الدلائل المكية في عقائد الإمامية

هوية الكتاب

العتبة العباسیة المقدسة

المركز الاسلامی للدراسات الاستراتیجیة قسم الكلام و العقیدة

تالیف محمد علی بن احمد بن علی العاملی المكی(كان حیا قبل 1108ه- )

تحقیق:الشیخ عبدالحلیم عوض الحلی

الدلائل المكية في عقائد الإمامية

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

ص: 3

العتبة العباسية المقدسة

المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية

الدلائل المكية في عقائد الإمامية

المؤلف: محمد علي بن أحمد بن علي العاملي المكي

تحقيق: الشيخ عبد الحليم عوض الحلي

المطبعة: دار الكفيل للطباعة والنشر والتوزيع

الطبعة : الأُولى 1436 ه- / 2014م

ص: 4

مقدمه التحقیق:

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، ثمّ الصلاة وأتمّ التسليم على خير البريّة محمّد المصطفى وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

لعلّه يخطر في بال الإنسان عن دور العقيدة في حياة الإنسان وما هي فائدة دراسة الكتب الكلاميّة ، بل ما هي فائدة إحياء ما كُتب في المباحث العقائديّة ؟

نقول في الجواب: إنّ نظرة الإنسان إلى الخالق وإلى الكون، بل إلى نفسه وإلى جمیع ما حوله له دور كبير في سلوكه وفى كيفيّة انتخاب طريق معيشته، فلا تتصوّر أن يتحرّك إنسان نحو عمل ما إلّا ويكون محرّكه الأصلى الاعتقاد وما التزم به من افكار، فالعقيدة هي التي تحرّك الإنسان نحو تحمّل الأعمال الشاقّة، والعقيدة هی التی تجعل الإنسان خاملاً كَلّاً على مولاه، والعقيدة هي التي تجعل هذا الإنسان يختار طريق الدراسة وذاك ينتخب طريق التجارة، وذاك ينتخب طريق السرقة والاحتيال، وغير ذلك من طرق الكسب والارتزاق.

وعلى أيّ حال فالإنسان المعتقد أنّ لهذا الكون خالقاً، وأنّ بعد الحياة الدنيا مماتاً، وبعد الممات جزاء تراه يسلك سلوكاً معيناً في علاقاته الاجتماعيّة يختلف

ص: 5

عمّن لا يعتقد بذلك، فسلوك هذا الإنسان أجنبي عن سلوك ذاك ، ولا يرجع سبب الاختلاف إلّا لاختلاف العقائد والأفكار كما عرفت.

وهكذا ترى أنّ الذي يعتقد أنّ النبيّ المصطفى صلی الله علیه و اله و سلم والذريّة المكرّمة الطاهرة علیهم السلام أحياء يُرزقون يَسمعون كلام الزائر لهم ويرون مقامه ويردّون سلامه، ترى هذا الإنسان يقطع المساقات البعيدة في سبيل الوصول إلى ذلك المكان المشرّف والتحدّث مع المعصوم علیه السلام وطلب الحاجة والشفاعة منه عند الله تعالى.

وأمّا من لا عقيدة له بذلك أو له عقيدة تخالف هذا المعتقد تراه يُسَفّه ما قام ويقوم به المتديّنون، بل أحياناً يقف أمام هذه الأعمال العباديّة مطابقة لما يملي عليه معتقده وهواه.

هذا ويستفاد من بعض الروايات الظاهرة في تجسّم عقائد وأعمال الإنسان في القبر والمحشر أنّ العقيدة السالمة والرأي الحسن تشفع لصاحبها في القبر وتتمثل له بصورة رجل حسن الوجه والعكس بالعكس، ففي الخبر عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه يأتي الإنسان في قبره رجلٌ لم تَرَ عيناه شيئاً قط أحسن منه، فيقول الميّت : يا عبد اللّه ما رأيت شيئاً قط أحسنَ منك فيقول : أنا رأيك الحسن الذي كنت عليه، وعملك الصالح الذي كنتَ تعمله.

وفي مقابل ذلك إذا دخل الإنسان الكافر القبر يأتيه رجل قبيح المنظر فيقول الميّت له : يا عبد اللّه من أنت ؟ فيقول له : أنا عملك السيء الذي كنت تعمله ورأيك الخبيث (1).

وعلى هذا فاللازم على الإنسان أن يراعي معتقداته وأن يفهم سببها ومنشأها،

ص: 6


1- انظر الرواية في الكافي 3 : 242 ح 1 باب ما ينطق به موضع القبر (بتصرّف).

وأن يدقق في صحّة المقدّمات التي أوصلته إلى هذا المعتقد، وهل أخذها من منبع صافٍ أو كَدِر، فإنّ المعلوم عند أهل المنطق أن نتائج القياس تابعة للمقدّمات ، وكلّما كانت المقدّمات صحيحة صافية خالية من الشكّ والريب كانت النتيجة كذلك.

المولف فی السطور

ممّا يؤسف له أنّنا لم نعثر على ترجمة لهذا العالم الجليل، والذي يظهر من كتابه هذا تسلّطه في عرض الأدلّة على المسائل الكلاميّة، وقوة احتجاجه على الخصم فى بيان الإيرادات النقضية وإلزامهم بما ورد في كتبهم وصرّح به علماؤهم .

وعلى أيّ حال فهو - كما جاء في أوّل هذا الكتاب - محمّد علي بن أحمد بن علي بن أحمد العاملي المكّي.

نسبه

وأمّا العاملى فالظاهر أنّه نسبة إلى جبل عامل المعروف الآن في لبنان، والظاهر أنّ هذه التسمية قديمة، فقد كان الاسم الأوّل جبال بني عاملة ثمّ اختصر إلى جبال عاملة ، ثمّ زيد اختصاراً إلى جبل عاملة ثمّ استقرّ على جبل عامل.

وقد لحقته التسمية الأولى لأنّ قبيلة عربيّة يمانيّة هاجرت إليه فيمن هاجر من قبائل اليمن فاستقرّت فيه، وكان اسم القبيلة بني عاملة(1)، وأمّا عاملة فهو عاملة بن سبأ الذي تفرّق أولاده لما أرسل اللّه سيل العرم كما أخبر عنه القرآن الكريم في البلاد فهبط عاملة هذه الجبال وسكنها وبقيت ذريّته فيها.

ص: 7


1- مستدركات أعيان الشيعة 2 : 372 .

وقيل: اسم عاملة الحرث بن عفير، وقيل : إنّ عاملة اسم امرأة، وهي عاملة بنت مالك بن وديعة بن قضاعة كانت تحت الحارث بن عدي من ولد سبأ فنسب ولده

إليها (1).

ويسمّى أيضاً جبل الجليل وجبل الخيل، وهو اسم لصقع واسع يتراوح عرضه بين ستّة فراسخ وثمانية أو أكثر ، وطوله نحو اثني عشر فرسخاً مشتمل على عدّة قرى ومدن وكلّه معمور ليس فيه خراب (2).

زمانه

من المعلوم أنّ المثبت في آخر مخطوطة هذا الكتاب أنّ تاريخ كتابتها في العُشر الثاني من شهر رمضان المبارك من السنة الثامنة بعد المائة والألف من الهجرة النبويّة المشرّفة .

وهذا يعني أنّ المؤلّف محمّد علي بن أحمد بن علي بن أحمد العاملي من علماء ذلك الزمان أو أنّه قد توفى قبل ذلك الزمان.

كتابه الآخر

كما أنّنا من خلال عملنا في هذا الكتاب عثرنا على عنوان آخر من مؤلّفاته رحمه اللّه أشار إليه فى ذيل الحديث الأوّل المرتبط ببحث الإمامة قائلاً: وقد أنهينا زبدة الكلام في هذا المقام في كتابنا الموسوم ب- «مقالات الألباب في قمع النصاب» وكما يظهر من عنوانه أنّه متخصّص فى الردّ على منكري فضائل أهل بيت النبوّة

ص: 8


1- أعيان الشيعة 1 : 199.
2- أعيان الشيعة 1 : 199 وج 2 : 106

والعصمة صلوات الله عليهم، معتمداً في ذلك بيان الأدلّة المفحمة لناصبي العداوة لأهل البيت علیهم السلام.

اسم الكتاب

صرّح المؤلّف في مقدّمة الكتاب باسم الدلائل المكيّة في عقائد الإماميّة.

وقال العلّامة الطهراني في الذريعة: الدلائل المكيّة في العقائد الدينيّة للشيخ محمّد علي بن أحمد بن علي العاملي المكّي في إثبات الإمامة، أوّله : الحمد للّه الذي منّ على العباد بوجوب معرفته ، نسخة منه كتابتها سنة 1108 هجريّة في قم عند الشيخ رجب علي النيشابوري نزيل قم(1).

ونحن نقول : المتصفّح لمطالب هذا الكتاب والناظر لفهرسه يرى انّ المصنّف رحمه اللّه اختار بعض المسائل المرتبطة بأصول الدين مثل مسائل صفات اللّه

تعالى وأفعال الإنسان والجبر والاختيار، وغيرها ممّا يرتبط ببحث النبوة، ولما وصل المصنّف إلى بحث الإمامة اعتمد في بحثه على نقل أربعين حديثاً من العامّة والخاصّة مستدلاً بها على إمامة أمير المؤمنين علیه السلام وأحقيته بهذا المنصب الإلهى الخطير.

وأتبع ذلك بخاتمة في مباحث الرجعة والمتعة والمسائلة وغير ذلك، معنوناً كلّ بحث بعنوان دليل - دليل فصار المجموع الدلائل المكية في عقائد الإماميّة.

ويظهر من هذا الكتاب أنّ المصنف العاملي رحمه اللّه كان على اتّصال مع العامة، ويظهر أيضاً أنّ روح السؤال والجواب كانت مفتوحة بين المذاهب، وأنّ سبب

ص: 9


1- الذريعة 1043/25308

تأليف هذا الكتاب اجتماعه مع رجل من أهل الخلاف، فجال معه في مسائل عديدة كما صرّح في مقدّمة هذا الكتاب.

كما أنّه صرّح أنّ كلامه كان جواباً عن سؤال، فمثلاً افتتح دليل بطلان الشريك بقوله: سألني رجل من العامّة، هل اللّه قادر أن يخلق مثله ويكون شريكاً له؟

وبعد صفحات من البحث قال : وسألني بعض العامّة، هل اللّه قادر على خلق الصاحبة وغير ذلك من الممتنعات ؟

وذكر في مبحث دليل العدل قوله : سألنى رجل من أهل الخلاف عن الأعمال الصادرة من المكلّف، هل هي من الروح أم من الجسد؟

وذكر في مبحث دليل السهو قوله: اعلم أيّها الأخ إنّا تذاكرنا مع مخالفينا في العصمة وسهو الأنبياء...

إلى غير ذلك من الموارد الكاشفة عن تحقق أرضية السؤال والجواب والنقاش مع العامّة في المسائل الكلاميّة في ذلك العصر.

وصف النسخة

اعتمدنا في تحقيق هذا الكتاب على نسخة فريدة أتحفني بها سماحة السيّد حسين البروجردي ، وإليك هويّتها :

العنوان : الدلائل المكيّة في عقائد الإماميّة.

الموضوع: علم الكلام.

اللغة : العربيّة.

ص: 10

اسم الناسخ: محمّد رضا الكاظمینی(1).

تاريخ النسخ : العشر الثاني من شهر رمضان من سنة 1108 هجريّة .

اسم المكتبة : مكتبة الشيخ رجب علي النيشابوري في قم، وهي الآن في مؤسسة آية اللّه البروجردي في قم ش: 517 .

عدد الصفحات : 157 صفحة .

عدد الأسطر : 15 سطر في كلّ صفحة .

مكان النسخ : إصفهان.

الملاحظات : نسخة فريدة جيّدة الخط ، بخطّ النسخ، كاملة لها بداية ونهاية.

طريقة التحقيق

قد عرفت فيما سبق أنّنا اعتمدنا في تحقيق هذا الكتاب على نسخة واحدة تقدّم بيان مواصفاتها، وقد كانت مراحل العمل كالآتي:

1 - تقطيع النصّ إلى فقرات ومقاطع وتزيينه بالفوارز، مع إضافة بعض العناوين المناسبة وجعلها بين معقوفتين.

2 - استخراج الآيات الشريفة من المصحف الشريف وجعلها بين قوسين مزهّرين.

3 - استخراج الروايات الشريفة من مصادرها واتبعنا الأقدم فالأقدم إن لم نحصل على المصدر المصرّح به، مع مقابلتها وتثبيت الفرق إن وجد.

ص: 11


1- هو الشيخ محمد رضا بن أيوب الكاظمي، كتب شرح الرضي على الكافية في إصفهان أي-ام اشتغاله بها سنة 1100 هجرية ، ويظهر من بعض المواضع أنّه كان تلميذ العلامة المجلسي (انظر تلامذة العلّامة المجلسي للسيد أحمد الحسيني 140/98) .

4 - استخراج أقوال أصحاب المذاهب الكلاميّة والفلسفيّة من أهمّ مصادرها.

5 - شرح و توضيح المصطلحات الكلاميّة والفلسفيّة توضيحاً يتناسب مع رفع الغموض عن المتن، مع إضافة تراجم بعض الأعلام الوارد ذكرهم في ثنايا الكتاب.

6 - مقابلة المخطوط مع المطبوع بالآلة الكاتبة (الكمبيوتر) حذراً من السقط والاشتباه الإملائي وقد ساعدنا في ذلك سماحة السيّد خالد الموسوي .

7 - تقويم النصّ وضبطه وبعد ذلك المراجعة النهائيّة والتدقيق في تناسق الكتاب وإزالة ما زاغ البصر عنه في المراحل السابقة.

وفي الختام أحمد اللّه تعالى أن وفّقني لإخراج هذا الكتاب وتقديمه بين يدي القرّاء الكرام بهذا الشكل ، وأسأله أن يتقبّل منّا هذا اليسير وأن يوفّقنا ويوفّق المشتغلين في إحياء تراث الأُمّة الإسلاميّة للحركة بخطوات أوسع وأدقّ من أجل إظهار كنوز هذه الأمّة وإحياء تراثها المجيد.

ولا يفوتني أن أتقدّم بجزيل الشكر والامتنان للسيّد حسين البروجردي الذي هيّأ ،النسخة، ووضعها تحت أيدينا لإخراجها بهذه الصورة الجميلة .

كما لا ننسى فضل الأخوين السيّدين محمّد وعلي المعلّم الدائبين في طباعة وتصحيح وتحقيق تراث أهل البيت العصمة علیهم السلام.

وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين، وصلّى اللّه على سيّد الرسل أجمعين محمّد وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين.

عبد الحليم عوض الحلّي

13 رجب المرجب 1433 - مشهد المقدّسة

ص: 12

الصورة

ص: 13

الصورة

ص: 14

مقدمة المولف

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد للّه الذي مَنْ على العباد بوجوب معرفته، وقرنها بمعرفة أنبيائه وحججه، وصلّى عليهم وملائكته وكمّلها بعبادته وطاعته، وأودعها قلوبَ أهل مودّته ومحبّته، وشرّفهم على سائر بريّته، وأكرمهم بالجزيل من منّته، وخصّهم بكرامته، وابتلاهم بما لم يبتل به أحداً من خليقته خلق لهم الخير وابتلاهم به ونهاهم عن معصيته ، كلّ ذلك ليختبرهم في أحكامه وشريعته، وبيّنَ لهم ما جهلوا من إتقان قدرته، وبديع صنيعه وفطرته ، وأودع في أنفسهم عجائبَ ما لا يعلمون.

وقال تعالى: «وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ»(1)، وقال تعالى:«وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ»(2).

وأشار إلى نبيّه العظيم بقوله: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ»(3)، وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيم * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيَّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ»(4).

ص: 15


1- الذاريات : 21 .
2- الأنبياء : 35
3- التين : 4
4- الانفطار : 6-8

وقال تعالى لنبيه :«وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»(1).

وقال تعالى:«وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» (2).

وفي هذه الآيات إشاراتٌ ورموزٌ وأسرارٌ لمن تنبّه ، فإِنْ مَن عَرَفَ نفسه فقد عرفَ ربّه (3)، فالإنسان مظهرُ عجائب الخلّاق العظيم، ومنبع أسرار الربّ الكريم. وبعد: فيقول الفقير إلى اللّه الغنيّ محمّد علي بن أحمد بن عليّ بن أحمد العاملي المكّي : دعاني فكري الفاتر، وفهمي القاصر ، أن أجمع لإخواني جواهرَ ما خَطَرَ في الخاطر، واعتقده ضمير ما في الباطن والظاهر ، لأبرّ به البارّ منهم وأذلّ به عدوّهم الفاجر، مستمدّاً من ربّي القادر أن يكون لي ولهم ناصر، يوم تُبلَى السرائر. وسمّيتها:

*الدلائل المكيّة في عقائد الإمامية *

ورتّبتها على ثلاثة أشياء : مقدّمة، ودلائل، وخاتمة.

ص: 16


1- القلم : 4 .
2- الحشر : 21
3- الكلام مروي عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في مصباح الشريعة المنسوب للإمام الصادق علیه السلام: 13، وحكاه رشيد الوطواط في كتاب مطلوب كلّ طالب : 5 عن أمير المؤمنين علیه السلام، وعبد الوهاب في شرح كلمات أمير المؤمنين علیه السلام: 9 ح6 ، والليثي في عيون الحكم والمواعظ :430 ، وابن ميثم في شرح مائة كلمة لأمير المؤمنين علیه السلام : 57 ، وانظر بحار الأنوار 2 : 32 ح 22 وج 58 : 91 .

اما المقدمة ففي العقائد

اعلم أنّ العقيدة هي جزم ضمير القلب، وهي تنقسم إلى ثلاثة أشياء : نيّة فرضِ، ونيّة فضلٍ، ونيّة عصيانٍ.

فالعقائد الباطنة : هي منشأ الأقوال والأفعال الظاهرة والمطابقة لازمة فيهما مع الأمن لقوله تعالى: «إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً»(1).

قال صلی الله علیه و آله و سلم : إنّما الأعمالُ بالنيّات (2).

فانحصرت النيّات في الأعمال الثلاثة لا غير : فرائض، وفضائل ، ومعاصي. وكذلك الأقوال : قولُ فرضٍ، وقول فضلٍ، وقولُ عصيانٍ.

وكذلك العلوم: علمٌ يُعاقَبُ العبد على تركه(3) وعلمٌ يُعاقَبُ العبدُ على فعله (4)، وعلمٌ يُثابُ على فعله ولا يُعاقَب على تركه(5).

ص: 17


1- آل عمران : 28
2- دعائم الإسلام 1 : 4 و 156، تهذيب الأحكام 1 : 83 67 ، وسائل الشيعة 1 : 48 ح 7.
3- مثل تعلّم أحكام المسائل الشرعيّة المبتلى بها ، فإنّ الإنسان لا يمكنه أن يحتج بأنّه لا يعلم ، فإنّه يقال له : هلا تعلمت .
4- ذكر الشيخ الأنصاري في بحث المكاسب جملة من العلوم المحرّم تعلمها وتعليمها والعمل بها.
5- مثل العلوم الجديدة التي فيها رقي وتقدّم المجتمع

ولمّا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله وسلم : طلب العلم فريضة على كلّ مسلمٍ ومسلمة(1)،علمنا أنّ المراد هي العلوم الدينيّة لا غير، فدلّ أنّ العلم المفروض على العباد تعلّمه هو علم العقائد لا غير ، التي هي مبدأ الأعمال، فكلّ علم يفارق العبد يوم المعاد إلّا هذا العلم فإنّه لا يفارق صاحبه ، وبه يترقّى إلى درجة أهل العلم والكمال، فإنّ دار الآخرة لا تحتاج إلى طبيبٍ، ولا منجّمٍ، ولا غير ذلك، ولا عبرة بالعلم الذي سمّوه أهله علم المعقولات (2) ، ولا خير في علمٍ وَضَعَه من اليونانيّة إلى العربيّة المأمون (3)وهو أكبر أعداء آل محمّد علیهم السلام، وأوّل شبهةٍ وقعت في الإسلام تدوينه لها، فكم رأينا مَنَ خاض فيه فرجع مسلوب الاختيار، يحتاج إلى العلاج، صارع الحقّ فصرعه، فصاحب هذه غير عالمٍ ، ولا له حظّ مع العلماء.

فحينئذٍ العقائد انحصرت في ثلاثة أشياء، وهي الأعمال الثلاثة فرائض ، وفضائل، ومعاصي.

وهى أسباب الابتلاء والاختبار ، وهي أفعال العباد لا يقدرون على غيرها، وقد جعل اللّه لعباده فيها الجزء الاختياريّ للثواب والعقاب، فهو سبحانه وتعالى يسأل

العباد فيما قضى عليهم لا فيما قدّر.

فائنان من الأعمال للّه فيها الرضا، والثالثة لم يأمر اللّه العباد بها، ولم يَرْضَها لهم، بل له فيها المشيئة إن حال بينها وبين العبد فبالفضل ، وإن لم يَحُل عاقبه

ص: 18


1- بصائر الدرجات : 22 1 ، الكافي 1 : 30 ح 1 ، وسائل الشيعة 27 : 26ح 16
2- أي العلوم المرتكزة على إدراك العقل كالفلسفة والمنطق في مقابل العلوم المرتكزة على ما جاء به الوحي المقدّس المسمّى بعلم المنقول .
3- أي المأمون الحاكم العبّاسي المتوفّى سنة 217 هجرية .

بالعدل واختلاف الأمّة في الثلاثة وما يتفرّع منها.

والسبب لهذا الجمع إنّي اجتمعت برجل من أهل الخلاف يدّعي العلم والإنصاف، وجُلْتُ معه في مسائل عديدة ومباحث غريبة، وسألني ثبوت الإمامة وغيرها من ضروريّات الدين من العقل والنقل، فأجبته، ونبتدي بالأهمّ:

ص: 19

[ الدلائل ]

دليل واجب الوجود

اشارة

الدليل ما تركّب من قضيّتين يحصل منهما نتيجة عقليّة (1)، ونحن جعلنا المدلول دليلاً للإيجاز.

اعلم أنّ الوجود وجودان واجبٌ وممكنٌ.

والوجود ليس له صفة زائدة على ماهيّة الواجب.

وماهيّة الشيء حقيقته، وحقيقة اللّه سبحانه وتعالى ذاته، ولا يعرف الواجب إلّا باللوازم الدالّة على وجوده كإحداث العالم.

ولو عرفنا الحقيقة لما احتجنا إلى البرهان ولا يحصل للعقل دلالة على الواجب بحيث لا يتصوّر عدمه فتطمئنّ النفس بحصول اليقين الذي لا يحتمل الشكّ بحيث لو كشف لها الغطاء لما زادها يقيناً فوق ما تعقّلته، وهذا أقصى مراتب المعرفة.

أجمع المسلمون إلّا الحنابلة (2)أنّها مجرّدة ليست بجسمٍ، ولا عرض، ولا جوهرٍ، ولا متحيّزة ، كان اللّه ولا شيء معه ، فأحبّ أن يُعرف فخلق الخلق لغرض معرفته (3)لا عابثاً ولا محتاجاً إلى معرفتهم، بل أنشأهم إثباتاً لقدرته ، واحتجاجاً

ص: 20


1- ورد هذا التعريف في الباب الحادي عشر مع شرحيه النافع يوم الحشر ومفتاح الباب : 73 .
2- المشهور عن الحنابلة القول بالتجسيم تعالى الله عن ذلك .
3- جاء في تفسير الرازي 28 : 234 عن النبي اللّه أنه قال عن ربه عزّ وجلّ : كنت كنزاً مخفيّاً فأردت أن أعرف . وورد ذكره في رسائل الكركي 3: 159 و 162 ، وحكاه العجلوني في كشف الخفاء 2 : 132 وعبّر عنه بالمشهور على الألسنة وقال : وهو واقع كثيراً في كلام الصوفية واعتمدوه وبنوا عليه أصولاً لهم .

بهم على شكلهم، خلقهم على الأدب لعلمه إنّهم لم يكونوا كذلك إلّا أن يعرّفهم ذلك، والتعريف لا يكون إلّا بالأمر والنهي، وهما حصرٌ وأدبٌ للمكلّف.

أحبَّ أن تكون معرفته سبباً لنيل السعادة والنعم المزادة.

ولا يجوز أن يقول المخلوق : لِمَ خَلَقَ ؟ ولم أحلّ ؟ ولم حرّم ؟ فإنّ الحكيم لا يُستَل(1).

قال تعالى : «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ» (2).

وقال: «إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيُّ عَنِ الْعَالَمِينَ»(3).

فشكر المنعم واجبٌ عقلاً (4)ولو لم يَفرض على العباد طاعةً. ومن فضله أن دلّهم على نفسه بنفسه، وعلّمهم كيفيّة حمده وشكره.

قال تعالى: «عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ»(5).

ومن العبادة التوحيد الذي لا يقبل الأعمال إلّا به، وهو عقدٌ بالجنان، وإقرارٌ باللسان، وعمل بالأركان(6).

ص: 21


1- فيه إشارة إلى قوله تعالى : لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْتَلُونَ ﴾ ، الأنبياء : 23.
2- المؤمنون : 115
3- العنكبوت : 6
4- وجوب شكر المنعم مفصل في كنز الفوائد للكراجكي : 99 وهو أمر عقلي واضح
5- العلق : 5
6- في الكافي 2 : 27 ح 1 عن أبي عبد الله علیه السلام : الإيمان إقرار باللسان وعقد في القلب وعمل بالأركان . وقريب منه في دعائم الإسلام 1 : 3 ، ونقله الشيخ الصدوق في الأمالي : 340 ح 15 عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.

ولا يجوز التقليد في معرفة اللّه(1)، وعليك بالتفكّر في آلائه لا في ذاته .

قال تعالى: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَاب»(2)، فإن عجزت عقولنا عن إدراك كنهه قلنا: اللّه ربّنا، فإنّ الزنادقة (3)لمّا عجزت عقولهم عن إدراكه أنكروه والمؤمنون أيقنوا وآمنوا وأثبتوه(4).

والتوحيد كلمة الإخلاص، وهي لا إله إلّا اللّه. ولا يجوز التقليد في هذه الكلمة، بل التعليم ثمّ الاستدلال بالبراهين.

وأن تعرف اللّه باللّه، لأنّه إن عُرِفَ بالعقل فهو واهبه، وإن عُرِفَ بالحجج فهو

ص: 22


1- وهو قول جمهور علماء الإسلام إلا من شدّ من أهل الخلاف ، فقد نقل أبو إسحاق إبراهيم الشيرازي في كتاب اللمع في أصول الفقه : 347 عن أبي عبيد الله بن الحسن العنبري أنّه قال : يجوز التقليد في أصول الدين. وقال الرازي في المحصول 6: 91 لا يجوز التقليد في أصول الدين لا للمجتهد ولا للعوام ، وقال كثير من الفقهاء بجوازه .
2- آل عمران : 190.
3- هم القائلون بدوام بقاء الدهر ، فارسي معرب ، وهو بالفارسی زندگرای» كما في لسان العرب 10 : 147 ، وفي القاموس المحيط 3: 242 الزنديق بالكسر من الثنوية ، أو القائل بالنور والظلمة ، أو من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبية ، أو من يبطن الكفر ويظهر الإيمان ، أو هو معرب «زن دين» أي دين المرأة .
4- وهذا المطلب مذكور في رواية مناظرة الإمام الرضا مع أحد الزنادقة ، فقد جاء فيها قوله : ويلك لما عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته ، ونحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنّه ربّنا بخلاف شيء من الأشياء . ( الكافي 1 : 78 ح 3 باب حدوث العالم وإثبات المحدث ، مرآة العقول 1 : 253 ح 3 ).

باعثهم، وإن عُرِف بالنفس فهو مُحدثها(1).

وكمال المعرفة أن لو أخبرك الإمام الصادق أن لا إله لم تُصدِّقه ولم تعتقده،وذلك الاعتقاد هو معرفة اللّه باللّه بلا واسطة.

وهذه الكلمة أوّلها كفرٌ، وآخرها إسلام.

[ في الاسم والمسمّى ]

وفي المسمّى (2)اختلاف المسلمين ؛ فمنهم من ذهب [إلى] إنّ الاسم عين المسمّى(3)، وهم الأشاعرة (4)، فَمَنَ عبد الاسم فكافرٌ عند الخاصّة (5)، فإذا كان كذلك لم تفد كلمة التوحيد قائلها لأنّه عنى بها الاسم.

والاسم شيءٌ، والمسمّى شيءٌ لا كالأشياء، خارج عن الحدّين : حدُّ التعطيل

ص: 23


1- وهذا مأخوذ من قول أمير المؤمنين علیه السلام: اعرفوا الله بس الله ، والرسول بالرسالة ، وأولي الأمر بالمعروف(الكافي 1 : 85ح 1 ، بحار الأنوار 3: 270 ح 7) . هذا وقد ذكر السيد عبد الله شبّر في مصابيح الأنوار 1 : 50 عدّة وجوه لهذا الخبر.
2- في المخطوط : (المثبت) ، وما أثبتناه أوفق
3- حكاه الآمدي في أبكار الأفكار في أصول الدين 2 : 495 وحكاه في كتاب أصول الإيمان : 95 عن القدرية . بحار الأنوار 155:4 ، جامع العلوم في اصطلاحات الفنون 1 : 82.
4- وهم أتباع أبي الحسن الأشعري.
5- وفي ذلك رواية في كتاب الاحتجاج 2 : 333 عن أبي عبد الله : اللّه مشتق من إله ، وإله يقتضي مألوها والاسم غير المسمّى ، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ، ولم يعبد شيئاً، ومن عبد الاسم سم والمعنى فقد كفر وعبد الاثنين ، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد . وعنه في بحار الأنوار 4 : 157 ح 2 ، وقريب منه في كتاب التوحيد للشيخ الصدوق : 220 12.

وحدّ التشبيه (1)، فيكون لا توحيد له، ومَن لا توحيد له لا عمل له ؛ فهو في النار.

ومن هنا يُعلَم دليل المرتضى رحمة اللّه(2) في كفرهم، ومن عبدهما(3)فهو مشرك.

قال تعالى: «فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً»(4).

ومن الشرك الرياء في الأعمال، والنفاق في الأقوال.

قال تعالى: «يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ» (5)

وقال تعالى: «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ»(6).

والنفاق في اللسان، لأنّه خلاف ما اعتقده الضمير الذي هو من أعمال القلب.

قال تعالى: «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمُ عَظِيمُ»(7).

وقال: «اعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً»(8).

فدلّ أنْ لا عبادة لمن أشرك باللّه.

ومن عبَد المعنى بإيقاع الأسماء عليه بصفاته التي وصف بها نفسه فعقد بها

ص: 24


1- وفي ذلك رواية في كتاب التوحيد : 104ح اقال : سُئل أبو جعفر الا أيجوز أن يقال : إنّ الله عزّ وجلّ شيء ، قال : نعم يخرجه عن الحدين ، حد التعطيل وحدّ التشبيه ، وعنه في بحار الأنوار 3 ... 260 ح 9 وص 262 ح 18 .
2- رسائل السيد المرتضى 285:1 المسألة السادسة والعشرون ، وانظر الشافي 167:1
3- أي الاسم والمسمّى
4- الكهف : 110
5- الفتح : 11
6- النساء : 145
7- لقمان : 13
8- النساء : 36

جَنانه ونطق بها لسانه فهو مؤمنٌ(1).

والمراد مدلول الاسم أي ذاته المقدّسة التي لا يعرف كنهها غيرُه. ومن اعتقد ذلك فقد أقرّ بالتوحيد وأفادَتْهُ كلمة الإخلاص ، وكانت شهادته خالصةُ مخلصة.

قال تعالى: «لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»(2).

[ الأحدية والواحدية ]

وينبغي أن تقرّ له بالأحديّة لا الواحديّة، فبينهما عمومٌ وخصوصٌ.

والفرق بينهما أنّ الأحديّة لا تقبل التجزّي، والواحديّة تقبل ذلك؛ لأنّ الواحد من الأعداد نصف الاثنين، قال تعالى: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدُ»(3)، [و] لا تقصُد بالأحديّة إلّا الذات لا أحدُ الأشياء من الجواهر، فإنّها مسبوقةٌ بالعَدَم.

قال تعالى: نوَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُواً أَحَدُ»(4).

ثمّ نزّهه عن قول أهل الإلحاد من الشريك والصاحبة ، والولد، والحُلول، والاتّحاد، كما ذهبت إليه الصوفيّة لامتناع اتحاد الشيئين(5).

ونزّهه عن فعل القبيح والأمر به، والإخلال بالواجب، والتفويض، والجبر على

ص: 25


1- انظر أنوار الحكمة للفيض الكاشاني : 84 ، تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : 306 .
2- البينة : 5
3- الإخلاص : 1
4- الإخلاص : 4 ، للمزيد انظر التوحيد للصدوق : 299 ، جامع الأفكار وناقد الأنظار 520:3 .
5- انظر أبكار الأفكار في أصول الدين 2 : 264 الفرع الرابع في الردّ على الصابئة في قولهم بوجود موجد غير الله تعالى .

المعاصي، قال تعالى:«أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى »(1).

فالغفلة والترك عليه قبيح، قال تعالى: «وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ»(2). وقال تعالى:«وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْر»(3).

والصدّ عن الطاعة قبيح، لا يفعله، لأنّ الطاعة لا تنفعه والمعصية لا تضرّه.

قال تعالى: «وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيُّ حَمِيدٌ»(4).

إن أمر بالطاعة أو نهى عن المعصية فنفعهما عائد للمطيع، وإن حال عن المعصية فقد لطف وعصم وشرّف عبده الوضيع.

قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ » الآية(5).

[ نفي ما لا يليق به تعالى ]

ولا تنسب إلى ذاته العليّة ما لا يليق من الأسماء والأفعال والصفات، ولا تجعلها زائدة عن ذاته كما قالت الأشاعرة : حيٌّ بحياة، وعالمٌ بعلم(6)وغير ذلك، فیلزم نقصان ذاته المقدّسة.

ص: 26


1- القيامة : 36
2- المؤمنون : 17
3- الزمر : 7
4- إبراهيم : 8 .
5- النحل : 90
6- أبكار الأفكار في أصول الدين 1 : 265 ، وانظرص 436 ، أصول الإيمان : 76، 90 ، المواقف للإيجي 3 : 66 و 68 ، وحكاه عن الأشاعرة الشيخ الطوسي في الاقتصاد في الاعتقاد : 84.

وأن تكونَ مكمّلة بغيره ولا غيرهُ سبحانه وتعالى.

قال تعالى: «وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (1).

وتفكّر فى آلائه ولا تتفكّر في ذاته، قال تعالى: «فَاذْكُرُوا آلَاَءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»(2).

فإن صوّر فكرك شيئاً فاللّه بخلافه، لا يعلم كيف هُوَ ، ولا أين هوَ إلّا هو، موجودٌ لا قبل له أزلیٌّ لا بعد له، القبل والبعد مخلوقان له، لا كشيء، ولا من شيء، ولا في شيء، ولا على شيء، ولا إلى شيء ، قريب في بُعده، بعيدٌ في قربه، هو فوق كلّ شيء، داخل في الأشياء لا كشيء داخل في شيء، خارجٌ عن الأشياء ، لا كشيء خارج من شيء، منزّه عن الكميّة والكيفيّه والمتويّة والأينويّة، له في كلّ شيء آيةٌ، تدلُّ على أنّه واحد(3).

دليلُ وجوده حدوث ما سواه، ودليل حدوث ما سواه عجزه عن خلق نملةٍ وما دونها، وافتقاره إلى الذي خلقه فسوّاه ، فكلّ شيء تراه متغيّر الحالات والصفات، ممكن الحياة والمماة، ومُتّصف بالحدوث والزّوال، والطلوع والأُفول، والإنارة والكسوف .

فلمّا كان كذلك علمنا أنّ لهذه الأشياء صانعاً حكيماً، متقناً ، مدبّراً، حيّاً، موجوداً ، لا يجوز عليه ما يجوز على غيره، واجب الوجود لذاته ، مُنزّه عن صفات مخلوقاته، والواجب هو التامّ في فاعليّته بخلاف الممكن.

ص: 27


1- الأعراف : 180
2- الأعراف : 69 .
3- انظر التوحيد : 285 باب أنّه عزّ وجل لا يعرف إلّا به.

والممكن: ما استوى عليه طرفا العدم والوجود، والواجب : هو ما لا يكون وجوده من غيره أي ليس معلولاً للغير، بل هي ذاتٌ تستحقّ الوجود لذاتها.

فدلّ الدليل على ثبوت واجب الوجود لذاته وحدوث ما سواه، وذلك هو اللّه ربّي وربّ العالمين، لا أُشرك به أحداً.

ص: 28

دليل بطلان الشريك

اشارة

سألني رجلٌ من العامّة : هل اللّه قادرٌ أن يخلق مثله، ويكون شريكاً له ؟

قلنا له: إن اللّه على كلّ شيء قديرٌ، ولكن امتناع وجوده ظاهرٌ، لأنَ المحال العقلى محالٌ في نفسه، ولو كان كانَ وجوده ممكن الوجود كغيره.

وعند جمهور المتكلّمين أنّ الواجب عبارة عن ذات تستحقّ الوجود لذاتها، متّصفة به (1)، فعندهم أنّ له حقيقة تساوي الوجود هي معان قائمة بتلك الحقيقة لا هي هو ولا غيره. والعقل يحكم أنّها لا تفتقر إلى الغير، وهذا نقصٌ في الذات، وهو باطلٌ.

واعلم إنَ الموجود إمّا كان مستغنياً عن غيره في الوجود أو لا، والأوّل هو الواجب، والثاني هو الممكن وثبوت الوجود بديهي، لأنّه علّة الممكن، ولا يحتمل الشكّ، قال تعالى: «أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضِ»(2)، لأنّه أدخل همزة الإنكار على الظرف، لأنّ الكلام ليس في الشكّ، بل في المشكوك فيه، فيكون مفاد الكلام إنّ وجود اللّه لا يحتمل الشكّ.

[كمال قدرة القادر تعالى ]

ورَفْعُ السماوات بغير عمدٍ دالّ على كمال قدرة القادر الذي أوقفها في الجوّ

ص: 29


1- الأربعين في أصول الدين 1 : 57 ، إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين : 179 ، أبكار الأفكار في أصول الدين 1 : 509 .
2- إبراهيم : 10

العالي، وجعل الرواسي على الأرض كالأوتاد، لئلّا تميد (1)بأهلها، وكلّ ذلك بلا مساعدٍ، بل هى إرادة كافية فى المراد، وقدرة تامّة في الإيجاد.

فالأثر يدلّ على المؤثَر، ومَن لطم على وجه صبيّ فتلك اللطمة تدلّ على صانع، وإلّا فالصبيّ يقول : مَن لطمني ؟ لأنّ هذه اللطمة لمّا حدثت بعد عدمها وجب أن يكون حدوثها لأجل فاعلٍ مختارٍ أدخلها في الوجود.

وكلام أمير المؤمنين يدلّ على بطلان مذهب الأشاعرة، وهو قوله علیه السلام :أوّل الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به وكمال التصديق به توحیده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفى الصفات عنه لشهادة كلّ صفةٍ أنّها غير الموصوف، وشهادة كلّ موصوف أنّها غير الصفة؛ فمن وصف اللّه سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثنّاه، ومن ثنّاه فقد جزّاه ، ومن جزّأه فقد جهله، ومن أشار إليه فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه، ومن قال فيمَ فقد ضمّنه، ومن قال على مَ فقد أخلى منه(2).

قوله علیه السلام«أوّل الدين معرفته» المراد به الواجب بالذات الذي لا عبادة لمن لا يعرفه.

والمراد بالإخلاص نفي الجسميّة والعرضيّة ولوازمهما، لأنّ كلّ جسم مركّب قابلٌ للأبعاد الثلاثة، وكلّ عَرَضٍ مفتقر إلى موضوع، وكلّ ذي جهة محتاجٌ إلى غيره ؛ فمن عرف هذا علم بوحدانيّة اللّه تعالى، والإخلاص قد يكون ناقصاً كاعتقاد الأشاعرة على ما ذكرناه ، فإنّه تعالى لو كان له صفاتٌ زائدة على ذاته لزم

ص: 30


1- قال في الصحاح 2 : 541 ماد : تحرّك ، ومادت الأغصان : تمايلت
2- نهج البلاغة 1 : 14

أن يكون ناقصاً بذاته كاملاً بغيره ؛ لأنّ الصفة فرع الموصوف، ولمّا كان الموصوف ثابتاً أخبرنا عن صفاته.

وبطل قول الحكماء: إنّ الواجب فاعل موجب(1). فيتّفق أنّه فاعل مختار، فيلزم من كلامهم أنّ المعلول أشرف من أن المعلول أشرف من العلّة، لأنّهم أثبتوا الواسطة وهو العقل الأوّل ، وقالوا : إنّ الواحد لا يصدر عنه إلّا الواحد(2)، أي العقل الأوّل. وإنّ القادر على إيجاد الأشياء بعد عدمها غير محتاج ، فالواسطة غير معقولةٍ، لأنّه يلزم شرف المخلوق على خالقه، وهذا نقصٌ فى الذات المقدّسة، تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً .

وهنا بحثٌ يبرهن عن كيفيّة الاستدلال، وهو إنّ كلّ دليل ينقسم إلى قسمين : إنّي ولمّيّ ، فالاستدلال بالعلّة على المعلول لمّيّا، والاستدلال بالمعلول على العلّة إنّيّاً. فالثاني استدلال غير الصدّيقين (3)وعليه مدارنا، لأنّا نستدلّ بحدوث الممكنات، فكلّ ممكن لا بدّ له من مُحدثٍ هو واجبٌ ، وذاته غير صفاته، عرفنا ذلك بالدليل. والدليل هو الذي يلزم من العلم به العلم بشيء آخر(4).

ص: 31


1- انظر الأنوار الجلالية في شرح الفصول النصيرية : 75 ، وحكاه عنه في المواقف للإيجي 79:3 .
2- شرح هذه القاعدة ونقضها في الأنوار الجلالية في شرح الفصول النصيرية : 78 وما بعدها .
3- وقد سمّوه برهان الصديقين لأنّهم يعرفونه تعالى به لا بغيره . وهو كما ستقف عليه برهان إنّي يسلك فيه من لازم من لوازم الوجود إلى لازم آخر . وقد قرّر بتقريرات عديدة وأوجز ما قيل : إنّ حقيقة الوجود إمّا واجبة وإما تستلزمها ، فإذن الواجب بالذات موجود ، وهو المطلوب . انظر الإشارات 18:3
4- كما في إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين : 115 ، أنوار الملكوت في شرح الياقوت : 9و 15، التعريفات : 46 باب الدال .

[ الصفات الثبوتية ]

والصفات الثبوتيّة ثمان عندنا (1)، وعند العامّة تسع، وهي القُدرة والعلم والحياة ، والإرادة ، والكلام والسمع والبصر والبقاء ، والإدراك راجعٌ إلى السمع والبصر عندنا والفاعل المختار هو الذي إن شاء فعل وإن شاء ترك، والكتاب المجيد ناطقٌ بذلك، مثل قوله تعالى: «فَعَالُ لِمَا يُرِيدُ»(2).

وقوله تعالى: «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ»(3).

وقوله: «عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرُ»(4).

فإن توهّمت غير ذلك فقل: صدق اللّه العظيم وكذب وهمي ، فإنّ الوهم لا يُدرك كُنه خالقه ومُدبّره.

[ تفسیر قدرته تعالی ]

فالقدرة فينا هي صحّة الفعل والترك بإذنه وبمنّه وفضله، فكيف لا يكون الخالق القويّ فاعلاً مختاراً، وهُما صفتا كمالٍ، ونفيهما نقصٌ، والنقص ممتنعٌ

ص: 32


1- انظر معارج الفهم في شرح النظم : 234 ، كشف المراد : 394 ( تحقيق الأملي ، إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدین : 182 .
2- هود : 107 ، البروج : 16
3- القصص : 68
4- الایة متكررة فی القران الكریم.

عليه، فلو لم يكن قادراً كان موجباً كما قالته الحكماء (1)كإحراق النار، وإشراق الشمس، ولا يفهم منهم غير ذلك، والمعتذر عنهم ضالُّ مبتدعٌ مُكذِّبٌ للقرآن، قد

قصر فهمه عن إدراك ما لا يعقل.

والأسماء الثبوتيّة كلّها غير ذاته في اللفظ، وغير ذاته في المعنى، أي إنّه يسمع بما يبصر، ويبصر بما يسمع (2)؛ فالسمع والبصر لنا جزء، وله كلّ .

والدليل على أنّ الصفات هي غيره لأنّ العلم صفة كمال، والجهل نقيضه، فإذا انتفى أحدهما لزم اتصافه بالآخر، إذ كلّ من يصحّ اتصافه بأمرٍ فهو إمّا أن يتّصف به أو بضدّه، والضدّ نقصٌ على كامل الصفات، وهو محالٌ على اللّه تعالى.

[ تفسیر قدمه تعالی ]

والمراد بالقدم هو انتفاء العدم ؛ لأنّ من ثبت قدمه انتفى عدمه، ولا شكّ أنّ اللّه قديمٌ عالمٌ بالمعلومات قبل كونها.

[ تفسیر علمه تعالی ]

وعلمه ذاته لا ظاهر ،له ولا نقول : إنّ علمه تعالى بالمعلومات يقتضي تعلّقاً بينَ العالم والمعلوم، والتعلّق بالمعدوم الصّرف محالٌ، وقد يكون العلم ثابتاً وإن

ص: 33


1- حكاه عنهم في المواقف للإيجي 3 : 79 ، وانظر الأنوار الجلالية في شرح الفصول النصيرية : 75.
2- في رواية التوحيد : 65 ح 18 وص 144 ح 9 إشارة إلى ذلك.

لم يكن (1)المعلوم، كمنزلة البصر وإن لم يكن (2)المبصر(3).

فعقولنا تعجز عن درك ذاته، فإنّ الحكماء تعتقد عدم تخلّف العلّة عن المعلول (4). والذي يظهر من كلامهم أنّهم يجعلون المعلول جزء العلّة، ولا يجوز تخلّف المعلول عن العلّة .

ووجه بطلان ما ادّعوه قولهم علیهم السلام: كان اللّه ولا معلوم (5). والعدم ليس بشيءٍ، لأنّ الشيء هو ما يصحّ أن يُعلم ، فعلمُهُ تعالى بالمعلوم قَبْلَ إِيجَادِهِ عِلْمٌ قُدْرَةٍ ؛ إِن أوجدَ عُلِمَ إنّه قادر بوجود الشيء، وإن أفناه عُلِمَ أنّه هو الذي أفناه ؛ فلا شيء في الوجود حتّى يُعلم .

ولا يجوز على اللّه تغيّر العلم ، لأنّه عالمٌ أنّه لا شيء معه، أيّ كان ولا شيء معه ؛ فمن جعل مع اللّه شيئاً فقد قال بقديمَين في العالم، وهو كفرٌ؛ فالمعلوم لا شكّ أنّه شيء، والشيءُ مخلوق للّه تعالى، فإنّا نجد أنّ الأشياء ثابتةٌ في عقولنا، منتقشة في لوح خواطرنا ، فنفوسنا هي محلّ للحوادث، واللّه منزّهٌ عن ذلك.

وعندنا أنّ العلم هو عين الذات، فهو يعلم بما يقدر، ويقدر على ما يعلم، ونفيهما عنه تعالى نقصٌ، والنقص عليه محال ، أي ذاته عالمةٌ، والذات المقدّسة تنكشف لها المعلومات يقيناً بحيث لا يخفى عليها شيء من المعلومات.

ص: 34


1- كلمة : «يكن» هنا تامة ، بمعنى يوجد
2- كلمة : «يكن هنا تامة ، بمعنى يوجد .
3- انظر التعليقات على شرح العقائد العضدية : 389 و 403.
4- شرح الإشارات والتنبيهات للفخر الرازي 2 : 413 وما بعدها ، الحكمة المتعالية 4 : 40 .
5- الكافي 1 : 107 و 108 و 113 و 116.

قال تعالى:«إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ»(1).

وقال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ »(2).

وقال تعالى: «إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ»(3).

فهو يعلم من أفعال العباد ما يريده وما لا يريده، لأنّ المعلومات منكشفة لديه، والانكشاف هو الظهور على المعلومات. وهنا المعلومات متبوعة للعلم والعلم

تابع لها.

وبرهان ذلك : أنّ اللّه اطلع على أنّ ابن ملجم (4)يقتل عليّاً علیه السلام في زمان معيّن، فلا يجوز أن يتخلّف ذلك، وليس علم الله علّة، فلو كان كذلك لكان الفاعل مجبوراً مظلوماً، لأنّ اللّه تعالى جعل للمكلّف الجزء الاختياري، فيلزم الجهل، وهو ممتنع على اللّه.

واعلم أفعاله التي تصدر منه قبل صدورها منه، فالعبد يفعل الأفعال باختياره فيوافق العلم.

مثاله : إذا أخبرنا المنجّم بقاتل زيد في وقت من الأوقات علمنا إنّه ليس هو القاتل، بل هو عالم بوقوع الفعل، والظهور هو تعلّق العلم بالمعلومات بحيث لا يخفى عليه كيفيّة المعلومات والمعلومات هي التي في علم الله تعالى تعجز

ص: 35


1- آل عمران : 5 .
2- الأنفال : 75
3- فصلت : 54 .
4- هو عبد الرحمن بن ملجم المرادي الخارجي، قال الذهبي في ميزان الاعتدال 4982/592:2 ليس بأهل أن يُروى عنه ، وما أظنّ له رواية ، وكان عابداً قانتا لله ختم بشر، فقتل أمير المؤمنين عليّاً علیه السلام .

عقولنا عن إدراكها، فإنّ من طلب ذلك طلب ما لا يعقل، وهو غير الجهل.

ونضرب لك مثلاً في أنفسنا، إنَّا نجد أنّ أنفسنا المخلوقة عالمة بجميع ما في ذاتها لا يخفى عليها شيء من حالاتها، دقّ أو جلّ، منكشف لها الظاهر والباطن انكشافاً متساوياً، لا يُرجّح أحدهما على الآخر، فالعلّة من حيث إنّها علّة المعلول تستلزم العلم بالمعلول، لأنّ العلم يكون مبدأ للمعلول، وهو موقوفٌ على العلم بالمعلول، ضرورة توقّف معرفة الإضافة بمعرفة المضافَين . فإذا كان هذا ثابتاً للنفس المخلوقة فما بالك بخالقها ومدبّرها.

[الردّ على الفلاسفة ]

واعلم أنّ الفلاسفة لمّا تاهت آراؤهم وقصرت أفهامهم استحوذ عليهم الشيطان فقادهم إلى الردى، وصدّهم عن الهدى، فاستوخموا الحقّ، وصوّر لهم الباطل في صورة الحقّ، ومن جملة شبهاتهم أن أطلقوا الحدوث على العالم، بمعنى الاحتياج إلى الغير، لا بمعنى سبق القدم عليه، لأنّ المؤثّر المختار مقدّم على أفعاله. و زعموا أنّ العالم قديمٌ بالزمان، وإنّ تقدم الصانع المؤثّر فيه عليه تقدّم ذاتيّ لا زمانيّ (1).

وهذا ينافي ما صرّحوا به من أنّ المبدأ الأوّل علّة تامّة بسيطة بالنسبة إلى معلوله

ص: 36


1- قال أبو نصر الفارابي في كتاب الجمع بين رأي الحكيمين : 100 ومما يظنّ بأرسطو طاليس أنّ-ه يرى أن العالم قديم ، وبأفلاطون أنّه يرى أن العالم محدث ، وحكاه شمس الدين الشهرزوري في رسائل الشجرة الإلهيّة فى علوم الحقائق الربانية : 360 عن الحكماء ، وانظر الملل والنحل 2 : 92 ، والمواقف للإيجي 1 : 373

الأول؛ لأنّ مسبوقيّة الشيء بوجود الفاعل السابق عليه سبقاً ذاتيّاً يستلزم تقدّم عدمه بالذات على وجوده المتقدّم بالسبق، فالممكن الذاتي إن كان جُزءً من علّته التامّة فلا يكون المبتدأ علّة تامّة بسيطةً كما زعموا .

[ بطلان الفرد الممكن ]

وهُنا بحثٌ في بطلان الفرد الممكن، فنقول : لا شكّ في وجود موجودٍ، ووجوده يستلزم وجود الواجب، إذ لا يتصوّر وجودٌ بدون الواجب بالذات، فإنّه لو انحصرت الموجودات في الممكن لزم أنّ لا يوجد فرد من أفراد الممكن أصلاً، إذ الممكن ما لم تجب علّته - وهو الوجود السابق على وجوده - لم يوجد.

وهذا الواجب لا يتحقّق في الممكن الذي فرض وجوده، إلّا إذا امتنع جميع أنحاء القدم، لأنّه على تقدير انحصار الموجود في الممكنات كان انتفاء آحاد سلسلة الممكن بأسرها - بمعنى عدم بروزها إلى الوجود - أمراً ممكناً، وذلك يقتضي أن لا أن لا يوجد فرد من أفراد الممكن ، لأنّ تحقّقه موقوف على امتناع جميع أنحاء القدم فيه، لأنّ انتفاء الكلّ بالمعنى المذكور أمرٌ ممكن .

ومن جملة آحاد الكلّ هو ذلك الفرد المفروض وجوده، فجاز انتفاؤه في ضمن انتفاء الكلّ، فلا يوجد ذلك الفرد ، فثبت بالبيان المذكور أنّ الموجودات الخارجيّة ليست منحصرة في الممكن ، بل منها ما هو واجب ، وهو المطلوب(1).

ص: 37


1- انظر جامع الأفكار وناقد الأنظار : 110

والقرآن المجيد ناطقٌ بتكذيب أهل الإلحاد، قال تعالى:«خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ»(1). والفرد الأوّل شيء له علّة مقدّمة عليه، هي غيره.

وقوله: «أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسِ مِنْ خَلْقِ جَدِيدٍ»(2).

وقوله: «وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»(3).

وقوله: «وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلْهَا آخَرَ إِنِّي لَكُم مِنْهُ نَذِيرُ مُبِينُ»(4).

وقوله :«أَمْ لَهُمْ إِلَهُ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ»(5).

وبطلان الشريك ظاهرٌ عقلاً ونقلاً:

قال تعالى:«لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ»(6).

ولمّا كان لا فائدة له كان خلقه عبثاً، والعبث قبيح، واللّه لا يكون عابئاً ؛ فامتنع وجوده.

[ مع بعض العامة ]

وسألني بعض العامّة : هل الله قادرٌ على خلق الصاحبة وغير ذلك من الممتنعات؟

ص: 38


1- الأنعام : 102 ووردت في أماكن عديدة من القرآن الكريم .
2- سورة ق : 15
3- الذاريات : 49
4- الذاريات : 51
5- الطور : 43
6- الانبیاء22.

فقلت له :إنّ اللّه على كلّ شيء قديرٌ، ولكن إن سألتني متعنّتاً فلذلك عندي جوابٌ لقوله تعالى: «وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ»(1)، وقوله تعالى: «فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»(2) و قوله تعالى: «كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ»(3).

وإن سألتني تفقّهاً وكنت منصفاً مُسلّماً للحقّ أجبتك . فالتمس الجواب، فقلت: هذا الجواب اعتداءٌ، قال تعالى:«وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»(4). والاعتداء هو طلب ما لا يكون .

وقال تعالى: «لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا» الآية (5).

وهذا السؤال لا فائدة له كسؤال قوم موسى الرؤية (6)، وربّما تهلك بسببه، وهو قلّة أدبِ .

ولا يجوز أن يقال : يقدر اللّه أن يتّخذ صاحبةً وولداً أو شريكاً، أو يقدر أن يعدم نفسه، لأنّ تأثير الشيء في نفسه نقصٌ لا عجز، والعدم تعديل وهو محال، والمحال لا يتعلّق به مشيئة . والإعدام نقصٌ، وهو ممتنعٌ على اللّه.

وكذلك لا يقال: يقدر أن يخلق أحسن منه ، أو يخلق مثله؛ لأنّه نقصٌ لا عجزٌ. فالإنسان المخلوق لا يريد أن يكون في الوجود مثله، ولا أحسن منه،

ص: 39


1- الأنعام : 68.
2- الأنعام : 68
3- الكهف : 5
4- البقرة : 190
5- المائدة : 101
6- كقولهم : أَرنَا اللَّهَ جَهْرَةً ) ، النساء :153

ولا يرضى أن يعدم نفسه ، بل يريد أن يكون جامع الكمالات، فما بالك بالخالق الذي ليس كمثله شيء.

ولا يجوز أن يقال: يقدر أن يخرج عبده عن ملكه ، فهو الذي خلقه من لا شيء أليس بقادرٍ أن يعدمه ويجعله كلا شيء، وهذه أقوالٌ فاسدةٌ لا تكون.

ولا يجوز أن يقول: يقدر أن يتشكّل بالأشكال المختلفة من عباده ومثل ذلك، كما قالت الملاحدة (1)، تعالى اللّه عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً.

ولا يُقال : إنّ اللّه يقدر أن يأكل ويشرب ، لأنّ المحتاج إليهما غير غنيّ ، والاحتياج نقصٌ، والخالق لا يحتاج إلى ما خلق.

قال تعالى : «لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ»(2).

وقال تعالى: «فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ»(3).

فالبصير يستدلّ بالمخلوقات على خالقه.

[ دليل بطلان الشريك الله تعالى ]

ووجه بطلان الشريك اختلاف الإرادات واستلزام المفاسد المُضرّة بالموجودات، كما أنّ الروحين في جسدٍ مضرّ للجسد لاختلاف الإرادات.

ص: 40


1- جاء في كتاب في النفس لأرسطو : 107) إنّ الرواقيين يحدّون الجوهر الإلهي بأنه روح عقلى ناري ، ليس له صورة ، وأنّه يقدر أن يتصوّر بأي صورة أراد ، ويتشبه بالكل .
2- الزمر : 4
3- النحل : 74

وأيضاً لو فرض الشريك فهو إمّا مخلوقٌ أو قديمٌ، والمخلوق إمّا مطبعٌ أو عاصٍ، فإن أطاع فهو عبدٌ مؤتمرٌ لغيره من المخلوقات، وإن عصى كان كإبليس استحقُ الغضب والنكال.

وإن كان قديماً لزم تعدّد القدماء، فلا يخلو الأمر؛ إمّا أن يكونا قديمين قويّين أو ضعيفين، أو أحدهما أقوى من الآخر ، فإن كانا كذلك فلم لا يدفع القويُّ القويَّ وينفرد بالتدبير. وإن كان أحدهما قويّ والآخر ضعيف، فالضعيف لا يكون إلهاً.

وأيضاً لو كانا اثنين كان بينهما فرجة فلزم قدمها، وتعدّد القدماء باطل، فدلّ الدليل أن لا ثاني مع اللّه (1)ولا فائدة في خلقه، وخلقه عَبَثاً، والعَبَثُ ممتنعٌ على اللّه. وقد ضرب اللّه لك مثلاً من عباده وهم الأنبياء ، فقال تعالى: «عِبَادُ مُكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ»(2)، أشركهم في محبّته وطاعته، وجعلهم خزنة علمه ومهبط وحيه ومستودع سرّه إليه داعين، وعليه دالّين، ولفضله راجين، ومنه خائفين، علّمهم أسماءَه، وأودعهم أسراره، يقولون بإذنه للشيء كن فيكون أسرار اللّاهوت، وأشراف الناسوت، كلّ من في الوجود لهم مُطيعٌ ، وإلى إرادتهم سريعٌ، يأمرون وينهون ويتناهون كمثل عيسى يُحيي الموتى بإذن اللّه، ویبرئ الأكمه والأبرص ويخلق الطير (3)وغير ذلك ، وكلّ ذلك ولم يدّعِ أحدهم الربوبيّة ، ولا الشركة.

ص: 41


1- هذا الاستدلال مأخوذ من كلام الإمام الصادق الا مع الزنديق المنقول في الكافي 1 : 81ح 6 باب حدوث العالم وإثبات المحدث ، وشرحه بالتفصيل في مرآة العقول 1 : 260 ح 6 .
2- الأنبياء : 26 - 27 .
3- فيه إشارة إلى قوله تعالى في الآية 49 من سورة آل عمران : أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِن رَبَّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بإِذْنِ اللهِ

فالشريك لو فرض كان عبداً محتاجاً إلى خالقه، واجب عليه شكره، ولا يكون له أزيد ممّا أنعم اللّه به على الأنبياء.

قال تعالى: «مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» (1)أي ليعرفون.

فدلّ الدليل أن لا فائدة للشريك، وأنّ اللّه لا يكون عابثاً ، ولا يُنسب إليه العجز، بل هو على كلّ شيء قدير(2).

ص: 42


1- الذاريات : 56 .
2- انظر الباب الحادي عشر مع شرحيه النافع يوم الحشر ومفتاح الباب : 23 ، وأبكار الأفكار في أصول الدين 2 : 93 لسيف الدين الآمدي .

دليل خلق الخير والشر

اعلم أنّ الخير والشرّ المطلقان هما مخلوقان للّه تعالى، والمخلوق اللّه منهما (1)هی كالجنّة والنار والهوام والسباع والموت، والذي هو من خلق الإنسان فهي العزم على الطاعة والمعصية لا غير.

ولا نقول: كلّ الشرور غير مخلوقة للّه ؛ هذا كفر وزندقة، وإنّما الطاعة خيرٌ، والمعصية شرّ، وهما من أفعال المكلّفين المختارين، لأنّ الله سبحانه ملّك العباد القدرة عليهما؛ فالخير عرفاً هو ما يحصل به لذّة، والشرّ هو ما يحصل منه نفرةٌ، والصادر من العباد ومحلّهما ذات الإنسان، فهما إمّا متساويان ، أو أحدهما أكثر من الآخر، ولا يجتمع في ذاتٍ واحدةٍ خيرٌ زائدٌ وشرّ زائد، فمن وافقت إرادته إرادة اللّه فهو معصومٌ ، ومن لا فلا، والعصمة هي اللطف.

والخير والشرّ خلقهما ليبتلي بهما عباده المكلّفين، ليختبرهم بالطاعة والمعصية، لينظر كيف هم في أوقات طاعته ومنازل فروضه ومواقع أحكامه ، ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحُسنى، عدلاً منه تقدّست أسماؤه وتظاهرت آلاؤه ، «لَا يُستَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْتَلُونَ»(2).

جعل أجسامهم محلّاً للحوادث، وأماتهم لئلا يدّعي أحدهم الربوبيّة.

ص: 43


1- كأنّه يريد أن يقول : كما أنّ الله تعالى خلق الجنّة والنار والهوام وغيرها كذلك خلق الخير والشر، فقوله : ( والمخلوق الله منهما) أي المخلوق الله من الخير والشر مثل بقيّة مخلوقات الله تعالى ، وكلمة : ( من ) في قوله : ( منهما) بيانية
2- الأنبياء : 23 .

قال تعالى:«وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ»(1).

فخلق الخير فضلاً منه ،ورحمة ، وخلق الشرّ عدلاً منه وحكمة.

قال تعالى: «لَا يُسْتَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْتَلُونَ»(2).

خلق الأضداد ليكون أمراً ناهياً في عباده المكلّفين، يعدل فيهم ؛ يُثيب الطائع ويُعاقب العاصي، ويعفو عن المسيء ويتكرّم على المذنب، وينتصف من الظالم للمظلوم، ويُعرّف المطيع أجره فيستوجب المدح، ويعرّف العاصي ذنبه فيستوجب الذمّ والعقاب، ولو لم يكن المذنب لما عُرِفَ العفو، ولو لم يكن الذنب لما عُرِفت التوبة، ولو لم يكن الظُّلم لما عُرِف العدل، ولو لم يكن الزِّنا لما عُرِف الحدود ، ولو لم يكن القتلُ لما عُرِف القصاص، وأمثال ذلك.

فالخير من فضل اللّه وهو هدايةٌ، والشرّ من أفعال العباد وهو غواية(3).

ص: 44


1- الأنبياء : 35 .
2- الأنبياء : 23
3- وللمزيد ينظر شرح أصول الكافي للمازندراني 4 : 388 باب الخير والشر، ذيل ح 1 و 2 و 3 .

دليل التمليك

اشارة

اعلم أنّ الخير والشر مخلوقان للّه، والذي يصدر من العباد من طاعة ومعصيةٍ فهى منهم باختيارهم، وهي أفعالٌ موهمة مكمونة مركوزة في جبلّه المكلّف، مُودعةً في قوّته، فإذا برزت إلى الفعل اتّصف بها الفاعل المختار الذي إنّ شاء فعل، وإن شاء لم يفعل ؛ لأنّ تأثير القادر مسبوقٌ بالقصد إلى الإيجاد، فإذا وُجِد فالاستطاعة التي هي أصلٌ في الإيجاد للّه تعالى ملّكها عبده العاجز ؛ فالأفعال أفعال العبد بهذا الاعتبار للزوم الحجّة، لا جبر ولا تفويض(1).

فاللّه خالق كلّ شيء ولا خالق غيره، والفعل فعل المكلّف مع تمليك اللّه له، فلو لم يخلق له الأسباب فهو عاجز غير قادر.

دليل تمليك الله أسباب الاختيار لعباده

قالت الأشاعرة: العبد لا يقدر أن يفعل شيئاً بغير مشيئة اللّه وقدرته (2). فإذا كان كذلك فالقدرة قدرة اللّه تعالى وليس شيء للعبد في حالاته.

قلنا: لا شكّ في ذلك ، ولكن هل اللّه قادرٌ على أن يُملّك عبده ما يشاء أم لا؟ فإذا كان كذلك ملّك عبده الأسباب ثمّ كلّفه. فالتكليف قبل تمليك الأسباب جَور، وبعد تمليك الأسباب عدلٌ. فإذا أخذ ما أعطى أسقط ما أوجب، واللّه ليس بظالمٍ،

ص: 45


1- انظر كتاب الاعتقادات للشيخ الصدوق : 29 ، وانظر كتاب إنقاذ البشر من الجبر والقدر لأبي الحسن العامري : 232 ، وأنوار الحكمة : 107 .
2- الإرشاد إلى قواطع الأدلة في الاعتقاد للجويني : 79 ، الإنصاف 163:3 ، وحكاه عنهم العلّامة في معارج الفهم : 406

لأنّ الظلم عجزٌ، وإنّما يحتاج إلى الظلم الضعيف ، وإنّما يعجل مَن يخاف الفوت.

فالقادر لا يظلم ولا يعجل على عباده، يعزُّ من يشاءُ، ويُذلُّ من يشاءُ، «وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ» (1)، وهو اللطيف الخبير، إن عذّب المكلّف فهو عَدْلٌ، وإن عفا فبالفضل .

قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ»(2)

وتقادير اللّه على العباد ليست ظلماً ، ولهم بذلك العوض منه تعالى، فالعاقل البصير يُنَزّه خالقه عن فعل القبيح الذي يستقبحه العباد ، ويقول بتمليك الأسباب، ويعتقد أنّ أفعال الشرّ من نفسه، فإنّ اللّه جلّ شأنه لا يُثيب ويعاقب إلّا بالأسباب؛ فربّما رحم العاصي بسبب واحدٍ من أسباب الخير، ورُبّما عاقب المُطيع بسببٍ من أسباب الشرّ؛ فكلّ شيء حَمِدْتَ اللّه عليه فهو منه، وكلّ ما استغفرت اللّه تعالى منه فهو منكَ .

فإنّ اللّه تعالى مُريدٌ للطاعة كارةٌ للمعصية، أراد أن تكون طاعته خلاف معصيته، لا يتقرّب إليه إلّا بما يُحبُ ويرضى ويُريده من العبد، ولا يستَغفر منه إلّا فيما يبغض ويكره.

ولو كانت الأفعال أفعاله لكان أمراً وناهياً على نفسه، فإنّه تعالى كلّف عباده بإيقاع أفعال أفعال هي دون الطاقة، ونهى عنها كذلك.

قال تعالى:«لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا»(3).

ص: 46


1- الأنعام : 18 .
2- يونس : 44 .
3- البقرة : 286

فإذا كانت الأفعال أفعاله لزم تكليف ما لا يُطاق ولا فائدة في التكليف، فلأيّ شيء لعن الظالمين والفاسقين والكاذبين ؟ ولأيّ شيء حكم بالحدود والقصاص ؟ هذا فعل الظالمين لا رَبّ العالمين، ولا يليق من عاقلٍ أن يعتقد هذا في معبوده ويدّعي الإسلام والإيمان والتوحيد هذا اعتقاد الزنادقة المارقين عن الدين ، لا أهل الصلاح والديانة واليقين.

قال تعالى: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ»(1).

وقال تعالى: «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ»(2).

وقال تعالى:«الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً»(3).

وقال: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَر» (4).

سأل أمير المؤمنين علیه السلام العباية بن ربعيّ (5)عن الاستطاعة ، فقال علیه السلام: تملكها من لا دون اللّه أو مع اللّه؟ فسكت ، فقال علیه السلام: إن قلت تملكها من دون اللّه أو مع اللّه قتلتك.

قال : ما أقول ؟

ص: 47


1- البقرة : 185 .
2- البقرة : 286 .
3- البقرة : 268
4- النحل : 90
5- في المخطوط : (عيانة) والمثبت موافق لكتب الرجال ، وهو : عباية بن ربعي الأسدي من خواص أصحاب أمير المؤمنين و الحسن نقد الرجال 27:3 ، معجم رجال الحديث 10 : 274).

قال: قُل: أملكها باللّه، فإنّ اللّه هو المالك الذي مَلَّكَكَ ، والقادر على ما عليه أقدرك ؛ فإن مَلَّكَكَ كان من عطائه ونعمائه وبرّه وفضله، وإن منعكها كان من بلائه، أما سمعت الناس يسألون اللّه الحولَ والقوّة.

قال : وما تأويلها ؟

قال : لا حول لنا عن المعاصي إلّا بعصمته، ولا قوّة لنا على الطاعة إلّا بقوّته(1).

فدلّ الدليل إنّ حركات العبد وسكناته يملكها بفضل اللّه ؛ فالطاعة فعل العبد، ولا تكون إلّا بإذنٍ من اللّه وفيها رضى اللّه ناشئةً (2)من فعل العبد مع التمليك.

قال تعالى: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ» (3).

فيُوفّق العبد إلى طُرق الهداية بفضل اللّه، والمعصية فعل العبد وفيها غضب اللّه وسخطه، فيحرم التوفيق فيضلّ بسبب عدم اللطف الذي هو صرف إرادة العبد عن ارتكاب الخطيئة بعد التمكين.

قال تعالى: «وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى» (4)أي من شاء منكم الضلال أضلّته مشيئته ، ومن شاء منكم الهداية أهديه؛ فبسبب التخلية وقع في الضلال

فلو شاء اللّه حال بينه وبينها يريد باللطف ، وليس ذلك على اللّه بواجب، ولا يجوز أنّ اللّه يُضلّ المؤمن.

ص: 48


1- تحف العقول : 213 ، الاحتجاج 2 :255 ، بحار الأنوار 5 : 24ح 30 أبواب العدل
2- قوله : ( ناشئة) منصوب خبر قوله : ( ولا تكون).
3- العنكبوت : 69 .
4- طه : 81 .

قال تعالى: «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ»(1)وبعد النبيِّين لا حجّة على اللّه .

وقوله تعالى: «يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ»(2)، المراد به تمليك الأسباب للعبد وتبيان ما أمره به وما نهاه عنه ؛ فإن أطاع بمشيّته فالطاعة سبب الرضا،

والرضا سبب الهداية ، والهداية سبب السعادة ، فهو موعودٌ بالخير، واللّه لا يخلف وعده، وإن عصى كذلك فالعصيان سبب الغضب، والغضب سبب الضلال، والضلال سبب الشقاوة ؛ فهو تحت الوعيد إن شاء عفى عن عبده وإن شاء عذّبه بالحجّة البالغة والعدل.

ص: 49


1- التوبة : 115 .
2- النحل : 93

دليل حصر الأعمال في ثلاثة لا غير

اشارة

قالت الخاصّة والمعتزلة : إنّ للعبد قدرة مؤثرة في فعله، مقدّمة عليه، غير مقارنة للفعل الصادر منه (1).

وقالت الأشاعرة : المؤثّر هو اللّه يخلق القدرة والفعل معاً، وليس للعبد أثر وإنّما له الكسب (2).

أقول : الأعمال ثلاثة ، روي عن أمير المؤمنين علیه السلام إنّه قال : الأعمال على ثلاثة أحوال : فرائض وفضائل ومعاصي (3)، وأمّا الفرائض فبأمر اللّه وبرضائه، وبفضل اللّه وبقضاء اللّه وتقديره ومشيئته وعلمه.

وأمّا الفضائل فليست بأمر اللّه، ولكن برضائه وبقدرة اللّه ومشيئته وعلمه.

وأمّا المعاصي فليست بأمر اللّه (4)، ولكن بقدره وعلمه ونهيه لا برضائه، ثمّ يعاقب عليها (5).

أقول : فالعبد يوجد من أفعاله ما يرضى به اللّه وما لا يرضاه اللّه ، وعين ما لا

ص: 50


1- المغنى فى أبواب التوحيد والعدل 38
2- حكاه عنهم العلّامة في معارج الفهم : 408 و 409 ، واستقصاء النظر : 408و 409 ، واستقصاء النظر في القضاء والقدر : 33 والفاضل المقداد في إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين : 263.
3- كأنّه علیه السلام بهذا التقسيم أراد بالمعاصي أعم من المحرمات والمكروهات ، ولم يدخل بهذا التقسيم المباحات .
4- ولا برضى الله تعالى أيضاً.
5- التوحيد : 37ح 9 ، الخصال : 168ح 221 ، بحار الأنوار 5 : 29ح 36.

يرضاه اللّه هو عين ما لا يرضاه العبد لنفسه من النكال وعين ما يرضاه الله هو عين ما يرضاه العبد لنفسه من الثواب.

ولنرجع لتمام كلام الإمام : فإذا همّ العبد بمعصيةٍ إن شاء اللّه حال بينه وبينها بفضله، وإن لم يشأ لم يَحُل ، فهو لا يجبر ولا يفوّض، فإنّه لم يُطع بإكراه ولم يعص بالغلبة، ولم يهمل العباد ، بل هو المالك القادر على ما أقدرهم؛ فإن ائتمر العباد بطاعة لم يكن عنها صادّاً ، ولا مانعاً خلق لهم آلة الاستطاعة فهم مستطيعون للفعل وقت الفعل مع الفعل، فلو كانوا مجبورين لكانوا معذورين فالعبد قادرٌ على الزّنا وقادر على تركه، يُعذّبه بالحجّة البالغة (1).

فدلّ هذا الحديث أنّ اللطف هو الصدّ عن المعصية، وهو الأمر بين أمرين، وأيضاً يصرّح بأنّ الجبر على الطاعة جائز على اللّه لا على ضدّها. وهذا الجبر عين

اللطف.

قوله: «الفرائض»(2) أي ما أوجب اللّه على العباد فعله وعاقبهم على تركه، وما لا يوجبه كالفضائل ، أي ما عدا الواجب فلا يعاقبهم على الترك. وأمّا المعاصي فله فيه المشيئة إن شاء عفا وإن شاء عذّب، جائزٌ عليه خلف الوعيد ولا يجوز عليه خلف الوعد، وكلّها بقضاء اللّه وقدره وعلمه ومشيئته إلّا المعاصي فبنهيه، وله المشيئة فيها إن شاء حال فبالفضل ، وإن شاء لم يَحُل.

وفي الصحيفة الكاملة دليلٌ واضحٌ على ما ذكرناه ، قوله علیه السلام :«وَإِذَا هَمَمْنَا بِهَمَّيْنِ.

ص: 51


1- الكافي 1 : 161 ح 2 باب الاستطاعة ، تفسير نور الثقلين 5 : 345 34 .
2- أقول : (قوله «الفرائض» أي ما أوجب الله ) إلى قوله : ( وإن شاء لم يَحُل) متعلّق بتوضيح حديث أمير المؤمنين لا المتقدم ذكره

يُرْضِيكَ أَحَدُهُمَا عَنَّا، وَيُسْخِطُكَ الْآخَرُ عَلَيْنَا ، فَمِلْ بِنَا إِلَى مَا يُرْضِيكَ عَنَّا، وَأَوْهِنْ قُوَّتَنَا عَمَّا يُسْخِطُكَ عَلَيْنَا ، وَلَا تُخَلَّ فِي ذَلِكَ بَيْنَ هَوى نُفُوسِنَا وَاخْتِيَارِهَا ، فَإِنَّهَا مُخْتَارَةُ لِلْبَاطِلِ إِلا مَا وَفَقْتَ ، أَمَّارَةُ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمْتَ»(1).

فهذا دالّ على أنّ الإنسان فاعلٌ مختارٌ متمكّنٌ من الأسباب، مُخَلَّى السِّرب، له سببٌ من اللّه ،وإرادة إن شاء اللّه صرف إرادة عبده إلى ما يُرضيه.

فدلّ أنّ اللّه تعالى يَصُدّ عبده عن المعصية بالفضل لا عن الطاعة .

وجه الردّ على القائل : إنّ المعاصي فعل اللّه (2)، وهو أنّ العصيان إمّا من اللّه فيعذر عباده ولا يُعاقبهم بما لم يفعلوه فهو غنيّ عن ظلمهم، فإنّه تعالى لا يجوز عليه الظلم، وقد مرّ لك أنّه لا يظلم إلّا العاجز، وقد قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً» (3)واللّه صادق ولا يجوز عليه [ظلم] غيره. وإمّا منهما فالعبد ضعيف لا يُغالب اللّه تعالى. وإمّا من العبد فيعذّبه اللّه بالحجّة البالغة أو يعفو عنه.

[الإرادة والمشيئة ]

والإرادة: وهي قبل قيام الأشياء وبعد العلم ولم يزل ربّنا عالماً قادراً ثمّ أراد، والإرادة فعل اللّه، وهي من العبد ضميرٌ، ومن اللّه إحداثه للشيء بقوله للشيء كن

فيكون .

والمشيئة: وهي الابتداء في الفعل، والتقدير : تقدير الأشياء من طولٍ وعرضٍ.

ص: 52


1- الصحيفة السجّاديّة : 60 .
2- حكاه الفاضل الهندي في رسالة إجالة الفكر في القضاء والقدر : 40 .
3- يونس : 44 .

والقضاء: هو الحكم بالإمضاء.

وفي الخبر: إنّ المشيئة قد تكون بمعنى العلم (1)، والعلم علمان: فعليٌّ وانفعاليٌّ، فعلم اللّه فعليُّ شريفٌ مكنون ، لا تعلمه الخلق. وعلم تعلمه الخلق (2).

ويتفرّع من ذلك علومٌ عديدة : علم ظاهر، وعلم ،باطن، وعلم خاصّ، وعلم عامّ ، وعلم ينفع مَنْ عَلِمَه، ولا يضرّ مَنْ جهله، وعلمٌ يَضُرُّ مَنْ عَلِمهُ وفعله، وينفعه من جَهله، وعلم يجوز كتمه، وعلم لا يجوز كتمه وعلمٌ يهلك من علمه، وعلم ينفع صاحبه في الدنيا ولا ينفعه في الآخرة، وعلم ينفعه فيهما.

وفي الخبر عن أبي الحسن علیه السلام : إنّ للّه إرادتين ومشيئتين: إرادة حتم وإرادة عزمٍ ، ینهى وهو يشاء، ويأمر وهو لا يشاء، أوما رأيت نهى آدم وزوجته أن لا

، يأكلا من الشجرة وشاء ذلك ، ولو لم يشأ لم يأكلا من الشجرة، ولو شاء لما غلبت مشيّتهما مشيئة اللّه . وأمر إبراهيم بذبح إسحاق ولم يشأ أن يذبحه، ولو شاء لما غلبت مشيئة إبراهيم مشيئة اللّه (3).

قوله : «أن لا يأكلا من الشجرة وشاء ذلك» (4)أي شاء أن لا يحول، ولو شاء لحال إرادته حتمٌ ، وهو الذي لا يتبدّل في اللوح المحفوظ .

وإرادة العزم: وهي التي في لوح المحو والإثبات إن أراد عزم، وإن أراد لم يعزم، والمشيئة كذلك ، ولو شاء اللّه بمشيئة الحتم فمشيئة اللّه غالبةٌ ، وإن شاء مشيئة العزم فهو إن شاء عزم وإن شاء لم يعزم.

ص: 53


1- انظر الكافي 1 : 150 باب المشيئة والإرادة .
2- انظر كشف المراد ( تحقيق الآملي) : 333 وبتحقيق الزنجاني : 245
3- الكافي 1 : 151 ح 4 ، التوحيد : 64ح 18 ، بحار الأنوار 4 : 139 ح 5 .
4- في المخطوط : ( شاء أن يأكلا إن شاء) بدل من : ( أن لا يأكلا من الشجرة وشاء ذلك .

قال تعالى: «وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ»(1)، «لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً» (2).

وقال تعالى: «وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ» (3).

وقال: «وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللهُ»(4).

ولا شكّ أنّ مشيئة اللّه تغلب مشيئة عباده، ولو لم يكن كذلك كان مقهوراً.

فالعبد منهيٌّ عن المعصية، وشاء العبد المعصية، ولو شاء اللّه لحال بينه وبينها ومشيئة اللّه غالبةٌ على مشيئة العبد ، وإن شاءَ لم يحُل وترك عبده على مشيئته، فتركه للعبد ليس بظلم، بل هو الابتلاء والاختبار، لأنّه تفضّل عليه بتمليك الأسباب ولو لم يُملّكه ذلك الاختيار، ولو أراد بعبده ما يشاء من المنافع والمضارّ لكان له ذلك، وللمالك في ملكه ما يشاء ولم يُسئَل عمّا يفعل.

[ إبطال قول : المعصية فعل الله تعالى ]

وبطل قول من قال : إنّ المعصية فعل اللّه (5)من وجوه:

الأوّل : أنّ اللّه تعالى قادرٌ أن يُعذّب عبده من غير تمليك الأسباب، ومن غير فعل، ويُثيبه من غير طاعة ، فما فائدة أن تكون هى فعله، ويُعذّب عبده على

ص: 54


1- الأنعام : 112
2- الرعد : 31 .
3- البقرة : 253 .
4- الدهر : 30 ، التكوير : 29
5- حكى ذلك العلّامة في معارج الفهم : 408 و 413 ، والفاضل الهندي في رسالة إجالة الفكر في القضاء والقدر : 40 .

فعله ؟ ومَن ينازعه في سلطانه أو يتعرّض له في عبده؟ فإذا كان لا فائدة له فالتعذيب بغير ذنب وحجّة قبيحٌ، وهو ممتنع عليه.

فنقول : ملّكه أسباب الاختيار لتكون حجّته الغالبة وتُنزّهه عن الجور.

والثاني: أنّ اللّه تعالى : أنّ الله تعالى أسند الأفعال إلى عباده، وإنّهم اكتسبوها بأيديهم، مثل قوله تعالى: «لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ» (1).

وقوله : «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ»(2).

وقال تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَام لِلْعَبِيدِ»(3).

وما أحسن قول أبي الهذيل العلّاف (4): حمار بشر (5)أحسن من بشر، لأنّك لو كلّفت الحمار عبور جدولٍ صغير عبر ، ولو كلّفته عبور جدولٍ كبير لا يعبر ولو قتلته ، لأنّه أفرق بين ما يقدر عليه وبين ما لا يقدر عليه فامتنع من الانقياد إليه(6).

وأيضاً الإنسان ينبغي أن يميز بين المقدور الذي أقدره اللّه عليه وبين ما لا يقدر

ص: 55


1- البقرة : 286 .
2- الزلزلة : 7 و 8 .
3- فصلت : 46
4- هو أبو الهذيل محمد بن الهذيل العبدي المعروف بالعلاف المتكلم ، كان شيخ البصريين في الاعتزال ، وكان حسن الجدال ، قوي الحجّة ، كثير الاستعمال للأدلة ، توفي سنة 235 هجرية بسرّ من رأى الأعلام) 7 : 355) .
5- هو بشر بن غياث المريسي ، كان من زعماء الجهمية في عصره، وكان يدعو إلى القول بخلق القرآن ، قال العجلي : رأيت بشر المريسي عليه لعنة الله مرة واحدة ، وإنّه شيخ قصير دميم المنظر ، وسخ الثياب ، وافر الشعر أشبه شيء باليهود ، وكان أبوه يهودياصباغ بالكوفة في سوق المراضع ، لا يرحمه الله فلقد كان فاسقاً ( معرفة الثقات للعجلى 159/24741 .
6- الرسالة السعدية : 67 ، تذكرة الفقهاء (الطبعة القديمة) 2 : 470 ، منهاج الكرامة : 42 ، نهج الحق : 101 ، إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين : 264 ، استقصاء النظر في القضاء والقدر : 35 .

عليه، فإنّه يقدر على التلفّظ بالحروف وغيرها، ولا يقدر أن يخرج حرف ميم من مخرج الحاء ، ولو شاء اللّه أقدره، وهذا العجز عينُ العبوديّة، فمن قال : إنّ الأفعال أفعال اللّه (1)فقد نسبه إلى غير الصدق، تعالى اللّه ذلك .

فثبت تمليك الأسباب.

الثالث : أنّ العفو لا يكون إلّا عن ذنبٍ صدر من العبد بواسطة ذلك، ولو لم يكن كذلك فما فائدة استغفار العبد وتوبته ، وما فائدة استعاذته من الشيطان، فدلّ الدليل [على] أنّ الأفعال أفعال الخلق.

والرابع : قوله تعالى: «الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» (2)دلّ على أنّ الكسب من العبد، ولو لم يكن ذلك لزم كذب الجوارح.

وهذا الاعتقاد الفاسد فيه تعطيل الشرايع ، فهو تبارك وتعالى نهى آدم أن يأكل من الشجرة هو وزوجته، وشاء آدم بمشيئته واختياره أن يأكل، ولو شاء اللّه أن يحول لما غلبت إلّا مشيئة اللّه ؛ فكلّ شيء مغلوبٌ مقهورٌ لخالقه .

قال تعالى: «وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً»(3).

وقال تعالى: «وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً» (4)والحتم الذي لا مفرّ منه ولا ينقضه شيء ، ولا يكون فيه البداء للّه.

ص: 56


1- ذهب أبو الحسن الأشعري ومن تابعه إلى أنّ الأفعال كلّها واقعة بقدرة الله تعالى وإنّه لا فعل للعبد أصلاً ( النافع يوم الحشر : 66) .
2- يس : 65
3- طه : 115
4- مریم : 71

دليل خلق الطاعة والمعصية

اشارة

اعلم أنّ اللّه سبحانه وتعالى خلق الطاعة والمعصية في قوّة العبد، ورضي الطاعة منه ،وأحبّها، وكره المعصية منه وأبغضها فأسبابُ الطاعةِ والمعصية خَلْقُ قدرةٍ في العبد للّه، وفعلُ العبدِ مع تمليكِ الأسباب تمكينٌ له، ولو لم يملك لم يقدر على شيء.

وفي الحديث : يا ابن آدم عصيتني بالقوّة التي جعلتها فيك(1).

والأفعال : اختياريّة واضطراريّة، وبُطلان الثاني ظاهرٌ، لأنّ المضطرّ معذورٌ، فهو تعالى ملّكه أسبابها، فهو لا يجبر على الطاعة إلّا أن شاء، لأنّ الجبر في الطاعة من الخير وهو عين اللطف ولا يجوز الصدّ عنها.

والجبر يلزم منه مفاسد، منها أن يكون المُسىء أولى بالإحسان، والمحسن أولى بالذمّ ، وبيانه : أنّ المحسن المجبور على المعصية كان يريد الطاعة فجبر وصُدّ عنها، فجبره عن إرادته ظلم والجبر هو إجراء الشيء على خلاف إرادة العبد، فكان المحسن أولى بالذمّ والمُسيء أولى بالثواب، وهذا عين الفساد.

والتفويض هو إجراء الشيء على وفق إرادة العبد ضدّ الجبر.

والجزء الاختياري هو الذي إن شاء فعل وإن شاء ترك في الأعمال الثلاثة، فإن هَمَّ بالمعصية إن شاء اللّه حال بينه وبينها فقد أدركه بلطفه ورحمته ؛ فإكراهه عن

المعصية صدّه عن ارتكابها لئلّا يعاقبه عليها ؛ فهذا هو اللطف . كمن أراد أن يلقى

ص: 57


1- الكافي 1 : 157 ح 3 باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ، التوحيد : 363 ح 10 ، بحار الأنوار 5 : 16 ح 20 أبواب العدل .

نفسه في بئر طائعاً مختاراً مفوّضاً عالماً بالهلاك، فتعرّض له أحدٌ من الناس فجبره وصدّه، فلا شكّ أنّ هذا الرجل الجابر محمودٌ مشكورٌ عند الهالك، ولو لم يفعل ذلك الشخص وتركه أو كان قادراً على منعه وفوّض أمره إليه بعد تمليك الأسباب وإعلامه بالهلاك فليس حيث تركه كان مذموماً.

فكذلك اللّه تعالى إن شاء حال ، وإن شاء لم يَحُلْ، فهذا معنى أمرٌ بين أمرين (1).

قال تعالى: «وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى»(2). والمراد أَنَّ اللَّه تعالى بيّن لهم ما يُرضيه وما لا يُرضيه، فأحبّوا ما لا يرضيه وهو إضلالهم بعد الهداية .

والذي يظهر أنّ الجزء الاختياري هو تفويض - أي ترك - العبد وإرادته للفعل وقت الفعل مع الفعل، وضدّه الجبر، لأنّ التفويض هو إجراء الشيء على وفق إرادة العبد، فلا يتصوّر الاختيار إلّا في شيء منه، لأنّ به يحصل تخلية السِّرب.

وتمليك الأسباب يحصل به التمكّن من الشيء، والصدّ عن المعصية لا يكون إلّا في شيء من الجبر ؛ لأنّ الجبر هو إجراء الشيء على خلاف إرادة العبد، وبه يكون اللطف الذي للّه فيه المشيئة إن شاء حال وإن شاء لم يَحُل ؛ لأنّ فعل العبد موقوف على إذنٍ من اللّه إمّا خلّاه واختياره، أو صَرَفَه عن ذلك الفعل، ولا يجوز ذلك إلّا في الصدّ عن المعاصي لا غيرها .

فهو تعالى يفوّض العبد وقت الفعل للجزء الاختياري الذي فيه الثواب والعقاب، ولا يفوّضه مطلقاً. ويجبر العبد بالصدّ عن المعصية، وهو عين اللطف

ص: 58


1- هذا التفسير الأوّل لقوله : ( أمر بين أمرين) . وسيأتيك تفسير ثان وثالث .
2- فصلت : 17

منه تعالى، ولا يجبره على المعصية ؛ فكان العبد أمره بين أمرين، أي حالة بين حالتين : حالة تفويض وحالة غير تفويض ، وحالة جبر وحالة غير جبر، وهو الاختيار.

فمن تصفّح ما قلناه، وانتقش في لوح عقله ما تعقّلناه ظهر له معنىٌ من قوله : لا جبر ولا تفويض، بل أمرٌ بين أمرين(1)، فهو تعالى لا يفوّض العباد إلّا في الجزء الاختياري ، لأنّه يترك العبد وإرادته ولا يهمله ؛ لأنّ العباد محصورون بالنهي والأمر ، فمن كان كذلك لا يكون مهملاً ، فهو المالك القادر على ما ملكهم.

[الإنكار على من قال : السيئة منه تعالى ]

وقد أنكر اللّه تعالى على من زعم أنّ السيّئة من عند اللّه فقال حاكياً عنهم:«وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةً يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةُ يَقُولُوا هَذِهِ مِن عِندِكَ قُلْ كُلُّ مِنْ عِندِ اللهِ» أي من خلق اللّه «فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً» (2)فالقول المحكي هو مقول الذين لا يفقهون حديثاً.

ثمّ قال تعالى: «مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَفْسِكَ» (3)لأنّك تستغفره عن فعل السيّئة وتشكره على الحسنة ؛ فالطاعة بتوفيقه يُثيبك

ص: 59


1- الكافي 1 : 160ح 13 باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ، الاعتقادات في دين الإمامية للصدوق : 29 ، التوحيد : 362ح 8. هذا التفسير الثاني لقوله : ( أمر بين أمرين).
2- النساء : 78 .
3- النساء : 79

[ عليها ] لأنّك تحمده عليها، فالحمد لا يكون إلا لمُنعِم، والاستغفار لا يكون إلّا لمجرم صار عليها.

وقال تعالى: «سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ * قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ»(1)وهذه الآية دالّة على إنّ اللّه مَلَّك العباد الأسباب مع الاختيار ولم يرضى لهم الشرك، وله الحجّة البالغة عليهم . وإنّ الشرك كان بمشيئتهم وإرادتهم واختيارهم وأفعالهم ، لا أنّ اللّه سبحانه وتعالى شاء لهم ذلك وجبرهم على الشرك، فلو شاء لهم ذلك بمشيئة الحتم لا يُغالب، فإنّ مشيئة العبد لا تغالب مشيئة اللّه تعالى، وقد قال تعالى: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جميعاً»(2).

وفي الكافي في آخر باب الهداية : إنّ اللّه إذا أراد بعبدٍ خيراً أمر ملكاً فأخذ بعنقه فأدخله في هذا الأمر طائعاً أو كارها (3)أي راضياً أو كارها، فإنّ العبد قَبْلَ عِلْمِهِ بالحقّ وحقيقته كان حائراً ليس له سبيل يوصله للحقّ ، فسلّط عليه ملكاً يقوده إلى الحقّ كارهاً، والمطلوب أنّ إكراه العبد على المعصية مذموم، وإكراهه عن المعصية لطفٌ ورحمةٌ.

ص: 60


1- الأنعام : 148 و 149
2- یونس : 99
3- الكافي 1 : 167 ح 4 باب الهداية

قال تعالى:«اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ»(1).

وإكراه العبد على الطاعة هو عين الفضل، لأنّ فيه المطلوب، فهو جائز، فإنّ المكره لا يستحقّ الثواب إلّا بالفضل ، والعمل بالاختيار له فضلٌ آخر لقوله تعالى :

«إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ»(2).

ولقوله تعالى :«مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا»(3).

وقوله:«وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى»(4).

فالفاعل المختار ليس كالمكره، فالفاعل بالاختيار مشكورٌ عمله وسعيه . قال تعالى : «كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورا»(5). فشكر اللّه تعالى لهم غاية المدح.

والصدّ عن الطاعة لا يجوز، لأنّ العبد مظلوم عاجز ممنوع عنها، وامتنع ذلك على اللّه تعالى؛ فاللّه تعالى نهى عبده عن المعصية، وتوعّده عليها بالغضب والسخط والعذاب والحدّ والقتل، وبيّن كلّ ذلك له ، فإذا لم يتنبّه ذلك العبد تركه إلى ما ملّكه وأقدره وأعطاه من الأسباب، فإن ارتكب ذلك العبد تلك المعصية عالماً راغباً طائعاً مختاراً، ولم يأتمر لأمر مولاه سقط من عين الرعاية ؛ فَتَرْكُهُ له عَدْلٌ، والإحالة فضلٌ منه تعالى، وإذا لم يحل بينه وبين تلك المعصية لم يكن ظالماً ، فليس حيث تَرَكَهُ كان هو الأمر بالمعصية. فهذا أيضاً معنى أمر بين

ص: 61


1- البقرة : 257 .
2- التوبة : 120
3- فصلت : 46
4- النجم : 39-41 .
5- الإسراء : 19.

أمرين(1)، فهو لا يفوّض العبد إنّه ما شاء فعل، وفعله معلّق على إرادة حادثة معلّقة بالتخلية والصَّرف.

[كلّ شيء بإذنه تعالى ]

وفي كثيرٍ من الأحاديث إنّ تأثير السحر موقوف على إذنه تعالى(2)، لأنّ أفعال الطبيعة موقوفة على إذنٍ جديد، وأيضاً كلّ حادث يتوقّف على الإذن من اللّه تعالى.

قال تعالى:«مَا أَصَابَ مِن مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ»(3).

وقال تعالى: «وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ»(4)، فإنّه لا يكون طاعة ولا معصية إلّا وهو عالم بها، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

ويفهم من الأحاديث أنّ التخلية في المعاصي إنّما تكون في أن المعصية لاغير، ولم يفوّض العباد مطلقاً.

وفي الخبر: لو فوّض العباد لم يحصرهم بالأمر والنهي (5)، والأمر والنهي حصرٌ لهم، ولو فوّض إليهم الأمر لرفع عنهم التكليف، والمكلّف المطيع مُئابٌ محمود والمذنب مذمومٌ معاقبٌ، ولو كانوا كذلك كانوا بمنزلة البهائم.

ص: 62


1- هذا التفسير الثالث لقوله علیه السلام: ( أمر بين أمرين).
2- انظر شرح أصول الكافي للمازندراني 5 : 1335
3- التغابن : 11
4- البقرة : 255
5- الكافي 1 : 159ح 11 عن أبي عبد الله علیه السلام باب الجبر

فالأمر والنهي أدبٌ وتعليمٌ ولطفٌ من الباري ليدخلهم في طاعته، ويزجرهم عن معصيته ، فإذا عرفوه أطاعوه، وإذا أطاعوه أرضوه، وإذا أرضوه سُعِدوا بكرامته؛ فطائعهم مثابٌ، وعاصيهم إمّا مرحومٌ وإمّا معاقبٌ.

ورفع التكليف عن المجنون والنائم (1)دالٌّ على لطف الله وكرمه على عباده.

وورد في الخبر: إنّ اللّه خلق النبيّين على النبوّة، فلا يكونوا إلّا أنبياء، وخلق الأوصياء على الوصيّة ، فلا يكونوا إلّا أوصياء، وأعار قوماً إيماناً، فإن شاء تمّمه،

وإن شاء سلبه إيَّاه، وفيهم جرى قوله تعالى :«فَمُسْتَقَرُّ وَمُسْتَوْدَعُ»(2)

وهذا الحديث دالّ على أنّ الإنسان تحت المشيئة الإلهيّة لا يأمن على نفسه أن يصبح مؤمناً ويمسي كافراً ، وبالعكس؛ لأنّ اللّه تعالى ملّكه أسباب الهداية المُوصلة إلى رضاء اللّه ، فإن قصّر عن ذلك زاغ. ولمّا علمت الأنبياء والرسل أنّ القلوب تزيغ قالوا: «رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا»(3)، وضلّ بسبب اكتسابه وجهده، فهو عبدٌ مرهون عمله .

قال تعالى: «لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةُ»(4).

ص: 63


1- دعائم الإسلام 1 : 194 باب ذكر الوقت الذي يؤمر فيه الصبيان بالصلاة ، ونص الرواية عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتّى يستيقظ ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن الطفل حتّى يحتلم ، وقريب منه في ج 2 ص 456ح 1607 ، الخصال للشيخ الصدوق : 94ح 40 ، وانظر وسائل الشيعة 1 : 42 باب 71 باب اشتراط التكليف بالوجوب والتحريم بالاحتلام .
2- الأنعام : 98 . الكافي 1 : 8، 2 : 18 4 ح 4 ، الرواشح السماوية : 60 ، بحار الأنوار 66: 226ح 18.
3- آل عمران : 8.
4- المدثر : 37

فهو مرهونٌ تحت المشيئة، عبد إن تكرّم عليه مولاه فهو أكرم الأكرمين، وإن عذّبه كان له الحجّة عليه، لا جوراً ولا ظلماً.

فصديق كلّ امرءٍ عقله وعدوّه جهله(1)، فكم من عبدٍ يحبّه اللّه ويكره أفعاله كالمؤمن الفاسق، وكم [من ] عبدٍ يكرهه اللّه ويحبّ أفعاله كالكافر الذي يفعل الحسنة. وكان من فضل اللّه وعدله وكرمه أن لا يخرج منهما من أحدٍ من هذه الدنيا إلّا استوفى ما عمله؛ فالكافر يدفع عنه البلاء عن ماله وبدنه ويكون ذلك بسبب تلك الحسنة، والمؤمن يبتلى في الدنيا فيخرج من الدنيا سليماً صحيحاً ؛ فمن أحبّه اللّه تعالى لا يُعذِّبه ، وهذا سرٌّ من أسرار اللّه لا يطّلع عليه إلّا مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان .

ص: 64


1- هذا الكلام نقله الحسن بن جهم عن الإمام الرضاء الله عن النبي له كما في المحاسن 1 : 194 ح 12 ، وفي الكافي 1 : 11 ح 4 كتاب العقل والجهل عن الرضا ، و مثله في علل الشرائع 1 : 101 ح 2 باب العلة التي صار من أجلها أبغض الأشياء إلى الله تعالى الأحمق ، عيون أخبار الرضا علیه السلام : 27 وج 2 : 234 .

دليل حدوث الأسماء

اعلم أنّ أسماء اللّه تعالى حادثةٌ مخلوقةٌ، هو غيرها، لا هي هو ، بل هي أسماء جعلها اللّه وسيلةً بينه وبين عباده، ليعرفوه بها ويدعوه، ويتضرّعوا بها إليه، ويضمرونه في نيّاتهم، ويظهرونها بأقوالهم في عباداتهم، وفي إظهارها شكر الواحد وإرغام الجاحد، فكلّ الأسماء صفة لموصوفٍ، ولا نقول : له معانٍ قائمة بذاته هي هُوَ فيلزم اتحاد الشيئين، وتوقّف أحدهما على الآخر باطل، وإن كانت غیره فالقديم أحق بالربوبيّة.

وقول الأشاعرة: هي له معنى (1)لا يعلم له معنىّ إلّا عدم الاستغناء، وهو باطل، والإرادة والمشيئة قد يراد بهما العلم، وقد يراد بالمشيئة الإرادة وبالعكس والرضى والغضب والمحبّة وغير ذلك (2)، وكلّها من صفات الفعل ، لأنّ كلّ شيئين أحدهما ناقضٌ للآخر، وكانا جميعاً في الوجود، فهما صفتا فعلٍ، لأنّك إذا أثبتً في الوجود ما يريد وما لا يريد ، وما يرضى وما لا يرضى ، وغير ذلك ، فما هو من صفات الذات مثل العلم والقدرة ؛ لأنّ ما يرضى لو كان من صفات الذات كان ما لا يرضى ناقضاً له، وهكذا ما لا يريد .

ألا ترى إنّا نجد في الوجود ما لا يريد وما يريد، فالذي يريده الطاعة من العبد،

ص: 65


1- انظر الأربعين في أصول الدين للرازي 1 : 218 ، الأساس لعقائد الأكياس : 41 ، وحكاه الفاضل المقداد في الأنوار الجلالية : 66 .
2- العبارة يمكن توجيهها بالصورة التالية : قد يراد بالمشيئة الإرادة وعدم الإرادة والرضا وعدم الرضا والغضب وعدم الغضب، والمحبّة وعدم المحبّة ، وهذه كلّها من صفات الفعل ، فتأمل .

وما لا يريده المعصية، وهما من أفعال العبد، ولا نجد ما لا يعلمه ولا يقدر عليه، ولا يجوز أن يقال : يقدر أن يعلم ولا يقدر أن لا يعلم، ويقدر أن يملك ويقدر أن لا يملك ويقدر أن يكون جواداً ، ولا يقدر أن لا يكون جواداً ؛ لأن هذه من صفات الذات، والإرادة وغيرها من المناقضات من صفات الفعل.

ألا ترى أنّه يُقال : أراد هذا ولم يرد هذا ، فهو أراد الإيمان من العبد ورضي به، ولا يرضى بالكفر له، لأنّه أمر بالخير وحسّنه ونهى عن الشرّ وقبّحه، أمر بالخير ونهى عن الشرّ أدباً لعباده.

أراد الطاعة من العبد وكره المعصية، أراد أن تكون الطاعة خلاف المعصية، وشاء أن يكونا باختيار العبد، ولا يجوز أنّه أراد القبيح، لأنّ إرادة القبح قبيحة، وهو على الخالق ممتنع، فهو ابتلى العباد بما نفعه عائد إليهم ، أمر بالطاعة ونهى عن الكفر، لا أنّه خلق ما لا يريده على سبيل غلبةٍ وقهرٍ، فإنّ المخلوق مقهورٌ

لخالقه، بل على إرادته مضت الأشياء.

قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ»(1).

وقال تعالى: «أَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ» (2).

وقال: «إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ»(3).

جعل الأشياء معلّقة بالإرادة والمشيئة.

ص: 66


1- الحج : 14 .
2- الحج : 16
3- الحج : 18

وقال تعالى: «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ»(1).

ولا يجوز أن يقال : أراد أن يكون عالماً ، أو أراد أن لا يكون كذلك ، أو أراد أن لا يكون قديماً وغيره، وذلك من أسماء الذات؛ لأنّ هذه التي لا وجود لها في الوجود، وهي من صفات النقص، وهي ممتنعة في شأن كامل الصفات.

ويجوز أن يقال : يحبّ من أطاعه ويبغض من عصاه، فكما أنّ وجود ذاته المقدّسة وانفراده بالربوبيّة عرفناها بالأدلّة العقليّة وكشفت ما جهلناه الأدلّة الشرعيّة، فكذلك علمنا بعجز العقول عن إدراك كنهه، فسُبحان الذي تفرّد بالوحدانيّة .

واعلم إنّ اللّه تعالى من فضله ونعمته وكرمه ولطفه على خلقه شرّف بني آدم على جميع مخلوقاته.

قال تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ» إلى قوله:«وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً»(2).

وشقّ لهم أسماءُ من أسمائه، وأفعالاً من أفعاله وصفاتاً من صفاته، وسخّر لهم جميع مخلوقاته ، فقال تعالى : وسخّر لكم ما في البرّ والبحر، وسخّر لكم النجوم والأفلاك (3)وغير ذلك.

فالإنسان يقال له : عالمٌ، واسم العالم جَمَعَ اسم الخالق والمخلوق، واختلف

ص: 67


1- پس : 82
2- الإسراء : 70 .
3- قال تعالى في الآية 97 من سورة الأنعام: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.

المعنى، والفرق بينهما : إنّ كلّ شيء يجوزَ عليه الضدّ مخلوق، مثلاً الإنسان عالمٌ، ويجوز أن لا يكون عالماً، فجاز عليه الضدّ والضدّ مخلوقٌ لأنّ «عالم» صفة كمال ، و «غير عالم» صفة نقصٍ، والمخلوق أولى بالنقص، وللّه الأسماء الحُسنى ؛ فاللّه تعالى عالمٌ وعلمه ذاته، وغيره مسبوقٌ بالجهل، والله كريمٌ والإنسان كريم، وكرمه تعالى ذاتيٌّ غير مسبوق بالعدم ، وهكذا قادرٌ (1)وخالقٌ وسميعٌ وبصيرٌ.

واللّه تعالى يسمع بلا كيف سميع بالذات يبصر بما يسمع ، ويسمع بما يبصر، لا مغايرة بينهما ؛ فالسمع لنا جزء وله كلّ ، وكذلك البصر، وغير ذلك ذات لا يعلمها إلّا هو، جامعة لجميع الكمالات، وأسماؤه لم تزل في علمه، وهو يستحقّها.

قال تعالى في حقّ من جعل له جزء:«وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً إِنَّ الإِنسَانَ لكفُورُ» (2).

وكلّ من قال : إنّ المعلوم جزء العلّة دخل في ربقة الكفر ، لأنّه أثبت ما لايكون.

وأمّا حروفها وهجاؤها فحادثة أوجد كلّ شيء في ذاتك المخلوقة المسبوقة بالعدم لتستدلّ بها على كمال قدرته وجزيل نعمته، أن ركّب فيك من الأفاعيل المتضادّة، والحالات المختلفة، والأعراض الحادثة، والجواهر المندرجة [و] أن جعل لك السمع والبصر ، والذوق والشمّ، والعقل والأمر والنهي، والحركة والسكون، والعلم والإرادة والمشيئة، والقدرة والقضاء والقدر، والرأفة والرحمة والفهم والإدراك والصناعة المخترعة التي يبرزها فكرك على وفق إرادتك.

ص: 68


1- في المخطوط زيادة كلمة : ( وعالم ) ولا داعي لها
2- الزخرف : 15 .

وهذه كلّها أُمورٌ مودوعة محدثة مسبوقة بالعدم، مخلوقة فيك لا تعلمها ولا تدركها ملّكك إيّاها، فكلّ جزء منك شاهدٌ له بالقدرة، والحول والقوّة، والوحدانيّة الأبديّة السرمديّة(1).

ص: 69


1- ومن أراد المزيد فليرجع إلى روايات الكافي 1 : 112 باب حدوث الأسماء ، شرح أصول الكافي 264:3 ، مرآة العقول 2 : 24 .

دليل البداء

البداء مهموز، وهو من الابتداء في الشيء، والبدى غير مهموز، وهو الظهور؛ لأنّ الإخراج من العدم إلى الوجود كان خفياً على العباد، والعدم ليس بشيء(1)، وقوله تعالى :«يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ» (2)ومنه: «يُبْدِي وَيُعِيدُ» (3)، تقول : بدى القمر، أي ظهر. ومنه قوله تعالى: «إن تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ»(4).

والبداء هو نسخ الأقدار ؛ لأنّ اللّه تعالى فاعلٌ مختارٌ، يُقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء، ويمحو ويثبت.

وفي الخبر : ما عُبِد اللّه بشيءٍ مثل البداء (5).

ولا نعنى بالبداء إلّا ظهور الشيء بعد خفائه على العباد ، لاخفائه على اللّه، ومن قال بخفائه على اللّه فهو كفر وإلحاد، قال اللّه تعالى وهو أصدق القائلين : أصدق القائلين :«اِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ»(6).

ولا كان علمه مسبوقاً بالجهلٍ، وإنّما نعني به نسخ ما كان مثبوتاً في لوح المحو والإثبات ، فإنّ اللّه يقدّم ما يشاء ويؤخّر، ويمحو ويثبت وعنده أُمّ الكتاب.

ص: 70


1- انظر الطراز الأوّل 1 : 21 ( بدأ )
2- يونس : 4
3- البروج : 13
4- البقرة : 284 .
5- الكافي 1 : 146 ح 1 باب البداء ، التوحيد : 331 ح 2 باب البداء ، بحار الأنوار 07:4 10 ح 19 باب البداء والنسخ ، الفصول المهمة 1 : 220 ح 2
6- آل عمران : 5 .

وفي معنى هذه الآية عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : وهل يمحو إلّا ما كان ثابتاً، وهل يثبت إلّا ما لم يكن(1).

ومنه نسخ الآيات والشرائع، والنقصان والزيادة في الأعمار والرزق، وتأخير العذاب وتقديم الرحمة ودفع البلاء وردّ القضاء، وهذا ثابتٌ في الأحاديث لا ينكره العقل.

قال سبحانه:«فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةُ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ»(2).

فدلّ أنّ سبب كشف العذاب عنهم هو الإيمان باللّه .

ويمكن أن يقال: إنَّ المثبت موقوفٌ على الأسباب التي تصدر من العباد التي في علم اللّه ، فإذا وقعت الأسباب التي بسببها يمحو اللّه ما كان مثبتاً ، ويثبت ما لا يكون، ويُقدّم ما يشاء، ويؤخّر ما يشاء، فهذا الذي خفي على العباد، فإذا حصل البداء ظهر لنا ما لا نعلمه، ولا شكّ إنّ اللّه عالم بإيمانهم، ولكن يُريد ظهور ذلك لمن لا يعلم.

وقال تعالى : «وَبَدَا لَهُم مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ »(3)، كقصّة داود في قضيّة الرجل الذي شكا إليه ؛ أنّ رجلاً قطع كرمه ، فحكم داود بقتل الرجل الشاكي وينزع المال من يده ويسلّمه لقاطع الكرم ، فضجّت بنو إسرائيل وقالوا : كيف هذا الحكم؟ فبيّن اللّه لهم أنّ المدّعي قتل أبا الرجل الذي قطع الكرم، فكان الظالم

ص: 71


1- الثاقب في المناقب : 567 ح 7 ، الخرائج والجرائح 2 : 688 ح 10 ، بحار الأنوار 4 : 90ح 33 .
2- يونس : 98 .
3- الزمر : 47

مظلوماً ظاهراً فاتضح الأمر، وظهر للناس ما خفي عليهم وأنكروه(1).

والحكمة في البداء ظاهرة.

وقال أمير المؤمنين علیه السلام: لولا آية في كتاب اللّه لأخبرتكم بما يكون(2).

فدلّ أن الزيادة والنقصان والتقديم والتأخير، والتغيير والتبديل أُمورٌ مسبّبة ناشئة من أسباب المكلّفين، إذ اللطف والرضى، والغضب والدعاء والصدقة وبرّ الوالدين وصلة الرحم وغير ذلك أسبابٌ واردةٌ من اللّه تعالى، يريد أن يبلغ العبد بها الدرجة العالية إذا صبر لها ، وسلّم الأمر للّه، ورضي به، كالحرق والغرق.

وأسبابٌ هي من العبد إمّا خيرٌ أو شرٌّ، فأسباب الخير لا شكّ أنّها تدفع البلاء وتُنسي في الأجل، فالجزئيّات التي تصدر من العباد تكون سبباً للزيادة في الأعمار، وغير ذلك، وهذه لا يعلمها إلّا خالقها وأسباب الشرّ يستوجب العبد بها العقاب، فإن لطف اللّه به عفى عنه ، أو حال بينه وبين المعصية، فهو يرفع ويضع ويُميت ويُحيي ، «وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ»(3)، «يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ»(4).

فعلم اللّه لا يعلمه أحدٌ من خلقه؛ لأنّ اللّه سبحانه علّم عباده ما لا يعلمون، وكذلك الأنبياء والملائكة، وهذا علم اختصّ به لا يعلمه غيره، ومنه البداء.

قال تعالى للملائكة :«إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَم»(5).

ص: 72


1- حكاها الكليني في الكافي 1 : 278 ح 3 باختلاف في العبارة .
2- الأمالي للصدوق : 423 1 ، التوحيد : 305 1 ، بحار الأنوار 4 : 97ح 4
3- النحل : 8
4- فاطر : 1
5- البقرة : 30

وكان البداء من العلم المكنون الذي لم تعلمه الملائكة، فلا يعلم ما في نفس اللّه إلّا اللّه ، فإنّه يعلم ما في الأنفس، ولا تعلم العباد ما في نفسه لأنّه علّام الغيوب.

فالعلم الذي علّمه اللّه ملائكته ورسله أنّه سيكون فلا يكذّبهم فيه، ولا فيه بداء، فعلمه المكنون هو علمٌ ذاتيٌّ غير مسبوقٍ بجهل، فهو سبحانه وتعالى عَلِمَ ثمّ شاء، ثمّ أراد ، ثمّ قدّر، ثمّ قضى، ثمّ أمضى، ثمَ علّمه.

وإرادة الأنبياء موافقة لإرادة اللّه، وكراهتهم كذلك، فهو سبحانه وتعالى مريدٌ للطاعة، كارهٌ للمعصية .

أقول : لمّا سبق في علم اللّه تعالى أنّ أعمال المكلّفين الذين أراد منهم العمل بالاختيار على قسمين : قسم منهم وافقت إرادتهم إرادة اللّه وكراهتهم كراهته ، وهم أهل العصمة. وقسمٌ منهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيّئاً، فأحبّ الحسنات وكره السيِّئات ؛ فَنَفْعُ المحبّة عائدٌ إليهم ، وسخطُ الكراهة راجعٌ عليهم، ودفعُ الضرر واجبٌ عليهم، كما أنّ الثواب واجبٌ عليه تعالى، فما خالف الإرادة لا يخالف العلم ، والفرق بينهما ظاهر.

والعلم لا يكون علّة لأفعالهم ، ولو كان كذلك لزم الجبر، والتقديرات النازلة عليهم بسبب أفعالهم هي في علم الله ، ولا يصابوا بها إلّا بعد صدور الفعل منهم . والبداء لا يكون إلّا في الحوادث، فبعلمه كانت الإرادة، وبإرادته كانت المشيئة، وبمشيّته كان التقدير وبتقديره كان القضاء وبقضائه كان الإمضاء ؛ فللّه البداء فيما علم متى شاء إلى ما شاء، وفيما أراد لتقدير الأشياء، فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء ؛ فالعلم تعلّق بالمعلوم قبل كونه والمشيئة في المشاء قبل عينه، والإرادة فى المراد قبل قيامه والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها وخلقها

ص: 73

عياناً ووقتاً، والقضاء بالإمضاء هو الإبرام(1).

قوله : «يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ»(2)أي يمحو ما يشاء لا ما يعلم فالفرق ظاهر.

قال تعالى: «إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ»(3).

وقال : «وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ»(4).

وقد علمتَ أنّ المشيئة فعل اللّه، وهي الابتداء في الفعل، ولا شكّ أنّ المشيئة بعد العلم وقبل الإيجاد . مثلاً أراد اللّه خلق آدم ، فحصل للملائكة علم بإرادة اللّه قبل إيجاد العين، ولم تعلم الملائكة كيفيّة العين وأجزائها وأسبابها كما هو ظاهر في الآية، ثمّ حصلت المشيئة قبل التقدير من طولٍ وعرضٍ، مثلاً شاء أن يكون عمر إنسان ألف سنة ، وخلق له أسباب الابتلاء من الخير والشرّ، فعلمت الملائكة بالمشيئة، ولم تعلم بجزئيّات الأسباب التي ستكون من ذلك الإنسان.

ثمّ أوجده ثمّ ملّكه الأسباب وأمره ونهاه ، فعصى طوعاً لا كُرهاً، فلهذا اعترف بخطأه :«قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا»(5). فبسبب هذا العصيان - مثلاً - نَقَصَ من عُمره النصف، فبدا للملائكة ما خفي عليهم من الجزئيّات التي لا يعلمها إلّا خالقها وهي في علمه المخزون ، ثمّ تاب وأحسن وأطاع ، وتقرّب إلى اللّه تعالى بما يُرضيه، فأحسن إليه ممّا نقص من عمره النصف أو زاده من النعم المزادة التي

ص: 74


1- مقتبس من قول العالم المروي في الكافى 1 : 148 ح 16 باب البداء ، التوحيد : 334 9، مختصر بصائر الدرجات : 142
2- الرعد : 39
3- إبراهيم : 19
4- الإسراء : 86
5- الأعراف : 23.

لا تحصى، فمحا ما كان ثابتاً عند الملائكة لعدم علمهم بالأسباب، وأثبت ما لا يكون في علمهم من المنّ لا ما في علمه، فإنّ علمه ذاتي حضوريّ، وعلمهم مسبوقٌ بالجهل حصولیٌّ.

قال تعالى: «إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ»(1).

وهكذا سائر عباده لا يعلم بكلّيّاتهم وجزئياتهم وما يصدر عنهم إلّا هو.

وفي الدعاء : «يا من أظهر الجميل وستر القبيح»(2)، ومعناه مرويّ عن أهل العصمة : أنّ اللّه تعالى لا يُطْلِعُ الملائكة على قبائح عبده الذي يريد ستره(3).

والقبائح الصادرة من العبد هي أسباب الضرر الذي يحصل بسببها النقصان .

وأمّا النعم المقرونة بأسباب الرضى أيضاً لا تخفى ولا يعلمها إلّا خالقها.

قال تعالى: «وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا»(4)، وقال تعالى: «لَهُم مَا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزيدُ»(5).

وهذه النعم لا تدرك، والمزيد لا انقطاع له، قال تعالى: «وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لاَ مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ»(6).

وفي الخبر: إذا أُطِعْتُ ،رضيتُ، وإذا رضيتُ باركتُ ، وليس لبركتي نهاية(7).

ص: 75


1- البقرة : 30
2- مصباح المتهجد : 113/70 الدعاء بعد التسليمة الرابعة ،وص 439/330وص 655/559 ، الكافي 2 : 578 باب دعوات موجزات .
3- حكى ذلك الشيخ البهائي في مفتاح الفلاح : 156 ، وعنه في بحار الأنوار 54 : 354 وج 84:84.
4- إبراهيم : 34
5- ق : 35
6- الواقعة : 32 و 33
7- الكافي :2 : 275 26 ، وسائل الشيعة 307:15 4 ، بحار الأنوار 14 : 459 - 15.

وقول أهل البدع: ليس في الإمكان أبدع ممّا كان(1)، باطلٌ، لأنّ خزائن غيبه لا تفنى، فهو قادرٌ على ما أراد، والقدرة تقتضي إيجاد كلّ معدوم، وإلّا لزم العجز، وهو على اللّه ممتنع .

قال تعالى: «وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ»(2).

وقال تعالى:«وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ»(3).

وقوله تعالى : «يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ»(4)، والبداء هو ممّا يشاء.

وقال تعالى: «وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»(5). والعشر المرادة من البداء.

وقال تعالى:«هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ»(6).

وفي الخبر: إنّهما أجلان أجلٌ محتومٌ وأجلٌ مخروم موقوف(7) لم يسمه، فهو من لأُمور الموقوفة.

ص: 76


1- المعلوم من مذهب ابن سينا أنّه ليس في عالم الإمكان أبدع مماكان ، وأن عالمنا خير عالم ممكن ، انظر مقدّمة كتاب الشفاء ( الطبيعيات) 3 : 14، ومثله في مقدّمة الشفاء (الإلهيات) : 24، وحكاه في المعجم الفلسفي 1: 312 عن الغزالي. ولبرهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعي المتوفى سنة 885 هجرية كتاب تهديم الأركان في ليس في الإمكان أبدع مما كان وفيها الردّ على الفلاسفة والغزالي ( كشف الظنون 1: 513و 758 ، هديّة العارفين 21:1).
2- النحل : 8 .
3- الأنعام : 59 .
4- آل عمران : 40 ، الحج : 18
5- الأعراف : 142
6- الأنعام : 2
7- الكافي 1 : 147 ح 4 ، الغيبة : 312 ح 5 ، بحار الأنوار 52: 249ح 133

وقال:«إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدُ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِي وَيُعِيدُ»(1). وهذه الآية دالّة على البداء، لأنّ كلّ باطنٍ ظهر فهو ظهور.

وقوله تعالى: «أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرُكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى»(2). وهذا دالّ على أنّ الطاعة تزيد في الأجل، والمعصية تعجّل الفناء.

وبطل قول من قال : إنّ اللّه لا يعلم بالجزئيّات(3)بقوله تعالى:«أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»(4).

وقوله : «أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلْمَاً»(5).

وعن أبي عبد الله علیه السلام قال: بعث اللّه نبيّاً إلى قومٍ فشكوا إلى اللّه الضَّعف، فأوحى اللّه إليه : يأتيك النصر بعد خمسة عشر سنة . فقال قومه : ما شاء اللّه ، لا حول ولا قوة إلّا باللّه العلي العظيم. فأتاهم النصر في سنتهم لتفويضهم إلى اللّه تعالى، فقدّم لهم المتأخّر(6).

ص: 77


1- البروج : 12 و 13
2- نوح : 3-4
3- حكاه في أبكار الأفكار في أصول الدين 1 : 322 عن الفلاسفة ، وفي كتاب التعليقات لابن سينا 28 بحث مفصل في ذلك ، وانظر القبسات : 9 ، مصارع الفلاسفة : 85 ، شرح كتاب النجاة لابن سينا ( قسم الإلهيات) : 282
4- الملك : 14
5- الطلاق : 12
6- مشكاة الأنوار : 55 ، مجموعة ورّام 16:1 ، بحار الأنوار 68 : 157ح 75 ، و 90: 191 ح 34 ، مستدرك وسائل الشيعة 5 : 222 ح ا ب 33

أقول: فهم من هذا الحديث أنّ المراد هو التفويض الذي حصل بسببه التعجّل، وفائدة الأخبار التعريض والتنبه على المراد.

نقل من غاية المرام وليس بداؤه تعالى بداءً ندامةٍ ، بل لطفاً وتخفيفاً وكرامة(1).

وفي البداء من الأسرار والحِكَم لا يعقله إلّا العاقل الكامل.

وفي الخبر: ما تنبّأ نبيُّ حتّى يقرّ للّه بخمسٍ : بالبداء والمشيئة والسجود والعبوديّة والطاعة(2).

ص: 78


1- غاية المرام في علم الكلام للآمدي : 306
2- الكافي 1 : 148ح 13 باب البداء .

دليل منع الرؤية

اشارة

ذهبت الأشاعرة إلى جواز الرؤية بالعين الشحميّة، قالوا: إنّ العلّة في الوجود الرؤية، وكلّ موجود عندهم على الإطلاق تصحّ رؤيته جسماً كان أو مجرّداً، ولا يشرطوا المقابلة ولا غيرها، مثل سلامة الحاسّة وعدم البُعد المفرط، والقُرب المفرط، ووقوع الضوء على المرئي ، وعدم الحجاب ، والشفّافيّة(1).

وأنكر عليهم فخر الدين الرازي وقال : أصحابنا خالفوا العقلاء(2).

ومنعت ذلك الإمامية، واستدلّت بقوله تعالى:«يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَاب أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ»(3).(4)فسمّى اللّه الطالب لها ظالماً، وقد لعن الظالمين في كتابه(5).

وقوله تعالى:«لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي»(6). فعلّق المحال على المحال العقلي ؛ لأنّ الاستقرار محالٌ مع الهيبة والعظمة وإرادة الدلّ ، فكأنّ الطالب طلبهما (7) لا يكون، فالرؤية كذلك.

ص: 79


1- الأربعين في أصول الدين للرازي 1 : 235 ، الإرشاد إلى قواطع الأدلة في الاعتقاد للجويني : 75 وما بعدها ، أصول الإيمان لعبد القاهر البغدادي : 82 ، وحكاه عنهم العلّامة في معارج الفهم : 332 و 340 ، والرسالة السعدية : 38 ، أبكار الأفكار في أصول الدين 515:1 .
2- حكاه عنه العلّامة في الرسالة السعدية : 38.
3- النساء : 153
4- معارج الفهم : 341 - 343 ، كشف المراد تحقيق الآملي) : 297 ، المسلك في أصول الدين : 68
5- كقوله تعالى في الآية 18 من سورة هود : أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.
6- الأعراف : 143
7- أي طلب الرؤية الله تعالى واستقرار الجبل مع الهيبة ، وهذان الطلبان لا يجتمعان معاً، وحق العبارة فكأن الطالب طلبهما ، وتحققهما معاً لا يكون ، فإنك طلبت المحال .

فإن قيل: القدرة قادرة على الاستقرار(1).

قلنا: المحال لا تتعلّق به مشيئة ؛ لأنّ الاستقرار مع تأثير الهيبة نقصٌ، وإرادة الاندكاك مع بقائه ممتنع ؛ لأنّ الإرادة مثلاً إذا تعلّقت بإسكان بالمتحرّك، فالمراد عدم السكون، ولا يجوز أن يكونا معاً ؛ فكلّ شيءٍ لا تتعلّق به مشيئة محال ؛ فالرؤية محال، لأنّ كلّ شيء تتعلّق به المشيئة فيه حكمة خفيّة، والحكيم يسأل خلقه عن فعلهم، ولا يُسئل عمّا يفعل(2).

وأيضاً: إنّ التعليق وقع حين الطلب، والجبل قد دُكَ ولم يستقرّ، فلمّا علم موسی أنّ هذا الطلب غير جائز من قومه تاب. ثمّ قال تعالى: «فَلَمّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَل جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ» (3)فتاب موسى عن سؤاله الذي سأله قومه بأن يسأل اللّه لهم الرؤية. والتوبة لا تكون إلا عن تقصيرٍ

وعدم الرضى من اللّه تعالى. وسبحانك بمعنى [التنزيه ] عمّا لا يليق بجنابك.

وسأل أبو قرّة المحدّث (4)الرضا علیه السلام بعد سؤال في الحلال والحرام والتوحيد، قال : إنّا قد روينا أنّ اللّه قسّم الرؤية والكلام بين نبيَّين ، فقسّم الكلام لموسى ولمحمّد الرؤية .

فقال أبو الحسن علیه السلام: فمن المُبلّغ عن اللّه إلى الثقلين «لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ

ص: 80


1- أي قدرة الله تعالى قادرة على تسكين الجبل واستقراره .
2- مقتبس من قوله تعالى في سورة الأنبياء ، الآية 23 : لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْتَلُونَ.
3- الأعراف : 143
4- هو أبو قرّة المحدّث من أصحاب الإمام الرضا علیه السلام، اسمه علي ، وله مسائل واحتجاجات مع مولانا الرضا اعلیه السلام مستدركات علم رجال الحديث : 438) .

يُدْرِكُ الأَبْصَارَ»(1)، وقوله:«وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً»(2)، وقوله تعالى :«لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء»(3)، أليس محمّد؟

قال : بلی.

قال : كيف يجيء رجلٌ إلى الخلق جميعاً ويُخبرهم أنّه جاء من عند اللّه، وإنَّه يدعوهم إلى اللّه بأمر اللّه فيقول :«لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ»، «وَلَايُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً» و «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءُ»(4)ثمّ يقول: أنا رأيته بعيني، وأحطتُ به علماً، وهو على صُورة البشر ؟ أما تستحون ؟!

ثمّ سأله أبو قرّة المحدّث قال : فإنّه يقول:«وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى»(5)؟

فقال أبو الحسن علیه السلام: إنّ بعد هذه الآية ما يدلّ على أنّه ما رأى، حيث قال : «مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى»(6) يقول : ما كذب فؤاد محمّد صلی الله علیه و آله و سلم ما رأت عيناه. ثمّ أخبر بما رأى ، فقال : «لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى»(7) وآيات اللّه غير اللّه(8)، الحديث طويل.

ص: 81


1- الأنعام : 103
2- طه : 110
3- الشورى : 11
4- الشورى : 11
5- النجم : 13
6- النجم : 11
7- النجم : 18
8- الكافي 1 : 96 ح 2 باب في إبطال الرؤية ، التوحيد : 110 ح 9 باب في معنى الواحد والتوحيد ، الفصول المهمة 1 : 178 ح 2 .

وعن أبي عبد اللّه علیه السلام في قوله تعالى: «لَا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ»(1).

قال : إحاطة الوهم، ألا ترى إلى قوله تعالى :«لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ * قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَبَّكُمْ» ليس يعني بصر العيون. وقوله تعالى:«فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهِا» (2)ليس يعني عمى العيون إنّما عنى إحاطة الوهم كما يقال : فلانٌ بصير فى الشعر ، فلانٌ بصير فى فنّ الفقه (3).

والأشاعرة لا دليل لهم فيما ادّعوه، وإنّما قلّدوا مذهب السلف لحُسن الظنّ بهم، وأوّلوا الآيات الظاهرة بالتأويلات الواهية وكان اعتراض الفخر الرازي عليهم موجّه ؛ لأنّ المعتزلة والفلاسفة أنكروا الرؤية مطلقاً (4)، والمجسّمة والمشبّهة من المسلمين أثبتوا الرؤية مطلقاً ، وذلك حيث إنّهم جسّموا، ولو قالوا:إنّه مجرّد لما جوّزوا الرؤية.

وأمّا الأشاعرة فأثبتوا الرؤية ولم يجسّموا، ولم يقبلوا الدليل العقلي والنقلي في اشتراط الشروط المذكورة في المرئي ، انتهى(5).

والإدراك لا يكون إلّا بالحواسّ الظاهرة ، فشيءٌ يُدرك بالشمّ، وشي يُدرك باللّمس، وشيءٌ بالسمع، وشيءٌ بالبصر، وهو حال من الملامسة لأنّه يدرك الأشياء بسبب الضياء وسبيل الهوى، فإذا كان السبيل متّصل بينه وبين المرئي والسبب قائم أدرك ما يُلاقي من الألوان والأشخاص، فإن حمّل البصر

ص: 82


1- الأنعام : 103
2- الأنعام : 104
3- الكافي 1 : 98 ح 9 باب في إيطال الرؤية ، التوحيد : 112ح 10 ، الاحتجاج 2 : 77
4- حكاه عنهم الرازي في الأربعين في أصول الدين 1 : 295
5- الفصل في الملل والنحل ،34:2 ، وانظر معارج الفهم : 332 و 340 ، والرسالة السعدية : 38

على ما لا سبيل له فيه رَجَعَ يحكي ما رآه كالناظر في المرآة، أو في الماء، فإنّ الناظر لا ينفذ بصره في المرآة ولا في الماء.

وأمّا القلب فله سلطانٌ على الهوى، يُدرك جميع ما في حيّز الهوى ويتوهّمه، وإذا حمّل على ما ليس في الهوى موجودٌ رَجَعَ وحكى ما في الهوى؛ فالعاقل لا يحمل قلبه على ما ليس موجوداً في الهوى ، فوهم القلب أدقّ من بَصَر العين، لأنّ وهم القب قد يُدرك به البلدان التي لم ترها العيون كالهند والسند وغيرها، ويعجز عن إدراك كنه الخالق، بل عن إدراك أسرار صنعه؛ لأنّ عدم الوجود لا يتصوّر، والعجز عن ذلك عين الثبوت، وهو الإيمان بالغيب ، وقد مرّ لك شيء من ذلك.

[دلائل الروح على كمالات الخالق ]

واعلم أنّ الروح في هذا البدن تدلّ على كمالات الخالق وقدرته :

الأوّل : أنّها لمّا حرّكت هذا الهيكل ودبّرته، علم أنّ لهذا العالم محركاً ومدبّراً وخالقاً ورازقاً غنياً لا يشبه خلقه، هو أعزّ وأجلّ من مدبّر هذا البدن الضعيف الذي هو معرض الأسقام والآلام، فلو لم تكن الروح عاجزة لدفعت عن نفسها الضرّ والنوم والغفلة الذي فيه تعبها وغير ذلك، فلمّا كان العجز ثابت لكلّ مخلوق دلّ على أنّ لهذا العالم مدبّرٌ حكيمٌ، هو مالك كلّ شيء، وكلّ شيء خاضع لعظمته، وهو اللّه ربّ العالمين.

الثاني : انفرادها بهذا البدن عن الشريك دالٌّ على أنّ مدبّر هذا العالم واحدٌ لا شريك له، لأنّ الروحين إذا كانتا فى جسدٍ واحدٍ فسد ذلك الجسد، لاختلاف الإرادات، فامتنع أن يكون للّه شريكاً لفساد الوجود واختلاف الإرادات، فلهذا

ص: 83

لم تتعلّق المشيئة بإيجاده ولا له وجود ، فإنّ القدرة لا تتعلّق بما لا يكون في علم اللّه، لأنّ النقص فى المقدوريّة لا في القادريّة.

الثالث : أنّ النفس تعلم بما يعمله البدن من حركةٍ وسكونٍ وسرٍّ وعلانيةٍ مطّلعة على كلّ شيء يصدر منه ، فكذلك الباري لا يخفى عليه شيء من مخلوقاته، دقّ أو جلّ.

الرابع : أنّ النفس مستولية على جميع البدن ، لا يمكنه العمل بالغلبة والقهر، كذلك الباري مستولٍ على خلقه لا يمكنهم المهرب والمفرّ عنهُ، يريد ويقدّر ويمضي فيهم ما يشاء.

الخامس: تقدّمها على البدن، لأنّ الأرواح خلقها اللّه قبل الأجساد(1)، وكان خلقها من لطفه تعالى للبقاء، وهي باقية بعد البدن تلج مثالاً كهيئة البدن الذي خرجت منه لا مثله في الكثافة، ولا مثلها في اللطافة، منعّمة أو معذّبة إلى يوم القيامة، فيُحيي اللّه الأجساد فتلج فيه . والتنعّم الروحاني هو في عالم البرزخ، ويكفيك شاهد قوله تعالى:«وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِن خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفُ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» (2)

فلمّا خلقها على هذه الحالة دلّ أنّ اللّه أزليّ لا قَبل له ولا بعد، ولا يُوصف بشيء، ولا يُشبهه شيء.

ص: 84


1- في معاني الأخبار : 108 ح 1 عن المفضل بن عمر قال : قال أبو عبد الله : إن الله تبارك وتعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ، فجعل أعلاها وأشرفها أرواح محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم .. إلى آخر الخبر .
2- آل عمران : 169 و 170

السادس: أنّ النفس لا تكيّف بحالة ، فإذا كانت هذه المخلوقة لا يُمكن أن تكيف فالجبّار القهّار أولى.

السابع : لا يُعلم أين هي من البدن، ولا لها محلّ معلوم، ولا يُعلم هل هي داخلةٌ فيه أو خارجة عنه ؟ كذلك الباري جلّت عظمته ؛ ليس له محلُّ، ولا جهة ، ولا كفوٌ، ولا شبيهٌ له، ولا مثلٌ له، لا هو داخلٌ في الوجود ولا هو خارج عنه، علمه متعلّق بجميع ما خلق وبرأ.

الثامن : أنّ النفس لا تُرى ولا يدركها الوهم ولا تُمَسّ ولا تُجَسّ ، فكذلك اللّه تعالى لا يُرى ؛ لأنّ الرؤية لا تقع إلّا على الجواهر القائمة بالوضع، وهي الأجسام،

وامتنع ذلك على ربِّ العالمين.

فهذا حال مخلوقاته لا يُمكن أن تدرك حقايقها وأسرارها وحالاتها إلّا بالبراهين، فما شأنك بربّ العالمين، تعالى اللّه عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً(1). والحجاب بين اللّه تعالى وبين خلقه خَلْقُهُ إيَّاهم، فعدم الحجاب نقصٌ، وهو ممتنعٌ عليه تعالى .

فإن قيل : إنّ اللّه سبحانه وتعالى قادرٌ أن يُري نفسه عباده أم لا؟

قلنا : إنّ اللّه لا يُعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، ولكن الحكمة اقتضت عدم ذلك، والرؤية مع فقد الشروط محال، والمحال العقليّ لا تتعلّق به مشيئة، ولو تعلّقت به مشيئة لجاز، لأنّ اللّه لا يمتنع عليه شيء، «لَا يُسْئلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئلُونَ»(2).

ص: 85


1- الظاهر أنّ المصنف أولج مبحث (دلائل الروح على كمالات خلقه) إلى هنا وسط مبحث عدم إمكان رؤية الله بلا حاجة وضرورة إليه ، فتأمل
2- الأنبياء : 23

وقال:«لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ»(1).

والتسليم طاعةٌ، والتعرّض معصية واعتداء وشناعة، وكما امتنع خلق المثيل امتنع أن يُرى.

فالفائدة أيضاً راجعةٌ إلى خلقه أو لحكمة إلهيّة حفيت (2)علينا.

وأيضاً: إنّ طلب الرؤية اعتداء، ووقوع الشعاع على المرئي ملامسة، وهو نقصٌ، وإثبات جهةٍ ، وذلك ممتنع في شأن الحكيم.

ومن الفوائد الإيمان بالغيب ، قال تعالى: «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(3).

وذهبت الأشاعرة إلى جواز الرؤية في الدنيا ، ومنع بعضهم وقال: جائزٌ في الآخرة(4).

وبيان ذلك: إنّ المعرفة من جهة الرؤية بالعين إمّا أن تكون إيماناً أو ليست كذلك ، فإن تكن إيماناً في الدنيا من جهة الاكتساب لأنّهما ضرتان لا يجتمعان، والإيمانُ في الدنيا ثابتٌ لا يزول إجماعاً ؛ فامتنعت الرؤية بالعيان، إذ العيان يُؤدّي إلى عدم الإيمان في الدنيا(5).

ص: 86


1- المائدة : 101
2- في المخطوط : ( خفية) والمثبت أنسب
3- البقرة : 3 - 5 .
4- حكاه عنهم العلّامة في معارج الفهم : 332
5- عبارة المتن قد يظهر فيها ارتباك ويهام ، ولتوضيح المطلب ننقل الرواية التي يستفاد منها عدم جواز الرؤية العينية في الدنيا والآخرة . فقد ورد الخبر عن محمد بن عبيدة قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا لا أسأله عن الرؤية وما ترويه العامة والخاصة ، وسألته أن يشرح لي ذلك . فكتب بخطه : اتفق الجميع لا تمانع بينهم أنّ المعرفة من جهة الرؤية ضرورة ، فإذا جاز أن يُرى الله عزّ وجلّ بالعين وقعت المعرفة ضرورة ، ثمّ لم تخل تلك المعرفة من أن تكون إيماناً أو ليست بإيمان ، فإن كانت تلك المعرفة من جهة الرؤية إيماناً فالمعرفة التي في دار الدنيا من جهة الاكتساب ليست بإيمان ، لأنها ضده فلا يكون أحد في الدنيا مؤمناً لأنهم لم يروا الله عزّ وجلّ، وإن لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيماناً لم تخل هذه المعرفة التي من جهة الاكتساب أن تزول أو لا تزول في المعاد ، فهذا دليل على أنّ الله عزّ وجل لا يُرى بالعين إذ العين تؤدي إلى ما وصفناه . وهذا أتم دليل على عدم جواز رؤية الله تعالى بالعين لا في الدنيا ولا في الآخرة . (التوحيد : 110 ح 9 باب ما جاء في الرؤية ، بحار الأنوار 4 : 57 33 باب نفي الرؤية وتأويل الآيات فيها ) .

فإن قيل: هي للخواص فى الدنيا والآخرة.

قلنا : هذا ينافي العدل، وهو ممتنع على الله أن يوجب المعرفة على العباد، ويخصّ بها البعض دون بعضٍ.

وأيضاً : يلزم من هذا الخصوص أن يكون المؤمن بالغيب أفضل من الرائي بالعيان ؛ لأنّ اللّه مدح المؤمنين بالغيب ، ولم يمدح طالب العيان، بل ذمّه في كتابه العزيز(1)، فلا فائدة لمدّعي العيان ولا مدح، فإذا انتفت الفائدة كانت الرؤيا عبثاً، واللّه لا يكون عابثاً إجماعاً ، فدلّ الدليل على عدمها .

وفي عدم الرؤية مصلحةٌ ظاهرةٌ للعباد، منها الملل إذ كان من لوازم الطبع البشري، فإنّ النظر غاية للمحبّة، ومع عدمه زيادة المحبّة والبقاء وعدم الملل،فرائى الكعبة ليس شغفه وحُبّه واشتياقه مثل من لا يرى ، وهكذا رؤية النبىّ صلی الله علیه و آله و سلم والأئمّة صلوات الله عليهم.

ص: 87


1- كما في قول بني إسرائيل لنبيهم : أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً .

وذكر في علل الشرايع مثل ذلك عن أهل العصمة(1)، فإنّا نجد فی انفسنا من ذلك، مثلاً قد رأينا من هلك بنظرة من مخلوق مثله ، وترك المأكول والمشروب، وهام في البراري والقفار، وجفا النوم على المهاد ، وخولط في عقله، وقد كان متلذذاً متنعّماً عاقلاً ، فسبحان مَن تلطّف بالاحتجاب عن عقول خلقه، و وأظهرهم على براهين ما لا يعلمون فيما يعلمون .

وقال: «وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ»(2)

وأيضاً ليس الرؤية من ضروريّات الدين إذا كان الإيمان بالغيب رضا اللّه ومدحاً للعباد ، ولأيّ شي نتكلّف ما لا يكلّفنا اللّه به في دار التكليف، وليس بالمفروض على الخلق الإقرار بها، بل صريح م الآيات النهي عنها(3).

ص: 88


1- علل الشرائع 1 : 9 ح 3 باب علّة خلق الخلق واختلاف أحوالهم
2- الذاريات : 21
3- ولمزيد الإطلاع على مبحث عدم إمكان رؤية الله تعالى ينظر المسلك في أصول الدين : 65 وما بعدها ، كشف المراد تحقيق الآملي) : 296 ، معارج الفهم في شرح النظم : 332 .

دليل خلق القرآن

ذهبت الأشاعرة أنّه غير مخلوق، وهو كلام نفساني قائم بالذات، حالاً فيها ليس بمسموع، قديماً غير حادث ليس بأمرٍ ولا نهي ولا خبر؛ فالكتابة مخلوقة والقراءة مخلوقة، وهو غير مخلوق(1). وحقيقة الكلام عند العقلاء هو اللفظ المسموع.

قلنا : كلّ كلامٍ له منطوق ومفهوم ، كقولك: «قُم» فهذا الكلام هو لفظٌ مركّب من قافٍ وميم، له معنى مفهوم وهو المراد، والمراد به القيام على المأمور به ، ولا يفهم للكلام معنى غير هذا.

وخالفت هذا المفهوم الأشاعرة وأثبتوا ما لا يعقل كما ذكروه وصرّحت به عقائدهم في كتبهم، وأخرجوا الكلام عن أسلوبه ومفهومه، لأنّ الأمر والنهي والخبر والاستخبار من أساليب الكلام ، فمن أخرجه عن أسلوبه فقد ادّعى بما لا تفهمه العقلاء وعليه البيان.

وذهبت الإماميّة: أنّه تعالى يوجد الكلام ويخلقه فيما يشاء(2)، والقرآن كلامٌ، والكلام غير المتكلّم، والكلام فعل اللّه وهو شيء، والإرادة والمشيئة أو جباه،

ص: 89


1- المواقف للإيجي ،2 : 128 ، وشرح المواقف للجرجاني ،8: 91 ، حكاه عنهم العلامة في كشف المراد ( تحقيق الآملي) : 289 ، ونهج الحق : 60 و 61 ، ومعارج الفهم : 307 ، وانظر الملل والنحل للشهرستانی 1 : 95
2- انظر كتاب المصابيح لأبي العباس أحمد بن إبراهيم :135 ، ومعارج الفهم : 307-311، وكشف المراد ( تحقيق الآملي) : 289

وكلّ ما سوى اللّه مخلوق، وإنّما تكون الأشياء بإرادته ومشيئته من غير كلام، ولا تردّد نَفَسٍ ، ولا نطق بلسان والكلام صفة كلام المتكلّم المخلوق ، ولا يجوز أن يكون صفة للّه تعالى، والكلام صفة محدثة كان اللّه ولا متكلّم.

وإنّما أضاف الكلام إلى نفسه لأنّه خالقه كقوله تعالى:«وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن روحِي»(1)وغير ذلك، تقول : كلّم هذا ولا تكلّم هذا، كقولك : يُريد هذا ولا يريد هذا، والكلام إنّما هو من صفات الفعل ، فلو كان الكلام من صفات الذات كان «لا يتكلّم» صفةً ناقصةً ، وهو ممتنعٌ في شأن الذات المقدّسة.

قال تعالى:«وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً»(2).

وقال في شأن الكفّار «وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(3).

فكان هذا من قبيل الرضا والغضب؛ رضي اللّه سبحانه وتعالى فكلّم موسی تكليماً، وغضب على الكفّار ولم يكلّمهم.

وفي الخبر: رضى اللّه ثوابه، وسخطه عقابه(4). لأنّ المخلوق أجوف معتمل مركّب للأشياء فيه مدخل ، والخالق لا مدخل للأشياء فيه فيهيّجه الغضب وينقله من حال إلى حال، والفرق بين صفات الذات وصفات الفعل أنّ كلّ شيئين متناقضين وصفت الذات بهما وكانا جميعاً في الوجود فهما صفة الفعل.

وبيان ذلك : أنك أثبتّ في الوجود ما يريده وما لا يريده، وما يرضى

ص: 90


1- الحجر : 29 ، سورة ص : 72.
2- النساء : 164
3- آل عمران : 77.
4- التوحيد : 169ح 3

وما لا يرضى وهو سخط، وما يتكلّم وما لا يتكلّم، وما يشاء وما لا يشاء، وما يضلّ وما لا يضلّ، ومن يهدي ومن لا يهدي، وقس على ذلك، فهذه كلّها أفعال مُحدّثة، وهذه صفات للفعل، فلو كان الإرادة وغير ذلك التي هي صفات للفعل هي صفة لذات اللّه تعالى كالعلم والقدرة كان ما لا يريد ناقضاً لتلك الصفة.

ألا ترى أنّا لا نجد في الوجود ما لا يعلمه اللّه وما لا يقدر عليه، وكلّ صفة لها ضدٌّ في الخارج فهي محدثة، ولا يجوز أن يقال : يقدر أن يكون ربّاً ويقدر أن لا يكون ربّاً وهكذا ، فالذات العليّة لا توصف بعجز ولا ذلّة ؛ فكلّ صفة ثبوتيّة وصفت بها الذات فهي عينه ذاتٌ أزليّة، أي لفظاً غيره، وإنّما تعدّدت الأوصاف والموصوف واحد ، تقول : شيء موجود ، ولا يجوز وصف ما ليس له وجود.

قال تعالى:«وَلِلَّهِ الأسْماءُ الْحُسْنَى»(1)، فالأسماء غير اللّه، وكلّ صفةٍ وَصَفْتَ بها الفعل فهي حادثةٌ، وهي غيره ؛ لأنّ الفعل ما صدر عن فاعل مقرون بأحد الأزمنة الثلاثة، والصفة وصفٌ ما بالذات من الكمالات، وفي ذات الواجب من غير كَيْف ، فصفة الفعل غير صفة الذات.

فإن اعترض معترضٌ وقال : إذا كان اللّه خلق الأشياء بالمشيئة فممّ خلق المشيئة ؟ هل خلقها بمشيئة أُخرى فيلزم التسلسل، وهو باطل ؟

قلنا : المراد بالمشيئة هي وقوع الأثر من المؤثّر مع الإرادة، فلا فائدة لخلق مشيئة أُخرى.

ص: 91


1- الأعراف : 180

قال تعالى:«إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ»(1).

وفى الدعاء المأثور في الصحيفة الكاملة : «ذَلَّتْ لِقُدْرَتِكَ الصِّعَابُ ، وَتَسَبَّبَتْ بِلُطْفِكَ الأسْبَابُ ، وَجَرَى بِقُدرَتِكَ الْقَضَاءُ ، وَمَضَتْ عَلَى إِرَادَتِكَ الْأَشْيَاءُ فَهِيَ بِمَشِيئَتِكَ دُونَ قَوْلِكَ مُؤْتَمِرَةُ ، وَبِإِرَادَتِكَ دُونَ نَهْيِكَ مُنْزَجِرَةُ»(2).

قلنا : قد تحقّق العقل وورد النقل أنّ الإرادة من الخلق الضمير فيما يبدو لهم من الفعل(3)، وأمّا من اللّه فإرادته إحداثه لا أنّه يضمر ويُفكّر أو يهمّ - بل إرادته إيجاد الفعل، وهي الأمر بقوله «كُن» لا بتردّد ،نفسٍ، وشقّ فهم، بل هي مشيئة إلهيّة يحصل بها إيجاد العين من العدم ؛ فالأشياء مخلوقة بالمشيئة لا تحتاج إلى مشيئة أخرى، لأنّها نسبةٌ إضافية بين المشيء والشائي، ويحصل بوجودها العين(4)،

وهي وقوع الأثر من المؤثّر، لأنّ الواجب نفس إدراكه شيئاً للمدرك في الخارج، لأنّا له كالمصوّر لصورةٍ، فالعبارة يقصر عن إدراكها الفهم، والإشارة تكفي السليم.

والحاصل : إنّ القرآن شيءٌ محدث، لا يقال : إنّه معنىٌ قائم بالذات، واللّه شيء لا كالأشياء، فمن قال : إنّه غير مخلوقٍ فقد قال بخالقين، لأنّه أثبت شيئين قديمين، وهذا باطل مضمحلّ.

وإن أراد الخصم أنّه عين الذات فلم نسمع أنّ أحداً قال : هذا عبد القرآن، وهذا عبد كلام اللّه أو مخلوق ،القرآن بل تنكر الناس على القائل بهذا.

ص: 92


1- یس : 82
2- الصحيفة السجادية : 67
3- الكافي 1 : 109 ح 3 ، التوحيد : 146ح 17 ، بحار الأنوار 3 : 196 .
4- انظر بحار الأنوار 4 : 146 ذيل ح 20 .

وإن أراد أنّه اسم صفةٍ هي قائمة بالذات لا هى هو ولا غيره كما ذهبت إليه الأشاعرة(1)فقد نسب النقص للذات، فلم نسمع أحداً من المذاهب قال : إنّ اللّه هو القرآن، مثل إنّ اللّه هو العليم، ولا أحدٌ قال : إنّه صفةٌ من صفات الله كالصفات الواردة في القرآن، بل يُسمّون عبد الرحمن، أو عبد الرحيم، أو غير ذلك، وقد قال تعالى في كتابه العزيز: «مَا يَأْتِيهِم مِن ذِكْرِ مِن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ» (2)، وكل مُحدَث مخلوق.

فالقرآن أوامر ونواهٍ، وأحكام وأخبار وقصص وآثار، ووعدٍ ووعيد، وذكر لأُولى الألباب، وحديث شاهد بالأحداث.

قال تعالى: «مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ»(3).

وقال تعالى: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»(4).

وقال : «قُرْآناً عَرَبيّاً غَيْرَ ذِي عِوَج»(5)، فوصفه اللّه بالعربي.

وأيضاً : إنّ الكتب المنزلة على الأنبياء والصحف هي كلام اللّه ، فيلزم أنّه تارة تكلّم بالعربي، وتارة بالقبطي، والعربيّ أحسن من غيره.

قال تعالى:«نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ»(6).

وهذا يقتضي أن يكون كلام هو أحسن من كلامٍ وأبين وأفضل، فيكون قد وقع

ص: 93


1- كما حكاه عنهم العلّامة في معارج الفهم : 307 ، وكشف المراد (تحقيق الآملي) : 289.
2- الأنبياء : 2 .
3- يوسف : 111
4- الحجر : 9
5- الزمر : 28
6- يوسف : 3

في الوجود كلامين: أحدهما أحسن من الآخر، فالأفضل والأحسن لا يكونا إلّا صفة فعل تارة ناقصة وتارة كاملة ، فالأدون صفة ناقصة .

فامتنع أن يكون الكلام صفة للذات العليّة المنزّهة من النقص، وثبت أنّه صفة للفعل، والفعل محدث.

وقال تعالى:«وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً»(1)، وقال تعالى: «إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً، عَرَبِيّاً»(2).

والجعل هو الخلق، فهو تعالى يصرّح بخلق القرآن، وتأبى العقول الفاسدة ذلك.

وقال تعالى:«تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ تَتْلُوهَا عَلَيْكَ بالحَقِّ»(3)، والآيات غير اللّه.

وقال تعالى:«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ»(4)والذكر غير اللّه .

وقال تعالى:«وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ»(5)، والمُنْزَل غير اللّه، وقال تعالى: «وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هُؤُلَاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ»(6).

وقال تعالى:«ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَالُ لِّمَا يُرِيدُ»(7)، ولم يقل : ناطق أو متكلّم بما يريد، وقال تعالى :«هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ»(8).

ص: 94


1- فصلت : 44
2- الزخرف : 3
3- البقرة : 252
4- الحجر : 9
5- القصص : 87
6- العنكبوت : 47
7- البروج : 15 و 16
8- الجاثية : 29

وقال تعالى:«مَا نَنَسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا»(1)، والمنسوخ غير اللّه.

وإن زعموا أنّه ناطق في آنٍ لزم أنّه صامتٌ في آنٍ، متكلّم إذا شاءَ، غير متكلّم إذا شاء، فقد أثبتوا في الوجود شيئين، أحدها أكمل من الآخر، وهما ممتنعان في شأنه تعالى، جائزان في غيره، فثبت أنّهما من صفات الفعل، وفعل اللّه غير اللّه تعالى، والنطق من لوازم الجسم المجوّف الذي يتردّد فيه الهوى من جهةٍ يصعد منها تقطيع الحروف المعبّرة عمّا في الضمير، فإنّ كلّ حرفٍ تلفظه به يبرز قبل الآخر، وهكذا إلى أن تستكمل الكلمة، وهذا من لوازم الجسم.

قال الشاعر :

إنَّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما *** جُعِل اللسان على الفؤاد دليلا(2)

وأيضاً :يلزم منه الحركة والسكون ، وهما من لوازم الجسم، وهما ممتنعان في شأن خالقها.

وقد ردّ اللّه على مَن زعم ذلك بقوله:«اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُواً أَحَدٌ»(3). والصمد من معانيه الذي لا جوف له(4)، ولم يسمع أحد من المسملين وصف اللّه تعالى فقال : هو الصامت، هو الناطق، هو المتحرّك، هو الساكن، بل قالوا هو الموجد الماجد الخالق البارئ المُصوّر. ويكفيك دليلاً أنّ

ص: 95


1- البقرة : 106
2- تفسير الرازي 1 : 20 ، المحصول 2 : 27 ، المستصفى : 80
3- الإخلاص : 2-4
4- التبيان للشيخ الطوسي ، مجمع البیان 10 : 487 ، تفسير مقاتل بن سلیمان 535:3، تفسير القرآن لعبد الرزاق الصنعاني 407:3 .

الجمادات تنطق بقدرته، وتشهد الألسن والأرجل والأيدي والأعمال ببديع فطرته، خاضعة لربوبيّته ، مقرّة بوحدانيّته ؛ فسُبحان من لا يعلم كيف هو إلّا هو(1).

وينبغي للعاقل التسليم عمّا لا يدركه عقله ولا فهمه، ويعرض عن شيء لم يكلّفه اللّه تعالى به، بل لم يكلّف الأنبياء والملائكة لعجز أوهامهم عن إدراك كنهه ؛ فمن أتبع فكره في هذا جُهداً فقد ازداد من اللّه بُعداً.

والحاصل أنّ الكلام وغيره هو أثر ما في الذات المقدّسة من العلم المخزون المكنون.

قال تعالى:«تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْل هَذَا».(2)، فإنّ الحروف أثر اللّه تعالى، كما أنّ كلامنا أثر ما في النفس الذي صوّرته الإرادة الفكريّة الذي لولا ظهوره ما اطّلع عليه أحدٌ، ولا يعلمه ولا يدريه، فالكلام هو معنى ما في الضمير، فكلّ ما هو في الوجود أثر للّه والأثر غير المؤثّر فإن عنت الأشاعرة غير هذا فقد أزرت (3)على عقولهم البهائمُ، وإن وافقت فالنزاع لفظيٌّ وسقط الخلاف.

وإن كان المراد بالقرآن قدم الحروف والهجاء فكان اللّه ولا شيء معه، وإن كان المراد أنّه في علمه تعالى فلا كلام، فإنّ العلم غير المعلوم، فلمّا أراد أوجد المعلوم، فاللّه تعالى عالم بالشيء قبل إيجاده ولا ريب أنّه تعالى عالم، وأنّه

ص: 96


1- مقتطف من حديث الإمام الصادق كما في التوحيد للصدوق : 98 ح 4 باب أنّه عزّ وجلّ ليس بجسم ، بحار الأنوار 301:3 35.
2- هود : 49
3- أي عابت .

متمكّن من إيجاد الأشياء لا من شيء، فعلمه قبل كون الشيء كعلمه به بعد كونه، لم يزل ربّنا والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع، والبصر ذاته ولا مُبصر، والقدرة ذاته ولا مقدور.

فلمّا أحدث الأشياء وقع من العلم على المعلوم، والسمع على المسموع، والبصر على المُبصر، والقدرة على المقدور، لأنّ التعلّق المعنويّ ثابت في الذات بلا كيفٍ، فهو عالم بالقوّة، والمعلوم ليس في الأزل والأشياء كلّها في علمه، ولو لم يكن كذلك لكان أوجد ما لا يعلمه وما لا يعلم صفة ناقصةٌ، وهي في شأنه ممتنعة، لأنّه عالم بالممكنات التي يصحّ عليها الإيجاد والعدم. فعلمه بالوجود كعلمه بالعدم، لأنّ الفاعل المختار إن شاء فعل وإن شاء ترك.

وقوله تعالى في حق الكفّار :«وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّؤُنَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ»(1)، فقوله :«بما لا يعلم» هذا إنكارٌ على الكفّار ليس له صفة ناقصة . وإنّما الشيء الذي هو ممتنعٌ الوجود لا يعلمه، وما ليس في العلم لا يكون مثل الشريك والصاحبة والولد الذي لا كان في علمه ولا يكون فدلّ الدليل أنّ كلّ شيء يكون أو هو كائن فهو في علم الله قبل إيجاده، وإنّه سبحانه لا يوجد إلّا ما هو عالمٌ به، فأنكر سبحانه وتعالى على الكفّار مع علمه بكفرهم قبل إيجادهم.

ولا يجوز أن يقال : إنّ اللّه يوجد ما لا يعلم وما لا يقدر ؛ لأنّ ما لا يقدر وما لا يعلم غير موجود في الوجود.

ص: 97


1- يونس : 18

ولا يجوز أن يقول: لا يوجد ما لا يرضى ولا ما لا يحبّ ؛ لأن ما لا يرضى وما لا يحبّ موجودٌ في الوجود، وهما من صفة الفعل لا من صفات الذات، فما يرضى وما لا يحبّه من أفعال العباد الصادرة باختيارهم التي ضرّها عائدٌ إليهم، ولو كان كذلك كان مقهوراً، تعالى اللّه عن ذلك.

ولا يجوز أن يقول : الحمد للّه منتهى علمه، بل يقول: منتهى رضاه(1)؛ لأنّ الرضى من صفات الفعل، ولا انتهاء لعلم اللّه وغير ذلك من الصفات، فإنّ العلم والقدرة هي عين الذات.

ويجوز أن يقول: الحمد للّه منتهى كلماته ومنتهى حروفه ؛ لأنّ الكلام له ابتداء وله انتهاء، فدلّ أنّه مخلوق ،ابتداؤه الكلام وانتهاؤه السكوت، وهما مخلوقان.

وورد في الخبر عن أبي جعفر الصادق علیه السلام قال : تعلّموا القرآن فإنّ القرآن يأتى في أحسن صورة يوم القيامة ويشفع لقارئه، ويلبس من النور والجمال ما لا صف، ثمّ ينتهي إلى ربّ العزّة فيخرّ تحت العرش فيناديه تعالى: يا حجّتي في الأرض وكلامي الصادق الناطق، ارفع رأسك وسَلْ تُعْطَ، واشْفَعْ تُشفّع، فيرفع رأسه فيقول اللّه تبارك وتعالى : كيف رأيت عبادي ؟

فيقول : يا ربّ، فيهم مَن صانني وحافظ علَيّ ولم يضيّع شيئاً، ومنهم من ضيّعني واستخفّ بحقّي وكذّبني ، وأنا حجّتك على جميع خلقك. فيقول تعالى : وعزّتي وجلالي وارتفاع مكاني لأُثيبنّ عليك اليوم، ولأُعاقبنّ عليك اليوم . ثمّ يتكلّم القرآن.

ص: 98


1- وفي ذلك رواية في الكافي 1 : 107 ح 3 في باب صفات الذات، عن صفوان ، عن الكاهلي ، قال :كتبت إلى أبي الحسن الا في دعاء : الحمد اللّه منتهى علمه، فكتب إلى : لا تقول : منتهى علمه فليس لعلمه منتهى ، ولكن قل : منتهى رضاه .

فقال رجل للإمام علیه السلام: يتكلّم القرآن ؟!

فتبسّم وقال : يا سعد، والصلاة تتكلّم، ولها صورةٌ تأمر وتنهى(1)، الحديث اختصرناه للمطلوب.

فإذا كان القرآن له صورة ويشفع في المسلمين كيف لا يكون مخلوقاً(2).

ص: 99


1- الكافي 2 : 596 ح 1 ، وسائل الشيعة 6 : 165 ح 1.
2- أقول : قد جمعنا الروايات الواردة في شأن ظهور القرآن في أحسن صورة يوم القيامة في كتاب الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم وفضائل القرآن الكريم ، وفصلنا البحث ووسعناه في كتاب ظهور الحقائق أو انقلابها .

دليل العدل

اشارة

العدلُ هو وضع الشيء في محلّه.

اعلم أنّ اللّه سبحانه وتعالى أمر بالعدل، وذلك بفضله وكرمه، ووصف به نفسه؛ فالعدل له طرفان طرف وعدٍ، وهو واجبٌ بإجماع المسلمين، وطرف وعيدٍ، وهو جائز ،بالإجماع ، واللّه لا يفعل القبيح، ولا يخلّ بالواجب، ولا يجوز عليه خلف الوعد، ويجوز خلف الوعيد(1).

وقالت الأشاعرة بجوازهما، أي يجوز أن يُدخل اللّه الكافر الجنّة، والمؤمن النار، لأنّهم عباده، وللّه في عباده ما أراد وليس بظلم؛ لأنّ الظلم هو التصرّف في ملك الغير، والله مالك كلّ شيء، والمالك له الاختيار في عباده(2).

قلنا : صحيح أنّ المالك له التصرّف والاختيار في عباده ، ولا يجب عليه شيء بالقهر بل بالفضل،«لَا يُسْتَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْتَلُونَ»(3). ولكن أوجب على نفسه العدل والوفاء بالوعد وأخبر به عباده واستحسنه لهم وكرّه إليهم الظلم وخلف الوعد، فقال :«إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ»(4).

ص: 100


1- انظر الاعتقادات للشيخ الصدوق : 67 ، بحار الأنوار 115:66 ، مرآة العقول 193:7 ، القول السديد في شرح التجريد : 384.
2- ذكر ذلك الرازي في مفاتيح الغيب 467:12 ، والإيجي في المواقف 3: 286283 ، وحكاه عن الأشاعرة العلّامة في معارج الفهم :405 ، ونهج الحق : 72 - 77 ، وكشف المراد (تحقيق الأملي) : 305 ، والمجلسي في بحار الأنوار 64 121 .
3- الأنبياء : 23
4- آل عمران : 9 ، الرعد : 31

وقال:«فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَه»(1).

وقال:«إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَر»(2).

وقال: «الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ»(3).

وقال:«َبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ»(4).

وقال:«وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ»(5).

وقال:«وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ»(6).

وقال:«وَمَا رَبُّكَ بِظَلامِ لِلْعَبِيدِ»(7).

وقال:«وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ»(8).

وقال:«وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً»(9).

وقال:«مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامِ لِلْعَبِيدِ»(10).

ولو لم يفِ بالوعد لبطل الدين ،والشرايع، وجاز الكذب على الأنبياء وعليه

ص: 101


1- إبراهيم : 47
2- النحل : 90
3- غافر : 17
4- الصف : 3
5- غافر : 20
6- غافر : 31
7- فصلت : 46
8- يونس : 55 و...
9- النساء : 122
10- سورة ق : 29

سبحانه وتعالى، وهو قبيح ممتنع عليه، حقیق به غيره، وبطل الثواب ، لأنّ المؤمن الموعود بالجنّة أخلفه وأحرم الثواب، وهذه مفاسد على من اعتقد هذا، والظلم لا يجوز على اللّه تعالى من وجوهٍ.

الأوّل : أنّه قبيح، والقبيح على اللّه ممتنع .

الثاني : أنّه ذمّ فاعله ولعنه وغضب عليه، فلا يجوز أن يفعل القبيح الذي لا يرضاه لعباده ؛ لأنّ الغنيّ لا يظلم ، فلو ظلم كان محتاجاً، والمحتاج لا يكون إلهٌ.

فائدةٌ:

سألني رجلٌ من أهل الخلاف عن الأعمال الصادرة من المكلّف، هل هي من الروح أم من الجسد ؟ فإن كان الجسد مقهورٌ للروح فعذابه مع الروح في المعصية

جور.

قلنا: الحقِّ أنّ الأفعال الصادرة من المكلّف مشتركة بين الروح والجسد، لأنّ الروح إذا همّت بأمرٍ لم تستطع إلّا بالآلة والبرهان، إنّ اللّه سبحانه وتعالى عالمٌ بما يصدر منهما قبل إيجادهما، فجعل لكلّ روحٍ طينة تناسبها، كطينة الأنبياء لا تصلح إلّا لأرواحهم الطاهرة ، والعدل يقتضي ذلك، والحكيم العالم لا يفعل غير ذلك، والأخبار دالّة على تعذيبهما معاً (1).

[عودة إلى مبحث خلق الأعمال ]

وإنّما الخلاف واقع في الأثر الواقع من المكلّفين، هل هو من العبد أو من اللّه تعالى؟

ص: 102


1- يظهر ذلك من جميع الآيات والروايات الدالة على جسمانية المعاد وروحانيته.

فذهبت الأشاعرة أنّ فاعليّة العبد كحركة اليمنة دون اليسرة أمر جائز، فلابدّ من إسنادها إلى أمرٍ واجب وهي إرادة اللّه، فلزمهم القول بالجبر، فقالوا: إن اللّه خلق فی العبد قدرة مقارنة لقدرة اللّه تعالى ساكنة غير متحرّكة هي الإرادة ليس لها أثر، وإنّما الأثر لقدرة اللّه ؛ فالأفعال التي تصدر من الإنسان مسندة إليه مجازاً لا حقيقة .

وقالوا : ليس للعبد إلّا الكسب، وفسّروا الكسب بصرف الإرادة إلى الفعل من غير أثر، والمؤثّر لذلك الفعل هو اللّه(1).

والقائل بالكسب من متأخّري الأشاعرة، حيث عرفوا أنّ الأوائل ذهبوا إلى مذهب الجبريّة، فقالوا بالكسب مع اعترافهم أنّ المؤثّر هو اللّه وليس للعبد أثر، وأنّ إسناد الأفعال إلى العبد مجازاً ،وتأدّياً، وهكذا كلّ ما ورد في القرآن وفي الأحاديث كقوله تعالى : «مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ»(2)، و : «مَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً یَرَهُ»(3).

وقوله :«مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً»(4).

وقوله صلی الله علیه و آله و سلم في الدعاء : «والشَّرُّ ليسَ إليك»(5).

ص: 103


1- شرح المواقف للجرجاني 187:8 ، وحكاه عنهم العلّامة في معارج الفهم : 408 ، ونهج الحق :408 101 و 102 ، وكشف المراد ( تحقيق الآملي : 308 ، نهاية المرام في علم الكلام 3: 90
2- فصلت : 46
3- الزلزلة : 8.
4- النساء : 123
5- حكاه الكليني في الكافي ،3 : 310 ح 7 ، والصدوق في من لا يحضره الفقيه 304:1 - 916 ، والطوسي في تهذيب الأحكام 2 : 67 ح 11 ، والعاملي في وسائل الشيعة 6 : 24 ح 1 عن الإمام الصادق علیه السلام.

هذا كلّه مجازاً.

وسمّوا القائل بتمليك الأسباب والأثر لقدرة العبد قدريّة مع اعترافهم إنّ اللّه عزّ وجلّ خلق للعبد قدرة ولكن ليس لها أثر، وقالت الإماميّة : إنَّ الأثر لقدرة العبد المخلوقة فيه التي ملكه إيَّاها ربّه تعالى بفضله وكرمه ، وبها حصل له الجزاء الاختياريّ(1).

فيا ليتهم قالوا بأثر قدرة العبد وسلموا من إسناد القبائح إلى ربّ العباد، ولم يؤولوا الآيات القرآنيّة ولا يصرفوها عن ظاهرها، ونزّهوا اللّه تعالى قدره عن ظلم عباده وعن ارتكاب القبيح.

فيا ليت شعري لو أنصف العاقل، ونظر بعين الحقيقة إلى قدريّة هذه الأُمّة ومجوسها، يجد أيّ الفريقين أحقّ بهذا الاسم القائل بأنّ القدرة في الخير والشر بقدرة اللّه أو بقدرة خلقها اللّه فى العبد بتمليك الله له إيّاها هي مؤثّرة؟

لأنّا نقول : هذه الدار بناها فلانٌ، وصنعة فلان أحسن من صنعة فلان، ولم ننكر أن قدرته ليست مخلوقة للّه، وصدّقنا قوله تعالى:«فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ»(2)أي الموجدين لعلمه أن لا موجد سواه، لأنّ الصُّنع غير الإيجاد الحقيقي ، فالصنع من الخلق تمليك قدرة، لا إيجاد عين، فإنّ كلّ صانع غير اللّه ركب صنعته من أجزاءٍ؛ اَللّهُ مملكها وموجدها ، فإنّ الحول والقوة للّه تعالى، ولا نقول : إنّ الأثر مخلوق للعبد ، ونعنى بالأثر خلق العين، كولد الزنا والقتل وغير

ص: 104


1- انظر معارج الفهم :408 ، وكشف المراد ( تحقيق الأملي) : 308.
2- المؤمنون : 14

ذلك بالآلة؛ لأنّ الآلة مخلوقة للّه تعالى والعالم اثنان أعيان وأعراض وهما مخلوقان للّه .

وإنّما نعني بالأثر فعل الحركة الصادرة من العبد مع القصد في أعمال الخير والشر، وتلك الحركة هي بقدرة العبد التي ملكها بفضل اللّه المخلوقة فيه بإذن اللّه

لإثبات الحجّة ، وليس هذا التمليك واجبٌ على اللّه، بل فضلاً منه ، فإنّ اللّه لا یجب عليه شيئاً إلّا بالفضل ، فهو إذا أوجب شيئاً على نفسه لا يخلفه، لأنّ الخُلف قبيحٌ، والحسن والقبح عقليّان، فالظلم وأنواع القبايح منزّه ربنا جلّ اسمه عن فعلها والأمر بها.

والتنزيه عن القدرة مع القدرة أولى بجنابه، لأنّ القادر ينزّه نفسه عن مقدورات خلقه مع القدرة(1).

[امتناع خلف الوعد منه تعالى]

ولنرجع إلى ما نحن فيه: والظلم عجزٌ وضعف، ولا يحتاج إليه إلّا الضعيف الذي يخاف الفوت واللّه قويٌّ لا يعجل ولا يفوته شيء، وهما من صفات المخلوق المبتلى ، وكما أنّ الظلم ممتنع عليه تعالى أيضاً خلف الوعد ممتنع عليه لوجوه:

ص: 105


1- وفي ذلك لهم رواية ، فقد نقل السيد ابن طاووس عن عبد المحمود أنه قال : ومن الحكايات المأثورة فى ذلك ما رواه جماعة من علماء الإسلام عن نبيهم محمد أنه قال : لعنت القدرية على لسان سبعين نبياً . قيل : ومن القدرية يا رسول الله ؟ فقال : قوم يزعمون أن الله سبحانه قدر عليهم المعاصي وعذبهم عليها . الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : 344 ، الصراط المستقيم 64:3 ، بحار الأنوار 5 : 47 ح 73 وج 5 : 82) .

الأوّل : الكذب وهو عين القبيح.

الثاني : العجز عن الموعود به.

الثالث : البخل وهو عليه ممتنع ، لأنّ مخلف الوعد إمّا عاجز عن الوفاء بالموعود به أو حريصٌ، وهما عليه ممتنعان، والتنزيه أولى في حقّ الغنيّ الكريم الصادق .

الرابع : أنّ مخلف الوعد مذمومٌ، والذمّ عليه تعالى ممتنع .

وخُلف الوعيد جائز عقلاً ونقلاً، وصاحبه ممدوحٌ، لأنّ خلفه هو عين العفو، لأنّ الكريم إن عفا فبالفضل ، وإن عاقب فبالعدل، والفرق بين الوعد والوعيد كالفرق بين الكسب والاكتساب فى قوله تعالى: «لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ»(1).

وذكر صاحب الكشّاف : أنّ في القرآن ألف آية وعدٍ وألف آية وعيدٍ.

وفي الدعاء المأثور عنهم علیهم السلام:«يا من إذا وعد وفى ، وإذا توعّد عفا»(2).

وأجمعت الإماميّة على جواز خلف الوعيد وعدم جواز خلف الوفاء بالوعد(3).

ص: 106


1- البقرة : 286
2- مصباح المتهجد : 229 و 566 ، إقبال الأعمال 1 : 329 ، جمال الأسبوع : 194.
3- الاعتقادات للشيخ الصدوق : 67 ، بحار الأنوار 115:66، مرآة العقول 193:7 ، القول السديد في شرح التجريد : 384 .

دليل بطلان الجبر والتفويض ، ونسبة الأفعال الصادرة من العباد إلى الله تعالى

اشارة

ذهبت الأشاعرة إلى أنّ الحكيم العادل قد أجرى على أيدي العباد الأفعال بقدرته، وعذّبهم عليها (1).

وقالت المفوّضة وهم المعتزلة : أن ليس للّه صنعٌ فى فعل العبد(2).

ووجه بطلان قول الجبرية بديهيٌّ ظاهر لكل عاقل؛ لأنّ الجبر إجراء الشيء على خلاف إرادة العبد ، فإذا كان كذلك بطل الثواب والعقاب، وكان المحسن أولى بالذمّ والعقوبة، والمذنب أولى بالمدح والثواب على ما مرّ لك في السابق وحقّقناه.

وأيضاً: مرّ لك أنّ الجبر من فعل العابث الضعيف المحتاج، الذي يخاف الفوت، وهو لا يخلو من حالات : إمّا كان جبره لحاجةٍ أو عابثاً، وهما ممتنعان في شأن الغنى المالك.

وأيضاً هو قبيح ومذموم فاعله ، وقد نهى المالك عباده عن فعل القبيح، وقبيحٌ على الحكيم أن ينهى عباده ويرضاه لنفسه ؛ فبطل الجبر لقبحه وذمّ فاعله.

[ بطلان التفويض ]

وأيضاً : التفويض بطلانه ظاهرٌ للعقلاء، فإنّ المالك إذا أهمل عبداً ولم يرشده

ص: 107


1- انظر تفسير الرازي 2:16 .
2- حكاه عنهم العلامة المجلسي في بحار الأنوار 5 : 82ح 1 ، وانظر المواقف للإيجي 3: 283 - 286

إلى الصواب ولم يلطف به ولم يُحبّ له الخير ويكره له الشرّ كان مُسبّباً غاشّاً، والغنيّ لا يحتاج إلى خلقه، ومن كان هذا فعله مع عبده فقد ظلمه، والظلم قبيحٌ، وهو ممتنعٌ على المالك الحكيم الرؤوف بعباده ، الرحيم بخلقه، الذي نهاهم عن ظلم بعضهم بعضاً، وعن إهمال ما يملكونه بفضله وكرمه، فهو أولى بالإحسان،

فلهذا حصرهم بالأمر والنهي، ومن حصرهم بالأمر والنهي لم يفوّضهم.

والتفويض باطلٌ من وجوهٌ ، فهو إمّا عجزٌ عن خلقه، أو لحاجةٍ، أو عبثاً ، والكلّ ممتنع على اللّه تعالى؛ فدلّ الدليل أنّ العباد غير مفوَّضين، فالأمر والنهي حصرٌ لهم، وابتلاءٌ من اللّه ابتلاهم ببلائه الحسن الجميل الذي عائدٌ نفعه إلى العباد.

قال تعالى : «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوا أَخْبَارَكُمْ»(1).

فالجزء الاختياري هو تفويضٌ في وقت الفعل لا مطلقاً، والتمليك قبل الحصر، وبه حصل الجزء الاختياري ؛ فالقصاص بعد التمليك عدلٌ.

فهو سبحانه جعل قلب عبده الذي هو منبع الإرادة والمشيئة بين مَلَكٍ يرشده إلى الخير، وشيطان مسلّطٌ عليه يدعوه إلى ضدّه، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب لتمام الحجّة، وحذّر وأنذر «وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ» (2)؛ فإن استعصم واهتدى فقد فاز، وإن غوى فقد هوى.

فالعبد إذا جعله سيّده آمراً على ملكه (3)، فاعلاً مختاراً فهو حاكم على نفسه،

ص: 108


1- محمد صلی الله علیه و آله و سلم : 31 .
2- النور : 54 .
3- في المخطوط : (مالكه) والأظهر ما أثبتناه ، ومراده أنّ المولى إذا جعل الإنسان آمراً على واحد من مملوكاته ؛ أي نفس المكلف ، فقد جعل الاختيار إليه . 1.9

فإن اختار الهدى وفّقه وجازاه بالرضوان والروح والريحان، والعيشة المرضيّة المخلّدة، وإن اختار الغواية فإن عاقبه فبالعدل، وإن عفى فبالفضل.

وحدوث الإرادة التي بسببها حصل للعبد الصدّ عن المعصية هي من اللّه ليست من الإنسان والإنسان مريد بالاختيار لا بالغلبة ؛ فكلّ إرادة لا تكون إلّا بإذن من

اللّه ، وهذا هو اللطف، فهو إمّا فوّضه على ما ملّكه من الجزء الاختياري الذي أراد اللّه أن يختبره به في الأمر والنهي في تلك الساعة ، وإمّا عصمه، فهو إمّا مَنَعَ نفسه فاستوجب المدح، وإلّا اتّبع الهوى واستوجب الذمّ ، فهو بين مشيئتين : إن شاء اللّه عصمه وإن شاء تركه.

والصدّ بين مشيئتين من مشيئة اللّه تعالى، فإن شاء اللّه تعالى في عبده بمشيئة الحتم فمشيئة العبد لا تُغالب مشيئة اللّه وإن شاء أوجده العزم وصرفه عن المعصية، ولا يقع من العبد حركة ولا سكون إلّا بإذن من اللّه وإرادةٍ ومشيئةٍ وكتابٍ وأجلٍ وإذنٍ ؛ فمن زعم غير هذا فقد كذب على اللّه ، أو ردّ على اللّه وهي المشيئة المرويّة في الأحاديث (1).

وكلّ ذلك فرع العلم منه تعالى، والعلم لا يكون علّة في أفعال المكلّفين كما ذهبت إليه الأشاعرة(2)، وكلّ شيء كان سابق في علمه فهو قادرٌ أن يدخل أهل النار بعلمه، لكن أراد ذلك إظهاراً لخلقه ليتّضح لهم حقيقة العدل ولذّة العفو ومزيد الفضل، وإلّا فهو سبحانه قادرٌ أن يعذّب العاصي بمجرد علمه تعالى،

ص: 109


1- انظر الكافى 1 : 150 باب المشيئة والإرادة .
2- انظر المواقف للإيجي 223:3.

ولكن كان يخفى على الخلق عدله وحكمته ورضاه وسخطه ولُطفه وهدايته وغير ذلك من الأسرار الإلهيّة.

وفي الجزء الاختياري الذي خلقه اللّه تعالى في العبد أسرارٌ وحِكَم وحججٌ وتفضّل وعدلٌ، فهو تعالى لم يوجب ذلك على نفسه ويتفضّل على عباده وإلّا فمن ينازعه في ملكه أو يعارضه في سلطانه، فهو يدخل النار ولا يبالي، ويدخل الجنّة ولا يبالى جعل له الجزء الاختياري للزوم الحجّة، وتنزيه جنابه عن فعل القبيح، فهو حصر العبد فيما أمره ونهاه، وهذا الجزء الاختياري ليس إهمالاً ، بل هو الاختيار.

وكان السبب في الاختيار هو إظهار الحجّة لمن لا يعلم، ومن يعلم لا يختبر، فعدله هو الاختيار ؛ فالعبد يختبر بالاختيار لا بالجبر والاختبار هو بالأمر والنهي، فإذا أخذ ما أعطى أسقط ما أوجب، ولا شكّ أنّ المشيئة التي في العبد هي مخلوقةً للّه فيه، مؤتمرة للّه، مملوكة له، ملّكها عبده، مأذون لها واقعة بعلمه تعالى، وليس هذا الإذن الذي هو من اللّه الواقع بعلمه كان رضاً من اللّه بالمعصية للعبد ، بل هو سخط بعد برهان وحجّة بعد تبيان، وإذن بعد إحسان، ولا على المنعم بعد التصريح والإعلان ظلمٌ ولا عدوان.

وفي هذا الجزء الاختياري الذي في العبد، حكمٌ وأسرار خفية على الأشرار، ظاهرةٌ للأخيار:

منها: انتفاع العاصي بالعفو بعد العصيان، والتكرّم بالجزاء بعد الخسران، والرحمة بعد الخذلان والشفاعة بعد استحقاق النيران.

ومنها : أن يكون العبد بين الخوف والرجاء.

ص: 110

ومنها : التفاضل في الدرجات، فلولا العاصي ما عُرِف المطيع ، ولولا الجاني لما عُرف الشفيع ، ولولا الجهل ما عُرِف العدل، ولولا الحوبة (1)ما عرفت التوبة، ولولا الاختيار ما عُرِف الاختبار ، ولولا التمليك ما عُرِف المليك ؛ فسبحان الملك المنّان الذي هو كلّ يوم في شانٍ.

ص: 111


1- الحوبة : الإثم ، يقال في الدعاء : ( اللهم اغفر حوبتي) أي إثمي، وفي الصحاح 116:1 الحوب بالضم : الإثم ، والحاب مثله ، وحبت بكذا أثمت

دليل خلق الخَلْق على أجزاء متفاوتةٍ

اشارة

اعلم أيّها الإنسان أنّ فيك انطوى العالم الأكبر، ومنك استمدّ العالم الأصغر(1)، وعليك جرى القضاء بما قدّر وسطّر، فأنت مظهر أسرار اللّاهوت، وأعظم آيات الملكوت، فخلق لك ما يُريد وأمرك به، ورضي لك الطاعة وأبغض لك ما لا يريد، ونهاك عنه لا مقهوراً ولا مغلوباً عليه، بل كان ابتلاءً حسناً جميلاً، كلّ ذلك إتقان صُنع وحكمة لعلمه تعالى أنّ خلقه لا تقوم بحقّ عبادته، ولا يؤدّوا شكر نعمته .

وأنّ منهم من لا يأتمر لطاعته، ولا يمنع نفسه عن معصيته، فقضى وقدّر، وحكم بسعادة قوم وشقاء آخرين، وذلك قبل خلقهم لعلمه تعالى أن لو كانوا كيف كانوا ؛ فالسعيد لا يشقى أبداً، والشقيّ تحت المشيئة؛ فمن خلقه سعيداً لم يعذّبه أبداً، وإن عمل شرّاً أبغض عمله، وإن كان شقيّاً لم يحبّه أبداً، وإن عمل

صالحاً أحبّ عمله.

قال تعالى:«وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ».(2)لعلمه تعالى بالتقصير عن طاعته لو كلّفهم واختبرهم حال أقدرهم على الجزء الاختياري ثمّ اصطفى منهم ما كان في سابق علمه، وذلك

ص: 112


1- جاء في ديوان الإمام علي علیه السلام : 154 أبيات من بحر المتقارب : أتزعَمُ أنّك جرمٌ صغيرٌ *** وفيكَ انطوى العالم الأكبرُ فأنت الكتابُ المبينُ الذي *** بأحرفه يَظهرُ المضمرُ وما حاجةٌ لك من خارج *** وفكرك فيك وما تصدرُ وانظر رياض السالكين : 219 ، التعليقة على الفوائد الرضوية : 159.
2- هود : 118-119.

عدلٌ منه تعالى، ولو شاء أكرههم على طاعته وصدّهم عن معصيته بقهره، وإنّما خلقهم للاختبار ، والمختبر لا يكون إلّا طائعاً باختياره لا مجبوراً ، فاختبرهم سبحانه وتعالى يوم أخذ الميثاق ، وأشهد ملائكته بلزوم الحجّة قبل خلق الأبدان بقوله تعالى:«أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ»(1). وما سُمّي الإنسان إنساناً إلّا لنسيه(2)، ولا ريب إنّه نسّاء، لأنّه ، نسي الولاية وتركها .

وكذلك بَعَثَ الأنبياء لتُذكّرهم بها في دار الدنيا لكمال الحجّة ، فأيّ حجّة للعباد بعد هذا على اللّه سبحانه . وفي الخبر: إنّ للّه على الخلق حجّتين: حجّةٌ ظاهرة، وهي الرسل، وباطنة وهي العقول(3)، وحديث الطينة (4)يوضّح ذلك.

وأيضاً : تفضيل الأنبياء بعضهم على بعض كان بالاختيار في الاختبار بحسب مقاماتهم، والاجتهاد في العبادات هو غير المباهاة، وعلى العباد التسليم لأم-ره والرضا بحكمه، وذلك لقصور عقولهم عن إدراك أسرار إرادته وفهم خفيّ مشيئته، فمن غاص بفكره في بحرٍ غزير غرق وعمي وضلّ طريق رشده، ومن سلم فقد اهتدى سبيل قصده.

وفي الخبر: إنّ اللّه خلق أجزاء بلغ بها تسعة وأربعين جزءاً، ثمّ جعل الأجزاء

ص: 113


1- الأعراف : 172
2- تاج العروس 1 : 102 .
3- الكافي 1 : 16ح 12 ، تحف العقول : 386 ، وسائل الشيعة 207:15ح 6.
4- علل الشرائع 2 : 606 - 610 ح 81 ، وعنه في بحار الأنوار 5 : 228 - 233 - 6 ، وج 64: 102 21 وقد فصل الكلام فيه السيد عبد الله شبر في مصابيح الأنوار في حلّ مشكلات الأخبار 1 : 26 ح 1 .

أعشاراً ، فجعل الجزء عشرة أعشار ، ثمّ قسّمه بين الخلق فجعل في رجلٍ عُشر جزءٍ، وفي آخر عُشري جزء حتّى بلغ جُزءاً تاماً، وفي آخر جزٌ وعشر جزءٍ، وآخر جزء وعشري جزءٍ، وآخر جزء وثلاثة أعشار جزءٍ، حتّى بلغ به جزأين تامّين، ثمّ بلغ كلّ واحدٍ نصيبه بحساب ذلك، حتّى بلغ بأرفعهم تسعة وأربعين جزءاً ؛ فمن لم يجعل فيه إلّا عُشر جزء لم يقدر أن يكون مثل صاحب العُشْرين، وكذلك صاحب العُشرين لا يكون مثل صاحب الثلاثة الأعشار ، وكذلك من تمّ له جزء لا يقدر أن يكون مثل صاحب الجزأين، ولو علم الناس أنّ اللّه عزّ وجلّ خلق هذا الخلق على هذا لم يلُم أحدٌ أحداً(1).

وفي الخبر: إنّ المؤمنين على منازل سبعة ، فإذا قسّمت كلّ التسعة والأربعين جُزءاً على السبعة المنازل خرج لكلّ منزلةٍ سبعة أجزاء(2).

وهذا لا يكون جبراً ، وإنّما هو بحسب القابليّة والاستعداد لعلمه تعالى وحكمته بما أودعه(3)، وهذا ظاهرٌ في العالم، ومن كان منزلته أعلى لا يكلّف من

هو دون منزلته إلى منزلته فيظلمه.

قال تعالى: «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا»(4).

ص: 114


1- الكافي 2 : 44 ح 1 باب آخر ، وسائل الشيعة 16 : 161ح 4 .
2- حكاه الكليني في الكافي 2 : 45 3 ، والعاملي في وسائل الشيعة 16: 163ح 6 ، والمجلسي في بحار الأنوار 66 : 167 ح 6 باختلاف في العبارة .
3- في المخطوط : (هو بادعه) والمثبت أنسب .
4- البقرة : 286 .

[اختار الله لنفسه ما أحبّ من خلقه ]

واعلم أنّ اللّه سبحانه اختار من خلقه لنفسه ما أراد وأحبّ، وهنا دليل أنتجه فكري القاصر، وهو فيضٌ إلهيّ وبرهان ناهي، سرّ من أسرار اللّه تعالى، وهو انّه تعالى لمّا كان لا يفعل القبيح ولا يخلّ بالواجب فقد عصم نفسه بنفسه، فهو معصوم لذاته، ولمّا كان كذلك أنزل كتاباً معصوماً من الخطأ، مُطهَّراً عن القبيح، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فاختار له ملكاً معصوماً مطهَّراً لا يفعل القبيح ولا يخلّ بالواجب ، أنزله على إنسان معصومٍ مطهَّر لا يفعل القبيح ولا يخلّ بالواجب، قابلٌ للخطاب وجعله نبيّاً، شرّفه على سائر الخلق، وأمرهم بطاعته و اتّباع شريعته والاقتداء بسنّته.

ولمّا كان النبىّ هو المخاطب من عند اللّه لا ينطق عن الهوى اختار اللّه له إنساناً معصوماً مطهَّراً ، أفضل الرعيّه، لا يفعل القبيح ولا يخلّ بالواجب، يبلغ عنه دينه ويوضّح لهم شريعته، وهكذا من ابتداء الخلق إلى قيام الساعة.

فالإشارة في قوله تعالى: «فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمُ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمُ ** إِنَّهُ لَقُرْآنُ كَرِيمٌ * فِي كِتَابِ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ»(1) أي من أهل العصمة، والمراد به التطهير المعنويّ.

وقال:«وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ»(2)، وقال: «بَلْ هُوَ قُرْآنُ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ» (3)، وقال: «بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتُ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ»(4).

ص: 115


1- الواقعة : 75-79
2- پس : 12 .
3- البروج : 21 و 22 .
4- العنكبوت : 49 .

وقال:«إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ»(1).

وهذه إشارات ورموز لا يفهمها إلّا من حفته العناية وحلّت قلبه الهداية.

قال تعالى:«إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ»(2).

وقال: «فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُلْكاً عَظِيماً»(3).

فالملك الجبّار القهّار لا يُكلّم إلّا من اصطفى من خلقه الذي هو قابلٌ للخطاب، كامل الصفات.

قال تعالى:«فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ»(4).

وأيضاً قال تعالى: «وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ»(5).

وأيضاً الإنسان الكامل لا يُكلّم إلّا من هو كذلك، فإنا نجد هذا في الملوك المخلوقة، فكيف ملك الملوك، فكان هذا التلقّي والتلقين في أهل العصمة من ابتداء الخلق خلفاً عن سلفٍ إلى يوم القيامة.

[استمرار الإمامة ]

فدلّ الدليل أنّ الإمامة لا تنقطع أبداً، ولا يستحقّها إلا المطهّرون من الرجس لوجوهٍ:

ص: 116


1- الأعراف : 196
2- آل عمران : 33.
3- النساء : 54
4- الجن : 26 - 27 .
5- الشورى : 51

[الوجه] الأوّل : أنّ اللّه يأمر بالعدل والإحسان، وفَرَضَه على العباد، وأمر الأنبياء أن يأمروا به الناس، ولا يجوز عليهم أن يقولوا ويأمروا بما لم يفعلوه فيستوجبوا الذمّ من اللّه تعالى.

قال تعالى: «كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ»(1).

وقال:«أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ»(2).

فدلّ الدليل أنّ الأمر بالعدل والإحسان لا يكون إلّا حقيقة خاصّاً بالمعصوم، مجازاً عامّاً فى المسلمين ؛ لأنّ المعصوم هو المخاطب الخاصّ الذي تلقّى الوحي بالتلقين من اللّه تعالى، وهكذا من أخذه الخاصّ يؤدّيه إلى الإنسان الخاصّ اللّايق للخطاب القابل لحمل الأمانة، فإنّ العلم المخزون المكنون أثر ما في الذات المقدّسة المعصومة ، فأوّل أثر وقع وأثره المؤثّر في قلب المعصوم هو ذلك الأثر؛ فالعلم المخزون مكنونٌ ، مخزونٌ مُرتسمٌ في قلب المعصوم ، لا ينمحي أبداً ولا ينساه أبداً، وما في أيدي الناس نقل عن ذلك الأثر ، فلهذا يعتريهم الخطأ والسهو والنسيان. مثال ذلك كمن رسم حروفاً على صخرة وطبع بها على قرطاسٍ؛ فالرسم غير الطابع ، فإنّه سريع الزوال.

والوجه الثاني : أنّ اللّه تعالى له لُطفٌ خاصّ، يخصّ به الخواصّ من عباده.

قال تعالى: «يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» (3)، فخصّ هؤلاء بالنبوّة والعصمة والوحي لحفظ الشرائع والأديان من أهل الشرك والعُدوان.

ص: 117


1- الصف : 3 .
2- البقرة : 44
3- البقرة : 105 .

قال تعالى:«يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ»(1).

وجعلهم الحجّة والوسيلة للعباد، والشفعاء لديه في يوم التناد، وكلّفهم تكليفاً خاصّاً بهم ، زائداً عن غيرهم من رعيّتهم مع تمليكهم الأسباب والجزء الاختياريّ طائعين غير مكرهين ، وإنّما اللطف يتداركهم ، والعناية تُلاحظهم، والرحمة تتغشّاهم. قال تعالى: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ»(2). فلو كانوا مجبورين على(3)ارتكاب القبائح لما استحقّوا الثواب، ولكان غير المعصوم الكاف نفسه عن المعاصي بالمجاهدة ومخالفة النفس عن الهوى أفضل.

قال تعالى: «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى»(4).

ص: 118


1- الصف : 8.
2- العنكبوت : 69
3- في المخطوط : (عن) والمثبت هو المناسب
4- النازعات : 40 و 41

دليل السهو الذي هو من لوازم الخَلْق

اشارة

اعلم أيّها الأخ إنّا تذاكرنا مع مخالفينا في العصمة وسهو الأنبياء، فتكلّم رجلٌ ثمّ قال: هل هم معصومون عن الخطأ والسهو والنسيان، مع أنّ القرآن مُصرّح بذلك كقوله تعالى:«وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ» (1)، وقول موسى :«لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ» (2)، وقوله في حقّ آدم«فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً» (3)وغير ذلك، وهذا صاحب كتاب الفقيه (4)أثبت سهو الأنبياء.

قلنا له : إنّ الأنبياء لا ينسوا ما عَلِموا ، لقوله تعالى لنبيّنا صلی الله علیه و آله و سلم :«سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ» (5)، فالنسيان ما زال عن الذاكرة، والسهو ما زال عن ؛ الحافظة ؛ فالنسيان نجده من أنفسنا، لأنّنا نسينا ما علمنا، وكثيراً ما نراه كذلك، ولا يجوز على الأنبياء لعدم الوثوق بقولهم . والنسيان قد يكون من الشيطان لقوله تعالى:«فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبَّهِ»(6)، وقول صاحب موسى :«فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَن أَذْكُرَهُ»(7)، والأنبياء لا يقدر عليهم الشيطان، فإنّهم لا يغفلون عن الذكر والعبادة.

ص: 119


1- الكهف : 24
2- الكهف : 73 .
3- طه : 115 .
4- مراده الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه المتوفى سنة 381 هجرية .
5- الأعلى : 6-7 .
6- يوسف : 42
7- الكهف : 63 .

وقد جاء في القرآن المجيد حكاية عن الشيطان، قال: «فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ»(1).

وقوله تعالى:«إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانُ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ»(2).

فلمّا كان كذلك امتنع عنهم النسيان .

وأمّا السهو فهو من لوازم الطبع البشري وكلّ مخلوق، لأنّ اللّه سبحانه لا يسهو ولا ينسى، وهو فوق طاقة المخلوق.

وعن أبي عبد اللّه علیه السلام قال له رجل: إنّ أهل بيت قدريّة يقولون : نستطيع أن نعمل كذا ونستطيع أن لا نعمل كذا. فقال له : قُل له : هل تستطيع أن لا تذكر ما تكره، وأن لا تنسى ما تحبّ ؟ فإن قال : لا ، فقد برّك ، وإن قال : نعم ، فلا تكلّمه أبداً ، فقد ادّعى الربوبيّة (3).

فإذا كان المخلوق يعجز عن هذين فالعجز من لوازم المخلوقين، فالسنة والنوم والزلّة والهفوة، وساعات الوقاع والكلام في المباحات، والأكل وغير ذلك فهو من السهو، فإنّ الأنبياء تعدّ هذا كلّه ذنباً بالنسبة إلى علوّ مقامهم ويعدّوه خطأ، لأنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين(4).

قال تعالى: «وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابُ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ*

ص: 120


1- سورة ص : 82 و 83.
2- الحجر : 42
3- التوحيد : 352 22 ، بحار الأنوار 5 : 39ح 60
4- حكاه الأردبيلي في زبدة البيان : 78 بلفظ «قيل ، وورد في شرح أصول الكافي 217:4 بلفظ قولهم ، وفي ج 9 : 242 بلفظ «قيل» .

رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ»(1) وكان ذلك هو السهو منه، واللّه قادرٌ لا يخلق السهو في الأنبياء مطلقاً، كما أنّه لا يخلق المعصية فيهم، ولكنّه من لوازم

الطبع البشري .

[من ثمرات السهو ]

وأيضاً : إنَّ في السهو من الأسرار والحكم الخفيّة ما لو تأمّلها البصير لشكر اللّه تعالى.

منها :نسيان الشرّ والمصائب وموت الولد وغير ذلك، فلو لم يَنْسَ لهلك وفيها تميز الخلق عن الحقّ (2)، فهو الذي لا يسهو ولا ينسى.

قال تعالى: «لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى»(3).

فالعصمة رتبة بين رتبتين، فوق رتبة الخلق ودون رتبة الحقّ.

ومنها استعظام العبادات، فإذا طرأ على الإنسان ذلك فهو اعتراف بالتقصير واستشعار للحياء، خصوصاً من كان يُعدّ ذلك ذنباً، ويتوقّع المعاتبة من المعبود،كقوله تعالى: «وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلُ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ».(4)وهنا عُوت صلی الله علیه و آله و سلم بالنسيان في الذكر لعلوّ ،مقامه، فربّما إنّ الغفلة والسهو والذهول والهفوة تعاتب فيه الأنبياء، ومرفوعٌ عن غيرهم، كما كان ذلك

ص: 121


1- سورة ص : 30-33
2- أي تميزت المخلوقات عن الحق سبحانه وتعالى
3- طه : 52 .
4- الكهف : 23 - 24

في الأُمم السابقة، كما عوتب يوسف بقوله لصاحبه:«اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ» (1)فنسي ذلك ، فلبث في السجن بضع سنين ، وكان سبب اللبث ذلك القول (2)، فلو ذكر اللّه في تلك الساعة كان أولى من ذلك، فكان هذا سهوٌمنه فعوتب بعد ذلك واتّضح له.

وما أحسن هذا السهو الذي هو عين الذكر من اللّه تعالى لعبده، وما ألذّ هذا العتاب الذي هو عين الاستعذاب . وقصّة داود (3)وسليمان (4)كذلك. وكلّما ورد عليك في القرآن والأحاديث في قصص الأنبياء واستغفارهم ورجوعهم إلى اللّه تعالى بالتوبة والإنابة ، فإنّه من هذا القبيل، فالعقاب لنا عذاب والعتاب لهم استعذاب،«وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامُ مَعْلُومُ»(5).

فمثل ابن بابويه رحمه اللّه وغيره من الأصحاب ظنّي اِن تكلّم بالسهو إنّما يعني به مثل ذلك ، لا ما زعمت العامّة واعتقدته في الأنبياء، ولا ينبغي لأحد أن يخوض في بحرٍ عميق لا يصل إلى قراره، ويدخل بين الخليل وخليله بما لا تستحسنه الأخلّاء في بعضهم، وهل يرضى الخليل في خليله بكلامٍ هو كالكلام، بل ينكر ذلك على الإجانب من الرقباء، فما بالك بالأنبياء المقرّبين، وكيف وهم معدن أسرار اللّه وخاصّته وأحبّاؤه وأخلّاؤه ؛ فالسكوت أولى.

والفرق بين سهونا وسهوهم أنّ سهونا ناشٍ عن أمور دنيويّة ووساوس شيطانيّة ، وسهوهم هو ناشٍ عن حالاتٍ ربّانيّه، ومقامات إلهيّة، وخطراتٍ

ص: 122


1- يوسف : 42
2- انظر قصص الأنبياء للراوندي 1: 333 وما بعدها .
3- انظر قصص الأنبياء للراوندي 2 : 25 وما بعدها .
4- انظر قصص الأنبياء الراوندي 2 : 45 وما بعدها : 164 .
5- الصافات. 64.

معنويّة، ومذاقات على العاقل غير خفيّة ؛ فمن ذاق عرف، ومن لم يذق كيف يصف ما لا يفهمه بما لا يدركه ، وما لا يناله بما لا يعلمه ؟ ومن لم يعتقد ما ذكرناه وتجاوز عمّا حدّدناه فقد جعل الأنبياء أرباباً من دون اللّه تعالى.

ويمكن أن يقال : إنّ المعصوم في حال العبادة مستغرق في معرفة اللّه تعالى خائفٌ منه، فتوجّهت الحواسّ الباطنة إلى الملكوت، فذهلت الأعضاء الظاهرة عن حالتها، فتداركها بالجبر الذي هو تعبّد آخر للّه تعالى، أو كان للتعليم أو سهوٍ فی طاعةٍ ، فهو عين الطاعة للفرق بين العبد والمعبود ، ولا نقص فيه كمن سهى في فعل طاعة وإنّه يثاب ومن سهى في معصية عفا اللّه عنه .

ويمكن أن حديث ذو اليدين (1)ورواية الحلبي في المعصوم (2)مخصوصة بالأعمال لا في الأقوال للتعليم، فإنّ الصلاة تعليمٌ، والأقوال تفهيمٌ، وقوله صلی الله علیه و آله و سلم :

ص: 123


1- ذو اليدين ابن عبد عمرو ، اسمه عمير أو عمرو ، من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، قد استشهد في بدر ، تكرّر ذكره في الروايات التي ورد فيها سهو النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم، ويقال له : ذو الشمالين أيضاً ( معجم رجال الحديث 24 110 / 15340 ، الكنى والألقاب 2 : 261) .
2- ذكرهما الكليني في الكافي 3 : 357 5 و 6. باب من تكلّم في صلاته أو انصرف قبل أن يتمها أو يقوم ، ونص رواية الحلبي عن أبي عبد الله علیه السلام قال : تقول في سجدتي السهو : بسم اللّه وباللّه ، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، قال الحلبي : وسمعته مرّة أخرى يقول : بسم اللّه وباللّه السلام عليك أيها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته . ونصّ رواية ذي اليدين عن سعيد الأعرج قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ سلّم في ركعتين ، فسأله من خلفه ؛ يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء ؟ قال : وما ذلك ؟ قالوا : إنّما صلّيت ركعتين ، فقال : أكذلك يا ذا اليدين ؟ وكان يدعى ذا الشمالين ، فقال : نعم ، فبنى على صلاته فأتم أربعاً ، وقال : إنّ اللّه هو الذي أنساه رحمة للأمّة ، ألا ترى لو أنّ رجلاً صنع هذا لَعُيَّرَ، وقيل : ما تقبّل صلاتك ، فمن دخل عليه اليوم ذاك قال : قد سنَّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم وصارت أسوة وسجد سجدتين لمكان الكلام.

كلّ ذلك لم يكن(1)، أي بعضه كان للتعليم، ولم نجد أحداً حدّث بمثل ذلك في أقوال النبى و أهل العصمة علیهم السلام لأنّ النبىّ صلی الله علیه و آله و سلم لا ينطق عن الهوى، إن هو إلّا وحيٌ يوحى ، فلا يمكن السهو في الأقوال إجماعاً(2)، لأنّ قول المعصوم ليس بطريق الاجتهاد، والأعمال الاجتهاديّة أدبيّة، واللّه أعلم(3).

ص: 124


1- المجازات النبويّة 313/397 ، وعنه في مستدرك وسائل الشيعة 5 : 432ح 6276 .
2- رسالة عدم سهو النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم : 3 ، شرح مسلم للنووي 5 : 62 ، فتح الباري 3: 81 ، عمدة القاري للعيني 4 : 139 .
3- يحكى عن الشيخ بهاء الدين العاملي طاب ثراه أنّه سأله سائل عن سهو النبيّ صلى الله عليه وسلم وعن كون الشيخ الصدوق يعتقد ذلك ، فأجابه بأن ابن بابويه أولى بالسهو من النبي صلی الله علیه و آله و سلم، وللشيخ المفيد رسالة في عدم سهو النبي صلی الله علیه و آله و سلم مطبوعة.

دليل ثبوت العصمة عقلاً ونقلاً

اشارة

سألني منكر النبوّة والإمامة عقلاً كيفيّة الثبوت؟

فقلت : أمّا ثبوت النبوّة عندنا يفرض عقلاً ، فنقول : إنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم ادّعى النبوّة،

والعقل منكر لها طالبٌ للبيّنة، فجاء النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم بالبيّنة، وهي المعجز الذي هو

تصديق اللّه له ؛ فوجب على العقل تصديق من صدّقه اللّه، لدفع الضرر عن نفسه. وكذلك الإمام ، ومن تعقّل العقل عصمته لا يجوز عليه الخطأ أبداً.

ذهب الأشعريّ [إلى ] أنَّ ثبوت النبوّة سمعاً لا عقلاً (1). فإنّا لا نعتقد عصمة بعد النبيّ ، ولا فائدة فيها إذا كنّا جميعاً نروي عن النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم(2).

قلنا : المراد أنّه لا بدّ للناس من رئيس بعد النبىّ صلی الله علیه و آله و سلم يقوّم الشريعة وينصف الناس من بعضهم بعضاً، وذلك الرئيس إمّا منصوص عليه أو بإجماع الناس، وهو إمّا معصوم أو جائز الخطأ، وهو إمّا فاضلٌ أو مفضولٌ ، وبحثنا وإيّاكم فی ذلك الرئيس والنظر فيما أثبته العقل والنقل، وهل يجب على اللّه ذلك أم لا يجب ؟ فالقائل بوجوبها على اللّه يشترط العصمة ، ومن لا فلا والمرجع إلى الدليل.

فقال : هل بعد النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم معصوم ؟ فإنّ الإمامية تعتقد ذلك.

قلنا له : هل اللّه قادرٌ على خلق المعصوم أم لا؟

قال : قادرٌ ، ولكن ما ثبت ذلك عندنا.

ص: 125


1- المواقف للإيجي 392:3 ، وحكاه عنهم العلّامة في نهج الحق : 139
2- المواقف للإيجي 3: 576 ، معارج الفهم : 479 ، كشف المراد : 364 ، نهج الحق : 164

قلنا له : عدم ثبوته عندكم هل هو طعنٌ في ثبوته عند غيركم من أهل الإسلام، فما أنتم إلّا فرقة من ثلاثة وسبعين فرقةٍ، والاجتهاد والاستدلال صالحٌ لكلّ أحدٍ .

قال : أريد ثبوته عندنا عقلاً ونقلاً.

قلنا : أما العقل فيستحسن أنّ الإنسان الصالح العالم التقي الصادق العفيف، المجتنب للكبائر والصغائر أن يكون أخير وأولى من الفاسق المرتكب للقبائح، الذي لا يكفّ نفسه عن الشهوات الدنيّة والأوساخ الدنيويّة.

والنقل صرّح به، ومثل ذلك في الكتاب والسنّة كثير، وأنت وأصحابك تجوّزون ذلك في الإمام المفترض الطاعة الذي قال اللّه تعالى في حقّه : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ»(1) وتسنفيه أصحابنا عنه ، والآية تصدّق أصحابنا، لأنّ هذه الآية دلّت على العصمة، وعدم الخطأ عن أُولي الأمر، وإلّا كيف يأمر اللّه بطاعتهم وينهى عن طاعتهم ؛ لأنّ الإطاعة في المحرّمات حرام، وثبوتها نقلاً من الصحابة ثابت كرواية بني هاشم، وعمّار، وأبو ذرّ، والمقداد، وخُزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وأبو أيّوب الأنصاري ، وجابر بن عبد اللّه، وأبو سعيد الخدري (2).

وروى الفخر الرازي : أنّ المفسّرين اختلفوا في هذه الآية، والمرويّ عن جعفر الصادق علیه السلام أنّهم الأئمّة الاثنا عشر . وذكر مثل هذا في تفسيره(3).

ص: 126


1- النساء : 59
2- انظر مجمع الزوائد للهيثمي 5 : 226 باب لا طاعة في معصية ، عمدة القاري للعيني 14: 221 باب السمع والطاعة للإمام وج 24 : 224 باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، تحفة الأحوذي 5 : 298 باب ما جاء لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
3- انظر تفسير الرازي 144:10

وقوله تعالى:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»(1)، روى الخوارزمي في المناقب عن ابن عبّاس أنّها نزلت في عليّ وأصحابه (2). فهذه دالّة علی العصمة، لأنّ غيره جائز عليه الكذب.

وأيضاً قوله تعالى: «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»(3).

وروى الحميدي عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: انتهت الدعوة إليّ وإلى عليّ ، لم يسجد أحدنا لصنمٍ قطّ، فاتّخذني نبيّاً واتخذ عليّاً وليّاً(4). والمراد بقوله صلی اللّه علیه و آله و سلم:«انتهت الدعوة إليّ وإلى علي» أي دعوة إبراهيم علیه السلام ، وهذا دالّ أنّ الساجد لصنم لا يستحقّ الإمامة.

وروى الحميدي عن عبد اللّه بن مسعود: أنّ إبراهيم طلب الإمامة لذريّته فاستثنى اللّه الظالمين ، فقال النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: أنا و عليّ من ذرية إبراهيم، أنا النبي وهو الوصي(5).

قال تعالى: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا»(6).

ص: 127


1- التوبة : 119
2- المناقب للخوارزمي : 280 273
3- البقرة : 124
4- حكاه ابن البطريق في العمدة : 355 683 ، وابن طاوس في الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : 79ح 106 ، والعلّامة في نهج الحق وكشف الصدق : 179 وعنه في بحار الأنوار 25 : 207 ح 20 .
5- انظر العمدة لابن البطريق : 174 269 والمواقف للإيجي 589:3 .
6- آل عمران : 68

وهم الأئمّة أهل العصمة، فالإمامة عهدٌ من اللّه ولطفٌ لا ينالها الظالم، واللطف واجب على اللّه ، وأجمعت الإماميّة عليه (1).

ومن اللطف إرسال الرسل، وإنزال الكتب، ونصب الحجج، وهم الأوصياء أهل العصمة علیهم السلام.

ومعنى واجب على اللّه : أي واجبٌ عليه دفع الضرر عن عباده، وواجب على العباد دفع الضرر عن أنفسهم (2). ولا ريب أنّ المعصوم مقلّده ناج، وفي نصبه دفع الضرر عن العباد ، وهو عين اللطف واللطف عين الرحمة.

قال تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»(3).

وغير المعصوم ظالمٌ، ومقلّده هالك، لأنّه جائز الخطأ.

وقوله تعالى في شأن علي بن أبي طالب علیه السلام بالإجماع: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ الا وَرَسُولُهُ» الآية ، إلى قوله:«وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ»(4). لأن لفظة الولي في هذا المقام يُراد بها الأولى بالتصرّف، ذكرته أهل اللغة (5) . فالولاية ثابتةٌ له منحصرةٌ فيه ؛ لأنّ لفظة «إنّما» تفيد الحصر، فإذا انحصرت فيه الولاية كان هو أولى من الذين فرض اللّه طاعتهم ، ولا يجوز أن يأمر بولاية شخصٍ تكون ولايته كولاية اللّه ورسوله ، وطاعته كطاعة اللّه ورسوله ، إلّا أنّه عصمه ، فإنّه لا يجوز أن يأمر بطاعة شخصٍ وينهى عن طاعته كما مرّ لك.

ص: 128


1- انظر معارج الفهم : 422 ، كشف المراد ( تحقيق الأملي) : 324.
2- انظر كشف المراد ( تحقيق الأملى) : 325.
3- الأنبياء : 107
4- المائدة : 5554
5- غريب الحديث لابن سلام 141:3 ، الصحاح 6: 253 .

وقد جاء في اللغة العبارة عن الواحد بلفظ الجمع للتعظيم(1).

اعلم أنّ العصمة بعد النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أمر ممكن عقلاً، والإمكان دليلٌ عقلي، والنقليّ إجماع الإماميّة على أنّ العصمة شرط في الإمامة، كما هي شرط في النبوّة وخالفتهم العامّة وجوّزوا إمامة الفاسق (2).

وأيضاً إجماع الإماميّة أنّ الإقرار بالإمامة شرط في قبول الأعمال كما في الشهادتين(3)، وخالفت العامّة ولم يشترطوا ذلك ، فلهذا أوردنا الأدلّة عقلاً ونقلاً من طرقهم، ليكونوا شهداء على أنفسهم، وكفى باللّه شهيداً، فنقول :

الإمامة إمّا قضى اللّه بتركها فلا يجوز للأُمّة الخيرة بإثباتها ، وإمّا قضى بها فتكون كغيرها من الأحكام الشرعيّة التي نصّ عليها الشارع ولم يهملها.

قال تعالى: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ»(4).

ولاشكّ أنّ اللّه قضى بولاية اللّه ورسوله والإمام وإطاعة أُولي الأمر بنصّ القرآن. وقد أثبت الدليل العصمة في الإمام الذي هو من أُولي الأمر، وجاء القرآن بمودّتهم. قال تعالى: «قُل لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(5).

ص: 129


1- مجمع البحرين 555:4 .
2- حكاه عن العامة العلّامة في معارج الفهم : 479 ، وكشف المراد (تحقيق الأملي) : 364 ، ونهج الحق : 164 ، والشهرستاني في الملل والنحل 146:1 ، المواقف للإيجي 586:3 .
3- وفي ذلك روايات كثيرة، انظر وسائل الشيعة 1 : 118 باب 29 باب بطلان العبادة بدون ولاية الأئمة السلام .
4- الأحزاب : 36 .
5- الشورى : 23

ولا شكّ أنّ عليّاً وبنيه أولاد فاطمة علیها السلام فهم خاصّة الخاصّه، وأقرب القرابة، والقرباء محارم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، والدليل يدلّ على أنّ اللّه لا يأمر بمودّة قوم إلّا وطهّرهم بالعصمة من الزلل، ولا يجوز أن يأمر بمودّة قوم وينهى عن مودّتهم، لأنّ في مودّة العاصي سخط اللّه لقوله تعالى:«لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ» (1)، وقوله :«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ

عَلَيْهِمْ»(2)واللّه تعالى عالمٌ بمعلوماته ، علم عدم عصيانهم، والعلم تابع للمعلوم كما هو معلوم، ولا يعلم نسخ هذه الآيات، ولا أحد تكلّم فيها بمثل ذلك، فلزم الاستمرار على ذلك .

وأيضاً : آية التطهير صرّحت بالمطلوب بقوله تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»(3)، و«إنّما» تفيد الحصر، والألف واللّام فی «الرجس» للجنس، والإجماع انعقد على أنّ أهلَ الكساءِ الخمسةٌ(4)؛ فالدليل دلّ على نفي الرجس عنهم، ولا رجس أعظم من الآثام، ومع نفي الرجس ثبوت العصمة؛ لأنّ المراد من قوله «وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» أي تطهيراً عظيماً لم يكن لغيرهم من أمثالهم من البشر، وبهذا يحصل لهم المدح والمزيّة عن غيرهم، وإلّا فما الفرق بينهم وبين غيرهم إلا بالعصمة. والعصمة هي التطهير من الآثام، فدلّ الدليل على عصمتهم ورفع محلّهم عن

ص: 130


1- المجادلة : 22 .
2- الممتحنة : 13
3- الأحزاب : 33 .
4- نقل السيد علي الميلاني الروايات المفسّرة للآية الكريمة عن العامة في كتابه آية التطهير : 9

أمثالهم من البشر، كما رفع الأنبياء وطهّرهم عن أمثالهم من البشر، وميّزهم بهذا الشأن العظيم، ولو لم تكن العصمة لم يكن مدحاً لهم في الآية.

وآية التطهير أوردها أحمد بن حنبل في مسنده عن أُمّ سلمة وعايشة بطرق كثيرة(1).

ص: 131


1- مسند أحمد بن حنبل 6 : 292 و 7 : 120 .

[ أخبار العامة في الإمامة ]

ولنشرع في ذكر الأحاديث المرويّة عند العامّة الثابتة المثبتة للإمامة بالنصّ، وباللّه التوفيق.

ومن أعظم الدلائل حديث الغدير (1)الذي لا يمكن إنكاره، والمكابرة فيه من العمى والتعصّب الجاهليّ، وكان نصب الإمام بأمرٍ من اللّه تعالى، حيث علم أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم ميّتٌ في هذه السنة، وكانت هي حجّة وداعه، وكان بين موته ونصب أمير المؤمنين علیه السلام سبعين ليلة.

وإنّ الحافظ ابو نعيم(2) من العامّة روى في كتاب حلية الأولياء قوله تعالى : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» الآية (3)، فحال نزولها أذّن النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : الله أكبر،الحمد للّه على إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضا الربّ برسالتي وولاية عليّ بن أبي طالب، نزلت الآية في عليّ(4).

ونقل الخوارزمي في مناقبه قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن

ص: 132


1- وهو قول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من كنت مولاه فعلىّ مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ... (بصائر الدرجات : 97 ، قرب الإسناد : 57 ، الكافي 1 : 287 ح 1 و 294 ح 3 ، مسند أحمد بن حنبل 1 : 84 و 118 و 19 1 و 152 ، سنن ابن ماجة 1 : 45 ، سنن الترمذي (5 : 297
2- هو أحمد بن عبد الله الإصفهاني، مؤرخ ، حافظ ، ولد في إصفهان سنة 336 هجرية ، ومات فيها سنة 430 هجرية ، له كتب منها حلية الأولياء ، ومنها معرفة الصحابة ، ومنها طبقات المحدثين والرواة وذكر أخبار أصفهان . (الأعلام 1 : 157)
3- المائدة : 3
4- انظر حلية الأولياء 1 : 61 ( علي بن أبي طالب علیه السلام).

رَبِّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» (1)، (2)والعاقل البصير يكفيه الإشارة إذا تأمّل هذه الآية وما فيها من التهديد والعصمة من الناس، فإنّ الكلام البليغ فيه إشاراتٌ وكناياتٌ ورموز وتنبيهاتٌ وبراهين ومعانٍ ومقاصد يفهمها النبيه المُدرك العاقل، وقيام النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم بهذا الأمر في أثناء الطريق حال اجتماع القوم في محلّ غير معهود بالنزول، وهو مفترق الطرق، وقد أخذ بيد عليّ علیه السلام وقال بعد خطبة عظيمةٍ.

الحديث الأول : ما اشتهر بين العام والخاص رواه ابن حمزة الطبري، وابن الأثير الجزري في تاريخيهما ، قوله صلی الله علیه و آله و سلم بغدير خمٌّ: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى قال : من كنت مولاه فعلیٌّ مولاه، اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه(3).

اعلم أنّهم لو قالوا «نعم» لكفروا، فالرسول أخذ على الأمّه العهد بولاية عليّ، كما أخذ اللّه العهد على الخلق في عالم الذرّ بقوله: «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ»(4)ولم يقل صلی الله علیه و آله و سلم بمثل هذا الكلام لأحد من الصحابة، ولا رواه أحدٌ في غير أمير المؤمنين علیه السلام. أما يكون هذا هو النصّ الصريح في نصب الإمام وتعيينه ؟

ص: 133


1- المائدة : 67 .
2- المناقب للخوارزمي : 7.
3- رواه من العامة أحمد في مسنده 1 : 119 مسند علي بن أبي طالب علیه السلام، والطبراني في المعجم الكبير 5 : 194 ، وابن ماجة في سننه 1 : 43 - 116 فضل علي بن أبي طالب علیه السلام، وأبو يعلى في مسنده 1 : 28 4 - 567 ، الهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 104 باب قولهصلی الله علیه و آله و سلم من كنت مولاه فعلي مولاه
4- الأعراف : 172

وما فائدة قول عمر المرويّ عند العامّة وغيرهم لأمير المؤمنين في يوم الغدير: أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمنٍ ومؤمنة(1)، إذا لم يكن المراد الرئاسة العامّه، ولا شكّ أنّ مراده بهذا الكلام الرضى والتسليم، وأنّ المولى السيّد المطاع هو بمنزلة رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم في الأُمّة ، وإلّا خرج عن قانون العربيّة، وما فائدة مدحه له بهذا الكلام ؟

فكيف لا يكون هذا نصٌّ صريحٌ في الخلافة ؟ وكيف يطرد هذا السيّد المطاع عن حقّه ويردّ قول النبيّ فيه ، ويصبح المولى مفضّلاً عليه غيره، مأخوذاً حقّه،

وكلام عمر له لا يحتمل غير ذلك ؟

فدلّ الدليل أنّ قول النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وفعله وانفراد علي بهذا الكلام عن غيره دالّ على نصبه وإمامته ، وإنكاره مكابرة.

ودلّ على عصمته دعاء النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم بعد ذلك بقوله : اللهمّ وال من والاه وعاد من

عاداه ؛ فإنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم لمّا علم أنّه معصوم مطهّر جاز له أن يدعو له بذلك ، ولا يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له وهو جائز عليه الخطأ ولا لمن والاه، بل يدعو عليه حال الخطأ، ولا يجوز أن يأمر بموالاة شخصٍ وينهى عنها ، لأنّه لا ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحيٌ يوحى ، ولا يدعو لشخصٍ بمثل هذا الدعاء إلّا وقد علم عصمته مته، والّا

قیّده بشرط، فربّما إنّه زاغ عن الحقّ ، فكيف يدعو لمن والاه وهو على غير الحقّ ؟ فدلّ الدليل أنّ في عدم القيد بالشرط ثبوت العصمة من الآثام. ولا سمع من

ص: 134


1- تاریخ بغداد 284:8 ، تاريخ مدينة دمشق 42 : 221 ، البداية والنهاية 7: 386 ، تفسير الرازي 12 : 50 ، الأمالي للصدوق : 50 ح 2 ، الإرشاد للمفيد 1 : 177 ، بحار الأنوار 21 : 388 ح 10 .

النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم أنه دعا لأحدٍ من الصحابة بمثل ذلك، ولم ينقله أحدٌ، فدلّ على عصمته انفراده بهذا الدعاء.

وأيضاً : قوله صلی الله علیه و آله و سلم في شأن أمير المؤمنين علیه السلام : اللهمّ أدر الحقّ مع علي كيفما دار (1)دالّ على عصمته ، فإنّ الحقّ لا يدور إلّا مع المعصوم، وقد انفرد بهذا الدعاء، ولم يقل في حقٌّ غيره. ولا يجوز للنبيّ أن يدعو بما لا يكون لقوله تعالى : «وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»(2).

قال المفسّرون: إنّ الاعتداء هو الادعاء(3)بطلب ما لا يكون وسيأتي لك بيان الحديث مفصّلاً، فإذا كان كذلك فالعصمة ثابتةٌ.

[ نقل كلام الجاحظ ]

وممّا يؤيّد ما ذكرناه ما نقلناه ووجدناه في رسالة أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (4)في الترجيح والتفضيل (5)نسخ من مجموع للأمير أبي محمّد الحسن

ص: 135


1- المسائل الصاغانيّة : 109 ، المسائل العكبريّة : 56 ، العمدة لابن البطريق : 285 .
2- البقرة : 190
3- في المخطوط : (الدعاء ) بدل من : ( الإدعاء )
4- هو عمرو بن بحر بن محبوب الكناني البصري المعتزلي المعروف بالجاحظ ، المولود سنة 150 هجرية بمدينة البصرة ، وسمع من أبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد الأنصاري ، وأخذ النحو عن الأخفش أبي الحسن ، وأخذ الكلام عن النظام ، وأخذ الفصاحة من العرب شفاهاً بالمربد ، وتنسب إليه الفرقة الجاحظية ، وأقام مدّة ببغداد ، من تصانيفه كتاب الحيوان ، البيان والتبيين ، توفي سنة 255 هجرية ( معجم المؤلفين لكحالة (8 : 7 .
5- في المخطوط : ( والفضل) والمثبت عن كشف الغمة .

بن عيسى بن المقتدر باللّه (1)، قال : هذا كتاب من اعتزل الشكّ والظنّ والدعوى و الأهواء، وأخذ باليقين والثقة من طاعة الله وطاعة رسوله صلی الله علیه و آله و سلم بإجماع الأُمّة نبيّها، ممّا تضمّنه الكتاب والسنّة وترك القول بالآراء، فإنّها تخطئ وتُصيب، لأنّ الأُمّة أجمعت أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم شاور أصحابه في الأسرى ببدر، واتفق رأيهم على قبول الفداء منهم، فأنزل الله تعالى: «مَا كَانَ لِنَبِيُّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرْضِ» الآية (2)فقد بان لك أنّ الرأي يخطئ ويصيب ولا يعطى اليقين.

وإنّما الحجّة الطاعة للّه ورسوله وما اجتمعت عليه الأُمّة من كتاب اللّه وسنّة نبيّها، ونحن لم ندرك النبيّ ولا أحداً من الصحابة الذين اختلفت الأُمّة في أحقّهم، فنعلم أيّهم أولى ونكون معهم كما قال تعالى: «وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» (3)، ونعلم أيّهم على الباطل فنجتنبهم كما قال تعالى: «وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً» (4)حتّى أدركنا العلم فطلبنا معرفة الدين وأهله، وأهل الصدق والحقّ، فوجدنا الناس مختلفين يبرأ بعضهم من بعض، ويجمعهم في حال اختلافهم فريقان، الله ، أحدهما قال : إنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم مات ولم يستخلف أحداً، وجعل ذلك إلى المسلمين يختارونه، فاختاروا أبا بكرٍ، وآخرون قالوا : إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم

ص: 136


1- جاء في البداية والنهاية لابن كثير 12 : 73 هو أبو محمد العباسي، ولد في محرم سنة 343 هجرية ، وسمع من مؤدبه أحمد بن منصور اليشكري وأبي الأزهر الكاتب ، أعرض عن الخلافة مع قدرته عليها ، وآثر بها القادر ، توفّي فيها عن سبع وتسعين سنة ، ودفن قريباً من قبر أحمد بن حنبل .
2- الأنفال : 67 ، وانظر أحكام القرآن لابن عربي 1 : 151 ، سنن الترمذي :3: 64 باب ما جاء في قتل الأسارى والفداء ، كنز العمّال 14 : 70 باب أهل بدر .
3- التوبة : 119 .
4- النحل : 78 .

استخلف عليّاً علیه السلام إماماً للمسلمين بعده، وادّعى كلّ فريق منهم الحقّ.

فلمّا رأينا ذلك وقفنا الفريقين لنبحث ونعلم المحقّ من المبطل، فسألناهم جميعاً : هل للناس بُدَ من والٍ يقيم أعيادهم، ويجبي زكاتهم ويُفرّقها على مستحقّيها، ويقضي بينهم ويأخذ لضعيفهم من قوّيهم، ويُقيم حدودهم؟

فقالوا : لا بُدَ من ذلك .

فقلنا : هل لأحدٍ أن يختار أحداً فيُولّيه بغير نظرٍ من كتاب اللّه وسنّة نبيّه ؟

فقالوا : لا يجوز ذلك إلّا بالنظر .

فسألناهم جميعاً عن الإسلام الذي أمر اللّه به.

فقالوا: إنّه الشهادتان والإقرار بما جاء به من عند اللّه، والصلاة والصوم والحجّ بشرط الاستطاعة، والعمل بالقرآن ؛ يحلّ حلاله ويحرّم حرامه.

فقبلنا ذلك منهم ، ثمّ سألناهم جميعاً هل للّه خيرة من خلقه اصطفاهم و اجتباهم ؟

فقالوا : نعم .

فقلنا : ما برهانكم؟

فقالوا : قوله تعالى:«وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ»(1).

فسألناهم : من الخيرة ؟

فقالوا: هم المتّقون.

فقلنا لهم : ما برهانكم ؟

ص: 137


1- القصص : 68

فقالوا : قوله تعالى: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»(1).

فقلنا : هل للّه خيرة من المتّقين ؟

قالوا : نعم ، هم المجاهدون، بدليل قوله تعالى:«فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً »(2).

فقلنا : هل للّه خيرة من المجاهدين ؟

قالوا جميعاً : نعم، السابقون من المهاجرين بالجهاد بدليل قوله تعالى «لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ»(3).

فقبلنا ذلك منهم لإجماعهم عليه، وعلمنا أنّ خيرة اللّه من خلقه المجاهدون السابقون إلى الجهاد. ثمّ قلنا : هل للّه خيرة منهم؟

قالوا : نعم .

قلنا : مَن هم؟

قالوا: أكثرهم عَناءً في الجهاد، وطعناً وضرباً وقتلاً في سبيل اللّه ، بدليل قوله تعالى: «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ»(4)، «وَمَا تُقَدِّمُوا لَأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ الله»(5).

فقبلنا ذلك وعلمناه وعرفناه ، وعلمنا أنّ خيرة الخلق (6)أكثرهم في الجهاد عَناءً

ص: 138


1- الحجرات : 13
2- النساء : 95
3- الحديد : 10
4- الزلزلة : 7
5- البقرة : 110 .
6- في كشف الغمة : (الخيرة) بدل من : ( الخلق).

وأبذلهم بنفسه لطاعة (1)اللّه ، وأقتلهم لعدوّه ، فسألناهم عن هذين الرجلين : عليّ ابن أبي طالب وأبي بكر أيّهما [كان ] أكثر عَناءً في الحرب وأحسن بلاءً في سبيل اللّه ؟

فأجمع الفريقان على علي بن أبي طالب علیه السلام أنّه كان أكثر طَعناً وضرباً، وأشدّ قتالاً، وأذبّ عن دين اللّه ورسوله صلی الله علیه و آله و سلم .

فثبت بما ذكرناه من إجماع (2)الفريقين ودلالة الكتاب والسنة أنّ عليّاً علیه السلام أفضل. وسألناهم ثانياً عن خيرته من المتّقين ؟

قالوا : هم الخاشعون بدليل قوله تعالى:«وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ» إِلى قوله تعالى : «مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ» (3). وقال تعالى: «وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ * . الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ» (4).

ثمّ سألناهم من الخاشعون؟ قالوا : هم العلماء لقوله تعالى: «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ»(5).

ثمّ سألناهم جميعاً عن أعلم الناس ؟

قالوا : أعلمهم بالقول وأهداهم إلى الحقّ وأحقّهم بأن يكن متبوعاً، ولا يكون

ص: 139


1- في كشف الغمة : ( لنفسه في طاعة)
2- فى المخطوط : (أحوال) .
3- ق : 31-33.
4- الأنبياء : 48 - 49 .
5- فاطر:28

تابعاً، بدليل قوله تعالى: «يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنكُمْ»(1) فجعل الحكومة إلى أهل العدل.

فقبلنا ذلك منهم، ثمّ سألناهم عن أعلم الناس بالعدل مَن هو ؟

قالوا : أدلّهم عليه .

قلنا : فمن أدلّ الناس عليه ؟

قالوا : أهداهم إلى الحقّ ، وأحقّهم بأن يكون متبوعاً ، ولا يكون تابعاً بدليل قوله تعالى: «أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمْ مَن لَا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ »الآية(2).

فدلّ الكتاب وسنّة نبيّه صلی الله علیه و آله و سلم والإجماع أنّ أفضل الأُمّة بعد نبيّها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام، لأنّه إذا كان أكثر هم جهاداً كان أتقاهم، وإذا كان أتقاهم كان أخشاهم ، وإذا كان أخشاهم كان أعلمهم ، وإذا كان أعلمهم كان أدلّهم على العدل، وإذا كان أدلّهم كان أهدى الأُمّة إلى الحقّ، وإذا كان أهدى كان أولى بأن يكون متبوعاً ، ولا يكون تابعاً، وأن يكون حاكماً ، لا تابعاً ولا محكوماً عليه.

وأجمعت الأُمّة بعد نبيّها أنّه خلّف كتاب اللّه تعالى ذكره وأمرهم بالرجوع إليه إذا نابهم أمرٌ وإلى سنّة نبيه صلی الله علیه و آله و سلم فيتدبّرونها ويستنبطون منها ما يزول به الاشتباه.

وإذا قرأ قاريهم : «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ» (3)فيقال له : أثبتها

ص: 140


1- المائدة : 95 .
2- يونس : 35 .
3- القصص : 68

ثمّ يقرأ:«إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ»(1)، وفي قراءة ابن مسعود : «إنّ خيركم عند اللّه أتقاكم».

ثمّ يقرأ: «وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٌ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ» (2)فدلّت هذه الآية على أن المتّقين هم الخاشعون.

ثمّ يقرأ حتّى إذا بلغ إلى قوله تعالى:«إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ» (3)فيُقال له : اقرأ حتّى ننظر هل العلماء أفضل من غيرهم أم لا ؟ حتّى إذا بلغ إلى قوله تعالى: «هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» (4)عُلِمَ أنّ العلماء أفضل من غيرهم.

ثمّ يُقال : اقرأ، حتّى إذا بلغ إلى قوله تعالى: «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ» (5)قيل : قد دلّت هذه الآية على أنّ اللّه قد اختار العلماء وفضّلهم ورفعهم [ درجات ] ، وقد أجمعت الأُمّة على أنّ العلماء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يؤخذ عنهم العلم كانوا أربعة : علي بن أبي طالب علیه السلام وعبد اللّه بن عبّاس وابن مسعود وزيد بن ثابت وقالت طائفة : عمر بن الخطّاب.

فسألنا الأُمّة : مَن أولى الناس بالتقديم إذا حضرت الصلاة؟

فقالوا : إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : يؤم القوم أقرؤهم(6). ثمّ أجمعوا أن الأربعة كانوا أقرأ لكتاب اللّه تعالى من عمر فسقط عمر.

ص: 141


1- الحجرات : 13
2- ق : 31-33.
3- فاطر : 28 .
4- الزمر : 9 .
5- المجادلة : 11
6- مسند أحمد بن حنبل 3: 163 ضمن مسند أنس ، وج 4 : 118 حديث أبو مسعود الأنصاري وص 121 ، وج 5 : 272 ، صحیح مسلم :2 : 133 باب من أحق بالإمامة.

فسألنا الأُمّه: أيّ هؤلاء الأربعة أقرأ لكتاب اللّه وأفقه لدينه ؟

فاختلفوا، فوقفناهم حتّى نعلم، ثمّ سألناهم أيّهم أولى بالإمامة ، فأجمعوا على إنّ النبىّ صلی الله علیه و آله و سلم قال : الأئمّة من قريش(1) ، فسقط ابن مسعود وزيد بن ثابت، وبقي عليّ ابن أبي طالب وابن عبّاس، فسألناهم : أيّهما أولى بالإمامة ؟ فقالوا : إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : إذا كانا عالمَين فقيهَين قرشيّين فأكبرهما سنّاً، وأقدمهما هجرة، فسقط عبد اللّه بن عبّاس، وبقي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلا فيكون أحقّ للإمامة لما أجمعت عليه الأمّة ، ولدلالة الكتاب والسنّة(2)، هذا آخر رسالة أبي عثمان عمرو بن بَحر الجاحظ.

أقول : إنّ الجاحظ كان عثمانيّاً مروانيّاً (3)، وهو من فضلاء العامّة، وله تصانيف تعرب عن فضله، وكان من أجل علماء العامّة، أُنظر كيف نطق الحقّ على لسانه حتّى قال ما لا يعتقده، والفضل ما شهدت به الأعداء.

وقول عمر في صدر الكلام: «بخ بخ لك يا عليّ أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة» دالّ على أنّ عليّاً أميره ووليّه ومولاه ، فالإمارة ثابتة بقوله صلی الله علیه و آله و سلم في یوم الغدير: سلِّموا على علىّ بإمرة المؤمنين(4). والولاية ثابتة بقوله صلی الله علیه و آله و سلم : مَن كنت مولاه فعليّ مولاه(5). والولاية غير الإمارة، وهذا رضى وتسليمٌ من الصحابة، فكيف يُولّى ويؤمر عليه غيره بعد النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم.

ص: 142


1- مسند أحمد بن حنبل 3 : 129 مسند أنس بن مالك ، السنن الكبرى للبيهقي 3 : 121ج 8: 141 باب الأئمة من قريش .
2- حكاه ابن أبي الفتح الإربلي في كشف الغمة 1 : 37 عن رسالة أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ .
3- تقدّمت ترجمته قبل صفحات أوائل رسالته .
4- الكافي 1 : 292 ح 1 ، الأمالي للصدوق : 436 ح 10 ، بحار الأنوار 21 : 388ح
5- بصائر الدرجات : 97 ، قرب الإسناد : 57 ، الكافي 1 : 387 ح 1 ، وسائل الشيعة 5 : 58 ح 12 .

ولفظة «المولى» لا يُراد بها إلا الأولى بالتصرّف كما يقال لسيّد العبد : مولى ، أي أولى ،به حتّى يدلّ على مطلوب النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم ، وقد ذكر الغزالي (1)في كتابه سرّ العالمين وكشف ما في الدارين من كلام له في هذا المقام ، قال : أسفرت الحجّة وجهها وأجمعت الجماهير على حديث الغدير ، وذكر الحديث بتمامه وقول عمر، ثمّ قال : هذا تسليمٌ ورضا وتحكيم، ثمّ بعد هذا غلب الهوى بحبّ الرياسة في قعقعة الرايات، واشتباك ازدحام الخيول، وفتح الأمصار، وسقاهم كأس الهوى، فعادوا إلى الخلاف الأوّل، فحملهم الهوى إلى الخلافة، فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً، فبئس ما يشترون (2)

وروى أبو العبّاس الهمداني المشهور بابن عقدة (3)في كتابه المشهور بكتاب الولاية، حديث الغدير من نيّف ومائة طريق ، وذكر أسماءهم، وهُم من أكابر الصحابة (4) .

ص: 143


1- المعروف بحجة الإسلام ، أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي الغزالي، تفقه ببلده أولاً ثمّ تحوّل إلى نيسابور ، فلازم إمام الحرمين ، وصار ماهراً في الكلام والجدل، وشاع أمره ، فولاه النظام تدريس نظاميّة بغداد (لاحظ ترجمته مفصلاً ف-ي سير أعلام النبلاء 19 : (204/322
2- مجموعة رسائل الغزالي : 453 باب في ترتيب الخلافة والمملكة (بتصرف) ، وحكاه عنه العلامة المجلسي في بحار الأنوار 37 : 251 ، والفيض الكاشاني في علم اليقين في أصول الدين 825:3
3- هو أحمد بن محمد بن سعيد السبيعي الهمداني الكوفي ، المعروف بابن عقدة ، يكنى أبو العبّاس ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ، وكان زيديّاً جارودياً، وعلى ذلك مات (خلاصة الأقوال : (13/321
4- كتاب الولاية : 155 جمع وترتيب عبد الرزاق حرز الدين.

وروى البخاري (1)فى أماليه حديث بكاء فاطمة حين زوَجها بابن عمَها، فقال له صلی الله علیه و آله و سلم : ما يُبكيك يا بنيّة ؟ زوّجتك خير من أعلم(2).

فقوله:«خير من أعلم» دالٌّ على أفضليّته على سائر البشر بعد النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم.

واعلم أنّنا إذا بحثنا مع المخالفين الضالّين في معرفة أهل البيت علیهم السلام وفضائلهم المذكورة في كتبهم أعرضوا عنها، كأنّهم لم يبصروا ، ولم يسمعوا، ولم يفقهوا، فنحن إذا عجزت عقولنا عن كنه معرفة علماء الدين وخلفاء المسلمين ومستودع سرّ ربّ العالمين أشرقت على عقولنا أنوار أشعّتهم ، فزاد يقيننا وإيماننا في معرفتهم، وهم إذا عجزت عقولهم عن إدراك ذلك أنكروا كالزنادقة، ولما أنكرت عقولهم إدراك كنه معرفة اللّه أنكروه وقالوا : لا شيء. ونحن إذا عجزت عقولنا عن إدراك معرفته أثبتنا وجوده (3)، والعجز لقصور عقولنا عن إدراك ذلك .

فظهرت الحكمة لنا أنّ هؤلاء لمّا جهلوا معرفة اللّه ورسوله جهلوا معرفة أهل بيته، فحلّ عليهم غضب الجبّار، فغرقوا في بحر الضلالة، فأظلمت عليهم عقولهم، وران الرين على قلوبهم ، فانطمست عين بصيرتهم، وكلّت عن سادات الكون نواظرهم، كالشمس كلّ عن إداركها البصر، فنظروا إلى أشباههم وأمثالهم فتسلّط عليهم عدوّهم فأضلّهم، وحال بينهم وبين ما يشتهون، وأشربت قلوبهم.

ص: 144


1- في كشف الغمة : ( النجاد) بدل من : ( البخاري)
2- حكاه الإربلي في كشف الغمّة 1 : 384 عن النجاد .
3- أقول : هذا الكلام مأخوذ من كلام الإمام أبي الحسن علیه السلام مع الزنديق المنكر لوجود الله سبحانه وتعالى لأنّه لم يدركه بحواسه، حيث قال علیه السلام: ويلك لما عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته ؟ ونحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنّه ربّنا بخلاف شيء من الأشياء . (الكافي 1 : 478 ، مرآة العقول 253:1 ح 4) .

حُبّ أهل الضلال، وصوّر لهم الباطل في صورة الحقّ ، كما صوّر لليهود والنصارى، فاستحسنوا سِيَر أهل الضلال، وسرت المحبّة في قلوبهم، ورأوا كلّ قبيح حسناً، كما يرى العاشق من ،معشوقه فلو أظهرت له العُذّال معايبه وكان كذلك لم يسمع ، ولم يبصره، ولا يعدل عنه ولو أرِيَ أفوق منه.

وقد أخبر اللّه في كتابه العزيز حاكياً عنهم :«رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبيلاً» (1)والإطاعة لا تكون إلّا عن محبةٍ، وأمثال هذه الآية في القرآن كثير، وأعرضوا عمّا رووه في كتبهم من فضائل أهل البيت علیهم السلام.

وممّا رواه الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله في أربعين حديثاً التي جمعها في ثبوت المهدي، منها ما رواه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : نحن بنو عبد المطّلب سادات أهل الجنّة : أنا وأخى عليّ وعمّي حمزة وجعفر والحسن والحسين والمهدى(2).

فإذا كان أمير المؤمنين سيّد أهل الجنّة لا ريب أنّه سيّد أهل الدنيا ؛ فمن فضّل عليه غيره فقد ردّ على اللّه ورسوله.

وما رواه صاحب الكشّاف في تفسيره عند قوله تعالى: «قُل لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» (3)عن النبىّ صلی الله علیه و آله و سلم أنّه قال : من مات على حبّ آل محمّدٍ مات شهيداً.

ص: 145


1- الأحزاب : 67
2- وجدناه في «ذكر أخبار أصبهان» 2 : 130 .
3- الشورى : 23 .

ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له .

ألا ومن و مات على حبّ آل محمّد مات تائباً .

ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مُستكمل الإيمان.

ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة، ثمّ منكر ونكير. ألا ومن مات على حبّ آل محمّد يُزفّ إلى الجنّة كما تُزفّ العروس إلى بيت

زوجها.

ألا ومن مات على حبّ آل محمد فُتح له في قبره باباً في الجنّة.

ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل اللّه قبره مزاراً لملائكة الرحمة .

ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على السنة والجماعة.

ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيش من رحمة اللّه.

ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة(1)

أقول: تدبّر إلى هذا الحديث، هل تجد أحداً يودّهم ويُفضّلهم غير الإمامية، أنصف الخصم ورأى معائبه لعدل إلى الحقّ والإنصاف، وقد أنهينا زبدة

لكلام في هذا المقام في كتابنا الموسوم ب-« مقالات الألباب في قمع النصاب (2)

الحديث الثاني: : ما رواه العامة والخاصّة، ونقله ابن حنبل في مسنده قوله صلی الله علیه و آله و سلم.

ص: 146


1- الكشاف 467:3 .
2- يظهر من عنوانه أنّه مختص بالردّ على من نَصَبَ العداوة لأهل بيت النبوة صلوات الله عليهم ، وعلى أيّ حال نسأل الباري جلّ وعلا أن تقع نسخته ونسخة أمثاله بيد أهل العلم والتحقيق ليظهروا كنوز علماء هذه الأمة المدافعين عن الحق والحقيقة .

في غزوة تبوك حين خلّف عليّاً علیه السلام بالمدينة : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبي بعدي(1).

فاستثنى النبوّة، وكان هارون نبيّاً معصوماً مات قبله علیه السلام استخلفه موسى حين ذهب إلى الميقات، اختلفت عليه أُمّة موسى وارتدّت عن الدين، وفي هذه الغزوة أمر اللّه نبيه اللّه صلی الله علیه و آله و سلم أن يخرج إليها بنفسه، لأنّها فتحت من غير سيفٍ، وحيث علم النبي أنّها لا تحتاج إلى قتال استخلف عليّاً دون الغزوات الباقية.

ولمّا عاد النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم هذه الغزوة ذكر أرباب التواريخ والسير والآثار أنّ عمرو بن معدي كرب الزبيديّ (2) ارتدّ في هذه الغزوة، لأنّه جاء بعد الإسلام يطلب بدم أبيه من ابن عثعث الخثعمي ، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: أهدر الإسلام ما كان في الجاهليّة، فارتدّ عمرو بن معدي كرب وغار على بني الحرث، فاستدعا النبيّ عليّاً وأمره على المهاجرين علیه السلام، فلقيه عمرو بن معدي كرب وانهزم ، وقتل أمير المؤمنين علیه السلام أخاه وابن أخيه ، وسبى امرأته وسبى كثيراً منهم .

واصطفى أمير المؤمنين علیه السلام لنفسه جاريةٌ، فبعث خالد بُريدة الأسلمي(3)

ص: 147


1- مسند أحمد بن حنبل 3 : 32 ، المحاسن 1 : 159 ح 97 ، الكافي 8: 107 ح 7 ، بحار الأنوار 5: 69 ح 1 .
2- ترجمته مفصلة في تاريخ مدينة دمشق 5406/36546 ، وقال الزركلي في الأعلام : فارس اليمن ، وصاحب الغارات المذكورة ، وفد على المدينة سنة 9 للهجرة فى عشرة من بنى زبيد فأسلم وأسلموا ، ولما توفي النبي الله ارتد عمرو في اليمن ، ثم رجع إلى الإسلام ، فبعثه أبوبكر إلى الشام ، وشهد اليرموك وذهبت فيها إحدى عينيه ، وشهد القادسية، وكانت وفاته سنة 21 للهجرة ( الأعلام 5 : 86)
3- هو بريدة بن الحصيب الأسلمي ، أسلم حين مربه النبي مهاجر بالغميم ، وأقام في موضعه ،صلی الله علیه و آله و سلم

بكتاب إلى النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم يخبره عن الذي فعل الإمام وأخذه للجارية، فتغيّر وجه النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم حين حين قرأ الكتاب ، فتكلّم بريدة في عليّ علیه السلام.

فقال النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم : ويحك يا بريدة ! أحدثت نفاقاً ؟! إنّ عليّاً يحل له من الفيء ما يحلّ لي ، إنّ عليّاً خير الناس لك ولقومك، وخير من أخلّفه بعدي لكافة أُمّتي. يا بريدة ، احذر أن تبغض عليّاً فيبغضك اللّه .

فقال بريدة : أعوذ باللّه من سخطه ، واستغفَرَ له الرسول.

فكان لعليّ علیه السلام في هذه الغزوة حظّ عظيم ، وقوله «خير من أخلّف بعدي لكافّة امّ»أمتي صريحٌ بخلافته وإمامته من بعده(1).

وأيضاً : استخلف عليّاً يوم خرج إلى الغار ، يوم الرابع من ربيع الأوّل عام الهجرة على الهواشم، وفاطمة معهن ؛ بات على فراشه، وأمره بردّ ودايعه على أعين الناس ، ثمّ استدعاه النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم إلى الهجرة، وذلك لعلمه بما يكون.

أقول : استثناء النبوّة دالّ على عصمة عليًّ علیه السلام ، وعدم استثناء العصمة منه صلی الله علیه و آله و سلم إن كان الإيهام على الأُمّة مع علمه باختلافهم مراداً له فباطل، ومع انتفائه ثبوت العصمة.

ص: 148


1- أسد الغابة 4 : 25 ، كفاية الطالب للكنجي الشافعي : 239 ) طبع النجف الأشرف) ، العمدة لابن البطريق : 239 ، خصائص الوحي المبين : 120 ، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : 37 ، وانظر كلام المفسّرين ذیل قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ .....

وكان أمير المؤمنين علیه السلام مساوياً لهارون في جميع الحالات إلّا النبوّة، والنبوّة غير العصمة، لأن العصمة جزء النبوّة، وكلّ نبئّ معصوم ولا عكس، فاستثناء النبوّة دالّ على العصمة، والخلافة ثابتة أيضاً، وإلّا فما فائدة هذا الكلام ومدح أمير المؤمنين به ، فإنّ هارون لم يتميّز عن أمثاله من البشر إلّا بالعصمة والنبوّة والخلافة، فلمّا استثنى النبىّ صلی الله علیه و آله و سلم النبوّة بقيت الخلافة والعصمة التي هي فوق مرتبة البشر، ودون مرتبة النبوّة، فبهذا استوجب المدح، وكان للمدح محلّ، وإلّا كان كلاماً لا فائدة فيه، وهو في حقّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم ممنوع، فدلّ الدليل على ثبوت العصمة له ، وإنكار ذلك مكابرة.

وأيضاً: ممّا دلّ على عصمته وعصمة أولاده الأئمّة علیهم السلام اتفاق الأُمّة على مدحهم وتقواهم ، وتعديلهم وزُهدهم، وعلمهم وعدم خطائهم في الأحكام الشرعيّة.

ولم نعلم أحداً من الرواة والمفسّرين وأهل الأخبار والسير والتواريخ من المخالف والمؤالف من يطعن فيهم بكبيرة أو صغيرةٍ كما طعن في غيرهم، فصار المدح فيهم إجماعاً ، وخلافاً في غيرهم ، كما هو مسطور في الكتب عند كلّ فرقة من فرق الإسلام ، فإذا كان كذلك فقد حصلت لهم المزيّة عن غيرهم ، فإذا حصلت المزيّة كانوا سادات الرعيّة، ووجب اتّباعهم ومودّتهم ، وكانوا هم أُولي الأمر، وهم الراسخون في العلم، فإن مكّنوهم من حقّهم فقد اهتدوا، وإن استضعفوهم الأمم ومنعوهم فقد ضلّوا وأضلّوا وظلموا ، وبأمّة موسى علیه السلام الاقتدوا ، كما فعلت الأُمم السابقة بأنبيائهم وأوصياء أنبيائهم، ولا نَقَصَ عند اللّه من قدر أنبيائه، بل أثابهم، كما هو مسطورٌ في الكتب

ص: 149

وذكر هذه الغزوة أحمد بن حنبل في مسنده ، وذكر غضب النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم حين وفد

عليه بالكتاب بريدة، وزاد : إنّ النبىّ صلی الله علیه و آله و سلم قال : من كنت وليّه فعلىٌّ وليّه . وفي لفظٍ

آخر علىّ منّى وأنا منهٌ، وهو وليّكم بعدي(1).

ونقل هذه الرواية الترمذيّ في صحيحه عن عمران بن حُصين (2).

فإذا انتفى الطعن من المعاصي في سادات المسلمين ثبت المدح ، ومع انتفاء الطعن في المعاصي ثبوت العصمة، فدلّ الدليل بثبوتها إجماعاً، وكان انتفاء

الطعن وثبوت المدح من الأُمّة فيهم أعظم شاهد ودليل للإمامية على ثبوت العصمة للإمام .

وحصل من هذه الشواهد فائدة مقصود النبيّ صلى الله عليه وسلم في أهل بيته، وإنّه لم يترك أمّته متحيّرة ضالّة عن الهدى، وحاشاه من ذلك . فكيف يتركهم، وهو قد علم اختلافهم بعده وحدّث الأمّة بافتراقهم إلى نيّف وسبعين فرقة، والناجية فرقة واحدة (3).

وكيف يعتقد هذا المسلم في نبيه أنه ترك الأمّة للأُمّة ولم يُعيّن لهم إماماً یر شدهم إلى طريق الهدى ، فمن اعتقد هذا في نبيّه فقد ذمّه وردّ قوله تعالى: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزُ عَلَيْهِ مَا عَنِتُمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفُ رَحِيمُ»(4)، فكيف يكون رؤوفاً رحيماً وقد ترك الأمّة بلا إمامٍ ؟!

ص: 150


1- مسند أحمد بن حنبل 5 : 35 و 358 و 361 .
2- سنن الترمذي 5 : 296 - 3796
3- الخصال : 584 ح 10 و 11 ، وعنه في وسائل الشيعة 27 : 49 ح 30 ، كنز الفوائد : 297 وعنه في مستدرك وسائل الشيعة 17 : 257 ح 10 .
4- التوبة : 128

وهل يفهم منه إلا أنّه أراد إضلال الأُمّة ؟ فما فائدة بعثه وجهاده في الدين والشريعة وتحذيرهم من الشيطان؟ وما فائدة قوله صلى الله عليه وسلم: كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤولٌ عن رعيّته يوم القيامة (1)

وذمّ صلی الله علیه و آله و سلم من استرعى رعيّةً ولم يحُطها بالنصيحة (2)، فكيف يكون داعياً ضالاً، فإنّا نجد من أهمل خادمه أو أهله أو غير ذلك ذمَّته العقلاء، وإن أراد هُداهم فما عذره في نصيب الإمام وتعيينه ؟ وأيّ فائدة في عدم تعيين الإام مع علمه باختلاف الأمّة وإخبار اللّه له بذلك ؟ وهذا لا يقبله عقل عاقلٍ.

الحديث الثالث : أيضاً ممّا دلّ على إمامة الحسنين علیهما السلام، ما رواه الجمهور من الزيدية من قوله صلی الله علیه و آله و سلم : ابناي هذان إمامان ، قاما أو قعدا(3). وهذا كلامٌ دالٌّ على إمامتهما بعده، فمن ذاق هذا الكلام وتدبّره وعرف كناياته وإشاراته ، ومفهومه ومنطوقه ومقاصده، ومعانيه وبراهينه ورموزه أنصف وظهر له البرهان القاطع واستضاء بنوره.

فقوله: «هذان» حرف تأكيد لمنكر الإمامة.

وقوله: «قاما» أي إنّهما إمامان إن مكّنتهما الأُمّة من الخلافة فقاما بها «أو قعدا» عجزاً عن التمكين، فهما على كلّ حالٍ إمامان منصوبان لا يُعزلا عن الإمامة . وكأنّه قال بلسان حال التعريض : أيّها الأمّة مكّنوهما الولاية ،والخلافة، وانصروهما

ص: 151


1- كشف المحجّة : 39 ، الرسالة السعدية : 149
2- مسند أحمد بن حنبل 5 : 27 ، مسند ابن المبارك : 116 283 .
3- ألقاب الرسول وعترته : 49 لبعض المحدثين القدماء ، الإرشاد للمفيد 2 : 30 ، المسائل الجارودية : 35 ، الفصول المختارة للشريف المرتضى : 303.

وانقادوا لهما، فإن لم تمكّنوهما فقد ظُلما حقّهما ، فلا يعزلُهما عن الإمامة ظلمُكُم لهما، فهما إمامان قاما بالخلافة لو مكّنا أو عجزا عنها لقلّة الناصر، وعدم تمكّنهما ظاهر في الكتب والنقل والسِّير، وما فُعِل بهما ، وظهر سرّ قول النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وعدم تمكينهما، وكنّى بالقيام والقعود عن التمكين وعدمه.

فهذا، كيف لا يدلّ على تعيين الإمامة ؟ أم كيف هذا يقبل التأويل في حقّهما، ولا يقبل التأويل في حقّ غيرهما ؟ وما فائدة قول النبىّ صلی الله علیه و آله و سلم «إنّهما إمامان» إذا لم تكن الخلافة والرئاسة العامّة ؟ هل كانا إماما مسجدٍ ؟ وأيّ مدح لهما إذا لم تكن الرئاسة العامّة، ولم نسمع أحداً نقل أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم قال بمثل هذا الكلام في حقّ

غيرهما .

فإذا عرضت هذا الحديث على آية التطهير (1)وآية المودّة (2)ظهر لك برهان تستضيء به من شُبَه أهل الضلال، ودلّ الدليل على ثبوت العصمة والإمامة وعلى منكرها الحجّة في يوم القيامة.

الحديث الرابع : ما رواه الحميدي في صحيحه، وهو من العامّة (3)، وروته الخاصّة قوله صلی الله علیه و آله و سلم: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة (4). وورد من

ص: 152


1- قوله تعالى في الآية 33 من سورة الأحزاب : إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً ...
2- قوله تعالى في الآية 23 من سورة الشورى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى .
3- ورد ذكره في الملل والنحل للشهرستاني 1 : 192 ، شرح المقاصد 2 :275 ، شرح نهج البلاغة .242:13
4- المحاسن 1 : 92ح 46 ، بصائر الدرجات : 279 ح 5 ، قرب الإسناد : 351 ح 1260 ، الكافي : 1 :377ح3

طرق الخاصّة أنّ المراد به الإمام المعصوم (1). وذهبت العامّة أنّ المراد بالإمام القرآن (2)والذي يظهر لذوي الأفهام السليمة أنّه الإمام الناطق المفسّر للقرآن ، الراسخ في العلم، لا الإمام الصامت ، كما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام إنّه قال في یوم المحاكمة : هذا كتاب اللّه الصامت وأنا كتابه الناطق.(3)

ولا شك أنّ الناطق أفضل، لأنّ القرآن سُمِع من الصادق الأمين، فهو أحد معجزاته ، والصامت وحده غير حجّة ، ولا غير مستحسن تفضيل الصامت على الناطق، فكيف يموت جاهليّاً من لا يعرف القرآن ؟ ونحن نرى أكثر الأمّة تموت ولم تعرف القرآن، ولم نسمع أحداً من الأمّة أوجب تعليم القرآن، ووجوب تعليمه حرجٌ على الإسلام، والقرآن جُمِعَ بعد النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وكانت الصحابة تحفظ السورة والسورتين ، فلو كان تعليمه واجباً لأوجبوه على أنفسهم.

ولمّا كان كذلك دلّ الدليل أنّ الإمام غير القرآن، وهو الذي أوجب اللّه طاعته ومودّته ومعرفته، فمن لا يعرفه بالمودّة والإمامة والطاعة مات جاهليّاً، أي لا معرفة له ، فهو ضالّ هالك ، كمن مات في أوان البعثة ، و [من ] لم يعرف نبيّ زمانه مات جاهليّاً. فياليت الخصم قال : المراد بالإمام النبيّ ، ولم يقل : القرآن كان أقرب للأفهام ؛ لأنّ لفظة الإمام تطلق على النبيّ وخليفته ، كما قال تعالى في شأن إبراهيم : «إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً»(4).

ص: 153


1- الإفصاح في الإمامة : 29 ، الألفين للعلامة : 146 التاسع والعشرون ، وفي الطبعة الأخرى 1 : 233.
2- حكاه المازندراني في شرح أصول الكافي 6 : 224 عن العامة ، ومثل ذلك في مرآة العقول 4 : 28 ذيل ح 3 .
3- العمدة لابن البطريق : 330ح 550
4- البقرة : 124

قوله : «ولم يعرف» لفظة تحتمل الحال والاستقبال ، فدلّ أنّ معرفة الإمام واجبة في زمن النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم ، ولمّا كان الإمام منصوباً من قِبَل اللّه تعالى أُعطي أحكام النبيّ ، لأنّه خليفته ومنصوبه والمُبلّغ عنه، والحافظ لشريعته، فوجب على النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم إخبار أمته بمعرفته لتمام الحجّة عليهم، فقال : من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة.

فإذا عرضتَ هذا الحديث على الآيات والأحاديث الماضية في هذا المرقوم ظهر لك برهانٌ تستضيء به من شُبَه أهل الضلال، ولا يكون المقصود في هذا الحديث بالإمام النبيّ ولا القرآن، لأنّه محل إيهام على الأُمّة، واللفظ المشترك يوهم ذلك .

ومراد النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم إخبار الأمّة وإفهامها بالإمام المنصوب، فلا يضلّوا بعده، ولو كان مراده نفسه صلی الله علیه و آله و سلم أو القرآن لقال بالتصريح : من مات ولم يعرف نبيّ زمانه، أو قرآن زمانه، أو مات ولم يعرفني ، ومثل هذه الألفاظ الصريحة. ولمّا كان المراد والمقصود هو الإمام الحقيقى المنصوب أخبر عنه بذلك الخبر لثبوت الحجّة .

فدلّ الدليل على أنّ المراد به الإمام الحقيقىّ المنصوب الذي معرفته في الأُمّة واجبة كمعرفة النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم، ومن لم يعرفهما مات جاهليّاً.

الحديث الخامس: ما روته الأمّة من قول النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم : إني تارك فيكم الثقلين :

كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض(1).

ص: 154


1- مسند أحمد بن حنبل 3 : 14 و 17 وج 371:4 ، سنن الدارمي 432:2 ، فضائل الصحابة للنسائي : 22 ، بصائر الدرجات : 433 - 3 - 6 ، الكافي 1 : 294 3 ، دعائم الإسلام 1 : 28 ، وسائل الشيعة 1 : 76 ، وقد أقيمت دراسات في هذا الحديث المبارك سنداً ومتناً للسيد على الميلاني المعاصر، ولنجم الدين العسكري المتوفى سنة 1390 هجرية ، ولغيرهم . ص: 154

وهذا الحديث قاله صلی الله علیه و آله و سلم في قرب مرضه الذي توفّي فيه، وفي هذا الحديث من أنواع الحِكَم والبلاغة والرموز والإشارة والبراهين ما يكفي السليم إذا سلك جادّة الانصاف وترك الانحراف، وكنّى بالثقلين عن المعصومين من الخطأ والزلل

وهما العترة والكتاب العزيز.

وما أحسن هذه المناسبة بينهما ، لأنّه لمّا كان الكتاب العزيز محفوظاً عظيماً، معصوماً من الزلل ،والخطأ، ناسب بينه وبين الحافظين لأحكامه وحدوده المترجمين به الناطقين بصوابه، الذابين عنه شُبَه أهل الإلحاد والضلال، الذين هم دون مرتبة النبوّة وفوق مرتبة الخلائق ، كما كان النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم يذبّ عنه في زمانه ويُفسّره لأصحابه ويكشف لهم غُرر أحكامه وظاهر تنزيله وباطن تأويله، وكأنّه قال : إنّي راحلٌ عنكم إلى ربّي وتاركٌ فيكم العظيمين : الكتاب الناطق، والكتاب الصامت .

وما أقرب هذا المعنى من قول أمير المؤمنين علیه السلام : هذا كتاب اللّه الصامت، وأنا كتابه الناطق فتمسّكوا بهما(1)، فإنّ القرآن معه، وهو مع القرآن لن يفترقا حتّى القيامة ، وعلامة افتراقهما (2)قيام الساعة .

وكيف لا يكون هذا نصٌّ صريحٌ في ثبوت إمامة العترة الطاهرة، وصحّة مذهب من تمسّك بهم، ولا يجوز للنبيّ أن يأمر بالتمسّك بهم واتّباعهم إلّا وهو عالم.

ص: 155


1- العمدة لابن البطريق : 330 550 ، الفصول المهمّة 1 : 595 ح 5 ، وسائل الشيعة 27 : 24 ح 12 .
2- في المخطوط : (فقدهما) والمثبت أنسب

بعصمتهم، وعدم انحرافهم عن الحقّ، ولا يجوز أن يأمر الأُمّة بالتمسّك بهم وينهى عن التمسّك بهم ، فإذا كان كذلك ثبتت العصمة لا محالة، ولم نسمع من أحدٍ أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم قال بنحو هذا الكلام في غير أهل بيته علیهم السلام.

ولمّا كان كلام اللّه الصامت مطهّراً وكلامه الناطق كذلك ، قال تعالى: «لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ» (1)، والمسّ كناية عن التكلّم والنطق به في الصواب، يقال : فلانٌ يمسّني بلسانه أي يتكلّم في بكذا وكذا، فإنّه [لا] يعرف حلاله وحرامه وناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه وظاهره وباطنه وكناياته ورموزه وإشاراته وحِكَمه، وبلاغته وغرره وبراهينه إلّا الراسخ في العلم ، ولا راسخ إلّا الإمام الذي هو أحد الثقلين العظيمين الذي أمر النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم عن اللّه تعالى بالتمسّك به ، وفسّرهم صلی الله علیه و آله و سلم بقوله : كتاب الله وعترتي أهل بيتي.

وفهمنا من قوله صلی الله علیه و آله و سلم : «العترة آله»، وبقوله ثانياً «أهل بيتي» أي محارمه الذي

لا يحلّ له أن يأخذ نساءهم، ولا يدخل بيته على أهله غيرهم؛ فاجتمعت الأمّة على أنّ هؤلاء علي وأولاده ؛ لأنّ عليّاً زوج ابنته ، وولداه ابنا بنت رسول الله ، لا يحل للنبي أن يأخذ حلائلهم ولا بناتهم، وهم محارمه أهل الكساء الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وهم الاثنا عشر لا غير.

ولا يجوز أنّه عنى غيرهم من أبناء فاطمة، لأنّه جائز الخطأ، وقد مرّ لك أن لا يجوز للنبي أن يأمر بالتمسك بهم وينهى عنه فيلزم تجهيل النبيّ صلى الله عليه وسلم وعدم علمه ، فإذا كان كذلك لم يثق بقوله ، فيلزم انتفاء النبوّة، وهو محالٌ.

فدلّ الدليل أنّ المراد أهل العصمة ، فثبوت العصمة لازمٌ للإمام ، وإذا ثبتت

ص: 156


1- الواقعة : 79 .

عصمته ثبت تقديمه على جائز ،الخطأ، فإذا ثبت تقديمه وجب على الأُمّة طاعته، فإذا عرضتَ هذا الحديث على الأحاديث والآيات الماضية ظهر لك برهانٌ تستضيء به عن شُبه أهل الضلال.

الحديث السادس : ما رواه الجمهور قوله صلی الله علیه و آله و سلم : أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم (1).

ولهذا الحديث إشارات ورموز ومفهوم وعموم وخصوص ومتعلّق (2)وعلامات يفهمها من حلّت قلبه الهداية ولاحظته العناية، يفهم من هذا الحديث أنّ المراد به خواصّ الصحابة ، فإنّ في عامهم المنافق والخاطي (3)، ويطلق على الكلّ صحابة ، فأمره صلی الله علیه و آله و سلم بالاقتداء إنّما أراد به الخاصّ لا العام يقيناً، وإلا كان كلاماً لا فائدة فيه، وهو في حقّ النبيّ ممتنع ، فأمره بالاقتداء إنّما أراد به الخاص لا العام، وذلك الخاصّ لم نجد شروطه إلّا في عليّ وأولاده وفاطمة علیها السلام الذين قد طهّرهم اللّه من الزلل كما مرّ لك ؛ لأنّ غيرهم جائز الخطأ في وقتٍ دون وقتِ . ولا يجوز للنبىّ أن يأمر بالاقتداء وينهى عنه، ولا شكّ أنّه ينهى عن بالفاسق، والمقُتدي به غير مهتدٍ ، فهو لما علم أنّ أصحابه هؤلاء لا يصدر عنهم المعاصي أبداً أمر الأُمّه بالاقتداء والاهتداء بهم، فدلّ الدليل أنّ المراد به النوع الخاصّ من أهل العصمة.

ص: 157


1- الفصول في الأصول للجصاص 3: 299 و 300 و 334 ، أُصول السرخسي 316:1 و 107:2 ، المستصفى : 168 ، الأحكام لابن حزم 5 : 642 وج 6 : 803 و 810 ، تفسير الرازي 2 : 5 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11:20
2- في المخطوط : ( متعلّقه) والمثبت أنسب
3- مثل معاوية وعمرو بن العاص

فإذا ثبت أنّ النبىّ صلی الله علیه و آله و سلم لم يترك أُمّته وعيّن لهم الذي يقتدوا به، وهو الإمام المنصوب من قبله وأولاده الذين قال في حقّهما : ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا (1)كما مرّ لك.

الحديث السابع : ما رواه الجمهور قوله صلی الله علیه و آله و سلم : اقتدوا بالّذين من بعدي(2). وفيه زيادة: أبو بكر وعمر .

فهم من هذا الحديث النصّ على الرجلين بالإمامة، وهذا خلاف مذهبهم، لأنهم أنكروا النصّ مطلقاً ، ولم يسمع منهما أنّهما ادّعيا ذلك واحتجّا به على الخلافة ، وإنّما ادعيا الإجماع، فهذا حكمه كالأوّل، لأنّه لا يجوز للنبيّ صلى الله عليه وسلم أن يامر بالاقتداء وينهى عنه، لأنّ غير المعصوم جائز الخطأ، وجائز الخطأ لا يكون مستمرًاً على حالةٍ واحدة، وإلّا كان كلاماً لا فائدة له، وهو في حقَّ (3)[الأئمّة المعصومين أنسب بناءً على قراءة الكلمة : (الذين) بالجمع لا : (اللذين ) بالتثنية، فيكون الخطاب للأمّة كلّها بلزوم إتباع الذين من بعد الرسول صلوات اللّه عليهم أجمعين.

الحديث الثامن : ما رواه أحمد والحاكم وصححه عن أمّ سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من سبّ عليّاً فقد سبّني.

وهذا الحكم خاصّ بأمير المؤمنين علیه السلام، ومن المعلوم ثبوت الحكم الشرعي بحقّ سابّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم وهو القتل ، فيكون هذا الحكم سارياً بحقّ من كان سبّه

ص: 158


1- ألقاب الرسول : 49 ، الإرشاد 2 : 30 ، الفصول المختارة :303 ، المسائل الجارودية : 35 .
2- مسند الحميدي 1 : 214 - 449 ، مسند أحمد بن حنبل 382:5 ، سنن الترمذي 5 : 271 ح 3733، المستدرك للحاكم 3: 75
3- الظاهر سقوط ورقة من المخطوط هنا ، لعدم الترابط بين الجمل هنا وسقوط الحديث الثامن ، والمناسب للحديث الثامن ما وضعناه بين المعقوفتين تناسباً مع الشرح المذكور .

مثل سبّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم و] (1)أن سابّ الصحابة لا يقتل، لأنّهم لا يرون سبّهم كسبّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم، وذلك عند من لم يعتقد عصمة علىّ وأولاده أو كانوا يعتقدون عصمته ولكن حملهم البغض والحسد.

وظهر فائدة الحديث على مذهب الخاصّة، ولا فائدة له على مذهب العامّة، وكلام النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم لا يخلو من فائدة وإلّا كان عابثاً، وهو ممتنع في حقّه. الحديث التاسع : ما رواه الخاصّ والعامّ قوله صلی الله علیه و آله و سلم: مثل أهل بيتي كمثل سفينة

نوحٍ، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق(2).

فهذا الحديث فيه من الحِكَمِ والأسرار والرموز والإشارات والتنبيه والكنايات ما تكفى السليم، فإذا تأمّلها البصير ظهر له برهانٌ يستضيء به من شُبَه أهل الضلال، فتارة صلی الله علیه و آله و سلم يمثّلهم بسفينة نوح، وتارة يشبّههم بالنجوم، وتارة بأحد الثقلين، وتارة بأئمة الزمان ، وتارة بالصحابة، وتارة بالعترة، وتارة بالأهل، والأهل هم خاصّة الخاصّة ؛ لأنّ اللّه سمّاهم بالأهل وبالقربى في القرآن المجيد. والمراد بهذا الحديث الحثّ بوجوب المعرفة لأهل العصمة، كما في الحديث السابق : من لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة(3). والمعنى: من لم يعرفهم بالعصمة والإمامة ويركب منهاجهم هلك كما يهلك الغريق، فهم مثل السفينة

ص: 159


1- مابين المعقوفتين من عندنا لترتيب مضامين الكتاب ، فإنّ الواضح سقوط ورقة الحديث الثامن وتوضيحات الحديث السابع .
2- مسند زید بن عليّ : 464 ، قرب الإسناد : 8 ، عيون أخبار الرضا علیه السلام : 30 ح 10 ، وسائل الشيعة 27 : 34ح 10 ، المعجم الكبير 3: 46 2637 ، المعجم الأوسط 6 : 85ح 59 ، المعجم الصغير 1 : 139 ، المستدرك للحاكم 343:2 ، مجمع الزوائد 168:9 .
3- تقدّمت مصادره

للغريق من ركبها نجا وفاز وسلم، ومن تخلّف عن معرفتهم وحبّهم أي زاغ وغوى وضلّ، فهو هالك .

فالناس اثنان: ناج وهالك، والهالك في النار يموت جاهليّاً لا معرفة له، مثل رجلٍ سمع بالسفينة ولم يعرفها بعينها، وكان سبب هلاكه عدم معرفته لها، ولم

ينقل أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال هذا في غير أهل البيت ؛ ففهم من هذا الكلام النبوي أنّ معرفة غير أهل البيت ليست بواجبة على الأمة ؛ فمن مات ولم يعرف القرآن أو الصحابة لم يمت جاهليّاً، ولم يكن هالكاً كافراً.

فدلّ الدليل أنّ المراد بأهل البيت أهل العصمة لا غيرهم من الفواطم، فإنّ فيهم جائز الخطأ، وفيهم مخالفٌ ومؤالفٌ، ولا يجوز للنبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أن يأمر بمعرفتهم وينهى عن معرفتهم ؛ لأنّ معرفتهم واجبة لا جائز ،الخطأ، والفاسق لا فائدة فيه فليسقط (1)الكلام عن الفائدة ، وهو في النبيّ ممتنع .

الحديث العاشر: في إثبات عصمة الزهراء علیها السلام ،قوله صلی الله علیه و آله و سلم : فاطمة بضعة منّي من أغضبها فقد أغضبني. رواه البخاريّ في مناقب فاطمة (2). وروى هذا الحديث جمهور العامّة(3). وروت الخاصّة بزيادة : من آذاها فقد آذاني(4).

وفي هذا الحديث إشارةٌ ورموز، وإنه صلی الله علیه و آله و سلم كان عالماً بأذاها بعده، فإنّه لم ينقل

ص: 160


1- كذا في المخطوط ، وقد يناسب المعنى : (فيسقط).
2- صحيح البخاري 4 : 210 و 219
3- السنن الكبرى للنسائي 5 : 97 8371 ، المعجم الكبير 404:22 ، المستدرك للحاكم 158:3
4- كتاب سليم بن قيس : 391 ، الأمالي للصدوق : 165 ح 3 ، كفاية الأثر : 65 ، بحار الأنوار 27: 62 ح 21.

أنّ أحداً آذاها وأغضبها غير مَنْ مَنَعَها إرثها ونِحْلتها وكذبها في دعواها ، وردّ شهودها(1).

وقوله صلی الله علیه و آله و سلم «من أغضبها فقد أغضبني» أي من آذاها فقد آذاني إشارة إلى من آذاها ، فدلّ أنّ المؤذي لها مؤذٍ لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وقد قال تعالى: «وَمَا كَانَ لَكُمْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ»(2).

وقوله : «من آذاها فقد آذاني» دال على عصمة ابنته، إنّه لمّا علم أنّها معصومة لا يصدر منها الخطأ نهى عن أذاها، وإلّا لم يجز له أن ينهى عن أذاها ويأمر بأذاها، فإنّ النهي عن إيذاء العاصي معصية، فيكون كلاماً لا فائدة فيه وهو ممتنع في كلام النبیّ صلی الله علیه و آله و سلم فدلّ الدليل أنّها صادقة معصومة مظلومة.

الحديث الحادي عشر: ما روته العامّة والخاصّة قوله صلی الله علیه و آله و سلم : كلّ إنسان مسؤولٌ عن أربعةٍ : عن عمره فيما أمضاه ، وعن ماله فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن حبنا أهل البيت(3).

وفي هذا الحديث دليلٌ واضحٌ في حبّ أهل العصمة لا غير، والسؤال عنها يوم القيامة وفى القبر ، كما صرّحت به آية المودّة(4)، فإنّ اللّه سبحانه لا يسأل العبد إلّا عمّا افترض عليه، فإذا فرضت المحبّة فهى أصل من أُصول الدين لا يقبل عمل إلّا

ص: 161


1- انظر كتاب السقيفة وفدك للجوهري، وأحاديث فدك في مصادر الفريقين لمحمد حياة الأنصاري ، وفدك في التاريخ للسيد الشهيد الصدر .
2- الأحزاب : 53 .
3- سنن الدارمي 1 : 135 ، سنن الترمذي 4 : 35 2531 ، مجمع الزوائد 346:10 ، الأمالي للصدوق : 93 10 ، الخصال: 253 125 ، بحار الأنوار 7: 258 ح 1 .
4- قوله تعالى في الآية 23 من سورة الشورى : ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى .

بها، مثال ذلك كمن أقرّ بكلمة الشهادة وصلّى وصام وحجّ وعمل الصالحات ولم يُحبّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم ولم يعرفه، فإنّ هذا العمل غير مقبول إجماعاً (1)، فإذا كان كذلك وجب معرفة من فرض الله محبّتهم وأوجب على العباد معرفتهم وطهّرهم من الرجس ، لأنّ غيرهم جائز الخطأ، فلا فائدة في المسألة عن محبّتهم، ولا يجوز أنّ اللّه تعالى يأمر بالمسألة وينهى عنها . فدلّ الدليل أنّ المسؤول عنهم أهل العصمة والسؤال في يوم القيامة.

وفي هذا دليلٌ على استمرار العصمة لهم في دار الدنيا وطهارتهم فيها من الرجس، فوجب على الأمّة محبّتهم ومعرفتهم والمسألةُ يوم القيامة، ولا يقبل اللّه عملاً إلّا بمعرفتهم ومحبّتهم، وإلّا كانت حجّته على العباد ومات جاهليّاً كأنّه لم يعمل عملاً للّه فيه رضاً كما مرّ لك في الحديث الماضي.

فهذا حال من لا يعرفهم، فما بالك عمّن آذاهم، وكيف يرضى عاقلٌ بأذاهم وهم شفعاؤه يوم القيامة، فويلٌ لمن كانت شفعاؤه خصماؤه.

الحديث الثانى عشر : ما روته العامّة، قوله صلی الله علیه و آله و سلم من قال لا إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه خالصاً مخلصاً دخل الجنّة (2)

وفي هذا الحديث إشارات ورموز ودلالات يعرفها البصير، إذا عرض هذا

ص: 162


1- بل ورد في بصائر الدرجات : 552 عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أنه قال : من زعم أنّه يملك الحلال ويحرم الحرام بغير معرفة النبي صلی الله علیه و آله و سلم لم يحلّل اللّه حلالاً و لم يحرّم له حراماً، وأن من صلّى وزكى وحجّ واعتمر ، فعل ذلك كلّه بغير معرفة من افترض الله عليه طاعته لم يقبل منه شيئاً من ذلك و مثل ذلك في دعائم الإسلام 53:1 باب ذكر منازل الأئمة علیهم السلام، وعلل الشرائع 1 : 250 ح 7.
2- السنن الكبرى 6 : 276 10964 ، المعجم الكبير 5 : 197 ، المعجم الأوسط 56:2 ، الاستيعاب ح : 69 اح 3039 ، الجامع الصغير 2 : 628 ح 8896 .

الحديث على الأحاديث والآيات التي ذكرناها والبراهين التي برهنّاها ظهر له برهان يستضيء به من شبه أهل الضلال، مفهوم الحديث أنّ من قالها خالصاً مُخلصاً دخل الجنّة، فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط.

وهنا بحثٌ :

الأوّل : أنّ العامّة قالت : إنّ الاسم عين الذات (1)وقد مرّ لك هذا البحث، وأجمعت على ذلك العامّة.

وقالت الخاصّة : الاسم غير المسمّى، ومن عبد الاسم فقد كفر، من عبدهما فقد أشرك (2). فمن قال لا إله إلّا اللّه واعتقد الاسم كانت كلمته بالشهادة لا تفيد التوحيد، لأنّه اعتقد غير اللّه فتكون غير خالصة، ومن قالها غير خالصة لم يدخل الجنّة . فانفردت الإماميّة بإخلاص الشهادة لقوله تعالى: «وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً»(3)، فدلّ أنّ الاسم شيءٌ والمسمّى شيء. وقال تعالى: «وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ» الآية (4).

وأثبتت العامّة من أسماء اللّه في العالم تسع قدماء سمّوها معان: قادرٌ بقدرة، وعالم بعلم ، ومريد بإرادة إلى غير ذلك ممّا هو مذكورٌ في عقائدهم وقالوا:هي قديمة حالّة في ذاته ، فهي إذاً زائدةٌ عن ذاته(5).

ص: 163


1- حكاه الآمدي في أبكار الأفكار في أصول الدين 495:2 ، وحكاه في كتاب أصول الإيمان : 95 عن القدرية ، وانظر المواقف للإيجي 302:3 ، شرح المواقف للجرجاني 8 : 208 .
2- أوائل المقالات : 217 ، رسائل المرتضى 1 : 285 ، بحار الأنوار 54: 79 : 179ح 136:
3- النساء : 36
4- الأعراف : 180 .
5- المواقف للإيجي 3 : 66 ، شرح المواقف للجرجاني 8: 45 .

فالنصارى كفرت لما قالت بقدم الأقانيم الثلاثة، والأُقنوم الأصل في اصطلاحهم، والأُصول عندهم ثلاثة: أُقنوم الأب وهو الوجود، وأُقنوم الابن وهو العلم وأقنوم روح القدس وهو الحياة(1)، فقال الله تعالى: «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ»(2)، فما بالك بمن قال : بقدم تسعة.

وقالت الإماميّة: لا يزال اللّه تعالى والعلم ذاته ولا معلوم، والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا ،مُبصر ، والقدرة ذاته ولا مقدور(3)، فلمّا أحدث الأشياء وقع العلم منه على المعلوم، والسمع على المسموع، والبصر على المبصر، والقدرة على المقدور ، فهو كذلك بلا اختلاف ذات ولا اختلاف معنى ، فما صَوَّره الفكرُ والوهمُ فاللّه خلافه، وما عبّرته الألسن وعملته الأيدي فهو مخلوق.

فالأسماء مشتركة بين الخالق والمخلوق، والمعاني مختلفةٌ كالإنسان تختلف عليه الأسماء والصفات، فمرّةً يكون تراباً، ومرّة يكون مضغة، ومرّةً لحماً، ومرّةً

دماً ورفاتاً ورميماً، وكذلك سائر المخلوقات، واللّه بخلاف ذلك.

وقد جمع اسم العالم الخالق والمخلوق، واختلف المعنى ؛ فعلم اللّه ذاتيّ والعالم من الخلق مكتسبٌ مسبوقٌ بالجهل، وهكذا الأسماء متّحدة اللفظ

مختلفة المعنى، وقد يكون العلم ثابتاً وإن لم يكن المعلوم [فهو ] بمنزلة البصر قد

ص: 164


1- حكاه الآمدي في أبكار الأفكار في أصول الدين 1 : 267 والفاضل المقداد في إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين : 238 ، وانظر المغني في أبواب التوحيد والعدل 5 : 81و 91 وما بعدها
2- المائدة : 73
3- معارج الفهم : 237 ، 276 و 320 . 276

يكون موجوداً وإن لم يكن المبصر(1)، وهذا اعتقاد الإماميّة. فإذا كان كذلك فبينهم وبين غيرهم كما بين السماء والأرض.

وقوله صلی الله علیه وآله و سلم : «محمّد رسول اللّه» علمنا أنّ من لم يشهد له بالرسالة لم تفده كلمة التوحيد، لأنّها غير خالصةٍ فكان لها أربع شروط : إخلاص بالوحدانيّة، وإخلاص بمعرفة النبيّ ، وإخلاص بمعرفة الإمام، وإخلاص بالأعمال .

وقوله صلی الله علیه وآله و سلم: «خالصاً» من الشرك والعقائد الباطلة الفاسدة.

ولمّا قال «مخلصاً» دلّ أنّ المراد بها «الأعمال» مطلق الأعمال، ومنها معرفة النبي والإمام، لأنّها عمل لا يقبل اللّه العمل إلّا به لقوله تعالى: «وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ»(2).

وقد تحقّقت فيما مضى أنّ الأعمال لا تُقبل إلّا بمعرفة النبيّ صلی الله علیه وآله و سلم لأنّه نبيٌّ ومبلّغ ومعصومٌ، وطاعة المعصوم واجبةٌ، ومعرفته كذلك وهي شرط في قبول الأعمال، فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط، ولمّا ثبت ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم أثبت ذلك لأُولي الأمر بعده بقوله: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ»(3)، وقوله تعالى: «مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا» (4)وكان حكمهم كحكمه في المعرفة والطاعة والعصمة كما مرّ لك ثبوتها فى قبول الأعمال؛ فمن عمل ولا يعرفهم

ص: 165


1- مقتبس من رواية في توحيد الشيخ الصدوق : 449 باب 66 ، عيون أخبار الرضا ل 1 : 186 باب في ذكر مجلس الرضا الله مع سليمان المروزي ، بحار الأنوار 10 : 334 باب مناظرات الرضا الله.
2- البينة : 5
3- النساء : 59 .
4- الحشر : 7

بمعرفة الإمام - وقد تثبت ذلك بالأدلّة السابقة - ولا يعتقد عصمتهم كان عمله غير مخلص فلا له أجراً.

فدلّ الدليل أنّ الأعمال الخالصة مقبولة ، قال صلی الله علیه وآله و سلم الابن مسعود: یابن مسعود، إذا تكلّمت بلا إله إلّا اللّه ولم تعرف حقّها فإنّه مردود عليك، ولا يزال قول «لا إله إلّا الله» يردّ غضب اللّه عن العباد حتّى إذا لم يبالوا ما ينقص من دينهم بعد إذ سلمت دنياهم، يقول اللّه : كذبتم كذبتم لستم بها صادقين، يقول اللّه تعالى:«إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ»(1)

فدلّ الدليل أنّ لهذه الكلمة شرطٌ وشروطٌ، فلو لم تكن كذلك فلأيّ شيء ترى المسلمين يكفّرون بعضهم بعضاً، ويلعنون بعضهم بعضاً، ويقتلون بعضهم ،بعضاً، وأشدّ ما ترى العداوة بين الأشاعرة ،والإماميّة، فلأيّ شيء هذه العداوة وكلّهم يقولون «لا إله إلّا اللّه، محمّد رسول الله».

وروت الخاصّة عن الرضا عن آبائه علیهم السلام من قال «لا إله إلا الله، محمّد رسول الله» بشرطها وشروطها دخل الجنّة. ثمّ قال : وأنا أحد شروطها(2). يعني الإقرار بإمامته.

ص: 166


1- فاطر : 10 . مكارم الأخلاق : 456 ، بحار الأنوار 74: 106ح 1 .
2- كذا في المخطوط ، لكن الذي في المصادر بعد ذكر السند المتصل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سمعت جبرئيل لا يقول : سمعت الله عزّ وجلّ يقول : لا إله إلّا الله حصني ، فمن دخل حصني أمن من عذابي، فلما مرّت الراحلة نادانا ؛ بشروطها ، وأنا من شروطها . انظر الأمالي للصدوق : 306 ح 8 وفي طبعة مؤسسة الأعلمي في بيروت : 194 المجلس : 41 ح 8، التوحيد : 25 23 ، بحار الأنوار 3 : 7ح 16 .

فدلّ الدليل أنّ الإقرار بالإمامة شرطٌ في الإقرار بالشهادة، فإذا عرضت هذا الحديث على الأحاديث الماضية ظهر لك نورٌ تستضيء به من شُبَه الضلالة.

الحديث الثالث عشر : وممّا روته العامّة(1)، قوله : أنا مدينة العلم وعليّ بابها؛ فمن أراد العلم فليأت الباب(2). رواه الترمذي.

وفى الحديث دلالاتٌ وإشارات وتنبيه في مدح الإمام ومعرفة الإمام وإنّه باب العلم وانحصاره فيهما، فإنّه لا حظّ لغيرهما فيه ، وكان أمير المؤمنين علیه السلام يقول : سلوني قبل أن تفقدوني، فأنا عندي علم الأوّلين والآخرين(3). ومثال ذلك في خطبه . فمن كان هذا حاله يجب على الناس متابعته والدخول معه والأخذ عنه، وفيه إشارات إلى عصمته، لأنّ الباب جزءٌ من المدينة، والمدينة كلّ، والكلّ افضل من الجزء، والعصمة جزء النبوّة، والنبوّة فوق العصمة، العصمة فوق مرتبة العوام ودون مرتبة النبوّة.

وكأنه قال: أنا نبي يُوحى إليّ من اللّه، انحصر العلم في وفيه، لأنّه الباب والمدخل والمخرج منه، ولا لأحدٍ أن يسلّط على المدينة إلّا من الباب، وهذا ابن عمّي وأخي - وهو معصومٌ مثلي - له حكمي إلّا النبوّة، ويعلم علمي، فأنا مبلّغ عن اللّه ، وهذا مبلّغ عنّي . فمثّله بالباب الذي لا يدخل ولا يخرج إلّا منه، ومن لم يدخل منه هالك ضالٌّ،

ص: 167


1- فى المخطوط زياده : ورواه الترمذي.
2- وجدناه في المعجم الكبير للطبراني 11 : 55 ، المستدرك على الصحيحين 2 : 126 ، مجمع الزوائد 9 : 114 باب في علمه ، تفسير القمي 1 : 68 ، التوحيد : 307 ، الخصال : 574 ، مناقب آل أبي طالب 2 : 111
3- نهج البلاغة 2 : 130خ 189 .

ولم ينقل أنّ النبيّ قال مثل هذا الكلام في حقّ غيره، ودليل انفراده بالمدح والعصمة دالّ على المطلوب، لأنّه لا يجوز أن يقال بهذا الكلام لغيره لجواز الخطأ، فيكون لا فائدة في الكلام ، وهو ممتنعٌ في حقّ النبيّ صلی الله علیه وآله و سلم.

وأجمعت الأمّة أنّ أمير المؤمنين علیه السلام أعلم الصحابة وأقضاهم وأفضلهم باطناً وظاهراً ؛ أمّا الباطن فبوحي من اللّه تعالى، لأنّ الغيب لا يعلمه إلّا اللّه . والظاهر معلوم لكلّ أحد ، والنبيّ صلی الله علیه وآله و سلم لمّا عَلِمَ ظاهرَ عليّ وباطنهِ أظْهَرَ من حالاته ما خفي عن الغير ؛ فمنهم من آمن ومنهم من حسد وكفر ، ولم نعلم دليلاً لمن فضّل عليه غیره ؛ لا عقلاً ولا نقلاً.

وإذا بحثنا معهم في مثل هذا قالوا مضى السلف وانعقد الإجماع، فعدم الدليل دليل على فضل أمير المؤمنين علیه السلام.

الحديث الرابع عشر : ما رواه العامّ والخاصّ قوله صلی الله علیه وآله و سلم : ستفترق أُمّتي على ثلاثة

وسبعين فرقة ؛ فرقة ناجية والباقون في النار (1).

وفي هذا الحديث إشاراتٌ ورموزٌ ودلالاتٌ ومفهوماتٌ وعمومٌ يفهمها من حلّت قلبه الهداية، وصادفته العناية .

ومن فوائد هذا الحديث أنّ اللّه تعالى أخبر نبيّه بما يكون من بعده من اختلاف الأمّة، فالذي يعرف هذا كيف يترك الأمّة هملاً بغير راعٍ؟

ومن الفوائد أنّة صرّح أن كلمة الشهادة (2)شرط في قبول أعمالهم الصالحة

ص: 168


1- مسند أحمد بن حنبل 102:4 ، سنن الدارمي 241:2 ، الاقتصاد : 213 ، العمدة لابن البطريق : پ74 ح 89 ، بحار الأنوار 30 : 337 158
2- أي شهادة أن لا إله إلّا الله محمد رسول الله له المذكورة في الحديث المتقدم .

كالصلاة والزكاة والصوم والحجّ، لأنّ كلّ فرقة اتفقت على هذه الأركان، واختلفت في العقائد، وكان سبب دخولهم النار اختلاف عقائدهم، وأعمالهم غير نافعة ولا تدخلهم الجنّة، وعملهم الصالح صار كالهباء المنثور.

قال تعالى: «وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً»(1).

ثمّ استثنى منهم فرقة ناجية. فإذا عرضت هذا الحديث على الأحاديث الماضية، وعلى حديث «مَثَلُ أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا»(2) تجد الإشارة من الحديث [فإنّه] يشير لك إلى ركوب السفينة، ولمّا قال :«فرقة ناجية» كأنّه يقول: وهي التي ركبت في سفينة النجاة، والمطلوب معرفة أهل العصمة علیهم السلام. وإذا عرض هذا الحديث على حديث الثقلين تجد الإشارة تدلّك على المطلوب، وأعرضه على آية المودّة وآية التطهير وحديث الغدير تجد هذه الأدلّة تدلّك

على معرفة الإمام الذي من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية.

وإنّ الكثير أخطأ الباب الذي أمرهم رسول اللّه صلی الله علیه وآله و سلم بالدخول منه بقوله : أنا مدينة العلم وعلي بابها(3).

ثمّ صرّح في حجّة الوداع على رؤوس الأشهاد: من كنت مولاه فعلی مولاه(4)

ص: 169


1- الفرقان : 23
2- في المعجم الأوسط للطبراني 5 : 306 عن أبي ذرّ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أهل بيتي فيكم كسفينة نوح علیه السلام من دخلهانجا ، ومن تخلّف عنها هلك . وفي مصنّف ابن أبي شيبة الكوفي 7: 503 52 عن علي علیه السلام قال : إنّما مثلنا في هذه الأمّة كسفينة نوح وكتاب حطّة في بني إسرائيل . وانظر شرح نهج البلاغة 1 : 218 .
3- التوحيد : 307 ، الخصال : 574 ، وسائل الشيعة 27 : 34 ح 11
4- تقدمت مصادره عن العامة ، ومن الخاصة فى بصائر الدرجات : 97 5 ، قرب الإسناد : 57 ح 186 ، الكافي 1 : 294 ح 3 ، وسائل الشيعة 5 : 286 ح 1 .

فهلك الجاحد ولم ينفعه عمله ولا اجتهاده ولا تأويله ولا كلمة الشهادة، ولا عرفوا ما عنى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في كلامه البليغ ولا إشاراته ولا رموزه، وقطع كلّ حجّة حديث الغدير، وفهم من قوله صلى الله عليه وسلم «فرقة ناجية» المراد بها الإماميّة، الذين هم تمسّكوا بأهل بيته وأحبّتهم ، ووالتهم وفضّلتهم، واعتقدت عصمتهم، الذين هم أحد الثقلين، هم مع القرآن والقرآن معهم، فكانت كلمة شهادتهم خالصة

مخلصة، فاستحقّوا بها دخول الجنّة.

ومن الرموز أنّ «فرقة» فى حساب الجُمل على عدد «شيعة»، فكانت هی الناجية(1)، فدلّ الدليل على المطلوب.

الحديث الخامس عشر: ما رواه العامّ والخاصّ قوله صلى الله عليه وسلم في شأن عليّ علیه السلام :

اللهم أدرِ الحقّ مع علىٌّ كيفما دار(2).

هذا الحديث فيه إشاراتٌ ورموز ومعانٍ ومفهوماتٍ ودلائل لا يصل إلى كنهها إلّا من فتح اللّه عين قلبه، وخصّه بهدايته.

ومن أسرار هذا الحديث ثبوت عصمة أمير المؤمنين علیه السلام بالنصّ الجلي ؛ لأنّ الحقّ لا يدور إلّا مع المطهَر من الرجس، وإلّا فلا فائدة في دعاء النبي صلی الله علیه وآله و سلم، فإنّه لا يدعو لجائز الخطأ، وتخصيصه بعليّ علیه السلام دال على أنّه لا يجوز هذا الدعاء لغيره، ولم يثبت أنّه قال بمثل هذا الدعاء في حق غيره، وانفرد به أميرالمؤمنين علیه السلام، فدلّ ذلك على عصمته.

ص: 170


1- بيان ذلك أن كلمة «فرقة» في حساب الجمل 80 + 200 + 400 + 300 + 10 + 70 + 400 = 780 ، وهو المطلوب = 780 ، وكلمة «شيعة»
2- المستصفى : 170 ، المحصول 6 : 134 ، تفسير الرازي 1 :205 ، المسائل العكبرية : 56 ، التعجب للكراجكي : 62 ، العمدة لابن البطريق : 285 ح 461 .

وكان صلی الله علیه وآله و سلم تارةً يُصرّح بفضل علىّ، وتارة يرمز(1)، وذلك لعلمه بكثرة أعداء

أمير المؤمنين وحسدهم له، وإنّ الأمّة تحرّف كلام النبيّ في شأن أمير المؤمنين ودليل ذلك قوله تعالى:«وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ»(2). وعداوة أكثر الأمّة له ظاهرةٌ غيرُ خفيّة، كعداوة أهل الجمل وأهل صفّين، وحربهم له وسبّهم له في أعلى المنابر على رؤوس الأشهاد(3)، ولم ينكر ذلك مُسلم ؛ فهذا سبب الرموز والكنايات والأشارات.

والمحبّ له يفهم ذلك، ويحتجّ به على المبغض، واللّه سبحانه وتعالى طبع على قلب المنافقين عن فهم هذه الإشارات والكنايات والمفهومات والدلائل الواردة عنهم، لئلا يغيّروها ويحرّفوها فيندرس الدين. وأكثر فضائل عليّ وأهل بيته علیهم السلام نقلها أهل الخلاف، وذلك لطف خفىٌّ.

فدلّ هذا الحديث أنّ الحقّ يدور مع عليّ كيفما دار ، وإذا عرضت هذا الحديث على حديث افتراق الأمّة المذكور سابقاً تجد استثناء النبيّ صلی الله علیه وآله و سلم بالفرقة الناجية إنّما عنى بها يقيناً الفرقة التي تدور مع عليّ أمير المؤمنين كيفما دار، ولم تجد في هذه الفرق الكثيرة من يُوالى عليّاً وأولاده ويعتقد عصمتهم وينقل أقوالهم ويُقلّد

ص: 171


1- ورد في أمالي المفيد : 90 6 عن شهر بن حوشب قال : سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : والله لا يمنعني مكان معاوية أن أقول الحق في علي ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : علي أفضلكم ، وفي الدين أفقهكم ، وبسنّتي أبصركم ، ولكتاب الله أقرؤكم ، اللهم إنّي أحبّ عليّاً فأحبّه ، اللهمّ إنّي أحبّ عليّاً فأحبه ، وعنه في بحار الأنوار 40 : 41 76 .
2- المائدة : 67 ، وانظر شواهد التنزيل للحسكاني 1 : 255
3- جاء في مسند أبي يعلى 12 : 445 7013 عن أبي عبد الله الجدلي قال : قالت أم سلمة : أيسب رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنابر ؟ قلت : وأنّى ذلك ؟ قالت : أليس يسب على ومن يحبه ؟ فأشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحبه ، ومثله في المعجم الأوسط للطبراني 6 : 74 .

مذهبهم إلّا الإماميّة لا غير، كما هو ظاهر لكلّ أحد.

فدلّ الدليل أنّ الحقّ يدور مع عليّ علیه السلام؛ فعليّ على الحقّ، والحقّ معه، ومقلّدُ عليَّ ناجٍ، والناجي في الجنّة والناجية فرقةٌ بموجب النصّ الجلي.

قوله صلی الله علیه وآله و سلم «فرقة ناجية» أي فرقة علىّ، فحذف المضاف إليه لفائدة لا تخفى

على عاقل لبيب، لكثرة الوضّاعة والمبغضين، فكأنّه صلی الله علیه وآله و سلم أشار ورمز في هذا الحديث إلى الذي يدور معه الحقّ وإلى مَن نصبه يوم الغدير، وإلى من جعله بابه في حديث «أنا مدينة العلم وعلي بابها» (1)، وإلى حديث «مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا»(2)، وإلى حديث الثقلين (3)، وإلى حديث «مَن قال لا إله إلّا اللّه محمّد رسول الله خالصاً مخلصاً» (4)، فإنّ المراد بقوله صلی الله علیه وآله و سلم «خالصاً مخلصاً» لولاية عليّ وأولاده وحبّهم وطاعتهم التي لا تقبل الأعمال إلّا بها.

فلو أنّ كلمة الشهادة تفيد بدون الولاية لكان الكلّ ناجٍ لإقرارهم بالشهادتين، وإتيان أداء الفرائض كاليوميّة والصوم والحجّ والزكاة، وأداء الفضائل كالنوافل وغيرها من أفعال البررة؛ فعلم أنّ المطلوب غير ذلك، ولا مراده إلّا اختلاف العقائد من الأُمّة في العصمة التي لعليّ وأولاده، التي نص عليها النبيّ صلى الله عليه واله وسلم وأمر اللّه

ص: 172


1- تقدّمت مصادره ، وهو في المعجم الكبير للطبراني 11 : 55 ، الاستيعاب لابن عبدالبر 3 : 1102 الفائق في غريب الحديث ،2 : 16 ، شرح نهج البلاغة 7 : 219 .
2- انظر كمال الدين : 239 ح 50 ، وسائل الشيعة 27 : 34 ح 10 ، الفصول المهمة 1 : 449ح 626 .
3- مسند أحمد بن حنبل 3 14 و 17 و 26 ، سنن الدارمي 2 : 432 ، فضائل الصحابة للنسائي : 15 : و 22 ، المستدرك على الصحيحين للحاكم 109:3 .
4- في الجامع الصغير للسيوطي 155:1 ح 1021 أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال : « لا إله إلّا الله خالصاً مخلصاً من قلبه » ، وفي شرح مسند أبي حنيفة : 593 عن أنس يقول ، قال رسول الله صلی الله علیه و اله و سلم: من قال :«لا إله إلا الله خالصاً مخلصاً من قلبه دخل الجنة » .

بمودّتهم وطاعتهم في كتابه، وإلّا فلا فائدة في الاستثناء؛ فدلّ الدليل بالبرهان القاطع الذي لا شكّ فيه أنّ مراد النبي أهل العصمة الذين طهّرهم اللّه تعالى من

الرجس .

ولا يجوز أن يعني غيرهم من هو جائز الخطأ ويتركهم، فإذا كان كذلك فهم العاقل رمزه وإشارته وقصده ومطلوبه وتلويحه وإيمائه وكناياته وتصريحه وإخفائه، وحصل له برهان يستضيء به من شُبَه أهل الضلال، فلو كان أمير المؤمنين علیه السلام جائز الخطأ كغيره لقال : اللهم أدر الحقّ ما دام على الحقّ ولا تدره وهو على غيره، ولم ينقل أنّه قال في أحدٍ من الصحابة بمثل ذلك، ولم يُخصّصه به.

الحديث السادس عشر : ما رواه العام والخاصّ، قوله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: لأُعطينّ الراية لرجلٍ يُحبّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله، كرّارٌ غير فرّارٍ(1).

وفی هذا الحديث إشارات ورموز ودلائلٌ تدلّ البصير على طريق النجاة، ولهذا الحديث مقدّمة نقلته الرواة ، وهو أنّ الرجلين أخذا الراية وانهزما فبات كلّ واحد منهما يجبن ،قومه، فأخبر الله نبيّه فعزل الرجلين وولّى عليّاً، فظهر لنا مثالب الرجلين ومناقب علىّ علیه السلام، وظهر عدم المحبّة من اللّه لهما لفرارهما، وثبوتها لعلىّ أولى؛ محبّة اللّه ورسوله، ولا يجوز أنّ اللّه ورسوله يحبّان غير الصالح إجماعاً.

فلمّا كان أمير المؤمنين علیه السلام أفضل الصحابة في ذلك الوقت بالعصمة التي هي فوق مرتبة العوام ودون مرتبة الأنبياء ، استوجب المحبّة من اللّه ورسوله ، ولم يقل

ص: 173


1- تمهيد الأوائل : 544 ، تاريخ مدينة دمشق 219:41 4774 ، كتاب سلیم بن قیس : 322، رسائل المرتضى 104:4 و 105 ح 72 و 73 ، الاحتجاج 406:1 ، بحار الأنوار 363:31ح 17.

الرسول بمثل هذا لغيره، فدلّ أنّ غيره لا يستحقّ المحبّة، وهو جائز الخطأ، فإنّ جائز الخطأ يحبّه اللّه ما دام على الطاعة، ولو كان أمير المؤمنين مثل غيره جائز

الخطأ لقال النبيّ : لأُعطينّ الراية غداً لرجل يحبّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله دام على الطاعة، ولا يجوز للنبي إن لم يعلم منه العصمة أن يُخفي ذلك على الأُمّة.

ودليل انحصار المحبّة الدائمة فى أمير المؤمنين علیه السلام العاصمة، وأنّ اللّه نفى عنه الرجس وطهره تطهيراً.

وذكر الخوارزمي عن الناصر للحقّ؛ هو جدّ السيّد المرتضى(1): لمّا قدم عليّ على النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم من فتح خيبر ، قال النبيّ صلی الله علیه وآله و سلم : لولا أن تقول فيك طائفةٌ من أُمتى ما قالت النصارى في المسيح لقلت اليوم فيك مقالاً لا تمرّ بملأ إلّا أخذ التراب من تحت قدميك، ومن فضل طهورك يستشفون به(2)، وذكر الحديث بتمامه.

الحديث السابع عشر: ما رواه الخاصّ والعامّ، حديث الطائر، رواه الخوارزمي واستدلّ أنّ أمير المؤمنين من أفضل الصحابة، وهو قوله صلی الله علیه وآله و سلم في شأن أمير المؤمنين علیه السلام: اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك يأكل معي هذا الطير(3).

ص: 174


1- للتعرّف على أحواله ينظر مقدّمة كتاب الانتصار للشريف المرتضى ، وانظر أعيان الشيعة 5 : 425/179
2- المناقب للخوارزمي 188/158 ، مناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي 1 : 249 و 494 ح 402 ، الخصال : 575 ، كنز الفوائد : 271 ، بحار الأنوار 35: 323 22. وتتمة الخبر : « ولكن حسبك أن تكون منّي ، وأنا منك ، ترثني وأرثك ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي، وأنك تبرئ ذمتي ، وتقاتل على سنتي ، وأنّك غداً في الآخرة أقرب الناس منّي وأنك أوّل من يرد على الحوض ، وأوّل من يكسى معي وأوّل داخل في الجنة من أمتي، وأن شيعتك على منابر من نور ، وأنّ الحق على لسانك وفى قلبك وبين عينيك .
3- المناقب للخوارزمي : 115 و 314 ح 125 و 314 ، سنن الترمذي 5 : 300 3805 ، المعجم الكبير 1 : 253 ح 730 ، الخصال :555 ، علل الشرايع 1 : 162 ح 1 ، بحار الأنوار 10 : 431 - 12

وفي الحديث دلالة صريحةٌ أنّه أحبّ الصحابة إلى رسول اللّه صلی الله علیه وآله و سلم، وأنّه أفضل من غيره بالعصمة الإلهيّة، والرسول كان عالماً يقيناً أنّه أفضل، ولكن أراد بيان فضله لمنكر ذلك من مبغضيه، ولمحبّيه ومواليه. فإذا كان أحبّ الخلق إلى اللّه

وتحقّق ذلك جمع من الصحابة بدعاء النبيّ له ، فلِمَ لا يكون هذا نصّاً صريحاً على خلافته من بعده وعصمته وطهارته؛ فكأنّ رمز هذا الحديث يقول: يا صحابة

رسول اللّه، هذا أحبّ الخلق إلى اللّه وإليّ وأفضلهم فلا تنازعوه في الخلافة ولا يستحقّها غيره.

فإذا عرضت هذا الحديث على النصوص التي ذكرناها تبيّن لك برهان تستضيء به من شبه أهل الضلال.

فدلّ الدليل أنّه أفضل الأُمّة، ومن كان أفضل الأُمّة كان معصوماً بشهادة اللّه له بالتطهير .

قال تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُهْتَدُونَ»(1).

وقال:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»(2). وعنى بالصادقين أهل العصمة علیهم السلام، وإنّ غيرهم جائز الكذب والخطأ، ولا يجوز أن يسمّي اللّه تعالى غير أهل العصمة صادقين، لجواز الكذب وامتناعه على اللّه تعالى .

الحديث الثامن عشر : حديث الخوارزمي الحنفي، الذي رواه في مناقبه

ص: 175


1- الأنعام : 82 .
2- التوبة : 119

قوله صلی الله علیه وآله و سلم: حبّ علىّ حسنة لا تضرّ معها سيّئة، وبغضه سيّئة لا تنفع معها حسنة.(1)

وقد روى هذا الحديث الخاصّ والعام، والفضل ما شهدت به الأعداء. لا تستشكل هذا، وقد أورد صاحب كتاب ربيع الأبرار في هذا المعنى، وهو أنّ إبليس قال : إلهي، إنّ عبادك يحبّونك ويعصونك ، ويبغضوني ويطيعوني ؟! فأتاه الجواب : إنّي عفوت عنهم ما أطاعوك بما أبغضوك، وقبلت منهم إيمانهم وإن لم يطيعوني بما أحبّوني(2).

وفي هذا الحديث فوائد ورموز وإشارات لا يفهمها إلّا من حلّت قلبه الهداية، وانفراد أمير المؤمنين علیه السلام بهذا الحديث عن غيره فيه ثبوت العصمة.

فقوله: «حُبّ عليّ حسنة لا تضرّ معها سيّئة» فتخصيص النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المحبّة لعليّ يدلّ أنّ في محبّة غيره ليس كذلك، فإنّ في محبّته تكفير الذنوب التي يعلمها المحبّ فلا تضره، لأنّه عقد بقلبه محبّته وولاءه، فامتزجت محبّته باللحم والدم

والمخ ، والعصب كمحبّة زليخا ليوسف ، فلو نطقت الجوارح لصرّحت بمحبّته وولائه، والشخص إذا استغرق فى المحبّة لا يرى في الوجود غير محبوبه ، وأشغلته المحبّة عن المعاصى، وكأنّها لا تخطر في قلبه، ولو فعل فلا تضرّة السيّئة، لأنّ المحبّة حسنة مضاعفة.

ص: 176


1- المناقب للخوارزمي : 76ح 56 ، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 3 : 2 ، بحار الأنوار 39: 248 ح 10 ، ينابيع المودة 1 : 270 ح 4 .
2- وجدناه في كشكول البهائي 3 : 63 طبع مؤسسة فراهاني في طهران.

قال تعالى:«إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ»(1)، فالمحبّة تنفع العاصي، والبُغض لا ينفع المطيع ؛ لأنّ الأعمال بالنيّات، والمحبّة ما عقد عليها ضمير القلب، وإذا فسدت فسد العمل.

قال تعالى: «مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا»(2). وأيّ محبّة أعظم من محبّة حبيب اللّه ورسوله كما مرّ لك في الأحاديث السابقة، والآيات الصادقة مثل آية التطهير (3)والمودّة(4) المفروضة من اللّه وغير ذلك، أفلا تكون كفّارة للذنوب المحقّرة ؟ وهل حسنة أحسن من محبّة على حبیب اللّه ورسوله ؟

ثمّ قال صلی الله علیه وآله و سلم : «وبغضه سيّئة لا تنفع معها حسنةٌ». وفي هذا دلالة صريحة أنّ المبغض لعلىٍّ لا تنفعه الأعمال الحسنة مثل : الحجّ والصلاة والزكاة والصيام وغير ذلك ، فإنّ في بغض عليّ بغض اللّه ورسوله وأيّ حسنة تنفع العبد مع بغض اللّه

ورسوله ؟ فإنّه شرك وإلحادٌ.

ودليل العصمة أنّ هذا الحال حالة لعليّ على الدوام، ولو كان جائز الخطأ لكان حال خطائه بغضه كفّارة للذنوب، ولا جاز أن يقول له ذلك، وإلّا كان كلاماً لا

فائدة فيه، وهو ممتنع في شأن النبي صلی الله علیه وآله و سلم.

ص: 177


1- هود : 114 .
2- الأنعام : 160
3- قوله تعالى في الآية 33 من سورة الأحزاب : إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْ- وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ...
4- قوله تعالى في الآية 23 من سورة الشورى: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ).

وفي هذا الحديث إشارة من النبيّ إلى ذمّ مبغضي عليّ ، وتنبيه لمن كان غافلاً عن فضل هذا المعصوم المطهَّر، وسرور لمحبّيه.

فحصل من هذا الحديث فوائد جزيلة ؛ عدم قبول الأعمال إلّا بولايته، وبشارة للعاصي من شيعته، ومدحٌ لعليَّ ، وذمّ لمبغضه، وسرور لمحبّيه، وإخبار بفضله، وشهادة من اللّه ورسوله لمحبّيه، وأمر اللّه بمحبّته وولاية عباده، ولا يجوز أنّ اللّه يأمر بمحبّة شخص ومحبّة رسوله وينهى عنها ، فلمّا كان كذلك ثبتت العصمة لا محالة.

وأيضاً : فى محبّة اللّه والنبيّ صلى الله عليه وسلم والمعصومين تكفير الذنوب، فلا يظنّ المعاند أنّ هذا الفضل الجزيل خصّ به أمير المؤمنين علیه السلام، وإنّما مراد النبيّ صلی الله علیه وآله و سلم أن محبّ

عليّ له هذا الفضل، فكيف محبّ النبي والخالق والإمام ؟ فمن أحب هؤلاء ضوعفت له الحسنات أضعافاً مضاعفة ؛ فمن أحبّ اللّه ولم يحبّ الرسول مردودٌ عليه المحبّة . كذلك الأئمّة مقرونة محبّتهم بمحبة اللّه ، ومحبة اللّه بمحبّتهم ، فلهذا لا عمل إلّا بالمحبّة ؛ فالفرقة الناجية أهل المحبّة.

وأيضاً من أحبّ الأئمّة وأحبّ أعداءهم ليس بمحبٍّ ، أو أحبّهم وأبغض محبّيهم فأيضاً ليس بمحبٌّ.

قال تعالى:«تَرَىٰ كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ»(1).

ص: 178


1- المائدة : 80 و 81

وإذا عرضت هذا الحديث على الأحاديث والآيات الماضية ظهر لك برهان تستضيء به من شُبَه أهل الضلال، ولم تجد أحداً يُحبّه ويواليه وذريّته إلّا الإماميّة، فإنّ الغير فضّل عليه سواه وجحد عصمته وولاءه، فكيف يرجو النجاة مَن كان خصمه مولاه ؟

الحديث التاسع عشر: ما رواه الخوارزمي الخطيب الحنفي في مناقبه، قوله صلی الله علیه وآله و سلم: إنّ اللّه جعل لأخي عليّاً فضائل لا تُحصى ؛ مَنْ ذَكَرَ فضيلة واحدة من فضائله مُقرّاً بها غَفَرَ اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لذلك الكتاب رسمٌ، ومن استمع فضيلة من فضائله غفر اللّه له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع، ومن نظر إلى كتابٍ من فضائله غفر اللّه له الذنوب التي اكتسبها بالنظر(1).

وفی هذا الحديث معان دقيقة وإشاراتٍ لطيفة، و مقاصد عديدة، وفوائد جزيلة، وفضائل جليلة لو علم الخصم أنّها لحجّته داحضةٌ لما ظَهَرَ منها فائدة، ولكن ينطق الحقّ على لسان جاحده.

قوله صلی الله علیه وآله و سلم:«إنّ اللّه جعل لأخى عليّاً فضائل لا تحصى»، فهمنا من هذا التخصيص أنّ له فضائل لم تكن فى غيره من الصحابة، فلمّا كان كذلك علمنا أنّه أفضل الصحابة يقيناً، ومن كان أفضل كان له مزيّة على غيره يتميّز بها ليحصل له بها الترجيح، ولا فضيلة أفضل من التطهير من الرجس والتطهير من الآثام هی العصمة التي هي فوقها النبوّة.

ص: 179


1- المناقب للخوارزمي : 32 ح 2 ، الأمالي للصدوق : 201 ح 10 ، مأة منقبة : 177 ، بحار الأنوار 26: 229 ح 10 ، لسان الميزان 5 : 62 ح 205 ، ينابيع المودة 1 : 365ح 6 .

وفهمنا من قوله:«لا تحصى» استغراق الفضائل ، ولا فضيلة أفضل من العصمة فهى مندرجة في الفضائل، ولو لم يكن كذلك لما حصل في الكلام فائدة، وهو

ممتنع في حقّ النبيّ صلی الله علیه وآله و سلم.

وأحاديث الإخاء نقلها أحمد بن حنبل في مسنده، الإخاء كان في يوم المباهلة رواه الحسن بن المغازلي في مناقبه عن أنس ، وذكر فيه حديث المنزلة، والموالاة وهو اليوم الذي قال فيه عمر لعليّ صلوات اللّه عليه : بخٍ بخٍ يا أبا الحسن ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلمٍ(1).

وعن عائشة: إنّ النبيّ صلی الله علیه وآله و سلم خرج للمباهلة وعليه مرط مرجّل (2)من شعرٍ ، فأدخل فيه الحسن والحسين وعليّ وفاطمة ثمّ قال :«إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ »الآية(3).

وقوله : «أخي عليّاً» المطلوب في المماثلة في الفضائل والكفاءة، أي : أخي فی الفضائل والعصمة، وإلا لزم أنّه أفضل من النبیّ، وهو ممتنع.

قوله :«مَنْ ذَكَرَ فضيلة» فيه رمز خفىٌّ، فإنّ الذكر لا يكون إلّا بعد النسيان، والنسيان من الشيطان أي: من تنبه وذكر هذه الفضيلة بعد أن أنساه الشيطان إيّاها

وأغواه عنها.

ص: 180


1- انظر المناقب للخوارزمى : 156 و 323 .
2- المرط بالكسر واحد المروط ، وهي أكسية من صوف أو خز ، والمرجل هو الذي فيه خطوط ؛ أسود وأبيض ، وفي النهاية في غريب الحديث 2 : 210 مرط (مرحل) والمرحل الذي قد نقش فيه تصاوير الرحال ، ومثله في لسان العرب 11 : 278
3- الأحزاب : 33:صحیح مسلم 7: 130 ، العمدة لابن البطريق : 37 ح 18 ، إقبال الأعمال 2 : 350 ، بحار الأنوار 21 : 281.

قال تعالى:«إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفُ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُبْصِرُون»َ(1).

والعهد بالأُمّة والنبوّة والوحدانيّة أخذ من يوم «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ» الآية (2)، فمن اقرّ بها بلسانه وعقد بها جنانه غفر اللّه له، ومن لم يكن كذلك لم يكن له ذلك، ويجوز أن يقال : إنّ المراد بقوله : «من ذكر» أي من أحدث أي أخبر ، ولكن بشرط الإقرار بها والاعتراف بفضيلته.

فهو صلی الله علیه وآله و سلم أخبر بفضائل ابن عمّه ليدلّ على فضله ضمناً ، أي إذا كان هذا فضل الإمام فكيف النبيّ صلی الله علیه وآله و سلم ؟ فإنّ البلغاء الأُدباء لا تُزكّي نفسها بنفسها، وكان يقول صلی الله علیه وآله و سلم: أنا سيّد ولد آدم ولا فخر(3).

فحصل من هذا الحديث إشارة إلى فضيلة رسول الله صلی الله علیه وآله و سلم بالنبوة، وإلى فضيلة علىّ بالطهارة والعصمة، وإلى سرور محبّه بتكفير السيّئات، وإلى كمد عدوّه بحرمان الحسنات، واستمرار الطهارة له إلى الممات، وفى استمرار التطهير ثبوت العصمة بلا شكّ ولا شبهات ورموز النبيّ صلی الله علیه وآله و سلم وإشاراته ليتّضح للأمّة مفهوم الحديث ومنطوقه ، وفى إضافة الأُخوّة إلى نفسه الشريفة شرافة لابن عمّه ، وغم(4) لمنكر الأُخوّة في يوم الغدير.

وأيضاً هنا رمز اختصاص النبيّ بأخوّة ابن عمّه دون غيره دليل عصمته؛ لأنّ الإمامة كفوء النبوّة.

ص: 181


1- الأعراف : 201
2- الأعراف : 172
3- كنز الفوائد : 70 ، مناقب آل أبي طالب 2 : 217 ، العمدة لابن البطريق : 358ح 690 و 691 ، مسند أحمد بن حنبل 3 : 2 ، صحیح مسلم : 59 .
4- في المخطوط غير واضحة ، واستظهرنا ما في المتن .

وفي قوله صلی الله علیه وآله و سلم :«مقرّ بها» إشارة إلى النوع الخاصّ من الفضائل، وهي العصمة التي لم تقرّ بها إلّا فرقة من ثلاثة وسبعين فرقةٍ، وأمّا فضائله الأُخر كشجاعته وزهادته وعبادته فظاهرٌ لكلّ أحدٍ لا يمكن إنكارها.

فدلّ الدليل أنّ المراد العصمة، فحصل المطلوب، وما أحسن هذه الإشارة الشافية التي هي ألذّ من العافية .

وفهم من قوله : «غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر» أنّ المُقرّ بالإمامة مغفورٌ له ذلك لا لغيره فإنّ الجاحد لها محرومٌ من ذلك، وكذلك استغفار الملائكة لا يكون إلا للمقرّ بالإمامة، وهكذا إلى آخر الحديث.

وإذا عرضت هذا الحديث على ما قبله ظهر لك برهان تستضي به من شُبَه أهل الضلال ، ولم نَرَ - بحمد اللّه تعالى - مُقرّاً ومعترفاً بإمامته إلّا الإماميّة .

الحديث العشرون : ما رواه الزمخشري بإسناده إلى النبي صلی الله علیه وآله و سلم، قوله : فاطمةٌ مهجة قلبي، وابناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري، والأئمّة من ولدها أُمنائي: حبلٌ ممدود بينه وبين خلقه، من اعتصم بهم نجا، ومن تخلّف عنهم هوى (1).

وفي الحديث المتفق عليه عند الفريقين (2)إشاراتٌ ورموزٌ وكناياتٌ وتنبيهاتٌ يفهمها السليم الذكي الذي امتحن اللّه قلبه للإيمان.

فقوله: «فاطمة مهجة قلبي» كان قلبه صلی الله علیه وآله و سلم مستودع أسرار اللّه، ولا شيء أعظم

من القلب، فشبّه المطهّرة بالمُطهّر، فكان هذا إشارة منه إلى عصمتها.

ص: 182


1- المناقب للزمخشري : 213) (مخطوط) بالواسطة ، الشهب الثواقب : 67 ، مأة منقبة : 76 المنقبة 44 ، نهج الحق : 227 ، بحار الأنوار 29 : 649ح 68 .
2- في المخطوط زيادة :( فيه) .

وأمّا:«ابناها ثمرة فؤادي» وهُنا إشارةٌ إلى عصمة أولادها أيضاً، لإضافة المطهرين إلى المطهّر.

وقوله:«بعلها نور بصري»، والنور من القلب، فدلّ على عصمته اتّصالاً بذاته للإضافة المعنويّة، ومثّله بالنور يشير إلى قوله تعالى :«اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ» (1)، وقوله تعالى : «اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (2)أي هذا النور - نور العصمة - والعصمة نور اللّه يقذفه اللّه في قلب العبد يقوده إلى الطاعة، والأحاديث دالّة عليه.

وقوله :«والأئمة من ولدها أُمناء ربّى» كانت شهادته بأنّهم أُمناء اللّه، والأمين معصومٌ من الزلّات؛ فهم أُمناء اللّه.

وذكر الخوارزمي في مناقبه قوله:«إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ» (3)يروى في معناها عن جابر، عن النبيّ صلی الله علیه وآله و سلم مضمون قوله: عرض عليهنّ نبوّتي وولاية عليّ فقبلتاهما، ثمّ خلق الخلق وفوّض إلينا أمر الدين ؛ فالسعيد من سُعِدَ بنا، والشقيّ من شُقِي بنا ، نحن المحلِّلون لحلاله المحرِّمون الحرامه(4).

والأمانة هي الإمامة ، وهي التي ذكرها اللّه في كتابه العزيز:«إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ

ص: 183


1- النور : 35 .
2- البقرة : 257
3- الأحزاب : 72 .
4- المناقب للخوارزمي : 135ح 151 .

ظَلُوماً جَهُولاً»؛ فهم الأمانة المفروضة، ومن ادّعاها وتحمّلها فهو ظالم جاهلٌ.

وقوله :«حبلٌ ممدود بينه وبين خلقه» يشير إلى قوله: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جميعاً»- الآية (1)؛ فحبل اللّه الإمام.

وقوله:«من اعتصم بهم نجا» أي المتمسّك بهم ناجٍ، ولم يتمسّك بهم إلّا فرقة من الثلاثة والسبعين وهم الإماميّة.

قوله:«ومن تخلّف عنهم هوى» أي من تمسّك بغيرهم هلك وهوى في النار. فهو صلی الله علیه وآله و سلم ما أمر بالاعتصام بهم إلّا وقد عَلِمَ وتحقق بالوحي من اللّه تعالى عصمتهم، ولا يجوز أنّه يأمر بالتمسّك بهم وينهى عنه، فيكون كلاماً لا فائدة فيه، وهو في حقّه ممتنعٌ.

فدلّ الدليل على عصمتهم، وظهر لك برهان تستضيء [به] من شبه أهل الضلال، ويؤيّد ما ذكرناه:

الحديث الحادي والعشرون : ما رواه سعد بن أبي وقّاص، المروي عند العام والخواصّ، قوله صلی الله علیه وآله و سلم: لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة وعليهم اثنا عشر رجلاً، كلّهم من قريش(2).

ومثل هذا الحديث كثيرٌ، رواه مسلم والبخاري وغيره (3)، لا يمكن إنكاره، مختلف الألفاظ، متحد المعاني ، واكتفينا بهذا الحديث عن غيره للاختصار، ومن أراد الاطّلاع طلبه من مظانّه(4).

ص: 184


1- آل عمران : 103 .
2- مسند أحمد بن حنبل 5: 89 ، الخصال : 473 ح 30 ، مناقب آل أبي طالب 249:1 ، العمدة لابن البطريق : 18 4ح 866 .
3- صحيح البخاري 127:8 ، صحیح مسلم 6 : 4 ، سنن الترمذي :3 34 2323 .
4- مثل كتاب الغيبة للنعماني : 104 فصل فيما روي أنّ الأئمة اثنا عشر من طريق العامة ، وما يدلّ عليه من القرآن والتوراة ، الغيبة للشيخ الطوسي : 127 باب الدليل على إمامة صاحب الزمان من روايات المخالفين ، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 1 : 248

وأيّ فائدة لهذه الأحاديث الدالّة على حصر الإمامة في هذا العدد؟ وكيف يصرفونها العامّة عن ظاهرها حتّى يوافق مذهبهم؟ والصَّرف يحتاج إلى دليلٌ، فهذا الحديث شاهدٌ لمذهب الإماميّة، لانحصار أئمّتهم في اثني عشر رجلاً كلّهم من قريش، فقوله صلی الله علیه وآله و سلم :«لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة» فيه إشارة إلى أنّ الأرض لاتخلو من حجّة، ولو خلت من الحجّة لما استقام الدين، أي إذا زال زالت الدنيا وقامت الساعة، فصدقت دعوى الإماميّة، فإنّ غيرهم لا يشترطون ذلك.

قوله:«وعليهم اثنا عشر رجلاً، كلّهم من قريش» المراد بهم أُولي الأمر، فإنّ غيرهم لا يشترطون ذلك، وفيه إشارة للعصمة أي لا يزال الدين قائماً مُستقيماً بالاثني عشر من قريش، ولا يكون قوام الدين إلّا بالمعصوم، لا جائز الخطأ، فإنّ جائز الخطأ لا يستقيم به الدين إلّا حال استقامته عن الخطأ، وهو غير ممكن ، ولا يجوز إطاعة الفاسق، فلمّا كان كذلك دلّ الدليل أنّ المراد بهم أُولوا الأمر أهل العصمة ،والإمامة ، فإذا كان هم أُولوا الأمر الذين أمر اللّه بطاعتهم ثبتت عصمتهم،

لأنّ الله تعالى لا يأمر بطاعتهم وينهى عن طاعتهم ؛ لأنّ في إطاعة العاصي عصيان المُطَاع.

وفي حديث جابر بن سمرة صرّح بذكر اثني عشر إماماً كلّهم من قريشٍ(1).

وفي حديث آخر : اثنا عشر خليفةً(2).

ص: 185


1- الأمالي للصدوق: 387 ح 8 ، الخصال: 469 ح 12، 13، 14، 15 و 20، بحارالأنوار 36: 231ح 11.
2- الأمالي للصدوق : 388 ح 9 ، كمال الدین : 273 24 ، بحار الأنوار 36 : 231 12

وإذا عرضت هذا الحديث على حديث «من لم يعرف إمام زمانه مات جاهليّاً»، الذي ذكرناه سابقاً ظهر لك برهان، وذكره لك الاثنى عشر في هذه الروايات مجملاً مبهماً مرموزاً لأسرار خفيّة كان يعلمها صلی الله علیه وآله و سلم، منها كثرة المنافقين المعاندين الحاسدين لهم المحرّفين لكلامه صلی الله علیه وآله و سلم و فظهر لأرباب البصائر الثابتة والأفكار الثاقبة أنّ المراد بهم أئمّة الزمان.

وهذا الحديث مصرّح بأنّ الإمام موجودٌ إلى قيام الساعة، وأنّ الدين يزول بزواله، وما من حديث عامّ إلّا وقد خصّ بغيره، ومن تتبّع الأحاديث علم ذلك وظهر له برهان يستضيء به عن شُبّه أهل الضلال.

الحديث الثاني والعشرون : ما روته العامّة، قوله صلی الله علیه وآله و سلم : من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي، ويسكن جنّة عدن التي غرسها لي ربّي فليوال عليّاً من بعدي، وليوالِ وليّه، ويقتدي بالأئمّة من بعدي، فإنّهم عترتي ؛ خُلِقوا من طينتي ورُزِقوا فهماً وعلماً ، فويلٌ للمكذّبين من أُمّتي ، القاطعين فيهم صِلَتي ، لا أنالهم اللّه شفاعتي (1).

وفي هذا الحديث إشارةٌ وأسرار ، ووعيد ودلالاتٌ ورموزٌ، يفهمها من حلّت قلبه الهداية، ولاحظته العناية.

قوله:«من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي» أي يحيى سعيداً ويموت كذلك، كموت رسول اللّه وكحياة رسول اللّه «ويسكن جنّة عدن التي غرسها لي

ص: 186


1- المعجم الكبير للطبراني 194:5 ، المستدرك للحاكم النيسابوري 128:3 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد 9: 170 ، مجمع الزوائد للهيثمى 108:9 ، كنز العمال للهندي 12: 103 ح 34198 .

ربّي فليوال عليّاً». أمر بولاية عليّ ، والأمر يقتضي الوجوب والعصمة، لأنّ في إطاعة العاصي عصيان المطاع .

وقوله :«من بعدي» يقتضي نصب الإمام بالتصريح، وتخصيصه بالموالاة بعده يدلّ أنّه عالم باختلاف أُمّته فيه من بعده، أي لا تشكّوا ولا تتردّدوا ولا تميلوا إلى

غيره، فهو من بعدي خليفة عليكم، وهو مبتلى فيكم. ثمّ قال : «وليوال وليّه». هذا دالٌّ على موالاة وليّه أيضاً، ومفهومه أي عادى عدوّه الذي يدّعي فِيَّ خلافَتَه، ولا شكّ أنّ الموالي لعليّ لا يخالف وليّه.

ثمّ قال: «ويقتدي بالأئمّة من بعدي» أي المعصومين من عترتي ؛ فأمره بالاقتداء يدلّ على العصمة، فإنّه لا يأمر بالاقتداء وينهى عنه؛ لأنّ الاقتداء بالعاصي عصيان للمطاع. فدلّ الدليل على عصمة المقتدى به.

ثمّ قال: «خُلِقوا من طينتي». أيضاً يُشير إلى العصمة بإضافتهم إلى طينته المطهّرة، والمضاف إلى المطهّر مطهّر، وهذا إذا عرضته على الأحاديث الماضية تبيّن لك ما لا يمكن إنكاره.

ثمّ قال:«رُزِقوا فهماً وعلماً» أي علماً لدنيّاً لا يصل إلى رتبتهم أحدٌ من الرعيّة، فهذه هي مرتبة العصمة التي فوق مرتبة القوم، ودون مرتبة النبوّة.

ثمّ قال: «ويلٌ للمكذّبين من أُمّتي» ولم نر أحداً يعتقدهم بالطهارة والعصمة والإمامة إلّا الإماميّة، وغيرهم نفى ذلك عنهم، فهذا وعيدٌ منه صلی الله علیه وآله و سلم للمكذّبين.

ثمّ قال:«القاطعين فيهم صِلَتي» أي عطيّتي، أي نحلتي التي أعطانيها ربّي، وهي الرئاسة العامّة على كافّة الخلق، أوصَلتهم بهذه الصلة، وهي لهم دون غيرهم ؛ فمن نازعهم في ذلك لا أنالهم اللّه شفاعتي.

ص: 187

فأيّ دليل أعظم من هذا الدليل في تعيين الإمام؟ وهل يقبل عقل عاقل غير ذلك ؟ معاذ اللّه أن نكون من الظالمين.

وإذا أمعنت النظر في هذا الحديث وعرضته على ما قبله تبيّن لك برهان تستضيء به من شُبَه أهل الضلال.

الحديث الثالث والعشرون : ما روته العامة، قوله صلی الله علیه وآله و سلم: إنّ عليّاً راية الهدى وإمام

أوليائي، نورُ من أطاعني، من أحبّه فقد أحبّني، ومن أحبّه فقد أحبّني، ومن أطاعه فقد أطاعني(1).

هذا الحديث فيه فوائد جزيلة:

قوله :«إنّ عليّاً رايةُ الهدى» الراية العَلَم للجيش، فالجيش يتبع العَلَم حذراً عن الضلالة والحيرة، ولمّا كان أمير المؤمنين علیه السلام عَلَمٌ للهدى وجب على الأمّة اتِّباعه ؛ فمن زاغ عنه ضلّ وغوى فهلك . والمراد به العصمة التي حجبته عن الضلالة، فهو معع الهُدى والهُدى معه.

ثمّ بيّنه صلی الله علیه وآله و سلم بقوله :«وإمام أوليائي» أي إنّه إمامٌ منصوبٌ من قِبَلي، معصومٌ،

اخترته لأوليائي، نور من أطاعني. ولم نر من يواليه إلّا الإمامية .

ثمّ قال مصرّحاً بطاعته ومحبّته :«من أحبه فقد أحبّني» أي إنّ من أقرّ باللّه ورسوله ولم يحبّه لم تفده كلمة الإخلاص؛ فمحبّته جزء الكلمة شرط فيها، إذا انتفى الشرط انتفى المشروط، فتبيّنَ لك حال الفِرَق التي لم تعتقد إمامته وولايته، ولا تفضيله على غيره ؛ أنّ كلمة الإخلاص لم تفدهم.

ثمّ قال:«ومن أطاعه فقد أطاعني». وهنا صرّح بإمامته وعصمته، لأنّه لا يأمر بطاعة غير المعصوم لجواز الخطأ؛ فثبتت العصمة، فإنّه لا يجوز للنبي أن يأمر

ص: 188


1- نظم درر السمطين : 114

بطاعة شخصٍ وينهى عنها، فإذا كان كذلك ثبتت العصمة، فدلّ الدليل عليها لا محالة.

ومن عرض هذا الحديث على ما قبله ظهر له نورٌ يستضيء به عن شُبَه أهل الضلال.

الحديث الرابع والعشرون: ما رواه الخوارزمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حاكياً عن الله تعالى : من عَرَفَ حَقٌّ علي زكا وطابَ ، ومن أنكره لُعِنَ وخابَ وعزّتي وجلالي أن أدخل النار من عصاه وإن أطاعني، وأن أُدخل الجنّة من عصانی (1).

وفي هذا الحديث فوائد ودلائل تدلّ على طاعة أمير المؤمنين الله علیه السلام.

قوله:«من عرف حقّ علي زكا وطاب» فكأنّه يشير إلى عصمته ، فهذا ظاهرٌ أنّ من اعتقد عصمته زكا وطاب، ومن أنكرها لُعِنَ وخاب.

ثمّ قال: «وعزتي وجلالي »أقسم سبحانه وتعالى أن يُدخل النار من عصى أمير المؤمنين وإن أطاع اللّه ، وهذه إشارة إلى أهل الفرق التي أخبر الله ولرسوله صلی الله علیه وآله و سلم أنّها تدخل النار وإن أطاعوا اللّه، أي ولو أقرّوا بالشهادتين وصلّوا وصاموا وحجّوا وزكّوا ، فلا شكّ أنّها طاعة ولكن [لم تكن ] (2)مقرونةٌ بطاعة الإمام.

قال تعالى:«(مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ» (3)، وكذلك الإمام؛ المعنى المفهوم أنّ إطاعة الرسول إطاعة اللّه وعصيانه معصية اللّه ولو أطاع اللّه فكذلك الإمام.

ص: 189


1- المناقب للخوارزمي : 318 ح 320 .
2- مابين المعقوفين من عندنا لضرورة السياق .
3- النساء : 80 .

ولم نر أحداً يعتقد هذا [في ](1)الإمام إلّا الإماميّة ، فدلّ الدليل بنجاتهم، وهم الفرقة الناجية .

ثمّ قال:«وأدخل الجنّة من أطاعه وإن عصاني». هذا دليل واضحٌ أنّ العاصي الموالى يستحقّ الشفاعة وولاؤه كفّارة لذنوبه، والجاحد مردودٌ عليه عمله ولو كان

صالحاً.

فإذا عرضت هذا الحديث على حديث الخوارزمي السابق ظهر لك نورٌ تستضيء به من شُبّه أهل الضلال، ودلّ هذا الحديث على العصمة؛ لأنّ اللّه سبحانه فرض طاعته على الأُمّة، ومن فرض طاعته عصمه كما كان ذلك للأنبياء علیهم السلام، ولا يجوز أنّ اللّه تعالى يأمر بطاعة شخصٍ وينهى عنها، كما لا يجوز أن يأمر بطاعة الأنبياء علیهم السلام و ينهى عن طاعتهم. وكما أنّ ذلك لا يجوز في حقّ الأنبياء كذلك الإمام ، لأنّ الإمامة جزء النبوّة منصوصةٌ من قبل اللّه تعالى(2).

الحديث الخامس والعشرون: ما رواه الخوارزمي، عن سليمان الراعي، عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم ليلة المعراج، أخذنا منه موضع الحاجة : قال اللّه تعالى لنبيّه : من خلّفت في أمّتك ؟ قلتُ : خيرها . قال : عليّ بن أبي طالب ؟ قلت : نعم.

قال : يا محمّد إنّي اطّلعت إلى الأرض اطّلاعة فاخترتك، واطّلعت ثانيةً فاخترت عليّاً، فشققت اسمك من اسمي، واسمه من اسمي.

يا محمّد إنّي خلقتك وخلقت عليّاً وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولده من ،نوري وعرضتُ ولايتكم على أهل السماوات؛ فمن قبلها كان عندي

ص: 190


1- مابين المعقوفين من عندنا لضرورة السياق .
2- انظر مشارق أنوار اليقين للبرسي : 96 فصل على علیه السلام الميزان يوم القيامة.

من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين.

يا محمّد لو أنّ عبداً من عبيدي عبدني حتّى ينقطع أو يصير كالشنّ البالي (1)ثمّ أتاني جاحدٌ بولايتكم ما غفرت له حتّى يقرّ بولايتكم.

يا محمّد تُحبّ أن تراهم؟

فقال : نعم يا ربّ.

فقال : التَفِتْ عن يمين العرش، فالتفتُّ فإذا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعليّ بن الحسين ومحمّد بن عليّ وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعلي بن موسی ومحمّد بن عليّ وعليّ بن محمّد والحسن بن عليّ والمهدي في ضحضاح (2)من نورٍ، قيامٌ يصلّون وهو في وسطهم، كأنّه كوكبٌ درّيّ، فقال: هؤلاء الحجج وهو الثائر(3) من عترتك، وعزّتي وجلالي إنّه الحجّة الواجبة لأوليائي، والمنتقم من أعدائي(4).

وعماد الدين الحنفي (5)روى الحديث بهذا المضمون. ففي هذا الحديث فوائد

ص: 191


1- الشَّن البالي : بفتح الشين القربة الخلق الصغيرة ، يكون الماء فيها أبرد من غيرها .
2- الضحضاح : ما رقّ من الماء على وجه الأرض ما يبلغ الكعبين ، ويقال : الضحضاح ما انتشر على وجه الأرض ، وعنده غنم وإبل ضحضاح أي منتشرة على وجه الأرض كما في لسان العرب 2 : 525 ، وماء ضحضاح أي ما قرب من القعر ، وعلى أي حال فالضحضاح : القليل من الماء ، واستعمل هنا وأريد به ما قل وانتشر من النور . وانظر تاج العروس 133:4
3- في المخطوط : ( وهو الثاني عشر ) بدل من : ( وهو الثائر ) والمثبت موافق للمصادر .
4- مقتل الإمام الحسين علیه السلام للخوارزمي 1 : 95 ، كنز الفوائد : 258 وانظر ينابيع المودة 3 : 380 ح 2 ، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : 173.
5- هو أبوبكر بن هلال بن عباد الحنفي، معيد المدرسة الشبلية ، كانت ولادته سنة 575 هجرية ،ووفاته سنة 679 هجرية ، سمع من البرزالي وابن الخباز ( الوافي بالوفيات 167:10)

لا تُحصى، وإشاراتٌ لا تخفى على العاقل البصير، كيف لا يكون هذا هو النصّ الجلى على عصمة الأئمّة علیهم السلام، فاعرض هذا الحديث على حديث: «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين» الماضي تجده قد فسّر لك العترة صريحاً بأسمائهم، واعرض هذا الحديث على حديث سعد بن أبي وقّاص:«الأئمّة اثنا عشر كلّهم من قريش» [الذي ] ذكرناه سابقاً تجد هذا الحديث فسّر لك أسماءهم، فكيف لا يكون هذا نصٌّ صريحٌ في نصب الأئمّة ؟!

قوله: «من في خلّفت في أُمّتك ؟ قلت:«خيرها». هذا يدلّ على أنّ عليّاً لا خير الأمّة بعد النبيّ والأفضل، فهو أولى من غيره بالخلافة، لأنّه لا يجوز تقديم المفضول على الفاضل فى الرياسة العامّة، ولو جاز ذلك لكان جاز في الأنبياء.

قوله: «فاخترتك وعليّاً». هذا دالٌّ على أنّ الخيرة للّه تعالى في نصب الإمام، وبطل اختيار الأُمّة ، ولو كانت الخيرة للأُمّة لكان ذلك جائزاً في الأنبياء أن تختار كلّ أُمَّةٍ نبيّاً.

قوله:«خلقتك وعليّاً والأئمّة من نوري» يدلّ أنّهم خُلقوا قبل العالم، والأحاديث دالّة على ذلك، وهذا الشرفهم عند اللّه تعالى، فشرف التقدّم لهم ثابتٌ في الدارين(1).

قوله :«عرضت ولايتكم على أهل السماوات». وهذا فيه إشارة إلى الآية الشريفة :«إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ»(2). فدلّ على أنّ الأمانة هي النبوّة والإمامة ، وولاؤهم فرضٌ على أهل السماوات قبل أهل الأرض في عالم «ألَسْتُ

ص: 192


1- انظر الأحاديث في الإمامة والتبصرة : 133 ، علل الشرائع 1 : 173 ح 1 و 180 ح 1 ، الهداية الكبرى : 375.
2- الأحزاب : 72 .

بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى»(1)، ولهذا قال ابن عبّاس في تفسيره: ولو قالوا: نعم لكفروا(2).

قوله :«فمن قبلها كان مؤمناً ومن لم يقبلها كان كافراً». هذا يدلّ على أنّ منكر الإمامة كافر، وهذا غير بعيد، لأنّ المراد بالكفر جحود الحقّ وإخفاءه بالشبهات المبطلة، كما هو ثابتٌ في فِرَقِ الإسلام، فإنّهم تمسّكوا بالشبهات الموسومة من أهل الضلال.

قوله:«يا محمد، لو أنّ عبداً من عبيدي عبدني حتّى ينقطع أو يصير كالشنّ البالى» الشنّ : الظرف من الجلد اليابس البالي (العتيق(3).

«وجاءني جاحدٌ لولايتكم ما غفرت له» هذا يدلّ على عدم قبول الأعمال لجاحد النبوّة، والإمامة، فإنّهما أصلٌ في قبول الأعمال.

قوله:«التَفِتْ عن يمين العرش فإذا هم قيام يصلّون». ورد في الخبر أنّ العرش كالمرآة منطبع فيه صور الأشياء، فما من شيء إلّا وله مثال فيه يعمل عمل العبد من خير أو شرّ، والملائكة ترى مثال العبد المتعبّد فتستغفر له، وإذا عمل العبد ذنباً جعل اللّه بين مثاله والملائكة ستراً ، لئلا تطلع عليه الملائكة؛ فهذا معنى:«يا من أظهر الجميل وستر القبيح»(4)؛ فهو سبحانه من لطفه يظهر جميل عبده، ويستر قبيحه.

وقوله: «يُصلّون» أي يدعون ويسبّحون اللّه تعالى، فإنّ ذلك العالم غير عالم

ص: 193


1- الأعراف : 172
2- حكاه العلّامة في تذكرة الفقهاء 144:2 ، والكركي في جامع المقاصد 194:9.
3- المصباح المنير : 324 ( شنن) .
4- انظر مفتاح الفلاح : 156 ، بحار الأنوار 54 : 354 - 46 ، مجمع البحرين 3 : 101 .

التكليف. ويمكن ذلك في حقّهم خاصّةً ، فإنّهم عبادٌ مكرمون لهم ما يشاؤون عند ربّهم.

وورد في خبر المعراج : أنّ النبي أمّ الأنبياء وصلّوا خلفه(1)، وهو عالم البرزخ، قد سقط فيه التكليف .

فدلّ الدليل القاطع بثبوت الإمامة للأئمّة علیهم السلام. وإذا عرضت هذا الحديث على ما قبله من الأحاديث ظهر لك برهان تستضيء به من شُبه أهل الضلال.

الحديث السادس والعشرون: ما رواه الخطيب الخوارزمي بإسناده عن أمير المؤمنين علیه السلام، عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، أنّه قال : أنا واردكم وأنت يا عليّ الساقي، والحسن الذائد (2)، والحسين الآمر ، وعليّ بن الحسين الفارط (3)، ومحمّد بن عليّ

الناشر، وجعفر بن محمّد السائق، وموسى بن جعفر مُحصي المحبّين والمبغضين وقامع المنافقين، وعليّ بن موسى مزيّن المؤمنين، والحسن بن عليّ سراج أهل الجنّة يستضيئون به والهادي شفيعهم يوم القيامة حيث لا يأذن اللّه إلّا لمن يشاء ويرضى (4).

أقول: هذا الحديث ظاهرٌ صريحٌ بأسماء الأئمة علیهم السلام ، وإن النبي صلى الله عليه وسلم نصّ عليه مام

بما نقله الراوي وصرّح بأسمائهم قبل ظهورهم إلى الدنيا، فإذا عرضتَ هذا

ص: 194


1- تأويل الآيات 1 : 221 ح 15 ، التفسير الصافي 419:2 ، تفسير نور الثقلين 2 : 320 128 .
2- الذائد : الحامي والدافع
3- الفارط : الذي تقدم القوم إلى الماء أو الكلأ .
4- مقتل الحسين للخوارزمي 1 : 94 ، وانظر مأة منقبة لمحمد القمي : 23 المنقبة 5 ، الاستنصار للا للكراجكي : 23 ، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 1 : 251 ، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : 174

الحديث على الحديث الذي ذكرناه المرويّ في الصحيحين عن جابر بن سمرة : أنّ الأئمّة اثنا عشر كلّهم من قريش (1)، تبيّن لك برهان تستضيء به من شُبه أهل الضلال.

فدلّ الدليل على أنّ الأئمّة نصّ عليهم النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم، وأنّ المراد بحديث الثقلين هؤلاء لا غير، فكيف لا يكون هذا صريحٌ في تعيين الإمام ؟ وكيف يقبل عقل شخصٍ أن يكونوا هؤلاء خصماؤه ؟! فويلٌ لمن كانت شفعاؤه خصماؤه.

الحديث السابع والعشرون : ما رواه أخطب خوارزم، عن سلمان الفارسي رضی الله عنه عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم، قال: دخلت على النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم والحسين علیه السلام الجالسٌ في حجره، والنبيّ صلى الله عليه وسلم يُقبل ما بين عينيه، يقول له : أنت سيّدٌ ابن سيّد أبو ساداتٍ ، أنت إمامٌ ابن إمام أبو أئمّة ، أنت حجّةٌ ابن حجّةٍ أبو حجج، تسعة من صلبك، تاسعهم

قائمهم(2).

هذا الحديث جمَعَ من الفوائد ما ألجم الخصم عن دعواه، ولا يمكنه إنكار مذهب الإماميّة، ولا يمكنه أن ينكر أنّ المهديّ من غير أولاد الحسين علیه السلام.

فدلّ الدليل أنّ الإمامة ثابتةٌ بالنصّ الصريح الجلى، والعامّة دعواهم أنّه سيولد من الهواشم، وأنّه غير موجود الآن، وأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبی(3).

ص: 195


1- تقدّمت مصادره وهو في صحيح البخاري ،127:8 ، صحيح مسلم 6: 3 و 4 .
2- مقتل الإمام الحسين علیه السلام للخوارزمي 122/1461 ، الخصال : 475ح 38 ، عيون أخبار الرضا علیه السلام 2 : 56 17 ، بحار الأنوار 241:36ح 47 .
3- سنن أبي داود 2 : 309 ح 4282 ، المعجم الكبير 10 : 133 ح 10213 - 10230 ، المعجم الأوسط 10: 2 : 55 ، المستدرك للحاكم 4 : 442 و 464 ، مجمع الزوائد 7: 314 ، الجامع الصغير 2 : 402 ح 7228، ، عقد الدرر في أخبار المنتظر للمقدسي : 27،9 ، 29 ، 30، 124، 169 .

قلنا : أما وجود المهدي فلا يمكن إنكاره إجماعاً ، وإنّما الاختلاف في وجوده الآن أو سيوجد ؛ فالإماميّة تعتقد غيبته وإنّه ولد الحسن العسكرى، والعامّة تنكر ذلك ويعترفون أنّه لابدّ من وجوده ، ويطعنون على الإماميّة ويقولون : ما فائدة إمامٍ غیر موجودٍ ظاهر؟

قلنا: نحن لا نسأل عن فائدة الغائب إذا ثبت عندنا بالدلائل القاطعة وجوده وأنّ النبيّ أخبر بذلك، ولا يسعنا إلّا التسليم لقصور عقولنا عمّا يعلمه اللّه ورسوله، كغيبة الشيطان، هل لنا حجّة أن نقول : يا ربّ، لم غيّبته عنا ولم تجعله ظاهراً نراه فنجتنبه ؟ ولم غيّبت عنا الملائكة ؟ ولم غيّبت عنّا الجنّ والجنّة والنار والأموات ؟

وأمّا قول النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم الذي رويتموه (1)فهو يدلّ على أنّ أباه أبو عبد الله الحسين، لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سمّاه الحسين، واسمه (2)الحقيقي عبد اللّه، وكنّاه ولقّبه، فقال ذلك وأراد به من ولد أبي عبد الله الحسين(3)، والإماميّة في البحث والتفحّص عن مذهبهم أكثر من غيرهم، فلو كان على ما ادّعيتموه لوقع فيه الخلاف، والحال إجماعهم على أنّه من ولد الحسين (4)، وإنّما التحريف من رواتكم، فإنّهم لم ينقلوا مذهب أهل البيت علیهم السلام.

ص: 196


1- أي قوله صلی الله علیه و آله و سلم : ( اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي
2- في المخطوط : «واسم» والمثبت هو المناسب.
3- أقول : من المحتمل أن تكون عبارة : ( واسم أبيه اسم أبي زيادة من الرواة ، ترويجاً وانتصاراً لفكرة كون المهدي هو محمد بن عبد الله بن الحسن ، أو ابن المنصور العبّاسي . ( والكلام في هذا الموضوع نشرته مجلة تراثنا 42 : 52 للسيد ثامر العميدي .
4- انظر الشافي في الإمامة 3: 145 ، المسلك في أصول الدين : 273 و 308

[ أسرار الغيبة ]

وأمّا غيبة صاحب الزمان فلحِكَم إلهيّة، ومصالح ربّانيّة كغيبة الخضر علیه السلام وغيره ؛ فالحكيم لا يُسئل مّا يريده ويقدّره ويقضيه، ومن الحِكَم في غيبته حقنُ دماء محبّيه، إنّه لو كان ظاهراً لكانت أهل الملل وملوكها تحاربه محاربة خوف منه أو طمعٍ في الملك ، ولا يقبلوا منه أنّه إمامٌ يقوم بالسيف إذا أذن اللّه له، كما حاربت جدّه أمير المؤمنين علیه السلام أهل الملل ، وكثرة القتلى في حرب صفّين وحرب الجمل وحرب الخوارج ظاهر ، لأنّه كان يعتقد ما لا تعتقده الملل، وكان يستقصّ للفقير من الملك، وللعبد من ،مولاه فتفتتن الناس، فربّما يرتدّوا فيكثر القتل من الفريقين.

ومنها: أن رحم اللّه الآباء الضالّين لصلة أبناءهم الذين في الأصلاب، كما فعل جدّه رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم مع أبي جهل وأتباعه، لمّا سألوه العذاب فاحتجّ عليهم أنّ اللّه تعالى يرحم الآباء لصلة الأبناء المسلمين الذين في أصلابهم(1)، وهذا غاية اللطف من اللّه والتكرّم العامّ.

قال تعالى:»وَاللَّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ»(2).

ومن أسرار الغيبة أنّ الإيمان بالغيب وانتظار الفرج خيرٌ من الفرج، وتصديق أحاديث النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم فيه له فضيلةٌ تامةٌ وثوابٌ جزيل كالإيمان باللّه تعالى.

قال تعالى:«الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ

ص: 197


1- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 4 : 189 ، تفسير الثعالبي 313:5 .
2- البقرة : 207 ، آل عمران : 30.

يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(1).

وقد ذمّ اللّه سبحانه من لا يعتقد بقلبه ، فقال :«وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ» إلى آخر الآية(2).

ومنها : أنّ أهل الإيمان تطلب العلوم وتجتهد في طلب الإيمان بمعرفة الإمام ليكمل لهم الدين، فإنّ معرفة الإمام كمال الدين، كما بيّنّاه في الأحاديث الماضية(3). ويحصل لهم بذلك الترقّى إلى درجة العلماء.

ومن أسرار الغيبة : تخفيف المشقّة على أهل الإسلام في إقامة الحدود والمساواة، لعلّهم يُرحمون بالاستغفار والتوبة.

وأيضاً : لم تظهر لأحدٍ رئاسة، فإنّه الرئيس العامّ وهُم تَبعٌ له، وهذا لا يكون إلّا مع الغيبة، فلو كان الإمام حاضراً لوجب عليه إقامة الحدّ، وفيه مشقّة، ومرّ الحقّ شاقٌ على الناس، كما هو ظاهر في هذا الزمان، وفي زمن أمير المؤمنين علیه السلام حتّی قال: «الحقّ ما ترك لى صديقاً»(4). وهذا غاية اللطف من الكريم الرحيم الرؤوف بالعباد.

ومنها : أنّ المحبّين المقهورين المظلومين الفقراء والمساكين يدعون اللّه

ص: 198


1- البقرة : 3-5
2- البقرة : 8
3- انظر الكافي 1 : 180 باب معرفة الإمام والردّ إليه ، بحار الأنوار 23 : 76 باب وجوب معرفة الإمام وأنّه لا يعذر الناس بترك الولاية .
4- المنقول في كمال الدين : 574 في وصيّة أكثم بن صيفي أنّ قول الحق لم يدع لي صديقاً ، وعنه في بحار الأنوار 51 : 251 باب المعمرين ، وفي الشافي في الإمامة 298:4 عن أبي ذرّ.

بتعجيل الفرج بأيامه، لنصر، مظلومهم، ليعزّ دينهم، ويغني فقيرهم، وترحم البلاد ،به ليثيبهم اللّه بالصبر، كما ورد في الحديث المجمع عليه « أنّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جورا وظلماً»(1).

وهو أيضاً يدعو اللّه بالفرج لأوليائه، ولا تحصل هذه الفوائد إلّا مع الغيبة، فإنّ الدعاء عبادة، كما كانت الصحابة في أوّل الإسلام وقبله تدعو اللّه بإعزاز الدين

برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وتتوقّع أيّام دولته ونصره، وأثابهم اللّه بدعائهم والصبر على الأذى والبلاء والمحن ، ليدخلهم في زمرة الصابرين الذين صلّى اللّه عليهم كما صلّى على الأنبياء بقوله تعالى:«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ مِن رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ»(2)، ومن الابتلاء الغيبة.

الحديث الثامن والعشرون: ما نقله صاحب جواهر الأخبار (3)من العامّة، ونقله الواقديُّ مع زيادة ونقصان في الألفاظ ، عن النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم، أنّه قال : من أحبّ أن ينظر إلى إسرافيل فى هيبته، وإلى ميكائيل في رتبته وإلى جبرائيل في جلالته، وإلى

ص: 199


1- كمال الدين : 286 ح 1 و 4 ، كفاية الأثر : 67 ، مدينة المعاجز 8 7ح 1 ، بحار الأنوار 309:36 : ح 148
2- البقرة : 155 - 157
3- الظاهر أنّه جواهر الأخبار والآثار المستخرجة من لجة البحر الزخار ، المطبوع بهامش البحر الزخار لمحمّد بن يحيى التميمي النسب ، البصري الأصل، الصعدي المولد والوفاة ، من أكابر الزيدية ، من أهل صعدة باليمن ، كانت ولادته سنة 888 هجرية ، ووفاته سنة 957 هجرية (الأعلام .140:7)

آدم في علمه، وإلى نوحٍ في خشيته، وإلى إبراهيم في خَلّته، وإلى يعقوب في حُزنه، وإلى يوسف في جماله، وإلى موسى في مناجاته، وإلى أيّوب في صبره، وإلى يحيى في زهده، وإلى عيسى في عبادته، وإلى يونس في رفعته، وإلى محمّد صلی الله علیه و آله و سلم في حُسنه وخُلقه، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب علیه السلام، فإنّ فيه تسعين خصلة من خِصَل الأنبياء، جمعها اللّه فيه، ولم تجمع لأحد غيره(1).

و فی هذا الحديث إظهار فضيلته على سائر البشر(2)، وقد خصّة اللّه وزيّنه وحلّاه ومنطقه بتسعين خصلة من خصال الأنبياء، فلا شكّ أنّه أفضل الصحابة؛ فهو أولى بمقام رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.

ويؤيّد ما قلناه ما رواه ابن مردويه عن حذيفة، عن النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أنّه قال : علىّ بن أبي طالب خير البشر، مَن أبى فقد كفر (3).

وأيضاً : ما نقله العالم محمد بن محمود بن الحسن النجّار (4)في كتابه في ترجمة أحمد بن محمّد الدلاء (5)، عنأسماء بنت عميس، عن فاطمة، عن

ص: 200


1- الشهب الثواقب : 116 للشيخ محمد آل عبد الجبار ، مشارق أنوار اليقين : 169 ، ينابيع المودّة 2 :306 874
2- في المخطوط زيادة : ( إنّه علم ولا ريب علم آدم وقد قال تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا)، البقرة : 31
3- ورد في الكامل لابن عدي 4 : 10 ضمن ترجمة شريك ، تاريخ مدينة دمشق 42 : 372 عن شريك ، الأمالي للصدوق : 135ح 5 ، من لا يحضره الفقيه 3: 493 - 4744 ، بحار الأنوار 26: 306 ح 66 و 68 .
4- فى المخطوط : ( محمود بن محمود بن الحسن البخاري) والمثبت موافق لكشف الغمّة 1 : 289 (رد الشمس له بعد غروبها) .
5- فى الإقبال : (الدلال) ، وفى كشف الغمة : ( الدلا). أسرار الغيبة

النبي صلى الله عليه وسلم مضمونه:أنّ اللّه فضّل بعلكِ على سائر خلقه، وأمر الأرض أن تحدّثه بأخبارها وما يجري على وجهها من شرق الأرض إلى غربها(1).

فدلّ الدليل على إمامته وخلافته ، والإمام لا يكون إلّا معصوماً كما مرّلك ثبوته في الأحاديث الماضية، وهذه الخصال تشهد لعليّ بالعصمة من المعاصي، وأيضاً عدم الجرح فيه من المحبّ والمبغض شاهدٌ له بذلك، وهذه مرتبة فوق مرتبة العوام، ودون مرتبة النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم فهي العصمة التي تدّعيها الإماميّة.

الحديث التاسع والعشرون: ما رواه الخوارزميّ الحنفيّ في مناقبه، قوله صلی الله علیه و آله و سلم: لمّا خلق اللّه آدم ، ونفخ فيه من روحه عطس آدم فقال : الحمد للّه. فقال : فأوحى اللّه : حمدني عبدي، وعزّتي وجلالي لولا عبدان أُريد أن أخلقهما في دار الدنيا ما خلقتك.

قال : إلهي ، يكونان منّي ؟

قال: نعم، یا آدم، ارفع رأسك وانظر ، فرفع رأسه ونظر، فإذا مكتوبٌ على العرش:«لا إله إلا اللّه محمّد نبيّ الرحمة، وعليٌّ مقيم الحجّة»(2).

وفي الحديث : أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم و عليّ بن أبي طالب علّة لخلق آدم والدنيا والكون (3). فإذا كان كذلك كان رتبتهما زائدة على البشر ، فإذا كان كذلك فهو معصومٌ إمامٌ؛ لأنّ الإمامة جزءٌ النبوّة؛ فدلّ الدليل أنّه معصومٌ.

ص: 201


1- حكاه ابن طاوس في إقبال الأعمال 94:3 ، والطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : 111ح 162،بحار الأنوار 41: 271 26 .
2- المناقب للخوارزمي : 318 ح 320
3- قد يكون المراد حديث : ( لولاك ما خلقت الأفلاك).

وفي هداية السعداء (1)والمودّات (2)للعامة عن النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: عليٌّ خير البشر بعدي، مَن أبى فقد كفر(3).

ومن المودّات للعامة: لو لم يخلق اللّه عليّاً لما كان لفاطمة كفو(4).

الحديث الثلاثون: فى الصواعق المحرقة لابن حجر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لعلىّ :أنت وشيعتك تأتي يوم القيامة مرضيّين راضين، ويأتي عدوّك غضباناً مقمحين(5).

هذا الحديث صريحٌ في أنّ الفرقة الناجية هي شيعة عليّ علیه السلام، فإذا كانوا ناجين فهم على الحقّ والحقّ معهم، وما سواهم في النار بموجب الحديث النبويّ أنّ فرقة ناجية والباقون في النار (6)، فكيف ينقل هذا الحديث صاحب الصواعق ويجعله شاهداً له وهو شاهدٌ عليه ؟ إلّا أنّ تدّعى العامّة أنّهم شيعة عليّ، فكيف يكون ذلك؟ وهم يفضّلون غيره عليه، وينكرون مذهبه ويرضون عن بني أميّة،

ص: 202


1- قد يكون هو : هداية السعداء في شرح حديث الثقلين لملك العلماء شهاب الدين الدولت آبادي الزوالي الحنفي الهندي، المتوفى سنة 849 هجرية صاحب تفسير البحر المواج ، وقد يكون هو : هداية السعداء للسمعاني .
2- المودات للسيّد علي الهمداني ، كما سيصرّح المصنّف بذلك في الحديث الخامس والثلاثين، ينقل عنه القندوزي في ينابيع المودّة ، وينقل عنه أيضاً في مناقب الكاشي.
3- الخبر في الكامل لابن عدي 4 : 10 و تاريخ بغداد 7: 433 3984 و تاريخ مدينة دمشق 42 : ،372 ، وسير أعلام النبلاء 205:8 . 8 205
4- انظر ينابيع المودة 286:2ح 819.
5- الصواعق المحرقة 2 : 467 وكلمة : ( مقمحين) من الصواعق ، وانظر شواهد التنزيل 2 : 461 ح 1126 ، نظم درر السمطين : 92 ، ينابيع المودة 2 : 357 ح 21 .
6- انظر سنن ابن ماجة القزويني 2 : 1321 باب افتراق العلم ح 3991 و ما بعده ، سنن أبي داود 2 : 390 باب شرح السنة ، ح 4596 وما بعده .

وهم قد سبّوه ألف شهر، وينكرون عصمته وشرفه(1).

ولا نراهم يتعهدّون إلى زيارته وأولاده، ولا يعرفون أسماءهم، ولا يتعزّون في مصابهم، خصوصاً ريحانة رسول اللّه وفؤاده وحبيبه ابن فاطمة الزهراء، الذي بكت الأرض والسماء لمصابهم، وسفك دمائهم، ونهب أموالهم، وهتك حريمهم، ولم نر شاعرهم أرثاه بمرثية ولا أولاده.

ونرى الإماميّة يبذلون الأموال في محبّتهم، والنفوس في ولايتهم، وينقلون مذهبهم وفضائلهم وسُننهم ونوافلهم وفروضهم وأحكامهم وشرايعهم، ويتعهّدون قبورهم بالزيارة، ولو بَعُدت عليهم الشُقّة، ويبذلون الأموال الجزيلة في نقل موتاهم إلى جوارهم، ويتحمّلون الأذى والشدائد والمحن والقتل من أعدائهم في مودّتهم ، ويرثونهم بالمراثي التي تعجز البلغاء عن الإتيان بمثلها، ولم تزل علماؤهم - بحمد اللّه تعالى - في كلّ آنٍ وقطر من الآفاق قد ألّفت مصنّفاتهم، وكثرت مباحثهم مع أعدائهم ، وألزموهم بالأدلّة التي لا يمكن إنكارها.

فدلّ الدليل أنّ هذه المقالة منهم دعوى يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وكيف يدّعون أنّهم شيعة علي علیه السلام ونراهم يقتلون كلّ من تسمّى بالشيعة، ولا يرضون أن يقال لهم: شيعة، بل يقتلون محبّ أهل البيت، ولو بالتهمة، كما فعلت بنوآميّة ،قبلهم وقصصهم في الكتب مسطورة(2).

ص: 203


1- قضيّة سبّ أمير المؤمنين علیه السلام على المنابر ، ورفعه زمان عمر بن عبد العزيز مذكورة في الكامل في التاريخ 5 : 42 باب ذكر ترك سبّ أمير المؤمنين علیه السلام ، شرح نهج البلاغة 4 : 56 فضل فيما روي من سب معاوية و حزبه.
2- مثل قتل حجر بن عدي، وعمرو بن الحمق الخزاعي ، ومحمد بن أبي بكر ، ومالك الأشتر النخعي، وكدام بن حيان العنزي، وحجر بن الأزد ، وشريك بن شداد الحضرمي، ومحرز بن شهاب ،التميمي، وهؤلاء كلهم قتلهم معاوية بن أبي سفيان لمحبتهم لعلي علیه السلام.

ولمّا كان كذلك دلّ الدليل أنّ الفرقة الناجية هم الشيعة، وهم يعتقدون عصمة الإمام بلا خلاف ؛ فثبتت العصمة.

الحديث الحادي والثلاثون: ما رواه ابن حجر في الصواعق المحرقة، عن النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم قال : عليٌّ باب حطّة بني إسرائيل ؛ من دخل فيه كان مؤمناً، ومن خرج منه كان كافراً(1).

وفي هذا الحديث فوائد جزيلة منها أنّ محبّته وولايته تكفّر الذنوب، لأنّ باب حطّة بني، إسرائيل من دخله غفرت ذنوبه. أشار في هذا الحديث أنّ المعترف بإمامة عليّ مؤمنٌ مغفورٌ ذنبه، والجاحد لم يقبل عمله.

وهذا الحديث يدلّ على عصمة أمير المؤمنين علیه السلام، لأنّ الرسول أمر بالدخول في طاعة عليَّ ، ولا يجوز أن يأمر بطاعة غير المعصوم لجواز خطائه، ولا يجوز أن يأمر بطاعة شخصٍ وينهى عنها، كما لا يجوز ذلك على الأنبياء فيلزم المناقضة.

فدلّ الدليل على العصمة ، فظهر لك برهانٌ تستضىء به من شُبّه أهل الضلال.

الحديث الثاني والثلاثون: ما رواه صاحب المناقب الخوارزمي الحنفي عن النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أنّه قال : جاءني جبرئيل من عند اللّه تعالى بورقةٍ آسٍ خضراء، مكتوب فيها ببياضٍ : إنّي افترضت محبّة عليّ بن أبي طالب على خلقي، فبلّغهم ذلك عنّى(2).

ص: 204


1- الصواعق المحرقة 2 : 445 و 446 ، وانظر ميزان الاعتدال 1 : 532 1986 ، الجامع الصغير 2 : 232 77 اح 5592 ، ينابيع المودة 2 : 96 ح 232
2- المناقب للخوارزمي : 66ح 37

وفى هذا الحديث ثبوت العصمة لا محالة ، لأنّ اللّه فرض محبّة عليَّ، ومن فرض محبّته عَصَمَه ، كما فعل في الأنبياء، ومن عَصَمَه لا يجوز عزله ولا ارتداده ،

ولا فسقه ولا كفره، ولا غير ذلك. ومن فرض محبّته أوجب طاعته، ومن أوجب طاعته فهو من أُولي الأمر الذين أمر اللّه بطاعتهم في كتابه.

فدلّ الدليل أنّ اللّه لا يأمر بطاعة عبد وينهى عن طاعته، فثبوت العصمة لازم.

الحديث الثالث والثلاثون: فى الصواعق المحرقة لابن حجر، مرويّ عن النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم قال : لا يجوز أحدٌ على الصراط إلّا من كتب له عليّ بن أبي طالب براءةٌ على الجواز (1)فدلّ هذا على أنّ اللّه أحبّ عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين علیه السلام، ومن أحبّه فرض طاعته، ومن فرض طاعته عَصَمَه ؛ فعليٌّ معصومٌ.

الحديث الرابع والثلاثون: ما رواه صاحب بحر المناقب (2)وابن مردويه عن زادان، عن عليّ بن أبي طالب، قال: تفترق هذه الأُمّة على ثلاثة وسبعين فرقةٍ؛ اثنان [وسبعون ](3)في النار، وواحدة في الجنّة، وهم الذين قال اللّه تعالى فيهم:

ص: 205


1- الصواعق المحرقة 2 : 369 ، وانظر المناقب : 71ح 48 ، ينابيع المودّة 1 : 255 ح 13 و 337 ح 19 ، و 2 : 162 ح 459 و 404 - 58 ، و 3 : 230 .
2- قد يكون هو : الشيخ علي بن إبراهيم الملقب بدرویش برهان ، صاحب كتاب بحر المناقب في تفضيل علي بن أبي طالب علیه السلام كما في الذريعة 207/628. وقد يكون هو الشيخ محمد بن أحمد الحنفي الموصلي، المتوفّى سنة 680 هجريّة ، المعروف بابن سنویه ، صاحب كتاب در بحر المناقب ، والظاهر هو الثاني ، لا الأوّل .
3- قوله : (وسبعون) غير موجود في المخطوط ، والمثبت يوافق المصادر .

«وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةً يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ»(1)وهم شيعتي(2).

وهذا شاهدٌ للشيعة بدخول الجنّة، فدلّ الدليل أنّ الفرقة هم الشيعة، وقد أجمعت الشيعة على عصمة علىّ وأولاده وفاطمة(3)؛ فالعصمة ثابتة بشهادة الخصم من كتابه بنفسه على نفسه، وهذا الحديث إذا عرضته على حديث الفِرَقِ الذي ذكرناه سابقاً ظهر لك برهان تستضيء به من شُبَه أهل الضلال.

الحديث الخامس والثلاثون: من كتاب المودّات للسيّد علي الهمداني(4) عن عمر ابن الخطّاب، عن النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم، ورواه الخوارزمي في مناقبه أيضاً عن مجاهد، عن ابن عبّاس، أنّه قال : لو أنّ الأرض أقلامٌ، والبحر مدادٌ، والجنّ حُسّاب، والإنس كتّاب ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب(5).

أقول:نطق الحقّ على لسان الباطل، والفضل ما شهدت به الأعداء، فكيف من كانت هذه فضائله أن يكون هو وصاحبه مفضّلٌ عليه ، وأجمعت أهل السنّة على

تفضيلهما عليه من غير دليلٍ عقلاً وسمعاً، فمن فضّلهما من غير دليلٍ فهو فرية بغير مرية، ولم نسمع من النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم قال بمثل هذا الحديث في حقّ أصحابه، فكيف نردّ شهادته في حقّ فاطمة ؟

ص: 206


1- الأعراف : 181 .
2- انظر علل الدارقطني 4 : 188 ح 500 ، تاریخ بغداد 13 : 105ح 91 تاريخ بغداد 13 : 105 ح 7091 ، المناقب للخوارزمي : 331ح 351.
3- كما في معارج الفهم :478 ، نهج الحق : 164
4- ينقل عن هذا الكتاب القندوزي في ينابيع المودة ، وينقل عنه أيضاً في مناقب الكاشي.
5- المناقب للخوارزمي : 32 ح 1 وانظر مناقب الإمام أمير المؤمنين علیه السلام للكوفي 1 : 557ح 496مأة منقبة : 4 ، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : 139ح 216

وكيف لا يرضى به يوم الخلافة، ولم يُصدّقه في دعواه فيها ؟ وكيف يريد إحراق بيته وأولاده بالنار. ذكره ابن قتيبة من العامّة في تاريخه (1)وكيف يحثّ خالد بن الوليد على قتله؟ وكيف يأمر بقتله في الشورى إن خالف عبد الرحمن؟ (2)وكيف يرضى بعثمان ولا يرضى به؟ وكيف يمنع فاطمة زوجته عن ما في يدها ؟ وهي نحلة من اللّه ورسوله في حياته في يوم خيبر فدك، ويطلب منها البيّنة على ما في يدها، وقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: البيّنة على المدّعي، واليمين على من أنكر(3)، بإجماع الأمة ؟

ثمّ بعد هذا يدفن صاحبه في بيت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ثمّ هو من بعده غصباً من غير إذنه، ويخالف اللّه تعالى ورسوله ، وحرمة رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم ثابتة إجماعاً حيّاً وميّتاً ، وقد قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيَّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ»(4)، هل كان عندهما إذنٌ من اللّه ورسوله ؟

و یزعم أنّه صدقةٌ للمسلمين، وهل كان المسلمون راضين بدفنهما؟ وهل لا يكون ابنة رسول اللّه وزوجته وأولادها والعبّاس وسائر قرابة رسول اللّه من المسلمين فيسترضيهم، مع أنّ العامة تورث العمّ بالعصبة مع البنت، أو يزعم أنّ

ص: 207


1- الإمامة والسياسة 1 : 18 - 20 .
2- انظر مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 225:1 ، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : 487
3- الكافي : 415 ح 1 ، من لا يحضره الفقيه 3 : 32 3267 ، وسائل الشيعة 18: 443 ح 2
4- الأحزاب : 53

البيت لعائشة (1)وقد قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم: ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة (2).

وفي حديث آخر ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنّة (3).

فثبت أنّ البيت بيته فشهد له القرآن في الآية الماضية:«لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيَّ»(4)، أو يزعم أنّه نحلةٌ من الرسول لعائشة فيصدّق أبو بكر ابنته ويكذّب ابنة رسول الله، وقد شهد اللّه لها بالتطهير(5).

وتُضرب ابنة رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم حتّى أسقطت ،محسناً، ذكره صاحب الملل والنحل(6)، حتّى غضبت عليهما وأمرت زوجها أن يدفنها ليلاً، لئلا يُصلّيا عليها، وماتت وهي غضبانةٌ ساخطةٌ عليهما (7).

وفي صحيح البخاري في مناقب فاطمة، مرويٌّ عن النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم فاطمةٌ بضعة منّي ؛ فمن أغضبها فقد أغضبني(8).

وفي الكتاب المذكور في باب فرض الخمس، عن ابن شهاب، عن عروة بن

ص: 208


1- انظر المسترشد لابن جرير : 514 ، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : 288
2- معاني الأخبار : 267 ج 1 ، من لا يحضره الفقيه 2 : 568 3158، وسائل الشيعة 14 : 345ح 1.
3- الكافي 4 : 554 3 ، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : 289ح 375، وسائل الشيعة 5 : 279 ح1.
4- الأحزاب : 53
5- في قوله تعالى :(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.
6- الملل والنحل للشهرستاني ضمن الكلام في الفرقة النظامية
7- انظر دلائل الإمامة : 135 ح 43 و 45 ، بحار الأنوار 43 : 170 ح 11 ، نهج الحق وكشف ال-ص--دق : 357
8- صحيح البخاري 210:4

الزبير، عن عائشة أخبرته أنّ فاطمة بنت رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم سألت أبا بكر بعد وفاة أبيها أن

يقسم لها ميراثها ممّا أفاء اللّه عليه ، فقال أبو بكر: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث ما تركناه صدقة، فغضبت فاطمة، فهجرته حتّى توفّيت، وعاشت بعد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ستّة أشهر(1).

أقول: تدبّر في هذه المثالب، ونحن لم نسمع في الروايات عن أحدٍ أغضب فاطمة إلّا هما، ولا ادّعت على أحدٍ غيرهما، فصحّ حديث رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بالغضب عليهما إجماعاً من رواياتهم التي ذكروها في صحاحهم(2). وظهر لك سرّ حدیث رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ورمزه وإشاراته وكناياته ومقاصده، وإخباره بما لم يكن قبل أن يكون؛ فظلم فاطمة علیها السلام صريحٌ لكلّ منصف، وهذا من أعجب العجب، فكيف يدّعون محبّة أهل البيت علیهم السلام؟ فوا عجباه من ظالمٍ تستر بالمحبّة وتظاهر بالمودّة، فخصمه ربّه !!

وهذا الحديث الذي رواه عمر شاهدٌ أنّ عليّاً هو أفضل الصحابة ، لانفراده بهذه الخصال عن لسان النبىّ صلی الله علیه و آله و سلم فهو أفضل الرعيّة ، فهو إمام مفترض الطاعة، وقد ثبت أنّ مفترض الطاعة ،معصومٌ، لأنّ اللّه لا يأمر العباد بطاعة شخصٍ وينهى عن طاعته، كما لا يجوز في الأنبياء علیهم السلام، فالعصمة له ثابتةٌ بالنصّ والإجماع.

واعلم أنّ دعوى العامة الإجماع محض دعوى، محتجّين بقوله صلی الله علیه و آله و سلم تجتمع

ص: 209


1- صحيح البخاري 4 : 42 و 5 : 82.
2- صحيح البخاري 4 : 42 و 5 : 82 ، صحيح مسلم 5: 153 و 154 و 155 ، السنن الكبرى للبيهقي 6 : 301.

أُمّتي على ضلال وبعض الأقوال:«على خطأ»(1). ولا شكّ أنّ اجتماع الأُمّة على ضلالٍ أو على خطأ لا يكون، لأنّ المعصوم داخلٌ فيهم.

ووافق الخاصّة في عدم الإجماع من العامّة ابن فورك (2)وأحمد بن حنبل نقله في شرح مختصر العضدي وابن عبد البرّ نقل ذلك في كتاب الاستيعاب، وابن حجر المتقدّم في كتاب الإصابة في معرفة الصحابة.

وذكر الشيخ محيي الدين ابن العربي في فتوحاته المكيّة في الباب الثالث والستين والأربعمائة في اثني عشر قطباً (3)، وفي غير هذا الباب أيضاً نقل أشياء كثيرةً أنكر فيها على الأشاعرة، ومن بعض كلامه نقلناه على وجه الاختصار قال : لا يصحّ الإجماع إلّا إذا أجمعت الصحابة عليه ، ولم يختلف عليه واحدٌ، فإن نقل عن أحدٍ خلافٌ أو سكوتٌ فليس كذلك (4).

وقال أيضاً: لو استحقّ الأوّليّة هذا المتأخّر - يعني أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام - فما تأخّره عن الأوّل إلّا لأمر أيسره وأبينه الزمان، لأنّ وجود الأهليّة فيه من جميع الوجوه ، فيعلم أنّ الحكمة في تأخيره وتقدّم غيره للزمان ، ولعلم اللّه

ص: 210


1- المبسوط للسرخسي 12 : 138 ، بدائع الصنائع 5 : 3 ، المستصفى : 138 ، المحصول 80:4، جامع بيان العلم وفضله 2 : 24 و 26 .
2- ابن فورك مشترك بين جماعة منهم : أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك المتوفى سنة 410 هجرية ، ومنهم : أبوبكر محمّد بن الحسن بن فورك الإصفهاني المتوفى قبل الحاكم بسنة واحدة أي سنة 405 هجرية ، ومنهم : أبوبكر عبد الله بن محمد بن محمد بن فورك بن عطاء الإصفهاني المتوفى سنة 370 هجرية وغيرهم .
3- الفتوحات المكية 77:4
4- الفتوحات المكية 75:4

تعالى أنّهم يموتون قبل هذا المتأخّر، فما منهم أحدٌ إلّا مترشّحٌ للتقدّم(1).

ثمّ ذكر المهدي وقال : تخالفه الأربعة المذاهب، وتحكم بخطائه، فيموتوا ويمرقوا من الدين(2).

وعزل أبي بكر من سورة براءة دالٌّ على صحّة خلافته(3). وكما تكلّم من تكلّم في إمارة أُسامة وأبيه زيد بن حارثة حتّى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ماقال(4)، فإذا طعن فيمن قدّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره ورجّحوا نظرهم على نظر رسول اللّه فما ظنّك بأحوالهم مع القُطب ؟ فأين الشهرة من الشهرة؟

هيهات هيهات، فواللّه لا يكون داعياً إلى اللّه إلّا مَن دعا على بصيرةٍ، لا من دعا على ظنٌّ وحكم به، لا جرم أنّ من هذا حاله حجر على أُمّة محمّدٍ ما وسّع اللّه عليهم، فشدّد اللّه عليهم العذاب يوم القيامة.

وله كلامٌ طويلٌ ورموز وإشاراتٌ، وإيماءٌ وتلويحاتٌ وكنايات، لا يفهمها إلّا من حفّته العناية وحلّت قلبه الهداية.

قوله:«وعزل الأوّل من سورة براءة دالٌّ على صحّة خلافته» خلاف الظاهر، كأنّه يشير أنّ العزل كان بأمرٍ من اللّه ورسوله، فهو لم يؤمَّن على سورة يقرأها، فكيف يصلح للخلافة ؟

ص: 211


1- الفتوحات المكية 298:4
2- الفتوحات المكية 327:2
3- انظر الاستيعاب لابن عبد البر 1024:2 ، الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي : 349 ، شرح نهج البلاغة 6 : 45 وج 17 : 195
4- الطبقات الكبرى 4 : 67 ، تاريخ مدينة دمشق 2 : 57 وج 8 : 62 ، كنز العمال 10 : 570 30264، تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل : 489.

وعزله يوم خيبر، وعزله عن الصلاة لما تقدّم كذلك؛ فهذا كلّه دالٌّ على تقدّم مَن له الأهليّة، لأنّه صلی الله علیه و آله و سلم اكشف عنهم ما كان مستوراً.

وأيضاً ولّى عليهم أُسامة عبده، وهذا دليل أنّهم لا يصلحوا للإمارة، وهذه رموزٌ وإشاراتٌ منه صلی الله علیه و آله و سلم لا يدركها إلّا البصير الموفّق.

فإذا ترسّخ في بالك ما ذكرناه علمت أنّ الإجماع لا يتحقّق، وكانت البيعة فلتةً، كما قال عمر: أنّ بيعة أبي بكر ،فلتة كفاهُ اللّه شرّها(1)، واستقالة أبي بكر (2)دالّ على كراهته للمرتبة، لعدم استحقاقه لها، وتظلّم أمير المؤمنين علیه السلام، وشكواه منهما ظاهرٌ من خطبته في نهج البلاغة (3)وقوله : اللهمّ إنّي أستعديك في قريش ، فإنّهم ظلموني حقّي (4).

وهذا دليلٌ أنّ الإجماع لم يثبت وافتراق المهاجرين والأنصار ومحاوراتهم ظاهرة، فإذا لم يثبت الإجماع رجع الأمر إلى الكتاب والسنّة، وكانت الخيرة للّه ورسوله.

قال تعالى:«وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ»(5). وقال تعالى: «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ»(6).

ص: 212


1- تاريخ اليعقوبي 2 : 158 ، دعائم الإسلام 1 : 85 ، الاقتصاد : 208 .
2- قد أجمعت الأمة على أن أبا بكر قال بعد العقدله : أقيلوني أقيلوني (الفصول المختارة : 246، وليتكم ولست بخيركم ، أقيلوني أقيلوني (الاحتجاج 104:1 .
3- كما في الخطبة الشقشقية المعروفة التي مطلعها : ( أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة.
4- نهج البلاغة 2 : 85 و 202
5- الشورى : 10.
6- القصص : 68.

وقال تعالى:«النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ»(1).

وقال النبيّ في يوم الغدير: من كنت مولاه(2)، ولا شكّ أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم لا ينطق عن الهوى، فإذا كان كذلك فانظر إلى انحراف الناس عن علىٍّ علیه السلام، ونصبهم غيره،عدم قبولهم قول النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم.

قال تعالى:«وَلِتَكُن مِنكُمْ أُمَّةً يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِمَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»(3).

والاختلاف وقع بعد النبيّ في الأُمّة بلا شكّ، والحقّ لا يتصوّر أن يكون مع الكلّ، بل البعض مخطئٌ والبعض مصيبٌ، فرأينا الحقّ مع علي بن أبي طالب علیه السلام،

لأنّ الإجماع انعقد على عدم خطائه، لقول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: اللهم أدر الحقّ مع عليّ

كيفما دار(4).

وقوله صلی الله علیه و آله و سلم: أيّها الناس، إنّي قد تركت فيكم الثقلين إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي ؛ أحدهما أكبر من الآخر : كتاب اللّه حبل ممدود مابين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، فإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا علَىّ الحوض(5). وعليٌّ وأولاده أهل البيت إجماعاً.

ص: 213


1- الأحزاب : 6.
2- بصائر الدرجات : 97 5 ، قرب الإسناد : 57 186 ، الكافي 1 : 287 ح 1
3- آل عمران : 104 و 105.
4- المسائل الصاغانيّة : 109 ، المسائل العكبرية : 56 ، بحار الأنوار 83 : 356 .
5- الكافي 2 : 415 ح 1 ، كمال الدين : 238 55 ، بحار الأنوار 23 : 106ح 7 .

وقوله صلی الله علیه و آله و سلم : من كنت مولاه فعلیّ مولاه اللهمّ فَوال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره(1).

ولا شكّ بموجب هذه الأحاديث أنّ المخالف لعلیّ علیه السلام في ذلك اليوم معادٍ له، قد دخل في قول النبيّ صلى الله عليه وسلم : اللهمّ عاد من عاداه. ومن نصره نصره اللّه تعالى. قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ»(2). والمراد نصر المظلوم. وهكذا حرب الجمل وصفّين والنهروان، قالت العامة : اجتهدوا في حرب عليّ واجتهادهم خطأ(3)، فقلنا: هم اجتهدوا كما اجتهد غيرهم في اجتهدوا كما اجتهد غيرهم في سلب الخلافة منه بعد النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم، ونحن لم نسمع أحداً من الصحابة أو التابعين قال بخطأ أمير المؤمنين علیه السلام في جميع أُموره، فعلمنا أنّ الحقّ معه، فإذا تحقّق لك ذلك حصل لك برهانٌ تستضيء به من شُبه أهل الضلال.

الحديث السادس والثلاثون: ما رواه صاحب الصواعق المحرقة الشافعي، وأيضاً رواه أبو علي في مسنده و مسند البزّار، قوله صلی الله علیه و آله و سلم: من أحبّ عليّاً فقد أحبّني،ومن أبغض عليّاً فقد أبغضني، ومن آذى عليّاً فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله(4).

ص: 214


1- بصائر الدرجات : 97 5 ، قرب الإسناد : 57 186 ، الكافي 1 : 287 ح 1
2- محمد صلی الله علیه و آله و سلم : 7 و 8.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 14 : 24 ، فتح الباري 13 : 58
4- الصواعق المحرقة 2 : 497 17 الفصل الثاني في فضائله علیه السلام، وانظر المعجم الكبير 23 : 380 ، الكامل لابن عدي 4 : 349 1182 ، تاریخ بغداد 13 : 34 6988 ، تاریخ مدينة دمشق 270:42 ، ح مجمع الزوائد 9 :132 ، الجامع الصغير 2 : 554ح ،8319 ، كنز العمّال 11 : 601 ح 32902.

هذا الحديث شاهد أنّ محبّة عليّ كمحبّة اللّه ورسوله ، من لم يحبّ اللّه ورسوله هالك، ولو أقرّ بالشهادتين، وصلّى وصام وحجّ وزكّی؛ ردّ اللّه عليه عمله لبغضه عليّاً، وإنّ في بغضه آذى اللّه ورسوله ، فكيف يحبّ اللّه ورسوله من حاربه بصفّين والجمل، وآذاه في الخلافة، وترضّى عن بني أُميّة ؟ وهم قد سبّوه ألف شهرٍ(1) وقد أخبر اللّه تعالى نبيه بقوله:«وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِى أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً»(2).

والشجرة الملعونة بنو أُميّة، فالعامّة ثابتٌ عندهم سبّ معاوية لعليّ، واستمراره إلى زمن عمر بن عبد العزيز الأموي(3)، ومع هذا يترضّون عن معاوية ويترحّمون عليه، ولا ينكرون ذلك ؛ فمن كان هذا حاله كيف يدّعي محبّة علي بن أبي طالب ؟!

فدلّ الدليل أنّ أهل المحبّة هم الإماميّة، وهم الفرقة الناجية لولائهم له ولأولاده، ورفع شأنهم عن غيرهم، ومعاداتهم لأعدائهم والتمسّك بمذهبهم والاقتداء بهم. ودلّ هذا الحديث على محبّة علىّ وعصمته، لأنّه متضمّن معنى الأمر، والأمر للوجوب، ولا يجوز أن يأمر النبيّ بمحبّة شخصٍ ويجعل محبّته كمحبّة اللّه ورسوله، وأذاه كأذاء اللّه ورسوله وينهى عنها فيلزم من ذلك اجتماع النقيضين

ص: 215


1- الكامل في التاريخ 5 : 42 ذكر ترك سبّ أمير المؤمنين علي علیه السلام.
2- الإسراء : 60.
3- شرح نهج البلاغة 4 : 56 فصل فيما روي من سب معاوية وحزبه لعلي ، الكامل في التاريخ 5 : 42 ذكر ترك سبّ أمير المؤمنين على علیه السلام.

في شخصٍ واحدٍ، وهو ممتنع، كما لا يجوز ذلك على الأنبياء علیهم السلام؛ فثبتت العصمة.

الحديث السابع والثلاثون: ما رواه الثعلبيّ في تفسيره - وهو من رجال العامّة - بإسناده عن ابن مسعود، عن النبيّصلی الله علیه و آله و سلم أنّه قال : قسمت الحكمة على عشرة أجزاء ؛ تسعة لعلىّ علیه السلام و للناس جزء واحدٌ(1).

هذا الحديث يدلّ على أنّه أفضل الناس بعد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأعلمهم، ومن كان كذلك فهو مفترض الطاعة، وقد أثبت الدليل أنّ مفترض الطاعة ،معصومٌ، ولم نسمع من الرواة أن النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم قال بمثل هذا الكلام في غير عليّ علیه السلام، فانفراده به دليل الأفضليّة، والأفضليّة دليل استغنائه عن غيره، واحتياج من هو دونه إليه دليل استغنائه عنهم [وهو] ظاهر (2)، ووجوب طاعته بدليل الآية، لأنّ اللّه لا يأمر بطاعة شخصٍ وينهى عنها، كما لا يجوز ذلك في الأنبياء.

وفي هذا الحديث إشاراتٌ ورموزٌ ومقاصد تُنبؤك عن فضل علىّ علیه السلام، إذا عرضت هذا الحديث إلى ما سبق (3)تجد أنّ نصيب الخلق من الحكمة جزءاً واحداً ، ولأمير المؤمنين تسعة أجزاء الحكمة(4).

ص: 216


1- وجدناه في حلية الأولياء لأبي نعيم 1 : 65 ، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 312:1 العمدة لابن البطريق : 379.
2- كما في الاستدلال المنقول عن الخليل بن أحمد الفراهيدي حينما سئل عن دليل أفضلية الأمير علي بن أبي طالب علیه السلام على غيره ، فقال : استغناؤه عن الكلّ واحتياج الكلّ إليه دليل على أنّه أفضل الكلّ ( أعيان الشيعة 6 : 345 ترجمة الخليل) .
3- في المخطوط زيادة : (من تسعة وأربعين جزءاً) .
4- كذا في المخطوط

فدلّ الدليل أنّ من له ذلك فهو أفضل الناس بعد النبيّ، ومن كان أفضل الناس فهو مستحقّ لولاية الأمر الذي فرض اللّه طاعته في القرآن؛ فمن فرض اللّه طاعته فقد عَصَمَه كما عصم الأنبياء وفرض طاعتهم ، ولا يجوز أنّ اللّه يفرض طاعة الفاسق ويولّيه على الأُمّة ويأمرهم بطاعته، وقد نهى عن ذلك بقوله في القرآن:«لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ»(1).

وقوله تعالى: «إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتَّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوْا»(2).

وقوله تعالى:«وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً»(3).

وقال تعالى:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً»(4).

وقوله تعالى:«يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ»(5).

فإذا كان اللّه لا يرضى عن الفاسق فكيف ترضى الأمّة بإمامة الفاسق ؟ ما هذا العمى ؟! نعوذ باللّه من ذلك؛ فإنّ الفسق يجرّ إلى الكذب، والكذب يجرّ إلى تحريف الدين وتغييره(6) وتبديله، لأنّه غير مأمونٍ، وغير المأمون لا يجوز أن يلي

ص: 217


1- الممتحنة : 13.
2- البقرة : 166
3- النساء : 115
4- النساء : 144
5- التوبة : 96
6- في المخطوط : (وتغيره) والمثبت أنسب

راية (1)المسلمين، والذي نرى أنّ الناس تستعبد العلماء والصلحاء وأهل الورع والديانة، وتتوسّل بهم إلى اللّه، وترجو أنّ اللّه يُشفّعهم فيهم ويرحمهم بهم، لا الفسقاء الزُّناة أهل الظلم والعدوان، فكيف ترضى العقلاء أن يكون شفيعهم إلى اللّه فاسقاً؟! هذا تنكّره الخلق في بعضهم . فلو جاز أن يكون الشفيع المُتّبع فاسقاً لما عُصِمت الأنبياء.

الحديث الثامن والثلاثون: ماروته الخاصّة والعامّة، عن حذيفة، عن النبىّ صلی الله علیه و آله و سلم أنّه قال : والذي نفسي بيده لو وُضِعَ أعمال أُمّة محمّدٍ في كفّة الميزان منذ بعث اللّه محمّداً إلى يوم القيامة ، ووضع عمل عليّ في الكفّة الأُخرى، لرجُحَ عمل عليَّ على جميع أعمالهم(2).

رواه الخوارزميّ في مناقبه أيضاً عن عمر بن عبد العزيز وعن عمر بن الخطّاب(3).

ويؤيد هذا الحديث حديث الخندق قوله صلی الله علیه و آله و سلم: ضربة علىّ لعمرو تعدل عبادة الثقلين(4).

وقوله : خرج الإيمان كلُّهُ إلى الشرك كُلَّه(5).

ص: 218


1- في المخطوط : (روايات) والمثبت أنسب .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 19 : 61 ، الإرشاد للمفيد 103:1 ، إعلام الورى 379:1، كشف اليقين : 134 ، نهج الحق : 250 .
3- المناقب للخوارزمي : 125 .
4- عوالي اللئالي 4 : 86 ح 102 ، شرح أصول الكافي للمازندراني 12 : 13 4 - 454
5- كنز الفوائد : 137 ، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : 35 و 60 ح 57 ، بحار الأنوار 215:20 ح 2 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 13 : 261.

فإذا كان هو كلّ الإيمان وضربته تعدل عبادة الثقلين كيف يفضّل غيره عليه ؟!

و فی هذا الحديث إشاراتٌ ورموزٌ وفضائلٌ لا تُحصى، منها: تفضيله على الأمّة، وأنّ أعمال الخلائق لا توازن عمله يوم القيامة، وهذه شهادةٌ من النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم في عصمة علیٍّ صلی الله علیه و آله و سلم، لأنّ من كان عمله راجحاً يوم القيامة - ولا رجحان إلّا بالعصمة - فهو معصومٌ في الدنيا؛ لأنّ العصمة هي ترك الكبائر والصغائر. [ و ] الاجتهاد في الطاعة ورجحان العمل يقتضي العصمة، لأنّ المدح لا يكون إلّا بترك الذنوب، ومع المساواة لا رجحان ، ومن كان راجحاً عمله على الخلائق فهو أحقّ من غيره في ولاية الأمّة، ووجب على الأمّة إطاعته والعمل بأحكامه لتحقّق النجاة معه ؛ لأنّ اللّه سبحانه وتعالى قال:«فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ» (1)أي فى الجنّة.

فدلّ الحديث أنّه من أهل الجنّة، فالتمسّك به أنجى، واتّباعه أولى، وللّه الحمد لم تتمسّك به إلّا الإماميّة، وغيرهم حاربه كمعاوية ، قال علیه السلام: يا عجبي أعصى ويُطاع معاوية(2). وهذا حقداً على أمير المؤمنين، لأنّه قتل أخاه وجدّه وخاله كلّهم كُفّاراً (3)، وسبّه ظاهر من أهل البدع وفضّل غيره عليه، ورضى عمّن سبّه على المنابر، وفي الجوامع على رؤوس الأشهاد، وقتل ولده، وسبى حريمه، وأغضب زوجته، وردّ شهادته، وأنكر إمامته، ونكث بيعته، ومع هذا يدّعي

ص: 219


1- القارعة : 6 و 7 .
2- مناقب آل أبي طالب 2 : 365 ، بحار الأنوار 33: 313 ح 562 ، المناقب للخوارزمي : 196 ح 237 ، تاریخ مدينة دمشق 59 : 137
3- انظر عين العبرة في غبن العترة : 66: ذكر عداوة جماعات من بني أمية لبني هاشم.

محبّته، ويزعم أنّ له في الجنّة نصيباً، ما هذه المحبّة الفاسدة ؟ نعوذ باللّه منها.

وإذا عرضت هذا الحديث على ما قبله تبيّن لك فضله على غيره، فإنّ من كان مفضّلاً في الدنيا ففي الآخرة كذلك، وظهر لك فائدة قوله تعالى:«أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ»(1)؛ فإنَّ واجب الطاعة لا يكون إلّا معصوماً، كما قرّرناه في الدليل، وغيره لم تجب طاعته لاحتمال الخطأ.

ودليل انفراد عليّ علیه السلام بهذا الحديث ثبوت الطاعة له، لأنّه راجح الإيمان، راجح العلم، راجح العمل، راجح الطاعة، ولا يجوز تقديم المرجوح على الراجح في الحالات، والمفهوم في هذا الحديث إشارة غضبٍ وذمٍّ لمن رجّح عليه غيره، ومدحٌ لمن رجّح عليّاً وفضّله وأخذ بمذهبه ووالاه، وهذا إخبارٌ في ضمن إنكار.

الحديث التاسع والثلاثون: ما رواه أحمد بن حنبل من عدّة طرق - وهو من العامّة - عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : من آذى عليّاً فقد آذاني، أيها الناس، من آذى عليّاً بُعِث يوم القيامة يهوديّاً أو نصرانيّاً (2).

وفي هذا الحديث إشاراتٌ ورموزٌ إلى ذمّ من آذى عليّاً فقوله «أيّها الناس» خطابٌ عامٌّ للأُمّة، خاصّ في الصحابة ، ولم نعلم أحداً آذاه إلّا في أخذ الخلافة، وتكذيبه لدعواه في الإمامة، واستحقاقه لها، والخروج عن طاعته، وحربه وسبّه، وغير ذلك، والمنازعة له في الخلافة ثابتةٌ لا يمكن إنكارها.

ص: 220


1- النساء : 59.
2- مسند أحمد بن حنبل 483:3 ، المعيار والموازنة : 224 ، التاريخ الكبير 6 : 307 2482 ، الاستيعاب 1183:3 ، شواهد التنزيل :2 : 145ح 775 .

وكلام أمير المؤمنين علیه السلام في خطبته الشقشقيّة المرويّة في نهج البلاغة (1)تدلّ على الإيذاء والتظلّم، والراوي لها ابن عبّاس.

وروي عنه(2): أنّ عمر قال له: ما أظنّ صاحبك - يعني عليّاً - إلّا مظلوماً .

فقلت : أردد عليه ظلامته .

ثمّ قال : ما أظنّهم منعوه إلّا لصغر سنّه .

فقلت : ما استصغره اللّه حين أمره أن يأخذ سورة براءة من صاحبك(3).

فإن كانت هذه المنازعة أذىً له، وطمعاً في مكانته فالويل ثمّ الويل لمن نازعه في حقه.

وفي هذا الحديث عصمة أمير المؤمنين علیه السلام، لأنّه يؤذَى ولا يؤذي، ويُظلَم ولا يَظلِم، وهذه رتبة أهل العصمة والأنبياء، ولا يجوز للنبيّصلی الله علیه و آله و سلم أن يقول بمثل هذا الحديث إلّا في شأن المعصوم الذي لا يصدر منه الخطأ، لأنّه قد يكون مؤذياً، فإذا كان كذلك فإيذاؤه واجبٌ شرعاً، فكيف يكون إيذاؤه كإيذاء رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم [ و ] يكون كلاماً لا فائدة له، وهو في شأن النبيّ ممتنع.

ومثل هذا الحديث قاله النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم في شأن ابنته فاطمة علیها السلام(4) لمّا علم اللّه تعالى بإيذائها من بعده، وكذلك أمير المؤمنين أعلمه اللّه بالذي يؤذيه ، فظهر للبصير الإشارة والرمز ، وإعجاز النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم با اخبار ما كان قبل أن يكون.

ص: 221


1- نهج البلاغة 1 : 30-38
2- أي : ابن عباس.
3- كشف الغمة 2 : 47 ، كشف اليقين : 175 ، بحار الأنوار 40 : 125 ح 14 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6 : 45 .
4- الفصول المختارة : 88 ، الملاحم والفتن :243 ، بحار الأنوار 29 : 157 32 .

ومثل هذا الحديث ذكرناه سابقاً في الحديث السادس والثلاثين المروي في الصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي ، فراجعه إن أردته.

وذكر الشهرستاني في الملل والنحل، عن النظّام (1)- من رؤساء العامّة والمعتزلة - قال : لا إمامة إلا بالنصّ والتعيين ظاهراً مكشوفاً، وقد نصّ النبيّ صلی الله عليه واله و سلم في عليّ وظهر إظهاراً لم يشتبه على الخلق، إلّا أنّ عمر كتم ذلك، وهو تولّى بيعة أبي بكر يوم السقيفة(2).

فانظر أيّها البصير هذا الكلام من كلام العامّة، وأنصِف هل هذا إيذاءً أم لا؟ وكان أمير المؤمنين علیه ااسلام يقول : اللهمّ إنّي أستعدي على قريشٍ، فقد ظلموني حقّي (3)، فتدبّر إلى هؤلاء لزموا غير عليّ علیه السلام وتركوه. وقد روى صاحب فردوس الأخبار من العامّة (4)، بإسناده عن ابن أبي ليلى، والخوارزميّ في مناقبه عن النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أنّه قال : سيكون من بعدي فتنة، فإذا كان

ص: 222


1- هو إبراهيم بن سيّار البصري أبو إسحاق النظام ، تبحر في علوم الفلسفة واطلع على أكثر ما كتبه رجالها من طبيعيين وإلهيين ، وانفرد بآراء خاصة ، تابعته فيها فرقة من المعتزلة سميت النظامية ، نسبة إليه ، وبين هذه الفرقة وغيرها مناقشات طويلة ، وقد ألفت كتب خاصة للردّ على النظام. وفيها تكفير له ، تُوفّي سنة 231 هجرية (الأعلام 43:1) .
2- الملل والنحل 1 : 57
3- الجمل : 61 ، الشافي في الإمامة 2 : 148 ، الاقتصاد : 21 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 10 : .286
4- قال حاجي خليفة في كشف الظنون 1254:2 فردوس الأخبار بمأثور الخطاب المخرج على كتاب الشهاب في الحديث لأبي شجاع شیرویه بن شهردار بن شيرويه بن فناخسرو الهمداني الديلمي المتوفى سنة 509 هجرية .

كذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب، فإنّه فاروق بين الحقّ والباطل(1).

وهذا الحديث يصرّح بالفتنة بعد النبيّ بين الصحابة، وأنّ النجاة في التمسّك بعليّ بن أبي طالب، وأنّ الحقّ معه لا مع غيره، ولم تتمسّك به إلّا الإماميّة ؛ فدلّ الدليل على نجاتهم وضلال غيرهم.

ويدلّ على ذلك ما رواه أبو المؤيّد الخوارزميّ في مناقبه، ومن مناقب ابن مردويه : أنّ عليّاً مع الحقّ والحقّ معه، وأنّه مع القرآن والقرآن معه(2).

ومنه عن أُمّ سلمة زوج النبيّ حديثٌ طويلٌ، ذكر فيه مناجاة النبي لعليّ، حتّى قال النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: أمرني جبرئيل أن آمر عليّاً بما هو كائن بعدي إلى يوم القيامة، وأنا نبي هذه الأمّة، وعلي وصيّي في أُمّتي من بعدي(3).

الحديث الأربعون: ما رواه صاحب فردوس الأخبار - من رجال العامّة - بإسناده عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : إنّ اللّه فرض طاعتي وطاعة أهل بيتي على الناس خاصّةً، وعلى الخلق كافّة، فقيل : وما الناس ؟ وما الخلق ؟ فقال : الناس أهل مكّة، والخلق ما خلق اللّه من ذي روح (4).

هذا الحديث فيه من الدلائل والإشارات والرموز فى علىّ علیه السلام لا تخفى على ذي لُبّ وقلب سليم، منها : أنّ اللّه فرض على الخاصّ والعامّ طاعة أهل البيت،

ص: 223


1- المناقب للخوارزمي : 105ح 108 10
2- المناقب للخوارزمي : 105 ، مناقب علي بن أبي طالب الابن مردويه الاصفهاني: 113 ح 131
3- المناقب للخوارزمي : 147ح 171 ، مناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه الاصفهاني : 106 ح 117.
4- ينابيع المودة 2 : 289 ح 827.

وعلي علیه السلام من أهل البيت بالإجماع(1)، ومن فرض اللّه طاعته وجب على الأُمّة متابعته، وتارك الفرض معاقب. ومفترض الطاعة معصومٌ، ولا يجوز أن يكون مفترض الطاعة جائز الخطأ؛ لأنّ اللّه سبحانه لا يأمر بطاعة عبدٍ وينهى عنها، ولو جاز الجاز في الأنبياء.

ولا يجوز عزله، ولا تكذيبه، ولا الغضب عليه ، لأنّه معصوم، كما يفعله الملوك لعجزهم، فإنّهم لا يقدرون على هداية من يحبّوه ولا إسعاده ولا إرشاده، ولا يعلمون مآل أمره وسريرته، ونُصحه وحبّه لهم في الباطن، ولا خيانته ، فإنّ الأمّة لا تخدم الملوك إلّا طمعاً.

فمن أراد الدنيا لا ينصح أهلها، ومن أراد الدين والآخرة لا يصحب أهلها(2)، فمن نظر إلى الآخرة لا ينظر إلى الدنيا ، وكذلك ناظر الدنيا محجوبٌ عن الآخرة، فهما ضرّتان، وكلّ واحدة محجوبةٌ عن الأخرى ، وكلّ مشغوفٌ بمن يهوى؛ لأنّ

ص: 224


1- وللمزيد نقول : جاء في شواهد التنزيل 2 : 271 قال ابن عمر : إنّا إذا عددنا قلنا : أبوبكر وعمر وعثمان ، فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن : فعليّ ؟ قال ابن عمر : ويحك علي من أهل البيت لا يقاس بهم ، علي مع رسول الله في درجته ، إن الله يقول : ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُم ذُرِّيَّتُهُم»، ففاطمة مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في درجته ، وعلى معهما
2- مقتبس من رواية وردت في كشف الغمة 2 : 427 وفيها كتب المنصور إلى جعفر بن محمد علیهما السلام: لِمَ لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس ؟ فأجابه علیه السلام: ليس لنا ما نخافك من أجله ، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له ، ولا أنت في نعمة فنهنيك ، ولا نراها نقمة فنعزيك بها ، فما نصنع عندك قال : فكتب إليه : تصحبنا لتنصحنا ؟ فأجابه علیه السلام : من أراد الدنيا لا ينصحك ، ومن أراد الآخرة لا يصحبك . فقال المنصور : والله لقد ميّز عندي منازل الناس ، من يريد الدنيا ممن يريد الآخرة ، وإنّه ممّن يريد الآخرة لا الدنيا . والرواية بنصها في مستدرك وسائل الشيعة 12 : 307 ح 2 باب تحريم مجاورة أهل المعاصي ومخالطتهم.

حبّ الدنيا محفوفٌ بالشهوات، يجرّ إلى النفاق والخيانة، والمنافسة وعدم النصيحة ، والطمع في المناصب والمراتب الدنيويّة والشهوات الدنيّة وغير ذلك.

وطالب الآخرة يجرّ أهلها إلى الزهد في الدنيا وإلى العبادات، وإنفاق المال في سبيل اللّه، والصوم والحجّ، ومخالفة الهوى، وعدم الرأفة في دين الله، واقامة الحدود، وإنصاف الظالم من المظلوم، ولا تميّز في الحقّ بين الوضيع والشريف، والفقير والغنيّ، والمالك والمملوك، وهذا شاقٌ مُرٌّ على أهل الدنيا؛ فمن تعقّل وعرفه علم أنّ اللّه تعالى اختصّ الأنبياء وأهل العصمة علیهم السلام بما لم يقدر عليه أحدٌ من خلقه، وفرض طاعتهم على الخلق ، ومن فرض طاعته فلا ينهى عنها، لأنّ أهل العصمة علیهم السلام السان الله الناطق، ولم تعلم الناس فرض طاعتهم إلّا من قولهم.

وأيضاً: الأحكام والشرايع وغير ذلك من الوعد والوعيد ، كلّ ذلك سُمِعَ منهم، وصدّقتهم الرعيّة وآمنت بذلك ، ولو لم يكونوا معصومين لزم الكذب، ولجاز عزلهم وانتفت ،عصمتهم ، فإذا انتفت العصمة فرُبّما أنّ المعزول لم يخبر بعزله ويكتم الأمر، ويكذّب المنصوب بعده ، فتفتتن الناس ويدخلهم الشكّ، ويندرس الدين ويتسلّط الشيطان على العباد فيردهم الهلاك، ويلزم من ذلك مفاسدٌ كثيرةٌ ؛ فوجب على اللّه أن يلطف بالعباد، ومن لُطفه عصمة أهل العصمة، ولمّا عصمهم وجب على العباد معرفتهم ، وفرض على العباد طاعتهم.

فدلّ هذا الحديث على عصمة أهل البيت علیهم السلام، وهم الاثنا عشر لا غير؛ لأنّ غيرهم جائز الخطأ، وجائز الخطأ لا تفرض طاعته كما برهنّاه، ولم نجد فرق

الإسلام توافق الإماميّة في ذلك، فانفراد الإماميّة بذلك دليل النجاة للحديث

ص: 225

السابق:«إلزموا عليّ بن أبي طالب» (1)فإنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أمر الناس باتّباع أهل بيته، ولم نعلم أحداً تبعهم إلّا الإماميّة.

وهذه الأحاديث التي أوردناها كلّها شاهدة بالعصمة لأهل البيت علیهم السلام، مرويّة من طرق العامّة لا يسعهم إنكارها، والفضل ما شهدت به الأعداء، والنهار لا يحتاج إلى دليل.

وحصل من هذا الحديث فائدة إخبار في ضمن إنكار ، وفيه رمزٌ وإشارةٌ، ولو شاء لصرّح بذلك ، والسرّ فيهما ظاهرٌ، ففهم أنّ المراد البيّنة لعلمه صلی الله علیه و آله و سلم بما كان قبل أن يكون، وأنّ الناس تنكر هذه الطاعة ولا تقبلها، ويختلفون في الدين.

والإشارة في قوله «الناس أهل مكّة» لأنّ أوّل من أنكر ذلك على عليّ بن أبي طالب علیه السلام قريشٌ، ونازعوه ، وكان ذلك منهم طمعاً في الملك وحُبّاً للرئاسة، وهذا شأن الملوك في كلّ زمانٍ ظاهر غير خفيّ ، وهذا التخصيص إلزام حجّةٍ على المنازع في الخلافة ، لأنّ المنازع لأميره منازع لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، والمنازع له منازع للّه تعالى، ومن غالَبَ اللّه فهو مغلوب.

وقوله : «كلّ ذي روح شمل الجن والإنس ، والملائكة والحيوانات وكلّ نام ؛ لأن فيه روح النماء، وهذا دليل واضح أن الأشياء كلها تعرف الإمام منقادة له ؛ لأنّ الله لما فرض الطاعة عليهم وجب أن يعرفهم المطاع، وإلا كان تكليف ما لا يطاق، وهو ممتنعٌ على اللّه تعالى، فإذا كانت الجمادات تعرفه ولا تنكره فما بال هؤلاء العماة لا يعرفوه؟ وقد مرّ لك في الحديث السابق من لا يعرفه مات جاهليّاً.

وإذا عرضت هذا الحديث على الأحاديث السابقة بان لك برهانٌ تستضيء به

ص: 226


1- المناقب للخوارزمي : 105ح 108 .

عن شبه أهل الضلال، وهذه حجج كشف اللّه لي عنها وبصّرني القول فيها؛ إن أصبتُ فبفضل اللّه أصبت، وإن أخطأت فأسأله اللطف والاستقامة والعفو في هذه

الدار ويوم القيامة.

وعلى العاقل البصير أن يترك التعصّب والعناد والبغى الفساد، ويبذل الاجتهاد في تحصيل ما يقرّبه إلى اللّه في يوم المعاد، ويتأمّل في الأحاديث الواردة عن خير

البشر في شأن أئمّة الهدى، ويُوجّه سمع قلبه إلى بليغ لفظه صلی الله علیه و آله و سلم وكناياته وإشاراته ، ورمزه وتفصيله وإجماله، وملاحظته ومطلوبه و منطوقه ومفهومه وظاهره وباطنه وتنزيله وتأويله وناسخه و منسوخه، وتعميمه وتخصيصه، وإعراضه وتعريضه ووعده وتوعيده، وإنذاره وتحذيره، وتأكيده وتحريضه،

وغير ذلك ؛ فإنّ كلامه صعبٌ مستصعبٌ، لا يفهمه إلّا من امتحن اللّه قلبه بالإيمان وحفّه بالعناية والرضوان.

فقد يكشف اللّه لعبده المؤمن حجاب ما يجهله ، فيخطر له معنىّ لم يخطر في قلب غيره، ويظهر له سرّاً لم يطّلع عليه غيره ، وإشارة لم يفهمها غيره، وتنبيهاً لم يتنبه لها غيره؛«ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ»(1). فكم عالم تنبّه من جاهلٍ وكم بصيرٍ اهتدى بأعمى؛ فعليك بالتوكّل عليه والاستمداد فيما لديه، والاستغناء إلّا إليه ، فإنّ أسرار العبد مخفيّة إلّا عليه ؛ فطهِّر سرّك يسرّك، وأخفي برّك يبرّك . ولمّا وفُقنا اللّه تعالى في توضيح ما مضى شرعنا في ذكر الخاتمة، نسأل اللّه حُسن الخاتمة، وهي مرتّبةٌ على دلائل واضحة، وللخصم داحضةٌ:

ص: 227


1- المائدة : 54 .

[الخاتمة ]

دليل ثبوت المتعة

ذهبت العامّة أنّ المتعة حلالٌ في أصل الشرع، وقالوا بنسخ المتعة وتحريمها(1).

وذهبت الإماميّة إلى عدم النسخ ، ولم تختلف في ذلك (2)، ودليلهم قوله تعالى :«فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ»(3).

وقرأ عبد اللّه بن مسعود، وأُبيّ بن كعب، وعبد اللّه بن عبّاس من الصحابة بذكر الأجل؛ ذكرها النيسابوري في تفسيره وغيره(4)، والقرآن قطعيّ الدلالة، وروايات العامّة متناقضة في النَّسخ ، فإنّهم رووا عن عليّ أن رسول اللّه نهى عن متعة النساء يوم(5) ، ورووا عن الربيع بن سرّة ، عن أبيه، أنّه قال : شكونا العزوبة في حجّة الوداع، فقال : استمتعوا من هذه النساء، ثم عدوتُ على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو قائم بين الركن والباب، وهو يقول : إنّي قد أذنت لكم في

ص: 228


1- المصنّف لعبد الرزاق الصنعاني 7: 496 - 14019 وما بعده ، وفي المصنف لابن أبي شيبة الكوفي 3 : 390 - 6 - 11 ، السنن الكبرى للبيهقي 207:7 ، تفسير السمعاني 415:1 ، الاستذكار لابن عبد البر 5 : 507 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 249 - 3 - 7 ، الفصول المختارة : 158 ، وسائل الشيعة 21 : 12 32.
3- النساء : 24
4- انظر جامع البيان للطبري 5 : 18 ، معاني القرآن الفراء 2 : 61 ، تفسير الثعلبي 286:3 ، تفسير الرازي 10 : 51 ، المستدرك على الصحيحين للحاكم 2 : 305 .
5- صحيح البخاري ،5 : 78 ، صحيح مسلم 4 : 134 و 6: 63 ، سنن ابن ماجة 1 : 630 .

الاستمتاع، ألا وإنّ اللّه حرمها إلى يوم القيامة(1).

ويفهم من الروايتين أنّ النسخ وقع مرّتين يوم خيبر، وفي حجّة الوداع، ولم يقل أحدٌ بالنسخ مرتّين، ومذهب أمير المؤمنين علیه السلام وأولاده معلومٌ بتحليلها.

والمرويّ عن جابر بن عبد اللّه، وابن عباس، وابن مسعود، وسلمة بن الأكوع، وعمران بن حُصين، وأنس بن مالك أنّها لم تُنسخ(2).

وفي صحيح مسلم بإسناده إلى عطا قال : قدم جابر بن عبد الله بعُمرة، فجئناه في منزله، فسأل القوم عن أشياء ، ثمّ ذكروا المتعة فقال : نعم، استمتعنا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وأبي بكر وعمر(3). وهذا صريحٌ في عدم النَّسخ ، وأنّها باقية في زمن الخلفاء، وبعد النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم لانسخ إجماعاً(4) .

فدلّ الدليل أنّ المُحرَّم لها بطريق الاجتهاد مُبتدع ؛ لأنّ الاجتهاد في مقابل النصّ لا يجوز إجماعاً.

وروى شعبة عن الحكم بن عُيينة - من أكابر العامّة - قال : سألته عن هذه الآية «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ» إلى آخرها(5) ، منسوخةٌ هي ؟ قال : لا.

قال الحكم: قال عليّ بن أبي طالب : لولا أنّ عُمر نهى عن المتعة ما زني إلّا شقي(6).

ص: 229


1- المصنّف لابن أبي شيبة الكوفي :3 390 ح 3 ، مسند أبي يعلى 2 : 238 ح 2 ، السنن الكبرى 203 :7
2- انظر جامع البيان للطبري 5 : 18 ، تفسير الرازي 10 : 51 .
3- صحيح مسلم 4 : 131 .
4- انظر المستصفى للغزالي : 1
5- النساء : 24 .
6- مجمع البيان 3 : 61 ، شرح اللمعة 5 : 283 ، زبدة البيان : 515 .

فانظر إلى قول عليّ علیه السلام الذي رواه الحكم ، كيف يُكذِّب من قال: إنّ عليّاً روى عن النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم أنّه نهى عن المتعة.

وفي صحيح الترمذي، أنّ رجلاً من أهل الشام سأل ابن عمر عن متعة النساء، فقال : هي حلالٌ. فقال : إنّ أباك قد نهى عنها ؟!

فقال ابن عمر أرأيت إن كان أبي نهى عنها وسَنّها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أتترك السنّة وتتبع قول أبى(1)؟!

والذي يظهر أنّ عمر حرّمها اجتهاداً، لا بطريق الرواية، وفي ترك المتعة حرجٌ عظيمٌ على الأمّة ؛ فإنّ الرجل المتزوّج أربعاً لعقد دائم لا يجوز له أن يأخذ الخامسة إجماعاً حتّى يُطلّق أحد الأربع، فلو منعه مانع عُذرٍ عن طلاقهنّ لم يحل له غيرهنّ إلّا على مذهب الإماميّة أو يأخذها سفاحاً.

فإن قال قائل : لو لم تكن منسوخة لكان لها ميراثاً مفروضاً كالزوجة ؟

قلنا : إنّ المتعة مُلك منفعة كملك اليمين، وأيضاً إنّ الأحكام الشرعيّة لا تقاس، ومدّعي النسخ لا ينكر ثبوتها ، ومُدّعي النسخ عليه البيان، ومثل هذه الروايات المضطربة تنسخ الآية المصرّحة في القرآن بالنصّ الجليّ، ما هذا إلّا إفكٌ عظيمٌ.

ص: 230


1- سنن الترمذي 2 : 159 ح 823 وفيه : «التمتع بالعمرة إلى الحج» بدل من : «متعة النساء». ولعلك تقول : إنّ الحديث مرتبط بمتعة الحج، لا بمتعة النساء في سنن الترمذي فلا يحق للمصنف الاستناد إليه ، قلت : لعلّ المصنّف استند إلى نسخة عنده من سنن الترمذي كان فيها كذلك ، ولو سلّمنا أنّ في سنن الترمذي متعة الحج فيكفيك في مشروعية متعة النساء ما تقدّم من الأدلة . كما أننا نستفيد من هذا الخبر دليلاً على تغيير عمر لبعض مفردات التشريع الإسلامي، وأنّ ابنه أنكر ذلك بصراحة .

فإذا تأمّلت ظهر لك برهانٌ تستضيء به من شُبَه أهل الضلال(1).

ص: 231


1- أفرد بعض العلماء دراسات خاصة بالمسألة ، ذكر الطهراني في الذريعة 16 : 264 كتاب الفضة البيضاء في عقد أو أحكام متعة النساء للشيخ رفيع الكزازي ، وذكر أيضاً فيج 19 : 67 كتاب المتعتين لإبراهيم الثقفي المتوفى سنة 283 ولابن شاذان النيسابوري ، وللشيخ المفيد رسالة في المتعة مطبوعة ، وكتب المعاصرون في هذا الموضوع مثل السيّد علي الميلاني وجعفر مرتضى العاملي و ...

دليل ثبوت المسح

اشارة

ذهبت العامّة إلى تحريم المسح على القدمين (1)، وخالف منهم البعض وسنذكرهم - وجوّزته على الخفّين(2).

وذهبت الخاصّة إلى تحريم غسل الرجلين حال الوضوء (3)واستدلّت بالآية الشريفة، وإجماع أهل البيتعلیهم السلام، وبعض العامّة موافقٌ للإماميّة(4).

قال تعالى:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ»(5).

وقُرئ بفتح لام «أرجلكم» وبجرّها، ومُدّعي الجرّ بالمجاورة في هذا المقام لا له دليلٌ :

الأوّل: أنّه شاذٌّ، والشاذّ ليس بفصيح والقرآن فصيح. والثاني: أنّ الجرّ بالمجاورة لا يرد بالواو العاطفة ، كقولهم:«هذا جحر ضبٍّ خرب»(6).

ص: 232


1- سنن الترمذي 1 : 30 ح 41 ، صحيح ابن خزيمة 1 : 84، التمهيد 149:11
2- كتاب الأُمّ 1 : 50 ، المدوّنة الكبرى 1 : 39 ، الموطأ 1 : 35.
3- المبسوط للطوسي 1 : 22 ، النهاية : 15 ، السرائر 1 : 102 ، ذكرى الشيعة 2 : 152. 1 102
4- انظر مواهب الجليل 1 : 306 .
5- المائدة : 6.
6- والمراد أنّ كلمة (جحر)) مرفوعة على الخبرية ، وكلمة (ضب) مجرورة على الإضافة ، وكلمة خرب وإن كان محلّها الإعرابي الرفع لأنّها صفة ل- «جحر» إلّا أنّها صارت مجرورة للمجاورة . ويرد عليه : أنّ الكسر على المجاورة يجوز لأجل ضرورة الشعر أو حين حصول الأمن من الالتباس ، فإنّ «الخرب» لا يكون صفة لل- ضب» ، بل لل- «جحر » كما هو واضح .

و:«في بجاد مزمّل»(1).

وأيضاً الجرّ بالمجاورة إنّما يصحّ مع العلم بالمعنى، وهنا التباسٌ لورود قراءة النصب والالتباس مانعٌ؛ فعطف المغسول على المغسول والممسوح على الممسوح فصيحٌ ، وقراءة الجرّ صريحة في ذلك ، وقراءة النصب عطف على محلّ رؤوسكم.

وقيل : إنّ الواو واو المعيّة وما بعد واو المعيّة منصوبٌ لا محالة، وعطفه على الوجه ظاهرٌ قبحه في القرآن العزيز البليغ الفصيح.

واستدلّت العامّة بالنسخ في سورة المائدة، وردّ النسخ قول النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم : المائدة آخر القرآن نزولاً ، فأحلوا حلالها وحرّموا حرامها(2).

وفي النسخ دليلٌ أنّ الوجوب في الوضوء المسح عن المتوضّئين المفهوم من عموم «فاغسلوا».

وقالوا : إنّ المراد بمسح الرجلين الغسل القليل(3).

قلنا : لا شك أنّ الغسل القليل هو بالنسبة إلى الرأس مسحٌ حقيقي ، فهو لفظ

ص: 233


1- الكلمات وردت ضمن بیت شعر لامرئ القيس بن حجر : كأنّ أبانا في أفانين ودقه *** كبير أناس في بجاد مزمل وفي رواية أُخرى : كأنّ ثبيراً فى عرانين وبله *** كبير أُناس في بجاد مزمل وهنا كلمة ( كبير ) مرفوعة خبر «كان» ، وكلمة «مزمل » صفة لكلمة «كبير» فحقها الرفع ، لكنّها جرّت للمجاورة .
2- زبدة البيان : 15 ، التفسير الصافي 2 : 13.
3- حكاه المقدّس الأردبيلي في كتاب زبدة البيان : 16

واحد أُطلق فى إطلاق واحدٍ على المعنى الحقيقي في الرجلين، كما فهمه بعض الصحابة وبعض التابعين.

فدلّ الدليل أنّ مثبت المسح للرجلين موافقٌ للكتاب والكتاب والعترة حجّة اللّه ، والمنفي له مخالفٌ للكتاب والعترة لقوله صلی الله علیه و آله و سلم: إنّي تاركٌ فيكم الثقلين ؛ كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي(1).

فالحمد للّه على كلّ حالٍ، إنّ الإماميّة تمسّكت في ذلك بالكتاب والعترة، فدلّ الدليل على ثبوت المسح في الرّجلين والرأس، وحُرمة الغسل فيهما(2).

ص: 234


1- بصائر الدرجات : 433 ح 3 ، قرب الإسناد : 7 ، الكافي 1 : 294 ح 3 .
2- و من أراد المزيد فعليه بمراجعة كتاب المسح على الرجلين للشيخ المفيد المتوفى سنة 413 هجرية ، والقول المبين في وجوب مسح الرجلين للكراجكي المتوفى سنة 449 هجرية ، وكتاب المسح في وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لمحمّد حسن الآمدي، وكتاب وضوء النبي صلی الله علیه و آله و سلم للسيّد علي الشهرستاني، وكتاب المسح على الرجلين للسيّد على الميلاني المعاصرين.

دليل الرجعة

ذهبت العامّة إلى إنكار الرجعة في آخر الزمان . وقالت الإماميّة بها، ورووها عن الأئمة علیم السلام(1). والإقرار بالرجعة عقلاً غير مضرّ بالدين أو مخلّ به، لأنّه ممكن الوجود عقلاً ، فإذا ورد عن أهل العصمة فإنكاره ردّ على اللّه ورسوله صلی الله علیه و آله و سلم، وإنكار العامّة لها لعدم النصّ عندهم، ولا يلزم من عدم اطّلاعهم عدم اطلاع غيرهم ؛ فهذا سرٌّ من أسرار آل محمّد صلی الله علیه و آله و سلم ، فإنّ اللّه خصّهم بعلومٍ لم تكن لغيرهم، ولو لم يكن كذلك فما فائدة ترجيحهم على غيرهم، وميدان الاطّلاع وسيعٌ صالحٌ لكلّ أحدٍ، وحصره على البعض يحتاج إلى دليل ، وشهد القرآن لهم بذلك والسنّة، حتّى أنّ الإقرار بالمتعة والرجعة أصلٌ من أُصول الدين عندهم.

واستدلّوا بقول النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: يكون في أُمّتي ما كان في الأُمم السابقة حذو النعل بالنعل، والقذّة بالقذّة(2).

والرجعة كانت في الأُمم السابقة فتكون في أُمّة محمّد صلی الله علیه و آله و سلم، والرجعة صارت لأيوب النبيّ قال تعالى:«وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَعَهُمْ» (3).

ولقوم موسى لمّا أخذتهم الصاعقة أحياهم اللّه تعالى وردّهم(4).

ص: 235


1- للحرّ العاملي صاحب وسائل الشيعة المتوفى سنة 1104 هجرية كتاب جمع فيه أحاديث الرجعة أسماه الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة .
2- معاني الأخبار : 33 ، عيون أخبار الرضا علیه السلام 1 : 218 ح 1 ، بحار الأنوار 25 : 135ح 6 .
3- سورة ص : 43 .
4- الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة : 82 و 97 و 127 و 142.

وقال تعالى في سورة الروم: «اللَّهُ يَبْدَوُا الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»(1).

«وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ»(2).

وقال تعالى:«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»(3).

وقول الشيطان الذي حكاه الله تعالى دالٌّ على الرجعة ، قال :«قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ»(4) والوقت المعلوم هو يوم الرجعة، فإنّ الخاصة روت أن النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم يقتله في يوم الرجعة(5).

وقول أمير المؤمنين علیه السلام في خطبته : أنا دابّة الأرض ، أنا صاحب الميسم(6).

وسأله رجلّ عن معنى هذه الآية - وكان يأكل خلّاً وزيتاً وخُبزاً - وهي : «وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةَ مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ»(7)؟ فقال : دابَّةٌ تأكل خلّاً وخُبزاً وزيتاً (8)؛ يعنى نفسه الشريفة.

وفي الزيارة الجامعة التي رواها صاحب الفقيه صرّح بذكر الرجعة بقوله :

ص: 236


1- الروم : 11 . 1
2- الأنبياء : 105 .
3- النور : 55 .
4- الحجر : 36 - 38 ، و سورة ص : 79-81.
5- ورد ذلك في كتاب الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة : 333 باب أمير المؤمنين لا يقاتل إبليس وجيشه .
6- مناقب آل أبي طالب 297:2 ، بحار الأنوار 53 : 48 ح 20.
7- النمل : 82 .
8- مختصر بصائر الدرجات : 208 ، مدينة المعاجز 3 : 94 754 ، بحار الأنوار 244:39ح 32.

اجعلني مِمَّنْ يَكِرُّ في رجعتِهِمْ ، ويُمَلكُ في دَوْلَتِهِمْ، وَتَقِرُّ عَيْنُهُ غَداً بِرُؤْيَتِهِمْ»(1).

وقال اللّه تعالى حاكياً عن عُزَير وعزرة «أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ : عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَىٰ طَعَامَكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ تُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرُ»(2).

وهذه الآية دالّة بالتصريح على الرجعة وأنّها آية من آيات اللّه تعالى، وبموجب الحديث السابق:« يكون في أُمتي ما كان في الأمم السابقة» (3)أنها كائنةٌ،ولا هو كثيرٌ على محمّدٍ وآل محمّد أنّ اللّه يمكّنهم في الأرض ويُورثهم مُلكه ؛ فمن أنكر هذا فقد ردّ قوله تعالى:«إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرُ»(4).

ص: 237


1- متن الزيارة وشرحها في كتاب الأنوار اللامعة في شرح زيارة الجامعة للسيد عبد الله شبر ، عيون أخبار الرضا علیه السلام 2 : 272 ، وعنه في بحار الأنوار 102: 127ح 4 .
2- البقرة : 259.
3- معاني الأخبار : 33 ، عيون أخبار الرضا علی السلام 1 : 218 ح 1 ، بحار الأنوار 25: 135ح 6 .
4- كتب جماعة من علمائنا الأبرار حول موضوع الرجعة ، منهم : العلامة المجلسي المتوفى سنة 1111 هجرية ، ومنهم المحقق الخوانساري المتوفى سنة 1125 هجرية ، ومنهم الشيخ حسن بن سليمان الحلّي، ومنهم حسن بن عبد الرزاق اللاهيجي القمي ، ومنهم العلّامة الحلّي ، ومنهم المحقق الكركي . وقد أشار إلى ذلك كله العلّامة الطهراني في كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة 437/9:1 وما بعدها .

دليل الخطأ في منع الزهراء عليها السلام

اعلم أنّ العامّة رووا أنّ حديث منع الميراث لآل النبيّ عن عائشة وحفصة ومالك بن أوس النضري (1).

أقول : قبل شهادتهم أبو بكرٍ، فصدّق ابنته، وكذّب ابنة رسول اللّه ، وقبل شهادة مالك وردّ شهادة على علیه السلام علوّ مقامه وزهده؛ فتدبّر هذا الفعل الذي هو عين المنكر لمن سلك الإنصاف . ولنشرع فيما روته ثقاتهم : نقل صاحب كتاب مقصد الأقصى، وصاحب أخبار الأوائل أبو هلال العسكري ، وصاحب معجم البُلدان (2)وغيرهم من رجال العامّة.

وفي مقصد الأقصى المذكور، ذكر أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أرسل أمير المؤمنين علیه السلام إلى

صلح فدك مع يوشع الخيبريّ، ففعل ذلك، وهي خاصّةٌ برسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم ، لأنه لم يوجف عليها بخيلٍ ولا ركاب (3)، ثمّ قال : نزل جبرئيل لیه السلام بهذه الآية:«وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ»(4). قال : ومن ذا القربي ؟ قال : فاطمة، فانحلها فدك بأمرٍ من اللّه رسوله، وكتب لها وثيقة، فلمّا نازعها أبو بكر جاءته بالوثيقة وقالت : هذا كتاب الله رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم بیده، ففعل الرجل ما فعل(5)

ص: 238


1- مسند أحمد بن حنبل 6 : 262 حديث عائشة ، صحيح مسلم 5 : 152 باب حكم الفي، سنن صَلَّى اللَّهُ الترمذي :3 : 82 باب ما جاء في تركة النبي صلی الله علیه و آله و سلم .
2- معجم البلدان 4 : 238(فدك)
3- الوجيف : ضرب من سير الإبل والخيل ، وعن الأزهري أنّ الوجيف يصلح للبعير والفرس والمراد بالركاب الإبل (لسان العرب )3529
4- الإسراء : 26 .
5- ذكر المرحوم المعاصر أحمد الميانجي في كتاب مكاتيب الرسول صلی الله علیه و آله و سلم 1 : 291 / 60 وج 2 : 64 صلى الله عليه وسلم بعض الروايات الواردة في كتابة النبي الأكرم صلی الله علیه و آله و سلم لصحيفة فدك لابنته فاطمة علیها السلام . وانظر مجمع الزوائد 7: 49 ، مسند أبي يعلى الموصلى 1075/3342

أقول : لا يجب على فاطمة بالشرع إلّا اليمين لأنّها مُنكرة، والغاصب مدّعي، وقد قال صلی الله علیه و آله و سلم : البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر(1)وهي عندنا صادقة لعصمتها . وإن كان ميراثاً فلا حاجة للشهود ، فإنّ الوارث لا يفتقر إلى شاهدٍ إلّا إذا طعن في نسبه، وإن ادّعت النحلة احتاجت للبيّنة.

ومن صحيح البخاري في مناقب فاطمة علیها السلام، عن ابن مخرمة قال : فاطمة بضعةً منّي ؛ فمن أغضبها فقد أغضبني(2).

ومن صحيح البخاري في باب فرض الخمس عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أخبرته أنّ فاطمة بنت رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم سألت أبا بكر بعد وفاة أبيها أن يقسّم لها ميراثها ممّا أفاء اللّه عليه، فقال أبو بكر: لا نورث ما تركناه يكون صدقة ، فغضبت فاطمة، فهجرته حتّى توفّيت(3).

وعاشت بعد أبيها ستّة أشهر على رواية الزهري وعايشة وعروة بن الزبير(4) نقل من كتاب الذريّة الطاهرة للدولابي (5)، وقيل : ثلاثة أشهر(6).

ص: 239


1- الكافي 7: 15 4 ج 1 ، من لا يحضره الفقيه 3 32 3267 ، وسائل الشيعة 18: 443 ح 2 .
2- صحيح البخاري 4 : 219 باب مناقب فاطمة علیها السلام
3- صحيح البخاري 4 : 42 باب فرض الخمس
4- صحيح البخاري 4 : 42 باب فرض الخمس
5- هو محمد بن أحمد الأنصاري الدولابي، أبو بشير المتوفّى سنة 310 هجرية ، كما في كشف الظنون ،1 : 827 ، وفي معجم المؤلفين 8: 255 الوراق الرازي ، محدّث ، حافظ ، سمع الحديث بالشام والعراق ، له كتاب الكنى والأسماء .
6- الطبقات الكبرى 288

وعن الباقر لیه السلام: تسعين ليلة في سنة أحد عشر.

قالت(1): وكانت فاطمة تسأل أبا بكرٍ [نصيبها] ممّا ترك [رسول اللّه صلى الله عليه وسلم] من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة ، فأبيا أبو بكر وعمر ومنعها (2)خيبر وفدك ، وصدقة المدينة دفعها لعليّ والعبّاس(3)، فانتزعها عليّ من العبّاس على رواية عروة التي نقلها الحميدي في الصحيحين(4).

أقول : انتزاع عليّ علیه السلام من العبّاس شاهدٌ لمذهب الإماميّة أنّ العم لا يرث مع البنت، وأمّا ردّ صدقة المدينة دون غيرها فعين الخطأ، لأنّه ترجيح بلا مرجّح، لأنّ الكلّ ميراث، ورووا أوّل من ردّ فدك عُمر بن عبد العزيز الأمويّ (5)، وردّها، بغلاتها، وردّ على بني هاشم سهام الخمس، وسلّم ذلك إلى الباقر وعبد اللّه بن الحسن، وردّ كلّ شيء منعته الهواشم الخلفاء الثلاثة، ومن سار بسيرتهم، كمعاوية ويزيد وعبد الملك ، وقال لأهل الشام وبني أُميّة : قد صحّ عندنا أنّ فاطمة لم تكذب في دعواها وهي عندي صادقة، ولو لم تأتي بالشهود، أتقرّب بردّ ما هو لها إلى اللّه ورسوله (6). وهذا دليل على خطأ الأوّل

ص: 240


1- أي عائشة.
2- في المخطوط : (منع) بدل من : ( ومنعها )
3- صحيح البخاري 4 : 42.
4- انظر مسند أحمد بن حنبل 6:1 مسند أبي بكر ، صحيح مسلم 5 : 155 باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : لا نورث ، السنن الكبرى 6 : 301 باب بیان مصرف أربعة أخماس الفيء .
5- شرح نهج البلاغة 16 : 277 الفصل الثالث في أنّ فدك هل صح كونها نحلة ، نهج الحق : 357، إحقاق الحق : 297
6- كشف الغمّة 2 : 117 قصّة فدك ، بحار الأنوار 29 : 209 ، السقيفة وفدك للجوهري : 148

وبعده ردّها أبو العبّاس السفّاح(1)، وبعده ردّها المهديّ بن المنصور(2)، وبعده المأمون بعد أن جمع القضاة والعلماء وخطّوا أبا بكرٍ على كلّ مذهبٍ، وأمر أرباب التواريخ أن يكتبوا هذه الواقعة (3). ونقل شارح المقاصد أنّه جمع ألف عالم على أنّهم يتكلّمون بالإنصاف، فخطّوا أبا بكرٍ، وأمر المأمون أن تقرأ هذه الواقعة في موسم الحجّ على رؤوس الأشهاد ليتّضح خطأ الأوّل(4).

وممّا يدلّ على خطائه أنّ أمير المؤمنين علیه السلام جاء إلى أبي بكر، وهو في المسجد النبوي وحوله المهاجرون والأنصار، فقال : يا أبا بكر لم منعت فاطمة إرثها من ،أبيها، وقد ملّكها في حياته؟

فقال : هذا فيء للمسلمين إن أقامت شهوداً أنّه لها قبلنا، وإلاّ فلا حقّ لها!

فقال: أتحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين ؟

قال : لا .

قال أمير المؤمنين : فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه فادّعيت أنا فيه، مَن تسأل البيّنة ؟

فقال : إيّاك .

قال : فما بالك سألت فاطمة البيّنة على ما في يدها ، وقد ملكته في حياته وبعده؟

فسكت أبو بكر ولم يردّ جواباً.

ص: 241


1- هو أوّل حكام بني العباس ، وهو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس.
2- أحد حكام بني العباس ، حكم من سنة 158 ه- إلى سنة 169 هجرية ، وكان صاحب جواري وغناء وشرب .
3- شرح نهج البلاغة 217:16 ، معجم البلدان 4 : 239 باب الفاء والدال .
4- شرح المقاصد 5 : 279

فقال عمر: دعنا من كلامك (1)!

وأنكرت الناس عليه ذلك.

وخطؤه في الوصيّة بالخلافة إلى خليله ظاهر ، وقد رووا أنّ الرسول صلی الله علیه و آله و سلم لم يُوص بالخلافة (2)، فكيف لا يقتدي بالنبيّ صلی الله علیه و آله و سلم إن كان ترك الوصيّة رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم ؟ وقد قال تعالى : «كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ * فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(3)، وهذه الآية غير منسوخة.

والوصيّة فرض على المتّقين بدليل قوله :«كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ» (4)،«إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً»(5)، وقال :«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ»(6) فكيف يجوز ترك هذا الفعل؛ أن يكون النبيّ صلى الله عليه وسلم ترك أمته ولم يُوص فيهم، ولم ينصب لهم الخليفة؛ وقد قال تعالى : «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفُ

ص: 242


1- تفسير القمي 2 : 156 ، علل الشرايع 1 : 191 ح 1 ، بحار الأنوار 29 : 124ح 26 .
2- في سنن الدارمي 403:2 في باب من لم يوص ، عن طلحة بن مصرف ، قال : سألت عبد الله بن أبي أوفى أوصى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ؟ قال : لا ، قلت : فكيف كتب على الناس الوصية أو أمروا بالوصيّة ؟ فقال : أوصى بكتاب الله ، ومثله في سنن الترمذي 3 : 292 2202 ، وانظر الطرائف في 2:3 معرفة مذاهب الطوائف : 393.
3- البقرة : 180 - 181 .
4- البقرة : 178 .
5- النساء : 103.
6- البقرة : 183.

رَحِيمُ» (1)ويكون غيره أرأف منه في الأُمّة وأرحم ؟ وترك الوصيّة في الأمة غير جائز عقلاً وشرعاً، وكيف يرجّح عاقل رأيه على رأي رسول اللّه ولم يقتد بسنّة

رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ؟ وهذا ظاهر على بطلان ممّا ادّعوه.

وروي أنّ عائشة وحفصة ومالك بن أوس النضري هم الذين شهدوا أنّ النبيّ قال : نحن معاشر الأنبياء لا نورّث (2)، وعائشة طلبت عثمان ما كان يعطيها أبوها وعمر ، فأبى ، فقالت له : يا نعثل يا عدوّ اللّه، إنّما سمّاك النبيّ نعثلاً باسم يهوديّ باليمن، وكانت تقول : اقتلوا نعثلاً لقد أبلى سنّة رسول اللّه (3). ثمّ طالبت عليّاً بدمه بعد قتله، فقيل لها في ذلك ، فقالت : تاب وقُتِل مظلوماً(4).

ص: 243


1- التوبة : 128.
2- الإيضاح : 260 ، المستصفى : 229 ، المحصول ،86:3 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16 : 224 و 227 ، المواقف للايجى 598:3 .
3- الإيضاح : 260 ، بحار الأنوار 31: 297ح 7 .
4- ومن شاء مزيد الإطلاع على قضيّة فدك لا بأس عليه بمراجعة كتاب فدك فى التاريخ للسيّد الشهيد محمد باقر الصدر ، وكتاب السقيفة وفدك للجوهري، وكتاب أحاديث فدك في مصادر الفريقين لمحمد حياة الأنصاري ، هذا وقد جمع العلّامة الطهراني المؤلّفات في فدك في الذريعة إلى تصانيف الشيعة 269/129:16 وما بعدها ، فراجع .

دليل الخطأ في الشورى

نقل صاحب الاحتجاج ؛ أنّ أبا بكر قال في يوم المبايعة وأمير المؤمنين يُذكّر الأُمّة بما قاله النبيّ صلى الله عليه وسلم في حقّه ، فقال أبو بكر : كلّ ما قلتَ سمعناه بآذاننا، ووعته قلوبنا، ولكن سمعتُ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول : إنا أهل بيت اصطفانا اللّه وأكرمنا، واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإنّ اللّه لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوّة والخلافة.

فقال عليّ علیه السلام : أما أحدٌ سمع هذا من أصحاب رسول اللّه معك ؟

قال عمر : صدق، قد سمعنا هذا كما قال، وقال أبو عبيدة (1)كذلك ، وسالم مولى [أبى ] حذيفة (2)كذلك ، ومعاذ بن جبل(3).(4)

ودليل بطلان ذلك وصيّة عمر في الشورى، أن صيّرها شورى بين ستّةٍ ، وقال : إن خالف الاثنان الأربعة فاقتلوا الاثنين، وإن خالف الثلاثة الثلاثة فاقتلوا الثلاثة

الذين ليس فيهم عبد الرحمن بن عوف(5).

ص: 244


1- في تاريخ الإسلام للذهبي 3 : 171 هو : أبو عبيدة عامر بن الجراح الفهري القرشي، أحد الرجلين اللذين عينهما أبو بكر للخلافة . توفي سنة ثماني عشرة ، وعمره ثمان وخمسون سنة .
2- في مشاهر علماء الأمصار لابن حبّان : 101/45 سالم مولى أبي حذيفة ، وهو سالم بن معقل كان مولى لامرأة من الأنصار يقال لها : ليلى بنت يعار ، وكان يلزم أبا حذيفة بن عتبة ، فعرف به ، قتل يوم اليمامة سنة اثنتي عشرة في خلافة أبي بكر .
3- هو معاذ بن جبل بن عمرو الأنصاري ، أبو عبد الرحمن ، مات بالطاعون في الأردن سنة ثماني عشرة ، وله ثلاث وثلاثون سنة ، وكان قد شهد بدراً والعقبة ( مشاهير علماء الأمصار : 84 لابن حبّان)
4- الاحتجاج 1 : 110 ، وعنه في بحار الأنوار 28 : 274.
5- الاحتجاج 2 :153 ، بحار الأنوار 31: 8353.

وكان خطؤه أوّلاً في قتل أهل بيعة الرضوان (1)الذين روت العامّة أنّهم من أهل الجنّة (2)، فكيف يجوز الاجتهاد في قتل أهل الجنّة المؤمنين ؟ وقد قال تعالى : «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ» (3)، ولا يجوز اجتهاد عليّ في قتل أهل البدع الذين خرجوا عليه.

وخطؤه ثانياً أنّه أدخل أمير المؤمنين فى الشورى للخلافة، وهو قد صدّق الأوّل أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : لا يجمع اللّه لنا النبوّة والخلافة كما ذكرنا الحديث ؛ فإن كان صادقاً فكيف يُدخل أمير المؤمنين فى الخلافة ؟ والرسول قد أخرجه منها، فإن اجتهد فالاجتهاد لا يجوز في مقابل النصّ إجماعاً ، وإن كان أمير المؤمنين له

الخلافة فالحديث غير صحيح.

وأيضاً : إنّهما ادّعيا أنّ الإمامة في قريش(4)، وعلي وبنو هاشم من قريش، وإن خُصّ أهل بيته فقد صحّ أنّ أهل البيت غيرهما ؛ فهذه الأحاديث التي أوردناها خاصة بأهل البيت، ولهذا قال ابن عبّاس لمعاوية في جوابٍ له حذفناه للاختصار:

ص: 245


1- وهى بيعة المسلمين للنبىّ صلی الله علیه و آله و سلم تحت الشجرة ، وأوّل من بايع الرسول صلى الله عليه وسلم أمير المؤمنين على علی السلام ثمّ أبو سنان عبد الله بن وهب الأسدي ثمّ سلمان ، وحكم البيعة قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ الا اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقَّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ، التوبة : 111 . (انظر مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 303:1). 3:1
2- شرح مسلم 16 : 58 ، شرح المقاصد 2 : 302
3- النساء : 93
4- المعيار والموازنة للإسكافي : 38 بدء بيعة أبي بكر ، تفسير القرطبي 1: 141 الباب الرابع فيما تضمنته الفاتحة من المعاني، وانظر دعائم الإسلام 1 : 90 ، شرح الأخبار 2 : 229 - 545 ، بحار الأنوار 307:28 50

أما قولك:«لا تجتمع لنا النبوّة والخلافة» فأين أنت من قوله تعالى:«فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُلْكاً عَظِيماً»(1) والملك الخلافة، ونحن آل إبراهيم(2).

ولهذا أنكر عليهم أمير المؤمنين علی السلام لمّا أن سأله طلحة بعد سؤالٍ طويل ، فقال له : واللّه لئن كان أُولئك الخمسة أو الأربعة - يشير إلى الأربعة الذين صدّقوا أبا بكرٍ

في الحديث المذكور، والخمسة المراد بهم أهل الشورى(3)- لأنّ إدخالكم إيّاي ردّ على اللّه ورسوله وانجرّ الكلام مع طلحة حذفناه للاختصار، حتّى قال أمير المؤمنين علیه السلام : أما سلّموا علَيّ بإمرة المؤمنين بأمرٍ من اللّه ورسوله يوم الغدير، وذلك بعد الولاية، والولاية غير الإمارة، والدليل على كذبهم أنّا معاشر الشورى أحياء ، فإن جعلني عمر في الشورى، وكان مراده الخلافة، فقد كذب على اللّه ورسوله أبوبكر، حيث أخرج الخلافة منّا أهل البيت، وإن كانت إمارة فليس لعثمان وغيره إمارة، لاعترافهم لي بالولاية والإمارة(4).

وقد جمع السعيد رضي الدين عليّ بن موسى بن طاووس كتاباً سمّاه كتاب اليقين في اختصاص على بإمرة المؤمنين (5)، نقله ممّا ينيف على ثلاثمائة طريق،

ص: 246


1- النساء : 54
2- الأمالي للمفيد : 16ح 4 ، الملاحم والفتن : 239 - 345 ، بحار الأنوار 33: 256ح 529 .
3- أهل الشورى سنّة وهم : عثمان بن عفان ، وطلحة والزبير، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص وعلي بن أبي طالب علیه السلام.
4- كتاب سليم بن قيس : 205 ح 3 ، الاحتجاج 218:1 ، بحار الأنوار 416:31ح 1.
5- الكتاب مطبوع ، نشر مؤسسة دار الكتاب الجزائري.

ونسب كلّ حديث إلى من أورده من علماء الجمهور، ونقله [عن ] ابن مردويه والخوارزميّ. فدلّ الدليل على الخطأ في الشورى.

وأيضاً : إنّ الوصيّة كانت خطأ، لأنّ الرسول صلی الله علیه و آله و سلم رووا أنّه ترك الوصيّة، وجعل أمر الأمّة إلى الأمّة تختار من تريده (1). فكيف لا يقتدي بالنبيّ صلى الله عليه وسلم إن كان صادقاً والصحابة أحياءٌ لم يمت منهم أحد؟

أقول : هؤلاء العُمْي كيف يقبلوا قول الأوّل والثاني : أنّ اللّه لا يجمع النبوّه والخلافة لأهل البيت، مع اعترافهم بخلافة أمير المؤمنين علیه السلام؟ ثمّ إمّا أن يعترفوا أنّ عليّاً ليس بخليفةٍ، وإنّه طلب ما ليس له، فيلزم إمّا كذب الحديث وإنّ عليّاً وبني العبّاس وبني هاشم ليست لهم خلافة ، فدلّ الدليل على الخطأ العظيم وبُطلان ما ادّعوه، وبطلان خلافة عثمان ظاهرٌ لأنّه فرعهما ؛ فإذا انتفى الأصل انتفى الفرع، وقصّة قتله مشهورة كالنهار لا تحتاج إلى دليل.

فإذا اتّضح لك أيّها البصير ذلك حصل لك برهانٌ تستضيء به من شُبَه أهل الضلال، وهذه رواية ذكرها ابن أبي الحديد، وصاحب تاريخ بغداد، وسندهما عن ابن عبّاس، مضمونها، قال عمر : يابن عبّاس، تحدّث نفس عليّ بالخلافة أنّ النبيّ جعلها له ؟

قال : نعم وأزيدك ، سألت أبي فيما يدّعيه فقال: صدق عليّ.

فقال عمر : أراد النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أن يصرّح باسمه عند موته فمنعتُ(2).

ص: 247


1- انظر الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : 393 .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12 : 21

أقول : يشير إلى منع الكتاب الذي أراد النبيّ أن يكتبه، فمنعه عمر، وقال: حسبنا كتاب اللّه ، إنّ النبىّ ليهجر ! فقال ابن عبّاس : الرزيّة كلّ الرزيّة منع الكتاب(1).

ص: 248


1- صحيح البخاري 5 : 138 باب مرض النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وج 7 : 9 كتاب المرضى والطب وج 8: 161 باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلم لا تسألوا أهل الكتاب ، صحيح مسلم 5 : 76 باب ترك الوصية ، السنن الكبرى للنسائي 3: 433ح 5852 كتابة العلم وج 4 : 360 باب تمني المريض الموت .

دليل الخطأ في حرب القاسطين لعليّ علیه السلام

وهم أهل صفّين، والناكثين وهم أهل الجمل، والمارقين وهم أهل النهروان .

عن الأصبغ بن نباتة قال : كنت واقفاً مع أمير المؤمنين علی السلام يوم الجمل، فجاءه رجلٌ حتّى وقف بين يديه ، فقال : يا أمير المؤمنين، كبَّر القوم وكبّرنا ، وهلّل القوم وهلّلنا، وصلّى القوم وصلّينا ؛ فعلى ما نقاتلهم ؟

فقال لیه السلام: بهذه الآية:«وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَن آمَنَ وَمِنْهُم مَن كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ» (1)؛ فنحن الذين آمنّا، وهم الذين كفروا.

فقال الرجل: كفر القوم وربّ الكعبة، ثمّ حمل فقاتل حتى قُتِل(2).

وانعقد الإجماع أنّ الخطأ من أهل الجمل والنهروان وصفّين، وأمير المؤمنين علیه السلام على الحقّ، وهذا كافٍ لمن تمسّك به وأولاده ومذهبه ولم تتمسّك به إلّا الإماميّة .

وقُتل في صفّين من جماعة على علیه السلام عمّار بن ياسر (3)وخزيمة بن ثابت

ص: 249


1- البقرة : 253.
2- تفسير العياشي 1 :136 ، الاحتجاج 248:1 ، بحار الأنوار 451:29ح 40
3- عمار بن ياسر من مسلمي الصدر الأول ، ومن الثابتين على ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام.

ذوالشهادتین(1) واُویس القرنی(2).

قال الشافعيّ : أخذ المسلمون السيرة في قتال المشركين من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وأخذوا السيرة في قتال البغاة من علىّ علیه السلام(3).

وما نقله البغويّ من العامة في كتابه شرح السنة ، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم يقول : إنّ منكم مَن يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، وأشار إلى علىٌّ علیه السلام(4). اختصرنا الحديث .

فإذا جاز الاجتهاد به في قتل أهل الشورى وقتل عثمان وغيرهم من الصحابة، والقتل أعظم من السبّ، لأنّة دعاءٌ إن شاء اللّه قبله وإن شاء ردّه، والقتل كبيرةٌ يجب على اللّه العدل فيها ؛ فدلّ الدليل أنّ المحارب لأمير المؤمنين علیهلاسلام المحاربٌ للّه ورسوله يدلّ على ذلك ما رواه أبو المؤيّد الخوارزمي في مناقبه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : من فارق عليّاً فارقني ، ومن فارقني فارق اللّه(5).

ص: 250


1- خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين من السابقين الذين رجعوا إلى علي بن أبي طالب علیه السلام، وفيه أحاديث ناطقة بكمال إيمانه ، قيل : لما قتل عمّار دخل خزيمة فسطاطه و طرح عنه سلاحه ثمّ شنّ عليه الماء ، ثمّ قاتل حتى قتل .
2- أويس القرني من أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام خير التابعين ، ففي الخبر عن ابن أبي ليلى عبد الرحمن قال : خرج رجل بصفين من أهل الشام ، فقال : فيكم أويس القرني ؟ قلنا : نعم . قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول : خير التابعين ، أو من خير التابعين أويس القرني، ثمّ تحوّل إلينا ( معجم رجال الحديث 1581/154:4)
3- مطالب السؤول في مناقب آل الرسول :138.
4- انظر مسند أحمد بن حنبل 3 : 31 ، 33 و 82 ، السنن الكبرى للنسائي 5 : 154ح 8541 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 207:3
5- المناقب للخوارزمي : 105 109

ومنه عن أبي أيّوب الأنصاري، قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : يا عمّار بن ياسر، تقتلك الفئة الباغية ، أنت مع الحقّ والحقّ معك.

يا عمّار، إذا رأيت عليّاً سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع عليّ ودع الناس، إنّه لن يُدليك في ردى ، ولن يُخرجك من الهدى .

يا عمّار، إنّه من تقلد سيفاً أعان به عليّاً على عدوّه قلّده اللّه يوم القيامة وشاحاً من دُرّة، ومن تقلّد سيفاً أعان به عدوّ عليّ قلّده اللّه يوم القيامة وشاحاً من نارٍ (1).

ص: 251


1- المناقب للخوارزمي : 105ح 110 .

دليل الخطأ في الدفن والتهجم في بيوت الأنبياء من غير إذنٍ

دليلنا قوله تعالى:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيَّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ»(1).

وقال تعالى:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا»(2).

وقال تعالى:«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مهينا»(3).

وحُرمة النبيّ في الحياة والمماة مفروضة ، فَدَفْنُ الرجلين تجرّي على اللّه ورسوله، فإن كان بوصيّةٍ من الرسول يحتاج إلى دليل وإثبات، وإن كان تجرّي على الرسول فهذا فعل الطغاة، فإن كان المكان لرسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم فقد ظلما بدفنهما، وإن كان ميراثاً فلِمَ حُرمت فاطمة وحلّ لغيرها؟

وإن كان البيت لعائشة فدفنهما بعد رسول الله قلّة أدبٍ وتجرّي، وإن كان صدقة للمسلمين بدليل قولهم أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم قال :«نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة»(4)، فكذلك لكلّ واحدٍ من المسلمين سهم، والذي يخصّهما دون ذلك، والرضى يحتاج إلى دليل.

ص: 252


1- الأحزاب : 53.
2- النور : 27 .
3- الأحزاب : 57
4- التمهيد لابن عبد البر 8: 175 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 229:16 ، المواقف للإيجي 598:3

وقوله صلی الله علیه و آله و سلم :«ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة» (1)يدلّ أنّ البيت له خاصّة، لأنّه موضع قبره الشريف، وإلّا لزم عدم الصدق، وقول اللّه يُصدِّق ذلك :بقوله:«بُيُوتَ النَّبِيَّ » (2) وقوله صلی الله علیه و آله و سلم : بيوت الأنبياء قبورها(3)، ومنع الصحابة من الا المبيت في المسجد إلّا عليّ وأهل بيته، وسدّ الأبواب إلّا باب علىّ (4)، دالّ على أنّه لا يحلّ لغيرهم ذلك.

فدلّ الدليل أنّ دفنهما من غير إذن الرسول ظلماً وعدواناً.

ص: 253


1- من لا يحضره الفقيه 2 : 68 5ح 3158 ، معاني الأخبار : 267 ح 1 ، وسائل الشيعة 14 : 345 ح 1.
2- الأحزاب : 53 .
3- في مسند أحمد بن حنبل 1 : 7 عن أبي بكر ، عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أنّه قال : لن يقبر نبي إلّا حيث يموت ، فأخروا فراشه وحفر واله . ومثله في المصنّف لعبد الرزاق 3: 516ح 6534 ، والجامع الصغير للسيوطي 2 : 420 ح 7364.
4- في مسند أحمد بن حنبل 2 : 26 عن ابن عمر أنه قال ... ولقد أُوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال ، لأن تكون لي واحدة أحب إلي من حمر النعم ، زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته، وولدت له ، وسدّ الأبواب إلّا بابه في المسجد ، وأعطاه الراية يوم خيبر . ومثله في مجمع الزوائد 120:9 ، وفتح الباري 7 : 12 ، والمصنّف لابن أبي شيبة الكوفي 7 : 500 36 .

دلیل نكث بیعة الرضوان لبعضً

دلیل نكث بیعة الرضوان(1) لبعضً

بالفرار من الزحف في يوم حنين وخيبر إلّا أمير المؤمنين علیه السلام هو الذي صدق مع ابن عمّه في المواطن كلّها، ولم ينقل أنّه فرّ من زحف بإجماع الأُمّة، وقد ورد في الخبر : ما جاء في القرآن من آية مدحٍ إلّا وعليّ سنامُها(2).

قال تعالى:«رِجَالُ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً»(3).

استدلّت العامّة على إيمان أهل بيعة الرضوان، وأنهم من أهل الجنّة بدليل الرِّضى، واستدلّت العامّة بقوله تعالى: «لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ» (4).(5).

وفي الخبر: إنّ الإيمان يفارق العبد خصوصاً صاحب الكبيرة(6).

ص: 254


1- وهي بيعة الحديبية، وفيها بايعوا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم على الموت، وإنما سميت بيعة لأنها عقدت على بيع أنفسهم بالجنّة ، للزومهم بالنصرة ، وكانت في السنة السادسة من الهجرة ( مجمع البيان 9 : .(188)
2- انظر تفسير العياشي 1 : 289 ح 7 و 2 : 352 91 ، تفسیر فرات الكوفي : 49ح 6 ، مناقب آل أبي طالب 1 : 290 .
3- الأحزاب : 22
4- الفتح : 18
5- تفسير الرازي 28 : 95
6- الكلام في صاحب الكبيرة ، وأنه مؤمن أو كافر أو منافق أو له منزلة بين المنزلتين مفصل في كتاب أبكار الأفكار في أصول الدين 5 : 25 وما بعدها ، وانظر إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين : 436 وما بعدها .

ويوم الشجرة يوم الحديبيّة، يوم صُدّ الرسول عن مكّة ، وكان سادس الهجرة، بايعوه على عدم الفرار من الزحف، وقد فرّوا يوم أحدٍ وخيبر، وتلت الحديبيّة غزوة خيبر، وقصّتهم مشهورة عند أهل التواريخ والسير والروايات، وغزوة خيبر سابع الهجرة.

قال تعالى: «وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً * قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً»(1). وكانت المبايعة تحت الشجرة هي أخذ العهد، وقد فرّوا يوم حنين بأجمعهم إلّا علي بن أبي طالب علیه السلام وكان يقول : إلى النار تفرّون (2).

وكانت واقعة حنين ثامن الهجرة بعد فتح مكّة.

قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَن أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً»(3)، ولم يوف بالعهد إلّا علىّ بن أبي طالب، فإفراد الضمير في الآية يصرّح لك بالمطلوب.

ونادى العبّاس الفارّين في يوم حنين بأمرٍ من النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم ذكرته أرباب التواريخ، فصاح العبّاس - وكان جهور الصوت - : يا معشر المهاجرين والأنصار ، يا أهل بيعة الشجرة، يا أصحاب سورة البقرة، إلى أين تفرّون، اذكروا العهد الذي عاهدتم عليه رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم، والقوم على وجوههم مدبرين، وكانت ليلة ظلماء

ص: 255


1- الأحزاب : 15 و 16
2- تفسير القمى 1 : 115
3- الفتح : 10

ورسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم في الوادي ، والمشركون قد أحدقوا به(1).

وقال المنافقون : بطل سحر محمدٍ.

قال تعالى:« وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الْأَرْضُ بِمَا رَحْبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُدْبِرِينَ»(2).

وثبت ذلك اليوم أمير المؤمنين لا غير.

قال تعالى:«رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً * لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً * وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيّاً عَزِيزاً» (3) .

وقال تعالى:«إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ»(3)«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوا أَخْبَارَكُمْ»(4).

فدلّ الدليل أن لا بيعة إلّا بالثبات والوفاء بالعهد، لا بالفرار والنكث، فإذا تحقّق ذلك فقد تبيّن لك برهانٌ تستضيء به من شُبَه أهل الضلال.

ص: 256


1- الإرشاد للمفيد 142:1 ، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 166:1 و 181 ، بحار الأنوار 21: 156ح 6 .
2- التوبة : 25 . (3) الأحزاب : 23 - 25
3- محمد الله صلی الله علیه و آله و سلم : 25
4- محمد الله صلی الله علیه و آله و سلم : 31

دليل المساءلة

ولئن تحاكمت الأُمّة مع ساداتهم، وأظهروا التظلّم إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الذي أرسله رحمة للعالمين، وكان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً، ليت شعري كيف الجواب؟ ولئن سأل اللّه تعالى نبيه الذي شرّفه وعظمه وقال له : لم تركت أُمّتك يضرب بعضهم بعضاً، ويقتل بعضهم بعضاً، ولم تنصب لهم رجلاً يُرشدهم ويقودهم إلى الهدى، ويُخرجهم من حيرة ،العمى، وينصف المظلوم من الظالم ، وأنا قد أخبرتك باختلافهم بعدك ، فليت شعري ما يكون الجواب ؟

وقول العامة:«أن النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم مات ولم يُخلّف أحداً وترك أمر الأُمّة للأُمّة»(1) هذا بطلانٌ ظاهرٌ، لأنّ النبىّ صلی الله علیه و آله و سلم إن فعل هذا من تلقاء نفسه واجتهاده فقد ظلم الأُمّة وغشّهم وحيّرهم ، وهو ممتنعٌ عليه، وإن كان بأمرٍ من اللّه فحاشا أن يكون الهادي مُضِلّاً لعباده، وهو غنيٌّ عن عذابهم، وإضلال العباد ظلمٌ، وهو ممتنعٌ على اللّه تعالى؛ فأثبت الدليل بطلان قول العامّة.

ولئن صدق أبوبكر وسأل اللّه أمير المؤمنين علیه السلام : لم نازعت أبا بكرٍ في الخلافة، ولم تبايعه، وقد بايعته الأمّة ، وأنت سمعت أنّ (2)رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : إنّا أهل بیتٍ اصطفانا اللّه وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا ، وإنّ اللّه لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوّة والخلافة، وشهد له عمر وأبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ ابن جبل(3).

ص: 257


1- حكاه عنهم ابن طاووس في الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : 404
2- في المخطوط : ( أنّه يقول سمع) بدل من : ( أنّ)
3- كتاب سلیم بن قيس : 153 ، الاحتجاج 1 : 110 ، بحار الأنوار 28 : 274ح 45

وكيف تتخلّف عن (1)الأُمّة بغير رضىّ من اللّه ورسوله، ولم تقتدِ برسول اللّه حين ترك الأُمّة للأُمّة تختار لها إماماً غيرك، وأنت حاربت أهل الجمل وقتلت الخلق الكثير، وحاربت معاوية وقتلت الجمّ الكثير، والخوارج كذلك ؟ ولم شهدت لفاطمة في فدكِ، وهي صدقة للمسلمين ؟ وكيف تظلموا الخلق، وقد تصدّق علیهم بها رسول اللّه وحرّمها على أهل بيته ؟ فليت شعري ما يكون الجواب؟ ولئن صدق أمير المؤمنين وسأل اللّه أبا بكر: لم غصبت عليّاً في الخلافة، وظلمت فاطمة في دعواها؟ وقد شهد لها على دعواها أزهد الخلق وأورعهم، وسيّدي شباب أهل الجنّة، أفلا تصدّق أزهد الخلق ولا سيّدي شباب أهل الجنّة وبنت خير البشر في حطام الدنيا الفانيّة ؟

ولم قتلت مالك بن نويرة (2)وهو من أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم ؟ ولم استحللت ماله ودمه وحريم قومه، وجعلته من أهل الردّة؟ وسبي ذراري المرتدّين حرام بالإجماع لإسلامهم، ودخل عاملك خالد بن الوليد على زوجته من غير عقدٍ ولا عدّة (3)، ولم تنكر عليه في ذلك ؟ ولِمَ لم تسمع قول نبيّ اللّه في حقّه يوم الغدير، وقد والّاه وأمّره على المؤمنين ، وقد سلّموا على علىٌّ بإمرة المؤمنين ؟ ولم أوصيت بالخلافة إلى عمر ، ولم تقتدي بالنبىّ صلی الله علیه و آله و سلم على زعمكم أنّه ترك الأُمّة

ص: 258


1- فى المخطوط : (على) بدل من : ((عن).
2- هو مالك بن نويرة بن جمرة بن شداد اليربوعي التميمي، أبو حنظلة ، فارس ، شاعر ، من أرداف الملوك في الجاهلية . يقال له : فارس ذي الخمار ، وذو الخمار فرسه ، أدرك الإسلام وأسلم ، وولاه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم صدقات قومه (بني يربوع)، قتله ضرار بن الأزور بأمر خالد بن الوليد سنة 12 هجرية . ( الأعلام 5 : 267).
3- إكمال الكمال لابن ماكولا 507:2 ، الأنساب للسمعاني 2 : 86 .

للأُمّة تختار لهم إماماً ، فليت شعري ما يكون الجواب؟

ولئن سأل اللّه عمر كيف غصبت عليّاً في الخلافة ؟ وكيف منعت الكتاب الذي أراد النبيّ أن يكتبه لئلّا تضلّ أُمّته، وقلت : إنّ النبي ليهجر (1)، والهجر سبٌّ لرسول الله ؟ ولم حرّمت المتعة والكتاب ناطقٌ بها ؟ ولم أدخلت عليّاً في الشورى للخلافة وأنت قلت : إنّ النبيّ منع عن أهل بيته ؟

ولم دفنت صاحبك في بيت رسول اللّه من غير إذنٍ ؟ ولم أوصيت بالخلافة إلى أهل الشورى، ولم تترك الأُمّة تختار لها إماماً ، ولم تقتد بالنبيّ ؟ ولِمَ رضيت بقتل أهل الشورى إذا خالفوا عبد الرحمن، وهم من أهل الجنة ؟ فليت شعري ما يكون الجواب ؟

ولئن سأل اللّه المهاجرين والأنصار: لِمَ بايعتم غير عليّ ، ورضيتم بهم مع علمكم أنّ عليّاً أفضل الناس، وأورع الناس، وأتقى الناس ؟ ولم لا تنصروا زوجته بنت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في حقّها ولم تصدّقوها في دعواها ؟ وقد سمعتم حديث الغدير وغير ذلك مما ذُكِر في صدر الرسالة. وكان الخصم في ذلك اليوم محمّد صلى الله عليه وسلم والمدّعي علي وفاطمة علیها السلام، والحاكم هو اللّه جلّ جلاله، فليت شعري ما يكون الجواب؟ فويلٌ لمن كانت شفعاؤه خصماؤه.

ولئن سأل اللّه الأمّة : لم تفرّقتم واختلفتم، واستحلّ بعضكم دم بعضٍ، وعدلتم عن منصوب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بأمرٍ من اللّه ورسوله وولايةٍ وإمارةٍ في يوم الغدير، وقعدتم عن نصرته، وخرجتم عليه بُغاة، وحاربتموه، وقتلتم أصحابه، وفعلتم

ص: 259


1- الطبقات الكبرى 2 : 242 ، وانظر فتح الباري 8: 98 باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم، والروايات منقولة بأجمعها في كتاب من حياة الخليفة عمر : 103 وما بعدها .

كذلك مع ذريّته ؟ ولم تنقلوا مذهبهم مع إجماعكم على عدالتهم، ووفور تقواهم، خصوصاً نجمهم الثاقب، وزاهدهم الراغب، وسنامهم الراسب، وليثهم الغالب وصفوة آل أبي طالب ، إمام المشارق والمغارب، مَن شهد القرآن بفضله وطهارته ومودّته وولايته، عليّ بن أبي طالب علیه السلام مَن أجمعت الأُمّة على عدالته، وعلمه وزهده وفضله وشجاعته، وكرمه، وعدم خطائه في اجتهاده، عند كافّة أهل الإسلام، ولم يُذكر أنّه فرّ من زحف قطّ.

فكيف تركتم من وقع الإجماع في عدالته ، وركنتم إلى مَن وقع فيه الشكّ والطعن ؟ فليت شعري ما يكون الجواب؟

ص: 260

[نهاية الرسالة]

تمّت الرسالة على يد أفقر العباد، وأفقرهم إلى رحمة ربه الجواد، تراب أقدام الطلبة، ابن أيّوب ذي البلوى ، محمّد رضا الكاظمى (1)أصلاً وفرعاً، ومولداً ومسكناً، ومدفناً إن شاء اللّه تعالى في العشر الثاني من شهر رمضان المبارك من السنة الثامنة بعد المائة والألف من الهجرة النبوية، على مهاجرها أفضل الصلاة وأكمل التحيّة ، في البلدة المحروسة أصفهان، حرسها اللّه من نوب الزمان، وغفر الله لمؤلّفها ولكاتبها، ولمن نظر إليها، آمين ربّ العالمين.

[من البسيط ]

یا ناظراً فيه سل باللّه مرحمةً ***واطلُب لنفسكَ خيراً أَنّ تريدَ به

على المصنّف واستغفر لصاحبه *** من بعد ذلك غفراناً لكاتبه

[من البسيط ]

يا من غدا ناظراً فيما كتبتُ وقَدْ*** أضحى يردّد فيما قلتُهُ النظرا

سألتك الله إن عاينت من خَطَاٍ*** فاستر فإن خيارَ النَّاسِ مَنْ سَتَرا

وتمّ الفراغ من تحقيق نصوص الرسالة وتخريج مصادرها وإعادة النظر فيها وإخراجها بحُلّة مناسبة جميلة ليلة العشرين من جمادى الثاني من سنة 1434 هجريّة في مدينة مشهد الرضاء علیه السلام على يد العبد الفقير إلى شفاعة رسول الرحمة وذريّته الطاهرة عبد الحليم بن عليوي بن سعيد بن طاهر بن حسن بن يوسف بن عوض الحلّي، أسأل اللّه المغفرة وحسن العاقبة ، نعم المولى ونعم النصير.

ص: 261


1- تقدمت ترجمته في هامش وصف النسخة في مقدّمة التحقيق

فهرس مصادر التحقيق

1 - أبكار الأفكار في أصول الدين : لسيف الدين الآمدي ، المتوفّى سنة 623 هجرية ، نشر دار الكتب.

2 - أحاديث فدك فى مصادر الفريقين : محمّد حياة الأنصاري المعاصر.

3- الاحتجاج على أهل اللجاج : للشيخ أبي منصور الطبرسي ، المتوفّى سنة 548 هجريّة، نشر دار النعمان

للطباعة والنشر ، النجف الأشرف .

4 - إحقاق الحق للشهيد نور اللّه التستري ، المتوفّى سنة 1019 هجريّة، نشر كتابفروشي إسلامية ، طهران.

5- الأحكام لابن حزم الأندلسي، المتوفّى سنة 456 هجرية ، نشر زكريّا علي يوسف ، القاهرة.

6 - الأربعين في أصول الدين : لفخر الدين الرازي ، المتوفّى سنة 606 هجريّة، نشر مكتبة الكليات الأزهرية ، مصر.

7- الإرشاد إلى قواطع الأدلّة في أصول الاعتقاد : لعبد الملك الجويني، المتوفّى سنة 478 هجريّة، نشر دار

الكتب العلميّة .

8 - الإرشاد : للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان ، المتوفّى سنة 413 هجريّة ، نشر دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت .

9 - إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين = شرح نهج المسترشدين : للملفاضل المقداد السيوري الحلّي ،

المتوفّى سنة 826 هجريّة ، نشر مكتبة السيّد آية اللّه العظمى المرعشي ، قم.

ص: 262

10 - الاستذكار : لابن عبد البر الأندلسي، المتوفّى سنة 463 هجريّة ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت .

11 - استقصاء النظر في القضاء والقدر : للعلّامة الحسن بن يوسف الحلّي، المتوفّى سنة 726هجريّة ، نشر

دار الأنباء الغيبية.

12 - الاستيعاب : لابن عبد البر الأندلسي، المتوفّى سنة 463 هجريّة ، نشر دار الجيل ، بيروت.

13 - أسد الغابة : لابن الأثير ، الجزري، المتوفّى سنة 630 هجرية، نشر دار الكتاب المغربي ، بيروت.

14 - الإشارات في علم العبارات : لخليل بن شاهين الظاهري ، أحد أعلام القرن التاسع ، نشر شركة مكتبة

ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر.

15 - الإصابة : لابن حجر العسقلاني، المتوفّى سنة 852 هجريّة، نشر دار الكتب العلمية، بيروت.

16 - أصول الإيمان : لعبد القاهر البغدادي، المتوفّى سنة 429 هجريّة ، نشر دار و مكتبة الهلال ، بيروت .

17 - أصول السرخسي : لأبي بكر السرخسي ، المتوفّى سنة 490 هجريّة ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت .

18 - الاعتقادات في دين الإماميّة : للشيخ الصدوق ، المتوفّى سنة 381 هجريّة ، نشر دار المفيد للطباعة

والنشر والتوزيع ، بيروت .

19 - إعلام الورى بأعلام الهدى للشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي ، المتوفّى سنة 548 هجريّة ، نشر

مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، قم.

20 - أعيان الشيعة : للسيد محسن الأمين ، المتوفّى سنة 1371 هجريّة ، نشر دار التعارف للمطبوعات ،

بيروت .

21 - إقبال الأعمال : للسيد رضي الدين بن طاووس ، المتوفّى سنة 664 هجريّة ، نشر مكتب الإعلام

الإسلامي ، قم .

22 - الاقتصاد في الاعتقاد : لأبي حامد الغزالي ، المتوفّى سنة 505 هجريّة ، نشر دار الكتب العلمية.

23 - إكمال الكمال : للأمير ابن ماكولا ، المتوفّى سنة 475 هجرية ، نشر دار إحياء التراث العربي ، بيروت .

24 - ألقاب الرسول وعترته : البعض قدماء المحدّثين والمؤرّخين، نشر مكتبة آية الله العظمى السيّد المرعشي النجفي، قم.

ص: 263

25 - أمالي الصدوق : للشيخ الصدوق ، المتوفّى سنة 381 هجريّة ، نشر مركز الطباعة والنشر في مؤسسة

البعثة ، طهران .

26 - أمالي المفيد : للشيخ المفيد ، المتوفّى سنة 413 هجريّة ، نشر دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع ،

بيروت .

27 - الإمامة والتبصرة : لابن بابويه القمى ، المتوفّى سنة 329 هجريّة ، نشر مؤسسة آل البيت ، قم .

28 - الانتصار: المشريف المرتضى ، المتوفّى سنة 436 هجريّة ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة

المدرسين ، قم .

29 - الأنساب : للسمعاني المتوفّى سنة 562 هجريّة ، نشر دار الجنان للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت.

30 - الإنصاف : للمرداوي ، المتوفّى سنة 885 هجريّة ، نشر دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

31 - إنقاذ البشر من الجبر والقدر لأبي الحسن العامري ، المتوفى سنة 381 هجرية ، نشر وتوزيع مركز نشر دانشگاهی ، طهران .

32 - أوائل المقالات : للشيخ المفيد ، المتوفّى سنة 413 هجرية ، نشر دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع

بيروت.

33 - الأنوار الجلالية للفاضل المقداد السيوري ، المتوفّى سنة 876 هجريّة ، نشر مجمع البحوث

الإسلامية ، مشهد .

34 - أنوار الملكوت في شرح الياقوت : للعلامة الحلّي، المتوفّى سنة 726 هجريّة ، نشر الشريف الرضي ،

قم.

35 - أنوار الحكمة : للفيض الكاشاني ، المتوفّى سنة 1091 هجريّة ، نشر انتشارات بيدار ، قم .

36 - بحار الأنوار للشيخ محمد باقر المجلسي ، المتوفّى سنة 1111 هجريّة ، نشر مؤسسة الوفاء، بيروت.

37 - البداية والنهاية : لابن كثير، المتوفّى سنة 774 هجريّة، نشر دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

ص: 264

38 - بدائع الصنائع: لأبي بكر الكاشاني، المتوفّى سنة 587 هجريّة ، نشر المكتبة الحبيبية الباكستان.

39 - بصائر الدرجات : لمحمّد بن الحسن الصفّار ، المتوفّى سنة 290 هجريّة ، نشر منشورات الأعلمي ،

بيروت .

40 - تاج العروس : لمحمد مرتضى الزبيدي ، المتوفّى سنة 1205 هجريّة ، نشر دار الفكر للطباعة والنشر

والتوزيع ، بيروت.

41 - تاريخ الإسلام لمحمّد بن أحمد الذهبي ، المتوفى سنة 748 هجرية ، نشر دار الكتاب العربي ،بيروت .

42 - تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ، المتوفّى سنة 463 هجريّة ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت.

43 - التاريخ الكبير : للبخاري ، المتوفّى سنة 256 هجريّة ، نشر المكتبة الإسلامية ، ديار بكر .

44 - تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ، المتوفّى سنة 571 هجريّة ، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت .

45 - تاريخ اليعقوبي : لأحمد بن أبي يعقوب اليعقوبي ، المتوفّى سنة 284 هجريّة ، نشر دار صادر، بيروت .

46 - تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة : للعلامة شرف الدين الحسيني ، المتوفى سنة 965

هجرية ، نشر مدرسة الإمام المهدي علیه السلام ، قم .

47 - التبيان في تفسير القرآن للشيخ محمد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى سنة 460 هجرية ، نشر مكتب

الإعلام الإسلامي .

48 - تحف العقول عن آل الرسول صلی الله علیه و آله و سلم : لا بن شعبة البحراني ، من أعلام القرن الرابع الهجري ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين ، قم .

49 - تذكرة الخواص : لسبط ابن الجوزي ، المتوفّى سنة 654 هجريّة ، نشر الشريف الرضي ، قم .

50 - تذكرة الفقهاء : للعّلامة الحلّي، المتوفّى سنة 726 هجريّة ، نشر مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء

التراث ، قم .

ص: 265

51 - ترتيب جمهرة اللغة : لأبي بكر محمّد بن دريد الأزدي ، المتوفّى سنة 331 هجرية ، نشر الآستانة

الرضويّة المقدّسة ، مشهد .

52 - التعجّب : لأبي الفتح الكراجكي ، المتوفّى سنة 449 هجريّة .

53 - التعريفات : لميرسيّد شريف ، المتوفّى سنة 816 هجرية ، نشر ناصر خسرو ، طهران .

54 - التعليقات : لابن سينا ، المتوفّى سنة 428 هجريّة ، نشر مكتبة الإعلام الإسلامي.

55 - التعليقات على شرح العقائد العضديّة : للإيجي ، المتوفى سنة 756 هجريّة والدواني والسيّد جمال

الدين الأفغاني ، المتوفّى سنة 1314 هجرية.

56 - التعليقة على الفوائد الرضويّة للقاضي سعيد القمي، من أعلام القرن السادس الهجري .

57 - تفسير الثعالبي : لأبي زيد عبد الرحمن الثعالبي ، المتوفّى سنة 875 هجريّة ، نشر دار إحياء التراث

العربي ومؤسسة التاريخ العربي ، بيروت.

58 - تفسير جوامع الجامع : للشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، المتوفّى سنة 548 هجريّة ، نشر

مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين ، قم .

59 - تفسير الرازي : للفخر الرازي ، المتوفّى سنة 606 هجريّة.

60 - التفسير الصافي : للمولى محسن الفيض الكاشاني ، المتوفّى سنة 1091 هجريّة ، نشر مكتبة الصدر

طهران.

61 - تفسير العياشي : لمحمّد بن مسعود العياشي ، المتوفّى سنة 320 هجرية ، نشر المكتبة العلمية

الإسلامية ، طهران .

62 - تفسير فرات الكوفي : لفرات بن إبراهيم الكوفي ، المتوفّى سنة 352 هجرية ، نشر مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامية ، طهران.

63 - تفسير القرآن : لعبد الرزاق بن همام الصنعاني ، المتوفّى سنة 211 هجريّة، نشر مكتبة الرشد للنشر

والتوزيع، الرياض.

ص: 266

64 - تفسير القمي: لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمي ، من أعلام القرن الثالث والرابع الهجري ، نشر مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر ، قم .

65 - تفسير مقاتل بن سليمان لمقاتل بن سليمان ، المتوفّى سنة 150 هجريّة ، نشر دار الكتب العلمية .

66 - تفسير نور الثقلين : الشيخ عبد علي الحويزي ، المتوفّى سنة 1112 هجريّة ، نشر مؤسسة إسماعيليان

للطباعة والنشر والتوزيع ، قم .

67 - تلامذة المجلسي : للسيّد أحمد الحسيني المعاصر ، نشر مكتبة آية الله العظمى المرعشي ، قم .

68 - التمهيد : لا بن عبدالبر، المتوفى سنة 463 هجريّة ، نشر وزارة عموم الأوقات والشؤون الإسلامية .

69 - تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل : لأبي بكر محمّد الباقلاني ، المتوفّى سنة 403 هجريّة ، نشر مؤسسة

الكتب الثقافية ، بيروت.

70 - تهذيب الأحكام للشيخ محمد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى سنة 460 هجريّة ، نشر دار الكتب الإسلامية ، طهران .

71 - التوحيد : للشيخ الصدوق ، المتوفّى سنة 381 هجريّة ، نشر منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة

العلمية ، قم .

72 - الثاقب في المناقب : لأبي جعفر محمّد بن علي الطوسي ، المتوفّى سنة 560 هجريّة ، نشر مؤسسة

أنصاريان للطباعة والنشر ، قم .

73 - جامع الأفكار وناقد الأنظار : للمّلا مهدي النراقي ، المتوفّى سنة 1244 هجريّة ، نشر انتشارات حكمت .

74 - جامع العلوم في اصطلاحات الفنون : للقاضي عبد النبي أحمد تكري ، نشر بيروت .

75 - جامع بيان العلم وفضله : لابن عبد البر ، المتوفّى سنة 463 هجريّة ، نشر دار الكتب العلمية .

76 - الجامع الصغير : لجلال الدين السيوطي ، المتوفّى سنة 911 هجريّة ، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت .

ص: 267

77 - جامع المقاصد في شرح القواعد : للشيخ علي بن الحسين الكركي ، المتوفّى سنة 940 هجريّة ، نشر

مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ، قم.

78 - جمال الأسبوع: للسيّد رضي الدين بن طاووس ، المتوفّى سنة 664 هجريّة ، نشر مؤسسة الآفاق.

79 - الجمع بين رأئي الحكيمين: لأبي نصر الفارابي ، المتوفى سنة 339ه-جرية ، نشر انتشارات الزهراء علیها السلام، قم.

80 - الجمل : لضامن بن شدقم المدني ، المتوفى سنة 1082 هجرية ، نشر السيد تحسين آل شبيب

الموسوي .

81 - الحكمة المتعالية فى الأسفار العقليّة الأربعة : لصدر الدين محمّد الشيرازي ، المتوفّى سنة 1050

هجريّة ، نشر دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

82- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : لأبي نعيم الأصفهاني ، المتوفّى سنة 430 هجريّة ، نشر دار الكتاب

العربي ، بيروت.

83 - الخرائج والجرائح : لقطب الدين الراوندي ، المتوفى سنة 573 هجرية، نشر مؤسسة الإمام

المهدي علیه السلام، قم .

84 - خصائص الوحي المبين للحافظ ابن البطريق ، المتوفّى سنة 600 هجرية ، نشر دار القرآن الكريم ، :

قم .

85 - الخصال : الشيخ الصدوق ، المتوفّى سنة 381 هجريّة، نشر منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة

العلمية ، قم .

86 - خلاصة الأقوال : للعلامة الحلّي، المتوفّى سنة 726 هجريّة ، نشر مؤسسة نشر الفقاهة .

87 - دعائم الإسلام : للقاضي النعمان المغربي ، المتوفّى سنة 363 هجريّة ، نشر مؤسسة آل البيت علیهم السلام قم .

88 - دلائل الإمامة : لمحمّد بن جرير الطبري ، من أعلام القرن الرابع الهجري ، نشر مركز الطباعة والنشر

في مؤسسة البعثة.

ص: 268

89 - ديوان الإمام علي علیه السلام: جمع الميبدي حسين بن معين، المتوفّى سنة 911 هجريّة، نشر دار نداء

الإسلام ، قم .

90 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة : للشيخ أقا بزرگ الطهراني ، المتوفّى سنة 1389 هجريّة ، نشر دار

الأضواء ، بيروت.

91 - ذكر أخبار أصبهان لأبي نعيم أحمد الأصبهاني ، المتوفّى سنة 430 هجريّة ، طبع : بريل - ليدن

المحروسة .

92 - ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة : الشهيد الأوّل محمّد بن جمال الدين العاملي ، الشهيد سنة 786

هجرية ، نشر مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، قم.

93 - رسالة إجالة الفكر في القضاء والقدر : للفاضل الهندي ، المتوفى سنة 1137 هجرية ، نشر مؤسسة

الزهراء علیها السلام.

94 - رسائل الشجرة الإلهيّة في علوم الحقائق الربانية : الشمس الدين الشهرزوري ، المتوفّى في القرن السابع، نشر مؤسسة حكمت و فلسفة إيران.

95 - رسائل الكركي : الشيخ علي بن الحسين الكركي ، المتوفّى سنة 1940 هجرية ، نشر مكتبة آية اللّه

العظمى السيّد المرعشي النجفي ، قم .

96 - رسائل المرتضى : للشريف المرتضى ، المتوفى سنة 436 هجرية ، نشر دار القرآن الكريم ، قم .

97 - الرسالة السعديّة : للعلامة الحلّي، المتوفّى سنة 726هجريّة ، نشر المكتبة العامّة لآية اللّه العظمى

السيّد المرعشي النجفي ، قم .

98 - روائع نهج البلاغة : لجورج جرداق ، نشر مركز الغدير للدراسات الإسلاميّة .

99 - الرواشح السماويّة : لميرداماد محمّد باقر الحسيني الأسترآبادي ، المتوفّى سنة 1041 هجريّة ، نشر دار الحديث للطباعة والنشر.

10 - رياض السالكين في شرح صحيفة سيّد الساجدين علیه السلام : للسيّد علي خان المدني الشيرازي ، المتوفّى سنة 1120 هجريّة ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي.

ص: 269

101 - زبدة البيان: للمقدّس الأردبيلي ، المتوفّى سنة 993 هجريّة ، نشر المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار

الجعفريّة ، طهران

102 - السرائر : الشيخ محمّد بن إدريس الحلّي، المتوفّى سنة 598 هجريّة ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي

التابعة لجماعة المدرّسين ، قم .

103 - السقيفة وفدك : لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري ، المتوفّى سنة 323 هجرية ، نشر شركة

الكتبي للطباعة والنشر ، بيروت .

104 - سنن ابن ماجة : لمحمّد بن يزيد القزويني ، المتوفّى سنة 273 هجريّة ، نشر دار الفكر للطباعة والنشر

والتوزيع.

105 - سنن أبي داود : لابن الأشعث السجستاني ، المتوفّى سنة 275 هجريّة ، نشر دار الفكر للطباعة والنشر

والتوزيع.

106 - سنن الترمذي : لمحمّد بن عيسى الترمذي ، المتوفّى سنة 279 هجريّة، نشر دار الفكر للطباعة والنشر

والتوزيع ، بيروت .

107 - سنن الدارمي : لعبد الله بن بهرام الدارمي ، المتوفّى سنة 255 هجريّة ، نشر مطبعة الاعتدال ، دمشق .

108 - السنن الكبرى : لأحمد بن شعيب النسائي ، المتوفّى سنة 303 هجريّة ، نشر دار الكتب العلمية ،

بیروت.

109 - سير أعلام النبلاء لمحمّد بن أحمد الذهبي ، المتوفّى سنة 748 هجريّة ، نشر مؤسسة الرسالة ،

بيروت.

110 - الشافي في الإمامة : السيد الشريف المرتضى ، المتوفّى سنة 436 هجرية ، نشر مؤسسة إسماعيليان ،

قم .

111 - شرح الأخبار : للقاضي النعمان المغربي ، المتوفّى سنة 363 هجريّة ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي

التابعة لجماعة المدرّسين، قم.

ص: 270

112 - شرح الإشارات والتنبيهات للفخر الرازي ، المتوفّى سنة 606 هجريّة ، نشر أنجمن آثار و مفاخر فرهنگی.

113 - شرح أصول الكافي : للمولى محمّد صالح المازندراني ، المتوفّى سنة 1081 هجريّة ، نشر دار إحياء

التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت.

114 - شرح كتاب النجاة لابن سينا (قسم الإلهيات) : لفخر الدين الإسفرايني النيشابوري ، المتوفّى سنة 760

هجريّة ، نشر أنجمن آثار و مفاخر فرهنگی.

115 - شرح كلمات أمير المؤمنين علیه السلام: لعبد الوهاب، من أعلام القرن السادس الهجري ، نشر جماعة

المدرّسين فى الحوزة العلميّة ، قم.

116 - شرح اللمعة : للشهيد الثاني زين الدين العاملي ، الشهيد سنة 966 هجريّة ، نشر منشورات جامعة

النجف الأشرف.

117 - شرح مائة كلمة لأمير المؤمنين علیه السلام: الابن ميثم البحراني ، المتوفّى سنة 679 هجرية ، نشر جماعة

المدرّسين في الحوزة العلميّة ، قم .

118 - شرح مسلم للنووي ، المتوفّى سنة 676 هجريّة ، نشر دار الكتاب العربي ، بيروت .

119 - شرح المقاصد في علم الكلام : المتفتازاني ، المتوفّى سنة 791 هجريّة ، نشر دار المعارف النعمانية .

120 - شرح المواقف : للقاضي عبد الرحمن الجرجاني ، المتوفّى سنة 482 هجريّة ، نشر مطبعة السعادة ،

مصر.

121 - شرح نهج البلاغة : لابن أبي الحديد المعتزلي ، المتوفّى سنة 656 هجريّة ، نشر مؤسسة الأعلمي

للمطبوعات ، بيروت .

122 - الشفاء الروحي : لعبد اللطيف البغدادي .

123 - الشهب الثواقب لرجم شياطين النواصب : للشيخ محمد آل عبد الجبار ، المتوفّى سنة 350 هجريّة ،

نشر مطبعة الهادي ، قم.

ص: 271

124 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل : للحاكم الحسكاني ، من أعلام القرن الخامس الهجري ، نشر مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي.

125 - الصحاح : الإسماعيل بن حمّاد الجوهري ، المتوفّى سنة 393هجرية ، نشر دار العلم للملايين

بيروت .

126 - صحيح ابن خزيمة : لأبي بكر محمّد بن خزيمة السلمي ، المتوفّى سنة 311 هجريّة ، نشر المكتب

الإسلامي.

127 - صحيح البخاري : للإمام محمّد بن إسماعيل البخاري ، المتوفّى سنة 256 هجريّة ، نشر دار الفكر

للطباعة والنشر والتوزيع.

128 - الصحيفة السجادية : للإمام زين العابدين علیه السلام، الشهيد سنة 94 هجرية ، نشر مؤسسة الإمام

المهدي علیه السلام، مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر ، قم .

129 - الصراط المستقيم : للشيخ زين الدين العاملي ، المتوفّى سنة 877 هجريّة ، نشر المكتبة المرتضوية

لإحياء الآثار الجعفرية.

130 - الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة : للسيّد نور اللّه التستري ، المتوفّى سنة 1019 هجرية ،

نشر نهضت .

131 - الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي ، المتوفّى سنة 974 هجرية ، نشر مكتبة القاهرة .

132 - الطبقات الكبرى : لمحمّد بن سعيد ، المتوفّى سنة 230 هجريّة ، نشر دار صادر ، بيروت.

133 - الطراز الأوّل والكناز لما عليه من لغة العرب المعول : المسيد علي خان بن معصوم المدني ، المتوفّى سنة 1120 هجريّة ، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت علیهم السلام، قم.

134 - الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : السيّد رضي الدين بن طاووس، المتوفّى سنة 664 هجريّة ، نشر

مطبعة قيام ، قم .

135-عدم سهو النبي صلی الله علیه و آله و سلم : الشيخ المفيد ، المتوفّى سنة 413 هجريّة ، نشر دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت.

ص: 272

136 - علل الدارقطني : لأبي الحسن علي الدار قطني ، المتوفّى سنة 385 هجريّة ، نشر دار طيبة ، الرياض.

137 - علل الشرائع : للشيخ الصدوق ، المتوفّى سنة 381 هجريّة ، نشر منشورات المكتبة الحيدرية ، النجف

الأشرف .

138 - علم اليقين في أصول الدين : للفيض الكاشاني ، المتوفّى سنة 1091 هجريّة ، نشر انتشارات بيدار ، قم .

139 - العمدة : ليحيى بن البطريق ، المتوفّى سنة 600 هجريّة ، نشر مؤسسه النشر الإسلامي التابعة لجماعة

المدرّسين ، قم .

140 - عمدة القاري : لأبي محمد محمود العيني ، المتوفّى سنة 855 هجريّة ، نشر دار إحياء التراث العربي. 141 - عيون أخبار الرضا علیه السلام: للشيخ الصدوق ، المتوفّى سنة 381 هجريّة، نشر مؤسسة الأعلمي

للمطبوعات ، بيروت .

142 - عيون الحكم والمواعظ : لعلي بن محمّد الليثي الواسطي ، من أعلام القرن السادس الهجري ، نشر دار

الحديث .

143 - غريب الحديث : لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي ، المتوفّى سنة 224 هجريّة ، نشر دار الكتاب

العربي ، بيروت.

144 - الغيبة : للشيخ محمد رضا الجعفري ، نشر مركز الأبحاث العقائدية ، قم

145 - الغيبة : الشيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى سنة 460 هجرية ،نشر مؤسسةالمعارف

الإسلاميّة ، قم .

146 - الغيبة للشيخ محمّد بن إبراهيم النعماني ، المتوفّى حدود سنة 360 هجريّة ، نشر أنوار الهدى ، قم.

147 - الفائق في غريب الحديث : لجار الله الزمخشري ، المتوفّى سنة 583 هجريّة ، نشر دار الكتب العلمية ،

بيروت.

148 - فتح الباري: لابن حجر العسقلاني ، المتوفّى سنة 852 هجريّة، نشر دار المعرفة للطباعة والنشر ،

بيروت.

ص: 273

149 - الفتوحات المكيّة : لابن عربي ، المتوفّى سنة 638 هجريّة ، نشر دار صادر، بيروت.

150 - فدك في التاريخ للسيّد محمّد باقر الصدر ، الشهيد في سنة 1401 هجريّة ، نشر مركز الغدير للدراسات الإسلامية .

151 - الفصول المختارة للسيد الشريف المرتضى ، المتوفّى سنة 413 هجريّة ، نشر دار المفيد للطباعة

والنشر، بيروت .

152 - الفصول في الأصول : لأحمد بن علي الجصاص ، المتوفّى سنة 370 هجريّة .

153 - الفصل في الملل والأهواء والنحل : لابن حزم الأندلسي ، المتوفّى سنة 456 هجريّة ، نشر دار الكتب

العلمية ، بيروت.

154 - الفصول المهمة في أصول الأئمّة : للشيخ الحرّ العاملي ، المتوفّى سنة 1104 هجريّة ، نشر مؤسسة

معارف إسلامي إمام رضا علیه السلام.

155 - الفصول المهمة في تأليف الأئمّة : السيّد عبد الحسين شرف الدين الموسوي ، المتوفّى سنة 1377

هجريّة ، نشر قسم الأعلام الخارجي لمؤسسة البعثة.

156 - الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة : للشيخ ابن صبّاغ المالكي ، المتوفّى سنة 855 هجريّة ، نشر دار

الحديث للطباعة والنشر.

157 - فضائل الصحابة : لأحمد بن شعيب النسائي ، المتوفّى سنة 303 هجريّة ، نشر دار الكتب العلمية ،

بيروت.

158 - في النفس : لأرسطو ، المتوفّى سنة 322 قبل الميلاد ، نشر دار القلم .

159 - القاموس المحيط : للفيروزآبادي ، المتوفّى سنة 817 هجريّة .

160 - القبسات : لمحمّد باقر الميرداماد ، المتوفّى سنة 1041 هجريّة ، نشر انتشارات دانشگاه طهران .

161 - قرب الاسناد للشيخ عبد اللّه الحميري القمي ، المتوفّى سنة 300 هجرية ، نشر مؤسسة آل البيت علیهم

السلام لإحياء التراث ، قم.

ص: 274

162 - قصص الأنبياء : لقطب الدين الراوندي ، المتوفّى سنة 573 هجريّة ، نشر الهادي .

163 - القول السديد في شرح التجريد : للسيّد محمّد الحسيني الشيرازي ، المتوفّى سنة 1422 هجريّة ، نشر

دار الإيمان ، قم .

164 - القول المبين عن وجوب مسح الرجلين : للشيخ أبي الفتح الكراجكي ، المتوفّى سنة 449 هجريّة ، نشر

مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، قم.

165 - الكافي : للشيخ الكليني ، المتوفّى سنة 329 هجريّة ، نشر دار الكتب الإسلامية ، طهران .

166 - الكامل : لعبد الله بن عدي ، المتوفّى سنة 365 هجريّة ، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ،

بيروت.

167 - كتاب سليم بن قيس : لسليم بن قيس الهلالي ، من أعلام القرن الأوّل .

168 - كتاب الولاية : لابن عقدة الكوفي ، المتوفّى سنة 333 هجريّة .

169 - الكشّاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل لجار اللّه الزمخشري، المتوفّى سنة 538 هجريّة، نشر شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ، مصر .

170 - كشف الخفاء : للشيخ إسماعيل العجلوني ، المتوفّى سنة 1162 هجريّة ، نشر دار الكتب العلمية ،

بيروت.

171 - كشف الظنون : لمصطفى بن عبد اللّه الشهير بحاجي خليفة ، المتوفّى سنة 1067 هجرية ، نشر دار

إحياء التراث العربي ، بيروت.

172 - كشف الغمة في معرفة الأئمّة علیهم السلام: لا ابن أبي الفتح الإربلي ، المتوفى سنة 693 ه-جرية ، نشر دار الأضواء ، بيروت.

173 - كشف المحجّة لثمرة المهجة : للسيّد رضي الدين بن طاووس ، المتوفّى سنة 664 هجريّة ، نشر

المطبعة الحيدريّة في النجف الأشرف .

174 - كشف المراد : للعلّامة الحلّي، المتوفّى سنة 726 هجريّة، نشر مؤسسة نشر إسلامي ونشر انتشارات

شكوري ، قم.

ص: 275

175 - كشف اليقين : للعلّامة الحلّي ، المتوفّى سنة 726 هجريّة.

176 - كشف البهائي .

177 - كفاية الأثر : لعلي بن محمّد الخزاز القمي ، المتوفّى سنة 400 هجريّة ، نشر انتشارات بيدار ، قم.

178 - كفاية الطالب في علي بن أبي طالب علیه السلام: لمحمّد بن يوسف الكنجي الشافعي ، المتوفّى سنة 658

هجريّة ، نشر دار إحياء تراث أهل البيت علیهم السلام.

179 - الكفاية في علم الرواية : للخطيب البغدادي أبي أحمد بن علي ، المتوفّى سنة 463 هجريّة ، نشر دار

الكتاب العربي ، بيروت .

180 - كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق ، المتوفّى سنة 381 هجريّة ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي

التابعة لجماعة المدرّسين ، قم .

181 - الكنى والألقاب : للشيخ عبّاس القمي ، المتوفّى سنة 1359 هجريّة ، نشر مكتبة الصدر ، طهران .

182 - كنز الفوائد : لأبي الفتح علي الكراجكي ، المتوفّى سنة 449 هجريّة .

183 - كنز العمّال : للمتقي الهندي ، المتوفّى سنة 975 هجريّة ، نشر مؤسسة الرسالة ، بيروت.

184 - لسان العرب : لمحمّد بن مكرم ابن منظور ، المتوفّى سنة 711 هجريّة ، نشر أدب الحوزة ، قم.

185 - لسان الميزان : لابن حجر العسقلاني ، المتوفّى سنة 852 هجريّة ، نشر مؤسسة الأعلمي ، بيروت.

186 - اللمع في أصول الفقه : لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي ، المتوفّى سنة 476 هجريّة ، نشر عالم

الكتب ، بيروت.

187 - مائة منقبة : لمحمّد بن أحمد القمي، المتوفّى حدود سنة 412 هجريّة، نشر مدرسة سة الإمام

المهدي علیه السلام بالحوزة العلمية ، قم .

188 - المبسوط : لشمس الدين السرخسي ، المتوفّى سنة 483 هجريّة ، نشر دار المعرفة للطباعة والنشر

والتوزيع ، بيروت .

189 - المبسوط : للشيخ محمّد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى سنة 460 هجريّة ، نشر المكتبة المرتضوية

لا حياء آثار الجعفريّة.

ص: 276

190 - المجازات النبويّة : للشريف الرضي ، المتوفّى سنة 406 هجريّة ، نشر منشورات مكتبة بصيرتي ، قم .

191 - مجمع البحرين للشيخ فخر الدين الطريحى ، المتوفّى سنة 1085 هجريّة ، نشر مكتب النشر للثقافة

الإسلاميّة .

192 - مجمع البيان في تفسير القرآن : للشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي ، من أعلام القرن السادس الهجري ،

نشر مؤسسة الأعلمى للمطبوعات ، بيروت .

193 - مجمع الزوائد : لعلي بن أبي بكر الهيثمي ، المتوفّى سنة 807 هجريّة ، نشر دار الكتب العلمية ،

بيروت.

194 - مجموعة رسائل الغزالي : لأبي حامد الغزالي ، المتوفّى سنة 505 هجريّة ، نشر دار الفكر.

195 - مجموعة ورّام (تنبيه الخواطر ونزهة الناظر) : لورّام بن أبي فراس الحلّي، المتوفّى سنة 606 هجريّة، نشر مكتبة الفقيه ، قم.

196 - المحاسن : لأحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، المتوفّى سنة 274 هجريّة ، نشر دار الكتب الإسلامية ،

طهران.

197 - المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز : لمقاضي عبد الحق بن عطيّة الأندلسي ، المتوفّى سنة 546

هجريّة ، نشر دار الكتب العلميّة ، لبنان .

198 - المحصول : لفخر الدين محمّد الرازي ، المتوفّى سنة 606 هجريّة ، نشر مؤسسة الرسالة ، بيروت.

199 - مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان الحلّي ، من أعلام القرن التاسع الهجري ، نشر منشورات :

المطبعة الحيدريّة ، النجف الأشرف .

200 - مدينة المعاجز : للسيّد هاشم البحراني، المتوفّى سنة 1107 هجريّة، نشر مؤسسة المعارف الإسلامية ، قم .

201 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول : للعلّامة محمّد باقر المجلسي ، المتوفّى سنة 1111 هجريّة ، نشر دار الكتب الإسلامية .

ص: 277

202 - المسائل الجاروديّة : للشيخ المفيد ، المتوفّى سنة 413 هجريّة ، نشر دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت .

203 - المسائل الصاغانيّة : للشيخ المفيد، المتوفّى سنة 413 هجريّة ، نشر دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت .

204 - المسائل العكبريّة : للشيخ المفيد ، المتوفّى سنة 413 هجريّة ، نشر دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت .

205 - المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ، المتوفّى سنة 405 هجريّة .

206 - مستدركات علم رجال الحديث : للشيخ علي النمازي الشاهرودي ، المتوفّى سنة 1405 هجرية ، نشر

ابن المؤلّف، طهران .

207 - مستدرك الوسائل : للميرزا حسين النوري الطبرسي، المتوفّى سنة 1220 هجريّة، نشر مؤسسة آل

البيت علیهم السلام الاحياء التراث، بيروت.

208 - المسترشد: لمحمّد بن جرير الطبري ، من أعلام القرن الرابع الهجري ، نشر مؤسسة الثقافة الإسلامية

لكوشانبور .

209 - المستصفى : لأبي حامد الغزالي ، المتوفّى سنة 505 هجريّة ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت .

210 - المسح في وضوء الرسول صلی الله علیه و آله و سلم لمحمّد الحسن الآمدي ، نشر مطبعة أمين.

211 - المسح على الرجلين للشيخ المفيد، المتوفّى سنة 413 هجريّة ، نشر دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت.

212 - المسح على الرجلين : للسيّد علي الحسيني الميلاني ، نشر مركز الأبحاث العقائديّة ، قم.

213 - المسلك في أصول الدين : للمحقّق الحلّي ، المتوفّى سنة 676 هجريّة، نشر مجمع البحوث الإسلاميّة

مشهد.

214 - مسند أحمد: لأحمد بن حنبل ، المتوفّى سنة 241 هجريّة ، نشر دار صادر، بيروت.

ص: 278

215 - مسند ابن المبارك: لعبد اللّه بن المبارك، المتوفّى سنة 181 هجريّة ، نشر دار الكتب العلمية، بيروت.

216 - مسند أبي يعلى : لأبي يعلى الموصلي ، المتوفّى سنة 307 هجريّة ، نشر دار المأمون للتراث.

217 - مسند الحميدي : لعبد اللّه بن الزبير الحميدي ، المتوفّى سنة 219 هجريّة ، نشر دار الكتب العلمية

بيروت .

218 - مسند زيد بن علي : للشهيد زيد بن علي بن الحسين علیهما السلام ، الشهيد سنة 122 هجريّة ، نشر منشورات دار مكتبة الحياة ، بيروت.

219 - مشارق أنوار اليقين : للحافظ رجب البرسي ، المتوفّى سنة 813 هجريّة، نشر مؤسسة الأعلمي

للمطبوعات، بيروت.

220 - مشاهير علماء الأمصار: لأبي حاتم محمّد بن حبّان، المتوفى سنة 354 هجريّة ، نشر دار الوفاء

للطباعة والنشر والتوزيع ، المنصورة .

221 - مشكاة الأنوار لأبي الفضل علي الطبرسي ، المتوفّى في أوائل القرن السابع الهجري ، نشر

دار الحديث.

222 - المصابيح : لأبي العبّاس أحمد بن إبراهيم ، المتوفّى سنة 353 هجريّة ، نشر مؤسسة الإمام زيد بن

علي علیهما السلام.

223 - مصابيح الأنوار : للسيّد عبد اللّه شبّر، المتوفّى سنة 1422 هجريّة ، نشر دار الحديث، قم.

224 - مصارعة الفلاسفة : لمحمّد بن عبد الكريم الشهرستاني ، المتوفّى سنة 548 هجريّة، نشر مكتبة آية

اللّه العظمى السيّد المرعشي، قم.

225 - مصباح الشريعة : المنسوب للإمام الصادق علیه السلام، الشهيد سنة 148 هجريّة ، نشر مؤسسة الأعلمي

للمطبوعات، بيروت.

226 - مصباح المتهجّد : للشيخ محمّد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى سنة 460 هجريّة، نشر مؤسسة فقه

الشيعة، بيروت.

ص: 279

227 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : لأحمد بن محمّد الفيومي، المتوفى سنة 770 هجرية ، نشر

دار الهجرة، قم.

228 - المصنّف : لعبد الرزّاق الصنعاني، المتوفّى سنة 211 هجريّة، نشر منشورات المجلس العلمي.

229 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول صلی الله علیه و آله و سلم لمحمّد بن طلحة الشافعي، المتوفّى سنة 652 هجريّة.

230 - مطلوب كلّ طالب : لرشيد الوطواط، المتوفّى سنة 573 هجريّة، نشر منشورات جماعة المدرّسين

في الحوزة العلمية، قم.

231 - معارج الفهم في شرح النظم للعلّامة الحلّي، المتوفّى سنة 726 هجريّة ، نشر دليل ما ، قم.

232 - معاني الأخبار : للشيخ الصدوق ، المتوفّى سنة 381 هجريّة ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة

الجماعة المدرّسين ، قم.

233 - المعجم الأوسط : لسليمان بن أحمد الطبراني ، المتوفّى سنة 360 هجريّة، نشر دار الحرمين للطباعة

والنشر والتوزيع.

234 - معجم البلدان : لأبي عبد اللّه ياقوت الحموي ، المتوفّى سنة 626 هجريّة ، نشر دار إحياء التراث -

العربي ، بيروت.

235 - معجم رجال الحديث : للسيّد أبو القاسم الخوئي ، المتوفّى سنة 1411 هجريّة.

236 - المعجم الصغير : لسليمان بن أحمد الطبراني ، المتوفّى سنة 360 هجريّة ، نشر دار الكتب العلمية ،

بيروت.

237 - المعجم الفلسفي : لجميل صليبا المعاصر ، نشر الشركة العالميّة للكتاب.

238 - المعجم الكبير : لسليمان بن أحمد الطبراني ، المتوفّى سنة 360 هجريّة، نشر دار إحياء التراث

العربي.

239 - معجم المؤلفين : لعمر رضاكحالة ، نشر مكتبة المثنّى ودار إحياء التراث العربي، بيروت.

240 - معرفة الثقات : للعجلي، المتوفّى سنة 261 هجريّة ، نشر مكتبة الدار ، المدينة المنوّرة.

ص: 280

241 - المعيار والموازنة : للشيخ أبي جعفر الأسكافي ، المتوفّى سنة 220 هجريّة.

242 - المغني في أبواب التوحيد : للقاضي عبد الجبّار ، المتوفّى سنة 415 هجريّة ، نشر الدار المصرية .

243 - مفتاح الفلاح للشيخ البهائي ، المتوفّى سنة 1031 هجريّة، نشر منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت.

244 - مكاتيب الرسول صلی الله علیه و آله و سلم : الشيخ علي الأحمدي الميانجي ، نشر دار الحديث.

245 - مقتل الإمام الحسين علیه السلام:الموفق بن أحمد الخوارزمي، المتوفّى سنة 568 هجريّة، نشر مكتبة

المفيد ، قم.

246 - مكارم الأخلاق : للشيخ رضي الدين الطبرسي ، المتوفّى سنة 548 هجريّة، نشر منشورات الشريف

الرضي ، قم .

247 - مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا ، المتوفّى سنة 281 هجريّة ، نشر مكتبة القرآن للطبع والنشر والتوزيع ، القاهرة .

248 - الملاحم والفتن : للسيّد رضي الدين بن طاووس ، المتوفّى سنة 664 هجريّة، نشر مؤسسة صاحب

الأمر علیه السلام.

249 - الملل والنحل : لأبي الفتح محمّد الشهرستاني ، المتوفّى سنة 548 هجريّة، نشر دار المعرفة، بيروت.

250 - المناقب : للموفّق بن أحمد الخوارزمي، المتوفّى سنة 568 هجريّة، نشر مؤسسة النشر الإسلامي

التابعة لجماعة المدرّسين، قم .

251 - مناقب آل أبي طالب : لابن شهرآشوب، المتوفّى سنة 588 هجريّة ، نشر المكتبة الحيدريّة ، النجف

الأشرف .

252 - من لا يحضره الفقيه : للشيخ الصدوق، المتوفّى سنة 381 هجريّة ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي

التابعة لجماعة المدرّسين ، قم.

253 - منهاج الكرامة : للعلامة الحلّي ، المتوفّى سنة 726 هجريّة ، نشر انتشارات تاسوعاء ، مشهد.

ص: 281

254 - المواقف : للإيجي ، المتوفّى سنة 756 هجريّة ، نشر دار الجيل .

255 - مواهب الجليل : للحطاب الرعيني ، المتوفّى سنة 954 هجريّة ، نشر دار الكتب العلميّة ، بيروت.

256 - الموطأ : لمالك بن أنس ، المتوفّى سنة 179 هجريّة، نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت.

257 - ميزان الاعتدال : لأبي عبد اللّه محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، المتوفّى سنة 748 هجريّة ، نشر دار

المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت .

258 - النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر : للعلّامة الحلّي، المتوفّى سنة 726 هجريّة ، شرح

الفاضل المقداد السيوري ، المتوفى سنة 826 هجرية ، نشر دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.

259 - نظم درر السمطين : لجمال الدين محمّد بن يوسف الزرندي الحنفي ، المتوفّى سنة 750 هجريّة . 260 - نقد الرجال : للسيّد مصطفى بن الحسين التفرشي الحسيني ، من أعلام القرن الحادي عشر الهجري ،

نشر مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، قم.

261 - النهاية : للشيخ محمّد بن الحسن الطوسى ، المتوفّى سنة 460 هجريّة، نشر انتشارات قدس محمدي ،

قم .

262 - نهاية الإقدام في علم الكلام للشهرستاني ، المتوفّى سنة 548 هجريّة ، نشر دار الكتب العلميّة.

263 - نهاية المرام في علم الكلام للعلّامة الحلّي ، المتوفّى سنة 726 هجريّة ، نشر مؤسسة الإمام

الصادق علیه السلام، قم .

264 - نهج البلاغة : مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علیه السلام، نشر دار المعرفة

للطباعة والنشر ، بيروت.

265 - نهج الحق وكشف الصدق : للعلّامة الحلّي ، المتوفّى سنة 726 هجريّة، نشر مؤسسة الطباعة والنشر

دار الهجرة، قم .

266 - الهداية الكبرى: للمحسين بن حمدان الخصيبي ، المتوفّى سنة 334 هجريّة ، نشر مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.

ص: 282

267 - هدية العارفين: الإسماعيل باشا البغدادي ، المتوفّى سنة 1339 هجريّة ، نشر دار إحياء التراث

العربي ، بيروت.

268 - الوافي بالوفيات : للصفدي ، المتوفّى سنة 764 هجريّة ، نشر دار إحياء التراث .

269 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة : للشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي، المتوفّى سنة

1104 هجريّة ، نشر مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، قم.

270 - وضوء النبي صلی الله علیه و آله و سلم: السيّد علي الشهرستاني ، نشر المؤلف.

271 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان : لابن خلّكان ، المتوفّى سنة 681 هجريّة ، نشر دار الثقافة.

272 - ينابيع المودّة لذوي القربي : للشيخ سليمان القندوزي ، المتوفّى سنة 1294 هجريّة ، نشر دار الأسوة

للطباعة والنشر.

ص: 283

ص: 284

فهرس المحتويات

مقدّمة التحقيق...5

المؤلّف في سطور...7

نسبه ...7

زمانه ... 8

كتابه الآخر ... 8

اسم الكتاب ...9

وصف النسخة ...10

طريقة التحقيق...11

مقدّمة المؤلّف...15

أمّا المقدّمة ففى العقائد...17

الدلائل

دليل واجب الوجود...20

في الاسم والمسمّى...23

ص: 285

الأحديّة والواحديّة ...25

نفى ما لا يليق به تعالى ...26

دليل بُطلان الشريك ...29

كمال قدرة القادر تعالى ...29

الصفات الثبوتيّة...32

تفسیر قدرته تعالی ...32

تفسیر قدمه تعالی ...33

تفسیر علمه تعالی ...33

الردّ على الفلاسفة ...36

بطلان الفرد الممكن ...37

مع بعض العامة ...38

دلیل بطلان الشريك للّه تعالى ...40

دليل خلق الخير والشر ...43

دليل التمليك ...45

دليل حصر الأعمال في ثلاثةٍ لا غير ...50

الإرادة والمشيئة...52

إبطال قول : المعصية فعل اللّه تعالى ...54

دليل خلق الطاعة والمعصية...57

الإنكار على من قال : السيئة منه تعالى ...59

كلّ شيء بإذنه تعالى....62

دليل حدوث الأسماء...65

ص: 286

دليل البداء ...70

دليل منع الرؤية ...79

دلائل الروح على كمالات الخالق...83

دليل خلق القرآن ...89

دليل العدل ...100

عودة إلى مبحث خلق الأعمال...102

امتناع خلف الوعد منه تعالى ... 105

دليل بُطلان الجبر والتفويض، ونسبة الأفعال الصادرة من العباد إلى الله تعالى ...107

بطلان التفويض ...107

دليل خلق الخَلْق على أجزاءٍ متفاوتةٍ ...112

اختار اللّه لنفسه ما أحبّ من خلقه ... 115

استمرار الإمامة...116

دليل السهو الذي هو من لوازم الخلق...119

من ثمرات السهو ...121

دليل ثبوت العصمة عقلاً ونقلاً...125

أخبار العامة في الإمامة ...132

نقل كلام الجاحظ...135

أسرار الغيبة ...197

الخاتمة ...228

دليل ثبوت المتعة...228

دليل ثبوت المسح...232

ص: 287

دليل الرجعة...235

دليل الخطأ فى منع الزهراء ...238

دليل الخطأ في الشورى ...244

دليل الخطأ في حرب القاسطين لعليّ علیه السلام...249

دليل الخطأ في الدفن والتهجّم في بيوت الأنبياء من غير إذنٍ...252

دليل نكث بيعة الرضوان لبعضٍ...254

دليل المساءلة...257

نهاية الرسالة ...261

فهرس مصادر التحقيق...262

ص: 288

المركز الاسلامی للدراسات الاستراتحییه

islamic.css@gmail.com

رقم الإصدار (7)

ص: 289

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.