بطاقة تعريف: خدامیان آراني، مهدي، 1353 -
Khuddamiyan Arani, Mehdi
عنوان واسم المؤلف: الفقه الفهرستی: عرض و استدلال لاحکام المیاه/ مهدي خدامیان الاراني؛ المراجعه سعید عرفانیان قنادشیرین کام.
تفاصيل المنشور: مشهد: مؤسسة البحوث الإسلامية، 1442ق.= 1400.
مواصفات المظهر: 385 ص.
شابک : 750000 ریال: 978-600-06-0502-5
حالة الاستماع : فاپا
لسان : العربية.
ملحوظة: فهرس: ص. [365] - 378 ؛ أيضا مع الترجمة.
موضوع : ماء (فقه)
Water (Islamic law)
ماء -- الجوانب الدينية -- اسلام
Water-- Religious aspects -- Islam
المعرف المضاف: بنیاد پژوهشهای اسلامی
المعرف المضاف: Islamic Research foundation
ترتيب الكونجرس: BP198/6
تصنيف ديوي: 297/379
رقم الببليوغرافيا الوطنية: 7538690
معلومات التسجيلة الببليوغرافية: فاپا
ص: 1
الفقه الفهرستي
عرض و استدلال لأحكام المياه
مهدي خدّاميان الآرانيّ
ص: 2
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد البشريّة أجمعين؛ محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
وبعد؛ فقد وضع مجمع البحوث الإسلاميّة نُصب عينه منذ تأسيسه العمل على نشر الكتب التي تحيا بها الشريعة الإسلاميّة الغرّاء، آخذاً بعين الاعتبار نشر تعاليم أهل البيت(علیهم السلام)، الذين هم أمل الدين في ديمومة هذه الشريعة السمحاء، والسلاح الفعّال لمواجهة الانحرافات التي قد تصيب الأُمّة الإسلاميّة على مدى العصور والعهود.
و لا شكّ أن الإنسان في أمَسّ الحاجة إلى معرفة ما يضمن سعادته وكماله كي يطبّقه في شؤون حياته الفرديّة والاجتماعيّة، ومن البديهي أن الطريق الوحيد لتحقّق سعادة الإنسان هي أحكام الشريعة المحمّديّة التي يبيّنها علم الفقه، ومن أجل ذلك كان هذا العلم بمادّته الأوليّة موجوداً على عهد رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) وتكامل في زمن الأئمة(علیهم السلام) ومن بعد ذلك أصبح محطّاً لأنظار العلماء والفقهاء حيث قام بتبيين الأحكام الفرعية المتلقّاة من الكتاب الكريم والسنّة الشريفة المبينة من قبل العترة الطاهرة.
ومجمع البحوث الإسلاميّة إذ يعتزّ بما وفّق إليه وقدّمه من جهود في سبيل الإسلام والحقّ وإحياء مصادر الدين والمعارف الإسلاميّة، يقدّم لقرّائه الكرام اليوم هذا الكتاب: «الفقه الفهرستي، عرض و استدلال لأحكام المياه» لمؤلّفه سماحة الحجّة الأُستاذ الفقيه الفاضل الشیخ مهدي خدّاميان الآراني؛ حيث قام ببيان استدلاليّ لأحكام المياه و هذا الكتاب إنّما هو نموذج للتحليل الفهرستي للأحاديث الفقهيّة.
ص: 3
ولا بأس بالاشارة إلی أنّ المراد من «التحليل الفهرستي» هو التركيز في مدى حجّية المصادر الأوّلية التي أخذ عنها الأحاديث كما أنّه ينظر إلى صحّة طريق تلك المصادر والوثوق بصحّة النسخة والاعتماد على راوي الكتاب و هذا هو منهج قدمائنا في تقييم الحديث.
فقدماؤنا كانوا مصرّين على أن يكون لهم طريق مطمئنّ إلى كتب الحديث، دون الاعتماد على الكتب الواصلة إليهم بالوجادة وتلك الكتب كانت مشهورة بينهم، ولهم طرق متعدّدة إليها، فاعتماد القدماء في تقييم التراث الحديثي _ مضافاً إلى وثاقة الراوي _ كان على ورود الحديث في كتاب مشهور مع صحّة انتساب الكتاب إلى المؤلّف وتحمّل المشايخ له، ووصول الكتاب إليهم بطريق معتبر.
وباختصار، هذا الكتاب الذي يقدّمه مجمع البحوث الإسلامية لقرّائه الكرام إنّما هو حركة جديدة يقوم بها من أجل الأخذ بيد القارئ العزيز نحو الأحاديث الفقهيّة على المنهج الفهرستي.
ولا نبالغ إذا قلنا أنّ المؤلّف كان سبّاقًا في هذا المضمار ؛ إذ لا نكاد نعثر على من حاول تشذيب الأحاديث الفقهيّة بهذا الأُسلوب، ممّا يعني فاتحة خير في هذا المضمار، وأنّه فتح الباب على مصراعيه لأهل العلم والمعرفة لمن أراد أن يدلي بدلوه تحقيقاً للمزيد ممّا ينفع ويفيد.
سائلين المولى القدير أن يأخذ بيد كلّ من يريد الخير لهذا الدين، وخدمة أهل البيت(علیهم السلام) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. وراجين أن ينفع قرّاءنا الأعزّاء الذين لا نبخل عليهم بكلّ ما ينفع ويبقى.
مجمع البحوث الإسلامیّة
التابع للعتبة الرضویّة المقدّسة
مشهد /11 ذي القعدة 1442 ﻫ
ص: 4
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربّ العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، وباعث الرسل بما فيه حياة أهل الأرضين، حمداً لا انقطاع له ولا أمد كما هو أهله. ونصلّي على خير خلقه محمّد كما بلّغ رسالاته، وأحلّ حلاله، وحرّم حرامه. وعلى الأوصياء من بعده، ومستودع علمه وباب حكمته، الناطقين بحجّته، والداعين إلى شريعته.
أمّا بعد، فإنّ أهمّية كلّ علم بموضوعه وما يبحث فيه، وأشرف العلوم هو ما ارتبط بالله تعالى، أو بحث عن رسله وسفرائه وما أوحي إليهم من حقائق وأحكام وتكاليف.
ولقد نبغ في هذا العلم فطاحل سجّل التاريخ أسماءهم بحروف من ذهب، ولا زال ذكرهم يتردّد على الألسنة ما قامت لهذا العلم قائمة، جهابذة وأساتذة ومحقّقون أفنوا أعمارهم في تبويب الفقه وترسيم معالمه وتوضيح مبهمه وتذليل صعابه، فتركوا مؤلّفاتٍ كثيرة زاخرة تُدرّس في أروِقَة المدارس وتتناقلها الأجيال لتتنوّر بها وتورثها إلى التي من بعدها بعد تشذيبها وتلطيفها وتسهيل عباراتها بما يتناسب ولغة العصر.
لطالما تشوّقت لأن أسير في ركاب أهل هذا العلم بتأليف كتابٍ فقهيّ، مركّزاً على مسلك قدمائنا في تقييم الحديث، ولكن كانت تعوقني عن ذلك كثرة
ص: 5
المشاغل، فدعوتُ الله تعالى أن يوفّقني لتحقيق أُمنيتي هذه، فلم أدع فرصة إلّا اغتنمتها، فالفرص تمرّ مرّ السحاب، وقد فاز مغتنمها.
فكان ما سطّرته أناملي هذا الكتاب الذي بين يديك، وسمّيته ب- «الفقه الفهرستي»، وقمت بشرح أحكام المياه، وقد ذكرت أحكام المياه كنموذج لهذا البحث.
وكالعادة ممّا أوجبته على نفسي أن، لا يفوتني أن أتقدّم بجزيل الشكر والثناء إلى سماحة الأُستاذ العلّامة فقيه أهل البيت(علیهم السلام)، السيّد أحمد المددي أدام الله بقاءه، _ مشجّعي في خوض هذا المضمار، والمتفضّل عليّ بإرشاداته الغنيّة _ والذي ما زال يعرب عن حبّه وشوقه لنشر هذه الأبحاث.
ومنه سبحانه وتعالى نستمدّ العون والتوفيق والتسديد، وأن يجعل ذلك خالصاً لوجهه، إنّه نعم المولى ونعم المجيب، وله الحمد وحده.
مهدي خدّاميان الآرانيّ
قمّ المقدّسة، 11 ذي القعدة 1442 ﻫ
ص: 6
لا غرابة أن يهتمّ العلماء على مرّ التاريخ بالحديث، فدوّنوا الكتب المطوّلة لذلك واهتمّوا به أشدّ اهتمام، خصوصاً بعدما افترق الناس إلى آراء شتّى بعد وفاة النبيّ الأكرم(صلی الله علیه و آله و سلم)، فوجدوا أنّ أفضل وسيلة لإيصال الأجيال القادمة بعهد الرسالة هو حفظ الحديث وتدوينه، خصوصاً بعد وفاة النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)، حتّى أكثروا منه، فآل الأمر إلى أن يقوم الحكّام بضرب رواة الحديث وإقصائهم ومنعهم من تدوينه، لأسباب لا يسعنا ذكرها الآن، ونقول بما أنّ اهتمام الرعيل الأوّل قد تطرّف بالحديث، خصوصاً بعد فترة انتهاء الحظر عليه، فظهرت مدوّنات ومصنّفات ملأت الدنيا، فيها مرويّات وأحاديث الرسول وأهل بيته(علیهم السلام).
فالاهتمام بالحديث لازم لكلّ من أراد الفقه والاجتهاد؛ لأنّ الحديث ليس سوى كلام الرسول والأئمّة(علیهم السلام)، وهو من بعد القرآن يعتبر أكبر مصدر للفقه، بل حاجة الفقه في الفروع والأحكام الجزئية إلى الأحاديث أشدّ من حاجته إلى القرآن الكريم الحاوي لأُصول الأحكام وكلّياتها دون الفروع الحادثة مع الزمن التي عنونت في خلال الأحاديث.
ولذلك لا بدّ لنا من تمهيد مقال في بيان منهج قدماء أصحابنا في تقييم الحديث كما نشرح بعد ذلك منهجنا في استنباط الأحكام الشرعية، فهاهنا أمران:
ص: 7
أكّد أئمّتنا المعصومون(علیهم السلام) على كتابة الحديث، وأمروا أصحابهم بتدوينه. قال الإمام الصادق(علیه السلام) للمفضّل بن عمر: «أُكتب وبثّ علمك في إخوانك، فإن متّ فأورث كتبك بنيك؛ فإنّه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلّا بكتبهم».(1)
وقال(علیه السلام): «اكتبوا ؛ فإنّكم لا تحفظون حتّى تكتبوا ».(2)
وأمر بالاحتفاظ بالكتب، حيث قال: «احتفظوا بكتبكم؛ فإنّكم سوف تحتاجون إليها».(3)
وعلى ضوء تأكيد الإمام الصادق(علیه السلام)، ظهر العصر الذهبي لتدوين كتب الحديث عند الشيعة، وأوّل كتاب أُلّف في هذا المجال هو كتاب عُبيد الله بن عليّ الحلبي، وحينما عُرض على الإمام الصادق(علیه السلام)، قال: «أترى لهؤلاء مثل هذا؟».(4)
فبدأت حركة التدوين لكتب الحديث بصورة واسعة نسبياً، فكتب أبان بن تغلب وأبان بن عثمان وهشام بن الحكم وهشام بن سالم ومحمّد بن مسلم وحَرِيز بن عبد الله السِّجِستاني وأبو حمزة الثُّمالي وعاصم بن حميد وعلاء بن رَزِين وعلي بن رِئاب، وغيرهم.
ص: 8
والذي ساعد على كثرة تدوين الكتب عند الشيعة في ذلك العصر هو الانبساط في الوضع السياسي الذي حصل في أواخر الخلافة الأُموية، بعد اشتداد الخلافات والمعارضات السياسية وحتّى المسلّحة ضدّ الدولة الأُموية، فحصلت فرصة نشر الحديث الشيعي. كما أنّ الهدف الأساس عند الإمام الصادق(علیه السلام)كان تقوية الكيان العلمي للشيعة، فلذلك نجد أنّ أساس المعارف الشيعية بُني في ذلك الزمن، وأُلّفت معظم كتب الحديث الشيعية التي أُطلق عليها الأُصول.
وأمّا أهل السنّة، فقد قاموا بتأليف كتب الحديث بعد مضيّ أكثر من ثلاثين سنة من فترة الازدهار الحديثي الشيعي، ويعتبر مالك بن أنس (المتوفى سنة 179 ﻫ) أوّل من دوّن في هذا المضمار، حيث ألّف «موطّأه»، ودوّن أحمد بن حنبل (المتوفّى سنة 241ﻫ) «مسنده»، وألّف البخاري (المتوفّى سنة 256 ﻫ) «صحيحه»؛ في حين أنّ الشيعة بدؤوا بتدوين كتب الحديث وبشكل واسع نسبياً قبل تلك التواريخ، ويتوضّح لك ذلك حينما تعرف أنّ الإمام الصادق(علیه السلام)استشهد سنة ( 148 ﻫ).
وكان عند الشيعة كتب كثيرة في الحديث، فأصحابنا القدماء(رحمهم الله)قاموا بتدوين أحاديث الأئمّة المعصومين(علیهم السلام)في القرن الثاني، وكانت الكوفة مركزاً في تأليف كتب الحديث، خصوصاً إذا ما عرفت أنّ أكثر أصحاب الكتب كانوا من أهل الكوفة.
ثمّ إنّ الغالب في رواية الحديث الشيعي هو الكتابة، بخلاف الحديث السنّي فإنّ الغالب فيه كان الرواية دون الكتابة. فأصحابنا في كلّ طبقة نقلوا هذه الكتب، وفي البدء قاموا بتحمّلها عن مؤلّفيها بعد تأليفها، مثلما نرى أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم سافرا إلى الكوفة وتحمّلا كتب الحديث عن المؤلّفين الكبار مثل ابن أبي عُمير والحسين بن سعيد، ثمّ قاما بنشرها في قمّ.
ولذلك حينما بدأ البحث العلمي بين أصحابنا، كان الكلام يرتكز في مدى
ص: 9
حجّية هذه الكتب وصحّة طرقها والوثوق من صحّة النسخ والاعتماد على راوي الكتاب. بينما كان البحث العلمي في التراث السنّي يعتمد على الرواة؛ حيث برزت عملية تأليف الكتب في عهد عمر
بن عبد العزيز، وكان تراثهم يعتمد على ذاكرة الأشخاص.(1)
هذا وكانت مباحث علم الحديث عند قدماء أصحابنا ترتكز على محورية الكتب وتقييم نسخها وطرقها، وكانوا يصرّون على أن يكون لهم طريق مطمئنّ إلى كتب الحديث، ولا يعتمدون على الكتب الواصلة إليهم بالوجادة. فهذه الكتب كانت مشهورة بين قدمائنا ولهم طرق متعدّدة إليها، ولكن بعد قيام المشايخ الثلاثة بتأليف الكتب الأربعة، اعتنى أصحابنا بالكتب الأربعة أكثر ولم يهتمّوا بتلك المصادر الأوّلية ذلك الاهتمام.
ولتوضيح هذا المطلب نذكر عمل القدماء في كتاب الحلبي كمثال، فنقول:
إنّ قدماء أصحابنا تلقّوا كتابه بالقبول، حيث قام حمّاد بن عثمان بنقل هذا الكتاب عن الحلبي، وكان اصطلاح قدمائنا هكذا: «كتاب الحلبي برواية حمّاد»، ومرادهم: «كتاب الحلبي بنسخة حمّاد»، وبعد ذلك قام محمّد بن أبي عُمير وغيره بتحمّل كتاب الحلبي من طريق حمّاد، فنسخة حمّاد لكتاب الحلبي تحمّلها ابن أبي عُمير(2)،
ثمّ قام إبراهيم بن هاشم وغيره بتحمّل كتاب الحلبي عن طريق ابن أبي عُمير، وبعد ذلك تحمّله علي بن إبراهيم عن أبيه، كما أنّ الشيخ الكليني نقل نسخة حمّاد من كتاب الحلبي عن طريق علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عُمير.
ص: 10
فتبيّن من هذا أنّ كتاب الحلبي كان في متناول أصحابنا، وكلّ طبقة تحملها من مشايخها، فالروايات التي ينتهي سندها إلى عُبيد الله بن علي الحلبي مأخوذة من هذا الكتاب.
وبذلك يمكن أن يتبيّن مراد الشيخ الصدوق حين قال في ديباجة كتاب من لا يحضره الفقيه: «وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة، عليها المُعوّل وإليها المرجع، مثل كتاب حَرِيز بن عبد الله السِّجِستاني، وكتاب عُبيد الله بن علي الحلبي، وكتب علي بن مَهزِيار الأهوازي، وكتب الحسين بن سعيد».(1)
وكذلك يظهر وجه الحجّية في كلامه بقوله: «ولم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدتُ إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحّته وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي».(2)
فإنّ وجه الحجّية في كلامه هو وثوقه بالمصادر الأوّلية؛ لشهرة هذه المصادر في عصره.
ويتّضح ذلك من كلام ابن قُولَوَيه في كامل الزيارات، حيث قال: «لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من قدماء أصحابنا(رحمهم الله)، ولا أخرجتُ فيه حديثاً روي عن الشذّاذ من الرجال».(3)
فإنّ كلامه ليس في توثيق مشايخه ولا توثيق جميع رجال الكتاب، بل كان مراده هو الوثوق بالمصادر، بمعنى أنّ هذه المصادر كانت مشهورة ومعروفة بحيث حصل له الوثوق بها، ولذلك نجد أنّه روى في كامل الزيارات عمّن اشتهر بالكذب، مثل عبد الله بن عبد الرحمٰن الأصمّ البصري.(4)
والظاهر أنّ وجه نقل ابن قُولَوَيه عن الأصمّ البصري إنّما لوجود روايته في كتاب
ص: 11
الحسين بن سعيد، ولم يكن اعتماد ابن قُولَوَيه على وثاقة الأصمّ البصري، بل كان اعتماده على وجود هذه الرواية في ذلك الكتاب.(1)
فاعتماد قدمائنا في تقييم التراث الحديثي _ مضافاً إلى وثاقة الراوي _ كان على ورود الحديث في كتاب مشهور مع صحّة انتساب الكتاب إلى المؤلّف وتحمّل المشايخ له ووصول الكتاب إليهم بطريق معتبر، ولذلك نجد أنّه ربّما لم يكن الرجل موثّقاً بحسب الاصطلاح، ولكنّ قدماءَنا اعتمدوا على كتابه، كما نجد في كتاب طلحة بن زيد، مع أنّه لم يُذكر له توثيق صريح، ولكنّ النجاشي صرّح بأنّ كتابه معتمد.(2)
وليس هناك تلازم بين وثاقة المؤلّف والاعتماد على كتابه؛ لأنّه ربّما يكون الاعتماد على الكتاب لشواهد خارجية، كما نرى قدماءَنا قد اعتمدوا على نسخة النوفلي لكتاب السكوني، وليس معنى ذلك ثبوت الوثاقة المصطلحة للنوفلي، بل المراد الاعتماد على النسخة التي رواها النوفلي من كتاب السكوني.
وبالجملة: إنّ ما رواه النوفلي عن السكوني معتبر عند القدماء، بخلاف روايات النوفلي عن غير السكوني.(3)
وربّما يكون هناك اختلاف بين نسخ الكتب، فلذلك كانوا يهتمّون بالنسخ كما يهتمّون بالإسناد، وهذا هو مراد النجاشي، حين يكرّر في كلامه: «له كتاب، تختلف الرواية فيه»، وكما في ترجمة الحسن بن صالح الأحول : «له كتاب تختلف روايته»، وترجمة الحسن بن الجهم بن بُكَير : «له كتاب تختلف الروايات فيه»،
ص: 12
وترجمة الحسين بن علوان الكلبي : «وللحسين كتاب تختلف رواياته».(1)
وكذلك كلام ابن نوح ناظر إلى هذه الجهة، حين قال: «ولا تُحمل رواية على رواية ولا نسخة على نسخة؛ لئلّا يقع فيه اختلاف».(2)
وبما أنّ معرفة النسخة المعتمدة تحتاج إلى خبرة خاصّة مع قدرة علمية (ولا يمكن ذلك بمجرّد العلم بوثاقة الراوي) فأصحابنا كانوا يعتمدون على اعتماد المشايخ وتوثيقهم، فلذلك لم تكن الشيخوخة عندهم مساوقة لمجرّد النقل، بل إنّها تساوق الوثاقة والضبط والدقّة والمتانة العلمية، فلذا نجد أنّ ابن نوح _ في بيان طرقه إلى كتب الحسين بن سعيد _ وصف الحسين البَزَوفَري بالشيخوخة فقط.(3)
فتحصّل من هذا: أنّ قدماء أصحابنا في مجال تقييم التراث الحديثي، مضافاً إلى الجانب الرجالي، كانوا يهتمّون بالجانب الفهرستي، ويعتمدون على الخبر إذا كان مذكوراً في كتب مشهورة مع تحمّل المشايخ لها.
لذا يمكن القول: بأنّ الشيعة بحثوا عن زاوية أُخرى لتقييم الحديث غير الجانب الرجالي _ مع شدّة اهتمامهم به _، ألا وهو الجانب الفهرستي.
منهجنا بالنسبة إلى ما يرتبط بالفقه أنّا سنركّز في كلّ مسألة على مجموعة أُمور:
1_ نذكر ابتداءً عنواناً للمسألة.
2_ نبيّن حكم المسألة وما هو المختار، ونذكر قول المشهور وبقيّة أقوال المسألة.
3_ نتعرّض لبيان أقوال العامّة إذا كان للاطّلاع على أقوالهم تأثير في أمر الاستنباط.
ص: 13
4_ نقوم بعد ذلك بذكر الأدلّة للحكم، فنذكر الآيات القرآنية أوّلاً، ثم نذكر الأحاديث، فإذا كانت هناك طائفتان من الأحاديث متعارضتان، كما نراه في مسألة انفعال الماء القليل، فإنّ بعض الأخبار يدلّ على انفعاله ونجاسته بملاقاة النجس، بينما هناك جملة من الأخبار تدلّ على أنّ الماء القليل لا ينفعل بالملاقاة، فنحن نقوم باتّباع خطوتين:
الخطوة الاُولى: بيان الدليل، حيث نقوم بذكر الطائفة التي تكون دليلاً للحكم ابتداءً ونعبّر عنه هكذا: «الخطوة الاُولى: بيان الدليل» وفي هذه الخطوة نذكر الأحاديث الدالّة على حكم المسألة ونبسط الكلام في أسانيدها ورجالها.
الخطوة الثانية: طرح المانع، بعد ذلك نأتي بالطائفة الأُخرى من الأحاديث التي تكون معارضة مع حكم المسألة ونعبّر عنه هكذا: «الخطوة الثانية: طرح المانع»، ومرادنا من طرح المانع أنّ هذه الطائفة من الأخبار يجب أن تُطرح؛ وذلك إمّا لضعف سندها، وإمّا لإعراض أصحابنا عنها، ونحن غالباً نذكر في طرح هذه الأخبار نكتة فهرستية ونبسط الكلام فيها.
كما أنّا نعتقد بمسلك الطرح عند تعارض الأحاديث فإذا رأينا مثلاً في مورد تعارضاً في حديثين فنأخذ بالحديث الذي كان فيه شواهد الوثوق و نطرح الحديث الآخر و في قبال هذا المسلك مسلك التعادل و الترجيح بحيث يرجّح حديث على حديث آخر و لتفصيل الكلام فيه محل آخر.ثم إنّا نركّز في كلّ حديث على بحثين:
البحث الأوّل: البحث الرجالي
نتعرّض لحال رجال الحديث في كلّ طبقة ونذكر ما قيل في شأن الراوي من التوثيق أو التضعيف، ونحكم في النهاية على حال الرواية من صحّتها أو ضعفها رجالياً.
فالنكتة الفنّية في هذا البحث هو التركيز على لزوم البحث في أسانيد أحاديث
ص: 14
الكتب الأربعة والتدقيق فيها، فإنّ ذلك لازم على الفقيه في مقام الاستنباط.
البحث الثاني: البحث الفهرستي
إنّا قد أسلفنا الكلام في أنّ اعتماد قدمائنا في تقييم الحديث _ مضافاً إلى وثاقة الراوي _ كان على ذكر الحديث في الكتب المعتبرة، لذا سوف نتعرّض في كلّ حديث لهذه الجهة ونبيّن بالشواهد والقرائن المصدر الأوّلي والثانوي للحديث.
ولهذا البحث شأن مهمّ في استنباط الفروع الفقهية على المنهج الفهرستي، فإنّ الحديث إذا كان في مصدر معتبر من مصادر أصحابنا، فهذا يدلّ على مدى اعتبار الحديث، وأمّا إذا كان الحديث مذكوراً في مصدر ضعيف لم يعتمد عليه أصحابنا، فلهذا نطرح الحديث ولا نعمل به في مقام استنباط الحكم الشرعي.
ص: 15
الماء القليل الذي ليس له مادّة نابعة، ينجس بملاقاة النجس وإن لم يتغيّر أحد أوصافه الثلاثة: الطعم أو الرائحة أو اللون.
فيخرج بهذا القيد (أي: الذي ليس له مادّة نابعة) أربعة مياه: ماء البئر، وماء العيون، وماء المطر، والماء الذي يجري عن مادّة؛ فإنّ هذه المياه (وإن كانت قليلة) لا تنجس بمجرّد الملاقاة، ولا بدّ من تغيّرها بأوصاف النجس حتّى يُحكم بنجاستها.
ثمّ إنّ انفعال الماء القليل بملاقاة النجس و هو ما مذهب إليه قدماء أصحابنا.(1)
وخالف في ذلك ابن عقيل العماني(2)،
وذهب إلى عدم انفعال الماء القليل
ص: 16
بمجرّد الملاقاة، ووافقه الفيض الكاشاني.(1)
ومن المناسب قبل الورود في البحث أن نمهّد مقدّمة للاطّلاع على آراء أهل السنّة إجمالاً، فنقول:
اختلف أهل السنّة في حكم المسألة، فذهب المالكية إلى أنّه لا ينجس الماء بملاقاة النجاسة قليلاً كان أم كثيراً.(2)
ففي الواقع ليس عندهم للماء قدر معيّن فالقليل والكثير عندهم سواء في عدم انفعاله بملاقاة النجاسة، نعم أنّهم يلتزمون بنجاسة الماء إذا تغيّر أحد أوصافه سواء كان قليلاً أو كثيراً.(3)
ولكنّ الحنابلة والحنفية والشافعية ذهبوا إلى أنّ الماء القليل ينفعل بملاقاة النجاسة.(4)
نعم، هناك خلاف في مقدار الماء الكثير، فبعضهم ذهبوا إلى أنّ الكثير ما يبلغ قدر قُلّتين (وهو تقريباً نصف قدر ماء الكرّ على شرح سوف يأتي) وبعضهم صرّحوا بأنّ الكثير هو ما إذا حُرّك أحد جانبيه لم يتحرّك الجانب الآخر، ونحن سنتعرّض لآرائهم عند البحث عن تحديد ماء الكرّ.
والآن نبدأ بشرح مختارنا في المقام (وهو أنّ الماء القليل ينفعل بملاقاة النجس)، فنحصر الكلام في خطوتين:
ص: 17
دليلنا على هذا الحكم أخبارٌ كثيرة، نذكر هنا العمدة منها، وهي: صحيحة معاوية بن عمّار، وصحيحة محمّد بن مسلم، وصحيحة البزنطي.
اتّفق الكليني والشيخ الطوسي على نقل هذه الصحيحة، ولها أسانيد ثلاثة:
السند الأوّل
روى الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله(علیه السلام).(1)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: إنّ علي بن إبراهيم ثقة في الحديث ثبت معتمد صحيح المذهب.(2)
وأمّا أبوه إبراهيم بن هاشم فليس له توثيق صريح، ولكن كما قال النجاشي: «أصحابنا يقولون: أوّل من نشر حديث الكوفيين بقمّ هو»، فهذا يدلّ على اعتماد القمّيين على رواياته، فإنّ القمّيين كانوا مستصعبين ومتشدّدين في قبول التراث الحديثي، فلو كان في إبراهيم بن هاشم شائبة من غمز لم يعتمدوا على أحاديثه.(3)
وأمّا حمّاد بن عيسى فهو ثقة في حديثه صدوقاً. وأمّا معاوية بن عمّار فهو وجه
ص: 18
في أصحابنا.(1)
والحاصل، أنّ هذه الرواية بهذا السند تعتبر من الأحاديث الصحيحة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب حمّاد بن عيسى.
بيان ذلك: أنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا كتباً متعدّدة لحمّاد بن عيسى، ويُستظهر من كلامهما أنّ كتب حمّاد كانت مشهورة وقد رواها جماعة، منهم أحمد بن محمّد بن خالد، وعلي بن حديد، وعبد الرحمٰن بن أبي نجران.(2)
ونحن نعتقد أنّ إبراهيم بن هاشم روى نسخة من كتاب حمّاد بن عيسى، ولقد وصلت هذه النسخة إلى الكليني، بقرينة أنّا نجد أنّ الكليني روى عن علي بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن حمّاد بن عيسى في 571 مورداً.(3)
السند الثاني
روى الكليني عن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله(علیه السلام).(4)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: إنّ المراد من «محمّد بن إسماعيل» هو البندقي النيسابوري،
ص: 19
وليس له توثيق صريح، ولكنّ الشواهد تدلّ على قبول رواياته، حيث نرى أنّ الكليني قد اعتمد عليه اعتماداً كبيراً، فإنّ عدد روايات محمّد بن إسماعيل في الكافي هي 575 رواية، وفي جميع هذه الموارد روى محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان، فمحمّد بن إسماعيل الذي كان من مشايخ الكليني هو النيسابوري، ولم يروِ إلّا عن الفضل بن شاذان.(1)
نعم، هناك محمّد بن إسماعيل البرمكي الذي وثّقه النجاشي بقوله: «كان ثقةً مستقيماً»، وضعّفه ابن الغضائري، ولم يروِ عن الفضل بن شاذان أساساً، ولم يكن من مشايخ الكليني.(2)
وأمّا الفضل بن شاذان النيسابوري، فهو في قدره أشهر من أن نصفه، كما أنّ صفوان بن يحيى ثقة ثقة عين، ومعاوية بن عمّار كان وجهاً في أصحابنا.(3)
والحاصل، أنّه يمكن لنا الاعتماد والوثوق بهذا السند أيضاً.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب الوضوء
ص: 20
لصفوان بن يحيى البَجَلي.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي عند ترجمة صفوان بن يحيى، نراه يقول: «وصنّف ثلاثين كتاباً كما ذكر أصحابنا، يُعرف منها الآن: كتاب الوضوء كتاب الصلاة كتاب الصوم...».(1)
وقول النجاشي: «يُعرف منها الآن»، ظاهر في أنّ بعض كتب صفوان كان موجوداً في زمان النجاشي.
نعم، روى النجاشي كتب صفوان بالإسناد عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، كما أنّ الشيخ الطوسي رواها بالإسناد عن جماعة (منهم محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ويعقوب بن يزيد والحسين بن سعيد) عن صفوان.(2)
هذا، ونحن نعتقد أنّ الفضل بن شاذان روى نسخة من كتاب صفوان، ولقد وصلت هذه النسخة إلى الكليني، بقرينة أنّ الكليني روى عن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى في 207 موارد.(3)
فهذا السند في الواقع طريق الكليني إلى كتاب صفوان بن يحيى.
السند الثالث
قال الشيخ الطوسي: «وبهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله(علیه السلام)».(4)
ومراد الشيخ من قوله: «بهذا الإسناد» ما ذكره قبل ذلك من الطريقين إلى الحسين بن سعيد.(5)
ص: 21
والآن نبسط الكلام في بيان هذين الطريقين:
الطريق الأوّل: روى الشيخ الطوسي عن الشيخ المفيد، عن ابن الوليد الابن، عن ابن الوليد الأب، عن محمّد بن الحسن الصفّار وسعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد.
ومرادنا من «ابن الوليد الأب» هو محمّد بن الحسن بن الوليد، وكان شيخ القمّيين وفقيههم ومتقدّمهم ووجههم.(1)
وكان لهذا الشيخ الجليل ابن اسمه أحمد، وهو المراد من قولنا: «ابن الوليد الابن»، وليس له توثيق صريح، ولكنّ الشواهد تدلّ على قبول رواياته؛ لأنّه روى تراث أبيه، وعادةً يُقبل من الابن ما روى عن أبيه من التراث العلمي، كما ونجد أنّ الشيخ المفيد اعتمد على هذا الرجل، حيث روى عنه في 585 مورداً.(2)
أمّا وثاقة محمّد بن الحسن الصفّار وسعد بن عبد الله وأحمد بن محمّد بن عيسى والحسين بن سعيد فواضحة.(3)
ص: 22
والحاصل، إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا للحسين بن سعيد الأهوازي ثلاثين كتاباً، كما أنّ هذا الطريق يتّحد مع ما ذكره الشيخ من طرقه إلى كتب الحسين بن سعيد في فهرسته.(1)
والنجاشي ذكر أنّ لكتب الحسين بن سعيد خمسة نسخ، والنسخة التي اعتمد عليها قدماء أصحابنا هي نسخة أحمد بن محمّد بن عيسى، وفي هذا الطريق روى الشيخ الطوسي عن هذه النسخة.(2)
الطريق الثاني: روى الشيخ الطوسي عن الشيخ المفيد، عن أحمد بن محمّد (ابن الوليد الابن)، عن أبيه (ابن الوليد الأب)، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد.
لا يخفى وثاقة معظم رجال هذا الطريق، ويقع الكلام في الحسين بن الحسن بن أبان، فليس له توثيق صريح، ولكنّ الشواهد تشير إلى قبول رواياته إجمالاً.
بيان ذلك: إنّ الحسين بن سعيد عندما سافر إلى قمّ نزل دار الحسن بن أبان (والد الحسين بن الحسن بن أبان)، فأجاز الحسين بن سعيد كتبه لولد مضيّفه الحسين بن الحسن بن أبان.
وبعبارة أُخرى: كان للحسين بن الحسن بن أبان نسخة من كتب الحسين بن سعيد، ونحن نجد أنّ ابن الوليد الأب (الذي كان خرّيت فنّ الحديث) اعتمد على
ص: 23
هذه النسخة وروى عنها.(1)
ولعلّ السرّ في اعتماد ابن الوليد على هذه النسخة هو أنّها كانت بخطّ المؤلّف (الحسين بن سعيد)، فإنّ ابن الوليد قال: «وأخرجها إلينا الحسين بن الحسن بن أبان بخطّ الحسين بن سعيد، وذكر أنّه كان ضيف أبيه»(2)،
وفي الواقع لمّا رأى ابن الوليد أنّ هذه النسخة كانت بخطّ الحسين بن سعيد، اعتمد عليها ورواها.
والظاهر أنّ هذا الطريق هو طريق الشيخ إلى نسخة أُخرى من كتب الحسين بن سعيد، وهي نسخة الحسين بن الحسن بن أبان.
والحاصل، أنّ كلا طريقي الشيخ إلى الحسين بن سعيد طريقان معتبران، وهما في الواقع طريقان إلى نسختين معتبرتين لكتب الحسين بن سعيد (وهما نسخة أحمد بن محمّد بن عيسى، ونسخة الحسين بن الحسن بن أبان).
هذا بالنسبة إلى طريقَي الشيخ إلى الحسين بن سعيد، وأمّا بقيّة رجال السند من الحسين بن سعيد وحمّاد بن عيسى ومعاوية بن عمّار، فكلّهم من الثقات، فالرواية بهذا السند أيضاً صحيحة. هذا نهاية الكلام في البحث عن السند الثالث.(3)
فتحصّل إلى هنا أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب صفوان بن يحيى، وكتاب حمّاد بن عيسى، وكتاب حسين بن سعيد، وهذا يدلّ على اعتبارها عند قدماء أصحابنا.
ص: 24
وأخيراً لا بأس بذكر المراحل التي مرّت على هذا الخبر، ونقل الخبر بواسطة شيوخ الحديث من بلد إلى بلد، فنقول: إنّ هذه الصحيحة مرّت بمراحل ستّ(1):
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ معاوية بن عمّار الكوفي سافر من الكوفة إلى المدينة، فسمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة قام بنقل هذا الحديث هناك.
المرحلة الثالثة: الكوفة والبصرة
في هذه المرحلة تمّ نقل الحديث إلى بلدين:
1. الكوفة: صفوان بن يحيى الكوفي سمع الحديث من معاوية بن عمّار، ثمّ قام صفوان بذكر الحديث في كتابه (راجع: السند الثاني).
2. البصرة: إنّ حمّاد بن عيسى الذي كان يسكن البصرة سمع الحديث من معاوية بن عمّار في الكوفة، ونقله إلى البصرة وأدرجه في كتابه (راجع: السند الأوّل والثالث).
ص: 25
المرحلة الرابعة: قمّ ونيسابور والأهواز
في هذه المرحلة نقل الحديث إلى ثلاثة بلدان:
1 . قم: أنّ إبراهيم بن هاشم الذي أصله كان من الكوفة سمع الحديث من حمّاد بن عيسى (وتحمل كتاب حمّاد بن عيسى) ثمّ نقل الكتاب إلى قمّ. (راجع السند الأوّل).
2 . نيسابور: أنّ الفضل بن شاذان النيسابوري سافر إلى الكوفة فسمع الحديث من صفوان (وتحمل كتاب صفوان بن يحيى) ثمّ رجع إلى نيسابور (راجع السند الثاني).
3 . الأهواز: أنّ الحسين بن سعيد الذي كان أصله كوفيّاً سمع الحديث من حمّاد بن عيسى (وتحمل كتاب حمّاد بن عيسى) ثمّ سافرإلى الأهواز وسكن فيها وقام بتأليف كتبه وأدرج الحديث في كتابه. (راجع السند الثالث).
المرحلة الخامسة: الري، قم
في هذه المرحلة نقل الحديث إلى بلدين:
1 . الري
إنّ الكليني الذي كان يسكن الري سافر إلى قمّ وسمع كتاب حمّادبن عيسى من طريق علي بن إبراهيم وأخذ من ذلك الكتاب هذا الحديث أدرجه في كتابه الكافي. (راجع السند الاوّل).
ومن المحتمل أنّ الكليني سافر إلى نيسابور وتحمّل كتاب صفوان بن يحيى (من طريق محمّد بن إسماعيل النيسابوري عن الفضل بن شاذان) وأخذ من ذلك الكتاب هذا الحديث أيضاً وأدرجه في كتابه الكافي (راجع السند الثاني).
2 . قم
إنّ الحسين بن سعيد سافر إلى قم فسمع منه أحمد بن محمد بن عيسى كتبه وبعد ذلك سعد بن عبد الله والصفّار سمع كتاب الحسين بن سعيد من أحمد من محمّد بن عيسى كما أنّ ابن الوليد الأب سمع كتاب الحسين بن سعيد من أحمد
ص: 26
ابن محمّد بن عيسى وبعد ذلك سمع ابن الوليد الابن من أبيه.
ثمّ إنّ ابن الوليد الأب سمع كتاب الحسين بن سعيد من الحسين بن الحسن ابن أبان أيضاً كما أنّه سمع من ابن الوليد الأب ابنه.
المرحلة السادسة: بغداد
إنّ ابن الوليد الابن الذي كان قمّياً، سافر إلى بغداد ونقل النسختين من كتاب الحسين بن سعيد (نسخة أحمد بن محمّد بن عيسى ونسخة الحسين بن الحسن بن أبان) إلى هناك، فسمع منه الشيخ المفيد.
وبعد ذلك لمّا هاجر الشيخ الطوسي إلى بغداد وسكن فيها قام بتحمّل كتاب الحسين بن سعيد من أُستاذه الشيخ المفيد، ولمّا قام الشيخ بتأليف تهذيب الأحكام والاستبصار، أخذ هذا الحديث من كتاب الحسين بن سعيد وأدرجه فيهما (راجع السند الثالث).
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي:
السند الأوّل: المدينة، الكوفة، البصرة، قمّ، الري.
السند الثاني: المدينة، الكوفة، نيسابور، الري.
السند الثالث: المدينة، الكوفة، البصرة، الأهواز، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ معاوية بن عمّار: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2_ حمّاد بن عيسى: نقل الحديث من الكوفة إلى البصرة.
3_ إبراهيم بن هاشم: نقل الحديث من البصرة إلى قمّ.
4_ الفضل بن شاذان: نقل الحديث من الكوفة إلى نيسابور.
5_ الحسين بن سعيد: نقل الحديث من البصرة إلى الأهواز وقمّ.
6_ الكليني: نقل الحديث من قمّ إلى الري.
7_ ابن الوليد الابن: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
ص: 27
فالحديث بسنده الأوّل مدني صدوراً وكوفي نقلاً وبصري تصنيفاً وقمّي نشراً ورازي تدويناً(1)،
وبسنده الثاني مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً ونيسابوري تدويناً ورازي تأليفاً، وبسنده الثالث مدني صدوراً وكوفي نقلاً وبصري تصنيفاً وأهوازي تدويناً وقمّي نشراً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جميع طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال. وربّما تسأل: ما المراد من تراث خطّ الاعتدال؟ فنقول في الجواب: إنّ الرواية إذا لم يكن في رُواتها أحد من الواقفية والفطحية و الغلاة فهي من تراث خطّ الاعتدال فاحفظ على هذا الاصطلاح فإنّا نذكره مراراً؛ فالرواية إذا كان أحد رواتها ينتحل المذاهبَ الفاسدةَ فهي ليست من خطّ الاعتدال.
هذا تمام الكلام في أسانيد الحديث، وإليك متنه:
قال معاوية بن عمّار: سمعتُ أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: «إذا كان الماء قدر كرٍّ لم ينجسه شيء».(2)
وجه الاستدلال به: مفهومه أنّ الماء القليل الذي لم يبلغ قدر كرٍّ ينجس، سواء تغيّر أحد أوصافه أم لم يتغيّر.
وبعبارة أُخرى: إنّ المراد من النجاسة في الحديث ليست النجاسة الحاصلة
ص: 28
بالتغيير؛ لأنّ الكرّ يتنجس قطعاً إذا تغيّر أحد أوصافه بالنجاسة، بل المراد هو النجاسة الحاصلة بالملاقاة، فيدلّ مفهوم الشرط في الحديث على نجاسة الماء الذي هو أقلّ من الكرّ بمجرّد الملاقاة.
اتّفق المشايخ الثلاثة (الكليني والصدوق والطوسي) على نقل هذه الصحيحة، ولها أسانيد ثلاثة:
السند الأوّل
روى الكليني عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله(علیه السلام).
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: إنّ المراد من العدّة من أصحابنا هنا في كلام الكليني هو جماعة من الثقات، منهم محمّد بن يحيى وأحمد بن إدريس وعلي بن إبراهيم، وكلّهم من الثقات.(1)
أمّا أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري فهو شيخ القمّيين ووجههم وفقيههم غير مدافع(2)، وعلي بن الحكم الأنباري كان ثقةً جليل القدر، وأمّا أبو أيّوب الخزّاز فهو إبراهيم بن عيسى الكوفي، وكان ثقةً كبير المنزلة، ومحمّد بن مسلم وجه أصحابنا بالكوفة.(3)
ص: 29
والحاصل، أنّ هذه الرواية بهذا السند تعتبر من الأحاديث الصحيحة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب علي بن الحكم الأنباري.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا لعلي بن الحكم كتاباً، وروى الشيخ الطوسي هذا الكتاب بإسناده عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن الحكم.(1)
والكليني روى 130 مورداً عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن الحكم. وفي الواقع هذا السند طريق الكليني إلى كتاب علي بن الحكم.(2)
فكلام الشيخ الطوسي في فهرسته يرشدنا إلى أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى روى كتاب علي بن الحكم، كما رأيت أنّ الكليني في هذا السند روى عن عدّة، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن الحكم.
وكيف كان، فإنّ نسخة أحمد بن محمّد بن عيسى من كتاب علي بن الحكم كانت نسخة مشهورة ومعتمدة إلى درجة أنّ الكليني اعتمد كثيراً عليها.
السند الثاني
روى الشيخ الطوسي عن الشيخ المفيد، عن ابن قُولَوَيه الابن، عن ابن قُولَوَيه الأب، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله(علیه السلام).(3)
ص: 30
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: مرادنا من «ابن قُولَوَيه الابن» هو جعفر بن محمّد بن جعفر بن قُولَوَيه، الذي كان من ثقات أصحابنا وأجلّائهم في الحديث والفقه، وهو مؤلّف كتاب «كامل الزيارات».(1)
ومرادنا من «ابن قُولَوَيه الأب» هو محمّد بن جعفر بن قُولَوَيه، ولقد صرّح النجاشي أنّه من خيار أصحاب سعد بن عبد الله، وبما أنّ أكثر أصحاب سعد بن عبد الله كانوا من الثقات، فهو يشهد على وثاقته.(2)
وأمّا سعد بن عبد الله الأشعري فهو شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها.(3)
وتقدّم الكلام في وثاقة بقيّة رجال السند، وأعني علي بن الحكم وأبا أيّوب الخزّاز ومحمّد بن مسلم.(4)
والحاصل، أنّ هذه الرواية بهذا السند تعتبر من الأحاديث الصحيحة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله الأشعري.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا
ص: 31
لسعد بن عبد الله كتاب الرحمة.(1)
وهذا السند يتّحد تماماً مع ما ذكره الشيخ في مشيخة تهذيب الأحكام، في طريقه إلى كتب سعد بن عبد الله، وعليه فلا ريب أنّ الشيخ أخذ هذه الصحيحة من كتاب الرحمة.(2)
ولا تنسى أنّا قلنا إنّ الكليني أخذ هذا الحديث من كتاب علي بن الحكم، والظاهر أنّه لم يصل كتاب علي بن الحكم إلى الشيخ الطوسي، بل هو نقل الصحيحة من كتاب الرحمة، نعم، إنّ سعد بن عبد الله أخذ هذه الرواية من كتاب علي بن الحكم وأدرجه في كتابه.
السند الثالث
ذكر الشيخ الطوسي في أوّل هذا السند طريقين إلى الحسين بن سعيد، وقال بعد ذلك: «عن ابن أبي عُمير، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله(علیه السلام)».(3)
ص: 32
ولقد بيّنّا في الرواية السابقة طريقَي الشيخ الطوسي إلى الحسين بن سعيد، واستظهرنا أنّهما طريقان معتمدان، فلا نعيد الكلام فيهما.
فهذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب الحسين بن سعيد وأخذها الشيخ الطوسي منه وأدرجها في تهذيب الأحكام والاستبصار.
والظاهر أنّ الحسين بن سعيد أخذ هذه الصحيحة من كتاب ابن أبي عُمير؛ فإنّا نجد في الكتب الأربعة أنّ الحسين بن سعيد روى عن ابن أبي عُمير في 805 مورداً، وهذا يدلّ على أنّ كتاب ابن أبي عُمير كان عند الحسين بن سعيد وقد أخذ عنه.(1)
وكيف كان، فإنّ هذه الصحيحة ذُكرت في أربعة مصادر من مصادر أصحابنا، وهي: كتاب علي بن الحكم، وكتاب الرحمة لسعد بن عبد الله، وكتاب حسين بن سعيد، وكتاب ابن أبي عُمير، وهذا يدلّ على اعتبارها عند قدماء أصحابنا.
ثمّ إنّ الشيخ الصدوق روى هذه الصحيحة مرسلاً، ولعلّ السرّ في ذلك هو أنّه رأى أنّ هذا الحديث مشهور جدّاً إلىٰ درجة أنّه ذُكر في مصادر متعدّدة، فلذلك أرسله إرسال المسلّمات.(2)
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل خمس(3):
ص: 33
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ محمّد بن مسلم سافر إلى المدينة وسمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة، بغداد
ولمّا رجع إلى الكوفة (وكان وجه أصحابنا فيها)، قام بنقل هذا الحديث هناك، وسمع أبو أيّوب الخزّاز الكوفي الحديث منه.
ثمّ لمّا وصل الأمر إلى علي بن الحكم (الذي كان أصله من الأنبار وسكن الكوفة)، سمع الحديث من أبي أيّوب الخزّاز وأدرجه في كتابه (راجع السند الأوّل والثاني).(1)
ثمّ إنّ ابن أبي عُمير الذي كان بغدادي الأصل والمقام، سمع هذا الحديث من أبي أيّوب الخزّاز وأدرجه في كتابه (راجع السند الثالث).
المرحلة الثالثة: قمّ، الأهواز
في هذه المرحلة تمّ نقل الحديث إلى بلدين:
1 _ قمّ: إنّ أحمد بن محمّد بن عيسى القمّي سافر إلى الكوفة، فتحمّل كتاب
ص: 34
علي بن الحكم ونقله إلى قمّ، وقام عدّة من أصحابنا بتحمّل كتاب علي بن الحكم من أحمد بن محمّد بن عيسى (راجع السند الأوّل).
كما أنّ سعد بن عبد الله سمع كتاب علي بن الحكم من أحمد بن محمّد بن عيسى، ثمّ لمّا ألّف كتاب الرحمة أدرج هذا الحديث فيه.
2 _ الأهواز: إنّ الحسين بن سعيد الذي كان أصله كوفياً سمع الحديث من ابن أبي عُمير (وتحمّل كتب ابن أبي عُمير)، ثمّ سافر إلى الأهواز وسكن فيها، ولمّا قام بتأليف كتابه أدرج الحديث فيه (راجع السند الثالث).
المرحلة الرابعة: الري، قمّ
في هذه المرحلة تمّ نقل الحديث إلى بلدين:
1_ الري: إنّ الشيخ الكليني الذي كان يسكن الري سافر إلى قمّ وسمع كتاب علي بن الحكم من عدّة مشايخ هناك، منهم محمّد بن يحيى العطّار (راجع السند الأوّل).
2_ قمّ: إنّ ابن قُولَوَيه الأب تحمّل كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله، وقام ابن قُولَوَيه الابن بتحمّله عنه (راجع السند الثاني).
ولمّا سافر الحسين بن سعيد من الأهواز إلى قمّ، سمع منه أحمد بن محمّد بن عيسى والحسين بن الحسن بن أبان كتبه، فصارت هناك نسختان من كتب الحسين بن سعيد في قمّ، وبعد ذلك سمع سعد بن عبد الله والصفّار من أحمد بن محمّد بن عيسى، ولمّا وصل الأمر إلى ابن الوليد سمع من سعد والصفّار كتب الحسين بن سعيد، كما أنّه سمع من الحسين بن الحسن بن أبان أيضاً هذه الكتب (راجع السند الثالث).
المرحلة الخامسة: بغداد
إنّ ابن قُولَوَيه الابن لمّا سافر إلى بغداد قام بنقل كتاب الرحمة لمشايخ بغداد، ومنه سمع الشيخ المفيد، وبعد ذلك سمع الشيخ الطوسي من الشيخ المفيد
ص: 35
كتاب الرحمة، ولمّا قام الشيخ الطوسي بتأليف تهذيب الأحكام والاستبصار أخذ هذه الرواية من كتاب الرحمة وأدرجه فيهما (راجع السند الثاني).
فإذن إنّ ابن الوليد الابن الذي كان قمّياً، سافر إلى بغداد ونقل النسختين من كتاب الحسين بن سعيد (نسخة أحمد بن محمّد بن عيسى ونسخة الحسين بن الحسن بن أبان) إلى هناك، وسمع منه الشيخ المفيد، وبعد ذلك سمع منه الشيخ الطوسي (راجع السند الثالث).
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي:
السند الأوّل: المدينة، الكوفة، قمّ، الري.
السند الثاني: المدينة، الكوفة، قمّ، بغداد.
السند الثالث: المدينة، الكوفة، بغداد، الأهواز، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ محمّد بن مسلم: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2_ أحمد بن محمّد بن عيسى: نقل الحديث من الكوفة إلى قمّ.
3_ الحسين بن سعيد: نقل الحديث من الكوفة إلى الأهواز وقمّ.
4_ الكليني: نقل الحديث من قمّ إلى الري.
5_ ابن قُولَوَيه الابن: نقل الحديث من الري إلى قمّ وبغداد.
6_ ابن الوليد الابن: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث بسنده الأوّل مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي نشراً ورازي تدويناً، وبسنده الثاني مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي تدويناً ورازي تأليفاً وبغدادي نشراً، وبسنده الثالث مدني صدوراً وكوفي نقلاً وبغدادي تصنيفاً وأهوازي تدويناً وقمّي نشراً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جميع طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال.
هذا تمام الكلام في أسانيد الحديث، وإليك متنه:
ص: 36
قال محمّد بن مسلم: سألته عن الماء الذي تبول فيه الدوابّ وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجُنب؟ قال: «إذا كان الماء قدر كرٍّ لم ينجسه شيء».(1)
وجه الاستدلال به: يدلّ مفهوم قوله(علیه السلام): «إذا كان الماء قدر كرٍّ لم ينجسه شيء» على أنّ الماء القليل الذي لم يبلغ قدر كرٍّ ينجس، سواء تغيّر أحد أوصافه أم لم يتغير.
ثمّ إنّ الشيخ الطوسي حينما يروي هذا الحديث بإسناده عن سعد بن عبد الله ينقل صدر الحديث هكذا: «سألته عن الماء...» وهو موافق لمتن الكليني، وصريح في أنّ محمّد بن مسلم سأل من الإمام هذا السؤال. ولكن فيما يروي الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد، ينقل صدر الحديث هكذا: «عن أبي عبد الله(علیه السلام)، وسُئل عن الماء تبول فيه الدوابّ...»، وهو صريح بأنّ شخصاً آخر سأل السؤال من الإمام وسمع محمّد بن مسلم هذا السؤال.(2)
وهذا الاختلاف راجع إلى اختلاف المصدر، فصدر الرواية ذُكر في كتاب الحسين بن سعيد بشكل، وذُكر في كتاب الرحمة بشكل آخر.
انفرد الشيخ الطوسي بنقل هذا الخبر ورواه بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، عن أبي الحسن(علیه السلام).(3)
ص: 37
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: ذكرنا أنّ طريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد طريق معتمد، وهو: عن الشيخ المفيد، عن ابن الوليد الابن، عن ابن الوليد الأب، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد. كما أنّ أحمد البزنطي كان عظيم المنزلة عند الرضا والجواد(علیهما السلام)، وكان ثقة.(1)
هذا وأنّ المراد من أبي الحسن(علیه السلام) في السند هو الرضا(علیه السلام)؛ لأنّ أحمد البزنطي لم يروِ عن الكاظم(علیه السلام).
والحاصل، إنّ هذه الرواية تعدّ من الأحاديث الصحيحة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتب الحسين بن سعيد، ولقد بسطنا الكلام في ذلك، ويحتمل أنّ الحسين بن سعيد إنّما أخذ الرواية من كتاب أحمد بن أبي نصر البزنطي، فإنّ له كتاب الجامع(2)، ويشهد على ذلك أنّا وجدنا أنّ الحسين بن سعيد قد روى تهذيب الأحكام والاستبصار وكتاب من لا يحضره الفقيه عن أحمد بن محمّد البزنطي في 64 مورداً.(3)
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل خمس:
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ أحمد بن أبي نصر البزنطي لمّا سافر من الكوفة إلى المدينة سمع الرواية من الإمام الرضا(علیه السلام).
ص: 38
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة قام بنقل هذا الحديث هناك.
المرحلة الثالثة: الأهواز
إنّ الحسين بن سعيد الذي كان أصله كوفياً، سمع الحديث من البزنطي، ثمّ سافر إلى الأهواز وسكن فيها، ولمّا قام بتأليف كتابه أدرج الحديث فيه.
المرحلة الرابعة: قمّ
إنّ الحسين بن سعيد سافر بعد ذلك من الأهواز إلى قمّ، وسمع منه أحمد بن محمّد بن عيسى، وبعد ذلك سمع سعد بن عبد الله والصفّار من أحمد بن محمّد بن عيسى، ولمّا وصل الأمر إلى ابن الوليد سمع من سعد والصفّار كتب الحسين بن سعيد.
المرحلة الخامسة: بغداد
إنّ ابن الوليد الابن الذي كان قمّياً، سافر إلى بغداد وسمع منه الشيخ المفيد هناك، وبعد ذلك لمّا هاجر الشيخ الطوسي إلى بغداد وسكن فيها، قام بتحمّل كتاب الحسين بن سعيد من أُستاذه الشيخ المفيد، ولمّا قام الشيخ بتأليف تهذيب الأحكام، أخذ هذا الحديث من كتاب الحسين بن سعيد وأدرجه فيه.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي: المدينة، الكوفة، الأهواز، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ أحمد بن محمّد البزنطي: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2_ الحسين بن سعيد: نقل الحديث من الكوفة إلى الأهواز وقمّ.
3_ ابن الوليد الابن: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وأهوازي تدويناً وقمّي نشراً وبغدادي تأليفاً.
ص: 39
ثمّ إنّ هذه الرواية في جميع طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
قال أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي: سألتُ أبا الحسن(علیه السلام) عن الرجل يُدخل يده في الإناء وهي قذرة؟ قال(علیه السلام): «يُكفئ الإناء».(1)
وقوله(علیه السلام): «يُكفئ» بضمّ حرف المضارعة، مِن إكفاء الإناء؛ أي: كببته وقلبته، وأهرقتُ ما فيه.(2)
وجه الاستدلال به: أنَّ الإمام أمر بإهراق الماء الذي لاقى اليد النجسة، وهذا لا يكون إلّا من جهة أنّ ماء الإناء تنجّس بالملاقاة.
فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الماء القليل الذي ليس له مادّة نابعة ينجس بمجرّد ملاقاة النجس، وذلك بدلالة أخبار صحاح ثلاثة، وهي: صحيحة محمّد بن مسلم، وصحيحة معاوية بن عمّار، وصحيحة أحمد البزنطي.
وهناك أحاديث أُخرى تدلّ على المختار، ولكن لم نتعرّض لها خوف الإطالة.(3)
ص: 40
هذا تمام الكلام في بيان الدليل على أنّ الماء القليل ينجس بملاقاة النجاسة.
هناك أخبار أُخرى يُستدلّ بها على عدم نجاسة الماء القليل عند ملاقاة النجس، ونحن الآن بصدد طرح هذه الأخبار؛ حيث نستشكل تارةً في حجّيتها، وأُخرى في ظهورها.
فهاهنا أخبار ستّة:
اتّفق الكليني والشيخ الطوسي على نقل هذه الصحيحة، ولها سندان:
السند الأوّل
روى الكليني عن محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة، عن أبي عبد الله(علیه السلام).(1)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: إنّ وثاقة محمّد بن يحيى وأحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري والحسن بن محبوب واضحة لنا.(2)
ص: 41
وأمّا علي بن رئاب الكوفي فهو ثقة جليل القدر، وزرارة بن أعين كان شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدّمهم.(1)
والحاصل، أنّ هذه الرواية بهذا السند تعتبر من الأحاديث الصحيحة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب علي بن رئاب.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا لعلي بن الحكم كتاباً، وقد رواه النجاشي والشيخ بإسنادهما عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب.(2)
ثمّ نجد أنّ الكليني في 92 مورداً روى عن محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، وهذا يدلّ على أنّ كتاب علي بن رئاب وصل إلى الشيخ الكليني، وأنّه حينما ألّف كتابه الكافي أخذ هذه الرواية من كتاب علي بن رئاب وأدرجه فيه.(3)
ص: 42
السند الثاني
ابتدأ الشيخ الطوسي في هذا السند باسم أحمد بن محمّد بن عيسى، حيث قال: «أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة، عن أبي عبد الله(علیه السلام)».(1)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: ذكر الشيخ الطوسي في مشيخة تهذيب الأحكام عدّة طرق إلى أحمد بن محمّد بن عيسى، نذكر هنا طريقاً واحداً، وهو ما رواه عن الشيخ المفيد، عن ابن قُولَوَيه الابن، عن الكليني، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، وقد تقدّمت وثاقتهم كلّهم آنفاً.(2)
والحاصل، أنّ هذا طريق صحيح، وقد تقّدم وثاقة بقيّة رجال السند، فالرواية بهذا السند أيضاً صحيحة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا لأحمد بن محمّد بن عيسى عدّة كتب، منها كتاب النوادر.(3)
ثمّ إنّ الشيخ الطوسي ابتدأ باسم أحمد بن محمّد بن عيسى، ومعنى ذلك أنّه أخذ هذه الصحيحة من كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى، ويدلّ على ذلك ما قاله الشيخ الطوسي في مشيخة تهذيب الأحكام: «واقتصرنا من إيراد الخبر
ص: 43
على الابتداء بذكر المصنّف الذي أخذنا الخبر من كتابه، أو صاحب الأصل الذي أخذنا الحديث من أصله».(1)
كما أنّ الشيخ الطوسي ابتدأ باسم أحمد بن محمّد بن عيسى في أكثر من 550 مورداً.(2)
فتحصّل إلى هنا أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في مصدرين، وهما كتاب علي بن رئاب، وكتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى.
والكليني إنّما أخذ الحديث من المصدر الأوّلي للحديث، وهو كتاب علي بن رئاب، ولكنّ الشيخ الطوسي أخذ الحديث من كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى الذي كان من المصادر الثانوية.
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل ست(3):
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ زرارة لمّا سافر من الكوفة إلى المدينة سمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام).
ص: 44
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة (وكان يسكن فيها)، نقل هذا الحديث هناك، وسمع منه علي بن رئاب الكوفي، ولمّا قام بتأليف كتابه أدرج الحديث فيه، ثمّ قام الحسن بن محبوب الكوفي بتحمّل كتاب علي بن رئاب.
المرحلة الثالثة: قمّ
إنّ أحمد بن محمّد بن عيسى (الذي كان يسكن قمّ)، سافر إلى الكوفة، فسمع كتاب علي بن رئاب من الحسن بن محبوب فنقله إلى قمّ، ثمّ إنّ محمّد بن يحيى قام بتحمّل كتاب علي بن رئاب من أحمد بن محمّد بن عيسى (راجع السند الأوّل).
كما أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى أخذ الحديث من كتاب علي بن رئاب وأدرجه في كتابه النوادر (راجع السند الثاني).
المرحلة الرابعة: الري
إنّ الكليني سافر إلى قمّ وسمع من محمّد بن يحيى كتاب علي بن رئاب، ثمّ أخذ من ذلك الكتاب هذا الحديث وأدرجه في كتابه الكافي (راجع السند الأوّل).
كما أنّ الكليني سمع وتحمّل من جماعة من مشايخه كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى (راجع السند الثاني).
المرحلة الخامسة: قمّ
إنّ ابن قُولَوَيه الابن سمع وتحمّل من الكليني كتاب أحمد بن محمّد بن عيسى (راجع السند الثاني).
المرحلة السادسة: بغداد
إنّ ابن قُولَوَيه الابن سافر من قمّ إلى بغداد، فسمع منه الشيخ المفيد كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى، وبعد ذلك سمع الشيخ الطوسي من الشيخ المفيد ذلك الكتاب، ولمّا قام بتأليف كتابه تهذيب الأحكام أخذ من كتاب
ص: 45
النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى الحديث وأدرجه فيه (راجع السند الثاني).
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي:
السند الأوّل: المدينة، الكوفة، قمّ، الري.
السند الثاني: لمدينة، الكوفة، قمّ، الري، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ زرارة: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2_ أحمد بن محمّد بن عيسى: نقل الحديث من الكوفة إلى قمّ.
3_ الكليني: نقل الحديث من قمّ إلى الري.
4_ ابن قُولَوَيه الابن: نقل الحديث من الري إلى قمّ وبغداد.
فالحديث بسنده الأوّل مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي نشراً ورازي تدويناً، وبسنده الثاني مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي تدويناً ثمّ رازي وقمّي نشراً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جميع طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال.
هذا تمام الكلام في سندي الحديث، وإليك متنه:
سأل زرارة عن أبي عبد الله(علیه السلام) عن الحبل يكون من شعر الخنزير يُستسقى به الماء من البئر، هل يتوضّأ من ذلك الماء؟ قال(علیه السلام): «لا بأس».(1)
وجه الاستدلال به: إذا استُسقي الماء من البئر بدلو متّصل بحبل من شعر خنزير، من الممكن أن يلاقي ماء الدلو الحبل، فيقع السؤال: هل ينجس ماء الدلو؟
ص: 46
والإمام نفى البأس عن ماء الدلو إذا لاقى الحبل، ومعنى ذلك أنّ الماء القليل لا ينجس بملاقاة النجس.
هذا ما فهمه الشيخ الطوسي من الرواية، وبما أنّ الشيخ كان يعتقد أنّ الماء القليل ينجس بملاقاة النجس، اضطرّ إلى أن يحمل الصحيحة على ما إذا لم يلاقِ ماء الدلو الحبل، قائلاً: «هذا الخبر محمول على أنّه إذا لم يصل الشعر إلى الماء؛ لأنّه لو وصل إليه لكان مفسداً له».
هذا، ولكنّا نعتقد أنّ سؤال الراوي كان عن شيء آخر، فإنّه إذا استُسقي الماء بحبل من شعر خنزير، يبرز سؤالان:
الأوّل: هل ينجس الماء الذي في الدلو؟ (وهذا هو الذي فهمه الشيخ الطوسي من الرواية).
الثاني: هل ينجس ماء البئر بملاقاته الحبل النجس؟
الشواهد تشير إلى أنّ زرارة قصد الثاني، و نفىٰ الإمام(علیه السلام)البأس عن ماء البئر؛ لأنّ ماء البئر له مادّة، ولا ينفعل بملاقاة النجس.
وعلى ما ذكرنا فالرواية أجنبية عن بحث عدم نجاسة الماء القليل بملاقاة النجاسة.
وهذا ما فهمه الشيخ الكليني، فإنّه أورد هذه الرواية في باب البئر وما يقع فيه، ولم يذكرها في باب الماء القليل.
وبعبارة أُخرى: إنّ الكليني لم يفهم من هذا الحديث عدم انفعال الماء القليل بالملاقاة ، ولذلك لم يذكره في باب الماء القليل، وفي الواقع أنّ الكليني وجد هناك قرائن في المصدر الأوّلي للرواية (من كتاب علي بن رئاب)، ونحن ذكرنا أنّه لم يصل هذا المصدر إلى الشيخ الطوسي، وأنّه أخذ الحديث من مصدر ثانوي، وهو كتاب أحمد بن محمّد بن عيسى.
فلتكن على بصيرة بعناوين أبواب الحديث عند الكليني، فهي قرينة مهمّة
ص: 47
لفهم الحديث في الفقه.
انفرد الشيخ الطوسي بنقل هذا الخبر، وابتدأ في سنده باسم سعد بن عبد الله الأشعري، حيث قال: «سعد عن موسى بن الحسن بن عامر، عن عبد الرحمٰن بن حمّاد الكوفي، عن بشير، عن أبي مريم الأنصاري، عن أبي عبد الله(علیه السلام).(1)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: ذكر الشيخ الطوسي في مشيخة تهذيب الأحكام طريقين صحيحين إلى سعد بن عبد الله، ونحن نذكر هنا منهما طريقاً واحداً، وهو ما رواه عن الشيخ المفيد، عن ابن قُولَوَيه الابن، عن ابن قُولَوَيه الأب، عن سعد بن عبد الله.(2)
أمّا الكلام في بقيّة رجال السند، فإنّ موسى بن الحسن بن عامر الأشعري عين ثقة جليل، ولكنّ عبد الرحمٰن بن حمّاد الكوفي ضعّفه النجاشي بقوله: «رُمي بالضعف والغلوّ».(3)
وأمّا بشير الواقع في السند، فهو مجهول ولم يُذكر في كتب الرجال، وأبو مريم الأنصاري هو عبد الغفّار بن القاسم، وكان ثقة.(4)
فالرواية ضعيفة جدّاً من جهة ضعف عبد الرحمٰن بن حمّاد، وجهالة بشير.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذا الخبر كان مذكوراً في كتاب الرحمة لسعد بن
ص: 48
عبد الله الأشعري.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا لسعد بن عبد الله كتاب الرحمة.(1)
وذكرنا سابقا أنّ الشيخ إذا ابتدأ باسم رجل في تهذيب الأحكام والاستبصار، معناه أنّه أخذ الحديث من كتاب ذلك الرجل، وعليه فالشيخ في الموارد التي ابتدأ في تهذيب الأحكام والاستبصار باسم سعد بن عبد الله (وهي أكثر من 480 مورداً)، ففي الواقع أنّه أخذ الحديث من كتب سعد بن عبد الله.(2)
والحاصل، أنّ هذه الرواية كانت مذكورة في كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله، ومن المحتمل أنّ سعد بن عبد الله أخذها من كتاب موسى بن الحسن بن عامر، فإنّ موسى بن الحسن بن عامر صنّف ثلاثين كتاباً، منها كتاب الوضوء(3)؛ فإنّا نجد أنّ سعد روى في 60 مورداً عن موسى بن الحسن بن عامر.(4)
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل خمس:
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ أبا مريم الأنصاري لمّا سافر إلى المدينة سمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام).
ص: 49
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة نقل الحديث هناك، وقد سمع منه بشير، وبعد ذلك سمع منه عبد الرحمٰن بن حمّاد الكوفي.
المرحلة الثالثة: قمّ
إنّ عبد الرحمٰن بن حمّاد الكوفي سافر إلى قمّ وسكن فيها، ونقل الرواية هناك، وبعد ذلك سمع موسى بن الحسن بن عامر القمّي منه الحديث، ثمّ لمّا قام بتأليف كتاب الوضوء أدرج فيه هذا الحديث.
ثمّ إنّ سعد بن عبد الله سمع كتاب موسى بن الحسن بن عامر فأخذ منه الحديث وأدرجه في كتاب الرحمة.
ثمّ إنّ ابن قُولَوَيه الأب تحمّل كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله، وقام ابن قُولَوَيه الابن بتحمّله عنه.
المرحلة الرابعة: قمّ
إنّ ابن قُولَوَيه الابن سمع وتحمّل من الكليني كتاب أحمد بن محمّد بن عيسى.
المرحلة الخامسة: بغداد
إنّ ابن قُولَوَيه الابن (القمّي) سافر إلى بغداد، فسمع الشيخ المفيد منه كتاب الرحمة، وبعد ذلك سمع الشيخ الطوسي من الشيخ المفيد هذا الكتاب، ولمّا قام الشيخ الطوسي بتأليف تهذيب الأحكام أخذ الرواية من كتاب الرحمة لسعد وأدرجها فيه.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي: المدينة، الكوفة، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ أبو مريم الأنصاري: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
ص: 50
2_ عبد الرحمٰن بن حمّاد: نقل الحديث من الكوفة إلى قمّ.
3_ ابن قُولَوَيه الابن: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي تدويناً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية من تراث خطّ الغلوّ، فإنّ عبد الرحمٰن بن حمّاد رُمي بالغلوّ، نعم بعد ذلك اعتمد خطّ الاعتدال عليها.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
عن أبي مريم الأنصاري، قال: كنتُ مع أبي عبد الله(علیه السلام) في حائط له، فحضرت الصلاة، فنزح دلواً للوضوء من ركيٍّ(1) له، فخرج قطعة من عذرة يابسة، فأكفأ رأسه وتوضّأ بالباقي.(2)
وجه الاستدلال به: أنّ الإمام توضّأ بماء الدلو مع أنّه لاقى العذرة، فإن كان الماء القليل ينجس بملاقاة النجس، لم يكن الوضوء بهذا الماء جائزاً.
لذا نرى أنّ الشيخ الطوسي حمل الرواية على خلاف ظاهرها، حيث قال: «تُحمل العذرة على أنّها كانت عذرة ما يؤكل لحمه، وذلك لا يُنجس الماء على كلّ حال».(3)
ولكنّ الظاهر من العذرة هنا هو غائط الإنسان، كما صرّح به أهل اللغة(4)، فالشيخ الطوسي انفرد بنقل هذا الخبر ولم يعمل به، وحمله على خلاف ظاهره.
ص: 51
وما يهمّنا في المقام هو التركيز على الجهة الفهرستية.
بيان ذلك: أنا ذكرنا أنّ الشيخ الطوسي أخذ الخبر من كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله، ونحن إذا راجعنا الكافي نجد أنّ الكليني لم يعتمد على هذا الكتاب أساساً، فالكليني لم يروِ عن سعد ولا رواية واحدة في فروع الكافي، نعم هو روى عنه في أُصول الكافي 15 مورداً فقط.(1)
وهذه الموارد لم تكن من كتاب الرحمة كما هو ظاهر كتاب الرحمة الذي كان في خمسة أبواب من الفقه (الوضوء والصلاة والزكاة و الصوم والحجّ).(2)
وكيف كان، فإنّ الكليني لم يعتمد على كتاب الرحمة، خلافاً للشيخ الطوسي الذي روى عن سعد بن عبد الله في أكثر من 1600 مورداً في تهذيب الأحكام والاستبصار، وهذا يكشف عن مدى اعتماد الشيخ الطوسي على سعد بن عبد الله.(3)
وأمّا الشيخ الصدوق فقد روى عن سعد بن عبد الله في أكثر من 150 مورداً في مشيخة كتاب من لا يحضره الفقيه.(4)
ص: 52
وقد يطرح هنا
سؤال، وهو لماذا لم يعتمد الكليني على كتاب الرحمة؟
يتّضح لنا الجواب إذا التفتنا إلى كلام النجاشي، حيث قال في ترجمة سعد: «كان سمع من حديث العامّة شيئاً كثيراً، وسافر في طلب الحديث... وصنّف سعد كتباً كثيرة، منها كتب الرحمة، كتاب الوضوء، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصوم، كتاب الحجّ»، ثمّ قال: «كتبه فيما رواه ممّا يوافق الشيعة خمسة كتب: كتاب الوضوء، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصيام، كتاب الحجّ».(1)
فيستظهر من كلام النجاشي أنّ كتاب الرحمة يشتمل تارة على أحاديث موافقه للشيعة، وأُخرى غير موافقة للشيعة. ولعلّ هذا سرّ إعراض الكليني عن هذا الكتاب.
وكيف كان، فإنّ خبر أبي مريم ذُكر في كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله، ومضمونه موافق لأهل السنّة، ولقد أعرض عنه مشهور أصحابنا ولم يفتوا به.
فلتكن على بصيرة بأنّ الكثير من أخبار كتاب الرحمة أعرض عنها أصحابنا، وهذا ممّا جعلنا نتردّد في الاعتماد على تلك الأخبار، وكذلك في اعتبار كتاب الرحمة.
ولا بأس بذكر خبر أبي سعيد الخدري الذي استدلّ به أهل السنّة على عدم نجاسة الماء القليل بالملاقاة، فالخدري روى في حديث عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «الماء طهور لا ينجسه شيء»، وفي لفظ آخر: «الماء لا ينجسه شيء».(2)
وقال المناوي عند ذكر هذا الحديث: «حسّنه الترمذي، وصحّحه أحمد بن
ص: 53
حنبل وابن معين والبغوي وابن حزم، وغيرهم من الجهابذة».(1)
ثمّ إنّ أبا مريم الأنصاري كان من أهل المدينة، وهناك شواهد في ذهاب أصحاب مالك بن أنس في المدينة إلى أنّ الماء لا يتنجّس بملاقاة النجاسة، وعليه فيمكن أن تكون الرواية إنّما صدرت تقيةً.(2)
وكيف كان، فإنّا لا نعمل بهذا الخبر ونطرحه؛ لإعراض أصحابنا القدماء عنه، ولو تنازلنا عن هذا كلّه وسلّمنا، فالخبر ضعيف رجالياً لا يمكن الوثوق به.
اتّفق الكليني والشيخ الطوسي على نقل هذه الصحيحة، ولها سندان:
السند الأوّل
روى الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن عبد الله بن مُسكان، عن محمّد بن ميسّر، عن أبي عبد الله(علیه السلام).(3)
قد سبق وثاقة علي بن إبراهيم وأبيه إبراهيم بن هاشم، وأمّا عبد الله بن المغيرة فهو ثقة ثقة لا يعدل به أحد من جلالته ودينه وورعه.(4)
وعبد الله بن مُسكان كان ثقةً عيناً، ومحمّد بن ميسّر النخعي أيضاً ثقة.(5)
والحاصل، إنّ هذه الرواية صحيحة سنداً، كما أنّ الشيخ الطوسي رواها بإسناده
ص: 54
عن الكليني، والظاهر أنّه أخذها من الكافي.(1)
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذا الخبر كان مذكوراً في كتاب عبد الله بن المغيرة.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي، نراه يقول في ترجمة عبد الله بن المغيرة: «قيل: إنّه صنّف ثلاثين كتاباً، والذي رأيت أصحابنا(رحمهم الله)يعرفون منها كتاب الوضوء وكتاب الصلاة، وقد روى هذه الكتب كثير من أصحابنا».(2)
فكلام النجاشي صريح بأنّ كتب عبد الله بن المغيرة كانت مشهورةً بين أصحابنا. وفي الواقع هذا السند طريق الكليني إلى كتاب عبد الله بن المغيرة؛ فإنّا وجدنا أنّه في 108 موارد روى بنفس هذا السند (علي بن إبراهيم عن أبيه) عن عبد الله بن المغيرة.(3)
السند الثاني
ابتدأ الشيخ الطوسي باسم علي بن إبراهيم، وذكر نفس السند الذي ذكره الكليني: «عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن عبد الله بن
ص: 55
مُسكان، عن محمّد بن ميسّر، عن أبي عبد الله(علیه السلام)».(1)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: إنّ للشيخ الطوسي إلى علي بن إبراهيم طريقين، ونذكر هنا طريقاً واحداً، وهو ما رواه عن الشيخ المفيد، عن ابن قُولَوَيه الابن، عن الكليني، عن علي بن إبراهيم.(2)
والطريق صحيح، وفيه أجلّاء هذه الطائفة، وأمّا بقيّة رجال السند (إبراهيم بن هاشم وعبد الله بن المغيرة وعبد الله بن مُسكان ومحمّد بن ميسّر)، فهم من الثقات، فالرواية بهذا السند أيضاً صحيحة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذا الخبر كان مذكوراً في كتاب الشرائع لعلي بن إبراهيم.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا لعلي بن إبراهيم كتباً متعدّدة، منها: كتاب التفسير، كتاب الناسخ والمنسوخ، كتاب المغازي، كتاب الشرائع، كتاب قرب الإسناد و... .(3)
ونحن نحتمل أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب الشرائع.
ثمّ إنّ الشيخ الطوسي في مشيخة الاستبصار قال: «...عوّلت على الابتداء بذكر الراوي الذي أخذت الحديث من كتابه أو أصله».(4)
وعليه فالشيخ في الموارد التي بدأ في الاستبصار باسم علي بن إبراهيم (وهي
ص: 56
أكثر من 350 مورداً)، ففي الواقع أخذ الحديث من كتاب علي بن إبراهيم.(1)
ولا يخفى أنّ علي بن إبراهيم أخذ هذا الحديث من كتاب عبد الله بن المغيرة وأدرجه في كتابه الشرائع، ولمّا وصل الأمر إلى الشيخ الطوسي، أخذ الحديث من كتاب الشرائع هذا.
ومعنى ذلك أنّه لم يصل إلى الشيخ الطوسي كتاب عبد الله بن المغيرة، نعم وصل هذا الكتاب إلى الشيخ الكليني؛ لقرب عهده بالمؤلّف. فالكليني أخذ الحديث من مصدره الأوّلي وهو كتاب عبد الله بن المغيرة، والشيخ أخذه من مصدره الثانوي وهو كتاب الشرائع لعلي بن إبراهيم.
والحاصل، إنّ هذا الحديث ذُكر في مصدرين من مصادر أصحابنا، وهما كتاب عبد الله بن المغيرة، وكتاب الشرائع لعلي بن إبراهيم.
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل خمس(2):
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ محمّد بن ميسّر الكوفي سافر إلى المدينة فسمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام).
ص: 57
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة قام بنقل هذا الحديث هناك، فسمع عبد الله بن مُسكان عنه، ثمّ سمع منه عبد الله بن المغيرة فذكره في كتابه، وبعد ذلك سمع إبراهيم بن هاشم كتاب عبد الله بن المغيرة عنه.
المرحلة الثالثة: قمّ
إنّ إبراهيم بن هاشم الكوفي هاجر إلى قمّ وسكن بها، ونقل كتاب عبد الله بن المغيرة إلى قمّ، ثمّ سمع علي بن إبراهيم كتاب عبد الله بن المغيرة من أبيه، ولمّا قام علي بن إبراهيم بكتابة كتابه الشرائع، أدرج هذا الحديث فيه.
المرحلة الرابعة: الري، قمّ
في هذه المرحلة تمّ نقل الحديث إلى بلدين:
1_ الري
إنّ الكليني الذي كان يسكن الري سافر إلى قمّ وسمع كتاب الشرائع من علي بن إبراهيم، وأخذ من ذلك الكتاب هذا الحديث وأدرجه في كتابه الكافي (راجع السند الأوّل).
2_ قمّ
إنّ ابن قُولَوَيه الابن سمع عن الكليني كتاب الشرائع لعلي بن إبراهيم.
المرحلة الخامسة: بغداد
إنّ ابن قُولَوَيه الابن سافر من قمّ إلى بغداد، فسمع منه الشيخ المفيد كتاب الشرائع لعلي بن إبراهيم، وبعد ذلك سمع الشيخ الطوسي من الشيخ المفيد ذلك الكتاب (راجع السند الثاني).
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ محمّد بن ميسّر: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2_ إبراهيم بن هاشم: نقل الحديث من الكوفة إلى قمّ.
ص: 58
3_ الكليني: نقل الحديث من قمّ إلى الري.
4_ ابن قُولَوَيه الابن: نقل الحديث من الري إلى قمّ وبغداد.
فالحديث بسنده الأوّل مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي تدويناً ورازي تأليفاً، وبسنده الثاني مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي تدويناً، ثمّ رازي وقمّي نشراً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جميع طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال.
هذا تمام الكلام في سندي الحديث، وإليك متنه:
سأل محمّد بن ميسّر أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل الجُنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل منه، وليس معه إناء يغترف به ويداه قذرتان، قال: يضع يده ويتوضّأ ثمّ يغتسل، هذا ممّا قال الله تعالى: (وَ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَج).(1)
فظاهر الرواية عدم انفعال الماء القليل بالملاقاة للنجس، ولذلك حمل الشيخ الطوسي القذارة في الرواية على الوسخ دون النجاسة، مستدلّاً بأنّ النجاسة تفسد الماء على البدن إذا كان قليلاً.
وأنت خبير بأنّ هذا حمل على خلاف الظاهر، فإنّ المتبادر في الأخبار من لفظ القذارة هو النجاسة.
وكيف كان، فأصحابنا القدماء أعرضوا عن هذه الرواية ولم يعملوا بها، وهذا ممّا يوجب عدم الوثوق بها.
ص: 59
وما يهمّنا في المقام هو التركيز على الجهة الفهرستية.
بيان ذلك: ذكرنا أنّ المصدر الأوّلي لهذه الرواية هو كتاب عبد الله بن المغيرة، وفي موارد عديدة نجد أنّ عبد الله بن المغيرة ذكر في كتابه أحاديث شاذّة قد أعرض عنها أصحابنا ولم يعملوا بها.
وبعبارة أُخرى: إنّ عبد الله بن المغيرة مع جلالته وعظم شأنه، انفرد بأخبار لم يروها غيره، وقد أعرض عنها أصحابنا القدماء، وربّما يشهد على ذلك كلام النجاشي، حيث قال: «قيل: إنّه صنّف ثلاثين كتاباً، والذي رأيت أصحابنا(رحمهم الله) يعرفون منها كتاب الوضوء وكتاب الصلاة...»، فمفهوم كلام النجاشي أنّ الكثير من كتب عبد الله بن المغيرة لم تُعرف عند أصحابنا، وأنّهم لم يعملوا بها.(1)
فتحصّل ممّا ذكرنا أنّه لا يمكن الاعتماد والوثوق بالرواية وإن كانت صحيحة؛ وذلك لإعراض أصحابنا عن العمل بها وانفراد عبد الله بن المغيرة بها.
ولو تنزّلنا عن هذا كلّه وسلّمنا، فحينئذٍ إمّا يُحمل لفظ: «الماء القليل» في الراوية على المعنى العرفي لا الشرعي، وإمّا تُحمل الرواية على التقيّة؛ لموافقتها لفقه العامّة.(2)
اتّفق الكليني والشيخ الطوسي على نقل هذه الرواية، ولها سندان:
السند الأوّل
روى الكليني عن علي بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبد الله(علیه السلام).(3)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
ص: 60
التحليل الرجالي: علي بن محمّد الرازي المعروف بعلّان، كان ثقةً عيناً(1)، وسهل بن زياد الأدمي، كان ضعيفاً في الحديث غير معتمد فيه، كما صرّح بذلك النجاشي.(2) ولكنّ مقالة النجاشي هذه في حقّ سهل بن زياد لا تعني ضعفه مطلقاً، بل يُستفاد منها أنّ المباني الرجالية لِخصوص سهل بن زياد ضعيفة، فيجب علينا الدقّة والتأمّل في رواياته.(3)وأمّا أحمد البزنطي فكان ثقة، وكذلك صفوان بن مهران الجمّال كان ثقة.(4)
والحاصل، أنّ هذه الرواية بهذا السند تحتاج إلى شواهد أكثر للاعتماد عليها؛ وذلك لضعف سهل بن زياد في الحديث.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذا الخبر كان مذكوراً في كتاب أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا
ص: 61
للبزنطي كتباً(1)،
والكليني روى في 215 مورداً عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن البزنطي، ونحن نستظهر أنّ هذا هو طريق الكليني إلى كتب البزنطي.(2)
السند الثاني
ابتدأ الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام باسم «أحمد بن محمّد»، حيث قال: «أحمد بن محمّد عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبد الله(علیه السلام)».(3)
والمراد من أحمد بن محمّد هو أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري، بقرينة أنّ الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام أكثر الرواية بالإسناد عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي النصر البزنطي.(4)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: تقدّم الكلام في صحّة طريق الشيخ إلى أحمد بن محمّد بن عيسى، وقد تقدّم وثاقة رجال السند أيضاً.(5)
فالرواية صحيحة بهذا السند، وما ذكره صاحب الجواهر من قوله: «خبر صفوان» يرجع إلى السند الأوّل فقط.(6)
والحاصل، أنّ هذه الرواية بهذا السند تعتبر من الأحاديث الصحيحة.
ص: 62
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى. فكتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى كان عند الشيخ، فإنّه ابتدأ باسمه في موارد كثيرة.(1)
وكيف كان، فالرواية ذُكرت في مصدرين من مصادر أصحابنا، وهما كتاب البزنطي وكتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى.
فكتاب أحمد بن محمّد بن عيسى كان عند الكليني، وقد تحمّله من عدّة مشايخ.
وقد يطرح هنا سؤال، وهو لماذا لم ينقل الكليني هذه الرواية من كتاب أحمد بن محمّد بن عيسى، ونقله من كتاب أحمد البزنطي، مع أنّ طريق الكليني إلى أحمد البزنطي هو سهل بن زياد (الذي كان ضعيفاً في الحديث على ما قاله النجاشي)؟
والذي يخطر بالبال في الجواب أنّ دأب الكليني هو ترجيح المصادر الأوّلية على المصادر الثانوية.
بيان ذلك: أنا ذكرنا أنّ هذا الحديث كان مذكوراً في مصدرين: مصدر أوّلي (كتاب البزنطي)، ومصدر ثانويّ (كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى)، ومن المعلوم أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى أخذ هذا الحديث من كتاب البزنطي. فالكليني نقل الحديث من المصدر الأصلي وهو كتاب البزنطي، وبما أنّه لم يكن عند الشيخ الطوسي كتاب إلىٰ البزنطي، فاضطرّ إلى أن ينقل الحديث من مصدره الثانوي، وهو كتاب أحمد بن محمّد بن عيسى.
وعلى ما ذكرنا يتبيّن وجه اعتماد الكليني على سهل بن زياد، فإنّ الكليني رأى أنّ سهل بن زياد كان يروي كتاب البزنطي، والشواهد تشير إلى صحّة هذا الطريق،
ص: 63
ومن تلك الشواهد هو أنّ الرواية رويت بطريق آخر (وهو ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى عن أحمد البزنطي، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبد الله)، ولذلك اعتمد الكليني على رواية سهل بن زياد، فإنّ سهل بن زياد وإن كان ضعيفاً في الحديث (كما صرّح بذلك النجاشي)، ولكن إذا كانت هناك شواهد على قبول رواياته يرتفع الضعف.
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل أربع(1):
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ صفوان بن مهران الجمّال سافر من الكوفة إلى المدينة فسمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة قام بنقل هذا الحديث هناك، فسمع أحمد البزنطي الكوفي عنه، وأدرج الحديث في كتابه.
المرحلة الثالثة: الري، قمّ
في هذه المرحلة تمّ نقل الحديث إلى بلدين:
1_ الري
إنّ سهل بن زياد الرازي سافر إلى الكوفة وتحمّل كتاب أحمد البزنطي منه ونقله إلى الري، كما أنّ علي بن محمّد علّان الرازي سمع الحديث من سهل بن زياد.
ص: 64
ثمّ إنّ الكليني سمع الحديث في الري ولمّا قام بتأليف الكافي أدرجه فيه (راجع السند الأوّل).
2_ قمّ
إنّ أحمد بن محمّد بن عيسى القمّي أيضاً سافر من قمّ إلى الكوفة، وسمع كتاب البزنطي ونقله إلى قمّ، ثمّ إنّ جماعة من مشايخ قمّ سمعوا وتحمّلوا كتاب أحمد البزنطي من أحمد بن محمّد بن عيسى.
كما انّ ابن قُولَوَيه الابن سمع وتحمّل من الكليني كتاب أحمد بن محمّد بن عيسى (راجع السند الثاني).
المرحلة الرابعة: بغداد
إنّ ابن قُولَوَيه الابن سافر من قمّ إلى بغداد، فسمع منه الشيخ المفيد كتاب أحمد بن محمّد بن عيسى، وبعد ذلك سمع الشيخ الطوسي من الشيخ المفيد ذلك الكتاب، فأخذ منه هذا الحديث فأدرجه في تهذيب الأحكام و الاستبصار.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان كما يلي:
السند الأوّل: المدينة، الكوفة، قمّ، الري.
السند الثاني: المدينة، الكوفة، قمّ، الري، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ صفوان الجمّال: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2_ سهل بن زياد: نقل الحديث من الكوفة إلى الري.
3_ أحمد بن محمّد بن عيسى: نقل الحديث من الكوفة إلى قمّ.
4_ ابن قُولَوَيه الابن: نقل الحديث من الري إلى قمّ وبغداد.
فالحديث بسنده الأوّل مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي نشراً ورازي تأليفاً، وبسنده الثاني مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي تدويناً ثمّ رازي وقمّي نشراً وبغدادي تأليفاً.
ص: 65
ثمّ إنّ هذه الرواية بسندها الثاني في جميع طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال، لكن رواها في السند الأوّل سهل بن زياد، وذكرنا أنّ قبول رواياته يحتاج إلى شواهد.
هذا تمام الكلام في سندي الحديث، وإليك متنه:
سأل صفوان الجمّال أبا عبد الله(علیه السلام) عن الحياض التي بين مكّة والمدينة تردها السباع وتلغ فيها الكلاب ويغتسل فيها الجُنب، أيُتوضّأ منها؟ فقال: وكم قدر الماء؟ قلتُ: إلى نصف الساق أو الركبة، فقال: توضّأ منه.(1)
وقد قيل بأنّ الرواية تدلّ على عدم انفعال الماء القليل بملاقاة النجاسة، بادّعاء أنّ ماء الحياض المذكورة في الرواية إنّما هو ماء قليل.
ولكن من المستبعد جدّاً أن تكون تلك الحياض (التي يغتسل فيها الجُنُب وتردها السباع وتلغ فيها الكلاب) أقلّ من مقدار كرّ؛ لأنّ الحياض التي تكون معرضاً لغسل الجنب وورود السباع وولوغ الكلب لاتنقص مقدارها عن كرور عديدة فضلاً عن كرّ.
ويؤيّد ذلك ما ذُكر في الرواية: «تردها السباع وتلغ فيها الكلاب»، ويُستظهر منه أنّ ورود السباع للشرب من الحياض دفعات متعدّدة، وهو يتناسب مع الماء الكثير.
وعلى ما ذكرنا، فالرواية وردت في مقام بيان حكم الماء الكثير وخارجة عن محلّ البحث عن مسألة انفعال الماء القليل.
ص: 66
روى الشيخ الطوسي منفرداً هذا الخبر، وابتدأ في سنده باسم محمّد بن علي بن محبوب، حيث قال: «محمّد بن علي بن محبوب، عن محمّد بن الحسين، عن علي بن حديد، عن حمّاد بن عيسى، عن حَرِيز، عن زرارة بن أعين، عن أبا جعفر(علیه السلام)».(1)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: ذكر الشيخ الطوسي في مشيخة تهذيب الأحكام في طريقه إلى محمّد بن علي بن محبوب هكذا: عن الحسين بن عُبيد الله الغضائري، عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار، عن أبيه محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن علي بن محبوب.(2)
أمّا الحسين بن عُبيد الله الغضائري فهو من مشايخ النجاشي، وكما تعلّم فإنّ كلّ مشايخه من الثقات.(3)
نعم، لم يُذكر لأحمد بن محمّد بن يحيى العطّار توثيق صريح، ولكنّ الشواهد تشير إلى قبول رواياته؛ لأنّه روى كثيراً من تراث أبيه، وعادةً يُقبل من الابن ما روى عن أبيه من التراث العلمي؛ فإنّا إذا راجعنا كتب الحديث نجد أنّ كلّ ما روي عنه
ص: 67
كان 1252 حديثاً، وفي كلّها روى عن أبيه لا غيره.(1)
هذا مضافاً إلى ما يُستفاد من كلام النجاشي من أنّ عدّة من أصحابنا البغداديين اعتمدوا عليه ورووا عنه.(2)
وأمّا محمّد بن يحيى العطّار فكان شيخ أصحابنا في زمانه ثقةً عيناً.(3)
والحاصل، أنّه يمكن الاعتماد على طريق الشيخ إلى محمّد بن علي بن محبوب.
ثمّ إنّ محمّد بن علي بن محبوب الأشعري كان شيخ القمّيين في زمانه، ثقةً عيناً فقيهاً، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب جليل، من أصحابنا، عظيم القدر
ص: 68
كثير الرواية، ثقة عين، مسكون إلى روايته.(1)
ولم يُذكر لعلي بن حديد توثيق صريح، وذكر الكشّي أنّه كان فطحياً(2)، وصرّح الشيخ الطوسي أنّه ضعيف جدّاً لا يعوّل على ما ينفرد بنقله.(3)
وحمّاد بن عيسى ثقة في حديثه صدوق(4)،
وأمّا حَرِيز بن عبد الله فقد وثّقه الشيخ في فهرسته(5)، نعم قال النجاشي: «كان ممّن شهر السيف في قتال الخوارج بسجستان في حياة أبي عبد الله(علیه السلام)، وروي أنّه جفاه وحجبه عنه».(6)
ص: 69
وأنت خبير بأنّ إنكار الإمام(علیه السلام) شهر السيف لقتال الخوارج إنّما كان لحفظهم وحفظ شيعتهم، فهو لا يدلّ على قدح في وثاقته وجلالته ومنزلته عند الفقهاء وأصحاب الحديث.(1)
وزرارة بن أعين كان شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدّمهم.(2)
والحاصل، أنّه لا يمكن الاعتماد على الخبر؛ وذلك لانفراد علي بن حديد به كما سنشرحه.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذا الخبر كان مذكوراً في كتاب نوادر المصنّفين لمحمّد بن علي بن محبوب.
بيان ذلك: أنّ النجاشي ذكر من جملة كتب محمّد بن علي بن محبوب كتاب النوادر، ولقد اشتهر بكتاب نوادر المصنّفين.(3)
ص: 70
ولقد ابتدأ الشيخ في أكثر من 500 مورد باسم محمّد بن علي بن محبوب(1)،
والظاهر أنّه أخذ في جميع هذه الموارد عن كتاب نوادر المصنّفين لمحمّد بن علي بن محبوب.(2)
ثمّ إنّه من المحتمل أنّ محمّد بن علي بن محبوب أخذ هذه الرواية من كتاب محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب(3)،
وربّما كان المصدر الأوّلي للحديث هو كتاب حمّاد بن عيسى؛ لأنّ الشيخ صرّح في فهرسته أنّ علي بن حديد روى كتاب حمّاد بن عيسى، وهنا نجد أنّ علي بن حديد روى عن حمّاد بن عيسى.(4)
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل ستّة:
ص: 71
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ زرارة سافر إلى المدينة فسمع الرواية من الإمام الباقر(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة (وكان يسكن فيها)، قام بنقل هذا الحديث هناك، فسمع منه حَرِيز بن عبد الله الذي كان من أهل الكوفة، (نعم أنّه قد أكثر السفر والتجارة إلى سجستان فعُرف بالسجستاني).(1)
المرحلة الثالثة: البصرة
إنّ حمّاد بن عيسى الذي كان يسكن البصرة سمع الحديث من حَرِيز بن عبد الله في الكوفة، ونقلها إلى البصرة، ومن المحتمل أنّه أدرجها في كتابه.
المرحلة الرابعة: الكوفة
إنّ علي بن حديد الكوفي سمع الحديث من حمّاد بن عيسى، ثمّ سمع محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب الكوفي هذا الحديث من حمّاد وأدرجه في كتابه.
المرحلة الخامسة: قمّ
إنّ محمّد بن علي بن محبوب القمّي سمع الحديث من محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب وأدرجه في كتابه نوادر المصنّفين، كما أنّ محمّد بن يحيى العطّار تحمّل الكتاب منه، ولمّا وصل الأمر إلى أحمد بن محمّد بن يحيى سمع كتاب نوادر المصنّفين من أبيه.
المرحلة السادسة: بغداد
إنّ أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار لمّا سافر إلى بغداد، نقل كتاب نوادر المصنّفين إلى هناك، فسمع منه الحسين بن الغضائري، كما أنّ الشيخ الطوسي سمع من الحسين بن الغضائري هذا الكتاب فأخذ منه هذا الحديث فأدرجه في
ص: 72
تهذيب الأحكام.
و إليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1 _ زرارة: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2 _ حمّاد بن عيسى: نقل الحديث من الكوفة إلى البصرة.
3 _ علي بن حديد: نقل الحديث من البصرة إلى الكوفة.
4 _ محمّد بن علي بن محبوب: نقل الحديث من البصرة إلى قمّ.
5 _ أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث مدني صدوراً وكوفي نقلاً وبصري تصنيفاً وقمّي تدويناً ورازي وقمّي نشراً وبغدادي تأليفاً.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
سأل زرارة أبا جعفر(علیه السلام) عن راوية من ماء سقطت فيها فأرةٌ أو جرذٌ أو صعوةٌ ميتةً؟ قال(علیه السلام): «إذا تفسّخ فيها فلا تشرب من مائها ولا تتوضّأ، وصبّها، وإن كان غير متفسّخ فاشرب منه وتوضّأ، واطرح الميتة إذا أخرجتها طريّة، وكذلك الجرّة وحبُّ الماء والقِربة، وأشباه ذلك من أوعية الماء».(1)
وجه الاستدلال به: إنّ زرارة سأل عن حكم ماء الراوية (القربة) إذا سقطت فيها ميتة ذي نفس، وأجاب الإمام(علیه السلام)بأنّه إذا لم تتفسّخ الميتة يجوز الشرب والوضوء منه، ومعنى هذا عدم نجاسة الماء القليل بملاقاة النجاسة؛ لأنّ الظاهر من لفظ «الراوية» أنّها لا تسع مقدار كرّ.(2)
ص: 73
هذا، ولكنّ الشيخ الطوسي لم يعمل بظاهر الخبر، وحمله على أنّ ماء الراوية كان مقداره كرّاً، وهذا خلاف الظاهر.(1)
وكيف كان، فقد أعرض أصحابنا عن العمل بهذا الخبر ولم يعملوا به، ونحن نعتقد أنّ سرّ إعراض أصحابنا يرجع إلى جهة فهرستية.
بيان ذلك: أنا ذكرنا أنّ الشيخ الطوسي إنّما أخذ هذه الصحيحة من كتاب نوادر المصنّفين لمحمّد بن علي بن محبوب. وهنا نكتة مهمّة ينبغي التوجّه إليها، وهي أنّ الكليني لم يروِ من هذا الكتاب ولا رواية واحدة في فروع الكافي، والشيخ الصدوق روى تسعة موارد من هذا الكتاب فقط.(2)
ففي الواقع أنّ الشيخ الطوسي اعتمد على هذا الكتاب اعتماداً عظيماً، كما أنّا نجد شذوذاً كثيرة في الأحاديث التي روى الشيخ الطوسي من هذا المصدر، ولعلّ إعراض الكليني عن النقل عن هذا الكتاب راجع إلى هذه الجهة.
وإذا رجعنا إلى فتاوى قدماء أصحابنا نجد أنّهم لم يفتوا بكثير من أحاديث كتاب محمّد بن علي بن محبوب، ولم يعملوا بها. نعم، إنّ الشيخ الطوسي قام بذكر هذه الأحاديث ولكنّه في كثير منها حملها على خلاف الظاهر ولم يعمل بها.
ثمّ إنّ الشيخ الطوسي قال في ذيل حديث آخر رواه علي بن حديد عن جميل بن درّاج، عن زرارة: «وأمّا خبر زرارة فالطريق إليه علي بن حديد، وهو ضعيف جدّاً لا يعوّل على ما ينفرد به».(3)
فيُستفاد من كلام الشيخ أنّ أصحابنا القدماء لا يعملون ولا يفتون بما رواه
ص: 74
علي بن حديد منفرداً، فإنّ عدم نجاسة ماء الراوية بملاقاة الميتة (إذا لم يتفسخ في الماء)، كان ممّا ينفرد به علي بن حديد.
والحاصل، أنّه لا يمكن الاعتماد على هذا الخبر؛ لانفراد علي بن حديد به، وذكر الخبر في مصدر لم يعتمد عليه أصحابنا، وهو كتاب نوادر المصنّفين لمحمّد بن علي بن محبوب.
استدلّ الفيض الكاشاني على عدم انفعال الماء القليل بالنجاسة بخبر آخر، وهذا نصّ كلامه عند ذكر أدلّته:
منها: الحديث المشهور المروي من الطرفين بعدّة طرق: «خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه شيء، إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه».(1)
فالظاهر من كلامه شهرة الحديث بين الشيعة والسنّة.
ولكنّا إذا راجعنا كتب الحديث عند الشيعة لم نجد للخبر ذكراً. نعم، قال المحقق الحلّي عند البحث عن نجاسة الماء إذا تغيّر أحد أوصافه بالنجاسة: «ويؤيّده ما رواه الجمهور عن النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)، قال: خُلق الماء طهوراً لا ينجسه شيء، إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه».(2)
وذكر ابن جمهور الأحسائي (الذي توفّي سنة 880 ﻫ.) مرسلاً: «خُلق الماء طهوراً لا ينجسه شيء، إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه».(3)
وأنت خبير بأنّه لا يمكن الاعتماد على ما قاله الأحسائي؛ لأنّه رواه مرسلاً.
ثمّ إنّ هذا الخبر بهذا اللفظ لم يُذكر في مصادرهم المعتبرة وقد صرّح ابن حجر العسقلاني بعدم وجود الخبر بهذا اللفظ، حيث قال: «لم أجده هكذا».(4)
ص: 75
نعم، روى البيهقي في سننه بالإسناد عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) أنّه قال: «الماء لا ينجس إلّا ما غيّر ريحه أو طعمه».(1)
وإنّا لنتعجّب من الفيض الكاشاني كيف ادّعى شهرة هذا الخبر مع عدم روايته بهذا اللفظ عند الشيعة وأهل السنّة؟ نعم، قال ابن عقيل العماني: «تواتر عن الصادق(علیه السلام) عن آبائه(علیهم السلام): إنّ الماء طاهر لا ينجسه إلّا ما غيّر أحد أوصافه: لونه أو طعمه أو رائحته»(2)،
ولم نعثر على هذا الخبر بهذا اللفظ في المصادر، فكيف بالتواتر!
هناك أخبار أُخرى قد يُستدلّ بها على عدم انفعال الماء القليل، ولكنّا نستشكل في ظهورها في المطلوب، فنكتفي بالبحث عن ظهورها ولا نبحث عن سندها؛ خوف الإطالة، وهي عشرة كاملة:
الاُولى: ما رواه عبد الله بن سنان: سأل رجلٌ أبا عبد الله(علیه السلام) وأنا جالسٌ عن غدير أتوه وفيه جيفة؟ فقال(علیه السلام): «إذا كان الماء قاهراً ولا يوجد فيه الريح فتوضّأ».(3)
الثانية: ما رواه شهاب بن عبد ربّه في حديث، أنّه قال أبو عبد الله(علیه السلام)له: «جئتَ لتسألني عن الغدير يكون في جانبه الجيفة... فتوضّأ من الجانب الآخر، إلّا أن يغلب الماء الريح فينتن...».(4)
الثالثة: ما رواه حَرِيز بن عبد الله عن رجل، عن أبي عبد الله(علیه السلام)، أنّه قال(علیه السلام):
ص: 76
«كلّما غلب الماء ريح الجيفة وتغيّر الطعم، فلا تتوضّأ ولا تشرب».(1)
الرابعة: ما رواه سماعة بن مهران عن أبي عبد الله(علیه السلام)، في الرجل يمرّ بالميتة في الماء، فقال(علیه السلام): «يتوضّأ من الناحية التي ليست فيها الميتة».(2)
الخامسة: ما رواه أبو خالد القمّاط، أنّه سمع أبا عبد الله(علیه السلام)يقول في الماء يمرّ به الرجل وهو نقيع فيه الميتة والجيفة: «إن كان الماء قد تغيّر ريحه أو طعمه فلا تشرب منه ولا تتوضّأ، وإن لم يتغيّر ريحه وطعمه فتوضّأ واشرب».(3)
السادسة: ما رواه علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله(علیه السلام)، في الماء الساكن والاستنجاء منه والجيفة فيه، فقال: «توضّأ من الجانب الآخر».(4)
السابعة: ما رواه سماعة بن مهران عن أبي عبد الله(علیه السلام)، في الرجل يمرّ بالماء وفيه دابّة ميّتة قد أنتنت؟ قال(علیه السلام): «إن كان النتن الغالب على الماء فلا يتوضّأ ولا يشرب».(5)
الثامنة: ما رواه العلاء بن الفضيل عن أبي عبد الله(علیه السلام)، في الحياض يُبال فيها؟ قال(علیه السلام): «لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول».(6)
التاسعة: ما رواه عثمان بن زياد، قال: قلتُ لأبي عبد الله(علیه السلام): أكون في السفر
ص: 77
فآتي الماء النقيع ويدي قذرة، فأغمسها في الماء؟ قال(علیه السلام): «لا بأس».(1)
العاشرة: ما رواه أبو بصير،عن أبي عبد الله(علیه السلام)، في الغدير من المطر يكون إلى جانب القرية فيكون فيه العذرة ويبول فيه الصبي وتبول فيه الدابّة وتروث، فقال: «إن عرض في قلبك منه شيء فقل هكذا _ يعني أفرج الماء بيدك _ ثمّ توضّأ...».(2)
ولنا لهذه الأخبار جوابان:
الجواب الأوّل: لو نظرنا إلى هذه الأخبار بدقّة نجد أنّه ليس للماء (المذكور في هذه الأخبار) إطلاق حتّى يشمل الماء القليل، فالناس في قديم الأزمان كانوا أكثر حاجةً للماء منهم اليوم؛ لبعد المسافات، وكثيراً ما كانت هذه المياه معرضاً لرمي الجيف وتلغ فيها الكلاب والسباع، ويبول فيها الناس والدوابّ، ومن المعلوم أنّ الماء الذي يكون معرضاً لهذه الأشياء لا تنقص مقداره عن كرور عديدة فضلاً عن كرّ.
هذا مضافاً إلى ما ذُكر في الحديث الأوّل والثاني والثالث والخامس والسادس لفظ «الجيفة»، ومن المستبعد جدّاً أن تقع جيفة في ماء (مقداره أقلّ من كرّ) ومع ذلك لا يتغيّر ريحه.(3)
كما أنّه ذكر في الحديث الأوّل والثاني والعاشر لفظ «الغدير»، وأنت خبير بأنّ الفهم العرفي لا يساعد على أن يُطلق على الماء الذي يكون أقلّ من كرّ عنوانُ الغدير؛ لأنّ المتبادر من لفظ «الغدير» هو ما كان أضعاف الكرّ.(4)
ص: 78
وبعبارة أُخرى: إنّه قد ورد في هذه الأخبار حكم ماء الغدير والنقيع الذي يمرّ به المسافر في أثناء الطريق، أو يكون في ناحية القرية، ومن المعلوم أنّ الغدير والنقيع يزيد ماؤه غالباً عن الكرّ.
وكيف كان، فهذه الأخبار في مقام بيان حكم الماء الكثير إذا وقع فيه الجيفة، ومن المعلوم أنّه إذا تغيّر الماء بأوصاف النجس فهو محكوم بالنجاسة.
فتحصّل أنّه لا إطلاق لهذه الأخبار حتّى يشمل الماء القليل، وعليه فلا دلالة لها على عدم انفعال الماء القليل بملاقاة النجاسة.
الجواب الثاني: لو تنزّلنا وسلّمنا أنّ لهذه الأخبار إطلاقاً بحيث يشمل الماء القليل، فحينئذٍ تصل النوبة إلى حمل المطلق على المقيّد.
بيان ذلك: إنّ إطلاق هذه الأخبار يُقيّد بمفهوم قوله(علیه السلام): «إذا بلغ الماء قدر كرٍّ فلا ينجسه شيء»، فتكون النتيجة أنّ الماء القليل ينفعل بملاقاة النجاسة.
وبعبارة أُخرى: ليس في هذه الأخبار صراحة على أنّ الماء الذي لا ينفعل بملاقاة النجس هو الماء القليل، بل إنّ لها إطلاقاً يشمل الماء القليل، ونحن نقيّد هذا الإطلاق بأخبار الكرّ.(1)
هذا تمام الكلام في تتميم البحث، فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الماء القليل ينفعل بملاقاة النجس. نعم، بقي الكلام في بيان الملاك للفرق بين الماء القليل والكثير وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله.
ص: 79
الماء القليل لا ينفعل بملاقاة المتنجّس إذا لم يكن في المتنجّس شيء من أجزاء النجس.(1)
وذهب مشهور متأخّري المتأخّرين إلى أنّ الماء القليل ينفعل بملاقاة المتنجّس، ولكن نحن إذا راجعنا نصوص الفقه عند قدماء أصحابنا(رحمهم الله)، نجد أنّهم ذكروا انفعال الماء القليل بالنجاسة، ولم يتعرّضوا لانفعاله بالمتنجّس، وإليك بعض كلامهم:
_ إذا وقع في الماء الراكد شيء من النجاسات وكان كرّاً، لم ينجسه شيء.(2)
_ إذا سقطت النجاسة في الإناء لم يجز استعماله، وإن لم يتغيّر لونه أو طعمه أو رائحته.(3)
_ فما بلغ هذا المقدار ]مقدار الكرّ[، لا ينجسه ما يقع فيه من النجاسات إلّا ما
ص: 80
يغير أحد أوصافه.(1)
_ وأمّا مياه الأواني المحصورة، فإن وقع فيها شيء من النجاسة أفسدها ولم يجز استعمالها.(2)
_ وهو ]الماء المطلق[ على ظاهر الطهارة حتّى تخالطه النجاسة فينجس.(3)
_ أمّا المحقون (المحبوس)، فما كان منه دون الكرّ فإنّه ينجس بملاقاة النجاسة.(4)
وبذلك تبيّن أنّه ليس هناك شهرة لقدماء أصحابنا في هذه المسألة؛ لأنّهم لم يتعرّضوا للمسألة أساساً، كما أنّا إذا راجعنا الروايات التي وردت في انفعال الماء، نجد أنّها وردت في ملاقاة عين النجس من الجيفة والميتة والبول والدم، وليس فيها ذكر لانفعال الماء بملاقاة المتنجّس.
والآن نبدأ بشرح مختارنا في المقام (وهو عدم انفعال الماء القليل بملاقاة المتنجّس)، فنحصر الكلام في خطوتين:
إنّ صحيحة أبي بصير دلّت على أنّ انفعال الماء القليل لا بدّ أن يكون بعين النجس لا المتنجّس، وإليك تفصيل الكلام فيها:
انفرد الكليني بنقل هذه الصحيحة، و رواها عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن سماعة بن مهران، عن أبي بصير.
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
ص: 81
التحليل الرجالي: قد سبق وثاقة علي بن إبراهيم وأبيه إبراهيم بن هاشم، وأمّا عبد الله بن المغيرة البَجَلي فهو ثقة لا يعدل به أحد من جلالته ودينه وورعه.(1)
وأمّا سماعة بن مهران، فالمشهور ذهبوا إلى أنّه واقفيّ المذهب، وفاقاً للشيخ الطوسي، فإنّه صرّح في رجاله أنّ سماعة بن مهران كان واقفياً.(2)
هذا، ولكنّ النجاشي في رجاله صرّح بأنّه كان ثقةً ثقة، ولم يشر إلى وقفه، ومعنى ذلك أنّ النجاشي لم يعتقد بما ذكره الشيخ.(3)
والشيخ الطوسي صرّح بأنّ بعض أصحاب أبي عبد الله(علیه السلام) كانوا من الواقفية، ولكن سكت النجاشي عن بيان ذلك، وفي هذه الموارد نرجّح مقالة النجاشي، فشهرة وقف سماعة إنّما نشأت بعد زمن الشيخ الطوسي، و مَن جاء بعد الشيخ اعتمد على كلام الشيخ وأرسل وقف سماعة إرسال المسلّمات.(4)
ثمّ إنّ أحمد بن الحسين الغضائري ذكر أنّ سماعة بن مهران إنّما توفّي في حياة أبي عبد الله(علیه السلام)، وعليه فكيف يمكن نسبة الوقف إلى مَن مات قبل إمامه الكاظم(علیه السلام)؟(5)
وأمّا أبو بصير، فالمراد منه هنا يحيى بن القاسم الأسدي، كان ثقةً وجيهاً.(6)
وكيف كان، فالرواية صحيحة على ما ذهبنا إليه من عدم وقف سماعة.
ص: 82
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذا الخبر كان مذكوراً في كتاب عبد الله بن المغيرة البَجَلي.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي، نراه يقول في ترجمة عبد الله بن المغيرة البَجَلي: «قيل: إنّه صنّف ثلاثين كتاباً، يعرفون منها كتاب الوضوء وكتاب الصلاة، وقد روى هذه الكتب كثير من أصحابنا».(1)
كلام النجاشي صريح بأنّ كتب عبد الله بن المغيرة البَجَلي كانت مشهورة بين أصحابنا، وفي الواقع هذا السند طريق الكليني إلى كتاب عبد الله بن المغيرة؛ فإنّا وجدنا في 108 موارد روى الكليني بنفس هذا السند؛ (علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة).(2)
وقيل إنّ عبد الله بن المغيرة المذكور في هذا السند مشترك بين عبد الله بن المغيرة البَجَلي الثقة، وعبد الله بن المغيرة الخزّاز(3)،
الذي ليس له توثيق، وعليه فالرواية ساقطة عن الاعتبار.(4)
وبما ذكرنا من أنّ كتب عبد الله بن المغيرة كانت مشهورة جدّاً(5)،
يتبيّن أنّ عبد الله بن المغيرة في هذا السند ينصرف إلى المشهور، وهو البَجَلي، مضافاً لما ذكرنا أنّ هذا السند في الواقع طريق الكليني إلى كتاب عبد الله بن المغيرة
ص: 83
البَجَلي.
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل أربع:
المرحلة الاُولى: المدينة
الظاهر أنّ أبا بصير الكوفي سافر من الكوفة إلى المدينة فسمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة قام بنقل هذا الحديث هناك، وبعد ذلك سمع الحديث منه سماعة بن مهران الكوفي وأدرجه في كتابه.
المرحلة الثالثة: قمّ
إنّ إبراهيم بن هاشم الكوفي سمع كتاب عبد الله بن المغيرة منه، ثمّ سافر إلى قمّ وسكن بها، وسمع ابنه علي بن هاشم عنه.
المرحلة الرابعة: الري
إنّ الكليني الذي كان يسكن الري سافر إلى قمّ وسمع كتاب عبد الله بن المغيرة من طريق علي بن إبراهيم، وأخذ من ذلك الكتاب هذا الحديث وأدرجه في كتابه الكافي.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي: المدينة، الكوفة، قمّ، الري.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1 _ أبو بصير: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2 _ إبراهيم بن هاشم: نقل الحديث من الكوفة إلى قمّ.
فالحديث مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي نشراً ورازي تدويناً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جميع طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال، بناءً على ما ذهبنا إليه من عدم وقف سماعة.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
ص: 84
عن أبي بصير، عنهم(علیهم السلام): «إذا دخلت يدك في الإناء قبل أن تغسلها، فلا بأس، إلّا أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة، فإنْ دخلت يدك في الإناء وفيها شيءٌ من ذلك فاهرق ذلك الماء».(1)
وجه الاستدلال به: يدلّ الحديث بمفهومه على أنّه إذا لم يكن في اليد شيء من قذر البول أو الجنابة فلا بأس به، فالمعيار في عدم انفعال الماء هو خلوّ اليد حين الملاقاة من البول والمني.
وبعبارة أُخرى: إنّ مفهوم قوله: «فإنْ أدخلت يدك في الماء وفيها شيء من ذلك»، يدلّ على أنّ اليد التي أصابها البول أو الجنابة إن لم يكن عليها بول أو جنابة بالفعل حين إدخالها في الماء فلا ينجس.
ربّما يُستدلّ بإطلاق بعض الأخبار على أنّ الماء القليل ينفعل بملاقاة المتنجّس، وهي أخبار ثلاثة:
الأوّل: ما رواه البزنطي، قال: سألتُ أبا الحسن(علیه السلام) عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة؟ قال: «يُكفئ الإناء»، فإنّ إطلاق كلمة القذرة يشمل صورة وجود عين النجاسة في اليد وصورة زوالها عنه، فيكون شاملاً للمتنجّس أيضاً.(2)
الثاني: ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله(علیه السلام)، قال: سألته عن الجُنُب يحمل الركوة(3) أو التور(4)
فيدخل إصبعه فيها؟ قال: «إن كانت يده قذرة فاهرقه...»، فإنّ إطلاق لفظ «القذرة» يشمل صورة وجود عين النجس وصورة زوالها عن اليد.(5)
الثالث: ما رواه سماعة عن أبي عبد الله(علیه السلام)، قال: «إن أصاب الرجل جنابة
ص: 85
فأدخل يده في الإناء، فلا بأس إذا لم يكن أصاب يده شيء من المني»، فمفهوم الرواية أنّ اليد إذا أصابها شيء من المني وأدخلها في الإناء ففيه بأس، وإطلاق هذا المفهوم يشمل صورة وجود عين المني في اليد وصورة عدم وجوده فيها.(1)
هذا، ولكنّ إطلاق هذه الأخبار يُقيّد بصحيحة أبي بصير التي صرّحت بأنّ انفعال الماء مخصوص بما إذا كان عين البول أو المني في اليد.
وبعبارة أُخرى: إنّ إطلاق لفظ «القذرة» و«البول» في هذه الأخبار الثلاثة يُحمل على الصورة التي تكون عين القذر وعين البول موجودة في اليد، فتكون النتيجة أنّ الماء القليل إنّما ينفعل إذا لاقى عين النجس فقط.(2)
فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الماء القليل لا ينفعل بملاقاة المتنجّس.
ص: 86
إذا كان الماء جارياً من الأعلى إلى الأسفل ولو مع عدم التدافع، كما إذا صبّ ماءً من إبريق على نجس في مكان أسفل، فلا تسري النجاسة منه إلّا إلى موضع الملاقاة فحسب، وأمّا الماء الأعلى وما في الإبريق فيبقى على طهارته، فإنّ العرف يرى بين الماء العالي والماء الأسفل تعدّداً، فلا تسري النجاسة من أحدهما إلى الآخر.
وكذلك إذا كان الماء متدافعاً، فتختصّ النجاسة بموضع الملاقاة ولا تسري إلى غيره، ولا فرق بين أن يكون الماء جارياً من الأسفل إلى الأعلى، أم من الأعلى إلى الأسفل(1)، أو من أحد الجانبين إلى الآخر.
فالنكتة الفنّية فيه أنّ التدافع يجعل الماء متعدّداً بالنظر العرفي، وهما ماءان عند العرف، فلا تسري النجاسة من أحدهما إلى الآخر، كما أنّ عاليه غير سافله، والجانب الأيمن منه غير الجانب الأيسر.
ص: 87
إذا تغيّر طعم الماء أو رائحته أو لونه بملاقاة النجس ينجس.
ولا فرق في هذا الحكم بين الماء الذي له مادّة أو ليست له مادّة، كثيراً كان أم قليلاً، وهذا الحكم محلّ وفاق بين الجميع، وادّعي الإجماع عليه.(1)
ولا يخفى أنّ أهل السنّة أيضاً اتّفقوا على هذا الحكم، وليس بينهم خلاف فيه.(2)
ثمّ إنّ أدلّة هذه المسألة تنقسم إلى قسمين:
دليلنا على انفعال الماء إذا تغيّر طعمه ورائحته هو صحيحة أبي خالد القمّاط، وصحيحة عبد الله بن سنان، ومرسلة حَرِيز:
ص: 88
انفرد الشيخ الطوسي بنقل هذه الصحيحة، وقال: «وبهذا الإسناد عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن العبّاس بن معروف، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي خالد القمّاط، عن أبي عبد الله(علیه السلام)».(1)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: مراد الشيخ من قوله: «بهذا الإسناد» ما ذكره قبل ذلك من طريقه إلى سعد بن عبد الله، وهو: ما أخبره الشيخ المفيد عن ابن الوليد الابن، عن ابن الوليد الأب، عن سعد.(2)
وقد تكلّمنا سابقاً في وجه الاعتماد على رجال هذا الطريق.(3) وأمّا الكلام في بقيّة رجال السند، فوثاقة أحمد بن محمّد بن عيسى واضحة، كما أنّ العباس بن معروف كان ثقة، وحمّاد بن عيسى ثقة في حديثه صدوق، وإبراهيم بن عمر اليماني كان شيخ من أصحابنا ثقة(4)،
كما أنّ أبا خالد القمّاط ثقة، واسمه يزيد كما
ص: 89
صرّح به النجاشي.(1)
والحاصل، أنّ هذه الرواية من الأحاديث الصحيحة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله الأشعري، ولقد أسبغنا الكلام فيه.(2) وقد أخذ سعد بن عبد الله هذه الرواية من كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى، فإنّ النجاشي في رجاله والشيخ الطوسي في فهرسته صرّحا بأنّ سعد بن عبد الله روى كتب أحمد بن محمّد بن عيسى.(3)
وربّما أنّ المصدر الأوّلي للرواية هو كتاب حمّاد بن عيسى، فأحمد بن محمّد بن عيسى لمّا سافر إلى الكوفة سمع من حمّاد بن عيسى كتابه، ونقله إلى قمّ، وأخذ منه هذا الحديث وأدرجه في كتابه النوادر.(4)
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل أربع:
ص: 90
المرحلة الاُولى: المدينة
الظاهر أنّ أبا خالد القمّاط الكوفي سافر من الكوفة إلى المدينة فسمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام)، ثمّ سمع منه إبراهيم بن عمر.
المرحلة الثانية: البصرة
إنّ حمّاد بن عيسى سمع الحديث من إبراهيم بن عمر ونقله إلى البصرة، فأدرجه في كتابه، ومن المحتمل أنّ حمّاد بن عيسى التقى بإبراهيم بن عمر اليماني في أيّام الحجّ؛ لأنّه حجّ خمسين سنة.(1)
المرحلة الثالثه: قمّ
إنّ العبّاس بن معروف سافر إلى العراق، فسمع الحديث من حمّاد بن عيسى ونقله إلى قمّ، وبعد ذلك سمع منه أحمد بن محمّد بن عيسى، ثمّ سمع منه سعد بن عبد الله فأدرجه في كتاب الرحمة، ثمّ نقل ابن الوليد الأب هذا الكتاب من سعد، ثمّ سمع ابن الوليد الابن من أبيه.
المرحلة الرابعة: بغداد
إنّ ابن الوليد الابن الذي كان قمّياً، سافر إلى بغداد ونقل كتاب الرحمة إلى هناك، وسمع منه الشيخ المفيد، وبعد ذلك لمّا هاجر الشيخ الطوسي إلى بغداد وسكن فيها، قام بتحمّل كتاب الرحمة من أُستاذه الشيخ المفيد، ثمّ أخذ منه الحديث وأدرجه في تهذيب الأحكام والاستبصار.
ص: 91
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي: المدينة، الكوفة، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1 _ أبو خالد القمّاط: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2 _ حمّاد بن عيسى: نقل الحديث من الكوفة إلى البصرة.
3 _ العبّاس بن معروف: نقل الحديث من البصرة إلى قمّ.
4 _ ابن الوليد الابن: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث بسنده الأوّل مدني صدوراً وكوفي نقلاً وبصري تصنيفاً وقمّي تدويناً وبغدادي تأليفاً.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
سمع أبو خالد القمّاط أبا عبد الله(علیه السلام) يقول في الماء يمرّ به الرجل وهو نقيع فيه الميتة والجيفة، فقال أبو عبد الله(علیه السلام): «إن كان الماء تغيّر ريحه أو طعمه فلا تشرب ولا تتوضّأ منه، وإن لم يتغيّر ريحه وطعمه فاشرب منه وتوضّأ».(1)
وجه الاستدلال به: أنّ الإمام نهى عن شرب الماء الذي تغيّر ريحه أو طعمه، وعن الوضوء به، ومعنى هذا أنّ الماء إذا تغيّر ريحة وطعمه فهو نجس.
روى الكليني منفرداً عن علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عُبيد، عن يونس بن عبد الرحمٰن، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله(علیه السلام).
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
ص: 92
التحليل الرجالي: علي بن إبراهيم ثقة في الحديث ثبت معتمد، ومحمّد بن عيسى بن عُبيد جليل في أصحابنا ثقة عين، ويونس بن عبد الرحمٰن كان وجهاً في أصحابنا عظيم المنزلة، وعبد الله بن سنان ثقة من أصحابنا جليل لا يُطعن عليه في شيء.(1)
والحاصل، أنَّ هذه الرواية صحيحة سنداً.
التحليل الفهرستي: من المحتمل أنّ المصدر الأوّلي لهذه الرواية هو كتاب عبد الله بن سنان؛ فإنّا نجد النجاشي والشيخ صرّحا بأنّ له كتاباً، كما أنّا نجد أنّ يونس بن عبد الرحمٰن روى في 114 مورداً في الكتب الأربعة عن عبد الله بن سنان.(2)
ثمّ الظاهر أنّ يونس بن عبد الرحمٰن أخذ هذه الرواية من كتاب عبد الله بن سنان وأدرجه في كتابه، فالمصدر الثانوي للرواية هو كتاب يونس بن عبد الرحمٰن.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا ليونس بن عبد الرحمٰن كتباً كثيرة، وقد رواها النجاشي بالإسناد عن محمّد بن عيسى بن عُبيد، عن يونس بن عبد الرحمٰن. كما أنّ الشيخ رواها بعدّة طرق، منها: ما رواه بالإسناد عن إسماعيل بن مرار وصالح بن السندي عن يونس بن عبد الرحمٰن. ومنها: ما رواه بالإسناد عن محمّد بن عيسى بن عُبيد، عن يونس بن
ص: 93
عبد الرحمٰن.
نعم، إنّ ابن الوليد لا يعتمد على ما ينفرد به محمّد بن عيسى بن عُبيد عن كتب يونس بن عبد الرحمٰن، فقال: «كتب يونس بن عبد الرحمٰن _ التي بالروايات _ كلّها صحيحة يعتمد عليها، إلّا ما ينفرد به محمّد بن عيسى بن عُبيد عن يونس بن عبد الرحمٰن، ولم يروه غيره، فإنّه لا يعتمد عليه ولا يفتی به».(1)
هذا، ولكن كلام ابن الوليد لم يُقبل بين أصحابنا القدماء، فإنّهم اعتمدوا على روايات محمّد بن عيسى بن عُبيد، فإليك كلام النجاشي، حيث قال: «ورأيت أصحابنا ينكرون هذا القول ويقولون : مَن مثل أبي جعفر محمّد بن عيسى ؟».(2)
وكيف كان، فإنّ أصحابنا _ مثل الكليني والنجاشي _ لم يروا في الرواية إشكالاً، واعتمدوا عليها.
فالكليني روى في 462 مورداً بهذا السند (علي بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى بن عُبيد، عن يونس بن عبد الرحمٰن)، ففي الواقع هذا السند طريق الكليني إلى كتب يونس بن عبد الرحمٰن.
ثمّ إنّ الشيخ الطوسي في فهرسته ضعّف محمّد بن عيسى بن عُبيد، فقال: «ضعيفٌ، استثناه أبو جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه ]الشيخ الصدوق[ عن رجال نوادر الحكمة» .(3)
والإنصاف أنّ استثناء الشيخ الصدوق روايات محمّد بن عيسى بن عُبيد لا يلازم القول بضعف محمّد بن عيسى بن عُبيد ؛ بل إنّ هذا استثناء فهرستيّ، والمراد منه أنّ كلّ رواية رواها محمّد بن عيسى بن عُبيد في كتاب نوادر الحكمة خاصّة فهي ضعيفة، فإنّ محمّد بن عيسى بن عُبيد روى تراثاً ضخماً من روايات
ص: 94
يونس بن عُبد الرحمٰن. وقد روى الكليني بالإسناد عن محمّد بن عيسى بن عُبيد، عن يونس بن عبد الرحمٰن في الكافي الشريف 480 مورداً، وفي تهذيب الأحكام والاستبصار 244.(1)
نعم، إنّ الشيخ الصدوق لم يروِ ولا رواية واحدة عن محمّد بن عيسى بن عُبيد عن يونس بن عبد الرحمٰن في كتاب من لا يحضره الفقيه، ولكنّه روى فيه 30 رواية عن يونس عن غير طريق محمّد بن عيسى بن عُبيد، (وهو طريق صالح بن سعيد الراشدي ومحمّد بن أسلم الطبري ويحيى بن أبي عمران وصفوان بن يحيى)، ولكن لم يروِ عن طريق محمّد بن عيسى بن عُبيد. كما أنّه روى في غير كتاب من لا يحضره الفقيه 47 مورداً عن طريق محمّد بن عيسى بن عُبيد عن يونس بن عبد الرحمٰن.(2)
وهناك سؤال: كيف وقع هذا الخلاف؟ فالكليني والطوسي اعتمدا على روايات محمّد بن عيسى بن عُبيد عن يونس بن عبد الرحمٰن، بينما تردّد الشيخ الصدوق (وفاقاً لابن الوليد) في هذا التراث؟
ويخطر بالبال في الجواب أنّ روايات محمّد بن عيسى بن عُبيد عن يونس بن عبد الرحمٰن، من الأُمور الأساسية التي تبيّن لنا ميزة المدرسة البغدادية والمدرسة
ص: 95
القمّية، فالمدرسة البغدادية التي بدأت من زمن يونس بن عبد الرحمٰن، كان لها مميّزات خاصّة، منها أنّهم لم يؤمنوا بحجّية خبر الواحد، وأدخلوا في فهم الأحاديث المباحث العقلانية، وكان لهم واجهة أُصولية. أمّا المدرسة القمّية التي بدأت من زمن محمّد بن عيسى الأشعري، فالغالب فيها واجهة أخبارية، وكانت هناك اختلافات عميقة بين المدرستين.
ومن الأركان الأساسية في مدرسة بغداد هو يونس بن عبد الرحمٰن، ولقد قام محمّد بن عيسى بن عُبيد بنقل كتب يونس بن عبد الرحمٰن، فالبغداديون كانوا يعتمدون على تراث يونس بن عبد الرحمٰن الذي وصل إليهم من طريق محمّد بن عيسى بن عُبيد. ولكنّ القميّين لا يعتمدون على هذا التراث.
والوجه في ذلك واضح؛ لأنّ كتاب من لا يحضره الفقيه كان جميع ما فيه حجّة بين الشيخ الصدوق وبين الله، بخلاف الخصال والأمالي وعلل الشرائع وغيرها، فإنّ تلك الكتب من قبيل المصنّفات فيها المقبول وغيره.
والحاصل أنّ استثناء الشيخ الصدوق الروايات التي رواها محمّد بن عيسى بن عُبيد عن يونس بن عبد الرحمٰن، يرجع إلى جهة فهرستية لا جهة رجالية، ومعنى ذلك عدم ضعف محمّد بن عيسى بن عُبيد رجاليّاً. لذلك نجد أنّ الشيخ الصدوق روى عن محمّد بن عيسى بن عُبيد في كتاب من لا يحضره الفقيه موارد متعدّدة، ولكن كلّ هذه الروايات كانت عن غير يونس بن عبد الرحمٰن.(1)
فتحصّل أنّ هذه الرواية معتبرة من الجهة الفهرستية أيضاً.
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل خمس:
المرحلة الاُولى: المدينة
الظاهر أنّ عبد الله بن سنان الكوفي سافر من الكوفة إلى المدينة فسمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام).
ص: 96
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة وألّف كتابه، أدرج هذا الحديث فيه.
المرحلة الثالثة: بغداد
إنّ يونس بن عبد الرحمٰن البغدادي سمع الحديث من عبد الله بن سنان، ولمّا رجع إلى بغداد وألّف كتابه أدرج الحديث فيه، كما أنّ محمّد بن عيسى بن عُبيد روى كتب يونس بن عبد الرحمٰن.
المرحلة الرابعة: قمّ
إنّ علي بن إبراهيم سافر إلى بغداد وسمع من محمّد بن عيسى بن عُبيد كتب يونس بن عبد الرحمٰن، ونقلها إلى قمّ.
المرحلة الخامسة: الري
إنّ الكليني الذي كان يسكن الري سافر إلى قمّ، وسمع كتب يونس بن عبد الرحمٰن من طريق علي بن إبراهيم، وأخذ من بعض كتبه هذا الحديث وأدرجه في كتابه الكافي.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي: المدينة، الكوفة، بغداد، قمّ، الري.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ عبد الله بن سنان: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2_ يونس بن عبد الرحمٰن: نقل الحديث من الكوفة إلى بغداد.
3_ علي بن إبراهيم: نقل الحديث من بغداد إلى قمّ.
4_ الكليني: نقل الحديث من قمّ إلى الري.
الجدير بالذكر أنّ الحديث مدني صدوراً وكوفي وبغدادي تدويناً وقمّي نشراً ورازي تأليفاً.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
ص: 97
قال عبد الله بن سنان: سأل رجلٌ أبا عبد الله(علیه السلام) وأنا جالس عن غدير أتوه وفيه جيفة؟ فقال(علیه السلام): «إذا كان الماء قاهراً ولا يوجد فيه الريح فتوضّأ».(1)
وجه الاستدلال به: أنّ الحديث يدلّ على أنّه إذا تغيّرت رائحة الماء فلا تتوضّأ منه، وهذا ظاهر في نجاسة الماء إذا تغيّر ريحه.
اتّفق الكليني والشيخ الطوسي على نقل هذه الصحيحة، ولها أسانيد ثلاثة:
السند الأوّل
روى الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حَرِيز، عمّن أخبره، عن أبي عبد الله(علیه السلام).(2)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: تقدّم وثاقة رجال السند، وأمّا حَرِيز بن عبد الله فقد وثّقه الشيخ في فهرسته، نعم قال النجاشي: «كان ممّن شهر السيف في قتال الخوارج بسجستان في حياة أبي عبد الله(علیه السلام)، وروي أنّه جفاه وحجبه عنه».(3)
ص: 98
وأنت خبير بأنّ إنكار الإمام(علیه السلام) شهر السيف لقتال الخوارج إنّما كان لحفظهم وحفظ شيعتهم، فهو لا يدلّ على قدح في وثاقته وجلالته ومنزلته عند الفقهاء وأصحاب الحديث.(1)
وكيف كان، فرجال السند من الثقات، إلّا أنّ حَرِيزاً أرسل في سند الرواية، وعليه فالرواية مرسلة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب حمّاد بن عيسى.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا لحمّاد بن عيسى كتب عديدة، منها كتاب النوادر. وقد صرّح الشيخ بأنّ كلّ كتبه تُعدّ في الأُصول.(2)
ونحن نعتقد أنّ إبراهيم بن هاشم روى نسخة من كتب حمّاد بن عيسى، ولقد وصلت هذه النسخة إلى الكليني، فإنّا نجد أنّ الكليني روى عن علي بن إبراهيم،
ص: 99
عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن حمّاد بن عيسى في 571 مورداً.(1)
السند الثاني
روى الكليني عن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد، عن حَرِيز، عمّن أخبره، عن أبي عبد الله(علیه السلام).(2)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: شرحنا سابقاً أنّ المراد من «محمّد بن إسماعيل» هو البندقي النيسابوري، وليس له توثيق صريح، ولكنّ الشواهد تدلّ على قبول رواياته، حيث نرى أنّ الكليني قد اعتمد عليه اعتماداً كبيراً، لذا نرى أنّ عدد روايات محمّد بن إسماعيل في الكافي هي 575 رواية، وفي جميع هذه الموارد روى محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان. فمحمّد بن إسماعيل الذي كان من مشايخ الكليني هو النيسابوري، ولم يروِ إلّا عن الفضل بن شاذان.(3)
وأمّا الفضل بن شاذان النيسابوري، فهو في قدره أشهر من أن نصفه، وأسبغنا
ص: 100
الكلام في وثاقة حمّاد بن عيسى وحَرِيز بن عبد الله.(1)
وكيف كان، يمكن لنا الوثوق برجال السند، إلّا أنّ الرواية مرسلة أرسلها حَرِيز.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذا السند في الواقع طريق آخر للكليني إلى كتاب حمّاد بن عيسى، فإنّ الكليني ذكر أكثر من 90 مورداً روي عن هذا الطريق عن حمّاد.(2)
وبعبارة أُخرى أنّ هذا السند هو طريق الكليني إلى النسخة النيسابورية من كتاب حمّاد، فإنّ الفضل بن شاذان نيسابوري، وقد سمع من حمّاد بن عيسى كتابه.
السند الثالث
ذكر الشيخ الطوسي في أوّل هذا السند طريقه إلى سعد بن عبد الله وقال: «عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد ]بن عيسى الأشعري[، عن الحسين بن سعيد وعبد الرحمٰن بن أبي نجران، عن حمّاد بن عيسى، عن حَرِيز بن عبد الله، عن أبي عبد الله(علیه السلام)».(3)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: إنّ للشيخ الطوسي إلى سعد بن عبد الله طريقين في مشيخة
ص: 101
تهذيب الأحكام، والمذكور هنا هو ما رواه عن الشيخ المفيد، عن ابن الوليد الابن، عن ابن الوليد الأب، عن سعد بن عبد الله.(1)
وكيف كان، يمكن الاعتماد على هذا الطريق، ووثاقة بقيّة رجال السند واضحة، كما أنّ عبد الرحمٰن بن أبي نجران كان ثقةً ثقة، معتمداً.(2)
والحاصل، إنّ رجال هذا السند كلّهم من الثقات، والرواية غير مرسلة بهذا السند، فإنّ حَرِيزاً روى عن الإمام الصادق(علیه السلام) بلا واسطة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله الأشعري، ولقد أخذ الشيخ الطوسي هذه الرواية من هذا الكتاب، وأسبغنا الكلام في ذلك.(3)
نعم، إنّ سعد بن عبد الله أخذ هذه الرواية من حمّاد بن عيسى، فإنّه وصلت إليه نسختان من كتاب حمّاد، وهما: نسخة الحسين بن سعيد، ونسخة عبد الرحمٰن بن أبي نجران، بقرينة ما ذكره الشيخ في سند الرواية: «عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد وعبد الرحمٰن بن أبي نجران، عن حمّاد بن عيسى...».
بيان ذلك: إنّ الحسين بن سعيد روى عن حمّاد بن عيسى في 649 مورداً (في الكافي وتهذيب الأحكام والاستبصار)، ومعنى ذلك أنّ الحسين بن سعيد الأهوازي روى نسخة من كتب حمّاد بن عيسى، ونحن نعبّر عنها بالنسخة الأهوازية
ص: 102
لكتاب حمّاد بن عيسى.(1)
كما أنّ عبد الرحمٰن بن أبي نجران روى في الكتب الأربعة عن حمّاد بن عيسى في 119مورداً، وهذا يدلّ على أنّ لعبد الرحمٰن بن أبي نجران الكوفي نسخة من كتب حمّاد بن عيسى، ونحن نعبّر عنها بالنسخة الكوفيه لكتاب حمّاد بن عيسى.(2)
فتحصّل من الأسانيد الثلاثة أنّ هذه الرواية كانت مذكورة في كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله، وأربع نسخ من كتاب حمّاد بن عيسى؛ النسخة القمّية (نسخة إبراهيم بن هاشم)، والنسخة النيسابورية (نسخة الفضل بن شاذان)، والنسخة الأهوازية (نسخة الحسين بن سعيد)، والنسخة الكوفية (نسخة عبد الرحمٰن بن أبي نجران).
ثمّ إنّه بناءً على ما رواه الكليني تكون الرواية مرسلة، فإنّ الكليني روى في السند الأوّل والثاني عن حَرِيز، عمّن أخبره، عن أبي عبد الله(علیه السلام).
ولكن بناءً على ما رواه الشيخ الطوسي تكون الرواية مسندة، فإنّ الشيخ الطوسي روى في السند الثالث عن حَرِيز مباشرةً، عن أبي عبد الله(علیه السلام).
و نحن نعتقد أنّ سرّ اختلاف الشيخ الطوسي والكليني يرجع إلى اختلاف المصادر.
ص: 103
بيان ذلك: إنّ الكليني أخذ الرواية من كتاب حمّاد (وهو المصدر الأوّلي للرواية)، بينما أخذ الشيخ الطوسي الرواية من كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله (وهو مصدر ثانوي)، ولم يصل إليه كتاب حمّاد بن عيسى، فالرواية في كتاب حمّاد مذكورة هكذا: «عن حَرِيز، عمّن أخبره، عن أبي عبد الله(علیه السلام)»، بينما ذُكرت في كتاب الرحمة هكذا: «عن حَرِيز، عن أبي عبد الله(علیه السلام)».
ثمّ إنّ النجاشي صرّح في رجاله أنّ حَرِيزاً لم يروِ عن أبي عبد الله(علیه السلام) إلا حديثين، وعليه فما نقله الكليني هو الأرجح؛ لأنّه مأخوذ من مصدر أوّلي لا مصدر ثانوي. وكيف كان؛ فإنّا نرى الرواية مرسلة، خلافاً لما ذكره بعض الأعلام حيث صرّحوا أنّها صحيحة.(1)
هذا، ولكنّ الإرسال هنا لا يضرّ؛ لأنّ الرواية كانت مذكورة في أربع نسخ من مصدر معتبر، وقد أجمع قدماء أصحابنا على العمل بمضمونها.
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل ستّ(2):
المرحلة الاُولى: المدينة
بناءً على السند الثالث أنّ حَرِيزاً سمع الحديث في المدينة من الإمام
ص: 104
الصادق(علیه السلام)، وأمّا على السند الأوّل والثاني فالراوي الذي سمع الحديث من الإمام غير مذكور.
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع حَرِيز بن عبد الله الكوفي إلى الكوفة نقل الحديث هناك.
المرحلة الثالثة: البصرة
إنّ حمّاد بن عيسى الذي كان يسكن البصرة سمع الحديث من حَرِيز وأدرجه في كتابه.
المرحلة الرابعة: قمّ، نيسابور، الكوفة، الأهواز
في هذه المرحلة تمّ نقل الحديث إلى أربعة بلدان:
1_ قمّ: إنّ إبراهيم بن هاشم الذي كان أصله من الكوفة سمع الحديث من حمّاد بن عيسى، وتحمّل كتاب حمّاد بن عيسى، ثمّ نقل الكتاب إلى قمّ (راجع السند الأوّل).
2_ نيسابور: إنّ الفضل بن شاذان النيسابوري سافر إلى الكوفة، فسمع الحديث من حمّاد بن عيسى، وتحمّل كتابه ثمّ رجع إلى نيسابور (راجع السند الثاني).
3_ الكوفة: إنّ عبد الرحمٰن بن أبي نجران الكوفي سمع الحديث من حمّاد بن عيسى، وتحمّل كتاب حمّاد.
4_ الأهواز: إنّ الحسين بن سعيد الذي كان أصله كوفياً سمع الحديث من حمّاد بن عيسى، وتحمّل كتاب حمّاد بن عيسى ثمّ سافر إلى الأهواز وسكن فيها (راجع السند الثالث).
المرحلة الخامسة: الري، قمّ
في هذه المرحلة تمّ نقل الحديث إلى ثلاثة بلدان:
1_ الري
إنّ الكليني الذي كان يسكن الري سافر إلى قمّ وسمع كتاب حمّاد بن عيسى
ص: 105
من طريق علي بن إبراهيم، وأخذ من ذلك الكتاب هذا الحديث وأدرجه في كتابه الكافي (راجع السند الأوّل).
ومن المحتمل أنّ الكليني سافر إلى نيسابور وسمع كتاب حمّاد بن عيسى من طريق محمّد بن إسماعيل النيسابوري عن الفضل بن شاذان، وأخذ من ذلك الكتاب هذا الحديث أيضاً وأدرجه في كتابه الكافي (راجع السند الثاني).
2_ قمّ
إنّ الحسين بن سعيد سافر إلى قمّ، وتحمّل منه أحمد بن محمّد بن عيسى كتاب حمّاد، كما أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى سافر إلى الكوفة فسمع كتاب حمّاد من عبد الرحمٰن بن أبي نجران، فكان عند أحمد بن محمّد بن عيسى نسختان من كتاب حمّاد (نسخة الحسين بن سعيد وهي نسخة أهوازية، ونسخة عبد الرحمٰن بن أبي نجران، وهي نسخة كوفية) (راجع السند الثالث).
ولمّا وصل الأمر إلى سعد بن عبد الله سمع من أحمد بن محمّد بن عيسى كتاب حمّاد بنسختيه، ثمّ أدرج هذا الحديث من ذلك الكتاب في كتاب الرحمة، ثمّ إنّ ابن الوليد الأب سمع كتاب الرحمة من سعد بن عبد الله، وبعد ذلك سمع ابن الوليد الابن هذا الكتاب من أبيه (راجع السند الثالث).
المرحلة السادسة: بغداد
إنّ ابن الوليد الابن الذي كان قمّياً، سافر إلى بغداد ونقل كتاب الرحمة إلى هناك، وسمع منه الشيخ المفيد، وبعد ذلك لمّا هاجر الشيخ الطوسي إلى بغداد وسكن فيها، قام بتحمّل كتب الحسين بن سعيد من أُستاذه الشيخ المفيد، ولمّا قام الشيخ بتأليف تهذيب الأحكام والاستبصار أخذ هذا الحديث من كتاب الحسين بن سعيد وأدرجه فيهما (راجع السند الثالث).
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان كما يلي:
السند الأوّل: المدينة، الكوفة، البصرة، قمّ، الري.
ص: 106
السند الثاني: المدينة، الكوفة، نيسابور، الري.
السند الثالث: المدينة، الكوفة، البصرة، الأهواز، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1 _ حمّاد بن عيسى: نقل الحديث من الكوفة إلى البصرة.
2 _ إبراهيم بن هاشم: نقل الحديث من البصرة إلى قمّ.
3 _ الفضل بن شاذان: نقل الحديث من الكوفة إلى نيسابور.
4 _ عبد الرحمٰن بن أبي نجران: نقل الحديث من البصرة إلى الكوفة.
5 _ الحسين بن سعيد: نقل الحديث من البصرة إلى الأهواز وقمّ.
6 _ أحمد بن محمّد بن عيسى: نقل الحديث من الكوفة إلى قمّ.
7 _ ابن الوليد الابن: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث بسنده الأوّل مدني صدوراً وكوفي نقلاً وبصري تصنيفاً وقمّي نشراً ورازي تدويناً، وبسنده الثاني مدني صدوراً وكوفي نقلاً وبصري تصنيفاً ونيسابوري نشراً ورازي تدويناً. وبسنده الثالث مدني صدوراً وكوفي نقلاً وبصري تصنيفاً وكوفي وأهوازي نشراً وقمّي تدويناً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جلّ طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال، إلّا أنّ حَرِيزاً أرسلها.
هذا تمام الكلام في أسانيد الحديث، وإليك متنه:
قال أبو عبد الله: «كلّما غلب الماء ريح الجيفة فتوضّأ من الماء واشرب، وإذا تغيّر الماء وتغيّر الطعم فلا تتوضّأ ولا تشرب».(1)
ص: 107
فالرواية صريحة في أنّه إذا تغيّر ريح الماء وطعمه فلا يجوز شربه والتوضّؤ منه، والذي يظهر منه أنّ الماء يتنجّس إذا تغيّر طعمه وريحه بالجيفة.
هذا تمام الكلام فيما دلّ على أنّ الماء إذا تغيّر طعمه أو ريحه بملاقاة النجاسة يتنجّس.
ذكرنا أنّ الفقهاء اتّفقوا على انفعال الماء بتغيّره بلون النجس، ولكن استشكل صاحب مدارك الأحكام في هذا الحكم، وادّعى أنّه لم يُذكر هذا النوع من التغيير في الأخبار الواردة في المقام وقال: «بإنّا لم نقف في روايات الأصحاب على ما يدلّ على نجاسة الماء بتغيّر لونه».(1)
نذكر روايتين تدلّان على هذا الحكم، وهما صحيحة شهاب بن عبد ربّه، ورواية أبي بصير:
انفرد محمّد بن الصفّار في كتابه بصائر الدرجات بنقل هذا الخبر، حيث قال: «حدّثنا محمّد بن إسماعيل عن علي بن الحكم، عن شهاب بن عبد ربّه، قال: أتيتُ أبا عبد الله(علیه السلام)...».(2)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: إنّ المراد من «محمّد بن إسماعيل» هو البرمكي، ولقد وثّقه
ص: 108
النجاشي بقوله: «كان ثقةً مستقيماً».(1)
وعلي بن الحكم الأنباري كان ثقةً جليل القدر، وشهاب بن عبد ربّه قد وثّقه النجاشي.(2)
والحاصل، إنّ هذه الرواية صحيحة سنداً.
التحليل الفهرستي: من المحتمل أنّ المصدر الأوّلي للرواية هو كتاب علي بن الحكم، فإنّ النجاشي والشيخ صرّحا بأنّ له كتاباً.
وذكرنا أنّ الرواية ذُكرت في بصائر الدرجات، ووقع كلام في هذا الكتاب؛ لأنّ النجاشي بعد ذكر كتب الصفّار قال: «أخبرنا بكتبه كلّها ما خلا بصائر الدرجات أبو الحسين علي بن أحمد بن محمّد بن طاهر الأشعري ]ابن جيد القمّي[، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن الصفّار».(3)
وابن الوليد الأب الذي كان شيخ القمّيين وفقيههم ومتقدّمهم ووجههم، لم يروِ كتاب بصائر الدرجات.
هذا، ولكن للنجاشي طريق آخر لكتب الصفّار، حيث يقول: «وأخبرنا أبو عبد الله بن شاذان ]القزويني[، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى ]العطّار[، عن
ص: 109
أبيه ]محمّد بن يحيى العطّار[، عنه ]الصفّار[ بجميع كتبه وبصائر الدرجات».(1)
والظاهر أنّ لابن الوليد إشكالاً على كتاب بصائر الدرجات خاصّة، ونحتمل قويّاً أنّ ابن الوليد تصوّر أنّ في روايات هذا الكتاب شيئاً كثيراً من الغلوّ.
هذا، ولكنّ الإنصاف أنّ هذا لا يوجب قدحاً في الكتاب؛ لأنّ النجاشي والشيخ رويا هذا الكتاب من طريقين آخرين و هما طريقان معتبران عند قدماء أصحابنا.
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل ثلاثة:
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ شهاب بن عبد ربّه الكوفي سمع الحديث في المدينة من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة سمع منه علي بن الحكم الأنباري (الذي كان يسكن الكوفة)، فأدرج الحديث في كتابه.
المرحلة الثالثة: قمّ
إنّ محمّد بن الحسن الصفّار سافر إلى الكوفة فسمع من علي بن الحكم الأنباري كتابه، ولمّا رجع إلى قمّ وألّف كتابه بصائر الدرجات أدرج الحديث فيه.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي: المدينة، الكوفة، قمّ.
وإليك الراويين اللذين قاما بنقل الحديث من بلد إلى بلد:
1 _ شهاب بن عبد ربّه: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2 _ محمّد بن الحسن الصفّار: نقل الحديث من الكوفة إلى قمّ.
فالحديث بسنده الأوّل مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي تدويناً.
ص: 110
ثمّ إنّ هذه الرواية في جميع طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال.
هذا تمام الكلام في سند الحديث ومصدره، وإليك متنه:
قال شهاب بن عبد ربّه: أتيتُ أبا عبد الله(علیه السلام) أسأله، فابتدأني فقال(علیه السلام): «إن شئتَ فسل يا شهاب، وإن شئت أخبرناك بما جئتَ له»، قلتُ: أخبرني، قال(علیه السلام): «جئتَ تسألني عن الغدير يكون في جانبه الجيفة، أتوضّأ منه أو لا؟». قال: نعم، قال(علیه السلام): «توضّأ من الجانب الآخر، إلّا أن يغلب الماء الريح فينتن، وجئت تسأل عن الماء الراكد من الكرّ(1) ممّا لم يكن فيه تغيّر أو ريح غالبة»، قلتُ: فما التغيّر؟ قال(علیه السلام): «الصفرة، فتوضّأ منه، وكلّ ما غلب عليه كثرة الماء فهو طاهر».(2)
وجه الاستدلال به: أنّ الإمام أمر بالوضوء من ماء لم يتغيّر لونه إلى الصفرة، وعليه فالماء إذا تغيّر باللون لا يجوز الوضوء منه، وهو ظاهر في أنّ الماء حينئذٍ قد تنجّس.
انفرد الشيخ الطوسي بنقل هذه الرواية، وذكر طريقه إلى سعد بن عبد الله، قال: «عن سعد بن عبد الله، عن محمّد بن عيسى ]بن عُبيد[، عن ياسين البصري، عن حَرِيز بن عبد الله، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(علیه السلام)».
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: ذكرنا أنّ للشيخ الطوسي في مشيخة تهذيب الأحكام طريقين إلى سعد بن عبد الله، ولكن نذكر هنا أحد الطريقين، وهو: ما رواه عن الشيخ المفيد، عن ابن الوليد الابن، عن ابن الوليد الأب، عن سعد بن عبد الله.(3)
ص: 111
وأسبغنا الكلام في وثاقة معظم رجال السند، وأمّا ياسين الضرير فلم يُذكر له توثيق صريح، وأمّا أبو بصير فالمراد منه هنا يحيى بن القاسم الأسدي، وكان ثقةً وجيهاً.(1)
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله الأشعري، ولقد أخذها الشيخ الطوسي من هذا الكتاب، وأسبغنا الكلام في ذلك.(2)
نعم، إنّ سعد بن عبد الله أخذ هذه الرواية من كتاب ياسين الضرير؛ فإنّا إذا رجعنا إلى رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا لياسين الضرير كتاباً، وذكرا أنّه روى سعد بن عبد الله عن محمّد بن عيسى بن عُبيد عن ياسين هذا الكتاب، وهو يتّحد مع سند هذه الرواية(3)، وربّما أنّ ياسين الضرير أخذ هذه الرواية من كتاب حَرِيز بن عبد الله.
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل ستّ:
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ أبا بصير الأسدي سافر من الكوفة إلى المدينة، وسمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة قام بنقل هذا الحديث هناك، فسمع منه حَرِيز بن عبد الله (الذي كان يسكن الكوفة).
ص: 112
المرحلة الثالثة: البصرة
إنّ ياسين الضرير البصري سمع الحديث من حَرِيز بن عبد الله فأدرجه في كتابه.
المرحلة الرابعة: بغداد
إنّ محمّد بن عيسى بن عُبيد البغدادي سمع الحديث من ياسين الضرير.
المرحلة الخامسة: قمّ
إنّ سعد بن عبد الله سافر إلى بغداد، فسمع كتاب الضرير من محمّد بن عيسى بن عُبيد، وأخذ منه هذا الحديث فأدرجه في كتاب الرحمة.
ثمّ إنّ ابن الوليد الأب سمع من سعد بن عبد الله كتاب الرحمة، وسمع ابن الوليد الابن عنه.
المرحلة السادسة: بغداد
إنّ ابن الوليد الابن الذي كان قمّياً، سافر إلى بغداد ونقل كتاب الرحمة هناك، وسمع منه الشيخ المفيد، وبعد ذلك لمّا هاجر الشيخ الطوسي إلى بغداد وسكن فيها، قام بتحمّل كتاب الرحمة من أُستاذه الشيخ المفيد، ثمّ أخذ منه الحديث وأدرجه في تهذيب الأحكام والاستبصار.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي: المدينة، الكوفة، البصرة، بغداد، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1 _ أبو بصير الأسدي: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2 _ ياسين الضرير: نقل الحديث من الكوفة إلى البصرة.
3 _ محمّد بن عيسى بن عُبيد: نقل الحديث من البصرة إلى بغداد.
4 _ سعد بن عبد الله: نقل الحديث من بغداد إلى قمّ.
5 _ ابن الوليد الابن: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
ص: 113
فالحديث مدني صدوراً وكوفي نقلاً وبصري تصنيفاً وقمّي تدويناً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جلّ طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال، إلّا أنّ ياسين الضرير ليس له توثيق صريح.
هذا تمام الكلام في أسانيد الحديث، وإليك متنه:
عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(علیه السلام)، أنّه سُئل عن الماء النقيع تبول فيه الدوابّ، فقال(علیه السلام): «إن تغيّر الماء فلا تتوضّأ منه، وإن لم تغيّره أبوالها فتوضّأ منه، وكذلك الدم إذا سال في الماء، وأشباهه».(1)
ومورد الاستدلال به قوله(علیه السلام): «كذلك الدم إذا سال في الماء، وأشباهه»، فإنّ المنصرف إلى الذهن من تغيّر الماء بالدم إنّما هو تغيّر لونه.
ثمّ إنّ صدر الحديث محمول على التقيّة؛ لقول أهل السنّة بنجاسة أبوال الدوابّ.
وذكرنا أنّ الشيخ الطوسي انفرد بنقل هذه الرواية، ولقد أعرض الكليني والشيخ الصدوق عن ذكرها، ونحن نعتقد أنّ هذا الإعراض راجع إلى صدر الرواية.
بيان ذلك: إنّ صدر الرواية موافق لرأي أهل السنّة، وأنت خبير بأنّ مصدر الرواية هو كتاب الرحمة، ويُستظهر من كلام النجاشي في ترجمة سعد بن عبد الله أنّ كتاب الرحمة يشتمل على أحاديث موافقة للشيعة، وأُخرى غير موافقة.(2)
ص: 114
ولعلّ هذا هو سرّ إعراض الكليني عن ذكر هذه الرواية، كما أنّه أعرض عن كتاب الرحمة بالمرّة، فلم ينقل منها أساساً.(1)
فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الماء إذا تغيّر طعمه أو ريحه أو لونه بملاقاة النجس ينجس.
إذا كانت النجاسة لا وصف لها، أو كان وصفها يوافق الوصف الذي يعد طبيعياً للماء، ينجس الماء بوقوعها فيه إذا كان بمقدار لو كان على خلاف وصف الماء لغيّره.
وكذا الحال فيما إذا كان منشأ عدم فعلية التغيّر عروض وصف غير طبيعي للماء يوافق وصف النجاسة، كما لو مزج بالصبغ الأحمر مثلاً قبل وقوع الدم فيه، فحينئذٍ ينجس الماء؛ لأن الملاك في عدم تغيّر الماء هو غلبة الماء لا أمر آخر، ففي هذه الصورة ليس للماء غلبة، بل في الواقع تغيير للماء، ولكنّه مستور عن الحسّ، فاللون الأحمر للماء يمنع عن ظهور أوصاف النجس.
إذا تغيّر الماء بغير اللون والطعم والريح، بل بالثقل أو الثخانة، أو نحوهما لم ينجس.
ووجه ذلك أنّ التغيّر الموجب لانفعال الماء منحصر في الأوصاف الثلاثة:
ص: 115
الرائحة والطعم واللون، وذلك بدليل ما ذكرنا من الأخبار المعتبرة في المقام، وهي صحاح عبد الله بن سنان وأبي خالد القمّاط وشهاب بن عبد ربّه، وسبق الكلام فيها.(1)
إذا تغيّر لون الماء أو طعمه أو ريحه بالمجاورة للنجاسة، لم ينجس أيضاً؛ لأنّ أخبار المقام واردة فيما إذا كان تغيير الماء بالملاقاة، فإنّه ذكر في صحيحة أبي خالد القمّاط «وقوع الميتة في الماء يمرّ به الرجل وهو نقيع فيه الميتة والجيفة»، كما أنّه سأل في صحيحة عبد الله بن سنان عن: «غدير أتوه وفيه جيفة»، وهما صريحان في التغيير بالملاقاة، وقد تعرّضنا لشرحهما سابقاً.
نعم، إنّ في صحيحة ابن بزيع إطلاق يشمل التغيير بالملاقاة والمجاورة، حيث قال(علیه السلام): «ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلّا أن يتغيّر»، ولكنّ هذا الإطلاق يُقيّد بصحيحة أبي خالد القمّاط وصحيحة عبد الله بن سنان، فإنّهما كما ذكرنا صريحان في التغيير بالملاقاة خاصّة.
إذا تغيّر الماء بوقوع المتنجّس فيه لم ينجس، كالعطر إذا لاقته يد كافر ثمّ أُلقي في حوض من الماء فتغيّر الماء بريح العطر.
ووجه ذلك أنّ أخبار المقام واردة في التغيير بالنجس دون المتنجّس، فإنّه قد ذكر في صحيحة أبي خالد القمّاط عن «وقوع الميتة في الماء...»، وسأل في صحيحة عبد الله بن سنان عن «غدير أتوه وفيه جيفة»، وهما صريحان في التغيير بعين النجس.
نعم، إذا تغيّر الماء بوصف النجاسة التي هي موجودة في المتنجّس، ينجس الماء، ومثال ذلك إذا أُلقي الماء المتغيّر بالدم في الكرّ فيتغيّر لونه ويصير أصفر،
ص: 116
فإنّ التغيير في هذه الصورة عند العرف مستند إلى أوصاف النجس دون المتنجّس.
يكفي في حصول النجاسة التغيّر بوصف النجس في الجملة ولو لم يطابق شكل النجس، فإذا أُلقي الدم في ماء كرّ فاصفرّ الماء تنجّس وإن لم يحمرّ. ووجه ذلك: هو إطلاق ما قدمناه من الأخبار المعتبرة، فإنّها تشمل هذه الصورة أيضاً.
وبعبارة أُخرى، إنّ قوله(علیه السلام) في صحيحة أبي خالد: «إن كان الماء تغيّر ريحه أو طعمه...» يشمل صورتين: الصورة التي كان التغيير مطابقاً مع النجس، والصورة التي لم يكن التغيير مطابقاً مع النجس.
فإذا ثبت أنّ للدليل إطلاق فنحكم بنجاسة الماء الذي تغيّر بوصف النجس في الجملة.
ص: 117
إنّ الماء الكثير لا ينجس بمجرّد ملاقاة النجاسة، و ليس فيه خلاف.
نعم، وقع الكلام في تحديد الماء الكثير، بمعنى أنّه إلى كم ينبغي أن يكون مقداره حتّى يصدق عليه أنّه كثير؟ وقد ذُكر عنوان الكرّ وعنوان القُلّتين وغيرهما لبيان مقدار الماء الكثير، ونحن سوف نتكلّم عن كلّ عنوان مستقلّاً، ونبسط الكلام فيه.
والمشهور بين أصحابنا شهرة عظيمة أنّ الماء إذا بلغ قدر كُرّ لا ينجسه شيء، ولكن ذكر في بعض الأخبار ما يدلّ على أنّ الماء إذا كان على قدر قُلّتين لم ينجسه شيء.
ففي هذه المسألة نبيّن أنّ الحقّ في تحديد الماء الكثير هو عنوان الكرّية لا غير، وفي المسألة القادمة سنبحث عن تحديد الكرّ إنّ شاء الله تعالى.
ولا بدّ لنا قبل الورد في البحث من تمهيدين:
نذكر ابتداءً العناوين التي ذُكرت في الأخبار لتحديد الماء الكثير مع شرح مختصر حولها:
ص: 118
الأوّل: عنوان الكرّ
لقد ذُكر هذا العنوان في أخبار عديدة، والظاهر أنّ الكرّ هو مكيال لأهل العراق، ونحن نتعرّض للمسألة الآتية بالتفصيل حول تحديدها. وحاصل الكلام أنّ الكرّ هو بحدود 400 لتر.
الثاني: عنوان القُلّتين
هو تثنية «القلّة»، وذُكر هذا العنوان أيضاً في كتب الأحاديث، وقد فسّروا القُلّة كذلك بأنّها: حبّ عظيم، وهي معروفة بالحجاز والشام.(1)
والحاصل، أنّه جرّة بقدر ما يطيق الإنسان المتوسّط حملها لو مُلئت بالماء، والظاهر أنّه بحدود 160 لتر.(2)
الثالث: عنوان الحبّ
الحبّ وعاء كبير من الطين يوضع فيه الماء أو الزيت ونحوهما.(3)
وهذا العنوان مجمل ولا يمكن تحديده بالدقّة، ومن المحتمل أنّه بحدود 80 لتراً.(4)
وحاصل الكلام أنّه ذُكر في الأخبار ثلاثة عناوين للماء الكثير:
1 _ الكرّ وهو حدود 400 لتراً.
2 _ القلّتان و هو حدود 160 لتراً.
ص: 119
3 _ الحبّ وهو حدود 80 لتراً.
فيجب علينا أن نبحث أنّ الماء الكثير الذي لا ينجس بملاقاة النجس هو من أيّ العناوين الثلاثة المذكورة في الأخبار.
ذكرنا أنّه ذهب المالكية إلى عدم تنجّس الماء بملاقاة النجاسة قليلاً كان أم كثيراً، ففي الواقع ليس عندهم للماء قدر معيّن، فالقليل والكثير سواء في عدم انفعاله بملاقاة النجاسة.(1)
هذا، ولكنّ الحنابلة والحنفية والشافعية ذهبوا إلى أنّ الماء القليل ينفعل بملاقاة النجاسة، كما وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنّ الماء الكثير هو ما بلغ قدر قُلّتين.(2)
نعم، إنّ الحنفية ذكروا أنّ الكثير هو ما إذا حُرّك أحد جانبيه لم يتحرّك الجانب الآخر.(3)
والحاصل، إنّ الشافعية والحنابلة قبلوا عنوان «القُلّتين» لتحديد الكرّ، وذلك لمّا رووه عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «إذا بلغ الماء قُلّتين لم يحمل الخبث».(4)
وقد نقل ابن سيرين هذا الحديث بصورة: «إذا كان الماء قدر كرٍّ لم يحمل
ص: 120
القذر»، وفي رواية أُخرى عنه: «إذا بلغ الماء كرّاً لم يحمل نجساً».(1)
إذا عرفت التمهيدين نبدأ بتحقيق المسألة ضمن خطوتين:
الصحيح في تحديد الماء الكرّ هو عنوان الكرّية، وذلك بدلالة أخبار معتبرة، ونحن نكتفي هنا بذكر صحيحتي معاوية بن عمّار ومحمّد بن مسلم:
اتّفق الكليني والشيخ الطوسي على نقل هذه الصحيحة، ولها أسانيد ثلاثة:
1 _ روى الكليني عن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله(علیه السلام).
2 _ روى الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله(علیه السلام).
3 _ روى الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله(علیه السلام).
وأمّا متن الحديث:
قال معاوية بن عمّار: سمعتُ أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: «إذا كان الماء قدر كرٍّ لم ينجسه شيء».(2)
ص: 121
والظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب صفوان بن يحيى، وكتاب حمّاد بن عيسى، وكتاب الحسين بن سعيد، وهذا يدلّ على اعتبارها عند قدماء أصحابنا.
ولقد بسطنا الكلام في التحليل الرجالي والفهرستي لهذه الصحيحة في مسألة انفعال الماء القليل، فراجع.
اتّفق المشايخ الثلاثة (الكليني والصدوق والطوسي) على نقل هذه الصحيحة، ولها أسانيد ثلاثة وكلّها صحاح:
1 _ روى الكليني عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله(علیه السلام).(1)
2 _ روى الشيخ الطوسي بإسناده عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله(علیه السلام).(2)
ص: 122
3 _ روى الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عُمير، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله(علیه السلام).(1)
وأمّا متن الحديث:
قال محمّد بن مسلم: سألته عن الماء الذي تبول فيه الدوابّ وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجُنب؟ قال: «إذا كان الماء قدر كرٍّ لم ينجسه شيء».(2)
والظاهر أنّ هذه الصحيحة ذُكرت في أربعة مصادر من مصادر أصحابنا، وهي: كتاب علي بن الحكم، وكتاب الرحمة لسعد بن عبد الله، وكتاب حسين بن سعيد، وكتاب ابن أبي عُمير، وهذا يدلّ على مدى اعتبارها عند قدماء أصحابنا.
وقد تعرّضنا بالتفصيل للبحث الرجالي والتحليل الفهرستي لهذه الصحيحة في مسألة انفعال الماء القليل، فراجع.
ص: 123
فتحصّل ممّا ذكرنا أنّ عنوان الصحيح لتحديد الماء الكثير هو الكرّ، ويأتي الكلام في المسألة الآتية لتحقيق مقدار الكرّ.
ذُكر في تحديد الماء الكثير عنوان «قلّتين» و«الحبّ» و«الراوية» و«القربة» في بعض الأخبار، ونحن نذكرها في قسمين ونجيب عنها:
إنّ مرسلة عبد الله بن المغيرة تدلّ على أنّ الكرّ هو الماء الذي كان بمقدار القلّتين، وقد رواها الشيخ الصدوق مرسلاً، فيما أسندها الشيخ الطوسي، فابتدأ باسم محمّد بن علي بن محبوب في سنده، حيث قال: «فأمّا ما رواه محمّد بن علي بن محبوب عن العبّاس ]بن معروف[، عن عبد الله بن المغيرة، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله(علیه السلام)».
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: ذكر الشيخ الطوسي في مشيخة تهذيب الأحكام طريقه إلى محمّد بن علي بن محبوب هكذا: عن الحسين بن عُبيد الله الغضائري، عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار، عن أبيه محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن علي بن محبوب.(1)
وقد تعرّضنا سابقاً لبيان صحّة طريق الشيخ الطوسي إلى محمّد بن علي بن محبوب.(2)
ص: 124
ثمّ إنّ محمّد بن علي بن محبوب الأشعري كان شيخ القمّيين في زمانه، ثقةً عيناً فقيهاً، وكان العبّاس بن معروف ثقة أيضاً(1)،
كما أنّ عبد الله بن المغيرة ثقة ثقة، لا يعدل به أحد من جلالته ودينه وورعه.(2)
وكيف كان، فرجال السند من الثقات، إلّا أنّ عبد الله بن المغيرة أرسل فيه، وعليه فالرواية مرسلة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذا الخبر كان مذكوراً في كتاب نوادر المصنّفين لمحمّد بن علي بن محبوب، فإنّ النجاشي ذكر من جملة كتب محمّد بن علي بن محبوب كتاب النوادر، ولقد اشتهر بكتاب نوادر المصنّفين.(3)
ثمّ إنّ محمّد بن علي بن محبوب إنّما ألّف كتابه من الكتب التي ألّفها مشايخ أصحابنا، ففي الواقع أنّه رأى أحاديث متعدّدة من كتب مختلفة، فقام بذكر هذه الأحاديث في كتابه مع ذكر الطريق إليها.
فعلى هذا ان محمد بن علي بن محبوب أخذ هذه الصحيحة من كتاب الوضوء لعبد الله بن المغيرة وأدرجه في كتابه النوادر؛ فإنّا إذا راجعنا رجال النجاشي نجد أنّه ذكر لعبد الله بن المغيرة كتاب الوضوء.
والحاصل، أنّ هذه الرواية كانت مذكورة في كتاب النوادر لمحمّد بن علي بن
ص: 125
محبوب، وهو أخذها من كتاب الوضوء لعبد الله بن المغيرة.(1)
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل أربع:
المرحلة الاُولى: المدينة
الظاهر أنّ أحد أصحاب عبد الله بن المغيرة سمع الحديث في المدينة من الإمام الصادق(علیه السلام)، وعبد الله بن المغيرة لم يذكر اسم هذا الرجل، ولعلّه لمّا رجع إلى الكوفة نقل الحديث لعبد الله بن المغيرة.
المرحلة الثانية: الكوفة
إنّ عبد الله بن المغيرة الكوفي سمع الحديث من أحد أصحابه ثمّ أدرجه في كتابه الوضوء.
المرحلة الثالثة: قمّ
إنّ العبّاس بن معروف القمّي سافر إلى الكوفة فتحمّل كتاب عبد الله بن المغيرة ونقله إلى قمّ، وبعد ذلك سمع منه محمّد بن علي بن محبوب، ولمّا ألّف كتابه نوادر المصنّفين أدرج الحديث فيه.
ثمّ إنّ محمّد بن يحيى العطّار سمع كتاب نوادر المصنّفين، وسمع أحمد بن محمّد بن يحيى الكتاب من أبيه.
المرحلة الرابعة: بغداد
إنّ أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار سافر إلى بغداد فنقل كتاب نوادر المصنّفين إلى هناك، فسمع منه الحسين بن الغضائري، كما أنّ الشيخ الطوسي
ص: 126
سمع من الحسين بن الغضائري هذا الكتاب فأخذ منه الحديث وأدرجه في تهذيب الأحكام والاستبصار.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي: المدينة، الكوفة، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1 _ الظاهر أنّ أحد أصحابنا نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2 _ العبّاس بن معروف: نقل الحديث من الكوفة إلى قمّ.
3 _ أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث بسنده الأوّل مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي تدويناً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية كانت من تراث خطّ الاعتدال، إلّا الطبقة الاُولى، إلّا أنّ عبد الله ابن المغیرة أرسله.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «إذا كان الماء قدر قلّتين لم ينجسه شيء، والقلّتان جرّتان».(1)
ذكرنا سابقاً أنّ: «قلّتان» تثنية: «قلّة»؛ وهي حبّ عظيم، وهي معروفة بالحجاز والشام، وذكرنا أنّ القلّة هي الجرّة بقدر ما يطيق الإنسان المتوسّط حملها لو مُلئت ماءً، والظاهر أنّه حدود 160 لتراً من الماء.(2)
وأنت خبير بأنّ التحديد الذي ذُكر في هذا الحديث أقلّ من نصف الكرّ؛ لأنّ
ص: 127
الكرّ حدود 400 لتر، فلذلك نجد الشيخ الطوسي لم يعمل به، وحمله تارةً على التقيّة وأُخرى على أن يكون مقدار القلّتين هو مقدار الكرّ.
وأنت خبير بأنّ حمل القلّتين على مقدار الكرّ خلاف الظاهر؛ لأنّ المشهور عند أهل السنّة أنّ مقدار القلّتين هو خمسمئة رطل بالبغدادي(1)، وسيأتي الكلام في أنّ الكرّ هو ألفٌ ومئتي رطل.
وكيف كان، فقد أعرض أصحابنا عن هذا الخبر ولم يعملوا به، ونحن نعتقد أنّ سرّ إعراض أصحابنا يرجع إلى جهة فهرستية.
بيان ذلك: ذكرنا أنّ الشيخ الطوسي إنّما أخذ هذه الصحيحة من كتاب نوادر المصنّفين لمحمّد بن علي بن محبوب، وهنا نكتة مهمّة ينبغي التوجّه إليها، وهي أنّ الكليني لم يروِ من هذا الكتاب ولو رواية واحدة في فروع الكافي.
ففي الواقع أنّ الشيخ الطوسي اعتمد على هذا الكتاب كثيراً، كما أنّنا نجد شذوذاً كثيراً في الأحاديث التي رواها من هذا المصدر، ولعلّ إعراض الكليني عن النقل عن هذا الكتاب راجع إلى هذه الجهة.
فإنّا إذا راجعنا فتاوى قدماء أصحابنا نجد أنّهم لم يفتوا بكثير من أحاديث كتاب محمّد بن علي بن محبوب، ولم يعملوا بها، نعم إنّ الشيخ الطوسي قام بذكر هذه الأحاديث، ولكنّه في كثير منها حملها على خلاف الظاهر ولم يعمل بها.
والحاصل، أنّه لا يمكن الاعتماد على هذا الخبر، مضافاً إلى أنّه مرسل.
بقي شيء وهو: أنّنا نحتمل قويّاً أنّ ذيل الحديث: «والقلّتان جرّتان» من كلام عبد الله بن المغيرة وليس من كلام الإمام(علیه السلام)فالحديث مدرج، بقرينة ما سيأتي في
ص: 128
البحث عن تحديد الكرّ بستّمئة رطل، فارتقب حتّى حين.(1)
تدلّ مرسلة عبد الله بن المغيرة على أنّ الكرّ هو الماء الذي كان بمقدار الحبّ، وقد رواه الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله(علیه السلام).(2)
وذكره الشيخ الطوسي بإسناده عن الكليني، فالظاهر أنّه أخذه من الكافي.(3)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: رجال السند من الثقات، إلّا أنّ عبد الله بن المغيرة أرسل فيه، وعليه فالرواية مرسلة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذا الخبر كان مذكوراً في كتاب عبد الله بن المغيرة، فإنّا إذا راجعنا رجال النجاشي، نراه يقول في ترجمة عبد الله بن المغيرة: «قيل: إنّه صنّف ثلاثين كتاباً يعرفون منها كتاب الوضوء وكتاب الصلاة، وقد روى هذه الكتب كثير من أصحابنا».(4)
فكلام النجاشي صريح بأنّ كتب عبد الله بن المغيرة كانت مشهورةً بين أصحابنا، وفي الواقع هذا السند طريق الكليني إلى كتاب عبد الله بن المغيرة؛ فإنّا وجدنا في 108 موارد روى الكليني بنفس هذا السند: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن
ص: 129
عبد الله بن المغيرة.(1)
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل خمس:
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ بعض أصحاب عبد الله بن المغيرة سمع الحديث في المدينة من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
إنّ عبد الله بن المغيرة الكوفي سمع الحديث من أحد أصحابه ثمّ أدرجه في كتابه، وتحمّل إبراهيم بن هاشم عندما كان في الكوفة كتاب عبد الله بن المغيرة.
المرحلة الثالثة: قمّ
إنّ إبراهيم بن هاشم الكوفي هاجر إلى قمّ وسكن بها، ونقل كتاب عبد الله بن المغيرة إلى هناك، ثمّ سمع علي بن إبراهيم كتاب عبد الله بن المغيرة من أبيه.
المرحلة الرابعة: الري
إنّ الكليني الذي كان يسكن الري سافر إلى قمّ، وسمع كتاب عبد الله بن المغيرة من علي بن إبراهيم، وأخذ من ذلك الكتاب هذا الحديث وأدرجه في كتابه الكافي.
المرحلة الخامسة: قمّ _ بغداد
في هذه المرحلة تمّ نقل الحديث إلى بلدين:
1 _ قمّ
إنّ ابن قُولَوَيه القمّي سمع الكافي من الكليني، وبعد ذلك سافر إلى بغداد فحدّث بكتابه الكافي هناك، فسمع منه الشيخ المفيد والحسين بن الغضائري،
ص: 130
وبعد ذلك سمع منهما الشيخ الطوسي، فأخذ الحديث من الكافي وأدرجه في تهذيب الأحكام والاستبصار.
2 _ بغداد
إنّ الكليني سافر إلى بغداد وحدّث فيها بكتابه الكافي، فسمع التلّعُكبري وأبو غالب الزرّاري وأبو المفضّل الشيباني عنه الكافي، ثمّ إنّ الحسين بن الغضائري سمع الكافي من هؤلاء الشيوخ الثلاثة، كما وسمع الشيخ الطوسي من الحسين بن الغضائري الكافي، وبعد ذلك أخذ الشيخ الطوسي هذا الحديث من كتاب الكافي فأدرجه في كتابه تهذيب الأحكام.(1)
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان كما يلي: المدينة، الكوفة، قمّ، الري، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1 _ إبراهيم بن هاشم: نقل الحديث من الكوفة إلى قمّ.
ص: 131
2 _ الكليني: نقل الحديث من قمّ إلى الري وبغداد.
3 _ ابن قُولَوَيه الابن: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي نشراً ورازي تأليفاً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال، إلّا أنّ عبد الله بن المغيرة أرسل فيها، فالرواية مرسلة.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «الكرّ من الماء نحو حبّي هذا»، وأشار إلى حبٍّ من تلك الحباب التي تكون بالمدينة.(1)
قال الشيخ الطوسي: «لا يمتنع أن يكون الحبّ يسع من الماء مقدار الكرّ»، وأنت خبير بأنّ هذا خلاف الظاهر.
بيان ذلك: إنّا ذكرنا أنّ القلّة هو الحبّ الكبير، فإذا قلنا إنّ القلّتين مقدارهما 160 لتراً، فيكون الحبّ بحدود 80 لتراً، وأين هذا من الكرّ الذي هو حدود 400 لتر؟
ونحن نعتقد أنّ تحديد الكرّ بحبّ الماء منحصر في هذا الخبر الذي رواه عبد الله بن المغيرة، وفي روايات عبد الله بن المغيرة شذوذ كثير، مع أنّه يعدّ من أجلّاء أصحابنا، ولذلك لم يعمل أصحابنا بكثير من أحاديثه، وهذه النكتة تحتاج إلى شرح كثير لا يسع مقامنا له.
والأفضل طرح هذا الخبر؛ وذلك لأمرين: إعراض أصحابنا عن العمل به؛ وإرساله، فإنّا ذكرنا أنّ عبد الله بن المغيرة رواه مرسلاً.
فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الماء الكثير الذي لا ينجس بملاقاة النجس هو الكرّ خاصّة، ولا اعتبار بالقلّتين والحبّ.
ص: 132
مقدار ماء الكرّ ما كان مساحته حدود 34 شبراً، وهو حدود 400 لتر.
وبعبارة أُخرى: إذا كانت هناك اُسطوانة مُلئت من الماء وكان قطر الاُسطوانة ثلاثة أشبار ونصف، وعمقها ثلاثة أشبار ونصف، فهذا مقدار الكرّ.
نعم، ذهب المشهور إلى أنّ ماء الكرّ ما كان مساحته حدود 44 شبراً، (بمقدار مكعّب كلّ من عرضه وطوله وعمقه ثلاثة أشبار و نصف).(1)
وذهب القميّون إلى أنّ ماء الكرّ ما كان مساحته 27 شبراً (بمقدار مكعّب كلّ من عرضه وطوله وعمقه ثلاثة أشبار).(2)
قبل الدخول في البحث لا بدّ من تمهيدين:
وقع الكلام في أنّ الكرّ هل هو مكيال مدوّر أم مكيال مكعّب؟
ص: 133
فإذا كان مكيالاً مدوّراً بشكل الاُسطوانة فإنّه في بيان تحديده تُذكر الجهتان فقط (القطر والعمق).
وأمّا إذا كان مكيالاً مكعباً فيجب أن تُذكر الجهات الثلاثة (الطول والعرض والعمق).
ونحن إذا راجعنا الأخبار ووجدنا المذكور فيها الطول والعمق، فنستظهر أنّ هذه الأخبار في مقام بيان المساحة للمدوّر. وفي معظم الأخبار لم تُذكر إلّا جهتان، ولا يصحّ ذلك إلّا في الشكل المدوّر. هذا مضافاً إلى ما قيل من أنّ الكرّ هو مكيال أهل العراق، والمكيال مدوّر كما لا يخفى.(1)
ذكر في الأخبار تحديد الكرّ بالأشبار بصور ثلاث:
الف . 5 / 3 × 5 / 3 شبر
ب . 3 × 3 أشبار
ج . 3 × 4 أشبار
فوقع الكلام في أنّ المراد من هذه الصور الثلاثة هل هي المكعّب المدوّر؟ فهناك احتمالات ستّة:
الأوّل: تحديد الكرّ بجهتين هكذا: 5/3 شبر في 5/3 شبر (على الشكل المدوّر)، وعليه تكون مساحة الكرّ حدود 34 شبراً، وهو مختارنا.
الثاني: تحديد الكرّ بجهات ثلاثة هكذا: 5/3 شبر في 5/3 شبر في 5/3 شبر (على الشكل المكعّب)، وعليه تكون مساحة الكرّ حدود 43 شبراً، وهو قول المشهور.
الثالث: تحديد الكرّ بجهتين هكذا: 3 أشبار في 3 أشبار (على الشكل المدوّر)،
ص: 134
وعليه تكون مساحة الكرّ حدود 21 شبراً.
الرابع: تحديد الكرّ بجهات ثلاثة هكذا: 3 أشبار في 3 أشبار في 3 أشبار (على الشكل المكعّب)، وعليه تكون مساحة الكرّ 27 شبراً، وهو قول القمّيين وجملة من المتأخّرين، منهم العلّامة في مختلف الشيعة والشهيد الثاني، (وقد أشرنا إلى أقوالهم).
الخامس: تحديد الكرّ بجهتين هكذا: 3 أشبار في القطر في 4 أشبار في العمق (على الشكل المدوّر)، وعليه تكون مساحة الكرّ حدود 28 شبراً.
السادس: تحديد الكرّ بجهات ثلاثة هكذا: 3 أشبار في الطول و3 أشبار في العرض و4 أشبار في العمق (على الشكل المكعّب)، وعليه تكون مساحة الكرّ 36 شبراً.
إذا عرفت التمهيدين فنقول: إنّ أخبار المقام على وجوه أربعة:
هناك روايتان ذُكر فيهما هذا التحديد، وهما: موثّقة أبي بصير، وخبر الحسن بن صالح الثوري:
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: أنّ المراد من أحمد بن محمّد هو ابن عيسى الأشعري، فإنّ محمّد بن يحيى العطّار لم يروِ عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي بلا واسطة.(1)
ووثاقة محمّد بن يحيى العطّار وأحمد بن محمّد بن عيسى واضحة.(2)
وأمّا عثمان بن عيسى الرواسي فإنّه كان شيخ الواقفة ووجهها(3)،
وعبد الله بن مُسكان كان ثقةً عيناً.(4)
ثمّ إنّا ذكرنا أنّ الشيخ الطوسي روى هذه الرواية بإسناده عن الكليني، فإنّه قال في تهذيب الأحكام: «وأخبرني الشيخ ]المفيد[ عن أبي القاسم جعفر بن محمّد ]ابن قُولَوَيه الابن[، عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن يحيى، عن عثمان بن عيسى، عن ابن مُسكان، عن أبي بصير».(5)
هذا طريق الشيخ الطوسي إلى الكافي، والظاهر أنّه أخذ الرواية من الكافي، ولكن وقع فيه تصحيف؛ لأنّه ذكر فيه: «محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن يحيى»،
ص: 136
فمن الواضح جدّاً أنّه ليس في هذه الطبقة «أحمد بن محمّد بن يحيى»،
بل هو تصحيف «أحمد بن محمّد بن عيسى»، ويشهد له ما ذكره الشيخ في الاستبصار، فإنّه ذكر «أحمد بن محمّد» بدل «أحمد بن محمّد بن يحيى».(1)
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب المياه لعثمان بن عيسى، والكليني أخذ الرواية من ذلك الكتاب.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا لعثمان بن عيسى كتاب المياه، كما أنّ الشيخ روى هذا الكتاب بالإسناد عن أحمد بن محمّد بن عيسى ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب عن عثمان بن عيسى، ونجد في هذا السند أيضاً أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى روى عن عثمان بن عيسى.
ثمّ إنّا نجد في 71 مورداً روى الكليني بهذا السند (محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عثمان بن عيسى)، وفي الواقع أنّ هذا السند طريق الكليني إلى كتب عثمان بن عيسى.(2)
نعم، إنّ كتاب المياه لم يصل إلى الشيخ الطوسي، ولذلك أخذه من الكافي.
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل خمس:
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ أبا بصير الأسدي سافر من الكوفة إلى المدينة وسمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة قام بنقل هذا الحديث هناك، فسمع عبد الله بن مُسكان
ص: 137
الكوفي منه، ثمّ سمع منه عثمان بن عيسى الكوفي فأدرجه في كتابه المياه.
المرحلة الثالثة: قمّ
إنّ أحمد بن محمّد بن عيسى القمّي سافر إلى قمّ، وسمع كتاب عثمان بن عيسى ونقله إلى قمّ، ثمّ سمع محمّد بن يحيى العطّار.
المرحلة الرابعة: الري
إنّ الكليني الذي كان يسكن الري سافر إلى قمّ وسمع كتاب عثمان بن عيسى من طريق محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عثمان بن عيسى، فأخذ من ذلك الكتاب هذا الحديث وأدرجه في كتابه الكافي.
المرحلة الخامسة: بغداد
إنّ الكليني سافر إلى بغداد وحدّث فيها بكتابه الكافي، فسمع التلّعُكبري وأبو غالب الزرّاري وأبو المفضّل الشيباني عنه الكافي، ثمّ إنّ الحسين بن الغضائري سمع الكافي من هؤلاء الشيوخ الثلاثة، كما أنّ الشيخ الطوسي سمع من الحسين بن الغضائري الكافي.(1)
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي: المدينة، الكوفة، قمّ، الري، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1 _ أبو بصير الأسدي: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2 _ أحمد بن محمّد بن عيسى: نقل الحديث من الكوفة إلى قمّ.
3 _ الكليني: نقل الحديث من قمّ إلى الري وبغداد.
4 _ ابن قُولَوَيه: نقل الحديث من الري إلى قمّ وبغداد.
فالحديث مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي نشراً ورازي تدويناً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية من ميراث خطّ الواقفية، فإنّ عثمان بن عيسى واقفي، نعم
ص: 138
اعتمد أصحابنا عليه.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
قال أبو بصير: سألتُ أبا عبد الله(علیه السلام) عن الكرِّ من الماء كم يكون قدره؟ قال(علیه السلام): «إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصف في مثله، ثلاثة أشبار ونصف في عمقه في الأرض، فذلك الكرُّ من الماء».(1)
فهذا الخبر يناسب مع ما ذكرنا أنّ الكرّ كان مكيالاً مدوّراً، وعليه فالخبر في مقام بيان الطول والعمق.
اتّفق الكليني والشيخ الطوسي على نقل هذا الخبر، وله سندان:
السند الأوّل
روى الكليني عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن الحسن بن صالح الثوري، عن أبي عبد الله(علیه السلام).(2)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: وثاقة محمّد بن يحيى وأحمد بن محمّد بن عيسى والحسن بن محبوب واضحة.(3)
ص: 139
نعم، يبقى الكلام في الحسن بن صالح الثوري، فلم يُذكر له توثيق صريح، وذكر الشيخ الطوسي أنّه كان زيدياً.(1)
وكيف كان، فالخبر ضعيف رجالياً من ناحية الحسن بن صالح.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الرواية كانت مذكورة في كتاب الحسن بن محبوب.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا فهرست الطوسي نجد أنّه ذكر للحسن بن محبوب كتباً عديدة، منها كتاب المشيخة وكتاب النوادر، وروى الشيخ هذه الكتب بالإسناد عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، فيُستفاد من هذا أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى روى نسخة من كتب الحسن بن محبوب.(2)
ونحن نجد أنّ الكليني روى 734 مورداً بهذا السند: (عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب)، ومعنى ذلك أنّه وصلت إلى الكليني كتب الحسن بن محبوب، وهذا السند طريقه إليها.(3)
السند الثاني
ابتدأ الشيخ الطوسي في هذا السند باسم أحمد بن محمّد بن عيسى، حيث قال: «أحمد بن محمّد عن الحسن بن محبوب، عن الحسن بن صالح الثوري، عن
ص: 140
أبي عبد الله(علیه السلام)».(1)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: ذكر الشيخ الطوسي في مشيخة تهذيب الأحكام عدّة طرق إلى أحمد بن محمّد بن عيسى، نذكر هنا طريقاً منها، وهو: ما رواه الشيخ الطوسي عن الشيخ المفيد، عن ابن قُولَوَيه الابن، عن الكليني، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، وقد تقدّم وثاقتهم آنفاً.(2)
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الرواية كانت مذكورة في كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا لأحمد بن محمّد بن عيسى عدّة كتب، منها كتاب النوادر.(3)
ثمّ إنّ الشيخ الطوسي ابتدأ باسم أحمد بن محمّد بن عيسى في أكثر من 550 مورداً، والظاهر أنّه أخذ في هذه الموارد من كتاب أحمد بن محمّد بن عيسى.(4)
فتحصّل إلى هنا أنّ هذه الرواية كانت مذكورة في مصدرين وهما كتاب الحسن بن محبوب وكتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى.
والكليني إنّما أخذ الحديث من مصدر متقدّم وهو كتاب الحسن بن محبوب، بينما أخذ الشيخ الطوسي الحديث من كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى، وهو مصدر متأخّر، (فإنّ أحمد بن محمّد بن عيسى أخذ هذه الرواية من كتاب
ص: 141
الحسن بن محبوب).
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل خمس(1):
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ الحسن بن صالح الكوفي لمّا سافر من الكوفة إلى المدينة سمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة نقل الحديث هناك، وسمع منه الحسن بن محبوب فأدرجه في كتابه.
المرحلة الثالثة: قمّ
إنّ أحمد بن محمّد بن عيسى (الذي كان يسكن قمّ) سافر إلى الكوفة، فسمع كتاب الحسن بن محبوب منه فنقله إلى قمّ، كما أنّ محمّد بن يحيى تحمّل كتاب الحسن بن محبوب من أحمد بن محمّد بن عيسى (راجع السند الأوّل).
ثمّ إنّ أحمد بن محمّد بن عيسى أخذ الحديث من كتاب الحسن بن محبوب وأدرجه في كتابه النوادر (راجع السند الأول و الثاني).
المرحلة الرابعة: الري
إنّ الكليني سافر إلى قمّ وسمع من محمّد بن يحيى العطّار كتاب الحسن بن محبوب، ثمّ أخذ من ذلك الكتاب هذا الحديث وأدرجه في كتابه الكافي (راجع السند الأوّل).
ص: 142
كما أنّ الكليني سمع وتحمّل من جماعة من مشايخه كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى (راجع السند الثاني).
المرحلة الخامسة: بغداد
إنّ ابن قُولَوَيه سمع من الكليني كتاب أحمد بن محمّد بن عيسى، ثمّ سافر إلى بغداد، فسمع منه الشيخ المفيد كتاب أحمد بن محمّد بن عيسى، وبعد ذلك سمع الشيخ الطوسي من الشيخ المفيد ذلك الكتاب وأدرجه في تهذيب الأحكام (راجع السند الثاني).
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي:
السند الأوّل: المدينة، الكوفة، قمّ، الري.
السند الثاني: المدينة، الكوفة، الري، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ الحسن بن صالح: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2_ أحمد بن محمّد بن عيسى: نقل الحديث من الكوفة إلى قمّ.
3_ الكليني: نقل الحديث من قمّ إلى الري.
4_ ابن قُولَوَيه الابن: نقل الحديث من الري إلى قمّ وبغداد.
فالحديث بسنده الأوّل مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي ثمّ رازي نشراً وبغدادي تدويناً، وبسنده الثاني مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي تدويناً ورازي وبغدادي نشراً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جلّ طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال فنحن نعتمد عليه.
هذا تمام الكلام في سندي الحديث، وأمّا متنه (على ما في الكافي وتهذيب الأحكام):
عن الحسن بن صالح الثوري، عن أبي عبد الله(علیه السلام)، قال: «إذا كان الماء في الرّكيِّ كرّاً لم ينجِّسه شيءٌ»، قلتُ: وكم الكرُّ؟ قال(علیه السلام): «ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار
ص: 143
ونصف عرضها».(1)
فذكر في هذا الخبر جهتين فقط، وهما العمق والعرض، وهو يناسب مع ما ذكرنا من أنّ الكرّ مكيال مدوّر، ومن المعلوم أنّ المراد من العرض هو القطر، بقرينة أنّه ذكر في الرواية الركيّ، والمراد منه البئر، وهي مدوّرة غالباً.
ثمّ إنّ هذا متن الخبر على ما ذكره الكليني في الكافي والشيخ في تهذيب الأحكام، ولقد ذكر هذا الخبر في الاستبصار بزيادة فقرة، سوف نتكلّم عنها في الوجه الثاني من أخبار المقام.
ونحن أخذنا بهذا الوجه من الأخبار، وذلك لذكر هذه الأخبار في مصادر معتبرة عديدة: كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى، وكتاب الحسن بن محبوب، وكتاب المياه لعثمان بن عيسى.
سبق منّا أنّ من الأخبار التي وردت في تحديد الكرّ هو خبر الحسن بن صالح الثوري، ولقد رواه الكليني والشيخ الطوسي.
وذكرنا متن الكافي وتهذيب الأحكام لهذا الخبر، ولكن إذا راجعنا كتاب الاستبصار نجد أنّه زاد في صدر الخبر هذه الفقرة: «ثلاثة أشبار ونصف طولها في...».
ص: 144
فيكون قول الإمام(علیه السلام) في تحديد الكرّ هكذا: «ثلاثة أشبار ونصف طولها، في ثلاثة أشبار ونصف عمقها، في ثلاثة أشبار ونصف عرضها».
بناءً على هذا المتن تتحدّد في الخبر ثلاث جهات، وهي تناسب أن يكون الكرّ مكيالاً مكعّباً.
وهذا يؤثّر في كمّية الكرّ، فإنّه بناءً على متن الكافي وتهذيب الأحكام تكون مساحة الكرّ حدود 34 شبراً، ولكن على متن الاستبصار يكون بحدود 43 شبراً، (وهو مقالة المشهور في تحديد الكرّ).
وكيف كان، فقد ذكر في الاستبصار ثلاث جهات لتحديد الكرّ (الطول والعرض والعمق)، ولذلك ذهب المشهور من الفقهاء إلى تحديد الكرّ بالمكعّب، فإنّهم رجّحوا متن الاستبصار على الكافي وتهذيب الأحكام.
ثمّ إنّهم وجدوا أنّه لم يُذكر في الكافي وتهذيب الأحكام إلّا جهتان (العمق والعرض)، فأجابوا عنه بجوابين:
الجواب الأوّل: سقط في الكافي وتهذيب الأحكام صدر الخبر (الفقرة التي ذُكر فيها الطول)، فالمتن الصحيح هو متن الاستبصار؛ لأنّ احتمال السقط أقوى من احتمال الزيادة.(1)
ويُلاحَظ عليه أنّ أصالة عدم الزيادة لم تكن أصلاً عقلائياً بحيث يُرجع إليها عند الشكّ، فإنّ العقلاء كما يحتملون السقط يحتملون الزيادة، وعلينا الرجوع إلى الشواهد في الكلام حتّى نحكم بالزيادة أو السقط.
وفيما نحن فيه بعد عدم ذكر الكليني في الكافي والشيخ نفسه في تهذيب الأحكام تلك الفقرة، فكيف نطمئنّ بأنّ الكليني والشيخ أسقطا الصدر؟ كما أنّ موثّقة أبي بصير أيضاً لم تُصرّح بالجهة الثالثة واكتفت بالجهتين.
فإذا لاحظنا ما ذكره الكليني في الكافي والشيخ في تهذيب الأحكام نتيقّن بأنّ
ص: 145
هذه الزيادة من اشتباه النسّاخ، كما ذُكر في تعليقة بعض نسخ الاستبصار: «إنّ هذه الزيادة لم ترد في النسخة المخطوطة بيد والد الشيخ محمّد بن المشهدي صاحب المزار المصحّحة على نسخة المصنّف».(1)
الجواب الثاني: إنّ المذكور أحد جانبي الطول والعرض مع العمق وترك الجانب الآخر؛ للاكتفاء الشائع في الكلام.(2)
ويلاحظ عليه: أنّه ليس هناك قرينة على حذف الجهة الثالثة؛ لأنّه لم يثبت في خبر ورد لبيان الحجم المكعّبي حتّى نلتزم بتقدير جهة ثالثة.
هذا مضافاً إلى أنّ إطلاق الخبر يدلّ على الاكتفاء بجهتين، وهو ينطبق على الشكل المدوّر، ويشهد عليه قوله(علیه السلام): «إذا كان الماء في الركيّ كرّاً...»، فمن المعلوم أنّ الركيّ لا يكون إلّا مدوّراً.
هناك خبر واحد يدلّ على هذا التحديد، وهو خبر إسماعيل بن جابر:
اتّفق الكليني والشيخ الطوسي على نقل هذا الخبر، وله سندان:
السند الأوّل
روى الكليني عن محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد البرقي، عن ابن سنان، عن إسماعيل بن جابر.(3)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: وثاقة محمّد بن يحيى العطّار وأحمد بن محمّد بن عيسى
ص: 146
واضحة، وأمّا محمّد بن خالد البرقي فإنّه وإن كان ضعيفاً في الحديث، ولكنّ هذا لا ينافي وثاقته.(1)
أمّا «ابن سنان» في هذا السند فهو مشترك بين «عبد الله بن سنان» و«محمّد بن سنان»، والظاهر أنّه محمّد الذي ضعّفه النجاشي في رجاله بقوله: «هو رجل ضعيف جدّاً، لا يُعوّل عليه ولا يُلتفت إلى ما تفرّد به».(2)
وأمّا إسماعيل بن جابر فقد وثّقه الشيخ في رجاله.(3)
والحاصل، أنّه لا يمكن الاعتماد على الخبر؛ لضعف محمّد بن سنان.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذا الخبر كان مذكوراً في كتاب النوادر لمحمّد بن خالد البرقي.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي نجد أنّه ذكر أنّ لمحمّد بن خالد البرقي كتباً، وصرّح الشيخ بأنّ له كتاب النوادر، وقد رواه بالإسناد عن أحمد بن محمّد بن عيسى وأحمد بن محمّد بن خالد عنه.(4)
ص: 147
كما وروى الكليني 128 مورداً بهذا السند (محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد البرقي)، ومعنى ذلك أنّ الكليني كان عنده كتاب النوادر لمحمّد بن خالد، فأخذ منه الخبر وأدرجه في كتابه الكافي.(1)
ثمّ ذكر النجاشي أنّ ابن الوليد القمّي قد استثنى موارد عديدة من روايات صاحب نوادر الحكمة.(2)
وهذا إن دلّ على شيء دلّ على أنّ هناك إشكالاً في كتاب نوادر الحكمة، بحيث لم يعتمد ابن الوليد على قسم من أحاديث هذا الكتاب.
ومن المحتمل أنّ صاحب نوادر الحكمة أخذ هذا الخبر من كتاب إسماعيل بن جابر، فإنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي نجد أنّهما ذكرا لإسماعيل بن جابر كتاباً.(3)
السند الثاني
قال الشيخ: «بهذا الإسناد عن محمّد بن أحمد بن يحيى ]الأشعري[، عن أحمد بن محمّد ]بن عيسى[، عن ]محمّد بن خالد [البرقي، عن عبد الله بن سنان،
ص: 148
عن إسماعيل بن جابر، قال: قلتُ لأبي عبد الله(علیه السلام)...».(1)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: مراد الشيخ من قوله: «بهذا الإسناد» ما ذكره قبل ذلك من طريقه إلى محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري، وطريقه هكذا: عن الشيخ المفيد، عن ابن الوليد الابن، عن ابن الوليد الأب، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري. وكيف كان، يمكن الاعتماد على هذا الطريق.
ثمّ إنّ محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري كان ثقةً في الحديث، إلّا أنّه كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل.(2)
هذا وأنّ هناك اختلاف فيما نقل الكليني والشيخ الطوسي في سند الحديث، فإنّ صريح كلام الشيخ الطوسي أنّ «عبد الله بن سنان» روى عن إسماعيل بن جابر، ولكنّ الكليني نقل أنّ «ابن سنان» روى عن إسماعيل بن جابر.
ثمّ وقع الكلام في أنّ مراد الكليني من «ابن سنان» من هو؟ والصحيح أنّ ابن سنان الذي روى عنه محمّد بن خالد البرقي هو محمّد لا عبد الله؛ وذلك لما وجدنا في 32 مورداً أنّ الكليني روى بالإسناد عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سنان.(3)
كما أنّ محمّد بن خالد البرقي لا يروي عن عبد الله بن سنان بلا واسطة؛ فإنّا إذا راجعنا الأسانيد نجد أنّ محمّد بن خالد البرقي روى عن عبد الله بن سنان بواسطة جملة من الرواة، منهم:
ص: 149
الف. النضر بن سويد في موردين.(1)
ب. عبد الله بن القاسم البطل في خمسة موارد.(2)
ج. ابن أبي عُمير في مورد واحد.(3)
د. يونس بن عبد الرحمٰن في موردين.(4)
ﻫ. أبو نهشل في مورد واحد.(5)
و. خلف بن حمّاد في مورد واحد.(6)
فتحصّل إلى هنا أنّ الذي روى عنه محمّد بن خالد هو محمّد بن سنان لا عبد الله بن سنان، وعليه فما ذكره الشيخ في تهذيب الأحكام من أنّ محمّد بن خالد روى عن عبد الله بن سنان، لا يمكن المساعدة عليه.
فإذا أثبتنا أنّ الراوي في السند هو محمّد بن سنان، فلا مجال للحكم بصحّة الخبر؛ لأنّ محمّد بن سنان ضعيف كما صرّح به النجاشي.(7)
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الرواية كانت مذكورة في كتاب نوادر الحكمة لمحمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري.
بيان ذلك: إنّ محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري ألّف كتاباً كبيراً اسمه: نوادر الحكمة، وذكر النجاشي أنّ أصحابنا القمّيين يعرفونه بدبّة شبيب، فاميّ كان بقمّ
ص: 150
له دبّة ذات بيوت، يعطي منها ما يُطلب منه من الدهن، فشبّهوا هذا الكتاب بذلك، وذكر الشيخ الطوسي أنّ كتاب النوادر يشتمل على 22 كتاباً.(1)
كما أنّ النجاشي روى هذا الكتاب بالإسناد عن محمّد بن يحيى العطّار، عن صاحب نوادر الحكمة، وذكر الشيخ في مشيخة تهذيب الأحكام طرقاً عديدة إلى كتاب نوادر الحكمة، منها: ما رواه عن ابن أبي جيد القمّي، عن ابن الوليد، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري.(2)
وكيف كان، فالشيخ الطوسي أخذ الخبر من كتاب نوادر الحكمة، فإنّه قد أكثر النقل عن هذا الكتاب، حيث ابتدأ في أكثر من 700 مورد باسم محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري، والظاهر أنّه في كلّ هذه الموارد أخذ من كتاب نوادر الحكمة.(3)
ثمّ إنّا ذكرنا الاختلاف بين الكليني والشيخ الطوسي في سند الخبر، فالكليني ذكر أنّه روى محمّد بن خالد عن ابن سنان، والمراد منه محمّد بن سنان، ولكنّ الشيخ ذكر أنّ محمّد بن خالد روى عن عبد الله بن سنان.
ونحن نعتقد أنّ هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف المصدر، فإنّ الكليني نقل هذا الحديث عن مصدر متقدّم، وهو كتاب النوادر لمحمّد بن خالد البرقي، بينما أخذ الشيخ الخبر من مصدر متأخّر، وهو كتاب نوادر الحكمة.
ثمّ إنّ في كتاب نوادر الحكمة إشكالاً قوياً، فإنّ ابن الوليد قد استثنى من هذا الكتاب روايات كثيرة، فمن المحتمل جدّاً أنّ هذا الإشكال أيضاً إنّما وقع من ناحية كتاب نوادر الحكمة.
ص: 151
بيان ذلك: أنّا ذكرنا أنّ أصل الخبر هو كتاب النوادر لمحمّد بن خالد، وقد ذكر فيه «ابن سنان»، وبعد ذلك وصل كتاب النوادر لمحمّد بن خالد إلى صاحب نوادر الحكمة، فأخذ منه هذا الخبر وأدرجه في كتابه نوادر الحكمة، ولكنّه توهّم أنّ المراد من ابن سنان هو عبد الله بن سنان، فأضاف «عبد الله» في السند، والمباني الرجالية لصاحب نوادر الحكمة كانت ضعيفة، بقرينة ما قاله النجاشي: «كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل، لا يبالي عمّن أخذ، وما عليه في نفسه مطعن في شيء».(1)
فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الرواية ضعيفة بمحمد بن سنان.
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل أربع(2):
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ إسماعيل بن جابر الكوفي لمّا سافر من الكوفة إلى المدينة سمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة نقل الحديث هناك، وألّف كتاباً وذكر الحديث فيه، وسمع منه محمّد بن سنان الكوفي.
المرحلة الثالثة: قمّ
إنّ محمّد بن خالد البرقي القمّي سافر إلى الكوفة وسمع كتاب إسماعيل بن
ص: 152
جابر عن محمّد بن سنان، وبعد ذلك سمع أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري من محمّد بن خالد البرقي كتاب إسماعيل بن جابر، فأخذ الحديث منه وأدرجه في كتابه النوادر، وبعد ذلك سمع محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى (راجع إلى السند الأوّل).
كما أنّ محمّد بن أحمد بن يحيى (صاحب نوادر الحكمة) سمع عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمّد بن خالد البرقي كتاب إسماعيل بن جابر فأخذ منه هذا الحديث وأدرجه في كتابه نوادر الحكمة، وبعد ذلك فإنّ محمّد بن يحيى العطّار سمع منه كتاب نوادر الحكمة، كما أنّ ابن الوليد الأب سمع من محمّد بن يحيى هذا الكتاب (راجع إلى السند الثاني).
المرحلة الرابعة: الري، بغداد
في هذه المرحلة تمّ نقل الحديث إلى بلدين:
1_ الري
إنّ الكليني سافر إلى قمّ وسمع من محمّد بن يحيى كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري، ثمّ أخذ من ذلك الكتاب هذا الحديث وأدرجه في كتابه الكافي (راجع السند الأوّل).
2_ بغداد
إنّ ابن الوليد الابن سافر من قمّ إلى بغداد، فسمع منه الشيخ المفيد كتاب نوادر الحكمة، وبعد ذلك سمع الشيخ الطوسي من الشيخ المفيد ذلك الكتاب، وذكر الحديث في تهذيب الأحكام والاستبصار (راجع السند الثاني).
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي:
السند الأوّل: المدينة، الكوفة، قمّ، الري.
السند الثاني: المدينة، الكوفة، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
ص: 153
1_ إسماعيل بن جابر: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2_ محمّد بن خالد البرقي: نقل الحديث من الكوفة إلى قمّ.
3_ الكليني: نقل الحديث من قمّ إلى الري.
4_ ابن الوليد الابن: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث بسنده الأوّل مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي تدويناً ورازي تأليفاً، وبسنده الثاني مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي تدويناً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في أوّل أمرها كانت من تراث خطّ الغلوّ، فإنّ محمّد بن سنان متّهم بالغلوّ، وهو ضعيف، كما أنّ محمّد بن خالد البرقي كان ضعيفاً في الحديث، ومحمّد بن أحمد بن يحيى (صاحب نوادر الحكمة) كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل.
ولكن فيما بعد اعتمد خطّ الاعتدال على هذه الرواية؛ فإنّا نجد أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى وابن الوليد الأب اعتمدا عليها.
هذا تمام الكلام في سندي الحديث، وإليك متنه:
قال إسماعيل بن جابر: سألتُ أبا عبد الله(علیه السلام) عن الماء الذي لا ينجِّسه شيء، قال: «كرٌّ»، قلتُ: وما الكرُّ؟ قال: «ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار».(1)
كما ترى لم يُذكر في الرواية إلّا جهتان، والظاهر منها أنّ الكرّ يكون على الشكل المدوّر الذي يكون قطره ثلاثة أشبار وعمقه ثلاثة أشبار.
نعم، احتمل جماعة من الفقهاء أنّ الرواية وردت لبيان الكرّ بمكيال المكعّب،
ص: 154
ولم تذكر الجهة الثالثة؛ اكتفاءً بما هو شائع من الكلام.(1)
وكيف كان، فنحن لا نأخذ بهذا الخبر؛ وذلك لأنّه ذُكر في كتاب النوادر لمحمّد بن خالد البرقي، وفي كتاب نوادر الحكمة لمحمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري، وذكرنا أنّ محمّد بن خالد ومحمّد بن أحمد بن يحيى وإن كانا من الثقات، ولكنّ المباني الرجالية عندهما ضعيفة، كما أنّ محمّد بن سنان ضعيف لا يمكن الاعتماد عليه.(2)
ثمّ إنّا نحتمل قويّاً أنّ متن خبر إسماعيل بن جابر كان متّحداً مع موثّقة أبي بصير، بمعنى أنّ الإمام قد بيّن لإسماعيل بن جابر قدر الكرّ هكذا: «ثلاثة أشبار ونصف في ثلاثة أشبار ونصف»، ولقد سقطت منه كلمة «نصف»، والوجه في ذلك يرجع إلى أنّ أحاديث محمّد بن سنان لم تكن بسماع، وأنّها كانت بالوجادة.
بيان ذلك: قال النجاشي في ترجمة محمّد بن سنان: «هو رجل ضعيف جدّاً لا يعوّل عليه ولا يُلتفت إلى ما تفرّد به».(3)
والظاهر أنّ محمّد بن سنان روى قسماً من تراث أصحابنا بدون سماع من المشايخ، وإنّما كانت بالوجادة.
فاستمع إلى كلام أيّوب بن نوح، فإنّه دفع إلى تلميذه حمدويه بن نصير دفتراً فيه أحاديث محمّد بن سنان وقال له: «إن شئتم أن تكتبوا ذلك فافعلوا، فإنّي كتبتُ عن محمّد بن سنان، ولكن لا أروي لك أنا عنه شيئاً، فإنّه قال قبل موته: كلّ ما حدّثتكم به لم يكن لي سماع ولا رواية، إنّما وجدته».(4)
ص: 155
وأنت خبير بأنّ قدماء أصحابنا كانوا مصرّين على أن يكون لهم طريق مطمئنّ إلى كتب الحديث، وكانوا لا يعتمدون على الكتب إذا وصلت إليهم بالوجادة.
والحاصل، أنّ محمّد بن سنان وجد كتاب إسماعيل بن جابر، وبما أنّه لم يكن له سماع من الأُستاذ أو الشيخ، فسقط من الخبر جزءٌ حتّى روى محمّد بن سنان «ثلاثة أشبار» بدل «ثلاثة أشبار ونصف».
ثمّ إنّ محمّد بن خالد البرقي الذي سمع من محمّد بن سنان أيضاً، لم يكن بتلك الدقّة العميقة في الحديث، فإنّ النجاشي ذكر أنّه كان ضعيفاً في الحديث لا يبالي عمّن يأخذ.(1)
وحينئذٍ لا يمكن لنا الاعتماد على هذا الخبر الذي وصل إلينا بطريق محمّد بن سنان، فنحن نأخذ بموثّقة أبي بصير الذي ذكر في مصادر معتبرة، وهي كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى، وكتاب الحسن بن محبوب، وكتاب المياه لعثمان بن عيسى، وقد ذكر فيه تحديد الكرّ بثلاثة أشبار ونصف.
هناك خبر واحد دلّ على هذا التحديد، وهو خبر آخر لإسماعيل بن جابر:
ذكر الشيخ الطوسي في أوّل هذا السند طريقه إلى محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري وقال: «عن محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله(علیه السلام)».(2)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
ص: 156
التحليل الرجالي: طريق الشيخ إلى محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري طريق معتمد، وهو ما رواه عن الشيخ المفيد، عن ابن الوليد الابن، عن ابن الوليد الأب، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري، وذكرنا أنّ محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري كان ثقةً في الحديث، إلّا أنّه كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل.(1)
أمّا أيّوب بن نوح فكان ثقةً في رواياته، وصفوان بن يحيى ثقة ثقة عين، وذكرنا أنّ الشيخ الطوسي وثّق إسماعيل بن جابر.(2)
والحاصل، أنّ هذه الرواية من الأحاديث الصحيحة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب نوادر الحكمة لمحمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري، ولقد شرحنا حال هذا الكتاب في الحديث السابق، فراجع.
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل أربع:
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ إسماعيل بن جابر الكوفي لمّا سافر من الكوفة إلى المدينة سمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة سمع منه صفوان بن يحيى الكوفي، ثمّ إنّ أيّوب بن نوح الكوفي سمع الحديث من صفوان بن يحيى.
ص: 157
المرحلة الثالثة: قمّ
إنّ محمّد بن أحمد بن يحيى (صاحب نوادر الحكمة) سافر إلى الكوفة فسمع الحديث من أيّوب بن نوح ونقله إلى قمّ، ثمّ أدرجه في كتاب نوادر الحكمة.
كما وروى محمّد بن يحيى كتاب نوادر الحكمة، ثمّ إنّ ابن الوليد الأب سمع هذا الكتاب من محمّد بن يحيى، وبعد ذلك سمع منه ابنه.
المرحلة الرابعة: بغداد
إنّ ابن الوليد الابن سافر من قمّ إلى بغداد، فسمع منه الشيخ المفيد كتاب نوادر الحكمة، وبعد ذلك سمع الشيخ الطوسي من الشيخ المفيد كتاب نوادر الحكمة، فأخذ منه هذا الحديث فأدرجه في تهذيب الأحكام والاستبصار.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي: المدينة، الكوفة، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ إسماعيل بن جابر: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2_ أحمد بن محمّد بن يحيى: نقل الحديث من الكوفة إلى قمّ.
3_ ابن الوليد الابن: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي تدويناً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جميع طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
قال إسماعيل بن جابر: قلتُ لأبي عبد الله(علیه السلام): الماء الذي لا ينجّسه شيءٌ؟ قال: «ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته».(1)
ص: 158
فقد ذكر لماء الكرّ في هذا الحديث جهتان هو المناسب مع المكيال المدوّر، وبما أنّ كلّ ذراع شبرين، فيصير الكرّ على هذه الرواية ما كان عمقه 4 أشبار وقطره 3 أشبار.
نعم، ذهب جماعة من الفقهاء إلى أنّه لم يذكر في الرواية الجهة الثالثة للاكتفاء بالشائع، وذكرنا أنّ هذا خلاف الظاهر.
وكيف كان، فنحن لا نأخذ بهذه الرواية وإن كانت صحيحة سنداً؛ وذلك لضعف مصدرها (كتاب نوادر الحكمة)، وانفراد الشيخ الطوسي بها، فإنّ الكليني أعرض عن هذه الرواية مع أنّ كتاب نوادر الحكمة كان عنده.
وبعبارة أُخرى: إذا دار الأمر بين صحيحة إسماعيل بن جابر وموثّقة أبي بصير (التي دلّت على أنّ الكرّ ما كان عمقه وقطره ثلاثة أشبار ونصف)، فحينئذٍ نأخذ بموثّقة أبي بصير؛ لأنّ صحيحة إسماعيل بن جابر ذُكرت في نوادر الحكمة وهو مصدر ضعيف، ولكن موثّقة أبي بصير ذُكرت في النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى وكتاب الحسن بن محبوب، وهما مصدران معتبران ومعتمدان عند أصحابنا. وبعبارة أُخرى: إنّ موثّقة أبي بصير أصحّ من صحيحة إسماعيل بن جابر من الجهة الفهرستية.
لا بأس بصرف الكلام في حساب مساحة حجم الكرّ حسب كلّ استظهار من الروايات:
ص: 159
1. موثّقة أبي بصير والحسن بن صالح: بناءً على تفسيره بالشكل المدوّر (5/3 × 5/3 شبر).
ذكرنا أنّ مختارنا في المقام هذا الاستظهار. وطريق معرفة مساحة المجموع حينئذٍ أن تُعرف أوّلاً مساحة سطح الدائرة ثمّ تُضرب في العمق.
وأمّا معرفة مساحة الدائرة فهو أن يُضرب الشعاع (وهو نصف القطر) في نفسها، ثمّ يُضرب في 14/3 (وهو عدد P). فإذا كان القطر 5/3 شبراً، فيكون الشعاع 75/1 شبر، فيُضرب الشعاع على نفسه لتصير النتيجة 06/3.
ثمّ تُضرب على عدد 14/3 (وهو عدد P) فتصير النتيجة 61/9، فهذا هو مساحة الدائرة. ثمّ تُضرب مساحة الدائرة (61/9 شبر) في العمق وهو (5/3)، فتكون النتيجة 65/33 شبر.
2. موثّقة أبي بصير والحسن بن صالح: بناءً على تفسيرهما بالشكل المكعّب (5/3 × 5/3 × 5/3 شبر).
وإذا أردنا الحساب بهاتين الروايتين يكون مكعّبه 27 شبراً؛ لأنّ العرض (5/3 شبر) يُضرب في الطول (5/3 شبر)، فيصير 12/25 شبر، فيُضرب على العمق (5/3 شبر)، فتكون النتيجة 8/42 شبر، وهو قول المشهور أنّ الكرّ 43 إلّا ثُمناً.
3. رواية ابن سنان عن إسماعيل بن جابر: بناءً على تفسيره بالشكل المدوّر (3 × 3 أشبار).
فإذا كان القطر 3 أشبار يكون الشعاع 5/1 شبراً، فيُضرب الشعاع على نفسه، فتصير النتيجة 25/2، ثمّ تُضرب على عدد 14/3 (وهو عدد P) فتصير النتيجة 06/7 أشبار، فهذا هو مساحة الدائرة.
ثمّ تُضرب مساحة الدائرة (06/7 شبر) في العمق وهو 3 أشبار، فتكون النتيجة 1/21 شبراً.
4. رواية ابن سنان عن إسماعيل بن جابر: بناءً على تفسيره بالشكل المكعّب (3
ص: 160
× 3 × 3 أشبار).
إنّ العرض (3 أشبار) يُضرب في الطول (3 أشبار)، فيصير 9 أشبار، فيُضرب على العمق (3 أشبار)، فتكون النتيجة 27 شبراً.
5. رواية صفوان عن إسماعيل بن جابر: بناءً على تفسيره بالشكل المدوّر (2 ذراع × 5/1 ذراع).
ذكرنا أنّ كلّ ذراع يساوي شبرين، فيكون عمقه 4 أشبار وقطره 3 أشبار. فإذا كان القطر 3 أشبار فيكون الشعاع 5/1 شبر، فيُضرب الشعاع على نفسه فتصير النتيجة 25/2، ثمّ تُضرب على عدد 14/3 (وهو عدد P) فتصير النتيجة 06/7 أشباراً، فهذا هو مساحة الدائرة. ثمّ تُضرب مساحة الدائرة (06/7 أشبار) في العمق وهو 4 أشبار، فتكون النتيجة 2/28 شبر.
6. رواية صفوان عن إسماعيل بن جابر: بناءً على تفسيره بالشكل المكعّب (5/1 ذراع × 5/1 ذراع × 2 ذراع).
نعم إذا فرضنا أنّه المكيال المربّع يكون مكعّبه 36 شبراً؛ لأنّ العرض (3 أشبار) على الطول (3 أشبار)، فيصير 9 أشبار فيُضرب على العمق (4 أشبار)، فتكون النتيجة 36 شبراً.
إذا أردنا أن نذكر مختارنا (5/3 × 5/3 على الشكل المدوّر) بحسب المقادير المتعارفة يومياً، فنقول:
إنّ الشبر جمعه أشبار، هو ما بين رأسي الخنصر والإبهام من كفٍّ مفتوحة، وقدره 23 سانتيمتر. وقيل في تحديد الشبر أنّه 22 سانتيمتراً، كما قيل إنّه 21 سانتيمتراً.
فإذا كان القطر 5/3 اشبار، فيكون القطر 5/80 سانتيمتر، ونصفه وهو الشعاع يكون 2/40 سانتيمتر. فيُضرب الشعاع على نفسه فتصير النتيجة 1616 سانتيمتراً.
ثمّ تُضرب على عدد 14/3 (وهو عدد P) فتصير النتيجة 6/5080 سانتيمتر. ثمّ
ص: 161
تُضرب مساحة الدائرة (5074 سانتيمتر) في العمق وهو (5/80 سانتيمتر)، فتكون النتيجة 408476 سانتيمتراً.
فإذا أردنا حسابه باللتر فنقسمه على 1000 لتر لنصل إلى 4/408 لتر. هذا على ما قلنا من أنّ الشبر 23 سانتيمتراً، وأمّا إذا قلنا إنّ الشبر 22 سانتيمتراً يكون الكرّ حينئذٍ 358 لتراً. ويمكن الأخذ بالجمع بينهما فنقول: إنّ الكرّ حدود 400 لتر.(1)
ص: 162
ففي العرف يتمّ تعيين كمّية المياه دائماً بقياس مساحته، وقليلاً ما يتمّ تعيينه بالوزن؛ وذلك لأنّ للماء أوزان مختلفة بحسب كمّيات الأملاح الموجودة فيه، من هنا نرى أنّهم حينما يقرّرون العمل بوزن الماء يصلون إلى نتائج مختلفة.
فكيف كان فالماء في حياة البشرية دائماً مكيل لا موزون، ولكن لو احتجنا حقّاً إلى أن نزن ماء الكرّ، يجب أوّلاً تعيينه في منطقة أو مدينة ما بحسب مساحته، مثلاً على مبنى أربعمئة لتر، فيتمّ وزنها، فيكون هذا الوزن حجّةً على أهل تلك المنطقة.
ولكن لورود بعض الأخبار المصرّحة بوزن ماء الكرّ، سنقوم بالتحقيق والتفحّص في تلك الروايات، فنقول:
لقد وردت في تحديد الكرّ بالوزن أخبار، وهذه تنقسم إلى قسمين:
وتبرز أمامنا مرسلة ابن أبي عُمير مصرّحة بذلك، وإليك تفصيل الكلام حولها:
اتّفق الكليني والشيخ الطوسي على نقل هذه المرسلة، ولها سندان:
ص: 163
السند الأوّل
روى الكليني عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عُمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله(علیه السلام).(1)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: وثاقة رجال السند واضحة(2)، وذكرنا أنّ محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري كان ثقةً في الحديث، إلّا أنّه كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل.(3)
كما أن يعقوب بن يزيد كان ثقةً صدوقاً.(4)
نعم، إنّ الرواية من مراسيل ابن أبي عُمير، ولا بأس بصرف الجهد في التحقيق في حجّية مراسيل ابن أبي عُمَير، فنقول:
اشتُهر عند أصحابنا أنّ مراسيل ابن أبي عُمَير كمسانيدها معتبرة، ويدلّ على ذلك أمران:
الأمر الأوّل: ما ذكره النجاشي في ترجمة ابن أبي عُمَير، فإنّه قال: «روي أنّه حبسه المأمون حتّى ولّاه قضاء بعض البلدان، وقيل: إنّ أُخته دفنت كتبه في حال استتاره وكونه في الحبس أربع سنين، فهلكت الكتب، وقيل: بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت، فحدّث من حفظه وممّا كان سلف له في أيدي الناس، فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله».(5)
ويصرّح النجاشي بأنّ أصحابنا يعتمدون على مراسيل ابن أبي عُمَير، وهو العمدة في المقام، ولقد ذكر الكشّي: أنّ محمّد بن أبي عُمَير حُبس بعد الرضا(علیه السلام)،
ص: 164
ونُهب ماله وذهبت كتبه، وكان يحفظ أربعين جلداً، ولذلك أرسل أحاديثه.(1)
الأمر الثاني: ما ذكره الشيخ في عدّة الأُصول، حيث قال: «وإذا كان أحد الراويين مسنداً والآخر مرسلاً، نُظر في حال المرسل، فإن كان ممّن يُعلم أنّه لا يرسل إلّا عن ثقة موثوق به، فلا ترجيح لخبر غيره على خبره، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عُمَير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر، وغيرهم من الثقات الذين عُرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عمّن يوثق به، وبين ما أسنده غيرهم، ولذلك عملوا بمراسيلهم».(2)
فمقتضى كلام الشيخ أنّ منشأ اتّفاقهم على قبول مراسيل هذه المشايخ الثلاثة، هو كونهم لا يرسلون إلّا عن ثقة.
وكان ابن أبي عُمَير يروي الأحاديث بأسانيد صحيحة، فلمّا ذهبت كتبه أرسل رواياته التي كانت هي المضبوطة المعلومة المسندة عنده بسند صحيح، فمراسيله في الحقيقة مسانيد معلومة الاتّصال والإسناد إجمالاً، وإن فاتته طرق الإسناد على التفصيل، فإنّها مراسيل على المعنى المصطلح حقيقة، والأصحاب يعتمدون عليها كما يعتمدون على المسانيد؛ لجلالة قدر ابن أبي عُمَير.(3)
هذا تمام الكلام في تحقيق مراسيل ابن أبي عُمير، وبذلك تبيّن أنّ هذه الرواية معتبرة وإن كانت مرسلة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه المرسلة كانت مذكورة في كتاب نوادر الحكمة لمحمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري، ولقد شرحنا حال هذا الكتاب في
ص: 165
الحديث السابق.(1)
كما أنّ المصدر الأوّلي للرواية هو كتاب النوادر لابن أبي عُمير، فإنّ يعقوب بن يزيد روى نسخة من كتب ابن أبي عُمير، فراجع فهرست الطوسي فإنّه روى كتب ابن أبي عُمير بالإسناد عن الصفّار عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عُمير(2)،
ونحن نجد أن يعقوب بن يزيد روى في 194 مورداً (في الكافي وتهذيب الأحكام والاستبصار) عن ابن أبي عُمير.(3)
وكيف كان، فإنّ صاحب نوادر الحكمة أخذ الرواية من كتاب ابن أبي عُمير فأدرجه في كتابه نوادر الحكمة.
السند الثاني
ذكر الشيخ الطوسي في أوّل هذا السند من طريقه إلى محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري: «عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عُمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله(علیه السلام)».
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: طريق الشيخ إلى محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري طريق معتمد، وهو ما رواه عن الشيخ المفيد، عن ابن الوليد الابن، عن ابن الوليد الأب،
ص: 166
عن محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري.
ووثاقة رجال هذا السند واضحة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه المرسلة كانت مذكورة في نسخة أُخرى من كتاب نوادر الحكمة.
وكيف كان، فإنّ هذه المرسلة ذُكرت في نسختين من كتاب نوادر الحكمة: نسخة أحمد بن إدريس (وهي التي روى منها الكليني)، ونسخة محمّد بن يحيى العطّار (وهي التي روى منها الشيخ الطوسي)، وذكرنا أنّ المصدر الأوّلي للرواية هو كتاب النوادر لابن أبي عُمير.
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل أربع(1):
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ بعض أصحابنا سمع الحديث في المدينة من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: بغداد
وإنّ ابن أبي عُمير البغدادي سمع الحديث منهم فأدرجه في كتابه النوادر، كما أنّ يعقوب بن يزيد الأنباري الذي انتقل إلى بغداد سمع من ابن أبي عُمير كتبه.(2)
المرحلة الثالثة: قمّ
إنّ محمّد بن أحمد بن يحيى (صاحب نوادر الحكمة) سافر إلى بغداد، فسمع كتاب ابن أبي عُمير من يعقوب بن يزيد ونقله إلى قمّ، وأدرجه في كتابه نوادر الحكمة، وبعد ذلك سمع محمّد بن يحيى منه كتاب نوادر الحكمة، كما أنّ ابن
ص: 167
الوليد الأب سمع من محمّد بن يحيى هذا الكتاب ثم سمع منه ابنه.
المرحلة الرابعة: الري، بغداد
في هذه المرحلة تمّ نقل الحديث إلى بلدين:
1_ الري
إنّ الكليني سافر إلى قمّ وسمع من أحمد بن إدريس كتاب النوادر لابن أبي عُمير، ثمّ أخذ من ذلك الكتاب هذا الحديث وأدرجه في كتابه الكافي (راجع السند الأوّل).
2_ بغداد
إنّ ابن الوليد الابن سافر من قمّ إلى بغداد، فسمع منه الشيخ المفيد كتاب نوادر الحكمة، وبعد ذلك سمع الشيخ الطوسي من الشيخ المفيد ذلك الكتاب (راجع السند الثاني).
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي:
السند الأوّل: المدينة، الكوفة، بغداد قمّ، الري.
السند الثاني: المدينة، الكوفة، بغداد، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ إسماعيل بن جابر: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2_ ابن أبي عُمير: نقل الحديث من الكوفة إلى بغداد.
3_ محمّد بن خالد البرقي: نقل الحديث من بغداد إلى قمّ.
4_ الكليني: نقل الحديث من قمّ إلى الري.
5_ ابن الوليد الابن: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث بسنده الأوّل مدني صدوراً وبغدادي تصنيفاً وقمّي تدويناً ورازي تأليفاً، وبسنده الثاني مدني صدوراً وبغدادي تصنيفاً وقمّي تدويناً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جميع طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال.
ص: 168
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
فقد روى ابن أبي عُمير عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله(علیه السلام) أنّه قال: «الكرُّ من الماء(1) ألفٌ ومئتا رطل».(2)
والرطل بكسر الراء وفتحه لغةً بمعنى: الوزن. رطله كذا؛ أي: وزنه بكذا، ثمّ جُعل اسماً لمكيال معيّن يُكال به طريقاً إلى وزن خاصّ، كما هو الحال في المنّ مثلاً في زماننا هذا.(3)
وسيأتي الكلام في أنّ المراد من الرطل هنا هو الرطل البغدادي لا الرطل المدني.
ص: 169
ذكرنا أنّ هذه المرسلة كانت مذكورة في كتاب نوادر الحكمة، ومن المحتمل جدّاً أنّ صاحب نوادر الحكمة أخذ هذه المرسلة من كتاب النوادر لابن أبي عُمير.(1)
ثمّ إنّا ذكرنا أنّ هذه المرسلة كانت موجودة في كتاب النوادر لابن أبي عُمير، فحينئذٍ يقع سؤال مهمّ وهو لماذا لم ينقل الكليني عن ذلك الكتاب؟ فإنّ كتاب النوادر لإبن أبي عُمير كان عند الكليني، ولقد روى عن ابن أبي عُمير 2290 مورداً (بطريق علي بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عُمير).(2)
فنحتمل قويّاً أنّ الكليني لم يجد هذه المرسلة في نسخة إبراهيم بن هاشم من كتاب النوادر لابن أبي عُمير. وبعبارة أُخرى: إنّ هذه الرواية إنّما ذُكرت في نسخة يعقوب بن يزيد من كتاب نوادر ابن أبي عُمير، ولم تُذكر في نسخ أُخرى.
بيان ذلك: إنّ لكتاب النوادر لابن أبي عُمير نسخاً متعدّدة، وهذه النسخ يختلف بعضها لبعضٍ (فذُكر في نسخة خبر لم يُذكر في نسخة أُخرى)، كما صرّح بذلك النجاشي، حيث قال: «فأمّا نوادره كثيرة؛ لأنّ الرواة لها كثيرة، فهي تختلف باختلافهم».
فمن أصحّ النسخ لهذا الكتاب: نسخة علي بن إبراهيم، ولقد أكثر الكليني النقل عن هذه النسخة.
نعم، إنّ ليعقوب بن يزيد نسخة لكتاب النوادر لابن أبي عُمير، ونحن إذا راجعنا الكافي نجد أنّ الكليني روى 10 موارد بالإسناد عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي
ص: 170
عُمير، فنعتقد أنّ الكليني إنّما روى من كتب أُخرى، ولم ينقل من نسخة يعقوب بن يزيد لكتاب النوادر لابن أبي عُمير.(1)
والظاهر أنّ الشيخ الطوسي اعتمد على نسخة يعقوب بن يزيد؛ فإنّا نجد أنّ الشيخ في تهذيب الأحكام والاستبصار روى 182 مورداً بالإسناد عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عُمير.(2)
وكيف كان، فهذه الرواية لم تُذكر في نسخة مشهورة ومعتبرة لكتاب ابن أبي عُمير، ولذلك نجد أنّ الكليني ذكر هذه المرسلة من كتاب نوادر الحكمة، ولم يسندها إلى كتاب ابن أبي عُمير، وذلك ممّا يوقع الشكّ في الاعتماد على الرواية من جهة فهرستية.
وبعبارة أُخرى: إنّا نلتزم بحجّية مراسيل ابن أبي عُمير إذا وصلت إلينا من نسخة معتبرة من كتاب ابن أبي عُمير، فتحديد مقدار الكرّ بألف ومئتي رطل لا يمكن لنا التعويل عليه.
هنا رواية واحدة رواها عبد الله بن المغيرة، ولكنّه تارةً رواها مرفوعةً عن أبي عبد الله(علیه السلام)، وأُخرى مسندةً عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله(علیه السلام).
ص: 171
ونحن نذكر هذه الرواية تارةً بعنوان مرفوعة عبد الله بن المغيرة، وأُخرى بعنوان صحيحة محمّد بن مسلم.
انفرد الشيخ الطوسي بنقل هذا الخبر، وابتدأ في سنده باسم محمّد بن أبي عُمير، حيث قال: «فأمّا ما رواه محمّد بن أبي عُمير، قال: رُوي لي عن عبد الله، يعني ابن المغيرة يرفعه إلى أبي عبد الله(علیه السلام)...».
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: ذكر الشيخ الطوسي في مشيخة تهذيب الأحكام طريقه إلى ابن أبي عُمير هكذا: عن الشيخ المفيد والحسين بن الغضائري، عن ابن قُولَوَيه الابن (جعفر بن محمّد بن قُولَوَيه)، عن جعفر بن محمّد العلوي، عن عُبيد الله بن نهيك، عن ابن أبي عُمير.(1)
أمّا عُبيد الله بن أحمد بن نهيك، فهو كان شيخاً صدوقاً، وكان ثقة.(2)
وبقي الكلام في جعفر بن محمّد العلوي، فإنّه وإن لم يكن له توثيق صريح، ولكنّ الشواهد تشير إلى الاعتماد عليه، كما عبّر عنه القاضي محمّد بن عثمان النصيبي (أحد مشايخ النجاشي) بالشريف الصالح(3)، وسنشير إلى بيان هذه الشواهد.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه المرسلة كانت مذكورة في كتاب النوادر لابن أبي عُمير.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا في جملة كتب ابن أبي عُمَير كتاب النوادر، وذكر النجاشي أنّ نسخ هذا الكتاب
ص: 172
مختلفة، واعتمد على نسخة عُبيد الله بن نهيك، ثمّ ذكر النجاشي طريقه هكذا: عن محمّد بن عثمان النصيبي، عن جعفر بن محمّد بن إبراهيم العلوي، عن عُبيد الله بن نهيك، عن ابن أبي عُمير.(1)
وهذا الطريق يتّحد مع ما ذكره الشيخ في هذا السند، وبالنتيجة أنّ جعفر بن محمّد العلوي روى نسخة معتبرة من كتاب النوادر لابن أبي عُمير، وقد وصلت هذه النسخة إلى النجاشي والشيخ الطوسي.
وهذا هو مرادنا من الشواهد على قبول روايات جعفر بن محمّد العلوي؛ لأنّا إذا راجعنا الكتب الأربعة نجد لجعفر بن محمّد العلوي روايات كثيرة في طريق الشيخ الطوسي إلى كتاب ابن أبي عُمير، فإنّ الشيخ الطوسي روى في تهذيب الأحكام أكثر من 70 مورداً عن هذا الطريق.(2)
والحاصل أنّ جميع روايات هذا الرجل رواها عن ابن نهيك، عن ابن أبي عُمير، وفي الواقع أنّه ليس لدينا رواية منه غير ما رواه من كتاب النوادر لابن أبي عُمير بواسطة ابن نهيك، وإذا وجدنا أنّ مثل النجاشي قد اعتمد على هذه النسخة، فنحن نطمئنّ بصحّة النسخة، ومعنى ذلك الاعتماد على طريق الشيخ الطوسي إلى ابن أبي عُمير في تهذيب الأحكام والاستبصار.أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل ستّ:
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ بعض قدماء أصحابنا سمع الحديث في المدينة من الإمام الصادق(علیه السلام).
ص: 173
المرحلة الثانية: بغداد
إنّ عبد الله بن المغيرة الكوفي نقل الحديث، وسمع منه ابن أبي عُمير البغدادي الحديث فأدرجه في كتابه النوادر.
المرحلة الثالثة: الكوفة
إنّ عُبيد الله بن أحمد بن نهيك الكوفي سمع كتاب النوادر من ابن أبي عُمير ونقله إلى الكوفة.
المرحلة الرابعة: مصر
إنّ جعفر بن محمّد العلوي المصري سافر إلى الكوفة، فسمع كتاب النوادر لابن أبي عُمير من عُبيد الله بن نهيك.(1)
المرحلة الخامسة: قمّ
إنّ ابن قُولَوَيه الابن التقى بجعفر بن محمّد العلوي، فسمع منه كتاب ابن أبي عُمير.
المرحلة السادسة: بغداد
إنّ ابن قُولَوَيه الابن القمّي سافر إلى بغداد، فسمع منه مشايخ بغداد، منهم الشيخ المفيد والحسين بن الغضائري، وبعد ذلك سمع منهما الشيخ الطوسي كتاب النوادر لابن أبي عُمير.
فالحديث مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً ومصري وقمّي نشراً ورازي تدويناً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جلّ طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال، إلّا أنّ عبد الله بن المغيرة رفعها، فكانت الرواية مرفوعة.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه، فقد قال ابن أبي عُمير:
رُوي لي عن عبد الله _ يعني ابن المغيرة _ يرفعه إلى أبي عبد الله(علیه السلام): «إنّ الكرّ ستّمئة
ص: 174
رطل».(1)
فهذه الرواية صريحة بأنّ الكرّ هو 600 رطل، وهو نصف التحديد الذي ذُكر في الرواية السابقة، فإنّه ذكر فيه أنّ الكرّ 1200 رطل.
ثمّ هنا نكتة وهي أنّ ابن أبي عُمير روى عن عبد الله بن المغيرة معنعناً في موارد عديدة.(2)
ولكن في هذه الرواية نجد أنّ ابن أبي عُمير قال: «رُوي لي عن عبد الله بن المغيرة»، وبعبارة أُخرى: إنّ ابن أبي عُمير لم يروِ هذه الرواية عن عبد الله بن المغيرة ولم يعنعنه. وهذا يدلّ على أنّ ابن أبي عُمير لم يعتمد اعتماداً بالغاً على هذه الرواية.
ثمّ إنّ هذا التحديد شاذٌّ جدّاً، وأعرض أصحابنا عن العمل بهذا الخبر ولم يعملوا به، ونحن نعتقد أنّ سرّ إعراض أصحابنا يرجع إلى ما صنعه ابن أبي عُمير من عدم ذكره الرواية معنعناً.
انفرد الشيخ الطوسي بنقل هذا الخبر، وابتدأ في سنده باسم محمّد بن علي بن محبوب، حيث قال: «عنه ] أي: محمّد بن علي بن محبوب[، عن العبّاس بن معروف، عن عبد الله بن المغيرة، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله(علیه السلام)...».
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: ذكر الشيخ الطوسي في مشيخة تهذيب الأحكام طريقه إلى
ص: 175
محمّد بن علي بن محبوب هكذا: عن الحسين بن عُبيد الله الغضائري، عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار، عن أبيه محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن علي بن محبوب.(1)
وقد تعرّضنا سابقاً لبيان صحّة طريق الشيخ الطوسي إلى محمّد بن علي بن محبوب.(2)
ثمّ إنّ محمّد بن علي بن محبوب الأشعري كان شيخ القمّيين في زمانه، ثقةً عيناً فقيهاً، كما أنّ العبّاس بن معروف كان ثقة.(3)
وعبد الله بن المغيرة ثقة ثقة، لا يعدل به أحد من جلالته ودينه وورعه.(4)
وأبو أيّوب الخزّاز هو إبراهيم بن عيسى الكوفي، وكان ثقةً كبير المنزلة، ومحمّد بن مسلم كان وجه أصحابنا بالكوفة.(5)
والحاصل، إنّ هذه الرواية من الأحاديث الصحيحة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذا الخبر كان مذكوراً في كتاب نوادر المصنّفين
ص: 176
لمحمّد بن علي بن محبوب، فإنّ النجاشي ذكر من جملة كتب محمّد بن علي بن محبوب كتاب النوادر، ولقد اشتهر بكتاب نوادر المصنّفين.(1)
ثمّ إنّ محمّد بن علي بن محبوب إنّما ألّف كتابه من الكتب التي ألّفها مشايخ أصحابنا، ففي الواقع أنّه رأى أحاديث متعدّدة من كتب مختلفة، فقام بذكر هذه الأحاديث في كتابه مع ذكر الطريق إليها.
ففي الواقع أنّ محمّد بن علي بن محبوب أخذ هذه الصحيحة من كتاب الوضوء لعبد الله بن المغيرة وأدرجه في كتابه النوادر؛ فإنّا إذا راجعنا رجال النجاشي نجد أنّه ذكر لعبد الله بن المغيرة كتاب الوضوء.
والحاصل، أنّ هذه الرواية كانت مذكورة في كتاب النوادر لمحمّد بن علي بن محبوب، وهو أخذها من كتاب الوضوء لعبد الله بن المغيرة.(2)
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل أربع:
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ محمّد بن مسلم سافر إلى المدينة وسمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام).
ص: 177
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة (وكان وجه أصحابنا فيها)، قام بنقل هذا الحديث هناك، كما أنّ أبا أيّوب الخزّاز الكوفي سمع الحديث من محمّد بن مسلم.
المرحلة الثالثة: قمّ
إنّ العبّاس بن معروف القمّي سافر إلى الكوفة فتحمل كتاب عبد الله بن المغيرة منه ونقله إلى قمّ، وبعد ذلك سمع منه محمّد بن علي بن محبوب، ولمّا ألّف كتابه نوادر المصنّفين أدرج هذا الحديث فيه.
ثمّ إنّ محمّد بن يحيى العطّار سمع كتاب نوادر المصنّفين، وسمع أحمد بن محمّد بن يحيى الكتاب من أبيه.
المرحلة الرابعة: بغداد
إنّ أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار سافر إلى بغداد فنقل كتاب نوادر المصنّفين إلى هناك، فسمع منه الحسين بن الغضائري، كما أنّ الشيخ الطوسي سمع من الحسين بن الغضائري هذا الكتاب فأخذ منه هذا الحديث فأدرجه في تهذيب الأحكام والاستبصار.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان كما يلي: المدينة، الكوفة، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ محمّد بن مسلم: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2_ العبّاس بن معروف: نقل الحديث من الكوفة إلى قمّ.
3_ أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي تدويناً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جميع طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
ص: 178
عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله(علیه السلام)، في الغدير فيه ماءٌ مجتمعٌ تبول فيه الدوابّ وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجُنب، قال(علیه السلام): «إذا كان قدر كرٍّ لم ينجِّسه شيء، والكرُّ ستّمئة رطل».(1)
فهذه الرواية صريحة بأنّ الكرّ هو 600 رطل، وهذا التحديد شاذٌّ جدّاً، وأعرض أصحابنا عن العمل بهذا الخبر ولم يعملوا به، ونحن نعتقد أنّ سرّ إعراض أصحابنا يرجع إلى جهة فهرستية.
بيان ذلك: أنّا ذكرنا أنّ الشيخ الطوسي إنّما أخذ هذه الصحيحة من كتاب نوادر المصنّفين لمحمّد بن علي بن محبوب، وهنا نكتة مهمّة ينبغي التوجّه إليها، وهي أنّ الكليني لم يروِ من هذا الكتاب ولو رواية واحدة في فروع الكافي، والشيخ الصدوق روى تسعة موارد من هذا الكتاب فقط.(2)
ففي الواقع إنّما الشيخ الطوسي اعتمد على هذا الكتاب كثيراً، فنجد شذوذاً كثيراً في الأحاديث التي روى الشيخ الطوسي من هذا المصدر، ولعلّ إعراض الكليني عن النقل عن هذا الكتاب راجع إلى هذه الجهة.
فإنّا إذا رجعنا إلى فتاوى قدماء أصحابنا، نجد أنّهم لم يفتوا كثيراً من أحاديث كتاب محمّد بن علي بن محبوب ولم يعملوا بها، نعم الشيخ الطوسي قام بذكر هذه الأحاديث، ولكنّه في كثير منها حملها على خلاف الظاهر ولم يعمل بها.
وفيما نحن فيه حمل الشيخ هذه الصحيحة على الرطل المكّي لا الرطل
ص: 179
البغدادي؛ لأنّ الرطل العراقي يوازن رطلين بالبغدادي، فيصير مفاد هذه الصحيحة متّحداً مع مرسلة ابن أبي عُمير الذي ذكر فيه أنّ الكرّ ألف ومائتا رطل.
وهذا كلام الشيخ الطوسي في ذيل هذه الرواية، فإنّه قال: «فأوّل ما فيه أنّه مرسلٌ غير مسند، ومع ذلك مضادّ للأحاديث الّتي رويناها، ومع هذا لم يعمل عليه أحد من فقهائنا، ويُحتمل أن يكون الّذي سأل عن الكرِّ كان من البلد الّذي عادةً أرطالهم ما يوازن رطلين بالبغدادي، فأفتاه على ما علم من عادته ويكون مشتملاً على القدر الّذي قدّمناه في الكرّ».
فتحصّل إلى هنا أنّ تحديد الكرّ بستمّئة رطل منحصر في رواية عبد الله بن المغيرة، ويمنعنا من العمل بهذه الرواية أوّلاً كثرة الشذوذ في أحاديث عبد الله بن المغيرة، وثانياً عدم عمل أصحابنا بهذه الرواية، ولذلك نطرحها تماماً.(1)
هناك نكتة مهمّة جدّاً، قبل الدخول فيها نذكر متن الحديث مرّة أُخرى.
ذكرنا أنّه روى عبد الله بن المغيرة عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله، في الغدير فيه ماءٌ مجتمعٌ تبول فيه الدوابّ وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجُنُب، قال(علیه السلام): «إذا كان قدر كرٍّ لم ينجّسه شيء، والكرّ ستّمئة رطل».
لكن نحن نعتقد أنّ ذيل الرواية وهو «والكرّ ستّمئة رطل»، ليس من كلام الإمام(علیه السلام)، بل إنّه من كلام عبد الله بن المغيرة.
بيان ذلك: أنّ سؤال محمّد بن مسلم کان في هذه الروایة کان عن الماء الذي
ص: 180
تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجُنُب. فإذا راجعنا كتب الحديث نجد أنّه قد ذُكر سؤال محمّد بن مسلم بطرق متعدّدة:
الطريق الأوّل: روى الكليني عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري، عن علي بن الحكم الأنباري، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم.(1)
والظاهر أنّ هذا الطريق هو طريق الكليني إلى كتاب علي بن الحكم الأنباري.
الطريق الثاني: روى الشيخ الطوسي عن الشيخ المفيد، عن ابن قُولَوَيه الابن، عن ابن قُولَوَيه الأب، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله(علیه السلام).(2)
والظاهر أنّ هذا هو طريق الشيخ إلى كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله الأشعري.
الطريق الثالث: روى الشيخ الطوسي عن الشيخ المفيد، عن أحمد بن محمّد بن الوليد، عن أبيه، عن الصفّار وسعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى والحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عُمير، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم.(3)
والظاهر أنّ هذا هو طريق الشيخ إلى كتب الحسين بن سعيد الأهوازي.
الطريق الرابع: روى الشيخ الطوسي بإسناده عن محمّد بن علي بن محبوب، عن العبّاس بن معروف، عن عبد الله بن المغيرة، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم.(4)
وإذا دقّقت النظر إلى هذه الطرق الأربعة تجدها كلّها تنتهي إلى أبي أيّوب الخزّاز عن محمّد بن مسلم.
ص: 181
وأمّا متن الحديث، ففي الطريق الأوّل والثاني (كتاب علي بن الحكم وكتاب الحسين بن سعيد)، قد ذُكر الحديث هكذا: «عن الماء الذي تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجُنُب، قال: إذا كان الماء قدر كرٍّ لم ينجسه شيء».
وفي الطريق الثالث (كتاب عبد الله بن المغيرة) ذُكر هكذا: «في الغدير فيه ماءٌ مجتمعٌ تبول فيه الدوابّ وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجُنُب، قال(علیه السلام): إذا كان قدر كرٍّ لم ينجّسه شيء، والكرّ ستّمئة رطل».
فهنا اختلاف في صدر الحديث، حيث ذُكر في كتاب عبد الله بن المغيرة: «في الغدير فيه ماءٌ مجتمعٌ» بدل «عن الماء الذي».
وأمّا ذيل الرواية فقد ذُكر في كتاب عبد الله بن المغيرة هذا الذيل: «والكرّ ستّمئة رطل»؛ ومن المحتمل قويّاً أنّ هذا الذيل ليس من الإمام، ولقد أدرجه عبد الله بن المغيرة لشرح الخبر، بقرينة ما روي في كتاب الحسين بن سعيد وكتاب علي بن الحكم.
ذكرنا كلام الشيخ الطوسي الذي احتمل أنّ المراد من الرطل في حديث عبد الله بن المغيرة هو الرطل المكّي الذي يوازن رطلين بالبغدادي.
ونحن نعتقد أنّ المراد من الرطل في كلام عبد الله بن المغيرة هو الرطل البغدادي لا الرطل المكّي، خلافاً لما استظهره الشيخ الطوسي؛ لأنّ الرطل إذا أُطلق فالمراد منه هو الرطل البغدادي.
وعلى هذا يكون مقدار الكرّ عند عبد الله بن المغيرة نصف المقدار الذي ذكره أصحابنا. لكن يبقى الكلام في أنّه لماذا اختار عبد الله بن المغيرة هذا الكلام في تحديد الكرّ، فنقول:
إنّ الشيخ الطوسي منفرداً روى بإسناده عن محمّد بن علي بن محبوب، عن العبّاس بن معروف، عن عبد الله بن المغيرة، عن بعض أصحابه، عن أبي
ص: 182
عبد الله(علیه السلام)، أنّه قال: «إذا كان الماء قدر قلّتين لم ينجسه شيء».(1)
وهذا الحديث قد رواه الشيخ من كتاب محمّد بن علي بن محبوب، وشرحنا حال هذا الكتاب.
ثمّ إنّه قد روى العامّة بأسانيد مختلفة عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)أنّه قال: «إذا بلغ الماء قلّتين لم ينجسه شيء».(2)
والمشهور عندهم أنّ القلّتين هو خمسمئة رطل بالبغدادي.(3) نعم، ذهب بعضهم أنّه ستّمئة رطل، مثل عبد الله الزبيري، واختارة القفّال والغزالي.(4)
والظاهر أنّ عبد الله بن المغيرة ذهب إلى أنّ القلّتين هو ستّمئة رطل، وأراد الجمع بين ما روي في القلّتين وما روي في الكرّ، فلذلك زاد في ذيل حديث محمّد بن مسلم: «والكرّ ستّمئة رطل».
وبعبارة أُخرى: إنّه أراد أن يقول لنا أنّ القلّتين والكرّ شيءٌ واحد، وهما ستّمئة رطل، والمقصود بالرطل هو الرطل البغدادي.
نعم، الحديث الذي ذكره عبد الله بن المغيرة من أنّ الماء إذا بلغ قدر قلّتين لم
ص: 183
ينجّسه شيء، لم يعمل به أصحابنا.
فنلخّص ما ذكرناه بما يلي:
أوّلاً: إنّ تحديد ماء الكرّ بستّمئة رطل ممّا انفرد بنقله الشيخ الطوسي.
ثانياً: إنّ هذا التحديد لم يكن من كلام الإمام، بل هو من كلام عبد الله بن المغيرة، حيث إنّه أراد الجمع بين حديثين مختلفين رواهما في المقام.
ثالثاً: إنّ المراد من الرطل في كلام عبد الله بن المغيرة هو الرطل البغدادي وليس الرطل المكّي، حتّى يمكن الجمع بين كلام عبد الله بن المغيرة وبين ما ذهب إليه المشهور (من أنّ الكرّ هو ألف ومئتا رطل). فكلّما رأينا لفظ «الرطل» في الأحاديث فالمراد منه هو الرطل البغدادي.
ومن المحتمل أنّ سرّ كلام ابن أبي عُمير في مرفوعة عبد الله بن المغيرة يرجع إلى هذه النكتة، حيث قال: «رُوي لي عن عبد الله، يعني ابن المغيرة يرفعه إلى أبي عبد الله(علیه السلام): إنّ الكرّ ستّمئة رطل»، فابن أبي عُمير احتمل أنّ هذا الكلام ليس للإمام، ولذلك عبّر بقوله: «رُوي لي عن عبد الله».(1)
فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ ما رواه عبد الله بن المغيرة في تحديد ماء الكرّ بستمّئة رطل ليس بحجّة ولا يمكن الاعتماد عليه، وأمّا ما ذكر في مرسلة ابن أبي عُمير من تحديده بألف ومئتي رطل، فقد ذكرنا أنّه لم يُذكر في نسخة مشهورة لكتاب ابن أبي عُمير، وذلك ممّا يوقع الشكّ في الاعتماد على الرواية، فالمعيار الوحيد في الماء هو الحجم دون الوزن؛ لذكره في مصادر معتبرة وعديدة، وهي كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى، وكتاب الحسن بن محبوب، وكتاب المياه لعثمان بن عيسى.
هذا مضافاً إلى أنّه في العرف يتمّ تعيين كمّية المياه دائماً بقياس مساحته، وقليلاً ما يتمّ تعيينه بالوزن؛ وذلك لأنّ للماء أوزان مختلفة بحسب كمّيات الأملاح
ص: 184
الموجودة فيه كما بينّا، من هنا نرى أنّه حينما يقرّرون العمل بتوزين الماء يصلون إلى نتائج مختلفة.
على كلّ حال، الماء في الحياة البشرية دائماً مكيل لا موزون ولكن لو احتجنا حقّاً إلى أن نزن ماء كرٍّ، يجب أوّلاً تعيينه في منطقة أو مدينة ما بحسب مساحته، مثلاً على مبنى أربعمئة لتر، فيتمّ وزنها، فيكون هذا الوزن حجّةً على أهل تلك المنطقة.
وذكرنا أنّ حجمه ما كان في أسطوانة قطرها 5/3 وعمقها 5/3 على شرح بيّناه مفصّلاً، ويكون بحدود 400 لتر.
ص: 185
ماء البئر لا ينجس بمجرّد ملاقاة النجاسة، سواء كان هذا الماء قليلاً أم كثيراً.
وأنت خبير بأنّ المراد من ماء البئر ما كان نابعاً عن مادّة. هذا مذهب العلّامة وأكثر المتأخّرين عنه، ولكن ذهب أكثر القدماء إلى أنّ ماء البئر يتنجّس بملاقاة النجاسة، فيجب النزح.(1)
وأمّا آراء أهل السنّة، فإنّ المالكية والحنفية ذهبوا إلى أنّ ماء البئر ينفعل بملاقاة النجاسة مطلقاً، والشافعية والحنابلة ذهبوا إلى نجاسته فيما إذا كان أقلّ من قلّتين، وحكموا بطهارته إذا كان بهذا المقدار.
نعم على تقدير أنّ ماء البئر أقلّ من قلّتين، ذهب الشافعية إلى نجاسته إذا استند وقوع النجاسة إلى اختيار المكلّف، فحكموا فيه بالنجاسة، وأمّا إذا لم يستند وقوع النجاسة في ماء البئر إلى المكلّف _ مثل ما إذا أطارها الريح في البئر _ فحكموا بالطهارة.(2)
ص: 186
والآن نبدأ بشرح مختارنا في المقام (وهو اعتصام ماء البئر)، فيقع الكلام في خطوتين:
دليلنا على هذا الحكم أخبارٌ عديدة، نذكر هنا العمدة منها، وهي: صحيحة ابن بزيع، وصحيحة معاوية بن عمّار.
اتّفق الكليني والشيخ الطوسي على نقل هذه الصحيحة، ولها أسانيد ثلاثة:
السند الأوّل
روى الكليني عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي الحسن الرضا(علیه السلام).(1)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: إنّ المراد من العدّة من أصحابنا في كلام الكليني هنا هو جماعة من الثقات، منهم محمّد بن يحيى وأحمد بن إدريس وعلي بن إبراهيم.(2)
ووثاقة أحمد بن محمّد بن عيسى واضحة، وأمّا محمّد بن إسماعيل بن بزيع فيُعدّ من صالحي هذه الطائفة وثقاتهم.(3)
والحاصل، أنّ الرواية من أصحّ ما عندنا من الروايات.
ص: 187
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب محمّد بن إسماعيل بن بزيع.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي نجد أنّه ذكر لمحمّد بن إسماعيل بن بزيع كتباً، ورواها بالإسناد عن أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع.(1)
فأحمد بن محمّد بن عيسى روى نسخة من كتب محمّد بن إسماعيل بن بزيع، وقد وصلت هذه النسخة إلى الكليني، فإنّ الكليني روى بالإسناد عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع في أكثرمن 186 مورداً.(2)
السند الثاني
ابتدأ الشيخ في سنده باسم أحمد بن محمّد بن عيسى، حيث قال: «فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن الرضا(علیه السلام)...».(3)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: ذكر الشيخ الطوسي في المشيخة عدّة طرق إلى أحمد بن محمّد بن عيسى، نذكر هنا طريقاً واحداً، وهو ما رواه عن الشيخ المفيد، عن ابن قُولَوَيه الابن، عن الكليني، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى،
ص: 188
وقد تقدّم وثاقتهم آنفاً، فالرواية بهذا السند أيضاً صحيحة.(1)
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا لأحمد بن محمّد بن عيسى عدّة كتب، منها كتاب النوادر.(2)
ثمّ إنّ الشيخ الطوسي ابتدأ باسم أحمد بن محمّد بن عيسى في أكثر من 550 مورداً، والظاهر أنّه أخذ في هذه الموارد من كتاب أحمد بن محمّد بن عيسى.(3)
السند الثالث
ذكر الشيخ الطوسي في أوّل هذا السند من طريقه إلى سعد بن عبد الله: « عن أحمد بن محمّد ]بن عيسى الأشعري[، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع...».(4)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: ذكرنا أنّ للشيخ الطوسي إلى سعد بن عبد الله طريقين في مشيخة تهذيب الأحكام، نذكر هنا أحدهما وهو: عن الشيخ المفيد، عن ابن قُولَوَيه الابن، عن ابن قُولَوَيه الأب، عن سعد بن عبد الله.
ورجال السند كلّهم من الثقات.
والحاصل، إنّ هذه الرواية بهذا السند تعتبر من الأحاديث الصحيحة.
ص: 189
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله الأشعري، وقد أسبغنا الكلام فيه.(1)
وهذا السند يتّحد تماماً مع ما ذكره الشيخ في مشيخة تهذيب الأحكام من الطريق إلى كتب سعد بن عبد الله، وعليه فلا ريب أنّ الشيخ أخذ هذه الصحيحة من كتاب الرحمة.(2)
ولا يخفى أنّ سعد بن عبد الله أخذ هذه الرواية من كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى.(3)
فتحصّل أنّ هذه الصحيحة ذُكرت في ثلاثة مصادر: كتاب محمّد بن إسماعيل بن بزيع، وكتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى، وكتاب الرحمة لسعد بن عبد الله. فالمصدر الأوّلي للصحيحة هو كتاب محمّد بن إسماعيل بن بزيع. ولم يصل هذا الكتاب إلى الشيخ الطوسي، ولكنّ الشواهد تشير إلى وصوله إلى الكليني؛ لقرب عهده بالمؤلّف.
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل خمسة(4):
ص: 190
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ محمّد بن إسماعيل بن بزيع الكوفي سافر من الكوفة إلى المدينة، وسمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: بغداد
ولمّا رجع إلى الكوفة ألّف كتابه و أدرج الحديث فيه.
المرحلة الثالثة: قمّ
إنّ أحمد بن محمّد بن عيسى القمّي سافر إلى الكوفة، فسمع من محمّد بن إسماعيل بن بزيع كتابه ونقله إلى قمّ، فسمع منه عدّة من أصحابنا، منهم محمّد بن يحيى (راجع السند الأوّل).
ثمّ إنّ أحمد بن محمّد بن عيسى لمّا ألّف كتابه النوادر أدرج هذا الحديث فيه، وبعد ذلك سمع منه عدّة من أصحابنا كتاب النوادر (راجع السند الثاني).
ولا يخفى أنّ سعد بن عبد الله سمع من أحمد بن محمّد بن عيسى هذا الحديث، فأدرجه في كتاب الرحمة (راجع السند الثالث).
المرحلة الرابعة: الري، قمّ
في هذه المرحلة تمّ نقل الحديث إلى بلدين:
1_ الري
إنّ الكليني سافر إلى قمّ وسمع من عدّة من مشايخ قمّ كتاب محمّد بن إسماعيل بن بزيع من طريق أحمد بن محمّد بن عيسى، فأخذ من ذلك الكتاب
ص: 191
هذا الحديث فأدرجه في الكافي (راجع السند الأوّل).
كما وسمع أيضاً كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى (راجع السند الثاني).
1_ قمّ
إنّ ابن قُولَوَيه الأب سمع من سعد بن عبد الله كتاب الرحمة، وبعد ذلك سمع ابن قُولَوَيه الابن من أبيه (راجع السند الثالث).
كما أنّ ابن قُولَوَيه الابن سمع من الكليني كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى (راجع السند الثاني).
المرحلة الخامسة: بغداد
إنّ ابن قُولَوَيه الابن سافر إلى بغداد فنقل كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى لمشايخ بغداد، ومنه سمع الشيخ المفيد، وبعد ذلك سمع الشيخ الطوسي من الشيخ المفيد هذا الكتاب، ولمّا قام الشيخ الطوسي بتأليف تهذيب الأحكام والاستبصار أخذ هذه الرواية من كتاب الرحمة لسعد وأدرجه في تهذيب الأحكام والاستبصار (راجع السند الثاني).
كما وأنّ ابن قُولَوَيه الابن لمّا سافر إلى بغداد نقل كتاب الرحمة لمشايخ بغداد، ومنه سمع الشيخ المفيد، وبعد ذلك سمع الشيخ الطوسي من الشيخ المفيد الكتاب، فأخذ منه هذا الحديث (راجع السند الثالث).
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي:
السند الأوّل: المدينة، الكوفة، قمّ، الري.
السند الثاني: المدينة، الكوفة، قمّ، الري، قمّ، بغداد.
السند الثالث: المدينة، الكوفة، قمّ، بغداد.
فالحديث بسنده الأوّل مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي نشراً ورازي تدويناً.
وأمّا بالسند الثاني والثالث فالحديث مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي تدويناً
ص: 192
ورازي نشراً وبغدادي تأليفاً.
وبالسند الثالث فالحديث مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي تدويناً ونشراً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جميع طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وأمّا متنه بناءً على ما في الاستبصار:
قال محمّد بن إسماعيل بن بزيع: كتبتُ إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا(علیه السلام)، فقال: «ماء البئر واسع لا ينجّسه شيء إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه في نزح منه حتّى يذهب الريح ويطيب طعمه؛ لأنّ له مادّة».(1)
وذكر في تهذيب الأحكام «لا يفسده شيء» بدل «لا ينجسه شيء».
وأمّا متن الخبر بناءً على ما في الكافي:
«ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلّا أن يتغيّر به».(2)
ص: 193
ولم يذكر في الكافي ذيل الخبر، ونحن نعتقد أنّ سرّ هذا الاختلاف في متن الحديث يرجع إلى اختلاف المصدر.(1)
بيان ذلك: ذكرنا أنّ الكليني قد وصلت إليه نسخة من كتاب محمّد بن إسماعيل بن بزيع، ولم يذكر ذيل الحديث فيها.
ولكنّ الشيخ الطوسي أخذ الحديث تارةً من كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى، وأُخرى من كتاب الرحمة، وقد ذكر فيهما الذيل.
فالكليني لم ينقل الرواية من كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى، واكتفى بنقله من كتاب محمّد بن إسماعيل بن بزيع، ونحن نحتمل قوياً انّ الكليني إذا أمكنه نقل الخبر من مصدر أوّلي، لا ينقله من مصدر ثانوي، بخلاف الشيخ الطوسي، فإنّه لم تصل إليه كثير من المصادر الأوّلية، واكتفى بنقل الأخبار من المصادر الثانوية.
وفيما نحن فيه بما أنّ كتاب محمّد بن إسماعيل بن بزيع كان موجوداً عند الكليني، فأخذ منه الخبر وأدرجه في كتابه الكافى، مع أنّه لم يُذكَر في النسخة التي وصلت إلى الكليني ذيل الخبر، ولم ينقل الكليني هذه الرواية من كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى، مع أنّ المذكور في كتاب أحمد بن محمّد بن عيسى هذه الرواية بزيادة في الذيل.(2)
ص: 194
وكيف كان، فقد دلّت الصحيحة على أنّ ماء البئر واسع ولا ينجس بملاقاة النجاسة، إلّا إذا تغيّر أحد أوصافه بالنجاسة، كما أنّ المراد من «السعة» هو السعة في الحكم.
فصدر الرواية الذي اتّفق الكليني والشيخ على نقلها كاف في مقام الدلالة على عدم نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة.
ثمّ ربّما يُتصوّر أنّ مفهوم صحيحة محمّد بن مسلم يُقدّم على صحيحة ابن بزيع.
بيان ذلك: إنّ مفهوم قوله(علیه السلام) في صحيحة محمّد بن مسلم: «إذا كان الماء قدر كرٍّ لم ينجسه شيء»، يدلّ على أنّ الماء إذا لم يبلغ قدر كرٍّ ينفعل بالملاقاة، سواء كان له مادّة أم لا، وظاهر صحيحة ابن بزيع هو أنّ الماء إذا كان له مادّة لا ينفعل بملاقاة النجاسة.(1)
والإنصاف أنّ صحيحة ابن بزيع تكون بياناً وقرينةً على صحيحة محمّد بن مسلم، حيث إنّ صحيحة محمّد بن مسلم تدلّ على أنّ خصوص كرّية الماء سببٌ لاعتصام الماء، ولكنّ صحيحة ابن بزيع بيّنت أنّ هناك علّةً أُخرى لاعتصام الماء، وهي سعة ماء البئر، ولذلك تُقدّم صحيحة ابن بزيع على صحيحة
ص: 195
محمّد بن مسلم.(1)
انفرد الشيخ الطوسي بنقل هذه الصحيحة، وذكر من طريقه إلى الحسين بن سعيد: «عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد ]بن عيسى[، عن معاوية ]بن عمّار[، عن أبي عبد الله(علیه السلام)».
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: طريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد طريق معتمد، وهو: عن الشيخ المفيد، عن ابن الوليد الابن، عن ابن الوليد الأب، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد.(2)
وأمّا حمّاد بن عيسى فهو ثقة في حديثه صدوق، وكان معاوية بن عمّار وجه في أصحابنا.(3)
ص: 196
والحاصل، إنّ هذه الرواية من الروايات الصحيحة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب الحسين بن سعيد.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا للحسين بن سعيد الأهوازي ثلاثين كتاباً، كما أنّ هذا الطريق يتّحد مع ما ذكره الشيخ من طرقه إلى كتب الحسين بن سعيد في فهرسته.(1)
والنجاشي ذكر أنّ لكتب الحسين بن سعيد خمسة نسخ، والنسخة التي اعتمد عليها أصحابنا هي نسخة أحمد بن محمّد بن عيسى، وفي هذا الطريق روى الشيخ الطوسي عن هذه النسخة.(2)
نعم، إنّ الحسين بن سعيد أخذ هذه الصحيحة من كتاب حمّاد بن عيسى، فإنّ النجاشي والشيخ الطوسي ذكرا كتباً متعدّدة لحمّاد بن عيسى، ويُستظهر من كلامهما أنّ كتب حمّاد كانت مشهورة وقد رواها جماعة.(3)
كما إنّا نجد أنّ الحسين بن سعيد روى في 649 مورداً في الكتب الأربعة عن حمّاد بن عيسى، وهذا يشهد على أنّ الحسين بن سعيد روى نسخة من كتاب حمّاد، وفي الواقع أنّ الحسين بن سعيد أخذ هذه الرواية من كتاب حمّاد وأدرجها
ص: 197
في كتابه.(1)
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل ستّ:
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ معاوية بن عمّار الكوفي سمع الحديث في المدينة عن الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة نقل الحديث هناك، فسمع منه حمّاد بن عيسى.
المرحلة الثالثة: البصرة
إنّ حمّاد بن عيسى الذي كان يسكن البصرة سمع الحديث من حَرِيز وأدرجه في كتابه.
المرحلة الرابعة: الأهواز
إنّ الحسين بن سعيد الذي كان أصله كوفياً سمع الحديث من حمّاد بن عيسى (وتحمّل كتاب حمّاد بن عيسى)، ثمّ سافر إلى الأهواز وسكن فيها، ولمّا قام بتأليف كتابه أدرج الحديث فيه.
المرحلة الخامسة: قمّ
إنّ الحسين بن سعيد سافر إلى قمّ وسمع منه أحمد بن محمّد بن عيسى كتبه، ولمّا وصل الأمر إلى الصفّار القمّي سمع من أحمد بن محمّد بن عيسى كتاب الحسين بن سعيد.
ثمّ إنّ ابن الوليد الأب سمع كتاب الحسين بن سعيد من الصفّار، وبعد ذلك
ص: 198
سمع ابن الوليد الابن هذا الكتاب من أبيه.
المرحلة السادسة: بغداد
إنّ ابن الوليد الابن الذي كان قمّياً، سافر إلى بغداد ونقل كتب الحسين بن سعيد إلى هناك، وسمع منه الشيخ المفيد، وبعد ذلك لمّا هاجر الشيخ الطوسي إلى بغداد وسكن فيها، قام بتحمّل كتب الحسين بن سعيد من أُستاذه الشيخ المفيد، ولمّا قام الشيخ بتأليف تهذيب الأحكام والاستبصار، أخذ هذا الحديث من كتاب الحسين بن سعيد وأدرجه فيهما.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي: المدينة، الكوفة، البصرة، الأهواز، قمّ، بغداد.
فالحديث مدني صدوراً وكوفي نقلاً وبصري تصنيفاً وأهوازي تدويناً وقمّي نشراً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جميع طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
عن معاوية، عن أبي عبد الله(علیه السلام)، قال: سمعته يقول: «لا يُغسل الثوب ولا تُعاد الصلاة ممّا وقع في البئر، إلّا أن ينتن، فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونُزحت البئر».(1)
وجه الاستدلال به: يظهر منه عدم انفعال ماء البئر بملاقاة ما وقع فيه من النجاسات ما لم يتغيّر أحد أوصافه؛ وذلك لدلالة الحديث على عدم وجوب غسل
ص: 199
الثوب الذي أصابه ماء البئر، وعدم إعادة الصلاة الواقعة في ذلك الثوب.
فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ ماء البئر لا ينجس بملاقاة النجس إلّا إذا تغيّر أحد أوصافه.
هناك أخبار أُخرى يُستدلّ بها على انفعال ماء البئر بملاقاة النجاسة وإن لم يتغيّر أحد أوصافه، وصُرّح فيها بأنّه يجب نزح ماء البئر إذا لاقى شيئاً نجساً.
ونحن نذكر هنا العمدة منها، وهي صحيحة علي بن يقطين، وصحيحة ابن أبي يعفور:
انفرد الشيخ الطوسي بنقلها، فقال: «وروى سعد بن عبد الله عن أيّوب بن نوح النخعي، عن محمّد بن أبي حمزة ]الثمالي[، عن علي بن يقطين، عن أبي الحسن موسى بن جعفر(علیه السلام)».
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: ذكرنا صحّة طريقي الشيخ الطوسي إلى سعد بن عبد الله سابقاً، ونذكر هنا طريقاً واحداً، وهو ما رواه الشيخ عن الشيخ المفيد، عن ابن قُولَوَيه الابن، عن ابن قُولَوَيه الأب، عن سعد بن عبد الله.
وأمّا أيّوب بن نوح فكان ثقةً في رواياته، ومحمّد بن أبي حمزة الثمالي ثقة فاضل، كما وأنّ علي بن يقطين كان ثقةً جليل القدر عظيم المكان في الطائفة.(1)
ص: 200
والحاصل، أنَّ هذه الرواية صحيحة سنداً.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله الأشعري؛ لأنّ الشيخ ابتدأ باسم سعد بن عبد الله، ولقد شرحنا حال الكتاب سابقاً.(1)
ثمّ إنّ المصدر الأوّلي للحديث هو كتاب أيّوب بن نوح؛ إذ الشيخ الطوسي صرّح في فهرسته بأنّ لأيّوب بن نوح كتاباً، ورواه بالإسناد عن سعد بن عبد الله عن أيّوب بن نوح، ومعنى ذلك أنّه كان عند سعد بن عبد الله نسخة من كتاب أيّوب بن نوح(2)، كما أنّا نجد أنّ سعد بن عبد الله روى في 38 مورداً (في الكافي وتهذيب الأحكام والاستبصار) عن أيّوب بن نوح.(3)
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل أربع:
المرحلة الاُولى: المدينة
الظاهر أنّ محمّد بن أبي حمزة الثمالي لمّا سافر من الكوفة إلى المدينة سمع الرواية من الإمام الكاظم(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
و لمّا رجع محمّد بن أبي حمزة الثمالي إلى الكوفة نقل الحديث فيها، فسمع منه أيّوب بن نوح الكوفي، ولقد ألّف أيّوب بن نوح كتابه وذكر فيه هذا الحديث.
المرحلة الثالثة: قمّ
إنّ سعد بن عبد الله سافر إلى الكوفة فسمع كتاب أيّوب بن نوح، ولمّا رجع إلى
ص: 201
قمّ وألّف كتاب الرحمة، أدرج فيه هذا الحديث.
كما أنّ ابن قُولَوَيه الأب تحمّل كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله، وقام ابن قُولَوَيه الابن بتحمّله عنه.
المرحلة الرابعة: بغداد
إنّ ابن قُولَوَيه الابن القمّي سافر إلى بغداد، فسمع الشيخ المفيد منه كتاب الرحمة، وبعد ذلك سمع الشيخ الطوسي من الشيخ المفيد هذا الكتاب، ولمّا قام الشيخ الطوسي بتأليف تهذيب الأحكام والاستبصار أخذ الرواية من كتاب الرحمة لسعد وأدرجها فيهما.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي:
المدينة، الكوفة، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ محمّد بن أبي حمزة: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2_ سعد بن عبد الله: نقل الحديث من الكوفة إلى قمّ.
3_ ابن قُولَوَيه الابن: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي تدويناً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جميع طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
عن علي بن يقطين، عن أبي الحسن موسى بن جعفر(علیه السلام)، قال: سألته عن البئر يقع فيها الدجاجة والحمامة أو الفأرة أو الكلب أو الهرّة، فقال: «يجزيك أن تنزح منها دلاء، فإنّ ذلك يطهّرها إن شاء الله».(1)
ص: 202
وجه الاستدلال به: أنّ الصحيحة تدلّ على نجاسة البئر؛ لقوله(علیه السلام): «ذلك يطهّرها»، فلو كانت البئر قبل ذلك طاهرة لزم تحصيل الحاصل وهو باطل، كما أنّ الصحيحة تدلّ على وجوب النزح؛ لقوله(علیه السلام): «يجزيك»، فإنّ الإجزاء لا يُستعمل إلّا في الوجوب.
ونحن نعتقد أنّ هذه الصحيحة موافقة مع العامّة على شرح سنذكره.
اتّفق الكليني والشيخ الطوسي على نقل هذه الصحيحة، ولها سندان:
السند الأوّل
روى الكليني عن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، عن ابن أبي يعفور وعنبسة بن مصعب، عن أبي عبد الله(علیه السلام).(1)
وقد رواه الشيخ بإسناده عن الشيخ الكليني.(2)
التحليل الرجالي: إنّ المراد من «محمّد بن إسماعيل» هو البندقي النيسابوري، وليس له توثيق صريح، ولكنّ الشواهد تدلّ على قبول رواياته، حيث نرى أنّ الكليني قد اعتمد عليه اعتماداً كبيراً، فإنّ عدد روايات محمّد بن إسماعيل في الكافي 575 رواية، وفي جميع هذه الموارد روى محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان. فمحمّد بن إسماعيل الذي كان من مشايخ الكليني هو النيسابوري، ولم يروِ إلّا عن الفضل بن شاذان.
نعم، هناك محمّد بن إسماعيل البرمكي الذي وثّقه النجاشي بقوله: «كان ثقةً مستقيماً»، وضعّفه ابن الغضائري، ولم يروِ عن الفضل بن شاذان أساساً، ولم يكن
ص: 203
من مشايخ الكليني.(1)
وأمّا الفضل بن شاذان النيسابوري، فهو في قدره أشهر من أن نصفه، وصفوان بن يحيى ثقة ثقة عين.(2)
ومنصور بن حازم ثقة عين صدوق، وعبد الله بن أبي يعفور ثقة ثقة جليل في أصحابنا، وأمّا عنبسة بن مصعب فليس له توثيق صريح، بل ذكر الكشّي أنّه كان واقفياً، ولكن هذا لا يضرّ بصحّة الحديث؛ لأنّه قد روى عبد الله بن يعفور في طبقته هذه الرواية أيضاً.(3)
والحاصل، أنّ هذه الرواية بهذا السند تعتبر من الأحاديث الصحيحة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة بهذا السند كانت مذكورة في كتاب الوضوء لصفوان بن يحيى البَجَلي.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي عند ترجمة صفوان بن يحيى، نراه يقول: «وصنّف ثلاثين كتاباً كما ذكر أصحابنا، يُعرف منها الآن: كتاب الوضوء
ص: 204
كتاب الصلاة، كتاب الصوم...».(1)
وقول النجاشي: «يُعرف منها الآن»، ظاهر في أنّ بعض كتب صفوان كانت موجودةً في زمان النجاشي.
نعم، روى النجاشي كتب صفوان بالإسناد عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، كما أنّ الشيخ الطوسي رواها بالإسناد عن جماعة (منهم محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ويعقوب بن يزيد والحسين بن سعيد)، عن صفوان.(2)
هذا، ونحن نعتقد أنّ الفضل بن شاذان روى نسخة من كتاب صفوان، وقد وصلت هذه النسخة إلى الكليني، بقرينة أنّ الكليني روى عن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى في 208 موارد.(3)
فهذا السند هو أحد طرق الكليني إلى كتاب صفوان بن يحيى.
السند الثاني
ابتدأ الشيخ في أوّل هذا السند باسم الحسين بن سعيد قائلاً: «الحسين بن سعيد عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، عن عبد الله بن أبي يعفور وعنبسة بن مصعب، عن أبي عبد الله(علیه السلام)».(4)
التحليل الرجالي: إنّ للشيخ الطوسي إلى الحسين بن سعيد طريقان معتبران، ونذكر هنا طريقاً واحداً، وهو ما رواه عن الشيخ المفيد، عن ابن الوليد الابن، عن ابن الوليد الأب، عن محمّد بن الحسن الصفّار وسعد بن عبد الله، عن أحمد بن
ص: 205
محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد.(1)
وأمّا بقيّة السند فمتّحد مع السند الأوّل، وعليه فالرواية بهذا السند أيضاً صحيحة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة بهذا السند كانت مذكورة في كتب الحسين بن سعيد.
ص: 206
بيان ذلك: إنّ الشيخ ابتدأ هذا السند باسم الحسين بن سعيد، وهو ظاهر في أنّه أخذ الرواية من كتاب الحسين بن سعيد، كما أنّ طريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد في الواقع طريق إلى كتب الحسين بن سعيد.
نعم، إنّ الحسين بن سعيد أخذ هذه الرواية من كتاب الوضوء لصفوان بن يحيى.
وكيف كان، أنّ الكليني أخذ الرواية من مصدرها الأوّلي وهو كتاب صفوان، بما أنّ الشيخ الطوسيّ أخذ الرواية من مصدرها الثانوي وهو كتاب الحسين بن سعيد.
فتحصّل إلى هنا أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب صفوان بن يحيى وكتاب الحسين بن سعيد.
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل خمس(1):
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ عنبسة بن بجاد وعبد الله بن أبي يعفور الكوفيان سمعا الحديث من الإمام الصادق(علیه السلام) في المدينة.
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجعا إلى الكوفة نقلا الحديث هناك، فسمع منهما منصور بن حازم الكوفي، ثمّ سمع منه صفوان بن يحيى الكوفي فأدرج الحديث في كتابه.
المرحلة الثالثة: نيسابور والأهواز
في هذه المرحلة نقل الحديث إلى بلدين:
ص: 207
1_ نيسابور: إنّ الفضل بن شاذان النيسابوري سافر إلى الكوفة، فسمع الحديث من صفوان، (وتحمّل كتاب صفوان بن يحيى)، ثمّ رجع إلى نيسابور، وبعد ذلك سمع منه محمّد بن إسماعيل النيسابوري (راجع السند الأوّل).
2_ الأهواز: إنّ الحسين بن سعيد الذي كان أصله كوفياً سمع الحديث من صفوان بن يحيى، (وتحمّل كتاب صفوان) ثمّ سافر إلى الأهواز وسكن فيها، ولمّا قام بتأليف كتابه أدرج الحديث فيه (راجع السند الثاني).
المرحلة الرابعة: الري وقم
في هذه المرحلة تمّ نقل الحديث إلى بلدين:
1_ الري
من المحتمل أنّ الكليني سافر إلى نيسابور وسمع من محمّد بن إسماعيل النيسابوري كتاب الفضل بن شاذان، وأخذ من ذلك الكتاب هذا الحديث أيضاً وأدرجه في كتابه الكافي (راجع السند الأوّل).
2_ قمّ
إنّ الحسين بن سعيد سافر إلى قمّ فسمع منه أحمد بن محمّد بن عيسى كتبه، ثمّ سمع سعد بن عبد الله والصفّار كتب الحسين بن سعيد من أحمد بن محمّد بن عيسى، كما أنّ ابن الوليد الأب وابن الوليد الابن رويا هذا الكتاب (راجع السند الثاني).
المرحلة الخامسة: بغداد
إنّ ابن الوليد الابن الذي كان قمّياً، سافر إلى بغداد ونقل كتاب الحسين بن سعيد إلى هناك، وسمع منه الشيخ المفيد، وبعد ذلك لمّا هاجر الشيخ الطوسي إلى بغداد وسكن فيها، قام بتحمّل كتاب الحسين بن سعيد من أُستاذه الشيخ المفيد، ولمّا قام الشيخ بتأليف تهذيب الأحكام والاستبصار، أخذ هذا الحديث من كتاب الحسين بن سعيد وأدرجه فيهما (راجع السند الثاني).
ص: 208
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ عنبسة وابن أبي يعفور: نقلا الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2_ الفضل بن شاذان: نقل الحديث من الكوفة إلى نيسابور.
3_ الحسين بن سعيد: نقل الحديث من الكوفة إلى الأهواز وقم
4 _ الكليني: نقل الحديث من نيسابور إلى الري.
5 _ ابن الوليد الابن: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث بالسند الأوّل مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً ونيسابوري نشراً ورازي تدويناً.
والحديث بالسند الثاني مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وأهوازي تدويناً وقمّي نشراً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جميع طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال.
هذا تمام الكلام في سندي الحديث، وإليك متنه:
عن أبي عبد الله(علیه السلام): «إذا أتيت البئر وأنت جُنب فلم تجد دلواً ولا شيئاً تغرف به، فتيمّم بالصعيد، فإنّ ربّ الماء وربّ الصعيد واحد، ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم».(1)
وجه الاستدلال به: إنّ الأمر بالتيمّم ليس إلّا لنجاسة الماء بسبب وقوع الجُنُب فيه، وإلّا فمع وجود ماء طاهر لا يسوغ التيمّم، كما أنّ المراد من الإفساد هو التنجيس.
هذا، ولكنّ هاتين الروايتين (صحيحة ابن أبي يعفور، وصحيحة علي بن
ص: 209
يقطين) اللتين تدلّان على نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة، موافقتان لمذهب أهل السنّة، وقد ذكرنا آراءهم، وبينّا أنّ المذاهب الأربعة اتّفقوا على نجاسة ماء البئر بالملاقاة، وإن اختلفوا في بعض خصوصيّاته، فيجب علينا أن نحمل هذه الأخبار على التقيّة.(1)
فإذا حملنا صحيحة ابن أبي يعفور وصحيحة علي بن يقطين على التقيّة، فنأخذ بصحيحة ابن بزيع وصحيحة معاوية بن عمّار الدالّتين على عدم انفعال ماء البئر بملاقاة النجس.
فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ ماء البئر معتصم لا ينفعل بمجرّد ملاقاة النجس.
ص: 210
الماء الجاري عن نبع لا ينجس بمجرّد ملاقاة النجاسة، سواء كان هذا الماء قليلاً أم كثيراً.
وهذا هو قول مشهور المتقدّمين والمتأخّرين من فقهاء الإمامية.(1)
نعم، خالف في ذلك العلّامة وذهب إلى انفعال الماء الجاري إذا كان قليلاً.(2)
وكيف كان، فإنّ الماء الجاري إذا كان كثيراً فهو معتصم بلا شكّ؛ لأدلّة اعتصام ماء الكرّ الذي تعرّضنا لذكره سابقاً.
وأمّا إذا كان هناك ماء جارٍ عن مادّة نابعة وكان قليلاً، فنحتاج لإقامة الدليل على اعتصامه.
وقبل الورود في البحث لا بدّ لنا من تمهيد مقدّمة للاطّلاع على آراء أهل السنّة إجمالاً:
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنّ كلّ ما جرى قلّ أو كثر، اتّصل بمادّة نابعة أو لم يتّصل، لا يتنجس بمجرّد الملاقاة، فالمعيار عندهم هو مجرّد الجريان. وحاصل
ص: 211
كلامهم أنّ الماء القليل الذي لم يكن له مادّة إذا لم يكن جارياً يتنجّس بالملاقاة، وأمّا الجاري فلا.
أمّا المالكية فإنّهم ذهبوا إلى عدم نجاسة الماء بالملاقاة، بل يعتبرون في نجاسة الماء (سواء كان قليلاً أم كثيراً) تغيّر أوصاف الماء فقط، ومعنى ذلك أنّ الماء الجاري إذا كان قليلاً لا ينجس بالملاقاة.
وأمّا الشافعية فلا فرق عندهم بين الجاري والراكد، وبين النابع وغيره، وإنّما الاعتبار عندهم بالقلّة والكثرة، فذهبوا إلى أنّ الكثير الذي بلغ القلّتين لا يتنجّس بالملاقاة، وأمّا ما كان دون القلّتين يتنجّس بالملاقاة، سواء كان جارياً أو راكداً، نابعاً أو غير نابع.(1)
ثمّ لا يخفى أنّ الجريان وعدمه سواء عند مشهور فقهاء الإمامية، فالمعيار عندهم أمّا الكثرة أو المادّة النابعة. فالماء الجاري إذا كان كثيراً فهو معتصم لكثرته، أمّا إذا كان قليلاً فلا اعتبار بمجرّد الجريان، بل لا بدّ من اعتبار المادّة النابعة. وبالنتيجة أنّ الماء الجاري القليل إذا كان متّصلاً بالمادّة فهو معتصم ولا يتنجّس بملاقاة النجاسة.
إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ عمدة الدليل للحكم باعتصام الماء الجاري عن مادّة إذا كان قليلاً، هو صحيحة ابن بزيع، وقد رواها الشيخ الطوسي في الاستبصار بإسناده عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن الرضا(علیه السلام).(2)
وذكرنا أنّ للشيخ الطوسي طريقين صحيحين إلى أحمد بن محمّد بن عيسى. فالرواية بهذا السند صحيحة، والظاهر أنّ الشيخ الطوسي أخذ هذه الصحيحة من كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى، نعم ذكرها الشيخ في تهذيب الأحكام
ص: 212
بإسناده عن سعد بن عبد الله. ولقد بسطنا الكلام في سند الرواية رجالياً وفهرستياً في مسألة اعتصام ماء البئر، فراجع.
وكيف كان، فإنّ محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال:
كتبتُ إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا(علیه السلام)، فقال: «ماء البئر واسع لا ينجسه شيء، إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه، فينزح منه حتّى يذهب الريح ويطيب طعمه؛ لأنّ له مادّة».(1)
وجه الاستدلال بها: إنّ الصحيحة وإن وردت في ماء البئر، ولكن لمّا ذُكر في ذيلها عموم التعليل، فيشمل الماء الجاري، فيُستفاد منه أنّ الماء إذا كان له مادّة فهو محكوم بالاعتصام، سواء كان قليلاً أم كثيراً.(2)
يعتبر في عدم تنجّس الجاري اتّصاله بالمادّة، فلو كانت المادّة من فوق تترشّح وتتقاطر، فإن كان الماء المترشّح والمتقاطر دون الكرّ ينجس.
والوجه فيه أنّ ظاهر قوله(علیه السلام) في صحيحة ابن بزيع: «لأنّ له مادّة» أن يكون للماء مادّة بالفعل، بأن يتّصل بها فعلاً، أمّا ما كان متّصلاً بها في وقت مع انفصاله عنها بالفعل، فهو خارج عن مدلول الرواية.
ص: 213
نعم، إذا لاقى محلّ الرشح للنجاسة لا ينجس؛ لصدق اتّصاله بالمادّة كما هو واضح.
الراكد المتّصل بالجاري كالجاري في عدم انفعاله بملاقاة النجس والمتنجّس، فالحوض المتّصل بالنهر بساقية، معتصمٌ لا ينجس بالملاقاة، وكذا أطراف النهر، وإن كان ماؤه راكداً.
والوجه في ذلك أنّ العرف يرى الوحدة بين الماءَين.
إذا تغيّر بعض الجاري دون بعضه الآخر، فالطرف المتّصل بالمادّة لا ينجس بالملاقاة وإن كان قليلاً، والطرف الآخر حكمه حكم الراكد إذا تغيّر تمام قطر ذلك البعض، وإلّا فالمتنجّس هو المقدار المتغيّر فقط؛ لاتّصال ما عداه بالمادّة.
وذكرنا أنّ عنوان الجري ليس معياراً للحكم باعتصام الماء، وإنّما الحكم على الماء الجاري بعدم الانفعال لأنّ له مادّة، ومن المعلوم أنّ المادّة بمعنى ما يمدّ الماء وما منه يستمدّ بخروج المقدار المتحلّل من الماء، والمادّة بهذا المعنى غير متحقّقة في الماء المتأخّر، فإنّه لا يستمدّ من المادّة بوجه؛ لانفصاله عنها، فلا يصدق أنّه ماء له مادّة، فينفعل إذا كان قليلاً.
إذا شكّ في أنّ للجاري مادّة أم لا، ولم يثبت كونه ذا مادّة سابقاً وكان قليلاً، ينجس بالملاقاة؛ وذلك لجريان أصالة عدم المادّة في المقام، وهو غير استصحاب عدم المادّة؛ لأنّ في الاستصحاب تنزيلاً، ولكن في أصالة عدم المادّة لم يكن هناك تنزيل؛ فإنّا إذا شككنا في وجود الشيء فنحكم بعدمه.
لا فرق بين ماء الحمّام وغيره في الأحكام، ففي حياض الحمّامات الصغار إذا
ص: 214
كانت متّصلة بالمادّة اعتصمت، وأمّا إذا لم تكن متّصلة بالمادّة، أو لم تكن المادّة كرّاً لم يعتصم.
وللعلم أنّ الحمّام سابقاً كان له خزّان مياه كبير، وفي الغالب يكون في مستوًى أعلى من الحمّام. وللحمّام حياض صغيرة، حيث يجري الماء من الخزان إلى هذه الحياض الصغار.
فبحسب القاعدة إذا كان الخزان بقدر كرّ، فالحياض تعدّ معتصمة.
نعم، إنّ بعض الفقهاء كصاحب الجواهر ذهب إلى أنّ لماء الحمّام خصوصية، وهو معتصم وإن لم يكن خزان الحمّام كرّاً.(1)
وبعبارة أُخرى: إنّ صاحب الجواهر فهم من أخبار ماء الحمّام شيئاً خلاف القواعد، وقد استدلّ لعدم اشتراط مادّة الحمّام بالكرّية بإطلاق أخبار المقام، ولا بأس بالإشارة إلى بعضها:
منها: صحيحة داود بن سرحان، قال: قلتُ لأبي عبد الله(علیه السلام): ما تقول في ماء الحمّام؟ قال: «هو بمنزلة الماء الجاري».(2)
ومنها: صحيحة بكر بن حبيب عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «ماء الحمّام لا بأس به إذا كان له مادّة».(3)
ومنها: رواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله(علیه السلام)، في حديث: «إنّ ماء الحمّام
ص: 215
كماء النهر، يطهّر بعضه بعضاً».(1)
كما ترى قد أُطلق ذكر ماء الحمّام في هذه الأخبار، فتشمل ما إذا كانت مادّته أقلّ من الكرّ، وذكرنا أنّ بعض الأعلام قد تمسّك بهذا الإطلاق للحكم بأنّ ماء الحمّام معتصم ولو كانت مادّته أقلّ من الكرّ.
والإنصاف أنّ إطلاقات الأخبار تُنزّل على ما هو المتعارف، ومن المعلوم أنّ الماء الموجود في مادّة الحمّام يكون أزيد من عشرين كرٍّ فضلاً عن كرٍّ واحد، كيف وأنّ وضع الحمّامات المتعارفة إنّما هي على وجه لو أُضيف إلى الماء الموجود في موادّها _ لدى الحاجة _ كرّاً أو أزيد، لا يؤثّر في تبريد مائه.
ويشهد على ذلك أنّ الحمّام وُضع على أن يكون في خزانه بالفعل مقدار من الماء يفي بقضاء حاجة الكثير من الناس، والحمّامي لا يزال يراقب أمرها بحيث لو نقص من مائه شيء يعينه بماء جديد.
وكيف كان، فلا يتقوّم أمر الحمّام إلّا بأن يكون الماء الحارّ الموجود في الخزان بمقدار لو زيد عليه كرّ استهلك فيه.
فالنكتة المستفادة من أخبار ماء الحمّام هي أنّ ماء الحمّام الموجود في الحياض الصغار إذا جرى الماء فيها من الخزان (الذي لا ينقص عن كرّ)، فهو معتصم وحكمه حكم الماء الجاري.
وبعبارة أُخرى: إنّ الأخبار التي شبّهت ماء الحمّام بالماء الجاري إنّما كانت في مقام بيان رفع استبعاد الريب عن قلوب الناس حول ماء الحمّام الذي يكون في الحياض الصغار، فإنّ الماء الذي يكون في الحياض الصغار عادة يكون قليلاً وتتوارد عليه النجاسات باغتسال الجُنب أو اليهودي أو النصراني. فأجاب الإمام بأنّه كما أنّ ماء النهر والماء الجاري لا يفسده توارد الجُنب واليهودي والنصراني عليه، فكذلك الماء الذي في الحياض الصغار لا ينجس؛ لأنّه متّصل بالمادّة.
ص: 216
فتحصّل من جميع ذلك أنّه ليس لماء الحمّام خصوصية تقتضي الحكم بخلاف القواعد، فماء الحمّام إذا كان ما في خزانه مقدار كرٍّ فهو معتصم، وإلّا فلا.
الماء الموجود في الأنابيب المتعارفة في زماننا بمنزلة المادّة، فإذا كان الماء الموضوع في أُجانة _ مثلاً _ نجساً وجرى عليه ماء الأُنبوب طهر، بل يكون ذلك الماء أيضاً معتصماً، ما دام ماء الأُنبوب جارياً عليه، ويجري عليه حكم ماء الكرّ في التطهير به، وهكذا الحال في كلّ ماء نجس، فإنّه إذا اتّصل بالمادّة طهر إذا كانت المادّة كرّاً.
لا فرق بين الماء الجاري وماء الكرّ في تطهير النجاسات، وعليه فليس المهمّ هنا أن نبيّن أنّ الماء الموجود في الأنابيب المتعارفة في زماننا هل هو جاري أو كرّ.
نعم، ذهب بعض الأعلام إلى الفرق بين الماء الجاري والكرّ، بحيث حكموا بأنّ البول يُغسل بالماء الجاري مرّة و بالكُرّ مرّتين، وبهذا الفارق عليهم أن يبيّنوا أنّ الماء الموجود في الأنابيب المتعارفة في زماننا هل هو من الماء الجاري أم من الكرّ.
وكيف كان؛ فإنّا سوف نبحث في أنّه لا فرق بين ماء الكرّ والجاري من هذه الجهة، فانتظر حتّى حين.
ص: 217
ماء المطر بحكم الماء الذي له مادّة، فلا ينجس عند نزوله بملاقاة النجس ما لم يتغيّر أحد أوصافه.
دليلنا على هذا الحكم أخبارٌ عديدة، نذكر هنا العمدة منها، وهي: صحيحة هشام بن الحكم، وصحيحة هشام بن سالم، وصحيحة علي بن جعفر، ومرسلة الكاهلي.
اتّفق الكليني والشيخ الطوسي على نقل هذه الصحيحة، ولها سندان:
السند الأوّل
روى الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عُمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله(علیه السلام).(1)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: تعرّضنا سابقاً لوثاقة رجال السند، كما أنّ هشام بن الحكم
ص: 218
ثقة.(1)
والحاصل، إنّ هذه الرواية صحيحة سنداً.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب النوادر لابن أبي عُمير.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا في جملة كتب ابن أبي عُمَير كتاب النوادر، وصرّح النجاشي في رجاله أنّ رواة كتاب ابن أبي عُمَير كثير.(2)
وهذا الكتاب كان عند الكليني، فإنّه روى عن ابن أبي عُمير 2290 مورداً (بطريق علي بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عُمير)، وهذا السند في الواقع طريق الكليني إلى كتب ابن أبي عُمير.(3)
نعم، إنّ ابن أبي عُمير أخذ هذه الصحيحة من كتاب هشام بن الحكم وأدرجه في كتابه النوادر؛ فإنّا نجد أنّ النجاشي روى كتاب هشام بن الحكم بإسناده عن ابن أبي عُمير، عن هشام بن الحكم، كما أنّ الشيخ الطوسي ذكر كتاب هشام بن الحكم بعنوان «الأصل»، ورواه بإسناده عن ابن أبي عُمير وصفوان بن يحيى، عن هشام بن الحكم.(4)
السند الثاني
ابتدأ الشيخ الطوسي في هذا السند باسم علي بن إبراهيم، حيث قال: «علي بن
ص: 219
إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عُمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله(علیه السلام)»(1)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: إنّ للشيخ الطوسي إلى علي بن إبراهيم طريقين ونذكر هنا طريقاً واحداً، وهو ما رواه عن الشيخ المفيد، عن ابن قُولَوَيه الابن، عن الكليني، عن علي بن إبراهيم.
والطريق صحيح، وفيه أجلّاء هذه الطائفة، فالرواية بهذا السند أيضاً صحيحة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذا الخبر كان مذكوراً في كتاب الشرائع لعلي بن إبراهيم.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا لعلي بن إبراهيم كتباً متعدّدة، منها: كتاب التفسير، كتاب الناسخ والمنسوخ، كتاب المغازي، كتاب الشرائع، كتاب قرب الإسناد و...»، والمناسب لهذه الصحيحة أن ذُكِرت في كتاب الشرائع.
وذكرنا سابقاً أنّ الشيخ إذا ابتدأ باسم رجل في تهذيب الأحكام والاستبصار، فمعناه أنّه أخذ الحديث من كتاب ذلك الرجل، وعليه فالشيخ في الموارد التي بدأ في الاستبصار وتهذيب الأحكام باسم علي بن إبراهيم (وهي أكثر من 350 مورداً)، ففي الواقع أنّه أخذ الحديث من كتب علي بن إبراهيم.(2)
ثمّ إنّ علي بن إبراهيم أخذ هذا الحديث من كتاب النوادر لابن أبي عُمير وأدرجه في كتابه الشرائع، ولمّا وصل الأمر إلى الشيخ الطوسي، أخذ الحديث من
ص: 220
كتاب الشرائع لعلي بن إبراهيم.
وهنا سؤال يطرح طبعاً: لماذا لم ينقل الشيخ الطوسي هذه الرواية من كتاب النوادر لابن أبي عُمير، مع أنّه وصل إليه هذا الكتاب وذكر طريقه إليه في مشيخة تهذيب الأحكام؟(1)
نقول في الجواب: من المحتمل أنّ هذا راجع إلى اختلاف نسخ كتاب النوادر لابن أبي عُمير، فإنّ الشيخ كان عنده نسخة ابن نهيك من كتاب النوادر لابن أبي عُمير، والظاهر أنّه لم تُذكر في هذه النسخة هذه الرواية، وقد ذُكرت في نسخة إبراهيم بن هاشم من كتاب النوادر هذه الرواية، ولقد وصلت إلى الكليني هذه النسخة، وأكثر النقل عنه (في 2290 مورداً)، وهذا معنى قول النجاشي حيث قال عند ترجمة ابن أبي عُمير: «فأمّا نوادره كثيرة؛ لأنّ الرواة لها كثير، فهي تختلف باختلافهم».
وكيف كان، لم تُذكر هذه الرواية في النسخة التي وصلت إلى الشيخ الطوسي من كتاب النوادر لابن أبي عُمير، ولذلك نقل هذه الرواية من كتاب الشرائع لابن أبي عُمير.
ولكن لا يضرّ هذا الاختلاف بين النسخ بصحّة الحديث حالياً؛ لأنّ النسخة التي وصلت إلى الشيخ الكليني من أصحّ النسخ، ولقد أكثر الكليني النقل عن هذه النسخة واعتمد عليها اعتماداً عظيماً.(2)
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل سبع(3):
ص: 221
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ هشام بن الحكم سمع الحديث في المدينة من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة، بغداد
ولمّا رجع إلى الكوفة (وقد كان كوفياً)، نقل الحديث هناك ثمّ نقله إلى بغداد، فإنّه كان يتّجر إليها.(1)
المرحلة الثالثة: بغداد
إنّ ابن أبي عُمير سمع الحديث من هشام بن الحكم فأدرجه في كتابه النوادر.
المرحلة الرابعة: قمّ
إنّ إبراهيم بن هاشم الكوفي سمع الحديث من ابن أبي عُمير، ثمّ هاجر إلى قمّ وسكن بها، وبعد ذلك سمع ابنه علي بن إبراهيم منه هذا الكتاب (راجع السند الأوّل). كما أنّ علي بن إبراهيم ولمّا قام بتأليف كتابه الشرائع، أدرج فيه هذا الحديث (راجع السند الثاني).
المرحلة الخامسة: الري
إنّ الكليني سافر إلى قمّ وسمع من علي بن إبراهيم كتاب ابن أبي عُمير، وأخذ من ذلك الكتاب هذا الحديث وأدرجه في كتابه الكافي (راجع السند الأوّل).
كما يُحتمل أنّ الكليني تحمّل من علي بن إبراهيم كتابه الشرائع، ثمّ سمع ابن قُولَوَيه الابن من الكليني كتاب الشرائع (راجع السند الثاني).
ص: 222
المرحلة السادسة: قمّ
سمع ابن قُولَوَيه الابن من الكليني، ونقل الحديث إلى قمّ.
المرحلة السابعة: بغداد
إنّ ابن قُولَوَيه الأب سافر من قمّ إلى بغداد، فسمع منه الشيخ المفيد كتاب الشرائع لعلي بن إبراهيم، وبعد ذلك سمع الشيخ الطوسي من الشيخ المفيد ذلك الكتاب (راجع السند الثاني).
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي:
السند الأوّل: المدينة، الكوفة، بغداد، قمّ، الري.
السند الثاني: المدينة، الكوفة، بغداد، قمّ، الري، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ هشام بن الحكم: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة وبغداد.
2_ علي بن إبراهيم: نقل الحديث من بغداد إلى قمّ.
3_ الكليني: نقل الحديث من قمّ إلى الري.
5_ ابن قُولَوَيه الابن: نقل الحديث من الري إلى قمّ وبغداد.
فالحديث بسنده الأوّل مدني صدوراً وكوفي نشراً وبغدادي تصنيفاً وقمّي نشراً ورازي تدويناً، وبسنده الثاني مدني صدوراً وكوفي نشراً وبغدادي تصنيفاً وقمّي تدويناً ثمّ رازي وقمّي نشراً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جميع طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال.
هذا تمام الكلام في سندي الحديث، وإليك متنه:
روى هشام بن الحكم عن أبي عبد الله(علیه السلام) في ميزابَينِ سالا، أحدهما بولٌ والآخر ماء المطر، فاختلطا، فأصاب ثوب رجل، لم يضرّه ذلك.(1)
ص: 223
وجه الاستدلال به: إنّ قوله(علیه السلام) «لم يضرّه ذلك»، يدلّ على عدم نجاسة المطر بإصابة البول، وأنت خبير بأنّ مورد الحديث هو ما كان ماء المطر أكثر من البول؛ لأنّه إذا كان المطر مساوياً أو أقلّ من البول، لا يكون الماء حينئذٍ ماءً مطلقاً.
انفرد الشيخ الصدوق بنقل هذه الصحيحة، وابتدأ في سندها باسم هشام بن سالم، حيث قال: «وسأل هشام بن سالم أبا عبد الله(علیه السلام)...».
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: إنّ الشيخ الصدوق ذكر في مشيخة كتاب من لا يحضره الفقيه طريقين إلى هشام بن سالم(1):
الطريق الأوّل: عن أبيه وابن الوليد الأب، عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري، عن يعقوب بن يزيد والحسن بن ظريف وأيّوب بن نوح، عن النضر بن سويد، عن هشام بن سالم.(2)
ص: 224
الطريق الثاني: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عُمير وعلي بن الحكم، عن هشام بن سالم.(1)
و هشام بن سالم ثقة ثقة، وعليه فالرواية صحيحة لا غبار عليها من ناحية هذا السند.(2)
ورجال الطريقين كلّهم من الثقات الأجلّاء، وعلى ذلك فالرواية صحيحة سنداً.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب هشام بن سالم.
بيان ذلك: أنّ النجاشي صرّح بأنّ لهشام بن سالم كتاباً رواه بالإسناد عن ابن نهيك، عن ابن أبي عُمير، عنه، كما أنّ الشيخ الطوسي عبّر عن كتاب هشام بن سالم بالأصل بقوله: «له أصل»، ورواه عن طريق ابن أبي جيد عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد ومحمّد بن الحسين بن الخطّاب وإبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عُمير وصفوان بن يحيى، عن هشام بن سالم.(3)
وطريقا الشيخ الصدوق في الواقع طريقان إلى كتاب هشام بن سالم، وقد أخذ
ص: 225
الشيخ الصدوق هذه الرواية من ذلك الكتاب وأدرجه في كتابه.(1)
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل أربع:
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ هشام بن سالم الكوفي سمع الحديث في المدينة من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة أدرج الحديث في كتابه، ثمّ سمع منه النضر بن سويد وعلي بن الحكم الكوفيان، ثمّ سمع أيّوب بن نوح الكوفي من النضر بن سويد في الكوفة.
المرحلة الثالثة: بغداد
إنّ ابن أبي عُمير البغدادي سافر إلى الكوفة وسمع من هشام بن سالم كتابه، ونقل الكتاب إلى بغداد (راجع الطريق الثاني).
كما أنّ الحسن بن ظريف ويعقوب بن يزيد كانا يسكنان بغداد، سمعا كتاب هشام بن سالم من النضر بن سويد ونقلاه إلى بغداد (راجع الطريق الأوّل).
المرحلة الرابعة: قمّ
الظاهر أنّ سعد بن عبد الله والحميري سافرا تارةً إلى بغداد، فسمعا كتاب هشام بن سالم من الحسن بن ظريف ويعقوب بن يزيد في بغداد، كما أنّهما سافرا إلى الكوفة فسمعا كتاب هشام بن سالم من أيّوب بن نوح، فنقلا الكتاب إلى قمّ، وبعد ذلك قام ابن الوليد الأب بتحمّل الكتاب من سعد والحميري (راجع الطريق الأوّل للشيخ الصدوق).
كما أنّ علي بن إبراهيم سمع كتاب هشام بن سالم من ابن أبي عُمير فنقله إلى قمّ ونشره فيها، ثمّ سمع منه ابنه علي بن إبراهيم (راجع الطريق الثاني للشيخ
ص: 226
الصدوق)، كما ان والد الشیخ الصدوق سمع الکتاب و سمع منه ابنه.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي: المدينة، الكوفة، بغداد، قمّ.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ هشام بن سالم: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2_ الحسن بن ظريف ويعقوب بن يزيد وابن أبي عُمير: نقلوا الحديث من الكوفة إلى بغداد.
3_ سعد بن عبد الله والحميري وإبراهيم بن هاشم: نقلوا الحديث من بغداد إلى قمّ.
فالحديث مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وبغدادي نشراً وقمّي تدويناً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جميع طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
سأل هشام بن سالم أبا عبد الله(علیه السلام) عن السطح يُبال عليه فتصيبه السماء فيكف(1) فيصيب الثوب، فقال: « لا بأس به، ما أصابه من الماء أكثر منه».(2)
وجه الاستدلال به: إنّه دلّت الصحيحة على عدم نجاسة ماء المطر مع العلم بملاقاته للبول، فماء المطر إذا غلب على البول ولم يتغيّر وصفه فهو طاهر.
ص: 227
اتّفق الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي على نقل هذه الصحيحة، ولها سندان:
السند الأوّل
ابتدأ الشيخ الصدوق في سند الرواية باسم علي بن جعفر (هو ابن إمام الصادق(علیه السلام))، حيث قال في كتاب من لا يحضره الفقيه: «وسأله(علیه السلام) عن الرجل...»، ومراده من «سأله» أي: سأل علي بن جعفر أخاه موسى بن جعفر، بقرينة الحديث المذكور قبله.
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: إنّ الشيخ الصدوق ذكر في مشيخة كتاب من لا يحضره الفقيه طريقين إلى علي بن جعفر، ونحن نذكر هنا طريقاً واحداً، وهو ما رواه عن أبيه، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن العمركي بن عليّ البوفكي، عن علي بن جعفر.
ووثاقة والد الشيخ الصدوق ومحمّد بن يحيى العطّار واضحة، وأمّا العمركي بن عليّ البوفكي فهو شيخ من أصحابنا ثقة، روى عنه شيوخ أصحابنا، وعليه فهذا الطريق صحيح.(1)
وإنّ علي بن جعفر العريضي (ابن الإمام الصادق(علیه السلام))، قد وثّقه الشيخ في رجاله.(2)
ص: 228
والحاصل، إنّ هذه الرواية من الروايات الصحيحة.
التحليل الفهرستي: إنّ الشيخ الطوسي أخذ هذه الصحيحة من كتاب مسائل علي بن جعفر، كما نجده في النسخة التي وصلت إلينا من هذا الكتاب والمطبوعة بعنوان «مسائل علي بن جعفر».(1)
بيان ذلك: ذكر الشيخ الطوسي في فهرسته أنّ لعلي بن جعفر كتاب المسائل، ورواه عن طريق جماعة من أصحابنا، عن الشيخ الصدوق، عن أبيه، عن محمّد بن يحيى، عن العمركي بن علي البوفكي، عن علي بن جعفر.
كما أنّ النجاشي ذكر هذا الكتاب بعنوان «كتاب في الحلال والحرام»، وذكر أنّ لهذا الكتاب نسختين: مبوّبة وغير مبوّبة.(2)
ثمّ إنّ الشيخ الصدوق قال بعد ذكر طريقيه إلى علي بن جعفر: «وكذلك جميع كتاب علي بن جعفر فقد رويته بهذا الإسناد».(3)
ومن المعلوم أنّ طريقَي الشيخ الصدوق إلى علي بن جعفر في الواقع هما طريقان إلى كتاب المسائل لعلي بن جعفر، وقد أخذ الشيخ الصدوق هذه الرواية من كتاب المسائل وأدرجه في كتابه.(4)
ص: 229
السند الثاني
ابتدأ الشيخ الطوسي في سنده الرواية باسم علي بن جعفر، حيث قال: «وسأل علي بن جعفر أخاه موسى بن جعفر(علیه السلام) عن الرجل...».
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: إنّ الشيخ الطوسي ذكر في مشيخة تهذيب الأحكام طريقه إلى علي بن جعفر هكذا: «الحسين الغضائري عن أحمد بن محمّد بن يحيى، عن أبيه محمّد بن يحيى العطّار، عن العمركي بن عليّ البوفكي، عن علي بن جعفر».
التحليل الفهرستي: إنّ الشيخ الطوسي أخذ هذه الصحيحة من كتاب مسائل علي بن جعفر، وشرحنا حال هذا الكتاب والطريق الذي ذكره الشيخ الطوسي إلى علي بن جعفر، ففي الواقع هو طريقه إلى كتاب المسائل لعلي بن جعفر، وقد أخذ الشيخ الطوسي هذه الرواية من كتاب المسائل وأدرجه في كتابه.(1)
وكيف كان، فالصحيحة ذُكرت في نسخ متعدّدة من كتاب مسائل علي بن جعفر (نسخة الشيخ الصدوق ونسخة الشيخ الطوسي والنسخة التي الواصلة إلينا والمطبوعة حالياً).
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل أربع:
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ علي بن جعفر سمع الحديث في المدينة من الإمام الكاظم(علیه السلام)، ثمّ قام بتدوين كتاب المسائل.
المرحلة الثانية: النيسابور
الظاهر أنّ العمركي النيسابوري سمع من علي بن جعفر كتابه ونقله إلى نيسابور.
ص: 230
المرحلة الثالثة: قمّ
إنّ محمّد بن يحيى العطّار القمّي سمع كتاب علي بن جعفر من البوفكي ونقله إلى مدينة قمّ. كما أنّ والد الشیخ الصدوق سمع الکتاب من محمّد بن یحیی وسمع منه ابنه.
المرحلة الرابعة: بغداد
إنّ أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار القمّي سافر إلى بغداد (وسمع كتاب علي بن جعفر من أبيه)، وسمع منه الكتاب الحسين الغضائري، وبعد ذلك سمع الشيخ الطوسي كتاب علي بن جعفر من الحسين الغضائري، ولمّا قام الشيخ الطوسي بكتابة تهذيب الأحكام والاستبصار، أخذ الحديث من كتاب علي بن جعفر وأدرجه فيهما.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان كما يلي:
السند الأوّل: المدينة، نيسابور، قمّ.
السند الثاني: المدينة، نيسابور، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ الظاهر أنّ البوفكي نقل الحديث من المدينة إلى نيسابور.
2_ محمّد بن يحيى العطّار: نقل الحديث من نيسابور إلى قمّ.
3_ أحمد بن محمّد بن يحيى: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث بسنده الأوّل مدني صدوراً وتصنيفاً ونيسابوري وقمّي نشراً وتدويناً، وبسنده الثاني مدني صدوراً وتصنيفاً ونيسابوري وقمّي نشراً وبغدادي تدويناً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جميع طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال.
هذا تمام الكلام في سندي الحديث، وإليك متنه:
فقد سأل علي بن جعفر أخاه موسى بن جعفر(علیه السلام) عن الرجل يمرُّ في ماء المطر وقد صبّ فيه خمرٌ فأصاب ثوبه، هل يصلِّي فيه قبل أن يغسله؟ فقال(علیه السلام): «لا يغسل ثوبه ولا رجله،
ص: 231
ويصلِّي فيه ولا بأس به».(1)
وجه الاستدلال بها: إنّ هذه الصحيحة تدلّ على عدم نجاسة ماء المطر بملاقاة النجس، كالخمر إذا تقاطر عليه، كما أنّها تدلّ على أنّ الماء المتّصل بما يتقاطر عليه المطر لا ينجس بالملاقاة أيضاً.
انفرد الكليني بنقل هذه المرسلة ورواها عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن الكاهلي، عن رجل، عن أبي عبد الله(علیه السلام).
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: إنّ المراد من العدّة من أصحابنا في كلام الكليني هنا هو جماعة من الثقات، منهم محمّد بن يحيى وأحمد بن إدريس وعلي بن إبراهيم.(2)
والمراد من أحمد بن محمّد هو أحمد بن محمّد بن عيسى، شيخ القمّيين ووجههم، وعلي بن الحكم الأنباري كان ثقةً جليل القدر.(3)
وأمّا الكاهلي فهو عبد الله بن يحيى الكاهلي الذي كان وجهاً عند أبي الحسن
ص: 232
الكاظم(علیه السلام).(1)
وكيف كان، فرجال السند من الثقات، إلّا أنّ الكاهلي أرسل في سند الرواية، فهي مرسلة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الرواية كانت مذكورة في كتاب علي بن الحكم الأنباري.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا لعلي بن الحكم كتاباً، وروى الشيخ الطوسي هذا الكتاب بإسناده عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن الحكم.
والكليني روى في 130 مورداً عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن الحكم، وفي الواقع هذا السند طريق الكليني إلى كتاب علي بن الحكم.(2)
فطريق الشيخ الطوسي يرشدنا إلى أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى روى كتاب علي بن الحكم، كما نجد في هذا السند أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى روى عن علي بن الحكم.
والحاصل، إنّ هذه الرواية كانت مذكورة في مصدر معتبر عند أصحابنا القدماء.
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل أربع:
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ أحد أصحابنا سمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام)، وإنّ عبد الله بن يحيى الكاهلي سمع من ذلك الرجل.
ص: 233
المرحلة الثانية: الكوفة
إنّ علي بن الحكم الذي كان أصله من الأنبار وسكن الكوفة سمع الحديث من الكاهلي، ثمّ قام بتأليف كتابه وأدرج الحديث فيه.
المرحلة الثالثة: قمّ
إنّ أحمد بن محمّد بن عيسى القمّي سافر إلى الكوفة، فتحمّل كتاب علي بن الحكم ونقله إلى قمّ، وقام عدّة من أصحابنا بتحمّل كتاب علي بن الحكم منه. ثمّ إنّ عدّةً من مشايخ قمّ (منهم محمّد بن يحيى العطّار) سمعوا كتاب علي بن الحكم من أحمد بن محمّد بن يحيى.
المرحلة الرابعة: الري
إنّ الشيخ الكليني الذي كان يسكن الري سافر إلى قمّ وسمع كتاب علي بن الحكم من عدّة من مشايخ قمّ، منهم محمّد بن يحيى العطّار، فلمّا قام بتأليف كتابه الكافي، أخذ من كتاب علي بن الحكم هذا الحديث فأدرجه فيه.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان كما يلي: المدينة، الكوفة، قمّ، الري.
وإليك الراويين اللذين قاما بنقل الحديث من بلد إلى بلد:
1_ أحمد بن محمّد بن عيسى: نقل الحديث من الكوفة إلى قمّ.
2_ الكليني: نقل الحديث من قمّ إلى الري.
فالحديث مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي نشراً ورازي تدويناً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جلّ طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال، إلّا أنّ الكاهلي أرسلها، فهي مرسلة.
هذا تمام الكلام في سندي الحديث، وإليك متنه:
عن الكاهليّ، عن رجل، عن أبي عبد الله(علیه السلام) (في حديث)، قلتُ: ويسيل عليّ من ماء المطر أرى فيه التغيّر وأرى فيه آثار القذر، فتقطر القطرات عليَّ وينتضح عليَّ منه والبيت يُتوضّأ
ص: 234
على سطحه فيكفّ(1) على ثيابنا، قال: «ما بذا بأسٌ لا تغسله، كلُّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر».(2) والمراد من الوضوء من كلامه هو مقدّماته من الاستنجاء؛ لأنّه إذا كان المراد من الوضوء هو المعنى الاصطلاحي فلا وجه للسؤال.
وكيف كان، فدلالة الحديث على عدم انفعال ماء المطر بملاقاة النجس واضحة، كما أنّه يدلّ على أنّ إصابة المطر كافية في طهارة ما أصابه من ماء نجس أو أرض أو ثياب أو نحو ذلك.
فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ ماء المطر لا ينفعل بملاقاة النجس.
إنّ ماء المطر لا ينجس بملاقاة النجس، سواء جرى على وجه الأرض أم لا، وذلك لما ذكرنا من الأخبار الثلاثة، فإنّها تدلّ على عدم انفعال ماء المطر بدون أن يقيّده بالجريان على سطح الأرض.
نعم هناك خبران ذُكر فيهما عنوان الجريان، وهما:
الخبر الأوّل: ما رواه الشيخ بإسناده عن علي بن جعفر، قال: سألتُ أبا الحسن(علیه السلام) عن البيت يُبال على ظهره ويُغتسل فيه من الجنابة ثمّ يصيبه الماء،
ص: 235
أيُؤخذ من مائه فيتوضّأ للصلاة؟ فقال: «إذا جرى فلا بأس به».(1)
ولكنّ هذا الخبر يختصّ بمورده (وهو السطح الذي اتُّخذ كنيفاً)، فيعتبر جريان الماء فيه، فإنّه إذا نزل المطر ولم يجرِ عليه فيتأثّر ماء المطر بآثار النجاسة في السطح ويتغيّر بها، ولأجل هذا اعتُبر جريان الماء عليه حتّى لا يقف الماء فيتغيّر بآثار النجاسة.
الخبر الثاني: ما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى(علیه السلام)، قال: سألته عن المطر يجري في المكان فيه العذرة فيصيب الثوب، أيصلّي فيه قبل أن يُغسل؟ قال: «إذا جرى به المطر فلا بأس».(2)
ولكنّ هذا الخبر أيضاً يختصّ بموردها، وهو ما إذا أصاب ماء المطر العذرة، والظاهر أنّ الماء الذي يرد على العذرة يتغيّر بها فينفعل بملاقاتها، فلابدّ هنا من جريان ماء المطر حتّى لا يتغيّر.
وكيف كان، فالخبر في مقام بيان أنّ ماء المطر ينفعل إذا تغيّر بالعذرة، وإذا لم يتغيّر بها (كما إذا جرى عليها) فهو معتصم.
والحاصل، إنّ هذين الخبرين لا يدلّان على اعتبار الجريان في المطر، بل المعيار في اعتصام ماء المطر هو صدق عنوان المطر عرفاً.
إذا نزل المطر أوّلاً على ما يُعدّ ممرّاً له عرفاً ولو لأجل الشدّة والتتابع، كورق الشجر ونحوه، كان مطهّراً.
ووجه ذلك صدق عنوان المطر عرفاً على القطرات الواقعة على الأرض حقيقةً بعد مرورها على أوراق الشجر حال تقاطر المطر.
ص: 236
وأمّا إذا نزل المطر على ما لا يُعدّ ممرّاً له ثمّ وقع على النجس، تنجّس، كما إذا وقع المطر على سطح ثمّ قطرت منه قطرة وأصابت محلّاً آخر.
إذا اجتمع ماء المطر في مكان وكان قليلاً، فإن كان لا يزال يتقاطر عليه المطر فهو معتصم، كالماء الكثير، وإن انقطع عنه كان بحكم القليل.
فلفظ: «ماء المطر» معنيان، الأوّل: الماء النازل من السماء، والثاني: ما كان أصله من السماء وإن كان فعلاً لا يتقاطر عليه المطر.
ومن المعلوم أنّ المراد من «ماء المطر» في أخبار المقام هو المعنى الأوّل؛ فإنّا إذا قلنا إنّ المراد منه في الأخبار هو المعنى الثاني فيجب أن نقول باعتصام الماء القليل الذي يكون في الحياض مثلاً؛ لأنّ أصلها من السماء، مع أنّه ذُكر في أحاديث كثيرة أنّ الماء إذا كان بقدر كرٍّ لا ينجسه شيء.
فتبيّن أنّ المراد من ماء المطر هو الماء النازل من السماء، نعم إذا اجتمع هذا الماء في مكان، ففي حال تقاطر المطر عليه فالعرف يطلق عليه عنوان ماء المطر.
الماء النجس إذا وقع عليه ماء المطر بمقدار معتدّ به (لا مثل القطرة أو القطرات) طهر، وكذا ظرفه كالإناء ونحوه.
ولا يُعتبر فيه الامتزاج، والوجه في ذلك إطلاق صحيحة هشام بن حكم، حيث سأل هشام عن «ميزابَينِ سالا أحدهما بولٌ والآخر ماء المطر فاختلطا»(1)،
فإنّ إطلاق هذه الصحيحة يشمل المطر المختلط بالبول (بعد زوال تغيّره)، سواء امتزج مع المطر أم لم يمتزج.
وبعبارة أُخرى: ليس في هذه الصحيحة تقييد بصورة الامتزاج، وكذلك الحال في
ص: 237
بقيّة أخبار المقام، فإنّها لم تُقيّد بالامتزاج، فإطلاقها يشمل صورة الامتزاج وعدمه.(1)
يعتبر في جريان حكم ماء المطر أن يصدق عرفاً أنّ النازل من السماء ماء مطر، وإن كان ما وقع على النجس بعض قطرات منه. وأمّا إذا كان مجموع ما نزل من السماء قطرات قليلة، فلا يجري عليه الحكم.
الثوب أو الفراش النجس إذا تقاطر عليه المطر ونفذ في جميعه، طهر الجميع، ولا يحتاج إلى العصر والتعدّد، وإذا وصل إلى بعضه دون بعض طهر ما وصل إليه دون غيره، هذا إذا لم يكن فيه عين النجاسة، وإلّا فلا يطهر إلّا إذا تقاطر عليه بعد زوال عينها.
والوجه في ذلك أنّ إطلاق مرسلة الكاهلي يدلّ عليه، فإنّ قوله(علیه السلام)«كلُّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر» مطلق، يشمل ما غُسل مرّة أو مرّات، كما أنّه يشمل صورة العصر وعدم العصر.
ثمّ إنّ دليل اعتبار العصر والتعدّد إنّما هو من جهة انفعال الماء المغسول به، ومع اعتصام ماء المطر فلا مجال له.
وبعبارة أُخرى: إنّ كلّ ماء معتصم لا يحتاج فيه إلى التعدّد والعسر، وسوف يأتي شرحه فارتقب حتّى حين.
الأرض النجسة تطهر بوصول المطر إليها، بشرط أن يكون من السماء ولو بإعانة
ص: 238
الريح، وأمّا لو وصل إليها بعد الوقوع على محلٍّ آخر _ كما إذا ترشّح بعد الوقوع على مكان، فوصل مكاناً نجساً _ لا يطهر.
وجه ذلك أنّ قطرات الماء بعد انفصالها عن المطر لا تعدّ مطراً عرفاً. نعم، لو جرى على وجه الأرض حين نزوله فوصل إلى مكان له سقف، طهر.
إذا تقاطر على عين النجس فترشّح منه على شيء آخر لم ينجس، إذا لم يكن معه عين النجاسة ولم يكن متغيّراً؛ وذلك لعدم نجاسة ماء المطر بملاقاة عين النجس ما دام لم يطرأ عليه التغيّر.
ص: 239
الماء القليل المستعمل في رفع الحدث الأكبر طاهر ومطهّر.
لا شكّ أنّ الماء القليل الذي استُعمل في رفع الخبث نجس إذا لاقى عين النجس، وإلّا فهو طاهر. والماء القليل الذي استُعمل في رفع الحدث الأصغر طاهر ومطهّر من الحدث والخبث، والماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر طاهر. هذا كلّه لا خلاف فيه عند أصحابنا.
نعم وقع الكلام في الماء الذي استُعمل في رفع الحدث الأكبر، هل يكون مطهّراً ثانياً من الخبث، أم لا؟
وبعبارة أُخرى: هل هذا الماء يحمل القذارة المعنوية بحيث لا يصلح لرفع الحدث ثانياً، أو أنّه باق على نظافته؟
والمختار وفاقاً للمشهور أنّ هذا الماء أيضاً مطهّر من الخبث وأنّه باق على نظافته.
نعم، ذهب الشيوخ الأربعة (الشيخ الصدوق ووالده والشيخ المفيد والشيخ الطوسي) إلى عدم طهورية الماء المستعمل من الحدث إذا كان قليلاً، واختاروا أنّ الماء القليل المستعمل لرفع الحدث، يتحمّل القذارة المعنوية، فلا يكون مطهّراً
ص: 240
من الحدث ثانياً.(1)
وقبل الدخول في البحث لا بدّ لنا من بيان أقوال أهل السنّة:
ذهب الحنفية إلى أنّه لا يجوز الغسل والوضوء بما قد توضّي به أو اغتُسل فيه، وقال أبو حنيفة: «إن كان رجلٌ طاهر قد توضّأ للصلاة أو لم يتوضّأ لها، فتوضّأ في بئر، فقد تنجّس ماؤها كلّه»، وقال الشافعية: «لا يجري الوضوء ولا الغسل بما قد اغتسل به أو توضّأ به، وهو طاهر كلّه».(2)
وذهب الحنابلة إلى أنّ المستعمل في رفع الحدث طاهر غير مطهّر، لا يرفع حدثاً ولا يزيل نجساً.(3)
نعم، ذهب المالكية إلى أنّه طاهر وطهور بكلّ حال، ولكن يُكره الطهارة به.(4)
والآن نبدأ بشرح مختارنا في المقام (وهو أنّ الماء المستعمل في الحدث الأكبر مطهّر)، فنحصر الكلام في خطوتين:
إنّ القول بطهورية الماء المستعمل في الحدث الأكبر لا يحتاج إلى إقامة الدليل؛ لأنّ الأصل في المياه هو الطهارة والطهورية، ومن المعلوم أنّ عدم طهوريتها يحتاج إلى دليل، فإن قام دليل معتبر عليه نأخذ به، وإن لم يكن هناك دليل فلا بدّ من الالتزام بطهوريتها.
ص: 241
كما أنّ إطلاقات الأدلّة تدلّ على طهورية الماء المستعمل، فإنّ قوله(علیه السلام): «إنّ الله جعل الماء طهوراً» يشمل الماء المستعمل أيضاً.(1)
ولكنّ المهمّ في المقام هو البحث عن أدلّة القائلين بعدم طهورية الماء المستعمل في الحدث الأكبر.
لا نطيل الكلام في هذه الجهة، ونكتفي بذكر الأدلّة على عدم طهورية الماء المستعمل ونجيب عنها؛ ولقد ذكرنا أنّ الشيوخ الأربعة (الصدوق ووالده والمفيد والطوسي) ذهبوا إلى عدم طهورية الماء المستعمل، وكان عمدة دليلهم هو خبر عبد الله بن سنان.
فنبدأ بالكلام حول هذا الخبر ليتّضح لنا حاله:
انفرد الشيخ الشيخ الطوسي بنقل هذا الخبر، فذكر في هذا السند من طريقه إلى سعد بن عبد الله، قائلاً: «عن سعد بن عبد الله، عن الحسن بن عليّ ]الزيتوني[، عن أحمد بن هلال، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله(علیه السلام)».
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: أنّ للشيخ الطوسي إلى سعد بن عبد الله طريقين في مشيخة تهذيب الأحكام، نذكر هنا أحدهما، وهو ما رواه عن الشيخ المفيد، عن ابن قُولَوَيه الابن، عن ابن قُولَوَيه الأب، عن سعد بن عبد الله، ولقد بينّا سابقاً صحّة هذا
ص: 242
الطريق.(1)
أمّا الحسن بن عليّ الزيتوني، فلم يُوثّق في كتب الرجال، وأحمد بن هلال العَبَرتائي صالح الرواية يعرف منها وينكر، كان غالياً متّهماً في دينه.(2) ووثاقة الحسن بن محبوب وعبد الله بن سنان واضحة.(3)
والحاصل، أنّه لا يمكن الاعتماد على هذا الخبر؛ وذلك لجهالة حال الحسن بن عليّ الزيتوني.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الرواية كانت مذكورة في كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله الأشعري، ولقد أخذ الشيخ الطوسي هذه الرواية من هذا الكتاب، وأسبغنا الكلام فيه.(4)
ومن المحتمل أنّ المصدر الأوّلي لهذه الرواية هو كتاب عبد الله بن سنان، فإنّ النجاشي والشيخ الطوسي صرّحا بأنّ له كتاباً، والذي يشهد على ذلك كثرة ما رواه الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان، ففي الكتب الأربعة روى الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان في أكثر من 304 مورداً.(5)
ص: 243
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل خمس:
المرحلة الاُولى: المدينة
الظاهر أنّ عبد الله بن سنان الكوفي سافر من الكوفة إلى المدينة فسمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة أدرج الحديث في كتابه، كما أنّ الحسن بن محبوب سمع كتاب عبد الله بن سنان.
المرحلة الثالثة: بغداد
إنّ أحمد بن هلال سمع من الحسن بن محبوب كتاب عبد الله بن سنان.
المرحلة الرابعة: قمّ
إنّ الحسن بن علي الزيتوني الأشعري القمّي(1)،
سمع كتاب عبد الله بن سنان من أحمد بن هلال العَبَرتائي، وسمع منه سعد بن عبد الله، ولمّا ألّف كتاب الرحمة أدرج الحديث فيه.
وإنّ ابن قُولَوَيه الأب تحمّل كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله، وقام ابن قُولَوَيه الابن بتحمّله عنه.(2)
ص: 244
المرحلة الخامسة: بغداد
إنّ ابن قُولَوَيه الابن القمّي سافر إلى بغداد، فسمع الشيخ المفيد منه كتاب الرحمة، وبعد ذلك سمع الشيخ الطوسي من الشيخ المفيد هذا الكتاب، ولمّا قام الشيخ الطوسي بتأليف تهذيب الأحكام والاستبصار أخذ الرواية من كتاب الرحمة لسعد وأدرجها فيهما.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان كما يلي: المدينة، الكوفة، عبرتا، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ الظاهر أنّ عبد الله بن سنان نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة أو سمعها في الكوفة.
2_ أحمد بن هلال: نقل الحديث من الكوفة إلى بغداد.
3 _ الحسن بن علي الزيتوني: نقل الحديث من بغداد إلى قمّ.
4 _ ابن قُولَوَيه الابن: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وعبرتائي نشراً وقمّي تدويناً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية من تراث خطّ الغلوّ، فإنّ أحمد بن هلال العَبَرتائي رُمي بالغلوّ، نعم بعد ذلك اعتمد عليه أصحابنا.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله(صلی الله علیه و آله و سلم) قال: «الماء الذي يُغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة، لا يجوز أن يُتوضّأ منه وأشباهه، وأمّا الماء الذي يتوضّأ الرجل به فيغسل به وجهة ويده في شيء نظيف، فلا بأس أن يأخذه غيره ويتوضّأ به».(1)
ص: 245
وجه الاستدلال به: إنّ هذا الخبر يدلّ على عدم جواز الوضوء والغسل بالماء الذي المستعمل في رفع الحدث، سواء كان الحدث جنابةً أو حيضاً أو غيرهما، بناءً على أنّ قوله(علیه السلام): «وأشباهه» معطوف على الضمير المجرور في قوله: «يتوضّأ منه».
فالمشايخ الأربعة (الصدوق ووالده والمفيد والطوسي) عملوا بظاهر هذا الحديث، وذهبوا إلى عدم طهورية الماء المستعمل.
وما يهمّنا في المقام هو التركيز على الجهة الفهرستية.
بيان ذلك: أنا ذكرنا أنّ الشيخ الطوسي أخذ الخبر من كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله، ونحن إذا راجعنا الكافي نجد أنّ الكليني لم يعتمد على هذا الكتاب أساساً.(1)
يُستظهر من كلام النجاشي في ترجمة سعد بن عبد الله أنّ كتاب الرحمة يشتمل على أحاديث موافقه للشيعة، وأُخرى غير موافقة للشيعة، ولعلّ هذا هو سرّ إعراض الكليني عن ذكر هذا الكتاب.(2)
وكيف كان، فإنّ خبر عبد الله بن سنان ذُكر في كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله،
ص: 246
ومضمونه موافق لأهل السنّة، ولقد أعرض عنه مشهور أصحابنا ولم يفتوا به.(1)
فلتكن على بصيرة بأنّ الكثير من أخبار كتاب الرحمة أعرض عنها أصحابنا، وهذا ممّا جعلنا نتردّد في الاعتماد على تلك الأخبار.
فتحصّل ممّا ذكرنا أنّ خبر عبد الله بن سنان لا يمكن الاعتماد عليه ويجب طرحها.
وبعد الجواب عن عمدة الدليل للاستدلال على عدم طهورية الماء المستعمل، نأخذ بإطلاقات الأدلّة على طهورية الماء المستعمل وفاقاً للمشهور.
وقد كان الناس في الزمن القديم بحاجة إلى هذا الرفع كثيراً، حيث كان الماء أغلى وأثمن من الزيت اليوم، لا في مثل هذا العصر وبعد أنّ أجرى العلم الماء من أعماق الأرض إلى كلّ بيت ، فلا حاجة إلى تفصيل الكلام أكثر ممّا فصّلنا.(2)
ص: 247
ماء الغسالة إذا لم يتغيّر بأوصاف النجاسة طاهر مطلقاً، سواء كان في الغسلة الاُولى أو غيرها. أمّا إذا كان متغيّراً بأوصاف النجاسة فلا شكّ في نجاسته.
والمتنجّس إذا كان يحتاج تطهيره إلى تعدّد الغسلات، فالغسلة الاُولى منه محكومة بالطهارة أيضاً.
والظاهر أنّ هذا موافق لمذهب قدماء أصحابنا، وقد نُقل أنّ السيّد المرتضى وابن حمزة وابن عقيل اختاروا هذه المقالة، كما أنّ صاحب الجواهر أيضاً اختار هذا القول، وقد أصرّ عليه وجعله من الواضحات.(1)
وأمّا الشيخ الطوسي فقد جزم في كتاب الخلاف بنجاسة الغسلة الاُولى وطهارة الغسلة الثانية.(2)
ص: 248
بينما صرّح المحقق الحلّي بنجاستّه مطلقاً، وتبعه بهذه المقالة مشهور المتأخّرين.(1)
وأمّا آراء أهل السنّة فقد اختلفت فيه أيضاً، فبعضهم ذهب إلى طهارته مطلقاً، وبعضهم ذهب إلى نجاسته مطلقاً وفرّق بعضهم فقالوا إنّه إذا انفصلت وقد طهر المحلّ فهي طاهرة، وإن انفصلت ولم يطهر المحلّ فهي نجسة.(2)
والآن نبدأ بشرح مختارنا في المقام (وهو طهارة الغسالة مطلقاً)، فنحصر الكلام في خطوتين:
إنّ القول بطهارة الغسالة لا يحتاج إلى إقامة الدليل؛ لأنّ الأصل في المياه هو الطهارة، ونجاستها تحتاج إلى دليل، فإن قام دليلٌ معتبر على نجاسة الغسالة نأخذ به، وإن لم يكن هناك دليل على نجاستها فلا بدّ من الالتزام بطهارتها.
فالمهمّ صرف عنان الكلام إلى البحث عن أدلّة القائلين بالنجاسة والجواب عنها.
ص: 249
نبدأ الآن بالبحث عن أدلّة القائلين بنجاسة الغسالة، فإنّهم استدلّوا بأخبار ثلاثة:
ذكرنا في المسألة السابقة أنّ الشيخ الطوسي انفرد بنقل هذا الخبر، فذكر في هذا السند من طريقه إلى سعد بن عبد الله: «عن سعد بن عبد الله، عن الحسن بن عليّ ]الزيتوني[، عن أحمد بن هلال، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله(علیه السلام)».
وتعرّضنا لبيان طريق الشيخ إلى سعد بن عبد الله، كما ذكرنا أنّ الحسن بن عليّ الزيتوني لم يوثّق في كتب الرجال، وعليه فالرواية ضعيفة رجالياً.(1)
وشرحنا أنّ هذه الرواية كانت مذكورة في كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله الأشعري، ولقد أخذها الشيخ الطوسي من هذا الكتاب، وأسبغنا الكلام فيه.(2)
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
قال: «الماء الذي يُغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضّأ منه وأشباهه».(3)
وجه الاستدلال به: إنّ هذا الخبر يدلّ على عدم جواز الوضوء والغسل بالماء الذي يُغسل به الثوب، فلو كانت الغسالة طاهرة لم يكن وجه لمنع استعمالها في الوضوء.
ص: 250
ولكن إذا دقّقنا النظر فيه نجد أنّه يدلّ على عدم جواز استعمال الغسالة في رفع الحدث، وهذا غير النجاسة.
وبعبارة أُخرى: إنّ أقصى ما يُستفاد منه أنّه لا يمكن الوضوء أو الغسل بالغسالة، وهذا لا يلازم النجاسة، مثلما ذكرنا في الماء المستعمل في الحدث.
وما يهمّنا في المقام هو التركيز على الجهة الفهرستية، فقد ذكرنا أنّ الشيخ الطوسي أخذ الخبر من كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله، وهذا المصدر لم يعتمد عليه الشيخ الكليني.
وكيف كان، فأنّ هذه الخبر من منفردات الشيخ الطوسي، ومع جهالة الحسن ابن علي الزيتوني، فلا يمكن لنا الاعتماد عليه ويجب طرحه.
إنّ العيص بن القاسم روى خبراً يُستدلّ به على نجاسة الغسالة، وهو العمدة في المقام.
إنّ الشيخ الطوسي قال في الخلاف: «وقد روى العيص بن القاسم، قال: سألته(علیه السلام)...».(1)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: الرواية مرسلة؛ لأنّ الشيخ الطوسي لم يذكر طريقه إلى العيص بن القاسم في كتاب الخلاف، إلّا أنّ العيص بن القاسم البَجَلي كان ثقة.(2)
والحاصل، أنّ هذه الرواية مرسلة.
ص: 251
التحليل الفهرستي: استظهر المحقّق البحراني أنّ هذه الرواية كانت مذكورة في كتاب العيص بن القاسم، حيث قال: «نقله الشيخ في الخلاف، وجمع ممّن تأخّر عنه مع كونه مضمراً... والظاهر أنّ الشيخ إنّما أخذ الرواية المذكور من كتاب العيص، فإنّه نقل في الفهرست أنّ له كتاباً، وطريقه إلى الكتاب المذكور صحيح...».(1)
فالشيخ الطوسي لم يذكر طريقه إلى العيص بن القاسم في الخلاف، كما أنّه لم يذكر طريقه إليه في مشيخة تهذيب الأحكام و الاستبصار، نعم الشيخ الطوسي ذكر طريقه إليه في فهرسته.
فحينئذٍ يقع الكلام في أنّه هل يمكن لنا أن نطمئنّ بطريق الشيخ في الفهرست كعنوان سند معتبر للرواية؟ ففيما نحن فيه نرى أنّ الشيخ الطوسي لم يذكر طريقاً إلى كتاب العيص بن القاسم في مشيخة تهذيب الأحكام و الاستبصار، كما ذكر في فهرسته.
فاستظهر المحقّق البحراني صحّة هذه الرواية؛ مِن كون طريق الشيخ في فهرسته إلى كتاب العيص بن القاسم طريق صحيح.
والإنصاف أنّه لا يمكن المساعدة على هذ القول في المقام؛ لأنّ الشواهد لا تدلّ على أنّ كتاب العيص بن القاسم وصل إلى الشيخ الطوسي حتّى ينقل منه.
بيان ذلك: أنّ الشيخ الطوسي روى في أكثر من 70 مورداً في تهذيب الأحكام والاستبصار عن العيص بن القاسم، ولم يبدأ باسمه إلّا في مورد واحد و هو في تهذيب الأحكام ج 5 ص 490.
وأنت خبير بأنّ الشيخ يذكر في مشيخة تهذيب الأحكام والاستبصار طرقه إلى
ص: 252
الكتب التي يأخذ منها، وهو لم يذكر طريقه إلى العيص بن القاسم هناك.
ولو دقّقنا في الأخبار التي روى الشيخ عن العيص بن القاسم نجد أنّه أخذها من مصادر ثانوية، نذكر لك هنا جملةً منها:
منها: روى الشيخ في 32 مورداً بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن العيص بن القاسم، ولقد أخذ الشيخ هذه الأخبار من كتاب الحسين بن سعيد.(1)
منها: روى الشيخ في ثمانية موارد بإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري، عن عبد الرحمٰن بن أبي نجران عن صفوان بن يحيى، عن العيص بن القاسم، ولقد أخذ الشيخ هذه الموارد من كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى.(2)
منها: روى الشيخ في 21 مورداً بإسناده عن الكليني، و معناه أنّه أخذها من الكافي.(3)
فيمكننا الجزم أنّ كتاب العيص بن القاسم لم يصل إلى الشيخ؛ لأنّه لو كان قد وصل إليه هذا الكتاب لكان ابتدأ في احاديث العيص (وهي أكثر من 70 حديثاً) باسمه، بينما هو لم يذكر اسمه في مجموع تلك الأحاديث إلّا في مورد واحد فقط.
والسبب واضح لأنّ الشيخ إنّما نقل روايات العيص بن القاسم من مصادر أُخرى.
ص: 253
ويشهد على ذلك ما ذكرناه سابقاً أنّه لم يصل إلى الشيخ الطوسي الكثير من المصادر الأوّلية، بل إنّه كثيراً ما ينقل من المصادر الثانوية، أمثال كتب الحسين بن سعيد، وكتاب سعد بن عبد الله الأشعري، وكتاب أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري.(1)
والحاصل، أنّ كتاب العيص بن القاسم لم يكن موجوداً عند الشيخ، وعليه فالرواية مرسلة، ولا يمكن المساعدة على تصحيحها بطريق الشيخ في فهرسته.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
وقد روى العيص بن القاسم، قال: سألته(علیه السلام) عن الرجل أصابه قطرة من طست فيه ماء وضوء، فقال: «إن كان الوضوء من بول أو قذر، فيغسل ما أصابه، وإن كان وضوؤه للصلاة فلا يضرّه».(2)
وجه الاستدلال به: أنّا إذا دقّقنا النظر في الرواية نفهم منها أمرين:
الأمر الأوّل: إذا غسلت في الطست ثوباً قد أصابه بول أو قذر فالماء الذي بقي في الطست هو ماء الغسالة، فإذا أصاب يدك قطرة من هذا الماء فيجب أن تغسلها. هذا ما يُستظهر من صدر الرواية، وهو مناسب مع نجاسة الغسالة؛ لأنّه لو لم يكن نجساً لماذا أمر الإمام بغسل ما أصابه هذا الماء الباقي في الطست؟
ص: 254
الأمر الثاني: إذا توضّأت للصلاة من الطست وبقي في الطست مقدار من الماء، وبعد ذلك أصاب يدك قطرة من هذا الماء الباقي في الطست، فلا تغسل يدك منه؛ لأنّه طاهر. هذا ما صرّح به ذيل الرواية.
وكيف كان فلا يمكن لنا الاعتماد على هذه الرواية؛ لإرسالها وانفراد الشيخ الطوسي بها، وإعراض القدماء عنها؛ فإنّا نجد أنّ الكليني والصدوق لم يذكرا هذه الرواية، ومعنى ذلك أنّ لهما إشكالاً في حجّيتها.
نعم، إنّ الخبر بعدما ذكره الشيخ في الخلاف صار مشهوراً بين المتأخّرين، ولكنّ هذه الشهرة لا اعتبار لها؛ لأنّ مرجعها إلى الشيخ الطوسي.
انفرد الشيخ الطوسي بنقل هذه الرواية، فابتدأ باسم محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري قائلاً: «محمّد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار الساباطي، عن أبي عبد الله(علیه السلام)».
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: طريق الشيخ إلى محمّد بن أحمد بن يحيى هكذا: الشيخ المفيد عن ابن الوليد الابن، عن ابن الوليد الأب، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري، وشرحنا سابقاً أنّه يمكن الاعتماد على هذا الطريق.
ثمّ إنّ محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري كان ثقةً في الحديث، إلّا أنّه كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل.(1)
ص: 255
وأمّا أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال فكان فطحياً، وكان ثقةً في الحديث.(1)
وعمرو بن سعيد المدائني ثقة(2)،
ومصدِّق بن صدقة الكوفي كان فطحياً، وقد وثّقه الكشّي في رجاله(3)،
وعمّار بن موسى الساباطي، وثّقه النجاشي في رجاله.(4)
وكيف كان، فرجال السند كلّهم من الثقات، وإن كان معظمهم من الفطحية، فالرواية موثّقة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب نوادر الحكمة لمحمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري، ولقد شرحنا حال هذا الكتاب في الحديث السابق، وقلنا أنّ الشيخ الطوسي كان عنده كتاب نوادر الحكمة، فأخذ عنه هذه الرواية وأدرجها في تهذيب الأحكام.
هذا، والظاهر أنّ صاحب نوادر الحكمة أخذ هذه الرواية من مصدره الأوّلي وهو كتاب عمّار الساباطي.
بيان ذلك: أنّا إذا راجعنا رجال النجاشي نجد أنّه ذكر لعمّار الساباطي كتاب رواه بالإسناد عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار، كما أنّ الشيخ ذكر أنّ لعمّار كتاب كبير جيّد معتمد، ورواه بالإسناد عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار، وكما ترى فإنّ ذيل هذا الطريق متّحد مع ذيل سند الرواية.
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل ستّ:
ص: 256
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ عمّار بن موسى الساباطي سافر إلى المدينة وسمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة (وكان مدائني الأصل سكن الكوفة) وألّف كتابه، أدرج هذه الرواية فيه، ثمّ إنّ مصدّق بن صدقة الكوفي روى كتاب عمّار الساباطي.
المرحلة الثالثة: المدائن
إنّ عمرو بن سعيد المدائني سمع من مصدّق بن صدقة كتاب عمّار الساباطي.
المرحلة الرابعة: الكوفة
سمع أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال الكوفي كتاب عمّار بن موسى من عمرو
بن سعيد المدائني.
المرحلة الخامسة: قمّ
إنّ أحمد بن محمّد بن يحيى الأشعري سافر إلى الكوفة وسمع كتاب عمّار بن موسى من ابن فضّال، ولمّا رجع إلى قمّ وألّف كتابه نوادر الحكمة، أخذ من كتاب عمّار بن موسى هذا الحديث وأدرجه فيه.
ثمّ إنّ محمّد بن يحيى العطّار القمّي روى كتاب نوادر الحكمة، كما أنّ ابن الوليد الأب روى كتاب نوادر الحكمة من محمّد بن يحيى، وبعد ذلك سمع ابن الوليد الابن من أبيه هذا الكتاب.
المرحلة السادسة: بغداد
إنّ ابن الوليد الابن سافر من قمّ إلى بغداد، فسمع منه الشيخ المفيد كتاب نوادر الحكمة، وبعد ذلك سمع الشيخ الطوسي من الشيخ المفيد ذلك الكتاب.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي: المدينة، الكوفة، المدائن، الكوفة، قمّ، بغداد.
ص: 257
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ عمّار بن موسى الساباطي: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2_ عمرو بن سعيد المدائني: نقل الحديث من الكوفة إلى المدائن.
3_ أحمد بن الحسن بن فضّال: نقل الحديث من المدائن إلى الكوفة.
4_ أحمد بن محمّد بن يحيى: نقل الحديث من الكوفة إلى قمّ.
5_ ابن الوليد الابن: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً ومدائني نشراً وقمّي تدويناً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية كانت من تراث الخطّ الفطحية.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
عن عمّار الساباطي، عن أبي عبد الله(علیه السلام)، قال: سُئل عن الكوز أو الإناء يكون قذراً، كيف يُغسل وكم مرّة يُغسل؟ قال: «ثلاث مرّات، يصبُّ فيه الماء فيحرّك فيه، ثمّ يفرغ منه ذلك الماء، ثمّ يصبُّ فيه ماءٌ آخر فيحرّك فيه، ثمّ يفرغ منه ذلك الماء، ثمّ يصبُّ فيه ماءٌ آخر فيحرّك فيه، ثمّ يفرغ منه وقد طهر».(1)
وجه الاستدلال به: إنّ الإمام أمر بإفراغ الإناء من الماء في غسل المرتبة الثالثة، ومعنى ذلك أنّ الماء الذي يغسل به الإناء في المرتبة الثالثة نجس. وبعبارة أُخرى: إنّ هذا الماء غسالة، ولو كانت طاهرة لما أمر بإفراغه.
هذا، ولكنّ الإمام أمر بغسل الإناء ثلاث مرّات في الماء القليل، وأنت إذا جعلت
ص: 258
الماء في الإناء فلا يصدق أنّك غسلته، بل لا بدّ من إفراغ الماء من الإناء.
بيان ذلك: أنك إذا أخذت الماء بكفّك أو جعلت الماء في إناء لتشربه، لا يقال عند العرف أنّك غسلت كفّك أو الإناء، بل لا بدّ من إفراغ الماء من كفّك أو الإناء حتّى يصدق عنوان الغسل.
ففي الواقع أنّ الإمام أمر بإفراغ الماء حتّى يتحقّق عنوان الغسل الواجب ثلاث مرّات في تطهير الإناء بالماء القليل، ولا يستفاد منه نجاسة الغسالة.وكيف كان، لا يمكن لنا القول بنجاسة الغسالة في الغسلة الأخيرة ولا في سائر الغسلات؛ وذلك لعدم حجّية أدلّتها الثلاثة، فلذلك نلتزم بطهارة الغسالة في الغسلة مطلقاً؛ لأنّ الأصل في المياه هو الطهارة ونجاستها يحتاج إلى دليل.
استدلّ أيضاً على نجاسة الغسالة بما ورد في الأخبار من النهي عن الغسل بغسالة الحمّام، ولا بأس بذكر هذه الأخبار:
منها: ما رواه الكليني منفرداً عن بعض أصحابنا، عن الحسن بن جمهور، عن محمّد بن القاسم، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله(علیه السلام)، قال: «لا تغتسل من البئر الّتي تجتمع فيها غسالة الحمّام؛ فإنّ فيها غسالة ولد الزنا، وهو لا يطهر إلى سبعة آباء، وفيها غسالة الناصب وهو شرّهما، إنّ الله لم يخلق خلقاً شرّاً من الكلب، وإنّ الناصب أهون على الله من الكلب».(1)
والرواية مرسلة، حيث نجد أنّ الكليني رواها عن بعض أصحابنا، مضافاً إلى اشتمالها على أنّ ولد الزنا لا يطهر إلى سبعة آباء، وهو ممّا لم يعمل به أصحابنا.
ص: 259
ومنها: ما رواه الشيخ الطوسي منفرداً بإسناده عن محمّد بن علي بن محبوب، عن عدّة من أصحابنا، عن محمّد بن عبد الحميد، عن حمزة بن أحمد، عن أبي الحسن الأوّل(علیه السلام)في حديث: «لا تغتسل من البئر الّتي يجتمع فيها ماء الحمّام، فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجُنُب وولد الزنا والناصب لنا أهل البيت، وهو شرُّهم».(1)
والرواية ضعيفة؛ لعدم وثاقة حمزة بن أحمد.
ومنها: ما رواه الكليني منفرداً عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليِّ بن الحكم، عن رجل، عن أبي الحسن(علیه السلام)في حديث: «لا تغتسل من غسالة ماء الحمّام؛ فإنّه يُغتسل فيه من الزنا، ويغتسل فيه ولد الزنا والناصب لنا أهل البيت، وهو شرُّهم».(2)
والرواية مرسلة أرسلها علي بن الحكم.
وأنت خبير بأنّه ليس في هذه الأخبار إطلاق حتّى يُتمسّك بها في الحكم بنجاسة الغسالة مطلقاً؛ لاختصاص هذه الأخبار بغسالة الحمّام، فغاية ما فيها هي نجاسة غسالة الحمّام.
ولكنّ هذه الأخبار الثلاثة معارضة بأخبار أُخر تدلّ على طهارة غسالة الحمّام:
منها: ما رواه الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن ابن بكير، عن زرارة، قال: رأيت أبا جعفر(علیه السلام)يخرج من الحمّام فيمضي كما هو لا يغسل رجليه حتّى يصلّي.
ورجال السند كلّهم من الثقات، فالرواية موثّقة بابن بكير.
ومنها: ما رواه الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عُمير،
ص: 260
عن محمّد بن مسلم، قال: قلتُ لأبي عبد الله(علیه السلام): الحمّام يغتسل فيه الجُنُب وغيره، أغتسل من مائه؟ قال: نعم، لا بأس أن يغتسل منه الجُنُب، ولقد اغتسلتُ فيه، ثمّ جئتُ فغسلت رجلي، وما غسلتهما إلّا بما لزق بهما من التراب.(1)
ورجال السند كلّهم من الثقات، فالرواية صحيحة سنداً.
ومنها: ما رواه الكليني والشيخ الطوسي بالإسناد عن أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن الماضي(علیه السلام)، قال: سُئل عن مجتمع الماء في الحمّام من غسالة الناس يصيب الثوب، قال: لا بأس به.(2)
والرواية مرسلة، أرسلها أبو يحيى الواسطي.
وكيف كان، فتُحمل الأخبار الدالّة على نجاسة غسالة الحمّام _ بالإضافة إلى ضعفها وإرسالها _ على صورة وجود عين النجاسة في غسالة الحمّام، فتكون النتيجة أنّه في حال عدم النجاسة فهي محكومة بالطهارة.
لم يُذكر فيما وصل إلينا من الأخبار التصريح بنجاسة الغسالة مع عموم البلوى بها، فلو رأى الأئمّة(علیهم السلام) نجاسة الغسالة فلا بدّ لهم من التصريح بها.(3)
ص: 261
وهناك كلام لابن إدريس يُستظهر منه أنّ الحكم بطهارة الغسالة موافق مع فتاوى أصحابنا.
بيان ذلك: إنّ السيّد المرتضى ألّف كتاب الناصريات وذكر فيه ما خطر بباله على كلام جدّه لأُمّه، الذي كان مشهوراً بالناصر الكبير، واسمه الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين(علیه السلام)، وكانت للناصر تصانيف كثيرة في العلوم، وكان جامعاً لعلم القرآن والكلام والفقه، وألّف كتاب المسائل المنتزعة من فقه الناصر، فالسيّد المرتضى ألّف كتابه الناصريات كشرح لهذا الكتاب.(1)
وكيف كان، قال الناصر «ولا فرق بين ورود الماء على النجاسة وبين ورود النجاسة على الماء».
فعلّق عليه السيّد المرتضى (بعد أن نقل أنّ الشافعي فرّق بين ورود الماء على النجاسة وبين ورود النجاسة على الماء)، فقال: «ويقوى في نفسي عاجلاً - إلى أن يقع التأمل التامّ - صحّة ما ذهب إليه الشافعي، والوجه فيه: إنّا لو حكمنا بنجاسة الماء القليل الوارد على النجاسة لأدّى ذلك إلى أنّ الثوب لا يطهر من النجاسة إلّا بإيراد كرّ من الماء، وذلك يشقّ، فدلّ على أنّ الماء إذا ورد على النجاسة لا يعتبر فيه القلّة والكثرة».
وأنت خبير بأنّ كلام السيّد المرتضى مناسب لعدم نجاسة الغسالة، والغسالة هو ماء قليل مَرّ على النجاسة.
وقال ابن إدريس: «وما قوي في نفس السيّد صحيح، مستمرّ على أصل المذهب وفتاوى الأصحاب».(2)
فذيل كلام ابن إدريس يشهد على أنّ القول بطهارة الغسالة موافق لفتاوى
ص: 262
أصحابنا.
ومن المعلوم أنّ محلّ البحث هو ماء الغسالة، وهو ماء ورد على النجاسة، فأمّا إذا وردت النجاسة على الماء فخارج عن محلّ البحث، فقد ذكرنا في مسألة انفعال الماء القليل أنّه ينفعل حينئذٍ.
انظر بدقّة إلى كلام السيّد المرتضى حينما يقول: «لو حكمنا بنجاسة الماء القليل الوارد على النجاسة...»، فكلامه مختصّ بصورة ورود الماء على النجاسة، لا ورود النجاسة على الماء.
ويستفاد من ذيل كلام السيّد المرتضى أنّ فتاوى أصحابنا كانت على طهارة ماء الغسالة (وهو الماء الوارد على النجاسة)، ويؤيّده ما قاله صاحب مدارك الأحكام، حيث قال: «إنّ كلّ من قال بطهاره الغسالة اعتبر فيها ورود الماء على النجاسة، ما عدا الشهيد في الذكرى».(1)
والحاصل، أنّا ذهبنا إلى طهارة ماء الغسالة (وهو الماء الوارد على النجاسة) دون الماء الذي وردت عليه النجاسة، فلتكن على بيّنة من ذلك. والجدير بالذكر أنّ أصحابنا أفتوا بانفعال الماء القليل، كما أنّهم حكموا بطهارة الغسالة، وإذا دقّقت النظر في هذين الحكمين تجد أنّ موضوع كلّ حكم على حدة، فالماء القليل الذي وردت عليه النجاسة ينفعل بالملاقاة، بينما ذهبوا إلى أنّ الماء القليل الوارد على النجاسة لا ينفعل، وما ذلك إلّا لشواهد عندهم في المقام، ونحن نقتفي أثرهم في هذا المجال، حيث ذكرنا أنّه يُستفاد من كلام ابن إدريس أنّ طهارة الغسالة مستمرّة على أصل المذهب وفتاوى الأصحاب.
ثمّ إنّك إذا ما راجعت الأخبار التي وردت في باب انفعال الماء القليل، تجدها
ص: 263
كلّها واردة فيما إذا وردت النجاسة على الماء، نذكر لك بعضها هنا:
الأوّل: ما رواه محمّد بن مسلم: سألته عن الماء الذي تبول فيه الدوابّ وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجُنُب؟ قال: «إذا كان الماء قدر كرٍّ لم ينجسه شيء».(1)
ما رواه أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي: سألتُ أبا الحسن(علیه السلام)عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة؟ قال(علیه السلام): «يكفئ الإناء».(2)
الثاني: ما رواه صفوان الجمّال عن أبي عبد الله(علیه السلام) في الحياض التي بين مكّة والمدينة، تردها السباع وتلغ فيها الكلاب ويغتسل فيها الجُنُب، أيتوضّأ منها؟ فقال: وكم قدر الماء؟ قلت: إلى نصف الساق أو الركبة، فقال: توضّأ منه.(3)
الثالث: ما رواه زرارة عن أبي جعفر(علیه السلام) في راوية من ماء سقطت فيها فأرة أو جرذ أو صعوة ميتة، قال(علیه السلام): «إذا تفسّخ فيها فلا تشرب من مائها ولا تتوضّأ وصبّها، وإن كان غير متفسّخ فاشرب منه وتوضّأ، واطرح الميتة إذا أخرجتها طريّةً، وكذلك الجرّة
ص: 264
وحبّ الماء والقربة وأشباه ذلك من أوعية الماء».(1)
الرابع: ما رواه أبو بصير عنهم(علیهم السلام): «إذا دخلت يدك في الإناء قبل أن تغسلها فلا بأس، إلّا أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة، فإن دخلت يدك في الإناء وفيها شيءٌ من ذلك فاهرق ذلك الماء».(2)
فهذه الأخبار كلّها ظاهرة في ورود النجاسة على الماء، ولم يتطرق فيه احتمال ورود الماء على النجاسة، وهذا يؤيّد ما ذكرنا من أنّ ماء الغسالة خارج عن مفاد أدلّة انفعال الماء القليل؛ لأنّ أدلّة انفعال الماء القليل تنصرف إلى ما إذا كانت النجاسة وردت على الماء فقط، بينما ماء الغسالة هو ماء ورد على النجاسة.
نحن نعتقد أنّ أصحابنا قبل الشيخ الطوسي لم يفتوا بنجاسة الغسالة، مع أنّ هذه المسألة كانت كثيرة البلوى، فلو كانوا قد ذهبوا إلى نجاستها لوصل إلينا كلامهم كما وصل الكثير من كلامهم في الفروع الفقهية.
نعم، لمّا وصل الأمر إلى الشيخ الطوسي ذكر خبر العيص بن القاسم (وهو العمدة في المقام) على شرح بينّاه. فمن جاء بعده عمل بهذا الخبر وحكم بنجاسة الغسالة مطلقاً، فأصبحت نجاسة الغسالة مشهورة بين المتأخّرين.
ثمّ إنّ الشيخ اعتمد على خبر العيص بن القاسم، ولم يعتمد الكليني عليه، ولقد بسطنا الكلام في تحقيق هذا الخبر، فلا نعيد.
وكيف كان، فإنّ اعتماد الشيخ على هذا الخبر كان هو السبب للحكم بنجاسة
ص: 265
الغسالة مطلقاً عند المتأخّرين، وهذا ممّا انفرد الشيخ الطوسي به، والتزم به المتأخّرون.(1)
فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الأدلّة التي ذكرت لنجاسة الغسالة غير تامّة، فلا بدّ من الالتزام بطهارتها.
من المعلوم أنّه يجب أن لا يكون الماء الذي يُغسل به بمقدار القذر، بل يجب أن يكون أكثر منه بمرّات حتّى يصدق حينئذٍ عنوان الغسل عرفاً، فإذا كان الماء القليل الذي يُغسل به بمقدار القذر، فلا شكّ في نجاسة هذا الماء؛ إذ لا يُطلق على هذا عنوان الغسل.
ص: 266
الماء المستعمل في الاستنجاء طاهر وإن كان من البول، فلا يجب الاجتناب عنه ولا عن ملاقيه.
ويشترط في هذا الحكم شروط، منها عدم تغيير ماء الاستنجاء بالنجاسة، وسيأتي الكلام فيها.
وهذا مذهب المشهور من فقهائنا.(1)وذهب
السيّد المرتضى إلى نجاسته، مع عدم وجوب الاجتناب عن ملاقيه، فإنّه قال: «لا بأس بما ينضح من ماء الاستنجاء على الثوب والبدن» وكلامه صريح في العفو وليس صريحاً في الطهارة.(2)
ص: 267
إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ هناك صحيحتين تدلّان على طهارة ماء الاستنجاء، وهما:
اتّفق المشايخ الثلاثة (الكليني والصدوق والطوسي) على نقل هذه الصحيحة، ولها أسانيد ثلاثة:
السند الأوّل
روى الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عُمير، عن عمر بن أُذينة، عن محمّد بن النعمان الأحول، عن أبي عبد الله(علیه السلام).(1)
ولقد رواه الشيخ الصدوق مرسلاً، كما أنّ الشيخ الطوسي رواه بإسناده عن الكليني، والظاهر أنّه أخذه من الكافي.(2)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: تعرّضنا سابقاً لوثاقة رجال السند، وأمّا عمر بن أُذينة فهو شيخ أصحابنا البصريين ووجههم، وأمّا محمّد بن النعمان الأحول، فإنّ منزلته في العلم وحسن الخاطر أشهر من أن تُذكر.(3)
والحاصل، أنّ هذه الرواية صحيحة سنداً.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب النوادر
ص: 268
لابن أبي عُمير.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا في جملة كتب ابن أبي عُمَير كتاب النوادر، وصرّح النجاشي في رجاله أنّ رواة كتاب ابن أبي عُمَير كثير.(1)
وهذا الكتاب كان عند الكليني، فإنّه روى عن ابن أبي عُمير 2290 مورداً (من طريق علي بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عُمير)، وهذا السند في الواقع طريق الكليني إلى كتب ابن أبي عُمير.(2)
كما أنّ ابن أبي عُمير أخذ هذه الصحيحة من كتاب عمر بن أُذينة، فإنّ الشيخ الطوسي صرّح في فهرسته بأنّ ابن أبي عُمير روى كتاب عمر بن أُذينة.(3)
ونحن إذا تصفّحنا الكتب الأربعة، نجد أنّ ابن أبي عُمير في 710 مورداً روى عن عمر بن أُذينة، وهذا يشهد على أنّ كتاب عمر بن أُذينة كان عند ابن أبي عُمير.(4)
السند الثاني
ذكر الشيخ الطوسي في أوّل هذا السند طريقه إلى سعد بن عبد الله، وقال بعد ذلك: «عن أحمد بن محمّد ]بن عيسى[، عن علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان،
ص: 269
عن محمّد بن النعمان ]الأحول[ عن أبي عبد الله(علیه السلام)».
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: إنّ للشيخ الطوسي إلى سعد بن عبد الله طريقين في مشيخة تهذيب الأحكام، نذكر هنا أحدهما، وهو ما رواه عن الشيخ المفيد، عن ابن قُولَوَيه الابن، عن ابن قُولَوَيه الأب، عن سعد بن عبد الله.
وذكرنا أنّ هذا الطريق هو طريق صحيح، كما أنّ سعد بن عبد الله ثقة، والمراد من أحمد بن محمّد هنا هو أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري الثقة الجليل.
وعلي بن الحكم الأنباري كان ثقةً جليل القدر(1)، وأمّا أبان بن عثمان، فقد ذكره الكشّي فيمن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم، والمشهور أنّه كان ناووسياً.
هذا ولكنّ الكشّي انفرد بهذه المقالة، فإنّه ذكر في ترجمة أبان بن عثمان أنّه كان من أهل البصرة، وكان يسكن الكوفة، وكان من الناووسيّة.(2)
وذكر السيّد الخوئي أنّه ذُكر في بعض نسخ الكشّي «كان من القادسيّة» بدل «كان من الناووسيّة»، ثمّ قال: «الظاهر أنّ الصحيح هو الأخير، وقد حُرّف وكُتب: وكان من الناووسيّة».(3)
وتشهد على ذلك شهادة النجاشي والشيخ على أنّ أبان روى عن أبي الحسن(علیه السلام)، ومعه كيف يمكن أن يكون من الناووسيّة وهم الذين وقفوا على أبي عبد الله(علیه السلام)؟
والحاصل، أنّ هذه الرواية من الروايات الصحيحة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة بهذا السند كانت مذكورة في
ص: 270
كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله الأشعري، ولقد شرحنا ذلك سابقاً.(1)
و سعد بن عبد الله أخذ هذه الصحيحة من كتاب علي بن الحكم الأنباري.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا لعلي بن الحكم كتاباً، وروى الشيخ الطوسي هذا الكتاب بإسناده عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن الحكم.(2)
فطريق الشيخ يرشدنا إلى أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى روى كتاب علي بن الحكم، كما نجد في هذا السند أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى روى عن علي بن الحكم.
السند الثالث
روى الشيخ الصدوق في علل الشرائع عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن يونس بن عبد الرحمٰن، عن رجل من أهل المشرق، عن العنزا، عن الأحول، عن أبي عبد الله(علیه السلام).
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: تعرّضنا سابقاً لوثاقة أكثر رجال السند، أمّا العنزا فهو مجهول لم يُذكر في كتب الرجال، فالرواية بهذا السند ضعيفة. مضافاً إلى إرساله برجل من أهل المشرق.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ الرواية بهذا السند كانت مذكورة في كتاب محمّد بن إسماعيل بن بزيع.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا فهرست الطوسي، نجد أنّه ذكر لمحمّد بن إسماعيل بن
ص: 271
بزيع كتباً، وقد رواها بالإسناد عن سعد والحميري وأحمد بن إدريس ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع.(1)
وطريق الشيخ الطوسي يدلّ على أنّ كتب محمّد بن إسماعيل بن بزيع كانت مشهورة بين أصحابنا، حيث رواها أجلّ أصحابنا. وكيف كان، فطريق الشيخ الطوسي يتّحد مع ذيل هذا السند، فإنّه روى سعد عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع.
والحاصل، أنّ هذه الرواية ذُكرت في خمسة مصادر من مصادر أصحابنا، وهي: كتاب النوادر لابن أبي عُمير، وكتاب عمر بن أُذينة (بناءً على السند الأوّل)، وكتاب الرحمة، وكتاب علي بن الحكم الأنباري (بناءً على السند الثاني)، وكتاب محمّد بن إسماعيل بن بزيع (بناءً على السند الثالث).
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل اربع(2):
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ محمّد بن النعمان الأحول الكوفي سافر من الكوفة إلى المدينة، فسمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام).
ص: 272
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة نقل الحديث لعمر بن أُذينة الكوفي، وهو لمّا ألّف كتابه أدرج الحديث فيه (راجع السند الأوّل).
كما أنّ محمّد بن النعمان نقل الحديث لابن عثمان الكوفي، وبعد ذلك سمع علي بن الحكم الذي كان يسكن الكوفة، وأدرجه في كتابه (راجع السند الثاني).
ثمّ إنّ عنزا (المجهول) سمع الحديث من محمّد بن النعمان الأحول، وسمع من عنزا رجلٌ آخر من أهل المشرق لا نعرفه (راجع السند الثالث).
المرحلة الثالثة: بغداد، قمّ،الكوفة
إنّ ابن أبي عُمير البغدادي سمع كتاب عمر بن أُذينة، ثمّ لمّا ألّف كتابه أدرج الحديث فيه، وبعد ذلك سمع إبراهيم بن هاشم من ابن أبي عُمير كتابه، ونقل كتاب ابن أبي عُمير إلى قمّ، وبعد ذلك سمع من إبراهيم بن هاشم ابنه علي بن إبراهيم (راجع السند الأوّل).
كما أنّ سعد بن عبد الله لمّا سافر إلى الكوفة، سمع كتاب علي بن الحكم، ولمّا رجع إلى قمّ وألّف كتاب الرحمة، أدرج فيه هذا الحديث، ثمّ سمع منه ابن قُولَوَيه الأب كتاب الرحمة، كما أنّ ابن قُولَوَيه الابن سمع الكتاب من أبيه (راجع السند الثاني).
وإنّ يونس بن عبد الرحمٰن البغدادي سمع الحديث عن رجل، عن عنزا، عن محمّد بن النعمان، وبعد ذلك سمع محمّد بن إسماعيل بن بزيع الكوفي عن يونس بن عبد الرحمٰن، ولمّا ألّف كتابه أدرج فيه هذا الحديث، ثمّ نقل محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب الكوفي كتاب محمّد بن إسماعيل بن بزيع الى الكوفة ، ثمّ سافر سعد بن عبد الله إلى الكوفة فسمع من محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ونقل الحديث إلى قمّ (راجع السند الثالث).
المرحلة الرابعة: قم، بغداد
إنّ الكليني سافر إلى قمّ، فسمع من علي بن إبراهيم كتاب ابن أبي عُمير، ولمّا
ص: 273
قام بتأليف كتابه الكافي أخذ الحديث من ذلك الكتاب فأدرجه في الكافي (راجع السند الأوّل).
ثمّ إنّ والد الشيخ الصدوق سمع الحديث من سعد بن عبد الله ونقله إلى قمّ، وبعد ذلك سمع الشيخ الصدوق من أبيه فأدرجه في كتابه كتاب من لا يحضره الفقيه (راجع السند الثاني).
ثمّ إنّ ابن قُولَوَيه الابن لمّا سافر إلى بغداد نقل كتاب الرحمة لمشايخ بغداد، وسمع منه الشيخ المفيد، وبعد ذلك سمع الشيخ الطوسي من الشيخ المفيد كتاب الرحمة، ولمّا أراد الشيخ الطوسي أن يكتب تهذيب الأحكام والاستبصار، أخذ هذه الرواية من كتاب الرحمة لسعد وأدرجه فيهما (راجع السند الثاني).
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان كما يلي:
السند الأوّل: المدينة، الكوفة، بغداد، قمّ.
السند الثاني: المدينة، الكوفة، قمّ، بغداد.
السند الثالث: المدينة، الكوفة، بغداد، الكوفة، قمّ.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1 _ محمّد بن النعمان: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2 _ ابن أبي عُمير ويونس: نقلا الحديث من الكوفة إلى بغداد.
3 _ محمّد بن إسماعيل بن بزيع: نقل الحديث من بغداد إلى الكوفة.
4 _ سعد بن عبد الله: نقل الحديث من الكوفة إلى قمّ.
5 _ ابن قُولَوَيه الابن: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث بسنده الأوّل مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وبغدادي تدويناً وقمّي نشراً وبسنده الثاني مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي تدويناً وبغدادي تأليفاً وبسنده الثالث مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي تدويناً ثم قمّي نشراً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جلّ طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال، إلّا في السند
ص: 274
الثالث حيث يوجد فيه رجلان مجهولان.
هذا تمام الكلام في أسانيد الحديث.
ثمّ إنّ هناك اختلاف في متن الحديث، وهذ الاختلاف راجع إلى اختلاف المصادر.
بيان ذلك: إنّ محمّد بن النعمان الأحول سأل من أبي عبد الله(علیه السلام)سؤالاً، وقد نقل في كتاب النوادر لابن أبي عُمير متن الحديث هكذا:
قلتُ لأبي عبد الله(علیه السلام): أخرجُ من الخلاء فأستنجي بالماء فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به، فقال: لا بأس به.(1)
وقد نُقل في كتاب علي بن الحكم الأنباري هكذا:
قلتُ له: أستنجي ثمّ وقع ثوبي فيه وأنا جُنُب(2)، فقال: لا بأس به.(3)
وقد نُقل في كتاب محمّد بن إسماعيل بن بزيع هكذا:
فقلت: جُعِلت فداك، الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي يستنجي به، فقال:
ص: 275
لا بأس به. فسكت فقال: أو تدري لمَ صار لا بأس به؟ قلتُ: لا والله جُعِلت فداك، فقال: لأنّ الماء أكثر من القذر.(1)
ولكنّ هذا الذيل لم يُذكر في كتاب ابن أبي عُمير وكتاب علي بن الحكم.(2)
وكيف كان، فإنّ الإمام نفى البأس عن وقوع الثوب في ماء الاستنجاء، فيُستفاد منه طهارة اللباس إذا التقى بماء الاستنجاء، وسنذكر فيما بعد أنّ طهارة اللباس ملازم عرفاً مع طهارة ماء الاستنجاء.
ثمّ إنّ هذه الصحيحة كانت مختصّة بنفي البأس عن وقوع الثوب في ماء الاستنجاء، لكن فهم أصحابنا عدم التخصيص بالثوب، فاستظهروا عموم نفي البأس، سواء كان في اللباس أو البدن.
وبعبارة أُخرى: إنّ السؤال عن خصوص الثوب إنّما هو من جهة كثرة الابتلاء بوقوعه في ماء الاستنجاء في حال التطهير، لا لخصوصية فيه جزماً.
انفرد الشيخ الطوسي بنقل هذا الخبر، فقال: «وبهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد، عن علي بن النعمان ومحمّد بن سنان، عن عبد الله بن مُسكان، عن ليث المرادي، عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي، عن أبي عبد الله(علیه السلام)».(3)
التحليل الرجالي: مراد الشيخ من قوله: «بهذا الإسناد» كما يلي: عن الشيخ المفيد، عن ابن قُولَوَيه الابن، عن ابن قُولَوَيه الأب، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى. وفي الواقع هدا طريق الشيخ الطوسي إلى الحسين بن سعيد. ورجال السند كلّهم من الثقات.
والحاصل، أنّ هذه الرواية بهذا السند تعتبر من الأحاديث الصحيحة.
ص: 276
فأمّا الحسين بن سعيد فوثاقته واضحة، وعلي بن النعمان الأعلم كان ثقةً وجهاً صحيحاً واضح الطريقة.(1)
ومحمّد بن سنان هو رجل ضعيف جدّاً لا يعوّل عليه ولا يُلتفت إلى ما تفرّد به، ولكنّ هذا لا يضرّ؛ لأنّه في هذه الطبقة روى علي بن النعمان أيضاً.(2)
وعبد الله بن مُسكان كان ثقةً عيناً، وليث المرادي هو أبو بصير الذي وثّقه ابن الغضائري وابن داود.(3)
وأمّا عبد الكريم بن عتبة الهاشمي فقد وثّقه الشيخ في رجاله.(4)
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب الحسين بن سعيد.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا للحسين بن سعيد الأهوازي ثلاثين كتاباً، كما أنّ هذا الطريق يتّحد مع ما ذكره الشيخ من طرقه إلى كتب الحسين بن سعيد في فهرسته.(5)
ص: 277
والنجاشي ذكر أنّ لكتب الحسين بن سعيد خمس نسخ، والنسخة التي اعتمد عليها أصحابنا هي نسخة أحمد بن محمّد بن عيسى، وفي هذا الطريق روى الشيخ الطوسي عن هذه النسخة.
نعم، الظاهر أنّ الحسين بن سعيد أخذ هذه الصحيحة من كتاب عبد الله بن مُسكان، فإنّ النجاشي صرّح بأنّ محمّد بن سنان روى كتاب عبد الله بن مُسكان، والظاهر وصول هذه النسخة إلى الحسين بن سعيد؛ فإنّا نجد أنّ الحسين بن سعيد روى (في الكافي وتهذيب الأحكام والاستبصار) عن محمّد بن سنان، عن عبد الله بن مُسكان في 150 مورداً.(1)
والحاصل، إنّ هذه الرواية كانت مذكورة في كتاب عبد الله بن مُسكان (وهو المصدر الأوّلي) وكتاب الحسين بن سعيد.
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل خمس:
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ عبد الكريم بن عتبة الكوفي الهاشمي سافر من الكوفة إلى المدينة، فسمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة نقل الحديث هناك(2)، وبعد ذلك سمع منه أبو بصير المرادي، ثمّ سمع عبد الله بن مُسكان الكوفي من أبي بصير، فذكره في كتابه.
كما أنّ محمّد بن سنان وعلي بن نعمان الكوفيّين سمعا كتاب عبد الله بن مُسكان.
ص: 278
المرحلة الثالثة: الأهواز
إنّ الحسين بن سعيد الذي كان أصله كوفياً سمع كتاب عبد الله بن مُسكان من محمّد بن سنان وعلي بن النعمان، ثمّ سافر إلى الأهواز وسكن فيها، وقام بتأليف كتبه، وأدرج الحديث فيها.
المرحلة الرابعة: قمّ
إنّ الحسين بن سعيد سافر بعد ذلك من الأهواز إلى قمّ، وسمع منه أحمد بن محمّد بن عيسى، وبعد ذلك سمع سعد بن عبد الله والصفّار من أحمد بن محمّد بن عيسى، ولمّا وصل الأمر إلى ابن الوليد سمع من سعد والصفّار كتب الحسين بن سعيد.
المرحلة الخامسة: بغداد
إنّ ابن الوليد الابن _ الذي كان قمّياً _ سافر إلى بغداد ونقل كتاب الحسين بن سعيد إلى هناك، وسمع منه الشيخ المفيد. وبعد ذلك لمّا هاجر الشيخ الطوسي إلى بغداد وسكن فيها، قام بتحمّل كتاب الحسين بن سعيد من أُستاذه الشيخ المفيد. ولمّا قام الشيخ بتأليف تهذيب الأحكام والاستبصار، أخذ هذا الحديث من كتاب الحسين بن سعيد وأدرجه فيهما.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي: المدينة، الكوفة، الأهواز، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1 _ عبد الكريم بن عتبة: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2 _ الحسين بن سعيد: نقل الحديث من الكوفة إلى الأهواز وقمّ.
3 _ ابن الوليد الابن: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وأهوازي تدويناً وقمّي نشراً وبغدادي تأليفاً.
ص: 279
ثمّ إنّ هذه الرواية في جميع طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي قال: سألتُ أبا عبد الله(علیه السلام) عن رجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به، أينجس ذلك ثوبه؟ قال: لا.(1)
وجه الاستدلال به: إنّ الإمام صرّح بعدم نجاسة الثوب الذي وقع في الماء الذي يستنجي به.
وفهم فقهاؤنا من هذين الخبرين طهارة ماء الاستنجاء؛ فكما أنّ الحكم بنجاسة ملاقي شيء يدلّ بالفهم العرفي على نجاسة ذلك الشيء نفسه، كذلك الحكم بطهارة الملاقي يدلّ بالملازمة العرفية على طهارة ما لاقاه.
وكيف كان، بهذا الفهم العرفي نحكم بطهارة ماء الاستنجاء شرعاً وفاقاً لمشهور فقهائنا، فإنّ الالتزام بنجاسة ماء الاستنجاء على خلاف ما يقتضيه الخبرين المتقدّمين عرفاً، فلا مناص من الحكم بطهارته.
إنّ الاستنجاء في اللغة بمعنى غسل موضع النجو أو مسحه بالأحجار؛ والنجو هو ما يخرج من الموضع المعتاد من غائط أو ريح، ومن المعلوم أنّه لا يشمل البول، فليس غسل البول من الاستنجاء في شيء.
نعم، إنّا نلحق البول بالغائط من جهة الملازمة العرفية؛ لعدم معهودية الاستنجاء من الغائط في مكان، ومن البول في مكان آخر، إذ العادة جرت على
ص: 280
الاستنجاء منهما في مكان واحد، والشارع قد حكم على المستعمل في الغائط بالطهارة، فيُستفاد من ذلك طهارة الماء المستعمل في إزالة البول أيضاً.
للحكم بطهارة ماء الاستنجاء شروط:
الشرط الأوّل: عدم تغيّره بأوصاف النجاسة، فإنّ ماء الاستنجاء إذا تغيّر فهو محكوم بالنجاسة؛ وذلك لعموم ما دلّ على نجاسة الماء المتغيّر بأوصاف النجاسة.
الشرط الثاني: عدم وصول نجاسة إليه من خارج، كإن تكون يده متلوّثة بالدم مثلا قبل الاستنجاء. والوجه في ذلك أنّ أدلّة طهارة ماء الاستنجاء إنّما تدلّ على عدم انفعاله بملاقاة عين الغائط والبول حال الاستنجاء، وأمّا عدم انفعاله بوصول النجاسة إليه خارجاً فلم يقم دليل عليه، فإذا كان وصل إليه نجاسة من الخارج فلابدّ من الحكم بالنجاسة لأنّه ماء قليل لاقى نجساً.
الشرط الثالث: أن لا يخرج مع البول أو الغائط نجاسة أُخرى كالدم؛ لأنّا ذكرنا أنّ الاستنجاء بمعنى غسل موضع النجو، وهو الغائط، وعليه فإذا خرج من موضع الغائط الدم فليس غسل هذا الدم من الاستنجاء في شيء. وذكرنا أنّا ألحقنا البول بالغائط من جهة الملازمة العرفية والمقدار المسلّم من طهارة الماء المستعمل في إزالة نفس البول، وأمّا المستعمل في البول مع الدم فلم تتحقّق فيه هذه الملازمة العرفية، فإنّ خروج الدم مع البول أمر قد يتّفق وليس أمراً دائمياً أو غالبياً، فلا يمكن الحكم بطهارته.
الشرط الرابع: عدم التعدّي الفاحش على وجه لا يصدق معه الاستنجاء. والوجه في ذلك أنّ ماء الاستنجاء يصدق على ما إذا لم يتجاوز الغائط عن الموضع المعتاد، وأمّا إذا تجاوز عنه كما إذا كان مبتلًى بإسهال فأصاب الغائط فخذه مثلاً، فلا يرى العرف غسل الفخذ من الاستنجاء، فحينئذٍ كان هذا الماء الذي غسل به
ص: 281
فخذه نجساً؛ لأنّه ماء قليل لاقى نجساً.
الشرط الخامس: أن لا يكون فيه أجزاء من الغائط بحيث يتميّز. والوجه في ذلك أنّ المتعارف في الاستنجاء ما إذا بقي من النجاسة في الموضع شيء يسير بحيث لا يوجد شيء من أجزائها المتمايزة في الماء، وهو الذي حكمنا فيه بالطهارة، وأمّا إذا كان الباقي في الموضع كثيراً خارجاً عن العادة على نحو وجد بعض أجزائها في الماء متميّزاً حين الاستنجاء أو بعد الفراغ عنه، فلا يمكن الحكم فيه بطهارة الماء، وذلك أنّ الأجزاء الموجودة في الماء نجاسة خارجية، وملاقاتها توجب الانفعال، فلا مناص من الحكم بنجاسته.
وأمّا ما دلّ على طهارة ماء الاستنجاء، فهو إنّما دلّ على أنّ ملاقاة الماء القليل لعين النجاسة في موضعها لا توجب الانفعال، دون ما إذا كانت الملاقاة في غير موضعها.
الماء المشتبه فيما إذا عُلم إجمالاً بنجاسة أحد الإناءَين وطهارة الآخر، لم يجز رفع الخبث بأحدهما ولا رفع الحدث. والوجه في ذلك أنّه إذا أراد المكلّف إتيان الصلاة فيجب عليه اجتناب النجاسة، ولا يتمّ ذلك إلّا بالاجتناب عن كلا الإناءَين، فحينئذٍ يجب عليه الاجتناب عنهما، كما أنّه قد دلّت عليه صحيحة سماعة(1) عن أبي عبد الله(علیه السلام): سُئِل عن رجل معه إناءان فيهما ماء، وقع في أحدهما قذر لا يُدرى أيّهما هو، وليس يقدر على ماء غيره؟ قال: «يهريقهما جميعاً
ص: 282
ويتيمّم».(1)
إنّ الملاقي للماء المشتبه محكومٌ بوجوب الاجتناب دون النجاسة، إلّا إذا كانت الحالة السابقة في طرفي الشبهة فيهما النجاسة. والوجه في ذلك أنّه لا يمكن لنا الحكم بنجاسة الإناءَين، بل نحن نحتمل نجاستهما؛ لاحتمال انطباق المعلوم بالإجمال على كلّ واحد من الإناءَين، فإذا كان هذا حال كلّ واحد من الإناءَين فما ظنّك بما يلاقي أحدهما، فالحكم بنجاسة الملاقي حكمٌ بلا دليل.
إذا كانت أطراف الشبهة غير محصورة، جاز الاستعمال مطلقاً، وضابط غير المحصورة أن تبلغ كثرة الأطراف حدّاً يوجب ضعف احتمال ثبوت التكليف في كلّ واحد منها بدرجة يكون الإنسان واثقاً ومطمئنّاً بالعدم، فلذلك لا يجب فيها الاحتياط. والوجه في ذلك أنّ العقلاء لا يعتنون بالاحتمال إذا كان ضعيفاً من جهة كثرة الأطراف.
الماء المشتبه إذا عُلم إجمالاً بأنّ أحد الطرفين ماءٌ مطلق والآخر مضاف، جاز
ص: 283
رفع الخبث بالغسل بأحدهما ثمّ بالآخر، وكذلك رفع الحدث. والوجه في ذلك أنّه إذا تكرّر الوضوء مثلاً فيحصل لنا القطع بالوضوء مثلاً من الماء المطلق، وأنت خبير بأنّ التوضّؤ بالمضاف ليس محرّماً شرعاً، فلا مانع من التوضّؤ به مقدّمة للعلم بالتوضّؤ من الماء المطلق.
وأمّا إذا كانت أطراف الشبهة غير محصورة، فلا يحتاج إلى تعدّد الوضوء أو الغسل، بل يكفي الوضوء أو الغسل مرّة واحدة، وكذلك رفع الحدث لا يحتاج إلى تعدّد الغسل.
الماء المشتبه إذا عُلم إجمالاً بأنّ أحد الطرفين ماء مغصوب والآخر مباح، حرم التصرّف في كلّ منهما، ولكن لو غسل نجساً بأحدهما طهر، ولا يرفع بأحدهما الحدث. وهذا بخلاف الماء الذي اشتبه بالمضاف، فإنّ التوضّؤ بالمضاف ليس حراماً، فلذلك جاز تكرّر الوضوء فيه، ولكن في الماء الذي اشتبه بالمغصوب فلا يجوز تكرار الوضوء؛ لأنّ التوضّؤ بالمغصوب حرام شرعاً، فلا يجوز جعله مقدّمةً للعلم بالامتثال، وأمّا إذا غسلنا بالمشتبه بالمغصوب نجساً، فلا شبهة في أنّه يطهر النجس، وإن كان التصرّف فيه حراماً.
وأمّا إذا كانت أطراف الشبهة غير محصورة، فلا إشكال في الوضوء والغسل به، وكذلك رفع الحدث.
ص: 284
إذا لاقى الماء المضاف نجساً فإنّه ينجس وإن لم يتغيّر أوصافه، وهذا محلّ وفاق بين فقهاء الإمامية، وقد صرّحوا بأن لا فرق في هذا الحكم بين كون ماء المضاف قليلاً أم كثيراً.(1)
ويدلّ على ذلك أخبار عديدة، نذكر هنا العمدة منها، وهي صحيحة زرارة، وصحيحة الحلبي:
انفرد الكليني على نقل هذه الصحيحة، ولها سند واحد رواه عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عُمير، عن عمر بن أُذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام).
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
ص: 285
التحليل الرجالي: تقدّم الكلام في وثاقة أكثر رجال السند(1)، وبقي الكلام في عمر ابن أُذينة، وحسبنا أنّه كان شيخ أصحابنا البصريين ووجههم.(2)
والحاصل، أنّ هذه الرواية بهذا السند تعتبر من الأحاديث الصحيحة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه المرسلة كانت مذكورة في كتاب النوادر لابن أبي عُمير. فإذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا في جملة كتب ابن أبي عُمَير كتاب النوادر، وصرّح النجاشي في رجاله أنّ رواة كتاب ابن أبي عُمَير كثير.(3)
وهذا الكتاب كان عند الكليني، فإنّه روى عن ابن أبي عُمير 2290 مورداً (من طريق علي بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عُمير)، وهذا السند في الواقع طريق الكليني إلى كتب ابن أبي عُمير.(4)
نعم، إنّ ابن أبي عُمير أخذ هذه الصحيحة من كتاب عمر بن أُذينة، كما وصرّح النجاشي بأنّ لعمر بن أُذينة كتاب الفرائض، ورواه بإسناده عن ابن نهيك، عن ابن أبي عُمير، عن عمر بن أُذينة. هذا وأنّ ابن أبي عُمير روى عن عمر بن أُذينة في 710
ص: 286
مورداً في الكتب الأربعة.(1)
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل اربع:
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ زرارة سافر إلى المدينة وسمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة نقل الحديث لعمر بن أُذينة الكوفي، وهو ألّف كتابه وأدرج الحديث فيه.
المرحلة الثالثة: بغداد
إنّ ابن أبي عُمير البغدادي سمع كتاب عمر بن أُذينة، ثمّ ألّف كتابه فأدرج الحديث فيه، وبعد ذلك سمع إبراهيم بن هاشم من ابن أبي عُمير كتابه، ونقل كتاب ابن أبي عُمير إلى قمّ، ثمّ سمع منه ابنه علي بن إبراهيم بن هاشم.
المرحلة الرابعة: الري
إنّ الكليني سافر إلى قمّ فسمع من علي بن إبراهيم كتاب ابن أبي عُمير، ولمّا قام بتأليف كتابه الكافي أخذ الحديث من ذلك الكتاب فأدرجه فيه.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي: المدينة، الكوفة، بغداد، قمّ، الري.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ زرارة: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
ص: 287
2_ ابن أبي عُمير: نقل الحديث من الكوفة إلى بغداد.
3_ ابراهیم بن هاشم : نقل الحدیث من بغداد الی قم .
4_ الكليني: نقل الحديث من قمّ إلى الري.
فالحديث مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وبغدادي تدويناً وقمّي نشراً ورازي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جميع طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وأمّا متنه:
روى زرارة عن أبي جعفر(علیه السلام) أنّه قال: «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه، فإن كان جامداً فألقها وما يليها وكل ما بقي، وإن كان ذائباً فلا تأكله واستصبح به، والزيت مثل ذلك».(1)
وجه الاستدلال به: أنّا نقطع من قوله(علیه السلام): «والزيت مثل ذلك» أنّ حكم نجاسة ملاقى النجس ليس ممّا يختصّ بالسمن والزيت وأنّ هذا الحكم مستند عند العرف إلى ميعانهما وذوبانهما، فكل مائع كان له ذوبان يحكم بنجاسته إذا لاقى نجساً، ولا فرق في ذلك بين كثرته وقلته.
وبعبارة ثانية، أنّ السمن والزيت وإن لم يكن من ماء المضاف إلّا أنّا نقطع بعدم خصوصية لهما في الحكم. ففي الواقع أنّ هذا الحكم مستند إلى ذوبان الملاقى وميعانه سواء كان هذا الملاقى مضافاً أو لا.
انفرد الشيخ بنقل هذه الصحيحة، ولها سند واحد، فقال في أوّل سنده: «عنه
ص: 288
]أي: الحسين بن سعيد[، عن ابن أبي عُمير، عن حمّاد، عن الحلبي».
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: سبق الكلام في صحّة طريقي الشيخ الطوسي إلى الحسين بن سعيد(1)،
وتقدّم الكلام في وثاقة أكثر رجال السند. كما أنّ المراد من حمّاد في هذا السند هو حمّاد بن عثمان الناب، وكان ثقة، بقرينة أنّ الشيخ في فهرسته يصرّح بأنّ حمّاد بن عيسى الناب روى كتاب عُبيد الله الحلبي، فراجع.(2)
كما أنّ المراد من الحلبي هو عُبيد الله بن عليّ الحلبي، وهو من آل أبي شيبة بالكوفة، وكانوا جميعهم ثقات مرجوعاً إلى ما يقولون، وكان عُبيد الله كبيرهم ووجههم.(3)
والحاصل، أنّ هذه الرواية بهذا السند تعتبر من الأحاديث الصحيحة.
ص: 289
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتب الحسين بن سعيد، ولقد بسطنا الكلام فيه. كما أنّ الحسين بن سعيد أخذ هذه الصحيحة من كتاب عُبيد الله الحلبي، فإنّ النجاشي يصرّح بأنّ لعبيد الله الحلبي كتاباً، وصرّح بأنّه قد رواه خلق من أصحابنا، ثمّ رواه النجاشي بإسناده عن ابن أبي عُمير عن حمّاد عنه.(1)
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل ستّ:
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ عُبيد الله بن عليّ الحلبي سافر من الكوفة إلى المدينة، وسمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة ألّف كتابه وذكر فيه هذا الحديث، وذكرنا أنّ عُبيد الله بن علي الحلبي كان يسكن الكوفة وكان متجره إلى حلب فغلب عليه هذا اللقب.(2)
المرحلة الثالثة: البصرة
إنّ حمّاد بن عيسى (الذي كان يسكن البصرة) سمع الحديث في الكوفة من الحلبي ونقله إلى البصرة.
المرحلة الرابعة: الأهواز
إنّ الحسين بن سعيد الذي سمع كتاب الحلبي من حمّاد بن عيسى سافر إلى الأهواز وسكن فيها، وقام بتأليف كتبه، وأدرج الحديث فيها.
المرحلة الخامسة: قمّ
إنّ الحسين بن سعيد سافر بعد ذلك من الأهواز إلى قمّ، وسمع منه أحمد بن
ص: 290
محمّد بن عيسى، وبعد ذلك سمع سعد بن عبد الله والصفّار من أحمد بن محمّد بن عيسى، ولمّا وصل الأمر إلى ابن الوليد سمع من سعد والصفّار كتب الحسين بن سعيد.
المرحلة السادسة: بغداد
إنّ ابن الوليد الابن الذي كان قمّياً، سافر إلى بغداد ونقل كتب الحسين بن سعيد إلى هناك، وسمع منه الشيخ المفيد، وبعد ذلك لمّا هاجر الشيخ الطوسي إلى بغداد وسكن فيها، قام بتحمّل كتب الحسين بن سعيد من أُستاذه الشيخ المفيد، ولمّا قام الشيخ بتأليف تهذيب الأحكام، أخذ هذا الحديث من كتاب الحسين بن سعيد وأدرجه فيه.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي: المدينة، الكوفة، البصرة، الأهواز، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ عُبيد الله الحلبي: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2_ حمّاد بن عيسى: نقل الحديث من الكوفة إلى البصرة.
3_ الحسين بن سعيد: نقل الحديث من البصرة إلى الأهواز وقمّ.
4_ ابن الوليد الابن: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وبصري نشراً وأهوازي تدويناً وقمّي نشراً وبغدادي تأليفاً.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وأمّا متنه:
عن الحلبي قال: سألتُ أبا عبد الله عن الفأرة والدابّة تقع في الطعام والشراب فتموت فيه، فقال: «إن كان سمناً أو عسلاً أو زيتاً، فإنّه ربّما يكون بعض هذا، فإن كان الشتاء فانزع ما حوله وكله، وإن كان الصيف فارفعه حتّى تسرج به، وإن كان ثرداً فاطرح الذي كان عليه، ولا تترك طعامك من أجل دابّة ماتت عليه».(1)
ص: 291
وجه الاستدلال به: أنّ العرف يفهم أنّ حكم نجاسة مثل السمن والعسل والزيت مستند إلى ميعانها وذوبانها، وكلّ مائع كان له ذوبان يحكم بنجاسته إذا لاقى نجساً، فالسمن والعسل والزيت وإن لم يكونوا من الماء المضاف، إلّا أنّا نطمئنّ بعدم الخصوصية لها في الحكم.
فتحصّل ممّا ذكرنا أنّ الماء المضاف ينجس بملاقاة النجس وإن لم يتغيّر أوصافه.
إنّ بقيّة المائعات _ مثل الحليب _ تشترك في الماء المضاف في الأحكام، فهو ينجس بملاقاة النجس.
إذا كان الماء المضاف جارياً من الأعلى إلى الأسفل ولو مع عدم التدافع _ كما إذا صبّ ماء الورد من إبريق على نجس في مكان أسفل _ فلا تسري النجاسة منه إلّا إلى موضع الملاقاة فحسب، وأمّا الماء الأعلى وما في الإبريق فيبقى على طهارته، فإنّ العرف يرى بين الماء العالي والماء الأسفل تعدّداً، فلا تسري النجاسة من أحدههما إلى الآخر.
وكذلك إذا كان الماء المضاف متدافعاً، فتختصّ النجاسة بموضع الملاقاة ولا تسري إلى غيره، ولا فرق بين أن يكون الماء جارياً من الأعلى إلى الأسفل أو من الأسفل إلى الأعلى(1)،
أو من أحد الجانبين إلى الآخر.
فالنكتة الفنّية فيه أنّ التدافع يجعل الماء المضاف متعدّداً بالنظر العرفي، وهما
ص: 292
ماءان عند العرف، فلا تسري النجاسة من أحدهما إلى الآخر، كما أنّ عاليه غير سافله والجانب الأيمن منه غير الجانب الأيسر.
إذا كان الماء المضاف أو المائع كثيراً جدّاً، فالحكم بأنّه ينجس كلّه بمجرّد ملاقاة جزء يسير منه مشكل جدّاً، إذ ذكرنا أنّ الدليل في المقام هو النصوص الواردة في السمن والزيت ونحوهما، وأنت خبير بأنّ هذه النصوص لا تشمل ما إذا كان الماء المضاف او المائع بالكثرة المفرطة. ونذكر هنا مثالاً: معامل الألبان التي تستخدم أوانٍ ضخمة لتسخين الحليب، والتي قد يصل حجم بعضها إلى عشرة آلاف لتر، أحياناً تُشاهد في بعض أماكن الحليب مقدراً من الدم، فهل يمكن القول إنّ جميع هذه العشرة آلاف لتر من الحليب كلّها متنجّسة؟
والإنصاف أنّ الحكم بنجاسة الكلّ بعيد، فلابدّ في هذه الموارد أن يخرج قدر من الحليب متأثّر بالدم والباقي طاهر.
إذا تنجّس المضاف أو المائع، لا يطهران أصلاً وإن اتّصل بالماء المعتصم، كماء المطر والكرّ. والوجه في ذلك أنّ العرف هنا يرى التعدّد بينه والماء الذي اتّصل به، فليس هناك ماء واحد بالنظر العرفي. نعم إذا استهلك الماء المضاف أو المائع في الماء المعتصم، فقد ذهبت عينه ولا يبقى هناك إلّا ماء واحد وهو طاهر.
ص: 293
إنّ الماء المضاف لا يرفع الحدث، فيبطل الوضوء والغسل به ولا تحصل الطهارة. هذا هو المشهور بين أصحابنا. نعم، إنّ الشيخ الصدوق ذهب إلى جواز الوضوء والغسل بماء الورد.(1)
وذهب أكثر أهل السنّة إلى عدم صحّة الوضوء بالماء المضاف، وأمّا أبو حنيفة فقد حكم بجواز الوضوء بالنبيذ في السفر عند عدم وِجدان الماء.(2)
والآن نبدأ بشرح مختارنا في المقام (وهو أنّ الماء المضاف لا يرفع الحدث)، فنحصر الكلام في خطوتين:
ص: 294
دليلنا على هذا الحكم هو إطلاق الأدلّة، مثل قوله تعالى: (فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)، فإنّ لفظ الماء في الآية ينصرف إلى الماء المطلق دون المضاف، وعليه يكون معنى الآية: إذا لم تجدوا ماءً مطلقاً فتيمّموا، وحينئذٍ يكون وجود الماء المضاف وعدمه سواء.
وبعبارة أُخرى: إذا كان الوضوء أو الغسل بغير الماء المطلق جائزاً، لم تصل النوبة إلى التيمّم، مع أنّ الآية الشريفة في مقام بيان ما يحصل به الطهارة.
ويشهد على ما ذكرنا خبر أبي بصير، ونتعرّض لشرحه:
انفرد الشيخ الطوسي بنقل هذ الخبر، وله سند واحد، ذكر في أوّل هذا السند طريقه إلى محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري: «عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن عيسى ]بن عُبيد[، عن ياسين الضرير، عن حَرِيز بن عبد الله، عن أبي بصير».
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: طريق الشيخ إلى محمّد بن أحمد بن يحيى هكذا: عن الشيخ المفيد، عن ابن الوليد الابن، عن ابن الوليد الأب، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري. وكيف كان، يمكن الاعتماد على هذا الطريق.
وتعرّضنا سابقاً لوثاقة أكثر رجال السند، وبقي الكلام في ياسين الضرير، فليس له توثيق صريح، فالرواية ليست صحيحة بحسب مبنى علم الرجال.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الرواية كانت مذكورة في كتاب نوادر الحكمة
ص: 295
لمحمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري كما شرحناه سابقاً.(1)
ومن المحتمل أنّ محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري أخذ هذا الخبر من كتاب ياسين الضرير، فإنّا إذا رجعنا إلى رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا لياسين الضرير كتاباً، وذكروا أنّه قد روى محمّد بن عيسى عن ياسين هذا الكتاب.(2)
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل ستّ:
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ أبا بصير الأسدي سافر من الكوفة إلى المدينة، وسمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة قام بنقل هذا الحديث هناك، فسمع منه حَرِيز بن عبد الله (الذي كان يسكن الكوفة).
المرحلة الثالثة: البصرة
إنّ ياسين الضرير البصري سمع الحديث من حَرِيز بن عبد الله فأدرجه في كتابه.
ص: 296
المرحلة الرابعة: بغداد
إنّ محمّد بن عيسى بن عُبيد سمع الحديث من ياسين الضرير.
المرحلة الخامسة: قمّ
إنّ محمّد بن أحمد بن يحيى (صاحب نوادر الحكمة) سافر إلى بغداد، فسمع من محمّد بن عيسى بن عُبيد كتاب ياسين الضرير، فنقل الكتاب إلى قمّ، وأخذ عنه هذا الحديث فأدرجه في كتاب نوادر الحكمة، ثمّ روى محمّد بن يحيى كتاب نوادر الحكمة، كما أنّ ابن الوليد الأب سمع هذا الكتاب من محمّد بن يحيى، وبعد ذلك سمع من ابن الوليد الأب ابنه.
المرحلة السادسة: بغداد
إنّ ابن الوليد الابن سافر من قمّ إلى بغداد، فسمع منه الشيخ المفيد كتاب نوادر الحكمة، وبعد ذلك سمع الشيخ الطوسي من الشيخ المفيد ذلك الكتاب.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان كما يلي: المدينة، الكوفة، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ أبو بصير الأسدي: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2_ ياسين الضرير: نقل الحديث من الكوفة إلى البصرة.
3_ محمّد بن عيسى بن عُبيد: نقل الحديث من البصرة إلى بغداد.
4_ محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري: نقل الحديث من بغداد إلى قمّ.
5_ ابن الوليد الابن: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث مدني صدوراً وكوفي نقلاً وبصري تصنيفاً وقمّي تدويناً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جلّ طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال، إلّا ياسين الضرير الذي ليس له توثيق صريح.
ص: 297
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وأمّا متنه:
عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(علیه السلام)، عن الرجل يكون معه اللّبن، أيتوضّأ منه للصلاة؟ قال(علیه السلام): «لا، إنّما هو الماء والصعيد».(1)
وجه الاستدلال به: إنّ اللبن وإن كان من المائعات لكن لا تطلق علیها الماء مطلقاً و مضافاً و تعلیل الإمام(علیه السلام) بقوله: «إنّما هو الماء والصعيد» يقتضي انحصار الطهور بهما.
هناك خبران يدلّ أحدهما على جواز رفع الحدث بماء الورد والنبيذ، فيجب أن نتكلّم فيهما والجواب عنهما:
اتّفق الكليني والشيخ الطوسي على نقل هذا الخبر، وله سند واحد رواه الكليني عن عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمٰن عن أبي الحسن(علیه السلام).
ورواه الشيخ الطوسي بإسناده عن الكليني، والظاهر أنّه أخذه من الكافي.
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: أمّا علي بن محمّد الكليني المعروف بعلّان، فكان ثقةً عيناً.(2)
وسهل بن زياد الأدمي فقد كان ضعيفاً في الحديث غير معتمد فيه، كما صرّح
ص: 298
بذلك النجاشي.(1)
لكن مقالة النجاشي في حقّ سهل بن زياد المصرّحة بضعفه في الحديث، لا يعني تضعيفه مطلقاً، بل يُستفاد منها أنّ المباني الرجاليّة لخصوص سهل بن زياد ضعيفة، فيجب علينا الدقّة والتأمّل في رواياته؛ لأنّه يروي عن كلّ أحد.(2)محمّد بن عيسى بن عُبيد جليل في أصحابنا، ثقة عين، ويونس بن عبد الرحمٰن كان وجهاً في أصحابنا عظيم المنزلة.(3)
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب يونس بن عبد الرحمٰن.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا ليونس بن عبد الرحمٰن كتباً كثيرة، وقد رواها النجاشي بالإسناد عن محمّد بن عيسى بن عُبيد، عن يونس بن عبد الرحمٰن. كما أنّ الشيخ رواها بعدّة طرق، منها: ما رواه بالإسناد عن إسماعيل بن مرار وصالح بن السندي عن يونس بن عبد الرحمٰن، ومنها: ما رواه بالإسناد عن محمّد بن عيسى بن عُبيد عن يونس بن
ص: 299
عبد الرحمٰن.
نعم، إنّ ابن الوليد لا يعتمد على ما ينفرد به محمّد بن عيسى بن عُبيد عن كتب يونس بن عبد الرحمٰن، فقال: «كتب يونس بن عبد الرحمٰن التي بالروايات كلّها صحيحة يعتمد عليها، إلّا ما ينفرد به محمّد بن عيسى بن عُبيد عن يونس ولم يروه غيره، فإنّه لا يعتمد عليه ولا يفتى به».(1)
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل أربع:
المرحلة الاُولى: المدينة
الظاهر أنّ يونس بن عبد الرحمٰن سافر إلى المدينة فسمع الرواية من الإمام الكاظم(علیه السلام).
المرحلة الثانية: بغداد
ولمّا رجع إلى بغداد أدرجه في كتابه، كما أنّ محمّد بن عيسى بن عُبيد روى كتب يونس بن عبد الرحمٰن.
المرحلة الثالثة: الري
إنّ سهل بن زياد الأدمي الرازي سافر إلى بغداد وسمع عن محمّد بن عيسى بن عُبيد كتاب يونس بن عبد الرحمٰن، ونقلها إلى الري، ثمّ سمع محمّد بن علي المعروف بعلّان عن سهل بن زياد، وبعد ذلك سمع الشيخ الكليني عن علّان كتاب يونس بن عبد الرحمٰن، وأخذ من ذلك الكتاب هذا الحديث وأدرجه في الكافي.(2)
ص: 300
المرحلة الرابعة:
في هذه المرحلة تمّ نقل الحديث إلى بلدين:
1_ قمّ
إنّ ابن قُولَوَيه القمّي سمع الكافي من الكليني، وبعد ذلك سافر إلى بغداد فحدّث بكتابه هناك، فسمع منه الشيخ المفيد والحسين بن الغضائري، بعد ذلك سمع منهما الشيخ الطوسي، فأخذ الحديث من الكافي فأدرجه في تهذيب الأحكام والاستبصار.
2_ بغداد
إنّ الكليني سافر إلى بغداد وحدّث فيها بكتابه الكافي، فسمع التلّعُكبري وأبو غالب الزّراري وأبو المفضّل الشيباني عنه الكافي، ثمّ إنّ الحسين بن الغضائري سمع الكافي من هؤلاء الشيوخ الثلاثة، كما أنّ الشيخ الطوسي سمع من الحسين بن الغضائري الكافي.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان كما يلي: المدينة، الكوفة، قمّ، الري، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ الظاهر أنّ يونس بن عبد الرحمٰن نقل الحديث من المدينة إلى بغداد.
ص: 301
2_ سهل بن زياد: نقل الحديث من بغداد إلى قمّ.
3_ الكليني: نقل الحديث من قمّ إلى الري وبغداد.
4_ ابن قُولَوَيه: نقل الحديث من الري إلى قمّ وبغداد.
فالحديث مدني صدوراً وبغدادي تصنيفاً ورازي تدويناً، كما أنّه قمّي نشراً وبغدادي تأليفاً.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
عن يونس، عن أبي الحسن(علیه السلام)، قال: قلتُ له: الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضّأ به للصلاة؟ قال: «لا بأس بذلك».(1)
وجه الاستدلال به: إنّ ظاهرها تدلّ على جواز الغسل والوضوء بماء الورد، وهو ماء مضاف.
الآن نبدأ بشرح عمل المشايخ الثلاثة (الكليني والصدوق والطوسي) في تجاه هذا الخبر:
أمّا الشيخ الطوسي فقد صرّح بأنّ هذا الخبر كان شاذٌّ شديد الشذوذ، وقد أجمع أصحابنا على ترك العمل بظاهره، ثمّ حاول أن يحمله على خلاف ظاهره، فتارةً حمل الشيخ كلمة «الوضوء» فيه على المعنى اللغوى لا الشرعي، وأُخرى حمل «ماء الورد» على الماء الذي وقع فيه الورد لا الماء الذي كان معتصراً من الورد.(2)
ص: 302
وأمّا الكليني فإنّه ذكر خبر يونس بن عبد الرحمٰن في باب النوادر لكتاب الصلاة، وهذا يدلّ على أنّ له تأمّل في هذا الحديث، بحيث لم يذكره في بابه الذي يناسبه وأورده في النوادر، فإنّا نجد الكليني في موارد عديدة إذا ذكر رواية في باب النوادر، فمعناه أنّه لم يعتمد عليها تماماً.
وأمّا الشيخ الصدوق فلم يذكر خبر يونس بن عبد الرحمٰن في كتاب من لا يحضره الفقيه، مع أنّه أفتى بظاهره، حيث قال: «ولا بأس بالوضوء والغسل من الجنابة والاستياك بماء الورد».
فهناك سؤال: لماذا لم يذكر الشيخ الصدوق خبر يونس بن عبد الرحمٰن في كتابه مع أنّه أفتى به؟
ونحن نعتقد أنّ سرّ عدم ذكر الصدوق هذا الخبر راجع إلى إشكال ابن الوليد فيما ينفرد محمّد بن عيسى بن عُبيد بنقله من كتب يونس بن عبد الرحمٰن.
بيان ذلك: قال النجاشي: «ذكر أبو جعفر بن بابويه، عن ابن الوليد أنّه قال : ما تفرّد به محمّد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه ».(1)
كما أنّ الشيخ ذهب إلى تضعيف محمّد بن عيسى بن عُبيد، وقال: «استثناه أبو جعفر محمّد بن علي بن بابويه عن رجال نوادر الحكمة» .(2)
ص: 303
فمحمّد بن عيسى بن عُبيد روى تراثاً ضخماً من روايات يونس بن عبد الرحمٰن، فإنّه قد وصل إلينا من روايات محمّد بن عيسى بن عُبيد عن يونس بن عبد الرحمٰن في الكافي الشريف 480 مورداً، وفي تهذيب الأحكام والاستبصار 244.(1)
نعم، إنّ الشيخ الصدوق لم يروِ ولا رواية واحدة عن محمّد بن عيسى بن عُبيد عن يونس بن عبد الرحمٰن في كتاب من لا يحضره الفقيه، فروى في كتاب من لا يحضره الفقيه 30 رواية عن يونس عن غير طريق محمّد بن عيسى بن عُبيد، (وهو طريق صالح بن سعيد الراشدي ومحمّد بن أسلم الطبري ويحيى بن أبي عمران وصفوان بن يحيى)، كما أنّه روى في غير كتاب من لا يحضره الفقيه 47 مورداً عن طريق محمّد بن عيسى بن عُبيد عن يونس بن عبد الرحمٰن.(2)
والوجه في ذلك واضح؛ لأنّ كتاب من لا يحضره الفقيه كان جميع ما فيه حجّة بين الشيخ الصدوق وبين الله، بخلاف الخصال والأمالي وعلل الشرائع وغيرها، فإنّ تلك الكتب من قبيل المصنّفات ففيها المقبول وغيره.
والحاصل، إنّ خبر يونس بن عبد الرحمٰن الذي دلّ على جواز الوضوء والغسل بماء الورد، ممّا رواه محمّد بن عيسى بن عُبيد عن يونس بن عبد الرحمٰن، وللشيخ الصدوق إشكال من هذه الجهة، ولذلك لم يذكره في كتاب من لا يحضره الفقيه.
ص: 304
فتبيّن سرّ عدم نقل هذا الخبر في كتاب من لا يحضره الفقيه، نعم يبقى الكلام في أنّه كيف أفتى الشيخ الصدوق بمضمون هذا الخبر مع أنّه لم يؤمن به؟
هناك احتمالان:
الاحتمال الأوّل: إنّ مستند الشيخ الصدوق خبراً آخر، كما يشهد على ذلك أنّه ذكر في فتواه أنّه لا بأس بالوضوء والغسل من الجنابة، ولكن ذكر في خبر يونس بن عبد الرحمٰن الغسل مطلقاً، سواء كان من الجنابة أو غيرها.
الاحتمال الثاني: كان للشيخ الصدوق طريق آخر إلى خبر يونس بن عبد الرحمٰن (غير طريق محمّد بن عيسى)، بمعنى أنّ هذا الخبر كان مذكوراً في نسخة أُخرى من كتاب يونس بن عبد الرحمٰن، ولذلك اعتمد الشيخ الصدوق عليه في مقام الافتاء، بقرينة ما ذكره الشيخ الطوسي في ذيل هذا الخبر، حيث قال: «فهذا الخبر شاذٌّ شديد الشذوذ، وإن تكرّر في الكتب والأُصول»، فإنّ هذا الكلام صريح في أنّ هذا الخبر كان مذكوراً في كتب متعدّدة، ولعلّ الشيخ الصدوق وجد الخبر في نسخة أُخرى من كتاب يونس بن عبد الرحمٰن غير نسخة محمّد بن عيسى بن عُبيد، ولذلك اعتمد عليها.
ثمّ إنّا وإن كنّا نعتمد على روايات محمّد بن عيسى بن عُبيد عن كتب يونس بن عبد الرحمٰن وفاقاً للكليني، ولكن في هذا المقام لا نعتمد على هذا الخبر؛ لأنّه خبر شاذّ، وقد أعرض عنه أصحابنا ولم يعملوا به.(1)
فتحصّل إلى هنا أنّه لا يصحّ الوضوء والغسل بماء الورد، ومن المعلوم أنّ هذا الحكم لما يصدق عليه أنّه ماء مضاف، و أمّا ما لم يصدق عليه الماء المضاف كالماء الذي أُلقي فيه الورد، فهو ماء مطلق وإن أخذ الرائحة الطيّبة من الورد، فحكمه حكم الماء المطلق.
ص: 305
انفرد الشيخ الطوسي بنقل هذه الرواية، ولها سند واحد، فابتدأ باسم محمّد بن علي بن محبوب، حيث قال: «وأمّا الخبر الذي رواه محمّد بن علي بن محبوب عن العبّاس بن معروف، عن عبد الله بن المغيرة، عن بعض الصادقين...».(1)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: ذكر الشيخ الطوسي في مشيخة تهذيب الأحكام طريقه إلى محمّد بن علي بن محبوب هكذا: عن الحسين بن عُبيد الله الغضائري، عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار، عن أبيه محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن علي بن محبوب. ولقد أسبغنا الكلام في وجه الاعتماد على هذا الطريق.(2)
ثمّ إنّ محمّد بن علي بن محبوب الأشعري قد كان شيخ القمّيين في زمانه، ثقةً عيناً فقيهاً، وأمّا العباس بن معروف ثقة، وأمّا عبد الله بن المغيرة، فثقة ثقة، لا يعدل أحد من جلالته ودينه وورعه.(3)
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه المرسلة كانت مذكورة في كتاب نوادر
ص: 306
المصنّفين لمحمّد بن علي بن محبوب، كما شرحناه سابقاً.(1)
ومن المحتمل قويّاً أنّ محمّد بن علي بن محبوب أخذ هذه الرواية من كتاب عبد الله بن المغيرة؛ فإنّا إذا راجعنا رجال النجاشي، نراه يقول في ترجمة عبد الله بن المغيرة؛ «قيل: إنّه صنّف ثلاثين كتاباً، والذي رأيت أصحابنا(رحمهم الله)يعرفون منها كتاب الوضوء وكتاب الصلاة، وقد روى هذه الكتب كثير من أصحابنا».
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل ثلاث:
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ عبد الله بن المغيرة الكوفي أدرج هذا الحديث في كتابه.
المرحلة الثانية: قمّ
إنّ العبّاس بن معروف القمّي سافر إلى الكوفة فتحمّل كتاب عبد الله بن المغيرة ونقله إلى قمّ، وبعد ذلك سمع منه محمّد بن علي بن محبوب، وألّف كتابه نوادر المصنّفين فأدرج الحديث فيه.
ثمّ إنّ محمّد بن يحيى العطّار سمع كتاب نوادر المصنّفين، وسمع أحمد بن محمّد بن يحيى الكتاب من أبيه.
المرحلة الثلاثه: بغداد
إنّ أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار سافر إلى بغداد فنقل كتاب نوادر المصنّفين إلى هناك، فسمع منه الحسين بن الغضائري، كما أنّ الشيخ الطوسي سمع من الحسين بن الغضائري هذا الكتاب فأخذ منه هذا الحديث فأدرجه في تهذيب الأحكام والاستبصار.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي: المدينة، الكوفة، قمّ، بغداد.
وإليك الراويين اللذين قاما بنقل الحديث من بلد إلى بلد:
ص: 307
1_ العبّاس بن معروف: نقل الحديث من الكوفة إلى قمّ.
2_ أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي تدويناً وبغدادي تأليفاً.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
عن عبد الله بن المغيرة، عن بعض الصادقين، قال: إذا كان الرجل لا يقدر على الماء وهو يقدر على اللّبن، فلا يتوضّأ باللّبن، إنّما هو الماء أو التيمّم، فإن لم يقدر على الماء وكان نبيذاً، فإنّي سمعت حَرِيزاً يذكر في حديث أنّ النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)قد توضّأ بنبيذ ولم يقدر على الماء.(1)
وجه الاستدلال به: إنّ ذيل الحديث ظاهر في جواز الوضوء بالنبيذ.
ثمّ إنّا نقطع أنّ ذيل الخبر كان من كلام عبد الله بن المغيرة حيث قال: «فإنّي سمعت حَرِيزاً يذكر في حديث...»، وعليه فالرواية مرسلة ولا يمكن الاعتماد عليها.
نعم، ربّما يتوهّم أنّ قائل «سمعت حَرِيزاً» هو الإمام(علیه السلام)، وعليه تكون الرواية غير مرسلة، ولكنّ هذا التوهّم بعيد جدّاً، بقرينة موارد متعدّدة وجدنا أنّ عبد الله بن المغيرة نقل في ذيل الرواية شيئاً لتوضيحها.(2)
وبعبارة أُخرى: إنّ محمّد بن علي بن محبوب أخذ هذه الرواية من كتاب الوضوء لعبد الله بن المغيرة، وفي هذا الكتاب ذكر عبد الله بن المغيرة ما سمعه من حَرِيز.
وكيف كان، فما نقل عبد الله بن المغيرة من حَرِيز مرسل؛ لأنّ حَرِيز لم يبيّن الواسطة بينه وبين رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، ولذلك لا يمكن الاعتماد على كلام حَرِيز.
قد تصدّى بعض الفقهاء لتوجيه مرسلة عبد الله بن المغيرة باحتمال أن يكون المراد من النبيذ هو الماء الذي يُنبذ فيه بعض التميرات ولم تغيّر اسمه، والنبيذ
ص: 308
بهذا المعنى حلال لا إشكال فيه كما هو معلوم.(1)
وذكر لهذا الاحتمال رواية الكلبي النسّابة، فإنّه سأل أبا عبد الله(علیه السلام)عن النبيذ، فقال: حلال، فقال: إنّا ننبذ فنطرح فيه العكر وما سوى ذلك؟ فقال: شه شه تلك الخمرة المنتنة، قلتُ: جُعِلت فداك فأيّ نبيذ تعني؟ فقال: إنّ أهل المدينة شكوا إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) تغيّر الماء وفساد طبائعهم، فأمرهم(صلی الله علیه و آله و سلم)أن ينبذوا، وكان الرجل يأمر خادمه أن ينبذ له، فيعمد إلى كفٍّ من تمر فيقذف به في الشنّ، فمنه شربه ومنه طهوره. فقلت: وكم كان عدد التمر الذي في الكفّ؟ قال: ما حمل الكفّ، قلتُ واحدة أو اثنتين؟ فقال: ربّما كانت واحدة، وربّما كانت اثنتين، فقلت: وكم كان يسع الشنّ ماءً؟ فقال ما بين الأربعين إلى الثمانين إلى ما فوق ذلك، فقلت: بأيّ الأرطال؟ فقال: أرطال مكيال العراق.(2)
وهذه الرواية صريحة في أنّ النبيذ الذي يكون حلالاً وطاهراً هو ما لا يبلغ حدّ الإضافة.
وأنت خبير بأنّ هذا التوجيه خلاف ظاهر مرسلة عبد الله بن المغيرة؛ لأنّه يدلّ على جواز الوضوء بالنبيذ عند عدم القدرة على الماء، والنبيذ بالمعنی المذكور ماء يجوز الوضوء به، حتّى مع وجود ماء غيره.
وكيف كان، فقد أعرض أصحابنا عن العمل بهذا الخبر ولم يعملوا به، ونحن نعتقد أنّ سرّ إعراض أصحابنا يرجع إلى جهة فهرستية.
بيان ذلك: أنّا ذكرنا أنّ الشيخ الطوسي إنّما أخذ هذه الصحيحة من كتاب نوادر المصنّفين لمحمّد بن علي بن محبوب، وقد ذكرنا سابقاً هنا أنّ الكليني لم يروِ من هذا الكتاب ولو رواية واحدة في فروع الكافي، والشيخ الصدوق روى تسعة موارد من
ص: 309
هذا الكتاب فقط.(1)
ففي الواقع أنّ الشيخ الطوسي اعتمد على هذا الكتاب كثيراً، كما أنّنا نجد شذوذاً كثيراً في الأحاديث التي روى الشيخ الطوسي من هذا المصدر، ولعلّ إعراض الكليني عن النقل عن هذا الكتاب راجع إلى هذه الجهة.
إذا رجعنا إلى فتاوى قدماء أصحابنا ايضاً نجد أنّهم لم يفتوا بكثير من أحاديث كتاب محمّد بن علي بن محبوب ولم يعملوا بها.
نعم، إنّ الشيخ الطوسي قام بذكر هذه الأحاديث، ولكنّه في كثير منها حملها على خلاف الظاهر ولم يعمل بها.
ثمّ إنّا قلنا إنّ المصدر الأصلي لهذه المرسلة هو كتاب عبد الله بن المغيرة، ونحن وجدنا شذوذاً كثير في هذا الكتاب.
وبالجملة، إنّه لا يمكن الاعتماد على هذه المرسلة، ويجب طرحهها لأُمور أربعة:
الأوّل: انفراد الشيخ الطوسي بها.
الثاني: ذكره في كتاب النوادر لمحمّد بن علي بن محبوب.
الثالث: كثرة شذوذ راوي الخبر وهو عبد الله بن المغيرة.
الرابع: إنّ حَرِيزاً لم يذكر طريقه إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم).
فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الماء المضاف لا يرفع الحدث، فالوضوء والغسل به باطل، ولا تحصل به الطهارة.
ص: 310
إنّ الماء المضاف طاهر في نفسه، ولكن لا يُطهَّر به النجاسة، وهذا هو المشهور بين أصحابنا. نعم، إنّ السيّد المرتضى ذهب إلى جواز إزالة النجاسة بكلّ مائع.(1)
كما أنّ مشهور أهل السنّة ذهبوا إلى عدم جواز التطهير بالمضاف، ولكن ذهب أبو حنيفة إلى جواز إزالة النجاسة من الثوب والبدن بكلّ مائع يسيل به ثمّ عُصر، كالخل وماء الورد، ولا يجوز بدهن ومرق.(2)
والآن نبدأ بشرح مختارنا في المقام (وهو عدم رفع الخبث بالمضاف)، ويقع الكلام في خطوتين:
دليلنا على هذا الحكم هو إطلاق الأدلّة الواردة في المقام، فإنّه ذُكر فيه الغسل
ص: 311
بالماء، ومن المعلوم أنّ لفظ الماء في هذه الأدلّة ينصرف إلى الماء المطلق دون المضاف.
وسوف يأتي الكلام حول هذه الأدلّة بالتفصيل في محلّها، ولكن نشير إليها إشارة عابرة:
1_ في صحيحة محمّد بن مسلم: سُئل أبو عبد الله(علیه السلام) عن الثوب يصيبه البول، قال: «اغسله في المركن مرّتين، فإن غسلته في ماء جار فمرّةً واحدة».(1)
2_ في صحيحة الحسين بن أبي العلاء: سُئل أبو عبد الله(علیه السلام)عن البول يصيب الجسد، قال(علیه السلام): «صبّ عليه الماء مرّتين...».(2)
3_ في موثّقة عمّار الساباطي: سُئل أبو عبد الله عن الكوز أو الإناء يكون قذراً، كيف يُغسل وكم مرّةً يُغسل؟ فقال(علیه السلام): «ثلاث مرّات، يُصبُّ فيه الماء فيُحرّك فيه، ثمّ يُفرغ منه ذلك الماء...».(3)
وكيف كان، إنّ إطلاق هذه الأدلّة ينصرف إلى الماء المطلق، وعليه فلا وجه للغسل بالماء المضاف حينئذٍ.
هناك خبر واحد يدلّ على رفع النجاسة بالبصاق، فيجب أن نتكلّم فيه ونجيب عنه:
انفرد الشيخ الطوسي بنقل هذا الخبر مسنداً، فابتدأ في سنده باسم سعد بن عبد الله الأشعري، حيث قال: «سعد عن موسى بن الحسن ]بن عامر[، عن معاوية بن حكيم، عن عبد الله بن المغيرة، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي
ص: 312
عبد الله(علیه السلام)».(1)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: ذكر الشيخ الطوسي في مشيخة تهذيب الأحكام طريقين صحيحين إلى سعد بن عبد الله، ونحن نذكر هنا طريقاً واحداً، وهو ما رواه عن الشيخ المفيد، عن ابن قُولَوَيه الابن، عن ابن قُولَوَيه الأب، عن سعد بن عبد الله.(2)
وموسى بن الحسن بن عامر الأشعري عين ثقة جليل، ومعاوية بن حكيم ثقة.(3)
ثمّ إنّ الكشّي انفرد في القول بأنّ معاوية بن حكيم فطحي، بينما سكت النجاشي عن هذا، ونحن نعتقد أنّ كلّ ما انفرد به الكشّي (من القول في مذهب بعض الرواة)، لا يمكن المساعدة عليه.(4)
وعبد الله بن المغيرة ثقة ثقة لا يعدل به أحد من جلالته ودينه وورعه.(5) كما أنّ غياث بن إبراهيم التميمي كان ثقة.(6)
وكيف كان، فهذه الرواية صحيحة على ما ذكرنا من عدم الاعتماد على مقاله الكشّي في معاوية بن حكيم.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذا الخبر كان مذكوراً في كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله الأشعري، ولقد بسطنا الكلام فيه.(7)
ص: 313
ومن المحتمل أنّ سعداً إنّما أخذ هذا الحديث من كتاب موسى بن الحسن بن عامر، فإنّه صنّف ثلاثين كتاباً، منها كتاب الوضوء(1)، وإنّا نجد أنّ سعد بن عبد الله روى في 60 مورداً عن موسى بن الحسن بن عامر.(2)
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل أربع:
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ غياث بن إبراهيم سافر إلى المدينة، وسمع الحديث هناك من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة (وكان أصله بصري، ولكنّه سكن الكوفة)، نقل الحديث هناك، فسمع عبد الله بن المغيرة الكوفي، ثمّ سمع معاوية بن حكيم الكوفي هذا الحديث.
المرحلة الثالثة: قمّ
إنّ موسى بن الحسن بن عامر القمّي سافر إلى الكوفة، فسمع الحديث من معاوية بن حكيم، وبعد ذلك قام موسى بن الحسن بتأليف كتب متعدّدة، وأدرج هذا الحديث فيها.
ثمّ إنّ سعد بن عبد الله سمع كتاب موسى بن الحسن بن عامر وأخذ منه الحديث وأدرجه في كتاب الرحمة، كما أنّ ابن قُولَوَيه الأب تحمّل كتاب الرحمة لسعد، وقام ابن قُولَوَيه الابن بتحمّله عنه.
ص: 314
المرحلة الرابعة: بغداد
إنّ ابن قُولَوَيه الابن القمّي سافر إلى بغداد، فسمع الشيخ المفيد منه كتاب الرحمة، وبعد ذلك سمع الشيخ الطوسي من الشيخ المفيد هذا الكتاب، ولمّا قام الشيخ الطوسي بتأليف تهذيب الأحكام أخذ الرواية من كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله وأدرجها فيه.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي: المدينة، الكوفة، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ غياث بن إبراهيم: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2_ موسى بن الحسن بن عامر: نقل الحديث من الكوفة إلى قمّ.
3_ ابن قُولَوَيه الابن: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث مدني صدوراً وقمّي تصنيفاً وتدويناً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جميع طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال، بناءً على ما ذهبنا من عدم وقف معاوية بن حكيم.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن عليّ(علیه السلام) قال: «لا بأس أن يُغسل الدّم بالبصاق».(1)
لا يخفى أنّ الكليني قال: «وروى أيضاً أنّه لا يُغسل بالريق شيء إلّا الدم».(2)
وقد أعرض أصحابنا القدماء عن هذه الرواية ولم يعملوا بها، وهذا ممّا يوجب
ص: 315
عدم الوثوق بها. وما يهمّنا في المقام هو التركيز على الجهة الفهرستية.
بيان ذلك: أنّا ذكرنا أنّ الأصل الأوّلي لهذه الرواية هو كتاب عبد الله بن المغيرة، وفي موارد عديدة نجد أنّ عبد الله بن المغيرة ذكر في كتابه أحاديث شاذّة قد أعرض عنها أصحابنا ولم يفتوا بها.
كما أنّ المصدر الثانوي للرواية هو كتاب الرحمة، وقد استظهرنا من كلام النجاشي أنّ كتاب الرحمة يشتمل على أحاديث موافقة للشيعة، وأُخرى غير موافقة.
ولذلك لم يذكر الكليني هذه الرواية مسنداً، بل اكتفى بقوله: «وروى أيضاً أنّه لا يُغسل بالريق شيء إلّا الدم»، فهذا الكلام ظاهر في أنّ الكليني لم يعتمد على الخبر تماماً.
والحاصل، أنّه لا يمكن الاعتماد على هذا الخبر لأُمور ثلاثة:
الأوّل: كثرة شذوذ مصدره الأوّلي وهو كتاب عبد الله بن المغيرة.
الثاني: ضعف مصدره الثانوي وهو كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله.
الثالث: إعراض أصحابنا عن هذا الخبر.
هذا تمام الكلام في صحيحة غياث بن ابراهيم.
إذا نظرنا إلى الأخبار التي وردت في تطهير ما أصابته النجاسة، نجد أنّه ذُكر في بعضها عنوان الغَسل بصورة مطلقة بحيث يشمل الغسل بالماء المضاف.
وأنت خبير بأنّه إذا أخذنا بإطلاق هذه الأخبار تكون النتيجة جواز التطهير بالماء المضاف، ولا بأس بالإشارة بصورة عابرة إلى هذه الأخبار:
1_ صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما(علیهما السلام)، قال: «سألته عن البول يصيب الثوب فقال: اغسله مرّتين».(1)
ص: 316
2_ موثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبد الله(علیه السلام)، في رجل يجد في إنائه فأرة، فيجيبه الإمام(علیه السلام): «فعليه أن يغسل ثيابه...».(1)
3_ صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله(علیه السلام)، في البول يصيب الثوب قال: «اغسله مرّتين».(2)
هذا، ولكن الإطلاق الذي ورد في هذه الأخبار الثلاثة (صحيحة محمّد بن مسلم، وصحيحة ابن أبي يعفور، وموثّقة عمّار الساباطي) يُقيّد بالأحاديث التي ورد فيها الأمر بالغسل بالماء، ونشير هنا إلى هذه الأحاديث:
1_ صحيحة الفضل أبي العبّاس عن أبي عبد الله(علیه السلام)، في فضل الكلب، فقال: «رجسٌ نجسٌ لا تتوضّأ بفضله، واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أوّل مرّة ثمّ بالماء».(3)
2_ صحيحة الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله(علیه السلام)، في البول يصيب الجسد، قال(علیه السلام): «صبّ عليه الماء مرّتين...».(4)
3_ موثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبد الله(علیه السلام)، في الكوز أو الإناء يكون قذراً، كيف يُغسل وكم مرّةً يُغسل؟ فقال(علیه السلام): «ثلاث مرّات، يُصبّ فيه الماء فيُحرّك فيه ثمّ يُفرغ منه ذلك الماء...».(5)
4 _ صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله(علیه السلام)، في الثوب يصيبه البول،
ص: 317
قال: «اغسله في المركن مرّتين، فإن غسلته في ماء جار فمرّةً واحدة».(1)
وكما ترى أنّها كلّها قد قيّدت الغسل بالماء، وعليه فإطلاقات الغسل تُقيّد بهذه الأحاديث، حيث لا بدّ أن يكون الغسل بالماء، كما أنّ لفظ الماء ينصرف إلى الماء المطلق دون المضاف.
فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الماء المضاف طاهر في نفسه ولكن لا يُطهّر به النجاسة.
ص: 318
سؤر كلّ حيوان طاهر العين طاهرٌ، ويجوز استعماله في الأكل والشرب وغيرهما، من دون فرق بين مأكول اللحم وغيره.
لا يخفى أنّ السؤر هو بقيّة الماء التي يبقيها الشارب في الإناء أو في الحوض، ثمّ استُعير لبقيه الطعام(1)،
وفي الاصطلاح الفقهي هو مطلق ما باشره جسم الحيوان من الماء القليل أو غيره من الأجسام الرطبه، ولا فرق بين كون المباشرة بفم الحيوان أم بغيره من أعضائه. وفي المقام نتكلّم في نجاسة السؤر وطهارته، ومن المعلوم خروج موضوع مباشرة الماء الكثير للخنزير أو الكلب _ مثلاً _ ؛ لأنّ الماء الكثير لا ينجس بملاقاة سؤر الحيوان النجس.
ثمّ إنّ سؤر كلّ حيوان طاهر العين طاهرٌ، ويجوز استعماله في الأكل والشرب وغيرهما، من دون فرق بين مأكول اللحم وغيره، وهذا هو المشهور بين أصحابنا. وذهب الشيخ الطوسي في المبسوط إلى عدم جواز استعمال سؤر ما لا يؤكل لحمه من الحيوان الإنسي إلّا الآدمي والطير، وما لا يمكن التحرّز منه كالهرّة والفأرة والحية، وجواز استعمال سؤر الطاهر من الحيوان الوحشي طيراً كان أو غيره. (2)
ص: 319
ويدلّ على طهارة سؤر كلّ حيوان طاهر العين أخبار ثلاثة، وهي: صحيحة فضل البقباق، وصحيحة زرارة، وخبر معاوية بن شريح:
انفرد الشيخ الطوسي بنقل هذه الصحيحة، ولها سند واحد، قال: «بهذا الإسناد عن حمّاد]بن عيسى[، عن حَرِيز، عن الفضل أبي العبّاس».(1)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: مراد الشيخ من قوله: «بهذا الإسناد» ما ذكره قبله من طريقه إلى الحسين بن سعيد.
فللشيخ طريقان إلى الحسين بن سعيد، نذكر هنا أحدهما، وهو: عن الشيخ المفيد، عن ابن الوليد الابن، عن ابن الوليد الأب، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد.(2)
وأمّا حمّاد بن عيسى فثقة في حديثه صدوقاً(3)، وحَرِيز فقد وثّقه الشيخ في
ص: 320
فهرسته.(1)
وأمّا الفضل ابو العبّاس، فهو الفضل بن عبد الملك المعروف بالبقباق، فكان ثقةً عيناً.(2)
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتب الحسين بن سعيد، ولقد بسطنا الكلام فيه سابقاً.
ثمّ إنّ الحسين بن سعيد أخذ هذه الصحيحة من كتاب حَرِيز بن عبد الله؛ فإنّا إذا راجعنا فهرست الطوسي عند ترجمة حَرِيز، نجد أنّه روى أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن حَرِيز، الكتب التي ألّفها حَرِيز.(3)
كما أنّ الحسين بن سعيد روى عن حمّاد عن حَرِيز (في الكافي وتهذيب الأحكام والاستبصار) في 269 مورداً، وهذا شاهد أيضاً على وصول كتاب حَرِيز إلى الحسين بن سعيد.(4)
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل ستّ:
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ الفضل بن عبد الملك الكوفي سمع الحديث في المدينة عن الإمام الصادق(علیه السلام).
ص: 321
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة نقل الحديث إلى هناك، فسمع منه حَرِيز بن عبد الله الذي كان من أهل الكوفة، (وهو قد أكثر السفر والتجارة إلى سجستان فعُرف بالسجستاني).
المرحلة الثالثة: البصرة
إنّ حمّاد بن عيسى الذي كان يسكن البصرة سمع الحديث من حَرِيز وأدرجه في كتابه.
المرحلة الرابعة: الأهواز
إنّ الحسين بن سعيد الذي كان أصله كوفياً سمع الحديث من حمّاد بن عيسى (وتحمّل كتاب حمّاد بن عيسى)، ثمّ سافر إلى الأهواز وسكن فيها، ولمّا قام بتأليف كتبه أدرج الحديث في كتابه.
المرحلة الخامسة: قمّ
وإنّ الحسين بن سعيد سافر إلى قمّ، وسمع منه الحسين بن الحسن بن أبان، وسمع بعد ذلك ابن الوليد الأب من الحسين بن الحسن بن أبان كتب الحسين بن سعيد، كما أنّ ابن الوليد الابن سمع من أبيه.
المرحلة السادسة: بغداد
إنّ ابن الوليد الابن الذي كان قمّياً، سافر إلى بغداد، ونقل كتب الحسين بن سعيد إلى هناك، وسمع منه الشيخ المفيد، وبعد ذلك لمّا هاجر الشيخ الطوسي إلى بغداد وسكن فيها، قام بتحمّل كتب الحسين بن سعيد من أُستاذه الشيخ المفيد، ولمّا قام الشيخ بتأليف تهذيب الأحكام والاستبصار، أخذ هذا الحديث من كتاب الحسين بن سعيد وأدرجه فيهما.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان كما يلي: المدينة، الكوفة، البصرة، الأهواز، قمّ، بغداد.
ص: 322
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ الفضل بن عبد الملك: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2_ حمّاد بن عيسى: نقل الحديث من الكوفة إلى البصرة.
3_ الحسين بن سعيد: نقل الحديث من البصرة إلى الأهواز وقمّ.
4_ ابن الوليد الابن: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وبصري نشراً وأهوازي تدويناً وقمّي نشراً وبغدادي تدويناً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جميع طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
عن الفضل أبي العبّاس، قال: سألتُ أبا عبد الله(علیه السلام) عن فضل الهرّة والشاة والبقر والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع، فلم أترك شيئاً إلّا سألته عنه، فقال: لا بأس به. حتّى انتهيت إلى الكلب، فقال: رجس نجس، لا تتوضّأ بفضله، واصبب ذلك الماء، واغسله بالتراب أوّل مرّة، ثمّ بالماء.(1)
ووجه الاستدلال به: أنّ الحديث صريح في أنّ علّة النهي عن الوضوء بماسّ سؤر الكلب إنّما هي نجاسته، كما ويُستفاد أنّ نجاسة السؤر يدور مدار نجاسة الحيوان، وأمّا حرمة لحم الحيوان فلا عبرة به في نجاسة سؤره.
ص: 323
فتحصّل ممّا ذكرنا نجاسة سؤر الكلب؛ لأنّ الكلب نجس العين، وعندما يلاقي الماء القليل ينجس به، وكذلك في الأجسام الرطبة.
انفرد الشيخ الطوسي بذكر هذه الرواية، فذكر في أوّل سنده طريقه إلى سعد بن عبد الله: «عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد ]بن عيسى الأشعري[، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن شريح، عن أبي عبد الله(علیه السلام)».
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: إنّ للشيخ الطوسي إلى سعد بن عبد الله طريقين في مشيخة تهذيب الأحكام، نذكر هنا أحدهما، وهو ما رواه عن الشيخ المفيد، عن ابن قولَوَيه الابن، عن ابن قُولَوَيه الأب، عن سعد بن عبد الله، وقد تعرّضنا سابقاً لصحّة هذا الطريق.
وأمّا أيّوب بن نوح فإنّه كان ثقةً في رواياته، وأمّا معاوية بن شريح فليس له توثيق صريح.(1)
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذا الخبر كان مذكوراً في كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله الأشعري، وقد سبق الكلام فيه.(2)
ومن المحتمل أنّ سعد بن عبد الله أخذ هذا الخبر من كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى؛ فإنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا لأحمد بن محمّد بن عيسى عدّة كتب، منها كتاب النوادر، وقد رواه النجاشي
ص: 324
بالإسناد عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمّد بن عيسى، كما أنّا نجد أنّ سعد بن عبد الله روى في 919 مورداً عن أحمد بن محمّد بن عيسى في الكتب الأربعة.(1)
ومن المحتمل أيضاً أنّ المصدر الأوّلي للرواية هو كتاب صفوان، فإنّ النجاشي صرّح بأنّه ألّف ثلاثين كتاباً، ويُستفاد من كلام الشيخ والنجاشي أنّ كتبه كانت مشهورة بين أصحابنا، والظاهر أنّ أيّوب بن نوح روى نسخة من هذه الكتب؛ فإنّا نجد أنّ أيّوب بن نوح روى في 151 مورداً في الكتب الأربعة عن صفوان.(2)
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل أربع:
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ معاوية بن شريح الكوفي لمّا سافر إلى المدينة سمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة نقل الحديث هناك، فسمع منه صفوان بن يحيى وأدرجه في كتابه، ثمّ نقل أيّوب بن نوح كتاب صفوان بن يحيى.
ص: 325
المرحلة الثالثة: قمّ
إنّ أحمد بن محمّد بن عيسى القمّي سافر إلى الكوفة، فسمع من صفوان كتبه ثمّ نقلها إلى قمّ، وبعد ذلك ألّف أحمد بن محمّد بن عيسى كتابه النوادر، فأدرج الحديث فيه.
ثمّ إنّ سعد بن عبد الله سمع من أحمد بن محمّد بن عيسى كتاب النوادر، وأخذ منه الحديث وأدرجه في كتاب الرحمة، كما أنّ ابن قُولَوَيه الأب تحمّل كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله، وقام ابن قُولَوَيه الابن بتحمّله عنه.
المرحلة الرابعة: بغداد
إنّ ابن قُولَوَيه الابن القمّي سافر إلى بغداد، فسمع الشيخ المفيد منه كتاب الرحمة، وبعد ذلك سمع الشيخ الطوسي من الشيخ المفيد هذا الكتاب، ولمّا قام الشيخ الطوسي بتأليف تهذيب الأحكام والاستبصار، أخذ الرواية من كتاب الرحمة لسعد وأدرجها فيهما.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان كما يلي: المدينة، الكوفة، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ معاوية بن شريح: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2_ أحمد بن محمّد بن عيسى: نقل الحديث من الكوفة إلى قمّ.
3_ ابن قُولَوَيه الابن: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي تدويناً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية من تراث خطّ الاعتدال، إلّا أنّ معاوية بن شريح في الطبقة الأولى ليس له توثيق صريح.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
عن معاوية بن شريح قال: سأل عذافر(1) أبا عبد الله(علیه السلام) وأنا عنده عن سؤر السنّور والشاة
ص: 326
والبقرة والبعير والحمار والفرس والبغل والسباع، يشرب منه أو يتوضّأ منه؟ فقال: نعم، اشرب منه وتوضّأ، قال: قلتُ له: الكلب؟ قال: لا، قلتُ: أليس هو سبع؟ قال: لا والله إنّه نجس، لا والله إنّه نجس.(1)
وجه الاستدلال به: إنّ الحديث صريح بأنّ سؤر غير مأكول اللحم مثل السباع طاهر، إلّا سؤر الكلب فإنّه نجس، والعلّة في ذلك هو نجاسة الكلب، لا كونه سبعاً أو غير مأكول اللحم.
اتّفق الكليني والشيخ الطوسي على نقل هذه الصحيحة، ولها سندان:
السند الأوّل
روى الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عُمير، عن عمر بن أُذينة، عن زرارة، عن أبي عبد الله(علیه السلام).
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: تعرّضنا سابقاً لوثاقة رجال السند، وأمّا عمر بن أُذينة، فهو شيخ أصحابنا البصريين ووجههم.(2)
والحاصل، إنّ هذه الرواية صحيحة سنداً.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب النوادر لابن أبي عُمير.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا في
ص: 327
جملة كتب ابن أبي عُمَير كتاب النوادر، وصرّح النجاشي في رجاله أنّ رواة كتاب ابن أبي عُمَير كثير.(1)
وهذا الكتاب كان عند الكليني، فإنّه روى عن ابن أبي عُمير 2290 مورداً من طريق علي بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عُمير، وهذا السند في الواقع طريق الكليني إلى كتب ابن أبي عُمير.(2)
كما أنّ ابن أبي عُمير أخذ هذه الصحيحة من كتاب عمر بن أُذينة، فإنّ الشيخ الطوسي صرّح في فهرسته بأنّ ابن أبي عُمير روى كتاب عمر بن أُذينة.(3)
ونحن إذا تصفّحنا الكتب الأربعة، نجد أنّ ابن أبي عُمير في 710 مورداً روى عن عمر بن أُذينة، وهذا يشهد على أنّ كتاب عمر بن أُذينة كان عند ابن أبي عُمير.(4)
السند الثاني
روى الشيخ الطوسي هذه الرواية فقال: «وبهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عُمير، عن عمر بن أُذينة، عن زرارة، عن أبي عبد الله(علیه السلام)».
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: مراد الشيخ من قوله: «بهذا الإسناد» ما ذكره قبله من طريقه إلى
ص: 328
الحسين بن سعيد.
فللشيخ طريقان إلى الحسين بن سعيد، نذكر هنا أحدهما، وهو: عن الشيخ المفيد، عن ابن الوليد الابن، عن ابن الوليد الأب، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد.(1)
وقد تعرّضنا لوثاقة جميع رجال هذا السند، فالرواية صحيحة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتب الحسين بن سعيد، ولقد بسطنا الكلام فيه سابقاً.
ثمّ إنّ الحسين بن سعيد أخذ هذه الصحيحة من كتاب ابن أبي عُمير؛ فإنّا نجد أنّ الحسين بن سعيد روى عن ابن أبي عُمير في 805 مورداً في الكتب الأربعة، وهذا يدلّ على أنّ كتاب ابن أبي عُمير كان عند الحسين بن سعيد وقد أخذ عنه.(2)
ص: 329
والحاصل، أنّ هذه الصحيحة ذُكرت في مصادر ثلاثة: كتاب الحسين بن سعيد، وكتاب النوادر لابن أبي عُمير، وكتاب عمر بن أُذينة.
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل خمس(1):
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ زرارة سافر إلى المدينة وسمع الرواية من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة (وقد كان يسكن فيها)، نقل الحديث لعمر بن أُذينة الكوفي، فألّف عمر بن أذينة كتابه وأدرج الحديث فيه.
المرحلة الثالثة: بغداد
إنّ ابن أبي عُمير البغدادي سمع كتاب عمر بن أُذينة، ثمّ ألّف كتابه فأدرج الحديث فيه.
المرحلة الرابعة: قمّ، الأهواز
إنّ إبراهيم بن هاشم سمع من ابن أبي عُمير كتابه، ونقل كتاب ابن أبي عُمير إلى قمّ، وبعد ذلك سمع من إبراهيم بن هاشم ابنه علي بن إبراهيم (راجع السند الأوّل).
كما أنّ الحسين بن سعيد الأهوازي سمع كتاب النوادر لابن أبي عُمير، فنقله إلى الأهواز فأدرج الحديث في كتبه، ثمّ سافر الحسين بن سعيد إلى قمّ، فسمع منه الحسين بن الحسن بن أبان، كما أنّ ابن الوليد الأب سمع من الحسين بن
ص: 330
الحسن بن أبان كتب الحسين بن سعيد، ثمّ سمع منه ابنه (راجع السند الثاني).
المرحلة الخامسة: الري وبغداد
تمّ نقل الحديث في هذه المرحلة في بلدين:
1_ الري
إنّ الكليني سافر إلى قمّ، فسمع من علي بن إبراهيم كتاب ابن أبي عُمير، ولمّا قام بتأليف كتابه الكافي في الري أخذ الحديث من ذلك الكتاب فأدرجه في الكافي (راجع السند الأوّل).
2_ بغداد
إنّ ابن الوليد الابن سافر إلى بغداد فنقل كتب الحسين بن سعيد لمشايخ بغداد، ومنه سمع الشيخ المفيد، وبعد ذلك سمع الشيخ الطوسي من المفيد كتاب الحسين بن سعيد، ولمّا أراد أن يكتب تهذيب الأحكام والاستبصار، أخذ هذه الرواية من كتب الحسين بن سعيد وأدرجها فيهما (راجع السند الثاني).
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي:
السند الأوّل: المدينة، الكوفة، بغداد، قمّ، الري.
السند الثاني: المدينة، الكوفة، الأهواز، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ زرارة: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2_ ابن أبي عُمير: نقل الحديث من الكوفة إلى بغداد.
3_ إبراهيم بن هاشم: نقل الحديث من بغداد إلى قمّ.
4_ الكليني: نقل الحديث من قمّ إلى الري.
5 _ ابن الوليد الابن: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جميع طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
ص: 331
عن زرارة، عن أبي عبد الله(علیه السلام)، قال: في كتاب عليّ(علیه السلام) أنّ الهر سبع، فلا بأس بسؤره، وإنّي لاستحيي من الله أن أدع طعاماً لأنّ هرّاً أكل منه.(1)
ووجه الاستدلال به: أنّها تدلّ بالإيماء على طهارة سؤر السباع. ومن المعلوم أنّ نجاسة سؤر الكلب والخنزير خارجة عن ظهور الحديث؛ لأنّهما نجسان. ويدلّ الحديث أيضاً على عدم كراهة سؤر الهرّة خاصّة.
ثمّ إنّا ذكرنا هذا الخبر للإشارة إلى أنّ الكليني أيضاً آمن بطهارة سؤر السبع، حيث أورد هذه الرواية التي تدلّ بالإيماء على طهر سؤر ما لا يؤكل لحمه.
فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ كلّ حيوان طاهر العين فسؤره طاهر، سواء كان مأكول اللحم أو لا.
إنّ هناك أخباراً ربّما يُستظهَر منها نجاسة سؤر ما لا يؤكل لحمه:
منها: صحيح عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله(علیه السلام)، قال: «لا بأس أن تتوضّأ ممّا شرب منه ما يؤكل لحمه».(2)
منها: موثّقة عمّار الساباطي، عن أبي عبد الله(علیه السلام)، فيما تشرب منه الحمامة، فقال: «كلّ ما أكل لحمه فتوضّأ من سؤره واشرب».(3)
حيث علّق الإمام(علیه السلام) جواز الاستعمال فيهما على كون الحيوان مأكول اللحم.
ص: 332
ولكن لا بدّ من حملهما على الكراهة؛ جمعاً بينهما وبين ما ذكرنا من الأخبار الدالّة على طهارة سؤر ما لا يؤكل لحمه (من صحيحة فضل البقباق وخبر معاوية بن شريح وخبر زرارة).
ص: 333
إنّ الخنزير والكافر نجس، ولا شكّ في نجاسة سؤرهم؛ لأنّه لاقى نجساً، والماء القليل أو الأجسام الرطبة تنجس بمجرّد ملاقاة النجس.
والقدر المتيقّن من الكافر هو المشرك ومنكر الصانع، وأمّا الكتابي فهو مورد خلاف، وسوف يأتي تفصيل الكلام في هذه الجهة، فإذا قلنا بنجاسة الكتابي فنقول بنجاسة سؤره كذلك، ويجب الاجتناب عن كلّ ما لاقاه.
نعم اختلفت الأخبار في نجاسة سؤر الكلب، حيث يُستظهر من بعضها طهارة سؤر الكلب، وسوف نذكر الأخبار ضمن خطوتين:
دليلنا على هذا الحكم صحيحة فضل البقباق، وقد تقدّم الكلام فيها، وهي صريحة بنجاسة سؤر الكلب.
فقد سأل الفضل البقباق أبا عبد الله(علیه السلام) عن فضل الهرّة والشاة والبقر والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع، فقال: فلم أترك شيئاً إلّا سألته عنه، فقال: لا بأس به. حتّى انتهيت إلى الكلب، فقال: رجس نجس، لا تتوضّأ بفضله،
ص: 334
واصبب ذلك الماء، واغسله بالتراب أوّل مرّة، ثمّ بالماء.(1)
وكذلك يدلّ خبر معاوية بن شريح على نجاسة سؤر الكلب.(2)
والحاصل، إنّ سؤر الكلب نجس؛ لأنّ الكلب عين النجس، فإذا لاقى الماء القليل فإنّه ينجس، وكذلك الأجسام الرطبة.
هناك خبر واحد ظاهره عدم نجاسة سؤر الكلب، ونحن الآن بصدد طرح هذا الخبر، وهو:
انفرد الشيخ الطوسي بنقل هذا الخبر، فابتدأ باسم الحسين بن سعيد في سنده، حيث قال: «فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد عن ابن سنان، عن ابن مُسكان، عن أبي عبد الله(علیه السلام)...».(3)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: ذكرنا أنّ للشيخ الطوسي طريقين معتمدين إلى الحسين بن سعيد، ونذكر هنا طريقاً واحداً، وهو ما رواه الشيخ الطوسي عن الشيخ المفيد، عن ابن الوليد الابن، عن ابن الوليد الأب، عن محمّد بن الحسن الصفّار وسعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد.
والمراد من ابن سنان هو محمّد بن سنان؛ لأنّه هو الذي نقل عن عبد الله بن
ص: 335
مُسكان.(1)
وذكرنا سابقاً أنّ النجاشي ضعّف محمّد بن سنان، حيث قال: «هو رجل ضعيف جدّاً لا يعوّل عليه ولا يُلتفت إلى ما تفرّد به».(2)
وعبد الله بن مُسكان كان ثقةً عيناً، وقد ذكر النجاشي أنّه روى عن الكاظم(علیه السلام)، ثمّ قال: «وقيل: إنّه روى عن أبي عبد الله(علیه السلام)، وليس بثبت».(3)
هذا، ونحن إذا تصفّحنا الكتب الأربعة، نجد أنّه في 70 مورداً روى عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله.(4)
ص: 336
وقال السيّد الخوئي: «والالتزام بالإرسال في جميع ذلك كما ترى على أنّه قد صرّح في بعض هذه الروايات بأنّه سأل أبا عبد الله(علیه السلام) أو أنّه سمع أبا عبد الله(علیه السلام)، فكيف يمكن حملها على الإرسال؟».(1)
هذا، ولكنّ الإنصاف أنّ كلام النجاشي ناظر إلى هذه الروايات، فهو يعتقد إرسالها، والشواهد التاريخية تدلّ على أنّ ابن مُسكان كان رجلاً موسراً في الكوفة، وكان يتلقّى أصحابه إذا قدموا من المدينة فيأخذ ما عندهم. وقيل كان لا يدخل على أبي عبد الله(علیه السلام)شفقةً إلّا يوفيه حقّ إجلاله.(2)
ثمّ إنّ يونس بن عبد الرحمٰن كان يرى أنّ ابن مُسكان أرسل بمسائل إلى أبي عبد الله(علیه السلام) يسأله عنها، وأجابه عليها، والظاهر أنّ يونس بن عبد الرحمٰن اعتمد على مكاتبات ابن مُسكان هذه.(3)
وكيف كان، فإنّا نعتقد أنّه يجب التدقيق في الأخبار التي رواها عبد الله بن مُسكان عن الإمام الصادق(علیه السلام)،فإذا كانت هناك شواهد للوثوق بها نأخذ بها، وإلّا فلا.
والحاصل، أنّ هذا الخبر مرسل وفاقد لشواهد الوثوق كما سنذكر.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذ الخبر كان مذكوراً في كتب الحسين بن سعيد، ولقد بسطنا الكلام فيه سابقاً.
ثم صرّح النجاشي بأنّ محمّد بن سنان روى كتاب عبد الله بن مُسكان، والظاهر أنّ هذه النسخة وصلت إلى الحسين بن سعيد، فإنّا نجد أنّ الحسين بن سعيد
ص: 337
روى في الكافي وتهذيب الأحكام والاستبصار عن محمّد بن سنان، عن عبد الله بن مُسكان في 150 مورداً.(1)
والحاصل، إنّ هذه الرواية كانت مذكورة في كتاب عبد الله بن مُسكان (وهو المصدر الأوّلي) وكتاب الحسين بن سعيد.
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل خمس:
المرحلة الاُولى: المدينة
الظاهر أنّ أحد أصحاب عبد الله بن المغيرة سمع الحديث في المدينة من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
ثمّ نقل الحديث إلى الكوفة، فسمع منه عبد الله بن المغيرة فذكره في كتابه، كما أنّ محمّد بن سنان الكوفي سمع كتاب عبد الله بن مُسكان.
المرحلة الثالثة: الأهواز
إنّ الحسين بن سعيد الذي كان أصله كوفياً سمع كتاب عبد الله بن مُسكان من محمّد بن سنان، ثمّ لمّا سافر إلى الأهواز وسكن فيها وقام بتأليف كتبه، أدرج الحديث فيه.
المرحلة الرابعة: قمّ
إنّ الحسين بن سعيد سافر بعد ذلك من الأهواز إلى قمّ، وسمع منه أحمد بن محمّد بن عيسى، وبعد ذلك سمع سعد بن عبد الله والصفّار من أحمد بن محمّد بن عيسى، ولمّا وصل الأمر إلى ابن الوليد الأب سمع من سعد والصفّار كُتب الحسين بن سعيد فسمع منه ابنه.
ص: 338
المرحلة الخامسة: بغداد
إنّ ابن الوليد الابن الذي كان قمّياً، سافر إلى بغداد ونقل كتاب الحسين بن سعيد إلى هناك، وسمع منه الشيخ المفيد، وبعد ذلك لمّا هاجر الشيخ الطوسي إلى بغداد وسكن فيها، قام بتحمّل كتاب الحسين بن سعيد من أُستاذه الشيخ المفيد، ولمّا قام الشيخ بتأليف تهذيب الأحكام والاستبصار، أخذ هذا الحديث من كتاب الحسين بن سعيد وأدرجه فيهما.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي: المدينة، الكوفة، الأهواز، قمّ، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ الظاهر أنّ أحد أصحابنا نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2_ الحسين بن سعيد: نقل الحديث من الكوفة إلى الأهواز وقمّ.
3_ ابن الوليد الابن: نقل الحديث من قمّ إلى بغداد.
فالحديث مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وأهوازي تدويناً وقمّي نشراً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في جميع طبقاتها كانت من تراث خطّ الاعتدال.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
عن ابن مُسكان، عن أبي عبد الله(علیه السلام)، قال: سألته عن الوضوء ممّا ولغ الكلب فيه والسنّور، أو شرب منه جمل أو دابّة أو غير ذلك، يتوضّأ منه أو يغتسل؟ قال: «نعم، إلّا أن تجد غيره فتنزّه عنه».(1)
وجه الاستدلال به: إنّ الرواية صريحة بجواز الوضوء من سؤر الكلب، وهي ظاهرة
ص: 339
بطهارته.
هذا وإنّ الشيخ الطوسي حمل هذا الخبر على ما إذا كان الماء كرّاً، وأنت خبير بأنّه حمل على خلاف الظاهر؛ لأنّ الظاهر من قوله: «ممّا ولغ الكلب فيه» هو الماء القليل.(1)
وكيف كان، فقد أعرض أصحابنا عن العمل بهذا الخبر ولم يعملوا به، ونحن نعتقد أنّ سرّ إعراض أصحابنا يرجع إلى جهة فهرستية.
بيان ذلك: ذكرنا أنّ النجاشي ضعّف محمّد بن سنان، وقال: «هو رجل ضعيف جدّاً لا يعوّل عليه ولا يُلتفت إلى ما تفرّد به»، وهذا الخبر ممّا تفرّد به محمّد بن سنان، فلذلك لم يعتمد عليه أصحابنا.(2)
ونحن نعتقد أنّ سرّ ما قاله النجاشي في حقّ محمّد بن سنان راجع إلى أنّه نقل كتب الأصحاب بالوجادة.
بيان ذلك: ذكر الكشّي أنّ محمّد بن سنان قال قبل موته: «كلّ ما حدّثتكم به لم يكن لي سماع ولا رواية، إنّما وجدته».(3)
ونقل ابن داود كلام محمّد بن سنان هكذا: «لا ترووا عني ممّا حدّثت شيئاً، فإنّما هي كتب اشتريتها من السوق».(4)
وكيف كان، لا يمكن لنا الوثوق والاطمئنان بهذا الخبر، فيجب طرحه وفاقاً لأصحابنا.
فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ سؤر الكلب نجس ويجب الاجتناب عمّا ولغ فيه.
ص: 340
يُكره الوضوء من سؤر الحائض غير المأمونة على المحافظة عن مباشرة النجاسة.
وهذا هو القول المشهور بين أصحابنا. وقبل الورد في البحث لا بدّ لنا من الإشارة إلى نكات ثلاث:
الاُولى: إنّ المذكور في كلمات الفقهاء هو كراهة سؤر الحائض، ولكن ورد في أخبار المقام خصوص كراهة الوضوء بسؤرها مع التصريح بعدم البأس بشربها.
الثانية: إنّ جماعة من الفقهاء (وهو القول الأشهر) ذكروا في التقييد «المتّهمة» بدل «غير المأمونة»، فصرّحوا بكراهة سؤر الحائض المتّهمة، وليس في أخبار المقام ذكراً لهذا القيد كما سنرى قريباً.
الثالثة: يُستظهر من الكافي الكراهة مطلقاً، (سواء كانت الحائض مأمونة أم لا)، وكذلك يُستظهر من كلام الشيخ الطوسي في المبسوط، حيث أطلق القول بكراهة سؤر الحائض، ولقد ذكرنا أنّ المشهور من أصحابنا (وكذلك الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام والاستبصار) قيد الكراهة بما إذا كانت الحائض غير مأمونة أو إذا كانت متّهمة.
ص: 341
ثمّ إنّ المشهور بين أهل السنّة هو جواز الوضوء بسؤر الحائض.(1)
إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ أخبار المقام بعضها مطلقة بحيث فيها نهي عن الوضوء بسؤر الحائض مطلقاً سواء كانت مأمونة أم لم تكن، وبعضها فيها نهي عن الوضوء إذا كانت مأمونة.
والآن نبدأ بشرح مختارنا في المقام (وهو كراهة الوضوء بسؤر الحائض غير المأمونة)، فنحصر الكلام في خطوتين:
نذكر هنا موثّقتين تدلّان بمفهومهما على حرمة الوضوء بسؤر الحائض إذا كانت غير مأمونة، وهما موثّقة العيص بن القاسم، وموثّقة علي بن يقطين:
قبل الورود في البحث عن هذه الرواية، لا بدّ لنا من الإشارة إلى نكتة مهمّة جدّاً، وهي أنّ هناك اختلاف في متن الحديث بين الكليني والشيخ الطوسي، حيث إنّ متن الكليني يختلف معناه تماماً مع متن الشيخ الطوسي، حيث اخترنا متن الشيخ الطوسي، نبدأ بذكر سند الشيخ أوّلاً:
السند الأوّل
ابتدأ الشيخ الطوسي في أوّل السند باسم علي بن الحسن بن فضّال، حيث قال: «عنه ]أي: علي بن الحسن بن فضّال[، عن عبد الرحمٰن بن أبي نجران، عن صفوان بن يحيى، عن عيص بن القاسم، قال: سألتُ أبا عبد الله(علیه السلام)».(2)
التحليل الرجالي: ذكر الشيخ الطوسي في مشيخة تهذيب الأحكام طريقه إلى علي بن الحسن بن فضّال كما يلي: عن ابن عبدون المعروف بابن حاشر، عن علي بن محمّد بن الزبير، عنه.
ص: 342
وأمّا ابن عبدون، فإنّه من مشايخ النجاشي، وأنت خبير بأنّ كلّ مشايخه من الثقات.(1)
ص: 343
وأمّا علي بن محمّد بن الزبير فليس له توثيق صريح في كتب الرجال، ولكن يمكن لنا الاعتماد على هذا الطريق؛ لشهرة كتب علي بن الحسن بن فضّال، فإنّ هذا الطريق هو الطريق إلى كتب علي بن الحسن بن فضّال كما سنذكره.(1)
وأمّا علي بن الحسن بن علي بن فضّال، فهو فقيه أصحابنا بالكوفة ووجههم وثقتهم، وكان فطحياً(2)، وعبد الرحمٰن بن أبي نجران كان ثقةً ثقةً معتمداً على ما يرويه(3)، وصفوان بن يحيى ثقة ثقة عين، والعيص بن القاسم البَجَلي فقد كان ثقة.(4)
والحاصل، أنّ الرواية موثّقة بعليّ بن الحسن بن فضّال.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الرواية كانت مذكورة في كتاب الوضوء لعلي بن الحسن بن فضّال.
ص: 344
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا كتباً عديدة لعلي بن الحسن بن فضّال، منها كتاب الوضوء، وقد روى النجاشي هذه الكتب بالإسناد عن علي بن محمّد بن الزبير، عن علي بن الحسن بن فضّال.(1)
ولقد قال الشيخ الطوسي إنّه كان كثير العلم واسع الأخبار جيّد التصانيف غير معاند، وكان قريب الأمر إلى أصحابنا الإمامية القائلين بالاثني عشر، وكتبه في الفقه مستوفاه في الأخبار حسنة، وقيل إنّها ثلاثون كتاباً. (2)
وكيف كان، فإنّ كتب علي بن الحسن بن فضّال كانت عند الشيخ الطوسي، فإنّه ابتدأ باسم علي بن الحسن بن فضّال في أكثر من 500 مورد، كما أنّ طريقه في المشيخة متّحد مع طريقه في الفهرست.(3)
ثمّ إنّ علي بن الحسن بن فضّال أخذ هذه الرواية من كتاب صفوان بن يحيى، كما يشهد على ذلك ما سنذكره في السند الثاني، حيث نجد أنّ فضل بن شاذان روى الحديث من كتاب صفوان.
السند الثاني
روى الكليني عن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن العيص بن القاسم، عن أبي عبد الله(علیه السلام).(4)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: إنّ المراد من «محمّد بن إسماعيل» هو البندقي النيسابوري،
ص: 345
وليس له توثيق صريح، ولكنّ الشواهد تدلّ على قبول رواياته، حيث نرى أنّ الكليني قد اعتمد عليه اعتماداً كبيراً، فإنّ عدد روايات محمّد بن إسماعيل في الكافي هي 575 رواية، وفي جميع هذه الموارد روى محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان. فمحمّد بن إسماعيل الذي كان من مشايخ الكليني هو النيسابوري، ولم يروِ إلّا عن الفضل بن شاذان.
نعم، هناك محمّد بن إسماعيل البرمكي الذي وثّقه النجاشي بقوله: «كان ثقةً مستقيماً»، وضعّفه ابن الغضائري، ولم يروِ عن الفضل بن شاذان أساساً، ولم يكن من مشايخ الكليني.(1)
وأمّا الفضل بن شاذان النيسابوري، فهو في قدره أشهر من أن نصفه، وصفوان بن يحيى ثقة ثقة عين،و العيص بن القاسم ثقه . والعيص بن القاسم ثقة.(2)
والحاصل، إنّ هذه الرواية بهذا السند تعتبر من الأحاديث الصحيحة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب الوضوء
ص: 346
لصفوان بن يحيى البَجَلي.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي عند ترجمة صفوان بن يحيى، نراه يقول: «وصنّف ثلاثين كتاباً كما ذكر أصحابنا، يُعرف منها الآن: كتاب الوضوء، كتاب الصلاة، كتاب الصوم...».(1)
وقول النجاشي: «يُعرف منها الآن»، ظاهرٌ في أنّ بعض كتب صفوان كانت موجودة في زمان النجاشي.
نعم، روى النجاشي كتب صفوان بالإسناد عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، كما أنّ الشيخ الطوسي رواها بالإسناد عن جماعة، منهم محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ويعقوب بن يزيد والحسين بن سعيد، عن صفوان.(2)
هذا، ونحن نعتقد أنّ الفضل بن شاذان روى نسخة من كتاب صفوان، ولقد وصلت هذه النسخة إلى الكليني، بقرينة أنّ الكليني روى عن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى في 208 مورداً.(3)
فهذا السند هو أحد طرق الكليني إلى كتاب صفوان بن يحيى.
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل أربع(4):
ص: 347
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ العيص بن القاسم الكوفي سافر من الكوفة إلى المدينة وسمع الحديث من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة نقل الحديث إلى هناك، فسمع منه صفوان بن يحيى الكوفي، فذكر الحديث في كتابه.
المرحلة الثالثة: نيسابور، الكوفة
تمّ نقل الحديث في هذه المرحلة في بلدين:
1_ نيسابور
إنّ الفضل بن شاذان النيسابوري سافر إلى الكوفة فسمع الحديث من صفوان، وتحمّل كتاب صفوان بن يحيى ثمّ رجع إلى نيسابور، فذكر الحديث في كتابه، وسمع منه محمّد بن إسماعيل النيسابوري (راجع السند الثاني).
2_ الكوفة
إنّ عبد الرحمٰن بن أبي نجران الكوفي سمع من صفوان كتابه، كما أنّ علي بن الحسن بن فضّال الكوفي سمع كتاب صفوان وأخذ منه هذا الحديث فذكره في كتابه، ونقل علي بن محمّد بن الزبير الكوفي كتاب ابن فضّال (راجع السند الأوّل).
المرحلة الرابعة: الري، بغداد
تمّ نقل الحديث في هذه المرحلة في بلدين:
1_ الري
من المحتمل إنّ الكليني سافر إلى نيسابور وسمع كتاب صفوان بن يحيى من طريق محمّد بن إسماعيل النيسابوري عن فضل بن شاذان، وأخذ من ذلك الكتاب هذا الحديث وأدرجه في كتابه الكافي (راجع السند الثاني).
ص: 348
2_ بغداد
إنّ ابن عبدون الذي كان يسكن بغداد، سمع من علي بن محمّد بن الزبير كتاب ابن فضّال ولمّا هاجر الشيخ الطوسي إلى بغداد وسكن فيها، قام بتحمّل كتاب ابن فضّال من أُستاذه ابن عبدون، ولمّا قام الشيخ بتأليف تهذيب الأحكام والاستبصار، أخذ هذا الحديث من كتاب ابن فضّال وأدرجه فيهما (راجع السند الأوّل).
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي:
السند الأوّل: المدينة، الكوفة، نيسابور، الري.
السند الثاني: المدينة، الكوفة، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ العيص بن القاسم: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2_ الفضل بن شاذان: نقل الحديث من الكوفة إلى نيسابور.
3_ الكليني: نقل الحديث من نيسابور إلى الري
4_ ابن عبدون: نقل الحديث من الكوفة إلى بغداد.
فالحديث بسنده الأوّل مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وتدويناً وبغدادي تأليفاً، وبسنده الثاني مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً ونيسابوري تدويناً ورازي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية في سندها الثاني كانت من تراث خطّ الاعتدال، وبسندها الأوّل كانت من تراث خطّ الفطحية.
هذا تمام الكلام في سندَي الحديث. وذكرنا أنّ متن هذا الحديث فيه اختلاف، فنذكر أوّلاً المتن الذي نقله الشيخ الطوسي:
عن العيص بن القاسم قال: سألتُ أبا عبد الله(علیه السلام) عن سؤر الحائض، فقال: يتوضّأ منه، وتوضّأ من سؤر الجُنب إذا كانت مأمونة وتغسل يدها قبل أن تدخلها الإناء، وقد كان رسول
ص: 349
الله(صلی الله علیه و آله و سلم) يغتسل هو وعائشة في إناء واحد ويغتسلان جميعاً.(1)
وأمّا الكليني فذكر صدر الحديث كما يلي: «... وسألته عن سؤر الحائض، فقال: لا توضّأ منه، وتوضّأ من سؤر الجُنُب إذا كانت مأمونة».(2)
وكيف كان، فإنّ الشيخ الطوسي نقل الحديث بإسقاط كلمة «لا» الواقعة في صدر الحديث، حيث نقل جواب الإمام: «يتوضّأ منه»، بينما نقلها الكليني مع كلمة «لا».
وأنت خبير بأنّه بناءً على ما نقله الكليني، فإنّ الإمام(علیه السلام) نهى عن الوضوء بسؤر الحائض مطلقاً، سواء كانت مأمونة أم لا، ولكن على ما نقله الشيخ أجاز الوضوء بسؤر الحائض إذا كانت مأمونة.
وذهب البعض إلى تقديم متن الكليني المشتمل على كلمة «لا» على متن الشيخ الطوسي، مستدلّاً بأنّ الكافي أضبط من تهذيب الأحكام والاستبصار.(3)
والإنصاف أنّه ليس هناك قاعدة عامّة تدلّ على أنّ الكليني أضبط من الشيخ الطوسي في جميع الموارد، بل علينا أن نرى الشواهد في كلّ مورد، وفي المقام الشواهد تدلّ على ترجيح متن الشيخ الطوسي.
بيان ذلك: إنّ اختلاف المتن راجع إلى اختلاف المصدر الذي نُقل عنه
ص: 350
الحديث، فالكليني إنّما نقل الحديث من كتاب الفضل بن شاذان بينما الشيخ الطوسي نقله من كتاب علي بن الحسن بن فضّال، وذكرنا أنّ المصدر الأوّلي للحديث هو كتاب صفوان. فالاختلاف نشأ في نسختي كتاب صفوان، ففي النسخة الكوفية (وهي نسخة ابن فضّال) ذُكر الحديث بدون كلمة «لا»، وفي النسخة النيسابورية (وهي نسخة فضل بن شاذان) ذُكر الحديث مع إضافة كلمة «لا».
وذكرنا أنّ الشيخ قال في ترجمة علي بن الحسن بن فضّال أنّه كان جيّد التصانيف وكتبه في الفقه مستوفاة حسنة، ولذلك نحن نختار النسخة الكوفية، ونرجّح ما ذكره الشيخ الطوسي.
والحاصل، أنّه _ بناءً على متن الشيخ الطوسي _ سُئل الإمام عن سؤر الحائض، وكان جوابه: «يتوضّأ منه، وتوضّأ من سؤر الجُنُب إذا كانت مأمونة»، وهو صريح في جواز الوضوء بسؤر الحائض إذا كانت مأمونة.
انفرد الشيخ الطوسي بنقل هذه الموثّقة، فابتدأ في أوّل سندها باسم علي بن الحسن بن فضّال، حيث قال: «علي بن الحسن ]بن فضّال[، عن أيّوب بن نوح، عن محمّد بن أبي حمزة، عن علي بن يقطين، عن أبي الحسن(علیه السلام)».(1)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: ذكر الشيخ الطوسي في مشيخة تهذيب الأحكام طريقه إلى علي بن الحسن بن فضّال كما يلي: عن ابن عبدون المعروف بابن حاشر، عن علي بن محمّد بن الزبير، عنه.(2)
ص: 351
وأمّا علي بن الحسن بن علي بن فضّال، فهو فقيه أصحابنا بالكوفة ووجههم وثقتهم، وكان فطحياً(1)، وأمّا أيّوب بن نوح فكان ثقةً في رواياته، وأمّا محمّد بن أبي حمزة الثمالي فقد وثّقه الكشّي في رجاله.(2) وعلي بن يقطين فقد وثّقه الشيخ في فهرسته، وذكر أنّه كان جليل القدر، له منزلة عظيمة عند أبي الحسن موسى(علیه السلام).(3)
والحاصل، إنّ هذه الرواية موثّقة بعلي بن الحسن بن فضّال.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الرواية كانت مذكورة في كتاب الوضوء لعلي بن الحسن بن فضّال كما شرحنا سابقاً.(4)
ثمّ إنّ علي بن الحسن بن فضّال أخذ هذه الموثّقة من كتاب النوادر لأيّوب بن نوح؛ فإنّا إذا نظرنا إلى رجال النجاشي نجد أنّه ذكر لأيّوب بن نوح كتاب نوادر،
ص: 352
والظاهر أنّ علي بن الحسن بن فضّال روى نسخة من هذا الكتاب، بقرينة أنّ علي بن الحسن بن فضّال روى (كما في الكافي وتهذيب الأحكام والاستبصار) 109 مورداً عن أيّوب بن نوح.(1)
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل أربع:
المرحلة الاُولى: المدينة
الظاهر أنّ علي بن يقطين سافر إلى المدينة وسمع الحديث من الإمام الكاظم(علیه السلام).
المرحلة الثانية: بغداد
ولمّا رجع إلى بغداد (وكان يسكن فيها وهو كوفي الأصل)، نقل الحديث هناك.
المرحلة الثالثة: الكوفة
إنّ محمّد بن أبي حمزة الثمالي الكوفي سمع الحديث من علي بن يقطين، فنقلها إلى الكوفة، فسمع منه أيّوب بن نوح، فذكر الحديث في كتابه، وبعد ذلك سمع علي بن الحسن بن فضّال الحديث فذكره في كتابه كما أنّ علي بن محمّد بن الزبير الكوفي نقل كتاب علي بن الحسن بن فضّال.
المرحلة الرابعة: بغداد
إنّ ابن عبدون الذي كان يسكن بغداد سمع من علي بن محمّد بن الزبير كتاب ابن فضّال، ولمّا هاجر الشيخ الطوسي إلى بغداد وسكن فيها، قام بتحمّل كتاب ابن فضّال من أُستاذه ابن عبدون، ولمّا قام الشيخ بتأليف تهذيب الأحكام والاستبصار، أخذ هذا الحديث من كتاب ابن فضّال وأدرجه فيهما.
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي: المدينة، الكوفة،
ص: 353
بغداد، الكوفة، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ علي بن يقطين: نقل الحديث من المدينة إلى بغداد.
2_ محمّد بن أبي حمزة: نقل الحديث من بغداد إلى الكوفة.
3_ ابن عبدون: نقل الحديث من الكوفة إلى بغداد.
فالحديث مدني صدوراً وبغدادي نقلاً وكوفي تصنيفاً وبغدادي تأليفاً.
ثمّ إنّ هذه الرواية من ميراث خطّ الفطحية، واعتمد عليها الشيخ الطوسي.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه:
عن علي بن يقطين، عن أبي الحسن(علیه السلام) في الرجل يتوضّأ بفضل الحائض، قال: إذا كانت مأمونة فلا بأس.(1)
وجه الاستدلال به: إنّ الحديث يدلّ على جواز الوضوء بسؤر الحائض إذا كانت مأمونة، ومفهومه عدم جواز الوضوء بسؤرها إذا كانت غير مأمونة.
نذكر هنا صحيحة الحسين بن أبي العلاء التي تدلّ على حرمة الوضوء بسؤر الحائض مطلقاً (سواء كانت مأمونة أو لا). والآن نبدأ بشرح هذه الصحيحة:
اتّفق الكليني والشيخ الطوسي على نقل هذه الصحيحة، ولها سندان:
السند الأوّل
روى الكليني عن محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن
ص: 354
علي بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله(علیه السلام).(1)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: سبق وثاقة بعض رجال السند، وأمّا علي بن الحكم الأنباري فهو ثقة جليل القدر.(2)
وأمّا الحسين بن أبي العلاء فقد ذكر النجاشي أنّه وأخويه رويا عن أبي عبد الله(علیه السلام)، وقال: «وكان الحسين أوجههم»، وظاهر هذا الكلام أنّ الحسين كان أوجه إخوته من جهة الرواية.(3)
والحاصل، أنّ هذه الرواية بهذا السند تعتبر من الأحاديث الصحيحة.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الصحيحة كانت مذكورة في كتاب علي بن الحكم الأنباري.
بيان ذلك: إنّا إذا راجعنا رجال النجاشي وفهرست الطوسي، نجد أنّهما ذكرا لعلي بن الحكم كتاباً، وروى الشيخ الطوسي هذا الكتاب بإسناده عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن الحكم.
والكليني روى في 130 مورداً عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن الحكم، وفي الواقع هذا السند طريق الكليني إلى كتاب علي بن الحكم.(4)
فالشيخ يرشدنا إلى أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى روى كتاب علي بن الحكم،
ص: 355
كما نجد في هذا السند أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى روى عن علي بن الحكم. ومن المحتمل أنّ علي بن الحكم أخذ هذه الرواية من كتاب الحسين بن أبي العلاء، فإنّ النجاشي صرّح بأنّه كان صاحب كتاب، وقال الشيخ: «له كتاب يعدّ في الأُصول» ونحن نجد أنّ علي بن الحكم روى في الكافي وتهذيب الأحكام والاستبصار عن الحسين بن أبي العلاء في 53 مورداً.(1)
السند الثاني
ابتدأ الشيخ الطوسي في سند الرواية باسم علي بن الحسن بن فضّال، قال: «عنه ]علي بن الحسن بن فضّال[، عن معاوية بن حكيم، عن عبد الله بن المغيرة، عن ]الحسين[ بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله(علیه السلام)».(2)
ولا بدّ لنا هنا من بحثين:
التحليل الرجالي: ذكر الشيخ الطوسي في مشيخة تهذيب الأحكام طريقه إلى علي بن الحسن بن فضّال كما يلي: عن ابن عبدون المعروف بابن حاشر، عن علي بن محمّد بن الزبير، عنه.(3)
وأمّا علي بن الحسن بن علي بن فضّال، فهو فقيه أصحابنا بالكوفة ووجههم وثقتهم، وكان فطحياً(4)،
ومعاوية بن حكيم فطحي ثقة، وعبد الله بن المغيرة ثقة ثقة
ص: 356
لا يعدل به أحد من جلالته ودينه وورعه(1)،
وذكرنا توثيق الحسين بن أبي العلاء. فالرواية بهذا السند موثّقة بالحسن بن علي بن فضّال.
التحليل الفهرستي: الظاهر أنّ هذه الرواية كانت مذكورة في كتاب الوضوء لعلي بن الحسن بن فضّال، كما شرحنا سابقاً.(2)
ومن المحتمل قويّاً أنّ علي بن الحسن بن فضّال إنّما أخذ هذا الخبر من كتاب عبد الله بن المغيرة، ففي الواقع أنّه كان عند معاوية بن حكيم نسخة من كتاب عبد الله بن المغيرة، ونقل هذه النسخة لعلي بن الحسن بن فضّال، ثمّ قام علي بن الحسن بن فضّال بإخراج هذا الخبر من كتاب عبد الله بن المغيرة وذكره في كتابه الوضوء.
ص: 357
أمّا نقل الحديث من بلد إلى بلد فكان على مراحل أربع(1):
المرحلة الاُولى: المدينة
إنّ الحسين بن أبي العلاء الكوفي سمع الحديث في المدينة من الإمام الصادق(علیه السلام).
المرحلة الثانية: الكوفة
ولمّا رجع إلى الكوفة نقل الحديث إلى هناك، فسمع منه علي بن الحكم الأنباري الذي كان يسكن الكوفة، فأدرج الحديث في كتابه (راجع السند الأوّل).
وسمع عبد الله بن المغيرة من الحسين بن أبي العلاء هذا الحديث وأدرجه في كتابه، كما وسمع معاوية بن حكيم الكوفي كتاب عبد الله بن المغيرة (راجع السند الثاني).
المرحلة الثالثة: قمّ، الكوفة
تمّ نقل الحديث في هذه المرحلة إلى بلدين:
1_ قمّ
إنّ أحمد بن محمّد بن عيسى القمّي لمّا سافر إلى الكوفة سمع من علي بن الحكم كتابه، فنقل ذلك الكتاب إلى قمّ، وسمع منه محمّد بن يحيى العطّار (راجع السند الأوّل).
2_ الكوفة
إنّ علي بن الحسن بن فضّال الكوفي سمع كتاب عبد الله بن المغيرة من
ص: 358
معاوية بن حكيم، وأخذ منه هذا الحديث فذكره في كتابه، كما أنّ علي بن محمّد بن الزبير الكوفي نقل كتاب ابن فضّال (راجع السند الثاني).
المرحلة الرابعة: الري، بغداد
تمّ نقل الحديث في هذه المرحلة إلى بلدين:
1_ الري
إنّ الكليني الذي كان يسكن الري سافر إلى قمّ، وسمع كتاب علي بن الحكم من طريق محمّد ين يحيى العطّار، وأخذ من ذلك الكتاب هذا الحديث وأدرجه في كتابه الكافي (راجع السند الأوّل).
2_ بغداد
إنّ ابن عبدون الذي كان يسكن بغداد سمع من علي بن محمّد بن الزبير كتاب ابن فضّال، وبعد ذلك لمّا هاجر الشيخ الطوسي إلى بغداد وسكن فيها تحمّل كتاب ابن فضّال من أُستاذه ابن عبدون، ولمّا قام الشيخ بتأليف تهذيب الأحكام والاستبصار، أخذ هذا الحديث من كتاب ابن فضّال وأدرجه فيهما (راجع السند الثاني).
فتلخّص ممّا ذكرنا من نقل الحديث في البلدان ما يلي:
السند الأوّل: المدينة، الكوفة، قمّ، الري.
السند الثاني: المدينة، الكوفة، بغداد.
وإليك الرواة الذين قاموا بنقل هذا الحديث من بلد إلى بلد:
1_ الحسين بن أبي العلاء: نقل الحديث من المدينة إلى الكوفة.
2_ أحمد بن محمّد بن عيسى: نقل الحديث من الكوفة إلى قمّ.
3_ الكليني: نقل الحديث من قمّ إلى الري.
4_ ابن عبدون: نقل الحديث من الكوفة إلى بغداد.
فالحديث بسنده الأوّل مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وقمّي نشراً ورازي تدويناً،وبسنده الثاني مدني صدوراً وكوفي تصنيفاً وتدويناً وبغدادي تأليفاً.
ص: 359
ثمّ إنّ هذه الرواية بسندها الأوّل كانت من تراث خطّ الاعتدال، وبسندها الثاني من تراث خطّ الفطحية.
هذا تمام الكلام في سند الحديث، وإليك متنه على ما نقله الكليني:
عن الحسين بن أبي العلاء، قال: سألتُ أبا عبد الله(علیه السلام) عن الحائض يشرب من سؤرها؟ قال: نعم، ولا تتوضّأ منه.(1)
ونقل الشيخ الطوسي متن الحديث كما يلي: «عن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله(علیه السلام)، في الحائض يشرب من سؤرها ولا يتوضّأ منه».(2)
وكيف كان، فاختلاف المتن لا يغيّر المعنى، فالحديث يدلّ على عدم جواز الوضوء بسؤر الحائض مطلقاً، سواء كانت مأمونة أم لا.
إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ إطلاق هذه الصحيحة يُقيّد بموثّقة العيص بن القاسم (بناءً على متن المختار، وهو متن الشيخ الطوسي)، وموثّقة علي بن يقطين، فإنّهما قيدتا النهي عن الوضوء بسؤر الحائض بصورة كون الحائض مأمونة.
ثمّ إنّ أصحابنا فهموا من النهي الوارد في أخبار المقام الكراهة، وهذا محلّ وفاق بينهم، ولم نجد هناك نصّاً على الحرمة، ولم يكن هذا إلّا لوجود شواهد وقرائن لديهم، حيث حكموا بالكراهة دون الحرمة.
وهناك خبران يدلّان أيضاً على النهي عن الوضوء بسؤر الحائض بصوره مطلقة، وهما:
الخبر الأوّل: خبر عنبسة بن مصعب عن أبي عبد الله(علیه السلام): «اشرب من سؤر
ص: 360
الحائض ولا تتوضّأ به».(1)
الخبر الثاني: خبر ابن أبي يعفور الذي قال: سألتُ أبا عبد الله(علیه السلام): أيتوضّأ من فضل المرأة؟ قال: «إذا كانت تعرف الوضوء، ولا تتوضّأ من سؤر الحائض».(2)
والكلام في هذين الخبرين نفس الكلام في صحيحة الحسين بن أبي العلاء، فنحن نقوم بتقييدهما بموثّقة العيص بن القاسم (بناءً على متن المختار وهو متن الشيخ الطوسي) وموثّقة علي بن يقطين.
فتحصّل من جميع ما ذكرنا كراهة الوضوء بسؤر الحائض إذا لم تكن مأمونة.
تمّ الكتاب في 11 ذي القعدة من سنة 1432ﻫوأسأل اللّه تعالى أن يجعل سعيي خالصاً لوجهه الكريم، وينفعني بمنّه العظيم، ولطفه العميم، وأن يجعله ذخيرة ليوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى اللّه بقلب سليم، وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
ص: 361
ص: 362
1. الاختصاص، المنسوب إلى أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 ﻫ)، تحقيق : علي أكبر الغفّاري، قمّ : مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الرابعة، 1414 ﻫ.
2. اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي)، أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ)، تحقيق : السيّد مهدي الرجائي، قمّ : مؤسّسة آل البيت، الطبعة الاُولى، 1404 ﻫ.
3. إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان، الحسن بن يوسف بن المطهّر المعروف بالعلّامة الحلّي ( ت 726 ﻫ)، تحقيق: فارس الحسّون، قمّ، مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 1410 ﻫ.
4. الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ﻫ)، تحقيق : السيّد حسن الموسوي الخرسان، طهران : دار الكتب الإسلاميّة .
5. الاستذكار لمذهب علماء الأمصار، الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمّد بن عبد البرّ القرطبي (ت 368 ﻫ)، القاهرة : 1971 م .
6. الأمالي، أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ)، تحقيق : مؤسّسة البعثة، قمّ : دار الثقافة، الطبعة الاُولى، 1414 ﻫ.
7. الأمالي، محمّد بن علي بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (ت 381 ﻫ)، تحقيق : مؤسّسة البعثة، قمّ : مؤسّسة البعثة، الطبعة الاُولى، 1417 ﻫ.
8. أمل الآمل، محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ)، تحقيق: السيّد أحمد
ص: 363
الحسيني، بغداد : مكتبة الأندلس .
9.الانتصار (أهمّ مناظرات الشيعة في شبكات الإنترنت)، العاملي، بيروت: دار السيرة، الطبعة الاُولى، 1421 ﻫ.
10.الأنوار اللوامع في شرح مفاتيح الشرائع، حسن بن محمّد العصفوري البحراني.
11.إيضاح الفوائد في حلّ مشكلات القواعد، محمّد بن الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي (فخر المحقّقين) ( ت 771 ﻫ).
12.أحكام القرآن، أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصّاص ( ت 370 ﻫ) .
13.بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، محمّد باقر بن محمّد بن تقي المجلسي ( ت 1110 ﻫ)، طهران : دار الكتب الإسلامية، الطبعة الاُولى، 1386 ﻫ.
14.بداية المجتهد ونهاية المقتصد، محمّد بن أحمد بن رشد القرطبي الأندلسي الشهير بابن رشد الحيد ( ت 595 ﻫ)، تحقيق: خالد العطّار، بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر، 1415 ﻫ.
15.بصائر الدرجات، أبو جعفر محمّد بن الحسن الصفّار القمّي المعروف بابن فروخ (ت 290 ﻫ)، قمّ : مكتبة آية الله المرعشي، الطبعة الاُولى، 1404 ﻫ.
16.تاج العروس من جواهر القاموس، محمّد بن محمّد مرتضى الحسيني الزبيدي ( ت 1205 ﻫ)، تحقيق : علي الشيري، 1414 ﻫ، بيروت : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع .
17.تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة، علي الغروي الحسيني الإسترآبادي (معاصر)، تحقيق : حسين استاد ولي، قمّ : مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 1409 ﻫ.
18.تبصرة المتعلّمين في أحكام الدين، الحسن بن يوسف بن المطهّر المعروف بالعلّامة الحلّي ( ت 726 ﻫ)، تحقيق: أحمد الحسيني وهادي اليوسفي، طهران: انتشارات فقيه، الطبعة الاُولى، 1368 ش .
19.تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية، الحسن بن يوسف بن المطهّر المعروف بالعلّامة الحلّي (ت 726 ﻫ)، تحقيق: إبراهيم البهادري، قمّ: مؤسّسة الإمام الصادق.
20.تحف العقول عن آل الرسول، أبو محمّد الحسن بن علي الحرّاني المعروف بابن شُعبة (ت 381 ﻫ)، تحقيق: علي أكبر الغفّاري، قمّ : مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة
ص: 364
الثانية، 1404 ﻫ.
21.تحفة الأحوذي، المباركفوري (ت 1282 ﻫ)، بيروت : دار الكتب العلمية، الطبعة الاُولى، 1410 ﻫ.
22.تخريج الأحاديث والآثار، جمال الدين الزيلعي (ت 762 ﻫ) تحقيق: عبد الله بن عبد الرحمٰن السعد، الرياض: دار ابن خزيمة، الطبعة الاُولى، 1414 ﻫ.
23.تذكرة الفقهاء، الحسن بن يوسف بن مطهّر الحلّي المعروف بالعلّامة الحلّي ( ت 726 ﻫ)، تحقيق: مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، قمّ: مؤسّسة آل البيت، الطبعة الاُولى، 1414 ﻫ.
24.التذكرة في أحوال الموتى واُمور الآخرة، محمّد بن أحمد القرطبي (ت 671 ﻫ)، تحقيق : مجدي فتحي السيّد، طنطا : دار الصحابة للتراث، الطبعة الاُولى، 1415 ﻫ.
25.تفسير العيّاشي، أبو النضر محمّد بن مسعود السلمي السمرقندي المعروف بالعيّاشي (ت 320 ﻫ)، تحقيق : السيّد هاشم الرسولي المحلّاتي، طهران : المكتبة العلميّة، الطبعة الاُولى، 1380 ﻫ.
26.تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن)، أبو عبد الله محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت 671 ﻫ)، تحقيق : محمّد عبد الرحمٰن المرعشلي، بيروت : دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية، 1405 ﻫ.
27.تفسير القمّي، علي بن إبراهيم القمّي، تحقيق: السيّد طيّب الموسوي الجزائري، قمّ : منشورات مكتبة الهدى، الطبعة الثالثة، 1404 ﻫ.
28.التلخيص الحبير، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 ﻫ)، تحقيق: محمّد الثاني، الرياض، أضواء السلف، 1428 ﻫ.
29.التمحيص، أبو علي محمّد بن همام الإسكافي المعروف بابن همام (ت 336 ﻫ)، تحقيق : مدرسة الإمام المهدي (عج)، قمّ : مدرسة الإمام المهدي (عج)، الطبعة الاُولى، 1404 ﻫ.
30.التمهيد لما في الموطّأ من المعاني والأسانيد، يوسف بن عبد الله القرطبي (ابن عبد البرّ) (ت 463 ﻫ)، تحقيق : مصطفى العلوي ومحمّد عبد الكبير البكري، جدّة : مكتبة السوادي، 1387 ﻫ.
31.التنقيح الرائع وكنز العرفان، المقداد بن عبد الله السوري الحلّي ( ت 826 ﻫ)، قمّ: مكتبة
ص: 365
آية الله المرعشي النجفي، 1404 ﻫ.
32.تنوير الحوالك شرح على موطّأ مالك، جلال الدين عبد الرحمٰن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 ﻫ)، تحقيق: محمّد عبد العزيز الخالدي، بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الاُولى، 1418 ﻫ.
33.التوحيد، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابَوَيه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق ( ت 381 ﻫ)، تحقيق : السيد هاشم الحسيني الطهراني، قمّ : مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 1398 ﻫ.
34.التهذيب (تهذيب الأحكام في شرح المقنعة)، أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ)، بيروت : دار التعارف، الطبعة الاُولى، 1401 ﻫ.
35.ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ﻫ)، تحقيق : علي أكبر الغفّاري، طهران : مكتبة الصدوق .
36.جامع الأحاديث، أبو محمّد جعفر بن أحمد بن علي القمّي ( ق 4 ﻫ)، تحقيق: السيّد محمّد الحسيني النيسابوري، مشهد : مؤسّسة الطبع والنشر التابعة للحضرة الرضويّة المقدّسة، الطبعة الاُولى، 1413 ﻫ.
37.جامع الخلاف والوفاق، علي بن محمّد القمّي السبزواري ( ق 7 ﻫ)، تحقيق: الشيخ حسين الحسيني البيرجندي، قمّ: مطبعة باسدار إسلام، الطبعة الاُولى، 1379 ش .
38.جامع المدارك في شرح المختصر النافع، أحمد الخوانساري، تحقيق: علي أكبر الغفاري، طهران: مكتبة الصدوق، الطبعة الثانية، 1355 ﻫ.
39.جامع المقاصد في شرح القواعد، الشيخ علي بن الحسين الكركي ( ت 940 ﻫ)، تحقيق: مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، 1408 ﻫ.
40.الجامع للشرائع، يحيى بن سعيد الحلّي ( ت 690 ﻫ)، تحقيق: جمع من الفضلاء، قمّ : مؤسّسة سيّد الشهداء .
41.جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، محمّد حسن النجفي (ت 1266 ﻫ)، بيروت : مؤسّسة المرتضى العالمية .
42.حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، شمس الدين الدسوقي ( ت 1230 ﻫ)، بيروت: دار إحياء الكتب العربية.
ص: 366
43.حاشية مدارك الأحكام، زين الدين بن علي الخوانساري ( ت 1124 ﻫ).
44.حاوي الأقوال في معرفة الرجال، عبد النبيّ الجزائري الحائري ( ت 1021 ﻫ)، مخطوط .
45.الحبل المتين في أحكام الدين، الشيخ بهاء الدين الحارثي الجبعي المعروف بالشيخ البهائي ( ت 1031 ﻫ) .
46.الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، يوسف بن أحمد البحراني ( ت 1186 ﻫ)، تحقيق : وإشراف : محمّد تقي الإيرواني، قمّ : مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين .
47.الخصال، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابَوَيه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق ( ت 381 ﻫ)، تحقيق : علي أكبر الغفاري، قمّ : منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية .
48.الخلاف، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ( ت 460 ﻫ)، تحقيق: جماعة من المحقّقين، قمّ: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المقدّسة، 1407 ﻫ.
49.الدراية في تخريج أحاديث الهداية، أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمّد بن حجر العسقلاني (ت 852 ﻫ)، تحقيق: عبد الله هاشم اليماني، بيروت: دار المعرفة.
50.دلائل الإمامة، أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري الإمامي ( ق 5 ﻫ)، تحقيق : مؤسّسة البعثة، قم : مؤسّسة البعثة .
51.ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد، العلّامة المولى محمّد باقر السبزواري (ت 1090 ﻫ)، قمّ : مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث .
52.ذكر أخبار إصفهان، أبو نعيم أحمد بن عبد الله المعروف بالحافظ الإصفهاني (ت 430 ﻫ)، ليدن: 1934 م.
53.ذكرى الشيعة، محمّد بن مكّي العاملي (الشهيد الأوّل) ( ت 786 ﻫ)، قمّ : مكتبة بصيرتي .
54.رجال ابن الغضائري، أحمد بن الحسين بن عبد الله بن إبراهيم الواسطي البغدادي ( ق 5 ﻫ).
55.رجال ابن داود، تقي الدين الحسن بن على بن داود الحلّي (ت 707 ﻫ)، تحقيق :
ص: 367
السيّد محمّد صادق آل بحر العلوم، قمّ : منشورات الشريف الرضي، 1392 ﻫ.
56.رجال البرقي، أحمد بن محمّد البرقي الكوفي (ت 274 ﻫ)، طهران : دانشگاه (جامعة) طهران، الطبعة الاُولى، 1342 ش .
57.رجال الطوسي، أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ)، تحقيق : جواد القيّومي، قمّ : مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 1415 ﻫ.
58.رجال العلّامة الحلّي (خلاصة الأقوال)، حسين بن يوسف الحلّي (العلّامة) (726 ﻫ)، قمّ : منشورات الشريف الرضي .
59.رجال النجاشي (فهرس أسماء مصنّفي الشيعة)، أبو العبّاس أحمد بن علي النجاشي (ت 450 ﻫ)، بيروت : دار الأضواء، الطبعة الاُولى، 1408 ﻫ.
60.رسائل الشريف المرتضى، أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى وعلم الهدى (ت 436 ﻫ)، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني، قمّ: مطبعة سيّد الشهداء، 1405 ﻫ.
61.رسائل المحقّق الكركي، علي بن الحسين المحقّق الكركي، تحقيق: محمّد الحسّون، قمّ : مكتبة آية الله المرعشي، 1409 ﻫ.
62.الرواشح السماوية في شرح الأحاديث الإماميّة، مير محمّد باقر الحسيني المرعشي الداماد (ت 1041 ﻫ)، قمّ : مكتبة آية الله المرعشي، الطبعة الاُولى، 1405 ﻫ.
63.روض الجنان وروح الجنان (تفسير أبو الفتوح الرازي)، حسين بن علي الرازي ( ق 6 ﻫ)، مشهد : العتبة الرضوية المقدّسة، الطبعة الاُولى، 1371 ش .
64.الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، زين الدين الجبعي العاملي (الشهيد الثاني) ( ت 965 ﻫ)، الطبعة الثانية، 1398 ﻫ.
65.روضة الطالبين، محيي الدين النووي الدمشقي ( ت 676 ﻫ)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمّد معوّض، بيروت: دار الكتب العلمية.
66.روضة المتّقين، محمّد تقي المجلسي ( ت 1075 ﻫ)، تصحيح : حسين الموسوي الكرماني، وعلي پناه الاشتهاردي، طهران : بنياد فرهنگ إسلامي كوشان پور .
67.روضة الواعظين، محمّد بن الحسن بن عليّ الفتّال النيسابوري (ت 508 ﻫ)، تحقيق : حسين الأعلمي، بيروت : مؤسّسة الأعلمي، الطبعة الاُولى، 1406 ﻫ.
68.رياض المسائل، السيد علي الطباطبائي ( ت 1231 ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر
ص: 368
الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المقدّسة، الطبعة الاُولى، 1412 ﻫ.
69.السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، محمّد بن منصور الحلّي (ت 598 ﻫ)، تحقيق : مؤسّسة النشر الإسلامي، قمّ : مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، 1410 ﻫ.
70.سماء المقال في علم الرجال، أبو الهدى الكلباسي ( ت 1356 ﻫ)، قم: مؤسّسة وليّ العصر للدراسات الإسلامية، تحقيق: محمّد الحسيني القزويني، الطبعة الاُولى، 1419 ﻫ.
71.سنن ابن ماجة، أبو عبد الله محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني ( ت 275 ﻫ)، تحقيق : محمّد فؤاد عبد الباقي، بيروت : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع .
72.سنن أبي داود، أبو داود سليمان بن أشعث السِّجِستاني الأزدي ( ت 275 ﻫ)، تحقيق : سعيد محمّد اللحّام، بيروت : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الاُولى، 1410 ﻫ.
73.سنن الترمذي ( الجامع الصحيح )، أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي ( ت 279 ﻫ)، تحقيق : عبد الرحمٰن محمّد عثمان، بيروت : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1403 ﻫ.
74.سنن الدارقطني، أبو الحسن علي بن عمر البغدادي المعروف بالدارقطني (ت 285 ﻫ)، تحقيق : أبو الطيّب محمّد آبادي، بيروت : عالم الكتب، الطبعة الرابعة، 1406 ﻫ.
75.سنن الدارمي، أبو محمّد عبد الله بن عبد الرحمٰن الدارمي (ت 255 ﻫ)، تحقيق : مصطفى ديب البغا، بيروت : دار العلم .
76.سنن النسائي (بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي وحاشية الإمام السندي)، أبو بكر عبد الرحمٰن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 ﻫ)، بيروت : دار المعرفة، الطبعة الثالثة، 1414 ﻫ.
77.سير أعلام النبلاء، أبو عبد الله محمّد بن أحمد الذهبي (ت 748 ﻫ)، تحقيق : شُعيب الأرنؤوط، بيروت : مؤسّسة الرسالة، الطبعة العاشرة، 1414 ﻫ.
78.شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، المحقّق الحلّي ( ت676 ﻫ)، تحقيق وشرح السيّد صادق الشيرازي، طهران: منشورات استقلال، الطبعة الثانية، 1409 ﻫ.
79.شرح فتح القدير، ابن عبد الواحد ( ت 681 ﻫ)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1406 ﻫ.
ص: 369
80.شرح مسلم بشرح النووي، النووي ( ت 676 ﻫ)، بيروت: دار الكتاب العربي، 1407 ﻫ.
81.شرح معاني الآثار، أبو جعفر أحمد بن محمّد بن سلامة الأزدي ( ت 321 ﻫ)، تحقيق: محمّد زهري النجّار، بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الثالثة، 1416 ﻫ.
82.الصحاح تاج اللغة وصحاح العربيّة، أبو نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري ( ت 398 ﻫ)، تحقيق : أحمد بن عبد الغفور عطّار، بيروت : دار العلم للملايين، الطبعة الرابعة، 1410 ﻫ.
83.صحيح البخاري، أبو عبد الله محمّد بن إسماعيل البخاري (ت 256 ﻫ)، تحقيق : مصطفى ديب البغا، بيروت : دار ابن كثير، الطبعة الرابعة، 1410 ﻫ.
84.صحيح مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري ( ت 261 ﻫ)، بيروت : دار الفكر، طبعة مصحّحة ومقابلة على عدّة مخطوطات ونسخ معتمدة .
85.العدّة في أُصول الفقه، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ( ت 460 ﻫ)، تحقيق: محمّد رضا الأنصاري، قمّ: مطبعة ستاره، الطبعة الاُولى، 1417 ﻫ.
86.علل الشرائع، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابَوَيه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق ( ت 381 ﻫ)، تقديم : السيّد محمّد صادق بحر العلوم، 1385 ﻫ، النجف الأشرف : منشورات المكتبة الحيدرية .
87.عمدة القاري شرح البخاري، أبو محمّد بدر الدين أحمد العيني الحنفي (ت 855 ﻫ)، مصر : دار الطباعة المنيرية .
88.عوائد الأيّام، العلّامة المولى أحمد بن محمّد مهدي النراقي (ت 1245 ﻫ)، تحقيق: مركز الدراسات والأبحاث الإسلامية، قمّ: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الاُولى، 1417 ﻫ.
89.عوالي اللآلي العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة، محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (ت 940 ﻫ)، تحقيق : مجتبى العراقي، قمّ : مطبعة سيّد الشهداء، الطبعة الاُولى، 1403 ﻫ.
90.عون المعبود (شرح سنن أبي داود)، محمّد شمس الحقّ العظيم الآبادي (ت 1329ﻫ)، بيروت : دار الكتب العلمية، الطبعة الاُولى، 1415 ﻫ.
91.عيون أخبار الرضا، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابَوَيه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق ( ت 381 ﻫ)، تحقيق : الشيخ حسين الأعلمي، 1404 ﻫ، بيروت :
ص: 370
مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات .
92.غاية المرام وحجّة الخصام في تعيين الإمام، هاشم بن إسماعيل البحراني (ت 1107 ﻫ)، تحقيق : السيّد علي عاشور، بيروت : مؤسّسة التاريخ العربي، 1422 ﻫ.
93.غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام، الميرزا أبو القاسم القمّي ( ت 1221 ﻫ)، تحقيق: عبّاس تبريزيان، مشهد: مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الاُولى، 1417 ﻫ.
94.غنية النزوع إلى علمي الاُصول والفروع، السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي ( ت 585 ﻫ)، تحقيق: إبراهيم البهادري، قمّ: مؤسّسة الإمام الصادق، الطبعة الاُولى، 1417 ﻫ.
95.الفائق في غريب الحديث، محمود بن عمر الزمخشري (ت 583 ﻫ)، تحقيق : علي محمّد البجاوي، بيروت : دار الفكر، 1414 ﻫ.
96.فتح الباري شرح صحيح البخاري، أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 ﻫ)، تحقيق : عبد العزيز بن عبد الله بن باز، بيروت : دار الفكر، الطبعة الاُولى، 1379 ﻫ.
97.فتح العزيز شرح الوجيز، عبدالكريم الرافعي ( ت623 ﻫ)، بيروت: دار الفكر.
98.فقه الرضا (الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا)، تحقيق : مؤسّسة آل البيت، مشهد : المؤتمر العالمي للإمام الرضا، الطبعة الاُولى، 1406 ﻫ.
99.الفقه على المذاهب الأربعة، عبد الرحمٰن الجزيري ( ت 1360 ﻫ)، بيروت: دار إحياء التراث العربي 1406 ﻫ.
100.فلاح السائل، أبو القاسم علي بن موسى الحلّي المعروف بابن طاووس (ت 664 ﻫ)، قمّ : مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الاُولى، 1419 ﻫ.
101.الفوائد الرجالية، الشيخ مهدي الكجوري الشيرازي ( ت 1293 ﻫ)، تحقيق: محمّد كاظم رحمان ستايش، قمّ: دار الحديث للطباعة والنشر، الطبعة الاُولى، 1423 ﻫ.
102.الفهرست، محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ﻫ)، تحقيق : جواد القيّومي، قمّ : مؤسّسة نشر الفقاهة، الطبعة الاُولى، 1417 ﻫ.
103.فيض القدير، شرح الجامع الصغير، محمّد عبد الرؤوف المناوي، تحقيق: أحمد عبد السلام، بيروت : دار الكتب العلمية، الطبعة الاُولى، 1415 ﻫ.
104.قرب الإسناد، أبو العبّاس عبد الله بن جعفر الحِميَري القمّي (ت بعد 304 ﻫ)، تحقيق :
ص: 371
مؤسّسة آل البيت، قمّ : مؤسّسة آل البيت، الطبعة الاُولى، 1413 ﻫ.
105.قواعد الأحكام، الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (العلّامة الحلّي) ( ت 726 ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المقدّسة، الطبعة الاُولى، 1413 ﻫ.
106.الكافي، أبو جعفر ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي ( ت 329 ﻫ)، تحقيق : علي أكبر الغفاري، طهران : دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثانية، 1389 ﻫ.
107.الكافي في الفقه، أبو الصلاح الحلبي ( ت 447 ﻫ)، تحقيق: رضا اُستادي، إصفهان: مكتبة الإمام أمير المؤمنين.
108.كامل الزيارات، أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه (ت 367 ﻫ)، تحقيق : عبد الحسين الأميني التبريزي، النجف الأشرف : المطبعة المرتضوية، الطبعة الاُولى، 1356 ﻫ.
109.كتاب من لا يحضره الفقيه، أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ﻫ)، تحقيق : علي أكبر الغفّاري، قمّ : مؤسّسة النشر الإسلامي .
110.كشّاف القناع، منصور بن يونس البهوتي ( ت 1051 ﻫ)، تحقيق: أبو عبد الله محمّد حسن الشافعي، بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الاُولى، 1418 ﻫ.
111.كشف الأسرار في شرح الاستبصار، نعمة الله الجزائري، تحقيق : السيّد طيّب الموسوي الجزائري، قمّ : مؤسّسة دار الكتاب .
112.كشف الخفاء والإلباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، إسماعيل بن محمّد العجلوني الجرّاحي (ت 1162 ﻫ)، بيروت : دار الكتب العلمية، 1408 ﻫ.
113.كشف الرموز في شرح المختصر النافع، ابن أبي المجد اليوصفي الآبي ( ت 690 ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المقدّسة، 1408 ﻫ.
114.كشف اللثام عن قواعد الأحكام، بهاء الدين محمّد بن الحسن الإصفهاني المعروف بالفاضل الهندي ( ت 1137 ﻫ)، تحقيق: مؤسّسة النشر الإسلامي، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، الطبعة الاُولى، 1416 ﻫ.
ص: 372
115.كفاية الأحكام، المولى محمّد باقر السبزواري ( ت 1090 ﻫ)، قمّ: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، الطبعة الاُولى، 1423 ﻫ.
116.كمال الدين وتمام النعمة، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابَوَيه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق ( ت 381 ﻫ)، تحقيق : علي أكبر الغفّاري، قمّ : مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، الطبعة الاُولى، 1405 ﻫ.
117.كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، علاء الدين علي المتّقي بن حسام الدين الهندي ( ت 975 ﻫ)، ضبط وتفسير : الشيخ بكري حيّاني، تصحيح وفهرسة : الشيخ صفوة السقا، بيروت : مؤسّسة الرسالة، الطبعة الاُولى، 1397 ﻫ.
118.لسان العرب، أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (ت 711 ﻫ)، بيروت : دار صادر، الطبعة الاُولى، 1410 ﻫ.
119.اللمعة الدمشقية، محمّد بن جمال الدين مكّي العاملي (الشهيد الأوّل) ( ت 786 ﻫ)، قمّ: منشورات دار الفكر، الطبعة الاُولى، 1411 ﻫ.
120.لوامع الأحكام شرح شريعة الإسلام، محمّد مهدي النراقي الكاشاني ( ت 1209 ﻫ).
121.المبسوط في فقه الإماميّة، أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ)، تحقيق : محمّد علي الكشفي، طهران : المكتبة المرتضويّة، الطبعة الثالثة، 1387 ﻫ.
122.المتمسّك بحبل آل الرسول، الحسن بن علي بن أبي عقيل العماني الحذاء ( ق 4 ﻫ).
123.مجمع البحرين، فخر الدين الطريحي ( ت 1085 ﻫ)، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني، طهران : مكتبة نشر الثقافة الإسلاميّة، الطبعة الثانية، 1408 ﻫ.
124.مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي ( ت 807 ﻫ)، بيروت : دار الكتب العلمية، الطبعة الاُولى، 1408 ﻫ.
125.مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، المولى أحمد الأردبيلي ( ت 993 ﻫ)، تحقيق: مجتبى العراقي وعلي الاشتهاردي وحسن اليزدي، قمّ: منشورات جماعة المدرّسين.
126.المجموع (شرح المهذّب)، الإمام أبو زكريا محيي الدين بن شرف النووي ( ت676 ﻫ)، بيروت : دار الفكر .
127.المحاسن، أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (ت 280 ﻫ)، تحقيق : السيّد
ص: 373
مهدي الرجائي، قمّ : المجمع العالمي لأهل البيت، الطبعة الاُولى، 1413 ﻫ.
128.المحلّى، أبو محمّد علي بن أحمد بن سعيد (ابن حزم) ( ت 456 ﻫ)، تحقيق : أحمد محمّد شاكر، بيروت : دار الفكر .
129.مختار الصحاح، الإمام محمّد بن أبي بكر بن عبد القادر الجزائري، تحقيق: أحمد شمس الدين، بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الاُولى، 1415 ﻫ.
130.مختصر المزني، إسماعيل المزني ( ت 264 ﻫ)، بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر.
131.المختصر النافع في فقه الإمامية،أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلّي ( ت 676 ﻫ)، طهران: قسم الدراسات الإسلامية في مؤسّسة البعثة، الطبعة الثالثة، 1410 ﻫ.
132.مختلف الشيعة، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي الحلّي ( ت 726 ﻫ)، تحقيق : مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، قمّ : مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 1412 ﻫ.
133.مدارك الأحكام، السيّد محمّد العاملي، (ت 1009 ﻫ)، قمّ : مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، 1410 ﻫ.
134.المدوّنة الكبرى، من المدوّنة الكبرى للإمام مالك (ت 179 ﻫ)، بيروت: دار إحياء التراث العربي.
135.مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (ت 1110 ﻫ)، تحقيق: السيّد هاشم الرسولي المحلّاتي، طهران : دار الكتب الإسلاميّة، الطبعة الاُولى، 1404 ﻫ.
136.المراسم العلويّة في الأحكام النبويّة، أبو يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي ( ت 448 ﻫ)، تحقيق: السيّد محسن الحسيني الأميني، قمّ: المعاونية الثقافية للمجمع العالمي لأهل البيت.
137.مسائل الناصريات، السيّد الشريف المرتضى ( ت 436 ﻫ)، تحقيق: مركز البحوث والدراسات العلمية، 1417 ﻫ.
138.مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها، أبو الحسن علي بن جعفر الحسيني العلوي الهاشمي العُريضي (ت 210 ﻫ)، تحقيق : مؤسّسة آل البيت، مشهد : المؤتمر العالمي للإمام الرضا(علیه السلام)، الطبعة الاُولى، 1409 ﻫ.
ص: 374
139.مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، زين الدين بن علي الجبعي العاملي المعروف بالشهيد الثاني (ت 965 ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة المعارف الإسلامية، قمّ: مطبعة بهمن، الطبعة الاُولى، 1413 ﻫ.
140.مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، الميرزا حسين النوري ( ت 1320 ﻫ)، تحقيق : مؤسّسة آل البيت، قمّ : مؤسّسة آل البيت، الطبعة الاُولى، 1408 ﻫ.
141.مستمسك العروة الوثقى، السيّد محسن الطباطبائي الحكيم ( ت 1390 ﻫ)، قمّ: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، الطبعة الثالثة، 1404 ﻫ.
142.مستند الشيعة في أحكام الشريعة، العلّامة المولى أحمد بن محمّد مهدي النراقي (ت 1245 ﻫ)، تحقيق : مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، مشهد : مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، 1415 ﻫ.
143.مسند أحمد، أحمد بن محمّد بن حنبل الشيباني (ت 241 ﻫ)، تحقيق : عبد الله محمّد الدرويش، بيروت : دار الفكر، الطبعة الثانية، 1414 ﻫ.
144.مشارق الشموس في شرح الدروس، المولى حسين بن جمال الدين الخوانساري ( ت 1098 ﻫ)، قمّ: مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث.
145.مشرق الشمسين وإكسير السعادتين (مجمع النورين ومطلع النيّرين)، البهائي العاملي ( ت 1031 ﻫ)، قم: منشورات مكتبة بصيرتي.
146.مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع، المولى محمّد باقر الوحيد البهبهاني.
147.مصباح الفقيه، آقا رضا الهمداني ( ت 1322 ﻫ)، طهران: منشورات مكتبة الصدر.
148.المصباح في الأدعية والصلوات والزيارات، تقي الدين إبراهيم بن علي بن الحسن العاملي الكفعمي (ت 900 ﻫ)، تصحيح: الشيخ حسين الأعلمي، بيروت : مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الاُولى، 1414 ﻫ.
149.المصنّف، أبو بكر عبد الرزّاق بن همام الصنعاني (ت 211 ﻫ)، تحقيق : حبيب الرحمٰن الأعظمي، بيروت : المجلس العلمي .
150.معالم الدين وملاذ المجتهدين، جمال الدين الحسن (نجل الشهيد الثاني) ( ت 1011 ﻫ)، قمّ: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ.
151.معاني الأخبار، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابَوَيه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق ( ت 381 ﻫ)، تحقيق : علي أكبر الغفّاري، 1379 ﻫ، قمّ : مؤسّسة النشر
ص: 375
الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، الطبعة الاُولى، 1361 ﻫ.
152.المعتبر في شرح المختصر، أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلّي ( ت 676 ﻫ)، تحقيق: عدّة من الأفاضل، قمّ: مؤسّسة سيّد الشهداء، 1364 ش .
153.المعجم الأوسط، أبو القاسم سليمان بن أحمد اللخمي الطبراني ( ت 360 ﻫ)، تحقيق : قسم التحقيق بدار الحرمين، 1415 ﻫ، القاهرة : دار الحرمين للطباعة والنشر والتوزيع .
154.معجم البلدان، أبو عبد الله شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي ( ت 626 ﻫ) بيروت : دار إحياء التراث العربي، الطبعة الاُولى، 1399 ﻫ.
155.معجم المؤلّفين تراجم مصنّفي الكتب العربية، عمر رضا كحالة ( معاصر )، بيروت: دار إحياء التراث العربي.
156.معجم رجال الحديث، أبو القاسم بن علي أكبر الخوئي (ت 1413 ﻫ)، قمّ : منشورات مدينة العلم، الطبعة الثالثة، 1403 ﻫ.
157.معجم لغة الفقهاء، محمّد قلعجي (معاصر)، بيروت: دار النفائس للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، 1408 ﻫ.
158.مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، محمّد بن أحمد الشربيني ( ت 977 ﻫ)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1377 ﻫ.
159.مفاتيح الشرائع، محسن بن مرتضى بن فيض الله المعروف بالفيض الكاشاني ( ت 1090 ﻫ)، قمّ: مجمع الذخائر الإسلامية.
160.مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة، السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي ( ت 1226 ﻫ)، تحقيق: محمّد باقر الخالصي، قمّ: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المقدّسة، الطبعة الاُولى، 1419 ﻫ.
161.المقنعة، أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 ﻫ)، تحقيق : مؤسّسة النشر الإسلامي، قمّ : مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، 1410 ﻫ.
162.ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار، محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (ت 1110 ﻫ) تحقيق : السيّد مهدي الرجائي، قمّ : مكتبة آية الله المرعشي النجفي، الطبعة الاُولى، 1406 ﻫ.
ص: 376
163.مناهج الأحكام، الميرزا أبو القاسم القمّي ( ت 1231 ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المقدّسة، الطبعة الاُولى، 1420 ﻫ.
164.منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان، جمال الدين أبو منصور الحسن بن زين الدين الشهيد ( ت 1011 ﻫ)، تحقيق : علي أكبر الغفاري، قمّ : جامعة المدرّسين، الطبعة الاُولى، 1362 ﻫ.
165.المنتقى من السنن المسندة عن رسول الله، أبو الجارود النيسابوري ( ت 308 ﻫ)، تحقيق: عبد الله البارودي، بيروت: دار الجنان، الطبعة الاُولى، 1408 ﻫ.
166.منتهى المطلب في تحقيق المذهب، الحسن بن يوسف بن المطهّر المعروف بالعلّامة الحلّي (ت 726 ﻫ)، تحقيق: قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، مشهد: مجمع البحوث الإسلامية، الطبعة الاُولى، 1412 ﻫ.
167.منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال، الميرزا محمّد بن علي الإسترآبادي ( ت 1028 ﻫ)، طبعة حجرية.
168.الموطّأ، مالك بن أنس (ت 158 ﻫ)، تحقيق : محمّد فؤاد عبد الباقي، بيروت : دار إحياء التراث العربي، الطبعة الاُولى، 1406 ﻫ.
169.مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام، عبد الأعلى السبزواري ( ت 1414 ﻫ)، النجف الأشرف: مطبعة الآداب.
170.المهذّب البارع في شرح المختصر النافع، أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي الأسدي (ت 841 ﻫ)، تحقيق: الشيخ مجتبى العراقي، قمّ: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ، 1407 ﻫ.
171.نصب الراية، عبد الله بن يوسف الحنفي الزيلعي (ت 762 ﻫ)، القاهرة : دار الحديث، 1415 ش .
172.النوادر (مستطرفات السرائر)، أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن إدريس الحلّي (ت 598 ﻫ)، تحقيق : مؤسّسة الإمام المهدي عج، قمّ : مؤسّسة الإمام المهدي عج، الطبعة الاُولى، 1408 ﻫ.
173.نهاية الإحكام في معرفة الأحكام، الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (العلّامة الحلّي) ( ت 726 ﻫ)، تحقيق: السيّد مهدي الرجائي، قمّ: مؤسّسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1410 ﻫ.
ص: 377
174.النهاية في غريب الحديث والأثر، أبو السعادات مبارك بن مبارك الجزري المعروف بابن الأثير (ت 606 ﻫ)، تحقيق : طاهر أحمد الزاوي، قمّ : مؤسّسة إسماعيليان، الطبعة الرابعة، 1367 ش .
175.وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، محمّد بن الحسن الحرّ العاملي ( ت 1104 ﻫ)، تحقيق : مؤسّسة آل البيت، قمّ : مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، الطبعة الثانية، 1414 ﻫ.
176.هداية العارفين أسماء المؤلّفين وآثار المصنّفين، إسماعيل باشا البغدادي ( ت 1339 ﻫ)، بيروت: دار إحياء التراث العربي.
ص: 378
كلمة الناشر. 3
مقدّمة المؤلّف.... 5
مقدّمة الكتاب... 7
الأمر الأوّل: بيان منهج قدماء أصحابنا 8
الأمر الثاني: بيان منهجنا 13
مسألة 1: الماء القليل وملاقاة النجس.... 16
الخطوة الاُولى: بيان الدليل.. 18
1. صحيحة معاوية بن عمّار. 18
2. صحيحة محمّد بن مسلم.. 29
3. صحيحة البزنطي.. 37
الخطوة الثانية: طرح المانع. 41
1. صحيحة زرارة بن أعين.. 41
2. خبر أبي مريم الأنصاري.. 48
3. صحيحة محمّد بن ميسّر. 54
4. صحيحة صفوان الجمّال.. 60
5. خبر زرارة بن أعين.. 67
6. الخبر النبوي.. 75
تتميم.. 76
مسألة 2: الماء القليل وملاقاة المتنجّس.... 80
ص: 379
الخطوة الاُولى: بيان الدليل.. 81
صحيحة أبي بصير. 81
الخطوة الثانية: طرح المانع. 85
مسألة 3: عدم الانفعال مع تعدّد الماء. 87
مسألة 4: تغيّر الماء بأوصاف النجس.... 88
القسم الأوّل: ما دلّ على التغيّر بالطعم والرائحة. 88
1. صحيحة أبي خالد القمّاط.. 89
2 . صحيحة عبد الله بن سنان.. 92
3. مرسلة حَرِيز بن عبد الله.. 98
القسم الثاني: ما دلّ على التغيّر باللون.. 108
1. صحيحة شهاب بن عبد ربّه. 108
2. رواية أبي بصير. 111
فروع أخرى.. 115
التغيير التقديري.. 115
التغيير بغير الأوصاف الثلاثة. 115
التغيير بالمجاورة. 116
التغيير بوصف المتنجّس.... 116
كفاية التغيير في الجملة. 117
مسألة 5 : اعتصام الماء الكثير. 118
التمهيد الأوّل.. 118
التمهيد الثاني.. 120
الخطوة الاُولى: بيان الدليل.. 121
1. صحيحة معاوية بن عمّار. 121
2. صحيحة محمّد بن مسلم.. 122
الخطوة الثانية: طرح المانع. 124
القسم الأوّل: عنوان القلّتين.. 124
ص: 380
القسم الثاني: عنوان الحبّ... 129
مسألة 6: مقدار ماء الكرّ بالمساحة. 133
التمهيد الأوّل.. 133
التمهيد الثاني.. 134
الوجه الأوّل: التحديد بثلاثةأشبار ونصف في ثلاثة أشبار ونصف.... 135
1. موثّقة أبي بصير. 135
2. خبر الحسن بن صالح.. 139
الوجه الثاني : التحديد بثلاثة أشبار ونصف، في ثلاثة أشبار ونصف... 144
الوجه الثالث : التحديد بثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار. 146
خبر إسماعيل بن جابر. 146
الوجه الرابع : التحديد بذراعين في ذراع وشبر. 156
صحيحة إسماعيل بن جابر. 156
تنبيهان.. 159
التنبيه الأوّل.. 159
التنبيه الثاني.. 161
مسألة 7: مقدار ماء الكرّ بالوزن.. 163
القسم الأوّل: التحديد بألفٌ ومئتي رطل.. 163
مرسلة ابن أبي عُمير. 163
تتميم.. 170
القسم الثاني: التحديد بستّمئة رطل.. 171
1. مرفوعة عبد الله بن المغيرة. 172
2. صحيحة محمّد بن مسلم.. 175
تنبيهان.. 180
التنبيه الأوّل.. 180
التنبيه الثاني.. 182
مسألة 8: اعتصام ماء البئر. 186
ص: 381
الخطوة الاُولى: بيان الدليل.. 187
1. صحيحة ابن بزيع. 187
2. صحيحة معاوية بن عمّار. 196
الخطوة الثانية: طرح المانع. 200
1. صحيحة علي بن يقطين.. 200
2. صحيحة ابن أبي يعفور. 203
مسألة 9 : اعتصام الماء الجاري.. 211
فروع أخرى.. 213
شرط الاتّصال بالمادّة. 213
الراكد المتّصل بالجاري.. 214
تغيّر بعض الجاري.. 214
الشكّ في المادّة. 214
لا خصوصية لماء الحمّام. 214
حكم الماء الموجود في الأنابيب... 217
عدم الفرق بين الجاري والكرّ. 217
مسألة 10 : اعتصام ماء المطر. 218
1. صحيحة هشام بن الحكم.. 218
2. صحيحة هشام بن سالم.. 224
3. صحيحة علي بن جعفر. 228
4. مرسلة الكاهلي.. 232
فروع أخرى.. 235
ماء المطر معتصم مع عدم الجريان.. 235
نزول المطر من الممرّ العرفي.. 236
ماء المطر بعد انقطاعه. 237
عدم اعتبار الامتزاج في ماء المطر. 237
لزوم الصدق العرفي للمطر. 238
ص: 382
تطهير الثوب والفراش النجس بالمطر. 238
تطهير الأرض النجسة بالمطر. 238
التقاطر على النجس والترشّح منه. 239
مسألة 11: الماء المستعمل في الحدث الأكبر. 240
الخطوة الاُولى: بيان الدليل.. 241
الخطوة الثانية: طرح المانع. 242
خبر عبد الله بن سنان.. 242
مسألة 12 : الماء المستعمل في رفع الخبث... 248
الخطوة الاُولى: بيان الدليل.. 249
الخطوة الثانية: طرح المانع. 250
1. خبر عبد الله بن سنان.. 250
2. خبر العيص بن القاسم.. 251
3. موثّقة عمّار الساباطي.. 255
تنبيهات... 259
التنبيه الأوّل.. 259
التنبيه الثاني.. 261
التنبيه الثالث... 265
التنبيه الرابع. 266
مسألة 13: الماء المستعمل في الاستنجاء. 267
1. صحيحة الأحول.. 268
2. صحيحة عبد الكريم بن عتبة. 276
فروع أخرى.. 280
إلحاق البول بالغائط... 280
شروط طهارة ماء الاستنجاء. 281
اشتباه الطاهر بالنجس في الشبهة المحصورة. 282
عدم نجاسة ملاقي الماء المشتبه. 283
ص: 383
اشتباه الطاهر بالنجس في الشبهة غير المحصورة. 283
اشتباه ماء مطلق بماء مضاف... 283
اشتباه ماء مباح بماء مغصوب... 284
مسألة 14: نجاسة الماء المضاف بملاقاة النجاسة. 285
1. صحيحة زرارة. 285
2. صحيحة الحلبي.. 288
فروع أخرى.. 292
عدم انفعال المضاف والمائع مع تعدّدهما عرفاً 292
عدم نجاسة المضاف والمائع إذا كان كثيراً 293
كيفية طهارة المضاف والمائع. 293
مسألة 15: الماء المضاف لا يرفع الحدث... 294
الخطوة الاُولى: بيان الدليل.. 295
خبر أبي بصير. 295
الخطوة الثانية: طرح المانع. 298
1. خبر يونس بن عبد الرحمٰن.. 298
2. مرسلة عبد الله بن المغيرة. 306
مسألة 16: الماء المضاف لا يرفع الخبث... 311
الخطوة الاُولى: بيان الدليل.. 311
الخطوة الثانية: طرح المانع. 312
صحيحة غياث بن إبراهيم.. 312
تتميم.. 316
مسألة 17: طهارة سؤر كلّ حيوان طاهر العين.. 319
1. صحيحة فضل البقباق.. 320
2. خبر معاوية بن شريح.. 324
3. صحيحة زرارة. 327
تتميم.. 332
ص: 384
مسألة 18: نجاسة سؤر الكلب والخنزير والكافر. 334
الخطوة الاُولى: بيان الدليل.. 334
الخطوة الثانية: طرح المانع. 335
خبر عبد الله بن مُسكان.. 335
مسألة 19: الوضوء بسؤر الحائض..... 341
الخطوة الاُولى: بيان المقيّد.. 342
1. موثّقة العيص بن القاسم.. 342
2. موثّقة علي بن يقطين.. 351
الخطوة الثانية: بيان المطلق.. 354
صحيحة الحسين بن أبي العلاء. 354
قائمة المصادر. 363
الفهرس... 379
ص: 385