؛ يَستَحِقُّ (1) لكونه عليها مَن فَعَلَه المَدحَ ، و لا يَستَحِقُّ مَن(2) لا يَفعَلُه الذَّمَّ . و هذا هو الذي قد يوصَفُ بأنّه «نَدبٌ » و مُرَغَّبٌ فيه.
و ثالِثُها: ما هو بالصفةِ التي ذَكَرناها، و يَكونُ مع ذلكَ نَفعاً موصولاً إلىٰ غَيرِ فاعلِه علىٰ وَجهٍ مخصوصٍ ، فيوصَفُ بأنّه [«إحسانٌ و تفضُّلٌ »](3)
[و رابعها: ما يَستحِقُّ الذمَّ عليه مَتىٰ لم يَفعله بعينِه، و هو الذي يوصَف بأنّه]
«واجبٌ مُضَيَّقٌ »؛ و ذلكَ نَحوُ رَدِّ الوَديعةِ بعَينِها، و رَدِّ عَينِ ما تَناوَلَه الغَصبُ .
و خامسها: ما يَستَحِقُّ (4) الذَّمَّ مَتىٰ لَم يَفعَلهُ و لم يَفعَل ما يَقومُ مَقامَه. و هذا [هو «الواجبُ ](5) المُخَيَّرُ فيه؛ و ذلكَ نَحوُ قَضاءِ الدَّينِ الذي لا يَتعلَّقُ بدَراهِمَ مخصوصةٍ ، و مِثالُه في الشرعِ : الكفّاراتُ الثلاث(6) في الأَيمانِ .
فما كانَ يَختَصُّ كُلَّ شخصٍ في نَفسِه، مِن غَيرِ أن يَقومَ فِعلُ غَيرِه فيه مَقامَه، فهو الموصوفُ بأنّه مِن «فُروضِ الأعيانِ ».
و ما يَقومُ فِعلُ غَيرِه فيه مَقامَ فِعلِه، حتّىٰ يَكونَ أداءُ ذلكَ الغَيرِ له مُسقِطاً عن هذا
ص: 75
الفَرضِ ، فهو(1) الموصوفُ بأنّه مِن «فُروضِ الكِفاياتِ ».
و مِثالُ الأوّلِ : أكثَرُ [ما] في العِباداتِ ؛ مِن الصلاةِ و الصيامِ و غَيرِهما.
و مِثالُ الثاني: الصلاةُ علَى المَوتىٰ ، و مُواراتُهم، و الجِهادُ، و ما أشبَهَ ذلكَ .
***
اعلَمْ أنّ في الناسِ مَن استَبعَدَ ذلكَ ، و ادَّعىٰ أنّ خُلُوَّ الفِعلِ مِن القُبحِ (2) و الحُسنِ كخُلُوِّ الشيءِ مِن العدمِ أو الوجودِ. أو الموجودِ مِن القِدَمِ و الحُدوثِ .
و الأمرُ فيه واضحٌ ؛ لأنّ ما تَجرَّدَ حُدوثُه(3) لَو كانَ (4) قَبيحاً، لَكانَ المُقتَضي [لقُبحِه] مُجرَّدَ حُدوثِه، و هذا يوجِبُ قُبحَ كُلِّ مُحدَثٍ . و كذلك إن كانَ حَسَناً لِمُجرَّدِ حُدوثِه يَجِبُ حُسنُ كُلِّ مُحدَثٍ . و لَم يَكُنِ القَبيحُ بأن يَكونَ كذلكَ أَولىٰ مِن الحَسَنِ ، و لا الحَسَنُ بأن يَكونَ كذلكَ أَولىٰ مِن القَبيحِ ؛ للاشتراكِ في الحُدوثِ الذي جَعَلوه كالعِلّةِ .
ص: 76
و لَيسَ هذا ممّا ظَنُّوه في الوجُودِ و العدمِ ، و الحُدُوثِ و القِدَمِ ؛ لأنّ ذلك إثباتٌ و نفيٌ يَتَقابَلانِ ، و لا واسِطةَ بَينَ نفيِ الصفةِ و إثباتِها علىٰ سبيلِ التقابُلِ . و كَونُ الشيءِ حَسَناً أو قَبيحاً يُفيدُ كَونَه علىٰ حُكمَينِ ، و قد تَخلو الذاتُ الواحدةُ مِن الحُكمَينِ ، إذا خَلَت مِن أن تَكونَ واقعةً علىٰ ما يؤَثِّرُ في كُلِّ واحدٍ مِن الحُكمَينِ مِن الوجوهِ ، و إنِ استَحالَ خُلُوُّها مِن نفيِ الصفةِ و إثباتِها.
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَقولَ : ألا حَكَمتُم فيما لا صفةَ له زائدةً علىٰ وجودِه بأنّه عَبَثٌ ؛ مِن حيثُ لا غَرَضَ فيه ؟
و ذلكَ : أنّ العَبَثَ هو «ما صُرِفَ مِنَ الأفعالِ عن الوجهِ الذي مِن حَقِّه أن يوقَعَ عليه»، و هذا لا يَتِمُّ إلّامع القَصدِ و ممّن هو قاصدٌ، و الساهي و النائمُ يَخرُجُ فِعلُهما عن هذا الوجهِ ؛ فكيفَ يَكونُ عَبَثاً؟
و أمّا مِثالُ ما يَخلو مِن القُبحِ (1) و الحُسنِ مِن الأفعالِ ، فهو ما تَقدَّمَ ذِكرُه(2)؛ مِن كلامِ الساهي و النائمِ ، و حركةِ أعضائِه التي لا تَتعدّىٰ علىٰ غَيرِه؛ لأنّ الكلامَ إنّما يَكونُ له حُكمٌ بالقَصدِ، فلهذا لا يَقَعُ مِن النائمِ (165) الخبرُ و لا الأمرُ و لا سائرُ أقسامِ الكلامِ ، و كذلكَ الحركةُ إنّما تَكونُ حَسَنةً (3) بأن يُجَرَّ بها نفعٌ أو يُدْفَعَ بها ضررٌ، مع ضَربٍ مِن القَصد.
فأمّا ما لا يَفتَقِرُ إلى القَصدِ أو الاعتقادِ في قُبحِه أو حُسنِه، فقَد يَقَعُ قَبيحاً أو حَسَناً مِن الساهي و النائمِ ؛ و ذلكَ نَحوُ: لَطمتِه لِغَيرِه، و انقلابِه علىٰ ما أفسَدَه مِن مَتاعِه؛ لأنّ حَقيِقةَ الظُّلمِ ثابتةٌ في ذلك. و لَو أنّه حَرَّكَ يَدَه علىٰ مَوضِعِ الجَرَبِ فالتَذَّ
ص: 77
بذلكَ صاحبُ الجَرَبِ لَكانَ فِعلُه حَسَناً؛ مِن حَيثُ كانَ نَفعاً، و إن لَم يَكُن مُنعِماً به عليه؛ لأنّ النعمةَ تَفتَقِرُ إلَى القَصدِ. إلّاأنّه لا يَستَحِقُّ علَى القَبيحِ ذَمّاً و لا علَى الحَسَنِ مَدحاً؛ لأنّ استحقاقَ ذلك مشروطٌ بالتمَكُّنِ مِن التحَرُّزِ و بالقَصدِ، و هما مفقودانِ في النائمِ .
***
قد بيّنّا(1) في حَدِّ القَبيحِ أنّه: «ما استَحَقَّ به فاعِلُه الذَّمَّ علىٰ بَعضِ الوُجوهِ .»
و إن شئتَ أن تَقولَ إذا أردتَ الشرحَ و البيانَ : «ما مِن حَقِّه إذا وَقَعَ مِن العالِمِ به، المُخَلّى بَينَه و بَينَه، أن يُستَحَقَّ (2) عليه الذَّمَّ ».
و قد يُضافُ إلىٰ ذلكَ : «إن لَم يُعلَمْ مانِعٌ »، احترازاً مِن الصغيرةِ عِندَ مَن ذَهَبَ إلى التَّحابُطِ(3).
و القبيحُ و إن وَقَعَ مِن الطِّفلِ و البَهيمةِ و لَم يَستَحِقّا به الذَّمَّ ، فإنّه ممّا لو وَقَعَ مِن العالِمِ به بصفتِه لاستُحِقَّ به، فلَم يَخرُجْ عمّا ذَكَرناه.
ص: 78
و العِلمُ بقُبحِ القَبائحِ (1): قد يَكونُ ضَروريّاً، و قد يَكونُ مُكتَسَباً.
و ما يُعلَمُ باكتسابٍ علىٰ ضَربَينِ :
أحَدُهما: مُكتَسَبٌ غَيرُ مُستَدَلٍّ عليه،
و الآخَرُ: مُستَدَلٌّ عليه.
فأمّا ما يُعلَمُ ضَرورةً ، فهو العِلمُ بالجُملةِ (2) المتَناوِلُ لِما اختَصَّ بصفةٍ ؛ مِثلُ العِلمِ بأنّ الظُّلمَ قبيحٌ ، و الأمرَ بالقَبيحِ و كُفرَ النِّعمةِ قَبيحانِ .
و المُكتَسَبُ الذي لا يُدَلُّ عليه، هو العِلمُ بأنّ الضرَرَ المخصوصَ المُعيَّنَ قَبيحٌ ؛ لأنّا مَتى عَلِمنا في فِعلِ زَيدٍ لعَمرٍو أنّه ظُلمٌ ، فلا بُدَّ أن نَفعَلَ (3) اعتقاداً لِقُبحِه؛ لِيَدخُلَ في الجُملةِ المُتقرِّرةِ في العَقلِ ، و يَكونَ ذلكَ الاعتقادُ عِلماً؛ لدُخولِه في الجُملةِ المعلومةِ و مُطابقتِه لها.
و قد يَصِحُّ أن يُعلَمَ (4) في الفِعلِ بعَينِه، أنّه على الصفةِ التي تَقرَّرَ في العَقلِ العِلمُ بقُبحِها، اختَصَّ بها: تارةً ضرورةً ، و تارةً باعتبارٍ و اكتسابٍ .
فمِثالُ الضرورةِ : أن يَسمَعَ رَجُلاً يَقولُ لغَيرِه: «اظلِم فُلاناً» و يَضطَرُّه(5) إلىٰ
قَصدِه، فنَحنُ [نَعلَمُ ] ضَرورةً أنّ قولَه أمرٌ بالقَبيحِ . و كذلكَ قد يَعلَمُ أحَدُنا في قَتلِه
ص: 79
لِمَن لا يَعلَمُه مُستَحِقّاً للقَتلِ أنّه بصفةِ القُبحِ (1).
و أمّا العِلمُ باعتبارٍ فهو أن يُشاهِدَ زَيداً يؤلِمُ عَمراً، فإذا اعتَبَرنا و عَلِمنا قُبحَه، كانَ (2) العِلمُ بالقَبيحِ المُعيَّنِ لا يَكونُ إلّامُكتَسَباً، كما أنّ العِلمَ بالجُملةِ لا يَكونُ إلّا ضَروريّاً.
فأمّا ما يُعلَمُ قُبحُه باستدلالٍ ، فمِثالُه الكَذِبُ الذي يُجَرُّ به النفعُ ، أو يُدفَعُ به الضررُ؛ لأنّ المعلومَ باضطرارٍ ما هو قُبحُ الكَذِبِ الذي لا يَقَعُ فيه جَلبُ (3) نفعٍ و لا دَفعُ ضَرَرٍ، فإذا اعتَبَرنا ما له قَبُحَ ذلك، و عَلِمنا أنّه إنّما قَبُحَ لكَونِه كَذباً، لا لِتَعرّيهِ مِن النفعِ و دَفعِ الضررِ؛ بدَلالةِ أنّه لَو قَبُحَ لِتَعرّيه لَجَرىٰ مَجرَى الصِّدقِ في أنّه يَجِبُ أن يَقبُحَ متىٰ كانَ كذلك، و كانَ يَجِبُ أن يَستَوِيا فيما له تُختارُ الأفعالُ ، و لَجازَ أن يَختارَ العاقِلُ العالِمُ بحالِهما(4) الكَذِبَ علَى الصِّدقِ ، مَتى تَوصَّلَ كُلُّ واحدٍ منهما مِن النفعِ إلىٰ مِثلِ ما يَتَوصَّلُ الآخَرُ إليه، كما جازَ أن يَختَارَ الصِّدقَ على الكَذِبِ . فلمّا لَم يَختَرْ ذلكَ ، عُلِمَ أنّ كَونَه كَذِباً هو وَجهُ قُبحِه، فيُحمَلُ عليه كُلُّ كَذِبٍ ، وَ يُحكَمُ بقُبحِ الجميعِ .
فأمّا (166) الكلامُ فيما له يَقبُحُ القَبيحُ ، فالأصلُ فيه أن نُبيِّنَ أنّ القَبيحَ إنّما يَختَصُّ بكَونِه كذلكَ لِصفةٍ فارَقَ (5) بها ما لَيسَ بقَبيحٍ ، ثُمّ نُبيِّنَ أنّه لا بُدَّ مِن وَجهٍ
ص: 80
يَقتَضي كَونَه علىٰ تِلك الصفةِ ، [و] نُبَيِّنَ ما تلكَ الوجوهُ .
الذي يَدُلُّ علَى الأوّلِ : أنّ القَبيحَ إذا كانَ ممّا يَستَحِقُّ به فاعلُه الذَّمَّ و لَيسَ له أن يَفعَلَه، و فارَقَ بذلك الحَسَنَ الذي لا يُستَحَقُّ به الذَّمُّ و لِفاعلِه أن يَفعَلَه، فلا بُدَّ مِن صفةٍ اختصَّ بها لأجلِها وَقَعَتِ المُفارَقةُ ، كما قُلنا فيمن صَحَّ مِنه الفِعلُ لمّا فارَقَ مَن تَعذَّرَ عليه(1).
يوضِحُ ذلكَ أنّ الجنسَ الواحدَ قد يَفتَرِقُ في كَونِه قَبيحاً و حَسَناً، فلَو لَم تَكُن للقبيح(2) صفةٌ فارَقَ بها ما هو مِن جنسِه، لَم يَكُن بالقُبحِ أَولىٰ مِنه.
فأمّا الذي يَدُلُّ علىٰ أنّه لا بُدَّ مِن وَجهٍ : فهو أنّه إذا ثَبَتَ اختصاصُه بصفةٍ في كَونِه قَبيحاً، فلا بُدَّ مِن مُقتَضٍ لتلكَ الصفةِ ؛ لأنّه [لَو] لَم يَقتَضِها مُقتَضٍ لَم تَكُن(3)
بالثُّبوتِ أَولىٰ مِن الانتفاءِ ، و لا بأن يَختَصَّ بها(4) أَولىٰ مِن غَيرِها، و لهذا قلنا: إنّه لا بُدَّ مِن وَجهٍ يَجري مَجرَى العِلّةِ ، و إن لَم يَكُن عِلّةً علَى التحقيقِ ؛ لأنّ «العِلّةَ » هي المعنَى المُحدِثُ الموجِبُ للصفةِ لغَيرِه، و «الوَجهَ » ما يَجِبُ الحُكمُ لأجلِه و لَيسَ بمعنىٰ .
فأمّا «الشرطُ»: فهو ما يَقِفُ الصفةُ أو الحُكمُ عليه، ممّا لا يُمكِنُ كَونُه مُقتَضياً له.
و لهذا كانَ وجودُ الجَوهرِ شَرطاً في تَحيُّزِه لمّا وَقَفَ التحيُّزُ عليه، و كانَ وجودُ المُدرَكِ و ارتفاعُ المَوانِعِ شَرطاً في الإدراكِ لمّا وَقَفَ الإدراكُ عليه، و لَم يَجُز أنْ يَكونَ ذلكَ يَقتَضي كَونَ المُدرَكِ مُدرَكاً؛ لانفصالِه عنه.
ص: 81
وَ لَم يَبقَ الآنَ إلّاأن نُبَيِّنَ الوُجوهَ التي تُقَبِّحُ (1) القَبائحَ .
و القَبائحُ علىٰ ضَربَينِ : عَقليٌّ ، و سَمعيٌّ .
فالعَقليُّ : يَقبُحُ لِوجوه معلومةٍ علىٰ سَبيلِ التَفصيلِ ؛ نَحوُ كَونِ الظُّلمِ ظُلماً، و الكَذِبِ كَذِباً، و نَحوُ كَونِ الفِعلِ إرادةً للقَبيحِ (2)، و أمراً بالقَبيحِ ، و جهلاً و كُفراً بالنِّعمةِ ، و تَكليفاً لِما لا يُطاقُ ، إلىٰ ما شاكَلَ ذلكَ .
و السمعِيُّ : و إن لَم يُعلَمْ وَجهُ قُبحِه علَى التفصيلِ ، فمعلومٌ أنّه إنّما يَقبُحُ لِكَونِه مَفسَدةً ، و يَكونُ كذلكَ بأن يؤدّيَ إلَى الإقدامِ علَى القَبيحِ ، أو إلَى الانتهاءِ عن الواجبِ ؛ بأن(3) يَدعوَ إلَى القَبيحِ ، أو يَصرِفَ عن فِعلِ الواجبِ . إلّاالوَجهَ الذي يَختَصُّ به في نَفسِه.
و اعلَمْ أنّ القَبيحَ لا يَعلَمُه قَبيحاً، إلّامَن عَلِمَ [وجهَ ](4) قُبحِه إمّا علىٰ جُملةٍ أو علىٰ تَفصيلٍ .
يَدُلُّ علىٰ ذلكَ أنّا قَد نَعلَمُ الفِعلَ و لا نَعلَمُه قَبيحاً، فمتى عَلِمنا أنّه ظُلمٌ أو كُفرٌ لنعمةٍ أو غَيرُ ذلكَ مِن وجوهِ القَبائحِ ، عَلِمنا قُبحَه لا مَحالةَ ، فثَبَتَ أنّ وَجهَ القُبحِ لا بُدَّ مِن أن يَعلَمَه مَن عَلِمَ قُبحَه.
و القولُ في القَبائحِ الشرعيّةِ كذلكَ ؛ لأنّ الحَكيمَ إذا نَهى عنها، دَلَّ نهيُه علىٰ أنّ لها وَجهَ قُبحٍ علَى الجُملةِ ، فمَن عَرَفَ قُبحَها بالنهيِ ، لا بُدَّ مِن أن يَكونَ عارفاً بأنّ
ص: 82
لها علَى الجُملةِ وجهَ قُبحٍ .
و لَيسَ يَجري القَبيحُ و وَجهُ قُبحِه فيما ذَكَرناه مَجرَى المُتَحرِّكِ ، في أنّه قَد يَعلَمُه مُتَحرِّكاً مَن لا يَعلَمُ (1) حركتَه؛ لا جُملةً و لا تَفصيلاً.
و ذلكَ أنّ العِلمَ بالحُكمِ إذا لَم يَسبِقِ العِلمَ بالوَجهِ المؤَثِّرِ فيه، فإنّما يُحتاجُ إلَى
الاستدلالِ علىٰ أنّ ذلكَ الوَجهَ هو العِلّةُ فيه، لا إلىٰ إثباتِه [في الجُملةِ ]. و إذا تَقدَّمَ العِلمُ بالصفةِ أو الحُكمِ ، جازَ أن تُطلَبَ (2) عِلّتُه بالاستدلالِ ؛ فمِثالُ الأوّلِ القَبائحُ ، و مِثالُ الثاني المُتَحرِّكُ و ما جَرىٰ مَجراه.
و لَو كانَ العِلمُ بالحركةِ مُطابِقاً(3) لِلعِلمِ بأنّه مُتَحرِّكٌ ، لَجَرى مَجرَى القَبيحِ في الحاجةِ إلى إثباتِه علّةً و مؤثّراً، لا إلىٰ إثباتِه (167) في الجُملةِ .
فأمّا الذي يَدُلُّ علىٰ أنّ المُقتَضيَ لِقُبحِ القَبائحِ هو ما ذَكَرناه مِن الوُجوهِ ، دونَ ما يَدَّعيهِ المُخالفُ ، فطَريقانِ :
أحَدُهما: أن يُبتدأ فيُدلّ [علىٰ ] أنّ الوجوهَ هي التي ذَكَرناها.
و الطريقُ الآخَرُ: أن يُقسَّم ما يُمكِنُ أن يُدَّعىٰ في ذلكَ مِن الوجوهِ ، ثُمّ يُبيَّن(4)فَسادُ ما عَدا الذي نَذكُرُه مِنها.
و نحنُ نُبيِّنُ الأمرَينِ :
ص: 83
فأمّا(1) الطريقةُ الأُولىٰ : فالذي يَدُلُّ عليها أنّا قَد عَلِمنا أنّ العاقِلَ مَتىٰ عَلِمَ الفِعلَ ظُلماً، عَلِمَ قُبحَهُ و إن لَم يَعلَمْ شيئاً آخَرَ. و متىٰ عَلِمَه ضرراً مُستَحَقّاً أو مؤَدّياً إلىٰ نفعٍ أو دَفعِ ضررٍ، أو اعتَقَدَ بعضَ ذلكَ فيه، لَم يَعلَمْه قَبيحاً. فلَو [لا] أنّه قَبُحَ لِكونِه(2)ظُلماً، ما عُلِمَ قُبحُه عِندَ تَجرُّدِ عِلمِه بأنّه علىٰ هذه الصفةِ ، كما أنّه لَم يَقبُحْ لِحُدوثِه و لا وجودِه و لا لِتعلُّقِه بالفاعلِ ، [و] لَم يَعلَمهُ قَبيحاً مَن عَلِمَه كذلكَ .
و القولُ في بابِ القَبائحِ كالقولِ في الظُّلمِ ؛ لأنّ مَن عَرَفَ كونَ الفِعلِ كُفراً للنِّعمةِ وَجهاً(3) و تَكلِيفاً لِما لا يُطاقُ ، لا بُدَّ مِن أن يَعلَمَ قُبحَه إذا ارتَفَعَ اللَّبسُ .
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَدَّعِيَ أنّ الظُّلمَ إنّما قَبُحَ لِ «معنىٰ » يُصاحِبُ كَونَه ظُلماً و لا يَنفَكُّ مِنه.
و ذلكَ أنّه يؤَدّي إلىٰ كُلِّ جَهالةٍ ، أو إلىٰ أن يُجَوَّزَ في سائرِ العِللِ مِثلُه، حَتّىٰ يَسوغَ لِقائلٍ أن يَقولَ : إنّ الحركةَ لَيسَت هي الموجِبةَ لِكَونِ الجِسمِ مُتَحرِّكاً، لكِنَّ المُوجِبَ لذلكَ معنىً يُصاحِبُها و لا يَنفَكُّ منها(4)، و كذلكَ القولُ في جميعِ الموجِباتِ .
علىٰ أنّ «المعنَى» المُدَّعىٰ لا يَخلو مِن أحَدِ أمرَينِ : إمّا أن يَكونَ الظُّلمُ هو المُحتاجَ في وجودِه إليه، أو هو المُحتاجَ إلى الظُّلمِ .
ص: 84
و الأوّلُ يؤَدّي إلىٰ جَوازِ وُجودِ ذلك «المعنىٰ » عارياً مِن الظُّلمِ ، و كانَ لا يَمتَنِعُ وجودُه مع العَدلِ مؤَثِّراً في قُبحِه.
و إن كانَ الثاني، فلا بُدَّ مِن تَجويزِ وجودِ الظُّلمِ عارياً منه، و هذا يؤَدّي إلىٰ أن يَكونَ الظُّلمُ علىٰ بعضِ الوُجوهِ حسناً، و قد عَلِمنا خِلافَ ذلكَ .
فإن قالَ قائلٌ : كيفَ يَصِحُّ ما ادَّعَيتُموه؛ من أن يَكونَ كُلُّ عاقلٍ عَلِمَ الفِعلَ ظُلماً عَلِمَه قَبيحاً، و أنّ العِلمَ بقُبحِ ما له صفةُ الظُّلمِ ضَروريٌّ . و المُجبِرةُ تُخالِفُ ذلكَ و تُثبِتُ مِن أفعالِ اللّٰهِ تَعالىٰ ما هو عندَكم بصفةِ الظُّلمِ ، وَ تَنفي(1) كَونَه قَبيحاً، و كذلك عَبّادُ بنُ سَلْمانَ (2)؛ فإنّه يَنفِي الأعواضَ (3) عمّا يَفعَلُه القَديمُ تَعالىٰ مِن الأمراضِ (4)، و إن اعتَقَدَ حُسنَه(5)؟
و لَيسَ لكُم أن تَدَّعوا علينا القولَ بأنّه تَعالىٰ إنّما يُعذِّبُ أطفالَ المُشرِكينَ
ص: 85
بذُنوبِ آبائهم، أو مِن حَيثُ عَلِمَ أنّهم يَكفُرونَ ، فيَؤُولُ الأمرُ إلىٰ أنّ فِعلَه لَم تَثبُتْ له صفةُ الظُّلمِ .
لأنّا لا نَقولُ ذلكَ و لا نَعتَقِدُه، و عندَنا أنّه لا تأثيرَ لِذُنوبِ آبائهم في عِقابِهم، و أنّ تَعذيبَهم يَحسُنُ ابتداءً . علىٰ أنّا نُصرِّحُ بجَوازِ تعذيبِه لأطفالِ المُؤمنينَ ، بل للمؤمِنينَ أنفُسِهم، و أنّ اعتقادَنا حُسنُه، و كُلُّ ذلكَ عندَكم بصفة الظُّلمِ القَبيحِ .
قيلَ له: أمّا الجَوابُ السَّديدُ عن هذا السؤالِ ، فهو أنّ العِلمَ بقُبحِ ما له صفةُ الظُّلمِ علىٰ سَبيلِ الجُملةِ التي ذَكَرناها، [و] وجوبِ حُصولِه لِجميعِ العقلاءِ ، مرتَّبٌ علىٰ صِفةِ الظُّلمِ المعقولةِ مِن الشاهدِ؛ لأنّه مَتىٰ لَم تُميَّزْ(1) تلكَ الصفةُ علىٰ سَبيلِ الجُملةِ ، لَم يُعلَمْ قُبحُ ما اختَصَّ بها. و الظُّلمُ المعقولُ في الشاهدِ هو ما وَقَعَ مِنّا، و تَعلَّقَ بنا، و انتَفَت عنه الوجوهُ المذكورةُ ؛ مِن النفعِ و دَفعِ الضررِ و الاستحقاقِ . و كُلُّ عاقلٍ يَعلَمُ قُبحَ ما له هذه الصفاتُ بالضرورةِ (2)، (168) إلّاأنّ بَعضَهم ظنَّ أنّ لِحالِ الفاعلِ تأثيراً فيما له يَقبُحُ القَبيحُ ، فأثبَتَه قَبيحاً ممّن لَيسَ بمالِكٍ ، و غَيرَ قَبيحٍ مِن المالِكِ . و هذا غَيرُ مُمتَنِعٍ ؛ فإنّ العِلمَ (3) بعِلّةِ الحُكمِ و أنّها عِلّةٌ ، لَم يُفارِقِ (4) العِلمَ بالحُكمِ .
و العِلمُ بوَجهِ القُبحِ و إن كانَ عندَنا ضَروريّاً علىٰ سَبيلِ الجُملةِ ، فلا بُدَّ في العِلمِ بأنّه المؤَثِّرُ في القُبحِ مِن ضَربٍ مِن الاعتبارِ و الاستدلالِ . فخِلافُ المُجبِرةِ - علىٰ هذا - غَيرُ قادحٍ فيما ادَّعَيناه مِن العِلمِ الضروريِّ ، و إنّما يَتَناوَلُ ما يُعلَمُ بالاستدلالِ .
ص: 86
و إذا بَيَّنّا بما ذَكَرناه و نَذكُرُه، أنّه لا تأثيرَ لِحالِ الفاعلِ في قُبحِ القَبيحِ ، سَقَطَت شُبهَتُهم.
و قولُ عَبّادٍ يُضاهي قولَ المُجبِرةِ ، و إن خالَفَهُم في ضَربٍ مِنَ الاعتلالِ ؛ لأنّه اعتَلَّ في نفيِ العِوَضِ عمّا يَفعَلُه اللّٰهُ تَعالىٰ مِن الآلامِ ، بأنّه لَو عَوَّضَ عن فِعلِه لَجازَ أن يُثيبَ (1) علىٰ خِلافِه، و خِلافُه عندَ التحقيقِ يَرجِعُ إلىٰ «تَعليلِ ما له قُبحُ الظُّلمِ بخلافه(2)» و ما به(3) يَفسُدُ قولُ الكُلِّ واحدٌ.
و ممّا يُجابُ [به] عن هذا السؤالِ : هو أنّ المُظهِرَ لدَفعِ ما ذَكَرناه مِن العُلومِ بالقَبائحِ ، إذا اختَصَّت بالصفاتِ المُعيَّنةِ ، لا يَبلُغُ في الكَثرةِ إلىٰ حَدِّ «مَن لا يَجوزُ عليه مِن الجَماعاتِ دَفعُ ما يَعلَمُه باضطرارٍ، و إظهارُ خِلافِ ما يُبطِنُ » و مَن تَحقَّقَ هذا الخِلافَ منهم و تفصيلَه، متىٰ حَصَلوا كانوا آحاداً يَجوزُ عليهم الإخبارُ بما يَعلَمون خِلافَه. و ما استَقرَّ في العُقولِ كُلِّها لا يَقدَحُ فيه ما جَرىٰ هذا المَجرى؛ ألا تَرى أنّا لا نُصدِّقُ مَن أخبَرَنا عن نَفسِه بأنّه يَعتَقِدُ قُبحَ الإحسانِ الخالصِ ، أو لا يَعلَمُ ما يُشاهِدُه مع التفصيلِ [و] ارتفاعِ اللَّبسِ ؛ مِن حَيثُ استَقرَّ في العُقولِ خِلافُ قولِه ؟ و كذلك ما يَقولُه المُجبِرةُ ، إذا بَلَغَ منهم بالغٌ إلىٰ هذا التفصيلِ .
و ممّا يُجابُ به أيضاً عن ذلكَ ، هو أنّ القومَ لَم يَدفَعوا مِن فِعلِ كُلِّ فاعلٍ مُفارَقةَ الظُّلمِ للعَدلِ ، و الإحسانِ للإساءةِ ، لكنّهم اعتَقَدوا أنّ المَرجِعَ بهذا الفَرقِ إلى الشَّهوةِ و النِّفارِ، فأثبَتوا الحُكمَ المَعلومَ ثُبوتُه ضرورةً ، و خالَفوا فيما يَرجِعُ إليه هذا الحُكمُ ، و هذا ضَربٌ مِن التفصيلِ ، يَجوزُ دُخولُ الشُّبهةِ - علىٰ بُعدِها - فيه.
ص: 87
فإن قيلَ : و أيُّ شَيءٍ يُفسِدُ رَدَّهم ذلكَ إلَى الشَّهوةِ و النِّفارِ؟
قُلنا: بأشياءَ :
مِنها: أنّ إطعامَ العَسَلِ المحرورَ ظُلمٌ له و إساءةٌ إليه، و إطعامَه المرطوبَ إحسانٌ إليه، مع تَعلُّقِ شَهوَتِهما(1) جميعاً به؛ فلَو كانَ الفَرقُ بَينَ القَبيحِ و الحَسَنِ يَرجِعُ إلَى الشَّهوةِ و النِّفارِ، لَاستَوى هذانِ الفِعلانِ ، و قد عَلِمنا اختلافَهما في العُقولِ .
و أيضاً: لكُلِّ فاعلٍ [أن] يُفصِّلَ بَينَ تَصرُّفِه في مِلكِه، و تَصرُّفِه في مِلكِ غَيرِه، و
إن كانَ مُنتَفِعاً بالجميعِ و مُشتَهياً له علىٰ (2) حدٍّ واحدٍ.
و أيضاً: فإنّ ما يَرجِعُ إلَى الشَّهوةِ و النِّفارِ قد تَختَلِفُ أحوالُ العُقلاءِ فيه، و لا تَختَلِفُ (3) في الفَصلِ بَينَ الظُّلمِ و العَدلِ ، و الإحسانِ و الإساءةِ .
و أيضاً: فإنّ الشَّهوةَ و النِّفارَ يَختَصّانِ المُدرَكاتِ ، و الاستقباحُ يَتَعدّى إلىٰ غَيرِ المُدرَكاتِ .
و ممّا أُجيبَ به(4) عن هذا السؤالِ : أنّ الظُّلمَ المعلومَ قُبحُه في العُقولِ ، هو المعلومُ وقوعُه، و المُجبِرةُ لَم تَعلَمْ وقوعَ ما له صفةُ الظُّلمِ مِنه تَعالىٰ ، و إنّما اعتَقَدوا ذلكَ ، فلهذا جازَ أن يَجهَلوا قُبحَه و يَعتَقِدوا حُسنَه.
و هذا الجَوابُ لَيسَ بصحيحٍ ؛ لأنّه إذا كانَ المُستَقِرُّ في الجُملةِ قُبحَ ما له صفةُ
ص: 88
الظُّلمِ ، فلا بُدَّ لِمَن(1) اعتقَدَ في فِعلٍ مِن الأفعالِ أنّه(2) بصفةِ الظُّلمِ - و إن لَم يَكُن كذلكَ علَى الحقيقةِ - مِن أن يَعتَقِدَ قُبحَه. و لَيسَ يَفتقِرُ في هذا إلى أن يَكونَ عالِماً بوقوعِ (169) ذلكَ و صفتِه، بل الاعتقادُ يَكفي في وجوبِ حُصولِ الاعتقادِ بقُبحِه؛ ألَا تَرى أنّ الكَذِبَ العاريَ مِن النفعِ و دَفعِ الضررِ لمّا كانَ معلوماً قُبحُه، وجبَ فيمن اعتَقَد في بعضِ الأخبارِ الصِّدقِ أنّه بهذه الصفةِ ، أن يَكونَ مُعتَقِداً بقُبحِه ؟ و كذلكَ لَو اعتَقَدَ فيمن لَم يُوقِعْ خبراً أصلاً أنّه قد أوقَعَه كَذِباً، لَوجبَ أن يَتبَعَ ذلكَ اعتقادُه وقوعَ القَبيحِ مِن جهتِه، و لا يُراعىٰ في شيءٍ مِن ذلكَ أن يَكونَ عالِماً [بوقوعه]. و هكذا القولُ فيمن اعتَقَدَ في بعضِ الأفعالِ أنّه إحسانٌ و إن لَم يَكُن كذلكَ ،(3) و في بعضِ الفاعلينَ أنّه فاعلٌ لِما له صِفةُ (4) الإحسانِ و إن لَم يَكُن فاعلاً له.
و ممّا يوضِحُ ما ذَكَرناه: أنّ العِلمَ بأنّ ما لَم يَسبِقِ المُحدَثِ يَجِبُ أن يَكونَ مُحدَثاً، لمّا كانَ مُستَقِرّاً في العُقولِ - كاستقرارِ العِلمِ بقُبحِ ما له صفةُ الظُّلمِ علَى الجُملةِ - وجبَ فيمن اعتَقَدَ في ذاتٍ أنّها مُحدَثةٌ ، و أنّ ذاتاً أُخرىٰ لَم تَسبِقها(5) في الوُجودِ - و إن لم يكُن لاعتقادِه(6) أصلٌ - أن يَكونَ مُعتَقِداً حُدوثَ الجميعِ (7)، و لَم يؤَثِّرْ في وجوبِ هذا الاعتقادِ الثاني أنّ المُعتَقَدَ لا أصلَ له.
ص: 89
و ممّا أُجيبَ به عن ذلكَ : أنّ المُجبِرةَ لَم تَنفِ فيما يَفعَلُ القَديمُ تَعالىٰ - علىٰ مَذاهِبِهم - مِن الظُّلمِ في العِبادِ كَونَه قَبيحاً، و [لكنّها تنسبُ ](1) استحقاقَ الذَّمِّ به إلَى المُكتَسِبِ دونَ الخالقِ ، و هذا ممّا يَجوزُ أن تَدخُلَ (2) الشُّبهةُ في مِثلِه؛ لأنّ العِلمَ الضروريَّ إنّما يَتَناوَلُ قُبحَ ما له هذه الصفةُ علَى الجُملةِ ، و أنّ الذَّمَّ مُستَحَقٌّ بذلك، و لا يَتَناوَلُ أنّه يَقبُحُ مِن كُلِّ فاعلٍ ، بل ذلكَ مُستَدَلٌّ عليه.
و هذا غَيرُ مُستَقيمٍ أيضاً؛ لأنّ القَبيحَ إنّما يَقبُحُ في العُقولِ مِن فاعلٍ يَستَحِقُّ الذَّمَّ به. و لا بُدَّ مِن أن تَكونَ حالُ الفاعلِ معقولةً على الجُملةِ ؛ و هو مَن تَعلَّقَ به [الفعلُ ] و وَجَبَ وقوعُه بحَسَبِ قَصدِه و دَواعيهِ . و هذا التعلُّقُ بعَينِه قد اعتَقَدوه في القَديمِ تَعالىٰ علىٰ أبلَغِ الوجوهِ كُلِّها و آكَدِها؛ فكيفَ يَصِحُّ مع ذلكَ أن يَعتَقِدوا حُسنَه مِن جِهتِه ؟
علىٰ أنّ هذا(3) لا يَتَأتّىٰ فيما يَعتَقِدونَ أنّه تَعالَى انفَرَدَ به ممّا له صفةُ القَبيحِ ؛ كتعذيبِ الأطفالِ و ما جَرى مَجراه، و يَكفي الاعتراضُ بذلكَ إن صَحَّ الجَوابُ عن غَيرِه.
و ممّا أُجيبَ به عن ذلكَ : أنّه غَيرُ مُمتَنِعٍ في العِلمِ الضروريِّ ، أن يَكونَ اللّٰهُ تَعالىٰ يُحدِثُه في العقلاءِ مَتىٰ خَلَوا مِن الشُّبهةِ ، فمَتى أَدخَلوها على نُفوسِهم لَم يَجُز إحداثُه فيهم. و على هذا يَجوزُ أن تَكونَ المُجبرِةُ صادقةً فيما تُخبِرُ بها عن نُفوسِها، و أنّ العِلمَ الضرورِيَّ بقُبحِ القَبائحِ حاصِلٌ لغيرِها ممّن خَلا مِن الشُّبهةِ .
ص: 90
و هذا ظاهرُ الفَسادِ؛ لأنّ مِن كمالِ العَقلِ عندَنا العِلمَ بقُبحِ القَبائحِ ، و حُسنِ الخُلُقِ ، و وجوبِ الواجبِ علَى الجُملةِ ؛ فمَن كانَ عاقلاً مِن المُجبِرةِ لا بُدَّ مِن أن يَكونَ عالِماً بذلك، و العِلمُ الضرورِيُّ لا يُنفى بالشُّبهةِ ، بل هُو مانعٌ منها؛ فكيفَ يَستَقِيمُ هذا الجَوابُ؟
فإن قيلَ : فكيفَ قولُكم في الخَوارجِ قد استَحسَنوا (170) قَتلَ (1) مَن خالَفَهم، و له علَى الحقيقةِ صفةُ الظُّلمِ ، و كذلكَ كثيرٌ مِن العَرَبِ في استحسانِ العادات(2) و غَصبِ الأموالِ؟
قُلنا: أمّا الخَوارِجُ فإنّهم اعتَقَدوا أنّ مُخالِفَهم يَكفُرُ بخِلافِهم، و يَستَحِقُّ القَتلَ ، فلهذا استَحسَنوا قَتلَه، و لَو اعتَقَدوا أنّه بصفةِ الظُّلمِ لَم يَجُز أن يَستَحسِنوه، و قد بيّنّا أنّ الاعتقاداتِ في هذا البابِ يَتبَعُ بعضُها بعضاً. و كذلكَ أيضاً مَن استَحسَنَ العادة و الغَلَبةَ علَى الأموالِ مِن العَرَبِ ، لا بُدَّ مِن أن يَعتَقِدوا(3) استحقاقَ ذلكَ ببعضِ
الأُمورِ؛ إمّا بالخِلافِ ، أو النَّفيِ ، أو الابتداءِ بالمُعاداةِ و الحَربِ ، أو غَيرِ ما ذَكَرناه. و كُلُّ هذا لا يَقدَحُ فيما قَرَّرناه مِن الأُصولِ .
و أمّا الطريقةُ الثانيةُ في أنّ القَبيحَ لا يَخلو مِن أن يَكونَ إنّما قَبُحَ لِما ذَكَرناه مِن الوجوهِ ، و هي المُبتَنيةُ علَى القِسمةِ ، فالذي يُبيِّنُ صحّتَها أنّ القَبيحَ لا يَخلو مِن أن يَكونَ إنّما قَبُحَ لجنسِه، أو لحُدوثِه علىٰ وَجهٍ سِوىٰ ما نَذكُرُه مِن الوجوهِ ،
ص: 91
أو لانتفائِه، أو لوجودِ معنىً ، أو لانتفاءِ معنىً ، أو لأحوالِ فاعلِه؛ نَحوُ كَونِه مُحدَثاً مَملوكاً مَربوباً، أو لأنّه نُهيَ عنه و تَجاوَزَ بفِعلِه ما حُدَّ له، أو لِما قَدَّمناه مِن وجوهِ القُبحِ ؛ نَحوُ كَونِه ظُلماً و كُفراً لنِعمةٍ و ما أشبَهَ ذلكَ (1).
و نحنُ نُبطِلُ ما عَدا ما ذَهَبنا إليه.
و الذي يُفسِدُ أن يَكونَ قَبيحاً لجنسِه: أنّ ذلك يَقتَضي قُبحَ كُلِّ ألَمٍ و ضررٍ، و قد عَلِمنا حُسنَ كثيرٍ مِن ذلك.
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَدفَعَ تَجانُسَ الحَسَنِ و القَبيحِ مِن الضررِ، و يَدَّعِيَ أنّه لا يَكونُ إلّا مُختَلِفاً؛ لأنّ الدليلَ قد دَلَّ علىٰ أنّ التماثُلَ بَينَ الذواتِ لا يَقَعُ بالقُبحِ و لا الحُسنِ ، و لا بِكُلِّ ما يَتجدَّدُ في حالِ الحُدوثِ ، و إنّما تَتَماثَلُ صِفاتُ (2) النفسِ التي تَحصُلُ (3)في العدمِ و الوجودِ.
و كيفَ يَدفَعُ مُماثَلةَ الحَسَنِ القَبيحَ (4)، و قد عَلِمنا أنّ المُدرِكَ الكَذِبَ لا يَفصِلُ بَينَه و بَينَ الصِّدقِ ، و يَشتَبِهانِ عليه كما يَشتَبِهُ عليهِ الجَوهَرانِ و السوادانِ؟
علىٰ أنّ نَفسَ الضررِ الذي يَقَعُ ظُلماً، فإن يَصِحَّ حُدوثُه عَدلاً - بأن يُقارِنَه بعضُ ما يُخرِجُ الفِعلَ مِن كَونِه ظُلماً - فكيفَ يَكونُ قَبيحاً لعَينِه أو جنسِه ؟
ص: 92
و بمِثلِ ذلكَ يَبطُلُ القولُ بأنّه قَبيحٌ لِوجودِه(1) و حُدوثِه؛ لأنّه يؤَدّي إلىٰ قُبحِ كُلِّ مُحدَثٍ موجودٍ. و لَو قَبُحَ لحُدوثِه علىٰ [وَجهٍ ] سِوى ما نَذكُرُه مِن الوجوهِ ، لَم يَمتَنِعْ أن يَقَعَ علىٰ بعضِ الوجوهِ التي نَذكُرُها - نَحوِ كَونِه ظُلماً و كُفراً للنِّعمةِ إلىٰ ما شاكَلَ ذلكَ - و إن لَم يَحدُثْ علىٰ ذلكَ الوَجهِ (2) الذي أشارُوا إليه، فلا يَكونَ قَبيحاً.
و قد عَلِمنا خِلافَ ذلكَ .
و لا يَجوزُ أن يَقبُحَ لانتفائِه؛ لأنّ قُبحَه يَختَصُّ حالَ الوجودِ، و يَمتَنِعُ مع العدمِ .
و لا يجوزُ أن يَقبُحَ لوجودِ معنىً ؛ لأنّه كانَ يَجِبُ أن يَكونَ العِلمُ بقُبحِه يَتبَعُ
العِلمَ بتلكَ العلّةِ ؛ إمّا علىٰ جُملةٍ أو تفصيلٍ . و نَحنُ نَعلَمُ أنّه مَتى [عَلِمناه] عَلِمنا قُبحَه، و إن لَم نَعلَمْ معنىً مِن المَعاني و لا عِلّةً مِن العِلَلِ .
و لأنّه أيضاً كانَ لا يَمتَنِعُ أن يَنتَفيَ ذلكَ المعنى عمّا يَقَعُ ظُلماً أو كفراً للنِّعمةِ ، فلا يَكونَ قَبيحاً. أو يوجَدَ ذلكَ المعنىٰ في شُكرِ النِّعمةِ و الإحسانِ و مَعرِفَةِ اللّٰهِ تَعالىٰ ، فَيكونَ الجَميعُ قبيحاً.
و أيضاً فإنّ الطريقَ إلىٰ بيانِ العِلَلِ في الأحكامِ لا يَتَأتّىٰ في القَبيحِ ؛ لأنّا إنّما نُثبِتُ العِلّةَ بأن يَكونَ الحُكمُ المُعَلَّلُ يَثبُتُ و يَنتَفي، و الأحوالُ واحدةٌ في ثُبوتِه و انتفائِه، فيَمتَنِعَ تَعلُّقُه ببعضِ تلكَ الأحوالِ ، فيَفتَقِرُ إلىٰ تعليقهِ بأمرٍ مُنفَصِلٍ هو العلِّةُ .
ص: 93
و هذا يَتعذَّرُ في القَبيحِ ؛ لأنّ الحُكمَ الذي هو القُبحُ لا يُمكِنُ (1) ثُبوتُه (171) و انتفاؤه و الأحوالُ واحِدةٌ [فيهما](2).
و إذا لَم يَجُز أن يَقبُحَ القَبيحُ لمعنىً موجودٍ، فأحرىٰ أن لا يَكونَ كذلكَ لمعنىً معدومٍ .
و لأنّ كُلَّ معنىً معقولٍ قد يوجَدُ و لا يَخرُجُ الظُّلمُ مِن أن يَكونَ قَبيحاً.
و لأنّ المعدومَ لا يَختَصُّ في حالِ العدمِ ، و لا يَتعلَّقُ بغَيرِه، فلَو قَبُحَ له الفِعلُ مع عدمِ الاختصاصِ ، لَم يَكُن بذلكَ أحَقَّ مِن غَيرِه، و كانَ يَجِبُ قُبحُ جَميعِ الأفعالِ .
فأمّا ما يُبطِلُ أن تَكونَ (3) أحوالُ الفاعلِ مؤَثِّرةً في قُبحِ القَبيحِ ؛ نَحوُ كَونِه مُحدَثاً مملوكاً مربوباً، فهو أنّ الأمرَ لَو كانَ كذلكَ ، لَوجبَ أن تَكونَ أفعالُنا كُلُّها قَبيحةً ، و لا يَكونَ بعضُها بالقُبحِ أَولى مِن بعضٍ ؛ لأنّ المؤَثِّرَ في القُبحِ حاصلٌ ، و اختصاصَه بالكُلِّ اختصاصٌ واحدٌ.
و ممّا يُبطِلُ أيضاً ذلكَ : أنّه كانَ يَجِبُ أن لا يَعلَمَ قُبحَ الفِعلِ مِن زَيدٍ إلّا مَن عَلِمَ كَونَه مُحدَثاً مربوباً؛ لأنّ القَبيحَ لا يُعلَمُ قبيحاً إلّابَعدَ العِلمِ بما له صَحَّ جُملةً و تفصيلاً على ما تَقدَّمَ (4)، و هذا يَقتَضي أن لا تَعرِفَ (5) الدَّهريّةُ (6)
ص: 94
و مَن جَرىٰ مَجراها قُبحَ القَبائحِ .
و أيضاً: فإنّ كَونَ الفاعلِ مُحدَثاً مربوباً لا تَعلُّقَ له بالفِعلِ ، و ما يؤَثِّرُ في قُبحِ الفِعلِ و حُسنِه لا بُدَّ أن يَتعلَّقَ به ضَرباً مِن التعلُّقِ ؛ فكيفَ (1) يوجِبُ ذلكَ قُبحَ الفِعلِ و يؤَثِّرُ فيه، و قد يَحصُلُ قَبلَ وجودِ الفِعلِ (2) و بَعدَه، و يُساوي فيه الجَمادَ و المَواتَ ، و مِن شأنِ (3) وَجهِ القُبحِ أن يَتبَعَه القَبيحُ و لا يُفارِقَه ؟
و لا فَرقَ بَينَ مَن جَعَلَ كَونَ الفاعلِ مُحدَثاً وَجهاً لِقُبحِ الفِعلِ مع ما ذَكَرناه، و بَينَ مَن قالَ ذلكَ في كَونِه جسماً أو مَحَلّاً.
فأمّا ما يَدُلُّ علىٰ أنّ القَبيحَ لَم يَقبُحْ للنهيِ : فهو أنّ النهيَ لَو كانَ عِلّةً في قُبحِ الفِعلِ ، لَم يُخالِفْ فيه نَهيُنا لنَهيِه تعالى، و كانَ يَجِبُ أن يَكونَ نهيُنا موجِباً لقُبحِ ما يَتَناوَلُه، و هذا يَقتضي قُبحَ ما يَنهى عنه العِبادُ. و يُوجِبُ أيضاً أن يكونَ الشيءُ حَسَناً قبيحاً؛ بأن يأمُرَ به آمِرٌ و يَنهى عنه ناهٍ . و وجبَ أن يَقبُحَ الإيمانُ و شُكرُ النِّعمةِ و الإحسانُ ؛ [إذا] نهىٰ عنه [العبادُ](4)، و كُلُّ ذلكَ فاسدٌ.
و لَيسَ لهم أن يُفَرِّقوا بَينَ نَهيِه تَعالىٰ و نَهيِنا في اقتضاءِ قُبحِ الفِعلِ ، كما فَرَّقنا نَحنُ بَينَهما في الدَّلالةِ علىٰ قُبحِه.
و ذلكَ : أنّ العِلّةَ لجنسِها تؤَثِّرُ، و نَهيُنا مِن جنسِ نَهيِه تعالى، فيَجِبُ أن يَؤثِّرَ. ألَا
ص: 95
تَرى أنّ الكَونَ المخصوصَ مِن فعلِه، لمّا كانَ عِلّةً في كَونِ الكائنِ في جهةٍ مخصوصةٍ ، أثَّرَ ما يَفعَلُه مِن ذلك الجنسِ تأثيرَ ما يَفعَلُه تعالى، و لَم يَختَلِفا في بابِ التأثيرِ؟ و الدَّلالةُ لا تَدُلُّ لجنسِها، و إنّما تَدُلُّ (1) لوقوعِها علىٰ بعضِ الوجوهِ ، فلا يَمتَنِعُ أن يَكونَ نهيُه تَعالىٰ دالاًّ علَى القُبحِ دونَ نهيِنا؛ مِن حَيثُ كانَ النهيُ دَلالةَ الكَراهةِ ، و الحَكيمُ لا يَكرَهُ إلّاالقَبيحَ ، فلهذا فارَقَ نَهيُه في الدَّلالةِ لنَهيِ مَن لَيسَ بحكيمٍ مِنّا.
و لَيسَ لهم أن يَشتَرِطوا في إيجابِ النَهي(2) لِقُبحِ الفِعلِ صُدورَه مِن رَبٍّ مالكٍ .
و ذلكَ : أنّه قد يَكونُ رَبّاً مالِكاً، وَ لا يَنهى عن الفِعلِ ، فلا يَكونُ قَبيحاً، فيَجِبُ أن يَكونَ النهيُ هو المؤَثِّرَ.
علىٰ أنّ عِلّةَ الحُكمِ ما جاوَرَته، دونَ ما تَقدَّمَت عليه، و النهيُ أقرَبُ إلَى القُبحِ مِن كَونِه رَبّاً مالكاً، و لهذا كانَ وجودُ الحركةِ هو الموجِبُ لكَونِ المُتَحرِّكِ مُتَحرِّكاً دونَ وجودِه(3). و لَو جازَ أن يُشتَرَطَ ذلكَ في إيجابِ النهيِ مِنه، لَجازَ اشتراطُه في سائرِ العِلَلِ ؛ نَحوِ الحركةِ و العِلمِ و ما أشبَهَهما.
وَ أمّا ما يُسأَلُ عنه: مِن أنّ نَهيَ مالِكِ الدارِ عن دُخولِها يؤَثِّرُ في قُبحِ الدُّخولِ ؛ مِن حَيثُ كانَ مالكاً، دونَ نَهيِ مَن لَيسَ بمالِكٍ للدارِ.
فالجوابُ (4) عنه: (172) أنّ نَهيَ مالِكِ الدارِ إنّما أثَّرَ مِن حَيثُ دَلَّ مِن حالِه علىٰ أنّه غَيرُ راضٍ بالدُّخولِ ، و أنّه يَضُرُّ به، و نَهيُ غَيرِه لَيسَ له هذا الحَظُّ. و نَهيُ القَديمِ
ص: 96
تَعالىٰ عندَ مُخالِفينا بخِلافِ ذلكَ ؛ لأنّه يؤَثِّرُ عندَهم في القُبحِ و يُوجِبُه، و لَيسَ بدالٍّ علىٰ أمرٍ يوجِبُ ذلكَ الأمرُ قُبحَ الفِعلِ ، ففارَقَ إذنَ مالِكِ الدارِ.
و ما يَدُلُّ أيضاً علىٰ أنّ القَبيحَ لَم يَقبُحْ (1) للنهيِ (2): أنّا قد بيّنّا(3) أنّ العِلمَ بقُبحِ القَبيحِ لا يُفارِقُه العِلمُ بوَجهِ القُبحِ ؛ إمّا على جُملةٍ أو تفصيلٍ ، فلَو قَبُحَتِ الأفعالُ للنهيِ لَكانَ مَن لا يَعرِفُ النهيَ و لا الناهِيَ ، مِن المُلحِدينَ و البَراهِمَةِ ، لا يَعرِفُ قُبحَ شيءٍ مِن القَبائحِ ، و لا يَفصِلُ بَينَ القَبيحِ و الحَسَنِ . و المعلومُ خِلافُ ذلكَ .
و لَو جازَ أن يُدَّعىٰ أنّ مَن ذَكَرناه غَيرُ عالِمٍ في الحقيقةِ بقُبحِ القَبائحِ و إنّما يَعتَقِدُ ذلكَ (4)، لَجازَ أن يُدَّعىٰ مِثلُه في العِلمِ بالفَرقِ بَينَ الأسوَدِ و الأبيَضِ و جميعِ المُدرَكاتِ ؛ لأنّ سُكونَ نفسِ العقلاءِ (5) إلَى الكُلِّ علىٰ أمرٍ واحدٍ، و لَجازَ أيضاً أن يُدَّعىٰ فيمن يَعرِفُ السمعَ و النهيَ مِثلُ ذلكَ .
و بَعدُ، فلَو لَم يَكُن هذا الاعتقادُ عِلماً، لَم يَكُن لعُمومِه سائرَ العقلاءِ وَجهٌ ؛ لأنّ مِن شأنِ الاعتقادِ الذي لَيسَ بعِلمٍ - و إنّما يَقَعُ عن شُبهةٍ و ما جَرى مَجراها - أن لا يَعُمَّ (6) العقلاءَ بأَسرِهم. و لا وَجهَ يَقتَضي عُمومَ ما ذَكَرناه مِن الاعتقادِ، إلّاأنّه مِن جُملةِ كمالِ العَقلِ (7).
ص: 97
و ليسَ لهم أن يقُولوا: إنّهم لاختلاطِهم بأهل السّمعِ اعتَقَدوا ذلكَ ؛ لأنّ جميعَ ما ذَكَرناه يُسقِطُه، و لأنّه كانَ يَجِبُ أن يعتَقِدوا بالاختلاطِ بأهلِ السمعِ تحريمَ الزِّنىٰ ، و الخَمرِ، و جميعِ ما يُحرِّمُه أهلُ السمعِ .
و لا شيءَ أدَلَّ (1) علىٰ ما ذَكَرناه مِن أنّا نَجِدُ مَن يَعتَقِدُ تحريمَ القَبائحِ العقليّةِ و الشرعيّةِ ، مَتى شَكَّ في النبوّةِ ، خَرَجَ علىٰ طريقةٍ واحدةٍ مِن اعتقادِ قُبحِ الشرعيّاتِ ، و لَم يَخرُجْ مِن الاعتقادِ بقُبحِ العقليّاتِ ، بل [بَقيَ علىٰ ](2) ما كانَ عليه. فلَو كانَ الشرعُ موجِباً للأمرَينِ أو طريقاً إليهما، لشَكَّك فيهما لمَكانِ الشكِّ فيه(3).
و بَيَّنَ ما ذَكَرناه أنّه يَجِبُ على هذا القولِ أن يَكونَ العِلمُ بقُبحِ الظُّلمِ و قُبحِ شُربِ الخَمرِ واقعاً مِن طريقٍ واحدٍ، و هذا يَقتَضي أن لا يَكونَ أحَدُهما أجلىٰ مِن الآخَرِ. كما أنّ الشَّخصَينِ مَتىٰ عُلِما بالإدراكِ علىٰ وَجهٍ واحدٍ، لا يَكونُ العِلمُ بأحَدِهما أجلى مِنَ الآخَرِ. و قد عَلِمَ كُلُّ عاقلٍ أنّ العِلمَ بقُبحِ الظُّلمِ أجلى مِن العِلمِ بِقُبحِ شُربِ الخَمرِ.
و ممّا يَدُلُّ علىٰ ذلكَ : أنّا قد عَلِمنا أنّ مَن دَعانا إلىٰ نُبوَّتِه و النظَرِ إلىٰ عِلمِه، و
خَوَّفَنا مِن الإعراضِ عن ذلكَ ، نَعلَمُ «وجوبَ النظَرِ فيما ادَّعاه علينا، و قُبحَ الإعراضِ » قَبلَ أن نَعلَمَ (4) النبوّةَ . و علىٰ هذا الوجهِ يَجِبُ النظَرُ في معرفةِ اللّٰهِ تَعالىٰ عندَ تَخويفِ الخاطرِ(5) و ما جَرى مَجراه؛ فكيفَ يُقالُ : إنّ العِلمَ بقُبحِ القَبائحِ يَقِفُ علَى السمعِ؟
ص: 98
و أيضاً: لَو كانَ النهيُ موجِباً لقُبحِ القَبائحِ ، لَوجبَ أن يَكونَ الأمرُ مؤَثِّراً في حُسنِ الحَسَنِ ، و هذا يَقتَضي أن لا يَحسُنَ مِنه تَعالىٰ شيءٌ مِن الأفعالِ ، كما لا يَقبُحُ منه شيءٌ . و لا إشكالَ في كُفرِ مَن التَزَمَ ذلك.
و لَيس له أن يقولَ : إنّ حُسنَ الفِعلِ يَكونُ للأمرِ و غَيرِه. (173)
لأنّه يَلزَمُ علىٰ ذلكَ أن يَكونَ القَبيحُ أيضاً للنهيِ و غَيرِه، و لا يَعصِمَهم في نفيِ القَبيحِ عن أفعالهِ تعالىٰ قولُهم: إنّه غَيرُ مَنهِيٍّ .
و لا له أن يقولَ : إنّ الفِعلَ يَحسُنُ مِنه تَعالىٰ لانتفاءِ النهيِ ، و ذلكَ وَجهٌ في حُسنِه كالأمرِ.
لأنّه لا فَرقَ بَينَ هذا القائلِ ، و بَينَ مَن قالَ : إنّ الفِعلَ يَقبُحُ لانتفاءِ الأمرِ كما يَقبُحُ للنهيِ (1)، و هذا يَقتَضي قُبحَ جميعِ أفعالِه تَعالىٰ .
و يَجِبُ أيضاً حُسنُ فِعلِ الطفلِ وَ النائمِ و البَهيمةِ لانتفاءِ النهيِ ، و لو حَسُنَت أفعالُهم لَم يَكُن لنا مَنعُهم عن كثيرٍ منها.
علىٰ أنّ انتفاءَ النهيِ لَو أَوجَبَ حُسنَ الفِعلِ ، لَم يكُن بالحُسنِ مِنَ النَّدبِ ؛ لأنّ تأثيرَه لا يَقتَضي هذه القِسمةَ .
و أيضاً: فيَجِبُ علىٰ هذا القولِ أن لا يَقبُحَ مِنه تَعالَى التفَرُّدُ بشيءٍ مِن القَبائحِ ؛ إذ كانَ غَيرَ مَنهيٍّ ، و هذا يَقتَضي تجويزَ الكَذِبِ عليه، و تصديقِ الكَذّابينَ ، و الأمرِ بالمَفاسِدِ، و النهيِ عن المَصالِحِ . و لا دِينَ يَبقى مع تجويزِ ذلكَ .
و أيضاً: فقُبحُ القَبيحِ يَرجِعُ إلَى الفِعلِ ، و النهيُ لا يَرجِعُ إليه؛ فكيفَ يَقتَضي قُبحَه ؟
و أيضاً: فإنّ النهيَ [له] أجزاءٌ كثيرةٌ ، و يَستَحيلُ في الجُملةِ أن يوجِبَ أمراً واحداً
ص: 99
لا [اختلافَ فيه؛ لأنّه(1)] يَرجِعُ إلَى الآحادِ دونَ الجُمَلِ .
و أيضاً: فإنّ النهيَ عن الفِعلِ يَختَصُّ حالَ عدمِه؛ فكيفَ يؤَثِّرُ في قُبحٍ لا يَحصُلُ إلّا في حالِ وجودِه ؟ و هذا يَقتَضي قُبحَ المعدومِ !
و أيضاً: فإنّ النهيَ حُروفٌ مُختَلِفةٌ ، و المُختَلِفُ مِن المعاني لا يوجِبُ حُكماً واحداً.
و أيضاً: فإنّ النهيَ قد يَحُلُ الضِّدَّ أو غَيرَ مَحَلِّ الفِعلِ ؛ فكيفَ [يؤَثِّرُ] فيه القُبحِ ، و لا تَعلُّقَ بَينَهما؟
و أيضاً: فلَو قَبُحَ الفِعلُ المَنهيُّ ، لَوجبَ أن يَكونَ المؤَثِّرُ هو الحَرفَ الآخِر؛ لأنّ ما تقضّى(2) مِن الحُروفِ لا يَجوزُ أن يَكونَ مؤَثِّراً. و لَو قَبُحَ للأخيرِ مِن الحُروفِ ، لَقَبُحَ لذلكَ و إن لَم يَتقدَّمْه باقي الحُروفِ .
و ليسَ لهُم أن يقولوا: إنّ النهيَ المُؤَثِّرَ هو القَديمُ الذي لَيسَ بحُروفٍ .
لأنّا نُبيِّنُ (3) فيما يأتي مِن الكتابِ بعَونِ اللّٰهِ ، أنّ الكلامَ لا يَجوزُ أن يَكونَ إلّا حُروفاً(4)، و بُطلانَ ما يَدَّعونَ مِن إثباتِ كلامٍ قَديمٍ لَيسَ بحروفٍ (5).
علىٰ أنّ هذا يَقتَضي أن لا يَكونَ لِقُبحِ الفِعلِ ابتداءٌ (6)، كما أنّ عليه [يكون النهي عنه] لا ابتداءَ له(7).
ص: 100
و ممّا يَدُلُّ أيضاً علىٰ أنّ القَبيحَ لا يَقبُحُ للنهيِ (1): أنّ ذلكَ يَقتَضي أن لا يَقَعَ القَبيحُ ممّن لَيسَ بمَنهيٍّ كالصَّبيِّ و البَهيمةِ ، و يَجِبُ لَو حاوَلَ الصَّبِيُّ أن يَقتُلَ إماماً و نَبيّاً [أن] لا يُمنَعَ مِن ذلكَ ، و [أن] لا يَلزَمَنا أن نَدفَعَه عنه.
و إذا بَطَلَ كُلُّ قسمٍ عَلَّقوا به قُبحَ القَبائحِ ، أو أمكَنَ تَعلُّقُه به، صَحَّ ما ذَهَبنا إليه في وَجهِ القُبحِ ، و أنّ التأثيرَ هو له(2) دونَ غَيرِها؛ لأنّه إذا كانَ لا بُدَّ مِن أمرٍ، و بَطَلَ كُلُّ ما تَقتَضيهِ القِسمةُ إلّاأمراً واحداً(3)، فلا بُدَّ مِن تَعلُّقِ الحُكمِ به.
***
[ج] فَصلٌ في ذِكرِ أقسامِ (4) الأفعالِ الحَسَنةِ و أحكامِها و مَراتِبها
قد تَقدَّمَ مِن ذِكرِنا لِما يَنقَسِمُ إليه الفِعلُ الحَسَنُ ما يُغني عن(5) تَكرارِه(6).
و الطريقُ إلىٰ أنّ «ما يَحسُنُ مِن الأفعالِ ، أو تَكونُ له صفةُ النَّدبِ أو الواجبِ ، لا بُدَّ مِن اختصاصِه بصفةٍ » هو ما(7) سَلَكناه(8) في أنّ القَبيحَ يَختَصُّ (9)،
ص: 101
فلا(1) مَعنى (174) لإعادتِه.
و قد اختُلِفَ فيما له يَحسُنُ الحَسَنُ :
فذَهَبَ بعضُ الشُّيوخِ إلىٰ أنّه يَحسُنُ لوَجهٍ يَقَعُ عليه، كما نَقولُ ذلكَ في القَبيحِ ، غَيرَ أنّه يَقولُ : متَى اجتَمَعَ وَجهُ الحُسنِ و وَجهُ القُبحِ في الفِعلِ الواحدِ، كانَ الحُكمُ لوَجهِ القُبحِ (2).
و قالَ مَن تَأخَّرَ عن هؤلاءِ : إنّ الحَسَنَ لا يَجوزُ أن يَحسُنَ لوقوعِه علىٰ وَجهٍ ؛ لأنّه كانَ يَجِبُ متَى اجتَمَعَ فيه وَجهُ القُبحِ (3) و وَجهُ الحُسنِ ، أن يَكونَ حَسَناً قَبيحاً؛ لأنّ عِلّةَ الحُكمِ لا يَجوزُ ثُبوتُها مع انتفاءِ الحُكمِ ، و لا يَجوزُ تَغليبُ حُكمِ إحدَى العِلّتَينِ علَى الأُخرى؛ لأنّ ذلكَ يَنقُضُ كَونَها عِلّةً .
و يَجعَلُ مَن ذَهَبَ إلىٰ ما ذَكَرناه ما له يَحسُنُ الفِعلُ ثُبوتَ غَرَضٍ فيه، و انتفاءَ وجوهِ القُبحِ عنه.
و الأَولى أن يُقالَ : إنّ الحَسَن يَحسُنُ لوقوعِه علىٰ وَجهٍ هو المؤَثِّرُ في حُسنِه، لكنّه إنّما يؤَثِّرُ بشرطِ انتفاءِ وجوهِ القُبحِ ؛ لأنّ دُخولَ الشُّروطِ بالنفيِ و الإثباتِ مع ما في أحكامِ الأفعالِ غَيرُ مُنكَرٍ. و إنّما جَعَلنا الوَجهَ الذي يَقَعُ عليه الفِعلُ هو المُؤثِّرَ في حُسنِه؛ لأنّه هو الذي يَخُصُّه. و جَعَلنا النفيَ شَرطاً؛ لأنّه لا يَخُصُّ الفِعلَ ، و
ص: 102
جَرى ذلكَ مَجرى ما نَقولُه(1) في كَونِ الحَيِّ حَيّاً، و اقتضائه كَونَ المُدرَكِ مُدرَكاً بشرطِ انتفاءِ المَوانِعِ .
و العِلمُ بكَونِ الشيءِ حَسَناً و نَدباً و واجِباً، قد يَكونُ ضَروريّاً على الجُملةِ ، و يُعلَمُ فيما اختَصَّ بالصفةِ المذكورةِ المؤَثِّرةِ في كَونِه نَدباً أو واجِباً، أنّه كذلكَ بِاكتسابٍ . و هذا كعِلمِنا باضطرارٍ علَى الجُملةِ ، بأنّ (2) الإحسانَ الخالصَ له صفةُ النَّدبِ ، و أنّ رَدَّ الوَديعةِ واجبٌ ، و كذلكَ شُكرُ النِّعمةِ و قَضاءُ الدَّينِ . فمَتى عَلِمنا في الفِعلِ المُعيَّنِ أنّه بصفةِ الإحسانِ ، عَلِمنا حُسنَه و أنّ له صفةَ النَّدبِ باعتقادٍ نَفعَلُه(3) يُطابِقُ الجُملةَ المُتقرِّرةَ في العَقلِ . و كذلكَ متىٰ عَلِمنا في الفِعلِ أنّه(4)شُكرُ النِّعمةِ و رَدُّ الوديعةِ ، فَعَلنا اعتقاداً لوجوبِه، و يَكونُ ذلكَ الاعتقادُ عِلماً؛ لأجلِ الجُملةِ المُتقرِّرةِ في العَقلِ . و هذا قد تَقدَّمَ شَرحُه عندَ بيانِنا(5) الطريقَ إلىٰ معرفةِ القَبائحِ (6).
و ما يُعلَمُ بالسمعِ وجوبُه أو كَونُه نَدباً يَدخُلُ فيما ذَكَرناه، و يَجري مَجرى ما يُعلَمُ بالسمعِ قُبحُه؛ لأنّ الحَكيمَ إذا أَوجَبَ شيئاً، عُلِمَ أنّه لا بُدَّ مِن وَجهِ وجوبٍ علَى الجُملةِ ، فإن كانَ الفِعلُ ممّا إن كانَ واجِباً فلِوَجهٍ معيَّنٍ (7) يَجِبُ ، عُلِمَ ثُبوتُ
ص: 103
ذلكَ الوَجهِ فيه بإيجابِ الحُكمِ (1)، و عُلِمَ بوجوبِه(2) مُطابَقةُ ما في العَقلِ . و إن كانَ ممّا يَجِبُ لوجوهٍ شَتّىٰ (3)، عُلِمَ أنّه لا بُدَّ مِن ثُبوتِ بَعضِها فيه.
و قد قيلَ : إنّ في الواجبِ ما يُحمَلُ بالاستدلالِ علىٰ غَيرِه؛ كنَحوِ حَملِ «التَّوبةِ »
في الوجوبِ علَى «الاعتذارِ» فيما جَرىٰ مَجرىٰ ما ذَكَرناه في الكَذِبِ المُختَصِّ بنَفعٍ أو دَفعِ ضررٍ، إذا حُمِلَ في بابِ القُبحِ علَى الكَذِبِ العاري من ذلك.
و الطريقُ إلىٰ أنّ الواجبَ و جميعَ ضُروبِ الأفعالِ الحَسَنةِ ، لَم تَكُن(4) كذلكَ لجنسِها، أو(5) وجودِها، أو وجودِ معنىً ، أو عدمِ معنىً ، أو للأمرِ، أو لأحوالِ فاعلِها، و أنّها إنّما كانَت كذلكَ للوجوهِ (6) التي تُعلَّقُ عليها الأحكامُ ؛ نَحوِ كَونِها إحساناً [خالصاً و أنّها](7) شُكرُ النِّعمةِ إلىٰ ما شاكَلَ ذلك، هو ما بيّنّاه في بابِ الكلامِ في القَبائحِ (8)، فلا مَعنىٰ لإعادتِه.
و كذلكَ الكلامُ في أنّ مَن عَلِمَ وجوبَ الفِعلِ ، و كَونَه نَدباً، فلا بُدَّ مِن أن يَكونَ عالِماً بما له كانَ كذلكَ ؛ إمّا على جُملةٍ أو تفصيلٍ .
ص: 104
الذي يَدُلُّ علىٰ ذلكَ : أنّ كَونَ القادرِ قادراً، إنّما (175) يَتعلَّقُ بإحداثِ (1) الأجناسِ ، و كَونُه قَبيحاً لا مَدخَلَ له فيما تَتعلَّقُ به القُدرةُ ؛ ألا تَرىٰ أنّه قد يَكونُ قَبيحاً لانتفاءِ أُمورٍ؛ إمّا مِن جهتِه أو جهةِ غَيرِه؛ نَحوِ الظُّلمِ الذي يَقبُحُ لِانتفاءِ [النفع](2)، و دَفعِ الضررِ و الاستحقاقِ؟ فمَن قَدَرَ علَى الجنسِ ، قَدَرَ أن يوجِدَه و إن خَلا ممّا ذَكَرناه؛ لأنّ خُلُوَّه لا يُغيِّرُ حالَ القادرِ؛ و كيفَ يُغيِّرُه و كَونُه ظُلماً لا تَعلُّقَ له بأحوالِ القادرِ زائداً(3) علىٰ كَونِه قادراً، حتّىٰ يَصِحَّ أن يُقالَ : إنّه تَعالىٰ لَيسَ علىٰ تلك الأحوالِ ، و إنّما المَرجِعُ به إلَى انتفاءِ أُمورٍ لا تَتعلَّقُ القُدرةُ بها؟
و أيضاً: قد ثَبَتَ أنّ القادرَ علَى الشيءِ يَجِبُ أن يَكونَ قادراً علىٰ جنسِ ضِدِّه إذا
ص: 105
كانَ له ضِدٌّ. و هو تَعالىٰ قادرٌ علىٰ أن يَفعَلَ فينا العِلمَ به تَعالىٰ و بصفاتِه، فيَجِبُ أن يَكونَ قادراً علىٰ ضِدِّ ذلك و هو الجَهلُ القَبيحُ . و كذلك هو قادرٌ علىٰ خَلقِ الشَّهَواتِ في أهلِ الجَنّةِ لِما يُدرِكونَه، فيَجِبُ أن يَكونَ قادراً علىٰ خَلقِ النِّفارِ بَدَلاً مِن ذلكَ ، و هو ظُلمٌ قَبيحٌ .
و أيضاً: فقَد ثَبَتَ أنّ القادرَ على الشيءِ يَجِبُ أن يَكونَ ممّن يَصِحُّ أن لا يَفعَلَه؛ لِيَخرُجَ مِن حُكمِ المُضطَرِّ و مَن لَيسَ بقادرٍ. و هو تَعالىٰ قادرٌ علىٰ إثابةِ المُطيعِ و
إعادتِه، فيَجِبُ أن يَكونَ قادراً علىٰ أن لا يَفعَلَ ذلكَ . و تَركُ فِعلِ الواجبِ كالقَبيحِ ، ممّا هَرَبَ مِنه المُخالفُ .
و أيضاً: فقَد ثَبَتَ كَونُه تَعالىٰ قادراً علىٰ تعذيبِ مُستَحِقِّ العذابِ ، كالكافرِ و غَيرِه، ما لَم يَتُبْ ، فإذا تابَ يَجِبُ أن يَكونَ علىٰ ما كانَ عليه؛ مِن كونِه قادراً علىٰ عِقابِه. و ما يَقَعُ بَعدَ التَّوبةِ هو الظُّلمُ القَبيحُ .
و إنّما قُلنا: إنّ التَّوبةَ لا تُخرِجُه(1) مِن كَونِه مقدوراً؛ لأنّها(2) لَو أخرَجَته مِن المقدورِ و أحالَت وجودَه، لَاشتَرَكَ كُلُّ القادرينَ في ذلكَ ، و لَجَرَتِ التَّوبةُ مَجرىٰ وجودِ المقدورِ، أو تَقضّي وَقتِه، أو وجودِ سببِه، أو تَقَضّي(3) وَقتِ سببِه.
و أيضاً: فإنّ القادرَ لنفسِه أَوكَدُ حالاً(4) فيما يَتعلَّقُ (5) به مِن القادرِ بقُدرةٍ ، و لهذا قَدَرَ [على] أجناسٍ [لا] يَقدِرُ عليها(6)، و لَم يَتَناهَ مقدورُه مِن الجنسِ الواحدِ
ص: 106
و بالوَقتِ و المَحَلِّ [الواحدِ، فوجبَ كَونُه قادراً علىٰ جميع المقدوراتِ التي كان القادرُ بقُدرَةٍ ](1) قادراً عليها؛ لأنّ حالَه [إن] لَم يَزِدْ في ذلكَ ، لَم يَنقُصْ ؛ سَواءٌ رَجَعَ كَونُه قويّاً(2) قادراً إلىٰ جنسٍ أو ضَربٍ أو وَجهٍ . و هذا يَقتَضي كَونَه قادراً علىٰ ما لَو وَقَعَ لَكانَ قَبيحاً؛ لأنّ القادرَ بقُدرةٍ يَقدِرُ علىٰ ذلكَ .
و أيضاً: فلَيسَ يَخلو القَبيحُ (3) مِن أن يَكونَ جنساً مُخالِفاً للحَسَنِ ، أو يَكونَ الجنسُ واحداً، و يَرجِعُ القَبيحُ إلى ضُروبِ الجِنسِ .
و الأوّلُ : يَقتَضي كَونَه تَعالىٰ قادراً عليه؛ لأنّه مِن حَيثُ كان قادراً لنفسِه، يَجِبُ أن يَقدِرَ علىٰ جميعِ الأجناسِ .
و إن كانَ الثانيَ : فمِن شأنِ القادرِ علَى الجنسِ أن يَقدِرَ علىٰ كُلِّ ضُروبِه و الوجوهِ التي يَقَعُ عليها، و أن لا يَقَعَ في ذلكَ اختصاصٌ بَينَ القادِرينَ ، و إن كانَ في القُدَرِ علَى الأجناسِ اختصاصٌ .
و كُلُّ ذلك يُصَحِّحُ كَونَه تَعالىٰ قادراً علىٰ ما لَو وَقَعَ لَكانَ قَبيحاً.
و أقوىٰ ما تَعلَّقَ به النَّظّامُ و مَن وافَقَه في نَفيِ كَونِه تَعالىٰ قادراً علَى القَبيحِ :
قولُهم: إنّ (4) إثباتَه قادراً علىٰ ذلكَ ، يَقتَضي جَوازَ وُقوعِه مِنه، فإذا عُلِمَ أنّه تَعالىٰ
ص: 107
لا يَفعَلُه، كانَ ذلكَ دَلالةً علىٰ أنّه لَيسَ بقادرٍ عليه. كما أنّ الجَمعَ بين الضِّدَّينِ لمّا لَم يَكُن مقدوراً، لَم يَجُز وقوعُه.
و قولُهم أيضاً: لَو كانَ الظُّلمُ في مقدورِه، لكُنّا مَتىٰ قَدَّرنا وقوعَه، لا يَخلو مِن أحَدِ أمرَينِ :
إمّا أن يَكونَ دالاًّ علىٰ كَونِه جاهلاً أو مُحتاجاً، أو لا يَكونَ دالاًّ على ذلك.
فإن دَلَّ علىٰ ما ذَكَرناه، (176) وَجب كَونُه تَعالىٰ علىٰ إحدىٰ هاتَينِ الصفتَينِ ؛ ألا تَرىٰ أنّ أحَدَنا متىٰ وَصَفناه بالقُدرةِ علىٰ أن يَدُلَّ علىٰ أنّ زَيداً في الدارِ، وجبَ أن يَكونَ زَيدٌ في الدارِ؟
و إن كانَ لا يَدلُّ الظُّلمُ مِنه علىٰ ما ذَكَرناه، وجبَ أن لا يَدُلَّ وقوعُ الظُّلمِ الواقعِ مِن أحَدِنا علىٰ أنّه جاهلٌ أو مُحتاجٌ .
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَمتَنِعَ مِن الجَوابِ عن ذلكَ بأنّه يَدُلُّ أو لا يَدُلُّ ؛ لأنّه نفيٌ و إثباتٌ بلا واسطةٍ بَينَهما.
و لا له أن يَقولَ : إنّ النفيَ و الإثباتَ هنا(1) لَم يَتَقابَلا، و يَرجِعا إلىٰ أمرٍ واحدٍ.
لأنّ الظُّلمَ المُقدَّرَ وقوعُه لا يَخلو لَو وَقَعَ و نَظَرَ ناظرٌ فيه، مِن أن(2) يُفضي نَظَرُه إلَى العِلمِ بأنّ فاعلَه محتاجٌ أو جاهلٌ ، أو لا يُفضيَ إلىٰ ذلكَ . فبانَ [أنّ ] النفيَ و الإثباتَ هاهنا مُتَقابِلان و راجعانِ إلىٰ ذاتٍ واحدةٍ .
[1.] أنّا لا نقولُ : إنّ القَبيحَ مِنه تَعالىٰ جائزٌ، و إن كانَ قادراً عليه؛ لأنّ لفظةَ
ص: 108
«الجَوازِ» حقيقةٌ في الشَّكِّ و إن استُعمِلَت في غَيرِه. و إذا عَلِمنا بالدليلِ القاطعِ أنّه تَعالىٰ لا يَفعَلُ القَبيحَ ، لَم نُطلِقْ (1) مِن الألفاظِ ما يَقتَضِي الشكَّ في ذلكَ ؛ - فإنّما استُعمِلَت لفظةُ «الجَواز» [في] الصحّةِ التي معناها نفيُ الاستحالةِ - لأنّه كانَ يؤَدّي إلىٰ صحّةِ إطلاقِ القولِ بأنّ اللّٰهَ تَعالىٰ يَجوزُ أن يكونَ عالِماً، و أنّ النبيَّ صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم يَجوزُ أن يَكذِبَ . و لِما ذَكَرناه أخيراً يَفسُدُ أن يَكونَ معنَى «الجوازِ» معنَى القُدرَةِ .
فأمّا إطلاقُ القَولِ بأنّ القَبيحَ «صَحَّ منه»، فإنّا نُجِيبُ السائلَ عن ذلكَ بأنّك إن أرَدتَ بالصحّةِ القُدرةَ ، فهو يَصِحُّ منه. و إن أرَدتَ الجَوازَ، فإنّا نَمنَعُ منه؛ لما تَقدَّمَ .
[2.] و لَيسَ يَجِبُ إذا عَلِمنا بالدليلِ في بَعضِ الأفعالِ أنّه لا يَقَعُ ، و امتَنَعنا مِن جَوازِ وقوعِه وَ الشكِّ في ذلكَ مِن حالِه، أن نَقضِيَ بأنّه غَيرُ مقدورٍ؛ لأنّ (2) هذا
يَقتَضي أن يَكونَ غَيرَ قادرٍ علىٰ ما عَلِمَ أنّه لا يَفعَلُه، و لَوجبَ أن تَكونَ الملائكةُ و الأنبياءُ لا يَقدِرونَ علَى المَعاصي؛ مِن حَيثُ عُلِمَ أنّهم لا يَفعَلونَها، و أن يكونَ المُلجَأُ(3) إلَى الفِعلِ لا يَقدِرُ على خِلافِه.
[3.] علىٰ أنّ كَونَ بعضِ الفاعلينَ ممّن لا يَفعَلُ أبَداً القَبيحَ و لا يَختارُ إيجادَه، لَو أوجَبَ كَونَه غَيرَ قادرٍ عليه، لَوجبَ مَتىٰ عَلِمنا أنّ أحَدَنا لا يَختارُ القَبيحَ في وقتٍ واحدٍ أو(4) أوقاتٍ قصيرةٍ ، أن لا يَكونَ قادراً عليه؛ لأنّ (5) ما اقتَضىٰ خُروجَ القادرِ مِن
ص: 109
كَونِه قادراً لا يَختَلِفُ ؛ طالَ وَقتُه أو قَصُرَ، كسائرِ ما تَقدَّمَ ذِكرُه مِن وجودِ المقدورِ و تَقَضّي وقتِه. و علىٰ هذا، صَحَّ كَونُ القادرِ قادراً علَى الضِّدَّينِ ، و إن لَم يَصِحَّ أن يَفعَلَهما معاً.
[4.] فأمّا ما اعتَرَضوا به مِن الجَمعِ بَينَ الضدَّينِ ، فإنّا لَم نَنفِ كَونَ ذلك مَقدوراً مِن حَيثُ لَم نُجِز وقوعَه، [بل] مِن حيثُ عُلِمَت استحالتُه في نَفسِه.
إنّ العِباراتِ قد تَدخُلُها الصحّةُ و الفَسادُ، و ما عُلِمَ بالأدلّةِ لا يَجوزُ أن يَدخُلَه الفَسادُ، فيَجِبُ فيما دَلَّت عليه الدَّلالةُ أن نَتَجَنَّبَ مِن العِباراتِ ما يَقتضي فَسادَه.
فلَو قُلنا: «إنّ وُقوعَ الظُّلمِ مِنه تَعالىٰ يَدُلُّ علىٰ جَهلِه أو حاجتِه»، لَوجبَ أن يَكونَ على إحدىٰ هاتَينِ الصفتَينِ ، و إن لَم يَفعَلِ الظُّلمَ . و ما عَلِمناه مِن كَونِه عالماً غَنيّاً يَمنَعُ مِن ذلكَ .
و إن قُلنا: «إنّه لا يَدُلُّ » نَقَضَ هذا القَولَ دَلالةُ الظُّلمِ في الشاهدِ علىٰ جَهلِ فاعلِه أو حاجتِه.
و إن قُلنا فِراراً مِن ذلكَ : «إنّه غَيرُ قادرٍ (177) علَى الظُّلمِ » نَقَضَ ما عَلِمناه بالأدلّةِ مِن كَونِه قادراً على ذلكَ .
فاقتَصَرنا علَى القولِ ب «أنّ الظُّلمَ لَو وَقَعَ مِنه لَكانَ ظالِماً، و لَاستَحَقَّ الذَمَّ »؛ لأنّ ذلكَ كالمُوجَبِ عن الظُّلمِ ، و لا يُؤدّي إطلاقُه إلىٰ نَقضِ الأدِلّةِ .
و لا بُدَّ لِمَن سُئلَ (1) عن ذلكَ مِن التَّعويلِ علىٰ مِثلِ جَوابِنا.
ص: 110
[و سبيل هذا السؤال سبيل مَن(1)] إذا سُئلَ عن المَلَك إذا فَعَلَ ما يَقدِرُ عليه مِن المعصيةِ ؛ هل يَكونُ خبرُه تَعالىٰ عن أنّه لا يَفعَلُها، صِدقاً و دَلالةً ، أو لا يَكونُ؟
فإن قيلَ : إنّه دَلالةٌ علىٰ أنّه لا يَفعَلُ ، فقَد(2) فَعَلَ .
و إن قُلنا: إنّه لا(3) يَكونُ دَلالةً ، كان(4) أيضاً فاسداً.
و كذلك إذا سُئلَ عن القَديمِ تَعالىٰ : لَو عَلِمَ (5) خِلافَ ما عُلِمَ أنّه يَفعَلُه، لَكانَ
يَخرُجُ مِن كَونِه عالِماً، أو يَكونُ علىٰ ما كانَ عليه مِن العِلمِ؟
أو سَألَ (6) عنِ الرسولِ عليه السلام: لَو خَبَّرَ أنّ بعضَ الدُّورِ لا تَدخُلُها امرأةٌ ، فقالَ (7): و لَو دَخَلَتها امرأةٌ ؛ لَكانَ دُخولُها مُكَذِّباً لخبرِه و مُبطِلاً لعِلمِه، أو موجِباً لكَونِ المرأةِ رَجُلاً؟
و لِهذه المسائلُ [نَظائرُ] كثيرةٌ ، و لا بُدَّ فيها(8) مِن جوابِنا، و الامتناعِ عن الجَوابِ بما يَنقُضُ المعلومَ . و هذا هو جوابُ أبي عَليٍّ (9).
و ممّا يوضِحُه و يَكشِفُ عن معناه، أنّ الأمرَ المُقدَّرَ يَنقَسِمُ علىٰ وَجهَينِ :
فمِنه ما يَكونُ الإخبارُ عنه بالتقديرِ مُفيداً فيه، [و مِنه ما يَكونُ ] في غَيرِه، فما
ص: 111
أفادَ في نفسِه صَحَّ الجَوابُ عنه بالنفيِ أو الإثباتِ ، و ما يُفيدُ في غَيرِه يَجِبُ أن يَتأمَّلَ حالَه، و يُجيبَ بما يُطابِقُ حالَه، و يَمتَنِعَ ممّا لا يُطابِقُ .
فمثالُ الأوّلِ - و هو المُفيدُ في نفسِه - أن يُقالَ : أتُجيزونَ وَصفَ زَيدٍ بالقُدرةِ «علىٰ أن يَفعَلَ اعتقاداً لأنّ السَّماءَ تَحتَه»، أو لا تُجيزُونَ ذلك ؟
فمِن جَوابِنا جَوازُه؛ لأنّ الاعتقادَ لا يُفيدُ في الغَيرِ أنّ مُعتَقَدَه علىٰ ما هو به.
و لَو قالَ بَدَلاً مِن ذلكَ : أفتَصِفونَه بالقُدرَةِ «علىٰ أن يَفعَلَ عِلماً بأنّ السَّماءَ تَحتَه»؟ لَامتَنَعنا؛ مِن حَيثُ كانَ العِلمُ يُفيدُ في المعلومِ [أن] يَقتَضيَ تَعلُّقَه بالشيءِ علىٰ ما هو به.
فأمّا القِسمةُ بالنفيِ و الإثباتِ ، فإنّما(1) تَصِحُّ (2) في الأُمورِ المعلومةِ الثابتةِ .
[و] أمّا(3) ما لَيسَ بثابتٍ ممّا يُقدَّرُ، فقَد يُقدَّرُ علىٰ وَجهٍ يَجري فيه مَجرَى الثابتِ المعلومِ .
و رُبَّما قُدِّرَ علىٰ وَجهٍ لا يَلحَقُ بالمعلومِ في صحّةِ القِسمةِ بالنفيِ و الإثباتِ ؛ لأنّ ما يُقدِّرُه يَختَلِفُ حالُه بحَسَبِ ما يُلحَقُ به و يُضَمُّ إليه مِن الكلام:
فالتقديرُ المُجرَّدُ(4) [الذي] يَجري مَجرَى الثابتِ المعلومِ ؛ كقَولِنا للكُلّابيِّ : لَو كانَ للّٰهِ تَعالىٰ عِلمٌ ، لَوجبَ أن يَكونَ موجوداً أو معدوماً، و إن كان موجوداً وجبَ أن يَكونَ قَديماً أو مُحدَثاً.
و إنّما لَحِقَ هذا المُقدَّرُ بالثابتِ ؛ مِن حَيثُ تَجرَّدَ عن أمرٍ تَغيَّرَ عن حالِه.
ص: 112
فأمّا إذا لَم يَتجرَّدِ التقديرُ، لَم يَمتَنِعْ أن يَكونَ النفيُ أو الإثباتُ فيه مُتعذِّراً؛ لِما ضَمَمناه إليه في الكلامِ ؛ ألَاتَرىٰ أنّا نَقولُ في الجَوهرِ الموجودِ: إنّه في كُلِّ حالٍ لا
يَخلو مِن: جَوازِ كَونِه في جهةٍ بَدَلاً مِن غَيرِها، أو أن يَكونَ ذلكَ غَيرَ جائزٍ عليه، فنوجِبُ إمّا النفيَ أو الإثباتَ ؛ لتقابُلِهما؟ و كذلكَ لَو قَدَّرنا في الجَوهرِ المعدومِ الوجودَ، لَكانَت هذه القِسمةُ صحيحةً فيه؛ لأنّا قَدَّرنا تقديراً مُجرَّداً خالياً ممّا يَمنَعُ مِن دُخولِ النفيِ و الإثباتِ .
فلَو قيلَ لنا: فلَو كانَ الجَوهرُ الموجودُ قَديماً، لَكانَت القِسمةُ التي ذَكَرتُموها تَصِحُّ فيه، لَامتَنَعنا؛ مِن حَيثُ إنّا مَتىٰ قُلنا: يَجوزُ كَونُه في كُلِّ حالٍ في جهةٍ بَدَلاً مِن الأُخرىٰ ، نَقَضَ ذلكَ كَونَه قديماً؛ لأنّ القَديمَ لا يجوزُ أن يَتردَّدَ فيما لَم يَزَلْ بَينَ صفتَينِ ضِدَّينِ ، و إن قُلنا: (178) لا يجوزُ، نَقَضَ ما عَلِمناه مِن أنّ التحيُّزَ يُصَحِّحُ كَونَ الجوهرِ في الجهةِ بَدَلاً مِنَ الأُخرى. و إنّما فارَقَ هذا التقديرُ لِما تَقدَّمَ ؛ مِن حيثُ تَجرَّدَ الأوّلُ ، و انضَمَّ إلى الثاني ما يَمنَعُ مِن الجوابِ فيه بالنفيِ و الإثباتِ . و علىٰ هذا يَصِحُّ ما قَدَّمناه مِن الامتناعِ مِن الجَوابِ في دَلالةِ الظُّلمِ ؛ لأنّه تقديرٌ بُنِيَ علىٰ ما لا يُمكِنُ معه النفيُ و لا الإثباتُ ، علىٰ ما تَقدَّمَ كشفُه.(1)
و قَد كانَ أبو هاشمٍ يَختَصُّ بجَوابٍ آخَرَ عن هذا السؤالِ ، فيَقولُ : لا يَجوزُ القولُ بأنّ الظُّلمَ لَو وَقَعَ مِنه تَعالىٰ لَدَلَّ علىٰ جَهلِه و حاجَتِه؛ لأنّ ذلكَ تعليقٌ للمُحالِ - الذي هو الجَهلُ و الحاجةُ - بالجائزِ(2) و هو وقوعُ الظُّلمِ . و لا يَجوزُ القولُ
ص: 113
بأنّه كانَ لا يَدُلُّ ؛ لأنّه تَعليقٌ للمُحالِ - و هو رَفعُ دَلالةِ الظُّلمِ متىٰ كان الأوّلُ مُستَحيلاً - بالجائزِ و(1) هو وُقوعُ الظُّلمِ .
و مِن شأنِ ما تَعلَّقَ بغَيرِه إذا كانَ القَصدُ به الإخبارَ لا الاعتبارَ و النفيَ ، أن يَكونَ له ثانٍ مَتىٰ كانَ الأوّلُ ، و إذا كانَ الثاني مُستَحيلاً كَونُه على كُلِّ حالٍ - وَقَعَ الأوّلُ أم لَم يَقَعْ - لَم يَجُز تعليقُه به علىٰ جهة الإخبارِ؛ لأنّ فائدةَ التضَمُّنِ و التعليقِ تَبطُلُ (2)، و لهذا لا يَصِحُّ قولُ القائلِ : «لَو دَخَلَ زيدٌ الدارَ لَصارَ السوادُ بياضاً». و تَعليقُ الشيءِ بغَيرِه علىٰ جهةِ الإخبارِ يُخالِفُ ذلكَ ؛ لأنّه يَصِحُّ القولُ للمُجبِرةِ بأنّ القَديمَ تَعالىٰ لَو فَعَلَ القَبيحَ لَكانَ جاهلاً أو مُحتاجاً؛ لأنّ الغَرَضَ بذلكَ نَفيُ فِعلِ القَبيحِ عنه كما انتَفَتِ الحاجةُ و الجَهلُ ، فقَد(3) تَعلَّقَ علىٰ هذا الوجهِ الفِعلُ (4) المُحالُ بالمُحالِ (5).
فنَقولُ : لَو جازَ وجودُ ما لا يَتَناهىٰ في الماضي لَجازَ في المُستَقبَلِ ، و أن يَبتدئَ
أحَدُنا فيَفعَلَ فِعلاً بَعدَ أن يَفعَلَ ما لا يَتَناهىٰ . و الغَرَضُ بذلك نَفيُ الأمرَينِ .
و كذلكَ يجوزُ على جهةِ النفيِ و التبعيدِ تضمينُ الجائزِ بالمُحالِ ، كقولِه تَعالىٰ :
«وَ لاٰ يَدْخُلُونَ اَلْجَنَّةَ حَتّٰى يَلِجَ اَلْجَمَلُ فِي سَمِّ اَلْخِيٰاطِ»(6). في الأصل: «لغيره».(7) و كُلُّ ذلك مُفارِقٌ تعليقَ الشيءِ بغَيرِه(7) على جِهةِ الإخبارِ.
ص: 114
[الجواب الثالث: نفي دلالة وقوع الظلم منه تعالىٰ على الجهل و الحاجة](1)
و ممّا يُجابُ به عن السؤالِ أن نقولَ : لَو وَقَعَ الظُّلمُ مِنه تَعالىٰ ، لَما كانَ يَدُلُّ على جَهلٍ و لا حاجةٍ فيه تَعالىٰ ؛ لأنّ الظُّلمَ إنّما يَدُلُّ علىٰ أحَدِ الأمرَينِ مَتى عَلِمنا أنّ الغَنِيَّ العالِمَ لا يَختارُه، فإذا قَدَّرنا وقوعَه مِن عالِمٍ غَنِيٍّ ، فقَد أخرَجناه مِن كَونِه دالاًّ.
و جَرىٰ هذا القولُ مَجرىٰ مَن قالَ لنا: «لَو ظَهَرَتِ المُعجِزاتُ علىٰ يَدِ الكَذّابِينَ ؛ أ كانَت تَكونُ دَلالةً علىٰ صِدقِ مَن ظَهَرَت عليه»؟
فالجَوابُ : أنّها حينئذٍ لا تَدُلُّ علَى الصِّدقِ ؛ لأنّها(2) إنّما تَدُلُّ علىٰ ذلك مَتىٰ عَلِمنا مِن حالِها أنّها لا تَظهَرُ علَى الكَذّابِ ، فإذا قَدَّرنا ما يُخالِفُ ذلكَ ، فلا بُدَّ مِن الجَوابِ بأنّها لا تَدُلُّ ؛ لأنّ الجَوابَ إنّما يَكونُ بحَسَبِ السؤالِ .
فكذلكَ إنّما نَقولُ في المُحكَمِ مِن الأفعالِ : «إنّه دَلالةٌ علىٰ أنّ فاعِلَه عالِمٌ » مَتىٰ عَلِمنا أنّه لا يَظهَرُ مِن [غَيرِ](3) العالِمِ ، فلَو قالَ لَنا قائِلٌ : فلَو ظَهَرَ المُحكَمُ ممّن لَيسَ بعالِمٍ ، لَكانَ يَكونُ دَلالةً علىٰ عِلمِ فاعلِه ؟ لَكانَ الجَوابُ أنّه لا يَكونُ دَلالةً بهذا التقديرِ.
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَقولَ : فيَجِبُ علىٰ هذا أن تنتَقِضَ (4) دَلالةُ الظُّلمِ علَى الجَهلِ و الحاجةِ !
ص: 115
لأنّ ذلكَ لا يَلزَمُ ؛ مِن حَيثُ أجَبنا بأنّه «لا يَدُلُّ » بتقديرٍ لَيسَ يَقتَضي إخراجَه عن كَونِه دَلالةً .
و إذا سُئلنا عنه سؤالاً مُطلَقاً غَيرَ مُقدَّرٍ بما يَنقُضُ دَلالتَه، قُلنا: إنّه دالٌّ ، كما أنّ مَن سُئلَ عن المُعجِزِ: هَل يَدُلُّ علىٰ صِدقِ مَن اختَصَّ به ؟ فلا بُدَّ مِن الجَوابِ بأنّه دالٌّ .
و إن كانَ إذا سُئل عن هذا الوَجهِ المُتَقدّمِ ، فقيلَ : فلَو ظَهَرَ علىٰ الكَذّابِ؟ لَكانَ (179) قد أجابَ (1) بأنّه لا يَدُلُّ ، و لَم يَنقُضْ ذلكَ دَلالةَ المُعجِزِ علَى الصِّدقِ . و هذا جَوابٌ أيضاً واضحٌ .
و إذا كُنّا قد ادَّعَينا في هذا الفَصلِ أنّه تَعالى قادرٌ علىٰ جَميعِ أجناسِ المَقدوراتِ ، فلا بُدَّ مِن الدَّلالةِ على ذلك.
***
لنا في هذا البابِ طَريقانِ :
أحدُهما: أن نُبدي(2) دَلالةً علىٰ أنّه تَعالىٰ قادِرٌ علىٰ كُلِّ الأجناسِ في الجُملةِ .
و الطريقُ الآخَرُ: أن نُبيِّنَ علىٰ سَبيلِ التفصيلِ و التعيينِ ، أنّه تَعالىٰ قادرٌ علىٰ كُلِّ جنسٍ منها.
ص: 116
و الذي يُبيِّنُ الطريقةَ الأُولىٰ : أنّه قادِرٌ، و ما اقتَضىٰ تخصيصَ القادرِ ببَعضِ المقدوراتِ دونَ بعضٍ غَيرُ ثابتٍ فيه؛ لأنّ الذي يَقتَضي تَخصيصَ الأجناسِ هو القُدرةُ ، كما أنّ الذي يَقتَضي اختصاصَها في التعَلُّقِ بجُزءٍ واحدٍ و الوقتُ (1) و المَحَلُّ و الجنسُ واحدٌ، هو كونُها قُدرةً ، و إلّافالقادرُ مِن حَيثُ كان قادراً لا يَقتَضي الاختصاصَ بجنسٍ دونَ جنسٍ ، كما لا يَقتَضي الاختصاصَ بقُدَرٍ دونَ قُدَرٍ، و لهذا قَدَرَ القادِرُ مِنّا في الوقتِ و المَحَلِّ الواحدِ مِن الجنسِ الواحدِ علَى الأجزاءِ الكثيرةِ بحَسَبِ عَدَدِ قُدَرِه، و فارَقَ في ذلك القُدرةَ التي تَختَصُّ - علَى الشُّروطِ التي ذَكَرناها - بالجُزءِ الواحدِ.
و إذا ثَبَتَ أنّه لا مُقتَضيَ لذلكَ في الأقدارِ و الأعدادِ، وجبَ أن يَقدِرَ علىٰ كُلِّ جنسٍ ، كما وجبَ كَونُه قادراً علىٰ ما لا نِهايةَ له مِن الأعدادِ.
و الذي يُبيِّنُ صحّةَ هذه الطريقةِ : أنّ حالَ القادرِ لِنفسِه أقوىٰ مِن حالِ القادرِ بقُدرةٍ ، و لهذا قَدَرَ على ما لا يَتَنَاهىٰ مِن الجِنسِ الواحدِ و الوَقتُ (2) و المَحَلُّ واحدٌ، و قَدَرَ علىٰ أجناسٍ لا يَقدِرُ عليها القادِرُ منّا، و إذا كانَت له المَزيّةُ علينا، وجبَ أن يَكونَ قادراً علىٰ أجناسِ مقدوراتِنا.
يوضِحُ ذلكَ : أنّ القُدَرَ كُلَّها مُشتَرِكةٌ في التعَلُّقِ بأجناسٍ مخصوصةٍ ، و لا يَصِحُّ اختلافُ حالِها في ذلكَ ، و قد ثَبَتَ أنّه تَعالىٰ قادرٌ علىٰ بعضِ الأجناسِ التي تَتعلَّقُ (3)بها القُدَرُ، فيَجِبُ أن يَكونَ قادراً على سائرِ الأجناسِ التي تَتعلَّقُ بها القُدَرُ؛
ص: 117
لأنّ حالَه تَعالىٰ إن لَم تَزِد علىٰ حالِها لم تَنقُصْ .
و أمّا الطريقةُ الثانيةُ : فالذي يُبيِّنُها أنّا قد عَلِمنا أنّ أجناسَ المقدوراتِ علىٰ ضَربَينِ :
أحدُهما: يَختَصُّ هو تَعالىٰ بالقُدرةِ عليه، و لا يَدخُلُ تَحتَ قُدَرِ العِبادِ. و هذا ممّا لا شُبهةَ فيه؛ لأنّه لَو لَم يَكُن مقدوراً له تَعالىٰ و العِبادُ لا يَقدِرونَ عليه، لَخَرَجَ مِن أن يَكونَ مقدوراً في نفسِه.
و الضربُ الآخَرُ: هو ما يَقدِرُ العِبادُ على جنسِه. و فيه الشُّبهةُ ، و نَحنُ نُبيِّنُ أنّه تَعالىٰ قادرٌ عليه جنساً.
أمّا الأكوانُ (1): فلا بُدَّ مِن كَونِه تَعالىٰ قادراً عليها؛ لِقُدرَتِه علَى الجَواهرِ المُضَمَّنةِ وجودَها.
[و لَيسَ لأحَدٍ أن يَقولَ :(2) ألا(3)] يَصِحُّ أن يوجِدَ الجَوهرَ(4) و يَفعَلَ بَعضُ القادرينَ مِنّا الكَونَ فيه ؟
و ذلكَ أنّ كلامَنا في أوّلِ جِسمٍ يَخلُقُه اللّٰهُ تَعالىٰ ، و هذا السؤالُ لا يَتأتّى فيه.
علىٰ أنّ القادرَ بقُدرةٍ لا يَصِحُّ أن يَفعَلَ الكَونَ في غَيرِه إلّامُتَولِّداً عن
ص: 118
الاعتمادِ(1)، و الاعتمادُ إنّما يُولِّدُ الكَونَ في غَيرِ مَحَلِّه، بشَرطِ تَقدُّمِ مُماسّةِ مَحَلِّه لِمَحَلِّ الكَونِ ؛ بدَلالةِ أنّ المُماسّةَ لا بُدَّ منها حَتّىٰ يَتولَّدَ الكَونُ عن الاعتمادِ؛ فإمّا أن تَكونَ (2) شرطاً في وجودِ الكَونِ ، أو توليدِ الاعتمادِ. و لَو كانَت شرطاً في وجودِ الكَونِ لَما صَحَّ وجودُه في الجُزءِ المُنفَرِدِ، (180) فيَجِبُ أن تَكونَ شرطاً في كَونِ الاعتمادِ مُوَلِّداً، و قد عَلِمنا أنّ الاعتمادَ يَجوزُ عدمُه في الثاني مع حُصولِ مُسَبَّبِه.
فبَطَلَ أن تكونَ (3) مُماسّةُ مَحَلِّ الاعتمادِ لغَيرِه في حالِ التوليدِ هي الشَّرطَ، و ثَبَتَ أنّ المُماسّةَ يَجِبُ حُصولُها في الابتداءِ بَينَ مَحَلِّ الاعتمادِ و مَحَلِّ الكَونِ ، و هذا يَقتَضي مُماسّةَ الجَوهرِ الموجودِ للجَوهرِ المَعدومِ .
علىٰ أنّ مَن جَعَلَ الشيءَ علىٰ صفةٍ تَجِبُ عن عِلَّةٍ ، فلا بُدَّ مِن كَونِه فاعلاً لتلكَ العِلّةِ ؛ لأنّ معلولَ العِلّةِ لا يَنفَصِلُ منها. فمَن أَوجَدَ الجَوهرَ في جهةٍ ، لا بُدَّ مِن أن يَكونَ هو الفاعِلَ لِما به يَكونُ في تلكَ الجهةِ ، و هذا واضحٌ .
و إذا ثَبَتَ أنّه تَعالىٰ قادرٌ علَى الكَونِ ، و كانَتِ (4) الأكوانُ مُتَضادّةً و مُتَماثِلةً ، و قد صَحَّ أنّ القادرَ علَى الشيءِ قادرٌ علىٰ مِثلِه و ضِدِّه في الجنسِ ، فيَجِبُ أن يَكونَ تَعالىٰ قادراً علىٰ جَميعِ أجناسِ الأكوانِ .
ص: 119
فأمّا التأليفُ : فيَجِبُ كونُه تعالى(1) قادراً علىٰ جنسِه؛ مِن وَجهَينِ :
أحدُهما: أنّ أوّلَ حَيٍّ خَلَقَه اللّٰهُ تَعالىٰ ، لا بُدَّ أن يَكونَ تأليفُه مِن فِعلِه؛ لأنّه لا قادرَ سِواه.
و الوَجهُ الثاني: أنّه إذا قَدَرَ علَى الكَونِ و الكَونُ يُوَلِّدُ التأليفَ ، و مِن شأنِ القادرِ علَى السَّبَبِ أن يَكونَ قادراً علَى المُسَبَّبِ ، فيَجِبُ أن يَكونَ قادراً علَى التأليفِ مِن حَيثُ قَدَرَ علىٰ سببِه.
و بهذا يُعلَمُ أنّه تَعالىٰ قادِرٌ علَى الألَمِ و اللَّذّةِ ؛ لأنّ الكَونَ يُوَلِّدُهما.
و أمّا الاعتماداتُ : فيَجِبُ أن يَكونَ تَعالىٰ قادراً عليها؛ لأنّها تُوَلِّدُ الأكوانَ ، و مِن حَقِّ القادرِ علَى الشيءِ علىٰ جهةِ الابتداءِ أن يَقدِرَ عليه علىٰ جهةِ التوليدِ. و كما أنّ مَن قَدَرَ علَى السببِ [يَجِبُ ] أن يَقدِرَ علَى المُسَبَّبِ ، فكذلك(2) يَجِبُ فيمن قَدَرَ علَى المُسَبَّبِ أن يَقدِرَ علَى السبَبِ .
و أيضاً: فإنّ الرُّطوبةَ مُضمَّنٌ وجودُها بوجودِ الاعتمادِ اللازمِ سِفلاً، فلا يَخلو أوّلُ حَيٍّ يَخلُقُه اللّٰهُ تَعالىٰ مِن ذلكَ ، فيَجِبُ أن يَكونَ هذا الاعتمادُ مقدوراً له.
و القادرُ علَى الاعتماد(3) يَجِبُ أن يَكونَ قادراً علَى الأصواتِ و الحُروفِ ؛ لأنّها تَتولَّدُ(4)عنه إذا كان علىٰ وَجهِ المصاكّةِ (5) و إذا قَدَرَ علَى الحُروفِ ، فهو قادرٌ علَى الكَلامِ ؛ لأنّ ذلكَ لَيسَ بأكثَرَ ممّا له نِظامٌ مخصوصٌ مِن الحُروفِ . و يَجِبُ أن يَكونَ قادراً
ص: 120
علىٰ جنسِ الكلامِ و نَوعِه؛ سَواءٌ قيلَ : إنّه مُتَضادٌّ(1)، أو لَم يُقَلْ ذلكَ فيه.
فأمّا الاعتقاداتُ و العُلومُ : فيَجِبُ كَونُه تَعالىٰ قادراً عليها؛ لأنّه المُختَصُّ بخَلقِ كمالِ العَقلِ ، و سائرِ العُلومِ الضروريّةِ فينا، و لأنّ مَعارِفَ أهلِ الآخرةِ - علىٰ ما سَنَدُلُّ عليه بمَشيّةِ اللّٰهِ (2) - لا تَكونُ إلّاضَروريّةً مِن فِعلِه تَعالىٰ .
و إذا ثَبَتَ كَونُه قادراً علىٰ هذه العُلومِ ، وجبَ أن يَكونَ قادراً علىٰ جنسِ الاعتقادِ؛ لأنّ كُلَّ مَن قَدَرَ علىٰ إيجادِ الشيءِ علىٰ وجهٍ زائدٍ علَى الوجودِ، كانَ قادراً على مُجَرَّدِ إيجادِه.
و يَجِبُ أن يكونَ قادراً علَى الجهلِ ؛ لأنّ القادرَ علَى الشيءِ قادرٌ علىٰ ضِدِّه.
و العُلومُ و إن كانَت أجناساً مُختَلِفةً ؛ مِن حَيثُ كانَ الاعتبارُ في تَماثُلِها التعَلُّقَ المخصوصَ ، فالكُلُّ نَوعٌ واحدٌ؛ لاشتراكِه في قَضيّةٍ واحدةٍ ، و مِن حَقِّ القادرِ علَى الشيءِ أن يَكونَ قادراً علىٰ نَوعِه، كما يَجِبُ ذلكَ في الجِنسِ و الضِّدِّ.
و إن كانَ السهوُ معنىً ، فيَجِبُ أن يَكونَ - جَلَّ و عَزَّ - قادراً عليه؛ لأمرَينِ :
أحَدُهما: أنّ العِبادَ لا يَجوزُ أن يَقدِروا عليه.
و الآخَرُ: لأنّه قادرٌ (181) على العِلمِ الذي هو ضِدُّه.
فأمّا الظنُّ : إن كانَ مِن جنسِ الاعتقادِ - كما ذَهَبَ إليه أبو هاشمٍ - فيَجِبُ أن يَكونَ مقدوراً له؛ مِن حَيثُ كانَ قادراً علَى الاعتقاداتِ .
و إن كانَ جنساً يُخالِفُ الاعتقادَ، وجبَ أن يَكونَ تَعالىٰ قادراً عليه؛ لأنّه علىٰ هذا المَذهَبِ ضِدُّ العِلمِ ، و القادرُ على الشيءِ قادِرٌ على ضِدِّه.
ص: 121
فأمّا النَّظَرُ: فيَجِبُ أن يَكونَ تَعالىٰ قادراً عليه؛ مِن حَيثُ كانَ قادراً علىٰ أن يُحدِثَ فينا العلومَ ، و في العُلومِ ما يَصِحُّ أن يَتولَّدَ عن النظَرِ، و مَن قَدَرَ علىٰ إيجادِ الشيءِ مُبتَدَأً، صَحَّ أن يوجِدَه مُتولِّداً، إذا كانَ ممّا يَصِحُّ أن يَقَعَ كذلكَ .
فأمّا الإرادة: فيَجِبُ أن تَكونَ مقدورةً له؛ لأنّ ما يَفعَلُه العالِمُ لا بُدَّ مِن أن يُريدَه، إذا لَم تَكُن إرادةٌ (1)، و لأنّ التكليفَ لا يَتِمُّ إلّابالإرادةِ ، و لأنّ الثوابَ لا يَكونُ كذلكَ إلّا بأن يَقصِدَ به وَجه التعظيمِ .
و إذا ثَبَتَ أنّه قادرٌ على الإرادةِ ، وجبَ أن يَكونَ قادراً علىٰ سائرِ أجناسِها؛ لأنّ مَن قَدَرَ علَى الشيءِ قَدَرَ علىٰ نَوعِه، علىٰ ما تَقدَّمَ .
و يَجِبُ أن يَكونَ قادراً علَى الكَراهةِ ؛ لأنّها ضِدُّها.
و أمّا التمَنّي: فإن كانَ قولاً، فيَجِبُ أن يَكونَ قادراً عليه؛ لأنّه قادرٌ على الكلامِ . و إن كان معنىً مخصوصاً في القَلبِ ، فالطريقُ إلىٰ كَونِه قادراً عليه السمعُ .
و النَّدَمُ : أصَحُّ المَذاهِبِ أنّه جنسٌ برأسِه سِوَى الاعتقادِ، و الطريقُ إلى كونِه مَقدوراً له تَعالىٰ هو السمعُ ، مَتى سَلَكنا هذه الطريقةَ دونَ التي تَقدَّمَت.
و ليس بمُنكَرٍ أن يُستَدَلَّ بالسّمعِ علىٰ ذلكَ ؛ لأنّه يُمكِنُ معرفةُ السمعِ مع الشكِّ في أنّ النَّدَمَ مقدورٌ له، و كذلكَ التمَنّي، إن كانَ جنساً غَيرَ القولِ (2).
***
ص: 122
[3] (184) فَصلٌ (1)[في الدَّلالةِ على أنّه لا يَختارُ فِعلَ القَبيحِ ]
الذي يَدُلُّ علىٰ ذلكَ : أنّه تَعالىٰ عالِمٌ بقُبحِ القَبيحِ ، و بأنّه غَنيٌّ عنه؛ لأنّه عالِمٌ بنفسِه - عَلى ما تَقدَّمَ (2) - فلا بُدَّ مِن كَونِه عالِماً بجميعِ المعلوماتِ ، و مِن جُملتِها فِعلُ القَبيحِ و أنّه تَعالىٰ غَنيٌّ عنه، و مَن كانَت هذه حالُه لا يَجوزُ أن يَختارَ القَبيحَ ؛ لأنّ عِلمَه بما ذَكَرناه صارِفٌ له عن فِعلِه.
يَدُلُّ على ذلك: أنّ أحَدَنا مَتَى استَغنىٰ عنِ الكَذِبِ ؛ بأن عَلِمَ أنّ ما يَصِلُ به إليه [يَصِلُ إليه](3) بعَينِه بالصِّدقِ ، و كانَ عالِماً بقُبحِ الكَذِبِ ، و بأنّه غَنِيٌّ عنه، لا يَجوزُ أن يَختارَهُ علَى الصِّدقِ .
فإن قيلَ : دُلّوا علىٰ أنّ أحَدَنا يَصِحُّ أن يَستَغنِيَ بالصِّدقِ عن الكَذِبِ ، مع أنّه لا يَنفَكُّ مِن الحاجةِ .
قلنا: قد يَستغني أحَدُنا عن الشيءِ علىٰ وَجهَينِ :
أحَدُهما: بأن يَكونَ ممّا لا يَنتَفِعُ به و لا يَدفَعُ به ضرراً.
ص: 123
و الوَجهُ الآخَرُ: أن يَكونَ له فيه نفعٌ يُمكِنُه الوُصولُ إليه بعَينِه بغَيرِه، و لهذا يَصِحُّ القولُ بأنّه يَستَغني بإحدىٰ يَدَيه في حَملِ الجسمِ الخَفيفِ عن الأُخرىٰ ، و
بإحدى عَينَيه في النظَرِ إلَى الجسمِ العَظيمِ عن الأُخرىٰ .
و هذا ثابتٌ فيما قَدَّرناه مِن الكَذِبِ و الصِّدقِ إذا تَساوَيا فيما يوصِلانِ إليه مِن النفعِ .
علىٰ أنّ هذا آكَدُ فيما نَحتاجُ إليه؛ لأنّ أحَدَنا إذا كانَ - مع أنّ الغِنىٰ لَم يَثبُتْ له بإطلاقٍ ، [و] مع أنّه لا يَنفَكُّ مِن الحاجةِ - لا يَجوزُ أن يَختارَ الكَذِبَ علَى الصِّدقِ ، و هذه حالُه(1)، فمَن يَكونُ مُستَغنياً علَى(2) الحَقيقةِ ، و لا تَجوزُ(3) الحاجةُ عليه، أَولىٰ بذلكَ .
فإن قيلَ : دُلّوا على أنّ مَن كانَت حالُه ما ذَكَرتُم لا يَختارُ القَبيحَ .
قلنا: العِلمُ بذلكَ ضَروريٌّ لا يَشتَبِهُ علىٰ عاقلٍ . و لا فرقَ بَينَ مَن جَوَّزَ أن يَختارَ العاقلُ الظُّلمَ و الكَذِبَ ، و هو مُستَغنٍ (4) عنهما بالصِّدقِ و العَدلِ ، و عالِمٌ بقُبحِهما، و أنّه غَنيٌّ عنهما، و بَينَ مَن جَوَّزَ أن يَختارَ ما فيه ضررٌ مِن الأفعالِ علىٰ ما لا ضررَ فيه، و أن يُقدِمَ علىٰ قَتلِ نَفسِه و الإضرارِ بها، مِن غَيرِ تصوُّرِ شيءٍ مِن المَنافعِ .
فإن قيلَ : فما الدليلُ علىٰ أنّ العِلّةَ في أنّه لا يَختارُ الكَذِبَ ما ذَكَرتم ؟
قُلنا: لأنّه مَتىٰ جَهِلَ قُبحَ الكَذِبِ جازَ أن يَختارَه، و كذلكَ لَو اعتَقَدَ(5) أنّ له فيه
ص: 124
نَفعاً زائداً جازَ أن يؤثِرَه علَى الصِّدقِ . و متىٰ عَلِمَ قُبحَه و غِناه عنه، لَم يَجُز أن يَختارَه. و إذا كانَتِ الحالُ هذه، لَم يُمكِنْ تَعلُّقُ أنّه لا يَختارُه بوَجهٍ آخَرَ هناكَ .
فيَجِبُ أن تَكونَ العِلّةُ ما ذَكَرناه؛ لأنّ الطريقَ إلىٰ معرفةِ العِلَلِ ثابتٌ في هذا المَوضِعِ .
و اعلَم أنّ المُعتَبرَ في بابِ الدواعي، بما عليه الفاعِلُ دونَ ما الفِعلُ عليه في نفسِه، و لهذا اعتَبَرنا فيما يَصرِفُ عن الكَذِبِ عِلمَه بقُبحِه، و بأنّه غَنيٌّ عنه، و لَم نَقتَصِرْ علىٰ كَونِه مُستَغنياً.
و الذي يُبيِّنُ ما ذَكَرناه: أنّه لَو كانَ مُستَغنياً علَى الحَقيقةِ ، و اعتَقَدَ حاجتَه إليه، جازَ أن يَختارَه. كما أنّه إذا كانَ قَبيحاً على الحَقيقةِ ، و اعتَقَدَ حُسنَه، جازَ أن يَختارَه. و كما شُرِطَ في بابِ القُبحِ عِلمُه بقُبحِه(1) كذلك يَجِبُ أن يُشتَرَطَ في بابِ (185) الغِنىٰ .
فإن قيل: ما أنكَرتُم أن يَكونَ مَن ذَكَرتُم حالَه مُلجَأً إلىٰ فِعلِ الصِّدقِ ، أو إلىٰ أن لا يَختارَ الكَذِبَ؟
قُلنا: الإلجاءُ إذا لَم يَكُن مِن بابِ النفعِ و تَعلُّقٍ بالدواعي، فهو موقوفٌ علَى
المَنافعِ و المَضارِّ، و بُلوغِها(2) أيضاً قَدراً مخصوصاً. و الحُسنُ لا تأثيرَ له في الإلجاءِ ؛ لأنّه قد يَثبُتُ و لا إلجاءَ .
ص: 125
و إذا صَحَّ ذلكَ ، [و] وَجَدنا(1) ما(2) في الكَذِبِ و الصِّدقِ مِن النفعِ يَتَساوَيانِ - علىٰ ما فَرَضناه -؛ فلَو كانَ مُلجَأً إلَى الصِّدقِ لَكانَ الكَذِبُ بمَنزلتِه؛ لِتَساويهِما في الداعي، و لَو كانَ مُلجَأً إلىٰ أن يَختارَ(3) الكَذِبَ لَكانَ الصِّدقُ بمَنزلتِه.
علىٰ أنّ مَن آثَرَ العَدلَ علَى الظُّلمِ ، و الصِّدقَ علَى الكَذِبِ مِنّا، يَستَحِقُّ المَدحَ علىٰ ذلكَ ، و لَو كانَ مُلجَأً لَم يَستَحِقَّ مَدحاً.
فإن قيلَ : ما أَنكَرتم أنّ مَن ذَكَرتم حالَه، إنّما لا يؤثِرُ الكَذِبَ علَى الصِّدقِ ؛ لأنّه يَعلَمُ أنّ العقلاءَ يَذُمّونَه علَى الكَذِبِ ، و تَسقُطُ(4) به مَنزلتُه بَينَهم، فلا يؤثِرُ ما فيه مَضَرَّتُه، أو لَاستَحَقَّ الذَّمَّ عليه، و هذا يَمنَعُ مِن تَساويهِما عندَه؛ لأنّهما لا يَتَساوَيانِ ؛ لِما ذَكَرناه ؟
قُلنا: إنّما بَنَينا كلامَنا علىٰ أنّهما إذا تَساوَيا فيما تُفعَلُ (5) له الأفعالُ مِن المَنافِعِ و دَفعِ المَضارِّ، و لَم يَكُن في أحَدِهما مِن ذلكَ إلّاما في الآخَرِ، لَم يَختَرِ الكَذِبَ .
فإن كانَ ممّن يَستَضِرُّ بِذَمِّ العقلاءِ ، أمكَنَ أن يَتَساويا عندَه مِن وَجهَينِ :
إمّا أن يَكونَ في القَبيحِ نفعٌ زائدٌ علىٰ ما في الصِّدقِ ، يَعدِلُ ما فيه مِن المَضَرّةِ ، أو(6) أن يَكونَ في الحَسَنِ قَصدُ مَشَقّةٍ بإزاءِ ما في القَبيحِ مِن المَضَرّةِ .
ص: 126
و لَيسَ لأحدٍ أن يَقولَ : إنّ الحالَ إذا كانَت هذه، جازَ أن يَختارَ الكَذِبَ ؛ لأنّا نَعلَمُ ضَرورةً أنّ مع التساوي لا يَجوزُ أن يَختارَ القَبيحَ ، و إنّما قَدَّرنا ما يُدخِلُهما(1) في التساوي، و لا يوجِبُ زيادةَ أحَدِهما علىٰ صاحبِه في النفعِ .
علىٰ أنّ مَن لا يَخطُرُ ببالِه ذَمُّ العقلاءِ ، و لا يَكونُ ممّن يَستَضِرُّ بذلكَ ، أو تَسقُطُ به مَنزلتُه، فإنّ هذا ممّا يُمكِنُ تَقديرُه بعِلمٍ أنّه لا يَفعَلُ القَبيحَ . فبَطَلَ أن تَكونَ العِلّةُ ما ذَكَروه.
و كَيفَ يَكونُ اعتِقادُه بأنّ (2) العقلاءَ يَذُمّونَه صارفاً، و هو لَو اعتَقَدَ حُسنَ الكَذِبِ جازَ أن يَختارَهُ علَى الصِّدقِ ، مع اعتقادِه أنّ العقلاءَ يَذُمّونَه ؟
فأمّا التعليلُ بأنّه امتَنَعَ مِن الكَذِبِ لاستحقاقِ الذَّمِّ ، فهو الذي أرَدناه؛ لأنّ ذلكَ هو حُكمُ القبيحِ (3)، و لا فَرقَ بَينَ أن يُعَلَّلَ امتناعُه بالقُبحِ ، أو بُحكمِ (4) القُبحِ الذي هو استحقاقُ الذَّمِّ . و هذا لا يَمنَعُ مِن حَملِ الغائبِ علَى الشاهدِ.
فإن قيلَ : ألا عَلَّلتم كَونَه غَيرَ مُختارٍ لِلكَذِبِ ، بأنّه لا داعيَ له إلىٰ فِعلِه، لا بما قُلتُموه ؟
قُلنا: أوّلُ ما في هذا السؤالِ أنّه لا يَمنَعُ مِن غَرَضِنا في هذه المسألةِ ، و حَملِ الغائبِ علَى الشاهدِ؛ لأنّه يَقتَضي أن يَكونَ تَعالىٰ لا يَختارُ القَبيحَ لِارتفاعِ الداعي
ص: 127
إليهِ ؛ إذ(1) كانَ الداعي إلَى القَبيحِ لا يَكونُ إلّاالحاجةَ (2) إليه، أو ما في معناها مِن اعتقادِ الحاجةِ ، أو الجَهلَ بالقُبحِ ، و هذا مُنتَفٍ عنه تَعالىٰ .
إلّا أنّ هذا و إن كانَ لا يَمنَعُ مِن الغَرَضِ ، فالتعليلُ بما ذَكَرناه أَولىٰ ؛ لأنّ النفعَ موجودٌ في الكَذِبِ ، و العِلمُ بالنفعِ داعٍ . و لَيسَ يُخرِجُه مِن كَونِه داعياً، ثُبوتُ مِثلِه مِن النفعِ في الصِّدقِ ، و إن كانَ الصارفُ الحاصلُ في الكَذِبِ قد غَلَبَ حُكمُه؛ لأنّ حُكمَ الصارفِ أقوىٰ .
و لَو جازَ أن يُعلَّلَ كَونُه غَيرَ مُختارٍ للكَذِبِ هاهنا بنَفيِ الداعي، جازَ أن يُعلَّلَ امتناعُ العاقلِ ممّا يَضُرُّه ضرراً مَحضاً بفَقدِ الداعي، و قد (186) عَلِمنا أنّ تَعليلَ ذلكَ بالصارفِ أَولىٰ .
و أيضاً: فإنّ تَجدُّدَ كَونِه غَيرَ مُختارٍ للكَذِبِ ، حُكمٌ يَتبَعُ ما ذَكَرناه مِن كَونِه عالِماً غَنيّاً، و عندَ تَجدُّدِه له يَتجدُّد، و «أن لا داعِيَ له» غَيرُ مُتَجدِّدٍ. و تعليقُ الحُكمِ بما يُجاوِرُه إذا أمكَنَ أَولىٰ مِن تعليقِه بما تَقدَّمَ عليه.
و الذي يُبَيِّنُ ما ذَكَرناه: أنّ الساهيَ يَجوزُ أن يَختارَ القَبيحَ ، مع أنّه لا داعِيَ له إليه، فكيفَ يَصِحُّ أن يُعلَّلَ كَونُه غَيرَ مُختارٍ للقَبيحِ بأنّه لا داعيَ إليه ؟
فإن قيل: لِمَ أوجَبتُم إذا لَم يَختَرْ تَعالىٰ بَعضَ القَبائحِ لقُبحه، أن لا يَختارَ جَميعَ القَبائحِ؟
و لَم تَقولوا: إنّه إذا فَعَلَ بَعضَ الحَسَنِ لِحُسنِه، يَجِبُ أن يَفعَلَ كُلَّ حَسَنٍ؟
ص: 128
قُلنا: يَجِبُ الرُّجوعُ في أحكامِ الدواعي إلَى الشاهدِ، و إلىٰ ما تَدُلُّ (1) عليه الأدلّةُ ، و لا نَحمِلُ (2) بعضاً على بعضٍ . و قَد عَلِمنا أنّ (3) مَن لَم يَفعَلْ قَبيحاً لعِلمِه بقُبحِه و غِناه عنه، لا يَجوزُ أن يَختارَ شيئاً مِن القَبائحِ [و] هذه(4) حالُه، و أنّ هذا حُكمٌ مُطَّرِدٌ في الجَميعِ . و لَيسَ كذلِكَ الحَسَنُ ؛ لأنّ أحَدَنا قَد يَفعَلُ فِعلاً حَسَناً لِحُسنِه، فلا يَجِبُ أن يَفعَلَ كُلَّ ما يُشارِكُه في الحُسنِ ، و لهذا قد يَتصدَّقُ بدِرهَمٍ مِن جُملةِ
دَراهِمَ ؛ لِكَونِه حَسَناً، و إن لَم يَجِبْ أن يَتصدَّقَ بكُلِّ دِرهَمٍ ، و لهذا نَقولُ (5): إنّ الدواعِيَ قد تَختَلِفُ أحكامُها؛ فبَعضُها يَدعو علىٰ سَبيلِ الجَوازِ، و هذا ممّا سَنَستَقصيهِ فيما يَجِيءُ مِن الكتابِ ، بمَشيّةِ اللّٰهِ .
فإن قيلَ : كما أنّ العالِمَ بقُبحِ القَبيحِ و غِناه عنه لا يَختارُه، فكذلكَ (6) لا يَجوزُ أن يَختارَ العاقلُ الفِعلَ الحَسَنَ إلّالنفعٍ أو دَفعِ ضررٍ، و هذا يوجِبُ أن لا يَفعَلَ تَعالَى الحَسَنَ كما لا يَفعَلُ القَبيحَ !
قُلنا: أوّل ما نَدفَعُ [به] هذا السؤالَ و نُبطِلُه، أنّا لمّا ادَّعَينا(7) أنّ العالِمَ بقُبحِ القَبيحِ و بأنّه غَنيٌّ عنه لا يَختارُه، رَجَعنا في ذلكَ إلى ضَرورةِ العُقولِ ، و حَمَلنا الغائبَ علَى الشاهدِ بالعِلّةِ الموجِبةِ للحُكمِ ، و لَيسَ هكذا ما سُئلنا عنه؛ لأنّ أحَدَنا لا يُمكِنُه أن
ص: 129
يَدَّعِيَ أنّ العِلمَ (1) بأنّ «أحَدَنا لا يَفعَلُ الحَسَنَ إلّاللنفعِ أو دَفعِ الضررِ» ضَروريٌّ .
و لَو كانَ الحُكمُ الذي ادَّعَوه معلوماً في الشاهدِ، لَما صَحَّ لهم رَدُّ الغائبِ إليه بعلّةِ الجَمعِ (2) [بَينَ ] الأمرَينِ ، كما فَعَلنا ذلكَ في عِلّةِ الامتناعِ مِن القَبيحِ ، فصَحَّ بُطلانُ الإلزامِ .
و ممّا يَدُلُّ علَى الفَرقِ بَينَ الأمرَينِ ، و أنّ الحَسَنَ قد يُفعَلُ لِحُسنِه: أنّه تَعالىٰ قد ثَبَتَ كَونُه مُحدِثاً للعالَمِ ، فلا يَخلو مِن أن يَكونَ ذلكَ قَبيحاً، أو حَسَناً، أو لَيسَ بقَبيحٍ و لا حَسَنٍ .
و لا يَجوزُ أن يَعرىٰ فِعلُه تَعالىٰ مِن القُبحِ و الحُسنِ ، مع كَونِه عالِماً غَيرَ ساهٍ .
و لا يَجوزُ أن يَكونَ قَبيحاً؛ لأنّا قد بيّنّا(3) أنّ الغَنيَّ العالِمَ بقُبحِ القَبيحِ ، و بأنّه غَنيٌّ عنه، لا يَجوزُ أن يَختارَه، و دَلَّلنا أيضاً فيما تَقدَّم علىٰ أنّه تَعالىٰ غَنيٌّ عالِمٌ (4).
فلَم يَبقَ إلّاأنّ ما فَعَلَه حَسَنٌ ، و أنّه فَعَلَه لِحُسنِه؛ لأنّه لا وَجهَ سِواه.
و هذه طريقةٌ كانَ يَعتَمِدُها أبو إسحاقَ (5) بنُ عَيّاشٍ (6).
دليلٌ آخَرُ: و قد استَدَلَّ أبو هاشمٍ (7) علىٰ ذلكَ بأنّا نَعلَمُ ضَرورةً أنّ مَن خُيِّرَ بَينَ
ص: 130
صِدقٍ و كَذِبٍ مُستَويَينِ فيما له تُفعَل الأفعالُ مِن المنافعِ ، و كُلِّ حُكمٍ ، إلّافي الحُسنِ و القُبحِ ، لا يَختارُ الكَذِبَ ، بل يَختارُ الصِّدقَ . فعُلِمَ (1) أنّما اختارَه لحُسنِه؛ لأنّ ما عَدا ذلكَ قد فَرَضنا أنّ الكَذِبَ يُشارِكُه فيه.
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَقولَ : ما أَنكَرتُم أن يَكونَ مَن ذَكَرتُم حالَه، إنّما يَختارُ الحَسَنَ لِحُسنِه و للنفعِ الذي فيه؛ فمِن أينَ أنّه يَفعَلُه لِحُسنِه فَقَط؛ حتّىٰ تَحمِلوا عليه القَديمَ تَعالى ؟
و ذلكَ أنّه [و إن] فَعَلَ الصِّدقَ للأمرَينِ ، [إلّا أنه يُمكنُ أن يَفعلَه لكلّ واحدٍ منهُما إذا انفردَ]؛(2) لأنّه(3) يُقدَّرُ لكُلِّ واحدٍ مِنهما تأثيرٌ في كَونِه داعياً، حتّى يَصِحَّ - لَو انفَرَدَ - أن يَختارَ(4) الفِعلَ لأجلِه.
يُبَيِّنُ ما ذَكَرناه: أنّه لمّا صَحَّ مِن أحَدِنا أن يَختارَ الفِعلَ للنفعِ (5) و دَفعِ المَضارِّ، صَحَّ
ص: 131
أن يَختارَه لكُلِّ واحدٍ مِنَ الأمرَينِ إذا انفَرَدَ، و هذا يَقتَضي أنّ الفِعلَ لَو انفَرَدَ بالحُسنِ ، لَصَحَّ أن يُختارَ له كما اُختيرَ له و للنفعِ .
و ليسَ له أن يقولَ : كيفَ يَصِحُّ قولُكم: إنّ ما فَعَلَ المجموعَ أمرانِ (1) يُفعَلُ لكُلِّ واحدٍ منهما لَو انفَرَدَ؟ و نَحنُ نَعلَمُ أنّ الصِّدقَينِ (2) لَو تَساوَيا في النفعِ المُتَوصَّلِ بكُلِّ واحدٍ منهما إليه، و في الآخَرِ ضررٌ لَيسَ في الآخَرِ، لَكانَ مَن عَلِمَ ذلكَ مِن حالِهما يَختارُ الذي لا ضررَ فيه؛ للنفعِ و فَقدِ المَضَرّةِ ، و مع هذا فلَوِ انفَرَدَ الفِعلُ بأنّه لا ضررَ فيه، لَما كانَ ذلكَ داعياً إلىٰ فِعلِه.
و ذلكَ أنّ الضررَ الذي في الصِّدقِ لا يَخلو مِن وَجهَينِ :
إمّا أن يَكونَ مُعتَدّاً به، أو غَيرَ مُعتَدٍّ بمِثلِه.
فلَو كانَ الأوّلَ : أُدخِلَ الفِعلُ في أن يَكونَ قَبيحاً؛ لإمكانِ التوَصُّلِ إلَى النفعِ مِن غَيرِ ضررٍ، و هذا يَقتَضي أنّه يَختارُ الصِّدقَ الآخَرَ لحُسنِه.
و إن كانَ الضررُ غَيرَ مُعتَدٍّ به، فوجودُه كعدمِه.
دليلٌ آخَرُ: و قد استَدَلَّ أبو عليٍّ (3) [علىٰ ] أنّ الحَسَنَ قد يُفعَلُ لِحُسنِه بِمَن يُرشِدُ الضالَّ عن الطريقِ ، مِن غَيرِ تَصوُّرِ شيءٍ مِن المنافعِ الدِّينيّةِ و الدُّنيائيّةِ ، فيُعلَمُ أنّه إنّما أرشَدَه لِحُسنِ الإرشادِ.
و لَيسَ ما قَدَّرناه مِن فَقدِ تَصوُّرِ المَنافعِ مُستَبعَداً، إلّاأنّ المُرشِدَ قد يَكونُ دَهريّاً
ص: 132
فلا يَرجو [إلّا](1) الثوابَ و المَنافِعَ الدُنيائِيَّةَ التي هي شُكرُ المُرشِدِ أو مُكافأتُه. [و] قَد يَجوزُ أن لا يَخطُرَ شَيءٌ منها ببالِه؛ (193) بأن يَكونَ ممّن(2) لا يَعرِفُ الذي يُرشِدُه، و لا يَطمَعُ في مُلاقاتِه، و لا في مَعرفةِ أحَدٍ مِن الناسِ بما فَعَلَه فيَشكُرَه عليه، و يَكونُ ممّن لا يَرِقُّ قَلبُه عليه، فيَدفَعُ بخَلاصِه الضرَرَ عَن نفسِه. و كُلُّ هذا جائزٌ غَيرُ مُتعذِّرٍ.
دليلٌ آخَرُ: و قد استَدَلَّ أبو عَبدِ اللّٰهِ (3) علىٰ (4) ذلكَ بأنّ أحَدَنا يُفرِّقُ بَينَ المُحسِنِ و المُسيءِ بقَلبِه، و يَعزِمُ علىٰ شُكرِه، و قد وجبَ في عقلِه هذه التفرقةُ ، و لا يَجوزُ أن يَجِبَ عليه ما لا يَصِحُّ أن يَفعَلَه. و هذا المعنىٰ مِن حَيثُ كانَ باطناً في القَلبِ ، لا طريقَ لأحَدٍ إلَى العِلمِ به، فلا يُمكِنُ أن يُقالَ : إنّه فَعَلَه ليُمدَحَ و يُعَظَّمَ
عليه، أو ليَدفَعَ به ضَرَرَ الذَّمِّ و الاستحقاقِ المُستَحَقَّينِ علَى الإخلالِ بالواجبِ .
و لا يُمكِنُ أن يُقالَ : إنّه إنّما فَعَلَه للثوابِ أو للخَلاصِ مِن العَذابِ ؛ لأنّ الفاعلَ لذلكَ قد يَكونُ دَهريّاً لا يُثبِتُ ثَواباً و لا عِقاباً.
و لا يُقالُ : إنّه فَعَله(5) لشِفاءِ غَيظِه بمَن أساءَ إليه؛ لأنّه يَجِبُ عليه؛ كانَ مُغتاظاً
ص: 133
علىٰ مَن أساءَ إليه، أو لَم يَكُن. فبانَ أنّه(1) إنّما فَعَله لحُسنِه و وجوبِه.
دليلٌ آخَرُ: و ممّا يُمكِنُ أن يُستَدَلَّ به علىٰ ذلكَ : أنّ قُبحَ الفِعلِ قد ثَبَتَ أنّه يَدعو إلىٰ أن لا يُفعَلَ ، فيَجِبُ أن يَكونَ حُسنُه داعياً إلىٰ فِعلِه؛ لأنّ كُلَّ حالٍ تَحصُلُ للفِعلِ [و] تَدعو إلىٰ أن لا يُفعَلَ لها، فضِدُّها(2) يَدعُو إلَى الفِعلِ ؛ بدَلالةِ أنّ الضرَرَ لمّا دَعا(3)إلىٰ أن لا يُفعَلَ (4) الفِعلُ ، دَعا النفعُ إلَى الفِعلِ .
***
ص: 134
الذي يَدُلُّ علىٰ ذلك: أنّها لَو تَعدَّت(1) في التعَلُّقِ طَرِيقةَ الحُدوثِ ، لَم تَقِفْ (2)علىٰ حَدٍّ في باب التعلُّقِ ؛ لأنّ كُلَّ شيءٍ تَعدّىٰ طريقةً واحدةً في تَعلُّقِه، لَم يَقِفْ علىٰ حَدٍّ، و تَعلَّقَ بكُلِّ وَجهٍ حتّىٰ بالماضي و القَديمِ ، كالاعتقادِ. و كُلُّ ما اختَصَّ تَعلُّقُه، لَم يَتَعدَّ(3) الطريقةَ الواحدةَ ، كالقُدرةِ .
و قد عَلِمنا استحالةَ تَعلُّقِ الإرادةِ بالأشياءِ علىٰ سائرِ وجوهِها، و مُساواتِها
ص: 135
في ذلكَ الاعتقادَ، و لا شُبهةَ في أنّ أحَدَنا يَجِدُ مِن نَفسِه تَعذُّرَ إرادةِ الماضي أن يَكونَ ماضياً، و القَديمِ أن يَكونَ قَديماً.
و لا يَلزَمُ علىٰ هذا التمَنّي، و أنّه لا يَختَصُّ في التعلُّقِ بطريقةِ الحُدوثِ ، و مع ذلكَ لَم(1) يَمتَنِعْ كامتناعِ (2) تَعلُّقِ الاعتقادِ.
و ذلكَ أنّ الأقوىٰ في التمَنّي أنّه لَيسَ بمعنىً يَحُلُّ القَلبَ (3)، و إنّما يوصَفُ الإنسانُ بأنّه مُتمَنٍّ إذا لَحِقَه غَمٌّ و ضررٌ، أو فاته(4) سُرورٌ و لَذّةٌ ، فقالَ : «لَيتَ (5) كانَ كَذا و لَم يَكُن كَذا».(6)
و لا بُدَّ مِن أن يَكونَ قاصِداً بهذا القولِ إلى الإخبارِ؛ لأنّ التمَنّيَ مِن جنسِ الخبرِ، و لهذا لَم يوصَفِ النائمُ بذلكَ و إن أطلَقَ القولَ ؛ مِن حَيثُ لَم يَكُن قاصداً.
وَ الذي يَدُلُّ على ذلك(7): أنّه يوصَفُ عندَ سَماعِ هذا القولِ مِنه، [بأنّه مُتمنٍّ ] و إن لَم يُعلَمْ علىٰ حالٍ (188) أُخرى، و لَو كانَ معنىً زائداً علىٰ ما ذَكَرناه، لَوجدناه مِن نُفوسِنا، كما نَجِدُ كَونَنا مُعتَقِدينَ و مُريدينَ إلىٰ غَيرِ ذلك.
ص: 136
و إذا كانَ التمَنّي خبراً، التَزَمنا أنّه يَصِحُّ أن يَتعلَّقَ بسائرِ الوجوهِ (1)، كتَعلُّقِ
الاعتقادِ، و إن كانَ علىٰ بعضِها لا يُسمّىٰ مُريداً؛ لأمرٍ يَرجِعُ إلَى المُواضَعةِ .
و اختلافُ الأسماءِ لا يؤَثِّرُ في هذا البابِ .
علىٰ أنّا لَو سَلَّمنا أنّه جنسٌ (2) يَحُلُّ القَلبَ ، لأمكَنَ (3) أن تَصِحَّ (4) الدَّلالةُ (5) بأن نقولَ :
لَو تَعدَّتِ الإرادةُ في التعَلُّقِ طريقةَ الحُدوثِ ، حتّىٰ تَتعلَّقَ بأن لا يَكونَ الشيءُ ، لَجَرَت مَجرىٰ كُلِّ ما يَصِحُّ تَعلُّقُه بأن لا يَكونَ الشيءُ ، و كُلُّ شيءٍ هذه سبيلُه يَجوزُ تَعلُّقُه بالماضي؛ كالاعتقادِ و الظنِّ و التمَنّي(6).
دليلٌ آخَرُ: و ممّا يَدُلُّ أيضاً علىٰ أنّها لا تَتعلَّقُ إلّاعلىٰ وجهِ الحُدوثِ أنّ الإرادةَ لا بُدَّ مِن أن تَكونَ مؤَثِّرةً في الفِعلِ ؛ إمّا تحقيقاً أو تقديراً. فالتحقيقُ ، نَحوُ ما تَعلَّقَ بأفعالِ المُريدِ. و المُقدَّرُ، ما يَتعلّقُ بفِعلِ غَيرِه مِن(7) إرادتِه؛ لأنّ المانعَ مِن تأثيرِها فيه انتفاءُ التعلُّقِ ، و لو تَعلَّقَ ذلك الفِعلُ بقُدرةِ المُريدِ لَأثَّرَت فيه إرادتُه. و الإرادةُ تَتميَّزُ(8) بتأثيرِها، فمُحالٌ أن يَثبُتَ شَيءٌ مِن نَوعِها مع فَقدِ هذا التأثيرِ، فلَو تَعلَّقَت
ص: 137
بأن لا يَكونَ الشيءُ ، لَم تَكُن مؤَثِّرةً فيه علىٰ وَجهٍ مِنَ الوجوهِ ؛ لأنّها لَم تؤَثِّرْ في المُرادِ إذا كانَ حادثاً؛ إمّا بأن يَصيرَ الفِعلُ واقعاً بها علىٰ وَجهٍ دونَ وَجهٍ ممّا يَتبَعُ الحُدوثَ ، كالخبرِ و غَيرِه، أو تؤَثِّرَ(1) في نَفسِ الحُدوثِ ؛ بأن يَشتَرِكَ (2) مُرادُها و ضِدُّه في داعٍ واحدٍ، فيؤثِرُ المريدُ بها أحدَهما علَى الآخَرِ.
و إذا ثَبَتَ ما ذَكَرناه في الإرادةِ ، صَحَّ مِثلُه في الكَراهةِ ؛ لأنّ مِن شأنِ كُلِّ ضِدَّينِ أن يَتعلَّقَ كُلُّ واحدٍ منهما بما تَعلَّقَ به الآخَرُ، علَى الوجهِ الذي تَعلَّقَ به بالعكسِ منه.
فإن قيلَ : ألَيسَ أحَدُنا قد يُريدُ مِن زيدٍ أن لا يَدخُلَ الدّار، و يُريدُ منه أن لا يَكفُرَ؟
قُلنا: أمّا مَن أرادَ مِن غَيرِه أن لا يَكفُرَ، فإنّما أرادَ الإيمانَ منه؛ بدَلالةِ أنّه يَجِدُ نفسَه مُريداً لذلك، و لَو لَم يَكُنِ الأمرُ علىٰ ما قُلنا، لَجازَ أن يُريدَ أحَدُنا مِن غَيرِه أن لا يَكفُرَ، مع أنّه لا يُريدُ وجودَ الإيمانِ منه. كما أنّه لا يَمتَنِعُ أن يَعلَمَ أنّه لا يَكفُرُ، و إن لَم يُرِد وجودَ الإيمانِ منه، و لا اعتبارَ بإطلاقِ اللفظِ في هذا البابِ ؛ لأنّه كما يُقالُ ذلكَ (3) علىٰ سَبيلِ المَجازِ، قد يُقالُ أيضاً: «هو قادرٌ علىٰ أن لا يَفعَلَ الشيءَ » و المُرادُ قُدرتُه على ضِدِّه.
و أمّا(4) قولُ مَن يُريدُ أن لا يَدخُلَ زيدٌ الدارَ، فمعناهُ أنّه كان [كارهاً] لدُخولِه، و هذا لا بُدَّ ممّن هذه حالُه أن يَكونَ كارهاً.
ص: 138
و لَو قيلَ هذا الوجهُ أيضاً في الأوّلِ لَجازَ.
***
اعلَمْ أنّ المُراعىٰ فيما يَصِحُّ أن يُرادَ أمرانِ :
أحدُهما: ما يَرجِعُ إلَى المُرادِ نفسِه.
و الآخَرُ: راجعٌ إلَى المُريدِ.
فالراجِعُ إلَى المُرادِ أن يَكونَ ممّا يَصِحُّ حُدوثُه مُستَقبَلاً، أو هو حادِثٌ في الحالِ . و إن جَمَعتَ الأمرَينِ في قولِكَ : «أن يكونَ الحُدوثُ غَيرَ مُستحيلٍ عليه»، جازَ.
و ما يَرجِعُ إلَى المُريدِ، هو أن لا يَكونَ ساهياً عنه؛ إمّا بأن يَكونَ عالِماً به أو مُعتَقِداً أو ظانّاً.
و الذي يَدُلُّ على الشرطِ الأوّلِ ، أنّا قد بيّنّا(1) أنّ الإرادةَ إنّما تَتعلَّقُ بالحُدوثِ ، فإذا امتَنَعَ وَجهُ (189) تَعلُّقِها، امتَنَعَ تَعلُّقُها.
و الذي يَدُلُّ على صحّةِ الشرطِ الثاني ظاهرٌ؛ لأنّ مِن المعلومِ أنّ الساهِيَ عن الشيءِ لا يَجوزُ أن يُريدَه.
ص: 139
و ما يَستَحيلُ أن يَحدُثَ علىٰ ضَربَينِ :
أحَدُهما: لَيسَ بمعلومٍ في نفسِه؛ كبَقاءِ الأجسامِ .
و الثاني: أن يكونَ معلوماً، و الحُدوثُ يَستَحيلُ عليه؛ إمّا علىٰ كُلِّ حالٍ ، و إمّا علىٰ بَعضِ الوجوهِ ، نَحوُ ما تَقضَّىٰ وقتُه مِنَ المقدوراتِ ، فإنّ حُدوثَه مُحالٌ علىٰ كُلِّ حالٍ ، و نَحوُ المَقدورِ الذي لَم يَحضُرْ وقتُه، فإنّ حُدوثَه يَجوزُ علىٰ وَجهٍ ، و مُمتَنِعٌ علىٰ آخَرَ، و نَحوُ الجَواهرِ و الأجناسِ الباقيةِ التي يَستَحيلُ حُدوثُها حالاً بَعدَ حالٍ ؛ مِن غَيرِ تَوسُّطِ عدمٍ . و الجميعُ يَمتَنِعُ تَعلُّقُ الإرادةِ به.
و غَيرُ مُمتَنِعٍ أن يُرادَ ما يَمتَنِعُ حُدوثُه علىٰ بعضِ الوجوهِ و يَصِحُّ علىٰ آخَرَ، متىٰ تَعلَّقَتِ الإرادةُ بالوجهِ الذي يَصِحُّ حُدوثُه عليه؛ كتعلُّقِ الإرادةِ بحُدوثِ المقدورِ الذي لَم يَحضُر وقتَه، في الوقتِ الذي يَصِحُّ أن يوجَدَ فيه.
و ما أحَلنا تعلُّقَ الإرادةِ به ممّا ذَكَرناه، لا يَمتَنِعُ أن يَكونَ مُراداً إذا اعتَقَدَ المُريدُ
صحّةَ حُدوثِه، إلّاأنّ الإرادةَ هاهنا لا مُرادَ لها، و يَجري في ذلكَ مَجرَى العِلمِ المُتعلِّقِ بأنّه تَعالىٰ لا ثانيَ له، في أنّه لا معلومَ له.
و كانَ أبو هاشمٍ يَفصِلُ بَينَ ما لَيسَ بمعلومٍ في نَفسِه كالبَقاءِ ، و بَينَ المعلُومِ الذي لا يَجوزُ حُدوثُه علَى الوجهِ الذي يُرادُ، فيَجعَلُ الإرادةَ للأوّلِ غَيرَ مُتعلِّقةٍ و في الثاني مُتعلِّقةً .
و الصحيحُ أنّه لا فَرقَ بَينَ الأمرَينِ ؛ لتَساويهِما في استحالةِ الوَجهِ الذي تَتعلَّقُ عليه الإرادةُ .
و الفَرقُ بَينَ الإرادةِ و الاعتقادِ في هذا البابِ واضحٌ ؛ لأنّ الاعتقادَ إنّما صَحَّ أن يَكونَ مُتعلِّقاً بالمُعتَقَدِ علىٰ صِفةٍ - و إن استحالَت تلكَ الصفةُ في الاعتقادِ فيما
ص: 140
تَقَضّىٰ و فيما(1) أنّه سَيَحدُثُ - و لَم يَجُز ذلكَ في الإرادةِ ؛ لأنّ الاعتقادَ يَتعلَّقُ بمُتعلَّقهِ علىٰ وجوهٍ ، و لا يَختَصُّ وَجهاً مُعيَّناً، و الإرادةُ لا تتعدَّى الحُدوثَ .(2)
و الأَولى فيما يَستَحيلُ حُدوثُه أنّه إنّما لا يُرادُ لاستحالةِ الإرادةِ في نفسِها، لا لفَقدِ الداعي، بخِلافِ ما ذَهَبَ إليه قومٌ في ذلكَ ؛ لأنّ الوَجهَ الذي لا تَتعلَّقُ الإرادةُ إلّا عليه(3) إذا استَحالَ استَحالَ تَعلُّقُها. فأمّا ما سَها عنه أحَدُنا، أو اعتَقَد استحالةَ حُدوثِه جَهلاً، فإنّما لا يُريدُه لأجلِ الداعي.
و للجُملةِ التي ذَكَرناها صَحَّ أن تُرادَ(4) الإرادةُ ؛ لأنّ الشرطَ فيما يَصِحُّ أن يُرادَ حاصلٌ فيها؛ مِن صحّةِ الحُدوثِ ، و عِلمِ المُريدِ أو اعتقادِه لذلكَ ، و إنّما لا يَصِحُّ أن تُرادَ إذا غَمَضَت؛ لأنّ غُموضَها يَجري مَجرى سَهوِ المُريدِ عنها.
و لا فَرقَ بَينَ مَن فَرَّقَ بَينَ الإرادةِ و غيرِها فيما ذَكَرناه، و بَينَ مَن فَرَّقَ في ذلكَ بَينَ أفعالِ القُلوبِ و أفعالِ الجَوارحِ (5).
فأمّا ما يَجِبُ أن يُرادَ، فالوَجهُ فيه ما يَرجِعُ إلَى المُريدِ دونَ المُرادِ؛ لأنّ العالِمَ بما يَفعَلُه لا بُدَّ مِن أن يَكونَ [له] غَرَضٌ فيه حَتّىٰ يَفعَلَه، و إذا فَعَلَه لغَرَضٍ يَخُصُّه فلا بُدَّ مِن أن يَكونَ مُريداً له، إذا لَم يَكُن ممنوعاً مِن فِعلِ الإرادةِ ؛ لأنّ ما دَعاه إلَى الفِعلِ يَدعوه إلىٰ إرادتِه، و ما ألجَأَه إليه يُلجِئُه إلىٰ إرادتِه، و ما صَرَفَه عنه يَصرِفُه عن
ص: 141
(190) إرادتِه، و لهذا قيلَ : إنّ الإرادةَ و المُرادَ كالشيءِ الواحدِ(1).
و الأمرُ في أنّ مَن ذَكَرنا حالَه لا بُدَّ مِن أن يَكونَ مُريداً واضحٌ ، و إنّما لا يَكونُ مُريداً إمّا بأن لا يَكونَ عالِماً بالفِعلِ ، أو في حُكمِ العالِمِ ، أو لا غَرَضَ [له] فيه، أو يَكونَ ممنوعاً عَن الإرادةِ . و لَو لَم يَجِبْ ما ذَكَرناه، لَم يَكُن مَن امتَنَعَ عليه الفِعلُ
ممنوعاً؛ لأنّه إنّما يَكونُ ممنوعاً بأن يُريدَه فلا يَقَعُ ، و لهذا لَم يَجُز أن يَكونَ ما يَفعَلُه أو يُريدُ ضِدَّه.
و ليسَ يلزَمُ علىٰ ما ذَكَرناه وُجوبُ إرادةِ الإرادةِ ؛ لأنّها لا تُفعَلُ لغَرَضٍ يَخُصُّها، بل إنّما تُفعَلُ لِما يُفعَلُ له المُرادُ، و لَو وَجَبَت إرادةُ الإرادةِ ، لَأَدّى ذلكَ إلىٰ ما لا نِهايةَ له مِن الإراداتِ .
و قد يَجِبُ أن يَكونَ المُريدُ مُريداً للإرادةِ علىٰ بَعضِ الوجوهِ ؛ مِثلُ مَن أرادَ مِن نفسِه أو غيرِه الفِعلَ علىٰ وَجهٍ لا يَحصُلُ عليه إلّابإرادةٍ ؛ كالخبرِ و الأمرِ و العِبادةِ و الذَّمِّ و المَدحِ .
فأمّا الكلامُ فيما يَحسُنُ و يَقبُحُ مِن الإراداتِ ، فكُلُّ (2) إرادةٍ تَعلَّقَت بمُرادٍ حَسَنٍ ، و انتَفَت وجوهُ القُبحِ عنها، فهي حَسَنةٌ .
و إنّما اشتَرَطنا حُسنَ المُرادِ؛ لأنّ إرادةَ القَبيحِ لا تَكونُ إلّاقَبيحةً ، و إرادةَ ما لَيسَ بحَسَنٍ و لا قَبيحٍ كذلكَ (3). و اشتَرَطنا انتفاءَ وجوهِ القُبحِ ؛ لأنّ المُرادَ قد يَكونُ حَسَناً و تَكونُ الإرادةُ قَبيحةً ؛ نَحوُ إرادةِ الفعلِ الحَسَنِ ممّن لا يُطيقُه، و إرادةِ القَديمِ تَعالىٰ
ص: 142
لَو تَقدَّمَت علَى المُرادِ، و إرادةِ ما لا صفةَ له زائدةً علىٰ حُسنِه مِن غَيرِنا(1) إذا لَم يَكُن للمُريدِ في ذلك نفعٌ و لا ما يَجري مَجراه.
و كُلُّ إرادةٍ أثَّرَت في كَونِ مُرادِها حَسَناً فهي حَسَنَةٌ ؛ لأنّها لا يَجوزُ أن يَكونَ الفِعلُ لأجلِها كانَ حَسَناً و هي قَبيحةٌ .
فأمّا إرادةُ المُستَحِقِّ للعِقابِ إنزالَ العُقوبةِ به(2)، فالأَولىٰ أن تَكونَ قَبيحةً ، على ما يَختارُه أبو هاشمٍ (3)؛ لأنّها مِن(4) المَضارِّ به. و قد أُلحِقَ بذلكَ إرادةُ العاصي مِن غَيرِه أن يَلومَه. و لَيسَ تجري إرادةُ العِقاب مِنّا مَجرىٰ إرادةِ الأمراضِ ؛ فإنّ الأمراضَ نفعٌ ؛ لِما فيها مِن الأعواضِ المُتَرقَّبةِ .
و هذه جُملةٌ كافيةٌ .
***
اعلَمْ أنّ الإرادةَ لا تؤَثِّرُ في حُدوثِ الأفعالِ ؛ لأنّ القُدرةَ هي المؤَثِّرةُ في ذلكَ ، و إنّما تؤَثِّرُ في الوجهِ الزائدِ علَى الحُدوثِ .
ص: 143
و مِن شَرطِ ما يؤَثِّرُ في صفةٍ له زائدةٍ علَى الحُدوثِ ، أن يَكونَ ممّا يَجوزُ أن يَقَعَ علىٰ ذلك الوَجهِ و يَجوزُ أن لا يَقَعَ . و إن كانَ قد يؤَثِّرُ فيما هذه حالُه أمرٌ سِوَى
الإرادةِ ، إلّاأنّها لا تؤَثِّرُ إلّافيما هذه حالُه. و لهذه الجُملة قُلنا: إنّ الإرادةَ لا تؤَثِّرُ في صفاتِ الأجناسِ و إن تَعلَّقَت بذلكَ ، و لا تؤَثِّرُ في كَونِ رَدِّ الوَديعةِ رَدّاً لها؛ لأنّ ذلكَ يَجِبُ لا مَحالةَ ؛ مِن حَيثُ كانَ تَقدُّمُ الإيداعِ يَقتَضي في هذا الردِّ(1) وجوبَ كَونِه رَدّاً للوَديعةِ ؛ أرادَ المُريدُ أن يَكونَ كذلكَ أو لَم يُرِد.
فأمّا ما يَجوزُ أن يَحصُلَ مِن الوجوهِ و يَجوزُ أن لا يَحصُلَ ، فقَد تؤَثِّرُ فيه الإرادةُ ؛ نَحوُ قَضاءِ الدَّينِ ؛ لأنّه كانَ يَجوزُ أن يَقَعَ هذا الفِعلُ مِن غَيرِ أن تَحصُلَ (2) له هذه الصفةُ ؛ لأنّ تَقدُّمَ الدَّينِ لا يَقتَضي في هذا الفِعلِ وقوعَه قَضاءً له لا مَحالةَ ، علىٰ ما ذَكَرنا في رَدِّ الوَديعةِ ، فلا بُدَّ مِن أمرٍ مُخَصِّصٍ و هو الإرادةُ ؛ لأنّ العِلمَ و سائرَ ما عَدا الإرادةَ قد (191) يَحصُلُ و لا(3) يَكونُ قَضاءَ الدَّينِ .
و كذلك القولُ في الخبرِ و الأمرِ، و الثوابِ و العِقاب، و علىٰ هذا صَحَّ القولُ بأنّ أحَدَنا لَو مُنِعَ مِن الإرادةِ ، لَم يَصِحَّ مِنه أن يُخبِرَ و أن يأمُرَ، و إن صَحَّ أن يَرُدَّ الوَديعةَ و أن يظلِمَ .
فأمّا ما لا تؤَثِّرُ(4) فيه الإرادةُ و إن كانَ وَجهاً زائداً علَى الحُدوثِ ، يَجوزُ أن يَحصُلَ و أن لا يَحصُلَ علىٰ سَواءٍ ، فكنَحوِ كَونِ الاعتقادِ عِلماً، و كونِ الشيءِ مُلتَذّاً
ص: 144
به؛ لأنّ المؤَثِّرَ في الأوّلِ كَونُ الفاعلِ عالِماً(1)، و في الثّاني الشَّهوَةُ . و فارَقَ هذا ما ذَكَرناه أوّلاً؛ لأنّ قَضاءَ الدَّينِ و ما شاكَلَه إنّما افتَقَر في التأثيرِ إلى كونِ الفاعِلِ مُريداً لمّا لَم يَجُز أن يؤَثِّرَ فيه كَونُه عالِماً و لا شَيءٌ مِن أحوالِه، و لمّا جازَ فيما ذَكَرناه أخيراً أن يؤَثِّرَ فيه سِوىٰ كَونِه مُريداً، لَم يَفتَقِر إليه.
و الإرادةُ لا تؤَثِّرُ في حُسنِ الشيءِ أو قُبحِه بلا واسطةٍ ، و إنّما تؤَثِّرُ في وقوعِه علىٰ بعضِ الوجوهِ ، و يُعتَبَرُ ذلكَ الوَجهُ ؛ فَرُبّما كانَ وَجهَ قُبحٍ ، و رُبّما كانَ وَجهَ حُسنٍ ؛ ألا تَرىٰ أنّ الخبرَ قد يَكونُ خبراً بالإرادةِ ، ثُمّ يُعتَبَرُ حالُ مُخبَرِه، فإن كانَ كَذِباً كانَ قبيحاً، لكَونِه كَذِباً، و إن كانَ صِدقاً و انتَفَت عنه وجوهُ القُبحِ كانَ حَسَناً، لكونِه كذلكَ؟ فالإرادةُ لَم تؤَثِّر علَى الحقيقةِ في القُبحِ و لا الحُسنِ ، و إنّما المؤَثِّرُ فيهما وجوهُ الأفعالِ .
و الذي يُبيِّنُ ذلكَ : أنّ الإرادةَ بعَينِها قد تَكونُ حاصلةً ، و يَكونُ الخبرُ تارةً قَبيحاً بأن لا يُطابِقَ المُخبَرَ، و تارةً حَسَناً بأن يُطابِقَهُ و تَنتَفيَ (2) وجوهُ القُبحِ .
و إنّما قيلَ : إنّ الإرادةَ تؤَثِّرُ في الحُسنِ و القُبحِ ، علىٰ معنىٰ أنّها تؤَثِّرُ فيه [بواسطةٍ ](3).
و علىٰ هذا الذي ذَكَرناه، لَم يَلزَمْ أن تَكونَ الإرادةُ و المُرادُ يَتعلَّقُ قُبحُ كُلِّ واحدٍ
منهما بصاحبِه؛ لأنّ قُبحَ الإرادةِ يَتعلَّقُ (4) بقُبحِ المُرادِ؛ لأنّها تَقبُحُ لِقُبحِ مُرادِها،
ص: 145
و المرادُ لَم يَقبُحْ لِقُبحِ إرادَتِه، بل للوجهِ الذي يَقَعُ عليه.
و كُلُّ فِعلٍ قَبُحَ لوقوعِه علىٰ وَجهٍ تؤَثِّرُه الإرادةُ ، كالصَّدقةِ المقصودِ بها الرياءُ و السُّمعةُ ، فهو و إرادتُه قَبيحانِ ؛ لأنّها إذا كانَت قَبيحةً و أثَّرَت في الفِعلِ وجبَ قُبحُه، و لَيسَ كذلكَ إذا كانَت قَبيحةً غَيرَ مؤَثِّرةٍ ؛ لأنّ مَن قَصَدَ برَدِّ الوَديعةِ الاختزاعَ (1)، تكونُ إرادتُه قَبيحةً و فِعلُه حَسَناً؛ لأنّها هاهنا مُنفَصِلةٌ مِن الفِعلِ و غَيرُ مؤَثِّرةٍ فيه.
و اعلَمْ أنّ الإرادةَ لا تؤَثِّرُ في كَونِ الكلامِ خبراً، و لا في سائرِ ما ذَكَرنا أنّه يَقَعُ علىٰ وَجهٍ دونَ الآخَرِ، و إنّما المؤَثِّرُ علَى التحقيقِ في ذلكَ كَونُ المُريدِ مُريداً، بخِلافِ ما ذَهَبَ إليه قومٌ من أنّ الإرادةَ هي المؤَثِّرةُ .
و الذي يَدُلُّ علىٰ ذلكَ : أنّها لَو أثَّرَت في كَونِ الكلامِ خبراً، مع تأثيرِها في كَونِ المُريدِ مُريداً، لَوجبَ أن تَكونَ عِلّةً في معلولَينِ مُختَلِفَينِ .
و لأنّه لَو كانَ مُريداً بلا إرادةٍ ، لَصَحَّ أن يُخبِرَ و يَأمُرَ، كما لَو كانَ عالِماً بغَيرِ علمٍ ، يَصِحُّ منه المُحكَمُ مِن الفِعلِ . و لَو جازَ أن يَستَنِدَ كَونُ الكَلامِ خبراً إلَى الإرادةِ دونَ حالِ المُريدِ، لَجازَ استنادُ كَونِ الفِعلِ مُحكَماً إلَى العِلمِ دونَ حالِ العالِمِ .
و حالُ المُريدِ و إن أثَّرَت في الخبرِ، فلَيسَت عِلّةً علَى الحقيقةِ في كَونِه خبراً؛ لأنّ العِلّةَ لا تَكونُ إلّاذاتاً، و مِن شَرطِها أن تَختَصَّ بالمُعَلَّلِ . و كُلُّ هذا لا يَتَأتّىٰ في حالِ المُريدِ؛ ألا تَرىٰ أنّها تؤَثِّرُ في الموجودِ و المعدومِ مِن الحُروفِ؟ غَيرَ أنّها و إن
لَم تَكُن علَى الحَقيقةِ عِلّةً ، فهي مُشبِهةٌ بالعِلّةِ .
ص: 146
و اعلَمْ أنّه لا شُبهةَ في الإرادةِ ، إذا كانَت مُتعلِّقةً بفِعلِ غَيرِ المُريدِ بها، فإنّها لا تُؤَثِّرُ فيه؛ ألا تَرىٰ أنّ القَولَ الموجودَ مِن زَيدٍ، لا يَكونُ خبراً لأنّ (192) عَمْراً(1) أرادَ كَونَه خبراً؟ و لَو جازَ أن يؤَثِّرَ بَعضُ أحوالِ زَيدٍ في فِعلِ عمرٍو، لَم يَكُن بَعضٌ في ذلكَ أَولىٰ مِن بعضٍ ، [فَجازَ] أن يُؤَثِّرَ كونُه عالِماً و قادراً في فِعلِ غَيرِه!
و قد لَوَّحَ أبو هاشمٍ في بعضِ المَواضعِ (2) في [أنّ ] المُخبِرَ لا يَمتَنِعُ أن يَكونَ مُخبِراً بأن يَقصِدَ إلَى الخبرِ و إن كانَ الخبرُ مِن فِعلِ غَيرِه.
و الصحيحُ ما ذَكَره في «البَغداديّاتِ »(3) و غَيرِها مِن أنّ الخبرَ لا بُدَّ مِن أن يَكونَ
مِن فِعلِ المُخبِرِ(4).
و يَدُلُّ عليه ما ذَكَرنا مِن أنّ أحوالَ الحَيِّ لا تؤَثِّرُ(5) في فِعلِ غَيرِه. و ما ذَكَرناه قَديماً مِن أنّ [مَن] جَعَلَ الذاتَ علىٰ صفةٍ مِن الصفاتِ مِن غَيرِ تَوسُّطِ علّةٍ ، فلا بُدَّ مِن أن يكونَ [هو] المُحدِثَ لها.
و كانَ أبو هاشمٍ يَشتَرِطُ في تأثيرِ الإرادةِ في الخَبَرِ أن تَكونَ (6) مِن فِعلِ المُخبِرِ،
ص: 147
و يَقولُ : مَتىٰ كانت ضَروريّةً لَم تؤَثِّرْ. و غَيرُه يُجيزُ أن تؤَثِّرَ الإرادةُ أو حالُ المُريدِ، و إن كانَت ضَروريّةً و غَيرَ تابعةٍ لاختيارِه.
و الذي يُنصَرُ به القَولُ الأوّلُ : أنّ الخبرَ لمّا اعتُبِرَ في كَونِه خبراً نبأً(1)، أن تَكونَ (2)ذاتُه مِن فِعلِنا و اختيارِنا، وجبَ أيضاً أن يُعتَبَرَ فيما به صارَ خبراً مِن كَونِنا مُريدينَ أن يَتعلَّقَ باختيارِنا؛ ليَجريَ ما كانَ به خبراً في التعلُّقِ باختيارِنا مَجرىٰ ذاتِ الخَبَرِ، و حَتّىٰ يَصِحَّ أن نَفعَلَه(3) خبراً أو لا نَفعَلَه كذلكَ .
و ممّا يُنصَرُ به القولُ الثاني: أنّ المُعتَبَرَ في كَونِ الكَلامِ خبراً، [أن] يكونَ فاعلُه مُريداً، كما أنّ المُعتَبَرَ في كَونِ الفِعلِ مُحكَماً بكَونِه(4) عالِماً، و لا اعتبارَ بكيفيّةِ كَونِه عالِماً، فكما جازَ أن يؤَثِّرَ كَونُه عالِماً في(5) المُحكَمِ ، و إن كانَ العِلمُ مِن فِعلِ غَيرِه، كذلكَ يؤَثِّرُ كَونُه مُريداً. و كما جازَ أن يؤَثِّرَ كَونُه مُريداً بلا إرادةٍ أصلاً - لَو جازَ ذلك -؛ فلِمَ لا يَجوزُ أن يؤَثِّرَ كَونُه مُريداً، و إن كانَ عن إرادةٍ ضَروريّةٍ؟
و يُمكِنُ أن يُفرَّقَ بَينَ كَونِه عالِماً، و كَونِه مُريداً في هذا البابِ (6) بأنّ كَونَه عالِماً علىٰ سَبيلِ الوجوبِ ، بَل علىٰ وَجهِ التصحيحِ ، و كَونَه مُريداً بخِلافِ ذلكَ (7).
***
ص: 148
[4] [فَصلٌ (1)] [في أنّ للمريدِ منّا حالاً يختصّ بها، و يُفارقُ بها مَن ليس بمريد]
الذي يَدُلُّ علىٰ ذلكَ أنّ أحَدَنا يَجِدُ نَفسَهُ مُريداً و قاصداً ضَرورةً ، كما يَعلَمُ نفسَه مُعتَقِداً و ظانّاً و مفكّراً(2) و لا شيءَ أوضَحُ ممّا يَجِدُه الإنسانُ مِن نفسِه، و لا شُبهةَ في مِثلِه، و إنّما تَعرِضُ الشُّبهةُ في تمييزِ هذه الحالِ مِن سائرِ أحوالِه.
و كما يَعلَمُ أحَدُنا ذلكَ مِن نفسِه ضَرورةً ، كذلكَ يَعلَمُه مِن غَيرِه؛ نَحوُ أن يَعلَمَه مُخاطِباً له بالكلامِ و مُوَجِّهاً إيّاه نَحوَه دونَ غَيرِه. و لَولا كَونُ ما ذَكَرناه معلوماً باضطرارٍ، لَما عُلِمَ تَعلُّقُ الفِعلِ بالفاعلِ ، و لا صَحَّ أيضاً أن تُقَرَّرَ(3)المُواضَعةُ علَى اللُّغاتِ ؛ لأنّ قَصدَ المُشيرِ و المُواضِعِ إذا لَم يَكُن معلوماً، فلا سَبيلَ إلىٰ تَقرُّرِ المُواضَعةِ .
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَقولَ : ألّايَرجِعُ ما يَجِدونَه مِن ذلكَ إلَى الداعي و الاعتقادِ؟
ص: 149
لأنّه لَو رَجَعَ إلىٰ ما ذَكَرَه، لَم تَكُنِ (1) الحالُ فيما يَجِدُه مِن نَفسِه علىٰ ما ذَكَرناه؛ مِن قِبَلِ أنّ الداعيَ إنّما هو «اعتقادُ النفعِ و دَفعُ الضررِ»، و قد يَعتَقِدُ أحَدُنا في الشيءِ أنّه يَنفَعُه، و تارةً يَجِدُ نَفسَه مُريداً له، و أُخرىٰ أن لا يَجِدَها كذلكَ . فلَو كانَ الداعي هو الإرادةَ لَم يَحصُلْ هذا الفَرقُ ؛ لأنّ الداعيَ في الحالَينِ قائمٌ .
و لأنّ (2) الداعيَ قد يَدعوه إلىٰ كُلِّ شَيءٍ يَحضُرُه علىٰ وجهٍ تَتَساوىٰ (3) فيه أبعاضُ ذلكَ الشيءِ الحاضرِ، و مع هذا فيُريدُ أكلَ بعضٍ دونَ بعضٍ حتّىٰ يَتَناوَلَه بعَينِه، فيَجِبُ أن يَكونَ ما عَمَّ الكُلَّ مِن الداعي غَيرَ ما خَصَّ (4) [البعضَ ] مِن البَعضِ
و اقتَضىٰ تَناوُلَ الفِعلِ له.
و لأنّ عِلمَنا بحالِ المُخاطِبِ لنا و قَصدِه، يَسبِقُ العِلمَ بأنّ له داعياً إلى خِطابنا، و ما العِلمُ به أسبَقُ مِن غَيرِه، كيفَ يَكونُ هو ذلكَ الغَيرَ؟
و أمّا تمييزُ الحالِ التي ذَكَرناها مِن كَونِه مُشتَهياً فظاهرٌ: لأنّه قد يُريدُ ما يَضُرُّه عاجِلاً و ما لا يُدرِكُه أصلاً، و الشَّهوةُ لا تَتعلَّقُ إلّابالمُدرَكاتِ و ما يَنتَفِعُ به (194) المُدرِكُ .
و مُفارَقةُ هذه الحالِ لسائرِ أحوالِه؛ مِن كَونِه قادراً و مُدرِكاً و ناظراً، أوضَحُ مِن أن يُدَلَّ عليه.
و إذا ثَبَتتِ الحالُ ممّا ذَكَرناه، فالذي يَدُلُّ (5) علىٰ حُصولِها عن معنىً ، أنّ ما يَحصُلُ في حالٍ ، قد كانَ يَجوزُ أن لا يَحصُلَ فيها، و أحوالُ المُريدِ كُلُّها واحدةٌ لا تَختَلِفُ ، فلا بُدَّ مِن ثُبوتِ معنىً ، كما قُلناه في إثباتِ سائرِ الأعراضِ .
ص: 150
فإن قيلَ : كيفَ ادَّعَيتُم أنّه يُريدُ و لا يُريدُ؛ و الحالُ واحدةٌ ، مع أنّه يُريدُ عندَ الداعي، و لا يَجوزُ مع ثُبوتِ الداعي أن لا يُريدَ، و كذلكَ لا يَجوزُ مع انتفاءِ الدواعي أن يُريدَ؟
قُلنا: قد يَجوزُ أن يَكونَ غَيرَ مُريدٍ مع ثُبوتِ الداعي علىٰ بعضِ الوجوهِ ؛ نَحوُ مَن دَعاه الداعي إلَى القيامِ ، فأَخَّرَه و فَعَلَه بَعدَ زمانٍ مُتَراخٍ . و قد يَدعو أحَدَنا الداعي إلىٰ أفعالٍ متساويةٍ في تَناوُلِ الداعي لها، فيُريدُ بَعضَها و يؤثِرُه علىٰ بعضٍ [آخَرَ، بل و يُريدُ] أحَدَها بَدَلاً مِن غَيرِه. فثَبَتَ صحّةُ ما ذَكَرناه؛ مِن جَوازِ كَونِه مُريداً و أن لا يَكونَ كذلكَ ؛ و الحالُ واحدةٌ .
علىٰ أنّ هذا الكَلامَ لَو قَدَحَ في إثباتِ الإرادةِ ، لَقَدَحَ (1) في إثباتِ كُلِّ الأعراضِ ؛ لأنّه كما يَجِبُ أن نَكونَ (2) نُريدُ لمكانِ الداعي، كذا يَجِبُ أن نَتحرَّكَ مع قُوّةِ الدواعي و السلامةِ . و إذا صَحَّ مع ذلكَ أن يكونَ بحركةٍ جائزاً كجَوازِ ضِدِّه، صَحَّ أيضاً جَوازُ كَونِه مُريداً علىٰ هذا الحَدِّ.
و إذا ثَبَتَ أنّه مُريدٌ لمعنىً ، فلا بُدَّ مِن معنَى الاختصاصِ لِيوجِبَ الحالَ له، و هذا يَقتَضي كَونَه حالاًّ فيه؛ لأنّ المُجاوَرةَ لا تَصِحُّ إلّاعلَى الأعراضِ .
فأمّا العِلمُ بمَحَلِّ الإرادةِ علىٰ سَبيلِ التفصيلِ ، فالطريقُ إليه السمعُ ، و إن كانَ الإنسانُ مِن حَيثُ يَجِدُ في ناحيةِ قَلبِه عندَ الإرادةِ و الفِكرِ ضَرباً مِن التَّعَبِ ، يَعلَمُ أنّ الإرادةَ و النظَرَ يَحُلّانِ هذه الناحيةَ . و العِلمُ بأنّ المَحَلَّ هو القَلبُ علَى التفصيلِ ، موقوفٌ علَى السمعِ .
ص: 151
دليلٌ آخَرُ علىٰ إثباتِ حالِ المُريدِ: قد ثَبَتَ أنّ أحَدَنا مُخبِرٌ و آمِرٌ. و لَولا كَونُه مُريداً، لَما وَقَعَ منه الخبرُ خبراً، و لا الأمرُ أمراً، و كذلكَ سائرُ [أنواعِ ] الخِطابِ . و إن كانَ الخبرُ يَحتاجُ إلىٰ أن يَكونَ فاعِلُه مُريداً لِكَونِه خبراً، و الأمرُ يَحتاجُ إلىٰ أن يَكونَ [فاعلُه] مُريداً للمأمورِ به. و هُما و إنِ اختَلَفا مِن هذا الوَجهِ ، فقَد اتَّفَقا فيما قَصَدناه مِن الدَّلالةِ علىٰ حالِ المُريدِ.
فإن قيلَ : ألا كانَ الخبرُ يُخالِفُ جنسُه ما لَيسَ بخبرٍ، و كذلكَ الأمرُ، فلا يَحتاجُ إلىٰ مؤَثّرٍ فيه مِن أحوالِ فاعلِه ؟ و إن لَم يَكُن مُخالِفاً، فألَا كانَ ما يَقَعُ خبراً غَيرَ ما لا يَقَعُ كذلكَ ، و إن كانَ مِثلَه و مِن جنسِه، فلا يَحتاجُ إلى كَونِ فاعلِه مُريداً، كما لا يَحتاجُ العَرَضُ المُختَصُّ ببعضِ المَحالِّ إلى قَصدِ فاعلِه في حُلولِه مَحَلَّه ؟
و إذا سُلِّمَ كُلُّ هذا، و أنّ الخبرَ بعَينِه يَجوزُ أن يَكونَ غَيرَ خبرٍ؛ مِن أينَ أنّه لا يَكونُ كذلكَ إلّابكَونِ فاعلِه علىٰ صفةٍ؟ ثُمّ ما الدليلُ علىٰ أنّ تلكَ الصفةَ هي كَونُه مُريداً؟ و ألَاكانَ كذلك لبعضِ ما عَدا ذلكَ مِن أحوالِه ؟
قُلنا: أمّا الذي يَدُلُّ علىٰ أنّ الجِنسَ واحدٌ، فهو التباسُهما علَى الإدراكِ كالتباسِ السوادَينِ . و كما قَضَينا بتَماثُلِ السوادَينِ ، كذلِكَ يَجِبُ أن نَقضيَ بتَماثُلِ ما جَرىٰ مَجراهُما.
و إنّما قُلنا: إنّهما يَشتَبِهانِ علَى الإدراكِ ؛ لأنّ مَن سَمِعَ قولَ القائلِ : «زَيدٌ قائمٌ » و هو يَقصِدُ به إلَى الإخبارِ عن زَيدٍ بعَينِه، لا يَفصِلُ بَينَه و بَينَ قولِه: «زَيدٌ قائمٌ » و هو غَيرُ مُخبِرٍ؛ بأن يَكونَ ساهياً أو حاكياً عن غَيرِه. و لقُوّةِ التباسِهما، كانَ مَن يُجوِّزُ
ص: 152
علَى الكلامِ الإعادةَ ، (195) مُجوِّزاً أن يَكونَ ما سَمِعَه ثانياً هو الذي سَمِعَه أوّلاً، و كذلكَ مَنِ اعتَقَدَ بَقاءَ الكلامِ .
فأمّا الذي يَدُلُّ علىٰ أنّ نَفسَ ما يَقَعُ فيَكونُ خبراً، يَجوزُ أن يوجَدَ غَيرَ خبرٍ، فأشياءُ كثيرةٌ :
مِنها: أنّ الألفاظَ العربيّةَ إنّما تُفيدُها(1) المُواضَعةُ ، و التواضُعُ في الأصلِ إنّما حَصَلَ باختيارِ المُتَواضعِينَ . و قد كانَ يَجوزُ أن لا يَتَواضَعوا في هذه الصيغةِ المخصوصةِ أنّها للخبرِ، و لَو كانَ ذلكَ لَكانَت هذه الحُروفُ بعَينِها توجَدُ فلا تَكونُ خبراً.
و مِنها: أنّه لَو كانَ الخبرُ عن أحَدِ الزَّيدَينِ غَيرَ الآخَرِ، لَم يَمتَنِعْ أن يَفعَلَ أحَدُنا
اللفظَ الذي مِن حَقِّه أن يَكونَ خبراً عن زَيدِ بنِ عبدِ اللّٰهِ ، و يَقصِدَ به إلَى الإخبارِ عن زَيدِ بنِ خالدٍ، فيَكونَ مُخبِراً عن الأوّلِ دونَ الثاني الذي قَصَدَ به الإخبارَ عنه. و في فَسادِ ذلكَ دليلٌ علىٰ أنّ اللفظَ واحدٌ، و أنّه بالقَصدِ يَتوَجَّهُ إلَى المُخبَرِ عنه.
و مِنها: أنّ اللفظَ لَو كانَ مُتَغايِراً، لَوجبَ أن يَكونَ للقادرِ سَبيلٌ إلَى التمييزِ بَينَ ما يوجَدُ فيَكونُ خبراً عن زَيدٍ بعَينِه، و بَينَ ما يَكونُ خبراً عن غَيرِه. فلَمّا لَم يَكُن إلىٰ ذلكَ سَبيلٌ ، عُلِمَ أنّ اللفظَ واحدٌ.
و مِنها: أنّ ذلكَ يَقتَضي صحّةَ أن يَعلَمَ زَيداً مُخبِراً و إن لَم يَعلَمْ كَونَه مُريداً، إذا كانَ القَصدُ لا تأثيرَ له. و نَحنُ نَعلَمُ خِلافَ ذلكَ ، و يَقتَضي أن لا طريقَ لنا إلَى الفَصلِ بَينَ ما هو خبرٌ و بَينَ ما لَيسَ كذلكَ .
ص: 153
و مِنها: أنّ هذا القولَ يُبطِلُ التوَسُّعَ و التجَوُّزَ في الكلامِ ، و يُبطِلُ أيضاً التَّوريَةَ ؛ لأنّ التجَوُّزَ إنّما يَصِحُّ بأن يُستَعمَلَ اللفظُ المَوضوعُ لشيءٍ بعَينِه في غَيرِه.
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَقولَ : إنّ التجَوُّزَ هو أن يُستَعمَلَ مِثلُ اللفظِ المَوضوعِ لشيءٍ في غَيرِه.
و ذلكَ أنّ اللفظَينِ إذا كانا مِثلَينِ ، فلا بُدَّ فيما يَصِحُّ علىٰ أحَدِهما مِن الأحكامِ أن يَصِحَّ علَى الآخَرِ، و إذا جازَ أن تُستَعمَلَ (1) مِثلُ هذه اللفظةِ في غَيرِ الخَبَرِ و الأمرِ، جازَ أيضاً استِعمالُها بعَينِها في ذلكَ علىٰ سَبيلِ التجَوُّزِ.
و مِنها: أنّ هذا القولَ يَقتَضي انحصارَ مَن يُقدَرُ علىٰ أن يُخبَرَ عنه في كُلِّ حالٍ ، و أنّه يَكونُ القويُّ في هذا البابِ بخِلافِ الضعيفِ .
و إنّما قُلنا ذلكَ ؛ لأنّ القُدرةَ لا تَتعلَّقُ في الوقتِ الواحدِ، في المَحَلِّ الواحدِ، مِن الجنسِ الواحدِ بأكثَرَ مِن جزء(2) واحدٍ، و حُروفُ قولِ القائلِ : «زَيدٌ قائمٌ » مُماثِلةٌ لكُلِّ ما هذه صورَتُه مِن الكلامِ ، فيَجِبُ (3) أن يَكونَ أحَدُنا قادراً مِن عَدَدِ هذه الحُروفِ في كُلِّ وقتٍ علىٰ قَدرِ ما في لِسانِه مِن القُدَرِ. و في هذا ما قَدَّمناه مِن انحصارِ عَدَدِ مَن يَصِحُّ أن يُخبَرَ عنه، حتّىٰ لَو بَذَلَ مجهودَه في أن يُخبِرَ عن غَيرِهم لَما تأتّىٰ مِنه. و نَحنُ نَعلَمُ خِلافَ ذلكَ مِن كُلِّ قادرٍ.
و لا يَلزَمُ علىٰ ما ذَكَرناه أن تَكونَ إرادةُ الأخبارِ المُختَلِفةِ واحدةً ، و إلّاأدّىٰ إلَى
انحصارِ ما يُقدَرُ عليه مِن الأخبارِ.
و ذلكَ أنّ الإراداتِ التي «بها تَكونُ الأخبارُ أخباراً عن جَماعاتٍ مُتَغايِرةٍ »
ص: 154
مُختَلِفةٌ ، و القُدرةُ الواحدةُ تَتعلَّقُ (1) بما لا يَتَناهىٰ مِن المُختَلِفِ . و إنّما لا يَجوزُ ذلكَ في المُتَماثِلِ بالشُّروطِ التي ذَكَرناها. فبانَ أنّ الإراداتِ لا تُشبِهُ ما ألزَمناه في الحُروفِ المُتَماثِلةِ .
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَقولَ : إذا جازَ لأحَدِنا(2) أن يَفعَلَ بالقُدرةِ الواحدةِ في كُلِّ مَحَلٍّ كَوناً في جهةٍ بعَينِها، و لَم يَجِبْ أن يُقالَ : إنّه كَونٌ واحدٌ(3) يَصِحُّ وجودُه في المَحالِّ علَى البَدَلِ بالإرادةِ ، فألَا جازَ مِثلُ ذلكَ في الألفاظِ؟
و ذلك: أنّ القُدرةَ الواحدةَ لا يَنحَصِرُ مُتعلَّقُها مِن المُتَماثِلِ إذا اختَلَفَ المحالُّ ، كما لا يَنحَصِرُ مُتعلَّقُها مِن المُختلِفِ و الوقتُ و المَحَلُّ واحدٌ. (196) و ليس كذلِكَ ما تَتعلَّقُ (4) به مِن المُتَماثِلِ في المَحَلِّ الواحدِ و الوقتِ الواحدِ؛ لأنّها لا تَتعلَّقُ بأكثَرَ مِن جُزءٍ واحدٍ علىٰ هذه الشُّروطِ. فلَولا أنّ اللفظَ الواحدَ يَصِحُّ أن يُخبَرَ به عن كُلِّ زَيدٍ علَى البَدَلِ ، لَانحَصَرَ ما يُقدَرُ عليه مِن الأخبارِ.
و لَيسَ له أن يَدَّعيَ : أنّ مَحالَّ الحُروف المُتَماثِلةِ مُتَغايرةٌ ؛ كما قُلنا في الأكوانِ .
و ذلكَ : أنّ مِن المعلومِ أنّ مَخرَجَ الزايِ كُلَّه مَخرَجٌ واحدٌ، و كذلكَ مَخارِجُ كُلِّ حرفٍ ، و لهذا مَتىٰ لَحِقَت بعضَ مَحالِّ هذه الحُروفِ آفةٌ ، أثَّرَ ذلكَ في كُلِّ حُروفِ ذلكَ المَخرَجِ .
و إذا صَحَّت هذه الجُملةُ ، صَحَّ بصحّتِها ما قَصَدناه؛ مِن أنّ نفسَ ما وَقَعَ خبراً، قد كانَ يَجوزُ أن يَكونَ غَيرَ خبرٍ، فلا بُدَّ مِن أمرٍ له اختَصَّ بكَونِه خبراً(5). كما أنّ
ص: 155
الجَوهرَ لمّا اختَصَّ ببعضِ هذه الجهاتِ ، مع جوازِ كَونِه في غَيرِها، وجبَ أن لا يَختَصَّ بها إلّالأمرٍ مّا. و لا يَخلُقُ تُفنيدُ(1) هذا القولِ أيضاً أنّه يوجِبُ أن لا يَضطَرَّ أحَدُنا إلىٰ أنّ غَيرَه مريدٌ؛ لأنّ العِلمَ بأنّ الفاعلَ فاعلٌ لا يَكونُ إلّامُكتَسَباً بالأدلّةِ .
فأمّا المَذهَبُ الثاني: فالذي يُبَيِّنُ بُطلانَه، أنّ الإرادة إذا ثَبَتَ أنّها توجِبُ حالاً للمُريدِ، و أنّ إيجابَها للحالِ يَرجِعُ إلىٰ جنسِها و ما هي عليه في نفسِها، فيَجِبُ مَتىٰ وُجِدَ جنسُها مِن فِعلِ أيِّ (2) فاعلٍ كانَ ، أن توجِبَ (3) مِثلَ هذه الحالِ ؛ لأنّ موجَبَ
العِلَلِ لا يَتغيَّرُ بالفاعِلينَ ، علىٰ حَدِّ ما نَقولُه(4) في العِلمِ و الحركةِ و ما يوجِبُ حالاً لمَحَلٍّ أو جُملةٍ .
***
و مِنهم مَن ذَهَبَ إلىٰ أنّ إرادةَ أن يَكونَ (1) كَراهةٌ لئلّا يَكونَ ، و إرادةُ أن لا يَكونَ كَراهةٌ لأن يَكونَ .
و نَحنُ نُبيِّنُ فَسادَ ذلكَ :
أمّا تَميُّزُ الإرادةِ مِن الشَّهوةِ ، فبَيِّنٌ مِن وجوهٍ :
مِنها: أنّ الشَّهوةَ تَختَصُّ بالمُدرَكاتِ دونَ غَيرِها، و الإرادةَ تَتعلَّقُ بكُلِّ ما يُجوِّزُ المُريدُ حُدوثَه.
و مِنها: أنّ (2) المُرادَ قد يَكونُ ضرراً أو مؤَدّياً إليه، و المُشتَهىٰ لا يَكونُ إلّاممّا يُنتَفَعُ بتَناوُلِه.
و مِنها: أنّه قد يُريدُ ما لا يَصِحُّ وجودُه، إذا اعتَقَدَ صَحّةَ (3) ذلكَ فيه، و لا يَجوزُ مِثلُه في الشَّهوةِ .
و مِنها: أنّه قد يُريدُ فِعلَ غَيرِه، و لا يَجوزُ أن يَشتَهيَ ما يَنالُه غَيرُه.
و مِنها: أنّ ما يَنفي الشَّهوةَ مِن النِّفارِ، لا يَنفي الإرادةَ بل يُجامِعُها؛ لأنّه قد يَنفِرُ [عمّا يريدُ تناولَه من الدواءِ . و ما يُنافي الإرادةَ من الكراهةِ لا يُنافي الشهوةَ ؛ لأنّه قد](4) يَكرهُ في أيّامِ الصَّومِ تَناوُلَ المُشتَهىٰ مِن المأكولِ و المشروبِ .
و مِنها: أنّ الفِعلَ يَقَعُ علىٰ وَجهٍ بالإرادةِ دونَ الشَّهوةِ .
و منها: أنّ كَونَه مُلتَذّاً يَتبَع الشَّهوةَ دونَ الإرادةِ .
ص: 157
و منها: أنّ الإرادةَ نفسَها يَصِحُّ أن تُرادَ(1)، و لا يَصِحُّ مِن المُشتَهي [شَهوةُ ](2)الشَّهوةِ .
و مِنها: أنّه قد يُريدُ الشيءَ و يَكرَهُ مِثلَه، و لا يَصِحُّ أن يَشتَهيَ الشيءَ و يَنفِرَ عن مِثلِه.
و مِنها: أنّه قد يَجِدُ نَفسَه قَوِيَّ الشَّهوةِ تارةً ، و ضَعيفَها أُخرىٰ ، و حالُه في الإرادةِ
لا يَختَلِفُ .
و مِنها: أنّ ما دَعا إلَى الفِعلِ يَدعو إلَى الإرادةِ ، و ذلكَ لا يَتِمُّ في الشَّهوةِ .
و مِنها: أنّ الإرادةَ مقدورةٌ للعِبادِ، و الشَّهوةُ لا تَدخُلُ تَحتَ مقدورِهم.
و مِنها: أنّ إرادةَ القَبيحِ قَبيحةٌ ، و شَهوةُ القَبيحِ غَيرُ قَبيحةٍ .
و ما ذَكَرناه يُبطِلُ أن تَكونَ الكَراهةُ (3) هي نِفارَ الطبعِ .
علىٰ أنّ القولَ بأنّ إرادةَ كَونِ ما لا يَكونُ شَهوةً ، يوجِبُ أن يَجِدَ أحَدُنا مَتىٰ أرادَ الأُمورَ المُستَقبَلةَ ، الفَصلَ بَينَ حالِه مُريداً لِما المعلومُ أنّه (197) لا يَكونُ (4)، و حالِه إذا أرادَ ما المعلومُ أنّه يَكونُ ؛ لأنّ علىٰ أحَدِ الأمرَينِ حالُه حالُ المُشتَهي، و علَى الوَجهِ الآخَرِ حالُه حالُ المُريدِ. و في عِلمِنا بأنّه لا فَصلَ يَجِدُه الواحِدُ مِنّا في ذلكَ ، دَلالةٌ علىٰ فَسادِ قولِهم.
علىٰ أنّ الأمرَ لَو كانَ علىٰ ما ذَكَروا، لَم يَكُن لسؤالِ مَن يُريدُ الفِعلَ مِن غَيرِه:
ص: 158
«هَل فَعَلَه أم لا؟» معنىً ؛ لأنّه إذا تَبيَّن الفَصلَ مِن نَفسِه(1)، لَم يَكُن به إلَى السؤالِ حاجةٌ .
هذا إذا قالوا: إنّ إرادةَ ما لا يَكونُ شَهوةٌ علَى الحقيقةِ .
فأمّا إنِ اعتَرَفوا بمُخالَفتِها لجنسِ الشَّهوةِ ، و للمعنَى الذي يوجِبُ الالتذاذَ بالمُدرَكِ ، و سَمَّوها مع ذلكَ ، مَتىٰ تَعلَّقَت بما لا يَكونُ ، بأنّها شَهوةٌ ، فقَد خالَفوا في عبارةٍ ، و حينَئذٍ لا يَتِمُّ لَهم ما حاوَلوه مِن الفِرارِ عن القولِ بأنّه تَعالىٰ يُريدُ ما لا يَكونُ ؛ لأنّا لا نأبىٰ على هذا التفسيرِ أن يَكونَ تَعالىٰ مُشتَهياً.
فأمّا التَّمَنّي: فإن كانَ قولاً - علىٰ ما يَذهَبُ إليه أبو عَليٍّ (2) - فمُفارَقتُه للإرادةِ لا تَشكُلُ .
و إن كانَ معنىً في القَلبِ يُطابِقُ القولَ - علىٰ ما يَذهَبُ إليه أبو هاشمٍ (3) - فهو يُفارِقُ أيضاً الإرادةَ .
لأنّ التَّمَنّيَ يَتعلَّقُ بالماضي و بأن لا(4) يَكونَ علىٰ حَدِّ ما كانَ ، و الإرادةَ لا يَجوزُ ذلكَ فيها.
و لأنّ التَّمَنّيَ حالُه في سائرِ ما يَتعلَّقُ به علىٰ سَواءٍ ، في أنّه لا يؤَثِّرُ في شَيءٍ مِنه، و لا يَقتَضي وقوعَه علىٰ وَجهٍ ، و الإرادةَ بخِلافِ ذلك.
و للإرادةِ ضِدٌّ، و لا ضِدَّ للتَّمَنّي.
ص: 159
و لأنّه يَصِحُّ أن تُرادَ(1) الإرادةُ ، و لا يَصِحُّ أن يُتَمنَّى التَّمَنّي.
و ما ذَكَرناه مِن قَبلُ في مُفارَقةِ الشَّهوةِ للإرادةِ - مِن أنّ أحَدَنا لا يَجِدُ الفَرقَ بَينَ ما يُريدُه فيما المعلومُ أنّه يَكونُ ، و بَينَ ما المعلومُ أنّه لا يَكونُ - واضحٌ أيضاً في التَّمَنّي؛ لأنّ الفَصلَ علىٰ قولِهم بَينَ الحالَينِ واجبٌ ، و ما نَجِدُه.
و كانَ علىٰ هذا يَجِبُ أن يَستَحيلَ وصولُ مُتَمَنٍّ إلىٰ ما تَمَنّاهُ ؛ لأنّه لا يَكونُ علىٰ قولِهم مُتَمَنّياً إلّالِما لا يوجَدُ.
و يَجِبُ أن يكونَ الرَّسولُ - عليه السّلام - و سائِرُ المُؤمِنينَ لَم يُريدوا قَطُّ الإيمانَ مِن أبي لَهَبٍ و مَن جَرىٰ مَجراه مِن الكُفّارِ.
هذا إن خالَفوا في المعنىٰ ، و إن رَجَعَ الخِلافُ إلَى العِبارةِ ، صِرنا معهم إلىٰ ما تَقدَّمَ .
فأمّا ما يَفسُدُ به قولُ مَنِ ادّعىٰ أنّ الإرادةَ كَراهةٌ [لِضدِّه] فوجوهٌ :
مِنها: أنّ أحَدَنا يَفصِلُ بَينَ كَونِه مُريداً و كارِهاً، كما يَفصِلُ بَينَ كَونِه مُريداً و مُعتَقِداً، فلَو كانَت إرادةُ الشيءِ كَراهةً لضِدِّه، لَوجبَ أن يَجِدَ مِن نَفسِه الكَراهةَ للضِّدِّ مَتىٰ أرادَ ضِدَّه علىٰ كُلِّ حالٍ ، و ما يَجِدُ ذلكَ . و لهذا صَحَّ أن يُريدَ الضِّدَّينِ علَى البَدَلِ ؛ إمّا مِن نَفسِه أو غَيرِه؛ كنَحوِ إرادتِه مِن نَفسِه الصلاةَ في الجهتَينِ مِن المَسجِدِ و مِن غَيرِه، و إرادتِه و هو جالِسٌ في دارِه أن يَخرُجَ مِن البابَينِ علَى البَدَلِ .
و مِنها: أنّه كانَ يَجِبُ في القَديمِ تَعالىٰ أن يَكونَ غَيرَ مُريدٍ للنوافِلِ ؛ لأنّ إرادتَه
ص: 160
[لها] تَقتَضي(1) كراهةَ تُروكِها، و التُّروكُ حَسَنةٌ ، و كَراهةُ الحَسَنِ قَبيحةٌ .
و مِنها: أنّ أحَدَنا يُميِّزُ بَينَ كَونِه مريداً مِن غَيرِه القيامَ بالواجبِ ، و كَونِه مُريداً منه النوافِلَ ، و علىٰ هذا القولِ لا فَصلَ بَينَ الأمرَينِ .
و مِنها: أنّ هذا القولَ يؤَدّي [إلىٰ ] أن يَكونَ الضِّدّانِ مُرادَينِ في الحالِ الواحِدةِ ، بَل إلىٰ أنّ الإرادةَ الواحدةَ تَتَناوَلُ الضِّدَّينِ ، و هذا مُستَحيلٌ عندَهم؛ و غَيرُ جائزٍ علىٰ ما نَقولُه أيضاً مِن(2) أنّ إرادتَيِ الضِّدَّينِ لا تَتَضادّانِ (3)؛ لأنّه(4) لا يَصِحُّ لأمرٍ يَرجِعُ إلَى الدواعي. (198)
و(5) مِنها(6): أنّه يؤَدّي إلىٰ كَونِه مُريداً للشيءِ الواحدِ كارهاً له في الوقتِ الواحدِ علَى الوَجهِ الواحدِ؛ لأنّه إذا أرادَ شيئاً له (187) ضِدّانِ ، كالقُعودِ في الدارِ الذي له ضِدّانِ ؛ مِن الانتصابِ فيها و الخُروجِ منها، فإرادةُ القُعودِ كَراهةٌ للخُروجِ و الانتصابِ ، و كَراهةُ الخُروجِ إرادةٌ للانتصابِ ، فيَجِبُ أن يَكونَ الانتصابُ مُراداً مكروهاً!
و إنّما قُلنا: إنّه يؤَدّي إلىٰ ذلكَ ؛ لأنّ كَراهةَ القُعودِ يَجِبُ أن تَكونَ إرادةَ الحركةِ يَمْنةً و يَسْرةً مع تَضادِّها. و كذلكَ مَتىٰ أرادَ الشيءَ الذي له ضِدّانِ ، يَجِبُ أن يَكرَهَ أحَدَهما، و كَراهَتُه له توجِبُ كَونَه مُريداً للضِّدِّ الآخَرِ، فيَجِبُ تَعذُّرُ الموجِبِ لا لِمُصَحِّحٍ .
ص: 161
و لنا في القَطعِ على أحَدِ الوَجهَينِ نظرٌ(1)؛ لَعلَّنا أن نَتَقَصّاه فيما بَعدُ بِمَشيّةِ اللّٰهِ .
و منها(2): أنّ هذا القولَ يؤَدّي إلىٰ تَعلُّقِ المعنَى الواحدِ علىٰ سبيلِ التفصيلِ بأمرَينِ ، و ذلكَ لا يَجوزُ.
و منها: أنّ الإرادةَ لَو تَعلَّقَت بأمرَينِ ، لَوجبَ أن تَتعلَّقَ (3) بهما علىٰ جهةٍ واحدةٍ ، حتّىٰ تَكونَ إرادةً لهما؛ لأنّ شِياعَ التعلُّقِ فيما يَتَعلَّقُ بغَيرِه، يَقتَضي أن يَشيعَ علىٰ حَدٍّ واحدٍ، فيَجِبُ إمّا أن تكونَ إرادةً لهما أو كراهةً لهما.
و منها: أنّه لَو جازَ أن تكونَ (4) إرادةُ الشيءِ كَراهةً لضِدِّه، لَجازَ أن يَكونَ العِلمُ بالشيءِ جهلاً بضِدّه(5)، و القُدرةُ علَى الشيءِ عَجزاً عن ضِدِّه؛ فما يَمتَنِعُ (6) مِن أحَدِ الأمرَينِ يَمتَنِعُ مِن الآخَرِ.
و منها: أنّ الإرادةَ للشيءِ لَو كانَت كَراهةً لضِدّه، لَتعلَّقَت بالأضدادِ؛ اعتَقَدَها المُريدُ أم لَم يَعتَقِدْها، و قد عَلِمتَ أنّ ذلكَ مُحالٌ .
فأمّا قَولُ مَن ذَهَبَ إلىٰ أنّ إرادةَ الشيءِ كَراهةٌ لِأن لا يَكونَ : فأكثَرُ ما تَقدَّمَ
ص: 162
يُفسِدُه، و المُعتَمَدُ في ذلكَ علىٰ أنّا نَجِدُ نُفوسَنا مُريدينَ لِحُدوثِ الشيءِ مِن غَيرِ أن نَجِدَها كارهةً له علىٰ وجهٍ آخَرَ، فكانَ يَجِبُ علىٰ هذا أن لا يَجِدَ أحَدُنا الفَصلَ بَينَ كَونِه مُريداً و كارِهاً؛ لأنّه متىٰ كانَ علىٰ أحَدِ الأمرَينِ فهو علَى الآخَرِ، فكانَ يَجِبُ أن نَكونَ كارِهينَ ، لأن لا تَكونَ (1) النوافِلُ ، و أن لا نُميِّزَ بَينَ كَونِنا مُريدينَ مِن غَيرِنا الواجِبَ و النَّفْلَ ، و يؤَدّي إلىٰ أن نَكرَهَ (2) مِن الوجوهِ ما لا نَعلَمُه وَ لا نَعتَقِدُه، و
كانَ يَجِبُ فيما له ثلاثةُ وجوهٍ مُتَضادّةٍ مِن الأفعالِ ، متىٰ أرادَ كَونَه علَى الأوّلِ أن يَكرَهَ كَونَه علَى الثاني و الثالثِ ، و كَراهتُه لِأن يَكونَ علَى الثالثِ ، إرادةٌ لأِن يَكونَ علَى الثاني و الأوّلِ ، فيَجِبُ أن يَكونَ الوَجهُ الثاني مُراداً مكروهاً.
علىٰ أنّ ما يُبطِلُ أن تَتعلَّقَ الإرادةُ أو الكراهةُ بأن لا يَكونَ الشيء، يُبطِلُ هذا القولَ .
***
اعلَمْ أنّ الإرادةَ قد تَتقدَّمُ المُرادَ و تُقارِنُه، و لا بُدَّ في الإرادةِ المؤَثّرةِ مِن أن تُقارِنَ المُرادَ لِتؤَثِّرَ فيه.
و لا إشكالَ في تَقدُّمِ الإرادةِ ؛ لأنّ أحَدَنا يَجِدُ نَفسَه مُريداً للفِعلِ و عازِماً عليه قَبلَ أن يَفعَلَه، و يُريدُ المُسَبَّبَ في حالِ السببِ .
ص: 163
و إنّما قُلنا: إنّها لا بُدَّ مِن أن تُقارِنَ المُرادَ لتؤَثِّرَ فيه، و أنّ تَقدُّمَها لا يَكفي في ذلكَ .
مِن حَيثُ يَقَعُ الفِعلُ علىٰ وَجهٍ قد كانَ يَجوزُ أن يَقَعَ علىٰ خِلافِه، فيَجِبُ أن يَكونَ ما له وَقَعَ علىٰ أحَدِ الوَجهَينِ مُصاحِباً؛ ليَختَصَّ مِن أجلِه بأحَدِهما. و لَو كانَ ما تَقدَّم مِن الإرادةِ هو المؤَثِّرَ في وقوعِه علىٰ أحَدِ الوَجهَينِ ، لَكانَ الفِعلُ في حالِ وقوعِه يَقَعُ علىٰ وَجهٍ لا يَجوزُ أن يَقَعَ علىٰ غَيرِه بَدَلاً منه، و المعلومُ خِلافُ ذلكَ .
و اعلَمْ أنّ ما تؤَثِّرُ فيه الإرادةُ ، قد يَكونُ فِعلاً، و قد يكونُ جُملةً مِن الأفعالِ .
و ما هو فِعلٌ واحدٌ يَنقَسِمُ إلىٰ : مُبتَدَإٍ، وَ مُتولِّدٍ.
فالمُبتَدأُ يَجِبُ مُقارَنةُ الإرادةِ له.
وَ المُتولِّدُ علىٰ ضَربَينِ : مُصاحِبٍ لسببِه، و مُتَراخٍ عنه.
فالمُصاحِبُ لسبِبه مِن المُتولِّدِ يَجِبُ أيضاً أن تُقارِنَه(1) الإرادةُ لتؤَثِّرَ فيه.
و المُتَراخي: يَجوزُ أن تُقارِنَ الإرادةُ لسببِه؛ لأنّه - عندَ وجودِ المُسَبَّبِ - في حُكمِ الموجودِ؛ مِن حَيثُ خَرَجَ عن مقدورِ فاعلِه.
فأمّا ما هو جُملةٌ مِن الأفعالِ يوجَدُ شيئاً فشيئاً، كالكلامِ الذي يَقَعُ خبراً و أمراً، فيَجِبُ أن تَكونَ (2) الإرادةُ المؤَثِّرةُ فيه مُقارِنةً لأوّلِ جُزءٍ منه؛ لأنّه لَيسَ يُمكِنُ أن تُقارِنَ جميعَه، و لا يَجوزُ أن تؤَثِّرَ(3) فيه و هي مُتَقدِّمةٌ له أو مُتأخِّرةٌ عنه؛ لما تَقدَّمَ .
فلَم يَبقَ في تأثيرِها في جميعِ الخبرِ إلّاأنّ تُقارِنَ أوّلَه، فتُؤثِّرَ(4) في جَميعِه؛ لأنّ
ص: 164
الحُكمَ يَرجِعُ إلىٰ جميعِ الخبرِ. و يَجري في هذا الكتابِ (1) مَجرَى اختصاصِ العِلمِ
بالحُلولِ في بَعضِ العالِمِ ، و إن كانَ تأثيرُه يَرجِعُ إلى الجُملةِ ؛ لمّا لَم يُمكِن أن يَحُلَّ الجُملةَ .
***
الذي يَدُلُّ علىٰ ذلكَ : أنّها لَو أَوجَبَتِ الفِعلَ ، لَم يَخلُ مِن أن توجِبَه(2) إيجابَ العِلّةِ للمعلولِ ، أو إيجابَ السببِ للمُسَبَّبِ .
و لا يَجوزُ أن تكونَ موجِبةً إيجابَ العِلَلِ ؛ لأنّه كانَ يَجِبُ أن تَختَصَّ (3)بمَحَلِّ الفِعلِ ضَرباً مِن الاختصاصِ ؛ لأنّ العِلَلَ علَى اختلافِها لا توجِبُ المعلولَ إلّا بَعدَ أن يَكونَ بَينَها و بَينَه اختصاصٌ في كيفيّةِ الوجودِ، و لهذا أَوجَبَت(4) العلومُ الحالّةُ في زَيدٍ كَونَه عالِماً، و لَم توجِبْ لِغَيرِه. و نَحنُ نَعلَمُ أنّ الإرادةَ تَختَصُّ (5) القَلبَ (6)، و الحركةَ توجَبُ في أطرافِ البَدَنِ ، فلا اختصاصَ بينَها وَ
ص: 165
بَينَ الحركةِ علىٰ وَجهٍ مِن الوجوهِ .
و أيضاً: فلَو كانت عِلّةً لَما تَقدَّمَت معلولَها، و قد عَلِمنا تَقدُّمَ الإرادةِ للمُرادِ(1).
و أيضاً: فإنّ الإرادةَ تَتقدَّمُ المُرادَ، و تُعدَمُ في حالِ وجودِه؛ لأنّها لا تَبقىٰ ، و العِلّةُ لا توجِبُ المعلولَ و هي معدومةٌ ؛ لأنّ عدمَها يُخرِجُها عن الصفةِ التي توجِبُ [معها].
و لَيسَ يَجوزُ أن توجِبَ الإرادةُ الفِعلَ إيجابَ السببِ ؛ لأنّ : القُدرةَ علَى السببِ هي قُدرةٌ علَى المُسبَّبِ ، [وَ] لولا (199) ذلكَ لَصَحَّ أن يُفعَلَ السببُ و لا يوجَدَ المُسَبَّبُ ، مِن غَيرِ مَنعٍ (2) بأن لا يُعمِلَ الفاعلُ قُدرتَه فيه. و لَو فُعِلَ المُسبَّبُ بقُدرةٍ ثانيةٍ لَخرجَ مِن أن يَكونَ مُتولِّداً إلىٰ أن يَكونَ مُبتَدأً.
و إذا ثَبَتَ ما ذَكَرناه مِن أنّ [القدرةَ علَى](3) السببِ قُدرةٌ علَى المُسبَّبِ ، فلَو كانتِ الإرادةُ موجِبةً ، لَأَوجَبَتِ الحركةَ في الجارحةِ (4) التي لا قُدرةَ فيها، و كانَ يَجِبُ مَتىٰ أرادَ العاجِزُ - الذي لا قُدرةَ في يَدِه - أن يُحرِّكَ يَدَه أن يَتَأتّىٰ ذلكَ ؛ لوجودِ السببِ و احتمالِ المَحَلِّ . و قد بيّنّا أنّ قُدرتَه علَى السببِ [قُدرةٌ علَى المُسبَّبِ ]. فلا(5) يُمكِنُ أن يُقالَ : إنّما لَم تُوجَدِ الحركةُ لأنّه غَيرُ قادرٍ عليها.
ص: 166
و أيضاً: فلَو كانَت موجِبةً إيجابَ السببِ ، لأََوجَبَتِ المُرادَ في الثاني علىٰ كُلِّ
حالٍ ، و قد عَلِمنا أنّ المُرادَ قَد يَتأخَّرُ أوقاتاً كثيرةً .
و كانَ يَجِبُ أيضاً أن توجِبَ (1) فِعلَ الغَيرِ و إن كانَ عاجزاً، و الفِعلَ المُحكَم و إن لَم يَكُنِ الفاعلُ عالِماً به.
و ممّا استُدِلَّ به علىٰ ذلكَ : أنّا قد عَلِمنا أنّ الإرادةَ تَتعلَّقُ بفِعلِ غَيرِ المُريدِ، كما تَتعلَّقُ (2) بفِعلِه، و خِلافُ مَن خالَفَ في ذلكَ ظاهرُ الفَسادِ؛ لأنّا نَعلَم مِن أنفُسِنا ضَرورةً أنّ حالَنا فيما نُريدُه مِن نُفوسِنا لا يُخالِفُ حالَنا فيما نُريدُه مِن غَيرِنا، كما أنّ حالَ ما نَعلَمُه مِن مقدُورِنا [لا يُخالِفُ حالَ ما نَعلَمُه مِن مقدورِ] غَيرِنا. فإن جازَ أن يُقالَ فيما نُريدُه مِن الغَيرِ: إنّه تَمَنٍّ أو شهوةٌ ، جازَ ذلكَ فيما نُريدُه مِن أنفُسِنا؛ لارتفاعِ الفَرقِ . و إذا ثَبَتَ ذلكَ ، فلَو كانَتِ الإرادةُ موجِبةً ، لَأَوجَبَت فِعلَ الغَيرِ؛ لِتَعلُّقِها بالأمرَينِ علىٰ حَدٍّ واحدٍ.
و لَيسَ لهم أن يَقولوا: إنّها إنّما لَم تُوجِبْ فِعلَ الغَيرِ مِن حَيثُ لَم يَكُن مقدوراً للمُريدِ، و أنّ ذلكَ يَجري مَجرَى المَنعِ مِن التَّوليدِ(3).
لأنّا قد بيّنّا أنّ المُسَبَّبَ يَجِبُ أن يَكونَ مقدوراً للقادرِ علَى السببِ ؛ فما مَنَعَ مِن القُدرةِ علَى المُسبّبِ ، يَجِبُ أن يكونَ مانعاً مِن القُدرةِ علَى السببِ .
على أنّ ما لا يَجوزُ ارتفاعُه علىٰ وَجهٍ ، لا يَجوزُ أن يَكونَ منعاً، و مقدورُ زَيدٍ لا يَجوزُ أن يكونَ مقدورَ الغَيرِ؛ فكيفَ يُجعَلُ مَنعاً مِن تَوليد الإرادةِ (4)؟
ص: 167
و ممّا يَدُلُّ علىٰ أنّ الإرادةَ لا توجِبُ الأفعالَ إيجابَ الأسبابِ : أنّ مِن شَرطِ كُلِّ سببٍ تَولَّدَ في غَيرِ مَحَلِّه أن يَكونَ بَينَه و بَينَ ما تَولَّدَ فيه مُماسّةٌ له، أو مُماسّةٌ لما ماسَّه. و لهذا لَم يَصِحَّ مِن أحَدِنا أن يُوَلِّدَ باعتمادِ يَدهِ في غَيرِه الحركاتِ و الاعتماداتِ و الأصواتِ و ما جَرىٰ مَجراها، إلّامع الشرطِ الذي ذَكَرناه. و الأسبابُ مع اختلافِها مُتَّفِقةٌ في أنّها لا تُوَلِّدُ إلّا [مع] هذا الشرطَ، كما أنّ القُدَرَ مع اختلافِها مُتَّفِقةُ المَقدورِ في الجنس. و هذا الشرطُ لا يَصِحُّ حُصولُه بَينَ الإرادةِ و المُرادِ؛ لأنّها تَحُلُّ القَلبَ ، فكيفَ توجِبُ أفعالَ الجَوارحِ؟
و لَيسَ لأحَدٍ أن يقولَ : إنّها توجِبُ الأفعالَ التي تَظهَرُ في الجَوارحِ المُماسّةِ التي بَينَها و بَينَ هذه الجَوارِحِ .
و ذلكَ أنّ كُلَّ شيءٍ حَرَّكناه بالمُماسّةِ ، فلا بُدَّ مِن أن يُحَرِّكَ الجسمَ الذي يُماسُّه
به، و قد عَلِمنا أنّا نَبتَدئُ الحركةَ في الأطرافِ مِن غَيرِ تحريكِ ما يَتَّصِلُ بها.
و إنّما اشتَبَهَ علىٰ مَن ذَهَبَ إلىٰ أنّها مُوجِبةٌ ؛ مِن حَيثُ إرادةِ القادرِ المُتمكِّنِ مَتىٰ أرادَ الفِعلَ وُجِدَ لا مَحالةَ ، فتَوَهَّمَ أنّها مُوجِبةٌ .
و ليس ذلكَ بأن يَقتَضيَ أنّ الإرادةَ موجِبةٌ للمُرادِ، بأَولىٰ مِن أن يَقتضيَ أنّ المُرادَ يوجِبُها؛ لأنّ كُلَّ واحدٍ مِنهما لا يوجَدُ إلّامع صاحبِه. و قد توجَدُ الإرادةُ و يُمنَعُ (1) المُرادُ، و كذلكَ قد يوجَدُ المُرادُ و يُمنَعُ مِن الإرادةِ ، فلا فَصلَ بَينَهما في الوَجهِ الذي اشتَبَهَ . بل لَو قيلَ : إنّ المُرادَ يوجِبُ الإرادةَ (200) كانَ أقربَ ؛ مِن حَيثُ كانَت الإرادةُ تابعةً له فيما له يُفعَلُ أو يُترَكُ .
ص: 168
و بَعدُ، فلَو قيل: إنّ الإرادةَ و المُرادَ جَميعاً مُوجَبانِ عن الدواعي، لَكانَ أقرَبَ ؛ لأنّهما معاً يَتبَعانِ الداعيَ ، و بحَسَبهِ يوجَدانِ ، و كُلُّ هذا واضحٌ .
و أمّا ما تَعلَّقَ به البَلخيُّ - في أنّ الإرادةَ موجِبةٌ مِن أنّ المُريدَ لِلحركةِ إلىٰ أقرَبِ الأماكنِ ، لا يَخلو مِن أمرَينِ : إمّا أن يَجوزَ عليه الانصرافُ إلىٰ ضِدِّها، أو لا يَجوزَ ذلكَ .
فإن جازَ عليه، لَم يَخلُّ الضِّدُّ الذي فَعَلَه مِن أن يَكونَ وَقَعَ بإرادةٍ ، أو بغَيرِ إرادةٍ .
فإن كانَ بإرادةٍ ، فيَجِبُ أن تَتقدَّمَ (1) الفِعلَ ، و هذا يَقتَضي كَونَه مُريداً للضِّدَّينِ .
و لا يَجوزُ أن يَقَعَ بغَيرِ إرادةٍ و علىٰ سَبيلِ السهوِ؛ لأنّ السهوَ لا بُدَّ مِن أن يَتقدَّمَه سببٌ ، و مُضادّةُ سببِ السهوِ لإرادةِ الحركةِ ، و استحالةُ اجتماعِه معها، كاستحالةِ اجتماعِ إرادةِ ضِدِّ الحركةِ مع إرادةِ الحركةِ .
فلَم يَبقَ إلّاأنّ الحركةَ يَجِبُ وجودُها في الثاني، و هذا معنَى الإيجابِ -.
فواضحُ البُطلانِ ؛ لأنّه بَنَى الكلامَ علىٰ أنّ وجودَ الإرادةِ مع المُرادِ لا يَصِحُّ ، و هذا هو الصحيحُ ، و قد دَلَّلنا فيما تَقدَّمَ عليه(2). و لَيسَ يَمتَنِعُ علىٰ هذا أن يُريدَ الحركةَ ، ثُمّ يَبدُوَ له فيَفعَلَ في الثاني السُّكونَ بإرادةٍ مُصاحِبةٍ له.
و ما ذَكَره في السهوِ أيضاً غَيرُ صحيحٍ ؛ لأنّه لَيسَ يجِبُ أن يَكونَ للسهوِ أسبابٌ متقدِّمةٌ ، و غَيرُ مُمتَنِعٍ أن يَسهُوَ في الثاني فيَفعَلَ ضِدَّ ما أرادَه في الأوّلِ .
***
ص: 169
الّذي يَدُلُّ علىٰ ذلك: أنّ أحَدَنا قد يَخرُجُ مِن كَونِه مُريداً للشيءِ ، مِن غَيرِ أن يَكونَ كارِهاً له. فلَو كانَت الإرادةُ تَبقىٰ ، لَم يَجُز أن تَفنىٰ (1) إلّابضِدٍّ أو ما جَرىٰ مَجراه، كسائرِ الأجناسِ الباقياتِ . و الأمرُ في أنّ أحَدَنا يَخرُجُ مِن كَونِه مُريداً(2) لا إلىٰ ضِدٍّ ظاهرٌ، فلا حاجةَ بنا إلَى الدَّلالةِ عليه.
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَقولَ : فلَعلَّه إنّما يَخرُجُ بخُروجِ المُرادِ مِن صحّةِ تَعلُّقِ الإرادةِ به.
و ذلكَ أنّه قد يَخرُجُ عن كَونِه مُريداً مع جَوازِ كَونِ ذلكَ الشيءِ مُراداً.
و لَيسَ له أن يَقولَ : فيَجِبُ إن كانَت لا تَبقىٰ ، أن لا يَدومَ كَونُ أحَدِنا مُريداً للشيءِ الواحدِ، و يَستَمِرَّ أوقاتاً مُتَّصِلةً .
و ذلكَ : أنّ استمرارَ كَونهِ مُريداً، لا يَمتَنِعُ و إن كانتِ الإرادةُ لا تَبقى؛ بأن يَفعَلَ إراداتٍ مُتماثِلةً فيَستَمِرَّ حالُه في كَونِه مُريداً؛ لأنّ الإرادةَ إذا كانَت تابعةً للدواعي، جازَ أن تُجَدَّدَ حالاً بعد حالٍ ما دامَ الدواعي ثابتةً (3).
ص: 170
و ممّا يَدُلُّ أيضاً علىٰ أنّها لا تَبقىٰ : أنّ في بَقائها صحّةَ كَونِ أحَدِنا مُريداً لِما يَعلَمُه ماضياً. و إنّما قُلنا ذلكَ ؛ لأنّها إذا تَعلَّقَت بفِعلٍ ثُمّ مَضىٰ ، فمُضيُّه لا يوجِبُ عدمَها؛ لأنّه لَيسَ بضِدٍّ و لا جارٍ مَجراه، فيَجِبُ أن تَكونَ (1) باقيةً (2) و مُتعلِّقةً بالماضي، و قد عَلِمنا فَسادَ ذلكَ .
***
[9] فَصلٌ في بيانِ مَعاني الأسماءِ المُختَلِفةِ التي تَجري علَى الإرادةِ و الكَراهةِ ، و تمييزِ(3) فَوائدِها
اعلَمْ أنّ الإرادةَ هي المحبّة؛ بدَلالةِ أنّ كُلَّ مَن أرادَ شيئاً فقد أحبَّه، و مَن أحبَّه فقَد أرادَه، و لَو اختَلَفَتا لَم يَجِبْ ما ذَكَرناه.
و أيضاً: فإنّ بالكَراهةِ الواحدةِ يَخرُجُ الإنسانُ مِن كَونِه مُحِبّاً و مُريداً للأمرِ الذي تَعلَّقَت الكَراهةُ به، و هذا أيضاً يَدُلُّ علىٰ أنّ معناهما واحدٌ.
و لَيسَ يُمكِنُ أن يُقالَ : إنّما وجبَ ما ذَكَرتُم، مِن حَيثُ كانَ كُلُّ واحدٍ مِن الإرادةِ
ص: 171
و المَحبّةِ مُحتاجاً إلىٰ صاحِبِه.
لأنّ ذلك يؤَدّي إلَى ارتفاعِ (201) الطريقِ الموصِلِ إلىٰ أنّهما غَيرانِ ، و إلىٰ أن يَجوزَ وجودُ مَعانٍ زائدةٍ علىٰ ما عَقَلناه، و ذلك بابُ التجاهُلِ .
و لا يُمكِنُ أن يُجعَلَ أحَدُهما هو المُحتاجَ إلَى الآخَرِ؛ لأنّه يوجِبُ صحّةَ وجودِ المُحتاجِ إليه و إن لَم يوجَدِ المُحتاجُ ، كما نَقولُه في العِلمِ و الحَياةِ .
و أمّا التعَلُّقُ بقولِهم: «فلانٌ يُحِبُّ فُلاناً» و إن استحالَ أن يُقالَ : إنّه يُريدُه، و كذلكَ يُحِبُّ وَلَدَه و جارِيَتَه، و يُحِبُّ الدَّراهِمَ و اللَّحمَ ، و إن لَم تُستَعمَلِ الإرادةُ في كُلِّ ذلك، فواضِحُ البُطلانِ ؛ لأنّ إطلاقَ العباراتِ لا يؤَثِّرُ فيما تَدُلُّ (1) عليه الأدلّةُ ، و لا يُعتَرَضُ بها على الأدلّةِ بَل يَجِبُ العُدولُ عن ظاهرِها، و صَرفِها إلى ما يُطابِقُ الأدلّةَ .
و كما أنّ الإرادةَ لا تَتعلَّقُ بالذَّواتِ الباقياتِ ، فكذلكَ المَحبّةُ . و معنىٰ قَولِهم:
«أُحِبُّ زَيداً» أنّني أريدُ مَنافِعَه، و لا أُريدُ شيئاً مِن مَضارِّه، و حَذَفوا ذِكرَ المحبوبِ علَى الحقيقةِ ؛ اختِصاراً و تعويلاً علَى المعرفةِ به، فكأنّهم استَطالوا أن يَقولوا: «أُرِيدُ مَنافِعَه و لا أُريدُ مَضارَّه»، فأقاموا مَقامَ ذلكَ قَولَهم: «أُحِبُّه»، و هذه(2) عادتُهم في كثيرٍ مِن ألفاظِهِم المُختَصَرةِ .
ثُمّ تَعارَفوا الحَذفَ و استَحسَنوه مع لفظِ المَحبّةِ ، و لَم يَستَحسِنوه مع لفظِ الإرادةِ ، حَتّىٰ يَقولوا: «أُريدُ زيداً»؛ لأنّه لَيسَ يَمتَنِعُ أن يَخُصّوا بعضَ الألفاظِ بكيفيّةٍ في الاستعمالِ ، و لَم يَفعَلوا ذلكَ في كُلِّ ما جَرىٰ مَجراه و كانَ في معناه؛ ألا تَرى
ص: 172
أنّهم يُعَبِّرونَ بقَولِهم: «غائط» عن قَضاءِ الحاجةِ ، و لا يستَعمِلونَ ذلكَ في كُلِّ لفظٍ معناهُ معنىٰ قَولِهم: غائط؟
و الذي يُبَيِّنُ صحّة ما ذَكَرناه: أنّه لَو كانَ معنىٰ قولِهم: «أُحِبُّ زيداً» غيرَ ما ذَكَرناه، لَم يجِبْ فيمن أحَبَّه أن يَكونَ مُريداً لمَنافِعِه. و لأنّهم لَو أظهَروا المحذوفَ فقالوا:
«فُلانٌ يُحِبُّ مَنافِعَ فُلانٍ » لَكانَ أكشَفَ و أبلَغَ في مُرادِهم، فدَلَّ ذلكَ علىٰ أنّ المعنىٰ ما ذَكَرناه.
و أمّا قولُهم: «فُلانٌ يُحِبُّ وَلَدَه» فَجارٍ(1) على ما ذَكَرناه، و يَجوزُ أيضاً أن يُرادَ به أنّه يُريدُ النظَرَ إليهم، و تقريبَهم مِنه؛ لمكانِ سُرورِه بذلكَ .
و قولُهم: «فُلانٌ يُحِبُّ جارِيَتَه» معناه: يُريدُ الاستمتاعَ بها. و قال قومٌ : يَشتَهي الاستمتاعَ بها، و أنّه عَبَّرَ عن الشَّهوةِ بالمَحبّةِ مَجازاً(2).
و القولُ في اللَّحمِ يَجري في الوَجهَينِ مَجرىٰ ما ذَكَرناه في الجاريةِ .
و قولُهم: «يُحِبُّ الدَّراهِمَ » معناه: يُريدُ الانتفاعَ بها، أو جمعَها و ادِّخارَها.
و أمّا قولُهم: «فلانٌ يُحِبُّ اللّٰهَ تَعالىٰ » فمعناه: أنّه يُريدُ عِبادتَه و شُكرَه و تعظيمَ أوليائه.
و إذا صَحَّ في معنى «المَحبّةِ » ما ذَكَرناه، صَحَّ إجراؤها علَى القَديمِ تَعالىٰ ؛ مِن حَيثُ كانَ مُريداً.
فأمّا المَشيّةُ فهي الإرادةُ ؛ لأنّ كُلَّ مَن أرادَ شيئاً فقَد شاءَه، و كُلُّ مَن شاءَه فقَد أرادَه، و لا شُبهةَ في ذلك.
ص: 173
و الرِّضا هو الإرادةُ ، و لا يُسَمّىٰ بذلكَ إلّاإذا وُجِدَ المُرادُ. علىٰ (1) الحَدِّ الذي أُريدَ(2).
و عند أبي هاشمٍ أنّ الرِّضا بالفِعلِ يُخالِفُ الرِّضا عن الفاعلِ (3)؛ لأنّه إذا أُضيفَ إلَى الفِعلِ أفادَ ما ذَكَرناه. فإذا أُضيفَ إلَى الفاعلِ ، كقَولِنا: إنّه تَعالى راضٍ عن(4)المؤمِنِ ، أفادَ أنّه يَستَحِقُّ التعظيمَ و التبجيل و الثوابَ ؛ قال: «لهذا يُقالُ : إنّه تَعالىٰ راضٍ عمّن يَسخَطُ بَعضَ أفعالِه، كالصغائِر مِن الأنبياءِ عليهم السلام و المؤمِنينَ ، و لا يُقالُ : رَضيَ بفِعلِ زيدٍ، و في أفعالِه قَبائحُ ؛ لأنّه يوهِمُ الرِّضا بالجَميعِ ، لكِن يُقالُ :
يَرضىٰ عنه(5) بهذا الفِعلِ المُعَيَّنِ ، و إن كانَت له أفعالٌ أُخَرُ لا يَرضاها».
و أبو عَليٍّ يُخالِفُ في هذا و يَجعَلُ الرِّضا بالفِعلِ و الفاعِلِ واحداً غَيرَ مُختَلِفٍ (6)، و يَمنَعُ مِن كَونِه راضياً (202) ببعضِ أفعالِه و ساخِطاً بعضاً آخَرَ، و يَجعَلُ الرِّضا كمالَ وقوعِ المُرادِ، و يَعتَلُّ لقَولِه بأنّ خِلافَه لَو جازَ، لَم يَمتَنِعْ أن يُقالَ في أحَدِنا:
«إنّه يَرضىٰ ببَعضِ قَضاءِ اللّٰهِ دونَ بعضٍ ».
و هذا لَيسَ بشيءٍ ؛ لأنّ طريقةَ الرِّضا بقَضاءِ اللّٰهِ تَعالىٰ كلمةٌ واحدةٌ ، و هي تَشمُلُ (7) جميعَ أفعالِه، فمَن لَم يَرضَ بالجَميعِ لَم يَكُن علَى الحقيقةِ راضياً بالبعضِ ، و لا مُستَدِلاًّ علىٰ أنّه حِكمةٌ و صَوابٌ ؛ لأنّ الطريقَ يَشمُلُ الكُلَّ ، فما ذَكَره أبو هاشمٍ في هذا أَولىٰ .
ص: 174
و الدليلُ علىٰ أنّ الرِّضا هو الإرادةُ إذا وَقَعَ مُرادُها: فما تَقدَّمَ في الاستدلالِ علىٰ أنّ الإرادةَ هي المَحبّة.
فأمّا الإرادةُ فهي القَصدُ [لفِعلِ نفسِه(1)، و لا بُدَّ](2) في استحقاقِها هذا الاسمَ أن تَتعلَّقَ بفِعلِ المُريدِ، و تَكونَ (3) مُقارِنةً له أو كالمقارِنةِ ؛ بأن تَتقدَّمَ بزمانٍ قَصيرٍ. و يُسَمَّى اللّٰهُ تَعالىٰ بأنّه قاصِدٌ.
فأمّا العَزمُ : فهو إرادةُ المُريدِ لفِعلِ نَفسِه إذا تَقدَّمَته أو تَقدَّمَت سببَه. و لا يُسَمَّى اللّٰهُ تَعالىٰ بالعَزمِ ؛ مِن حَيثُ دَلَّ الدليلُ علىٰ أنّ إرادتَه تَعالىٰ لا تَتقدَّمُ مُرادَه، علىٰ ما سَنَذكُرُه(4).
و تَوطينُ النفسِ : هو العَزمُ بعَينِه، إلّاأنّه لا يَكادُ يُستَعمَلُ إلّافيما [كان] علَى الإنسانِ في فِعلِه مَشَقّةٌ .
و النيّةُ : اسمُ الإرادةِ إذا تَناوَلَت فِعلَ المُريدِ، و كانَت حالّةً في قَلبِه. و سَواءٌ كانَت مُتقدِّمةً (5) للفِعلِ أو مُقارِنةً له، فقَد شُرِطَ في ذلكَ أن تَكونَ ممّا يَقَعُ بها الفِعلُ علىٰ وَجهٍ دونَ وَجهٍ . و لا تُستَعمَلُ فيه تَعالىٰ كما لا يُستَعمَلُ «الضميرُ»؛ مِن حَيثُ اعتُبِرَ فيه الحُلولُ في القَلبِ .
فأمّا الاختيارُ: فتوصَفُ (6) به الإرادةُ ، إذا كانَت مُتناوِلةً لفِعلِ المُريدِ، و كانَت هي
ص: 175
أيضاً مِن فِعلِه، و قارَنَت المُرادَ أو كانَت كالمُقارِنةِ (1)؛ بأن تُقارِنَ (2) سببَه إن كانَ جُملةً .
و قد يُوصَفُ نفسُ الفِعلِ المُختارِ بأنّه اختيارٌ.
و الإيثارُ: هُو الاختيارُ بعَينِه، فالشرطُ فيهما واحدٌ.
و تُسَمَّى الإرادةُ بعَينِها وَلايةً (3) إذا تَناوَلَت الثوابَ و التعظيمَ و التبجِيلَ ، و لهذا يُقالُ : إنّه تَعالىٰ «وَليُّ المؤمِنينَ ».
و تُسَمَّى الإرادةُ خَلقاً عندَ أبي هاشمٍ ، إذا قارَنَت المُرادَ، أو كانَت في حُكمِ المُقارِنِ له(4).
و العَداوةُ : هي إرادةُ وصولِ المَضارِّ إلَى المُعادي.
و الغَضَبُ يَجري مَجراها فيما ذَكَرناه. و قد قيلَ : إنّه يَرجِعُ إلَى الكَراهةِ ، و يَجري مَجرَى السَّخَطِ.
و البُغضُ : هو إرادةُ وصولِ (5) المَضارِّ إلَى المَبغوضِ . و قد قيلَ : إنّه كَراهةُ وصولِ الخَيرِ إليه.
فأمّا السَّخَطُ: فهو الكَراهةُ ، و عندَ أبي هاشمٍ أنّ تعليقَه بالفِعلِ يُخالِفُ تعليقَه بالفاعلِ ، و أبو عَليٍّ يَجعَلُ الأمرَينِ واحداً(6)، علىٰ ما تَقدَّمَ في الرِّضا.
***
ص: 176
اعلَمْ أنّ الكلامَ في هذا الفَصلِ لا يَتِمُّ إلّابَعدَ الدَّلالةِ علىٰ أُمورٍ:
منها: أنّه تَعالىٰ مُريدٌ علَى الحقيقةِ .
و مِنها: أنّه لا يَجوزُ أن يَكونَ مُريداً لنفسِه.
و مِنها: أنّه لا يَجوزُ أن يُريدَ لا لنفسِه و لا لعِلّةٍ .
و مِنها: أنّه لا يَجوزُ أن يُريدَ بإرادةٍ معدومةٍ .
و مِنها: أنّه لا يَجوزُ أن يُريدَ بإرادةٍ قَديمةٍ .
[و مِنها: أنّه لا يَجوزُ أن يُريدَ بإرادةٍ مُحدَثةٍ تَحُلُّه](1).
و مِنها: أنّه لا يَجوزُ أن يُريدَ بإرادةٍ مُحدَثةٍ تَحُلُّ غَيرَه.
و في بَيانِ ذلكَ بالأدلّةِ ثُبوتُ أنّ إرادتَه مُحدَثةٌ موجودةٌ لا في مَحَلٍّ ، و نَحنُ نُبيِّنُ ذلكَ :
أمّا الّذي يَدُلُّ علىٰ أنّه تَعالىٰ مُريدٌ، فوجوهٌ :
مِنها: أنّ مِن حَقِّ العالِمِ بما يَفعَلُه إذا فَعَلَه لغَرَضٍ يَخُصُّه، و كانَ مُخَلّىً بَينَه و بَينَ
ص: 177
الإرادةِ ، أن يَكونَ مُريداً له؛ لأنّ ما يَدعوه إلَى الفِعلِ يَدعوه إلىٰ إرادتِه. و قد (203) ثَبَتَ أنّه تَعالىٰ فَعَلَ العالَمَ لغَرَضٍ يَخُصُّ العالَمَ ، فالداعي إلىٰ خَلقِه يَدعو إلىٰ إرادةِ خَلقِه، و المَنعُ مِن الإرادةِ مُستَحيلٌ عليه تَعالىٰ .
و قد تَقدَّمَ (1) بيانُ هذه الطريقةِ ، و أنّ إرادةَ الإرادةِ لا تَلزَمُ (2) عليها.
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَقولَ : فالإرادةُ إذا كانَت عَزماً، قَد تُفعَلُ (3) لغَرَضٍ يَخُصُّها؛ و هو لتَعجُّلِ السُّرورِ و التحَفُّظِ مِن السهوِ، فيَجِبُ أن تُشارِكَ المُرادَ في القضيّةِ التي ذَكَرتُم(4).
و ذلكَ أنّ الغَرَضَ في تَقديمِها يَتعلَّقُ أيضاً بمُرادِها المعزومِ علىٰ فِعلِه، و السُّرورُ يَرجِعُ إلَى النفعِ الذي يَتصوَّرهُ فيما عَزَمَ عليه. و التحَفُّظُ مِن السهوِ أيضاً لأجلِ الفِعلِ . فلا غَرَضَ في الإرادةِ يَخُصُّها.
و لا يَلزَمُ علىٰ هذا أن يَكونَ أحَدُنا غَيرَ مُريدٍ للسببِ ، إذا كانَ غَرَضُه يَخُصُّ المُسبَّبَ مِن وَجهَينِ :
أحَدُهما: أنّ في السببِ غَرَضاً يَخُصُّه، و هو كَونُه وُصلةً إلَى المُسبَّبِ ؛ حتّىٰ لا يَصِحَّ مِن دونِه. و مِثلُ هذا لا يَتأتّىٰ في الإرادةِ .
و الوَجهُ الآخَرُ: أنّ السببَ في الجُملةِ ممّا يَصِحُّ أن يُفعَلَ لغَرَضٍ يَخُصُّه، إذا كانَ مِن فِعلِ الجَوارحِ (5)، و إن جازَ في بعضِ المَواضِعِ أن يَكونَ لا غَرَضَ يَخُصُّه. و الإرادةُ بخِلافِ ذلك؛ لأنّه لا غَرَضَ فيها يَخُصُّها في مَوضعٍ مِن المَواضِعِ .
ص: 178
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَقولَ : إنّه تَعالىٰ لا يَصِحُّ أن يَكونَ مُريداً(1)، و هذا آكَدُ مِن حالِ
الممنوعِ مِن الإرادةِ .
و ذلكَ أنّ المُصَحِّحَ لِكَونِ أحَدِنا مُريداً؛ مِن كَونِه حَيّاً، ثابتٌ فيه تَعالىٰ .
و لَيسَ له أن يَجعَلَ الشرطَ في تصحيحِ كَونِ أحَدِنا حَيّاً لكَونِه مُريداً صحّةَ الزيادةِ و النُّقصانِ عليه، كما نَقولُه في كَونِه مُشتَهياً.
و ذلكَ أنّا إنّما شَرَطنا ذلكَ في تصحيحِ كَونِه حَيّاً لكَونِه مُشتَهياً؛ مِن حَيثُ لَم تَتعلَّقِ الشَّهوَةُ إلّابما إذا نالَه المُشتَهي صَلَحَ جسمُه به، و الإرادةُ بخِلافِ هذا؛ لأنّها تَتعلَّقُ بما لَيست(2) هذه حالَه، فلا فَرقَ بَينَ مَن شَرَطَ ذلكَ فيها، و بَينَ مَن شَرَطَ مِثلَه؛ في تصحيحِ كَونِه حَيّاً لكَونِه عالِماً.
و مِنها: أنّه تَعالىٰ مُخبِرٌ و آمِرٌ و مُخاطِبٌ ، و قد بيّنّا أنّ الكلامَ لا يَقَعُ علىٰ هذه الوجوهِ إلّالكَونِ فاعلِه مُريداً، فيَجِبُ أن يَكونَ كذلكَ .
و قد استَقصَينا هذه الطريقةَ ، و ما يُمِكنُ أن يَرِدَ(3) عليها(4).
فإن قيلَ : كيفَ تَستَدِلّونَ (5) بإخبارِه تَعالىٰ علىٰ أنّه مُريدٌ، و إنّما يُعلَمُ ذلكَ (6)الإخبارُ بَعدَ العلمِ بأنّه تَعالىٰ مُريدٌ؟
قُلنا: قد نَعلَمُ أنّه مُخبِرٌ و آمِرٌ قَبلَ أن نَعلَمَ أنّه مُريدٌ؛ لأنّ مَن ذَهَبَ إلىٰ أنّ «للخبرِ
ص: 179
صيغةً تَخُصُّه، متَى استُعمِلَت في مَحَلٍّ (1) غَيرِه كانَت مجازاً، و كذلكَ الأمرُ» [يَقولُ ](2): متىٰ خاطَبَ تَعالىٰ بهذه الصيغةِ ، [فلا بدّ أن: يكونَ مُخبِراً و باعِثاً] إلىٰ بعضِ فوائدِها؛ لأنّ البَعثَ و الخِطابَ بما لا فائدَةَ له لا يَجوزُ عليه. فثَبَتَ كَونُه مُريداً علىٰ كُلِّ حالٍ .
علىٰ أنّه قَد يَصِحُّ أن نَعلَمَ بالإجماعِ و قولِ النبيِّ عليه السّلام أنّه مُخبِرٌ و آمِرٌ بهذه الألفاظِ، و إذا تَقدَّمَ العِلمُ بأنّ الخبرَ إنّما يَكونُ خبراً بالإرادةِ و كذلك الأمرُ، عَلِمنا أنّه مريدٌ.
و مِنها: أنّه تَعالىٰ قد خَلَقَ فينا الشَّهَواتِ المُتعلِّقةَ بالقَبائحِ ، و نِفارَ النفسِ عن المُحَسَّناتِ ، و مَكَّنَنا مِن فِعلِ المُشتَهىٰ ، و لَم يُغنِنا بالحَسَنِ عنه. و هذا ممّا يَصِحُّ أن يَكونَ لا غَرَضَ فيه، و يَصِحُّ أن يَكونَ الغَرَضُ فيه الإغراءَ بالقَبيحِ ، و يَصِحُّ أيضاً أن يَكونَ الغَرَضُ فيه التصريحَ (3) للثوابِ ؛ و هو الغَرَضُ دونَ ما تَقدَّمَ . فلَو لَم يَكُن مُريداً لهذا الوَجهِ دونَ غَيرِه، لَم يَتخصَّصْ فِعلُه لِما ذَكَرناه مِن خَلقِ الشَّهَواتِ و
غَيرِها بهذا الغَرَضِ دونَ غَيرِه؛ لأنّ كُلَّ فِعلٍ يَصِحُّ أن يَقَعَ علىٰ وجوهٍ ، فلا بُدَّ متَى اختَصَّ بأحَدِها مِن مُخَصِّصٍ .
و مِنها: أنّه تَعالىٰ لَو لَم يَقصِدْ بما يَفعَلُه بأهلِ النارِ العِقابَ المُستَحَقَّ لَكانَ ظُلماً، و لَم يَكُن عَدلاً، و كذلك (204) ما يَفعَلُه بأهلِ الجَنّةِ مِن الثوابِ لا بُدَّ مِن أن يَقصِدَ به وَجهَ التعظيمِ ، و يَقصِدَ به فِعلَ المُستَحَقِّ عليه؛ لأنّ ذلكَ ممّا لا يَتميَّزُ إلّابالقَصدِ، كما لا يَتميَّزُ قَضاءُ الدَّينِ بالدَّفعِ و الإعطاءِ ، و إنّما يَتميَّزُ بالقَصدِ.
ص: 180
فأمّا الكلامُ في أنّه تَعالىٰ لا يَكونُ مُريداً لنفسِه، فالدَّلالةُ عليه: أنّه لا شُبهةَ في كَونِه تَعالىٰ كارهاً؛ لدَلالةِ ما يَقَعُ مِنه مِن النهيِ و التهديدِ علىٰ ذلكَ ، كدَلالةِ الأمرِ و الخبرِ علىٰ كَونِه مُريداً. فلَو كانَ مُريداً لنفسِه، لَكانَ كارهاً لنفسِه؛ لأنّ المُقتَضيَ للأمرَينِ يَجِبُ أن يَكونَ واحداً. و هذا يَقتَضي كَونَه كارهاً للشيءِ علَى الوَجهِ الذي يُريدُه عليه؛ لوجوبِ شِياعِ الصفتَينِ في كُلِّ ما صَحَّتا فيه؛ مِن حَيثُ استَنَدَتا(1) إلَى النفسِ .
و لكَ أن تَقولَ : إذا كانَ مُريداً لنفسِه، و وجبَ أن يُريدَ كُلَّ ما يَصِحُّ كَونُه مُراداً، استَحالَ كَونُه كارهاً علىٰ كُلِّ حالٍ ، و إن لَم يَكُن للنفسِ ؛ لأنّه يؤَدّي إلىٰ ما تَقدَّمَ ؛ مِن كَونِه كارهاً للشيءِ مُريداً له.
فإن قيلَ : دُلّوا علىٰ أنّ المُراداتِ لا اختصاصَ لها بمُريدٍ دونَ آخَرَ، و أنّ كُلَّ شيءٍ صَحَّ أن يُريدَه بَعضُ المُريدينَ ، يَصِحُّ أن يُريده(2) سائِرُهم، و أنّ ما صَحَّ أن يُريدَه يَجِبُ أن يُريدَه إذا كانَ مُريداً لنفسِه.
قُلنا: المُصَحِّحُ لكَونِ الشيءِ مُراداً: أن يَكونَ ممّا يَصِحُّ حُدوثُه، و هذا المعنىٰ لا اختصاصَ له ببعضِ المُريدينَ دونَ بعضٍ ، فيَجِبُ أن يَصِحَّ مِن الجَميعِ أن يُريدوا كُلَّ ما اختَصَّ بهذه الصفةِ ، و الأمرُ في هذا ظاهرٌ؛ فإنّ الحَيَّ مِنّا كما يَصِحُّ أن يَعلَمَ كُلَّ معلومٍ ، و يَعتَقِدَ كُلَّ مُعتَقَدٍ، و يُدرِكَ كُلَّ مُدرَكٍ ، كذلكَ يَصِحُّ أن يُريدَ كُلَّ ما صَحَّ أن يَكونَ مُراداً. و لَو جازَ أن يُدَّعىٰ مُخالَفةُ بعضِ الأحياءِ لنا
ص: 181
في بابِ الإرادةِ ، لَجازَ مِثلُه في سائرِ ما ذَكَرناه. و إذا ثَبَتَ صحّةُ كونِه مُريداً لكُلِّ مُرادٍ، وجبَ متىٰ كانَ مُريداً لنفسِه أن يُريدَ الجَميعَ ؛ لأنّ صفةَ النفسِ متىٰ صَحَّت وجبَت.
و اعلَمْ أنّ كُلَّ حالٍ للحَيِّ لَم يَجِبْ أن تؤَثِّرَ فيما تَتعلَّقُ به(1)، و يَلزَمَها صحّةُ كَونِه
بها علىٰ صفةٍ ، لَم يَقَعْ فيها اختصاصٌ ؛ نَحوُ حالِ العالِمِ (2) و المُريدِ و المُدرِكِ . و كُلُّ حالٍ وجبَ أن تؤَثِّرَ(3) فيما تَتعلَّقُ به، و صَحَّ أن يَكونَ لأجلِها علىٰ صفةٍ ، اختَصَّت؛ نَحوُ كَونِ القادرِ قادراً؛ لأنّه(4) لا يَتعلَّقُ إلّابما يَصِحُّ حُدوثُه مِن جهتِه، و الحُدوثُ لا يَصِحُّ فيه الاشتراكُ . فلهذا اختَصَّتِ المقدوراتُ ، و لَم تَختَصَّ (5) المعلوماتُ و المُراداتُ و المُدرَكاتُ .
و لَيسَ يَطعَنُ علىٰ ما ذَكَرناه: أنّ كَونَ (6) المُريدِ مُريداً، قد يؤَثِّرُ علىٰ بعضِ الوُجوهِ ، و كذلك كَونُ العالِمِ عالِماً!
لأنّا قد احتَرَزنا مِن ذلكَ بوجوبِ صحّةِ التأثيرِ؛ لأنّ هذه الصفاتِ إن أثَّرَت فقَد تَحصُلُ و لا تؤَثِّرُ، و لَيسَ كذلكَ كَونُ القادرِ قادراً.
و لا يَطعَنُ أيضاً عليه قولُ مَن يَقولُ : إنّ الخَبرَ قد يَكونُ خَبراً(7)
ص: 182
لبعضِ (1) المُريدينَ و هو فاعلُه، و لا يَكونُ كذلكَ لغَيرِه، و هذا يَقتَضي اختصاصَ هذه الصفةِ و إلحاقَها بحالِ القادرِ!
و ذلكَ أنّ الاختصاصَ لَم يَقَعْ هاهنا فيما يَصِحُّ أن يُرادَ؛ لأنّ الفاعلَ للخَبرِ(2) و مَن لَم يَفعَلْه جميعاً مُريدانِ له، و إنّما اختَصَّ التأثيرُ بأحدهما(3). و هذا لا يَقدَحُ فيما قُلناه؛ لأنّا ادَّعَينا العُمومَ فيما يَصِحُّ أن يُرادَ و أنّه بخِلافِ المقدورِ، و لَم نَدَّعِ عُمومَ التأثيرِ، بل قد صَرَّحنا باختصاصِه.
و قد أُجيبَ عن هذا الِاعتراضِ بأنّ تأثيرَ كَونِ المُريدِ مُريداً في الخَبرِ و غَيرِه، إنّما اختَصَّ (205) و لَم يَقَع فيه اشتراكٌ ؛ لاختصاصِ (4) كَونِ القادرِ قادراً، فلَو(5) قَدَرَ قادرانِ علىٰ الذاتِ (6) التي تَكونُ خَبراً، لَصَحَّ أن يُؤَثِّرَ(7) في كَونِها خَبراً كَونُهما مُريدَينِ ، فقَد عادَ الاختصاصُ إلىٰ حالِ القادرِ لا إلىٰ حالِ المُريدِ.
و أُجيبَ بمثلِ ذلكَ عن كَونِ العالِمِ عالِماً، و تأثيرِه في الفِعلِ المُحكَمِ .
فإن قيلَ : كما أنّه لا اختصاصَ للمُراداتِ ببعضِ المُريدينَ ، كذلكَ لا اختصاصَ بالمُعَتَقداتِ ؛ فكُلُّ مَن صَحَّ أن يَكونَ مُعتَقِداً لشيءٍ ، صَحَّ أن يَكونَ مُعتَقِداً لسائرِ الأشياءِ علىٰ سائرِ وجوهِها، و عندَكم أنّه تَعالىٰ علىٰ صفةِ المُعتَقِدِ، و مع هذا فلَم تَلزَموا(8) أنّه مُعتَقِدٌ للأشياءِ علىٰ سائرِ وُجوهِها، حتّىٰ يَعتَقِدَها علىٰ ما هي به، و علىٰ
ص: 183
ما لَيسَ هي به(1)؛ فألَا جَوَّزتُم مِثلَ ذلكَ في كَونِه مُريداً؟
قُلنا: الفرقُ بين الأمرَينِ أنّه تعالى إذا ثَبَتَ كَونُه عالِماً لنفسِه، وجبَ أن يَعلَمَ كُلَّ معلومٍ علىٰ كُلِّ وَجهٍ ، و ذلكَ يُحيلُ كَونَه جاهلاً به. و كَونُه مُريداً للشيءِ لا يُنافي كَونَه مُريداً لغَيرِه.
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَجعَلَ كَونَه مُريداً لنفسِه، يَمنَعُ مِن كَونِه كارهاً، كما قُلناه في كَونِه عالماً؛ لأنّ بمِثلِ ما عَلِمنا أنّه مُريدٌ، عَلِمنا أنّه كارهٌ ، فلَيسَ لأحَدِ الأمرَينِ مَزِيّةٌ علَى الآخَرِ، فيَجِبُ أن يَكونَ مُريداً كارهاً، علىٰ ما تَقدَّمَ . و ثُبوتُ كَونِه عالِماً لنفسِه بأدلَّتِه يَقتَضي كَونَه عالِماً بكُلِّ معلومٍ ، و يَمنَعُ مِن كَونِه جاهلاً ببعضِها.
فإن قيلَ : ما أنكَرتُم أن يَكونَ «المعلومُ مِن حالِه أنّه لا(2) يَكونُ » يَصِحُّ أن يُريدَه تَعالىٰ ، و «المعلومُ حالُه أن لا يَكونَ » لا(3) يَصِحُّ أن يَكرَهَه. فهو مُريدٌ(4) كُلَّ ما يَكونُ ، و يَكرَهُ كُلَّ ما لا يَكونُ ، و لا يَلزَمُ كَونُه مُريداً كارهاً للشيءِ الواحدِ؟
قُلنا: قد يَجِدُ أحَدُنا نَفسَه فيما يُريدُه مِن الأشياءِ المُستَقبَلةِ علىٰ حالةٍ واحدةٍ ، و إن كانَ فيها المعلومُ أنّه يَكونُ و المعلومُ أنّه لا يَكونُ ، بل لا يَفْصِلُ حالَه(5) في الشيءِ الواحدِ إذا أرادَه تارةً و معلومٌ أنّه لا يَكونُ . فَلو كانَ الأمرُ علىٰ ما قَدَّرَه لَفَصَلَ بَينَ أحوالِه في ذلكَ ، كما يَفصِلُ بَينَ كَونِه مُعتَقِداً و مُريداً. و في ارتفاعِ الفَصلِ دَلالةٌ علىٰ أنّ الجنسَ المُوجِبَ للأمرَينِ واحدٌ.
ص: 184
علىٰ أنّا نَعلَمُ مِن النبيّ عليه السلام، أنّه كانَ يُريدُ الإيمانَ مِن أبي لَهَبٍ ، و إن عَلِمَ أنّه لا يؤمِنُ .
دَليلٌ آخَرُ علىٰ أنّه تَعالىٰ لَيسَ بمُريدٍ لنفسِه:
قد ثَبَتَ فيما هو خبرٌ و أمرٌ مِن الكلامِ ، صحّةُ وجودِهما مِن غَيرِ أن يَكونا كذلكَ ؛ علىٰ ما دَلَّلنا عليه مِن قَبلُ . و في كَونِه مُريداً لنفسِه ما يَمنَعُ مِن ذلكَ . فيَجِبُ القَضاءُ بفَسادِه.
و إنّما قُلنا: إنّه يَمنَعُ منه؛ لأنّه لا يَجوزُ أن يُريدَ فيما يوجِدُه مِن الحُروفِ كَونَه خَبَراً، ثُمّ لا يَكونُ كذلك. فلَو كانَ مُريداً لنفسِه، لَم يَجُز أن لا يُريدَ الإخبارَ بما يُخبِرُ به. و إذا لَم يَجُز أن لا يُريدَ ذلكَ ، لم يَجُز فيما يوجَدُ و يَكونُ خَبَراً أن لا يَكونَ كذلكَ .
و لا يَلزَمُ علىٰ هذا أن يَجِبَ وجودُ(1) مقدوراتِه؛ مِن حَيثُ كانَ قادراً لنفسِه؛ و ذلكَ أنّ تأثيرَ كونِه قادراً في المقدوراتِ تأثيرُ التصحيحِ لا الإيجابِ . و لَيسَ كذلكَ
كَونُ المُريدِ مريداً؛ لأنّه يؤَثِّرُ علىٰ جهةِ الإيجابِ . و مع(2) ثُبوتِ المؤَثِّرِ لا بُدّ مِن ثُبوتِ التأثيرِ، و امتناعِ خِلافِه.
دليلٌ آخَرُ:
لَو كانَ تَعالىٰ مُريداً لنفسِه، لَوجب أن يُريدَ سائرَ المُراداتِ ، علىٰ ما تَقدَّمَ . و هذا يَقتَضي كَونَه مُريداً للقَبيحِ ، و هذه صفةُ نقصٍ . و لا فَرقَ في صفاتِ النقصِ بَينَ أن تَحصُلَ عن فِعلٍ أو عن غَيرِ فِعلٍ (3)؛ لأنّ ما تَقتَضيه مِن النقصِ يَرجِعُ إليها لا إلىٰ
ص: 185
مُوجِبِها؛ ألَاتَرىٰ أنّ كَونَ الجاهلِ جاهلاً (206) لمّا كانَ صفةَ نقصٍ ، لَم تَختَلِفْ في أن تَجِبَ عن عِلّةٍ أو للنفسِ؟
دليلٌ آخَرُ:
وَ ممّا استُدِلَّ به علىٰ أنّه تَعالىٰ لَيسَ بمُريدٍ في نفسِه، و أنّه لا بُدَّ مِن تَجَدُّدِ هذه الصفةِ له، أنّ خِطابَه تَعالىٰ إذا كانَ المؤَثِّرُ في تَوَجُّهِه إلىٰ جهةٍ دونَ أُخرىٰ ممّا كانَ يَجوزُ أن يَتَوجَّهَ إليها، هو كَونَه مريداً، و كانت هذه الصفةُ جاريةً مَجرَى العِلّةِ لهذا الحُكمِ ، فواجبٌ إذا كانَ خِطابُه مُتجدِّداً أن يَكونَ ما أثَّرَ(1) في كَونِه علىٰ بعضِ الوُجوهِ مُتجدِّداً؛ لأنّ العِلّةَ أو ما هو في مَعناها لا يَجوزُ أن تَتقدَّمَ ما تؤَثِّرُ فيه. و إذا تَجدَّدَ كَونُه مُريداً، بَطَلَ أن يَكونَ للنفسِ ، أو لا للنفسِ و لا لعِلّةٍ ، أو لعِلّةٍ قَديمةٍ .
و يَكونُ الاعتراضُ على هذه الطريقةِ بأن يُقالَ : حالُ المُريدِ لَيسَت عِلّةً على الحقيقةِ ، فيُحكَمَ لها بأحكامِ العِلَلِ ؛ مِن امتناعِ التقَدُّمِ علَى المَعلولِ ، و قد بيّنّا فيما تَقدَّمَ أنّها لَيسَت علّةً ؛ لوُجوهٍ (2)، فلا يَمتَنِعُ علىٰ هذا أن تَتقدَّمَ (3) حالُ المُريدِ لِما تؤَثِّرُ فيه و إن [لَم](4) يَجُز ذلكَ في العِلّةِ الحقيقيّةِ .
علىٰ أنّ مِثلَ العِلّةِ و ما هو مِن جنسِها لا بُدَّ مِن أن يَكونَ عِلّةً و مؤَثِّراً. و نَحنُ نَعلَمُ أنَّ مِثلَ حالِ المُريدِ المؤَثِّرةِ (5) في فِعلِه بالمُصاحَبةِ ، قد(6) يُريدُ زَيدٌ مِن عَمرٍو
ص: 186
فِعلاً مُعيَّناً يُريدُه عَمرٌو أيضاً مِن نفسِه، فتؤَثِّرُ إرادةُ عَمرٍو دونَ إرادةِ زَيدٍ، و هي مِن جنسِها. و كُلُّ هذا لا يَجوزُ في العِللِ ؛ فألا جازَ أن يُخالِفَ حالُ المُريدِ للعِلَلِ في جَوازِ التقَدُّمِ علَى المَعلولِ؟!
و بَعدُ، فإنّ كَونَ القَديمِ تَعالىٰ عالِماً، يؤَثِّرَ فيما يَفعَلُه مِن الاعتقادِ المُطابِقِ لِما يَعلَمُه، فيَصيرُ له عِلماً و إن كانَ مُتقدِّماً.
طريقةٌ أُخرى:
قد اعتَمَدَ كُلُّ الشُّيوخِ (1) في ذلكَ علىٰ أنّه لَو كانَ مُريداً لنفسِه، و المُراداتُ
لا اختصاصَ فيها - علىٰ ما تَقدَّمَ (2) -، لَوجبَ أن يُريدَ كُلَّ ما صَحَّ كَونُه مُراداً، و هذا يؤَدّي إلىٰ إرادةِ حُدوثِ ما لا يَتَناهىٰ مِن الجواهرِ و الأجناسِ ، و إلىٰ أن يُريدَ في كُلِّ وقتٍ مِن الأعدادِ أكثَرَ ممّا فَعَلَ ، و يُريدَ تقديمَ كُلِّ شيءٍ فَعَلَه علَى الوَقتِ الذي أَوجَدَه فيه.
و كانَ يَجِبُ أن يُريدَ الضِّدَّينِ علَى الوَجهِ الذي يَتَنافَيانِ عليه.
و يَجِبُ أيضاً متىٰ أرادَ أحَدُنا لنفسِه الأموالَ و الأولادَ أن يُريدَ مِثلَ ذلكَ له.
و هذا يَقتَضي وجودَ جميعِ ذلكَ حتّىٰ يَكونَ فاعلاً للضِّدَّينِ في وقتٍ واحدٍ، و فاعلاً لأكثَرَ مِمّا فَعَلَ و قَبلَ (3) أن فَعَلَ علىٰ وَجهٍ لا يَستَقِرُّ فيه عددٌ و لا وقتٌ ، و حتّىٰ يَجِبَ وصولُ كُلِّ مَن أرادَ مِنّا شيئاً إليه علىٰ كُلِّ حالٍ ، و قد عَلِمنا خِلافَ ذلكَ .
فيَجِبُ أن نَقضيَ بفَسادِ ما أدّى إليه.
و إنّما قُلنا بوجوبِ وجودِ ذلكَ ؛ لأنّه مِن أفعالِه، و ما يُريدُه تَعالىٰ مِن نَفسِه فلا
ص: 187
بُدَّ مِن أن يوجَدَ؛ لاستحالةِ المَنعِ و ما جَرىٰ مَجراه عليه.
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَقولَ : إنّه يُريدُ الضِّدَّينِ ، و لا يَفعَلُهما معاً؛ لتَضادِّهما.
و ذلك أنّ هذا القولَ يَقتَضي أن لا يُفعَلَ كُلُّ واحدٍ منهما في كُلِّ حالٍ ؛ لأنّه إذا كانَ مُريداً لهما في كُلِّ حالٍ ، و استحالَ اتّحادُهما جميعاً للتضادِّ، لَم يَجُز أن يَقَعَ أحَدُهما و حُكمُ الآخَرِ في أنّه مُرادٌ حُكمُه.
و لا يَجوزُ أن يُقالَ : إنّ أحَدَهما يوجَدُ؛ لكَونِه قادراً، و يَبطُلُ حُكمُ كونِه مُريداً؛ لأنّ كَونَ القادرِ قادراً لا يَكفي في وقوعِ الفِعلِ مع العِلمِ .
و إنّما لَم يُعتَمَدْ في هذه الطريقةِ علَى استحالةِ كَونِه مُريداً للضِّدَّينِ ؛ لأنّ إرادَتَي الضِّدَّينِ لا تَتَضادّانِ (1).
و الذي يَدُلُّ علىٰ ذلكَ : أنّ التضادَّ يَرجِعُ إلى ما عليه الذواتُ في أنفسِها، و لا تؤَثِّرُ(2) فيه الاعتقاداتُ . و قد عَلِمنا أنّ أحَدَنا لَو اعتَقَدَ في ضِدَّينِ أنّهما (207) لَيسَ كذلكَ ، لَصَحَّ أن يُريدَ حُدوثَهما معاً. فلَو تَضادَّتا لَما اجتَمَعَتا للحَيِّ في الحالِ الواحدةِ ، و هذا يُبَيِّنُ أنّ امتناعَ اجتماعِهما لغَيرِ التضادِّ.
و يَدُلُّ أيضاً علىٰ ذلك: أنّ الشيءَ إذا كانَ مُتعلِّقاً بغَيرِه، إنّما يُضادُّ ضِدَّه متىٰ تَعلَّقَ بمُتعلَّقِه بالعكسِ منه؛ قِياساً علَى العِلمِ و القُدرةِ لَو ثَبَتَ لهما ضِدٌّ، و متىٰ تَغايَرَ مُتعلَّقُهما لَم يَتَضادّا، و هذا يَقتَضي أنّ إرادَتَيِ الضِّدَّينِ لا تَتَضادّانِ (3)؛ لِتَغايُرِ مُتعلَّقِهما.
و يَدُلُّ أيضاً عليه: أنّ إرادةَ الشيءِ تُنافي كَراهَتَه، و لا تُنافي كَراهَةَ ضِدِّه، بل هي
ص: 188
مُخالِفَةٌ لها. فلَو كانَت إرادة الضِّدَّينِ تَتَضادَّانِ (1)، لأَدّىٰ إلىٰ كَونِ الشيءِ الواحدِ نافياً لشَيئَينِ مُختَلِفَينِ غَيرِ ضِدَّينِ ؛ لأنّه يوجِبُ أن تَكونَ إرادةُ الحركةِ يَمْنةً تُنافي إرادةَ الحركةِ يَسْرةً ، و تنافي كَراهةَ الحركةِ يَمْنةً (2)؛ و هُما يَخَتلِفانِ (3). و قد دَلَّلنا فيما تَقدَّمَ علىٰ أنّ الشيءَ الواحدَ لا يُنافي شَيئَينِ مُختَلِفَينِ غَيرَ مُتَضادَّينِ (4).
و اعلَمْ : أنّ هذه الطريقةَ التي حَكَيناها في أنّه تَعالىٰ لَيسَ بمُريدٍ لنفسِه، إن أُورِدَت على سَبيلِ الإلزامِ للقومِ ، فلا مَحيصَ عنها؛ لأنّهم يَمنَعونَ أن يُريدَ مِن فِعلِ نفسِه و فِعلِ غَيرِه ما لا يوجَدُ.
و إن أُورِدَت علىٰ سَبيلِ الاستدلالِ ، أمكَنَ أن يُقالَ عليها(5): إنّه تَعالىٰ يُريدُ ذلكَ أجمَعَ ، و لا يَجِبُ وقوعُه و لا كَونُه علىٰ صفةِ نقصٍ ؛ لأنّ كُلَّ ذلك إنّما يَجِبُ في القادرِ إذا دَعاهُ الداعي إلَى الفِعلِ فلَم يوجَدْ، فأمّا إذا كانَ مُريداً علىٰ وَجهٍ لا يَتبَعُ دَواعِيَه، لَم يَجِبْ فيه ما يَجِبُ في غَيرِه، و لهذا أنّه لو خُلِقَت في المُشرِفِ علَى الجَنّةِ و النارِ إرادةُ دخولِ النارِ، لَكانَ لا يَدخُلُها و إن كانَ مُريداً؛ مِن حَيثُ لَم يَتبَع كَونُه مُريداً لدَواعيهِ . و كَونُه مُريداً لنفسِه، في أنّه لا يَتبَعُ الدواعي، آكَدُ بمَن فُعِلَت فيه الإرادةُ الضروريّةُ .
و ما ذُكِرَ في الضِّدَّينِ و أنّه يَقتَضي أن لا يَكونَ فاعلاً لكُلِّ واحدٍ مِنهما، يُمكِنُ أن يُقالَ فيه بفِعلِ أحَدِهما؛ لمكانِ الدواعي و إن كانَ مُريداً للأمرَينِ ؛ مِن حَيثُ كانَ لا اعتبارَ في وقوعِ الفِعلِ بكَونِه مُريداً إذا لَم يَتبَعِ الدواعِيَ .
ص: 189
فأمّا مَن طَعَنَ علىٰ هذه الطريقةِ بأن يَقولَ : إنّه يُريدُ الضِّدَّينِ ، لكِنّه يُريدُ كَونَ ما عَلِمَ أنّه يَكونُ ، و يُريدُ أن لا يَكونَ ما عَلِمَ أنّه لا يَكونُ .
فقَد مضىٰ في الكتابِ الجَوابُ عن شُبهَتِه البَعيدةِ (1).(2)
و قيلَ في ذلكَ : إنّ الإرادةَ لا تَتعلَّقُ بأن لا يَكونَ الشيءُ ، و إنّها لا تَتعدّىٰ في التعَلُّقِ طريقةً واحدةً . و قد مَضَى الكلامُ في هذا المعنىٰ مُستَقصىً (3).
و قيلَ أيضاً: إذا كانَ يَصِحُّ أن يُرادَ في الشيءِ أن لا يَكونَ ، فقَد صارَ ذلكَ وَجهاً
زائداً يَصِحُّ أن يُرادَ عليه، فيَجِبُ في المُريدِ لنفسِه أن يُريدَ في كُلِّ شيءٍ أن يَكونَ و أن لا يَكونَ . كما أنّه إذا كانَ عالِماً لنفسِه، عَلِمَ المعلوماتِ علىٰ كُلِّ وَجهٍ يَصِحُّ أن تُعلَمَ (4) عليه.
و قيلَ أيضاً: إذا كانَ «ما أرادَ أن لا يَكونَ » يَصِحُّ أن يُريدَ مُريدٌ أن يَكونَ ؛ فلِمَ صارَ تَعالىٰ بأن يُريدَ كَونَ أحَدِهما بأولىٰ (5) مِن أن يُريدَ أن لا يَكونَ؟ و كذلكَ القولُ في الآخَرِ.
و ليس تَجري الإرادةُ في هذا البابِ مَجرَى العِلمِ ، حتّى يُقالَ : إنّه لا يَصِحُّ أن يُريدَ كَونَ ما لا يَكونُ على الحقيقةِ ، كما لا يَصِحُّ ذلكَ في العِلمِ .
لأنّا قد بيّنّا أنّا قد نُريدُ ما نَعلَمُ أنّه لا يَكونُ ، و أنّ الإرادةَ بخِلافِ العِلمِ في هذا المعنىٰ . و لَو كانَ الأمرُ علىٰ ما ذَكَرنا، لَوجبَ أن يَعلَمَ الإنسانُ (208) مِنّا «ما يَكونُ و
ص: 190
ما لا يَكونُ » بما يَتبيّنهُ في نفسِه مِن الفَصل [بين ما يُريدُه و ما لا يُريدُه](1).
[المقدمة الثالثة: إثبات أنّه تعالىٰ لا يجوز أن يريد لا لنفسه و لا لعلّة(2)]
فأمّا الكلامُ في أنّه تَعالىٰ لا يَجوزُ أن يَكونَ مُريداً لا لنفسِه و لا لعِلّةٍ ، فهو أنّ الصفةَ التي يُقالُ إنّها «لا للنفسِ و لا لعِلّةٍ » لا بُدَّ مِن أن يَكونَ لها وَجهٌ تُستَحَقُّ مِنه، كما نَقولُه(3) في كَونِ الموجودِ مُحدَثاً و الحَيِّ مُدرِكاً، و مُحالٌ أن لا يُشيرَ في ذلكَ إلىٰ أمرٍ مِن الأُمورِ؛ لأنّه يُخرِجَ الصفةَ مِن أن تَكونَ مُعلَّلةً ، مع إمكانِ ذلكَ فيها. و إذا لَم يَجُز أن يَستَحِقَّ كَونَه تَعالىٰ مُريداً بالفاعلِ ، و لا لصفةٍ أُخرىٰ هو عليها، بَطَلَ أن يُقالَ : هو كذلكَ لا للنفسِ و لا لعِلّةٍ .
و إنّما قُلنا: إنّه لا يَستَحِقُّ كَونَه مُريداً لصفةٍ أُخرىٰ هو عليها(4)، كما نَقولُ في كَونِه مُدرِكاً؛ لأنّ سائرَ صفاتِه مِن كَونِه حَيّاً و موجوداً و عالِماً و قادراً، قد ثَبَتَت، و يَكونُ تارةً مُريداً و أُخرىٰ غَيرَ مُريدٍ.
و أيضاً: فلَو كانَ كَونُه حَيّاً أو بعضُ صفاتِه يَقتَضي كَونَه مُريداً، لَم يَكُن باقتضاءِ ذلكَ أَولىٰ مِن اقتضاءِ كَونِه(5) كارهاً؛ لأنّ حالَ هذه الصفةِ مع كَونِه مُريداً و كارِهاً
ص: 191
علىٰ سَواءٍ ، و في ذلكَ أحَدُ أمرَينِ :
إمّا أن يَكونَ مُريداً كارهاً علىٰ حَدٍّ واحدٍ.
أو(1) لا يَجِبُ له أحَدُ الأمرَينِ لِمَكانِ هذه الصفةِ ، و يَقِفُ علىٰ أمرٍ مُتجدِّدٍ.
و لا يُشبهُ ذلكَ ما نَقولُ في كَونِه حَيّاً و اقتضاءِ كَونِه مُدرِكاً؛ لأنّه لا ضِدَّ لكَونِه مُدرِكاً، فيُقالَ : إنّ كَونَه حَيّاً لَيسَ بأن يَقتَضيَ كَونَه مُدرِكاً بأَولىٰ مِن أن يَقتَضيَ ضِدَّه.
و أيضاً فلا يَخلو كَونُه مُريداً مِن أحَدِ أمرَينِ :
إمّا أن يَكونَ حاصلاً فيما لَم يَزَلْ ،
أو يَتجدَّدُ بَعدَ أن لَم يَكُن.
فإن كانَ الأوّلُ ، وجبَ أنْ يَكونَ للنفسِ ؛ لأنّ ذلكَ هو أمارةُ صفةِ النفسِ ، و قد أبطَلناه(2).
و إن تَجدَّدَ، وجبَ أن يَكونَ كذلكَ لمعنىً (3).
و لا يُمكِنُ أن يَتجدَّدَ و لا يَكونَ لمعنىً ، بأن يَكونَ مشروطاً كما نَقولُه في كَونِه مُدرِكاً؛ و ذلكَ أنّ المُرادَ قد يَكونُ معدوماً و موجوداً، و لا حالَ إلّاو يَصِحُّ أن يُرادَ به. و هذا يَقتَضي كَونَه مريداً(4) فيما لَم يَزَلْ إن كانَ مُريداً لا لعِلّةٍ ، و المُدركُ بخِلافِ ذلكَ ؛ لأنّه لا يَتعلَّقُ الإدراكُ إلّابالموجودِ، فشَرطُه(5) مُتجدِّدٌ.
و أيضاً: فلَو كانَ مُريداً لا لنفسِه و لا لعِلّةٍ ، لَوجبَ أن يُريدَ كُلَّ مرادٍ؛ لأنّه لا
ص: 192
مُخَصِّصَ لكَونِه(1) مُريداً لبعضِها دونَ بعضٍ . و كذلك كانَ يَجِبُ أن يكونَ كارهاً لكُلِّ ما يَصِحُّ أن يُكرَهَ . و في هذا ما تَقدَّمَ ؛ مِن كَونِه مُريداً للشيءِ الواحدِ، كارهاً له علىٰ وَجهٍ واحدٍ.
فأمّا الكلامُ في أنّه لا يُريدُ بإرادةٍ معدومةٍ ، فالذي يُفسِدُه وجوهٌ :
مِنها: أنّه كانَ يَجِبُ أيضاً أن يَكونَ كارهاً بكَراهةٍ معدومةٍ ، و هذا يوجِبُ كَونَه مُريداً كارهاً للشيءِ الواحدِ علَى الوَجهِ الواحدِ!
و مِنها: ما تَقدَّمَ ؛ مِن أنّ عدمَ ما تَعلَّقَ بغَيرِه لنفسِه يُحيلُ تَعلُّقَه(2).
و مِنها: أنّ الإرادةَ لَو تَعلَّقَت في العدمِ ، لَوجبَ أن تُضادَّ ضِدَّها مِن الكَراهةِ . و تُنافِيَها في حالِ العدمِ ؛ حتّىٰ يَمتَنِعَ عدمُهما معاً. و قد عَلِمنا جَوازَ عدمِ الضِّدَّينِ .
بل كانَ يَجِبُ أن لا يَصِحَّ عدمُهما و لا وجودُهما، و لا وجودُ أحَدِهما مع عدمِ الأُخرىٰ ؛ لأنّهما علىٰ هذا القولِ مُتعلِّقانِ في جميعِ الحالاتِ . و فَسادُ خُروجِهما مِن الوجودِ و العدمِ معاً ظاهرٌ.
و مِنها: أنّه لَو كانَ مُريداً بإرادةٍ معدومةٍ ، لَكانَ مُريداً فيما لَم يَزَلْ علىٰ سَبيلِ
الوُجوبِ ؛ لأنّه لا ابتداءَ لعدمِ الإرادةِ . و قد ثَبَتَ أنّ ما يَجِبُ للذاتِ مِن الصفاتِ (209) فيما لَم يَزَلْ ، لا يَصِحُّ تعليلُه بغَيرِ الذاتِ .
و مِنها: أنّ ذلكَ يَقتَضي فيما يوجَدُ مِن جهتِه فيَكونُ خبراً، أن يَجِبَ كَونُه كذلكَ ، و لا يَصِحَّ خِلافُه. و قد بَيّنّا فَسادَ هذا فيما تَقدَّمَ (3).
ص: 193
و هذا الوَجهُ و الذي قَبلَه، يَدُلُّ علىٰ أنّه لا يُريدُ بإرادةٍ قَديمةٍ .
فأمّا الكلامُ في أنّه لا يُريدُ بإرادةٍ قَديمةٍ ، فالذي يَدُلُّ عليه ما أشَرنا إليه مِن الوَجهَينِ ، و قد تَقدَّمَ في بابِ الكلامِ في الصفاتِ مِن هذا الكتابِ ؛ مِن إبطالِ قولِ مَن أثبَتَ عِلماً قَديماً أو قُدرةً قديمةً ، ما هو أو أكثَرُه مُبطِلٌ للإرادةِ القَديمةِ ، فلا مَعنىٰ لإعادَتِه(1).
و إذا صَحَّتِ الجُملةُ التي ذَكَرناها، صَحَّ أنّه تَعالىٰ يُريدُ بإرادةٍ مُحدَثةٍ .
و نَحنُ نُبطِلُ أنّه يُريدُ بإرادةٍ تَحُلُّه أو تَحُلُّ غَيرَه، لِتَثبُتَ أنّها موجودةٌ لا في مَحَلٍّ .
و الذي يَدُلُّ علىٰ أنّ إرادَتَه تَعالىٰ لا تَحُلُّه: أنّا قد دَلَّلنا فيما تَقدَّمَ علىٰ أنّ التحيُّزَ هو المُصَحِّحُ لحُلولِ الأعراضِ (2)، و أنّ ما يَستَحيلُ تَحيُّزُه يَستَحيلُ حُلولُ الأعراضِ فيه. و بيّنّا أنّ حُلولَ الشيءِ في غَيرِه متىٰ لَم يَتحيَّزْ(3) بالتعلُّقِ لَم يُفهَم؛ فإنّ السوادَ مع أنّه موجودٌ تَحتَ الجَوهرِ، إنّما كانَ حالاًّ في الجَوهرِ دونَ أن يَكونَ الجَوهرُ حالاًّ في السوادِ؛ مِن حَيثُ كانَ الجَوهرُ مُتحيِّزاً و كانَ السوادُ غَيرَ مُتَحَيِّزٍ.
فأمّا الذي يَدُلُّ علىٰ أنّه تَعالىٰ لا يُريدُ بإرادةٍ تَحُلُّ غَيرَه: فهو أنّ ذلكَ المَحَلَّ لا
ص: 194
يَخلُو مِن أحَدِ أمرَينِ : إمّا أن تَكونَ فيه حَياةٌ ، أو لا حَياةَ فيه.
و لَيسَ يَجوزُ أن تَحُلَّ إرادَتُه تَعالىٰ في مَحَلٍّ غَيرِه [فيه] حَياةٌ ؛ لوجوهٍ :
مِنها: أنّ الإرادةَ إذا حَلَّت مَحَلَّ حياةٍ ، فيَجِبُ (1) أن تكونَ إرادةً لِمَن تِلكَ الحَياةُ حَياةٌ له؛ لأنّ كُلَّ عَرَضَينِ وُجِدا علىٰ وَجهٍ واحدٍ، و كانا ممّا يوجِبُ الصفةَ للغَيرِ، فإنّ أحَدَهما يوجِبُ الصفةَ لِما يوجِبُها الآخَرُ له. و لَولا صحّةُ هذه الطريقةِ لَم نَقطَعْ على أنّ كُلَّ ما حَلَّنا(2) مِن القُدَرِ مُتعلِّقٌ بنا؛ لأنّه كانَ لا يَمتَنِعُ علىٰ هذا أن يَكونَ بعضُ هذه القُدَرِ توجِبُ كَونَنا قادِرينَ دونَ بعضٍ .
و لَو كانَت الإرادةُ إرادةً لِمَن تلكَ الحَياةُ حَياةٌ له، مع أنّها إرادةٌ للقَديمِ تَعالىٰ ، لَوجبَ أن تكونَ إرادةً واحدةً لمُريدَينِ ، و هذا مُستحيلٌ ؛ لعِلمِنا بصحّةِ كَراهةِ كُلِّ واحدٍ مِنّا لنفسِ ما يُريدُه القَديمُ .
و مِنها: أنّه لَو أرادَ بإرادةٍ تَحُلُّ غَيرَه، لجازَ أن يَكرَهَ (3) بما يَحُلُّ أيضاً غيرَه، و هذا يوجِبُ كَونَه مُريداً كارهاً للشيءِ الواحدِ؛ لِما يوجِبُ في قَلبِ زَيدٍ مِن الإرادةِ ، و قَلبِ عَمرٍو مِن الكَراهةِ !
و مِنها: أنّه كانَ يَجِبُ مَتىٰ وُجِدَت قُدرةٌ في مَحَلِّ هذه الإرادةِ ، أن تَكونَ قُدرةً لهما معاً، [و] هذا يَقتَضي كَونَ المقدورِ الواحدِ لقادرَينِ ، و قد ثَبَتَ استحالةُ ذلكَ (4).
فأمّا الذي يَدُلُّ علىٰ أنّ إرادَتَه لا تَحُلُّ الجَمادَ(5) و ما لا حَياةَ فيه: فهو أنّ تأليفَ الجَمادِ كافتراقِه، فلَو حَلَّت الإرادةُ الجَمادَ، لَكانَ حُكمُها مقصوراً علىٰ مَحَلِّها؛ لأنّ كُلَّ
ص: 195
عَرَضٍ يُوجِبُ صفةً متىٰ صَحَّ وجودُه في الجَمادِ، فحُكمُه مقصورٌ علىٰ مَحَلِّه؛ كاللَّونِ . و هذا يوجِبُ أن يَكونَ مَحَلُّ الإرادةِ مِنّا هو المُريدَ و إنْ بُنيَ مع غيرِه؛ لأنّ كُلَّ عَرَضٍ أوجَبَ الصفةَ لمَحَلِّه، فإنّ حالَه(1) في إيجابِه للمَحَلِّ لا تَتغيَّرُ بأن يُجاوِرَ غَيرَه. و هذا يَقتَضي أن يكونَ مَحَلُّ الإرادةِ مِنّا مُريداً، و كذلكَ مَحَلُّ القُدرةِ ، و يوجِبُ أن تكونَ (2) جُملةُ (3) الحَيِّ قادرينَ كَثيرينَ ، و كانَ لا يَجِبُ وقوعُ تَصرُّفِها بحَسَبِ داعٍ واحدٍ و قَصدِ واحدٍ، و أن تَجريَ (4) مَجرى أحياءٍ ضُمَّ بعضُهم إلىٰ بعضٍ . و كانَ لا (210) يَمتَنِعُ أيضاً أن يَقَعَ التمانُعُ بَينَ أجزاءِ الجُملةِ مِن حيثُ كانَ عِدّةً مِن القادرينَ . و فَسادُ ذلكَ معلومٌ باضطرارٍ.
و أيضاً: فلَو جازَ حُلولُها في الجَمادِ، لَجازَ في اليَدِ، و هذا يَقتَضي صحّةَ أن يَفعَلَ بقُدَرِ أيدينا الإرادةَ فيها، و أن يَجوزَ أن يَجِدَ أحَدُنا كَونَه مُريداً في ناحيةِ يَدِه كما يَجِدُه مِن ناحيةِ صَدرِه. و بُطلانُ ذلكَ ظاهرٌ.
و أيضاً: لَو جازَ أن تَحُلَّ إرادَتُه تَعالَى الجَمادَ، لَم يَمتَنِعْ أن توجَدَ في مَحَلِّها الحَياةُ ؛ لأنّ وجودَ الحَياةِ إن لَم يُصَحِّح وجودَ(5) الإرادةِ لَم يَحُلَّ ذلكَ . و لأنّه لا تَنافيَ بَينَهما و لا ما يَجري مَجراه، فيُقالَ : إنّها تَنتَفي عندَ وجودِ الحَياةِ . و قد بيّنّا أنّ الإرادةَ حينَئذٍ لا تَختَصُّ (6) بالقَديمِ تَعالىٰ ، و أنّها يَجِبُ أن تَكونَ إرادةً لِمَن تِلكَ الحَياةُ حَياةٌ
ص: 196
له(1). و هذا مُستَحيلٌ ؛ لأنّ كُلَّ عَرَضٍ يوجِبُ لِذاتٍ مِن الذواتِ حالاً، فلَيسَ يُخرِجُه عن إيجابِه لها مُقارَنةُ ما يُقارِنُه مِن المَعاني.
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَقولَ : إنّي أمنَعُ مِن وجودِ الحَياةِ مع هذه الإرادةِ ، و إن لَم يَكُن بَينَهما تَضادٌّ و لا [ما] يَجري مَجراه، كما مَنَعتم أنتم مِن وجودِ حَياةِ زَيدٍ و عَمرٍو مَعاً في مَوضِعِ الاتِّصالِ (2).
لأنّ حَياةَ زَيدٍ تَحتاجُ (3) إلى أن يَكونَ مَحَلُّها مُنفَصِلاً مِن غَيرِه، و كذلِكَ حَياةُ عَمرٍو. و هذا مَعنىٰ ما يَمضي في الكُتُبِ ؛ مِن أنّ حَياةَ زَيدٍ تَحتاجُ إلىٰ أن يَستَنِدَ مَحَلُّها بمُجاوَرةِ بعضٍ مِن أبعاضِ زَيدٍ دونَ غَيرِه، و كذلكَ حَياةُ عَمرٍو. و هذا يُبيِّنُ (4) الفَرقَ بَينَ الأمرَينِ ؛ لأنّ مَحَلَّ الإرادةِ الذي ادُّعِيَ يَحتَمِلُ [الحَياةَ ]، و لا تَنافيَ بَينَهما.
علىٰ أنّ هاتَينِ الحَياتَينِ إنّما(5) تَجري(6) مَجرَى التنافي؛ لأنّهما تَجعَلانِ مَحَلَّهما بعضاً لزَيدٍ و عَمرٍو، و ذلكَ يَتَنافىٰ ؛ لأنّ مِن شأنِ ما هو بعضٌ لأحَدِهما أن يُدرِكَ به، و إذا كانَ بعضاً له صَحَّ أن يَبتَدئَ فيه الفِعلَ بقُدرتِه، و إذا كانَ بعضاً للآخَرِ لَم يَصِحَّ أن يَفعَلَ فيه إلّاسببَ تَعدِّي الفِعلِ عن مَحَلِّ القُدرةِ . و نَظائرُ ذلكَ كثيرةٌ .
ص: 197
و بَعدُ، فمِن حَقِّ كُلِّ حَيَّينِ صحّةُ كَونِ أحَدِهما عالِماً و الآخَرِ جاهلاً، و حَياةُ زيدٍ تُصَحِّحُ كَونَه عالِماً جاهلاً علَى البَدَلِ ، و كذلكَ حَياةُ عَمرٍو تُصَحِّحُ ذلكَ فيه علَى البَدَلِ . فَلَو وُجِدَت حَياةُ زَيدٍ في مَوضِعِ الاتّصالِ ، صَحَّحَت كَونَ زَيدٍ عالِماً، و حَياةُ عمرٍو إذا وُجِدَت معها تُصَحِّحُ (1) كَونَ عَمرٍو جاهلاً. و العِلمُ الذي يوجَدُ في ذلك المَحَلِّ الذي فيه الحَياتانِ ، يَجِبُ أن يَكونَ عِلماً لهما؛ لأنّ وجودَه كوجودِ حَياةِ كُلِّ واحدٍ مِنهما. و كذلك الجَهلُ يَجِبُ أن يَكونَ جَهلاً لهما. و هذا يَقتَضي أن تَكونَ الحَياتانِ مُصَحِّحَتَينِ للضِّدَّينِ ، فمَنَعنا مِن وُجودِهما؛ لأنّهما تَجرِيانِ مَجرَى المُتَنافِيَينِ . و لَيسَ هذا في وجودِ الإرادةِ و الحياةِ في الجَمادِ.
و ممّا يُستَدَلُّ به على جَوازِ وجودِ الإرادةِ لا في مَحَلٍّ : أنّ العَرَضَ (2) إنّما تَجِبُ حاجتُه إلَى المَحَلِّ ، إذا لَم يَصِحَّ ظُهورُ حُكمِه إلّابه؛ لأنّ كَيفيّةَ وجودِ العلّةِ إنّما يَجِبُ أن تُعتَبَرَ بما يَرجِعُ إلَى الحُكمِ ، أو إلى الصفةِ المُوجَبةِ عنها. و الإرادةُ لا
تَختَصُّ المَحَلَّ و لا توجِبُ له حالاً؛ لأنّها(3) ممّا يوجِبُ الحالَ للجُملةِ . فلَو اختَصَّتِ المَحَلَّ مع ذلكَ ، لَوجبَ كَونُها علىٰ صفتَينِ مُختَلِفتَينِ للنفسِ . و ذلكَ مُحالٌ فيما له ضِدٌّ [يَنفيه](4).
فوجودُها علىٰ هذا في غَيرِ مَحَلٍّ جائزٌ متىٰ (5) لَم يؤَدِّ ذلكَ إلىٰ قَلبِ جنسِها أو
ص: 198
جنسِ غَيرِها؛ لأنّ حُكمَها الذي هو إيجابُ (1) كَونِه تَعالىٰ مُريداً، يَصِحُّ ظُهورُه و هي موجودةٌ لا في مَحَلٍّ ؛ لأنّ إيجابَها الحالَ يَرجِعُ إلى جنسِها، و اختصاصُها به تَعالىٰ دونَ غَيرِه يَثبُتُ بوجودِهما(2) على هذا الوجهِ . و إن لَم يَصِحَّ في إرادتِنا أن توجَدَ(3)في غَيرِ مَحَلٍّ ؛ مِن حَيثُ كانَ ذلكَ (211) يُزيلُ الاختصاصَ بنا، فاحتاجَت في أن تَختَصَّ بنا إلى حُلولِ بعضِنا؛ لأنّا قد بيّنّا أنّها تَحتاجُ إلَى المَحَلِّ مِن غَيرِ هذا الوَجهِ ؛ مِن حَيثُ كانَت لا توجِبُ له حالاً.
و لا يَلزَمُ علىٰ هذا وجودُ عِلمٍ لا في مَحَلٍّ ، أو قُدرةٍ أو حَياةٍ ، أو وجودُ سَوادٍ أو كَونٍ أو صَوتٍ لا في مَحَلٍّ ؛ لأنّا قد بيّنّا في بابِ الصفاتِ أنّ وجودَ عِلمٍ لا في مَحَلٍّ يؤَدّي إلىٰ ما يَقتَضي قَلبَ الجنسِ ؛ إمّا فيه تَعالىٰ ، أو فيما يَفعَلُه، مِن ضِدِّ العِلمِ . و بيّنّا أيضاً استحالةَ وجودِ قُدرةٍ و حَياةٍ لا في مَحَلٍّ ؛ مِن حَيثُ كانَ لهما تأثيرٌ في المَحَلِّ .
فأمّا الكَونُ : فإنّه يوجِبُ حالاً للمَحَلِّ ، و وجودُه في غَيرِ مَحَلِّه(4) يؤَدّي إلىٰ قَلبِ جنسِه.
فأمّا السوادُ: فإنّه إنّما يُضادُّ ضِدَّه و يُنافيهِ علَى المَحَلِّ ، فوجودُه لا في مَحَلٍّ يَقتَضي وجودَه علىٰ وَجهٍ لا يُنافي معه ضِدَّه. و هذا يَقتَضي قَلبَ جنسِه؛ لأنّ مُنافاتَه لضِدِّه يَرجِعُ إلىٰ ما هو عليه.
ص: 199
و القولُ في الصَّوتِ و التأليفِ و كُلِّ ما اختَصَّ المَحَلَّ ، كالقَولِ في السوادِ.
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَقولَ : كيفَ توجَدُ إرادَتُه تَعالىٰ لا في مَحَلٍّ ، و لا اختصاصَ لها به تَعالىٰ؟
لانقطاعِها بذلكَ عن كُلِّ حَيٍّ سِواه. و جَرى هذا الاختصاصُ مَجرىٰ حُلولِها في قَلبِ أحَدِنا في بابِ الاختصاصِ به؛ لأنّ اختصاصَ العِلَلِ مُختَلِفٌ غَيرُ جارٍ علىٰ طريقةٍ واحدةٍ ؛ لأنّ بعضَها يَختَصُّ بالحُلولِ في المَحَلِّ (1)، و بعضٌ آخَرُ يَختَصُّ بوجودِه في بعضِه، فلا يَمتَنِعُ أن يَدُلَّ الدليلُ علىٰ وَجهٍ آخَرَ؛ لأنّ مِثلَ ذلك موقوفٌ علَى الدليلِ .
فأمّا الاستبعادُ لأن يَكونَ عَرَضٌ يوجَدُ في غَيرِ محلٍّ ، فطَريفٌ (2)؛ لأنّ أحكامَ الأعراضِ إنّما تَثبُتُ بالأدلّةِ ، و لا يُقاسُ بعضُها علىٰ بعضٍ ، و [هكذا] كلُّ ما لا يُعلَمُ وجودُه باضطرارٍ.
و بَعدُ، فحُكمُ الأعراضِ مُختَلِفٌ : ففيها ما يَحتاجُ إلىٰ مَحَلٍّ واحدٍ،(3)و مِنها ما يَحتاجُ إلىٰ مَحَلَّينِ ، و مِنها ما يَختَصُّ الجُملةَ ، و مِنها ما يَختَصُّ المَحَلَّ ، و إنِ اشتَرَكَت في أنّها أعراضٌ . فكذلكَ لا يَمتَنِعُ أن يَكونَ فيها ما يوجَدُ لا في مَحَلٍّ .
***
ص: 200
[11] [فَصلٌ ] [فيما يجوز أن يريده تعالىٰ من فعله و فعل غيره] [و ما لا يريده، و ما يتّصل بذلك](1)
اعلَمْ أنّ جميعَ ما فَعَلَه تَعالىٰ لغرضٍ يَخُصُّه يَجِبُ أن يَكونَ مُريداً له. و قد بيّنّا أنّ الإرادةَ لا تَلزَمُ علىٰ هذا(2)؛ لأنّها لا تُفعَلُ لغرضٍ يَخُصُّها. و لأنّها مِن حَيثُ كانَت جهةً للفِعلِ حَلَّت مَحَلَّ الجُزءِ منه، فلا يَجِبُ أن يُجَدَّدَ لها إرادةٌ غَيرُ إرادةِ الفِعلِ .
و أحَدُنا لا يَجوزُ أن يُريدَ المُسَبَّبَ و يُريدَ السببَ ، إذا كانَ غرضُه يَختَصُّ السببَ .
و لا يَجوزُ مثلُ ذلكَ عليه؛ لأنّه لا يَفعَلُ المُسَبَّبَ عن السببِ ، إلّاو في كُلِّ واحدٍ منهما غرضٌ ؛ لأنّه تَعالىٰ قادرٌ علىٰ أن يَفعَلَ جنسَ المُتولِّدِ مُبتَدأً، و علىٰ أن يَفعَلَ السببَ و يَمنَعَ مِن المُسبَّبِ . فإذا جَمَعَ بَينَ الأمرَينِ ، فالغرضُ في كُلِّ واحدٍ منهما.
و يَجِبُ أن يَكونَ تَعالىٰ مُريداً لحُدوثِ كُلِّ جُزءٍ مِن أفعالِه(3)؛ لكَونِه عالِماً
ص: 201
بذلكَ علَى التفصيلِ .
فأمّا وجوهُ الأفعالِ ، فيَجِبُ أن يُنظَرَ فيها، فإن كانَ الوَجهُ يَقَعُ عليه كُلُّ جُزءٍ مِن الفِعلِ - كالنعمةِ و الثوابِ و ما جَرىٰ مَجراهما - وجبَ أن يُريدَ إحداثَ كُلِّ جُزءٍ علىٰ هذا الوَجهِ .
و إن كانَتِ الجُملةُ هي التي تَختَصُّ بالوقوعِ علىٰ ذلكَ الوَجهِ ؛ نَحوُ كَونِ الكلامِ خبراً، أرادَ فيها ذلكَ دونَ أجزائها.
و لا يَجوزُ أن يَكرَهَ تَعالىٰ شيئاً مِن أفعالِه؛ لأنّ كَراهةَ ذلكَ عَبَثٌ لا فائدةَ فيه.
و أحَدُنا إنّما يَحسُنُ منه أن يَكرَهَ بعضَ أفعالِه؛ لِيَصرِفَ نفسَه بذلكَ عن الفِعلِ ، و ليُوَطِّنَ نفسَه علىٰ أن لا يَفعَلَه، و كُلُّ ذلك لا يَجوزُ عليه تَعالىٰ .
فأمّا (212) الذي يُريدُه مِن فِعلِ غَيرِه، فجُملَتُه أنّه يُريدُ تَعالىٰ مِن ذلكَ ما له تَعلُّقٌ بفِعلِه أو المُستَحَقِّ عليه، فجميعُ الطاعاتِ هو تَعالىٰ مُريدٌ لها؛ لأنّه أمَرَ بها و رَغَّبَ في فِعلِها.
و أمّا إلجاءُ غَيرِه: يَجِبُ أن يكونَ مُريداً له؛ لتعلُّقِه بفِعلِه الذي هو الإلجاءُ .
و يَجِبُ أن يَكونَ كارهاً للمعاصي؛ مِن حيثُ نَهىٰ عنها.
فإن قيلَ : دُلّوا علىٰ أنّه مُريدٌ لِما أمَرَ به.
قُلنا: قد بيّنّا أنّ ما يُوجَدُ فيَكونُ أمراً يَجوزُ وجودُه(1) فلا يَكونَ أمراً، و أنّ المؤثِّرَ
ص: 202
في كَونِه كذلكَ كَونُ فاعلِه مُريداً دونَ سائرِ أحوالِه. فلَيسَ يَخلُو مِن أن يَفتَقِرَ في كَونِه أمراً إلىٰ إرادةِ المأمورِ، أو إرادةِ كَونِه أمراً.
و الثاني يَبطُلُ بأنّه كانَ لا يَمتَنِعُ أن نأمُرَ بما نَكرَهُه(1)، و إن أرَدنا كَونَ اللفظِ أمراً به؛ و المعلومُ خِلافُ ذلكَ . و كانَ يَجِبُ أيضاً [أن] لا تَقِفَ صحّةُ الأمرِ علىٰ ما يَصِحُّ حُدوثُه، كما لا يَقِفُ الخبرُ علىٰ ما يَصِحُّ حُدوثُه. و في وقوفِه علىٰ ذلكَ دَلالةٌ علىٰ أنّه مُفتَقِرٌ إلىٰ إرادَةِ الحُدوثِ ، بخِلافِ الخبرِ.
و الكلامُ في النهيِ ، و افتقارِه إلىٰ كَراهةِ ما تَناوَلَه، يَجري علىٰ ما ذَكَرنا.
و أمّا ما يُريدُه لتعلُّقِه بالمُستَحَقِّ عليه، فنَحوُ ما يُريدُه مِن أكلِ أهلِ الجَنّةِ و تَنَعُّمِهم؛ لأنّ بذلكَ يَكمُلُ ثَوابُهم و يَعظُمُ سُرورُهم.
فأمّا المُباحاتُ مِن أفعالِ العِبادِ: فلا يَجوزُ أن يُريدَها(2)؛ لأنّ إرادَتَها عَبَثٌ ، و لا تَعلُّقَ لها بفِعلِه و لا بالمُستَحَقِّ عليه.
فإن قيلَ : فما الذي يَدُلُّ علىٰ أنّه تَعالىٰ لا يُريدُ المَعاصيَ و جَميعَ القبائح(3)، علىٰ ما ذهبَ إليه مُخالِفُكُم ؟
قُلنا: يَدُلُّ علىٰ ذلكَ أنّ إرادةَ القَبيحِ قَبيحةٌ ؛ بدَلالةِ أنّ كُلَّ مَن عَلِمَها كذلكَ عَلِمَ قُبحَها إذا زالَ اللَّبسُ ، كما أنّ كُلَّ مَن عَلِمَ كَونَ الفِعلِ ظُلماً عَلِمَ قُبحَه إذا زالَ اللَّبسُ .
و لا اعتراضَ بخِلافِ المُجبِرةِ ؛ فإنّهم إنّما اعتَقَدوا أنّها تَحسُنُ مِن اللّٰهِ تَعالىٰ ؛
ص: 203
لجَهلِهم بوَجهِ قُبحِها في الشاهدِ، و ظَنِّهم أنّ القُبحَ (1) يَتعلَّقُ بأحوالِ فاعلِها(2) - نَحوُ كَونِه مُحدَثاً مربوباً - و للنهيِ ، كما اعتَقَدوا مِثلَ ذلكَ في الظُّلمِ .
و قد تَقدَّمَ إفسادُنا لهذه الطريقةِ (3)، و أنّ أحوالَ الفاعلِ لا تُؤَثِّرُ(4) في قُبحِ الفِعلِ و لا حُسنِه، و أنّ المُعتَبَرَ بالوجوهِ التي يَقَعُ (5) عليها الأفعالُ .
[و] كما أنّ خِلافَهم لَم يؤَثِّرْ في أنّ الظُّلمَ إنّما قَبُحَ لكَونِه بهذه الصفةِ ، فكذلكَ خِلافُهم في قُبحِ إرادةِ القَبيحِ ، و ما يَزولُ به اللَّبسُ عن الجميعِ واحدٌ.
و ممّا يَدُلُّ أيضاً على قُبحِها: أنّ الأمرَ بالقَبيحِ قَبيحٌ بلا شُبهةٍ ، و المُدخِلُ للأمرِ في أن يَكونَ أمراً هو الإرادةُ ، و لَولاها لَم يَكُن أمراً. و كَونُه أمراً جهةُ القبح(6)، فما أثَّرَ فيه يَجِبُ لا محَالةَ قُبحُه.
و لا يَلزَمُ علىٰ هذا قُبحُ القُدرةِ علَى القَبيحِ ؛ لأنّها لا تؤَثِّرُ في وَجهِ القُبحِ .
و لا يَلزَمُ أيضاً قُبحُ ما لَولاه لَم تحصُلِ الإرادةُ ؛ مِن العِلمِ و الاعتقادِ؛ لأنّ ذلكَ غَيرُ مؤَثِّرٍ في قُبحِ الإرادةِ .
و بمِثلِ ذلك نُجيبُ مَن ألزَمَ علىٰ ما ذَكَرناه قُبحَ كُلِّ ما [لا] يَتِمُّ الأمرُ و الخبرُ القَبيحانِ إلّابه؛ مِن اعتقادِ المُخبِرِ عنه و العِلمِ بالمُواضَعةِ و نَحوِها؛ لأنّ كُلَّ ذلكَ لَم يؤَثِّرْ في جهةِ القُبحِ ، و فيما له كانَ القَبيحُ قَبيحاً.
ص: 204
و ممّا يَدلُّ أيضاً علىٰ أنّه لا يُريدُ المَعاصيَ و القَبائِح: أنّه قد ثَبَتَ بلا خِلافٍ نهيُه عن جميعِها، و تهديدُ مَن فَعَلَها. و النهيُ - علىٰ ما تَقدَّمَ (1) - يَقتَضي كَراهةَ المَنهيِّ عنه، و بذلكَ كانَ نَهياً - علَى الحَدِّ الذي بيّنّا في الأمرِ أنّه يَكونُ أمراً [لإرادةِ المأمورِ به](2) -. و إذا ثَبَتَ أنّه يَكرَهُها استَحالَ كَونُه مريداً لها.
و ممّا يُعتَمَدُ علىٰ طريقِ التأكيدِ للأدلّةِ (3) المُتقدِّمةِ : أنّه لَو جازَ أن يُريدَ القَبائحَ ، لَجازَ أن يُحِبَّها و يَرضاها؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ المَحَبّةَ و الرِّضا يَرجِعانِ إلىٰ معنَى الإرادةِ (4).
و لَيسَ بمُسلِمٍ مَن أطلقَ أنّ رَبَّه تَعالىٰ يَرضىٰ أن يُشتَمَ و يُفتَرىٰ عليه و يُكَذَّبَ أنبياؤه عليهم السلام.
(213) و قد وَرد(5) السمعُ مؤكِّداً لِما في العقلِ (6) في قولِه تَعالىٰ : «وَ مَا اَللّٰهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبٰادِ»(7) ، «وَ مَا اَللّٰهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعٰالَمِينَ »(8) ، و قولِه: «كُلُّ ذٰلِكَ كٰانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً»(9) ، و قولِه - جَلَّ و عَزَّ -: «يُرِيدُ اَللّٰهُ بِكُمُ اَلْيُسْرَ وَ لاٰ يُرِيدُ بِكُمُ اَلْعُسْرَ»(10) و لا شيءَ أعسَرُ مِن الكُفرِ و ما أدّىٰ إلَى العذابِ الدائمِ .
ص: 205
و قولُه تَعالىٰ : «وَ مٰا خَلَقْتُ اَلْجِنَّ وَ اَلْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ »(1) يَدلُّ علىٰ أنّه قد أرادَ مِن الجميعِ العِبادةَ ، و إن كانَ فيهِم مَن لَم يُؤمِنْ ؛ لأنّ اللامَ في «لِيَعْبُدُونِ » هي لامُ الغرضِ ؛ بمنزلةِ قولِ القائلِ : «ما دَخَلتُ إليكَ إلّالِتُكرِمَني».
و مُقتَضىٰ ما وَرَدَ به السمعُ في هذا البابِ يطولُ .
و اعلَمْ أنّه تَعالىٰ لا يَجوزُ أن يُريدَ شيئاً مِن فِعلِ غَيرِ المُكَلَّفِ ؛ مِن البهائمِ و مَن جَرىٰ مَجراها مِن الإنسِ ؛ لأنّ إرادةَ ذلكَ عَبَثٌ ، و يَجري في القُبحِ مَجرىٰ إرادةِ المُباحِ . و لهذه أيضاً لا يَكرَهُه، و إن كانَ في جُملةِ أفعالِهم ما هو قَبيحٌ .
و قد قيلَ (2): إنّه مَتى عَلِمَ أنّ لُطفاً يَتعلَّقُ بهذه الكَراهةِ حَسُنَت(3)؛ و ذلكَ بأن يَعلَمَ تَعالىٰ أنّه مَتىٰ أعلَمَ بعضَ المُكَلَّفينَ أو جَميعَهم أنّه يَكرَهُ القَبائحَ مِن البَهائمِ ، صَلَحوا في التكليفِ .
و اعلَمْ أنّ جميعَ أفعالِه المُبتَدَأةِ إنّما يُريدُها في حالِ حُدوثِها. فأمّا المتولِّداتُ فعلىٰ ضَربَينِ :
أحَدُهما: يوجَدُ مع السببِ ، و هذا لا شَكَّ في أنّ إرادَتَه تُقارِنُه.
و الضربُ الآخَرُ: لا يُقارِنُ السببَ ، و هو على ضَربَينِ :
مُتعَقِّبٌ لسببِه، و مُتَراخٍ عنه.
ص: 206
فالمُتَعقِّبُ الأولى فيه أن تُقارِنَ (1) الإرادةُ لسببِه؛ لأنّه كالموجودِ في تلكَ الحالِ ، فالإرادةُ كأنّها مُقارِنةٌ له، و يَجري مَجرىٰ مُقارَنةِ الإرادةِ لأوّلِ جُزءٍ مِن الخبرِ.
فأمّا المُتَراخي، فإنّه بتَراخيهِ و انفصالِه عن السببِ يَجري مَجرَى المُبتَدَإ، فلا بُدَّ مِن مُقارَنةِ الإرادةِ له لتؤَثِّرَ(2) فيه. و علىٰ هذا يَصِحُّ القولُ بأنّه تَعالىٰ لا يُريدُ فِعلَ الثوابِ ممَّن أطاعَ قَبلَ أحوالِ فِعلِ الثوابِ .
و لا يَلزَمُ علىٰ هذا أن يَكونَ تَعالىٰ غَيرَ مُعَرِّضٍ للثوابِ ، و أن لا يَكونَ لقولِنا:
«إنّه تَعالىٰ كَلَّفَ ليُثيبَ » معنىً .
و ذلكَ أنّ التعريضَ يَكفي فيه أن يُريدَ مِن المُكلَّفِ الطاعةَ التي يَستَحِقُّ بها الثوابَ ، مع العِلمِ بأنّه يُثيبُه إذا أطاعَ ، و جَعلُهُ علىٰ صفاتِ المُكلَّفينَ . و معنىٰ قولِنا:
«كَلَّفَه ليُثيبَه» أنّه جَعَلَه علىٰ صفاتِ المُكلَّفِ ليَفعَلَ (3) ما أرادَه مِنه مِن الطاعةِ التي يَستَحِقُّ بها الثوابَ .
فأمّا ما يُريدُه تَعالىٰ مِن المُكَلَّفينَ ، فإنّما يُريدُه قَبلَ حالِ الفِعلِ ؛ لأنّ المُقتَضيَ لكَونِه مُريداً لذلكَ كَونُه مُكلِّفا و آمِراً و ناصِباً للأدلّةِ ، و كُلُّ ذلكَ يَقتَضي تَقدُّمَ كَونِه مُريداً. و كذلكَ القولُ فيما يَكرَهُه مِن أفعالِ العِبادِ أنّه يَجِبُ تَقدُّمُه.
و قد قيلَ : إنّه غَيرُ مُمتَنِعٍ أن يَكرَهَ تَعالىٰ مِنهم القَبيحَ في حالِ وجودِه، و كذلك
يُريدُ مِنهم الفِعلَ في حالِ وجودِه؛ إذا عَلِمَ أنّ فيه لُطفاً. و علىٰ هذا القولِ يَجوزُ
ص: 207
أيضاً أن تَتقدَّمَ (1) إرادَتُه تَعالىٰ لأفعالِ نفسِه علىٰ مُرادِها؛ إذا عَلِمَ أنّ في إخبارِ المُكلَّفِ بذلكَ مِن حالِها مَصلَحةً و لُطفاً.
و هذه جملةٌ كافيةٌ .
***
[1.] قالوا: لَو جازَ أن يَقَعَ مِن العِبادِ ما لا يُريدُه، لَدَلَّ ذلكَ علىٰ ضَعفِه، و علىٰ أنّه مقهورٌ مغلوبٌ ؛ قياساً علَى الشاهدِ في هذا البابِ .
[2.] و تَعلَّقُوا أيضاً بأنّه لَو جازَ أن يُريدَ مِن غَيرِه ما لا يَقَعُ ، لَجازَ أن يُريدَ مِن فِعلِ نفسِه ما لا يوجَدُ. و الذي يُفسِدُ الأمرَينِ واحدٌ.
[3.] و تَعلَّقوا بأنّه تَعالىٰ لَو كانَ كارهاً للمَعاصي، لَوجبَ أن يَكونَ مَن يَفعَلُها مُكرِهاً له؛ لأنّه مُرضٍ له بفِعلِ ما يَرضاه، و مُسخِطٌ له (214) بفِعلِ ما يَسخَطُه.
[4.] و تَعلَّقوا بأنّه تَعالىٰ لَو كانَ كارهاً للمَعاصي، لَكانَ آبِياً لها، و لَوجبَ أن يَكونَ العاصي فاعلاً للمعصيةِ ؛ شاءَها اللّٰهُ تَعالىٰ أم أباها. و هذه علامةُ الضَّعفِ .
[5.] و تَعلَّقوا بأنّه تَعالىٰ يُريدُ مِنّا جِهادَ المُشرِكينَ و قِتالَهم، و لا يَتِمُّ ذلكَ إلّا بوقوعِ المُقاتَلةِ ، فيَجِبُ أن يَكونَ مُريداً لها؛ لأنّ ما لا يَتِمُّ المُرادُ إلّابه يَجِبُ أن يَكونَ مُراداً. و إذا أرادَ قِتالَهم المُسلِمينَ فقَد أرادَ المَعصيةَ .
ص: 208
[6.] و تَعلَّقوا: بقَولِه تَعالىٰ : «لِمَنْ شٰاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَ مٰا تَشٰاؤُنَ إِلاّٰ أَنْ يَشٰاءَ اَللّٰهُ رَبُّ اَلْعٰالَمِينَ »(1) . قالوا: و إطلاقُ هذا القولِ يَقتَضي أنّا لا نَشاءُ شيئاً إلّا و اللّٰهُ مُريدٌ له، و لَم يَخُصَّ كُفراً مِن إيمانٍ ، و لا حَسَناً مِن قَبيحٍ ، و لا [معصيةً مِن طاعةٍ ](2).
[7.] [و] تَعلَّقوا بإطلاقِ الأُمّةِ القولَ (3) بأنّ «ما شاءَ اللّٰهُ كانَ ، و ما لَم يَشَأ لَم يَكُن».
[8.] و تَعَلّقوا بأنّ مَن قالَ لغَيرِه: «و اللّٰهِ لأَُعطيَنَّكَ حَقَّكَ غَداً إن شاءَ اللّٰهُ » ثُمّ لَم يَفعَلْ ، لا خِلافَ أنّه لا يَكونُ حانِثاً. و لَو كانَ اللّٰهُ تَعالىٰ يُريدُ جَميعَ الطاعاتِ و الواجباتِ كما تَقُولونَ ، لَكانَ شائياً مِن هذا قَضاءَ الدَّينِ إذا كانَ مُتمكِّناً مِنه، و كانَ يَجِبُ كَونُه حانِثاً.
الكلامُ علىٰ ذلكَ : يُقالُ لهم فيما تَعلَّقوا به أوّلاً:
[1.] إنّكم لَم تَزيدُوا(4) علَى الدَّعوىٰ ، و ما تَرجِعونَ إليه مِن الشاهدِ في هذا البابِ غَيرُ مُسَلَّمٍ ؛ لا حُكماً و لا اعتلالاً؛ لأنّ لَيسَ كُلُّ مَن أرادَ في الشاهدِ مِن غَيرِه ما لَم يَقَعْ يَدُلُّ علىٰ ضَعفِه، و في المَوضِعِ الذي يَدُلُّ علىٰ ذلكَ لَيسَ العِلّةُ أنّ مُرادَه لَم يَقَعْ .
و الذي يَدُلُّ علىٰ ما ذَكَرناه: أنّ المَلِكَ مَتىٰ أرادَ مِن رَعيّتِه ما يَعودُ عليهم نَفعُه،
ص: 209
و لا يَتعلَّقُ بشيءٍ (1) مِن أفعالِه، أن يَفعَلوه طَوعاً و اختياراً؛ مِثلَ أن يُريدَ منهم الصلاةَ بالليلِ ، و التصَدُّقَ بشَيءٍ مِن أموالِهم، فإنّ ارتفاعَ ذلكَ لا يَدُلُّ علىٰ ضَعفِه و لا نَقصِه، و هذا معلومٌ ضَرورةً . و إنّما يَدُلُّ علىٰ ضَعفِه أو نَقصِه أن يُريدَ مِنهم ما يَعودُ عليه نَفعُه؛ مِثلَ أن يُحارِبوا عَدُوّاً قد أَظَلَّ عليه و خَشيَ غايةَ الضررِ منه، فهو مُستَضِرٌّ بارتفاعِ هذه المُحارَبةِ و المُدافَعةِ ، فيَدُلُّ (2) ذلكَ علىٰ ضَعفِه؛ مِن حَيثُ كانَ لا يَفي بدَفعِ ذلكَ بنفسِه(3). و لأنّه أيضاً مع تَوقُّعِ الضررِ و تَوقُّفِه، لا بُدَّ أن يُريدَ مِنهم علىٰ وَجهِ الإكراهِ أن يَنصُروه و يُدافِعوا عنه، و إذا لَم يَقَعْ ذلكَ دَلَّ علىٰ أنّ ما به يَكونونَ مُكرَهينَ ، لا يَتمكَّنُ مِنه و لا يَقدِرُ عليه، فيَدُلُّ علىٰ ضَعفِه، و نَقصِه.
و مَن حَمَلَ نَفسَه علىٰ «أنّ المَلِكَ القاهِرَ العَظيمَ السُّلطانَ ، متىٰ أرادَ مِنَ الذِّمِّيِّ المكفُوفِ الضعيفِ الاختلافَ إلىٰ مَساجِدِ المُسلِمينَ ، فوَقَعَ مِنه الاختلافُ إلَى البِيعةِ و الكَنيسةِ ، فإنّ المَلِكَ يَضعُفُ بذلكَ و يَلحَقُه نَقصٌ » قد خَرَجَ عن حَدِّ المُناظَرةِ إلَى المُعانَدةِ .
و متى قيلَ له: أَبِنْ لنا: أيُّ ضَعفٍ لَحِقَه ؟ و ما تُريدُه بهذه العِبارةِ؟ و أيُّ فَرقٍ بَينَ (4) طاعةِ هذا و معصيتِه، فيما يَرجِعُ إلىٰ أحوالِ المَلِكِ و التأثيرِ فيها؟ لَم يَحصُل إلّا علىٰ عبارةٍ . و كيفَ يَدُلُّ علىٰ ضَعفِ أحَدِنا ما لا تَعلُّقَ له به، و كَونُه ضَعيفاً يَرجِعُ إليه ؟
[2.] و لَو دَلَّ انتفاءُ مُرادِه علىٰ ضَعفِه، لَدَلَّ وقوعُ مُرادِه تَعالىٰ علىٰ قُوَّتِه.
ص: 210
[3.] علىٰ أنّ هذا القولَ يوجِبُ عليهم أن يَكونَ انتفاءُ وقوعِ ما أَمَرَ به يَدُلُّ علىٰ ضَعفِه، كما يَدُلُّ مِثلُ ذلكَ في الشاهدِ. و أيُّ فَرقٍ تَعاطَوه في الفَصلِ بَينَ الغائبِ و الشاهدِ في الأمرِ، أمكَنَ أن يُذكَرَ في الإرادةِ ؛ لأنّ [مُخالَفةَ أحَدِنا](1) للأمرِ في الشاهدِ [إنّما] تَدُلُّ (2) علَى الضَّعفِ مِن حَيثُ ضَمِنَتِ المُخالَفةَ في الإرادةِ ؛ لأنّ أحَدَنا لا (215) يأمُرُ إلّابما يُريدُه. و [لا يُمكنُهم ادّعاءُ ](3) أنَّ القَديمَ تَعالىٰ يأمُرُ بالشيءِ و إن لَم يَكُن مُريداً له؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ الأمرَ لا يَكونُ أمراً إلّاو فاعلُه مُريدٌ للمأمورِ به(4)، و أنّه بذلك دَخَلَ في أن يَكونَ آمِراً، فلا فَرقَ بَينَ الغائبِ و الشاهدِ في هذا البابِ .
[4.] علىٰ أنّهم إن جَوَّزوا أن يأمُرَ أحَدُنا بما [لا](5) يُريدُه، قيلَ لهم: أفتَدُلُّ مُخالَفتُه في الأمرِ علىٰ ضَعفِه ؟
فإن التَزَموا ذلك لَزِمَهُم مِثلُه فيما يأمُرُ تَعالىٰ به. و إنِ امتَنَعوا مِن دَلالةِ المُخالَفةِ للأمرِ في الشاهدِ علَى الضَّعفِ ، امتَنَعَ عليهم مِثلُ ذلكَ في الإرادةِ ؛ لأنّ حُكمَ الشاهدِ لا يَختَلِفُ في الأمرَينِ ، بل الحالُ في المُخالَفةِ في الأمرِ أوضَحُ (6).
و إن أحالوا كَونَ أحَدِنا آمِراً في الشاهدِ بما لا يُريدُه، قيلَ لهم: فيَجِبُ أيضاً استحالةُ كَونِه تَعالىٰ آمِراً بما لا يُريدُ؛ لأنّ ما يُحيلُ ذلكَ في بعضِ الآمِرينَ ، يُحيلُه في كُلِّ آمِرٍ.
ص: 211
[5.] و بَعدُ، فإنّ النَبيَّ عليه السلام كانَ يُريدُ الإيمانَ مِن الكُفّارِ، و لَم يَدُلَّ انتفاؤه مِن جهتِهم علىٰ ضَعفِه و غَلَبَتِه و قَهرِه.
[6.] علىٰ أنّ هذا يوجِبُ عليهم أن يَكونَ (1) تَعالىٰ مِن حَيثُ أمَرَ الكُفّارَ بالإيمانِ ، و العُصاةَ بالطاعةِ ، أن يَكونَ آمِراً لهم بأن يَقهَروه و يَغلِبوه. و كذلكَ إذا كانَ تَعالىٰ قادراً علىٰ إقدارِهم علىٰ ذلكَ أن يَكونَ قادراً [علىٰ ] أن يُقدِرَهم علىٰ غَلَبَتِه و قَهرِه، و هذا أوضَحُ فَساداً مِن(2) أن نُكافِيَه(3).
أنّ الوَجهَ الذي مِن أجلِه قُلنا: إنّه متىٰ أرادَ مِن أفعالِه ما لا(4) يَقَعَ لَحِقَه النقصُ ، لا
يَتَأَتّىٰ فيما يُريدُه مِن أفعالِ غَيرِه أن يَفعَلَه(5) علىٰ سَبيلِ الاختيارِ؛ و ذلكَ أنّه متىٰ أرادَ شيئاً و دَعاهُ إليه الداعي، فلا بُدَّ مِن وقوعِه، إلّاأن يَعرِضَ ما لا يَجوزُ عليه تَعالىٰ ؛ مِن فَقدِ قُدرةٍ أو عِلمٍ أو آلةٍ و ما جَرى مَجرَى الآلةِ مِن الوَصلِ إلَى الفِعلِ ، أو لِمَنعِ مَن هو أقدَرُ. و إذا لَم يَجُز عليه تَعالىٰ أحَدُ هذه الأُمورِ التي لأجلِها لا يَقَعُ مراد أحدنا(6) مِن نفسِه، لَم يَجُز أن يُريدَ مِن فِعلِه ما لا يَكونُ .
و لهذا قُلنا: إنّه لَو أرادَ مِن غَيرِه شيئاً علىٰ سَبيلِ الإلجاءِ ، لَدَلَّ ارتفاعُه علىٰ فِعلِ ما يَدُلُّ عليه انتفاءُ ما يُريدُه مِن مقدورِ نفسِه؛ لتَعلُّقِ ذلك بفِعلِه؛ مِن حَيثُ كانَ مَن
ص: 212
قَصَدَ إلىٰ إلجاءِ غَيرِه إلَى الفِعلِ ، لا بُدَّ أن يَفعَلَ ما به يَصيرُ [فعلُ ](1) ذلكَ الغَيرِ مُلجأً إليه. فلَو لَم(2) يَقَعْ ما يُريدُه مِنه علىٰ سَبيلِ الإلجاءِ ، لَكانَ إنّما لا يَقَعُ ؛ لأنّه لَم يَفعَلْ ما يُلجِئُه به إليه. و إنّما لَم يَفعَلْ (3) ما يُلجِئُه إلَى الفِعلِ [الذي هو] مُرادُه لأحَدِ الوجوهِ المُتقدِّمةِ ؛ مِن(4) فَقدِ قُدرةٍ أو ما جَرىٰ مَجراها ممّا يَقتَضي النقصَ ، فلهذا جَرَى انتفاءُ مُرادِه مِن غَيرِه علىٰ سَبيلِ الإلجاءِ ، مَجرَى انتفاءِ مُرادِه مِن نَفسِه، و فارَقَ الأمرانِ جميعاً ما يُريدُه مِن غَيرِه علىٰ سَبيلِ الاختيارِ.
[1.] أنّ المُكرِهَ «مَن أكرَهَ غَيرَه علَى الفِعلِ »، و حَمَلَه علىٰ فِعلِه، و لَيسَ هو «مَن فَعَلَ ما كَرِهَه»، و لهذا لا يَكونونَ (5) الكُفّارُ مُكرِهينَ للنبيّ عليه السلام مِن حَيثُ فَعَلوا مِن الكُفرِ ما كَرِهَه، و لا مُكرِهينَ للمؤمِنينَ .
[2.] و العِباراتُ و الأسماءُ لا مَدخَلَ للقياسِ فيها، فلا يَجِبُ حَملُ مُكرِهٍ علىٰ مُسخِطٍ و مُرضٍ ؛ ألا تَرىٰ أنّهم لَم يُعَلِّقوا علىٰ «مَن أرادَ شيئاً مِن غَيرِه ففَعَلَه» وَصفاً(6)، كما عَلَّقوا (216) عَلىٰ مَن سَخِطَ شيئاً أو رَضِيَه. و لو حَمَلَ الحامِلُ
ص: 213
الكَراهيةَ في هذا البابِ على الإرادةِ لَكانَ أَولىٰ (1).
[3.] علىٰ أنّه يَلزَمُهم ما قَدَّمناه(2)؛ مِن كَونِه آمِراً للكُفّارِ بإِكراهِهِ إذا كانَ آمِراً لهم بالإيمانِ الذي يَكرَهُه علىٰ مَذاهبِهم.
أنّ الإباءَ ليسَ من الكَراهةِ في شيءٍ ، و إنّما المُرادُ به المَنعُ و الامتناعُ ، و لهذا تَمدَّحُ العَرَبُ الرَّجُلَ بأنّه أبِيُّ (3) الضَّيمِ ، و قالَ الشاعرُ:
و إنْ أرادُوا ظُلْمَنا أبَيناه *** ......................(4)
و لا مِدحةَ في كَراهةِ الظُّلمِ و نَفيِ الإرادةِ له؛ لأنّ الضعيفَ و العاجِزَ بهذه المَثابةِ ، و إنّما أرادوا بذلك المَنعَ .
و إنّما أشكَلَ أحَدُ الأمرَينِ بالآخَرِ؛ مِن حَيثُ كانَ مَن يأبَى(5) الشيءَ و يَمتَنِعُ منه أو يَمنَعُ ، لا بُدَّ مِن أنْ يَكونَ كارهاً. و القَديمُ تَعالىٰ و إن كَرِهَ المَعاصيَ ، فما مَنَعَ مِنها، فلا يوصَفُ بما يُفيدُ ذلكَ .
أنّ الذي(6) ذَكَرتُموه معلومٌ ضَرورةً خِلافُه؛ لأنّ النبيَّ عليه السلام كانَ يُريدُ
ص: 214
جِهادَ الكُفّارِ و إن لَم يُرِد وقوعَ المُنكرِ(1)، و أحَدُنا يُريدُ اغتسالَ الزاني مِن الجَنابةِ و إن لَم يُرِد ما يوجِبُ ذلكَ ، و كذلكَ يُريدُ إيقاعَ الحَدِّ بِمَن(2) يستَحِقُّه و إن لَم يُرِد ما يوجِبُ الحَدَّ. و إذا جازَ أن يَكونَ أحَدُنا يُريدُ المُسَبَّبَ إذا خَصَّه الغرضُ (3) علىٰ بعضِ الوجوهِ و إن لم يُرِد سببَه، فأَولىٰ أن لا تَجِبَ إرادتُه لِما لَيسَ بسببٍ ممّا يَحصُلُ عندَه مُرادُه.
[1.] أنّ قولَه تَعالىٰ : «وَ مٰا تَشٰاؤُنَ إِلاّٰ أَنْ يَشٰاءَ اَللّٰهُ »(4) * راجعٌ إلى ما تَقدَّمَ مِن قولِه: «لِمَنْ شٰاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ »(5) ، فكأنّه تَعالىٰ قالَ : «و ما تَشاءُونَ الاستقامةَ إلّا أن يَشاءَ اللّٰهُ ». و إنّما وجبَ رَدُّه إلىٰ ذلكَ ؛ لأنّه غَيرُ مُستَقِلٍّ بنفسِه، و ما تَعلَّقَت به المَشيّةُ غَيرُ مُصرَّحٍ به، فإذا تَقدَّمَ ما يُمكِنُ تعليقُه به كانَ أَولىٰ .
[2.] علىٰ أنّ ذلكَ لو لَم يَجِبْ لَحَمَلنا الآيةَ علَى الطاعاتِ دونَ المَعاصي؛ للأدلّةِ المُتقدِّمةِ .
[1.] أنّ إجماعَ الأُمّةِ علىٰ إطلاقِ القولِ الذي ذَكَروه غَيرُ مُسَلَّمٍ ، و معلومٌ أنّ أهلَ العَدلِ لا يُطلِقونَ ذلكَ ، كما لا يُطلِقونَ «أنّ كُلَّ شيءٍ بقَضاءِ اللّٰهِ و قَدَرِه» و إنّما
ص: 215
يُطلِقُ ما جَرىٰ هذا المَجرَى العامّةُ ، و مَن لا يَعرِفُ ما يأتي و يَذَرُ.
[2.] و مَن أطلَقَ ذلكَ فهو يُطلِقُ (1) القولَ بأنّ كُلَّ شيءٍ بإذنِ اللّٰهِ و أمرِه، و أنّه لا مَردَّ [إلّا] إليه، فيَجِبُ أن يُحتَجَّ بذلكَ في أنّه لَم يأمُرِ الكُفّارَ بالإيمانِ ، و أنّ الكُفرَ ممّا أمَرَ به.
[3.] و مِنَ الظاهرِ علىٰ لِسانِ الأُمّةِ قولُهم: «نَستَغفِرُ اللّٰهَ مِن جَميعِ ما كَرِهَ اللّٰهُ (2)»، و الاستغفارُ لا يَكونُ إلّامِن الواقعِ ، و هذا يَقتضي أنّه تَعالىٰ قد كَرِهَ بعضَ ما وَقَعَ مِنهم.
و مِن دُعاءِ الأُمّةِ قولُها أيضاً: «اللّهُمّ انقُلنا ممّا تَكرَهُ إلىٰ ما تُحِبُّ ».
فإن قيلَ : فما المَعنىٰ في قولِهم: «ما شاءَ اللّٰهُ كانَ » إذا سَلَّمتُموه ؟
قُلنا: المُرادُ بذلكَ : «ما شاءَ مِن(3) أفعالِه كانَ ، و ما لَم يَشأْهُ مِن أفعالِه التي ليسَت بإرادةٍ لَم يَكُن»؛ لأنّ هذا القولَ لَيسَ بأكثَرَ مِن القُرآنِ الذي يَجوزُ تخصيصُه بالأدلّةِ .
و قد يَجوزُ حَملُهُ (4) أيضاً علىٰ «أنّ ما شاءَه و ألجَأَ إليه كانَ ، و ما لَم يَشَأْهُ و مَنَعَ منه لَم يَكُن».
علىٰ أنّهم (217) يَعدِلُون عن ظاهرِ هذا القَولِ علىٰ مَذاهِبِهم؛ لأنّهم يَذهَبونَ إلىٰ أنّه تَعالىٰ «يَشاءُ ما لا يَكونُ ، أن لا يَكونَ ». فقَد شاءَ علىٰ هذا ما لَم يَكُن، و تَرَكوا الظاهِرَ.
ص: 216
فإن قالوا: نَحمِلُه علىٰ أنّ ما شاءَ كَونَه [كانَ (1)].
قلنا: و نَحْمِلُه علىٰ ما شاءَه مِن أفعالِه.
[1.] أنّ مَشيّةَ اللّٰهِ تَعالىٰ لقَضاءِ الدَّينِ عندَنا مُتقدِّمةٌ ، و إنّما توجَدُ(2) عندَ الأمرِ مِنه تَعالىٰ بالقَضاءِ . و قولُه: «إن شاءَ اللّٰهُ » يَقتَضي إرادةً مُتجدِّدةً مُستَقبَلةً ، فلا يَلزَمُ علىٰ مَذهَبِنا أن يَكونَ حانِثاً. و لَو قالَ : «و اللّٰهِ لَأَقضيَنَّ الدَّينَ إن كانَ اللّٰهُ قد شاءَ ذلكَ » حَنَثَ مَتىٰ لَم يَقضِه.
و لَيسَ يُمكِنُ أن يُدَّعىٰ في هذا التفصيلِ خِلافُ جميعِ الفُقَهاءِ ؛ لأنّهم لا نَصَّ عندَهم في ذلكَ .
[2.] و الغرضُ في تعقيبِ الأيمانِ و ما أشبَهَها(3) بذِكرِ المَشِيَّةِ ، هو قَطعُ لُزومِ الكلامِ ، و جَعلُه موقوفاً غَيرَ نافِذِ الحُكمِ ؛ فكأنّه بعُرفِ الشرعِ صارَ أمارةً علىٰ ما ذَكَرناه مِن زَوالِ حُكمِ اليَمينِ .
و الذي يُبيِّنُ ذلكَ ، أنّ المَشيّةَ قد تَدخُلُ في اليَمينِ علَى الماضي، و معلومٌ أنّ الشرطَ المُتجدِّدَ لا يَجوزُ أن يُعلَّقَ به أمرٌ ماضٍ (4)، و لهذا لا يُقالُ : «دَخَلَ زيدٌ الدارَ أمسِ إن كانَ كذا و كذا مُستَقبَلاً». فعُلِمَ أنّ المَشيّةَ لَم يُرَد بها الشرطُ، و إنّما تُفيدُ ما ذَكَرناه مِن التوقُّفِ ، و قَطعِ لُزومِ حُكمِ الكلامِ .
ص: 217
[3.] و قد حُكِيَ عن أبي عَليٍّ (1) أنّه كان يَقولُ : إنّ الحالِفَ علىٰ هذا الوَجهِ إنّما لَم يَحنَثْ ؛ لأنّه يُحتَمَلُ أن يُريدَ «إن شاءَ أن يُمَكِّنَني و لا يَمنَعَني، أو يَلطُفَ (2) لي في الفِعلِ »(3) و لا يَمتَنِعُ أن لا يَكونَ لُطفٌ في الفعلِ ، فلا يَحصُلَ الشرطُ، فلهذا لم يَكُن حانثاً. و لَو أنّه قالَ بَعدَ اليَمينِ : «إن كانَ اللّٰهُ قد شاءَ منّي نَفسَ الفِعلِ » الذي هو قَضاءُ الدَّينِ ، لَوجبَ أن يَكونَ حانِثاً إذا لَم يَقضِه. و كُلُّ هذا بَيِّنٌ .
ص: 218
و غَيرِهما مِن الحروفِ ، و قد يَنقَطِعُ علىٰ [وَجهٍ ] غَيرِ مُتميِّزٍ؛ كصَريرِ البابِ و ما أشبَهَه.
و قد تَحدُثُ (1) هذه الحُروفُ مُنفَصِلاً بعضُها مِن بَعضٍ ، و قد يَتَوالىٰ حُدوثُها فتوصَفُ (2) عندَ التوالي بأنّها مُنظَّمةٌ و مُتألِّفةٌ ؛ يُفادُ بذلكَ تقدُّمُ حُدوثِها و تأخُّرهُ .
و إذا كانَت هذه الجُملةُ مفصولةً (3). فالكلامُ : «ما انتَظَمَ مِن حَرفَينِ فصاعِداً مِن(4)هذهِ الحُروفِ المعقولةِ (5)». و لا بُدَّ مِنِ اشتراطِ وقوعِه ممّن تَصِحُّ منه أو مِن قَبيلِه الإفادةُ .
و إنّما شَرَطنا «الانتظامَ »؛ لأنّه لَو أتىٰ بحَرفٍ ثُمّ أتىٰ بَعدَه بزَمانٍ متأخِّرٍ(6) حَرفاً آخَرَ، لَم يوصَفْ فِعلُه بأنّه كلامٌ .
و ذَكَرنا «الحُروفَ المعقُولةَ »؛ لِما قَدَّمناه(7) مِن أنّ أصواتَ بعضِ الجَماداتِ رُبَّما تَقطَّعَت علىٰ وجهٍ يُلَبَّسُ بالحُروفِ ، إلّاأنّها لا تَتميَّزُ و تَنفَصِلُ فَصلَ الحُروفِ التي ذَكَرناها.
و قولُنا: «حَرفٌ » و إن كانَ [مِن] الأسماءِ المُشتَرَكةِ (8)، فرُبَّما عُبِّرَ به عن «طَرَفِ الشيءِ و جانِبِه»، و النحوِيّونَ يُعَبِّرونَ به عنِ «الداخِلِ علَى الجُمَلِ المُفيدةِ لِيُعيِّنَ (9)
ص: 220
فَوائدَها»، و يُشيرونَ بذلكَ إلىٰ ما هو عندَنا كلامٌ و مُركَّبٌ (218) مِن أكثَرَ مِن حَرفٍ واحدٍ، فمُرادُنا بهذه اللفظةِ هو «ما(1) نُشيرُ به إلى ما نَعقِلُه مِن النَّغمةِ أو الغُنّةِ (2)المسموعةِ المُتميِّزةِ ».
و إنّما اشتَرَطنا وقوعَ ذلك ممّن يَصِحُّ الإفادةُ مِنه أو مِن قَبيلِه؛ لئلّا يَلزَمَ أن
يَكونَ ما يُسمَعُ مِن بعضِ الطُّيورِ - مِن الحُروفِ المُنتَظِمةِ نِظامَ الكَلامِ ، كالبَبَّغاءِ و غَيرِها - كلاماً.
و ذَكَرنا القَبيلَ دونَ الشَّخصِ ؛ لأنّ ما يُسمَعُ مِن المَجنونِ أو المُبَرسَمِ (3) يوصَفُ بأنّه كلامٌ ، و إن لَم تَصِحَّ (4) منه الفائدةُ و هو علىٰ ما هو عليه، لكنّها تَصِحُّ (5) في القَبيلِ ، و لَيسَ كذلكَ الطائرُ(6).
و الذي يَدُلُّ علىٰ صحّةِ هذا الحَدِّ: أنّه متىٰ تَكامَلَت شُروطُه صَحَّ مع ذلك الوصفُ بالكلامِ ، و متى اختَلَّ بعضُ الشُّروطِ لَم يوصَفْ بذلكَ .
فإن قيلَ : يَلزَمُ علىٰ حَدِّكُم أن يَكونَ الأخرَسُ مُتَكلِّماً؛ لأنّه غَيرُ مُمتَنِعٍ أن يَقَعَ منه حَرفانِ مُتَوالِيانِ مِن حُروفِ الشَّفَةِ ؛ نَحوُ «هم» و «بب».
قُلنا: قد أُجيبَ مِن(7) ذلكَ بأنِ احتُرِزَ في أصلِ الحَدِّ بأنّ الكلامَ «ما تَألَّفَ مِن
ص: 221
حَرفَينِ مُختَلِفَينِ فصاعداً».
و يُطعَنُ على هذا الجوابِ : أنّه غَيرُ مُمتَنِعٍ أن يَقَعَ مِن الأخرَسِ حَرفانِ مُختَلِفانِ مِن حُروفِ الشَّفَةِ .
و الجَوابُ الصحيحُ : أنّه لا خِلافَ بَينَ أصحابِنا في أنّ الأخرَسَ و العاجِزَ و المَيِّتَ قد يَقَعُ مِنهم أقَلُّ قَليلِ الكلامِ ؛ نَحوُ أن يَفعَلَ أحَدُهم سببَ الكَلامِ ثُمّ تَفسُدَ آلَتُه في الثاني أو يَعجِزَ أو يَموتَ ، فيَكونُ ما يَتولَّدُ في الثاني كلاماً له، و هو مُتَولَّدُ المُتَكلِّمِ إذا كانَ الكلامُ فيما يَحُلُّ آلتَه التي يَفعَلُ الكلامَ بها. فإذا كانَ [صاحبُ ] الكلامِ مُتكلِّماً بما يَحُلُّ آلةَ الكَلامِ ، جازَ أن يَكونَ مُتكلِّماً بالكلامِ الكثيرِ، و بَعدَ الأوقاتِ الكَثيرةِ ؛ مِن حالِ مَوتِه أو عَجزِه أو سُكوتِه؛ و ذلكَ كمَن يَفعَلُ الكلامَ في الصَّدىٰ .
و علىٰ هذا لا يَمتَنِعُ أن يُقالَ في الأخرَسِ : إنّه مُتكلِّمٌ بالحَرفَينِ مِن حُرُوفِ الشَّفَةِ ؛ لأنّ الخَرَسَ لا يَمنَعُ مِن أقَلِّ قَليلِ الكلامِ علىٰ هذا الوَجهِ ، و لا بُدّ مِن تَقييدِ ذلكَ ليَرتَفِعَ به(1) الإبهامُ و اللَّبسُ .
و لا يَقدَحُ في حَدِّنا: قولُهم في الأمرِ: «قِ » و «عِ »؛ فإنّ ذلكَ كلامٌ و مفيدٌ، مع أنّه حَرفٌ واحدٌ.
و ذلكَ : أنّ المنطوقَ به في هذا القولِ حَرفانِ علَى الحقيقةِ ؛ لأنّ الغُنّةَ التي تَقِفُ عليها عندَ السَّكتِ هي حَرفٌ ، و إن لَم يَثبُتْ في الكتابةِ . و النُّطقُ بحَرفٍ واحدٍ لا يُمكِنُ ؛ لأنّه لا بُدَّ مِن الابتداءِ بمُتحرِّكٍ و الوقوفِ علىٰ ساكنٍ .
و هذا الجَوابُ يُغني عمّا أجابَ به أبو هاشمٍ عن ذلك؛ مِن قولِه: إنّ الأصلَ في هاتَينِ اللفظَتَينِ عند الأمرِ بهما «إوقِ » و «إوعِ »، و إنّما وَقَعَ الحَذفُ بضَربٍ مِن
ص: 222
التصرُّفِ (1)، و المحذوفُ مُقدَّرٌ في هذا الكلامِ مُرادٌ، فعادَ الأمرُ إلىٰ أنّ الحَرفَ الواحدَ لَم يُفِد.
و لا يَجوزُ أن يُحَدَّ الكلامُ بأنّه(2) «أصواتٌ مُقطَّعةٌ و حُروفٌ منظومةٌ »(3)؛ لأنّ الحُروفَ لا تَكونُ (4) حُروفاً إلّاو هي أصواتٌ مُقطَّعةٌ ، فذِكرُ الأصواتِ لا معنىٰ له. و لأنّ الكلامَ لا يُبَيَّنُ بكَونِه صَوتاً، و ذِكرُ ما لا يُبيَّنُ في الحَدِّ(5) يَجري مَجرىٰ أن يُذكرَ فيه كَونُه(6)عَرَضاً و مُدرَكاً.
و لا يَجوزُ أن يُشتَرَطَ في حَدِّ الكلامِ كَونُه مفيداً - علىٰ ما مضىٰ (7) في بعضِ كلامِ أبي هاشمٍ (8) -؛ لأنّ أهلَ اللُّغةِ قد قَسَّموا الكلامَ إلى مُهمَلٍ و مُستَعمَلٍ ، فلَم يَسلُبوا ما لا يُفيدُ مِنه اسمَ الكلامِ .
و لأنّ الكلامَ إنّما يُفيدُ بالمُواضَعةِ ، و لَيسَ لها تأثيرٌ في كَونِه كلاماً، كما لا تأثيرَ لها في كَونِه صَوتاً.
ص: 223
و لأنّهم يُسَمّونَ الهَذَيانَ الواقعَ مِن المجنونِ كلاماً مع ارتفاعِ الفائدةِ .
و لا يَجوزُ أن يُحَدَّ الكلامُ بأنّه «[ما] أفادَ مُرادَ المتكلِّمِ »؛ لأنّ ذلكَ يَنتَقِضُ بالإشارةِ و الكِتابةِ ، و العَقدِ بالأصابعِ . و يوجِبُ [أن يكونَ الكلامُ ] المُهمَلُ و كلامُ الهاذي(1) لا يوصَفانِ بأنّهما كلامٌ علَى الحَقيقةِ .
و لا يَجوزُ (219) أن يُحَدَّ الكلامُ بأنّه «ما يوجِبُ كَونَ المُتكلِّمِ متكلِّماً»؛ لأنّه إحالةٌ علىٰ مُبهَمٍ ، و السؤالُ بَعدُ باقٍ ، و متىٰ قيلَ : فهذا الذي يوجِبُ كَونَ المُتكلِّمِ مُتكلِّماً ما هو، و ما جنسُه ؟ لَم يكُن مِن البيانِ بُدٌّ.
و لا يَجوزُ أن يُحَدَّ بأنّه: «ما يَقومُ بذاتِ المُتكلِّمِ »؛ لأنّ ذلكَ إضافةٌ إلى المُتكلِّمِ ، و يَجِبُ أن يُعقَلَ أوّلاً ثُمّ يُضافَ .
[و] علىٰ ذلكَ يَنتَقِضُ بكُلِّ شيءٍ قامَ به؛ مِن العِلمِ و القُدرةِ و الحَياةِ .
و يَنتَقِضُ بالكلامِ الموجودِ في الصَّدىٰ .
و لأنّ الكلامَ في مَوضعٍ مِن المَواضعِ لا يَقومُ بذاتِ المُتكلّمِ ؛ لأنّه يَحُلُّ اللِّسانَ ، و لَيسَ اللِّسانُ هو المُتكلِّمَ .
فإن قيلَ : قد بَنَيتُم كلامَكُم علىٰ أنّ الكلامَ هو: «الصَّوتُ إذا وَقَعَ علىٰ بَعضِ
ص: 224
الوجوهِ »، و أبو عَليٍّ يُخالِفُ في ذلكَ ، و يَذهَبُ إلىٰ أنّ جنسَ الكلامِ يُخالِفُ جنسَ الصَّوتِ (1).
قُلنا: لَو كانَ الأمرُ علىٰ ما ذَكَرَ أبو عَليٍّ ، و قد عَلِمنا مِن كُلِّ جنسَينِ لا تَعلُّقَ بَينَهما، صحّةَ وجودِ كُلِّ واحدٍ مع فَقدِ الآخَرِ، لَوجبَ أن يَصِحَّ وجودُ الكلامِ عارياً
مِن الأصواتِ المُقطَّعةِ ، أو وجودُ الأصواتِ المُقطَّعةِ عاريةً مِن الكلامِ . و في استحالةِ ذلكَ دليلٌ علىٰ أنّ الجنسَ واحدٌ.
و بهذه الطريقةِ يُعلَمُ أنّ المَحبّةَ هي الإرادةُ ، و أنّ الحركةَ [و] السُّكونَ مِن جنسِ الكونِ . و سَتَسمَعُ الكلامَ في ذلكَ في بابِ «الحِكايةِ و المَحكيِّ » بعَونِ اللّٰهِ (2).
فأمّا الردُّ علىٰ مَن ذَهَبَ إلىٰ أنّ الكلامَ «معنىً في النفسِ »، فواضحٌ .
و الذي حَمَلَ القَومَ علىٰ إظهارِ هذا المَذهَبِ الذي لَيسَ بمعقولٍ ، هو ظُهورُ أدلّةِ أهلِ الحَقِّ علىٰ حُدوثِ الكلامِ المعقولِ ، فلَم يَتمكَّنوا مِن الجَمعِ بَينَ : القولِ بقِدَمِ القُرآنِ ، و القولِ بأنّه مِن جنسِ الأصواتِ المُقطَّعةِ ؛ لِتَناقُضِ ذلكَ و ظُهورِ فَسادِه. و لَم يَتمكَّنوا أن يَجعَلوا الكلامَ : في الشاهدِ يَرجِعُ إلىٰ صَوتٍ ، و في الغائبِ يُخالِفُ جنسَ الصَّوتِ ؛ لأنّ الحقائقَ لا تَختَلِفُ . فقالوا في كُلِّ كلامٍ : إنّه غَيرُ الصَّوتِ المسموعِ ، و إنّه معنىً في النفسِ .
و الذي يَدُلُّ على بُطلانِ هذا المَذهَبِ : أنّه لو كانَ الكلامُ معنىً في النفسِ ، زائداً
ص: 225
على المعاني المعقولةِ الموجودةِ في القُلوبِ ؛ مِن العِلمِ و الفِكرِ و الإرادةِ ، لَوجبَ أن يَكونَ إلىٰ مَعرفتِه طريقٌ ؛ مِن ضَرورةٍ أو دليلٍ . و لَو كانَ معلوماً ضَرورةً ، لَاشتَرَكَ (1) العقلاءُ في مَعرفتِه، و لَما حَسُنَ الخِلافُ فيه، و المعلومُ خِلافُ ذلكَ . و لَو كانَ عليه دليلٌ ، لَوجبَ أن يَكونَ مِن ناحيةِ حُكمٍ يَظهَرُ له يُتوصَّلُ به إلىٰ إثباتِه، كما يُتطرَّقُ بأحكامِ سائرِ الذواتِ إلىٰ إثباتِها. و معلومٌ أنّه لا حُكمَ له معقولٌ يُمكِنُ أن يُشارَ إليه في هذا البابِ .
علىٰ أنّه لا فَرقَ بَينَ هذا القائلِ ، و بَينَ مَن أثبَتَ الصَّوتَ «معنىً في النفسِ غَيرَ المَسموعِ المَعقولِ »، و كذلكَ سائرُ أجناسِ الأعراضِ .
فإن قيلَ : هذا الصَّوتُ المسموعُ طريقٌ إلى إثباتِ الكلامِ القائمِ في النفسِ .
قُلنا: لَيسَ يَخلو مِن أن يكونَ طريقاً إليه؛ بأن: يُعلَمَ عندَه، أو يُستَدَلَّ به عليه.
و الأوّلُ يَقتَضي أن يَعلَمَ كُلُّ مَن سَمِعَ الكلامَ الذي هو الصَّوتُ شيئاً آخَرَ عندَه و معه، و معلومٌ خلافُ ذلك.
و إن كانَ دليلاً عليه، فالكلامُ المسموعُ إنّما يَدُلُّ علىٰ ما لَولاه لَما حَدَثَ و هو القُدرةُ ، أو [ما](2) لَولاه لَما وَقَعَ علىٰ بعضِ الوجوهِ و هو العِلمُ و الإرادةُ . و لا دَلالةَ
بَعدَ ذلكَ علىٰ شيءٍ ؛ لنفيِ التعَلُّقِ .
ص: 226
فإن قيلَ : كُلُّ عاقلٍ يَجِدُ في ناحيةِ قَلبِه عندَ الكلامِ أمراً يُطابِقُه، و كذلكَ قد يَرىٰ في نَفسِه ما يُريدُ أن يَتكلَّمَ به قَبلَ وقوعِ الأصواتِ و ظُهورِها مِنه(1).
قُلنا: الأُمورُ التي يَجِدُها الإنسانُ مِن نَفسِه عندَ الكلامِ معقولةٌ ؛ و هي العِلمُ بكيفيّةِ ما يوقِعُه مِن الكلامِ ، أو الظنُّ له، أو إرادةُ ذلكَ ، أو الداعي إلىٰ فِعلِ الكلامِ ، أو الفِكرُ أو الرَّويّةُ في إيقاعِه و كيفيّةِ فِعلِه.
فإن (220) أُشيرَ إلىٰ بَعضِ ما ذَكَرناه بالكلامِ ، صَحَّ المعنىٰ ، و عادَ الخِلافُ إلَى العِبارةِ .
و إن أُريدَ غَيرُه، فلَيسَ يُعقَلُ سِوىٰ ما ذَكَرناه.
علىٰ أنّ أحَدَنا رُبَّما حَدَّثَ نَفسَه بما يُريدُ أن يَلفِظَ به؛ بأن(2) يَفعَلَ حُروفاً خَفيّةً داخلَ صدرِه و يُقَطِّعَها بالنَّفَسِ . و لا يَمتَنِعُ أن يَكونَ الجِنُّ و المَلائكةُ يَسمَعون(3)تلكَ الحُروفَ ، للُطفِ مَسالِكِهم مِنّا و إن لَم نَسمَعْها نَحنُ . و لهذا يَتعذَّرُ علىٰ مَن حُبِسَت أنفاسُه أن يُحَدِّثَ نفسَه كما يَتعذَّرُ عليه الكلامُ المسموعُ ، فهذا هو إدارةُ الكلامِ في النفسِ قَبلَ اللفظِ بها. و ما قَدَّمناه مِن الفِكرِ في إيقاعِه، و ما عَدا ذلكَ لَيسَ بمعقولٍ ، فعَلىٰ مَنِ ادّعاهُ أن يُثبِتَه.
علىٰ أنّ أحَدَنا قد يُحَدِّثُ نَفسَه ببِناءِ دارٍ، أو كَتْبِ رُقْعَةٍ ، فيَنظُرُ(4) أنّها مُصَوَّرةٌ في
ص: 227
نفسِه قَبلَ أن يَفعَلَها، و لا يَجِبُ لذلكَ أن يَكونَ البناءُ أو الكتابةُ معنىً في النفسِ غَيرَ الظاهرِ المعقولِ (1).
فأمّا لَغطُهم(2) بقَولِهم: «في نَفسي كلامٌ » فرَكيكٌ مِن الاحتجاجِ ؛ لأنّه تَوصُّلٌ إلىٰ إثباتِ المَعاني بالعِباراتِ ، و معلومٌ فَسادُ ذلكَ .
علىٰ أنّ المُطلِقَ لهذا القولِ لا يَخلو مِن أن يَكونَ مُطلِقاً له: علىٰ عِلمٍ بأنّ في النفسِ كلاماً، أو عن غَيرِ عِلمٍ . فإن كانَ عن غَيرِ عِلمٍ ، فلا اعتبارَ بقَولِه، و لا حُجّةَ في إطلاقِه. و إن كانَ عن عِلمٍ ، لَم يَخلُ مِن أن يَكونَ : ضَروريّاً، أو مُكتَسَباً بالأدلّةِ . و لَو كانَ ضَروريّاً، لَاشتَرَكنا فيه، و قد بيّنّا أنّا لا نَعلَمُ ما يَدَّعونَه(3). و إن كانَ مُستَدَلاًّ عليه، وجبَ إيرادُ ذلكَ الدليلِ الذي اقتَضىٰ لِمُطلِقِ هذه العِبارةِ العِلمَ (4)؛ فإنّ الحُجّةَ فيه دونَ غَيرِه.
و بَعدُ، فإنّ لقَولِهم: «في نفسي كلامٌ [سأقولُهُ (5)]» وَجهاً صحيحاً، و هو «أنّي عازمٌ
عليه و مُريدٌ له»، أو «عالِمٌ بأمرٍ أُريدُ إلقاءَه إليكَ »، و لهذا لَو بَدَّلوا هذه اللفظةَ ببعضِ ما ذَكَرناه لَقامَت مَقامَها.
علىٰ أنّهم يَقولونَ : «في نفسي سَفَري إلىٰ بلدٍ» و «رُكوبٌ إلىٰ فُلانٍ » و لا شيءَ
ص: 228
مِن الأفعالِ إلّاو يَحسُنُ استعمالُ (1) هذه اللفظةِ فيه علىٰ هذا الوَجهِ ، فوجبَ علىٰ مُقتَضَى استدلالِهم أن يَكونَ ذلكَ أجمَعَ ، مَعانيَ في النفسِ .
فأمّا قولُه تَعالىٰ : «يَقُولُونَ بِأَفْوٰاهِهِمْ مٰا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ »(2). في الأصل: «دلّ »، و ما أثبتناه هو مقتضى السياق.(3) فإنّما يَقتَضي أنّ قولَهم لَيسَ في قُلوبِهم، و نَحنُ مُتَّفِقونَ علىٰ ذلكَ ، و لا دَلالةَ فيه علىٰ إثباتِ قولٍ لغَيرِهم في القَلبِ ، إلّامِن طريقِ دليلِ (3) الخِطابِ (4)، و لَيسَ بصحيحٍ (5).
علىٰ أنّ المَعنيَ بذلك «أنّهم يُنافِقونَ ، و يُظهِرونَ ما لا يَنطَوونَ علَى العِلمِ بصحّتِه».
فأمّا التعلُّقُ بقَولِهم في الساكِتِ : «إنّه مُتَكلِّمٌ »، فغَيرُ صحيحٍ ؛ لأنّ المُرادَ بذلكَ إمكانُ الكلامِ منه و تَأتّيهِ (6)، أو الإضافةُ [إليه](7) علىٰ طريقِ الحِرفةِ و الصِناعةِ ؛ كما يُقالُ في المُمسِكِ عَن كُلِّ الصِّناعاتِ : «إنّه صانِعٌ و نَجّارٌ»، و يوصَفُ بذلك في حالٍ هو فارغٌ مِن تلكَ الأحوالِ .
ص: 229
فإن قيلَ : الذي يَدُلُّ علىٰ إثباتِ واسطةٍ بَينَ الفِكرِ و العبارةِ ، أنّ أحَدَنا قد يُفَكِّرُ في الدَّلالةِ ثُمّ يَتعذَّرُ عليه العبارةُ عنها حتّىٰ يُدَبِّرَها(1) في نفسِه.
قُلنا: ما أُشيرَ إليه(2) لا يَخلُو: مِن أن يَكونَ فِكراً ثانياً؛ لتَقصيرٍ جَرىٰ في الأوّلِ ، أو(3)يَكونَ فِكراً في تلخيصِ العِبارةِ عن الدَّلالةِ ، أو فِكراً في استحضارِ ما عَلِمَه، و جَمعِ المُنتَشِرِ مِنه إلىٰ خاطرِهِ ، أو يَكونَ بذِكرِ كيفيّةِ استدلالِه، و التذَكُّرُ غَيرُ التفَكُّرِ، أو يَكونَ حَديثَ النفسِ ، الذي بيّنّا(4) أنّه كلامٌ خَفِيٌّ .
و ما عَدا ما ذَكَرناه لا يُعقَلُ و لا يُمكِنُ إثباتُه.
[1.] علىٰ أنّه لَو كانَ الكلامُ معنىً في النفسِ ، لَم يَمنَع مِنه الخَرَسُ و لا السُّكوتُ ، كما لا يَمنَعانِ مِن الإرادةِ و أفعالِ القلوبِ . و معلومٌ تَنافي وَصفِهم للأخرَسِ أو الساكِتِ بأنّه مُتَكلِّمٌ .
[2.] و كانَ أيضاً غَيرُ واجبٍ في هذه العِبارةِ المسموعةِ أن تُطابِقَه؛ لأنّه لا نِسبةَ بَينَهما و لا عُلقةَ ، فكانَ لا يَمتَنِعُ أن يَكونَ مُخبِراً بلِسانِه و إن كانَ آمِراً بقلبِه، و كذلكَ سائرُ أقسامِ الكلامِ .
[3.] و كانَ أيضاً لا يَمتَنِعُ انفصالُهما، فيَكونَ مُعَبِّراً لسائرِ ضُروبِ (221) الكلامِ ،
ص: 230
و إن لَم يَكُن في نفسِه كلامٌ ؛ لأنّه لا تَعلُّقَ بَينَهما يَقتَضي أن لا توجَدَ العِبارةُ إلّامع وجودِ ذلكَ المعنىٰ .
***
[2] فَصلٌ في ذِكرِ جُملةٍ مِن أحوالِ الكلامِ ، و جنسِه الذي هو الصَّوتُ ، و فَحوىٰ (1) أحكامِها
اعلَمْ أن الصَّوتَ عَرَضٌ لَيسَ بجسمٍ ، و لا صفةٍ للجسمِ ، و قد دَلَّلنا علىٰ ذلك في صَدرِ كتابِنا هذا؛ حَيثُ بيّنّا أنّ الجسمَ لا يَجوزُ أن يَكونَ مُتحيِّزاً(2) بالفاعلِ (3).
و الأصواتُ فيها مُتَماثِلٌ و مُختَلِفٌ .
و منها عندَ أبي هاشمٍ مُتَضادٌّ. و يَعتَمِدُ في ذلكَ علىٰ طريقَتَينِ :
إحداهُما: أن نَحمِلَ الصَّوتَ علَى اللون؛ بعِلّةِ أنّ إدراكَ كُلِّ واحدٍ مِنهما مقصورٌ علىٰ حاسّةٍ واحدةٍ ، و نَقضِيَ بتَضادِّ مُختَلِفِه، كما قُضِيَ بذلك في سائرِ المُدرَكاتِ بحاسّةٍ واحدةٍ (4)؛ مِن الألوانِ و الطُّعومِ و الأراييحِ .
و الطريقةُ الثانيةُ : أنّ الصَّوتَ مُدرَكٌ ، فهو هَيئةٌ للمَحَلِّ ، و إذا أوجبَ (5) مُختَلِفُه
ص: 231
هَيئتَين، استَحالَ اجتماعُهما في المَحَلِّ الواحدِ في الوقتِ الواحدِ إلّاللتضادِّ(1).
و إنّما دَعاه إلى حَملِ الأصواتِ في التضادِّ علَى الألوانِ و ما أشبَهَها(2)؛ لأنّ ما يُتَوصَّلُ به إلَى التضادِّ في الذواتِ لا يُمكِنُ (3) فيها(4)؛ لأنّها ممّا لا يوجِبُ حالاً لحَيٍّ و لا مَحلٍّ ، فيُعلَمَ تَضادُّها بتَنافي المُوجَبِ عنها. و الصَّوتانِ المُختَلِفانِ ليسا ممّا يُعلَمُ و يُقطَعُ علىٰ أنّ مَحَلَّهما واحدٌ، فيُتَطرَّقَ إلىٰ تَضادِّهما بامتناعِ اجتماعِهما في المَحَلِّ الواحدِ، في الوقتِ الواحدِ؛ لأنّه غَيرُ مُمتَنِعٍ تَغايُرُ مَحالِّ الحُروفِ ، و أن يَكونَ كُلُّ حَرفٍ يَحتاجُ إلى بِنيةٍ مخصوصةٍ .
و فيه نظرٌ. و الأقرَبُ التوقُّفُ في تَضادِّ المُختَلِفِ مِن الأصواتِ .
فأمّا الدليلُ علىٰ أنّ في الأصواتِ مُتَماثِلاً: فهو أنّا قد عَلِمنا اشتباهَ بعضِها ببعضٍ عَلىٰ حاسّةِ الإدراكِ ، و قد مَضىٰ أنّ الإدراكَ يَتعلَّقُ بأخَصِّ أوصافِ المُدرَكِ (5)، و أنّ المُلتَبِسَ علَى الإدراكِ إذا انتَفَتِ الوجوهُ المعقولةُ مُشتَبِهٌ مُتَماثِلٌ .
و بهذه الطريقةِ يُعلَمُ أنّ فيها مُختَلِفاً؛ مِن حَيثُ لَم تَشتَبِهْ (6) علَى الحاسّةِ .
و الصَّوتُ ممّا لا يَجوزُ وجودُه إلّافي مَحَلٍّ .
و الذي يَدُلُّ علىٰ ذلكَ : أنّ بعضَه قد ثَبَتَ بلا(7) شُبهةٍ أنّه يوجَدُ في المَحَلِّ ؛ بدَلالةِ
ص: 232
تَولُّدِه عنِ اعتمادِ الجسمِ و مُضادَّتِه لغَيرِه.
و لأنّ الصَّوتَ يَختَلِفُ باختلافِ حالِ مَحَلِّه؛ ألا تَرىٰ أنّ ما يَتولَّدُ مِن الصَّوتِ في الطَّستِ ، يُخالِفُ ما يَتولَّدُ في الحَجَرِ؛ لاختلافِ المَحالِّ؟ و إذا ثَبَتَ ذلكَ في البعضِ ، ثَبَتَ في الجميعِ ؛ لأنّ الكُلَّ مُتَّفِقٌ في أنّه لا يوجِبُ حالاً لمَحَلٍّ و لا جُملةٍ .
و إن شِئتَ أن تَحمِلَه بهذه العِلّةِ على الألوانِ جازَ لكَ ذلكَ .
و لَو صَحَّ أنّ (1) في الأصواتِ مُتضادّاً، لَكفى ذلكَ في الدَّلالةِ علَى افتقارِها إلَى المَحَلِّ ؛ لأنّ الدليلَ الدالَّ علىٰ أنّ اللَّونَ (2) يَفتَقِرُ إلَى المَحَلِّ ، و لا يوجَدُ إلّافيه، هو(3) اعتبارُ التضادِّ و التنافي علَى المَحَلِّ ، فتَكونُ الأصواتُ - لَو ظَهَرَ تَضادُّها - مُشارِكةً للألوانِ في الدَّلالةِ علَى الحاجةِ إلَى المَحَلِّ ، فيُستَغنىٰ بحَملِها عليها عن(4)شيءٍ مِن العِلَلِ .
إذا وُجِدَ مع الصَّوتِ ، فأمّا إذا وُجِدَ مكتوباً أو محفوظاً(1) فلَن يَحتاجَ إلىٰ ذلكَ (2).
و الذي يَدُلُّ على نَفيِ حاجتِه إلىٰ غَيرِ مَحَلِّه: أنّه ممّا لا يُوجِبُ حالاً لغَيرِه، فجَرىٰ مَجرَى اللَّونِ في أنّه لا يَحتاجُ إلىٰ سِوىٰ مَحَلِّه.
و لأنّ كُلَّ معنىً احتاجَ إلىٰ غَيرِ مَحَلِّه، لا بُدَّ مِن أن يَكونَ ممّا يُوجِبُ حالاً للحَيِّ ؛ كالعِلمِ و الإرادةِ و الحَياةِ .
و كيفَ يَحتاجُ الصَّوتُ أو الكلامُ إلَى الحركةِ ، و هو ممّا يوجَدُ مع ضِدِّها؟ و مِن شأنِ المُحتاجِ إلىٰ غَيرِه أن لا يوجَدَ مع ضِدِّه.
و هذا الوَجهُ (222) قد اعتُرِضَ عليه بحاجةِ التأليفِ إلَى المجاوِرات(3) و إن وُجِدَ مع المُتَضادّاتِ منها.
و أُجيبَ عن هذا الاعتراضِ بأنّ التأليفَ لا يَحتاجُ إلىٰ المُجاوَرةِ (4)، و إنّما يَحتاجُ إلىٰ تَجاوُرِ المَحَلَّينِ ، و هذا الحُكمُ يَحصُلُ بما يُضادُّ مِن المُجاوِراتِ .
و هذا الجَوابُ يُمكِنُ أن يَتعلَّقَ [به] مَن قالَ : إنّ الصَّوتَ لا يَحتاجُ إلىٰ حركةٍ ؛ بأن يَقولَ : إنّه لا يَحتاجُ إلىٰ (5) الحركةِ ، لكنّه يَحتاجُ إلىٰ كَونِ الجِسمِ كائناً في المَكانِ
بَعد أن كانَ في غَيرِه بلا فَصلٍ . و هذا حُكمٌ معقولٌ يَحصُلُ عندَ المُتَضادِّ مِن الألوانِ (6)
ص: 234
و المُتَماثِلِ ، كما قيلَ في المُجاوِراتِ . و إنّما احتاجَ الصَّوتُ مِن فِعلِنا إلى الحركةِ ؛ لأنّها كالسببِ فيه؛ مِن حَيثُ كُنّا لا نَفعَلُه إلّامُتولِّداً عن الاعتمادِ علىٰ وَجهِ المصاكّة(1)، و الاعتمادُ مُوَلِّدُ الحركةِ ، فلهذا جَرَت(2) مَجرَى السببِ . و إن كانَ لا يَمتَنِعُ أن يَفعَلَه اللّٰهُ تَعالىٰ مِن غَيرِ حركةٍ مُبتَدأً، كما يَفعَلُه مِن غَيرِ تَولُّدٍ عن الاعتمادِ، و كما يَفعَلُ تَعالىٰ ما يَقَعُ مِنّا بآلةٍ مِن غَيرِ آلةٍ .
و ما ذَكَرناه(3) هو العِلّةُ في انقطاعِ طَنينِ الطَّستِ بتَسكينِه. و ليس(4) يَمتَنِعُ أن يوجَدَ القليلُ مِن الصَّوتِ مع السُّكونِ ، و هذا لا يَكونُ إلّاعندَ تَناهي الصَّوتِ و انقطاعِه، فأمّا أن يُوجَدَ مع السُّكونِ حالاً بَعدَ حالٍ ، فإنّه لا يُمكِنُ في فِعلِنا؛ لأنّ العِلّةَ [هي] التي ذَكَرناها.
و إنّما لم يَصِحَّ بها إيجادُ الكلامِ إلّافي مَحَلٍّ مَبنيٍّ بِنيةً مخصوصةً كاللسانِ ؛ لأنّ ذلكَ آلةٌ لنا في فِعلِ الكلامِ ، و مَن احتاجَ في(5) الجُملةِ في بعضِ الأفعالِ إلَى الآلاتِ ، لَم تَمتَنِعْ حاجتُه فيها(6) إلىٰ بِنيةٍ مخصوصةٍ ، و ذلكَ لا يَمنَعُ أن يَفعَلَه اللّٰهُ تَعالىٰ - المُستَغني في الأفعالِ عن(7) الآلاتِ - في كُلِّ مَحَلٍّ ، مِن غَيرِ اعتبارِ بِنيةٍ ؛ لأنّ الوَجهَ الذي احتيجَ فيه إلَى البِنيةِ لا يَتَأتّىٰ فيه تَعالىٰ .
ص: 235
و الأصواتُ مُدرَكةٌ بحاسّةِ السمعِ ، و هذا ممّا لا شُبهةَ فيه؛ لأنّا نَفصِلُ بَينَ المُختَلِفِ منها عندَ سَلامةِ الحاسّةِ و ارتفاعِ المَوانِعِ ، و لا نَفصِلُ (1) بَينَ الألوانِ (2)المُختَلِفةِ علىٰ هذا الوَجهِ ؛ لمّا لَم تَكُن(3) مُدرَكةً .
و هي مُدرَكةٌ في مَحالِّها؛ مِن غَيرِ حاجةٍ إلَى انتقالِ مَحالِّها؛ لِما فَرَّقنا - مع السلامةِ - بَينَ جهةِ الصَّوتِ و الكلامِ و مكانِهما، كما أنّا لا نَعرِفُ مِن أيِّ جهةٍ انتَقَلَ إلىٰ مَحَلِّ حياتِنا ما يُلاقيها مِنَ الأجسامِ التي تُدرَكُ منها الحَرارةُ و البُرودةُ .
و أيضاً: فقَد كانَ يَجِبُ علىٰ هذا أن يَجوزَ انتقالُ الكلامِ أو الصَّوتِ إلىٰ بعضِ الحاضِرينَ دونَ بعضٍ ، حتّىٰ يَكونوا مع القُربِ و السلامةِ يَسمَعُه بعضُهُم دونَ بعضٍ ، و أن يَجوزَ انتقالُ مَحَلِّ بعضِ الحُروفِ دونَ بعضٍ حتّىٰ يُدرَكَ الكلامُ مُختَلِفاً!
فأمّا العِلّةُ في أنّا نُشاهِدُ القَصّارَ مِن بُعدٍ يَضرِبُ الثَّوبَ علَى الحَجَرِ، ثُمّ نَسمَعُ الصَّوتَ بَعدَ مُهلَةٍ ، فيَسبِقُ (4) النظرُ السمعَ ، فهي أنّ الصَّوتَ يَتولَّدُ في الهواءِ ، و البُعدُ
ص: 236
المخصوصُ مانعٌ مِن(1) إدراكِه، فإذا تَولَّدَ فيما يَقربُ (2) مِنّا(3)، أدرَكناهُ في مَحَلِّه. و إن
لَم يَتَّصِل بحاسّةِ سَمعِنا، فالذي نُدرِكُه بَعدَ مُهلَةٍ هو غَيرُ الصَّوتِ الذي تَولَّد عن الصَّكّةِ (4) الأُولىٰ ؛ لأنّ ذلكَ إنّما لَم نُدرِكْه لِبُعدِه، فلمّا قَرُبَ بالتولُّدِ أدرَكناهُ . و كذلك أيضاً نُدرِكُ الصَّوتَ في جهةِ الرِّيحِ أقوىٰ ؛ لأنّه يَتولَّدُ فيها حالاً بَعدَ حالٍ ، فنَكونُ (5)إلىٰ إدراكِه أقرَبَ . و إذا كانتِ الرِّيحُ في خِلافِ جهتِه ضَعُفَ إدراكُه، و إنّما لَم نُدرِكْه إذا تَولَّدَ فيما نَبعُدُ عنه البُعدَ المخصوصَ المانعَ مِنَ الإدراكِ .
و لا يَجوزُ علَى الأصواتِ البَقاءُ ؛ لأنّها لَو بَقِيَت [لاستمرَّ(6)] إدراكُنا(7) لها مع السلامةِ و ارتفاعِ المَوانعِ ، كما يَستَمِرُّ إدراكُنا للألوانِ (8). و معلومٌ خِلافُ ذلكَ .
و لَو كانَ مُدرَكاً(9) علَى الاستمرارِ، لَم يَقَع عندَه فَهمُ الخِطابِ ؛ لأنّا كُنّا نُدرِكُ حُروفَ الكَلِمةِ مُجتَمِعةً ، فلا تَكونُ (10) الكلمةُ بأن تَكونَ «دارا» (223)، بأن تكونَ أَولى مِن «رادا».
ص: 237
و لَو كانَ الكَلامُ باقياً لَكانَ لا يَنتَفي إلّابفَسادِ مَحَلِّه؛ لأنّه لا ضِدَّ له مِن غَيرِ(1) نوعِه.
و الأصواتُ لا تَقَعُ مِن أفعالِ العِبادِ إلّامُتَولِّدةً .
و الذي يَدُلُّ علىٰ ذلكَ تَعذُّرُ إيجادِها عليهم(2) إلّابتوسُّطِ الاعتمادِ و المصاكّة(3)، و لأنّ الأصواتَ تَقَعُ بحَسَبِ ذلك، فيَجبُ أن تكونَ ممّا لا يَقَعُ مِنّا إلّامُتولّدةً ، كالآلامِ .
و الكلامُ ممّا لا يُوجِبُ حالاً للمُتَكلِّمِ ؛ لأنّه لَو أوجَبَ حالاً له، لَوجبَ أن يَكونَ إلى إثباتِها طريقٌ ؛ مِن ضَرورةٍ أو استدلالٍ ، و(4) معلومٌ تَعذُّرُ ذلكَ .
و أيضاً: فكُلُّ معنىً أوجَبَ للحَيِّ حالاً، فإنّه يَصِحُّ العِلمُ بتلك الحَالِ ، مِن غَيرِ عِلمٍ بالمعنىٰ ، كما نَعلَمُ القادرَ قادراً، و العالِمَ و المُريدَ و الحَيَّ ، قَبلَ العِلمِ بالمَعاني الموجِبةِ لهذه الأحوالِ . و في تَعذُّرِ العِلمِ بأنّه مُتكلِّمٌ إلّابَعدَ العِلمِ بكلامِه، دَليلٌ على أنّه لا يُوجِبُ حالاً.
و أيضاً: فلَو كانَت هناكَ حالٌ ، لَكانَ العِلمُ بأنّه مُتكلِّمٌ موقوفاً عليها، و كانَ لا يَمتَنِعُ أن يَعلَمَه(5) مُتكلِّماً إذا لَم يَعلَمْه علىٰ تلكَ الحالِ مَن(6) لَم يَعلَمْ تَعلُّقَ الكلامِ
ص: 238
به، و وقوعَه بحَسَبِ أحوالِه، أو يَعلَمَ تَعلُّقَ الكلامِ به مَن لا يَعلَمُه مُتكلِّماً، إذا لَم يَعلَمْه علىٰ تِلكَ الحالِ . و فَسادُ ذلكَ ظاهرٌ.
و بَعدُ، فلا فَرقَ بَينَ مَن ادَّعىٰ في الكلامِ أنّه يوجِبُ حالاً، و بَينَ مَنِ ادَّعىٰ ذلكَ
في سائِرِ الأفعالِ ؛ كالضَّربِ و غَيرِه.
و أيضاً: فإنّ الكلامَ يوجَدُ في الصَّدَى(1)، فنَكونُ نَحنُ المُتكلِّمينَ به، و مِن شأنِ ما يَنفَصِلُ عن الحَيِّ أن لا يوجِبَ له حالاً. و لأنّ كُلَّ ما أَوجَبَ للحَيِّ حالاً، لا يَصِحُّ وجودُه في مَحَلٍّ لا حَياةَ له.
و أيضاً: فإنّ كلامَ زَيدٍ و عَمرٍو يَصِحُّ اجتماعُهما في مَحَلٍّ واحدٍ، و مِن شأنِ ما يوجِبُ للحَيِّ حالاً أن يَستَحيلَ وجودُ ما يَتعلَّقُ بالحَيَّينِ مِنه علىٰ وَجهٍ واحدٍ.
و أيضاً: فقَد كانَ يَجِبُ أن لا يَصِحَّ وجودُ الحَرفِ الواحدِ مِن أحَدِنا بَعدَ الموتِ ؛ لأنّ الموتَ يُحيلُ وجودَ ما يوجِبُ له الحالَ .
و أيضاً: فإنّ الإيجابَ يَرجِعُ إلَى الأجزاءِ و الأجناسِ دونَ الجُمَلِ ، فكانَ يَجِبُ في كُلِّ حَرفٍ أن يوجِبَ حالاً، و هذا يَقتَضي كَونَه مُتكلِّماً بالحَرفِ الواحدِ، و يَقتَضِي أيضاً في جنسِ الصَّوتِ أن يوجِبَ الحالَ ، حتّىٰ يَكونَ الصُّراخُ و التصفيقُ يوجِبانِ الأحوالَ للحَيِّ . و فَسادُ كُلِّ ذلكَ معلومٌ .
و لَو ثَبَتَ تَضادُّ الكلامِ ، لَتوصَّلنا بذلكَ أيضاً إلىٰ أنّه لا يُوجِبُ حالاً؛ مِن حَيثُ نَعلَمُ صحّةَ وجودِ حَرفَينِ ضِدَّينِ في آلَتَينِ لَو خُلِقَتا له(2)، فلَو أَوجَبَ حالاً لَأدّىٰ إلىٰ كَونِه علىٰ حَالَينِ مُتَضادَّينِ .
ص: 239
و الكَلامُ إنّما يَتعلَّقُ بالمَعاني و الفوائدِ بالمُواضَعةِ لا بجنسِه، و لا بشيءٍ مِن أحوالِه؛ لأنّه قَبلَ المُواضَعةِ لا اختصاصَ له، و إنّما يَختَصُّ معها، و لهذا جازَ في الاسمِ الواحدِ أن تَختَلِفَ (1) مُسَمَّياتُه بحَسَبِ اختلافِ اللُّغاتِ ، و جازَ أيضاً تبديلُ الاسماءِ مِن مُسَمّىً إلىٰ غَيرِه بحَسَبِ اختلافِ الدواعي.
و ابتداءُ اللُّغاتِ و أصلُها لا بُدّ أن يكونَ عن مُواضَعةٍ ، و لا يجوزُ أن يكونَ توقيفاً مِنَ اللّٰهِ تَعالىٰ .
و الوَجهُ في ذلكَ : أنّ المُواضِعَ لغَيرِه لا بُدَّ مِن أن يُعَرِّفَه قَصدَه ضَرورةً بالإشارةِ أو ما يَقومُ مَقامَها، و(2) التكليفُ يَمنَعُ مِن الاضطرارِ إلىٰ قَصدِه تعالى؛ لأنّه فَرعٌ علَى العِلمِ بذاتِه، و لهذا قُلنا: إنّ خطابَه تَعالىٰ إنّما يَحسُنُ بَعدَ تَقدُّمِ هذه المُواضَعةِ ؛ ليُفهِمَ مُرادَه بمطابَقةِ اللُّغةِ المُتقدِّمةِ ، و علىٰ هذا لا يَمتَنِعُ أن يُواضِعَنا تَعالىٰ علىٰ بَعضِ اللُّغاتِ مِن بَعدُ، إذا تَقدَّمَت لنا لُغهٌ ، يكونُ خِطابُه - جَلَّ وَ عَزَّ - لنا في المُواضَعةِ الثانيةِ بحَسَبِها.
و لَو قيلَ : «إنّ اللّٰهَ تَعالَى اضطَرَّ بعضَ (3) الأحياءِ ممّن لَم يُكَلِّفْه، إلىٰ قَصدِه و ذاتِه، ثُمّ واضَعَه في الابتداءِ علَى اللُّغةِ ، و واضَعَنا (224) ذلكَ الحَيُّ عليها» لَجازَ، و هذا يوجِبُ أن لا نَقطَعَ على أنّ أصلَ اللُّغاتِ المُواضَعةُ منّا؛ لجَوازِ
ص: 240
أن تَكونَ (1) جَرَت علىٰ هذا الوَجهِ .
و الكلامُ بَعدَ وقوعِ التواضُعِ عليه، لا يُفيدُ مِن أجلِ قِدَمِ المُواضَعةِ فَقَط، بل لا بُدَّ مِن أن يَقصِدَ المُتكلِّمُ به استعمالَه فيما(2) قَرَّرَته المُواضَعةُ ، و يَقصِدُ(3) ما يَكونُ مُتعلِّقاً بتمييزِ الصيغةِ التي مَتى أرَدنا مَثَلاً أن نأمُرَ أو نَنهىٰ ، قَصَدناها دونَ غَيرِها. و فائدةُ القَصدِ أن تَتعلَّقَ (4) تلكَ العِبارةُ بالمأمورِ، و تؤَثِّرَ في كَونِه أمراً به. فالمُواضَعةُ تَجري مَجرىٰ شَحذِ السِّكّينِ و تَقَوُّمِ (5) الآلاتِ ، و القَصدُ يَجري [مَجرَى](6) استعمالِ الآلاتِ بحَسَبِ ذلكَ الإعدادِ المُتقدِّمِ .
و الكلامُ علىٰ ضَربَينِ : مُهمَلٍ و مُستَعمَلٍ .
فالمُهمَلُ هو الذي لَم يوضَعْ في اللُّغةِ التي قيلَ : «إنّه مُهمَلٌ » فيها، لشيءٍ مِن المَعاني و الفَوائدِ.
و المُستَعمَلُ هو الذي وُضِعَ ليُفيدَ فائدةً ، أو(7) كانَ له معنىً . و هو علىٰ ضَربَينِ :
أحَدُهما: لا يُفيدُ إلّافائدةَ الإشارةِ ، و هُو الذي يُسَمَّى «اللَّقَبُ »(8)، و مِن شأنِه أن
ص: 241
يَجوزَ تَبديلُه و تغييرُه، و اللُّغةُ علىٰ ما هي عليه.
و الضربُ الآخَرُ: يَقتَضي إبانةً مخصوصةً ، و مِن شأنِه أن لا يَجوزَ فيه التبديلُ و التغييرُ إلّابتَبديلِ [أوضاعِ اللُّغةِ ]، و يَنقَسِمُ (1) إلىٰ أقسامٍ :
فمِنها: [أن يُفيدَ] إبانةَ موصوفٍ مِن موصوفٍ (2)؛ كقَولِنا: «عالِمٌ » و «قادرٌ» و «حَيٌّ ».
و مِنها: أن يُفيدَ إبانةَ نَوعٍ مِن نَوعٍ ؛ كقَولِنا: «كَونٌ » و «لَونٌ » و «اعتقادٌ».
و منها: أن يُفيدَ إبانةَ جنسٍ مِن جنسٍ ؛ كقَولِنا: «سَوادٌ» و «جَوهرٌ» و «تأليفٌ ».
و الكلامُ المفيدُ يَنقسِمُ إلىٰ حَقيقةٍ و مَجازٍ.
و الحَقيقةُ : ما اُفيدَ به ما وُضِعَ (3) في اللُّغةِ أو العُرفِ أو الشَّرعِ لإفادتِه.
و المَجازُ: ما استُعمِلَ فيما لَم يُوضَعْ له لُغةً أو عُرفاً أو شَرعاً.
و الكلامُ المُفيدُ كُلُّه يَرجِعُ إلىٰ معنَى الخبرِ؛ لأنّه لا يَخلو مِن أن يَكونَ لفظُه لفظَ الخبرِ، أو معناه كذلكَ . و متىٰ تَأَمَّلتَ ضُروبَ الكلامِ - التي طَوَّلَ الناسُ بذِكرِ أحكامِها - وَجَدتَها لا تَخرُجُ عمّا ذَكَرنا؛ لأنّ الجُحودَ و القَسَمَ و التشبيهَ و التمَنّيَ و التعَجُّبَ كُلَّه مِن بابِ الخبرِ المَحضِ .
فأمّا الأمرُ فيُفيدُ كَونَ الآمِرِ مُريداً للفِعلِ ، فمعناه معنَى الخبرِ.
و النهيُ يُفيدُ أنّه كارهٌ للفِعلِ ، فهو أيضاً راجِعٌ إلىٰ معنَى الخبرِ.
و السؤالُ و الطلَبُ و الدُّعاءُ يَجري هذا المَجرىٰ .
ص: 242
فأمّا العَرضُ ، فهو سؤالٌ عَلى الحَقيقةِ .
و النداءُ اختُلِفَ فيه، فقيلَ : معنىٰ «يا زَيدُ»: «أعني زَيداً»، و «أدعو زَيداً». و هذا يَكونُ علَى الحقيقةِ خبراً. و قيل: المُرادُ به: «أَقبِلْ يا زيدُ». و علىٰ هذا المعنىٰ يَدخُلُ في أقسامِ الأمرِ.
و أمّا التحضيضُ : فهو في معنَى الأمرِ؛ لأنّه يُنبئُ عن إرادةِ المُحضِّضِ للفِعلِ .
***
اعلَم أنّ المُتكلِّمَ (1) هو «مُوقِعُ الكلامِ - الذي قَدَّمنا بيانَ حَقيقتِه(2) - بحَسَب أحوالِه؛ مِن قصده(3) و إرادتِه، أو دَواعيهِ و اعتقاداتِه، أو غَيرِ ذلكَ مِن الأُمورِ الراجعةِ إليه». و يَجوزُ أن يُقالَ في ذلكَ حقيقةً أو تقديراً علَى التفسيرِ السالِفِ في هذا الكتابِ .
و لمّا كانَ وجبَ وقوعُه علىٰ هذا الوَجهِ ، يَجِبُ أن يَكونَ فِعلاً له و حادِثاً مِن جهتهِ ، [و] جازَ أن يُقالَ : إنّ حقيقةَ المُتكلِّمِ مَن فَعلَ الكلامَ ؛ انتهاءً إلىٰ غايةِ ما تَقتَضيه(4)
ص: 243
[فائدةُ هذهِ الصفةِ ](1) و لعِلمِنا بأنّ أهلَ اللُّغةِ لَو عَلِموا اقتضاءَ هذا التعَلُّقِ المخصوصِ للفِعليّةِ علىٰ سَبيلِ التفصيلِ ، لَم يَضَعوا هذه اللفظةَ إلّالها.
و الذي يَدُلُّ علىٰ ذلكَ : أنّ أهلَ اللُّغةِ علىٰ طريقةٍ واحدةٍ ؛ مَتىٰ عَلِموا أو اعتَقَدوا وقوعَ الكلامِ بحَسَبِ أحوالِ أحَدِنا، وَصَفوه بأنّه مُتكلِّمٌ ، و متىٰ لَم يَعلَموا أو يعتَقِدوا ذلكَ لَم يَصِفوه [به]. فجَرىٰ هذا الوصفُ في معناه مَجرىٰ وَصفِهم لأحَدِنا بأنّه ضاربٌ و مُحرِّكٌ و مُسَكِّنٌ ؛ فإنّهم يُجرونَ كُلَّ ذلكَ عندَ أهلِ (2) التعلُّقِ المخصوصِ المُقتَضي للفِعليّةِ .
و مَن (225) دَفَعَ ما ذَكَرناه في الكلامِ و إضافتِه إلَى المُتَكلِّمِ ، تَعذَّرَ عليه أن يُضيفَ شيئاً علىٰ سَبيلِ الفِعليّةِ ؛ لأنّ الطريقةَ واحدةٌ .
و ممّا يوضِحُ ما ذَكَرناه: أنّه لا مَعنىٰ يُشارُ إليه - سِوىٰ ما ذَكَرناه - إلّاو قد يَحصُلُ العِلمُ بكَونِ المُتكلِّمِ مُتكلِّماً بدونِه، أو(3) يَحصُلُ [العِلمُ ] بذلك المعنىٰ مِن دونِ العِلمِ بأنّه مُتكلِّمٌ ، و لا يَحصُلُ العِلمُ بكَونِه مُتكلِّماً لأحَدٍ مِن العالَمينَ إلّابَعدَ حُصولِ العِلمِ بوقوعِ الكلامِ بحَسَبِ أفعالِه. فثَبَتَ ما ذَكَرناه.
و لا يَلزَمُ على ما ذَكَرناه إضافةُ كلامِ النائمِ و الساهي إليهما، و إن لَم يَكُن واقعاً بحَسَبِ قُصودِهما و دَواعيهِما؛ مِن جهتَينِ :
أحَدُهما: أنّا لَم نَقتَصِرْ علىٰ ذِكرِ القُصودِ و الدواعي دونَ جُملةِ الأحوالِ ، و الكلامُ يَقَعُ مِن النائمِ و الساهي بحَسَبِ قُدَرِهما و لُغَتِهما، و اللَّثغةِ العارضةِ في
ص: 244
لِسانَيهما(1)، و غَيرِ ذلكَ مِن أحوالِهما.
و الوَجهُ الآخَرُ: أنّا قد احتَرَزنا بذِكرِ «التقديرِ» عن هذا السؤالِ ؛ لأنّ مِن المعلومِ أنّ كلامَ النائمِ لَو كانَ قاصداً لَوَقَعَ بحَسَبِ قَصدِه، و أنّه مُخالِفٌ لكلامِ غَيرِه.
و ممّا يَدُلُّ علىٰ ما قُلناه: أنّهم يُضيفونَ الكلامَ المسموعَ مِن المصروعِ إلَى الجِنّيِّ ؛ لمّا اعتَقَدوا تَعلُّقَه بقَصدِ الجِنّيِّ و إرادتِه، و إن كانَ ذلك الكلامُ مسموعاً مِن لِسانِ المصروعِ ، و حالاًّ مِن فيهِ ؛ بحَيثُ يَحُلُّ الكلامُ الذي يُضيفونَه إليه إذا كانَ سَليماً. و لا مُعتَبَرَ بخطائهم في هذا الاعتقادِ؛ لأنّا إنّما استَدلَلنا باستعمالِهم علىٰ وَجهٍ لا فَرقَ فيه بَينَ الصحيحِ و الخَطإ؛ لأنّ عباراتِهم تابعةٌ (2) لاعتقادِهم، و لا فَرقَ بَينَ أن تَكونَ الاعتقاداتُ عِلماً أو جهلاً؛ ألا تَرىٰ أنّا نَستَدِلُّ علىٰ أنّ لفظةَ «إلٰه» في لُغَتِهم موضوعةٌ لِمَن تَحِقُّ له العِبادةُ ، بوَصفِهم الأصنامَ بأنّها آلهةٌ ؛ لما اعتَقَدوا أنّ العِبادةَ تَحِقُّ لها؟ و إن كانَ هذا الاعتقادُ مِنهم في الأصنامِ باطلاً.
و لَيسَ لهم أن يُنكِروا إضافةَ أهلِ اللُّغةِ الذين يُحتَجُّ بهم، الكلامَ المسموعَ مِن المصروعِ إلى الجِنّيِّ ، و يَقولوا: إنّما يضيف ذلكَ النِّساءُ وَ جُهّالُ العامّةِ !
و ذلكَ أنّ كُلَّ مَن يضيف مِن أهل اللُّغةِ و غَيرِهم كلامَ أحَدِنا إليه، مَتَى اعتَقَدَ أنّ الجِنّيَّ يَقصِدُ إلَى الكلامِ المسموعِ مِن المصروعِ ، أضافه إلَى الجِنّيِّ دونَه. و لا شُبهةَ في أنّ هذه الإضافةَ تابعةٌ لهذا الاعتقادِ مِن كُلِّ أحدٍ، و إنّما نَنفي الإضافةَ بحَيثُ يَنتَفي الاعتقادُ.
و بَعدُ؛ فلَو كانَ هذا مِن خِطابِ العامّةِ الخارجِ عن مُقتَضَى اللُّغةِ ، لَوجبَ أن يَعُدَّ
ص: 245
أهلُ اللُّغةِ إضافةَ الكلامِ إلى الجِنّيِّ - ممّن اعتَقَدَ ما ذَكَرناه - مِن لَحنِ العامّةِ و خَطائِها، و يُنَصَّ عليه في الكُتُبِ الموضوعةِ لِلَحنِ العامّةِ ، كما نُصَّ علىٰ غَيرِه. و في العِلمِ ببُطلانِ ذلكَ دليلٌ علىٰ صحّةِ ما اعتَمَدناه.
فإن قيلَ : ما أنكَرتم أن تَكونَ إضافتُهم الكلامَ المسموعَ مِن المصروعِ إلَى الجِنّيِّ ، مِن حَيثُ اعتَقَدوا أنّ الجِنّيَّ قد سَلَكَه و خالَطَه، و أنّ الكلامَ حالٌّ في الجِنّيِّ دونَه، و يَعودُ الأمرُ إلى أنّ المُتكلِّمَ بالكلامِ مَن حَلَّهُ (1)؛ ألا تَرىٰ أنّهم إذا لَم يَعتَقِدوا سُلوكَ الجِنّيِّ له، و امتزِاجَه به، لَم يُضيفوا الكلامَ المسموعَ مِن المصروعِ إليه ؟
قُلنا: الكلامُ الذي يُسمَعُ مِن لِسانِ المصروعِ و يَحُلُّ آلةَ (2) كلامِه، علىٰ حَدِّ ما يُسمَعُ مِنه و يَحُلُّ لِسانَه إذا كانَ سَليماً. و الجِنّيُّ و إن كانَ سَلَكَه و خالَطَه - على اعتقادِ مَن اعتَقَدَ ذلكَ - فلَيسَ يَنتَهي إلىٰ أن تَصيرَ آلةُ المصروعِ و لِسانُه للجِنّيِّ دونَه، بل آلةُ كلامِه في أنّها تخَتَصُّه علىٰ ما كانَت عليه. و الكلامُ يُسمَعُ منها و يوجَدُ فيها علىٰ حدِّ ما (226) يُسمَعُ في حال صحّتِه. فلا وَجهَ لهذه الإضافةِ إلّاما ذَكَرناه؛ مِن اعتقادِهم أنّ الجِنّيَّ هو القاصِدُ إلىٰ ذلكَ الكلامِ دونَ المصروعِ .
و الذي يوضِحُ هذا و يَكشِفُه: أنّهم لا يَكادونَ يُضيفونَ إلَى الجِنّيِّ كُلَّ كلامٍ يُسمَعُ مِن لِسانِ المصروعِ ، فلَو(3) قَرَأَ أو تَكلَّمَ بما لا يَعتَقِدونَ أنّه مِن مقصودِ الجِنّيِّ ، لَم يُضِيفوه إلى الجِنّيِّ ، و إنّما يُضيفونَ إليه ما يَعتَقِدونَ أنّه لا يَكونُ مِن مقصودِ غَيرِ الجِنّيِّ ؛ مِثلَ أن يُخبِرَ بغَيبٍ ، أو يُخرِجَ سَرَقاً، أو يَدُلَّ علىٰ مكتومٍ ، و نَحوِ ذلكَ ممّا قد سَبَقَ إلىٰ نُفوسِهم أنّ غَيرَ الجِنّيِّ لا يَعرِفُه و لا يُخبِرُ بمِثلِه.
ص: 246
و ممّا يَدُلُّ أيضاً علىٰ أنّ الكلامَ يُضافُ إلىٰ فاعلِه دونَ مَن لَيسَ بَينَه و بَينَه هذه العُلقةُ :
أنّ الكلامَ قد يوجَدُ في الصَّدىٰ ، و(1) قد عَلِمنا أنّه لا يَجوزُ أن يَكونَ كلاماً لمَحَلِّه، و لا لِما ذلكَ المَحَلُّ بعضٌ له، و لا يَجوزُ أيضاً أن يَكونَ كلاماً للقَديمِ تَعالىٰ ؛ لأنّه رُبَّما كانَ ذلكَ الكلامُ كَذِباً أو عَبَثاً، و هو تَعالىٰ مُنَزَّهٌ عن القَبيحِ . [فَيجبُ (2)] أن يَكونَ كلاماً لِمَن فَعَلَ أسبابَه، و وُجِدَ بحَسَبِ قَصدِه و دَواعيهِ .
و لَيسَ لهم أن يَمتَنِعوا مِن وجودِ الكلامِ في الصَّدىٰ ؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ الكلامَ هو هذه الأصواتُ المخصوصةُ . و لا شُبهةَ في وجودِ هذا الجنسِ في الصَّدىٰ ، و إنّما يَمتَنِعُ مِن ذلكَ مَن يَذهَبُ إلى أنّ الكلامَ معنىً في النفسِ غَيرِ الصَّوتِ المسموعِ ، و قد تَقدَّمَ فَسادُ هذا المَذهَبِ (3).
و ممّا يَدُلُّ علىٰ ذلكَ : أنّ إضافةَ الكلامِ إلَى المُتكلِّمِ تَقتَضي عُلقةً بَينَه و بَينَه، و فائدةً معقولةً . و الأقسامُ المعقولةُ في هذا البابِ إضافَتُه إليه مِن حَيثُ حَلَّهُ أو مِن حيثُ حَلَّ بعضَه، أو لأنّه أَوجَبَ له حالاً، أو مِن حَيثُ فَعَلَه و(4) وَقَعَ بحَسَبِ أحوالِه(5).
و لَيسَ يَجوزُ أن يوصَفَ به مِن حَيثُ حَلَّه؛ لأنّ ذلكَ يَقتَضي كَونَ اللِّسانِ - بَلِ البعضِ الذي حَلَّه الكلامُ مِنه - مُتكلِّماً دونَ الإنسانِ . و كذلك الصَّدىٰ . و لَوجبَ أن
ص: 247
يُوصَفَ «ما عُلِّقَ هذا الكلامُ عليه أو أُضيفَ إليه؛ مِن اللِّسانِ و الصَّدىٰ » بسائرِ(1)ضُروبِ الكلامِ (2) و أقسامِه، و تُعَلَّقَ أحكامُه عليه كُلُّها، حَتّىٰ يُقالَ : «إنّه آمِرٌ و مُخبِرٌ أو مُستَفهِمٌ »، و يُمدَحَ بالحَسَنِ ، و يُذَمَّ بالقَبيحِ . و معلومٌ فَسادُ ذلكَ لِكُلِّ عاقلٍ . كما أنّه معلومٌ أنّ مَحَلَّ الفِعلِ - مِن الضَّربِ و القَتلِ و ما أشبَهَهما - لا يوصَفُ بأنّه ضارِبٌ و قاتِلٌ ، وَ لا تُعَلَّقُ عليه الأحكامُ ؛ مِنَ المَدحِ و الذَّمِّ .
و بَعدُ، فهذا يَقتَضي أنّه لا مُتكلّمَ في العالَمِ [؛ لأنَّ الكلامَ اسمٌ لجملةٍ من الحروف، و(3)] لا يَكونُ حَرفاً واحداً، و هذا الاسمُ لا يَختَصُّ [بمحلّ واحد؛ و ذلك لحاجته] إلىٰ أبنيةٍ (4) مُختَلِفةٍ . و علىٰ هذا يَجِبُ أن يَكونَ قولُنا: «زيدٌ قائمٌ » لا مُتكلِّمَ به؛ لوجودِ هذه الجُملةِ في مَحالٍّ مُتَغايِرةٍ ، و استحالةِ كَونِها في مَحَلٍّ واحدٍ.
و هذا الوَجهُ يَقتَضي - زائداً على ما ذَكَرناه(5) - استحالةَ إضافةَ الكلامِ الَى القَديمِ تَعالىٰ ، و وَصفِه بأنّه متكلِّمٌ ؛ لاستحالةِ حُلولِ المَعاني فيه.
و لا يَجوزُ أن يكونَ الكلامُ كلاماً لِمَن [حَلَّ بعضَه(6)]؛ لأنّ ذلكَ يَقتَضي أيضاً كَونَ اللِّسانِ هو المُتكلِّمَ دونَ الإنسانِ ، و كذلك الصَّدى. و يوجِبُ أن يَكونَ تَعالىٰ غَيرَ مُتكلِّمٍ ؛ لاستحالةِ هذا المعنى فيه.
و قد أبطَلنا مِن قبلُ أن يَكونَ الكلامُ ممّا يوجِبُ حالاً.
ص: 248
فلَم يَبقَ إلّاأنّ المُتكَلِّمَ هو مَن فَعَلَ الكلامَ .
و مَن يَقولُ : إنّ الكلامَ يُضافُ إلَى المُتَكلِّمِ مَن حَيثُ «قامَ » به، إن لَم يُرِدْ بعضَ ما ذَكَرناه و أفسَدناه مِن الحُلولِ أو غَيرِه، لَم يَكُن قولُه معقولاً؛ لأنّ ما تُستَعمَلُ (1) فيه هذه
اللفظةُ ، مِن «الانتِصابِ »؛ كقولِهم: «قامَ السيفُ علَى الأُسطُوانةِ »، و «التدبيرِ»؛ كقولِهم: «قامَ البَلَدُ بالأميرِ»، لا يَجوزُ علَى الكلامِ .
و قولُهم: إنّ حَدَّ المُتكلِّمِ : «مَن له حُكمُ (227) كلامٍ »(2)، إحالةٌ علىٰ مُبهَمٍ . و السؤالُ معه باقٍ إذا قيلَ : و كيفَ صارَ الكلامُ له ؟ أبِأَنْ حَلَّه، أو حَلَّ بعضَه، أو أَوجَبَ له حالاً، أو فَعَلَه ؟ فلا بُدَّ مِن التفسيرِ.
و اعلَمْ أنّ قولَهم: «له كذا»(3) يَحتَمِلُ أُموراً:
مِنها: إضافةُ البَعضِ إلَى الكُلِّ ؛ كقَولِهم: «له يَدٌ و رِجلٌ ».
و بمعنَى المِلكِ ؛ كقَولِهم: «له دارٌ و غلامٌ ».
و بمعنَى الفِعليّةِ ؛ كقَولِهم: «له إحسانٌ و نِعمةٌ ».
و بمعنَى الحُلولِ ؛ [كقولِهم] «له طَعمٌ و رائحةٌ و لَونٌ ».
و ما يَحتَمِلُ أُموراً مُختَلِفةَ المَعاني، لا يَجوزُ أن يُحَدَّ به في المَوضِعِ الذي يُتَحرّىٰ فيه التشخيصُ و التمييزُ و كَشفُ الغرضِ .
***
ص: 249
اعلَمْ أنّه لا بُدّ مِن كونِه - جَلَّ (1) و عَزَّ - قادراً على الكلامِ ؛ لِما دَلَّلنا عليه مِن قَبلُ : مِن أنّ القادرَ لنفسِه يَجِبُ أن يَقدِرَ علىٰ فِعلِ كُلِّ جنسٍ تَتعلَّقُ به قُدَرُ العِبادِ(2). و لأنّه تَعالىٰ قادرٌ علىٰ أسبابِه؛ مِن الاعتماداتِ و المصاكّات(3)، و القادرُ علىٰ سببِ الشيءِ قادرٌ عليه.
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَقولَ : إنّا(4) نَمنَعُ مِن ذلكَ ؛ مِن حَيثُ ثَبَتَ أنّه مُتكلِّمٌ لنفسِه، أو بكلامٍ قَديمٍ ، كما تَمنَعونَ أنتُم مِن مِثلِ ذلك في العِلمِ و غيرِه.
و ذلكَ : لأنّ الذي أصَّلوه لَم يَثبُتْ ، بَل ثَبَتَ ما ذَكَرناه فتَذَكَّرْ(5) فَسادَه(6).
و لَو كانَ ثابتاً كما ظَنّوا، لَما مَنَعَ مِن قُدرتِه تَعالىٰ علَى الكلامِ ، و أن يَفعَلَه و يَكونَ مُتكلِّماً، مع أنّه مُتكلِّمٌ لِنفسِه؛ لأنّه لا تَنافيَ بَينَ ذلك و لا وَجهَ إحالةٍ ، كما بَيَّنّا أنّ في قُدرتِه علىٰ عِلمٍ أو قُدرةٍ أو حَياةٍ تُوجِبُ (7) له حالاً وَجهَ إحالةٍ ؛ مِن قَلبِ جنسٍ أو غَيرِه.
ص: 250
و إذا ثَبَتَ أنّه قادرٌ علَى الكلامِ ، فلَو فَعَلَه لَكانَ مُتكلِّماً به؛ لأنّ الحقيقةَ لا تَختَلِفُ ، و قد بيّنّا أنّ حقيقةَ المُتكلِّمِ مَن كانَ فاعلاً للكلامِ (1).
و الطريقُ إلىٰ إثباتِه تَعالىٰ مُتكلِّماً لَيسَ (2) أن يُعلَمَ وجودُ الكلامِ مِن فِعلِه، علىٰ حَدِّ ما نَقولُه في كَونِه مُحسِناً و مُنعِماً و رازِقاً و سائِرَ ما يُشتَقُّ مِن الفِعلِ .
و إنّما قُلنا ذلكَ لأنّ الفِعلَ الذي به نَتَطرَّقُ إلىٰ إثباتِ أحوالِه تَعالىٰ و صفاتِه، لا يَدُلُّ علىٰ كَونِه مُتكلِّماً؛ لأنّ الفِعلَ إنّما يَدُلُّ علَى اختصاصِ فاعلِه بالصفةِ التي لَولاها لَما صَحَّ وقوعُه مِنه، أو وقوعُه علىٰ بعضِ الوجوهِ . و لَيسَ للفِعلِ صفةٌ لَولا كَونُه مُتكلِّماً لَما حَصَلَت. و ما بيّنّاه أيضاً مِن أنّه لا حالَ للمُتكلِّمِ بكَونِه متكلّماً(3)، يُبطِلُ أن يكونَ الفِعلُ دَلالةً علىٰ ذلكَ .
و هذه الجُملةُ تَقتَضي أنّ كَلامَه تَعالىٰ إنّما يُعلَمُ كلاماً له مِن طَريقِ السمعِ ، و بأن يُخبِرَنا «نَبِيٌّ قد عُلِمَ صِدقُه بالمُعجِزِ» في بعضِ الكلامِ ، بأنّه مُضافٌ إليه تَعالىٰ ، و أنّه كلامٌ (4).
فإن قيلَ : فهذا النبيُّ مِن أينَ يَعلَمُ في ذلكَ الكلامِ أنّه كلامُه تَعالىٰ؟ فإن قلتُم: مِن
ص: 251
جهةِ المَلَكِ ، قيلَ لكم: و القولُ في المَلَكِ كالقولِ فيه.
و الجَوابُ عن ذلك: أنّ المَلَكَ أو النبِيَّ لا يَمتَنِعُ أن يَعلَمَ كلامَه تَعالىٰ ؛ بأن يَفعَلَ كلاماً يَتضمَّنُ أنّه كلامُه و مُضافٌ إليه، و يُقارِنَه مُعجِزٌ يَدُلُّ علىٰ أنّه إنّما فُعِلَ لمُطابَقتِه و تصديقِه، فيَعلَمُ بذلكَ أنّه كلامُه.
و غَيرُ مُمتَنِعٍ أن يَفعَلَ اللّٰهُ تَعالىٰ في قَلبِه العِلمَ بأنّ ذلك الكلامَ لَيسَ بكلامٍ لأحَدٍ مِن المُحدَثينَ ، فيَعلَمَ بطريقِ القِسمةِ أنّه كلامُه. و هذا لا يَقتَضي اضطراراً إلىٰ ذاتِه فيُنافيَ التكليفَ ، كما يَقتَضي ذلكَ لَو قيلَ : إنّه اضطَرَّه إلىٰ أنّ ذلكَ الكلامَ كلامُه تَعالىٰ . و إن كُنّا قد بيّنّا أنّه لا يَمتَنِعُ في بعضِ الأحياءِ ممّن أُغني بالحَسَنِ عن القَبيحِ و لَم يُكلَّفْ ، أن يَكونَ مُضطرّاً إلى قَصدِه تَعالىٰ و ذاتِه(1).
و لَيسَ يجوزُ: أن يَستَدِلَّ المَلَكُ أو النبيُّ علىٰ كَلامِه تَعالىٰ ، بأن يَسمَعَه مِن شَجَرةٍ أو ما جَرىٰ مَجراها مِن الأجسامِ التي تُخالِفُ (2)(228) بِنيتُها بُنَى الأشياءِ (3) المُحتاجِ إليها في الكَلامِ .
و ذلك: أنّ هذا و إن دَلَّ على أنّ ذلكَ الكلامَ لَيسَ مِن كلامِ البَشَرِ، فهو غَيرُ كافٍ في إضافتِه إليه تَعالىٰ ؛ لأنّه لا يَمتَنِعُ عندَ السامِعِ له أن يَكونَ المُتكلِّمُ به بعضَ الملائكةِ أو الجِنِّ ، و يُسمَعَ مِن ناحيةِ الشَّجَرةِ ؛ لأنّه سَلَكَها و حَصَلَ (4)في خِلَلِها.
***
ص: 252
اعلَمْ أنّ إسنادَ الصفةِ إلَى النفسِ فَرعٌ علىٰ كَونِها معقولةً ثابتةً ، و قد بيّنّا أنّه لا
حالَ للمُتكلِّمِ بكَونِه مُتكلِّماً(1)؛ فكيفَ يُقالُ : إنّه كذلك لنفسِه ؟
و أيضاً: فقَد دَلَّلنا علىٰ أنّ المُتكلِّمَ هو مَن فَعَلَ الكلامَ (2)، و إذا قيلَ : إنّه مُتكلِّمٌ لنفسِه، كانَ هذا القولُ مُتناقِضاً؛ لأنّ القولَ بأنّه مُتكلِّمٌ يُفيدُ فِعلَ الكلامِ ، و القولَ بأنّه لنفسِه يَنقُضُ ذلك و يَقتَضي نفيَه، فجَرىٰ في التناقُضِ مَجرىٰ قولِنا: «إنّه مُحسِنٌ لنفسِه».
و أيضاً: فلَو كانَ مُتكلِّماً لنفسِه، و لا حالَ للمُتكلِّمِ مِن حَيثُ كانَ مُتكلِّماً، لَوجبَ أن تَكونَ (3) ذاتُه بصفةِ الكلامِ المسموعِ و مِن جنسِه. و هذا مُحالٌ ؛ لاقتضائه كَونَه مُحدَثاً.
ص: 253
و أيضاً: فهذا القولُ يوجِبُ أن يَكونَ [تعالىٰ ] بصفةِ الحُروفِ كُلِّها مع تَضادِّها، و وَجهُ استحالةِ ذلكَ ظاهرٌ.
و أيضاً: لَو كانَ مُتكلِّماً لنفسِه، لَوجبَ أن يَكونَ مُتكلِّماً بسائرِ أقسامِ الكلامِ و ضُروبِه؛ لأنّ ذلكَ ممّا يَصِحُّ مِن كُلِّ مُتكلِّمٍ لا آفةَ به أن يَتكلَّمَ به. و صفةُ النفسِ يَجِبُ شِياعُها في كُلِّ ما صَحَّت فيه، و هذا يَقتَضي كَونَه مُتكلِّماً بالصدقِ و الكَذِبِ ، و مُخبِراً عن كُلِّ ما يَصِحُّ الإخبارُ عنه علىٰ سائرِ الوجوهِ ، و في هذا مِن الاستحالةِ ما لا خَفاءَ به. مع أنّه يوجِبُ عدمَ الثقةِ بسائرِ الشرائعِ و الكُتُبِ . و دافِعٌ لقَولِه تَعالىٰ :
«مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنٰا عَلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ »(1).
و لَيسَ لهم أن يَعتَصِمُوا مِن دُخولِ الكَذِبِ كَلامَه، بأن يقولُوا: قد ثَبَتَ أنّه صادقٌ لنفسِه، كصِدقِه(2) في قَولِه تَعالىٰ : «وَ لَقَدْ خَلَقْنَا اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ »(3) و «إِنّٰا خَلَقْنَا اَلْإِنْسٰانَ مِنْ نُطْفَةٍ »(4) ، و ما شاكَلَ ذلكَ مِن الأخبارِ التي وُجِدَت مُخبَراتُها علىٰ ما اقتَضَته الأخبارُ. و إذا ثَبَتَ كَونُه تَعالىٰ صادقاً لنفسِه، امتَنَعَ الكَذِبُ عليه، كما يَقولونَه في امتناعِ كَونِه جاهلاً؛ مِن حَيثُ إنّه عالِمٌ لنفسِه.
و الجَوابُ عن ذلكَ أن يُقالَ لهم: و مِن أينَ لكم أنّه صادقٌ في هذا الإخبارِ و الخبرُ
ص: 254
لا يَكونُ خبراً لصورتِه و صيغتِه، علىٰ ما تَقدَّمَ في هذا الكتابِ (1).
و ما يؤمِنُكم أن تَكونَ (2) هذه الأخبارُ لَم يُقصَدْ بها إلَى السَّماواتِ و الأرضِ ، و لا إلىٰ خَلقِ الإنسانِ ، فلا تَكونَ صِدقاً(3). أو تكونَ مقصوداً بها غَيرُ السَّماواتِ و
الأرضِ و الإنسانِ ممّا يَخلُقُه، فتَكونَ كَذِباً؟ ألَاتَرىٰ أنّ القائلَ إذا قالَ : «محمّدٌ رسولُ اللّٰهِ » لا نَقطَعُ علىٰ أنّ قولَه صِدقٌ حتّىٰ نَعلَمَ أنّه قاصِدٌ به إلى النَّبيّ عليه السلام بعَينِه، و متى قَصَدَ غَيرَه كانَ كاذِباً؟
و لَيسَ يَجوزُ(4) أن يُرجَعَ في كَونِ هذه الأخبارِ صِدقاً، أو في أنّ الكَذِبَ لا يَجوزُ عليه تَعالىٰ ، إلىٰ ما نَعلَمُه(5) مِن دينِ الرسولِ عليه السلام و إلىٰ إجماعِ الأُمّةِ .
و ذلكَ : أنّ نبوّةَ الرسولِ و إجماعَ الأُمّةِ فَرعٌ في كَونِهما حُجّةً علىٰ كَونِه تَعالىٰ صادقاً في إخبارِه، و أنّ الكَذِبَ لا يَجوزُ عليه؛ لأنّ مَن لا يؤمَنُ مِنه الكَذِبُ و لا شيءٌ مِن القَبائحِ ، لا يؤمَنُ أن يُصدِّقَ الكَذّابينَ بالمُعجِزاتِ ، و يُخبِرَنا عن صحّةِ إجماعِ الأُمّةِ ، و هو غَيرُ حُجّةٍ و لا دليلٍ .
ثُمّ يُقالُ لهم: أتَقولونَ : إنّ كَونَه صادقاً لنفسِه، يَقتَضي أن يَكونَ مُخبِراً عن كُلِّ شيءٍ علىٰ وَجهِ الصِّدقِ ؛ حتّىٰ لا يَبقىٰ ما يَصِحُّ أن يُخبَرَ عنه إلّاو قد أخبَرَ عنه بالصِّدقِ ، أو يَصِحُّ عندَكُم أن يَكونَ صادقاً في خبرٍ دونَ آخَرَ (229) مع كَونِه صادقاً لنفسِه ؟
ص: 255
فإن قالوا بالأوّلِ ، ظَهَرَت مُكابَرَتُهم لكُلِّ أحدٍ؛ لأنّ مِن المعلومِ أنّ هاهنا مُخبَراتٍ كثيرةٍ ما أخبَرَ القَديمُ تَعالىٰ عنها، و كيفَ يَصِحُّ هذا و هو يَقتَضي وجودَ أخبارٍ لا نِهايةَ لها؛ لأنّ المُخبَراتِ وجوهُها لا تَتَناهىٰ؟
علىٰ أنّ هذا الوجهَ يَقتَضي - مِن حيثُ كانَ عندَهم مُتكلِّماً لنفسِه - أن يَكونَ مُتكلِّماً بالصِّدقِ و الكَذِبِ ؛ لأنّه إذا وجبَ مِن حَيثُ كان صادقاً لنفسِه، أن يَكونَ مُخبِراً عن كُلِّ شيءٍ علىٰ وَجهِ الصِّدقِ (1)، لدُخولِ تلكَ الأخبارِ في بابِ الصِّدقِ ، لَزِمَ أن يَكونَ مُتكلِّماً بالكَذِبِ و الصِّدقِ ؛ لأنّه مُتكلِّمٌ لنفسِه، و الكَذِبُ داخلٌ تَحتَ الكلامِ كدُخولِ الصِّدقِ .
و إن جَوَّزُوا الاختصاصَ في أحدِ الأمرَينِ ، لَزِمَ مِثلُه في الآخَرِ.
و بَعدُ، فلَو وجبَ مِن حيثُ كانَ صادقاً لنفسِه، أن يَكونَ مُخبِراً عن كُلِّ شيءٍ علىٰ وَجهِ الصِّدقِ ، لَوجبَ مِن حيثُ كانَ آمِراً لنفسِه عندَهم، أن يَكونَ آمِراً بكُلِّ شيءٍ علىٰ كُلِّ وَجهٍ . و هذا يَقتَضي امتناعَ كَونِه ناهياً عن شيءٍ ، و يوجِبُ كَونَه آمراً ناهياً بكُلِّ ما يَصِحُّ أن يؤمَرَ به و يُنهىٰ عنه.
و إذا بَطَلَ أن يَكونَ كَونُه صادقاً لنفسِه يقتَضِي إخبارَه عن كُلِّ شيءٍ ، و جازَ أن تَبقىٰ مُخبَراتٌ لَم يُخبِرْ عنها، لَزِمَ ما قَدَّمناه؛ مِن أن يَكونَ كاذباً في تلكَ ؛ لأنّه لَم
يُخبِرْ عنها بالصِّدقِ ، فيُنافيَ كَونَه كاذباً فيها(2). كما أنّه لمّا كانَ آمِراً بأشياءَ مُعيَّنةٍ ، لَم يَمنَع ذلكَ مِن كَونِه ناهياً عمّا سِواها.
ص: 256
و ممّا يَدُلُّ أيضاً علىٰ فَسادِ قولِهم: «إنّه مُتكلِّمٌ [لنفسِه]»: أنّ ذلكَ يوجِبُ كَونَه تَعالىٰ مُكلِّماً لكُلِّ مَن يَصِحُّ أن يُكَلِّمَه في كُلِّ حالٍ [و] علىٰ كُلِّ وجهٍ ؛ لأنّ صفاتِ النفسِ لا تَتخصَّصُ في كُلِّ مَوضِعٍ تَصِحُّ فيه(1)، و قد عَلِمنا بُطلانَه(2).
و ممّا يَدُلُّ [على] تبيّن هذه الجُملةِ : أنّ الصفةَ العامّةَ إذا كانَت للنفسِ ، فما دَخَلَ تَحتَ تلكَ الصفةِ مِن الصفاتِ الخاصّةِ ، يَجِبُ أيضاً أن يكونَ للنفسِ ؛ أَ لَا تَرىٰ أنّا لو أثبَتنا بعضَ الأحياءِ مُعتَقِداً لنفسِه، لَوجبَ أن يَكونَ كَونُه عالِماً أو جاهلاً لنفسِه؛ لدُخولِ ذلكَ تَحتَ الصفةِ النفسيّةِ (3)؟ و كذلكَ لَو أثبَتنا بعضَ الجَواهرِ كائناً في الأماكنِ لنفسِه(4)، لَوجبَ أن نُثبِتَه(5) مُتحرِّكاً أو ساكناً لنفسِه ؟ أوَ لا تَرىٰ أنّهم لما أثبَتوه مُتكلِّماً لنفسِه، و كانَ كَونُه مُخبِراً و آمِراً داخلاً تَحتَ كَونِه مُتكلِّماً، جَعَلوه كذلكَ للنفسِ؟
و لا يَلزَمُ علىٰ ما ذَكَرناه أن يَكونَ تَعالىٰ مِن حَيثُ كان عالِماً لنفسِه، أن يَكونَ مُعَلِّماً لنفسِه.
و ذلكَ أنّ الفائدةَ في «مُعَلِّمٍ » غَيرُ الفائدةِ في «عالِمٍ »؛ لأنّ معنىٰ «مُعلِّمٍ »: إمّا «فِعلُ العِلمِ في الغَيرِ»، أو «الحِرفةُ المخصوصةُ التي يَكونُ معها التلقينُ و التمرينُ ». و كِلاهما غَيرُ مَعنىٰ كَونِه عالماً. و لَيسَ كذلكَ «مُتكلِّمٌ » و «مُكلِّمٌ »؛ لأنّ ما به يَصيرُ
ص: 257
مُكلِّماً لغَيرِه، به يَصيرُ مُتكلِّماً - و إن كانَ «مُكلِّمٌ » أخَصَّ مِن «مُتكلِّمٍ » -. فيَجِبُ أن تَكونَ الصفةُ الخاصّةُ للنفسِ مَتىٰ كانَتِ العامّةُ كذلكَ .
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَقولَ : هو مُتكلِّمٌ لنفسِه، و مُكَلِّمٌ بأنْ فَعَلَ التكليمَ ، و هو غَيرُ الكلامِ ؛ كما قُلتُموه في عالِمٍ و مُعلِّمٍ ، و أنّ التعليمَ غَيرُ العِلمِ .
و ذلكَ : أنّ الذي قُلناه معقولٌ مفهومٌ ، و الذي عارَضوا به لا يُعقَلُ ؛ لأنّ التكليمَ ضَربٌ مِن الكلامِ ، و لا يُعقَلُ تَكليمٌ لَيسَ بكلامٍ . و لَولا أنّ الأمرَ علىٰ ما ذَكَرناه، لَجازَ أن يَكونَ أحَدُنا مُكَلِّماً غَيرَه بأن يَفعَلَ تَكليماً، مِن غَيرِ أنْ يكونَ هناك كلامٌ (1)مسموعٌ ! أو يَفعَلَ الكلامَ و يَقصِدَ به إلَى الغَيرِ، و لا يَفعَلَ التكليمَ ، فيَكونَ غَيرَ مُكلِّمٍ له. و فَسادُ ذلك ظاهِرٌ.
و يَلزَمُ علىٰ هذا أن يَكونَ المُخبِرُ مُخبِراً مِن حيثُ فَعَلَ التخبيرَ، و هو غَيرُ الكلامِ المسموعِ !
فإن قالوا: نَحنُ (2) نَلتَزِمُ أنّه مُكَلِّمٌ لكُلِّ أحَدٍ، لكِن ممّن يَصِحُّ أن يُكَلِّمَه، و قد كَلَّمَ الجميعَ ؛ بأن كَلَّفَهم و أمَرَهم (230) و نَهاهم.
قيلَ لهم: لا شيءَ معقولَ مِن موجودٍ و معدومٍ (3) و حَيٍّ و ميّتٍ ، و عاقلٍ و غَيرِ
ص: 258
عاقلٍ ، إلّا [و] يَصِحُّ كلامُه، و إنّما يَقبُحُ بعضُ ذلكَ . و صفةُ النفسِ لا تَفتَقِرُ(1) في شُمولِها إلىٰ أكثَرَ مِن الصحّةِ ، فيَجِبُ أن يَكونَ مُكلِّماً(2) لكُلِّ شيءٍ عَلِمَه، و لا يَختَصُّ بذلكَ المُكلَّفونَ دونَ غَيرِهم.
و ممّا يَدُلُّ أيضاً علىٰ إبطالِ كَونِه مُتكلِّماً لنفسِه: أنّ ذلكَ يؤَدّي إلىٰ كَونِه مُتكلِّماً فيما لَم يَزَلْ ، مِن غَيرِ أن يَستَفيدَ هو أو غَيرُه بذلكَ شيئاً. و يَقتَضي [كَونَه] علىٰ صفةِ نَقصٍ لِمَن يَتَكلَّمُ (3) منّا، و لا فائدةَ كانَت(4) علَى النقصِ (5). و لا فَرقَ فيما يَقتَضي النقصَ بَينَ أن يَستَنِدَ إلَى النفسِ أو إلَى المَعاني.
***
ص: 259
اعلَمْ أنّ جميعَ ما ذَكَرناه مِن الأدلّةِ علىٰ أنّه لَيسَ بمُتكلِّمٍ لنفسِه، يَدُلُّ علىٰ أنّه
لَيسَ بمُتكلِّمٍ لا لنفسِه و لا لعلّةٍ ؛ لأنّ وَجهَ الأدلّةِ قائمٌ في الأمرَينِ معاً، إلّاما ذَكَرناه مِن اقتضاءِ ذلكَ لأن تَكونَ (1) ذاتُه بصفةِ الحُروفِ (2)، فإنّ هذا الوَجهَ خاصّةً لا يَتأتّىٰ في هذا البابِ .
و ممّا يَدُلُّ علىٰ فَسادِ ذلك - زائداً علىٰ ما تَقدَّمَ -: أنّ كَونَه مُتكلِّماً لا يَخلُو مِن أن يَكونَ واجباً في كُلِّ حالٍ ، أو حَصَلَ في حالٍ لَم يَلزَم في قَبلِها.
و الوَجهُ الأوّلُ : يَقتَضي كَونَه كذلك لنفسِه(3)؛ لأنّ هذه أمارةُ صفةِ النفسِ .
و إن كانَ الوَجهُ الثاني: لَم يَخلُ مِن أن يَجِبَ - في الحالِ التي يَتجدَّدُ كَونُه مُتكلِّماً فيها - ذلكَ له - كما نَقولُه في كَونِه مُدرِكاً، و وجوبِ حُصولِه عندَ وجودِ شَرطِه - أو أن يَكونَ بذلكَ الحالِ ممّا يَجوزُ أن يَكونَ فيها مُتكلِّماً و غَيرَ مُتكلِّمٍ و الشُّروطُ واحدةٌ .
و الوجهُ الأوّلُ : يَقتَضي أن يَكونَ هناكَ أمرٌ معقولٌ يَقتَضي وجوبَ كَونِه مُتكلِّماً، كما قُلناه في وُجودِ المُدرِك. و قد عَلِمنا أنّه لا شيءَ يُعقَلُ يَقتَضي وجوبَ كَونِه كذلكَ .
ص: 260
و الوَجهُ الثاني: يَقتَضي أن يَكونَ مُتكلِّماً بكلامٍ مُحدَثٍ (1)، كما قُلنا بمِثلِ ذلكَ في نَظائرِه.
***
اعلَمْ أنّ الخِلافَ في حُدوثِ كَلامِه تَعالىٰ - مع الاعترافِ بأنّه مِن جنسِ كلامِنا، و أنّه هو هذا المعقولُ المسموعُ - لا يَكادُ يَقَعُ ممّن(2) يُحَصِّلُ عن نفسه. و لهذا نَجِدُ مَن يُخالِفُ علىٰ هذا الوَجهِ مُقلِّداً مُستَسلِماً لا يُصغي إلَى الحُجّةِ ، و لا يُمَكِّنُ مِن المُناظَرةِ و المُوافَقةِ . و رُبَّما خالَفوا في العِبارةِ مع تسليمِ المعنىٰ ، و امتَنَعوا مِن إطلاقِ القولِ بحُدوثِ (233) كلامِه تَعالىٰ ؛ ظَنّاً منهم أنّ في ذلكَ نقصاً و تقصيراً به.
[الدليل الأوّل: أمارات حدوث كلامه تعالىٰ ](3)
و إنّما قُلنا ذلكَ ؛ لأنّ أماراتِ الحُدوثِ في الكلامِ أقوىٰ و أظهَرُ مِن أمارةِ الحَدَثِ
ص: 261
في الأجسامِ و الأعراضِ ؛ لأنّه يوجَدُ و يُعدَمُ ، و يَترتَّبُ وجودُ بعضِه علىٰ بعضٍ ، و يَنقَسِمُ و يَتجزّىٰ ، و يُضافُ إلَى العربيّةِ ، و معلومٌ تَجدُّدُها.
و قد وَصَفَه اللّٰهُ تَعالىٰ بأنّه مُنَزَّلٌ [بعدَ كتابِ موسى عليه السلام بقوله تَعالىٰ :
«وَ مِنْ قَبْلِهِ كِتٰابُ مُوسىٰ (1)» ](2)، و أنّه مُحكَمٌ بقَولِه تَعالىٰ : «كِتٰابٌ أُحْكِمَتْ آيٰاتُهُ »(3) ، و بأنّه مفعولٌ بقَولِه(4) تَعالىٰ : «وَ كٰانَ أَمْرُ اَللّٰهِ مَفْعُولاً»(5).
و صَرَّحَ بحَدَثِهِ في قولِه تَعالىٰ - جَلَّ و عَزَّ -: «مٰا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ
مُحْدَثٍ »(6) ، و «مٰا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ اَلرَّحْمٰنِ مُحْدَثٍ »(7) ، بعدَ أن بَيَّنَ تَعالىٰ أنّ الذِّكرَ هو القرآنُ في قولِه - جَلَّ اسمُه -: «إِنّٰا نَحْنُ نَزَّلْنَا اَلذِّكْرَ وَ إِنّٰا لَهُ لَحٰافِظُونَ »(8) ، و «هٰذٰا ذِكْرٌ مُبٰارَكٌ أَنْزَلْنٰاهُ »(9).
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَقولَ : إنّما أرادَ به هاهنا الرسولَ لا القُرآنَ ؛ مُستَشهِداً بقَولِه تَعالىٰ :
«قَدْ أَنْزَلَ اَللّٰهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آيٰاتِ اَللّٰهِ مُبَيِّنٰاتٍ »(10).
ص: 262
و ذلكَ : أنّ «الذِّكرَ» لا يُعرَفُ استعمالُه في الرسولِ و الآيةُ التي تَلَوها، أكثرُ المُفسِّرينَ علىٰ أنّ «الذِّكرَ» فيها إنّما أرادَ به القُرآنَ (1)، و إنّما نَصَبَ «رَسولاً» بإضمارِ فِعلٍ ، فكأنّه قالَ : «و أرسَلَ رَسولاً»(2).
و يُقَوّي ذلكَ أنّه قالَ : «أَنْزَلَ اَللّٰهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً2»(3) ، و الإنزالُ لا يوصَفُ به الرسولُ ، و إنّما هو مِن أوصافِ القُرآنِ .
و كيفَ يُحمَلُ ذلكَ علىٰ غَيرِ القُرآنِ ، مع قولِه تَعالىٰ : «إِلاَّ اِسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ »(4)؟
و ظاهِرُ قولِه تعالىٰ : «مٰا يَأْتِيهِمْ »(5) لا يُستَعمَلُ إلّافيما يَتكرَّرُ إتيانُه. و الرسولُ إلى أُمَّتِنا واحدٌ، فلا يَليقُ معنَى «الذِّكرِ» في الآيةِ إلّابالقُرآنِ .
و بَعدُ، فلَو سُلِّمَ أنّ «الذِّكرَ» ممّا يُعَبَّرُ به عن(6) الرسولِ في بَعضِ المَواضِعِ ، كانَ مِن المعلومِ أنّه مَجازٌ و تَوسُّعٌ ، و الأصلُ أن يَكونَ عِبارةً عن الكلامِ .
فإن قالوا: الإتيانُ لا يَليقُ بالكلامِ و إنّما يَليقُ بالرسولِ .
قُلنا: قد يُستَعمَلُ ذلك في الكلامِ أيضاً بالعُرفِ . و إذا سَلَّمنا أنّه مَجازٌ، كانَ حَملُ الآيةِ عليه أَولىٰ مِن العُدولِ فيها إلىٰ ضُروبٍ مِن المَجازاتِ .
ص: 263
و ممّا يَدُلُّ أيضاً علىٰ حُدوثِ ما يَفعَلُه مِن الكلامِ : أنّه مُدرَكٌ بلا شُبهةٍ ، فلَو كانَ قَديماً لاستَمَرَّ إدراكُنا له؛ لأنّ ما اقتَضىٰ إدراكَه في بَعضِ الأحوالِ لَو كانَ شرطاً في ذلك، لا فَرقَ فيه بَينَ بعضِ الأحوالِ و بَينَ سائِرِها.
و أيضاً: فلَو كانَ كلامُه تَعالىٰ - و هو مِن جنسِ كلامِنا؛ بدَلالةِ التباسِه به على الإدراكِ - قَديماً، لَوجبَ أن يَكونَ كلامُنا أيضاً قَديماً؛ لأنّ الجنسَ الواحدَ لا يَجوزُ قِدَمُ بعضٍ [منه] و حُدوثُ بعضٍ .
و أيضاً: فلَو كانَ كلامُه تَعالىٰ قَديماً، لَكانَ وجودُه غَيرَ مُترَتِّبٍ بَل في حالٍ واحدةٍ ، و كانت(1) لفظةُ «زَيدٍ» لَيسَت بأن تَكونَ (2) زَيداً أَولىٰ مِن «دَيزٍ» أو «يَزدٍ».
و أيضاً: فإنّ الحُروفَ تَختَصُّ (3) المَحالَّ ، و لا يَصِحُّ وجودُها إلّافيها؛ و قد دَلَّلنا علىٰ ذلكَ مِن قَبلُ . فلَو كانَت الحُروفُ قَديمةً لَكانَت مَحالُّها كذلكَ .
و أيضاً: فإنّ الكلامَ مُدرَكٌ ، فلَو كانَ قَديماً لَأُدرِكَ كذلكَ ، [و] لَعُلِم بالإدراكِ قَديماً(4).
ص: 264
و أيضاً: فلَو كانَ الكلامُ قَديماً و هو حُروفٌ كثيرةٌ ، لَوجبَ تَماثُلُها مِن حَيثُ الاشتراكِ في القِدَمِ ، و هذا يوجِبُ أن لا يُفصَلَ بَينَها(1) بالإدراكِ ، و قد عَلِمنا خِلافَ ذلك.
فأمّا مَن أثبَتَ كَلامَه تَعالىٰ مُخالِفاً للكلامِ المَعقولِ ؛ فِراراً مِن لُزومِ ما سَطَرناه مِن الكلامِ : فقَولُه أيضاً واضحُ الفَسادِ؛ لأنّا قد دَلَّلنا علىٰ فَسادِ قولِ مَن أثبَتَ كلاماً في النفسِ (2)، و رَدَدنا علىٰ مَن ذَهَبَ إلىٰ أنّ الكلامَ مُخالِفٌ هذا المسموعَ المعقولَ ، و بيّنّا أنّه لا سَبيلَ إلىٰ إثباتِ ذلكَ علىٰ وَجهٍ مِن الوجوهِ .
و الكلامُ في قِدَمِ الذاتِ أو (234) حُدوثِها فَرعٌ علىٰ ثُبوتِها، و إذا لَم يَكُن إلىٰ إثباتِ ما ادَّعَوه طريقٌ ، فالتشاغُلُ بالكلامِ في حُدوثِه و قِدَمِه لا مَعنىٰ له.
و ممّا يَدُلُّ - زائداً علىٰ ذلكَ - علىٰ فَسادِ هذا القولِ : أنّ ما خالَفَ سائرَ أجناسِ الكلامِ ، لا يَجوزُ أن يكونَ له حُكمُ الكلامِ ؛ لأنّ ما خالَفَ النوعَ ، و بايَنَ سائرَ ما يَدخُلُ تَحتَه مِن الأجناسِ ، لا بُدَّ مِن أن يَكونَ خارجاً عنه، و غَيرَ داخلٍ فيه؛ ألَاتَرىٰ أنّ ما خالَفَ الألوانَ في كَونِها هَيئةً (3)، لا يَجوزُ أن يَكونَ لَوناً و لا مِن الأنواعِ (4)؟ و علىٰ هذا الوَجهِ أُلزِمُوا قِدَمَ أجسامٍ (5) مخالِفةٍ الأجسام، إلىٰ غَيرِ ذلكَ مِن الجَهالاتِ .
و هذا الوَجهُ يَختَصُّ مِنهم بمَن أثبَتَ الكلامَ في الشاهدِ هو الأصواتَ
ص: 265
المخصوصةَ ، و جَعَلَ كلامَ اللّٰهِ تَعالىٰ مُخالِفاً. فأمّا مَن ذَهَبَ منهم إلىٰ أنّ الكلامَ في الشاهدِ و الغائبِ لَيسَ مِن جنسِ الصَّوتِ ، و هو معنىً في النفسِ ، لا يَتوجَّهُ هذا الدليلُ خاصّةً عليه.
و لَيسَ لهم أن يقولوا: إذا جازَ عندَكم أن يَكونَ في مقدورهِ تعالى لَونٌ مُخالِفٌ
لهذه الألوانِ أجمَعَ ، فألا جازَ مِثلُ ذلكَ في الكلامِ؟
و ذلكَ : أنّ هذا القولَ لَم نَخرُجْ (1) به عن المعقولِ ؛ لأنّ مَن جَوَّزَ في المقدورِ لوناً يُخالِفُ هذه الألوانَ الموجودةَ ، أثبَتَه هَيئةً للمَحَلِّ ، و مُفتَقِراً إليه، كما أثبَتَ هذه الألوانَ المعقولةَ ، و إن كانَ ضِدّاً لها؛ كتَضادِّها في أنفُسِها. فعُروضِ هذا القولِ أن يُثبِتَ له تَعالىٰ كلاماً يُضادُّ أجناسَ الكلامِ المعقولِ ، إلّاأنّه يُدرَكُ و يُسمَعُ و يَفتَقِرُ إلَى المَحَلِّ ، و يَجري مع هذه الحُروفِ المعقولةِ مَجرىٰ بعضِها مع بعضٍ . و هذا خِلافُ ما يُريدونَه.
علىٰ أنّ هذا القولَ أيضاً لا يَصِحُّ ؛ لأنّ أجناسَ الحُروفِ في مقدورِنا، و مِن شأنِ القادرِ علَى الشيءِ أن يَكونَ قادراً علىٰ ضِدِّه و نَوعِه إذا كانَ له ضِدٌّ و نَوعٌ . فلَو كانَ في المقدورِ حَرفٌ مُخالِفٌ لِما تَعلَّقَه، لكُنّا قادِرينَ عليه. و الألوانُ غَيرُ داخلةٍ تَحتَ مقدورِنا، فتَجويزُ ما يُضادُّ جميعَها - أن يَكونَ في مقدورِه أيضاً تَعالىٰ - غَيرُ مُمتَنِعٍ .
و لا يَعتَرِضُ علىٰ ما ذَكَرناه قولُ مَن يَقولُ : إذا جازَ أن تُثبِتوه تَعالىٰ مُتكلِّماً مُخالِفاً لجميعِ المتكلِّمينَ ، فألا جازَ إثباتُ كلامِه مُخالِفاً [لكلامِ ](2) المتكلِّمين(3) [في الشاهد]؟
ص: 266
[لأنّ : مَن أثبَتَه تَعالىٰ مُتكلِّماً مُخالِفاً للمتُكلِّمينَ ،](1) لَم يَنقُضْ (2) حَقيقةَ كَونِه مُتكلِّماً؛ لأنّ المُتكلِّمَ «مَن فَعَلَ الكلامَ »، و قد يَجوزُ أن تشتَرِكَ في هذه الحقيقةِ الذواتُ المُختَلِفةُ . و قولُنا: «كلامٌ مُخالِفٌ لسائرِ الكلامِ » يَتَناقَضُ ، و يَنفي أوّلَه آخرُه؛ لأنّ مِن شأنِ ما هو كلامٌ أن يَكونَ مِن هذه الحُروفِ المنظومةِ ، فإذا [أعقبناه] بأنّه يُخالِفُ سائرَ الكلامِ ، اقتَضىٰ ذلكَ خُروجَه عن هذه الأجناسِ . و لهذا نَقولُ : إنّه تَعالىٰ مُنعِمٌ مُخالِفٌ للمُنعِمينَ ، و لا يَجوزُ أن نَقولَ : إنّ نِعمَتهُ مخالِفةٌ للنِّعَمِ .
و يَلزَمُهم علىٰ هذه الشُّبهةِ أن يَقولوا: إنّه جسمٌ و إن خالَفَ سائِرَ الأجسامِ ، كَما قالوا في مُتكلِّمٍ و غيرِه.
و أيضاً: فلَو كانَ له تَعالىٰ كلامٌ قَديمٌ ، لَوجبَ أن يَكونَ مِثلاً له و مُستَحِقّاً لسائرِ ما يَستَحِقُّه تعالى مِن الصفاتِ النفسيّةِ ، علىٰ ما دَلَّلنا عليه مِن قَبلُ في بابِ الكلامِ في الصفاتِ (3). و هذه الطريقةُ تَدُلُّ علىٰ نفيِ قِدَمِ كلامِه على كُلِّ حالٍ ؛ سَواءٌ كانَ مُخالِفاً للكلامِ المعقولِ أو مُماثِلاً.
و أيضاً: لَو كانَ كلامُه تَعالىٰ قديماً، لَكانَ غيراً له؛ لأنّ كُلَّ مَذكُورَينِ يُميَّزُ كُلُّ واحدٍ مِنهما بذِكرٍ يَخُصُّه، فهُما غَيرانِ . و هذا الحَدُّ ثابتٌ بَينَه تَعالىٰ و بَينَ كلامِه، فيَجِبُ أن يكونَ غيراً له. و قد أجمَعَ المُسلِمونَ علىٰ كُفرِ مَن أثبَتَ غَيرَ اللّٰهِ تَعالىٰ
ص: 267
قَديماً. و هذه الطريقةُ تُبطِلُ قِدَمَ كلامِه علىٰ سائرِ مَذاهِبِهمُ المُختَلِفةِ فيه.
(235) فإن قيلَ : دُلّوا علىٰ أنّ المُعتَبَرَ في الغَيريّةِ بالقَدرِ الذي ذَكَرتُموه(1).
قُلنا: الدليلُ (2) علىٰ ذلكَ أنّ المعنَى الذي ذَكَرناهُ يَتبَعُه الوَصفُ بالغَيريّةِ ، و عندَ انتفائه يَنتَفي استحقاقُ الوَصفِ بها؛ ألا تَرىٰ أنّ الشَّيئَينِ مَتىٰ دَخَلا تَحتَ ذِكرٍ واحدٍ لَم يوصَفا بالتغايُرِ؟ كيَدِ الإنسانِ إذا أُضيفَت(3) إليه، و الواحدِ مِن العَشَرةِ ، و وُصِفا بالبَعضيّةِ لِمَا عَمَّهُما و إيّاه الذِّكرُ؛ لأنّ فائدةَ البَعضيّةِ في الشيئَينِ شُمولُ الذِّكرِ لهما.
و يوصَفُ زَيدٌ بأنّه غَيرُ عَمرٍو، و السوادُ بأنّه غَيرُ البياضِ ؛ مِن حَيثُ لَم يَشمَلْهُما الذِّكرُ، و أُفرِدَ كُلُّ واحدٍ مِنهما بما يَخُصُّه مِن ذِكرِه.
و لهذا اختَلَفَ الحالُ في الشيءِ الواحدِ، فوُصِفَ تارةً بالغَيريّةِ ، و نُفِيَت عنه أُخرى؛ بحَسَبِ إضافاتِه و ما يَجري مِن ذِكرِه، فيُقالُ في «الواحدِ»: إنّه بَعضُ العشرة(4) و لَيسَ بغَيرٍ لها، فإذا أُضيفَ إلَى التسعةِ ، قيل: إنّه(5) غَيرُها؛ مِن حَيثُ أُفرِدَ بذِكرٍ لا يَشمَلُه مع التسعةِ . و كذلكَ يُقالُ في «يَدِ الإنسانِ »: إنّها غَيرُ رِجلِه، و كُلِّ عُضوٍ يُشارُ إليه مِن أعضائِه. و لا يُقالُ : إنّها غَيرُ الإنسانِ .
ص: 268
و لَيسَ لأحدٍ أن يَدَّعِيَ أنّ القَديمَ تَعالىٰ و كَلامَه يَشمَلُهما ذِكرٌ واحدٌ؛ فإنّ قولَنا:
«اللّٰهُ » يَقَعُ عليه و علىٰ كلامِه، كما قُلناه في العَشَرةِ و غَيرِها.
و ذلك أنّ قولَنا: «اللّٰهُ » و «إلهٌ » يُفيدُ «مَن تَحقُّ (1) له العبادةُ »، و لَيسَ [هو] مِن أسماءِ الجُمَلِ التي تَشمَلُه(2) و غَيرَه. و لَو كانَ مِن أسماءِ الجُمَلِ حتّىٰ يَكونَ مُتَناوِلاً له و لكَلامِه، لَوجبَ أن لا يُجريَه عليه إلّامَن عَرَفَ أنّ له كَلاماً، أو اعتَقَدَ ذلكَ .
فكانَ يَجِبُ أن لا يَجرِيَ «أهلُ التوحيدِ» النافينَ لكلامِه فيما لَم يَزَلْ ، أنّه إلهٌ فيما لَم يَزَلْ في كُلِّ حالٍ . و كذلك أهلُ اللُّغةِ الذين(3) لا يَخطُرُ ببالِهم كلامُه في إثباتٍ و لا نفيٍ ؛ ألا تَرىٰ أنّ مَن يَعتقِدُ في الذاتِ أنّ العِبادةَ لا تَحِقُّ لها و لا تَليقُ بها(4)، لَم يُجرِ
عليها الوَصفَ بالإلهيّةِ؟ لأنّ الأوصافَ تَتبَعُ الاعتقاداتِ ، علىٰ ما بُيِّنَ في غَيرِ محلٍّ .
و بهذا بعَينِه يُعلَمُ أنّ تَسمِيَتَنا له تَعالىٰ بأسمائِه و صِفاتِه، كقَولِنا: «إلهٌ و عالِمٌ و قادِرٌ و حَيٌّ » لا يَدخُلُ فيه العِلمُ و القُدرةُ و الحَياةُ ، لَو كانت هناكَ مَعانٍ علىٰ ما يَدَّعي المُخالِفونَ .
علىٰ أنّه لا خِلافَ بَينَ المُسلمينَ في تكفيرِ مَن قالَ : «إنّ اللّٰهَ تَعالىٰ كَلامٌ و عِلمٌ و قُدرةٌ »(5).
ص: 269
و لَيسَ لهم أن يَدّعُوا دُخولَ ما ذَكَرناه تَحتَ التسميةِ بالإلهيّةِ ؛ مِن حَيثُ كانَ الإلهُ لا بُدَّ أن يَكونَ كذلكَ لأمرٍ يَرجِعُ إلىٰ كَونِه إلهاً.
لأنّ هذا أوّلاً باطلٌ ؛ مِن حَيثُ لا تَعلُّقَ للإلهيّةِ بكَونِه مُتكلِّماً و بكلامِه، و لا تَقتَضي(1) إثباتَ عِلمٍ و قُدرةٍ و حَياةٍ ، و إنّما تَقتَضي إثباتَ كَونِه عالماً، قادراً، حيّاً.
ثُمّ لَو كانَ الأمرُ في ذلكَ علىٰ ما ادَّعَوه، لَم يَجِبْ أن يَدخُلَ تَحتَ الحَدِّ و الصفةِ ما لَولاه لَم تُستَحَقَّ تلكَ الصفةُ ، كما لا يَدخُلُ تَحتَ قَولِنا: «مُتَحرِّكٌ » الحركةُ .
علىٰ أنّه يَلزَمُ أن يَقولُوا علىٰ هذا: إنّ الكلامَ غَيرُ ذاتِه؛ لأنّ قولَنا: «ذاتٌ » لا يَقتَضي ما لا يَتِمُّ إلّابالكلامِ .
و قد قالَ أبو هاشمٍ (2): إنّ كُلَّ مُختَلِفَينِ فلا بُدَّ مِن أن يَكونا غَيرَينِ ؛ لأنّ الاختلافَ يأتي على معنَى الغَيريّةِ و يَزيدُ عليها. و هذا يَقتَضي كَونَ كلامِه تَعالىٰ غيراً له.
و لا يَلزَمُ على هذه الطريقةِ أن تَكونَ يَدُ الإنسانِ غيراً له، مِن حيثُ تُخالِفُه في الحُكمِ ؛ لاستحالةِ أن تَكونَ اليدُ قادرةً عالِمةً ، و صحّةِ ذلكَ علىٰ جُملةِ الإنسانِ .
و ذلك أنّ الذي راعاهُ الاختلافُ في الذاتيّةِ لا في الأحكامِ ، و اليَدُ لا تُخالِفُ الجُملةَ علَى الحقيقةِ و في نفسِها.
و لَيسَ لهم أن يَمتَنِعوا مِن وَصفِه بالغَيريّةِ ؛ لادِّعائِهم أنّ حَدَّ الغَيرَينِ (3) «هما
ص: 270
اللَّذانِ يَجوزُ، أو كانَ يَجوزُ وجودُ أحَدِهما مع عدمِ الآخَرِ(1)؛ إمّا في(2) المكانِ أو الزمانِ ، أو علىٰ وَجهٍ مِن الوجوهِ ».
و ذلكَ أنّ هذا (236) يَنتَقِضُ بيَدِ الإنسانِ ؛ لأنّ كُلَّ واحدٍ يَعلَمُ جَوازَ وجودِ الإنسانِ مع عدمِها، و قد كانَ ذلكَ جائزاً، و مع هذا فلا توصَفُ بأنّها غَيرُه.
و بَعدُ، فإنّ جَوازَ وجودِ أحدِهما مع عدمِ صاحبه، إنّما يَقتَضي تَغايُرَهما مِن حَيثُ كانَ حُكمُ أحَدِهما يُفارِقُ حُكمَ الآخَرِ. و علىٰ هذا يَجِبُ (3) إذا اختَصَّ
أحَدُهما بصفةٍ تَستَحيلُ علَى الآخَرِ، أو اختَصَّ بأن صَحَّ عليه ما لا يَصِحُّ علَى الآخَرِ مِن الأحكامِ و الصفاتِ ، أن يَكونا مُتَغايِرَينِ علىٰ وَجهٍ ، و هو أظهَرُ و آكَدُ؛ لأنّ جَوازَ اختصاصِ أحَدِهما بما لَيسَ للآخَرِ إذا اقتَضَى التغايُرَ، فوجوبُ ذلكَ أَولىٰ بأن يَقتَضيَه.
و ممّا قيلَ في فَسادِ هذه الطريقةِ (4) لهم: أنّ العِلمَ بتَغايُرِ الشيئَينِ ضَروريٌّ ، و العِلمَ بجَوازِ وجودِ أحَدِهما مع عدمِ الآخَرِ لا يَكونُ إلّامُكتَسَباً؛ فكيفَ يَكونُ هذا الحَدُّ صحيحاً؟
علىٰ أنّ مُعوَّلَهم(5) في صحّةِ هذا الحَدِّ إذا كانَ علَى الشاهدِ، فلا بُدَّ مِن صحّةِ عدمِ كُلِّ واحدٍ مِنهما بَدَلاً مِن وجودِه. و هذا إذا جَعَلناه حَدّاً أو وصفاً لازماً، يَقتَضي أن
ص: 271
لا يَكونَ القَديمُ تَعالىٰ غَيراً لكُلِّ ذاتٍ مِن المُحدَثاتِ . و إذا جازَ الخُروجُ عن قَضيّةِ الشاهدِ فيما ذَكَرناه، جازَ الخُروجُ عنها فيما ذَكَروه.
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَمتَنِعَ مِن وَصفِ كلامِه تَعالىٰ بأنّه غَيرُه؛ مِن حَيثُ أنّ الغَيرَينِ لا يَكونانِ كذلكَ إلّابغَيريّةٍ .
و ذلكَ أنّ كَونَ الشيءِ غَيراً، يَرجِعُ عندَ التحقيقِ إلَى النفيِ ، و ما يَكونُ نَفياً لا يُستَحَقُّ لعِلّةٍ و لا للنفسِ .
و بعدُ، فيَستَحيلُ خُروجُ الشيءِ مِن(1) أن يَكونَ غَيراً لغَيرِه، و هذه أمارةُ الاستغناءِ عن المعنىٰ ؛ ألَاتَرىٰ أنّ السوادَ يَستَحيلُ خُروجُه عن كَونِه غَيراً للحُموضةِ ، كما يَستَحيلُ خُروجُه عن كَونِه سَواداً؟ و كما لا يَجوزُ أن يكونَ سواداً لمعنىً ، كذلكَ لا يَجوزُ أن يَكونَ غَيراً لمعنىً .
علىٰ أنّ المعنَى الذي هو «الغَيريّةُ » مُغايِرٌ لغَيرِه أيضاً، و هذا يَقتَضي إثباتَ ما لا نِهايةَ له مِن المَعاني.
و بعدُ، فما المانِعُ مِن أن يَكونَ كلامُه غَيراً له تَعالىٰ ؛ لغَيريّة تَقومُ بالكلامِ ، كما قالوا ذلكَ في سائرِ الحَوادثِ المُغايِرةِ ، أو تَقومُ (2) بذاتِ القَديمِ ، علىٰ أُصولِهم، كقيامِ صِفاتِه ؟
و كُلُّ هذا واضحٌ لِمَن تَدبَّرَه.
***
ص: 272
[1.] ممّا تَعلَّقوا به أنّ الحَيَّ إذا لَم تكن(1) به آفةٌ - كخَرَسٍ و ما أشبَهَه، و إلّاكان
ساكتاً(2) - فيَجِبُ أن يَكونَ مُتَكلِّماً، كما يَجِبُ في الحَيِّ الذي لا آفةَ به أن يَكونَ رائياً للمَرئيّاتِ الموجودةِ .
قالوا: و الخَرَسُ أو السُّكوتُ لا يَجوزانِ عليه، فيَجِبُ أن يَكونَ مُتكلِّماً فيما لَم يَزَلْ .
و رُبَّما قَوَّوا ذلكَ بأن يقولوا: إنّا نُثبِتُ كَونَه عالِماً بنفيِ أضدادِ العِلمِ ، فكذلكَ يَجِبُ أن يَثبُتَ كَونُه مُتكلِّماً بنفيِ أضدادِ الكلامِ .
[2.] و ممّا تَعلَّقوا أيضاً به أن قالوا: إذا ثَبَتَ أنّه مُتكلِّمٌ بكلامٍ ، لَم يَخلُ كلامُه مِن أن يَكونَ قَديماً، أو مُحدَثاً.
فإن كانَ مُحدَثاً، لم يَخلُ مِن أن يَكونَ موجوداً في غَيرِ مَحَلٍّ ، أو فيه تَعالىٰ ، أو في مَحَلٍّ مُنفَصِلٍ . و وجودُه - و هو لا يَقومُ بنفسِه - في غَيرِ مَحَلٍّ مُستَحيلٌ . و قيامُ الحَوادثِ بذاتِه تَعالىٰ في الاستحالةِ كذلكَ . و وجودُه في مَحَلٍّ يَقتَضي أن يُشتَقَّ للمَحَلِّ منه اسمٌ ، فيُقالَ : مُتكلِّمٌ و آمِرٌ و ناهٍ (3).
ص: 273
و رُبَّما قالوا: كانَ يَجِبُ أن يُشتَقَّ (1) «للمَحَلِّ ، أو لِما ذلكَ المَحَلُّ بعضُه» مِن أخَصِّ (2) أوصافِ الكلامِ وصفٌ (3).
[3.] و ممّا تَعلَّقوا به - على ظُهُورِ رَكاكَتِه -: أنّ القُرآنَ لَو كان مُحدَثاً مخلوقاً، و فيه: «اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ » لَوجَبَ أن يَكونَ تَعالىٰ مُحدَثاً مخلوقاً؛ لأنّ الاسمَ هو المُسمّىٰ .
[4.] و ممّا تَعلَّقوا به: قولُه تَعالىٰ : «إِنَّمٰا أَمْرُهُ إِذٰا أَرٰادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ »(4) ، و «إِنَّمٰا قَوْلُنٰا (237) لِشَيْ ءٍ إِذٰا أَرَدْنٰاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ »(5) ، قالوا: فلَو كانَ القرآنُ مُحدَثاً، لكانت لفظة(6) «كُن» مُحدَثةً ، و كَونُه كذلكَ يَقتَضي - علىٰ ما خَبَّرَ - أن يُحدِثَها بلفظةِ «كُن» أُخرىٰ ، و يؤَدّي إلىٰ ما لا نِهايةَ له مِن الألفاظِ. و ما وجبَ (7)مِن ذلكَ في هذه اللفظةِ ، وَجَبَ فيما(8) عَداها مِن ألفاظِ القُرآنِ ؛ لأنّ التفرِقةَ بَينَ الأمرَينِ غَيرُ مُمكِنةٍ .
[5.] و ممّا تَعلَّقوا به: قولُه تَعالىٰ : «أَلاٰ لَهُ اَلْخَلْقُ وَ اَلْأَمْرُ»(9) ، ففَصَلَ بَينَ الخَلقِ و الأمرِ. و لَو كانَ الأمرُ مخلوقاً، لَم يَصِحَّ هذا الفَصلُ و التمييزُ.
ص: 274
و كذلكَ قولُه: «اَلرَّحْمٰنُ * عَلَّمَ اَلْقُرْآنَ * خَلَقَ اَلْإِنْسٰانَ »(1) ، ففَصَلَ بَينَهما، [و هو] إنّما يَقتَضي أنّ القُرآنَ غَيرُ مخلوقٍ .
[6.] و ممّا تَعلَّقوا به أنّ قالوا: قد عَلِمنا أنّ كَونَ المُتكلِّمِ مُتكلِّماً يَختَصُّ الحَيَّ ، فجَرىٰ مَجرىٰ كَونِ القادرِ قادراً و العالِمِ عالِماً. و قد عَلِمنا أنّ كُلَّ ما يَختَصُّ الحَيَّ مِن الصفاتِ علىٰ ضَربَينِ :
فضَربٌ : يَقتَضي النقصَ ، فلا يوصَفُ به القَديمُ تَعالىٰ في كُلِّ حالٍ .
و الضَّربُ الآخَرُ: لا يَقتَضي النقصَ ، فهو تَعالىٰ موصوفٌ به لَم يَزَلْ .
فيَجِبُ علىٰ هذا أن يَكونَ مُتكلِّماً لَم يَزَلْ ، كما كانَ عالِماً قادراً لَم يَزَلْ .
الكلامُ علىٰ ذلكَ : يُقالُ لهم فيما تَعلّقوا به:
القَدرُ الذي اعتَمَدتموه يَنتَقِضُ بالصائحِ و الصارخِ ؛ لأنّه قد خَرَجَ مِن جميعِ ما ذَكَرتموه مِن الآفةِ و السكوتِ ، فيَجِبُ (2) أن يَكونَ مُتكلِّماً.
و يَنتَقِضُ أيضاً بمَنِ ابتَدَأتِ القُدرةُ فيه؛ لأنّه في تلكَ الحالِ غَيرُ ساكتٍ و لا أخرَسَ و لا مُتكلِّمٍ .
و متىٰ لَم يَذكُروا في استدلالِهم الآفةَ (3)، و اقتَصَروا علىٰ «أنّ الحَيَّ متىٰ لَم يكُن أخرسَ (4) و لا ساكتاً، وجبَ أن يَكونَ مُتكلِّماً» فرُبَّما أورَدوه علىٰ هذا الوَجهِ .
ص: 275
لَزِمَهم علىٰ ذلكَ : الطفلُ ، و لَزِمَ العاجزُ الذي قد شَمَلَ العَجزُ جميعَ جوارحِه؛ لأنّ هذا لا يوصَفُ بالخَرَسِ ؛ مِن حَيثُ كانَ الوَصفُ بالخَرَسِ إنّما يُجرونَه علىٰ «مَنِ اختَصَّ لِسانُه بالعَجزِ» دونَ سائرِ جَوارحِه، كما أنّ المُفتَصِدَ هو مَنِ اختَصَّ مَوضِعٌ مِن عُروقِه بالقَطعِ مع سلامةِ باقيها، و مَن كانَ القَطعُ شامِلاً لجميعِ عُروقِه لا يوصَفُ بذلكَ . و الأظهَرُ أنّ «الأخرَسَ » هو «مَن لَحِقَ لِسانَه فَسادٌ و آفةٌ مع وجودِ القُدرةِ فيه»(1)، فيَلحَقُ (2) مَن حَلَّ لِسانَه العَجزُ بذلكَ ؛ لاشتراكِهما في تَعذُّرِ الكلامِ عليهما.
فإن قالوا: أمّا الصُّراخُ و الصِّياحُ فلا يَجُوزانِ عليه تَعالىٰ ، و نحن نَشرِطُهما(3) كما شَرَطنا الآفةَ و السُّكوتَ . و أمّا ابتداءُ حالِ القُدرةِ ، فنَحنُ نُخالِفُكم فيه؛ لأنّ القُدرةَ عندَنا مع الفِعلِ .
قُلنا: أمّا(4) استئنافُ زيادةٍ في استدلالِكم فهو دالٌّ علَى الإخلالِ ، و هو الذي قَصَدناه.
و خِلافُكم في «أنّ القُدرةَ مع الفِعلِ » لا يُغني شيئاً؛ لأنّ الخِلافَ مِنّا و مِنكم يَقتَضِي أنّه أصلٌ غَيرُ مُسلَّمٍ و لا مُمهَّدٍ بَينَنا و بَينَكم. و أنتم أَورَدتم الاستدلالَ إيرادَ
مَن لا خِلافَ عليه في شُروطِه و أُصولِه، و احتَرَزتُم بالعِباراتِ مِن القُدوحِ و
ص: 276
النُّقوضِ .(1) و إذا خالَفناكم في هذا المَوضِعِ وَقَفَ استدلالُكم.
علىٰ أنّا نَستَدِلُّ علىٰ تَقدُّمِ القُدرةِ (2) للفِعلِ فيما يأتي مِن الكتابِ بإذنِ اللّٰهِ (3)، فيَصِحُّ ما قَدَحنا به.
و لَيسَ لكم أن تَقولُوا: إنّ الاعتراضَ بابتداءِ حالِ القُدرةِ لا يَلزَمُنا؛ لأنّ المُتكلِّمَ لَم يَكُن مُتكلِّماً مِن حَيثُ فَعَلَ الكلامَ .
و ذلك: أنّ الخِلافَ في هذا الأصلِ مِنّا لهم، يَقتَضي وقوفَ استدلالِهم، و مَنعَه عنِ الاستمرارِ، علىٰ ما قَدَّمناه. و إن كُنّا قد دَلَلنا فيما مَضىٰ علىٰ أنّ المُتكلِّمَ هو «مَن فَعَلَ الكلامَ » بما لا شُبهةَ فيه(4).
فإن قالوا: نحنُ نشتَرِطُ في ابتداءِ الاستدلالِ أن يَكونَ الحَيُّ ممّن يَصِحُّ كَونُه مُتكلِّماً، ثُمَّ نَقولُ : (238) إذا لَم يَكُن مَؤوفاً و لا ساكتاً و لا أخرَسَ ، وجبَ كَونُه مُتكلِّماً.
قُلنا: إذا شَرَطتم ذلكَ ، فنحنُ نُخالِفُكم في ثُبوتِ شَرطِكم في القَديمِ تَعالىٰ فيما لَم يَزَلْ ، و نَقولُ : إنّه في تلكَ الأحوالِ لا يَصِحُّ كَونُه مُتكلِّماً، فدُلّوا علىٰ صحّةِ ما ادَّعَيتموه، و إلّابَطَلَ دليلُكم.
فإن قالوا: لَو استَحالَ كونُه مُتكلِّماً [فيما] لَم يَزَلْ ، استحالَ ذلكَ الآنَ ؛ ككَونِه مُتحرِّكاً و ساكناً.
ص: 277
قيلَ لهم: و هذه(1) أيضاً دعوىً مِنكم؛ و لِمَ إذا استحالَ فيما لَم يَزَلْ استحالَ الآنَ؟
فأمّا كَونُه مُتحرِّكاً، فلم يَستَحِلِ الآنَ لاستحالتِه فيما لَم يَزَلْ ، بل هو مُستَحيلٌ في نفسِه مِن غَيرِ اعتبارِ وقتٍ .
علىٰ أنّ هذا الاعتلالَ يَنتَقِضُ بكَونِه مُحسِناً و مُنعِماً و رازِقاً؛ لأنّه يَستَحيلُ فيما لَم يَزَلْ و لا يَستَحيلُ الآنَ ، و لا يَصِحُّ حَملُه علَى استحالةِ الحركةِ عليه تَعالىٰ .
فإن قالوا: نَحنُ نَكتَفي في إيجابِ كَونِه مُتكلِّماً «مِن حَيثُ انتفاءِ الخَرَسِ و السُّكوتِ » بصحّةِ كَونِه مُتكلِّماً في الجُملةِ .
قُلنا: هذا غَيرُ كافٍ ؛ لأنّه يوجِبُ كَونَ المَيِّتِ مُتكلِّماً إذا انتَفىٰ عنه الخَرَسُ و السُّكوتُ ؛ لأنّه ممّن يَصِحُّ كَونُه علىٰ حالٍ مِن الأحوالِ مُتكلِّماً(2).
فإن قالوا: المَيِّتُ ، لأمرٍ يَرجِعُ إليه في الحالِ ، لا يَصِحُّ كونُه مُتكلِّماً فيها(3).
[قُلنا: فما الفَرقُ بَينَ أن لا يَصِحَّ كَونُه مُتكلِّماً فيها](4) لأمرٍ يَرجِعُ إليه، و بَينَ أن يَكونَ كذلكَ [لأمرٍ] لا يَرجِعُ إلىٰ تلكَ الحالِ؟ و لِمَ إذا انتَفَى الخَرَسُ و السُّكوتُ في أحَدِ المَوضِعَينِ وجبَ إثباتُ الكَلامِ ، و لَم يَجِبْ في المَوضِعِ الآخَرِ، و هُما
ص: 278
مُشتَرِكانِ في أنّ الحالَ لا يَصِحُّ وجودُ الكلامِ مِنه فيها؟
علىٰ أنّهم مَتَى اقتَصَروا علىٰ أن يَقولوا: «كُلُّ مَن صَحَّ أن يَكونَ مُتكلِّماً في حالٍ مِن الأحوالِ ، و علىٰ وَجهٍ مِن الوجوهِ ، متَى انتَفَى الخَرَسُ و السُّكوتُ عنه وجبَ كَونُه مُتكلِّماً في الحالِ » لَم يَجِدوا له أصلاً يَرجِعونَ إليه؛ لأنّ الشاهِدَ إنّما يَقضي بذلكَ - إذا قَضىٰ به - فيمن يَصِحُّ في الحالِ أن يَكونَ مُتكلِّماً.
علىٰ أنّا إذا سَلَّمنا لهم صحّةَ كَونِه تَعالىٰ مُتكلِّماً فيما لَم يَزَلْ ، - علىٰ ظُهورِ فَسادِه -، لَم يَجِب ما ادَّعَوه مِن أن يُنفىٰ الخَرَسُ أو السُّكوتُ عنه في تلكَ الأحوالِ ، [و لَم] يَجِبْ أن يَكونَ مُتكلِّماً قياساً علىٰ أحَدِنا؛ لأنّ المُراعىٰ في هذه الأُمورِ اعتبارُ العِللِ و الأسبابِ . و إذا بيّنّا أنّه(1) ما له وجبَ ذلكَ في أحَدِنا لا يَتأتّىٰ فيه تَعالىٰ ، سَقَطَت شُبهَتُهم مِن أصلِها.
و الوَجهُ في ذلكَ ظاهرٌ؛ لأنّ أحَدَنا إنّما يَتكلَّمُ بآلةٍ مخصوصةٍ ؛ فإمّا أن تَكونَ (2)مؤوفةً أو سليمةً ، و الآفةُ إمّا أن تَكونَ خَرَساً أو طفوليّةً . و إذا كانَت سليمةً فلا بُدَّ مِن أن يَكونَ فاعلاً بها الكلامَ و أسبابَه، أو عادلاً عن ذلكَ ؛ بأن سَكَّنها أو حَرَّكَها في الصِّياحِ الذي لَيسَ بكلامٍ أو ما أشبَهَه، فصارَت هذه القِسمةُ إنّما تَتَعاقَبُ على الآلةِ .
و يَجِبُ أن لا يَخرُجَ (3) أحَدُنا منها لأمرٍ يَرجِعُ إلىٰ كونِه مُتكلِّماً بآلةٍ يَستَعمِلُها في الكلامِ و أسبابِه. و القَديمُ تَعالىٰ لا يَتكلَّمُ بآلةٍ ، فلا يَصِحُّ دُخولُ هذه القِسمةِ فيه. و إذا لَم تَدخُل(4) فيه، لَم يَجِب بنفيِ الخَرَسِ أو السُّكوتِ عنه إثباتُ الكلامِ له.
ص: 279
و يُقالُ لهم: خَبِّرونا عمّا نَفَيتموه عن القَديمِ تَعالىٰ فيما لَم يَزَلْ مِن الخَرَسِ أو السُّكوتِ ، و تَوصَّلتم بانتفائِهما(1) عنه إلى كَونِه مُتَكلِّماً فيما لَم يَزَلْ ؛ أهُما هذانِ المعقولانِ المُتعلِّقانِ بالجارحةِ التي تُستَعمَلُ (2) في الكلامِ في الشاهِدِ؟
فإن قالوا بذلكَ ، قيلَ لهم: (239) و كيفَ يَدُلُّ انتفاءُ هذَينِ علىٰ إثباتِ الكلامِ المُخالِفِ لأجناسِ الأصواتِ عندَكم ؟ و مِن شأنِ انتفاءِ هذَينِ الراجعَينِ إلَى الجارحةِ ، أن يَدُلَّ علىٰ إثباتِ الكلامِ الذي هو مِن جنسِ الصَّوتِ .
فلا بُدَّ مِن أن يَدَّعوا أنّ الخَرَسَ و السُّكوتَ مُخالِفانِ لهذَينِ المعقولَينِ المُتعلِّقَينِ بالجارحةِ .
فحينئذٍ يُقالُ لهم: و مِن أينَ لكم انتفاؤهما عنه تَعالىٰ فيما لَم يَزَلْ؟ و ألا كانَ عليهما أو علىٰ أحدِهما؟ و ألا اجتَمَعا مع كَونِه مُتكلِّماً؟ لأنّهم لا طريقَ لهم إلىٰ إثباتِهما ضِدَّينِ للكلامِ ، كما تَثبُتُ (3) مُضادّةُ الخَرَسِ المعقولِ للكلامِ المعقولِ .
فإن قالوا: لَو كانَ عليهما، لَكانَ علىٰ صفةِ نقصٍ .
قُلنا: ما أنكَرتُم أنّ النقصَ إنّما يَتعلَّقُ بالخَرَسِ و السُّكوتِ المُتَعاقِبَينِ علَى اللِّسانِ ؛ مِن حَيثُ كانَ دَلالةً علَى الحَدَثِ و الحاجةِ و نَفيِ القِدَمِ ، فأمّا ما يُخالِفُ ذلكَ و يُبايِنُه(4) فمِن أينَ أنّه نقصٌ؟
فإن قالوا: ثُبوتُ كَونِه مُتكلِّماً الآنَ ، يَدُلُّ علىٰ أنّه لَم يَكُن فيما لَم يَزَلْ بصفةِ
ص: 280
الساكتِ و الأخرَسِ ؛ لأنّه لَو كانَ كذلكَ ، لَكانَ «ما أَوجَبَ كَونَه أخرَسَ أو ساكتاً» قَديماً؛ لوجودِه مع ما لَم يَزَلْ ، و القَديمُ يَستَحيلُ بُطلانُه.
قُلنا: ألَيسَ قد ألزَمناكُم صحّةَ اجتماعِ الخَرَسِ و السُّكوتِ مع الكلامِ ؛ إذ أثبَتُّم ذلكَ كلاماً(1) مُخالِفاً للمعقولِ؟ فكيف يَلزَمُ علىٰ هذا الوَجهِ عدمُ القَديمِ؟ و ذلكَ إنّما يَلزَمُ لَو كانَ السُّكوتُ أو الخَرَسُ لا يَصِحُّ اجتماعُه مع الكلامِ ، و قد بيّنّا أنّ ذلكَ ممّا لا سَبيلَ لكُم إليه علىٰ مَذاهِبِكمِ الفاسدةِ .
ثُمَّ مِن أينَ لكُم أنّه الآنَ مُتكلِّمٌ ، و أنّ له كلاماً، مع قولِكم: إنّ الكلامَ يُخالِفُ الأصواتَ المعقولةَ؟ و الذي ثَبَتَ له و عَقَلناه مِن الكلامِ هو هذا المسموعُ المُدرَكُ ، و ما هو بخِلافِ ذلكَ ممّا يَدَّعونَه، لَم يَثبُتْ و لا كلامَ عليه(2).
ثُمّ لَو سَلَّمنا أنّه الآنَ مُتكلِّمٌ بما تَدَّعونَه مِن الكلامِ ، لَم يوجِبْ ذلك ما ظَنَنتموه؛ لأنّ القَديمَ يَلزَمُكم - علىٰ أُصولِكم الفاسدةِ - أن يَكونَ ممّا يَجوزُ العدمُ و البُطلانُ عليه؛ لأنّ الأجناسَ كُلَّها عندَكم علىٰ ما هي عليه لأنفُسِها، كالسوادِ و الجَوهرِ، و تَخرُجُ في العدمِ عندَكم مِن الصفاتِ التي تَستَحِقُّها(3) لنُفوسِها.
و بَعدُ(4)، فإنّكم تُفَسِّرونَ (5) الصفةَ النفسيّةَ بأنّها المُستَحَقّةُ لا لعِلّةٍ ، و لا يَمتَنِعُ أن يَخرُجَ الموصوفُ عنها(6)، و إنّما يُحيلُ خُروجَ الموصوفِ عن النفسيّةِ
ص: 281
مَن جَعَلَ فائدتَها التمييزَ(1) له أو التخصيصَ .
و يُقالُ لهم: قد بَنَيتم شُبهَتَكم هذه علىٰ أنّ الخَرَسَ و السُّكوتَ يُضادّانِ الكلامَ ، و ذلكَ فاسدٌ. و على أنّ الحَيَّ لا يَخلو مِن أحَدِ ما يَتَضادُّ عليه، و لهذا حَمَلتُمُوه على العِلمِ ، و ذلكَ أيضاً فاسدٌ.
و الذي يُبيّنُ أنّ الخَرَسَ و السُّكوتَ لا يُضادّانِ الكلامَ : أنّهما لَو ضادّاه لَما صَحَّ أن يجتَمِعَ كُلُّ واحدٍ منهما معه، و قد عَلِمنا صحّةَ ذلكَ ؛ بأن يَفعَلَ اللّٰهُ تَعالىٰ في لِسانِ الساكتِ أو الأخرَسِ كلاماً.
و بَعدُ، فإنّ السُّكوتَ و الخَرَسَ مُختَلِفانِ ، و لا يَجوزُ أن يُضادَّهما الكَلامُ ؛ لأنّ مِن شأنِ الشيءِ الواحدِ أن لا يَنتَفيَ بمُختَلِفَينِ غَيرِ ضِدَّينِ .
و أيضاً: فمِن حَقِّ كُلِّ شيءٍ ضادَّ شيئاً مُدرَكاً - و كانا يَخُصّانِ المَحَلَّ ، و يَصيرانِ كالهَيئةِ له - أن يَكونَ أحَدُهما متىٰ أُدرِكَ (240) بحاسّةٍ ، وجبَ إدراكُ الآخَرِ بها. و قد عَلِمنا أنّ الخَرَسَ و السُّكوتَ لا يُدرَكانِ جُملةً ، فَضلاً عن أن يَختَصَّ إدراكُهما بالأدلّةِ التي يُدرَكُ بها الكلامُ (2).
و لَيسَ لهم أن يَقولوا: لَو لَم يُضادّا(3) الكلامَ ، لَصَحَّ أن يجتَمِعَ (4) معَ أحَدِهما.
و ذلكَ : أنّا قد بَيَّنّا صحّةَ اجتماعِه معهما(5)، إذا كانَ مِن فِعلِ اللّٰهِ تعالىٰ .
ص: 282
و يَجوزُ أيضاً في أحَدِنا أن يَكونَ مُتكلِّماً بما يَفعَلُه في الصَّدىٰ مُتَولِّداً، في حالٍ هو فيها ساكتٌ و كافٌّ عن تحريكِ لِسانِه [و باقي](1) أسبابِ الكلامِ .
و كذلكَ لَو خُلِقَت له آلَتانِ للكلامِ ، لَم يَمتَنِعْ أن يَلحَقَ إحداهما آفةٌ و يَتكلَّمَ بالأُخرىٰ ؛ لأنّ ذلكَ هو معنَى الخَرَسِ ، و إن جازَ أن لا يُطلَقَ الاسمُ ، كما أنّ ما يوجَدُ في العَينِ العَوراءِ مِن الفَسادِ معنَى العَمىٰ ، و إن كانَ لا يُسمّىٰ بذلكَ إلّابَعدَ حُصولِه في العَينَينِ معاً.
و بعدُ، فليسَ كُلُّ شيءٍ امتَنَعَ اجتماعُه مع غَيرِه فللتضادِّ؛ لأنّ السوادَينِ المُختَصَّينِ بمَحَلَّينِ يَمتَنِعُ اجتماعُهما في المَحَلِّ الواحدِ لا للتضادِّ. و كذلكَ حَياةُ زَيدٍ و عَمرٍو و قُدرتاهما، و كذلكَ الصورَتانِ المُختَصَّتانِ (2) بوَقتَينِ ، يَمتَنِعُ اجتماعُهما في الوَقتِ الواحدِ لا للتضادِّ.
و الوَجهُ في امتناعِ اجتماعِ الكلامِ مِن فِعلِنا مع الخَرَسِ أو السُّكوتِ ، بَيِّنٌ ،
و هو غَيرُ التضادِّ؛ لأنّ أحَدَنا لا يَفعَلُ الكلامَ إلّابآلةٍ ، فإذا كانَ فيها آفةٌ و فَسادٌ تَعذَّرَ عليه فِعلُ الكلامِ بها. و السُّكوتُ إذا كانَ معناه العُدولَ عن استعمالِ جارحةِ الكلامِ في أسبابِه، لَم يَصِحَّ فيمن يَتكلَّمُ بآلةٍ أن يَكونَ مُتكلِّماً في حالٍ هو فيها ساكتٌ .
فأمّا الكلامُ في أنّ الحَيَّ قد يَخلو ممّا يَتَضادُّ عليه - إذا سَلَّمنا أنّ بَينَ الكلامِ و بَينَ الخَرَسِ و السُّكوتِ تَضادّاً - فبَيِّنٌ أيضاً؛ لأنّ أحَدَنا لَيسَ بجاهلٍ و لا ساهٍ عمّا لا يَتَناهىٰ مِن المعلوماتِ ، و مع ذلكَ فلَيسَ هو عالماً بها(3). و كثيرٌ مِن الأُمورِ لا يَخطُرُ
ص: 283
ببالِنا، فنخلو(1) فيها مِن الاعتقاداتِ كُلِّها مع تَضادِّها. و كثيرٌ أيضاً ممّا يَخطُرُ ببالِنا قد نَخلو مِن مِثلِ ذلك فيه؛ كعَدَدِ القَطْرِ و الرَّملِ و ما أشبَهَها.
ثُمّ ما يَلزَمُ مَنِ اعتَمَدَ هذه الشُّبهةَ ، مِن المُعارَضاتِ التي لا انفِصالَ له منها، ظاهرٌ.
فمنها: أنّ أحَدَنا مَتَى انتفىٰ عنه الخَرَسُ و السُّكوتُ ، إنّما يَجِبُ أن يَكونَ مُتكلِّماً بآلةٍ مخصوصةٍ مِن لِسانٍ و فَمٍ ؛ ألَاتَرىٰ أنّ مَن لَم يَكُن في الشاهدِ مُتكلِّماً بآلةٍ مِن فَمٍ و لسانٍ ، يَكونُ (2) مَؤوفاً(3) منقوصاً؟ فإذا قاسوا الغائبَ علَى الشاهدِ في هذا البابِ ، وجبَ أن يُثبِتوا القديمَ تَعالىٰ - لانتفاءِ الخَرَسِ و السُّكوتِ عنه - مُتكلِّماً علىٰ هذا الوَجهِ (4). و أيُّ شيءٍ راموا أن يَفصِلوا به بَينَ القَديمِ تَعالىٰ و بَينَنا في هذا الوَجهِ ، اعتَمَدناه بعَينِه فيما تَعلَّقُوا به.
و مِنها: أنّ نفيَ السُّكوتِ و الخَرَسِ عن أحَدِنا في الشاهدِ، كما يوجِبُ كَونَه مُتكلِّماً، فهو يوجِبُ كَونَه فاعلاً للكلامِ ، و أن يَكونَ واقعاً بحَسَبِ قَصدِه و إرادتِه،
ص: 284
أو كَونَ الكلامِ مفعولاً فيه(1) علىٰ حَسَبِ ما يَدَّعيهِ المُخالِفُ . و إذا أوجَبوا كَونَه تَعالىٰ فيما لَم يَزَل مُتكلِّماً، مِن حيثُ انتفاءِ الخَرَسِ و السُّكوتِ قياساً علىٰ أحدِنا، فيَجِبُ أن يوجِبوا(2) كَونَ كلامِه فِعلاً و حادِثاً؛ إمّا بأن يَفعَلَه أو يُفعَلَ له، و إذا لَم يَجِبْ ذلكَ فيه لَو خالَفَ الشاهدَ، لَم يَجِبْ إثباتُه مُتكلِّماً مِن حيثُ انتفاءِ الخَرَسِ و السُّكوتِ ، ففارَقَ (3) الشاهدَ.
و لَيسَ لهم أن يَقولُوا علىٰ هذا الإلزامِ خاصّةً : إنّا لا نُسَلِّمُ أنّ أحَدَنا لا يَكونُ مُتكلِّماً إلّابأن يَفعَلَ الكلامَ ؛ لأنّ اللّٰهَ تَعالىٰ لَوِ اضطَرَّه إلَى الكلامِ بفِعلِه(4) في لِسانِه، لَخَرَجَ عن الخَرَسِ و السُّكوتِ ، و لَكانَ مُتكلِّماً.
و ذلكَ : أنّا قد بيّنّا فيما سَلَفَ أنّ المُتكلِّمَ لا يَكونُ مُتكلِّماً إلّابما يَفعَلُه مِنَ الكلامِ (5)، دونَ ما يُفعَلُ فيه.
ثُمّ هذا إذا سَلَّمناهُ لا يُغني شيئاً؛ لأنّ الشاهِدَ يَقتَضي أنّ أحَدَنا لا يَكونُ مُتكلِّماً إلّا بما يَفعَلُه مِن الكلامِ أو يُفعَلُ (6) فيه، و الغائبُ بخِلافِ ذلكَ . فالإلزامُ مُتوجِّهٌ علىٰ كُلِّ حالٍ .
و مِنها: أنّ أحَدَنا بانتفاءِ الخَرَسِ و السُّكوتِ المعقولَينِ عنه، إنّما يَجِبُ أن يَثبُتَ
ص: 285
له الكلامُ المعقولُ الذي هو مِن جنسِ الأصواتِ و قَبيلِها. فإذا قاسوا الغائبَ علَى الشاهدِ في ذلكَ ، وجبَ أن يُثبِتوا كلامَه تَعالىٰ مِن قَبيلِ الأصواتِ ، و ذلكَ يَقتَضي حَدَثَه و نَفيَ قِدَمِه!
فإن قالوا: الخَرَسُ و السُّكوتُ اللّذانِ نَنفيهِما عنه تعالىٰ فيما لَم يَزَل، لَيسَ هما المعقولَينِ المُختَصَّينِ (1) بجارحةِ الكلامِ .
فقَد مَضىٰ ما في هذا(2)، و قُلنا لهم: إذا كانَ الأمرُ هكذا، فمِن أينَ لكُم انتفاؤهما؟ فهو غَيرُ مُسَلَّمٍ .
و يُقالُ لهم فيما تَعلَّقوا(3) به بأنّنا قد بنَينا علىٰ أنّ كلامَه تَعالىٰ لا يَقومُ بنفسِه(4)، و أنّه [غير] مُفتَقِرٌ إلَى المَحَلِّ ؛ فمِن أينَ لكم [استحالة] ذلكَ؟
فإن قالوا: لأنّه عَرَضٌ ، و العَرَضُ لا يَقومُ بنفسِه.
قُلنا: و مِن أينَ أنّه عَرَضٌ مع إثباتِكم إيّاه مُخالِفاً للكلامِ المعقولِ ، بل لكُلِّ الأعراضِ؟
ثُمّ إذا ثَبَتَ أنّه عَرَضٌ ، مِن أينَ أنّه لا يَقومُ بنفسِه ؟ و مَن سَلَّمَ لكم عُمومَ هذا
ص: 286
الحُكمِ في سائرِ الأعراضِ؟ أوَ لَيسَ قد دَلَّلنا فيما مَضىٰ مِن الكِتابِ ، علىٰ أنّ إرادةَ القَديمِ توجَدُ لا في مَحَلٍّ (1) و إن كانَت عَرَضاً، و الفَناءَ أيضاً ممّا لا يوجَدُ في المَحَلِّ و إن كانَ عَرَضاً؟
و إذا سَلَّمنا أنّه لا يَقومُ بنفسِه؛ مِن أينَ أنّه لا يَقومُ بذاتِ القَديمِ تَعالىٰ و إن كانَ مُحدَثاً؟ لأنّه لَيسَ استحالةُ قيامِه بذاتِه تَعالىٰ و هو مُحدَثٌ ، إلّاكاستحالةِ قيامِه بها و هو قَديمٌ . و لَيسَ «الكلامُ » ممّا إذا قامَ بالذّاتِ لَم يَخلُ مِن نوعِه، كما نَقولُ (2) في «الأكوانِ » و نُوجِبُ (3) بذلكَ حُدوثَ ما لَم يَخلُ مِنها.
ثُمّ نَقولُ (4) - بَعدَ التجاوُزِ عن هذا كُلِّه، و تسليمِ أنّ لكلامِه(5) مَحَلاًّ مُنفَصِلاً(6) -: لِمَ زَعَمتُم أنّه واجبٌ أن يُشتَقَّ (7) لمَحَلّهِ ، مِنه أو مِن أخَصِّ أوصافِه، وَصفٌ؟ و هَل ذلكَ مِنكُم إلّاتَوصُّلٌ إلىٰ إثباتِ معنىً - و هو(8) قِدَمُ الكلامِ - بنَفيِ عِبارةٍ (9)؟
ص: 287
و لا شُبهةَ في أنّ المَعانيَ لا تَثبُتُ مِن طريقِ العباراتِ ؛ نَفياً و لا إثباتاً، و إنّما تَثبُتُ (1) بالأدلّةِ (231) العقليّةِ دونَ العِباراتِ الوضعيّةِ . و لهذا عَمَّ تَكوينُ (2) المَعاني و إثباتُها علىٰ حَقائقِها مَن يعرِفُ اللُّغةَ العربيّةَ و مَن لا يَعرفُها مِن الأعاجِمِ ، و مَن لا يَفهَمُ شيئاً مِن اللُّغاتِ كالخُرسِ .
ثُمّ يُقالُ لهم: ما معنىٰ قولِكُم: «واجبٌ أن تَشتَقّوا للمَحَلِّ (3) مِن الكلامِ وَصفاً»؟:
أ تُريدونَ (4) ذلكَ الوُجوبَ الذي في مُقابِلِه الحَظرُ و التحريمُ؟ أم تُريدونَ أنّ ذلكَ لا بُدَّ و أن يَقَعَ ، و أنَّ القَومَ مُلجَأونَ إليه ؟
فإن أرَدتُم الأوّلَ ، فلا فائدةَ فيه إلّابعدَ أن تَدُلّوا علىٰ عِصمةِ أهلِ اللُّغةِ ، و أنّهم:
لا يُخِلّونَ بالواجبِ عليهم؛ لأنّ وُجوبَ الشيءِ علىٰ زَيدٍ لا يَدُلُّ علىٰ حُصولِه؛ لجَوازِ أن يَعصيَ فيه.
و إن أرَدتُم الثانيَ ، فبُعدُه ظاهِرٌ لكُلِّ عاقلٍ ؛ لأنّ أصلَ وَضعِ اللُّغاتِ لَم يَكُن عن إلجاءٍ و ممّا لا بُدَّ مِن وقوعِه، بل بالاختيارِ مِن القومِ و الإتيانِ ؛ فكيفَ يَكونُ ذلكَ في فُروعِ اللُّغةِ؟
و لَو قيلَ للمُدَّعي عليهم الإلجاءَ : «دُلَّ علىٰ أنّهم بهذه الصفةِ ، و بَيِّنْ وَجهَ الإلجاءِ » لَتعذَّرَ عليه.
ص: 288
و لَو كانوا مُلجَئينَ إلَى الوَضعِ و الاشتقاقِ ، لَم يَكُن ذلكَ إلّامِن حيثُ وَجَدناهم يَشتَقّونَ في مواضِعَ علىٰ وَجهِ الاستمرارِ. و لَيسَ كُلُّ شيءٍ فَعَلوه في مَوضِعٍ [فقَد فَعَلوه في](1) نظائرِه و أمثالِه؛ ألا تَرىٰ أنّ عادَتَهم جاريةٌ بأن يَضَعوا الأسماءَ و العِباراتِ لِما عَقَلوه و مَيَّزوه مِن المَعاني و الأحكامِ؟ و لَم يَجِب أن تَستَمِرَّ هذه العادةُ في كُلِّ شيءٍ ؛ لأنّهم لَم يَضَعوا للمُختَلِفِ مِن الأكوانِ و الاعتماداتِ في الجهاتِ و أنواعِ الطُّعومِ كلِّها و الأراييحِ أسماءً كما فَعَلوا في غَيرِ ذلك.
و لَيسَ يُمكِنُ أن يُدَّعىٰ أنّ اختلافَ هذه المَعاني ممّا لَم يَتميَّزْ لهم.
و ذلك أنّ هذا إن أمكَنَ ادّعاؤه في الأكوانِ و الاعتماداتِ ، فهو غَيرُ مُمكنٍ في الطُّعومِ و الأراييحِ ؛ لأنّ حُكمَها حُكمُ الألوانِ في التميُّزِ لكُلِّ مُدرِكٍ .
و بَعدُ، فقَد تَميَّزَت الأكوانُ المُختَلِفةُ و الاعتماداتُ في الجِهاتِ للمُتكلِّمينَ بلا شُبهةٍ ، ثُمّ لَم يَضَعُوا لمُختَلِفِها أسماءً ، و قد وَضَعوا لكثيرٍ ممّا(2) عَقَلوه و استَدرَكوه.
و وَجهُ الإلجاءِ المُدَّعىٰ في أهلِ اللُّغةِ ؛ مِن تَوفيرِ الدواعي و غَيرِه، ثابتٌ فيهم.
علىٰ أنّه غَيرُ مُسلَّمٍ أنّ أهلَ اللُّغةِ قد اشتَقّوا للمَحَلِّ مِن كُلِّ شيءٍ وُجِدَ فيه وَصفاً، حتّىٰ يُحمَلَ علىٰ ذلكَ الكلامُ ؛ لأنّ العِلمَ و القُدرةَ و ما أشبَهَهما لَم يَشتَقّوا لمَحَلِّ شيءٍ منها أسماءً .
و لَيسَ لهم أن يَقولوا: إنّهم في القُدرةِ و العِلمِ و إن لَم يَشتَقُّوا للمَحَلِّ منهما
ص: 289
أسماءً ، فقَد اشتَقّوا لِما ذلكَ المَحَلُّ بعضُه(1)، فقالوا: «عالِمٌ » و «قادرٌ» و هذا لا يَصِحُّ في كلامِه تَعالىٰ لَو أحدَثَه في مَحَلٍّ .
و ذلكَ أنّا قد بيّنّا في بابِ الكلامِ [في الصفاتِ ] مِن هذا الكتابِ : أنّ وَصفَ العالِمِ بأنّه عالِمٌ و القادرِ بأنّه قادرٌ، لَيسَ بمُشتَقٍّ مِن العِلمِ و القُدرةِ ، و أنّ المُستَفادَ بهذينِ الوَصفَينِ : اختصاصُ الموصوفِ بحالٍ فارَقَ بها غَيرَه، و أورَدنا في ذلكَ ما لا زيادةَ عليه(2).
علىٰ أنّا لَو لَم نَدُلَّ علىٰ ما ذَكَرناه، لَكانَت مُنازَعتُنا فيه كافيةً ، و وَقَفَ استدلالُهم؛ لأنّهم أورَدوه مَورِدَ المُتَّفَقِ عليه(3).
علىٰ أنّه لو جازَ اختلافُ مَذاهِبِهم في الاشتقاقِ ، و أن لا يَجرِيَ على طريقةٍ واحدةٍ ، جازَ أن يَشتَقّوا للمَحَلِّ مِن غَيرِ الكلامِ وَصفاً، و لا يَشتَقّوا مِن الكلامِ (4)؛ ألَاتَرىٰ أنّهم قَد اشتَقّوا للمَحَلِّ مِن بعضِ صِفات العَرَضِ (232) دونَ بعضٍ ، فلَم يَشتَقُّوا له مِن حُدوثِه و كَونِه عَرَضاً، و كَونِه نِعمةً و إحساناً و تَفَضُّلاً، و إنِ اشتَقّوا مِن صفاتٍ له أُخرىٰ؟ و اختلافُ المَعاني آكَدُ مِن اختلافِ الصفاتِ ؛ فألا جازَ أن [لا] يَشتَقّوا للمَحَلِّ مِن الكلامِ و إن اشتَقُّوا مِن غَيرِه ؟
ص: 290
و لَيسَ لهم أن يَقُولوا: إنّما راعَوا في الاشتقاقِ للمَحَلِّ (1) أخَصَّ (2) الأوصافِ .
لأنّ ذلكَ يَبطُلُ لمُتَكوِّنٍ و كائنٍ و مُتَحرِّكٍ و ساكنٍ ؛ لأنّ ذلكَ كُلَّه لَيسَ هو أخَصَّ الأوصافِ . و لا يَجري مَجرىٰ حامِضٍ و لا أسوَدَ؛ لأنّهما وَصفانِ يَرجِعانِ إلىٰ أخَصِّ أوصافِ المعنَى الحالِّ في المَحَلِّ .
و بعدُ، فإذا جازَ أن تَكونَ في المَعاني ما يُشتَقُّ مِنه لمَحَلِّه اسمٌ كالحركةِ و ما أشبَهَها(3)، و ما يُشتَقُّ للجُملةِ مِنه اسمٌ كالعِلمِ و ما في معناه؛ فما المانِعُ مِن أن يَكونَ فيها ما يُشتَقُّ (4) [منه للفاعل](5) فلا بُدَّ مِن أنْ [يوصَفَ ] الفاعلُ منه دونَ المَحَلِّ و الجُملةِ ؛ لأنّه لَيسَ خِلافُ ما يُضافُ إلَى الفاعلِ لِما يُضافُ إلىٰ مَحَلٍّ أو جُملةٍ بأكثَرَ مِن خِلافِ ما يُضافُ إلَى الجُملةِ لِما يُضافُ إلى المَحَلِّ . و هذا كُلُّه يُنبئُ عن(6) أنّ اشتقاقَ القومِ لَم يَجِئْ علىٰ مِنهاجٍ واحدٍ.
ص: 291
على أنّ أهلَ اللغةِ قد سَمَّوا اللِّسانَ «مَقولاً» بلا شُبهةٍ ، فلَيسَ يَخلو هذا الاسمُ مِن أن يَكونَ جَرىٰ عليه مِن حَيثُ كانَ مَحَلاًّ للقولِ ، أو مِن حَيثُ كانَ آلةً يُستَعملُ في القولِ .
فإن كانَ الأوّلُ ، فذلك يَقتَضي وجودَ اشتقاقٍ للمَحَلِّ (1) مِن القولِ الحالِّ فيه، بخِلافِ ما ظَنُّوه مِن اللفظِ المُضافِ إلَى الفاعلِ ؛ لأنّ المُشتَقَّ للفاعلِ مِن القولِ «قائلٌ ».
و لَيسَ لهم أن يَقولوا: «مقولٌ » مأخوذٌ مِن لفظِ «القولِ » لا مِن لفظِ «الكلامِ »، و نَحنُ إنّما أوجَبنا الاشتقاقَ مِن صفةِ الكلامِ ؛ لأنّها أخَصُّ الأوصافِ .
و ذلكَ أنّ «القولَ » مِن صفاتِ الكلامِ ، و إذا اشتَقّوا للمَحَلِّ منه، فقَد اشتَقّوا له مِن بَعضِ صفاتِ الكلامِ ؛ لأنّا قد بيّنّا أنّه لَيسَ مِن عادَتِهم أن يَشتَقُّوا للمَحَلِّ (2) مِن جميعِ الأوصافِ (3).
و كما أنّ «القولَ » لَيسَ بأخصِّ أوصافِ قولِنا: «زايٌ (4) و ياءٌ و نونٌ » و ما أشبَهَ الكلامَ ، فكذلكَ (5) قولُنا: «كلامٌ » لَيسَ مِن الصفاتِ (6) الخاصّةِ ، بل أخَصُّ أوصافِه قولُنا: «زايٌ و ياءٌ و نونٌ »، (241) و ما أشبَهَ ذلكَ . فدُخولُ (7) المُختَلَفِ فيه تَحتَ قولِنا: «كَلامٌ »، كدُخولِه تَحتَ «القولِ ».
ص: 292
و إن كانوا إنّما سَمَّوا اللِّسانَ «مَقولاً» مِن حَيثُ استُعمِلَ في القولِ ، فما رَأَيناهُم اشتَقّوا لكُلِّ آلةٍ استُعمِلَت في أمرٍ من الأُمورِ أسماءً مِن ذلكَ الأمرِ؛ ألا تَرىٰ أنّهم لَم يَفعَلوا ذلكَ في آلاتِ الكتابةِ و التجارةِ و الضربِ ، و كثيرٍ ممّا لم نَذكُره ؟
و إذا جازَ أن يَختَلِفَ مَذهَبُهم في هذا البابِ ، فيَشتَقّوا لبعضِ الآلاتِ ممّا استُعمِلَت فيه دونَ بعضٍ ، فألّا جازَ أن يَشتَقّوا لبعضِ المَحالِّ ممّا وُجِدَ فيه دونَ بعضٍ؟ و هذا ممّا لا فَصلَ فيه.
ثمّ يُقالُ لهم: كَيفَ يجوزُ أن يَكونَ قولُهم: «مُتكلِّمٌ » مِن الأوصافِ المُشتَقّةِ لمَحَلِّ الكلامِ ، و هذا الوَصفُ بعَينِه هو الذي اشتَقّوه لفاعلِ الكلامِ ، و لم نَجِدْهم في مَوضعٍ مِن المَواضِعِ جَعَلُوا الوَصفَ المُشتَقَّ للفاعلِ و المَحَلِّ واحداً؟!
فإن قالوا: إنّما جازَ ذلك؛ لأنّ مَحَلَّ الكلامِ هو الذي يُنسَبُ إليه الكلامُ علىٰ سَبيلِ الفِعليّةِ .
قُلنا: هذا باطلٌ ؛ لأنّ اللّٰهَ تَعالىٰ لَو فَعَلَ كلاماً مّا عندَكم في بَعضِ المَحالِّ ، لَكانَ الموصوفُ بأنّه «مُتكلِّمٌ » علىٰ مَذاهِبِكم هو المَحَلَّ ، و إن كانَ الفاعِلُ له هو اللّٰهَ تَعالىٰ .
ثُمّ مَحَلُّ الحركةِ مِن أحَدِنا عندَكم هو الفاعِلُ للحركةِ أو المُكتَسِبُ لها، و مع هذا فلَم يَصِفْه أهلُ اللُّغةِ مِن حُلولِ الحركةِ فيه بالوَصفِ الذي يَصِفونَ به الفاعلَ ؛ لأنّهم قالوا: «مُتحرِّكٌ » للمَحَلِّ و «مُحرِّكٌ » للفاعِلِ .
ثُمّ يقالُ له: ألَيسَ كلامُ أحَدِنا يوجَدُ في المَحالِّ ، و لا يَشتَقّون للمَحَلِّ منه
ص: 293
«مُتَكَلِّمٌ »؟ لأنّ مِن فاحِشِ الخَطَإِ [وصفَ ](1) اللَّهَواتِ أو الصَّدىٰ بأنّه مُتكلِّمٌ و آمِرٌ و ناهٍ . و مَن نَسَبَ ذلكَ إلى أهل اللُّغةِ ، كمَن نَسَبَ إليهم تسمِيَةَ الإنسانِ بالبَهيمةِ و البَهيمةِ بالإنسانِ . و إذا جازَ أن لا يَصِفُوا مَحَلَّ كلامِ أحَدِنا بأنّه مُتكلِّمٌ ، جازَ ذلكَ في مَحَلِّ كلامِه تَعالىٰ ، و سَقَطَت شُبهَتُهم.
فإن قالوا: كلامُنا هو الموجودُ في النفسِ ، لا المسموعُ الذي هو مِن قَبيلِ الصَّوتِ .
قُلنا: و إن كانَ كذلكَ ، ألَيسَ لا بُدَّ له مِن مَحَلٍّ في نواحي القَلبِ؟ و مَحَلُّه لا يُوصَفُ بأنّه مُتكلِّمٌ ؛ لأنّ فَسادَ ذلكَ في اللُّغةِ و عُرفِها، كفَسادِ وصفِ اللِّسانِ بأنّه مُتكلِّمٌ !
فإن قالوا: هُم و إن لَم يَصِفوا المَحَلَّ بأنّه مُتكلِّمٌ ، فقَد وَصَفوا «ما ذلكَ المَحَلُّ
بعضُه» مِن جُملةِ الحَيِّ بأنّها مُتكلِّمةٌ بذلكَ الكلامِ ، و هذا لا يَتَأتّىٰ في الكلامِ الذي يَفعَلُه اللّٰهُ تَعالىٰ .
قُلنا: هذا أوّلاً يُبطِلُ قولَكم: «لا بُدَّ مِن اشتقاقٍ للمَحَلّ »(2).
ثُمّ إنّهم إنّما وَصَفوا «مَن ذلكَ المَحَلُّ بعضُه» بأنّه مُتكلِّمٌ ؛ مِن حَيثُ فَعَلَه و وَقَعَ بحَسَبِ قُصودِه و أحوالِه، كما وَصَفوه(3) بأنّه مُحرِّكٌ إذا وَقَعَتِ الحركةُ في بعضِه مُطابِقةً لأحوالِه. و هذا يَقتَضي أنّ الموصوفَ بأنّه مُتكلِّمٌ فاعلٌ للحركةِ (4)، و يَقتَضي أنّ كَلامَ اللّٰهِ تَعالىٰ إذا وُجِدَ في بَعضِ المَحالِّ ، فهو تَعالَى المُتكلِّمُ به؛ كما أنّ الحركةَ التي يَفعَلُها(5) في بعضِ الذواتِ ،
ص: 294
هو الموصوفُ بأنّه المُحرِّكُ بها(1).
و ممّا قيلَ على هذه الطريقةِ : أنّ السببَ في أنّ العَرَبَ لَم يَشتَقّوا للمَحَلِّ (2) ممّا يَحُلُّه [أن لَم يَكُن](3) المَحَلُّ مُتميِّزاً(4) مُدرَكاً عندَ إدراكِ الحالِّ فيه. و لمّا كانَ الصَّوتُ يُدرَكُ بالسمعِ مِن غَيرِ إدراكِ مَحَلِّه(5)، و يُعلَمُ مِن غَيرِ أن يُشعَرَ بمَحَلِّه، جَرىٰ مَجرَى الرائحةِ التي تُدرَكُ مِن غَيرِ تَميُّزِ مَحَلِّها، و فارَقَ الألوانَ التي تُدرَكُ مَحالُّها بإدراكِها، فلهذا لَم يَشتَقّوا [للمحلِّ مِن](6) الرائحةِ ، و اشتَقُّوا [للمَحَلِّ مِن] السَّوادِ.
و يُمكِنُ أن يقولوا علىٰ هذا: إنّهم قد اشتَقّوا لمَحَلِّ الرائحِة «مُريحٌ » و هذا الوَصفُ و إن وُصِفَ به مُدرِكُ الرائحةِ و واجِدُها؛ لأنّهم يقولونَ : «أراحَ » و «راحَ » إذا وَجَدَ الريحَ ، فقَد وَصَفوا أيضاً مَحَلَّ الرائحةِ بذلك، فقالوا: «أراحَ الشيءُ » (242) إذا نَتَنَ ، و «أروَحَ » أيضاً علَى الأصلِ .
إلّا أنّ الكلامَ لازمٌ لهم علىٰ مَحالٍّ ؛ لأنّهم لَم يَشتَقّوا لمَحَلِّ «الرائحةِ » الطيّبةِ و صفاتِها؛ لأنّهم لا يَقولونَ : «أراحَ الشيءُ فهو مُريحٌ »، إلّافي مَحَلِّ الرائحةِ المكروهةِ .
و كذلكَ أيضاً لَم يَشتَقّوا لمَحَلِّ الرائحةِ في الأصلِ وَصفاً؛ لأنّهم لا يَكادونَ يَقولونَ :
ص: 295
«أراحَ الشيءُ » إلّافيما تَغيَّرَت حالُه إلىٰ ذلكَ بَعدَ أن لَم يَكُن عليه.
و ممّا نوقِضوا به علىٰ هذه الطريقةِ أن قيلَ لهم: ما وَجَدناهم اشتَقّوا لمَحَلِّ النِّعمةِ و التفضُّلِ و الإحسانِ و اللُّطفِ وَصفاً، و كذلكَ مَحَلُّ الصَّوتِ و مَحَلُّ الكتابةِ . و إذا جازَ ذلكَ فيما ذَكَرناه، جازَ في مَحَلِّ الكلامِ مِثلُه.
و لهم أن يَقولوا: إنّ التفضُّلَ و الإحسانَ و النِّعمةَ و اللُّطفَ ، قد اشتَقّوا منه للمَحَلِّ وصفاً، و إن لَم يكُن ذلكَ الوَصفُ مأخوذاً مِن هذه الألفاظِ؛ ألا تَرىٰ أنّ
النِّعمةَ أو اللُّطفَ إذا كانَ حركةً و سُكوناً، أو لَذّةً أو ألَماً، فقَد اشتَقّوا للمَحَلِّ منه ؟ فذلكَ أجمَعُ لا يَخلو مِن وَصفٍ مُشتَقٍّ . و لَيسَ يَجِبُ أن يُشتَقَّ للمَحَلِّ مِن كُلِّ أوصافِ الحالِّ ، و لا شيءَ أشَرتُم إليه إلّاو يُشتَقُّ للمَحَلِّ مِن بَعضِ أوصافِه، و إن لَم يُشتَقَّ مِن وَصفٍ آخَرَ. و الكلامُ لَم يَشتَقّوا للمَحَلِّ مِنه وَصفاً، إلّاقولَهم: «مُتكلِّمٌ ».
و لَهم أن يَقولوا في الكتابةِ : إنّهم و إن لَم يَشتَقّوا للمَحَلِّ مِن لفظِ الكتابةِ ، فقَد اشتَقّوا له مِن كَونِها اجتماعاً و مِن البقاءِ (1). إلّاأنّ هذا النَّعتَ (2) لا يُمكِنُ أن يَدخُلَ في الصوتِ ؛ لأنّهم لَم يَشتَقّوا للمَحَلِّ مِن شيءٍ من أحوالِه وصفاً. و كُلُّ هذا واضحٌ .
الكلامُ على الشُّبهةِ الثالثةِ : يُقالُ لهم: لَيسَ اللّٰهُ تَعالىٰ علَى الحقيقةِ في القرآنِ ، و إنّما فيه اسمُه الذي يُكتَبُ و يُقرَأُ و يَتجزَّأُ و يَتبعَّضُ ، و يَدخُلُه الإعرابُ بالحركاتِ ، و الذي يُستَحَقُّ علىٰ تِلاوتِه الثّوابُ ، و يُدرَكُ بالأوّلِ و يُعدَمُ في الثاني مِن حالِ
ص: 296
وجودِه، و يَمنَعُ مِنه الخَرَسُ و السُّكوتُ ، و يَدخُلُ في مقدورِ العبادِ.
و هذه الصفاتُ و كُلُّ واحدةٍ منها لا تَليقُ (1) باللّٰهِ تَعالىٰ علَى الحقيقةِ ، و لا تَجوزُ عليه. و كذلكَ صفاتُه تَعالىٰ ؛ مِن نَحوِ كَونِه قادراً عالِماً حَيّاً قَديماً، لا تَليقُ (2) بهذه الحروفِ ، و لا تَجوزُ عليها.
و كيفَ يَكونُ الاسمُ هو المُسمّىٰ ، و أسماؤه تَعالىٰ كثيرةٌ مُختَلِفةٌ باختلافِ اللُّغاتِ؟ فكيفَ تَكونُ (3) هي ذاتَه، و هو واحدٌ غَيرُ مُتَغايِرٍ و لا مُختَلِفٍ؟!
و لَو صَحَّ في أسمائِه أن تكونَ هي هو(4)، صَحَّ ذلكَ في أسماءِ غَيرِه مِن المُسَمَّياتِ .
و لَو وجبَ أن نَنفيَ حُدوثَ القُرآنِ ، مِن حَيثُ اشتَمَلَ علىٰ أسماءِ اللّٰهِ تَعالىٰ و هو قَديمٌ ، لَوجبَ أن نَنفيَ قِدَمَه و نُثبِتُ حُدوثَه؛ لاشتمالِه علىٰ أسماءِ المُحدَثاتِ المخلوقاتِ ؛ مِن السَّماءِ و الأرضِ و الخَيلِ و البِغالِ و الحَميرِ.
و هذا أوضَحُ فَساداً مِن أن يُطنَبَ فيه.
الكلامُ علَى الشُّبهةِ الرابعةِ : يُقالُ لهم: معنىٰ قولِه: «أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ »(5) أوضَحُ مِن أن يَخفىٰ علىٰ مَن له أدنىٰ معرفةٍ باللُّغةِ العربيّةِ ؛ لأنّ ذلك إنّما هو كنايةٌ
ص: 297
عن «تكوينِه الأشياءَ بغَيرِ مُعاناةٍ و لا تَعَبٍ ، و أنّ الذي يُريدُ أن يَفعَلَه يَتعجَّلُ و لا يَتعذَّرُ»، و لهذا يَقولونَ فيمن تَتَأتّى(1) مُراداتُه مِن غَيرِ إبطاءٍ : «فُلانٌ يَقولُ للشيءِ : كُن فيَكونُ ». و إذا أرادَ أحَدُهم أن يُخبِرَ عن دُخولِ المَشقّةِ عليه في الأفعالِ قالَ : «لَستُ ممّن يَقولُ للشيءِ : كُن فيَكونُ ». و علىٰ هذا يَقولونَ : «ما كانَ إلّاكَلّا و لا حتّىٰ جَرىٰ
كَذا (243) و كَذا(2)» إنّما يَعنونَ السُّرعةَ لا غَيرَ. و يَقولُ أحَدُهم: «قُلتُ برأسي كَذا»، و «قالَ الفَرَسُ فرَكَضَ »، و «قالَتِ السَّماءُ فهَطَلَت»، و لا قولَ هناكُ يُخبِرونَ به، و إنّما أرادوا المَذهَبَ الذي ذَكَرناه. و قالَ اللّٰهُ تَعالىٰ مُخبِراً عن السَّماءِ و الأرضِ :
«قٰالَتٰا أَتَيْنٰا طٰائِعِينَ »(3) و إنّما أراد(4) سُرعةَ (5) التأَتّي.
و قال أبو النَّجمِ (6):
قد قالَتِ الأنساعُ (7) لِلبَطنِ : «ألحقِ *** قِدْماً»(8) فآضَت كالفَنيقِ المُحنِقِ (9)
ص: 298
و لا قولَ هناكَ يُخبِرُ عنه، و إنّما أرادَ أنّ البَطنَ (1) لَحِقَ بالظَّهرِ.
و ممّا استُشهِدَ به علىٰ أنّ العَرَب تَذكُرُ القولَ و لا تُريدُ به النُّطقَ المَعقولَ - و إن كانَ غَيرَ مُشتَبِهٍ كما(2) تَأَوَّلنا عليه الآيةَ في معناه - قولُ الشاعرِ:
اِمتَلأَ الحَوضُ و قالَ : قَطْني(3) *** .............................(4)
و قالَ الآخَرُ:
و قالَتْ [له](5) العَينانُ : سَمعاً و طاعةً *** و حَدَّرَتا كالدُّرِّ لمّا يُثَقَّبِ (6)
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَقولَ : هذا كُلُّه تَجوُّزٌ مِن القومِ و تَوسُّعٌ ، و الآيةُ علىٰ ظاهرِها؛ لأنّ «القولَ » و إن كانَ في لُغَتِهم عبارةً عن الكلامِ المعقولِ ، فإنّهم إذا استَعمَلوه في مِثلِ هذا المَوضِعِ ، كانَ حقيقةً في المعنَى الذي ذَكَرناه، و لَم يَكُن مَجازاً، بَل خَلْفاً مِن الكلامِ لَو أُريدَ به القولُ الذي هو الكلامُ ؛ ألا تَرىٰ أنّ الأسبَقَ إلىٰ فَهمِ مَن خاطَبوه بما حَكَيناه عن قولِهم: «فُلانٌ يَقولُ للشيءِ : كُن فيَكونُ » و «قُلتُ فدَخَلتُ » و ما أشبَهَ ذلك، ما ذَكَرناه مِن المعنىٰ دونَ غَيرِه ؟ و الأسبقُ إلَى الفَهمِ هو الحَقيقةُ .
ص: 299
و قد بَيَّنَ مَن سَبَقَ إلَى الكلامِ علىٰ هذه الشُّبهةِ ، أنّ الآيةَ دالّةٌ علىٰ حُدوثِ الكلامِ مِن وُجوهٍ :
مِنها: أنّه تَعالىٰ عَلَّقَ القولَ بالإرادةِ ، و أَدخَلَ علىٰ كَونِه مُريداً لفظةَ «إذا»(1)، و هي
للاستقبال لا مَحالةَ . و إذا كانتِ الإرادةُ مُستَقبَلةً ، فما عَلَّقَه بها يَجِبُ أن يَكونَ مُستَقبَلاً. و كُلُّ مُستَقبَلٍ مُحدَثٌ غَيرُ قَديمٍ .
و مِنها: أنّه تَعالىٰ أدخَلَ علَى «القولِ » لفظةَ «أن» الدالّةَ علَى الاستقبالِ ، و هذا يَقتَضي حُدوثَ القولِ .
و مِنها: أنّ لفظةَ «يَقولُ »(2) مِن غَيرِ دُخولِ «أن» عليها(3)، تَقتَضي(4) علىٰ موجِبِ اللِّسانِ الاستقبالَ أو الحالَ ، و كِلا الأمرَينِ يوجِبُ حُدوثَ القولِ ؛ لأنّ القَديمَ سابقٌ لكُلِّ حالٍ .
و مِنها: أنّه عَلَّقَ وجودَ المُكَوَّناتِ بوجودِ لفظةِ «كُن» علىٰ وَجهٍ يَقتَضي نَفيَ التراخي و ثُبوتَ التعقيبِ ، فقالَ : «أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ »(5) و «الفاءُ » عندَهم للتعقيبِ ، و هذا يَقتَضي حُدوثَ القَولِ ؛ لحُدوثِ ما يَتعقَّبُه. و لأنّ القَديمَ يَجِبُ أن يَكونَ سابقاً للحَوادثِ بما يَتقدَّرُ بقَدرِ ما لا يَتَناهىٰ مِن الأوقاتِ .
و ممّا قيل لهم علىٰ هذهِ الشُّبهةِ ، إنّ الذواتِ المُحدَثاتِ لَو كانَت موجَبةً عن لفظةِ «كُن»، لَوجبَ قِدَمُ جميعِ الحَوادثِ ؛ لأنّ الموجَبَ إذا صَحَّ اجتماعُه مع الموجِبِ ،
ص: 300
وُجِدَ معه و لَم يَتَراخَ (1) عنه. و إنّما تَراخَى العِلمُ عن النظَرِ لاستحالةِ وجودِه معه.
و كذلكَ ما يُوَلِّدُه الاعتمادُ إنّما يَتَراخىٰ عنه؛ لأنّ مِن شَرطِه(2) أن يُوَلِّدَه في جهتِه، وجهتُه ما يَلي المُحاذاةَ التي هو فيها، فلا يَجوزُ علىٰ هذا أن يُوَلِّدَ الكَونَ لمَحَلِّه في مكانِه؛ لأنّه يَقتَضي أن يَكونَ وَلَّدَ لا في جهتِه. و لا يَجوزُ أن يُوَلِّدَ الكَونَ له في المكانِ الثاني في حالِ وجودِه؛ لأنّه يَقتَضي كَونَ الجسمِ في المكانَينِ في وقتٍ واحدٍ. و هذا كُلُّه مُرتفِعٌ في إيجابِ (244) «كُن» للمُحدَثاتِ ؛ لجَوازِ اجتماعِها مع ما تُوجِبُه(3).
و ألزَموهم: حاجةَ القَديمِ تعالىٰ في الإيجادِ إلىٰ هذه اللفظةِ . و أن نَكونَ نحنُ أيضاً فيما نوجِدُه نَحتاجُ إليها؛ لأنّ ما يَحتاجُ هو تَعالىٰ إليه نحنُ بالحاجةِ إليه أولىٰ ؛ لأنّه تَعالىٰ قد يَستَغني عن أشياءَ كثيرةٍ نَحتاجُ إليها نحنُ في الأفعالِ .
الكلامُ علَى الشُّبهةِ الخامسةِ : يُقالُ لهم: ما أنكَرتم أن يَكونَ معنَى «الأمرِ» غَيرَ ما ظَنَنتم مِن الكلامِ المخصوصِ ، و أن تَكونَ (4) فائدةُ الكلامِ له تَعالىٰ أن يَخلُقَ و يَفعَلَ ما يَشاءُ مِن غَيرِ اعتراضٍ و لا مُنازَعةٍ؟ كما يُقالُ في أحدِنا إذا كانَ قادراً قاهراً لا
يُعارَضُ و لا يُنازَعُ : «لِفُلانٍ الأمرُ»، و لا نقصِدُ بذلكَ إلىٰ أنّ له كلاماً.
و بَعدُ، فقد يُفرَدُ الشيءُ بالذِّكرِ عن الجُملةِ الواقعةِ عليه و علىٰ غَيرِه؛ تَفخيماً و
ص: 301
تَعظيماً؛ كقَولِه تَعالىٰ : «مَنْ كٰانَ عَدُوًّا لِلّٰهِ وَ مَلاٰئِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكٰالَ »(1). النحل (16):90.(2) ، فأفرَدَهما عن الملائكةِ لهذا الوَجهِ ؛ فما المانِعُ مِن أن يُفرِدَ «الأمرَ» الذي هو القُرآنُ عن جُملةِ المخلوقاتِ ؛ لِعظيمِ شأنِه و جَلالةِ قَدرِه ؟
و يَلزَمُهم علىٰ هذه الشُّبهةِ : أنّ الإحسانَ لَيسَ بعَدلٍ ، و إيتاءَ ذي القُربىٰ لَيسَ مِن العَدلِ و الإحسانِ ؛ لأنّه تَعالىٰ قال: «إِنَّ اَللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ اَلْإِحْسٰانِ وَ إِيتٰاءِ ذِي اَلْقُرْبىٰ »(2) ففَصَلَ بَينَ الجميعِ .
و قد يَقولُ أحَدُنا: «إنّ اللّٰهَ تَعالىٰ يأمُرُ بالقولِ و العَمَلِ »، و الإيمانُ قولٌ و عَمَلٌ ، و إن كانَ القولُ داخلاً في جُملةِ العَمَلِ ، و إنّما أُفرِدَ لبعضِ الأغراضِ .
و قالَ اللّٰهُ تَعالىٰ : «فَآمِنُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ اَلنَّبِيِّ اَلْأُمِّيِّ اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ كَلِمٰاتِهِ »(3) و هذا العَطفُ و الفَصلُ - علىٰ ما اعتَمَدوه - يَقتَضي أنّ كلامَ اللّٰهِ غَيرُ اللّٰهِ ، و يوجِبُ أن لا يَشتَرِكا في القِدَمِ ؛ لأنّه إذا جازَ مع هذا العطفِ أن يَشتَرِكا في القِدَمِ و لا يَتَغايرا، جازَ أن يَكونَ الخَلقُ و الأمرُ يَشتَرِكانِ في الحُدوثِ و لا يَتَغايرانِ مع الفَصلِ في اللفظِ بَينَهما.
فأمّا قولُه تَعالىٰ : «عَلَّمَ اَلْقُرْآنَ * خَلَقَ اَلْإِنْسٰانَ »(4) فلَيسَ في «وصفِ الإنسانِ بأنّه مخلوقٌ » نَفيُ الخَلقِ [عن] غَيرِه، إلّامِن جهةِ «دليلِ الخِطابِ » المعلومِ فَسادُه، و ضَعفُ التعلُّقِ به(5).
ص: 302
و بَعدُ، فتعليمُه(1) القُرآنَ دليلٌ علىٰ حُدوثِه؛ لأنّ القَديمَ لا يُمكِنُ تَعلُّمُه و لا تَعليمُه.
الكلامُ علَى الشُّبهةِ السادسةِ : يُقالُ لهم: ما تُريدونَ بقَولِكم: «إنّ كَونَ المُتكلِّمِ مُتكلِّماً ممّا يَختَصُّ الحَيَّ »؟ أتُريدونَ أنّ الكلامَ ممّا يوجِبُ له حالاً؛ كالعِلمِ و القُدرةِ؟ أم تُريدونَ بقَولكم(2) أنّه مُضافٌ إلَى الحَيِّ علىٰ سَبيلِ الفِعليّةِ؟
فإن أرَدتُم الأوّلَ : فذلكَ مُحالٌ ؛ لأنّا قد دَلَّلنا فيما مَضىٰ علىٰ أنّ الكلامَ لا يوجِبُ حالاً للمُتكلِّمِ (3)، و أنّ المُتكلِّمَ هو «مَن فَعَلَ الكلامَ »، كسائرِ الصفاتِ التي تُضافُ إلَى الفاعلِ .
و إن أرَدتُم الثانيَ : فكيفَ يوصَفُ بذلكَ فيما لَم يَزَلْ؟
و بَعدُ، فلَيسَ كُلُّ ما لا نَقصَ فيه، أو كانَ ممّا يَقتَضي المَدحَ للموصوفِ ، يَصِحُّ أن
يوصَفَ القَديمُ تَعالىٰ به فيما لَم يَزَلْ ؛ ألا تَرىٰ أنّ كَونَه مُحسِناً و مُتَفضِّلاً يَقتَضي المَدحَ و لا نَقصَ فيه، و لَم يُوصَفْ [بهما](4) فيما لَم يَزَلْ مِن حيثُ يَقتَضي الفِعليّةَ .
ثُمّ يُقالُ لهم: ما أَنكَرتُم أن تَكونَ الصفاتُ التي تَقتَضي المَدحَ و لا نَقصَ فيها، علىٰ ضَربَينِ؟
فضربٌ : يوصَفُ به فيما لَم يَزَلْ ؛ مِن حَيثُ استحَقَّه لذاتِه؛ ككَونِه قادراً عالِماً.
ص: 303
و الضربُ الآخَرُ: يُنبئُ عن الفِعلِ ، فلا(1) يَصِحُّ وَصفُه بذلكَ فيما لَم يَزَلْ ؛ ككَونِه مُحسِناً مُنعِماً مُتكلِّماً. و هذا بَيِّنٌ لِمَن أنصَفَ مِن نفسِه.
***
اعلَمْ أنّ أبا الهُذَيلِ (2) و أبا عليٍّ مِن بَعدِه، كانا يَذهَبانِ إلىٰ أنّ الحِكايةَ هي المَحكيُّ (3)، و أنّ التاليَ للقُرآنِ يُسمَعُ مِنه كلامُ اللّٰه علَى الحقيقةِ ، و أنّ الكلامَ يَصِحُّ عليه البَقاءُ ، و يَجوزُ (245) وجودُه في الحالةِ الواحدةِ [في أماكن كثيرة](4). و هذا واضِحٌ (5).
ص: 304
---
ص: 305
----
ص: 306
[1.] اعلَمْ أنّ الصحيحَ في فائدةِ وَصفِ الشيءِ بأنّه مخلوقٌ ، أنّه حَدَثَ مِن فاعلِه مُقدَّراً(1)، و هو مَذهبُ أبي عَليٍّ (2).
[2.] و كانَ أبو هاشمٍ (3): يَذهَبُ إلىٰ أنّ هذا الوَصفَ مُشتَقٌّ مِن «الخَلقِ »؛ و هو «التقديرُ». و عندَه أنّ التقديرَ و الخَلقَ جميعاً هما «الإرادةُ »، و أنّ الخالقَ قد يَكونُ خالِقاً لفِعلِ غَيرِه. و قد يَشتَرِكُ الاثنانِ (4) في تقديرِ الشيءِ ، فيَكونانِ عِندَه خالِقَينِ له.
و كلُّ هذا لا يَليقُ بالمَذهَبِ الذي قَدَّمناه.
ص: 307
و امتَنَعَ أبو هاشمٍ مِن وَصفِ المعدومِ بأنّه «مخلُوقٌ »، و إن كان مُراداً؛ لأنّه جَعَلَ الإرادةَ إذا تَعلَّقَت بالموجودِ سُمِّيَت «خَلقاً»، و إذا تَعلَّقَت بالمعدومِ لا تَستَحِقُّ هذه
التسميةَ . كما نَقولُه في «العَزمِ »: إنّ الإرادةَ لا تُسمّىٰ عَزْماً إلّامَتىٰ كانَ مُرادُها معدوماً، و مع وجودِ المُرادِ لا تُسمّىٰ بذلكَ .
[3.] و قد ذَهَبَ أحَدُ شُيوخِ أصحابِ أبي هاشمٍ إلى أنّ الخَلقَ «التقديرُ»، و التقديرَ هو «الفِكرُ و النظَرُ في حالِ الأمرِ المقدورِ». و وافَقَ أبا هاشمٍ علىٰ أنّ المخلوقَ مُشتَقٌّ مِن «الخَلقِ »؛ قالَ : و لَو [لا] عُرفُ الشَّرعِ لَم أصِفِ اللّٰهَ تَعالىٰ بأنّه خالِقٌ لشيءٍ مِن أفعالِه؛ لأنّ المعنَى الذي تَقتَضيه اللُّغةُ في هذه اللفظةِ لا يَجوزُ عليه.
و الذي يَدُلُّ علىٰ صحّةِ المذهبِ الذي اختَرناه: أنّا وَجَدنا أهلَ اللُّغةِ مَتىٰ وُجِدَ الفِعلُ مُقدَّراً، وَصَفوه بأنّه «مخلوقٌ ». و لهذا وَصَفوا الإنسانَ و السَّماواتِ و الأرضَ بذلكَ . و مَتىٰ لَم يَقَعْ مُقدَّراً(1) لَم يَصِفوه بذلكَ ؛ كأفعالِ الساهي و النائمِ .
و كُلُّ هذا مِن غَيرِ أن يَخطُرَ ببالِ الواصِفينَ بذلكَ إرادةٌ و لا فِكرٌ و(2) لا رَوِيّةٌ .
كما أنّهم يَصِفونَ مَن فَعَلَ المُحكَمَ مِن الفِعلِ بأنّه «عالِمٌ »، مِن غَيرِ أن يَخطُرَ ببالِهم عِلمٌ به كانَ عالماً. و كما أنّا نَمتَنِعُ مِن كَونِ الوَصفِ بأنّه عالِمٌ مُشتَقّاً مِن العِلمِ ، و إن كانَ العالِمُ مِنّا لا يَكونُ كذلكَ إلّامع وُجودِ العِلمِ ، فكذلكَ يَجِبُ أن نَمتَنِعَ مِن مِثلِ ذلكَ في المخلوقِ ، و إن كانَ الخالِقُ لا بُدَّ أن يَكونَ قاصداً و مُريداً، و بَعضُ المُريدينَ قد يَكونُ مُفكِّراً.
ص: 308
و اعتَلَّ أبو هاشمٍ لقَولِه بأنّ الشاعرَ في قولِه:
و لَأنتَ تَفري ما خَلَقتَ ، و بَع *** ضُ القَومِ يَخلُقُ ثُمّ لا يَفري(1)
أثبَتَه خالِقاً، و نَفىٰ كَونَه قاطعاً، فوجبَ : أن يَكونَ الخَلقُ غَيرَ الفَريِ الذي هو القَطعُ ، و أنّ الخَلقَ هو قَصدُه إلَى القَطعِ ، فلذلكَ مَدَحَ في صَدرِ البَيتِ مَن يَفعَلُ ما يَعزِمُ عليه، زارِياً علىٰ مَن يَعزِمُ و لا يَفعَلُ .
و هذا الذي احتَجَّ به لا حُجّةَ فيه؛ لأنّ قولَهم: «خَلَقتُ الأَديمَ » أي خَلَقتُ تَخطيطَه و الرُّسومَ التي تُفعَلُ فيه لِتَدُلَّ (2) على ما يُصنَعُ مِنه مِن الآلاتِ ، و قد يَفعَلُ ذلكَ و لا يَكونُ قاطعاً له. فخَلقُ الأديمِ علىٰ قولِنا و قولِه غَيرُ قَطعِه و فَريِه. و إنّما يَصحُّ (3) ما ذَكَره، [فيما] لَو لَم يَكُن هناكَ فِعلٌ واقعٌ بحَسَبِ الحاجةِ الداعيةِ سِوَى القَطعِ (4)، ثُمّ نَفىٰ كَونَه قاطعاً مع إثباتِه خالِقاً. فأمّا و الأمرُ علىٰ ما ذَكَرناه فلا شُبهةَ فيما ذَكَره.
و الذي يُبَيِّنُ صحّةَ ما اعتَمَدناه: أنّهم لا يُسَمّونَ «مَن فَكَّرَ في قَطعِ الأَديمِ و أرادَ قَطعَه، و هو غائبٌ عنه، أو حاضرٌ؛ مِن غَيرِ أن يُماسَّه و يُمَدِّدَه و يَرسِمَ عليه الخطوطَ و الرُّسومَ »: «خالِقاً»، فإذا فَعَلَ ما ذَكَرناه سُمِّيَ «خالِقاً»؛ ألَاتَرىٰ إلىٰ قولِ الشاعرِ:
ص: 309
و لا يَئِطُّ(1) بأيدي الخالِقينَ و لا *** أيدي الخَوالِقِ إلّاجَيِّدُ(2) الأَدَمِ (3)
و إنّما يَئطُّ بأيديهم إذا باشَروه و مَدَّدوه، و رَسَموا عليه الرُّسومَ .
و قولُه: «خَلَقتُ الأديمَ » مَجازٌ، و فيه حَذفٌ ، و المرادُ: «خَلَقتُ تقديرَه». (246)
و إذا صَحَّت الجُملةُ التي قَدَّمناها، فقَد كانَ القياسُ يَقتَضي - لَولا ضَربٌ مِن التعارُفِ و سَنُبيِّنُه - أن يُسَمَّى القُرآنُ ، و كُلُّ كلامٍ وَقَعَ مُقَدَّراً مَقصوداً به إلىٰ وَجهٍ مِن وجوهِ الحِكمةِ ، بأنّه: «مخلوقٌ ». و لكِنّهم تَعارَفوا لفظةَ «الخَلقِ » و «الاختِلاقِ »(4)في الكلامِ إذا كانَ كَذِباً مُضافاً إلىٰ غَيرِ قائلِه. و لهذا يَقولونَ فيمن كَذَبَ : إنّه «خَلَقَ »، و «اختَلَقَ » و «خَرَقَ » و «اختَرَعَ » و «افتَعَلَ »، كُلُّ ذلك بمعنىً (5) واحدٍ.
و في التنزيلِ : «وَ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَ بَنٰاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ »(6).
و يَقولونَ في القَصيدةِ : «إنّها مخلوقةٌ » متىٰ أُضيفَت إلىٰ غَيرِ قائلِها؛ لأنّ إضافتَها إلىٰ غَيرِ قائلِها كَذِبٌ ، و إن كانَت هي في نفسِها تَتضمَّنُ الصِّدقَ ؛ لأنّهم راعَوا في
ص: 310
هذه اللفظةِ - إذا استَعمَلوها في الكلامِ - معنَى الكَذِبِ .
و قد نَصَّ صاحبُ كتابِ «العَين»(1) و صاحبُ «الجَمهَرة»(2) في كتابَيهِما علىٰ ما يَشهَدُ بما ذَكَرناه في معنىٰ هذه اللفظةِ (3).
و قالَ اللّٰهُ تَعالىٰ : «وَ تَخْلُقُونَ إِفْكاً»(4) و «إِنْ هٰذٰا إِلاَّ اِخْتِلاٰقٌ »(5) و «إِنْ هٰذٰا إِلاّٰ خُلُقُ اَلْأَوَّلِينَ »(6).
و هذه الجُملةُ تَمنَعُ مِن إجراءِ لفظِ «الخَلقِ » علَى القُرآنِ ؛ لئلّا يوهِمَ أنّه كَذِبٌ ، أو مُضافٌ إلىٰ غَيرِ قائلِه.
و ممّا يوضِحُ عن صحّةِ ما قُلناه: أنّه لا يُمكِنُ أحَداً(7) أن يَحكيَ عن ناطقٍ باللُّغةِ العربيّةِ ، في شِعرٍ أو نَثرٍ، أنّه استَعمَلَ لفظةَ «مخلوقٍ » في الكلامِ ، إلّاعلىٰ معنَى الكَذِبِ ، أو الإضافةِ إلىٰ غَيرِ قائلِه. و قد رُويَ عن أميرِ المؤمِنينَ عليه السَّلام لمّا
أنكَرَ الخَوارجُ التحكيمَ ، أنّه قالَ لهم: «أما و اللّٰهِ ما حَكَّمتُ مخلوقاً، و لكِنّني حَكَّمتُ كتابَ اللّٰهِ تَعالىٰ »(8).
و قد عَلِمنا أنّه عليه السَّلام لَم يَنفِ الحَدَثَ ، و لا أنّ فاعلَه فَعَلَه مُقدَّراً، لكِنّه مَنَعَ مِن إطلاقِ هذه اللفظةِ عليه؛ للمعنَى الذي ذَكَرناه.
ص: 311
و قد رُويَ عن جَماعةٍ مِن الأئمّةِ مِن آلِ الرسولِ عليهم السَّلام في هذا المعنىٰ ما يَشهَدُ بما ذَكَرناه، و يَمنَعُ مِن إطلاقِ هذه الجُملةِ في القُرآنِ (1).
و هذه الأخبارُ و إن أمكَنَ أن يُقالَ في كُلِّ خبرٍ منها بعَينِه: «إنّه خبرُ واحدٍ»(2)، فلِجُملتِها قُوّةٌ و تأثيرٌ؛ ممّا(3) يَقتَضي قُوّةَ الظنِّ - و إن لَم يُفضِ (4) إلَى العِلمِ و اليَقينِ - لجَوازِ أن نَعتَمِدَه في هذا الموضِعِ ، مُضافاً إلى ما ذَكَرناه مِن العُرفِ في استعمالِ هذه اللفظةِ .
فإن قيلَ : فتَقولونَ (5): إنّ لفظةَ «مخلوقٍ » و «مُختَلَقٍ » ممّا وُضِعَ في الأصلِ لإفادةِ «التقديرِ» فيما لَيسَ بكلامٍ ، و في الكلامِ لكَونِه(6) «كَذِباً»؛ أو ممّا وُضِعَ للتقديرِ في كُلِّ شيءٍ ، ثُمّ اختَصَّ بالاستعمالِ و العُرف بما لَيسَ بكلامٍ و تَغيَّرَت فائدتُه ؟
قُلنا: كُلُّ واحدٍ من الأمرَينِ جائزٌ عندَنا، و لَيسَ نَدري أيُّ الوَجهَينِ هو الواقِعُ ، و الغرضُ أن يَصِحَّ [أنّ ] هذه اللفظةَ لا تُستَعمَلُ في الكلامِ مُطلقاً علىٰ ما تُستَعمَلُ في غَيرِه، و أنّها في الكلامِ تُفيدُ معنىً مخصوصاً؛ و هو الذي ذَكَرناه. و هل الوَضعُ اقتَضىٰ ذلكَ أو العُرفُ غَيَّرَه ؟ ممّا لا يُعلَمُ و لا يَجِبُ أن يُعلَمَ .
ص: 312
[الفصلُ الخامس](1)الكلامُ في المخلوقِ
اختَلَفَ الناسُ في الأفعالِ التي تَظهَرُ مِن العِبادِ؛ كالقيامِ و القُعودِ و التصَرُّفِ :
فقالَ قَومٌ : إنّ تلكَ أجمَعَ أفعالُ العِبادِ، و حادثةٌ مِن جهتِهم، لا فاعلَ لها و لا مُحدِثَ سِواهم. و هذا قولُ جميعِ طوائفِ أهلِ العَدلِ ؛ مِن المُعتَزِلةِ و غَيرِهم(2).
و قالَ جَهْمٌ (3) و أصحابُه: هذه الأفعالُ مخلوقةٌ للّٰهِ تَعالىٰ ، و هو المُتفرِّدُ بفِعلِها،
ص: 313
و إن نُسِبَت إلَى العِبادِ علىٰ سَبيلِ المَجازِ. و ما قولُهم: «قام فُلانٌ » إلّاكقَولِهم: «طالَ و سَمِنَ ».
و قال ضِرارُ بنُ عمرٍو(1)، و حَفصٌ الفَردُ(2) و النجّارُ(3) و مَن وافَقَهم: إنّ اللّٰهَ تَعالىٰ هو الخالقُ لهذه الأفعالِ و الفاعلُ لها، و العِبادُ أيضاً فاعلونَ لها علَى الحقيقةِ دونَ المَجازِ، فكأنّهم أثبَتوا فِعلاً واحداً مِن فاعلَينِ ، و سَمَّوا أحَدَهما «خالقاً» و الآخَرَ:
«مُكتَسِباً».
و قالَ الأشعريُّ (4) مُتَأخِّراً: إنّ اللّٰهَ تَعالىٰ (247) هو الفاعلُ لهذه الأفعالِ التي
تَظهَرُ مِن العِبادِ، و العِبادُ غَيرُ فاعلينَ علَى الحقيقةِ لشيءٍ منها، لكنّهم مُكتَسِبونَ .
ص: 314
فإن قيلَ : «فاعلونَ » فعلىٰ وَجهِ المَجازِ.
و حُكيَ عن صالحِ قُبّةٍ (1) - مع قولِه بالعَدلِ -: أنّ أفعالَ العِبادِ مخلوقةٌ للّٰهِ تَعالىٰ ؛ علىٰ معنىٰ أنّه خَلَقَ أسماءَها لا علىٰ أنّه أحدَثَ ذَواتَها(2).
و هذا مِن صالحٍ خِلافٌ في عِبارةٍ ، و غَيرُ لاحِقٍ بما تَقدَّمَ .
و نَحنُ نَدُلُّ علَى الصحيحِ ، و نُبيِّنُ فَسادَ الفاسدِ، و نُرَتِّبُه في فُصولِه، بمَشيّةِ اللّٰهِ و عَونِه علَى الحقيقةِ (3).
***
ص: 315
قد دَلَّلنا في بابِ إثباتِ المُحدِثِ مِن هذا الكتابِ [علىٰ ] أنّ «وجوبَ وقوعِ تَصَرُّفِنا مع السلامةِ و ارتفاعِ المَوانِعِ بحَسَبِ أحوالِنا مِن قَصدٍ و داعٍ و غَيرِ ذلكَ ، و وجوبَ انتفائها بحَسَبِ [أحوالِنا] مِن كَراهيةٍ و صارِفٍ » دالٌّ علىٰ أنّها حادثةٌ بنا و مِن جهتِنا، و أنّها لَو لَم تَكُن بنا حادثةً لَكانَ وجودُها - إثباتاً و نَفياً - واقفاً علىٰ أحوالِ غَيرِنا. و بَسَطنَا الكلامَ في هذه الطريقةِ و يَسَّرناه، و رَدَدنا(1) ما يَحتَمِلُها مِن الزياداتِ ، و أجَبنا عمّا به يُعتَرَضُ عليها مِن الشُّبهاتِ (2).
و أجَبنا(3) عن سؤالِ مَن يَعتَرِضُ بأن يَقولَ : جَوِّزوا أن يَكونَ اللّٰهُ تَعالىٰ هو الذي فَعَلَ فيكم هذه الأفعالَ ، تابعةً للقُصودِ التي هي أيضاً مِن فِعلِه، و جَعَلَ العادةَ مُستَمِرّةً بذلكَ .
بأن(4) قُلنا: إنّ هذا سؤالٌ فاسدٌ؛ مِن جهةِ أنّه لا يَصِحُّ إلّابَعدَ صحّةِ ما يُعتَرَضُ به
ص: 316
عليه، و في صحّةِ ذلك إبطالُ السؤالِ نفسِه. و معنىٰ هذه الجُملةِ ، أنّه لا سَبيلَ إلىٰ إثباتِ القَديمِ تَعالىٰ بصفاتِه، إلّابَعدَ أن نُثبِتَ تَعلُّقَ تَصرُّفِنا بنا، و أنّ حُدوثَه مِن جهتِنا(1)، و أنّه إنّما احتاجَ إلينا في حُدوثِه لِنَبنيَ علىٰ ذلكَ حاجةَ كُلِّ مُحدَثٍ إلىٰ مُحدِثٍ . فلا يَصِحُّ [علىٰ ] ما ذَكَرناه - أن يُعتَرَضَ علىٰ «حاجةِ التصَرُّفِ في حُدوثِه إلينا» ب «ما يَتضمَّنُ إثباتَ القَديمِ » الذي لَولا عِلمُنا بالحُكمِ الذي هو حاجةُ التصَرُّفِ إلينا، و عِلّتِه التي تَقدَّمَ بيانُها لها، لَم يَثبُتِ القَديمُ ، و لا كانَ إلىٰ إثباتِه بصفاتِه طريقٌ .
و أجَبنا(2) عن سؤالِ مَن يَقولُ : جَوِّزوا أن يَكونَ ذلكَ مِن فِعلِ فاعلٍ فيكم، له الصفاتُ التي أثبَتُّموها بالدليلِ للقَديمِ ؛ فإنّ ذاكَ يَجوزُ قَبلَ القَطعِ !
بجَوابَينِ :
أحَدُهما: أنّ معنَى «الفِعليّةِ » لا بُدَّ مِن أن يَكونَ معقولاً قبلَ الإضافةِ إلىٰ فاعلٍ دونَ فاعلٍ ، و لَيسَ يُعقَلُ مِن «معنَى الفِعلِ » إلّاوجوبُ وقوعِه بحَسَبِ أحوالِ مَن قيلَ : إنّه فِعلٌ له. و إذا كانَت هذه الحَقيقةُ حاصلةً له مَعَنا(3)، بَطَلَ التجويزُ الذي عورِضنا به. و استَحالَ أن يُسنِدَه إلىٰ غَيرِنا، و يُضيفَه إليه علىٰ جهةِ الفِعليّةِ التي لا مَعنىٰ لها سِوىٰ ما عَقَلناه!
ص: 317
و الجَوابُ الآخَرُ: أنّ وجوبَ وقوعِ هذا(1) التصَرُّفِ بحَسَبِ أحوالِنا، يَمنَعُ مِن تجويزِ كَونِه فعلاً لغَيرِنا فينا؛ لأنّه لَو كانَ فِعلاً لغَيرِنا، لَكانَ وقوعُه تابعاً لأحوالِ ذلكَ الغَيرِ، فكانَ لا يَمتَنِعُ إيقاعُه للفِعلِ مع ثُبوتِ صوارِفِنا(2)، و أن لا يوقِعَه مع قُوّةِ دَواعينا و بَواعثِنا؛ لأنّ أحوالَنا لَيسَت شُروطاً في إيجادِ ذلك الفاعلِ (3) ما يَقدِرُ عليه مِن أفعالِه. و إذ كُنّا قد بيّنّا وجوبَ وقوعِ التصَرُّفِ و بَقائه بحَسَبِ أحوالِنا، بَطَلَ هذا التجويزُ، و جَرىٰ مَجرىٰ مَن عَلَّقَ وجوبَ «انتفاءِ السوادِ عندَ وجودِ البياضِ » باختيارِ مُختارٍ، و كذلكَ سائرُ الواجباتِ .
طريقةٌ أُخرىٰ : لَيسَ يُعقَلُ مِن معنَى الفِعليّةِ و حَقيقةِ الفِعلِ [و] إضافةِ الفِعلِ إلَى الفاعلِ ، إلّاما عَقَلناه لهذا التصَرُّفِ منّا(4)، فإثباتُه فِعلاً لغَيرِنا مع ما ذَكَرناه غَيرُ معقولٍ .
و رُبَّمَا اعتُمِدَت هذه الطريقةُ بعِبارةٍ أُخرى؛ و هي أن يُقالَ : قد ثَبَتَ مِن تَعلُّقِ
(248) هذا التصرُّفِ بنا، و وجوبِ حُدوثِه بحَسَبِ أحوالِنا، ما لَو كانَ فِعلاً لنا لَم يَزِدْ علىٰ ذلكَ . فلا يَجوزُ تَعليقُه بغَيرِنا(5)، و لا بُدَّ مِن إثباتِه حادثاً بنا.
فإن قيلَ : ما أنكَرتُم أن تَكونَ حقيقةُ الفِعلِ غَيرَ ما ادَّعَيتموه؛ مِن «وقوعِه بحَسَبِ قَصدِ مَن قيلَ : إنّه فِعلُه و أحوالُه»؟ بل فائدةُ الفِعلِ هي «أن يَصدُرَ حُدوثُ الذّاتِ
ص: 318
عن حالةٍ لِذاتٍ (1) أُخرىٰ »، و الفاعِلُ هو «مَن له حالةٌ عنها حَدَثَ الفِعلُ ».
قُلنا: هذا الكلامُ متىٰ حُقِّقَ ، رَجَعَ إلىٰ معنىٰ ما ذَكَرناه؛ لأنّا لا نَعقِلُ مِن حُدوثِ الذاتِ عن حالةٍ لِذاتٍ أُخرىٰ ، إلّاما ذَكَرناه مِن التعَلُّقِ المخصوصِ ، و أنّ أحوالَ تلكَ الذاتِ متىٰ تَكامَلَت، وجبَ حُدوثُ هذه الذاتِ ، و تَبِعَ حُدوثُها ما تلكَ الذاتُ عليه مِن قَصدٍ وداعٍ ، و لا اعتبارَ بتغييرِ العِباراتِ في هذا البابِ .
فإن قيلَ : ألَيسَ قد حَدَّ(2) الشُّيوخُ قَديماً الفاعلَ بأنّه «مَن وُجِدَ مقدورُه»، و الفِعلَ بأنّه «ما وُجِدَ بَعدَ أن كانَ مقدوراً»؟
قُلنا: هذا أيضاً متىٰ تُؤُمِّلَ حَقَّ التأمُّلِ عادَ إلىٰ ما ذَكَرناه، و إلّالَم يَكُن صحيحاً؛ لأنّا إن أرَدنا بقَولِنا: «إنّ الفاعلَ مَن وُجِدَ مقدورُه» إثباتَه مقدوراً له علىٰ سَبيلِ التفصيلِ و التمييزِ، لَم يَصِحَّ ؛ لأنّا لا نَعلَمُه قادراً عليه [تفصيلاً إلّا بَعدَ أن نعلَمَه فاعلاً له](3)، و [لا] نَعلَمُه مقدوراً له تفصيلاً إلّابَعدَ أن نَعلَمَه فِعلاً له.
و إن أرَدنا بقَولِنا: «قادرٌ عليه و مقدورٌ له» الجُملةَ دونَ التفصيلِ ، فهو المعنَى الذي أشَرنا إليه و قلنا: إنّه التعلُّقُ الذي لا بُدَّ مِن مَعرفتِه.
و إن لَم يُلحَظْ متىٰ قُلنا [في الفاعلِ ](4): «مَن وُجِدَ مقدورُه» و في الفِعلِ :
ص: 319
«[ما] وُجِدَ بَعدَ أن كانَ مقدوراً(1)»، التعَلُّقُ المخصوصُ الذي ذَكَرناه، و أنّ حُدوثَ هذا الفِعلِ يَتبَعُ أحوالَ مَن قُلنا: إنّه فاعلٌ له، لَم يكُن هناك معنىً يُعقَلُ و لا يُفهَمُ .
فإن قيلَ : كيفَ يَصِحُّ أن تَكونَ للطريقةِ (2) الأُولىٰ دَلالةٌ علىٰ مَوضِعِ الخِلافِ كافيةٌ ، و أنتم لمّا أجَبتم عنِ الاعتراض عليها(3)، اعتَمَدتم علىٰ ما هو دَلالةٌ بنفسِه(4)، و هذا يَقتَضي أن تَكونَ (5) غَيرَ دَلالةٍ في نفسِها؟
قُلنا: لَو لَم نَعتَمِدْ في جَوابِ الاعتراضِ إلّاعلىٰ ما جَعَلناه بانفرادِه دليلاً كافياً،
لَوجبَ ما ذَكَرتَ . لكِنّا قد ذَكَرنا جَواباً آخَرَ متَى اعتُمِدَ كَفىٰ في سُقوطِ الشُّبهةِ ، و لا يُمكِنُ أن يَكونَ بنفسِه دليلاً في المسألةِ ؛ و هو «اعتبارُ الوجوبِ » و أنّ التصَرُّفَ لَو كانَ مِن فِعلِ غَيرِنا لَم يَجِبْ وقوعُه بحَسبِ أحوالِنا.
طريقةٌ أُخرى: و ممّا استُدِلَّ به علىٰ ذلكَ ، أنّا قد عَلِمنا ضَرورةً : حُسنَ ذَمِّ المُسيءِ علىٰ فِعلِه و فاعلِ القَبيحِ إذا تَكامَلَت شَرائطُه، و حُسنَ شُكرِ المُحسِنِ علىٰ إحسانِه و مَدحِ فاعلِ الواجِبِ و ما جَرىٰ مَجراه. و لَو لَم تَكُن هذه الأفعالُ حادثةً مِن جهتِهم لَما حَسُنَ ذلكَ ؛ ألا تَرىٰ أنّه لا يَحسُنُ أن نَذُمَّ (6) أحداً علىٰ خِلقَتِه و أفعالِ غَيرِه، و لا
ص: 320
نَمدَحَه(1) علىٰ شيءٍ مِن ذلكَ ؛ مِن حَيثُ لَم يَكُن فِعلاً له و حادثاً مِن جهتِه ؟
و لَيسَ يُطعَنُ علىٰ هذه الطريقةِ بما يُعزىٰ إلىٰ أبي هاشمٍ ؛ مِن قَدحِه فيها بأنّ الذَّمَّ و المَدحَ يَتبَعانِ العِلمَ بكَونِ الفاعلِ فاعلاً،(2) فلا يَجوزُ أن يُتَوصَّلَ بالذَّمِّ الذي هو فَرعٌ ، إلَى العِلمِ بأنّه فاعلٌ و هو الأصلُ .
و ذلك أنّ الذي نَحتاجُ إليه في العِلمِ بحُسنِ المَدحِ و الذَّمِّ ، العِلمُ بتَعلُّقِ الفِعلِ علىٰ طريقِ الجُملةِ بالفاعلِ ، و أنّه ممّا يَجِبُ وقوعُه بحَسَبِ قَصدِه و دَواعيهِ (249) و أحوالِه. و هذا القَدرُ لا يَكفِي في أنّه فاعلٌ علىٰ سَبيلِ التفصيلِ ، و أنّ حُدوثَ الفِعلِ به و مِن جِهَتِه. فيَجوزُ أن يُتوصَّلَ باستحقاقِ الذَّمِّ و المَدحِ إلىٰ ذلك الوَجهِ الذي قَدَّمناه، فيُقالَ : لَولا أنّه حادِثٌ مِن جهتِه، لَما استَحَقَّ الذَّمَّ و المَدحَ عليه قياساً علىٰ أفعالِ غَيرِه.
و كيف يَخفىٰ عليه(3) هذا الذي ذَكَرناه، و معلومٌ أنّ العِلمَ بحُسنِ الذَّمِّ و المَدحِ حاصلٌ في البِدايةِ ، و هو مِن جُملةِ ما يَكمُلُ به الفِعلُ . و قُبحُ الظُّلمِ الذي نَقولُ : إنّ العِلمَ به علىٰ سَبيلِ الجُملةِ ضَروريٌّ ، لا معنىٰ له إلّا(4) أنّ مَن تَعلَّقَ به التعلُّقَ المَخصوصَ يَستَحِقُّ الذَّمَّ به. فلَو كانَ العِلمُ بالذَّمِّ و المَدحِ يَتعلَّقانِ بأنّ الفاعلَ فاعلٌ على سَبيلِ التفصيلِ ، و معلومٌ أنّ ذلكَ يُعلَمُ باستدلالٍ ، لَم يَكُن ضَروريّاً علىٰ ما ذَكَرناه.
***
ص: 321
أمّا الذي يَدُلُّ على أنّ الفِعلَ الواحِدَ لا يَحدُثُ مِن وَجهَينِ ، و أنّ (1) الحُدوثَ لا يَتَزايدُ: فهو ما ذَكَرنا طَرَفاً منه في بابِ التوحيدِ و نفيِ الثاني؛ و جُملتُه:
أنّه لو جازَ أن يَجعَلَ القادرُ الواحدُ أو القادرانِ للذاتِ الواحدةِ صفتَينِ في الحُدوثِ ، لَم يَمتَنِعْ أن تَفتَرِقَ هاتان الصفتانِ للذاتِ ، و تَحصُلَ واحدةٌ بعدَ الأُخرىٰ ، كما صَحَّ أن يَجتَمِعا في الحالِ الواحدةِ . و هذا يُؤَدّي إلىٰ صحّةِ إيجادِ الموجودِ، و قد عَلِمنا تَعذُّرَ ذلكَ و استِحالَتَه، و أنّ وجودَ الذاتِ مُحيلٌ للقُدرةِ عليها، كما كان عدمُها مُحيلاً لتَعلُّقِ الإدراكِ بها. و لا شُبهةَ في أنّ أحَدَنا يَمتَنِعُ عليه إيجادُ مقدورِ غَيره.
و بَعدُ، فلَو صَحَّ إيجادُ الموجودِ، لَوجبَ إذا حَمَلَ أحَدُنا جسماً ثَقيلاً و وَجَدَ مَشَقَّةَ حَملِه، ثُمّ حَمَلَه ثانياً - [بِناءً ] علىٰ هذا القولِ ، بأن أَوجَدَ مِن حَملِه(2) ما كانَ
ص: 322
أَوجَدَه بعَينِه - أن يَجِدَ مِن المَشَقّةِ ما وَجَدَه(1) في الأوّلِ . و معلومٌ خِلافُ ذلكَ .
و كانَ يَجِبُ أيضاً أن يَجِدَ القادرُ مِنّا الفَرقَ بَينَ أن يَفعَلَ في الجسمِ الثقيلِ حَملَه مِن وَجهَينِ ، و بَينَ أن يَفعَلَ ذلكَ مِن وَجهٍ واحدٍ.
و كانَ يَجِبُ أن يَصِحَّ مِن غَيرِ هذا الفاعلِ - الذي فَعَلَه مِن أحَدِ الوَجهَينِ - أن يُبطِلَ فِعلَه في الثاني، مِن حَيثُ كانَ باقياً.(2) و كُلُّ ذلكَ فاسدٌ.
و ممّا يدُلُّ أيضاً علىٰ ذلك: أنّ الذاتَ لَو حَصَلَت لها في الوجودِ صفةٌ بَعدَ أُخرىٰ ، لَم يَخلُ إذا حَصَلَت علَى الصفةِ الثانيةِ مِن أن تَكونَ (3) لها أحكامٌ لَم تَكُن مِن قَبلُ ، أو لا تَكونَ (4) كذلكَ . و قد عَلِمنا أنّه لا حُكمَ مَعقولَ يَحصُلُ عندَ الصفةِ الثانيةِ ، إلّا و هو حاصلٌ عندَ الأُولى. فلَم يَبقَ إلّاأنّه لا حُكمَ للصفةِ الثانيةِ و هذا يؤَدّي إلىٰ أنّه لا فَرقَ بَينَ ثُبوتِها و انتفائها.
و يَدُلُّ أيضاً علىٰ ذلك: [أنّه] كانَ لا يَمتَنِعُ أن تَحدُثَ الذاتُ علىٰ أحَدِ الوَجهَينِ دونَ الآخَرِ؛ لأنّ وَجهَيِ الحُدوثِ في صحّةِ انفصالِهما و حُصولِ أحَدِهما دونَ الآخَرِ كالفِعلَينِ ؛ لأنّه لَو كانَ انفِصالُهما مُستَحيلاً، لَكانَ لكُلِّ واحدٍ مِن الوَجهَينِ
تَعلُّقٌ بالآخَرِ يَقتَضي أنْ لا يُفارِقَه، و هذا يؤَدّي إلىٰ حاجةِ الذاتِ في كَونِها علىٰ كُلِّ
ص: 323
واحدٍ مِن الوَجهَينِ إلىٰ كَونِها علَى الوَجهِ الآخَرِ. و فَسادُ ذلكَ ظاهرٌ.
و إذا صَحَّ ما ذَكَرناه، [نقول](1): مِن شأنِ ما يَصِحُّ أن يَحدُثَ متىٰ لَم يَحدُثْ أن يَبقىٰ معدوماً؛ لأنّه لَيسَ مَعَ العدمِ إلّاانتفاءُ (2) الحُدوثِ ، و هذا مَرَدُّه إلىٰ أنّ [المُحدَثَ إذا حَدثَ علىٰ أحَدِ الوَجهَينِ دونَ الآخَرِ أنْ يكون معدوماً مِن وَجهٍ ، و مَوجوداً مِن آخَرَ؛ فتكونُ ](3) الذاتُ الواحدةُ في الحالةِ الواحدةِ موجودةً معدومةً !
و لَيسَ يَجوزُ أن يَجعَلَ عاقلٌ بَقاءَها معدومةً ، موقوفاً علىٰ أن [لا] تَحدُثَ مِن الوَجهَينِ معاً؛ لأنّه لا فَرقَ بَينَ هذا القائِلِ و بَينَ مَن جَعَلَ وجودَها موقوفاً علىٰ حُدوثِها مِن الوَجهَينِ معاً.
فإن قيلَ : قَولُكُم: «معدومٌ مِن وَجهٍ مع أنّه موجودٌ مِن آخَرَ»، إن أرَدتُم (250) نَفيَ الموجودِ(4) مِن ذلكَ ، فهو مَذهبُ مُخالِفِكُم ممّن(5) اختَلَفَ [معكم]، و إن أرَدتُم سِواه فأَوضِحوا.
قُلنا: نُريدُ بذلكَ أن يَكونَ معدوماً مِن الوَجهِ الذي يَنتَفي عنه الحُدوثُ [و] أحكامُ الحُدوثِ ؛ مِن التعلُّقِ و إيجابِ الحالِ ، و مرادُه ما يَتزايدُ(6) و غَيرُ ذلكَ .
ص: 324
و لَيسَ لأحَدٍ أن يقولَ : إنّ الأحكامَ التي ذَكَرتُم تابعةٌ لصفةِ (1) الجنسِ التي تَفتَقِرُ إلى الوجودِ المُطلَقِ ، و متىٰ حَصَلَتِ (2) الذاتُ علىٰ إحدىٰ صفتَي(3) الوُجودِ، فلا بُدَّ مِن حُصولِ هذه الأحكامِ .
و ذلكَ : أنّ صفةَ الجنسِ مِن شأنِها أن تَظهَرَ مع وجودِ الذاتِ ، و تَتبَعَها الأحكامُ ، و تُنفىٰ بعدمِها. و إن(4) جازَ لقائلٍ أن يَقولَ : إنّه يَكفي في ظُهورِ صفةِ الجنسِ و أحكامِها، و عدمُ الذاتِ (5) مِن وَجهٍ ، و إن(6) كانَت موجودةً مِن آخَرَ؛ بأن(7) قالَ : ظُهورُ صفةِ الجنسِ يَكفي فيه الوجودُ المُطلَقُ .
[و] ممّا يَدلُّ أيضاً على أنّ الذاتَ الواحِدَةَ (8) لا تَحدُثُ علىٰ وَجهَينِ ، و أنّ الحُدوثَ لا يَتَزايَدُ: أنّ القولَ بذلكَ يؤَدّي إلَى اجتماعِ الضِّدَّينِ ؛ لأنّ السوادَ إذا فَرَضنا حُدوثَه في المَحَلِّ مِن وَجهَيِ الحُدوثِ ، فيَجِبُ إذا وُجِدَ البياضُ مِن أحَدِ وَجهَيِ الحُدوثِ أن يَكونَ نافياً(9) له مِن الوَجهِ الذي حَدَثَ عليه، و لا يَكونَ نافياً له مِن الوَجهِ الآخَرِ. و هذا يَنقُضُ حقيقةَ التضادِّ.
ص: 325
فإن قيلَ : التزايُدُ يَرجِعُ إلَى الأجناسِ و ما عليه مِن الصفاتِ ، و إذا وُجِدَ البياضُ في مَحَلِّ السوادِ، إذاً وجبَ أن ينفِيَ منه السوادَ للتضادِّ(1) الذي بينهما. و إذا نَفاه(2)وجبَ خُروجُ السوادِ مِن جميعِ صِفاتِ الوجودِ التي هي له، و إلّاأدّىٰ إلى أن يَكونَ موجوداً مع فَقدِ الهَيئةِ المخصوصة(3).
قُلنا: هذا يؤَدّي إلىٰ تَجويزِ كَونِ الذاتِ الواحدةِ بصفةِ السوادِ و الحُموضةِ ، و يكونَ لها صفتانِ . و في الوجودِ إذا طَرَأَ البياضُ وجبَ أن يَنفِيَها مِن حَيثُ كانَت سواداً، و يَنفيَ معها إحدى صفتَي(4) الوجودِ، و يَنفيَ الذاتَ مِن حَيثُ هي حُموضةٌ ، و يَنفيَ صفةَ الآخَرِ في الوجودِ. و معلومٌ فَسادُ ذلك، فيَجِبُ فَسادُ ما أدّىٰ إليه.
و أمّا الذي يَدُلُّ علىٰ أنّ المقدورَ الواحد(5)، لا يجوزُ أن يَكونَ مقدوراً لقادرَينِ ، مِن وَجهٍ واحدٍ: فهو أيضاً تَقدَّمَ طَرَفٌ منه في بابِ نَفيِ الاثنَينِ (6)؛ و جُملتُه: أنّهما لَو قَدَرا علىٰ مقدورٍ واحدٍ، لَكانَ متىٰ وُجِدَ، يَكونُ فِعلاً لهما جميعاً؛ لأنّ حقيقةَ كَونِه فِعلاً لا يَختَصُّ أحَدَهما، إذا كانَ ما له يَكونُ الفِعلُ فعلاً لِمَن يُضافُ إليه، لَيسَ (7) بأكثَرَ(8) [مِن]
ص: 326
وُجودِه بَعدَ أن كانَ قادراً عليه. و هذا الحُكمُ هو مع كُلِّ واحدٍ مِن [هذَينِ ](1) القادرَينِ .
و لا يُمكِنُ أن يُقالَ : إنّه يَكونُ فِعلاً لأحَدِهما دونَ الآخَرِ؛ مِن حيثُ قَصَد(2) إليه و أرادَه، أو عَلِمَه و اعتَقَدَه، و حَصَلَ (3) له إلىٰ فِعلِه داعٍ .
و ذلكَ لأنّ الفِعلَ قد يَكونُ فِعلاً للقادرِ عليه مع انتفاءِ كُلِّ ذلك؛ ألا تَرى أنّ الساهِيَ و النائمَ يَكونُ ما يَحدُثُ بَعدَ أن قَدَرا عليه فِعلاً لهما، و إن لَم يَكُن مِنهما قَصدٌ و لا عِلمٌ و لا داعٍ؟
و ذلك أنّ الكلامَ في «أحدَثَه»، [و] «أوجَدَه» و «فَعَلَه» واحدٌ. و إذ كُنّا قد بيّنّا أنّه لا
حَقيقةَ لِقولِنا: «فَعَلَه» إلّا [ما] ذَكَرناه؛ مِن وجودِه بَعدَ أن كانَ قادراً عليه، و لا معقولَ سِواه، فكذلكَ في «أحدَثَه» و «أَوجَدَه». و قولُهم: «حَدَثَ مِن جهتِه أو قِبَلِه» إن لَم يُشَرْ به إلىٰ بعضِ ما ذَكَرناه، لَم يَكُن مفهوماً، فكذلكَ سِواه. (251).
و إذا ثَبَتَت هذه الجُملةُ ، و قد عَلِمنا أنّ كُلَّ قادرَينِ يَصِحُّ أن تَختَلِفَ دَواعيهِما؛ فيُريدَ(1) أحَدُهما مِن الأفعالِ ما يَكونُ الآخَرُ كارهاً لإيجادِه، مُتَوافِرَ الدواعي إلَى الإعراضِ عن فِعلِه، و هذا لا شُبهةَ (2) في صحّتِه(3) في القادرَينِ ، و إنّما يَستَحيلُ اختلافُ الدواعي(4) - و الحالُ واحدةٌ - علَى الذاتِ الواحدةِ .
و إذا ثَبَتَ ما ذَكَرناه، لَم يَخلُ ذلكَ الفِعلُ مِن أن يوجَدَ، أو لا أن يُوجَدَ. و في وجودِهِ إثباتُ الفعل لمن(5) يَجِبْ نفيُه(6) عنه. و إن لَم يوجَدْ، فقَدِ انتفَى الفِعلُ عَمَّن(7)يَجِبُ إثباتُه له؛ لأنّ غايةَ ما يَقتَضي ثُبوتَ الفِعلِ ، حُصولُ الإرادةِ بتوَفُّرِ الدواعي مع القُدرَةِ و التخلية(8). كما أنّ غايةَ ما يَقتَضِي انتفاءَه(9) الكَراهيةُ و حُصولُ الصَّوارِفِ .
ص: 328
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَقولَ : إنّما يَجِبُ انتفاؤُه مع الكَراهيةِ و الصوارفِ ، متىٰ لَم يَكُن ذلكَ الفِعلُ مقدوراً له و لِغَيرِه(1).
و ذلكَ : أنّه لا فَرقَ بَينَ هذا القولِ ، و بَينَ قَولِ مَن قالَ : إنّما يجب(2) إثباتُ الفِعلِ مع قُوّةِ الدواعي و تَكامُلِ (3) الشُّروطِ، و [هو] إنّما يَجِبُ مَتىٰ كانَ مقدوراً لقادرٍ واحدٍ، و أنّ ذلكَ لا يَجِبُ مَتىٰ [كانَ ] مقدوراً [للغَيرِ أيضاً](4). و هذا يَقتَضي أنّ الفِعلَ ليسَ بالوُجودِ أَولىٰ منه بالعدمِ ، و لا بالعدمِ أَولىٰ مِنه بالوجودِ(5).
و قد يُستَدَلُّ بهذه الطريقةِ بعَينِها علىٰ وُجوهٍ يَتَقارَبُ معانيها، و إنِ اختَلَفَت ألفاظُها، فيُقالُ : لَو قَدَر على المَقدُورِ الواحدِ قادرانِ ، ثُمّ اختَلَفَت دَواعيهِما علىٰ ما ذَكَرناه، لَم يَخلُ الفِعلُ مِن أن يوجَدَ فيَنتَقِضَ بوجودِه حقيقةُ القادرِ الذي فَرَضنا كَراهَتَه و قُوّةَ صَوارِفِه عن الفعلِ ، أو لا يُوجَدَ فيَنتَقِضَ حقيقةُ القادرِ الذي ثَبَتَت دَواعيهِ إلَى الفِعلِ و بَواعِثِه عليه. و هذا يُقارِبُ ما تَقدَّمَ في المعنىٰ ، و المُعوَّلُ علَى المَعاني دونَ العِباراتِ .
طريقةٌ أُخرى: و ممّا استُدِلَّ به علىٰ ذلك، أنّ المقدورَ الواحِدَ لَو قَدَرَ عليه
ص: 329
قادِرانِ ، لَم يَمتَنِعْ أن يَعجِزَ أحَدُهما عنه مع كَونِ الآخَرِ قادراً عليه. و هذا التقديرُ صَحيحٌ في القادِرَينِ إذا كانا معاً مُحدَثَينِ ، أو كانَ أحَدُهما قَديماً و الآخَرُ مُحدَثاً؛ لأنّ العَجزَ في جَنبَةِ (1) المُحدَثِ يَصِحُّ تَقدِيرُه علىٰ كُلِّ حالٍ ، و هذا يَقتَضي أن يَكونَ ذلكَ الفِعلُ صحيحاً حُدوثُه مِن حيثُ قَدَرَ القادِرُ عليه، و مُستَحيلاً حُدوثُه مِن حَيثُ عَجَزَ الآخَرُ عنه. و هذا مُتناقِضٌ ، فيَجِبُ فَسادُ ما أدّىٰ إليه.
و لا يَسوغُ أن يُقالَ : إنّ ذلكَ الفِعلَ بصحّةِ الوجودِ أَولىٰ ؛ مِن حَيثُ قَدَرَ عليه القادِرُ، و لا يؤثِّرُ في هذه الصحّةِ عَجزُ الآخَرِ.
و ذلكَ : أنّ مِن حَقِّ المَعجوزِ عنه(2) أن يَستَحيلَ وجودُه، كما أنّ مِن شأنِ المَقدورِ أن يَصِحَّ وجودُه و لَيسَت صِحّةُ وجودِ هذا المقدورِ(3) لأجلِ القُدرةِ عليه، بأَولىٰ مِن استَحالة وجودِهِ (4)، لكَونِه معجوزاً عنه.
علىٰ أنّ هذا الفِعلَ إن كانَ وجودُه صحيحاً، كانَ القادِرُ الآخَرُ قادراً عليه أو عاجزاً، فمِن أينَ عَلِمنا أنّه قادرٌ عليه، و أحكامُ كَونِه قادراً [مُتشتّتةٌ (5)]؟ و كيفَ يَصِحُّ كَونُ الشيءِ مقدوراً لِمَن لا يؤثِّرُ عَجزُه في صحّةِ وجودِه، و لِمَن حالُه معه و هو عاجزٌ كحالِه و هو قادرٌ؟
طريقةٌ أُخرىٰ : و ممّا يُستَدَلُّ به، و إن قارَبَ ما تَقدَّمَ ، أنّ القادِرَينِ لَو قَدَرا علىٰ
ص: 330
مقدورٍ واحدٍ، لن يَمتَنِعَ أن يُمنَعَ أحَدُهما عن ذلكَ المقدورِ دُونَ الآخَرِ.
ثُمّ لا يَخلو(1) فِعلُ ذلك المقدورِ مِن وجوهٍ ثلاثةٍ :
إمّا أن يوجَدَ، فيَكونَ الفِعلُ قد وَقَعَ مِن الممنوعِ .
أو لا يوجَدَ، فيَقتَضي ذلكَ ارتفاعَ الفِعلِ (2) مِن القادرِ المخلَّىٰ (3) المُتَوفِّرِ الدواعي.
أو يوجَدَ مِن جهةِ أحَدِهما دونَ الآخَرِ، فيَكونَ الفِعلُ موجوداً معدوماً.
و إن شئتَ أن تقولَ : إذا قَدَّرنا أنّ المَنعَ قد اختصَّ أحَدَهما دونَ الآخَرِ، فذلكَ يَقتَضِي استحالةَ الفِعلِ و صحّتَه؛ فاستحالتُه مِن حَيثُ المَنعِ ، و صحّتُه مِن حَيثُ التخليةِ .
و المَنعُ و إن لَم (252) يَجُز تقديرُه في جَنبَةِ (4) القادِرِ القَديمِ تَعالىٰ ، فيَجوزُ تَقديرُه في جَنبَةِ المُحدَثِ . و أمّا إذا كانَ الكلامُ في قادِرَينِ مُحدَثَينِ فقَد يَصِحُّ أيضاً
أن يَمتَنِعَ أحَدُهما مِن الفِعلِ ؛ بأن يَكونَ ضعيفاً، بما لا يَكونُ مَنعاً للقَويِّ ، فلَيسَ لأحَدٍ أن يَجعَلَ مَنعَ أحَدِهما يَتَعدّىٰ إلىٰ صاحِبِه.
طريقةٌ أُخرىٰ : و ممّا يُستَدَلُّ به علىٰ ذلكَ ، أنّه لَو صَحَّ أن يَقدِرَ القادرانِ (5) علىٰ مَقدورٍ واحدٍ، لَوجبَ أن يَكونا: إمّا جسمَينِ قادِرَينِ بالقُدَرِ، أو أحَدُهما بهذه
ص: 331
الصفةِ ؛ لأنّ الدليلَ قد دَلَّ علَى استِحالةِ وُجودِ قادِرَينِ لأنفُسِهما(1). و قد عَلِمنا أنّ القادرَ بقُدرةٍ لا يَصِحُّ أن يَفعَلَ في غَيرِ مَحَلِّ قُدرتِه إلّابسببٍ هو الاعتمادُ، و لا بُدَّ مِن مُماسّةٍ بَينَ مَحَلِّ القُدرةِ و مَحَلِّ الفِعلِ ؛ إمّا بواسطةٍ أو غَيرِ واسطةٍ . و قد تَقدَّمَ الدليلُ على ذلك(2).
و نَحنُ نَعلَمُ أنّه لا يَمتَنِعُ في أحَدِ هذَينِ القادرَينِ أن لا تَتَكامَلَ شُروطُ صحَّةِ فِعلِه في ذلكَ المحلِّ ؛ بأن لا يَكونَ قَريباً منه، و لا يُمكَّنَ مِن مُماسَّتِه و لا مُماسّةِ ما ماسَّه، و هذا لا يَمنَعُ القادرَ الآخَرَ مِن أن يَفعَلَ مقدورَه في ذلك المَحَلِّ . و مَتىٰ فَعَلَه فهو فِعلٌ للآخَرِ مع فَقدِ شُروطِ صحّةِ كَونِه فاعلاً!
و لا فَرقَ بَينَ تجويزِ ذلكَ ، و تَجويزِ كَونِه فاعلاً مِن غيرِ أن يكونَ قادراً!
و لَيسَ يُمكِنُ أن يُقالَ : إنّ اختلالَ شَرطِ كَونِ أحَدِهما فاعلاً، يَقتَضِي تَعذُّرَ الفِعلِ مِن(3) الآخَرِ المُستَغني عن الشرطِ؛ لأنّ مِن حَقِّ المُستَغني عن الشرطِ أن لا يُخِلَّ بفِعلِه عدمُ الشرطِ؛ لأنّه لَو أخَلَّ به عدمُ الشرطِ لصحّةِ (4) فِعلِه لَكانَ مُحتاجاً غَيرَ مُستَغنٍ . و لأنّا لَو أرَدنا أن نُثبِتَه مُحتاجاً لَما زِدنا علىٰ ذلكَ .
و لَيسَ يُمكِنُ أن يُقالَ أيضاً: إنّ مُماسّةَ مَحَلِّ الفِعلِ إنّما يَكونُ شَرطاً، متَى انفَرَدَ القادرُ بمقدُورِه، و إذا شارَكَه فيه قادرٌ آخَرُ لَم يَكُن شرطاً؛ لأنّ ما يَدُلُّ علىٰ أنّ ذلكَ شرطٌ لا يَتخصَّصُ .
فإذا صَحَّت هذه الجُملةُ ، فيَجِبُ القَضاءُ بفَسادِ كَونِ المقدُورِ الواحدِ لقادرَينِ (5).
ص: 332
و هذه الطريقةُ إنّما تَتَأَتّىٰ (1) في المُتَولِّدِ دونَ المُباشَرِ(2)، و الخِلافُ من المُجْبِرةِ واقعٌ في غَيرِ ذلكَ .
طريقةٌ أُخرىٰ : و ممّا يَدُلُّ علىٰ أنّ أفعالَنا لا يَجوزُ أن تَكونَ مقدورةً للّٰهِ تَعالىٰ ، أنّا قد بيّنّا فيما تَقدَّمَ مِن هذا الكتابِ أنّ العالِمَ بقُبحِ القَبيحِ ، و أنّه غَنِيٌّ عنه، لا يَجوزُ أن
يَختارَ فِعلَه(3). و في أفعالِنا قَبائحُ ، فلَو كانَت مقدورةً له تَعالىٰ ، لَأدّىٰ إلىٰ أنّه تَعالىٰ فاعِلٌ لها، مع العِلمِ بقُبحِها و أنّه غَنيٌّ عنها.
و قد يُستَدَلُّ بهذه الطريقةِ أيضاً(4) علىٰ فَسادِ كَونِ المقدورِ الواحدِ لقادرَينِ منّا؛ لأنّه قد يَصِحُّ أن يَحصُلَ أحَدُهما [عالِماً] غَنيّاً و إن كانَ الآخَرُ مُحتاجاً، فإن وُجِدَ الفِعلُ أدّىٰ إلىٰ أنّ العالِمَ الغَنيَّ يَفعَلُ القَبيحَ ، و إن لَم يَحصُلْ وجودُه قَدَحَ ذلكَ في كَونِ القادرِ الآخَرِ قادراً عليه.
و إذا صَحَّ بهذه الطريقةِ أنّ القَبيحَ لا يَجوزُ أن يَكونَ مقدوراً لقادرَينِ ، فكذلكَ الحَسَنُ ؛ لأنّ الفَرقَ بَينَهما في هذه القضيّةِ لا يُمكِنُ .
و يُمكِنُ أن يُعتَرَضَ علىٰ هذه الطريقةِ ؛ بأن يُقالَ : إنّ الدليلَ إنّما دَلَّ علىٰ أنّ العالِمَ
ص: 333
بقُبحِ القَبيحِ و أنّه غَنيٌّ عنه لا يَختارُه؛ لأنّ كَونَه بهذه الصفةِ صارِفٌ عنه. و أكثَرُ ما في هذا البابِ أن يَكونَ الفِعلُ قد وَقَعَ ممّن له صارِفٌ عنه، و لا داعيَ له إلىٰ فِعلِه، و القومُ يُصَرِّحونَ بذلكَ ! فإذا قيلَ لهم(1): مِن حَقِّ المَصروفِ عنه الفِعلُ أن يُنفيٰ عنه ذلكَ الفِعلُ . فهذا دليلٌ آخَرُ، و قد تَقدَّمَ بَيانُه.
طريقةٌ أُخرى: و ممّا يُستَدَلُّ به علىٰ ذلكَ ، أنّ كُلَّ ما كانَ علىٰ صفةٍ مِن الذاتِ لأمرٍ يَقتَضي ذلكَ أو يوجِبُه، فلا يَصِحُّ أن يُعلَّقَ كَونُه علىٰ صفتِه بأمرٍ آخَرَ؛ ألا تَرىٰ أنّ [كَونَ ] الجَوهَرِ مُتحرِّكاً لمّا وجبَ عن وجودِ الحركةِ ، فلَم يَصِحَّ أن يُعلَّقَ (253) بأمرٍ آخَرَ؟ و كذلِكَ العالِمُ و المُريدُ. و لأنّه لَو صَحَّ [لَصَحَّ ](2) أن يُعلَّقَ بثالثٍ و رابعٍ و لَم يَقِفْ علىٰ حَدٍّ محصورٍ.
فإذا صَحَّت هذه الجُملةُ ، و عَلِمنا أنّ تَصرُّفَ أحَدِنا يَجِبُ وُقوعُه مع الداعي و القَصدِ و التخليةِ (3)، و يَجري وجوبُ وقوعِه مع تَكامُلِ الشُّروطِ مَجرىٰ وجوبِ معلولِ العِلّةِ عنها، فإذا لَم يَجُز أن يُعلَّقَ معلولُ العِلّةِ بأمرٍ سِواها، كذلكَ لا يَجوزُ تَعليقُ هذا الحادِثِ بأمرٍ سِوىٰ ما عَلِمنا؛ مِن قَصد زَيدٍ و أحوالِه المخصوصةِ التي عندنا بها يَجِبُ وقوعُه.
و لَيسَ لأحدٍ أن يُفَرِّقَ بَينَ الأمرَينِ ، بأنّ العِلّةَ توجِبُ معلولَها لذاتِها، فلا يَجوزُ
ص: 334
القَولُ بأنّها توجِبُ مع غَيرِها، و لَيسَ كذلكَ ما يَحدُثُ مِن المُختارِ(1).
و ذلكَ : أنّ الفِعلَ و إن وَقَعَ مِن المُختارِ، فقَد بيّنّا أنّ وجوبَ وقوعِه منه عندَ الإرادةِ و توَفُّرِ الدواعي و تَكامُلِ الشرائطِ، بمَنزلةِ وجوبِ معلولِ العِلّةِ عن العِلّةِ ، و هذا هو الوَجهُ المؤَثِّرُ في إبطالِ الافتقارِ إلىٰ موجِبٍ ثانٍ ، فافتراقُهما(2) في غَيرِ ذلكَ لا يَمنَعُ مِن التسويةِ بَينَهما في الحُكمِ الذي ذَكَرناه.
علىٰ أنّ ما لا يوجِبُ إيجابَ العِلَلِ في القضيّةِ التي ذَكَرناها، بمَنزلةِ العِلَلِ الموجِبَةِ علَى التحقيقِ ؛ ألا تَرىٰ أنّ الفِعلَ المُتولِّدَ عن سببٍ لا يَصِحُّ أن يُعلَّقَ حُدوثُه بسببٍ ثانٍ ، و إن لم يَكُن إيجابُه إيجابَ العِلَلِ؟ و كذلكَ كَونُ الضررِ قَبيحاً مِن حَيثُ كان ظُلماً، لا يَجوزُ أن يُعلَّقَ بوَجهٍ آخَرَ يَقتَضي قُبحَه، و إن لَم يَكُن هذا الوجوبُ يوجِبُ (3) إيجابَ العِلَلِ .
فبَطَلَ ما فَرَّقوا به [بَينَ ] الأمرَينِ .
فإن قيلَ : جَوِّزوا كَونَه مقدوراً لقادرَينِ مِن وَجهَينِ : فأحَدُهما يَقدِرُ علىٰ حُدوثِه، و الآخَرُ مِن وَجهٍ سِوَى الحُدوثِ (4).
قُلنا: لا وَجهَ للفِعلِ سِوَى الحُدوثِ يَصِحُّ أنْ يَتعلَّقَ به قُدرةُ القادرِ. و يُستَدَلُّ علىٰ ذلكَ عندَ الكلامِ علىٰ إبطالِ الكَسبِ بمَشيّةِ اللّٰهِ (5). و هذا كافٍ في إبطالِ قولِهم.
ص: 335
و ممّا يُبطِلُه(1) أيضاً: أنّ القَديمَ تعالى لَو قَدَرَ علَى اختراعِ الفِعلِ ، و قَدَرنا علَى اكتسابِه، لَم يَخلُ [الفِعلُ ] مِن أن يَصِحَّ أن يوجِدَه و يَختَرِعَه [تَعالىٰ ] و إن لَم يَكتَسِبْه العَبدُ - و إن كانَ قادراً على اكتسابِه(2) -، أو يَكتَسِبَه و إن لَم يختَرِعْه القَديمُ تعالى. أو كانَ لا يَجوزُ ذلكَ ؛ بأن يَستَحيلَ أن يَختَرِعَه تَعالىٰ إلّاو يَكتَسِبَه العَبدُ، أو يَكتَسِبَه إلّاو يَختَرِعَه تَعالىٰ .
فإن كانَ الوَجهُ الأوّلُ هو الصحيحَ ، فهو بخِلافِ قولِهم في هذا البابِ ، و كانَ يَنبَغي أن يَكونَ الكَسبُ مُنفَصِلاً مِن الخَلقِ ، بخِلافِ ما يَذهَبونَ إليه.
و إن استَحالَ أن يَختَرِعَه تَعالىٰ إلّاو يَكتَسِبَه العبدُ، فهو يؤَدّي إلىٰ نَقضِ كَونِه تَعالىٰ قادراً عليه، و تَصريحٌ بأنّه يَحتاجُ في اختراعِه إلىٰ وجودِ قُدرةِ العبدِ.
فإن قالوا: يَصِحُّ أن يَختَرِعَ تَعالىٰ (3) الفِعلَ و إن لَم يَكتَسِبْه العَبدُ، ما لا يَكونُ (4)هناكَ قُدرةٌ للعبدِ. و مع وُجودِ القُدرةِ لا بُدَّ مِن كَونِه مُكتَسِباً.
قُلنا: و لِمَ وجبَ مع وجودِ القُدرةِ أن يَكونَ مُكتَسِباً؟
فإن قالُوا: لأنّ القُدرةَ توجِبُ كَونَ الفِعلِ مُكتَسَباً.
قُلنا: لَيسَ يَجِبُ هذا الذي أوجَبتُموه لمعنىً (5) يُعقَلُ ، و لكِن علىٰ تَجاوُزٍ مِنّا له:
ص: 336
أ رَأَيتُم لَو كانَ هذا الذي وُجِدَتِ القُدرةُ له كارهاً لاكتسابِ الفِعلِ ، و علىٰ غايةِ الانصرافِ عنه، هَل كانَ يَحصُلُ كسباً به أم لا يَحصُلُ كذلكَ؟
فإن حَصَلَ علىٰ كُلِّ حالٍ كسباً به، أدّىٰ إلى أنّ الفِعلَ يَحصُلُ ممّن هو علىٰ غايةِ الكَراهةِ ، و معه نِهايةُ الصوارِفِ ، و قد تَقدَّمَ ما في هذا.
و إن لَم يَحصُل كسباً، فقَدِ انتَقَضَ قضاؤهم بأنّ مع وجودِ القُدرةِ لا بُدَّ مِن الاكتسابِ .
فإن قالوا: لا بُدَّ مع وُجودِ الإرادةِ له و انتفاءِ الكَراهةِ و الصوارِف، (254) انتقضَ هذا عليهم بالساهي و النائمِ ؛ لأنّ القُدرةَ موجودٌ له مع انتفاءِ الإراداتِ .
فأمّا تَعلُّقُ المُخالِفِ بأنّه إذا جازَ إثباتُ مَعلومٍ لعالِمَينِ ، و مُرادٍ لِمُريدَينِ ، و مملوكٍ لِمالِكَينِ ، فألا جازَ [إثباتُ ] مقدورٍ(1) واحدٍ لِقادرَينِ؟
فلَيسَ بشيءٍ يُعتَمَدُ؛ لأنّا قد بيّنّا فيما سَلَفَ مِن الكتابِ ، أنّ القُدرةَ في هذا البابِ بخِلافِ العِلمِ و الإرادةِ ؛ لأنّ القُدرةَ لا تَتعلَّقُ إلّابما يَصِحُّ أن يَكونَ بها على صفةٍ ، فلهذا دَخَلَ الاختصاصُ في المقدورِ، و العِلمُ و الإرادةُ بخِلافِ ذلكَ ؛ لأنّهما قد يَتعلَّقانِ بما لا يَصِحُّ أن يؤَثِّرا فيه، و بما يَستَحيلُ أن يَكونَ بهما علىٰ شيءٍ مِن الصفاتِ . فلهذا صَحَّ أن يَشتَرِكَ العالِمانِ في المعلومِ الواحدِ، و المُريدانِ (2) في المُرادِ الواحدِ.
و الذي يَكشِفُ عن ذلكَ : أنّ العِلمَ الذي يؤَثِّرُ(3) في كَونِ الفِعلِ مُحكَماً، لا يَكونُ
ص: 337
إلّا مِن جهةِ عالِمٍ واحدٍ، و لا يَدخُلُ فيه اشتراكٌ ، و كذلك الإرادةُ المؤَثِّرةُ في الخبرِ و ما أشبَهَه.
و يَلزَمُ علىٰ هذا جَوازُ مقدورٍ واحدٍ لقادِرِينَ كَثيرِينَ ، كما جازَ في المعلومِ و المُرادِ(1).
فأمّا المِلكُ : فإنّا لا نُجيزُ كَونَ المملوكِ الواحدِ لِمالِكَينِ علَى الحَقيقةِ ؛ لأنّ المالِكَ هو القادِرُ، و المملوكَ هو المقدورُ. و إذا لَم يَجُز عندَنا مقدورٌ لقادِرَينِ ، لَم يَجُز مملوكٌ واحدٌ لِمالِكَينِ .
و الاشتراكُ في مِلكِ الدارِ لا يَلزَمُ علىٰ هذا؛ لأنّ إضافةَ المِلكِ إلَى الدارِ مَجازٌ في الأصلِ ، و مُستَعمَلٌ فيها بالتعارُفِ ، و المَعنىٰ أنّه «يَملِكُ الفِعلَ فيها و التصَرُّفَ ».
و يَلزَمُ علىٰ هذا اشتراكُ الجَماعةِ في المقدورِ الواحدِ كما جازَ ذلكَ في الذواتِ المملوكةِ ، و أن يَقدِرَ القادرانِ علَى المقدورِ الواحدِ مِن الوجهِ الواحدِ؛ بأن يَجوزَ لأحَدِهما مِن التصرُّفِ فيه ما جازَ للآخَرِ بعَينِه.
فأمّا تَعلُّقُهم بأنّه تَعالىٰ إذا كانَ هو المُقْدِرَ لنا علَى الفِعلِ ، فيَجِبُ أن يَكونَ هو - جَلَّ و عَزَّ - عليه أقدَرَ(2)، كما أنّه إذا عَلِمنا بالشيءِ فهو به أعلَمُ ، و كذلكَ إذا جَعَلَنا مُدرِكينَ له، فهو أيضاً له مُدرِكٌ .
فلَيسَ بصحيحٍ ؛ لأنّه يَلزَمُ عليه أوّلاً أن يَكونَ تَعالىٰ مُشتَهِياً و نافِراً؛ لأنّه قد جَعَلَنا بهذه الصفاتِ . و يَلزَمُ أن يَكونَ عاجزاً عمّا جَعَلَنا(3) عاجِزينَ عنه(4)؛ قياساً علَى
ص: 338
العِلمِ و الإدراكِ . و كُلُّ شَيءٍ يُذكَرُ مِن الفَرقِ بَينَ ذلكَ و بَينَ كَونِه عالماً، يُفرَّقُ بمِثلِه بَينَ كَونِه قادراً و كَونِه عالِماً.
فإن قالوا: كَونُه مُشتَهياً و نافِراً و عاجِزاً ممّا يَستَحيلُ عليه تَعالىٰ علَى الجُملةِ ، و لَيسَ كذٰلكَ كَونُه تَعالىٰ قادراً عليها؛ [فإنّه ممّا يَصِحُّ عليه في الجُملةِ كصحّةِ كونهِ عالِماً، فيجبُ أن يُحملَ عليه.
قُلنا: قد بيّنّا أنّ أفعالَنا لا يَجوزُ أن تكونَ مقدورةً للّٰهِ تَعالى، فاستحالةُ كَونِه تَعالىٰ قادراً عليها](1) تجري مَجرَى استحالةِ كَونِه مُشتَهياً و نافراً و عاجزاً. فإذا اعتَمَدتُم في الفَرقِ علَى الاستحالةِ ، فهي موجودةٌ في المَوضِعَينِ معاً. و لا اعتبارَ بأنّ كَونَه قادراً ممّا يَصِحُّ عليه في الجُملةِ و لَيسَ كذلكَ كَونُه مُشتَهِياً و عاجزاً؛ لأنّ الكلامَ إنّما وَقَعَ في القُدرةِ علىٰ أفعالِ العِبادِ، و ما يَظهَرُ مِن تَصَرُّفِهِم، و هذا بعينه يستحيل(2) أن يَقدِرَ عليه، كما يَستَحيلُ أن يَكونَ تَعالىٰ عاجزاً و مُشتَهِياً. فإذا أُلزِمنا أن يَكونَ قادراً(3) على كُلِّ ما نَقدِرُ عليه قِياساً علَى العِلمِ ، عارَضنا بالشَّهوةِ و النُّفورِ و العَجزِ، فالعِلّةُ في ذلك كُلِّه موجودةٌ .
علىٰ أنّ الوَجهَ في وُجوبِ كَونِه تَعالىٰ عالِماً بما يَعلَمُه العِبادُ غَيرُ ما ادَّعَوه، بَل الوَجهُ الصحيحُ أنّ المعلوماتِ لا تَختَصُّ (4) في صحّةِ العِلمِ بها ببعضِ العالِمينَ دونَ بعضٍ ، و هو تَعالىٰ عالِمٌ لنفسِه، فيَجِبُ أن يَكونَ عالماً بجميعِ المعلوماتِ . و لَيسَ كذلك المقدورُ؛ فإنّه يَختَصُّ ، فلا يَجِبُ (255) حَملُه علَى المعلوم.
ص: 339
علىٰ أنّ هذا الكلامَ يوجِبُ عليهم أن يَكونَ قادراً علَى الفِعلِ الواحدِ مِن الوَجهِ
الذي أقدَرَ العبدَ عليه(1)، كما وَجَبَ ذلكَ في العِلمِ . و إذا امتَنَعوا مِن ذلكَ فقَد نَقَضوا حَملَ القُدرةِ علَى العِلمِ ، و ساغَ (2) لمُخالِفِهم أن يَمتَنِعَ مِن [حَملِ ] القُدرةِ علَى العِلمِ في المَوضِعِ الذي ذَكَروه.
و بَعدُ، فهذا يَقتَضي أن يُجَوِّزوا أن يَكونَ تَعالىٰ يُقدِرُ العَبدَ على الفِعلِ مِن جميعِ جِهاتِه، كما جازَ أن يُعْلِمَه المعلومَ مِن جميعِ جهاتِه. فإن أجازوا ذلكَ تَرَكوا مَذاهِبَهم، و إنِ امتَنَعوا مِنه، نَقَضوا حَملَ القُدرةِ علَى العِلمِ .
و أمّا الكلامُ علىٰ فَسادِ القولِ بتَعلُّقِ القُدرتَينِ بالمقدورِ الواحدِ فداخِلٌ في جُملةِ ما تَقدَّمَ ؛ لأنّهما إن تَعلَّقَتا بقادرَينِ ، فقَد أفسَدنا ذلكَ صَريحاً، و إن تَعلَّقَتا بقادرٍ واحدٍ و اختَصّتاه(3)، فالأمرُ يَؤولُ إلى كَونِ المقدورِ الواحدِ لقادرَينِ بضَربٍ مِن التَرتيبِ ؛ و ذلكَ أنّ كُلَّ عَرَضَينِ مُتَماثِلَينِ (4) اختَصّا بحَيٍّ واحدٍ، فإنّه يَصِحُّ اختصاصُ مِثلَينِ مِن جنسِهما بَحيَّينِ ؛ كالعِلمَينِ و الإرادتَينِ .
فإن قيلَ : دُلُّوا علىٰ صحّةِ ذلكَ ، و ما أنكَرتُم أن تَكونَ هاتانِ القُدرتانِ اللتانِ تَتعلَّقانِ بهذا المقدورِ لا مِثلَ لهما يَتعلَّقُ في آخَرَ؟
ص: 340
قُلنا: مُحالٌ أن تَكونَ (1) أمثالُ الذاتِ محصورةً بعَدَدٍ؛ لأنّ ما تَعدَّى الواحدَ لا يَنحَصِرُ و لا يَتَناهىٰ ؛ فكيفَ يُقالُ : إنّه لا أمثالَ لِما تَعلَّقَ بهذا المقدورِ مِن القُدَرِ(2)! فلَم يَبقَ إلّاأن يُقالَ : له أمثالٌ لا تَنحصِرُ(3) كما ذَكَرتم؛ مِن حَيثُ تَعدَّى الواحِدَ.
[و قد يُقالُ : مِن أينَ ](4) زَعَمتُم(5) أنّه إذا كانَ غَيرَ مُنحَصرٍ فإنّه يَتَعدّىٰ إلىٰ حَيٍّ آخَرَ؟ و ما أنكَرتُم أن تَكونَ (6) كُلُّ الأمثالِ لهاتَينِ القُدرتَينِ - و إن كانَت غَيرَ مُنحَصرةٍ - تَختَصُّ (7) هذا الحَيَّ الواحِدَ؟
و الجَوابُ عن ذلكَ : أنّ هذا القولَ يَقتَضي أنّ بعضَ الجَواهرِ قد اختَصَّ بقَبيلٍ لا يَصِحُّ علىٰ غَيرِه مِن الجَواهرِ، و ذلكَ فاسدٌ؛ لأنّ كُلَّ جَوهرٍ يَحتَمِلُ مِن قَبيلِ الأعراضِ مِثلَ ما يَحتَمِلُه سائرُ الجَواهرِ، و كذلكَ كُلُّ حيٍّ يَحتَمِلُ مِن الأعراضِ القَبيلَ الذي يَحتَمِلُه سائرُ الأحياءِ . و متىٰ لَم يُحرَسْ (8) هذا الأصلُ ، لَم نَأمَن مِن(9) أن
يَكونَ بَعضُ المَحالِّ لا يَصِحُّ فيها وجودُ شيءٍ مِن الألوانِ مخصوصٍ (10)، و إن صَحَّ وجودُ ذلكَ في غَيرِه مِن المَحالِّ ، و بعضُ الأحياءِ لا يَصِحُّ أن يُريدَ مُراداً مخصوصاً و إن صَحَّ علىٰ سائرِ الأحياءِ ذلكَ الجنسُ مِن الإراداتِ !
ص: 341
و ممّا يَدُلُّ على فَسادِ تَعلُّقِ المقدورِ الواحدِ بقُدرتَينِ ؛ سواءٌ تَعلَّقَتا بقادرٍ واحدٍ أو بقادرَينِ : أنّ ذلكَ لَو جازَ لَم يَمتَنِعْ (1) أن توجَدَ(2) إحدى هاتَينِ القُدرتَينِ و إن كانَتِ الأُخرىٰ معدومةً ، فحينئذٍ لا يَخلو من أن يَصِحَّ الفِعلُ ، أو لا يَصِحَّ .
فإن صَحَّ ، انتَقَضَ تَعلُّقُه بالقُدرةِ المعدومةِ ؛ مِن حَيثُ يوجَدُ هذا المقدورُ، وُجِدَت تلكَ القُدرةُ أو عُدِمَت. و لَو نَفَينا عَدمَ تَعلُّقهِ بها(3) لَما زِدنا علىٰ ذلكَ .
و إن لَم يَصِحَّ وجودُه، بَطَلَ أن تَكونَ (4) هذه القُدرةُ الموجودةُ مُتعلِّقةً به(5)؛ لأنّ ذلكَ تصريحٌ بنفيِ التعلُّقِ .
و أيضاً: فكانَ يَجِبُ لَو وَقَعَ بإحدَى القُدرتَينِ و الأُخرَى المُتعلِّقةُ (6) به معدومةٌ ، أن يَكونَ الفِعلُ موجوداً معدوماً.
و يَدُلُّ أيضاً علىٰ ذلك: أنّه كانَ لا يُمنَعُ حُلولُ هاتَينِ القُدرتَينِ في عضوَينِ مِن قادرٍ واحدٍ، و يَختَصَّ أحَدُ (256) العُضوينِ بمَنعٍ يَعرىٰ منه العُضوُ الآخَرُ، و هذا يَقتَضي صحّةَ وجودِه و استحالتِه(7) معاً؛ علىٰ ما بيّنّاه مِن قَبلُ .
و متىٰ قيلَ : إنّه يَصِحُّ وجودُه وَ لا يُعتَبَرُ بالمَنعِ الحاصِلِ في العُضوِ الآخَرِ،
ص: 342
كانَ هذا إخراجاً لتلكَ القُدرةِ مِن التعلُّقِ بهذا المقدورِ. و لَو جازَ - مع أنّ الفِعلَ يوجَدُ علىٰ كُلِّ حالٍ ، و إنِ اختَصَّ مَحَلُّ تلكَ القُدرةِ بالمَنعِ - أن تَكونَ (1) قُدرةً عليه، لَجازَ في قُدرةِ غَيرِ ذلك القادرِ، أن تَكونَ قُدرةً عليه، بَل في سائرِ الأعراضِ !
و قد كانَ أبو عَبدِ اللّٰهِ (2) يُجوِّزُ أن يَفعَلَ القادِرُ بإحدَى القُدرتَينِ الحالّتَينِ في المَحَلِّ الواحدِ مِن أعضائه، و أبو هاشمٍ يَمنَعُ مِن ذلكَ (3).
فإن صَحَّ مَذهَبُ أبي عَبدِ اللّٰهِ في هذا البابِ ، أمكَنَ أن يُستَدَلَّ بطريقةٍ أُخرىٰ ، فيُقالَ : لَو كانَ مقدورُ القُدرتَينِ واحداً(4)، لَم يَمتَنِعْ أن يَفعَلَه بإحداهما(5) دُونَ
الأُخرىٰ ، و إن حَلَّتا مَحَلاًّ واحداً. و هذا يؤَدّي إلىٰ كَونِه موجوداً معدوماً!
***
الذي يَدُلُّ علىٰ ذلكَ : أنّ الطريقَ الذي به عَلِمنا تَعلُّقَ الفِعلِ بالقادر، به نَعلَمُ (6)
ص: 343
وَجهَ تَعلُّقِه؛ لأنّا إنّما نَعلَمُ علَى الجُملةِ تَعلُّقَه به؛ بأن يَقَعَ بحَسَبِ أحوالِه علىٰ ما بيّنّاه(1). و إذا كانَ الذي يَتجدَّدُ الفِعلُ (2) عندَ قَصدِنا إليه إنّما هو حُدوثُه دونَ سائرِ صفاتِه، وجبَ أن يَكونَ الحُدوثُ هو جهةَ التعَلُّقِ دونَ ما عَداها؛ لأنّ كُلَّ شيءٍ سِوَى الحُدوثِ لا يَتجدَّدُ عندَ قَصدِه لمكانِ مُجرَّدِ كَونِه قادراً.
و لَيسَ يَصِحُّ أن يُناقَض علىٰ هذا الكلامِ بما نَقولُه(3)، مِن أنّ (4) الحَسَنَ قد يَكونُ حَسَناً بالفاعلِ ، و القَبيحَ أيضاً و الخبرَ و الأمرَ.
و ذلكَ أنّ كُلَّ ما ذُكِرَ و إن قيلَ : إنّه بالفاعلِ ، فهو مُستَنِدٌ إلىٰ صفاتٍ له أُخَرَ(5) زائدةٍ علىٰ كَونِه قادراً؛ مِثلِ كَونِه عالماً و مُريداً و كارهاً و ما أشبَهَ ذلكَ . و الذي يَتعلَّقُ بمُجرَّدِ كونِه قادراً هو الحُدوثُ دونَ غَيرِه، و كُلُّ هذه الوجوهِ المذكورةِ زائدةٌ علَى الحُدوثِ ، و تَحتاجُ (6) إلىٰ صفةٍ زائدةٍ علىٰ كَونِه قادراً. و إنّما تَتعلَّقُ بالقادرِ تَبَعاً للحُدوثِ الذي لَو لَم يكُن مُتعلِّقاً به، لما تَعلَّقَت [به] تلكَ الوجوهُ التَّوابِعُ .
و الذي يُبَيِّنُ ما ذَكَرناه: أنّ الحُدوثَ لا بُدَّ مِن حُصولِه عندَ قَصدِ القادِرِ و تَكامُلِ الشرائِطِ، فعَلِمنا أنّه مُقتَضىٰ كَونِه قادراً، و قد يَنفَكُّ الفِعلُ مِن تلكَ الوجوهِ الزائدةِ مع الحُدوثِ ، فلَو كانَت مِن مُقتَضى كَونِ القادرِ قادراً، لَجَرَت مَجرَى الحُدوثِ في عدمِ الانفِكاكِ .
ص: 344
و قد بيّنّا فيما سَلَفَ مِن هذا الكتابِ : أنّ الحُدوثَ مِن حَيثُ كان هو المُتجدِّدَ عندَ قَصدي، يَجِبُ أن يَكونَ [هو] المتعلِّقَ بي دونَ سائرِ الصفاتِ التي لا تَتجدَّدُ، و أوضَحناه.
و نُبَيِّنُه زائداً علىٰ ما مَضىٰ : أنّا قد عَلِمنا أنّ حُكمَ ما لا يَتجدَّدُ عندَ قَصدي مِن صِفاتِ الفِعلِ ، حُكمُ ما لا يَتجدَّدُ عندَ قَصدي(1) مِن أعيانِ الأفعالِ ، فكما أنّ أفعالَ غَيري لا تَعلُّقَ لها بي مِن حَيثُ لَم تَتجدَّدْ(2) لها صفةٌ عندَ قصدي، فكذلكَ صفاتُ
فِعلي التي لا تَتجدَّدُ(3) عندَ قَصدي، يَجِبُ أن لا تَكونَ (4) متعلّقةً بي، و لا لي تأثيرٌ فيها. و الجامِعُ بَينَ الأمرَينِ التعلُّقُ بالقَصدِ نَفياً و إثباتاً.
فإن قيلَ : هذا الاعتبارُ يَقتَضي أن يكونَ حُلولُ الفِعلِ في المَحَلِّ ، و كَونُه مُتحرِّكاً به، و نَفيُه لضِدِّه، و تعلُّقُه بما تَعلَّق به، ممّا يَستَنِدُ إلَى الفاعلِ ؛ بحُصولِه أجمَعَ عندَ قَصدِه، كالحُدوثِ .
قُلنا: مِن شَأنِ كُلِّ صفةٍ (5) [زائدةٍ ] علَى الحُدوثِ ، و كانَت مُتعلِّقةً بالفاعِلِ ، يَجوزُ حُصولُها مع الحُدوثِ ، وَ حُصولُ (257) خِلافِها علَى البَدَلِ ؛ و ذلكَ نَحوُ كَونِ الفِعلِ مُحكماً و أمراً و خبراً. و ما يَجِبُ مع الحُدوثِ ، و كان متعلِّقاً(6) بالفاعِلِ [و لا يَجوزُ] خلافُه(7) لا معنىٰ لإسنادِه إلى الفاعلِ ، كما لا يَجوزُ إسنادُ صفاتِ الأجناسِ
ص: 345
إليه. و كُلُّ ما ذُكِرَ في السؤالِ ، ممّا يَجِبُ كَونُ الفِعلِ عليه مع الحُدوثِ ، و لا يَجوزُ كَونُه علىٰ خِلافِه.
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَقولَ : فالحُدوثُ إن كان بالفاعِلِ ، فيَجِبُ أن يَصِحَّ مِن الفاعلِ أن يَجعَلَ الذاتَ عليه، و أن لا يَجعَلَها(1)؛ لأنّه لا خِلافَ للحُدوثِ إلّاالعدمُ ، و العدمُ ممّا لا يَتجدَّدُ للفعلِ (2).
فيُقالَ فيه: إنّه حَصَلَ بالفاعلِ ، و كان جَميعُ ما تَعلَّقَه بالفاعلِ ، فلا بُدَّ فيه مِن الحُكمِ الذي ذَكَرناه، و هو صحّةُ أن يجعَلَه الفاعِلُ للذاتِ و أن لا يَجعَلَه. فإن كانَ ذلكَ هو الحُدوثَ ، فهذا مُستَمِرٌّ فيه، و إن كان(3) صفةً زائدةً علَى الحُدوثِ ، فمِن عَلامَتِها أن يَصِحَّ حُصولُها مع الحُدوثِ بالفاعلِ و حُصولُ خِلافِها.
وَ الذي يَدُلُّ أيضاً علىٰ أنّ الحُدوثَ هو جهةُ تَعلُّقِ القادرِ: أنّا وَجَدنا ما يَصِحُّ حُدوثُه يَصِحُّ تَعلُّقُ القادرِ به، و ما يَستَحيلُ حُدوثُه يَستَحيلُ تَعلُّقُه به. و ما استحالَ حُدوثُه مِن قادرٍ مخصوصٍ استَحالَ تَعلُّقُ ذلك القادرِ به و إن صَحَّ مِن غيرِه. و هذا واضحٌ في أنّ الجِهةَ هي الحُدوثُ دونَ ما سِواها.
يُبَيِّنُ ما ذَكَرناه: أنّا لمّا وَجَدنا ما استَحالَ عليه التحَيُّزُ في حالِ الوُجودِ(4)، يَستَحيلُ حُلولُ الأعراضِ فيه، و ما صَحَّ أن يتحيَّزَ مع وُجودهِ صَحَّ حُلولُ الأعراضِ
ص: 346
فيه، حَكَمنا بأنّ المُصحِّحَ لِحُلولِ الأعراضِ هو التحَيُّزُ(1). و هذا الاعتبارُ حاكمٌ (2) في اتّباعِ التعلُّقِ مِن القادرِ بصحّةِ الحُدوثِ نفياً و إثباتاً.
و لَيسَ يَلزَمُ على ما ذَكَرناه قولُهم: إنّ كُلَّ ما صَحَّ أن يكُونَ عَرَضاً مِن
أفعالِنا، صَحَّ أن يَقدِرَ القادرُ منّا عليه، و ما يَستحيلُ ذلكَ فيه يَستحيلُ كَونُه قادراً عليه، و لَم يَجِب أن يَكونَ كونُه عَرَضاً هو جهةَ تَعلُّقِ القادرِ، و كذلك الحُدوثُ .
و ذلكَ أنّه لا صفةَ للذاتِ بكَونِها عَرَضاً، فيَصِحَّ أن تُعَلَّقَ (3) القُدرةُ بها، كما أنّ لها بكَونِها مُحدَثةً ، صفةً معقولةً .
و أيضاً: فلَيسَ ما استَحالَ كَونُه عَرَضاً، استَحالَ تَعلُّقُ القُدرةِ به؛ لأنّ القَديمَ تعالى يَقدِرُ علىٰ ما يَستَحيلُ كَونُه عَرَضاً، و لا أحَدَ مِن القادرِينَ يَقدِرُ علىٰ ما يَستَحِيلُ حُدوثُه.
[فإن قيلَ : ما يستحيل حدوثُه](4) كما يَستَحيلُ أن يُقدَرَ عليه، كذلك يَستَحيلُ أن يُرادَ، و لم يُوجِب ذلكَ أن تَكونَ الإرادةُ لا تَتعلَّقُ إلّاعلىٰ جهةِ الحُدوثِ ، فقولوا مِثلَ ذلك في القُدرةِ .
قُلنا: هذا الاعتبارُ - في أنّ الإرادةَ هي(5) القَصدُ الدالُّ علىٰ أنّ الإرادةَ
ص: 347
لا تَتعلَّقُ (1) علَى الحقيقةِ إلّابما يَصِحُّ حُدوثُه - [يؤيّد ما قلناه](2)؛ فانّ (3) المُريدَ إذا أرادَ ما يَعتَقِدُ أنّه يَصِحُّ حُدوثُه مع استحالةِ الحُدوثِ عليه، فتلك إرادةٌ لا مُرادَ لها علَى الحَقيقةِ .
و ممّا يَدُلُّ أيضاً علىٰ أنّ الحُدوثَ هو جهةُ تَعلُّقِ القادرِ: أنّه قد ثَبَتَ أنّ الفِعلَ لا بُدَّ مِن أن يَحصُلَ على بعضِ الصفاتِ بفاعلِه، و إلّالَم يكُن مُتعلِّقاً به التعلُّقَ الذي بيّنّاه و كَشَفناه، و إذا لَم يَجُز أن يَحصُلَ به علىٰ صفاتِ جنسِه، و لا على ما يَجِبُ كَونُه لا مَحالةَ عليها، و لا تأثيرَ لاختيارِ الفاعلِ منها، فيَجِبُ أن يَكونَ به مِن حَيثُ كان مُحدَثاً؛ لأنّ الذي يُدَّعىٰ مِن الكَسبِ غَيرُ معقولٍ (4)، و سَنُبَيِّنُه بعَونِ اللّٰهِ (5).
و ما يَتبَعُ الحُدوثَ مِن الصفات، لا يؤَثِّرُ فيها كَونُ الفاعلِ قادراً، و إنّما كَلامُنا فيما يَتعلَّقُ بالفاعلِ مِن حيثُ كانَ قادراً فَقَط. و هذا واضحٌ [في] القدرة.
***
ص: 348
الذي يَدُلُّ علىٰ ذلكَ : أنّ القادرَ مِنّا لَو قَدَرَ (258) علَى الإعدامِ ، لَكانَ لا يَصِحُّ منه إعدامُ ما لا يَصِحُّ منه إيجادُه مِن مقدوراتِ القَديمِ تَعالىٰ و مقدورِ غَيرِه؛ لأنّ كُلَّ
مَن قَدَرَ علىٰ أن يَجعَلَ الذاتَ علىٰ بعضِ الوجوهِ التي تَكونُ (1) عليها بالفاعلِ ، لا بُدَّ أن يَكونَ قادراً علىٰ جَعلِها علىٰ سائرِ ما تَحصُلُ عليه بالفاعلِ ، كما بيّنّاه في الخبرِ و الأمرِ. و إذا كُنّا نُعدِمُ الحَياةَ و لا نَقدِرُ علىٰ إيجادِها، و كذلك نُعدِمُ مقدورَ الغَيرِ و لا نَقدِرُ على إيجادِه، دَلَّ ذلكَ علىٰ أنّ القُدرةَ لا تَتعلَّقُ بالإعدام، و إلّاأدّىٰ ذلك إلى وجودِ مقدورٍ واحدٍ لقادرَينِ .
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَقولَ : هذا يَدُلُّ علىٰ أنّ أحَدَكم لا يَقدِرُ علَى الإعدامِ ؛ فمِن أينَ أنّ القَديمَ تَعالىٰ لا يَقدِرُ على ذلك ؟
لأنّا كما نُعدِمُ مقدوراتِه تعالى، كذلك قد يُعدِمُ تَعالىٰ مقدوراتِنا، و إن لَم يُوصَفْ بالقُدرةِ على إيجادِها، فالدليلُ جامعٌ للمَوضِعَينِ .
علىٰ أنّ القادِرَ(2) لا يختَلِفُ بالقِدَمِ و الحُدوثِ ، و إذا استَحالَ أن يَقدِرَ علىٰ هذا الوَجهِ ، استَحالَ أن يَقدِرَ عليه كُلُّ قادرٍ.
ص: 349
دليلٌ آخَرُ: و ممّا يَدُلُّ علىٰ ذلك: أنّ المعدومَ لَيسَ له بكَونِه معدوماً صفةٌ و لا حالٌ ، و إنّما المُستَفادُ بذلكَ خُروجُه مِن الوجودِ، و القُدرةُ إنّما تَتعلَّقُ بتحصيلِ الفِعلِ على صفةٍ ؛ لأنّ التعليلَ بالفاعلِ كالتعليلِ بالعِلّةِ ، و كما لا يَجوزُ أن يُسنَدَ إلَى العِلّةِ ما لَم يُعقَلْ مِن الصفاتِ ، كذلكَ الفاعِلُ ، و لهذا صَحَّ أن يُعلَّقَ الحُدوثُ بالفاعلِ ؛ مِن حيثُ كانَت حالةً معقولةً . و كذلكَ صَحَّ في كَونِ الكلامِ خبراً و أمراً و نهياً أن يُسنَدَ إلى الفاعِلِ ؛ مِن حيثُ كانَت هذه الأُمورُ وجوهاً معقولةً و أحكاماً ثابتةً . و لهذا لَم نَحتَجْ في أن لا يَكونَ خبراً و لا أمراً إلىٰ فاعلٍ ؛ للوَجهِ الذي ذَكَرناه.
و لأنّه لا بُدَّ مِن أن يُعلَّقَ بالفاعلِ مِن الفِعلِ ما يَنفَصِلُ (1) [به] بَينَ أن يَكونَ عليه، و بينَ أن لا يكونَ عليه، و هذا [إنّما](2) يَليقُ بالإثباتِ دونَ النفيِ .
فإن قيلَ : و مِن [أين] أنّه لا حالَ للمعدومِ بِكَونهِ معدوماً؟
قُلنا: مِن أقوىٰ ما دَلَّ علىٰ ذلك، أنّا نَعلَمُ باضطرارٍ أنّ الذاتَ لا تَخلو مِن أن تَكونَ مَوجودةً ، أو معدومةً . و لَو كانَ العدمُ حالاً، لَم نَعلَمْ ذلكَ باضطرارٍ؛ لأنّ (3)استحالةَ خُلُوِّ الذاتِ مِن حالَينِ مُتَضادَّينِ إلىٰ ثالثٍ لا يُعلَم باضطرارٍ(4)،
و إنّما طريقُه الاستدلالُ ، و إنّما الذي يُعلَم باضطرارٍ في الذاتِ أنّها لا تَخلُو مِن أن
ص: 350
تَكونَ (1) علَى الصفةِ ، أو علىٰ نَفيِها و سَلبِها. فلَولا أنّ العدمَ إنّما هو سَلبُ (2) الوجودِ فقط، لَم نَعلَم باضطرارٍ استحالةَ خُلُوِّ الذاتِ مِن الوجودِ أو العدمِ .
و ممّا يَدُلُّ أيضاً علىٰ ذلكَ : أنّ إثباتَ حالٍ للذاتِ بكَونِها معدومةً ، لَيسَ ممّا(3)يُعرَفُ باضطرارٍ، و لا دليلَ على إثباتِه، فَيَجِبُ نفيُه؛ لأنّ إثباتَ ما لا طريقَ إليه؛ يؤَدّي إلَى الجَهالاتِ . و كيف يَصِحُّ إثباتُ حالٍ لا فَرقَ في الأحكامِ المعقولةِ بَينَ إثباتِها و نَفيِها؟! مِن حيثُ كان كُلُّ حُكمٍ للمعدومِ أُسنِدَ إلى كَونِه علىٰ حالٍ ، يُمكِنُ أن يُسنَدَ إلَى انتفاءِ الوجودِ عنه(4)؛ ألا تَرى أنّ استحالةَ الأحكامِ التي كانَت جائزةً عليه مع الوجودِ، كما يُمكِنُ أن يُقالَ : إنّ المؤَثِّرَ فيها حُصولُ حالةٍ له في العدمِ ، يُمكِنُ أن يُقالَ : إنّ المؤَثِّرَ فيها خُروجُه مِن الوجودِ؟
و لَيسَ لأحَدٍ أن يجعَلَ كَونَ المعدومِ مقدوراً - و هذا ممّا يَختَصُّ العدمَ - مُقتَضِياً لحالٍ (5) هو عليها؛ و ذلكَ : أنّ فائدةَ قولِنا في الذاتِ : «إنّها مقدورةٌ » أنّ القادِرَ عليها يَصِحُّ أن يوجِدَها و يُحصِّلَ لها هذه الحالةَ المعقولةَ ، و هذا القَدرُ لا يَقتَضي ثبوتُهُ حصولَ (6) حالةٍ للمعدومِ (259) تُضادُّ(7) الوجودَ؛ لأنّ صحّةَ حُصولِ الصفةِ للذاتِ لا يَقتَضي ثُبوتَ ما يُضادُّها.
ص: 351
دليلٌ آخَرُ: و يَدُلُّ علىٰ ذلك أنّ الإعدامَ لَو تَعلَّقَت به القُدرةُ لَجَرىٰ مَجرَى الإحداثِ ، و كانَ يَجِبُ في كُلِّ ذاتٍ تَجدُّدُ عدمِها بالفاعلِ ، كما وجبَ مِثلُ ذلكَ فيما تَجدَّدَ وجودُه. و هذا يُوجِبُ أن يكونَ عدمُ كُلِّ ما لا يَبقىٰ في الحالِ الثانيةِ مُتَعلِّقاً بالفاعلِ ؛ كالصَّوتِ و ما أشبَهَه. و ذلكَ باطلٌ ؛ لأنّ عَدَمَ ما لا يَبقى واجبٌ ، و ما يَتعلَّقُ بالفاعلِ لا يَكونُ إلّاما حُصولُه و أن لا يَحصُلَ علىٰ سَواءٍ . و كيفَ يَتعلَّقُ ذلكَ بالفاعلِ و هو لا يَقِفُ علَى اختيارِه و لا يَتعلّقُ بدَواعيهِ؟
و لَيسَ لأحَدٍ أن يُخرِجَ عدمَ ما لا يَبقىٰ مِن التعَلُّقِ بالفاعلِ لوجوبِه، و يُجرِيَه مَجرىٰ وجودِ القَديمِ الذي لمّا وجبَ لَم يَفتَقِر إلىٰ فاعلٍ .
و ذلكَ أنّ كُلَّ شَيءٍ كانَ لوجودِه أوّلٌ ، فوجودُه بالفاعلِ و إن وجبَ ؛ كالمسبَّبات(1) التي يَجِبُ وجودُها عندَ أسبابِها، و تَتعَلَّقُ (2) مع ذلكَ بالفاعلِ . و كذلك يَجِبُ في كُلِّ ما لعدمِه أوّلٌ أن يَكونَ بالفاعلِ ، و إن وجبَ عدمُه.
و لَيسَ يُفرِّقُ بَينَ الأمرَينِ : أنّ المُسَبَّبَ كان يَصِحُّ أن لا يوجَدَ بأن لا يوجَدَ سببُه، فيَدخُلَ هذا في حَيِّزِ ما جائزٌ وُجودُه(3). و ذلكَ أنّ ما لا يَبقى أيضاً، قد كانَ يَجوزُ أن لا يَتجدَّدَ عدمُه في الثاني؛ بأن لا يَحدُثَ (4) مِن القادرِ عليه في الأوّلِ . فإن كانَ ما ذُكِرَ في المُسَبَّبِ فَرقاً صحيحاً، فمِثلُه [ما] لا يَبقىٰ ، فَاستَوى الأمرانِ .
ص: 352
دليلٌ آخَرُ: و ممّا يدُلُّ علىٰ ذلكَ أنّ القُدرةَ لَو تَعلَّقَت بالإعدامِ ، لَم يمتَنِع أن يَبتَدئَ أحَدُنا فَيُعدِمَ الذواتِ الباقياتِ مِن غَيرِ أن يَفعَلَ ضِدّاً لها؛ لأنّ الإعدامَ إذا كانَ في المقدورِ، فلا حاجةَ إلى فِعلِ الضِّدِّ، و قد عَلِمنا استحالةَ إعدامِ الذواتِ الباقياتِ مِن غَيرِ واسطةٍ يَفعَلُها(1)، فيَجِبُ أن(2) يَكونَ الإعدامُ غَيرَ مقدورٍ.
و ليسَ لقائلٍ أن يَقولَ : إنّ الإعدامَ في مقدورِنا، لكنّه لا بُدّ مِن فِعلِ الضدِّ لِيَقَعَ .
لأنّ ذلكَ يؤَدّي إلىٰ خِلافٍ في عِبارةٍ ؛ لأنّهم لَو قالوا بقَولِنا ما زادوا على ما ذَكَروه. فصارَ محصولُ كلامِهم: أنّا نَقدِرُ علَى الإعدامِ بسببٍ هو إيجادُ الضِّدِّ، و إن قَدَرَ تَعالىٰ [علَى الإعدامِ ] الذي يَحصُلُ عندَ عَدَمِ الضّدِّ(3).
و هذا لا خِلافَ فيه، و يَجري [مَجرىٰ ] قَولِ مَن يَقولُ : «إنّ جَعلَ المُتحرِّكِ مُتحرِّكاً في مقدورِنا» و نَعني به أنّا قادرونَ علىٰ أن نوجِدَ الحركةَ الموجِبةَ لكَونِه بهذه الصفةِ .
و لَيسَ له أن يَقولَ : ألا جازَ أن يَقدِرَ علَى الإعدامِ بسببٍ هو إيجادُ الضِّدِّ، و إن قَدَرَ تَعالىٰ على إيجادِه بغَيرِ سببٍ؟
و ذلك أنّ الإعدامَ لا يَجوزُ أن يكونَ مُسَبَّباً؛ لأنّ المُسَبَّبَ هو الذاتُ التي توجَدُ بحَسَبِ ذاتٍ أُخرى هي السببُ ؛ و لأنّ السببَ هو الذي بوجودِه يوجَدُ غَيرُه، و يَصِحُّ مع وجودِه المَنعُ مِن مُسَبَّبِه، و وجودُ الضِّدِّ يَستَحيلُ مع وجودهِ المَنعُ مِن إعدامِ ضِدِّه.
ص: 353
علىٰ أنّه لَو كانَ سبباً في عَدَمِ ما يُضادُّه، لَكانَ عدمُه واقعاً بحَسَبِه، و هذا يَقتَضي
أن لا يُعدَمَ بالجُزءِ الواحدِ الأجزاءُ الكَثيرةُ بما يُضادُّ، و قد عَلِمنا خِلافَ ذلك.
دليلٌ آخَرُ: و ممّا يَدُلُّ علىٰ ذلكَ ، أنّه لَو صَحَّ تَعلُّقُ القُدرةِ بإعدامِ الذاتِ مِن غَيرِ إيجادِ ضِدٍّ، صَحَّ (1) مِن أحَدِنا أو مِن القَديمِ تَعالىٰ أن يَبتَدئَ فيُعدِمَ الأكوانَ عن الجَوهرِ، و هذا يؤَدّي إلىٰ جَوازِ خُلُوِّ الجَوهرِ مِن الأكوانِ ، مع عِلمِنا باستحالةِ ذلكَ .
وَ ليسَ لأحَدٍ أن يقولَ : متىٰ خَلا الجَوهرُ مِن الكَونِ وجبَ عدمُه.
لأنّ ذلكَ فاسدٌ؛ لأنّه يؤَدّي أوّلاً إلى أن يَكونَ إعدامُ الجَوهرِ في مَقدورِنا؛ بأن نَبتَدئَ فنُعدِمَ أكوانَها.
ثُمّ إنّ الجَوهرَ لا يَجوزُ (260) أن يُعدَمَ بِعدمِ الكَونِ الموجودِ فيه؛ لأنّه لا يَحتاجُ في وجودِه إلَى الأكوانِ ، و إنّما يَصيرُ بالكَونِ في بعضِ الجِهاتِ .
و لَيسَ يُمكِنُ أن يُقالَ : إنّه لَم يُعدَمْ لِعدمِ الكَونِ فَقَط، بل لِعدمِه و لا ما يَقومُ مَقامَه مِن الأكوانِ .
و ذلكَ : أنّ عدمَ الجَوهرِ إذا وجبَ ، فالواجِبُ تعليلُه بالأمرِ المُتجدِّدِ الذي عندَه عُدِمَ ، دونَ ما لَم يَتجدَّدْ، و لَم يَتجدَّدْ إلّاعدمُ الكَونِ دونَ انتفاءِ غَيرِه مِن الأكوانِ .
و لَو كانَ عَدمُ الكَونِ موجِباً لِعدمِه، وجبَ عَدمُه لِعدمِه، و إن وُجِدَ فيه غَيرُه.
و لَيسَ له أن يَقولَ : إنّ الحَياةَ متى عُدِمَت و(2) لَم توجَدْ أمثالُها عُدِمَ العِلمُ ، و متىٰ عُدِمَت و وُجِدَ لها مِثلٌ لَم يُعدَمِ العِلمُ ، فقولوا مِثلَ ذلكَ في الجَوهرِ و الكَونِ .
ص: 354
و ذلكَ : أنّ مِثلَ الشيءِ قَد(1) يَخلُفُه و يَقومُ مَقامَه، و ضِدُّه لا يَجوزُ هذا فيه، إلّاإذا ساواه في أنّه يُوجِبُ حُكماً مخصوصاً يَشتَرِكانِ فيه، كما نَقولُه في المُجاوِراتِ (2)المُتَضادّةِ ، و أنّ بَعضَها يَسُدُّ مَسَدَّ بعضٍ في حاجةِ التأليفِ ، و هذا لا يَصِحُّ في الأكوانِ المُتَضادّةِ .
و ممّا يَكشِفُ عن صحّةِ هذه الطريقةِ : أنّه كانَ يَجِبُ إذا كانَ العدمُ مقدوراً أن يَبتَدِئَ اللّٰهُ تعالىٰ إعدامَ الأكوانِ عَن الجَوهرِ مِن غيرِ ضِدٍّ يَفعَلُه، فيؤَدّي ذلكَ إلىٰ خُروجِه مِن الأكوانِ كُلِّها بعدَ وُجودِها فيه. و معلومٌ خِلافُ ذلكَ ؛ لأنّ مِن المعلومِ أنّ السوادَ لا يَنتَفي عن المَحَلِّ علىٰ طريقةٍ واحدةٍ إلّابضِدٍّ يَطرَأُ عليه. و كُلُّ هذا واضحٌ لِمَن تَأَمَّلَه.
***
اعلَمْ أنّ مَقدُورَنا علىٰ ضَربَينِ :
مِنه: ما يَختَصُّ القَلبَ ، ولا(3) يَصِحُّ وجودُ قَبيلهِ في مَحَلٍّ سِوَى القَلبِ ، فلَقَّبناهُ
ص: 355
بأنّه: «فِعلُ القُلوبِ ».
وَ الضربُ الآخَرُ: يَصِحُّ وجودُ قَبيلِه في حَيِّزِ القَلبِ ، فقُلنا: إنّه «فِعلُ الجَوارحِ ».
و لَيسَ مِن أفعالِ القُلوبِ إلّاما هو داخِلٌ في مقدورِنا، إلّاالشَّهوةَ و النِّفارَ.
و «السَّهوُ» إن ثَبَتَ أنّه معنىً ، علىٰ ما يَذهَبُ إليه أبو عليٍّ و أبو هاشمٍ ، فعلىٰ قولِهما أيضاً يَجِبُ أن يَكونَ خارجاً مِن مقدوراتِنا، و مُختَصّاً بمقدورِه تَعالىٰ .
و «الشِّبَعُ » و «الرّيُّ » إن ثَبَتا مَعنَيَينِ ، و لَم نَرجِعْ بهما إلَى انتفاءِ الشَهوةِ علىٰ وَجهٍ مخصوصٍ .
و ما عَدا ذلكَ مِن أفعالِ القُلوبِ فهو مِن مقدورِنا. و أجناسُ الاعتقاداتِ و الإراداتِ و أضدادِها مِن الكَراهاتِ .
و «الظنُّ » علىٰ أنّه خارجٌ مِن قَبيلِ الاعتقاداتِ . و إن كانَ مِن قَبيلِها فقد دَخَلَ في جُملَتِها في الحُكمِ الذي ذَكَرناه في النظر(1).
فأمّا «التَّمَنِّي» فإن لَم يَرجِع إلَى الاعتقادِ المخصوصِ ، و القولِ الذي يُظهِرُه المُتَمَنّي، و كانَ جنساً مُفرَداً، فهو أيضاً مِن جُملةِ مقدوراتِنا.
و كذلكَ «الندَمُ » إن لَم يَرجِع إلَى الاعتقادِ المخصوصِ لِفَوتِ المَنفَعةِ و لُحوقِ المَضَرّةِ بما مَضى مِن أفعالِه، و كانَ جِنساً مُفرَداً، فهو أيضاً مِن مقدورِنا.
فأمّا «الغَمُّ » و «الشَّرُّ» فلا شُبهةَ في أنّهما مِن قَبيلِ الاعتقاداتِ .
ص: 356
و أمّا أفعالُ الجَوارِحِ ، فالأكوانُ (1) على اختلافِ أجناسِها و ألقابِها، و الاعتماداتُ علىٰ اختلافِها(2)، و المُماسّةُ الّتي تُسمّىٰ ب «البقاءِ » و الآلامُ و اللذّاتُ و الأصواتُ علَى اختلافِ أجناسِها، فهذه الأجناسُ أجمَعُ في مَقدورِنا.
و ما عَداها ممّا يَحُلُّ الجَوارحَ ؛ مِن الألوانِ و غَيرِها يَختَصُّ تعالى بالقُدرةِ عليه.
و لَيسَ يجوزُ أن يُقالَ في مقدورهِ تَعالىٰ : إنّه مِن أفعالِ الجوارحِ ؛ لأنّ هذه الإضافةَ (261) الأغلَبُ في استعمالِها أن يُرادَ بها كَونُ الجارحةِ آلةً في الفِعلِ ، و هذا لا يَصِحُّ في أفعالِه تعالى، و إن صَحَّ فينا.
و(3) يَمتَنِعُ إضافةُ أفعالِ القُلوبِ إليه تَعالىٰ ؛ لأنّ المُستَفادَ بهذه اللفظةِ «أنّ الفِعلَ يَحُلُّ القَلبَ ، و لا يَصِحُّ وجودُ قَبيلِه في مَحَلٍّ سِواه».
فإن قيلَ : فعلىٰ هذا الحَدِّ يَجِبُ أن تَكونَ إرادةُ القَديمِ تَعالىٰ و كَراهَتُه لَيسَتا مِن أفعالِ القُلوبِ .
قُلنا: كذلك هو؛ لأنّ المعنَى الذي ذَكَرناه لا يَصِحُّ فيهما.
و لَيسَ يَلزَمُ علىٰ هذا أن تَكونَ إرادتُنا لَيسَت مِن أفعالِ القُلوبِ ، و كذلك كَراهَتُنا؛ مِن حَيثُ وُجِدَ مِن قَبيلِها ما لا يَحُلُّ القَلبَ ، و هو إرادةُ القَديمِ تعالى و كَراهَتُه.
ص: 357
و ذلك أنّا قد احتَرَزنا مِن ذلكَ في الحَدِّ؛ بأن قُلنا: «ما يَختَصُّ [القَلبَ ](1) و لا يَصِحُّ وجودُ قَبيلِه في مَحَلٍّ سِوَى القلبِ ». و إرادةُ القَديمِ تَعالىٰ و إن لَم توجَد في القَلبِ ، و كانَت مِن قَبيلِ إرادتِنا، فلَيسَت موجودةً [في مَحَلٍّ ] سِوَى القَلبِ ، بَل توجَدُ لا في مَحَلٍّ نَجهَلُه(2).
***
[7] فَصلٌ في تَمييزِ وجوهِ الأفعالِ الراجِعةِ إليهما(3)
اعلَم أنّ أفعالَنا لا تَخلو مِن وَجهَينِ :
إمّا أن تَكونَ مُبتَدأةً بالقُدرةِ في مَحَلِّها، و هو «المُباشَرُ».
أو موجودةً بحَسَبِ فِعلٍ آخَرَ، يَجِبُ وجودُها لأجلِ وجودِه، إذا زالَتِ المَوانِعُ ، و هو «المُتولِّدُ».
و هذا الضربُ - يَعني المُتولِّدَ - يَنقَسِمُ إلى أقسامٍ ثلاثةٍ (4):
ص: 358
أحَدُها: ما يوجَدُ في مَحَلِّ السببِ .
و الآخَرُ: أن يوجَدَ في غَيرِ مَحَلِّ سببِه.
فمِثالُ الأوّلِ : العِلمُ المُتولِّدُ عن النظَرِ.
و مِثالُ الثاني: كُلُّ ما يَتولَّدُ عن الاعتمادِ؛ مِن الحركاتِ و غَيرِها. و مِثالُه التأليفُ ، لأنّ الجُزءَ الواحدَ منه يَتولّدُ عن إحدَى المُجاوَرتَينِ ، فيوجَدُ في محلِّها و في مَحَلِّ المُجاوَرةِ الأُخرىٰ .
و لَعَلَّنا أن نُفَصِّلَ هذه الجُملةَ إذا انتَهَينا إلى الكلامِ في «التولُّدِ» مِن هذا الكتابِ ، بمشيّةِ اللّٰهِ و عَونِه(1).
فأمّا القَديمُ تَعالىٰ فقَد يَفعَلُ علىٰ جهةِ التوليدِ، و إن لَم يَكُن مُحتاجاً إلى المُسبَّبِ ، على ما سَيجِيءُ بيانُه بإذنِ اللّٰهِ (2).
فأمّا المُباشَرُ فلا يَصِحُّ في أفعالِه؛ لاستحالةِ فائدتِه عليه.
و يَختَصُّ تَعالىٰ بالاختراعِ ، و حَدُّ الفِعلِ المُختَرَعِ : «ما ابتُدئ [لا في محلّ القدرة](3)».
***
ص: 359
لا يَخلو حالُ الفاعلِ مِن أقسامٍ ثلاثةٍ :
أوّلُها: أن يَكونَ مُختاراً، و علامَتُه تَعلُّقُ المَدحِ و الذَّمِّ بأفعالِه إذا حَصَلَ شرطُها.
و ثانيها: أن يَكونَ محمولاً مُلجَأً، و علامَتُه أن تَقوى دَواعيهِ ؛ إمّا إلىٰ أن يَفعَلَ أو إلىٰ أن لا يَفعَلَ ، علىٰ حَدٍّ يَسقُطُ معه المَدحُ و الذَّمُّ ، و يَصيرُ ذلكَ الفِعلُ في الحُكمِ كأنّه لِغَيرِه.
و ثالثُها: أن يَكونَ فاعلاً علىٰ طريقِ السَّهوِ، مع فَقد العِلمِ و القَصدِ. و هذا الوجهُ ممّا يَنتَفي معه أيضاً المَدحُ و الذَّمُّ ، أو الحُسنُ و القُبحُ عِندَ أبي عَليٍّ و أبي هاشمٍ !
و قد بيّنّا فيما مَضىٰ أنّ الصحيحَ خِلافُ ذلك(1)، و أنّ الساهيَ قد يَقبُحُ بعضُ أفعالِه و يَحسُنُ ، و إن سَقَطَ عن قُبحِه الذَّمُّ و [عن] حُسنِه [المَدحُ ].
و لَيسَ يخلو القادِرُ مِن هذه الوجوهِ فيما يَفعَلُه، و إن جازَ أن يَخلُوَ فيما لا يَفعَلُه؛ بأن يُمنَعَ مِن الفِعلِ بالقيدِ و ما جَرىٰ مَجراه.
هذا آخِرُ ما خَرَجَ مِن هذا الكتابِ (2).
و الحَمدُ للّٰهِ رَبِّ العالَمينِ و صَلَواتُه عَلىٰ نبيِّه محمّدٍ و عِترتِه الطاهرينَ .
***
ص: 360
[9] (262) فَصلٌ (1)في إفسادِ قَولِهم بالكَسبِ
المذهَبُ يَجِبُ أن يكونَ مفهوماً قبلَ أن نَتكلَّمَ في صحّتِه أو فسادِه، فلَو كان مَذهَبُهم في «الكَسبِ » معقولاً، لَفَهِمناه عنهم مع طولِ المُباحَثةِ و المُناظَرةِ .
و لَيسَ يجوزُ أن تَكونَ العِلّةُ في بُعدِنا عن فَهمِه، اعتقادَنا بُطلانَه؛ لأنّا قد نَفهَمُ مذاهِبَ المُبطِلينَ علَى اختلافِها و تَعلُّلِها، و نَتكلَّمُ علىٰ بُطلانِها، و مَذاهِبُ هؤلاءِ القومِ الباطِلةُ في غَيرِ الكَسبِ كثيرةٌ ، لا نَدَّعي أنّها غَيرُ مفهومةٍ .
و اعتصامُهم بالفَرقِ الذي نَجِدُه بَينَ حركةِ المفلوجِ و بَينَ حركةِ المُختارِ
ص: 361
لا يُغني شيئاً؛ لأنّ هذا الفَرقَ أوّلاً للحَيِّ دونَ الفعل؛ لأنّ الحَيَّ يَجِدُه مِن نَفسِه، و إنّما كلامُنا معهم في صفةٍ يَدَّعونها للفعلِ زائدةٍ علىٰ حُدوثِه.
و السببُ في الفَرقِ الذي أشاروا إليه: أنّ حركةَ المفلوجِ غَيرُ تابعةٍ لاختيارِه، و حركةَ المُتصرِّفِ على إرادتِه واقعةٌ بإيثارِه و اختيارِه. و يَلزَمُهم أنّ اللّٰهَ تَعالىٰ ، لَو أجرَى العادةَ بأن يَفعَلَ اللونَ متىٰ أرَدناه، و يَرفَعَه متىٰ كَرِهناه، أن تَكونَ الألوانُ معنا مِثلَ سائرِ ما يُنسَبُ إلىٰ فِعلِنا مِن الحركاتِ .
علىٰ أنّهم إذا ادَّعَوا فَرقاً بين الحركةِ الضروريّةِ و الاختياريّةِ ، يَقتَضي تَعلُّقاً مِنّا بإحداهما، أمكَنَ أن يُقالَ لَهم: إنّ ذلك التعلُّقَ هو بحُدوثِ الاختياريّةِ بنا، و وقوعِ الضروريّةِ مِن اللّٰهِ تَعالىٰ فينا؛ فمِن أينَ [الكسبُ ] كصفةٍ زائدةٍ على الحُدوثِ و يُمكِنُ إسنادُه إليه ؟
علىٰ أنّ الفَرقَ الذي أشاروا إليه مُمكِنٌ في جميعِ المُتولِّداتِ ، و قد نَفَوا كَونَها كَسباً؛ ألا تَرىٰ أنّ أحَدَنا يَفصِلُ بَينَ أن يَكتُبَ و يَنسَخَ مُختاراً، و بَينَ أن يأخُذَ بيَدِه آخِذٌ فيَكتُبَ بها أو يَنسَخَ ، و لَم يَقتَضِ ثُبوتُ هذا الفَرقِ بَينَ الأمرَينِ أنّ أحَدَهما كَسبٌ .
و قد ألزَمَهم الشُّيوخُ أن يَكونَ اللّٰهُ تَعالىٰ قادراً علَى الفِعلِ مِن جهةِ الكَسبِ ؛ لأنّ
جهةَ تَناوُلِ القادرِ للفِعلِ لا تَختَلِفُ باختلافِ القادِرينَ ، كما لَم يَختلِفْ ذلكَ في وجوهِ العِلمِ و الإدراكِ ، و المُراداتِ و الأجناسِ . و إن دَخَلَ فيها اختصاصٌ بَينَ القادرينَ ، فلَن يَدخُلَ في جهةِ تَعلُّقِ القادِرِ بالمقدورِ اختصاصٌ . و بُطلانُ حُدودِهم للكسَبِ قَد نَبَّهنا عليه في هذا الكتابِ ، و ذَكَرنا أنّ الحُدودَ كُلَّها مَبنيّةٌ علىٰ
ص: 362
تَعاطي تفسيرِ لفظِه بما لا يَصِحُّ أن يُعلَمَ ، إلّابَعدَ أن يُعلَمَ معنىٰ تلكَ اللفظةِ .
علىٰ أنّا لو تَجاوَزنا عن أنّ الكَسبَ غَيرُ معقولٍ ، و سَلَّمنا أنّه معقولٌ ، لَكانَ غرضُهم في ذِكرِه مُنتَقِضاً(1)؛ لأنّه إذا كانَ مِن مَذهَبِهم أنّ اللّٰهَ تَعالىٰ متىٰ فَعَلَ في العبدِ القُدرةَ و الفِعلَ ، وجبَ كَونُه مُكتَسِباً، و لَم يَجُز أن لا يَكونَ كذلكَ ، و متىٰ لم يَفعَلْ ذلكَ استحالَ كَونُه مُكتَسِباً، فقد صارَ أحَدُنا في حُكمِ المحمولِ علَى الفِعلِ ، فلا يَستَحِقُّ مَدحاً و لا ذَمّاً، و لا ثَواباً و لا عِقاباً. و إنّما كانوا يَنتَفِعونَ بذِكرِ الكَسبِ لو انفكّ أحدُ الأمرَين مِنَ الآخَرِ.
***
يَلزَمُهم أن لا يَكونَ للّٰهِ تَعالىٰ علَى الكافرِ نعمةٌ ؛ لأنّه (263) خَلَقَ فيه الكُفرَ علىٰ مَذهَبِهم، فكُفرُه مُفضٍ به إلَى استحقاقِ العِقابِ الدائمِ ، و الخُلودِ في النارِ. و إذا لَم يَكُن عليه نعمةٌ ، لَم يستَحِقَّ اللّٰهُ الشُّكرَ و لا العِبادةَ ؛ لأنّها كيفيّةٌ في الشُّكرِ. و القولُ عليه بذلكَ خُروجٌ عن الإجماعِ ، و انسِلاخٌ عن الدينِ !
ص: 363
و ليسَ لهُم أن يَقولوا: لَيسَت له عليه نِعمةٌ دينيّةٌ ، و إن كانت [له] عليه نِعمةٌ دُنياويّةٌ ؛ كالحَياةِ و السمعِ و البَصرِ، و ضُروبِ المَنافعِ و اللّذاتِ العاجِلةِ .
و ذلكَ : أنّ كُلَّ شيءٍ عَدَّدوه لَيسَ بنعمةٍ علَى الحَقيقةِ ، إذا كانَ مؤَدِّياً إلَى العِقابِ ، و مُفضياً إلىٰ دُخولِ النارِ، بل هو مَضَرّةٌ و بَليّةٌ ، و إن كانَ فيه عاجلُ نفعٍ ، يَجري مَجرى مَن سَمَّنَ غَيرَهُ و أطعَمَه المَلاذَّ مِنَ المأكلِ و غَيرِه [و كان] قَصدُه أن يأكُلَه، في أنّه لَيسَ بنافعٍ له وَ لا مُنعِمٍ عليه.
و لَو سُلِّمَ أنّ ذلكَ نِعمةٌ - علىٰ بُعدِه - لَكانَ لا يَستَحِقُّ به الشُّكرَ و لا العبادةَ ؛ لأنّه
قد اقتَرَن به و انضَمَّ إليه مِن خَلقِ الكُفرِ فيه و تصييرِه(1) به إلى العِقابِ ما يوفي مَضَرَّتَه، و يَزيدُ علىٰ نفعِ تلكَ المَنافعِ العاجلةِ ، و يَجري مَجرىٰ مَن مَسَحَ مِنّا عَن وَجهِ غَيرِه تُراباً أو أصلَحَ له [قَلَماً](2)، ثُمّ قَتَلَ له الأولادَ، و سَلَبَ منه الأموالَ ، و انتَهَكَ مِنه كُلَّ حريمٍ ، في أنّه لا يَستَحِقُّ عليه شُكراً بل ذَمّاً و لَوماً.
و ممّا يَلزَمُ عَليهم(3) أيضاً علىٰ مَذاهِبِهم الفاسِدةِ : أن لا يكونَ له تَعالىٰ علَى المؤمِنِ نِعمةٌ ؛ مِن وَجهَينِ :
أحَدُهما: أنّ خَلقَ الإيمانِ فيه لا يَكونُ نِعمةً ، إلّاإذا قَصَدَ فاعِلُه به وَجهَ النِّعمةِ ، فأمّا إذا فَعَلَه به و لم يَقصِد شيئاً، أو قَصَدَ ضِدَّ النِّعمةِ ، لا يَكونُ مُنعِماً بغيرِ شَكٍّ ، و لهذا لا يَكونُ النائِمُ مُنعِماً علىٰ غَيرِه؛ لارتفاعِ القَصدِ الذي ذَكَرناه؛ فمِن أينَ لهم
ص: 364
أنّه تَعالىٰ لمّا فَعَلَ في المُؤمِنِ الإيمانَ ، قَصَدَ به إلىٰ نفعِه ؟!
و الوَجهُ الآخَرُ: أنّ النِّعمةَ لا تَكونُ نِعمةً إلّابَعدَ أن تَكونَ حَسَنةً ، فإذا عَرَضَ فيها قَبيحٌ خَرَجَت مِن أن تكونَ نِعمةً .
و الذي يَدُلُّ علىٰ ذلك: أنّ النِّعمةَ يُستَحَقُّ بها الشُّكرُ و التعظيمُ ، و القبيحَ يُستَحَقُّ به(1) الذَّمُّ و الإهانةُ ، فمُحالٌ أن يُستَحَقَّ بالفِعلِ الواحدِ الذَّمُّ و المَدحُ ، و التعظيمُ و الاستخفافُ .
و إذا صَحَّت هذه الجُملةُ ، و جازَ علىٰ مذاهبِهم أن يَكونَ في فِعلِ الإيمانِ بالمُؤمِنِ مَفسَدةٌ لغَيرِه، فيَكونَ قَبيحاً مِن هذا الوجهِ ، فيَخرُجَ بالقَبيحِ مِن أن يكونَ نِعمةً ، فقَد تَحقَّقَ الإلزامُ في المُؤمِنِ ، كما تَحقَّقَ في الكافرِ!
و ممّا يَلزَمُهم أيضاً: أن يُجَوِّزوا ظُهورَ المُعجِزاتِ علَى الكَذّابينَ ، أو علىٰ صادقٍ في أنّه رسولُ اللّٰهِ ، غَيرَ أنّه يَدعونا إلَى الضَّلالِ عن الدينِ و الباطلِ و خِلافِ الحَقِّ !
و وَجهُ لُزومِ الأوّلِ : أنّ القَومَ يَعتَقِدونَ أنَّ القَديمَ تَعالىٰ لا يَقبُحُ مِنه شيءٌ مِن الأفعالِ ، و إنّما القبحُ [لأفعالِ المكلَّفينَ ](2) مِن المُحدَثينَ ، و تَصديقُ مَن لَيسَ بصادقٍ يَقبُحُ (3) منّا، و يَجِبُ أن لا يَقبُحَ منه تَعالىٰ عندَهم؛ لاستحالةِ دُخولِ القَبيحِ في أفعالِه.
و أفحَشُ مِن تَصديقِ الكاذِبِ خَلقُ نَفسِ الكَذِبِ . و أغلَطُ و أشنع(4) مِن إرسالِ
ص: 365
مَن يدعو إلَى الكُفرِ خَلقُ نفسِ الكُفرِ.
و لَيسَ لهم أن يَدَّعوا أنّ ذلكَ تَعجيزٌ له؛ لأنّ التعجيزَ إنّما يَدخُلُ في أجناسِ المقدوراتِ ، و لا جنسَ مِن المقدوراتِ إلّاو هو(1) تَعالىٰ قادرٌ عليه، علىٰ ما لا يَتَناهىٰ . فكَونُ المُعجِزِ دليلاً لا يَرجِعُ إلى الجنسِ ، و إنّما يَستَنِدُ إلىٰ قُبحِه إن لَم يَكُن المُدَّعي صادقاً. و هذا بابٌ قَد سَدّوه في اللّٰهِ تَعالىٰ ، فجَرىٰ مَجرَى امتِناعِهم مِن أن يَكونَ في مقدورِه عِلمٌ يَكونُ به عالماً، و شَهوةٌ يَكونُ بها مُشتَهِياً، و حركةٌ يَكونُ بها مُتحرِّكاً، في أنّ (2) ذلكَ لَيسَ بتعجيزٍ له، و إنّما هُو نَفيٌ لكيفيّة فِعلٍ عليه؛ فألا كانَ الأوّلُ مِثلَه ؟
و وَجهُ لُزومِ القِسمِ الثاني: (264) أيضاً واضحٌ ؛ لأنّ الدُّعاءَ إلى الضَّلالِ و الباطلِ يَقبُحُ منّا دونَه؛ فألا جازَ دُخولُه في أفعالِه التي لا يَتعلَّقُ بها القُبحُ؟!
و لَيسَ لهم أن يَقولوا: إذا كانَ الدِّينُ و الحَقُّ هو ما يؤَدّيه النبيُّ ؛ لأنّ العَقلَ لا يَقتَضي شيئاً مِن ذلك، فأيُّ معنىً لإلزامِكم أن يدَعُوَ النبيُّ إلىٰ خِلافِ الحَقِّ؟
و ذلكَ : أنّ الإلزامَ يَجِبُ أن يَتَوَجَّهَ علَى المَذهَبِ الصحيحِ دونَ الباطلِ ، و قد بَيَّنّا فيما سَلَفَ أنّ في العَقلِ قَبيحاً و حَسَناً، و باطلاً و حَقّاً، فتَوجَّهَ الإلزامُ .
ثُمّ لَو سَلَّمنا ما ذَكَروه، لَكانَ أيضاً مُتَوجِّهاً؛ لأنّا نَفرِضُ أن نبيّاً سابقاً دَعا إلىٰ دِينٍ و حَقٍّ عُرِفا مِن جهتِه، ثُمّ بُعِثَ مِن بَعدِه نَبيٌّ آخَرُ يَنهىٰ عن نَفسِ ما أمَرَ به، علىٰ وَجهٍ يُخالِفُ القَبيحَ ، فهو داعٍ إلىٰ خِلافِ الدِّينِ و ضِدِّ الحَقِّ . و لَيسَ قولُه بأن يُتَّبعَ أَولىٰ مِن قَولِ السابقِ ، فقد بانَ بوَجهٍ الإلزامُ .
ص: 366
و ممّا يَلزَمُهُم أيضاً: أن يَصِفوا(1) اللّٰهَ تَعالىٰ مِن فِعلِ القَبيحِ و الجَورِ و الكَذِبِ ، بأنّه ظالِمٌ جائِرٌ كاذبٌ - تَعالَى اللّٰهُ عن ذلكَ عُلُوّاً كَبيراً -؛ لأنّ هذه الأوصافَ تَتبَعُ معنى «الفعّاليّةِ »(2) التي قد أضافوها(3) إليه عَزَّ وَ جَلَّ .
و قد بيّنّا فيما مَضىٰ مِن هذا الكتابِ ما يَرِدُ(4) علىٰ هذه الإلزاماتِ مِنَ الزِّياداتِ ، و أجَبنا بالواضِحِ الجَلِيِّ عنها، و أَورَدنا في هذا الفَصلِ ما هو لائقٌ به و غَيرُ مُستَغنٍ عنه(5).
***
ص: 367
ص: 368
1. فهرس الآيات... 371
2. فهرس الأحاديث و الآثار... 380
3. فهرس الأشعار و أنصاف الأبيات... 381
4. فهرس الأعلام... 383
5. فهرس الأماكن... 385
6. فهرس الأديان و الجماعات... 386
7. فهرس الأشياء و الحيوانات... 389
8. فهرس الكتب الواردة في المتن... 391
9. فهرس الكلمات المشروحة في المتن... 392
10. فهرس القواعد و الأحكام الكلاميّة... 395
11. فهرس المصطلحات و الألفاظ الخاصّة... 406
12. فهرس مصادر التحقيق... 444
13. فهرس المطالب... 456
ص: 369
ص: 370
الآية رقم الآية الصفحة
الفاتحة (1)
«اللّٰهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » 2...1/274
«رَبِّ العالمين» 1...2/382
البقرة (2)
«وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسىٰ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّىٰ نَرَى اللّٰهَ جَهْرَةً » 1...55/474
«مَنْ كانَ عَدُوّاً للّٰهِِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ » 2...98/302
«يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» 2...185/205
«هَلْ يَنْظُرُونَ إِلّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللّٰهُ » 1...210/472
«لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ » 1...255/442
آل عمران (3)
«وَ مَا اللّٰهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ » 2...108/205
«يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ » 2...167/229
ص: 371
النساء (4)
«وَ كانَ أَمْرُ اللّٰهِ مَفْعُولاً» 2...47/262
«يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ ...» 1...153/474
المائدة (5)
«بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ » 1...64/402، 403
الأنعام (6)
«وَ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَ بَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ » 2...100/310
«لا تُدْرِكُهُ الأَْبْصارُ» 1...103/458
«وَ هُوَ يُدْرِكُ الأَْبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» 1...103/434، 436، 439
الأعراف (7)
«وَ كَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها» 1...4/468
«أَوْ هُمْ قائِلُونَ » 1...4/468
«ثُمَّ اسْتَوىٰ عَلَى الْعَرْشِ » 1...54/381
«أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الأَمْرُ» 2...54/274
«رَبِّ أَرِنِى أَنْظُرْ إِلَيْكَ » 1...143/457، 475، 477
«فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ » 1...143/478
«أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا» 1...155/474، 477
«فَآمِنُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ النَّبِىِّ الأُْمِّىِّ الَّذِى يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ...
» 2...158/302
«يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ...
» 1...187/478
ص: 372
«إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ » 1...206/383
يونس (10)
«ثُمَّ اسْتَوىٰ عَلَى الْعَرْشِ ، يُدَبِّرُ الأَمْرَ» 1...3/381، 382
هود (11)
«كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ » 2...1/262
يوسف (12)
«وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِى كُنَّا فِيها» 1...82/467
الرعد (13)
«ثُمَّ اسْتَوىٰ عَلَى الْعَرْشِ » 1...2/381
الحجر (15)
«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ » 2...9/262
النحل (16)
«إِنَّما قَوْلُنا لِشَىْ ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » 2...40/274
«إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِى الْقُرْبى» 2...90/302
الإسراء (17)
«وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ » 1...29/403
ص: 373
«كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً» 2...38/205
طه (20)
«الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ » 1...5/381
الأنبياء (21)
«ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ » 2...2/262، 263
«إِلّا اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ » 2...2/263
«هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ » 2...50/262
الحجّ (22)
«ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ » 1...10/404
النور (24)
«مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ » 1...33/404
«اللّٰهُ نُورُ السَّمٰواتِ وَ الأَْرْضِ » 1...35/403
الفرقان (25)
«أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ» 1...15/395
«ثُمَّ اسْتَوىٰ عَلَى الْعَرْشِ » 1...59/381
الشعراء (26)
«ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمٰنِ مُحْدَثٍ » 2...5/262
ص: 374
«إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الأَوَّلِينَ » 2...137/311
النمل (27)
«وَ إِنِّى مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ » 1...35/463
القصص (28)
«كُلُّ شَىْ ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ » 1...88/467
العنكبوت (29)
«وَ تَخْلُقُونَ إِفْكاً» 2...17/311
السجدة (32)
«ثُمَّ اسْتَوىٰ عَلَى الْعَرْشِ » 1...4/381
الأحزاب (33)
«وَ كانَ أَمْرُ اللّٰهِ مَفْعُولاً» 2...37/262
فاطر (35)
«إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ » 1...10/382
يس (36)
«مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا» 1...71/403
«أَوَ لَمْ يَرَ الإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ » 1...77/480
«إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » 2...82/274، 297، 300
ص: 375
ص (38)
«إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ » 2...7/311
«ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ » 1...75/402، 404
الزمر (39)
«فِى جَنْبِ اللّٰهِ » 1...56/404
«وَ الأَْرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ » 1...67/404
«وَ السَّمٰواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ » 1...67/404
غافر (40)
«وَ مَا اللّٰهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ» 2...31/205
«وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفّارِ» 1...42/471
«مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ » 2...78/254
فصّلت (41)
«قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ » 2...11/298
الأحقاف (46)
«وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ » 2...12/262
محمّد (47)
«وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّىٰ نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ » 1...31/382
ص: 376
الفتح (48)
«يَدُ اللّٰهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ » 1...10/404
ق (50)
«وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّمٰواتِ وَ الأَْرْضَ » 2...48/254
الذاريات (51)
«وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ » 2...56/206
القمر (54)
«تَجْرِى بِأَعْيُنِنا» 1...14/403، 404
الرحمن (55)
«الرَّحْمٰنُ » 2...1/275
«عَلَّمَ الْقُرْآنَ » 2...2/275، 302
«خَلَقَ الإِنْسانَ » 2...3/275، 302
«وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الإِْكْرامِ » 1...27/404، 467
الحديد (57)
«ثُمَّ اسْتَوىٰ عَلَى الْعَرْشِ » 1...4/381، 382
الطلاق (65)
«قَدْ أَنْزَلَ اللّٰهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً» 2...10/262، 263
ص: 377
«رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللّٰهِ مُبَيِّناتٍ » 2...11/262
67 (الملك)
«أَ أَمِنْتُمْ مَنْ فِى السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ » 1...16/382
القيامة (75)
«وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ » 1...22/457
«إِلىٰ رَبِّها ناظِرَةٌ » 1...23/457، 472، 473
«وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ » 1...24/467، 468
«تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ » 1...25/467
الإنسان (76)
«إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ » 2...2/254
«وَ ما تَشاءونَ إِلّا أَنْ يَشاءَ اللّٰهُ » 2...30/215
التكوير (81)
«لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ » 2...28/209، 215
«وَ ما تَشاءُونَ إِلّا أَنْ يَشاءَ اللّٰهُ رَبُّ الْعالَمِينَ » 2...29/209، 215
الغاشية (88)
«وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ » 1...8/467، 468
«لِسَعْيِها راضِيَةٌ » 1...9/467
ص: 378
الفجر (89)
«أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ» 1...1/480
«وَ جاءَ رَبُّكَ » 1...22/471
الفيل (105)
«أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ » 1...1/480
ص: 379
النبيّ صلى الله عليه و آله
تَرَونَ رَبَّكُم كَما تَرَونَ القَمَرَ لَيلَةَ البَدرِ؛ لا تضامون في رؤيَتِه 1/457
أمير المؤمنين عليه السلام
أما و اللّٰهِ ما حَكَّمتُ مخلوقاً، و لكِنّني حَكَّمتُ كتابَ اللّٰهِ تَعالىٰ 2/311
الآثار
رَأَيتُ عَليَّ بنَ أبي [طالبٍ ] علىٰ مِنبَرِ الكوفةِ ، يَقولُ : اِنفِروا إلىٰ ... (قيس بن أبي حازم) 1/479
ص: 380
الشطر الأول القافية الشاعر... الصفحة
و كَم لظَلامِ اللَّيلِ عندَكَ مِن يَدٍ تَكذِبُ ... 2/45
أزورُهم و سَوادُ اللَّيلِ يَشفَعُ لي يُغري بي... 2/45
و قالَتْ [له] العَينانُ : سَمعاً و طاعةً يُثَقَّبِ ... 2/299
وجوهٌ يَومَ بدرٍ ناظِراتٌ بالفَلاحِ ... 1/465
أعتَقَني سوءُ ما صَنَعتُ مِن الرِّقِّ كَبِدي... 2/45
إذا ما بَنُو مَروانَ ثُلَّت عُروشُهُم حِميَرُ... 1/381
كحَلفَةٍ مِن أبي رِياحٍ الكُبارُ الأعشىٰ ... 1/400
و يوماً بذِي قارٍ رأيتُ وجوهَهم نَواظِرا... 1/465
إنّي إليكِ لِما وَعَدتِ لَناظِرٌ المُوسِرِ... 1/463
فلَمّا عَلَونا و استَوَينا عليهِمُ كاسِرِ... 1/381
و لَأنتَ تَفري ما خَلَقتَ ، و بَعضُ يَفري... 2/309
قد قالَتِ الأنساعُ لِلبَطنِ : «ألحقِ المُحنِقِ أبو النَّجم... 2/298
أبيَضُ لا يَرهَبُ الهُزالَ ، و لا إِلىَ أعشىٰ بَكرِ بنِ وائل... 1 /
473
كُلُّ الخَلائقِ يَنظُرونَ سِجالَهُ هِلالِ ... 1/463
فإن أتاه خَليلٌ يَومَ مَسغَبةٍ حَرِمُ ... 2/58
و قد عَلِمَ الحَيُّ مِن عامِرٍ الأَجسَمِ عامِرُ بنُ الطُّفَيلِ ... 1/396
و لا يَئِطُّ بأيدي الخالِقينَ و لا الأَدَمِ ... 2/310
رَأَيتُ اللّٰهَ إذ سَمّىٰ نزاراً قاطِنينا... 1/480
ص: 381
الشطر الأول... الصفحة
و إنْ أرادُوا ظُلْمَنا أبَيناه... 2/214
اِمتَلأَ الحَوضُ و قالَ : قَطْني... 2/299
ص: 382
محمّد = رسول اللّٰه = الرسول = النبيّ = نبيّنا صلى الله عليه و آله، 1/64، 102، 236، 252، 428، 457، 2/109، 111، 160، 180، 185، 212-214، 251، 252، 255، 263، 365
أمير المؤمنين عليه السلام، 1/470، 479، 2/311
إبراهيم = خليل اللّٰه، 2/57
موسىٰ = كليم اللّٰه، 1/457، 474، 476، 477، 2/57، 262
عيسىٰ = المسيح = روح اللّٰه = كلمة اللّٰه، 2 / 54-56، 58-61، 62، 63
مريم، 2/58
جبريل، 2/58
ابن الروَندي، 1/86، 87
ابن عبّاس، 1/470
ابن كُلّاب، 1/259، 263
أبو إسحاق بن عَيّاش، 2/130
أبو النَّجم، 2/298
أبو الهُذَيل (العلّاف)، 2/304
أبو رِياح، 1/400
أبو عبد اللّٰه (البصري المعروف بجُعل)، 2 / 133، 343
أبو علي (الجبّائي)، 1/176، 269، 407، 2 / 111، 132، 159، 174، 176، 218، 225، 233، 304، 307، 356، 360
أبو لهب، 2/160، 185
أبو هاشم (الجبّائي)، 1/57، 84، 88، 89،
ص: 383
124، 128، 240، 241، 269، 270، 299، 300، 355، 2/113، 121، 130، 143، 147، 159، 174، 176، 223، 270، 307 - 309، 321، 343، 356، 360
إسماعيلُ بنُ أبي خالد، 1/457
الأشعري، 1/465، 2/314
الأعشىٰ ، 1/400
أعشىٰ بَكرِ بنِ وائل، 1/472
بكر بن وائل، 1/472
البَلخي، 2/169
جَرير، 1/457
جَهْم، 2/313
حَفصٌ الفَرد، 2/314
سليمان بن جَرير، 1/260
الشَّيطان، 2/47-49، 50
صالح، 2/57
صالح قُبّة، 2/315
الصّالحي، 1/397
ضِرار، 1/241، 243
ضِرار بن عمرو، 2/314
عامر بن الطُّفَيل، 1/395، 396
عَبّاد بن سلمان، 2/85، 87
قَيس بن أبي حازم، 1/457، 478
مُجاهِد، 1/470
مَلِك الرُّوم، 1/421
النجّار، 2/314
نزار، 1/480
النظّام، 1/333، 2/107
ص: 384
البيت الحرام، 2/57
بيت اللّٰه، 2/57
الجبل، 1/396
خُراسان، 1/430
دِجلة، 1/427
ذي قار، 1/465
رَمل عالِج، 1/427
الصين، 1/430
الكَنيسة، 2/210
مساجد المسلمين، 2/210
المَسجِد، 2/160
مكّة، 1/480
ص: 385
آل الرسول، 2/312
الأئمّة، 2/312
أصحاب أبي هاشم شُيوخ أصحاب أبي هاشم طريقة أبي هاشم، 1/300، 2 /
308
أصحاب الحديث، 1/428
أصحاب الذات [و] الصفات، 1/327
أصحاب الصفات، 1/195، 351
أصحاب الطبائع، 1/193، 428
أصحاب المائيّة، 1/239
أصحاب الهَيولىٰ ، 1/73، 74
أصحاب جهم، 2/313
أصحابنا، 1/142، 465، 2/222
أطفال المشركين، 2/85
أطفال المؤمنين، 2/86
أُمَّتِنا، 2/263
الأُمّة، 1/242، 438، 2/64، 209، 215، 216، 255
الأنبياء، 1/243، 428، 476، 2/56، 57، 60، 109، 174، 2/205
أهل الآخرة، 2/121
أهل التأويل = علماء أهل التأويل، 1/403،
473
أهل التوحيد = علماء أهل التوحيد، 1 / 233، 476، 2/269
أهل الجَنّة، 1/94، 101، 232، 471، 481، 2 / 106، 180، 203
أهل الحَقّ ، 1/439، 443، 2/225
أهل السّمع، 2/98
أهل العَدل، 2/215، 2/313
أهل القبور، 1/427
أهل اللُّغة، 1/117، 127، 137، 143، 173، 260، 261، 262، 328، 339، 340، 435 - 437، 462، 481، 2/223، 244-246، 269، 288، 289، 292-294، 308
أهل النار، 1/94، 395، 481، 2/180
ص: 386
إياد، 1/381
البَراهِمَة، 2/97
بعض الشُّيوخ، 1/152، 211
بعض العقلاء، 1/86
البغداديّون، 1/153، 319، 407
بنو مروان، 1/381
التابعون، 1/469، 470، 473
الثَّنَويّة، 2/39، 48، 50، 149
الجِن، 2/227، 252
الجِنّي، 1/420، 421، 2/245، 246
حِميَر، 1/381
الحَوارِيّون، 2/56
الخَوارج، 2/91، 311
الدَّهريَّة، 2/94
دَهريّ ، 2/132، 133
الدَّيْصانيّة، 2/42
الذِّمِّي، 2/210
الرِّجال، 2/58
السُّفهاء، 1/474
الشيعة، 1/428
الشيوخ، 1/73، 81، 105، 151، 2/25، 187، 319، 362
الصابِئون، 2/63
الصَّبي، 2/101
الصبيُّ الصغيرُ، 1/322
الصَّحابة، 1/469، 470، 472، 473
طريقة الأشعريّ ، 1/465
طوائف أهل العَدل، 2/313
العامّة، 2/245، 246، 258
العِباد، 2/95، 118، 158، 203، 207، 208، 250، 297، 313، 314، 315، 339، 355
العرب، 1/383، 395، 403، 404، 437، 439، 467، 474، 477، 2/66، 91، 214، 295، 299
العَمىٰ ، 2/283
العَوراء، 2/283
العقلاء، 1/100، 352، 425، 429، 430، 2 / 50، 86، 88، 90، 97، 126، 127، 226
الفقهاء، 2/217
الكافر، 2/106، 365
الكَذّابون، 2/115، 255، 365
الكُفّار، 1/441، 2/160، 212، 213، 214، 215، 216
كُلّابيّة، 2/36، 51، 52، 53
مائيّات، 1/243
المائيّة، 1/240، - 243، 354، 380
المانَويّة، 2/45
المتكلِّمون، 2/266، 267
المُجبِرة، 1/130، 2/85، 86، 87، 88، 90، 91، 203، 333
المُحدَثون، 2/252، 365
مذاهب المُبطِلين، 2/361
ص: 387
مذهب أبي علي، 1/407
المُريدونَ ، 1/311، 2/181
المُستَحِقّون، 1/441
المُسلِمُ ، 1/452
المسلمون، 1/452، 2/208، 210، 267،
269
المُشَبِّهة، 1/130، 316، 405، 479
المشركون، 2/85، 208
المفسِّرون، 1/473، 2/263
المُعتَزِلة، 2/313
المُقرَّبون، 1/383
المكلَّفون، 2/259، 365
المَلائكة = المَلَك، 1/381، 382، 420، 383، 421، 2/57، 64، 109، 227، 252، 302
المُلحِدون، 1/428، 2/97
المُوحِّدون، 1/428، 2/64
المؤمنون، 2/86، 160، 174، 176، 213
النِّساء، 2/58
النَّصارىٰ ، 2/50، 51، 54، 64
نُفاة الأعراض، 1/334، 342
اليهود، 1/403
ص: 388
الأسَد، 2/19
الأصابع، 2/224
البَدر، 1/458
البَراغيث، 1/158
البِغال، 2/297
البهائم، 2/55
الثَّوب، 2/236
الجَبَل، 1/457
الجِبال، 2/17
الجَبَلِ الأصَمِّ ، 1/199
جِراب، 1/216
الحَجَر، 1/209، 2/233، 236
الحَمير، 2/297
الحَيّات، 2/49
الخَمر، 2/98
الخَيل، 2/297
الدُّر، 2/299
الرَّصاص، 1/204
الرقَبة، 1/207
الرُّمح، 1/211، 219
الرَّمل، 2/284
الرَّيحان، 1/175
الزِّقّ ، 1/204، 205، 216
السِّكّين، 2/241
السهم، 1/229
الشَّجَرة، 2/252
شَحمةَ الأُذُنِ ، 1/149
الشمس، 1/206، 2/65
صَفيحة، 1/209
الطائر، 2/221
الطَّست، 2/233، 235
الطُّيور، 2/221
العَسَل، 1/175
العَقارِب، 2/49
العَين، 1/103
الغُراب، 1/477
ص: 389
الفَم، 1/206، 2/284
الفَنيق، 2/298
القارورة، 1/205-207، 210
القَطْر، 2/284
القَمَر، 1/457، 480
الكَواكِب، 2/64، 66
اللحم، 1/207
لِسان، 2/284
اللَّهَوات، 1/206
الماء، 1/205، 206، 207، 208، 209، 427
المِحجَمة، 1/207، 209، 210
المِرآة، 1/415، 433
المِسطَح، 1/209
مِسَلَّة، 1/205
النار، 1/206
ناقة، 2/57
النُّجوم، 2/64، 65
نسر، 1/381
هَواء، 1/201، 205، 206-209، 210، 216
اليَدَينِ ، 1/256، 403
ص: 390
القُرآن = الذِّكر، 1/383، 470، 2/58، 216، 225، 262، 263، 274، 275، 296، 297، 302، 303، 304، 310، 312
الإنجيل، 2/56
البَغداديّات، 2/147
الجَمهَرة، 2/311
العَين، 2/311
الكتاب = هذا الكتاب (الملخص)، 1/105، 110، 192، 213، 229، 241، 254، 255، 281، 288، 315، 324، 326، 373، 407، 412، 2/30، 48، 64، 100، 129، 165، 190، 194، 243، 255، 277، 287، 290، 316، 333، 337، 345، 354، 359، 360
كتاب موسى، 2/262
الكُتُب، 1/195
الكُتُب، 2/197
الكُتُب الموضوعة لِلَحنِ العامّةِ ، 2/246
الكلام في طبيعةِ المُمكِنِ ، 1/238
الكلام فيما يَتناهىٰ و لا يَتناهى، 1/97
مسألة [في نفي الرؤية]، 1/445
مَقالة ليَحيَى بنِ عَدِيٍّ النَّصرانيِّ المَنطِقي، 1 / 96
ص: 391
الإثبات، 1/447
أجسَم، 1/394، 395
الإحساس، 1/176
الاختيار، 2/175
الأخرَس، 2/276
الإدراك، 1/435، 436
الإرادة، 2/175
اسْتَوىٰ ، 1/382
الاستيلاء، 1/381
أفعال القُلوب، 2/356
أفعَل، 1/395
الآلاء، 1/472
الأمر، 2/242
الانتظار، 1/463، 470
الإنزال، 2/263
الإيثار، 2/176
الإيجاد، 1/339
البُغض، 2/176
التأليف، 2/120
التَجلّي، 1/478
التحضيض، 2/243
التدبير، 1/382
التشبيه، 1/458
التَّمَنِّي، 2/356
تَوطينُ النفس، 2/175
التولُّد، 2/359
جَسيم، 1/396، 397
جَنب، 1/404
الجَواز، 2/109
جهة، 1/262
الحُدوث، 1/113
الحيّ ، 1/153
الخَرَس، 2/276
خَلق، 2/176، 311
ص: 392
الخُلّة، 2/57
الخَلّة، 2/57
الدُّعاء، 2/242
الذِّكر، 2/263
الرائحة، 2/295
الرّي، 2/356
زِنة، 1/262
السَّخَط، 2/176
السؤال، 2/242
السَّهو، 2/356
الشِّبَع، 2/356
الشَّر، 2/356
الشرط، 2/81
شيء، 1/400
الصُّعود، 1/382
الصَّوت، 2/231، 232
الطلَب، 2/242
الظن، 2/356
العَبَث، 2/77
العَداوة، 2/176
عِدة، 1/262
العَرض، 2/243
العِلم، 1/481
العِلّة، 2/81
غائط، 2/173
الغَضَب، 2/176
الغَم، 2/356
الغَيريّة، 2/272
الفاعِل، 2/319
فُروض الأعيان، 2/75
فُروض الكِفايات، 2/76
الفِعل، 2/73، 318
فِعل الجَوارح، 2/356
فِعل القُلوب، 2/356
الفِعل المُختَرَع، 2/359
الفِعليّة، 2/317
القَبيح، 2/78
القول، 2/299
الكلام، 2/219، 220، 223، 224
اللّٰه، 1/399، 2/269
المُباح، 2/74
المُباشَر، 2/359
المَحَبّة، 1/469
المُحدَث، 2/73
مخلوق، 2/307، 311
المُشَبَّه، 1/361
المَضارّ، 1/349
مقول، 2/292
المِلك، 1/470
المَنافِع، 1/349
المَوجود، 1/338
النداء، 2/243
ص: 393
نَدب، 2/75
الندَم، 2/356
النَّضارة، 1/467
النظَر، 1/457، 462
النفي، 1/447
النهي، 2/242
النيّة، 2/175
واجبٌ مُضَيَّقٌ ، 2/75
[الواجب] المُخَيَّر، 2/75
الوجوه، 1/466
وجه، 1/262، 404، 2/81
وَزن، 1/262
وَعدٌ، 1/262
وَلاية، 2/176
إله، 1/399
اليَمين، 1/404
ص: 394
(10) فهرس القواعد و الأحكام الكلاميّة(1)
إثبات الحُكمَينِ المُتَماثِلَينِ بدَليلَينِ مُختَلِفَينِ 1/106
إثبات القَديمِ تَعالىٰ بصفاتِه 1/105
إثبات ما لا يَتَناهىٰ مِن الاعتقاداتِ [و هو محال] 1/280
إثبات مانعٍ غَيرِ معقولٍ [يؤدّي] إلَى الجَهالاتِ 1/201
إثبات مقدورٍ واحدٍ في قادرينَ 1/266
إثباته [الجوهر] للتحيُّزِ مُستَنِداً إلَى الفاعلِ 1/70
اجتماع الجَواهرِ الكثيرةِ في مكانٍ واحدٍ 1/211
اجتماع الصفتَينِ له تَعالىٰ مَعلومٌ استحالتُه 1/277
اجتماع الضِّدَّينِ في الوجودِ 1/59
اجتماع جَوهرَينِ في حَيِّزٍ واحدٍ 1/70، 199
الأجسام و الجَواهرَ لا تَخلُو مِن المَعاني التي بها تَكونُ في الجِهاتِ 1/61
احتمال الأعراضِ لا يَصِحُّ إلّامع التحيُّزِ 1/376
الإحساس هو أوّلُ العِلمِ الذي يَحصُلُ فينا بالمُدرَكاتِ 1/176
اختصاص الجَوهرِ بالجهةِ لا يَكونُ إلّاموجَباً عن الكَونِ 1/114
اختلاف العبارةِ علَى العِلمِ لا يَقتَضي اختلافَ مُتعلَّقِ العِلمِ 1/237
ص: 395
أخَصّ صفاتِ التَّضادِّ 1/60
الإدراك يَتعلَّقُ بأخَصِّ صفاتِ الذواتِ 1/364
الإدراك يَستَحيلُ تَعلُّقُه بالمَعدومِ 1/231
إذا لَم يتقدَّمِ الجسمُ ما لا يَبقىٰ و لَم يَكُن ممّا لا يَبقىٰ ، فكذلك لا يَتقدَّمُ المُحدَثَ و... 1/93
إذا لَم يَثبُتْ كَونُ أحَدِنا فاعلاً، لَم يَصِحَّ إثباتُه قادراً 1/108
الإرادة الواحدةَ تَتَناوَلُ الضِّدَّينِ ، و هذا مُستَحيلٌ 2/161
الإرادة إنّما وجبَ وجودُها حَتّىٰ تَتعلَّقَ [بأحَدِ مُراداتِها] التعلُّقَ المَخصوصَ 1/188
الإرادة تَخرُجُ مِن التعلُّقِ عندَ العدمِ 1/181
الإرادة مُتعلِّقةٌ 1/180
استحالة اجتماعِ الإرادةِ و الكَراهةِ للشيءِ الواحدِ علىٰ وَجهٍ واحدٍ في العدمِ 1/183
استحالة أن يَصيرَ المُحدَثُ قَديماً 2/62
استحالة كَونِ العالِمِ عالِماً مِن غَيرِ أن يَكونَ حَيّاً 1/68
استحالة كَونِ المقدورِ الواحدِ لِقادرَينِ 2/15
استحالة نَفيِ المعدومِ لغيرِه 1/61
استحالة وجودِ ما يَنفي ذاتَه 1/277
استحالة وقوعِ الفِعلِ من فاعِلَينِ 1/106
إضافة الفِعلِ إلىٰ فاعلِه 1/106
اطِّراح إثباتِ شيءٍ مِن العِللِ 1/55
الاعتبار بالمَعاني دونَ العباراتِ 1/87
الاعتقاد عَلَيها يَكونُ عِلماً، و تمييزِ بعضِها مِن بعضٍ 1/272
أفعالنا لا تَكونُ إلّامُباشَرةً أو مُتولِّدةً 1/199
الآلِم يَكونُ آلِماً بإدراكِ ما يَنفِرُ عنه 1/349
الأمر بالقَبيحِ و كُفر النِّعمةِ قَبيحانِ 2/79
انتفاء تأثيرِ الأمرَينِ ، أو اجتماعَ التأثيرَينِ ، و كُلُّ ذلكَ فاسِدٌ 1/286
أن لا تخلُوَ الجَواهرُ مِن الأكوانِ 1/75
[أنّ ] التَحيُّزَ لا يَكونُ بالفاعلِ 1/71
ص: 396
[أنّ ] القادِرَ العالِمَ لا بُدَّ مِن كَونِه حَيّاً 1/148
[أنّ كَونَ ] العُضوِ [الواحدِ] بعضاً لِحَيَّينِ في حُكمِ المتنافي 1/71
أنّها [الإرادة] لَم تَخرُجْ عن التَعلُّقِ لأجل خُروجِها مِن إيجابِ الصفةِ للمُريدِ 1/186
إنّها [الذات] بالانتفاءِ أَولىٰ 1/69
أنّها [أي: الأجسام] كالشيءِ الواحدِ 1/74
أنّه تَعالىٰ تَمدَّح بما يَرجِعُ إلىٰ ذاتِه، دونَ ما يَجوزُ 1/439
أنّه تَعالىٰ تَمدَّحَ بنفيِ الإدراكِ عن نفسِه 1/438
إنّه تَعالىٰ شيءٌ لا كالأشياءِ 1/401
إنّه تَعالىٰ عالِمٌ لنفسِه 1/328
أنّه تَعالىٰ قادرٌ فيما لم يَزَلْ و لا يَزالُ 1/124
أنّه تَعالىٰ لا يُخالِفُ غَيرَه بالصفاتِ المُستَحَقّةِ عَن العِلَلِ 1/295
أنّه تَعالىٰ لا يَصِحُّ أن يَعلَمَ بعِلمٍ مُحدَثٍ 1/288
إنّه جَوهرٌ واحدٌ ثلاثةُ أقانيمَ 2/51
أنّه قَديمٌ لنفسِه 1/55
إنّه لا يُدرِكُه [أي الجوهر] إلّاعلىٰ هَيئَتِه 1/79
أنّه لا يَكونُ [الجوهر] متحيِّزاً بالفاعل 1/66
أنّه لمّا استَحالَ في المُستَقبَلِ وقوعُ الفِعلِ مِن غَيرِ قادرٍ، استَحالَ مِثلُه في الماضي 1/95
أنّهما [الجوهر و الكون] كالشيءِ الواحدِ 1/89
إنّه يَحتاجُ [الكَون] في وجودِه إلَى الجَوهرِ 1/67
أنّه [التحيّز] واجبٌ مع الوجودِ 1/72
إنّه [الجوهر] جنسُ الفِعلِ 1/202
إنّه [الجوهر] لا يَخلو مِن اللون؛ لأنّه ذو هَيئةٍ 1/80
إنّه [تعالىٰ ] جسمٌ لا كالأجسامِ 1/401
أنّه [تعالى] لا يُشبِهُ الجَواهرَ و الأجسامَ 1/371
إنّه [تعالىٰ ] مدرِكٌ لا لنفسِه و لا لمعنى 1/57
أوّل العُلومِ مِن أحوالِه كَونُه تَعالىٰ قادراً 1/244
ص: 397
إيجاد الذاتِ فرعٌ علىٰ صحّةِ وجودِها في نَفسِها 2/30
أنّه تَعالىٰ عالِمٌ بعلمٍ مُحدَثٍ ، و قادرٌ بقُدرةٍ مُحدَثةٍ 1/272
أنّه تَعالىٰ مُخالِفٌ لغَيرِه 1/290
أنّه تَعالىٰ مُريدٌ علَى الحقيقةِ 2/177
أنّه [تعالىٰ ] عالِمٌ غَنيٌّ 1/287
أنّه [تعالىٰ ] قادرٌ علَى الظُّلمِ كقُدرَتِه علَى العَدلِ 1/287
أنّه [تعالىٰ ] لا يَجوزُ أن يُريدَ بإرادةٍ قَديمةٍ 2/177
أنّه [تعالىٰ ] لا يَجوزُ أن يُريدَ بإرادةٍ مُحدَثةٍ تَحُلُّ غَيرَه 2/177
أنّه [تعالىٰ ] لا يَجوزُ أن يُريدَ بإرادةٍ معدومةٍ 2/177
أنّه [تعالىٰ ] لا يَجوزُ أن يُريدَ لا لنفسِه و لا لعِلّةٍ 2/177
أنّه [تعالىٰ ] لا يَجوزُ أن يَكونَ حَيّاً بحَياةٍ مُحدَثةٍ 1/266
أنّه [تعالىٰ ] لا يَجوزُ أن يَكونَ مُريداً لنفسِه 2/177
أنّه [تعالىٰ ] لا يَجوزُ أن يُريدَ بإرادةٍ مُحدَثةٍ تَحُلُّه 2/177
البَصَر إذا كانَ صحيحاً و وُجِدَ المُدرَكُ ، فلا بُدَّ مِن وجودِ الرؤيةِ فيه 1/407
التحيُّز راجعٌ إلَى الذاتِ 1/72
التحيُّز لا يَرجِعُ إلَى النفسِ بغَيرِ واسطةٍ 1/72
التحيُّز مستَنِدٌ إلَى الفاعل 1/66
التحيُّز يَكونُ بالفاعلِ 1/70
التصرُّف مُحتاج إلينا 1/100
تَصرُّفَنا يَجِبُ وقوعُه و انتفاؤه بحَسَبِ أحوالِنا 1/99
تَعذُّر الفِعلِ لِغَيرِ وجهٍ مَعقولٍ يَقتَضي تَعذُّرَه 2/28
التمانُع يَصِحُّ بَينَ كُلِّ قادرَينِ 2/10
الجسم قَديمٌ 1/86
الجسم لا يَصِحُّ أن يَفعَلَ الأجسامَ 1/222
الجسم لَم يَزَل يُقارِنُ حادثاً قَبلَ حادثٍ بلا أوّلٍ 1/87
الجسم مُحدَثٌ مِن حيثُ لَم يتقدَّم الحوادثَ 1/84
ص: 398
الجسم و الجَوهر لا يَخلُو في حالِ وجودِه مِن أحكامِ هذه المَعاني 1/61
جَواز كونِ الذاتِ الواحدةِ جَوهراً سواداً 1/65
الجَواهر لا تَفتَقِرُ في وجودِها إلىٰ بِنيةٍ 1/203
الجَوهر المعدومُ لا يَصِحُّ أن يَكونَ مَحَلاًّ لغَيرِه 1/123
الجَوهر لا يَخلو مع وجودِه مِن أن يَكونَ في جهةٍ مِن الجهاتِ 1/90
الجَوهر لا يَخلُو مِن الأكوانِ 1/75
الجَوهر متىٰ وُجِدَ وجبَ كَونُه متحيِّزاً 1/72
الجَوهر و الكَونَ كالشيءِ الواحدِ 1/75
الجَوهر يُخالِفُ غَيرَه بتحيُّزِه، و هو مُتجدِّدٌ، و الخِلافُ غَيرُ مُتجدِّدٍ 1/295
الجَوهر يَختَصُّ في حالِ وجودِه بصفةٍ مِن الصفاتِ 1/75
الجَوهر يُدرَكُ لَمساً كما يُدرَكُ بالبَصَرِ 1/79
حاجة «التصرُّفِ الذي يَظهَرُ مِنّا» إلينا 1/109
حاجة الشيءِ إلىٰ نفسِه 1/203
حاجة المُحدَثِ إلى المُحدِثِ 1/99، 104، 111، 191، 270
حاجة كُلِّ المُحدَثاتِ إلىٰ مُحدِثٍ 1/107
(الحُدوث) هو المتجدِّدُ عندَ القَصدِ 1/113
حُكم الفاعلِ لا بُدَّ أن يَكونَ معقولاً قَبلَ إضافةِ الفِعلِ إلىٰ فاعلٍ مخصوصٍ 1/106
الحَكيم لا يَكرَهُ إلّاالقَبيحَ 2/96
الحوادث أوّلَ أوانِها متناهية 1/95
الحَيّ بأنّه الذي يَصِحُّ أن يَقدِرَ و أن يَعلَمَ 1/153، 154
الحَيّ قد يَخلو ممّا يَتَضادُّ عليه 2/283
الحَيّ مَن يَصِحُّ أن يَقدِرَ و يَعلَمَ 1/150
الحَيّ مَن يَصِحُّ أن يَقدِرَ و يَعلَمَ أو مَن لا تَتعذَّرُ فيه هاتانِ الصفتانِ 1/152
الخَرَس و السُّكوت لا يُضادّانِ الكلامَ 2/282
الخِلاف في المَعاني غَيرُ الخلافِ في الأحوالِ التي تَجِبُ عن المَعاني 1/74
الدلالة كاشِفةٌ و لَيسَت بعِلّةٍ موجِبةٍ 1/107
ص: 399
الدليل قد دَلَّ علىٰ وجودِ الخَلَإ في [العالم] 1/203
الذات إذا لَم تَتقدَّمِ المُحدَثَ فهي مُحدَثةٌ 1/85
الرؤية إذا صَحَّت وَجَبَت، و إذا لَم تَجِبْ فهي مُستَحيلةٌ 1/406
الرؤية تَتولَّدُ عن الفَتحةِ و ما أشبَهَها 1/408
الشيء الواحِدَ لا يَنفي شَيئَينِ مُختَلِفَينِ غَيرَ مُتَضادَّينِ 1/314
الشيء لا يَكونُ غايةً لنفسِه 1/462
صِحّة الفعلِ الواحدِ مِن فاعلينَ كَثيرينَ ، و ذلكَ مُحالٌ 1/124
صحّة الفِعلِ في الأصلِ تَقتَضي حالاً بها صَحَّ الفعلُ 1/118
صحّة تَعلُّقِ العِلمِ بالمعدومِ كصحّتِه بالموجودِ 1/231
صحّة وقوعِ القَبيحِ و الحَسَنِ مِن فاعلٍ واحدٍ 2/50
الصفات التي تُستَحَقُّ لا للنفسِ و لا للعِلَلِ 1/293
الصفات الذاتيّةُ لا يَجوزُ خُروجُ الموصوفِ عنها 1/343
صفات العِلَلِ لا يَقَعُ بها الاختلافُ 1/296
صفات النفسِ إنّما تَجِبُ إذا صَحَّت 1/57
الصفات لا توصَفُ 1/261
صفة التصرّف تابعةٌ لِما يَكونُ بالفاعلِ 1/66
الصفة النفسيّة لا يَخرجُ عنها المَوصوفُ 1/56
الصفة نفسيّةٌ و ذاتيّةٌ 1/56
الطاري بالتأثيرِ أَولىٰ مِن الباقي 1/69
الظاهر مِن الاستعمالِ الحقيقةُ ، و إنّما يُنتَقَلُ إلَى المَجازِ بالأدلةِ 1/462
الظلم قبيحٌ 1/83
العالَم مخلوقٌ مِن هَيولىٰ قَديمةٍ 2/63
العبارات لا اعتبارَ بها مع صحّةِ المَعاني 1/225
العَبَث هو «ما صُرِفَ مِنَ الأفعالِ عن الوجهِ الذي مِن حَقِّه أن يوقَعَ عليه» 2/77
العِلم لا يُحتاجُ إليه في إيقاعِ جنسِ الفعلِ 1/201
العِلم لا يُحتاجُ إليه في جِنسِ الفعلِ 1/202
ص: 400
[العلم] مُكتَسَبٌ 1/85
الفارغة متَى اعتَمَدنا فيها اعتماداً متّصلاً 1/70
فأمّا كَونُه [الجوهر] مُدرَكاً 1/79
فَساد تَعلُّقِ العِلمِ الواحِدِ بأكثَرَ مِن المعلومِ الواحدِ علَى التفصيلِ 1/322
[فساد] كَونِ المُحدَثِ قادراً لنفسِه 1/197
الفِعل المُحكَم لا يَدُلُّ علَى العِلمِ 1/318
الفِعل هو «ما وُجِدَ بَعدَ أنْ كانَ مقدوراً». و إن شِئتَ أن تَقولَ : هو «ما حَدَثَ عن قادرٍ 2/73
القادر بقُدرةٍ لا يَكونُ إلّاجسماً، و الجسمَ لا يَكونُ إلّامُحدَثاً 2/10
القادر علَى الاعتماد يَجِبُ أن يَكونَ قادراً علَى الأصواتِ و الحُروفِ 2/120
القادر علَى الشيءِ يَجِبُ أن يَكونَ قادراً على جنسِ ضِدِّه 2/15
القادر على الشيءِ يَجِبُ أن يَكونَ ممّن يَصِحُّ أن لا يَفعَلَه 2/106
قادر لنفسِه يَجِبُ أن لا يَتَناهىٰ مقدورُه مِن الجنسِ الواحد في الوقتِ الواحدِ 2/10
القَبيح أنّه: «ما استَحَقَّ به فاعِلُه الذَّمَّ علىٰ بَعضِ الوُجوهِ » 2/78
القَبيح فيما بَينَنا لا يَختارُه إلّا: جاهِلٌ بقُبحِه، أو مُعتَقِدٌ للحاجةِ إليه 1/287
القَبيح لا يَقبُحُ للنهي 2/97، 101
قُدَرنا تَتعلَّقُ بالأجسام 1/70
القُدرة قد ثَبَتَ بالدّليلِ بَقاؤها 1/229
القُدرة لا يَصِحُّ بها الفِعلُ ، إلّابأن يُستَعمَلَ مَحَلُّها فيه أو في نَسبَتِه 1/222
القُدرة مُعلَّقةٌ بالجسمِ 1/70
القَديم قَديمٌ لنفسِه 2/10، 40
القَديم لا ضِدَّ له 1/60، 288
القَديم لا يَجوزُ عدمُه 1/58
القَديم مُدرِكٌ لنفسِه 1/57
الكلام الصَّوتُ إذا وَقَعَ علىٰ بَعضِ الوجوهِ 2/224
الكلام ما انتَظَمَ مِن حَرفَينِ فصاعِداً مِن هذهِ الحُروفِ المعقولةِ 2/220
الكلام ما يَقومُ بذاتِ المُتكلِّمِ 2/224
ص: 401
الكلام ما يوجِبُ كَونَ المُتكلِّمِ متكلِّماً 2/224
الكلام [ما] أفادَ مُرادَ المتكلِّمِ 2/224
كُلّ ذاتٍ وُجِدَت أكثَرَ مِن وقتٍ واحدٍ، لَم يَجُز عدمُها إلّابضِدٍّ 1/58
كُلّ ما لا توجِبُه العلّةُ لا يَتعلّقُ بالفاعلِ 1/81
كُلّ مَحَلٍّ فيه بِنيةُ حياةٍ 1/454
كَون الجوهرِ مُتحيِّزاً 1/253
كَون القديمِ قادراً يَقتَضي وجودَه 1/120
كَونه تَعالىٰ عالِماً 1/247
كَونه [تَعالىٰ ] حَيّاً 1/247
كَونه [تَعالىٰ ] قَديماً 1/247
كَونه [تَعالىٰ ] مُدرِكاً 1/247
كَونه [تَعالىٰ ] مُريداً و كارِهاً 1/248
كَونه [تَعالىٰ ] موجوداً 1/247
الكَون يَنتَفي عندَ عدمِ الجَوهرِ 1/67
لا اعتبار في تَماثُلِ الجَوهرَينِ ، بأن يَصِحَّ أن يَحُلَّ أحَدَهما نَفسُ ما يَحُلُّ الآخَرَ 1/369
لا حال للفاعلِ بكَونِه فاعلاً 1/293
لا مَنزِلة في الوجودِ بَينَ القِدَمِ و الحُدوثِ 1/191
لا يَجِب لشيءٍ مِن المُحدَثاتِ الوجودُ إلّابتوَسُّطِ فاعلٍ 1/56
لا يَجوز أن تَكونَ القُدرةُ موجودةً لا في مَحَلٍّ 1/266
لا يَجوز أَن يَحتاجَ [الجوهر] إليه [اللون] في كَونِه متحيّزاً 1/77
لا يَجوز أن يَكونَ الجَوهرُ مُوَلِّداً للَّونِ 1/80
لا يَجوز أن يَكونَ «العِلمُ بأنّ العالِمَ عالِمٌ » عِلماً بمُجرَّدِ ذاتِه 1/336
لا يَجوز أن يَكونَ المُقتضي [للإدراك] لذلكَ ارتفاعَ الآفاتِ و المَوانعِ 1/166
لا يَجوز أن يَكونَ فاعلُ الجَوهرِ غَيرَ فاعلِ الكُونِ 1/88
لا يَجوز أن يَكونَ كذلكَ [المدرِك مدرِكاً] لوُجودِ معنىً هو إدراكٌ 1/165
لا يَجوز أن يَكونَ وجودُ مُدرَكٍ مُقتَضياً لهذه الصفةِ [الحياة] 1/165
ص: 402
لا يَجوز أنْ يَكونَ [الجوهر] كذلكَ لحُدوثِه علىٰ وَجهٍ يُشارُ إليه مِن وجوهِ الحُدوثِ 1/63
لا يَجوز أن يَكونَ [الجوهر] كذلكَ لعدمِ معنىً 1/64
لا يَجوز أن يَكونَ [الجوهر] متحيِّزاً لِحُدوثِه 1/63
لا يَجوز أن يَكونَ [تَعالىٰ ] عالِماً بعِلمٍ مُحدَثٍ 1/267
لا يَجوز أن يَكونَ [تَعالىٰ ] قادراً بقُدرةٍ تَحُلُّ في غَيرِه 1/265
لا يَجوز [الجوهر] أن يكونَ كذلك لعدمِه 1/64
لا يَجوز [الجوهر] أن يَكونَ متحيِّزاً لوجودِ معنىً 1/64
لا يَحتاجُ [الجوهر] إلَى اللون في كَونِه في الجهةِ 1/78
لَم نُعَوِّلْ في إثباتِ «كَونِه [تعالى] حَيّاً و قادراً و عالِماً و سائِرِ صفاتِه» علىٰ ... 1/143
لَيسَ القَديمُ عندَكم مُدرِكاً لنفسِه 1/57
لَيسَ مِن شَرطِ تَوليدِ الاعتمادِ الكَونَ في المَحَلِّ 1/88
لَيسَ يَجوزُ أَن يَحتاجَ [الجوهر] إلَى اللونِ في كَونهِ في بعضِ الجِهات 1/78
لَيسَ يَجوزُ أن يَحتاجَ [الجوهر] إليه [اللون] في كَونِه جَوهراً 1/77
لَيسَ يَجوزُ أن يَحتاجَ [الجوهر] إليه [اللون] في وجودِه 1/76
لَيسَ يجوزُ أن يَكونَ اللون موجَباً عن الجوهرِ إيجابَ العلّةِ للمعلولِ 1/80
لَيسَ يَجوزُ أن يَكونَ المُقتَضي لِكَونِه مُدرِكاً كَونَه عالِماً 1/149
لَيسَ يَجوزُ أن [الجوهر] يَكونَ متحيِّزاً لوجوده 1/62
[لمّا] استَحالَ أن يَتعلَّقَ وجودُ الفِعلِ مستَقبَلاً بوجودِ الضِّدَّينِ ، استحالَ ذلكَ ماضياً؟ 1/95
ما أحالَ وجودَ الشيءِ علىٰ كُلِّ وجهٍ ، يُحيلُ كَونَه مقدوراً 1/283
ما شاركه تعالىٰ في القِدَم يجب أن يكون مِثلاً له 1/302
ما لَم يَتقدَّمِ المُحْدَثَ مُحدَثٌ 1/84
ما لَم يتقدَّمِ المُحدَثَ يَجِبُ أن يَكونَ مُحدَثاً 1/83
ما له صفةُ الظلم فهو قَبيحٌ 1/86
ما هو بصفةِ الجسمِ لا يَجوزُ أن يَكونَ شيئاً واحداً 1/74
ما يَستَحيلُ وجودُه علىٰ كُلِّ حالٍ ، لا يَكونُ ضِدّاً لغَيرِه في الحقيقةِ 1/283
المتحيِّز وجبَ أن يَكونَ في جهةٍ 1/72
ص: 403
المُتَناهِي المقدورِ لا يَكونُ إلّاقادراً بقُدرةٍ 2/10
متىٰ وُجِدَ [الجوهر] وجبَ أن يَكونَ متحيِّزاً 1/62
المِثلان لا يَكونُ أحَدُهما قَديماً و الآخَرُ مُحدَثاً 1/351
مجرَّد الفِعلِ لا يَدُلُّ علىٰ أكثَرَ مِن كَونِ فاعلِه قادراً 1/125
مُحال أن يَحتاجَ الشيءُ إلىٰ غَيرِه مِن وَجهٍ يَحتاجُ ذلك الغَيرِ إليه مِن ذلك الوَجهِ 1/76
مُحال أن يَحتاجَ [الجوهر] إلَى الكَونِ و اللون مَعاً في الصفةِ الواحدةِ 1/78
مُحدِث الأجسامِ قادِرٌ 1/117
«المُحدَث»، أو أنّه «كائنٌ بَعدَ أن لَم يَكُن» 2/73
المُشَبِّه هو الذي يُخالِفُ في المعنىٰ ، و يُثبِتُه بصفةِ الجسمِ المؤلَّفِ ، أو... 1/361
المُشتَرِكانِ في صفةٍ مِن صفاتِ النفسِ يَجِبُ أن يَكونا مُتَماثِلَينِ 2/24
المَضارّ هي الآلامُ أو الغُمومُ و ما يُؤَدّي إليهما أو إلىٰ أحَدِهما، إذا لَم يُعَقّبْ ... 1/349
المَعدوم يَستَحيلُ أن يَكونَ مُدرَكاً 1/57
المَعلوم لا يَخلو مِن أن يَكونَ موجوداً أو معدوماً، و الموجودَ لا يَخلو مِن أن... 2/36
المَعنىٰ هو الذي [لا] يَحتاجُ إلَى المعنىٰ 1/146
مقدور القُدَرِ في الجنسِ مُتَّفِقٌ 1/214
مقدور القُدَرِ مُتَغايِرٌ 1/213
مقدور كُلِّ واحدٍ مِن القَديمَينِ غَيُر مقدورِ صاحبِه 2/24
مقدور واحداً لقادرَينِ ، و ذلكَ فاسدٌ 1/222
المُلتَذّ إنّما يَكونُ مُلتَذّاً بإدراكِ ما يَشتَهيه 1/349
الممنوع لا بُدَّ أن يَكونَ مُتَناهيَ المقدورِ 2/10
المَنافِع هي اللَّذّاتُ و السُّرورُ و ما أدّىٰ إليهما أو إلىٰ أحَدِهما، إذا لَم... 1/349
مَن جَعَلَ الذاتَ علىٰ صفةِ الفاعلِ ، لا بُدَّ مِن أن يَكونَ هو المُحدِثَ لها 1/71
مِن حَقِّ المُحدَثِ أن يَكونَ له مُحدِثٌ 1/270
مِن حَقِّ كُلِّ ضِدَّينِ أن يَكونَ لِكُلِّ واحدٍ مِنهما صفةٌ تَرجِعُ إلىٰ ... 1/60
مِن حُكمِ كُلِّ ضِدَّينِ أن يَمنَعَ وجودُ كُلِّ واحدٍ مِنهما مِن وجودِ الآخَرِ 1/59
المؤَثِّر في خُروجِ الإرادةِ عن التعَلُّقِ ، هو عدمُها دونَ غَيرِه 1/184
ص: 404
المَوجود مُشتَقٌّ مِنَ الوُجودِ 1/338
النظَر هو تَقليبُ الحَدَقةِ الصحيحةِ نَحوَ المَرئيِّ أو مكانِه طالباً لرؤيتِه 1/462
النعيم و العِقابَ غَيرُ مُنقَطِعَينِ 1/94
نفي الضِّدِّ المعدومِ ضِدَّه 1/61
وجوب كَونِه تَعالىٰ مُدرِكاً عندَ وجودِ المُدرَكاتِ 1/169
وجوب وقوعِ تَصرُّفِه بحَسَبِ أحوالِه 1/106
الوجود له فيما لَم يَزَل مِن غَيرِ فاعلٍ و لا عِلَّةٍ 1/56
الوجود مُحالٌ أن يُشرَطَ بالوجودِ 1/114
الوجود [يَقتَضي] الصحّةَ في صفاتِ النفسِ 1/58
وقوع أفعالِ المُلجَإ بحَسَبِ إرادةِ المُلجِئ 1/102
يَجِبُ أن يَحتاجَ [الجوهر] إلىٰ جنسٍ مِن الألوان مخصوصٍ 1/77
يَجِبُ أن يَكونَ الجَوهرُ مَعَ وجودِه أبَداً متحيِّزاً 1/64
يَجِبُ عَنهُ إثباتُ القَديمِ الأوّلِ قَديماً لنفسِه 1/55
ص: 405
آلهة، 2/64
آلة، 1/174، 217
آمِر، 1/245، 250، 251، 2/179
الأب، 2/53
الإبانة، 1/299
الابتداء، 2/120
الأبصار، 1/432، 434، 438، 446، 448،
458
الابن، 2/53، 54
ابن اللّٰه، 2/59
الإبهام، 2/222
الأبيض، 1/362، 2/97
الاتّحاد، 2/54، 59، 62
الاتِّصال، 1/373، 411، 2/197، 198
الاتِّفاق، 1/295، 302، 311
الاتّفاق في المشيّة، 2/59
إثبات = الإثبات، 1/175، 287، 298، 339، 340، 391، 419، 425، 439، 440 - 442، 445-447، 462، 2/25، 71، 77، 102، 108، 112، 113، 350
الإثبات الحقيقي، 1/442
الاجتماع، 1/81
الأجزاء، 1/204، 210، 2/117، 239
الأجزاء الكثيرة، 1/258
الأجزاء المنضمّة، 1/258
الأجسام، 1/61، 70، 74، 111، 112، 113، 114، 117، 119، 175، 189، 196، 197، 199، 208، 221، 295، 321، 326، 361، 362، 371، 373، 374، 398، 405، 414، 416، 420-422، 429، 436، 437، 451، 2/29، 41، 45، 48، 55، 64، 140، 236، 252، 262، 265، 267
الإجماع، 1/359، 452، 2/180، 363
ص: 406
الأجناس، 1/78، 124، 200، 212، 213، 215، 284، 314، 416، 2/105، 107، 117، 140، 144، 187، 239، 265، 267، 326، 345، 355، 362
الأجناس المخصوصة، 1/326
الآحاد، 1/120، 2/100
الإحباط، 2/44
الاحتجاج، 2/51، 56، 228
الاحتمال، 1/379، 457
الأحداث، 1/341، 342، 2/11، 352
الإحساس، 1/176
الإحسان، 1/441، 2/87، 88، 93، 95،
296
الأحكام، 1/121، 127، 132، 141، 146، 232، 240، 303، 306، 317، 374، 379، 386، 392، 393، 2/33، 93، 154، 270، 271، 289، 325، 351
الأحكام المعقولة، 1/242، 288، 388
الأحوال، 1/80، 124، 149، 194، 225، 237، 246، 261، 282، 298، 299، 320، 335، 336، 367، 370، 371، 435، 442، 2/94، 105، 244، 264، 277
الأحوال المستقبلة، 1/229
الأحياء، 1/446، 2/62
الأخبار، 1/479، 2/87، 89، 136، 153 - 155، 179، 185، 254، 255، 312
الأخبار الصحيحة، 1/479
الاختراع، 1/215، 2/146، 359
الاختصاص، 1/144، 183، 224، 255، 275، 276، 297، 315، 336، 377، 378، 388، 449، 2/20، 32، 57، 61، 94، 117، 151، 165، 183، 199، 200، 337
الاختلاف، 1/295
الاختيار، 1/223، 2/176، 212، 213،
288
الأخرس، 2/221، 222، 276، 281
الآخرة، 1/439، 442، 476، 481
الأخفش، 1/424
الإدراك، 1/146، 148، 149، 157، 158، 159، 162، 164، 165، 166، 167، 168، 169، 174، 231، 240، 241، 248، 257، 272، 300، 301، 302، 358، 362، 363، 364، 365، 366، 367، 370، 405، 406، 410، 418، 419، 420، 421، 422، 423، 424، 425، 426، 436، 437، 438، 439، 443، 444، 445، 453، 455، 460، 461، 465، 466، 2/14، 81، 152، 192، 219، 232، 237، 264، 265، 339، 362
الأدلّة، 1/271، 325، 2/110، 129، 216
الأدلّة العقليّة، 2/288
الأدوية، 1/356
الأَديم، 2/309
ص: 407
الأُذُن، 1/438، 455
الإرادات، 1/163، 2/154، 155، 337،
341
الإرادة، 1/58، 107، 109، 179، 180، 181، 182، 183، 184، 185، 186، 187، 188، 189، 202، 203، 221، 224، 225، 245، 257، 279، 294، 304، 315، 341، 342، 369، 384، 385، 469، 2/12، 13، 20، 21، 22، 32، 35، 37، 44، 60، 122، 135، 137، 138، 140، 141، 142، 143، 144، 145، 146، 147، 148، 151، 156، 157، 158، 159، 160، 161، 162، 163، 164، 165، 166، 167، 168، 169، 171، 172، 174، 175، 178، 179، 182، 190، 195، 196، 197، 198، 201، 204، 205، 207، 211، 214، 225، 226، 234، 300، 307، 308، 328، 335، 337، 338،
347
الإرادة الضروريّة، 2/189
الإرادة المعدومة، 1/184
الأراييح، 1/357، 359، 373، 454، 455، 456، 2/231، 289
الأرض، 2/255، 297، 298، 308
الأرواح، 2/58
الأزليّ الوجود، 1/260
الإساءة، 2/88
الأسباب، 1/240، 319، 2/168، 279
الاستحالة، 2/109
الاستحقاق، 1/65، 91، 195، 311، 330، 343، 2/86، 105، 133
الاستخراج، 1/469، 473
الاستدلال، 1/108، 109، 110، 128، 143، 150، 151، 251، 252، 272، 322، 422، 428، 443، 452، 460، 475، 2/83، 86، 175، 189، 276، 277، 350
الاستعمال، 1/462، 470، 2/172، 312
الاستغفار، 2/216
الاستغناء، 1/290، 323، 391، 2/272
الاستقبال، 1/382
الاستمتاع، 2/173
الاستمرار، 2/237، 289
الاستنباط، 1/469، 473
الأسرار، 2/57
الاسم، 2/297
الأسماء، 1/259، 2/137، 213، 289
الأسماء الشرعيّة، 1/402
الأسود، 1/333، 337، 362، 2/97
الإشارة، 2/224
الاشتراك، 1/196، 250، 261، 274، 275، 303، 307، 399، 412، 2/9، 76، 265،
338
الاشتقاق، 2/288، 289، 290
ص: 408
الأشخاص، 1/163، 416
الأشياء، 1/334
الأشياء الكثيرة، 1/258
الأشياء المتماثلة، 1/107
الأشياء المختلفة، 1/107
الاصطفاء، 2/57
الأصَم، 1/173
الأصنام، 2/66
الأصوات، 1/158، 163، 174، 205، 357، 359، 454، 2/120، 168، 225، 232، 233، 236، 237، 238، 247، 265، 280، 286، 357
الأضداد، 2/162
الاضطرار، 2/240
الأطعمة، 2/44
الإطلاق، 1/436، 438
الأعاجم، 2/288
الاعتبار، 1/81، 102، 106، 249، 287، 375، 463، 2/86، 121، 345، 347
الاعتذار، 2/104
الاعتراض، 1/316، 366، 428، 446، 2 / 90، 277
الاعتقاد، 1/85، 130، 131، 132، 269، 270، 271، 272، 283، 358، 2/89، 97، 98، 121، 122، 135، 136، 137، 141، 149، 187، 204، 245، 356
الاعتقادات، 1/163، 247، 323، 324، 2 / 91، 121، 188، 245، 269، 284، 356
الاعتلال، 1/460، 461، 2/87، 278
الاعتماد، 1/80، 88، 89، 108، 114، 200، 211، 215، 216، 217، 218، 219، 220، 221، 265، 2/119، 120، 235، 238، 301، 332، 359
الاعتمادات، 2/120، 168، 289
الأعداد، 2/52، 117، 187
الإعدام، 2/352، 353
الأعراض، 1/62، 73، 78، 91، 114، 213، 294، 295، 333، 334، 340، 342، 345، 366، 367، 368، 370، 371، 374، 375، 376، 377، 378، 379، 380، 383، 384، 385، 386، 391، 393، 398، 410، 422، 443، 2/48، 98، 150، 151، 194، 200، 226، 262، 286، 287، 328، 341، 343، 346، 347
الأعراض المعقولة، 1/385، 386
الأعضاء، 1/357، 467
الإعظام، 1/342
الأعمَش، 1/424
الأعواض، 2/85، 143
الاغتذاء، 1/358
الأغذية، 1/356
الآفات، 1/165، 246، 406، 408، 449
ص: 409
الإفادة، 1/394
الافتراق، 1/81
الأفعال، 1/86، 94، 95، 99، 107، 111، 113، 119، 124، 132، 146، 169، 172، 181، 192، 198، 202، 218، 232، 247، 251، 342، 351، 354، 414، 415، 470، 2/32، 46، 48، 60، 71، 77، 89، 94، 97، 99، 101، 102، 109، 115، 124، 126، 131، 143، 145، 163، 164، 168، 202، 204، 229، 235، 239، 298، 301، 313، 314، 316، 328، 345، 360
الأفعال الحسنة، 2/104
الأفعال المحكمة، 1/274
الآفة، 1/174، 2/275، 276، 279
الأقانيم، 2/52، 53، 54
الأقانيم الثلاثة، 2/54
الأقدار، 2/117
الاكتساب، 1/422
الأكل، 1/181، 182، 2/60
الأكوان، 1/78، 81، 89، 92، 163، 197، 284، 318، 370، 2/44، 119، 120، 155، 287، 289، 354، 355
الأكوان المجاورة، 1/77
الأكوان المختلفة، 1/77
الآلات، 1/133، 168، 169، 171، 172، 202، 2/235، 241، 293، 309
الآلام، 1/454، 2/48، 87، 238، 357
الالتباس، 1/314، 364، 366، 363
الإلجاء، 1/102، 352، 2/125، 202، 212، 213، 288، 289
الإلزام، 2/43، 189، 285
الألفاظ، 1/340، 467، 2/56، 155، 180، 274، 296
الألفاظ العربيّة، 2/153
الألقاب، 1/398، 399
الألم، 1/159، 160، 161، 175، 349، 455، 481، 2/43، 47، 120
الآلِم، 1/349
الألوان، 1/75، 77، 78، 81، 92، 103، 114، 163، 281، 326، 373، 385، 444، 455، 456، 2/231، 232، 233، 234، 236، 237، 265، 266، 295، 341، 357،
362
الإله، 2/270
الإلهيّة، 2/270
الآلة، 1/168، 169، 200، 202، 206، 207، 208، 408، 415، 447، 451، 464، 2 /
212
الأماكن، 1/214، 261، 365، 373، 2/44،
169
إمام، 2/101
امتلاء الظروف، 1/70
ص: 410
الامتناع، 1/70، 261، 287، 2/23، 49،
130
الأمر، 1/202، 328، 341، 2/41، 42، 43، 142، 144، 181، 204، 242، 349
الأمراض، 2/85، 143
الأموال، 2/91، 364
الأُمور المُتجدِّدة، 1/255
الأُمّة، 1/452
الانتظار، 1/463، 472
الانتظام، 2/220
الانتفاع، 1/358، 359
الانتفاء، 1/109، 2/81
الإنزال، 2/263
الإنس، 2/206
الإنسان، 1/132، 2/51، 136، 151، 255، 268، 270، 271، 294، 302، 308
الأنف، 1/438
الانفكاك، 2/42
الانقطاع إلى اللّٰه تعالىٰ ، 1/476
الأنواع، 1/385، 2/265
الأوصاف، 1/399، 2/269، 291، 292، 293، 367
الأوقات، 1/119، 181، 189، 237، 261، 357، 2/300
الأوقات الكثيرة، 1/344
الأولاد، 2/364
الآيات، 1/476، 477
الآيات المتشابهات، 1/403
الإيجاب، 1/78، 379، 2/35، 169، 185
الإيداع، 2/144
الإيمان، 2/95، 138، 160، 185، 212، 214، 216، 302، 364، 365
الأيمان، 2/217
الآية، 1/436، 443، 447، 469، 2/263
البارد، 1/149، 206
الباري تعالىٰ ، 1/311
باطل، 1/70
باقي، 1/336
الباه، 1/354
البَبَّغاء، 2/221
بدائع الحكمة، 1/132
البَدَل، 1/220، 2/155، 160، 198
البرودة، 1/454، 455، 236
البشر، 2/252
البصر، 1/163، 407، 415، 437، 438، 465، 466، 2/364
البصير، 1/156، 172، 173، 174، 245، 420، 421، 442، 2/53
البطلان، 2/281
البعث، 1/232، 2/180
بعثة الأنبياء، 2/72
البُعد، 1/374، 377، 411، 414، 416، 2 /
ص: 411
237
البعض، 1/447، 448، 2/150
البعضيّة، 2/268
البعيد، 1/411
البقاء، 1/63، 91، 224، 236، 346، 384، 2 / 140، 237، 296، 357
البُنُوّة، 2/57، 58، 59
البِنيَة، 1/139، 142، 143، 200، 203، 217، 265، 330، 454، 2/65، 233، 235
البهائم، 2/206
البَهيمة، 2/78، 99، 101، 294، 327
البياض، 1/66، 79، 80، 81، 109، 134، 165، 253، 257، 294، 296، 315، 331، 332، 363، 367، 430، 2/45، 268، 318، 325، 326
البَيضة، 1/373
التأثير، 1/120، 121، 141، 147، 181، 387، 449، 2/96، 101، 137، 145، 183، 185
التأديب، 2/43
التأليف، 1/58، 59، 77، 132، 133، 143، 166، 217، 370، 387، 2/120، 200، 234، 242، 355، 359
التأويل، 1/403، 481، 2/54
التباين، 2/41
التبعيد، 1/477
التبنّي، 2/56
التثليث، 2/51
التثنية، 2/51
التجارة، 2/293
تجانس، 2/92
التجاوز، 2/287
التجاهل، 1/449، 2/172
تجدّد الذات، 1/342
تجدّد الوجود، 1/233
تجدّد عِلم، 1/230
التجنيس، 1/401
التجوّز، 1/474، 2/154
التجوير، 1/104، 105، 421، 458، 2/39، 317، 318
التحابط، 2/78
التحرّز، 2/78
التحرّك، 1/204
التحريك، 1/339
التحريم، 2/288
تحريم الزنىٰ ، 2/98
تحريم القبائح العقليّة، 2/98
التحضيض، 2/243
التحقيق، 1/247
التحكيم، 2/311
التحيّز، 1/62، 63، 64، 65، 72، 73، 78، 114، 172، 291، 295، 344، 364، 366،
ص: 412
368، 371، 372، 374، 375، 376، 377، 393، 2/81، 113، 194، 346، 347
تحيّز الجوهر، 1/172، 344
التحيّز بالفاعلِ ، 1/71
التخالف، 1/305
التخصيص، 1/328، 2/36، 282
التخلية، 2/328، 334
التداخل، 1/371
الترتيب، 1/132
ترك فعل الواجب، 2/106
التركيب، 1/144
التّروك، 2/161
التزايد، 1/148، 164، 397، 2/326
التساوي، 2/127
التسمية، 1/402، 466، 2/308
التسويد، 1/339
التشبيه، 1/405، 452، 458، 2/58، 242
التصحيح، 2/148
التصرّف، 1/104، 105، 106، 108، 109، 110، 131، 192، 204، 214، 2/29، 223، 313، 317، 318
التضاد، 1/67، 278، 279، 281، 283، 319، 2/188، 232، 233، 283، 325،
326
التضادّ الحقيقيّ ، 1/281
تضادّ الضدَّين، 1/280
تضادّ الخير و الشرّ، 2/43
التعجُّب، 2/242
التعجيز، 2/366
التعديل، 2/39
التعديل و التجوير، 2/39
التعذّر، 1/121، 2/27، 28
تعذيب الأطفال، 2/90
تعذيب مستحقِّ العذاب، 2/106
التعريض، 2/207
التعريف، 1/398، 399، 400
التعطّف، 1/463
التعظيم، 2/122
التعلّق، 1/99، 100، 102، 105، 176، 179، 180، 182، 184، 185، 186، 187، 188، 189، 256، 274، 275، 285، 286، 312، 315، 316، 323، 325، 370، 449، 2 / 33، 90، 95، 117، 121، 135، 136، 137، 148، 162، 172، 190، 194، 226، 244، 302، 319، 320، 321، 324، 342، 344، 345، 347، 348، 362
تعلّق العُلوم، 1/274
التعلّق المخصوص، 1/312
تعلّق الفعل بفاعله، 1/105
تعليل الشيء بنفسه، 1/187
التعليل، 1/250، 253، 309، 328، 2/350
تعليل الشيء بنفسه، 1/80
ص: 413
التغاير، 1/367، 2/271
التغيّر، 1/479
التفاضل، 1/397
التفاوت، 1/164
التفاؤل، 1/398
التفرّد، 2/99
التفرّق، 1/216
التفصيل، 2/36، 319، 321
التفضّل، 1/441، 2/296
التقابل، 2/77
التقدير، 1/108، 247، 2/111، 245، 307
التقريع، 1/395
التقليد، 1/268، 269، 2/36
التكذيب، 1/458
التكفير، 2/44
التكليف، 1/247، 476، 2/72، 122، 206، 240، 252
تلقيب، 1/402
التماثل، 1/196، 305، 314، 351، 401، 2 / 53، 92
تماثل الجواهر، 1/362، 366، 371
تماثل الجوهرين، 1/369
التمانع، 2/10، 11، 18، 19، 20، 21، 22، 23، 25، 26، 27، 196
التمدّح، 1/435
التمنّي، 2/122، 136، 137، 156، 159، 160، 242
التميّز، 1/299، 328، 2/36
التمييز، 1/400، 467، 2/33، 153، 282،
319
التنافر، 2/41
التنافي، 1/65، 2/197، 233
تناقض، 2/40
تناهي، 2/23
التنفير، 1/476
التنقيص، 1/471
التواضع، 2/153، 241
التوبة، 1/476، 2/45، 104، 106
التوحيد، 1/264، 374، 2/51
التورية، 2/154
التوسّع، 2/154
التوصّل، 2/58، 132
التوقّف، 2/232
التولّد، 1/219
التوليد، 1/70، 215، 216، 2/119، 120، 167، 359
التّهديد، 1/395
الثابت، 1/260، 338
الثّبوت، 1/300، 2/81
الثِّقَل، 1/415
الثقوب، 1/208
الثقيل، 1/119
ص: 414
الثنويّة، 2/47
الثواب، 1/102، 232، 342، 441، 470، 471، 473، 474، 2/122، 133، 144، 176، 180، 202، 207، 296
الجائز، 1/220، 417
الجارحة، 2/280
الجاعل، 1/221
الجاهل، 1/129، 150، 255، 266، 284، 285، 2/108، 186، 198
جاهلاً بالمعلوم، 1/234
الجحود، 2/242
الجزء، 1/220
الجزء المضموم، 1/258
الجزء المنفرد، 1/369، 2/119
الجسم، 1/61، 75، 79، 82، 84، 87، 92، 112، 113، 148، 196، 197، 199، 204، 225، 233، 240، 257، 261، 265، 295، 316، 319، 356، 358، 362، 373، 394، 398، 414، 415، 457، 458، 2/9، 18، 23، 47، 65، 67، 84، 168، 231، 233، 234، 267، 301، 323
الجسم الثقيل، 2/14
الجسم الخفيف، 2/124
الجسم العظيم، 2/124
الجسم القديم، 1/87
الجسميّة، 1/147، 247، 330
الجماد، 1/138، 139، 2/67، 95، 195، 196، 198
الجمادات، 1/137، 2/220
الجمع، 1/315
الجمع بين الضدّينِ ، 1/345، 2/110
الجُمَل، 1/378، 466، 467، 468، 2/52، 100، 239، 269
الجُملة، 1/120، 121، 124، 140، 141، 166، 197، 225، 275، 283، 318، 331، 332، 333، 334، 337، 357، 358، 373، 379، 435، 442، 443، 467، 2/32، 37، 51، 52، 79، 80، 82، 83، 86، 88، 89، 90، 91، 103، 156، 165، 176، 194، 200، 202، 233، 248، 251، 270، 278، 291، 319، 321، 339، 344، 365
الجنابة، 2/215
الجنس، 1/111، 212، 213، 214، 264، 281، 282، 2/16، 17، 44، 81، 96، 105، 107، 117، 121، 152، 154، 168، 184، 239، 242، 247، 264، 286، 325،
366
جنس الفعل، 1/121
جنس الكون، 2/225
الجنس الواحد، 1/78
الجُنون، 1/131
الجَنّة، 1/395، 2/20، 21، 189
ص: 415
الجوارح، 1/401، 465، 466، 468، 2 / 168، 178، 357
الجوارح المماسّة، 2/168
الجَواز، 2/109، 129
الجواهر، 1/61، 73، 123، 142، 163، 200، 201، 203، 204، 210، 211، 212، 214، 215، 216، 217، 218، 224، 225، 281، 344، 361، 362، 366، 369، 370، 371، 373، 377، 384، 388، 398، 414، 454، 2/118، 140، 144، 187، 257، 341، 356
الجواهر المعدومة، 1/375
الجواهر متماثلة، 1/362
الجَور، 2/367
الجوهر، 1/61، 62، 65، 66، 67، 71، 73، 75، 77، 81، 88، 89، 90، 91، 114، 123، 168، 173، 185، 202، 211، 213، 215، 216، 217، 218، 219، 220، 221، 284، 295، 296، 302، 309، 310، 311، 312، 316، 318، 336، 338، 344، 361، 363، 365، 368، 377، 380، 391، 392، 393، 397، 409، 414، 451، 457، 460، 461، 2/54، 81، 113، 118، 119، 156، 194، 242، 281، 334، 354، 355
جوهر الأحكام، 1/76
الجوهر المعدوم، 1/123، 2/113، 119
الجوهر المنفرد، 1/369
الجوهرَينِ ، 1/365، 366، 367، 368
الجهات، 1/78، 198، 204، 218، 221، 318، 372، 373، 374، 377، 378، 396
الجهات الست، 1/200، 215، 216
الجهاد، 2/76
الجهالات، 1/385، 453، 2/265
الجهل، 1/129، 232، 234، 235، 255، 277، 280، 282، 283، 284، 285، 286، 294، 304، 313، 322، 327، 331، 336، 345، 346، 445، 475، 476، 2/22، 23، 44، 61، 62، 106، 113، 115، 198
جهل بذاته، 1/327
الجهة، 1/75، 80
الحاجة، 1/110، 111، 247، 349، 350، 360، 2/23، 83، 113، 115، 124، 128، 233، 280، 309
حاجة الشيء إلىٰ نفسه، 1/77
حادث، 1/337، 342، 382، 2/15، 139،
334
الحادثات، 2/66
حادثة، 1/251
الحار، 1/149، 206، 207
الحاسّة، 1/174، 434، 439، 446، 450،
454
الحاسّة السادسة، 1/406، 413
ص: 416
الحاضر، 1/250، 398، 399
الحال، 1/74، 122، 277، 343، 368، 369، 376، 378، 407، 455، 471، 2/151، 199، 207، 291، 292
الحال المخصوصة، 1/332
حامِض، 2/291
الحجاب، 1/410، 411، 414
الحجّة، 2/261
الحدّ، 1/151، 153، 312، 2/174، 215، 221، 223، 270، 271، 358
حدّ القبيح، 2/78
الحَدَث، 2/14، 15، 261، 262، 280، 286،
311
الحدوث، 1/62، 63، 72، 91، 92، 93، 94، 99، 109، 110، 111، 113، 214، 223، 224، 233، 251، 259، 289، 323، 393، 459، 2/14، 15، 76، 77، 84، 92، 135، 136، 137، 138، 139، 140، 141، 143، 144، 163، 182، 203، 261، 264، 290، 302، 303، 322، 323، 324، 325، 335، 344، 345، 346، 347، 348، 350،
362
حدوث الأجسام، 1/81، 91، 107، 192، 422، 2/17، 47
حدوث الأعراض، 1/107
حدوث الجسم، 1/84، 129
حدوث الجسم لَفظاً و معنىً ، 1/92
حدوث الجوهر، 1/72
حدوث الذّات، 2/318، 319
حدوث العلم، 1/233
حدوث الفعل، 1/124، 125
حدوث القرآن، 2/297
حدوث القول، 2/300
حدوث الكلام، 2/300
حدوث جميع الأجسام، 2/40
حدوث جميع الأعراض، 1/99
الحدود، 1/106، 153، 2/362
الحرارة، 1/438، 454، 455، 456، 2/65،
236
الحرب، 2/91
الحرفة، 2/229
الحركات، 2/168، 362
الحركة، 1/80، 81، 112، 118، 147، 198، 206، 207، 219، 240، 262، 296، 342، 344، 374، 377، 461، 2/21، 29، 34، 84، 96، 156، 161، 165، 166، 168، 169، 189، 225، 233، 234، 235، 270، 278، 291، 293، 294، 334، 353، 361
الحركة الاختياريّة، 2/362
الحركة الضروريّة، 2/362
الحروف، 2/120، 154، 220، 236، 254، 264، 266، 267
ص: 417
الحروف المعقولة، 2/220
الحَسَن، 1/360، 2/20، 43، 71، 74، 76، 77، 78، 81، 88، 92، 97، 99، 103، 130، 131، 209، 248، 252
الحُسن، 1/292، 2/75، 76، 77، 92، 102، 125، 130، 131، 132، 145، 360
حُسن الخُلُق، 2/91
الحُسنُ و القُبحُ ، 1/202
حُسن و قُبح، 1/393
الحَصاة، 1/358
الحضور، 1/398
الحظر، 2/288
الحق، 2/366
الحقيقة، 1/402، 441، 444، 462، 465، 468، 470، 474، 2/51، 52، 55، 56، 62، 63، 89، 91، 97، 124، 125، 145، 159، 174، 186، 190، 224، 242، 251، 267، 270، 296، 297، 299، 304، 317، 348، 364
الحُكم، 1/187، 223، 250، 253، 261، 270، 319، 387، 462، 2/14، 86، 87، 94، 96، 102، 104، 128، 130، 186، 198، 270، 327، 360
الحُكم المُعَلَّل، 2/93
حُكمٌ معقولٌ ، 1/242
الحِكمة، 1/132، 246
الحَكيم، 2/20، 63، 82، 103
الحكيم تعالىٰ ، 2/49، 66
الحلاوة، 1/315
الحلول، 1/64، 291، 311، 363، 376، 379، 386، 387، 388، 389، 391، 392، 393، 432، 2/59، 165، 175، 200،
249
الحمرة، 1/103، 315، 346
الحموضة، 1/296، 346، 2/272، 326
الحوادث، 1/94، 95، 244، 263، 337، 2 / 23، 48، 66، 272، 273، 300
الحوادث المستقبلة، 1/94، 325
الحواس، 1/167، 168، 169، 172، 450،
453
الحواسّ خمس، 1/454
الحَيّ ، 1/113، 128، 134، 146، 147، 149، 151، 152، 153، 155، 160، 161، 166، 167، 169، 173، 176، 258، 265، 293، 297، 303، 309، 312، 320، 326، 336، 337، 344، 350، 375، 379، 384، 385، 402، 442، 449، 2/60، 103، 120، 147، 191، 196، 234، 238، 239، 242، 258، 269، 270، 273، 275، 277، 282، 297، 303، 362
الحياة، 1/59، 67، 68، 71، 134، 139، 140، 144، 145، 168، 181، 258، 263،
ص: 418
265، 266، 267، 268، 273، 290، 320، 326، 329، 376، 410، 430، 438، 454، 455، 456، 2/51، 63، 64، 65، 172، 195، 197، 198، 224، 234، 269، 270، 349، 354، 364
الحياة القديمة، 1/326
الحيوان، 1/356
الخالق، 2/90، 308، 309، 314
الخبر، 1/202، 221، 236، 328، 339، 383، 479، 480، 2/136، 142، 144، 147، 181، 182، 185، 204، 242، 338،
349
الخبر الصِّدق، 1/234
الخَرَس، 1/262، 2/222، 230، 273، 276، 278، 279، 280، 281، 282، 283، 284، 285، 286، 297
الخشوع، 1/476
الخُضْرَة، 1/103
الخطاب، 1/466، 470، 2/152، 180، 229، 237
الخفيف، 1/119
الخلاف، 1/294، 295، 297، 304، 2/91
الخلق، 2/302، 307، 308، 309، 311
الخير، 2/40، 42، 43، 44، 48، 49، 176
دار التكليف، 1/477
الداعي، 1/109، 279، 2/21، 126، 127، 128، 141، 149، 150، 151، 169، 178، 189، 212، 334
الدعاء، 2/242
الدعوىٰ ، 2/209
دَفع ضَرَر، 1/250، 2/86
الدلالة، 1/106، 107، 112، 113، 117، 120، 121، 126، 132، 141، 170، 171، 234، 249، 251، 252، 319، 320، 326، 328، 332، 334، 342، 355، 2/17، 19، 57، 95، 96، 137، 152، 177، 181، 230، 233
الدليل، 1/162، 253، 366، 385، 408، 2 / 17، 20
دليل التمانع، 2/24، 31
دليل الخطاب، 2/302
الدنيا، 1/439
الدنيائية، 2/133
الدواعي، 1/252، 264، 280، 294، 419، 2 / 12، 13، 18، 21، 32، 33، 60، 125، 129، 151، 161، 169، 189، 240، 244، 328، 329، 331، 335
دواعيه، 1/319
الدواء، 1/358، 2/157
الدِّين، 1/475، 2/75، 363، 365
ذائق، 1/174
الذات، 1/56، 67، 68، 69، 71، 78، 80،
ص: 419
82، 86، 127، 128، 139، 140، 147، 150، 166، 177، 193، 194، 224، 225، 233، 235، 238، 242، 251، 253، 254، 262، 279، 296، 300، 302، 304، 305، 306، 310، 316، 319، 335، 339، 340، 343، 364، 365، 366، 371، 373، 376، 379، 386، 392، 393، 404، 409، 418، 422، 2/12، 14، 15، 30، 31، 32، 33، 53، 77، 147، 183، 193، 197، 265، 318، 323، 324، 325، 334، 341، 346، 350، 351، 353، 354
ذات القديم، 2/272
الذات الواحدة، 1/68، 70، 148، 296،
297
الذات بالفاعل، 1/71
ذات حادثة، 1/341
ذاته تعالىٰ ، 1/336
الذاتيّة، 1/258، 2/270
الذِّكر، 1/272، 463، 2/263، 268
الذمّ ، 1/352، 440، 441، 2/41، 42، 44، 74، 75، 81، 90، 133، 142، 248، 320، 321، 360، 365
ذنب، 1/476
ذنوب، 2/86
الذوات، 1/61، 73، 132، 139، 141، 157، 240، 243، 261، 262، 294، 299، 300، 301، 302، 303، 336، 362، 366، 367، 375، 376، 379، 391، 392، 394، 398، 413، 444، 467، 2/92، 188، 197، 226، 232، 295، 300
الذوات الباقيات، 1/58
الذوات الباقية، 1/67
الذوات الكثيرة، 1/148
الذوات المحدَثة، 1/193، 194
الذوات المختلفة، 1/315
الذوق، 1/174، 175، 454، 455
رازق، 2/278
الرَّحمٰن، 1/465
ردّ الوديعة، 2/103، 144، 146
الرسول، 2/255، 263
الرسوم، 2/309
الرضا، 2/174، 175، 205
الرطوبة، 1/134
الرعيّة، 1/100، 101
الرقّة، 1/414، 416، 424
الرَّمد، 2/45
الروائِح، 1/174، 359
الروح، 2/53
الرؤية، 1/301، 405، 407، 408، 410، 411، 412، 413، 414، 415، 419، 433، 435، 436، 437، 438، 439، 440، 442، 444، 446، 450، 452، 453، 454، 456،
ص: 420
457، 458، 460، 461، 462، 463، 464، 465، 466، 469، 470، 472، 474، 475، 476، 477، 478، 479، 480، 2/227
الرياء، 2/146
الريح، 2/237
الريشة، 1/208
زِئبَق، 1/208
الزاني، 2/215
الزُّرقة، 1/412
الزمان، 1/95، 2/271
الزيادة، 2/179
الساكت، 2/281
ساكن، 2/277، 291
السامِع، 1/174، 175، 2/43، 252
الساهي، 1/106، 107، 108، 320، 2/29، 73، 77، 128، 139، 244، 308، 327،
337
السبب، 1/76، 89، 216، 218، 276، 2 / 49، 50، 1120، 163، 165، 166، 167، 178، 201، 206، 235، 353، 359، 362
السجود، 2/67
السحّارة، 1/206، 207
السَّدَر، 1/358
السرعة، 2/298
السرور، 1/350، 2/178
السَّعة، 1/412
السُّكر، 1/131
السكوت، 2/273، 275، 278، 279، 280، 281، 282، 283، 284، 285، 286، 297
السكون، 1/81، 130، 374، 377، 2/21، 169، 235
السلامة، 1/455، 2/151
السماوات، 2/255، 308
السماء، 1/382، 2/297، 298
السمع، 1/163، 359، 360، 452، 454، 456، 457، 475، 2/38، 67، 97، 98، 122، 151، 205، 206، 236، 295، 364
السُّمعة، 2/146
سميع، 1/156، 172، 173، 174، 245، 442، 2/53
السواد، 1/56، 58، 62، 63، 65، 66، 68، 79، 80، 109، 134، 165، 213، 240، 253، 257، 294، 296، 302، 309، 310، 312، 315، 329، 331، 332، 334، 336، 337، 340، 346، 363، 364، 367، 387، 388، 430، 437، 434، 449، 2/45، 54، 194، 199، 200، 242، 268، 272، 281، 295، 318، 325، 326، 355
السوادَين، 1/314
السؤال، 2/242
السهو، 1/108، 149، 2/61، 121، 169، 178، 360
ص: 421
شامّ ، 1/174
الشاهد، 1/117، 127، 137، 142، 143، 249، 251، 318، 342، 379، 398، 434، 445، 2/48، 86، 110، 127، 129، 130، 204، 208، 209، 211، 225، 265، 266، 271، 272، 279، 280، 284، 285،
286
الشبهة، 2/90
الشرّ، 2/40، 42، 43، 44، 48، 49
الشرائط، 1/408، 2/335، 344
الشرائع، 2/254
الشُّرب، 2/60
الشرط، 1/63، 170، 171، 177، 187، 220، 223، 228، 229، 231، 319، 320، 343، 376، 393، 407، 408، 445، 446، 450، 451، 456، 2/119، 168، 176، 179، 218، 332
الشرط المتجدّد، 2/217
شرط معقول، 1/230
الشرع، 2/67، 75، 98، 217، 242
الشرق، 1/380
الشرور، 2/49
الشروط، 1/170، 171، 387، 411، 412، 431، 434، 2/102، 117، 155، 329،
334
الشعاع، 1/417، 431، 433، 451
الشَّعر، 1/363
الشكّ ، 1/402، 411، 416، 450، 452، 453، 474، 475، 2/38، 49، 109، 122
الشكر، 2/66، 363، 364، 365
شكر المرشد، 2/133
شكر النعم، 2/62
شكر النعمة، 2/103، 104
الشَّم، 1/174، 175، 454، 455، 466
الشهوات، 1/353، 355، 2/63، 64، 106، 180
الشهوة، 1/164، 175، 349، 350، 353، 354، 355، 356، 358، 360، 2/63، 87، 88، 145، 150، 156، 157، 158، 159، 160، 173، 179، 339
الشيخ الهَرِم، 1/354
الصانع، 1/131، 2/63
صانع العالَم، 1/187، 193، 225
الصحّة، 1/145، 275، 300، 2/109، 110،
259
صحّة الفعل، 1/257
الصحيح، 2/44، 315
الصدق، 2/43، 80، 89، 92، 115، 116، 123، 124، 125، 126، 127، 131، 132، 254، 256، 310
الصدقة، 2/146
الصَّدىٰ ، 2/224، 239، 247، 283
ص: 422
الصغائر، 1/476، 2/174
الصغائر من الذنوب، 2/60
الصغير، 1/271
الصغيرة، 2/78
الصفات، 1/75، 76، 118، 139، 166، 254، 255، 295، 299، 302، 309، 317، 336، 343، 362، 364، 374، 378، 379، 380، 386، 387، 391، 399، 402، 407، 410، 418، 468، 2/16، 32، 33، 53، 147، 193، 199، 267، 271، 281، 290، 303، 317، 326، 345، 348
صفات الأفعال، 1/293
صفات الذات، 1/310
الصفات الذاتيّة، 1/307، 343، 2/31
صفات العِلل، 1/56
الصفات المختلفة، 1/297
الصفات المستحقّة، 1/312
الصفات المعقولة، 1/257
الصفات المعيّنة، 2/87
صفات ذاته، 1/403
صفاته الذاتيّة، 1/379
صفات النفس، 1/56، 57
الصفات النفسيّة، 1/303، 311، 2/9، 10، 25، 32، 267
صفته الذاتيّة، 1/277، 303، 378، 379،
444
صفته النفسيّة، 1/285
صفته تعالَى الذاتيّةُ ، 1/245
الصفة، 1/123، 298، 300، 309، 310، 311، 316، 317، 319، 328، 330، 343، 355، 389، 407، 417، 456، 459، 461، 2/198، 253، 270، 332، 351
الصفة الثابتة، 1/77
صفة الذات، 1/344
الصفة الذاتيّة، 1/248، 305، 306، 343
الصفة المتجدِّدة، 1/113، 295
الصفة المنفيّة، 1/445
صفة النفس، 1/307، 2/259
الصفة النفسيّة، 1/307، 409، 2/257،
281
الصفة الواجبة، 1/309
الصفيحة، 1/209، 210
الصلاح، 1/355، 358، 359
الصلاة، 2/67، 76، 160
الصلاة على الموتىٰ ، 2/76
الصنائع، 1/131
الصنائع المُحكمَة، 1/232
الصناعة، 2/229
الصوارف، 2/328، 329، 337
الصوت، 1/58، 157، 158، 159، 453، 455، 2/200، 219، 231، 233، 234، 235، 236، 237، 266، 280، 294، 296،
ص: 423
352
الصُّوَر، 1/74، 359
الصورة، 1/234
الصوم، 2/157
الصيام، 2/76
الصيغة، 1/234
الصيغة المخصوصة، 2/153
الضدّ، 1/58، 59، 60، 67، 69، 183، 255، 283، 288، 370، 433، 2/10، 100، 121، 160، 169، 353
الضدّين، 1/95، 192، 279، 313، 315، 345، 384، 416، 2/21، 22، 31، 108، 110، 160، 161، 169، 187، 188، 189، 190، 193
الضرب، 1/342، 2/239، 293
الضرر، 1/352، 354، 2/21، 45، 50، 80، 84، 89، 92، 105، 130، 132، 133، 150، 210
ضروريّ ، 2/103
الضرير، 1/173، 413، 420-422
الضعيف، 1/108، 198، 2/23، 24، 29،
214
الضيق، 1/412
الطاري، 1/69
الطاعات، 2/202، 209، 215
الطاعة، 1/101، 2/207، 212
الطبع، 1/120، 2/40، 41، 158
طريقة النظر، 1/251
الطعام، 1/448
الطعم، 1/315، 449
الطعوم، 1/114، 163، 174، 374، 454، 455، 456، 2/63، 231، 289
الطفل، 2/78، 99، 276
الطلب، 2/242
طلب المعرفة، 1/253
الطول، 1/394، 395، 396
الطين، 1/356، 357
ظانّ ، 2/139، 149
الظلم، 1/84، 86، 287، 288، 445، 2 / 22، 23، 43، 77، 82، 84، 85، 86، 87، 88، 90، 91، 93، 94، 98، 105، 108، 110، 113، 115، 124، 126، 180، 204، 214، 321
الظلم القبيح، 2/79، 106
الظلمة، 2/40، 41، 42، 43، 45، 46
الظنّ ، 1/130، 131، 132، 251، 472، 478، 481، 2/121، 137، 312
العاجز، 1/150، 151، 306، 2/42، 214، 222، 276، 339
العادات، 1/430، 2/91
العاصي، 2/143، 208
العاقل، 1/83، 85، 110، 342، 432، 2 /
ص: 424
80، 84، 85، 129، 248، 258
العاقل المميّز، 1/353
العالِم، 1/109، 113، 128، 133، 134، 135، 137، 138، 145، 146، 147، 149، 150، 160، 161، 187، 202، 232، 230، 233، 236، 237، 244، 245، 247، 255، 258، 266، 267، 271، 272، 273، 274، 275، 288، 293، 294، 297، 307، 312، 319، 324، 327، 328، 329، 330، 332، 334، 335، 337، 340، 342، 344، 379، 384، 389، 442، 449، 2/18، 20، 23، 60، 78، 80، 115، 122، 130، 141، 142، 146، 165، 177، 182، 198، 238، 242، 257، 258، 269، 270، 275، 290، 297، 333، 334، 344
العالَم، 1/193، 200، 2/41، 63، 64، 66، 178، 248
عالِم لذاته، 1/327
العامّة، 2/216
العباد، 1/106، 2/238
العِبادات، 2/76
العبادة، 1/293، 476، 2/62، 63، 64، 65، 66، 67، 142، 206، 363، 364
العِبارات، 1/339، 2/110، 213، 228، 276، 288، 289، 329
العِبارات الوضعيّة، 2/288
العبارة، 1/259، 260، 2/54، 2/160، 210، 227، 230، 231، 261
العَبَث، 1/246، 2/77، 203، 206
العبد، 1/100، 101، 2/336، 340، 363
العَجز، 1/279، 322، 445، 2/339
العَدل، 2/11، 71، 85، 87، 88، 124، 126، 180، 315
العدم، 1/61، 64، 72، 77، 78، 164، 179، 180، 183، 184، 185، 186، 188، 189، 212، 233، 259، 375، 387، 457، 459، 2/76، 77، 92، 93، 94، 193، 281، 324، 329، 346، 350، 351، 355
عَدَم الإرادة، 1/187
العذاب، 1/481، 2/106، 133، 205
العربيّة، 2/262
العربيّةِ ، 1/446
العَرش، 1/380، 381، 382
[عَرشُ ] اللّٰه، 1/381
العَرْض، 1/394، 395، 396
العَرَض، 1/59، 87، 88، 89، 225، 251، 261، 377، 386، 451، 458، 2/152، 198، 223، 243، 286، 290، 347
العُرف، 2/242، 263، 312
العزم، 2/175، 308
العقاب، 1/232، 2/133، 143، 144، 180،
364
ص: 425
العقاب الدائم، 2/363
العقل، 1/85، 110، 131، 132، 137، 259، 272، 317، 419، 424، 2/79، 97، 103، 104، 205، 366
العقول، 1/73، 477، 2/36، 37، 41، 42، 87، 88، 89، 129
العَكس، 1/106
العِلَل، 1/144، 240، 309، 310، 319، 364، 365، 371، 389، 393، 2/34، 84، 93، 96، 125، 156، 165، 186، 187، 200، 233، 279، 335
العِلم، 1/59، 67، 68، 112، 113، 129، 130، 131، 132، 137، 140، 145، 146، 147، 148، 150، 158، 160، 162، 181، 185، 200، 201، 202، 217، 231، 232، 233، 234، 235، 236، 237، 238، 240، 244، 245، 248، 251، 252، 255، 257، 262، 263، 267، 268، 269، 270، 272، 273، 274، 276، 278، 279، 280، 282، 283، 284، 285، 287، 288، 289، 290، 294، 304، 310، 312، 313، 315، 316، 317، 318، 319، 321، 322، 323، 327، 330، 331، 332، 334، 335، 336، 337، 338، 340، 341، 342، 344، 369، 375، 376، 385، 389، 420، 421، 422، 423، 425، 427، 428، 429، 430، 432، 443، 449، 460، 472، 478، 480، 2/12، 23، 25، 33، 34، 36، 38، 44، 46، 51، 53، 62، 79، 80، 83، 85، 86، 93، 94، 97، 98، 108، 121، 124، 130، 133، 140، 146، 148، 150، 151، 156، 162، 165، 172، 180، 188، 190، 199، 204، 224، 226، 227، 228، 234، 238، 244، 269، 270، 271، 273، 282، 289، 290، 291، 301، 303، 308، 312، 321، 337، 339، 354، 360، 362
عِلمَ استدلال، 1/84
العِلم الأوّل، 1/234، 235، 236، 270
العِلم الحال، 1/257
العلم الضروري، 1/85، 161، 427، 2 / 33، 79، 86، 90، 91
العِلم القديم، 1/173، 306، 309، 324،
346
العِلم المُكتَسَب، 1/161
العِلم الواحد، 1/322
عِلم جُمَل، 1/85
عِلم مُحدَث، 1/272، 273، 275، 324،
325
عِلم معدوم، 1/324
عِلم مُفرَد، 1/330
العلم مُكتَسَب، 2/79، 271
عِلم يقين، 1/481
ص: 426
العلوم، 1/85، 126، 214، 225، 232، 273، 275، 315، 323، 325، 336، 337، 410، 422، 428، 2/36، 61، 87، 121،
122
العلوم الثلاثة، 1/86
العلوم الضروريّة، 1/323، 415
العلوم المتماثلة، 1/236
العلوم المُحْدَثة، 1/325
العلوم المستقرّة، 1/73
علوم قديمة، 1/324
العلّة، 1/55، 76، 80، 81، 94، 111، 141، 181، 207، 209، 210، 212، 222، 225، 250، 269، 300، 306، 309، 310، 328، 330، 387، 389، 430، 433، 459، 461، 2/34، 76، 81، 83، 86، 93، 95، 96، 102، 119، 124، 125، 127، 146، 165، 166، 186، 198، 209، 231، 235، 272، 281، 334، 335، 339، 350، 361
العلّة الحقيقيّة، 2/186
العلّة الموجبة، 1/82، 309، 2/129
العليل، 1/356، 2/44
العُمق، 1/394، 395، 396
العِوَض، 2/72، 87
عون اللّٰه، 2/100
العَين، 1/401، 413، 432، 433، 466
العَين العَوراء، 2/283
العيون، 1/412
الغائب، 1/249، 250، 323، 328، 342، 410، 2/127، 130، 211، 225، 266، 284، 285، 286
الغرب، 1/380
الغرض، 2/128، 180، 215
الغصب، 2/44
الغمّ ، 1/350، 471
الغَناء، 1/247
الغَني، 1/293، 297، 350، 2/23، 115، 123، 130، 333
الغِنىٰ ، 2/124
الغَيبة، 1/398، 399، 410
غير متناهية، 1/196
غير محل، 1/326، 2/273
الغيريّة، 1/343، 2/268، 270، 272
الفاسد، 1/66، 70، 2/315
الفاعل، 1/55، 62، 66، 88، 90، 91، 92، 95، 110، 113، 123، 125، 143، 192، 194، 221، 222، 223، 224، 253، 254، 255، 263، 265، 267، 269، 294، 300، 319، 325، 326، 327، 337، 352، 364، 371، 373، 397، 2/15، 22، 33، 44، 46، 48، 84، 87، 94، 95، 119، 125، 145، 149، 156، 166، 167، 174، 183، 191، 204، 231، 291، 292، 293، 318،
ص: 427
319، 321، 323، 344، 345، 346، 348، 349، 350، 352
الفاعل للجوهر، 1/75
الفاعل للمحكم، 1/231
الفاعل لما هو عليه، 1/62
الفاعل لنفسه، 1/62
الفاعلين، 1/263، 264
الفروق، 1/261
الفساد، 1/70، 71، 90، 214، 253، 355، 2 / 110
فِسق، 2/74
الفَصل، 2/34، 184، 191
الفعّاليّة، 2/367
الفعل، 1/102، 108، 110، 111، 113، 117، 118، 119، 120، 121، 122، 123، 124، 125، 126، 128، 129، 130، 131، 132، 135، 143، 148، 149، 168، 181، 188، 189، 200، 202، 211، 214، 228، 229، 231، 239، 240، 244، 246، 250، 251، 252، 256، 257، 266، 276، 289، 318، 319، 326، 319، 331، 337، 352، 354، 355، 373، 380، 386، 392، 408، 2/12، 13، 17، 18، 20، 24، 26، 27، 29، 30، 34، 40، 73، 76، 82، 84، 85، 94، 95، 96، 99، 100، 102، 103، 125، 131، 132، 134، 137، 138، 142، 143، 146، 148، 149، 158، 164، 166، 168، 169، 174، 176، 178، 188، 189، 197، 201، 202، 203، 204، 207، 218، 276، 317، 318، 319، 320، 322، 326، 327، 328، 329، 330، 331، 332، 333، 336، 337، 340، 342، 343، 344، 345، 346، 357، 360، 362، 363
الفعل المحكم، 1/127، 128، 129، 131، 132، 135، 143، 274، 313، 317، 318، 327، 329، 330، 331، 332، 333، 2 / 167، 183
الفعل الواجب، 1/441، 2/106
الفعل مُبتَدأ، 2/166
الفعل متجدّد، 1/294
الفعل متولّد، 2/166
الفعليّة، 2/244، 249، 293، 303، 317،
318
فَعيل، 1/396
فَقد العِلم، 1/149
الفكر، 2/49، 151، 226، 227، 230، 308
الفكرة، 2/47، 49
الفناء، 1/452
القائم بنفسه، 1/397
القادر، 1/89، 95، 108، 113، 118، 120، 121، 122، 125، 128، 129، 133، 137، 138، 141، 142، 145، 146، 148، 149،
ص: 428
150، 151، 164، 168، 179، 187، 189، 192، 193، 197، 201، 221، 222، 224، 225، 228، 229، 246، 247، 250، 252، 253، 256، 258، 264، 265، 271، 275، 276، 278، 281، 282، 283، 297، 300، 303، 306، 307، 309، 312، 320، 322، 325، 326، 327، 335، 337، 344، 346، 351، 384، 392، 442، 449، 459، 2 / 9، 10، 11، 13، 14، 15، 16، 17، 24، 25، 26، 28، 29، 53، 64، 65، 105، 106، 107، 117، 118، 120، 121، 150، 183، 188، 238، 242، 266، 269، 270، 275، 290، 297، 322، 329، 330، 332، 335، 338، 343، 344، 346، 347، 349، 360،
362
القبائح، 1/360، 440، 2/82، 83، 84، 87، 97، 99، 103، 104، 128، 129، 174، 180، 203، 205، 206، 255
القبائح الشرعيّة، 2/82، 98
القبائح العقليّة، 2/98
القبح، 1/250، 292، 360، 452، 2/76، 77، 86، 92، 94، 96، 100، 102، 104، 124، 125، 130، 131، 145، 204، 206، 360، 365
قبح السمعيّ ، 2/82
قبح الظلم، 1/270، 2/87، 98
قبح العقليّ ، 2/82
قبح العقليّات، 2/98
قبح الفعل، 2/95
قبح القبائح، 2/79، 90، 95، 98، 99، 101
قبح القبيح، 2/38، 87، 97، 333
قبح الكَذِب، 1/250، 2/124
قبح المعدوم، 2/100
قبح شرب الخمر، 2/98
قبلة، 2/67
القبيح، 1/246، 360، 452، 2/20، 42، 43، 45، 46، 49، 61، 67، 71، 74، 76، 77، 78، 81، 82، 83، 88، 90، 91، 92، 93، 94، 97، 99، 101، 106، 107، 108، 109، 123، 127، 128، 129، 130، 132، 142، 185، 203، 204، 209، 248، 252، 320، 333، 334، 365، 366، 367
القتل، 2/91
القَدْح، 1/478، 2/21
القُدَر، 1/108، 118، 189، 196، 197، 198، 201، 211، 212، 213، 214، 222، 223، 264، 275، 276، 280، 321، 326، 367، 410، 415، 2/16، 117، 154، 168، 195
القَدْر، 1/134، 458، 2/24، 268
القُدرة، 1/75، 129، 140، 142، 144، 145، 146، 147، 164، 171، 188، 196، 197،
ص: 429
199، 200، 211، 215، 216، 218، 222، 223، 228، 229، 230، 246، 247، 256، 257، 262، 263، 264، 265، 266، 267، 273، 276، 278، 279، 280، 285، 288، 289، 290، 307، 320، 321، 322، 323، 326، 329، 340، 369، 373، 374، 376، 391، 2/17، 30، 51، 64، 105، 108، 117، 135، 143، 154، 155، 162، 166، 188، 196، 197، 204، 224، 226، 269، 270، 275، 276، 277، 289، 290، 303، 322، 328، 332، 336، 337، 339، 340، 343، 347، 348، 349، 350، 352، 353، 354، 359، 363
القدرة المعدومة، 1/212، 2/342
القدرة الموجودة، 1/212
قدرة مُحدَثة، 1/272
القِدَم، 1/259، 290، 306، 307، 316، 320، 452، 2/10، 20، 31، 50، 53، 76، 77، 264، 265، 280، 286، 302
قِدَم الأعراض، 1/59
قِدَم الجوهر، 1/72، 392
قِدَم الذات، 2/265
قِدَم القرآن، 2/225
قِدَم الكلام، 2/287
قِدَم الكَون، 1/59
القدير، 2/62
القديم، 1/55، 56، 57، 58، 59، 61، 87، 88، 101، 104، 105، 114، 120، 124، 142، 152، 154، 157، 193، 195، 223، 233، 260، 261، 262، 266، 297، 298، 302، 306، 320، 386، 388، 391، 409، 434، 450، 457، 2/20، 30، 33، 34، 35، 38، 47، 53، 54، 59، 62، 66، 113، 135، 136، 248، 264، 273، 297، 281، 287، 300، 303، 330، 317، 336، 347، 352، 357
القديمِ الأوّل، 1/55
القديم تعالىٰ ، 1/60، 132، 133، 142، 143، 144، 149، 152، 154، 169، 172، 174، 175، 176، 195، 196، 250، 265، 267، 270، 277، 280، 284، 285، 289، 296، 298، 300، 301، 311، 322، 334، 336، 340، 350، 376، 388، 393، 398، 408، 412، 416، 418، 434، 440، 446، 456، 2/20، 22، 48، 59، 60، 61، 85، 90، 96، 111، 131، 142، 160، 173، 187، 195، 196، 211، 214، 247، 256، 269، 272، 275، 277، 279، 280، 284، 301، 303، 317، 331، 336، 349، 354، 357، 359، 365
قديمة، 1/254، 261
القديمَين، 1/306، 2/25، 30
ص: 430
القُرب، 1/374، 377، 414، 416، 455
القريب، 1/411، 417
القَسَم، 2/242
القصد، 1/135، 223، 2/22، 77، 78، 153، 175، 180، 241، 334، 345، 347،
360
القصود، 2/244
القضاء، 1/344، 2/27، 185
قضاء الدَّين، 2/103، 144، 145، 180، 209، 217
القعود، 1/99، 103، 2/313
القلب، 1/257، 369، 2/122، 136، 137، 151، 159، 165، 168، 294، 355، 357،
358
قلب الحقيقة، 1/458
القلوب، 2/226
القوابل، 1/314
القول، 1/262، 2/136، 292، 293، 299،
300
القول بالاثنَين، 2/39، 40
القول في الآلام، 2/39
القوّة، 1/120، 401
القوي، 1/198
القياس، 1/250، 2/213
القيام، 1/99، 103، 2/313
القَيد، 1/415
الكائن، 2/96، 291
كاره، 1/240، 245، 293، 295، 2/35، 36، 160، 163، 181، 192، 344
الكتابة، 1/102، 131، 169، 201، 232، 2 / 222، 224، 228، 293، 296
الكُتُب، 2/254
الكثافة، 1/416
الكثيف، 1/417
الكُحل، 1/412
الكذّاب، 2/115، 116
الكَذِب، 1/250، 2/43، 80، 82، 89، 92، 99، 104، 123، 124، 125، 126، 127، 128، 131، 254، 255، 256، 310، 311،
367
الكراهة، 1/109، 164، 183، 224، 279، 304، 384، 2/12، 13، 22، 31، 32، 44، 96، 122، 135، 138، 157، 160، 163، 171، 176، 188، 193، 195، 337
الكراهية، 2/214، 328، 329
الكسب، 1/110، 426، 2/336، 337، 361، 362، 363
الكفّارات الثلاث في الأَيمان، 2/75
الكفر، 2/74، 82، 93، 205، 209، 216، 363، 364
الكلام، 2/220، 224، 227، 229، 230، 234، 235، 236، 239، 241، 242، 243،
ص: 431
246، 247، 248، 249، 251، 252، 253، 254، 258، 264، 265، 266، 270، 272، 273، 274، 277، 278، 279، 280، 281، 282، 283، 285، 287، 290، 292، 295، 296، 299، 300، 301، 303، 304، 311
الكلام المستعمل، 2/241
الكلام المعقول، 2/265، 267، 286
الكلام المفيد، 2/242
الكلام المهمل، 2/241
كلام مُحدَث، 2/261
الكلمة، 2/53، 237
كمال العقل، 1/272
الكُنية، 1/398
الكواكِب، 1/431
كوكب، 1/477
الكَون، 1/75، 78، 80، 88، 89، 90، 92، 114، 185، 214، 219، 220، 221، 374، 375، 385، 2/96، 118، 119، 120، 199، 242، 301، 354
لا تتناهىٰ ، 1/321، 324، 340، 2/256
لا في مَحَلّ ، 1/325
اللام، 2/206
لا نهاية له، 1/321، 335
لا يَتَناهىٰ ، 1/309، 2/24
لا يُعقَل، 1/413
اللَّبس، 1/364، 432، 2/87، 203، 204،
222
اللِّحية، 1/363
اللذّات، 1/454، 2/357، 364
اللذّة، 1/175، 349، 455، 2/43، 47، 48،
120
اللسان، 2/293
اللطافة، 1/201، 216، 218، 414، 424
اللطف، 2/72، 296
اللغات، 2/56، 149، 240، 288، 297
اللغة، 1/260، 338، 339، 382، 401، 402، 435، 469، 480، 2/56، 240، 241، 242، 245، 288، 308
لغة العرب، 1/402، 437
اللغة العربيّة، 2/288، 297، 311
اللفظ، 1/468، 2/153، 154، 203
اللَّقَب، 1/394، 398، 400، 401، 2/241
اللمس، 1/79، 455
اللون، 1/77، 78، 79، 80، 92، 103، 362، 2/231، 233، 234، 242، 362
لون الدَّم، 1/103
ألَم، 2/92
الماضي، 1/94، 95، 192، 234، 2/135، 136، 137، 159، 171
المأكول، 1/359، 2/157
المأكولات، 1/357
ما لا نهاية له، 1/95، 230، 2/28، 117
ص: 432
ما لا يتناهىٰ ، 1/191، 242، 243، 292، 323، 325، 2/16، 28، 29، 155، 187،
300
ما لا يُعقَل، 1/385
ما لا يكون، 2/156، 158، 159، 191
المالك، 2/86، 338
المأمور، 1/341
ما يُرىٰ و لا يَرىٰ ، 1/444
ما يُرىٰ و يَرىٰ ، 1/444
المانع، 1/200، 201، 210، 216، 218، 253، 283، 2/137، 237، 272، 291
مانع، 1/229، 283، 416
ما يُعقَل، 1/413
ما يقتضيه الفعل، 1/354
ما يكون، 2/156، 190
المباحثة، 2/361
المباشَر، 1/197، 264، 2/333، 358
المباشَرة، 1/70، 198، 199، 215
المبالغة، 1/396
المُبَرسَم، 2/221
المُبصِر، 1/174، 175
المُبصَرات، 1/173
المتجدِّد، 2/345، 354
المتجدّد الوجود، 1/260
المتحرِّك، 1/147، 296، 338، 2/83، 96،
353
مُتحرِّك، 1/262، 339، 2/277، 291
مُتحرِّكة، 1/238
متحيِّز، 1/63، 68، 76، 460، 2/231
متحيِّزة، 1/344
المتذكِّر، 1/272
المتَراخي، 2/164
المتصرِّف، 2/362
المتضاد، 1/282، 377، 2/44، 234
المتضادّات، 1/319، 2/234
متضادّتَين، 1/294
متضادّة، 2/119
متضادَّين، 1/313
المتعذِّر، 1/283
المتعلِّق، 1/285، 313، 2/345
متعلَّق الأمر، 1/328
متغايِر، 2/26
متقدِّم الوجود، 1/259
المتكلِّم، 2/222، 224، 238، 239، 241، 243، 244، 246، 247، 249، 251، 252، 253، 254، 257، 258، 259، 260، 261، 266، 267، 273، 275، 277، 278، 279، 280، 281، 284، 285، 293، 294، 303
متكوِّن، 2/291
المتماثِل، 2/155، 232، 235
متماثِلة، 2/119
متماثِلَين، 1/387
ص: 433
المتمنّي، 2/356
متناقِض، 1/89، 304
المتناولة، 1/437
المتناهي، 1/196، 424، 2/10
متولِّد، 1/197، 199، 264، 267، 278، 2 / 49، 118، 235، 283، 333، 335، 358،
359
المتولِّدات، 2/206، 362
متولِّدة، 1/198، 412، 2/238
المِثلَين، 1/313، 315، 365
المجاز، 1/395، 402، 462، 470، 2/52، 55، 138، 242، 263، 314، 315
المجازات، 2/263
المُجاوَرات، 1/217
المُجاوِرات، 2/234، 235، 355
المجاوَرة، 1/59، 64، 218، 363، 432، 2 / 59، 151، 234
مجرَّد الذات، 1/330
المجنون، 1/271، 2/221
المجوس، 2/47، 49
مجهول، 1/285
المحاذاة، 1/415، 2/301
المحاذيات، 1/218
المحاربة، 2/210
المحال، 1/60، 70، 379، 387، 388، 390، 393، 2/152، 155، 264، 293، 294
المحبّة، 2/171، 172، 173، 175، 205،
225
المحتاج، 1/320، 2/172، 234
المحجوب، 1/410
المُحدَث، 1/59، 85، 87، 88، 92، 99، 112، 152، 168، 191، 192، 195، 196، 197، 225، 230، 231، 233، 250، 273، 275، 288، 306، 320، 330، 336، 346، 351، 372، 383، 409، 410، 2/9، 23، 30، 47، 48، 54، 59، 62، 63، 71، 73، 76، 89، 92، 93، 94، 95، 191، 204، 253، 273، 274، 287، 317، 324، 330
المُحدِث، 1/99، 111، 112، 191، 193، 264، 266، 319، 331، 2/48، 49، 147، 316
المُحدَثات، 1/56، 191، 247، 311، 2 / 272، 297، 300، 301
مُحدِث العالَم، 1/105
مُحدَثة، 1/87، 254، 264، 276، 289، 2 / 89، 177
المُحِس، 1/176
المُحسِن، 2/133، 278، 320
المُحَسَّنات، 2/180
محصورات، 1/324
المُحكَم، 1/247، 408، 2/146، 148،
262
ص: 434
المُحكَم مِن الأفعال، 2/115
المَحَل، 1/88، 89، 111، 141، 143، 148، 203، 211، 222، 225، 253، 257، 258، 265، 267، 268، 276، 277، 278، 289، 315، 326، 369، 376، 378، 379، 384، 385، 387، 389، 390، 393، 410، 411، 434، 451، 455، 460، 2/16، 17، 31، 107، 117، 151، 154، 155، 156، 177، 194، 196، 198، 199، 200، 231، 232، 233، 247، 266، 274، 282، 283، 286، 290، 291، 292، 293، 296، 332، 345،
355
المُحيل، 2/26
مخاطِب، 2/179
المخالِف، 1/296، 298
المخالَفة، 1/343، 371، 2/211
مُخبِر، 1/245، 250، 251، 2/147، 179، 204، 258
المُخبَرات، 2/256
المختار، 1/192، 2/176، 335، 360، 361
المختلف، 2/155
المختلفة، 1/214
مُخَصِّص، 2/180
المخصوص، 2/121
مخلوق، 2/274، 308
المخلوقات، 2/302
المدافعة، 2/210
المدح، 1/328، 352، 439، 2/41، 42، 44، 74، 75، 142، 248، 303، 321، 360
المدرَك، 1/57، 162، 165، 170، 172، 176، 177، 231، 247، 334، 392، 407، 408، 420، 421، 423، 429، 453، 454، 456، 2/81، 103، 159، 223، 231، 232، 264، 281
المدرِك، 1/57، 158، 160، 161، 162، 164، 168، 172، 175، 176، 231، 242، 246، 293، 297، 305، 314، 363، 365، 366، 390، 394، 2/92، 150، 182، 191، 192، 260، 289
المدرَكات، 1/159، 163، 169، 175، 176، 240، 242، 245، 248، 253، 272، 301، 351، 390، 419، 420، 423، 426، 432، 453، 455، 2/32، 88، 97، 150، 157، 182، 231
مدرَكة، 2/236
المدَّعي، 2/288
المدلول، 1/319، 320، 366
المذاهب، 1/131، 411
المذاهب الباطلة، 1/426
المَذهَب، 2/121، 298، 308
المَرئي، 1/450، 451
المَرئيّات، 1/174، 431، 434، 449، 452،
ص: 435
461، 2/273
المراد، 1/183، 185، 186، 187، 202، 203، 449، 2/138، 139، 141، 142، 143، 145، 146، 157، 163، 164، 166، 167، 169، 176، 178، 337، 348
المرادات، 2/181، 182، 185، 187، 362
مربوب، 2/92، 94، 95، 204
المرشِد، 2/132
المريد، 1/128، 180، 181، 182، 183، 184، 185، 186، 188، 202، 224، 240، 245، 251، 293، 294، 295، 303، 384، 2/35، 36، 60، 137، 138، 139، 140، 141، 143، 146، 147، 148، 149، 150، 151، 152، 156، 157، 158، 160، 162، 163، 167، 169، 175، 177، 181، 182، 183، 184، 185، 186، 190، 192، 196، 238، 308، 334، 344، 348
المريض، 1/108، 118، 198، 353
المزاج، 2/41
مزيّة، 1/285
مسألة، 1/465
المسبَّب، 1/76، 89، 216، 2/50، 120، 163، 164، 165، 166، 167، 178، 201، 215، 352، 353، 359
المسببَّات، 2/352
المستحقّ ، 1/290، 2/44، 202، 203
المُستَحِقّ للعقاب، 2/143
المستحيل، 1/220، 241، 283، 417، 2 /
278
المستغني، 1/460، 2/332
المستقبَل، 1/94، 95، 192، 228، 232، 234، 325، 472، 2/60
المستقبَلة، 2/158، 184
المَسرور، 1/349
المسموع، 2/225، 226، 245، 246، 261، 281، 294
المسموعات، 1/173
المسموع المعقول، 2/265
المُسيء، 2/133، 320
المشاركة، 1/120، 312، 315، 363، 364
مشاهَد، 1/250
المشاهَدات، 1/430
المشاهَدة، 1/462
المُشَبِّه، 1/361
المشتَق، 1/262، 337، 338، 2/292، 293
المشتَهىٰ ، 1/449، 2/158، 180
المشتَهي، 2/43، 158، 339
المشرق، 1/373، 387
المشروب، 1/359، 2/157
المشروبات، 1/357
مشروط، 1/188، 2/192
المشَقّة، 2/323
ص: 436
المشيَّة، 2/217
مشيّة اللّٰه، 2/217
المُصاكّة، 1/221، 2/238
المصالح، 2/60، 72، 99
المصحِّح، 1/120، 168، 224، 344، 359، 377، 391، 392، 407، 457، 461، 2 / 37، 179، 181، 194، 347
المصروع، 2/245، 246
المصلَحة، 2/66
المضاد، 1/384
المضار، 1/349، 350، 351، 352، 2/49، 50، 125، 126، 131، 143، 176
المضرّة، 1/101، 358، 471، 482، 2 / 126، 132، 356، 364
المضطر، 1/322، 2/16، 106
المطيع، 2/106
المظنون، 1/449
المعارَضات، 2/284
المعاصي، 2/109، 203، 205، 208، 214،
215
المعانَدة، 2/210
المعاني، 1/74، 144، 153، 154، 214، 252، 254، 259، 261، 265، 281، 290، 292، 295، 307، 310، 311، 312، 314، 318، 323، 332، 337، 339، 342، 369، 372، 385، 394، 402، 407، 2/31، 52، 93، 100، 197، 226، 228، 238، 240، 241، 248، 249، 259، 272، 288، 289، 290، 291، 329
المعاني الحالّة، 1/332
المعاني القديمة، 1/290
المعاني المحدَثة، 1/84
المعبود، 2/63
المعتبَر، 2/148
المعتقَد، 1/271، 272، 325، 331، 449
معتقِد، 1/271، 303، 352، 2/139، 149،
160
المعتقَدات، 1/449، 2/183
المعجِز، 1/252، 2/116، 366
المعجِزات، 2/115، 255، 365
المعدوم، 1/73، 74، 123، 164، 170، 187، 219، 220، 231، 232، 233، 238، 255، 257، 398، 409، 2/15، 94، 119، 146، 258، 308، 324، 350، 351
المعدومات، 1/345، 413، 420، 443، 449، 450، 453
معدومة، 1/254، 256، 258، 267، 2/342
المعدة، 1/357، 358
المعرفة، 1/467
معرفة اللّٰه تعالىٰ ، 2/93، 98
المعصية، 2/111، 208
المعقول، 1/252، 378، 386، 2/228،
ص: 437
261، 265، 266، 267، 286
المعقول المسموع، 2/261
المعقولة، 2/351
المُعَلَّل، 2/146
المعلول، 1/76، 225، 328، 430، 2/165، 166، 186، 187
المعلوم، 1/157، 231، 232، 235، 237، 249-252، 263، 285، 287، 324، 330، 335، 336، 449، 2/35، 111، 139، 158، 160، 184، 245، 337، 355
المعلومات، 1/259، 272، 273، 274، 275، 276، 288، 315، 316، 321، 322، 324، 325، 335، 345، 346، 449، 453، 2/123، 182، 190، 283، 339
المعلوم الواحد، 1/322
المعلوم ضرورةً ، 2/11، 87
معلومٌ ضرورةً ، 1/100، 2/40، 46
معلوم واحد، 1/324
المعنىٰ ، 1/161، 223، 234، 259، 260، 261، 262، 310، 317، 319، 340، 372، 436، 469، 2/54، 160، 162، 173، 190، 192، 227، 231، 244، 261، 287، 299، 319
معنيان متماثِلان، 1/296
معنيان مختلِفان، 1/296
معنىً قديم، 1/310
المُغتَم، 1/349
المَغرِب، 1/373، 387
المفارقات، 1/318، 329
المفارقة، 1/338، 339
المفاسد، 2/99
المفتصد، 2/276
مفعول، 2/262
مفعول فيه، 2/285
مفكّر، 2/149، 308
المفلوج، 2/361، 362
المقابِل، 1/432، 434، 450، 458
المقابِلة، 1/433
المقابَلة، 1/434، 450، 451
المقتضي، 1/56، 63، 69، 91، 124، 131، 141، 148، 149، 155، 164، 165، 166، 167، 168، 169، 170، 171، 173، 182، 194، 195، 223، 228، 231، 303، 311، 318، 343، 355، 372، 379، 390، 391، 408، 2/17، 29، 76، 83، 207
المقتضىٰ ، 1/306
المقتضيات، 1/170
المقدَّر، 2/137
المقدور، 1/172، 179، 196، 213، 228، 276، 285، 286، 289، 321، 322، 324، 335، 336، 413، 428، 449، 2/11، 12، 13، 16، 20، 21، 23، 27، 28، 29،
ص: 438
30، 31، 110، 140، 168، 195، 266، 319، 326، 329، 332، 333، 338، 340، 341، 342
المقدورات، 1/222، 274، 276، 280، 286، 321، 326، 335، 2/16، 17، 25، 107، 117، 118، 140، 182، 185، 366
المكان، 1/460، 2/271
المكتسِب، 2/90، 293
المكروه، 1/481
المكلَّف، 2/72، 206، 208
مكلِّم، 2/257
المكوَّنات، 2/300
الملتَبِس، 1/271
الملتَذّ، 1/175، 349
المَلِك، 1/100، 101، 2/209، 210
المِلك، 2/249، 338
المماثلة، 1/343، 2/92
المماسّة، 1/219، 373، 2/119، 168
المَمالِك، 1/353
الممانع، 2/27
الممدوح، 1/342، 445، 446
مملوك، 2/92، 94، 337
الممنوع، 1/122، 229، 2/16، 19، 28، 29، 179
المنازل، 1/353
المناظَرة، 2/210، 261، 361
المنافع، 1/349، 350، 352، 353، 2/124، 125، 126، 131، 132، 133، 364
المنافع الدنيائيّة، 2/132
المنافع الدينيّة، 2/132
المُنافي، 1/282
المُنتَفي، 1/260، 338
مُنَزَّل، 2/262
المنظور، 1/203
المنع، 1/122، 220، 283، 287، 2/22، 29، 188، 331، 353
مُنعِم، 2/278
المنفرِد، 1/220
المنفعة، 1/101، 482، 2/356
المنكر، 2/215
الموات، 2/95
المواضَعة، 2/137، 153، 223، 240، 241
المواضَعة المُبتَدأة الناقلة، 1/402
الموانع، 1/121، 165، 246، 392، 406، 407، 408، 411، 413، 414، 415، 416، 418، 419، 420، 429، 449، 453، 2 / 13، 81، 103، 236، 237، 316
الموت، 1/59، 67، 236، 2/239
الموتىٰ ، 1/225، 427
المؤَثِّر، 1/180، 184، 185، 186، 223، 230، 250، 297، 375، 407، 409، 2 / 26، 29، 37، 83، 86، 94، 96، 100،
ص: 439
102، 145، 146، 164، 185، 186، 202، 335، 351
مؤثِّر، 1/229، 376، 2/83، 99، 152
المؤَثِّرة، 2/137، 143
الموجِب، 1/56، 64، 69، 91، 287، 288، 303، 313، 359، 391، 2/18، 22، 96،
300
الموجَب، 1/287، 2/232
موجِد، 1/300، 311، 391
الموجود، 1/73، 74، 90، 128، 164، 231، 260، 261، 262، 330، 336، 409، 2 / 14، 54، 76، 146، 164، 191، 258، 294، 324
الموجودات، 1/420، 443، 446، 453،
461
موجوداً لذاته، 1/311
موجودة، 1/254، 261، 2/342
الموصوف، 1/460، 2/36
مُوَلِّد، 2/119
المُؤلَّف، 1/217
مؤَلَّف، 1/168، 397
المَولىٰ ، 1/100، 101
المؤمن، 2/365
الميِّت، 1/284، 2/222، 258، 278
النائم، 1/106، 107، 159، 2/73، 77، 78، 99، 136، 244، 245، 308، 327، 337
النار، 2/20، 21، 58، 65، 189، 363
ناظر، 1/303، 2/25، 150
نافر، 2/43، 339
ناقة اللّٰه، 2/57
النبات، 1/134
النبوّة، 2/98
النبي، 2/101، 366
النداء، 2/243
النَّدب، 2/99، 101، 103
النَّدَم، 2/122
النشور، 1/232
النضارة، 1/467
النظَر، 1/84، 162، 202، 203، 251، 253، 269، 272، 358، 462، 463، 464، 466، 469، 472، 474، 475، 2/98، 122، 173، 301، 308، 359
النَّعت، 2/296
النِّعَم، 1/472
النِّعَم المخصوصة، 2/66
النِّعمة، 1/401، 468، 2/63، 66، 78، 82، 84، 93، 95، 202، 296، 364، 365
النِّفار، 1/175، 349، 351، 355، 356، 358، 2/87، 88، 106، 157
النفخ، 1/205، 216
النِّفرة، 1/164
النفس، 1/56، 72، 194، 196، 222، 272،
ص: 440
274، 275، 276، 303، 328، 358، 374، 377، 2/26، 180، 181، 186، 192، 229، 230، 247، 253، 254، 257، 258، 259، 260، 265، 266، 272، 294
النَّفَس، 2/227
النَّفع، 1/250، 352، 2/21، 80، 86، 89، 105، 124، 125، 127، 128، 130، 131، 132، 150
النَّفْل، 2/163
النفور، 2/339
النفي، 1/124، 166، 175، 287، 298، 300، 340، 391، 419، 425، 439، 440، 441، 442، 445، 446، 462، 477، 2 / 71، 77، 91، 102، 108، 113، 272، 350
نفي السِّنة و النَّوم، 1/445
نفي الشبيه و الولد و الصاحبة، 1/444
نفي الصاحبة و الولد، 1/442
نفي القِدَم، 2/280
النقص، 1/440، 442، 2/185، 259
النقصان، 2/179
النقض، 1/253، 287
نقيض الشرط، 1/320
النوافِل، 2/160، 161، 163
النور، 2/40، 41، 42، 45، 46
النوع، 2/242، 265
النَّوم، 1/108، 109
النهي، 2/41، 42، 43، 95، 96، 97، 99، 100، 181، 204، 205، 242
الواجب، 1/70، 344، 440، 2/71، 82، 101، 103، 104، 133، 161، 163، 288، 320، 354
الواجبات، 2/209، 318
الواجبات نفسيّة، 1/311
واجب الوجود، 1/101
الواحد، 1/293، 297، 2/51، 158، 161،
354
الوجوب، 1/100، 101، 223، 227، 229، 275، 292، 293، 297، 309، 310، 388، 390، 2/148، 288، 320، 334، 335
وجوب الواجب، 2/91
وجوب وقوع الفعل، 1/102
الوجود، 1/62، 63، 68، 72، 76، 77، 79، 82، 94، 114، 120، 123، 164، 172، 173، 177، 182، 184، 186، 188، 194، 214، 233، 256، 257، 259، 277، 284، 289، 298، 299، 301، 302، 303، 311، 314، 323، 338، 343، 363، 365، 366، 375، 378، 379، 386، 391، 392، 457، 461، 2/28، 29، 30، 76، 77، 84، 92، 93، 113، 165، 326، 329، 330، 346،
351
وجود الجوهر، 1/172
ص: 441
وجود الضدَّين، 2/9
وجود القديم، 1/87
الوجود المطلق، 2/325
الوجوه، 1/468
الوجوه المخصوصة، 1/299
الوجه، 1/401، 402
الوصف، 1/261، 361، 468
الوضع، 2/289
الوعد، 1/441
الوفاق، 1/294، 304
الوقت، 2/117، 154، 155، 161، 232،
283
الوقوع، 1/352، 2/202
وقوع الفعل، 1/102
وقوع الفعل محكَماً، 1/130
وقوع ما يريده أهل الجنّة، 1/101
الوَلَد، 2/57، 66
وليُّ المؤمنين، 2/176
إله، 2/269
الهواء، 2/236
الهَيئة، 1/80
الهَيولىٰ ، 1/73، 74، 2/63
هَيولىٰ قديمة، 2/64
اليبوسة، 1/134
اليتيم، 2/43
اليَد، 1/401، 402
اليسار، 1/257
اليقين، 1/481، 2/312
اليمين، 1/257، 2/217، 218
أمر، 2/185
أوّل الأحياء، 1/132
إيجاب، 2/199
إيجاب الحال، 2/324
إيجاد، 1/340
إيمان، 2/209
ص: 442
1. أبكار الأفكار، سيف الدين الآمدي (623 ه)، تحقيق: أحمد محمّد المهدي، القاهرة: دار الكتب الوثائق القومية، 2002 م.
2. إشراق اللاهوت، سيّد عميد الدين عبيدلي (754 ه)، تصحيح: عليّ أكبر ضيائي، طهران:
ميراث مكتوب، 1381.
3. إصلاح تهذيب المنطق، يحيى بن عليّ الخطيب البغدادي، بيروت: مكتبة لبنان، ناشرون، 1420 ه.
4. أعيان الشيعة، السيّد محسن الأمين، حققه و أخرجه: حسن الأمين، بيروت: دار المعارف للمطبوعات.
5. الإرادة، محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (الشيخ المفيد) (م 413 ق)، قم:
المؤتمر العالمي بمناسبة ذكرى ألفية الشيخ المفيد، 1413 ق.
6. الآراء و الديانات، أبو محمّد حسن بن موسى النوبختي.
7. الإصابة في تمييز الصحابة، أحمد بن عليّ بن محمّد بن حَجَر الشافعي العسقلاني (ابن حجر) (م 852 ه)، تحقيق: ولي عارف، بيروت: دار الفكر، 1403 ه.
8. الأعلام، خير الدين الزركلي (م 1410 ه)، مصر: المطبعة العربية، 1386 ه.
9. الاقتصاد في ما يتعلق بالاعتقاد، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (460 ه)، بيروت: دار الأضواء، 1406 ق.
ص: 443
10. الأمالي، الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي (381 ه)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلاميّة مؤسّسة البعثة، مركز الطباعة و النشر في مؤسّسة البعثة قم المقدّسة، الطبعة الأُولىٰ ، 1417 ه.
11. الأمالي (غرر الفرائد و درر القلائد)، الشريف المرتضى عليّ بن حسين الموسوي البغدادي (معروف به علم الهدى) (م 426 ه)، تصحيح و تحقيق: السيّد بدر الدين النعساني الحلبي، قم: مكتبة السيّد المرعشي، 1403 ه.
12. الانتصار ممّا انفردت به الإماميّة، الشريف أبو القاسم عليّ بن الطاهر أبي أحمد الحسين (355 436 ه)، تحقيق و نشر: مؤسّسة النشر الإسلامي، 1415 ه.
13. انوار الملكوت في شرح الياقوت، أبي منصور الحسن بن يوسف الحلي (م 726 ق)، تحقيق: محمّد نجمي الزنجاني، قم: الشريف المرتضى، 1363.
14. أوائل المقالات، محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (الشيخ المفيد) (م 413 ق)، تحقيق: إبراهيم الأنصاري، قم: المؤتمر العالمي بمناسبة ذكرى ألفية الشيخ المفيد، 1413 ق.
15. الباب الحادي عشر، الحسن بن يوسف الحلّي (648-726 ق)، شرح: الفاضل المقداد، طهران: مؤسّسة المطالعات الإسلاميّة، 1365.
16. بغية الطلب في تاريخ حلب، الصاحب كمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جَرادة المعروف بابن العديم، تحقيق: د. سهيل زكار، بيروت: دار الفكر.
17. تاج العروس من جواهر القاموس، السيّد محمّد المرتضى بن محمّد الحسيني الزَّبيدي (م 1205 ق)، تحقيق: عليّ شيري، بيروت: دار الفكر، الطبعة الأُولىٰ ، 1414 ق.
18. تاريخ الطبري (تاريخ الأُمم و الملوك)، أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (310 ه)، بيروت:
مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الرابعة، 1403 ه / 1983 م.
19. تأريخ بغداد، أبو بكر أحمد بن عليّ الخطيب البغدادي (463 ه)، القاهرة: مطبعة السعادة، 1349 ه.
20. التبيان في تفسير القرآن، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (م 460 ه)، تحقيق: أحمد حبيب قصير العاملي، مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأُولىٰ ، 1409 ه.
ص: 444
21. التذكرة الحمدونيّة، ابن حمدون محمّد بن الحسن بن محمّد بن عليّ (562 ه)، تحقيق:
إحسان عبّاس و بكر عبّاس، بيروت: دار صادر، الطبعة الأُولى، 1996 ه.
22. تصحيح اعتقادات الإماميّة، أبو عبد اللّٰه محمّد بن محمّد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد (م 413 ق)، تحقيق: حسين الدرگاهي، بيروت: دار المفيد، الطبعة الثانية، 1414 ق.
23. التعليق، قطب الدين محمد بن الحسن المُقري النيسابوري، تحقيق: د. محمود يزدي مطلق (الفاضل)، مشهد: الجامعة الرضوية للعلوم الإسلاميّة، الطبعة الأُولى، 1427 ه.
24. تفسير البغوي (معالم التنزيل)، أبو محمّد الحسين بن مسعود الفرّاء البغوي (م 516 ه)، تحقيق: خالد عبد الرحمن العك، بيروت: دارالمعرفة، الطبعة الثالثة، 1413 ه.
25. تفسير السمرقندي المسمى بحر العلوم، أبو النضر محمّد بن مسعود السلمي السمرقندي (العيّاشي) (م 383 ق)، تحقيق: مسعود مطرجي المحلّاتي، بيروت: دار الفكر، طهران:
المكتبة العلميّة، الطبعة الأُولىٰ ، 1380 ش.
26. تفسير السمعاني، منصور بن محمد بن عبد الجبّار بن أحمد التميمي السمعاني (489 ه)، تحقيق: ياسر بن إبراهيم و غنيم بن عبّاس بن غنيم، الرياض: دار الوطن، الطبعة الأُولى، 1418 ه / 1997 م.
27. تفسير النسفي، أبو البركات عبد اللّٰه بن أحمد النسفي (م 537 ه)، بيروت: دارالفكر.
28. تفسير الواحدي، أبو الحسن الواحدي (م 468 ه). تحقيق: صفوان عدنان داوودي، بيروت: دارالقلم، الطبعة الاُولى، 1415 ه.
29. تقريب المعارف، أبو الصلاح تقيّ بن نجم الحلبي (م 447 ق)، تحقيق: فارس الحسّون 1417 ق.
30. تلخيص المحصّل، محمّد بن محمّد نصير الدين الطوسي (م 672 ق)، بيروت: دار الكتب العربي، 1404 ق.
31. التمهيد، أبو عمر يوسف بن عبد اللّٰه بن محمّد بن عبد البرّ (463 ه)، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي و محمّد عبد الكبير البكري، المغرب: وزارة عموم الأوقاف و الشؤون الإسلاميّة، 1387 ه.
ص: 445
32. تمهيد الاُصول في علم الكلام، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (460 ه)، تحقيق: عبد الحسين مشكاة الديني، طهران: جامعة طهران، 1362 ش.
33. تنزيه الأنبياء و الأئمّة عليهم السلام، علم الهدى علي بن الحسين الموسوي الشريف المرتضى (436 ه)، قم: منشورات الشريف الرضيّ .
34. التوحيد، أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق (م 381 ه)، تحقيق: السيّد هاشم الحسيني، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي.
35. تهذيب اللغة، أبو منصور محمّد بن أحمد الأزهري (م 370 ه)، تحقيق: عبد السلام هارون، مصر: دار القوميّة العربيّة، 1384 ه / 1964 م.
36. الثقات، محمّد بن حبان التميمي (م 354 ه)، تحقيق و نشر: مؤسّسة الكتب الثقافيّة، الطبعة الأُولىٰ ، 1393 ه.
37. جمهرة اللغة، أبو بكر محمّد بن الحسن بن دريد الأزدي (321 ه)، تحقيق: رمزي منير بعلبكي، بيروت: دار العلم للملايين، الطبعة الأُولىٰ ، 1987 م.
38. الحدود، محمّد بن الحسن المقري النيشابوري، تحقيق: د. محمود يزدي مطلق (فاضل)، قم: مؤسسة الامام الصادق عليه السلام، الطبعة الأُولى،، 1414 ق.
39. الخطط، عليّ بن أحمد المقريزي، لبنان: مكتبة إحياء العلوم، 1338 ه.
40. ديوان الأعشى، ميمون بن قيس الأعشى، بيروت: دار صادر، 1994 م.
41. ديوان أبو الطيّب المتنبي بشرح أبي البقاء العكبري المسمى بالتبيان في شرح الديوان، أحمد بن حسين المتنبي، القاهرة: مكتبة و مطبعة مصطفى البابي الحلبي.
42. ديوان جميل بثينة، شرح و مراجعة و تقديم: عبد المجيط زراقط، بيروت: دار و مكتبة الهلال، 1422 ه.
43. ديوان زهير بن أبي سُلمىٰ ، زهير بن أبي سُلمىٰ ، بيروت: دار المعرفة، 1426 ه.
44. ديوان عامر بن الطفيل، محمّد بن قاسم ابن الأنباري، بيروت: دار الجيل، 1416 ه.
45. الذخيرة في علم الكلام، الشريف المرتضى أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي (436 ه)، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الأُولىٰ ، 1411 ق.
ص: 446
46. الذريعة إلى أُصول الشريعة، الشريف المرتضى أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي (436 ه)، تحقيق: أبو القاسم گرجي، طهران: منشورات جامعة طهران، 1346 ش.
47. الذريعة إلى تصانيف الشيعة، العلّامة الشيخ آغا بزرك الطهراني (1389 ه)، بيروت: دار الأضواء، الطبعة الثالثة، 1403 ه.
48. ربيع الأبرار و نصوص الأخبار، أبوالقاسم محمود بن عمر الزمخشري (م 538 ه)، تحقيق:
سليم النعيمي، قم: منشورات الرضيّ ، الطبعة الاُولىٰ ، 1415 ه.
49. رسائل الشريف المرتضى، الشريف المرتضى أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي (436 ه)، تحقيق: السيّد مهدي الرجائي، تقديم: السيّد أحمد الحسيني الأشكوري، قم: دار القرآن الكريم، الطبعة الأُولى، 1405 ه.
50. الرسائل العشر، أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (م 460 ه).
51. رياض العلماء و حياض الفضلاء، المِيرزا عبد اللّٰه الإصفهاني الأفندي، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني، قم: مكتبة السيّد المرعشي النجفي، 1401 ق.
52. سرُّ الفصاحة، الأمير أبو محمد عبد اللّٰه بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي الحلبي، بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1402 ه - 1982 م.
53. السنن الكبرى، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (303 ه)، تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداري و سيّد حسن كسروي، بيروت: دار الكتب العلميّة، الطبعة الأُولىٰ ، 1411 ه - 1991 م.
54. سير أعلام النبلاء، أبو عبد اللّٰه محمّد بن أحمد الذهبيّ (م 748 ه)، تحقيق: شُعيب الأرنؤوط، بيروت: مؤسّسة الرسالة، الطبعة العاشرة، 1414 ه.
55. الشامل في أُصول الدين، أبو المعالي الجويني، تحقيق: عبد اللّٰه محمود محمّد عمر، بيروت:
دار الكتب العلميّة، 1999 م.
56. شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار، القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمّد التميمي المغربي (363 ه)، تحقيق: السيّد محمّد الحسيني الجلالي، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، 1414 ه.
ص: 447
57. شرح الأساس الكبير، شفاء صدور الناس بشرح الأساس، أحمد بن محمّد الشرفي، صنعاء:
دار الحكمة اليمانية، 1411 ه.
58. شرح الاُصول الخمسة، أحمد بن عبد الجبار الهمداني (م 415 ه)، تحقيق: عبد الكريم بن محمّد عثمان، القاهرة: مكتبة وهبة، 1384 ه.
59. شرح المقاصد، مسعود بن عمر التفتازاني (م 791 ق)، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، پاكستان: دار المعارف النعمانية، الطبعة الاولى 1401 ه. ق.
60. شرح المنظومة، ملا هادي السبزواري (1288 ه)، تصحيح و تعليق: آية اللّٰه حسن زاده آملي، طهران: نشر ناب، 1369-1379.
61. شرح المواقف، عليّ بن محمّد الجرجاني (م 816 ه)، قم: دار الكتب العلمية.
62. شرح جمل العلم والعمل، السيد المرتضى علي بن الحسين علم الهدى (م 436 ه)، تحقيق: كاظم مدير شانجي، مشهد: جامعة مشهد، 1352 ش.
63. شرح نهج البلاغة، عبد الحميد ابن أبي الحديد المعتزلي (م 656 ه)، تحقيق: محمّد أبوالفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربيّة، الطبعة الأُولى، 1378 ه / 1959 م.
64. شعر زهير بن أبي سُلْمىٰ ، الأعلم الشَّنتمري، شرح: فخر الدين قباوه، دمشق: دار الفكر، 2002 م.
65. الشفاء، الشيخ الرئيس ابن سينا (م 428 ه)، تحقيق و نشر: مكتبة آية اللّٰه المرعشي رحمه الله - قم.
66. شمس العلوم و دواء الكلام العرب عن الكلوم، نشوان بن سعيد الحِمْيري اليمني (م 573 ه)، تحقيق: حسين بن عبد اللّٰه العمري، و مطهّر بن عليّ الأرياني، و يوسف محمّد عبد اللّٰه، بيروت: دار الفكر، 1999 م.
67. شوارق الإلهام، عبد الرزّاق بن عليّ اللاهيجي (م 672 ق)، تحقيق: أكبر الأسدي عليّزاده، قم: مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام، 1384 ش.
68. الصحاح (تاج اللغة و صحاح العربيّة)، إسماعيل بن حمّاد الجوهري (332-393 ه)، تحقيق:
أحمد عبد الغفور عطار، بيروت: دار العلم للملايين، [بالأُفست عن طبعة القاهرة، سنة 1376 ه / 1956 م].
ص: 448
69. صحيح البخاري، أبو عبد اللّٰه محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي (256 ه)، بيروت: دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع، 1401 ه / 1981 م.
70. الطبقات الشافعيّة، ابن قاضي شهبة الدمشقي (779-851 ه)، تحقيق: حافظ عبد العليم خان و عبد اللّٰه أنيس الطباع، بيروت: عالم الكتب، 1407 ه.
71. شرح العيون، (في ضمن كتاب: طبقات المعتزلة)، المحسن بن محمد بن كرامة الحاكم الجشمي، تحقيق: فؤاد السيد، تونس: الدار التونسية للنشر، الجزائر: المؤسسة الوطنية للكتاب، 1406 ه / 1986 م.
72. طبقات المعتزلة، أحمد بن يحيى بن المرتضى، بيروت: دار المنتظر، 1988 م.
73. العين، أبو عبد الرحمٰن الخليل بن أحمد الفراهيدي (م 175 ه)، تحقيق: مهدي المخزومي، إبراهيم السامرائي، قم: دار الهجرة، الطبعة الثانية، 1409 ه.
74. غنية النزوع إلى علمي الأُصول و الفروع، السيّد حمزة بن عليّ بن زهرة الحلبي (511-585 ه)، تحقيق: إبراهيم البهادري، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام، الطبعة الأُولى، 1417 ه.
75. فتح القدير، محمّد بن عليّ الشوكاني (م 1250 ه)، تحقيق و نشر: عالم الكتب.
76. فرائد الأُصول، الشيخ مرتضى الأنصاري (1214-1281 ه)، تحقيق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، مجمع الفكر الإسلامي، الطبعة الأُولى، 1419 ه.
77. الفرق بين الفرق، ابو منصور عبد القاهر البغدادي، القاهرة، بى تا.
78. الفروق اللغوية، أبو هلال الحسن بن عبد اللّٰه العسكري (م 1395 ه)، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الأُولى، 1412 ه.
79. فرهنگ جامع فرق اسلامى، سيد حسن روحانى، سيد حسن خمينى، تهران: بامداد كتاب، 1381.
80. الفصول المختارة، الشيخ المفيد، تحقيق: مجموعة من المحققين، بيروت: دار المفيد، الطبعة الثانية، 1414 ه / 1993 م.
81. الفهرست، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (م 460 ه)، تحقيق: الشيخ جواد القيّومي، قم: نشر الفقاهة، الطبعة الأُولى، 1417 ه.
ص: 449
82. الفهرست، أبو الفرج محمّد بن أبي يعقوب إسحاق النديم (م 438 ه)، تحقيق: رضا تجدّد، طهران: الطبعة الأُولى.
83. فهرست (رجال) النجاشيّ ، أبو العباس أحمد بن علي النجاشي الأسدي، تحقيق: آية اللّٰه السيّد موسى الشبيري الزنجاني، قم: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، الطبعة الثامنة، 1427 ه.
84. القاموس المحيط، مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروز آبادي (729-817 ه)، بيروت: دار الكتب العلميّة، 1415 ه.
85. الكامل في الاستقصاء فيما بلغنا في كلام القدماء، مختار بن محمود العجالي، القاهرة:
المجلس الأعلى للشؤون الإسلاميّة، 1420 ه.
86. الكتاب، عمرو بن عثمان سيبويه، القاهرة: مكتبة الخانجي، الطبعة الثالثة، 1408 ه.
87. مجلة كتاب شيعة، تصدر عن مؤسسة تراث الشيعة - قم المقدسة، العدد المزدوج 10-9 (عدد خاص بألفية الشريف المرتضى)، سنة 1393 ش.
88. الكراجكي، جعفر المهاجر، قم: مؤسسة تراث الشيعة.
89. كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، العلّامة الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الحلّي (م 726 ه)، تحقيق: السيّد إبراهيم الموسوي الزنجاني، قم: انتشارات اشكوري، الطبعة الرابعة، 1373 ش.
90. الكشف و البيان (تفسير الثعلبي)، أبو إسحاق أحمد بن محمّد المعروف بالثعلبي (م 427 ه.)، تحقيق: أبو محمّد بن عاشور، بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1422 ه.
91. كنز الفوائد، الشيخ أبو الفتح محمد بن علي الكراجكي، تحقيق: عبد اللّٰه نعمة، قم:
منشورات دار الذخائر، الطبعة الأُولى، 1410 ق.
92. لسان العرب، أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم ابن منظور الإفريقي المصري (630 - 711 ه)، قم: نشر أدب الحوزة، 1405 ه.
93. لسان الميزان، أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (852 ه)، بيروت: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الثانية، 1390 ه.
ص: 450
94. مجلّه العقيدة، تصدر عن المركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية - النجف الأشرف، العدد الثالث (عدد خاص بألفية الشريف المرتضى)، سنة 1436 ه.
95. مجمع البحرين، الشيخ فخر الدين الطريحي (م 1085 ه)، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني، مطبعة المرتضوي، الطبعة الثانية، 1362 ش.
96. مجمع البيان في تفسير القرآن، أمين الإسلام أبو عليّ الفضل بن الحسن الطبرسي (ق 6 ه)، تحقيق: لجنة من العلماء و المحقّقين مع تقديم السيّد محسن الأمين العاملي، بيروت:
مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الأُولىٰ 1415 ه / 1995 م.
97. المحصل، فخر الدين محمّد بن عمر الرازي، مصر: مطبع الحسينة، 1323 ه.
98. المحكم و المحيط الأعظم في اللغة، أبو الحسن عليّ بن إسماعيل المعروف بابن سيدة (م 458 ق)، القاهرة: مطبعة مصطفى البابي.
99. المختصر في اُصول الدين، عبد الجبار بن أحمد القاضي، قم: دفتر تبليغات اسلامي، 1390.
100. المخصّص، ابن سيدة عليّ بن إسماعيل اللغوي، بيروت: دار الكتب العلميّة، 1426 ه.
101. مروج الذهب و معادن الجوهر، أبو الحسن عليّ بن الحسين بن عليّ المسعودي (346 ه)، تحقيق: يوسف أسعد داغر، قم: دار الهجرة، الطبعة الثانية، 1404 ه / 1363 هش.
102. المسائل الطرابلسية الأولى (مخطوطة)، الشريف المرتضى، مصورتها محفوظة في مركز إحياء التراث الإسلامي - قم، برقم 1690/3.
103. مسائل المرتضىٰ ، شريف مرتضى عليّ بن حسين الموسوي البغدادي المعروف ب علم الهدى (م 426 ه)، تحقيق: وفقان خضير محسن الكعبي، بيروت: مؤسّسة البلاغ، 1422 ه.
104. المستفاد من ذيل تاريخ بغداد للحافظ ابن النجار البغدادي، أبي الحسن أحمد بن أيبك بن عبد اللّٰه الحسامي المعروف ب ابن الدمياطي، تحقيق: عبد القادر عطاء، بيروت: دار الكتب العلميّة، 1417 ه.
105. المسند، أحمد بن محمد الشيباني (ابن حنبل) (م 241 ه)، تحقيق: عبد اللّٰه محمّد الدرويش، بيروت: دار الفكر، الطبعة الثانية، 1414 ه.
ص: 451
106. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، أحمد بن محمّد المقرئ الفيّومي (م 770 ه)، بيروت: دار الفكر للطباعة و النشر.
107. المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، الحافظ أحمد بن عليّ العسقلانيّ المعروف ب ابن حجر (م 852 ه)، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، بيروت: دار المعرفة، الطبعة الأُولى، 1414 ه.
108. معالم العلماء، محمّد بن عليّ بن شهر آشوب السروي المازندراني (م 588 ه)، تحقيق:
السيّد محمّد صادق آل بحر العلوم، قمّ : [بالأُفست عن طبعة النجف].
109. المعتمد في اُصول الدين، محمود بن محمّد الملاحمي الخوارزمي، تهران: مركز پژوهشى ميراث مكتوب، دانشگاه آزاد برلين، مؤسسۀ مطالعات اسلامي، 1390.
110. معجم الشعراء الجاهليّين، عزيزة فوال البابيتي، بيروت: دار صادر للطباعة و النشر، 1998 م.
111. المعجم الكبير، أبو القاسم سليمان بن أحمد اللخمي الطبراني (م 360 ه)، تحقيق:
حمدي عبد المجيد السلفي، بيروت: دار إحياءالتراث العربي، الطبعة الثانية، 1404 ه.
112. معجم المؤلفين، عمر رضا كحالة، بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1376 ق.
113. معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس الرازي القزويني (م 395 ه)، تحقيق: عبد السلام محمّد هارون، مصر: شركة مكتبة و مطبعة مصطفى البابي الحلبي و أولاده، الطبعة الثانية، 1389.
114. المغرب في ترتيب المعرب، أبو الفتح ناصر بن عبد السيّد بن عليّ المطرزي (م 616 ه)، بيروت: دار الكتاب العربي.
115. المغني، أبو محمّد عبد اللّٰه بن أحمد بن محمّد بن قدامة (620 ه)، بيروت: دار الكتاب العربي.
116. مفاتيح العلوم، محمّد بن أحمد الخوارزمي، بيروت: دار المناهل، 1411 ه.
117. مقالات الإسلاميين (في ضمن كتاب: طبقات المعتزلة)، أبو القاسم البلخي، تحقيق: فؤاد السيّد، تونس: الدار التونسية للنشر، الجزائر: المؤسسة الوطنية للكتاب، 1406 ه / 1986 م.
ص: 452
118. مقالات الإسلاميّين و اختلاف المصلّين، عليّ بن إسماعيل الأشعري أبو الحسن (324 ه)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثالثة.
119. مقالة في التوحيد، يحيى بن عدي، لبنان: المكتبة البولسية، 1980 م.
120. المقتضب، محمّد بن يزيد المبرد، بيروت: عالم الكتب، 1431 ه.
121. المقنع في الغيبة، الشريف المرتضى عليّ بن حسين الموسوي البغدادي المعروف ب علم الهدى (م 426 ه)، تحقيق: محمّد عليّ الحكيم، بيروت: مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث.
122. الملل و النحل، أبو الفتح محمّد بن عبد الكريم الشهرستاني (471-548 ه)، تحقيق: محمّد سيّد كيلاني، بيروت: دار المعرفة.
123. مناهج اليقين في أُصول الدين، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي المعروف ب العلّامة الحلّي (م 726 ه)، بوستان كتاب، 1390.
124. المنتظم في تاريخ الملوك و الأمم، عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي، دراسة و تحقيق:
محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا، راجعه و صححه: نعيم زرزور، بيروت:
دار الكتب العلمية.
125. المنقذ من التقليد، محمود بن عليّ الحمصي الرازي، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، 1412 ه.
126. المواقف في علم الكلام، عبد الرحمن بن أحمد الإيجي، بيروت: عالم الكتب، القاهرة:
مكتبة المتنبى.
127. الموضح عن جهة إعجاز القرآن (الصرفة)، علم الهدى علي بن الحسين الموسوي الشريف المرتضى (436 ه)،، تحقيق: محمدرضا الأنصاري القمّي، مشهد: مجمع البحوث الإسلاميّة، الطبعة الأُولى، 1424 ه.
128. نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، عليّ سامي النشار، القاهرة: دار المعارف، 1977 م.
129. نهاية المرام، السيّد محمّد العاملي المعروف ب صاحب المدارك (م 1009 ق)، تحقيق و نشر مؤسّسة النشر الإسلامي - قم، 1413 ق.
130. الوافي بالوفيات، صلاح الدين خليل بن إيبك الصفدي (764 ه)، تحقيق: أحمد الأرناؤوط
ص: 453
و تركي مصطفى، بيروت: دار إحياء التراث، 1420 ه.
131. وَفَيَات الأعيان و أنباء أبناء الزمان، ابن خلّكان، شمس الدين أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلّكان الشافعي الإربلي (608-681 ه)، تحقيق: إحسان عبّاس، بيروت: دار الثقافة.
132. هدى الساري مقدمة شرح صحيح البخاري، أحمد بن عليّ بن محمّد بن حَجَر الشافعي العسقلاني (ابن حجر) (م 852 ه)، بيروت: دار الكتب العلمية، 1410 ق..
431. Gregor Schwarb "Short Communication: A Newly Discovered Fragment Of al - Sharif al -Murtadas K. al - Mulakhkhas Fi usul al - din in Hebrew Script" Journal Of intellectual History of the islamicate World 2, 2014..
ص: 454
المجلد الأوّل
الفهرس الإجمالي... 5
مقدّمة التحقيق... 7
منهجية البحث عند الشريف المرتضى... 8
علاقة الشريف المرتضى بالمعتزلة... 11
هذا الكتاب... 17
فهرسة أبحاث الكتاب... 21
عنوان الكتاب... 22
الوجه في تسميته ب «الملخّص»... 23
نسبة الكتاب إلىٰ مصنّفه... 24
تاريخ تأليف الكتاب... 25
جهود حول الكتاب... 27
مَن اقتنى الكتاب و اهتمّ به... 31
نسخة الكتاب... 34
العمل في الكتاب... 38
كلمة الشكر... 41
ص: 455
نماذج من تصاوير النسخة... 43
الملخّص في أُصول الدين
الباب الأوّل: الكلام في إثبات الصانع
الفصلُ الأوّل: في الدَّلالةِ علىٰ حدوثِ الأَجسامِ ... 53
الكلام على الدعوى الأُولىٰ ... 53
الكلام على الدعوى الثانية... 53
في الدلالة علىٰ أنّ القديم لا يجوز عليه العدم... 53
في الدلالة علىٰ أنّ القديم قديم لنفسه... 53
الدليل الأوّل... 53
الدليل الثاني... 55
في الدلالة علىٰ عدم انفكاك الصفة النفسيّة عن الموصوف... 56
دليل آخر علىٰ نفي جواز العدم عن القديم... 58
نفي الضدّ عن القديم... 58
الدليل الأوّل... 58
الدليل الثاني... 60
الكلامُ علَى الدعوَى الثالثةِ ... 61
عدم خلوّ الجسم من الكون في الجهات... 61
وجوب تحيّز الجوهر بذاته... 62
وجوب كون المتحيّز في جهةٍ ... 72
إبطال الشقّ الأوّل... 76
إبطال الشقّ الثاني... 80
الكلام على الدعوى الرابعة... 82
في بيان حقيقة العلم بأنّ عدم تقدّم الأجسام على...... 83
ص: 456
ذهاب ابن الراوندي إلى قِدَم الأجسام مع...... 86
بيان كيفيّة دلالة «عدم تقدّم المحدَث» على الحدوث... 87
عدم خلوّ الجوهر من الأكوان... 90
تناهي الحوادث الماضية و المستقبلة، و بيان الفرق بينها... 93
الفصل الثاني: في الدَّلالةِ علىٰ إثباتِ المُحدِثِ ... 99
البحث الأوّل: حاجة تصرّفاتنا إلينا، و تعلّقها بنا... 99
البحث الثاني: في حاجة تصرّفاتنا إلينا في حدوثها... 109
البحث الثالث: حاجة كل مُحدَث إلىٰ مُحدِث... 111
الباب الثاني: الكلام في الصفات
القسم الأوّل: الصفات الثبوتيّة
الفصلُ الأوّل: في الدَّلالةِ علىٰ أنّ مُحدِثَ الأجسامِ قادِرٌ... 117
الدليل الأوّل... 117
الدليل الثاني... 119
الدليل الثالث... 119
نفي أن يكون تأتّي الفعل للطبع لا لحال القادِر... 119
دلالة تعذّر الفعل علىٰ انتفاء القدرة، و شرط ذلك... 121
نفي أن يكون تعذّر الفعل ناشئاً من ثبوت حالٍ ... 122
كيفيّة دلالة صحّة الفعل على القدرة... 124
اختصاص دلالة حدوث الفعل على القدرة فقط، لا أكثر... 124
الدليل الأوّل... 125
الدليل الثاني... 125
الفصلُ الثاني: في الدلالَة على أنّ مُحكِم الأفعالِ عالِمٌ ... 127
ص: 457
نقل أدلّة أبي هاشم حول مقدار دلالة الفعل، و مناقشتها... 128
عدم قيام الاعتقاد و الظنّ مقام العلم في صحّة الفعل المحكم... 130
أدلّة إثبات أنّه تعالىٰ عالِم... 132
الدليل الأوّل... 132
الدليل الثاني... 133
الدليل الثالث... 134
الدليل الرابع... 134
الدليل الخامس... 134
الفصل الثالث: في الدَّلالةِ علىٰ أنّ صانِعَ الأجسامِ حَيٌّ ... 137
عدم كون المفارقة ناشئة من حصول العلم و القدرة... 138
عدم صحّة إثبات صفة أُخرىٰ غير الحياة... 139
كيفيّة اقتضاء القدرة للوجود... 141
عدم استلزام الدليل على الحياة إثباتَ البِنية و التأليف للقديم... 142
عدم صحّة الاستدلال بالعجز على الحياة... 150
الفَصلُ الرابع: في الدَّلالةِ علىٰ أنّ اللّٰهَ تَعالىٰ مُدرِكٌ للمُدرَكاتِ سَميعٌ بَصيرٌ... 155
البحث الأوّل... 156
ألف. إثبات صفة الإدراك فينا... 156
ب. إثبات امتياز صفة الإدراك عن غيرها من الصفات... 156
أوّلاً: امتيار صفة الإدراك عن العلم... 157
1. إثبات العلم مع فَقْد الإدراك... 157
2. إثبات الإدراك مع فَقْد العلم... 158
عدم رجوع اختلاف حال المتألِّم و غيره إلىٰ اختلاف طرق العلم... 160
ثانياً: امتياز صفة الإدراك عن الحياة... 162
ثالثاً: امتياز صفة الإدراك عن القدرة... 163
ص: 458
رابعاً: امتياز صفة الإدراك عن الإرادة و الكراهة و الشهوة و النفرة... 164
البحث الثاني... 164
ألف. اقتضاء الحياة لصفة الإدراك بشروطه... 164
ب. عدم اقتضاء صحّة الحواسّ للإدراك... 167
البحث الثالث... 169
ألف. إثبات كونه تعالىٰ مُدْرِكاً عند وجود المدرَكات... 169
ب. نفي أن يكون للسميع و البصير حال زائدة علىٰ كونه حيّاً لا آفة به... 172
بطلان وصفه تعالىٰ بأنّه شامٌّ و ذائقٌ ... 174
بطلان وصفه تعالىٰ بأنّه آلِمٌ وَ مُلتذٌّ و مُحِسٌّ ... 175
الفصلُ الخامس: في الدَّلالةِ علىٰ أنّ اللّٰهَ تَعالىٰ موجودٌ... 179
إثبات أنّ العدم يَمنع من تعلُّق ما يتعلّق بغيره لنفسه... 179
الدليل الأوّل... 179
الدليل الثاني... 188
الفصلُ السادس: في الدَّلالةِ علىٰ أنّ صانِعَ العالَمِ قَديمٌ ... 191
إبطال كونِ صانع العالَم محدَثاً... 193
أوّلاً: إبطال كونِ المحدَث قادراً لنفسه... 194
الدليل الأوّل... 194
الدليل الثاني... 196
الدليل الثالث... 196
ثانياً: إبطال كونِ صانِعِ العالَمِ قادراً بقُدرةٍ ... 196
الدليل الأوّل... 196
انحصار قدرتنا في الأفعال المباشرة و المتولّدة، دون المخترَعة... 198
عدم وقوع الجسم منّا، لا بصورة مباشرة و لا متولّدة... 199
الدليل الأوّل علىٰ عدم وقوع الجسم و الجوهر منّا متولّداً... 199
ص: 459
مناقشة موانع القدرة علىٰ فعل الأجسام و الجواهر... 201
المانع الأوّل و الثاني: فَقْدُ العلم و الآلة... 201
المانع الثالث: فَقْدُ البِنية... 203
المانع الرابع: عدم وجود الخلأ في العالَم... 203
أدلّة وجود الخلأ في العالَم... 204
الدليل الأوّل... 204
الدليل الثاني... 204
الدليل الثالث... 204
الدليل الرابع... 205
الدليل الخامس... 205
أدلّة عدم وجود الخلأ في العالَم و مناقشتها... 206
المانع الخامس: تعدُّد القُدرَ في الجارحة الواحدة... 210
الجواب الأوّل... 212
اختلاف أجناس القُدَر... 212
تغاير مقدور القُدَر... 213
اتّفاق مقدور القُدَر في الجنس... 214
الجواب الثاني... 214
الدليل الثاني علىٰ أنّ الجسم و الجوهر لا يقع منّا متولّداً... 218
الدليل الثالث علىٰ أنّ الجسم و الجوهر لا يقع منّا متولّداً... 219
الدليل الثاني علىٰ إبطال كون صانع العالم قادراً بقدرة... 221
إبطال أن يكون القادرُ الذي لا تجبُ له هذه الصفة قادراً بالفاعل... 222
ما يدلّ على نفي وجود قادر محدَث ليس بجوهر... 224
الفصلُ السابع: في بيانِ أحكامِ الصفاتِ الثبوتيّةِ الذاتيّةِ ... 227
1. فصلٌ في الدَّلالةِ علىٰ أنّ مُستَحِقَّ الصفاتِ التي ذَكَرناها يَجِبُ أن يَستَحِقَّها... 227
ص: 460
البحث الأوّل: في أنّه تعالىٰ قادر فيما لم يزل... 227
في بيان أنّ القدرة الممكنة لا تكون إلّابقدرة حادثة... 227
نفي أن يكون شرط تجدّد الصفة هو صحّة وجود المقدور... 228
نفي أن يكون شرط تجدّد الصفة هو صحّة الفعل في الوقت الثاني... 229
البحث الثاني: في بيان أنّه تعالىٰ حيّ و موجود فيما لم يزل... 230
البحث الثالث: في بيان أنّه تعالىٰ عالِم فيما لم يزل... 230
1. نفي أن يكون شرط تجدّد كونه عالِماً هو وجود المعلوم... 231
أدلّة صحّة تعلّق العلم بالمعدوم... 231
2. بيان حقيقة العلم الأزلي بالموجودات الحادثة... 233
في بيان أنّ العلم بوجود الشيء في المستقبل هو علمٌ بوجوده... 234
خلاصة رأي المصنّف حول العلم بأنّ الشيء سيوجد... 238
2. فَصلٌ في أنّه تَعالىٰ لا يَختَصُّ في ذاتِه بصفةٍ زائدةٍ على ما ذَكَرناه و...... 239
الدليل الأوّل علىٰ بطلان المائيّة... 239
الدليل الثاني... 242
إبطال استدلال ضرار علىٰ المائيّة... 243
3. فَصلٌ في تَرتيبِ العِلمِ بهذه الأحوالِ ... 244
1. القدرة... 244
2. الحياة و الوجود و القِدَم... 244
3. العلم... 244
4. الإِدراك... 245
5. الصفة الذاتيّة... 245
6. الإرادة و الكراهة... 245
7. الحكمة... 246
4. فَصلٌ في أحكامِ هذه الأحوالِ و ما تَقتَضيهِ و تؤَثِّرُه... 246
ص: 461
فَصلٌ استطراديّ : في ذِكرِ جُملةٍ مِن الاستدلالِ بالشاهدِ علَى الغائبِ ... 249
بيان قاعدة الاستدلال بالشاهد علىٰ الغائب... 249
الاستدلال علىٰ القاعدة... 249
أقسام الدلالة... 251
أقسام دلالة الدليل... 252
شرائط ما يصحّ الاستدلال عليه... 252
ما يسوغ التعليل به و ما لا يسوغ... 253
5. فَصلٌ في كيفيّةِ استحقاقِه تَعالىٰ ما تَقدَّم ذِكرُه مِن الصفاتِ و...... 254
أ. فَصلٌ في أنّه لا يَستَحِقُّها لِمَعانٍ معدومةٍ ... 255
ما يدلّ على أنّه تعالىٰ لا يجوز أن يعلم بِعلم معدوم... 255
ما يدلّ على أنّه تعالى لا يجوز أن يقدر بقدرة معدومة... 256
ما يدلّ على أنّه تعالىٰ لا يجوز أن يكون حيّاً بحياة معدومة... 257
ب. فَصلٌ في أنّه لا يَستَحِقُّها لِمَعانٍ لا توصَفُ ... 258
ج. فَصلٌ في أنّه لا يَستَحِقُّها لِمَعانٍ مُحدَثةٍ ... 263
الدليل الأوّل... 263
الدليل الثاني... 265
في أنّه تعالىٰ لا يجوز أن يكون حيّاً بحياة مَحدَثة... 266
في أنّه تعالىٰ لا يجوز أن يكون عالماً بعلم محدَث... 267
في بيان الوجوه التي تجعل الاعتقاد علماً... 269
نفي أن يكون الإدراك مؤثّراً في كون الاعتقاد علماً... 271
مَسائِلُ تتعَلَّقُ بعِلمِ اللّٰهِ تَعالىٰ و قُدرتِه... 272
إثبات أنّ للعلم ضدّاً... 278
بطلان أن يكون تعذّر اجتماع اعتقادَين متعاكسَين بسبب الداعي...... 279
في بيان قدرة القادر على الشيء و ضدّه من الوجه الذي يتنافيان فيه... 281
ص: 462
الفرق بين ابتداء العلم و ابتداء الجهل... 282
نفي أن يكون الجهل مقدوراً له... 283
إبطال صحّة وجود الجهل بلا جاهل... 284
د. فَصلٌ في أنّه لا يَستَحِقُّ هذه الأحوالَ لِمَعانٍ قَديمةٍ ... 290
الدليل الأوّل... 290
و هذا الكلامُ لا بُدَّ فيه مِن بَيانِ أُصولٍ ... 290
الأصل الأوّل: في أنّه تعالىٰ مخالفٌ لغيره... 291
الأصل الثاني: في أنّه تعالىٰ إنّما يخالِف ما يخالِفه بكونه قديماً... 291
بيان كيفيّة مخالفته تعالىٰ لغيره بواسطة صفاته الواجبة... 297
وجه مخالفته تعالىٰ لغيره، مع اشتراكه معه في الصفات... 298
أوّلاً: بيان المصنّف... 298
ثانياً: بيان أبي هاشم الجبّائي... 299
الأصل الثالث: في أنّ ماشاركه تعالىٰ في القِدَم يجب أن...... 302
في بيان عدم اختلاف صفة الوجود في الذوات... 302
الوجوه الدالّة علَى أنّ الاشتراكَ في صفةٍ مِن...... 303
الأصل الرابع: في بيان لزوم ما تقدّم من الكلام لهم... 307
الدليل الثاني: علىٰ بطلان المعاني القديمة... 309
استلزام تجويز المعاني القديمة نفي الصفات الذاتية... 310
الدليل الثالث... 311
الدليل الرابع... 312
في بيان أنّ المشاركة في تعلّق خاصّ تقتضي التماثل... 312
في بيان تماثُل علمه تعالىٰ و عِلمنا... 313
في بيان أنّ الشيء الواحد لا ينفي شيئَين مختلفَين غير متضادَّينٍ ... 314
الدليل الخامس... 316
ص: 463
الدليل السادس... 320
الدليل السابع... 320
الدليل الثامن... 325
الدليل التاسع... 326
الدليل العاشر... 326
6. فَصلٌ في الإشارةِ إلىٰ قَويِّ شُبَهِ أصحابِ الذات و الصفاتِ و الكلامِ عليها... 327
فقد تَعَلَّقَ هؤلاءِ بأشياءَ ... 327
الجوابُ عن الشُّبهةِ الأُولىٰ ... 328
الجوابُ عن الشُّبهةِ الثانيةِ ... 329
الجوابُ عن الشُّبهةِ الثالثةِ ... 329
الجَوابُ عن الشُّبهةِ الرابعةِ ... 330
الجَوابُ عن الشبهةِ الخامسةِ ... 337
الجَوابُ عن الشُّبهةِ السادسةِ ... 339
الجوابُ عن الشُّبهة السابعةِ ... 340
7. فَصلٌ في بَيانِ استحالةِ خُروجِه تَعالىٰ عن الصفاتِ الّتي ذَكَرناها...... 343
في بيان استحالة خروجه تعالى عن صفة العلم... 344
نفي كونه تعالىٰ جاهلاً ببعض المعلومات أو عاجزاً عن بعض المقدورات... 345
القسم الثاني: الصفات السلبيّة
الفَصلُ الأوّل: في نَفيِ الحاجَةِ عنه تَعالىٰ و إثباتِه غَنيّاً... 349
أدلّة نفي الشهوة و النِفار عنه تعالى... 350
الدليل الأوّل... 350
الدليل الثاني... 354
نفى دلالة الفعل علىٰ كونه تعالىٰ مشتهياً أو نافراً... 354
ص: 464
الدليل الثالث... 355
و قد يُسأَلُ علىٰ هذا الدليلِ أسئلةٌ ... 356
الدليل الرابع... 359
الفصلُ الثاني: في نَفي الجسميّةِ عنه تَعالىٰ ... 361
1. فصلٌ في أنّه تَعالىٰ لا يُشبِهُ الأجسامَ و الجَواهرَ... 361
ادلّة نفي الجسميّة عنه تعالىٰ ... 362
2. فَصلٌ في أنّ احتمالَ الأعراضِ و الكَونَ في الجهاتِ و...... 374
في بيان أنّ التحيّز يقتضي احتمال الأعراض... 375
في بيان أنّ التحيّز يقتضي الكون في الجهات... 377
في بيان استحالة حلول الأعراض فيه تعالىٰ ... 378
3. فَصلٌ في استحالةِ كَونِه تَعالىٰ في جهةٍ مِن غَيرِ أن يَكونَ شاغِلاً لها... 380
في بيان بطلان المعنى الظاهري لكونه تعالىٰ فوق العرش... 380
4. فَصلٌ في أنّه تَعالىٰ لا يُشبِهُ شَيئاً مِن الأعراضِ ... 383
نفي أن يُشبِهَ تعالىٰ عرضاً غيرَ معقول... 385
5. فَصلٌ في أنّه تَعالىٰ لا يَصِحُّ أن يَحُلَّ غَيرَه... 386
فساد كونه تعالىٰ حالاًّ لمعنىٰ ... 388
فساد اقتضاء الصفة الذاتيّة لحلوله تعالى... 392
في بيان أنّ حلوله تعالىٰ لو صحَّ ، لكان لصفةٍ ترجع إلىٰ نفسه، لا كالأعراض... 393
6. فَصلٌ فيما يَتعلَّقُ بالعبارةِ في هذا البابِ ... 394
البحث الأوّل: استحالة معنى الجسم عليه تعالى... 394
في بيان ورود لفظة «أجسَم» في كلام العرب... 395
في بيان بطلان بعض التعريفات المذكورة للجسم... 397
البحث الثاني: بطلان إطلاق لفظة «جسم» عليه تعالىٰ ، علىٰ نحو اللقب... 398
نفي أن يكون لفظ الجلالة لقباً... 399
ص: 465
نفيُ أن يكونَ لفظُ «شيء» لقباً... 400
حقيقة بعض الصفات الخَبَريّة... 401
تأويل بعض الآيات المتشابهات الدالّة على الصفات الخبريّة... 403
الفصلُ الثالث: الكلامُ في نَفيِ الرّؤيَةِ عنه و جميعِ ضُروبِ الإدراكِ ... 405
تمهيد... 405
1. فَصلٌ في أنّه تَعالىٰ يَستَحيلُ رؤيَتُه... 405
و هذه الجُملةُ نَحتاجُ فيها إلىٰ بيانِ أشياءَ ... 406
أوّلاً: في أنّ الرائي إنّما يَرَى الوجود صفةً هو عليها... 406
أدلّة بطلان أن تكون الرؤية لمعنىٰ ... 407
في بطلان أن يُرىٰ تعالىٰ بحاسّة سادسة... 412
ثانياً: في بيان ارتفاع الموانع التي تمنع من الرؤية عنه تعالىٰ ... 413
ثالثاً: نفي أن يكون تعالىٰ مرئيّاً في نفسه... 418
رابعاً: في بيان أنّ الرؤية متىٰ صحّت وجبت... 418
في بيان أنّ العلم بانتفاء المدرَك مستند إلى العلم...... 420
في أنّ العلم الأوّل إنّما يستند إلى العلم الثاني فيما إذا كان...... 421
في بيان أنّ علمنا بالمدرَكات طريقُهُ الإدراك، و أنّه ليس مُبتدأً بلا طريق... 423
بيان حال المخالفين في المسألة... 425
في بيان أنّ بعض العلوم طريقها الضرورة...... 427
في بيان عدم انفكاك العلمَين المبحوث عنهما فيما سبق... 428
نفي أن يكون العلم بالمدرَكات ناشئاً من فعل العلم في القلب... 429
في بيان دور الشعاع الخارج من البصر في الرؤية... 430
خامساً: في أنّنا غير رائين له تعالىٰ ... 432
دليلٌ آخَرُ... 432
دليلٌ آخَرُ... 434
ص: 466
إبطال تفسير الإدراك المنفيّ في الآية بالإحاطة... 436
نفي أن يكون الإدراك بالبصر بمعنىٰ رؤية مخصوصة... 437
نفي أن يكون الإدراك المنفيّ بالآية معنىٰ خاصّاً غير الرؤية، و...... 437
أقسام ما تمدّح به تعالىٰ بنفيه و إثباته... 440
بيان وجهٍ إجمالي و آخر تفصيلي لصحّة التمدّح بنفي الرؤية... 442
بيان وجه تمدّحه تعالىٰ بنفي الإدراك، مع مشاركة غيره... له في ذلك... 443
بيان عدم الفرق بين نفي إدراك الأبصار أو المبصرين في محلّ بحثنا... 446
بيان دلالة الآية علىٰ نفي الإدراك عن بعض المدرِكين... 447
2. فَصلٌ في أنّه غَيرُ مَرئيٍّ في نَفسِه... 448
نفي إمكان أن يَرىٰ تعالىٰ نفسَه، مع استحالة رؤيتنا له... 450
3. فَصلٌ في أنّ الإدراكَ بسائرِ الحَواسِّ لا يَجوزُ عليه تَعالىٰ ... 453
أقسام الحواسّ الخمس، و كيفيّة الإدراك بها، و شروط ذلك... 454
4. فَصلٌ في ذِكرِ أقوىٰ ما يَتعلَّقُ به المُخالِفُ بالرؤيةِ ، و الكلامِ عليه... 456
الجَوابُ عن الشُّبهةِ الأُولى... 458
الجَوابُ عن الشُّبهة الثانية... 459
الجَوابُ عن الشُّبهةِ الثالثةِ ... 460
الجَوابُ عن الشُّبهةِ الرابعةِ ... 461
الجَوابُ عن الشُّبهةِ الخامسةِ ... 461
تأويل «النظر» الوارد في الآية: ب «الانتظار»... 463
نفي المعنى الظاهري للفظة «وجوه» الواردة في الآية... 464
بيان الفرق بين مدلول تعليق الإدراك بالبصر، و...... 465
بيان وجه وصف الوجوه بالنضارة في الآية... 467
عدم التلازم بين اتّحاد معنى اللفظين و بين اتّحاد تصرّفهما... 468
جواز التأويل مع اقتضاء الضرورة... 469
ص: 467
في بيان التأويل الثاني للآية... 470
بيان جواز اجتماع الانتظار مع السرور و النعمة... 471
بيان جواز اجتماع الانتظار مع القطع و العلم... 472
في بيان التأويل الثالث للآية... 472
جواز حمل النظر علىٰ الرؤية تجوّزاً... 473
و الجَوابُ عن الشُّبهةِ السادسةِ ... 474
الفرق بين سؤال رؤيته تعالىٰ ، و سؤال أن يكون جسماً و ما شابه ذلك... 475
بيان الوجه في توبة موسىٰ عليه السلام... 476
بيان وجه تعليق الرؤية باستقرار الجبل... 477
و الجَوابُ عن الشُّبهَةِ السابعةِ ... 478
في بيان عدم حاجة الرؤية - بمعنىٰ العلم - إلىٰ مفعولَين... 480
فرق العلم الضروري عند أهل الجنّة و أهل النار... 481
المجلّد الثاني
الفهرس الإجمالي... 5
تتمةُ البابُ الثاني: الكلامُ في الصِّفات
القسم الثاني: الصفاتُ السلبية... 7
الفَصلُ الرابع: في الدَّلالةِ علىٰ أنّه تَعالىٰ واحِدٌ لا ثانِيَ له في القِدَمِ ... 9
الدليل الأوّل: دليل التمانُع... 9
بيان مقدّمات الدليل... 10
إثبات المقدّمة الثانية... 10
الأصل الأوّل: بطلان أن يكون مقدور واحد متعلقاً بقادرَين... 12
في بيان أنّ الحَدَث لا يتزايد... 14
ص: 468
الأصل الثاني: القادر على الشيء قادرٌ على جنس ضدّه... 15
إثبات المقدّمة الثالثة... 16
إثبات المقدّمة الرابعة... 16
إثبات المقدّمة الخامسة... 17
إثبات المقدّمة السادسة... 17
ابتناء الدليل الأوّل علىٰ صحّة التمانع، لا علىٰ وقوعه... 18
عدم التنافي بين حكمة القادرَين، و صحّة وقوع التمانع بينهما... 18
إمكان إِثبات ضعف الممنوع، بناءً علىٰ صحّة التمانع دون وقوعه... 19
بيان أنّ الأقدر يكون أقدر في جميع الأحوال... 19
صحّة تقدير صدور الفعل القبيح من الحكيم... 20
عدم التنافي بين الاتّفاق في الإرادة، و صحّة وقوع التمانع... 20
ضرورة القول بأنّ المانع أقدَر... 22
بيان لزوم ضعف المتمانِعَين عند عدم تحقّق مُرادهما... 23
بيان كيفيّة الجمع بين كون القديمَين قادرَين لنفسهما و بين دليل التمانع... 24
الدليل الثاني... 27
إبطال الوجوه المدّعاة لتعذّر الفعل من القادرَين... 28
بيان وجه استحالة وجود الأشياء في الأزل... 30
الدليل الثالث... 31
الوجوه المدّعاة للفصل بين الذاتين القديمتين و مناقشتها... 32
أوّلاً: اختلاف الدواعي... 32
ثانياً: العلم الضروري... 33
ثالثاً: صحّة الفعل من أحدهما، مع توهّم خروج الآخر من كونه قادراً... 34
الدليل الرابع... 35
بطلان دعوىٰ تخصيص القاعدة المذكورة في الدليل... 36
ص: 469
الدليل الخامس: دليل السمع... 38
الفصل الخامس: في الردِّ على الأديان المخالفة في صفاته تعالىٰ ... 39
1. فَصلٌ في الكلامِ علَى الثَّنَويّةِ ... 39
الخِلافُ مَع هؤلاءِ في مَوضِعَينِ ... 39
إبطال القول بالاثنين... 40
إبطال دليل الثنويّة القائم علىٰ تضادّ الخير و الشرّ... 43
أسئلة إلزاميّة للثنوية... 45
2. فَصلٌ في الكلامُ علَى المَجوسِ ... 47
3. فَصلٌ في الكلامِ علَى النَّصارىٰ ... 50
البحث الأوّل: إبطال التثليث... 50
البحث الثاني: إبطال بُنوَّة المسيح عليه السلام... 55
مناقشة استدلالات النصارىٰ على بنوّة المسيح عليه السلام... 56
معنىٰ وصف المسيح عليه السلام بأنّه روح اللّه و كلمته... 58
البحث الثالث: إبطال الاتّحاد بكلّ معانيه... 59
البحث الرابع: إبطال عبادة المسيح عليه السلام... 62
4. فَصلٌ في الكلامِ علَى الصابِئينَ ... 63
إبطال عبادة الكواكب... 64
بيان أنّ الكواكب غير حيّة... 64
بيان أنّ الكواكب غير قادرة... 65
5. فَصلٌ في الكلامِ علىٰ مَن عَبَدَ الأصنامَ مِن جاهليّةِ العَرَبِ و غَيرِهم... 66
البابُ الثالث: الكلامُ في العَدلِ
تمهيد... 71
الفصلُ الأوّل: في بيانِ ضُروبِ الأَفعالِ و أَقسامِها... 73
ص: 470
فَصلٌ في أقسامِ الأفعالِ ... 73
ثُمّ الواجِبُ يَنقَسِمُ قِسمةً أُخرىٰ ... 75
أ. فَصلٌ في الدَّلالة علىٰ أنّ في الأفعالِ ما لَيسَ بحَسَنٍ و لا قَبيحٍ ... 76
ب. فَصلٌ في ذِكرِ الطريقِ إلىٰ معرفةِ القَبائحِ ، وَ بيانِ ما له يَقبُحُ ... 78
البحث الأوّل: تعريف القبيح... 78
أقسام العلم بالقبيح... 79
البحث الثاني: ما له يقبح القبيح... 80
بيان الوجوه التي تقتضي القبائح... 82
البحث الثالث: إثبات أنّ ما تقدّم من الوجوه هي المقتضية للقبائح... 83
الطريقة الأُولىٰ : إثبات الوجوه المقتضية للقبائح... 84
نفي أن يكون قبح الظلم لأجل «معنىٰ »... 84
إبطال قول القائلين بحُسن بعض مصاديق الظلم... 85
وجه استحسان الخوارج لأفعالهم... 91
الطريقة الثانية: إبطال الوجوه المدّعاة لقبح القبيح... 91
1. إبطال أن يكون القبيح قبيحاً لجنسه... 92
2. إبطال أن يكون القبيح قبيحاً لوجوده و حدوثه... 93
3. إبطال أن يكون القبيح قبيحاً لانتفائِه و عدمه... 93
4. إبطال أن يكون القبيح قبيحاً لوجود معنىٰ ... 93
5. إبطال أن يكون القبيح قبيحاً لعدم معنىٰ ... 94
6. إبطال أن يكون القبيح قبيحاً لأحوال فاعلِه... 94
7. إبطال أن يكون القبيح قبيحاً للنهي عنه... 95
ج. فَصلٌ في ذِكرِ أقسامِ الأفعالِ الحَسَنةِ و أحكامِها و مَراتِبها... 101
الأقوال المطروحة حول ما له يحسن الحَسَن... 102
أقسام العلم بالحَسَن... 103
ص: 471
الفصلُ الثاني: في أنّه تَعالىٰ قادرٌ علىٰ القبيحِ ، لكن لا يَختارُه... 105
1. فَصلٌ في بيانِ أنّه تَعالىٰ قادرٌ علىٰ ما لَو وَقَعَ لَكانَ قَبيحاً... 105
بيان شُبَه النافين لقدرته تعالىٰ علىٰ القبيح، و مناقشتها... 107
الجَوابُ عن الشُّبهة الأُولىٰ ... 108
الجَوابُ عن الشُّبهةِ الثانيةِ ... 110
الجواب الأوّل: العبرة بما دلّت عليه الأدلّة، لا العبارات... 110
توضيح و شرح المصنّف للجواب الأوّل... 111
الجواب الثاني: عدم جواز تعليق المحال بالجائز... 113
الجواب الثالث: نفي دلالة وقوع الظلم منه تعالىٰ على الجهل و الحاجة... 115
2. فَصلٌ في أنّه تَعالىٰ يَقدِرُ علىٰ كُلِّ جنسٍ مِن المقدوراتِ ... 116
الدليل الأوّل: الدليل الإجمالي... 117
الدليل الثاني: الدليل التفصيلي... 118
أقسام ما يَقدر اللّهُ تعالىٰ و العبادُ علىٰ جنسه... 118
3. فَصلٌ في الدَّلالةِ على أنّه لا يَختارُ فِعلَ القَبيحِ ... 123
جواز الاستغناء عن الكذب مع وجود الحاجة... 123
بيان أنّ المعتبر في باب الدواعي إلى الأفعال، حالُ الفاعل لا الفعل... 125
نفي أن يكون العالِم بقبح الكذب و المستغني عنه، مُلجأً إلىٰ فعل الصدق... 125
إبطال ما ادُّعي من عدم تساوي الصدق و الكذب... 126
نفي أن تكون علّةُ عدم اختيار الكذب، عدمَ الداعي إليه... 127
بيان عموم دواعي ترك القبيح، و خصوص دواعي فعل الحَسَن... 128
في بيان أنّ الحَسَن قد يُفعل لحُسنه فقط... 129
إثبات جواز اختيار الحَسَن لحُسنه فقط، دون طلب النفع... 131
الفصلُ الثالث: الكلامُ في الإرادة... 135
1. فَصلٌ في أنّ الإرادةَ و الكراهةَ إنّما يَتعلَّقانِ بمُتعلَّقِهما علىٰ وَجهِ الحُدوثِ ... 135
ص: 472
أوّلاً: في أنّ الإرادة إنّما تتعلّق علىٰ وجه الحدوث... 135
الدليل الأوّل... 135
حقيقة التمنّي، و فرقُه مع الإرادة... 136
الدليل الثاني... 137
ثانياً: في أنّ الكراهة إنّما تتعلّق علىٰ وجه الحدوث... 138
2. فَصلٌ في ذِكرِ ما يَصِحُّ أن يُرادَ، أو يَجِبَ ، أو يَحسُنَ ...... 139
أوّلاً: في بيان ما يصحّ أن يُراد، و ما لا يصحّ ... 139
ثانياً: في بيان ما يجب أن يُراد، و ما لا يجب... 141
ثالثاً: في بيان ما يَحسُن أن يُراد، و ما لا يَحسُن... 142
3. فَصلٌ فيما يؤَثِّرُ مِن الإراداتِ و لا يؤَثِّرُ، و بيانِ كيفيّةِ تأثيرِ ذلكَ ... 143
1. بيان ما تؤثّر فيه الإرادة، و شرط ذلك... 143
2. بيان ما لا تؤثّر فيه الإرادة... 144
بيان أنّ تأثير الإرادة لا يكون إلّابواسطة... 145
نفي تأثير الإرادة في كون الكلام خبراً... 146
نفي تأثير الإرادة في فعل الغير... 147
بيان تأثير الإرادة الضروريّة في الخبر أو عدم تأثيرها... 147
4. فَصلٌ في أنّ للمريدِ منّا حالاً يختصّ بها، و يُفارقُ بها مَن ليس بمريد... 149
الدليل الأوّل... 149
الدليل الثاني... 152
بيان حاجة الخبر إلىٰ حال المريد لكي يكونَ خبراً... 152
إثبات أنّ مايقع خبراً يجوز أن يكون بنفسه غير خبر... 153
5. فَصلٌ في التمييزِ بَينَ الإرادةِ و نَظائرِها؛ مِن الشَّهوةِ و التمنّي و كَراهةِ الضِّدِّ... 156
أوّلاً: تميّز الإرادة من الشهوة... 157
ثانياً: تميّز الإرادة من التمنّي... 159
ص: 473
ثالثاً: تميّز الإرادة من الكراهة... 160
إبطال أن تكون إرادةُ الشيء كراهةً لِأن لا يكون... 162
6. فَصلٌ في تَقدُّمِ الإرادةِ علَى المُرادِ، و مُقارَنتِها له... 163
أقسام ما تؤثّر فيه الإرادة... 164
7. فَصلٌ في أنّ الإرادةَ لا توجِبُ الفِعلَ ... 165
إبطال أن توجِب الإرادةُ الفعلَ إيجابَ العلل... 165
إبطال أن توجبَ الإرادةُ الفعلَ إيجابَ الأسباب... 166
سبب ورود الشبهة في القول بأنّ الإرادة موجِبة... 168
إبطال ما استدلّ به البلخي علىٰ أنّ الإرادة موجِبة... 169
8. فَصلٌ في أنّ البَقاءَ لا يَجوزُ علَى الإرادةِ ... 170
الدليل الأوّل... 170
الدليل الثاني... 171
9. فَصلٌ في بيانِ مَعاني الأسماءِ المُختَلِفةِ التي تَجري علَى الإرادةِ و الكَراهةِ ...... 171
في بيان أنّ الإرادة هي المحبّة... 171
نفي حاجة الإرادة و المحبّة أحدهما إلى الآخر... 171
بيان معنى الأمثلة التي تعلّقوا بها لنفي اتّحاد الإرادة و المحبّة... 172
10. فَصلٌ في أنّه تَعالىٰ مُريدٌ بإرادةٍ مُحدَثةٍ لا في مَحَلٍّ ... 177
البحث الأوّل: في أنّه تعالى مريد بإرادة مُحدَثَةٍ ... 177
المقدّمة الأُولى: إثبات أنّه تعالىٰ مريد... 177
المقدّمة الثانية: إثبات أنّه تعالىٰ لا يجوز أن يكون مريداً لنفسه... 181
المقدمة الثالثة: إثبات أنّه تعالىٰ لا يجوز أن يريد لا لنفسه و لا لعلّة... 191
المقدّمة الرابعة: إثبات أنّه تعالىٰ لا يجوز أن يريد بإرادة معدومة... 193
المقدّمة الخامسة: إثبات أنّه تعالىٰ لا يجوز أن يريد بإرادةٍ قديمة... 194
البحث الثاني: في أنّه تعالىٰ مريد بإرادة في محلّ ... 194
ص: 474
الدليل الأوّل... 194
الدليل الثاني... 198
إبطال صحّة وجود بعض الصفات و الأعراض لا في محلّ ... 199
11. فَصلٌ فيما يجوز أن يريده تعالىٰ من فعله و فعل غيره و...... 201
وجوب أن يكون تعالىٰ مريداً كلّ ما يفعله، عدا الإرادة... 201
أقسام تعلُّق الإرادة بالمراد... 201
عدم جواز كراهته تعالىٰ لأفعاله... 202
بيان ما يريده تعالىٰ من فعل غيره، و ما يكرهه... 202
بيان الدليل على أنّه تعالىٰ مريد لما أمر به... 202
بيان الدليل على أنّه تعالىٰ لا يريد المعاصي و القبائح... 203
بيان أنّه تعالىٰ لا يريد و لا يكره فِعلَ غير المكلَّف... 206
مقارنة إرادته تعالىٰ لأفعاله المبتدأة و المتولّدة... 206
تقدُّم إرادته تعالىٰ لما يريده و يكرهه من أفعال المكلَّفين... 207
12. فَصلٌ في ذِكرِ قَويِّ ما يَتعلَّقُ به المُخالِفُ في الإرادةِ ، و الكلامِ عليه... 208
الجواب عن الشبهة الأُولى... 209
و الجَوابُ عن الشُّبهةِ الثانيةِ ... 212
و الجَوابُ عن الشُّبهةِ الثالثةِ ... 213
و الجَوابُ عن الشُّبهة الرابعةِ ... 214
و الجَوابُ عن الشُّبهةِ الخامسةِ ... 214
و الجَوابُ عن الشُّبهة السادسةِ ... 215
و الجَوابُ عن الشُّبهة السابعةِ ... 215
بيان معنىٰ قولهم: «ما شاء اللّٰه كان، و ما لم يشأ لم يكن»... 216
و الجَوابُ عن الشُّبهةِ الثامنةِ ... 217
الفصلُ الرابع: الكلامُ في الكلامِ و أحوالِه و أحكامِه... 219
ص: 475
1. فَصلٌ في بيان حقيقة الكلام... 219
تعريفات الكلام... 219
التعريف الأوّل - و هو التعريف المُختار -... 219
التعريف الثاني... 223
التعريف الثالث... 224
التعريف الرابع... 224
التعريف الخامس... 224
إثبات أنّ الكلام من جنس الصوت... 224
الردُّ على الكلامِ النَّفْسانيِّ ... 225
إبطال ما استدلّوا به على الكلام النفسيّ ... 226
أوّلاً: إبطال أن يكون الصوت المسموع طريقاً لإثبات الكلام النفسيّ ... 226
ثانياً: عدم وجدان العقلاء الكلام في نفوسهم... 227
ثالثاً: بطلان الاستدلال بقولهم: «في نفسي كلام» على الكلام النفسي... 228
رابعاً: بطلان الاستدلال بقوله تعالى: «يَقُولُونَ بِأَفْوٰاهِهِمْ » ...... 229
خامساً: بطلان الاستدلال بقولهم: «فلان يتكلّم» و إن كان ساكتاً...... 229
سادساً: بطلان أن يكون الكلامُ النفسي واسطةً بين الفكر و العبارة... 230
إشكالات أُخرىٰ علىٰ الكلام النفسي... 230
2. فَصلٌ في ذِكرِ جُملةٍ مِن أحوالِ الكلامِ ، و...... 231
أوّلاً: في بيان أنّ الكلام و الصوت عرض و ليس بجسم... 231
ثانياً: في بيان تماثُل الأصوات و اختلافها و تضادّها... 231
ثالثاً: في بيان أنّ الصوت لا يوجد إلّافي محلّ ... 232
رابعاً: في بيان أنّ الصوت لا يحتاج إلىٰ شيء آخر غير المحلّ ... 233
خامساً: في بيان أنّ الأصوات مدرَكة بالسمع... 236
سادساً: في بيان أنّ الأصوات مدرَكة في محالّها... 236
ص: 476
بيان سبب تأخّر سماع الصوت أحياناً... 236
سابعاً: في بيان عدم جواز البقاء على الأصوات... 237
ثامناً: في بيان عدم وقوع الأصوات من العباد إلّامتولّدة... 238
تاسعاً: في بيان عدم إيجاب الكلام حالاً للمتكلِّم... 238
عاشراً: في بيان تعلُّق إفادة الكلام بالمواضعة... 240
نفي توقيفيّة اللغات... 240
حادي عشر: في بيان بعض أقسام الكلام... 241
رجوع جميع أقسام الكلام المفيد إلىٰ معنى الخبر... 242
3. فَصلٌ في بيانِ حَقيقةِ كَونِ المُتكلِّمِ مُتكلِّماً... 243
المتكلّم هو من فعل الكلام و أنّه تابع لقصوده و دواعيه... 243
عدم جواز إضافة الكلام إلى المتكلّم لأنّه قائم به... 249
4. فَصلٌ في إثباتِ كَونِه تَعالىٰ مُتكلِّماً، و الطريقِ إلىٰ ذلكَ ... 250
في بيان أنّه تعالىٰ قادر علىٰ فِعل الكلام... 250
إثبات أنّه تعالىٰ متكلّم عن طريق السمع لا العقل... 251
كيفيّة معرفة النبيّ و المَلَك بكلامه تعالىٰ ... 251
5. فَصلٌ في أنّه تعالى لَيسَ بمُتكلِّمٍ لنفسِه... 253
الدليل الأوّل... 253
الدليل الثاني... 253
الدليل الثالث... 253
الدليل الرابع... 254
الدليل الخامس... 254
الدليل السادس... 257
الدليل السابع... 259
6. فَصلٌ في أنّه تَعالىٰ لا يَستَحِقُّ كَونَه مُتكلِّماً لا لنفسِه و لا لِعلّةٍ ... 260
ص: 477
7. فَصلٌ في إبطالِ قِدَمِ كلامِه تَعالىٰ ... 261
بداهة حدوث كلامه تعالىٰ ... 261
أدلّة حدوث كلامه تعالى... 261
الدليل الأوّل: أمارات حدوث كلامه تعالىٰ ... 261
الدليل الثاني: الدليل السمعي... 262
الدليل الثالث... 264
الدليل الرابع... 264
الدليل الخامس... 264
الدليل السادس... 264
الدليل السابع... 264
الدليل الثامن... 265
الدليل التاسع... 267
الدليل العاشر... 267
إثبات التغاير بينه تعالىٰ و بين كلامه... 268
عدم شمول ذكرٍ واحد له تعالىٰ و لكلامه... 269
بطلان دخول الكلام و العلم و القدرة تحت اسم «الإله»... 270
بطلان ما ذكره المخالف من تعريف «الغيرَين»... 270
إبطال أن تكون غيريّة الغيرَين راجعة إلى معنىٰ ، و هو «الغيريّة»... 272
8. فَصلٌ في ذِكرِ شُبَهِهم في قِدَمِ كلامِه تَعالىٰ ، و أنّه مُتَكلِّمٌ فيما لَم يَزَلْ ... 273
جواب الشبهة الأُولىٰ ... 275
أوّلاً: انتقاض كلامهم بعدّة أُمور... 275
بيان وجود إشكالات منهجيّة في الشبهة... 276
نفي صحّة كونه تعالىٰ متكلّماً فيما لم يزل... 277
إبطال الاستدلال علىٰ كونه تعالىٰ متكلِّماً فيما لم يزل، بصحّة...... 278
ص: 478
ثانياً: نفي دلالة انتفاء الخرس و السكوت عنه تعالىٰ ، علىٰ كونه متكلّماً...... 280
ثالثاً: إبطال مضادّة الخرس و السكوت للكلام و...... 282
رابعاً: لزوم أن يكون تعالىٰ متكلّماً بآلةٍ مخصوصة... 284
خامساً: لزوم كون كلامه تعالىٰ فِعلاً و حادثاً... 284
سادساً: لزوم كون كلامه تعالىٰ حادثاً و من جنس الأصوات... 285
جواب الشبهة الثانية... 286
مناقشة اشتقاق وصف للمحلّ بعد قيام الحالّ به... 287
أوّلاً: عدم جواز إثبات المعاني من طريق الألفاظ... 287
ثانياً: إبطال أن يكون وجوب الاشتقاق، بمعنى ما يقابل التحريم، أو...... 288
ثالثاً: نفي اشتقاق وصف لكلّ محلّ يحلّ فيه شيء... 289
رابعاً: تجويز أن يكون تعالىٰ متكلّماً بكلام حادث في المحلّ ، و...... 290
خامساً: جواز وصف الفاعل بالمشتقّ ، دون المحلّ و الجملة... 291
سادساً: جواز اشتقاق وصفٍ للمحلّ ، من الحالّ فيه... 292
سابعاً: عدم جواز جعلِ وصفٍ مشتقٍّ واحدٍ للفاعل و المحلّ ... 293
ثامناً: عدم جواز وصف محلّ الكلام بأنّه متكلّم... 293
تاسعاً: عدمُ الاشتقاق للمحلّ ناشئٌ من عدم إدراك المحلّ عند...... 295
عاشراً: عدم اشتقاق الوصف لمحلّ كثير من الألفاظ... 296
جواب الشبهة الثالثة... 296
جواب الشبهة الرابعة... 297
جواب الشبهة الخامسة... 301
جواب الشبهة السادسة... 303
9. فَصلٌ في الحِكايةِ و المَحكِيِّ ... 304
10 فَصلٌ في وَصفِ القُرآنِ بأنّه «مخلوقٌ »... 307
الآراء المطروحة حول معنىٰ وصف «مخلوق»... 307
ص: 479
إثبات ما اختاره المصنّف حول معنىٰ «المخلوق»... 308
عدم جواز تسمية القرآن بأنّه «مخلوق»... 310
الفصلُ الخامس: الكلامُ في المخلوقِ ... 313
1. فَصلٌ في ذكرِ اختلافِ الناسِ في أفعال العبادِ... 313
2. فَصلٌ في الدَّلالةِ علىٰ أنّ العِبادَ هُم الفاعلونَ لِما يَظهَرُ فيهم مِن التصَرُّفِ ... 316
الدليل الأوّل... 316
إبطال أن يكون تعالىٰ فاعلاً لقصودنا التي تتبعها أفعالنا علىٰ نحو العادة... 316
إبطال أن تكون قصودنا و أفعالنا من فعل فاعل حكيم غير اللّٰه تعالىٰ ... 317
الدليل الثاني... 318
عدم الفائدة في تغيير الألفاظ، مع كون المعنىٰ واحداً... 318
إرجاع تعريف بعض المتكلِّمين للفاعل و الفعل إلى المختار في المسألة... 319
الدليل الثالث... 320
عدم توقّف المدح و الذمّ على العلم بكون الفاعل فاعلاً... 321
3. فَصلٌ في أنّ الفِعلَ الواحِدَ لا يَجوزُ أن يَكونَ حادِثاً مِن وَجهَينِ و...... 322
البحث الأوّل: عدم كون الفعل الواحد حادثاً من وجهين... 322
الدليل الأوّل... 322
الدليل الثاني... 323
الدليل الثالث... 323
الدليل الرابع... 325
البحث الثاني: عدم كون المقدور الواحد مقدوراً لقادرَين... 326
الدليل الأوّل... 326
عدم اشتراط القصد و العلم و الداعي في نسبة الفعل إلى القادر... 327
عدم اشتراط صحّة المدح و الذمّ في نسبة الفعل إلى القادر... 327
اتّحاد معنى الإحداث و الإيجاد و الفعل... 327
ص: 480
تقرير آخر للدليل الأوّل... 329
الدليل الثاني... 329
الدليل الثالث... 330
الدليل الرابع... 331
الدليل الخامس... 333
الدليل السادس... 334
إبطال أن يكون أحدُ القادرَين مُحدِثاً، و الآخرُ مكتسِباً... 335
نفي أن يكون وجود القدرة موجِباً لكون الفعل مكتسَباً... 336
جواز تعلّق عالِمَين و مريدَين بمتعلَّق واحد، خلافاً لمالِكَين و...... 337
عدم صحّة حَمْل و قياس القدرة علىٰ العلم... 338
البحث الثالث: عدم تعلّق القدرتَين بمقدور واحد... 340
الدليل الأوّل... 340
الدليل الثاني... 342
الدليل الثالث... 342
الدليل الرابع... 343
4. فَصلٌ في أنّ كَونَ القادرِ قادراً لا يَتعلَّقُ إلّابحُدوثِ الفِعلِ دونَ سائرِ صفاتِه... 343
الدليل الأوّل... 343
نفي كون الحَسَن و القبيح تابعينِ لكون القادر قادراً فقط... 344
الدليل الثاني... 346
نفي أن يكون العرضُ عرضاً متعلّقاً بالقادر... 347
الدليل الثالث... 348
5. فَصلٌ في أنّ العدمَ لا يَجوزُ أن يَتعلَّقَ بالقادرِ و لا بالقُدرةِ ... 349
الدليل الأوّل... 349
الدليل الثاني... 350
ص: 481
نفي أن يكون العدم حالاً... 350
الدليل الثالث... 352
الدليل الرابع... 353
الدليل الخامس... 354
6. فَصلٌ في الإشارةِ إلى ما يَدخُلُ في مقدورِ العِبادِ مِن الأجناسِ ... 355
أقسام مقدوراتنا... 355
أوّلاً: أفعال القلوب... 356
ثانياً: أفعال الجوارح... 357
7. فَصلٌ في تَمييزِ وجوهِ الأفعالِ الراجِعةِ إليهما... 358
أوّلاً: أقسام أفعالنا... 358
ثانياً: أقسام أفعاله تعالىٰ ... 359
8. فَصلٌ في تمييزِ وجوهِ الأفعالِ الراجعةِ إلى فاعلِها... 360
9. فَصلٌ في إفسادِ قَولِهم بالكَسبِ ... 361
الإشكال الأوّل... 361
عدم صحّة تبيين معنى الكسب من خلال التفريق...... 361
الإشكال الثاني... 362
الإشكال الثالث... 363
10. فَصلٌ في ذِكرِ ما يَلزَمُهم علَى القَولِ بالمخلوقِ ... 363
الإشكال الأوّل... 363
الإشكال الثاني... 364
الإشكال الثالث... 365
الإشكال الرابع... 367
الفهارس العامّة... 369
1. فهرس الآيات... 371
ص: 482
2. فهرس الأحاديث و الآثار... 380
3. فهرس الأشعار و أنصاف الأبيات... 381
4. فهرس الأعلام... 383
5. فهرس الأماكن... 385
6. فهرس الأديان و الجماعات... 386
7. فهرس الأشياء و الحيوانات... 389
8. فهرس الكتب الواردة في المتن... 391
9. فهرس الكلمات المشروحة في المتن... 392
10. فهرس القواعد و الأحكام الكلاميّة... 395
11. فهرس المصطلحات و الألفاظ الخاصّة... 406
12. فهرس مصادر التحقيق... 443
13. فهرس المطالب... 455
ص: 483