العلاقة بين القيادة و الاُمّة خلال رؤية نهج البلاغة

هوية الکتاب

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ

اسم الكتاب: العلاقة بين القيادة والاُمّة

المؤلف: شهيد المحراب آية الله السيد محمد باقر الحكيم (قد)

الطبعة: الاُولی 1425ه_ - 2004م

الناشر: انتشارات الإمام الحسين (ع) للطباعة و النشر و التبيليغ

طُبع من هذا الكتاب 5000 نسخة في مطبعة بهمن - قم المقدسة

شابك: 9-65-7371-964:ISBN

ص: 1

اشارة

أنوار الحكمة

العلاقة بين القيادة و الاُمّة خلال رؤية نهج البلاغة

السيد محمد باقر الحكيم

ص: 2

عکس

ص: 3

ص: 4

تمهيد

قد شاطر نهج البلاغة القرآن الكريم في الوعظ و الإرشاد، و الأحكام، و تربية الفرد و المجتمع، و هو تجسيد حي لكتاب الله و تعاليم الإسلام، و دستور لحياة أفضل و نظام أكمل، و ما تحتاجه الدولة العادلة بنظرة شمولية و دقّة و اعية.

و هو الكنز الثريّ الذي كلّما اقترف منه العارفون ازداد عطاءاً؛ و كلّما استنار فيه المفكّرون شعش نوره وضاءاً. فهو الجوهرة اليتيمة التي لا تخفو، و الشعلة النورانية التي لا تخبو.

و قد تناول القائد المفكّر سماحة آية الله المجاهد السيّد محمّد باقر الحكيم دام ظلّه، و أدلى دلوه في نهج البلاغة مستخرجاً من كوامنه حلية

ص: 5

نلبسها و لئالیء نسجها بيراعه الشريف منتهلاً من معينه حول القيادة و متطلّباتها، و علاقة الأُمّة بالقائد، والقائد بالأُمّة.

و القيادة في هذه الحقبة الزمنية أصبحت محور و مدار حديث المجتمعات بعدما أرست الجمهورية الإسلامية قواعدها على الأرض و أثبتت أعمدتها و ترجمت الإسلام إلى الواقع العملي.

فكشف سماحته النقاب عن مميّزات و صفات القائد الإسلامي، و ما على الأُمّة الإسلامية من التزامات اتجاه قائدها.

فجاء - هذا الكتاب - من ضروريات ثقافة العصر، و من أوليات خلفيات المسلم في معرفة الحاكم السائر على نهج القرآن، من غيره.

و نحن نقدِّم هذه السلسلة الثقافية الجماهيرية (أنوار الحكمة)، سائلين الله أن نوفّق للاستفادة و الاستنارة من فكر سيّدنا المفدّى دام ظلّه.

الناشر

ص: 6

مقدمة:

تشكّل دراسة العلاقة بين القيادة الإسلامية و الأُمّة من خلال رؤية (نهج البلاغة) تصوراً أصيلاً للعلاقة من وجهة نظر إسلامية، لأن النصوص التي جاءت في نهج البلاغة مضافاً إلى الأصالة التي تتميّز بها في أنّها نصوص منسوبة إلى أعظم شخصية علمية من أصحاب النبي صلی الله علیه و آله و سلم و تلامذته كما دلّت على ذلك النصوص المتواترة التي رواها الفريقان الإماميّة و بقيّة المذاهب الإسلامية، كذلك تمتاز هذه النصوص فى أنّها جاءت مواكبة لحركة الأُمّة و معالجة لقضاياها و مشاكلها لأنّ أكثرها صدر من الامام علي علیه السلام في أيّام خلافته و لمعالجة ظروفها و أحداثها، ومن هنا كان

ص: 7

نهج البلاغة كتاباً إسلاميّاً هاماً يتبع القرآن الكريم في الشكل و المضمون.

و نحن بحاجة إلى هذه الرؤية في هذا العصر بعد أن أخذت القيادة الإسلامية موقعها الطبيعي من الأُمّة و هو موقع الحكم و إدارة شؤون البلاد بعد أن كانت القيادة لمدّة طويلة من الزمن تمارس وجودها في خارج هذا الإطار.

كما ان تشخيص هذه العلاقة و تطبيقها مصداقياً في الواقع العملي له أهمية كبيرة و أساسية في قدرة المجتمع الإسلامي على تفجير الطاقات الكامنة فيه و التقدّم باضطراد نحو أهدافه و قوّته و تماسكه ومن ثمَّ قدرته على مواجهة أعدائه في الصراع الذي يخوضه المسلمون ضد قوى الاستكبار.

و قد وجدنا ان هذه العلاقة - في هذا العصر - كان لها دور كبير في قدرة الثورة الإسلامية على تحقيق الانتصار على نظام الشاه المقبور، و كذلك قدرتها على الصمود في مواجهة الهجمة الاستكبارية التي كانت و لا تزال تقودها

ص: 8

أمريكا ضد الإسلام و الدولة الإسلامية.

إذن فإنّ هذا التصوّر يعتبر في الحقيقة تصوراً لمفتاح و سرّ النجاح و التوفيق في جميع مجالات الحياة للمجتمع لأن الكيان الإسلامي يعتمد في وجوده و قوّته و تطوّره بعد شخصية القيادة و وعي الأُمّة و وحدتها على طبيعة العلاقة بين القيادة و الأُمّة، فانّهما عندما يكونان في موقع واحد و في حركة متجانسة واحدة يمكن أن يتحقّق للجميع هذا التطوّر و القوّة، بحيث إذا فقد أحدهما أو أُصيبت حالة الإنسجام أو التناسق بينهما بالخلل أو الضعف، يفقد المجتمع الإسلامي وجوده وقوّته أو قدرته على التطوّر، ولا يتحقّق ذلك إلّا من خلال تشخيص طبيعة العلاقة.

و قد أشار الإمام علي علیه السلام إلى أهمية هذه العلاقة بقوله: «ثم جعل سبحانه من حقوقه حقوقاً افترضها لبعض الناس على بعض فجعلها تتكافاً في وجوهها و يوجب بعضها بعضاً و لا يستوجب بعضها إلّا ببعض، و أعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حقّ الوالي على الرعية

ص: 9

و حق الرعية على الوالى فريضة فرضها الله سبحانه لكل على كل فجعلها نظاماً لألفتهم وعزّاً لدينهم.

فليست تصلح الرعية إلّا بصلاح الولاة، و لا تصلح الولاة إلّا باستقامة الرعية، فإذا أدّت الرعيّة إلى الوالي حقّه، و أدّى الوالي إليها حقّها عزّ الحق بينهم وقامت مناهج الدين، و اعتدلت معالم العدل، و جرت على إذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان، و طمع في بقاء الدولة، و يئست مطامع الأعداء، و إذا غلبت الرعيّة و اليها أو أجحف الوالي برعيته، اختلفت هنالك الكلمة، و ظهرت معالم الجور، و كثر الادغال في الدين، و تركت محاجّ السنن، فعُمِلَ بالهوى، وعطّلت الأحكام، و كثرت علل النفوس، فلا يستوحش لعظيم حق عُطّل، و لا لعظيم باطل فعُل. فهناك تذلّ الأبرار، و تعز الأشرار، و تعظم تبعات الله سبحانه عند العباد...» (1)

و من هنا فسوف نتناول في هذا البحث المختصر

ص: 10


1- الخطبة: 216

(القيادة) و (الاُمّة) من خلال تصوّر (العلاقة) بينهما فقط، و لا ندخل في التفاصيل الأُخرى المرتبطة بالأُمّة و القيادة.

و حتّى بعض الموضوعات التي نتناولها ممّا يرتبط بالعلاقة سوف نكتفي بتناولها من هذه الزاوية و البّعد و نترك الأبعاد الأُخرى لها إلى بحوث اُخرى.

و من هنا فإنّ دراسة هذا الموضوع يمكن أن تكون ضمن المحاور الثلاثة التالية:

الأول: العلاقة من خلال واجبات القيادة تجاه الاُمّة.

الثاني: العلاقة من خلال واجبات الأُمّة تجاه القيادة.

الثالث: شكل العلاقة كما يتصوّرها الإسلام.

فهنا ثلاثة فصول من البحث:

ص: 11

الفصل الأوّل: العلاقة من خلال واجبات القيادة الإسلامية

يمكن أن نحدّد واجبات القيادة الإسلامية تجاه الأُمّة في التصوّر الإسلامي بالأُمور الرئيسية التالية:

أوّلاً: إقامة الحجّة على الأُمّة و تلاوة آيات الله عليها و إبلاغها الرسالة الإلهية و المسؤولية الملقاة على عاتقها تجاه الله تعالى.

ثانياً: تزكية الاُمّة و تربيتها و الإشراف على مسيرتها و العمل على جعلها متطابقة مع الشريعة و إقامة العدل و الأمر

ص: 12

بالمعروف و النهي عن المنكر و تحريرها من الأغلال و القيود و العبودية لغير الله.

ثالثاً: تعليم الأُمّة الشريعة الإسلامية، وهدايتها إلى العقائد و السُنن التاريخية و بيان مواضع الاعتبار و الإنذار في مسيرتها.

رابعاً: تعبئة طاقات الاُمّة و توظيفها في الدفاع عن الاسلام و الجهاد في سبيل الله عند تعرّض بلاد الإسلام إلى العدوان من قبل أعداءه.

فقد ورد في القرآن الكريم آيات عديدة توضّح هذه الواجبات في هذه الاُمور، ففي صورة الجمعة يذكر القرآن الكريم الواجبات الثلاثة الاُولى:

(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (1)

وفي سورة التوبة و التحريم يذكر القرآن الواجب

ص: 13


1- الجمعة: 2

الرابع:

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (1)

حيث وردت هذه الآية الكريمة في سورة التوبة في سياق الحديث عن طبيعة العلاقات بين المؤمنين في المجتمع الإسلامي و حصر هذه العلاقات كما في قوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (2)، و كذلك وردت في سورة التحريم في سياق بیان واجبات المؤمنين (3)

ص: 14


1- التوبة: 73 و التحريم: 9
2- التوبة: 71 و 72
3- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (التحريم: 8).

و يؤكد القرآن هذه الواجبات في آيات اُخرى مثل قوله تعالى:

(وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا * وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) (1).

و قوله تعالى:

(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ

ص: 15


1- الفرقان: 50 - 52

مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (1)

و قوله تعالى:

(... فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ * وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (2)

إلى غير ذلك من الآيات الكريمة التي تتحدّث عن الاُمورالسابقة التي ذكرناها و تتناول الأبعاد المختلفة لواجبات القيادة الإسلامية.

و من خلال مراجعة نصوص نهج البلاغة، يمكن أن نجد هذه الواجبات و الأبعاد واضحة في التصوّر الذي كان يلتزم به الإمام عليّ علیه السلام في السيرة العملية له فضلاً عن الرؤية النظرية.

لاحظ النصوص التالية:

ص: 16


1- الأعراف: 157
2- النحل: 35 - 36

أ - «... فأمّا حقّكم عليّ فالنصيحة لكم و توفير فيئكم عليكم و تعليمكم كيلا تجهلوا و تأديبكم كيما تعلموا...» (1)

ب - «... و انّه لابدَّ للناس من أمير... يجمع به الفيء و يقاتل به العدوّ و تأمن به السُبل و يؤخذ به للضعيف من القوي...» (2)

ج - «أمّا بعد فإنّك ممّن استظهر به على إقامة الدين و أقمع به نخوة الأثيم و أسدَّ به لهاة الثغر المخوف...» (3).

د - «... انّه ليس على الإمام إلّا ما حمل من أمر ربّه الإبلاغ في الموعظة، و الإجتهاد في النصيحة، و الاحياء للسنّة، و إقامة الحدود على مستحقيها و إصدار السُّهمان على أهلها...» (4)

ه_ - «... و لكم علينا العمل بكتاب الله و سيرة رسول

ص: 17


1- الخطبة 34
2- الكلام 40
3- الكتاب 46
4- الخطبة 105

الله صلی الله علیه و آله و سلم و القيام بحقّه و النعش لسنّته» (1)

أسس العلاقة في إدارة هذه الواجبات

و قد حدّدت النظرية الإسلامية الإطار العام و الاُسس التي تقوم عليها العلاقة مع الرعية والاُمة في اداء هذه الواجبات و المسؤوليات الملقاة على عاتق القيادة الإسلامية، و لم تترك الباب مفتوحاً أمام القيادة لتتصرّف بالطريقة و الاُسلوب الذي تختاره في تنفيذ هذه المهمّات، و هذا الموضوع هو الذي يعنينا في البحث هنا.

و يمكن أن نلخّص هذه الاُسس التي تشكّل الإطار العام لطبيعة هذه العلاقة بالنقاط التالية، علماً بأن هذه الاُسس يمكن أن نستفيدها من القرآن الكريم - أيضاً - مضافاً إلى ما ورد في نهج البلاغة عن الإمام عليّ علیه السلام :

ص: 18


1- الخطبة 169

1 - الحقوق المتبادلة:

ان هذه الواجبات في الوقت الذي تمثّل حقّاً للاُمّة على القيادة لابد من ادائه للاُمّة و تمكينها منه، تمثل - أيضاً - مسؤولية تلتزم بها الاُمّة تجاه القيادة بما يتناسب مع هذا الحق، فإنّ الحقوق متكافئة بين الوالي و الرعية و بين القيادة و الاُمّة.

«أمّا بعد فقد جعل الله سبحانه لي عليكم حقّاً بولاية أمركم و لكم عليَّ من الحق مثل الذي لي عليكم. فالحق أوسع الأشياء في التواصف و أضيقها في التناصف، لا يجري لأحد الاجرى عليه، و لا يجري عليه إلّا جرى له، و لو كان لأحد أن يجري له و لا يجري عليه لكان ذلك خالصاً لله سبحانه دون خلقه...» (1)

2 - التسامح و اللّين:

ان تكون الروح التي تستند إليها العلاقة في اداء هذه

ص: 19


1- الخطبة 216

الواجبات و المسؤوليات هي روح الرأفة و الرحمة و التسامح و اللّين و الإحسان و حسن الظنّ من قبل القيادة تجاه الاُمة لأنّ القيادة في موقع القوّة و بيدها الإمكانات و هي تتولّى المسؤولية و الإشراف و تملك الرؤية الشمولية و العامة.

كما ان هذه الروح هي الروح العامّة التي يجب أن تحكم العلاقات بين المؤمنين جميعاً فضلاً عن القيادة التي يجب أن تمثِّل القدوة لهم.

فقد وصف القرآن الكريم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بالرحمة و اللين و الرأفة و الشعور بالمسؤولية تجاه الاُمّة كما في قوله تعالى:

(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ...) (1)

و قوله تعالى:

ص: 20


1- آل عمران: 159

(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)(1)

كما وصف القرآن الكريم العلاقة بين المؤمنين أنّها علاقة رحمة و تواضع:

(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ...)(2)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ...) (3)

وقد كتب الإمام علي علیه السلام في عهده لمالك الأشتر:

«... و اشعر قلبك الرحمة للرعية و المحبّة لهم و اللّطف بهم و لا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم فإنّهم صنفان: امّا أخٌ لك في الدين أو نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل و تعرض لهم العلل و يؤتى على أيديهم في

ص: 21


1- التوبة: 128
2- الفتح: 29
3- المائدة: 54

العمد و الخطأ فاعطهم من عفوك و صفحك مثل الذي تحبّ و ترضى أن يعطيك الله من عفوه و صفحه...

و لا تقولنّ: أني مؤمّر، آمر فأُطاع فإن ذلك ادغال في القلب و منهكة للدين...»(1)

و في نصّ آخر يحدّد الإمام علیه السلام طبيعة التعامل مع (الدهاقين) و هم أولئك القسم من الرعية الذين كانوا لا يؤمنون بالدولة الإسلامية عقائدياً و لكن يعيشون فيها من خلال العهود و المواثيق:

«و أما بعد فإنّ دهاقين أهل بلدك شكوا منك غلظة و قسوة و احتقاراً وجفوة و نظرت فلم أرهم أهلاً لأن يدنوا لشركهم و لا أن يقصوا و يجفوا لعهدهم فالبس لهم جلباباً من اللّين تشوبه بطرف من الشدّة و داول لهم بين القسوة و الرأفة و أمزج لهم بين التقريب و الادناء و الابعاد

و الاقصاء إن شاء الله» (2)

ص: 22


1- العهد 53
2- الكتاب 19

«و اعلم أنّه ليس شيء بأدعى إلى حسن ظنّ راعٍ برعيته من احسانه إليهم و تخفيفه المؤونات عليهم و ترك استكراهه إيّاهم على ما ليس له قبلهم. فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظنّ برعيتك فإنّ حسن الظنّ يقطع عنك نصباً طويلاً...» (1).

3- المساواة بين الناس:

المساواة في التعامل بين أفراد الاُمّة في الحق. فإنّ أبناء الاُمّة من الناس و إن كانوا يختلفون في الكثير من الخصائص والامتيازات، وهذه الخصائص و الامتيازات قد يكون لها حقوق أعطاها الشارع لهذا النوع من الناس مثل التقوى و العلم والجهاد والإحسان... و من ثمََّ فالتمييز في هذه الحقوق أمر طبيعي يقوم على أساس الحق و العدل. و هذا أمرٌ تتفق عليه جميع الشرائع الإلهية و القوانين الوضعية.

ص: 23


1- العهد 53

و لكن الحديث في المساواة انّما هو في الحقوق العامّة التي يشترك فيها الناس جميعاً كحقّ الحياة و الأمن و التعلّم و التعبير عن الرأي و الدفاع عن النفس في القضايا المادية و المعنوية و حق ممارسة العبادات و الشعائر الإسلامية وغير ذلك.

فإنّ القيادة يجب أن تقوم علاقتها بالاُمّة على أساس المساواة بين الناس في هذه الحقوق و لا يصح لها التمييز بين أفراد الاُمّة فيها فيكون للقضاء مثلاً موقف تجاه الشريف و حتى العالم و المتّقي لا يختلف عن موقفه تجاه الوضيع أو الجاهل و هكذا في جميع الحقوق الاُخرى.

و قد أكّد القرآن على هذه الحقيقة كما أكّدها الإمام عليّ علیه السلام:

«أما بعد فإنّ الوالي إذا اختلف هواه منعه ذلك كثيراً من العدل فليكن أمر الناس عندك في الحقّ سواء فإنّه ليس في الجور عوض من العدل...» (1)

ص: 24


1- كتاب: 59

و في هذا المجال يحدِّد الإمام عليّ علیه السلام الملاحظات التالية:

أبعاد المساواة بين الناس:

أ) الإنصاف من النفس في التعامل مع الرعية، و كذلك الإنصاف من جميع اُولئك الأشخاص المحسوبين على القيادة كالأهل و الأصدقاء.

«... انصف الله و انصف الناس من نفسك و من خاصّة أهلك و من لك فيه هوى من رعيتك فإنّك ألا تفعل تظلم و من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده...» (1)

میزان اختيار الشخصيات:

ب) أن يختار لأعماله و خاصّته الأفراد الذين يتّصفون بالتفوى والصفات الحميدة وان يكون أساس الاختيار المواصفات الموضوعية ذات العلاقة بكمال الشخصية

ص: 25


1- العهد: 53

و الكفاءة، لا أصحاب الصفات الذميمة حتى لو كانوا من الأقرباء في النسب أو الحسب.

«و ليكن أبعد رعيتك عنك و أشنأهم عندك أطلبهم لمعائب الناس، فإنّ في الناس عيوباً الوالي أحقّ من شرّها فلا تكشفنّ عمّا غاب عنك منها فإنّما عليك تطهير ما ظهر لك و الله يحكم على ما غاب عنك...

و لا تجعلنّ إلى تصديق ساع فإن الساعي غاش و إن تشبّه بالناصحين...

و لا تدخلنّ في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل...

و لا جباناً يضعفك في الاُمور...

و لا حريصاً يزيّن إليك الشره بالجور فإنّ البخل و الجبن و الحرص غرائز شتّى يجمعها سوء الظنّ بالله.

أن شرّ وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيراً ومن شركهم في الاثام فلا يكوننّ لك بطانة فإنّهم أعوان الأئمة و اخوان الظلمة.

ص: 26

و الصق بأهل الورع و الصدق...

و اكثر مدارسة العلماء و مناقشة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك...» (1)

ترجيح العامّة على الخاصة في المعاملة:

ج) تقديم جانب مصالح العامّة على جانب مصالح الخاصّة من الناس عند اتخاذ القرارات التي تهم عموم المسلمين و ذلك في الموارد التي تتضارب فيها المصالح.

و هذا يعطينا ميزاناً هامّاً في طبيعة العلاقة مع الاُمّة تختلف فيه النظرية الإسلامية عن النظريات الوضعية عندما تكون مصلحة الجماعة الخاصّة من الناس إلى جانب من القرار يختلف عن الجانب الذي تكون فيه مصلحة العامّة.

و هذا التصوّر في الوقت الذي يعبّر عن الحق يعبّر - أيضاً - عن تقييم الإمام لموقف العامّة و الخاصّة و الدور الذي يمكن أن يقوم كل منهما به في الحياة الاجتماعية.

ص: 27


1- العهد 53

أقرأ النص التالي:

«... و ليكن أحبّ الاُمور إليك أوسطها في الحق و أعمّها في العدل و أجمعها لرضى الرعية، فإن سخط العامّة يجحف برضى الخاصّة و ان سخط الخاصّة يغتفر مع رضى العامّة و ليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء و أقلّ معونة في البلاء و أكره للإنصاف و أسأل بالإلحاف و أقلّ شكراً عند الإعطاء و أبطأ عذراً عند المنع و أضعف صبراً عند ملمّات الدهر من أهل الخاصّة و أنّما عماد الدين و جماع المسلمين و العدّة للأعداء العامة من الاُمّة، فليكن صغوك لهم وميلك معهم...» (1)

الموقف من السنن الصالحة في الاُمّة:

د) ابقاء السنن الصالحة التي تربّت عليها الاُمّة أو الأعمال و المشاريع الخيرية التي عرفتها الاُمّة و تأكيدها و الاهتمام بها حيث أنّها أصبحت جزءاً من تراث الاُمّة

ص: 28


1- العهد 53

تتفاعل معها مشاعرها و أحاسيسها و تشكّل قاعدة للارتباط و البناء الاجتماعي.

«... و لا تنقض سنّة صالحة عمل بها صدور هذه الاُمّة و اجتمعت بها الاُلفة و صلحت عليها الرعية، و لا تُحدثنّ سنّة تضرّ بشيء من ماضي تلك السُنن فيكون الأجر لمن سنّها و الوزر عليك بما نقضت منها...» (1)

ص: 29


1- العهد 53

الفصل الثاني: علاقة الاُمّة تجاه القيادة

ان القضايا الأساسية المطروحة في بُعد علاقة الاُمّة بالقيادة الإسلامية تتمثّل بالاُمورالتالية:

الأول: انتخاب الاُمّة للقيادة (البيعة).

الثاني: الولاءُ السياسي.

الثالث: الطاعة.

الرابع: القدوة.

فان هذه القضايا تمثّل محور العلاقة بين الاُمّة

30

ص: 30

و القيادة. و بمقدار ما تتجسّد هذه القضايا في حياة الاُمّة و حركتها تتكامل العلاقة و تصبح ذات أثر فاعل و مؤثر في تطوّر الاُمّة و قدرة القيادة على اداء وظيفتها في الحياة.

ص: 31

الأول: الانتخاب

و تبدأ هذه العلاقة بقضية الانتخاب و البيعة في ظروف القيادة غير المعصومة (1) التي تعتمد في شرعيتها - بعد توفّر الشروط الموضوعية فيها من العلم و العدالة العالية و الخبرة السياسية و الادارية و الشجاعة وغير ذلك من الصفات المقرّرة في الفقه - على رأي الاُمّة و اختيارها للقيادة (2).

و هذا الانتخاب تارة يكون بشكل طبيعي و تدريجي

ص: 32


1- القيادة المعصومة هي قيادة الأنبياء و الأئمة الأطهار الذين نص على إمامتهم كما يعتقد بذلك الإمامية الاثنا عشرية، و تكون البيعة لهم واجبة و تعبير عن العهد و الميثاق مع الله و معهم استجابة لاختيار الله لهم.
2- شرحنا وجهات النظر المختلفة في هذا الموضوع و ناقشناها فقهياً في كتابنا (الحكم الإسلامي المعاصر بين النظرية و التطبيق).

كما هو الحال في انتخاب القيادة التي تكون في نفس الوقت مرجعاً للفتيا في فترة ما قبل قيام الدولة و امتلاك الاُمّة لإرادتها و اختيارها في الانتخاب. كما هو الحال في المراجع القادة الذين تولوا قيادة الاُمّة في مواجهة الطغيان و الاستبداد أو الكفر و الضلال. كما تحقق ذلك في زماننا هذا في انتخاب الامام الخميني قدس سره من قبل الاُمّة... و اُخرى يتم الانتخاب عن طريق التصويت المباشر أو غير المباشر وعن طريق الخبراء الذين انتخبتهم الاُمّة.

كما هو الحال - أيضاً - في فكرة انتخاب أهل الحل و العقد الذين تمّت البيعة من خلالهم - كما قيل - في عصر الخلافة الأوّل.

و لعل أوضح صورة لذلك هي الطريقة التي تمّ بها انتخاب الامام عليّ علیه السلام في العصر الأول للخلافة كما يؤكّد ذلك الامام علي علیه السلام في (نهج البلاغة) فيصفها بالنصوص التالية: «فأقبلتم إلى اقبال العوذ المطافيل على أولادها

ص: 33

تقولون: البيعة البيعة! قبضت كفّي فبسطتموها و نازعتكم يدي فجاذبتموها...» (1)

«انّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان على ما بايعوهم عليه فلم يكن للشاهد أن يختار و لا للغائب أن يرد و انّما الشورى للمهاجرين و الأنصار فان اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان ذلك الله رضي...» (2)

«فما راعني إلّا و الناس كعرف الضبع اليّ ينثالون عليَّ من كل جانب حتّى وطيء الحسنان و شقّ عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم...» (3)

«... و بايعني الناس غير مستكرهين و لا مجبرين بل طائعين مخيّرين...» (4).

ص: 34


1- الكلام 137
2- الكتاب 6
3- الخطبة 3
4- الكتاب 1

المحتوى الأخلاقي و السياسي للانتخاب

و تؤكد قضية الانتخاب في علاقة الاُمّة مع القيادة عدّة قضايا كما يبدو من رؤية الامام عليّ علیه السلام:

الاُولی: ان هذه العلاقة تقوم على أساس الحرية و الإرادة و الاختيار و ليست أمراً مفروضاً على الاُمّة و أنّما هي تعبير عن إرادتها.

الثانية: ان هذه العلاقة كما هي اختيار و إرادة تمثّل في الوقت نفسه مسؤولية تتحمّلها الاُمّة تجاه المجتمع و تطوّره و حركته، إذ بدون القيادة لا يمكن أن يتكامل المجتمع، ولذا فهي مسؤولة عن أصل هذا الانتخاب و مسؤولة - أيضاً - عن انتخاب الفرد (الأفضل، و الأكمل) لأنّه الأحقٌ بها كما يصرّح الامام (عليّ علیه السلام) في مواضع اُخرى من نهج البلاغة:

«أيُّها الناس ان أحقّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه و أعلمهم بأمر الله فيه فإن شغب شاغب استعتب فإن أبى

ص: 35

قوتل، و لعمري لئن كانت الامامة لا تنعقد حتى يحضرها عامّة الناس فما إلى ذلك سبيل ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها، ثم ليس للشاهد أن يرجع و لا للغائب أن يختار...» (1)

الثالثة: ان هذا الاختيار عقد لازم للاُمة لا يمكنها أن تتخلّى عنه بعد ذلك باختيارها و إرادتها و ليس حالها في ذلك كما هو حالها في البداية، بل يلزمها تحمّل مسؤوليته المستقبلية إلّا ان يتغيّر موقف القيادة و ينحرف عن جادة الصواب و الصراط المستقيم.

كما نلاحظ ذلك في النص الثاني السابق و في نهاية النص الأخير مضافاً إلى ذلك - أيضاً - ما ورد في النهج من قوله علیه السلام:

«... لأنّها بيعة واحدة لا يثنى فيها النظر ولا يستأنف فيها الخيار، الخارج منها طاعن، و المروي فيها مداهن» (2)

ص: 36


1- الخطبة 173
2- الكتاب 7

و كذلك قوله علیه السلام:

«يزعم أنّه قد بايع بيده ولم يبايع بقلبه فقد أقرّ بالبيعة و ادّعى الوليجة، فليأت عليها بأمر يعرف و إلّا فليدخل فيما خرج منه» (1)

ص: 37


1- الخطبة 8

الثاني: الولاء السياسي

ويترتِّب على الانتخاب هذا أن تصبح القيادة بعد الله و الرسالة هي محور الولاء السياسي للاُمّة ومركز الحبّ والعواطف والأحاسيس والمشاعر والاحترام والتقدير من ناحية والعهد والميثاق والالتزام من ناحية اُخری، والنصرة والمساندة والتأييد من ناحية ثالثة. وهذا بخلاف النظريات الاُخرى التي تعتبر الحزب أو النظام هو محور الولاء السياسي. أو النظريات التي ترى الفرد مستقلّاً عن الله تعالى

هو المحور كما في النظريات الديكتاتورية.

ص: 38

الولاء بين الإسلام و النظريات الاُخری

و يمكن أن نرى الفرق في قضية (الولاء) بين النظرية السياسية الإسلامية والنظريات الاُخری الماركسية، الديمقراطية، الكسروية و القيصرية، الدكتاتورية) في نقطتين مهمتين:

إحداهما: ترتبط بمحور الولاء.

و الاُخری: بالمشاعر و الأحاسيس التي تعبّر عن هذا الولاء.

اما النقطة الاُولی فإن النظرية الماركسية ترى أن المحور للولاء في المجتمع هو الحزب و التنظيم الحزبي الذي يمثِّل الطبقة الخاصّة.

و اما النظرية الديمقراطية: ترى ان المحور في الولاء هو الفرد الإنساني وحرّيته الشخصية المطلقة والمنافع والمصالح الخاصة وكل الاُمورلابد أن تصب في هذا المحور، ويكون دور الحزب هو التعبير عن المنهج الذي

ص: 39

يعبّر عن هذا الولاء وان كان الحزب يتحوّل أحياناً فيها إلى محور الولاء للجماعة المرتبطة به في إطار الولاء العام القائم على أساس المصالح، وتقوم علاقة الولاء مع الحاكم على أساس المصالح المتبادلة بين الحاكم و الفرد.

و أما النظرية الكسروية: فهي ترى أن الولاء للفرد الحاكم لأنّه يمثِّل المالكية المطلقة للشعب والاُمّة باعتباره الظل الإلهي في جانب المالكية والجبروت والصلاحيات المطلقة. وهي فكرة منحرفة عن النظرية الإلهية حيث يوضع الحاكم في موقع الله.

و اما النظرية الديكتاتورية: ترى أن الولاء للفرد الحاكم بأنّه يمثِّل أصلح الأفراد في القدرة والقوّة ومن ثمَّ فهو يتّصف بالامتيازات الخاصَّة على الاُمّة.

و اما النظرية الإسلامية فهي ترى الولاء بالأصل الله تعالى و الانسان الصالح هو محور الولاء باعتباره يمثِّل الخلافة الإلهية في إقامة حكم الله، ولا يتبع الهوى في حكمه، كما أنّه في مواصفاته يمثِّل الصفات الإلهية بجميع

ص: 40

أبعادها العدل، الرحمة، الكمال الحق الذي ينطبق مع المصلحة الإنسانية...)، و من هنا يشترط في الحاكم الشروط الموضوعية التي تجسِّد هذه الأبعاد ويتحمّل المسؤوليات التي تعمل على تحقيقها بين الناس (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ...) (1)

و اما النقطة الثانية فان طبيعة المشاعر التي تكمن وراء هذا الولاء هو الحبّ و المودّة في الله و البغض في الله أي من أجل الحق و العدل و تحقيق التكامل الروحي و المادي للمجتمع والرحمة والرأفة وخفض الجناح والذل. هذا في النظرية الإسلامية؛ اما في النظريات الاُخری فإن الشعور الذي يكمن وراء الولاء السياسي هو امّا الخوف والرهبة كما في الدكتاتورية، أو المصلحة المادية والمنفعة الخاصة للطبقة الخاصة (النبلاء أو العمّال أو التجّار...) كما في الماركسية أو الارستقراطية أو المصلحة الشخصية الفردية

ص: 41


1- سورة ص: 26

(البراغماتية) و المكافيلية و الشعور بالأنا والامتياز والمكر وصراع الإرادات كما في الديمقراطية....

أهمية الولاء و الولاية

وهذه القضية (الولاء و الولاية) تعتبر من أهم القضايا المركزية في النظرية الإسلامية تجاه المجتمع الإسلامي ككل و تجاه العلاقة بين الاُمّة والقيادة بشكل خاص.

(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (1)

(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (2)

ص: 42


1- التوبة: 71
2- المائدة: 55 - 56

وقال الإمام علي علیه السلام:

(بنا يستعطى الهدى و يستجلى العمى ان الأئمة من قریش غرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح على سواهم و لا تصلح الولاة من غيره) (1)

و بسبب أهمية هذا الموضوع نجد عليّا علیه السلام يؤكد في نهج البلاغة و في كثير من الخطب على دوره في الحياة الإسلامية وموقعه وأهل البيت من الخلافة في الاسلام وجهاده وعلمه وعلاقته بالنبي ومدرسته وذلك من أجل أن يبني المضمون الحقيقي للولاء (2) في نفوس المسلمين ويرسّخ الحبّ و المودّة له ولنهجه في فهم الإسلام وتطبيقه، حتى أصبح هذا الأمر يمثِّل تيّاراً في الاُمّة الإسلامية لازال يمدّها حتى الآن بالطاقة المحرّكة، وأصبحت قضية الولاء العليا علیه السلام والتشيّع له ولأهل بيته هي القضية المركزية التي عاشتها الاُمّة الإسلامية والمجتمع الإسلامي عدّة قرون.

ص: 43


1- الخطبة 144
2- الذي هو الحبّ والالتزام والنصرة - كما ذكرنا سابقاً.

وقد تحدّث القرآن الكريم عن هذا الموضوع في عدّة آيات منها الآية السابقة من سورة المائدة التي يكاد أن يجمع كبار المفسّرين على نزولها في علیعلیه السلام ومنها قوله:تعالى

(... قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ...)(1)

كما وردت الروايات المستفيضة عن أهل البيت علیهم السلام في تأكيد هذا الموضوع على أساس انّه أهم موضوع في القضية السياسية بعد الايمان بالله و بالرسالة حتى أصبح من أركان الإسلام الخمسة بل أهمّها.

فقد روی زرارة بن أعين في الصحيح:

عن أبي جعفر علیه السلام قال: (بُني الإسلام على خمسة أشياء على الصلاة والزكاة والحجّ والصوم والولاية. قال زرارة: فقلت: و أي شيء من ذلك أفضل؟ فقال: الولاية أفضل، لأنّها مفتاحهنَّ و الوالي هو الدليل عليهن...) إلى أن

ص: 44


1- الشورى: 23

(1)

قال: (أما لو أن رجلاً قام ليله و صام نهاره وتصدّق بجميع ماله وحجّ جميع دهره ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه و يكون جميع أعماله بدلالته اليه ما كان له على الله جل وعز حق في ثوابه و لا كان من أهل الإيمان) و من ثم قال: (أولئك المحسن منهم يدخله الله الجنّة بفضل رحمته) (1).

و لاشك أن هذا العنصر له دور عظيم في قضية العلاقة بين الاُمّة والقيادة لأنّه يمثّل القاعدة الوجدانية والطاقة الحيوية المحرّكة للاُمّة باتجاه حركة القيادة التكاملية، كما يمثّل العهد والميثاق والالتزام بهذه الحركة، والنصرة والشعور بالمسؤولية تجاهها.

وقد لاحظنا تأثير هذا الولاء بشكل واضح في العلاقة بين الاُمّة والقيادة في حركة الثورة الإسلامية في ايران كما عرفنا تأثيره من قبل في صمود هذا الخط الإسلامي الأصيل في مختلف أدوار التاريخ بالرغم من عمليات القمع والمطاردة والمحاصرة.

ص: 45


1- الأصول من الكافي 2: 18

وهذا التصوّر النظري للعلاقة يعبّر عن رؤية متميّزة في النظرية الإسلامية تختلف أساساً عن النظريات (الوضعية) التي تكون القاعدة النفسية في العلاقة فيها أحد أمرين:

الأول: الخوف والرهبة والشعور بالضعة من جانب الاُمّة والامتياز والكبر من جانب القيادة، كما هو الحال في القيادات الدكتاتورية (الفرعونية أو القيصرية أو الكسروية)

الثاني: المصالح والمنافع الذاتية المتبادلة بين القيادة و الاُمّة بحيث تتحوّل العلاقة إلى ما يشبه بالعلاقات التجارية التي تحكمها الأرباح و الخسائر وتقف عند هذه الأرباح والخسائر وتتأثّر بها وتنتهي الرابطة والعلاقة بانتهاء دور القيادة نفسها.

واما في النظرية الإسلامية فقضية الحبّ والمودّة في الله تعالى و العهد و الميثاق والنصرة والمسؤولية هي: الأساس في العلاقة بين القيادة و الاُمّة، و كذلك ما تمثّله القيادة من الدور الإلهي و إحقاق الحق وإقامة العدل في

ص: 46

الاُمّة.

ولعل هذا هو الذي يفسّر لنا قضية الدوام و اللزوم في العلاقة بين الاُمّة و القيادة الاسلامية بعد الانتخاب و البيعة لأن قضية الولاء السياسي قضية أساسية، فلابد من الثبات و الاستقرار فيها لتؤدي دورها بشكل كامل.

ص: 47

الثالث: الطاعة

ان لزوم طاعة القيادة الإسلامية في النظرية الإسلامية في علاقة الاُمّة بالقيادة من الواجبات الواضحة التي أكّد عليها القرآن الكريم (... أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ...) (1)

و قد ورد عن الامام علي علیه السلام في نهج البلاغة انّه قال: «أيّها الناس لي عليكم حقاً و لكم على حق...

و امّا حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة و النصيحة في المشهد و المغيب و الإجابة حين أدعوكم و الطاعة حين

ص: 48


1- النساء: 59

آمركم...» (1)

و لزوم هذه الطاعة ليس من أجل تنظيم المجتمع و في حدود المصالح الذاتية و العامة فحسب، بل كنتيجة طبيعية لعناصر ثلاثة في التصوّر الإسلامي عن القيادة:

أ) ان القيادة في النظرية الإسلامية تمثّل الدور الإلهي في المجتمع لأنّها هي المسؤولة عن بيان الحكم الشرعي اما عن طريق تلقي الشريعة عن الوحي الإلهي كما في القيادة المعصومة، أو استنباطه من أدلّته التفصيلة كالقرآن الكريم و السنّة و العقل و تطبيقه و الاشراف على حركة المجتمع و تطوّره كما أشرنا إلى ذلك في الواجبات الأساسية التي تتحمّلها القيادة تجاه الاُمّة.

و هذه المسؤوليات تفرض ضرورة الطاعة لأنّها طاعة لله تعالى في الوقت نفسه و تمكّن القيادة من القيام بدورها في تزكية المجتمع و تعليمه.

ص: 49


1- الخطبة: 34، وسوف نشير إلى بعض النصوص الاُخری قريباً

ب) ان القيادة تمثّل الاُمّة وتعبِّر عن إرادتها لأن الاُمّة هي التي تنتخب هذه القيادة، و بذلك تصبح هذه الطاعة ذات بُعد اختياري وإرادي ويعبر عن حرية الإنسان في اختياره الطريق التكاملي.

ج) ان الولاء السياسي في مجال الحركة انّما يتمحور حول القيادة و بدون الطاعة لا يصبح الولاء ذا مضمون حقيقي حركي تغييري و يؤثر في سلوك الإنسان، بل يصبح قضية ذاتية و عاطفية، و لذا قرن القرآن الكريم في الآية 71 من سورة التوبة السابقة الطاعة لله و رسوله في ولاء المؤمن للمؤمن.

و مضافاً الى هذه الأبعاد الواقعية، يمكن أن نجد في الطاعة أبعاداً اُخری ترتبط بحركة المجتمع الإسلامي و مصالحه.

1 - ان الطاعة للقيادة الواجدة للشروط الموضوعية التي ذكرناها في القيادة الإسلامية تعني في الحقيقة الالتزام بالطريق الذي يحقّق مصالح المسلمين و ينتهي بالاُمّة إلى

ص: 50

أهدافها التكاملية لا على مستوى الجانب الروحي و هو الايمان فحسب كما ذكرنا، بل على مستوى قضاياها الاجتماعية المصيرية و أمنها و استقرارها و عزّتها و كرامتها و تحقيق العدالة في علاقاتها الإنسانية والاقتصادية.

و هذا الأمر يتحقق انطلاقاً من النظرية الإسلامية التي ترى ان الشخص الذي يتولّى أمر المسلمين لابد أن يكون معصوماً و مكلّفاً من قبل الله تعالى بالقيام بمهمّة الامامة و الخلافة، كما هو الحال في النبي و الإمام المعصوم، أو يكون على درجة عالية من العلم و التقوى و الخبرة السياسية و الإدارية و الكمال في المواصفات الشخصية مثل الشجاعة و الرحمة و المشورة مع العقلاء و أهل الاختصاص

و غيرها، وقد انتخبته الاُمّة و اختارته لهذه المهمة.

و مثل هذه الشروط لابد أن تتنتهي بالولي إلى القرار الصحيح الذي يتكفّل مصالح الاُمّة كلّها خصوصاً إذا أضفنا عنصر الاستشارة و وجوبه لولي أمر المسلمين.

و لذلك أكّد القرآن هذا الاتجاه و هو التزام طاعة

ص: 51

الإنسان الصالح الكامل الذي يعمل بالحق و العدل دون اتباع الرغبات و الميول الشخصية حتى لو كانت عامّة و ذلك من خلال الاشارة الى ان الحق و المصلحة ليست مع الكثرة من الناس (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) (1) (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ...) (2)

2 - ان وحدة الموقف الاسلامي للاُمّة الذي يعبّر عن أحد معالم و أبعاد وحدتها الأساسية التي تتمثّل بوحدة (العقيدة و الممارسة، و الموقف) أنّما يتحقّق من خلال الطاعة لولي أمر المسلمين لأن موقفه هو رمز موقف الاُمّة، و طاعته تحقق وحدة موقف الاُمّة نفسها.

و لاشك ان وحدة الاُمّة في صراعها مع أعدائها يعتمد على مواقفها المتحرّكة و المتجدّدة حسب مقتضيات

ص: 52


1- الأنعام: 116
2- الحجرات: 7

الظروف و مناورات الأعداء و مواقفهم. و وحدة هذا الموقف المتحرّك انّما يتجسّد من خلال طاعة القيادة في القضايا المستجدة.

و من هنا ربطت قضية الطاعة في هذه المواقف بالايمان، كما في قوله تعالى (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (1)

3 - تمثّل الطاعة ميزاناً و مقياساً في عملية الفرز الاجتماعي بين الانصار الحقيقيين الذي يستجيبون لمتطلّبات حركة المجتمع و العناصر المتخاذلة أو المضاده التي تشملهم الحركة السياسية و الاجتماعية حيث جعلت الطاعة في النظرية الإسلامية مقياساً للمؤمن و المنافق. و عملية الفرز هذه مهمة جداً في العمل السياسي و حركة المجتمع و تطوّره.

ص: 53


1- النساء: 65

و من هنا نجد النظرية الإسلامية تعطي دوراً مهمّاً في قضية العلاقة وتعتبرها المجسِّد الحقيقي للعلاقة بين الاُمّة والقيادة بحيث بدون الطاعة لا يبقى محتوى لهذه العلاقة، فهي المضمون الواقعي الذي يمكن أن تعبّر من خلاله الاُمّة عملياً عن علاقتها بالقيادة.

و قد تحدّث القرآن الكريم كثيراً وفي آيات عديدة عن الطاعة والتسليم للنبي وأُولي الأمر بحيث ربطت قضية الایمان بالله وبالرسالة بقضية الطاعة في بعض الآيات وكان التمرّد - كما جاء في القرآن - سبباً رئيسياً من أسباب النفاق والمخالفة تمثّل بداية هذا النفاق.

ونشير بهذا الصدد الى بعض النصوص التي تعبّر عن هذه الأبعاد التي ذكرناها المرتبطة بالطاعة من خلال رؤية الإمام علي علیه السلام في نهج البلاغة:

و اما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة و النصيحة في المشهد والمغيب والإجابة حين أدعوكم والطاعة حين

ص: 54

آمر کم» (1)

«ألا وان لكم عندي...

أن تكونوا عندي في الحق سواء فإذا فعلت ذلك وجبت لله عليكم النعمة ولي عليكم الطاعة والا تنكصوا عن دعوة...» (2)

«فرض الله الايمان تطهيراً من الشرك...

والامانة نظاماً للاُمّة والطاعة تعظيماً للإمامة» (3)

الطاعة سبيل القوّة

وإلى جانب هذه الأبعاد من فهم الطاعة من خلال محتوى العلاقة نجد ان للطاعة دوراً عظيماً في نمو حركة المجتمع وتكامله وتحقيق القوة والقدرة على المواجهة لأن أهم مشكلة تواجهها القيادة في حركتها وخصوصاً في

ص: 55


1- الخطبة 34، وقد سبقت الإشارة إليها
2- الكتاب 50
3- قصار الحكم: 252

الصراع مع القوى المضادة لحركة المجتمع هي قضية تمرّد أو تردّد الجماعة في القيام بمسؤولياتها أو واجباتها تجاه القيادة وطاعتها، كما أن هذه المشكلة تؤدي إلى ضعف الجماعة وفقدانها لقدرتها على المواجهة، وتجعل القيادة عاجزة أو مرتبكة في تكوين الرؤية أو اتخاذ الموقف والقرار المناسب. وتنتهي من ثمَّ إلى هزيمة الجماعة والاُمّة في صراعها مع الباطل، حتى لو كانت منسجمة في موقفها مع الحق الذي لا شبهة فيه وتتعرض إلى الذلّ والهوان وضياع المصالح وسيطرة الطغاة عليها.

و لذلك نجد الامام علي علیه السلام يشدّد على هذا الموضوع في قضية الصراع مع معاوية و في مواقع مختلفة وتصبح هذه القضية أهم مشكلة يواجهها في هذا الصراع:

«منيت بمن لا يطيع إذا أمرت و لا يجيب إذا دعوت، لا أباً لكم! ما تنتظرون بنصركم ربّكم؟ اما دين يجمعكم و لا حميّة تحمشكم! أقوم فيكم مستصرخاً و اُناديكم متغوّثاً فلا تسمعون لي قولاً و لا تطيعون لي أمراً حتى

ص: 56

تكشف الاُمورعن عواقب المساءة...» (1)

«اما و الذي نفسي بيده ليظهرن هؤلاء القوم عليكم ليس لأنّهم أولى بالحق منكم، و لكن لإسراعهم إلى باطل صاحبهم و ابطائكم عن حقي ولقد أصبحت الاُمم تخاف ظلم رعاتها و أصبحت أخاف ظلم رعيتي... إلى أن يقول علیه السلام:

أيّها القوم الشاهدة أبدانهم الغائبة عنهم عقولهم المختلفة أهواءهم المبتلى بهم امراؤهم، صاحبكم يطيع الله وأنتم تعصونه، و صاحب أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه، لوددت والله ان معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم فأخذ منّي عشرة منكم و أعطاني رجلاً منهم...» (2)

«قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحاً... وأفسدتم عليَّ رأيي بالعصيان و الخذلان حتى لقد قالت قريش ان ابن

ص: 57


1- الخطبة 39
2- الخطبة 97

طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب لله أبوهم و هل أحد منهم أشدّ لها مراساً و أقدم فيها مقاماً منّي لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين وها آنذا قد ذرفت على الستين! و لكن لا رأي لمن لا يطاع» (1)

«... و اني و الله لا أظن ان هؤلاء القوم سيدالون منكم باجتماعهم على باطلهم، وتفرّقكم عن حقّكم و بمعصيتكم إمامكم في الحق، و طاعتهم إمامهم في الباطل...» (2)

4 - ان الطاعة يجب أن تكون في طاعة الله و ضمن الحدود التي وضعها الشارع المقدّس للقيادة الإسلامية كما وردت الإشارة إلى ذلك في بعض النصوص السابقة ويؤكده بشكل صريح هذا النص:

«لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (3).

5 - ان الطاعة واجبة حتى في حالات المشورة

ص: 58


1- الخطبة 27
2- الخطبة: 25
3- قصار الحكم: 165

و النصيحة و الاختلاف مع القيادة في تشخيص المصلحة، فقد قال الامام علي علیه السلام لابن عبّاس و قد أشار عليه في شيء لم يوافق رأيه: «لك أن تشير عليّ و أرى فإن عصيتك فأطعني» (1)

ص: 59


1- قصار الحكم: 321

الرابع: القدوة

ان القدوة تمثّل فى العلاقة بين الاُمّة و القيادة النور الهادي للاُمّة في مسيرتها العملية و تفتح أمام الاُمّة آفاق التجسيد و التطبيق الفعلي للسلوك الإسلامي الصحيح و المفاهيم الإسلامية العالية و تمنحها القوّة والعزيمة في تحمّل المصاعب والمحن و الآلام.

و من هنا كانت مسؤولية تجسيد القيادة للقدوة الصالحة في سلوكها من جانب، وكان على الاُمّة أن تلتزم بهدي القيادة وتقتدي بها من جانب آخر.

وقد بحثنا موضوع القدوة في كرّاس مستقل وتحدّثنا عن دورها في الحياة الاجتماعية وأثرها على العلاقة بين القيادة والاُمّة.

ص: 60

فإن القدوة لها دور كبير في ترسيخ الولاء وبناء قاعدة الحب والمودة وايجاد الشعور المتبادل بين القيادة و الاُمّة. و قد أكّد القرآن الكريم على القدوة في عدّة مواضع، وخصوصاً الاقتداء بابراهيم علیه السلام و رسول الله محمد صلی الله علیه و آله و سلم و الأنبياء علیهم السلام عموماً، منها:

(أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ) (1)

(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (2)

كما أكّد الامام علي علیه السلام - تبعاً للقرآن الكريم - على القدوة و الأسوة في مواضع كثيرة من نهج البلاغة. لنقرأ بعض النصوص السريعة:

«ألا وان لكل مأموم اماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه ألا وان إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه

ص: 61


1- الأنعام: 90
2- الاحزاب: 21

بقرصيه ألا وانّكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفّة وسداد...» (1)

«و اقتدوا بهدي نبيّكم فإنّه أفضل الهدي و استنوا بسنّته فإنّها أهدى السنن...» (2)

«... و لقد كنت اتبعه (رسول الله) اتباع الفصيل إثر اُمّه يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً و يأمرني بالاقتداء به...» (3)

«ان الله تعالى فرض على أئمة العدل أن يُقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيّغ بالفقير فقره» (4)

ص: 62


1- الكتاب: 45
2- الخطبة: 110
3- الخطبة.192
4- الكلام: 209

ولعل من أروع النصوص في القدوة والأسوة ما جاء في الخطبة (160)(1)

ص: 63


1- بيّن الامام علیه السلام في هذه الخطبة صفات القادة الإلهيين من الأنبياء علیهم السلام ببعض صفاتهم كنبيّنا موسى و داود و عيسى ومحمد علیهم السلام. نقتطف بعضاً في رسولنا الكريم صلی الله علیه و آله و سلم : «... فتأس بنبيك الأطيب الأطهر صلی الله علیه و آله و سلم فان فيه اُسوة لمن تأسى، و عزاءً لمن تعزّى. وأحب العباد إلى الله المتأسى بنبيّه، المقتص لأثره. قضم الدنيا قضماً، و لم يعرها طرفاً. اهضم أهل الدنيا كشحاً، و أخمصهم من الدنيا بطناً، عرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها... فأعرض عن الدنيا بقلبه، وأمات ذكرها من نفسه، وأحب أن تغيب زينتها عن عينه، لكيلا يتخذ منها رياشاً، ولا يعتقدها قراراً، ولا يرجو فيها مقاماً...»

الفصل الثالث: العلاقة المباشرة بين القيادة والاُمّة.

ان قضية شكل العلاقة بين القيادة والاُمّة تمثّل بُعداً هامّاً و أساسياً في التصور الإسلامي حيث لم يترك الاسلام شكل العلاقة بدون وضع تصوّر خاص و محدّد له وهو العلاقة المباشرة مع الاُمّة، بل يمكن أن نقول ان هذا النوع من العلاقة يمثّل جوهر العلاقة بين القيادة و الاُمّة و بدون أن تتجسّد العلاقة بهذا الشكل و الصورة فلا يمكن لهذا العلاقة أن تؤدي دورها الأساس ويبقى البُعدان السابقان في العلاقات معرضان للأزمات و الاهتزاز.

ص: 64

فان النظرية الإسلامية و إن كانت تؤمن بالنظم و التشكيلات الإدارية و تؤكّد على أهمية وجود الأجهزة التي تتحرّك من خلالها القيادة كالوزراء و العمّال و الكتّاب والقضاة وقادة الجيش وغيرهم من الإدارات الهامّة وان هذه الأجهزة لها دور كبير في قيام القيادة الإسلامية بدورها وواجباتها ومسؤولياتها تجاه الاُمّة... كما أنّها في الوقت نفسه تمثّل نوعاً من العلاقة والصلة بين الاُمّة والقيادة، ولكن كل ذلك انّما يصح مع الاحتفاظ بجوهر العلاقة وهو الصلة المباشرة و المستمرة بل اليومية بين القيادة و الاُمّة. و هذه النقطة من النقاط الأساسية التي تختلف بها النظرية الإسلامية في الحكم و القيادة عن النظريات الوضعية أو ما انتهت إليه الكنيسة والحكومات الكسروية و القيصرية و الامبراطورية في التاريخ.

و يمكن أن تتّضح هذه الرؤية للعلاقة في النظرية الإسلامية من خلال ملاحظة النقاط التالية:

ص: 65

ممارسة النبي صلی الله علیه و آله و سلم والأئمة علیهم السلام

1 - ممارسة القيادة الاسلامية في الصدر الأوّل للاسلام للعلاقة المباشرة مع الاُمّة حيث كانت تمارس بشكل مباشر إمامة الجماعة و الجمعة و القضاء و التفتيش والافتاء، والإصلاح بين الناس وتوزيع الأموال على الفقراء والضعفاء وقيادة الجيوش و القتال... وغير ذلك بشكل مباشر.

و هناك عشرات الروايات و القصص والأمثلة التاريخية على هذه الحقائق، وقد كان الامام عليّ علیه السلام يمارس ذلك حتى مع وجود الأجهزة المكلّفة بهذه الأعمال و بشكل واسع و يومي.

حاجة القيادة للعلاقة المباشرة

2 - ان طبيعة الواجبات و المسؤوليات الملقاة على عاتق القيادة و التي تعبّر عن حق للاُمّة في عاتق القيادة الاسلامية تفرض هذا اللون من العلاقة، حيث لا يمكن

ص: 66

للقيادة أن تقوم بهذا الدور من خلال الأجهزة فحسب، بل لابد لها من ايجاد العلاقة المباشرة بالاُمّة نفسها ليمكنها أن تدرك الحقائق الاجتماعية و تقيم الأوضاع و تواكب مسيرة الاُمّة في استقامتها و انحرافها وتتّخذ القرارات الحاسمة بشأنها.

خصوصاً وان النظرية الإسلامية تتبنّى مركزية القيادة في التخطيط والسياسات العامّة والأموال والجهاد بحيث تنتهي السلطات الثلاثة الأساسية إلى الامام (السلطة التنفيذية و القضائية و التقنين لملأ منطقة الفراغ المتروكة تشريعياً لولي الأمر أو لتنفيذ الحكم الشرعي). نعم ولكن في الوقت نفسه تتبنّى النظرية الاسلامية في الحكم اللامركزية في التنفيذ و الإدارة.

و قد حاول أئمة أهل البيت علیهم السلام أن يملأوا فراغ هذه العلاقة المباشرة عند تباعد الأمكنة أو وجود ظروف سياسية تمنعهم من العلاقة المباشرة... عن طريق نصب الوكلاء في المناطق المختلفة ليقوموا بهذا الدور نيابة عنهم.

ص: 67

النصوص الإسلامية تؤكد العلاقة المباشرة

3 - النصوص الاسلامية التي تؤكد على ذلك ونشير هنا إلى بعض النصوص التي وردت في نهج البلاغة في هذا المجال، كما في العهد الذي كتبه علیه السلام لمالك الأشتر عندما ولّاه مصر.

«و اجعل لذوي الحاجات منك قسماً تفرغ لهم فيه شخصك و تجلس لهم مجلساً عامّاً فتتواضع فيه لله الذي خلقك و تقعد عنهم جندك و أعوانك من احراسك و شرطك حتى يكلّمك متكلّمهم غير متتعتع، فإنّي سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول في غير موطن: (لن تقدس أمّة لا يؤخذ للضعيف فيها حقّه من القوي غير متتعتع) ثم احتمل الخرق منهم والعي ونح عنهم الضيق و الانف يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته...

ثم اُمورمن اُمورك لابد لك من مباشرتها:

منها إجابة عمّالك بما يعيا عنه كتّابك. و منها اصدار

ص: 68

حاجات الناس يوم ورودها عليك بما تحرج به صدور أعوانك...

واما بعد فلا تطولنّ احتجابك عن رعيتك فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق و قلّة علم بالاُمورو الاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير ويعظم الصغير ويقبح الحسن ويحسن القبيح ويشاب الحق بالباطل و انّما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الاُمور و ليست على الحق سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب و انّما أنت أحد رجلين: اما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق فقيم احتجابك من واجب حق تعطيه أو فعل كريم تسديه، أو مبتلى بالمنع، فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك...

وان ظنّت الرعية بك حيفاً فأصحر لهم بعذرك واعدل عنك ظنونهم باصحارك فإن في ذلك رياضة منك لنفسك و رفقاً برعيتك و اعذاراً تبلغ به حاجتك من تقويمهم على

ص: 69

الحق...» (1)

و في كتاب له علیه السلام إلى عامله على مكّة قثم بن العباس:

«أما بعد فأقم للناس الحجّ و ذكّرهم بأيام الله و اجلس لهم العصرين فافت المستفتي و علّم الجاهل وذاكر العالم ولا يكن لك إلى الناس سفير إلّا لسانك ولا حاجب إلّا وجهك ولا تحجبن ذا حاجة عن لقائك بها فإنّها إن ذيدت عن أبوابك في أول وردها لم تحمد فيما بعد على قضائها...» (2)

و في كتاب آخر إلى عامله عبدالله بن العبّاس عند استخلافه على البصرة:

«سع الناس بوجهك و مجلسك و حكمك...» (3)

دور العلاقة المباشرة في المجتمع

و تتّضح ضرورة هذه العلاقة المباشرة إذا أخذنا بنظر

ص: 70


1- العهد 53
2- الكتاب 67
3- الكتاب 76

الاعتبار عدّة قضايا مهمّة في العلاقة بين القيادة و الاُمّة سبق و ان أشرنا إليها، و لا يمكن للقيادة أن تحقّقها إلّا من خلال هذه الصلة المباشرة بينها وبين الاُمّة.

الاُولی: قضية التعبئة العامّة للاُمّة في الظروف الصعبة كالجهاد العام، أو إعادة البناء، أو مواجهة العدوان، فإن الأجهزة مهما كانت كفوءة لا يمكنها أن تحقّق هذه التعبئة العامة بدون هذه الصلة المباشرة إلّا عن طريق القهر و على أساس القمع و الإرهاب خصوصاً و ان عامل الاغراء المادي المحدود قد يكون معدوماً في مثل هذه الظروف كما لاحظنا ذلك في الصدر الأوّل للإسلام أيّام رسول الله وفي معارك الإمام علي علیه السلام .

وكما لاحظنا ذلك في ظروف الثورة الإسلامية في ايران حيث لولا الصلة المباشرة بين الامام الخميني قدس سره و الشعب المسلم في ايران لما أمكن تحقيق هذا النجاح في صمود الشعب الايراني امام الهجمة الاستكبارية.

ص: 71

الثانية: قضية تربية الاُمّة و تزكيتها و تهذيبها روحياً و أخلاقياً، فان الصلة المباشرة هي التي تمنح القيادة القدرة على التأثير من خلال الفعل العاطفي و التأثير الوجداني و تجسيد القدوة الصالحة التي ينظر إليها و يلمسها الفرد من أبناء الاُمّة عن قرب، حيث يمكن من خلال هذه الصلة أن ينمو الحبّ بين القيادة والاُمّة فيوازن هذا الحب ما تقدّمه الاُمّة من تضحيات لأجل المجتمع.

الثالثة: قضية الولاء: (الحب والنصرة والالتزام السياسي للقيادة) ومواقفها، الذي ذكرنا أنّه يمثّل قاعدة أساسية في علاقة الاُمّة بالقيادة، فإن هذا الولاء لا يمكن أن يتكامل إلّا من خلال هذا الاتصال المباشر بين القيادة والاُمّة.

نعم في الحالات الاستثنائية عندما يتحوّل الولاء إلى جذور دينية وعقائدية بعيدة المدى في تاريخ الإنسان وحياته فقد يكون موجوداً بدون هذا الاتصال المباشر كما هو الحال في الولاء للأنبياء و الأئمة الأطهار علیهم السلام

ص: 72

و لكن هذه الحالة لا تتفق في المعايشة الفعلية المعاصرة لوجود القيادة والتي تكون محدودة بزمن معين.

خاتمة المطاف

ولاشك أن دراسة مواصفات القيادة و خصائصها له تأثير في فهم طبيعة العلاقة بين القيادة و الاُمّة حيث يوضّح لنا الصورة بشكل أفضل، إلّا ان هذا البحث فيه تفصيل واسع تعرّضنا له في بحثنا عن الحكم الإسلامي المعاصر بين النظرية و التطبيق، و لذا نكتفي في هذه العجالة بهذا القدر أسأله تعالى التوفيق و القبول مع الاعتذار عن التقصير و القصور معاً، والحمد الله ربّ العالمين.

8 رجب 1410 هجرية

ص: 73

المحتويات

المقدمة... 7

العلاقة من خلال واجبات القيادة الإسلامية ... 12

اسس العلاقة في ادارة هذه الواجبات... 18

علاقة الاُمّة تجاه القيادة ... 30

الانتخاب... 32

المحتوى الأخلاقي والسياسي للانتخاب ... 35

الولاء السياسي ... 38

أهمية الولاء والولاية ... 42

الطاعة ... 48

الطاعة سبيل القوة ... 55

القدوة ... 60

العلاقة المباشرة بين القيادة والاُمّة ... 64

دور العلاقة المباشرة في المجتمع ... 70

VE

ص: 74

درباره مركز

بسمه تعالی
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
با اموال و جان های خود، در راه خدا جهاد نمایید، این برای شما بهتر است اگر بدانید.
(توبه : 41)
چند سالی است كه مركز تحقيقات رايانه‌ای قائمیه موفق به توليد نرم‌افزارهای تلفن همراه، كتاب‌خانه‌های ديجيتالی و عرضه آن به صورت رایگان شده است. اين مركز كاملا مردمی بوده و با هدايا و نذورات و موقوفات و تخصيص سهم مبارك امام عليه السلام پشتيباني مي‌شود. براي خدمت رسانی بيشتر شما هم می توانيد در هر كجا كه هستيد به جمع افراد خیرانديش مركز بپيونديد.
آیا می‌دانید هر پولی لایق خرج شدن در راه اهلبیت علیهم السلام نیست؟
و هر شخصی این توفیق را نخواهد داشت؟
به شما تبریک میگوییم.
شماره کارت :
6104-3388-0008-7732
شماره حساب بانک ملت :
9586839652
شماره حساب شبا :
IR390120020000009586839652
به نام : ( موسسه تحقیقات رایانه ای قائمیه)
مبالغ هدیه خود را واریز نمایید.
آدرس دفتر مرکزی:
اصفهان -خیابان عبدالرزاق - بازارچه حاج محمد جعفر آباده ای - کوچه شهید محمد حسن توکلی -پلاک 129/34- طبقه اول
وب سایت: www.ghbook.ir
ایمیل: Info@ghbook.ir
تلفن دفتر مرکزی: 03134490125
دفتر تهران: 88318722 ـ 021
بازرگانی و فروش: 09132000109
امور کاربران: 09132000109