دور النفس والشيطان في بلاء الإنسان

هوية الکتاب

دور النفس والشيطان في بلاء الإنسان

جمیع الحقوق محفوظة للعتبة الحسینیة المقدسة الطبعة الأولى 1436 ه 2015 م العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 1

اشارة

نشر وحدة النشر في مؤسسة علوم نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينية المقدسة

ص: 2

سلسلة البلاء في نهج البلاغة (2) دور النفس والشيطان في بلاء الإنسان

اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جمیع الحقوق محفوظة للعتبة الحسینیة المقدسة الطبعة الأولى 1436 ه 2015 م العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة www.Inahj.org E-mail: Inahj.org@gmail.com

ص: 4

مقدمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد وعلى آله الطاهرين.

أما بعد:

لقد تناولنا في الجزء الأول من هذه السلسلة حقيقة البلاء وحتمتية ودور الدنيا في بلاء الإنسان وفي هذا الجزء سنتناول أهم عنصرين من مواد البلاء وهما النفس والشيطان ودورهما في بلاء الإنسان كما بين لنا أمير المؤمنين عليه السلام في بعض فقرات خطبته ومواقفة حيث كشف لنا

ص: 5

النقاب عن كثير من حقائق النفس والشيطان وبين الضوابط المحكمة التي تعالج كيفية التعامل مع هاتين المادتين.

فنسأل من الله رب العباد، التوفيق والسداد، وان يجعل هذا العمل ذخراً لنا ليوم المعاد.

أهم عنصرين في مواد البلاء

كما قلنا آنفاً أن الدنيا هي الأصل في البلاء بالنسبة للإنسان واهم عنصرين في تركيبة مواد بلائها هما: النفس والشيطان، وهذا المعنى واضح في كثير من كلمات أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

قال عليه السلام وقد مر بقتلى الخوارج:

«بُؤْساً لَکُمْ لَقَدْ ضَرَّکُمْ مَنْ غَرَّکُمْ، فَقِیلَ لَهُ مَنْ غَرَّهُمْ یَا أَمِیرَ اَلْمُؤْمِنِینَ؟ فَقَالَ: اَلشَّیْطَانُ اَلْمُضِلُّ وَ اَلْأَنْفُسُ اَلْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ، غَرَّتْهُمْ بِالْأَمَانِیِّ وَ فَسَحَتْ لَهُمْ بِالْمَعَاصِی وَ وَعَدَتْهُمُ اَلْإِظْهَارَ فَاقْتَحَمَتْ

ص: 6

بِهِمُ اَلنَّارَ»(1).

قال العلامة التستري رحمه الله في بهج الصباغة (قوله عليه السّلام: «بُؤْساً لَکُمْ» دعاء عليهم لاستحقاقهم ذلك بفعلهم، «لَقَدْ ضَرَّکُمْ مَنْ غَرَّکُمْ» حسب استناد فعل المسبب إلى فعل السبب، فالضارّ لهم في الحقيقة هو الغارّ لهم... «غَرَّتْهُمْ» أي: الشيطان، وأنفسهم الأمارة، «بِالْأَمَانِیِّ» جمع الأمنیة بمعنى التمنّي، قال تعالى حكاية عن المؤمنين للمنافقين يوم القيامة(2):

«وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ»(3).

«فَسَحَتْ لَهُمْ» أي: وسعت لهم.

ص: 7


1- نهج البلاغة: الحكمة 323
2- أي: على لسان أمير المؤمنين في خطابهم للمنافقين يوم القيامة
3- سورة الحديد، الآية: 14

«بِالْمَعَاصِی» هكذا في (المصرية)(1)، والصواب: (في المعاصي) كما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي وابن ميثم الحراني والنسخة الخطيّة.

«وَعَدَتْهُمُ اَلْإِظْهَارَ» هو نظير حكايته تعالى عن الشيطان مع كفار بدر في قوله تعالى: «وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ».

«فَاقْتَحَمَتْ بِهِمُ اَلنَّارَ» أي: أدخلتهم النار، والاقتحام: الدخول في مهلك وفي أمر شديد)(2).

وقال الشيخ حبيب الله الخوئي في معنى هذه الحكمة: (دعا عليه السّلام على القتلى ونبّه على استحقاقهم لذلك باغترارهم بمن دعاهم إلى ما فيه ضرّهم ونكالهم، وأجاب عن السؤال بمن

ص: 8


1- أي في الطبعة المصرية
2- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: ج 5، ص 468

غرهم؟ بأنّه هو الشيطان المضلّ الذي يغرّر الناس ويغريهم بالباطل مع مساعدة النفس الأمّارة له، فالمقصود أنّ الشيطان غرّهم حال كون نفوسهم الأمّارة غرّتهم بالأماني، ووسّعت لهم طريق المعاصي ووعدتهم بالغلبة، وألقتهم في النّار)(1).

فالنّفس الأمارة بالسّوء في مقتضى طباعها شابحة النظر إلى الملّذات الدّنيوية، فهي كالفرس الجموح إذا أعلنت العصيان على حاكمها - وهو العقل نتيجة التراخي في تأديبها - سمت بها الأهواء المضلّة المضرّة، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«وَاعْلَمْ أَنَّکَ إِنْ لَمْ تَرْدَعْ نَفْسَكَ عَنْ کَثِیرٍ مِمَّا تُحِبُّ مَخَافَةَ مَکْرُوهٍ سَمَتْ بِكَ الْأَهْوَاءُ إِلَی کَثِیرٍ مِنَ الضَّرَرِ فَکُنْ لِنَفْسِكَ مَانِعاً رَادِعاً»(2).

ص: 9


1- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة للخوئي: ج 21، ص 336
2- نهج البلاغة: الكتاب 56

وبما أن النفس لا تسعى إلا لسد رغباتها صارت أرضا خصبة بأنّ يزرع الشيطان فيها خبائثه من الزيغ والتزيين وما شاكل ذلك.

فلذلك قلنا أن النفس والشيطان هما أهم عنصرين في تركيبة مواد الابتلاء على الإنسان.

ولذا نجد أن أمير المؤمنين عليه السلام كثيرا ما يبين أحوال النفس - كما سيمر علينا - ليجعل الإنسان عارفا بنفسه، فإذا كان عارفا بنفسه عرف ربه كما جاء عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم:

«من عرف نفسه فقد عرف ربه»(1).

وكذلك بيّن لنا أحوال عدو الإنسان وهو الشيطان (لعنه الله) - الذي لا يريد بنا إلا السوء - لنحذره في كل زمان ومكان. وبعد هذا البيان الوجيز نستعرض بعض كلمات الإمام علي عليه السلام ونستلهم من دقيق إشاراته إجمالا.

ص: 10


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 2، ص 32

المسألة الأولى: دور النفس في بلاء الإنسان

أولاً: خُف على نفسك الدنيا الغرور

في وصية أمير المؤمنين عليه السلام لشريح بن هانيء قال:

«اتقِ الله في كل صباحٍ ومساء وخف على نفسك الدنيا الغرور...»(1).

إن روح هذه الكلمات النورانية ينطق بقضية عظمی وهي لابد من حاكمية التقوى على الإنسان في كل زمان، لأنه في ميدان الاختبار في كل حركة وسكنة ما دام مختارا.

إن من أوضح البيانات في مفهوم التقوى هو

ص: 11


1- نهج البلاغة: الكتاب 56

ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام لما سئل عن معنى التقوى، فقال:

«أن لا يفقدك الله حيث أمرك وأن لا يراك حيث نهاك»(1).

وأما كلام أمير المؤمنين عليه السلام: «في كل صباح ومساء» كناية عن الأوقات كلها، فالوقت لا يخرج من أن يكون صباحا أو مساءا.

أما كلامه عليه السلام: «وخَف على نفسك الدنيا الغرور».

فإن الحديث حول النفس والخوض في ميدان معرفتها حديث ذو بسط في المقال يُطلب من أصحاب الفن والاختصاص تفصيلا، ولكن لا بأس في هذا المقام أن ننقل ما ذكره الشيخ فخر الدين الطريحي رحمه الله في مجمع البحرین، بيانا في معنى النفس ومراتبها وأحوالها حيث قال:

ص: 12


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 67، ص 286

(والنفس أنثى إن أريد بها الروح، قال تعالى:

«خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ»(1).

وإن أريد الشخص فمذكر، وجمعها أنفس ونفوس مثل فلس وأفلس وفلوس، وهي مشتقة من التنفس لحصولها بطريق النفخ في البدن، ولها خمس مراتب باعتبار صفاتها المذكورة في الذكر الحكيم:

الأولى: الأمارة بالسوء

وهي التي تمشي على وجهها، تابعة لهواها.

الثانية: اللّوامة

وقد أشير إليها بقوله:

«وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ»(2).

وهي التي لا تزال تلوم نفسها وإن اجتهدت

ص: 13


1- سورة الزمر، الآية: 6
2- سورة القيامة، الآية: 2

في الإحسان، وتلوم على تقصيرها في التعدي في الدنيا والآخرة.

الثالثة: المطمئنة

وهي النفس الآمنة التي لا يستفزّها خوف ولا حزن، أو المطمئنة إلى الحق التي سكنها روح العلم وثلج اليقين، فلا يخالجها شك.

الرابعة: الراضية

وهي التي رضيت بما أوتيت.

الخامسة: المرضيّة

وهي التي رضي عنها، وبعضهم يذكر لها مرتبة أخرى: وهي الملهمة بكسر الهاء علی المشهور، والظاهر فتحها لكوها مأخوذة من قوله تعالی:

«فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا»(1).

ص: 14


1- سورة الشمس، الآية: 8

والملهم الله أو الملك.

وفي تجرد النفس وكيفية تعلقها بالبدن وتصرفها فيه أبحاث مشهورة مذكورة مقررة في محالها.

وفي قول علي عليه السلام: «من عرف نفسه فقد عرف ربه»(1)، أقوال: منها - أنه (مثلما)(2) لا يمكن التوصل إلى معرفة النفس لا يمكن التوصل إلى معرفة الرب.

وفي حديث کمیل بن زیاد قال سألت مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قلت: أريد أن تعرفني نفسي؟ قال: قال عليه السلام:

«یا کميل أي نفس تريد؟»

قلت: يا مولاي هل هي إلا نفس واحدة، فقال عليه السلام:

ص: 15


1- سفينة البحار للشيخ النمازي: ج 2، ص 603
2- في الأصل (كما)

«یا کميل إنما هي أربع: النامية النباتية، والحسية الحيوانية، والناطقة القدسية، والكلمة الإلهية».

ولكل واحدة من هذه خمس قوي وخاصيتان: فالنامية النباتية لها خمس قوی: ماسكة، وجاذبة، وهاضمة، ودافعة، ومربية، ولها خاصتان الزيادة، والنقصان، وانبعاثها من الكبد وهي أشبه الأشياء بنفس الحيوان.

والحيوانية الحسية، ولها خمس قوي: سمع، وبصر، وشم، وذوق، ولمس، ولها خاصتان: الرضا، والغضب، وانبعاثها من القلب، وهي أشبه الأشياء بنفس السباع.

والناطقة القدسية، ولها خمس قوي: فكر، وذكر، وعلم، وحلم، ونباهة، وليس

ص: 16

لها انبعاث، وهي أشبه الأشياء بنفس الملائكة، ولها خاصتان: النزاهة، والحكمة.

والكلمة الإلهية، ولها خمس قوی: بقاء في فناء، ونعيم في شقاء، وعز في ذل، وفقر في غنى، وصبر في بلاء. ولها خاصتان: الحلم، والكرم.

وهذه التي مبدؤها من الله وإليه تعود، القوله تعالى:

«...فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا...»(1).

وأما عودها فلقوله تعالى:

«يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً»(2).

والعقل وسط الكل لكيلا يقول أحدكم

ص: 17


1- سورة التحريم، الآية: 12
2- سورة الفجر، الآيتان: 27 - 28

شيئا من الخير والشر إلا لقياس معقول»(1).

وفي الحديث الشريف:

«أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه»(2).

فالنفس الإنسانية - على ما حقّقه بعض أهل العلم - واقعة بين القوة الشهوانية والقوة العاقلة، فبالأولى يحرص على تناول اللذات البدنية البهيمية كالغذاء والسفاد والتغالب وسائر اللذات العاجلة الفانية، وبالأخرى يحرص على تناول العلوم الحقيقية والخصال الحميدة المؤدية إلى السعادة الباقية أبد الآبدين، وإلى هاتين القوتين أشار تعالى بقوله:

«وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ»(3).

ص: 18


1- سفينة البحار للنمازي : ج 2، ص 603
2- الكافي للكليني: ج 5، ص 9
3- سورة البلد، الآية: 10

وقوله تعالی:

«إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا»(1).

فإن جعلت أيها الإنسان الشهوة منقادة للعقل فقد فزت فوزا عظيما واهتديت صراطا مستقيما، وإن سلطت الشهوة على العقل وجعلته منقادا لها ساعيا في استنباط الحيل المؤدية إلى مراداتها هلكت يقينا وخسرت خسرانا مبينا.

واعلم أن النفس إذا تابعت القوة الشهوية سميت بهيمية، وإذا تابعت الغضبية سميت سبعية، وإن جعلت رذائل الأخلاق لها ملكة سميت شيطانية وسمى الله تعالى هذه الجملة في التنزيل نفسا أمارة بالسوء إن كانت رذائلها ثابتة، وإن لم تكن ثابتة بل تكون مائلة إلى الشر تارة وإلى الخير أخرى وتندم على الشر وتلوم عليه سمّاها لوّامة،

ص: 19


1- سورة الإنسان، الآية: 3

وإن كانت منقادة للعقل العملي سمّاها مطمئنة، والمعين على هذه المتابعات قطع العلائق البدنية كما قال بعضهم:

إذا شئت أن تحيا فمت عن علائق *** من الحس خمس ثم عن مدركاتها

وقابل بعين النفس مراة عقلها *** فتلك حياة النفس بعد مماتها(1)

ثانياً: نزع الشهوة وقمع الهوى

قال عليه السلام:

«وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ مَا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ شَیْءٌ إِلاَّ یَأْتِی فِی کُرْهٍ وَ مَا مِنْ مَعْصِیَةِ اللَّهِ شَیْءٌ إِلاَّ یَأْتِی فِی شَهْوَةٍ فَرَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً نَزَعَ عَنْ شَهْوَتِهِ وَ قَمَعَ هَوَی نَفْسِهِ فَإِنَّ هَذِهِ النَّفْسَ أَبْعَدُ شَیْءٍ مَنْزِعاً وَ إِنَّهَا لاَ تَزَالُ تَنْزِعُ إِلَی مَعْصِیَةٍ فِی هَوًی...»(2).

هذا المقطع من كلام الامام عليه السلام

ص: 20


1- مجمع البحرین: ج 4، ص 114
2- نهج البلاغة: الخطبة 176

بمثابة المفسر والمكمل للمقطع الذي سبقه، فإنه يصور لنا الحالة الاختبارية للإنسان في إقباله على الطاعة وكذلك إقباله على المعصية.

ففي الأول اختبار بما ينبغي أن يعمل به، وفي الثاني اختبار بما ينبغي أن يترك، ويبيّن أن النفس - أي الأمارة بالسوء - لا تأتي الطاعات إلا عن كره، لأن نظرها شابح إلى مغريات الدنيا، فإذا دعيت إلى شهواتها وأطلق لها العنان ذهبت مسرعة، لذلك يترحم أمير المؤمنين عليه السلام على من نزع عن شهوته أي أقلع وكفَّ عنها - وقمع هوى نفسه أي قهره، كما قال عليه السلام في كلام له:

«قَدْ أَحْیَا عَقْلَهُ وَ أَمَاتَ نَفْسَهُ...»(1).

قال حبيب الله الخوئي: (إعلم أنّ هذا الكلام على غاية وجازته جامع لجميع صفات العارف

ص: 21


1- نهج البلاغة: الخطبة: 220

الكامل ولكيفيّة سلوكه ولمآل أمره ولعمري إنّه لا يوجد كلام أوجز من هذا الكلام في أداء هذا المعني، وهو في الحقيقة قطب دائرة العرفان وعليه مدارها، وفي الإيجاز الّذي هو فنّ نفيس من علم البلاغة تالي كلام الملك الرّحمن، مثل قوله تعالى:

«لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ...»(1). الجامع للزّهد كلّه وقوله: «خذ العفو و أمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين»(2).

الجامع لمكارم الأخلاق جميعا، وشرحه يحتاج إلى بسط في المقال بتوفيق الربّ المتعال فأقول مستعينا بالله و بوليه قوله عليه السّلام: «قد أحيا عقله وأمات نفسه» المراد بعقله العقل النظري والعملي وبنفسه النفس الأمّارة بالسّوء والمراد بحياة الأوّل كونه منشئا للآثار المترتّبة عليه مقتدرا على تحصيل الكمالات والمعارف الحقّة ومكارم

ص: 22


1- سورة الحديد، الآية: 23
2- سورة الاعراف، الآية: 199

الأخلاق المحصلة للقرب والزّلفى لديه تعالى، وبموت الثّاني بطلان تصرّفاته وآثاره المبعدة عنه عزّ وجلّ بحذافيره، فإنّ الحياة والموت عبارة أخرى عن الوجود والعدم لا أثر له أصلا.

وأراد بإحيائه الأوّل وإماتته الثاني تقويته وتغليبه له عليه بحيث يكون الأوّل بمنزلة سلطان قادر قاهر يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، والثاني بمنزلة عبد ذلیل داخر مقهور لا يريد ولا يصدر إلاّ بإذن مولاه.

ولا يحصل تقوية الأوّل و تذليل الثاني إلاّ بملازمة الكمالات العقلانية والمجاهدة والرّياضة النفسانية، والمجاهدة عبارة عن ذبح النفس بسيوف المخالفة كما قال تعالى:

«وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ

ص: 23

الْمَأْوَى»(1).

وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لما بعث سرية ورجعوا:

«مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقى عليهم الجهاد الأكبر».

فقيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«جهاد النفس...».

وقيل أيضا عن بعض أهل العرفان:

«أعداء الإنسان ثلاثة: دنياه، وشيطانه، ونفسه، فاحترس من الدّنيا بالزّهد فيها ، ومن الشّيطان بمخالفته، ومن النفس بترك الشّهوات».

وتفصيل ذلك على ما قرّر في علم السّلوك إنّ للسّالك لطريق الحقّ، المريد للوصول إلى حظيرة

ص: 24


1- سورة النازعات، الآيتان: 40 - 41

القدس شروطا ووظائف لابدّ من ملازمتها.

أمّا الشروط الّتي لابدّ من تقديمها في الإرادة فهي رفع الموانع والحجب الّتي بينه وبين الحقّ، فإنّ حرمان الخلق من الحقّ سببه تراكم الحجب ووقوع السّد على الطريق قال الله تعالى:

«وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ»(1))(2).

ثالثاً: إكرام النفس

وقال أمير المؤمنين عليه السلام:

«وأكرم نفسك عن كل دنية»(3).

في هذه الكلمة القصيرة جوهر آداب النفس وهو ترفع الإنسان عن كل دنية والدنية. الشيء

ص: 25


1- سورة يس، الآية: 9
2- منهاج البراعة: ج 14، ص 193
3- نهج البلاغة: كتاب 31

الحقير المبتذل أو ربما إشارة إلى الدنيا بناءً على ما قيل أن الدنيا سميت دنيا لدنائتها.. فلا بد للإنسان أن يجعل مقاصده وغايته رفيعة المستوى، فإذا ترفع عن الدنيا نال الكرامة في الدنيا والآخرة، ولا يخفى أن المقاصد والغايات نتاج المعتقدات، وهذا ضرب من ضروب الاختبارات النفسية.

4. وقال عليه السلام:

«يا أسرى الرّغبة أقصروا فإنّ المعرّج على الدّنيا لا يروعه منها إلاّ صريف أنياب الحدثان، أيّها النّاس تولّوا من أنفسكم تأديبها، واعدلوا بها عن ضراوة عاداتها»(1).

قال الخوئي في معنى هذه الحكمة: (الرغبة والاشتياق من أشد الأمراء على الإنسان، فقد تنتهي الرغبة إلى العشق والوله فتغلب على

ص: 26


1- نهج البلاغة: الحكمة 359

الإنسان حتّى تفكه عن ضروريّات حياته من الأكل والنوم والاستراحة فيصير مجنونا كالمجنون العامري المعروف، ولذا عبّر عليه السّلام عن المأمورين لها بالأسرى والعبيد الّذين لا يملكون لأنفسهم ضرّا ولا نفعا، وهذا عتاب لسّاع لصرف(1) عشّاق الدّنيا عن غيّهم فقال: الميّال إلى الدّنيا لا ينتبه عن غيّه إلاّ بعد صريف ناب الحدثان اللّداغة العاضّة عليه.

ثمّ نبّه عليه السّلام على أنّ وظيفة الإنسان تأديب نفسه بإمساكها عن مشتهياتها فلا مؤدّب لها غيره، ويلزم كبح جماحها وصرفها عن عاداتها بالولوع على الدّنيا ومشتهياتها)(2).

ص: 27


1- في الأصل (لانصراف)
2- منهاج البراعة: ج 21، ص 442

المسألة الثانية: دور الشيطان في بلاء الإنسان

أولاً: داء الشيطان ونداؤه وخيله وسهامه

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«فَاحْذَرُوا عِبَادَ اَللَّهِ عَدُوَّ اَللَّهِ أَنْ یُعْدِیَکُمْ بِدَائِهِ وَ أَنْ یَسْتَفِزَّکُمْ بِنِدَائِهِ وَ أَنْ یُجْلِبَ عَلَیْکُمْ بِخَیْلِهِ وَ رَجِلِهِ فَلَعَمْرِی لَقَدْ فَوَّقَ لَکُمْ سَهْمَ اَلْوَعِیدِ وَ أَغْرَقَ إِلَیْکُمْ بِالنَّزْعِ اَلشَّدِیدِ وَ رَمَاکُمْ مِنْ مَکَانٍ قَرِیبٍ...»(1).

قال حبيب الله الخوئي: (اعلم أنّه عليه السّلام لمّا أمر في الفصل السابق بالاعتبار بحال

ص: 28


1- نهج البلاغة: الخطبة 192

إبليس وبما فعل الله به من الطرد والإبعاد والإحباط لعمله، أتبعه بهذا الفصل وأمر فيه بالتحذّر عن متابعته، وبيّن فيه شدّة عداوته وحثّ على ملازمة التواضع والتذلّل فقال (فاحذروا عباد الله) من (عدوّ الله) إبليس (أن يعديكم بدائه) أي أن يجعل داءه مسريا إليكم، فتكونوا متكبّرين مثله (وأن يستفزّكم) أي يستخفّكم (بخيله ورجله) قال تعالى:

«وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ»(1).

قال الطبرسي: الاستفزاز: الإزعاج والاستنهاض على خفّة وإسراع، وأصله القطع فمعنى استفزّه استزلّه بقطعه عن الصّواب، أي استزلّ من استطعت منهم وأضلّهم بدعائك ووسوستك، من قولهم صوّت فلان إذا دعاه،

ص: 29


1- سورة الإسراء، الآية: 64

وهذا تهديد في صورة الأمر وقيل: بصوتك، أي بالغناء والمزامير والملاهي، وقيل كلّ صوت يدعى به إلى الفساد فهو من صوت الشيطان.

وأجلب عليهم بخيلك ورجلك (أي صُح عليهم بفرسانك وراجليك فانّ الخيل قد يطلق على الفرسان، ومنه قوله: «يا خيل الله اركبي»، الإجلاب: السوق بَجَلَبَة وهي شدّة الصوت أي أجمع عليهم ما قدرت عليه من مكايدك وأتباعك وذرّيتك وأعوانك، فالباء مزيدة وكلّ راكب أو ماش في معصية الله من الإنس والجنّ فهو من خيل إبليس ورجله وقيل: هو من أجلَبَ القوم وجلبوا، أي صاحوا أي صح بخيلك ورجلك فاحشرهم عليهم بالإغواء.

«فلعمري لقد فَوَقَ لكم سهم الوعيد»، قال المحدّث العلاّمة المجلسي رحمه الله: أي وضع فوق سهمه على الوتر، والظاهر أنّه جعل فوق بمعنى

ص: 30

أفوق، وإلاّ فقد عرفت في بيان اللّغة أنّ معنى فوقت السّهم جعلت له فوقا، وعلى إبقاء التفويق على معناه الأصلي يكون كناية عن التهيّؤ والاستعداد.

«وأغرق إليكم بالنزع الشديد» أي: استوفي مدّ القوس وبالغ في نزعها ليكون مرماه أبعد ووقع سهامه أشدّ.

«ورماكم من مكان قريب» لأنّه يجري من ابن آدم مجرى الدّم في العروق، كما ورد في الحديث النبويّ وكنّي عليه السّلام به عن أنّ سهامه لا تخطی...)(1).

ولتتمة البحث لابد لنا أن نجيب على عدة مسائل:

الظاهر أن نداء الشيطان كناية عن وسوسته وإغوائه ولا شك أننا لا نسمع وساوس الشيطان

ص: 31


1- منهاج البراعة للسيد الخوئي: ج 11، ص 285

من خلال هذه الأذن المادية، فوسوسته عبارة عن خواطر يبثها من خلال الأذن القلبية أو فلنعبر عنها بالقناة النفسية، وهذه الخواطر تكون أحيانا سمعية وأخرى صورية تظهر على صفحة النفس، وكثرة هذه الوساوس وقلتها مرهون بذكر الله تعالى، فعلى قدر خلو القلب من ذكر الله سبحانه يبث الشيطان سمومه الوسواسية.

وبخصوص هذه المادة الامتحانية جاء عن الإمام الصادق عليه السلام:

«ما من قلب إلا وله أذنان على إحداهما ملك مرشد، وعلى الأخرى شيطان مفتن هذا يأمره، وهذا يزجره، الشيطان يأمره بالمعاصي والملك يزجره عنها»(1).

ثانياً: كيف نميز ما بين الوسوسة والإلهام؟

إن الخواطر تارة تكون شيطانية فتسمی

ص: 32


1- الكافي للشيخ الكليني: ج 2، ص 266، ح 1

وسوسة وأخرى تكون رحمانية فتسمى إلهاما.

فالإلهامات الرحمانية إنما هي أوامر بالمعروف والخير ونواهي عن المنكر، وعادة الإلهامات تشرح الصدر حين تلقّيها، وهذا ما يحدث عند كثير من المؤمنين الثابتين.

وأما الوساوس الشيطانية فهي مدعاة للسوء وأوامر بالمنكر ونواهي عن المعروف، على عكس ما تأمر به الشريعة تماما، قال تعالي حاکيا عما يأمر به الشيطان:

«إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ»(1).

ومن الأمور التي يجب أن نلتفت إليها أن الشيطان له القابلية بتزييف الحقائق على الإنسان فيريه الحق باطلا والباطل حقاً، بمعنى أنه يوسوس لشيء ظاهره حق وباطنه باطل، أي كلمة حق

ص: 33


1- سورة البقرة، الآية: 169

يراد بها باطل، والتأريخ شاهد على الكثير من هذه الصرخات الشيطانية التي أطلقها على ألسنة أوليائه.

ولكن هذا التزييف لا ينطلي على أهل العلم والمعرفة ممن تمسك بأهل البيت عليهم السلام، فالمؤمن كلما كان تمسكه بأهل البيت عليهم السلام أكثر ومنهم أقرب كان الشيطان عنه أبعد، لأنهم خُزّان العلم ومصابيح الدجى والعروة الوثقى وهذا المضمون واضح في حديث الثقلين وفي الزيارة الجامعة، فأهل البيت عليهم السلام هم الأدلاّء على الله، ومن أراد الله بدأ بهم، وهم الذين قدموا ما قدموا في سبيل الله ولهداية الإنسان، وفي المقابل الشيطان يعمل على إضلال الإنسان.

والنتيجة: إن الذين ابتعدوا عن أهل البيت عليهم السلام أصبحوا ألعوبة بيد الشيطان وهكذا كل أمة لم تطع حجة الله عليها.

ص: 34

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«أطاعوا الشيطان فسلكوا مسالكه، ووردوا مناهله، بهم سارت أعلامه، وقام لواؤه»(1).

وقال عليه السلام:

«فباض في صدورهم ودَبَّ ودَرَجَ في حجورهم، فنظر بأعينهم، ونطق بألسنتهم»(2).

فأصبح هؤلاء يفعلون ما يملي عليهم الشيطان.. قال تعالى:

«وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ»(3).

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال:

ص: 35


1- نهج البلاغة: الخطبة 2
2- نهج البلاغة: الخطبة 7
3- سورة الأنعام، الآية: 121

«لما أمر الله نبيه أن ينصب أمير المؤمنين للناس قال:

«يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ»(1).

في علي بغدير خم فقال: من کنت مولاه فهذا علي مولاه».

فجاءت الأبالسة إلى إبليس الأكبر وحثوا التراب على رؤوسهم فقال لهم إبليس مالكم؟ فقالوا إن هذا الرجل قد عقد اليوم عقدة لا يحلّها شيء إلى يوم القيامة، فقال إبليس: كلا إن الذين حوله قد وعدوني فيه عدةً لن يخلفوني، فأنزل الله رسوله:

«وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»(2))(3).

ص: 36


1- سورة المائدة، الآية: 67
2- سورة سبأ، الآية: 20
3- تفسير القمي: ج 2، ص 201

وقال أمير المؤمنين عليه السلام:

«أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ وَ احْتَجَّ بِمَا نَهَجَ وَ حَذَّرَكُمْ عَدُوّاً نَفَذَ فِي الصُّدُورِ خَفِيّاً وَ نَفَثَ فِي الْآذَانِ نَجِيّاً فَأَضَلَّ وَ أَرْدَى وَ وَعَدَ فَمَنَّى وَ زَيَّنَ سَيِّئَاتِ الْجَرَائِمِ وَ هَوَّنَ مُوبِقَاتِ الْعَظَائِمِ حَتَّى إِذَا اسْتَدْرَجَ قَرِينَتَهُ وَ اسْتَغْلَقَ رَهِينَتَهُ أَنْكَرَ مَا زَيَّنَ وَ اسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ وَ حَذَّرَ مَا أَمَّنَ».

قال السيد حبيب الله الخوئي في شرح هذه الخطبة: «أوصيكم بتقوى الله الذي أعذر بما أنذر» أي أزال العذر عنه بما أنذركم به من العقوبات «واحتجّ بما نهج» أي أقام الحجّة عليكم بما أوضحه لكم من الأدلّة والآيات «وحذّركم عدوّا نفذ في الصّدور خفيّا ونفث في الآذان نجيّا» أراد به تحذير الله سبحانه وتعالى في غير واحدة من آیات کتابه الكريم من عداوة الشيطان اللّعين، كما

ص: 37

قال في سورة البقرة:

«وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ»، وفي سورة يوسف: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ». وفي سورة يس: «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ».

إلى غير ذلك وتوصيفه بالنّفوذ في الصّدور والنّفث في الآذان إشارة إلى أنّه ليس مثل سایر الأعداء يرى بالأبصار ويُدرك بالعيان، بل هو عدوّ ينفذ في القلوب ويجري من ابن آدم مجرى الدّم في العروق، ويلقي في الآذان زخرف القول وغروره، ويمكن أن يراد بالعدوّ الأعمّ من شیطان الجنّ والإنس فیکون الوصف بالنّفوذ بالنظر إلى شيطان الجنّ، والوصف بالنّفث بالنظر إلى شيطان الإنس كما قال سبحانه: «مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ

ص: 38

وَالنَّاسِ» قال المفسّر: أي من شرّ ذي الوسواس الذي وسوس في الصّدور، ثمّ فسّره بقوله من الجنّة والنّاس كما يقال نعوذ بالله من شرّ كلّ مارد من الجنّ والإنس، وعلى هذا فيكون وسواس الجنّة هو وسواس الشّيطان، ووسواس الإنس إغواء من يغويه من النّاس، فشيطان الجنّ يوسوس وشیطان الإنس يأتي علانية ويرى أنه ينصح وقصده الشرّ ويموّه ويلقي في سمعه زخرف القول الذي يستحسن ظاهره ويقبح باطنه.

«فأضلّ وأردى و وعد فمنّى» أي أضلّ بنفوذه في الصدور ووسوسته في القلوب عن طريق الهداية وأوقع في أودية الملاكة أعني هلاكة الآخرة الموجبة لإستحقاق النار ولغضب الجبار ووعدهم بالمواعيد الكاذبة ومنّاهم الأماني الباطلة، كما قال سبحانه:

«وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ

ص: 39

فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا»(1).

أي يمنّيهم الأهواء الباطلة ويلقيها في قلب الإنسان، فيمنّيه طول البقاء وأنّه ينال من الدّنيا مقصوده ويستولي على أعدائه ويوقع في نفسه أنّ الدّنيا دول فربّما تيسّرت لي كما تيسّرت لغيري، ويشوّش بذلك فكره في استخراج الجيل الدّقيقة والوسائل اللّطيفة في تحصيل مطالبه الشّهویّة والغضبيّة، فيصدّه عن الطاعة ويوقعه في المعصية وتسويف التّوبة.

وهذه الأماني إنّما تنشأ من الثّقة بقوله والوثوق بوعده، ووعده تارة يكون بإلقاء الخواطر الفاسدة واخرى بألسنة أوليائه من شياطين الإنس، فربّما يَعِد بالمغفرة مع الكبيرة كما قال

ص: 40


1- سورة النساء، الآيات: 119 - 121

تعالى:

«يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا»(1).

وربّما يعد أنّه لا قيامة ولا حساب ولا ثواب ولا عقاب ويق-ول للإنسان اجتهد في استيفاء اللّذات العاجلة و اغتنم الحياة الزّائلة.

«وزيّن سيئات الجرائم و هوّن موبقات العظائم» أي زيّن في نظر الإنسان قبائح المعاصي وهوّن مهلكات الكبائر، ومنشأ تزيينه للسّيئات کتهوينه الموبقات أيضا مواعيده الكاذبة وأمانيه الباطلة، فما إلغاء الفاصلة لم يثق بقوله ولم يطمئنّ بوعده لا يهوّن الإنسان ما هوّن، ولا يميل إلى ما زيّن.

وتوضيح ذلك وتحقيقه أنّ مقصود الشّيطان هو التّرغيب في الاعتقاد الباطل والعمل الباطل

ص: 41


1- سورة الأعراف، الآية: 169

والتنفير عن اعتقاد الحقّ وعمل الحقّ، ومعلوم أنّ التّرغيب في الشيء لا يمكن إلاّ بأن يقرّر عنده أنّه لا مضرّة في فعله، ومع ذلك فإنّه يفيد المنافع العظيمة والتّنفير عن الشيء لا يمكن إلاّ بأن يقرّر عنده أنّه لا فائدة في فعله ومع ذلك فيفيد المضارّ العظيمة.

إذا ثبت هذا فنقول إنّ الشّيطان إذا دعا إلى المعصية فلا بدّ وأن يقرّر أوّلا أنّه لا مضرّة في فعله البتّة، وذلك لا يمكن إلاّ إذا قال لا معاد ولا جنّة ولا نار ولا حياة بعد هذه الحياة، فهذا الطريق يقرّر عنده أنّه لا مضرّة البتّة في فعل هذه المعاصي وإذا فرغ من هذا المقام قرّر عنده وزيّن في نظره أن هذا الفعل يفيد أنواعا من اللّذة والسّرور ولا حياة للإنسان إلاّ في هذه الدّنيا فتفويتها غبن وحسرة.

وأمّا طريق التّنفير عن الطاعات فهو أن يقرّر أوّلا عنده أنّه لا فائدة فيها من وجهين:

ص: 42

الأول: أنّه لا جنّة ولا نار ولا ثواب ولا عقاب.

والثاني: أنّ هذه العبادات لا فائدة فيها للعابد ولا للمعبود فكانت عبثا محضا، وإذا فرغ من هذا المقام قال:

إنّها توجب التّعب والمحنة وذلك أعظم المضارّ فهذه مجامع تلبيس إبليس وتوضيح وعده وأمانيه وتزيينه وتهوينه.

«حتّى إذا استدرج قرينته و استغلق رهينته أي إذا خدع قرينه وتابعه بتزيين الباطل في نظره وتنفيره عن الحقّ وأوقعه في الغلق بالذّنوب التي اكتسبها كالرّهن المغلق في مقابل المال.

«أنكر ما زيّن واستعظم ما هوّن وحذّر ما أمن كما قال سبحانه في سورة الأنفال:

«وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ

ص: 43

لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ».

قال الطبرسي: أي اذكر إذ زيّن الشّيطان للمشركين أعمالهم أي أحسنها في نفوسهم، وذلك أنّ إبليس حسّن لقريش مسيرهم إلى بدر لقتال النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم، وقال: لا يغلبكم أحد من النّاس لكثرة عددكم وقوّتكم وإنّي مع ذلك جار لكم أي ناصر لكم ودافع عنكم السّوء، وإنّي عاقد لكم عقد الأمان من عدوّكم، فلمّا التقت الفرقتان نكص على عقبيه، أي رجع القهقرى منهزما ورائه، وقال: إنّي بريء منكم، أي رجعت عمّا ضمنت لكم من الأمان والسّلامة لأني أرى من الملائكة الذين جاؤوا لنصر

ص: 44

المسلمين ما لا ترون، وكان إبليس يعرف الملائكة وهم كانوا يعرفونه، إنّي أخاف الله، أي أخاف عذاب الله على أيدي من أراهم، والله شديد العقاب، لا يُطاق عقابه وفي سورة الحشر:

«كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ».

أي مَثَلُ المنافقين في إغراء اليهود أي بني النّضير للقتال كمثل الشّيطان في إغرائه للإنسان، فانّه أبدا يدعو الإنسان إلى الكفر ثمّ يتبرّأ منه وقت الحاجة مخافة أن يشاركه في العذاب ويقول: إنّي أخاف الله رب العالمين، ولا ينفعه ذلك كما قال تعالى: «فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا» أي الداعي والمدعوّ من الشّيطان ومن أغواه، أنّهما معذّبان في النّار.

ص: 45

قال ابن عبّاس: إنّ المراد بالإنسان في هذه الآية هو عابد بني إسرائيل قال: إنه كان في بني إسرائيل عابد اسمه برصيصا عبد الله زمانا من الدّهر حتّى كان يؤتى بالمجانين يداويهم ويعوّذهم فيبرأون على يده، وأنّه أتي بامرأة في شرف(1) قد جنّت وكان لها إخوة فأتوه بما فكانت عنده فلم يزل به الشّيطان يزيّن له حتّى وقع عليها فحملت، فلمّا استبان حملها قتلها ودفنها، فلمّا فعل ذلك ذهب الشّيطان حتّى لقي أحد إخوتها فأخبره بالذي فعل الرّاهب وأنّه دفنها في مكان كذا.

ثمّ أتى بقيّة إخوتها رجلا رجلا فذكر ذلك له فجعل الرّجل يلقى أخاه فيقول والله لقد أتاني آت فذكر لي شيئا يكبر عليّ ذكره، فذكر بعضهم لبعض حتّى بلغ ذلك ملكهم فصار الملك والنّاس إليه(2)، فاستنزلوه فأقرّ لهم بالذي فعل فأمر الملك

ص: 46


1- أي في عزتها بين أهلها
2- لا توجد في الأصل (إليه)

به فصلب، فلمّا رفع على خشبته تمثّل له الشّيطان فقال: أنا الّذي ألقيتك في هذا فهل أنت مطيعي فيما أقول أخلّصك ممّا أنت فيه؟ قال: نعم، قال: اسجد لي سجدة واحدة، فقال: كيف أسجد لك وأنا على هذه الحالة؟ فقال: اكتفي منك بالإيماء، فأومئ له بالسّجود فكفر بالله وقتل الرّجل، فهو قوله: كمثل الشّيطان إذ قال للإنسان اكفر.

اللّهم إنّا نعوذ بك من خداع إبليس ومن شرور الأنفس ومن سوء الخاتمة(1).

يظهر من الآيات الكريمة ومن كلمات الإمام عليه السلام ومن تتبع روايات أهل البيت عليهم السلام، أن لإبليس وأعوانه من الأبالسة منظمات وجيوش، ويظهر ان توزيع مهامهم بحسب الخبرات والاختصاصات بتعبيرنا العصري - نظام المؤسسات - كلها تعمل ضد أولاد آدم بكل ما

ص: 47


1- منهاج البراعة: ج 6، ص 13

تملك من الطاقات، ولكنهم لا سلطان لهم على أولاد آدم إلا التزيين والإغواء وما شاكل ذلك، قال تعالى:

«إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ»(1).

فمع ما لديهم من المؤسسات والامكانات لكنهم لا سلطان لهم علينا إلا الإغواء والتزيين، فعلى سبيل المثال عندما يفرّق الشيطان بين المرء وزوجه أو أحبّته - سواء أكان بسحر أم غيره - إنما يتم ذلك بتركيز عامل الوسوسة بأن يصوروا مساوئ كُلٍ منهم إلى الآخر ليشبوا نار العداوة والبغضاء فيما بينهم، بل في أغلب الأحيان - على النطاق العام - يأتي الشيطان للإنسان بمقدمات وهمية فيستخرج الإنسان من خلالها نتائج مزيفة لا واقع لها، ويتصور الإنسان أن هذه النتائج جاءت من عند تفكيره المحض، وهي في الحقيقة وسوسة

ص: 48


1- سورة الحجر، الآية: 42

من الشيطان، فإذا صدق الإنسان بهذه النتائج المزيفة وأخرجها إلى أرض الواقع - أي عمل بها - كان ملاما عند الشارع المقدس لأنه تَبِعَ خطوات الشيطان.

وبهذا المضمون قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«دعاهم ربهم فنفروا وولوا، ودعاهم الشيطان فاستجابوا وأقبلوا»(1).

والقرآن الكريم يحكي لنا عن لسان إبليس بماذا يجيب أولياءه يوم القيامة، قال تعالى:

«وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ»(2).

ثالثاً: الخلاص من الشيطان

هناك الكثير من السبل التي تدفع هذا العدو

ص: 49


1- نهج البلاغة: الخطبة 144
2- سورة إبراهيم، الآية: 22

الخبيث ولكننا سوف نقتصر على أهمها:

ألف: قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«وَ أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً مُمتَحَناً إِخلَاصُهَا مُعتَقَداً مُصَاصُهَا، نَتَمَسّكُ بِهَا أَبَداً مَا أَبقَانَا وَ نَدّخِرُهَا لِأَهَاوِيلِ مَا يَلقَانَا فَإِنّهَا عَزِيمَةُ الإِيمَانِ وَ فَاتِحَةُ الإِحسَانِ وَ مَرضَاةُ الرّحمَنِ وَ مَدحَرَةُ الشّيطَانِ»(1).

اللغة: قال حبيب الله الخوئي:

(المصاص) بضمّ الميم والصّادين المهملتين الخالص من كلّ شيء، وفي الحديث ليس لمصاص شيعتنا في دولة الباطل إلاّ القوت.

و(الادّخار) افتعال: من الدّخر وهو إعداد الشّيء واختياره لوقت الحاجة، وادخر يدّخر أصله إذتخر، قلبت التّاء دالا مهملة وأدغمت، وقد

ص: 50


1- نهج البلاغة: الخطبة 3

يعكس فتصير ذالا معجمة، وهو الأقل وهذه قاعدة كلية تخصّ اجتماع(1) التّاء والذّال في كلمة واحدة كادّکر ونحوه.

و (أهاويل): جمع أهوال وهو جمع هول كأقاويل وأقوال وقول، يقال: هالني الشّيء يهول هولا من باب قال: أفزعني.

و (العزيمة) العقيدة يقال: عزم على الشيء وعزمه عَزما وعُزما بالضم، وعزيمة إذا عقد ضميره على فعله، ويحتمل أن يكون من العزم الذي هو الجدّ في الأمر، يقال: عزم عزيمة: وعزمة اجتهد وجد في أمره ومنه قوله تعالی:

«إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ»(2).

أي معزومات الأمور التي يجب أن يجدّ فيها، وأولوا العزم أولوا الجدّ والثبات و (المرضاة) کالرّضا والرّضوان مصدر من رضي عنه ضدّ

ص: 51


1- في الأصل (في كلما اجتمعت)
2- سورة الشورى الآية: 43

سخط قال تعالى:

«وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ»(1).

و (المدحرة) اسم فاعل من ادحره أي أبعده ومنه أدحر عنّي الشيطان أي أبعده عني...)(2).

ثم قال الخوئي: (اعلم أنّه عليه السّلام قرن حمد الله سبحانه بالشّهادة بتوحيده، فقال «وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له» وهذه الكلمة أشرف كلمة نطق بها في التّوحيد، ولذلك قال صلّى الله عليه و آله وسلّم في مروي أبي سعيد الخدري:

«ما قلت ولا قال القائلون قبلي مثل لا إله إلاّ الله».

وقد ورد لهذه الكلمة الطيبة فضائل كثيرة في

ص: 52


1- سورة البقرة، الآية: 207
2- منهاج البراعة: ج 2، ص 280

أخبار أهل العصمة عليهم السّلام فقد روی الصّدوق في كتاب التّوحيد بإسناده عن أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:

«ما من شيء أعظم ثوابا من شهادة أن لا إله إلاّ الله، لأنّ الله عزّ وجل لا يعدله شيء ولا يشركه في الأمر أحد».

وفي الكافي، وثواب الأعمال مثله.

وعن السّكوني عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام، قال:

قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:

«خير العبادة قول لا إله إلاّ الله».

وعن أبي الطفيل عن علي عليه السّلام قال:

«ما من عبد مسلم يقول: لا إله إلاّ الله، إلاّ صعدت تخرق كلّ سقف ولا تمرّ بشيء من سيّئاته إلاّ طلستها (الطلس المحو) حتّى ينتهي إلى مثلها من

ص: 53

الحسنات فيقف».

وعن الشيباني عن الرّضا عن أبيه عن آبائه عن عليّ عليهم السّلام قال:

«قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّ لله عزّ وجلّ عمودا من ياقوتة حمراء، رأسه تحت العرش وأسفله على ظهر الحوت في الأرض السّابعة السّفلى، فاذا قال العبد: لا إله إلاّ الله اهتزّ العرش وتحرك العمود وتحرك الحوت، فيقول الله تبارك وتعالى: اسكن يا عرشي فيقول: لا أسكن وأنت لم تغفر لقائلها، فيقول الله تبارك وتعالى: اشهد وسكان سماواتي إني قد غفرت لقائلها».

وعن عبد السّلام بن صالح أبي الصّلت الهروي قال: كنت مع عليّ بن موسی الرّضا عليه

ص: 54

السّلام حين رحل من نیشابور وهو راكب بغلة شهباء وإذا محمّد بن رافع وأحمد بن حرب ويحي بن يحيى وإسحاق بن راهويه وعدد من أهل العلم قد تعلّقوا بلجام بغلته في المربعة فقالوا: بحق آبائك الطاهرين حدّثنا بحديث قد سمعته من أبيك، فأخرج رأسه من العمارية وعليه مطرف خزّ ذو وجهين، وقال: حدثني أبي العبد الصّالح موسی بن جعفر قال: حدثني أبي الصّادق جعفر بن محمّد، قال: حدّثني أبي أبو جعفر محمّد بن عليّ باقر علم الأنبياء، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين سيد العابدين، قال : حدثني أبي سيد شباب أهل الجنة الحسين، قال: حدّثني أبي عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام، قال: قال سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وآله يقول قال الله جلّ جلاله:

«إني أنا الله لا إله إلاّ أنا فاعبدوني، من جاء منکم بشهادة أن لا إله إلاّ الله بالإخلاص دخل حصني ومن دخل

ص: 55

حصني أمن من عذابي، وفي رواية أخرى نحوه وفي آخرها فلما مرّت الرّاحلة نادانا: بشروطها وأنا من شروطها».

قال الصّدوق رحمه الله من شروطها الإقرار للرّضا عليه السّلام بأنّه إمام من قبل الله عزّ وجلّ على العباد مفترض الطاعة عليهم.

وفي ثواب الأعمال عن أبي سعيد الخدري عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله قال:

«قال الله جلّ جلاله لموسى بن عمران عليه السّلام: يا موسى لو أنّ السّماوات وعامريهنّ عندي والأرضين السّبع في كفة ولا إله إلاّ الله في كفّة، مالت بهن لا إله إلاّ الله».

ومثله في كتاب التّوحيد.

وعن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

«قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:

ص: 56

لقنوا موتاكم لا إله إلاّ الله فانّها تهدم الذّنوب، فقالوا يا رسول الله: فمن قال وفي صحّته، فقال صلّى الله عليه وآله ذلك أهدم وأهدم، إنّ لا إله إلاّ الله أنس للمؤمن في حياته وعند موته وحين يبعث، وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: قال جبرئيل: يا محمّد لو تراهم حين يبعثون هذا مبيض وجهه ينادي لا إله إلاّ الله والله أكبر وهذا مسودّ وجهه ينادي يا ويلاه يا ثبوراه».

وعن عبد الله بن الوليد رفعه قال: قال النّبي صلّى الله عليه وآله:

«من قال لا إله إلاّ الله غرست له شجرة في الجنّة من ياقوتة حمراء، منبتها في مسك أبيض أحلى من العسل وأشدّ بياضا من الثّلج وأطيب ريحا، فيها

ص: 57

أمثال أثداء الأبكار تفلق عن سبعين حلّة».

وفي الكافي مثله.

والأخبار في هذا الباب كثيرة، وفي الاستقصاء إطالة، وفيما رويناها كفاية إنشاء الله.

«شهادة ممتحنا إخلاصها» أي مختبرا کونها مخلصا، يعني أنّه عليه السّلام اختبر قلبه في إخلاص هذه الشّهادة فوجده عارياً عن شبهة الباطل وخالصا عن شوائب الشّرك.

«معتقدا مصاصها» أي خالصها، يعني أنّ هذه الشّهادة صادرة عن صميم القلب، والقلب مطابق فيها للّسان ومذعن بخلوصها، وبالجملة ففي توصيف الشّهادة بهذين الوصفين إشارة إلى كونها في مرتبة الكمال وأنّها خالصة مخلّصة، وهذه المرتبة هي المطلوبة في باب التّوحيد، وإلاّ فالشّهادة الصّادرة عن محض اللّسان إنّما تطهر جلد الإنسان

ص: 58

ولا يترتّب عليها ثمرة في الآخرة وأمّا الصّادرة بالإخلاص فهي الشّهادة في الحقيقة.

ولذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وآله فيما رواه في التّوحيد عنه صلّى الله عليه وآله:

«رأيت أشهد أن لا إله إلاّ الله كلمة عظيمة كريمة على الله عزّ وجلّ، من قالها مخلصا استوجب الجنّة ومن قالها كاذبا عصمت ماله ودمه وكان مصيره إلى النّار».

وفيه أيضا عن زيد بن أرقم عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله أنه قال:

«من قال لا إله إلاّ الله مخلصا دخل الجنة وإخلاصه بها أن تحجزه لا إله إلاّ الله عما حرم الله».

ورواه في ثواب الأعمال أيضا مثله.

وفيهما عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام

ص: 59

قال:

«قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: أتاني جبرئيل بين الصّفا والمروة فقال يا محمّد: طوبى لمن قال من أمّتك لا إله إلاّ الله وحده مخلصا.

وفي الكافي عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه السّلام قال:

«يا أبان إذا قدمت الكوفة فارو هذا الحديث، من شهد أن لا إله إلاّ الله مخلصا وجبت له الجنّة».

قال: قلت له: إنّه يأتيني من كلّ صنف من الأصناف أفأروي هذا الحديث؟ قال - عليه السلام -:

«نعم يا أبان، إنه إذا كان يوم القيامة وجمع الله الأوّلين والآخرين فتسلب لا إله إلاّ الله منهم إلا من كان على هذا

ص: 60

الأمر، والمراد بسلبها منهم عدم نفعها لهم، لكون الولاية شرطا في التّوحيد».

كما مرّ في رواية الرّضا عليه السّلام من قوله عليه السلام: «بشروطها وأنا من شروطها».

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«نتمسك بها أبدا ما أبقانا وندّخرها لأهاويل ما يلقانا» لأنّها أنس للمؤمن في حياته وفي مماته وحين يبعث كما مرّ في رواية ثواب الأعمال، فهي أعظم ذخيرة لأهوال الآخرة وشدائدها.

وقد مرّ في رواية ثواب الأعمال والتّوحيد: قوله تعالى لموسی بن عمران: «لو أن السّماوات وعامريهنّ عندي والأرضين السّبع في كفّة ولا إله إلاّ الله في كفّة، مالت بهنّ لا إله إلاّ الله».

فأي ذخيرة تكون أعظم منها ثمّ علّل عليه السّلام التّمسك والادّخار بأمور أربعة أولها ما أشار إليه بقوله عليه السّلام:

ص: 61

«فإنها عزيمة الإيمان» أي: عقيدتها، وممّا يجب للمؤمن أن يعقد قلبه عليها، أو أنّها معزومة الإيمان بمعنى أنّها ممّا ينبغي أن يجدّ فيها ويجتهد حسبما أشير إليه في بيان لغتها.

الثّاني قوله عليه السّلام:

«وفاتحة الإحسان» أي ابتداء الإحسان وأوّله، وإضافته إليه من قبيل إضافة الجزئي إلى الكلّ، مثل فاتحة الكتاب، فيكون مصدرا بمعنى الفتح کالكاذبة بمعنى الكذب، وعلى هذا فالمراد بالإحسان هو التّوحيد وأصول الشريعة، ويدلّ على صحّة إطلاقه بذلك ما رواه في التّوحيد عن موسی بن إسماعيل بن موسی بن جعفر قال: حدّثني أبي عن جدّه جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عن عليّ عليهم السّلام في قول الله عزّ وجلّ:

«هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ».

ص: 62

قال عليّ عليه السّلام:

«ما جزاء من أنعمت عليه بالتّوحيد إلاّ الجنّة هذا، ويحتمل أن يكون الفاتحة وصفا من الفتح ضدّ الغلق فالاضافة لاميّة، وهذا هو الأظهر عن والمعنى أنّ الشّهادة باعثة لفتح أبواب الإحسان والإنعام وأنّها مفتاح لها، إذ بها يستحقّ العبد للفيوضات الأبدية والنّعم السرمديّة. و يدلّ عليه مضافا إلى الأخبار السّالفة ما رواه في الاحتجاج.

أمير المؤمنين عليه السّلام:

«من قال لا إله إلاّ الله مخلصا طمست ذنوبه كما يطمس الح-رف الأسود من الرّق الأبيض، فإذا قال ثانية لا إله إلاّ الله مخلصا خرق أبواب السّماء وصفوف الملائكة حتى تقول الملائكة بعضها لبعض اخشعوا لعظمة أمر الله، فإذا قال ثالثة مخلصا لا إله إلاّ الله لم

ص: 63

تنته دون العرش فيقول الجليل: اسكتي فوعزّتي وجلالي لأغفرنّ لقائلك بما كان فيه».

ثمّ تلا هذه الآية:

«إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ»(1).

يعني إذا كان عمله خالصا ارتفع قوله وكلامه هذا، و ظهر لي معنى ثالث و هو أن يكون المصدر بمعنى الفاعل ويكون المراد أنّها ابتداء كون الرّجل محسنا مقابل كونه مسيئا.

الثالث قوله عليه السلام:

«ومرضاة الرّحمن» وذلك واضح لأنّها محصّلة لمرضاته تعالى ورضائه ورضوانه ومعدّة للخلد في جنانه.

الرابع قوله عليه السلام:

ص: 64


1- سورة فاطر، الآية: 10

«ومدحرة الشّيطان» وذلك أيضا واضح لأنّ مقصود اللّعين هو الإضلال والإغواء والكفر، والشّهادة بالإخلاص زاجرة له وكاسرة لظهره ورافعة لكيده ومكره، ولذلك أنّ اللّعين بعد ما قال:

«فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ».

عقّبه بالاستثناء بقوله:

«إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ».

وفي عدّة الدّاعي لأحمد بن فهد الحلّي قال: وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وآله أنه:

«على كلّ قلب جاثم من الشّيطان، فإذا ذكر اسم الله خنس الشّيطان وذاب وإذا ترك الذاكر التقمه فجذبه وأغواه واستزلّه وأطغاه».

ص: 65

وفي حديث آخر أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«الشّيطان على قلب ابن آدم له خرطوم مثل خرطوم الخنزير يوسوس لابن آدم أن أقبل على الدّنيا وما لا يحلّ الله فإذا ذكر الله خنس».

وخنس: اي ذهب و استتر...)(1).

وقد تبين لنا جليا بعد هذا الشرح المفصل من صاحب منهاج البراعة لكلام أمير المؤمنين عليه السلام، كيف تكون (لا اله إلا الله) الحصن الحصين لدحر الأبالسة، ولا شك أن هذا الذكر العظيم لا يكون طاردا للشياطين بمجرد التلفظ به، بل لابد أن يكون مانعا عن جميع ما حرم الله تعالى ومحركا لما أوجبه علينا، ولا يكون كذلك إلا بشرطه وشروطه، وأول شروطه وأهمها هي

ص: 66


1- منهاج البراعة: ج 2، ص 284

الولاية، كما مر في حديث السلسلة عن الإمام الرضا عليه السلام، وكما جاء في الزيارة الجامعة: (من أراد الله بدأ بكم، ومن وحده قبل عنكم).

فعن طريق غيرهم لا يكون التوحيد حقيقيا لأن أهل البيت عليهم السلام هم أعرف الخلق بالله سبحانه وتعالى بل هم الذين سبحوا لله فسبحت الملائكة بتسبيحهم، قال تبارك وتعالی:

«إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»(1).

فهذه الآية المباركة صريحة بأن الذين آمنوا وتوكلوا على الله لا سبيل للشيطان إليهم، ولكن التوكل إنما هو ثمرة من ثمار (لا اله إلا الله) التي مرّ بیانها، وهذا ما نستفيده من الآية المباركة نفسها، إذ قدم الإيمان قبل التوكل، فقال تعالى»

«الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ

ص: 67


1- سورة النحل، الآية: 99

يَتَوَكَّلُونَ»(1).

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«ألا فاذكروا يا أمة محمد محمداً وآله عند نوائبكم وشدائدكم لينصر الله بهم ملائكته على الشياطين الذين يقصدونكم، فإن كل واحد منكم معه ملك على يمينه يكتب حسناته وملك على يساره يكتب سيئاته ومعه شيطانان من عند ابليس يغويانه، فإذا وسوسا في قلبه ذكر الله وقال: (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله)، حبس الشيطان ثم سارا إلى إبليس فشكواه وقالا له قد أعيانا أمره فامددنا بالمردة، فلا يزال يمدهما حتى يمدهما بألف مارد، فيأتونه فكلما راموه

ص: 68


1- سورة النحل الآية: 99

ذكر الله وصلى على محمد وآله الطيبين لم يجدوا عليه طريقا ولا منفذا، قالوا لإبليس: ليس له غيرك تباشره بجنودك فتغلبه وتغويه فيقصده إبليس بجنوده فيقول الله سبحانه وتعالى للملائكة: هذا إبليس قد قصد عبدي فلاناً أو أَمَتي فلانة بجنوده، ألا فقاتلوه، فيقاتلهم بإزاء كل شيطان رجيم منهم مائة ألف ملك وهم على أفراس من نار بأيديهم سيوف من نار ورماح من نار وقسي ونشاشيب وسكاكين واسلحتهم من نار، فلا يزالون يخرجونهم ويقتلونهم بها ويأسرون إبليس فيضعون عليه تلك الأسلحة فيقول: يا رب وعدك وعدك قد أجلتني إلى يوم الوقت المعلوم، فيقول الله تعالى للملائكة: وعدته أن لا أميته، ولم أعدهُ أن لا أسلّط عليه السلاح

ص: 69

والعذاب والآلام، اشتفوا منه ضربا بأسلحتكم فإني لا أميته، فيثخنونه بالجراحات ثم يدعونه فلا يزال سخين العين على نفسه وأولاده المقتولين، ولا يندمل شيء من جراحاته إلا بسماعه أصوات المشركين بكفرهم فإن بقي هذا المؤمن على طاعة الله وذكره والصلاة على محمد وآله، بقي إبليس على تلك الجراحات، وإن زال العبد عن ذلك وانهمك في مخالفة الله عز وجل ومعاصيه اندملت جراحات إبليس ثم قوي على ذلك العبد حتى يلجمه ويسرج على ظهره ويركبه ثم ينزل عنه ويركب ظهره شيطان من شياطينه ويقول لأصحابه: أما تذكرون ما أصابنا من شأن هذا؟ ذلّ وانقاد لنا الآن حتى صار يركبه هذا».

ص: 70

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«فإذا أردتم أن تديموا على إبليس سخنة عينه وألم جراحاته فداوموا على طاعة الله وذكر الصلاة على محمد وآله وإن زلتم عن ذلك كنتم أسراء فيركب أقفيتكم بعض مردته».

بيان: النشاشيب جمع النشاب بالضه والتشديد وهو: النبل.

وقال الجوهري: (سخنة العين: نقيص قرتها، قد سخنت عليه بالكسر فهو سخين العين واسخن الله عينه أي أبكاه المقلتين على بناء المفعول من باب الأفعال أي: المعرضين للقتل او التفعيل تأكيدا لكثرة مقتوليهم..)(1).

فتبيّن مما تقدم أهمية هذين العنصرين وخطورة الابتلاء بهما، وهما النفس والشيطان،

ص: 71


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 60، ص 271

ولا نبالغ لو قلنا أن جميع ما يحدث من فساد في الأرض إنما هو نتاج النفس الأمارة بالسوء وإغواء الشيطان لها، ولذلك ابتدأنا سلسلة بحث البلاء في نهج البلاغة بهما وسلطنا الضوء عليهما غير مدّعين استتمام البحث فيهما، بل ما يناسب هذا الكتيب المختصر وآخر ما نقوله هو فقرات من دعاء الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام:

«الحمد لله والحمد حقه كما يستحقه حمدا كثيراً، وأعوذ به من شر نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلاّ ما رحم ربي وأعوذ به من شر الشيطان الذي يزيدني ذنباً إلى ذنبي واحترز به من كل جبار فاجر وسلطان جائر وعدو قاهر، اللهم اجعلني من جندك فان جندك هم الغالبون واجعلني من حزبك فان حزبك هم المفلحون واجعلني من أوليائك فان

ص: 72

أوليائك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون»(1).

بحق محمد وآله الطاهرين صلواتك عليهم أجمعين.

ص: 73


1- الصحيفة السجادية، دعاء يوم الثلاثاء

ص: 74

فهرس المصادر

1. القرآن الكريم.

2. نهج البلاغة: تعليق الدكتور صبحي الصالح، الطبعة الأولى - بيروت.

3. مجمع البحرين للشيخ فخر الدين الطريحي الناشر مرتضوي / الطبعة الثانية.

4. تفسير القمي / لعلي بن إبراهيم القمي / الوفاة 329 / مطبعة النجف سنة 1387 - تصحيح وتعليق السيد طيب الموسوي الجزائري.

5. بهج الصباغة في شرح نهج للعلامة المحقق الشيخ محمد تقي التستري -

ص: 75

مؤسسة التاريخ العربي - بيروت - الطبعة الاولى.

6. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة السيد حبيب الله الهاشمي الخوئي / المطبعة الاسلامية / طهران / الطبعة الرابعة / تحقيق: السيد ابراهيم الميانجي.

7. بحار الأنوار للعلامة المجلسي / مؤسسة الوفاء - بيروت / الطبعة الثانية.

8. كتاب الكافي - للشيخ الكليني - المتوفي سنة 329 ه / تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري / مطبعة الحيدري - نشر دار الكتب الاسلامية.

ص: 76

المحتویات

مقدمة الكتاب...5

أهم عنصرين في مواد البلاء...6

المسألة الأولى: دور النفس في بلاء الإنسان...11

أولاً: خُف على نفسك الدنيا الغرور...11

الأولى: الأمارة بالسوء...13

الثانية: اللّوامة...13

الثالثة: المطمئنة...14

الرابعة: الراضية...14

الخامسة: المرضيّة...14

ثانياً: نزع الشهوة وقمع الهوى...20

ثالثاً: إكرام النفس...25

المسألة الثانية: دور الشيطان في بلاء الإنسان...28

أولاً: داء الشيطان ونداؤه وخيله وسهامه...28

ثانياً: كيف نميز ما بين الوسوسة والإلهام؟...32

ثالثاً: الخلاص من الشيطان...49

ص: 77

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.