منار الهدى
في إثبات الَنَص عَلَى الأئمة الاثني عشر النُجَبا
تَأليفُ
الشيخ علي بن عبد الله البحراني
المتوفى سنة 1319 ه
الجزء الثاني
تحقيق
عبد الحليم عوض الجالي
مُراجعة
وحدة التحقيق
مكتبة العتبة العباسية المقدسة
ص: 1
ص: 2
أما [الدعوى ] الأولى (1): فدليلنا عليها - مع ما بيّناه وأوضحناه حتّى من شهادة أوليائهم عليهم - ما شاع من صدور مخالفة بعض الصحابة للنبّي صلى الله عليه وسلم في حياته، وما تواتر من مخالفتهم إياه بعد وفاته، منها ما صدرت من شخص معين ، ومنها ما صدرت من أشخاص معينين، ومنها ما هو منسوب إلى جملة من القوم من غير تعيين.
وتبدأ من القسم الأول بذكر أبي بكر وعمر، فإنّهما رأس هذا الأمر وسنامه، وجميع البحث في الإمامة يدور عليهما، فنقول :
إن مخالفتهما للرسول الله (صلّی الله علیه و آله) جاءت منهما تارة على الاجتماع، وأخرى على الانفراد ؛ فما اجتمعا فيه فمخالفتهما للرسول الله (صلّی الله علیه و آله) في التخلف عن جيش أسامة مع حث النبي (صلّی الله علیه و آله)على تنفيذه ولعنه المتخلف عنه مراراً.
ص: 3
قال ابن أبي الحديد: قال أبو بكر(1): وحدّثنا أحمد بن سيار، عن سعيد بن الأنصاري، عن عبد الله بن عبد الله بن عبد الرحمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض موته أمر أسامة بن زيد بن حارثة على جيش فيه جُلة المهاجرين والأنصار، منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح، وعبد الرحمان بن عوف، وطلحة والزبير .
وأمره أن يعبر على مؤتة (2) حيث قتل أبوه زيد، وأن يغزو وادي فلسطين فتثاقل أسامة وتثاقل الجيش بتثاقله، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يثقل ويخفّ ويؤكد القول في ، تنفيذ ذلك البعث حتّى قال له أسامة بأبي أنت وأمي، أتأذن لي أن أمكث أياماً حتى يشفيك الله ؟
فقال: «أُخرج وسر على بركة الله».
فقال : يا رسول الله ، إنّي إن خرجت وأنت على هذه الحالة خرجت وفي قلبي قرحة منك .
فقال: «سِر على النصر والعافية ».
فقال: يا رسول الله، إنّى أكره أن أسأل عنك الركبان.
فقال: «انفذ لما أمرتك به»، ثمّ أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام أسامة فجهز للخروج ، فلما أفاق رسول الله (صلّی الله علیه و آله) سأل عن أسامة والبعث فأُخبر أنّهم يتجهزون ، فجعل يقول: «انفذوا بعث أسامة، لعن الله من تخلف عنه»،ويكرّر ذلك ، الخبر(3).
ص: 4
ومع هذا الحثّ الأكيد قد تخلّف الشيخان عن البعث المذكور وردّا نص الرسول الله (صلّی الله علیه و آله) بالرأي، فإن أحدهما تخلّف لطلب الخلافة والثاني لمعونته (1) ولم ينكر عليهما منكر لأن المتمكن من الإنكار عليهما في تلك الحال مثلهما يرى رأيهما، والمؤمنون وهم أقل قليل مغلوب عليهم.
فإذا كان هذان الرجلان قد تخلفا عن جيش أسامة مخالفة للنبي (صلّی الله علیه و آله) وأهَّلا أنفسهما لاستحقاق لعنة الله ،ولم تمض من المدة ما يحتمل فيه شبهة كنسخ وغيره وكل ذلك لغرض الإمرة وطلب الرياسة، فكيف يستنكر منهما ويستبعد مخالفة نص الرسول الله له على على وإنكاره تذلك الغرض المذكور.
مع أن مخالفة النبي (صلّی الله علیه و آله) في الإمامة وردّ نصه فيها على مذهب الجماعة أهون من ردّ نصه فى الجهاد، لأنهم جعلوا الخلافة من الأمور الدنيوية، ولم يجعلوها من الفروض الدينية والأحكام الشرعية.
ألا ترى قول عمر لأبي بكر في السقيفة: وأمرك رسول الله بالصلاة رضيك رسول الله لديننا أفلا نرضاك لدنيانا ؟!(2) فجعل الصلاة من الدين، والإمامة من أمر الدنيا .
ولازم ذلك جعل نص الرسول الله (صلّی الله علیه و آله) فيها كرأي واحد منهم، فكما يجوز مخالفة ذلك الواحد يجوز مخالفة النبي (صلّی الله علیه و آله) والرجوع إلى ما يؤدي إليه الرأي، وإذا كانوا قد خالفوا النبي (صلّی الله علیه و آله) وردّوا نصه في الأمور الدينية فأحرى بهم أن يخالفوا النبي (صلّی الله علیه و آله) فيما زعموا أنّه من الأمور الدنيوية لا من الأوامر الشرعية.
ص: 5
فتبيّن هنا أن قول بعض تابعيهم أنّ رسول الله (صلّی الله علیه و آله) لم يوص(1) ولو أوصى ما تأمّر أبو بكر على وصيّه باطل ، لأن أبا بكر قد تأمر في هذه الواقعة على من أمره رسول الله (صلّی الله علیه و آله) عليه والحال في الأمرين ،واحدة ومتى رأينا أبا بكر وصاحبه وقفا مع النص فيما يخالف غرضهما حتى نستبعد منهما مخالفة النص في الإمامة، مع ظهور مخالفته لمطلوبهما ومنعه إياهما من التوصل إلى محبوبهما ؟ ما هذا إلا تمحّل المحال .
ومن ذلك مخالفتهما أمره (صلّی الله علیه و آله) بقتل ذي الخويصرة التميمي(2).
قال ابن أبي الحديد وفي الصحاح المتفق عليها أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) بينا هو يقسم قسماً جاء رجل من بني تميم يُدعى ذي الخويصرة فقال: اعدل يا محمد ! فقال: «قد عدلت».
فقال ثانية اعدل يا محمد ، فإنّك لم تعدل ! فقال (صلّی الله علیه و آله) : «ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل ؟!»(3)
قال: وفي بعض الصحاح : أن رسول الله قال لأبي بكر وقد غاب الرجل عن عينه: «قم إلى هذا فاقتله» فقام ثم عاد فقال : وجدته يصلّي .
فقال لعمر مثل ذلك فعاد وقال : وجدته يصلّى
ص: 6
فقال لعلي (علیه السّلام) مثل ذلك ، فعاد وقال : لم أجده فقال رسول الله (صلّی الله علیه و آله): «الو قتل هذا لكان أوّل فتنة وآخرها»،الحديث(1).
فانظر إلى ترك الشيخين قتل الرجل لأنه يصلّى، فإنّك تجده صريحاً في ردّهما أمر النبي (صلّی الله علیه و آله) بالرأي ، وتخصيصهما عمومه بالاستحسان، هذا والنبي (صلّی الله علیه و آله) حي نافذ الحكم شديد السلطان.
فإذا تحقق من هذين الشيخين معصية الرسول (صلّی الله علیه و آله) ورد أمره بالرأي في حال حياته وعلوّ كلمته ولم يحذرا من عقوبته فكيف يستنكر منهما مخالفة نصه إمامة على الله بعد وفاته وعلمهما أنّه قد فارق الدنيا، وأنه لا يأمر بعد ذلك ولا ينهى ؟
أفيرتاب عاقل عالم قد علم بمخالفتهما الرسول (صلّی الله علیه و آله) فيما ذكرناه في جواز أن يخالفا نصه في الإمامة ، مع ارتكاب خطر العقوبة في الأول والأمن منها في الثاني ؟ وهل يصفهما ذو عقل صحيح وذوق رجيح بعد هذا بالأمانة والورع والديانة كما فعل ابن أبي الحديد ؟
فواعجباه من قوم هم من ذوي التحقيق يزعمون يروون ويصحّحون مخالفة الشيخين الصريحة للنبي (صلّی الله علیه و آله) بمجرد الرأي، ويحكمون أن ذلك من دأبهم، ثم يقولون : إنّهما في غاية من التقوى ومنزلة رفيعة من الإيمان واليقين، حتى كأن التقوى عندهم عصيان الرسول (صلّی الله علیه و آله)!
ما هذا إلا تلاعب بالدين وتجاهل باليقين.
وكيف يوثق بقوم دخلوا بمخالفة أمر الرسول (صلّی الله علیه و آله) في زمرة ذوي قوله تعالى :
ص: 7
«فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1). ولعمري لقد أصابتهم الفتنة من غير شك ولا شبهة، وبالله المستعان.
وفي حديث أُم سلمة المتقدّم مع عائشة قالت : وأذكرك أيضاً كنت أنا وأنت مع رسول الله في سفر له، وكان علي (علیه السّلام) يتعاهد نعلي رسول الله (صلّی الله علیه و آله) فيخصفها ، ويتعاهد أثوابه فيغسلها ، فنقبت له نعل فأخذها يومئذٍ يخصفها وقعد في ظلّ سمرة، وجاء أبوك ومعه عمر فاستأذنا عليه، فقمنا إلى الحجاب فدخلا عليه، فحادثاه فيما أرادا ثم قالا: يا رسول الله، إنا لا ندري قدر ما تصحبنا، فلو من تستخلف علينا ليكون لنا بعدك مفزعاً ؟
فقال لهما: «أما إنّي قد أرى مكانه، ولو فعلت لتفرّقتم عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران»، فسكتا ثم خرجا،فلمّا خرجنا إلى رسول الله(صلّی الله علیه و آله) قلتِ له - وكنتِ أجرأ عليه منا - من كنت يا رسول الله مستخلفاً عليهم ؟
فقال: «خاصف النعل»، فنزلنا فلم نر أحداً إلا عليّاً، فقلت: يا رسول الله، ما أرى إلا عليّاً .
فقال: «هو ذاك».
فقالت عائشة: نعم أذكر ذلك.
فقالت: فأي خروج تخرجين بعد هذا ؟! (2)
وهو صريح في إخبار النبي (صلّی الله علیه و آله) لهما بأنهما يخالفان نصه، ولا يطيعان من يستخلفه .
ص: 8
وسكوتهما من دون أن يعتذرا للنبي (صلّی الله علیه و آله) أو يعطياه من العهود بالطاعة فيمن يستخلفه عليهم ما يحصل الوثوق ظاهراً بمثله شاهد صدق على أن ما نسبه النبي (صلّی الله علیه و آله) إليهما وإلى أمثالهما من التفرق عن خليفته كان ذلك الوقت مضمراً في قلوبهما، وكانا قد عرفا إشارة النبي (صلّی الله علیه و آله) إلى ما أضمراه من مخالفة النبي (صلّی الله علیه و آله) إن استخلف عليّاً، وقد فهما إلى من يشير النبي (صلّی الله علیه و آله) بالاستخلاف فسكتا على ما أضمرا ، فأي شاهد أعدل من هذا يراد منا على هذه الدعوى ؟
ومما اختص به أبو بكر في مخالفة النبي (صلّی الله علیه و آله) وكان عمر له تابعاً أخذه فدك من فاطمة (علیها السّلام)- إن كانت روايته كاذبة - وتركه ما ترك رسول الله (صلّی الله علیه و آله) عند علي (علیه السّلام) كالسيف والدرع والبغلة والعمامة وشبه ذلك، وترك حجرات النبي (صلّی الله علیه و آله) عند أزواجه إن صدقت روايته.
وتوضيح ذلك : إن فدكاً كانت من الأنفال، كما صح عند خصومنا ، رواه ابن أبي الحديد عن الطبري وغيره (1) ، وليست فيئاً للمسلمين، وإن فاطمة (علیها السّلام) أتت تطلبها بالميراث من النبي (صلّی الله علیه و آله) بادئ بده، فمنعها أبو بكر، وروى أنه قد سمع رسول الله (صلّی الله علیه و آله)يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة (2).
وإنه بعد ذلك ترك المذكورات عند علي (علیه السّلام)، ولم يتصدق به وترك الحجرات عند الأزواج ؛ فإن كان كذب في روايته فقد خالف النبي (صلّی الله علیه و آله) في كذبه
ص: 9
عليه، وفي منع فاطمة ميراثها، وإن صدق فقد خالف النبي (صلّی الله علیه و آله) في تركه التصدق بالمتروكات المذكورة.
والاعتذار من تابعيه بأنّه لعله تصدّق بأثمانها لا يدفع الإيراد، لأن لعل وعسى في المقام باطل لا يجدي نفعا لوجهين :
الأوّل: أنّه منع فاطمة الميراث بما زعمه من الرواية على رؤوس الأشهاد ، وكانت فاطمة وعلي (علیهما السلام) وشيعتهما ينسبونه في ذلك إلى الظلم وافتعال الرواية : وكل هذا مصحح عند الخصم فكان تركه المتروكات موجباً لصدق اتهامه بالكذب والظلم .
والتصدق باطناً بالأثمان لا يرفع عنه التهمة، ولا يوجب براءة ساحته، لأن منعه فاطمة الميراث لروايته أمر متعالم معروف ، فالواجب عليه أن يقابله بما يزيل عنه التهمة ويبرئ ساحته من الطعن عليه بافتراء الرواية بأمر مثله معلوم معروف بأن يحضر جماعة من الصحابة ويحضر ذوي عدل يقومون تلك الأشياء بقيمة عادلة، فيحضر من ماله قدر ذلك فيتصدق به علانية في ذلك المشهد، لأن المعلوم لا يرفعه إلا معلوم مثله .
وما نراه فعل شيئاً من ذلك، ولا نقله عنه من أوليائه ناقل، ولو فعله لصنفت فيه الكتب وكثرت فيه الأسانيد، وكلّ هذا لم يكن، وهو دليل على أنه لم يكن في السر شيء منه، وهم لا يدعون له العصمة حتى يقطع على باطنه كما يقطع على ظاهره.
الثاني: أنا لو جوزنا تصدّقه سرّاً، فمن أين نقول : إنه تصدق بأثمان تلك المتروكات ؟ فإن كان من ماله فهو باطل، لأنه إذ ولي الخلافة واشتغل بها عن التجارة لم يجد نفقة له ولعياله حتّى جعل له المسلمون قسمة من بيت المال ،كلّ
ص: 10
يوم ثلاثة دراهم ، كما صح عند الخصوم، ونقله ابن أبي الحديد عن أبي جعفر الإسكافي (1) ، فأين له مال يتصدق منه بأثمان المتروكات ؟
وإن كان من بيت المال فذلك غير جائز له شرعاً، لأن بيت المال حق للمسلمين ، فليس له أن يؤدّي عن ذمته من مالهم شيئاً بغير إذنهم، ولم ينقل إنّه استأذنهم في ذلك فأذنوا له ففعل .
ثم على تقدير جواز ذلك كله لا ترتفع المخالفة، لأن الصدقة في حديثه متعلّقة بأعيان تلك الأشياء، لأنه قال: ما تركناه صدقة، فالواجب دفع أعيان تلك المتروكات في الصدقة، ولا يجزئ دفع أثمانها ، وما هو إلا كرجل نذر الصدقة بدينار معيّن فلا يجزيه التصدّق بغيره بلا خلاف، وأبو بكر ترك تلك الأشياء على حالها بيد من هى تحت يده فثبتت مخالفته للرسول (صلّی الله علیه و آله).
ثم هنا وجه آخر من المخالفة لا يدفع، وذلك أن لفظ حديثه: «ما تركناه صدقة »، ومن البيّن أن الصدقة للفقراء والمساكين، لا لعامّة المسلمين (2)، ولا في وجوه الجهاد كالكراع (3) والسلاح، وأبو بكر لم ينقل أحد من مواليه أنه كان يقسم غلة فدك في الفقراء والمساكين، بل صح عندهم أنه يجعله في بيت المال ، ويصرفه في أمر الجهاد كما زعم ، ففعله مكذّب لروايته.
ومن هذه الجملة قد بان أنّ أبا بكر إنّما افتعل الرواية افتعالاً في ذلك الوقت،
ص: 11
ليدفع به قول فاطمة (علیها السّلام)، ويسكتها عن مطالبتها الميراث، لئلا تدّعي بعد ذلك ميراث الخلافة لابن عمها علي (علیه السّلام) من رسول الله (صلّی الله علیه و آله)، فقطع باختلاقه الخبر المادّة التي حذر منها، وكان ذا مكنة على أمثال هذا.
فلمّا اندفعت فاطمة عن مطالبة الميراث ترك ما يلزمه من مضمون روايته ، وقد نقل ابن أبي الحديد أن عثمان كذّب هذه الرواية، إذ جاءته عائشة في أيام خلافته تطلب ميراث النبي (صلّی الله علیه و آله)و طعن عليها وعلى أبيها بالكذب (1)ومقتضى هذا الخبر أيضاً أن عائشة أكذبت أباها في طلبها ميراث النبي (صلّی الله علیه و آله) لأن روايته أن النبي (صلّی الله علیه و آله) لا يورّث، أفيكون للزوجة ميراث ولا ميراث للبنت ؟!
ومن ذلك إسقاطه سهم ذوي القربى من الخمس والأنفال وجعلهم كعامة المسلمين فيه، وقد خص الله ورسوله ذوي القربى منهما يسهم لا يشركهم فيه غيرهم بنص الكتاب العزيز(2).
ومن ذلك درؤه الحدّ عن خالد بن الوليد إذ قتل مالك بن نويرة وزنى بإمرأته و عذره لعمر لما طلب أن يقوده بمالك لأنه مسلم ما هو بأوّل من تأوّل وأخطأ،
ص: 12
فاكفُفْ يدك وارفع لسانك عنه (1)، وغير ذلك من أحداثه ومخالفاته للرسول (صلّی الله علیه و آله)برأيه وما اشتهت نفسه.
وأما ما يختص به عمر فمنه مخالفته لرسول الله (صلّی الله علیه و آله) حين قال: «ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعدي»، ولم يكفه المخالفة للأمر دون أن قال: إنه ليهجر استفهموه حسبنا كتاب الله ، مراغمة لقول الله تعالى:(وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى )(2) ثم افترق الحاضرون فمن قائل: القول ما قاله رسول الله (صلّی الله علیه و آله)، ومن قائل: القول ما قاله عمر.
ذكر هذه الرواية ابن أبي الحديد مراراً(3)، وهي في صحاح كتبهم كالبخاري (4)
ص: 13
وغيره على اختلاف في الألفاظ(1)، وقد مضى في هذا كلام محقق بينا فيه بياناً وافياً، وقرّرنا فيه تقريراً شافياً.
وإذا صدرت من عمر مخالفة النبي الله (صلّی الله علیه و آله) ظاهراً مع قوته ونفاذ أمره كيف يبعد منه مخالفته في نصه على أمير المؤمنين، وهو إنما قال ما قال لأنه فهم أن مقصد النبي صلى الله عليه وسلم من من الكتاب تجديد النص على علي (علیه السّلام) ، وإشهاد الحاضرين، فلما رأى النبي (صلّی الله علیه و آله) الاختلاف من الحاضرين حتى أنّهم جعلوا عمر نداً له في القول فجعلوهما كالمجتهدين المختلفين يذهب إلى قول كلّ منهما فريق عرف أنهم لا يجيبونه إذا نص ، ولا يعتنون بكتابه إذا كتب ، فقال :«قوموا فاخرجوا . ، فانه لا ينبغي عند نبي تنازع» كما هو تمام الخبر (2).
وهذا أعجب الأمور وأغربها حيث يجعلون قول عمر ضدّاً لقول رسول الله (صلّی الله علیه و آله) ويترددون في أيهما أصح وأيهما الأحق بأن يتبع، حتى يترجح عند قوم منهم أن الصحة في جانب قول عمر، وأن قول رسول الله (صلّی الله علیه و آله) ليس بصحيح .
ولعمري إنّ هذا والذي جسره وجرأه على مخالفة مولاه وكيف لا يجترئ عمر بعد ذلك على إنكار النص على علي (علیه السّلام)، وإبطاله لو أورده، وعلى حرق بيت فاطمة وما فعله من المنكرات ومن تراه ينكر عليه اليوم وهم بالأمس صيروه لرسول الله (صلّی الله علیه و آله) ندّاً، وقوله لقوله ضدّاً ، بل رجّحوا قوله على قول الرسول صلى الله عليه وسلم إلّا طائفة من المؤمنين وقليل ما هم .
ص: 14
فياله من عجب عجيب لا ينقضى التعجّب منه أبداً، وهذا يرشدك إلى صدق ما تدّعيه الإماميّة على القوم من تواطئهم على ما ارتكبوا من فاسد الأمور.
ومنه ردّ عمر قول النبي (صلّی الله علیه و آله) يوم الحديبية حين صالح قريشاً فقال: أنعطي الدنية (1) في ديننا (2)، وهذا رد على الله وعلى رسوله (صلّی الله علیه و آله) بالرأي، وهل ترى يعتقد في نفسه أنّه أوثق في دين الله من النبي (صلّی الله علیه و آله) ، وهو صاحب الدعوة ومقيم الملّة، وشارع الشريعة والمؤتمن على الوحي ؟
فإن كان يظن ذلك فهو كفر بيّن، وإن كان يظن أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) أخطأ الحكم حين صالح قريشاً فهو تكذيب الله تعالى في إخباره أن النبي (صلّی الله علیه و آله) لا ينطق في الأحكام إلا عن الوحي وإنه لا يتقوّل على الله شيئاً وتكذيب الله فيما يخبر به هو الكفر الصريح.
وإن كان يعلم أن النبي (صلّی الله علیه و آله) هو المصيب، وإنّه هو المخطئ، فهو الردّ على الله وعلى رسوله (صلّی الله علیه و آله)، وأدنى مراتبه الفسق مع ثبوت ما ندّعيه من مخالفته النبي (صلّی الله علیه و آله) (3).
ومنه مخالفته النبي (صلّی الله علیه و آله) فيما ذكره الخصوم عن أبي هريرة في قصة النعلين (4).
ص: 15
ومنه مخالفته النبي (صلّی الله علیه و آله) في وضع الدواوين(1) والتفضيل في القسمة والعطاء(2).
ومنه مخالفته النبي (صلّی الله علیه و آله) في حكم البلاد المفتوحة عنوة(3)، وتفصيل ذلك مذكور في كتب المطاعن وكلّ ذلك برأيه.
ومنه مخالفته النبي (صلّی الله علیه و آله) في تحريم المتعتين وإسقاطه من الأذان «حي على خير العمل».
قال القوشجي : صعد - يعني عمر - المنبر وقال أيها الناس، ثلاث كنّ على
ص: 16
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهى عنهن وأحرّمهنّ وأعاقب عليهنّ، وهي: متعة النساء ومتعة الحج وحي على خير العمل.
ثم قال: وأجيب بأنّ ذلك مما لا يوجب قدحاً فيه، فإنّ مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع (1).
أقول: هذا الكلام من أقبح القبائح، وأفضح المفاضح، وأوهن المغالطات ،وأسمجها، وهو مناقض لما ردّ به النصوص على أمير المؤمنين (علیه السّلام)، وهي التي ذكرناها في مناقضته حيث قال : لو كان في مثل هذا الأمر الخطير المتعلّق بأمر الدين والدنيا مثل هذه النصوص الجليّة لتواتر نقله بين الصحابة، ولم يتوقفوا في العمل بموجبه ولم يتردّدوا حين اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لتعيين الإمام .
وإنّه كيف يزعم ذو مسكة أنّ الصحابة مع بذلهم مهجهم وذخائرهم وقتلهم أقاربهم وعشائرهم في نصرة رسول الله (صلّی الله علیه و آله) خالفوه قبل أن يدفنوه، مع وجود هذه النصوص القطعية الظاهرة الدالة على المراد ؟! انتهى(2).
فإنه جعل علة الردّ لتلك النصوص وإنكار ورودها عدم تجويزه على الصحابة مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم أو استبعاده ذلك منهم، وهنا أثبت لعمر مخالفة النبي (صلّی الله علیه و آله) وجعل العلة في جوازها الاجتهاد، مع أن رأس القوم الذين خالفوا تلك النصوص هو عمر، الذي أخبر عن نفسه أنه خالف النبي (صلّی الله علیه و آله)، وحرم ما حلله بقطع وجزم وأطاعه من أطاعه من الصحابة.
ص: 17
فكيف يجوز القوشجي لعمر ومتابعيه مخالفة النبي (صلّی الله علیه و آله) في تحريم المتعتين، وحي على خير العمل، وإعطاء أزواج النبي (صلّی الله علیه و آله)، والإفراض(1) ومنع فاطمة وأهل البيت خمسهم (2)، والتفضيل في القسمة بالاجتهاد ؟ ولا يستبعد ذلك منهم، ولا ینكره ويستنكف ويستنكر من مخالفتهم النبي (صلّی الله علیه و آله) في نصه على عليه ويمنع من جوازها عليهم بالاجتهاد.
وما الأمران إلّا سواء فى أن كلاً منهما ردّ لنصّ النبي (صلّی الله علیه و آله) وإبطال لحكمه، بل حصوله منهم فى هذاأقرب ،لتعلّق الأغراض الدنيوية والشهوات النفسية كحب الرئاسة، وبعض عليّ (علیه السّلام)، وإرادة أن تتسع الخلافة في قريش وغيرها به كما أوضحنا ذلك في مواضع، دون الأول إذ لا يتعلق به شيء من هذه الأغراض إلا في الخمس.
ولم يكن تواتر هذه الأحكام عن النبي الله مانعاً لعمر وتابعيه عن المخالفة فيها حتى يكون تواتر النصوص على علي (علیه السّلام) مانعاً لهم من مخالفتها، ولم يتوقفوا في موافقة عمر في خلاف النبي (صلّی الله علیه و آله) في تلك الأشياء حتى يتوقفوا في موافقته یوم السقيفة في مخالفة النصّ الجلي على علي (علیه السّلام) من النبي (صلّی الله علیه و آله).
فما أدري في أي شيء من القولين يصدق القوشجي ؟ أفي تجويزه للصحابة الاجتهاد في إبطال حكم الرسول (صلّی الله علیه و آله) في الأحكام الشرعية أم في استبعاده منهم
ص: 18
مخالفة نصّه في الإمامة مع أنها عندهم ليست من الأمور الدينية والمخالفة عندهم فيها سهلة ؟
وما أدري على أيّ القولين يعتمد ، وإلى أيّهما يرجع أو إنه مخلط لا يقف على حدّ، ولا يرجع إلى قول معين يقول في كل موضع ما يدفع به خصمه وإن خالف مذهبه، وعاند قوله الآخر؟
وهذا هو المحقق من سيرته، والمعروف من طريقته، وهو غايه الوهن وضعف الرأي، ونهاية الاعوجاج في الطريقة، بل العدل والإنصاف أن يحكم بأحد الأمرين: إما أن الصحابة يخالفون النبي(صلّی الله علیه و آله) مطلقاً بآرائهم، فلا يجوز له حينئذ الاستبعاد عليهم ردّ نصه على أمير المؤمنين بالإمامة، وإما أن يمنع من صدور المخالفة منهم للنبي (صلّی الله علیه و آله) مطلقاً، فيكذب الروايات المشهورة والأخبار المتواترة بمخالفتهم حكم الرسول الله (صلّی الله علیه و آله)كما أنكر نصوص الإمامة.
وأما تجويز المخالفة عليهم في شيء وعدمه في شيء آخر أو في مقام دون آخر، فذلك مع كونه ترجيحاً من غير مرجّح، وهو قبيح، وفرقاً من غير فارق، وهو تحكّم مشابه للنسيء الذي يحلّه الكفّار عاماً ويحرّمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرّم الله، فيحلوا ما حرّم الله(1) ،( زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (2)، أو متّحد به في الطريق وحسبك به نقصاً وخروجاً عن سواء السبيل.
وأيضاً إذا كان القوشجي قد جوّز لعمر ومن يرى رأيه مخالفة النبي (صلّی الله علیه و آله) في
ص: 19
الأحكام بالاجتهاد، فما الداعي إلى تحمله ما تحمّل في إنكار مخالفتهم النبي (صلّی الله علیه و آله) فى نص الإمامة، وهو يكفيه أن يقول النص موجود ، ولكن الصحابة خالفوه بالاجتهاد، ومخالفة المجتهد لغيره ليس ببدع ، كما قال هنا ؟
و ما يرد عليه فى هذا يرد عليه في ذاك من دون فرق، فإنا معاشر الإمامية نقول : إن القوم خالفوا نصّ النبي (صلّی الله علیه و آله) في الإمامة، كما خالفوه في غيرها، كل ذلك باجتهادهم،(1) لكن الاجتهاد في مقابلة النص في جميع الأمور غير مقبول.
لكن الأشعري المذكور يقبله منهم في كل الأمور، فلتكن الإمامة من جملتها، فلا حاجة له إلى الاعتذار عنهم بإنكار النص الواضح، وتكلّف الدليل عليه، وهو يكفيه أن ينسبه إلى الاجتهاد كغيره.
ثم اعلم أن صريح كلام القوشجي إنّه وحزبه جعلوا النبي صلى الله عليه وسلم كواحد من المجتهدين، فجوّزوا لعمر مخالفته بالاجتهاد (2) ، فأسقطوا بذلك وجوب اتّباع النبي (صلّی الله علیه و آله)، ولزوم طاعته، فكأنهم نسوا آيات الكتاب الناضة على المنع من مخالفته كقوله تعالى : ( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) (3) ، وقوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (4).
وقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مبيناً) (5).
ص: 20
والآيات الدالة نصاً على أن حكمه هو حكم الله، وأنه معصوم عن الحكم بالنظر والاجتهاد مثل قوله تعالى : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (1).
وقوله تعالى : ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) (2).
وقوله تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِن رَبِّي ) (3) وغير ذلك من الآيات الدالة على كفر مخالفه وسلوكه طريق الضلال (4)، واستحقاقه اللعنة والعذاب، وأنه لا حلال إلا ما حلّله، ولا حرام إلا ما نهى عنه وأبطله (5) ، وليس بعده نبي ولا ينسخ بعده حكم، وما ورد من الأخبار في ذلك مثل قوله (صلّی الله علیه و آله) «يا أيها الناس ، لا نبي بعدي ولا سنة بعد سنتي»(6).
والمراد أنه لا نسخ لما ثبت حكمه في سنّته بعد وفاته، وخالفوا إجماع المسلمين قاطبةً على ذلك، حتى جعلوا صاحب الشريعة، ومهبط الوحي ونبي الرحمة ، كابن الخطاب الفظ الغليظ الجافي، وإن اجتهاده كقول النبي (صلّی الله علیه و آله) الذي هو عين حكم الله .
ص: 21
ومع ذلك لم يتفطّنوا إلى أن هذا القول يوجب هدم الشريعة، وإبطال الأحكام النبوية، لأنه إذا جاز لعمر بن الخطاب مخالفة النبي (صلّی الله علیه و آله)بالاجتهاد في تحريم حلال وتحليل حرام جاز له أيضاً ولغيره من المجتهدين مخالفة النبي (صلّی الله علیه و آله) في إثبات فريضة لم يفرضها وإسقاط فريضة فرضها وجاز زيادة ركعة في صلاة ونقص ركعة من أخرى وغير ذلك من الأحكام إذ لا فرق بين عمر وغيره من المجتهدين في ذلك، ولا بين المذكورات وغيرها من الأحكام.
ويتمشى ذلك إلى قلع أساس الشريعة المحمّدية، فأين إذن وجوب الاتباع، ولزوم القبول من النبي الله (صلّی الله علیه و آله) والاستماع وتحريم التشريع في الدين والابتداع ؟
على أن ذلك لو صح لانجرّ إلى جواز الاجتهاد في ترك العبادات، إذ لا فرق بين كل ذلك فيبلغ الأمر إلى الكفر، فلا لوم بعد ذلك على الكفّار الذين أدّاهم اجتهادهم إلى تكذيب النبي المختار، فقد جوّز القوشجي وأصحابه لعمر تكذيب النبي (صلّی الله علیه و آله)باجتهاده (1) ، وإذا جاز ذلك لعمر ، فلا مانع من جوازه لغيره، إذ لا فصل بين الأمرين، ولا فارق بين الوجهين.
ومن أعجب العجايب إنّهم جوزوا الاجتهاد العمر في خالفة الرسول (صلّی الله علیه و آله) . ولم يجوّزوا لأحد الاجتهاد في مخالفة عمر، فتراهم ينكرون على من أحل المتعة إنكاراً بليغاً يعدل الإنكار على من أحلّ الزنا أو يربى عليه ،حتى قال بعض فقهائهم لأبي جعفر محمّد بن علي الباقر منكراً عليه تحليله المتعة: إنّي أعيذك بالله يا أبا جعفر أن تحلل شيئاً حرّمه عمر.
ص: 22
فأجابه الإمام بما أسكته(1).
وفي هذا دلالة بينة على أن القوم جعلوا لعمر رتبة زائدة على رتبة النبي (صلّی الله علیه و آله) ،ومنزلة تفوق منزلته ، لتجويزهم مخالفته بالاجتهاد ومنعهم به من مخالفة ابن الخطّاب، وذلك من أعظم الفساد، وأشد الإلحاد، ومن أعظم الخطوب في الدين المقتضية لمحو شريعة سيد المرسلين.
وكان الواجب على القوشجي وأهل مذهبه إذ جوّزوا لعمر الاجتهاد في مخالفة النبى (صلّی الله علیه و آله) أن يجوزوا ذلك لغيره، ويجوزوا للغير مخالفته، لأن مخالفة المجتهد لغيره ليست ببدع، كما هو علة تجويزهم، وإما أن يمنعوا من مخالفة النبي (صلّی الله علیه و آله)مطلقاً، فيحكموا بفسق من خالفه من الصحابة عمر وغيره.
ثم الواجب عليهم أيضاً إذا أثبتوا لعمر خلاف النبي (صلّی الله علیه و آله) وجوزوه له ألا يمتعضوا (2) من قولنا أن عمر قد خالفه في نص الإمامة على علي (علیه السلام) لتساوي تلك الأمور.
ص: 23
ثم انظر إلى قول القوشجي: ولم يتردّدوا حين اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لتعيين الإمام(1) ، فإنك تجده صريحاً في أن أبا بكر ليس بمنصوص عليه من النبي (صلّی الله علیه و آله) ، فأين دعواه الإجماع على أن النبي (صلّی الله علیه و آله) قد استخلفه ؟
وأين رواية البخاري ومسلم، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر (2)، وروايته قول النبي (صلّی الله علیه و آله) في أبي بكر وخليفتي في أُمّتى؟ (3)
أليس قد كذّب الكلّ بقوله المذكور، وما زال هكذا بعض كلامه يكذب بعضاً، وقد بيّنا ذلك من أقواله مراراً لبيان تعصّبه وعناده.
واعتذر ابن أبي الحديد عن عمر في ذلك وفي قوله : إن النبي ليهجر بأنه أخرج هذه الكلمات على مقتضى جبلّته الخشنة ، وموجب طبعه الجاسي (4) وما هو عليه من الجفاء والغلظة (5).
وهذا الاعتذار عنه إثبات لعدم عقله و تصحيح لقصوره ونقصه عن المرتبة التي أحلوه فيها ، لأنه إذا لم يكن له عقل يمسكه عن سبّ النبي (صلّی الله علیه و آله)، والوقيعة فيه، ونسبة الهجر إليه، ولا ذوق يحجزه عن التصريح بمخالفة النبي (صلّی الله علیه و آله) في التحليل والتحريم، بل كان مجبولاً على الجفوة والخشونة، ومطبوعاً على عدم الرويّة والفطنة لما يقول، لم يجز أن يكون خليفة النبي (صلّی الله علیه و آله) يبلغ عنه إلى الأمة الأوامر
ص: 24
والنواهي، ويسوس الرعيّة ويؤدّبهم ، وهو في تلك الحال محتاج إلى سائس ومؤدّب ومفهّم ومقوّم.
وقد قال ابن أبي الحديد في موضع من كتابه: إنّ الخلافة نبوّة مختصرة (1)، والأمر كما قال أفيجوز في العقل والشرع أن يكون في موضع النبوة المختصرة مَن وصفه هذا القائل بتلك الأوصاف القبيحة المنفّرة ؟ لعمرك إن هذا لتلاعب ومسخرة واستهزاء في الدين، موجب لخسران الثواب في الآخرة، واستحقاق عذاب النار الساعرة.
ثم إذا حكم عبد الحميد على إمامه عمر بأنه شتم النبي (صلّی الله علیه و آله)، وحلل حرامه وحرم حلاله بموجب ما فيه من الجفاء والجسوة ، فليحكم عليه بأنه خالف النبي (صلّی الله علیه و آله) في نصه على أمير المؤمنين (علیه السّلام) لذلك، ولا يستبعد عليه إنكار النص وردّه، لأن هذا إن لم يكن أسهل من الأول على عمر فهما متساويان، فإذا ثبت صدور أحدهما لا يستنكر منه الآخر.
فما باله يغضب من قول الإمامية: إن عمر وأصحابه سمعوا النص على علي (علیه السّلام) من النبي فخالفوه وأنكروه، وهو ينسب عمر إلى أعظم من ذلك فحشاً وأشدّ قبحاً.
ثم إنا قد ذكرنا من كلامه سابقاً ما أثبت مخالفة عمر للنصوص بالرأي، فما منعه في هذا الكلام أن ينسب شتمه النبي (صلّی الله علیه و آله) ويعزى تحليله ماحرمه وتحريمه ما حلله لذلك ؟ وما حاجته إلى تكلّف الأعذار الشنيعة على إمامه المناقضة لقوله ؟
فتأمل أيّها المنصف إلى ما وقع فيه هؤلاء الأقوام، من ضيق الخناق في أقوالهم، والشك والحيرة في مذاهبهم، حتى بلغ بهم الضيق في مسالكهم والريب في مداركهم إلى اعتذار بعضهم عن ضلال أئمتهم بما ينقص الرسول (صلّی الله علیه و آله) ويخرجه
ص: 25
من درجة الرياسة العامة على العالمين ووجوب الطاعة والأتباع على سائر المكلفين وكافة المسلمين إلى حيّز المجتهدين ، الذين يحكمون في دين الله بآرائهم، ويختلفون في أحكامهم كعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وأبي موسى الأشعري، بل كمعاوية الطليق وعمرو بن العاص الشانئ، وربيعة الرأي وأبي حنيفة وأضرابهم.
وبعضهم ينزل عن هذه الدرجة متورّعاً عن نسبة النقص للنبي المختار فيتكلف لأئمته من الأعذار ما يوجب لهم القصور والنقص والسقوط عن درجة الاعتبار، ويقتضى لهم النزول إلى الحضيض الأسفل، ويحط منهم المراتب والأقدار.
والكل منهم فيما ارتكب من الأعذار الواهية حائر بائر ومتحيل ماكر، ومعاند مكابر، قد سدّ عليه طريق الصواب، فسلك المضايق الصعاب.
نعوذ بالله من مناواة الحق ومواتاة الهوى ، وتسأله التسديد والتوفيق إلى سلوك سبل الهدى، والعصمة عن اقتحام غمرات الردى، فهو الموفق المعين القادر على ما يشاء، وهو نعم المولى ونعم النصير.
ومخالفات أبي بكر وعمر للنبي كثيرة جداً، وليس الغرض هنا ذكر جميع أحداثهما وغيرهما من القوم، لأن ذلك كله يحتاج ذكره وبيانه إلى كتاب مفرد، وإنّما الغرض هنا ذكر جملة من ذلك يحصل بها إثبات ما ندعيه عليهم من ردّهم نصوص النبي (صلّی الله علیه و آله) إذا خالفت ،آرائهم وعارضت شهواتهم، لدفع استبعاد من استبعد عليهم مخالفة النبي (صلّی الله علیه و آله) في علي علیه السلام وردّ نصه عليه .
ولنوضح أن خلافهم للنبي (صلّی الله علیه و آله) في هذا أسوة لباقي مخالفاتهم إياه في غيره، فلذا نقتصر على ما ذكرناه لحصول الغرض به ، وما اختص به الشيخان قد شاركهم القوم فيه تبعاً لهما ورضاً بخلافهما للرسول.
ص: 26
وأما ما صدر من غيرهما من مخالفات النبي صلى الله عليه وسلم فنحن نشير إلى جملة منه لا كله لكثرته:
فمنهم عثمان: فإنّه ردّ عمّه الحكم بن أبي العاص إلى المدينة، وقد حرّم رسول الله(صلّی الله علیه و آله) عليه سكناها بعد ما طرده عنها ، وحمى الحمى لنفسه ولبنى أبيه ، وولّى مروان أمر الخلافة يفعل ما يشاء، وهو فاسق ظالم، وأحرق المصاحف بالنار، ونفى أباذر إلى الربذة وآثر أهل بيته بأموال الفيء ، ومنع خيار الصحابة منها(1).
إلى غير ذلك من مخالفاته وفعلاته مما يزيد على فعل الرجلين مراتب وتفاصيله في كتب المطاعن كنهج الحق لجمال الدين الحلّي(2)، والشافي للمرتضى علم الهدى (3) وغيرهما من الكتب ، ولا عذر للقوم عنه في أكثرها إلا بالاجتهاد، وهو إثبات لدعوانا لا نقض علينا.
ومنهم عايشة أنكرت الوصية من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمير المؤمنين (علیه السّلام)، مع أنّها
ص: 27
قد حضرت ذلك (1)، كما قال خزيمة بن ثابت ذوالشهادتين في شعره المتقدم:
وصي رسول الله من دون أهله *** وأنت على ما كان من ذاك شاهد(2)
ثم لم يكفها ذلك دون أن خرجت عليه تقاتله وتجمع الجموع إلى حربه، وتدعو إلى نكث بيعته مع سماعها قول النبي (صلّی الله علیه و آله): «ستقاتلينه يوماً وأنت ظالمة له، وتنبحك في طريقك كلاب الحوأب» (3) ومع روايتها ماروت فيه أنه أحب الرجال إلى رسول الله (4) .
وما ذكرتها أُمّ سلمة رضي الله عنها مما اعترفت به من أقوال النبي (صلّی الله علیه و آله) و وأفعاله به وقد مرّ هذا كله، وسماعها قول النبي (صلّی الله علیه و آله) لأزواجه: «أيتكن صاحبة الجمل الأزبّ (5) تنبحها كلاب الحوأب ،يقتل حولها قتلى كثير ، كلهم في النار و تنجو بعد ما كادت».
رواه ابن أبي الحديد عن المحدثين وقد صححوه وأثبتوه (6)، كل ذلك طاعة لهواها واتباعاً لشهوتها، وقد قدمنا في هذا المقام من القول ما يبلّ الغليل.
ص: 28
ومنهم الزبير يصلت سيفه لقتال أبي بكر يوم بويع له، ويقول : لا أحد أحق بالخلافة من علي (علیه السّلام) (1)، ثم هو بعد ذلك يدعو إلى نكث بيعته، ويؤلب الناس على حربه، وما أبعد ما بين الأمرين، وقد سمع قول النبي (صلّی الله علیه و آله) في علي (علیه السّلام): «ستقاتله يوماً وأنت له ظالم» (2) كلّ ذلك لأغراض الدنيا وتقليد الهوى.
ومنهم سعد بن أبي وقّاص فإنّه ردّ حكم النبي(صلّی الله علیه و آله) إذ قسم غنايم بدر فساوى بين الناس فقال : أتعطي فارس القوم الذي يحميهم كما تعطي الضعيف ؟
فقال النبي (صلّی الله علیه و آله) - وهو غضبان - : «ثكلتك أمك، إنما تنصرون بضعفائكم»(3).
ثم هو يوم الشورى يطعن على علي (علیه السّلام) بالحرص على الخلافة مع روايته فيه عن النبي (صلّی الله علیه و آله) «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي».
ولذا تعجب منه ابن أبي الحديد شرح نهج البلاغة 9: 305 . ولعمري إنّه تعجب من غير عجب، فإن ديدن القوم مخالفة الرسول (صلّی الله علیه و آله) فيما يشتهون ، لكن تعجبه بمقتضى ما يدعيه فيهم من الديانة.
ص: 29
ومنهم طلحة وخبره مشهور ورده على رسول الله (صلّی الله علیه و آله) مذكور لمّا نزلت آية الحجاب ولقد قال له عمر بن الخطّاب بعد ما أدخله في الشورى: إنّ رسول الله (صلّی الله علیه و آله) مات وهو ساخط عليك، للكلمة التي قلتها لما نزلت آية الحجاب (1).
أقول: وهذا القول من عمر قد صدر بعد قوله : إن رسول الله مات وهو راض عن الستة جميعاً (2)، وهذا مثل قوله يوم السقيفة أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله)قال : الأئمة من قريش (3) ، ثم هو لما طعن تحسّر على سالم مولى أبي حذيفة لينصبه إماماً (4) وليس هو بقرشي .
فما ندري في أي رواية يصدق عمر من رواياته؟ وفي أي قول من أقواله يصيب ؟ أو إنّه يقول في كل وقت ما يشتهي ويروي في كل حال ما يريد، وهو المعلوم من سيرته.
ومنهم سعد بن عبادة فإنّه قد سمع حديث الولاية لعلي ع من النبيّ (صلّی الله علیه و آله)، فخالفه وكتمه لطلب الرئاسة، فلمّا فاته ما رجاه ذكره وصرّح به فقال له ابنه قيس ما قال ، وقد مضى ذكر خبره (5).
ص: 30
ومنهم أنس بن مالك فإنّ أمير المؤمنين (علیه السّلام)حين استنشد الناس في الرحبة (1). أيهم سمع رسول الله (صلّی الله علیه و آله) يقول يوم غدير خم: «من كنت مولاه فعلي مولاه» فليشهد فشهد من شهد ولم يشهد أنس .
فقال له أمير المؤمنين (علیه السّلام): «إنّك قد حضرتها يا أنس فقم واشهد»، فتعلّل بالنسيان لكبر سنّه، ونكل عن الشهادة وليس بناس.
فقال له أمير المؤمنين (علیه السّلام) : «إن كنت كاذباً فرماك الله بها بيضاء لا تواريها العمامة»، فأصابه الوضح (2)(3)، فسئل عن سببه بعد فقال : ذاك دعوة العبد الصالح علي بن أبي طالب، ثم ذكر للسائل الحديث واعتذاره عن ترك الشهادة بالنسيان ، وأنه غير ناس (4).
وسئل مرّة عن علي (علیه السّلام)، فقال : إني آليت ألا أكتم شيئاً سمعته من رسول الله (صلّی الله علیه و آله) فيه بعد يوم الرحبة، ذلك رأس المتقين سمعته من نبيكم (5).
أفليس هذا صريحاً في أنه قبل أن أصابه الوضح بدعاء علي (علیه السّلام) كان يكتم
ص: 31
ما سمعه من رسول الله (صلّی الله علیه و آله) فيه ، وأن نص الغدير من جملة المكتوم ؟ وهل أوقع الناس في الفتنة وصيّرهم في الحيرة الّاكتمان قول النبي (صلّی الله علیه و آله) في علي (علیه السّلام) قبل يوم الرحبة، وإخفاء نصه عليه قبل ذلك، حتى كان ذكره بعد ذلك غير مجدٍ في رفع الحيرة عن العامة، والتصريح به غير مزيل للفتنة لما ألفه الناس من الشبهة ؟
ومنهم أبو هريرة كان يروي قول النبي (صلّی الله علیه و آله) في علي (علیه السّلام): «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله» (1) وهو مع ذلك مجمع على حربه وقتاله مع معاوية، ولم يكفه ذلك دون أن روى الأحاديث المفتعلة في ذمه وتوّصل إلى لعنه.
ودع عنك مثل خالد بن الوليد ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وأمثالهم من الجبابرة وتابعيهم من المبغضين لعلي (علیه السّلام) كأبي موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير في أضرابهم وأشباههم .
وأما ما نسب من مخالفة النبي (صلّی الله علیه و آله) إلى جماعة من الصحابة معيّنين أو غير معينين :
فمنه: مخالفة قوم للنبي (صلّی الله علیه و آله) في الخروج إلى أحد، وقد اختار (صلّی الله علیه و آله) أن يقيم بالمدينة (2) ثم مخالفة الرماة الذين أقامهم على الثنية وأمرهم ألا يبرحوا عن
ص: 32
مكانهم وأخبرهم: إنا لا نزال بخير ما دمتم في موضعكم (1)، فردوا نصّه بالرأي وانصرفوا من مركزهم ، و به جرى على المسلمين ما جرى، وجرح النبي (صلّی الله علیه و آله) جروحاً كثيرة، وعانى مشقة شديدة.
ومنه: إنكار جملة من الأنصار على النبي (صلّی الله علیه و آله) فعله في قسمة غنائم هوازن حتى بلغه ذلك منهم، فأمر سعد بن عبادة أن يجمعهم له في موضع فقام فيهم خطيباً وأنبهم على ذلك، ولامهم وأبان لهم حسن ما فعله (2).
ومنه: مخالفة قوم للنبي (صلّی الله علیه و آله) حين قال في مرضه : «هلمّ أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعدي» ، فلم يقربوا إليه الدواة والبياض ليكتب لهم ذلك الكتاب ، وقالوا مع العصيان: القول ما قاله عمر حيث نسب رسول الله (صلّی الله علیه و آله) إلى الهذيان (3).
ومنه: ما قال قوم أنّ النبي (صلّی الله علیه و آله) لعل لما افتقدوا قطيفة (4) من غنيمة بدر، فأنزل الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَبِيُّ أَن يَغُلّ) (5) الآية (6).
ومنه: قول قوم منهم أن النبي (صلّی الله علیه و آله) أذن، يعيبونه بذلك، يعني يصدّق كل من
ص: 33
أخبره بشيء، فأنزل الله تعالى : ( قُلْ أُذُنَ خَيْرٍ لَكُمْ) (1) الآية (2).
ومنهم: الذين قالوا كلمة الكفر، وكفروا بعد إسلامهم، وهمّوا بما لم ينالوا ، أرادوا قتل رسول الله (صلّی الله علیه و آله) في العقبة [ عند ] منصرفه من تبوك ، ودحرجوا الدباب (3) لناقته لتنفر به ، وكان معه عمّار بن ياسر وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهما ؛ أحدهما يسوق الناقة والآخر يقودها وكانوا اثني عشر رجلاً؛ ثمانية من قريش وأربعة من العرب (4) .
ومنهم: اللامزون النبي (صلّی الله علیه و آله) في الصدقات ، (فَإِنْ أَعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ) (5) ، إلى غير ذلك من مخالفاتهم الله ولرسوله (صلّی الله علیه و آله) مما صرح به القرآن الكريم، وجاءت به الأخبار، واحتوت عليه كتب السير والمغازي والتواريخ والتفاسير.
وفرارهم عن النبي (صلّی الله علیه و آله) وإسلامهم إياه إلى الأعداء مشهور في كثير من المشاهد ، قد بيّن في القرآن منها ما بيّن (6)، وأوضح منها ما أوضح، ولولا أن شرحه يطول لشرحناه وذكرنا جميع ذلك من خلافهم.
ص: 34
ومنه: طعنهم على النبي (صلّی الله علیه و آله) في تأميره زيد بن حارثة ، ثم طعنهم عليه بعد ذلك في تأميره أسامة بن زيد ، حتى قام خطيبا ولامهم وردعهم، ودَع عنك البانين مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين (1) والفرحين بمقعدهم خلاف رسول الله (صلّی الله علیه و آله) (2) والقائلين لا تنفروا في الحر (3)، ومن قال: اعدل يا محمّد، فإنّك لم تعدل (4)، ومن قال يخاطب النبي (صلّی الله علیه و آله) راداً عليه فعله :
أتجعل نهبي ونهب العبيد *** بين عيينة والأقرع
فما كان بدر ولا حابس *** يفوقان مرداس في مجمع
ولست بدون امرئ منهما *** ومن تخفض اليوم لا يرفع
وهو العباس بن مرداس السلمي (5)، وغير ذلك مما يطول تعداده، فما ظنّك بشرحه، وكله مشروح في كتب الخصوم، وقد ذكرنا من قبل ردّ الصحابة على النبي صلى الله عليه وسلم انتجاءه عليّاً يوم الطائف دونهم، وقولهم السيئ فيه إذ ترك باب علي (علیه السلام) شارعاً إلى المسجد حين سدّ أبوابهم حتى أخبرهم إنّما فعله عن الله لا عن نفسه .
ص: 35
وبالجملة إن تهمتهم للنبي (صلّی الله علیه و آله) ومخالفتهم إياه كثيرة لا تحصى، وكل ذلك بآرائهم، وما أدته إليه أنظارهم ، فكيف يستبعد من هؤلاء إنكار النصّ على أمير المؤمنين، وهذه حالهم، وهي كاشفة عن بذلهم الجهد وتحمّلهم المشاقّ في إخفاء فضائل أمير المؤمنين، وستر مناقبه ، وطلب التدليس فيها وتلبيسها على الناس بإلقاء الشبه عليها ، وقصدهم إلى توهينها وتهجينها خصوصاً الصدر الأول.
وقد اعترف بذلك ابن أبي الحديد في صريح كلامه، فإنه لما نقل حديث ذي الكلاع الحميري حين سأل أبا نوح الحميري في صفين عن عمار بن ياسر، أهو مع أصحاب علي (علیه السّلام) ، وقال له : إن عمرو بن العاص حدّثنا أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« يلتقي أهل الشام وأهل العراق ، وفي إحدى الكتيبتين الحقّ وإمام الهدى، ومعه عمار بن ياسر».
فقال له أبو نوح: نعم إنه لفينا .
قال : قلت : واعجباه من قوم يعتريهم الشك في أمرهم لمكان عمّار، ولا يعتريهم الشك لمكان علي (علیه السّلام) ، ويستدلون على أن الحق مع أهل العراق بكون عمار بين أظهرهم، ولا يعبأون بمكان علي ، ويحذرون من قول النبي صلى الله عليه وسلم «تقتلك الفئة الباغية» ويرتاعون لذلك، ولا يرتاعون لقوله : «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» ، ولا لقوله (صلّی الله علیه و آله) : «لا يحبّك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق».
وهذا يدلّك على أن علياً (علیه السّلام) اجتهدت قريش كلها من مبدأ الأمر في إخمال ذكره، وستر فضائله، وتغطية خصائصه حتّى محي فضله ومرتبته من صدور الناس إلا قليلاً، انتهى كلامه (1).
ص: 36
وهو صريح في أن أئمته وتابعيهم من قريش كلها اجتهدوا في ستر فضائل امير المؤمنين (علیه السّلام) وإخفاء مناقبه.
ولعمري إن النصّ بالإمامة عليه من جملة ذلك، وإن الذي دعاهم إلى ستر مناقبه وخصائصه هو بنفسه الداعي لهم إلى ستر النصّ عليه وتغطيته لما ذكره في كلامه، وهو انمحاء فضل علي (علیه السّلام) ومرتبته من صدور الناس، حتى لا يقول قائل ظلموه إذ تقدّموا عليه، أو قدموا غيره، وهذا فضله وهذه مناقبه، وهذا النصّ من النبي (صلّی الله علیه و آله) عليه .
فما بال ابن أبي الحديد يثبت على القوم ستر ما لأمير المؤمنين (علیه السّلام) من المناقب وبذل الجهد في تغطية ماله من الخصائص، ويأبى عن نسبة إنكار النص عليه بالإمامة إليهم وإخفائه، مع أن العلة أن العلة في كتمان النص أقوى، والداعي إلى ستره أشدّ ، والمقتضي للتغطية عليه في أمرهم أتم، فنسبة إخفاء النص إليهم على ابن أبي الحديد من ذاك ألزم ، لكنه يقتدي في العناد بأئمته، وفي ستر الحق بسادته كما هو الجاري في طبيعته .
ولما بيّناه من فعل القوم بفضائل أمير المؤمنين (علیه السّلام) لولا شيوعها وانتشارها، وكثرتها واشتهارها ،وعناية الله بصاحبها ، لانطمست أعلامها، وعفت آثارها وذهبت نضارتها، وخبت نارها ، لكنّها بحمد الله لم تزدد على الإخفاء إلا ظهوراً، وعلى الستر إلا بروزاً، وعلى التهجين إلا علوّاً، وعلى التغطية إلا بهجة وسفوراً، وعلى الإخماد إلا توقداً ونوراً ، فجاء الأمر على خلاف ما حاولوا، واقتضت الحال عكس ما راموا .
فلما أعجزهم إعفاء رسوم تلك الفضائل، وأعياهم إطفاء أنوار تلك المناقب
ص: 37
قصدوا إلى عيب المخصوص بها ونقصه ونسبته إلى ما يشينه بما زوروه وافتعلوه تلقاء أنفسهم؛ فمرّة رموه بالدعابة (1) ، ومرة بالتيه (2) كما رماه ابن الخطّاب (3) وتبعه فيه تابعوه، وتارة بالزهو، وأخرى بالتكبر (4).
وغير ذلك من أنواع النقص ممّا صرحت العبر ببرائة ساحته منه ، ولم يزده في قلوب أهل الإيمان إلا جلالة قدر، ورفعة شأن.
وكل ما ذكرناه عن القوم وأضعافه مروي في كتاب خصمنا وكتب أصحابه و مشبهيه مما لولا طول المقام بذكره والخروج عن المرام بسطره لرسمناه و شرحناه، ومن أراده مبيناً فليطلبه من الكتاب المشار إليه (5).
وهذا الذي قالوه إذا تأمله الفطن الأريب وجده خارجاً من مكنون بغض عظيم، وبارزاً من مخزون حقد جسيم، وعلم أنه ناش من لهب نار حسد قديم، ومتولّد من أصل وجد مقيم، فكان الأمر كما قال أبو تمام حبيب بن أوس الطائي:
وإذا أراد الله نشر فضيلة *** يوماً أتاح لها لسان حسود (6)
وقد صح من هذه الجملة أن القوم ما كانوا يتقيّدون بنصوص النبي (صلّی الله علیه و آله) فيما يخالف أغراضهم، ولا يعتنون بها فيما يضاد مطالبهم، ولا يقدّمون من قدّمه ويؤخّرون من أخّره، ولا يفضّلون من فضّله و [لا] يسوّدون من سوّده ،
ص: 38
بل يقدّمون من أحبّوا تقديمه ويفضّلون من شاؤوا تفضيله ويؤخرون من أحبّوا تأخيره، ويذمّون من مدحه الله ورسوله (صلّی الله علیه و آله) .
كلّ ذلك برأي منهم وميل من نفوسهم ، لا بدليل شرعي ولا بحكم الهي ، إنّهم كانوا يؤثرون اتباع أهوائهم على أوامر النبي (صلّی الله علیه و آله) ونواهيه، ويقدّمون طاعة شهواتهم على طاعته وترك معاصيه، ويجعلون قضاء أوطارهم أولى من استماع دعوته وإجابة مناديه ، خصوصاً في عترته وذوي قرابته ومواليه؛ فاندفع الإيراد وثبت المراد .
وهذا كلّه يرشد المتأمل إلى الحكم بصحّة ما قيل في القوم : إنهم لم يدخلوا في دين النبي (صلّی الله علیه و آله) دخول إيمان ويقين، ولم يتبعوه لطلب مرضاة الله ، وإنما كان ذلك لأغراض دنيوية ومقاصد نفسية، ولذا تراهم لا يلتفتون من أقواله إلى ما لا يوافق آرائهم، ولا يطابق مشتهاهم، بل يجعلون أمره كأمر واحدٍ منهم ، فيرتكبون خلافه بغير تحرّج ولا تأثّم.
وقد أفصح بذلك القرآن الكريم والفرقان العظيم ، حيث يقول تعالى: (لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لواذاً ) (1) الآية، وقوله تعالى : ( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَا تَمُنُّوا عَلَى إِسْلَامَكُم بَل الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (2) فقد روي صحيحاً أنها نزلت فى عثمان لأمر جرى بينه وبين عمّار بن ياسر في بناء مسجد النبي (صلّی الله علیه و آله)، وهي قصة
ص: 39
معروفة (1) ، إلى غير واحدة من الآيات الواضحات في هذا المعنى.
وهذا ينادي بأنهم لم يصدقوا يقيناً بنبوته، ولم يكونوا مستيقنين بصدق رسالته، وإنّهم لولا ما رأوا في إظهار الإسلام من العزّة والسلطان وانقياد الناس لهم، واتساق الأمور لرفضوه واتّبعوا دين آبائهم وطريقة أسلافهم، لكنّهم رأوا في إظهار هذه الدعوة والتمسّك بهذه الملة عظيم الملك والمنعة، وشديد القوة والغلبة، ومسارعة الناس لهم بالطاعة وإنفاذ الأوامر والنواهى .
وانضمّ إلى ذلك انفتاح ممالك القياصرة والأكاسرة والفراعنة والأتراك وغيرهم عليهم، وتملكهم تلك الممالك العظام ، فنالوا بذلك من الرفعة والرياسة ما لم ينله ملك قاهر، ولم يدركه سلطان ظاهر.
وعلموا أن في رفضهم هذا الدين ورجوعهم إلى دين آبائهم الماضين زوال هذه الرياسة الجليلة، وفوات هذه المنزلة النبيلة، وصيرورتهم أذلاء أذناباً تابعين غير متبوعين، كما كانوا عليه فى زمان الجاهلية، فلذا داموا على إظهار الدعوة وتمسكوا ظاهراً بعرى الملة، وواظبوا على الإتيان من وظائف الإسلام بما يزيد الناس فيهم وثوقاً، ولا يخالف لهم مما أرادوه غرضاً كالصلاة والصيام والحج، وترك المستلذات من المأكل والمشارب والملابس ، كما قيل:
وإن صبرت عن لذة العيش أنفس *** فما صبرت عن عن لذة النهي والأمر(2)
ص: 40
وحثوا منها على ما يشدّد لهم الأبهّة، ويقرّر لهم قاعدة الإمارة كالجهاد وإقامة الحدود بمقتضى مرادهم، وجباية الأموال وإيثار من ميله إليهم يقوي أمرهم ويشدده بها، والقلوب على ما انطوت عليه ارادة الدنيا وطلب العاجلة وعدم الالتفات إلى العقبى وثواب الآجلة، فانتشر صيت الإسلام وكثر الداخلون فيه ، ورغبوا في التدين به وضرب بجرانه (1) وشدة قواعد أركانه .
ولولا ذلك كله لأعفوا رسومه وأطمسوا معالمه، وكان ذلك لإنجاز ما وعد الله رسوله أن يظهر دينه ويفلج حجّته، وتصديق ما قاله النبي (صلّی الله علیه و آله) كما رواه الخصم وغيره «أن الله يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم في الآخرة»، أو قال «عند الله يوم القيامة» (2)، وفي رواية «بالرجل الفاجر » (3) ، فالجماعة وأتباعهم من أولئك الأقوام والرجال ومع ذلك فقد غيّروا من أحكام ذلك فقد غيّروا من أحكام الشريعة ما قدروا على تغييره ، وفعلوا ما أوجبه اختلاف الأمة إلى آخر الدهر، وهو إزاحتهم وصي الرسول (صلّی الله علیه و آله)عن مقعده، وبالله المستعان .
فإن قال قائل : قلم لم يضرب النبي (صلّی الله علیه و آله) أعناقهم لمّا ردّوا عليه حكمه وقوله، لأن رد قول النبي (صلّی الله علیه و آله) كفر، وإذا لم يكن ذلك صادراً لزم إمّا إنهم لم يخالفوه أو إنّ مخالفته بالرأي جائزة، إذ لا مانع له في سلطانه من قتل من خالفه .
قلنا: هذه الشبهة هي التي جرّأت القوم على خلاف النبي (صلّی الله علیه و آله) في حياته،
ص: 41
وجسرتهم على ردّ نصوصه، حتى أنه (صلّی الله علیه و آله) أمر في حجة الوداع من لم يسق هدياً بالإحلال وأن يجعلها عمرة يتمتع بها إلى الحج، وحثّ على ذلك غاية الحثّ وقال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت هدياً» (1)، فعصاه كثير منهم ، ولم يحلّوا وقالوا: نخرج إلى الحج تقطر مذاكيرنا من المني - كما في صحيح مسلم (2)- وهذا عصيان واستهزاء ، ولم يكونوا ساقوا هدياً، وكان من جملة أولئك عمر بن الخطّاب.
وسافر [ رسول الله (صلّی الله علیه و آله)] في شهر رمضان، فأفطر ولم يفطر جماعة ممّن معه من الصحابة، فقال: أولئك العصاة ، يكررها ثلاثاً، رواه مسلم في صحيحه أيضاً (3)، وكثير من ذلك.
وكما جرّأت أولئك على خلاف النبي (صلّی الله علیه و آله) أو همت أولياءهم أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله)سوّغهم ذلك، حيث لم يعاقبهم على ردّهم قوله وحكمه بما يقتضي ردعهم.
وهذه شبهة ضعيفة جوابها فى كتاب الله تعالى وهو قوله: ﴿ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظٌ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) (4) الآية ، فإن الله سبحانه وتعالى أمره بالكف عنهم والعفو والصفح عن زلّاتهم ، لئلّا يتفرّقوا عنه ويخذلوه، فلا يبقى منهم أحد معه، كما أمره الله تعالى بالكفّ عن المنافقين ودعائهم إلى حرب المشركين وإعطائهم من الغنائم، وجوّز له الاستغفار لهم، وكما أمره الله تعالى أن يعطى المؤلفة قلوبهم من الصدقات ،والغنائم يؤلّفهم بها ويستميلهم بذلك إلى
ص: 42
قتال العدوّ ، لتظهر كلمة الإسلام وتنتشر دعوته في الآفاق، مع علمه (صلّی الله علیه و آله) بنفاق المنافقين وشك المؤلّفة قلوبهم، فأجرى أولئك مجرى هؤلاء.
على أنهم لم يظهروا جحود ربوبية الله ووحدانيته، ولا إنكار نبوة النبي (صلّی الله علیه و آله) ،وإنّما كانت مخالفتهم في أمور أخر من الأحكام، وكان يردعهم على مخالفتهم إياه بأخشن الكلام ،كما قال لهم يوم الحديبية إذ قال عمر: فلم نعطي الدنيّة في ديننا :«الستم أصحابي يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد ؟ ألستم أصحابي يوم كذا ؟» يقرعهم بذلك ويبكّتهم (1)، وإظهاره الغضب إذ قال عمر: إنه ليهجر ، وقوله : «قوموا عنّي فإنّه لا ينبغي عند نبي تنازع »(2) ، وقوله لسعد بن أبي وقاص: «ثكلتك أُمّك إنّما تنصرون بضعفائكم» (3)، وهكذا كان يردعهم بالكلام الغليظ ويعفو عمّا زاد عليه.
والسر في ذلك ألّا يتوهّم الناس إنه ملك جبّار لا نبيّ حليم متواضع، ولو كان نبياً لما قتل قوماً دعاهم إلى دينه فأجابوه، وانتصر بهم على عدوّه بمجرد زلة أو خطيئة أو مخالفة له في حكم .
ص: 43
وهذا ليس من خلق الأنبياء، بل من خلق الأنبياء التأني وغفران الزلّة، وتوضيح الحكم عند المخالفة، وليس من خلقهم قتل أصحابهم في مثل ذلك، فإن موسى قال له قومه أو ذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا، وهذا الكلام فيه تشاؤم من موسى علیه السلام وتضجّر.
فأجابهم بما قصّه الله تعالى :(عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ) (1) الآية .
وقالوا له: (اجْعَلْ لَنَا إِلَها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) (2) حين مروا بعد خروجهم من البحر يقوم يعبدون شجرة.
فأجابهم : (إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) ، وهذه من أعظم الجرائم لأنهم أرادوا منه أن يصيرهم مشركين.
وقالوا له : (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ) (3) بعد امتناعهم عن دخول الأرض المقدّسة وقولهم : ل(َن نَدْخُلَهَا أَبَداً ما دَامُوا فِيهَا ) وغير ذلك، ومع هذه المخالفات العظيمة من بنى إسرائيل لموسى علیه السلام مما قصه الله في القرآن (4) لم يقتل موسى منهم أحداً ولا دعا عليه بالهلاك.
وحال النبي (صلّی الله علیه و آله) لها في الرأفة والحلم أعظم من موسى، ألا تراه في أُحد حين أصابه الجراح والمشقّة جعل يقول: «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون»(5) وجعل الدعاء لهم محلّ الدعاء عليهم، فكيف يقتل قوماً مقرّين بدينه بصدور مخالفة
ص: 44
منهم في قول أو فعل، وإنما يكون القتل والتأديب بارتكاب ما يوجب الحدود .فكان النبي (صلّی الله علیه و آله) يعمل معهم كعمل الأنبياء مع أصحابهم .
وذلك من أوضح الأدلة على نبوّته، فكان يعفو ويصفح عن قتل من خالفه، وإن كان يجوز قتله لدفع توهّم الناس إنّه ليس بنبيّ، ولو كان كذلك لسار في أصحابه سيرة الأنبياء في أصحابهم، فتركه إياهم وصفحه عنهم من جملة ما يثبت نبوّته عند الناس.
وقد عفى عن أهل مكة وكانوا مستحقين للقتل وقال :« اذهبوا فأنتم الطلقاء»(1)، وكم عفى عن مستحق للقتل ، لكنه مع ذلك كله يردعهم باللسان وإظهار الغضب على الجرأة والمخالفة، فلو كان خلافهم له جائزاً لم يردعهم، لكنه جمع بين الأمرين ؛ فزالت الشبهة بعون الله .
وكيف يجوز ردّ أمر النبي (صلّی الله علیه و آله) والله تعالى يقول: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(2) ويقول : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً )(3) ويقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (4) وغيرها من الآيات الواضحات في عدم جواز مخالفة الرسول ، والقرآن مملو بها .
ص: 45
وأما الدعوى الثانية (1) أعنى أن هناك نصاً من النبي (صلّی الله علیه و آله)على علي (علیه السلام) ، وقد خالفه القوم، فلنا عليها وجوه من الأدلّة :
[الوجه] الأول (2) : دلالة الأخبار الصحاح عند الخصم على المدعي :
فمنها : قول النبي (صلّی الله علیه و آله) لعلي (علیه السّلام) : «إن الأمّة ستغدر بك من بعدي» فقد رواه ابن أبي الحديد عن أكثر المحدثين (3) ورواه غيره أيضاً (4)، وهذا الحديث نص صريح في أن النبي (صلّی الله علیه و آله) عهد إليهم في علي (علیه السّلام) عهداً، وإنّهم نقضوا عهده فيه، لأنه لا يخفى على من له أدنى معرفة بأساليب كلام العرب فضلاً عن فاضل مدقق أن لفظ الغدر لا يستعمل إلا في نقض عهد متقدم.
ص: 46
وقد صرّح بذلك الشهاب الفيّومي في المصباح المنير (1)وغيره من أهل اللغة (2) ، فلا يقال : غدر فلان إلّا إذا نقض عهداً معهوداً، وأبطل عقداً معقوداً يلزمه الوفاء به، كما أن الوفاء الذي هو ضد الغدر معناه البقاء علی مقتضى العهد المتقدم، والاستمرار على موجب العقد السابق.
فإذن ثبت من هذا القول أن النبي (صلّی الله علیه و آله) عهد إلى أصحابه عهداً فنقضوه بعد وفاته ، ولا عهد نقض في ذلك غير العهد بالخلافة، إذ لم يأخذ الصحابة من عليّ غيرها، ولم يناقضوه في سواهاه، فصح أنه منصوص عليه، وإن القوم خالفوا النص بتعمّد، فكانوا غادرين، وهو عين مدّعانا ، ولا يجوز أن يحمل ذلك على ما وقع في أيّام خلافة علي (علیه السّلام) خاصّة لوجوه ثلاثة:
الأول : أن الغدر منسوب إلى الأمّة، والأمة فى ذلك الوقت على الحقيقة هم الصحابة، ومن سواهم تبع لهم، فالغدر لا محالة صادر عنهم وواقع منهم، إذ لا مخالفة من غيرهم من جميع الناس إلا بسببهم ودعائهم، الناس إلا بسببهم ودعائهم، أو دعاء أحد منهم إلى المخالفة ، كما هو معلوم عند أولي العقل والفطنة؛ فوجب أن يكونوا هم المعينين بالغدر، ورؤساء الجمل وصفين من جملتهم.
اللهم إلا أن يتمحّل متمحل فيقول : إن الصدر الأول من الصحابة ليسوا من الأمّة، فحينئذ يقال لهم : فهم إذن غير مسلمين لأن أُمة النبي صلى الله عليه وسلم من أقرّ بالشهادتين ، وإذا لم يكونوا من الأمة كانوا من الكفار.
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعدي فجعل ما بعده من الزمان الذي أوله وقت
ص: 47
وفاته ظرفاً لغدرهم، فيعمّ جميع الأوقات، والتخصيص بوقت يتوقّف على المخصّص ، ولا مخصّص في المقام إلّا رأي الخصم ،روليس الرأي بمقبول .
الثالث: أنا إنّما نتكلم على معنى الحديث، وهو مفيد لثبوت العهد من النبي (صلّی الله علیه و آله) في علي (علیه السّلام) إليهم ، لثبوت الغدر منهم، وحيث ثبت الغدر ثبت لتوقفه عليه ، وذلك هو النصّ بالإمامة ، ومن ادعى غيره فعليه البيان، فتنبت الإمامة له في جميع الأوقات، فمن زحزحه عنها أو حال بينه وبينهما فهو غادر والأولون هم الذين فعلوا ذلك فهم الغادرون، وقد وضح الأمر إلا أن يكذب ابن أبي الحديد وأصحابه رسول الله (صلّی الله علیه و آله) فيكفروا ، وليس ذلك بكثير عليهم في محبة أئمّتهم .
ومنها: ما رواه ابن أبى الحديد عن يونس بن حباب(1) ، عن أنس بن مالك، قال : كنا مع رسول الله (صلّی الله علیه و آله) و علي بن أبي طالب (علیه السّلام) معنا، فمررنا بحديقة، فقال علي: يا رسول الله، ألا ترى ما أحسن هذه الحديقة !
فقال : إنّ حديقتك في الجنّة أحسن منها ، حتى مررنا بسبع حدائق يقول علي ما قاله ، ويجيبه رسول الله بما أجابه، ثم إنّ رسول الله (صلّی الله علیه و آله) وقف فوقفنا، فوضع رأسه على رأس عليّ فبكى ، فقال علي : ما يبكيك يا رسول الله ؟
قال: «ضغائن في صدور قوم ، لا يبدونها لك حتى يفقدوني».
فقال: يا رسول الله ، أفلا أضع سيفي على عاتقي ، فأبيد خضراء هم (2)؟
ص: 48
قال : بل تصبر. قال : فإن صبرت ؟
قال : تلاقى جهداً . قال : أفى سلامة من ديني ؟ قال : نعم .
قال : إذن لا أبالي» (1) .
وهذا الحديث نص في أن القوم كانت في قلوبهم ضغائن على علي (علیه السّلام)، أخفوها في حياة النبي (صلّی الله علیه و آله)، وإنهم يبدونها له بعد فقدهم رسول الله (صلّی الله علیه و آله)، وليسوا أبدوا له بعد النبي (صلّی الله علیه و آله) إلا منعه من الخلافة، وجحدهم النصّ عليه ، وإخراجهم إياه ملبیاً ليدخل في بيعتهم ، فبين رسول الله (صلّی الله علیه و آله) إن ذلك من فعلهم، وقع لحقد وضعن في قلوبهم على علي (علیه السّلام).
فحينئذ إن كانوا علموا أنه الأحق بمقام النبي (صلّی الله علیه و آله) من جهة نصّه عليه فهو ما تقول من أنهم لم يتقدموا على علي (علیه السّلام) لجهل منهم باستحقاقه التقدم ولا لعدم اطلاع على النص عليه من النبي (صلّی الله علیه و آله) ، وإنما فعلوا ذلك حسداً له وبغضاً، وثبت نفاقهم وهو المطلوب.
وإن كانوا لم يعلموا بشيء من ذلك ولا وقع شيء منه ، وإنهم علموا إن الأمر بين (2) المهاجرين شرع، فلا يجوز نسبة الضغن إليهم ورميهم بكتمان الحقد وملاقاة أمير المؤمنين الجهد في صبره على فعلهم ، لكن ذلك كله ثابت لهم بإخبار الصادق الأمين، فوجب أن يكونوا جاحدين النص، وإنهم من المنافقين ، ولا يجوز أن يحمل الخبر على ما كان من أصحاب الجمل وصفّين والنهروان، لأنّ
ص: 49
عليّاً (علیه السّلام) إذ ذاك لم يوص بالصبر ولم يصبر، بل أمر بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين بصريح النصوص، ومنها ما سبق ذكره، فوضع السيف في نحورهم وترك للسيدان (1) لحومهم، وجرّعهم كؤوس المنية بحدود المشرفية (2)، وإنما أمر بالصبر، وصَبَرَ في تغلب الثلاثة على الأمر، فهم المعيّنون بالضغن بلا مرية.
ومنها ما رواه عن أبي جعفر الإسكافي: «إن النبي(صلّی الله علیه و آله) دخل على فاطمة ، فوجد عليّاً نائماً فذهبت تنبّهه، فقال: دعيه ، فرب سهر له بعدي طويل، وربّ جفوة (3) لأهل بيتي من أجله شديدة، فبكت فقال: لا تبكي، فإنكما معي، وفي موقف الكرامة عندي» (4).
والتقرير قريب مما مرّ، ولقد صح ما أخبر به النبي (صلّی الله علیه و آله) من حصول الجفوة لأهل البيت في تأمّر الثلاثة، فإنّهم لم يدعوا طليقاً كيزيد بن أبي سفيان ومعاوية وابن أبي سرح ولا متهماً ولا ظنيناً كالوليد بن عقبة وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم، وأشباه ،هؤلاء وأضرابهم، ولا متهتّكاً في دينه معروفاً بالهزل في الإسلام،
ص: 50
كأبي هريرة والمغيرة بن شعبة وأمثالهما إلّا ولوه ولاية، ونال من جهتهم (1) إمارة جيش أو بلد أو جباية.
ولم يولوا أحداً من بني هاشم شيئاً من ذلك، بل ما زالوا يبعّدونهم ويقصونهم ليكونوا محقورين ، ويهون أمرهم على الناس، ويكونوا في زاوية الحمول فیصيروا منسيّين غير مذكورين، ومخفيين غير مشهورين ، كل ذلك ليخفى فضل على، لأن أهل البيت لو ظهروا لأظهروا فضله ونشروا مناقبه فمالت الناس إليه ورغب أهل الدين فيه، فانعكس على القوم ما أرادوا واختل عليهم ما دبروا فلذا جفوهم وأقصوهم فكان ذلك من أجله.
وهذا يرشدك إلى بطلان ما اعتذر به تابعوهم تبعاً لعمر، من أن علياً (علیه السّلام) لو ولّي الخلافة لانتفضت عليه العرب واختل أمر الملة (2) فإنّ العرب لم يكونوا ليجتروا على خلافه إذا كان المهاجرون والأنصار في طاعته، مع ما تمكن في قلوب الناس
من هيبته واشتهر فيما بين العرب من شجاعته وبراعته.
وكيف تنقاد العرب لأبي بكر الضئيل الحسب الوضيع النسب، ولعمر بن الخطّاب المماثل له في الدنائة واللؤم بسبب طاعة الصحابة لهما، ولا تنقاد لعلي (علیه السّلام) لذلك، مع جلالة قدره وعظيم منزلته، وشدّة موقعه في قلوب الناس، وعلو شأنه بشرف النسب وكرم الحسب، وكونه من لبّ بيت السيادة ومخ بيضة الرئاسة من آبائه أولياء حرم الله والذين هم أصحاب وفادة حجاج بيت الله وأهل السقاية والكرم وإطعام الطعام، وأهل الرحلتين وأهل الحكومة بين العرب؟ قال الوليد الطائي في صفين :
ص: 51
شدوا فداءً لكم أُمي وأب *** فإنما الأمر غداً لمن غلب
هذا ابن عم المصطفى والمنتجب *** تنميه للعلياء سادات العرب (1)
وكم مثل هذا قيل فيهم من الولي والعدو في الإسلام والجاهلية، هذا مع السبق إلى الدين والقرابة القريبة من النبي (صلّی الله علیه و آله) ، والشجاعة الفائقة والجهاد العظيم والعلم الغزير والجود والسماحة والزهد والقناعة.
وبالله أقسم قسماً بارّاً ، إنه لو ولّي الأمر بعد النبي (صلّی الله علیه و آله)، ولم يخالفوا عليه أولئك القوم ، وسلّموا له الأمر ، وألقوا إليه أزمّة الرياسة، لانساقت العرب إلى إجابته طوعاً ومشوا في طاعته ولو حبواً، ولكانت إمارته عندهم نعمة مشكورة، فضلاً عن أن تكون إمرة مبرورة، ولكثر الشعر في مدحه، وأسفر ليل سرورهم بولايته عن صبحه، ولم يتخلف أحد من العرب عن إطاعته، ولم يختلف اثنان منهم في إمامته.
وقد ظهر من فرح المسلمين ببيعته يوم بويع بعد قتل عثمان ما تواتر في الكتب نقله، وقيلت الأشعار الكثيرة في السرور ببيعته، بل هو بعد رسول الله (صلّی الله علیه و آله)، وقد لقي ما لقي من القوم والمدايح تقال فيه والألسن تشير إليه، ويؤنّب الجماعة على عدولهم عنه، ففى قول النعمان بن عجلان الأنصاري:
وليس أبو بكر لها خير قائم *** وإن عليّاً كان أخلق بالأمر (2)
وفي قول أبي سفيان بن حرب :
بني هاشم لا يطمع الناس فيكم *** ولاسيّما تيم بن مرة أو عدي
ص: 52
وما الأمر إلا فيكم وإليكم *** وليس لها إلا أبو حسن عليّ
أبا حسن فاشدد بها كف حازم *** فإنك بالأمر الذي تبتغي ملي (1)
وقول آخر:
ما كنت أحسب أن الأمر منصرف *** عن هاشم ثم منها عن أبي حسن
أليس أوّل من صلّى لقبلتكم *** وأعلم الناس بالآيات والسنن
وأقرب الناس عهداً بالنبي ومن *** جبريل عون له فى الغسل والكفن
من فيه ما في جميع الناس كلهم *** وليس فى الناس ما فيه من الحسن
ماذا الذي صدكم عنه فنعرفه *** ها إن بيعتكم غبن من الغبن (2)
إلى غير ذلك مما . يسع المقام نقله ، وهو مذكور فى كتاب خصمنا وغيره ، فأنّى تنتقض العرب على هذا لولا ما جناه عليه الشيخان، وقد صرّح هو (علیه السّلام) بهذا المعنى وبينه فيما رواه ابن أبي الحديد عن عوانة، عن يزيد بن جرير عن الشعبي ، عن شقيق بن سلمة أن علياً (علیه السّلام) لمّا انصرف إلى رحله بعد مبايعة عبد الرحمان لعثمان، قال لبني أبيه : «يا بني عبد المطّلب، إن قومكم عادوكم بعد وفاة النبي (صلّی الله علیه و آله) كعداوتهم النبي (صلّی الله علیه و آله) في حياته، وإن يطع قومكم لا تؤمروا أبداً، ووالله لا ينيب هؤلاء إلى الحق إلا بالسيف»، وعبد الله بن عمر داخل عليهم سمع الكلام كله فدخل وقال: يا أبا الحسن أتريد أن تضرب بعضهم ببعض ؟
فقال: «أُسكت ويحك ، لولا أبوك وما ركب منّي قديماً وحديثاً ما نازعني ابن عفّان ولا ابن عوف»، الخبر (3).
ص: 53
وهو مصرّح بما قلناه : إن جرأة المتأخرين عليه إنما كانت بسبب الرحلين السابقين، وما فعلاه من إخراجه عن مقامه، وسترهما فضائله ومزاياه، ولولا جرأتهما عليه وتقدّمهما قبله لم يخالفه أحد من الناس، ولا جسر على مقامه (1) أحد من المسلمين ، ولا رام التقدّم عليه في الأمر ابن حرّة، وقد تقدّم من كلام معاوية في كتابه لمحمّد بن أبي بكر (رحمه الله) ما يصرح بهذا المعنى.
وبعد، فهل رأيت أحداً من العرب خالفه حين بويع من تلقاء نفسه بدون تسويل أحد من الصحابة وإملائهم لهم وتزيينهم لهم فرقته ومخالفته حتى يخالفه من تلقاء نفسه لو ولي الأمر عفواً بعد النبي (صلّی الله علیه و آله) ؟
هؤلاء أهل البصرة قد انقادوا إلى طاعته ورضوا ببيعته، وأطاعوا عماله ونفذت أحكامه، وأوامره ونواهيه، ولم يسخط أحد إمارته، ولا ردّ واحد منهم بيعته إلى أن جاءتهم عائشة وطلحة والزبير ففتنوهم عن دينهم، وأدخلوهم في الضلالة، وزينوا لهم الفرقة وشق العصا بالشُّبه والخُدَع.
فلولا مجيء عائشة والزبير وطلحة، وتحميلهم إياهم على نكث البيعة وخلع الطاعة، لكانوا ماضين عليها، ومستمرّين على العمل بموجبها، ومتحققين بها غير مستنكفين عنها ، ولا مرتابين فيها .
وأولئك أهل الشام لو لم يزيّن لهم معاوية الشقاق، ويعينه على ذلك عمرو بن العاص عَلَمُ النفاق فيدعوهم إلى الخلاف، ويحملاهم على عدم الوفاق، ويغمساهم في غمرات الغواية، ويسدّا عليهم طريق الهداية بما ألقيا في قلوبهم من التشبيهات والتسويلات وملنا به أسماعهم من الأباطيل والأضاليل، وقرعا به
ص: 54
آذانهم من الأقاويل الملفّقة والأكاذيب ما نازعه منهم منازع ، ولا صرفهم عن المسارعة إليه صارف، ولا منعهم عن بيعته والقيام بواجب طاعته مانع.
بل لو خيروا ابتداءاً قبل الشبه عليهم لما اختاروا غيره، ولا عدلوا به سواه، ولولا صفّين لما كانت النهروان ، ولا ما بعدها من الحروب، فالاختلاف على أمير المؤمنين إنما جاء من قبل أولئك الصحابة، ولولاهم لأدّت الناس جميعاً إليه الطاعة، واستقاموا له غاية الاستقامة، وبذلوا له الجهد في النصيحة .
ثم لا تمضي برهة من الزمان حتى يتبين للناس في أمر الإمامة الرغوة (1) من الصريح ، ويتضح لهم الظالم والمظلوم ، ولكنّ تلك الصحابة أفسدوا الأمر عليه، ومنعوا العرب الثواب الجزيل في الاجتماع عليه، والطاعة لأمره، وأدخلوهم في العقاب الأليم الطويل بالتفرق عنه ومعصيته.
وسبب ذلك كله الأولان ، كما سمعت ، وبذلك يصرح قوله في الخبر: وإن يطع قومكم لا تؤمروا أبداً، وذلك لصرف أولئك الأصحاب وجوه من أطاعهم من الناس عن مودة أهل البيت وولايتهم ، وذلك لشدّة بغضهم لأمير المؤمنين.
فما زال أهل البيت في جفوة من القوم لأجله، كما هو صريح قول النبي (صلّی الله علیه و آله) فاعتذارهم عن تقدّمهم عليه بانتقاض العرب عليه لو ولى الأمر بعد النبي (صلّی الله علیه و آله) عذر باطل، وقول كاذب خامل، لا يخفى وهنه وفساده وبطلانه وكساده على أهل الفضل والنُّهى.
ولنقتصر في هذا المطلب هنا على هذا القدر من الكلام، فإن فيه الكفاية لذوي الإنصاف، والغنية لمن حاد عن مزلّة الإسراف.
ص: 55
ومنها: ما رواه عن كثير من المحدثين عن علي (علیه السّلام) انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : «إن الله قد كتب عليك جهاد المفتونين كما كتب على جهاد المشركين .
قال : فقلت: يا رسول الله ما هذه الفتنة التي كتب على فيها الجهاد ؟
قال: قوم يشهدون أن لا إله إلا الله وأنّى رسول الله ، وهم مخالفون السنّة.
فقلت يا رسول الله، فعلام قاتلهم، وهم يشهدون كما أشهد ؟
قال : على الإحداث في الدين ومخالفة الأمر.
فقلت: يا رسول الله ، إنك كنت وعدتني الشهادة، فأسأل الله أن يعجلها لي بين يديك,
قال : فمن يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، أما إني وعدتك الشهادة وستستشهد تضرب على هذا فتخضب هذه، فكيف صبرك إذن ؟
قلت: يا رسول الله ، أليس ذا بموطن شكر ؟
قال : أجل ، أصبت فاعد للخصومة، فإنك مخاصم.
فقلت: يا رسول الله ، لو بيّنت لي قليلاً .
فقال: إن أُمّتى ستفتن من بعدي، فتتأوّل القرآن وتعمل بالرأي، وتستحل الخمر بالنبيذ، والسحت بالهدية والربا بالبيع وتحرّف الكتاب عن مواضعه وتغلب كلمة الضلال، فكن جليس بيتك حتى تقلدها، فإذا قلدتها جاشت عليك الصدور، وقلبت لك الأمور، تقاتل حينئذ على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فليست حالهم الثانية بدون حالهم الأولى.
فقلت: يا رسول الله . فبأي المنازل أنزل هؤلاء المفتونين من بعدك أبمنزلة فتنة أم بمنزلة ردّة ؟
ص: 56
فقال : بمنزلة فتنة يعمهون فيها حتى يدركهم العدل.
فقلت يا رسول الله، أيدركهم العدل منّا أم غيرنا ؟
قال : بل منا، بنا فتح الله وبنا يختم ، وبنا ألّف بين القلوب بعد الشرك، وبنا يؤلّف بين القلوب بعد الفتنة.
فقلت : الحمد لله على ما وهب لنا من فضله» (1).
وهذا الحديث صريح في أنّ القوم افتتنوا بعد رسول الله (صلّی الله علیه و آله) وضلّوا، وعملوا بالرأي وحرّفوا الكتاب ، وفعلوا جميع ما ذكره النبي (صلّی الله علیه و آله) من استحلال المحرّمات بالشبهات، وهذا كله قبل تقلّد علي (علیه السلام) الخلافة، وإنّه مأمور بالجلوس في بيته وترك نزاعهم حتى يتقلد الأمر، فحينئذ يقاتل.
ولا فتنة ولا ضلال بعد موت النبي (صلّی الله علیه و آله) إلى تخلف أمير المؤمنين (علیه السّلام) إلا بتأخيره عن الخلافة وتقدّم الثلاثة عليه ، فإذا لم يكن عليه نص خالفوه، فمن أين جاءهم الضلال ووقعوا في الفتنة، وعملوا بالرأي، وفعلوا ما ذكر في الخبر، فهو أصرح من الشمس الضاحية في رابعة النهار فيما قاله الإمامية من ضلالة الثلاثة وتابعيهم، وذا مصداق قوله تعالى :( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفتَنُونَ ) (2).
ومن أعجب العجب قول ابن أبي الحديد ودعواه بعد نقل هذا الخبر صراحته في مذهب المعتزلة، ظناً منه أن النبي (صلّی الله علیه و آله) إنما عنى أهل الجمل وصفّين (3)، وذلك
ص: 57
من جملة غفلاته أو تغافله، ولو فكّر لوجد الخبر واضحاً في إبطال مذهبه وفساد معتقده والله الهادي .
ومنها: ما رواه عن سدير الصيرفي عن أبي جعفر محمد بن عليّ قال : اشتكى عليّ شكاة، فعاده أبو بكر وعمر وخرجا من عنده فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألهما : «من أين جئتما »؟ قالا: عدنا عليّاً.
قال: «كيف رأيتماه»؟ قالا: رأينا لما به(1).
فقال : كلّا إنَّه لن يموت حتى يوسع غدراً وبغياً، وليكوننّ في هذه الأمة عبرة يعتبر به الناس من بعده (2).
وهذا الخبر صريح في حصول الغدر بأمير المؤمنين (علیه السّلام)من الأمة، وقد علمت أن الغدر لا يكون إلا بنقض عهد سابق ، ويثبت المطلوب بمثلما تقرر في الحديث الأول. ثم إنّه (صلّی الله علیه و آله) ذكر الغدر والبغي فيكون الغدر إشارة إلى ما فعله به القوم بعد النبي (صلّی الله علیه و آله) ، من تقدّمهم عليه في الخلافة، والبغي إشارة إلى ما فعله تابعوهم من خلافه وحربه بعد بيعة الناس له .
ومنها: ما رواه عن جابر الجعفي عن محمد بن علي قال: قال علي(علیه السّلام) : «ما رأيت منذ بعث الله محمداً (صلّی الله علیه و آله) رخاءاً ؛ لقد أخافتني قريش صغيراً، وأنصبتني
ص: 58
كبيراً حتى قبض الله رسوله الله (صلّی الله علیه و آله) فكانت الطامة الكبرى، والله المستعان على ما يصفون »(1).
فلو قال قائل لابن أبي الحديد: أخبرنا عن هذه الطامة بعد موت النبي (صلّی الله علیه و آله) التي جعلها علي (علیه السلام) أكبر من إخافة المشركين إياه وحربهم إيَّاه في حياة رسول الله (صلّی الله علیه و آله) ما هي ؟
أهى ترك الأولى كما ذكرت ، وليس كما ذكرت ، فترك الأولى لا يساوى بحرب النبي (صلّی الله علیه و آله) و حرب ناصره، لأن ذا كفر وترك الأولى غير حرام، فكيف يساوى الجائز بالكفر، فما ظنك إذا زيد عليه وقيل : إنّه أكبر من الكفر ؟ هذا ما لا يجوز اعتقاده .
أم هي إنكار القوم النص على عليه من الرسول (صلّی الله علیه و آله) وجحده ومخالفته كما نقول، وهو كما نقول فيثبت النص وضلال القوم بخلافه.
فما تراه يجيب عن هذا السؤال ؟ فالعجب كل العجب من سخافة عقله، واعوجاج طريقته، إذ يقول : لانص على عليّ (علیه السّلام) بالإمامة، مع نقله مثل هذه الروايات وتصحيحه إيَّاها وجميعها يحمله على إرادة أهل الجمل وصفين، وهي تأبى هذا المحمل إباءاً ظاهراً، وتردّه ردّاً بيناً كما لا يخفى على ذي دربة بأساليب الكلام. نعم بعضها يتضمن مع الأوّلين أهل الجمل وصفّين.
ومنها: ما رواه عن جعفر بن سليمان الضبعي (2)، عن أبي هارون العبدي، عن
ص: 59
أبي سعيد الخدري قال: ذكر رسول الله (صلّی الله علیه و آله) لعلي (علیه السلام) ما يلقى بعده من العنت فأطال ، فقال له علي : أنشدك الله والرحم يا رسول الله لما دعوت الله أن يقبضني إليه قبلك . قال : كيف أسأله في أجل مؤجل ؟
قال : يا رسول الله ، فعلام أقاتل من أمرتني بقتاله ؟
قال : على الحدث في الدين» (1).
وصدر الخبر وهو قوله «ما يلقى بعده من العنت» صريح أو ظاهر ظهوراً بيناً في إرادة ما جرى عليه من القوم بعد النبي (صلّی الله علیه و آله)من إزاحته عن مقامه، وإخراجهم الأمر عنه إلى غيره.
ويؤكده قوله (علیه السّلام): «لما دعوت الله أن يقبضني إليه قبلك فإنّه يعطي أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) وعده بملاقاة العنت بعد موته بلا فصل فسأل النبي (صلّی الله علیه و آله) أن يدعو الله يقبضه إليه في حياته لئلا يصيبه ذلك العنت، فأخبره النبي (صلّی الله علیه و آله) أنه لا سبيل إلى ما طلب ، وإذا لم يستحق ذلك المقام بنص الرسول الله (صلّی الله علیه و آله) فلاعنت عليه في التأخير عنه .
ولا يعارض ذلك آخر الخبر، وهو قوله «فعلام أُقاتل» إلى آخره، لظهوره في إرادة من خالفه بعد البيعة له، لأن الأولين لم يؤمر بقتالهم ، ولو أمر لفعل، فلا يكون العنت المذكور أصابه في أيامهم.
لأنا نقول : هو (علیه السّلام) مأمور بقتال الجميع الأولين والآخرين إذا وجد أعواناً، لأن الجميع حصل منهم الحدث في الدين والأصل في الحدث الأولون، والآخرون تابعوهم عليه، والعنت أصاب أمير المؤمنين (علیه السّلام) في الزمانين، ولذا طلب الأعوان
ص: 60
على حرب الأول ، فلم يجد فكفّ عن حربه ، لفقد شرط تنجز الأمر، لا لأنه غير مامور بحربه، إذ لو كان كذلك لما طلب الأعوان على قتاله وكذا الحال الاثنين .
وقاتل الآخرين لوجود الأعوان له على قتالهم، فكانت دلالة الخبر ظاهرة أي الظهور فيما ذكرناه؛ فثبت مرامنا وصح قولنا أن هناك نصاً معروفاً عند أكثر الصحابة من النبي (صلّی الله علیه و آله) على علي (علیه السّلام)، وإنهم كتموه وخالفوه على عمد .
والأخبار التي تشير إلى هذا المعنى كثيرة في كتاب الخصم، لكنا نذكر الصريح فيه والقريب من الصريح، وسيأتي ذكر شيء من هذا الباب عند ذكر النصّ على العترة إن شاء الله تعالى.
ص: 61
الوجه الثاني (1): ممّا يدلّ على وجود النص، وأنّ القوم خالفوه ما تواتر من تظلمات أمير المؤمنين (علیه السّلام) وشكاياته من القوم بالتصريح، ورميه إياهم بغصب حقه ونهب تراثه، وأنهم ليسوا على حق ، وما ضارع هذا المعنى مما لا یجوز حمله على أنّه غير منصوص عليه مثل ترك الأولى وشبهه، كما قال ابن أبي الحديد وأصحابه، وهي كثيرة جداً نذكر منها قطعة صالحة نكتفي بها في المطلب.
فمنها: قوله (علیه السّلام) في الخطبة الموسومة بالشقشقية: «أما والله لقد تقمّصها ابن قحافة، وإنه ليعلم أن محلي منها محلّ القطب من الرحي؛ ينحدر عنّي السيل، ولا يرقى إلي الطير - إلى أن قال : - فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجي ،أرى تراثي نهباً » الخطبة (2).
ودلالتها على المدّعى من وجهين :
الأول : قول علي (علیه السّلام) إن أبا بكر يعلم أن الخلافة حق له، وإنه حين تقمّصها عالم بأنها حق علي (علیه السّلام)، وليس له فيها حق فيقال حينئذ : من أين علم أبو بكر أن خلافة النبي (صلّی الله علیه و آله) حق لعلي (علیه السّلام) ؟ إن كان علم ذلك من الكتاب والسنة ، فهو النص الذي ندعيه، وإن كان من غيرهما، فلا طريق لمعرفة ذلك سواهما، والعقل لا يستقل بمعرفة هذا بتمامه.
ولو فرض علمه به من جهة الدلالة العقلية كان ذلك نصاً، لأنها كالدلالة
ص: 62
الشرعية، ونص العقل كنص الشرع، والعلم من أينما حصل وجب العمل به والتعويل عليه ، ولا يختص وجوب الاعتماد عليه بحصوله من طريق خاصة دون أخرى كما حقق في الأصول.
ولا يدفع هذا السؤال حمل الكلام على علم أبي بكر بذلك من جهة الأفضلية البقائه قائماً كما هو فيقال: إن كان أبو بكر علم أن علياً (علیه السّلام) أفضل منه، وأن الإمامة حق للأفضل من الكتاب والسنة فذلك هو النص وثبت مطلوبنا، وإن كان ذلك من غيرهما فالغير ليس بطريق إلى علم، هذا على أن مقتضى الكلام نفي استحقاق أبي بكر للخلافة بالمرّة.
الثاني: قوله (علیه السّلام) «أرى تراثي نهباً» فأثبت أنّ الخلافة ميراثه من النبي(صلّی الله علیه و آله) ، وأن أبا بكر نهبه، وأنه صبر على ذلك على مضض عظيم وألم شديد، وهذا كالأول فإنه يقال : من أين علم علي (علیه السلام) أن خلافة النبي (صلّی الله علیه و آله)تراث له ، لا حق فيها لغيره ؟
إن كان ذلك من قول النبي (صلّی الله علیه و آله) أو من الكتاب العزيز فهذا هو النصّ المدّعى ، وإن كان من غيرهما فليس ذلك الغير بطريق إلى معرفة ذلك، وهو عندنا وعندكم لا يقول إلا عن الله ورسوله (صلّی الله علیه و آله) ، ولا يتقول عليهما بالرأي وشبهه ؛ فثبت أنه علم ذلك من النصّ عليه، وهو واضح فبطل ما ذكره ابن أبي الحديد من حمله على خلاف الأولى، وفسد جميع ما قرره في ذلك.
وقوله : إنه ليس بأبعد من تأويل الإمامية قوله تعالى : ( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) (1) بالعدول عن الأولى(2) إذ لا شباهة لهذا بما ذكرناه ، ولوجود العصمة في آدم دون أبي بكر، وقد مضى بيانه.
ص: 63
ومن هذا يظهر أن قول أبي بكر : وددت أني سألت رسول الله فيمن هذا الأمر، فكنا لا ننازعه أهله (1)، من جملة تمويهاته وتشبيهاته على الناس، وإلا فهو من کلام رسول الله (صلّی الله علیه و آله) عالم بمن الأمر له ومطلع على ذلك ، لكنه على التمويه مقتدر، وله ميشر فلبس الأمر حياً وميتاً على تابعيه.
ومنها : قوله (علیه السّلام) فيها بعد أن ذكر عمر وإدلاء أبي بكر بالخلافة إليه: «فصبرت على طول المدة وشدّة المحنة» (2).
ومن المعلوم أنه لا محنة عليه إذا لم يكن مظلوماً في أخذ الخلافة منه، ولا يكون مظلوماً إذا لم يكن منصوصاً عليه فخولف النصّ ، وليس فى ترك الأولى ما يبلغ إلى المحنة ، ولا لشيء مما ذكره هناك.
ومنها: قوله لعبد الرحمان بن عوف لما بايع عثمان وعدل عنه :«ليس هذا بأوّل يوم تظاهرتم فيه علينا، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون» (3).
والتظاهر معناه المعاونة على الظلم، ولا يكون ذلك بترك الأولى، وإنما يكون بمخالفة النصّ.
ومنها:قوله في خطبة عند توجهه لحرب أهل البصرة: «فوالله مازلت مدفوعاً عن حقي مستأثراً علي منذ قبض الله نبيه (صلّی الله علیه و آله) حتى يوم الناس هذا (4).
فهي صريحة في دفع القوم إيَّاه عن حقّه من بعد أن قبض النبي (صلّی الله علیه و آله) بغير غیر فصل .
ص: 64
ومنها: قوله (علیه السّلام) في خطبة له : «ازرعوا الفجور وسقوه الغرور وحصدوا الثبور -إلى أن قال : - الآن إذ رجع الحق إلى أهله، ونقل إلى منتقله» (1).
فانظروا إلى قوله: «زرعوا» إلى آخره، فإنّه صريح في نسبتهم إلى الضلالة ،ولا يختصّ بمعاوية وغيره من أهل الخلاف عليه أيّام خلافته، كما زعم ابن أبي الحديد لعدم المخصص ، إذ ليس معه إلا الرجم بالغيب من مكان بعيد.
وقوله (علیه السّلام): «الآن» إلى آخره، مصرّح بأن الحقِّ كان عند غير أهله، فهم غاصبون ولا يستحق هذا الذم العظيم إلا من جحد النص.
ومنها: قوله (علیه السّلام) في خطبة: «ألا إنّ الشيطان قد ذمر حزبه واستجلب خيله، ليعود الجور إلى أوطائه ويرجع الباطل إلى نصابه» (2).
وهو صريح في أن إمرة السابقين عليه جور وباطل .
ومنها: قوله (علیه السّلام) في خطبة رواها ابن أبي الحديد عن أبي الحسن المدايني عن عبد الله بن جنادة: «أما بعد، فإنّه لما قبض الله نبيه (صلّی الله علیه و آله) قلنا: نحن أهله وورثته وعترته وأولياؤه دون الناس لا ينازعنا سلطانه أحد، ولا يطمع في حقنا طامع ، إذ انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبينا ، فصارت الإمرة لغيرنا، وصرنا سوقة يطمع فيها ،الضعيف، ويتعزّز علينا الذليل، فبكت الأعين منا لذلك، وخشنت الصدور، و جزع النفوس» الخطبة (3).
وهي مصرحة بأنّ علياً (علیه السّلام) وارث النبي (صلّی الله علیه و آله) دون الناس ،ووليه، وأن سلطان
ص: 65
النبيّ قد غصبه القوم منه، وأن أعين عترة الرسول (صلّی الله علیه و آله) لم تزل لذلك باكية، وصدورهم ما زالت خشنة ، ونفوسهم جازعة، أفيكون هذا كله لترك الأولى كما يدّعيه الخصم أو يكون تارك الأولى غاصباً ؟ كلا ما هو إلا لفعل محرّم وارتكاب محظور، وما ذاك إلا لمخالفة نص معلوم .
ومنها: قوله (علیه السلام) في خطبة مثلها رواها المعتزلى عن الكلبي : «إن الله لما قبض نبیّه (صلّی الله علیه و آله) استأثرت علينا قريش بالأمر، ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة»(1).
ومنها: قوله الله في خطبة يذكر فيها أمر السقيفة: «فنظرت، فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي فضننت بهم (2) عن الموت، وأغضيت على القذى، وشربت علی الشجي، وصبرت على أخذ الكظم، وعلى أمر من طعم العلقم» (3).
ومثل ذلك قوله (علیه السلام):«لو وجدت أربعين ذوي عزم»(4) .
أفيجوز أن يكون هذا كله لترك القوم الأولى ؟ وهل يطلب مؤمن رجالاً ذوي عزم ولو أربعين ليقاتل رجلاً مسلماً ترك الأولى ؟ أو يفعل هذا عاقل متدين ؟ فكيف من هو مع الحق والحق معه أليس ذلك القول منه صريحاً في استحقاق الأول ومن بعده القتال ؟
وهل يستحق القتل والقتال إلا وهو ظالم غاصب ، ولا يكون كذلك إلا أن يكون علي (علیه السلام) صاحب الأمر بنص النبي (صلّی الله علیه و آله) ، وأما إذا لم يكن كذلك، بل كان الأمر جائزاً
ص: 66
له ولغيره، وأن الراجح في الحكم أن يكون هو ولي الأمر، وولاية غيره مرجوح لم يجز له ما طلبه ، لأن فاعل المرجوح لم يستحق شيئاً من اللوم.
فكيف يستحق أن يقاتل ويقتل وأمير المؤمنين لا يفعل الحرام ولا يطلبه فنتج من ذلك أن من طلب قتالهم كانوا مستحقين، وأن ذلك لارتكابهم أمراً عظيماً حلت به دماءهم وما هو إلا رد النص ومخالفة الرسول (صلّی الله علیه و آله)، إذ لا غيره هناك؛ فتامل .
ومنها: قوله (علیه السّلام)في كتاب كتبه لأخيه عقيل، رواه ابن أبي الحديد عن إبراهيم ابن سعيد بن هلال الثقفي في كتاب الغارات: «اللهم فأجز قريشاً عنّي الجوازي؛ فقد قطعت رحمي ، وتظاهرت علي، ودفعتني عن حقّي، وسلبتني سلطان ابن أمّي، وسلمت ذلك إلى من ليس مثلي في قرابتي من الرسول وسابقتي في الإسلام إلا أن يدعي مدّع ما لا أعرفه ولا أظنّ الله يعرفه، والحمد لله على كل حال »(1).
وقوله (علیه السّلام) «الّا أن يدعي مدع» إلى آخره، مشير إلى بطلان ما أثبته العامة للثلاثة من الفضل في كل وقت، بل صريح في نفيه بشديد المبالغة لقوله :«ولا أظن الله يعرفه» يعني أنه لم يكن في علم الله لهم فضل يماثلون به عليّاً (علیه السّلام)، فضلاً عن أن يكون برز ذلك للناس وظهر وصار معروفاً ، فمن ادعى لهم ذلك فقد ادعى ما لا أعرفه ،لهم، ولا يعرفه الله لهم فدعواه لهم مماثلتي باطلة.
ومنه يعلم أن الأخبار التي رواها الخصوم في الثلاثة كلّها باطلة مزوّرة، وهذا ينضاف إلى ما بيناه أولاً من الاستدلال على بطلانها، فأين يذهب بالقوشجي
ص: 67
قوله : إن علياً (علیه السّلام) قال : خير الناس أبو بكر ثم عمر(1) - كما مرّ - ؟ أفلا يسمع هنا كيف نفى عنهم الفضل بالمرّة، وبالغ في تأكيد نفيه أشد المبالغة، وهو تصديق ما قلناه هناك.
ومنها: قوله (علیه السّلام) فيما رواه الخصم عن أبي جعفر الإسكافي عن جابر عن أبی الطفيل ، قال : سمعت عليا (علیه السّلام) يقول: «اللهم إني أستعديك على قريش ، فإنّهم قطعوا رحمي ، وغصبوني حقي، وأجمعوا على منازعتي أمراً كنت أولى به، ثم قالوا: إن من الحق أن نأخذه ومن الحق أن تتركه»(2).
فقد صرّح في القول بعصب القوم حقه ، وبخطأهم في قولهم : إن أخذهم الأم حق ، وتركه له كذلك، ومعناه أنه ليس من الحق أن يأخذوه كما قالوا ، وإذا لم يكن أخذهم إيَّاه حقاً كان باطلاً، وباقي الكلام كالأول.
ومنها: ما رواه عن أبي القاسم البلخي عن سلمة بن كهيل، عن المسيب بن نجية (3) ، قال : بينا علي (علیه السّلام) يخطب إذ قام أعرابي فصاح وامظلمتاه، فاستدناه علي (علیه السّلام) فلما دنا قال له : «إنما لك مظلمة واحدة، وأنا قد ظلمت عدد المدر والوبر» (4) .
ومنها : مناشدته القوم يوم الشورى النصوص عليه من النبي (صلّی الله علیه و آله)، وتصديق القوم إيّاه كخبر الغدير وخير المنزلة، وقصة برائة وغير ذلك مما ذكرناه أولاً، فقطع عبد الرحمان بن عوف كلامه، ولم يلتفت إلى تلك النصوص، ولم يعدل بها
ص: 68
عن بيعة عثمان، وأضاف إلى ذلك تهديده بالقتل إن لم يترك الاحتجاج وينفذ لبيعة عثمان، وقد ذكر ابن أبي الحديد أن ذلك مما استفاض في الروايات (1).
وهذا من أدلّ الأدلة على ما ذكرناه من أن القوم لم يعتنوا بنص النبي (صلّی الله علیه و آله) وخالفوه تعمداً، ويقوي قولنا أن الذي منعه من ذكر النص في يوم أبي بكر إن صح أنه لم يذكره علمه بأنّهم ينكرونه أو لا يلتفتون إليه، وربما يؤدي الأمر إلى قتله إن أطال الخصام بالنصوص وما ابن عوف بأشد من عمر، ولا عثمان بأرغب في غصب حقّ علي (علیه السّلام) من أبي بكر، ولا بأقوى على ذلك منه ، والأمر واضح.
فبطل ما قال ابن أبي الحديد من أن ذكر النص كان أسهل عليه حين ساموه البيعة من التظلم والاستصراخ بالأحياء و الأموات (2)، وتبين أن تركه ذكر النص - إن كان - أسلم له من كثير من الضرر.
ومنها: قوله (علیه السّلام) حين أتوا به إلى أبي بكر ليبايع، وهو ينظر إلى قبر رسول الله (صلّی الله علیه و آله):« ابن أم ، إن القوم استضعفوني، وكادوا يقتلونني»(3).
فجعل نفسه بمنزلة هارون، وجعلهم بمنزلة عبدة العجل، وكفى بهذا وضوحاً في تضليله إياهم، وقد روى الخصم هذا الكلام، وهو صريح أيضاً في أنه (علیه السّلام) كان مجبوراً على بيعة أبي بكر مهدّداً بالقتل إن لم يبايع، وهذا نص قول الإمامية.
ص: 69
ومنها قوله في خطبة : «حتى إذا قبض الله رسوله (صلّی الله علیه و آله) رجع قوم على الأعقاب ، وغالتهم السبل (1)واتكلوا على الولايج (2) ، ووصلوا غير الرحم، وهجروا السبب الذي أُمروا بمودته، ونقلوا البناء عن رص أساسه، فبنوه في غير موضعه، معادن كل خطيئة، وأبواب كل ضارب في غمرة (3)، قد ماروا في الحيرة (4)، وذهلوا في السكرة على سنة من آل فرعون من منقطع إلى الدنيا راكن، أو مفارق للدين مباین» (5).
وهذا الكلام من أصرح الصريح في إرادة الأول وأطباعه، ووصلهم غير الرحم: تقديمهم أبا بكر في مقام النبي (صلّی الله علیه و آله) ، ومنعهم ، ومنعهم عليّاً من ذلك المقام، وهو الأقرب إلى الرسول (صلّی الله علیه و آله)، وهجرهم السبب المأمورين بمودّته تركهم قربی النبي (صلّی الله علیه و آله)، وقد قال الله تعالى : ( قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (6).
ونقل البناء عن رصّ أساسه: جعلهم الخلافة في غير موضعها، ولا يجوز حمله
ص: 70
على معاوية وأصحابه، كما قاله ابن أبي الحديد (1) لأن الرجوع على الأعقاب متعقب في الكلام لقبض النبي (صلّی الله علیه و آله)، لا فاصل بينهما ، إذ هو جواب الشرط، فهو متصل به وواقع بوقوعه، ومعاوية قد تأخّر أمره عن وقت قبض النبي (صلّی الله علیه و آله) بسنین .
ومقتضى الجملة حصول الرجوع على الأعقاب بحصول موت النبي (صلّی الله علیه و آله) بلافصل، فجعل الكلام لمعاوية وأصحابه ممتنع من جهة الدلالة اللفظية، إلا أن يدعي مدع ما لم يكن معروفاً في العربيّة، ولا مستعملاً عند أهل اللسان.
وأيضاً قوله :«معادن كل خطيئة، وأبواب كلّ ضارب في غمرة»، يبيّن أن الأولين هم المرادون لا معاوية، لأن معاوية من جملة الضاربين في الغمرات، فهم بابه، إذ لولاهم ما ولّي معاوية الشام، ولا تأمر عثمان على المسلمين، ولولا قضية عثمان ما قوي معاوية على الخلاف والنزاع وإيقاع الفتن، لكن ابن أبي الحديد يصرف القول عن معناه، ويحرّف الكلم عن مواضعه، محاماة على المشايخ ، وأنّى له بذاك وقد لاح الصباح.
فانظر أيجوز أن يوصف بالرجوع عن الدين على الأعقاب، وأنّه معدن كل خطيئة، وباب كلّ ضارب في غمرة ، المشبه لآل فرعون في ضلالهم مع باقي الأوصاف من ترك الأولى وفَعَل المرجوح ولم يخالف نصاً، ولا غصب حقاً ، ولا نهب ميراثاً ثابتاً بكتاب الله وسنة رسول الله (صلّی الله علیه و آله) ؟ كلا ما يجوز ذلك إلا لمن تعمّد خلاف الرسول (صلّی الله علیه و آله)، وإنكار نصه، ونهب ميراثه من مستحقه على معرفة ويقين ،وذلك ما نقول .
ص: 71
ومنها: قوله (علیه السّلام) وقد سأله رجل من بني أسد : «كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به ؟ فقال للسائل : قد استعلمت فاعلم، أما الاستبداد علينا بهذا المقام ونحن الأعلون نسباً، والأشدّون بالنبي (صلّی الله علیه و آله) نوطاً، فإنها كانت إثرة (1) شحّت بها نفوس قوم و سخت عنها نفوس آخرین والحكم الله والمعود إليه» (2).
وهذا الكلام في غاية الوضوح في إرادة الأولين سؤالاً وجواباً ، لأن من البين أن مراد السائل استعلام السبب الذي لأجله منعت قريش أهل البيت من مقام النبي الله بعد وفاته مع أنّهم أحق به في جميع الأحوال من كل أحد من الناس وأقامت في ذلك المقام غيرهم والاستخبار عن الاستخبار عن علة ذلك.
والدفع المسؤول عنه هو ما كان بعد قبض النبي (صلّی الله علیه و آله) لأنه هو الفعل الحادث الذي تعلّق السؤال بسبب حدوثه من القوم وما بعده إنّما هو استمراره، وليس المقصود أوّلاً وبالذات السؤال عن استمرار ذلك الفعل إلا أن يدخل من جهة اللزوم فأتى الجواب على طبق السؤال بأنهم لم يدفعونا عن هذا المقام ويستبدوا علينا به لسبب أوجب ذلك ولا لعلّة اقتضته من طريق الشرع، وإنما كان ذلك لشحّ نفوسهم عن تسليم حقّنا إلينا وقصدهم الاستيثار به علينا.
وهذا القول من جملة مبطلات ما تعلّل به قوم من أن الأولين إنّما عدلوا بالأمر عن أمير المؤمنين خوفاً من انتقاض العرب عليه ، إذ لو كان ذلك من قصدهم
ص: 72
فضلاً عن أن يكون صحيحاً موجباً - لما فعلوا لذكره (علیه السّلام) فيما دعاهم إلى دفعه عن مقام أخيه وابن عمه (صلّی الله علیه و آله) وإن خطأهم بعد فيه؛ لكن ذلك لم يكن.
وقد عرفت ما قررناه أن الكلام سؤالاً وجواباً لا يختص بيوم الشورى، كما ادعاه ابن أبي الحديد (1) بل لا يتوجّه السؤال إليه إلا تابعاً للأمر الأوّل ولا الجواب إلّا كذلك.
على أنه لا يندفع عن المعتزلي المعاند، الوهن في مذهبه بما ادّعاه لأنه إذا ثبت ظلم أهل الشورى عليّاً علیه السلام من جهة تقديمهم في مقام النبي (صلّی الله علیه و آله) غيره ، لأنه الأحق به من غيره ثبت أن أهل السقيفة ظلموه لذلك بالإجماع؛ إذ لا قول بالفصل بين عثمان ومن قبله، فكل من صحّح بيعة عثمان ، صحح بيعة الشيخين وكل من أبطل بيعته أبطل بيعتهما وبالعكس؛ فعلى صحة دعواه لا يصح مذهبه كما ترى.
ونحن نذكر هنا ما حكاه من سؤاله النقيب أبا جعفر العلوي وإجابة النقيب إيَّاه : فإنه كلام جيّد وجواب متين ونكتفي به في تمام تقرير الخبر.
قال المعتزلي: وسألت أبا جعفر يحيى بن محمد العلوي نقيب البصرة وقت قرائتي عليه عليه عن هذا الكلام، وكان (رحمه الله) - على ما يذهب إليه من مذهب العلوية -منصفاً وافر العقل، فقلت له :
من يعني (علیه السّلام) بقوله : «كانت إثرة شحّت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين»؟ ومن القوم الذين عناهم الأسدي بقوله : «كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به؟ هل المراد به يوم السقيفة أو يوم الشورى» ؟
ص: 73
فقال: يوم السقيفة.
فقلت : إن نفسي لا تسامحني أن أنسب إلى الصحابة عصيان الرسول صلى الله عليه وسلم ودفع النصّ.
فقال: وأنا فلا تسامحني نفسي أن أنسب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى إهمال أمر الإمامة وأن يترك الناس فوضى ، سدى مهملين وقد كان لا يغيب عن المدينة إلا ويؤمر عليها أميراً وهو حى ليس بالبعيد عنها، فكيف لا يؤمر وهو ميت لا يقدر على استدراك ما يحدث.
ثم قال : ليس يشك أحد من الناس أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) كان عاقلا كامل العقل ؛ أما المسلمون فاعتقادهم فيه معلوم، وأما اليهود والنصارى والفلاسفة فيزعمون أنه حكيم، تام الحكمة سديد الرأي، أقام ملة وشرع شريعة فاستجد ملكاً عظيماً بعقله وتدبيره؛ وهذا الرجل العاقل الكامل ، يعرف طباع العرب وغرايزهم وطلبهم بالثارات والذحول (1) ولو بعد الأزمان المتطاولة، ويقتل الرجل من القبيلة رجلاً من بيت آخر ،فلا يزال أهل ذلك المقتول وأقاربه يطلبون القاتل ليقتلوه حتى يدركوا ثارهم منه ، فإن لم يظفروا به قتلوا بعض أقاربه وأهله، فإن لم يظفروا يأحدهم قتلوا واحداً أو جماعة من تلك القبيلة، وإن لم يكونوا رهطه الأدنين.
والإسلام لم يحلّ طباعهم ولا غيّر هذه السجيّة المركوزة في أخلاقهم والغرايز بحالها فكيف يتوهم لبيب أن هذا العاقل وتر العرب، وعلى الخصوص قريشاً، وساعده على سفك الدماء وإزهاق الأنفس وتقلد الضعاين ابن عمه الأدنى وصهره ، وهو يعلم أنه سيموت كما يموت الناس ويتركه بعده وعنده ابنته وعنده
ص: 74
منها ابنان يجريان منه مجرى ابنين من ظهره حنوا عليهما ومحبة لهما ويعدل عنه في الإمرة بعده ولا ينص عليه ولا يستخلفه فيحقن دمه ودم بنيه وأهله باستخلافه.
ألا يعلم هذا العاقل الكامل أنه إذا تركه وترك بنيه وأهله سوقة ورعية فقد عرض دماءهم للإراقة بعده ، بل يكون هو الذي قتلهم وأشاط بدمائهم (1) لأنهم لا يعتصمون بعده بأمر يحميهم وإنما يكونون مضغة للأكل وفريسة للمفترس يتخطفهم الناس ويبلغ فيهم الأغراض ، فأما إذا جعل السلطان فيهم والأمر إليهم فإنه يكون قد عصمهم وحقن دماءهم بالرياسة التي يصولون بها ويرتدع الناس عنهم لأجلها، ومثل هذا معلوم بالتجربة.
ثم ذكر لهذا مثالاً وقال بعده : أفترى ذهب عن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) هذا المعنى أم حبّ أن يستأصل أهله وذرّيّته من بعده وأين موضع الشفقة على فاطمة العزيزة عنده الحبيبة إلى قلبه ؟ أتقول : إنّه أحبّ أن يجعلها كواحدة من فقراء المدينة تتكفّف الناس وأن يجعل عليّاً المكرّم المعظم عنده الذي كانت حاله عنده معلومة كأبي هريرة الدوسي وأنس بن مالك الأنصاري يحكم الأمراء في في دمه وعرضه ونفسه وولده فلا يستطيع الامتناع وعلى رأسه مائة ألف سيف تتلظى أكباد أصحابها عليه قد قتل أبناءهم وإخوانهم وآباءهم وأعمامهم، انتهى المراد من کلامه (2).
أقول : لم يكن لابن أبي الحديد من دفع إرادة أمير المؤمنين (علیه السّلام) ومن سأله يوم السقيفة إلّا استبعاده صدور العصيان من الصحابة، وهذا وإن كان في نفسه ليس
ص: 75
بدليل معتمد، لأن الصحابة ليسوا بمعصومين عنده، بل عند جميع الأمة فقد عارضه استبعاد النقيب من النبي الله إهمال أمر الأمة وتركه دم عترته قريباً من
صلى الله عليه وسلم السفك وبعيداً من الصيانة، وكلّ الشيعة على هذا الوجه يعوّلون، وهذا أقوى وأرجح وأقرب إلى العقل السليم من الأوّل، وإن شئت قلت: إن العقل لا يجوز صدور خلافه عن النبي الله فهو على كل حال مقدّم عليه، ومن ذلك يثبت النص فافهم.
على أن استبعاد المعتزلي إرادة الأولين من الكلام لما ذكره من السبب يستلزم استبعاده من إرادة أهل الشورى، لأنهم منهم ومن أعوانهم ما خلا الزبير، وأيضاً الشورى كانت بأمرٍ مَنْ عقد الأمر لأبي بكر في السقيفة ودفع علياً (علیه السّلام)عنه، وهو عمر بن الخطاب، وهو الذي جعل أمر الشورى كله لابن عوف، وما فعله ابن عوف كله برأيه وعن أمره ، فالدافع عليّاً يوم الشورى عن مقام النبي (صلّی الله علیه و آله) هو بنفسه دافعه عنه يوم السقيفة، فإن لم يكن هو ومن وازره على ذلك المقصودين من السؤال والجواب لم يبق أحد يقصد منهما ولا يعني بهما فلزم أن يكون السؤال وقع لا عن أحد، والجواب مثله.
وهذا محال ولم يبق لأحد تشبث بقصد معاوية وأصحابه من القول، لأن أمير المؤمنين ذكر حالهم بعد جوابه المذكور للأسدي بما هو نص في أن الأسدي لم يقصدهم بسؤاله، وأن علياً (علیه السّلام) لم يقصدهم بجوابه، والخصم مقر بذلك ، وإنما تردّده بين إرادة الأولين وتابعيهم جميعاً ومنهم أهل الشورى وبين اختصاصه بأهلها كما سمعت في سؤاله هذا كله، مضافاً إلى ما ذكرناه من عدم اندفاع المحذور لو صح ما قال.
ص: 76
ومنها: الشعر المنسوب إلى أمير المؤمنين (علیه السّلام) بالاشتهار، روى منه ابن أبي الحديد أبياتاً وذكره بعض الخصوم بتمامه، ونحن نذكره كذلك وسيبه على ما روي أن معاوية كتب إلى علي لا يفتخر بأشياء يزعم أن فيها مفخراً، فغضب علي (علیه السّلام) وقال : «أيفتخر عليّ ابن آكلة الأكباد ؟! أكتب إليه يا غلام:
محمد النبي أخي وصنوي *** وحمزة سيّد الشهداء عمّى
وجعفر الذي يضحى ويمسي *** يطير مع الملائكة ابن أمّي
وبنت محمد سكني وعرسي *** منوط لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمد ولداي منها *** فأيكم له سهم كسهمي
سبقتكم إلى الإسلام طُرّاً *** غلاماً ما بلغت أوان حلمي
وصلّيت الصلاة وكنت طفلاً *** مقرّاً بالنبي في بطن أُمّي
وأوجب لي ولايته عليكم *** رسول الله يوم غدير غدیر خم
فويل ثم ويل ثم ويل لمن *** يلقى الإله غداً بظلمي
أنا البطل الذي لا تنكروه *** بیوم كريهة وبيوم سلم (1)
فقد صرّح بقوله : «وأوجب لي ولايته» البيت بدعوى النص عليه يوم الغدير لأن ولاية النبي صلى الله عليه وسلم الإمامة وهذه الأقوال المذكورة ومثلها من أقواله مما لم نذكره مصرحة بدعوى النص عليه، وبظلم من تقدمه في الخلافة، ونسبتهم إلى منع الحق وغصب الأمر ونهب الميراث وغير ذلك، وهو عندنا وعند المعتزلة صادق لا يكذب، ولا يجوز الشك فى صحة قوله .
ص: 77
ولا أظنّ الأشاعرة يجوزون تكذيبه وإن جوّزوا مخالفته، وجلّها قيل في أيام خلافته حين كان له بعض القدرة على الإخبار عمّا في نفسه على الأولين وصار للسانه بعض الانبساط في التعبير عما في ضميره منهم، وهو دليل ظاهر وشاهد عادل على بقاء اعتقاده فيهم الظلم ، وإنّهم مضوا على الضلالة، وإنه لم يكن لهم عادراً ولا كان لذنبهم إليه غافراً ، وإن ذلك ليس من ترك الأولى في شي .
وهذا يبطل ما ذكره ابن أبي الحديد من أن أمير المؤمنين (علیه السّلام)كان في مبدأ الأمر يطنّ أنّ العقد لغيره كان من غير نظر فى المصلحة ، وإنه لم يقصد به إلا صرف الأمر عنه والاستيثار عليه، فظهر منه ما ظهر من الامتناع والقعود في بيته إلى أن صح عنده وثبت في نفسه أنهم أصابوا فيما فعلوه، وأنهم لم يميلوا إلى هوى، ولا أرادوا الدنيا وإنّما فعلوا الأصلح في ظنونهم ...(1) وأنه لو ولي الأمر لفتقت عليه العرب فتقاً يكون فيه استيصال شأفة الإسلام وهدم أركانه فأذعن بالبيعة وجنح إلى الطاعة وأمسك عن طلب الإمرة، وإن كان على مضض ورمض (2) ، إلى آخر ما أتى به من الوساوس الواهنة.
وأقول : هذا الرجل وإن كان أبطل ما دبّر ونقض ما أبرم، وكفانا مؤونة الجواب عما موّه به من الزبرج في القول بقوله : إن إمساك أمير المؤمنين (علیه السّلام) عن طلب الإمرة كان على مضض ورمض، إذ لو كان ثبت عنده أنهم أصابوا الحق لكان
ص: 78
المضض والرمض منهم خطاً منه، وكيف يحترق قلبه ويتألم من فعل قوم أصابوا الحق وعملوا بالصواب وحفظوا الدين عن صولة الكفّار وكلمة المسلمين عن الانتشار ؟
ليس هذا من سجيّة المؤمنين ولا من خُلق الصالحين، فكيف يصدر من سيدهم ومقتداهم ومن هو أكثرهم عناءً في إظهار الدين ونصر الإسلام والمسلمين ونكاية المشركين ، بل الواجب لمثله أن يسرّ ويفرح بما فعلوه إذ كان موافقاً لغرضه، ويثني عليهم ويمدح إذ كان ما دبّروه مطابقاً لمقصده، والمعروف من حاله (علیه السّلام) إنّه لا يحزن للدنيا ولا يفرح لها ولا نظر له فيها، وإنما حزنه وسروره للدين ونظره إلى الحقِّ أين كان وكيف كان.
فمضضه ورمضه من المشايخ فيما فعلوه من تقديم الأوّل عليه لابد أن يكونا راجعين إلى أمر الدين، وما ذلك إلا لارتكابهم قبيحاً لا حسن فيه وفعلهم خطأ لا صواب يلم به ويدانيه ، فقد قضى ببقائهما المعتزلى على أئمته، إذ أقر بمضض علي (علیه السّلام) ورمضه منهم، وهذا كافٍ في إثبات دعوانا عدم رضاه عنهم، وأن أمرهم غير صحيح عنده ولا جائز لديه، فيكون كفه لعدم القدرة على انتزاع حقه منهم كما بينا مراراً ، إلا أنّا نتعرّض لذكر ما يرد على جمل كلماته فنقول :
أما قوله : إن أمير المؤمنين كان يظن أن عقد الأمر لغيره لم يقصد منه إلا صرف الأمر عنه إلى آخره.
فجوابه: أن أمير المؤمنين (علیه السّلام) ما كان يظن ذلك بل يتيقّنه ويعلمه ويعتقده إلى أن انتقل إلى جوار ابن عمه رسول الله (صلّی الله علیه و آله) في مقعد صدق عند مليك مقتدر. ألا تراه يقول لعمر حين ألزمه بيعة أبي بكر اشدد له اليوم أمره ليرده عليك
ص: 79
غداً ؟ (1) وقوله لعبد الرحمان بن عوف حين عدل عنه بالبيعة لعثمان: ما هو بأوّل يوم تظاهرتم فيه علينا ؟(2) وقوله للأسدي في الخبر المذكور من قريب : إنّها إثرة شحّت بها نفوس قوم ؟(3) وغير ذلك من كلماته ، وقد سبق ذكر جملة منها.
وكيف يجهل ذلك أو يرتاب فيه وقد أخبره الصادق الأمين به وعهد إليه بغدر القوم به وما يرتكبون منه وفصل له الأمر تفصيلاً، وأزاح عنه فيه غبار الظنّة وأوصله فيه إلى درجة اليقين، وقد سبق بيان هذا في الأخبار المتقدمة.
وأما قوله: «إلى أن صح عنده وثبت في نفسه أنهم أصابوا فيما فعلوه» (4) إلى آخره، فجوابه أن يقال له : متى كان هذا أفي حياتهم أم بعد هلاكهم، وهو في الحالين يشكو ظلمهم ويحكم بغصبهم حقه ونهبهم تراثه ؟ أفيجوز أن يقال في ميّت مضى على إصابة الحق وإحراز الدين: إنّه ظالم غاصب ناهب الميراث ، وما شاكل هذه الكلمات العظيمة ؟ لا يكون ذلك إلّا ويكون القائل ظالما قد قال زوراً وافترى إفكاً وأنت تنزّهه عن الظلم والكذب، فصح أن الثابت عنده والمستقر في نفسه أنهم اخطؤوا فيما فعلوه ومالوا إلى الهوى وأرادوا الدنيا وإنّه ما صوبهم يوماً من الدهر.
وأما قوله: «لو ولّي الأمر لفتقت عليه العرب فتقاً»(5) ، إلى آخره، فكلام مأخوذ عن عمر، ولقد أطال المعتزلي وأسهب في ذكره بما لا حاجة إليه من شرح أمر
ص: 80
حرب الجمل وصفين، وهذا قول ردي جداً، وقد عرفت جوابه فيما سبق بأحسن البيان، وسيأتي منه ذكره أيضاً، ونقول هنا أخبرنا أي العرب أنف من إمرة علي (علیه السّلام) واستنكف عنها غير مشايخك وأتباعهم ؟ ألست رويت عن أبي بكر الجوهري أن الأنصار لما فاتهم الأمر في السقيفة قالوا أو قال أكثرهم : لا نبايع إلا علياً ورويت من أشعارهم في ذلك الكثير الواسع مثل قول النعمان بن عجلان وكان من أشرافهم :
وكان هواناً في علي وإنه *** لأهل لها يا عمرو من حيث لا تدري (1)
ومثل قول حسّان بن ثابت في عليّ (علیه السّلام):
سبقت قريشاً بالذي أنت أهله *** فصدرك مشروح وقلبك ممتحن
تمنّت رجال من قريش أعزّة *** مقامك هيهات الهزال من السمن (2)
وغير ذلك مما ذكرناه فيما مضى، ورويت أن جماعة من الأنصار سعوا في نقض بيعة أبي بكر ليبايعوا عليّاً ومعهم جماعة من المهاجرين - وقد مرت الرواية - والأنصار في ذلك الوقت هم ركن الإسلام وبهم قامت الدعوة وحصلت للنبي ا(صلّی الله علیه و آله) النصرة وتم له بهم على العرب الانتصار، ولما هدّده عامر بن الطفيل يعسكره قال (صلّی الله علیه و آله) في جوابه: «يكفي الله منك وبنو قيلة »(3)، فمن يأنف من سائر العرب ذلك الوقت ممّن قدّمه هؤلاء عليهم مع شهرته في الحسب والنسب عند جميع العرب ؟
ص: 81
ألست رويت أن العبّاس بن عبد المطلب وأبا سفيان بن حرب عرضا على علي البيعة ورضيا له عليهما بالإمرة وهما إذ ذاك شيخا بني عبد مناف ؟
ألست رويت أن خالد بن سعيد بن العاص طلب الإمرة لعلي (علیه السّلام) ورضى بإمرته عليه وهو من عمال النبي (صلّی الله علیه و آله) وأمراء أجناده، ومن أهل السبق إلى الإسلام، ومن أشراف بني عبد شمس (1) ، إلى غير ذلك مما يطول عده.
فَمَنْ هؤلاء العرب الذين أبوا ولاية علي عليهم بعد النبي (صلّی الله علیه و آله)؟ دلنا عليهم حتى تعرفهم، فإنا ما رأينا أحداً من الناس استكبر عن ولاية علي (علیه السّلام) بعد النبي (صلّی الله علیه و آله) إلا الشيخين وأبا عبيدة وانضم إليهم أهل الإحن (2) على علي (علیه السّلام) من قريش كابن العاص وخالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل والوليد بن عقبة وأضرابهم وأهل الطمع في الدنيا حيث رغبوهم في أمور منها كأسيد بن حضير ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة وأضرابهم، وداهنهم قوم آخرون لذلك كعثمان بن عفّان وابن عوف وطلحة وسعد بن أبي وقاص في أمثالهم واتبعهم غوغاء الناس والعامّة فحصلت لهم بذلك الغلبة ووهن الراغبون في علي (علیه السّلام) عن النصرة تواكلاً وتخاذلاً، ولولا الثلاثة لم يختلف على علي (علیه السّلام) أحد ممن ذكرناهم، فما ظنك يسائر العرب الذين ليس لهم في أمر الخلافة حلّ ولا عقد، وأحب الأمراء إليهم من كان بهم أرفق.
أفرأيت لو أن أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بايعوا بعد رسول الله (صلّی الله علیه و آله) علياً وبايعه بنو هاشم وشيعتهم وبايعه جماعة الأنصار يتخلف عن بيعته طلحة وعثمان وابن
ص: 82
عوف وابن أبي وقّاص وأشباههم ؟ وإذا بايعه كل هؤلاء يأبى عن بيعته ابن العاص وابن الوليد وابن أبي معيط ؟ إذن لضربت أعناقهم قبل أن يرتد إليهم طرفهم وتأبى عن طاعته العرب من الأعراب وغيرهم أو يفتقوا عليه مقدار خرق إبرة وقد سارت تحت راياته فرسان المسلمين من المهاجرين والأنصار.
فَمَنْ أولئك العرب الذين ينطقون في النقض عليه بعد هذا بكلمة فضلاً عن أن يفتقوا عليه فتقاً يكون فيه استيصال شأفة الإسلام، وكذا وكذا مما ذكره المعتزلي؟
ومن يستطيع منهم ذلك وهم لا يستطيعون منه شيئاً في ولاية أبي بكر حيث نفذ حكمه من المهاجرين والأنصار ؟ أفعلي (علیه السّلام) عند العرب أدنى من أبي بكر نسباً وحسباً ؟ أم أبو بكر أنبه من علي (علیه السّلام) عند العرب ذكراً أم أشدّ بأساً وأقوى قلباً ؟ فما هذا الكلام الذي لا يتصوّره عاقل ولا يتفوه به لبيب ؟!
وأما قوله : «جنح إلى الطاعة» إلى آخره (1)، فهو صحيح لكن على ما ذكره وأ من المضض ،والرمض، وذلك خارج عن قانون الرضا، ولا شك عندنا أنه (علیه السّلام) أذعن بطاعتهم وانقاد لأمرهم فيما يتعلق بأمور الإمارة حقناً لدمه ودماء أهل بيته حيث لم يجد معيناً يعينه ولا ناصراً ينصره، فلو امتنع بعد ذلك عن بيعتهم لأهريق دمه كما فعل بابنه الحسين حذو النعل بالنعل، فكان تسليمه لهم وكفه عنهم كرهاً لا اختياراً، وليس النزاع في أنّه سلّم وكفّ ظاهراً عن طلب الأمر، وإنما النزاع في أنّه رضي طوعاً لا جبراً، فقد سلّم الحسن لمعاوية، وكف الحسين عن منازعته بعد الحسن وليسا راضيين بخلافته وأمثال هذا كثير.
وممّا يؤكّد أن القوم غير مصيبين عنده امتناعه يوم الشورى على عبد الرحما
ص: 83
ابن عوف عن المبايعة على سيرة الشيخين أبي بكر وعمر وقوله: بل على كتاب الله وسنة رسول الله (صلّی الله علیه و آله)، وفى هذا إشارة بيّنة إلى أن سيرة الرجلين عنده مخالفة للكتاب والسنة وذلك السرّ في امتناعه لا ما فهمه ابن أبي الحديد، وفي الكلام دلالة على أن عبد الرحمن بن عوف ومن معه لا يريدون من يسير فيهم بكتاب الله وسنة نبيه (صلّی الله علیه و آله) بل غرضهم فيمن يعمل فيهم بالرأي ويؤثرهم بالمال ويستشيرهم في الأحكام. وصريح هذا المعنى عدول القوم عن نصوص الكتاب والسنة إلى ما يشتهون، وإن الشيخين ومن معهما هكذا كانوا يفعلون.
وأوضح من ذلك قول أمير المؤمنين (علیه السّلام) في خطبة يحرّض فيها أصحابه على قتال معاوية وأصحابه: «سيروا إلى بقية الأحزاب، سيروا إلى نَبَذَة الكتاب، سيروا إلى قتال من يقاتل على دم حمّال الخطايا »(1).
والمراد ببقية الأحزاب معاوية ومن معه من قريش، وبحمال الخطايا عثمان لا معاوية كما قال ابن أبى الحديد، لأن معاوية بزعمه يقاتل على دمه وليس يقاتل أحد في صفين على دم معاوية لأنه حتى بين ظهرانيهم، وهو الذي أغواهم وساقهم بخدعه إلى الضلال، وقادهم إلى قتال إمامهم.
فدعوى أن علياً (علیه السّلام) صوّب القوم في فعلهم يوماً ما من باب تقريب البعيد وترويج الزيف (2) وستر الظاهر المكشوف .
وإن شئت قلت : إنّها من باب تجويز الممتنع، وهو من فعل ابن أبي الحديد غير مستنكر ولا بعيد، فما زال يدفع عن أئمته بالراح ويبطل لأجلهم الحجج الصحاح، ويرد للحماية عليهم دلالة الأدلة الصراح، وليس ذا من عمله بمجد
ص: 84
للمتأمّل ولا بنافع عند المتبصر، ولا بكاف في الذب عنهم لدى المنصف المتدبر، فما أبين الصبح لذي عينين، وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر ؟!
وممّا يدلّ على أن الصحابة قد أحدثوا في الدين وغيّروا أحكام الكتاب وخالفوا السنة وخرجوا من العدالة إلى الفسوق والحيف والجور دلالة صريحة ما صح في روايات الخصوم من إخبار النبي (صلّی الله علیه و آله) بدخول جماعة من أصحابه النار لأنّهم أحدثوا بعده ما أوجب لهم دخولها، وهي كثيرة نذكر منها بعضاً تحصل به الحجة، فمنها ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين بالسند عن سهل بن سعد من المتفق عليه قال : سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله) يقول: «أنا فرطكم على الحوض، من ورد شرب ومن شرب لم يظمأ أبداً، وليردن على أقوام أعرفهم ويعرفونني ، ثم يحال بيني وبينهم » (1).
قال أبو حازم فسمع النعمان بن أبي العباس وأنا أُحدثهم هذا الحديث، فقال: هكذا سمعت سهلاً يقول؟ قلت: نعم، قال: أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد وأقول : إنّهم من أمتي، فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول : سحقاً فسحقاً لمن بدّل بعدي(2).
وعنه من المتفق عليه بالسند عن ابن عباس قال : إن النبي (صلّی الله علیه و آله) قال: «ألا وإنّه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا ربّ، أصحابي ، فيقال:
ص: 85
إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: ﴿ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَادُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادَكَ )(1) قال : فيقال لي: إنّهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم »(2).
وعنه من المتفق عليه بالسند عن أنس بن مالك قال : إن النبي (صلّی الله علیه و آله) قال : «ليردن علي الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رأيتهم ورفعوا إلى رؤوسهم اختلجوا فلأقول: أي ربّ أصحابي أصحابي ، فليقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» (3).
وعنه في أفراد مسلم بالسند عن ابن عمر قال: إن النبي (صلّی الله علیه و آله) قال : «إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم أي قوم أنتم ؟ قال عبد الرحمن : تكون كما أمرنا رسول الله (صلّی الله علیه و آله)، فقال رسول الله (صلّی الله علیه و آله): «تتنافسون وتتحاسدون ثم تدابرون ثم تتباغضون وتنطلقون إلى مساكن المهاجرين فتحملون بعضهم على رقاب بعض»(4).
وفي صحيح البخاري: «لا تقوم الساعة حتّى تأخذ أُمتى ما أخذ القرون قبلها شيراً بشبرٍ وذراعاً بذراع »(5).
ص: 86
وفي غيره : «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً»، إلى آخره (1).
وفي صحيح الترمذي عن النبي (صلّی الله علیه و آله): «لتركبنّ سنن من كان قبلكم» (2).
وفي جامع العلوم لقدوة الحفّاظ أبي عبد الله محمد بن معمر عن أبي بن كعب قال : والله ما زالت هذه الأمة مكبوبة على وجهها منذ قبض رسول الله(صلّی الله علیه و آله) (3).
وهذه الأحاديث و (4) أمثالها صريحة في أن القوم بعد النبي (صلّی الله علیه و آله) رجعوا عن الدين على أعقابهم القهقرى، وإنّهم لم يزالوا مرتدّين منذ فارقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنّهم بذلك استوجبوا حرمان الشرب من الحوض ودخول الجنة، وبه استحقوا العذاب في النار ، وما نرى شيئاً فعلوه بعد النبي (صلّی الله علیه و آله) في الدين أعظم من أخذ الخلافة من أهلها ومستحقّيها ، ولو لم يكن هناك نصّ على واحد بعينه وقد حالفوه واغتصبوا من ذي الحق حقه لما استوجبوا كلّ ذلك.
وفی هذه الأخبار تكذيب الأشاعرة في قولهم بنجاة كل صحابي وإن فعل ما فعل من المعاصي.
ودلّت أيضاً على أن تظلّم أمير المؤمنين (علیه السّلام) من القوم السابقين في محلّه وموضعه، وإنّهم ظلموه واجتهدوا في نقصه ومنعوه مقام ابن عمه وهو ميراثه ومستحقه، فصاروا بذلك ضالين مضلين، فما ادّعيناه عليهم قد وضح بيانه وسطع برهانه والحمد لله على إنعامه بالهداية.
ص: 87
الوجه الثالث (1):
مما يدل على وجود النص على أمير المؤمنين (علیه السّلام) ما يخطر من فلتات عمر، فتارة يعترف بأن علياً مظلوم، وتارة بأنّه منصوص عليه، لكن خولف النص المصلحة ، وتارة بأنّه أولى بالأمر إلى غير ذلك.
فمنها: ما رواه ابن أبي الحديد عن الزبير بن بكار الزبيري في كتاب الموفّقيّات (2) عن عبد الله بن عباس قال: إنّي لأماشي عمر بن الخطاب في سكة من سكك المدينة إذ قال لي: يابن عباس، ما أرى صاحبك إلا مظلوماً .
فقلت في نفسي: والله لا يسبقني بها ، فقلت يا أمير المؤمنين، فاردد إليه ظلامته.
فانتزع يده من يدي ومضى يهمهم ساعةً ثم وقف فلحقته فقال : يابن عباس ما أظنّهم منعهم [عنه] إلا أنه استصغره قومه.
فقلت في نفسي : هذه شر من الأولى، فقلت: والله ما استصغره الله ورسوله إذ أمّراه أن يأخذ براءة من صاحبك !
فأعرض عنّي وأسرع فرجعت عنه (3).
ص: 88
قلت : فما أدري ما يصنع ابن أبي الحديد يصدق إمامه في اعترافه بالظلم أم يكذّبه ؟ فوالله ما يصلح للإمامة على الحالين، فتعساً لعقول قوم تصبح عندهم إمامة الكاذب أو الظالم!
ثم انظر إلى قبح عذر عمر الذي أخذه عن أبي عبيدة بأنه استصغره قومه، وهل فى صغر السن من نقص إذا كان العقل كاملاً وقد قال الله تعالى فى يحيى : ( وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبيّاً ) (1) ، وقال حكاية عن عيسى(علیه السّلام) وهو في المهد:( إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً)(2) فلم يكن الصغر فيهما مانعاً من الكمال، ولذا كان أمير المؤمنين (علیه السّلام) عند الله وعند الرسول (صلّی الله علیه و آله) أكبر من أبي بكر قدراً حيث أمراء على برائة وانتمناه على تبليغها ولم يكن كبر السن في أبي بكر نافعاً، ولو كان كذلك لما عزلاه عنها ، ولقد أجاد أبو تمام حيث قال في مثل هذا المعنى:
لو رأى الله إنّ في الشيب خيراً *** جاورته الأبرار في الخلد شيبا (3)
والله در ابن عباس فقد أفحم الشيخ وأشرقه بريقه في كلا كلاميه، وأقبح من ذلك قوله :«ما أظنّهم منعهم»، فمن امتنع من بيعة علي (علیه السّلام) ومنع الناس وريثهم عنها غيره وغير صاحبيه أبي بكر وأبي عبيدة حتى يسند المنع إليه لولا ما فيه من قلة الحياء وعدم المبالاة بما يفعل وما يقول .
ص: 89
ومنها : ما رواه عن عبد الله بن عمر قال: كنت عند أبي يوماً وعنده نفر من الناس فجرى ذكر الشعر، فقال: من أشعر العرب ؟ فقالوا: فلان وفلان، فطلع [عبد الله ] بن عبّاس فقال عمر قد جاء الخبير من أشعر العرب(1)يا عبد الله ؟ قال: زهير بن أبي سلمى.
قال : فأنشدني ما تستجيده له . فقال : يا أمير المؤمنين، إنه مدح قوماً من غطفان يقال لهم بلو سنان فقال :
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم *** قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا
قوم أبوهم سنان حين تنسبهم *** طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا
إنس إذا أمنوا جُنّ إذا فزعوا *** مرزؤون بها ليل إذا جهدوا
محشدون على ما كان من نعم *** لا ينزع الله عنهم ماله حسدوا
فقال عمر : قاتله الله ، لقد أحسن، ولا أرى هذا المدح يصلح إلا لهذا البيت من. هاشم القرابتهم من رسول الله (صلّی الله علیه و آله).
فقال ابن عباس : وفّقك الله يا أمير المؤمتين فلم تزل موفّقاً .
قال : يابن عباس، أتدري ما منع الناس منكم ؟
قال : لا يا أمير المؤمنين.
قال : لكنّي أدري .
قال : ما هو ؟
ص: 90
قال : كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوّة والخلافة فتجحفوا الناس جحفا (1)، فنظرت قريش لأنفسها فاختارت ووفقت فأصابت .
فقال ابن عباس : أيميط أمير المؤمنين عنّى غضبه فليسمع. (2)
قال : قل ما تشاء.
قال : أما قول أمير المؤمنين بأن قريشاً كرهت فإنّ الله قال لقوم : « ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) (3) .
وأما قولك: «إنا كنا نجحف»، فلو جحفنا بالخلافة جحفنا (4) بالقرابة، ولكنا قوم أخلاقنا مشتقة من خلق رسول الله (صلّی الله علیه و آله) الذي قال الله تعالى فيه : ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلْقٍ عظيم) (5) وقال له : ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(6).
وأما قولك:«إنّ قريشاً اختارت» فإنّ الله تعالى يقول: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (7) وقد علمت يا أمير المؤمنين إن الله اختار من خلقه لذلكمن اختار فلو نظرت قريش من حيث نظر الله لها لوفّقت وأصابت(8).
فقال عمر: على رسلك يابن عباس ، أبت قلوبكم يا بني هاشم إلا غشاً في أمر قريش لا يزول ، وحقداً عليها لا يحول.
ص: 91
فقال ابن عباس: مهلاً يا أمير المؤمنين، لا تنسب قلوب بني هاشم إلى الغش فإن قلوبهم من قلب رسول الله (صلّی الله علیه و آله) الذي طهره الله وزکّاه وهم أهل البيت الذين قال الله تعالى:(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهَّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1).
وأما قولك: «حقداً»، فكيف لا يحقد من غصب شيئه ويراه في يد غيره.
فقال عمر: أما أنت يا عبد الله فقد بلغني عنك كلام أكره أن أخبرك به فتزول منزلتك به عندي .
قال : ما هو يا أمير المؤمنين أخبرني به فإن يكن باطلاً فمثلي أماط الباطل عن نفسه، وإن يك حقاً فإنّ منزلتي عندك لا تزول به.
قال : بلغني أنك لا تزال تقول : أخذ هذا الأمر منا حسداً وظلماً.
قال: أما قولك: «حسداً - إلى أن قال - وأما قولك: «ظلماً» فأمير المؤمنين يعلم صاحب الحقِّ من هو ، ثم قال: يا أمير المؤمنين، ألم تحتج العرب علی العجم بحق رسول الله (صلّی الله علیه و آله) و احتجت قريش على سائر العرب بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن أحق برسول الله (صلّی الله علیه و آله) من سائر قريش .
فقال عمر: قم الآن فارجع إلى منزلك ، فقام ... الخبر (2) .
قلت والشاهد على المدعى في مواضع من الخبر :
الأوّل: قول ابن عباس: «إن الله اختار من خلقه لذلك من اختار»، فإنّه صريح فى أنّ هناك منصوصاً عليه بالإمامة معيناً لها من الله ورسوله (صلّی الله علیه و آله) إذ لا علم لعمر ولابن عباس بأن الله اختار لهذا الأمر واحداً معيناً إلا من إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك
ص: 92
هو النص، وابن عبّاس لم يقصر علم ذلك على نفسه بل قال لعمر: وقد علمت ذلك، فأتى ب «قد» المفيدة لتحقّق الفعل، ولا منصوص عليه إلا علي (علیه السّلام) ، وما يريد ابن عباس بما ذكر أحداً غيره.
الثاني: قوله :«فكيف لا يحقد من غصب شيئه ويراه في يد غيره»، فإنه صريح أنّ الخلافة حق أهل البيت والشيخان قد أخذاها منهم غصباً، وإذا لم يكن هناك نص على واحد معين منهم بأن الخلافة له كيف يتحقق الغصب ؟
الثالث : قوله : «أخذ منا هذا الأمر حسداً وظلماً»، وتقريره كسابقه.
الرابع: قوله : «أمير المؤمنين يعلم صاحب الحق من هو»، فإن علم عمر بصاحب الحق ومن له الأمر بالتعيين بدون نص من الرسول (صلّی الله علیه و آله) غير ممكن كما لا يخفى فيجب أن يكون علمه بذلك من طريق النص وذلك هو المطلوب.
ثم إن عمر لم ينكر شيئاً ممّا ادعى ابن عباس علیه علمه به فدل على أنه كان عالماً ،به لكنه لمّا عرف العجز من نفسه عن جواب حجّة عبد الله بن العباس أمره بالرجوع إلى منزله حذراً منه أن يظهر من فساد أمرهم أكثر مما أظهر .
ثم إن في قول عمر : «كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة»، ما يشير إلى وجود النص لأنه يومى إلى أن قريشاً علمت بأن الخلافة في بني هاشم بإخبار النبي (صلّی الله علیه و آله) فصرفوها عنهم إلى من أرادوا مخالفة للنبى (صلّی الله علیه و آله) هذا ما يتعلق بالدلالة على مدعانا .
وأما ما يدلّ على بطلان كلام ابن أبي الحديد وتكذيب دعواه من الخبر فهو في مواضع :
الأول : قول عمر : «كرهت قريش» إلى تمام الجملة، فإن صريحه ينطق بأنّ
ص: 93
قريشاً لم تعدل بالخلافة عن بني هاشم لخوف أمر يحدث في الدين ولا لحذر ثلم يكون في الإسلام، وإنّما كان ذلك لكراهة تأمير قرابة النبي (صلّی الله علیه و آله) وتشريفهم وهو عين العداوة لهم .
الثاني: قوله: «فنظرت قريش لأنفسها»، فإنه صريح في أنّ القوم لم يصرفوا الخلافة عن بني هاشم نظراً منهم للدين وحماية منهم على الإسلام، وإنما فعلوا ذلك نظراً لأنفسهم في أمر دنياهم ليتشرفوا بالإمارة، وهذا كما ترى مناقض لما تقدم من قول المعتزلى : إن القوم أرادوا بما فعلوا الدين لا الدنيا، ولم يميلوا إلى هوى، وإنّهم نظروا في ذلك إلى مصلحة الإسلام فقد كذب إمامه قوله ، والكلامان منافيان أيضاً لما قاله المتكلم في الخبر السابق من أن المانع لقريش من مبايعة علي علیه السلام استصغار سنّه، وعنه أخذ أتباعه التنافي والتناقض في أقوالهم.
الثالث : قوله : «أبت قلوبكم يا بني هاشم إلا غشاً في أمر قريش» إلى آخره، فإنّه صريح في أن عمر كان مطلعاً على كراهة بني هاشم لخلافته وخلافة صاحبه ومن استخلفهما ورضى بخلافتهما وبقاء حقدهم عليهم.
الرابع : قول ابن عباس : «فكيف لا يحقد من غصب شيئه»، فإنه صريح في حقد بني هاشم على الشيخين ، فإنّ الشيء كان في يدهما، وهذا كله مضاد لقول ابن أبي الحديد: إن عليّاً (علیه السّلام) رضي بخلافة الرجلين ورآها صلاحاً، أفيرضي علي (علیه السّلام) ويحقد ابن عباس وباقي بني هاشم، وهم ذلك الوقت لا يطلبون الخلافة إلّا له وليس فيهم من يجيز لنفسه التقدم عليه في أقل الأمور.
الخامس : قوله : «أخذ منا هذا الأمر حسداً وظلماً»، وهو كسابقه في المعنى، وهذا الخبر مضمونه نص مذهب الإمامية فليصدّق ابن أبي الحديد حديثه وإمامه إن شاء أو فليكذبهما ففى كلا الأمرين لنا عليه الفلج .
ص: 94
ومنها: ما رواه ابن عبّاس أيضاً قال: «خرجتُ مع عمر إلى الشام في إحدى خرجاته، فانفرد يوماً يسير على بعيره فأتبعته فقال : يابن عباس، أشكو إليك ابن عمك ؛ سألته أن يخرج معي فلم يفعل، ولا أزال أراه واجداً، فيم تظنّ موجدته ؟
قلت: يا أمير المؤمنين، إنّك لتعلم .
قال : أظنّه لا يزال كئيباً لقوت الخلافة !
قلت: هو ذاك، إنّه يزعم أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) أراد الأمر له.
فقال : يابن عباس، وأراد رسول الله الأمر له فكان ماذا، إذا لم يرد الله تعالى ذلك ، إنّ رسول الله أراد أمراً وأراد الله غيره فنفذ مراد الله ولم ينفذ مراد رسوله، أو كلما أراده رسول الله كان إنه أراد إسلام عمّه (1) ولم يرده الله ، فلم يسلم» (2).
أقول: غير خفي على ذوي الفطن أن معنى قول عبد الله بن عباس :«إن رسول الله أراد الأمر له» إنه (صلّی الله علیه و آله) عيّن عليّاً (علیه السّلام) للخلافة وقصرها عليه من بعده، وهذا هو النص المدعى ، ودلّ الخبر على أن علياً (علیه السّلام) لا يزال واجداً على عمر ، وإن موجدته عليه لأنه خالف أمر رسول الله (صلّی الله علیه و آله) فيه ونصه عليه، وعمر قد أقر بجميع ذلك الخبر مرتين صريحاً ، والثالثة إشارة، وادعى مع ذلك أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) أراد غير ما أراد الله .
ص: 95
وهذا من قبيح الاعتقاد وأفضع القول حيث ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إرادة ما لم يرده الله ، وهو الذي يقول الله فيه : (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (1) ويقول فيه : « وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَفَاوِيلِ ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينَ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ) (2) ويقول فيه : ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِن رَبِّي) (3) وغير ذلك .
ولا أدري ما يريد عمر بقوله ذلك ؟ إما إنه يقول بالجبر في الأفعال أو إنه لا يدري ما معنى الإرادة فيذهب إلى أن كلّما وقع فهو مراد الله، فكفر أبي جهل عنده مراد الله ومخالف لإرادة رسوله (صلّی الله علیه و آله) ، وكذلك كفر أبي لهب وإن عدم إسلامه مراد الله ومخالف لمراد رسوله (صلّی الله علیه و آله) فخلافة أبي بكر وخلافته أرادها الله ولم يردها رسوله فما أجهله بالأحكام ! وما أسوء ما له من الاعتقاد وها نحن نبين معنى الإرادة ونشرح مفهومها فنقول : للإرادة في الكتاب والسنة معان ثلاثة :
الأوّل: الإرادة الأمرية الصادر عنها التكليف، فهي الأمر بالشيء من حيث المحبوبية وتقابلها الكراهة وهي النهي عن الشيء من حيث المبغوضية، وعليهما تدور الطاعة والمعصية والمخالفة والموافقة، وعليهما يترتب الثواب والعقاب.
و من الإرادة بهذا المعنى قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (4) وقوله تعالى: (وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) (5) وقوله تعالى : ( يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ
ص: 96
عنكُمْ)(1) على احتمال ، وهذه الإرادة مخالفتها ممكنة غير ممتنعة وضدها كذلك، إذ لا جبر في التكليف على المكلفين ، ولذلك خالفها الرجل المذكور وأصحابه، والنبي (صلّی الله علیه و آله) لا يخالف هذه الإرادة أبداً، لأن مخالفتها معصية وهو معصوم عن العصيان، بل إرادته (صلّی الله علیه و آله) دائماً تابعة لإرادة الله لا يعصي الله أمراً فلما كان (صلّی الله علیه و آله) قد أراد علياً (علیه السّلام) للأمر علمنا أن الله سبحانه وتعالى أراده له بمعنى أمر نبيه (صلّی الله علیه و آله)بنصبه فنصبه رسول الله (صلّی الله علیه و آله) كما تضمنه الخبر . وقول الشيخ عمر مستلزم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خالف إرادة الله وعصى أمره لأنّ الله أمر بنصب أبى بكر وهو عيّن عليّاً (علیه السّلام) ونسبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مخالفة أمر الله كفر بما أنزل الله تعالى في محكم كتابه .
الثاني: الإرادة الفعلية، وهي عبارة عن إيجاد الشيء، ومنه قوله تعالى : ( إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن تَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونَ) (2) ولا تعلّق لهذه الإرادة بأمر التكليف ولا يستطيع أحد ردّها ولا مخالفتها لأنها فعل من أفعال الله تعالى القادر على ما يشاء، ولا يجوز أن ينسب أحد إلى مخالفة هذه الإرادة إذ لا قدرة لأحد على ذلك حتى يقول الشيخ : إن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) أراد ما لم يرده الله .
الثالث: الإرادة العلمية، ومعناها علم الله بما يصدر من المكلّف من طاعة أو معصية ووقت ذلك ومكانه ومتعلقه لا بمعنى المحبوبية والمبغوضية وعليها يحمل قوله تعالى :( فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً ) (3) وقوله تعالى : ( وَمَن يُرِدِ اللهُ فِتْتَهُ فَلَن تَمْلِك لَهُ مِنَ اللهِ
ص: 97
شيئاً) (1) وهي قد توافق الإرادة الأمرية كما في المطيع وقد تخالفها، إذ لا ملازمة بينهما كما في العاصي.
وبهذا البيان يرتفع الجبر في الأفعال وهذه الإرادة هي التي كانت متعلقة بالشيخ المزبور وأتباعه، فإن الله علم أنهم يخرجون بسوء اختيارهم عن الطاعة وقبول الأمر الصادر من الله ومن رسوله الله (صلّی الله علیه و آله)بالايتمام بعلي (علیه السّلام) والانقياد لطاعته بعد النبي (صلّی الله علیه و آله) فهم قد خالفوا إرادة الله الأمرية وإرادة رسوله كذلك في أمر الإمامة ووافقوا إرادة الله العلميّة بأنّهم يكونون عاصين، فإذا كان الرجل أراد من قوله في الخبر أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) أراد أمراً وأراد الله غيره أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم أمر عن أمر الله بطاعة علي (علیه السّلام) من بعده وعلم الله إنا لا نطيعه في أمره فعصيناه فقد صدق، لكن ذلك لا ينفعه ولا يجدي له عند الله عذراً وقد وضح لك أن الخبر المذكور ناطق بصدور النص من النبي (صلّی الله علیه و آله) على علي (علیه السّلام) وإن القوم قد خالفوه إحالة على المقادير وبئست تلك المعاذير .
ومثل هذا الحديث ما قدمناه أوّلاً من قول عمر في حديث ابن أبي طاهر: ولقد أراد رسول الله (صلّی الله علیه و آله) أن يصرّح به في مرض موته فمنعته (2)، وقد مرّ عليك مبيّناً بأوضح بيان فراجعه .
ومنها: ما رواه عن أبي بكر الجوهري مسنداً عن ابن عباس قال: مرّ عمر بعلي (علیه السّلام) وعنده ابن عباس بفناء داره فسلّم فسألناه : أين تريد ؟ فقال: مالي بينبع.
ص: 98
فقال علي (علیه السّلام): «أفلا نصل جناحك ونقوم معك» ؟ قال: بلى. فقال لابن عباس: «قم معه» . قال : فشبك أصابعه في أصابعي ومضى حتى إذا خلفنا البقيع قال : يابن عباس، أما والله إن كان صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد وفاة رسول الله (صلّی الله علیه و آله) الّا أنا خفناه على اثنتين.
قال ابن عباس : فجاء بمنطق لم أجد بداً معه من مسألته عنه، فقلت يا أمير المؤمنين، ما هما ؟
قال : خشيناه على حداثة السنّ وحبّه بنى عبد المطلب(1).
وهو صريح في المطلوب لأن أولوية علي (علیه السّلام) بالأمر لا يعلم إلا من جهة النص. ثمّ إنّ الخبر متضمن لأمرين مخالفين لقول الخصوم:
الأوّل : أنّ القوم لم يكونوا ناظرين إذ منعوا عليّاً (علیه السّلام)من خلافة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مصلحة تعود إلى الدين وإنما هو لأمر راجع إلى هوى النفس، وهو كون علي صغير السن ومحباً لبني عبد المطلب، وأن الأولى بالخلافة من يكون كبير السن ويكون مبغضاً لبني عبد المطلب، وأي مصلحة للدين في هذا ؟
الثاني : أن القوم كانوا مبغضين لقرابة النبي (صلّی الله علیه و آله) بغضاً شديداً حتى جعلوا بغضهم شرطاً في الإمام، وإنهم لم يقدّموا أبا بكر إلا لعلمهم بشدّة بغضه لقرابة رسول الله (صلّی الله علیه و آله) وهذا والله ما تقوله الإمامية لا يزيدون عليه حرفاً فأين قول ابن أبي الحديد وأمثاله : إن القوم لم يفعلوا ما فعلوا إلا النظر (2) للدين ؟ وما باله يروي هذا الكلام ويغضي عن معناه كأنه لا يفهمه، وهو أصرح من أن يخفى على مثله ؟ فالحمد لله الذي أظهر الحق لأهله.
ص: 99
ومنها: ما رواه عن أبي بكر الجوهري قال: وحدّثني أبو زيد قال : حدّثنا هارون ابن عمر بإسناد رفعه إلى ابن عبّاس قال : تفرّق الناس ليلة الجابية (1) عن عمر فسار كل واحد مع إلفه (2) ، ثم صادفت عمر تلك الليلة في مسيرنا فحادثته فشكى إلي تخلّف عليّ عنه ، فقلت له : ألم يعتذر إليك ؟ قال : بلى. فقلت هو ما اعتذر به .
قال : يابن عباس ، إنّ أوّل من ريّثكم (3) عن هذا الأمر أبو بكر ، إن قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوة.
قلت: لم ذاك يا أمير المؤمنين؟ ألم ننلهم خيراً ؟
قال : بلى ولكنّهم لو فعلوا لكنتم عليهم جحفاً جحفاً(4) (5).
أقول: ما فى هذا الخبر قد تضمنه حديث ابن عمر المتقدم وتوضيحه يعرف مما ذيّلنا به ذلك الخبر .
ومنها: ما رواه أن عمر قال لعبد الله بن عبّاس يوماً : ما تقول في (6) منع قومكم منكم ؟
ص: 100
قلت: لا أعلم يا أمير المؤمنين.
قال : اللهم غفراً، إن قومكم كرهوا أن تجتمع لكم النبوة والخلافة فتذهبوا (1) في السماء بذخاً وشمخاً لعلكم تقولون : إنّ أبا بكر أراد الإمرة عليكم وهضمكم ! كلا، لكنّه حضره أمر لم يكن عنده أحزم مما فعل ولولا رأي أبي بكر في بعد موته لأعاد أمركم إليكم ، ولو فعل ما هناكم مع قومكم إنهم لينظرون إليكم نظر الثور إلى جازره (2) !
أقول: أيّ مصلحة للدين وأيّ صلاح للمسلمين في عدم اجتماع النبوّة والخلافة في بيت واحد ؟ وأيّ مفسدة للدين وأهله في اجتماعهما في ذلك البيت ؟ وكيف تكره قريش ما أحبّه الله من اجتماع النبوة والخلافة في بيت واحد ؟ ومتى وجدنا أحداً من أهل بيت النبي (صلّی الله علیه و آله) تكبر وتجبّر وجزع عن قانون التواضع وحيّز الرزانة حتى يشتمهم عمر دائماً وينسبهم إلى ما لا يجوز أن ينسب إلى سائر المؤمنين ؟ أليس هذا كلّه تصريحاً بمخالفة الله ورسوله (صلّی الله علیه و آله) وكاشفاً عن بغض شديد في قلب عمر لبني هاشم؟
ثم إن الخبر مصرّح بوجود النص على علي (علیه السّلام) وأن أبا بكر إذ عهد إلى عمر إنّما هو لهوى له فيه لا يجهله بصاحب الأمر من هو وذلك في قوله : ولولا رأي أبى بكر في لأعاد إليكم ،أمركم، لأن الإضافة هنا إما للملك أو للاختصاص، وعلى كلا الوجهين يفيد الكلام أنّ الأمر - يعني الخلافة - حق لأهل البيت وليس لغيرهم فيها نصيب، وكونها حقاً لهم لا يعلم إلا من النص ولا منصوص عليه منهم بعد النبى (صلّی الله علیه و آله) إلّا علي (علیه السّلام).
ص: 101
فتبين من القول أن أبا بكر إذ تأمر على أهل البيت مغتصب لحقهم على تعمّد منه ، فهو ظالم لأخذه حق غيره، والثاني مثله لعلمه أن أبا بكر أعطاه حق غيره، فالثالث كذلك.
وقوله: «ولو فعل ما هناكم مع قومكم» إلى آخره، نص في أن أولئك الصحابة من المهاجرين الذين عمر من جملتهم كانوا متعمدين (1) مخالفة علي (علیه السّلام) ومخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه ومنطوين على عدم إطاعته إن ولي الأمر كائناً من (2)كان لبغض مقيم عليه في قلوبهم وحسد قديم له لا لصلاح الدين ولا لخوف انتقاض العرب، ولا لغير ذلك مما قاله عمر فى بعض كلامه، وهذا القول منه من شواهد مدعانا عليهم فقد تبين صدق قولنا من قول عمر صدق قولنا من قول عمر أن صدّق عليهم وعلى نفسه وثبت ما نقول: إن القوم أخذوا الخلافة وهم يعلمون أنها حق علي (علیه السّلام) بنص الرسول (صلّی الله علیه و آله).
ومنها: ما قال ابن أبي الحديد: حدّثني الحسين بن محمد السيني (3) قال: قرأت على ظهر كتاب : إن عمر نزلت به نازلة فقام لها وقعد وترنّح لها وتقطر(4) وقال لمن عنده معشر الحاضرين، ما تقولون فى هذا الأمر؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين، أنت المفزع والمنزع ، فغضب وقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً
ص: 102
سَدِيداً) (1)، ثم قال: أما والله إنّي وإياكم لتعلم ابن بجدتها (2) والخبير بها.
قالوا : كأنك أردت ابن أبي طالب؟
قال : وأنّى يعدل بى عنه وهل طفحت حرّة بمثله !
قالوا: فلو دعوت به یا امیرالمؤمنین .
قال : هيهات، إن هناك شمخاً من هاشم وأثرة من علم ولحمة من رسول الله يؤتى ولا يأتي ، فامضوا بنا إليه فأقصفوا نحوه (3)، وأفضوا إليه فألفوه في حائط له عليه تبّان (4) وهو يتركل (5) على مسحاته ويقرأ : (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدى ) (6) إلى آخر السورة ، ودموعه تهمي (7) على خدّيه، فأجهش الناس لبكائه فبكوا، ثمّ سکت و سكتوا، فسأله عمر عن تلك الواقعة فأصدر جوابها.
فقال عمر: أما والله لقد أرادك الحق ولكن أبي قومك.
فقال: «يا أبا حفص، خفّض عليك من هنا ومن هنا (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ ميقاتاً »(8). فوضع عمر إحدى يديه على الأخرى وأطرق إلى الأرض وخرج كأنّما ينظر فى رماد (9).
ص: 103
وهذا الخبر كما ترى مصرّح بأن أمير المؤمنين كان ينسب القوم في تقدّمهم عليه إلى الظلم ويعدهم بالمطالبة يوم الفصل، وحسبنا ذلك فيما ندعى .
وإنكار ابن أبى الحديد للخبر لأن علياً (علیه السّلام) كنّى عمر ولم يسمه بالإمرة، ولأن عمر مضى إلى علي (علیه السّلام) والعادة أن يرسل إليه ، إنكار فاسد، لأن العادة قد تختلف وينبغي أن يجعل هذا من جملة تواضع عمر الذي كانوا يدعونه له وإن كان في الحقيقة لأمر آخر، والخليفة قد يُكنّى خصوصاً في مقام الحجة.
على أن ما ادعاه من أن علياً (علیه السّلام) ما كنّى عمر في خلافته أبداً، وإنما يدعوه بإمرة المؤمنين دعوى ما أتى عليها بشهود وأحالها على السير والتواريخ، ولم يذكر حديثاً على ما ادعى ولا ذكر في كتابه على كثرة ما ذكره من الأخبار موضعاً دعا فيه علي (علیه السّلام) عمر بإمرة المؤمنين قط، وذلك أدحض لحجّته، مع أنه روى أن الزبير قد أدمى أنف أذن عمر لما حجبه عنه فلما لأمه عمر جعل يمطمط في كلامه يحكي كلام عمر «أتفعل هكذا يا زبير» وقال مغضباً: أتحتجب عنا يابن الخطاب (1) فلم يكنّه فضلاً عن أن يقول أمير المؤمنين، ولم نره طعن في صحة الرواية بمخالفة العادة وبما فيها من الجرأة العظيمة على عمر.
وروى أيضاً أنّ عمر لمّا أراد أن يوصي بالشورى وأحضر الستة وقال في كل واحد ما قال ،إنه نظر إلى طلحة فقال : أقول أم أسكت ؟ قال له طلحة : قل فإنك لا تقول من الخير شيئاً (2) ، ولم يستبعد ذلك بمخالفة العادة ولم ينكر الرواية لتضمنها جرأة طلحة على عمر بهذا القول الغليظ وليس علي (علیه السّلام) عند عمر وعند الناس
ص: 104
بدون الزبير وطلحة حتى يحتمل عمر منهما الجرأة الشديدة ولا يحتمل من علي (علیه السّلام) في وقت من الأوقات أن يكنيه ولا يدعوه بإمرة المؤمنين، مع أن ذلك حخل عن أدنى جرأة ، فسبحان الله لا يكون الرة بخلاف العادة إلّا لما وافق قولنا من أخبارهم، فهذا دليل عنادهم؛ فقد بطل إنكاره وبقي عليه عاره .
ومنها: ما رواه مرفوعاً إلى ابن عبّاس قال : دخلت على عمر يوماً فقال : يابن عباس ، لقد أجهد هذا الرجل نفسه في العبادة حتى نحلته رياء.
قلت: من هو ؟
قال : هذا ابن عمك - يعني عليّاً (علیه السّلام)-.
قلت : وما يقصد بالرياء يا أمير المؤمنين ؟
قال : يرشح نفسه بين الناس للخلافة.
قلت : وما يصنع بالترشيح، قد رشحه لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرفت عنه.
قال : إنه كان شابّاً حدثاً فاستصغرت العرب سنّه وقد كمل الآن، ألم تعلم أن الله لم يبعث نبياً إلا بعد الأربعين؟
قلت: يا أمير المؤمنين، أما أهل الحجى والنهى فإنهم ما زالوا يعدونه كاملاً منذ رفع الله منار الإسلام، ولكنهم يعدونه محروماً مجدوداً (1).
فقال: أما إنه سيليها بعد هياط ومياط (2) ثم تزل فيها قدمه ولا يقضي منها أربه،
ص: 105
ولتكون شاهداً ذلك يا عبد الله ، ثم يبين الصبح لذي عينين، وتعلم العرب صحة رأي المهاجرين الأولين الذين صرفوها عنه بادي ،بدء، فليتني أراكم بعدي يا عبد الله، إن الحرص محرّمة وإن دنياك كظلك كلما هممت به ازداد عنك بعداً .
قال ابن أبي الحديد: نقلت هذا الخبر من أمالي أبي جعفر محمد بن حبيب (1).
قلت : وقد أعرب هذا الخبر عن بغض عظيم لأمير المؤمنين (علیه السّلام) في قلب عمر حتى رام إبطال عباداته بنسبتها إلى الرياء ليحط من قدره ويزيل من القلوب منزلته ويسقط منها ،رتبته، ولعمري لقد حصل ما قصد وأدرك ما أمل عند أوليائه أولياء الشيطان كعايشة وطلحة والزبير ومعاوية وابن العاص وتابعيهم أعداء الرحمان ، ومع ذلك فقد أقرّ بالنص من الرسول على علي (علیه السّلام) حيث إنه اعترف بدعوى ابن عباس أن النبي (صلّی الله علیه و آله) لقد رشّح علياً (علیه السّلام) للخلافة والترشيح للشيء التأهيل له وهو تعيينه لها (2) وذلك النص بأنها قد صرفت عنه بعد نص النبي (صلّی الله علیه و آله) عليه، وإن أهل العقل والرأي الصحيح يعدونه محروماً مجذوذاً من حقه، ولم ينكر من ذلك شيئاً وذهب يتعلل في مخالفة النبي (صلّی الله علیه و آله) بما لم يزل يتعلّل به من صغر السن وخوف العرب .
وما أدري ما يقول تابعوه حين يُسئلون أهم (3) أعرف بالمصالح وكمال الناس أم رسول الله (صلّی الله علیه و آله) حيث أهل عليّاً (علیه السّلام) للخلافة وهو صغير السن ؟ أفيقولون : إن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) أهّله بغير أمر الله فأخطأ وإن عمر أصاب حيث صرف الأمر إلى من هو أكبر
ص: 106
منه سنّاً ؟ أم يقولون: إن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) لا يعلم سنّ علي (علیه السّلام)؟ أفليس في قول إمامهم تصريح بأنه هو وأصحابه المهاجرين الأوّلين (1) خالفوا نص رسول الله (صلّی الله علیه و آله)على علي (علیه السّلام)بآرائهم .
وما أبعد قوله «فاستصغرت العرب سنّه» من قوله: «وتعلم العرب صحة رأي المهاجرين» إلى آخره، فإنّ الأول يدل على أن العرب هم الذين صرفوا الأمر عن علي لصغر سنّه ، والثاني يدلّ على أن العرب قد أنكرت على المهاجرين صرف الأمر واعتقدوا بطلان رأيهم وإنه لا يبيّن للعرب صحة رأي المهاجرين الأولين ويعلمونه إلا إذا تولّى علي (علیه السّلام) الأمر وحاربه من يحاربه من بقية أولئك المهاجرين ومن يتبعهم في ضلالهم من الطلقاء والمنافقين، وهذا تناقض بيّن، ولقد ورث أولياؤه التناقض في أقوالهم منه وصار لهم خُلقاً.
والحاصل أن هذا الخبر مصرّح بما نقول به من وجود النص على علي (علیه السّلام) فهو شاهد بدعوانا وكاشف عن صحة مذهبنا بأوضح كشف وأصرح بيان.
ثم إن في قول عبد الله لعمر: «أما أهل الحجى والنُّهى فما زالوا يعدونه كاملاً» إلى آخره إشارة ظاهرة إلى أن عمر وأصحابه الذين قدحوا في كمال علي (علیه السّلام) بصغر السنّ ليسوا من أهل العقل والتمييز، لأن أهل ذلك ما زالوا حاكمين بكمال علي (علیه السّلام) فلو كان هؤلاء القوم منهم لحكموا بحكمهم، والأمر كما قال عبد الله بن العبّاس .
وأما قول عمر: «إنّه سيليها ثم تزلّ فيها قدمه» إلى آخره، ففاسد لأنه إن أراد بزلة قدمه عدم طاعة أهل الضلال له فليس عليه في ذلك بأس عند الله ولا تزلّ
ص: 107
قدمه إذا كان على الحقّ، بل زلّت قدم من خالفه، فقد قاتل الكفّار رسول الله (صلّی الله علیه و آله) فلم يضره في دينه ونبوّته خلافهم له وقتالهم إيَّاه، وكذلك أمير المؤمنين لم تزلّ قدمه بقتال الضالّين المكذّبين، بل كانوا هم الذين زلّت أقدامهم عن الحق، وكان هو الثابت القدم على الصراط القويم والهدى الواضح لأنه يقاتل على تأويل القرآن كما قاتل النبي (صلّی الله علیه و آله) على تنزيله.
وإن أراد بزلّة قدمه خروجه عن الحقّ فقد قال زوراً وافترى إفكاً، فإن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) أمر عليّاً (علیه السّلام) بقتال أولئك الأقوام ووعده أنه مع الحق حتى تمنى هذا الشيخ وإمامه تلك المنزلة وسألاها النبي (صلّی الله علیه و آله) فما أدركاها ، وقد مضى بيان ذلك، ومن هذا فهم عمرأنّ أتباعه سيقاتلون علياً (علیه السّلام) فقال ما قال.
وأما قضاء الإرب من الخلافة فإن كان يريد إرب الدنيا فليس لعلي (علیه السّلام) في الدنيا من إرب، وإن أراد عدم تمكّنه من إقامة عمود الحق لمخالفة الفجرة أمره فليس ذلك بضائر في دينه ولا بناقص ليقينه، والدبرة على الضالّين المكذّبين؛ ظفروا أو ظفربهم.
و أمّا وعظه لابن عبّاس وهو يريد غيره فليته وعظ نفسه عن مخالفة نصّ الرسول الذي اعترف به برأيه، وينبغي أن يقال له ما قال بعض القائلين :
يا أيها الرجل المعلِّم غيره *** هلّا لنفسك كان ذا التعليم
فأراك تلقح بالرشاد قلوبنا *** أبداً وأنت عن الرشاد عقيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيّها *** فإن انتهت عنه فأنت حكيم
لا تنه عن خلق فتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم (1)
ص: 108
ومنها: ما رواه [عن] (1) أبي بكر الأنباري في أماليه أن علياً (علیه السّلام) جلس إلى عمر المسجد وعنده قوم، فلما قام عرض واحد بذكره ونسبه إلى التيه (2) والعجب، فقال عمر: حقّ لمثله أن يتيه ، والله لولا سيفه لما قام عمود الإسلام، وهو بعد أقضى الأمة وذو سابقتها وذو شرفها .
فقال له ذلك القائل : فما منعكم يا أمير المؤمنين عنه ؟
قال : كرهناه على حداثة السنّ وحبّه بني عبد المطلب (3).
قلت: وما رواه ابن أبى الحديد من طرق العامّة مما يعطى هذا المعنى كثير، فلنقتصر على ذكر ما أوردناه الحصول الكفاية به.
ثم الآن نتكلّم على جملة أخبار هذا الوجه بكلام عامّ فنقول لتابعي عمر المنكرين النصّ من النبي (صلّی الله علیه و آله) على علي (علیه السّلام) : قد اشتملت هذه الأخبار من قول إمامكم على الإقرار بالنصّ تارة على علي (علیه السّلام) وبأنه أولى الناس بهذا الأمر، وأحقّهم به أخرى، وثالثة على أنه مظلوم، والمظلوم لا يكون إلا بأخذ حقل يختصّ به فيكون الخلافة على هذا حقّه، وأن المتقدّم عليه فيها ظالم له غاصب حقّه، وأخرى بأنه محروم وهو مثل السابق، وأخرى بأن الأمر له، وأخرى بأنّ شيئه قد غُصب .
ص: 109
فحينئذٍ إن كان عمر علم بأنّ الخلافة حقّ لعلي (علیه السلام) وإنه صاحبها وأولى الناس وأحقهم بها حتى يكون من اختزلها عنه غاصباً وظالماً من نص الرسول (صلّی الله علیه و آله) عليه بذلك؛ إما بالتعيين لها كما نقول ، وكما تضمنّته جملة من أخبار هذا الباب من قول ابن عباس وعمر، أو بما استوضحه الرجل من قصد النبي (صلّی الله علیه و آله) في إشاراته إليه، أو من جهة جمعه للخصال الحميدة كالقرابة من النبي الله (صلّی الله علیه و آله) والعلم والشجاعة والسبق إلى الدين وكثرة الجهاد.
و علم من قول النبي (صلّی الله علیه و آله) أنّ صاحب هذه الصفات هو الأولى بمقامه فذلك هو النص من الرسول على علي (علیه السّلام) وثبت مدعانا وثبت مخالفة الصحابة لنص النبي (صلّی الله علیه و آله) في توثّبهم لأخذ الخلافة ومبادرتهم إلى تحصيل الإمارة من مهاجرين وأنصار، وثبت رجوعهم على الأعقاب ماخلا من كان مع أمير المؤمنين (علیه السّلام)، وجاء تصديق قوله تعالى: (أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) (1) وصحّ ما نسبه عمر إلى نفسه وإلى صاحبه أبي بكر من ظلمهما عليّاً وغصبهما حقّه، وذلك هو مطلوبنا ومرادنا لا نزيد فى القول على هذا .
وإن كان عمر علم ذلك من غير نصّ الرسول (صلّی الله علیه و آله) فليس غير النصّ بطريق يعلم منه هذا، فما زاد على أن كذّب في نسبة الظلم والغصب إلى نفسه وإلى صاحبه المفضّل عنده على كل أحد، فأخبرونا أي الأمرين تختارون لإمامكم : الظلم أو الكذب، وليس لا محالة لكم بدّ من اختيار أحدهما ، ولن ترجعوا عن إنكار النصّ لدفع الظلم عن صاحبكم ومن قبله إلّا إلى الحكم بأنه كاذب في قوله، وعلى
ص: 110
الحالين لا يصحّ لكم الحكم بإمامته واعتقاد أمانته وديانته، وهذا بحمد الله واضح جلي .
وأما اعتذاره عن مخالفة النص على علي (علیه السّلام) بحداثة السن فباطل، وقد أجاب عنه ابن عباس وأجبنا عنه فيما تقدّم، ونقول هنا : إن مقصودنا من إيراد أقوال عمر بيان أنه وأصحابه خالفوا نص النبي (صلّی الله علیه و آله) على علي (علیه السّلام) بآرائهم وأهوائهم، وذلك إقرار منه بالمقصود واعتراف بالمطلوب، فما زاد فى عذره على أن أثبت حجّتنا عليه وعلى تابعيه .
وأما اعتذاره بخوف انتقاض العرب فقد أجبنا عنه مراراً بأوضح بيان، ونزيد في هذا المقام فنقول له: أخبرنا أي العرب وأي الناس غيرك وغير أصحابك استشيروا في بيعة علي (علیه السّلام) فأبوها ؟ أم أي العشائر والقبائل بلغهم أنّ المهاجرين والأنصار بايعوا عليّاً (علیه السّلام) فردّوا بيعته ولم يقبلوها ؟ وهل جاء منعه عن الخلافة إلّا من جماعتكم؟ وهل وهن أمره عند الناس إلّا منكم وما اَفته غيركم ولا القرحة العظيمة إلا أنتم ؟ فكيف تحملون إثمكم [على ](1) غيركم ؟ وتنسبون سوء فعلكم إلى سواكم ؟ وذلك من أعظم الآثام .
ثم لو سلّمنا لك ما تدّعى لأجبناك بأن اللازم عليكم طاعة النبي (صلّی الله علیه و آله) ومراعاة أمره، وليس عليكم أن تضلّ العرب أو تهتدي والله سبحانه يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُم مَن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) (2) فلم لا بايعتم عليّاً (علیه السّلام) وأطعتم الله ورسوله (صلّی الله علیه و آله) فيه وقاتلتم من خالفه حتى تذلّلوا له العرب فتستقيم له الأمور
ص: 111
وتجتمع عليه الكلمة كما فعلتم ذلك حين بايعتم أبا بكر ؟ ومالكم عصيتم وبدأتم بالمخالفة لتوهمكم أنّ غيركم ربّما يعصي ؟ هذا كلّه مع ما في فعلكم من مخالفة قول النبيّ وحكمه باجتهادكم. ومن جوّز لكم ذلك وسوّغكموه ؟ ءالله أذن لكم أم على الله تفترون ؟
وأما اعتذاره بحبّ بني عبد المطلب فهو أوهن الأعذار وأوهاها، وهو مستقبح جداً فإنّه لم يقل أحد بأنه يشترط في الإمام أن يبغض قرابته ويكره عشيرته، فليس حب الإمام ذوي قرابته قادحاً في صحّة إمامته حتى يكون ضدّه شرطاً لها، ولو كان ذلك قادحاً في إمامة علي (علیه السّلام) لوجب أن يكون قادحاً في نبوة النبي (صلّی الله علیه و آله) لأنّ حبّه لبني عبد المطلب متعالم مشهور، وحثّه الناس على إكرامهم تارة بالتخصيص، وتارة بالتعميم، وشدّة حنوّه عليهم أمر ظاهر معروف ومذكور لا يجوز أن يجهله سائر الناس فضلاً عن عمر بن الخطّاب .
وعناية الله ببني عبد المطلب إكراماً للنبي (صلّی الله علیه و آله) واضحة مكشوفة حيث أمره الله أن يبدأ بإنذارهم ويفتتح دعوة الإسلام بدعائهم فقال : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ )(1) ، وأوجب لهم حقاً عليه فقال : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ)(2)، ثم أوجب لهم المودّة على الأمة إعظاماً لهم وإجلالاً كلّ ذلك لتكريم النبي ز وتفخيمه .
ولقد احتجّ ابن عبّاس على عمر بذلك فما استطاع إنكاره ، ففي حديث عبد الله ابن عمر السابق : إنّ ابن عبّاس لمّا قام بعد قول عمر: «قم الآن فارجع إلى منزلك»،هتف به عمر لمّا انصرف: أيها المنصرف إنّي على ما كان منك لراع حقّك،
ص: 112
فالتفت ابن عبّاس فقال : إنّ لي عليك يا أمير المؤمنين وعلى كل المسلمين حقاً برسول الله الإسراء: 26 . فمن حفظه فحق نفسه حفظ، ومن أضاعه فحقّ نفسه أضاع ثم مضى ،فقال عمر لجلسائه واهاً لابن عبّاس ما رأيته لاحى (1) أحداً قط إلّا خصمه (2).
فمن كان هذا شأنهم يجب أن يكون حبّهم شرطاً في الإمام لا مبطلاً لإمامته لكن الرجل لبغضه إيَّاهم يجعل بغضهم شرطاً في صحة الإمامة مخالفة للّه وردّاً لكتابه ومراغمة لرسول الله ، فنعوذ بالله من نزعات الشياطين.
وبعد، فما يكون في حبّ الرجل عشيرته من النقص لمرتبته عن الإمامة إذا لم يخف منه لذلك جور في حكم ولا إيثار بمال ولا حيف في قسمة وأمير المؤمنين بمعزل عن هذه التهمة . أولم يأن لعمر بن الخطاب أن يعلم بطول المعاشرة لعلي (علیه السلام) ما هو عليه من قوّة الدين وما هو فيه من صحّة اليقين فيعلم بذلك أن حبّه لبني أبيه لا يكون له صارفاً عن اتّباع الحق ولا مقتضياً له للميل والهوى ولا داعياً له للجور والحيف في شيء من الأحكام ؟
ودع ذا ، أليس قد علم عمر من قول النبي (صلّی الله علیه و آله) «علي مع الحق والحق مع عليّ (3) يدور معه حيثما دار»(4) وقوله (صلّی الله علیه و آله)« اوأدر الحقّ معه حيث ما دار »(5) وقوله في قصّة
ص: 113
ماعز «أما لو كان فيكم أبو الحسن ما أخطأتم» (1) وأمثالها أن علياً لا يعدل عن الحق لقرابة ولا يميل للباطل لحبّ أحد، ولا لبغض أحد فيكون إذن أجهل الناس حيث يجهل ما كان ظاهراً ؟!
كلّا، بل علم ذلك وتيقّنه ، وكيف لا وهو يقول لابن عباس في حديث رواه ابن أبي الحديد ينساق مساق ما ذكرناه في المقام من الأخبار تركنا نقله بعد بعد أن عاب عليّاً (علیه السّلام) وانتقصه بالدعابة وجعلها مانعة من استحقاقه الإمامة وعاب غيره بما ،عابه، قال : إن أحراهم إن وليها أن يحملهم على كتاب ربِّهم وسنة نبيّهم لصاحبك ، أما إن ولي الأمر حملهم على المحجة البيضاء والصراط المستقيم (2).
فانظر إلى تناقض أقواله فى أمير المؤمنين، وذلك لاعتراك بغضه الشديد إياه وعلمه بفضله وأولويته بالإمامة في قلبه فيصدر عنه كل وقت ما حاشت به نفسه ، وما غلب على قلبه من الأمرين .
ثم نجيب عن الوجوه الثلاثة بجواب عام فنقول لعمر: أخبرنا عنك أترى إن الله حين أمر رسوله (صلّی الله علیه و آله) بنصب علي خليفة من بعده فأخبركم النبي (صلّی الله علیه و آله) بذلك عن الله تعالى ورشّح عليّاً (علیه السّلام) للخلافة كان عالماً بحداثة سنّ علي وانتقاض العرب عليه إن ولى الأمر وبحبّه بني عبد المطلب أم كان غير عالم بذلك ؟
فإن قلت : إنه غير عالم كفرت كفراً صريحاً ، وإن قلت : إنّه كان عالماً بذلك قلنا لك : فأنت أعلم بالصلاح والفساد في دين الله أم الله أعلم بذلك في دينه منك ومن غيرك ؟ وهل يأمر الله بما هو الأصلح أم بما هو الأفسد ؟
ص: 114
فما بالك جعلت الصلاح فيما علمه الله فساداً، وجعلت الفساد فيما جعله صلاحاً، فكنت بزعمك قد أصبت وربك قد أخطأ ؟! جلّ الله عن ذلك.
فما أنت قائل إذا جئت يوم القيامة فرداً وقال لك الجليل : لم خالفتني يا عمر واستفسدت ما جعلته أنا صلاحاً وعبدتني من حيث تريد، وأنا أريد أن أُعبد من حيث أريد لا من [حيث ](1) أردت أنت أو غيرك من خلقي، وأنا أردت أن أتعبّد عبادي بعد نبيّي محمد (صلّی الله علیه و آله) بطاعة على ، فلم عصيته أنت وأصحابك ؟
فهل ترى لك من حجّة حينئذ إلا كحجّة إبليس حيث قال : أأسجد لمن خلقت طيناً، وأنت تقول: أأطيع لمن نصبته حدث السنّ شابّاً، فاقترحت على الله كما اقترح إبليس ، وكما لم تقبل حجته لا تقبل حجتك يقيناً.
فوضح من جملة ما ذكرناه أن الاعتذار بحداثة السن وانتقاض العرب وحبّ بني عبدالمطلب اعتذار مضمحلّ فاسد لا يعذره به في مخالفة النص إلا ناقص العقل ضعيف الروية أو جاحد معاند أو مبغض لأهل البيت مثله.
وأما الاعتذار بالدعابة فهو باطل بالجواب العام عن الوجوه السابقة، لأنّه كما ترى شامل ،له وما هو إلا اقتراح على الله وتطلّب عليه .
ولعمري إن كانت طلاقة الوجه وبشاشة اللسان وسجاحة الأخلاق (2) وظهور البشر للمؤمنين وكثرة الحلم عيباً مانعاً من الإمامة، فيجب أن يكون الأنبياء ظاهري الغضب ذوي غلظة وفظاظة لا رفق فيهم ، لأن الإمامة منصبهم بالأصالة، وذاك خلاف ما وصف الله به أنبياءه من الحلم والرأفة ، فقال في إبراهيم (علیه السّلام):«إِنَّ
ص: 115
إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهُ مُنِيبٌ)(1) وقال في حق نبيّنا (صلّی الله علیه و آله): (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)(2) وقال في حقّ قوم مدحهم : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)(3) وقال : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةِ عَلَى الْكَافِرِينَ) (4).
وهذه صفة أمير المؤمنين (علیه السّلام) فيجب أن تكون شرطاً في الإمام لوجودها في النبي (صلّی الله علیه و آله) الذي انتقلت الإمامة منه إلى الإمام، ولو كانت الغلظة والشدّة وصفاً حسناً فضلاً عن أن تكون شرطاً للإمام لما نهى الله نبيّه (صلّی الله علیه و آله) عنها وجرّدها عنه في قوله تعالى : ( وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ) (5) الآية، وهذا يدلك على أنّ دأب عمر تحسين ما يقبحه الله وتقبيح ما يحسنه، فكيف لا يردّ نص الرسول (صلّی الله علیه و آله).
وعذر ابن أبي الحديد عنه - فى أمر الدعابة ونسبة أمير المؤمنين إليها - بأنّه خشن الطبع، وأن الكلمات القبيحة تخرج منه على مقتضى جبلّته كالكلمة التي قالها في مرض رسول الله (صلّی الله علیه و آله) يعني بها قول عمر: إن النبي ليهجر (6) ، وكقوله: متعتان كانتا على عهد رسول الله حلال أنا محرمهما ومعاقب عليهما: متعة الحج ومتعة النساء(7)، وإنه لم يقصد بها ظواهرها ولا يستطيع إلا إخراجها كما هي، فلم يكن قاصداً عيب عليّ بالدعابة، وغير ذلك من الأعذار الركيكة التي أطالها في
ص: 116
مواضع من كتابه ليس بشيء، وما زاد بهذه الأعذار على أن سلب عن إمامه الاختيار، فهو إما أن يكون مغلوباً على عقله أو أن يكون مجبوراً على فعله؛ والأوّل موجب لإخراج إمامه عن جواز الإمامة له على مذهبه، والثاني موجب للجبر في الأفعال، وذلك مذهب الأشعري (1) وهو ينكره غاية الإنكار.
وإن أراد عمر بالدعابة التي نسبها إلى أمير المؤمنين (علیه السّلام) المزاح الموجب للخفّة كما نسبه عمرو بن العاص ومعاوية إليه (2) فقد كذب وأبطل في دعواه بإجماع مواليه ومعاديه، وأن علياً (علیه السّلام) بريء من ذلك كبيراً وشاباً وطفلا، وما زال عليه بهاء الإيمان وهيبة التقوى ونضارة الورع وخشونة الدين وذلّة التواضع وعزة الكمال وخشوع الزهد ورزانة العقل ورصانة الحلم ونور العرفان ورونق الحكمة وضياء العلم وجمال العفّة وقميص الأمانة ودرع الصيانة وجلباب الديانة وكمال البصيرة وهيئة الزعامة ودلائل الشهامة وأبهة الرئاسة وجلالة السيادة، بعيد الهمّة عن همز كل هامز ورفيع القدر عن لمزِ كل لامز.
قال صعصعة بن صوحان في وصفه: كان فينا كأحدنا؛ لين جانب وشدّة تواضع، وكنا نها به مهابة الأسير المربوط للسيّاف الواقف على رأسه (3).
ولمّا قال معاوية لقيس بن سعد بن عبادة: رحم الله أبا الحسن فلقد كان هشّاً بشّاً ذا فكاهة، قال قيس : نعم كان رسول الله (صلّی الله علیه و آله) يمزح ويبسم (4) إلى أصحابه
ص: 117
وأراك تسير حسواً في ارتغاء (1)وتعيبه بذلك، أما والله لقد كان مع تلك الفكاهة والطلاقة أهيب من ذي لبدتين (2) قد مسّه الطوى، وتلك هيبة التقوى ليس كما يهابك طغام (3) أهل الشام (4).
إلى غير ذلك ممّا وصف به من الهيبة والوقار، روى ذلك ابن أبي الحديد وغيره من معتزلة وأشاعرة، فليس ممّا نسبه عمر إليه في شيء، ولكن بهت منه وزور وافتراء، والله وليّ الجزاء.
ودع ذا كلّه فإنّه ،فضل أليس في اعتذار عمر عن تقدمه وتقدم صاحبه على أمير المؤمنين في الخلافة بما ذكره من الأعذار بعد شهادته بأنها حقه وأنه أولى الناس بها دليل ظاهر على أنّه كان راداً لنص الرسول (صلّی الله علیه و آله) بالرأي، وذلك هو المقصد والمراد وهو المدعى الذي نحن بصدد إثباته، وفعل الرجل وقوله يثبتانه ، والله الهادي إلى الصواب .
قال ابن أبي الحديد بعد روايته الأخبار التي ذكرناها وغيرها ممّا أورده هناك المعنى: سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن محمّد بن أبي زيد وقد قرأت عليه هذه الأخبار فقلت له ما أراها إلا تكاد تكون دالّة على النص، ولكنى أستبعد أن تجتمع الصحابة على دفع نص رسول الله (صلّی الله علیه و آله) على شخص بعينه كما أستبعد من الصحابة ردّ نصّه على الكعبة وشهر رمضان وغيرهما من معالم الدين .
ص: 118
قال: فقال : أبيت إلا ميلاً إلى المعتزلة (1).
وذكر عن النقيب المذكور أجوبة طويلة في دفع استبعاده من الصحابة مخالفة الرسول (صلّی الله علیه و آله) وذكر أن ذلك خلاصة ما حفظه من كلام النقيب، ونحن نستخلص من تلك الخلاصة زبدة فنوردها، وحاصل ذلك أن القوم لم يذهبوا إلى أن الإمامة من معالم الدين كالصلاة والصيام والحج، وإنما كانوا يجرونها مجرى الأمور الدنيوية كتأمير الأمراء وسياسة الرعية وما كانوا يرون بأساً بمخالفة رسول الله (صلّی الله علیه و آله) في أمثال ذلك إذا رأوا مصلحة فى المخالفة، كما أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله) نصّ على إخراج أبي بكر وعمر في جيش أسامة فلم يخرجا لما رأياه من المصلحة في التأخير ، وأسقطوا سهم ذوي القربى من الخمس وسهم المؤلفة قلوبهم بالرأي، وهما أدخل فى باب الدين منهما من أبواب الدنيا.
وإنّ القوم كانوا يخالفون النبي (صلّی الله علیه و آله) وهو حيّ في أمثال ذلك ولقد أوصاهم في مرضه أن أخرجوا النصارى من جزيرة العرب فلم يخرجوهم حتّى مضى صدر من خلافة عمر وعملوا في زمن أبي بكر برأيهم وهم الذين هدموا المسجد بالمدينة، وحوّلوا المقام بمكّة عمّا وضعه فيه إبراهيم الخليل ونبينا (صلّی الله علیه و آله) إلى ما وضعته الجاهلية ، قلت : وكان المحوّل له عمر(2).
ولم يقفوا على موارد النصوص واقتدى بهم الفقهاء، فرجّح الكثير منهم القياس على النصّ فاستحالت الشريعة إلى شريعة جديدة على ما أدّى إليه القياس، وأكثر ما كانوا يعملون بآرائهم فيما يجري مجرى الولايات والتأمير
ص: 119
وتقرير قواعد الدولة، ولا يقفون مع نصوص الرسول (صلّی الله علیه و آله) وتدبيراته إذا رأوا المصلحة في خلافه كانّهم يقيّدون إطلاق نصوصه بقيد غير مذكور لفظاً، وليس ذلك يمكن لهم فيما هو جار مجرى محض الدين كالصلاة والوضوء، مثل أن يقول النبي (صلّی الله علیه و آله): الوضوء شرط في الصلاة فيجمعوا على خلافه، وكذا في الصوم والحجّ ، إذ لا غرض لهم فيه ولا يقدرون على إظهار مصلحة كانت خفيت على النبيّ (صلّی الله علیه و آله) بزعمهم.
كما أمكنهم إظهار ذلك في إمامة علي (علیه السّلام) من كراهية العرب له، إما للوتر والثأر، وإما لمحض الحسد والبغض، وإما لصغر السنّ وغير ذلك مما زعموه وأسكتوا به من يخاطبهم ويذاكرهم بنص الرسول (صلّی الله علیه و آله) عليه، وتعلّلوا مع إقرارهم بالنص في المبادرة إلى عقد الأمر لأبي بكر بخوف الفتنة ورجاء تداول الخلافة في بطون قريش، فلا يختص بها قوم دون قوم، إلى غير ذلك من الزخارف التي ذكروها.
وكان عمر جريّاً على مخالفة الرسول (صلّی الله علیه و آله) في زمانه كما خالفه في وقت مرضه لمّا أمر بإحضار الدواة وقال: «هلمّ أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعدي أبدا»ً، فقال : إنّه ليهجر حسبنا كتاب الله ، وإن الحاضرين افترقوا فصوّب رسول الله (صلّی الله علیه و آله) فريق. وصوّب عمر فريق (1) ، وهذا من أغرب الأمور.
فمن بلغت همته إلى مثل هذا كيف يبعد عليه ردّ نص النبي (صلّی الله علیه و آله) بعد موته على علي (علیه السّلام) بالخلافة ؟ ومن كان ينكر عليه ذلك ؟ مع أن ذاك أشد من مخالفة النصّ
ص: 120
في الخلافة وأفضع على أن الرجل ما أهمل نفسه بل أعد لذلك أعذاراً، وذلك أنه قال لقوم عرضوا له بحديث النص أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) رجع عن ذلك بأمره أبا بكر بالصلاة، وأوهمهم أن ذلك يجري مجرى النصّ عليه بالخلافة وقال يوم السقيفة: رضيك رسول الله لديننا أفلا نرضاك لدنيانا (1) ، وأعانه على مثل ذلك قوم افتعلوا كذباً كافتعاله وجعلوه كالناسخ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «من كنت مولاه فهذا علي مولاه»(2) فكان حال الصلاة والكعبة والصوم والحج غير حال الخلافة.
قال ابن أبي الحديد بعد سرد كلام النقيب جميعه: إنّ النقيب لم يكن إمامي المذهب ولا كان يبرأ من السلف ولا يرتضى قول المسرفين من الشيعة ولكنّه كلام أجراه على لسانه البحث والجدل بيني وبينه انتهى(3).
قلت: وأكثره وإن كان على قواعد القوم منطبقاً وإنه كلام من يحملهم على الخير ، لكنّه كافٍ في دفع الاستبعاد ، وافٍ بالمراد وإلا فالوجه في مثل هذا ما قدمناه من أن القوم كانوا يخالفون النبي (صلّی الله علیه و آله) فيما يحصل لهم فيه غرض دنيوي لأنهم طلبوا الدنيا دون محض الدين، وإقامتهم على دعوة الإسلام إنما هي الحصول الغرض الأعظم، وهى الرئاسة الكبرى.
فما كان يخرجهم فى ظاهر الحال عند عامة المسلمين من الإسلام كترك الصلاة وتغيير القبلة وأشباه ذلك لا يردّون نص الرسول (صلّی الله علیه و آله) عليه حفظاً لأنفسهم من أن ينسبوا إلى الردّة فترضخ رؤوسهم بالجندل أو يرجعوا أذناباً ويملكهم غيرهم إن وافقهم الناس على تغيير الشريعة .
ص: 121
وما لم يكن بهذه المنزلة من الأمور الدينية والدنيوية فكثيراً ما غيروه وبدلوه وأدخلوا فيه ما ليس منه كالوضوء، وما أدخلوه فيه من غسل الرجلين والمسح على الخفين وغير ذلك، وكما أسقطوا من الأذان ما أسقطوا، وزادوا فيه ما زادوا،وكتحريم المتعتين وتجويز صوم شهر رمضان للمسافر، وغير ذلك من الأحكام التي غيّروها فى أبواب العبادات والمعاملات والمواريث والسياسات مما يطول بذكره الكلام، ومن نظر كتب الفقه والحديث اطلع على ذلك.
ثمّ إنّ الأولين كانا بمكان مكين من البصيرة في الأمور الدنيوية فلازما مع ذلك كله ما يصلحهما عند العامة وواظبا على ما يوجب لهما صرف قلوب الخاصة فظلفا (1) أنفسهما عن الملاذ الظاهرية وعن الرغبة في المال وسلكا مسلك الزهد والقناعة، وأظهرا الخشوع والورع، وعمدا إلى من تقبل قوله العامة ومن ينتصرون به إن خاصمهم مخاصم في أمر الخلافة، فحملوهم على الرقاب وولوهم الولايات والأعمال، ووفروهم في العطاء، وحثوا لهم الأموال حثواً، وأغمضوا عنهم في الحدود، وأسقطوا عنهم عقوبات الجنايات بالمدافعة والرأي؛ فلذا أطيعا وبجلا في الحياة والممات ولم يكن الثالث كذلك، بل أراد أن يسلك مسلك الفراعنة مع ادعائه أنه في مقام النبي (صلّی الله علیه و آله) ، فجرى عليه ما جرى ، ولو أنهما فعلا مثل فعله لأصابهما مثل ما أصابه فليسا بأعز ناصراً منه، ولا أكثر نفراً، ولو فعل مثلما فعلا لنال من طاعة العامة ما نالا .
وأقول : واهاً لابن أبي الحديد وتعساً لرأيه إذ لم يفرّق بين أمر الخلافة وما يتعلق بها من الأغراض الدنيوية والشهوات النفسية، ولم يستلزم مخالفة
ص: 122
النصّ فيها الخروج عن الملّة عند جمهور الصحابة، بل تزيد تقوية في الدين عندهم وبين تغيير الكعبة وشهر رمضان الذي يوجب عند كافة المسلمين الارتداد والخروج من دين الإسلام، مع أنه لا يتعلق لهم به غرض ، ولا يوجب لهم صلاح أمر لو سلموا من الضرر إذا فعلوه.
ألا تراهم إذ أمنوا في تحويل المقام عن موضعه حوّلوه(1) فاستبعد منهم تغيير النصّ في الخلافة كما استبعد منهم تغيير الكعبة التي أهل الجاهلية كانوا يعظّمونها ويهدون الهدى إليها فضلاً عن المسلمين وشهر رمضان الذي هو عند أهل الإسلام بمنزلة الصلاة تارك صومه كافر، وأين هذا من ذاك ؟
وهل يرتاب لبيب في الفرق بين الأمرين أو يشك فطن في أنّ ما يتعلّق بالخلافة من الأغراض غير ما يتعلق بالكعبة وشهر رمضان.
ثم اترك ذا جانباً واقض عجباً من ابن أبي الحديد في تكذيبه إمامه حيث يقول : إنا ظلمنا عليّاً وغصبنا حقه لأنه صغير السن أو كذا مما ذكر، فيجيبه بأنّك كاذب في اعترافك بالظلم ومبطل فى إقرارك بالغصب أنا أستبعد منك ذلك كما أستبعد منك أن تترك الصلاة والصوم أو تصلّي لغير الكعبة فأعجب لقوم يقولون بإمامة رجل لا تصح إمامته عندهم إلا بتكذيبه لئلا يثبت إنّه ظالم فيخرج عن مرتبة الإمامة ، ولم يشعروا إنّه خرج عن تلك المرتبة بالكذب إذ حكموا به عليه، فسبحان الله ما أجهلهم وأقل معرفتهم وأنقص عقولهم.
وهذه الشبهة الضّئيلة المتهافتة هي أيضاً معتمد الأشاعرة في إنكار النصّ كما
ص: 123
هي معتمد المعتزلة، وفي بعض كلام القوشجي الذي نقلناه عنه سابقاً إليها إشارة بيّنة، وهذا معتمد ضعيف ومستند واهٍ، لأنّ الاستبعاد ليس دليلاً في نفسه، فكيف يعارض به الدليل القاطع بل يرّجح عليه.
ولو عارضنا بالاستبعاد والاستغراب الأدلة الشرعية لارتفع أكثر الشريعة لغرابته مثل الطواف والإحرام والسعي والهرولة ورمي الجمار، ولذا أنكره الزنادقة بأن الحكيم لا يأمر بمثل هذه الأفعال، والسجود في الصلاة والوضوء لها ، ولذا أنكرها المشركون لاشتمالها على السجود وفيه اعتلاء الاست على الرأس، وهو مستغرب، وغير ذلك مما يعرفه المتتبع مما لا يسع المقام ذكره ؛ فبطل ما اعتمدوا عليه في إنكار النص من الاستبعاد ،وثبت وجود النص من النبي(صلّی الله علیه و آله) على علي (علیه السّلام) بالإمامة صريحاً وإنّ الصحابة قد خالفوه ؛ وهو المراد، وهذا آخر الطريق الثاني .
ص: 124
وأما الطريق الثالث (1) وهو ظهور المعجز على يد علي (علیه السّلام) فمعروف مشهور ومعاجزه كثيرة:
فمنها : قلع باب خيبر وعجز عن حمله سبعون رجلا من الأقویاء (2).
ومنها: مخاطبة الثعبان على منبر الكوفة، فسأل عنه فقال : إنه من حكّام الجنّ أشكل عليه مسألة فأجبته عنها (3).
ومنها : رفع الصخرة العظيمة عن القُليب(4)، وذلك إنه لما توجه إلى صفّين مع أصحابه أصابهم عطش عظيم فأمرهم أن يحفروا بقرب دير فوجدوا صخرةً عظيمةً عجزوا عن نقلها، فنزل علي (علیه السّلام) فاقتلعها ورمى بها مسافة بعيدة، فظهر قليب فيه ماء فشربوا ثم أعادها، ولما رأى ذلك صاحب الدير أسلم(5).
ومنها: محاربة الجنّ، فقد روي أن جماعة من الجن أرادوا وقوع الضرر
ص: 125
بالنبي (صلّی الله علیه و آله) حين مسيره إلى بني المصطلق فحاربهم علي (علیه السّلام) وقتل منهم جماعة كثيرة (1).
ومنها: ردّ الشمس له لما كان رأس النبي (صلّی الله علیه و آله) فى حجره والوحي ينزل عليه وعلي لم يصل العصر، فما سرى عن النبي (صلّی الله علیه و آله) إلا وقد غربت الشمس ، فقال (صلّی الله علیه و آله): «اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس»، فطلعت الشمس بعد ما غربت فصلّى العصر (2).
قال في إسعاف الراغبين : وحديث ردّها صحّحه الطحاوي والقاضي في الشفاء وحسّنه شيخ الإسلام أبو زرعة وتبعه غيره، وردّوا على جمعٍ قالوا: إنّه موضوع، وزعم فوات الوقت بغروبها فلا فائدة لردّها في محل المنع لعود الوقت بعودها كما ذكره ابن العماد واعتمده غيره - إلى أن قال : - وعلى تسليم عدم عود الوقت نقول : كما أنّ ردّها خصوصية كذلك إدراك العصر أداء (3) خصوصيّة، انتهى (4).
أقول : واعترف بحديث ردّ الشمس ابن أبي الحديد حتى نظمه في أشعاره مدح أمير المؤمنين (علیه السّلام) (5)، واعترف به القوشجي وبجميع ما ذكرناه
ص: 126
وما نذكره من المعاجز(1).
وقول بعض العامّة : لو كانت الشمس طلعت بعد ما غابت لكان ذلك معلوماً لكلّ الناس (2) يشبه قول منكري انشقاق القمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه لو وقع لعلمه كل الناس (3)، وما يجيبون به عن هذا هو جوابنا عن ذاك.
ومنها: اقتلاعه هبل من أعلا الكعبة ورميه به إلى الأرض. قال ابن أبي الحديد وكان عظيماً جداً (4).
وكإخباره عن ملك بني أمية وأن له مدة يسيرة(1).
وعن ملك بني العبّاس (2) .
وإخباره جماعة من أصحابه بما يُصيب كل واحد منهم، وبأي قتلة يُقتل كعمرو ابن الحمق الخزاعي (3) وحجر بن عدي الكندي (4) ورشيد الهجري(5) وجويرية بن مسهر العبدي (6) وميثم التمار (7) ومزرع(8) و قنبر (9) وغيرهم.
وكإخباره عن الحجّاج وما يعمل في الكوفة (10).
وإخباره أنه يضرب عنق أعشى باهلة (11).
وإخباره عن خراب البصرة على يد الزنج وعن غرقها إلّا الجامع(12)، وعن واقعة الترك وسلامة أهل العراق منهم (13)، وعن القرامطة وأخذهم الحجر الأسود من
ص: 128
الكعبة (1)، وعن ملك بني بويه وأنه مائة سنة (2)، وغير ذلك من الملاحم والوقايع والحوادث المتفرّقة ممّا يطول تعدادها، وقد اشتملت كتب المناقب والسير والتواريخ عليه، واشتمل كلامه المجموع في نهج البلاغة على كثير منه.
ولنذكر طرفاً من الأخبار الواردة فى هذا الباب لنزيد بها شرف هذا الكتاب المحتوي على إثبات إمامة أهل بيت النبي الأنجاب، فنقول :
قال ابن أبي الحديد: ذكر المدايني في كتاب الخوارج قال : لما خرج علي (علیه السّلام) إلى أهل النهر أقبل رجل من أصحابه ممّن كان على مقدّمته يركض حتّى انتهى إلى علي (علیه السّلام) فقال : البشرى يا أمير المؤمنين. قال: «ما بشراك»؟
قال : إن القوم عبروا النهر لمّا بلغهم (3) وصولك فابشر فقد منحك (4) الله أكتافهم فقال له: «الله أنت رأيتهم قد عبروا» ؟ قال : نعم ، فأحلقه ثلاث مرات في كلّها يقول نعم.
فقال علي (علیه السّلام): «والله ما عبروه ولن يعبروه، وإن مصارعهم لدون النطفة، والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لن يبلغوا إلّا ثلاث، ولا قصر یوران(5) حتى يقتلهم الله وقد خاب من افترى».
قال: ثم أقبل فارس آخر يركض فقال كقول الأوّل، فلم يكترث علي (علیه السّلام) بقوله، وجاءت الفرسان تركض كلّها تقول مثل ذلك ، فقام علي فجال في متن فرسه.
ص: 129
قال : فيقول شاب من الناس والله لأكونن قريباً منه، فإن كانوا عبروا النهر لأجعلن سنان هذا الرمح في عينه، أيدعي علم الغيب.
فلمّا انتهى (علیه السّلام) إلى النهر وجد القوم قد كسروا جفون سيوفهم وعرقبوا خيلهم وجثوا على ركبهم، وحكّموا تحكيمة واحدة بصوت عظيم له زجل.
فنزل ذلك الشاب(1) فقال : يا أمير المؤمنين ، إنى كنت شككت فيك آنفاً ، وإنّى تائب إلى الله وإليك فاغفر لي، فقال علي (علیه السّلام): «إنّ الله هو الذي يغفر الذنوب فاستغفره» (2).
وقال المعتزلي وروى جميع أهل السيرة (3) أن علياً (علیه السّلام) لمّا طحن القوم طلب ذا الثَّدَيَّة طلباً شديداً ، وقلب القتلى ظهراً لبطن فلم يقدر عليه فساءه ذلك وجعل يقول : والله ما كذبت ولا كُذّبت، اطلبوا الرجل وإنّه لفى القوم ، فلم يزل يتطلبه حتّى وجده .
قال : وروى إبراهيم بن ديزيل فى كتاب صفّين عن الأعمش عن زيد بن وهب قال : لما شجرهم علي (علیه السّلام) بالرماح قال : اطلبوا ذا الثُّديَّة، فطلبوه طلباً شديداً حتّى وجدوه في وهدة (4) من الأرض تحت ناس من القتلى فأُتي به، فإذا رجل على ثديه مثل سبلات السنّور (5)، فكبّر علي (علیه السّلام) وكبّر الناس معه سروراً بذلك (6)
ص: 130
وروي في صفة استخراجه غير ذلك (1). روى العوام بن حوشب عن أبيه عن جدّه يزيد بن رويم قال : قال علي (علیه السّلام) : «يُقتل (2) اليوم أربعة آلاف من الخوارج ا: أحدهم ذو الثُّديّة فأتبعه»، فلمّا طحن القوم ورام استخراج ذي الثدية فأتبعه أمرني أن أقطع له أربعة آلاف قصبة وركب بغلة رسول الله (صلّی الله علیه و آله) وقال : «اطرح على كلّ قتيل منهم قصبة» ، فلم أزل كذلك وأنا بين يديه وهو راكب خلفي والناس يتبعونه حتى بقيت في يدي واحدة، فنظرت إليه فإذا وجهه اربد وإذا هو يقول: «والله ما كذبت ولا كذّبت»، فإذا خرير ماء عند موضع دالية (3)، فقال: «فتش هذا»، ففتّشته فإذا قتيل قد صار في الماء وإذا رجله في يدي فجذبتها وقلت هذه رجل إنسان فنزل عن البغلة مسرعاً فجذب الرجل الأخرى، وجررناه حتى صار على التراب فإذا هو المخدج ، فكبّر علي (علیه السّلام) بأعلى صوته ثم سجد ، فكبّر الناس كلّهم(4).
وروي أيضاً في استخراجه غير ذلك.
قال: وروى ابن هلال الثقفى فى كتاب الغارات عن زكريا بن يحيى العطّار عن فضيل، عن محمّد بن علي قال : قال : لمّا قال علي (علیه السّلام) سلوني قبل أن تفقدوني فوالله لا تسألوني (5) عن فئة تضل مائة وتهدي مائة إلا أنبأتكم بناعقها وسائقها» (6) ، فقام إليه رجل فقال : أخبرني كم (7) في رأسي ولحيتي من طاقة شعر،
ص: 131
فقال له علي (علیه السّلام) :«لقد حدّثني خليلي أن على كل طاقة شعر من رأسك ملكاً يلعنك وإنّ على كلّ طاقة شعر من لحيتك شيطاناً يغويك، وإن في بيتك سخلاً يقتل ابن رسول الله (صلّی الله علیه و آله)، وكان ابنه قاتل الحسين يومئذٍ طفلاً يحبو، وهو سنان بن أنس النخعي(1)).
وروى الحسن بن محبوب عن ثابت الثمالي (2)عن سويد بن غفلة أن علياً (علیه السّلام) خطب ذات يوم فقام رجل من تحت منبره فقال : يا أمير المؤمنين، إني مررت بوادي القُرى (3) فوجدت خالد بن عرفطة قد مات فاستغفر له، فقال : «والله ما مات ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة صاحب لوائه حبيب بن حمار»
فقام رجل آخر من تحت المنبر فقال يا أمير المؤمنين، أنا حبيب حبيب بن حمار وانّي لك شيعة ومحبّ.
فقال: «أنت حبيب بن حمار ؟ قال : نعم، فقال له ثانية : والله إنك لحبيب بن حمار» ؟ فقال : اي والله قال: «أما والله إنّك لحاملها ولتحملنّها ولتدخلن بها من هذا الباب» - وأشار إلى باب الفيل بمسجد الكوفة -.
قال ثابت: فوالله ما مِتُّ حتّى رأيت ابن زياد وقد بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن علي (علیهما السّلام) وجعل خالد بن عرفطة على مقدمته وحبيب بن حمار
ص: 132
صاحب رايته، فدخل بها من باب الفيل (1) .
وروى محمّد بن جبلة الخياط عن عكرمة عن زيد (2) الأحمسى أن علياً (علیه السّلام) كان جالساً في مسجد الكوفة بين (3) يديه قوم منهم عمرو بن حريث إذ أقبلت امرأة مختمرة لا تعرف، فوقفت فقالت لعلي (علیه السّلام): يا من قتل الرجال وسفك الدماء وأيتم الصبيان وأرمل النساء فقال (علیه السّلام): «وإنّها لهي هذه السلقلق الجلعة المجعة»(4)، وإنها لهى هذه شبيهة الرجال والنساء التى ما رأت دماً َقطّ .
قال : فولّت هاربة منكسة رأسها فتبعها عمرو بن حريث، فلمّا صارت بالرحبة (5) قال لها : والله لقد سررت بما كان منك اليوم إلى هذا الرجل فادخلي منزلى حتى أهب لك وأكسوك، فلما دخلت منزله أمر جواريه بتفتيشها وكشفها ، ونزع ثيابها لينظر صدقه فيما قاله عنها، فبكت وسألته أن لا يكشفها وقالت أنا والله كما قال لي ركب النساء (6) وانثيان كأنثيي الرجال، وما رأيت دماً قط ، فتركها وأخرجها ثمّ جاء إلى علي (علیه السّلام) فأخبره فقال : «إن خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني بالمتمردين عليّ من الرجال والمتمردات من النساء إلى أن تقوم الساعة»(7) .
ص: 133
وروى عثمان بن سعيد عن يحيى التيمي عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء قال : قام أعشى باهلة - وهو غلام يومئذ حدث - إلى علي (علیه السّلام) وهو يخطب ويذكر الملاحم فقال: يا أمير المؤمنين، ما أشبه هذا الحديث بحديث خرافة ! فقال (علیه السّلام) : «إن كنت آثماً فيما قلت يا غلام فرماك الله بغلام ثقيف»، ثم سكت.
فقام رجال وقالوا: ومن غلام ثقيف يا أمير المؤمنين ؟
قال: «غلام يملك بلدتكم هذه لا يترك الله حرمة إلا انتهكها ، يضرب عنق هذا الغلام بسيفه».
فقالوا : كم يملك يا أمير المؤمنين ؟
قال: «عشرين إن بلغها».
قالوا : فيقتل قتلاً أم يموت موتاً؟
قال: بل يموت حتف أنفه بداء البطن يثقب سريره لكثرة ما يخرج من جوفه».
قال إسماعيل بن رجاء: فوالله لقد رأيت بعيني أعشى باهلة وقد أحضر في جملة الأسرى الذين أسروا من جيش عبد الرحمان بن محمّد بن الأشعث بين يدي الحجاج فقرعه ووبّخه واستنشده شعره الذي يحرّض فيه عبد الرحمان على الحرب ثمّ ضرب عنقه في ذلك المجلس (1).
وروى محمّد بن علي الصوّاف عن الحسين بن سفيان ، عن أبيه ، عن شمير(2) سدير الأزدي قال : قال عليّ لعمرو بن الحمق الخزاعي: «أين نزلت يا عمرو ؟»
ص: 134
قال: في قومي قال: «لا تنزلنّ فيهم قال: فأنزل في بني كنانة جيراننا ؟ قال : «لا» قال : فأنزل في ثقيف ؟ قال : فما تصنع بالمعرة والمجرة، قال : وما هما؟
قال: «عنقان من نار يخرجان من ظهر الكوفة يأتي أحدهما على تميم وبكر بن وائل فقلما يفلت منه أحد، ويأتي العنق الآخر فيأخذ على الجانب الآخر من الكوفة فقل من يصيب منهم ، إنّما تدخل النار فتحرق(1) البيت والبيتين ».
قال : فأين أنزل ؟ قال : «أنزل في بني عمرو بن عامر من الأزد».
قال : فقال قوم قد حضروا هذا الكلام ما نراه إلا كاهناً يتحدث بحديث الكهنة.
فقال: «يا عمرو، إنّك لمقتول (2) بعدي وإن رأسك المنقول، وهو أول رأس نُقل (3) في الإسلام، والويل لقاتلك، أما إنك لا تنزل بقوم إلا أسلموك برمّتك إلا هذا الحي من بني عمرو بن عامر من الأزد، فإنّهم لن يسلموك ولن يخذلوك».
قال : فوالله ما مضت الأيام حتى تنقّل عمرو بن الحمق في خلافة معاوية في بعض أحياء العرب خائفاً مذعوراً حتى نزل في قومه من بني خزاعة فأسلموه فقتل، وحمل رأسه من العراق إلى معاوية بالشام، وهو أول رأس حمل في الإسلام من بلد إلى بلد(4).
وروى إبراهيم بن ميمون الأزدي عن حبّة العرني قال : كان جويرية بن مسهّر
ص: 135
العبدي صالحاً، وكان لعلي بن أبي طالب (علیه السّلام) صديقاً ، وكان علي يحبّه، ونظر يوماً إليه وهو يسير فناداه:«يا جويرية الحق بي فإنّي إذا رأيتك هويتك».
قال إسماعيل [بن ] أبان: فحدّثني الصباح عن مسلم [عن حبة ] العربي قال: سرنا مع علي (علیه السّلام) يوماً فالتفت فإذا جويريّة خلفه [ بعيداً ] فناداه: «يا جويرية، الحق بي لا أباً لك، ألا تعلم أنّى أهواك وأُحبّك»، قال : فركض نحوه، فقال له : «إنِّى محدّثك بأمور فاحفظها ثم اشتركا في الحديث سراً، فقال له جويرية : يا أمير المؤمنين ، إنّى رجل نسى (1).
فقال: «أنا أعيد عليك الحديث لتحفظه» ثم قال له في آخر ما حدّثه (2): «يا جويرية ، أحبّ (3)حبيبنا ما أحبّنا ، فإذا أبغضنا فأبغضه ، وأبغض بغيضنا ما أبغضنا فإذا أحبنا فأحبه».
قال: فكان ناس ممّن يشك في أمر علي (علیه السّلام) يقولون: أتراه جعل جويرية وصيّه كما يدعى هو من وصيّة رسول الله (صلّی الله علیه و آله) ؟ قال : يقولون ذلك لشدة اختصاصه به(4) حتى دخل على علي (علیه السّلام) يوماً وهو مضطجع وعنده قوم من أصحابه فناداه جويرية : أيها النائم استيقظ فلتضربن على رأسك ضربة تخضب منها لحيتك.
قال : فتبسم أمير المؤمنين (علیه السّلام) قال : «وأحدّثك يا جويرية بأمرك، أما والذي نفسي بيده لتقتلن(5) إلى العتلّ الزنيم فليقطعنّ يدك ورجلك وليصلّبنّك تحت جذع کافر»
ص: 136
قال : فوالله ما مضت الأيّام على ذلك حتى أخذ زياد جويرية فقطع يده ورجله وصلبه إلى جانب جذع ابن مكعبر، وكان جذعاً طويلاً فصلبه على جذع قصير إلى جانبه (1).
وروى إبراهيم في كتاب الغارات عن أحمد بن الحسن الميثمي قال : كان ميثم التمار مولى عليّ بن أبي طالب عبداً لامرأة من بني أسد فاشتراه علي (علیه السّلام) منها وأعتقه وقال له : «ما اسمك ؟» فقال : سالم فقال: «إنّ رسول الله (صلّی الله علیه و آله) أخبرني أنّ اسمك الذي سماك به أبوك في العجم ميثم».
فقال: صدق الله ورسوله وصدقت يا أمير المؤمنين فهو والله اسمى قال: «فارجع إلى اسمك ودع سالماً فنحن نكنيك به» فكناه أبا سالم .
قال: وقد كان قد أطلعه علي (علیه السّلام) على علم كثير وأسرار خفية من أسرار الوصية فكان ميثم يحدث ببعض ذلك فيشك فيه قوم من أهل الكوفة وينسبون علياً (علیه السّلام) فى ذلك إلى المخرفة (2) والإيهام والتدليس، حتّى قال له يوماً بمحضر من خلق كثير من أصحابه وفيهم الشاك والمخلص : «يا ميثم إنّك تُؤخذ بعدي وتصلب ،فإذا كان اليوم الثاني ابتدر مُنْخُراك وفمك دماً حتى تخضب لحيتك ، فإذا كان اليوم الثالث طعنت بحربة يقضى عليك فانتظر ذلك.
والموضع الذي تصلب على باب دار عمرو بن حريث، إنك لعاشر عشرة أنت أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة - يعني الأرض - ولا رینّك النخلة التي تصلب على جذعها»، ثم أراه إياها بعد ذلك بيومين.
ص: 137
وكان ميثم يأتيها فيصلّي عندها ويقول: بوركت من نخلة ،لك خلقت ولي نُبت، فلم يزل يتعاهدها بعد قتل علي (علیه السّلام) حتى قطعت فكان يرصد جذعها ويتعاهده ويتردّد إليه ويبصره، وكان يلقى عمرو بن حريث فيقول له: إنى مجاورك فأحسن جواري ، فلم (1) يعلم عمرو ما يريد، فيقول له: أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أم دار ابن حكيم ؟
قال : وحجّ في السنة التي قتل فيها فدخل على أُم سلمة رضي الله عنها فقالت له من أنت قال: عراقي ؟ فاستنسبته فذكر لها أنه مولى علي بن أبي طالب ، فقالت : أنت هيثم ؟
قال : بل أنا ميثم فقالت: سبحان الله والله لربما سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله) يوصي بك عليّاً (علیه السّلام) في جوف الليل، فسألها عن الحسين بن علي (علیهما السّلام) فقالت: هو في حائط (2) له قال أخبريه أنّى قد أحببت السلام عليه، ونحن ملتقون عند رب العالمين إن شاء الله ، ولا أقدر اليوم على لقائه وأريد الرجوع ، فدعت بطيب فطيبت لحيته، فقال لها : أما إنها ستخضب بدم .
فقالت: من أنبأك هذا؟ قال: أنبأني سيدي، فبكت أُم سلمة وقالت له : إنه ليس بسيدك وحدك وهو سيدي وسيّد المسلمين ثم ودّعته .
فقدم الكوفة فأخذ وأدخل على عبيد الله بن زياد وقيل له: هذا كان من آثر الناس عند أبي تراب .
قال : ويحكم هذا الأعجمي ؟
ص: 138
قالوا: نعم .
قال له عبيد الله : أين ربّك ؟
قال : بالمرصاد.
قال : قد بلغنى اختصاص أبى تراب لك.
قال : قد كان بعض ذلك، فما تريد ؟
قال : وإنه ليقال : إنّه قد أخبرك بما سيلقاك ؟
قال : نعم إنه أخبرني.
قال : ما الذي أخبرك أني صانع بك ؟
قال : أخبرني أنك تصلبني عاشر عشرة، وأنا أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة.
قال : لأُخالفنّه .
قال: ويحك كيف تخالفه ؟! إنّما أخبر عن رسول الله، وأخبر رسول الله عن جبرئيل، وأخبر جبرئيل عن الله، فكيف تخالف هؤلاء ؟! أما والله لقد عرفت الموضع الذي أصلب فيه أين هو من الكوفة، وإنّي لأوّل خلق الله ألجم في الإسلام بلجام كما تلجم(1) الخيل .
فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيدة الثقفي فقال ميثم للمختار وهما في حبس ابن زياد : إنك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين (علیه السّلام) فتقتل هذا الجبّار الذي نحن فى حبسه، وتطأ بقدمك هذا على جبهته وخدّيه فلمّا أمر (2) عبيد الله بن زياد
ص: 139
بالمختار ليقتله طلع البريد بكتاب يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بن زياد يأمره بتخلية سبيله، وذاك أنّ أخته كانت تحت عبد الله بن عمر بن الخطّاب فسألت بعلها أن يشفع فيه إلى يزيد فشفع فأمضى شفاعته، وكتب بتخلية سبيل المختار على البريد فوافي البريد وقد أخرج لتضرب عنقه فأُطلق.
وأما ميثم فأخرج بعده ليصلب، وقال عبيد الله : لأمضين حكم أبي تراب فيه، فلقيه رجل فقال له ما كان أغناك عن هذا يا ميثم! فتبسم وقال: لها خُلقت ولي عذیت(1)، فلما رفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حریث فقال عمرو: لقد كان يقول لي: إنّي مجاورك فكان يأمر جاريته كل عشيّة أن تكنس تحت خشبته وترشّه وتجمّر بالمجمر (2) تحته، فجعل ميثم يحدّث بفضائل بني هاشم و مخازي بني أمية، وهو مصلوب على الخشبة، فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد.
فقال: ألجموه [فاُلجم]، فكان أوّل خلق الله أُلجم في الإسلام.
فلمّا كان في اليوم الثاني فاضت منخراه وفمه دماً، فلما كان في اليوم الثالث طُعن بحربة فمات وكان قتل ميثم قبل قدوم الحسين (علیه السّلام) العراق بعشرة أيّام (3).
ص: 140
قال إبراهيم: وحدّثني إبراهيم بن العباس النهدي(1) قال : حدثني مبارك البجلي ، عن أبي بكر ابن عيّاش قال : حدّثني مجالد (2)، عن الشعبي ، عن زياد بن النصر الحارثي قال: كنت عند زياد وقد أتي برشيد الهجري، وكان من خواص أصحاب علي (علیه السّلام) ، فقال له :زياد ما قال خليلك لك إنا فاعلون بك ؟
قال : تقطعون يدي ورجلى وتصلبونني .
فقال زياد: أما والله لأكذبن حديثه، خلّوا سبيله فلما أراد أن يخرج قال : رُدّوه ، لا نجد شيئاً أصلح مما قال لك صاحبك ، إنك لا تزال تبغي لنا سوءاً إن بقيت، اقطعوا يديه ورجليه، فقطعوا يديه ورجليه وهو يتكلّم فقال: اصلبوه خنقاً في عنقه.
فقال رشيد : قد بقي لي عندكم شيء، ما أراكم فعلتموه.
فقال زياد اقطعوا لسانه، فلما أخرجوا لسانه ليقطع قال : نفّسوا عني أتكلم كلمة واحدة فنفّسوا عنه ، فقال : هذا والله تصديق خبر أمير المؤمنين (علیه السّلام). أخبرني بقطع لساني فقطعوا لسانه وصلبوه (3).
قال : حدّثني أبو العالية قال : حدّثني مزرع صاحب علي بن أبي طالب (علیه السّلام) أنّه قال : «ليقبل جيش حتى إذا كانوا بالبيداء حسف بهم».
قال أبو العالية : فقلت له : إنك لتحدّثنى بالغيب !
فقال: احفظ ما أقوله لك، فإنّما حدّثني به الثقة علي بن أبي طالب، وحدثني أيضاً شيئاً آخر ليؤخذنٌ رجل فليقتلنّ وليصلبنّ بين شرفتين(1) من شرف المسجد.
فقلت [له] : إنك لتحدّثنى بالغيب !
فقال : احفظ ما أقول لك .
قال أبو العالية : فوالله ما أتت علينا جمعة حتّى أخذ مزرع فقتل وصلب بين شرفتين من شرف المسجد (2).
وروى محمّد بن موسى العنزي قال : كان مالك بن ضمرة الرواسي من أصحاب علي (علیه السّلام) وممن استبطن من جهته علماً كثيراً، وكان أيضاً قد صحب أباذر فأخذ من علمه، وكان يقول في أيام بني أمية: «اللهم لا تجعلني أشقى الثلاثة»، فيقال له وما الثلاثة ؟ فيقول : «رجل يرمى من فوق طمار(3)، ورجل تقطع يداه ورجلاه ولسانه ويُصلب، ورجل يموت على فراشه»، فكان من الناس من يهزأ به ويقول: هذا من أكاذيب أبي تراب .
ص: 142
قال : وكان الذي رمي به من طمار هاني بن عروة، والذي قطع وصلب رشيد الهجري ، ومات مالك على فراشه(1).
وقال نصر بن مزاحم : حدّثني مصعب بن سلام (2) قال أبو حياّن التميمي (3)، عن أبي عبيدة (4)، عن هرثمة بن سليم قال: غزونا مع علي (علیه السّلام) صفّين فلمّا نزل بكربلا صلّى بنا ، فلمّا سلّم رفع إليه من تُربتها فشمّها ثم قال: «واها لك يا تربة (5)، ليحشرك منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب» .
قال : فلمّا رجع هرثمة من غزاته (6) إلى امرأته جرداء بنت سمين(7) ، وكانت من شيعة علي (علیه السّلام) حدّثها هرثمة فيما حدّث، فقال لها : ألا أعجبك من صديقك أبی حسن، [قال: ] لمّا نزلنا كربلا وقد أخذ حفنة عن تربها فشمّها وقال: واهاً لك أيتها التربة ليحشرن منك قوم يدخلون الجنّة بغير حساب، وما علمه بالغيب. فقالت المرأة له : دعنا منك أيها الرجل إن أمير المؤمنين لم يقل إلّا حقاً .
قال : فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين (علیه السّلام) كنت في
ص: 143
الخيل الذي بعث إليهم، فلما انتهيت إلى الحسين وأصحابه عرفت المنزل الذى نزلنا فيه مع علي (علیه السّلام) والبقعة التي رفع إليه من تربتها والقول الذي قاله فكرهت مسيري، فأقبلت على فرسى حتى وقفت على الحسين (علیه السّلام) فسلمت عليه وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل.
فقال الحسين (علیه السّلام): «أمعنا أم علينا» ؟ فقلت: يابن رسول الله، لا معك ولا عليك ، تركت ولدي وعيالي أخاف عليهم من ابن زياد.
فقال الحسين: «فولّ هرباً حتى لا ترى مقتلنا، فوالذي نفس حسين (1) بيده لا يرى اليوم مقتلنا أحد ثم لا يُعيننا إلّا دخل النار قال: فأقبلت في الأرض اشتدّ هرباً حتى خفي علي مقتلهم» (2).
قال نصر: وحدثنا سعيد بن حكيم العبسي عن الحسن بن كثير (3) عن أبيه : إنّ عليّاً (علیه السّلام) أتى كربلا فوقف بها، فقيل له: يا أمير المؤمنين، هذه كربلاء فقال: «ذات كرب وبلاء» ثم أوما بيده إلى مكان فقال: «هاهنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم»(4)، ثم أومأ بيده إلى مكان آخر فقال: «هاهنا مراق دمائهم »(5)، ثم مضى إلى ساباط(6)(7)
ص: 144
وروى قيس بن الربيع، عن يحيى بن هاني المرادي، عن رجل من قومه يقال له زياد بن فلان قال: كنّا في بيت مع علي (علیه السّلام) نحن وشيعته وخواصّه، فالتفت فلم ينكر منّا أحداً، فقال: «إنّ هؤلاء القوم سيظهرون عليكم فيقطعون أيديكم ويسملون(1) أعينكم» فقال له رجل منّا: وأنت حي يا أمير المؤمنين ؟
قال: «أعاذني الله من ذلك» فالتفت فإذا واحد يبكي، فقال له : « يابن الحمقاء ، أتريد اللذات في الدنيا والدرجات في الآخرة ؟! إنما وعد الله الصابرين»(2).
جميع ذلك ذكره ابن أبي الحديد في كتابه، وذكر غيره من هذا الباب أضعافه ، فلنقتصر على ما ذكرناه لحصول الغرض به، إذ لا منكر لهذا الأمر من مطلّعى الخصوم. وإذا كان علي (علیه السّلام) ادعى الإمامة وظهر المعجز على يديه وجب أن يكون إماماً لأنا قدمنا أن الإمامة تثبت بالمعجز كما تثبت به النبوة.
وأجاب القوشجي عن هذا بعد اعترافه بصحّته بأنا لا نسلم أنه ادعى الإمامة قبل أبي بكر، ولو سلم فلا نسلّم ظهور تلك الأمور في مقام التحدّي (3).
أقول: هذا الجواب تشبيه على الواضحات وتغطية للظاهرات، فإن ادعاء علي (علیه السّلام) الإمامة بعد النبي ا(صلّی الله علیه و آله) واحتجاجه على الصحابة وتظلّمه منهم، إذ منعوه عن الخلافة بيّن مشهور وظاهر غير مستور ،بل من متواترات الأمور، وقد سبق بيانه وسطع في كلامنا المتقدّم برهانه، وأشرقت شموسه وزهر تبيانه بحيث لا ينكره إلا جاهل جاحد أو متعصب معاند.
ص: 145
وأما معجزاته :
فمنها ما هو جار على سبيل الإرهاص (1) وهي التي في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وأكثرها واقع بعد دعواه الإمامة، فيكون مقروناً بالتحدّي، وكم كان يستدل على إمامته بذلك مثل قوله: «سلوني قبل أن تفقدوني» (2) ، وقوله وهو شابك يديه على بطنه : «هذا سفط العلم (3) ، هذا لعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم »(4) وقوله (علیه السّلام): «أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه» (5) وقوله ما مضمونه: إن الله تعالى قال في طالوت : ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ )(6) فأوجب له التقدمة عليهم بذلك، فهل ترون لمعاوية زيادة على(7) علي في العلم والجسم ؟ (8)
ويكفي في ذلك قوله لأبي بكر وأصحابه: «فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم ، أما كان منا القارئ لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، العالم بالسنّة، المطّلع (9) بأمر الرعيّة، والله إنّه لفينا »(10)، أفليس هذا القول منه
ص: 146
صريحاً في دعواه الإمامة دون كل الناس وفي تحديهم بالعلم وغيره ؟ لكن الإعراض عن الحق والانصراف عن الحجّة داء لا دواء له، والله المستعان على ما يصفون .
فظهر لك صحة ما قلناه واندفاع جوابه، وأنت أيها الناظر المنصف إذا تأمّلت فيما حرّرناه وتبصّرت فيما سطرناه تبيّن لكأنّ مذهب الإمامية هو الحق الذي يحق اتباعه قد أيدته بالآيات القرآنية ونصرته الأخبار النبوية، وعضدته الأدلة الاعتبارية،و ساعدته البراهين العقليّة، وما سواه فاسد لا يجوز التعويل عليه ولا الركون إليه، والحمد لله على هدايته إيانا للحق الواضح والطريق القويم وتوفيقه إيانا لنهج الصواب.
إن قال قائل : إنكم قد حكمتم بأن علياً (علیه السّلام) هو إمام الحق بعد النبي (صلّی الله علیه و آله) بنصه عليه وإنّ الصحابة قد ظلموه وردوا نص النبي (صلّی الله علیه و آله) عليه بغير حجّة ولا برهان وهذا عندكم رجوع على الأعقاب وخروج من الحق إلى الضلال، فما الذي منع أمير المؤمنين من قتلهم ،وقتالهم، مع أنه عندكم أشجع الخلق وغيركم أيضاً مقرّ بشجاعته وأنتم تقولون: لو قاتله أهل الأرض كلهم لغلبهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب ، فإذا حكمتم بضلال الصحابة لزمكم الحكم بخطأ علي (علیه السّلام) في ترك جهادهم وعدوله عن قتالهم كما فعل بالناكثين والقاسطين والمارقين أو الحكم بصحة ما فعله الصحابة.
قلنا له : لهذا السؤال وجوه متعدّدة من الأجوبة، كل منها كاف في دفعه وشاف في رفعه:
ص: 147
الأول : أن علياً (علیه السّلام) عندنا كما ذكرت من الشجاعة إلا أنه مع ذلك لا يمكنه الجهاد بنفسه ولا القتال بمفرده، وإن كان أقوى من جبرئيل وأشد بأساً من إسرافيل، وحيثما تفرض لأنه بشر مكلّف، وله شواغل من الضروريات البدنية كالنوم والأكل والشرب وغيرها مع احتياج مثل المأكل والملابس إلى الجلب من الأسواق، وله شواغل من لوازم التكليف كالصلاة والصوم وغيرهما.
ويشغله شأن عن شأن، والنوم والصلاة والأكل والشرب من الضروريات واللوازم الدائمة المستمرة على الإنسان لا يخلو منها (1) في اليوم والليلة أبداً.
فليس بمنكر من القوم لو قاتلهم بنفسه أن يفرّوا عنه في وقت تجرده بجلادهم (2) ، ولا يلاقوه في معركة النزال ويتربّصوا به ساعة شغله ووقت تلبسه بما يمنعه من مدافعة خصمه وكف عدوّه كالصلاة والنوم فينتهزوا فيه الفرصة ويدركوا من قتله الإرب، لعلمهم أنه واحد لا حارس له ولا ممانع عنه.
وقد علمت أن عبد الرحمان بن ملجم قتله في صلاته مع علوّ كلمته ، و استمداد سلطنته، وانقياد جيوش المسلمين إلى أمره، ووقوفهم على حدود طاعته، لاسيّما في مثل تلك الأيام من زمان خلافته، فإنّه اجتمعت إليه كلمة أصحابه واستقام له أودهم فجمع الجموع (3) وعقد الرايات ليسير بهم إلى حرب معاوية ولم تكن بسطة يده وكثرة جنده مانعة من قتله في وقت اشتغاله بصلاته.
فكيف وهو واحد متفرّد بنفسه، وليس ابن ملجم بأجرأ عليه من عمر وخالد
ص: 148
بن الوليد والوليد بن عقبة وطلحة وعمرو بن العاص وأسيد بن حضير وسالم مولى أبي حذيفة، وأضرابهم وأشباههم، ولا بأشجع من أحدهم، ولا أشدّ بعضاً لعلي (علیه السّلام) وحقداً عليه من واحد منهم، فلا امتناع من اقتحام بعض أصحاب أبي بكر من هؤلاء أو غيرهم أو جماعة منهم عليه وقت نومه أو صلاته فيقتل حينئد.
ولا مانع من أن ينازلوه أيضاً فتلاقيه منهم شرذمة وتأتي من ورائه طائفة وقوم عن يمينه وآخرون عن شماله فيبلغون فيه الغرض، وهو مشغول بجلاد الفرقة التي هي أمامه، وجائز أيضاً أن يلجأوا عند حملته عليهم إلى الدور ويغلقوا الأبواب فيرمونه من أعلا السطوح بالسهام والحجارة من كل الجوانب فيصيبوه قبل أن يصل إليهم، وكل هذا ممكن غير ممتنع ، وقريب غير بعيد، فعلى هذا يكون قتاله إيَّاهم منفرداً تغريراً بنفسه، وإلقاء بيده إلى التهلكة، وذلك غير جائز شرعاً.
ومن المعلوم المقرّر عند أهل العلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واسترجاع المظلمة من الظالم يسقط وجوبه عند حصول الظن القوي بوصول الضرر إلى النفس ، فكيف مع تيقّنه، فلذلك لم يجز لأمير المؤمنين (علیه السّلام) أن يقاتل القوم وهو واحد، بل الواجب عليه الكف حتى يحصل التمكن، ففعل ما وجب عليه .
الثاني: أنّا وإن قلنا في علي (علیه السّلام) من الشجاعة ما قلنا، إلّا أنه لم يقل منا أحد بأنه أقوى بأساً من رسول الله (صلّی الله علیه و آله) ولا أمضى منه عزيمة في إنفاذ أمر الله، وقد علمت أن النبي (صلّی الله علیه و آله) قد بقي في مكة ثلاث عشرة سنة من بعد المبعث، وهو يؤذى ويشتم ويكذَّب، ويُرتكب معه (1) القبيح ، ويُطلب قتله مع وجود جماعة عنده قد اتبعوه،
ص: 149
ومنهم علي (علیه السّلام) لكن لا يقومون بقتال ،أعدائه، فلم يكلّفه الله بجهاد ولا أمره بقتال ، بل أمره بالكفّ، وذمّ من أراد فتح باب الحرب هناك من أصحابه بقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تولوا ... )(1) الآية .
فلمّا وجد الأعوان وحصل الناصر بعد الهجرة أمره الله بقتالهم ؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة لأمير المؤمنين (علیه السّلام) لا يجب عليه الكف عند عدم الناصر والجهاد في طلب حقه عند وجود المعاون، ولم يكن الله ليكلّفه بما لم يكلف به النبي صلى الله عليه وسلم فيوجب عليه القتال بنفسه منفرداً ، ولو جاز ذلك لوجب أن يكون أفضل من النبي (صلّی الله علیه و آله) لأنّ شدة المشقة في التكليف توجب زيادة الثواب وهذا باطل عندنا واعتقاده كفر صريح.
بل المحقق أن النبي (صلّی الله علیه و آله) أفضل المخلوقات، وأن تكليفه أشد مشقّة من تكليف عليّ، كوجوب المجاهرة بالحق ورفع التقية، ووجوب صلاة الليل عليه وغير ذلك من خصائصه المذكورة في كتب الفقه، ولقد قال علي (علیه السّلام) : «إنما أنا عبد لمحمد» لما قال له يهودي : أنبي أنت ؟(2)
و علي (علیه السّلام) لم يقعد عمّا (3) وجب عليه فإنه طلب الناصر على ظالميه ، واستصرخ الناس للمعونة على غاصبيه - كما صحّ باتفاق النقل من طريق الرواية -. فلما لم يجد معيناً يُعينه ، ولم يظفر بمساعد يساعده كفّ متأسّفاً وأغضى حزيناً، ألا تراه كيف يقول: «فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي فضننت بهم عن
ص: 150
الموت، وأغضيت على القذى، وشربت على الشجي» (1).
وأقواله في هذا المعنى كثيرة قد تقدّم جملة منها ، فلم يزل كافاً ، وهو يتجرّع الغيظ والغصص كما كف النبي (صلّی الله علیه و آله) عن قتال أهل مكة قبل الهجرة إلى أن وجد الأعوان على الحق بعد قتل عثمان ، فبادر إلى قتال من أراد إحياء الضلال واتخاذ دين الله عوجاً مشمّر الذيل، ماضي العزيمة، كادحاً نفسه في إعلاء كلمة الله ، باذلاً جهده في إقامة عمود الدين مستفرغاً وسعه في إزالة الفساد من الأرض.
ألا تسمع قوله : «والله لا أكون كالضبع تنام على طول اللّدم (2) حتى يصل إليها طالبها، ويختلها راصدها، ولكنّي أضرب بالمقبل إلى الحق المدبر عنه، وبالسامع المطيع العاصي المريب أبداً حتى يأتي علي يومي» (3) ، فكفّه أولاً ليس إلا لعدم وجود الناصر، وقتاله أخيراً لم يكن إلا لوجود المعين ، وما كان كفه عن قتال الأولين تصويباً لهم فيما ارتكبوه ولا تصحيحاً لما فعلوه .
ومما يوضّح هذا المعنى ويؤكده أنّ علياً (علیه السّلام)مع مضي عزيمته وإجماعه على قتال معاوية كفّ عن قتاله بعد رفع المصاحف في صفّين، مع علمه وتصريحه لصحبه أن معاوية وأهل الشام لم يريدوا حكمها، وإنّما رفعوها خديعة، وذلك لمخالفة جماعة كثيرة من أصحابه أمره بالمضي في الجهاد وطلبهم الموادعة وميلهم إلى المحاكمة (4).
ص: 151
وما ذاك إلا لأنّ من بقي على طاعته من أصحابه لا يقوم في ذلك الوقت بقتال الخارجين منهم عن الطاعة وقتال أهل الشام ، ثمّ كفه بعد تحكيم الحكمين عن قتال معاوية ومعاوية يغزو أطرافه ويشنّ الغارات على أعماله ويتغلب على بعض بلاده كمصر وغيرها لم يكن عدولاً عن نيته في قتاله، ولا رجوعاً عن إيثار قتاله، ولا تردّداً في عزمه المصمّم على حريه ، ولكن لانتكات عزم أصحابه وتكاسلهم عن إجابته وتثاقلهم عن الخروج معه إلى حرب معاوية، لأنه كان يحثهم على النصوص، ويوبخهم على القعود عن الجهاد، ويقرعهم أشدّ التقريع كقوله لهم : «يا أشباه الرجال ولستم بالرجال»(1).
وقوله : «وددت أن أصارف بكم معاوية أهل الشام مصارفة الدينار بالدرهم العشرة بواحد» (2) ، وقوله (علیه السّلام): «إذا دعوتكم إلى الجهاد في الصيف قلتم يمنعنا الحرّ، وإذا دعوتكم في الشتاء قلتم يمنعنا القرّ، فإذا كنتم من الحر والقر تفرّون فأنتم من السيف أفرّ وأفر» (3).
وغير ذلك من شديد أقواله فيهم إلى أن أجابوه وأصفقوا إصفاقاً واحداً على طاعته فعقد (4)الرايات وصمم العزم على مناهضة معاوية بعد شهر رمضان فاغتاله ابن ملجم فتفرق الجمع وتشتت الكلمة، والله أمر هو بالغه فما حاله في أمره
ص: 152
الأول والآخر إلا واحدة يجاهد الظلمة عند وجود الناصر ويكف عنهم عند عدمه لا فرق بين حاليه.
ولقد كشف عن هذا المعنى قوله فى خطبته الشقشقية: «أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة (1) لو لا حضور الحاضر (2) وقيام الحجّة بوجود الناصر(3)، وما أخذ الله على العلماء ألا يقارّوا على كفّة ظالم ولا سغب مظلوم (4) لألقيت حبلها على غاربها(5)، ولسقيت آخرها بكأس أولها» (6).
يقول : لولا قيام الحجة علي من الله بوجود الناصر على إقامة الحق، وأنّي مكلّف بها عند القدرة لتركت قتال الناكثين والقاسطين والمارقين كما تركت جهاد أئمتهم السابقين.
الثالث: أن علياً (علیه السّلام) وإن كان على ما هو عليه من الشجاعة، لكن لم يكن عليه القتال مفروضاً بعد موت النبي (صلّی الله علیه و آله) إلا وهو أمير متبع ورئيس مطاع، ولم يجز أن يكلف بالقتال منفرداً، والسرّ في ذلك أنه لو قاتل وحده لكان السامع بأمره من الناس يجريه مجرى اللص المحارب أو المفسد المشاغب(7)، ولم يكن أحد
ص: 153
يتوهم أنه مصيب في فعله، ولا يذهب ذاهب إلى رشده في علمه مع اتفاق الصحابة على التقاعد عن نصرته وخلود جملتهم إلى خذلانه .
ولم يكن الله ليكلف وصي نبيه بما تتسرع (1) العقول لأجله إلى الحكم بخطائه، وتعجل الأفهام بسببه إلى نسبته لارتكاب ما لا يحل له، بخلاف ما إذا نهض لجهاد القوم ومعه جماعة معروفون بالخير والصلاح من خيار الصحابة يمنعون حوزته ويجالدون بين يديه، فإنّ العقول تتسرع إلى اعتقاد إصابته الحق لقيام أولئك الرهط الأخيار دونه ، وبذلهم الجهد في طاعته وقتال مخالفه، وينضاف إلى ذلك ما يعلمونه من قربه من الرسول (صلّی الله علیه و آله) ، وما طرق آذانهم من أقواله الجميلة فيه.
فينشط إلى نصرته من يطلب الحق ويدنو من إجابته من يُحب الصدق، وأقل الأمور أن يكون الناس بين مصوّب ،له ومخط، وواقف متردّد بين الأمرين إلا أن الأكثر يكونون على تصويبه كما جرى له في أيام خلافته، ليسرع إلى نصرته من صوبه، ويقف عن قتاله من تردّد في أمره.
و هو (علیه السّلام) طلب الناصر والمعين من ذوي السابقة، فما أجابه إلا أربعة أو خمسة مما لا تحصل بهم الكفاية، ويُقتلون في أوّل المنازلة، فكان يقول: «لو وجدت أربعين ذوي عزم لناهضت القوم (2) وهذا هو السرّ في عدم إصغائه إلى قول أبي سفيان بن حرب، إذ عرض عليه نصرته لعلمه بأن الغرض لا يحصل بمثله .
وهذه الوجوه الثلاثة من جملة الأسرار التي لأجلها أوصاه النبي (صلّی الله علیه و آله) بالكفّ والصبر حتى يجد أربعين رجلاً فصاعداً (3) لا أقل من الأربعين، وتخصيص الأقل
ص: 154
بالأربعين من الأسرار الغيبية لم أجد إلى معرفتها سبيلاً إلا بالظن والتخمين، فعلمه مردود إلى أهله.
فليس أمير المؤمنين (علیه السّلام) إذ لم يقاتل القوم بنفسه حين لم يجد الناصر مصوّباً لهم ولا مرتكباً للمحظور بترك الإنكار، لما بيّناه من لزوم القيح في تكليفه بالقتال منفرداً ، فكان الواجب عليه إذ ذاك أن يصبر ويكفّ ، ففعل ما وجب عليه كما هو شأنه.
الرابع : أنه (علیه السّلام) خاف من قتالهم بنفسه انمحاء دعوة الإسلام وارتداد العرب وذلك أن الناس حديثو عهد بجاهلية، ولم يرسخ الإسلام في قلوبهم، على أن أكثرهم إنّما أسلموا كرهاً، وإنهم إذ جاءهم خبر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أظهر قوم الفرح وارتدّوا، وآخرون انتظروا حال أهل المدينة من الصحابة، هل يكون فيهم بعد النبي (صلّی الله علیه و آله) من يقوم بهذه الدعوة ويكون مطاعاً متبوعاً أم لا؟ فإن لم يصر أحد بهذه المثابة ارتدوا ظاهراً، والأقلّ منهم من هو متمسك بالإسلام بنية صحيحة، إلا أن دوامها لا يكون إلا باستمرار الدين عند أصحاب النبي(صلّی الله علیه و آله).
ولا شك أن الجماعة الذين توثّبوا على أخذ حقّ أمير المؤمنين(علیه السلام) قد صحّت عزائمهم في قتاله إن نازعهم في الأمر ولم يسالمهم ، فيلزم حينئذ من قتالهم بنفسه إما قتله (علیه السّلام) كما وجّهناه فى أوّل الوجوه، أو أن يبيدهم من جديد الأرض فتجد العرب إلى ارتدادها سبيلاً وتتخذ هذا الأمر على بطلان هذا الدين حجة ودليلاً، ويعود الأمر إلى الجاهلية الأولى، ويفسد ما أصلحه النبي (صلّی الله علیه و آله)، وينهدم ما بناه في ثلاث وعشرين سنة في ساعة واحدة.
وقد دلّ على ذلك ما رواه ابن أبى الحديد من أن فاطمة (علیها السّلام) حرّضت أمير المؤمنين (علیه السّلام) يوماً على النهوض والوثوب فسمع صوت المؤذن «أشهد أن
ص: 155
محمداً رسول الله (صلّی الله علیه و آله)، فقال لها: «أيسرك زوال هذا النداء من الأرض؟ قالت: لا. قال : فإنّه ما أقول لك»(1).
وقد ذكر(علیه السّلام) ذلك كثيراً واعتذر عن تركه مناهضة القوم بخوف أن تقع ثلمة في الإسلام لا تلتأم في حملة من خطبه وكلماته كما هو مذكور في نهج البلاغة وغيره، ويكفي من ذلك هنا قوله في الخطبة التي رواها أبو الحسن المدايني عن عبد الله بن جنادة وهو: « أمّا بعد فإنّه لما قبض الله نبيه (صلّی الله علیه و آله) قلنا : نحن أهله وورثته وعترته وأولياؤه دون الناس لا ينازعنا سلطانه أحد ، ولا يطمع في حقنا طامع ، إذ انبرى (2) لنا قومنا فعصبونا سلطان نبيّنا (صلّی الله علیه و آله) فصارت الإمرة لغيرنا ، وصرنا سوقة (3)يطمع فينا الضعيف، ويتعزّز علينا الذليل، فبكت الأعين منا لذلك، وخشنت الصدور وجزعت النفوس وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين وأن يعود الكفر ويبور الدين لكنا على غير ما كنا لهم » الخطبة(4).
وفى أُخرى رواها الكلبي: «إنَّ الله لما قبض نبيّه (صلّی الله علیه و آله) استأثرت علينا قريش بالأمر ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة، فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين وسفك دمائهم، والناس حديثو عهد بالإسلام ، والدين يمخض مخض الوطب (5) يفسده أدنى وهن يعكسه أقل خلق» الخطبة (6).
ص: 156
ذكرهما جميعاً ابن أبي الحديد في شرحه ،وهما صريحتان فيما نقول من اغتصاب القوم حقه وميراثه، وإنه ترك قتالهم حذراً من زوال كلمة الإسلام، وعود الأمر إلى إنكار الربوبية والرسالة.
ومن المتيقن أن إنكار الإمام مع الإقرار بالله وبالنبي صلى الله عليه وسلم وإن أوجب الضلال إلّا أنه أقل قبحاً وأهون ضرراً من إنكار الجميع فهو قد ترك قتالهم ارتكاباً لأقل الضررين في الدين كما هو الواجب فيما إذا تعارض الضرران أن يرتكب أقلهما قبحاً؛ فأمير المؤمنين فعل ما هو تكليفه في ذلك الوقت بخلاف حاله في زمان خلافته فإنه ليس هناك إلا إنكار الإمام، والضرر الأعظم مأمون من وقوعه، فقاتل لرفع ذلك الضرر عن الدين.
وهذا كله بخلاف ما لو وجد في أول الأمر أعواناً وأنصاراً، فإن كثيراً من الناس إذا رأوا انتصاره ينحازون إليه ويكثرون عنده، لأنّ الناس مع الظاهر الغالب ومن في نفسه شك أو ريبة تزول فتبقى الدعوة قائمة مستمرة، ومن ارتد من العرب بعث إليه من يقاتله من جنود المسلمين فيستقيم أمر الملة، ولا يحصل الضرر بزوال كلمة الإسلام ، لكنّه لم يجد الأنصار إذ طلبهم فكف وسكت حذراً من لزوم ذلك اللازم الأعظم ضرراً على الدين .
الخامس: ما روي عن سيدنا أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (علیهما السّلام) من طرقنا حين سُئل: ألم يكن علي (علیه السّلام) قويّاً في بدنه قوياً في أمر الله ؟ فقال : «بلى»، قيل: ما منعه أن يدفع أو يمتنع ؟ قال: «سألتَ فافهم الجواب: منع عليّاً (علیه السّلام) من ذلك آية من كتاب الله».
ص: 157
فقيل : وأية آية ؟ فقراً : « لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبنا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً )(1) الآية ، إنه كان الله تعالى ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين، فلم يكن علي (علیه السّلام) ليقتل الآباء حتى تخرج الودائع ، فلمّا خرجت ظهر على من ظهر وقتله، وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبداً حتى تخرج ودائع الله ، فإذا خرجت يظهر على من يظهر فيقتله» (2).
وفي هذا إشارة صريحة إلى أن عناية الله تعالى بإخراج المؤمن من حيّز العدم إلى عالم الوجود التكليفي أشدّ من عنايته بقتل الكافر وإزالة كفره، كما أنّ عنايته بحفظ المؤمن وحقن دمه أشدّ من عنايته بقتل الكافر، ولذا كفّ الله أيدى المسلمين من أصحاب النبي (صلّی الله علیه و آله) عن قتال أهل مكة وأمره بالصلح لوجود رجال(3) مؤمنين ونساء مؤمنات قد أخفوا إيمانهم فلم يتميّزوا من الكفّار، فلو كان ثم قتال لقتلوا وأصاب السبي النساء، فكان كلاية (4)المؤمنين والمؤمنات عن القتل والسبي أثر عند الله تعالى من قتل الكافرين وسبي الكافرات ، فقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ )(5) إلى قوله : ( وَلَوْلاً رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتَصِيبَكُم مِنْهُم مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَبُّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوْا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً)(6)
ص: 158
وإذا جاز للنبي (صلّی الله علیه و آله) ترك قتال الكفار لحفظ دم بعض المؤمنين وصيانة بعض المؤمنات عن السبي فأولى بأن يجوز لعلي (علیه السّلام) ترك قتل الضلال الخروج تلك الذرية المؤمنين من أصلابهم، وهكذا لم تزل أفعاله (علیه السّلام) تابعة لأفعال رسول الله فى كل الأحوال، وهذا بحمد الله ظاهر بيّن.
فزال بهذه الوجوه الإشكال، وسقط السؤال، وذهب الاعضال، وتبيّن صدق مقالنا وحقيّة مذهبنا، وسلامة طريقتنا من التعسّف والميل عن الصواب ،والانحراف عن الصراط، وذلك بنعمة الله وفضله.
أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) أمر أبا بكر بالصلاة ، وذلك من ثلاث جهات:
الأولى: ما أشرنا إليه في مطاوي هذا الكتاب من إنكار أمير المؤمنين (علیه السّلام) ذلك، ونسبته صدور الأمر بالصلاة إلى عائشة من تلقاء نفسها من غير رضا من النبي (صلّی الله علیه و آله) وقد روى الخصم عن جملة من أصحابه ذلك عن أمير المؤمنين وصحّحوه عنه ورووا عنه أيضاً أنّ قول رسول الله (صلّی الله علیه و آله)«إنكن كصويحبات يوسف» في عائشة وحفصة حيث أمرت كل واحدة منهما بلالاً أن يأمر أباها أن يصلي بالناس (1)، یعنی أن صويحبات يوسف كذبن عليه في رميهّن له بإرادة الفاحشة، وإنّ المرأتين كذبتا على رسول الله (صلّی الله علیه و آله) في تأثير أبويهما بالصلاة.
فإذا صح عندهم النقل بهذا كله عن أمير المؤمنين (علیه السّلام) كما هو عندنا وجب أن تكون دعوى أمر رسول الله (صلّی الله علیه و آله) أبا بكر بالصلاة كاذبة ، لأنّ علياً (علیه السّلام) ينكرها، وهو
ص: 159
لا ينكر حقاً ولا يكذب صدقاً ، لأنه مع الحق دائماً بنص الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينكر ذلك ولا يرتاب فيه إلا من ليس بمؤمن ولا مسلم ، وحيث أن علياً أنكر صدور الأمر من رسول الله (صلّی الله علیه و آله) لأبي بكر بالصلاة وجب أن يكون غير صادر ولا واقع، وصح أن مدّعيه مبطل.
الثانية : إنّهم اتفقوا على أن أبا بكر وعمر وأبا عبيدة كانوا في بعث أسامة إلا ما كان من شاء متعصب منهم لا يُعبأ به ، وقد اتفقت رواياتهم على أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) قد حتّهم على المسير ونهاهم عن التأخير كما قدمنا رواية ذلك (1)، وهذا يدل على عدم جواز الأمر من النبي (صلّی الله علیه و آله) لأبي بكر بالصلاة ، وذلك أن أمر الحاضرين بالصلاة خلف رجل يقتضي يقيناً كونه حاضر البلد متمكناً شرعاً وعقلاً من حضور المسجد غير ممنوع بشيء من الموانع وليس يجوز ولا يعقل أن يأمر الحاضرين(2) بالصلاة خلف رجل غير حاضر البلد ، ولا متمكن من الحضور حالة الأمر في المسجد ، لأنه قد وجب عليه السفر شرعاً فهو ممنوع من حضور المسجد، فلو ترك الرحيل وحضر البلد لكان عاصياً آثماً .
وإذا كان النبي (صلّی الله علیه و آله) قد أمر أبا بكر بالنفوذ كغيره في جيش أسامة ونهاهم عن تأخير المسير وحتّهم على تعجيل الرحيل ولعن المتخلف من المأمورين عن الجيش وعلم أنّهم خرجوا من المدينة فكيف يجوز أن يصدر منه الأمر بصلاة
ص: 160
حاضري البلد خلف ذلك الرحيل (1)المسافر الذي أوجب عليه في تلك الحالة مفارقة البلد والبعد عنها ؟
وأي عاقل يخفى عليه التناقض الشديد والتمانع البعيد بين الأمرين ؟ وأي فطن يجوز صدور مثل هذا التناقض من عاقل، فكيف يصدر عن سيّد المرسلين وأفضل المخلوقين حيث يقول لحاضري المدينة : صلوا في مسجدي خلف فلان الذي أوجبت عليه المسير حالة الصلاة إلى الشام ونهيته عن اللبث في المدينة، ولعنته إن تأخّر؟ أو يقول للرجل الذي هذا حاله أحضر وقت الصلاة في المسجد وصل بالناس وقد حرّمت عليك في ذلك الوقت دخول المدينة وعليك لعنة الله إن لبثت فيها وقتاً ما وقعدت عن الوجه الذي أمرتك بالمسير إليه ؟
مضافاً إلى أن رواياتهم مصرحة بأن أبا بكر وعمر كانا خارج المدينة في الوقت الذي ادعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر بالصلاة فيه، ففي الرواية التي قدمناها بعد قول النبى (صلّی الله علیه و آله) «تفّذوا بعث أسامة لعن الله من تخلف عنه» ويكرر ذلك، ما نصّه : خرج أسامة واللواء على رأسه والصحابة بين يديه حتى إذا كان بالجرف (2) نزل ومعه أبو بكر وعمر وأكثر المهاجرين، ومن الأنصار أُسيد بن حضير وبشير بن سعد وغيرهم من الوجوه، فجاءه رسول أُم أيمن يقول له : أدخل فإنّ رسول الله (صلّی الله علیه و آله) يموت، فقام من فوره فدخل المدينة واللواء معه، فجاء به حتّى ركزه بباب رسول الله (صلّی الله علیه و آله) و رسول الله قد مات فى تلك الساعة، فما كان أبو بكر وعمر يخاطبان أسامة إلى أن ماتا إلا بالأمير (3).
ص: 161
وفي رواية أخرى رواها ابن أبي الحديد أيضاً، وفيها بعد ذكر طعن القوم على النبي صلى الله عليه وسلم في تأمير أسامة على جلّة الصحابة وخروج النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن بلغه ذلك عنهم وخطبته فيهم وما قال فيها : «لئن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في تأميري أباه من قبله»(1) في كلام مرّ في أبحاث هذا الكتاب ما هذا لفظه : وجاء المسلمون يودعون رسول الله (صلّی الله علیه و آله) ويمضون إلى عسكر أسامة بالجرف وثقل رسول الله (2) واشتدّ ما يجده ، فأرسل بعض نسائه إلى أسامة وبعض من كان معه يعلمونهم ذلك فدخل أسامة من معسكره والنبي (صلّی الله علیه و آله) مغمور، وهو اليوم الذي لدّوه (3) فيه، فتطأطأ أسامة عليه فقبّله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد أسكت فهو لا يتكلم، فجعل يرفع يديه إلى السماء ويضعهما على أسامة كالداعي له، ثمّ أشار إليه بالرجوع إلى عسكره والتوجه لما بعثه فيه.
فرجع أسامة إلى عسكره ثم أرسل نساء رسول الله ا(صلّی الله علیه و آله) إلى أسامة يأمرنه بالدخول، ويقلن إن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) قد أصبح بارئاً، فدخل أسامة من معسكره يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول فوجد رسول الله (صلّی الله علیه و آله) مفيقاً، فأمره بالخروج وتعجيل النفوذ ، وقال : «اغد على بركة الله»، وجعل يقول: «انفذوا بعث أسامة» ، ويكرّر ذلك ، فودع رسول الله وخرج ومعه أبو بكر وعمر ، فلما ركب جاء رسول أُمّ أيمن فقال : إن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) يموت، فأقبل ومعه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، فانتهوا إلى رسول الله (صلّی الله علیه و آله) حين زالت الشمس من هذا اليوم، وهو [يوم ]
ص: 162
الاثنين، وقد مات واللواء مع بريدة بن الحصيب، فدخل باللواء فركزه عند باب رسول الله (صلّی الله علیه و آله) وهو مغلق، وعلى (علیه السلام) وبعض بني هاشم مشتغلون بإعداد جهازه(1).
وذكر في آخر الخبر إقعاد الأنصار سعداً في السقيفة للبيعة، وسبق أبي بكر إياهم بها، وهذان الخبران مشهوران معلومان خصوصاً عند الخصوم(2)، وهما كما ترى مصرّحان بأن أبا بكر قبل أن يثقل مرض النبي (صلّی الله علیه و آله) وفي حال ثقله وحال موته كان خارج المدينة، وإنه لا يدخل إلا أحياناً مع أسامة بن زيد ويخرج معه، فكيف يأمره النبي (صلّی الله علیه و آله) أن يصلي بالناس في المسجد وهو قد أمره أن يأتم بأسامة خارج المدينة وفي الطريق التي أمرهم بسلوكها ذاهباً وإياباً، أفيأمره بذا في حالة أمره بأن يوم الناس في المسجد ؟ وهل يسع أن يقع مثل هذا التضاد والتعائد في أوامر النبي الحكيم مع استلزامه تكليف ما لا يطاق ؟
وكلّ ذلك لا يجري على مذهب المعتزلة، ولا يتمشّى على قواعدهم، وهذا يدل صريحاً على بطلان ما ادّعاه ابن أبي الحديد من أن أبا بكر كان يصلي بالناس في مسجد النبي (صلّی الله علیه و آله) والنبي (صلّی الله علیه و آله) مريض يومين حتى قبض (صلّی الله علیه و آله) ولم يكن صلى صلاة واحدة فقط (3)، ولا أدري متى صدر الأمر من النبي (صلّی الله علیه و آله) لأبي بكر بالصلاة في مسجده عند هؤلاء القوم مع تصحيحهم لمثل هذه الأخبار الناصّة على أنه وقت الأمر المدعى غير حاضر المسجد، ولا هو داخل المدينة، وإنما هو خارج منها ونازل بالجرف ، ملزوم بالصلاة خلف أسامة ؟ ولا أدري ممن (4) أخذوه.
ص: 163
ويعلم من هذا بطلان ما ذكره بعض محدّثيهم من أن أبا بكر ليس في جيش أسامة (1)، لأن تلك الرواية مع معارضتها ما صحّ عند أكثرهم كما سمعته قد تضمنّت أن أبا بكر كان معروفاً بأنه خليفة النبي (صلّی الله علیه و آله) قبل موته (صلّی الله علیه و آله) وإنه قد بويع والنبي (صلّی الله علیه و آله)حي ، وهذا مخالف لما صح عليه الاتفاق من الأمة أن بيعة أبي بكر إنما وقعت في السقيفة بعد وفاة رسول الله (صلّی الله علیه و آله)(2) فكيف تصح الرواية المخالفة لاتفاق الأمّة.
ويبطل أيضاً ما ذكره قاضي القضاة من استدلاله على أن أبا بكر ليس في جيش أسامة بأن النبي (صلّی الله علیه و آله) أمره بالصلاة (3)وهو ردّ للروايات الصحيحة بالمشكوك فيه واستدلال بالموهوم على بطلان المعلوم، وليس الاستدلال على أن أبا بكر ليس في بعث أسامة بأنّ رسول الله (صلّی الله علیه و آله) أمره بالصلاة بأولى من الاستدلال على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمره بها بأنه في ذلك البعث إن لم يكن هذا أولى.
ثم واعجباه من عبد الحميد المعتزلي في عدم اكتفائه لأبي بكر بصلاة واحدة كغيره من الأقوام حتى ادّعى له ما سمعت بعد (4) روايته لذينك الخبرين (5) فما أكذب دعواه، وما أشدّ تلبيسه، وأعظم تدليسه ، وما أكثر تلاعبه بدينه وحمايته على باطله، وما أمضى عزيمته في تصحيح أمر أئمته بالأباطيل والأضاليل .
ص: 164
وليس هذا بأغرب من دعواه أن روح الله عيسى بن مريم (علیهما السّلام)كان يشرب الخمر(1) ! وكم له مثل هذه الدعاوي.
وممّا يعجبنى من كلامه فى هذا المقام ما أورده في موضع من كتابه بعد نقل رواية رواها هناك، وأنا أذكرها، وأذكر كلامه بعدها في مطلبنا ليتضح للناظر صحة ما قلناه من أن هذا الرجل يعدل عن الحقِّ على عمد ، وينصرف عن الصواب على معرفة، ويدخل فى الباطل بغير شبهة .
قال : روى الأرقم بن شرحبيل قال: سألت ابن عباس هل أوصى رسول الله (صلّی الله علیه و آله)؟ قال : لا ، قلت : فكيف كان ؟ قال : إن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) قال في مرضه: ابعثوا إلى علي فادعوه ، فقالت عائشة : لو بعثت إلى أبي بكر، وقالت حفصة: لو بعثت إلى عمر، فاجتمعوا عنده جميعاً. هكذا لفظ الخبر على ما أورده الطبري في التاريخ (2) ، ولم يقل فبعث رسول الله (صلّی الله علیه و آله) إليهما .
قال ابن عباس : فقال رسول الله (صلّی الله علیه و آله): انصرفوا فإن تكن لي حاجة أبعث إليكم ،فانصرفوا، وقيل لرسول الله (صلّی الله علیه و آله): الصلاة ، فقال : مروا أبا بكر أن يصلي بالناس. فقالت عائشة: إن أبا بكر رجل رقيق فمر عمر، فقال : مروا عمر فقال عمر: ماكنت لأتقدم وأبو بكر ،شاهد، فتقدّم أبو بكر فوجد رسول الله (صلّی الله علیه و آله) خفّا (3) فخرج، فلمّا سمع أبو بكر حركته تأخّر فجذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه فأقامه مكانه، وقعد رسول الله (صلّی الله علیه و آله) فقرأ من حيث انتهى أبو بكر.
ص: 165
قلت : عندي في هذه الواقعة كلام، ويعترضني فيها شكوك واشتباه، إذا كان قد أراد أن يبعث إلى علي (علیه السّلام) ليوصى إليه فنفسَتْ عائشة فسألت أن يحضُر أبوها، ونَفَست حفصة فسألت أن يحضر أبوها ، ثم حضرا ولم يطلبا فلا شبهة أن ابنتيهما طلبتاهما ، هذا هو الظاهر.
وقول رسول الله (صلّی الله علیه و آله) وقد اجتمعوا كلهم عنده :«انصرفوا فإن تكن لي حاجة بعثت إليكم» قولُ مَنْ عنده ضجرٌ وغضبٌ باطن لحضورهما وتهمة للنساء في استدعائهما، فكيف يطابق هذا الفعل وهذا القول ما روي من أنّ عائشة قالت لما عيّن أبوها للصلاة (1): إن أبي رجل رقيق فمُر عمر ؟ وأين ذلك الحرص من هذا الاستعفاء والاستقالة ؟
وهذا يوهم صحّة ما تقوله الشيعة من أن صلاة أبي بكر كانت عن أمر عائشة، وإن كنت لا أقول بذلك ولا أذهب إليه، إلّا أن تأمّل هذا الخبر ولمح مضمونه يوهم ذلك (2).
هذا كلامه وهو مصرّح بإرادة النبي(صلّی الله علیه و آله) الوصيّة إلى علي (علیه السّلام) وباستفادته من الخبر مع ذلك صحّة ما تقوله الشيعة من أن صلاة أبي بكر كانت عن أمر عائشة، ثم يقول : إنّه لا يقول بذلك ولا يذهب إليه .
وانظر إلى قوله : إن قول رسول الله (صلّی الله علیه و آله)«انصرفوا» إلى أن قال: «قول من عنده ضجر وغضب باطن لحضورهما وتهمة للنساء في استدعائهما» ثم هو يقول: برضا رسول الله (صلّی الله علیه و آله) بخلافتهما ورضاه عن بنتيهما ومن يضجر رسول الله (صلّی الله علیه و آله)
ص: 166
ويغضب من حضوره لئلا يسمع وصيته على شخص آخر ويتّهم من أحضره كيف يأمره بالصلاة بالناس ؟ وكيف يرضى بتخلّفه من بعده على أُمته ؟ وكيف يكون راضياً على من أحضره؟
وهذا يدلك على أن هذا الرجل وأشباهه يتركون العمل بأخبارهم إذا وافقت أقوال أئمتنا (علیهم السّلام) و مذاهبأصحابنا، و يضربون عنها صفحاً ولولا ذلك لما قال بعد فهمه صحة قولنا من الخبر: إنه لا يقول به ولا يذهب إليه .
وهذه الطريقة بعينها هي التي أنكروا بها النص على أمير المؤمنين (علیه السّلام) مع روايتهم الكثير الوافر منه ، وهي عين العصبية ، وإذا روي لهم ما يخالف مذهبنا وإن كان عمّن يحكمون بفسقه تلقّوه بالقبول وأذعنوا له تمام الإذعان ورضوا به غاية الرضا، وذلك دليل ما نسبناه إليهم من تعمّدهم ارتكاب الخطأ وترك الصواب ، ولو أنهم تركوا التعصّب والعناد وعملوا بما دلّ من أخبارهم على صحّة قولنا إذن لارتفع الخلاف وحصل الائتلاف، فإنّها كثيرة ومخالفها ضعيف .
ولو لم يكن من ضعفه إلا الخلاف في صحته بيننا وبينهم بل بينهم في بعضها والاتفاق على صحّة الموافق منّا ومنهم لكفى، فإن الإجماع أقوى أسباب الترجيح وأوثق المرجحات عند جميع الأصوليين بل عند الأمة لا يشك فيه أحد. لكنهم ارتكبوا خلاف التحقيق وأخلدوا إلى الشك ونبذوا اليقين، فقامت منهم سوق الخلاف على ساق، فالحاكم الله بيننا وبينهم يوم فصل القضاء.
الثالثة : اختلاف رواياتهم الواردة في أمر رسول الله (صلّی الله علیه و آله) أبا بكر بالصلاة لفظاً ومضموناً بما يدل على كذبها وبطلانها واصطناعها، ووجوب رفع اليد عنها ففي
ص: 167
رواية ابن أبي مليكة عن عائشة : إنّ بلالاً لما نادى رسول الله (صلّی الله علیه و آله) بالصلاة قال : قولوا له فليقل لأبى بكر يصلي بالناس، وإن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) قد خرج يتهادى بين علي (علیه السّلام) والفضل بن العباس، وإن أبا بكر أراد التنحّى عن مقامه لما أحسّ برسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقامه مقامه وقعد إلى جانبه ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر والناس يكبرون بتكبير أبي بكر، قالت: فصلى رسول الله (صلّی الله علیه و آله) بالناس (1).
وفي الحديث المتقدّم عن الأرقم عن ابن عباس : إن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) أمر أبا بكر ثم عمر بمشورة ،عائشة، وأن رسول الله خرج فصلى بالناس، وفيه تصريح بمخالفة عمر الرسول الله (صلّی الله علیه و آله) حيث أمره بالتقدم فلم يتقدم وقدم أبا بكر، وإن أبا بكر تقدّم بعد نسخ أمره بالصلاة بأمر رسول الله (صلّی الله علیه و آله) عمر بها، فكانت صلاته بأمر عمر لا بأمر النبي (صلّی الله علیه و آله) .
وهذا المعنى مما لم يلتفت إليه ابن أبي الحديد ولا لحظه : إما لعدم تفطن أو لإخفاء ، وكلا الخبرين دال على أن النبي (صلّی الله علیه و آله) عزله عن إمامة الصلاة وجعله مسمعاً الناس التكبير، وهذا يدل على أنه لو أمر أبا بكر بالصلاة لما جاز عزله عنها ، لأنه يكون نسخاً للأمر قبل تقضي زمان العمل به، وهو غير مجوّز عند العدلية منّا و من المعتزلة، فآخر الحديثين يعارض أوّلهما، وكلّ منهما مخالف للآخر في كيفية صدور الأمر عن النبي (صلّی الله علیه و آله) بالصلاة خلف الرجل مع ما في حديث الأرقم من النقص العظيم على الشيخين الذي بينه ابن أبي الحديد وأوضحناه نحن، وهو دليل واضح على كذبهما .
ص: 168
وفي الخبر الذي رواه الخصم بإسناده عن الزهري عن أنس بن مالك قال : لما مرض رسول الله (صلّی الله علیه و آله) مرضه الذي مات فيه أتاه بلال يؤذنه بالصلاة، فقال بعد مرتين: يا بلال قد أبلغت فمن شاء فليصل بالناس ومن شاء فليدع.
قال: ورفعت الستور عن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) فنظرنا إليه كأنه ورقة بيضاء عليه خميصة (1) له ، فرجع إليه بلال فقال : مروا أبا بكر فليصلّ بالناس قال : [فما ] رأيناه بعد ذلك (2) مخالفة للأولين في كيفية صدور الأمر، وفي عدم خروج النبي (صلّی الله علیه و آله)، وأنّ أبا بكر أتم الصلاة بالناس، فإن صح الأولان بطل هذا، وإن صح هذا بطل الأولان لا محالة.
وفي حديث عبد الله بن عمر أنه جاء ابن أم مكتوم فأذن النبي (صلّی الله علیه و آله) في مرضه الذي مات فيه بالصلاة الأولى فلم يستطع أن يقوم من شدة المرض فقال له: قل لأبي بكر يقيم للناس صلاتهم ، وأنّ عائشة طلبت من النبي (صلّی الله علیه و آله) إقالة أبيها من ذلك، وأنّ ابن أم مكتوم انتظر ما يكون من جواب رسول الله (صلّی الله علیه و آله) فقال له : مُر أبا بكر أن يقيم للناس صلاتهم، ولم يجب عائشة بشيء، فنظرت عائشة إلى حفصة وأشارت إليها أن تسأله أن يأمر أباها، فقالت: يا رسول الله ، لو أمرت عمر ،فصفق رسول الله (صلّی الله علیه و آله) بيده وقال : إنكن صويحبات يوسف، [فاشتد ذلك على حفصة قال: فكان أبو بكر يقيم للناس صلاتهم أيّاماً حتى قبض
ص: 169
رسول الله (صلّی الله علیه و آله)(1) ](2) مخالفة للجميع(3) في أن المؤذن للنبي (صلّی الله علیه و آله)(4) هو عبد الله بن أُمّ مكتوم، وفي كيفية صدور الأمر ومخالفة المرأتين رسول الله (صلّی الله علیه و آله) حتى أغضبتاه.
وهذا الخبر أكذب أخبارهم في هذا الباب ومن أشد مخالفته للأخبار الأوّلة قوله في آخره: فكان أبو بكر يقيم للناس صلاتهم أيّاماً حتى قبض رسول الله (صلّی الله علیه و آله).
ووجه المخالفة اشتمال تلك الأخبار على أن الأمر كان في آخر مرض النبي (صلّی الله علیه و آله) ، وإنه إنما تقل عن الصلاة في آخر مرضه، واشتمال هذا على وقوع الأمر أوساط مرض النبي (صلّی الله علیه و آله) وأن النبي (صلّی الله علیه و آله) قد ثقل عن الصلاة في المسجد قبل موته بأيّام ، وجهة أُخرى وهي عدم ذكره خروج النبي (صلّی الله علیه و آله) وعزله أبا بكر في شيء من الصلاة واشتمال السابقة على ذلك.
وفي حديث الزهري أنّ أوّل شكوى رسول الله (صلّی الله علیه و آله) في بيت ميمونة، وأنه قال لعبد الله بن عتبة : قل للناس فليصلّوا، فلقي عمر فقال صلّ بالناس ، فتقدّم ،عمر فسمع النبي صلى الله عليه وسلم [ صوته ] فقال : أليس هذا صوت عمر ؟ فقالوا: نعم، قال: يأبى الله ذلك والمسلمون فليصل بالناس أبو بكر، وفيه أن عائشة طلبت منه إقالة أبيها وراجعته في ذلك مرتين أو ثلاثاً فقال : ليصل بالناس أبو بكر فإنكن صويحبات يوسف (5) ، وهو مخالف لجميع ما تقدّم في جميع الوجوه .
ص: 170
فمن تأمل هذه الأخبار واختلافاتها، وما فيها من التعارض والتدافع القاضيين عليها بالاختلاق علم أنّها مزوّرة مصنوعة ، وتأكّد عنده أنّ الصحيح ما رواه أصحابنا ممّا مضمونه أن عائشة وحفصة لما ثقل مرض النبي (صلّی الله علیه و آله) أرسلتا إلى أبويهما تخبرانهما بذلك وهما خارج المدينة في جيش أسامة، فدخلا المدينة ليلاً ومعهما أبو عبيدة بعد أن ذكروا لأسامة ما أذن لهم لأجله أن يدخلوا وأمرهم أن يخفوا أنفسهم لئلا يرجع غيرهم من الجيش ، وإنهم إن عوفي النبي (صلّی الله علیه و آله) رجعوا إلى معسكرهم، وإن حدث به حدث عرفوه حتى يدخل فيما يدخل فيه الناس .
فلمّا كان وقت الصلاة أرسلت عائشة إلى أبيها تأمره أن يتقدم إلى المحراب وأنّها تأمر بلالاً أن يأمر الناس بالصلاة خلفه لتوهم الناس أن ذلك عن أمر رسول الله (صلّی الله علیه و آله) فيتم ما دبّروا من الحيلة، وإن بلالاً لما أتى يؤذن النبي (صلّی الله علیه و آله) بالصلاة قالت لبلال : إن رسول الله قد ثقل ورأسه في حجر علي فمُر أبا بكر ليصلي بالناس ، فلما رأت حفصة ذلك قالت مُر عمر ليصلي بالناس، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منهما فقال : «إنكن كصويحبات يوسف ، فأغمي عليه، فخرج بلال، وهو يظن أن قول عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال للناس : صلوا خلف أبي بكر، فتمت الشبهة ، فلمّا أفاق النبي (صلّی الله علیه و آله) وسمع تكبير أبي بكر خرج متحاملاً يتهادى بين علي والفضل بن العباس لتلافي الأمر وإزالة الشبهة، فعزل أبا بكر ونحّاه قصداً لذلك(1)، فما زالت الشبهة ولا ذهبت .
وقد ذكر ابن أبي الحديد عن بعض أصحابه ، وهو شيخه أبو يعقوب يوسف ابن إسماعيل اللمعاني أن رجوع أبي بكر من جيش أسامة كان بإرسال عائشة إليه
ص: 171
بأن رسول الله يموت (صلّی الله علیه و آله)، وأنّ خروج النبي (صلّی الله علیه و آله) في تلك الحال لما ذكرناه من قصده عزل أبي بكر عن الصلاة، لئلا تكون شبهة له في دعوى الخلافة، فما تمّ له ما أراد (1).
ويصدق ذلك ما ورد في رواياتهم المتقدّمة، ولقد أقر الرجل المزبور بأنّ جملة من محدّثيهم قائلون أن النبي (صلّی الله علیه و آله) نحّى أبا بكر وصلّى بالناس.
قال في موضع من كتابه : ثم جرى حديث صلاة أبي بكر بالناس فتزعم الشيعة أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) لم يأمر بذلك، وأنه إنما صلّى بالناس عن أمر عائشة ابنته، وأن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) خرج متحاملاً وهو مثقل، فنحاه عن المحراب، وزعم معظم المحدثين أن ذلك كان عن أمر رسول الله (صلّی الله علیه و آله) وقوله : ثم اختلفوا فمنهم من قال :نحّاه وصلى هو بالناس ، ومنهم من قال بل انتم بأبي بكر كسائر الناس، ومنهم من قال : كان الناس يصلون بصلاة أبي بكر، وأبو بكر يصلّي بصلاة رسول الله (2) ، انتهى .
قلت: أمّا القول الأول فهو موافق لقول الشيعة، ومن المحال أن يأمر النبي (صلّی الله علیه و آله) أبا بكر بالصلاة ثم يخرج متحاملاً لينحّيه ويعزله، بل المعروف أن فعله هذا يدل على أن صلاة أبي بكر ليست عن أمره، وإنّه إنما خرج على تلك الحال لإزالة الشبهة كما ذكرناه أولاً، ويدل خروجه أيضاً على الحال المذكورة على أن في نفسه غضباً شديداً من فعل الرجل ومن أمره بالتقدّم.
ص: 172
وأما الثالث (1) فهو أيضاً موافق لنا في عزل النبي (صلّی الله علیه و آله) أبا بكر عن الإمامة وجعله مبلّغاً يبلغ الناس التكبير للركوع والسجود ، إذ لا يجوز أن يكون في الصلاة إمامان فهو راجع إلى القول الأوّل، فلم يبق إلّا الثاني، وهو مع ضعفه لمخالفته اتفاق المعظم من الأمة وقلة القائل به لا يوافق شيئاً من رواياتهم، فكيف يصح الاعتماد على هذه الروايات والأقوال، مع ما سمعته فيها من الاختلاف ؟
ومن أين يحصل الظنّ فضلاً عن القطع بصحة دعوى القوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر بالصلاة وحال رواياتهم التي استندوا إليها فيها وأقوالهم ما رأيت، فلا شك أنّها بملاحظة الجهات الثلاث المذكورة تكون واضحة البطلان منهدمة الأركان.
على أن بعض المصنفين قد نقل عن كثير من أهل الرواية وعلماء المعتزلة أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) لمّا ثقل جاء بلال ليؤذنه بالصلاة، فقالت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تقيل قد أُغمي عليه فلا تؤذه وقل لأبي بكر فليصل بالناس، فخرج إليه فأخبره فتقدّم فسمع النبي (صلّی الله علیه و آله) صوته فقال: ما هذا ؟
فقالت عائشة: أنا أمرت أبا بكر أن يصلى بالناس، فقال: «إنكن صويحبات يوسف»، وأخذ بيد علي (علیه السلام) يتوكّأ عليه، فخرج وأخرج أبا بكر من الصلاة وصلّى بالناس ومات من يومه(2).
وهذه الرواية توافق مضمون القصة وتطابق خروج النبي (صلّی الله علیه و آله) متحاملاً في حال شدّة المرض، وهي مبطلة لدعواهم .
ص: 173
ويشهد لصحتها ما رواه ابن أبي الحديد عن شيخه المتقدم من أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) كما روى قال: ليصل بهم أحدهم ولم يعيّن، وكانت صلاة الصبح، فخرج رسول الله (صلّی الله علیه و آله)وهو في آخر رمق يتهادى بين على والفضل بن العباس حتّى في المحراب كما ورد في الخبر، ثم دخل فمات ارتفاع الضحى .
هذا كلامه وقد سمعت السابق منه وقد ذكر ابن أبي الحديد أن هذا الشيخ كان شديد الاعتزال ولم يكن يتشيّع (1) ، وهذا القول دال أيضاً على بطلان ما قاله أن أبا بكر صلى بالناس قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بيومين؛ فهذا حال صلاة إمامهم وقد سمعت ما فيها من الكلام وبلغت إن شاء الله تعالى في إبطالها غاية المرام.
واعلم أنه ليس مرادنا من إقامة الدليل على بطلان ما ادعوا من كون صلاة الرجل عن أمر رسول الله (صلّی الله علیه و آله) أنها لو صحت أنّها بأمر رسول الله (صلّی الله علیه و آله) لأوجب ذلك الإمامة أو كانت معارضة للنصوص الواردة على إمامة علي (علیه السّلام) ، وإنّما مرادنا توضيح بطلان تلك الدعوى بالدليل وبيان أن عمر وأصحابه إذ تمسكوا بها واعتمدوا عليها تمسكوا بغير متمسك واعتمدوا على غير معتمد، لكنّهم شبهو بها على ضعفاء العقول وناقصي الروية، وشيدها من نصب العداوة لأهل البيت ورام التوصل إلى اغتصاب مقامهم.
ولو أن ذلك كان صحيحاً لم يقتض نصاً على إمامة الرجل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر جماعة كثيرة من أصحابه يصلون بالناس فأمر تارة على المشايخ الثلاثة وغيرهم
ص: 174
أبا عبيدة (1) ، وأُخرى عمرو بن العاص (2)، وخالد بن الوليد تارة، وعليهم وعلى أبي عبيدة معهم أسامة بن زيد(3) ، وصلوا خلفهم، واستخلف على المدينة في غزواته وسفره رجالاً من أصحابه كابن أم مكتوم (4) وغيره، واستخلف في غزوة تبوك عليها أمير المؤمنين (5) ، واستخلف على مكة عتاب بن أسيد الأموي يصلي بالناس(6)، وغير هؤلاء ممّن استعملهم رسول الله (صلّی الله علیه و آله) على السرايا وعلى البلدان.
ولم يجعل أحد من مخالفينا صلاة أحد من أولئك بالناس نصاً على إمامته ولامومية إليها، بل ولا يجعلون لواحد منهم فضلاً بها، ولا يذكرونه بها في مدح ولا تشريف.
فما الفارق بين صلاة أبي بكر بالناس - لو صح أنها بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم - وبين صلاة أولئك المذكورين، على أن الخصوم قد رووا أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) صلى خلف عبد الرحمان بن عوف حيث انتهى (صلّی الله علیه و آله) إلى محل وعبد الرحمان يصلي بقوم هناك (7) .
وهذا أعظم منزلة من صلاة أبي بكر بالناس بأمره (صلّی الله علیه و آله)، وما رأينا عمر ولا غيره
ص: 175
جعلوا لعبد الرحمان خلافة بهذا، فكيف أوجبت صلاة أبي بكر له الفضيلة واقتضت النص عليه بالإمامة دون أولئك القوم لولا ارتكاب العصبية ؟
ثم لو اقتضت الصلاة الإشارة إلى أبي بكر بالخلافة فأين تقع من النصوص الواردة في استخلاف أمير المؤمنين (علیه السّلام)؟ ومن أي وجه تقوى على معارضتها ؟ هذا كله مع جواز أن يكون التقدم لأبي بكر ما لم يكن علي حاضراً أو متمكناً من الحضور، ومن المتفق عليه أن علياً (علیه السّلام) لم يكن حاضر المسجد، وكان مشغولاً بتمريض رسول الله (صلّی الله علیه و آله) ولا يفارقه، خصوصاً في ذلك الوقت الذي نقل فيه حاله، كما يدلّ عليه ما في الروايات من أن النبي (صلّی الله علیه و آله) خرج يتوكأ عليه وعلى الفضل بن العباس(1) فصرّحت الروايات - لو صحت - بأن أبا بكر لم يؤمر بالتقدم على علي لأنه مع النبي (صلّی الله علیه و آله) فيختص جواز تقديمه بما إذا لم يكن علي (علیه السّلام) حاضراً، كما أن تأمير النبي (صلّی الله علیه و آله) الأمراء على الجيوش إذا لم يكن علي (علیه السّلام) معهم ، فإذا كان معهم كان هو الأمير من قبله الله على الكلّ.
وهذا على مجاراة الخصم وجه جامع تزول به المعارضة بين النصين لو صحت المعارضة، والكلّ بعون الله وتسديده ظاهر واضح، والشك فيه زائل والحمد لله على سلوك طريق الصواب.
ص: 176
وينبغي أوّلاً بيان معنى العترة، ومن يطلق عليه هذا اللفظ هذه الأمة من أمة على الحقيقة ، فنقول : قال الشهاب الفيومي في المصباح المنير: العترة نسل الإنسان. قال الأزهري وروى ثعلب عن ابن الأعرابي : إن العترة: ولد الرجل وذريته وعقبه من صلبه، ولا تعرف العرب من العترة غير ذلك. ويقال: رهطه الأدنون. ويقال: ،أقرباؤه، وعليه قول ابن السكيت العترة والرهط بمعنى، ورهط الرجل قومه وقبيلته الأقربون ، انتهى (2).
وقد اختلفوا في عدد الرهط ، فقال الأكثر هو ما دون عشرة من الرجال ليس فيهم امرأة، وهو قول أبي زيد وقيل من سبعة إلى عشرة ، وقيل : ما فوق العشرة إلى الأربعين، وهو قول الأصمعي، ونقله ابن فارس ، وقيل : هو بمعنى العشيرة وهو المنقول عن ابن السكيت وقريب منه على تأويل قول ثعلب، ذكر هذه الأقوال جميعها في المصباح.
فعلى ما قال الأزهري وابن الأعرابي في معنى العترة فالأمر ظاهر أن عترة النبي (صلّی الله علیه و آله) ذرّيّته من فاطمة (علیها السّلام)، وعلى ما قيل أن العترة هي الرهط، فعلى جميع
ص: 177
الأقوال في معنى الرهط تختص العترة ببني هاشم حتّى على قول ابن السكيت لأن أقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم بنو هاشم فهم قومه وعشيرته الأقربون على الحقيقة دون باقى بطون قريش ، فما سواهم إنما يقال له عترة النبي (صلّی الله علیه و آله) علی طريق المجاز والتوسع في الألفاظ أو بالنسبة إلى الأبعد ، كالقرشي بالنسبة إلى بطون مضر، وكالمصري بالنسبة إلى الربيعي والأيادي وكالنزاري بالنسبة إلى القحطاني.
وقد قال المعتزلي ذلك واعترف به ، قال : وعترة النبي (صلّی الله علیه و آله) أهله الأدنون ونسله، وليس بصحيح قول من قال : إنهم رهطه وإن بعدوا ، وإنّما قال أبو بكر يوم السقيفة أو بعده: «نحن عترة رسول الله وبيضته التي فقأت عنه»(1) على طريق المجاز ، لأنّهم بالنسبة إلى الأنصار عترة له لا في الحقيقة ألا ترى أن العدناني يفاخر القحطاني فيقول : أنا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليس يعني إنه ابن عمه على الحقيقة، وإنما هو بالإضافة إلى القحطانى ابن عمهّ ، انتهى(2) .
وحكى محمد بن بحر الشيباني (3)، عن محمد بن عبد الجبّار، عن أبي العباس ،ثعلب عن ابن الأعرابي أن العترة ولد الضب وذرّيّته من صلبه، ولذلك سميت ذرية محمد (صلّی الله علیه و آله) من علي وفاطمة (علیهما السّلام) عترة محمد (صلّی الله علیه و آله).
قال ثعلب : فقلت لابن الأعرابي : فما معنى قول أبي بكر في السقيفة: نحن عترة رسول الله؟ قال: فإن قال أراد بلدته وبيضته، وعترة محمد (صلّی الله علیه و آله) ولد فاطمة (4) انتهى.
ص: 178
قلت : ويؤيد ذلك أن علياً (علیه السّلام) لمّا احتج على أبي بكر وأصحابه بالقرابة من رسول الله (صلّی الله علیه و آله) حيث احتجوا هم بها على الأنصار لم يجيبوه بأنّا وإياك جميعاً عترة الرسول (صلّی الله علیه و آله) فلا مزية لك علينا فى ذلك، بل سلموا له القرابة دونهم وأجابوه بغير ذلك من الأعذار ،كحداثة السنّ وغير ذلك مما تقدّم في الرواية(1)، وهو ظاهر إن لم يكن صريحاً في أن المعروف عند العرب بحيث لا ينكر أن العترة هم الأدنون من الرجل نسباً والأشدّون به نوطاً (2) دون الأباعد في النسب وإن كانوا من القبيلة والعشيرة ، وأن إطلاق لفظ العترة على غيرهم إنّما هو على ضرب من المجاز؛ فعترة النبي (صلّی الله علیه و آله) هم الأقربون منه وشيجة (3)والأدنون منه نسباً من بني هاشم دون غيرهم من قريش، هذا باعتبار اللغة العربية.
وأمّا باعتبار العرف الشرعي فإنّ العترة هم أمير المؤمنين وفاطمة وولداهما الحسن والحسين والأئمة من ذرّيّة الحسين (علیهم السّلام).
قال ابن أبي الحديد ؛ وقد بين رسول الله (صلّی الله علیه و آله) عترته من هي لما قال : «إني تارك فيكم الثقلين» فقال: «عترتي أهل بيتي» وبين من أهل بيته حين طرح عليهم كساء، وقال حين نزلت «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ» (4) «اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب الرجس عنهم».
فإن قلت : فمن هي العترة التي عناها أمير المؤمنين بهذا الكلام؟
قلت: نفسه وولداه، والأصل فى الحقيقة نفسه، لأن ولديه تابعان له ، ونسبتهما
ص: 179
إليه نسبة الكواكب المضيئة مع طلوع الشمس المشرقة، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله: «وأبوهما خير منهما »(1) انتهى.
قلت: عنى المعتزلي بالكلام قول أمير المؤمنين (علیه السّلام) في الخطبة التي هذا الكلام من جملة شرحها «وكيف تعمهون وفيكم عترة نبيكم »(2) وأما البيت فسيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى.
وقال في الصواعق : المراد بأهل البيت والآل وذوي القربى في كل ما جاء في فضلهم مؤمنو بنى هاشم والمطلب ، وكان الثلاثة العترة، فالألفاظ الأربعة بمعنى واحد (3).
قلت: لعمري إن الألفاظ الأربعة بمعنى واحد ، لكن ليس المراد منها إلا عليّاً وفاطمة وابنيهما كما قال به أكثر القوم من المتقدمين والمتأخرين كأبي عامر الشعبي ، ويحيى بن يعمر، وابن الأعرابي ، ومحمد بن طلحة الشامي، وظاهر الحسن البصري.
ويشهد لذلك ما روى أهل الصحاح ممن لا يُنكر روايتهم معتزلي ولا أشعري، وهم الطبراني، وابن أبي حاتم وابن مردويه ، وأبو الحسن البغوي في تفسيره عن ابن عباس إنه لمّا نزلت: « قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى »(4) قالوا :يا رسول الله ، من قرابتك الذين نزلت فيهم الآية ؟ قال : «علي وفاطمة وابناهما »(5).
ص: 180
ولفظ البغوي: من هؤلاء الذين أمرنا الله بمودّتهم ؟ قال عليّ، إلى آخره(1). وغيره سيأتي على كثرته، وهو مبطل لما قاله ابن حجر وما قال غيره مما يخالف ما ذكرناه .
وروى الديلمي عن أبي سعيد أنه -يعني النبي صلى الله عليه وسلم - قال : «اشتد غضب الله على من آذاني في عترتي»(2).
وروى أبو داود الطيالسي عن عبد الرحمان بن عوف :«أوصيكم بعترتي خيراً وإن موعدكم الحوض »(3).
فالمعني بهذا علي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السّلام)، وقد صح في أخبارهم أن الحسن والحسين ذرّيّة رسول الله (صلّی الله علیه و آله) وبنوه لصلبه، وقد تقدّم أنّ العترة ذرية الرجل وعقبه من صلبه .
فمن ذلك ما رواه الطبراني مرفوعاً عن النبي (صلّی الله علیه و آله): «أن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه، وجعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب »(4).
وأخرج الطبراني وغيره أنه (صلّی الله علیه و آله) قال: «كل بني أُمّ ينتمون إلى عصبتهم إلّا
ص: 181
ولد فاطمة فأنا وليّهم وأنا عصبتهم »(1).
قال محمد الصبان الشافعي في إسعاف الراغبين : وفي رواية صحيحة: «كل بني أنثى عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإنّي أنا أبوهم وعصبتهم»(2) إلى غير ذلك.
وممّا يدلّ على أن ذرّيّة الحسين عترة النبي (صلّی الله علیه و آله) ما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي وآخرون عنه (صلّی الله علیه و آله): المهدي من عترتي (3).
وما أخرج أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة عن النبي (صلّی الله علیه و آله): «لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله فيه رجلاً من عترتى يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً (4).
وأخرج الحاكم في صحيحه عنه (صلّی الله علیه و آله) : «يحل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع ببلاء أشد منه حتى لا يجد الرجل ملجأ فيبعث الله رجلاً من عترتي أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً»، (الخبر) (5).
وأخرج أبو نعيم عنه (صلّی الله علیه و آله): «ليبعثن الله رجلاً من عترتي أفرق الثنايا، أجلى الجبهة ، يملأ الأرض عدلاً، يفيض المال فيضاً »(6).
وأخرج أحمد والماوردي إنه (صلّی الله علیه و آله) قال : «أبشروا بالمهدي رجل من قريش من عترتي يخرج في اختلاف من الناس وزلزال فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً»، الخبر (7).
ص: 182
إلى غير ذلك، وكل هذه الأخبار مصرحة بأن المهدي من عترة رسول الله (صلّی الله علیه و آله) والمهدي من ذرّيّة الحسين (علیه السّلام) كما سنبينه فيكون ذرّيّة الحسين من عترة رسول الله (صلّی الله علیه و آله) وذوي قرباه وأهل بيته وآله ، وبهذا يبطل ما ذكره المعتزلى من اختصاص العترة بعلي (علیه السّلام) والحسن والحسين(1).
نعم، إن أريد أنّهم الأصل في العترة، والأئمة بعدهم تابعون لهم في ذلك كان صحيحاً لا إشكال فيه لأن وصلتهم بالنبي (صلّی الله علیه و آله) بسبب أولئك الكرام صلوات الله عليهم أجمعين .
والإمامة يختص بها العترة بهذا المعنى الخاص لا بما يفيده أصل اللغة العربية، فيختص بها أطائب عترة علي (علیه السّلام) وأبرار ذرّيّته، لأنّ هؤلاء هم عترة النبي (صلّی الله علیه و آله) شرعاً كما ذكرناه، وقد أشار أمير المؤمنين (علیه السّلام) إلى هذا في خطبة رواها المعتزلي عن شيخه الجاحظ عن أبي عبيدة، وهي طويلة ومحل الاستدلال منها قوله (علیه السّلام) : «ألا إن أبرار عترتي وأطائب أرومتي (2) أحلم الناس صغاراً وأعلم الناس كباراً، ألا وإنا أهل بيت من علم الله علمنا، وبحكم الله حكمنا ، ومن قول صادق سمعنا، فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا» الخطبة (3) حيث جعل الاقتداء بهم كالاقتداء [به](4) ورتب عليه الاهتداء.
ص: 183
وهذا الكلام مشير إلى أهل الطهارة، والعلم الغزير والحلم الواسع من ذرِّيَّته (علیه السّلام)، ولم يكن بهذا الوصف إلا أئمّتنا المعروفون ذرّيّة الحسين (علیه السّلام) لأنهم تميّزوا عن جميع الذرّيّة المحمدية والسلالة الحيدرية بغزارة العلم وسعة الحلم وصحة اليقين وصدق النية والزهد في الدنيا، شهد بذلك لهم أولياؤهم وأعداؤهم، ومن قال بإمامتهم ومن لم يقل بها، وهذا دليل واضح على صحة مذهب الإمامية من أصحابنا، ومبطل لما سواه من مذاهب فرق الشيعة وغيرهم.
فالأئمة الأحد عشر من ذرّيّة أمير المؤمنين هم العترة بالمعنى الخاص، فما ورد من النصوص الدالة على إمامة العترة فهو مختص بهم دون غيرهم من باقي الذرية، وكما يختص بهم ما ورد من النصّ على العترة كذلك يختص بهم ما ورد من النص على ذوي القربى وأهل البيت والآل بالمعنى الخاص لاتفاق الألفاظ الأربعة في المعنى كما سمعت .
والذي يدلّ على أنّ العترة بالمعنى الأخص مختص بالأئمة دون سائر ذرّيّة الرسول صلى الله عليه وسلم ما رواه ابن أبي الحديد عن حلية الأولياء فيما تقدّم من قول النبي (صلّی الله علیه و آله): «وليقتد بالأئمة من بعدي فإنّهم عترتي ، خُلقوا من طينتي»(1) الخبر. فإنّه صريح فى أن العترة هم الأئمة وأنّ الأئمة هم العترة، وأن من ليس من العترة ليس بإمام ومن ليس بإمام ليس من العترة لإفادة الحمل ذلك لأنّه في القضية المذكورة بمعنى حمل الشيء على الآخر على أنه هو هو لا الحمل المشهوري.
ومثله قوله (صلّی الله علیه و آله) في حديث الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي المعلومية أن النبي (صلّی الله علیه و آله) لم يأمر الأمة بالتمسك إلا بمن كان من الذرية معروفاً بالطهارة والعلم
ص: 184
والزهد والورع، معلوماً بملازمة القرآن، غير مخالف لأحكامه، ولا صادف عنه إلى غيره من رأي أو قياس أو غير ذلك، ولا يكون كذلك إلا من اجتباه الله وهداه وسدّده وأيّده ، وهذه صفة الإمام على ما يقول أصحابنا.
وليس كل الذرية الفاطميّة على هذا الوصف لأن منهم من هو قاصر العلم ،ومنهم من لا علم له، ومنهم من ليس مرضيّاً مذهبه ولا محموداً هداه، فليس يجوز أن يأمر النبي (صلّی الله علیه و آله) بالتمسك بمثل هؤلاء ، ولما كان العترة يختص بها من أمر النبي (صلّی الله علیه و آله) بالتمسك به وهو يختص بمن جمع أوصاف الإمامة كان (1)الأئمة هم العترة، والعترة هم الأئمة، وهم أهل البيت أيضاً .
ويدلّ عليه أيضاً قول أمير المؤمنين (علیه السّلام) في الخطبة التي قدمنا ذكرها : «فإنّه لما قبض الله نبيه (صلّی الله علیه و آله) قلنا : نحن أهله وورثته وعترته» (2) لظهور أنه (علیه السّلام) لا يريد باستحقاق الإمامة وخلافة النبي (صلّی الله علیه و آله) إلا نفسه وولديه دون باقي بني هاشم كأخيه عقيل وغيره، وسيأتي في ذكر النصوص ما يعاضد هذا الدليل ويزيد هذا المعنى توضيحاً وبياناً .
وقول النبي (صلّی الله علیه و آله) في المهدي : «رجلاً من عترتي» يعني أنه من الأئمة، لأنا نقول : إنّه خاتمهم وتمام عدتهم فلا نقض علينا به، إذ ليس يتعين أن المراد به رجلاً من ذريتي، لأن المعنى الأول يقتضيه، فصح من هذا أن كلما ورد من النصوص القرآنية والنبوية الدالة على إمامة العترة أو ذوي القربى أو أهل البيت أو الآل أو
ص: 185
وجوب مودتهم أو التمسك أو عصمتهم عن مقارفة الذنوب فيراد (1) بهم الأئمة (علیهم السّلام) فهو شامل لهم بالتبعية وإن كان موردها في أمير المؤمنين والحسنين (علیهم السّلام) بالأصالة للمماثلة الحاصلة والمشابهة الصحيحة، وسيأتى للفظ ذوي القربى وأهل البيت والآل زيادة توضيح وتصريح في ذكر الأدلة إن شاء الله بما يزيل شبهات المشبّهين فترقّب.
إذا تقرر هذا فلنذكر النصوص على العترة، واعلم أنّها أنواع ؛ فمنها ما ورد بلفظ الإمامة وما ورد بلفظ التمسّك ، ومنها ما ورد بلفظ السيادة، ومنها ما ورد بلفظ المودة والمحبة وغير ذلك، وسنذكرها مفصّلة.
فما ورد بلفظ الإمامة الحديث المتقدم عن الحلية، وهو قول النبي (صلّی الله علیه و آله): «من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن التي غرسها ربي فليوال عليّاً من بعدي وليوال وليه وليقتد بالأئمة من بعدي فإنهم عترتي ؛ خُلقوا من فاضل طينتي، ورُزقوا فهماً وعلماً، فويل للمكذبين من أُمتي القاطعين فيهم صلتي، لا أنا لهم الله شفاعتي »(2) وهذا الخبر صريح في النص على إمامة العترة الطاهرة بما لا مزيد عليه من الصراحة، وذلك من وجوه :
الأول : إيجابه الاقتداء بهم ولا يجب الاقتداء عيناً إلا بالإمام.
ص: 186
الثاني: تسميتهم أئمة وهو أصرح الألفاظ في الإمامة العامة، إذ من المعلوم أنه يريد هنا مطلق الأئمة كإمام الجماعة وإمام الحاج وأمراء البلدان والجيوش والفقهاء، ولا يحتمل كلامه ذلك لأن وصفهم بأنّهم عترته وما بعده من الأوصاف موجب لإخراج المذكورين منهم، ويخصص الأئمة بالخلفاء المستحقين لمقامه.
الثالث : خلقهم من فاضل طينته فإنّه يدلّ على الوصلة التامة والمماثله الخاصة، كما ذكرنا سابقاً في خلق علي (علیه السّلام) من نور النبي (صلّی الله علیه و آله) وذلك يقتضي كونهم قائمين مقامه وحالين فى منزلته ، وحيث امتنعت فيهم النبوّة لختمها به فهم قائمون مقامه في الإمامة فيكونون خلفاءه على الأمّة.
الرابع: قوله: «رزقوا فهماً وعلماً» فإنّه مصرّح بأنهم كانوا مستحقين للإمامة، لأن الله اختصهم بالفهم والعلم، فهم أحق بمنصب الرسول (صلّی الله علیه و آله) وأولى بخلافته ممّن ليس له هذه الصفة، وفيه إشارة إلى أنه لا يجوز لمن يجهل شيئاً من أمر الأمة في دينهم أن يكون إماماً ، وهو حقيقة قول أصحابنا ونصّه.
الخامس : قوله : «فويل للمكذبين من أُمتي» إلى آخره، فإنَّه صريح في أنّ من كذّب بإمامتهم فقد استحق الويل وقطع صلة النبي (صلّی الله علیه و آله) وكان أهلاً لحرمان الشفاعة والخلود في الهاوية ، فهو في مقابلة المقتدى فإنّه مستحق لأن يحيا حياة النبي (صلّی الله علیه و آله) ويموت مماته ويدخل جنة عدن التي غرسها ربّه ، وأيّ نصّ أصرح من هذا النصّ في الإمامة لولا تنكّب القوم الطريق وسلوكهم في المضيق.
ومنه قول النبي (صلّی الله علیه و آله) للحسن والحسين: «أنتما الإمامان ولأمّكما الشفاعة» في حديث رواه في المناقب ؛ مختصر مناقب الحافظ أبي عبد الله محمد بن يوسف
ص: 187
البلخي الشافعي نقلاً من مسند أحمد بن حنبل(1)، وهو صريح في المطلوب لا يحتاج إلى بيان .
وما ورد بلفظ التمسك الخبر المتواتر، وهو قول النبي (صلّی الله علیه و آله) في خطبته : «أيها الناس ، إنما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله فيه الهدى والنور فتمسكوا بكتاب الله عز وجل وخذوا به وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي، أُذكركم الله في أهل بيتي». وفي رواية: «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي». والروايتان بهذا اللفظ لمسلم بن الحجاج القشيري في صحيحه (2).
وأما لفظ أحمد بن حنبل فهذا: «إنِّي أُوشك أن أُدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم التقلين كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض فانظروا بما تخلفوني فيهما»(3).
ولفظ ابن أبي الحديد: «خلّفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي حبلان ممدودان من السماء إلى الأرض لا يفترقان حتّى يردا علي الحوض»(4).
وفي رواية: «قد خلّفت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي : كتاب الله
ص: 188
وأهل بيتي» إلى تمام الأول، وفيه زيادة: «حوضي ما بين بصرى وصنعاء عدد آنيته عدد النجوم، إن الله مسائلكم كيف خلّفتموني في كتابه وأهل بيتي». وهذا اللفظ للزهري وذكره في حديث الغدير (1).
وهذا الخبر على اختلاف لفظ روايته صريح في النص على العترة بالإمامة وإنه(صلّی الله علیه و آله) عهد بذلك إلى الناس حين تحقق دنو انتقاله من الدنيا إلى الرفيق الأعلى، ألا ترى إلى قوله (صلّی الله علیه و آله) «يوشك أن يأتيني رسول ربّى» وأ«ُوشك أن أُدعى فأجيب» فإنه مشعر بذلك ومنبه لهم على قرب رحيله عنهم لأن «أوشك» فعل معناه المقاربة ومشارفة الأمر.
وأصرح منه في ذلك قوله (صلّی الله علیه و آله)في رواية أبي الفتوح أسعد بن أبي الفضائل في كتابه الموجز في فضل الخلفاء الأربعة: «أيها الناس، إنّي قد نبأني اللطيف الخبير إنّه لم يعمر نبي إلا نصف عمر النبي الذي كان قبله وإني لأظن بأني أدعى فأجيب» (2) الخبر .
فأوصاهم بالتمسك بالكتاب والعترة، ولا معنى للتمسك إلا الأخذ بأحكامهما والرجوع إليهما عند الاختلاف، فهذا معنى الإمامة فالكتاب الإمام الصامت والعترة الإمام الناطق كلّ منهما يصدّق صاحبه فلا يجوز لأحد مخالفة واحد منهما، وبيّن (صلّی الله علیه و آله) أنّ التمسك بهما عاصم من الضلالة ومخالفتهما موجبة للهلاك ، وصرّح بأنهما حبلان ممدودان من السماء إلى الأرض فهما وصلة بين الله وبين خلقه من
ص: 189
اقتدى بهما توصّل إلى مرضاة الله ، ومن تركهما باء بسخط من الله إذ لا سبب إلى الله بعد النبي (صلّی الله علیه و آله) غيرهما، فأي دليل على الإمامة ووجوب الطاعة وتحريم عصيان العترة أدل من هذا ؟ وبه يبطل قول من قال إن النبي (صلّی الله علیه و آله) لم يوص ، أفليست هذه وصيّته صريحة وإيجاب طاعته للعترة على الناس ظاهراً، أفأبلغ شاهد من هذا يريد منا الخصوم كابن أبى الحديد (1)وأشباهه من المنكرين النص ؟
وتأمل إلى قوله (صلّی الله علیه و آله)«أذكركم الله في أهل بيتي» (2) ويكررها ثلاثاً، وقوله «فانظروا كيف تخلّفوني فيهما» وقوله : «إنّ الله مسائلكم كيف خلقتموني في كتابه وأهل بيتي» فإنك تجده صريحاً في التوصية بطاعتهم والانقياد لأمرهم وتحريم مخالفتهم والتوعّد عليها بأعظم القول وأبلغ الوصية، أفترى الوصية بالإمامة تحتاج إلى أكثر من هذا اللفظ أو تزيد على هذا القول حتى يقال إن النبي (صلّی الله علیه و آله) لم يوص إلى بعينه بعد إقرارهم بصدور هذا الكلام عنه (صلّی الله علیه و آله).
وفى قوله (صلّی الله علیه و آله) «لا يفترقان حتّى يردا على الحوض» إيماء بل دلالة على بقاء الإمامة واستمرارها إلى انقضاء زمان التكليف وإنّها لا تنقطع، وقد بين هذا في مقدمة الكتاب بأحسن بيان .
واعلم إنما أبطلت دلالة هذه الأدلة على الإمامة عند المخالفين وقالوا: لا وصيّة ولا نصّ من النبي (صلّی الله علیه و آله) على أحد بعينه مع وضوحها وكونهم ذوي فطن شبهة (3) خلافة الثلاثة وتقدّمهم ووثوقهم في الصحابة على جهل وتقليد، واتّباعهم السواد
ص: 190
الأعظم فقابلوا الصريح في خلافهم بالأعراض ونظروا إليه نظر إغماض، فقد لعمري تركوا الحق وسفهوا الهدى( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تثبيتاً) (1).
وما ورد بلفظ السيادة الحديث المتواتر وهو قول النبي (صلّی الله علیه و آله) للحسن والحسين : «هما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما»(2).
وفي بعض الروايات بصورة الخطاب: «أنتما سيدا شباب أهل الجنة» (3) «وأبوكما خير منكما»(4).
ولفظ المسند لأحمد بن حنبل عن حذيفة بن اليمان : «إن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وفاطمة سيّدة نساء العالمين» فلفظ «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة»(5) متفق عليه.
وقد تقدّم من البيان أن السيادة بمعنى الرياسة والطاعة كما يقال : فلان سيد بني فلان يعني رئيسهم المطاع فيهم وأكرمهم ، وأصل السيادة الملك ومنه سمّي مالك
ص: 191
العبد سيّده، وسمّي الزوج سيّداً للمرأة لأنه يملك أمرها، ثم استعمل اللفظ في المجد والشرف كلّ ذا نص عليه أهل اللغة(1).
وبالجملة فالسيد إذا أُطلق فى العرف العام من دون قرينة دلّ على الرياسة والمجد والشرف ، وإذا أطلق شرعاً ولم تكن ثمة قرينة تعين أحد معانيه فإنّه يفهم منه مالك الأمر الذي تجب طاعته.
فلما كان الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنة كان معنى ذلك أنهما أشرف أهل الجنة ولا يجوز أن يكونا أشرف أهل الجنة وهما في الدنيا مشروفان بل يجب أن يكونا في الدنيا هما الرئيسان المطاعان ليحصل لهما الشرف العالي(2) بعد أبويهما محمد وعلى صلوات الله عليهما وآلهما. فهذا القول من النبي (صلّی الله علیه و آله)فيهما إظهاراً لإمامتهما إذ لا يكون سيد فى الجنة إلا وهو السيد في الدنيا.
ويشهد لذلك صريحاً قول النبي (صلّی الله علیه و آله) في حديث ذكره كثير من المحدثين ورواه المعتزلي في شرحه «سادة أهل المحشر سادة أهل الدنيا أنا وعلي وحسن وحسين وحمزة وجعفر» (3) فقد ثبت بهذا الحديث أن الحسن والحسين سيّدا أهل الدنيا كما أنهما سيّدا أهل الجنة فيكونان الرئيسين اللذين تجب طاعتهما.
فإن قيل : إن لفظ السيادة لا يدل على ملك الأمر والرئاسة في هذا الحديث وإنّما يدلّ على المجد والشرف فيستفاد منه الأفضليّة فقط لأن حمزة وجعفراً ليسا عندكم بإمامين وقد أثبت لهما النبي (صلّی الله علیه و آله) السيادة فلو كان المراد بها هنا الإمامة
ص: 192
لأخرجهما النبي (صلّی الله علیه و آله) منها لأنه لازم على قولكم وحيث لم يخرجهما وجب أن يكون أراد (صلّی الله علیه و آله) بالسيادة هنا الأفضلية دون الرياسة العامة.
قلنا : إنا قد بيّنا أن لفظ السيادة له معان متعدّدة وأن الأصل فيه ملك الأمر وإنّه إذا أُطلق بدون قرينة انصرف إلى هذا المعنى، وإن قامت قرينة على بعض معانيه انصرف إليه بسببها فالقرينة هنا فى حمزة وجعفر المعيّنة لإرادة المجد والشرف من سيادتهما قائمة وهي الاتفاق الحاصل من الأمة على أنهما ليسا بإمامين فتنصرف السيادة المنسوبة إليهما إلى الأفضلية تقديماً للدليل القاطع على الظاهر وذلك بخلاف الحسن والحسين فإنّ جميع الشيعة يقولون بإمامتهما من جهة النصّ وقوم من الصحابة والتابعين قائلون بها فلا قرينة تصرّف معنى السيادة فيهما إلى غير الرياسة العامة التي هي بمعنى الإمامة.
قولك: «يلزم على قولكم أن السيادة بمعنى الإمامة إخراج حمزة وجعفر منها لأنهما ليسا بإمامين عندكم ».
قلنا : لا يلزم ذلك فإنّه غاية الأمر لزوم استعمال اللفظ المشترك في كلا معنيبه على قولنا ولا بأس به فقد أجازه جملة من الأصوليين(1) ويشهد لصحته وروده في القرآن الكريم، قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتَهُ )(2) وقوله تعالى:
ص: 193
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيُّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلَّمُوا تَسْلِيماً) (1) فجمع في اللفظ بين صلاة الله وهي الرحمة وبين صلاة الملائكة وهي الاستغفار، واستعمل اللفظ فيهما معا على اختلافهما فزال الإيراد.
ثم يقال : ويلزم على قولك أيضاً ما نريده لأنا نوجب الإمامة للأفضل، ويفهم من كلام قوم من العامة القرب إلى اختيار ذلك فإذا كان الحسنان أفضل الناس وجبت لهما الإمامة وكان الخبر نصاً على إمامتهما. وما ذكره المعتزلة من جواز تقديمالمفضول على الأفضل (2) قد أبطلناه فيما سبق.
ثمّ إنّ الخبر نصّ في أفضلية أمير المؤمنين والحسنين وحمزة وجعفر على جميع الصحابة ومن بعدهم، وبذلك قال ابن أبي الحديد وجمع كثير من أصحابه المعتزلة كجعفر بن مبشر وبشر بن المعتمر وأبي موسى وسائر قدماء البغداديين من المعتزلة ، وأبي القاسم البلخي وأبي الحسين الخياط وهو شيخ المتأخرين من معتزلة بغداد، وأبي جعفر الإسكافي والتفضيل عندهم مرتب بين الخمسة فالأفضل علي ثم الحسن ثم الحسين ثم حمزة ثم جعفر ثم بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان .
قال أبو جعفر الإسكافي في هذا المقام: والمراد بالأفضل أكرمهم عند الله وأكثرهم ثواباً وأرفعهم في دار الجزاء منزلة (3).
وقال ابن أبي الحديد: أعجبني هذا المذهب وسررت بأن ذهب الكثير من شيوخنا إليه(4).
ص: 194
قلت: ويدلّ على أفضلية حمزة وجعفر على ما سوى علي والحسنين من الصحابة قول النبي (صلّی الله علیه و آله)«خير الناس حمزة وجعفر وعلي» رواه أبو الفرج الأصفهاني(1) وغيره من محدثي القوم (2)، وقوله (صلّی الله علیه و آله) لجعفر: «أشبهت خلقي و خُلقي» ذكره ابن أبي الحديد (3) وغيره (4) ، وقوله(صلّی الله علیه و آله) : «حمزة سيدالشهداء» وهو خبر مشهور بل متواتر (5)، وقوله (صلّی الله علیه و آله) لجعفر: «خلق الناس من أشجار شتى و خلقت أنا وجعفر من شجرة واحدة أو قال طينة واحدة» رواه أبو الفرج أيضاً(6) وغيره (7).
ولمّا قدم جعفر من الحبشة وقد فتحت خيبر التزمه وجعل يقبّل عينيه ويقول :«ما أدري بأيهما أنا أشد فرحاً: بقدوم جعفر أم بفتح خيبر» ذكره جملة من المحدثين (8) ، وما أولانا هنا بذكر أبيات في هذا المعنى لحسّان بن ثابت من قصيدة يرثي بها جعفراً وأصحابه بموتة قال في جملتها :
ص: 195
رأيت خيار المسلمين (1) تواردوا *** شعوب وخلق (2) بعدهم يتأخرُ
غداة غدوا بالمؤمنين يقودهم *** إلى الموت ميمون النقيبة أزهر
أغر كضوء البدر من آل هاشم *** أبي إذا سيم الظلامة أصعر (3)
وكنا نرى في جعفر من محمد *** وقاراً وأمراً حازماً حين يأمرُ
وما زال في الإسلام من آل هاشم *** دعائم صدق لا ترام و مفخر
هم جبل الإسلام والناس حولهم *** رضام(4) إلى طود يطول ويقهر (5)
بهاليل منهم جعفر وابن أُمه *** علي ومنهم أحمد المتخيرُ
وحمزة والعباس منهم ومنهم *** عقيل وماء العود من حيث يعصرُ
بهم تفرج الغماء(6) في كل مأزق *** عماس إذا ما ضاق بالناس مصدر
هم أولياء الله أنزل حكمه *** عليهم وفيهم والكتاب المطهر (7)
روى ذلك محمد بن إسحاق بن يسار في كتاب المغازي(8) وما أدري ما تصنع الأشاعرة في هذا الحديث الذي صرّح بأفضلية حمزة وجعفر على أئمّتهم ؟ وماذا يقولون فيه وقد رواه محدّثوهم كالديلمي وغيره ولفظه في روايته: «نحن بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة: أنا وحمزة وجعفر والحسن والحسين
ص: 196
والمهدي (1) مع أنّهم يقولون إن أفضل الصحابة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان(2)، ويبنون على ذلك ثبوت إمامتهم، وهذا الحديث وغيره يبطل ما زعموه ولازم ذلك بطلان إمامة مشايخهم كما ترى.
وما عسى ان أقول في الفريقين فإنّ كلاً منهما فارق الصواب وتاه في غمرات الشك والارتياب . ثم نرجع إلى إتمام الكلام واستيفاء المرام في إثبات النصّ على السبطين بالإمامة ، فنقول:
ومما يصرّح بما ذكرناه من ذهاب قوم من الصحابة إلى إمامة الحسنين من جهة النص ما رواه ابن أبي الحديد قال : لما تقاعس محمّد يوم الجمل وحمل علي بالراية فضعضع أركان عسكر الجمل دفع إليه الراية وقال: امح الأولى بالأخرى، وهذه الأنصار معك، وضم إليه خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين في جمع الأنصار كثير منهم من أهل بدر، فحمل حملات كثيرة أزال بها القوم عن مواقفهم وأبلى بلاء حسناً، فقال خزيمة بن ثابت لعلي (علیه السّلام): أما أنه لو كان غير محمد اليوم لا فتضح .
إلى أن قال : وقالت الأنصار يا أمير المؤمنين لولا ما جعل الله للحسن والحسين ما قدمنا على محمد أحداً من العرب. فقال علي (علیه السّلام) : «أين النجم من الشمس والقمر؟ أما إنّه قد أغنى وأبلى وله فضله».
ص: 197
إلى أن قال: فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنّا والله ما نجعله كالحسن والحسين ولا نظلمهما له ولا نظلمه لفضلهما عليه حقه .
قال : فقال خزيمة بن ثابت فيه :
محمد ما في عودك اليوم وصمة(1) *** ولاكنت في الحرب الضروس مغرّدا (2)
أبوك الذي لم يركب الخيل مثله *** علي وسماك النبي محمدا
وأنت بحمد الله أطول غالب (3) *** لساناً وأنداهاذ(4) بما ملكت يدا
وأقربها من كلّ خير تريده *** قريش وأوفاها إذا قال موعدا
وأطعنهم صدر الكمي(5) برمحه *** وأكساهم للهام (6) غضباً (7) مهنّدا
سوى أخويك السيدين كلاهما *** إمام الورى والداعيان إلى الهدى
ص: 198
الأبيات (1) فأثبت خزيمة (رحمه الله) الإمامة بمحضر من الأنصار وغيرهم من الصحابة.
ولا يجوز ذلك لغير نص، إذ على القول بأن الإمامة لا تثبت إلا باختيار المسلمين ولا يكون الإمام إماماً إلا بالبيعة له من نفر تثبت بمبايعتهم له الإمامة، والحسن والحسين إذ ذاك غير إمامين، إذ لم تجر لهما بيعة، ولا وقع للمسلمين اختيار فيهما، فيكون إثبات الإمامة لهما غير جائز ولكان أمير المؤمنين (علیه السّلام) والصحابة لا يقررون خزيمة على ذلك، لكنّه أثبت لهما الإمامة وهو ذو الشهادتين (2) ، وقرّره على (علیه السّلام) الذي لا يقرّر على باطل قط، وخيار الصحابة.
فيجب أن يكون استفاد إمامتهما من النص وباقي الجماعة مطلعون على ذلك، فلذا (3) قرروه على ما قال فيثبت المطلوب، وما ذلك النص إلا ما نذكره هاهنا وأمثاله مما رواه أصحابنا .
وروى ابن أبي الحديد أيضاً عن نصر بن مزاحم في حديث قال: قام الأعور الشني إلى علي (علیه السّلام) في صفين فقال: يا أمير المؤمنين، زاد الله في سرورك وهداك، نظرت بنور الله فقدّمت رجالاً وأخرت رجالاً، عليك أن تقول وعلينا أن نفعل أنت الإمام فإن هلكت فهذان [من بعدك ] - يعني حسناً وحسيناً - الحديث(4)،
ص: 199
والأمر فيه كالأول، فإنّه أثبت للحسن والحسين الإمامة، فإن كان من حيث البيعة لهما فلم تجر لهما بيعة على الناس في ذلك الوقت، وإن كان لنص معلوم عن النبي (صلّی الله علیه و آله) بين الصحابة والتابعين أو لأن الإمامة ميراث النبي (صلّی الله علیه و آله) فهي لأقرب (1) الناس إليه وهما الأقرب فقد ثبت ما نقول، وتقرير أمير المؤمنين (علیه السّلام) إياه مع باقي الجماعة الأخيار حجّة ظاهرة في المقصود .
وما ورد بلفظ المودّة فقوله تعالى: (قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (2) وينبغي أولاً أن نذكر من المراد بالقربى ثم نبيّن بعد ذلك دلالة الآية على الإمامة، فنقول : قد ذكرنا في بيان العترة ما يدل من الأخبار صريحاً على أن القربي علي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السّلام)، وابن أبي الحديد قد وافقنا على ذلك وأثبت أنّ القُربى في الآية هم العترة، وقد سمعت النقل عنه هناك أن العترة مختصة بمن ذكرناهم دون باقي العشيرة وسائر الذرّيَّة (3) ، وتقدم عن ابن حجر في الصواعق أن القربى مؤمنو بني هاشم والمطّلب (4).
وقال صاحب المواهب(5): المراد بالقربى من ينسب إلى جده الأقرب عبد المطّلب (6).
ص: 200
وقال ابن عطية: قريش كلّها قربى(1).
وقال في إسعاف الراغبين: وفى الآية تفسير آخر وهو أن المعنى ولكن أسألكم أن تؤدوني وتكفّوا عنّي أذاكم بسبب ما بيني وبينكم من القرابة(2)، انتهى .
ولا ريب في بعد هذا المعنى أو عدم كونه مقصوداً من اللفظ لأنه لو كان هذا هو المراد تعيّن أن تكون الآية خاصة بقريش أو ببعضهم على ما يقتضيه معنى القرابة في اللغة فيكون الخطاب لهم خاصة دون باقي الأمة فلا تجب عليهم مودة النبى (صلّی الله علیه و آله) من هذه الآية لفقدان سببها فيهم وهو القرابة بين النبي (صلّی الله علیه و آله) وبينهم، وهذا باطل قطعاً، والاتفاق على أن الخطاب في الآية لجميع الأمة حاصل فالوجه المذكور فاسد باليقين.
وأخبرني بعض الإخوان عن بعض أهل التعصب أنه كان يقول: إنّ المراد بالقربى العمل ، والمعنى: قل لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودة فيما يقرّبكم إلى الله وهو أقرب إلى اللفظ من سابقه، لكنه مقدوح فيه بما ذكره جماعة من أهل اللغة من أنّ القربى لا يستعمل إلا في الرحم كالقرابة والقربة فيما يقرب إلى الله تعالى ذكره في المصباح المنير (3).
وتبطل هذه الأقوال جميعها غير الأول بما قدمنا في معنى العترة من قول النبي (صلّی الله علیه و آله) لمّا نزلت الآية، فسُئل : من قرابتك الذين نزلت فيهم الآية ؟ قال : «على وفاطمة وابناهما» (4).
ص: 201
وما رواه الشدي عن أبي مالك عن ابن عبّاس في قوله تعالى: ﴿وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً )(1) قال : المودة لآل محمد(2).
وممّا يدل صريحاً على إخراج قريش من القربى واختصاصها بمن ذكرنا ما رواه ابن أبي الحديد فيما قدمناه عن أحمد بن حنبل من قول النبي (صلّی الله علیه و آله): «قدموا قريشاً ولا تقدّموها» إلى أن قال : «أيها الناس أوصيكم بحب ذي قرباها أخي وابن عمي علي بن أبي طالب»(3) الخبر فخصص (صلّی الله علیه و آله) ذا القربى بعلي وأخرج سائر قريش وبني هاشم منها ، أما فاطمة والحسن والحسين فهم مثل أمير المؤمنين لم يقل حد باختصاصه (علیه السّلام) دونهم بالقرابة وما رواه أيضاً عن أحمد بن حنبل من قول النبي (صلّی الله علیه و آله) : «إنى قائل لكم قولاً غير محاب فيه القرابتي : إنّ السعيد كل السعيد حقّ السعيد من أحبّ عليّاً في حياته وبعد موته» (4) فخصّ القرابة بعلي (علیه السّلام) كما ترى.
فصح من هذا كله أن المراد بالقربى علي وفاطمة والحسن والحسين ومن حلّ محلّهم من الأئمة كما ذكرناه فى العترة ، فمعنى القربى ذي القربى ومعنى المودة المحبّة، وقد ورد في لزوم محبّة أهل البيت أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر، فمنها ما تلوناه عليك فيما سبق.
ومنها : ما رواه الترمذي والحاكم وصححه على شرط الشيخين عن ابن عبّاس
ص: 202
قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله): «أحبّوا الله لما يغنيكم به وأحبوني بحبّ الله ، وأحبوا أهل بيني بحبي»(1) .
وأخرج الحاكم عن أبي هريرة أن النبي (صلّی الله علیه و آله) قال: «خيركم خيركم لأهلي من بعدي »(2).
وأخرج ابن سعد والملا في سيرته أنه (صلّی الله علیه و آله)قال : «استوصوا بأهل بيتي خيراً فإنّي أُخاصمكم عنهم غداً، ومن أكن خصمه أخصمه، ومن أخصمه خصمه الله» (3).
وقال في إسعاف الراغبين : وروي أنه (صلّی الله علیه و آله) قال : «الزموا مودّتنا أهل البيت فإنّه من لقى الله عزّ وجلّ وهو يودّنا دخل الجنّة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلا بمعرفة حقّنا »(4).
وروى الديلمي والطبراني والبيهقي وأبو الشيخ بن حيّان مرفوعاً إنه (صلّی الله علیه و آله) قال : «لا يؤمن عبد حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه وتكون عترتي أحبّ إليه من عترته، وأهلي أحبّ إليه من أهله، وذاتي أحب إليه من ذاته» (5).
وفي الإسعاف وروى أبو الشيخ عن علي (علیه السلام) قال : «خرج رسول الله (صلّی الله علیه و آله) مغضباً
ص: 203
حتى استوى على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال رجال يؤذونني في أهل بيتي والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحبني ولا يحبني حتى يحبّ ذریتی»(1).
وروى أحمد مرفوعاً: «من أبغض أهل البيت فهو منافق»(2).
وعن أبي سعيد إنه (صلّی الله علیه و آله) قال : «لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار». رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين (3) .
وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة أنه (صلّی الله علیه و آله)قال في حسن وحسين (علیهما السّلام):«اللهم إنّي أحبّهما وأحب من يحبهما» (4).
وروى الترمذي وأحمد عن علي (علیه السّلام)قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة» (5) .
والأحاديث في هذا الباب لا تحصى كثرة وكلها مصرحة بوجوب حبّهم و تحريم بغضهم واستحقاق مبغضهم دخول النار.
قال الفخر الرازي: إن أهل بيته يعني النبي (صلّی الله علیه و آله) ساوره في خمسة أشياء - إلى أن
ص: 204
قال : - وفي المحبّة قال الله تعالى: ﴿ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبكُمُ اللهُ)(1) وقال تعالى : ( قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (2) .
واعلم أنّه يفهم من هذه الأخبار أن المحبة واجبة لمن ذكرناهم دون قريش وسائر بني هاشم وبعضها مصرّح بذلك لتخصيص المحبة فيها بعلي وفاطمة و الحسنين (علیهما السّلام) ، فيحمل عليه غيره. وأيضاً لو وجبت المودة لقريش وبني هاشم کافّة لوجبت معرفتهم لأنها هنا مودة خاصة بمعنى المتابعة لهم ومخالفة من يخالفهم، وليست بمودة عامة كمودة سائر المؤمنين بعضهم لبعض من حيث الإيمان والأخوة في الدين، وإذا كانت المودة هنا بمعنى المتابعة التامة - كما سنبيّنه - وجبت معرفة متعلّقها ، لأنّ من ليس بمعروف ليس بمتبوع فليس بمحبوب، بل مطلق المحبّة إذا وجبت وجب أن يعرف من وجبت له، وليس تجب معرفة أحد من ذوي رحم النبي ا(صلّی الله علیه و آله) بالإجماع غير الأئمة وفاطمة (علیهما السّلام)، فيتعين أن يكونوا هم المعينين بالمودة والمخصوصين بالقربى والمجتبين للمتابعة دون من سواهم.
إذا تحقّقت ذلك فاعلم أن الآية دالّة على إمامة ذوي القربى من جهة وجوب مودّتهم ولزوم محبّتهم وحقيقة المحبّة الميل إلى المحبوب وإيثار مرضاته و محبوباته على مرضاة النفس ومحبوباتها والتأدّب بآداب المحبوب والتخلّق بأخلاقه كما يشير إليه قوله تعالى : (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) (3)وهذه الحالة هي المتابعة أو أنها تستلزمها.
ص: 205
وقد قال الصبّان الشافعي في معنى المحبة : إن المحبّة المعتبرة الممدوحة هي ما كانت مع اتّباع سنّة المحبوب(1).
وبالجملة إنّ المحبّة الحقيقية إما أنّها نفس المتابعة للمحبوب، لأنّها عبارة عن الميل إليه وانجذاب النفس إلى طلب رضاه ومرجعها إلى طاعة المحب للمحبوب، وإما أنها مستلزمة للمتابعة يجعلها حالة في النفس لأجلها يطلب مراضي المحبوب ويجتنب لها مسخوطاته، إلا أن الأول هو المراد من الآية، لأنه تعالى أراد المودة الخاصة التي هي بمعنى الموالاة لهم وقبول أقوالهم والأخذ بها . ويوضّح هذا المعنى أنه تعالى أوجب مودة ذوي القربى على المكلّفين ولا يكلّف الله العباد ما لا يطيقون، لأنة قبيح عقلاً ومنفيّ شرعاً، ومن المتيقّن أنّ المكلفين قادرون على المودّة التي هي بمعنى المتابعة وليسوا بقادرين على تحصيل تلك الحالة التي تدعو إلى المتابعة، لأنّها من فعل الله لا من فعل المكلّف فلا يستطيع أحد أن يلقي في نفسه محبّة أحد ولا بغض أحد ، وإنما تحدث المحبّة بأسباب أخر خارجة عن نفس إرادة الإنسان كما قال الله تعالى: ﴿ وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَضْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) (2) فلا تكون المحبة بهذا المعنى مطلوبة من المكلّف لعدم قدرته عليها وقيح تكليف الإنسان بما ليس في وسعه.
والحاصل أن هذه المودة قبل حصولها لا تطلب من المكلف لخروجها عن طاقته، وبعد حصولها له لا معنى لطلبها منه، لأنه تحصيل حاصل وهو ممتنع ولأن المطلوبية تقتضي التكليف، وهو يستلزم المشقة، ولا مشقة في المودة بعد
ص: 206
حصولها، وإنّما المشقة فى تركها فلا فائدة فى التكليف بها حينئذ، فيتعيّن أنّ المطلوب هو المودّة بالمعنى الأوّل أعنى المتابعة، لأنّها هي المقدور عليها ولحصول المشقة فيها وتعلق فائدة التكليف وهو بيان المطيع من العاصي بها فالتكليف بها حسن .
ويشير إلى ما ذكرنا قول النبي (صلّی الله علیه و آله) فيما رواه ابن خالويه : «مَن مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً. ألا ومن مات على حبّ آل محمد مات مؤمناً. ألا ومن مات على حب آل محمّد يُزفّ إلى الجنّة كما تُزفّ العروس إلى زوجها »(1) لعدم حصول الإيمان وغيره من المذكورات بدون المتابعة في القول والعمل، إذ لو كان المراد غير المتابعة من المحبة في الخبر لاستحقّ ما ذكر الفساق بل الكفّار إذا حصل لهم حالة تقتضى الميل إلى آل محمد (صلّی الله علیه و آله)، وهذا باطل البتّة؛ فالمعنى: من مات على متابعة آل محمد مات شهيداً، إلى آخره.
نعم المودّة بمعنى المتابعة يحصل منها المعنى الآخر، لأن متابعة شخص الآخر وقبول قوله ورضاه بحكمه مما يبعث على زيادة الميل إليه والأخذ عنه واقتفاء آثاره في أفعاله، فإذا تكرّرت صارت صفة حاصلة في النفس حتى تصير ملكة كباقي الملكات لا ينكر هذا ذو روية.
ومن جملة ما حرّرناه تبيّن وتعيّن أن المراد بالمودة في القربى هي متابعتهم،
ص: 207
وإذا وجبت متابعتهم فى الأقوال والأفعال وجب أن يكونوا هم الأئمة، إذ لا مفروض طاعته غير الإمام ، ولا يجب اتّباعه على التعيين، إلّا الرئيس العام على أنّ حمل الآية على المعنى الثاني من المودّة لا يضرّنا في الاستدلال بها على المقصود ، لأنّ فرض المتابعة وفرض ما لأجله تحصل المتابعة سيّان في إفادة إيجاب الطاعة.
وإنّما ذكرنا ما ذكرنا لبيان أن المودة في الآية لا يصح جعلها بمعنى الحالة المستلزمة للمتابعة لمكان المطلوبيّة ولا يطلب غير المقدور وإلا فالآية على الإطلاق تدلّ على مطلوبنا.
ومما يناسب المقام ما أخرجه السلفي عن محمّد بن الحنفية في قوله عزّوجلّ: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّا )(1) إِنَّه قال : لا يبقى مؤمن إلا وفي قلبه ودّ لعلي (علیه السّلام) وأهل بيته (2).
قال في الإسعاف: وذكر النقاشي في تفسيره إنها نزلت في علي (علیه السّلام)(3) فيكون المراد أنّ محبّ علي وأهل بيته لابدّ أن يكون مؤمناً ، وأن المؤمن لا محالة يكون مودّاً لهم ، ومبغضهم ليس بمؤمن البتّة، فصح أن الإيمان لا يتمّ إلا بمتابعتهم، وما لا يتم الإيمان إلا بمتابعته فهو إمام بلا شك .
ص: 208
وما ورد بلفظ الاعتصام ما أخرجه الثعلبي في تفسير قوله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً) (1) عن جعفر الصادق إنّه قال: «نحن حبل الله»(2) وهو مناسب لما تقدّم من جعل النبى (صلّی الله علیه و آله) الكتاب والعترة حبلين ممدودين.
وفى معناه ما رواه في الإسعاف عن جماعة من أصحاب السنن عن عدة من الصحابة أن النبى (صلّی الله علیه و آله) قال : «مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلّف عنها هلك». وفي رواية: «غرق». وفي أُخرى: «زج في النار».
قال : وفي أخرى عن أبي ذر زيادة: وسمعته يقول: «أجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد، ومكان العينين من الرأس، ولا يهتدي الرأس إلا بالعينين» (3).
أقول: وهذه الأحاديث مصرّحة بوجوب اتّباع العترة والاقتداء بهم وناصّة على نجاة متّبعهم وهلاك مخالفهم، وأن الهداية لا تحصل إلّا بهم، لأنّ الاعتصام والركوب وجعلهم كالعينين من الرأس كله كناية عن متابعتهم وعبارة عن الأخذ بقولهم لا معنى له غير ذلك، وهذه هي الإمامة بعينها، إذ لا يجب على المكلفين متابعة غير الإمام ، فهذه من أوضح النصوص على إمامة العترة وبطلان أقوال جميع من سواهم من الناس مما يخالف أقوالهم وفسادها، لأن من عمل بقول غيرهم أو
ص: 209
مخالفهم في قول أو عمل فقد ترك الاعتصام بحبل الله وتخلف عن سفينة النجاة وتبع العجز وترك الرأس ومن كان كذلك زجّ في النار .
فأين يذهب بابن أبى الحديد وأصحابه والأشعري وفريقه ومن أعرض من الصحابة والتابعين ومن أتى بعدهم عن أهل البيت وقدم عليهم غيرهم وفضله عليهم مع علمهم بورود هذه الأدلة ؟ أليسوا بذلك قد تعمدوا الهلاك واقتحموا في غمرة الضلال ؟ فسبحان الله ما أصبرهم على النار وما أشدّ عداوتهم لعترة النبي المختار! تراهم يكفّرون من لعن أحداً من الصحابة التابعين للثلاثة ولا يكفرون معاوية وتابعيه إذ لعنوا أمير المؤمنين (علیه السّلام) وأولاده، وهو تاج الصحابة وسيد المسلمين، مع اشتهار قول النبي (صلّی الله علیه و آله) فيه بينهم : «من سبّك فقد سبّني ومن سبّني فقد سبّ الله» (1) وهذا من أدل الأدلة على تركهم العمل بمضمون ما رووه في حق أهل البيت (علیهم السّلام) وإعراضهم عنه على عمد.
ومن أعجب الأمور إنكارهم النصّ عليهم والوصية من النبي (صلّی الله علیه و آله) ، وأي نص أصرح من هذه النصوص ؟ وأي وصيّة أبلغ من هذه الوصية ؟ وما أدري لو أراد أحد أن يوصي بمتابعة آخر عند هؤلاء ماذا يقول ؟ أبأ جلى من هذه الأقوال ينطق؟ كلّا، ولكنّهم مالوا عن الحق فقاتلهم الله أنّى يؤفكون.
ومما ورد في أنّ الولاية والوصية والوراثة في أهل البيت قول أمير المؤمنين (علیه السّلام)
ص: 210
في بعض خطبه في النهج : «لا يقاس بال محمد من هذه الأمة أحد، ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً، هم أساس الدين وعماد اليقين ، إليهم يفيء الغالي ،وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة، الآن إذ رجع الحق إلى أهله ونقل إلى منتقله» (1) الخطبة.
والمراد بالولاية ولاية النبي (صلّی الله علیه و آله)على الأمة بقوله تعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ)(2) وهذه هى الإمامة، والمراد بالوصيّة وصية النبي (صلّی الله علیه و آله) بمتابعتهم ونصّه عليهم بالإمامة. والمراد بالوراثة وراثة العلم والمنزلة، وهي الإمامة، إذ لا نبوة بعد النبي (صلّی الله علیه و آله)، وليس كما ذكره ابن أبي الحديد من أن الوصية ليست النص والخلافة، بل هي أمور أخر كما تقدّم ذكره عنه، إذ لا تمدح ولا فضيلة في الوصية بدون الخلافة من الأمور التي عظمها هناك.
وليس مقصود أمير المؤمنين (علیه السّلام) من الكلام كله إلا إظهار إمامة الآل (3) وتقدمهم علی جميع الأمة بسبب ولاية الرسول صلى الله عليه وسلم ووصيّته إليهم بالأمر ولهم بالطاعة من الأمة والمتابعة، ولو كان غير ذلك لما كان فيه عظيم خطر يوجب «ألا يقاس بهم أحد» فقد أوصى النبي (صلّی الله علیه و آله) إلى كثير من أصحابه في أُمور وعهد إليهم في أشياء كثيرة كسلمان وأبي ذر وحذيفة وعمّار حين قال له: «تقتلك الفئة الباغية» (4)وغيرهم من الصحابة يطول تعدادهم.
ص: 211
وعهد إلى جملة من الأنصار أن يقاتلوا مع علي الناكثين والقاسطين والمارقين، كما روي عن أبي أيوب الأنصاري، وقد روى المعتزلي (1) وغيره ذلك (2) ولم يقل أحد: إنّهم أوصياء رسول الله (صلّی الله علیه و آله) لذلك.
وعهد إلى عائشة والزبير أنّهما يخرجان إلى قتال علي (علیه السّلام) وهما له ظالمان، وأخبر عائشة أنها تركب الجمل الأزب، وتنبحها كلاب الحوأب، يُقتل حولها قتلى كثير كلّهم في النار، وتنجو بعد ما كادت، رواه المعتزلي (3) وغيره.
وأخبر معاوية على ما رووا أنه يلى الأمة ويتخذ السنة بدعة والبدعة سنة (4) إلى غير ذلك، ولم يصر أحد من هؤلاء وصي رسول الله (صلّی الله علیه و آله) بذلك، فليس المراد من الوصيّة إلّا النص والخلافة لأنهما هما المتبادران من قولنا : فلان وصي النبي .
وأيضاً إن مقام المدح يقتضي اختصاص الممدوح بتلك الصفة دون غيره، ومن المعلوم أن أمير المؤمنين (علیه السّلام) قصد اختصاص أهل البيت بهذا الوصف وأخويه دون من سواهم من الأمة كما يصرح بذلك قوله في أول الكلام: «لا يقاس بآل محمّد من هذه الأمة أحد ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه» (5) ثم ذكر ما لهم من الأوصاف التي اختصوا بها، ولم تكن في غيرهم حتى يصح ما قاله من عدم مقايسة غيرهم بهم وعدم تسويته بهم، فقال: «هم أساس الدين» إلى آخر الأوصاف التي من جملتها أن فيهم الوصية، ولو شاركهم غيرهم في هذه الصفات
ص: 212
إذن لارتفع المدح بزوال الاختصاص ولم يقع الكلام موقعه.
والوصيّة ببعض الأمور كما ذكر الخصم لا يختصون بها لما ذكرناه من إيصاء النبئ (صلّی الله علیه و آله) بأمور مخصوصة لأناس كثير من أصحابه بالخصوص ولجملتهم بقوله: «خلّفت فيكم الثقلين» (1) وقوله : «أخرجوا المشركين (2) من جزيرة العرب حتى لا يبقى فيها إلا مؤمن» أو قال: «مسلم موحد»، و«أجيزوا الوفد بمثل ما أجيزه»(3)، وقوله: «كفّنوني في كذا وكذا وأدخلوا علي فوجاً فوجاً للصلاة علي»(4) ولقريش خاصة بقوله : «أوصيكم بالأنصار خيراً فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم» (5) وكثير من أمثال هذا.
ولمّا كانت الوصيّة ببعض الأمور ليست ممّا تميزوا بها عن غيرهم واختصوا بها دون من سواهم وجب حمل الوصيّة على ما لم يشاركهم فيه غيرهم وليس إلا النص والخلافة وثبت المطلوب .
ص: 213
وأمّا قول ابن أبي الحديد: «لعلها أي تلك الأمور إذا لمحت أشرف وأجل»(1)يعني من النص والخلافة فهو باطل مخدوش ، إذ لا منصب أجلّ من الإمامة ولا منزلة أشرف من الخلافة، فإنها مقام الأنبياء ومنزلة الأولياء الأصفياء، قال الله تعالى لإبراهيم: (إنّي جَاعِلُكَ ِللنَّاسِ إِمَاماً) (2) فَمِنْ عِظَمِها عنده قال: (وَمِنْ ذُريَّتِي ) يعني واجعل من ذريتي إماماً، فكان فرحه بها أعظم من فرحه بالنبوة لسرّ لا يعلمه ابن أبي الحديد ولا أصحابه وقال تعالى :لداود: ﴿ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً في الأرْضِ )(3) فأي مقام أشرف وأعلى من مقام يمنن الله على أنبيائه الكرام يجعلهم من أهله وإعطائهم إياه ؟!
ولعمري ما عرف ابن أبي الحديد وأصحابه قدر الإمامة بل ولا فهموا معناها، وإنّما فهموا منها ما فهمه إمامهم ابن الخطاب حيث جعلها من أمور الدنيا، ولم يدر أنّها الشرف الأسنى والمقام الأعلى الذي لا يصلح له إلا الأنبياء وكرام الأمور الدينية والدنيوية تبع لها والأعمال مشروطة بها، الأوصياء، وإن جميع ومنوطة صحتها بمعرفتها، وإن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات جاهليّاً.
ولو عرف المعتزلي ذلك حق المعرفة لما تفوه بما قال ولما حكم بأن ابن الخطّاب وغيره من سائر الأصحاب أهل للإمامة التي هي منصب الرسل الأنجاب فقد لعمر الله جهل هو وأصحابه مقامها وصغروا قدرها وهوّنوا أمرها، وحقّروا جلالتها ، ووضعوا شرفها، وجعلوا أمرها إليهم وزمامها بأيديهم، وهي التي جعلها
ص: 214
الله لرسله وأوصيائهم ، واختص بها أنبياءه والأصفياء من أوليائهم ، فقال : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) (1).
وكذلك الوراثة كما ذكرنا ليس كما قال ابن أبى الحديد: «إنّها وراثة العلم خاصّة »(2)، لما بيّناه في لفظ الوصية، لأن الكلام يقتضي اختصاصهم بالوراثة دون سائر الأمّة وعدم مشاركة أحدهم فيها ، إذ لولا ذلك لما كانوا هم الوارثين خاصة، بل هم شركاء غيرهم وحملها على وراثة العلم يزيل الاختصاص، فإن كثيراً من الصحابة قد أخذوا عن النبى الله علما ورواية كعبد الله بن مسعود وسلمان و ابي ذر والمقداد وعمّار وأبي بن كعب وجابر بن عبد الله وزيد بن ثابت وعبد الله العباس في أضرابهم وأشباههم .
وقد روى الخصم حديث: «العلماء ورثة الأنبياء» (3)، فأي مزيّة لأهل بيت النبي (صلّی الله علیه و آله)؟ وأية خصوصية لهم في شيء شاركهم فيه جمع كثير من الناس و ساهمهم فيه جم غفير من غفير من الأُمة حتى يقال لهم : ورثة النبي (صلّی الله علیه و آله) دون غيرهم والحال أن غيرهم قد قاسمهم إيَّاها وأخذ نصيبه منها ؛ فوجب لهذا حمل الوراثة على المنزلة والعلم معاً ليثبت الاختصاص وعلى المال أيضاً لبطلان رواية الشيخ الكبير كما سبق بيانه. فتبيّن أنّ منزلة النبي (صلّی الله علیه و آله) ميراث لهم (4)كما أن جميع ماله وعلمه لهم، فهم خلفاؤه وأولياؤه وسفراؤه، ويصدّق هذا قول الله تعالى : ( وأُولُوا
ص: 215
الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ) (1) .
على أنا لو قبلنا قول ابن أبي الحديد لم يكن الكلام خارجاً عن الدلالة على ما نقول ، لأن أهل البيت إذا كانوا وارثين علم النبى (صلّی الله علیه و آله) وجب أن يكونوا خلفاءه لوجوب الرجوع إليهم في الحلال والحرام والقضايا والأحكام، لأن علم النبي (صلّی الله علیه و آله) عندهم وغيرهم خلو منه ، وإذا وجب الاقتداء بهم في أحكام الدين وجب أن يكونوا هم الأئمة، لأن المقتدى به عندنا هو الإمام، ومن ليست له هذه المنزلة إذا ادّعی الإمامة فهو ظالم غاصب ومتقوّل كاذب ،ولاشتراط الأعلمية عندنا في الإمام كما بيّن من قبل، ويثبت المقصود .
وليس لأحد أن يترك الاقتداء بهم ويعدل عنهم إلى غيرهم، لأنّه يكون تاركاً للعمل بقول النبي (صلّی الله علیه و آله) تعمداً لأن علمه عندهم، فمن أخذ بقول من خالفهم فقد خالف النبي (صلّی الله علیه و آله) يقيناً فتثبت لهم بذلك الإمامة قطعاً، والله الهادي.
وقوله (علیه السّلام): «الآن إذ رجع الحق إلى أهله» (2) إلى آخره، صريح في أن الخلافة قبل أن يملك هو أمرها ظاهراً كانت في غير أهلها فهي مغصوبة منهوبة وهو نصّ مذهبنا ، وبالله المستعان .
ومما ورد في المعنى قول أمير المؤمنين في بعض خطبه في النهج: «نحن شجرة النبوّة ومحطّ الرسالة ومختلف الملائكة، ومعادن العلم وينابيع الحكم ،
ص: 216
ناصرنا ومحّبنا ينتظر الرحمة، وعدونا ومبغضنا ينتظر السطوة»(1) وهذه الخطبة ظاهرة فى أن أهل البيت وارثوا منزلة الرسول وعلمه وحكمه لأن قوله: «نحن شجرة النبوة» يشير به إلى أن ميراث النبي (صلّی الله علیه و آله) قد صار لهم لأنه (صلّی الله علیه و آله) منها منهم إذ ليس يجوز أن يريد أنهم أنبياء لأن النبوة قد ختمت بنبيّنا (صلّی الله علیه و آله).
وكذلك قوله: «ومحط الرسالة فإن مقام رسالة النبي (صلّی الله علیه و آله) صار لهم فهم المؤدون عنه إلى الأمة أحكام الدين التي بعث بها والحافظون لها.
ألا تسمع إلى قول النبي (صلّی الله علیه و آله): «لا يؤدّي عنّي إلا أنا أو رجل منّي» (2) .
وفي حديث مضى قبل أنّه قال لعلي (علیه السّلام): «وأنت تؤدّي عنى»(3).
وقوله في حديث رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة عن حبشي (4) بن حتادة قال : قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله): «علي منّي وأنا من علي ولا يؤدّي عنّي إلّا علي» (5).
فهم خلفاؤه وأمناؤه وخلصاؤه وسفراؤه، وليس يريد أنهم رسل لأن الرسالة کملت برسولنا محمد (صلّی الله علیه و آله).
وأما قوله: «ومختلف الملائكة، فلأن الأئمّة (علیهم السّلام) تنزل عليهم الملائكة وتخاطبهم وليس ذلك ببدع فقد خاطبت الملائكة مريم بما حكاه الله تعالى : ( يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ)(6) الآية ، وقول جبرئيل لها : (إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ
ص: 217
لكِ غُلاماً زَكِياً ((1)، وخاطبت سارة بما قصّه الله : (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) (2) فلا يمتنع في خلفاء النبي (صلّی الله علیه و آله) ما جاز في حق سارة ومريم، وقد قال النبي (صلّی الله علیه و آله) لعلي (علیه السّلام) في حديث مرّ ذكره:«إنّك ترى ما أرى وتسمع ما أسمع إلا أنّك لست بنبي» (3) وهو صريح في المطلب.
ويدلّ عليه أيضاً قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ) (4) الآيتين، فهم أولئك إذ لاغيرهم من الأُمة هكذا.
وباقي الخطبة ظاهر المعنى، وهو ينادي بنجاة متّبعهم وهلاك معاديهم ،ويصرّح بأنّهم وارثوا منازل الرسول ومراتبه ؛ وذلك هو المراد.
وذكر في إسعاف الراغبين عن بعضهم في الآية: عن الباقر (علیه السّلام)إنّه قال: «أهل البيت هم الناس»(1).
وهذه الآية صريحة في إمامة أهل البيت وأنها هي الشيء الذي آناهم الله إياه من فضله وحسدهم الناس عليه، لأن الناس لم يحسدوهم على مال أوتوه ولا ثروة حصلوها، ولا جواهر اختزنوها، وإنما حسدوهم على الخلافة ونازعوهم في الإمامة : فالآية دالة على أن الله أتاهم الإمامة وجعلها فيهم وذلك ظاهر.
وأما الأقوال والأفعال الدالّة على تعظيم أهل البيت وجلالة شأنهم ورفعة قدرهم والمشيرة إلى أنهم خلفاء النبي (صلّی الله علیه و آله) الراشدون والمومية إلى أنهم الأئمة المرضيون فكثيرة نذكر منها جملة وافرة:
فمنها: قوله تعالى: (إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً) (2) إِلى قوله تعالى : (إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَشْكُوراً) (3) فقد صح في الرواية أن هذه السورة نزلت في حق علي وفاطمة والحسن والحسين حين جادوا بقوتهم ثلاث ليالٍ على المسكين واليتيم والأسير ، وهم مع ذلك يصومون النهار(4).
قال ابن أبي الحديد مشيراً إلى علي (علیه السّلام) وفيه أنزل قوله تعالى : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً
ص: 219
وَلا شُكُوراً ) (1) ، انتهى (2).
فانظر إلى ما وصفهم الله تعالى به في هذه الآيات من الأوصاف الجليلة وإلى ما مدحهم به من الخصال الجميلة من كونهم أبراراً وأنهم يوفون بالنذر ويخافون يوم القيامة، وخوف الآخرة من وصف أهل الإيمان الكامل ، كما أن عدم خوفها من وصف أهل الكفران ، قال تعالى: ﴿ يَسْتَعْجِلُ بهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ) (3) ووصفهم بالسخاء والجود وهو إطعام الطعام على حبّه ، أي في وقت حاجتهم إليه، وذلك غاية الجود. ووصفهم بصفاء النية وصدق الطويّة وأنهم لم يقصدوا بفعلهم إلا وجهه الكريم ورجاء ما عنده من الثواب الجسيم ، ولم يريدوا بما فعلوا جزاءً ولا محمدة من المسكين والأسير واليتيم.
ثم انظر إلى ما وعدهم الله من الثواب الجزيل وما أعد لهم من العطاء العميم بقوله : (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةٌ وَحْرِيراً ) (4) إلى آخر الآيات المشتملة على ذكر ما أعد لهم من أفضل الهبات فهل رأيت وليّاً من الأولياء غيرهم جمعت له في القرآن هذه الصفات أو صفيّاً من الأصفياء سواهم أُعدّت له هذه العطيّات ؟ وهل هذه الأوصاف إلا أوصاف النبييّن والمرسلين فإنّهم وإن لم يكونوا أنبياءً ورسلاً فإنّهم كانوا من سبلهم سالكين ،
ص: 220
ولمآثرهم ولمراتبهم ومنازلهم ،وارثين أفليس في ذلك كله إشارة إلى إمامتهم وإيماء إلى خلافتهم إن لم تكن دلالة واضحة وعلامة لائحة .
ومنها: ما رواه ابن أبي الحديد عن ابن ديزيل فى كتاب صفين عن يعلى بن عبيد الحنفي، عن إسماعيل السدّي، عن زيد بن أرقم قال : كنا مع رسول الله (صلّی الله علیه و آله) هو في الحجرة يوحى إليه ونحن ننتظره حتى اشتد الحر فجاء علي بن أبي طالب (علیه السّلام) ومعه فاطمة والحسن والحسين (علیهم السّلام) فقعدوا في ظل حائط ينتظرونه فلما خرج رسول الله (صلّی الله علیه و آله) رآهم فأتاهم ووقفنا نحن مكاننا ثم جاء إلينا وهو يظلهم بثوبه ممسكاً بطرف الثوب وعلي ممسك بطرفه الآخر وهو يقول: «اللهم إني أُحبّهم فأحبهم ، اللهم إنّى سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم» . قال : فقال ذلك ثلاث مرات (1) ورواه الحاكم في مستدركه أيضاً (2)، وهو شاهد بأن مقام الرسول لهم حيث جعل سلمهم سلمه وحربهم حربه .
ومنها ما رواه أحمد بن حنبل عن النبي (صلّی الله علیه و آله): «إذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء [وأهل بيتي أمان لأهل الأرض](3) ، وإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض»(4).
وفي رواية صححها الحاكم على شرط الشيخين: «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الاختلاف»(5).
ص: 221
وأخرج جماعة عنه (صلّی الله علیه و آله) إنّه قال : «النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأُمّتى »(1).
وفي أخرى: «أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون» (2).
قال في الإسعاف: وقد يشير إلى هذا المعنى قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ) (3) أُقيم أهل بيته مقامه في الأمان لأنهم منه وهو منهم، كما ورد في بعض الطرق(4) ، انتهى .
وهذه دالّة(5) على انّهم خلفاؤه والقائمون ،مقامه، وتدل أيضاً على وجود إمام منهم في كل زمان قائم مقام النبي (صلّی الله علیه و آله) ليحصل به الأمان لأهل الأرض من الذهاب والاختلاف وهو عين ما نقول، وقد تقدم ذكر هذه الأخبار وتمام تحقيقها في مقدمة الكتاب.
ومنها: ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي (صلّی الله علیه و آله) أنه قال في حسن وحسين: «اللهم إنّي أُحبّهما وأحبّ من يحبّهما» (6).
ص: 222
وروى الترمذي عن أسامة إنه (صلّی الله علیه و آله) أجلس الحسن والحسين يوماً على فخذيه وقال: «هذان ابناي وابنا ابنتي ، اللهم إنّي أُحبّهما فأحبّهما» (1).
وروى عن أنس بن مالك أن النبي (صلّی الله علیه و آله) سئل : أي أهل بيتك أحبّ إليك ؟ فقال : «الحسن والحسين»(2).
وروى الطبراني وابن أبي شيبة أن النبي (صلّی الله علیه و آله) قال فيهما: «اللهم إني أحبّهما فأحبّهما ، وأبغض من أبغضهما» (3).
وروى ابن عساكر وابن مندة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا » (4) ومثله في الصحيحين عن ابن عمر(5).
ومن هذا الباب كثير من الأحاديث المروية في صحاح القوم مما لا يُنكر روايتهم ابن أبي الحديد ولا غيره، ولا يرتاب فيها ، وليسوا من الشيعة الذين قال: إنّه لا يحفل بروايتهم ولا يلتفت إليها، وكلّها دالة على تفضيل الحسن والحسين (علیهما السّلام) لأن محبة النبي (صلّی الله علیه و آله) لهما يلزم منها محبة الله لهما إذ لا يحبّ النبي (صلّی الله علیه و آله) إلا من يحبّه الله ومحبة الله لهما يلزم منها كثرة ثوابهما وذلك هو الفضل ؛ فيجب لهما الإمامة إذ لا يجوز تقديم المفضول على الأفضل.
وأيضاً إن تلك الأقوال من النبي (صلّی الله علیه و آله) تقتضي وجوب محبتهما على وولايتهما، وتشير إلى عدم رضاه بتقدم غيرهما عليهما.
ص: 223
ومنها : ما رواه ابن عساكر وابن مندة أن فاطمة أتت بابنيها فقالت: «يا رسول الله ، هذان ابناك فورّثهما شيئاً. فقال: أما حسن فله هيبتي وسؤددي وأمّا حسين فله جرأتى وجودي»(1).
وفي رواية: «أما الحسن فقد نحلته حلمي وهيبتي، وأما الحسين فقد نحلته تجدتي وجودي» (2)(2).
فهذا الحديث يصرّح بأن الحسن والحسين قد ورثا خصال النبي الحميدة فيكونان وارثى مقامه كما ورثا أخلاقه .
ومنها: ما رواه ابن أبي شيبة وأحمد وجماعة من أصحاب الصحاح عن بريدة قال : كان رسول الله (صلّی الله علیه و آله) يخطب إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران ويقومان، فنزل (صلّی الله علیه و آله) وحملهما ؛ واحداً من ذا الشق وواحداً من ذا الشق ثم صعد المنبر فقال: «صدق الله ، أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) (3) إِنِّي نظرت إلى هذين الغلامين يمشيان ويعثران فلم أصبر فقطعت كلامي ونزلت إليهما»(4).
وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال : أقبل النبي (صلّی الله علیه و آله) وقد حمل الحسن على رقبته فلقيه رجل فقال : نعم المركب ركبت يا غلام ، فقال النبي (صلّی الله علیه و آله) : « ونعم الراكب هو»(5).
ص: 224
وروى الترمذي عن يعلى بن مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «حسين منّي وأنا من حسين ، أحبّ الله من أحبّ حسيناً ، حسين سبط من الأسباط» (1).
وعن يزيد (2) بن أبي زياد قال: خرج رسول الله (صلّی الله علیه و آله) من بيت عائشة فمرّ على بيت فاطمة فسمع حسيناً يبكي، فقال: «ألم تعلمي أنّ بكاءه يؤذيني ؟!» (3).
وعن البراء بن عازب قال: رأيت رسول الله (صلّی الله علیه و آله) حامل الحسين على عاتقه وهو يقول : «اللهم إنّي أُحبّه فأحبّه» (4) ومثل ذلك روي في الحسن (5).
وروى النسائي بسنده عن عبد الله بن شداد عن أبيه قال: خرج علينا رسول الله (صلّی الله علیه و آله) لصلاة العشاء وهو حامل الحسين فتقدّم النبي (صلّی الله علیه و آله) للصلاة فوضعه ثم كبّر وصلّى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة فأطالها، قال [أبي ](6): فرفعت رأسي فإذا الصبى على ظهر رسول الله (صلّی الله علیه و آله) وهو ساجد فرجعت إلى سجودي فلمّا قضى رسول الله (صلّی الله علیه و آله) صلاته قال الناس : يا رسول الله سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننّا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك ، فقال (صلّی الله علیه و آله): «كل ذلك لم يكن ، ولكني ارتحلني الحسن فكرهت أن أُعجّله حتّى ينزل »(7).
ص: 225
وقريب منه رواه ابن سعد عن عبد الله بن الزبير وزاد فيه : ولقد رأيته - يعني النبي (صلّی الله علیه و آله)- وهو راكع يفرج له - يعني الحسن - بين رجليه حتّى يخرج من الجانب الآخر (1).
فانظر إلى هذا التعظيم الجليل من النبى الله (صلّی الله علیه و آله) الحسن والحسين، أتراه يرضى أن يكونا سوقة يتأمّر عليهما غيرهما ؟ أو ما في هذا التبجيل منه لهما إشعار بإرادته تقديمهما وتنبيه للأمّة على تعظيمهما وتفخيمهما وتسليم الأمر إليهما وانقياد الناس إلى حكمهما ؟ بلى والله فيه دليل ظاهر وبيان واضح زاهر .
ومنها : ما رواه الثعلبي عن علي (علیه السّلام) قال : «شكوت إلى رسول الله (صلّی الله علیه و آله) حسد الناس فقال لي: أما ترضى أن تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذريتنا خلف أزواجنا» (2).
وروى الطبراني عن أبي رافع أن النبي (صلّی الله علیه و آله) قال لعلي: «أنا أوّل أربعة يدخلون الجنة : أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا خلف ذرياتنا »(3).
وروى أيضاً عن علي (علیه السّلام) أن النبي (صلّی الله علیه و آله) قال: «أول من يرد علىَّ الحوض أهل بيني ومن أحبّني من أُمّتي» (4).
ص: 226
وروى الديلمي مرفوعاً: «من أراد التوسل وأن تكون له عندي يد أشفع له بها یومالقيامة فليصل أهل بيتى ويُدخل السرور عليهم» (1) .
وهذه الأحاديث كما ترى ظاهرة فى مشاركة أهل البيت للنبي (صلّی الله علیه و آله) في مزاياه وصريحة في اتصالهم به في آخرته كما أنّهم متصلون به في دنياه لا يزايلهم ولا يزايلونه، ولا يفارقهم ولا يفارقونه، فهم أوّل وارد عليه حوضه، وهم الداخلون معه جنّته، والراقون على أثره درجته ، وأن من وصلهم وأدخل السرور عليهم كانت له يد على النبي (صلّی الله علیه و آله)يستحق بها شفاعته ويستوجب بها عنايته .
أفليس في هذا دلالة على أنّهم أولى بمقام الرسول (صلّی الله علیه و آله) وإشارة إلى أنهم أحقّ بخلافته من كل أحد والأحاديث في تبجيلهم وتفضيلهم كثيرة في كتب الخصوم ؛ استقصاؤها يوجب الإطناب والملال، وليس هذا بكتاب حديث وإنما هو كتاب استدلال فالاقتصار على ما ذكرنا أولى وفيه كفاية للعقلاء. وسيأتي جملة من النصوص تذكرها في مقامات تليق بها؛ فارتقب .
ص: 227
الأئمة اثنا عشر إماماً لا يزيدون ولا ينقصون لما استفاض عند الخصوم من قول النبي (صلّی الله علیه و آله): «لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر إماماً كلّهم من قريش» (1).
وما روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : إنّ النبيّ (صلّی الله علیه و آله) عهد إلينا أنه يكون بعده اثنى عشر خليفة (2).
ولتواتر النقل عندنا في ذلك عن النبي (صلّی الله علیه و آله) و عن علي (علیه السّلام) (3).
ودعوى قوم من الخصوم أنّ النبي (صلّی الله علیه و آله) قال: الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثمّ تكون ملكاً (4) باطلة.
وكثير منهم يبطل هذا الحديث الذي لا شكّ في بطلانه، والمعتزلة كافّة يبطلون هذه الدعوى(5) ، ولا ريب أن هذا حديث موضوع ويكفي في رده حديث «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة» (6) وهو متفق عليه وصريح(7) أنّ لكل
ص: 228
زمان إماماً تجب معرفته ولا تجب معرفة ملك جائر البتة كما أوضحناه سابقاً، والأحاديث (1) المتفق عليها في المهدي (علیه السّلام) وأنّه خليفة رسول الله (صلّی الله علیه و آله) حقاً.
وبالجملة بطلان تلك الدعوى ظاهر لا يحتاج إلى تطويل القول فيه [على](2) ما بيّناه في المقدّمة من وجوب استمرار الإمامة وما أقمنا عليه من الأدلة .
وأوّل الأئمة الاثنى عشر وسيّدهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السّلام) ثم ابنه الحسن ثم أخوه الحسين ثم ابنه علي بن الحسين زين العابدين ، ثم ابنه محمّد بن علي الباقر ، ثم ابنه جعفر بن محمد الصادق، ثم ابنه موسى بن جعفر الكاظم، ثمّ ابنه علي بن موسى الرضا، ثم ابنه محمّد بن علي الجواد المعروف بالتقي ، ثم ابنه علي بن محمد الهادي الموصوف بالنقي ، ثم ابنه الحسن بن علي الزكي العسكري، ثم ابنه المنتظر المهديّ سمي جدّه النبي (صلّی الله علیه و آله).
وقد تواتر النقل عندنا عن النبي الله (صلّی الله علیه و آله) بأسمائهم وأنّهم الأئمة من بعده ووصفهم لجماعة من أصحابه ، منهم جابر بن عبد الله الأنصاري وأخبره أنه يدرك محمّد بن علي الباقر وأمره أن يُقرؤه عنه السلام ، ففعل(3)، والقصة مشهورة عند مخالفينا(4)، وفضل هؤلاء الأئمة عند خصومنا مشهور، وفي مصنفاتهم مذكور، قد ذكرهم ابن أبي الحديد في ذكره مفاضلة هاشم وعبد شمس بجميل الذكر وأثنى عليهم بأحسن الثناء(5).
ص: 229
وذكرهم أبو العبّاس الدمشقي في تاريخه ووصفهم بالإمامة ومدحهم بالعلم والشهامة، وذكر لهم جملةً من الكرامات والإخبار عن المغيّبات، والكلام على أسرار القلوب المضمرات (1).
وصنّف محمّد بن طلحة الشامي كتاب مطالب السؤل في ذكرهم ونعتهم ،وصاحب كتاب الفصول المهمة صنّفه في وجوب معرفتهم، وعليّ بن عيسى الأربلي جمع كتاب كشف الغمّة في جمع مناقبهم وفضائلهم .
وذكرهم محمّد بن علي الصبّان الشافعي في إسعاف الراغبين ووصفهم بالأوصاف الجليلة مع شدّة عداوته للشيعة، وكثرة تعصّبه كما يعرفه منه من رأى كتابه المشار إليه. وذكرهم ابن خلّكان في تاريخه بجميل الذكر، وكم فاضل من مخالفينا صنّف في فضائلهم ؟ وكم من مؤلّف من خصومنا ألّف في جمع مناقبهم .
وأمّا أصحابنا فقد صنّفوا في ذلك وجمعوا منه الكثير الواسع، وهذا يدلّك على عظيم عناية الله بأئمّتنا الطاهرين حيث أجرى مدحهم على ألسن أوليائهم وأعدائهم، وهذا أدلّ دليل على إمامتهم ، وأوضح برهان على رياستهم، وإنها من الله تعالى عند من تأمّل وأنصف.
وقد اشتهر من كراماتهم واستجابة دعائهم ومعاجزهم وعلمهم بالأسرار وإخبارهم عن المغيّبات ما هو مذكور في كتب التواريخ والسير وكتب الأخبار من الخاصّة والعامّة، وليس هذا الكتاب مصنّفاً لذكر الفضائل ولا لجمع المناقب، فمن أرادها فليطلبها من الكتب التي سميناها وغيرها، فإن هذا الكتاب إنّما هو مصنّف لإثبات النصّ عليهم بالإمامة.
ص: 230
وأردنا من هذا الكلام بيان أنّهم معروفون بالفضل والعلم ، موصوفون بالجود والحلم عند الوليّ والخصم ،فليس من أنكر إمامتهم أنكرها لجهل بفضلهم، ولا لعدم معرفته بشرفهم ومجدهم وقربهم من النبيّ (صلّی الله علیه و آله) وطيب أصلهم، ولالخفاء خصالهم الحميدة وجميل فعلهم، ولكن لخبث الطينة واستحقاق كلمة العذاب فسيقولون إذا سُئلوا يوم الحساب عن ولاية أهل البيت ومودّتهم في الجواب: (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ ) (1).
وكيف يخفى فضل أهل البيت (علیهم السّلام) على القوم ، وهم قد رووا في حقّهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ما مرّ عليك في هذا المصنّف من الأخبار على كثرتها مع ما سيأتي ذكره منها، وهذا كلّه جزء ممّا رووه في فضلهم، ولا بأس بذكر بعض الأحاديث في هذا المقام ممّا يُستدلّ به على فضل أئمّتنا الكرام.
روى ابن حجر في الصواعق أنّ النبي (صلّی الله علیه و آله) قال : «من أحبّ أن ينسى الله أجله وأن يمتّع بما خوّله فليخلفني في أهلي خلافةً حسنة، فمن لم يخلفني فيهم بتر عمره وورد عليّ يوم القيامة مسودّاً وجهه»(2).
وروی أحمد بن حنبل عن العبّاس بن عبد المطلب أن النبى (صلّی الله علیه و آله) صعد المنبر فقال: «من أنا؟» قالوا: أنت رسول الله . قال: «أنا محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب، إنّ الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه، وجعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقة ،وخلق القبائل فجعلني في خير قبيلة، وجعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم بیتاً» (3).
ص: 231
وروى أحمد والمحاملي عن عائشة أنّها قالت قال النبيّ (صلّی الله علیه و آله) : «قال جبرئيل : قلّبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد أفضل من محمّد (صلّی الله علیه و آله)، وقلّبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم»(1).
فبنو هاشم أفضل الناس بمقتضى الخبر والأئمّة صفوتهم فإنّهم أعلام بني هاشم ونجوم بني عبد المطّلب فلهم الشرف الأعظم والمجد الأقدم، ولقد أجاد أبو فراس الحمداني حيث يقول في خطاب بني العباس من قصيدة طويلة :
ليس الرشيد كموسى في القياس ولا *** مأمونكم كالرضا إن أنصف الحكم (2)
ولمّا قال معاوية لعبد الله بن العبّاس بعد موت الحسن : إنّك اليوم زعيم بني هاشم. قال عبد الله : أما والحسين فيهم فلا (3) ، ولمّا قال معاوية لعبد الله بن جعفر: إنّك سيّد بني هاشم قال له عبد الله : إنّ الحسن والحسين هما سيّدا بني هاشم لا يدافعان (4).
وقال مرّة وقد قال له معاوية كلاماً يفضّله فيه وأباه جعفراً على الحسن والحسين وأبيهما هما خير منّى وأبوهما خير من أبي وأمّهما خير من أُمّي (5).
وروى في إسعاف الراغبين أنّ النبي (صلّی الله علیه و آله) قال : «يرد علىّ الحوض أهل بيتي ومن أحبّهم كهاتين - يعني السبابتين (6) .
ص: 232
وروى الطبراني أنّ عليّاً (علیه السّلام) قال لمعاوية : «إياك وبغضنا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يبغضنا ولا يحسدنا أحد إلّا ذيد عن الحوض يوم القيامة بسياط من نار.»(1).
قال في الإسعاف بعد ذكر جملة من الأخبار في محبّة أهل البيت (علیهم السّلام): علم من الأحاديث السابقة وجوب محبّة أهل البيت وتحريم بغضهم التحريم الغليظ، وبلزوم محبّتهم صرّح البيهقي والبغوي بل نصّ عليه الشافعي في ما حكي من قوله:
یا آل بيت رسول الله حبّكم *** فرضُ من الله في القرآن أنزله
يكفيكم من عظيم الفخر أنكم *** من لم يصل عليكم لا صلاة له
انتهى (2).
وقال الفخر الرازي: إن أهل بيته - يعني النبي (صلّی الله علیه و آله)- ساووه في خمسة أشياء : في الصلاة عليه وعليهم في التشهّد وفي السلام يقال في التشهد : السلام عليك أيّها النبي ، وقال تعالى : ( سَلامٌ عَلَى آلِ يَاسِينَ )(3).
وفي الطهارة : قال الله تعالى : ( طه )(4) أي : يا طاهر، وقال تعالى: ﴿ وَيُطَهِّرَكُمْ تطهيراً )(5).
وفي تحريم الصدقة.
ص: 233
وفي المحبّة : قال تعالى : ( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) (1) وقال تعالى : ( قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (2) انتهى (3).
وقال محيى الدين بن عربي :
ولائي إليكم(4) آل طه فريضة *** على رغم أهل البعد يورثني القربا
فما طلب المبعوث أجراً على الهدى *** بتبليغه إلا المودة في القربى
رواه عنه في الإسعاف(5) فهذه شهادة الفضلاء من الخصوم على فضل أئمّتنا ووجوب محبّتهم ومساواتهم النبي (صلّی الله علیه و آله) في الخصائص والمزايا، وكفى بذلك لنا تصديقاً.
فإن قيل : لم قصرتم الإمامة في ذرّيّة الحسين دون ذرّيّة الحسن، وهما جميعاً سبطا رسول الله (صلّی الله علیه و آله)؟ و لم خصّصتم بها من ذكرتم دون باقي ذرّيّة الحسين ؟
قلنا : أمّا جعلنا الإمامة فى ذرّيّة الحسين دون ذرّيّة الحسن، وهما معاً ابنا رسول الله (صلّی الله علیه و آله) فلنا عليه دليلان :
الأوّل: أن الإمامة لا شكّ إنّها منصب رسول الله صلى الله عليه وسلم و مقامه و ميراثه، فصارت بعده لعلى (علیه السّلام) بنصه عليه ، ثم صارت بعد على للحسن والحسين (علیهما السّلام) مشتركين فيها بنص رسول الله عليهما إلا أن التقدمة للحسن لأنه الأكبر سنّاً ، ثم صارت بعده
ص: 234
للحسين خالصة لا يشركه فيها غيره، فوجب أن تكون بعده للأقرب إليه لآية (وأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض) (1)فمحال ترجع إلى ولد الحسن، وهي ميراث الحسين، والإمام يجب أن يكون أقرب الناس إلى الإمام الذي قبله ولولا وجود النصّ على الحسين من النبي (صلّی الله علیه و آله) ومن علي (علیه السلام) لجعلناها بعد الحسن للأكبر من ولده، ولم تصر للحسين ولا لأحد من ذرّيّته، ولكن النصّ عليه قد ورد فكان هو الإمام بعد الحسن، فالإمامة يجب أن تكون في عقبه للآية .
الثاني: تواتر الأخبار عندنا عن النبي (صلّی الله علیه و آله) وعلي والحسن والحسين (علیه السّلام) أنّ الإمامة بعد الحسين تكون فى ذرّيته ، وكتب أصحابنا مملوءة من ذلك(2) ، وبهذين الدليلين يبطل مذهب الزيديّة (3) والكيسانيّة (4) ومن شابههم .
وأّما تخصيص الإمامة بمن ذكرناهم فلوجوه :
الأول : تواتر الأخبار عندنا عن النبي ا(صلّی الله علیه و آله) وعن عليّ بأسمائهم، وأنهم فلان بن ،فلان وفلان بن فلان إلى آخرهم، وتلك الأخبار مودعة في كتب أصحابنا (5) فوجب اتباع ما قاله النبي (صلّی الله علیه و آله).
ص: 235
الثاني: تواتر النص عندنا عن كّل سابق على لاحقه(1) ، وقد علمت أنّ الإمامة عندنا دائرة مدار النصّ، وقد أوضحنا بطلان الاختيار فيها في أول الكتاب، فيجب الحكم بإمامة من ذكرنا لنصّ النبيّ (صلّی الله علیه و آله) عليهم ونصّ بعضهم على بعض .
الثالث: أنك قد علمت فيما مضى أنّا أقمنا الدليل على اشتراط الأعلميّة في الإمام، وأنّه لا يجوز أن يكون في رعيّته من هو أعلم منه، ولم نجد من ذرّیّة الحسين ولا من ذرّية الحسن أعلم من هؤلاء القوم (2) ، فإنّهم ما سُئلوا عن شيء إلّا أجابوا فيه واستخرجوه من كتاب الله تعالى وبثوا من العلوم ما لم يحط به أحد ومن أخبار الماضين ما لم يعلمه من قرأ كتب الأوّلين، مع تصريحهم بأنهم لم يجدوا لعلومهم حملة (3) ، فلو أنهم وجدوا من يحمل علومهم البرز عنهم من العلم ما يكون الظاهر الآن من علومهم على كثرته عشر عشر عشره.
وأستغفر الله من النقصان فإنّ العبارة لاتؤدّي عنه، والعقول لا تحيط بكنهه، فقولنا على جهة التقريب، فقد قالوا لمن سألهم عن الألف باب التي علّمها رسول الله أمير المؤمنين (علیه السّلام) فانفتح من كل باب ألف باب ،وإنّها صارت إليكم، فكم نروي منها عنكم ؟ فقالوا: «إنكم تروون منها عنّا باباً أو بابين» (4).
وهم في كل ما قالوا وجميع ما بينوا من الأحكام في الحلال والحرام والقصص
ص: 236
والأخبار لم يكونوا ناقلين له عن أستاذ ولا محدّث، بل يلقبه كلّ سابق منهم إلى لاحقه، إلى أن ينتهي إلى النبي (صلّی الله علیه و آله) لا يرجعون في علومهم إلّا إليه لا إلى رأي ولا قياس كغيرهم من بني أبيهم ومن جملة الناس.
وقد أقر بأعلميّتهم على من سواهم من إخوانهم وأعمامهم جميع العلماء وصنّفت الكتب في فضائلهم دون غيرهم من الذرية الحسينيّة والحسنيّة من الخاصّة والعامّة، فلا يذكر غيرهم من القبيلتين إلا بالعرض والاستطراد ،ومُلئت التواريخ بذكر كراماتهم ووصف علومهم دون بني أبيهم كما ذكرنا في أوّل الكلام ، ومن أراد الاطلاع على ذلك فعليه بالكتب التي أشرنا إليها وغيرها مما ذكر فيه أخبار الماضين وحيث كانوا أعلم أهل أزمنتهم وجب أن يكونوا هم الأئمّة.
الرابع: اجتماع الخصال الحميدة فيهم من الزهادة والعبادة والكرم والحلم واستجابة الدعوة والعفّة والصيانة ممّا لم يجتمع بعضها لأحد من الناس.
قال ابن أبي الحديد في مفاخرة هاشم وعبد شمس : ومن الذي يعدّ من قريش أو من غيرهم ما يعدّه الطالبيّون عشرة في نسق ؛ كلّ واحد منهم عالم زاهد ناسك شجاع جواد طاهر زاكٍ، فمنهم خلفاء، ومنهم مرشّحون ابن ابن ابن ابن هكذا إلى عشرة، وهم الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد ابن علي بن الحسين بن علي (علیهم السّلام) ، وهذا لم يتفق لبيت من بيوت العرب ولا من بيوت العجم(1).
وقال في موضع آخر: وأين أنتم عن عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب
ص: 237
الذي يقال له: علي الخير، وعلي الأغر، وعلي العابد، وما أقسم على الله بشيء إلّا وأبرّ قسمه ؟
وأين أنتم عن موسى بن جعفر بن محمّد ؟ وأين أنتم عن عليّ بن محمّد بن الرضا لابس الصوف طول عمره مع سعة أمواله وكثرة ضياعه وغلّاته(1).
وقال في موضع آخر وجعفر بن محمّد الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه، ويقال: إنّ أبا حنيفة كان من تلامذته، وكذلك سفيان الثوري، وحسبك بهما في هذا الباب إلى أن قال : ومن مثل علي بن الحسين زين العابدين.
وقال الشافعي في الرسالة في إثبات خبر الواحد وجدت علي بن الحسين وهو أفقه أهل المدينة يقول على أخبار الآحاد (2).
انتهى ما أردنا نقله من كلام المعتزلي، وهو مصرح بما ذكرنا في أئمتنا ونسبناه إليهم من الأوصاف واجتماع الخصال الحميدة فيهم ممّا لم يتفق لغيرهم، وأعظم الأمور أنّ محمّد بن إدريس الشافعي إمام القوم يستند في صحة قوله إلى فعل إمامنا على بن الحسين ويجعله حجّة .
وروى ابن خلّكان في تاريخه عن أبي العباس محمد بن يزيد المبرد في كتاب الكامل ما مثاله يروي عن رجل من قريش لم يسم لنا قال : كنت أجالس سعيد بن المسيب فقال لي يوماً من أخوالك ؟ فقلت [له]: أمي فتاة فكأني نقصتُ في عينه ، وذكر مجيء سالم بن عبد الله بن عمر ثم بعد قيامه إتيان القاسم بن محمد بن أبي بكر - إلى أن قال :- فأمهلت شيئاً حتى جاءه علي بن الحسين بن علي بن
ص: 238
أبي طالب (علیه السّلام)، فسلّم عليه ثمّ نهض ، قلت : يا عمّ من هذا ؟ فقال : هذا الذي لا يسع مسلماً أن يجهله هذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(علیهم السّلام) الخبر (1).
فانظر إلى قول سعيد في علي بن الحسين، فإنّك تجده يكاد أن يصرح بإمامته على ما نقول بل هو مصرّح بها، لأنّ من لا يسع المسلمين جهله واجبة معرفته عليهم، وليس تجب على المسلمين بعد معرفة الله ورسوله معرفة أحد إلا الإمام.
وقال في المناقب مختصر مناقب الحافظ أبي عبد الله محمد بن يوسف البلخي الشافعي في ترجمة الحسين (علیه السّلام) مشيراً (2) إلى أئمّتنا بعد أن ذكرهم : قال بعض أهل العلم علوم أهل البيت لا تتوقّف على التكرار والدرس، ولا يزيد يومهم فيها على ما كان بالأمس، لأنّهم المخاطبون (3) في أسرارهم ، المحدّثون في النفس، فسماء معارفهم وعلومهم بعيدة عن الإدراك واللمس، ومن أراد سترها كان كمن أراد ستر وجه الشمس، وهذا ممّا يجب أن يكون ثابتاً مقرّراً في النفس، فهم يرون عالم الغيب في عالم الشهادة ويقفون على حقايق المعاني في خلوات العبادة وتناجيهم ثواقب أفكارهم في أوقات أذكارهم بما تستموا به غارب الشرف والسيادة، وحصلوا بتوجههم إلى جناب القدس ما بلغوا به منتهى السؤل والإرادة فهم كما في نفوس أوليائهم ومحبيهم وزيادة، فما تزيد معارفهم في زمان الشيخوخة على معارفهم في زمن الولادة، وهذه أمور ثبتت لهم بالقياس والنظر، ومناقب واضحة الحجول والغرر، ومزايا تشرق إشراق الشمس والقمر، وسجايا ترین عنوان التواريخ وعنوان الأثر.
ص: 239
فما سألهم مستفيد أو ممتحن فتوقفوا، ولا أنكر منكر أمراً من الأمور إلا عرفوا، ولا جرى معهم غيرهم في مضمار شرف الّاسبقوا، وقصر مجاريهم وتخلّفوا، سنة جرى عليها الذين سلفوا، وأحسن أتباعها الذين خلّفوا ، وكم عاينوا في الجدال والجلاد أموراً فتلقّوها بالرأي الأصيل، والصبر الجميل، فما استكانوا وما ضعفوا.
فبهذا وأمثاله سموا على الأمثال وشرفوا تعدم الشقائق إذا هدرت شقاشقهم، وتصغى الأسماع إذا قال قائلهم ونطق ناطقهم، ويكثف الهواء إذا قيست به خلايقهم، ويقف كل ساع عن شاوهم فلا يدرك فائتهم ، ولا تنال طرائقهم، سجايا منحهم بها خالقهم ، وفاز بها ،صادقهم، فسُرَ بها أولياؤهم وأصدقاؤهم، وحزن لها مباينهم ومفارقهم (1) ، انتهى .
أقول: والكلام في أوصافهم متسع ، قال فيه كل قائل بما أحسن، ونطق منه كل ناطق بما أتقن وقدرهم فوق ما قيل فيهم، وشأنهم فاق مدح مادحيهم فلنكتف من القول في ذلك بهذه الجملة ففيها ما يبلّ الغليل ويشفي العليل .
واعلم أنّه ليس في الذريّة النبويّة من له جميع هذه الأوصاف غير من ذكرناهم بالاتفاق فوجب أن يختصّوا بالإمامة دون غيرهم من إخوانهم وأعمامهم، وبهذا كله يبطل مذهب الإسماعيلية والفطحيّة ومن ضارعهم مثل مذهب أصحاب جعفر الكذّاب بن علي الهادي وغيرهم .
ص: 240
توضيح مقال لدفع إشكال
المهدي هو ابن الحسن العسكري (علیه السّلام)، وهو مختف عن الناس لا يعرفون شخصه وهو يعرفهم، وإنّه باق حتى يأذن الله له في الظهور والقيام بالسيف فيطهر الله الأرض به من الفساد ويملؤها به قسطاً وعدلا كما ملئت من الظلمة ظلماً وجوراً، كما تواترت به الأخبار النبوية (1) ، وينزل عيسى بن مريم (علیها السّلام) إليه (2) ويصلّي خلفه ويملك سبع سنين (3) كما وردت به الأخبار، ثم يكون بعده ما شاء الله أن يكون من الكرّة، وليس هذا موضع تفصيل تلك الأمور، وإنّما هو مقام إثبات الإمامة له والبقاء بالدليل.
أما إنه ابن الحسن العسكري فبإجماع الإمامية وتواتر أخبارهم أنه ابنه وأن مولده قبل وفاة أبيه بأربع سنين (4) ، وقد قال بذلك جماعة من مخالفينا
ص: 241
كمحيي الدين بن العربي في فتوحاته، وعبدالوهّاب الشعراني في كتابه اليواقيت والجواهر، والشيخ حسن العراقي وعليّ الخواص وأبي العباس الدمشقي وهؤلاء من أكابر السنيّة، والمذكورون قبل أبي العبِاس من أهل التصوّف المعدودين عند خصومنا من الأولياء.
قال الشعراني في الكتاب المذكور : المهدي من ولد الإمام الحسن العسكري ومولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وهو باق حتى يجتمع بعيسى بن مريم هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كوم الريش المطل على بركة الرطل بمصر المحروسة عن الإمام المهدي حين اجتمع به ووافقه على ذلك سيدي على الخواص رحمهما الله تعالى، انتهى (1).
وقال محيى الدين بن عربي (2): إنّه لابد من خروج المهدي (علیه السّلام) لكن لا يخرج حتى تمتلأ الأرض جوراً وظلماً فيملؤها قسطاً وعدلاً، وهو من عترة رسول الله (صلّی الله علیه و آله) من ولد فاطمة جده الحسين بن علي بن أبي طالب (علیه السّلام) ووالده الإمام الحسن العسكري بن الإمام علي النقي - بالنون - بن الإمام محمد التقي بالتاء - بن الإمام علي الرضا بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر بن الإمام زين العابدين علي بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب، يواطئ اسمه اسم رسول الله (صلّی الله علیه و آله)، يبايعه المسلمون بين الركن والمقام، إلى آخر ما قال (3).
ص: 242
وقد نقل بعض أصحابنا عن حجّة الإسلام عند مخالفينا أبي حامد الغزالي في بعض كتبه أظنّه المنخول مثل ذلك لكن الكتاب لا يحضرني لأنقل عبارته .
وقال أبو العبّاس: الفصل الحادي عشر في ذكر الخلف الصالح الإمام أبي القاسم محمد بن الحسن العسكري(رضي الله عنه، وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين ، آتاه الله فیهاالحكمة كما أوتيها يحيى صبيا، وكان مربوع القامة ، القامة ، حسن الوجه والشعر أقنى الأنف أجلى الجبهة - إلى أن قال : - واتفق العلماء على أنّ المهدي هو القائم في آخر الوقت، وقد تعاضدت الأخبار على ظهوره وتظاهرت الروايات على إشراق نوره، وستسفر ظلمة الأيام والليالي بسفوره، وينجلي برؤيته الظلم انجلاء الصبح عن ديجوره، ويسير عدله في الآفاق فيكون أضوء من البدر المنير في مسیره (1)، انتهى.
وكذلك ذكره جماعة من أهل التاريخ كشمس الدين ابن خلّكان فقد ذكر أنه محمّد بن الحسن العسكري وأثبت مولده في التاريخ المتقدّم، وذكر أنه الرجل الذي تدّعى الإماميّة أنه إمامهم الثانى عشر (2).
وذكره ابن زولاق (3) في تاريخه هكذا إلّا أنّه زعم أن مولده قبل التاريخ
ص: 243
المذكور، وكذلك غيرهما من أهل التواريخ والسير(1).
وقد تلخّص من هذا كلّه أنّ ولادة المهدي الذي هو ابن الحسن العسكري وقعت يقيناً وحصلت جزماً فلا التفات لمن أنكر ذلك عصبية وعناداً كابن أبي الحديد (2) وأمثاله من أصحابه وغيرهم.
ومن هذا يعلم بطلان ما ذكره في إسعاف الراغبين من أنّ المهدي من ذرّيّة الحسن السبط ابن أمير المؤمنين (علیهما السّلام) ويعلم منه أيضاً ومن قوله : إن رواية كونه من ذرية الحسين واهية (3) بل قوله هو الواهي، ولعلّهم رأوا في رواية أنه من ولد الحسن يعني به العسكري فظنّوه الحسن السبط فأخطأوا ، فقد روى ابن قتيبة في كتاب غريب الحديث عن أمير المؤمنين (علیه السّلام) أنّ المهديّ من ذرية الحسين (4)، ورواه أيضاً قاضي القضاة عن كافي الكفاة إسماعيل بن عباد بإسناد متصل به (علیه السّلام)(5) فلا محيص عن القول به.
وأما اختفاؤه (علیه السّلام) فلخوفه من الطواغيت أن يفعلوا به كما فُعل بآبائه، وليخرج وليس في عنقه بيعة لأحد منالظلمة .
ص: 244
وأما عدم معرفة الناس لشخصه ومكانه فلخوف الإذاعة فإذا عرف شخصه ومحلّه قصد من الجائرين بالإيذاء.
وأما بقاؤه حتّى يؤذن له في الظهور فلوجوه :
الأوّل: اتفاق الإماميّة عليه وموافقة جملة من المخالفين لهم على صحّته كما سمعت.
الثاني: تواتر الأخبار به عن النبي (صلّی الله علیه و آله)والأئمة بعد المفروغية من إثبات كون قولهم حجّة بإثبات إمامتهم بما ذكرناه من النصوص المتقدّمة والوجوه المتقدّمة والوجوه المتعدّدة .
الثالث: أنّا قدّمنا فى أوّل الكتاب أنه لا يجوز خلوّ زمان من أزمنة التكليف من إمام يكون حجة الله على خلقه، وبيّنا هنا أن الأئمة اثنا عشر، وأنه تمام عدّتهم فوجب الحكم ببقائه لئلا يكون زمان التكليف خالياً من الحجة الله على خلقه على أنا نقول لهم: إن جماعة من مؤرّخيكم قد أثبتوا ولادته كما قلنا فنحن نطالبكم بإثبات موته وبالدلالة على موضع مدفنه، وليس لهم حجّة على ذلك إلا الشبهة التى تمسك بها منكروا ولادته أو بعضهم ، وهى مخالفة العادة والطبع، فإن العادة قد قضت بأنه لا يعيش أحد هذا العمر الطويل، والطبيعة الإنسانية لا يمكن بقاء شخص منها هذه المدة، والعمر الطبيعي مائة وعشرون سنة.
وهذه الشبهة منقوضة عليهم ومقلوبة بما صحّ في كتبهم وتواريخهم من بقاء خلق كثير أضعاف ما ذكروه للعمر الطبيعي، فقد ذكر أن آدم (علیه السّلام) عاش ستمائة سنة (1).
ص: 245
وإنّ نوحاً بنصّ القرآن لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً بعد مبعثه وقبل الطوفان (1) ، وإنّه بعث وله خمسون سنة ، وقيل : أربعمائة سنة(2)، وعاش بعد الطوفان ثلاثمائة سنة (3)، فعمره يكون على الرواية الأولى ألفاً وثلاثمائة سنة، وعلى الثانية ألفاً وستمائة وخمسين سنة.
وإن عمر سام ستّمائة سنة، وعمر أرفخشد أربعمائة سنة وخمس وستون سنة ، وإن عمر شالخ بن أرفخشد أربعمائة وثلاثون سنة (4)، وإن كالب بن يوفنا عاش ألف سنة فى بنى إسرائيل، وإن أنوش بن شيث عاش تسعمائة وخمساً وستّين سنة، وابنه قينان عاش سبعمائة وعشرين سنة، وابنه مهلاييل عاش تسعمائة وخمساً وستين سنة، وإدريس رفع وهو ابن ثلاثمائة وخمس وستين، وبقي أبوه بعد رفعه خمسمائة وخمساً وثلاثين سنة، وعاش متوشلخ بن إدريس تسعمائة واثنين وثمانين سنة ، وابنه لمك سبعمائة سنة (5) .
وذكر في أنوار التنزيل أن لقمان الحكيم عاش ألف سنة، وصحّ أن لقمان بن عاد عاش عمر سبعة أنسر(6).
قال القرماني أبو العباس في تاريخ الدول: وقد اختلف الناس في عمر النسر
ص: 246
وعامتهم أنه يعيش خمسمائة سنة، فعلى هذا إن لقمان عاش ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة قال : وقيل : إنّه عاش ثلاثة آلاف وثمانمائة سنة ، لأنه قبل أن يأخذ النسور له ثلاثمائة سنة (1) ، انتهى.
أقول: وقد ذكر شعراء العرب لقمان هذا إشارة وتصريحاً ، قال سالم بن عوانة الصبي في أبيات له :
لا تهزئي منّي ربيب فما *** في ذاك من عجب ولا سخر
أولم ترى لقمان أهلكه *** ما اقتات من سنة ومن شهر
وبقاء نسر كلّما انقرضت *** أيامه عادت إلى نسر
ما طال من أمد على لبد *** رجعت محارته إلى قصر (2)
ولبد هو اسم نسره الأخير سمّاه هو يه، قاله الثعلبي في العرايس.
وقال النابغة الذبياني:
أمست قفاراً وأمسى أهلها احتملوا *** أخنى عليها الذي أخنى على لبد
يعني به نسر لقمان وغير ذلك (3).
وذكر القرماني أيضاً أن عوج بن عناق عاش مثل عمر لقمان بن عاد - على الرواية الأولى(4).
ص: 247
وكثير من العرب عاش عمراً طويلاً، فمنهم : عبيد بن شرية(1) الجرهمي عاش ثلاثمائة وخمسين سنة، وروي عنه أنه رأى من عاش ألف سنة. وأن الربيع بن ضبيع الفزاري عاش قريباً من أربعمائة سنة (2) ، وإن سوياً الكاهن عاش ثلاثمائة سنة (3)، وإن شداد بن عاد عاش تسعمائة سنة(4)، وعاش أكثم بن صيفي التميمي ثلاثمائة سنة(5)، وعاش المستوغر عمرو بن ربيعة أحد بني سعد بن زيد مناة التميمي ثلاثمائة وعشرين سنة (6) ، وعاش الحارث بن كعب مائة وستين سنة(7)، وعاش دريد بن زيد النهدي القضاعي أربعمائة سنة وستاً وخمسين سنة (8) ، وعاش زهير بن جناب العذري الكلبي مائتين وعشرين سنة(9)، وعاش ذو الاصبع حرثان بن محرث العدواني أحد بني قيس عيلان بن مضر ثلاثمائة سنة (10)، وعاش معدي كرب الحميري عمراً طويلاً حتى قال :
أراني كلما أفنيت عمراً *** أتاني بعده يوم جديد
يعود بياضه في كل فجر *** فجر ويأبى لي شبابي ما يعود (11)
ص: 248
وعاش أبو الطمحان القيني حنظلة بن الشرفي الكناني مائتي سنة (1)، وعاش عبد المسيح بن بقيلة الغساني ثلاثمائة وخمسين سنة (2)، وعاش النابغة الجعدي قيس بن كعب من بني عامر بن صعصعة مائة وثمانين سنة - على رواية ابن الكلبي-ومائتي سنة - على رواية ابن دريد عن أبي حاتم (3) .
وغير هؤلاء ممن عاش عمراً طويلاً كثير لو أردنا ذكر جميع من يمكننا ذكره وكل من انتهى إلينا خبره لطال الكلام فأين العادة وأين العمر الطبيعي؟
فإذا صح عند خصومنا جواز الزيادة على العمر الطبيعي وخرق العادة فيمن ذكرناهم على كثرتهم ومن تركنا ذكره أكثر كيف يمنعون ذلك في المهدي دون غيره لتلك العادة المنخرمة المنخرقة ؟ ما هو إلا تشبث بما لا يجدي نفعاً.
ثمّ إنّهم أثبتوا أن الخضر حيّ موجود إلى أن يقوم المهدي (علیه السّلام) وهو قبل النبي (صلّی الله علیه و آله) بزمان طويل، لأنّه كان على مقدّمة ذي القرنين الأكبر(4) الذي كان في زمن إبراهيم الخليل (علیه السّلام)- على رواية المسعودي في أخبار الزمان - وقيل : هو إيليا ابن ملكا بن فالغ بن عابر (5) ، وقيل : الخضر بن ميشا بن أفراثيم بن يوسف الصدّيق (6) .
ص: 249
وعلى كل حال فهو قبل نبيّنا (صلّی الله علیه و آله) بمدة طويلة، وصحّحوا أن معمراً أبا الدنيا الى بن عثمان بن الخطاب الهمداني حيّ موجود من زمان نبينا إلى أن يقوم المهدي (1) ، وأثبتوا أن الدجّال حي موجود إلى قيام المهدي (علیه السّلام) ونزول عيسى من السماء فيقتلانه(2)، وأن إلياس حي موجود في السحاب (3)، فإثباتهم طول البقاء لهؤلاء وإنكارهم أقل بقاء منهم للمهدي (علیه السّلام)عناد صرف وتعصب محض لا حجة عليه (4).
وبعد، فما ينكرون من أن يكرم الله نبيه محمّداً (صلّی الله علیه و آله) فيما أكرمه بأن يعمر رجل من عترته إلى وقت معلوم عنده كما فعل بغيره على أن لازم ما رووه عن النبي (صلّی الله علیه و آله) من قوله:«لتحذون حذو الأمم من قبلكم النعل بالنعل والقذة بالقذة» وقوله : «ليكوننّ فيكم ما كان في الأمم قبلكم» أو ما أشبه هذا اللفظ أن يكون في أولياء هذه الأمة معمّرون كما كان في أولياء الأمم السالفة، وفي هذا كفاية لصحّة بقائه (علیه السّلام) إلى وقت معلوم (5) ، عجّل الله فرجه وسهّل مخرجه، وجعلنا من أنصاره، وأكرمنا بجواره .
ص: 250
وأمّا الشبهة في استتاره بأنه كيف يكون موجوداً ولا يُعرف بشخصه فمندفعة بأن الخضر موجود عندهم قطعاً وهو لا يعرف بشخصه .
وذكر شيخهم الأكبر ابن عربي (1) أن إلياس يجتمع مع الخضر عند سدّ يأجوج ومأجوج وفي مكة وعرفات روى ذلك عنه ذلك عنه القرماني في تاريخ الدول، ومن المتفق عليه أنه لم يكن أحد من الناس يعرف الخضر وإلياس بشخصيهما ، فما المانع أن يكون المهدي كذلك.
ثمّ من المتفق عليه أيضاً أن الدجّال موجود ولم يكن أحد يعرفه بشخصه، ولا ادعى أحد من الناس معرفته، فكيف يجوز أن يخفى الخضر وإلياس والدجال على الناس ولا يعرفون أشخاصهم ولا يجوز ذلك في غيرهم وهو المهدي، لولا التعسف وتمحّل المحال، وقد ورد في كلام أمير المؤمنين (علیه السّلام) ما يصرح بوجود هذا الإمام المنتظر واستتاره عن البشر، وأنّه حجّة الله على خلقه وخليفة أنبيائه.
فمنه: ما في خطبة أو مى فيها إلى الملاحم، قال في جملتها: «هذا إبّان (2) ورود كل موعود ، ودنوّ من طلعة ما لا تعرفون ،ألا وإن من أدركها منّا يسري فيها بسراج منير، ويحذو فيها على مثال الصالحين، ليحلّ فيها ربقاً(3)، ويعتق فيها رقّاً، ويصدع شعباً، ويشعب صدعاً، في سترة عن الناس لا يبصر القائف(4) أثره
ص: 251
ولو تابع نظره، ثمّ ليشحذنّ فيها قوم شحذ القين النصل (1) تجلى بالتنزيل أبصارهم(2)، ويرمى بالتفسير في مسامعهم، ويغبقون كأس الحكمة بعد الصبوح» (3) انتهى(4).
فانظر إلى قوله (علیه السّلام) بعد ذكر أوصاف القائم «في سترة عن (5) الناس لا يبصر القائف أثره» فإنّك تراه أصرح شيء في مدّعانا وأوضح قول في مرامنا .
و أّما قول ابن أبي الحديد بعد اعترافه بدلالة الكلام على استتار هذا الإنسان المشار إليه : وليس ذلك بنافع للإمامية في مذهبهم وإن ظنّوا أنّ ذلك تصريح بقولهم، وذلك لأنّه من الجائز أن يكون هذا الإمام يخلقه الله تعالى في آخر الزمان، ويكون مستتراً وله دعاة يدعون إليه ويقرّرون أمره ثم يظهر بعد ذلك الاستتار، ويملك الممالك، ويقهر الدول، ويمهد الأرض كما ورد في الخبر(6) فباطل (7) غاية البطلان، والكلام نافع لنا في مذهبنا غاية النفع.
وجواز أن يكون هذا الإمام يخلقه الله تعالى في آخر الزمان معارض بجواز أن
ص: 252
يكون خلقه قبل زمان ابن أبي الحديد بما يربى على المئات من السنين ويزيد وقد أقمنا البرهان على وجوب وجوده في الأرض، وأثبتنا النقل على حصول ولادته منا ومن الخصوم .
ونحن لا ننكر ما أجازه لو كان الخلف لم يوجد ولم يولد، ولا يضرّنا في الحجة إذ نحن ندّعي أنه (علیه السّلام) خلق، فكان على المعتزلي أن يقيم دليلاً على منع إيجاده وإبطال ميلاده، وأنّى له بذاك ؟ وإذا كان يجوز أن يكون ولد والأخبار منّا ومنهم وردت بوقوع ذلك الجائز الذي لم يقدر الخصم على منعه وجب أن يكون استتار المنتظر وقت ميلاده إلى وقت ظهوره في هذه الأزمان لا في ذلك الزمان الذي ادّعاه المعتزلي .
على أنه لو كان كما ذكر لم يكن الإمام مستتراً عن الناس لأن من يبت الدعاة إلى الخلق يدعونهم إلى طاعته ومبايعته و يطلبون منهم الانقياد إلى أمره والوثوب إلى نصرته ليس بمستتر عن الناس بل مظهر لهم نفسه، مبدٍ لهم أمره ،معرّف لهم شأنه ملقٍ إليهم خبره، ومن كان هذا شأنه كيف لا يبصر القائف أثره ولو تابع نظره، ودعاته يشيرون إليه ويدلّون الناس عليه، وإنما يصحّ الاستنار الذي عناه أمير المؤمنين (علیه السّلام) وصرّح به في الوقت الذي ليس لهذا الإمام ابن السادة الكرام داع يدعو الناس إلى مبايعته ولا مشير يشير إليه ويدلّ عليه فهو مخفي الأثر ، ولذلك أنكر وجوده من أنكر كهذا القائل .
وهذه الحال لم تكن إلّا في هذه الأزمان التي تغلّب فيها على أهل الإيمان أهل البغى والعدوان وذوو الكفر وأولياء الشيطان لا الزمان الذي يدعى فيه لذلك الإمام وينادى باسمه بين الخاّص والعام، فإنّ ذلك وقت إسفار العدل بسفوره ،
ص: 253
وظهور صبح الحق بظهور نوره ،وانهزام ليل الباطل وزوال ديجوره بضياء نهار الهدى وسناء تنويره .
ذاك وقت أيّامنا فيه بيض *** والليالي غرّ كليل العروس
وليت شعري كيف خفي على المعتزلي هذا المعنى من الظهور والخفاء فلم يعرف الظاهر من المستور؟
وأما قوله: «كما ورد في الخبر» فهو متعلّق بقوله: «يملك الممالك» إلى آخر الكلام، لا بقوله : «يخلقه الله في آخر الزمان» إذ لا خبر بذلك عندهم ولو كان ثمّة خبر - ولو من أضعف الأخبار - لصال به علينا وجال، لكن لم يجد إلى ذلك سبيلاً فرجع إلى الاستدلال بالإمكان وترك ما حصل وكان.
ومنه قوله في خطبة أخرى يشير إلى الخلف الصالح: «قد لبس للحكمة جنّتها (1) ، وأخذها بجميع أدبها من الإقبال عليها، والمعرفة بها، والتفرّغ لها، فهي عند نفسه ضالّته التي يطلبها، وحاجته التي يسأل عنها، فهو مغترب إذا اغترب الإسلام، وضرب بعسيب ذنبه، وألصق الأرض بجرانه (2) بقية من بقايا حجته، ، خليفة من خلائف أنبيائه» (3) الخطبة .
فقوله (علیه السّلام): «مغترب إذا اغترب الإسلام» دالّ على استتار ذلك الإمام إذا عاد الإسلام غريباً كما بدأ غريباً كما دلّ عليه الحديث النبوي(4)، وصار كالبعير البارك
ص: 254
الذي يضرب الأرض بأصل ذنبه وهو المراد بالعسيب، ويلصق الأرض بصدره وهو جرانه فلا يكون له تصرّف ولا نهوض.
وكلّ ذا كناية عن عود الإسلام مغلوباً مقهوراً، معطّلة حدوده، مضيّعة أحكامه، فيكون غريباً في الناس لا يعرف لاستيلاء أهل الضلالة على ذوي الهدى، وغلبة الظلمة المغيّرين لأحكام الشريعة الغرّاء، والعاملين في الناس بالشهوات والأهواء، فيغترب حينئذ الحجّة الذي هو بقية حجج الله وخليفة خلائف أنبيائه ،فلا يعرف بشخصه، ولا يدري أين موضعه.
وهذا الكلام كما ترى صريح في وجود هذا الرجل واستتاره في زمان دولة أهل الجور والفساد، وإنه حجّة الله وخليفة الخلفاء، وهو عين ما قلناه من أنّه ختام الأئمة، فإنّ بقيّة الحجج وخليفة الخلفاء آخرهم بلا خفاء.
وأما ما ذكره ابن أبي الحديد عن الصوفية أن المراد به وليّ الله(1) فإن كان مرادهم به الإمام لأنه عندنا حجّة الله ووليّه على عباده لا وليّ على العباد غيره فذلك قولنا ، وإن أرادوا به غير الإمام، وهو القطب عندهم الذي تدور عليه الأوتاد والأبدال فذلك ممّا لا برهان عليه ولا دليل، وهو من الخرافات التي أحدثها الصوفية بآرائهم وأهوائهم.
والحقّ أنّ القطب بالمعنى الذي ذكروه هو الخليفة الذي نحن نعنيه لا قطب غيره، فجعلهم إيَّاه غيره من وساوس النفوس، ولا يطلق لفظ الحجّة في كلام أمیر المؤمنين (علیه السّلام) على الصوفي الكبير الذي سمّوه قطباً ، حاشا الله.
ص: 255
وأمّا ما(1) نقله عن أصحابه أنّ المراد به العلماء الذين يتمّ بهم الإجماع وأنّ أمير المؤمنين (علیه السّلام) يشير إلى صفات كل واحد منهم فبعيد ظاهر الفساد، إذ من اليقين أنه لا يطلق لفظ الحجّة والخليفة على غير الإمام العالم في كلام النبي وعلي وأولاده(علیهم السّلام)، وعلى المدّعي إثبات ذلك، نعم ورد في كلامهم إطلاق لفظ العالم على الإمام ، وهو عكس ما قاله المعتزلة كما ورد عنهم : «لا تخلو الأرض من عالم»(2)، «ولا تكون إلا وفيها عالم» (3)، وهو في أحاديثنا كثير.
ثمّ إن الكلام يعطي بصريحه أنّ المراد به شخص واحد على الحقيقة لا جماعة واحدهم هكذا، ويعطي أيضاً بالصريح أنّ ذلك الشخص مغترب غير معروف بين الناس، وإذا كان ممّا لا يتم الإجماع بدونه عند الناس لزم أن يكون معروفاً عندهم غير مجهول، فلم يكن مغترباً البتّة، فأين إذن مصداق قوله(علیه السّلام) «مغترب» إلى آخره؟
وأمّا ما ذكره عن الفلاسفة من أن المراد بالحجّة هو العارف عندهم (4) فذاك ممّا لا يعرف ولا يلتفت إليه، وهل يرضى عاقل أو يتصوّر فاهم أن يكون أراد أمير المؤمنين (علیه السّلام) بحجة الله وخليفة خلفاء أنبيائه مثل أبي نصر الفارابي وأبي على بن سينا وأبي البركات البغدادي وشهاب الدين يحيى السهروردي وأشباههم من
ص: 256
أكابر فلاسفة الإسلام، الذين أكثرُ أقوالهم مخالفة لنصوص الكتاب والسنّة وإجماع المسلمين ؟ فهؤلاء هم العارفون بالفلسفة ولو كان مثل هؤلاء هو المقصود لما صدق قوله (علیه السّلام): «مغترب» لأن هؤلاء وأمثالهم معروفون غير منكورين، وظاهرون غير مستورين، ومعظمون عند العامة غير مغتربين.
وبهذا أيضاً يبطل قول المعتزلة لأن العلماء الذين ادعوا أن الإجماع لا يتمّ إلا بهم معلومون غير مجهولين(1) إن أرادوا مثل الجاحظ والجبّائيين والقاضي عبد الجبّار وأبي القاسم البلخي وثمامة بن أشرس وأبي الهذيل العلّاف وإبراهيم ابن سيّار النظّام وواصل بن عطا وعمرو بن عبيد وأبي الحسين الخياط وأمثالهم ممّن يطول تعدادهم، وكلّهم مذكورون في طبقاتهم، معروفون عند أصحابهم، فأين هم والاغتراب ؟(2) وهل يجوز أن يكون مثل الجاحظ وهو المبغض لأمير المؤمنين (علیه السّلام) حجّة الله على خلقه وخليفة أنبيائه ؟ أو يجوز أن يكون أمير المؤمنين (علیه السّلام) أراد بتلك الأوصاف مثله وأمثاله ؟
ومن هذا بطل ما ادعاه المعتزلي من جواز إطلاق الحجّة والخليفة على العارف والولي عند الفلاسفة وأهل التصوّف، وعلى العالم مثل أبي الهذيل المعتزلة وتبيّن أن ذلك قول منهم بألسنتهم وهوى قلوبهم، وإن كلام أمير المؤمنين ا(علیه السّلام) لا يوافق قول أحد منهم، وإنما هو يوافق ما نقول لاسيّما والمنصف المتأمّل إذا ضم كلام علي (علیه السّلام) بعضه إلى بعض علم أنّه يريد بهذه الأوصاف رجلاً من ذريته
ص: 257
وهو الذي عناه في كلامه الأول بقوله: «ألا وإنّ من أدركها منّا»(1) إلى آخره ،وقد اعترف المعتزلي بذلك حيث قال : وليس يبعد عندي أن يريد به القائم من آل محمد صلى الله عليه وسلم في آخر الوقت إذا خلقه الله تعالى وإن لم يكن الآن موجوداً، فإنّه ليس في الكلام ما يدل على وجوده الآن ،وقد وقع اتفاق الفرق من المسلمين أجمعين على أن الدنيا والتكليف لا ينقضى إلّا عليه (2)، انتهى .
وحيث أقرّ أنّ المراد هو القائم من آل محمد (صلّی الله علیه و آله) فلا يضرّنا ما قال من أنه لم يكن مخلوقاً لأنّ هذا القول قد دللنا قبلُ على إبطاله وبيّنا في هذه الخطبة وجه الدلالة على فساده واسترحنا من كلفة الجواب هنا على هذه الهيمنة بما قدّمنا ؛ فتذكّر.
ومنه قوله (علیه السّلام) في حديث كميل بن زياد: «اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم الله بحجة. إمّا ظاهراً مشهوراً أو مستتراً مغموراً لئلا تبطل حجج الله و بیّناته»(3).فهذا الكلام نصّ صريح في أن الإمام القائم لله بحجته لا تخلو الأرض منه ، وهو إمّا أن يكون ظاهراً مشهوراً يعرفه الناس وتشير إليه الأكفّ، وإما أن يكون مستتراً مغموراً لا يعرف بشخصه، وأن الإمامة لا تنقطع من الأرض إذ بانقطاعها يجب بطلان حجج الله وبيّناته ، وذلك محال ممتنع ، فانقطاع الإمامة مثله، وحيث لا إمام ظاهر على الوجه المذكور في الكلام من بعد أبي محمّد الحسن بن علي
ص: 258
العسكري (علیهما السّلام) وجب الحكم بوجود إمام مختف من بعده، وما هو إلّا صاحبنا إذ لم يدّع أحد من الناس ذلك لغيره، فوجب أن يكون هو القائم بحجة الله المستتر ،وفى هذا كفاية لصحة قولنا .
وممّا يدلّ على عناد ابن أبي الحديد قوله في شرح هذا الكلام: وهذا يكاد يكون تصريحاً بمذهب الإمامية إلّا أن أصحابنا يحملونه على أن المراد به الأبدال الذين وردت الأخبار النبوية عنهم أنهم في الأرض سائحون(1) ، إلى آخر فلتته.
وما أدري كيف قال هذا ولا نعرف الأبدال الذين يقول بهم ، وإن الكلام لا يشير إلى ما ذكره قطعاً وجزماً ، ولا شك أنه لا يدري ما يقول، وأنت خبير ببطلان كلامه بعد الإحاطة بما سبق من القول، وقد قررنا في مسألة عدم جواز خلق الأرض من الإمام في جميع أزمنة التكليف تقريراً شافياً في هذا الحديث ينفعك هنا فراجع.
ومنه قوله (علیه السّلام) في خطبته: «فانظروا أهل بيت نبيكم فإن لبدوا فالبدو(2)، وإن استنصر وكم فانصروهم، فليفرجنّ الله الفتنة برجل منّا أهل البيت بأبي ابن خيرة الإماء ، لا يعطيهم إلا السيف هزجاً هزجاً (3) ، موضوعاً على عاتقه ثمانية [ أشهر ] (4)حتى تقول قريش: لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا، يغريه الله ببني أُميّة حتى
ص: 259
يجعلهم حطاماً ورفاتاً ملعونين أينما ثُقفوا أخذوا وقتّلوا تقتيلاً، سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا» (1) الخطبة .
قال ابن أبي الحديد فإن قيل : من هذا الرجل الموعود به الذي قال (علیه السّلام) «بأبي ابن خيرة الإماء» ؟ قيل : أمّا الإمامية فيزعمون أنه إمامهم الثاني عشر وأنه ابن أمة اسمها نرجس ، وأما أصحابنا فإنهم يزعمون أنه فاطميّ يولد في مستقبل الزمان لأم ولد وليس بموجود الآن (2)، انتهى .
قلت: نحن والحمد لله قاطعون بذلك غير زاعمين ؛ قد وضحت به حجّتنا و قامت عليه أدلّتنا كما ترى.
فإن قيل : لم استتر هذا الإمام من الظلمة ولم لا يظهر فيقاتلهم ويجالدهم ؟
قلنا: قد قدّمنا من القول في جواب قعود أمير المؤمنين (علیه السّلام) عن القتال في زمن الثلاثة ما يكفي في الجواب هنا عن هذا الإيراد ،ونزيد عليه في هذا المقام فنقول : أخبرونا عن أنبياء الله ورسله حين عمل قومهم بالمعاصي وكفروا بالله كقوم نوح وقوم إبراهيم وقوم لوط، وعن بني إسرائيل حين عبدوا العجل بمشهد من هارون ولم يقاتلوهم وغير أولئك ممن عصوا الله وأفسدوا في الأرض ولم تقاتلهم الأنبياء لم لا قاتلوهم وجالدوهم ؟ فما تجيب به عن هذا هو جوابنا عن إيرادك، فاختر من الجواب ما شئت.
فإن قيل : إنّما وجب نصب الإمام لإقامة الملّة ومنع حوزة الإسلام وأخذ الحقوق وإقامة الحدود وجباية الفيءوجهاد المشركين وقتال الباغين وإرشاد
ص: 260
العباد ورفع الفساد ولا خفاء أن المستتر المتواري لا تحصل به هذه المصالح، فأيّ فائدة في إمام مستتر؟
قلنا : صدقت في قولك: إنّ الإمام منصوب لهذه المصالح، لكن لا يجب عليه القيام بها إلّا إذا سلّمت له الرعيّة المقادة وبسطت له يد الطاعة لو وجد ممن يطيعه أعواناً ينتصر بهم على من يعصيه من الأمة، فأمّا إذا منعته الرعيّة طاعتها ولم تلق له زمام قيادها، بل ترکت نصرته وأخافته ولم يجد من أهل طاعته من يقوم بنصرته على أهل المعصية، فإنّه لا يجب عليه القيام بجميع تلك المصالح كما ذكرت وجاء منع اللطف من قبل الرعيّة حيث فوتوا أنفسهم منه بكفّهم يد الإمام عن التصرّف ولم يلزم من ذلك بطلان إمامة الإمام المنصوب من الله ، لأن سبيله سبيل النبي(علیه السّلام).
فكما أن النبي صلى الله عليه وسلم مبعوث لتلك المصالح وغيرها ولا تبطل نبوّته بعدم القدرة على القيام بها لعدم طاعة الرعيّة له كما ذكرنا في الكلام على الإيراد الأوّل ولم يقتض ذلك عدم وجود النبي، فكذلك لا تبطل إمامة الإمام إذ كانت من الله بمنع الرعيّة إيَّاه عن التصرف، ولا يلزم من ذلك ،عدمه، لأن الإمامة خلافة عن النبوّة وما لا يبطل به الأصل لا يبطل به الفرع، وهذا كاف في الجواب عن ترك أئمتنا (علیهم السّلام) بعد الحسين القتال وقعودهم عن مجاهدة الظلمة.
قولك: «أي فائدة في إمام مستتر»، قلت بلى فيه فائدة جليلة ولطف ظاهر ،وذلك أن المكلفين إذا علموا أن في العالم إماماً مختفياً وإنه سيظهر فينتصف للمظلوم من الظالم، ويردّ الحقوق إلى أهلها، ويعاقب العاصين، وجوّزوا ظهوره في كل وقت، فإنهم يكونون إلى الصلاح أقرب، ومن الفساد أبعد، فهذه فائدة من
ص: 261
أعظم الفوائد في وجود الإمام المستتر ، وذلك بخلاف ما إذا علموا أن ليس فى العالَم إمام بذلك الوصف، فإنّهم يكونون على طرف النقيض من الأوّل.
والحاصل أن وجود الإمام لطف وتصرفه لطف آخر، وعدم حصول الثاني لمانع لا يقتضي عدم الأوّل.
وهنا وجه آخر وهو أن نقول: إن الفائدة في نصب الإمام مطلقاً قيام حجة الله به على المكلفين بحيث لا يستطيع المكلف العاصي أن يقول : لم أجد من يرشدني إلى الحق ، فإنّه يقال لهم عن الله : إنّي نصبت لكم من يرشدكم إلى سبيلي ويوضح لكم ما اختلفتم فيه من ديني فلم عصيتموه وأخفتموه ؟ ولم لا أطعتم أمره وقبلتم قوله ووازرتموه ؟ فلا تكون لهم على الله حجّة، وقد نصب لهم منهم من يهديهم إلى مراشدهم وأزاح علتهم بتعيين من يدلهم على سبيل مراضيه، بل تكون الله عليهم الحجة البالغة.
وإلى هذا يشير قوله تعالى: ﴿فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ )(1) ويصرح به قول أمير المؤمنين (علیه السّلام) : «اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم الله بحجة» إلى قوله : «لئلّا تبطل حجج الله وبيّناته»(2) وهذه كما ترى فائدة عظيمة؛ فاندفع الإيراد وزالت الشبهة وظهر الحقّ وبطل ما كانوا يعملون.
ولنذكر جملة من الأحاديث الواردة في حق الخلف المنتظر عجّل الله فرجه من طرق الخصوم زيادة على ما مضى :
ص: 262
أخرج الطبراني عن النبي (صلّی الله علیه و آله): «المهدي منا يختم الدين به كما فتح بنا» (1).
وأخرج أحمد ومسلم عن النبي (صلّی الله علیه و آله):«يكون في آخر الزمان خليفة يحثو المال حثوا »(2).
وروى الرويائي والطبراني وغيرهما عنه (صلّی الله علیه و آله) : «المهدي من ولدي؛ وجهه كالكوكب الدرّي، اللون لون عربي ، والجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، يرضى لخلافته أهل السماء وأهل الأرض»(3).
وأخرج الطبراني مرفوعاً إليه (صلّی الله علیه و آله):«يلتفت المهدي (علیه السّلام) وقد نزل عيسى (علیه السّلام)كأنما يقطر من شعره الماء، فيقول المهدي : تقدّم فصلّ بالناس، فيقول عيسى : إنما أُقيمت الصلاة لك فيصلّي خلف رجل من ولدي »(4).
وفي صحيح ابن حبّان في إمامة المهدي نحوه (5).
قال في إسعاف الراغبين: وصحّ مرفوعاً: «ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي: تعال صلّ بنا، فيقول: لا إنّما بعضكم أئمة بعض تكرمة الله لهذه الأمة »(6).
ص: 263
وهذا يبطل ما قاله ابن عربي : إنّ عيسى يتقدّم فيصلّي بالناس على سنة نبينا (صلّی الله علیه و آله)(1). وروى ابن ماجة عن النبي (صلّی الله علیه و آله) إنّه قال: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتى يملك جبل الديلم والقسطنطنية »(2) زاد في روايات: «ورومية ومرويّة» (3).
قلت : وهذه الأخبار وما قبلها تنطق نطقاً فصيحاً بأن المهدي من ولد رسول الله (صلّی الله علیه و آله) وعترته ومن ذريته من نسل فاطمة البتول، وهي كثيرة متظافرة، ومنها يُعلم فساد ما افتعله بعض الخصوم إنه لا مهدي إلا عيسى، وما زوّره بعض آخر المهدي من ولد العبّاس عمّي .
قال ابن حجر في الصواعق : الأظهر أن خروج المهدي قبل نزول عيسى وقيل : بعده، وقد تواترت الروايات عن النبي (صلّی الله علیه و آله) بخروجه وأنّه من أهل بيته، وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأنه يساعد عيسى على قتل الدجال بباب لدّ بأرض فلسطين ، وأنّه يؤمّ هذه الأمّة ويصلي عيسى خلفه، وأكثر الروايات متفقة على تحقّق ملكه سبع سنين (4) .
إلى أن قال : وإنّه بعد أن تعقد له البيعة بمكّة يسير منها إلى الكوفة ثم يفرّق الجنود إلى الأمصار، وإن السنة من سنينه تكون مقدار عشر سنين، وإنه يبلغ سلطانه المشرق والمغرب وتظهر له الكنوز ولا يبقى في الأرض خراب إلا يعمّره.
قال مقاتل بن سليمان ومن تبعه من المفسرين في قوله تعالى : ( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ
ص: 264
لِلسَّاعَةِ) (1) إنها نزلت في المهدي (2) .
وقال ابن عربي بعد ذكر ما نقلناه أوّلاً عنه في نسب المهدي وبيعة المسلمين له بين الركن والمقام :قال يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخَلق - بفتح الخاء - وينزل عنه في الخُلق - بضمّها - إذ لا يكون أحد مثل رسول الله (صلّی الله علیه و آله) في أخلاقه، أسعد الناس به أهل الكوفة، يقسم المال بالسويّة ويعدل به في الرعيّة ، يمشي الخضر بين يديه، يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً، يقفو أثر رسول الله (صلّی الله علیه و آله)، لا يخطئ له ملك يسدّده من حيث لا يراه يفتح المدينة الروميّة بالتكبير مع سبعين المدينة الرومية بالتكبير مع سبعين ألفاً من المسلمين،یشهد الملحمة العظمى مأدبة الله بمرج عكّا، يعزّ الله به الإسلام بعد ذلّه، ويحيّيه بعد موته، ويضع الجزية ويدعو إلى الله بالسيف، فمن أبى قُتل، ومن نازعه خُذل، يحكم بالدين الخالص عن الرأي.
إلى أن قال: واعلم أنّ المهدي إذا خرج يفرح به جميع المسلمين خاصّتهم وعامّتهم، وله رجال إلهيون يقيمون دعوته ،وينصرونه هم الوزراء له يتحملون أثقال المملكة عنه ويعينونه على ما قلّده الله ... إلى آخر ما قال(3).
وقد ذكروا من علامات ظهوره انكساف القمر فى أوّل ليلة من شهر رمضان والشمس يوم النصف منه وقريب منه مروي من طرقنا عن أهل البيت (علیهم السّلام)(4).
ص: 265
ومن علامات ظهوره (علیه السّلام) خروج الدجّال والسفياني .
ولا يخفى عليك أن أخبار ظهور المهدي وعلاماته وتفصيل الأمور التي تجري من حين ظهوره إلى حين وفاته كثيرة وهى مذكورة في محالّها كغيبة الصدوق وغيبة النعماني وغيبة شيخ الطائفة وغيرها من كتب أصحابنا المصنّفة في هذا الشأن ،من أرادها لم تفته ، والغرض هنا إثبات إمامة الخلف المنتظر وتصحيح خروجه من روايات المخالفين وأقوالهم، وقد أوردنا ما فيه بل في بعضه الكفاية لمن تدبّر وأنصف، ولله الحمد والمنّة على التوفيق.
ص: 266
وقد علمت في مسألة شروط الإمام معنى العصمة وأن حقيقتها لطف يفعله الله بالمكلّف بحيث يؤمن عليه يسيبه من ارتكاب الذنوب واقتراف المعاصي؛ كبائرها وصغائرها، ومن الخطأ في الأحكام عمداً وسهواً وتأويلاً، ويحكم بإصابته الحق في جميع أفعاله وأقواله، وأصحابنا جازمون بعصمة أئمّتنا الاثنى عشر (علیهم السّلام)كجزمهم بعصمة الأنبياء (1).
وأما المخالفون فمنهم من وافقنا على عصمة أمير المؤمنين (علیه السّلام) وليس من حيث اشتراط العصمة في الإمام، وهذا قول أبي محمد الحسن بن متويه من المعتزلة.
قال ابن أبي الحديد: نصّ أبو محمّد بن متويه في كتاب الكفاية على أن عليّاً معصوم وإن لم يكن واجب العصمة، ولا العصمة شرطاً في الإمامة، لكن أدلّة النصوص قد دلّت على عصمته والقطع على باطنه ومغيبه، وإنّ ذلك أمر اختصّ هو به دون غيره من الصحابة، انتهى(2).
ووافقنا على عصمة المهدي (علیه السّلام) محيي الدين بن عربي (3) قال في الفتوحات
ص: 267
المكية نقلاً عنه : إنّه - يعني المهدي - يحكم بما ألقى إليه ملك الإلهام من الشريعة، وذلك أنه يلهم الشرع المحمّدي فيحكم به كما أشار إليه حديث: «المهدي يقفو أثري لا يخطئ» (1) فأخبرنا (صلّی الله علیه و آله) أنه متبّع لا مبتدع (2)، وإنّه معصوم في حكمه فعلم أنه يحرم عليه القياس مع وجود النصوص التي منحه الله إياها على لسان ملك الإلهام(3) ، بل حرّم بعض المحقّقين القياس على جميع أهل الله لكون رسول الله الا (صلّی الله علیه و آله) مشهوداً لهم، فإذا شكوا في صحة حديث أو حكم رجعوا إليه في ذلك فأخبرهم بالأمر الحق ؛ يقظة ومشافهة(4).
أقول: وهذا الكلام يعطي عصمة باقي أئمّتنا عنده أيضاً، لأن أهل الله عنده كما ترى معصومون عن الخطأ في الأحكام ، وهو يقرّ بأنّ أئمتنا من أفضل أهل الله على الوجه الذي ينحو إليه بهذا اللفظ ، ويعلم ذلك من قوله في ذكر نسب المهدي أنّه ابن الإمام الحسن العسكري بن الإمام علي النقي إلى آخره، وقد مر ذكره .
وبعصمة الاثنى عشر صرّح حجة الإسلام الغزالي في بعض كتبه كما ذكره عنه بعض أصحابنا من أهل الاطلاع والتثبت في النقل، وقد وضح من ذلك أن القول بعصمة هؤلاء الأصفياء ليس ممّا اختص به أصحابنا، بل بعض مخالفينا يقول به وإن كان لغير الوجه الذي يقول به أصحابنا، وأما سائرهم فينكرون عصمة أئمتنا الكرام والعجب من ابن أبي الحديد حيث أنكر عصمة أمير المؤمنين (علیه السّلام)وقال في مواضع : إنه عنده غير معصوم مع حكمه في كثير من المواضع بأن عليّاً (علیه السّلام)مع
ص: 268
الحق دائماً(1)، وهل العصمة إلا ذلك ؟ وليس هذا التناقض بغريب في كلامه، فإنّه قد اشتمل على الجمّ الغفير من ذلك ، وقد نبهنا على كثير منه سابقاً.
إذا عرفت هذا فاعلم أن الدليل على عصمة أئمّتنا (علیهم السّلام) من وجوه ثلاثة :
الأوّل: دليل اللزوم وبيانه أنا قد دللنا أولاً في مسألة شروط الإمام على أن العصمة شرط في الإمام، ودللنا في مسألتي النص على أن هؤلاء هم المنصوص عليهم بالإمامة ؛ فلزم من ذلك أن يكونوا معصومين، إذ لا شيء من الإمام غير معصوم، وهؤلاء أئمّة بالنص، فيكونون معصومين، وحاصل هذا الدليل أن العصمة شرط في الإمام، والاثنى عشر المذكورون هم الأئمة بالنص، فتجب لهم العصمة .
الثاني : دليل الكتاب وهو قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (2) والرجس هنا الذنب بالاتفاق (3)، ونحن نبيّن وجه استفادة العصمة من الآية ثم نبين من المعني بها .
أمّا الأوّل : فلان إرادة الله إذهاب الرجس عن أهل البيت (علیه السّلام) وتطهيرهم من الذنوب إما أن يكون المراد بها الإرادة التي يتعقّبها الفعل ويصدر عنها إذهاب
ص: 269
الرجس والتطهير منه ، وإما أن يكون المراد إرادة الله منهم أن يطهّروا أنفسهم من الرجس التي هي بمعنى الأمر التكليفي ، والثانى غير مراد من الآية لوجهين:
الأوّل: أن المقصود من الآية كما هو ظاهر اختصاص أهل البيت بهذا الأمردون الناس وإذا كان المراد منها الأمر بتطهير أنفسهم من الذنوب زال الاختصاص، فإن اجتناب الذنوب مطلوب من جميع المكلّفين فلا خصوصية في هذا لأهل البيت فوجب لموضع الاختصاص أن يكون المراد هو الأول ومنه تثبت العصمة.
الثاني: أن الآية وردت مورد المدح ولا مدح في مطلوبية اجتناب الذنوب ، وإنّما المدح في إذهابها عن المكلّف وتطهيره من مقارفتها وهو المعنى الأول، فوجب أن يكون هو المراد لئلّا يخرج ما هو مدح عن كونه مدحاً فيثبت بذلك العصمة لمن عناهم الله بهذه الآية .
وأما أهل البيت المعنيون بهذه الآية فهم بالأصل النبي (صلّی الله علیه و آله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين، ويدخل باقي الأئمة فيهم بالتبعية كما أرشدت إليه الأخبار الواردة في المهدي، وقول النبي (صلّی الله علیه و آله) فيه تارة: «إنه من عترتي»(1) وتارة «من أهل بيتي »(2) ، إذ لا يصح أن يكون المهدي من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وعترته وأبوه وآباؤه ليسوا من العترة ولا من أهل البيت ،ونسبه إنّما اتصل بالنبي (صلّی الله علیه و آله) من جهتهم، بل
ص: 270
يجب أن يثبت لهم من قرب النبي (صلّی الله علیه و آله) ما ثبت له وزيادة لما لهم من قرب الولادة من الرسول (صلّی الله علیه و آله) وأقل الأمور المساواة ، فصح من ذلك دخول الأئمة في أهل البيت المعنيين بهذه الآية.
ونزول الآية فيمن ذكرنا مما اشتهر بين أهل العلم وصحّ عند أعيان المفسرين وشاع عند الأمّة، وصرح به المعتزلي فيما نقلناه عنه في بيان معنى العترة، وتظافرت به الروايات من الفريقين، وتواترت به الأخبار من الطرفين، ولم ينكره محقق ولا ارتاب فيه فاضل، ولم يُدخل معهم غيرهم في هذه الآية إلا شاذّ من متعصبي الخصوم وهو ابن حجر في الصواعق حيث زعم أن المراد بالبيت في الآية ما يشتمل بيت نسب النبي (صلّی الله علیه و آله) وبيت سكناه، فتشمل الآية أزواجه(1)، ونقل هذا بعضهم عن الزمخشري والبيضاوي (2) ، وهو قول فاسد من وجوه:
الأول : مخالفته الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً من الأمة مع قلّة القائل به من ذوي التحقيق فيكون باطلاً.
الثاني: أن الآية صريحة في عصمة المعنيين بها كما قررناه واعترف به الخصوم ، ونقله في الإسعاف عن البيضاوي، حيث قال : المراد بالرجس الذئب وبالتطهير التطهير من المعاصي (3)، ومن الواضح البيّن أنه لم يقل أحد من الأمة بعصمة أزواج النبي (صلّی الله علیه و آله) فيخرجن من مدلول الآية على هذا الوجه بالإجماع حتى من القائل بدخولهنّ لاعترافه بدلالتها على العصمة كما سمعت عن البيضاوي،
ص: 271
وهذا من أبين الوجوه على خروج الأزواج من الآية وعدم شمولها لهنّ.
الثالث: أنّ المعروف من العرب الذين نزل القرآن بلسانهم أنّ مرادهم من قولهم: «أهل بيت فلان» قرابته النسبيّة لا من كان منه بسبب منقطع ووصلة مستعارة كالزوجة والعبد والأمة.
قال في المصباح المنير والأهل أهل البيت، والأصل فيه القرابة(1)، انتهى.
ومن مارس كلام العرب عرف صحة ما قلناه، فإن شواهده في كلامهم كثير . قال الفرزدق :
إن الذي سمك السماء بنى لنا *** بيتاً دعائمه أعزّ وأطول
بيت زرارة محتب (2) بفنائه *** ومجاشع وأبو الفوارس تهشل
لا يحتبى بغناء بيتك مثلهم *** أبداً إذا عُد الفعال الأكمل (3)
و من البيّن أنه لم يرد بيت السكني، وإنما أراد بيت النسب .
وقال بعض ولد أبي لهب (4):
وأنا الأخضر من يعرفني *** أخضر الجلدة (5) في بيت العرب
من يساجلني يساجل ماجداً *** يملأ الدلو إلى عقد الكرب(6)
ص: 272
برسول الله وابني بنته *** وبعباس بن عبدالمطلب(1)
ومن اليقين أنه لم يرد ببيت العرب بيت سكناهم ، وإنما أراد بيت نسبهم.
وقال لبيد العامري :
فبنى لنا بيتاً رفيعاً سمكه *** فسما إليه كهلها وغلامها (2)
ولا شبهة في أنه لا يريد بيت السكني، وإنما يريد بيت الشرف والحسب .
و قال آخر :
ألا يا بيت بالعلياء (3) بیت *** ولولا حبّ أهلك ما أتيتُ
ألا يا بيت أهلك أو عدوني *** كاني كل ذنبهم جنيتُ(4)
أراد بيت النسب كما ذكره بعض الأفاضل.
وقال عبيد الله بن كثير السهمي:
لعن الله من يسب عليّاً *** وحسيناً من سوقة وإمام
أيُسبّ المطهّرون جدوداً *** وكرام الأباء والأعمام
يأمن الطير والحمام ولا *** يأمن آل الرسول عند المقام
طبت بيتاً وطاب أهلك أهلاً *** أهل بيت النبي والإسلام
رحمة الله والسلام عليهم *** كلما قام قائم بسلام (5)
ص: 273
وهو مصرح بأنّ آل النبيّ وأهل بيته قرابته النسبيّة وأن بيت النبي (صلّی الله علیه و آله) بيت نسبه لا بيت سكناه.
وقال طارق بن عبد الله النهدي وهو يذكر عليّاً (علیه السّلام) عند معاوية، وكان معاوية قد نال من علي (علیه السّلام) عند دخول طارق هذا عليه، فأجابه طارق بكلام منه قوله : أما ،بعد، فإنّا (1) ما كنا نوضع فيما أوضعنا فيه بين يدي إمام تقي عادل مع رجال من أصحاب رسول الله (صلّی الله علیه و آله) أتقياء مرشدين ما زالوا مناراً للهدى، ومعالم للدين خلفاً عن سلف مهتدين ،أهل دين لا دنيا كل الخير فيهم، وأتبعهم من الناس ملوك وأقيال وأهل بيوتات وشرف ،ليسوا بناكثين ولا قاسطين، إلى آخر ما قال. رواه في كتاب الغارات (2).
فقوله« أهل بيوتات» يريد الأنساب الجليلة لا بيوت السكنى وهذا كثير في كلامهم شعراً ونثراً، فصحّ منه أن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم قرابته لا أزواجه.
نعم إنّا لا ننكر إطلاق لفظ الأهل على الأتباع، فتدخل فيهم الأزواج والموالي على جهة التجوّز والقلة دون الحقيقة، لكن الأكثر والأصل ورود الأهل في القرابة، ومنه في القرآن كثير، قال الله تعالى: (احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْن وأَهلك) (3) و زوجته ليست معهم لأنها من المغرقين، وقال تعالى حكاية عن نوح : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) (4) وهو صريح في المدّعى ، إذ ليس يجوز أن يكون المراد أن ابني من
ص: 274
أزواجي أو مماليكي، بل يتعيّن أن يكون المراد أن ابني من قرابتي وأولادي، فيكون الأهل هم القرابة التى أخصها الأولاد.
وقوله تعالى في حق أيّوب (علیه السّلام) : « وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ) (1) وفي آية أُخرى: (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَعَهُمْ) (2) نصّ في المطلوب لأن المردود على أيوب أولاده لا زوجته باتفاق المفسرين وأهل السيرة والتواريخ (3).
وأما قوله تعالى : ( فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ )(4) فلا حجّة فيه لجواز أن يكون الاستثناء فيه منقطعاً، مثله في : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ (5).
أو الزوجة داخلة في الأهل مجازاً لعلاقة المجاورة كما يحتمل أيضاً في دخول إبليس فى الملائكة، وهذا ما لا تنكره لكن لا يحتمل عليه اللفظ عند الإطلاق وعدم القرينة .
وأما قوله تعالى في حكاية خطاب الملائكة لسارة: ﴿ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ)(6) فلا حجّة فيه أيضاً لأن الخطاب ليس لسارة وحدها بل المعني إبراهيم وأهل بيته ودخول سارة فيهم لم يكن من جهة الزوجية خاصة ، بل جاز أن يكون دخولها فيهم من جهة النسب، فإن سارة لها قرابة قريبة بإبراهيم (علیه السّلام) لأنّها
ص: 275
ابنة عمه، وتذكير الضمير يدلّ على المدّعى، فاتضح من هذا البيان أن الأزواج لسن داخلات في أهل البيت المذكورين في الآية لاختصاصها ببيت النسب دون بيت السكنى.
الرابع: تذكير الضمير العائد إلى أهل البيت في «عنكم» و«يطهركم» فإنّه قرينة على أن المراد أقرباء النبي (صلّی الله علیه و آله) دون أزواجه وإلّا لقال : عليكن ويطهركن إجراءاً له مجرى سابقه من الكلام ولاحقه فإن الضمائر فيه كلها مؤنّثة، وإذا لم يؤنّث الضمير وجب أن يفصل الكلام عمّا قبله وعما بعده.
لا اعتراض علينا بقوله تعالى: (إِذْ رَأى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا) (1) والخطاب لزوجته لأن ذلك تجوّز محض من وجهين: الأوّل: تذكير المؤنّث، الثاني: خطاب الواحد بخطاب ،الجمع، ولولا قيام القرينة على إرادة المجاز دون الحقيقة لوجب حمل اللفظ على الجمع المذكر وصرفه إلى الأقرباء لأنه المتبادر منه، والتبادر علامة الحقيقة، لكن صرفتنا عن ذلك القرينة وهى اتفاق أهل التفسير وأهل السيرة والتاريخ على أنه لم يكن مع موسى الحين الخطاب إلا زوجته، فتعيّن كون الخطاب لها وحمل على المجاز لتعينه فيه من الوجهين المذكورين.
فأخرى أن يكون كذلك في الوجه الثالث، وليس الأمر في المقام كهذا، فإن النبي (صلّی الله علیه و آله) حين نزول الآية معه أقاربه وأزواجه، واللفظ في الأوّل حقيقة وفي الآخر مجاز، ولا قرينة تعيّن المجاز فوجب صرفه إلى الحقيقة والسياق ليس بقرينة المعارضته بتذكير الضمير وهو من الأدلة الظاهرية، وذاك ليس من الأدلة وإن كان
ص: 276
فهو من أدلة الإشارات ودلالة الظواهر أقوى فيجب تقديمها عليها باتفاق الأصوليين.
وأيضاً إن قوله تعالى : (إِذْ رَأى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكثوا) (1) ليس فيه اشتباه لعدم تقدم مؤنّث في اللفظ وتأخّره حتى يشتبه الحال في أن المراد بهذا المذكّر هو ذلك المؤنث أم غيره، فجاز فيه التجوّز لعدم الاشتباه، وفي آية التطهير اشتباه لتقدّم مؤنث عليها وتأخره عنها واحتمال اللفظ إذا ذكر لإرادة المتقدم وغيره. فلو أراد بها المتقدّم لأنت الضمير لرفع الاشتباه ولم يأت بالمجاز، لأن التجوز لا يجوز عند الاشتباه لعدم القرينة الصارفة عن الحقيقة لما فيه من التعمية والإغراء بالجهل الممتنعين على الحكيم جلّ وعلا.
وحيث ذكّر - والمقام يقتضي أن لو أراد الأزواج لأنث - عرفنا يقيناً أنه لا يريدهن من الخطاب، فخرجن من الآية جزماً ، وهذا مبطل للسياق الذي ادعوه وقالع لأساس التعلّق به في المقام .
قال بعض أصحابنا : ومتى قيل أن صدر الآية وما بعدها في الأزواج فالقول فيه : إن هذا الأمر لا ينكره من عرف عادة الفصحاء في كلامهم فإنهم يذهبون من خطاب إلى غيره ويعودون إليه، والقرآن من ذلك مملوء، وكذلك كلام العرب وأشعارهم(2).
أقول : ويدلّ عليه صريحاً قوله تعالى في سورة لقمان : ( وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ
ص: 277
يَعِظُهُ يَابنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )(1) ثم ذهب في الكلام إلى معنى آخر فقال: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْن) (2) وساق القول إلى أن استوفى المراد منه ثم عاد إلى إتمام المعنى الأول وهو موعظة لقمان لابنه فقال : (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَلْكَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ)(3) إلى أن أتى بتمام الكلام المطلوب، فتراه انتقل في القول من معنى إلى غيره ثم عاد إلى الأوّل بعد استكمال الثاني فهو كالآية التي يتكلّم في دلالتها ، ومثل هذا في القرآن موجود، من تأمل فيه عرف مواضعه وذكرنا منه هذا الموضع لرفع استبعاد الجاهلين الذين يتعللون بسياق الآية وهم لا يفقهون ظواهر العربية فضلاً عن دقائقها وأسرارها.
الخامس: وهو العمدة، الروايات المتواترة من الفريقين على أن الآية نزلت في النبي (صلّی الله علیه و آله) و علي وفاطمة والحسن والحسين وفي بعضها ذكر الأربعة خاصة ولا شك أن النبيّ (صلّی الله علیه و آله) هو الأصل في ذلك ، ولأجله شرف الأربعة وذريتهم، والروايات في هذا المرام متكثّرة، نحن نذكر منها جملة يحصل بها اليقين للمتأمل المنصف .
روى جميع المفّسرين وأهل السيرة إنه لمّا نزل قوله تعالى : ( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِل (4) الآية، فدعا النبي (صلّی الله علیه و آله)نصارى نجران إلى المباهلة، فوعدوه في غدٍ ، فلما أصبحوا جاؤوا إلى النبي (صلّی الله علیه و آله)
ص: 278
وهو محتضن الحسين ، آخذ بيد الحسن وفاطمة خلفه، وعلي (علیهم السّلام)خلفهم، وهو يقول: «اللهم هؤلاء أهلى ، إذا أنا دعوت فأمّنوا»(1).
قال جابر بن عبد الله(رضي الله عنه) : أنفسنا محمد رسول الله (صلّی الله علیه و آله) وعلي ، وأبناؤنا الحسن والحسين، ونساؤنا فاطمة صلوات الله عليهم أجمعين (2).
ورواه الحاكم في مستدركه عن علي بن عيسى، عن الشعبي مرسلاً.
ورواه عن ابن عباس وقال : صحيح على شرط مسلم .
ورواه أبو داود الطيالسي عن شعبة عن الشعبي مرسلاً (3).
وروى أحمد بن حنبل والطبراني والثعلبي عن أبي سعيد الخدري قال، قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله): أنزلت هذه الآية في خمسة في وفي علي وحسن وحسين وفاطمة - يريد آية التطهير -»(4).
وروى ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسّنه وابن جرير وابن المنذر والطبراني ، والحاكم وصححه عن أنس أن رسول (صلّی الله علیه و آله) كان يمر ببيت فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: «الصلاة أهل البيت، (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ
ص: 279
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )(1).
وروى ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري أن النبي (صلّی الله علیه و آله) جاء أربعين صباحاً إلى باب فاطمة يقول : «السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، الصلاة يرحمكم الله ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهَّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (2).
وفي رواية له عن ابن عبّاس : سبعة أشهر (3).
وفي رواية لابن جرير وابن المنذر والطبراني : ثمانية أشهر(4) .
وروى ابن خالويه النحوي في كتاب الآل وأبو بكر الخوارزمي في كتاب المناقب عن بلال بن حمامة قال: طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم متبسّماً ضاحكاً ووجهه مشرق كدائرة القمر ، فقام إليه عبد الرحمان بن عوف فقال : يا رسول الله ما هذا النور؟
قال: «بشارة أتتني من ربي في أخي وابن عمي وابنتي، فإن الله زوّج عليّاً من فاطمة، وأمر رضوان خازن الجنان، فهزّ شجرة طوبى فحملت رقاقا - يعني صكاكا (5) -بعدد محبّي أهل بيتي وأنشأ تحتها ملائكةً من نور ودفع إلى كل ملك
ص: 280
صكّاً، فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة بالخلائق، فلا يبقى محب لأهل البيت إلّا دفعت إليه صكاً فيه فكاكه من النار؛ فصار أخي وابن عمى وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من أُمتي» (1).
وجه الدلالة من الخبر تفسير النبي (صلّی الله علیه و آله) أهل البيت بعلي وفاطمة في آخر الحديث، وهو قوله صلى الله عليه وسلم «فصار أخي وابن عمي وابنتي» إلى آخره، فكانا هما المرادين بقوله: «محبي أهل بيتي» وقوله «فلا يبقى محبّ لأهل البيت» والأمر ظاهر .
وروى الحاكم عن ابن عبّاس قال: سمعت رسول الله يقول بأُذنى وإلا صُمّتا : «أنا شجرة وفاطمة حملها ، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمارها ومحبّو أهل البيت ورقها، وكلنا في الجنّة حقّاً حقّاً »(2).
وجه الدلالة ظاهر وغني عن البيان لصراحته أن أهل البيت هم أهل تلك الشجرة الزكية، وهذا الخبر ينصر ما قلناه أولاً أن المراد بأهل البيت أهل بيت النسب لا بيت السكني؛ فتأمّل .
وروى الثعلبي في تفسيره بالإسناد عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيتها فأتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة (3) فقال لها: «ادعي زوجك وابنيك»، فجاءت بهم، فطعموا ثم ألقى عليهم كساءً له خيبرياً فقال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فأنزل الله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الله )» الآية .
ص: 281
قالت: فأخذ فضل الكساء فغشّاهم به ثمّ أخرج يده وألوى بها إلى السماء وقال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامّتي (1) فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً»، فأدخلت رأسى البيت وقلت : أنا معكم يا رسول الله ؟ فقال: «إنَّك إلى خير، إنّك إلى خير»(2).
وذكر أبو حمزة الثمالي في تفسيره: حدّثني شهر بن حوشب عن أُمّ سلمة :قالت جاءت فاطمة إلى النبى (صلّی الله علیه و آله) تحمل خزيرة لها، فقال: «ادعى زوجك وابنيك» ، فجاءت بهم فطعموا ثم ألقى عليهم كساء له خيبريّاً وقال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً».
فقلت يا رسول الله، وأنا معهم ؟ قال : «أنتِ إلى خير» (3).
وروى الثعلبي في تفسيره أيضاً بإسناده عن مجمع قال: دخلت مع أُمي على عائشة فسألتها أُمّى [فقالت ] أرأيت خروجك يوم الجمل ؟
قالت : إنّه كان قدراً من الله سبحانه، فسألتها عن علي (علیه السلام)، فقالت : تسأليني أحبّ الناس كان إلى رسول الله ، لقد رأيت عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً جمع رسول الله (صلّی الله علیه و آله) بثوب عليهم ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامّتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً». قالت: فقلت: يا رسول الله أنا من أهلك ؟ قال: «تنحّي فإنّك إلى خیر»(4).
ص: 282
قال أبو علي الطبرسي : أخبرنا السيد أبو الحمد قال : حدثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني قال : حدّثونا عن أبي بكر السبيعي قال: حدّثنا أبو عروة الحرّاني قال : حدّثنا ابن مصفّى قال : حدّثنا عبد الرحيم بن واقد، عن أيّوب بن سيّار، عن محمّد ابن المنكدر عن جابر قال: نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم وليس في البيت إلا فاطمة والحسن والحسين وعلي : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) فقال النبي (صلّی الله علیه و آله): «اللهم هؤلاء أهلى».
قال : وحدّثنا السيّد أبو الحمد قال : حدّثنا الحاكم أبو القاسم بإسناده عن زاذان عن الحسن بن علي (علیهم السّلام) قال : لمّا نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله (صلّی الله علیه و آله) وايّاه في كساء لأُمّ سلمة خيبري ثم قال : «اللهم إن هؤلاء أهل بيتي وعترتي»(1).
وعن أبي سعيد الخدري قال : لمّا نزل قوله تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ )(2) الآية ، كان رسول الله (صلّی الله علیه و آله) يأتي باب فاطمة وعلي تسعة أشهر عند كل صلاة فيقول :« الصلاة رحمكم الله، (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً)» (3) .
ومثله روي عن أبي بردة وأبي رافع(4).
وقال في إسعاف الراغبين: روي من طرق عديدة صحيحة أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) جاء ومعه على وفاطمة وحسن وحسين قد أخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل، فأدنى عليّاً وفاطمة وأجلسهما بين يديه وأجلس حسناً وحسيناً ، كل واحد منهما
ص: 283
على فخذه ثمّ لفّ عليهم كساء ثم تلا هذه الآية: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وقال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً »(1).
قال : وفي رواية: «اللهم هؤلاء آل محمّد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد كما جعلتها على إبراهيم إنك حميد مجيد» (2).
قال : وفي رواية أُمّ سلمة قالت: فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي ، فقلت : وأنا معكم يا رسول الله؟ قال: «إنَّكِ من أزواج النبي» (3).
أقول هذه الرواية والرواية المتقدّمة عن عائشة من أوضح الأدلة على خروج الأزواج من الآية الشريفة، بل من حقيقة مفهوم الأهل كما ترى، وإن كان كل الروايات المذكورة صريحةً في ذلك، وهي كثيرة وطرقها متعدّدة.
ويؤيدها قول أمير المؤمنين (علیه السّلام) في حديث السقيفة: «يا معشر المهاجرين الله الله لا تخرجوا سلطان محمّد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس ، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم» (4) الخبر، وقد مرّ . ولم يقل أحد من الصحابة لأمير المؤمنين (علیه السّلام) حين ادّعى أن الخلافة إذا كانت له كانت في دار النبي (صلّی الله علیه و آله) وبيته ، وإذا خرجت عنه لم تكن في بيت النبي (صلّی الله علیه و آله) ولا داره وذكر أنه ومن يؤول إليه أهل النبي (صلّی الله علیه و آله) وإنهم أهل البيت إن دارك غير دار النبي (صلّی الله علیه و آله) ولم يجبه منهم مجيب بأنّ أهل النبي (صلّی الله علیه و آله) أزواجه وأنّ أهل
ص: 284
بيته نسائه لا أنتم ، بل سلّموا له الدعوى واعتذروا عن أخذ حقّه بما اعتذروا ممّا هو مذكور هناك، ومبيّن فيما مضى.
ويستفاد من هذا اتفاق الصحابة على أن أهل البيت في الآية المراد بهم النبي (صلّی الله علیه و آله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين، وإن البيت فيها بيت النبوة والرسالة، وإنّها مختصّة بهم لا يشاركهم فيها غيرهم ؛ فبطل بذلك ما ادعاه قوم من مشاركة الأزواج لهم، وفسد ما ادّعاه عكرمة من اختصاص الآية بالأزواج (1)لمخالفته الإجماع سابقاً ولاحقاً، وكذا ما ادّعاه بعض الخصوم من دخول أقارب النبي (صلّی الله علیه و آله) وباقي بناته في الآية،و روايتهم في العبّاس وبنيه لا تساعد على ذلك لأن فيها ستر العبّاس وبنيه بملاءة ودعا لهم بالستر من النار(2).
وهذا غير إذهاب الرجس والتطهير من الذنب، وليست النجاة من النار مختصة
بأهل آيه التطهير حتى يدخل فيها من دعا له النبي (صلّی الله علیه و آله) بالستر من النار، وإنما اختصوا بالعصمة من الذنوب، فالرواية على فرض صحتها لا تدل بشيء من الدلالات على دخول العبّاس وبنيه في الآية .
ولسنا نخرج العبّاس وبنيه وباقي بني عبد المطّلب من أهل بيت النبي (صلّی الله علیه و آله) بالمعنى العام لأن قرابتهم إلى النبي ثابتة وإنّما نخرجهم من أهل البيت الذين نزلت فيهم الآية، وقد تقدّمت الرواية بهذا المضمون عن عبد الله بن العباس.
كما إنا أخرجناهم من العترة بالمعنى الخاصّ كما شهدت به جملة من الأخبار .
ص: 285
المروية هنا مثل حديث أُمّ سلمة وخبر زاذان عن الحسن (علیه السّلام)(1) مضافاً إلى ما سبق في محله .
وكذلك نخرجهم من الآل على هذا المعنى، أي من الآل المختصّين بخلافة النبي (صلّی الله علیه و آله) والمشاركين له في خصايصه إلا ما يختص بالنبوة.
وعلى المعنى العام في أهل البيت يخرج قول زيد بن أرقم: أهل البيت من حرم الصدقة بعده (2) ، يعني النبي (صلّی الله علیه و آله) وهم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عياس في رواية مسلم والنسائي (3) إن صحّت الرواية ، وإلّا ففيها إشكال من جهة أنّ من حرمت عليه الصدقة لا يختص بالمذكورين بل هو شامل لجميع بني هاشم، فيدخل بنو الحارث بن عبد المطّلب وبنو أبي لهب، إلا أن يريد بما ذكره التمثيل . وعلى كل حال فلا معارضة بها لتلك الأخبار المتواترة.
فتعيّن ما قلنا فيها واندفع جميع الإيرادات وتبين صحة الوجه في اختصاص الآية بما ذكرنا .
ويعضده أيضاً ما رواه أبو بكر الجوهري في كتاب السقيفة بإسناده عن أبي كعب الحارثي في خبر طويل يذكر فيه كلاماً جرى بين علي وعمار وعائشة وحفصة وسعد بن أبي وقاص وبين عثمان بن عفان، وفيه: فتقدم عثمان فصلى بهم تكلمت وذكرت
فلمّا كبّر قالت امرأة من :حجرتها يا أيها الناس، ثم رسول الله (صلّی الله علیه و آله) و ما بعثه الله به ثم قالت : تركتم أمر الله وخالفتم عهده، ونحو هذا،
ص: 286
ثم صمتت ، وتكلّمت امرأة أخرى بمثل ذلك فإذا هما عائشة وحفصة.
قال: فسلّم عثمان ثمّ أقبل على الناس وقال : إن هاتين لفتّانتان يحلّ لي سبّهما وأنا بأصلهما عالم .
فقال له سعد بن أبي وقّاص: أتقول هذا لحبائب رسول الله ؟! الخبر(1).
فانظر إلى قول سعد فى الردّ على عثمان: أتقول هذا لحبائب رسول الله ، فإنّه قاض بأنّ الأزواج لسن داخلات في آية التطهير عند جميع الصحابة ولا كان دخولهن فيها معروفاً فيما بينهم، ولو كان ذلك كذلك لكان الواجب أن يحتجّ سعد على عثمان بالآية ويقول له : أتقول هذا لأهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ؟ فإنه أوضح في الحجّة على عثمان حيث ادّعى عليهما المعصية التى أحلّت له سبّهما، وعرّض بأصلهما كأنّه يريد الهجنة، أي إنهما ليستا من ذوات الشرف في النسب أو غير ذلك.
فكان الاحتجاج عليه في ردّ قوله بما يصرح بطهارتهما عن الذنب ألزم، فضلاً عن أن يكون أولى من الاحتجاج بأنهما حبائب رسول الله (صلّی الله علیه و آله)، فإنّ كونهما من الحبائب لا يمنع صدور الذنب منهما، فإنّ عثمان أيضاً بزعم سعد منأحبّاء النبي (صلّی الله علیه و آله)و لو لم يكن ذلك مانعاً من صدور الذنب منه عنده وإلا لما أنكر عليه قوله.
على أن عثمان ما ادعى عليهما إلا صدور العصيان منهما المجوّز سبّهما وعلمه بضعف أصلهما ودنائته، فرد قوله بشهادة الله لهما بالتطهير أصرح في قطع حجّته وإبطال ،دعواه، فترك سعد الاحتجاج بالآية لهما وتركهما الاحتجاج بها لأنفسهما
ص: 287
-مع شدة الاحتياج إلى ذلك لكثرة ما شتمتا عثمان وشتمهما كما رواه الخصوم - دليل صريح على أن الأزواج غير داخلات فيها.
وكذا قول عمر لابن عبّاس : إنما عنيت عظيمكم أهل البيت(1)، وقول مغيرة بن شعبة أننتظران خيل الحلبة من أهل هذا البيت وشعوها في قريش تتسع (2)، دالّان على أن أهل البيت قرابة النبي صلى الله عليه وسلم النسبيّة لا الأزواج، وأن ذلك هو المعروف بين أصحاب النبي (صلّی الله علیه و آله).
ويزيد ذلك وضوحاً ما جرى بين عائشة وعلي (علیه السّلام) يوم الجمل من المخاصمات وتصريحه للناس بارتكابها المعصية، وما جرى بينها (3)وبين عبد الله ابن العباس من الملاحات(4) حين دخل عليها بعد الهزيمة وما جرى بينها وبين عمار بن ياسر من المجادلة، ونسبة الكلّ منهم إيَّاها إلى ارتكاب الجرم العظيم ولم تحتج على واحد منهم لبرائتها من المعصية بآية التطهير كما كان دائماً يحتج بها عليّ وولده، ويحتج لهم بها شيعتهم، ولو وجدت شبهة تتعلق بها في دخولها الآية وتصول بها على الطهارة لسارعت إليها وسبقت في انتهاز فرصتها كل سابق، ولأدلت بها إلى الناس لكنّها لم تجد إلى هذا سبيلاً.
وشواهد هذا كثيرة جداً وقد مر جملة منها متفرّقاً في الكتاب وفيما ذكرناه هنا كفاية ومقنع ، فقد أتينا فيه كما ترى بالفصل ليس بالهزل ، وأوضحنا فيه نهج الحق، وأزحنا تعلّلات أهل الشك، ومنه تعلم أنه ليس في الصحابة ولا في أزواج
ص: 288
النبي صلى الله عليه وسلم من يدعي أن آية التطهير يدخل فيها الأزواج فضلاً عن كونهن مختصات بها كما قال عكرمة، وأن إدخالهنّ فيها إنّما هو قول مولد من بعض المتعصّبين قصد به إبطال احتجاج أهل الحقّ على عصمة علي وفاطمة وبنيهما حتى يساوي بينهم وبين من خالفهم وخاصمهم من أئمته ليحتمل الخطأ في كلا الطرفين فيرجع حينئذ إلى :
ونسكت عن حرب الصحابة فالذي *** جرى بينهم كان اجتهاداً مجرّداً(1)
وهيهات هيهات وأنّى له بذاك، وقد أسفر الصبح وصرّح الحقّ عن النصح.
وممّا يدل على عصمتهم من الكتاب أيضاً قوله تعالى: ﴿ سَلامٌ عَلَى إِلْ ياسين ) (2) فالمروي عن ابن عبّاس أن المراد بهم آل محمد(3)، وبه قال الفخر الرازي وجماعة من مخالفينا(4) ، والآل بالمعنى العام هم أهل الرجل وهم ذوو قرابته كما ذكر في المصباح المنير(5)، وقد يطلق على المشايعين والأتباع، وعليه جرى قوله تعالى: ﴿ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) (6).
ص: 289
وأما الآل بالمعنى الخاص فهم ذريّة الرجل وولده وخاصّته من أقاربه، قال الله تعالى : ( فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُلْكاً عظيماً) (1)؛ فالذين آتاهم الله الكتاب والحكمة والملك العظيم من ذوي إبراهيم ولده وذريته، وإن دخل فيهم لوط فذلك لأنه ابن أخيه كما رواه أبو علي الطبرسي عن ابن عباس وابن زيد وجمهور المفسّرين لا جميع أقاربه جميع أقاريه بالاتفاق (2) .
وقال تعالى: (إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)(3) والمصطفى من إبراهيم ولده، ومن عمران ولداه موسى وهارون لا الأقارب ولا الزوجات .
وقال تعالى:( فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ ﴾(4) أتوا لوطاً وخاصّة أهله فهم آله.
وأما قوله تعالى: ﴿ إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمْنَجُوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا امْرَأَتَهُ) (5) فيحتمل انقطاع الاستثناء أو دخول المرأة من حيث المجاورة أو إطلاقه هنا على الأتباع والأشياع فتدخل الزوجة والمملوك لا المعنى الخاص.
وبالجملة الآل كالأهل في معانيه بل قال بعض: إنه هو بنفسه أبدلت هاؤه ألفاً (6)، وآل محمد (صلّی الله علیه و آله) الذين شاركوه في الصلاة عليه وفي التسليم والطهارة ووجوب المودة هم علي وفاطمة والحسن والحسين كما ذكرنا في بيان العترة
ص: 290
وذوي القربى والأهل، ويدخل باقى الأئمة بالتبعية كما أوضحناه هناك.
ويدل عليه صريحاً ما مرّ من قول النبي (صلّی الله علیه و آله) في علي وفاطمة والحسنين حين نزلت آية التطهير: «اللهم هؤلاء آل محمّد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد كما جعلتها على إبراهيم إنك حميد مجيد »(1) واستفادة العصمة من الآية من جهة أن السلام بمعنى السلامة وهي البراءة من العيوب والنجاة من الذنوب كما قال تعالى : ( قيلَ يَا نُوحُ اهْبِطُ بِسَلامِ مِنّا )(2) ، وقال : (سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ) (3) ، ( سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (4) ، (سَلاَمٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ) (5) فالمعنى سلامة لآل محمد أي سلموا من العيوب سلامة وبرؤا من الذنوب براءة والسلامة من الذنوب هي العصمة.
ومما يدل على عصمتهم من الكتاب أيضاً قوله تعالى: ﴿ قُل لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (6) فإنا قد بيّنا أولاً أنها نازلة في أئمتنا وأُمّهم فاطمة وأبيهم علي (علیهم السلام) ، وبيّنا أيضاً أن المودّة هنا بمعنى المتابعة، وأقمنا على ذلك الأدلّة هناك.
ويشهد للمعنيين جميعاً ما رواه الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل لقواعد التفضيل مرفوعاً إلى أبي أمامة الباهلي قال : قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله): «إن الله خلق الأنبياء من أشجار شتّى وخلقت أنا وعلي من شجرة واحدة؛ فأنا أصلها
ص: 291
وعلي فرعها ، وفاطمة لقاحها، والحسن والحسين ثمارها، وأشياعنا أوراقها ؛ فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا، ومن زاغ عنها هوى ، ولو أن عبداً عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ، ثم ألف عام، ثم ألف عام حتى يصير كالشنّ البالي ثم لم يدرك محبتنا كبّه الله على منخريه في النار، ثم تلا: (قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (1).
والتعلّق بمعنى المتابعة البتة، وإذا كانت متابعتهم واجبة على الإطلاق من دون تقييد بحال دون حال وجب أن يكونوا معصومين من الخطأ في جميع الأحوال، ومنزهين عن ارتكاب المعاصي بلا إشكال، ولولا ذلك لوجب تقييد طاعتهم بما قيد به طاعة الأبوين بقوله تعالى : ( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا) (2) إذ لا يجوز إطاعة المخطئ ولا متابعة العاصي بنص الكتاب، وحيث أطلق وجوب متابعتهم ولزوم مودتهم دلّ على الشهادة لهم بالعصمة والطهارة من الأرجاس والأدناس،والأمر ظاهر.
ص: 292
وأما من السنّة فالذي يدلّ على عصمة أئمّتنا كثير؛ منه ما يعم الجميع ومنه ما يختصّ بأمير المؤمنين، فأما الذي يختص به :
فمنه : قول النبي (صلّی الله علیه و آله): «علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار» (1). فإنّ هذا الحديث نصّ في عصمة علي (علیه السلام) إذ قد علمت أن ليس العصمة إلّا ملازمة الحق والصواب وعدم الخطأ في الأقوال والأفعال، فإذا شهد له النبي (صلّی الله علیه و آله) إنه على الحق في جميع أحواله كانت تلك شهادة له بالعصمة عن الذنوب وعن الخطأ في الأحكام والقول والفعل، لأن العاصي ليس على الحق، والمخطئ ليس معه، وكان أمير المؤمنين مصيباً للحقِّ وملازماً له، كان معصوماً بالضرورة .
ومنه: قول النبي (صلّی الله علیه و آله) فيه يوم غدير خم في الحديث المتواتر الذي رواه خصومنا عن جملة من الصحابة: «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من ،نصره واخذل من خذله (2) ، وأدر الحق معه حيثما دار» (3) فإنه صريح في عصمته لأن وجوب موالاته ونصرته على الإطلاق تستلزم ملازمته للحق ، فهي شهادة له بالعصمة، ولو صحت منه المعصية لم تجب موالاته في كل حال، إذ لا يجوز موالاة العاصي ولا نصرته بل الواجب الإنكار عليه بالنص والإجماع، لكن موالاة عليّ (علیه السّلام) ونصرته واجبة مطلقاً بصريح الخبر، فوجب أن يكون معصوماً وإلّا
ص: 293
لوجب - لو صدرت منه المعصية - خذلانه ومعاداته في حال وجوب نصرته و موالاته، وهذا متناقض .
وأما قوله (صلّی الله علیه و آله) «وأدر الحق معه حيثما دار» فدلالته على العصمة أوضح من الشمس في رابعة النهار وتقريره كتقرير الحديث الأول.
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الحافظ أبو نعيم وأحمد بن حنبل: «من أحبّ أن يحيا حياتي ويموت ميتني ويتمسّك بالقضيب من الياقوتة التي خلقها الله تعالى بيده ثمّ قال لها كوني فكانت فليتمسك بولاء علي بن أبي طالب (علیه السلام)»، ولفظ أحمد: «من أحب أن يتمسك بالقضيب الأحمر الذي غرسه الله في جنة عدن بيمينه فليتمسك بحبّ علي بن أبي طالب» (1).
وفى حديث آخر رواه الحافظ : «مَن سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنّة عدن التي غرسها ربّى فليوال عليّاً من بعدي وليوال وليه »(2).
والتمسك والموالاة هى المتابعة كما أوضحناه فيما مضى، وإذا كان متابعة علي (علیه السّلام) واجبة على الإطلاق وجب أن يكون ملازماً للحق على كل حال وهي العصمة.
ومنه: الأحاديث الواردة في وجوب محبّته، وأن محبّته محبّه الله ، وطاعته طاعة الله، وفي بعضها : إن محبّه محبّ رسول الله، وهي كثيرة وقد تقدمت، ونشير منها هنا إلى بعض :
ص: 294
فمنها : قول النبي (صلّی الله علیه و آله) في رواية الحافظ عن أبي بردة الأسلمي: «إنّ الله قد عهد إليّ في عليّ عهداً . فقلت يا ربّ، بيّنه لي . قال : اسمع، إنّ عليّاً راية الهدى - إلى أن قال : - وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين من أحبّه فقد أحبّني، ومن أطاعه أطاعني فبشره بذلك. فقلت : قد بشّرته يا ربّ - إلى أن قال - وقد دعوت له فقلت : اللهم اجل قلبه، واجعل ربيعه الإيمان بك . قال : قد فعلت»، الخبر (1).
ومثله قوله (صلّی الله علیه و آله) في حديث أحمد في حق عليّ : «وأما الخامسة: فإني لست أخشى عليه أن يعود كافراً بعد إيمان ولا زانياً بعد إحصان» الخبر (2).
وقوله (صلّی الله علیه و آله) لعلي (علیه السّلام) في حديث أحمد : من أحبك أحبني وحبيبي حبيب الله ، وعدوّك عدوّي وعدوّي عدوّ الله» (3).
وقوله (صلّی الله علیه و آله)في حديث أحمد أيضاً: «أوصيكم بحب ذي قرباها أخي وابن عمي علي بن أبي طالب : لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق، من أحبه أحبني» الخبر (4).
وغير ذلك من الأخبار وهي ظاهرة في الشهادة بعصمته، وأظهرها في المطلب الأول لأنه إذا كان طاعة علي (علیه السّلام) طاعة الله مطلقاً وجب أن يكون دائماً على الحق والصواب في جميع الأمور، لا يجوز عليه الخطأ في الحكم، إذ لو أخطأ في الحكم أو ارتكب معصية في قول أو فعل لم تكن طاعته طاعة الله، بل الأمر يكون بالعكس ، لكن طاعته طاعة الله بنص الخبر فهو معصوم من ارتكاب القبيح.
ويدلّ أيضاً على أنه لا يعمل بالاجتهاد كغيره لأن المجتهد لا يصيب دائماً
ص: 295
وعلي مصيب دائماً، فهو ليس بمجتهد فيكون علمه نقلاً من الرسول (صلّی الله علیه و آله) وإلهاماً من الله تعالى وأكثر أخبار الباب مصرّحة بهذا المعنى فلنستغن ببيانه هنا عن تكريره؛ فتأمّل .
وقوله (صلّی الله علیه و آله)«واجعل ربيعه الإيمان» نصّ في العصمة على قول المعتزلة(1)، والربيع هو الجدول وهو النهر الصغير (2)، كأنّه (صلّی الله علیه و آله) يريد: واجعل مشربه أو مورده الإيمان والإيمان عند المشار إليهم فعل الواجبات واجتناب الكبائر، والصغائر عندهم مكفّرة لا تنافى العصمة لأنها لا توجب الذم ، وإذا كان علي (علیه السلام) بنصّ الخبر ملازماً للإيمان ، كما يصرّح به قوله بعد الدعاء «قد فعلت»، والإيمان عندهم لا يتمّ إلا باجتناب القبيح الذي يستحق فاعله الذم وجب أن يكون معصوماً منه.
وإنّي لأعجب من ابن أبي الحديد حيث يروي مثل هذا الخبر الواضح في عصمة علي (علیه السّلام) ثم يقول في مواضع كثيرة من كتابه: إن علياً ليس بمعصوم (3)، ويعدله بعمر تارة ويقول : إن الرجلين ليس ولا واحد منهما عندنا بمعصوم (4)،ولم يفرّق بين من لم يعبد إلّا الله ولم يجر عليه اسم فسق أبداً وبين من عبد الأوثان وجرى عليه اسم الكفر والعصيان، وأخطأ في كثير من الأحكام زمان تغلبه و سلطنته.
فيالله للمسلمين أيقاس هذا بذاك ؟ وهل تستوي الظلمات والنور ؟ لكن الرجل وأمثاله تاهوا في أودية الجهل وسلكوا الطريق الوعر وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، أعاذنا الله والمؤمنين من طاعة الهوى.
ص: 296
وأمّا لفظ المحبة الوارد فى الأخبار المذكورة فهو مفيد للعصمة لما بيّناه مراراً من أن المحبة لعلي (علیه السّلام) إذا وجبت على الإطلاق، وكانت كمحبة الله والرسول (صلّی الله علیه و آله) وجب أن يكون منزّهاً عن فعل القبيح، إذ العاصي لا تجب محبّته البنّة ، وعليّ (علیه السّلام)تجب محبّته مطلقاً فهو لا يعصى أبداً، وهو المطلوب .
ومنه قول النبي (صلّی الله علیه و آله) في رواية الحافظ أبي نعيم : «يا معشر الأنصار، ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «هذا عليّ فأحبّوه بحبّي وأكرموه بكرامتي »(1) الخبر ومعنى ذلك طاعته بطاعة رسول الله (صلّی الله علیه و آله)، والخبر صريح في أن التمسّك بعلي (علیه السّلام) عاصم من الضلال أبداً، فوجب أن يكون معصوماً، إذ لو ارتكب قبيحاً لم يكن التمسك به عاصماً من الضلال لكنه ،عاصم ، فليس بمرتكب قبيحاً.
ومثله قول النبي (صلّی الله علیه و آله) في حديث أنس: «إنّه - يعني عليّاً - راية الهدى ومنار الإيمان وإمام أوليائي ونور جميع من أطاعني »(2) وقوله في رواية أبي بردة: «إن عليّاً راية الهدى» الخبر (3) ، وتابع راية الهدى يجب أن يكون مهتدياً، ولو كان علي (علیه السّلام) ممّن يعصون لم يكن راية الهدى، ولم يكن اقتفاؤه عاصماً من الضلال ، لكنّه راية الهدى بالنصّ فيجب أن يكون معصوماً من الضلال .
ومنه : الأخبار الواردة في أن علياً (علیه السّلام) كنفس رسول الله (صلّی الله علیه و آله)، وأنه منه ومخلوق من نوره المعتضدة على كثرتها بنص القرآن الحكيم مثل قوله (صلّی الله علیه و آله): «لأبعثنّ إليكم
ص: 297
رجلاً كنفسي» (1) وفي رواية: «عديل نفسي»(2).
وقوله (صلّی الله علیه و آله) : «إن علياً منّي وأنا من علي» (3).
وقوله (صلّی الله علیه و آله): «كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عزّ وجلّ» إلى أن ذكر قسمة ذلك النور فقال: «جزء أنا وجزء علي (علیه السّلام)»(4).
ومثل ذلك قوله (صلّی الله علیه و آله) في تشبيه علي بالأنبياء: «من أراد أن ينظر إلى نوح في عزمه» إلى آخر الخبر (5) والأخبار فى هذا المعنى كثيرة قد تقدّمت .
وإذا كان علي (علیه السّلام) من نور رسول الله (صلّی الله علیه و آله) وعديل نفسه وشبيهاً بالأنبياء كان معصوماً مثله ومثلهم، إذ لم تخرج من مشابهة النبي (صلّی الله علیه و آله) إلا النبوة، فيبقى الباقي حاصلاً له، ومن جملته العصمة، فيكون على معصوماً ، ولذا قال (علیه السّلام) : «والله ما ضللت ولا ضُلّ بي ، ولا زللت ولا زُلّ بي » (6) و صدق وهو الأمين المصدق، فإنّه ما زال على الحق ما حاد عنه ولا حال ولم يفارقه ولم يزايله طرفة عين.
والأخبار الواردة في المعاني المذكورة والمشابهة لها والقريبة منها متعددة واسعة وقد ذكرنا جلّها ، وما ذكرناه هنا من التقسيم أصل يرجع إليه في إرجاع كل حدیث مما لم تذكره هنا إلى بابه فلنقتصر على ما رسمناه ، ففيه بلوغ المراد وتحصيل المطلب، وكفاية المنصف ومقنع المتدبّر في هذا الباب، والمعاند لا دواء له من الحجّة .
ص: 298
وأما ما يشتمل جميع الأئمة من النصوص الشاهدة لهم بالعصمة :
فمنه: الخبر المتواتر وهو حديث الثقلين وقول رسول الله (صلّی الله علیه و آله) فيه : «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنّهما لن يفترقا حتى يردا علىّ الحوض» (1)وهذا اللفظ في بعض طرق هذا الحديث عن زيد بن ،أرقم وقد ذكرنا بعض طرقه وألفاظه فيما مضى، وهذا الحديث على جميع ألفاظه دالّ على عصمة العترة من وجهين :
الأول: شهادة النبي (صلّی الله علیه و آله) بعصمة المتمسك بهم من الضلال دائماً، ولو جاز عليهم الخطأ وارتكاب المعاصي لما كان اتباعهم عاصماً من الضلالة مطلقاً كما قرّرناه مراراً ؛ فوجب أن يكونوا مأمونين من الخطأ، منزهين عن مقارفة الخطايا وتلك هي العصمة.
الثاني : شهادة النبي(صلّی الله علیه و آله) لهم بأنهم مع القرآن لا يفارقونه ولا يفارقهم، والمراد ذلك أنهم ملازمون لأحكامه، والقرآن حق لا ريب فيه، والملازم له دائما على الحق فى كلّ أحواله لا يجوز عليه الخطأ، إذ لو جاز عليه الخطأ لم يكن ملازماً للقرآن، ولزوم الصواب دائماً هو العصمة، ويلزم من ذلك علمهم بالقرآن من جهة التوقيف النبوي بنقل السابق إلى اللاحق أو الإلهام الإلهيّ ليكونوا مطّلعين على مقاصد الله من جهة القطع والتنصيص لا من جهة الاجتهاد والنظر والأخذ بالظواهر ، فإن ذلك لا يوجب الإصابة بل خطوه أكثر من صوابه، ولذا اشتهر عن
ص: 299
النبي (صلّی الله علیه و آله): «إنّ من فسّر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار» (1).
فلو أنّ أهل البيت يعلمون أحكام القرآن من طريق الاجتهاد لم يكونوا ملازمين لحكم القرآن، لجواز الخطأ في الاجتهاد، وحيث كانوا ملازمين له بنص النبي (صلّی الله علیه و آله) وجب أن يكون اطلاعهم به من طريق اليقين ومن الجهة التي لا تغير فيها ولا اختلاف، فهذا الحديث شاهد على عصمتهم، وعلمهم بحقيقة أحكام القرآن وإنه لا يخالفهم ولا يخالفونه، وإن علمهم لا يختلف ولا يزول، وكفى به دليلاً على المدعى.
ولذا ورد عنهم صلوات الله عليهم : «لا تقبلوا عنا ما يخالف القرآن، وما خالف كتاب الله فإنّا لم نقله »(2)وفي ذلك بطلان ما ادعته الغلاة والمفوّضة وأهل المقالات الفاسدة من الشيعة وتزييف ما أوردوه من الأحاديث المزوّرة التي يوهم ظواهرها ما ادّعوا، فيجب لذلك ردّها أو تأويلها بما يوافق القرآن ؛ فلا تغتر بما ينمّقه أهل الجهالة ممّا يخالف هذا ويسطرونه من زخرف القول وسرابه، يشبّهون به على ضعفاء الشيعة ويضلّونهم عن طريق الهداية زين له سوء أعمالهم.
ولنرجع إلى المطلب فنقول : إن الحديث يدل على أن غير العترة غير ملازم للقرآن في جميع أحواله، ولا موافق له في جميع أموره، وإنه سب حكمه تارة
ص: 300
ويخطؤه تارات، وإنّ المخالف لهم مخالف للقرآن لا محالة.
ومنه : الأخبار الواردة في وجوب محبّتهم ولزوم مودّتهم وتحريم بغضهم على جهة الإطلاق والعموم ،وقد قدمنا جملة منها مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم في رواية الترمذي والحاكم عن ابن عباس: «أحبوا الله لما يغنيكم به، وأحبّوني بحبّ الله، وأحبّوا أهل بيتى بحبّى»(1).
وقوله (صلّی الله علیه و آله) في رواية: «ألزموا مودّتنا أهل البيت فإنه من لقي الله عزّ وجلّ وهو يودّنا دخل الجنّة» الخبر (2).
وقوله (صلّی الله علیه و آله)في رواية أبي الشيخ عن علي (علیه السّلام) : «والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتّى يحبّني ، ولا يحبّني حتى يحبّ ذرِّيَّتي»(3).
وقوله (صلّی الله علیه و آله) في رواية أحمد : «من أبغض أهل البيت فهو منافق»(4).
إلى غير ذلك مما يعطي هذا المعنى ويصرّح، وهي على كثرتها دالة على عصمتهم من جهة أن لزوم المحبّة على الإطلاق ووجوب المودّة على العموم يقتضي كون المحبوب على الصواب في جميع الأحوال، إذ لا تجوز محبة العاصى ولا مودة المخطئ، لأنهما بمعنى المتابعة كما مر عليك بيانه.
ومنه: ما رواه جماعة من أصحاب الصحاح عن عدّة من قول النبي (صلّی الله علیه و آله): «مثل
ص: 301
أهل بيتي كسفينة نوح؛ من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك »(1) وفي رواية: «غرق». وما شابهه من الأحاديث، والمراد منه أن من تابعهم نجا ومن خالفهم أو سلك غير سبيلهم هلك ، وإذا كانت متابعتهم موجبة للنجاة ومخالفتهم وسلوك غير سبيلهم موجبين للهلاك وجب أن يكونوا على الحق دائماً ، وأن مخالفهم على الباطل، وكونهم على الحق والهدى لا يفارقونه هو العصمة؛ فالخبر صريح في الشهادة لهم بالعصمة.
وكلّ هذه الأدلة تعطي أن علمهم لا يختلف، وأنه ليس من طريق الاجتهاد وإلا لاختلف وحصل فيه الخطأ أحياناً ، فلم يكونوا على الحق دائماً، وما يعطى هذا المعنى من الأحاديث النبوية كثير من طريق الخصوم، قد ذكرنا كثيراً منه سابقاً.
وأما ما يدلّ على عصمة العترة من كلام أمير المؤمنين فكثير :
فمنه: قوله (علیه السّلام) في خطبة له: «فأين يُتاه بكم ؟ فكيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم، وهم أزمة الحق وألسنة الصدق، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن، وردوهم ورد الهيم العطاش» (2) الخطبة وكلّ من قوله «وهم أزمة الحق وألسنة الصدق» ظاهر فى عصمة العترة وقوله : «فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن» صريح فيها والتقرير في الجميع على سبيل ما تقدّم.
ومنه: قوله (علیه السّلام) في خطبته: «نحن شجرة النبّوة، ومحطّ الرسالة، ومختلف
ص: 302
الملائكة، ومعادن العلم ، وينابيع الحكم ، ناصرنا ومحبّنا ينتظر الرحمة وعدونا ومبعضنا ينتظر السطوة» (1) وهي صريحة في كونهم على الحق دائماً وهو المراد بالعصمة.
ومنه قوله (علیه السّلام) في خطبته : «إنكم لن تعرفوا الرشاد حتى تعرفوا الذي نبذه» إلى أن قال «والتمسوا ذلك من عند أهله فإنّهم عيش العلم وموت الجهل يخبركم حكمهم عن علمهم ، وصمتهم عن منطقهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الدين، ولا يختلفون فيه، فهو بينهم شاهد صادق و صامت ناطق»(2) وهذا الكلام يشير به إلى نفسه وولده، فإنّه كثيراً ما يسلك هذا المسلك، وتارة يصرّح وهو دال على ما ذكرناه من وفور علمهم، وأنّه ليس على جهة الاجتهاد والا لوقع بينهم الاختلاف كسائر المجتهدين، ودال على العصمة من الخطأ خصوصاً قوله «لا يخالفون الدين» والتوجيه كما مرّ.
ومنه: قوله (علیه السّلام) في خطبته: «ونشهد ألّا إله غيره، وأن محمداً عبده ورسوله ، أرسله بأمره صادعاً» إلى قوله (علیه السّلام): «ومضى رشيداً، وخلّف فينا راية الحقّ؛ من تقدّمها مرق، ومن تخلف عنها زهق ، ومن لزمها لحق، دليلها مكيت الكلام بطيء القيام سريع إذا قام ، فإذا ألنتم له رقابكم وأشرتم إليه بأصابعكم جاءه الموت فذهب به» إلى أن قال: «ألا إن مثل آل محمد (صلّی الله علیه و آله) كمثل نجوم السماء إذا خوى نجم طلع نجم» الخطبة (3) ، أراد براية الحق القرآن وبدليلها هو نفسه (علیه السّلام) ، ودليل راية
ص: 303
الحقّ لا يجوز أن يكون مخطئاً للصواب، إذ لو أخطأ لما كان دليلاً لراية الحقّ .
ثمّ صرّح بأن هذا الأمر يصير من بعده لولده واحداً بعد واحد بقوله: «ألا إنّ مثل آل محمّد (صلّی الله علیه و آله) كمثل نجوم السماء» إلى آخره فبيّن أنّه لابد في كل زمان من دليل للقرآن من آل محمد كلّما مات إمام خلفه من ذريته إمام، وليست تنقطع دلالة القرآن منهم بموته، وهم كالنجوم التي لا يزال منها غارب وشارق أبداً ما بقي الزمان.
وفيه دليل على علمهم بالقرآن من طريق اليقين لا النظر الذي تارة يخطئ وتارة يصيب، وعلى بقاء الإمامة فيهم حتّى ينقطع التكليف، وهذا صريح مذهب الإمامية، وهو مضمون حديث الثقلين ومثل هذا في كلامه الكثير الواسع من أراده لم يفته.
وقد تبيّن مما حرّرناه ووضح ممّا قرّرناه في هذا الكتاب صحّة مذهب الإمامية الاثنى عشريّة وثبات أقدامهم على الصراط السوي والمنهج الجلى المتانة أدلتهم وقوة حجتهم واعتراف خصومهم بدليلهم، وثبت ضعف ما سواء من المذاهب والأقاويل الفاسدة التى ليس عليها من دليل، ولا لأربابها في إثباتها بالحجة الثابتة من سبيل، سوى زخارف ما أنزل الله بها من سلطان، وشبه من القول لا يحصل بها وثوق ولا اطمئنان فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون.
فالحمد لله الذي هدانا لهذا المذهب الواضح ، وألهمنا دليله وأسلكنا سبيله، وعرّفنا برهانه، وأوضح لنا بيانه وفهّمنا عرفانه، وأرشدنا إلى التمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها وهي ولاية أهل بيت الرسول المصطفى الذين أوّلهم أخوه وابن عمّه عليّ المرتضى وآخرهم الإمام المنتظر والنور الأزهر صاحب
ص: 304
عصرنا وإمام زماننا المهدي بن الحسن العسكري عجّل الله فرجه وجعلنا من الموالين لأوليائهم والمعادين لأعدائهم إلى يوم النشور. نسأل الله بمنه ولطفه أن يثبننا على هذا المسلك المنير، ويميتنا على هذا الطريق القويم.
ولنختم كتابنا هذا بذكر شيء من الأحاديث الواردة عن النبي (صلّی الله علیه و آله) من طريق أصحابنا في النصّ على الأئمة الاثني عشر ثم نعقب ذلك بنقل خطبة من خطب أمير المؤمنين تحتوي على بيان جملة من المطالب التي خُضْنا فيها ، وبالله الاستعانة.
روى الشيخ الصدوق رئيس المحدّثين أبو جعفر محمّد بن على بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي في كتاب إثبات الغيبة ورفع الحيرة (1) قال : حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه (رضي الله عنه) قال : حدثني عمي محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي الكوفي ، عن محمد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، عن جابر بن يزيد الجعفي عن سعيد بن المسيب، عن عبد الرحمان بن سمرة قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله): «لعن المجادلون في دين الله على لسان سبعين نبياً، ومن جادل في آيات الله فقد كفر، قال الله عز وجل: (مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلاَ يَغُرُرُكَ تَقلُّبُهُمْ فِي البِلَادِ) (2)، ومن فسّر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب، ومن أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض، وكل بدعة ضلالة سبيلها إلى النار».
قال عبد الرحمان بن سمرة فقلت: يا رسول الله، أرشدني إلى النجاة، فقال:
ص: 305
«يابن سمرة ، إذا اختلفت الأهواء وتفرّقت الآراء فعليك بعلي بن أبي طالب ، فإنّه إمام أُمّتي وخليفتي عليهم من بعدي، وهو الفاروق الذي يميّز بين الحق والباطل؛ من سأله أجابه ومن استر شده ،ارشده و من طلب الحقّ عنده وجده، ومن التمس الهدى لديه صادفه، ومن لجأ إليه آمنه ومن استمسك به نجاه، ومن اقتدى به هداه .
يابن سمرة ، سلم منكم من سلّم له ووالاه، وهلك من ردّ عليه وعاداه.
يابن سمرة، إنّ علياً منّي ؛ روحه من روحي وطينته من طينتي، وهو أخي وأنا أخوه ، وهو زوج ابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وإن منه إمامي أمتّي وابنيّ وسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين، تاسعهم قائم أُمّتي ، يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلما وجوراً»(1) .
قال الصدوق : حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل (رحمه الله) قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي قال : حدّثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمّه الحسين بن يزيد الحسن بن علي بن سالم عن أبيه، عن أبي حمزة، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباّس قال : قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله) : «إن الله تبارك وتعالى اطّلع على الأرض اطّلاعة فاختارني منها فجعلني نبيّاً ، ثم اطّلع الثانية فاختار منها عليّاً وجعله إماماً، ثم أمرني أن أتخذه أخاً ووليّاً ووصيّاً وخليفة ووزيراً فعليٌ منّي وأنا من علي ،وهو زوج ابنتي وأبو سبطي الحسن والحسين ؛ أئمة يقومون بأمري.
ألا وإن الله تبارك وتعالى جعلني وإياهم حججاً على عباده وجعل من صلب الحسين أئمّة يقومون بأمري ويحفظون وصيّتي التاسع منهم قائم أهل بيتي
ص: 306
ومهديّ أُمّتي، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله، يظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مضلّة، فسيعلن أمر الله ويظهر دين الله جلّ وعزّ ،يؤيد بنصر بملائكة الله، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً »(1).
وقال: حدّثنا محمد بن موسى بن المتوكل قال : حدثني محمد بن أبي عبد الله قال : حدّثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمّه الحسين بن يزيد عن الحسن (2) بن علي بن أبي حمزة الثمالي، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه (علیهم السّلام) قال : «قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله) : حدّثنى جبرئيل عن ربّ العزة جلّ جلاله إنّه قال : من علم أنّه لا إله إلا أنا وحدي وأنّ محمّداً عبدي ورسولي، وأنّ علي بن طالب خليفتي ، وأنّ الأئمّة من ولده حججي أدخلته الجنة برحمتي ،وأنجيته من النار بعفوي، وأبحت له جواري، وأوجبت له كرامتي وأتممت عليه نعمتي ، وجعلته من خاصتي وخالصتي، إن ناداني لبّيته (3) ، وإن سألني أعطيته، وإن سكت ابتدأته، وإن أساء رحمته، وإن فرّ منّي دعوته، وإن رجع إليّ قبلته، وإن قرع بابي فتحته.
ومن لم يشهد ألا إله إلّا أنا وحدي، ولم يشهد أن محمداً عبدي ورسولي أو شهد بذلك ولم يشهد أن علي بن أبي طالب خليفتي، أو شهد بذلك ولم يشهد أن الأئمّة من ولده حججي فق فقد جحد نعمتي، وصغر عظمتي، وكفر بآياتي ، وكتبت إن قصدني حجبته، وإن سألني حرمته، وإن ناداني لم أسمع نداءه، وإن دعاني لم أستجب دعاءه، وإن رجاني خيبته وذلك جزاؤه مني وما أنا بظلام للعبيد».
ص: 307
فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله، ومن الأئمّة من ولد علي ابن ابی طالب ؟
قال: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة، ثم سيد العابدين في زمانه علي بن الحسين، ثم الباقر محمّد بن علي، وستدركه يا جابر، فإذا أدركته فاقرأه منّي السلام، ثم الصادق جعفر بن محمّد، ثم الكاظم موسى بن جعفر، ثم الرضا علي بن موسى، ثم التقي محمّد بن علي، ثم النقي علي بن محمّد، ثم الزكي الحسن بن علي ، ثم ابنه القائم بالحق المهدي ؛ إنّه الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً .
هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي ؛ من أطاعهم فقد أطاعني، ومن عصاهم فقد عصاني ومن أنكرهم أو أنكر واحداً منهم فقد أنكرني بهم يمسك الله عزّ وجلّ السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبهم يحفظ الأرض أن تميد بأهلها»(1) .
وقال : حدّثنا علي بن أحمد(رضي الله عنه) قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن موسى بن عمران عن عمّه الحسين بن يزيد ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه، عن يحيى بن القاسم، عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه قال: «قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله): الأئمّة بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم المهدي، هم خلفائي وأوصيائي وأوليائي وحجج الله على أُمتي، المقرّ بهم مؤمن، والمنكر لهم كافر» (2).
ص: 308
وقال: حدّثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن جدّه أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه محمّد بن خالد، عن محمّد بن داود ،عن محمّد بن الجارود العبدي، عن أصبغ بن نباتة قال: خرج علينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ويده في يد ابنه الحسن وهو يقول: «خرج علينا رسول الله (صلّی الله علیه و آله) ذات يوم ويدي في يده هكذا وهو يقول: خير الخلق بعدي سيِدهم أخي هذا، وهو إمام كل مسلم ومولى كلّ مؤمن بعد وفاتي. ألا وإني أقول : إن خير الخلق بعدي وسيّدهم ابني هذا، وهو إمام كل مؤمن ومولى كل مسلم بعد وفاتي.
ألا وإنّه سيُظلم بعدي كما ظُلمت بعد رسول الله (صلّی الله علیه و آله)، وخير الخلق وسيّدهم بعد الحسن ابني أخوه الحسين المظلوم بعد أخيه المقتول في أرض كربلا، أما إنّه وأصحابه من سادات الشهداء یوم القيامة .
ومن بعد الحسين تسعة من صلبه خلفاء الله في أرضه وحججه على عباده، وأمناؤه على وحيه، وأئمة المسلمين وقادة المؤمنين وسادة المتقين وتاسعهم قائمهم الذي يملأ الله به الأرض نوراً بعد ظلمها، وعدلاً بعد جورها، وعلماً بعد جهلها.
والذي بعث محمّداً أخي بالنبوة واختصّني بالإمامة، وقد نزل بذلك الوحي من السماء على لسان الروح الأمين جبرئيل، ولقد سئل رسول الله (صلّی الله علیه و آله) وأنا عنده عن الأئمه بعده، فقال للسائل : ( وَالسَّماءِ ذَاتِ الْبُرُوج )(1) إنّ عددهم بعدد البروج، وربّ الليالي والأيام والشهور، إن عدتهم بعدة الشهور».
ص: 309
فقال السائل : من هم يا رسول الله ؟ فوضع رسول الله (صلّی الله علیه و آله) يده على رأسي فقال : «أوّلهم هذا وآخرهم المهدي؛ من والاهم فقد والاني ، ومن عاداهم فقد عاداني من أحبهم فقد أحبني، ومن أبغضهم فقد أبغضني، ومن أنكرهم فقد أنكرني ، ومن عرفهم فقد عرفني بهم يحفظ الله ،دينه وبهم تعمر بلاده وبهم ترزق عباده، وبهم ينزل القطر من السماء، وبهم تخرج بركات الأرض، هؤلاء أصفيائي وخلفائي وأئمة المسلمين وموالي المؤمنين»(1).
وقال: حدّثنا محمّد بن على ما جيلويه (رحمه الله) قال حدّثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه ، عن عليّ بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه قال: «قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله) : من أحبّ أن يستمسك بديني ويركب سفینة النجاة بعدي فليقتدِ بعليّ بن أبي طالب وليعادِ عدوّه وليوال وليه، فإنّه وصیّي وخليفتي على أمّتي في حياتي وبعد وفاتي، وهو أمير كل مسلم وأمير كل مؤمن ،بعدي قوله قولي وأمره أمري ، ونهيه نهيي وتابعه تابعي، وناصره ناصري ،و خاذله خاذلی .
ثم قال (صلّی الله علیه و آله) : من فارق عليّاً بعدي لم يرني ولم أره يوم القيامة، ومن خالف عليّاً حرّم الله عليه الجنّة وجعل مأواه النار، ومن خذل عليّاً خذله الله يوم يعرض عليه ، ومن نصر عليّاً نصره الله يوم يلقاه ولقنه حجته عند المنازلة.
ثمّ قال (صلّی الله علیه و آله) : والحسن والحسين إماما أمّتى بعد أبيهما، وسيّدا شباب أهل الجنة. وأمّهما سيدة نساء العالمين، وأبوهما سيّد الوصييّن، ومن ولد الحسين تسعة أئمة ،تاسعهم القائم من ولدي، طاعتهم طاعتي، ومعصيتهم معصيتي، إلى الله
ص: 310
أشكو المنكرين لفضلهم والمضيّعين لحقهم بعدي، وكفى بالله ولياً وناصراً لعترتي وأئمّة أُمّتي ومنتقماً من الجاحدين لحقهم (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَي مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (1) (2).
وقال: حدّثنا أحمد بن زياد قال : حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن علي بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن أبى الحسن على بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه قال: «قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله): أنا سيد من خلق الله، وأنا خير من جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وحملة العرش وجميع ملائكة الله المقربين وأنبياء الله المرسلين، وأنا صاحب الشفاعة والحوض الشريف، وأنا وعلي أبوا هذه الأمّة؛ من عرفنا فقد عرف الله عزّ وجلّ، ومن أنكرنا فقد أنكر الله عز وجل، ومن عليّ سبطا أُمّتى وسيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين، ومن ولد الحسين تسعة طاعتهم طاعتي ، ومعصيتهم معصيتي ، تاسعهم قائمهم و مهديّهم »(3).
وقال : حدّثنا أبي (رضي الله عنه) قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال : حدّثنا يعقوب بن يزيد ،عن حمّاد بن عيسى، عن عبد الله بن مسكان، عن أبان بن تغلب(4)، عن سليم بن قيس الهلالي، عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) قال: دخلت على النبي (صلّی الله علیه و آله) وإذا الحسين ابن علي على فخذه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه ويقول: «أنت سيّد بن سيّد، أنت إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة ، أنت حجة بن حجّة أبو حجج ، تسعة من صلبك ، تاسعهم قائمهم» (5).
ص: 311
ومثل هذه الأخبار من طرق أصحابنا ذكرُ جميعه يحتاج إلى كتاب مفرد أضعاف كتابنا هذا ، وكلّها كما تصرّح بإمامة أئمتنا الاثني عشر وتنصّ على خلافتهم وقصر الإمامة فيهم دون غيرهم تنادي بعصمتهم عن الخطا ولزومهم الحق حيث نطقت بأن طاعتهم طاعة الله وطاعة رسوله والتمسك بهم موجب للنجاة، وكلّ ذلك دالّ على العصمة كما قررنا سابقاً.
وروى الصدوق أيضاً من طريق الخصم ما يقارب هذا المعنى عن ابن مسعود و جابر بن سمرة بطرق متعدّدة، نحن نقتصر على ذكر بعض منها ، قال (رحمه الله) : حدّثنا أحمد بن الحسن القطاّن قال : حدّثنا أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن أبي الرجا البغدادي قال : حدّثنا محمّد بن عبدوس الحراني قال : حدّثنا عبد الغفّار ابن الحكم قال : حدّثنا منصور بن أبي الأسود، عن مطرّف، عن الشعبي، عن عمّه قيس بن عبيد قال : كنا جلوساً في حلقة فيها عبد الله بن مسعود فجاء أعرابي فقال: أيّكم عبد الله ؟
قال عبد الله بن مسعود: أنا عبد الله قال: هل حدّثكم نبيّكم كم يكون بعده من خلفاء؟ قال : نعم اثنا عشر عدة نقباء بني إسرائيل (1).
وقال(رحمه الله) : حدّثنا أبو علي أحمد بن الحسن بن علي عبدويه قال : حدّثنا أبو يزيد محمد بن يحيى بن خلف المروزي الرقي في شهر ربيع الأوّل سنة الثانية والثلاثمائة قال : حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي في سنة ثمان وثلاثين ومائتين المعروف بإسحاق بن راهويه قال: حدّثنا يحيى بن يحيى قال : حدّثنا هشام بن مجالد ، عن الشعبي، عن مسروق :قال بينا نحن عند عبد الله بن مسعود نعرض
ص: 312
مصاحفنا عليه إذ يقول له شاب : هل عهد إليكم نبيكم كم يكون من بعده خليفة ؟ قال : إنك لحدث السنّ وإنّ هذا ما سألني عنه أحد قبلك، نعم، عهد إلينا نبينا أنه يكون من بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل(1).
وقال: حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان قال : حدّثنا أبو على محمّد بن على بن إسماعيل السكري المروزي قال : حدّثنا سهل بن عمّار النيسابوري قال: حدّثنا عمرو بن رزين بن عبد الله قال : حدّثنا سفيان ، عن سعيد بن عمر ، عن الشعبي، عن جابر بن سمرة قال : جئت مع أبي إلى المسجد ورسول الله (صلّی الله علیه و آله) يخطب، فسمعته يقول: «يكون من بعدي اثنا عشر - يعني أميراً - « ثم خفض من صوته فلم أدر ما يقول، فقلت لأبي ما قال ؟ قال : قال : «كلّهم من قريش» (2).
وقال (رحمه الله): حدّثنا عبد الله بن محمّد الصائغ قال : حدّثني أبو الحسن أحمد بن محمد بن يحيى القصراني قال : حدّثني أبو علي بشر بن موسى بن صالح قال: حدّثنا أبوالوليد خلف بن الوليد البصري، عن إسرائيل عن سماك قال: سمعت جابر بن سمرة السوري يقول : سمعت النبي (صلّی الله علیه و آله) يقول : «يقوم من بعدي اثنا عشر أميراً، ثم تكلم بكلمة لم أفهمها، فسألت القوم، قالوا: قد قال: كلهم من قریش» (3) .
نحمد الله الذي سدّد مذهبنا وأفلج حجّتنا وأرشدنا إلى سبيل الهدى.
ص: 313
وهذه خطبة أمير المؤمنين(علیه السلام)التي اشتملت على كثير من المطالب التي تكلّمنا فيها . روى إبراهيم بن سعد بن هلال الثقفي في كتاب الغارات عن رجاله عن عبد الرحمان بن جندب عن أبيه قال: خطب على (علیه السلام)بعد فتح مصر وقتل محمد ابن أبي بكر فقال (1):
«أمّا بعد، فإن اللّه بعث محمّداً نذيراً للعالمين، وأميناً على التنزيل ، و (2)شهيداً على هذه الأمة، وأنتم معاشر العرب يومئذٍ على شرّدين وفي شر دار، منيخون على حجارة خشنة(3)وحيّات صمّ وشوك مبثوث في البلاد، تشربون الماء الخبيث، وتأكلون الطعام الخبيث، تسفكون دماءكم، وتقتلون أولادكم وتقطعون أرحامكم ، وتأكلون أموالكم بينكم بالباطل، سبلكم خائفة، والأصنام فيكم منصوبة، ولا يؤمن أكثركم باللّه إلا وهم مشركون.
ص: 314
فمنّ اللّه عزّ وجلّ عليكم بمحمّد، فبعثه اللّه إليكم رسولاً من أنفسكم بلسانكم، فعلمكم الكتاب والحكمة والفرائض والسنة، وأمركم بصلة أرحامكم وحقن دمائكم، وصلاح ذات البين، وأن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وأن توفوا بالعهد ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها، وأن تعاطفوا وتباروا وتباذلوا وتراحموا.
ونهاكم عن التناهب والتظالم والتحاسد والتباغي والتقاذف، وعن شرب الحرام، وبخس المكيال ، ونقص الميزان، وتقدم إليكم [فيما أنزل عليكم ](1)ألا تزنوا ولا تربوا ولا تأكلوا أموال اليتامى ظلماً، ولا تعثوا في الأرض مفسدين، ولا تعتدوا، إن اللّه لا يحبّ المعتدين ، وكلّ خير يدني إلى الجنّة ويباعد من النار أمركم به ،وكلّ شرٌ يدني إلى النار ويباعد من الجنة نهاكم عنه.
فلمّا استكمل مدّته توفّاه اللّه سعيداً حميداً، فيالها مصيبة خضت الأقربين وعمت المسلمين، ما أصيبوا قبلها بمثلها، ولن يعاينوا بعدها أختها فلما مضى لسبيله(صلی اللّه علیه و آله و سلم) التنازع المسلمون الأمر بعده، فواللّه ما كان يلقى في روعي(2)ولا يخطر يبالي أن العرب تعدل هذا الأمر بعد محمد عن أهل بيته،ولا أنهم منحوه عنّى ، فما راعني(3)إلّا انثيال الناس على أبي بكر وإجفالهم(4)ليبايعوه، فأمسكت يدي(5)ورأيت أنّي أحق بمقام محمد(صلی اللّه علیه و آله و سلم)في الناس ممن تولى الأمر من بعده، فلبثت بذاك ما شاء اللّه حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام تدعو إلى محق
ص: 315
دین الله وملة محمد (صلّی الله علیه و آله) فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً وهدماً يكون المصاب بهما علىّ أعظم من فوت ولاية أموركم التي إنما هي متاع أيام قلائل ثم تزول وما كان منها كما يزول السراب وكما ينقشع السحاب، فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته، ونهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل وزهق ، وكانت كلمة الله هي العلیاء و لو کره الکافرون.
فتولى أبو بكر تلك الأمور وسدّد وقارب واقتصد وصحبته مناصحاً، وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهداً، وما طمعت أن لو حدث به حدث وأنا حي أن يرد إلي الأمر الذي بايعته (1) فيه طمع مستيقن ، ولا ينست منه يأس من لا يرجوه، ولولا خاصة ما كان بينه وبين عمر لظننت أنه لا يدفعها عنّي .
فلما احتضر بعث إلى عمر فولّاه فسمعنا وأطعنا وناصحنا، وتولّى عمر الأمر فكان مرضيّ السيرة، ميمون النقيبة (2)حتى إذا احتضر قلت في نفسي : لن يعدلها عني وليس بدافعها لغيري، فجعلني سادس ستة ، فما كانوا لولاية واحد منهم أشد كراهية لولايتي عليهم ،كانوا يستمعون عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أُحاج (3) أبا بكر ، وأقول : يا معشر قريش إنّا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم، أما كان فينا من يقرأ القرآن ويعرف السنة ويدين بدين الحقّ؟
فخشي القوم إن أنا وليت عليهم ألا يكون لهم من الأمر نصيب ما بقوا،
ص: 316
فأجمعوا إجماعاً واحداً، فصرفوا الولاية إلى عثمان، وأخرجوني منها رجاء أن ينالوها ويتداولوها إذ يئسوا أن ينالوها من قبلي، ثمّ قالوا: هلم فبايع والا جاهدناك، فبايعت مستكرهاً وصبرت محتسباً، فقال قائلهم : يابن أبي طالب ، إنّك على هذا الأمر الحريص.
فقلت: أنتم أحرص منّي وأبعد أينا أحرص أنا الذي طلبت تراثي وحقي الذي جعلني الله ورسوله (صلّی الله علیه و آله) أولى به أم أنتم حين تضربون وجهي دونه وتحولون بيني وبينه؟ فبهتوا ، والله لا يهدي القوم الظالمين.
اللهم إنّي أستعينك على قريش فإنّهم قطعوا رحمي، وأكفأوا إنائي، وصغروا منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي ، حقاً كنت أولى به منهم فسلبوتيه ، ثم قالوا : ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تمنعه، فاصبر كمداً أو مت أسفاً ، فنظرت فإذا ليس معي رافد ولا ذاب ولا ناصر ولا مساعد إلا أهل بيتي ، فضننت بهم عن المنية فأعضيت على القذى وتجرعت ريقي على الشجى ،وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم وألم للقلب من حزّ الشفار .
حتى إذا نقمتم على عثمان أتيتموه فقتلتموه ثم جئتموني التبايعوني، فأبيت عليكم وأمسكت يدي، فنازعتموني وبسطتم يدي فكففتها، ومددتموها فقبضتها، وازدحمتم علي حتى ظننت أن بعضكم قاتل بعض، أو إنكم قاتلي، فقلتم بايعنا لا نجد غيرك ولا نرضى إلا بك بايعنا لا نفترق ولا نختلف فبايعتكم ودعوت الناس إلى بيعتي، فمن بايع طوعاً قبلته، ومن أبى لم أكرهه وتركته.
فبايعني فيمن بايعني طلحة والزبير، ولو أبيا ما أكرهتهما كما لم أكره غيرهما، فما لبنا إلا يسيراً حتّى بلغني عنهما أنهما خرجا من مكة متوجهين إلى البصرة في
ص: 317
جيش ما منهم رجل إلا قد أعطاني الطاعة، وسمح لي بالبيعة.
فقدما على عاملي وخزان بيت مالي وعلى أهل مصري الذين كلّهم على بيعتي وفي طاعتي فشتتوا كلمتهم، وأفسدوا جماعتهم فقتلوا طائفة منهم غدراً، وطائفة صبراً، ومنهم طائفة غضبوا الله فشهروا سيوفهم وضربوا بها حتى لقوا الله عزّ وجلّ صادقين، والله لو لم يصيبوا منهم إلا رجلاً واحداً متعمدين لقتله لحلّ به قتل ذلك الجيش بأسره، فدع ما أنّهم قتلوا من المسلمين أكثر من العدة التي دخلوا بها عليهم، وقد أدال الله منهم لبعداً للقوم الظالمين.
ثمّ إنّي نظرت في أمر أهل الشام فإذا أعراب أحزاب وأهل طمع جفاة طغاة يجتمعون من كل أوب، من كان ينبغي أن يؤدب وأن يولّى عليه ويؤخذ على يديه ليسوا من المهاجرين ولا الأنصار ولا التابعين بإحسان، فسرت إليهم فدعوتهم إلى الطاعة والجماعة فأبوا إلا شقاقاً وفراقاً، ونهضوا في وجوه المسلمين ينظمونهم بالنبل ويشجّرونهم(1) بالرماح.
فهناك نهدت إليهم(2) بالمسلمين فقاتلتهم فلما عضهم السلاح ووجدوا ألم الجراح رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها فأنبأتكم إنهم ليسوا بأهل دين ولا قرآن، وإنّهم رفعوها مكيدة وخديعة ووهناً وضعفاً (3)، فامضوا على حقكم وقتالكم، فأبيتم عليّ وقلتم : اقبل منهم فإن أجابوا إلى الكتاب جامعونا على ما نحن عليه من الحق، وإن أبوا كان أعظم لحجتنا عليهم.
ص: 318
فقبلت منهم وكففت عنهم إذ ونيتم وأبيتم (1) فكان الصلح بينكم وبينهم على رجلين يحييان ما أحيى القرآن ويميتان ما أمات ،القرآن، فاختلف رأيهما وتفرّق حكمهما ونبذا ما في القرآن وخالفا ما في الكتاب، فجنّبهما الله السداد، ودلاهما الضلالة فانحرفت فرقة منا فتركناهم ما تركونا حتّى إذا عتوا في الأرض يقتلون ويفسدون أتيناهم فقلنا : ادفعوا إلينا قتلة إخواننا ثم كتاب الله بيننا وبينكم قالوا: كلّنا قتلهم، وكلّنا استحل دماءهم وشدّت علينا خيلهم ورجالهم وصرعهم الله مصارع الظالمين.
فلما كان ذلك من شأنهم أمرتكم أن تمضوا من فوركم ذلك إلى عدوّكم فقلتم : كلت سيوفنا ونفدت نبالنا ونصلت أسنة رماحنا وعاد أكثرها قصيداً، فارجع بنا إلى مصرنا لنستعد بأحسن عدتنا، فإذا رجعت زدت في مقاتلنا بعدد من هلك منا وفارقنا، فإنّ ذلك أقوى لنا على عدوّنا ، فأقبلت بكم حتى إذا أظللتم على الكوفة أمرتكم أن تنزلوا بالنخيلة، وأن تلزموا معسكركم ، وأن تضموا قواصيكم وأن توطنوا على الجهاد أنفسكم ولا تكثروا زيارة أبنائكم ونسائكم فإن أهل الحرب المصابروها، وأهل التشمير فيها الذين لا يتفادون من سهر ليلهم ولا ظمأ ،نهارهم ولا خمص بطونهم ولا نصب أبدانهم.
فنزلت طائفة منكم معي معذرة ودخلت طائفة منكم المصر عاصية، فلا من بقي منكم صبر وثبت ولا من دخل المصر عاد ورجع.
فنظرت إلى معسكري وليس فيه خمسون رجلاً، فلما رأيت ما آتيتم دخلت إليكم ، فلم (2) أقدر على أن تخرجوا إلى يومنا هذا فما تنتظرون .
ص: 319
أما ترون أطرافكم قد انتقصت؟ وإلى مصركم قد فتحت ؟ وإلى شيعتي بها قد قتلت ؟ وإلى مسالحكم تعرى ؟ وإلى بلادكم تغزى ؟ وأنتم ذوو عدد كثير وشوكة وبأس شديد فما بالكم يا الله أنتم، فمن أين تؤتون وما لكم تؤفكون؟
ولو أنكم عزمتم وأجمعتم لم تراموا إلا أن القوم تراجعوا وتناشبوا وتناصموا وأنتم قد ونيتم وتغاششتم وافترقتم ما أنتم عندي على هذا بسعداء، فانتهوا واجمعوا على حقكم وتجردوا الحرب عدوكم قد بدت الرغوة عن الصريح، وبين الصبح لذي عينين ، إنّما تقاتلون الطلقاء وأبناء الطلقاء وأولى الجفاء من أسلم كرهاً، وكان لرسول الله أنف (1) الإسلام كله حرباً ، أعداء الله والسنة والقرآن، وأهل البدع والأحداث، ومن كان بوائقه تتقى، وكان على الإسلام مخوفاً، أكلة الرشاء وعبدة الدنيا.
لقد أُنهي إليّ أن ابن النابغة لم يبايع معاوية حتى أعطاه وشرط له آتية هي أعظم ممّا في يده من سلطانه ألا صفرت يد هذا البائع دينه بالدنيا، وخزيت أمانة هذا المشتري نصرة فاسق غادر بأموال المسلمين، وإن فيهم من شرب فيكم الخمر وجلد الحد يعرف بالفساد في الدين وبالفعل السيّئ، وإن فيهم من لم يسلّم حتى رضخ له رضيخة، فهؤلاء قادة القوم ، ومن تركت ذكر مساويه من قادتهم مثل من ذكرت منهم، بل هو شرّ.
ويود هؤلاء الذين ذكرت لو ولّوا عليكم فأظهروا فيكم الكفر والفساد والفجور والتسلط بجبرية، واتّبعوا الهوى وحكموا بغير الحق ، ولأنتم على ما كان فيكم من تواكل وتخاذل خير منهم وأهدى سبيلاً؛ فيكم العلماء والفقهاء والنجباء والحكماء وحملة الكتاب والمتهجدون بالأسحار، وعمار المساجد بتلاوة القرآن.
ص: 320
أفلا تسخطون وتهتمون أن ينازعكم أمري، فوالله لئن أطعتموه لا تغووا، وإن عصيتموه لا ترشدوا خذوا للحرب أهبتها، وأعدوا عُدتها، فقد شبت نارها وعلا سنائها، وتجرّد لكم فيها الفاسقون كي يعذبوا عباد الله ويطفئوا نور الله .
ألا إنّه ليس أولياء الشيطان من أهل الطمع والمكر والجفاء بأولى بالجد في غيهم وضلالهم من أهل البر والزهادة والإخبات في حقهم وطاعة ربهم، والله لو لقيتهم فرداً وهم ملأ الأرض ما باليت ولا استوحشت، وإني من ضلالتهم التي هم فيها والهدى الذي نحن فيه لعلى ثقة وبيّنة ويقين وبصيرة، وإني إلى لقاء ربي لمشتاق، ولحسن ثوابه لمنتظر ، ولكن أسفاً يعتريني وحزناً أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها فيتخذوا مال الله دولاً، وعباده خولاً ، والفاسقين حزباً، وأيم الله لولا ذلك لما أكثرت تأنيبكم وتحريضكم ، ولتركتكم إذ ونيتم حتى ألقاهم بنفسي متى حم لي لقاءهم.
فواللّه إنّي لعلى الحق ، وإنّي للشهادة لمحبّ : ف( انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (1) ولا تثاقلوا إلى الأرض فتقروا بالخسف وتبوؤوا بالذلّ ، ويكن نصيبكم الأخسر ، إن أخا الحرب اليقظان، ومن ضعف أودى، ومن ترك الجهاد كان كالمغبون المهين.
اللهم اجمعنا وإياهم على الهدى وزهدنا وإيَّاهم في الدنيا، واجعل الآخرة خيراً لنا ولهم من الأولى» (2).
انتهت الخطبة الجليلة.
ص: 321
وأوّلها المشتمل على ذكر الثلاثة مصرح بنصب الله ورسوله (صلّی الله علیه و آله) أمير المؤمنين إماماً وخليفة، وأن الخلافة ميراثه من النبي (صلّی الله علیه و آله) وهو قوله (علیه السّلام) : «أنا الذي طلبت تراثي وحقي الذي جعلني الله ورسوله (صلّی الله علیه و آله) أولى به» وهو نص مذهب أصحابنا الإمامية، فسوءة لابن أبي الحديد حيث يروي هذه الخطبة ويصححها ويعدل عمّا اشتملت عليه ، فلا يعمل به ولا يلتفت إليه كما هي عادته فيما يدلّ على مذهب الحق ويهدي إلى سبيله من الإعراض عنه وترك دليله.
وصرّح أنه لم يبايع أبا بكر إلّا لخوفه على الإسلام من ارتداد من ارتد من العرب، لا لأن أبا بكر صحيح الإمامة وإلا لبايعه قبل ذلك.
وصرّح بأن السبب الذي دعا القوم إلى منعه من الخلافة علمهم أنه إذا وليها لن ينالوها أبداً، وإذا كانت في غيره رجوا تداولها بينهم .
وصرّح أيضاً بأنه بايع عثمان مستكرهاً حين قال له القوم : بايع وإلا جاهدناك ، ولم يجد عليهم ناصراً .
وصرّح أن أولئك الجماعة من الظلمة حيث قال بعد ذكر حديثهم معه: فبهتوا والله لا يهدي القوم الظالمين، وهم في الحكم عند الخصوم كالأولين وكذا عندنا. وأما قوله في أبي بكر: سدّد وقارب واقتصد فنحن نقول بذلك، فإنّ أبا بكر لم يكن كثير الظلم للرعيّة، ولسنا نقول : إنّه مثل عثمان ومعاوية في ظلم الناس وإنما الداء الدويّ فيه قعوده في منصب غيره بعلم منه .
وكذلك قوله (علیه السّلام) في عمر: «فكان مرضي السيرة هيمون النقيبة» يريد أنه كان عند الناس كذلك، وكان مراده من وصف الرجلين مقابلتهما بعثمان، ليبيّن أن
ص: 322
سيرتهما كانت مرضية عند المخاطبين بخلاف عثمان، فإنه كان غير مرضي السيرة وكان شديد الجور على الرعيّة، ولم يكفه عن ذلك غصب الخلافة من أهلها ومستحقها كما كفى صاحبيه.
بل أظهر من الظلم ما أوجب عند العامّة قتله بما نقموه عليه من أفعاله، مع ما ذلك من التقيّة واستصلاح العامّة بمدح الرجلين بما لا يقتضي صلاحهما عند الله ، وإبطال دعوى معاوية في زعمه الطلب بدم الثالث، لأن قتله إنما كان لما نقمه عليه الناس من مخالفة الشيخين في السيرة، فليس لمعاوية أن يطالب بدم رجل ظالم مستحق للقتل بأحداثه، وهذا من أحسن الاستصلاح وألطف الاحتجاج .
وأما قوله (علیه السّلام): «واللّه لو لم يصيبوا منهم إلا رجلاً واحداً متعمدين لقتله لحل به قتل ذلك الجيش بأسره» فهو وإن كان في الظاهر مشكلاً من جهة جواز قتل الجماعة بالواحد من غير دية مازاد عن واحد والمعروف في الحكم أنه لو اشترك جماعة في قتل رجل كان لوليه أن يقتل واحداً من أولئك القوم والباقون يدفعون إلى ورثته مازاد من ديته على قدر ما عليه من دية المقتول الأول ، أو يقتل القاتلين جميعاً ويدفع إلى ورثة الجميع ما زاد عن دية الواحد مقسطاً عليهم.
لكنّه في الحقيقة ظاهر ومطابق للشرع لأن مراده من التعمد استحلال قتل المؤمن أو قتله لإيمانه، ولا خلاف أن قاتل النفس على أحد هذين الوجهين مستحق للخلود في النار، لأنه يكون مرتداً ، فلا فرق حينئذ بين أن يكون القاتل واحداً أو جماعة ؛ قلّوا أو كثروا ، فهذا فقه كلامه (علیه السّلام)الليلة وهو الحق الذي لا مرية فيه.
وقوله (علیه السّلام): «فما لكم تؤفكون» يعني تصرفون عن الحق أو عن طاعة أمري أو عن قتال عدوّكم وحماية حوزتكم ونصر من كان على ما أنتم عليه وحفظ البلاد
ص: 323
في أيديكم لئلا يملكها عدوّكم، وهذا أنسب بالسباق والكلام تعجّب (1)من تقاعدهم عن الجهاد حتى طمع فيهم العدوّ وتجرى على أخذ أطرافهم وبلدانهم، مع معرفتهم أنهم على الحق، وأن عدوّهم على الباطل، وذلك موضع العجب إذ يعجز أهل الحق عن القيام به والجهاد ،دونه ويقوم أهل الباطل دون باطلهم يجالدون.
وقوله(علیه السّلام) : «بدت الرغوة عن الصريح »مثل لزوال الشبهة وانكشاف الحال عن فسق معاوية وتابعيه ووجوب قتالهم لبغيهم وضلالهم وعدم عملهم بالكتاب العزيز، فلا حجّة في ترك جهادهم.
والرغوة الزبد الذي يعلو اللبن.
ومثله قوله :«وبين الصبح لذي عينين»وهو كناية أيضاً عن وضوح الأمر وظهوره يقول بأنّ للبصير استحقاق معاوية وأصحابه القتل لنبذهم الحقّ واقتحامهم في غمرة الباطل.
وقوله :«ألا صفرت يد هذا البائع دينه»صفرت كتعبت حلت من ثمن ما باعه ،وهو إشارة إلى قصّة عمرو بن العاص ومعاوية حيث شرط عمرو على معاوية لما دعاه إلى معونته على حرب أمير المؤمنين أن يعطيه مصر طعمة له ولولده، فتباً له كأنّه يظنّ أن معاوية لا يزول ملكه ولا يتغيّر ،أمره، ولقد لبث عمرو قليلاً، فهلك ولم يف له معاوية بجميع ما شرط له ولم يعط ولده مصر بعد ارتحاله إلى الجحيم والعذاب الأليم.
وهكذا حال القوم سجيتهم الغدر وشيمتهم المكر، وبضاعتهم التي يبثونها في
ص: 324
الناس الكذب، يخدعون به الطعام ويجلبون به اللئام كجلب الأغنام، فبعداً لهم كما بعدت نمود.
وقوله :«وخزيت أمانة هذا المشتري نصرة فاسق غادر بأموال المسلمين »خزيت أي ذلّت وهانت من باب تعب أيضاً.
قوله: «حتّى رضخت له رضيخة»رضخت مبنيّاً للمفعول من رضخ كنفع والرضيخة - فعيلة بفتح الفاء - مال ليس بالكثير، أي لم يسلم حتّى جعلت له عطية يسيرة أسلم لأجلها لا رغبة في الإسلام، وهو معاوية وقادة القوم رؤساؤهم(1).
قوله:«تواكل وتخاذل»وهو اتكال القوم بعضهم على بعض، وخذلان بعضهم بعضاً، فتضيع بذلك أمورهم، وتنتشر كلمتهم، ويحصل فيهم الوهن والضعف عن مقاومة عدوهم ولمّ شعثهم وشعب صدعهم.
والتهجّد قراءة القرآن في جنح الليل في الصلوات .
والمنازعة كالمجاذبة وهى طلب كلّ واحد ما فى يد آخر.
وقوله : «فواللّه لئن أطعتموه لا تغووا، وإن عصيتموه لا تر شدوا»ضمير المفعول في الفعلين يعود إلى قوله«أمري»وهو صريح في ملازمته الصواب في جميع الأحوال ومصاحبته للرشد في جميع الأقوال، وأن من أطاع أمره هدي إلى الحق،ومن عصاه فارق الرشد، وهذه هي العصمة التي ندعيها له وللأئمة من ولده،
ص: 325
وأقمنا عليها الشواهد الصحيحة وأثبتنا عليها الحجج القائمة. ومثله قوله: «فواللّه إنّي لعلى الحق».
والتأنيب : التلويم على القعود عن الجهاد.
والتحريض: دعاؤهم إلى الحرب وإغراؤهم بها .
وونيتم من الوني : أي ضعفتم وفترتم.
والتثاقل إلى الأرض كناية عن عدم النهوض إلى إصلاح أمرهم وجهاد عدوهم.
فتقروا بالخسف : أي بالهوان .
قال الشاعر:
ولا يقيم على ضيم يراد به*** إلّا الأذلان عير(1)الحي والوتد
هذا على الخسف(2)مربوط برمته(3)***وذا يشخ فلا يرثي له أحد(4)
وتبوؤوا بالذل : ترجعون ملابسين له.
وأودى هلك:أي من ضعف عن عدوّه هلك لضعفه عن المدافعة.
والمغبون الخاسر .
والمهين : الذليل المحتقر .
والزهد: ترك زهرة الدنيا(5)والزهد في الشيء الرغبة عنه والميل إلى غيره
ص: 326
وبقي في الخطبة أشياء قد نبهنا عليها فيما سبق من مباحث هذا الكتاب وإشارات إلى أمور يطول شرحها، قد تكفّلت ببيانها كتب السير والتواريخ،فهي لا تخفى على من له اطّلاع بها،وما رمنا إثباته هنا قد انتهى،وبلغنا بحمد اللّه في توضيحه إلى الغاية القصوى.
وفقنا اللّه للعمل بما يرضيه وعصمنا عن التهجّم على معاصيه، وثبتنا على دينه القويم، وهدانا إلى صراطه المستقيم، ورزقنا صدق النية، وأعطانا خير الأمنية : وبصّرنا سبيل الهدى، ودلّنا على سفينة النجاة التي من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى، وختم لنا بالسعادة ، وأماتنا على الملة، وأحيانا حياة طيبة، وجعلنا للصالحين رفيقاً، ورفعنا عنده فى الجنّة درجة ، وآتانا من الخير نصيباً، وقربنا إليه زلفى، ورزقنا شفاعة نبينا وسيدنا محمد المصطفى وآله الكرام المشفّعين في يوم الجزاء ، وسقانا من حوضه بكأسه الأوفى شربة لا ظمأ بعدها أبداً .
اللهمّ أجب دعوتنا، وانصر ملتنا ، وأفلج حجّتنا ، وعجل فرج ولينا، وانصرنا به نصراً عزيزاً ، وافتح لنا به فتحاً مبيناً بحقّ نبيك وحبيبك خاتم الأنبياء وآله النجباء ، إنك على كلّ شيء قدير، وبالإجابة جدير .
وقد وقع الفراغ من تأليف هذا الكتاب وجمعه وتحريره وزیره و تنميقه وسطره في اليوم الحادي عشر من شهر ذي القعدة الحرام من سنة 1295 والحمد للّه أولاً وآخراً، وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين إلى يوم الدين.
ثمّ انتقل من السواد إلى البياض بعد إمضاء العزيمة والانتهاض على يد مؤلّفه الفقير إلى اللّه عليّ بن عبد اللّه في اليوم 19 من شهر رجب الأصب من سنة 1396 والحمد للّه على نعمة الختام والفوز بالكمال والتمام .
ص: 327
بسم اللّه الرحمن الرحيم
هذه الأبيات لخادم مصنف الكتاب في تاريخه ومدح المصنّف، قلتها بعد نسخ الكتاب، وأنا الأقل خادم المصنف وتلميذ المؤلّف تراب أقدام العلماء أحمد بن محمد بن سرحان البحراني :
منار الهدى يهدي لمن هو يبصرُ ***ويكمد أعداء إلى الحق تنكر
فألفاظه در تألق نورها***وأفصله شهب لدى الدر تزهرُ
معانيه أقمار تجاوب مثلها***وأبوابه حاطت بها فهي تبهرُ
أجل من الشافي وإن كان سابقاً***فكم حاز فضلاً لاحق متأخرُ
مقدّمة فيه حوت جل کُنهه***وفصلان كالبدران بل هما أنورُ
به ذبلت من دوحة الشرك أغصن*** وحلّ بها جدب فهاهى تحسرُ
وقامت به للدين راية رفعة ***على شمس هذا الأفق تعلو وتفخرُ
أقام لما قد كاد من دين أحمد***يمال ومن نص الخلافة ينكرُ
لقد أثبت بالنص فيه إمامة ***لخير الورى وهو الوصي المطهرُ
وعترته الهادين من كل ريبة ***غيوث الورى شبه الأهلة نورُ
فيا قد رعاك اللّه لست بماين ***ولا مدّع ماليس فيك فأفجرُ
رضعت قدى العلم مذكنت يافعاً ***وجاريت فيه أهله لست تقصرُ
حوى صدرك الواعي العلوم بأسرها*** فهاهي في الآفاق شمو وتنشرُ
فيالك من صدر حوى كل حكمةٍ*** وأسرار علم اللّه فيه تسترُ
ص: 328
فعلمك مشهور وفضلك ظاهرُ*** وجاهك أجلى من سنى البدر أنورُ
وربيت في حجر البلاغة لم تزل ***تجاوب فيها أهلها ثم تقهرُ
فها أنت بحر العلم في العصر كلّه ***فليس سواك اليوم بالفضل يُذكرُ
وردّت حياض المجد عند صفائها ***فأرويت منها صافياً لا يكدرُ
منار الهدى الفته طالباً به ***نجاة من الباري فهيهات تحسرُ
لقد قلت فيه مادحاً ومورّخاً ***منار الهدى يشفي الصدور ويبهرُ
سنة 1295
الحمد للّه الذي وفقني وشرّفني بإتمام كتابة هذه النسخة الشريفة امتثالاً لأمر المطاع المعظم جناب المستطاب الحاج الشيخ علي المحلاتي الحائري زيد إفضاله ،وإجلاله، وأنا العبد الفقير ميرزا داود الشيرازي سنة 1320 هجرية.
ص: 329
ص: 330
نقدّم للقارئ الكريم في هذه الوريقات تراجم مختصرة للأعلام المذكورة في هذا الكتاب مرتبة على الحروف الأبجدية، علماً أننا قد تركنا تراجم الأنبياء والأوصياء والمعروفين من الصحابة.
مشترك بين جماعة، منهم: عبد السلام بن الحسين شيخ الأدب، سكن بغداد كان يتولى ببغداد دار الكتب وإليه حفظها والإشراف عليها، وكان سمحاً سخياً،وتوفّي في يوم الثلاثاء التاسع عشر من المحرم سنة خمس وأربعمائة ودفن في مقبرة الشونيزي، وكان مولده في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة(1).
ومنهم:طلحة بن محمد بن أحمد بن فهد حدّث عن محمّد بن إسماعيل بن أبي الحكيم البزاز (2).
ومنهم:عبد العزيز بن يحيى، يُعرف بالجلودي، الذي أجاز ابن قولويه كتبه(3). وغيرهم.
ص: 331
هو أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيشابوري، اقترن واشتهر اسمه باسم تفسيره، حتّى عُرف تفسيره باسم «تفسير الثعلبي»، وهو«الكشف والبيان في تفسير القرآن »وبسبب كثرة شيوع الكتاب وانتشاره في البلدان وسهولة النسبة لمؤلّفه يُسمّى بالأوّل، وترجم له كثير من أصحاب التراجم والسير في كتبهم ،منهم: ابن خلكان في«وفيات الأعيان»(1)، والصفدي في«الوافي بالوفيات »(2)،وياقوت الحموي في «معجم الأدباء»(3).
هو ظالم بن عمرو، أو ظالم بن ظالم.هو أحد فضلاء الفصاحة من الطبقة الأولى من شعراء الإسلام وشيعة أميرالمؤمنين (علیه السلام)، وكان من سادات التابعين وأعيانهم ،صحب علياً(علیه السلام) وشهد معه وقعة صفّين، وهو بصري يُعد من الفرسان والعقلاء.. وكان من أكمل الرجال رأياً، وأسدّهم عقلاً، وهو أول من وضع النحو...(4).
خالد بن زید = خالد أبو أيوب الأنصاري.
قال الشيخ الطوسي:من أصحاب رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله وسلّم)، وقال في أصحاب علي(علیه السلام) : خالد بن زيد: مدنيّ، عربيّ، خزرجيّ، يكنّى أبا أيوب الأنصاري، من الخزرج.
ص: 332
وعدّه البرقي من أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله وسلّم)وقال:«عربي ، مدني ، من بني الخزرج». وذكر في آخر رجاله في عداد أسماء المنكرين على أبي بكر، أنه من الاثنى عشر الذين أنكروا على أبي بكر، وكان آخر من تكلّم ، قام فقال : اتقوا اللّه وردّوا الأمر إلى أهل بيت نبيكم، فقد سمعتم ما سمعنا : إنّ القائم مقام نبينا(صلی اللّه علیه و آله وسلّم) بعده علي بن أبي طالب(علیه السلام)وإنّه لا يبلغ عنه إلا هو ولا ينصح لأمته غيره. وذكر الصدوق قريباً منه في الخصال في أبواب الاثني عشر(1).
عبد اللّه بن نضلة، ويقال : نضلة بن عبد اللّه ،مات بخراسان غازياً، كذا في المعارف. وعن تقريب ابن حجر قال : نضلة بن عُبيد أبو برزة الأسلمي صحابي مشهور بكنيته، أسلم قبل الفتح وغزا سَبْعَ غزوات ، ثم نزل البصرة وغزا خراسان، ومات بها سنة 65 على الصحيح (2).
هو هبة اللّه بن يعلى البلدي البغدادي ، كان أوحد الزمان في صناعة الطبّ ، كان يهودياً ثم أسلم، وكان في خدمة المستنجد باللّه، وتصانيفه في نهاية الجودة
ص: 333
لاسيّما كتابه المعتبر، وينقل عنه قصص وحكايات في حسن تدبيره في المرضى، ويُعدّ في معالجة المرضیپف أكابر أطباء المائة السادسة(1).
يكنى به جماعة:يحيى بن القاسم المكفوف، المتوفى سنة خمسين ومائة .
وليث بن البختري المرادي، وقيل:أبو بصير الأصغر، روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه(علیه السلام)، له كتاب يرويه جماعة .
وعبد اللّه بن محمد الأسدي الكوفي.
ويوسف بن الحارث بتري.
وحمّاد بن عبد اللّه بن أسيد الهروي، روى عن داود بن القاسم »(2).
هو عبد الرحمن بن كيسان المعتزلي ، صاحب المقالات في الأصول، ذكره عبد الجبار الهمداني في طبقاتهم . ومن تلامذته إبراهيم بن إسماعيل بن علية وهو من طبقة أبي الهذيل العلاف وأقدم منه(3).
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: الأصمّ : شيخ المعتزلة، أبو بكر.كان ثمامة ابن أشرس يتغالى فيه، ويطنب في وصفه. وكان صبوراً على الفقر، منقبضاً عن
ص: 334
الدولة. مات سنة إحدى ومائتين. وله تفسيره وكتاب «خلق القرآن» وكتاب «الحجّة والرسل» و ...(1).
أحد الراوين عن عاصم ، أحد القرّاء السبع المشهورة. قيل : اسمه كنيته، ويقال للتخفيف:بكر ، وقيل : اسمه «شعبة»، وقيل: «سالم»... إلى غير ذلك، وكان من الزهّاد الورعين والأخيار المتعبدين ومن أرباب الحديث والعلماء المشاهير. حكى أنه ختم القرآن المجيد اثنا عشر ألف ختمة، وقيل: أكثر من ذلك، وهو الذي ردّ على موسى بن عيسى فرعون الهاشميين ما صدر منه من أمره بكرب قبر الحسين(علیه السلام)، وزرعه فنهاه ابن عيّاش عن ذلك، فشتمه موسى وأمر بضربه وحبسه في خبر طويل رواه العلامة المجلسي في أواخر البحار عن أمالي ابن الشيخ .وتوفّي بالكوفة في جمادى الأولى سنة 193ه(2).
هو عبد القاهر بن عبد الرحمان الجرجاني النحوي الإمام ،المشهور .قال صاحب «البغية»: أخذ النحو عن ابن أُخت الفارسيّ، ولم يأخذ عن غيره لأنه لم يأخذ عن بلده ،كان من كبار أئمة العربية والبيان، شافعيّاً أشعرياً، صنّف«المغني في شرح الإيضاح» و«المقتصد» في شرحه، و«إعجاز القرآن، الكبير والصغير» و«الجمل»، و«العوامل المائة»، و«العمدة في التصريف» وغير ذلك.
ص: 335
مات سنة إحدى - وقيل : أربع - وسبعين وأربعمائة(1) .
مشترك بين: زهير بن صرد أبو صرد ، وقيل : أبو جرول الجشمى السعدي من سعد بن بكر، سكن الشام، قدم على رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) في وفد قومه من هوازن.
وبين :أبو جرول صاحب راية هوازن يوم حنين وكان ذاك على جمل له أحمر، بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام الناس وهوازن خلفه، ويرتجز بقوله:
أنا أبو جرول لا براح*** حتّى يبيح القوم أو يباح
فصمد له أمير المؤمنين(علیه السلام)، فضرب عجز بعيره فصرعه ثم ضربه فقطره (أي ألقاه على أحد جانبيه ، أسقطه).
فكانت هزيمة المشركين بقتل أبي جرول لعنه اللّه(2).
هو محمّد بن عبد اللّه، أبو جعفر المعروف بالإسكافي، أحد المتكلّمين من المعتزلة البغداديّين ، له تصانيف معروفة منها المعيار والموازنة. وكان الحسين بن علي الكرابيسي يتكلم معه ويُناظره، مات فى سنة أربعين ومائتين(3).
أبو حاتم مشترك بين جماعة، منهم: محمد بن إدريس الحنظلي أبو حاتم الرازي .
ص: 336
ومحمود بن حسن الطبري، أبو حاتم القزويني الشافعي .
وسهل بن محمد أبو حاتم السجستاني، المتوفى سنة 255ه.
و محمد بن حبّان أبو حاتم البستى ، المتوفى سنة 301ه.
وغيرهم (1).
أبو حازم مشترك بين جماعة، ولكن المراد هنا هو سلمة بن دينار أبو حازم الأعرج الأقرن القاص ، من أصحاب الإمام السجاد (علیه السّلام). وعدّه ابن شهر آشوب في المناقب - مع توصيفه بالمدني - من خواصّ أصحاب الصادق (علیه السّلام)، وقال بعض العامة بأنه كان محدّثاً ثقة، عابداً حافظاً ... وله حكم ومواعظ. كان من مشاهير علماء وقضاة المدينة المنوّرة، وكان يقصّ الحكايات والقصص على الناس في مسجدها. توفي سنة 133 ، وقيل : سنة 135 ، وقيل : سنة 140، وقيل: سنة 144، وقيل : سنة 146(2).
هو محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزالي، الملقب بحجة الإسلام زين الدين الطوسي، الفقيه الشافعي كانت ولادته سنة خمسين وأربعمائة [وقيل سنة إحدى وخمسين ]. لم يكن للطائفة الشافعية فى عصره مثله، اشتغل في مبدأ أمره بطوس على أحمد الراذ كاني، ثم قدم نيشابور، واختلف إلى دروس إمام
ص: 337
الحرمين أبي المعالي الجويني، وجدّ في الاشتغال حتّى تخرج في مدة قريبة وصار من الأعيان المشار إليهم في زمن أستاذه، وصنف الكتب المفيدة في عدّة فنون أشهرها كتاب «الوسيط» [و«البسيط» ] و «الوجيز» و«الخلاصة في الفقه ، ومنها «إحياء علوم الدين».. وله في أصول الفقه «المستصفى»... وله «تهافت الفلاسفة»و ... توفّي يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة سنة خمس وخمسمائة بالطّابران ...(1).
هو محمّد بن علي الطيب البصري، المتكلم على مذهب المعتزلة ، وهو أحد أئمّتهم الأعلام ،المشار إليه في هذا الفنّ، كان جيد الكلام مليح العبارة، إمام وقته، وله التصانيف الفائقة في أصول الفقه، منها: «المعتمد» وهو كتاب كبير. ومنه أخذ فخر الدين الرازي كتاب «المحصول» ، وله «تصفح الأدلة» في مجلّدين و «غرر الأدلة» في مجلّد كبير، و«شرح الأصول الخمسة» ، وكتاب في الإمامة، وغير ذلك في أصول الدين وسكن بغداد ،وتوفّي بها يوم الثلاثاء خامس شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وأربعمائة ...(2).
أبو الحسن المدائني :
هو الشيخ المتقدّم الخبير علي بن محمّد بن عبد الله بن أبي سيف البصري الأخباري، صاحب كتب الأخبار والتواريخ الكثيرة التي تزيد على مائتي كتاب
ص: 338
منها:«كتابّ خُطب أمير المؤمنين(علیه السلام)»،«وكتاب من قتل من الطالبيين»، و«كتاب الفاطميات» وقال صلاح الدين الصفدي: بصريّ سكن المدائن، وانتقل إلى بغداد وتوفى بها سنة خمس وعشرين ومائتين. وقد يطلق أبو الحسن المدائني على الفقيه المحدّث الذي ينتهي إليه رواية صحيح البخاري عن مؤلفه، واسمة علي بن عبد اللّه بن جعفر بن نجيح السعدي(1) .
والمراد به هنا عبد الرحيم بن محمّد بن عثمان أبو الحسين الخياط، أحد متكلّمي المعتزلة البغداديين، سمع من يوسف بن موسى القطان، قال ابن النديم في مصنفي المعتزلة : كان رئيساً متقدماً عالماً بالكلام، فقيهاً، صاحب حديث واسع الحفظ، وله كتب منها :«الردّ على من أثبت خبر الواحد»، و«الانتصار». وذكر ابن حزم أنّه كان يقول: «إن الأجسام المعدومة لم يزل أجساماً بلا نهاية لا في عدد ولا في زمان ،وهي غير مخلوقة»تنسب إليه فرقة منهم تدعى «الخياطية». ذكره الذهبي في الطبقة السابعة عشرة، وقال: لا أعرف وفاته ،وفي اللباب:هو أستاذ الكعبي ، المتوفى سنة 319ه(2).
ثابت بن أبي صفية دينار أبو حمزة الثمالي، مولى ،كوفي، لقي عليّ بن الحسين وأبا جعفر وأبا عبد اللّه وأبا الحسن(علیه السلام) وكان من خيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث، وروي عن أبي عبد اللّه (علیه السلام)أنّه قال : أبو حمزة
ص: 339
في زمانه مثل سلمان في زمانه، وروى عنه العامة ومات في سنة خمسين ومائة له كتاب تفسير القرآن، ورسالة الحقوق عن عليّ بن الحسين (علیه السلام)(1).
نعمان بن ثابت بن مرزبان الكوفي ، مولى لبني تيم اللّه ، كان مرجئاً ، سكتوا عن رأيه وعن حديثه، قال أبو نعيم:مات أبو حنيفة سنة خمسين ومائة ودفن في مقابر الخيزران، وقال النسائي : أبو حنيفة ليس بالقوي في الحديث، ولد سنة 80 بالكوفة وكان خزازاً يبيع الخز، صاحب الرأي والقياس، وإذا لم يجد نصاً في الكتاب والسنّة عمل بالقياس، حتّى قيل : إنه قاس في أمور معاشه، وهو أوّل من قاس في الإسلام، وأنهم بإجازة وضع الحديث على وفق مذهبه وعدوه من المرجئة. ومن مصنّفاته: «الفقه الأكبر»(2).
المذكور في كتابنا هذا أبو خلف الأحمر ، ولكن لم أجد له ذكر في كتب الرجال والمراد أبو خالد الأحمر، الذي روى عنه أبو سعيد الأشخ، لأنّ في سند الرواية التى جاءت فى الكتاب نقلاً عن شواهد التنزيل هو أبو خلف الأحمر، ولكن إذا راجعنا إلى شواهد التنزيل وجدنا في توضيح أبي خالد الأحمر«سليمان بن حيّان»هو أبو خالد الأحمر، الذي كان مولده بجرجان في سنة عشرة ومائة، وتوفي سنة تسع وثمانين ومائة، وكان من أئمة الحديث، منافراً للكلام والرأي والجدل (3).
ص: 340
هو سليمان بن داود بن الجارود الفارسي الأصل مولى آل الزبير ،البصري ،أحد الأعلام الحفاظ ، سمع ابن عون[وأيمن] بن نابل وهشام بن أبي عبد اللّه الدستوائى وشعبة وطبقتهم ، وعنه أحمد وبندار وابن الفرات وعبّاس الدوري وخلائق، وكان يتكل على حفظه فغلط في أحاديث. مات سنة أربع ومائتين وكان من أبناء الثمانين(1).
هو مشترك، ولكن المراد به هو أبو الدحداح الأنصاري، وهو:ثابت بن الدحداح بن نعيم بن غنم بن إياس حليف الأنصار، ويقال : ثابت بن الدحداحة ،ويُكنى أبا دحداح وأبا الدحداحة، وهو السائل فى قوله تعالى :(وَيَسْأَلُونَكَ عَن الْمَحِيضِ .) وقال الواقدي في غزوة أحد:هو الذي يقول يوم أحد :يا معشر الأنصار، إن كان محمّد قُتِل فإنَّ اللّه حتى لا يموت... ثمّ إنه جُرح ثم بُرء من جراحته ومات بعد ذلك على فراشه عند رجوع النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) من الحديبية(2).
هو عامر بن زيد الأنصاري الخزرجي ... روى عنه أنس بن مالك وفضالة بن عُبيد وأبو أمامة وعبد اللّه بن عمر وابن عباس ... تأخر إسلامه، فلم يشهد بدراً وشهد أحداً وما بعدها من المشاهد مع رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)... وأخى رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)بينه وبين سلمان الفارسي(3).
ص: 341
هو إبراهيم عتيق رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ، ثقةٌ . شهد مع النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)مشاهده ولزم أمير المؤمنين(علیه السلام)بعده وكان من خيار الشيعة ..(1).
مشترك بين عبد الرحمن بن عمرو بن عبد اللّه بن صفوان النصري أبو زرعة الدمشقى، من أئمة زمانه فى الحديث ورجاله من أهل دمشق، ووفاته بها، له كتاب في« التاريخ وعلل الرجال».
وعبيد اللّه بن عبدالكريم بن يزيد بن فروخ المخزومي بالولاء أبو زرعة الرازي من حفاظ الحديث الأئمة، من أهل الري، زار بغداد وحدث بها وجالس أحمد بن حنبل، توفي بالري. له« مسند».
ومحمد بن عثمان بن إبراهيم بن زرعة من موالي ثقيف، قاض من أهل دمشق، ولي القضاء بمصر سنة 384ه وضمت إليه فلسطين والأردن وحمص وقنسرين، وعزل سنة 292 فعاد إلى دمشق، فولي قضاءها إلى أن توفّي.
وبين غيرهم كمعبد الجهني وروح بن محمد الرازي و ...(2).
مشترك بين جماعة، ولكن المراد هنا هو:أبو زيد عمر بن شبة بن عبيدة بن زيد بن رائطة بن أبي معاذ النميري البصري النحوي الأخباري البغدادي المتوفى
ص: 342
سنة 262ه. من مشايخ أبي بكر الجوهري صاحب« السقيفة وفدك». وقال ابن حبّان : كان صاحب أدب وشعر وأخبار ومعرفة بأيام الناس، وكان قد نزل في آخر عمره سر من رأى. وقال محمد بن سهل: نزل بغداد عند حراب البصرة (1).
هو عبد اللّه بن سعيد بن حصين الكندي، قال ابن حجر:ثقة من صغار العاشرة، وقال أبو حاتم : مات سنة سبع وخمسين ومائتين. وقال في التهذيب : قال اللالكائي وغيره مات سنة سبع وخمسين ومائتين(2).
أبو الشيخ بن حيان :
عبد اللّه بن محمّد بن جعفر بن حيان، أبو محمّد الإصبهاني. توفّي سلح المحرّم سنة تسع وستين وثلاثمائة .يُعرف بأبي الشيخ ، صنف الأحكام والتفسير والشيوخ، حدث عن إبراهيم بن سعدان و..... توفّي وله ست وتسعون سنة، كان يفيد عن الشيوخ ويصنف لهم ستين سنة.
ومن مصنّفاته : كتاب«أخلاق النبى»، «الأمثال»و...(3).
مشترك بين جماعة ولكن المراد هو أبو صادق الأزدي الكوفي، من أزد شنوءة؛ لأنّ الراوي عن ربيعة بن ناجد هو فقط، وقيل: اسمه مسلم بن يزيد،
ص: 343
وقيل : عبد اللّه بن ناجد ، وكان أخا ربيعة بن ناجد. وهو كوفي ورد المدائن وحدّث عن علي بن أبي طالب(علیه السلام)وعن ربيعة بن ناجد. روى عنه سلمة بن كهيل و عثمان ابن المغيرة وغيرهما (1).
مشترك بين جماعة، ولكن المراد هو أبو صالح شيخ محمّد بن السائب الكلبي، واسمه بادام ، ويقال : باذان ، وقيل : ذكوان، حدث عن مولاته أُمّ هاني بنت أبي طالب وابن عبّاس و.... وحدّث عنه أبو قلابة ومحمد بن السائب الكلبي وسماك بن حرب و...وهو صاحب التفسير الذي رواه عن ابن عباس وقال عاصم كان رجل كبير اللحية وكان يخللها(2).
قال العلامة الحلى فى رجاله : هو إبراهيم بن نُعيم - بضم النون وفتح العين غير المعجمة وإسكان الياء المنقطعة تحتها نقطتين - العبدي الكناني، ثقة، أعمل على قوله ، سمّاه الصادق (علیه السلام)الميزان ،قال له :«أنت ميزان لا عين فيه». يُكنّى بالصباح - بفتح الصاد غير المعجمة وتشديدها وتشديد الباء المنقطعة تحتها نقطة - كان كوفيّاً ومنزله فى كنانة تعرف به، وكان عبدياً رأى أبا جعفر(علیه السلام)وروى عن أبى إبراهيم موسى (علیه السلام)(3).
هاشم بن الوليد بن خالد بن محمؤد بن خالد بن بحران ،مولى علي بن
ص: 344
أبي طالب(علیه السلام)، يكنى أبا طالب، من أهل هرات، قدم بغداد وحدث بها عن فضيل ابن عیاض وسفيان بن عيينة .... وروى عنه إسحاق بن الحسن الحربي وأبو بكر ابن أبي الدنيا و... وقال محمد بن عبد الرحمن الهروي :مات هاشم بن الوليد أبو طالب الهروي سنة أربعين (1).
قال أبو الفرج في الأغاني: هو عامر بن واثلة بن عبد اللّه بن عمرو بن جابر... وله صحبة برسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)ورواية عنه، وعمر بعده عمراً طويلاً وكان مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(علیه السلام)وروى عنه أيضاً، وكان من وجوه شيعته ، وله منه محل خاص، يستغنى بشهرته عن ذكره ، ثم خرج طالباً بدم الحسين بن علي(علیه السلام) مع المختار بن أبي عبيد وكان معه حتى قتل ...(2).
هو زيد بن سهل ،كان أحد النقباء، شهد العقبة وبدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، توفّي بالمدينة سنة اثنين وثلاثين أو أربع وثلاثين، وكان زوج أم سليم أم أنس بن مالك وكان من الرماة.
وورد عن أنس قال: كان أبو طلحة لا يصوم على عهد رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)من أجل الغزو فلما قبض النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) لم أره مفطراً إلا يوم فطر وأضحى، وكان رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)يقول : صوت أبي طلحة في الجيش خيرٌ من فئةٍ، وكان من سعادته أن
ص: 345
وفق بأن حفر الرسول اللّه لحداً ؛ كما قال به الشيخ المفيد الله في الإرشاد(1) .
رفيع بن مهران ، الحافظ المفسّر ريالأبو العالية الرياحي البصري ، كان مولى لامرأة من بني رياح بن يربوع ثم من بني تميم، أدرك زمان النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) وهو شاب وأسلم في خلافة أبي بكر، وسمع من عمر وعلي(علیه السلام)وأبي وأبي ذر و... وحفظ القرآن وقرأه على أبي بن كعب. قال أبو خلدة: مات أبو العالية في شوال سنة تسعين، وقال البخاري وغيره:مات سنة ثلاث وتسعين، قال قتادة : قال أبو العالية : فقد أنعم اللّه عليّ بنعمتين لا أدري أيهما أفضل:أن هداني للإسلام أو لم يجعلني حرورياً ( والمراد الحرورية التي خرجوا على أمير المؤمنين(علیه السلام)بعد تحكيم الحكمين) (2).
هو عامر بن شراحيل، أبو عمر الهمداني ثمّ الشعبي، ويقال : هو عامر بن عبد اللّه ، وكانت أُمه من من سبي جلولاء، مولده فى إمرة عمر لست سنين خلت منها ،وقيل : ولد سنة إحدى وعشرين، وكانت جلولاء في سنة سبع عشر، وقال أحمد بن يونس:ولد الشعبي سنة ثمان وعشرين، رأى عليّاً (علیه السلام)وصلى خلفه . قال ابن سعد : كان الشعبي ضئيلاً نحيفاً، ولد هو وأخ له توأماً، قال أحمد بن عبد اللّه العجلي:سمع الشعبي من ثمانية وأربعين من أصحاب رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، وكان أُمّي لا كتب ولا قرأ. مات سنة أربع ومائة قال الواقدي مات سنة خمس ومائة، وأقوال أخر(3).
ص: 346
هو الشيخ الأديب، أحمد بن يحيى بن زيد بن يسار النحوي الشيباني بالولاء، معروف بثعلب - بفتح الثاء المثلثة، وسكون العين المهملة - صاحب كتاب«الفصيح» في النحو ... وكان إمام الكوفيين في النحو واللغة، سمع ابن الأعرابي والزبير بن بكار، وروى عنه الأخفش الأصغر وأبو بكر ابن الأنباري وأبو عمر الزاهد المطرز المعروف بغلام ثعلب وغيرهم .وكان ثقة حجّة صالحاً مشهوراً بالحفظ، وصدق اللهجة ،والمعرفة بالعربية ، ورواية الشعر القديم، مقدماً عند الشيوخ منذ هو حدث ... ولد في سنة مائتين، ومات سنة 289ه(1).
هو أحمد بن يوسف«أحمد بن سنان»الدمشقي القرماني ، صاحب أخبار الدول وآثار الأوّل وهو مجلّد على مقدّمة وخمسة وخمسين باباً، ألفه سنة سبع وألف، لخّصه من تاريخ الجنابي وزاد فيه أشياء مع إخلال في كثير من الدول(2).
عبد اللّه بن حبيب بن ربيعة الكوفي القاري التابعي ،شيخ قراءة عاصم .روى عنه ابن سعد في الطبقات أنه قال : أخذتُ القراءة عن عليّ (علیه السلام). وعَدَ في تهذيب التهذيب عاصم بن بهدلة في جملة من روى عنه. وفيه قال أبو إسحاق السبعي:قرأ القرآن في المسجد أربعين سنة. وعده البرقي في رجاله من خواص علي(علیه السلام).
ص: 347
توفي سنة أربع وسبعين ، وقيل : سنة ثلاث ، وقيل : توفي في إمرة بشر بن مروان وقيل غير ذلك(1).
هو محمّد بن يوسف بن محمّد، أبو عبد اللّه ابن الفخر الكنجي: محدّث حافظ، من الشافعية ، نسبته إلى«الكنجة»بين إصبهان و خوزستان.نزل بدمشق ،وقتل بجامع دمشق لديره ( أي لتعديه عن حدّه) وفضوله ( أي لكثرة ذكر مناقب علي (علیه السلام)في سنة 658 ، وصنّف كتاب«كفاية الطالب في مناقب علي بن طالب»والبيان«في أخبار صاحب الزمان»(2).
اسمه عُبيد بن عبد، وكان من أصحاب أمير المؤمنين على(علیه السلام)وهو عند البرقي من أولياء أمير المؤمنين(علیه السلام)ومن خواص أصحابه(علیه السلام)(3).
قال الذهبي في الميزان:أبو عبد اللّه الجدلي شيعي بغيض. قال الجوزجاني:كان صاحب راية المختار ، وقد وثقه أحمد(4).
شيخ الصوفية، أبو عبد اللّه ،محمّد بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن باكويه ،الشيرازي، ولد سنة نيف وأربعين وثلاثمائة، وطلب هذا الشأن، وارتحل فيه،
ص: 348
وسمع محمّد بن خفيف الزاهد و... وحدّث عنه أبو القاسم القشيري و..... قال الحسين بن محمّد الكتبي:مات سنة ثمان وعشرين وأربعمائة(1).
زكريا بن محمّد أبو عبد اللّه المؤمن، روى عن أبي عبد اللّه وأبي الحسن موسى(علیه السلام)،ولقي الرضا(علیه السلام)في المسجد الحرام، وحكى عنه ما يدلّ على أنه كان واقفياً، وكان مختلط الأمر في حديثه . له كتاب«منتحل الحديث»(2).
هو عامر بن عبد اللّه بن الجرّاح بن هلال بن أهيب - ويقال : وهيب - بن ضبة بن الحارث بن فهر القرشي الفهري ،أبو عُبيدة بن الجراح، مشهور بكنيته وبالنسبة إلى جده. وكان إسلامه هو وعثمان بن مظعون وعُبيدة بن الجون بن المطلب و... في ساعة واحدة قبل دخول النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)دار الأرقم...(3).
قال الذهبي في من له رواية في كتب الستة : ( 5570) معمر بن المثنى التيمي البصري اللغوي، له تفسير حديث في لزكاة. توفي بعد عشر ومائتين.
وأيضاً قال في سير أعلام النبلاء: أبو عبيدة ،معمر بن المثنى التيمي مولاهم ،البصري، النحوي، صاحب التصانيف. ولد سنة عشر ومائة في الليلة التي توفّي فيها الحسن البصري . حدّث عن:هشام بن عروة، ورؤبة بن العجاج ، وأبي عمرو
ص: 349
ابن العلاء وطائفة ... كان هذا المرء من بحور العلم، ومع ذلك فلم يكن بالماهر بكتاب اللّه، ولا العارف بسنّة رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)،ولا البصير بالفقه واختلاف أئمة الاجتهاد،بلى وكان معافى من معرفة حكمة الأوائل، والمنطق وأقسام الفلسفة وله نظر في المعقول، ولم يقع لنا شيء من عوالي روايته(1).
هو الحسن بن راشد ،يكنى أبا علي، مولى لآل المهلب، بغدادي ثقة، من أصحاب الجواد(علیه السلام)، وعدّه البرقي من أصحاب الجواد والهادي(علیه السلام) . وعده الشيخ المفيد في رسالته العددية من الفقهاء الأعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام. وذكر الشيخ في كتاب الغيبة في فصل ذكر طرف من أخبار السفراء في جملة الممدوحين من وكلاء الأئمة، والمتولين لأمورهم قال : كتب أبو الحسن العسكري(علیه السلام)إلى الموالي ببغداد والمدائن والسواد وما يليها قد أقمت أبا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبدربه، ومن قبله من وكلائي ،وقد أوجبت في طاعته طاعتي وفي عصيانه الخروج إلى عصياني، وكتبت بخطى(2).
هو أبو عليّ محمّد بن عبد الوهّاب بن سلام بن خالد بن حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان. ويُطلق على ابنه أبي هاشم عبد السلام بن محمّد، ويقال لهما :
ص: 350
الجبائيان، وكلاهما من رؤساء المعتزلة ولهما مقالات على مذهب الاعتزال، والكتب الكلامية مشحونة بمذاهبهما واعتقادهما ... توفّى أبو على الجبائي سنة 303 ( شج) وابنه أبو هاشم سنة 332 ( شكا). قيل: إن قبرهما في بغداد ...(1).
الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد اللّه بن الحسن بن علي بن سينا، كان أبوه من أهل بلخ فهاجر إلى بخارا وتزوّج في قرية «أفشنة» فولد له أبو علي، وفيها تعلّم أبو على القرآن والأدب والفقه والرياضيات والمنطق والفلسفة والطب، وفي بخارا تولّى طبابة السلطان نوح بن منصور، وبعده استفاد من مكتبته النفيسة، وألف كتباً كثيرة فى المنطق والفلسفة والرياضيات وغيرها، وبعد وفاة والده، تجوّل أبو علي من بخارا إلى مختلف المدن - حسبما كانت تقتضي الضرورة - حتى استقر في همدان، فاستوزره شمس الدولة فوافق الشيخ، وبعد وفاة شمس الدولة طلب ابنه من الشيخ قبول الوزارة فامتنع ، توفي سنة 428 هجرية(2).
امين الإسلام أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي الطوسي، عين من أجلاء طائفة الإمامية. صاحب تفسير «مجمع البيان» و«جوامع الجامع »... روى عن جماعة منهم : الشيخ أبو علي بن الشيخ الطوسي و...، واشتهر بين الخاص والعام أنّه أصابته السكتة فظنوا به الوفاة فغسلوه وكفنوه ودفنوه وانصرفوا .فأفاق ووجد نفسه مدفوناً ، فنذر إن خلّصه اللّه من هذه البلية أن يؤلّف
ص: 351
كتاباً في تفسير القرآن. وجاء النباش فلما نبشه وجعل ينزع عنه الأكفان قبض بيده عليه ... فقال للنباش : لا تخف، ووصله إلى بيته، ثمّ وفى بنذره وألف كتاب «مجمع البيان » (1).
مشترك بين جماعة منهم : الحافظ الحسين بن علي بن يزيد بن داود النيسابوري أحد النقاد، ولد في سنة سبع وسبعين ومائتين، ومات في جمادى الأولى سنة تسع وأربعين وثلاثمائة .
ومنهم:الحسن بن عيسى بن ماسرجس المحدّث ، ومات بالثعلبية منصرفه من مكة سنة تسع وثلاثين ومائتين.
ومنهم :أحمد بن حفص بن عبد اللّه بن راشد، قاضي نيسابور. توفي في المحرم سنة ثمان وخمسين ومائتين وغيرهم(2).
ابن عمّار بن العريان التميمي، المازني البصري، شيخ القراء والعربية. وأُمه من حنيفة ، اختلف في اسمه على أقوال، أشهرها «زبان»، وقيل: «العريان». مولده تحو سنة سبعين. قال أبو عبيدة: ذكر غير واحد أن وفاته كانت في سنة أربع وخمسين ومائة. قال الأصمعي : عاش أبو عمرو ستاً وثمانين سنة. وقال خليفة بن خياط وحده:مات أبو عمرو وأبو سفيان ابنا العلاء سنة سبع وخمسين ومائة(3).
ص: 352
أبو الفتوح أسعد بن أبي الفضائل محمود بن خلف بن أحمد بن محمد، العجلى الإصبهاني،الملقب منتخب الدين ،الفقيه الشافعى الواعظ .صنّف عدّة تصانيف، فمن ذلك«شرح مشكلات الوسيط والوجيز للغزالي»وعليه كان الاعتماد في الفتوى بإصبهان، كان مولده في أحد الربيعين سنة خمس أو أربعة عشرة وخمسمائة بإصبهان، وتوفّى بها فى ليلة الخميس الثاني والعشرين من صفر سنة ستمائة . والعجلى - بكسر العين المهملة وسكون الجيم، وبعدها لام - هذه النسبة إلى عجل بن لجيم، وهي قبيلة كبيرة مشهورة، من بني ربيعة الفرس (1).
الحارث بن سعيد بن حمدان التغلبي، أبو فراس الحمداني، أمير ،شاعر، ،فارس، وهو ابن عم سيف الدولة. وله وقائع كثيرة، قاتل بها بين يدي سيف الدولة. وكان سيف الدولة، يحبّه ويقدّمه على سائر أقوامه، وقلده منبجا وحرّان وأعمالها ، فكان سكن بمنبج ( بين حلب والفرات ) وينتقل في بلاد الشام، وجرح في معركة مع الروم فأسروه ( سنة 351ه) . ثمّ فداه سيف الدولة بأموال عظيمة ، قال الذهبي : كانت له منبج، وتملك حمص، وسار يتملك حلب، فقتل في تدمر وقال ابن خلكان:مات قتيلاً في صدد(على مقربة من حمص) قتله أحد أتباع سعد الدولة ابن سيف الدولة، وكان أبو فراس خال سعد الدولة وبينهما تنافس له ديوان شعر(2). توفي سنة 357 هجرية .
ص: 353
هو علي بن الحسين بن محمّد المرواني الأمويّ الزيدي صاحب كتاب الأغاني وهو إصبهاني الأصل، بغدادي المنشأ، كان من أعيان أدبائها وأفراد مصنّفيها؛ روى عن عالم كثير من العلماء يطول تعدادهم، وكان عالماً بأيام الناس والأنساب والسير، قال التنوخي:«ومن المتشيعين الذين شاهدناهم أبو الفرج الإصبهاني. وله المصنفات المستمحلة ، منها كتاب «الأغاني» الذي وقع الاتفاق على انّه لم يعمل في بابه مثله ؛ يقال : إنّه جمعه في خمسين سنة. ومنها كتاب «القيان»، و«كتاب «الإماء الشواعر».. و«مقاتل الطالبيين»(1).
وقال الشيخ الحُرّ العاملي في أمل الأمل:«وكان شيعياً خبيراً بالأغاني والآثار والأحاديث المشهورة ...»(2).
عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي الحنفي أبو القاسم الكعبي المعتزلي البغدادي، شيخ المعتزلة، وكان يكتب الإنشاء لبعض الأمراء، وهو أحمد بن سهل متولّي نيسابور، فثار على أحمد، ورام الملك ، فلم يتم له، وأخذ الكعبي وسجن مدة، ثمّ خلّصه وزير بغداد علي بن عيسى، فقدم بغداد وناظر بها. وله من التصانيف كتاب «لمقالات »وكتاب«الجدل»وكتاب«التفسير الكبير»وكتاب«السنة والجماعة» وكتاب في النقض على الرازي في الفلسفة الإلهية، وأشياء سوى ذلك. قال محمّد بن إسحاق النديم:توفي في أول شعبان سنة تسع وثلاثمائة. كذا ،قال وصوابه: سنة تسع وعشرين(3).
ص: 354
هو الموفق بن أحمد المكى الخوارزمي أبو المؤيد،مؤلّف«مناقب أبي حنيفة»و«مناقب أمير المؤمنين على بن أبي طالب». كان فقيهاً أديباً، له خُطب وشعر ،أصله من مكة، أخذ العربية من الزمخشري بخوارزم، وتولى الخطابة بجامعها. وفيها قرأ عليه ناصر بن عبد السيد المطرزي ( صاحب المغرب في اللغة )(1). توفّي سنة 568 هجرية .
هو عبد اللّه بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب، هاجر إلى النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)فقدم مع جعفر زمن فتح خيبر واستعمله النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)معاذ على اليمن ثمّ ولي العمر الكوفة والبصرة. حدّث عنه طارق بن شهاب و ...(2).
وقال المسعودي في مروج الذهب:وكان يخذل أهل الكوفة عن حرب الجمل في نصرة أمير المؤمنين(علیه السلام)، ويأمرهم بوضع السلاح والكف عن القتال، ويقول: إنما هي فتنة، فنمى ذلك إلى أمير المؤمنين(علیه السلام) ، فولى على الكوفة قرطة ابن كعب الأنصاري، وكتب إلى أبي موسى:«اعتزل عملنا يا ابن الحائك مذموماً مدحوراً فما هذا أوّل يومنا منك وإنّ لك فيها لهنات وهنيات»(3).
هو لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم بن الحارث بن عوف بن ثعلبة
ص: 355
بن عامر بن ذهل الأزدي، الغامدي الكوفي ، من ثقات محدثي الإماميّة، ومن العلماء المؤرخين وشيخ المؤرّخين ووجههم بالكوفة، وكان يسكن إلى ما يرويه ، روى عنه هشام بن محمد السائب الكلبي ونصر بن مزاحم، ومحمّد بن موسى وغيرهم. ألّف مجموعة كبيرة من الكتب منها: «مقتل أبي عبد الله (علیه السّلام)« و«مقتل محمّد بن أبي بكر» و«المختار بن أبي عبيدة الثقفي» و«الجمل» و«مقتل عثمان» و«خطبة الزهراء (علیها السّلام)»، و«صفّين» و«المغازي» و«السقيفة» و«الردة» وغيرها . توفّي سنة ،170 ، وقيل : توفّي سنة 175 ، وقيل : 157 (1).
هو عبد الملك بن الشيخ أبي محمد عبد الله بن أبي يعقوب يوسف بن عبد الله ابن يوسف بن محمد بن حَيّوية، الجويني، الفقيه الشافعى الملقب : ضياء الدين ،المعروف بإمام الحرمين ومولده في ثامن عشر المحرم سنة تسع عشرة وأربعمائة ، ولما مرض حمل إلى قرية من أعمال نيسابور، يقال لها بشتنقان موصوفة باعتدال الهواء وخفّة الماء، فمات بها ليلة الأربعاء وقت العشاء الآخرة الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، ونُقل إلى نیشابور تلك الليلة، ودفن من الغد في داره، ثمّ نقل بعد سنين ودفن بجنب أبیه...(2) .
ص: 356
مشترك بين جماعة، ولكن المراد هو غزوان الغفاري أبو مالك الكوفي . روى عن البراء وابن عبّاس و..... وروى عنه : سلمة بن كهيل والسدّي و.... هو مشهور ،بكنيته، ثقة من الثالثة(1).
شيخ الفلسفة الحكيم، أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ، التركي الفارابي المنطقي، أحد الأذكياء، له تصانيف مشهورة ومنها مقالة في إثبات الكيميا، وساير تواليفه في الرياضي والإلهي، وقد أحكم أبو نصر العربية بالعراق ، ولقي متى بن يونس صاحب المنطق فأخذ عنه، وسار إلى حرّان فلزم بها يوحنّا بن جيلان النصراني، وسار إلى مصر وسكن ،دمشق، وكان فيما يقال يعرف سبعين لساناً، وكان والده من أمراء الأتراك... ويقال : إنه أوّل من اخترع القانون. وكان يتزهد زهد الفلاسفة ولا يحتفل بملبس ولا منزل، أجرى عليه ابن حمدان ي كل يوم أربعة دراهم، ويدمشق كان موته في رجب سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة عن نحو من ثمانين سنة، وقبره بباب الصغير (2).
أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الإصبهاني الحافظ المشهور، صاحب كتاب حلية الأولياء وتاريخ إصبهان كان من الأعلام المحدّثين وأكابر الحفّاظ ، وامتدّت أيّامه حتى ألحق الأحفاد بالأجداد .
ص: 357
ولد في رجب سنة ستّ وثلاثين وثلاثمائة، وقيل: أربع وثلاثين، وتوفّي في صفر، وقيل: يوم الاثنين الحادي والعشرين من المحرّم سنة ثلاثين وأربعمائة بإصبهان (1).
هو أبو نوح الكلاعي ، عدّه الشيخ في رجاله في أصحاب علي (علیه السّلام) . وفي «صفين» لنصر بن مزاحم، قال أبو نوح: كنت يوم صفّين في خيل علي (علیه السّلام) وهو واقف بين جماعة من همدان وحمير وغيرهم من أفناء قحطان إذا أنا برجلمن أهل الشام يقول : من دلّ على الحميري أبي نوح ؟ قال : قلت : وقد وجدته، فمن أنتَ ؟ قال : أنا ذو الكلاع ، إلى آخر الخبر، حين سأله عن حديث حضور عمار بن ياسر في جبهة الحقّ و ...(2).
هو عمارة بن جوين أبو هارون العبدي البصري، روى عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري، وعنه الحمادان وعبد الوهاب الثقفي وعلي بن عاصم وجماعة وقال ابن عدي: ويذكر عنه أشياء في الغلو في التشيع . قال شعبة كنت أتلقى الركبان أسأل عن أبي هارون العبدي، فقدم ، فرأيت عنده كتاباً فيه أشياء منكرة في علي (علیه السّلام) ، فقلت : ما هذا الكتاب ؟ قال : هذا الكتاب حق . توفّي سنة أربع وثلاثين ومائة (3).
ص: 358
عبد السلام بن محمّد بن عبد الوهاب الجبّائي، من أبناء أبان مولى عثمان، عالم بالكلام، من كبار المعتزلة ،له آراء انفرد بها وتبعته فرقة سميت «البهشمية» نسبة إلى كنيته «أبي هاشم» ، وله مصنّفات، منها «الشامل» في الفقه، و«تذكرة العالم» و«العدّة» في أصول الفقه (1).
هو محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول البصري شيخ البصريين في الاعتزال كما نص عليه ابن خلّكان فى وفياته حيث قال: «أبو الهذيل محمّد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبدي، المعروف بالعلاف، المتكلم ...
وهو صاحب المقالات في مذهب الاعتزال، ومجالس ومناظرات، وهو مولى عبد القيس، وكان حسن الجدال، قويّ الحُجّة، كثير الاستعمال للأدلة والإلزامات ... ولأبي هذيل كتاب يُعرف بميلاس، وكان ميلاس رجلاً مجوسياً فأسلم وكان سبب إسلامه أنه جمع بين أبي الهذيل المذكور وجماعة، من الثنوية، فقطعهم أبو الهذيل ، فأسلم ميلاس عند ذلك ... توفّي سنة خمس وثلاثين ومائتين بسرّ من رأى»(2).
جاء في ترجمة أحمد بن نصر بن سعيد الباهلي أن أبا هراسة كنية سعيد ، جد
ص: 359
أحمد المذكور وهو من أصحاب الباقر (علیه السّلام)، روى عن أبي جعفر الان جعفر (علیه السّلام)، وروى عنه أبو عبد الله المؤمن(1).
بتقديم التاء المفتوحة على الياء المشدّدة المكسورة، اسمه مالك ، وهو من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين (علیه السّلام) وشهد بدراً واحداً والمشاهد كلّها. ويظهر من الروايات غاية إخلاصه وكثرة جلالته، وأنه كان من النقباء. وقتل مع علي (علیه السّلام) بصفين سنة 37ه(2).
يوسف بن عبد الله ،أبو يعقوب الشحّام مفسّر معتزلي، من أهل البصرة. انتهت إليه رئاسة المعتزلة بها في أيامه أخذ عن أبي الهذيل وولي الخراج في أيام الواثق، ولما خرج صاحب الزنج بالبصرة، وعظه الشحام ، فهم بقتله، فيقال: فرّ منه. وكان من أحذق الناس بالجدل، عاش 80 سنة ، وله كتاب في «تفسير القرآن» توفّى سنة 280 هجرية تقريباً (3).
والمراد به أحمد بن علي بن المثنّى التميمي، صاحب كتاب «مسند أبي يعلى» المطبوع وإنّه قد عاش قرابة قرن من الزمن ( 210 - 307ه) أي منذ أواخر خلافة المأمون إلى السنة الثانية عشرة من خلافة المقتدر(4).
ص: 360
ابن أبي حاتم مشترك ،ولكن المراد منه عبد الرحمن بن محمد أبي حاتم بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي الرازي أبو محمّد، حافظ للحديث من کبارهم ،كان منزله في درب حنظلة بالري، وإليهما نسبته له تصانيف، منها: «الجرح والتعديل»، و«المسند» كبير، و«الكنى»، و«الفوائد الكبرى» و.... توفّي فيسنة سبع وعشرين وثلاثمائة (1).
ابن أبي سرح مشترك، والمراد به في هذا الكتاب عبد الله بن سعد بن أبي سرح، القرشي العامري، أخو عثمان لأُمّه من الرضاعة، وكتب الوحي ثمّ ارتدّ عن الإسلام ولحق بالمشركين بمكّة، فلمّا فتحها رسول الله (صلّی الله علیه و آله) فجاء إلى عثمان بن عفان فاستأمن له ، فأمنه رسول الله (صلّی الله علیه و آله) فلما صارت الخلافة إلى عثمان عزل عمرو بن العاص من ولاية مصر وولّى عليها عبد الله بن أبي سرح سنة خمس وعشرين ، وأمره بغزو بلاد أفريقية فغزاها ففتحها ... فلمّا قتل عثمان أقام يعسقلان -وقيل : بالرملة - ومات في سنة ست وثلاثين (2).
عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان أبي شيبة العبسي ،مولاهم الكوفي أبو بكر: حافظ للحديث له فيه كتب منها «المستد» و«المصنّف في الأحاديث
ص: 361
والآثار». ولد منتصف القرن الثاني للهجرة وتوفّي سنة 235 هجرية. وكان أول من دوّن الحديث بناءً لأمر عمر بن عبدالعزيز (1).
ابن أبي طاهر مشترك والمراد به في الكتاب أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر واسم أبي طاهر طيفور، من أبناء خراسان، من أولاد الدولة مولده ببغداد، قال جعفر بن حمدان صاحب كتاب الباهر: إنه كان مؤدب كتاب عامياً، ثم تخصص وجلس في سوق الوراقين في الجانب الشرقي، ومولده سنة أربع ومائتين، وقت دخول المأمون بغداد من خراسان وتوفي سنة ثمانين ومائتين وله من الكتب المصنّفة كتاب المنثور والمنظوم، منها كتاب بغداد كتاب الجواهر ، كتاب جمهرة (نسب) بني هاشم كتاب الجامع في الشعراء وأخبارهم و ...فهرست ابن الندیم: 163 .
ابن أبي معيط مشترك بين عدّة رجال ، منهم : عقبة بن أبان بن ذكوان من مقدّمي قريش في الجاهلية، وكان شديد الأذى للمسلمين عند ظهور الدعوة ، فأسروه يوم بدر وقتلوه ثمّ صلبوه ، وهو أول مصلوب في الإسلام.
ومنهم : محمد بن خالد بن الوليد بن عقبة.
ومنهم عمر بن الوليد وغيرهم.
ولكن المراد في هذا الكتاب هو الوليد بن عقبة الذي قال لعلي (علیه السّلام) : أنا أحدّ منك سناناً وأبسط منك لساناً وأملاً للكتيبة منك. فقال له علي (علیه السّلام) : اسكت فإنّما
ص: 362
أنت فاسق فنزلت:( أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُون)
وهو أخو عثمان بن عفّان لأمه، أسلم يوم فتح مكّة، وولّاه عثمان الكوفة سنة 25ه وأقام إلى سنة 29ه، فشهد عليه جماعة بشرب الخمر ... ولمّا قتل عثمان تحوّل الوليد إلى الجزيرة الفراتية فسكنها ومات بالرقّة (1).
هو أبو محمّد وأبو بكر عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُليكة زُهير بن عبد الله بن جدعان القرشي التيمي المكي الأحول ،قاضي مكّة زمن ابن الزبير، ومؤذّن الحرم. روى عن جده وعائشة وأمّ سلمة وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن عباس وابن عمر وطائفة ، وعنه عمرو بن الدينار وأيوب وابن جُريج ويزيد بن إبراهيم وخلق سواهم، وكان فقيهاً. توفّي سنة سبع عشرة ومائة (2).
عبد الله بن أبي يعفور أبو محمد كوفي، ثقة، جليل في أصحابنا، كريم على أبي عبد الله (علیه السّلام) ومات في أيامه، وكان قارءاً يقرأ في مسجد الكوفة ، له كتاب (3).
أبو بكر محمد بن إسحاق بن يسار المدني صاحب المغازي والسير ، عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق (علیه السّلام)، قائلاً: محمّد بن إسحاق بن يسار المدني مولى فاطمة بنت عتبة، أسند عنه، يكنى أبا بكر صاحب المغازي، ومن
ص: 363
سبي عين التمر وهو أوّل سبي دخل المدينة ، وقيل : كنيته أبو عبد الله ، روى عنهما، مات سنة 151 هجرية (1).
يُطلق على رجلين من علماء الشافعية كلاهما يُسميان أحمد :
أولهما: الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الملقّب بشيخ الإسلام، كان شيخ أهل الحديث من كبار المجتهدين على مذهب الشافعي، له مصنفات مشهورةً في الحديث والرجال والأدب ، منها كتاب التقريب في الرجال، وتهذيب تهذيب الكمال، وفتح الباري في شرح صحيح البخاري، ولسان الميزان، والإصابة في معرفة الصحابة .....
وثانيهما: شهاب الدين أحمد بن محمّد بن علي بن حجر المصري الهيثمي، مفتي الحجاز، صاحب الصواعق المحرقة الذي ردّ عليه السيّد الشهيد القاضي نور الله في كتاب الصوارم المهرقة ...(2).
هو مشترك بين جماعة ولكن المراد في هذا الكتاب ابن حكيم الصحابي ، وهو مشترك بين عبد الله بن حكيم بن حزام الأسدي القرشي، أسلم يوم الفتح، وكان مع عائشة في يوم الجمل وعنده راية قريش وقتل في ذلك اليوم. وبين أخيه هشام ابن حكيم بن حزام بن خويلد القرشي ، أسلم يوم الفتح، وهو صاحب الخبر - مع عمر - «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف »(3).
ص: 364
هو حسين بن خالويه النحوي، يُكنّى بأبي عبد الله . قال النجاشي: الحسين بن خالويه أبو عبد الله النحوي، سكن حلب، ومات بها، وكان عارفاً بمذهبنا مع علمه بعلوم العربية واللغة والشعر. وله كتب منها : كتاب الأول ومقتضاه ، ذكر إمامة أمير المؤمنين (علیه السّلام) ، حدّثنا بذلك القاضي أبو الحسين النصيبي، قال: قرأته عليه بحلب، وكتاب مستحسن القراءات والشواذ ، وكتاب حسن في اللغة، كتاب اشتقاق الشهور والأيام (1) .
أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان البرمكي الإريلي أبو العبّاس، المؤرّخ الأديب، صاحب وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان. ولد في إربل (بالقرب من الموصل على شاطئ دجلة الشرقي) وانتقل إلى مصر فأقام فيها مدة، وتولّى نيابة قضائها. وسافر إلى دمشق ،فولاه الملك الظاهر قضاء الشام، وعزل بعد عشر سنين، فعاد إلى مصر فأقام سبع سنين، وردّ إلى قضاء الشام، ثم عزل عنه بعد مدة. وولي التدريس في كثير من مدارس دمشق، وتوفي فيها فدفن في سفح قاسيون، يتصل نسبه بالبرامكة (2).
هو عبيد الله بن مرجانة الزانية التي أشار إليها أمير المؤمنين (علیه السّلام) بقوله لميثم
ص: 365
التمّار : ليأخذنك العتلّ الزنيم ابن الأمة الفاجرة عبيد الله بن زياد يقال له : زياد بن أمه، وتارة زياد بن سمية ومرة زياد بن أبيه ، ولما استلحقه معاوية يقال له : زياد بن أبي سفيان ...(1).
ولي البصرة سنة خمس وخمسين وله اثنتان وعشرون سنة، وولي خراسان فكان أوّل عربي قطع جيحون وافتتح بيكند ،وغيرها، وقيل : كانت أمه مرجانة من بنات ملوك فارس . وكانت جميلة الصورة قبيحة السريرة ، روى السري بن يحيى ،عن الحسن قال : قدم علينا عبيد الله، أمره معاوية غلاماً سفيها ، سفك الدماء سفكاً شديداً، وقد جرت لعبيد الله خطوب، أبغضه المسلمون لما فعل بالحسين قال أبو اليقضان : قتل عبيد الله بن زياد يوم عاشوراء سنة سبع وستين، وصح من حديث عمارة بن عمير قال : جيء برأس عبيد الله بن زياد وأصحابه فأتيناهم وهم يقولون قد جاءت قد جاءت فإذا حية تخلّل الرؤوس حتى دخلت على منخر عبيد الله، فمكث، ثم خرجت وغابت ثم قالوا: قد جاءت قد جاءت ففعلت ذلك مرّتين أو ثلاثاً (2)
هو محمد بن سعد الحافظ العلامة البصري، مولى بني هاشم ، مصنف الطبقات الكبير والصغير ومصنّف التاريخ، ويُعرف بكاتب الواقدي، سمع سفيان بن عيينة وابن عليّة والوليد بن مسلم وطبقتهم فأكثر، وعن محمد بن عمر الواقدي، وينزل في الرواية إلى يحيى بن معين وأقرانه حدث عنه ابن أبي الدنيا وأحمد بن يحيى
ص: 366
البلاذري و.... قال ابن فهم: كان كثير العلم ،كثير الكتب، كتب الحديث والفقه والغريب .قال: وتوفّى في جمادى الآخرة سنة ثلاثين ومائتين عن اثنين وستين سنة (1) .
ابن عبد البر مشترك بين جماعة، ولكن المراد هنا ابن عبد البر المحدّث وهو أبو عمرو يوسف بن عبد الله بن محمّد بن عبد البر بن عاصم النمري الأندلسي القرطبي المالكي،صاحب التصانیف منها «الاستيعاب» و«العقل والعقلاء» و «الدرر في اختصار المغازي والسير» وهو من حفاظ الحديث، مؤرّخ أديب، مولده في قرطبة في سنة ثمان وستين وثلاثمائة في شهر ربيع الآخر، وقيل: في جمادى الأولى. ورحل رحلات طويلة في غربي الأندلس وشرقيها، وولّي قضاء الشبونة وشنترين وتوفّى بشاطبة (2) .
الإمام الحافظ النحوي العلامة الأخباري أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان العتكي الأزدي ، الواسطي المشهور بنفطويه صاحب التصانيف، سكن بغداد، وأخذ العربية عن محمّد بن الجهم وثعلب والمبرد، وتفقه على ،داود، وحدّث عن إسحاق بن وهب العلاف و..... ولد سنة أربع وأربعين ومائتين، وكان متضلعاً في العلوم، ينكر الاشتقاق ويحيله. خلط نحو الكوفيين بنحو البصريين، وصار رأساً في رأي أهل الظاهر، صنف «غريب القرآن» و«كتاب
ص: 367
المقنع» في النحو و«كتاب البارع» و «تاريخ الخلفاء» في مجلّدين، وأشياء ، مات فى صفر سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة (1) .
هو مشترك، ولكن المشهور والمراد هو الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الشافعي. ولد في دمشق سنة تسع وتسعين وأربعمائة وشبّ ونما في مناخها الصافي ، وفي سنة عشرين وخمسمائة عقد العزم على الرحلة إلى طلب العلم فاتّجه نحو العراق أولاً، ثم عاد إلى دمشق بعد سنة قاصداً الحج وفي مكة والمدينة سمع ممن لقي من العلماء، وحدّث بمكة ثم عاد إلى العراق فأقام فيها خمس سنين في بغداد وساير مدن العراق، ثم عاد إلى دمشق، ثم رحل إلى خراسان في سنة تسع وعشرين وخمسمائة ، ثم رجع إلى بغداد ومنها إلى دمشق في سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة ، وله مؤلفات كثيرة منها «تاريخ مدينة دمشق». وتوفّى سنة إحدى وسبعين وخمسمائة (2).
ابن عطية مشترك بين جماعة، ولكن المراد ظاهراً ابن عطية صاحب التفسير، وهو أبو محمد عبد الحق بن الحافظ أبي بكر غالب بن عطية المحاربي الغرناطي، مولده سنة ثمانين وأربعمائة، وكان إماماً في الفقه والتفسير ،والعربية، توفّى فى الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة إحدى وأربعين وخمسمائة أو ست وأربعين وخمسمائة ومن مؤلّفاته في التفسير «المحرر الوجيز في تفسيرالكتاب العزيز» في خمسة عشر مجلداً (3).
ص: 368
ابن عفير مشترك بين جماعة، ولكن المراد سعيد بن كثير بن عقير أبو عثمان المصري، مولده سنة ست وأربعين ومائة، وهو من موالي الأنصار، حدّث عنه البخاري وابن معين ..... وقال أبو سعيد بن يونس : كان سعيد من أعلم الناس بالأنساب والأخبار الماضية وأيّام العرب والتواريخ، وكان شاعراً مليح الشعر. مات السبع بقين من رمضان سنة ست وعشرين ومائتين (1).
المسمّى بابن العماد جماعة، منهم: القاضي شمس الدين أبو بكر محمّد بن إبراهيم بن الشيخ العماد المقدسي الصالحي الحنبلي. ولد في صفر سنة ثلاث وستمائة، وتوفّى بالقاهرة سنة ست وسبعين وستمائة .
ومنهم: أحمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي، أبو العباس المقدسي الصالحي ولد تقريباً فى سنة ستمائة واثنتي عشر وتوفي سنة سبعمائة.
ومنهم : أحمد بن محمد بن إبراهيم محمد بن إبراهيم بن عبد الواحد بن سرور المقدسي البغدادي ، ولد سنة ستمائة وسبع وثلاثين، وتوفّي سنة عشر وسبعمائة.
ومنهم: عبد الحي بن أحمد بن محمد بن العماد العكبري الحنبلي مؤرّخ فقيه عالم بالأدب، ولد في صالحية دمشق ومات في سنة 1089 بمكة حاجّاً، له «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» وغيرهم(2).
ابن فضيل مشترك بين جماعة، ولكن المراد في هذا الكتاب ظاهراً محمّد بن
ص: 369
فضيل بن غزوان الضبي مولاهم الكوفي ، روى عنه ،جماعة، وتوفّي سنة خمسوتسعين ومائة، وقيل: سنة سبع (1).
محمد بن كعب بن حيان بن سليم بن أسد أبو حمزة، وقيل: أبو عبد الله القرظي، ولد على عهد النبي (صلّی الله علیه و آله)، سكن الكوفة ثم تحوّل إلى المدينة، سمع من ابن عبّاس، وزيد بن أرقم و... وسمع منه الحكم بن عتيبة وابن عجلان و ....
قال أبو نعيم : مات في سنة ثمان ومائة (2).
هو أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب بن بشر بن زید بن عمرو بن الحارث الكلبي ، الكوفي ، المعروف بابن الكلبي. محدّث إمامي جليل القدر، حسن الحديث، مؤرّخ ،نسّابة عالم بأخبار العرب وأيامهم وسيرهم وآثارهم وكان حافظاً، مفسِّراً، مؤلّفاً ، كان الإمام (علیه السّلام) يقرّبه ويدنيه ويبسطه ويعلّمه، دخل بغداد وحدّث بها، روى عنه ابنه العباس، ومحمّد بن سعد كاتب الواقدي، وخليفة بن خيّاط وغيرهم ألّف مجموعة كبيرة من الكتب تربو على المائة والخمسين، منها كتاب «المذيّل الكبير» و«أسواق العرب»... و«مقتل أمير المؤمنين (علیه السّلام)» و«الحكمين» و «مقتل الحسين (علیه السّلام)». توفّي بالكوفة سنة 204 وقيل: 205 وقيل : 206 (3)
ص: 370
هو عبد الله بن لهيعة بن عقبة بن فرعان بن ربيعة بن ثوبان ، القاضي الإمام العلامة محدّث ديار مصر أبو عبد الرحمن الحضرمي ، وكان من بحور العلم على لين في حديثه ... كان إماميّاً. مات ابن لهيعة يوم الأحد منتصف ربيع الآخر سنة 274ه (1).
هو محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني أبو عبد الله الحافظ صاحب السنن .سمع أصحاب مالك والليث، وعنه أبو الحسن القطّان وطائفة. ولد سنة تسع ومائتين ومات سنة 273 (2).
هو عبد الرحمن بن ملجم المرادي، أشقى هذه الأمّة بالنص الثابت عن النبي (صلّی الله علیه و آله) بقتل علي بن أبي طالب (علیه السّلام).
قال ابن حجر: وقتل ابن ملجم بالكوفة سنة أربعين (3).
ابن وهب مشترك بين جماعة، ولكن المراد ابن وهب الذي روى عن ابن
ص: 371
لهيعة وهو عبد الله بن مسلم أبو محمد الفهري مولاهم المصري الحافظ مولده سنة خمس وعشرين ومائة ،طلب العلم وله سبع عشرة سنة، روى عن ابن جريح وحنظلة بن أبي سفيان وابن لهيعة وعن أحمد بن صالح قال : صنف ابن وهب مائة ألف وعشرين ألف حديث .كان له دنيا وثروة. قال يونس بن عبد الأعلى: كانوا أرادوا ابن وهب على القضاء، فتغيّب . قال ومات في شعبان سنة سبع وتسعين ومائة (1).
أُمّ عمارة بنت عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان الساعدي وهي التي روت كيفية ولادة علي (علیه السّلام) في الكعبة (2).
مولاة رسول (صلّی الله علیه و آله) أعتقها عندما تزوج بخديجة، وكانت من المهاجرات الأوّل ، اسمها بَرَكة، وقد تزوجها عبيد بن الحارث الخزرجي، فولدت له أيمن. ولأيمن هجرة وجهاد، استشهد يوم حنين ، ثم تزوجها زيد بن حارثة ليالي بعث النبي فولدت له أُسامة بن زيد(3).
اختلف في اسم ابنة أبي جهل التي جاءت روايات مفتعلة بأن علياً (علیه السّلام) خطبها فروى الحاكم في الإكليل جويرية، وهو الأشهر، وفي بعض الطرق اسمها العوراء ؛
ص: 372
أخرجه ابن طاهر في المبهمات، وقيل : اسمها الحنفاء ؛ ذكره ابن جرير الطبري ،وقيل: جرهمة ؛ حكاه السهيلي ،وقيل: اسمها جميلة؛ ذكره ابن الملقن في شرحه (1) .
أبو سعيد الخراساني ولد بهراة، ونشأ بنيسابور، ورحل في طلب العلم فلقي جماعة من التابعين وأخذ عنهم مثل عبد الله بن دينار مولی ابن عمر، و... روی عنه صفوان بن سليم، وأبو حنيفة النعمان بن ثابت .... وكان إبراهيم ورد بغداد وحدّث بها ثم انتقل إلى مكّة فسكنها إلى آخر عمره (2).
مشترك بين إبراهيم بن ميمون الصائغ أبو إسحاق المروزي الذي قتله أبو مسلم الخراساني سنة 131 هجرية، وإبراهيم بن ميمون الصنعاني الزبيدي، وإبراهيم بن ميمون الكوفي بيّاع الهروي من أصحاب الصادق (علیه السّلام) وإبراهيم بن ميمون النحّاس مولى آل سمرة، كوفي وغيرهم (3) . ولكن لم أجد في كتب التراجم والرجال إبراهيم بن ميمون الأزدي، الذي جاء اسمه في الكتاب.
أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن سعيد بن عاصم بن سعد بن مسعود الثقفي الكوفي الإصبهائى، قال ابن النديم في الفهرست في الفن الخامس من المقالة
ص: 373
السادسة ( وذلك الفنّ يحتوي على أخبار فقهاء الشيعة وأسماء ما صنفوه): الثقفى أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الإصبهاني من الثقات المصنّفين وله من الكتب کتاب «أخبار الحسن بن علي (علیه السّلام)» وله مصنفات كثيرة منها كتاب المغازي، كتاب السقيفة، كتاب الردة ،كتاب الشورى، كتاب بيعة أمير المؤمنين (علیه السّلام) ، وكتاب الغارات و... ومات فى سنة ثلاث وثمانين ومائتين (1) .
أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك النجّار، يكنى أبا المنذر، شهد العقبة مع السبعين، وكان يكتب الوحي، أخى رسول الله (صلّی الله علیه و آله) بينه وبين سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، شهد بدراً والعقبة الثانية، وبايع رسول الله (صلّی الله علیه و آله)، وهو من الاثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر تقدمه وجلوسه في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مات أبي بن كعب في خلافة عثمان سنة ثلاثين (2).
حكى في كشف الظنون أنّه أوّل من صنّف لبغداد تاريخاً وتلاه الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن عليّ المعروف بالخطيب البغدادي المتوفى سنة 463ه. وعلى هذا فهو أحمد بن أبي طاهر المعروف بابن طيفور أبو الفضل، مؤرّخ خراساني، صاحب كتاب بلاغات النساء ، المولود سنة 204ه المتوفى سنة 280ه، ولم يطبع
ص: 374
من كتابه «تاريخ بغداد» في أخبار الخلفاء إلا المجلد السادس (1).
أبو بكر أحمد بن إسحاق بن صالح بن عطاء الوزان البغدادي من مشايخ أبي بكر الجوهري في «السقيفة وفدك». حدّث ببغداد وسُر من رأى، عن مسلم بن إبراهيم الفراهيدي .... مات بسر من رأى يوم السبت في أوّل يوم محرم سنة 281 (2).
هو أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمّار مولى بني أسد، قال أبو عمرو الكشي كان واقفاً من أصحاب الكاظم (علیه السّلام)(3).
ابن أيّوب بن عبد الرحمن، الإمام الكبير الحافظ أبو الحسن المروزي الفقيه الشافعي، عالم مرو، صنّف تاريخاً لمرو، وأوجب الأذان للجمعة فقط، وأوجب رفع اليدين في تكبيرة الإحرام كمذهب داود، عاش سبعين سنة، ومات في ربيع الآخر سنة ثمان وستين ومائتين، وهو جد أبي العباس القاسم بن القاسم السياري المروزي لأُمّه (4).
أبو عبد الله أحمد بن عمّار بن خالد التمار الواسطي، يروي عن أبي نعيم وأهل
ص: 375
العراق لم يذكروه وقع في طريق السيّد في فلاح السائل ص 66 عن التلعكبري (1).
أبو العباس ثعلب أحمد بن يحيى الشيباني إمام الكوفيين في النحو، ومن تصانيفه الفصيح ، المتوفى سنة 291 في بغداد (2).
الحافظ الموفّق بن أحمد البكري المكي الحنفي الخوارزمي. قال الحافظ جلال الدين السيوطي : كان متمكناً في العربيّة، غزير العلم، وقال القفطي: ولد في حدود سنة أربع وثمانين وأربعمائة ، ومات في صفر سنة ثمان وستين وخمسمائة في خوارزم، وقال الفاسي المكّي: كان أديباً فصيحاً مفوّها، خطب بخوارزم دهراً، وأنشأ الخطب وأقرأ الناس. ومن مصنّفاته «المناقب» في فضائل الإمام أمير المؤمنين (علیه السّلام) و «مقتل الحسين (علیه السّلام)» (3).
هو غياث بن غوث بن الصلت بن طارقة بن سيحان بن عمرو بن سیحان بن فدوكس، لكن اسمه في جمهرة ابن حزم: سيحان بن عمرو بن سيحان بن فدوكس(4).
قال الذهبي في السير: الأخطل شاعر زمانه ،واسمه غياث بن غوث التغلبي النصراني، قيل للفرزدق : من أشعر الناس ؟ قال : كفاك بي إذا افتخرتُ، وبجرير إذا
ص: 376
هجا، وبابن النصرانية إذا امتدح ، وكان عبد الملك بن مروان يجزل عطاء الأخطل. ويفضّله في الشعر على غيره ... (1).
أرفخشد بن سام بن نوح، من أجداد الخضر الذي اسمه «بليا» بن ملكان (2).
قال ابن سعد في طبقاته الكبرى: الأرقم بن شرحبيل الأودي سمع من عبد الله ولا نعلمه روى عن علي (علیه السّلام) شيئاً . قال : روى عنه أخوه هزيل بن شرحبيل وكان ثقة، قليل الحديث (3).
أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة بن نوح بن أزهر الهروي الشافعي اللغوي الإمام المشهور في اللغة. كان فقيهاً شافعي المذهب، غلبت عليه اللغة فاشتهر بها، وكان متفّقاً على فضله وثقته ودرايته وورعه ... كانت ولادته سنة اثنين وثمانين ومائتين، وتوفي سنة سبعين وثلاثمائة في أواخرها بمدينة هراة، والأزهري نسبة إلى جده أزهر المذكور(4).
المراد به فرد من أصحاب علي (علیه السّلام) من بني أسد، ولم يذكر اسمه في التاريخ، وهو يقول لعلي (علیه السّلام): كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به ؟ فقال (علیه السّلام):
ص: 377
يا أخا بني أسد إنك لقلق الوضين (1)، ترسل في غير سدد، إلى آخر الحديث (2).
هو أبو إسحاق الغنوي العامري، القيسي، الكوفى الخيّاط ، وقيل : الحنّاط. محدّث، حافظ، وله كتاب، ضعّفه بعض العامة وتركوا حديثه، روى عنه أحمد ابن محمد البرقى، وإبراهيم بن سعيد الجوهري، ومحمد بن على الصيرفي وغيرهم. توفى سنة 210 هجرية (3).
الهاشمي القرشي المدني، وإليه تنسب «الإسماعيلية» التي تميّزت عن الاثنى عشرية بأن قالت بإمامته بعد أبيه ،والإمامية تقول بإمامة أخيه موسى الكاظم، توفّي في حياة أبيه (علیه السّلام) في سنة 133 هجرية ، ودفن في البقيع ، وقال النوبختي في فرق الشيعة : إن فرقة الإسماعيلية أنكرت موت إسماعيل في حياة أبيه، وقالوا: كان ذلك على سبيل التلبيس من أبيه على الناس لأنه خاف عليه فغيّبه عنهم و ...(4).
وقال السيّد الخوئي (رحمه الله) : والمتحصَّل أنّ إسماعيل بن جعفر جليل، وكان مورد عطف الإمام (علیه السّلام) ، ثم ذكر رواية تدلّ على تقبيله (علیه السّلام) إسماعيل بعد موته مراراً (5).
هو أبو إسحاق إسماعيل بن رجاء بن ربيعة الكوفي، قد وثقه غيرُ واحدٍ من
ص: 378
أعلام العامة سوى الأزدي حيث قال الذهبي في ميزانه: وقال أبو الفتح الأزدي وحده منكر الحديث روى عن إبراهيم بن يزيد النخعي، وأوس بن ضمعج وأبيه رجاء بن ربيعة ..... وروى عنه : إدريس بن يزيد الأودي، وبشر بن دريد الكوفي، وأبو حمزة ثابت بن أبي صفية الثمالي و... (1).
كان رئيس المحدّثين والمتكلّمين ،علّامة وقته ،كان تلامذته مائة ألف وعشرين ألفاً من المحدّثين، وكان كلما يقوله ينقل عنه ستّة بصوت رفيع إلى أن يصل آخرهم، وكان مولده بطالقان ومدفنه بإصفهان، يُزار قبره قرب باب الطوقجي في مقابل مسجد (بايرك بيك)، وكلما يُذكر من الفضل والعلم فهو فوقه. وهو عند الشيخ من أصحاب الإمام الرضا (علیه السّلام)(2).
هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة الإمام المفسر أبو محمد الحجازي ثم الكوفي الأعور السدّي، أحد موالي قريش، حدّث عن أنس بن مالك، وابن عباس ... وأبى عبد الرحمن السُّلمي وعدد كثير .
حدّث عنه شعبة، وسفيان الثوري ، وزائدة وإسرائيل و... وأبو بكر بن عيّاش وآخرون. واحتج به مسلم وأصحاب السنن الأربعة والبخاري وكان شيعيّاً ويشتم أبا بكر مات سنة سبع وعشرين ومائة (3).
ص: 379
شيخ الإسلام أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق، المالكي، قاضي بغداد، وصاحب التصانيف، مولده سنة تسع وتسعين ومائة. قال أبو بكر الخطيب: صنّف «المسند» وصنّف علوم القرآن، جمع حديث أيّوب وحديث مالك. وله كتاب «أحكام القرآن» وكتاب «معاني القرآن» استوطن بغداد، وولي قضاءها اثنتين وعشرين سنة، وولي قبلها قضاء الجانب الشرقي في سنة ست وأربعين ومائتين، وتوفّي فجأة في شهر ذي الحجّة سنة اثنتين وثمانين ومائتين. قال عوف الكندي: خرج علينا إسماعيل القاضي لصلاة العشاء وعليه جبّة يمانية، تساوي مائتي دينار، وفيها مات(1).
أسيد بن حضير أبو يحيى الأنصاري الأشهلي ،له صحبة ،مدني، مات سنة عشرين في عهد عمر ودفن في البقيع، روت عنه عائشة وابن عمر وابن أبي لیلی(2) ، وله مواقف مخزية بعد وفاة رسول (صلّی الله علیه و آله).
هو مالك بن الحارث النخعي المجاهد في سبيل الله ، والسيف المسلول على أعداء الله الذي مدحه سيّد أولياء الله في كلماته ، منها : قوله (علیه السّلام) في كتابه إلى أهل مصر: «وإنّي قد بعثت إليكم عبداً من عباد الله لا ينام أيام الخوف، ولا ينكل عن الأعداء، حذر الدوائر ،من أشدّ عبيد الله بأساً وأكرمهم حسباً، أضرّ على الفجّار
ص: 380
من حريق النار، وأبعد الناس من دنس أو عار، وهو مالك بن الحارث الأشتر، حليم في الحذر، رزين في الحرب، ذو رأي أصيل، وصبر جميل ، فاسمعوا له وأطيعوا أمره...» واستشهد (رحمه الله) سنة 38 بالسم بخدعة ابن نافع مولى عثمان بالقلزم ، وهو من مصر على ليلة (1).
عامر بن الحارث بن رياح الباهلي من همدان ، يكنى أبا قحفان، وهو الذي قال علي (علیه السّلام) له : يا غلام إن كنت آثماً في ما قلت فرماك الله بغلام ثقيف، حيث قال أعشى : ما أشبه هذا الحديث - أي خطب على (علیه السّلام) وذكر الملاحم - بحديث خرافة. وقال الراوي: لقد رأيت بعيني أن الحجّاج ضرب عنقه بعد الأسر من جيش ابن الأشعث (2).
هو أبو محمد سليمان بن ،مهران مولی بنی ،کاهل من ولد أسد المعروف بالأعمش ، الكوفي ، وكان أبوه من دُنباقند، وقدم الكوفة وامرأته حامل بالأعمش، فولدته بها قال السمعاني : وهو لا يعرف بهذه النسبة، بل يُعرف بالكوفي ، وكان يُقارن بالزُّهري في الحجاز، ورأى أنس بن مالك وكلّمه، لكنه لم يُرزق السماع عليه ... وروى عنه سفيان الثوري، وشعبة بن الحجّاج، وحفص بن غياث ، وخلق كثير من جلة العلماء. وكان لطيف الخلق مزاحاً ... ومولده سنة ستين للهجرة ... وتوفّي في سنة ثمان وأربعين ومائة، في شهر ربيع الأول(3).
ص: 381
قال ابن ماكولا في إكمال الكمال: اسمه شبّر بن منقذ [أبو منقذ ] كان مع علي (علیه السّلام) يوم الجمل (1) .
وقال في موضع آخر منه: وأبو منقذ آخر منه وأبو منقذ بشر بن منقذ هو الأعور الشني أحد بني شن بن أفصى بن عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة، شاعر، كان مع علي (علیه السّلام) يوم الجمل (2) .
الأقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان التميمي المجاشعي الدارمي . قال ابن إسحاق : وقد على النبي (صلّی الله علیه و آله) وشهد فتح مكة وحنيناً والطائف، وهو من المؤلفة قلوبهم وقد حسن إسلامه، وقال الزبير في النسب : كان الأقرع حكماً في الجاهلية، وذكر ابن الكلبي أنه كان مجوسيّاً قبل أن يسلم، وقرأت بخط الرضي الشاطبي : قُتِل الأقرع بن حابس باليرموك في عشرة من بنيه (3).
أكثم بن صيفي بن رباح بن الحارث بن مخاشن بن معاوية بن شريف بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم التميمي، الحكيم المشهور الجاهلي، وأحد المعمرين، أدرك الإسلام، فقصد المدينة في مائة من قومه يريدون الإسلام فمات في الطريق ولم ير النبي (صلّی الله علیه و آله)، ويقال : عاش مائة وتسعين سنة. قال أبو حاتم : عاش أكثم ثلاثمائة وثلاثين سنة و ...(4).
ص: 382
ابن آدم ،وقام بعد موت أبيه بسياسة الملك والتدبير لأمور من تحت يديه من رعيّته مقام أبيه ... فكان جميع عمر أنوش سبعمائة وخمس سنين، وكان مولده بعد أن مضى من عمر أبيه شيث ستمائة سنة وخمس سنين، وهذا قول أهل التوراة (1).
بفتح الهمزة وسكون الواو ، وفتح الزاء، وبعد الألف عين مهملة، هذه النسبة إلى أوزاع، وهي بطن من ذي الكلاع من اليمن، وقيل: بطن من همدان و... وهو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يُحْمِد الأوزاعي إمام أهل الشام ، وكان يسكن بيروت ... روى عنه الثوري ، وأخذ عنه عبد الله بن المبارك وجماعة كثيرة. وكانت ولادته ببعلبك سنة ثمان وثمانين للهجرة ... وتوفّي سنة سبع وخمسين ومائة يوم الأحد لليلتين بقيتا من صفر ، وقيل : في شهر ربيع الأول بمدينة بيروت، وقبره في قرية على باب بيروت يقال لها: ختوس وأهلها مسلمون، وهو مدفون في قبلة المسجد ..(2).
قال الذهبي في السير في حقّه : هو القدوة الزاهد، سيّد التابعين في زمانه، أبو عمرو أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني ...(3).
ص: 383
قال العلامة في الخلاصة : «أويس القرني - بفتح الراء - أحد الزهاد الثمانية ؛ قاله الفضل بن شاذان (1).
قال ابن مندة: أيمن بن أم أيمن وهو أبو عبيد بن عمرو بن بلال بن أبي الحرباء ابن قيس بن مالك بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج أخو أسامة بن زيد لأمّه، أمّهما أم أيمن حاضنة النبي (صلّی الله علیه و آله)، قتل في عهد النبي يوم حنين ، وفيه نزلت وفي أصحابه (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ) الآية (2).
قال الذهبى فى حقّه هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة ابن بردزبه الجعفي مولاهم البخاري صاحب الصحيح والتصانيف، مولده في شوّال سنة أربع وتسعين ومائة، وأوّل سماعه للحديث سنة خمس ومائتين وحفظ تصانيف ابن المبارك وهو صبي، ونشأ يتيماً، ورحل مع أمه سنة عشر ومائتين ... حدّث عنه الترمذي ومحمد بن نصر المروزي الفقيه و... وابن خزيمة ... وكان شيخاً نحيفاً ليس بطويل ولا قصير مات ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين (3).
هو بدر بن عامر الهذلي .. ذكر أبو الفرج الإصبهاني أنه شاعر مخضرم ، وأسلم
ص: 384
في عهد عمر، نزل هو وابن عمه مصر وأورد له في ذلك أشعاراً (1).
البراء بن عازب بن الحارث بن عدي بن جشم بن مجدعة الأنصاري الأوسي.. يكنّى أبا عمارة ويقال أبو عمرو ، له ولأبيه صحبة ، ولم يذكر ابن الكلبي في نسبه مجدعة وهو أصوب... غزا مع رسول الله (صلّی الله علیه و آله) أربع عشرة غزوة، وفي رواية خمس عشرة ... وشهد البراء مع علي الجمل وصفّين وقتال الخوارج، ونزل الكوفة وابتنى بها داراً، ومات في إمارة مصعب بن الزبير، وأرّخه ابن حِبّان سنة اثنتين وسبعين ،وقد روى عن النبي (صلّی الله علیه و آله) جملة من الأحاديث وروى عنه من الصحابة أبو جُحيفة وعبد الله بن يزيد الحطمي وجماعة آخرهم أبو إسحاق السبيعي (2).
مشترك بين جماعة لكن المراد في هذا الكتاب بريد بن معاوية العجلي أبو القاسم وهو عربي ، روي أنّه من حواري الباقر والصادق (علیهما السّلام) وروى عنهما، ومات في حياة أبي عبد الله (علیه السّلام) في سنة 150ه، وهو وجه من وجوه أصحابنا ، ثقة فقيه ، له محلّ عند الأئمة (علیهم السّلام) ، قال الكشّي: إنه ممن اتفقت العصابة على تصديقه .
بريدة بن الحصيب أبو عبد الله الأسلمي، ويقال أبو سهل ويقال: أبو ساسان، ويقال: أبو الحسيب الأسلمي ، أسلم حين اجتاز به رسول الله (صلّی الله علیه و آله)
ص: 385
مهاجراً إلى المدينة وذلك بالعميم هو ومن كان معه، وكانوا زهاء ثمانين بيتاً ، وأقام في موضعه حتى مضت بدر وأحد، ثم قدم وغزا مع النبي (صلّی الله علیه و آله) . وقيل : إنَّه لمّا أسلم حلّ عمامته ثمّ شدّها برمح وقال : لا يدخل النبي (صلّی الله علیه و آله) إلا ومعه لواء، فمشى بين يديه حتى دخل المدينة وشهد خيبر ... واستعمله النبي (صلّی الله علیه و آله)على صدقات قومه قال ابن سعد مات بمرو في خلافة يزيد بن معاوية وبقي ولده بها. وقال الواقدي ودفن بها سنة اثنتين أو ثلاث وستين(1).
الشيخ الإمام الحافظ الكبير، أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري البزار، صاحب المسند الكبير ولد سنة نيف عشرة ومائتين وقد ارتحل في الشيخوخة ناشراً لحديثه، فحدّث بإصبهان الكبار، وبغداد ومصر ومكّة والرملة وأدركه بالرملة أجله فمات في سنة اثنتين وتسعين ومائتين (2).
بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس بن زيد بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الحارث بن الخزرج أبو مسعود ويقال : أبو النعمان الأنصاري ، والد النعمان بن بشير ،له صحبة ورواية عن النبي (صلّی الله علیه و آله)، روى عنه ابنه النعمان ومحمد بن كعب القرضي ، وقدم الشام، وله شعر يدل على أنه أوى إلى أعمال دمشق، وهو الذي كان كسر على سعد بن عبادة الأمر يوم سقيفة بني ساعدة فبايع أبا بكر هو وأسيد ابن الحضير أوّل الناس، مات بعين التمر مع خالد بن الوليد سنة اثنتي عشرة (3).
ص: 386
بشر بن المعتمر أبو سهل البصري المعتزلي كان أبرصاً وكان راوية شاعراً نسابة له أشعار، وذكر الجاحظ أنه لم ير أحداً أقوى منه على المخمس المزدوج، وله قصيدة في مائة ورقة احتج فيها لمذهبه. وكان من رؤوس المعتزلة واليه تنسب الطائفة المعروفة ب-«البشرية». وتوفّي سنة عشر ومائتين وقد علت سنّه، وله مصنّفات كثيرة. وهو يقول بتفضيل علي (علیه السّلام) ومنه سرى القول بالتفضيل إلى أصحابه المعتزلة البغدادييّن قاطبة وفي كثير من البصريّين (1).
أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي المفسر، صاحب التصانيف ك«شرح السنة» و«معالم التنزيل» و«مصابيح السنة» و... تفقّه على شيخ الشافعية القاضي حسين بن محمّد المروروذي، صاحب «التعليقة» قبل الستين وأربعمائة ، كان زاهداً قانعاً باليسير ،كان يأكل الخبز وحده، فعدل في ذلك فصار يأتدم بزيت ، وكان أبوه يعمل الفراء ويبيعها، وكان مقتصداً في لباسه له ثوب خام، وعمامة صغيرة على منهاج السلف. توفّي بمر والروذ مدينة من مدائن خراسان في شوّال سنة ست عشرة وخمسمائة ودفن بجنب شيخه القاضي حسين، وعاش بضعاً وسبعين سنة (2).
بلال بن رباح الحبشي مولى أبي بكر وأمّه حمامة مؤذّن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) من
ص: 387
السابقين الأوّلين، شهد بدراً وغيرها وعُذّب في الله . أذن الرسول الله صلى الله عليه وسلم طول حياته حضراً وسفراً، وهو أحد السبعة الذين أظهروا الإسلام أوّل مرّة، ولمّا حضرته الوفاة كان يقول : غداً نلقى الأحبة محمّداً وحزبه. وقد اختلف فيمكان وفاته وزمانه ، فقيل: بدمشق وقيل: بحلب ، وقيل: مات سنة سبع عشرة، وقيل: ثمان ،عشرة وعشرين، وإحدى وعشرين في طاعون عمواس وله بضع وستّون (1).
هو محمد بن الحسين بن عبد الصمد الجبعي العاملي الحارثي، علّامة البشر ومجدّد دين الأئمة (علیهم السّلام) على رأس القرن الحادي عشر... مولده بعلبك عند غروب الشمس يوم الأربعاء لثلاث عشر بقين من ذي الحجة سنة 953ه وانتقل به والده وهو صغير إلى الديار العجميّة ، فنشأ في حجره بتلك الأقطار المحميّة، وأخذ عن الده وغيره من الجهابذة حتى أذعن له كل مناضل ومنابذ... وكانت وفاته لاثنتي عشرة خلون من شوّال المكرّم سنة 1031 هجرية بإصبهان، ونقل قبل دفنه إلى طوس فدفن بها في داره قريباً من الحضرة الرضوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام والتحيّة.
له مصنفات فائقة مشهورة أكثرها مطبوعة، منها الحبل المتين ومشرق الشمسين والأربعين، والجامع العبّاسي، والكشكول، والمخلاة، والعروة الوثقى، و«نان وحلوا»، والزبدة والصمديّة وخلاصة الحساب، وتشريح الأفلاك و... (2).
ص: 388
هو أحمد بن الحسين بن عليّ ... قال الذهبي في حقّه : البيهقي الإمام الحافظ العلّامة شيخ خراسان أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخسروجردي البيهقي صاحب التصانيف، ولد سنة أربع وثمانين وثلاثمائة في شعبان وسمع أبا الحسن محمّد بن الحسين العلوي وأبا عبد الله الحاكم و... وعمل كتباً لم يسبق إلى تحريرها، منها الأسماء والصفات وهو مجلّدان، والسنن الكبرى عشر مجلدات ،والسنن والآثار أربع مجلدات...
وعن أبي المعالي قال : ما من شافعي إلا وللشافعي عليه منّة إلا أبا بكر البيهقي فإن له المنّة على الشافعي لتصانيفه في نصرة مذهبه... حضره الأجل في عاشر جمادى الأولى من سنة ثمان وخمسين وأربعمائة (1).
هو أبو عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرَةَ بن موسى بن الضحّاك السلمي البوغي الترمذي الضرير ، وحكى فى نسبه قولان آخران. ولد سنة 209ه وقيل: ولد في قرية «بوغ» ، وقيل : في بلدة «ترمذ».
وكان تلميذاً للإمام البخاري. أخذ عنه علم الحديث وتفقّه فيه، وسأله واستفاد منه ، فوافقه وخالفه. وقد أراد البخاري أن يشهد لتلميذه الترمذي شهادة قيّمة ،فسمع منه حديثاً واحداً ، كعادة كبار الشيوخ في سماعهم ممن هو أصغر منهم.
وقد طاف أبو عيسى البلاد، وسمع خلقاً من الخراسانيّين والعراقيّين والحجازيّين.
ص: 389
وللترمذي آثار ومصنفات غير الجامع المختصر مثل الشمائل، والعلل، والزهد، والأسماء والكنى وغيرها .
توفّى أبو عيسى في رجب سنة 279ه (1).
ثابت بن جابر بن سفيان أبو زهير الفهمي، من مضر، المعروف ب-«تأبط شرّاً» شاعر عداء، من فتّاك العرب في الجاهلية، كان من أهل تهامة. وكان أعدى رجل ينظر إلى الظبي فينتقي على نظره أثمنها ثم يجري خلفه فلا يفوته حتى يأخذه فيذبحه بسيفه و.... وفى تلقيبه بتأبط شرّاً أربعة أقوال، والمشهور منها أنه تأبط سيفاً وخرج ، وقيل لأمّه : أين هو ؟ فقالت: لا أدري تأبّط شرّاً وخرج، قتل في بلاد هذيل وألقى فى غار يقال له «رحمان» فوجدت جثته فيه بعد مقتله. وللجلودي كتاب «أخبار تأبط شرّاً »(2).
الثعلبي = أبو إسحاق الثعلبي .
ثمامة بن أشرس :
أبو معين ثمامة بن أشرس النميري البصري المتكلّم من رؤوس المعتزلة القائلين بخلق القرآن جلّ منزله. وكان نديماً ظريفاً صاحب ملح، اتّصل بالرشيد، ثم بالمأمون. روى عنه تلميذه الجاحظ، قال ابن حزم: ذكر عنه إنه كان يقول :
ص: 390
العالم هو بطباعه فعل الله والمقلدون من أهل الكتاب وعبدة الأوثان لا يدخلون النار بل يصيرون تراباً. وإن مات مسلماً ومصراً على كبيرة خُلد في النار، وأطفال المؤمنين لا يدخلون الجنة ويصيرون تراباً ، وله مصنفات، منها: كتاب الحجة ،کتاب الخصوص والعموم في الوعيد ، كتاب السنن ..... ونسب إليه «الثمامية» طائفة من المعتزلة، ومات فى سنة 213ه (1).
قال الذهبي : أبو عبد الله الأنصاري الفقيه مفتي المدينة في زمانه ، كان آخر من شهد بيعة العقبة في السبعين من الأنصار، وحمل عن النبي (صلّی الله علیه و آله) علماً كثيراً نافعاً ....حدث عنه سعيد بن ميناء وأبو الزبير وأبو سفيان طلحة بن نافع والحسن البصري وسالم بن أبي الجعد ومحمد بن المنكدر وخلق كثير. عاش أربعاً وتسعين سنة، توفي في سنة ثمان وسبعين رضي الله عنه (2).
هو جابر بن يزيد أبو عبد الله ، وقيل : أبو محمد الجعفي، عربي، قديم نسبه : ابن الحرث بن عبد يغوث بن كعب بن الحرث بن معاوية بن وائل بن مرار بن جعفي، لقى أبا جعفر وأبا عبد الله (علیهما السّلام)، ومات في أيامه سنة ثمان وعشرين ومائة .روى عنه جماعة غمز فيهم، وضعفوا منهم : عمرو بن شمر ومفضّل بن صالح و ... له كتب منها : التفسير، وكتاب النوادر ، وكتاب الجمل، وكتاب صفّين، وكتاب النهروان، وكتاب مقتل أمير المؤمنين (علیه السّلام)، ووثقه السيد الخوئي (رحمه الله) (3).
ص: 391
أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني الليئي المعروف بالجاحظ، البصري العالم المشهور، صاحب التصانيف فى كل فنّ ،له مقالة في أصول الدين، وإليه تنسب الفرقة المعروفة بالجاحظية من المعتزلة، وكان تلميذ أبي إسحاق إبراهيم بن سيار البلخى المعروف بالنظام. ومن أحسن تصانيفه وأمتعها كتاب الحيوان، فلقد جمع كلّ ،غريبة، وكذلك كتاب البيان والتبيين. وإنّما قيل له الجاحظ لأن عينيه كانتا جاحظتين والجحوظ النتوء. وكانت وفاته في المحرم سنة خمس وخمسين ومائتين بالبصرة (1).
هي زوجة هرثمة بن أبي مسلم ، وهي كانت من شيعة علي (علیه السّلام)، وزوجها غزا مع علي (علیه السّلام) في صفّين، وقال: غزونا مع علي بن أبي طالب (علیه السّلام) في صفّين، فلمّا انصرفنا نزل كربلاء فصلّى بها غداة ثم رفع إليه من تربتها فشمها ثم قال: «واها لك أيتها التربة، ليحشر منك قوم يدخلون الجنة بغير الحساب»، فرجع هرثمة إلى زوجته و ... قالت: أيها الرجل، فإنّ أمير المؤمنين لم يقل إلا حقّا (2).
قال ابن الأثير في حقه : جعفر بن أبي طالب... أخو علي بن أبي طالب لأبويه وهو جعفر الطيّار، وكان أشبه الناس برسول الله (صلّی الله علیه و آله)خلقاً وخلقاً، أسلم بعد إسلام أخيه بقليل ... وكان رسول الله (صلّی الله علیه و آله) يُسميه أبا المساكين، وكان أسنّ من
ص: 392
عليّ بعشر سنين، وأخوه عقيل أسنّ منه بعشر سنين ، وأخوهم طالب أسن من عقيل بعشر سنين، ولما هاجر إلى الحبشة أقام بها عند النجاشي إلى أن قدم رسول الله (صلّی الله علیه و آله)حين فتح خيبر ،فتلقاه رسول الله (صلّی الله علیه و آله) واعتنقه وقبّل بين عينيه وقال : ما أدري بأيهما أنا أشدّ فرحاً بقدوم جعفر أم بفتح خيبر، وأنزله رسول الله (صلّی الله علیه و آله) إلى جنب المسجد...
وهو أول من عقرَ في الإسلام، ولمّا قاتل جعفر قطعت يداه والراية معه لم يلقها . قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله) : أبدله الله جناحين يطير بهما في الجنّة، ولما قتل وجد به بضع وسبعون جراحة ما بين ضربة بسيف وطعنة برمح كلّها فيما أقبل من بدنه (1).
جعفر بن مبشّر الثقفي المتكلم، أبو محمد البغدادي، الفقيه البليغ كان مع بدعته يوصف بزهد وتأله وعقة، وله تصانيف جمة، وتبحّر في العلوم صنّف کتاب «الأشربة» وكتاباً في «السنن» وكتاب «الاجتهاد» وكتاب «الحجة على أهل البدع»وكتاب «الإجماع ما هو ؟» وكتاب «الردّ على المشبهة والجهمية والرافضة»و ... وتوفي سنة أربع وثلاثين ومائتين (2).
جعفر بن سليمان الضبعي أبو سليمان البصري، مولى بنى الحريش كان ينزل في ضبيعة فنسب إليهم ، روى عن ثابت البناني .... وعنه الثوري ، وإنما كان يتشيع وكان يحدّث بأحاديث في فضل عليّ (علیه السّلام). وقال الخضر بن محمد بن شجاع
ص: 393
الجزري: قيل لجعفر بن سليمان: بلغنا إنك تشتم أبا بكر وعمر فقال: أما الشتم فلا ولكن بعضاً بآلك. وقال ابن سعد : مات سنة 78 في رجب (1).
اسمه جعفر، يدعى الإمامة اجتراء على الله وكذباً عليه، المخالف لأبيه والحاسد لأخيه، هو الذي ادعى الإمامة بعد أخيه الحسن بن علي (علیه السّلام) وأحرز ميراثه مع علمه ورؤيته القائم المهدي (علیه السّلام)، وكانت وفاته سنة 281ه (2).
قال السيوطي محدّثاً عن نفسه مختصراً : عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد بن الشيخ همام الدين الخضيري الأسيوطي ، وكان مولدي بالقاهرة مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة ، ونشأتُ يتيماً فحفظتُ القرآن ولي دون ثمان سنين، وكان أوّل شيء ألفته «شرح الاستعاذة والبسملة» وشرعت في التصنيف سنة ست وستين وثمانمائة ، وبلغت إلى الآن ثلاثمائة كتاب، وسافرتُ إلى بلاد الشام والحجاز والهند والمغرب ... ورزقت في التبحّر في سبعة علوم التفسير والحديث والفقه والنحو والمعاني والبديع على طريقة العرب والبلغاء لا على طريقة العجم وأهل الفلسفة.
ومات في ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى سنة إحدى عشر وتسعمائة (3).
ص: 394
قال المترجم في ذكر اسمه ونسبه: الحسن بن يوسف بن علي بن مطهر ،أبو منصور الحلى مولداً ومسكناً. وقد اتفقت المصادر على أن ولادته في شهر رمضان عام 648ه وألف كتباً كثيرة في شتّى العلوم من الفقه والأصول والحديث والرجال، والطبيعي والإلهي و.... منها : مبادي الوصول إلى علم الأصول، وإيضاح الاشتباه، وخلاصة الأقوال في معرفة الرجال، وكشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين، وكتاب الألفين .... ومات(رحمه الله) في سنة 726ه (1).
اسمه عمرو بن عبد الله بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأسود. ويقال له: جندب الخير الأزدي الغامدي، قاتل الساحر، يكنى أبا عبد الله ،له صحبة ، روى عن النبي (صلّی الله علیه و آله) وعن علي (علیه السّلام) وعن سلمان الفارسي وروى عنه تميم بن الحارث الأزدي و..... وقال الأعمش : إن جندب قتل الساحر فإنّ الساحر كان يلعب عند الوليد بن عقبة فكان يأخذ السيف ويذبح نفسه ويعمل كذا ولا يضرّه ، فقام جندب إلى السيف فأخذه فضرب عنقه ...(2).
هو أبو بكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري البصري البغدادي المتوفى سنة 323ه، كان كثير العلم والرواية والأدب، وصاحب مدرسة ومكتبة وحوزة في البصرة وبغداد يجتمع عليه الأدباء والمحدّثون، ومن مصنفاته «أخبار الشعراء»
ص: 395
و«السقيفة وفدك» و«مآخذ العلماء على الشعراء»، ومشايخه في الرواية كثي،ر منهم عمر بن شبة المتوفى سنه 362ه ومحمّد بن زكريا الغلابى المتوفى سنة 298 ه (1).
عربي ، كوفي، من أصحاب علي (علیه السّلام)، وعده البرقي من أصحاب علي (علیه السّلام) من ربيعة قائلاً: جويرية بن مسهر العبدي، شهد مع أمير المؤمنين (علیه السّلام) وقال : سمعت عليّاً (علیه السّلام) يقول: «أحبب محبّ آل محمد (صلّی الله علیه و آله) ما أحبّهم» إلى آخر الحديث. وقال له علي (علیه السّلام) في إخباره عن الغائبات: «وأنت والذي نفسي بيده لتعتلن إلى العتلّ الزنيم وليقطعن بدك ورجلك ، ثم لتصلبن تحت جذع كافر. فمضى على ذلك دهر حتى ولي زياد في أيام معاوية فقطع يده ورجله، ثم صلبه إلى جذع» (2).
هو أحد المعمّرين وعاش ستّين ومائة سنة . واسمه الحارث بن كعب بن عمرو ابن وعلة بن جلد بن مالك بن أدد المذحجي ،قال أبو حاتم السجستاني : جمع الحارث بن كعب أولاده لما حضرته الوفاة فقال : يا بني، قد أتى على ستون ومائة سنة، ما صافحت بيميني يمين غادر، ولا قنعت نفسي بخلة فاجر ... وإنّي لعلى دين شعيب النبي (علیه السّلام)، إلى آخر الوصيّة (3).
ص: 396
هو الذي اعترض على رسول الله (صلّی الله علیه و آله) وقال: كلّ ما أمرتنا قبلناه منك ، ثم لم ترض بهذا حتّى رفعت يضبعى ابن عمك ففضّلته علينا، فقلت: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، وهذا شيء منك أم من الله تعالى ؟ فقال : «والذي لا إله إلا هو إنه أمر الله» فولى الحارث بن نعمان يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقوله محمد حقّاً ، فأمطر علينا حجارة من السماء أو انتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله وأنزل الله تعالى : (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِع * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِع) (1).
هو إمام المحدّثين أبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن محمّد بن حمدويه بن نعيم الصبيّ الطهاني النيسابوري المعروف بابن البيّع، صاحب التصانيف ما يبلغ نحو ألف جزء مثل تاريخ نيسابور ومعرفة علوم الحديث وكتاب العلل والمستدرك على الصحيحين و.... ولد صبيحة الثالث من ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة بنيسابور، طلب العلم من الصغر باعتناء والده وخاله ، واستملى على أبي حاتم بن حبان سنة أربع وثلاثين، وهو ابن تسع، ورحل من نيسابور إلى العراق سنة إحدى وأربعين، وحج ثم سافر في بلاد خراسان وما وراء النهر. وتقلّد القضاء بنيسابور سنة تسع وخمسين وثلاثمائة في أيام الدولة السامانية ... وقلّد بعد ذلك قضاء جرجان. وقد رمي هذا الإمام بالتشيع قيل : إنه يذهب إلى تقديم
ص: 397
علي (علیه السّلام). روي أن الحاكم دخل الحمّام وخرج فقال: «آه» فقبض روحه وذلك في صفر سنة خمس وأربعمائة (1).
حباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري ذو الرأي الذي قال يوم سقيف سقيفة بني ساعدة : أنا جذيلها المحكك توفّي في خلافة عمر بن الخطّاب، وشهد بدراً وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ؛ كذا قال الواقدي. وكلّهم ذكره في البدريين إلا ابن إسحاق في رواية سلمة عنه، وهو الذي قال: منا أمير ومنكم أمير. وروى عنه أبو الطفيل عامر بن واثلة (2).
حبّة بن جوين ( جوير) العرني، وكنية حبّة أبو قدامة ، وقيل : ابن جويه العرني، من أصحاب علي (علیه السّلام) و هو من أصحاب الحسن (علیه السّلام) ، وعدّه البرقي في أصحاب أمير المؤمنين (علیه السّلام) من اليمن ونسب ابن داود إلى الكشي أنه ممدوح من القسم الأوّل، روى عن أمير المؤمنين (علیه السّلام)، وروى عنه عبادة الأسدي وأبو المقدام و... (3).
أبو يحيى الأسدي الكوفي، تابعيّ، وكان فقيه الكوفة، أعور ، مات في سنة 119ه من أصحاب علي (علیه السّلام)، روى عن أمير المؤمنين (علیه السّلام)، وروى عنه علي بن الحكم عن رجل، وروى عن على بن الحسين (علیهما السّلام)، وروى عنه عامر بن السمط (4).
ص: 398
قال النجاشي: حبيب بن أوس أبو تمام الطائي، كان إمامياً، وله شعر في أهل البيت كثير ، وذكر أحمد بن الحسين (رحمه الله) أنه رأى نسخة عتيقة ، قال : لعلّها كتبت في أيامه أو قريباً منه، وفيها قصيدة يذكر فيها الأئمّة حتى انتهى إلى أبي جعفر الثاني (علیه السّلام) لأنه توفّي في أيامه. وقال الجاحظ في كتاب الحيوان: له كتاب الحماسة، وكتاب مختار شعر القبائل. وقال صاحب كتاب طبقات الأدباء : أبو تمام حبيب بن أوس الطائي، الشاعر، شامي الأصل، كان يمصر في حداثته، يسقي الماء في المسجد الجامع، ثم جالس الأدباء ، فأخذ منهم وتعلم، مات سنة 231 ه (1).
وهو الذي قال علي (علیه السّلام) - في جواب من قال: إنّي مررت بوادي القرى فرأيت خالد بن عرفة بها مات فاستغفر له - : إنه لم يمت ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة ويكون صاحب لوائه حبيب بن حمار. فقام رجل فقال : يا أمير المؤمنين إنّي لك محبّ وأنا حبيب بن حمار فقال : لتحملنها وتدخل بها من هذا الباب وأشار إلى باب المقبل - فاتفق أنّ ابن زياد بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن علي (علیه السّلام) فجعل خالداً على مقدّمته، وحبيب بن حمار صاحب رايته فدخل بها المسجد من باب المقبل (2).
حبيب بن مسلمة بن مالك ، الأمير أبو عبد الرحمن ، وقيل : أبو مسلمة القرشي
ص: 399
الفهري، له صحبة ورواية يسيرة، حدّث عنه جنادة بن أبي أُمية وزياد بن جارية وشهد اليرموك أميراً. وسكن دمشق وكان مقدّم ميسرة معاوية نوبة صفين، وكان في غزوة تبوك ابن إحدى عشرة سنة، وولي أرمينية لمعاوية فمات بها سنة اثنتين وأربعين له أخبار في «تاريخ دمشق»(1) .
قد روى الثوري عن عاصم الأحول، عن أبي مجلز كان اسمه حبيب بن مري ، قيل كان نجاّراً ، وقيل : حبّالاً، وقيل: إسكافاً، وقيل: قصّاراً ، وقيل : كان يتعبد في غار هناك. وعن ابن عباس : كان حبيب النجار قد أسرع فيه الجذام وكان كثير الصدقة ،قتله قومه، ولهذا قال تعالى : «ادْخُلِ الْجَنَّةَ» ، يعني لما قتله قومه أدخله الجنّة ، فلما رأى فيها من النضرة والسرور، قال: (يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ) وهو الذي قال الله تعالى في حقّه (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَن لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُم مَّهْتَدُونَ) (2).
حبيش بن جنادة = حبشي بن جنادة:
رأى النبي (صلّی الله علیه و آله) في حجة الوداع وله صحبة عداده في أهل الكوفة. قال ابن سعد: حبشي بن جنادة بن نصر بن أسامة بن الحارث بن معيط بن عمرو بن جندل بن مرّة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. أسلم حبشي وصحب النبي (صلّی الله علیه و آله)وشهد مع علي كرّم الله وجهه مشاهده وهو راو لرواية «اللهمّ من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه» إلى آخر الحديث (3).
ص: 400
أبو محمّد الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف وهو ثقيف .وهو عامل عبد الملك بن مروان على العراق وخراسان ، فلمّا توفّي عبد الملك وتولّى الوليد أبقاه على ما بيده. وكان للحجاج في القتل وسفك الدماء والعقوبات غرائب لم يسمع بمثلها. وقال الطبري : توفّي الحجّاج يوم الجمعة لتسع بقين من شهر رمضان سنة خمس وتسعين ، وكانت وفاته بمدينة واسط ، ودفن بها(1) .
حجر بن عدي بن ربيعة بن معاوية بن الحارث بن معاوية الكندي.وحجر الخير له صحبة ووفادة.وسمع من علي(علیه السلام) وعمار، روى عنه مولاه أبو ليلى وأبو البختري وغيرهما، وكان شريفاً أميراً مطاعاً، أمراً بالمعروف، مقدم على الإنكار، من شيعة علي (علیه السلام) ، شهد صفّين أميراً، وكان ذا صلاح وتعبد، وقُتل بأمر معاوية في قرية عذراء من قرى غوطة دمشق، وكان قتله في سنة إحدى وخمسين، ومشهده ظاهر بعذراء يُزار، وخلّف حجر ولدين :عبيد اللّه وعبد الرحمن قتلهما مصعب بن الزبير الأمير، وكانا يتشيعان(2).
حذيفة بن أسيد ويقال:ابن أُمية بن أسيد أبو سريحة الغفاري. شهد الحديبية، وقيل : إنه بايع تحت الشجرة. وروى عن النبي(صلّی الله علیه و آله)وعلي(علیه السلام)وأبي ذر وأبي
ص: 401
بكر. قال عثمان بن أبي زرعة عن أبي سلمان المؤذن: توفي أبو سريحة فصلى علیه زيد بن أرقم ، وقال ابن حبّان : مات سنة 42ه(1).
هو من نجباء أصحاب محمد(صلّی الله علیه و آله)وهو صاحب السرّ. واسم اليمان: حسل. ويقال: حسیل بن جابر العبسى اليماني أبو عبد اللّه ، حليف الأنصار، من أعيان المهاجرين، وقال الواقدي: أخى رسول اللّه (صلّی الله علیه و آله)بين حذيفة وعمار، ولي حذيفة إمرة المدائن لعمر، فبقى عليها إلى بعد مقتل عثمان، وتوفى بعد عثمان بأربعين ليلة بالمدائن(2).
حرثان بن محرث بن الحارث بن ربيعة بن وهب ... ذو الإصبع العدواني. وإنما سمّي بذي الإصبع أنّ حيّة نهشت أصبعه فشلت فسمّي بذلك، وهو أحد المعمّرين.وقيل : إنّه عاش مائة وسبعين سنة. وقال أبو حاتم : إنه عاش ثلاثمائة سنة ، وهو أحد حكام العرب في الجاهلية(3).
حسّان بن ثابت بن المنذر أبو الوليد، ويقال: أبو الحسام ،الأنصاري الخزرجي النجاري المدني. شاعر رسول اللّه (صلّی الله علیه و آله)و صاحبه. قال ابن سعد:عاش ستّين في الجاهلية وستين في الإسلام. ولم يشهد مع النبي(صلّی الله علیه و آله)مشهداً - كان يجبن - وأُمه الفريعة بنت خنيس قال ابن إسحاق : توفي حسّان سنة أربع وخمسين(4).
ص: 402
صاحب شواهد التنزيل وغيره من الكتب وهو القاضي المحدّث أبو القاسم عبيد اللّه بن عبد اللّه بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن حسكان الفرشي العامري النيسابوري الحنفي الحاكم، ويُعرف بابن الحذاء، شيخ متقن ذو عناية تامة بعلم الحديث، وهو من ذرّيّة الأمير عبد الله بن عامر بن كريز الذي افتتح خراسان زمن عثمان وكان معمّراً عالى الإسناد صنف وجمع وحدّث عن جده وعن أبى الحسن العلوي ... وقد أكثر عنه المحدّث عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي، وذكره في تاريخه لكن لم أجده ذكر له ،وفاة وقد توفّي بعد السبعيم وأربعمائة ، ووجدتُ له مجلساً يدلّ على تشيعه وخُبرته بالحديث وهو تصحيح خبر رد الشمس لعلي(علیه السلام) (1).
هو الحسن بن أبي الحسن يسار، أبو سعيد ،مولى زيد بن ثابت الأنصاري. ويقال : مولى أبي اليسر كعب بن عمرو السلمي ، وكانت أمه مولاة لأُمّ سلمة زوج النبي(صلی اللّه علیه واله وسلّم) ويسار أبوه من سبي«ميسان» سكن المدينة وأعتق وتزوج بها في خلافة عمر فولدها الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عمر.ثم نشأ الحسن بوادي القرى وحضر الجمعة مع عثمان، وشهد يوم الدار وهو صاحب أربع عشرة سنة. وولي القضاء في زمن عمر بن عبدالعزيز قال ابن علية : مات الحسن في رجبسنة عشر ومائة (2).
ص: 403
روى عن رجل عن أمير المؤمنين، وروى عنه الأزرق في كتاب كامل الزيارات في باب بكاء السماء والأرض على قتل الحسين وزكريا بن يحيى(علیه السلام)مات سنة 145 ه(1).
روى عن أبيه وروى عنه ابن قولويه في كامل الزيارات. وروى عنه ابن الوليد، ذكره النجاشي والشيخ، كل ذلك في ترجمة أحمد بن عبدوس. وجاء في مقدمة كتاب «العثمانية »: ومن البصريين الذاهبين إلى تفضيل على (علیه السلام)أبو محمد الحسن ابن متويه صاحب التذكرة، نصّ في كتاب الكفاية على تفضيله(علیه السلام)على أبي بكر(2).
الحسن بن محبوب السراد ،ويقال له :الزراد ،يُكنى أبا على ،مولى بجيلة ،كوفي ثقة ، روى عن أبي الحسن الرضا(علیه السلام) ، وروى عن ستين رجلاً من أصحاب أبي عبد اللّه(علیه السلام) . وكان جليل القدر، يُعَدُّ فى الأركان الأربعة في عصره، وله كتب كثيرة ، منها : كتاب المشيخة وكتاب الحدود و... وزاد ابن النديم:كتاب التفسير. ذكره البرقي في أصحاب الكاظم (علیه السلام)مرتين؛ فمرة وصفه بالسراد، وأُخرى بالزراد، وعده الكشي من الفقهاء الذين أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عنهم، ومات الله في آخر سنة أربع وعشرين ومائتين وكان ة أربع وعشرين ومائتين، وكان من أبناء خمس أبناء خمس وسبعين سنة(3).
ص: 404
أبو عبد اللّه الحسين بن سفيان البزوفري ، وقع في طريق الشيخ إلى الحسن بن محمّد بن سماعة. روى عنه محمّد بن أحمد بن داود له رواية في باب حد حرم الحسين(علیه السلام)(1).
أبو عبد اللّه الحسين بن علي البصري، الفقيه المتكلم، معتزلي داعية، وكان من أئمّة الحنفية. قال الخطيب : له تصانيف كثيرة فى الاعتزال. وأُستاذه أبو القاسم بن سهلويه. انتهت إليه رئاسة أصحابه في عصره، وله كتاب «نقض كلام ابن الريوندي» وكتاب «الكلام» وكتاب «الإيمان». قال أبو إسحاق الشيرازي: مات في ذي الحجّة سنه تسع وستين وثلاثمائة، وصلى عليه شيخ النحو أبو علي الفارسي(2) .
وهو مشترك بين جماعة كثيرة قريباً من خمسة وثلاثين رجل، ولكن المراد هو أبو علي الحسين بن محمّد بن عامر الأشعري من مشايخ الكليني والراوي عن معلى بن محمد، وقع في إسناد كثير من الروايات تبلغ ثمانمائة وتسعة وخمسين مورداً. وطريق الشيخ إليه صحيح في المشيخة ولكن لم يذكره في الفهرست(3).
ص: 405
هو من مشايخ ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، ولكن لم أجد له ترجمة كتب التراجم .
حفصة بنت أبي حفص عمر بن الخطاب تزوّجها النبي (صلی اللّه علیه واله وسلّم)بعد انقضاء عدتها من خنيس بن حذافة السهمي ، أحد المهاجرين في سنة ثلاث من الهجرة وروي أن مولدها كان قبل المبعث بخمس سنين، فعلى هذا يكون دخول النبي(صلی اللّه علیه واله وسلّم)بها ولها نحو من عشرين سنة. وكانت لما تأيمت عرضها أبوها على أبي بكر فلم يجبه بشيء، وعرضها على عثمان،فقال:بدا لي ألا أتزوّج اليوم فوجد عليهما وانكسر وشكا حاله إلى النبي (صلی اللّه علیه واله وسلّم)فتزوجها النبي (صلی اللّه علیه واله وسلّم)وتوفيت سنة إحدى وأربعين عام الجماعة(1).
الحكم بن أبي العاص بن أمية الأموي، ابن عم أبي سفيان، يكنى أبا مروان، من مسلمة الفتح. قيل: نفاه النبي(صلی اللّه علیه واله وسلّم)إلى الطائف، لكونه حكاه في مشيته وفي بعض حركاته، فنزل بوادي وج. قال الشعبي:سمعت الزبير يقول: وربّ هذه
الكعبة إن الحكم بن أبي العاص وولده ملعونون على لسان محمد (صلی اللّه علیه واله وسلّم). وقد كان له عشرون ابناً وثمانية بنات . وقيل : يفشي سرّ رسول اللّه(صلی اللّه علیه واله وسلّم)فأبعده لذلك ، مات سنة إحدى وثلاثين(2).
ص: 406
حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، أبو خالد القرشي الأسدي . أسلم يوم الفتح وغزا حنيناً والطائف وكان من أشراف قريش، وكانت خديجة عمته، وكان الزبير ابن عمه، وقدم دمشق تاجراً. وقال أحمد البرقي : كان من المؤلّفة قلوبهم ، أعطاه النبي(صلی اللّه علیه واله وسلّم)من غنائم حنين مائة بعير، فيما ذكر ابن إسحاق. وقال البخاري في تاريخه : عاش ستين سنة في الجاهلية، وستين في الإسلام(1).
حماد بن زيد بن درهم، العلّامة، الحافظ الثبت، أبو إسماعيل الأزدي، أحد الأعلام. أصله من سجستان، صله من سجستان، سبي جدّه در سبي جده درهم منها، سمع عنه أنس بن سيرين و... روى عنه إبراهيم بن أبي عبلة و.... قال سليمان بن الحرب : لم يكن لحمّاد بن زيد كتاب إلا كتاب يحيى بن سعيد الأنصاري كان مولده في سنة ثمان وتسعين، ومات في سنة تسع وسبعين ومائة (2).
حمزة بن عبد المطلّب بن هاشم بن عبد مناف، أسد اللّه ، أبو عمارة ، وقيل : أبو يعلى رضيع رسول اللّه(صلی اللّه علیه واله وسلّم) ، قُتل شهيداً بأحد ، أسلم قديماً في السنة الثانية من المبعث، ولا يبقى له ولد ولا عقب وقال ابن سعد في الطبقات : كان رجلاً ليس بالطويل ولا بالقصير ، قتله وحشي بن حرب وشق بطنه، وأخذ كيده فجاء بها إلى هند بنت عتبة فمضغتها ، ثم جاءت فمثلت بحمزة و...(3).
ص: 407
أبو عبد اللّه محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد اللّه بن فتوح بن حميد يصل(1)الأزدي، الحميدي الأندلسي، الميورقي، الفقيه الظاهري، صاحب ابن حزم وتلميذه وميورقة: جزيرة فيها بلدة حصينة تجاه شرق الأندلس.
وقال المترجم نفسه:مولدي قبل سنة عشرين وأربعمائة. لازم أبا محمد على أحمد الفقيه ، وأخذ عن أبي عمر بن عبد البر، ثم ارتحل فأخذ بمصر عن القاضي أبي عبد الله القضاعي و... وسمع بدمشق من أبي القاسم الحنائي ورحل إلى مكة وبغداد واستوطن بغداد، وتوفّي في سابع عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة عن بضع وستين سنة أو أكثر، فدفن عند بشر الحافي بمقبرة باب أبرز وله مصنفات منها «الجمع بين الصحيحين»(2).
أبو الطلحات القيني حنظلة بن شرفي الكناني ، أحد بني القين، من قضاعة شاعر فارس ،معمر، عاش في الجاهليّة، وكان فيها من عشراء الزبير بن عبد المطلب، وأدرك الإسلام وأسلم، ولم ير النبي(صلی اللّه علیه واله وسلّم) . وقيل : اسمه ونسبه ربيعة بن عوف بن غنم بن كنانة بن القين بن .جسر. ووقع في تذكرة ابن حمدون أنه عاش مائتي سنة ، وهو القائل:
وإنّي من القوم الذين هم*** إذا مات منهم سيد قام صاحبه
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم*** دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه
ويقال : هو أمدح بيت قيل في الجاهلية(3).
ص: 408
لم يذكروه، وله رواية شريفة في الفضائل، ولعله متحد مع أبي حيان التميمي الذي روى عن أبيه عن أمير المؤمنين(علیه السلام)، وروى عنه الأعمش كما في«التوحيد» باب القضاء(1).
خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو سعيد القرشي الأموي، قديم الإسلام، أسلم ثالثاً أو رابعاً أو خامساً، وكان يلزم النبي (صلی اللّه علیه واله وسلّم)ويصلّي في نواحي مكة خالياً، فبلغ أباه فضيق عليه بالضرب والحبس
والجوع ، ثم انفلت منه مهاجراً إلى الحبشة في الهجرة الثانية، وشهد مع النبی (صلی اللّه علیه واله وسلّم)المشاهد وبعثه رسول اللّه(صلی اللّه علیه واله وسلّم) عاملاً على صدقات ،اليمن، فتوفّي رسول اللّه(صلی اللّه علیه واله وسلّم) وهو على ولايته.
ولمّا جهز أبو بكر الجيوش لفتح الشام أمره عليهم ولم يزل به عمر حتى عزله واعتذر إليه ثمّ أوصى به الأمراء، وأبلى في حروب الشام بلاءاً حسناً، وقتل خالد يمرج العقر ، وقيل : بأجنادين ، وقيل : باليرموك. وكان خالد وسيماً جسيماً. وقال ابن سعد:وليس لخالد بن سعيد اليوم عقب، وقتله سنة ثلاث عشرة للهجرة (2).
كان في الفترة بين نبينا الكريم(صلی اللّه علیه واله وسلّم)وبين نبي اللّه عيسى بن مريم(عليه السلام)خالد بن سنان العبسي،قيل: كان نبياً وكان من معجزاته أن ناراً ظهرت بأرض العرب
ص: 409
فافتتنوا بها، وكادوا يتمجسون، فأخذ خالد عصاه ودخلها حتى توسّطها ففرّقها وهو يقول : بدها بددا كل هاد مؤد إلى الله الأعلى لأدخلتها وهي تلظى ولأخرجن منها وثيابي تندى، ثمّ إنّها طفئت وهو في وسطها. فلما حضرته الوفاة قال لأهله : إذا دفنت فإنّه ستجي عانة من حمير يقدمها عير أقمر فيضرب قبري بحافره ، فإذا رأيتم ذلك فانبشوا عني فإني سأخبركم بجميع ما هو كائن و... وقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه واله وسلّم): «لك نبي ضيّعه قومه». وأنت ابنته النبي(صلی اللّه علیه واله وسلّم) فآمنت به. وكان خالد بن سنان بعث مُبشِّراً بمحمد(صلی اللّه علیه واله وسلّم)(1).
خالد بن عرفطة العذري له صحبة ورواية، توفّي في حدود الستين من الهجرة، وروى له الترمذي والنسائي . لمّا سلّم الأمر الحسن بن علي(علیه السلام)إلى معاوية خرج عليه عبد اللّه بن أبي الحوساء ، وقيل : ابن أبي الحمساء، فبعث إليه الحسن خالد بن عرفطة في جمع من أهل الكوفة فقتل ابن أبي الحوساء جمادى سنة إحدى وأربعين فيما ذكره أبو عبيدة والمدائني(2) .
خالد بن معمر بن سليمان السدوسي قائد، من الرؤساء في صدر الإسلام. أدرك عصر النبوة، ثم كان رئيس بني بكر في عهد عمر، وكان مع علي(علیه السلام) يوم الحمل وصفين، من أمراء جيشه .وولاه معاوية إمرة أرمينية فوصل إلى نصيب فيقال: إنه احتيل له شرية فمات فقبره بها. جاء في مستدركات علم رجال
ص: 410
الحديث : هو في يوم صفين نادى: من يبايعني على الموت ؟ فأجابه تسعة آلاف، فقاتلوا حتى بلغوا فسطاط معاوية، فهرب معاوية فنهبوا فسطاطه. وأنفذ معاوية إليه، فقال:يا خالدلک عندی إمرة خراسان متى ظفرت فاقصر ويحك عن فعالك هذا، فنكل عنها فتفل أصحابه في وجهه وحاربوا إلى الليل(1).
خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي أبو سليمان، وأمّه لبابة الصغرى أخت ميمونة زوج النبي(صلی اللّه علیه و آله وسلّم)، كان أحد أشراف قريش فى الجاهلية مات سنة إحدى وعشرين ، وقيل : توفّى بحمص ودفن هناك وأوصى إلى عمر بن الخطاب. وقال ابن عبد البر : واختلف في وقت إسلامه وهجرته ، وقيل : كان إسلامه بين الحديبية وخيبر. وقال محمد بن سعد : كان يشبه عمر في خلقته وصفته، وهو من أوباش ،الصحابة، وله أفعال شنيعة، ومع ذلك فيه انحراف عن أهل بيت النبي(صلی اللّه علیه و آله وسلّم) . وقال ابن عبدالبر: بعثه رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله وسلّم)إلى الغميصاء ماء من مياه جذيمة من بني عامر فقتل منهم ناساً لم يكن قتله لهم صواباً، فوادهم رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله وسلّم)، وقال : «اللّهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد. وأكل من لحم رأس مالك بن نويرة ليرهب بذلك الأعراب، وزنى بامرأته(2).
خبّاب بن الأرت بن جندلة التميمي من المهاجرين الأولين، بدري، وشهد
ص: 411
المشاهد، وتوفي سنة سبع وثلاثين للهجرة، واختلف في نسبه، فقيل: تميمي وهو الصحيح ، وقيل : خزاعي. وكنيته قيل : أبو عبد اللّه ، وقيل : أبو يحيى، وقيل: أبو محمد. ونزل الكوفة ومات بها في التاريخ المتقدّم، وقيل: سنة تسع عشرة بالمدينة، وصلى عليه عمر(1).
وقال السيّد الخوئي :رواية الصدوق وغيرها مما ورد في مدح خياب كلّها ضعيفة فلا اعتماد عليها، فما ذكره المجلسي من جهالة خباب هو الصحيح (2).
زوج النبي(صلی اللّه علیه و آله وسلّم)،وهي أول امرأة تزوجها رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله وسلّم) ، وأول امرأة أسلمت وهي وهي إحدى الأربع اللاني خير نساء الجنة وأفضلهنّ، ووضوح جلالتها وعظم شأنها وبذل أموالها في سبيل الإسلام وخدمتها للنبي الأكرم(صلی اللّه علیه و آله وسلّم)أغنى عن الإطالة في المقال . وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم(3).
خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة الفقيه، أبو عمارة الأنصاري الخطمي المدني ، ذو الشهادتين. قيل: إنه بدري والصواب: إنّه شهد أحداً وما بعدها، وكان من كبار جيش على(علیه السلام)فاستشهد معه يوم صفين، قتل سنة سبع وثلاثين وكان حامل راية بني خطمة، وشهد مؤتة، وكان خزيمة يُدعى :
ذا الشهادتين أجاز رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله وسلّم) شهادته بشهادة رجلين(4).
ص: 412
درست بن أبي منصور محمد الواسطي، روى عن أبي عبد اللّه وأبى الحسن(علیه السلام)فاستشهد معه يوم صفين، قتل سنة سبع وثلاثين وكان حامل راية بني خطمة، وشهد مؤتة، وكان خزيمة يُدعى : - ومعنى درست أي صحيح - له كتاب يرويه جماعة، منهم سعد بن محمد الطاطري ... وقال الشيخ الطوسي:درست بن أبي منصور الواسطي ،واقفي. وقال السيد الخوئي:الظاهر وثاقة الرجل لرواية علي بن الحسن الطاطري عنه في كتابه(1).
كان من المعمرين وعاش أربعمائة سنة وستّاً وخمسين سنة، فلما حضره الموت قال :
ألقى علي الدهر رجلاً ويداً ***والدهر ما أصلح يوماً أفسدا ..(2)
منصور الدوانيقي أبو جعفر هو أحد أركان جهنّم، ولد في ذي الحجة سنة 95ه ، عام سقوط الحجّاج في الهاوية، وهو الثاني من خلفاء بني العباس، وبويع له بالخلافة في ذي الحجّة سنة 136ه ومات فى ذي الحجة سنة 158 هجرية بمكة، وقد بنى بلدة سامراء وبغداد، واسمه عبيد اللّه بن محمّد بن على بن عبد اللّه ابن العباس. وهو الذي أقدم على قتل الإمام الصادق(علیه السلام)بإرسال الربيع حاجبه وقال له: يا ربيع، إذا أنا كلمته ثمّ ضربت بإحدى يدي على الأخرى فاضرب
ص: 413
عنقه ... إلى آخر القصة ، ثم قتله(علیه السلام) بالسّم(1).
شیرویه بن شهردار بن شيرويه بن فناخسر بن خسركان، المحدث العالم، الحافظ المؤرّخ ، أبو شجاع الديلمي الهمذاني، مؤلف كتاب «الفردوس» و «تاريخ همذان»، ولد سنة خمس وأربعين وأربعمائة ، وطلب هذا الشأن ورحل فيه ، سمع محمّد بن عثمان القومساني و... حدّث عنه ولده شهردار و ... مات في تاسع عشر رجب سنة تسع وخمسمائة، وله أربع وستون سنة(2).
ذو الندية كَسُميّة،لقب حرقوس بن زهير كبير الخوارج، ويقال له أيضاً: ذو الخويصرة التميمي، قتل يوم النهروان،روى أهل السير كافّة أن علياً (علیه السلام)لمّا طحن القوم طلب ذا الثدية طلباً شديداً وقلب القتلى ظهراً لبطن فلم يقدر عليه فساءه ذلك وجعل يقول: «واللّه ما كذبت ولا كذبت ، اطلبوا الرجل وإنه لفي القوم »فلم يزل يتطلبه حتى وجده وهو رجل مخدج اليد كأنها ثدي في صدره، وروي عن حبّة العُرَني قال : كان رجلاً أسود منتن الريح له يد كندي المرأة؛ إذا مُدت كانت بطول اليد الأخرى، وإذا تركت اجتمعت وتقلصت كندي المرأة عليها شعرات مثل شوارب الهرّة، فلما وجدوه قطعوا يده ونصبوها على الرمح (3).
ص: 414
ذكر اللّه تعالى ذا القرنين ( في سورة الكهف :83 - 98) وأثنى عليه بالعدل، وأنه بلغ المشارق والمغارب، وملك الأقاليم وقهر أهلها وسار فيهم بالمعدلة التامة والسلطان المؤيد المظفّر المنصور القاهر المقسط . والصحيح أنه كان ملكاً من الملوك العادلين ، وقيل : كان نبياً ، وقيل : رسولاً. وأغرب من قال ملكاً من الملائكة وقد حكى هذا عن عمر بن الخطاب، ومروي عن ابن عباس قال : كان ذو القرنين ملكاً صالحاً رضى اللّه عمله وأثنى عليه في كتابه وكان منصوراً، وكان الخضر .وزيره . وذكر أنّ الخضر(علیه السلام)كان على مقدمة جيشه وكان عنده بمنزلة المشاور وذكر الأزرقي وغيره أنّ ذا القرنين أسلم على يدي إبراهيم الخليل وطاف معه بالكعبة المكرّمة هو وإسماعيل (علیه السلام)(1).
اسمه السمفيع، ويقال: سمفيع بن ناكور :وقيل: اسمه أيفح ،كنيته أبو شرحبيل ، أسلم في حياة النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، وقيل : له صحبة وكان ذو الكلاع سيد قومه، شهد يوم اليرموك، وفتح دمشق، وكان على ميمنة معاوية يوم صفين، روى عن عمر وغير واحد، وروي أنّ ذا الكلاع لما قدم مكة كان يتلثم خشية أن يفتتن أحد بحسنه ،وكان عظيم الخطر عند معاوية، وربما كان يعارض معاوية فيطيعه معاوية، ووفاته سنة سبع وثلاثين (2).
ص: 415
وهو بعينه ذو الشمالين ابن عبد عمرو حليف بنى زهرة، واسمه عمير أو عمرو، وقد استشهد في بدر،نصّ بذلك محمد بن مسلم الزهري كما يحكى في الاستيعاب والإصابة، وقاتله أسامة الجشمی(1).
هو محمّد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علیّ، الملقّب بفخر الدين والمكنّى بأبي عبد اللّه الرازي المولد، الطبرستاني، القرشي التيمي البكري .ولد في شهر رمضان من سنة 544ه على أصحّ القولين، نشأ في بيت علم وكان والده عمر أحد كبار علماء الشافعية .وكان هو حريص على تحصيل العلم. وله مصنفات كثيرة في علوم مختلفة منها: «المحصول»، و«التفسير الكبير» و«إبطال القياس». وسكن الدار التي أهداها له«السلطان خوارزم شاه»وقد اشتد عداء خصومه الكرامية له حتى ذكر بعض المؤرّخين أنهم سموه أو دسوا له من سمه ،وقد اتفقت مصادر ترجمته على أن وفاته كانت سنة ست وستمائة(2).
الربيع بن أنس بن زياد البكري الخراساني ، المروزي، البصري. سمع أنس ابن مالك وأبا العالية الرياحي والحسن البصري ، ونزل مرو هارباً من الحجاج ثمّ تحوّل فسكن ببعض القرى، وكان عالم مرو في زمانه . وقال ابن داود:سجن بمرو
ص: 416
ثلاثين سنة. قلت: سجنه أبو مسلم تسعة أعوام، وتحيل ابن المبارك حتى دخل إليه فسمع منه حديثه في السنن الأربعة، يقال: توفي سنة تسع وثلاثين ومائة(1).
الربيع بن ضبيع بن وهب بن بغيض بن سعد بن عدي بن فزارة،الفزاري الجاهلي. ذكر ابن هشام في التيجان أنه كبر وخرف وأدرك الإسلام، ويقال: إنّه عاش ثلاثمائة سنة؛ منها ستون في الإسلام، ويقال: لم يسلم. وذكر أبو حاتم السجستاني أنّه دخل على عبد الملك بن مروان، فقال له: يا ربيع، أخبرني عمّا أدركت من القهر ورأيت من الخطوب ؟ فقال : أنا الذي أقول:
إذا عاش الفتى مئتين عاماً ***فقد ذهب اللذاذة والفتاء
وقال :عشتُ مائتي سنة في فترة عيسى وستين في الجاهلية وستين في الإسلام .ونقل الصدوق عنه أنه قال : عشت مائتي سنة في الفترة بين عيسى و محمد(2).
ربيع بن ربيعة بن عوف بن قتال بن أنف الناقة أبو يزيد المعروف بالمخبل السعدي الشاعر المشهور ، وزعم زكريا بن الهارون الهجري في نوادره أن له صحبة، وقال ابن دريد : اسم المخبل ربيعة بن كعب، وقيل: ربيعة بن مالك ،وقيل : اسمه ربيعة بن عوف. وقال المرزباني: كان مخضرماً نزل البصرة. قال
ص: 417
أبو الفرج الإصبهاني : كان المخبل مخضرماً من فحول الشعراء وعمر عمراً طويلاً ومات في خلافة عمر أو عثمان(1).
ربيعة بن ناحد الأزدي، ويقال أيضاً: الأسدي الكوفي ، روى عن علي(علیه السلام)وابن مسعود وعبادة بن صامت ،وعنه أبو صادق الأزدي، يقال: إنه أخوه، ذكره ابن حبان في الثقات، وله روايات في فضل علي(علیه السلام) . وقال الخوئي : ربيعة بن ناجد = ربيعة بن ناجذ الأزدي، من أصحاب علي (علیه السلام)من اليمن، ذكره البرقي(2).
هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، واسم أبي عبد الرحمن فروخ مولى آل المنكدر التميميين، ويكنى أبا عثمان، وتوفي سنة ست وثلاثين ومائة بالأنبار في مدينة أبي العباس وكان إقدامه للقضاء، وكان يكثر الكلام ويقول: الساكت بين النائم والأخرس وتكلم يوماً وعنده أعرابي، فقال: ما العي؟ فقال له الأعرابي : الذي أنت فيه اليوم(3).
عن قنواء بنت رشيد الهجري قالت: سمعت أبي يقول: أخبرني أمير المؤمنين(علیه السلام) فقال : يا رشيد، كيف صبرك إذا أرسل إليك دعي بني أُميّة فقطع يديك ورجليك ولسانك ؟ »قلت: يا أمير المؤمنين، آخر ذلك إلى الجنّة ؟ فقال :
ص: 418
«يا رشيد، أنت معي في الدنيا والآخرة» قالت: فوالله ما ذهبت الأيام حتى أرسل إليه عبيد الله بن زياد الدعي، فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين (علیه السّلام) فأبى أن يبرأ منه، فقال له الدعي: فبأي ميتة قال لك تموت ؟ فقال له: أخبرني خليلي أنك تدعوني إلى البراءة منه فلا أبرأ فتقدمني فتقطع يدي ورجلي ولساني، فقال: والله حينئذ لأكذبن قوله فيك. قال : فقدموه فقطعوا يديه ورجليه وتركوا لسانه، فحملت أطراف يديه ورجليه فقلت يا أبت هل تجد ألماً لما أصابك ؟ فقال : لا يا بنية إلا كالزحام بين الناس فلما احتملناه وأخرجناه من القصر اجتمع الناس حوله ، فقال : ائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم ما يكون إلى يوم الساعة. فأرسل إلى الحجام حتّى يقطع لسانه، فمات رحمة الله عليه في ليلته (1).
هو علي بن عيسى بن علي بن عبد الله أبو الحسن الرماني الوراق الأخشيدي، وكان تلميذ ابن الأخشيد المتكلم، أو كان على مذهبه في الاعتزال، وله في ذلك تصانيف مشهورة، وكان علامة في العربية ، وهو في طبقة أبي علي الفارسي وأبي سعيد السيرافي ، مولده سنة سبع وستين ومائتين، ووفاته سنة أربع وثمانين وثلاثمائة . وكان يمزج نحوه بالمنطق حتى قال الفارسي : إن كان النحو ما يقوله الرماني فليس معنا منه شيء ، وإن كان ما نقوله نحن فليس مع الرماني منه شيء. ومن تصانيفه: تفسير القرآن ،كتاب الحدود الأكبر، كتاب الحدود الأصغر، كتاب معاني الحروف، كتاب شرح الموجز لابن السرّاج، كتاب الإيجاز في النحو ، كتاب الاشتقاق الأكبر و...(2).
ص: 419
الرؤياني مشترك بين: الرؤياني الفقيه، واسمه عبد الواحد بن إسماعيل بن أبي روح المغربي المتوفى سنة 502ه.
و بين الرؤياني المحدّث، واسمه محمد بن هارون أبو بكر الحافظ ، له مسند مشهور وتصانيف في الفقه، ونسبته إلى رويان بنواحي طبرستان. وتوفي في سنة سبع وثلاثمائة والمراد ظاهراً هو الثاني (1).
رياح بن الحارث النخعي أبو المثنى الكوفي، من رجال أبي داود والنسائي وابن ماجة، حدّث عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسن بن علي (علیهما السّلام) و... ومن أحاديثه قال: جاء رهط إلى علي (علیه السّلام) بالرحبة، فقالوا: السلام عليك يا مولانا، قال (علیه السّلام) : «كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب ؟!» قالوا سمعنا رسول الله يوم غدير خم يقول: «من كنت مولاه فإنّ هذا مولاه». قال رياح: فلمّا مضوا تبعتهم فسألت: من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيّوب الأنصاري (2).
زبدة بنت العجلان من بني ساعدة التي روت عن أمّ عمارة بنت عبادة بن فضلة حديث ولادة علي (علیه السّلام) في الكعبة لعلي بن الحسين (علیهما السّلام) بنحو الذي قال (علیه السّلام) : «والله ما سمعت بشيء قط إلا وهذا أحسن منه». وفي العمدة لابن البطريق : اسمها زيدة
ص: 420
بنت العجلان وفي الدر النظيم زندة بنت قريبة بن العجلان، ولكن في كشف الغمة اسمها زبدة (1).
الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي القرشى ، وكنيته أبو بكر. كان من أعيان العلماء وتولى القضاء بمكة، وصنّف الكتب النافعة، منها كتاب أنساب قريش، وعليه اعتماد الناس في معرفة نسب القرشيين. وله غيره من المصنفات دلّت على فضله واطلاعه ، وتوفّى بمكّة - وهو قاض عليها - ليلة الأحد لسبع ، وقيل : لتسع ليال بقين من ذي القعدة سنة ست وخمسين ومائتين، وعمره أربع وثمانون سنة (2).
الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن قصى ... بن غالب هو ابن عمّة رسول الله (صلّی الله علیه و آله) صفيّة بنت عبد المطّلب، وأحد الستة أهل الشورى ،وفي رواية عن زرارة عن أحدهما صلوات الله عليهما قال: قلت: الزبير شهد بدراً ؟ قال : «نعم ولكنّه فرّ يوم الجمل ؛ فإن كان قاتل المؤمنين فقد هلك بقتاله إياهم، وإن قاتل كفّاراً فقد باء ببغض من الله حين ولاهم دبره». قال أمير المؤمنين (علیه السّلام) لطلحة والزبير وقد استأذناه في الخروج إلى العمرة: «والله ما تريدان العمرة وإنّما تريدان البصرة». وفي رواية: «إنما تريدان الفتنة» وقال : «لقد دخلا بوجه فاجر وخرجا بوجه غادر، ولا ألقاهما إلا في كتيبة» تزوّج أسماء بنت أبي بكر، وله منها عبد الله وعروة، ومنذر، ثم طلّقها.
ص: 421
وعن جون بن قتادة قال : كنت مع الزبير يوم الجمل، وكانوا يسلّمون عليه بالإمرة، إلى أن قال: فطعنه ابن جرموز ثانياً ، فأثبته فوقع، ودفن بوادي السباع (1).
زكريا بن يحيى مشترك بين جماعة: ولكن المراد به هنا زكريّا بن يحيى بن عمر بن حصن بن حميد بن منهب الطائي، أبو السكين الكوفى نزيل بغداد. وقال ابن حِبّان: مات سنة إحدى وخمسين ومائتين ببغداد ، روى عن إسماعيل بن داود، وجعفر بن محمّد المكّى وأبى أسامة و ...(2).
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن الحارث بن زهرة القرشي الزهري، ولد سنة خمسين وطلب العلم في أواخر عصر الصحابة وله نيف وعشرون سنة. قال الحافظ : وكان الزهري قصيراً، قليل اللحم، له شعرات طوال ، خفيف العارضين وقال الواقدي: عاش اثنتين وسبعين سنة، وقال غيره : أربعاً وسبعين، وتوفي سنة أربع وعشرين ومائة.
قال محمّد بن إبراهيم الثقفي عن محمد بن شيبة قال: شهدت مسجد المدينة فإذا الزهري وعروة بن الزبير قد جلسا فذكرا عليّاً (علیه السّلام) فنالا منه ، فبلغ ذلك على بن الحسين (علیهما السّلام) فجاء حتّى وقف عليهما ، فقال : أما أنت يا عروة فإن أبي حاكم أباك فحكم الله لأبي على أبيك، وأما أنت يا زهري فلو كنت أنا وأنت بمكة لأريتك كن أبيك (3).
ص: 422
زهیر بن ابی سلمى ربيعة بن رباح المزني من مضر، حكيم الشعراء في الجاهلية، وفى أئمة الأدب من يفضّله على شعراء العرب كافّة . قال ابن الأعرابي : كان لزهير من الشعر ما لم يكن لغيره ؛ كان أبوه شاعراً، وخاله شاعراً، وأخته سلمى شاعرة ، وابناه كعب وبجير شاعرين، وأخته الخنساء شاعرة.
ولد في بلاد مزينة بنواحي المدينة، وكان يقيم في الحاجز ( من ديار نجد) واستمر بنوه فيه بعد الإسلام، قيل: كان ينظم القصيدة في شهر وينقحها ويهذبها في سنة، فكانت قصائده تسمى «الحوليات»، أشهر شعره معلقته مطلعها: «أمن أم أوفى دمنة لم تكلم» (1).
زهیر بن جناب العذري الكلبي :
زهیر بن جناب بن هبل الكلبي، من بني كنانة بن بكر ، أم كنانة بن بكر أحد أمراء العرب وشجعانهم المشهورين في الجاهلية، وخطيب قضاعة وسيدها وشاعرها ووافدها إلى الملوك ، وفى أيامه دخلت قضاعة ( قبيلته) فى النصرانية ، وكان من المعمّرين واشتهر في مواقعه مع غطفان وبكر وتغلب وبني القين. ويقال: إن زهيراً أحد الذين شربوا الخمر في الجاهلية حتى قتلهم (2).
وهو زياد بن عبيد الثقفي، وهو زياد بن سميّة، وهي أُمّه، وهو زياد بن أبي سفيان الذي استلحقه معاوية بأنه أخوه. كانت سمّية مولاة للحارث بن كلدة
ص: 423
الثقفي طبيب العرب، يُكنى أبا المغيرة ،له إدراك، ولد عام الهجرة وكان كاتباً لأبي موسى الأشعري زمن إمرته على البصرة. يقال: إن أبا سفيان أتى الطائف فسكر، فطلب بغيّاً ، فواقع سمية، وكانت مزوجة بعبيد، فولدت من جماعه زياداً، فلما رآه معاوية استعطفه، وادّعاه ، وقال : نزل من ظهر أبي ، وكان زياد نائباً له على إقليم فارس (1).
على الظاهر أنه ورد هذا الاسم (زياد بن فلان) في المجامع الروائية في مورد واحد، وهو الرواية عن الجماعة في بيت علي (علیه السّلام). وورد في سنن أبي داود رواية وقع في سندها راو باسم زياد الأعلم ، واستظهر أبو داود أنه زياد بن فلان بن قرّة وهو ابن خالة يونس بن عبد الله، وأما الرجاليّون من أهل السنّة فحكموا بمجهوليته ومجهولية شيخه، ولم يرد اسمه في الكتب الرجالية للشيعة، ثم إن الرواية التي نقلها ابن أبي الحديد يظهر منها أنه من الموالين له (علیه السّلام) (2).
زياد بن لبيد الخزرجي البياضي الأنصاري. قال المامقاني : شهد العقبة وبدراً و أُحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله (صلّی الله علیه و آله) واستعمله رسول الله (صلّی الله علیه و آله) على حضرموت وقد توفّي أول أيام معاوية، ولولا بقائه بعد النبي (صلّی الله علیه و آله) ودركه زمان الامتحان، لوثقناه لاستعماله المذكور ، ولكن دركه زمان الامتحان يثبّطنا عن
ص: 424
الالتزام ببقائه على الوثاقة إلى آخر عمره. انتهى ملخصاً. وهو الذي زوّج ابنته الذلفاء بجويبر بأمر الرسول (صلّی الله علیه و آله) وكان من أنصار أمير المؤمنين (علیه السّلام) يوم الجمل وله أشعار فى ذلك يفيد حسن عقيدته وسلامته (1).
زياد بن النضر الحارثي من أصحاب أمير المؤمنين (علیه السّلام)،أمّره أمير المؤمنين (علیه السّلام) على مذحج والأشعريين، وأوصاه بوصايا ، فقال : أوصيت يا أمير المؤمنين حافظاً لوصيّتك، مؤدباً بأدبك ، يرى الرشد في نفاذ أمرك والغي في تضييع عهدك ، فبعثه أمير المؤمنين مع شريح بن هاني في اثني عشر ألفاً على مقدمته، فلما سارا اختلفا وكتب كل منهما إليه يشكو من صاحبه فكتب إليهما:
«من عبد الله أمير المؤمنين على إلى زياد بن النضر وشريح بن هاني سلام عليكما، فإنّي أحمد إليكما الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد، فإنّي وليت زياد بن النضر مقدمتي وأمرته عليها، وشريح على طائفة منها أمير، فإن جمعكما بأس فزياد على الناس كلهم ، وإن افترقتما فكل واحد منكما أمير على الطائفة التي وليته عليها، واعلما أن مقدّمة القوم عيونهم ، وقتل زياد بن النصر الحارثي في حرب الجمل » (2).
لم أجد ترجمته في الكتب ولكن حكى ابن أبي الحديد والعلّامة المجلسي هذه الرواية التي قال فيها علي (علیه السّلام): «إنها لهي هذه السلقلقة الجلعة المجعة» عن
ص: 425
یزید الأحمسي بدل عن «زيد الأحمسي» (1)، ولم أقف على ترجمة «يزيد الأحمسى» أيضاً.
زيد بن درهم، ويقال : زيد بن أبي زياد الأزدي الجهضمي، مولاهم البصري. روى عن أنس والحسن، وعنه ابنه حماد بن زيد، ذكره ابن حبان في الثقات. قلت: وفي تاريخ البخاري روى عنه ابناه حمّاد وسعيد (2).
من أصحاب رسول الله (صلّی الله علیه و آله). وعدّه الشيح في أصحاب علي (علیه السّلام)، قائلاً: زيد بصره، وفي أصحاب ابن أرقم الأنصاري، عربي مدني خزرجي، عمي بصره، وفي الحسن وأصحاب الحسين (علیهما السّلام) . وقال البرقي : هو الذي أظهر نفاق المنافقين من بني خزرج .وقال الكشي: قال الفضل بن شاذان: هو (زيد بن أرقم) من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين (علیه السّلام). ويكنى أبا عمرو الأنصاري، يُعدّ في الكوفيين وسكنها ، ومات سنة ست وستين. روى عنه جماعة (3).
يكنى أبا أسامة مولى عمر بن الخطاب، مدني من أكابر التابعين ، سمع جماعة من الصحابة، روى عنه الثوري وأيّوب السجستاني ومالك وابن عيينة. مات سنة ست وثلاثين روى عن أبيه، وابن عمر وأبي هريرة، وعائشة، وجابر وسلمة وعلي بن الحسين (4).
ص: 426
هو زيد بن ثابت الأنصاري كاتب النبي (صلّی الله علیه و آله)، وكان له حين قدم النبي (صلّی الله علیه و آله) المدينة إحدى عشرة سنة، وكان أحد فقهاء الصحابة الجلّة، وهو الذي نسب إليه جمع القرآن بعد رسول الله (صلّی الله علیه و آله). مات بالمدينة سنة خمس وأربعين وله ست وخمسون سنة. روى الكليني مسنداً عن أبي جعفر (علیه السّلام) قال : «الحكم حكمان :حكم الله وحكم الجاهلية... وأشهدوا على زيد بن ثابت لقد حكم في الفرائض بحكم الجاهلية». وقال النجاشي في ترجمة سعد بن عبد الله : وكتب سعد بن عبد الله كتاب احتجاج الشيعة على زيد بن ثابت في الفرائض (1).
زيد بن حارثة بن شراحيل أبو أسامة الكلبي، من بني عبد ود، تبنّاه رسول الله (صلّی الله علیه و آله) قبل الوحي، وكان قد وقع عليه السبي فاشتراه رسول الله (صلّی الله علیه و آله) بسوق عكاظ، ولما نبئ رسول الله (صلّی الله علیه و آله) دعاه إلى الإسلام، فأسلم، فقدم أبوه حارثة مكة وأتى أبا طالب وقال : سل ابن أخيك فإما أن يبيعه وإما أن يعتقه، فلمّا قال ذلك أبو طالب لرسول الله (صلّی الله علیه و آله)، قال : «هو حرّ فليذهب حيث شاء». فأبى زيد أن يفارق رسول الله (صلّی الله علیه و آله). فقال حارثة: يا معشر قريش، اشهدوا أنه ليس ابني. فقال رسول الله (صلّی الله علیه و آله): «اشهدوا أن زيداً ابني» فكان يُدعى زيد بن محمد. وهو الذي آخى رسول الله (صلّی الله علیه و آله) بينه وبين حمزة بن عبد المطلب ، وقتل يوم مؤتة في حياة النبي (صلّی الله علیه و آله)(2).
ص: 427
كان من الأبدال، قتل يوم الجمل ، وقيل : إن عائشة استرجعت حين قتل، من أصحاب علي (علیه السّلام) وقال الكشي: عن أبي عبد الله (علیه السّلام)، قال : لما صرع زيد بن صوحان يوم الجمل، جاء أمير المؤمنين (علیه السّلام) حتى جلس عند رأسه فقال: «رحمك الله يا زيد قد كنت خفيف المؤونة ، عظيم المعونة». قال: فرفع رأسه إليه ، ثم قال: وأنت يا أمير المؤمنين فجزاك الله خيراً ، فوالله ما علمتك إلا بالله عليماً، وفى أُمّ الكتاب لعليّاً حكيماً، وإن الله في صدرك لعظيم، والله ما قاتلت معك على جهالة ولكني سمعت أم سلمة تقول: سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله) يقول: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره اخذل من خذله» فكرهت والله أن أخذلك فيخذلني الله (1).
قال الشيخ :زيد بن وهب له كتاب خطب أمير المؤمنين (علیه السّلام) على المنابر في الجُمَع والأعياد وغيرها، روى الصدوق في الخصال بإسناده إلى زيد تكلّمه على بكر بعد تكلّم اثني عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار .... وفي رجال ابن داود: إنه من خواّص أمير المؤمنين (علیه السّلام)(2).
وهي سارة بنت لاحج ابنة خالة نبي الله إبراهيم الخليل (علیه السّلام) وزوجته ، ويقال لها في بدء الأمر ساراي، لكن بدّل الله اسمها بسارة، وعاشت مائة وسبع وعشرين سنة ودفنت في مغارة «مكفيلة» التي اشتراها الخليل للمدفن (3).
ص: 428
العجلي الكوفى ، رأى ابن عبّاس، وروى . قال النسائي : ليس بثقة ، وقال محمد ابن بشر العبدي: رأيت سالم بن أبي حفصة ذا لحية طويلة أحمق بها من لحية (1).
وقال السيد الخوئي - بعد أن ذكر أقوال الرجاليين فيه - : ثم إن المتحصّل مما ذكرنا أن الرجل كان منحرفاً وضالاً مضلّاً (2).
وقال النجاشي : مات سنة سبع وثلاثين ومائة في حياة أبي عبد الله (علیه السّلام) (3).
اأبو عمر وأبو عبد الله، القرشي، العدوي المدني، وأُمّه أُمّ ولد مونده في خلافة عثمان، حدّث عن أبيه، وعن عائشة وأبي هريرة أبيه ، و..... أحد فقهاء المدينة ومن حديثه ما رواه ابن أبي عاصم عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله) يقول وهو آخذ بيد علي (علیه السّلام) ، فقال : «مَن كنت مولاه فعلي مولاه» ومات بالمدينة سنة ست ومائة (4).
لم أجد له ترجمة في الكتب .
من أصحاب الرسول (صلّی الله علیه و آله). وروي عن حسان الجمال قال : حملت أبا عبد الله (علیه السّلام) من المدينة إلى مكة، فلما انتهينا إلى مسجد الغدير نظر في ميسرة
ص: 429
المسجد ، فقال (علیه السّلام): «ذلك موضع قدم رسول الله (صلّی الله علیه و آله) حيث قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ثم نظر إلى جانب آخر ، فقال : ذلك موضع فسطاط المنافقين، وسالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة الجراح، فلمّا رأوه رافعاً يده، قال بعضهم: انظروا إلى عينيه تدوران كأنهما عينا مجنون !! فنزل جبرئيل الله بهذه الآية ﴿ وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا... إلى آخر الآية). وقتل يوم اليمامة (1).
وهو سام بن نوح ، وقام بعد أبيه بعبادة الله وطاعته، وكان قد ولد له ارفخشد بعد أن أتت عليه مائة سنة وسنتان، ثم انطلق وفتح السفينة، فأخذ جسد آدم فهبط به سرّاً من أخويه وأهله و..... ثم حضرت ساماً الوفاة، فأوصى إلى ابنه ،أرفخشد ومات سام يوم الخميس لسبع خلون من أيلول، وكان حياته ستمائة سنة (2).
هو سدير بن حكيم الصيرفي، كوفيّ ، يكنى أبا الفضل، من الكوفة. روى عن أبي جعفر (علیه السّلام)، وروى عنه أبو حماد الأعرابي في كامل الزيارات الباب 49 في ثواب من زار الحسين (علیه السّلام). وقال السيد الخوئي بعد ذكر الأخبار القادحة والمادحة فيه : فتحصل ممّا مرّ أنّه لا يمكن الاستدلال بشيء من الروايات على مدح سدير ولا على قدحه، لكنه مع ذلك يحكم بأنه ثقة من جهة شهادة علي بن إبراهيم في تفسیره بوثاقته (3).
ص: 430
من أصحاب رسول الله (صلّی الله علیه و آله)، وهو أحد الستّة الذين جعل عمر الخلافة لهم بالشورى فوهب سعد حقّه لعبد الرحمان بن عوف، وكان سعد من المتخلّفين عن علي (علیه السّلام)، وقصته معه مشهورة، ونغله عمر هو الذي قتل الحسين (علیه السّلام) اليوم الطف .
في رواية عن أبي عبد الله عن آبائه (علیهم السّلام) قال : «كتب علي (علیه السّلام) إلى والي المدينة : لا تُعطين سعداً ولا ابن عمر من الفيء شيئاً». وفيها دلالة على ذمه وكونه مبغوضاً لدى أمير المؤمنين (علیه السّلام) . مات في قصره بالعقيق (على عشرة أميال من المدينة) سنة ثلاث وخمسين (1).
هو من الخزرج ، وقال الكشّي في ترجمته: ذكر يونس بن عبد الرحمان في بعض كتبه أنه كان لسعد بن عبادة ستة أولاد... وسعد لم يزل سعيداً في الجاهلية والإسلام... وكان سعد يجير فيجار، وذلك السؤدده ولم يزل هو وأبوه من أصحاب الإطعام في الجاهلية والإسلام.
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: وكان (رضي الله عنه) عقيباً نقيباً، سيداً جواداً ... وتخلف سعد بن عبادة عن بيعة أبي بكر وخرج من المدينة ولم ينصرف إليها إلى أن مات بحوران، من أرض الشام لسنتين ونصف مضتا من خلافة عمر ... وقيل: بل مات سعد بن عبادة في خلافة أبي بكر سنة إحدى عشرة ، ولم يختلفوا في أنه وجد ميتاً في مغتسله ... ويقال: إن الجنّ قتلته !! وعن بعض الأنصار أنه أنشد في سبب قتل سعد وقال:
ص: 431
يقولون سعد شقت الجن بطنه *** ألا ربما حققت أمرك (1) بالغدر
وما ذنب سعد أنه بال قائماً *** ولكن سعداً لم يبايع أبا بكر (2).
أقول : أشار الشاعر إلى كذب ما لفقه أعداء سعد من أنه بال قائماً فقتله الجن !! وأشار إلى سبب قتله ، وهو عدم البيعة مع أبي بكر (3) .
هو سعيد بن أبي عروبة مهران العدوي بالولاء البصري، أبو النصر، حافظ للحديث، لم يكن في زمانه أحفظ منه. قال الذهبي: إمام أهل البصرة في زمانه، وقد رُمي بالقَدَر، اختلط في آخر عمره، ومات في عشر الثمانين ، له مصنّفات (3).
سعید بن حكيم العبسي :
وقيل قيسي، الكوفي، أبو زيد، من أصحاب الصادق ، محدِّث، إمامي ، وثّقه بعض العامة. روى عنه إبراهيم بن محمد بن ميمون الكندي (4).
والصواب : سعد بن طارق بن أشيم أبو مالك الأشجعي الكوفي ، لأبيه صُحبة. روى عن أبيه وعن ابن أبي أوفى وأنس بن مالك و.... وعنه الثوري وأبو عوانة و .... مات في حدود الأربعين (5) .
ص: 432
سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية، الأموي القرشي. رُبِّي في حجر عمر بن الخطاب، وولّاه عثمان الكوفة وهو شابّ، فلما بلغها خطب في أهلها، فتسبهم إلى الخلاف والشقاق و.... وبعد قتل عثمان خرج إلى مكة وأقام إلى أن ولي معاوية الخلافة، فعهد إليه ولاية المدينة، فتولاه إلى أن مات في سنة 53 .وقال الذهبي في تاريخ الإسلام في حوادث سنة 59: فيها توفي سعيد بن العاص الأموي على الصحيح.
وهو الذي كتب الصحيفة الملعونة، وسير جمعاً من عظماء الشيعة إلى الشام ، وكان أبوه من جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يؤذونه، وقتله أمير المؤمنين(علیه السّلام) يوم بدر مشركاً (1).
هو سعيد بن قيس بن معزة الأرحبي الهمداني ، من خيار أصحاب مولانا أمير المؤمنين (علیه السّلام)، عده الفضل بن شاذان من التابعين الكبار ورؤسائهم وزهّادهم. وعن بعض نسخه : سعد - بدون الياء . وبالجملة سعيد هذا من الأجلاء، كان يوم الجمل مع مالك الأشتر على ميمنة حزب الله جند أمير المؤمنين صلوات الله عليه (2).
سعيد بن كثير بن عفير الأنصاري مولاهم ، أبو عثمان المصري، ابن أخت
ص: 433
المغيرة بن الحسن بن راشد الهاشمي . قال ابن يونس : وكان سعيد بن كثير من أعلم الناس بالأنساب والأخبار الماضية وأيام العرب و.... وكان مع ذلك أديباً فصيحاً . ولد سنة ستّ وأربعين ومائة، وتوفى سنة ست وعشرين ومائتين (1) .
هو سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي القرشي، أبو محمّد ، وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة. توفّى بالمدينة (2).
وقال ابن حبّان في ترجمته وكان من سادات التابعين فقهاً وديناً وورعاً وعلماً وعبادةً وفضلاً، وكان أبوه يتجر في الزيت، وكان سعيد سيد التابعين وأفقه أهل الحجاز وأعبر الناس للرؤيا ... (3).
دينار يُكنّى أبا سعيد ولقبه عقيصا، وإنما لقب بذلك لشعر قاله من أصحاب علي (علیه السّلام)، وذكره البرقي في أصحاب الحسين (علیه السّلام) أيضاً مقتصراً على قوله : «أبو سعيد عقيصا»، وهو الراوي عن الحسين (علیه السّلام) عن أمير المؤمنين (علیه السّلام)، قال : «قال لي رسول الله (صلّی الله علیه و آله):يا علي أنت أخي وأنا أخوك أنا المصطفى للنبوة، وأنت المجتبى للإمامة ...» إلى آخر الحديث (4) .
أبو محمّد سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي، أصله من الكوفة،
ص: 434
وقيل : ولد بالكوفة في منتصف شعبان سبع ومائة، وتوفي يوم السبت آخر يوم من جمادى الآخرة، وقيل: أوّل يوم من رجب سنة ثمان وتسعين ومائة بمكّة و دفن بالحجون، وإنّه لقى أبا عبد الله (علیه السّلام)، فقال له: يا أبا عبد الله، إلى متى هذه التقيّة وقد بلغت هذا السنّ ؟ فقال : «والذي بعث محمّداً بالحق لو أن رجلاً صلّى ما بين الركن والمقام عُمره، ثم لقي الله بغير ولايتنا أهل البيت للقي الله بمينة جاهلية» (1).
هو سفيان بن سعيد بن مسروق أبو عبد الله الثوري الكوفي، من مشاهير علماء وفقهاء ومحدّثي وحفّاظ ومتصوّفة وقرّاء العامة. ولد في الكوفة سنة 97 هجرية ونشأ بها، انخرط في شرطة هشام بن عبد الملك الأموي، وكان ممن شهد أو باشر أو أعان على قتل الشهيد زيد بن علي بن الحسين (علیهم السّلام). وفي عهد المنصور الدوانيقي العبّاسي طلب إليه بأن يلي الحكم فأبى وخرج من الكوفة سنة 144 إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة ، ثم طلبه المهدي العباسي أيام حكمه فهرب إلى البصرة وتوارى بها، ولم يزل مختفياً حتى توفي بها سنة 161 ، وقيل : سنة 162 (2).
هو أحمد بن محمّد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن سلفة - بكسر السين المهملة وفتح اللام والفاء - وأصله سلبة - بالباء - معناه ثلاث شفاه؛ لأن شفته مشقوقة . حافظ مكثر من أهل إصبهان، رحل في طلب الحديث وكتب تعاليق
ص: 435
وأمالي كثيرة، وبنى له الأمير «وزير الظافر العبيدي» مدرسة في الإسكندرية سنة 546ه فأقام إلى أن توفّي فيها. له «معجم مشيخة إصبهان» و«أخبار وتراجم أندلسية» و.... وكان جيّد الضبط، وخطّه معروف و.توفّى ليلة جمعة خامس شهر ربيع الآخر سنة 576 هجريّة بعد الزيادة على المائة بسنتين؛ لأن مولده بعيد السبعين والأربعمائة على خلاف فيه (1) .
من أصحاب رسول الله (صلّی الله علیه و آله) وأمير المؤمنين صلوات الله عليه .حاله في علوّ الشأن وجلالة القدر ووفور العلم والتقوى والزهد أشهر من الشمس وأبين من الأمس، وهو أوّل الأركان الأربعة. وعده الإمامان الصادق والرضا صلوات الله عليهما من المؤمنين الذين تجب ولايتهم والبراءة من أعدائهم، ولم يغيروا بعد نبيهم، وهو من الحواريّين ، ومن السبعة الذين وفوا لرسول الله (صلّی الله علیه و آله)... وشهدوا الصلاة على فاطمة الزهراء صلوات الله عليها.
وعن أبي جعفر (علیه السّلام) وقد ذكر عنده سلمان الفارسي، فقال: «مه، لا تقولوا سلمان الفارسي ولكن قولوا سلمان المحمّدي ، ذلك رجل منا أهل البيت».
قال الواقدي : مات سلمان في خلافة عثمان بالمدائن، وكذا قال ابن زنجويه .
وقال أبو عبيد وشباب في رواية عنه، وغيرهما: توفّي سنة ست وثلاثين بالمدائن (2).
ص: 436
سلمة بن أسلم أبو سعد الأنصاري الأوسي الحارثي. قتل بالعراق يوم جسر أبي عبيد سنة أربع عشرة للهجرة، وهو ابن ثمان وثلاثين سنة. وقيل: بل قُتل وهو ابن ثلاث وستين سنة يوم جسر أبي عبيد (1).
سلمة بن سلامة بن وقش الأنصاري :
أحد مَن شهد بدراً والعقبتين وعاش سبعين سنة، وتوفّي سنة خمس وأربعين للهجرة بالمدينة (2) .
القرشي الزهري ، الحافظ أحد الأعلام بالمدينة. قيل: اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، ولد سنة بضع وعشرين قال ابن سعد: وأُمّه تماضر بنت الأصبغ بن عمرو، من أهل دومة الجندل ، أدركت حياة النبي (صلّی الله علیه و آله)، وقال أبو إسحاق: أبو سلمة في زمانه خير من ابن عمر في زمانه، وتوفّي سنة أربع وتسعين، وقيل: مات سنة أربع ومائة (3).
سلمة بن كهيل بن الحصين أبو يحيى الحضرمي الكوفي من علماء الكوفة الأثبات . وتوفّي سنة إحدى وعشرين ومائة . وقال النسائي : ثقة ثبت، ومات يوم عاشوراء قيل : سنة اثنتين وعشرين [ومائة] . قال رأيت رأس الحسين (عليه السلام) على القنا وهو يقول:( فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (4).
ص: 437
لم يذكروه . لكن روى في كتاب الغايات عن أبي داود الطيالسي عنه، عن عبد العزيز ابن صهيب (1).
له كتاب ، يُكنّى أبا صادق، وقال السيد على بن أحمد العقيقي كان سليم بن قيس من أصحاب أمير المؤمنين (علیه السّلام)، طلبه الحجاج ليقتله، فهرب وأوى إلى أبان ابن أبي عياش، فلمّا حضرته الوفاة قال لأبان : إنّ لك علي حقاً وقد حضرني الموت ، يابن أخي إنّه كان من الأمر بعد رسول الله (صلّی الله علیه و آله) كيت وكيت، وأعطاه الكتاب . وذكر أبان في حديثه قال: كان شيخاً متعبداً له نور يعلوه و و ....(2).
من شرار أصحاب رسول الله (صلّی الله علیه و آله)، رجل مضار في عذقته فأمر الرسول (صلّی الله علیه و آله) بقلعه ورميه وقال : لا ضرر ولا ضرار، ولابن أبي الحديد روايات في ذمه، منها أنه من شرطة ابن زياد ، يحرّض الناس على قتال مولانا الحسين (علیه السّلام)، وعن تاريخ الطبري أنّه لمّا استخلفه زياد على البصرة، قتل ثمانية آلاف من الناس، وقال أبو سمرة الديني: لما مرض سمرة أصابه برد شديد فأوقدت له نار في كانون بين يديه وكانون من خلفه وكانون عن يمينه وكانون عن شماله فجعل لا ينتفع ويقول:
ص: 438
كيف أصنع بما في جوفي، ولم يزل كذلك حتى مات سنة ستين للهجرة (1).
الكوفى لعنة الله عليه ، هو قاتل مولانا الحسين صلوات الله وسلامه عليه، وكان كوسج اللحية قصيراً أبرصاً ، وقيل : إن سنان بن أنس لمّا قتل الحسين (علیه السّلام) قال له الناس : قتلت الحسين بن علي (علیهما السّلام) وهو ابن فاطمة سلام الله عليها بنت رسول الله (صلّی الله علیه و آله)... فأقبل على فرسه فوقف على باب فسطاط عمر بن سعد وقال :
أوقر ركابي فضّة وذهبا *** فقد قتلت السيّد المحجبا
قتلت خير الناس أُمّاً وأبا *** وخيرهم إذ ينسبون نسبا
فقال عمر: أشهد إنّك مجنون ، ولمّا قال الحجاج : من كان له بلاء فليقم... قام سنان بن أنس فقال : قاتل الحسين، فقال: بلاء حسن ورجع إلى منزله فاعتقل لسانه وذهب عقله، فكان يأكل ويحدث في مكانه ، ولما سلّط المختار فطلبه فوجده قد هرب إلى البصرة أو الجزيرة فهُدمت داره(2).
من كبار المخضرمين ، قال : أنا أصغر من النبي (صلّی الله علیه و آله) بسنتين كان شريكاً لعمر ابن الخطاب فى الجاهليّة، وعاش في البادية، وأسلم ودخل المدينة يوم وفاة النبي (صلّی الله علیه و آله) وشهد القادسية ، ثم كان مع علي (علیه السّلام) في حرب صفّين وسكن الكوفة ومات بها في زمان الحجّاج وهو ابن 125 سنة (3).
ص: 439
أبو ثابت الأنصاري، وعن جعفر بن محمد (علیهما السّلام) أن علياً (علیه السّلام) كفن سهل بن حنيف في برد أحمر حبرة، كبّر عليه أمير المؤمنين (علیه السّلام) خمساً وعشرين تكبيرة في صلاته عليه، وهو من النقباء الاثني عشر عدّه البرقي وأخاه عثمان بن حنيف من شرطة الخميس. وكان واليه (علیه السّلام) على المدينة، وقال السيد الرضى ... سهل بن حنيف الأنصاري بالكوفة بعد مرجعه من صفّين وكان أحب الناس إليه (1).
سهل بن سعد الخزرجي الأنصاري ، من بني ساعدة، صحابي من مشاهيرهم ، من أهل المدينة. عاش نحو مائة سنة، وله فى كتب الحديث 188 حديثاً. مات سنة 91ه (2).
هو شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح (علیه السّلام). وهو أحد المعمّرين، إذ عمره أربعمائة وثمانية وثلاثين سنة (3).
الشافعي :
محمّد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع ، أبو عبد الله ، أحد أئمّة العامة الأربعة، ولد سنة خمسين ومائة بغزة، وقيل باليمن ، وقيل بعسقلان، وغزة أصح، وحمل إلى مكّة وهو ابن سنتين فنشأ بها وكتب العلم بها وبالمدينة، وقدم
ص: 440
بغداد مرّتين وحدّث بها، وخرج إلى مصر فنزلها إلى حين وفاته ومات في سنة أربع ومائتين بمصر (1).
شداد بن عاد بن بن ملطاط بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن حمير، ملك يماني جاهلي قديم ،من ملوك الدولة الحميريّة، اتفقت عليه كلمة أولى الرأي من حمير وقحطان بعد وفاة النعمان بن يعفر فولوه الملك في صنعاء، فكان حازماً مغواراً غزا البلاد إلى أن بلغ أرمينية، وعاد إلى الشام فزحف إلى المغرب يبني المدن ويتّخذ المصانع ، ولما رجع إلى اليمن مضى إلى مأرب فبنى فيه قصراً بجانب السد ، لم يكن في الدنيا مثله، ولمّا مات نقبت له مغارة في جبل (شبام) و دفن بها، ومعه جميع أمواله (2).
شريح بن هاني بن يزيد بن الحارث بن كعب الحارثي الكوفي ، أدرك النبي (صلّی الله علیه و آله) ولم يره، سمع علي بن أبي طالب (علیه السّلام) و.... وكان من كبار أصحاب وشهد تحكيم الحكمين بدومة الجندل في صحابة علي (علیه السّلام) . قال أبوحاتم السجستاني : قتل سنة ثمان وسبعين عن مائة سنة وأكثر بيد عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي الذي أمره الحجاج على سجستان(3).
ص: 441
هو شريك بن عبد الله بن الحارث النخعي الكوفي، أبو عبد الله ، عالم بالحديث، فقيه، اشتهر بقوة ذكائه وسرعة بديهيته. استقضاه المنصور العباسي على الكوفة سنة 153ه، ثم عزله. وأعاده المهدي، فعزله موسى الهادي. وكان مولده ببخارى سنة خمس وتسعين للهجرة، وتولّى القضاء بالكوفة ثم بالأهواز، وتوفّي يوم السبت مستهل ذي القعدة سنة سبع وسبعون ومائة بالكوفة ...
وذكر معاوية بن أبي سفيان عنده ووصف بالحلم، فقال شريك : ليس بحليم من سفه الحق وقاتل علي بن أبي طالب (1).
الإمام الكبير، شيخ الكوفة، أبر وائل الأسدي، محضرم أدرك النبي (صلّی الله علیه و آله) وكان همن سكن الكوفة وورد المدائن مع علي (علیه السّلام) حين قاتل الخوارج بالنهروان، وقد شهد حرب ،صفين وعده ابن عبد البر وابن منده وأبو نعيم من الصحابة، قالوا: كان له خص من قصب يسكنه هو ودابته، فإذا غزا نقضه وإذا رجع بناه، وتوفي سنة .99 قال ابن أبى الحديد: وفي كتاب الغارات هو عثماني يقع في علي (2).
عمرو بن مالك الأزدي، من قحطان ، شاعر جاهلي، يماني، من فحول الطبقة الثانية، كان من فتاك العرب وعدائيهم، وهو فتاك العرب وعدائيهم، وهو أحد الخلعاء الذين تبرّأت منهم
ص: 442
عشائرهم ،قتله بنو سلامان وقيست قفراته ليلة مقتله، فكانت الواحدة منها قريباً من عشرين خطوة، وهو صاحب «لامية العرب» التي شرحها الزمخشري في «أعجب العجب» (1).
يحيى بن حبش بن أميرك السهروردي الشافعي (شهاب الدين أبو الفتوح) حكيم، صوفي، متكلم، فقيه، أصولي، أديب ،شاعر، ناثر، ولد في سهرورد من قرى زنجان في العراق العجمي، ونشأ بالمراغة ،وعاش بإصفهان ، ثم ببغداد ، ثم يحلب ونسب إليه إنحلال العقيدة فأفتى العلماء بإباحة دمه، فسجنه الملك الظاهر غازي، فخنق في سجن قلعة حلب في سنة 587 هجرية. من تصانيفه: التلويحات في الحكمة، التنقيحات في أصول الفقه، حكمة الإشراق (2).
شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ كمال الدين محمد بن أبي الحسن علي المصري الحموي ،شيخ ،فاضل ،أديب لغوي، مقرئ ، صاحب المصباح المنير في غريب الشرح الكبير ، والشرح الكبير هو شرح الرافعي على كتاب الوجيز في الفروع للغزالي. وهو يقول : المراد بالاستمتاع في الآية الشريفة (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) نكاح المتعة، والآية محكمة غير منسوخة، والجمهور من أهل السنة على تحريم نكاح المتعة. وتوفي الفيومي في نيّف وسبعين وسبعمائة، وفيّوم كقيّوم اسم ناحية بمصر (3).
ص: 443
والصحيح هو شمير بن سدير الأزدي، جاء هكذا في الكتب كما في شرح نهج البلاغة ( 2 : 289) وبحار الأنوار ( 31 :342) . ولم يذكر اسمه في كتب الرجال. وقال في مستدركات علم رجال الحديث لم يذكروه، روى عن أمير المؤمنين (علیه السّلام): إخباره بالمغيبات(1).
هو شيث بن آدم (علیه السّلام)، وقيل : عمره سبعمائة واثنتي عشرة سنة . قال الكلبي : بل عمر تسعمائة وثلاثين سنة، وذكروا من صفاته أنه وجد مختوناً، وبعد موت أبيه آدم كان يأمر قومه بتقوى الله والعمل الصالح، فلمّا حضرت وفاته أتاه بنوه وبنو بنيه فصلى عليهم ودعا لهم بالبركة وحلفهم بدم هابيل ألا يهبط أحد منهم من هذا الجبل المقدّس ، ولا يخالطوا بأولاد قابيل الملعون ، وأوصى إلى أنوش ابنه ، وأمره أن يتحفّظ بجسد آدم ، ثم توفي يوم الثلاثاء لسبع وعشرين ليلة وكانت حياته تسعمائة واثنتى عشرة سنة (2).
قال الشعراني: العارف بالله سيّدي حسن العراقي رحمه الله تعالى، المدفون بالكوم خارج باب الشريعة بالقرب من بركة الرطلي وجامع البشري. ثم ذكر كيفية لقائه مع المهدي (علیه السّلام)(3).
ص: 444
محمّد بن على الصبّان المصري الشافعي الحنفي (أبو العرفان) عالم أديب، مشارك فى اللغة والنحو والبلاغة والعروض والمنطق والسيرة، والحديث والهيئة وغير ذلك، ولد وتوفّي بالقاهرة، من تصانيفه الكثيرة إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وأهل بيته الطاهرين، وشرح على منظومته المسماة بالكافية الشافية، فى علمى العروض والقافية (1).
أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه المشتهر بالصدوق. ولد رضوان الله تعالى عليه بدعاء القائم (علیه السّلام) بقم بعد سنة 305 هجرية. وترعرع ونشأ بين يدي أبيه العالم الكامل الفقيه الثقة نحو عشرين سنة، فقرأ عليه وأخذ وأساتذته وشيوخه أكثر من مائتين، رحل (رحمه الله) إلى الري، ثم سافر إلى مدن متعددة كنيسابور ومشهد الرضا (علیه السّلام)، وسمرقند و بلخ و استرآباد و همدان و جرجان وبغداد والكوفة، ومكة، والمدينة، وحينما كان يصل إلى بعض البلدان يجتمع عليه العلماء والفضلاء للنيل من عذب علومه، وسجيّة أخلاقه ،وسماع أحاديثه، وله مؤلفات كثيرة تقرب من ثلاثمائة كتاب، ومن مؤلفاته القيمة الموجودة :ك«تاب من لا يحضره الفقيه» و«علل الشرائع» و«الخصال» و«الأمالي» و«عيون أخبار الرضا (علیه السّلام)» و «ثواب الأعمال» و«التوحيد» و«المقنع». توفي (رحمه الله) بالري سنة 381ه وقبره مزار معروف يقصده أرباب الحوائج بقرب مرقد
ص: 445
السيد عبد العظيم الحسني (رحمه الله) (1).
عظيم القدر، من أصحاب أمير المؤمنين (علیه السّلام)، قال الإمام الصادق (علیه السّلام): «ما كان مع أمير المؤمنين (علیه السّلام) من يعرف حقّه إلا صعصعة وأصحابه». وهذا مقنع في شرفه ولما قال له معاوية: اصعد المنبر والعن عليّاً ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، أتيتكم من عند رجل قدّم شرّه وأخّر خيره، وإنه أمرني أن ألعن عليّاً، فالعنوه لعنه الله ، فضجّ أهل المسجد بآمين، فلما رجع إليه فأخبره قال : لا والله ما عنيت غيري ،ارجع حتى تسمّيه باسمه، فرجع وصعدالمنبر ثم قال : أيها الناس إن أمير المؤمنين أمرني أن ألعن علي بن أبي طالب (علیه السّلام) فالعنوا من لعن علي بن أبي طالب (علیه السلام)، فضجّوا بآمين، فلما أخبر معاوية قال : لا والله ما عنى غيري، أخرجوه لا يساكنني في بلد فأخرجوه. قال البخاري: توفي بعد أخيه زيد، أدرك خلافة يزيد بن معاوية وقال ابن حجر: مات في خلافة معاوية (2).
هو الضحاّك بن قيس بن ثعلبة بن محارب بن فهر، شهد فتح دمشق وسكنها ، وكان على عسكر أهل الشام يوم صفّين، وكان مع معاوية، فولّاه الكوفة، وهو الذي صلّى على معاوية وقام بخلافته حتّى قدم يزيد، وكان قد دعا إلى ابن الزبير وبايع له، ثم دعا لنفسه قال الواقدي ولد الضحاك قبل وفاة النبي (صلّی الله علیه و آله) بستتین ،
ص: 446
كان عليه برد قيمته ثلاثمائة دينار، قال محمّد بن عمر: بويع مروان بن الحكم بالخلافة بالجابية يوم الأربعاء لثلاث خلون من ذي القعدة سنة أربع وستين فلقي الضحاك بن قيس الفهري بمرج راهط فقتله (1).
ضرار بن الخطاب بن مرداس الفهري، أسلم يوم الفتح، وكان يوم الفجار على محارب بن فهر، وكان أبوه يأخذ المرباع، وكان ضرار فارس قريش و شاعرهم، وحضر معهم المشاهد كلها وكان يقاتل أشد القتال، ويحرّض المشركين بشعره، وهو قاتل عمرو بن معاذ أخا سعد بن معاذ يوم أحد، وهو الذي نظر يوم أحد إلى خلاء الجبل من الرماة فأعلم خالد بن الوليد فكرًا جميعاً بمن معهما حتى قتلوا من بقي من الرماة على الجبل ثم دخلوا عسكر المسلمين من ورائهم، وحين اختلف الأوس والخزرج فيمن كان أشجع يوم أحد فسألوه عن ذلك ، فقال : لا أدري ما أوسكم من خزر جكم، ولكني زوجت يوم أحد منكم أحد عشر رجلاً من حور العين وهو كناية من قتلهم بيده (2).
الكتاني، أو الضبابي، أو النهشلي ، أو الليثي، أو الكناني، أو الشيباني، على اختلاف هو من خُلَّص أصحاب علي (علیه السّلام) الفصيح المقال طلق اللسان، قال الأحمدي الميانجي : لم أجد هذا الرجل في كتب الرجال والتراجم إلا في قصة له وقعت في مجلس معاوية رواها العلماء من الفريقين في كتبهم وفي مروج الذهب: إنّه كان من خواص علي (علیه السّلام) (3).
ص: 447
هو سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم ، من كبار المحدّثين، أصله من طبريّة الشام، وإليها نسبته ولد بعكا، ورحل إلى الحجاز واليمن ومصر والعراق وفارس والجزيرة، وتوفّى بإصبهان سنة 360 هجرية، وكان حافظ عصره ،له ثلاثة معاجم في الحديث، منها المعجم الصغير رتّب فيه أسماء المشايخ على الحروف ،والأوسط ،والكبير، وله كتب في «التفسير» و«الأوائل» و«دلائل النبوة» وغير ذلك. مولده سنة ستّين ومائتين (1).
محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري، وقيل: يزيد بن كثير بن غالب ،صاحب التفسير الكبير والتاريخ، كان إماما في فنون كثيرة منها التفسير والحديث والفقه والتاريخ، وله مصنفات مليحة منها «جامع البيان في تفسير القرآن» و «تاريخ الأمم والملوك» و... وكانت ولادته سنة أربع وعشرين ومائتين بأمل طبرستان ،ووفاته يوم السبت سادس وعشرين شوّال سنة عشر وثلاثمائة، ودفن يوم الأحد في داره ببغداد وزعم قوم بالقرافة مدفون، والصحيح الأوّل (2).
أحمد بن محمّد بن سلامة بن عبد الملك أبو جعفر الأزدي الحجري الطحاوي نسبة إلى« طحا» قرية بصعيد مصر - الحنفي الحافظ المحدّث، خرج إلى الشام سنة ثمان وستين . قال أبو إسحاق الشيرازي: انتهت إليه رئاسة أصحاب أبي حنيفة
ص: 448
بمصر وكان شافعياً يقرأ على المزني - وكان المزني خاله - فقال له يوماً: والله لا جاء منك خيراً، فغضب من ذلك وانتقل إلى ابن أبي عمران، فلمّا صنف مختصره :قال رحم الله أبا إبراهيم لو كان حيّاً لكفّر عن يمينه، وصنّف اختلاف العلماء والشروط وأحكام القرآن ومعاني الآثار ، وله كتاب تاريخ كبير. توفي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة (1).
طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب القرشي التيمي المكّي، أبو محمد، وأحد الستة أصحاب الشورى، وشهد الخندق وسائر المشاهد، وكانت له تجارة وافرة مع العراق ، ولما توفي رسول الله (صلّی الله علیه و آله) ارتدّ فيمن ارتدّ، ولمّا استخلف على أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، كان أوّل مَن بايعه ، ثم كان أوّل من نكث البيعة، ولولاه والزبير ما خرجت عائشة، وبالجملة قُتل ملعوناً يوم الجمل ومرّ عليه أمير المؤمنين (علیه السّلام)فقال : هذا الناكث بيعتي، والمنشئ الفتنة في الأُمة، والمجلب على والداعي إلى قتلي وقتل عترتي (2).
طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار قتله علي بن أبي طالب (علیه السّلام) يوم أحد مبارزة بضربة على رأسه حتى فلق هامته فسر رسول الله (صلّی الله علیه و آله) بذلك وأظهر التكبير وكبّر المسلمون وشدوا على كتائب المشركين (3).
ص: 449
ذكرت قصّة المفاخرة في كتب عديدة (1) ، ولكن لم يذكره الرجاليّون بهذا الاسم.
لم يذكر في كتب التراجم بهذه الصورة والمذكور فيها: عامر بن ليلى بن ضمرة، وقد ذكره ابن عقدة في الموالاة ( هو غير عامر بن ليلى الغفاري) وأخرج بإسناده من طريق عبد الله بن سنان عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد وعامر بن ليلى بن ضمرة قال : لمّا صدر رسول الله (صلّی الله علیه و آله) من حجّة الوداع أقبل حتّى إذا كان بالجحفة، فذكر الحديث في غدير خم (2) .
هو أبو بكر عاصم بن أبي النجود بهدلة مولى بني جذيمة بن مالك بن نصر بن فعين بن أسد، كان أحد القراء السبعة والمشار إليه فى القراءات، أخذ القراءة عن أبي عبد الرحمن السلمي وزر بن حبيش ، وأخذ عنه أبو بكر بن عياش وأبو عمرو البزاز، واختلفوا اختلافاً كثيراً في حروف كثيرة، وتوفي عاصم في سنة سبع وعشرين ومائة بالكوفة، رحمه الله تعالى.
والنَجُود - بفتح النون ، وضم الجيم، وسكون الواو ، وبعدها دال مهملة - وهي الحمارة الوحشية التي لا تحمل ، وقيل : هي المشرفة.
وبَهدلة يقال : إنّه اسم أمّه (3).
ص: 450
عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب،كان من شعراء الجاهلية وفرسانها، شاعر مشهور وفارس مذكور ،أخذ المرباع ونال الرئاسة، وتقدم على العرب، وأطيع في السياسة، وقاد الجيوش، وكان عقيماً لم يولد له، وكان أعور. أدرك الإسلام ولم يوفق للإسلام، وقدم رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله و سلّم)وقد بني عامر قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلّم): «اللهمّ اهد بني عامر واشغل عنّي عامر بن الطفيل بما شئت وكيف وأنى شئت». ولمّا خرج عامر من عند رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله و سلّم) فببعض الطريق نزل عامر بامرأة من بني سلول، فبعث اللّه على عامر الطاعون في عنقه فقتله (1) .
مولى أبي بكر، وكان أسود اللون ،مملوكاً للطفيل بن سخبرة، فأسلم وهو مملوك فاشتراه أبو بكر وأعتقه، وأسلم قبل أن يدخل رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله و سلّم)دار الأرقم ابن الأرقم. وكان حسن الإسلام، وكان يرعى الغنم في ثور ثم يروح بها على رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله و سلّم) وأبي بكر في الغار. وقُتل يوم بئر معونة سنة أربع من الهجرة وهو ابن أربعين سنة ؛ قتله عامر بن الطفيل(2).
عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن تغلبة بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن الخزرج الأنصاري، يُكنّى أبا الوليد، أحد النقباء ليلة العقبة،
ص: 451
والذي بايع النبي(صلی اللّه علیه و آله و سلّم) أن لا تأخذه في اللّه لومة لائم، وهو من القوافل(1) وممّن جمع القرآن، وكان طويلاً جسيماً جميلاً. قال سعيد بن عقير: طوله عشرة أشبار. قال العلّامة في الخلاصة : هو ممن أقام بالبصرة وكان شيعياً. وقال الكشي عن الفضل بن شاذان: إنّه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين (علیه السلام)، مات بالرملة سنة أربع وثلاثين، وله اثنتان وسبعون سنة، وأخطأ من قال : إنه عاش إلى خلافة معاوية(2).
هو عم النبي(صلی اللّه علیه و آله و سلّم) و من أصحابه وأمير المؤمنين(علیه السلام)، ولد قبل النبي.وعن الواقدي: إنه ولد قبل الفيل بثلاث سنين، وكان أسنّ من النبي بثلاث سنين. وتوفي سنة 32ه وهو ابن ثمان وثمانين. اختلفت الأقوال والأخبار في حقه، والأولى الإرجاع إلى الكتب المفصلة مثل كتاب العلامة المامقاني فإنه نقل الأخبار المادحة والذامة ، وقال : الذامة منها أقوى دلالة - إلى أن قال في آخره:- فغاية إكرامنا له سكوتنا في حقه. وقبره بالبقيع عند قبر الأئمة صلوات الله عليهم(3).
هو عبّاس بن مرداس بن أبي عامر بن حارثة بن عبد عبس الصحابي الذي أعطاه رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله و سلّم) يوم حنين فى المؤلّفة قلوبهم، ثم زاده حين غضب استقلالاً
ص: 452
لعطائه وأنشد الأبيات المعروفة في السير، وكان أبوه مرداس تزوج الخنساء وولدت منه(1).
مولى آل سام ،من أصحاب الصادق(علیه السلام)، قال المفيد في رسالته العددية: هو من فقهاء أصحاب الصادقين(علیه السلام) والأعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، والذين لا يطعن عليهم ، ولا طريق إلى ذم واحد منهم،
وهم أصحاب الأصول المدوّنة والمصنفات المشهورة(2) .
يروي عن أبي سعيد الأشج و... وكان ممّن جمع علوّ الرواية ومعرفة الفن ، وله الكتب النافعة ككتاب الجرح والتعديل والتفسير الكبير، وكتاب العلل، وتوفي سنة 327ه(3).
أبو عبد اللّه ، وقيل : أبو محمّد ،هو ابن أبي بكر ، يقال : إنه شقيق عائشة ، حضر بدراً و أحداً مشركاً، وكان أسنّ ولد أبي بكر ، وأسلم يوم الفتح، توفّي بالصفاح من مكة على أميال، وحمل فدفن في مكة سنة ثلاث وخمسين للهجرة، وشهد الجمل مع عائشة وكان أخوه محمد يومئذٍ مع عليّ بن أبي طالب (علیه السلام). وقال
ص: 453
مصعب الزبيري : ذهب إلى الشام فرأى هناك امرأة يقال لها: «ابنة الجودي الغساني» فكان يذكرها في شعره ويهذي بها (1).
عبد الرحمن بن عوف=ابن عوف :
أبو محمّد الزهري القرشي ، أسلم قديماً على يدي أبي بكر، هاجر إلى الحبشة الهجرتين، كان طويلاً رقيق البشرة أبيض مشوباً بالحمرة ضخم الكفين، أقنى أعرج أصيب. قال ابن سعد:«وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو»وأُمه الشفاء بنت عوف بن عبد الحارث .ولد بعد عام الفيل بعشر سنين ومات سنة اثنتين وثلاثين ودفن بالبقيع وله اثنتان وسبعون سنة(2).
ابن قيس الكندي بعثه الحجاج بن يوسف الثقفي في سنة ثمانين على إمرة سجستان، فسار إليها فلمّا استقرّ بها خلع الحجّاج وخرج وبايعه خلق عظيم ،وأقبل بهم كالسيل العرم، والتفّ حوله أمم لبغضهم الحجّاج، فجرت بينه وبين الحجّاج حروب يطول وصفها، حتى قيل : كان بينهم ثمانون وقعة، وقد تم الغلب للحجاج، وظفر به في سجستان سنة أربع وثمانين، وقتله(3).
أبو سعيد الحاكم الحنفي، سكن نيسابور مدّة، ثمّ دخل بخارى وولي قضاء ترمذ، ولم يكن في أصحاب الرأي أسنّ منه. سمع أبا يعلى بالموصل ... وتوفّي
ص: 454
فى شعبان سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وله اثنتان وتسعون سنة، روى عنه الحاكم (1).
ابن عبد مناف بن قصي ،من قريش، من عدنان، كان له من الولد أمية وحبيب. وعبد أُميّة ونوفل وربيعة وعبد العزى وعبد اللّه ، قال ابن حبيب. عبد شمس من أصحاب الإيلاف، كان متجره إلى الحبشة، ومات بمكة(2).
صدوق يتشيع ،من السابعة، روى عن أبيه سياه وحبيب بن أبي ثابت و .... قال أبو زرعة:وهو من كبار الشيعة(3) .
البناني مولاهم البصري، الأعمى، روى عن أنس و... وتوفي سنة ثلاثين ومائة ، وكان يقال له : عبد العزيز بن العبد مولى أنس بن مالك(4).
من أصحاب الرضا (علیه السلام)كما في رجال الشيخ ولم يرد في سائر الكتب الرجالية. روى عن الرضا (علیه السلام)بيان صفات الإمام وشرايط الإمامة، وإنه ليس للناس اختيار غير من نصبه اللّه تعالى ورد من توهّم غير ذلك(5).
ص: 455
أبو رافع واسمه أسلم مولى النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، أخو عبيد اللّه، وهو كاتب لأمير المؤمنين (علیه السلام). ولكن الموجود فى أكثر كتب الرجال هو:عبيد اللّه بن أبى رافع، مثلاً قال الشيخ في الفهرست:عبيد اللّه كاتب أمير المؤمنين (علیه السلام)، له کتاب قضايا أمير المؤمنين (علیه السلام). وقال الصفدي في الوافي بالوفيات: عبيد اللّه بن رافع مولى رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ، سمع أباه وعليّاً وكان كاتبه، توفي في حدود الخمسين للهجرة، وروى له الجماعة(1) .
رأى النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وكان معه مسلماً بعد الفتح ، ولحق بعلي بالمدائن، قال الوليد بن عقبة: وهو أخو عثمان لأمه يذكر قبض أمير المؤمنين (علیه السلام)نجائب عثمان وسيفه وسلاحه... قال الوافدي: قتل عبد اللّه بن أبي سفيان بكربلاء شهيداً مع الحسين (علیه السلام) وله ديوان شعر، وكنيته أبو الهياج، وأُمه فقمة بنت همام بن الأرقم الأسدية(2).
مشترك بين عدة، منهم عبد الله بن جعفر أخو الإمام الكاظم (علیه السلام)الذي قالت الفطحيّة بإمامته ، وكان أفطح الرأس، وعاش بعد أبيه (علیه السلام)سبعين يوما أو نحوها.
و منهم عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي ،
ص: 456
صحابي، ولد بأرض الحبشة لما هاجر أبواه إليها، وهو أول من ولد بها من المسلمين، وأتى البصرة والكوفة والشام ،وكان كريماً يُسمّى بحر الجود، وللشعراء فيه مدائح ، وكان أحد الأمراء في جيش على(علیه السلام)يوم صفين، ومات بالمدينة.
ومنهم عبد اللّه بن جعفر بن الحسين.
ومنهم عبد اللّه بن جعفر بن الحسين بن مالك أبو العباس الحميري القمي ،وغيرهم(1) .
من أصحاب علي(علیه السلام)كما في رجال الشيخ، روى علي بن محمد المدائني عنه خطبة أمير المؤمنين(علیه السلام) في أول إمارته، وتصريحه باغتصاب الخلافة منه ظلماً وجوراً، وتظلمه وشكايته من قومه(2).
ابن هشام بن المغيرة المخزومي ، أبو محمد، وأحد الذين عينهم عثمان لكتابة مصاحف الأمصار ، سمع أباه وعلياً(علیه السلام).... أرسلته عائشة إلى معاوية يكلمه في حجر بن الأدبر ، فوجده قد قتله، وكان من سادة بني مخزوم بالمدينة، وهو ابن أخي أبي جهل، توفّي في أيام معاوية في آخرها، وتوفي أبوه في طاعون عمواس(3).
ص: 457
أدرك زمن النبي(صلی اللّه علیه و آله وسلّم) ... وكنيته أبو سعيد الكوفي، وكان يحبّ عثمان، وكان إمام مسجد جهينة، وقال الخطيب:وكان ثقة ومات في ولاية الحجاج(1)
من أصحاب رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله وسلّم) ذكر الصدوق أنه سمعت شيخنا محمد بن
الحسن يروي أن الصادق(علیه السلام) قال: «ما زال الزبير منا أهل البيت حتى أدرك فرخه ونهاه عن رأيه»، كانت أُمّه أسماء ذات النطاقين بنت أبي بكر، وهو من المبغضين لأمير المؤمنين(علیه السلام) ، كان يبغض بني هاشم ويلعن ويسب أمير المؤمنين (علیه السلام)قتله الحجّاج بمكة في 17 جمادى الثاني سنة 73 هجرية وصلبه. وقد أشار إلى ذلك أمير المؤمنين (علیه السلام)فى الأخبار الغيبية بقوله :«فيه حب ضب يروم أمراً فلا يدركه، ينصب حبالة الدين لاصطياد الدنيا وهو بعد مصلوب قریش »(2).
عبد اللّه بن شداد بن الهاد، واسم الهاد: أسامة الليثي الكوفي، من أصحاب على(علیه السلام) . وعده البرقي من خواص أصحاب أمير المؤمنين(علیه السلام) .
وقال الطبري في تاريخه:... ودخل الحجّاج عسكره في البصرة فانتهب ما فيه وجعل يقتل من وجد،حتّى قتل أربعة آلاف،فيقال: إنّ فيمن قتل عبد اللّه بن شداد(3) .
ص: 458
ولد بمكة في شعب بني هاشم قبل الهجرة بثلاث سنين، دعا له رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله وسلّم)فقال: «اللّهم فقّهه في الدين وعلمه الحكمة والتأويل. وكان عمر بن الخطاب يقرّبه ويُدنيه ويستشيره مع شيوخ الصحابة ... وكانت عائشة تقول: هو أعلم من بقي بالسنّة! شهد مع علي بن أبي طالب (علیه السلام)صفّين، وقتال الخوارج بالنهروان وورد في صحبته المدائن. وكان قد عمى في آخر عمره ، وتوفي سنة ثمان وستين للهجرة.
وقال السيد الخوئي - بعد ذكر الأخبار المادحة والقادحة فيه - : والمتحصل ممّا ذكرنا أن عبد اللّه بن عباس كان جليل القدر، مدافعاً عن أمير المؤمنين والحسنين (علیه السلام)(1).
ابن هاشم بن عبد مناف بن قصي ، أبو قثم الهاشمي القرشي ، الملقب بالذبيح والد رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله وسلّم). ولد بمكة وهو أصغر أبناء عبد المطلب، وكان هو وأبو طالب من أم واحدة وهي عاتكة بنت أرقص .وقال اليعقوبي : وتوفّي عبد اللّه بن عبدالمطلب أبو رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله وسلّم) - على ما روى جعفر بن محمد - بعد شهرين من مولده (رسول اللّه). وقال بعضهم: إنّه توفّي قبل أن يولد، وهذا قول غير صحيح لأن الإجماع على أنه توفي بعد مولده. وقال آخرون : بعد سنة من مولده، وكانت وفاته بالمدينة عند أخوال أبيه بنى النجار فى دار تُعرف بدار النابغة، وكانت سنه يوم توفّي خمساً وعشرين سنة(2).
ص: 459
هو أبو عبد الرحمن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب، القرشي العدوي، أسلم مع أبيه وهو صغيرٌ لم يبلغ الحلم، وهاجر مع أبيه إلى المدينة، وتوفى بمكة سنة ثلاث وستين، وهو ابن أربع وثمانين سنة، وكان قد أوصى أن يُدفن في الليل، قلم يقدر على ذلك من أجل الحجاج ودفن بذي طوى، في مقبرة المهاجرين(1).
عبد اللّه بن محمد بن عقيل:
الإمام المحدّث أبو محمّد عبد اللّه بن محمد بن عقيل ابن عم النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، أبي طالب الهاشمي الطالبي المدني،وأُمه هي زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب(علیه السلام)...قال خليفة وابن سعد مات ابن عقيل بعد الأربعين ومائة(2).
من أصحاب رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)كما في رجال الشيخ، وقال الكشي: إن عبد اللّه ابن مسعود كان شريكاً في قتل عثمان ، وهو من الاثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر، وهو راوي حديث اثنى عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل...
وقال السيد الخوئي: ويدلّ على أنه لم يتبع أمير المؤمنين(علیه السلام)ولم يشايعه بل استقل أمره ما نقل من فتاواه في الفقه، وما ورد من الروايات في تخطئته، ثم ذكر عدة من هذه الروايات القادحة، ثمّ قال: والمتلخص مما ذكرناه أن عبد اللّه بن مسعود لم يثبت أنه والى علياً(علیه السلام)وقال بالحق، واللّه العالم.
ص: 460
وقال ابن حجر:... ومات سنة اثنتين وثلاثين أو في التي بعدها بالمدينة(1).
من أصحاب رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)كما في رجال الشيخ، وقال الذهبي:رأى النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وروى عنه حديثاً ، وروى أيضاً عن عمه عبد اللّه بن مسعود ... وقال ابن سعد : توفي سنة أربع وسبعين.(2) .
عبد اللّه بن موسى :
هو مشترك بين عبد اللّه بن موسى الهادي بن المهدي بن المنصور الذي كانت أُمّه أمّ ولد، وكان أديباً مليح الشعر.
وبين عبد اللّه بن موسى بن الكريد.
والمراد في هذا الكتاب: ابن الكريد عبد اللّه بن موسى بن الحسن بن إبراهيم السلامي أبو الحسن بن الكريد ، توفّي في المحرّم سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ... وكان من الرحالة في طلب الحديث،وكان شاعراً كثير الحفظ للحكايات والنوادر،وصنّف كتباً كثيرة، وكان صحيح السماع(3).
عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة الغساني:معمر، من الدهاة. من أهل الحيرة ( في العراق)له شعر وأخبار، يقال: إنه باني قصر الحيرة. عاش زمناً طويلاً في الجاهلية، وأدرك الإسلام، وظل على النصرانية، واجتمع به خالد
ص: 461
ابن الوليد في الحيرة، وفي أمالي المرتضى خبر عن رجل من أهل الحيرة كان يحفر أساساً لبناء فظهر له قبر عبد المسيح بن بقيلة وعند رأسه أبيات من شعره. وهو ابن أُخت سطيح الكاهن(1).
زعيم قريش في الجاهلية وأحد سادات العرب ومقدميهم،مولده في المدينة ومنشأه بمكة،كان عاقلاً،ذا أناة ونجدة،فصيح اللسان، حاضر القلب، أحبه قومه ورفعوا من شأنه، فكان له السقاية والوفادة.
قال «سيديو»في خلاصة تاريخ العرب:مارس الحكومة العظمى بمكة من سنة 520 إلى سنة 579م.خلص وطنه من غارة الحبشة، وهو جد رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلم)،وقيل : اسمه «شيبة» و«عبدالمطلب» لقب غلب عليه ...وكان أبيض مديد القامة مات بمكة عن نحو ثمانين عاماً أو أكثر(2).
هو عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن أصمع أبو سعيد البصري المعروف بالأصمعي، صاحب لغة ونحو وإمام في الأخبار، وله كتب وتصانيف، ولد سنة 132 هجرية ومات 215 هجرية أو 217 هجرية ووقع في طريق الصدوق(3) .
عبدالملك بن مروان:
ابن الحكم بن أبي العاص بن أُمية، أبو الوليد الأموي، ولد سنة ست وعشرين،
ص: 462
تملك بعد أبيه الشام ومصر، ثمّ حارب ابن الزبير، وقتل أخاه مصعباً في وقعة مسكن ،واستولى على العراق،وجهز الحجّاج لحرب ابن الزبير، فقتل ابن الزبير سنة اثنتين وسبعين، واستوسقت الممالك لعبد الملك .
قال ابن عائشة : أفضى الأمر إلى عبد الملك والمصحف بين يديه، فأطبقه وقال : هذا آخر العهد بك . قال الشعبي : خطب عبد الملك ، فقال : اللهم إن ذنوبي عظام وكان الحجاج من ذنوبه، توفّى فى شوال سنة ست وثمانين عن نيف وستين سنة(1).
ابن كلاب من قريش ، من عدنان من أجداد رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، كان يُسمّى قمر البطحاء، وكان له أمر قريش بعد موت أبيه .قيل : اسمه «المغيرة» وعبد مناف لقبه.
بتوه المطلب وهاشم وعبد شمس ونوفل وأبو عمرو وأبو عبيد .والنسبة إليه منافي، مات بمكة وعلى بنيه اقتصر النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) حين أُنزل عليه(وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقرَبينَ)(2)
عبد الوهاب بن علي بن أحمد:
ابن محمّد بن موسى الشعراني، الأنصاري الشافعي الشاذلي المصري (أبو المواهب ، أبو عبد الرحمن)فقيه ، أصولي ، محدث، صوفي ، مشارك في أنواع من العلوم .ولد في قلقشنده بمصر في 27 رمضان ونشأ بساقية أبي شعرة من قرى المنوفية، وتوفّي بالقاهرة في سنة 973 هجرية .من تصانيفه الكثيرة :الجوهر
ص: 463
المصون والسرّ المرقوم فيما تتجه الخلوة من الأسرار والعلوم، الدرر المنثورة في زبد العلوم المشهورة. لواقح الأنوار في طبقات الأخيار(1).
وأُمّه من ثقيف. وكان أحد السابقين الأولين، وهو أسنّ من رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)يعشر سنين. هاجر هو وأخواه الطفيل وحصين ،وكان ربعة من الرجال ،مليحاً، كبير المنزلة عند رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ، وهو الذي بارز رأس المشركين يوم بدر فاختلفا ضربتين، فأثبت كلّ منهما الآخر، وشدّ علىّ وحمزة على عتبة فقتلاه ،واحتملا عبيدة وبه رمق، ثم توفّي بالصفراء ( قرية كثيرة النخل والمزارع وماؤها عيون) في العشر الأخير من شهر رمضان سنة اثنتين ،وقد أمره النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) على ستين راكباً من المهاجرين، وعقد له لواء، فكان أوّل لواء عقد في الإسلام(2).
من أصحاب علي (علیه السلام)كما في رجال الشيخ، وقال ابن حجر في تقريبه : عبيدة ابن عمرو السلماني بسكون اللام ،ويقال: بفتحتها،المرادي،أبو عمرو الكوفي ،تابعي كبير مخضرم ،ثقة ثبت،كان شريح إذا أشكل عليه شي ء سأله، مات سنة اثنتين وسبعين أو بعدها، والصحيح أنه مات قبل سنة سبعين(3).
عاش ثلاثمائة سنة وخمسين سنة ، فأدرك النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وحسن إسلامه، وعمر
ص: 464
بعدما قبض النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)حتى قدم على معاوية في أيام تغلبه وملكه، وجاء في كتب السير والتاريخ اسمه عبيد بن شرية الجرهمي (1)، وقال ابن حجر:عبيد بن شرية - بمعجمة وزن عطيّة أحد المعمرين عاش مائتين وأربعين سنة، وقيل: ثلاثمائة سنة، وأسلم ووفد على معاوية ....
أُمّه أم كلثوم بنت جرول الخزاعية، ولد في عهد النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ... وقال عمر: إنى وجدت من عبيد اللّه ريح شراب فإنّي سائل عنه فإن كان يسكر جلدته... وفی قضية قتل أبيه ،عمر أتى بنت أبى لؤلؤة جارية صغيرة فقتلها ...وإن علياً(علیه السلام)كان حريصاً على أن يقتله بالهرمزان وقد قالوا :إنه هرب لما ولي الخلافة إلى الشام، فكان مع معاوية إلى أن قتل معه بصفين، ولا خلاف في أنه قتل بصفين مع معاوية وكان قتله في ربيع الأول سنة ست وثلاثين(2).
-بفتح أوله - بن أبي العيص - بكسر المهملة - بن أُمية الأموي، أبو عبد الرحمن، أو أبو محمد المكي له صحبة، وكان أمير مكة في عهد النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)ومات يوم موت أبي بكر، هكذا قال الواقدي، لكن ذكر الطبري أنه كان عاملاً على
مكة لعمر سنة إحدى وعشرين(3).
ص: 465
روى عن يحيى بن بكير ... وروى عن عبد اللّه بن موسى، وروى عنه الحسين ابن موسى النحاس(1).
عثمان بن حنیف :
الأنصاري،عربي،من أصحاب أمير المؤمنين(علیه السلام)،وعده البرقي من شرطة الخميس من أصحاب أمير المؤمنين(علیه السلام) . وذكر ابن شهر آشوب أنه شهد وقعة الجمل مع أمير المؤمنين(علیه السلام)، وقال : شهدت الحروب فشيبتني قلم أر يوماً كيوم الجمل. وهو من الاثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر، وذكر المفيد أنه كان عامل أمير المؤمنين (علیه السلام)على البصرة ، وقد أخرجه منها أهلها بعد الضرب المبرح ونكلهم بيعة أمير المؤمنين(علیه السلام)، وقد حثّ أمير المؤمنين(علیه السلام)أصحابه على قتالهم .وكان يُكنى أبا عبد اللّه،وهو والد عبد اللّه،وحارثة،والبراء،ومحمد،وأخو سهل ابن حنيف.توفّي في خلافة معاوية(2).
هو أبو القاسم عثمان بن سعيد بن بشار، الأحول ،الأنماطي، الفقيه الشافعي. كان من كبار فقهاء الشافعيّة، أخذ الفقه عن المزني والربيع بن سليمان المرادي ،وأخذ عنه أبو العباس بن شريج وغيره، وكان هو السبب في نشاط الناس ببغداد في كتب الشافعي وتحفظها. وتوفي في شوال سنة ثمان وثمانين ومائتين ببغداد(3).
ص: 466
لم يذكروه،روی سعد بن طالب عنه عن زيد بن أرقم عن رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)النص على أمير المؤمنين(علیه السلام) وولايته(1).
أبو عبد اللّه ،أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، وانتقل إلى البصرة، ثم إلى مصر، فتزوج وأقام بها سبع سنين وعاد إلى المدينة فتوفّي فيها، وهو أخو عبد اللّه بن الزبير، ولد سنة اثنتين وعشرين ، وقيل:ستّ و عشرين، وتوفي سنة أربع وتسعين للهجرة. وعده ابن أبي الحديد من المنحرفين عن علي (علیه السلام)، وكان يأخذ الجعل من معاوية ليروي أحاديث قبيحة في علي (علیه السلام)(2).
أبو محمد القرشي، مولاهم المكي، مفتي الحرم ، كان من مولدي الجند، ونشأ بمكة ، ولد في أثناء خلافة عثمان ، حدّث عن عائشة وابن عباس و ... وحدّث عنه مجاهد بن جبر و .... سمعت بعض أهل العلم يقول : كان عطاء أسود أعور أفطس أشل أعرج،ثمّ عمي.قال أبو داود:وقطعت يده مع ابن الزبير.مات عطاء سنة أربع عشرة ومائة.وقال الواقدي:عاش ثمانياً وثمانين سنة(3).
عفیف بن قيس بن معدي كرب الكندي، ولا يختلف في أن له صحبة، قال
ص: 467
عقيف: كنت رجلاً فقدمت الحج فأتيت العباس بن عبد المطلب، إلى آخر الحديث، يذكر في ضمن حديث طويل قدمة إسلام علي بن أبي طالب(علیه السلام). وقال الطبري : اسمه ،شرحبيل ، وعفيف لقبه. وقال الجاحظ: اسمه شراحيل ولُقب عفيفاً. وقال ابن حجر:كان سيّداً في الجاهلية والإسلام ، وكان عابداً (1).
من أصحاب على(علیه السلام)، أخوه(علیه السلام) ، معظّم. وعن ابن عباس قال: كان بين طالب وعقيل عشر سنين ،وبين عقيل وجعفر عشر سنين، وبين جعفر وعلى(علیه السلام)عشر سنين ، وكان علي(علیه السلام) الأصغرهم .
وروي عن ابن عبّاس قال : قال على (علیه السلام)لرسول(صلی اللّه علیه وآله وسلّم):«يا رسول اللّه ، إنك لتحبّ عقيلاً ؟»قال : «إي واللّه، إني لأحبه حبين : حبّاً له ، وحباً لحبّ أبي طالب له ،وإن ولده لمقتول في محبة ولدك »(2).
كان عكرمة وأبوه شديد العداوة لرسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)في الجاهلية، وكان فارساً مشهوراً، هرب حين الفتح فلحق باليمن ولحقت به امرأته أُم حكيم بنت الحارث ابن هشام فأتت به النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) فأسلم، وذلك سنة ثمان بعد الفتح... ووجهه أبو بكر إلى عمان ... ثمّ إلى اليمن، ثمّ لزم عكرمة الشام مجاهداً حتى قتل يوم اليرموك في خلافة عمر؛ هذا قول ابن إسحاق، واختلف في زمان وفاته ؛ قيل : قتل يوم
ص: 468
أجنادين، وقيل: يوم مرج الصفر سنة ثلاث عشرة وهو ابن اثنتين وستين سنة(1) .
قال ابن خلكان في حقه :هو أبو عبد اللّه عكرمة بن عبد اللّه ، مولى عبد اللّه بن عبّاس، أصله من البربر من أهل المغرب، كان لحصين بن الخير العنبري فوهبه لابن عباس حين ولّى البصرة لعليّ بن أبي طالب (علیه السلام).حدث عن عبد اللّه بن عبّاس وعبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري والحسن بن على(علیهما السلام) وعائشة ، وهو احد فقهاء مكة وتابعيها،وكان ينتقل من بلد إلى بلد...وقد تكلّم الناسُ فيه لأنه كان يرى رأي الخوارج...[وكان ناصبيّاً فظاغليظاً]و توفي عكرمة في سنة سبع ومائة... وعمره ثمانون وعكرمة .وهو في الأصل اسم الحمامة الأنثى ، فسمّي به الإنسان(2).
مشترك بين جماعة ، منهم : علقمة بن عبدة بن ناشرة بن قيس من بني تميم ،شاعر جاهلي من الطبقة الأولى، كان معاصراً لامرئ القيس .
ومنهم :علقمة بن علاثة بن عوف الكلابي العامري، والٍ ، من الصحابة، من بني عامر بن صعصعة، كان في الجاهلية من أشراف قومه، وفد على قيصر ... ثم أسلم. وارتد في أيام أبي بكر، فانصرف إلى الشام ... ثم عاد إلى الإسلام وولاه عمر.
ومنهم:علقمة بن قيس بن عبد اللّه بن مالك النخعي الهمداني، يشبه ابن مسعود في هديه وسمته وفضله، ولد في حياة النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وشهد صفين وغزا
ص: 469
خراسان، وأقام بخوارزم سنتين، وبمرو مدة، وسكن الكوفة فتوفي فيها.
ومنهم :علقمة بن مجزر بن الأعور الكناني المدلجي ، قائد من الصحابة، شهد اليرموك وحضر الجابية، وكان عاملاً لعمر على حرب فلسطين، ومات غريقاً في طريقه إلى الحبشة(1).
هو الثقة الجليل أبو الحسن علیّ إبراهيم بن هاشم القمي، أصله من الكوفة وانتقل إلى قم، وأصحابنا يقولون : إنّه أوّل من نشر حديث الكوفيين بقم وذكروا أنه لقي الرضاء(علیه السلام).
وقال النجاشي : ذكره الجاحظ يحكي عنه في كتبه ، وقد ذكره في المفاخرة بين العدنانية والقحطانية ، وإنّه صنف كتباً كثيرة ذكر ابن بطة أن له أربعة وتسعين كتاباً منها كتاب النوادر ، كتاب الاستطاعة والأفعال والردّ على أهل القدر والجبر، كتاب المبدأ، كتاب الإمامة ، كتاب المتعة، كتاب المغازي، كتاب الكفر والإيمان، كتاب التفسير .... توفي سنة 217 للهجرة (2).
روى عن أبي جعفر الثاني(علیه السلام)مكاتبة،وروى عنه موسى بن جعفر البغدادي(3).
أبو الدنيا المعمر البلوي الأشج، روى الصدوق في الإكمال باب المعمرين
ص: 470
جملة من أحواله ورواياته، وفيها دلالات على حسنه وكماله، أدرك أمير المؤمنين (علیه السلام)وحضر معه في صفين، وبقي إلى أن رأى الحجّة المنتظر (علیه السلام)(1).
بهاء الدين أبا الحسن علي بن فخر الدين عيسى بن أبي الفتح الأربلي نزيل بغداد ودفينها، المتوفى فيها سنة 693 للهجرة ، أثنى عليه المؤلف والمخالف،وذكروا له تأليف قيمة مثل:المقالات الأربع،رسالة في الطيف، كشف الغمة . اتفق الإمامية على أنّه من عظمائهم والأوحدي التحرير من علمائهم . وقال محمّد ابن شاكر في فوات الوفيات:هو المنشئ الكاتب البارع ،له شعر وترسل، وكان رئيساً ... ولا يكون هو وزيراً للمقتدر باللّه كما ذكر في أكثر الكتب، بل الوزير شخص آخر في أخريات القرن الرابع. ولعلّ اشتراكهما في الاسم صار مصدراً لهذه المزعمة(2).
روى عن معروف بن خربوذ، وروى عنه عبيد بن إسحاق العطار، وسعيد بن محمد الجرمي ، وقع في طرق الشيخ في أماليه، ووقع في طريق الصدوق في الأمالي عن المسعودي(3).
العلامة الحافظ الصادق أبو الحسين على بن محمد بن عبد اللّه بن أبي سيف
ص: 471
المدائني الأخباري، نزل بغداد وصنف التصانيف، وكان عجباً في معرفة السير والمغازي والأنساب وأيَّام العرب، مصدّقاً لما ينقله، عالى الإسناد، ولد سنة اثنتين وثلاثين ومائة. وقيل له فى مرضه ما تشتهى ؟ قال : أشتهي أن أعيش ، قال : ومات سنة أربع وعشرين ومائتين، في دار إسحاق الموصلي ، كان منقطعاً إليه . من مصنفاته تاريخ الخلفاء، خطب علي وكتبه، أخبار أهل البيت، كتاب الجواهر، أخبار الحجاج ، أخبار الشعراء وغير ذلك(1).
على الخواص:
من علماء الباطن وسلك طريق التصوّف بعد علوم الشريعة، وكان يكثر الصوم ولا يكتسي إلا ثياباً بالية، توفي سنة 973ه(2).
الإمام الكبير، أبو اليقظان المكي، مولى بني مخزوم، أحد السابقين الأولين ،والأعيان البدريين، وأمه هي سميّة مولاة بني مخزوم، من كبار الصحابيات ... وعن عبد اللّه بن سلمة قال : رأيت عماراً يوم صفين شيخاً آدم، طوالاً، وإن الحربة في يده لترعد، فقال: والذي نفسي بيده لقد قاتلت بها مع رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)ثلاث مرات وهذه الرابعة وعن عمرو بن ميمون قال : عذب المشركون عماراً بالنار فكان النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)يمر به فيمر يده على رأسه ويقول: يا ناركوني برداً وسلاماً على عمار كما كنت على إبراهيم، تقتلك الفئة الباغية (3).
ص: 472
القدوة الإمام ، صاحب رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، أبو نجيد الخزاعي، أسلم في سنة سبع للهجرة، وله عدة أحاديث، وولي قضاء البصرة، وكان عمر بعثه إلى أهل البصرة ليفقههم . قال زرارة :رأيت عمران بن حصين يلبس الخز، وكان ممن اعتزل الفتنة، ولم يحارب مع علي(علیه السلام)، أوصى لأمهات أولاده بوصايا، وقال: من صرخت علي فلا وصيّة لها، توفّي عمران سنة اثنتين وخمسين(1).
وقال السيد الخوئي : هو من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين (علیه السلام)(2).
هو عمر بن سعد بن أبي الصيد الأسدي، لم يذكروه، وله كتاب جمع فيه حملة من كتب أمير المؤمنين (علیه السلام)وغيرها، نقل منه نصر بن مزاحم في كتابه مكرراً. وهذا غير عمر بن سعد الملعون الذي حارب الحسين (علیه السلام)(3).
أبو زيد البصري النحوي توفّي في جمادى الآخرة سنة اثنتين وستين ومائتين يسامراء، وبلغ من العمر تسعين سنة، وكان راوياً للأخبار عالماً بالآثار، أديباً فقيهاً صدوقاً،وله من التصانيف كتاب الكوفة،كتاب البصرة،كتاب أمراء المدينة،كتاب أمراء مكة،كتاب السلطان، كتاب الأغاني، كتاب التاريخ كتاب النحو و ...(4).
ص: 473
العامري، من بنى لؤي ،من قریش، فارس قریش و شجاعها في الجاهلية ،أدرك الإسلام ولم يسلم ،وعاش إلى أن كانت وقعة الخندق فحضرها وقد تجاوز الثمانين، فقتله على بن أبي طالب (علیه السلام)(1).
من خلفاء بني أمية، ولد بالمدينة سنة ستين وتوفي يوم الجمعة لخمس من رجب سنة إحدى ومائة بدير السمعان. وكانت خلافته تسعة وعشرين شهراً، وكان أبيض رقيق الوجه نحيف الجسم، حسن اللحية، غائر العينين بجبهته أثر حافر دابة، ولذلك سمّي أشج بني أمية (2).
زيدي ،له كتاب قرائة زيد بن علي (علیه السلام)، وموت هذا الوجيهي قريب من موت الأوزاعي(3) .
لم أجد له ترجمة في الكتب ولم يذكر اسمه بهذا العنوان إلا في «منار الهدى »و«أضواء البيان»للشنقيطي (514:3) ولكن ذكر فيه «النهمي» بدل«الفهمي».
ص: 474
ابن عمرو بن عثمان أخو سعيد بن حريث كان عمرو من بقايا أصحاب رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)الذين كانوا نزلوا الكوفة، مولده قبل الهجرة، ولي إمرة الكوفة لزياد ، ثمّ لابنه عبيد الله ، ومات بها في سنة خمس وثمانين.
وذكر في اختيار معرفة الرجال قصة ميثم التمار وقال : قال عمرو بن حریث لابن زياد : أصلح اللّه الأمير، تعرف هذا المتكلّم؟ قال: من هو ؟ قال : ميثم التمار الكذاب مولى الكذاب علي بن أبي طالب ... [العياذ باللّه](1).
عده الشيخ من أصحاب علي(علیه السلام)، و من أصحاب الحسن(علیه السلام) ، وعدّه البرقي من شرطة الخميس من أصحاب علي (علیه السلام)، وكان يُعد من حواري أمير المؤمنين(علیه السلام) ، وكان منه بمنزلة سلمان من رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، وشهد معه مشاهده كلها :الجمل وصفين والنهروان ،قتله معاوية، ورأسه أوّل رأس حمل في الإسلام، ودفن بظاهر الموصل، وابتدأ بعمارته أبو عبد اللّه سعيد بن حمدان ابن عمسيف الدولة في شعبان من سنة 336 للهجرة(2).
ابن كعب التميمي السعدي، أبو بيهس:شاعر،من المعمرين الفرسان في الجاهليّة. قيل: أدرك الإسلام، وأمر بهدم البيت الذي كانت تعظمه ربيعة في الجاهلية، لقب «المستوغر» لقوله يصف فرساً عرقت :
ص: 475
ينش الماء في الربلات منها ***نشيش الرضف في اللين الوغير (1)
صاحب معاوية بن أبي سفيان ومدبر أموره تولّى مصر في حكومة معاوية ولم يزل بها أميراً إلى أن مات يوم عيد الفطر سنة 43 ، ولما حضرته الموت قال في جواب ابن عبّاس: كيف تجد الموت ؟ أجد كأن السماء منطبقة على الأرض وكأنّى بينهما وكأنما أتنفس من خرم إبرة .وخاطبه أمير المؤمنين(علیه السلام)بأبتر ابن الأبترء وشانئى محمّد وآل محمد في الجاهلية والإسلام(2).
عمرو بن عبید بن باب :
التيمي بالولاء ، أبو عثمان البصري، شيخ المعتزلة في عصره ومفتيها، كان جده من سبی فارس ، وأبوه نساجاً ثم شرطياً للحجاج في البصرة. واشتهر عمرو بعلمه وأخباره مع المنصور العباسي وغيره، وفيه قال المنصور:
كلكم طالب صيد*** غیر عمرو بن عبيد
له رسائل وخطب وكتب، منها «التفسير» و«الرد على القدرية» توفي بمرّان ( بقرب مكة )(3).
لم يذكر«بن عنبسة »بل هو عمرو بن عبسة بدون النون، هو من بني سليم ويُكنى أبا نجيح السلمي البجلي ، أحد السابقين في الإسلام، وكان من أمراء الجيش يوم وقعة اليرموك ، لعله مات بعد سنة ستين(4).
ص: 476
ابن يزيد، الإمام المحدّث،أبو عيسى الربعي الواسطي،كان له عدة إخوة،أسلم جدّهم يزيد على يد الإمام على(علیه السلام) فجعله على شرطته، ذكره أحمد فقال : ثقة ثقة، وقال يزيد بن هارون:كان صاحب أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، قال:
توفى سنة ثمان وأربعين ومائة(1) .
المسمون بهذا الاسم جماعة ،منهم :عوانة بن الحكم بن عياض بن وزر الكلبي، أبو الحكم، المتوفى سنة 147ه.
ومنهم :عوانة بن الحسين البزاز، كوفي ، مات سنة أربع وستين ومائتين للهجرة.
ومنهم :عوانة بن عاصم الأنصاري، من أصحاب الصادق (علیه السلام)(2).
من ولد قابيل، وكان جباراً في الأرض عدواً لله وللإسلام، وله بسطة في الجسم والخلق ، وكان يضرب يده فيأخذ الحوت من أسفل البحر ثم يرفعه إلى السماء فيشويه فى حر الشمس فيأكله، وكان عمره ثلاثة آلاف وستمائة سنة، وروي أنه لما أراد نوح(علیه السلام) اللّه أن يركب السفينة جاء إليه عوج فقال له: احملني معك، فقال : إنّي لم أُومر بذلك، فبلغ الماء إليه وما جاوز ركبتيه وبقي إلى أيام موسى(علیه السلام) الا فقتله موسی (3).
ص: 477
عويم بن ساعدة بن عائش بن قيس بن النعمان بن زيد الأنصاري، من بني عمرو بن عوف، بدري كبير، شهد العقبتين في قول الواقدي، وآخى رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)ينه وبين عمر بن الخطاب، وقيل: كان أوّل من استنجى بالماء. قال ابن سعد: توفّي عويم بن ساعدة في خلافة عمر، وهو ابن خمس وستين سنة (1).
الشيخ الأجل أبو النصر محمد بن مسعود بن محمد بن عياش السلمي السمرقندي ، قال مشايخ الرجال: إنه ثقة صدوق ،عين من عيون هذه الطائفة، له كتب كثيرة تزيد على مائتي مصنف ، منها : كتاب التفسير المعروف، وكان في أوّل عمره عامي المذهب وسمع حديث العامة وأكثر منه ثم تبصر وعاد إلينا وهو حديث السن سمع أصحاب علي بن الحسين بن فضال وجماعة من شيوخ الكوفيين والبغداديين والقميّين،وأنفق على العلم والحديث تركة أبيه سائرها (أي جميعها)وكانت ثلاثمائة ألف دينار، ومن تلاميذه محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي صاحب كتاب الرجال المشهور(2).
عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو الفزاري أبو مالك، يقال: كان اسمه حذيفة، فلقب عيينة لأنّه كان أصابته شجّة فجحظت عيناه . قال ابن السكن : له صحبة وكان من المؤلّفة قلوبهم، ولم يصح له رواية، أسلم قبل الفتح وشهدها وشهد حنينا والطائف، وبعثه النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)لبنى لبني تميم فسبى بعض بني العنبر، ثم كان ممن ارتد في عهد أبي بكر ومال إلى طلحة فبايعه ثم عاد إلى الإسلام(1).
أمّ الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(علیه السلام).وفى الاغاني :أول هاشمية تزوجها هاشمي ...وكانت الرسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)بمنزلة الأم، ربي في حجرها وكان شاكراً لبرها، وكان يُسمّيها أُمّي، وكانت تفضّله على أولادها في البر ، كان أولادها شعثاً رمضاً ويصبح رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)كحيلاً دهيناً، روى الحاكم في المستدرك بسنده أنها كانت بمحل عظيم من الإيمان في عهد رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)سبقت إلى الإسلام وهاجرت إلى المدينة، ولما توفيت كفنها رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)فی قميصه وأمر من يحفر قبرها فلما بلغوا لحدها حفره بيده واضطجع فيه، وقال: اللهم اغفر لأمي فاطمة بنت أسد، ولقنها حجّتها ووسع عليها مدخلها. فقيل: يا رسول اللّه، رأيناك صنعت شيئاً لم تكن تصنعه بأحد قبلها ؟ فقال: «ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنّة »(2).
ص: 479
فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة امرأة عبد المطلب وأُمْ عبد اللّه - أصغر ولد أبيه - وأبو طالب والزبير وعبد الكعبة وعائكة وأميمة وبرة ولد عبد المطلب(1).
واسمه إياس بن عبد ياليل، وإنه جاء إلى أبي بكر، فقال له: أعِنِّي بالسلاح أقاتل به أهل الردّة. فأعطاه سلاحاً وأمره فخالف إلى المسلمين، وخرج حتى نزل بالجواء وبعث نخبة بن أبي الميثاء من بني الشريد وأمره بالمسلمين، فشنّ الغارة على كل مسلم في سليم وعامر ،وهوازن، فبلغ ذلك أبا بكر، فأرسل إلى طريفة بن حاجز يأمره أن يجمع له ويسير إليه، وبعث إليه عبد اللّه بن قيس الحاشي عوناً فنهضا إليه وطلباه فلاذ منهما ثم لقياه على الجواء فاقتتلوا وقتل نخبة وهرب الفجاءة فلحقه طريقة فأسره ثم بعث به إلى أبي بكر، فلما قدم أمر أبو بكر أن توقد له نار في مصلى المدينة ثم رمي به فيها مقموطاً(2).
الفضل بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي ، ابن عم سيدنا رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، كان أكبر الإخوة وبه كان يكنّى أبوه وأمه، واسمها لبابة بنت الحارث الهلالية، قال البغوي: كان أسنّ ولد العبّاس وغزا مع النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)مكة وحنيناً وثبت معه يومئذ، وشهد معه حجّة الوداع وكان يُكنى أبا العباس
ص: 480
وأبا عبد اللّه ... وحضر غسل رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وله أحاديث. قال الواقدي: مات في طاعون عمواس ، وتبعه الزبير وابن أبي حاتم . وقال ابن السكن : قتل يوم أجنادين في خلافة أبي بكر و ...(1).
المسمون بهذا الاسم جماعة، منهم: فضيل بن علي بن أحمد بن محمّد الجمالي، فقيه حنفي من العلماء بالفرائض ، تركي الأصل، من القضاة.
ومنهم : الفضيل بن عياش بن مسعود التميمي اليربوعي، أبو علي، شيخ الحرم المكى، من أكابر العباد الصلحاء.
ومنهم :الفضيل الورتلاني الجزائري، صاحب كتاب «الجزائر الثائرة، ولد في قبيلة بني ورتلان .
ومنهم: فضيل بن النعمان الأنصاري السلمي ، قتل يوم خيبر؛
ومنهم :فضيل بن فضالة تابعي و ...(2).
هشام بن عمرو، رأس الهشامية وهي فرقة من المعتزلة كبيرهم هذا هشام الفوطي، زاد على أصحابه المعتزلة ببدع ابتدعها منها أنه قال : الجنة والنار ليستا مخلوقتين الآن... ومن أصحابه أبو بكر الأصم وافقه في كلّ ذلك وبالغا في نفي إضافة الطبع والجسم إلى اللّه تعالى ،وكان من أهل البصرة وسافر إلى عدة بلدان
ص: 481
من البحر وكان داعية إلى الاعتزال، وله من الكتب كتاب المخلوق، كتاب الردّ على الأصم في نفي الحركات، كتاب خلق القرآن و ...(1).
مشترك بين جماعة كثيرة، والمذكور في هذا الكتاب من مشايخ الكليني وهو القاسم بن العلاء الذي روى عن إسماعيل بن علي الفزاري،وعنه محمد بن أحمد من أهل،آذربيجان من وكلاء الناحية،وممن رأى الحجة سلام اللّه عليه و وقف على معجزته(2).
القاسم بن محمد بن أبي بكر القرشي التيمي،أبو محمد ويقال:أبو عبد الرحمان المدني ، روى عن أسلم مولى عمر بن الخطاب وعبد اللّه بن عمر وأبيه محمد بن أبي بكر و.... وذكره محمد بن سعد في الطبقة الثانية من أهل المدينة. وقال : أُمّه أم ولد يقال لها: سودة . وقال البخاري :قتل أبوه قريباً من سنة ست وثلاثين بعد عثمان .وبقي القاسم يتيماً في حجر عائشة. وفي سنة موته اختلاف بين سنة إحدى ومائة واثنتين وست وسبع وثمان وتسع واثنتي عشرة وسبع عشرة ومائة(3) .
عياض بن موسى بن عياض بن عمرو اليحصبي السبتي، أبو الفضل، عالم
ص: 482
المغرب وإمام أهل الحديث في وقته، كان من أعلم الناس بكلام العرب وأنسابهم وأيامهم، ولي قضاء سبتة، ومولده فيها، ثم قضاء غرناطة، وتوفي بمراكش مسموماً ، قيل : سمّه اليهودي من تصانيفه«الشفاء بتعريف حقوق المصطفى»و«الغنية في ذكر المشيخة»و...(1).
عبد الجبّار بن أحمد بن عبد الجبّار الهمذاني الأسدآبادي، أبو الحسين، ،قاض، أصولي، كان شيخ المعتزلة في عصره، وهم يلقبونه قاضي القضاة. ولا يطلقون هذا اللقب على غيره، ولى القضاء بالري، ومات فيها، له تصانيف كثيرة ، منها:«تنزيه القرآن عن المطاعن» و «شرح الأصول الخمسة» و«المغني في أبواب التوحيد والعدل»(2).
أبو الخطاب السدوسي البصري، مفسّر حافظ ضرير أكمه، رأساً في العربية ومفردات اللغة وأيّام العرب والنسب، وكان يرى ،القدر، وكانت ولادته في سنة 61ه ووفاته في سنة 118 للهجرة بسبب الطاعون (3).
أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي المفسّر ، كان من العلماء العارفين، الورعين الزاهدين في الدنيا. وله
ص: 483
مصنفات منها: «الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وأي الفرقان=تفسير القرطبي»، و«كتاب التذكار في أفضل الأذكار» و «كتاب التذكرة بأمور الآخرة» و... إنه من الراحلين من الأندلس ، وكان مستقر بمنية ابن خصيب، وتوفي و دفن بها في ليلة الاثنين التاسع من شوّال سنة 671(1).
أبو العباس أحمد چلبي بن يوسف بن أحمد الشهير بأحمد بن سنان القرماني الدمشقي، صاحب «أخبار الدول وآثار الأُوَل» لخّصه من تاريخ الجنابي حكي: أقدم أبوه سنان إلى دمشق وولي نظارة البيمارستان ونظارة الجامع الأموي،وانتقد عليه أنه باع بسط الجامع الأموي وحصره ، وإنّه خرب مدرسة المالكية فقتل بسبب هذه الأمور سنة 966. ثم نشأ ابنه أحمد وصار كاتب وقف الحرمين ، ثم ناظره وله مخالطة مع الحكّام .وعمّر بيتاً وحديقة بمحلة الجسر الأبيض من الصالحية ، وجمع تاريخه الشايع وتعرّض فيه لكثير من الموالي والأمراء المتأخّرين، مات بدمشق سنة 1019 ودفن بمقبرة الفراديس، و«القرمان» ككرمان إقليم بالروم (2).
قصي بن كلاب ، وأمّه فاطمة بنت سعد بن سهيل الأزدي، فلما مات كلاب تزوّجت فاطمة ربيعة بن حرام العذري، فخرج بها إلى بلاد قومه، فحملت قصيّا
ص: 484
معها، وكان اسمه زيداً ، فلما بَعُدَ من دار قومه سمّته قصيّاً، ودخل في شهر الحرام بمكّة وأقام بها، حتّى شرف وعزّ وولد له الأولاد وهو بنى داره بمكّة، وهي أوّل دار بنيت بمكة وهي دار الندوة. وكان قصيّ أوّل من أعزّ قريشاً، وظهر به فخرها و مجدها وسناها، وأسكنها مكّة وكانت قبل متفرقة الدار ، وكان له من الولد عبد مناف، وكان يُدعى القمر، وجعل السقاية والرئاسة له من بين أولاده، ومات فدفن بالحجون (1) .
قطر بن خليفة، أبو بكر الكوفي المخزومي الحنّاط ، تابعيّ ، ثقة ، شيعيّ ، مات سنة ثلاث وخمسين ومائة (2).
كان لعلي (علیه السّلام) غلام اسمه قنبر وكان يحب عليّاً حبّاً شديداً، وروي أن الحجاج ابن يوسف قال ذات يوم: أحبّ أن أصيب رجلاً من أصحاب أبي تراب فأتقرب إلى الله تعالى بدمه، فقيل له: ما نعلم أحداً كان أطول صحبة لأبي تراب من قنبر مولاه، فبعث في طلبه فأتي به ، فقال : أنت قنير ؟ قال : نعم ، قال : أبو همدان ؟ قال : نعم قال : مولى عليّ بن أبي طالب؟ قال : الله مولاي وأمير المؤمنين علي (علیه السّلام) ولي نعمتي. قال: ابرأ من دينه قال : إذا برأت من دينه تدلّني على دين غيره أفضل منه ؟ قال : إنّي قاتلك فاختر أي قتل أحبّ إليك ؟ قال : قد صيرت ذلك إليك . قال : ولم ؟ قال : لأنك لا تقتلنى قتلة إلا قتلتك مثلها، وقد أخبرتى أمير المؤمنين (علیه السّلام) أن منيتي تكون ذبحاً ظلماً بغير حق، فأمر به فذبح (3).
ص: 485
مرت ترجمته في مقدّمة التحقيق .
عدّه الشيخ ( تارة) في أصحاب الباقر(علیه السّلام) قائلاً: «قيس بن الربيع بتري». وأُخرى في أصحاب الصادق (علیه السّلام)قائلاً: «قيس بن الربيع الأسدي، أبو محمّد الكوفي». وقال الكشّيّ ذيل أحوال الحسين بن علوان الكلبي: «وقيس بن الربيع بتري، وكان له محبة» وكان يمسح على خفيه فى الوضوء ، فلما نقل له أبو إسحاق نهى الباقر(علیه السّلام) عنه تركه و ما مسح بعده (1).
قيس بن سعد بن عبادة بن دليم الأنصاري الخزرجي المدني، كان من النبي (صلّی الله علیه و آله) بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير، وكان ضخماً جسيماً طويلاً جدّاً، سيّداً مطاعاً ، كثير المال، جواداً كريماً ، يُعد من دُهاة العرب، قال عروة : كان قيس ابن سعد مع علي (علیه السّلام) في مقدّمته، ومعه خمسة آلاف قد حلقوا رؤوسهم بعد موت علي (علیه السّلام) ، فلما دخل الجيش في بيعة معاوية، أبى قيس أن يدخل وقال لأصحابه : ما شئتم ... قال الواقدي وغيره: إنّه توفّي في آخر خلافة معاوية (2).
ملك الروم واسمه هرقل ( وقيصر لقب كلّ من ملك ديار الروم) وهو الذي كتب رسول الله (صلّی الله علیه و آله) إليه ويدعوه إلى الإسلام، فلمّا قرأه خلا بدحية الكلبي
ص: 486
رسول النبي (صلّی الله علیه و آله) وقال : إني أعلم أن صاحبكم نبي مرسل وأنه الذي كنا ننتظره ونجده في كتابنا، ولكن أخاف الروم على نفسى ولولا ذلك لاتّبعته ...(1).
قينان من أولاد أنوش بن شيث بن آدم (علیه السّلام) ولد له بعد أن أتت له تسعون سنة ... وقام قينان بن أنوش - وكان رجلاً لطيفاً تقياً مقدساً - في قومه بطاعة الله وحسن عبادته واتباع وصيّة آدم وشيث، وكان قد ولد له مهلائيل بعد أن أتت عليه سبعون سنة، فلما دنا موته اجتمع إليه بنوه وبنو بنيه مهلائيل، ويرد ومتوشلح، ولمك ونساؤهم وأبناؤهم فصلى عليهم ودعا لهم بالبركة، فأقسم عليهم بدم هابيل أن لا يهبط أحد منهم من جبلهم المقدّس إلى ولد الملعون قابيل و... ومات. وكانت حياته تسعمائة سنة وعشرين سنة (2).
إن القيّم بأمور بني إسرائيل بعد يوشع كان كالب بن يوفنا أحد أصحاب موسی (علیه السّلام)،وهو زوج أخته مريم، وهو أحد الرجلين اللذَين يخافون الله ، وهما يوشع وكالب (3).
آخر الأكاسرة اسمه: يزدجرد بن شهريار برويز المجوسي الفارسي، انهزم من جيش الإسلام فاستولوا على العراق، وانهزم هو إلى مرو وولّت أيامه، ثم ثار عليه
ص: 487
أمراء دولته وقتلوه سنة ثلاثين. وقيل: بل بيته الترك وقتلوا خواصّه، وهرب هو واختفى في بيت فغدر صاحب البيت فقتله، ثم قتلوه به (1) .
هو أبو المنذر هشام بن أبي النصر محمد بن السائب بن بشر بن عمرو النسّابة، الكوفى.
وكان هشام من أعلم الناس بعلم الأنساب.
وتصانيفه تزيد على مائة وخمسين تصنيفاً، وأحسنها وأنفعها كتابه المعروف بالجمهرة في معرفة الأنساب ولم يُصنّف في بابه مثله... وتوفي سنة أربع ومائتين -وقيل : سنة ستّ - والأول أصح ، والله تعالى أعلم بالصواب (2).
كميل بن زياد النخعي صاحب الدعاء المشهور كان من أعاظم خواص أمير المؤمنين (علیه السّلام) وأصحاب سره. وعن تقريب ابن حجر: إنّه ثقة، رُمي بالتشيع ، ولما ولي الحجّاج - لعنه الله - طلب كميل بن زياد فهرب منه، فحرم قومه عطاءهم، فلما رأى كميل ذلك قال : أنا شيخ كبير وقد نفد عمري ولا ينبغي أن أحرم قومي عطاءهم، فخرج فدفع بيده إلى الحجّاج، فلمّا رآه قال له : لقد كنت أُحب أن أجد عليك سبيلاً ، فقال له كميل : لا تصرف عليَّ أنيابك، ولا تهدم عليّ فوالله ما بقي من عمري إلا مثل كواسر الغبار فاقض ما أنت قاض، فإن الموعد الله ، وبعد القتل الحساب. وقد أخبرني أمير المؤمنين (علیه السّلام) أنك قاتلي . قال له الحجاج : الحجّة
ص: 488
عليك إذاً ، فقال له كميل : ذاك إذا كان القضاء إليك ، قال : بلى، قد كنت فيمن قاتل عثمان بن عفان! اضربوا عنقه، فضربت عنقه فى عام 83 هجرية (1).
أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبري الملقب عماد الدين المعروف بالكيا الهراسي الفقيه الشافعي ، كان من أهل طبرستان وخرج إلى نيسابور وتفقه على إمام الحرمين أبي المعالي الجويني مدة إلى أن برع، وكان حسن الوجه جهوري الصوت، فصيح العبارة، حلو الكلام ، ثم خرج من نيسابور إلى بيهق ودرس بها مدة ثم خرج إلى العراق وتولى تدريس المدرسة النظامية ببغداد إلى أن توفّي (2).
الشاعر ، قدم على رسول الله (صلّی الله علیه و آله) مع قومه فأسلم وحسن إسلامه، قال مالك ابن أنس: إنّه عاش مائة وأربعين سنة، ومات سنة إحدى وأربعين للهجرة، وهو وعلقمة بن علاثة العامريان من المؤلّفة قلوبهم وقال في الإسلام:
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي ***حتى اكتسيت من الإسلام سربالا(3)
قال النجاشي: لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سالم (سليم) الأزدي الغامدي، أبو مخنف، شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم، وكان يسكن إلى
ص: 489
ما يرويه. وروى عن جعفر بن محمد (علیهما السّلام)، وصنّف كتباً كثيرة ، منها كتاب المغازي، كتاب السقيفة ، كتاب الردة ، كتاب فتوح الإسلام، كتاب الغارات كتاب مقتل الحسين (علیه السّلام) و ...(1).
ليث بن سعد بن عبد الرحمن عالم مصر وفقيهها ورئيسها قال الشافعي: هو أفقه من مالك ، وثقه أحمد وابن معين والناس . ولد سنة أربع وتسعين في قرية في أسفل مصر وتوفّي سنة خمس وسبعين ومائة، قدم بغداد سنة إحدى وستين ومائة، وعرض عليه المنصور ولاية مصر فأبى واستعفاه (2).
مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميري ، أبو عبد الله ؛ وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه تنسب المالكية .مولده ووفاته في المدينة. كان بعيداً عن الأمراء والملوك ، وشي به فضربه سياط انخلعت لها كتفه، ووجه الرشيد العباسي ليأتيه فيحدّثه ... وسأله المنصور أن يضع كتاباً للناس يحملهم على العمل به، فصنّف «الموطأ» وله «رسالة في الوعظ» و ...(3).
روى عن أمير المؤمنين (علیه السّلام) و وعن أبي ذر ، وكان من أصحاب علي (علیه السّلام) وممّن استبطن من جهته علماً كثيراً وكان أيضاً قد صاحب أباذر فأخذ من علمه، وكان
ص: 490
يقول في أيّام بني أميّة : اللهم لا تجعلني أشقى الثلاثة، فيقال له : وما الثلاثة ؟ فيقول : رجل يُرمى من فوق طمار، ورجل تقطع يداه ورجلاه ولسانه ،ورجل يصلب ورجل يموت على فراشه و ...(1).
مالك بن نويرة بن ضمرة بن شداد اليربوعي التميمي، أبو حنظلة فارس، ،شاعر، من أرادف الملوك في الجاهلية، يقال له «فارس ذي الخمار»، أدرك الإسلام وأسلم ، وولّاه رسول الله (صلّی الله علیه و آله) صدقات قومه، ولما صارت الخلافة إلى أبي بكر امتنع مالك من دفع الصدقات، فتوجه إليه خالد بن الوليد وقبض عليه في البطاح وأمر ضرار بن الأزور الأسدي بضرب عنقه، فالتفت مالك إلى زوجته وقال لخالد: هذه التي قتلتني وكانت في غاية الجمال . فقال : بل قتلك رجوعك عن الإسلام، فقال مالك: أنا مسلم فقال خالد یا ضرار اضرب عنقه ... وقبض خالد امرأته، وتزوج بها ، وبلغ الخبر أبا بكر وعمر قال عمر لأبي بكر : إن خالداً قد زنى فارجمه، قال ما كنت لأرجمه، فإنه تأوّل فأخطأ (2).
أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري المعروف بالماوردي، الفقيه الشافعي، كان من فقهاء الشافعيّة، أخذ الفقه عن أبي القاسم الصيمري بالبصرة، ثم عن الشيخ أبي حامد الإسفرايني ببغداد ، وله كتاب «الحاوي»، وفوّض إليه القضاء ببلدان كثيرة، واستوطن بغداد في درب الزعفران وروى عنه الخطيب أبو بكر
ص: 491
صاحب تاريخ بغداد، وقال: كان ثقةً وله من التصانيف غير الحاوي: «تفسير القرآن الكريم» و«النكت» و«العيون» و «أدب الدين والدنيا» و«الأحكام السلطانية» و «قانون الوزارة» و«سياسة الملك» و«الإقناع» في المذهب، وهو مختصر، وغير ذلك ، وصنّف في أصول الفقه والأدب. وتوفّي يوم الثلاثاء سلخ شهر ربيع الأول، سنة خمسين وأربعمائة، ودفن من الغد في مقبرة باب حرب ببغداد، وعمره است وثمانون سنة، والماوردي: نسبة إلى بيع الماورد، هكذا قاله السمعاني (1).
لم أعثر له على ترجمة في الكتب .
جاء في تاريخ اليعقوبي : متوشلح بن أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم (علیه السّلام). وقال - بعد ذكر ترجمة أخنوخ : ثم قام متوشلح بن أخنوخ بعبادة الله وطاعته، وكانت ولادته في خمس وستون من عُمر أبيه أخنوخ. وتوفّي في إحدى وعشرين من أيلول .يوم الخميس، وكانت حياته تسعمائة وستّين سنة (2).
جاء في كتب التراجم «مجالد بن سعيد» - فقط - روى عن قيس بن حازم ومرة الهمداني والشعبي و.... وعنه ابنه إسماعيل وابن المبارك و... قال إسماعيل بن مجالد: عاش أبي ستاً وتسعين سنة وتوفّي في سنة أربع وأربعين ومائة (3).
ص: 492
مجاهد بن حبر أبو الحجاج المخزومي المقري المفسّر، أحد الأعلام المكّي، مولى السائب ،من رجال الصحاح السنّة، ولد في خلافة عمر، وسمع سعد بن أبي وقاص وعائشة وابن عبّاس وابن عمر و... روى الواقدي عن ابن جريح قال : بلغ مجاهد ثلاثاً وثمانين سنة. وقال أحمد بن حنبل : توفّي مجاهد سنة ثلاث ومائة (1).
المسمّى بهذا الاسم جماعة، منهم: المحاملي الشافعي، أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم الضبي المحاملي الفقيه الشافعي ، أخذ الفقه عن الشيخ أبي حامد الإسفرايئي، وتوفّي سنة خمس عشرة وأربعمائة (2).
ومنهم: القاضي المحاملي الحسين بن إسماعيل بن سعيد الضبي المحاملي . ولد سنة خمس وثلاثين وتوفى سنة ثلاثين وثلاثمائة (3).
ومنهم: أبو عبيد المحاملي القاسم بن إسماعيل أخو القاضي، وتوفّي سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة (4).
بكسر الميم وفتح الفاء، فهو محفن الضبي وفد على معاوية فوقع في علي (علیه السلام) في خبر طويل (5).
ص: 493
كان منقطعاً إلى أمير المؤمنين(علیه السلام)منذ فطم ، وكانت أسماء بنت عميس [أُمه ] السبب في ذلك، وكان أمير المؤمنين (علیه السلام)ينزله بمنزلة أولاده، حضر مع أمير المؤمنين حرب الجمل وصفين وأبلى فيهما بلاء حسناً . ثم أرسله إلى مصر أميراً فدخلها في شهر رمضان سنة سبع وثلاثين فولى إمارتها لعلي (علیه السلام)ثم جهز معاوي عمرو بن العاص في عسكر إلى مصر، فقاتلهم محمد وانهزم ،ثم قتل في صفر سنة ثمان وثلاثين(1) .
أبو الحسين محمد بن بحر الشيباني الرهني = ( الدهني) ساكن نرماشير من أرض كرمان، قال بعض أصحابنا : إنه كان في مذهبه ارتفاع، وحديثه قريب من السلامة، له كتب منها كتاب البدع، كتاب البقاع، كتاب البرهان و... وقال الطوسى : كان من أهل سجستان، وكان متكلماً ، عالماً بالأخبار فقيهاً ... وله نحو من خمسمائة مصنّف ورسالة(2) .
المسمّى بمحمّد بن جبلة جماعة ، منهم : محمد بن جبلة، ويقال: خالد بن جيلة الرافقي، أصله خراساني، صدوق من الحادية عشرة، مات سنة خمس وخمسين(3) .
ص: 494
ومنهم محمد بن جبلة الأحمسي لم يذكروه، روى البرقي في المحاسن ( 1 :264) عن محمد بن علي عنه عن أبي الجارود عن أبي جعفر(علیه السلام).
ومنهم: محمد بن جبلة الكوفى، لم يذكروه، وله ولد المسمى بجبلة بن محمد ابن جبلة (1).
ولكن لم أجد في كتب التراجم والرجال«محمد بن جبلة»الموصوف ب«الخياط».
من أصحاب رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، عداده في الشاميين. وقال ابن الأثير:ابن حبيب المصري،وقيل: النصري، والصواب المصري. وقال ابن منده: وهو الصواب. ولا يعرف محمد بن حبيب في الشاميين ولا المصريين إلا محمد بن حبيب. روى عن أبي رزين العقيلي ...(2)
أبو جعفر محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد شيخ القميين وفقيههم ومتقدمهم ووجههم، ثقة ثقة عين مسكون إليه . له كتب منها كتاب تفسير القرآن، وكتاب الجامع ، وكتاب ثواب الأعمال ... وقال العلامة في حقه :«جليل القدر، عظيم المنزلة، عارف بالرجال موثوق به». وتوفي سنة 343، وابنه أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد أُستاذ الشيخ المفيد ومن مشايخ الإجازة(3).
ص: 495
محمد بن الحسن بن فروخ الصفار، أبو جعفر الأعرج، مولى عيسى بن موسى ابن طلحة، لم نجد من صرّح من الأصحاب بولادته، نعم صرح النجاشي وتبعه العلامة فى الخلاصة بأن وفاته طيب اللّه رمسه في سنة تسعين ومائتين في قم. وقال النجاشي: كان وجهاً في أصحابنا القميين ،ثقة ،عظيم القدر، راجحاً ،قليل السقط في الرواية، وذكر في مقدمة كتابه«بصائر الدرجات »له ثمانية وثلاثين كتاباً، منها كتاب«بصائر الدرجات» و«كتاب الملاحم »و«كتاب فضل القرآن» و..)(1).
أبوه أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، والحنفية لقب أمه خولة بنت جعفر بن قيس، وهي من سبي اليمامة فتزوجها أمير المؤمنين (علیه السلام). ولد في سنة 16 من الهجرة، وروى عبد اللّه بن عطاء عن أبي جعفر الباقر(علیه السلام) أنه قال: «أنا دفنت عمي محمّد بن الحنفية ونفضت يدي من تراب قبره». والكيسانية هم القائلون بإمامته، ولكن قال الشيخ المفيد : إنَّ محمّداً لم يدع قط الإمامة لنفسه، ولا دعا أحداً إلى اعتقاد ذلك فيه. وقال الصدوق: توفّي سنة 84. وقيل: سنة 81ه(2).
ولد سنة خمسين وطلب العلم في أواخر عصر الصحابة قال الواقدي: عاش اثنتين وسبعين سنة، وقال غيره:أربعاً وسبعين وتوفي سنة أربع وعشرين ومائة(3).
ص: 496
ورد ذكره في رواية عن شواهد التنزيل وفيها لقب بالقزويني ، وحكى الطبرسي هذه الرواية عن الحسكاني وذكره بلقب العرزمي، وعلى أي حال فالمذكور في كتب الرجال باسم محمد بن صالح جماعة لكن لم يلقب واحد منهم بالعرزمي
ولا القزويني،و ...(1).
هو كمال الدين أبو سالم محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي العدوي النصيبي الشافعي ( 582 -653ه) . كان من الصدور الأكابر والرؤساء ،المعظَّمين، ذا حشمة وجاه، إماماً في الفقه مفتياً، بارعاً في الحديث والأصول والخلاف ، مقدماً في الخطابة والقضاء ، متضلّعاً في الأدب والكتابة، ولد بالعمدية من قرى نصيبين ( هي مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادة القوافل من الموصل إلى الشام)، وبرع في المذهب، وسمع بنيسابور من المؤيد الطوسي و.... وتولى القضاء ببلاد بصرى، والخطابة بدمشق ، ثم طلب لمنصب الوزارة، فأيقظه اللّه تعالى وزهد في رياسات الدنيا، وحجّ في سنة 652 هجرية، ولمّا رجع من الحج سافر إلى حلب فتوفّي بها في السابع والعشرين من رجب، وألف تأليفات منها«مطالب السؤول في مناقب آل الرسول» و «كتاب الدائرة »(2).
ص: 497
محمّد بن عبد الجبار، صاحب أبي العباس ثعلب، له كتاب الياقوتية. روى عنه محمد بن بحر الشيباني(1).
محمد بن عبد اللّه الإسكافي البغدادي المعتزلي، أبو جعفر، متكلم ، أصله من سمرقند ، وكان عجيب الشأن في العلم والذكاء والمعرفة، وكان المعتصم قد أعجب به إعجاباً شديداً، فقدّمه ووسع عليه، وكان الإسكافي أوّلاً خياطاً، وكان أبوه وأمه يمنعانه من الاختلاف في طلب الكلام ويأمرانه بلزوم الكسب فضمه جعفر بن حرب إليه وكان يبعث إلى أمه في كل شهر عشرين درهماً بدلاً من كسبه . وله من الكتب كتاب اللطيف كتاب البدل، كتاب الرد على النظام، كتاب المقامات في تفضيل على(علیه السلام)، وكتاب المعيار والموازنة و.... وكانت وفاته سنة أربعين ومائتين(2).
أبو عمر الزاهد اللغوي محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم البغدادي صاحب ثعلب وتلميذه، كان آية في حفظ اللغة أملى فيها ثلاثين ألف ورقة من حفظه، وله مصنفات منها غريب الحديث على مسند أحمد، وكتاب الياقوتية، والنوادر وشرح الفصيح وتفسير أسماء الشعراء .... توفّى سنة خمس وثلاثين وثلاث مائة، وقيل: خمس وأربعين(3).
ص: 498
محمّد بن عبيد اللّه بن أبي رافع المدني، مولى آل النبي(صلی اللّه علیه وآله سلّم)، أخو عون وعبد اللّه . روى عن أبيه وزيد بن أسلم ...،وعنه ابناه معمّر ومغيرة ... قال ابن عدي : هو في عداد شيعة الكوفة ، يروي اشياء من الفضائل. وذكره الشيخ الطوسي بعنوان: محمد بن عبيد الله بن علي بن أبي رافع من أصحاب الصادق(علیه السلام) ، مات سنة 157(1).
مضت ترجمته تحت عنوان «الصدوق»، فراجعها.
لم أجد ترجمته في الكتب، وأما «محمد بن علي»من دون صفة «الصوّاف» فكثير ،ومشترك بين جماعة كثيرة.
محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين بن موسى مولى أسد بن خزيمة، أبوجعفر، جليل في أصحابنا،ثقة عين،كثير الرواية، حسن التصانيف، روى عن أبي جعفر الثاني(علیه السلام) مكاتبة ومشافهة ، سكن بغداد له من الكتب : كتاب الإمامة ، كتاب الواضح المكشوف في الردّ على أهل الوقوف كتاب المعرفة، كتاب بعد الإسناد، كتاب قرب الإسناد، كتاب ثواب الأعمال ، كتاب الرجال و...(2).
ص: 499
والمسمى بهذا الاسم جماعة ،منهم:محمّد بن الفضيل بن كثير الأزدي الصيرفي، أبو جعفر، من أصحاب الرضا(علیه السلام)، وعده الشيخ من أصحاب الصادق (علیه السلام).
ومنهم : محمّد بن الفضيل بن عطاء المدني الكوفي، من أصحاب الصادق (علیه السلام)كما في رجال الشيخ .
ومنهم: محمّد بن الفضيل بن غزوان الضبي مولاهم ،أبو عبد الرحمن، ثقة من أصحاب الصادق(علیه السلام).
ومنهم: محمّد بن الفضيل الزرقي، من أصحاب الصادق (علیه السلام)كما في رجال الشيخ .
ومنهم :محمّد بن الفضيل الهاشمي، روى عن أبي عبد اللّه (علیه السلام)، وروى عنه آبان ابن عثمان .
وقال السيد الخوئي: أقول : يظهر من عبارات الشيخ وتوصيفه محمّد بن الفضيل بالأزدي في جميع هذه الموارد،وبالكوفي في موردين، أن محمّد بن الفضيل الأزدي رجل واحد، أدرك الصادق والكاظم والرضا (علیه السلام)ظاهراً، واللّه العالم(1).
قال السيد الخوئي:محمد بن قاسم أبو بكر تقدّم في محمد بن أبي القاسم.وقال في ترجمة محمد بن أبي القاسم أبوبكر: محمد بن أبي القاسم أبو بكر
ص: 500
بغدادي متكلم، عاصر ابن همام، له كتاب في الغيبة(1).
محمّد بن القاسم بن أحمد فازشاه، أبو عبد اللّه الإصبهاني الشافعي المتكلم الأشعري، المعروف بالتصنيف، ذكره أبو نعيم فقال : كثير المصنفات في الأصول والفقه والأحكام، ورحل إلى البصرة، وروى عن محمد بن سليمان المالكي و.... توفي في شهر ربيع الأول سنة إحدى وثمانين.
ولعله أخذ بالبصرة عن أبي الحسن الأشعري فإنّه أدركه. قال أبو نعيم :كان ينتحل مذهب الأشعري(2).
محمّد بن معمر:
أبو عبد اللّه محمد بن معمر بن عبد الواحد بن الفاخر القرشي العبشمي الإصبهاني ، ولد في سنة عشرين وخمسمائة، وأملى ببغداد، وكان رئيساً بصيراً بمذهب الشافعي، مات بشيراز في ربيع الأول سنة ثلاث وستين وستمائة، وكان لا يجيز المناكير والموضوعات(3) .
لم يذكروه، وله روايات(4).
إمام النحو، أبو العباس ، محمّد بن يزيد الأزدي ، البصري النحوي، الأخباري
ص: 501
صاحب «الكامل»،وكان أكثر تفنناً في جميع العلوم من ثعلب له تصانيف كثيرة ، ومات فى أول سنة ست وثمانين ومائتين(1).
محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي، ويُعرف أيضاً بالسلسلى البغدادي ، أبو جعفر ، يُنسب إلى بيت طيب الأصل في كلين. وكان شيخ الشيعة في وقته بالري ووجههم ، ثم سكن بغداد في درب السلسلة بباب الكوفة وحدّث بها ، وقد انتهت إليه رئاسة فقهاء الإمامية في أيام المقتدر، وقد أدرك زمان سفراء المهدي(علیه السلام)، وجمع الحديث من مشرعه ومورده، وقد انفرد بتأليف كتاب الكافي في أيامهم. وكان مجلسه مثابة أكابر العلماء الراحلين في طلب العلم، وكان عالماً متعمقاً محدثاً ثقة حجّة ، عدلاً سديد القول، وله مصنفات كثيرة ، منها كتاب «الكافي»، كتاب الرجال، كتاب الرسائل و ... مات -كما يقول النجاشي - ببغداد سنة329 (2).
هو الحافظ أبو عبد اللّه محمد بن يوسف بن محمد الكنجى الشافعي صاحب كتاب كفاية الطالب في المناقب ، المتوفى سنة 658، نسبته إلى كنجه بين إصفهان و خوزستان نزل بدمشق، ومن مصنفاته: البيان في أخبار صاحب الزمان (3).
ص: 502
يعبرون عنه بالشيخ الأكبر، أبو عبد اللّه محمّد بن علي بن محمد الحاتمي الطائي الأندلسي المكي الشامي، صاحب كتاب الفتوحات المكية، برع في علم التصوّف، ولقي جماعة من العلماء والمتعبدين والناس فيه على ثلاثة أقسام: الأول : من يكفّره بناءاً على كلامه المخالف للشريعة المطهرة و.... الثاني: من يجعله من أكابر الأولياء العارفين، وسند العلماء العاملين بل يعده من جملة المجتهدين، منهم الفيروزآبادي صاحب القاموس والشعراني و... والقسم الثالث : من اعتقد ولايته وحرم النظر في كتبه منهم الجلال السيوطي . له مصنفات كثيرة، وأعظم كتبه وآخرها تأليفاً الفتوحات المكيّة في معرفة الأسرار المالكية والملكية ... توفّي سنة 638 بعد وفاة الشيخ عبد القادر بثمان سنين، وقبره بصالحية دمشق مزار مشهور (1).
أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف الدمشقي الشافعي، قيل : إنه ولد بنوى من أعمال دمشق سنة 631 ، وقدم به والده دمشق سنة 649 وسكن المدرسة، ولازم كمال الدين المغربي، وحجّ مع والده سنة 651، وبرع في العلوم وصار مدققاً حافظاً للحديث، عارفاً بأنواعه، وكان لا يصرف وقته إلا في وظيفته من الاشتغال ، ولا يأكل إلا مرة مما يؤتى به عند أبويه بعد العشاء، ولا يشرب إلا شربة عند السحر، ويلبس ثوب قطن وعمامة سنجابية، ومات بنوى حدود سنة 677 ،
ص: 503
له مصنفات كثيرة ، منها : الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار، والمنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج(1).
المختار بن أبي عبيدة بن مسعود الثقفي، كان أبوه من جلة الصحابة، ولد المختار عام الهجرة وليست له صحبة ولا رواية، وكان لا يبلغه عن رجل من أعداء الحسين(علیه السلام)أنه في دار أو موضع إلا قصده وهدم الدار بأسرها، وقتل كل من فيها من ذي روح، وكلّ دار بالكوفة خراب فهي مما هدمها، وأهل الكوفة يضربون له المثل . والروايات في مورده مادحة وذامة، وقال السيد الخوئي بعد ذكرها:«مضافاً إلى ضعف الروايات الذامة، يمكن حملها على صدورها عن المعصوم(علیه السلام) تقيّة، ويكفي في حسن حال المختار إدخاله السرور في قلوب أهل البيت(علیهم السلام) ... أفهل يحتمل أن رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) وأهل البيت (علیه السلام)يغضون النظر عن ذلك، وهم معدن الكرم والإحسان»... وقتل في رمضان سنة سبع وستين، قتله مصعب بن الزبير (2).
ظاهراً المراد به علي بن محمد بن أبي سيف المدائني،تقدم ترجمته عن«سير أعلام النبلاء»(3).
ص: 504
هو السيد الشريف ابو القاسم علي بن طاهر ذي المناقب أبي أحمد الحسين ابن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم(علیه السلام)... لقب بالمرتضى ذي المجدين علم الهدى، وبينه وبين أمير المؤمنين(علیه السلام)عشر وسايط من جهة الأم والأب معاً ، وبينه وبين الإمام موسى بن جعفر(علیه السلام)خمسة آباء كرام. ولد السيد الشريف في رجب 355ه في بغداد، وتوفي بها في الخامس والعشرين من ربيع الأول من سنة 436ه، وسنه يومئذٍ ثمانون سنة وثمانية أشهر، ودفن في داره أولاً ثمّ نقل إلى جوار جده الحسين (علیه السلام)حيث دفن في مشهده المقدّس مع أبيه وأخيه وقبورهم ظاهرة مشهورة.
ومن مشايخه الشيخ المفيد العالم المتكلم المشهور ،ومن تلامذته جعفر محمد بن الحسن الطوسي الفقيه الأصولي المحدث الشهير.وله مصنفات كثيرة قد بلغت مائة وسبعة عشر مصنفاً كما ورد في كتابه «رسائل الشريف المرتضى»منها تنزيه الأنبياء»، «حقائق التأويل»، «خصائص الأئمة» ،«الانتصار» و«الشافي في الإمامة »(1).
هو حب بن حارث اليهودي، صاحب حصن خيبر الذي يترجُز في غزوة خیبر:
قد علمت خيبر أني مرحب ***شاك السلاح بطل مجرب
أطعن أحياناً وحيناً أضرب*** إذا الليوث أقبلت تلهب
ص: 505
فهل من مبارز ؟ فأخذ اللواء أبو بكر فانصرف ولم يفتح ، ثم أخذ عمر فانصرف ولم يفتح ، ولقي الناس يومئذ شدّة وجهد ، فقال رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم):«الأعطين الراية غداً رجلاً يحبّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله،كزاراً غير فرّار، يفتح اللّه عليه ...» فدفعها إلى علي(علیه السلام)فقتل مرحباً اليهودي واقتلع باب الحصن(1).
ابن الزرقاء، مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، كان مولده سنة اثنتين من الهجرة وكان أبوه أسلم عام الفتح ونفاه رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)إلى الطائف لأنه كان يتجسس عليه فسمّي طريد رسول اللّه ، ولم يزل بالطائف إلى أن ولي عثمان فردّه إلى المدينة لأنه عمه. قال ابن الأثير:وقد رويت أخبار كثيرة في لعنه ولعن من في صلبه، وكان يقال لمروان ولولده :بنو الزرقاء، يقول ذلك من يريد ذمهم وعيبهم، وهي الزرقاء بنت موهب جدّة مروان لأبيه وكانت من ذوات الرايات التي يُستدل بها على ثبوت البغاء فلهذا يذمون بها. فقال رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) في ذمّه : «هو الوزغ ابن الوزغ ،الملعون ابن الملعون»، وكان هلاك مروان سنة 45 وسبب هلاكه أن زوجته أمّ خالد بنت أبي هاشم بن عتبة وكانت قبل زوجة يزيد غضبت عليه غطّته بوسادة لمّا كان نائماً عندها فقعدت على وجهه فقتلته، ولمّا توفّي قام بعده عبد الملك بن مروان(2).
مزرع بن عبد اللّه صاحب أمير المؤمنين(علیه السلام)، أخبره أمير المؤمنين (علیه السلام)بأنه
ص: 506
يُقتل ويُصلب بين شرفتين من شرف المسجد، فوقع كما قال صلوات الله عليه يظهر منه أنه من كبار أصحابه كميثم ورشيد، كما عن الاختصاص عده من التابعين المقربين منه صلوات اللّه عليه(1) .
مسروق بن الأجدع ، الإمام، أبو عائشة الهمداني الكوفي الفقيه، أحد الأعلام، وكان أبوه فارس أهل اليمن في زمانه، ومسروق هو ابن أُخت البطل الكرار عمرو ابن معدي كرب أخذ عن عمر وعلي(علیه السلام)ومعاذ وابن مسعود وأبي ...، فعن الشعبي
أن عائشة كانت قد تبنت مسروقاً ، وقد صلى خلف أبي بكر، وتوفي سنة ثلاث وستين(2) .
علي بن الحسين بن علي أبو الحسن المسعودي المؤرخ، من ذرية عبد اللّه بن مسعود الصحابي .قال الشيخ شمس الدين: عداده في البغداديين وأقام بمصر مدة، وكان أخبارياً علامة صاحب غرائب وملح ونوادر، مات سنة ست وأربعين وثلاثمائة ، وله من التصانيف كتاب«مروج الذهب ومعادن الجوهر»و«تحف الأشراف والملوك» و«كتاب أخبار الزمان»و..(3).
مسلم الأعور، الهمداني، الكوفي، وجاء اسمه في كتب العامة: مسلم بن
ص: 507
كيسان الضبي، الملائي البراد الأعور، أبو عبد الله الكوفي، محدث لم يذكر أصحابنا تفاصيل أحواله، ولكن العامة ضعفوه وتركوا حديثه. وقال السيد الخوئى :من أصحاب الصادق (علیه السلام)(1).
أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ القشيري النيشابوري صاحب الصحيح، أحد الأئمة الحفاظ وأعلام المحدثين، رحل إلى الحجاز والعراق والشام ومصر وسمع يحيى بن يحيى النيسابوري وأحمد بن حنبل و... وروى عنه الترمذي. وتوفي مسلم المذكور عشية يوم الأحد ودفن بنصرآباد ظاهر نيسابور يوم الاثنين لخمس، وقيل لست بقين من شهر رجب الفرد سنة إحدى وستين ومائتين وعمره خمس وخمسون سنة ... فتكون ولادته سنة ست ومائتين (2).
المسيب بن نجيّة الفزاري الكوفي، من أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام)، والحسن و المجتبی (علیه السلام)من التابعين الكبار ورؤسائهم وزهادهم. قتل سنة 65 في طلب ثار الحسين(علیه السلام)(3).
مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي بن بن كلاب .
ص: 508
السيّد الشهيد السابق البدري القرشي العبدري . قال البراء بن عازب: أوّل من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير قال ابن إسحاق وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله (صلّی الله علیه و آله)حتى قتل قتله ابن قمئة الليثى وهو يظنّه رسول الله (صلّی الله علیه و آله) فرجع إلى قريش ، فقال : قتلت محمداً ، فلما قتل مصعب أعطى رسول الله (صلّی الله علیه و آله) علي بن أبي طالب (1).
معاذ بن جبل بن عمرو... أبو عبد الرحمن الأنصاري الخزرجي المدني البدري شهد العقبة شاباً أمرد، وروى الواقدي أن معاذاً شهد بدراً وله عشرون سنة أو إحدى وعشرون. وقال عبد الصمد بن سعيد: نزل حمص وكان طويلاً حسناً جميلاً. وروى قتادة عن أنس قال : جمع القرآن على عهد رسول الله (صلّی الله علیه و آله) أربعة كلهم من الأنصار : أبي بن كعب وزيد ومعاذ بن جبل وأبو زيد أحد عمومتي. وقال شباب: وأمه هي هند بنت سهل من بني رفاعة، ثم من جهينة. توفي معاذ بقصير خالد من الأردن. قال يزيد بن عبيدة: توفّي معاذ سنة سبع عشرة وهو ابن ثمان وثلاثين سنة (2).
من المعمّرين ذكره الشيخ الصدوق في كمال الدين وقال: عاش معدي كرب الحميري من آل ذي يزن مائتين وخمسين سنة (3).
ص: 509
روى عن علي بن أسباط، وروى عنه الحسين بن محمّد (1).
معن بن عدي بن الجد بن العجلان البلوي حليف بني عمرو بن عوف أخو عاصم بن عدي، شهد العقبة وبدراً وأحداً والخندق وسائر المشاهد كلها مع رسول الله (صلّی الله علیه و آله)، وكان رسول الله (صلّی الله علیه و آله) قد آخى بينه وبين زيد بن الخطاب فقتلا جميعاً يوم اليمامة في خلافة أبي بكر (2).
المغيرة بن شعبة صحابي ملعون، روى الطبرسي في الاحتجاج في باب احتجاج مولانا الحسن المجتبى (علیه السّلام) ذكر احتجاجه في مجلس معاوية معه ومع أتباعه بعد أن سبوه وسبوا أباه أمير المؤمنين (علیه السّلام)، قال الحسن (علیه السّلام) : «وأما أنت يا مغيرة بن شعبة، فإنك لله عدوّ ولكتابه نابذ، ولنبيّه مكذِّب، وأنت الزاني وقد وجب عليك الرجم ، وشهد عليك العدول البررة الأتقياء و...
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب : إنّ عمر ولّاه الكوفة فلم يزل عليها إلى قتل فأقره عليها عثمان ، ثم عزله عثمان فلم يزل كذلك، واعتزل صفّين، فلمّا كان حين الحكمين لحق بمعاوية، فلمّا قتل علي (علیه السّلام)وصالح معاوية الحسن (علیه السّلام) ودخل الكوفة ولّاه عليها، وتوفى سنة خمسين وقيل سنة إحدى وخمسين بالكوفة أميراً عليها لمعاوية (3).
ص: 510
مغيرة بن محمد بن المهلّب بن المغيرة بن حرب بن محمّد بن المهلب بن أبي صفرة، أبو حاتم المهلّبي الأزدي ... كان أديباً أخبارياً ثقة، وهو من أهل البصرة ورد بغداد وحدّث بها ... قال الخطيب: بلغني أن مغيرة بن محمد مات في سنة ثمان وسبعين ومائتين (1) .
المقداد بن الأسود، عده الشيخ تارة من أصحاب رسول الله (صلّی الله علیه و آله) قائلاً: «المقداد بن عمرو»، وأخرى من أصحاب علي (علیه السّلام) قائلاً: «المقداد بن الأسود الكندي، وكان اسم أبيه عمرو البهراني، وكان الأسود بن عبد يغوث قد تبناه فنُسب إليه، يكنى أبا معبد، ثاني الأركان الأربعة».
وقال أبو عبد الله (علیه السّلام) : كان المقداد أعظم الناس إيماناً تلك الساعة ، ومات (رحمه الله) أرض له بالجرف وحمل إلى المدينة وكان عمره سبعين سنة (2).
والمراد به عمر بن محمّد بن حضر الأردبيلي الصوفي نزيل دمشق، المتوفى سنة 570 ، وله كتاب «وسيلة المتعبدين في سيرة سيّد المرسلين»، وإنما سمّي «الملا» لأنه كان يملأ تنانير الآجر ويأخذ الأجرة فيتقوّت بها ولا يملك من الدنيا شيئاً. له أخبار مع الملك نور الدين محمود بن زنكي منها أنه أمر الملك نوّابه في
ص: 511
الموصل أن لا يبرموا فيها أمراً حتى يعلموا به الملا، وهو الذي أشار على الملك بعمارة الجامع الكبير في الموصل المشهور اليوم بجامع النوري (1).
لم يذكروه، روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين عنه ، عن حيان التميمي (2)،ويحتمل كون الصواب في اسمه «مصعب بن سلام التميمي» كما في وقعة صفين ص 540 . وقال الشيخ : «له كتاب أخبرنا به جماعة عن أبي المفضل عن حميد ، عن محمّد بن موسى خوراء، عنه». وقال السيد الخوئي: روى عن أبي عبد الله (علیه السّلام)، وروى عنه أبو الخزرج (3).
قال ابن حجر: «المنهال بن عمرو الأسدي مولاهم، الكوفي ، صدوق». وقال: قال جرير عن مغيرة : كان حسن الصوت، وكان له لحن ، يقال له وزن سبعة (4).
وقال السيد الخوئي : المنهال بن عمرو الأسدي، عده الشيخ تارة في أصحاب الحسين ،(علیه السّلام) وأُخرى في أصحاب علي بن الحسين (علیهما السّلام)، وعدّه بزيادة كلمة «مولاهم» في أصحاب الباقر (علیه السّلام)، وعدّه في أصحاب الصادق (علیه السّلام) أيضاً (5).
السيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسيني القايني، ذكره السيد الأمين (رحمه الله) في
ص: 512
أعيان الشيعة في من أخذ الطبرسي عنهم ، وروى عنه عبيد الله الحسكاني (1).
قال ابن كثير : ... فلمّا كان عمر قينان سبعين سنة ولد له مهلاييل وعاش قينان بعد ذلك ثمانمائة سنة وأربعين ... فلما كان لمهلاييل من العمر خمس وستون سنة ولد له يرد وعاش ) مهلاييل ) بعد ذلك ثمانمائة وثلاثين سنة (2).
ميثم بن يحيى التمار ، عده الشيخ في أصحاب على (علیه السّلام) تارة، وفي الحسن (علیه السّلام) أخرى، وفي أصحاب الحسين (علیه السّلام) ثالثة، وعده البرقي من أصحاب على (علیه السّلام) من شرطة الخميس.
وهو الذي قال عليّ (علیه السّلام) له : «كيف أنت يا ميثم إذا دعاك دعي بني أمية عبيد الله ابن زياد إلى البراءة منى ؟» قال : يا أمير المؤمنين أنا والله لا أبرأ منك. قال: «إذاً والله يقتلك ويصلبك». قال: أصبر ، فذاك في الله قليل، وكان(رحمه الله) يمرّ بنخلة في سبخة، فيضرب عليها ويقول : يا نخلة ما غُذيت إلا لى ، وما غُذيتُ إلا لك.
فلمّا ولى عبيد الله بن زياد الكوفة ،قال له : تبرأ من أبي تراب، قال: لا أعرف أبا تراب . قال : تبرأ من عليّ بن أبي طالب، قال: فإن لم أفعل ؟ قال : إذا والله لأقتلنك . قال : أما لقد كان يقول لي إنّك ستقتلني وتصلبني ...(3).
ص: 513
قال المزي: ميمون بن مهران الجزري، أبو أيوب الرقي، كان مملوكاً لامرأة من أهل الكوفة من بني نصر فأعتقته وبها نشأ، ثم نزل الرقّة .
وذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة قصّة إرساله رجلاً إلى عمر بن عبدالعزيز حَلَفَ بأنّ عليّاً خير هذه الأمة وإلا فامرأته طالق ثلاثاً، وحكمه بعدم وقوع الطلاق (1).
میمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال زوج النبي (صلّی الله علیه و آله)وأخت أم الفضل زوجة العبّاس، وخالة خالد ابن الوليد، تزوّجها أولاً مسعود بن عمرو الثقفي قبيل الإسلام، ففارقها، وتزوجها أبو رهم بن عبد العزّى، فمات فتزوج بها النبي (صلّی الله علیه و آله) في وقت فراغه من عمرة القضاء سنة سبع ذى القعدة ... قال مجاهد : اسمها يرّة، فسمّاها رسول الله ميمونة. وعن عطا توفيت ميمونة بسرف، وقيل: توفيت بمكة، فحملت على الأعناق بأمر ابن عباس إلى سرف قال الواقدي ماتت في خلافة يزيد سنة إحدى وستين ولها ثمانون سنة (2).
قد اختلف فى اسمه فقيل: قيس بن عبد الله ، وقيل : عبد الله بن قيس، وقيل: حيّان بن قيس بن عمرو بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر
ص: 514
ابن صعصعة العامري الجعدي ... وإنّما قيل له النابغة لأنه قال الشعر في الجاهلية ثم أقام مدة نحو ثلاثين سنة لا يقول الشعر ثم نبغ فيه فقال: فسمي النابغة، وطال عمره في الجاهلية والإسلام وهو أسنّ من النابغة الذبياني، وإنما مات الذبياني قبله، وعمر الجعدي بعده طويلاً، قيل : عاش مائة وثمانين سنة. وقال ابن قتيبة : عاش الجعدي مائتين وأربعين سنة وهذا لا يبعد... وعاش حتى مدح ابن الزبير وهو خليفة (1) .
هو زياد بن معاوية بن جابر بن ضباب بن يربوع بن غيط بن مرّة، يكنّى أبا أمامة. وقال الأصمعي : أبا ثمامة، هو أشعر العرب شاعر جاهلي، من الطبقة الأولى، من أهل الحجاز ، كانت تضرب له قبة من جلد أحمر بسوق عكاظ فتقصده الشعراء فتعرض عليه أشعارها ، وهو أحد الأشراف في الجاهلية وكان أحسن الشعراء العرب ديباجة، لا تكلّف في شعره ولا حشو، وعاش عمراً طويلاً (2).
أبو عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب النسائي الحافظ، كان من كبراء عصره في الحديث، ولد بنساء فى مدينة بخراسان وسكن مصر، وكان يسكن بزقاق القناديل، له كتب منها : الخصائص والسنن، حكى أنّه لما أتى دمشق وصنف كتاب «الخصائص فى مناقب أمير المؤمنين(علیه السّلام)» لا أنكر عليه ذلك ، وقيل
ص: 515
له: لم لا صنفت في فضائل الشيخين ؟ فقال: دخلت دمشق فوجدت المنحرف عن علي بها كثير، فصنفت كتاب الخصائص رجاء أن يهديهم الله تعالى به ، فدفعوا في خصيتيه وأخرجوه من المسجد ثم ما زالوا به حتى أخرجوه من دمشق إلى الرملة فمات بها، قال محمد بن إسحاق الإصبهاني .... فسئل عن معاوية وما روي من فضائله، فقال: ما أعرف له إلا : لا أشبع الله بطنك (1).
نصر بن مزاحم بن سيّار الكوفي، أبو الفضل العطّار المعروف بالمنقري الشيعي المتوفى سنة .212 له من الكتب أخبار المختار، عين الوردة، كتاب الجمل كتاب صفين، كتاب الغارات، كتاب المناقب، مقتل حجر بن عدي مقتل حسين بن علي بن أبي طالب (علیه السّلام). وقال ابن أبي الحديد وهو ثبت، صحيح النقل، غير منسوب إلى الهوى (2).
الفيلسوف المحقق ، أستاذ البشر وأعلم أهل البدو والحضر، محمد بن محمد بن الحسن الطوسي الجهرودي، لا يحتاج إلى التعريف لغاية شهرته مع أن كل ما يقال فهو دون مرتبته. ولد فى 11 جمادى الأولى سنة 597 بطوس ونشأ بها ... وكان أصله من «چه رود» المعروف بجهرود من أعمال قم، من موضع يقال له «وشارة» بالواو المكسورة .
وكان فاضلاً محققاً ذلت رقاب الأفاضل من المخالف والمؤالف في خدمته
ص: 516
لدرك المطالب المعقولة والمنقولة، وصنف كتباً ورسائل نافعة نفيسة في فنون العلم.
له تجريد الكلام وهو كتاب كامل في شأنه شرحه جمع من أعاظم العلماء، وله كتاب «التذكرة النصيرية في علم الهيئة» الذي شرحه نظام النيسابوري وكتب أُخر .حكي أنه قد عمل الرصد العظيم بمدينة مراغة، وكان متبحّراً في الهندسة وآلات الرصد، توفي في يوم الغدير سنة 672 ودفن في جوار الإمامين موسى بن جعفر والجواد (علیهما السّلام)(1).
لم أعثر له على ترجمة في كتب التراجم ولكن هذا الراوي في سائر الكتب كان اسمه النعمان بن أبى العيّاش ( عيّاش) (2) وهو كما في التعديل والتجريح اسمه زيد بن الصامت الزرقي الأنصاري المدني أخو معاوية وكان أدرك أباه وأكثر أصحاب رسول الله . وأخرج البخاري في الجهاد والحوض عنه (3).
النعمان بن عجلان بن النعمان بن عامر بن زريق الأنصاري الزرقي، صحابي كان لسان الأنصار وشاعرهم ،شهد وقعة صفّين مع علي (علیه السّلام) وله فيها شعر. واستعمله علي (علیه السّلام) على البحرين وأشعاره دالّة على حسنه وكان من شهود علي (علیه السّلام) يوم صفّين عند التحكيم (4).
ص: 517
أبو عبد الله إبراهيم بن محمّد بن عرفة بن سليمان بن المغيرة بن حبيب بن المهلّب بن أبي صفرة الأزدي. كان عالماً بارعاً نحويّاً لغوياً محدثاً، ولد سنة 244 هجرية بواسط وسكن بغداد وكان طاهر الأخلاق، حسن المجالسة، حافظاً للقرآن الكريم، له كتاب إعراب القرآن، والمقنع في النحو، ورياض النعيم وغير ذلك ..... وقال الشيخ عباس القمي (رحمه الله) : ويؤيد تشيعه ما نقل من الكلام المنبئ عن استبصاره أنه قال : أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة إنما ظهرت في دولة بني أُمية ووضعوها لأجل التقرب إليهم. توفّي ببغداد سنة 323 هجرية (1).
نوح بن درّاج القاضي بالجانب الشرقي من بغداد، الكوفي الفقيه، أحد المجتهدين، تفقه على أبي حنيفة وعلى عبد الله بن شبرمة، وأصيبت عيناه ، فكان يقضي وهو أعمى، واستمر ثلاث سنين لا يعلم أحد بعماه. كان أبوه حائكاً من النبط له أربعة أبناء . وتوفّى سنة اثنتين وثمانين ومائة (2).
أبو الحسن عليّ بن أحمد الواحدي النيسابوري ، صاحب التفاسير المشهورة، كان أستاذ عصره في النحو والتفسير، ورُزق السعادة في تصانيفه، وأجمع الناس على حسنها وله كتاب أسباب النزول، وكان تلميذ الثعلبي صاحب تفسير الثعلبي ، وعنه أخذ العلم والتفسير، وأربى عليه، وتوفّي عن مرض طويل جمادى الآخر سنة ثمان وستين وأربعمائة بمدينة نيسابور (3).
ص: 518
أبو حذيفة واصل بن عطاء، مولى بني ضبة، ويقال : مولى بني مخزوم، ومولده بالمدينة، وإنما سمّى الغزّال لملازمته سوق الغزل ليتعرض للنساء المتعفّفات فيصرف إليهنّ صدقته، وكان طويل العنق، الثغ حرف الراء، وكان فصيحاً مع ذلك لساً مقتدراً على الكلام. قال البلخي واصل من أهل المدينة، مولده سنة ثمانين، ومات سنة إحدى وثلاثين ومائة وله من الكتب : كتاب المنزلة بين المنزلتين كتاب الفتيا، كتاب التوحيد و... كان في أول أمره يجلس إلى الحسن البصري ،فلما ظهر الاختلاف وقالت الخوارج بتكفير مرتكبي الكبائر، وقالت جماعة ،بإيمانهم، خرج واصل عن الفريقين وقال بمنزلة بين المنزلتين، فطرده الحسن عن مجلسه فاعتزل عنه، وتبعه عمرو بن عبيد، ومن ثَم سموا جماعتهم المعتزلة (1).
أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد الواقدي المدني، كان إماماً عالماً ، له التصانيف فى المغازي ،وغيرها وله كتاب الردّة ذكر فيه ارتداد العرب بعد وفاة النبي (صلّی الله علیه و آله) ، تولى القضاء بشرقي بغداد وولاه المأمون بعسكر المهدي، وكان المأمون يكرم جانبه ويبالغ في رعايته، وكانت ولادته في أول سنة ثلاثين ومائة وتوفي عشيّة شيّة يوم الاثنين حادي عشر ذي الحجّة سنة سبع ومائتين ودفن في مقابر الخيزران وقيل غير ذلك، وله مصنفات منها «فتوح الشام» (2).
ص: 519
كان الوليد بن جابر بن ظالم الطائي ممن وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ثم صحب عليّاً با وشهد معه صفّين وكان من رجاله صفين وكان من رجاله المشهورين، وقضيته مع معاوية وتصميم معاوية على قتله مشهورة (1).
الوليد بن عقبة بن أبي معيط أبو وهب الأموي القرشي من فتيان قريش وشعرائهم وأجوادهم ،فيه ظرف ومجون ولهو، وهو أخو عثمان بن عفان لأمّه، أسلم يوم فتح مكّة، وبعثه رسول الله (صلّی الله علیه و آله) على صدقات بني المصطلق، فأخبر كذباً بأنّهم ارتدوا وأبوا عن أداء الصدقات ، ثم انكشف كذبه، ونزل في شأنه : (إن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَا فَتَبَيَّنُوا) إلى آخر الآية. ثم ولاه عمر صدقات بني تغلب، وولّاه عثمان الكوفة بعد سعد بن أبي وقاص سنة 25ه فانصرف إليها وأقام إلى سنة 29، فشهد عليه جماعة عند عثمان بشرب الخمر، فعزله، ولما قتل عثمان تحوّل الوليد إلى الجزيرة الفراتيّة فسكنها وحرّض معاوية على الأخذ بثأر عثمان، ومات بالرقّة (2).
مشترك بين هارون بن عمر بن عبد العزيز بن محمد أبو موسى المجامعي ،صحب الرضا (علیه السّلام) ، له كتب ، منها : كتاب ما نزل في القرآن في علي (علیه السّلام) (3).
ص: 520
وبين هارون بن عمر بن يزيد بن زياد أبو عمر المخزومي ، وكان فقيهاً من كبار أهل الري، نزل بغداد مدة (1).
وسُمّي المرقال لأنه كان يرقل في الحرب، وكان صاحب راية أمير المؤمنين (علیه السّلام) ليلة الهرير (2).
وقال العلّامة: هاشم بن عُتبة بضم العين المهملة... ابن أبي وقّاص المرقال، من أصحاب أمير المؤمنين (علیه السّلام) (3).
كان سيّد أهل الكوفة، ولما سمع مسلم بن عقيل بمجيء عبيد الله إلى الكوفة ومقالته التي قالها وما أخذ به العرفاء والناس، خرج من دار المختار حتّى انتهى إلى دار هاني بن عروة، فجاء هاني حتى دخل على عبيد الله بن زياد وعنده القوم، قال له ابن زياد والله لا تفارقني أبداً حتى تأتيني به ( مسلم بن عقیل)، قال: لا والله لا أجينك به أبداً، أجيئك بضيفي تقتله ؟... ثم قال: أدنوه منّي ، فأدني فاعترض وجهه بالقضيب، فلم يزل يضرب به أنفه وجبينه وخدّه حتّى كسر أنفه وسال الدماء على وجهه ولحيته ... فقال : أخرجوه إلى السوق فاضربوا عنقه، فأخرج هاني حتى انتهي به مكان من السوق كان يباع فيه الغنم... فوتبوا إليه وشدّوه وثاقاً ، ثم قيل له : مد عنقك ، فقال : ما أنا بها بسخي وما أنا بمعينكم على
ص: 521
نفسي، فضربه مولى لعبيد الله - تركي - يقال له : رشيد، بالسيف، فلم يصنع شيئاً، فقال هاني: إلى الله المعاد، اللّهم إلى رحمتك ورضوانك، ثم ضربه أخرى فقتله، وكان ذلك يوم التاسع من ذي الحجّة بعد قتل مسلم بيوم واحد، وكان له من العمر سبع وتسعون سنة (1).
هرثمة بن سليم أو أبي مسلم من أصحاب أمير المؤمنين (علیه السّلام) بصفين، نقل عنه قصة مرورهم بكربلاء وإخبار أمير المؤمنين (علیه السّلام) أنه ليحشرن من هذه التربة قوم يدخلون الجنّة بغير حساب ... ثم إذ لاقى الحسين بن علي (علیهما السّلام) هرب ولم ينصره (2).
قال الذهبي: يزيد بن أبي زياد الإمام أبو عبد الله الهاشمي مولاهم الكوفي مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل، معدود في صغار التابعين، وعاش نحواً من إحدى وتسعين سنة، وقال ابن عدي: يزيد من شيعة أهل الكوفة، ومع ضعفه يكتب حديثه، وقال ابن حجر: كان شيعيّاً. وقال محمّد بن فضيل: كان يزيد بن أبي زياد من أئمّة الشيعة الكبار، وعدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الباقر (علیه السّلام)(3).
يزيد بن صخر ( أبي سفيان) بن حرب الأموي، أبو خالد، أسلم يوم الفتح
ص: 522
واستعمله النبي (صلّی الله علیه و آله) على صدقات بني فراس وكانوا أخواله، ثم استعمله أبو بكر على جيش وسيره إلى الشام، ولما استخلف عمر ولّاه فلسطين ثم ولي دمشق وخراجها، وهو أخو معاوية بن أبي سفيان، توفي في دمشق بالطاعون (1).
من أصحاب أمير المؤمنين علي (علیه السّلام)، أسلم على يديه، فوهب الأمير له جارية فولدت له حوشباً ، شهد مع علي (علیه السّلام) صفّين وقتال الخوارج (2).
مشترك بين جماعة ، منهم : يحيى بن سعيد بن حيّان أبو حيّان التيمي ، المتوفى سنة 145 هجريّة.
ومنهم: يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي المدني، من التابعين.
ومنهم : يحيى بن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة القرشي التيمي المتوفّى سنة 173 هجرية.
ومنهم يحيى بن يعلى بن حرملة التيمي أبو المحياة الكوفي، المتوفى سنة 180 هجرية (3) .
الظاهر أن المراد منه أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري من أهل بغداد ،عالم فاضل شاعر أديب، راوية، نسّابة، مترجم ، له من الكتب: أنساب الأشراف، فتوح
ص: 523
البلدان. وهو أحد النقلة من الفارسية إلى العربيّة، كان مقرّباً عند المتوكل والمستعين والمعتز، توفي سنة 276 هجرية (1).
مشترك بين أكثر من ستّة، ومن المحتمل قويّاً بقرينة الراوي والمروي عنه أنه يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو بن ثعلبة بن غنم بن مالك النجّار، أبو سعيد المدني، قاضي المدينة، روى عن جماعة كثيرة منهم أنس بن مالك وجعفر بن محمد الصادق (علیهما السّلام) ، والقاسم بن محمّد، وروى عنه جماعة كثيرة منهم أبان بن يزيد العطّار، وأبو أسامة حامد بن أسامة، وحمّاد بن يزيد قيل في حقه: إنه من أنبل المحدثين، ومن أفاضل العلماء، وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وجماعة مات سنة 143 هجرية أو 144 هجرية بالهاشمية من الأنبار (2).
الظاهر أنّه يحيى بن سليمان، أبو سعيد الجعفى الكوفى المقرئ الحافظ، نزيل مصر، روى عن عبد العزيز وابن فضيل وجماعة، وروى عنه البخاري وأبو زُرعة وجماعة، وثّقه بعض الحفّاظ. مات سنة 237، أو 238 (3).
له كتاب في إثبات إمامة أمير المؤمنين (علیه السّلام)، عدّه الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم (علیه السّلام). ويظهر مما ذكره الحماني في كتابه أنه وإن كان معتقداً بإمامة أمير المؤمنين (علیه السّلام) إلا أنه لم يكن يعتقد بجعفر بن محمد (علیه السّلام) كما يعتقد به الشيعة (4).
ص: 524
هو أبو جعفر يحيى بن زيد أو ابن أبي زيد الحسيني العلوي نقيب البصرة ،روى عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة في مواضع متعددة، وذكر أموراً كثيرة تدل على تشيّعه، ولم نجد له ترجمة في غير شرح النهج. قال ابن أبي الحديد في حقّه: وكان (رحمه الله) على ما يذهب إليه من مذهب العلويّة منصفاً. وفيما ينقله عنه ابن أبى الحديد دلالة على غزارة علمه وسعة اطّلاعه وقوّته في الدفاع عن مذهب أهل البيت (علیه السّلام)(1).
أبو داود يحيى بن هاني بن عروة المرادي العطيفي - نسبة إلى بني عطيف بطن من مراد - وقد ذكر أرباب السير والمقاتل أنّه لمّا قتل هاني مع مسلم بن عقيل فرّ ابنه يحيى هذا واختفى عند قومه خوفاً من ابن زياد لعنه الله، فلمّا سمع بنزول الحسين (علیه السّلام) بكربلاء جاء وانضم إليه ولزمه إلى أن شبّ القتال يوم الطف، فتقدّم وقتل من القوم رجالاً كثيرة، ثمّ نال شرف الشهادة رضوان الله عليه (2).
أبو سعيد يحيى بن يعمر العدواني النحوي، كان تابعيّاً، لقي ابن عبّاس وابن عمر وغيرهما، وأخذ النحو عن أبي الأسود الدؤلي، وكان عالماً بالقرآن ونحو لغات العرب! تولّى القضاء فى «مرو» وكان ينطق بالعربية المحضة، واللغة الفصحى طبيعيّة فيه من غير تكلّف، وكان شيعياً من القائلين بتفضيل أهل البيت من غير تنقيص لذي فضل من غيرهم، توفي عام 128ه أو 129ه (3).
ص: 525
يعلى بن عبيد بن أُميّة الأيادي، ويقال: الحنفي، مولاهم ، أبو يوسف الطنافسي الكوفي ، أخو محمّد بن عبيد وعمرو بن عبيد وإبراهيم بن عبيد ، روى عن الأجلح ابن عبد الله الكندي وإسماعيل بن أبي خالد و... وقال أبو حاتم: هو أثبت أولاد أبيه في الحديث.
وقال أبو مسعود الرازي: ما رأيت يعلى ضاحكاً قطّ .
وقال محمّد بن سعد: مات بالكوفة يوم الأحد لخمس خلون من شوال سنة تسع ومائتين.
وقال ابن حبّان : في رمضان سنة تسع ، وقيل : سنة سبع ومائتين .
وقال ابن سعد: مولده سنة سبع عشرة ومائة (1).
يعلى بن مرة بن وهب بن جابر بن عتاب بن مالك بن كعب بن عمرو، شهد الحديبية وخيبر والفتح مع النبي (صلّی الله علیه و آله)، روى عن النبي (صلّی الله علیه و آله) وعنه ابناه عبد الله وعثمان وجماعة قال ابن سعد: أمره النبي الله (صلّی الله علیه و آله) يوم الطائف بقطع أعناب ثقيف (2).
لم نعثر له على ترجمة في كتب الرجال، وهو من شيوخ ابن أبي الحديد
ص: 526
وكنيته أبو يعقوب، كان ابن أبي الحديد يدرس عنده علم الكلام ، وقال في حقّه : كان شديد الاعتزال ولم يكن يتشيّع (1).
ويظهر ممّا روى عنه ابن أبى الحديد أن الرجل كان خبيراً بأخبار الصحابة، وأنّه كان فى تحليل حوادث زمن الرسول (صلّی الله علیه و آله) وبعده منصفاً .
هو يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبدالبر ابن عاصم النمري، الأندلسي القرطبي المالكي ، أبو عمر ،محدّث حافظ مؤرّخ ، عارف بالرجال والأنساب ، مقرئ فقيه نحوي . ولد بقرطبة في رجب سنة 368ه وتوفي في شاطبة في شرقي الأندلس في ربيع الأول سنة 463ه. من تصانيفه : الاستيعاب في معرفة الأصحاب وهو كتاب يذكر المشاجرات بين الصحابة ، جامع بيان العلم وفضله ، القصد والأمم في التعريف بأصول أنساب العرب والعجم (2).
هو يونس بن خباب - بالخاء المعجمة - أو حباب - بالحاء المهملة - الأسدى مولاهم، أبو حمزة، ويقال أبو جهم، الكوفي، روى عن أبيه ونافع بن جبير وغيرهم، وروى عنه ابنه محمد وشعبة والثوري وغيرهم ضعّفه علماء رجال أهل السنّة ونسبوه إلى الرفض والتشيع، واتّهموه بالكذب والغلوّ لنقله روايات في فضائل أهل بيت النبي (صلّی الله علیه و آله) وجرح عثمان بن عفان (3).
ص: 527
ص: 528
* القرآن الكريم.
1 - الآحاد والمثاني : للضحاك ، المتوفى سنة 287 هجرية، تحقيق باسم فيصل، نشر دار الدراية للطباعة والنشر.
2 - الإتقان في علوم القرآن: للسيوطي، المتوفى سنة 911 هجرية، تحقيق سعيد المندوب نشر دار الفكر.
3 - إثبات الإمامة = الشهب الثواقب في رجم شياطين النواصب : للشيخ محمّد بن عبد على آل عبد الجبّار، تحقيق حلمي السنان، نشر الهادي.
4- الاحتجاج : لمحمّد بن علي الطبرسي، المتوفى سنة 560 هجرية، تحقيق السيّد محمد باقر الخرسان، نشر دار النعمان للطباعة والنشر في النجف
5- إحقاق الحق وإزهاق الباطل: للشهيد نور الله التستري، المتوفى سنة 1019 هجرية، مع : تعليقات آية الله السيد المرعشي النجفي ، نشر مكتبة السيد المرعشي في قم المقدسة.
6 - أحكام القرآن: للجصاص، المتوفى سنة 370 هجرية، تحقيق عبدالسلام محمد علي شاهین، نشر دار الكتب العلمية في بيروت.
7 - الأحكام : لابن حزم الأندلسي، المتوفّى سنة 456 هجرية، طبع في مطبعة العاصمة في القاهرة.
ص: 529
8- : الأحكام: للآمدي، المتوفى سنة 631 هجرية، تحقيق وتعليق عبدالرزاق عفيفي، نشر المكتب الإسلامي.
9 - الأحكام: ليحيى بن الحسين، المتوفى سنة 298 هجرية، تحقيق وتجميع أبو الحسن علي ابن أحمد بن أبي حريصة.
10 - أخبار الدولة العباسية : المؤلّف من القرن الثالث الهجري، تحقيق الدكتور عبدالعزيز الدوري والدكتور عبدالجبار المطلبي، نشر دار الطليعة للطباعة والنشر في بيروت .
11 - الأخبار الطوال : لأبي حنيفة أحمد بن داود الدينوري، المتوفى سنة 282 هجرية، تحقيق عبد المنعم عامر، نشر الشريف الرضي في قم.
12 - الاختصاص: للشيخ المفيد، المتوفى سنة 413 هجرية، تحقيق علي أكبر الغفاري والسيد محمود الزرندي، نشر دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت.
13 - اختيار معرفة الرجا:ل للشيخ الطوسي، المتوفى سنة 460 هجرية، تعليق الميرداماد الاسترآبادي، تحقيق السيد مهدي الرجائي، نشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث في قم.
14 - الأربعون حديثاً : لمحمّد بن حسين بن عبد الصمد العاملي، المتوفى سنة 1030 هجرية ،نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في قم.
15 - الأربعون حديثاً: لمنتجب الدين بن بابويه، المتوفى حدود سنة 585 هجرية، تحقيق ونشر مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام في قم .
16 - الأربعون: للماحوزي، المتوفى سنة 1121 هجرية، تحقيق السيد مهدي الرجائي.
17 - كتاب الأربعين: لمحمد طاهر القمي الشيرازي، المتوفى سنة 1098 هجرية، تحقيق السيد مهدي الرجائي.
18 - الإرشاد: للشيخ المفيد، المتوفى سنة 413 هجرية تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام، نشر دار المفيد في بيروت .
ص: 530
19 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: لمحمد ناصر الدين الألباني، تحقيق زهير الشاويش، نشر المكتب الإسلامي في بيروت.
20 - أسباب نزول الآيات: للواحدي النيسابوري، المتوفى سنة 4678 هجرية، نشر مؤسسة الحلبي وشركائه للنشر والتوزيع في القاهرة.
21 - الاستغاثة : لأبي القاسم الكوفي ، المتوفى سنة 352 هجرية، نشر إدارة وإشاعت إحقاق الحق (سرگودها پاکستان ).
22 - الاستيعاب : لابن عبد البر، المتوفى سنة 463 هجرية، تحقيق علي محمد البجاوي، نشر دار الجيل في بيروت.
23 23 - أسد الغابة في معرفة الصحابة : لابن الأثير، المتوفى سنة 630 هجرية نشر المكتبة الإسلامية لصاحبها الحاج رياض الشيخ .
24 - إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل أهل بيته الطاهرين : للشيخ محمّد بن علي الصبان ، المتوفى سنة 1206 هجرية، في هامش نور الأبصار للشبلنجي.
25 - إشارة السبق إلى معرفة الحق: لأبى المجد الحلبي، المتوفى في القرن السادس الهجري ، تحقيق الشيخ إبراهيم بهادري، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في قم المشرّفة.
26 - الإصابة في تمييز الصحابة : لابن حجر، المتوفى سنة 852 هجرية، تحقيق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ على محمد معوض نشر دار الكتب العلمية في بيروت.
27 - أعلام الدين في صفات المؤمنين : للشيخ حسن بن أبي الحسن الديلمي، المتوفى في القرن الثامن، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام في قم.
28 - الأعلام: لخير الدين الزركلي، المتوفى سنة 1410 هجرية، نشر دار العلم للملايين في بیروت .
29 - إعلام الورى بأعلام الهدى: للشيخ الطبرسي، المتوفى سنة 548 هجرية، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت لإحياء التراث في قم المقدسة .
ص: 531
30 - أعيان الشيعة : للسيد محسن الأمين المتوفى سنة 1371 هجرية، تحقيق وتخريج حسن الأمين نشر دار التعارف للمطبوعات في بيروت .
31 - الإفصاح: للشيخ المفيد المتوفى سنة 413 هجرية، تحقيق مؤسسة البعثة، نشر دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت.
32 - الإفصاح في فقه اللغة: الحسين يوسف موسى وعبد الفتّاح الصعيد، نشر دار الكتب الإسلامية في بيروت .
33 - إقبال الأعمال: للسيد ابن طاووس، المتوفى سنة 664 هجرية، تحقيق جواد الفيّومي الإصفهاني، نشر مكتب الإعلام الإسلامي في قم.
34 - الاقتصاد : للشيخ الطوسي، المتوفى سنة 460 هجرية، نشر مكتبة جامع چهل ستون في طهران .
35 - أقسام المولى: للشيخ المفيد، المتوفى سنة 413 هجرية، تحقيق الشيخ مهدي نجف، نشر دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت .
36 - الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع: لمحمد بن أحمد الشربيني، المتوفى سنة 977 هجرية، نشر دار المعرفة في بيروت.
37- إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب : للشيخ علي اليزدي الحائري، المتوفى سنة 1333 هجرية، تحقيق السيد على عاشور .
38 - كتاب الألفين في إمامة أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام: للعلامة الحلّي ،المتوفى سنة 726 هجرية، نشر مكتبة الألفين في بنية القار في الكويت.
39 - الأمالي: للشيخ الصدوق، المتوفى سنة 381 هجرية، تحقيق ونشر قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة في قم.
40 - الأمالي: للسيد المرتضى، المتوفى سنة 436 هجرية تحقيق السيد محمد بدر الدين النعساني الحلبي، نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي في قم .
ص: 532
41 - الأمالي : للشيخ الطوسي، المتوفى سنة 460 هجرية، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة، نشر دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع في قم.
42 - الإمامة في أهم الكتب الكلامية : للسيد علي الحسيني الميلاني، من منشورات مهر في قم .
43 - الإمامة والتبصرة : لابن بابويه القمي، المتوفى سنة 329 هجرية، تحقيق مدرسة الإمام المهدي عليه السلام في قم.
44 - الإمامة والسياسة : لابن قتيبة الدينوري، تحقيق علي شيري ،نشر الشريف الرضي في قم .
45 - إمتاع الأسماع: للمقريزي، المتوفى سنة 845 هجرية، تحقيق وتعليق محمد عبد الحميد النمیسی نشر دار الكتب العلمية في بيروت.
46 - الأنساب : لأبي سعد عبدالكريم السمعاني ،المتوفى سنة 562 هجرية، تعليق عمر البارودي، نشر دار الجنان في بيروت.
47 - أنساب الأشراف: للبلاذري، المتوفى سنة 279 هجرية، تحقيق وتعليق الشيخ محمد باقر المحمودي ، نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات في بيروت .
48 - الأوائل: لابن أبي عاصم، المتوفى سنة 287 هجرية، تحقيق محمد بن ناصر العجمي ،نشر دار الخلفاء للكتاب الإسلامي في الكويت.
49 - أوائل المقالات: للشيخ المفيد، المتوفى سنة 413 هجرية، تحقيق الشيخ إبراهيم الأنصاري، نشر دار المفيد في بيروت.
50 - الإيضاح: للفضل بن شاذان المتوفى سنة 260 هجرية، تحقيق السيد جلال الدين الحسيني الأرموي المحدّث، نشر و طبع دانشگاه تهران .
ص: 533
51 - بحار الأنوار: للعلامة محمد باقر المجلسي، المتوفى سنة 1111 هجرية، نشر مؤسسة الوفاء في بيروت 1403 هجرية في بيروت.
52 - بحوث في الملل والنحل : للسبحاني، طبع ونشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في قم المقدسة.
53 - البداية والنهاية : للإمام الحافظ أبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي، المتوفى سنة 774 هجرية ،تحقيق علي شيري ،نشر دار إحياء التراث العربي في بيروت.
54 - البرهان في تفسير القرآن : للسيد هاشم البحراني، المتوفى سنة 1109 هجرية، نشر مؤسسه مطبوعاتي إسماعيليان في طهران، وطبعة أخرى نشر مؤسسة الأعلمي في بيروت .
55 - بشارة المصطفى صلى الله عليه وآله : المحمّد بن على الطبري، المتوفى حدود سنة 525 هجرية ،تحقيق جواد القيومي الإصفهاني، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في قم المشرفة.
56 - بصائر الدرجات: لمحمد بن الحسن الصفار، المتوفى سنة 290 هجرية، تحقيق الحاج میرزا حسن کوچه باغی ،نشر مؤسسة الأعلمي في طهران.
57 - بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث: للحارث بن أبي أسامة، المتوفى سنة 282 هجرية، تحقيق مسعد عبد الحميد محمد السعدني، نشر دار الطلائع للنشر والتوزيع والتصدير في القاهرة .
ص: 534
58- تاج العروس: للزبيدي، المتوفى سنة 1205 هجرية، تحقيق علي شيري، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت .
59 - تاریخ ابن خلدون: لعبد الرحمن بن خلدون، المتوفى سنة 808 هجرية، نشر دار إحياء التراث العربي في بيروت.
60 - تاريخ ابن خلکان = وفيات الأعيان: لابن خلكان، المتوفى سنة 681 هجرية، تحقيق إحسان عباس ،نشر دار الثقافة .
61 - تاريخ الإسلام: للذهبي، المتوفى سنة 748 هجرية، تحقيق د. عمر عبد السلام تدمري، نشر دار الكتاب العربي في بيروت .
62 - تاريخ بغداد أو مدينة السلام : لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب المعروف بالبغدادي ،المتوفى سنة 463 هجرية. تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، نشر دار الكتب العلمية في بیروت .
63 - تاريخ جرجان : لحمزة بن يوسف السهمي، المتوفى سنة 427 هجرية، نشر عالم الكتب ، للطباعة والنشر في بيروت .
64 - تاريخ الطبري: لمحمد بن جرير الطبري، المتوفى سنة 310 هجرية، تحقيق نخبة من العلماء الأجلاء، نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات في بيروت.
65 - التاريخ الكبير : للبخاري، المتوفى سنة 256 ،هجرية، نشر المكتبة الإسلامية في دياربكر في تركيا.
66 - تاريخ المدينة : لابن شبّة النميري، المتوفى سنة 262 هجرية، تحقيق فهيم محمّد شلتوت، نشر دار الفكر .
67 - تاريخ مدينة دمشق: لابن عساكر ، المتوفى سنة 571 هجرية، نشر دار الفكر في بيروت .
ص: 535
68 - تاريخ اليعقوبي : لأحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب، المتوفى سنة 284 هجرية ،نشر مؤسسه نشر فرهنگ اهل بيت عليهم السلام في قم.
69 - تأويل الآيات: لشرف الدين الحسيني، المتوفى سنة 965 هجرية، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي عليه السلام في قم المقدسة.
70 - تأويل مختلف الحديث : لابن قتيبة، المتوفى سنة 276 هجرية، نشر دار الكتب العلمية في بيروت .
71 - التبيان في تفسير القرآن: لشيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي، المتوفى سنة 460 هجرية، تحقيق أحمد قصير العاملي، نشر مكتب الإعلام الإسلامي في قم .
72 - التحصين: لابن طاوس، المتوفى سنة 664 هجرية، تحقيق الأنصاري ، نشر مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري) في قم.
73 - تحفة الأحوذي: للمباركفوري المتوفى سنة 1282 هجرية، نشر دار الكتب العلمية في بيروت.
74 - تحف العقول: لابن شعبة الحراني، المتوفى في القرن الرابع الهجري، تحقيق علي أكبر غفاري، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين في قم.
75 - تخريج الأحاديث والآثار: للزيلعي ، المتوفى سنة 762 هجرية، تحقيق عبد الله بن عبد الرحمن السعد، نشر دار ابن خزيمة.
76 - التذكرة بأصول الفقه : للشيخ المفيد، المتوفى سنة 413 هجرية ، نشر دار المفيد في بیروت.
77 - تذكرة الخواص: لسبط ابن الجوزي الحنفي ، المتوفي سنة 654 هجرية، تقديم السيد محمد صادق بحر العلوم، نشر مكتبة نينوى الحديثة.
78 - تذكرة الفقهاء: للعلامة الحسن بن يوسف بن المطهر الحلّي، المتوفى سنة 726 هجرية ، تحقيق ونشر مؤسسة أهل البيت في قم.
79 - تذكرة الموضوعات: لمحمد طاهر بن علي الهندي الفتني: المتوفى سنة 986 هجرية.
ص: 536
80 - ترتيب إصلاح المنطق : لابن السكّيت الأهوازي، المتوفى سنة 244 هجرية، تحقيق الشيخ محمد حسن بكائي ،نشر مجمع البحوث الإسلامية في مشهد.
81 - ترتيب كتاب العين : للخليل بن أحمد الفراهيدي ، المتوفى سنة 175 هجرية، من منشورات أسوة التابعة لمنظمة الأوقاف والأمور الخيرية في ايران.
82 - تصحيح اعتقادات الإمامية: للشيخ المفيد، المتوفى سنة 413 هجرية، تحقيق حسين درگاهی، نشر دار المفيد في بيروت .
83 - كتاب التعجب: للكراجكي ، المتوفى سنة 449 هجرية، نشر مكتبة المصطفوي في قم.
84 - تفسير ابن أبي حاتم الرازي: المتوفى سنة 327 هجرية، تحقيق أسعد محمد الطيب، نشر المكتبة العصرية.
85 - تفسير ابن كثير: لأبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي، المتوفى سنة 774 هجرية، نشر دار إحياء الكتب العربية ( الطبعة القديمة ).
86 - تفسير ابن عربي : المحيي الدين، المتوفى سنة 638 هجرية، تحقيق الشيخ عبدالوارث محمد على، نشر دار الكتب العلمية في بيروت .
87 - تفسير أبي حمزة الثمالي : لأبي حمزة ثابت بن دينار الشمالي، المتوفى سنة 148 هجرية ،أعاد جمعه وتأليفه عبدالرزاق محمد حسين حرز الدين ،مراجعة وتقديم الشيخ محمّد هادي معرفة، نشر دفتر نشر الهادي في قم .
88 - تفسير البغوى : للبغوي، المتوفى سنة 510 هجرية ، تحقيق خالد عبدالرحمن العك، نشر دار المعرفة .
89 - تفسير الثعالبي : للثعالبي، المتوفى سنة 875 هجرية، تحقيق الدكتور عبدالفتاح أبو سنة والشيخ علي محمّد معوض والشيخ عادل أحمد عبد الموجود، نشر دار إحياء التراث ومؤسسة التاريخ العربي في بيروت.
90 - تفسير الثعلبي = الكشف والبيان: للثعلبي ، المتوفى سنة 427 هجرية، تحقيق أبي محمّد ابن عاشور، مراجعة وتدقيق الأستاذ نظير الساعدي، نشر دار إحياء التراث العربي .
ص: 537
91 - تفسير جامع البيان = تفسير الطبري : لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري، المتوفى سنة 310 هجرية، تحقيق وتقديم الشيخ خليل الميس ،ضبط وتوثيق وتخريج صدقي جميل العطار، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت .
92 - تفسیر جوامع الجامع : للشيخ الطبرسي، المتوفى سنة 548 هجرية، تحقيق ونشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة.
93 - تفسير روح البيان: الإسماعيل حقي البروسي، المتوفى سنة 1137 هجرية، طبع في المطبعة العثمانية سنة 1331 هجرية، نشر المكتبة الإسلامية للحاج رياض الشيخ.
94 - تفسير السمرقندي : لأبي الليث السمرقندي، المتوفى سنة 383 هجرية، تحقيق الدكتور محمود مطرجي ، نشر دار الفكر في بيروت .
95 - تفسير السمعاني: لمنصور بن محمد السمعاني، المتوفى سنة 489 هجرية، تحقيق ياسر ابن إبراهيم وغنيم بن عباس بن غنیم ، نشر دار الوطن في الرياض .
96 - التفسير الصافي: للفيض الكاشاني، المتوفى سنة 1091 هجرية، نشر مكتبة الصدر في طهران.
97 - تفسير العز بن عبد السلام : لعزّ الدين عبدالعزيز بن عبد السلام السلمي الدمشقي الشافعي ، المتوفى سنة 660 هجرية، تحقيق الدكتور عبد الله بن إبراهيم الوهبي، نشر دار ابن حزم في بيروت .
98 - تفسير العيّاشي : لأبى النصر محمد بن مسعود العياشي، المتوفى سنة 320 هجرية ،تحقيق السيد هاشم المحلاتي، نشر المكتبة العلمية الإسلامية في طهران. وطبعة أخرى بتحقيق ونشر قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة في قم.
99 - تفسیر فرات الكوفي : لفرات بن إبراهيم الكوفي، المتوفى سنة 352 هجرية، تحقيق محمد الكاظم، نشر مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي في طهران .
ص: 538
100 - تفسير القرطبي : لأبي عبد الله محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي، المتوفى سنة 671 هجرية، تحقيق وتصحيح أحمد عبد العليم البردوني ،نشر دار إحياء التراث العربي في بیروت .
101 - تفسير القمي : لعلي بن إبراهيم القمي، المتوفى سنة 329 هجرية، تحقيق السيد طيب الموسوي الجزائري، نشر مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر في قم.
10 - التفسير الكبير = مفاتيح الغيب: للفخر الرازي، المتوفى سنة 606 هجرية، نشر دار الكتب العلمية في طهران.
103 - تفسير مجاهد : لمجاهد بن جبر، المتوفى سنة 104 هجرية، تحقيق عبدالرحمن الطاهر بن محمد السورتي، نشر مجمع البحوث الإسلامية في إسلام آباد .
104 - تفسير مجمع البيان: للشيخ أبي علي الطبرسي، تحقيق السيد هاشم رسولي محلاتي ،نشر دار إحياء التراث العربي في بيروت.
105 - تفسير مقاتل بن سليمان: لمقاتل بن سليمان، المتوفى سنة 150 هجرية، تحقيق أحمد فرید ،نشر دار الكتب العلمية في بيروت.
106 - تفسير النسفي : لأبي البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي ، المتوفى سنة 537 هجرية .
107 - تفسیر نور الثقلين: للشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي ، المتوفى سنة 1112 هجرية، تصحيح السيد هاشم الرسولي المحلاتي ، طبع في مطبعة الحكمة في قم وطبعة أخرى نشر مؤسسة إسماعيليان في قم.
108 - تقريب المعارف: لأبي الصلاح الحلبي، المتوفى سنة 447 هجرية، تحقيق ونشر فارس تبريزيان الحسون .
109 - التمهيد: لابن عبدالبر، المتوفى سنة 463 هجرية، تحقيق مصطفى بن أحمد العلوي ومحمد عبد الكبير البكري، نشر وزارة العلوم والأوقاف والشؤون الإسلامية.
ص: 539
110 - تنزيه الأنبياء: للشريف المرتضى، المتوفى سنة 436 هجرية، نشر دار الأضواء في بيروت.
111 - تهذيب الأحكام: للشيخ الطوسي، المتوفى سنة 460 هجرية تحقيق السيد حسن الموسوي الخرسان ،نشر دار الكتب الإسلامية في طهران.
112 - تهذيب التهذيب : الشهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، المتوفى سنة 852 هجرية، طبع بمطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية في حيدرآباد في الهند سنة 1327 هجرية.
113 - تهذيب الكمال: لأبي الحجاج يوسف المزي، تحقيق الدكتور بشار عواد معروف، نشر مؤسسة الرسالة.
114 - التوحيد: للشيخ الصدوق، المتوفى سنة 381 هجرية، تحقيق السيد هاشم الحسيني الطهراني، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في قم المقدسة.
115 - الثقات: لابن حبان، المتوفى سنة 354 هجرية، نشر مؤسسة الكتب الثقافية، طبع مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن في الهند.
116 - ثواب الأعما:ل للشيخ الصدوق، المتوفى سنة 381 هجرية، تحقيق السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، نشر الشريف الرضي في قم.
117 - جامع بيان العلم وفضله : لابن عبدالبر، المتوفى سنة 463 هجرية، نشر دار الكتب العلمية.
118 - جامع الرواة : لمحمد بن علي الأردبيلي، المتوفى سنة 1101 هجرية، نشر مكتبة المحمّدي .
ص: 540
119 - الجامع الصغير: لجلال الدين السيوطي، المتوفى سنة 911 هجرية، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت.
120 - الجمل : للشيخ المفيد، المتوفى سنة 413 هجرية، نشر مكتبة الداوري في قم.
121 - الجمل: لضامن بن شدقم المدني، المتوفى سنة 1082 هجرية، تحقيق ونشر السيد تحسين آل شبيب الموسوي .
122 - الجواهر السنية : للحر العاملي، المتوفى سنة 1104 هجرية، نشر مكتبة المفيد في قم.
123 - جواهر الكلام: للشيخ محمد حسن النجفي ، المتوفى سنة 1366 هجرية، تحقيق الشيخ عباس القوجاني نشر المكتبة الإسلامية.
124 - جواهر المطالب في مناقب الإمام علي عليه السلام : لابن الدمشقي، المتوفى سنة 871 هجرية، تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي، نشر مجمع إحياء الثقافة الإسلامية في قم .
125 - الحدائق الناضرة: للشيخ يوسف البحراني، المتوفى سنة 1186 هجرية، تحقيق محمد تقي الايرواني، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في قم.
126 - حديث خيثمة بن سليمان القرشي : المتوفى سنة 341 هجرية، تحقيق عمر عبد السلام نشر دار الكتاب العربي في بيروت.
127 - حلية الأبرار: للسيد هاشم البحراني ، المتوفى سنة 1107 هجرية، تحقيق الشيخ غلام رضا البروجردي، نشر مؤسسة المعارف الإسلامية في قم .
128 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: للحافظ أبي نعيم احمد بن عبد الله الإصبهاني ، المتوفى سنة 430 ،هجرية نشر دار الكتاب العربي في بيروت .
ص: 541
129 - الخرائج والجرائح : لقطب الدين الراوندي، المتوفى سنة 573 هجرية ،تحقيق ونشر مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام، بإشراف السيد محمد باقر الموحّد الأبطحي في قم المقدسة.
130 - خصائص الائمة: للشريف الرضى المتوفى سنة 406 هجرية، تحقيق محمد هادي الأميني، نشر مجمع البحوث الإسلامية في الآستانة الرضوية المقدسة في مشهد.
131 - خصائص أمير المؤمنين : لأبي عبد الرحمان أحمد بن شعيب النساني ،المتوفى سنة 303 هجرية، تحقيق محمد هادي الأميني، نشر مكتبة نينوى الحديثة.
132 - خصائص الوحي المبين: لشمس الدين يحيى بن الحسن الأسدي المعروف بابن البطريق المتوفى سنة 600 هجرية، تحقيق الشيخ مالك المحمودي، نشر دار القرآن الكريم في قم المقدسة.
133 الخصال: للشيخ الصدوق، المتوفى سنة 381 هجرية، تحقيق علي أكبر الغفاري ،نشر مؤسسة النشر لجماعة المدرسين في قم المقدسة.
134 - خلاصة عبقات الأنوار: للسيد حامد حسين التقوى الهندي، المتوفى سنة 1306 هجرية، نشر مؤسسة البعثة قسم الدراسات الإسلامية في طهران.
135 - الخلاف : للشيخ الطوسي، المتوفى سنة 460 هجرية ، تحقيق جماعة من المحققين، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في قم المشرفة.
136 - دائرة المعارف الإسلامية : نقلها إلى اللغة العربية محمد ثابت القندي وأحمد الشنتناوي وإبراهيم زكي خورشيد وعبد الحميد يونس .
ص: 542
137 - الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: للسيد على خان المدنى، المتوفى سنة 1120 هجرية، تحقيق وتقديم السيد محمد صادق بحر العلوم، نشر مكتبة بصيرتي في قم.
138 - الدرر فى اختصار المغازى والسير: لابن عبدالبر الأندلسي، المتوفى سنة 463 هجرية.
139 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور: لجلال الدين السيوطي، المتوفى سنة 911 هجرية ،نشر مؤسسة الرسالة في بيروت.
140 - الدر النظيم : لابن حاتم العاملي، المتوفى سنة 664 هجرية، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في قم المشرفة .
141 - دستور معالم الحكم: لابن سلامة، المتوفى سنة 454 هجرية، نشر مكتبة المفيد في قم.
142 - كتاب الدعاء : للطبراني، المتوفى سنة 360 هجرية، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، نشر دار الكتب العلمية في بيروت.
143 - دعائم الإسلام: للقاضي النعمان المغربي، المتوفى سنة 363 هجرية، تحقيق أصف بن على أصغر فيضي، نشر دار المعارف في القاهرة.
144 - دلائل الإمامة : لمحمد بن جرير الطبري، المتوفى فى القرن الرابع، تحقيق ونشر قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة في قم.
145 - دلائل الصدق لنهج الحق: لآية الله العلامة الشيخ محمد حسن المظفر، المتوفى سنة 1375 هجرية، تحقيق مؤسسة آل البيت لإحياء التراث في قم.
146 - الديباج على مسلم : لجلال الدين السيوطي ، المتوفى سنة 911 هجرية، نشر دار ابن عفان للنشر والتوزيع في المملكة العربية السعودية.
147 - ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربي : لأحمد بن عبد الله الطبري، المتوفى سنة 694 هجرية، نشر مكتبة القدسي .
148 - الذريعة : لآقا بزرك الطهراني ، المتوفى سنة 1389 هجرية، نشر دار الأضواء في بيروت.
ص: 543
149 - الذريعة : للسيد المرتضى، المتوفى سنة 436 هجرية، تحقيق الدكتور أبي القاسم گرجی، نشر دانشگاه تهران .
150 - ذكر أخبار إصبهان : للحافظ الإصبهاني ، المتوفى سنة 430 هجرية، طبع بريل ليدن المحروسة.
151 - ذيل تاريخ بغداد: لابن النجار البغدادي، المتوفى سنة 643 هجرية، تحقيق مصطفى عبدالقادر يحيى ، نشر دار الكتب العلمية في بيروت.
152 - رد المحتار: لابن عابدين ،المتوفى سنة 1253 هجرية، تحقيق مكتب البحوث والدراسات، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت .
153 - الرسائل العشر: للشيخ الطوسي، المتوفى سنة 460 هجرية، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في قم .
154 - رسائل المرتضى : للسيد المرتضى ، المتوفى سنة 436 هجرية، تحقيق السيد أحمد الحسيني، نشر دار القرآن الكريم في قم .
155 - الرسالة : للشافعي، المتوفى سنة 204 هجرية، تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر، نشر المكتبة العلمية في بيروت.
156 - الرسالة السعدية : للعلامة الحلّي، المتوفى سنة 726 هجرية، تحقيق عبدالحسين محمد علي بقال، بإشراف السيد محمود المرعشي ، نشر مكتبة السيد المرعشي النجفي في قم.
157 - رسالة في معنى المولى: للشيخ المفيد، المتوفى سنة 413 هجرية، تحقيق الشيخ مهدي نجف، نشر دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت.
158 - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني = تفسير الآلوسي : لأبي الفضل شهاب الدين السيد محمود الألوسى، المتوفى سنة 1270 هجرية، انتشارات جهان (إدارة الطبع المنيرية بمصر).
ص: 544
159 - روضة الطالبين: ليحيى بن شرف النووي، المتوفى سنة 676 هجرية، تحقيق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض، نشر دار الكتب العلمية في بیروت .
160 - الروضة المختارة (شرح القصائد الهاشميات والعلويات): لكميت بن زيد الأسدي المتوفى سنة 120 هجرية، ولابن أبي الحديد المعتزلي ، المتوفى سنة 656 هجرية نشر مؤسسة الأعلمي في بيروت.
161 - الروضة في فضائل أمير المؤمنين : لشاذان بن جبرئيل القمي ، المتوفى حدود سنة 660 هجرية، تحقيق على الشكرجي .
162 - روضة الواعظين: للفتّال النيسابوري، المتوفى سنة 508 هجرية، تحقيق السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، نشر الشريف الرضي في قم.
163 - الرياض النضرة في مناقب العشرة : للإمام أحمد بن عبد الله الطبري «محب الدين الطيري»، المتوفى سنة 694 هجرية، تحقيق عبدالمجید طعمه حلبي، نشر دار المعرفة فی بیروت.
164 - زاد المسير: لابن الجوزي ، المتوفى سنة 597 هجرية، تحقيق محمد بن عبد الرحمن عبد الله، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت .
165 - سبعة من السلف: للسيد مرتضى الحسينى الفيروزآبادي المعاصر، تحقيق السيد مرتضى الرضوي، نشر مؤسسة دار الهجرة في قم.
166 - سبل الهدى والرشاد: للصالحي الشامي، المتوفى سنة 942 هجرية، تحقيق وتعليق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض، نشر دار الكتب العلمية في بيروت.
ص: 545
167 - السرائر: لابن إدريس الحلى ، المتوفى سنة 598 هجرية، تحقيق ونشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في قم المشرّفة.
168 - سعد السعود: للسيد ابن طاووس، المتوفى سنة 664 هجرية، نشر الرضي في قم.
169 - السقيفة وفدك : لأبي بكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري البصري البغدادي ، المتوفى سنة 323 هجرية، تحقيق الدكتور محمد هادي الأميني، نشر شركة الكتبي في بيروت.
170 - کتاب سليم بن قيس الهلالي: المتوفى في القرن الأول الهجري، تحقيق محمد باقر الأنصاري الزنجاني والطبعة الأخرى المنشورة من دار الكتب الإسلامية في قم.
171 - السنّة : لعمرو بن أبي عاصم ، المتوفى سنة 287 هجرية، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، نشر المكتب الإسلامي في بيروت.
172 - سنن ابن ماجة: لمحمد بن يزيد القزويني، المتوفى سنة 273 هجرية، تحقيق محمد فؤاد عبدالباقی ، نشر دار الفكر في بيروت .
173 - سنن أبي داود: لابن الأشعث السجستاني، المتوفى سنة 275 هجرية، تحقيق سعيد محمد اللحام، نشر دار الفكر في بيروت .
174 - سنن الترمذي : للترمذي، المتوفى سنة 279 هجرية تحقيق عبدالوهاب بن عبد اللطيف، نشر دار الفكر في بيروت.
175 - سنن الدارمي: لعبد الله بن بهرام الدارمي، المتوفى سنة 255 هجرية، طبع بعناية محمد أحمد دهمان في دمشق.
176 - السنن الكبرى للبيهقي، المتوفى سنة 458 هجرية، نشر دار الفكر في بيروت.
177 - السنن الكبرى للنسائي، المتوفى سنة 303 هجرية، تحقيق عبد الغفار سليمان البنداري ، وسيد كسروي حسن، نشر دار الكتب العلمية ودار الفكر في بيروت .
178 - سير أعلام النبلاء: للذهبي، المتوفى سنة 748 هجرية، تحقيق شعيب الأرناؤوط ومأمون صاغرجي، نشر مؤسسة الرسالة في بيروت .
ص: 546
179 - السيرة النبوية : لابن كثير، المتوفى سنة 774 هجرية، تحقيق مصطفى عبد الواحد، نشر دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت.
180 - السيرة النبوية = سيرة ابن هشام: لمحمد بن إسحاق المطلبي، المتوفى سنة 151 هجرية، والتى هذّبها عبد الملك بن هشام الحميري، المتوفى سنة 218 هجرية تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، نشر مكتبة محمد علي صبح وأولاده بمصر، وطبعة أخرى نشر مكتبة مصطفى البابي الحلبي بمصر .
181 - الشافى فى الإمامة للشريف المرتضى ، المتوفى سنة 436 هجرية، نشر مؤسسة إسماعيليان في قم.
182 - شرح ابن عقيل: لابن عقيل الهمداني ، المتوفى سنة 769 هجرية، نشر المكتبة التجارية الكبرى في مصر.
183 - شرح الأخبار : للقاضي نعمان بن محمد التميمي المغربي، المتوفى سنة 363 هجرية. نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في قم المشرّفة.
184 - شرح الأزهار: للإمام أحمد المرتضى ، المتوفى سنة 840 هجرية، نشر مكتبة غمضان في صنعاء.
185 - شرح أصول الكافي: للمولى محمد صالح المازندراني، المتوفى سنة 1081 هجرية ،تحقيق الميرزا أبي الحسن الشعراني، نشر دار إحياء التراث العربي في بيروت.
186 - شرح التجريد : لعلاء الدين علي بن محمد القوشجي، المتوفى سنة 879 هجرية، الطبعة القديمة.
187 - الشرح الكبير : لعبد الرحمن بن قدامة، المتوفى سنة 682 هجرية، نشر دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع في بيروت.
ص: 547
188 - شرح اللمعة :لزين الدين الجيعي العاملي المعروف بالشهيد الثاني قدس سره، المتوفى سنة 966 هجرية، تحقيق السيّد محمد کلانتر، نشر جامعة النجف الدينية.
189 - شرح مسلم: للنووي المتوفى سنة 676 ، نشر دار الكتاب العربي في بيروت .
190 - شرح مسند أبي حنيفة : للملا علي القاري، المتوفى سنة 1014 هجرية، نشر دار الكتب العلمية في بيروت.
191 - شرح المقاصد : المسعود بن عمر بن عبد الله الشهير بسعد الدين التفتازاني ، المتوفى سنة 739 هجرية، تحقيق وتعليق الدكتور عبدالرحمان عميرة، من منشورات الشريف الرضى في قم.
192 - شرح المواقف: للقاضي علي بن محمد الجرجاني، المتوفى سنة 812 هجرية ، طبع في مطبعة السعادة في مصر.
193 - شرح نهج البلاغة: لابن أبي الحديد المعتزلي، المتوفى سنة 656 هجرية، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم ، نشر دار إحياء الكتب العربية.
194 - الشفاء بتعريف حقوق المصطفى (صلّی الله علیه و آله): للقاضي عياض، المتوفى سنة 544 هجرية نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت .
195 - الشمائل المحمدية : للترمذي، المتوفى سنة 279 هجرية، تحقيق سيد عباس الجليمي نشر مؤسسة الكتب الثقافية في بيروت.
196 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت: للحاكم الحسكاني المتوفى في القرن الخامس الهجري، تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي، نشر مجمع إحياء الثقافة الإسلامية في ايران .
197 الصحاح: للجوهري ، المتوفى سنة 393 هجرية، تحقيق أحمد عبدالغفور العطار، نشر دار العلم للملايين في بيروت.
ص: 548
198 - صحيح ابن حّبان: المتوفى سنة 354 هجرية، تحقيق شعيب الأرناؤوط، نشر مؤسسة الرسالة في بيروت.
199 - صحيح البخاري: للبخاري، المتوفى سنة 256 هجرية، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت.
200 - صحيح مسلم : لمسلم النيسابوري ، المتوفى سنة 261 هجرية، نشر دار الفكر في بيروت.
201 - الصراط المستقيم :لعلي بن يونس العاملي، المتوفى سنة 877 هجرية، تحقيق محمد باقر البهبودي، نشر المكتبة المرتضوية لاحياء الآثار الجعفرية.
202 - الصوارم المهرقة في نقد الصواعق المحرقة: للشهيد نور الله التستري، المتوفى سنة 1019 هجرية، تحقيق السيد جلال المحدّث، طبع في مطبعة نهضت.
203 - الصواعق المحرقة : لابن حجر الهيثمي ، المتوفى سنة 974 هجرية تقديم السيد الجزائري، نشر مكتبة الهدى في النجف الأشرف ومكتبة مرتضوي، في طهران .
204 - طبقات خليفة بن خياط : الخليفة بن خياط، المتوفى سنة 240 هجرية، تحقيق سهيل زکار ،نشر دار الفكر في بيروت.
205 - الطبقات الكبرى: لابن سعد، المتوفى سنة 230 هجرية، نشر دار صادر في بيروت.
206 - الطرائف في معرفه مذاهب الطوائف: للسيد ابن طاووس، المتوفى سنة 664 هجرية، طبع في مطبعة خيام في قم .
207 - عجائب أحكام أمير المؤمنين : للسيد محسن الأمين، المتوفى سنة 1371 هجرية تحقیق فارس حسون كريم نشر مركز الغدير للدراسات الإسلامية.
ص: 549
208 - عدة الأصول: للشيخ الطوسي، المتوفى سنة 460 هجرية، تحقيق محمد رضا الأنصاري القمي، والطبعة الأخرى تحقيق محمد مهدي نجف، نشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام .
209 - عدم سهو النبي صلى الله عليه وآله : للشيخ المفيد، المتوفى سنة 413 هجریه ، نشر دار المفيد في بيروت.
210 - عصمة الأنبياء : للفخر الرازي، المتوفى سنة 606 هجرية من منشورات الكتبي النجفي .
211 - العقد الفريد: لابن عبد ربه المالكي الأندلسي، قوبلت وصححت من قبل لجنة من أفاضل العلماء، طبع مطبعة مصطفى محمد في مصر.
212 - علل الشرايع: للشيخ الصدوق، المتوفى سنة 381 هجرية ، طبع و نشر المطبعة الحيدرية في النجف.
213 - العمدة : لابن البطريق ، المتوفى سنة 600 هجرية نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة الجماعة المدرسين في قم المشرفة.
214 - عمدة القارئ : للعيني، المتوفى سنة 855 هجرية، نشر دار إحياء التراث العربي في بيروت.
215 - عوالي اللئالي : لابن أبي الجمهور الأحسائي، المتوفى حدود سنة 880 هجرية، تقديم: السيد شهاب الدين النجفي المرعشي، تحقيق الحاج آقا مجتبى العراقي.
216 - عون المعبود: للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي ، المتوفى سنة 1329 هجرية، نشر دار الكتب العلمية في بيروت.
217 - العين : للخليل الفراهيدي، المتوفى سنة 170 هجرية، تحقيق الدكتور مهدي المخزومي والدكتور إبراهيم السامرائي، نشر مؤسسة دار الهجرة في قم.
218 - عيون الأثر: لابن سيد الناس ، المتوفى سنة 724 هجرية، نشر مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر في بيروت .
ص: 550
219 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : المحمد بن علي بن بابويه الصدوق، المتوفى سنة 381 هجرية، تحقيق الشيخ حسين الأعلمي، نشر مؤسسة الأعلمي في بيروت.
220 - عيون الحكم والمواعظ: لعلي بن محمد الليثي الواسطي، المتوفى في القرن السادس الهجري، تحقيق الشيخ حسين الحسيني البيرجندي، نشر دار الحديث.
221 - عيون المعجزات: لحسين بن عبدالوهاب الشعراني، المتوفي في القرن الخامس الهجري، نشر محمد كاظم الشيخ صادق الکتبي .
222 - الغارات: لإبراهيم بن محمد الثقفي، المتوفى سنة 283 هجرية، تحقيق السيد جلال الدين الحسيني الأرموي المحدّث.
223 - غاية المرام: للسيد هاشم البحراني ، المتوفى سنة 1107 هجرية، تحقيق السيد علي عاشور .
224 - الغدير: للعلامة الأميني، تحقيق ونشر مركز الغدير للدراسات الإسلامية في قم، والطبعة الأُخرى نشر دار الكتاب العربي في بيروت.
225 - غريب الحديث لابن سلام : المتوفى سنة 224 هجرية، تحقيق محمد عبدالمجید خان، نشر دار الكتاب العربي في بيروت.
226 - غريب الحديث: لابن قتيبة ، المتوفى سنة 276 هجرية، تحقيق الدكتور عبد الله هجرية، تحقيق الدكتور عبد الله الجبوري ، نشر دار الكتب العلمية في بيروت.
227 - الغيبة : للشيخ الطوسي، المتوفى سنة 460 هجرية تحقيق الشيخ عباد الله الطهراني الشيخ علي أحمد ناصح، نشر مؤسسة المعارف الإسلامية في قم المقدسة.
ص: 551
228 - الفائق في غريب الحديث : لجار الله الزمخشري، المتوفى سنة 538 هجرية، نشر دار الكتب العلمية في بيروت.
229 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري : لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المتوفى سنة 852 هجرية، نشر دار المعرفة للطباعة والنشر في بيروت. وطبعة أخرى بتحقيق عبد العزيز بن عبد الله بن باز نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
230 - فتح القدير: للشوكاني، المتوفى سنة 1255 هجرية نشر عالم الكتب.
231 - فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم على عليه السلام : لأحمد بن الصديق المغربي، المتوفى سنة 1380 هجرية، تحقيق محمد هادي الأميني، نشر مكتبة أمير المؤمنين في اصفهان.
232 - فتح الوهّاب: لزكريا الأنصاري ، المتوفى سنة 936 هجرية، نشر محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية في بيروت .
233 - كتاب الفتن: لنعيم بن حماد المروزي، المتوفى سنة 288 هجرية، تحقيق وتقديم الدكتور سهيل زكار، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت.
234 - الفتوح : لأحمد بن أعثم الكوفي، المتوفى سنة 314 هجرية، تحقيق علي شيري، نشر دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت.
235 - الفتوحات المكية : لابن عربي، المتوفى سنة 639 هجرية، نشر دار صادر في بيروت.
236 - فتوح البلدان : لأحمد بن يحيى بن جابر المعروف بالبلاذري، المتوفى سنة 279 هجرية ،نشر مكتبة النهضة المصرية.
237 - فتوح الشام للواقدي، المتوفى سنة 207 هجرية، نشر دار الجيل في بيروت.
238 - فرق الشيعة: لأبي محمد الحسن بن موسى النوبختي ، من أعلام القرن الثالث للهجرة صححه وعلق عليه العلامة السيد محمد صادق آل بحر العلوم، نشر المكتبة المرتضوية في النجف الأشرف.
ص: 552
239 - الفروق اللغوية : لأبي هلال العسكري، المتوفى حدود سنة 395 هجرية، تحقيق ونشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في قم المشرّفة.
240 - الفصول الغروية فى الأصول الفقهيّة : للشيخ محمد حسين الحائري، المتوفى سنة 1250 هجرية، نشر دار إحياء العلوم الإسلامية في قم.
241 - الفصول في الأصول : للحصّاص، المتوفى سنة 370 هجرية، تحقيق الدكتور عجيل جاسم التمشي .
242 - الفصول المختارة: للشريف المرتضى المتوفى سنة 413 هجرية، تحقيق السيد نورالدين جعفريان الإصبهاني والشيخ يعقوب الجعفري والشيخ محسن الأحمدي، نشر دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت .
243 - الفصول المهمة في أصول الأئمة: للحر العاملي، المتوفى سنة 1104 هجرية، تحقيق محمد بن محمد حسين القائيني طبع في مطبعة نگین ،قم، نشر مؤسسة معارف إسلامي إمام رضا عليه السلام.
244 - الفصول المهمة في معرفة الأئمة : لابن الصباغ، المتوفى سنة 855 هجرية، تحقيق سامي الغريري، نشر دار الحديث للطباعة والنشر.
245 - فضائل آل البيت عليهم السلام: للمقريزي، المتوفى سنة 145 هجرية، تحقيق السيد على عاشور .
246 - فضائل أمير المؤمنين : لابن عقدة الكوفي، المتوفى سنة 333 هجرية، جمع وتحقيق محمد حسين فيض الدين.
247 - فضائل الصحابة: لأحمد بن حنبل، المتوفى سنة 241 هجرية، تحقيق وصي محمد عباس، نشر دار ابن الجوزي في المملكة العربية السعودية.
248 - فضائل الصحابة : للنسائي، المتوفى سنة 303 هجرية نشر دار الكتب العلمية في بيروت.
ص: 553
249 - الفضائل : لشاذان بن جبريل القمي، المتوفى حدود سنة 660 هجرية، طبع و نشر المطبعة الحيدرية ومكتبتها في النجف الأشرف .
250 - كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: لعبد الرحمان الجزائري، نشر دار إحياء التراث العربي في بيروت.
251 - فقه القرآن : للقطب الراوندي، المتوفى سنة 573 هجرية، تحقيق السيد أحمد الحسيني ، نشر مكتبة آية الله النجفي المرعشي في قم.
252 - الفوائد : لابن مندة الإصبهاني، المتوفى سنة 475 هجرية، تحقيق مسعد عبد الحميد ،نشر دار الصحابة للتراث في طنطا.
253 - فهرست ابن النديم: لابن النديم البغدادي ، المتوفى سنة 428 هجرية، تحقيق : رضا تجدد.
254 - الفهرست: للشيخ الطوسي، المتوفى سنة 460 هجرية، تحقيق الشيخ جواد القيومي ، نشر مؤسسة نشر الفقاهة في قم.
255 - فيض القدير شرح الجامع الصغير: لمحمد عبد الرؤوف المناوي، تحقيق أحمد عبد السلام، نشر دار الكتب العلمية في بيروت.
256 - القاموس المحيط: للفيروزآبادي، المتوفى سنة 817 هجرية، جمع الشيخ الهوريني.
257 - قرب الإسناد: للحميري القمي، المتوفى سنة 300 هجرية، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث في قم.
258 - قصص الأنبياء: للراوندي، المتوفى سنة 573 هجرية، تحقيق الميرزا غلام رضا عرفانيان اليزدي الخراساني، نشر مركز البحوث الإسلامية في مشهد.
ص: 554
259 - القواعد الفقهية : للسيد البجنوردي، المتوفى سنة 1395 هجرية، تحقيق مهدي المهريزي ومحمد حسين الدرايتي، نشر الهادي في قم .
260 - قوانين الاصول: للميرزا القمي، المتوفى سنة 1231 هجرية (الطبعة الحجرية).
261 - الكافي : لمحمّد بن يعقوب الكليني، المتوفى سنة 329 هجرية، تحقيق علي أكبر غفاري، نشر دار الكتب الإسلامية في طهران.
262 - الكامل في التاريخ: لعز الدين أبي الحسن المعروف ب- ابن الأثير، المتوفى سنة 630 هجرية، نشر دار بيروت .
263 - الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل: للزمخشري ، المتوفى سنة 538 هجرية ،نشر مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر، وطبعة أخرى نشر انتشارات آفتاب في طهران.
264 - كشاف القناع: لمنصور بن يونس البهوتي، المتوفى سنة 1051 هجرية، تقديم كمال عبدالعظيم العناني، تحقيق أبي عبد الله محمد حسن الشافعي، نشر محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية في بيروت.
265 - كشف الخفاء : للعجلوني، المتوفى سنة 1162 هجرية، نشر دار الكتب العلمية في بيروت .
266 - كشف الغمّة : لابن أبي الفتح الإربلي، المتوفى سنة 693 هجرية، نشر دار الأضواء في بيروت.
267 - كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: للعلامة الحلّي، المتوفى سنة 726 هجرية، تحقيق آية الله حسن زاده الأملى ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي في قم. كما استفدنا من الطبعة المحققة من قبل آية الله الزنجاني والسبحاني .
ص: 555
268 - كشف اليقين: للعلامة الحلّي، المتوفى سنة 726 هجرية، تحقيق حسين درگاهي، نشر وزارت فرهنگ و ارشاد اسلامي في إيران.
269 - كفاية الاثر: للخزاز القمي المتوفى سنة 400 هجرية، تحقيق السيد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي، نشر انتشارات بیدار .
270 - كمال الدين وتمام النعمة: للشيخ الصدوق، المتوفى سنة 381 هجرية، تحقيق علي أكبر الغفاري، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في قم.
271 - كنز العمّال: للمتقي الهندي ،المتوفى سنة 975 هجرية، تحقيق الشيخ بكري حياني والشيخ صفوة السقاء ، نشر مؤسسة الرسالة في بيروت .
272 - كنز الفوائد : لأبي الفتح الكراجكي ، المتوفى سنة 449 هجرية، نشر مكتبة المصطفوي في قم.
273 - لباب النقول : للسيوطي، المتوفى سنة 911 هجرية، نشر دار إحياء العلوم.
274 - لسان العرب : لابن منظور، المتوفى سنة 711 هجرية، نشر أدب الحوزة في قم.
275 - لسان الميزان : لابن حجر، المتوفى سنة 852 هجرية، نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات في بيروت.
276 - اللهوف في قتلى الطفوف: للسيد ابن طاووس، المتوفى سنة 664 هجرية، نشر أنوار الهدى في قم.
277 - مبادئ الوصول: للعلامة الحلّي، المتوفى سنة 726 هجرية، تحقيق عبدالحسين محمد على البقال، نشر مكتب الإعلام الإسلامي في قم.
278 - المبسوط: للسرخسى ، المتوفى سنة 483 هجرية، نشر دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت.
ص: 556
279 - مثير الأحزان: لابن نما الحلّى، المتوفى سنة 645 هجرية، نشر المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف .
280 - المجدى فى أنساب الطالبيين: لعلي بن محمد العلوي المتوفى سنة 709 هجرية تحقيق الدكتور أحمد المهدوي الدامغاني، إشراف الدكتور السيد محمود المرعشي نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي العامة في قم المقدسة.
281 - المجروحين : لابن حبّان المتوفى سنة 354 هجرية تحقيق محمود إبراهيم زايد نشر عباس أحمد الباز فى مكة المكرمة.
282 - مجمع البحرين: للشيخ الطريحي، المتوفى سنة 1085 هجرية تحقيق السيد أحمد الحسيني، من منشورات مكتب نشر الثقافة الإسلامية.
283 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: لنور الدين الهيثمي، المتوفى سنة 807 هجرية، نشر دار الكتب العلمية في بيروت لبنان .
284 - مجمع الفائدة والبرهان : للمقدس الأردبيلي، المتوفى سنة 993 هجرية، تحقيق الحاج آغا مجتبى العراقي والشيخ علي پناه الاشتهاردي والحاج آغا حسين اليزدي، نشر مركز النشر الإسلامي التابع لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة.
285 - مجلة تراثنا : لمؤسسة آل البيت نشر مؤسسة آل البيت لإحياء التراث في قم .
286 - المجموع : المحيي الدين النووي، المتوفى سنة 676 هجرية، نشر دار الفكر في بيروت.
287 - المحاسن : لأحمد بن محمد بن خالد البرقى ، المتوفى سنة 274 هجرية، تحقيق السيدجلال الدين الحسيني، نشر دار الكتب الإسلامية في طهران.
288 - المحبّر : لمحمد بن حبيب البغدادي، المتوفى سنة 245 هجرية، طبع في مطبعة الدائرة.
289 - المحتضر : للحسن بن سليمان الحلّي، المتوفى في القرن التاسع الهجري، تحقيق السيد على أشرف نشر المكتبة الحيدرية.
290 - المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: لابن عطية الأندلسي، المتوفى سنة 546 هجرية، تحقيق عبد السلام عبد الشافي ،محمد نشر دار الكتب العلمية في بيروت .
ص: 557
291 - المحصول : للرازي، المتوفى سنة 606 هجرية، تحقيق الدكتور طه جابر فياض العلواني، نشر مؤسسة الرسالة في بيروت.
292 - المحلى بالآثار: لابن حزم الأندلسي ، المتوفى سنة 456 هجرية، تحقيق الدكتور عبدالغفار سليمان البنداري، نشر دار الكتب العلمية في بيروت .
293 - مختار الصحاح: لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، المتوفى سنة 721 هجرية، تحقيق أحمد شمس الدين نشر دار الكتب العلمية في بيروت .
294 - مختصر بصائر الدرجات: للحسن بن سليمان الحلّي، المتوفى في القرن التاسع الهجري، نشر المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف .
295 - مختصر المعاني: لسعد الدين التفتازاني المتوفى سنة 792 هجرية، نشر دار الفكر في قم .
296 - مختلف الشيعة : للعلامة الحلّي، المتوفى سنة 726 هجرية، تحقيق ونشر مؤسسة النشر الإسلامي، التابعة لجماعة المدرسين في قم .
297 - المدونة الكبرى: للإمام مالك، المتوفى سنة 179 هجرية، نشر دار إحياء التراث العربي في بيروت .
298 - مدينة المعاجز: للسيد هاشم البحراني، المتوفى سنة 1107 هجرية، تحقيق عزة الله المولائى الهمداني، نشر مؤسسة المعارف الإسلامية في قم .
299 - مرآة العقول: لمحمد باقر المجلسى، المتوفى سنة 1111 هجرية، نشر دار الكتب الإسلامية في طهران.
30 - مراصد الإطلاع: لصفى الدين عبد المؤمن بن عبد الحق البغدادي، المتوفى سنة 739 هجرية، تحقيق وتعليق علي محمد البجاوي ، نشر دار الجيل في بيروت.
301 - المزار الكبير: للشيخ محمد بن المشهدي ، المتوفى سنة 610 هجرية، تحقيق جواد القيّومي، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في قم.
ص: 558
302 - المزار: لمحمّد بن مكي العاملي الجزيني المعروف بالشهيد الأول، المتوفى سنة 786 هجرية ،تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي عليه السلام في قم .
303 - مسالك الأفهام: للشهيد الثاني المتوفى سنة 966 هجرية، تحقيق ونشر مؤسسةالمعارف الإسلامية في قم.
304 - مستدرك سفينة البحار: للشيخ علي النمازي الشاهرودي، المتوفى سنة 1405 هجرية تحقيق وتصحيح الشيخ حسن بن على النمازي نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة الجماعة المدرسين فى قم المشرفة.
305 - المستدرك على الصحيحين: للإمام الحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري، المتوفى سنة 405 هجرية، تحقيق وإشراف يوسف عبدالرحمن المرعشلي ،وطبعة أخرى نشر مكتب المطبوعات الإسلامية وبذيله التلخيص للحافظ الذهبي .
306 - مستدرك الوسائل : للميرزا النوري المتوفى سنة 1320 هجرية، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث في بيروت .
307 - مستدرکات علم رجال الحديث : للشيخ على النمازي الشاهرودي ، المتوفى سنة 1405 هجرية، طبع في قم .
308 - المسترشد في إمامة أمير المؤمنين : المحمد بن جرير الطبري، المتوفى أوائل القرن الرابع، تحقيق الشيخ أحمد المحمودي، نشر مؤسسة الثقافة الإسلامية لكوشانبور.
309 - المسلك في أصول الدين : للمحقق الحلّي، المتوفى سنة 676 هجرية، تحقيق رضا الأستاذي، نشر مجمع البحوث الإسلامية في مشهد.
310 - مسند ابن الجعد : لعلى بن الجعد بن عبيد الجوهري المتوفى سنة 230 هجرية، تحقيق القاسم عبد الله بن محمد البغوي، نشر دار الكتب العلمية في بيروت.
311 - مسند أبي داود الطيالسي : السليمان بن داود الطيالسي المتوفى سنة 204 هجرية، نشر دار المعرفة في بيروت.
312 - مسند أبي يعلى: لأبي يعلى الموصلي، المتوفى سنة 307 هجرية، تحقيق حسين سليم أسد، نشر دار المأمون للتراث.
ص: 559
313 - مسند الإمام أحمد بن حنبل : المتوفى سنة 241 هجرية، نشر دار إحياء التراث العربي في بیروت.
314 - مسند الحميدي : لعبد الله بن الزبير الحميدي ، المتوفى سنة 219 هجرية، تحقيق وتعليق حبيب الرحمن الأعظمي، نشر دار الكتب العلمية في بيروت.
315 - مصادر نهج البلاغة وأسانيده: للسيد عبدالزهراء الحسيني الخطيب، نشر مؤسسة الأعلمى للمطبوعات في بيروت .
316 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي: للعلامة أحمد بن محمد بن علي المُقري الفيومي ، المتوفى سنة 770 هجرية، نشر دار الهجرة في قم.
317 - المصنف : لابن أبي شيبة الكوفي، المتوفى سنة 235 هجرية، تحقيق وتعليق سعيد اللحام، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت.
318 - المصنّف : لعبد الرزاق الصنعاني، المتوفى سنة 211 هجرية، تحقيق وتعليق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي.
319 - المعارف : لابن قتيبة، المتوفى سنة 276 هجرية، تحقيق الدكتور ثروت عكاشة، نشر دار : المعارف.
320 - معاني الأخبار: للشيخ الصدوق، المتوفى سنة 381 هجرية، تحقيق عليأكبر الغفاري ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في قم المشرفة.
321 - معانى القرآن: للنحاس، المتوفى سنة 338 هجرية، تحقيق الشيخ محمد علي الصابوني نشر جامعة أمّ القرى في المملكة العربية السعودية.
322 - المعتبر: للمحقق الحلّي، المتوفى سنة 676 هجرية، تحقيق عدة من الأفاضل بإشراف ناصر مکارم شيرازي ، نشر مؤسسة سيّدالشهداء عليه السلام في قم.
323 - معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام: للشيخ علي الكوراني العاملي المعاصر نشر مؤسسة المعارف الإسلامية في قم.
ص: 560
324 - المعجم الأوسط: للطبراني، المتوفى سنة 360 هجرية، تحقيق قسم التحقيق بدار الحرمين نشر دار الحرمين للطباعة والنشر والتوزيع.
325 - معجم البلدان: للحموي، المتوفى سنة 626 هجرية، نشر دار إحياء التراث العربي في بيروت.
326 - معجم رجال الحديث: للسيد الخوئي، المتوفى سنة 1411 هجرية، طبع في مركز نشر الثقافة الإسلامية في قم .
327 - المعجم الصغير: للطبراني، المتوفى سنة 360 هجرية، نشر دار الكتب العلمية في بيروت .
328 - المعجم في فقه لغة القرآن وسر بلاغته إعداد قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلامية : بإرشاد الأستاذ محمدزاده الخراساني، نشر مجمع البحوث الإسلامية التابع للأستانة الرضوية المقدسة.
329 - المعجم الكبير: للطبراني ، المتوفى سنة 360 هجرية تحقيق حمدي عبدالمجيد السلفي، نشر دار إحياء التراث العربي في بيروت.
330 - معجم مقاييس اللغة: لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا المتوفى سنة 395 هجرية، تحقيق عبد السلام محمد هارون نشر مكتب الإعلام الإسلامي في قم.
331 - معرفة علوم الحديث: للحاكم النيسابوري، المتوفى سنة 405 هجرية، تحقيق الجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة وتصحيح السيد معظم حسين، نشر دار الآفاق الجديدة في بيروت.
332 - المعيار والموازنة : لأبي جعفر الإسكافي المتوفى سنة 220 هجرية، تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي في قم.
333 - المغازي = سيرة ابن إسحاق : لمحمد بن إسحاق بن يسار، المتوفى سنة 151 هجرية نشر معهد الدراسات والأبحاث للتعريف.
ص: 561
334 - مغازي الواقدي : لمحمّد بن عمر بن واقد المتوفى سنة 707 هجرية، تحقيق الدكتور مارسدن جونس، نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات في بيروت.
335 - المغنى : لعبد الله بن قدامة المتوفى سنة 620 هجرية، نشر دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع في بيروت.
336 - مغني اللبيب عن كتب الأعاريب : لابن هشام الأنصاري المتوفى سنة 761 هجرية ، نشر مطبعة سيّد الشهداء في قم .
337 - مغني المحتاج: لمحمد بن أحمد الشربيني ، المتوفى سنة 977 هجرية، نشر دار إحياء التراث العربي في بيروت.
338 - مقاتل الطالبيين: لأبي الفرج الأصفهاني، المتوفى سنة 356 هجرية، تحقيق كاظم المظفّر ، نشر المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف الأشرف.
339 - مقتضب الأثر في النصّ على الأئمة الاثني عشر: للشيخ أحمد بن محمد بن عياش الجوهري، المتوفى سنة 401 هجرية، نشر مكتبة الطباطبائي في قم .
340 - مكارم الأخلاق : لابن أبي الدنيا المتوفي سنة 281 هجرية، تحقيق مجدي السيد إبراهيم، نشر مكتبة القرآن للطبع والنشر والتوزيع في القاهرة.
341 - الملل والنحل : لعبد الكريم الشهرستاني، المتوفى سنة 548 هجرية، نشر الشريف الرضي في قم.
342 - المناشدة والاحتجاج بحديث الغدير: للشيخ الأميني، المتوفى سنة 1392 هجرية.
343 - المناظرات بين فقهاء السنة وفقهاء الشيعة : المقاتل بن عطية ، المتوفى سنة 505 هجرية، تحقيق، صالح الورداني، نشر الغدير للدراسات والنشر في بيروت.
344 - مناقب آل أبي طالب : لابن شهر آشوب، المتوفى سنة 588 هجرية، تحقيق لجنة من أساتذة النجف الأشرف، نشر المطبعة الحيدرية في النجف.
345 - مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: لمحمد بن سليمان الكوفي ، المتوفى سنة 300 هجرية، تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي، نشر مجمع إحياء الثقافة الإسلامية في قم .
ص: 562
346 - مناقب أهل البيت عليهم السلام: للمولى حيدر الشيرواني، المتوفى في القرن الثاني عشر، تحقيق الشيخ محمد الحسون، نشر مطبعة المنشورات الإسلامية في قم.
347 - مناقب سيدنا على عليه السلام: للفقير العيني ، طبع في حيدر آباد في الهند.
348 - مناقب على بن أبى طالب عليه السلام و ما نزل من القرآن في علي عليه السلام : لأبي بكر أحمد بن موسى ابن مردويه الإصفهاني، المتوفى سنة 410 هجرية، تحقيق عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين، نشر دار الحديث.
349 - المناقب: للموفق الخوارزمي ، المتوفى سنة 568 هجرية، تحقيق الشيخ مالك المحمودي، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في قم المشرفة.
350 - منتخب الأنوار المضيئة للسيد بهاء الدين النجفي، المتوفى سنة 803 هجرية، تحقيق ونشر مؤسسة الإمام الهادي عليه السلام.
351 - منتهى المقال في أحوال الرجال: لأبي على الحائري الشيخ محمد بن إسماعيل المازندرانى، المتوفى سنة 1216 هجرية، تحقيق مؤسسة آل البيت لإحياء التراث .
352 - المنجد في اللغة العربية المعاصرة: المشتركون في العمل كميل إسكندر حشيمة، وصبحي حموي وأنطوان نعمة وعصام مدوّر ولويس عجيل ومتري شماس، نشر دار المشرق في بيروت.
353 - كتاب من حياة الخليفه عمر بن الخطاب: لعبد الرحمن البكري المعاصر، نشر الإرشاد للطباعة والنشر في بيروت.
354 - المنخول : للغزالي ، المتوفى سنة 505 هجرية، تحقيق الدكتور محمد حسن هيتو، نشر دار الفكر في دمشق.
355 - من لا يحضره الفقيه : للشيخ الصدوق، المتوفى سنة 381 هجرية تحقيق علي أكبر الغفاري، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في قم المشرفة.
356 - المنمق : لمحمد بن حبيب البغدادي، المتوفى سنة 245 هجرية، تحقيق خورشيد أحمد فاروق .
ص: 563
357 - منهاج الكرامة : للعلّامة الحلّي، المتوفى سنة 726 هجرية، تحقيق عبدالرحيم مبارك، نشر مؤسسة تاسوعاء في مشهد.
358 - منية المريد في أدب المفيد والمستفيد : للشيخ زين الدين بن علي العاملي المعروف بالشهيد الثاني قدس سره، المتوفى سنة 966 هجرية، تحقيق رضا المختاري، نشر مكتب الإعلام الإسلامي في قم.
359 - المواقف: للإيجي، المتوفى سنة 756 هجرية، تحقيق عبد الرحمن عميرة، نشر دار الجيل في بيروت .
360 - موجز مناقب الرسول وأهل بيته عليهم السلام : لعبد الله علي مطهر الديلمي، المعاصر.
361 - موسوعة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ : المحمد الريشهري المعاصر، تحقيق مركز بحوث دار الحديث وبمساعدة السيد محمد كاظم الطباطبائي والسيد محمود الطباطبائی ،نژاد نشر دار الحديث للطباعة والنشر.
362 - الموضوعات: لابن الجوزي المتوفى سنة 597 هجرية، تحقيق عبدالرحمن محمد عثمان، نشر المكتبة السلفية في المدينة المنورة.
363 - المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي: نشر مركز الرسالة في قم.
364 - ميزان الاعتدال: للذهبي، المتوفى سنة 748 هجرية ، تحقيق على محمد البجاوي، نشر دار المعرفه للطباعة والنشر في بيروت .
365 - النافع يوم الحشر: للعلامة الحلّي، المتوفى سنة 726 هجرية، نشر دار الأضواء في بيروت .
366 - النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة: لابن ميثم البحراني، المتوفى سنة 689 هجرية، نشر مجمع الفكر الإسلامي .
ص: 564
367 - النزاع والتخاصم: للمقريزي، المتوفى سنة 845 هجرية، تحقيق السيد علي عاشور .
368 - النص والاجتهاد : للسيد شرف الدين ، المتوفى سنة 1377 هجرية، تحقيق وتعليق ونشر أبو مجتبى.
369 - نظم درر السمطين : للزرندي الحنفي المتوفى سنة 750 هجرية، نشر مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام العامة في النجف.
370 - نفحات الأزهار: للسيد على الميلاني المعاصر، نشر السيد علي الميلاني .
371 - نفس الرحمن في فضائل سلمان: للميرزا حسين النوري الطبرسي ، المتوفى سنة 1320 هجرية، تحقيق جواد القيومي، نشر مؤسسة الآفاق.
372 - النكت الاعتقادية : للشيخ المفيد ، المتوفى سنة 413 هجرية، نشر دار المفيد في بيروت.
373 - نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار صلى الله عليه وآله : للشيخ مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي، من علماء القرن الثالث عشر الهجري، نشر دار الفكر في بيروت.
374 - النهاية في غريب الحديث والأثر: لابن الأثير الجزري، المتوفى سنة 606 هجرية تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، نشر المكتبة العلمية في بيروت.
375 - نهج الإيمان لزين الدين علي بن يوسف بن جبر، المتوقى في القرن السابع، نشر مجتمع امام هادي عليه السلام في مشهد.
376 - نهج البلاغة : خطب الإمام علي عليه السلام ، تحقيق الشيخ محمد عبده، نشر دار المعرفة في بيروت.
377 - نهج الحق وكشف الصدق: للعلامة الحلي، المتوفى سنة 726 هجرية، تحقيق السيد رضا الصدر، تعليق الشيخ عين الله الحسني الأرموي، نشر دار الهجرة في قم.
378 - نيل الأوطار: للشوكاني، المتوفى سنة 1255 هجرية، نشر دار الجيل في بيروت .
ص: 565
379 - الوافي بالوفيات: للصفدي، المتوفى سنة 764 هجرية، تحقيق أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، نشر دار إحياء التراث في بيروت.
380 - وسائل الشيعة: للحر العاملي، المتوفى سنة 1104 هجرية تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث في قم. والطبعة الأخرى تحقيق الشيخ عبدالرحيم الرباني الشيرازي، نشر دار إحياء التراث العربي في بيروت .
381 - وقعة صفّين : لابن مزاحم المنقري ، المتوفى سنة 212 هجرية، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون ،نشر المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر والتوزيع في القاهرة .
382 - الهداية: للشيخ الصدوق، المتوفى سنة 381 هجرية، تحقيق ونشر مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام في قم.
383 - الهداية الكبرى: للحسين بن حمدان الخصيبي ، المتوفى سنة 334 هجرية، نشر مؤسسة البلاغ في بيروت
384 - هداية المسترشدين للشيخ محمد تقي الرازي، المتوفى سنة 1248 هجرية ،نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في قم المشرفة.
385 - اليقين: للسيد ابن طاووس، المتوفى سنة 664 هجرية، تحقيق الأنصاري، نشر مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري) في قم.
386 - ينابيع المودة لذوي القربى: للشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي، المتوفى سنة 1294 هجرية، تحقيق السيد علي الحسيني، نشر دار الأسوة في قم.
ص: 566
المؤلّف في سطور ...5
نحن والكتاب ...39
نسخ الكتاب ...46
طريقة التحقيق ...47
مقدمة المؤلف ...53
المقدمة وفيها مبحثان / 59
المبحث الأول : في بيان معنى الإمامة...61
تعاريف أخرى للإمامة...65
الإمامة لها حيثيتان ...67
مفهومان آخران للإمامة ...68
من أنواع الإمامة ...69
ص: 567
المبحث الثاني : في نصب الإمام هل هو واجب أم لا ؟ ...71
نصب الإمام واجب على اللّه تعالى ...72
الأول: ما دلّ على وجوب النبوة دال على وجوب الإمامة ...72
الثاني: الإمام لطف من اللّه ...73
اعتراض المخالفين وجوابه ...74
دعوى الاستغناء عن الإمام وجوابها ...75
اعتراض آخر من القوشجي والردّ عليه ...78
اعتراض آخر من القوشجى وردّه ...82
الثالث: نصب الإمام مقتضى رحمة اللّه ...83
نصب الإمام وظيفة العباد والردّ عليه ...84
أدلّة الفوشجي ...85
الأول: إجماع الصحابة ...85
الدليل الثاني للقوشجي ...94
أمور الأمة لا تتم بدون الإمام ...94
الدليل الثالث: في نصب الإمام منافع لا تحصى ...98
نظرية الخوارج والردّ عليها ...100
فائدة جليلة هي فرع ما أصلناه ونتيجة ما أبرمناه...101
تتمة أدلة المصنف ...103
الدليل الأول للمصنف : النبوة لطف خاص والإمامة لطف عام...103
الدليل الثانى للمصنف : الحجّة الله لا تقوم بدون مرشد ...107
المقدّمة الأولى: لكل واقعة حكم...108
دليلهم على عدم تعيين الحكم في كل واقعة ...108
ص: 568
ردّ دليل العامة ...109
المقدمة الثانية : النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلم)لم يبين جميع الأحكام للأمة ...118
الدليل الأول: الاختلاف في الأحكام ...118
الدليل الثاني : مخالفة الإمام مخالفة الله تعالى ...123
الدليل الثالث : النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلم)بين العلم لبعض ما لم يبينه لآخر ...124
الدليل الرابع: النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلم)علم جميع الأحكام العلي (علیه السلام)...125
المقدمة الثالثة: الله تعالى يريد العمل بما أنزل لا بغيره ...129
المقدمة الرابعة : لا تكليف إلا مع البيان ...1134
المقدمة الخامسة : لا طريق للأحكام غير الإمام...136
الدليل الثالث للمصنف : لكل عصر إمام...139
الدليل الرابع للمصنف : العصر لا يخلو من حجّة ...140
لا يراد من الإمام القرآن ...141
لا يراد من الإمام إمام المذهب ...143
لا يراد من الإمام السلطان ...144
كلمات أمير المؤمنين(علیه السلام)على لزوم الحجة في كل زمان ... 149
دليل الخصم على خلو العصر من الحجة وجوابه ...156
أدلة وجوب وجود الإمام من طرق الإمامية ...160
الفصل الأوّل
في شروط الإمام وهو يشتمل على مسائل / 163
المسألة الأولى في عصمة الإمام...165
المعصوم (علیه السلام)قادر على المعصية أم لا؟ ...166
ص: 569
الكلام في وجوب عصمة الإمام وعدمه ...167
من معانى الظلم...177
دليل ابن أبي الحديد على عدم اشتراط العصمة في الإمام ...184
المسألة الثانية : يجب أن يكون الإمام أفضل أهل زمانه ...191
الأدلة على أن الإمام أفضل أهل زمانه...192
ومن السنة كثير ...199
في تقديم المفضول ورد ذلك ...203
المسألة الثالثة : شرط الإمام أن يكون قريبا من النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلم)...213
ابن العم للأبوين مقدم على العم للأب ...215
المسألة الرابعة: في طريق الإمامة ...220
وجوه إثبات الإمامة ...225
الآيات الدالة على أن الإمامة بالنص ...227
خيرة الناس لا تصيب الواقع ...238
إبطال إمامة غير على بن أبي طالب ...241
كلام الرضا(علیه السلام) في وصف الإمامة والإمام ...249
الفصل الثاني
فى ذكر النصوص على الأئمة (علیهم السلام)وهو يشتمل على مسائل / 257
المسألة الأولى : فى إيراد النصوص على سيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن ابي طالب(علیه السلام)بالإمامة ...259
النصوص الواردة في إمامته(علیه السلام) من الكتاب والسنة...260
ص: 570
في بيان معنى النص ...260
النص فعلي وقولي ...262
النص الفعلى على إمامة على (علیه السلام)...263
قصة تبليغ سورة براءة ...263
شبهة ودفع ...266
النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلم) لم يؤمر على علىّ أحداً...270
النص القولي على إمامة على (علیه السلام)...274
علي إمام البررة وراية الهدى ...274
سكوت الإمام (علیه السلام)عن الخلافة ورد ذلك ...282
على خوطب بإمرة المؤمنين ...288
على خاتم الوصيين ...289
أشعار الصحابة في أنه (علیه السلام)وصى رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلم) ...290
وجوه أخرى لإبطال قول ابن أبي الحديد ...296
على (علیه السلام)خليفة رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلم) ...300
علي (علیه السلام)وزير رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلم)...301
أمر الرسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلم) بطاعة على (علیه السلام)...303
علی(علیه السلام) نفس رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلم)...304
أمر الرسول (صلی اللّه علیه وآله وسلم)بالتمسك بعلي (علیه السلام)...307
على (علیه السلام)ولي الله ...316
من كنت مولاه فعلي مولاه ...320
إشكالات على حديث الغدير وردها ...329
علي منّي وأنا من علي...345
ص: 571
حديث المنزلة ...348
على وارث رسول الله ...353
علي (علیه السلام)أحق بمقام رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلم)...357
إن اللّه اختار علیاً(علیه السلام)...360
حديث السيادة ...363
أحب الخلق إلى رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلم)...365
علي(علیه السلام)أعلم الناس ...367
على أقرب الناس من رسول الله...369
على أشد جهاداً...371
علي (علیه السلام)مع الحق ...372
على(علیه السلام)خير الأمة...373
نسب على (علیه السلام)...380
على (علیه السلام)أعلم الصحابة ....81
علي (علیه السلام)أحلم الناس ...386
على(علیه السلام) أقدم الناس إسلاماً ...387
علي (علیه السلام)أشجع الصحابة ...391
على(علیه السلام) الأسخى الناس ...396
على (علیه السلام)أزهد الناس ...398
علي (علیه السلام)أعبد الناس...399
على (علیه السلام)أحفظ الصحابة للقرآن ...400
علي (علیه السلام)أفصح الناس ...401
على (علیه السلام)أسد الصحابة رأياً...402
على(علیه السلام) أسوس الصحابة وأعدلهم في الرعية ...403
ص: 572
على(علیه السلام) أحرص الصحابة على إقامة الحدود ...404
مولده (علیه السلام)في الكعبة...405
الدليل الأول للقوشجي على تفضيل أبي بكر ورده ...408
الدليل الثاني للقوشجي على تفضيل أبي بكر ورده ...414
الدليل الثالث للقوشجي على أفضلية أبي بكر ...417
الرواية الأولى وردها ...417
کتاب معاوية إلى عماله...418
كتاب آخر لمعاوية إلى عماله...419
الرواية الثانية وردها...424
الرواية الثالثة وردّها...425
الرواية الرابعة وردها...425
الرواية الخامسة وردّها ...427
الرواية السادسة وردها ...430
الرواية السابعة وردّها...437
الرواية الثامنة وردّها...439
الرواية التاسعة وردّها...442
الرواية العاشرة وردّها ...443
الرواية الحادية عشرة وردها ...444
الرواية الثانية عشرة والثالثة عشر والرابعة عشر وردّها...447
روايات في مدح على (علیه السلام)...453
إشارة إلى رواية كلاب الحواب ...461
مناظرة بين عمر وابن عباس ...463
إشكال وجواب ...471
ص: 573
أفعال رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلم) الكاشفة عن عظمة على(علیه السلام)...474
قصة مؤاخاة النبى (صلی اللّه علیه وآله وسلم)علياً (علیه السلام)...474
مبيت على (علیه السلام)على فراش رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلم)...477
بقاء علي (علیه السلام)مكان النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلم) في مكة ...481
سد أبواب المسجد إلا باب على (علیه السلام)...482
مناجاة رسول اللّه علياً (علیه السلام)...483
مشاركته (علیه السلام)في أمور رسول الله ...484
احتجاجات أم سلمة على عائشة ... 486
علي (علیه السلام)يشبه الأنبياء العالم ...489
مدح آخر لعلى (علیه السلام)...489
تسليم الملائكة على(علیه السلام)...492
الصديقون ثلاثة ...493
شبه على(علیه السلام) بعيسی(علیه السلام)...494
هذا ولي وأنا وليه ...494
على (علیه السلام)يقاتل على التأويل ...495
صلاة الملائكة على رسول الله وعلى(علیهما السلام) ...497
دفاع على (علیه السلام)عن رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلم)...497
لا فتى إلا على...498
دعاء النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلم) لحفظ على (علیه السلام)...500
علي (علیه السلام)والنصراني الشهيد بصفين ...502
إشكال وجواب ...504
الروايات الدالة على إمامته (علیه السلام)مما لم يذكره ابن أبي الحديد ...506
ص: 574
قصّة الحارث الفهري...509
الله عزّ وجل يباهى الملائكة بعلى (علیه السلام)...510
مدائح أخرى لعلي (علیه السلام)...512
آيات واردة في على (علیه السلام)...516
وصف ضرار بن ضمرة لعلى (علیه السلام)...522
سلوني قبل أن تفقدوني ...523
أقضاكم على (علیه السلام)...524
ادعاء ابن أبي الحديد فقدان نص الولاية...526
خبر السقيفة...526
مناقشة المصنف الدعوى ابن أبي الحديد...529
شبهة ابن أبي الحديد...530
دلیل ابن أبى الحديد عليه لا له...531
تظلمات أئمة أهل البيت (علیهم السلام)...537
الرد على شبهة ابن أبي الحديد المتقدمة ...539
رد النصوص بالرأي ...547
وجه آخر على عدم ذكر النص...551
وجه آخر على عدم ذكر النص...557
تشنيع ابن أبي الحديد ورده...559
من تناقضات ابن أبي الحديد ...561
عناد القوشجي مع الحق ...563
علة دخول أمير المؤمنين(علیه السلام) في الشورى ...565
مناقشة رواية أمدد يدك ...567
المناقشة في رواية محاجة على (علیه السلام)معاوية...570
ص: 575
مخالفة جماعة من الصحابة الرسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلم)...3
تخلف الأول والثانى عن جيش اسامة ...3
مخالفتهما أمر النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلم)بقتل ذي الخوبصرة ...6
مخالفة أبي بكر للنبى (صلی اللّه علیه وآله وسلم)...9
إسقاط أبي بكر سهم ذوي القربى ...12
در أبي بكر الحد عن خالد بن الوليد ...12
مخالفة عمر للنبي (صلی اللّه علیه وآله وسلم)...13
ردّ قول رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلم)يوم الحديبية ...15
تحريم المتعتين ومناقشة الفوشجي ...16
تجويز الاجتهاد العمر ...22
مخالفة غير الشيخين للنبي (صلی اللّه علیه وآله وسلم)...27
مخالفة عثمان بن عفان للنبي (صلی اللّه علیه وآله وسلم)...27
مخالفة عائشة الرسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلم)...27
مخالفة الزبير الرسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلم)...29
مخالفة سعد بن أبي وقاص الرسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلم)...29
ص: 576
مخالفة طلحة الرسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلم)...30
مخالفة سعد بن عبادة...30
مخالفة أنس بن مالك ...31
مخالفة أبي هريرة ...32
مخالفة جماعة الرسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلم)...32
اجتهاد القوم في ستر فضائل علي (علیه السلام)...36
غايات إبراز الإيمان ...39
النص من النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلم) على علي (علیه السلام)...46
الوجه الأول على وجود النص من النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلم)...46
الأمة ستغدر بك من بعدي ...46
ضغائن في صدور قوم...48
قرب سهر له بعدي طويل ...50
كتب عليك جهاد المفتونين ...56
لن يموت حتى يوسع غدراً ...58
فكانت الطامة الكبرى ...58
قاتل على الحدث في الدين ...59
الوجه الثاني على وجود النصر من رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلم)...62
رجوع القوم على الأعقاب ...70
كيف دفعكم قومكم ؟ ...72
المعتزلى ونقيب البصرة ...73
في الشعر المنسوب إليه...77
أوهام ابن أبي الحديد وردها ...78
ص: 577
الصحابة أحدثوا في الدين ...85
نصوص على مظلومية على (علیه السلام)...88
محاورة عبد الله بن عباس مع الثاني ...90
معنى الإرادة...95
حداثة السن وحبه بنى عبد المطلب ...98
كراهة الجمع بين الخلافة والنبوة ...100
اجتهاد الخليفة الثاني في الخلافة ...102
الإقرار بنصوصية الرسول (صلی اللّه علیه وآله وسلم)على خلافة على (علیه السلام)...105
إقرار الخليفة الثاني بأحقية على ليلا ...109
نقد و تحليل ...109
ظهور المعجز على يده ...125
فی إخباره (علیه السلام)بالمغيبات ...127
عمرو بن الحمق الخزاعي ...134
مع جويرية ...135
هيثم التمار التمار...137
رشيد الهجري ...141
مزرع ...141
مالك بن ضمرة...142
نزول أمير المؤمنين بكربلاء ...143
في معاجزه (علیه السلام)...146
رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلم)لم يأمر أبا بكر بالصلاة ...160
ما يدل على كذبهم في صلاة أبي بكر ...167
ص: 578
المسألة الثانية : في النصّ على إمامة العترة المحمدية...177
في بيان معنى العترة...177
الإمامة خاصة بالعترة الطاهرة (علیه السلام)...183
النصوص على إمامة العترة...186
أحاديث الإمامة ...186
الأحاديث الآمرة بالتمسك بهم (علیهم السلام)...188
أحاديث السيادة ...191
النصوص الواردة بلفظ المودة...200
حب العترة سبب نجاة العبد ...202
نصوص الاعتصام...209
أحاديث الولاية والوصية ...210
نحن شجرة النبوّة ومحط الرسالة...216
الأئمة (علیهم السلام)الأوتوا من فضله ...218
الآيات الدالة على عظمة أهل البيت (علیهم السلام)...219
الإمامة في ذرية الحسين (علیه السلام)...234
في ولادة إمام الزمان (علیه السلام)...241
فى ذكر المعمرين ...245
دفع شبهة استتاره (علیه السلام)...251
حرافات الصوفية وردّها ...255
لا تخلو الأرض من حجّة...258
أحاديث أخرى في إمام الزمان (علیه السلام)...262
ص: 579
المسألة الثالثة : في بيان ثبوت عصمة الأئمة (علیهم السلام)...267
الأدلة على عصمة الأئمة (علیهم السلام)...269
المراد بأهل البيت (علیهم السلام)...270
آية المباهلة ...278
آية التطهير...279
آية:«سلام على إلى ياسين »...289
النصوص الدالة على عصمة على(علیه السلام) الخاصة ...293
أحاديث وجوب محبة على (علیه السلام)...294
النصوص على عصمة الأئمة (علیهم السلام)...299
عصمة الأئمة(علیهم السلام) في كلام على (علیه السلام)...302
النصوص على إمامة الأئمة (علیه السلام)من طرق الشيعة ...305
كلام أمير المؤمنين (علیه السلام)...314
في شرح الخطبة الشريفة ...322
أبيات في مدح المؤلف...328
تراجم الأعلام...331
فهرس مصادر التحقيق ...529
فهرس موضوعات المجلد الأوّل ...567
فهرس موضوعات المجلد الثاني ...546
ص: 580
ص: 581
ص: 582
1- العبّاس (علیه السلام).
تأليف: السيّد عبد الرزاق الموسوي المقرّم (ت 1391 ه).
تحقيق: الشيخ محمّد الحسون .
الطبعة الأولى - 1427ه، مجلد واحد.
2 - المجالس الحسينية.
تأليف:الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (ت 1373ه).
تحقيق:الأستاذ أحمد علي مجيد الحلي.
الطبعة :الأولى - 1429ه، مجلد واحد.
3- سند الخصام في ما انتخب من مسند الإمام أحمد بن حنبل.
تأليف: الحجّة الشيخ شير محمد بن صفر علي الهمداني (ت 1390ه).
تحقيق: وحدة التحقيق في المكتبة /الأستاذ أحمد علي مجيد الحلي.
الطبعة :الأولى - 1430ه، 7 أجزاء في 3 مجلدات.
4- معارج الأفهام إلى علم الكلام.
تأليف :الشيخ جمال الدين أحمد بن علي الجبعي الكفعميّ (ق 9) .
تحقيق: عبد الحليم عوض الحلّي.
مراجعة وتصحيح :وحدة التحقيق في مكتبة العتبة العباسية المقدسة.
ص: 583
الطبعة الأولى - 1430ه ، مجلد واحد.
5 - مكارم أخلاق النبي والأئمّة (علیهم السلام):
تأليف: الشيخ الإمام قطب الدين الراوندي (ت 573 ه).
تحقيق: السيّد حسين الموسوي .
مراجعة وتصحيح: وحدة التحقيق في مكتبة العتبة العباسية المقدسة.
الطبعة:الأولى - 1430ه، مجلد واحد.
6 - منار الهدى في إثبات النص على الأئمة الاثني عشر النُّجبا.
تأليف: الشيخ علي بن عبد الله البحراني (ت 1319ه).
تحقيق: عبد الحليم عوض الحلي.
مراجعة : وحدة التحقيق في مكتبة العتبة العباسية المقدسة.
الطبعة الأولى - 1430ه ، مجلدان .
الكتاب الذي بين يديك الآن...
ص: 584