عُثمانِ بْنِ حُنَیْف الثابت في بدر وصفین

هوية الکتاب

عثمان بن حنیف الثابت في بدر وصفین

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية

2868 لسنة 2017

مصدر الفهرسة: IQ - KaPLI ara IQ - KaPLI rda

رقم تصنيف LC:

Bp 34. U83 T3 2017

المؤلف الشخصي: موسى، عماد طالب. العنوان: عثمان بن حنيف الثابت في بدر وصفين.

بيان المسؤولية: تأليف المدرس المساعد عماد طالب موسى؛ تقديم السيد نبيل قدوري الحسني.

بيانات الطبعة: الطبعة الأولى.

بيانات النشر:

کربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

1438 ه = 2017 م.

الوصف المادي: 160 صفحة.

سلسلة النشر: مؤسسة علوم نهج اللاغة سلسلة حياة السلف الصالح صحابة الإمام علي (عليه السلام) 2.

تبصرة عامة:

تبصرة ببيلوغرافية: الكتاب يتضمن هوامش - لائحة المصادر (الصفحات 141 - 157).

تبصرة محتويات:

موضوع شخصي: عثمان بن حنيف بن واهب، توفي حوالي 41 الهجرة - نقد و تفسير.

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجرياً - أصحاب.

مصطلح موضوعي: الصحابة والتابعون - تراجم.

مصطلح موضوعي: معركة الجمل. 36 للهجرة..

مؤلف إضافي: الحسني، نبيل قدوري، 1965، مقدم.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

سلسلة للحياة السلف الصالح صحابة الأمام عليه السلام

البدريون: 2

تأليف م. م. عماد طالب موسی

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى 1438 ه - 2017 م

العراق: کربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام

مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف: 07728243600 - 07815016633

الموقع :

www.inahj.org

Email: Inahj.org@gmail.com تنویه: إن الأفكار والآراء الواردة في هذا الكتاب تعبير عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة

ص: 4

مقدمة المؤسسة

أين الخلف من هذا السلف؟

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والصلاة والسلام على خير الأنام محمد وآله الطيبين الطاهرين.

أما بعد:

لم يزل الإمام علي (عليه السلام) الفاروق بين الحق والباطل والمحك الذي يكشف الإيمان من النفاق، والفئة العادلة من الباغية، والسنّة من البدعة، والصالح من الطالح، ولأن الدين هو أثمن ما لدى العاقل فقد احتاج العاقل إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)؛ ولأن الدعوة إلى التمسك بالسلف الصالح أصبحت اليوم شعار الخلف كان لا بدّ من الرجوع إلى أولئك السلف؛ لنرى أين كانوا؟ أو تحت أي راية ساروا؟ وإلى أي فئة انتسبوا؟ وأي سنّة أحيوا؟ وأي بدعة أماتوا؟.

ولأجل ذلك ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تضع بين يدي القارئ الكريم مكنزاً معرفياً يعيد رسم صورة الإسلام، ويوضح الطريق لمن تشوق لمعرفة رجال صدقوا في إيمانهم، وكانوا دعاة ربانيين للإسلام، وعاملين مجدين في بناء الحضارة الإنسانية منذ أن شرفهم الله بالإسلام، وصحبة رسوله الأكرم (صلی الله عليه وآله)، والتمسك بأخيه ووصيه وخليفته في أمته، وولي من كان المصطفى (صلى الله عليه وآله) نبيه.

فكانوا صحابة وموالين، وسلفاً صالحاً، لمن أراد أن يعلم من هم السلف

ص: 5

الصالح، ومن أميرهم و مولاهم حتى قال فيهم الحاكم النيسابوري في مستدرکه نقلاً عن الحكم: (شهد مع علي - معركة - صفين ثمانون بدریاً و خمسون ومئتان من بایعوا تحت الشجرة)(1)، ولأجل معرفة هؤلاء (البدريون والشجريون) الذين كانوا يقاتلون تحت راية الإمام علي (عليه السلام) في حربه للفئة الباغية معاوية، وحزبه وأشياعه، وممن لم يشتركوا لكنهم عرفوا بموالاتهم لعلي (عليه السلام).

ولذا شرعت المؤسسة بالبحث والدراسة لهذا السلف الصالح، وبيان شخصيتهم وسيرتهم العطرة، ضمن سلسلة تصدر تباعاً والموسومة ب (سلسة حياة السلف الصالح صحابة الإمام علي عليه السلام) فقدمنا منهم الصحابة البدريين والسابقين من المهاجرين والأنصار فإن وفقنا الله لإكمالهم شرعنا بأهل البيعة تحت الشجرة.

وبناءً عليه: كان البحث الموسوم (عثمان بن حنيف الثابت في بدر وصفين) للباحث عماد طالب موسى من البحوث القيمة، فقد سلط الضوء بالدراسة والتحليل لأحد الصحابة البدريين المخلصين، إذ ثبت في بدر واستمر في جهاده مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وجاهد معه بقلبه ولسانه ويده، فكان من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وقد قدّم الباحث أهم محطات حياة هذا الصحابي الولائية التي تكشف عن جهود الإمام علي (عليه السلام) وأصحابه في بناء الإسلام والحفاظ عليه، فجزى الله الباحث خير الجزاء فقد بذل جهده وعلى الله أجره.

السيد نبيل قدوري الحسني

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 6


1- مستدرك الحاكم: ج 3، ص 180

مقدمة

الحمد لله الذي جعل العلم للعلماء نسبا، وأغناهم به وإن عدموا مالا ونسبا، ولطلبه سار الكريم ويوشع وانتصبا، إلى أن لاقا من سفر هما نصبا، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وآله الطيبين الطاهرين معدن العلم النجباء.

أمَّا بعد:

نضع بين يدي القارئ الكريم هذا الكتاب الذي يُعد حلقة في سلسلة متمثلة بالصحابة البدريين - الصفينيين، الذين شاركوا مع الرسول الكريم صلی الله علیه وآله وسلم في معركة بدر وما بعدها، واستمروا في ثباتهم و ولائهم للرسول صلی الله علیه وآله وسلم، ورجعوا بعده إلى الإمام علي علیه السلام، وجاهدوا معه في حربه الناكثين والمارقين، فنالوا شرف الصحبة، والسبق، والجهاد، ومنهم الصحابي الجليل عثمان بن حنيف الأنصاري الذي يشكل موضوع هذا الكتاب، ومن هنا تتأتي أهمية هذا الموضوع، الذي يهدف إلى إماطة اللثام عن الثلة الطيبة من الصحابة البدريين، ذوي النهج السليم الذين لم يلبسوا إيمانهم بشائبة الخروج على وصی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، بل كانوا يشكلون عماد جيشه علیه السلام واتخذ منهم ولاة للأمصار.

وتتجه هذه الدراسة - وما ينتظم معها من الدراسات المكملة لهذه السلسلة،

ص: 7

التي أخذت مؤسسة علوم نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينية المقدسة على عاتقها تأليفها إلى التنقيب عن سيرة ومناقب هذا الصحابي - عثمان بن حنیف-، التي تحتفل بها بطون كتب التاريخ، لما فيها من عبرة وفوائد تربوية وتوعوية، وبذلك تقدم مؤسسة علوم نهج البلاغة فيضا من التجارب الناضجة نصرةً للدين وفائدةً للقراء.

وقد ذكر الترمذي أنه شهد بدراً وما بعدها من المشاهد مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، وذكر غيره أنَّه شهد أحدا وما بعدها، وهو بذلك يعد من الأنصار السابقين والثابتين على نهج الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ومن بعده الإمام علي علیه السلام.

وقامت منهجية الكتاب على فصلين، يقدمها مقدمة وتمهيد، وخُتِم بخاتمة تمثل خلاصة الدراسة، مع قائمة المصادر، وثبت المحتويات: وتضمن التمهيد لمحة عن بدايات الدعوة الإسلامية، وما جرى في حديث الدار بوصفه التأسيس الأول للتشيع، فارتبط الإسلام بالإمامة، وتلاحقت المواقف التي تثبت النص على أمير المؤمنين علیه السلام بالإمامة والخلافة و وجوب اتباعه، ختاما ببيعة الغدير، الأمر الذي شكل مرجعيات فكرية وإسلامية متح منها الصحابة المخلصون، وثبتوا على عهد الرسول فيهم بولاية الإمام علي علیه السلام، فكانت هذه الأحداث وما شابمها منطلقا لجهاد الثلة الطيبة من الصحابة عامة، وعثمان بن حنيف خاصة، وثباته ومناصرته للإمام علي علیه السلام.

وعرض الفصل الأول: حياته بما فيها نسبة وإسلامه، ثم صحبته مع الرسول صلی الله علیه وآله وسلم، والحروب التي خاضها معه وأهم الأحداث التي شكلت شخصيته الإسلامية، امتدادا إلى عهد عثمان. بينما نهض الفصل الثاني بأهم الأحداث التي عاشها في زمن خلافة الإمام علي ال والأدوار التي تقلّدها، حتى وفاته.

ص: 8

وقد نهضت الدراسة على فيض من المصادر المهمة في تدوين التاريخ، والسير، والحديث، منها على سبيل المثال لا الحصر: الفتنة ووقعة الجمل، لسيف بن عمر الاسدي (ت: 200 ه)، والأخبار الطوال لابن قتيبة الدينوري (ت: 216 ه)، وتاريخ الطبري (تاریخ الرسل والملوك للطبري (ت: 369 ه)، والإرشاد للشيخ المفيد (ت: 413 ه)، والأبواب للشيخ الطوسي (ت: 460 ه)، و تاریخ دمشق لابن عساکر (ت: 571 ه) وغيرها من الكتب.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وأسأله تعالى أن يكون هذا العمل خالصا لوجهه الكريم.

المؤلف

ص: 9

ص: 10

التمهيد المنطلقات الأولى للتشيع

انبلج نور الإسلام بغرّة النبي المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم، إذ ناغمه جبرائیل علیه السلام بالرسالة، وبشّره بالنبوة، وأصبح رسول الله لهداية الناس من الظلمات إلى النور، وقد بدأ بأهله الأقربين.

كانت الرسالة الإسلامية في بداياتها ترتشف من معين السماء، وتترعرع شيئا فشيئا على أكتاف أول المسلمين بها، وفي مقدمتهم الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام. إذ جمع الرسول صلی الله علیه وآله وسلم كبار قريش في بيته وأطلعهم على النبأ العظيم، وعيَّن في هذا الاجتماع - بأمر من ربه - عليًا بن أبي طالب علیه السلام ولا لعهده، بعد أن قال لهم:

«يا بني عبد المطلب، إن الله بعثني إلى الخلق كافة، وبعثني إليكم خاصة، فقال عز وجل:

«وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»(1).

وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان، تملكون بهما العرب والعجم، وتنقاد لكم بهما الأمم، وتدخلون بهما الجنة، وتنجون

ص: 11


1- الشعراء: 214

بهما من النار: شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فمن يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني عليه وعلى القيام به، يكن أخي ووصي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي»(1).

فلم يجب أحد منهم. فقال أمير المؤمنين علیه السلام:

فقمت بين يديه من بينهم - وأنا إذ ذاك أصغرهم سنا، وأحمشهم(2) ساقا، وأرمضهم(3) عينا - فقلت: أنا - یا رسول الله - أؤازرك على هذا الأمر.

فقال: اجلس، ثم أعاد القول على القوم ثانية فاصمتوا، وقمت فقلت مثل مقالتي الأولى، فقال: اجلس. ثم أعاد على القوم مقالته ثالثة فلم ينطق أحد منهم بحرف، فقلت: أنا أؤازرك - یا رسول الله على هذا الأمر، فقال: اجلس، فأنت أخي ووصي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي. فنهض القوم وهم يقولون لأبي طالب: يا أبا طالب، ليهنك، اليوم إن دخلت في دين ابن أخيك،

ص: 12


1- الإرشاد، الشيخ المفيد (ت: 413 ه) تحقيق: مؤسسة آل البيت لتحقيق التراث، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، ط 2، 1414 ه - 1993 م: 1 / 49، وينظر: إعلام الوری بأعلام الهدی، الشيخ الطوسي (ت: 548 ه)، تحقيق: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، نشر: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث - قم المشرفة، ستارة- قم، ط 1، 1417 ه: 1 / 322، و کشف اليقين، العلامة الحلي (ت: 726 ه)، تحقيق: حسين الدر کهاي، ط 1، 1411 ه: 258، والغدير، الشيخ الأميني (ت: 1392 ه)، ، دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان، ط 4، 1397 - 1977 م: 2 / 282
2- حمش: رجلٌ أَحْمَشُ الساقين: دقیقهما. ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي (ت: 393 ه)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين - بيروت، ط 4، 1407 ه -1987 م: 3 / 1002
3- الرمض: وسخ يجتمع في مجرى الدمع، ينظر: الصحاح: 3 / 1042

فقد جعل ابنك أميرا عليك(1).

ومن هذا الحديث يتبين: أنَّ المرحلة التأسيسية للتشيع، لم تكن شيئاً مفصولا عن مرحلة تأسيس الدولة الإسلامية، التي باشرها الرسول صلی الله علیه وآله وسلم؛ لأنَّ أول عمل قام به الرسول خلال الدعوة السرية هو ربط الإسلام بالإمام علي علیه السلام، وعرف هذا الحديث بحديث الدار إذ جعل النبي صلی الله علیه وآله وسلم الإمام علياً علیه السلام وصياً له وخليفة من بعده کما تقدم.

ومن المحال عادة أن يعيّن قائد نهضته أحد أصحابه ووزيراً وخليفة له ويعلنه على الملأ فيما يبقى الأمر مخفياً على الخلص من أنصاره والثلة المضحية، فكان تنصيب الإمام علي علیه السلام منذ بزوغ الرسالة السماوية، معروفاً أمره بين الثلة الصالحة من الصحابة، ثم أُعلن على وفق مراسیم امتزجت بالمعجزة النبوية في حديث الدار، ولم يترك مجالاً لمعترض أو مشكك في أفضلية أمير المؤمنين علیه السلام على سائر الحاضرين في الدار وخارجها، وأسلوب النبي الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم يُنبئ عن أبعاد مستقبلية كان يعيها ويعلمها صلی الله علیه وآله وسلم قبل وقوعها، أهمها تصدي من حارب ظهور الإسلام وانتشاره إلى منصة الحكم باسم الإسلام ومزاحمة أهل الدين وحملة الكتاب على حقهم وسبقهم فيه، وحديث الدار هذا وحده كاف ليترجم لنا مظلومية أهل البيت علیهم السلام وتمييز أصحاب الدين الذي فيهم تشبثت عروقه، من الذين ينعقون مع كل ناعق، لذلك أجلس النبي صلی الله علیه وآله وسلم الإمام عليا علیه السلام ثلاث مرات بعد تکرار دعوته إليهم وهم صامتون مستهزئون، وبعدها أعلن ولاية الإمام الله حتى علیه السلام لا يدعي أحد منهم بعد حين أن الأمر قد دُبِّرَ بليل.

ص: 13


1- ينظر: الإرشاد: 1 / 50، وأعيان الشيعة، السيد محسن الأمين (ت: 1371 ه)، تحقيق و تخریج: حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، (د. ط)، (د.ت): 1 / 231

إذاً طرح الإسلام كان مربوطاً بشخص وإظهار مكانته، حتى يتم الارتباط به من طرف عموم المسلمين. والمواقع متعددة لإثبات مكانة الإمام علي علیه السلام من الدار إلى الغدير؛ وباتت جليّة تلك المواقف للمسلمين، إذ سطّر فيها الإمام علي علیه السلام أروع الإنجازات، وأكبر التضحيات، سواء أكان في ميادين الجهاد أم محافل العلم وخفايا الدين، لذلك نرى أول ما عمله الصحابة الخلَّص هو الاعتراض على بيعة أبي بكر، والاجتماع في منزل السيدة فاطمة علیها السلام، وهذا الرفض لم يكن وليد صدفة أو اللحظة ذاتها؛ لأنه لمجرد الانتهاء من تغسيل الرسول ودفنه احتجّوا على المنفذين لهذا الأمر - أي البيعة -، وهذا دليل على أن هناك أرضية مشتركة يعملون من خلالها، فيصير مصطلح الشيعة إذاً هم أولئك الذين يشایعون علياً وأولاده علیهم السلام بوصفهم خلفاء الرسول وأئمة للناس بعده، نصبهم الرسول صلی الله علیه وآله وسلم لهذا المقام بأمر من الله سبحانه وتعالى.

وقد قال الإمام علي علیه السلام في هذا المقام: «لا يقاس بآل محمد من هذه الأمة أحد ولا يسوی بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً. هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفيء الغالي، وهم يلحق التالي ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة»(1)، وكان من هؤلاء المخلصين الصحابي عثمان بن حنيف الأنصاري، الذي سار في ركب الرسول صلی الله علیه وآله وسلم بوصفه من الصحابة السابقين، وحضر معه أكثر محافله الجهادية من بدر وما تلاها، وشهد حجة الوداع، وبيعة الغدير وكان من رواة حديثه، ثم انتفض على أبي بكر مع النقباء الاثني عشر الذين ذكرهم الإمام

ص: 14


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد (ت: 656 ه)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية - عيس البابي الحلبي وشركاه، ط 1، 1378هت 1959م: 1 / 140، وتاريخ الشيعة بين المؤرخ والحقيقة، الدكتور نور الدين الهاشمي، مركز الأبحاث العقائدية - قم - ایران، ستارة - قم، ط 1، 1428 ه: 189

الصادق علیه السلام، واستمر بولائه للإمام علي علیه السلام حتى بايعه الناس ونصبه واليًا على البصرة، وخروج الناكثين وقصدهم مدينته و تصدّيه لهم، وغيرها من المشاهد المهمة في حياة هذا الصحابي الجليل التي تحاول عرضها بتسلسل منطقي في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

ص: 15

ص: 16

الفصل الأول

اشارة

المطلب الأول المرجعيات الاجتماعية

المطلب الثاني المرجعيات الفكرية

المطلب الثالث عثمان بن حنيف وعمر بن الخطاب

ص: 17

ص: 18

المطلب الأول: المرجعيات الاجتماعية

المقصد الأول: اسمه ولقبه وكنيته:

هو عُثْمَانُ بنُ حنيف ابن واهب بن عُکَیْمِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ الحَارِثِ بنِ مَجْدَعَةَ بنِ عَمْرِو بنِ حَنَشِ بنِ عَوْفِ بنِ عَمْرِو بنِ عَوْفٍ الأنصاريُّ الأَوْسِيُّ القُبَائِيُّ، وَكنيته أَبَو عَبْدِ اللهِ(1)، واسم جده أوس هو الذي تنسب إليه قبيلة الأوس التي كانت تقطن في المدينة المنورة. إذ بایعوا الرسول صلی الله علیه وآله وسلم فريقًا واحدًا مع قبيلة الخزرج، وبصوت واحد، وعلى بنود واحدة(2) ولم تُحدّد لنا المصادر تاریخ ولادته ومكانها، إلا أنّه من أعلام القرن الأوّل الهجري.. وله من الأبناء: عَبْدِ

ص: 19


1- ينظر: المنتخب من ذيل المذيل، محمد بن جریر بن یزید بن کثیر بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (ت: 310 ه)، مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت - لبنان (د. ط)، (د. ت): 155. و سير أعلام النبلاء، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَایْماز الذهبي (ت: 748 ه)، دار الحديث - القاهرة، (د. ط)، 1427 ه - 2006 م: 4 / 5
2- ينظر: السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني، أحمد أحمد غلوش، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1، 1424 ه - 2004 م: 50

اللهِ، وَحَارِثَةَ، وَالبَرَاءَ، وَمُحَمَّدٍ، وَأُمُّ سَهْلٍ، وهم مِنْ جُلَّة الأنصار(1)، واشتهر بعضهم برواية الحديث(2)

المقصد الثاني: أخوته:

أما إخوته فهم: سَهل بن حنیف(3): وهو الصحابي الجليل الذي حضر بيعة العقبة، وشارك في غزوة بدر وأحد، وكان من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ومات في زمنه، فكفّنه وصلّى عليه، وهو من شرطة الخميس. وكان سهل بن حنیف أحد الرماة الأبطال، بایع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم على الموت، ثم قام بدور فعال في رد المشركين(4)، سمع النَّبِي صلی الله علیه وآله وسلم ورَوَى عَنهُ، مَاتَ بِالْكُوفَةِ سنة (38) للهجرة. ومن إخوته أيضا عبّاد بن حنیف(5)، فهو إذا من بيت عريق له مكانته الاجتماعية في المدينة المنورة، بادروا إلى اعتناق الإسلام مذ وَصَلتهم

ص: 20


1- ينظر: سير أعلام النبلاء: 4 / 5
2- ينظر: الطبقات الكبرى، القسم المتمم لتابعي أهل المدينة ومن بعدهم، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء، البصري، البغدادي المعروف بابن سعد (ت: 230 ه) تحقيق : زیاد محمد منصور، مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة، ط 2، 467: 1408
3- ينظر: شرح الشفا، علي بن سلطان محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (ت: 1014 ه)، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1421 ه: 1 / 250
4- ينظر: السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني: 352
5- ينظر : مشاهير علماء الأمصار وأعلام فقهاء الأقطار، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معبد، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البستي (ت: 354 ه) حققه ووثقه وعلق عليه: مرزوق على ابراهيم، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - المنصورة، ط 1، 1411 ه - 1991 م: 49. وينظر: سير أعلام النبلاء: 17 / 497

بوادر الدعوة النبوية، وبذلك يعدّ عثمان بن حنیف وأسرته من الصحابة الذين نذروا أنفسهم خدمة للإسلام وطاعة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم.

المقصد الثالث: طبقته:

يُعد عثمان بن حنيف من الصحابة الثابتين على نهج الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وله مواقف مشرقة في مسيرة حياته، تمثلت بالالتزام بوصايا الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وتعاليمه وله تجليات كثيرة تعرب عن حسن سيرته وصدق إيمانه.

والصحابي مصطلح يطلق على من عاصر الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وصاحبه في أثناء حياته، على خلاف في نظرة المذاهب الإسلامية في تحديد ماهية المتصف ب (الصحابي) وعلى من يصدق، ولو استنطقنا المعاجم اللغوية في معنى الصحابي لوجدناها تنطلق من قولهم: الصّاحِبُ: يجمعُ بالصَّحْب، والصُّحبان والصُحْبة والصِحاب. والأصحاب : جماعة الصَّحْب. والصِّحابة مصدرُ قولِك صاحَبَكَ اللهُ وأَحْسَنَ صِحابتَكَ(1)، وَصَاحَبَهُ: عَاشَرهُ. والصَّحْب: جَمْعُ الصَّاحِبِ مِثْلِ رَاکِبٍ وَرَكْبٍ. والأصحاب: جَمَاعَةُ الصَّحْب مِثْلَ فَرْخ وأَفْراخ. وَالصَّاحِبُ: المُعاشر؛ لَا يتعدَّى تَعَدِّيَ الْفِعْلِ(2).

أما تعريف الصحابي في الاصطلاح: فهو: «كلّ من لقيَ النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم مؤمنًا به،

ص: 21


1- ينظر: كتاب العين، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري (ت: 170 ه)، تحقيق: د مهدي المخزومي، د إبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال (د. ط)، (د. ت): 3 / 124
2- ينظر: لسان العرب، محمد بن مکرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقي (ت: 711 ه)، دار صادر - بیروت، ط 3، 1414 ه: 1 / 519

ومات على الإسلام، وإن تخلّلت رِدَة في الأصح»(1)، وذكر المامقاني أنَّه: «من لقيَ النبيّ صلی الله علیه وآله مؤمنًا به، ومات على الإيمان والإسلام، وإن تخلّلت رِدَّتُهُ بين كونه مؤمنا وبين موته مسلمًا على الأظهر»(2)، أما الزرکشي الأصولي فقد ذكر ماهية الصحابي في بحره، إذ قال: «فإن قيل: أثبتم العدالة للصحابيّ مطلقًا، فمن الصحابيّ؟ قلنا: اختلفوا فيه فذهب الأكثرون إلى أنّه من اجتمع - مومنًا - بمحمد صلى الله عليه [وآله] وسلم، وصَحِبَهُ ولو ساعة، روى عنه أو لا، لأنّ اللّغة تقتضي ذلك، وإن كان العُرف يقتضي طول الصُحبة وكثرتها، وقيل: يشترط الرواية، وطول الصُحبة، وقيل: يشترط أحدهما»(3) أي الرواية أو طول الصُحبة، وقال البخاري في صحيحه: «ومَن صحب النّبيّ (صلى الله عليه [وآله] وسلم) أو رآه مِنَ المسلمين فهو من أصحابه»(4).

ص: 22


1- شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، محمد بن محمد بن عمر بن علي ابن سالم مخلوف (ت: 1360 ه)، علق عليه: عبد المجيد خيالي، دار الكتب العلمية، لبنان، ط 1، 1424 ه - 2003 م: 1 / 704
2- مقاییس الهداية في علم الدراية، عبد الله المامقاني، ترجمة وتحقيق : محمد رضا المامقاني، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، ط 1، 1992 م: 2 / 328
3- البحر المحيط في أصول الفقه، بدر الدين محمد بن بهاء الدين عبد الله الشافعي الزركشي (ت 745 - 794 ه)، قام بتحريره الشيخ عبد القادر عبد الله العاني، راجعه د. عمر سليمان الأشقر، (د. ط)، (د. ت): 4 / 301
4- صحيح البخاري = الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، ط 1، 1922 ه: 5 / 2

ومما تقدم يُعدّ عثمان بن حنيف من الصحابة السابقين في الإسلام من أهل المدينة، إذ حکم رجال الجرح والتعديل من السنّة والشيعة بوثاقته، أمّا حكم أهل السنّة فجاء في إطار قولهم بعدالة كل صحابي، وأمّا الشيعة فقد وثّقوه لما نُقِل عنه من استقامة وعدالة. وقد روي عن النبي الأكرم وروى عنه ابن أخيه أبو أمامة أسعد بن سهل بن حنیف(1).

وقد عدّه الشيخ الطوسي من رجاله، وجعله من أصحاب الرسول صلی الله علیه وآله وسلم، وكذلك من أصحاب الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام(2). وعدّه ابن داود من رجاله(3)، وكذا البرقي، وأشار إلى أنّه من أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام الذين عرفوا بشَرَطَة الخميس، وجعله ابن حبّان من ثقاته(4) کما تَرْجَم له جُملة مِنْ رجالات أهل السنّة وعدّوه من الصحابة، مثل: أبو نعيم الأصبهاني(5) وابن

ص: 23


1- ينظر: المُعْجَمُ الكَبِير للطبراني قِطْعَةٌ مِنَ المُجَلَّدِ الحَادِي والعِشِرینَ (یَتَضَمَّنُ جُزْءًا مِنْ مُسْنَدِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ)، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني (ت: 360 ه)، تحقيق: فريق من الباحثين بإشراف وعناية: د / سعد بن عبد الله الحميد و د / خالد بن عبد الرحمن الجريسي، ط 1، 1427 ه - 2009 م: 9 / 17 - 18
2- ينظر: الأبواب (رجال الطوسي)، للشيخ الطوسي (ت: 460 ه)، تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني، مؤسسة النشر الإسلامي التابع لجماعة المدرسین بقم المشرفة، ط 1، 1415 ه، من روى عن أمير المؤمنين علیه السلام: 71
3- ينظر: رجال بن داوود، لا بن داود الحلي (ت: 740 ه)، تحقيق: تحقیق وتقديم: السيد محمد صادق آل بحر العلوم، (د. ط)، منشورات مطبعة الحيدرية - النجف الأشرف، (د. ط)، 1392 - 1972 م، حرف العين، رقم الترجمة 990،: 133
4- ينظر: كتاب الثقات، ابن حبان (ت: 354 ه)، مؤسسة الكتب الثقافية، مجلس دائرة المعارف العثمانية بحیدر آباد الدكن، ط 1، 1393 ه: 3: 261
5- ينظر: معرفة الصحابة ، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسی بن مهران الأصبهاني (ت: 430ه)، تحقيق: عادل بن يوسف العزازي، دار الوطن للنشر، الرياض، ط 1، 1419 ه - 1998 م: 1958

الأثير(1)، وابن عبد البر(2) وابن حجر العسقلاني(3)...

المقصد الرابع: نماذج من الأحاديث المروية عنه:

تطلعنا في هذه الفقرة بأن نورد نماذج من الأحاديث التي رواها (عثمان بن حنيف) عن النبي صلی الله علیه وآله وسلم وقد أعتمدها علماء الحديث، بوصفه من الثقاة الذي يؤخذ بنقلهم، وإذ تبين ذلك ينبغي أن يوقر کما تُوقر بقية الصحابة، وما نقل عنه: عن عثمان بن حنيف أن رجلا أعمى أتى النبي صلی الله علیه وآله وسلم فقال: إني أصبت في بصري فادع الله تعالى لي، قال: توضأ، ثم صلِّ ركعتين و قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمّد صلی الله علیه وآله وسلم نبي الرحمة، يا محمد إني أستشفع بك إلى ربي في رد بصري، اللهم شفعني في بصري، وشفع نبيك فيّ. قال: فإن كانت حاجة فافعل

ص: 24


1- ينظر: أسد الغابة في معرفة الصحابة، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (ت 630 ه)، دار الفكر - بیروت، (د. ط)، 1409 ه - 1989 م: 3 / 473
2- ينظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (ت: 463 ه)، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بیروت، ط 1، 1412 ه - 1992 م، باب عثمان، رقم الترجمة 1769: 3 / 1033
3- ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (ت: 852 ه)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1415 ه، حرف العين، رقم الترجمة 5460: 7 / 92

مثل ذلك، فرد الله عليه بصره(1).

وخرّج أيضا من حديث إسماعيل بن شبيب قال: حدثنا أبي عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر المديني، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة، وكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته، فلقی عثمان بن حنيف، فشكا إليه ذلك. فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ، ثم ائت المسجد فصلِّ ركعتين، ثم قل: اللهمّ إني أسالك وأتوجه إليك بنيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فتقضى حاجتي، واذكر حاجتك، ثم راح حتى أزمع، فانطلق الرجل، وصنع ذلك، ثم أتی باب عثمان بن عفان، فجاء البواب، فأخذ بيده، فأدخله على عثمان، فأجلسه معه على الطنفسة(2)، فقال: انظر ما كانت لك من حاجة، ثم إن الرجل خرج من عنده، فلقی عثمان بن حنیف، فقال له: جزاك الله خيرا، ما كان ينظر في حاجتي، ولا يلتفت إليَّ حتى كلمته، فقال عثمان بن حنیف: ما كلمته، ولكني سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عندما جاءه ضرير، فشكى إليه ذهاب بصره، فقال له النبي صلی الله علیه وآله وسلم: أو تصبر؟ فقال: يا رسول الله ليس لي قائد، وقد شق عليّ. فقال: ائت الميضأة فتوضأ، وصل ركعتين ثم قل:

(اللهمّ إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه ص: 25


1- ينظر: شرف المصطفی، عبد الملك بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الخركو شي، أبو سعد (ت: 407 ه)، دار البشائر الإسلامية - مكة، ط 1، 1434 ه: 3 / 486، و الخصائص الكبرى، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (ت: 911 ه)، دار الكتب العلمية - بيروت (د. ط)، (د. ت): 2 / 347
2- طنفس: الطِّنْفِسَة والطُّنْفُسة، بضم الفاء: النُّمْرُقَة فوق الرحل، وجمعها طَنَافِسُ؛ وقيل: هي البِساط الذي له خَمْلٌ رقیق، رسان العرب، 6 / 127

بك إلى ربي فيجلي لي عن بصري، اللهمّ شفعه في وشفعني في نفسي. قال عثمان: فوالله ما تفرقنا، وطال بنا الحديث حتى دخل الرجل كأن لم يكن به ضرر(1).

ص: 26


1- ينظر: إمتاع الأسماع بها للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (ت: 845 ه) تحقيق: محمد عبد الحميد النميسي، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1420 ه - 1999 م: 11 / 327. و سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد، محمد بن يوسف الصالحي الشامي (ت: 942 ه) تحقیق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، دار الكتب العلمية بيروت - لبنان، ط 1، 1414 ه - 1993 م: 12 / 407

المطلب الثاني: المرجعيات الفكرية

المقصد الأول: صحبته مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

نال عثمان بن حنیف شرف الصحبة للنبيّ صلی الله علیه وآله وسلم وروى عنه الحديث، وتسنم مناصب مهمة في الدولة سيأتي ذكرها(1)، فكان مِن جملة الأفراد المدنيين الأوائل الذين بايعوا رسول الله محمد صلی الله علیه وآله وسلم، و صدقوا وثبتوا على إيمانهم، بل وجاهدوا مع النبي الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم في معاركه(2)، و«كان من أصحاب النبي صلی الله علیه وآله وسلم وكان عاملًا على البصرة، من الثقات»(3)

ص: 27


1- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، حبيب الله الهاشمي الخوئي (ت: 1324 ه)، تحقيق: سيد إبراهيم الميانجي، مطبعة الإسلامية بطهران، ط 20: 4 / 90
2- ينظر: الاصابة في تمييز الصحابة: 4 / 372
3- تاريخ الثقات، أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلى الكوفي (ت: 261 ه)، دار الباز، ط 1، 1405 ه - 1984 م: 327

المقصد الثاني: الحروب التي شهدها مع النبي صلی الله علیه وآله وسلم:

ظهر الدين الإسلامي رحمة للناس، يخرجهم من الظلمات إلى النور، وقد حمل راية الهداية النبي الأمين صلی الله علیه وآله وسلم إذ بُعث رحمة للعالمين «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»(1)، وناصره على تحقيق هذا الأمر ثلّة طيّبة من أهل بيته علیهم السلام والصالحين من أصحابه.

وأخذ صلی الله علیه وآله وسلم ومن معه يدعون الناس بالموعظة الحسنة إلى نبذ الأصنام وعبادة الله وحده، وعدم الشرك به

«لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(2).

فحاربه الكافرون على اختلاف مصالحهم وغاياتهم، فانسدل خطّان: الأول: متمثل بالرسول الكريم صلی الله علیه وآله وسلم، وأهل بيته والصحابة المخلصين، والآخر: متمثل بفئة الشرك والضلالة، فكانوا أولياء الطاغوت.

«اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»(3).

ونتيجة لشدة المعارضين للإسلام، والحيلولة دون انتشار مبادئه التي ترى المسلمين سواسية كأسنان المشط، أخذوا يُظهِرون العداء للمسلمين ويتعرضون لهم في شتى الميادين، فظهرت الحروب، والمنازعات، وشارك مع الرسول صلی الله علیه وآله وسلم

ص: 28


1- الأنبياء: 107
2- البقرة: 256
3- البقرة: 257

السابقين من الصحابة، الذين ثبتوا معه في جميع الحروب التي خاضها دفاعا عن الإسلام، ونشرا لمبادئه السامية، وكان عثمان بن حنيف من الذين عاهدوا الله فصدقوا ما عاهدوا الله عليه، إذ ذهب الترمذي إلى أنّ أوّل المعارك التي شهدها عثمان بن حنيف مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هي (معركة بدر)(1)، فهو ((من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، عثمان بن حنیف بن وهب الأنصاري الأوسي بدري شهد الجمل وصفين، شهد بدرا وأحدا وما بعدهما، وولاه عمر السواد ثم ولاه عليّ البصرة))(2) وقيل أنّ أوّل المعارك التي شهدها مع النبي صلی الله علیه وآله وسلم هي أُحُد(3) «وعثمان هذا هو أخو عبادة وسهل وله صحبة ورواية شهد أحدا وما بعدها»(4)، والمُتّفق عليه بينهم هو كونه شارك في باقي المعارك التي أعقبت بدراً وأحُداً(5).

ومما تقدم يجتمع لعثمان بن حنیف سمات جمّة من الفضل والسبق يمكن ايجازها بالآتي:

- من الأوائل الذين لبُّوا نداء الرسول الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم من أهل المدينة.

- أنه صحابي جاهد مع الرسول في جميع معارکه کما مرَّ تفصيله.

ص: 29


1- ينظر: سبل الهدى والرشاد: 4 / 111
2- المجموع اللفيف، أمين الدولة محمد بن محمد بن هبة الله العلوي الحسيني أبو جعفر الأفطسي الطرابلسي (المتوفي: بعد 515 ه)، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 1، 1425 ه: 1 / 495
3- ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة: 4 / 372
4- شرح الشفا: 1 / 655
5- ينظر: التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة، شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي (ت: 902 ه)، الكتب العلمية، بيروت لبنان، ط 1، 1414 ه - 1993 م: 2 / 242

- كان من رواة الحديث المعتبرين إذ ذكر العلماء حسن سيرته وعمله في مواقف حياته، وبذلك يجني فضل الصحبة والجهاد.

- كان محل الثقة عند علماء الشيعة وابناء العامة فيما يتعلق بالنقل والتوثيق، أو ما يسمى بعلم الرجال.

المقصد الثالث: موقفه من خلافة أبي بكر:

ظهرت بعد رحيل الرسول الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم أحداث خطرة هزت كيان الأمة الإسلامية، وكادت أن تَفُكَّ عُرى الإسلام، لولا صبر آل البيت علیهم السلام واحتسابهم حقهم المغتصب في ذات الله عز وجل، إذ تناسي بعض الصحابة كلَّ المواثيق والعهود التي عهدوها عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في أهل بيته علیهم السلام، من وجوب طاعتهم، وأن لا يَقدِمُوهم في الأمور، لما فيهم من نجاة للأمة.

«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(1).

وكان من بين الصحابة شخصیات نقشوا أَسماءهم في سما المجد، فلاح برَّاقا، لما عُرِفوا به من طاعتهم، والتزامهم بالتعاليم التي أكد عليها الرسول صلی الله علیه وآله وسلم، فساروا على طريق الحق الواضح بهدي البصيرة الصادقة، ومن بين هؤلاء الشخصيات الصحابي الجليل (عثمان بن حنيف الأنصاري) الذي دبج مواقفا يزخر بها التاريخ، مجدا وإِبَاءً، إذ كان من المخلصين الذين رجعوا إلى الإمام علي عليه السلام والمعترضين على خلافة أبي بكر، الذي تجاوز ما أوصى به الرسول الكريم صلی الله علیه وآله وسلم من ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام قبل رحيله في مواطن كثيرة، ولبيان هذه المواقف للقارئ الكريم لا بد من التعريج على جملة أحداث لها صلة بهذه المواقف لنقدم تسلسلا واضحا لعرض الأحداث، وبها ينجلي المقصد

ص: 30


1- الاحزاب: 33

أحداث لها علاقة بيعة الغدير

اشارة

أخبر الرسول صلی الله علیه وآله وسلم في حجة الوداع بأمور كثيرة: منها وصايا فيها صلاح الرعية، كما أخبرهم بقرب أجله وأنه سينتقل إلى الرفيق الأعلى، وأعلن عن الخليفة من بعده وهو الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام، وهذه الخطوة تعد امتثالا الأمر السماء:

«يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ»(1).

فلهذه الآية الكريمة لحنا خاصا يميزها عمّا قبلها وبعدها من آيات السورة، إذ تتوجه بالخطاب إلى الرسول وحده و تبين له واجبه، وعبارة (بلِّغ) أكثر تو کیدا من (أبلغ) لما للأمر من أهمية، إذ البَلَاغ: الكفاية، نحو قوله عزّ وجلّ: «وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ»(2)، أي لم تكتمل الرسالة إلا بإعلان الخليفة من هههه مام

ص: 31


1- المائدة: 27
2- ينظر: المفردات في غريب القرآن، أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانی (ت: 502 ه)، تحقيق: صفوان عدنان الداودي، دار القلم، الدار الشامية - دمشق بيروت، ط 1، 1412 ه: 1 / 142

بعدك، وقد ذكر أكثر المفسرين ورواة الحديث أن نزول هذه الآية في الإمام علي بن ابي طالب علیه السلام، إذ تنص على تنصيبه خليفة للمسلمين بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم(1)، وقد امتثل الرسول صلی الله علیه وآله وسلم في غدیر خم لهذا الأمر الذي فيه صلاح الأمة، فلما قضى مناسكه وانصرف راجعا إلى المدينة ومعه من كان من الجموع، وصل إلى غدير خم من الجحفة التي تتشعب فيها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين، نزل إليه جبرئيل الأمين علیه السلام عن الله سبحانه، بقوله: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك - الآية - وأمره أن يقيم عليّا علیه السلام إماما للناس، ويبلغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كل مسلم، وكان أوائل القوم قريبا من الجحفة فأمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن يرد من تقدم منهم، ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان، حتى إذا نودي بالصلاة - صلاة الظهر - فصلي صلی الله علیه وآله وسلم بالناس، وكان يوما هاجرا يضع الرجل بعض رداءه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء، وظُلِّلَ لرسول الله بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فلما انصرف صلی الله علیه وآله وسلم من صلاته قام خطيبا وسط القوم على أقتاب الإبل وأسمع الجميع، رافعا عقيرته فقال: الحمد لله ونستعينه ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا الذي لا هادي لمن ضل، ولا مضل لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله أما بعد: أيها الناس قد نبأني اللطيف الخبير.

ص: 32


1- ينظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مع تهذیب جدید، تأليف العلامة المفسر آية الله الشيخ ناصر مکارم الشيرازي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بیروت لبنان، ط 1، 1434 ه - 2013 م، مج 3: 5 / 488 - 490، والميزان في تفسير القران، للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي، مؤسسة العلمي للمطبوعات، بیروت - لبنان، ط 1، 1417 ه - 1997 م،: 6 / 58 - 60، و الغدير: 1 / 9 - 12

أنَّه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي قبله، وإنَّي أوشك أن أدعى فأجبت، وإنِّي مسؤول وأنتم مسؤولون، فإذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيرا، قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن جنته حق، وناره حق، وأن الموت حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك، قال: اللهم اشهد، ثم قال: أيها الناس ألا تسمعون؟ قالوا: نعم. قال: فإني فرط على الحوض، وأنتم واردون عليَّ الحوض، وإن عرضه ما بين صنعاء وبصری فيه أقداح عدد النجوم من فضة فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين، فنادى مناد: وما الثقلان یا رسول الله؟ قال: الثقل الأكبر كتاب الله، طرف بيد الله عز وجل، و طرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يراد علي الحوض، فسألت ذلك لهما ربي، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنها فتهلكوا(1)، ثم أخذ بيد الإمام علي علیه السلام فرفعها حتى رؤي بیاض آباطهما وعرفه القوم أجمعون، فقال: أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم «فمن کنت مولاه فعلي مولاه»(2)،

ص: 33


1- ينظر: الغدير: 1 / 9 - 12
2- الحديث مشهور ونقله الكثير منهم: مسند أحمد بن حنبل، ، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (ت: 241 ه)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، ط 1، 1421 ه - 2001 م: 2 / 71، 262، 268، ، والتوحيد، للشيخ الصدوق (ت 381)، تحقيق: السيد هاشم الحسيني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، (د. ط)، (دز ت): 212، وينظر: شرف المصطفى: 5 / 495 - 497، الشفا بتعريف حقوق المصطفی، عیاض بن موسی بن عیاض بن عمرون اليحصبي السبتي، أبو الفضل (ت: 544ه)، دار الفيحاء - عمان، ط 2 - 1407 ه: 2 / 107، و: الغدیر: 1 / 9 - 12

يقولها ثلاث مرات(1)، وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرات(2)، ثم قال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغائب، ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله: اليوم أكملت لکم دینکم وأتممت علیکم نعمتي - الآية - فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي، ثم طفق القوم یهنئون أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) و ممن هنأه في مقدم الصحابة: الشيخان أبو بكر وعمر كل يقول: بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وقال ابن عباس: وجبت والله في أعناق القوم(3).

وبذلك صار معلوما بين المسلمين أن الخليفة الشرعي لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هو أمير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام، وبلغ خبر هذه البيعة كل الأمصار.

ص: 34


1- ينظر: الغدیر: 1 / 9 - 12
2- ينظر: مسند أحمد بن حنبل: 1 / 150
3- ينظر: الغدير: 1 / 9 - 12، والمعجم الكبير: 5 / 194، والاستذکار، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (ت: 463 ه) تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي معوض، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1421 - 2000: 8 / 238. وغرائب القرآن ورغائب الفرقان، نظام الدین الحسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري (ت: 850 ه) تحقيق: الشيخ زكريا عميرات، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1416 ه: 2 / 616

رزية يوم الخميس:

يتفق المسلمون مع اختلاف مشاربهم، وتشتت مذاهبهم، على جملة أمور اعتبروها من مسلمات الدين، التي لا مناص لمسلم من الاعتقاد بها، والتعبد بمضامينها، ومن ذلك الاستجابة المطلقة وغير المترددة ولا المجتهدة قبالة النص الثابت الصدور عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، وحيث تتأكد وجوبية الالتزام والتنفيذ، وحرمة المخالفة والمعارضة حين الحضور المقدس لصاحب الرسالة صلی الله علیه وآله وسلم(1):

«وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا»(2).

وعلة ذلك التحريم واضحة وهي في أيسر أمورها؛ إذ يعتبر ردّ قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ردا لحكم الله - سبحانه وتعالى -؛ لأن الرسول صلی الله علیه وآله وسلم لا ينطق عن الهوى.

«وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * «إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى»(3).

وبذلك فإن الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ليس إلا ممثلا لإرادة السماء، مجسدا لمشيئتها، مبلغا الأوامرها. ومن هنا يشدد النكير على المخالفين، بل وحتى على المجتهدين قبالته.

وقد لاحت ندبٌ سوداء في جسد الإسلام أحدثها فعل بعض الصحابة، عندما وقفوا أمام ارادة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم في آخر أيام حياته، وقد عُرِفَ هذا الحدث

ص: 35


1- ينظر: أصل الشيعة وأصولها، الشيخ محمد حسین کاشف الغطاء، تحقيق: علاء آل جعفر، مؤسسة الإمام على عليه السلام، ستارة، ط 1، 1373 ه: 49
2- الأحزاب: 36
3- النجم: 1 - 5

ب (رزية الخميس) ولبيانها نشرع أو لا برواية البخاري:

عن ابن عباس، قال: لما حضر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، وفي البيت عمر بن الخطاب، قال النبي صلی الله علیه وآله وسلم: هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، فقال عمر: إنَّ النبي قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا کتاب الله!. قال: فاختلف الحضور فاختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي کتابا لا تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قاله عمر، فلما كثر اللغو والاختلاف عند النبي صلی الله علیه وآله وسلم قال لهم: قوموا عني. فكان ابن عباس يقول: إنَّ الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم(1).

ونقل ذلك أيضا في صحيح مسلم وغيره برواية سعيد بن جبير: قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: ائتوني أكتب كتابا لا تضلوا بعدي. فتنازعوا، وما ينبغي عند نبي التنازع، وقالوا: ما شأنه؟ أهجر! استفهموه؟ فقال: دعوني، فالذي أنا فيه خير(2).

وأما أحمد بن حنبل فقد روى في مسنده عن جابر قوله: إنَّ النبي صلى صلی الله علیه وآله وسلم دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتابا لا يضلون بعده، فخالفه عمر بن الخطاب حتى رفضها(3).

واذا كان ثمة سائل عن الدافع الذي حدا بعمر بن الخطاب لأن يسلك هذا السلوك، الذي وقف فيه أمام إرادة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم و تحمل وزر عمله الجسيم

ص: 36


1- ينظر: صحيح البخاري: 7 / 219، و أصل الشيعة وأصولها: 50
2- ينظر: صحيح مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (ت: 261 ه)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي - بيروت، (د. ط)، (د. ت): 3 / 1257
3- ينظر: مسند احمد بن حنبل: 3 / 346

هذا، ويمكن مناقشة هذه الروايات بالاتي(1):

ما كان ذلك الكتاب الذي أغاض رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إعراض عمر وبعض أصحابه عنه، وجهدهم في منعه عن كتابته، رغم ما صرح به من أنَّ الأُمة لن تضل بعده أبدا؟ هل كان أحكاما شرعية، وقد ثبت أنَّ الرسول لم يدخر جهدا في توضيح كل تلك الأحكام للمسلمين طيلة حياته، ثم ما كان يمكن لتلك الصحيفة المحدودة أن تحويه من أحكام، وفي تلك الساعات الأخيرة من حياة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم! وكيف غفل هو صلی الله علیه وآله وسلم عنها طالما هي من الأهمية بهذا الشكل طيلة حياته ليتذكرها في هذه اللحظات الأخيرة؟!

لِمَ انبری عمر بن الخطاب - کما تذكر تلك المراجع المختلفة - إلى اتهام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بالهجر، والهذيان، مباشرة بعد مطالبته صلی الله علیه وآله وسلم بتلك الصحيفة؟ أمَا كان يجب عليه أن يستجيب للرسول الذي أمرهم الله - تعالى ذكره - بوجوب الانقياد إلى أوامره دون مراجعة ومعارضة، أو على أدنى استجابة مسائلته بماهية ذلك الكتاب أمام الملأ الحاضرين؟

هل تأمل المسلمون مبلغ التوهين الذي مني به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من قبل أولئك الصحابة، حيث نبذوه وهو المبلغ عن الله - تعالى -، الذي لا ينطق عن الهوى، بالهجر أمام الحاضرين المفجوعين به، حتى سرت مقولتهم سريان النار في الهشيم، وتلقفها اليهود والمنافقون وغيرهم من أعداء الدين فطفقوا يطبلوا لها ويز مروا؟.

ص: 37


1- ينظر: أصل الشيعة وأصولها: 51، وينظر: الاحتجاج، الشيخ الطوسي (ت: 548 ه)، تحقيق : السيد باقر الخرسان، دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الأشرف، (د. ط)، 1386 ه - 1999 م: 82

وأخيرا، أما يحق لنا أن نتساءل ويتساءل معنا الجميع: لِمَ لَمْ يعترض أحد من أولئك الصحابة ولو همساً على أبي بكر، واتهامه إياه بالهجر، رغم أنَّه أوصى بعمر بن الخطَّاب خليفة من بعده حين غلبه الوجع، وأنشبت المنية فيه أظفارها؟! فلماذا اعترضوا حين أراد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن يعهد كتابه باستخلاف الإمام علي علیه السلام. فأي الاثنين أملك لعقله من دون الآخر؟!!، بل وأيهما رسول الله تعالى من دون الثاني؟! إنَّه تساؤل نطرحه لذوي الحجا، ومن يرجو الدار الآخرة.

ولا يخفى على الجميع: أنَّها الوصاية بالإمام علي علیه السلام لا غير، وكان المتصدون لمنع إثباتها أدرى بها من غيرهم، وذلك ليس بخاف على المتتبعين المتفحصين الأبعاد هذه الواقعة وما تلاها، فكان أولى به - عمر بن الخطاب - ومن معه أن يستمعوا ويطيعوا أو يصمتوا، ولكنهم تنازعوا في ما بينهم وتعالت أصواتهم في محضر النّبيّ صلی الله علیه وآله وسلم وهو محرّم، بل كبيرة یُحْبَطُ معها جميع أعمال المسلم بنصّ القرآن الكريم:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ»(1).

الأمر الذي حمل الرسول صلی الله علیه وآله وسلم على طردهم من عِنْدِه، قائلاً: أنّه لا يجوز التنازع والجدال بمحضر النبي صلی الله علیه وآله وسلم، وقد علق العلامة الطبرسي على الآية المباركة «لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ» که بقوله: «لأن فيه أحد شيئين: إما نوع الاستخفاف به فهو الكفر، وإما سوء الأدب فهو خلاف التعظيم المأمور

ص: 38


1- الحجرات: 1 - 2

به»(1). وقال: إنّ ما فيه أنا من وجع خير ممّا تصفونني به(2). فشكل هذا موقفا آخر يدفع الصحابة الخلّص أمثال عثمان بن حنیف لأن يعترضوا على مَن يتصدى لأمر الخلافة من غير أهل البيت علیهم السلام بعد أن تبينوا طريق الحق من طريق الباطل.

أحداث السقيفة:

واستمرت رحى النفاق تدور ظلما وعدوانا، وكلما اشتد مرض الرسول صلی الله علیه وآله وسلم واقتراب أجله، بانت بوادر المنافقين ومن كان مؤهلا لأن ينقلب على عقبيه.

وقد أحس صلی الله علیه وآله وسلم ملامح الغدر والانقلاب، فخرج في مرضه الذي توفي فيه إلى الصلاة مُتكئاً على الفضل بن عباس والإمام علي (علیه السلام)، وهي الصلاة التي أراد التخلف عنها لثقله، ثم حمل على نفسه وخرج، فلما صلى عاد إلى منزله فقال لغلامه: اجلس على الباب ولا تحجب أحدا من الأنصار و تجلَّاة الغشي وجاءت الأنصار فأحدقوا بالباب ، وقالوا: استأذن لنا على رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. فقال: هو مغشي عليه وعنده نساؤه، فجعلوا يبكون فسمع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم البكاء،

ص: 39


1- تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي (ت: 548 ه)، تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان، ط 1، 1415 ه - 1995: 6 / 84
2- ينظر: الطبقات الکبری: 3 / 150، وتاريخ الطبري - تاريخ الرسل والملوك، محمد بن جریر بن یزید بن کثیر بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (ت: 310 ه)، دار التراث - بیروت، ط 2، 1387 ه: 3 / 267، وتاريخ دمشق، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساکر (ت: 571 ه)، تحقيق: عمرو بن غرامة العمر وي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، (د. ط)، 1415 ه - 1995 م: 44 / 40

فقال: من هؤلاء؟ قالوا: الأنصار. فقال من ههنا من أهل بيتي؟ قالوا: علي والعباس، فدعاهما وخرج متوكئا عليهما فاستند إلى جذع من أساطين مسجده - وكان الجذع جرید نخل - فاجتمع الناس وخطب فقال في كلامه(1): معاشر الناس إنَّه لم يمت نبي قط إلا خلف تركة، وقد خلفت فیکم الثقلين: كتاب الله، وأهل بيتي، ألا فمن ضيعهم ضيعه الله، ألا وإن الأنصار کرشي وعيبتي(2) التي آوي إليها، وإني أوصيكم بتقوى الله والإحسان إليهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم(3).

ومما يبدو من كلامه صلی الله علیه وآله وسلم أنَّه سلك أسلوب التبليغ الشفوي، بعد أن مُنِعَ من تدوين وصيته وكتابة عهده إلى أمير المؤمنين علیه السلام، ولا شك أن هذا الأمر في غاية الأهمية، بل والخطورة؛ الأمر الذي جعل الرسول صلی الله علیه وآله وسلم أن ينهض من فراش المرض عاصباً رأسه الشريف، ليطرق أسماع الناس بأوامر السماء، وهذا يعد الأمر الأول الذي خرج من أجله الرسول الكريم، والأمر الآخر: أنه دعا أسامة بن زيد فقال: سر على بركة الله والنصر والعافية حيث أمرتك بمن أمَّرْتُكَ عليه، وكان صلی الله علیه وآله وسلم قد أمَّرَهُ على جماعة من المهاجرين والأنصار، فيهم أبو بكر وعمر وجماعة من المهاجرين الأولين، وأمَرَهُ أن يُغير على مؤتة واد في فلسطين، إلا أنَّ الذين منعوه من تدوین کتابه تخلفوا أيضا عن حملة أسامة، فأشتد غضب

ص: 40


1- ينظر: الطبري، ج 3، ص 189؛ السيرة النبوية (البداية والنهاية) لابن کثیر، ج 4، ص 445؛ مناقب أهل البيت عليهم السلام، ص 472
2- الكرش: الجماعة من الناس، وعيال الرجل، وصغار أولاده، والعيبة ما يجعل فيه الثياب، وعيبة الرجل موضع سره. ينظر: تاج العروس من جواهر القاموس، محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي (ت: 1205 ه)، تحقيق: مجموعة من المحققين، دار الهداية ، (د. ط)، (د. ت): 17 / 353
3- ينظر: الاحتجاج: 1 / 81

الرسول عليهم، فلعن كل من تخلف عن حملة أسامة(1).

وقُبِضَ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم و وقت الضحى من يوم الاثنين بعد خروج أسامة إلى معسكره بيومين(2)، وهو غاضب على من حال بينه وبين إرادته، واتهامه بأنه مهجر، فرجع أهل العسكر، ورجفت المدينة بأهلها، فأقبل أبو بكر على ناقة حتى وقف على باب المسجد، فقال: أيها الناس ما لكم تموجون إن كان محمد قد مات فرب محمد لم يمت

«وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ»(3).

ثم اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة و جاءوا به إلى سقيفة بني ساعدة، فلما سمع بذلك عمر أخبر بذلك أبا بكر فمضيا مسرعين إلى السقيفة ومعهما أبو عبيدة بن الجراح، وفي السقيفة خلق كثير من الأنصار، وسعد بن عبادة بينهم مريض، فتنازعوا الأمر بينهم فآل الأمر إلى أن قال أبو بكر في آخر كلامه

ص: 41


1- ينظر: الملل والنحل، للشهرستاني (548 ه)، تحقيق: محمد سيد كيلاني، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان، (د. ط)، (د. ت): 1 / 23، والانتصار، العاملي، دار السيرة، بیروت لبنان، ط 1، 1422 ه: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6 / 52
2- ينظر: السيرة النبوية لابن هشام، عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، أبو محمد، جمال الدين (ت: 213 ه)، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط 2، 1375 ه - 1955 م: 21 / 653
3- آل عمران: 144

للأنصار(1): إنما أدعوكم إلى أبي عبيدة بن الجراح أو عمر، وكلاهما قد رضيت لهذا الأمر، وكلاهما أراهما له أهلا، وكأنه هو النبي ومن يرضاه يجب على المهاجرين والأنصار أن يرضوه، ولسياسة من عمر ودهاء، أجابه بقوله: ما ينبغي لنا أن نتقدمك يا أبا بكر وأنت أقدمنا إسلاما وأنت صاحب الغار وثاني اثنين فأنت أحق بهذا الأمر وأولى به(2)، فقال الأنصار: نحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منا ولا منكم، فنجعل منا أميرا ومنكم أميرا ونرضى به على أنه إن هلك اخترنا آخر من الأنصار(3).

والأنصار بموقفهم هذا يخشون ممن يتسلم الحكم أن يشعل نار الثأر بهم؛ إذ إنَّهم نصروا الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وقاتلوا معه في حروبه، فخشوا أن تدور عليهم دائرة المطالبة بدم القتلى في تلك الحروب الماضية، وقد طَمْأَنَهم أبو بكر بأن لهم شرف المنزلة وحفظ المكانة، فقال بعد أن مدح المهاجرين: وأنتم يا معشر الأنصار ممن لا ينكر فضلهم ولا نعمتهم العظيمة في الإسلام، رضیکم الله أنصارا لدينه و كهفا لرسوله وجعل إليكم مهاجرته وفيكم محل أزواجه، فليس أحد من الناس بعد المهاجرين الأولين بمنزلتكم، فهم الأمراء وأنتم الوزراء(4).

ص: 42


1- ينظر: الاحتجاج: 1 / 83
2- ينظر: سيرة ابن هشام: 2 / 661
3- ينظر: الاحتجاج: 1 / 83، و السيرة النبوية وأخبار الخلفاء، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معبد، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البستي (ت: 354 ه)، صححه، وعلق عليه الحافظ السيد عزيز بك وجماعة من العلماء، الكتب الثقافية - بيروت، ط 3، 1417 ه: 2 / 420 -421
4- ينظر: الاحتجاج: 1 / 83، و السيرة النبوية لابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (ت: 774 ه)، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت - لبنان، (د. ط)، 1395 ه - 1976 م: 4 / 491

فقال الحباب بن المنذر الأنصاري(1): يا معشر الأنصار أمسكوا على أيديكم، فإنَّما الناس في فيئكم وظلالكم، ولن يجترئ مجتر على خلافكم ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم. وأثنى على الأنصار ثم قال: فإن أبي هؤلاء تأمیر کم عليهم فلسنا نرضى بتأميرهم علينا ولا نقنع بدون أن يكون منا أمير ومنهم أمير، فقام عمر بن الخطاب فقال: هيهات لا يجتمع سيفان في غمد واحد، إنَّه لا ترضى العرب أن تؤمرکم ونبيها من غيركم، ولكن العرب لا تمتنع إلى تولي أمرها من كانت النبوة فيهم وألوا الأمر منهم، ولنا بذلك على من خالفنا الحجة الظاهرة والسلطان البين، فيما ينازعنا سلطان محمد ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل أو متجانف بإثم أو متورط في الملكة محب للفتنة(2)، فقام الحباب بن المنذر ثانية فقال: يا معشر الأنصار أمسكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقال هذا الجاهل وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر وإن أبوا أن يكون منا أمير ومنهم أمير فأجلوهم عن بلادكم وتولوا هذا الأمر عليهم، فأنتم والله أحق به منهم، فقد دان بأسیافكم قبل هذا الوقت من لم يكن يدين بغيرها وأنا جذيلها

ص: 43


1- الحُبَاب بن المنير (ت: 20 ه = 640 م): هو الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري الخزرجي ثم السلمي: صحابي، من الشجعان الشعراء، يقال له (ذو الرأي) قال الثعالبي: (هو صاحب المشورة يوم بدر، أخذ النبي صلى الله عليه واله وسلم برأيه، ونزل جبريل فقال: الرأي ما قال حباب، وكانت له في الجاهلية آراء مشهورة) وهو الّذي قال عند بيعة أبي بكر يوم السقيفة: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب فذهبت مثلا. مات في خلافة عمر، وقد زاد على الخمسين. ينظر: الأعلام، خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي (ت: 1396 ه)، دار العلم للملايين، ط 15، 2002 م: 2 / 163
2- ينظر: السيرة النبوية و اخبار الخلفاء: 2 / 421 - 423

المحكك(1) وعذيقها المرجب(2)، والله لئن أحد رد قولي لأحطمنَّ أنفه

بالسيف(3) فسكت عمر بن الخطاب. وكان بشیر بن سعد سیدا من سادات الأنصار لما رأى اجتماع الأنصار على سعد بن عبادة لتأميره، حسده وسعي في إفساد الأمر عليه، وتكلم في ذلك ورضي بتأمير قريش وحث الناس كلهم لا سيما الأنصار على الرضا، بما يفعله المهاجرون، فقال أبو بكر: هذا عمر وأبو عبيدة شيخان من قريش فبايعوا أيهما شئتم فقال عمر وأبو عبيدة: ما نتولى هذا الأمر عليك امدد يدك نبايعك، فقال بشير بن سعد: وأنا ثالثكما، وكان سید الأوس وسعد بن عبادة سيد الخزرج، فلما رأت الأوس صنیع سيدها بشير وما ادعيت إليه الخزرج من تأمير سعد أكبوا على أبي بكر بالبيعة وتكاثروا على ذلك وتزاحموا، فجعلوا يطأون سعدا من شدة الزحمة وهو بينهم على فراشه مريض، فقال: قتلتموني، قال عمر: اقتلوا سعدا قتله الله، فوثب قیس بن سعد فأخذ بلحية عمر وقال: والله يا بن صهاك الجبان في الحرب والفرار، الليث في الملأ والأمن، لو حرکت منه شعرة ما رجعت وفي وجهك واضحة.

فقال أبو بكر مهلا يا عمر مهلا فإن الرفق أبلغ وأفضل، فقال سعد: یا بن صهاك - وكانت جدة عمر - الحبشية أما والله لو أن لي قوة على النهوض لسمعتها

ص: 44


1- المقصود بالجُذَیْل هَاهُنَا: «الَأصل مِنَ الشَّجَرَةِ تحتكُّ بِهِ الِإبل فَتَشْتَفِي بِهِ، أَي قَدْ جَرَّبتني الأُمور وَلِي رأْي وَعِلْمٌ يُشْتَفَى بِهِمَا كَمَا تَشْتَفِي هَذِهِ الإِبل الجَرْبي بِهَذَا الجِذْل، وصَغَّره عَلَى جِهَةِ الْمَدْحِ، وَقِيلَ: الجِذْل هُنَا العُود الَّذِي يُنْصَبُ للإِبل الجَرْبی» لسان العرب: 11 / 107
2- العَذْقُ: «کُلُّ غُصْنٍ لَهُ شُعَب. والعَذْق أَيضاً: النَّخْلَةُ عِنْدَ أَهل الْحِجَازِ. والعِذْق: الكِباسة. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: العَذْق، بِالْفَتْحِ، النَّخْلَةُ بحَمْلها؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ السَّقيفة: أنا عُذَيْقُها المُرْجَّبَ، تَصْغِيرًا لعَذْق النَّخْلَةِ وَهُوَ تَصْغِيرُ تَعْظِيمٍ» لسان العرب: 10 / 238
3- ينظر: تاريخ الطبري: 3 / 306، و الاحتجاج: 1 / 84

مني في سککها زئيرا أزعجك وأصحابك منها ولألحقنَّکما بقوم كنتما فيهم أذنابا أذلاء تابعين غير متبوعين لقد اجترأتما. ثم قال للخزرج: احملوني من مكان الفتنة، فحملوه وأدخلوه منزله، فلما كان بعد ذلك بعث إليه أبو بكر أن قد بايع الناس فبايع. فقال: لا والله حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي وأخضب منكم سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما أقلت يدي فأقاتلكم بمن تبعني من أهل بيتي وعشيرتي، ثم وأيم الله لو اجتمع الجن والإنس علي لما بايعتك أيهما الغاصبان حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي(1). فلما جاءهم كلامه قال عمر: لا بد من بيعته. فقال بشير بن سعد: إنه قد أبي ولج وليس بمبايع أو يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل معه الخزرج والأوس فاتر کوه فلیس ترکه بضائر، فقبلوا قوله وتركوا سعدا، فكان سعد لا يصلي بصلاتهم ولا يقضي بقضائهم، ولو وجد أعوانا لصال بهم ولقاتلهم، فلم يزل كذلك مدة ولاية أبي بكر حتى هلك أبو بكر(2).

أمّا الإمام علي علیه السلام فكان عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مشغول بجهازه والصلاة عليه، ونار الفراق تضطرم في قلوب أهل بيته، فلما فرغ من ذلك وصلى على النبي صلی الله علیه وآله وسلم والناس يُصَلُّونَ عليه من بايع أبا بكر ومن لم يبايع جلس الإمام عليه السلام في المسجد، فاجتمع عليه بنو هاشم ومعهم الزبير بن العوام، واجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان وبنو زهرة إلى عبد الرحمن بن عوف، فكانوا في المسجد كلهم مجتمعين إذ أقبل أبو بكر ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح، فقالوا: ما لنا نراكم خلقا شتی، قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته الأنصار والناس، فقام عثمان وعبد الرحمن بن

ص: 45


1- ينظر: الاحتجاج: ة 1 / 84 - 85
2- ينظر: الكامل في التاريخ، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (ت: 630ه)، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، ط 1، 1417 ه / 1997 م: 2 / 187 - 192

عوف ومن معهما فبايعوا، وانصرف الإمام علي علیه السلام وبنو هاشم إلى منزل على علیه السلام ومعهم الزبير. فذهب إليهم عمر في جماعة ممن بايع فيهم أسيد بن حصين وسلمة بن سلامة فألفوهم مجتمعين، فقالوا لهم: بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس، فوثب الزبير إلى سيفه، فقال عمر: علیکم بالكلب العقور فاکفونا شره، فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره، وأحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم ومضوا بجماعتهم إلى أبي بكر، فلما حضروا قالوا: بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس، وأيم الله لئن أبيتم ذلك لنحاكمنّكم بالسيف. فلما رأى ذلك بنو هاشم أقبل رجل رجل فجعل يبايع حتى لم يبق ممن حضر إلا علي بن أبي طالب علیهم السلام، فقالوا له بايع أبا بكر. فقال علي علیه السلام: أنا أحق بهذا الأمر منه وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من الرسول وتأخذونه منا أهل البيت غصبا، ألستم زعمتم للأنصار إنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فأعطوكم المقادة وسلموا لكم الإمارة، وأنا احتج علیکم بمثل ما احتجتم على الأنصار، أنا أولى برسول الله حیا ومیتا، وأنا وصيه ووزيره ومستودع سره وعلمه، وأنا الصديق الأكبر والفاروق الأعظم أول من آمن به وصدقه، وأحسنكم بلاء في جهاد المشركين وأعرفكم بالكتاب والسنة وأفقهكم في الدين وأعلمكم بعواقب الأمور، وأذربكم لسانا وأثبتكم جنانا، فعلام تنازعونا هذا الأمر؟ أنصفونا إن کنتم تخافون الله من أنفسكم، واعرفوا لنا الأمر مثل ما عرفته لكم الأنصار، وإلا فبوؤا بالظلم والعدوان وأنتم تعلمون، فقال عمر: يا علي أما لك بأهل بيتك أسوة؟ فقال علي علیه السلام: سلوهم عن ذلك، فابتدر القوم الذين بايعوا من بني هاشم، فقالوا: والله ما بيعتنا لكم بحجة على علي، ومعاذ الله أن نقول إنا نوازيه في الهجرة وحسن الجهاد والمحل من

ص: 46

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم(1). فقال عمر: إنك لست متروکا حتى تبايع طوعا أو كرها. قال الإمام علي عليه السلام احلب حلبا لك شطره، اشدد له اليوم ليرد عليك غدا، إذا والله لا أقبل قولك ولا أحفل بمقامك ولا أبايع. فقال أبو بكر: مهلا يا أبا الحسن ما نشك فيك ولا نكرهك فقام أبو عبيدة إلى الإمام علي علیه السلام فقال: يا بن عم لسنا ندفع قرابتك ولا سابقتك ولا علمك ولا نصرتك، ولكنك حدث السن - وكان لعلي علیه السلام يومئذ ثلاث وثلاثون سنة - وهو أحمل الثقل هذا الأمر، وقد مضى الأمر بما فيه فسلم له، فإن عمرك الله يسلموا هذا الأمر إليك، ولا يختلف فيك اثنان بعد هذا إلا وأنت به خلیق وله حقيق، ولا تبعث الفتنة في أوان الفتنة فقد عرفت ما في قلوب العرب وغيرهم عليك(2).

فقال أمير المؤمنين علیه السلام: «يا معاشر المهاجرين والأنصار، الله الله لا تنسوا عهد نبيكم إليكم في أمري، ولا تخرجوا سلطان محمد من داره وقعر بیته إلى دورکم وقعر بيوتكم، ولا تدفعوا أهله عن حقه ومقامه في الناس. فوالله معاشر الجمع، إنَّ الله قضى وحكم ونبيه أعلم وأنتم تعلمون بأنّا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم، أما كان القارئ منكم لكتاب الله الفقيه في دين الله، المطلع بأمر الرعية، والله إنَّه لفينا لا فيكم فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعدا، وتفسدوا قديمكم بشرٍّ من حديثكم»(3).

ص: 47


1- ينظر: الاحتجاج: 1 / 85 - 86، وخلاصة عبقات الأنوار، السيد حامد النقوي (ت: 1306 ه)، مؤسسة البعثة - قسم الدراسات الإسلامية - طهران - ایران، (د. ط)، 1405:3 / 314 - 317
2- بحار الأنوار: 28 / 185، ومنهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، حبيب الله الخوئي: 3 / 9
3- الاحتجاج: ج 1 / 96، وينظر: بحار الأنوار: 28 / 186، مرآة العقول في شرح أخبار الرسول: 346

فقال بشير بن سعد الأنصاري الذي وطأ الأرض لأبي بكر وقالت جماعة من الأنصار: يا أبا الحسن لو كان هذا الأمر سمعته من الأنصار قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلف فيك اثنان(1)،. فقال الإمام علیه السلام:

یا هؤلاء كنت أدع رسول الله مسجي لا أواريه وأخرج أنازع في سلطانه، والله ما خفت أحدا يسموله وينازعنا أهل البيت فيه ويستحل ما استحللتموه، ولا علمت أنَّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ترك يوم غدير خم لأحد حجة ولا لقائل مقالا، فأنشد الله رجلا سمع النبي يوم غدیر خم يقول:

(من کنت مولاه فهذا علي مولاه اللّٰهُمَّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصرہ وخذل من خذله) أن يشهد الآن بما سمع.

قال زيد بن أرقم: فشهد اثنا عشر رجلا بدريا بذلك و كنت ممن سمع القول من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فكتمت الشهادة يومئذ، فدعا علي عليَّ فذهب بصري. وكثر الكلام في هذا المعنى وارتفع الصوت و خشي عمر أن يصغي الناس إلى قول علي علیه السلام، ففسح المجلس وقال: إن الله يقلب القلوب، ولا تزال یا أبا الحسن ترغب عن قول الجماعة، فانصرفوا يومهم ذلك(2).

المقصد الرابع: اعتراض عثمان بن حنيف على أبي بكر:

من شأن المواقف الحازمة، أن تكشف عن ذوي النفوس الأبية، والمعادن الأصيلة، تلك الشخصيات التي لا يهز ثباتها طمع، ولا يريبهم خوف، ونحن

ص: 48


1- ينظر: نهج البلاغة، شرح: الشيخ محمد عبده، دار الذخائر - قم - ایران، ط 1، 1412: 3 / 33، ومنهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، حبيب الله الهاشمي الخوئي (ت: 1324 ه)، تحقيق: سيد إبراهيم الميانجي، المطبعة الإسلامية بطهران، ط 4، (د. ت): 3 / 2 - 9
2- ينظر: الاحتجاج: 1 / 89 - 87، و الكامل في التاريخ: 2 / 192

نشير هنا إلى الثلة الطيبة من الصحابة الذين حفظوا وصايا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في وصيِّة الإمام علي عليه السلام فكانوا للثبات رمزا، وللمعروف أهلا، صابرين على البلاء، وتمحيص الدنيا، رافعين راية الوفاء، متمسكين بسنن الدين، لم يتأخروا عن قول الحق أمام الظالمين، ونصرة الأولياء والصالحين، فقد روي عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام): جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنكر على أبي بكر فعله، وجلوسه مجلس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ قال: «نعم كان الذي أنكر على أبي بكر اثنی عشر رجلا من المهاجرين: خالد بن سعید بن العاص وكان من بني أمية، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن یاسر، وبريدة الأسلمي، ومن الأنصار أبو الهشيم بن التيهان، وسهل بن حنيف، وعثمان بن حنيف، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وأبي بن كعب، وأبو أيوب الأنصاري»(1).

وكان هذا الإنكار بعد المحاججة التي جرت بين أمير المؤمنين علیه السلام وعمر بن الخطاب وأبي بكر وجمع من المهاجرين والأنصار، بعد أن اسكتهم بحججه الدامغة التي سبق الإشارة إلى بعضها، لجأ عمر إلى تفريق الحضور؛ حتى لا يثني موافقتهم على البيعة، وما أن لبثوا حتى عادوا في يومهم التالي، وكان يوم الجمعة، فحضر أبو بكر ومعه حاشيته إلى المسجد، فلما صعد أبو بكر المنبر، تشاور المعترضون من المهاجرين والأنصار فيما بينهم، فقال بعضهم لبعض: والله لنأتينَّه ولننزلنَّه عن منبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، وقال آخرون منهم: والله لئن فعلتم ذلك إذاً أعنتم على أنفسكم، فقد قال الله عز وجل: «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيکُمْ إلى

ص: 49


1- بحار الانوار، العلامة المجلسي (1111 ه)، مؤسسة الوفاء، بیروت - لبنان، ط 2، 1403 ه 1983 م: 28 / 189

التَّهْلُكَةِ»(1) فانطلقوا بنا إلى أمير المؤمنين علیه السلام لنستشيره ونستطلع رأيه(2).

وهذا أن يدل على شيء إنما يدل على طاعة أولي أمرهم والالتزام بتوصياتهم، ولكن يبقى الإنموذج قليل، فانطلق القوم إلى أمير المؤمنين علیه السلام بأجمعهم، فقالوا: يا أمير المؤمنين تركت حقا أنت أحق به وأولى به من غيرك، لأنا سمعنا رسول الله يقول: علي مع الحق والحق مع علي يميل مع الحق كيف ما مال، ولقد هممنا أن نصير إليه فنزله عن منبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فجئناك لنستشيرك ونستطلع رأيك فما تأمرنا(3)؟.

فقال أمير المؤمنين: وأيم الله لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم إلا حربا، ولكنكم کالملح في الزاد و کالکحل في العين، وأيم الله لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين بأسيافكم مستعدين للحرب والقتال، وإذاً لأتوني فقالوا لي بايع وإلا قتلناك، فلا بد لي من أدفع القوم عن نفسي، وذلك أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، أوعز إليَّ قبل وفاته، قائلا: يا أبا الحسن إنَّ الأمة ستغدر بك من بعدي، وتنقض فيك عهدي، وإنَّك مني بمنزلة هارون من موسى، وإنَّ الأمة من بعدي کهارون ومن اتبعه، والسامري ومن اتبعه، فقلت: يا رسول الله فما تعهد إلي إذا كان كذلك؟، فقال: إذا وجدت أعوانا فبادر إليهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعوانا كف يدك واحقن دمك حتى تلحق بي مظلوما. فلما توفي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، اشتغلت بغسله وتكفينه والفراغ من شأنه ثم آليت على نفسي يمينا أن لا أرتدي برداء إلا للصلاة حتى أجمع القرآن، فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرفوه ما سمعتم من قول نبیکم،

ص: 50


1- البقرة: 195
2- ينظر: بحار الانوار: 28 / 189
3- ينظر: الاحتجاج: 1 / 88

ليكون ذلك أوكد للحجة، وأبلغ للعذر، وأبعد لهم من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذا وردوا عليه(1).

وموقف أمير المؤمنين وأنصاره هذا يكشف عن عمق همهم الديني، واجتهادهم في خدمة الإسلام والمسلمين، وينبغي الإشارة إلى أنَّ الخلاف على الخلافة هنا ليس خلافا شخصيا، همه من يتقلد مقاليد الأمور ويصبح أميرا، وإنَّما الخلاف في تسنم الأصلح لخلافة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في أمته، يسهر على رعايتها ويتخذ النَّصفَ والعدل في الحكم بين رعيتها، وقد أوضح هذا الأمر في مضمون خطبة له علیه السلام يصف من يتصدى للحكم وليس من أهله نذكر منها:

«إِنَّ أَبْغَضَ الخَلائِقِ إلى اللهِ تعالى رَجُلانِ: رَجُلٌ وَكَلَهُ اللهُ إلى نَفْسِهِ، فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، مَشْغُوفٌ بِکَلاَمِ بِدْعَة، وَدُعَاءِ ضَلاَلَة، فَهُوَ فِتْنَةٌ لَمِنِ افْتَتَنَ بِهِ، ضَالٌّ عَنْ هَدْي مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، مُضِلُّ لِمَنِ اقْتَدَي بِهِ في حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، حَمَّالٌ خَطَايَا غَيْرِهِ، رَهْنٌ بِخَطِيئَتِهِ. وَرَجُلٌ قَمَشَ جَهْلاً، مُوضِعٌ في جُهَّالِ الاْمَّةِ، غادر في أَغْبَاشِ الفِتْنَةِ، عِم بِمَا فِي عَقْدِ الهُدْنَةِ قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالمِاً وَلَيْسَ بِهِ، بَکَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْع، مَا قَلَّ مِنْهُ خَیْرٌ مِمَّا كَثُرَ، حَتَّى إِذَا ارْتَوَی مِنْ مَاء آجِن(2)»(3)

ص: 51


1- ينظر: الاحتجاج: 1 / 88، و بحار الانوار: 28 / 189 - 191
2- الشرح: «و كله إلى نفسه: ترکه و نفسه، وكلته وکلا ووكولا. والجائر: الضال العادل عن الطريق. وقمش جهلا: جمعه. وموضع: مسرع، أو ضع البعير أسرع، وأوضعه راكبه فهو موضع به، أي أسرع به . وأغباش الفتنة: ظلمها، الواحدة غبش، وأغباش الليل: بقایا ظلمته، ومنه الحديث في صلاة الصبح: «والنساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغبش «. والماء الآجن: الفاسد». شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 1 / 284
3- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 1 / 284

ولا أدل ولا أعلم ولا أورع من أمير المؤمنين علیه السلام في هذا الجانب، فهو استحقاقه الشرعي، فضلا عن النص القرآني بإمامته، ونرى دأبه في متابعة حياة المسلمين ونجاتهم، حتى في هذه الظروف المؤلمة التي خذلوه بها، فجلس يجمع دستور الإسلام - القرآن الكريم - فهو أعلم بمحكمه ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه، وكل آياته وسوره فيما وأين نزلت، أما أنصاره من المهاجرين والأنصار، فلم يجدوا بد من اتباعه لأنَّهم يجدون فيه شخص رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، وما هذا إلا لصفاء قريحتهم ونقاء قلوبهم، تركوا الدنيا واطماعها فاصبحوا باتباعهم الحق من الفائزين، لكن الإمام عليه السلام وجههم وجهة أخرى؛ بها يميطوا لثام الغدر والانقلاب، على أهله بسياسة وحكمة، حتى يسجل بذلك التاريخ موقفهم، ويُدَوَّن في صفحته هذه النكسة في حياة الأمة التي نعيش وبالها حتى يومنا هذا، فاتخذوا بذلك الجانب الإعلامي لنصرة أمير المؤمنين علیه السلام بعد أن تعذر الجانب العسكري، إذ سار القوم حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وكان يوم الجمعة، فلما صعد أبو بكر المنبر، وأول من تكلم به خالد بن سعید بن العاص ثم باقي المهاجرين ثم من بعدهم الأنصار، وروى أنهم كانوا غيبا عن وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقدموا وقد تولى أبو بكر، وهم يومئذ أعلام مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فأدلوا بما جادت به قرائحهم، ومن هذه الطليعة المعترضة كان (عثمان بن حنيف الأنصاري)، الذي تقدم إلى أبي بكر، وقال: سمعنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يقول:

أهل بيتي نجوم الأرض فلا تتقدموهم وقدموهم فهم الولاة من بعدي، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله وأي أهل بيتك؟ فقال، علي والطاهرون من ولده. وقد بين صلی الله علیه وآله وسلم فلا تكن يا أبا بكر أول كافر به، ولا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون(1).

ص: 52


1- ينظر: بحار الانوار: 28 / 193، والاحتجاج: 1: 88

ولمعرفة حجم هذا الموقف الشجاع، ينبغي أن ننتقل بأنفسنا إلى تلك الأجواء، ونستحضر الموقف الخطابي الذي أحتضن تلك الواقعة، ولو تأملنا مجريات الأحداث آنذاك، نجدها مستغلقة النهوض على كثير من الشخصيات المعروفة، لمثل موقف صاحبنا عثمان بن حنیف والثلة الطيبة التي كانت معه، فالمسجد مكتظ بالمسلمين، ومن يدعون بأنهم كبار الصحابة على أهبة الاستعداد لمحاججة وتفنيد أفكار أي معترض على خلافة أبي بكر، متكئين بذلك على عشيرتهم - قريش - وسبق صحبتهم القلقة، وقد أدرك عثمان بن حنیف المخاطر الحافة به إلا أنَّه دبج خطابه بأسلوب محكم، أفحم به أبا بكر، وجعله لا يقوى على الرد - كما سيأتي -، ولا بد لنا من التعريج على مضامين خطبته ومناقشة ما ورد فيها مضمونا وصياغة:

استهل المتكلم خطابه بقوله: (سمعنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يقول: أهل بيتي نجوم الأرض...) وهذا الاستهلال يمنحه سلطة الكلام، إذ إنَّه بمجرد ذكر هذه العبارة رقّمَ نفسه من طبقة الصحابة، وبذلك تقدم خطوة كبيرة في مصاف الحجاج، ودخل في دائرة من يجوز لهم النقاش والاعتراض، أضف إلى ذلك أنَّه من الأنصار معروفي الفضل، المتقدمين في الجهاد بين يدي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هذا أولا، وملك أسماع القوم، وجذب انتباههم ثانیا؛ لأنَّ الذي سيقال هو نص حديث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، والمتلقون في ذلك صنفان: صنف يتربص لأي عيٍّ أو انتحال له حتى يبطل حجته، وصنف ينتظر من منطقة الذي سيقول، بأن يشفي غليله باعتراض دامغ.

وقد وفق في اختيار قول الرسول صلی الله علیه وآله وسلم الذي يصب في جوهر الموقف، ويعالج انحراف أمرهم، فقال ناقلا قول الرسول صلی الله علیه وآله وسلم: (أهل بيتي نجوم الأرض فلا تتقدموهم وقدموهم فهم الولاة من بعدي)؛ فالقول المنقول يتسم بالعموم هنا،

ص: 53

وطبيعة الموقف تقتضي التخصيص أكثر، لذلك أردفه بتسائل أحدهم عن أهل بيته علیهم السلام من هم؟، فاتجه إلى التخصيص أكثر، بقوله: علي والطاهرون من ولده) فشكل نهج عثمان في بناء خطابه تسلسلا من العام إلى الخاص، وقد عرف هذا الأسلوب في الدراسات الحديثة على وفق (دیکرو) باسم السلم الحجاجي(1)، الذي يتدرج من الحجج البسيطة أو الأقل تأثير إلى الأقوى فالأقوى، فيكون المسير طرديا في قوة الحجج لا عكسيا(2)، بمعنى أنه أذا كانت (أ) حجة، و (ب) حجة ثانية، فأن لحجة (ب) تستوعب الحجة (أ) وتغني عنها ولا يمكن للحجة (أ) أن تسد عمل الحجة (ب) لأنَّها أقل منها أو ممهدة لها، في خدمة (النتيجة = ن) التي تمثل غرض الخطاب. ويمكن بيان هذا السلم الحجاجي على وفق الترسيمة الاتية:

م. الثاني: أقتباس مباشر: (لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»

م. الأول: اقتباس غير مباشر من القرآن: «وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ»

(النتيجة = ن)

ح (3) وهم (علي والطاهرون من ولده)

ح (2) (أهل بيتي نجوم الأرض فلا تتقدموهم)

ح (1) (سمعنا رسول الله.....)

ص: 54


1- ينظر: الحجاج والاستدلال الحجاجي، وآليات اشتغاله، د. رضوان الرقبي، مجلة عالم الفكر ومجلة دورية محكمة تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والأدب - الكويت العدد الثاني، المجلد 40، اكتوبر - ديسمبر، 2011 م: 30، 40
2- ينظر: في أصول الحوار وتجديد علم الكلام، د. طه عبد الرحمن، المركز الثقافي العربيت - الدار البيضاء، ط 2، 2000 م: 105

وبعد هذا التسلسل المنطقي في بناء خطابه قدم الهدف أو النتيجة منه التي رمزنا لها بالرمز: (ن= نتيجة)، بقوله:

(فلا تكن يا أبا بكر أول كافر به، ولا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون).

وقد استثمر أيضا - إضافة إلى هذا التسلسل المذكور - قوةً حجاجية ثانية متمثلة بالاقتباس القرآني، إذ تمثل باحتجاجه اقتباسا قرآنیا وهذا يعطي بطبيعة الحال بعدا أقوى لوقع الكلام والتأثير في المتلقي، فقوله: (فلا تكن يا أبا بكر أول كافر به) اقتباس غير مباشر أو جزئي، من قوله تعالى:

«وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ»(1).

ومن دقة اختياره أن مضمون الآية الكريمة يصب في الدعوة إلى الإيمان والتصديق بما جاء به الرسول صلی الله علیه وآله وسلم(2).

ولو استنطقنا التفاسير عن معنى الآية لوجدناها تدور في هذا الفلك، قال الزجاج: «وإنما قيل لهم «وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ»؛ لأنَّ الخطاب وقع على

ص: 55


1- البقرة: 41
2- ينظر: تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمد بن جریر بن یزید بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (ت: 310 ه)، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات الإسلامية بدار هجر الدكتور عبد السند حسن، یمامة دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، ط 1، 1422 ه - 2001 م: 1 / 599، و الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (ت: 538 ه)، دار الكتاب العربي - بيروت، ط 3، 1407 ه: 1 / 130

حکمائهم فإذا كفروا كفر معهم الأتباع، فلذلك قيل لهم: «وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِه»(1)، ولا يخفى التعريض الذي قصده الصحابي عثمان بن حنیف من هذه الإحالة أو التلميح للآية القرآنية، بوصفهم - حسب ما هو شائع - صحابة الرسول وأول من سارع إلى نكث العهود، ومخالفة قول الرسول بل واغضابه!!. وأشار في شقِّ النتيجة الثاني إلى اقتباس مباشر من قوله تعالى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(2)، فأي حديث بعد هذا يقولون!!؛ إذ أعياهم وأخمد عقولهم، ويمكن أجمال الخصائص الأسلوبية في خطبة عثمان بن حنيف بالآتي:

1. ارتكز في مقدمة خطابه على بيان مكانته الاجتماعية وحظوته من صحبة الرسول والجهاد معه.

2. قدم تسلسل منطقي في خطابه متمثل ب:

- ذكر قول للرسول صلی الله علیه وآله وسلم.

- تدرج من العموم إلى الخصوص في الكلام، وبذلك يكون الفهم والافهام أوسع منالا، وأكثر تأثيرا. - الاقتباس غير المباشر من القرآن الكريم كخطوة أولية في خدمة الغرض من خطابه.

- الاقتباس المباشر كنتيجة نهائية، ومحصلة للحجج التي ساقها.

ص: 56


1- معاني القرآن وإعرابه، إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج (ت: 311 ه) تحقيق: عبد الجليل عبده شلبي، عالم الكتب - بيروت، ط 1، 1408 ه - 1988 م: 1 / 122
2- الانفال: 27

3. دقة اختيار الآيات المقتبس منها، إذ يجمعها الموقف الخطابي و وحدة الموضوع والهدف.

4. التعريض والتوبيخ الضمني الذي خرج إليه الكلام، وفق قرائن ومداليل الآيات المباركة المقتبسة، التي جاءت تذم من يكفر ويخون الأمانات في موضوعاتها.

وهذه البلاغة والفصاحة ثمرة صحبة الكرام، الذين يلهجون بذكر الله وحديث الرسول، ولا غرابة أن نستنشق عبق بلاغة علي بن أبي طالب علیه السلام من هذه الخطبة، فهم مدرسة تشرع أبوابها للغاديين ومن رام الفوز بالآخرة والكرامة في الدنيا.

فسكت أبو بكر، ولم يجد حجة يدفع بها كلام من تكلم، قال الصادق علیه السلام: فأفحمَ أبا بكر على المنبر حتى لم يحر جوابا(1)، فلم يجد غير طريق الانصياع والاستسلام لحجج الصحابة المعترضين، فقال: ولَّيتكم ولست بخيرکم أقيلوني، أقيلوني!، فقال له عمر بن الخطاب: انزل عنها يا لكع(2)، إذا كنت لا تقوم بحجج قريش لم أقمت نفسك هذا المقام؟، والله لقد هممت أن أخلعك واجعلها في سالم مولى أبي حذيفة، فنزل ثم أخذ بيده وانطلق إلى منزله، وبقوا ثلاثة أيام لا يدخلون مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فلما كان في اليوم الرابع جاءهم خالد بن الوليد ومعه ألف رجل، فقال لهم: ما جلوسكم فقد طمع فيها والله بنو هاشم؟ وجاءهم سالم مولى أبي حذيفة ومعه ألف رجل، وجاءهم معاذ بن جبل ومعه ألف رجل، فيما زال يجتمع إليهم رجل رجل حتى اجتمع أربعة

ص: 57


1- ينظر: الاحتجاج: 1 / 92
2- اللكع: اللئيم وا لعبد الاحمق، ينظر: لسان العرب: 8 / 388

آلاف رجل، فخرجوا شاهرين أسيافهم يقدمهم عمر بن الخطاب حتى وقفوا بمسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فقال عمر: والله يا أصحاب علي لئن ذهب منکم رجل يتكلم بالذي تكلم بالأمس لنأخذنَّ الذي فيه عيناه. فقام إليه خالد بن سعید بن العاص وقال، یا بن صهاك الحبشية أ بأسيافكم تهددوننا أم بجمعكم تفزعوننا، والله إنَّ أسيافنا أحد من أسیافكم، وأنَّا لأكثر منكم وإن كنا قليلين لأن حجة الله فينا، والله لولا أنَّي أعلم أنَّ طاعة الله ورسوله وطاعة إمامي أولى بي لشهرت سيفي وجاهدتكم في الله إلى أن أبلي عذري.

فقام أمير المؤمنين علیه السلام، فقال: اجلس یا خالد فقد عرف الله لك مقامك وشكر لك سعيك، فجلس، وقام إليه سلمان الفارسي، فقال: الله أكبر، الله أكبر، سمعت رسول صلی الله علیه وآله وسلم بهاتين الأذنين وإلا صمتا، يقول: بينا أخي وابن عمي جالس في مسجدي مع نفر من أصحابه إذ تكبسه جماعة من كلاب أصحاب النار يريدون قتله وقتل من معه، فلست أشك إلا وأنَّكم هم، فهمَّ به عمر بن الخطاب، فوثب إليه أمير المؤمنين علیه السلام وأخذ بمجامع ثوبه ثم جلد به الأرض ثم قال: يا بن صهاك الحبشية لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول الله تقدم لأريتك أيّنا أضعف ناصرا وأقل عددا. ثم التفت إلى أصحابه فقال: انصرفوا رحمكم الله، فوالله لا دخلت المسجد إلا کما دخل أخواي موسى وهارون، إذ قال له أصحابه، فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، والله لا دخلته إلا لزيارة رسول الله صل الله علیه وآله وسلم أو لقضية أقضيها فإنَّه لا يجوز بحجة أقامها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن يترك الناس في حيرة(1).

وأمرٌ متوقع أن يحدث هذا الانقلاب العسكري، بعد اعتراض عثمان

ص: 58


1- ينظر: الاحتجاج: 1 / 92 - 93

بن حنیف وأصحابه في المسجد أمام الملأ، وبعد بيان الحق وإظهار الدليل، واستسلام أبي بكر وطلبه منهم إقالته - رددها مرتين -، ولكن عمر بن الخطاب الذي يحاول بناء الأمر له عن طريق أبي بكر، حتى يتشطَّر ضرع الخلافة بعده، لم يجد طريقا آخر غير تأجيج وحشد الجيش، ولا يخشى الفتنة والدماء التي ستسفك إن قاوم الطرف الآخر، وينتكس عندها الإسلام من الداخل فضلا عن الأعداء التي تتربص به من الخارج، فرأى أمير المؤمنين علیه السلام من حكمة الأمر أن يحفظ دماء المسلمين، ونجاة أصحابه، ويتخذ الصبر درعا لمرحلته القادمة، وشتّان بين من يؤجج الفتن لمصلحته وأطماعه، وبين من يخمد دائرة الفتن والتآمر على الإسلام والمسلمين بالتنازل عن حقه وإرثه الإلهي.

لقد عالج أمير المؤمنين علیه السلام هذه الفتنة بالإيثار والحكمة، وبني الإسلام وأدامته بلبنات صبره وعلمه، فارتفع به الإسلام وشمخ، وأدارت الرعية عنه وجهها إلّا ثلة طيبة من الصحابة الذين جاءوا الله بقلب سليم، وعمل صادق.

ص: 59

ص: 60

المطلب الثالث: عثمان بن حنيف وعمر بن الخطاب

اشارة

عاش عثمان بن حنيف بعد تلك الأحداث كأي مسلم يقضي وروده، ويجالس ثلته ويمتثل لما يقع على المسلمين من أمور، واستمر به الحال حتى مات أبو بكر، واستلم الخلافة عمر بن الخطاب، بعد استقتاله لتثبيت خلافة أبي بكر حتى يصل الأمر إليه، وقد وصل بمعية الرعاع، وأتته يفوق حجمُها حجمَه، مخذولةً من صاغرٍ إلى صاغر بعد عزها برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، متأملةً من يرفع قدرها ويشرفها، فتُنْکَس بمن ينتظر منها الشرف، ولكن امتطاها بثمن باهض متمثل بغضب الرسول صلی الله علیه وآله وسلم لمنعه من كتابة وصيته، واتهامه بالهجر، واغتصاب الخلافة من وصيّه علیه السلام وهلم جرّا...

وإذا كانت غايتنا تتبع مسيرة الصحابي (عثمان ابن حنيف) فأجدني أمام مواقف خلدته في هذه المرحلة، وأقصد فترة حكم عمر بن الخطاب، فنجده - عثمان بن حنیف - يعطي لكل مرحلة حقها، وهو كعامة المسلمين عليه ما عليهم، إلَّا أنَّ الكفاءةَ التي امتاز بها في میادین شتی تستدعيه دوما للتصدي، فبعد ما عرفناه مجاهدا في زمن الرسول صلی الله علیه وآله وسلم، وثائرا ومنتفضا على أبي بكر في زمن

ص: 61

خلافته، يطالعنا اليوم - زمن عمر بن الخطاب - بجنبة أخرى، ومهمة لا يحتاج فيها إلى درع بقدر حاجته إلى قلم و قرطاس ليُنَظِّمَ شؤونَ الرعيةِ، وأمر الخراج وغيرها من أمور الدولة، وهو بذلك يثبت حسن أدارته و وعيه بشهادة قومه ويظهر من ذلك أنّه «كان رجلا بارعا في علم الاقتصاد والسياسة معا فاستفاد منه عمر من الناحية الاقتصاديّة وفوّض إليه أمر الخراج والجزية وهو من أهمّ الأمور في هذا العصر وخصوصا في أرض العراق العامرة»(1)، ولمعرفة ذلك عن كثب ننتظر من الصفحات الآتية أن تعلمنا عن مهامه الجديدة هذه.

المقصد الأول: عثمان بن حنيف في معركة القادسية:

لما انحسر الشتاء سار سعد إلى القادسية، وكتب إلى عمر يستمده فبعث إليه المغيرة بن شعبة، في جيش من أهل المدينة. وكتب إلى أبي عبيدة أن يمده بألف. وسمع بذلك رستم بن الفرخزاد(2). فخرج بنفسه في مائة وعشرين ألفا، سوی التبع والرقيق حتى نزل القادسية. وبينه وبين المسلمين جسر القادسية، وقيل: كانوا ثلاثمائة ألف ومعهم ثلاثة وثلاثون فيلا. واجتمع المسلمون حتى صاروا ثلاثين ألفا. فكانت وقعة القادسية المشهورة التي نصر الله فيها المسلمين، وهزم

ص: 62


1- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 20 / 90
2- رُسْتَم: بضم الراء وفتح التاء، هو رُسْتَم بن الفرخزاد، رُسْتَم لفظة فارسية، معناها: نَجَوْتُ، ويقال إن أمه تعذَّبت بولادته لِشِدَة تَعَسُّرها، وعندما وضعته صاحت:رُسْتَم أي نَجَوْتُ، فسمي بهذا الاسم. قتلت أَزْرمیدُخت أبنت عمه والده وجلست على عرشه ولكن رستم انتقم لوالده، ورُسْتَم من القواد المشهورين في فارس، هزمه سعد بن أبي وقاص في معركة القادسية. ينظر: شعر الفتوح الإسلامية في صدر الإسلام، الدكتور النعمان عبد المتعال القاضي، مكتبة الثقافة الدينية، ط 1، 1426 ه - 2005 م: 54

المشركين فلما هزم الله الفرس، کتب عمر إلى سعد أن أعد للمسلمين دار هجرة. وإنه لا يصلح للعرب إلا حيث يصلح للبعير والشاه وفي منابت العشب. فانظر فلاة إلى جانب بحر. فبعث سعد (عثمان بن حنيف) فارتاد لهم موضع الكوفة اليوم فنزلها سعد بالناس. ثم كتب عمر إلى سعد أن ابعث إلى أرض الهند - یرید البصرة - جندا فلينزلوها ولما ورد کتاب أبي بكر إلى أمراء الأجناد باستخلاف عمر بايعوه(1).

المقصد الثاني: مهمة مسح أرض السواد:

عرفت أرض السواد بوفرة الزراعة والمياه، وكثرة البساتين العامرة، ويذكر أن كثافة بساتينها وخضرة أرضها كان السبب وراء تسميتها بهذا الاسم «وإنما سمي سوادا لأن العرب حِينَ جاءوا نظروا إلى مثل الليل من النخل والشجر والماء فسمّوه سوادا»(2).

وقد اسْتَشَارَ عمر بن الْخطاب الصَّحَابَة فِي رجل يوجهه إلى الْعرَاق فَأَجْمعُوا جَمِيعًا على (عُثْمَان بن حُنَيْف) هَذَا وَقَالُوا لن تبعثه إلى أهم من ذَلِك فَإِن لَهُ بصراً وعقلاً وَمَعْرِفَة وتجربة فأسرع عمر إِلَيْهِ فولَّاه مساحة أَرض الْعرَاق(3)، وفي

ص: 63


1- ينظر: مختصر سيرة الرسول صَّلی الله علیه وسلم: محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي (ت: 1206 ه)، وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية، ط 1، 1418 ه: 1 / 300، 319
2- المنتظم في تاريخ الملوك والامم، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (ت: 597 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية ، بیروت، ط 1، 1412 ه - 1992 م: 9 / 310
3- ينظر: مختصر سيرة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم: 1 / 319

رواية أخرى: أَنَّ عُمَرَ وَجَّه عُثْمَانَ بنَ حُنَيْفٍ عَلَى خَرَاجِ السَّوَادِ، وَرَزَقَهُ کُلَّ يَوْمٍ رُبْعَ شَاۃٍ وَخَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَمْسَحَ السَّوَادَ، عَامِرَهُ وَغَامِرَهُ - أي صالحة للزراعة، وغير مزروعة - وَلاَ يَمْسَحَ سَبْخَةً، وَلاَ تَلاًّ، وَلاَ أَجَمَةً، وَلاَ مُسْتَنْقَعَ مَاءٍ. فَمَسَحَ کُلَّ شَيْءٍ دُوْنَ (جَبَلِ حُلْوَان)(1)، إلى أَرْضِ العَرَبِ، وَهُوَ أَسْفَلُ الفُرَاتِ، وَكَتَبَ إلى عُمَرَ: إِنِّي وَجَدْتُ كُلَّ شَيْءٍ بَلَغَهُ المَاءَ غَامِراً وَعَامِراً سِتَّةً وَثَلاَثِيْنَ أَلْفَ (جَرِيْبٍ)(2)وَكَانَ ذِرَاعُ عُمَرَ الَّذِي ذَرَعَ بِهِ السَّوَادَ ذِرَاعاً وَقَبْضَةً وَالإِبْهَامَ مُضْجَعَةً. وَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَنِ افْرِضِ الخَرَاجَ عَلَى كُلِّ جَرِیْبٍ عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ دِرْهَماً (وَقَفِيْزاً)(3)، وَافْرِضْ عَلَى الكَرْمِ عَلَى کُلِّ جَرِیْبٍ عَشَرةَ دَرَاهِمَ، وَأَطْعِمْهُمُ النَّخْلَ وَالشَّجَرَ، وَقَالَ: هَذَا قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى عِمَارَةِ بِلاَدِهِم. فَضرب عُثْمَان على كل جريب فبلغت جباية سَواد الْكُوفَة قبل أَن يَمُوت عمر بعام مائة

ص: 64


1- حُلْوانُ: بالضم ثم السكون، والحلوان في اللغة الهبة، يقال: حلوت فلانا كذا مالا أحلوه حلوا وحلوانا إذا وهبت له شيئا على شيء يفعله غير الأجر، وفي الحديث: نهي عن حلوان الكاهن، والحلوان: أن يأخذ الرجل من مهر ابنته لنفسه. وحلوان في عدة مواضع: حلوان العراق، وهي في آخر حدود السواد مما يلي الجبال من بغداد، وقيل: إنها سميت بحلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة كان بعض الملوك أقطعه إياها فسميت به، ينظر: معجم البلدان: 2 / 290
2- يبلغ مقدار الجريب بالأمتار: (1366 م 2)، ينظر: عصر الخلافة الراشدة محاولة لنقد الرواية التاريخية وفق منهج المحدثين، أكرم بن ضياء العمري، مكتبة العبيكان - الرياض، ط 1، 1430 ه - 2009 م: 200
3- مقدار القفيز: (360) ذراعاً، وهذا ما يستعمل في العراق، وقد يختلف ذلك في سائر البلدان. وللاستزادة ينظر: مفاتیح العلوم، محمد بن أحمد بن يوسف، أبو عبد الله، الكاتب البلخي الخوارزمي (ت: 387 ه)، تحقيق: إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي ط 2، (د.ت): 92

ألف ألف ونيفاً(1).

وقيل ايضا: قُرئَ عَلَيْنَا کِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أَمِيرًا، وَابْنَ مَسْعُودٍ مُعَلِّمًا وَوَزِيرًا، وَجَعَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى بَیْتِ مَالِكُمْ، وَبَعَثْتُ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ عَلَى السَّوَادِ وَإِنَّهُمَ لِمَنَ النُّجَبَاءِ مِنْ أصحاب مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله وسلم مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَاسْمَعُوا لَهُمَ، وَأَطِيعُوا، وَاقْتَدُوا بِهِمَ(2)

وهذا مؤشر آخر على الباقة وحنكة هذا الرجل (عثمان) إذ نظم أمور البلاد ومسح أرضها ورتب أمور الخراج، مراعيا فيه طبقات المجتمع، الأمر الذي دفع جملة من الصحابة أن يشهدوا له بالحكمة والعدالة، وربما کسب خبرة الإدارة من تأثير الحاضرة التي نشأ فيها، إذ ولد و كبر في أحضان المدينة، و فيها من التنظيم وحسن إدارة الأمور ما فيها، غير أنّ الطبراني ينقل رواية تثير الاستغراب والعجب، وتكشف عن سوء معاملة عمر بن الخطاب لعُمَّالِهِ من الصحابة، جاء فيها: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي نَوْفُلَ بْنُ مُسَاحِقٍ، قَالَ: بَيْنَا عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ يُكَلِّمُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَکَانَ عَامِلا لَهُ فَأَغْضَبَهُ، فَأَخَذَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَبْضَةً مِنَ الْبَطْحَاءِ فَرَجَمَهُ بِهَا، فَأَصَابَ حَجَرٌ مِنْهَا جَبِينَهُ فَشَجَّهُ، فَسَالَ الدَّمُ عَلَى لِحْيَتِهِ(3).

ص: 65


1- ينظر: الوافي بالوفيات، صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي (ت: 764 ه) تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، دار إحياء التراث - بيروت، (د. ط)، 1420 ه - 2000 م: 19 / 316
2- ينظر: المنتظم في تاريخ الملوك والامم: 4 / 308
3- ينظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي (ت: 807 ه)، تحقيق: حسام الدين القدسي، مكتبة القدسي، القاهرة (د. ط)، 1414 ه، 1994 م: 9 / 371

ولربما هذا الموقف نابع من ترسبات ذلك الموقف، إذ ينبغي ألا يصدر هكذا سلوك ممن يتسنم قيادة المسلمين.

المقصد الثالث: مصطلحات سجلتها المعاجم في وقته:

إن متتبع المعاجم العربية، التي رقمت اللغة و بینت مستغلقها على العامة يجد لهذا الرجل - عثمان بن حنيف - حضورا فيها، إذ دارت في مراسلاته مع الخلفاء مصطلحات: منها المعرب والدخيل، والحوشي الغريب، ويمكن أن نلمس من هذه الظاهرة فصاحته و يباسة لغته التي دخلت في مادة المعاجم العربية، ولم تأثر فيها ليونة الحاضرة وتمدنها، وقد لمس البحث لهذا الصحابي مصطلحات في الكيل والمساحة والخراج يمكن بيانه للقارئ الكريم بالاتي:

مصطلح (الطسق): إذ شاع هذا المصطلح في تعامله مع عمر بن الخطاب في أمور جمع الخراج، وجدولته على حسب المحاصيل الزراعية، وقد كان الإدارة هذا الصحابي دورٌ في مراعاة الناس، والمرونة معهم في تعيين الخراج على الأراضي الزراعية، فكان لا يحاسب على محصول أُصيب بالوباء أثناء زراعته، ولا يدخل الأرض غير المزروعة ضمن ما يأخذه من خراج(1).

وقد ذُکِرَ (الطسق) في المعاجم العربية بمعنى: «الوظيفَةُ من خراج الأرض، فارسيٌّ معرّب. وكتب عمر إلى عثمان بن حُنَيْفٍ في رجلين من أهل الذمَّة أسلما: ارفع الجزية عن رؤوسهما، وخذ الطسق من أرضيهما»(2).

ص: 66


1- ينظر: سير أعلام النبلاء: 4 / 5
2- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي (ت: 393 ه)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين - بيروت، ط 4، 1407 ه - 1987 م: 4 / 1517. النهاية في غريب الحديث والأثر، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير (ت: 606 ه)، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي - محمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية - بيروت، (د. ط)، 1399 ه - 1979 م: 3 / 124، وينظر : لسان العرب: 10 / 225، وتاج العروس من جواهر القاموس: 26 / 87

ومنه العربي الأصيل ك (الزُّخَة) إذ جاء في حَدِيثُ الإمام عَلِيٍّ علیه السلام: «أنه كتب إلى عُثْمان بْنِ حُنَيف: لَا تأخُذنَّ مِنَ الزُّخَّةِ وَالنُّخَّة شَيْئًا الزُّخَّةُ: أولادُ الغَنم لِأَنَّهَا تُزَخُّ: أَيْ تُساق وتُدْفع مِن وَرَائِها، وَهِيَ فُعْلة بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، کالقُبْضَة والغُرْفَه. وَإِنَّمَا لَا تُؤْخذ مِنْهَا الصَّدَقَةُ إِذَا كَانَتْ مُنْفَرِدة، فَإِذَا كَانَتْ مَعَ أُمَّهَاتِهَا اعْتُدّ بِهَا فِي الصَّدَقة وَلَا تؤخَذ، وَلَعَلَّ مَذْهَبه كَانَ لَا يَأْخُذُ منها شَيئاً»(1).

وكذلك مصطلح: (الْقَضْبُ): «الْقَطْعُ، مِنْ بَابِ ضَرَبَ (وَمِنْهُ) الْقَضْبُ وَمِنْهُ حَدِيثُ مِسَاحَةِ الْكُوفَةِ فَوَضَعَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ عَلَى جَرِيبِ الْكَرْمِ كَذَا وَعَلَى جَرِيبِ النَّخْلِ كَذَا وَعَلَى جَرِيبِ (الْقَضْبِ) سِتَّةَ دَرَاهِمَ»(2).

الْخَراجُ: «الإِتاوَةُ، وَهُوَ، مَا يؤخذ مِنَ الأَرْضِ، أَوْ مِنَ الْکُفَّارِ بِسَبَبِ الأَمانِ. قالَ الأَزْهَرِيُّ: الْخَراجُ يَقَعُ عَلَى الضَّريبَةِ، وَيَقَعُ عَلَى مالِ الفيئ، وَيَقَعُ عَلَى الْجِزْيَةِ»(3).

ص: 67


1- النهاية في غريب الحديث والأثر: 2 / 298، وينظر: لسان العرب: 3 / 21، تاج العروس من جواهر القاموس: 7 / 263
2- المغرب، ناصر بن عبد السيد أبي المكارم ابن على، أبو الفتح، برهان الدين الخوارزمي المطرزی (ت: 610 ه)، دار الكتاب العربي، (د. ط)، (د. ت): 387
3- النَّظْمُ الْمُسْتَعْذَبُ فِي تفْسِير غريبِ ألْفَاظِ المهَذّبِ، محمد بن أحمد بن محمد بن سلیمان بن بطال الركبي، أبو عبد الله، المعروف ببطال (ت: 633 ه)، دراسة وتحقيق وتعليق: د. مصطفى عبد الحفيظ سَالِم، المكتبة التجارية، مكة المكرمة، 1988 م (جزء 1)، 1991 م (جزء 2): 2 / 312

وَسَوادُ الْعِراقِ: «قُراهَا وَمَزارِعُها، سُمِّیَتْ سَوادًا، لِكَثْرَةِ خُضْرَتِها، وَالْعَرَبُ تَقولُ لِکِلِّ أَخْضَرَ أَسْوَدُ»(1).

قَوْلُهُ: «جَرِيب، الْجَريبُ: قِطْعَةٌ مِنَ الأَرْضِ مَعْلُومَةُ الْمِساحَةِ. قِيلَ: إِنَّها قِطْعَةٌ مُربَّعَةٌ، كُلُّ جانبٍ، مِنْها سِتّونَ ذِراعًا، فَيَصِیرُ ثَلَاَثةَ آلافِ لَبِنَةٍ وَسِتّمائَةَ لَبِنَةٍ، وَالْجَمْعُ أَجْرِبَةٌ وَجُرْبانُ»(2).

قوْلُه: «أَرْضًا سَبِخَةً هِىَ المُتَغيِّرَةُ التُّرْبَةِ الَّتي لَا تُنْبِتُ شَيْئًا»(3).

ص: 68


1- النَّظْمُ المُسْتَعْذَبُ فِي تفْسِير غريبِ ألْفَاظِ المهَذّبِ: 313
2- المصدر نفسه: 313
3- المصدر نفسه: 313

الفصل الثاني : عثمان بن حنيف في خلافة الإمام علي علیه السلام

اشارة

ص: 69

ص: 70

الفصل الثاني

عثمان بن حنيف في خلافة الإمام علي علیه السلام

توطئة:

وبعد حين، عادت المياه لمجاريها، والفروع لأصولها، والأصحاب لأميرهم، والخلافة لمن يُزِينُهَا، بعد أن أعياها قيادة مغتصبها، لاويا عنانها، ثانيا عنقها عن رعاية الأمة وصيانة الدين بعد الرسول الكريم صلی الله علیه وآله وسلم، فاستبشرت بأمل قديم جديد، وعهد معهود، وإن طال انتظاره، وقلَّ أنصاره، إلا أنَّ الحق أبلج، والحق يعرفه ذوو الألباب، وبُويعَ الإمام علي علیه السلام في المسجد بعد إصرار المسلمين بما فيهم الصحابة السابقين من أهل بدر، فكانت أول بيعة تتم في عقر بيت الله وبإرادة المسلمين ورغبتهم، وعندها رأي الإمام علیه السلام وجوب التصدي لنصرة الدين وإصلاح شأن المسلمين، وتطبيب جسد الأمَّةِ بعد أن أعياه مرض الفقر والظلم والنعرات الهدامة، على الرغم من صعوبة الوضع، وارتباك الأمر، وتموّج الأوضاع الاجتماعية أثر مقتل عثمان، واضطراب المسلمين، فبرز أمير المؤمنين علیه السلام ليثبت دعائم الإسلام، ويقف وقفة الناصر للدين كسابق وقفته مع أخيه رسول الله علیه السلام، فكلفه الكثير الكثير، ولم يتوانى عن تقديم كل شيء في

ص: 71

خدمة الإسلام، والعمل بواجبه بوصفه الخليفة وأمين الله ورسوله على خلقه، وكان ممن جاهد وقدم ونصح مع الإمام علي علیه السلام الصحابي (عثمان بن حنیف، إذ أثبت الوفاء، وقدَّم الولاء، وآثر النفس، خدمة للإسلام وطاعة ولاة أمره، وستجتهد الدراسة على تقديم تسلسل مختصر وواضح عن سير الأحداث التي كان عثمان بن حنیف محورا فيها، مذ تولي الإمام علیه السلام الخلافة وحتى خروج الناكثين عليه وقتالهم في واقعة الجمل الصغرى والكبرى.

ص: 72

المطلب الأول: أحداث لها علاقة

المقصد الأول: جانب من بيعة الإمام علي علیه السلام.

قُتِلَ عثمان وعاد إلى المسلمين أمرهم وانحلوا من كل بيعة سابقة توثقهم فتهافتوا على علي ابن أبي طالب علیه السلام يطلبون يده للبيعة، قال الطبري: فأتاه أصحاب رسول الله صلی الله علیه وسلم فقالوا: إن هذا الرجل قد قتل ولابد للناس من إمام ولا نجد اليوم أحق بهذا الأمر منك، لا أقدم سابقة، ولا أقرب من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فقال: لا تفعلوا، فإني أكون وزيرا خير من أن أكون أميرا، فقالوا: لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك. قال: ففي المسجد فإن بيعتي لا تكون خفيا ولا تكون إلا عن رضي المسلمين. وروی بسند آخر وقال: اجتمع المهاجرون والأنصار فيهم طلحة والزبير فأتوا عليا فقالوا: يا أبا الحسن، هلم نبايعك، فقال: لا حاجة لي في أمركم أنا معكم فمن اخترتم فقد رضيت به، فاختاروا، فقالوا: والله ما نختار غيرك، قال: فاختلفوا إليه بعدما قتل عثمان مرارا ثم أتوه في آخر ذلك، فقالوا له: إنه لا يصلح الناس إلا بإمرة وقد طال الأمر فقال لهم: إنكم قد اختلفتم إلي وأتيتم وإني قائل لكم قولا إن قبلتموه قبلت أمركم وإلا فلا

ص: 73

حاجة لي فيه(1). قالوا: ما قلت قبلناه إن شاء الله، فجاءه فصعد المنبر فاجتمع الناس إليه، فقال: إني قد كنت کارها لأمركم فأبيتم إلا أن أكون علیکم. ألا وإنه ليس لي أمر دونكم، ألا إن مفاتيح مالكم معي. وإنه ليس لي أن آخذ منه درهما دونكم، رضيتم؟ قالوا: نعم.

قال: اللهم اشهد عليهم. ثم بايعهم على ذلك.

وروى البلاذري: وخرج علي علیه السلام فأتى منزله، وجاء الناس كلهم يهرعون إليه، أصحاب النبي وغيرهم، وهم يقولون: إنَّ أمير المؤمنين علي علیه السلام حتى دخلوا داره، فقالوا له: نبايعك، فمد يدك فإنه لابد من أمير، فقال علي علیه السلام: ليس ذلك إليكم إنما ذلك إلى أهل بدر فمن رضي به أهل بدر فهو خليفة، فلم يبق أحد من أهل بدر إلا أتى عليا علیه السلام، فقالوا: ما نرى أحدا أحق بهذا الأمر منك... فلما رأى ذلك صعد المنبر وكان أول من صعد إليه فبایعه طلحة بيده، وكانت إصبع طلحة شلاء فتطير منها الإمام علي علیه السلام وقال: ما أخلقه أن ينكث(2).

واشترط الإمام علي علیه السلام على أهل المدينة أن تتم بيعتهم له عن عملية شوری يشترك فيها الصحابة من أهل الشورى، وأهل بدر وعامة الناس، وأن تكون علنية في المسجد، وذلك حرصًا على جميع كافة المسلمين حوله، وهكذا بايعه من بایع من عامة المسلمين، وكبار الصحابة، ومن بينهم طلحة والزبير، وذلك يوم

ص: 74


1- ينظر: تاريخ الطبري: 4 / 432 - 436، وعالم المدرستين، السيد مرتضى العسكر، مؤسسة النعمان للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنا، (د.ط) 1410 - 1990 م: 142
2- ينظر: البدء والتاريخ، المطهر بن طاهر المقدسي (ت: نحو 355 ه)، مكتبة الثقافة الدينية، بور سعيد، (د. ط)، (د.ت): 5 / 208

الجمعة في (2 ذي الحجة 35 ه / 23 حزيران 656 م)، من هنا لا يمكن القول بأن الإمام عليًا علیه السلام كان رجل الثائرين على عثمان، والمنتخب منهم كما سیدعي خصومه، ومن جهة أخرى، فإنه قبل بالتولية في ظروف كهذه(1)، يتطلب فيها الأمر إلى جهد وجهاد لاستقرار الأمور، ونظم شؤون الدولة.

المقصد الثاني: إرسال الإمام عليه السلام عثمان إلى البصرة:

فبايع الناس الإمام عليا علیه السلام، فقال: أيها الناس، بایعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي، وإنما الخيار قبل أن تقع البيعة، فإذا وقعت فلا خيار، وإنما على الإمام الاستقامة، وعلى الرعية التسليم، وإنَّ هذه بيعه عامه، من ردها رغب عن دين الإسلام، وإنَّها لم تكن فلته. ثم إنَّ عليا علیه السلام أظهر أنَّه يريد السير إلى العراق، وكان على الشام يومئذ معاوية بن أبي سفيان، وَلِيها لعمر بن الخطاب سبعا، ووَلِيها جميع ولاية عثمان اثنتي عشره سنه، فوافاه الناس على السير إلَّا ثلاثة نفر: سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، ومحمد بن مسلمه الأنصاري(2).

وبعث الإمام علي علیه السلام عنه عماله إلى الأمصار، فاستعمل عثمان بن حنیف على البصرة، وعماره بن حسان على الكوفة، وكانت له هجرة، واستعمل عبد الله

ص: 75


1- ينظر: تاریخ الخلفاء الراشدين الفتوحات والإنجازات السياسية، د محمد سهيل طقوش، دار النفائس، ط 1، 1424 ه - 2003م: 430
2- ينظر: الأخبار الطوال، أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري (ت: 282 ه)، تحقيق: عبد المنعم عامر، مراجعة: الدكتور جمال الدين الشيال، دار إحياء الكتب العربي - عيسى البابي الحلبي وشركاه / القاهرة، ط 1، 1960 م: 140

بن عباس على جميع أرض اليمن، واستعمل قیس بن سعد بن عباده على مصر، واستعمل سهل بن حنيف على الشام(1).

وأما عثمان بن حنیف فإنه مضى يريد البصرة، وعليها عبد الله بن عامر بن کریز، وبلغ أهل البصرة قتل عثمان، فقام ابن عامر فصعد المنبر وخطب وقال: إن خليفتكم قتل مظلوما، وبيعته في أعناقكم، ونصرته ميتا كنصرته حيا، واليوم ما كان أمس، وقد بايع الناس عليا [علیه السلام] ونحن طالبون بدم عثمان، فأعدوا للحرب عدتها، فقال له حارثة بن قدامة: يا ابن عامر! إنك لم تملكنا عنوة وقد قتل عثمان بحضرة المهاجرين والأنصار وبايع الناس عليا [علیه السلام]، فإن أقرك أطعناك، وإن عزلك عصيناك، فقال ابن عامر: موعدك الصبح، فلما أمسى تهيأ للخروج وهيأ مراكبه وما يحتاج إليه، واتخذ الليل جملا يريد المدينة، واستخلف عبد الله بن عامر الحضرمي على البصرة، فأصبح الناس يتشاورون في ابن عامر وأخبروا بخروجه، فلما قدم ابن عامر المدينة أتی طلحة والزبير، فقالا له: لا مرحبا بك ولا أهلا! تركت العراق والأموال، وأتيت المدينة خوفا من علي [علیه السلام]، وولیتها غيرك، فهلا أقمت حتى يكون لك بالعراق فئة، قال ابن عامر: فأما إذا قلتما هذا فلك ما عليّ مائة ألف سيف وما أردتما من المال(2).

وتخلّف عن بيعته علیه السلام قوم فلم يكرههم، وسُئِلَ عنهم فقال: أولئك قوم قعدوا عن الحقّ، ولم يقوموا مع الباطل، وروى أنّه قال فيهم: أولئك قوم خذلوا الحقّ، ولم ينصروا الباطل، وكان ممّن تخلّف عن بيعته عبد الله بن عمر بن الخطّاب، فأتی به إليه ملبّبا، فقال له الإمام علیه السلام: بایع! فامتنع، وقال: حتّى يحتمل

ص: 76


1- ينظر: الأخبار الطوال: 140 - 141
2- ينظر: السيرة النبوية وأخبار الخلفاء: 2 / 527 - 528

عليك الناس. قال: فاعطني حميلا؛ قال: لا! وكان الأشتر قد شهر عليه السيف، وقال للإمام عليّ علیه السلام: إنّ ابن عمر قد أمن سيفك وسوطك، فأمكنّي منه! فقال اله: دعه! فوالله ما علمته إلاّ سيّئ الخلق صغيرا وكبيرا، وأنا حميله(1).

المقصد الثالث: بوادر نكث البيعة:

بعد بيعة الناس لأمير المؤمنين علیه السلام واستتباب الأمر له، وأخذ دوره في اصلاح ما اعوجَ من أمر الدين، في خلافة سابقيه، وبيان مشتبهات الأمور، ورسم المنهج الجديد الذي يرتضيه.

ونرى الأسلوب الذي اتبعه الإمام علي علیه السلام مع المسلمين عند التهافت عليه لمبايعته، فرفض ثلاث مرات ثم قبل بيعتهم، ويمكن قراءة حدث بيعة الإمام علي علیه السلام بالآتي:

1. أراد لها أن تكون البيعة الحق والصحيحة بعد بيعة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؛ إذ إن بيعة من سبقوه كان ينقصها أجماع ورضا عامة المسلمين، وإنما كانت باجتهاد شخصي حثيث، كما أوضحنا جزءا منها في الفصل الاول.

2. اتخذ لها - البيعة - مكانا مقدسا، فجعلها في المسجد وبحضور عامة المسلمين، ولم تتم باجتماعات حضر السيف والصياح فيها کاجتماع السقيفة.

3. ولم يكتف بذلك بل أمر أن يحضر من كان موجودا من الصحابة

ص: 77


1- ينظر: كنز الدرر وجامع الغرر، أبو بكر بن عبد الله بن أيبك الدواداري، حقق الجزء الثالث منه: محمد السعيد جمال الدين، عيسى البابي الحلبي، (د. ط)، 1402 ه - 1981 م: 3 / 322 - 323

البدريين، وأن يكون القرار في شأنها - البيعة - بأيديهم.

4. لم يجبر أحدا على بيعته، ولم يشهر سيفا ولم يحدث انقلابا، بل طلبوه الناس و وقفوا ببابه؛ لأنه الرجل الأصلح لقيادة الأمة.

5. بعد أن وافق على بيعة الناس له أوضح لهم سیاسته، ومنهجه في الحكم، وأخبرهم: بأنكم اليوم مخيرون، وبعدها مطيعون، ولا خيار لكم غير طاعة من بایعتم.

6. تمت بذلك بيعة الإمام علي علیه السلام بيعة تامة رصينة قائمة على الزام الحجة على من بايعوه، والعهد إليه بالوفاء وخدمة الدين.

وبالرغم من إصرار المسلمين على بيعة الإمام علیه السلام وإلزامهم الحجة على أنفسهم في المسجد، إلا إنَّ الموقف لم يخل من نكث بعض الشخصيات، وقد بان هذا الأمر مذ عزم طلحة والزبير على الخروج للعمرة، وفي ذلك يذكر البلاذري في الأنساب: «إنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ اسْتَأْذَنَا عَلِیًّا [علیه السلام] فِي الْعُمْرَةِ، فَقَالَ: لَعَلَّکُمَا تُرِيدَانِ الشَّامَ أَوِ الْعِرَاقَ؟ فَقَالا: اللهُمَّ غُفْرًا إِنَّمَا نَوَيْنَا الْعُمْرَةَ. فَأَذِنَ لَهُمَا فَخَرَجَا مُسْرِعِينَ وَجَعَلا يَقُولانِ: لا وَاللهِ مَا لِعَلِيٍّ [علیه السلام] فِي أَعْنَاقِنَا بَيْعَةٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ عليّا [علیه السلام] فقال: أخذهما الله إلى أَقْصَى دَارٍ وَأَحَرَّ نَارٍ»(1).

فعلم علیه السلام إصرارهم على الغدر، وبدأ بذلك مسلسل الإنقلاب، ونكث البيعة وإليك لمحة منه:

يطالعنا التاريخ أنَّ عائشة(2)كانت في مكة وَخَرَجَتْ منها تُرِيدُ الْمَدِينَةَ.

ص: 78


1- جمل من أنساب الأشراف، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البَلَاذُري (ت: 279 ه)، تحقیق: سهیل زکار ورياض الزركلي، دار الفكر - بيروت، ط 1، 1417 ه -1996 م: 2 / 222
2- عائشة (9 ق ه - 58 ه = 613 - 678 م): وهي عائشة بنت أبي بكر الصديق عبد الله بن عثمان، من قریش، تزوجها النبي صلی الله علیه وآله وسلم في السنة الثانية بعد الهجرة، وكانت ممن نقم على (عثمان) عمله في حياته، ثم غضبت له بعد مقتله، فكان لها في هودجها، بوقعة الجمل، موقفها المعروف. وتوفيت في المدينة. ينظر: الاعلام: 3 / 240

فَلَمَّا کَانَتْ بِسَرِفَ(1)لَقِيَهَا رَجُلٌ مِنْ أَخْوَالَهِا مِنْ بَنِي لَیْثٍ يُقَالُ لَهُ عَبِيدُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَهُوَ ابْنُ أُمِّ كِلَابٍ، فَقَالَتْ لَهُ: مَهْیَمْ(2)؟ قَالَ: قُتِلَ عُثْمَانُ وَبَقَوْا ثَمَانِيًا. قَالَتْ: ثُمَّ صَنَعُوا مَاذَا؟ قَالَ: اجْتَمَعُوا عَلَى بَيْعَةِ عَلِيٍّ. فَقَالَتْ: لَيْتَ هَذِهِ انْطَبَقَتْ

ص: 79


1- سَرِفٌ: بفتح أوّله، وكسر ثانیه، وآخره فاء، قال أبو عبيد : السّرف الجاهل، وأنشد لطرفة بن العبد: إنّ امرأ سرف الفؤاد يری، ... عسلا بماء سحابة، شتمي وهو موضع على ستّة أميال من مكّة، وقيل: سبعة وتسعة واثني عشر، تزوّج به رسول الله، صلی الله علیه وآله، ميمونة بنت الحارث وهناك بني بها وهناك توفّيت، وفيه قال عبيد الله بن قیس الرّقيّات: لم تكلّم، بالجلهتين، الرّسوم!..... حادث عهد أهلها أم قدیم؟ سرف منزل لسلمة، فالظّه......... ران منّا منازل، فالقصيم قال القاضي عياض: وأمّا الذي حمى فيه عمر، فجاء فيه أنّه حمى السرف والربذة، كذا عند البخاري بالسين المهملة، وفي موطّإ ابن وهب الشرف، بالشين المعجمة وفتح الراء، وكذا رواه بعض رواة البخاري وأصلحه وهذا الصواب، وأمّا سرف فلا يدخله الألف واللام، وقال الحربي في تفسير الحديث: ما أحبّ أن أنفخ في الصلاة وإن لي ممر الشرف، بالشين المعجمة، كذا ضبطه وقال: خصّه بجودة نعمه، والله أعلم. ينظر: معجم البلدان: 3 / 212
2- مهیمُ، معناه ما حالك وما شأنكَ. ينظر: مجمل اللغة، أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (ت: 395 ه)، دراسة وتحقيق: زهير عبد المحسن سلطان، مؤسسة الرسالة - بيروت، ط 2، - 1406 ه - 1986 م: 1 / 841

عَلَی هَذِهِ إِنْ تَمَّ الأمر لِصاحِبِكَ(1)! رُدُّونِي رُدّونِي! فَانْصَرفَتْ إلی مَکَّةَ وَهِيَ تَقُولُ: قُتِلَ وَاللّهِ عُثْمَانُ مَظْلُومًا، وَاللّهِ لَأَطْلُبَنَّ بِدَمِهِ! فَقَالَ لَهَا: وَلِمَ؟ وَاللّهِ إنَّ أَوَّلَ مَنْ أَمَالَ حَرْفَهُ لَأَنْتِ، وَلَقَدْ کُنْتِ تَقُولِینَ: اقْتُلُوا نَعْثَلًا فَقَدْ کَفَرَ. قَالَتْ: إِنَّهُمُ اسْتَتَابُوهُ ثُمَّ قَتَلُوهُ، وَقَدْ قُلْتُ وَقَالُوا، وَقَوْلِي الْأَخِیرُ خَیْرٌ مِنْ قَوْلِي الْأَوَّلِ(2). فَقَالَ لَهَا ابْنُ اُمِّ کِلَابٍ:

فَمِنْكِ الْبَدَاءُ وَمِنْكِ الْغِیَرْ ٭٭٭ وَمِنْكِ الرِّیَاحُ ومِنْكِ الْمَطَرْ

وَأَنْتِ أَمَرْتِ بِقَتْلِ الإِمامِ ٭٭٭ وَقُلْتِ لَنَا إِنَّهُ قَدْ کَفَرْ

فَهَبْنَا أَطَعْنَاكِ فِي قَتْلِهِ ٭٭٭ وَقَاتِلُهُ عِنْدَنَا مَنْ أَمَرْ

وَلَمْ يَسْقُطِ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِنَا ٭٭٭ وَلَمْ يَنْکَسِفْ شَمْسُنَا وَالْقَمَرْ

وَقَدْ بَايَعَ النَّاسُ ذَا تُدْرَإٍ(3)٭٭٭يُزِيلُ الشَّبَا وَيُقِيمُ الصَّعَرْ

وَيَلْبَسُ لِلْحَرْبِ أَثْوَابَهَا وَمَا ٭٭٭ مَنْ وَفَی مِثْلُ مَنْ قَدْ غَدَر(4)

ص: 80


1- ترید: انطبقت السماء على الأرض، أهون عليها من خلافة أمير المؤمنين، فأي حقد نصبته للإسلام وأهل البيت علیه السلام
2- هنا تنكشف الامور ويظهر الحقد إلى السطح، فهي كانت تؤلِّب الناس على قتل نعثل (عثمان)، ولما قُتِلَ وبايع المسلمون عليا علیه السلام أنكرت قولها الأول وبادرت بقول جديد مفاده أنه قتل مظلوما، وكأنَّ الناس تقرأ أفكارها لتعلم أيَّ قوليها صوابا فيتبعوهّ
3- ذو تدرإ: إي عدة وقوة، ينظر: مجمل اللغة: 1 / 324
4- ينظر: تاريخ الطبري: 4 / 459، والكامل في التاريخ: 2 / 570، الفتنة ووقعة الجمل، سیف بن عمر الأسدي التَّمِيمي (ت: 200 ه)، تحقيق: أحمد راتب عرموش، دار النفائس، ط 7، 1413 ه / 1993 م: 115 - 116. وأسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، عَلي محمد محمد الصَّلاَّبي، مكتبة الصحابة، الشارقة - الإمارات، (د. ط)، 1425 ه - 2004 م: 1 / 515

فَانصَرَفَتْ إلى مَكَّةَ(1).

وقد سأل طلحة والزبير الإمام علي علیه السلام أن يوليهما البصرة فأبى، وقال تكونان عندي أتحمل بکما فإني أستوحش لفراقكما واستأذناه في العمرة، فأذن لهما فقدما على عائشة وعظما من أمر عثمان، وقالا: ما كنا نرى في التألب عليه أن يقتل، فأمّا إن قُتِلَ فلا توبة لنا إلا الطلب بدمه ونقضا البيعة وأقاما بمكة(2).

فلم يلبي علیه السلام لهم غايتهم في ولاية البصرة، فآثروا الغدر على الطاعة، وتستروا بالعمرة حتى يلتقوا بعائشة ويحملانها على المطالبة بدم عثمان وبذلك تكون ذريعة لهم، وعامل جذب الناس حولهم؛ لتحقيق مآربهم.

وَكَانَ بِمَكَّةَ سَعِيد بن العاص بْن سَعِید بْن العاص بْنِ أُمَيِّةَ، وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي العاص بْن أُمَيَّة، وعبد الرحمن بن عتّاب بن أسيد ابن أبي العاص ابن أُمَيَّةَ، وَالْمَغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ الثَّقَفِيُّ قَدْ شَخَصُوا مِنَ الْمَدِينَةِ فَأَجْمَعُوا عَلى فِرَاقِ الإمام عَلِيّ علیه السلام وَالطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ وَالْمُغِيرَةُ يُحَرِّضُ النَّاسَ وَيَدْعُوهُمْ إلى الطَّلَبِ بِدَمِهِ، فَجَعَلَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: إِنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُومًا وَأَنَا أَدْعُوکُمْ إلى الطَّلَبِ بِدَمِهِ وَإِعَادَةِ الأمر شُورَی. وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بِمَكَّةَ، فَكَانَتْ تَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ آمُرُکُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَإِنْ کُنتُمْ تَابَعْتُمْ عَلِيًّا فَارْضَوْا بِهِ فو الله مَا أَعْرِفُ فِي زَمَانِکُمْ خَيْرًا مِنْهُ(3).

وَسَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَخرجت معهم عَائِشَةُ على جمل(4)، فِي ثَلاثَةِ آلافٍ،

ص: 81


1- ينظر: الكامل في التاريخ: 2 / 570، والفتنة ووقعة الجمل: 112 - 113
2- ينظر: البدء والتاريخ: 5 / 209 - 210
3- ينظر: انساب الاشراف: 2 / 221، والاخبار الطوال: 144
4- قَالَ الْعُرَنُّيِ: بَيْنَمَا أَنَا أَسِيُر عَلَى جَملٍ إِذْ عَرَضَ لِي رَاکِبٌ فَقَالَ: أَتَبِيعُ جَمَلَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: بِکَمْ؟ قُلْتُ: بِأَلْفِ دِرْهَمٍ. قَالَ: أَمْجَنُونٌ أَنْتَ؟ قُلْتُ: وَلِمَ؟ وَاللهِ مَا طَلبْتُ عَلَيْهِ أَحَدًا إِلَّا أَدْرَكْتُهُ، وَلَا طَلَبَنِي وَأَنَا عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا فُتُّهُ. قَالَ: لَوْ تَعْلَمُ لِمَنْ نُرِيدُهُ! إِنَّمَا نُرِيدُهُ لِأُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ! فَقُلْتُ: خُذْهُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ. قَالَ: بَلْ تَرْجِعُ مَعَنَا إلى الرَّحْلِ فَنُعْطِيكَ نَاقَةً وَدَرَاهِمَ. قَالَ: فَرَجَعْتُ مَعَهُ فَأَعْطَوْنِي نَاقَةً مَهْرِیَّةً وَأَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ سِتَّمِائَةٍ، وَقَالُوا لِي: يَا أَخَا عُرَيْنَةَ هَلْ لَكَ دِلَالَةٌ بِالطَّرِيقِ؟ قُلْتُ: أَنَا مِنْ أَدِلِّ النَّاسِ. قَالُوا: فَسِرْ مَعَنَا. فَسِرْتُ مَعَهُمْ فَلَا أَمُرُّ عَلَى وَادٍ إِلَّا سَأَلُونِي عَنْهُ، حَتَّى طَرَقْنَا الْحَوْأَبَ، وَهُوَ مَاءٌ، فَنَبَحَتْنَا کِلَابُهُ، فَقَالُوا: أَيُّ مَاءٍ هَذَا؟ فَقُلْتُ: هَذَا مَاءُ الْحَوْأَبِ. فَصَرَخَتْ عَائِشَةُ بِأَعْلَى صَوْتِهَا وَقَالَتْ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، إِنِّي لِهَیَهْ. ينظر: الكامل في التاريخ: 2 / 573

مِنْهُمْ مِنْ أهل المدينة ومكة تسعمائة.

وَسَمِعَتْ عَائِشَةُ فِي طَرِيقِهَا نُبَاحَ كِلابٍ فَقَالَتْ: مَا يُقَالُ لِهَذَا الْمَاءِ الَّذِي نَحْنُ بِهِ؟ قَالُوا: الْحَوأَبُ(1). فَقَالَتْ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعون ردّوني رُدُّونِي

ص: 82


1- الحَوْأَبُ: بالفتح ثم السكون، وهمزة مفتوحة، وباء موحدة، وأصله في اللغة، يقال: حافر حو أب وأب صعب، والحوأبة: العلبة الضخمة، والحوأب: الوادي الوسيع في هذه . والحوأب: موضع في طريق البصرة محاذي البقرة ماءة أيضا من مياههم، قال أبو زياد: ومن مياه أبي بكر = بن كلاب الحوأب، وهو من المياه الأعداد و قدیم جاهلي، وقال نصر: الحوأب من مياه العرب على طريق البصرة، والحوأب والعذاب والحزيز: جبال سود وفي الحديث: أن عائشة لما أرادت المضي إلى البصرة في وقعة الجمل مرت بهذا الموضع فسمعت نباح الكلاب فقالت: ما هذا الموضع؟ فقيل لها: هذا موضع يقال له الحوأب، فقالت: إنا لله ما أراني إلا صاحبة لقصة، فقيل لها: وأي قصة؟ قالت: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول وعنده نساؤه: ليت شعري أيتك تنبحها كلاب الحوأب سائرة إلى الشرق في كتيبة! و همت بالرجوع فغالطوها وحلفوا لها أنه ليس بالحو أب. ينظر: معجم البلدان: 2/ 314، و روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، محمد تقي المجلسي، (ت 1070)، تحقيق: نمقه وعلق عليه وأشرف على طبعه السيد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي پناه اشتهاردي، (د. ط)، (د.ت)، المكتبة العلمية - قم: 6 / 194

فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صلی لله علیه وآله وسلم يَقُولُ: وَعِنْدَهُ نِسَاؤُهُ: أَيَّنتُکُنَّ يَنْبَحُهَا کِلابُ الْحَوْأَبِ وَعَزَمَتْ عَلَى الرُّجُوعِ فَأَتَاهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: كَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا الْمَاءَ الْحَوْأَبُ، وَجَاءَ بِخَمْسِينَ مِنْ بَنِي عَامِرٍ فَشَهِدُوا وَحَلَفُوا عَلَى صِدْقِ عَبْدِ الله، وَكَانَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ مُؤَذِّنُهُمْ فَقَالَ: مَنْ أدعو للصلاة؟ فقال عبد الله ابن الزُّبَيْرِ: ادْعُ أَبَا عَبْدِ اللهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ: ادْعُ أَبَا مُحَمَّدٍ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا لَنَا وَلَكَ يَا مَرْوَانُ أَتُرِيدُ أَنْ تُغْرِيَ بَيْنَ الْقَوْمِ وَتَحْمِلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ؟ لِيُصَلِّ أَكْبَرُهُمَا فَصَلَّي الزُّبَيْرُ.

وَلَمَّا قَرُبَتْ عَائِشَةُ وَمَنْ مَعَهَا مِنَ الْبَصْرَةِ بَعَثَ إِلَيْهِمْ عُثْمَانُ بْنُ حَنِیفٍ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ الْخُزَاعِيَّ أَبَا نجيد، وأبا الأسود الدئلي فَلَقِيَاهُمْ بِحَفْرِ أَبِي مُوسَى فَقَالا لَهُمْ: فِيمَا قَدِمْتُمْ؟ فَقَالُوا: نَطْلُبُ بِدَمِ عُثْمَانَ وَأَنْ نَجْعَلَ الأمر شُورَی فَإِنَّا غَضِبْنَا لَكُمْ مِنْ سَوْطِهِ وَعَصَاهُ أَفَلا نَغْضَبُ لَهُ مِنَ السَّيْفِ؟!!(1). ومن هنا بدأت وقعة الجمل.

ص: 83


1- ينظر: أنساب الاشراف: 2 / 222 - 223

ص: 84

المطلب الثاني: حرب الجمل

المقصد الأول: الكتب والمراسلات:

لما وصل خبر خروج مثلث الانقلاب إلى البصرة، بتمويل من ولاة عثمان السابقين كلّ من عبد الله بن عامر بن کُرَیز ویعلی بن أمية من اليمن، وما وفّراه لهم من مال كثير بلغ حسب بعض المصادر (600) جمل وستة آلاف دينار فعززوا موقف رؤوس الناكثين(1)، وقوّة جبهتهم الداخلية فلما استقر رأيهم على التوجه إلى البصرة، وصل خبرهم إلى الإمام علي علیه السلام فارسل كتابا إلى واليه عثمان بن حنيف على البصرة، يقول له:

«إِنَّهُمَا لَمْ يُکْرَهَا عَلى فُرْقَةٍ، وَلَقَدْ أُكْرِهَا عَلَى جَمَاعَةٍ وَفَضْلٍ فَإِنْ كَانَا يُرِيدَانِ الْخَلْعَ فَلَا عُذْرَ لَهُمَا، وَإِنْ كَانَا يُرِيدَانِ غَيْرَ ذَلِكَ نَظَرَا وَنَظَرْنَا»(2).

وجاء في نص كتابه إليه: «من عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلي عثمان بن حُنیف،

ص: 85


1- ينظر: السيرة النبوية وأخبار الخلفاء: 2 / 528
2- ينظر: البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (ت: 774 ه)، دار الفكر، (د. ط)، 1407 ه - 1986 م: 7 / 232

أمّا بعد: فإنّ البغاة عاهدوا الله ثمّ نكثوا وتوجّهوا إلى مصرك، وساقهم الشيطان لطلب ما لا يرضي الله به. والله أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلا، فإذا قدموا عليك فادعُهم إلى الطاعة والرجوع إلى الوفاء بالعهد والميثاق الذي فارقونا عليه، فإن أجابوا فأحسِن جوارهم ما داموا عندك، وإن أبَوْا إلاّ التمسّك بحبل النكث والخلاف فناجزهم القتال حتي يحكم الله بينك وبينهم وهو خير الحاكمين، وكتبت کتاب بهذا إليك من الربذة، وأنا معجّل المسير إليك إن شاء الله»(1).

وقفة تحليلية للرسالة:

انطلق الإمام علي علیه السلام من بوتقة المضامين الإسلامية الحقة، لرسم السياسة التي ينبغي أن تُتَبع للتعامل مع الناكثين، والخارجين عن طاعة ولي أمر المسلمين، وقد قدم في مفتتح کتابه عظيم جرم هؤلاء الناكثين؛ إذ إنَّهم عاهدوا الله على الإخلاص والطاعة في بيعتهم، ثم سرعان ما بادروا إلى النكث والخروج عليها مذ رأوا أنَّها لا تلبي مطامعهم، فجانبوا ما يحتمه الواجب الديني من طاعة، وركنوا إلى الخلاف والتفرقة.

وَالبَاغِي: «الَّذِي يَطْلُبُ الَّشيْءَ الضالَّ، وَجَمْعُهُ بُغَاة وبُغْيَانٌ»(2)، وقوله ساقهم الشيطان لطلب ما لا يرضي الله به، كناية عن ضعف ایمانهم وخنوعهم لحبائل الشيطان، إذ يسوقهم كما تساق البهائم، دون عقل يفكر، أو بصيرة أمر تهديهم إلى الحق، ولا يخفى ما في النص من التلميح لقوله تعالى:

فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ َ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَي اللّهُ

ص: 86


1- مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة)، المير جهاني (ت: 1388 ه)، (د.ط)، 1388 ه: 4 / 138
2- لسان العرب: 14 / 76

أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا»(1).

وبذلك سينالهم عذاب من الله على فعلهم هذا، كما تتضمن عبارة الإقتباس رجاء بالنصر وتطمين للمسلمين، وَجُمْلَةُ (وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأشَدُّ تَنْکِیلًا) جِيءَ بها لِتَحْقِيقِ الرَّجَاءِ أَوِ الْوَعْدِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا إِذَا شَاءَ إِظْهَارَ ذَلِكَ، وَمِنْ دَلَائِلِ الْمَشِيئَةِ امْتِثَالُ أَوَامِرِهِ الَّتِي مِنْهَا الاِسْتِعْدَادُ وَتَرَقُّبُ المُسَبِّبَاتِ مِنْ أَسْبَابِهَا. وَالتَّنْكِيلُ عِقَابٌ یَرْتَدِعُ بِهِ رَائِيهِ فَضْلًا عَنِ الَّذِي عُوقِبَ بِه(2).

وأما قوله علیه السلام: (فإذا قدموا عليك فادعُهم إلى الطاعة والرجوع إلى الوفاء بالعهد والميثاق الذي فارقونا عليه)، يمثل قمة المروءة وحسن المعاملة مع الخصوم، إذ لم يأمره بمواجهتهم وحربهم فور وصولهم، بل جعل العفو وحقن الدماء من الأولويات في سياسته، وليس هذا وحسب بل أمر عثمان بن حنیف أن يحسن معاملتهم ما داموا عنده أن رجعوا إلى العهد، ولكن نرى الخط الآخر يتخذ من الحرب والقتل منهجا لإشباع مطامعهم ورغباتهم الدامية كما سيأتي بیانه.

ولما وصل طلحة والزبير ومن معهم مشارف البصرة و بلغ ذلك أهلها دعا عثمان بن حنیف عمران بن حصین(3)، وكان رجل عامة، وألزّه - ألحقه - بأبي

ص: 87


1- النساء: 84
2- ينظر: التحرير والتنوير (تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد)»، محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (ت: 1393 ه)، الدار التونسية للنشر - تونس، (د. ط)، 1984 ه: 5 / 143
3- عمران بن حصين بن عبيد، أبو نجيد الخزاعي (ت: 52 ه - 672م)، وهو من علماء الصحابة. أسلم عام خيبر (سنة 7 ه) وكانت معه راية خزاعة يوم فتح مكة. وبعثه عمر إلى أهل البصرة ليفقههم. وولاه زیاد قضاءها. وتوفي بها. له في كتب الحديث 130 حديثا. ينظر: الاعلام: 5 / 70 - 71

الأسود الدئلي(1)، وكان رجل خاصة، وقال لهما: انطلقا إلى هذه المرأة فاعلما علمها، وعلم من معها. فخرجا فانتهيا إليها بالحفير(2)، فأذنت لها، فدخلا

ص: 88


1- ابُو الَأسود الدُّؤَلي (1 ق ه - 69 ه = 605 - 688 م) وهو: ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل الدُّؤَلي الكناني: واضع علم النحو - بتوجيه من الإمام علي علیه السلام بعد أن رسم له الخطوات التي يتّبعها في تقعيد اللغة - كان معدودا من الفقهاء والأعيان والأمراء والشعراء والفرسان والحاضري الجواب، من التابعين. وقد رسم له الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام شيئا من أصول النحو، فكتب فيه أبو الأسود. وأخذه عنه جماعة. وفي صبح الأعشى أن أبا الأسود وضع الحركات والتنوين لا غير. سكن البصرة في خلافة عمر، وولي إمارتها في أيام الإمام علي علیه السلام، استخلفه عليها عبد الله بن عباس لما شخص إلى الحجاز. ولم يزل في الإمارة إلى أن استشهد الإمام عليّ علیه السلام. وكان قد شهد معه (صفين). ولما تم الأمر لمعاوية قصده فبالغ معاوية في إكرامه. وهو - في أكثر الأقوال - أول من نقط المصحف. وله شعر جيد، في (دیوان - ط) صغير، أشهره أبيات يقول فيها: (لاتنه عن خلق وتأتي مثله) مات بالبصرة. ول أبي أَحمد عَبْد العَزِيز بن يحيى الجلودي، كتاب (أخبار أبي الأسود) وللدكتور فتحي عبد الفتاح الدجني (أَبو الأَسْود الدُّؤَلي ونشأة النحو العربيّ - ط) في الكويت. ينظر: الاعلام: 3 / 236 - 237
2- الحفير: منطقة بين مكة والبصرة، و البئر إذا وسّعت فوق قدرها سمیت حفيرا وحفرا وحفيرة. حفر أبي موسى الأشعري، قال أبو منصور: الأحفار المعروفة في بلاد العرب ثلاثة: منها حفر أبي موسى، وهي ركايا أحفرها أبو موسى الأشعري على جادة البصرة إلى مكة، وهي مياه عذبة على طريق البصرة من النباج بعد الرّقمتين وبعده الشّجي لمن يقصد البصرة، وبين الحفر والشجي عشرة فراسخ، ولما أراد أبو موسى الأشعري حفر ركايا الحفر قال: دلّوني على موضع بئر يقطع بها هذه الفلاة، قالوا: هوبجة تنبت الأرطى بين فلج وفليج، فحفر الحفر، وهو حفر أبي موسى، بينه وبين البصرة خمس ليال، قال النّضر: والهوبجة أن تحفر في مناقع الماء ثمادا یسیلون الماء إليها فتمتلىٴ فيشربون منها. ينظر: معجم البلدان: 2 / 275 - 277

وسلم وقالا: إن أميرنا بعثنا إليك لنسألك عن مسيرك فهل أنت مخبرتنا؟ فقالت: إن الغوغاء ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأحدثوا فيه... ونريد أن ننهض في الإصلاح ممن أمر الله عز وجل وأمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الصغیر والكبير والذكر والأنثى فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به ونحضكم عليه ومنکر ننهاكم عنه ونحثكم على تغييره(1).

فخرج أبو الأسود وعمران من عندها فأتيا طلحة فقالا: ما أقدمك؟ قال: الطلب بدم عثمان فتكلّم أبو الأسود الدؤلي، فقال: يا أبا محمّد! إنكم قتلتم عثمان غير مؤامرين لنا في قتله، و بایعتم عليّاً علیه السلام غير مؤامرين في بيعته، فلم نغضب لعثمان إذ قتل، ولم نغضب لعليّ إذ بُویع، ثمّ بدا لكم، فأردتم خلع علي علیه السلام، ونحن على الأمر الأوّل، فعليكم المخرج ممّا دخلتم فيه.

ثمّ تكلّم عمران، فقال: يا طلحة! إنكم قتلتم عثمان ولم نغضب له إذ لم تغضبوا، ثمّ بایعتم عليّاً علیه السلام وبايعنا من بایعتم فإن كان قتل عثمان صواباً فمسیر کم لماذا؟ وإن كان خطأ فحظّكم منه الأوفر، ونصيبكم منه الأوفي.

فقال طلحة: يا هذان! إنّ صاحبكما لا يري أنّ معه في هذا الأمر غيره، وليس علي هذا بايعناه، وأيم الله ليسفكنّ دمه. فقال أبو الأسود: یا عمران! أمّا هذا - يعني طلحة - فقد صرّح أنّه إنّما غضب للملك. ثمّ أتيا الزبير فقالا: يا أبا عبد الله! إنّا أتينا طلحة، قال الزبير: إنّ طلحة و إيّاي کروح في جسدين، وإنّه والله يا هذان، قد كانت منّا في عثمان فلتات، احتجنا فيها إلى المعاذير، ولو

ص: 89


1- ينظر : الكامل في التاريخ: 2 / 574، أمتاع الاسماع: 13 / 232 - 236، والفتنة ووقعة الجمل: 112 - 113

استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا نصرناه، قالا: ألم تبايع عليا؟ قال: بلى واللج على عنقي وما استقيل عليا إن هو لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان.

فرجعا حتى دخلا على عثمان بن حنیف فبدر أبو الأسود عمران، فقال: یابن حنیف قد أتيت فانفر... وطاعن القوم وجالد واصبر وابرز لهم مستلئما وشمر.

فقال عثمان: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون! (دارت رحى الإسلام ورب الكعبة)(1)، فانظروا بأي زيفان تزيف؟ فقال عمران: إي والله لتعر کنکم عرکا طويلا ثم لا يساوي ما بقي منكم كثير شيء(2).

ثم استشار أصحابه، فأشار بعضهم القعود وتركهم يحتلون المدينة حتى يصل الإمام علي علیه السلام وممن أشار عليه بذلك عمران بن الحصين، إذ قال له: «أشر

ص: 90


1- أراد أن الناكثين بيعة أمير المؤمنين علیه السلام وهم أصحاب الجمل قد أزعجوا الإسلام عن مناطه، وأزحفوه عن قراره. وأما الحال المحمودة، فهي أن يكون دور الرحا عبارة عن تحرك جد القوم، وقوة أمرهم، وعلو نجمهم، يقال : دارت رحا بني فلان، إذا اتفقت لهم هذه الأحوال المحمودة. ومن هذا القبيل أيضا العبارة بدوران الرحا عن هزم عسكر لعسكر، وكسر فيلق لفيلق. قال الشاعر: طحنت رحا بدر لهلك فتية ٭ ولمثل بدر تستهل الأدمع فهذه حال كان دور الرحا فيها محمودا لمن دارت له، ومذموما لمن دارت عليه. وإنما قالوا: دارت رحا الحرب لجولان الابطال فيها، وحركات الخيل تحتها. وقد روي هذا الخبر على وجه آخر، وهو قوله: «تزول رحا الإسلام «، والمراد بذلك أنها تزول عن ثباتها، وتميل عن موضع استقرارها. ينظر: المجازات النبوية الشريف الرضي، تحقيق: طه محمد الزبيدي، (د. ط)، منشورات مكتبة بصيرتي - قم، (د.ت): 157
2- ينظر: الكامل في التاريخ: 2 / 574

علي يا عمران قال: قَالَ: اعْتَزِلْ فَإِنِّي قَاعِدٌ. قَالَ عُثْمَانُ: بَلْ أَمْنَعُهُمْ حَتَّى يَأتِيَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، قال عمران: بل يحكم الله ما يريد فانصرف إلى بيته»(1)، وبعث إلى الأحنف بن قيس فقال له: إنّ هؤلاء القوم قدموا علينا ومعهم زوج رسول الله، والناس إليها سراع کما تري، فقال الأحنف: إنّهم جاؤوك بها للطلب بدم عثمان، وهم الذين ألّبوا على عثمان الناسَ، وسفكوا دمه، وأراهم والله لا يُزايلون حتى يُلقوا العداوة بيننا ويسفكوا دماءنا، وأظنّهم والله سيركبون منك خاصّة ما لا قِبَل لك به إن لم تتأهّب لهم بالنهوض إليهم فيمن معك من أهل البصرة فإنّك اليوم الوالي عليهم، وأنت فيهم مطاع، فسِر إليهم بالناس، وبادرهم قبل أن يكونوا معك في دار واحدة فيكون الناس لهم أطوع منهم لك فقال عثمان بن حنيف: الرأي ما رأيت، لكنّني أكره الشرّ وأن أبدأهم به، وأرجو العافية والسلامة إلى أن يأتيني كتاب أمير المؤمنين ورأيه فأعمل به(2).

ثمّ أتاه حکیمُ بن جبلّة العبدی من بني عمرو بن وديعة، فأقرأه کتاب طلحة والزبير، فقال له مثل قول الأحنف، وأجابه عثمان بمثل جوابه للأحنف، فقال له حکیم: فأْذن لي حتى أسير إليهم بالناس، فإن دخلوا في طاعة أمير المؤمنين وإلاّ نابذتهم على سواء، فقال عثمان: لو كان ذلك رأيي لسرت إليهم بنفسي. قال حكيم: أما والله إن دخلوا عليك هذا المصر لينتقلنّ قلوب كثير من الناس إليهم، وليزيلنّك عن مجلسك هذا وأنت أعلم، فأبی علیه عثمان. وانتظر عثمان

ص: 91


1- الكامل في التاريخ: 2 / 574
2- ينظر: الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، السيد علي خان المدني الشيرازي (ت: 1120 ه)، ، تحقيق: تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، منشورات مكتبة بصيرتي - قم، (د. ط)، 1397 ه: 382

حتى وصل إليه كتاب الإمام علي علیه السلام فسار في أمره. ولم يؤثر فيه كثرة من يثنونه عن عزيمته وهي الوفاء والالتزام بكتاب الإمام علیه السلام الذي رسم له فيه منهجه وكيفية التعامل معهم، وقد سار على هدیه وبعث إليهم الرسل يستعلمون سبب قدومهم على مصره، ولما تبين له إصرارهم على القتال والمطالبة غير المُبَرَّرَة بدم عثمان منهم، أخذ على نفسه الاستعداد للحرب، وأن يعد لها عدتها ويمنعهم بذلك من دخول المدينة حتى يصل الإمام علي علیه السلام، وكان ممن أشار عليه الجلوس عن القتال: هشام بن عامر فقال: يا عثمان إن هذا الأمر الذي تروم يسلم إلى شر مما تكره إن هذا فتق لا يرتق وصدع لا يجبر فسامحهم حتى يأتي أمر علي علیه السلام ولا تحادهم(1)، فأبى ونادی عثمان في الناس وأمرهم بالتهيؤ ولبسوا السلاح واجتمعوا إلى المسجد الجامع فتكلم من تكلم، وقال قيس بن الفقدية: يا أيها الناس أنا قيس بن الفقدية الخميسي إنَّ هؤلاء القوم الذين جاؤوكم إن كانوا جاؤوكم خائفين، فقد جاؤوا من المكان الذي يأمن فيه الطير، وإن كانوا جاؤوا يطلبون بدم عثمان فما نحن بقتلة عثمان، أطیعوني في هؤلاء القوم فردوهم من حيث جاؤوا فقام الأسود ابن سريع السعدي فقال: أو زعموا أنَّا قتلة عثمان؟ فإنَّما فزعوا إلينا يستعينون بنا على قتلة عثمان منا ومن غيرنا فإن كان القوم أخرجوا من ديارهم كما زعمت فمن يمنعهم من إخراجهم الرجال أو البلدان فحصبه الناس فعرف عثمان أنَّ لهم بالبصرة ناصرا ممن يقوم معهم فکسره ذلك واقبلت عائشة فيمن معها حتى إذا انتهوا إلى المربد(2)ودخلوا

ص: 92


1- ينظر: الكامل في التاريخ: 2 / 575
2- المِرْبَدُ: بالكسر ثم السكون، وفتح الباء الموحدة، ودال مهملة: وهذا اسم موضع هكذا وليس بجار على فعل على أن ابن الأعرابي روي أن الرابد الخازن ولو كان منه لقيل المرابد على زنة اسم المفعول مثل المقاتل من القاتل فمجيئه على غير جریان الفعل دليل على أنه موضع هكذا، وذهب القاضي عياض إلى أن أصله من ربد بالمكان إذا أقام به، فقياسه على هذا أن يكون مربد، بفتح الميم وكسر الباء، فلم يسمع فيه ذلك فهو أيضا غير قياس، وهو منطقة في = البصرة، من أشهر محالهّا وكان يكون سوق الإبل فيه قدیما ثم صار محلة عظيمة سكنها الناس وبه كانت مفاخرات الشعراء ومجالس الخطباء، وهو الآن بائن عن البصرة بينهما نحو ثلاثة أميال وكان ما بين ذلك كله عامرا وهو الآن خراب، فصار المربد کالبلدة المفردة في وسط البرية. ينظر: معجم البلدان: 5 / 97 - 98

من أعلاه أمسكوا ووقفوا حتى خرج عثمان فيمن معه وخرج إليها من أهل البصرة من أراد أن يخرج إليها ويكون معها فاجتمعوا بالمربد وجعلوا يثوبون حتى غص بالناس(1).

المقصد الثاني: تشخيص دوافع معركة الجمل لدى الطرفين:

عندما التقى الجيشان، كان لا بد من أن يعرض كل طرف المسوغ الذي يحدو به إلى تنفيذ الفعل الذي يروم، ولكي تتضح أبعاد الواقعة ومسوغاتها سنعرض المبررات التي ساقها كل طرف، والوقوف على واقعیتها وصحة كل منها، ومعرفة أي طرف مع الحق وأيهما جانب الصواب وركب مطية الباطل وتسبب في سفك دماء المسلمين.

أ - المبررات التي ساقها قادة أصحاب الجمل:

كانت مبررات أصحاب الجمل تدور حول الطلب بدم عثمان بن عفان، وطلب الاصلاح في أمر المسلمين (2)، إذ يطالعنا کلام طلحة في ذلك وكان واقفاً في ميمنة المربد ومعه الزبير، وعثمان بن حنيف في ميسرته، فأنصتوا له

ص: 93


1- ينظر: جمل من أنساب الاشراف: 2 / 226
2- ينظر: الفتنة ووقعة الجمل: 123

فحمد الله وأثنى عليه وذكر عثمان وفضله والبلد وما استحل منه وعظم ما أتى إليه ودعا إلى الطلب بدمه وقال في خطبته: «يا معشر المسلمين أنَّ الله قد منحكم بأمِّ المؤمنين وقد عرفتم حقها ومكانتها من رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) ومكان أبيها من الإسلام فهذه هي تشهد لنا إنّا لم نكذبكم فيما خبرناكم به ولا غررناكم فيما دعوناكم إليه من قتال ابن أبي طالب وأصحابه الصادين عن الحق ولسنا نطلب خلافة ولا ملكا وإنّا نحذركم أن تغلبوا على أمركم وتقصروا دون الحق وقد رجونا أن يكون عندكم عونا لنا على طاعة الله وصلاح الأمة فأنا أحق من عناه أمر المسلمين ومصلحتهم. وأن عليا [عليه السلا] لو عمل الجد في نصرة أمِّكم لاعتزل هذا الأمر حتى تختار الأمة لأنفسها من ترضاه»(1)، وتكلم الزبير بمثل ذلك فقال من في ميمنة المربد: صدقا وبرا وقالا: الحق وأمرا بالحق (2).

وقال من في ميسرته: فجرا وغدرا وقالا الباطل وأمرا به قد بايعا ثم جاء يقولان ما يقولان! وتحاثي الناس وتحاصبوا وأرهجوا فتكلمت عائشة - وكانت جهورية يعلو صوتها كثرة - فحمدت الله عز وجل وأثنت عليه وقالت: كان الناس يتجنون على عثمان ویزرون رون على عماله ويأتوننا بالمدينة فيستشيروننا فيما يخبروننا عنهم ويرون حسنا من كلامنا في صلاح بينهم فننظر في ذلك فنجده تقيَّا وفيَّا ونجدهم فجرة كذبة يحاولون غير ما يظهرون فلما قووا على المكاثرة كاثروه فاقتحموا عليه داره واستحلوا الدم الحرام والمال الحرام والبلد الحرام

ص: 94


1- الجمل، الشيخ المفيد (ت : 413 ه)، مكتبة الداوري - قم - ایران : 162. وينظر: الفتنة ووقعة الجمل: 126
2- ينظر: تاريخ الطبري: 4 / 465، والفتنة ووقعة الجمل: 124

بلا ترة ولا عذر ألا إن مما ينبغي لا ينبغي لكم غيره أخذ قتلة عثمان وإقامة كتاب الله عز وجل:

«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ»(1).

فافترق أصحاب عثمان بن حنيف فرقتين فقالت فرقة: صدقت والله وبرت وجاءت والله بالمعروف وقال الآخرون: كذبتم والله ما نعرف ما تقولون، فتحاثوا وتحاصبوا وأرهجوا، فلما رأت ذلك عائشة انحدرت وانحدر أهل الميمنة مفارقين لعثمان حتى وقفوا في المربد في موضع الدباغين، وبقي أصحاب عثمان على حالهم يتدافعون حتى تحاجزوا ومال بعضهم إلى عائشة وبقي بعضهم مع عثمان على فم السكة(2).

وأقبل جارية بن قدامة السعدي، فقال: والله لقتل عثمان بن عفان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح! إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة، فهتكت سترك وأبحت حرمتك، إنَّه من رأى قتالك فإنه یری قتلك وإن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك، وإن كنت أتيتنا مستكرهة فاستعيني بالناس قال: فخرج غلام شاب من بني سعد إلى طلحة والزبير فقال: أما أنت یا زبیر فحواري رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، وأما أنت یا طلحة فوقیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بيدك وأرى أمكما معكما فهل جئتما بنسائكما قالا: لا قال: فما أنا منكما في شيء واعتزل.

ص: 95


1- آل عمران: 23
2- ينظر: تاريخ الطبري: 4 / 465، والكامل في التاريخ: 2 / 576، و والفتنة ووقعة الجمل: 124

وقال السعدي في ذلك(1): صنتم حلائلكم وقدتم أمكم ٭٭٭ هذا لعمرك قلة الإنصاف.

أمرت بجر ذيولها في بيتها ٭٭٭ فهوت تشق البيد بالإيجاف غرضايقاتل دونها أبناؤها ٭٭٭ بالنبل والخطي والاسياف هتكت بطلحة والزبير ستورها ٭٭٭ هذا المخبر عنهم والكافي

ب - تحليل أمير المؤمنين علیه السلام وأصحابه:

ولبيان العلل والدوافع التي أدَّت إلى نشوب الحرب من وجهة نظر الإمام علي علیه السلام حريٌّ بنا الوقوف على ما ذكره الإمام علیه السلام في نهج البلاغة في بيان دور طلحة والزبير في المعركة، إذ قال:

فَخَرَجُوا یَجُرُّونَ حُرْمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اَللَّهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وسلم کَمَا تُجَرُّ الاْمَةُ عِنْدَ شِرَائِهَا، مُتَوَجِّهِینَ بِهَا الْبَصْرَةِ، فَحَبَسَا نِسَاءَهُمَا فِی بُیُوتِهِمَا وَأَبْرَزَا حَبِیس(2)رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وسلم لَهُمَا وَلِغَیْرِهِمَا فِی جَیْشٍ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلاَّ وَقَدْ أَعْطَانِي اَلطَّاعَةَ، وَسَمَحَ لِي بِالْبَیْعَةِ، طَائِعاً غَیْرَ مُکْرَه، فَقَدِمُوا عَلَی عَامِلِی بِهَا وَخُزَّانِ بَیْتِ مَالِ الْمُسْلِمِینَ وَغَیْرِهِمْ مِنْ أَهْلِهَا فَقَتَلُوا طَائِفَةً صَبْراً وَطَائِفَةً غَدْراً. فَوَ اللَّهِ لَوْ لَمْ یُصِیبُوا مِنَ الْمُسْلِمِینَ إِلاَّ رَجُلاً وَاحِداً مُعْتَمِدِینَ لِقَتْلِهِ، بِلاَ جُرْم جَرَّهُ، لَحَلَّ لِی قَتْلُ ذَلِكَ الْجَیْشِ کُلِّهِ، إِذْ حَضَرُوهُ فَلَمْ یُنْکِرُوا، وَلَمْ یَدْفَعُوا عَنْهُ بِلِسَان وَلاَ یَد. دَعْ مَا أَنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِینَ مِثْلَ الْعِدَّةِ الَّتِي دَخَلُوا بِهَا عَلَیْهِمْ!»(3).

ص: 96


1- ينظر: تاريخ الطبري: 4 / 465، والكامل في التاريخ: 2 / 576
2- . حَبيس: فعيل بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، وكلّ واحدة من نساء البني كانت محبوسة لرسول الله لا يجوز لاحد أن يمسّها بعده كأنها في حياته
3- نهج البلاغة: 381 - 382

وما هذا الفعل الذي وصفه الإمام علیه السلام لطلحة والزبير إلا لمطامع وغايات أوضحها الإمام عليه السلام في خطبه، ويمكن بيان بعضا منها:

1. تطلع طلحة والزبير للسلطة: ذكر الإمام علي علیه السلام هذا العامل في خطبة له في نهج البلاغة والتي جاء فيها:

«كُلُّ وَاحِد مِنْهُمَا يَرْجُو الأمر لَهُ، وَيَعْطِفُهُ عَلَیْهِ دُونَ صَاحِبِهِ، لاَ يَمُتَّانِ إلى اللهِ بِحَبْل، وَلاَ يَمُدَّانِ إِلَيْهِ بَسَبَب»(1).

فالصراع كان لأجل السلطة والنفوذ، لا لطلب الإصلاح كما يدعون، فکشف الإمام علیه السلام زيغ أفكارهم ووهن معتقدهم.

2. إثارة الفتنة:

أشار أمير المؤمنين علیه السلام إلى ذلك في خطبته التي نادي فيها الناس أن تجهزوا للمسير؛ فإن طلحة والزبير قد نكثا البيعة، ونقضا العهد، وأخرجا عائشة من بيتها يريدان البصرة؛ لإثارة الفتنة، وسفك دماء أهل القبلة، وقال: والله إنهما لفي ظلالة صماء وجهالة عمياء وإن الشيطان قد دبر لها حزبه واستجلب منهما خیله ورجاله ليعيد الجور إلى أوطانه ويرد الباطل إلى نصابه. ثم رفع يديه وقال: اللهم إنَّ طلحة والزبير قطعاني و ظلماني ونكثا بيعتي فاحلل ما عقدا وانکث ما أبرما ولا تغفر لهما أبدا وأرهما المساءة فيها عملا وأملا(2).

ص: 97


1- نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 19 / 109. وينظر: بحار الانوار: 32 / 80
2- ينظر: الجمل: 144 - 145

3. عامل الحقد والضغينة

وهذا العامل لا يمكن إنكاره فقد كان يعتلج في قلوب البعض منهم من الحقد والضغينة لأمير المؤمنين علیه السلام الشيء الكثير حتى أنّه علیه السلام أرجع حقد المرأة عليه إلى العوامل التالية:

أ. تفضیل رسول الله صلی الله علیه وآله للإمام علي علیه السلام على أبيها؛

ب. لما آخى بين أصحابه اختصه بإخوته دون غيره.

ت. وأوحى الله تعالى إليه صلی الله علیه وآله وسلم بسد أبواب كانت في المسجد لجميع أصحابه إلا بابه علیه السلام.

ث. إن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أعطاه الراية يوم خيبر - بعد أن أعطاها لجماعة، ولم يتمكنوا من فتح الحصن - قائلاً: لأعطين الراية غدا رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله کراراً غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه، فأعطاه الراية، فصبر حتى فتح الله تعالى على يديه و غم ذلك أباها وأحزنه فاضطغنه علي وما لي إليه ذنب في ذلك فحقدت لحقد أبيها(1).

ج. يضاف إلى ذلك أنَّ طلحة والزبير كانا يأملان - كما تقدم في سبب خروجها من أمير المؤمنين علیه السلام أن يتخذ منهما مستشارين له في إدارة الأمور، وأنهما لا يقلان عن علي علیه السلام مرتبة.

ح. كذلك كانا يطمحان بأن ينالا موقعاً في السلطة في مقتل عثمان، وأن يكون لهما نصيب من القيادة، إلا أنَّ أمانيهما لم تفلح، مما أدى بها إلى الإجهار

ص: 98


1- ينظر: الجمل: 219

بالخصومة لأمير المؤمنين علیه السلام(1).

ونظرة وسريعة لتلك الفقرات يتضح: تشخيص الإمام علي عليه السلام طلحة والزبير، بوصفهما من أشعل نار الفتنة، إذ كان لهما الدور الرئيس لتأجيج تلك الحرب، وأنّ عائشة تلعب دوراً هامشياً، وأنّهما استغلا موقعها من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، لإضفاء الشرعية على تحركهما. ولم تكن الأدلة المحكمة والمدعومة بالدليل والبرهان المحكمين؛ لاسيما قضية المطالبة بدم عثمان؛ وذلك لأن هؤلاء الثلاثة ومنهم عائشة لم يكونوا على وئام مع عثمان. والنصوص المتقدمة تثبت ذلك.

المقصد الثالث: معركة الجمل الصغرى:

خرج أبو الأسود وعمران بعد انتهاء مفاوضاتهما مع القوم دون ثمرة ترجی، فانصرفا إلى عثمان بن حنیف فأخبراه الخبر فأذن عثمان للنّاس بالحرب وقال له أبو الأسود(2):

يابن حنیف قد أتيت فانفر

وطاعن القوم وجالد واصبر

وابرز لها مستلهما وشمّر

فقال ابن حنيف: اي وربّ الحرمين لأفعلنّ، وأمر منادیه فنادى في الناس السلاح السلاح، فاجتمعوا إليه. وقد راسلت عائشة زيد بن صوحان(3)تسأله

ص: 99


1- ينظر: البدء والتاريخ: 5 / 209 - 210
2- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 10 / 148، و 17 / 39
3- زَیْد بن صُوحان، (36 ه - 656 م): وهو زيد بن صوحان بن حجر العبديّ، من بني عبد القيس، من ربيعة: تابعي، من أهل الكوفة، له رواية عن عمرو وعليّ. كان أحد الشجعان الرؤساء، وشهد وقائع الفتح فقطعت شماله يوم نهاوند. ولما كان يوم الجمل قاتل مع عليّ علیه السلام حتى قتل، ومسجده باق، معروف في الكوفة، إلى اليوم. ينظر: الأعلام: 3 / 59

النصرة أو تثبيط الناس عن الإمام علي علیه السلام ومما كتبت له:

«مِنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ حَبِيبَةِ رَسُولِ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ) إلى ابْنِهَا الْخَالِصِ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ، أَمَّا بَعْدُ فَإِذَا أَتَاكَ کِتَابِي هَذَا فَاقْدُمْ فَانْصُرْنَا، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَخَذِّلِ النَّاسَ عَنْ عَلِيٍّ»(1). فأجابها بكتاب يحسسها بعدم رضاه عن فعلها: «أَمَّا بَعْدُ فَأَنَا ابْنُكِ الْخَالِصُ، لَئِنِ اعْتَزَلْتِ وَرَجَعْتِ إلى بَيْتِكِ، وَإِلَّا فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ نَابَذَكِ»(2).

وأصبح الفريقان من غد، فصفَّا للحرب، وخرج عثمان بن حنيف فناشد عائشة، الله والإسلام، وذكرَّ طلحة والزبير بيعتها للإمام علیه السلام. فقالا: نطلب بدم عثمان فقال لهما: وما أنتما وذاك، أين بنوه؟ أين بنو أعمامه الذين هم أحق به منكم؟ کلا ولکنکما حسدتما عليًا علیه السلام حيث اجتمع الناس عليه، وکنتما ترجوان هذا الأمر، وتعملان له، وهل كان أحد أشد على عثمان قولا منکا؟ ! فشتماه شتما قبيحا وذكرا أمه، فقال للزبير: لولا صفية ومكانها من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فإنَّها أدنتك إلى الظل، وأنّ الأمر بيني وبينك يا ابن الصعبة، يعني طلحة. ثم قال: اللهم إنِّي قد أعذرت. ثم حمل فاقتتل الناس قتالا شديدا(3)، وكان معه من القواد حکیم بن جبلة(4)وهو على الخيل فأنشب القتال وأسرع أصحاب

ص: 100


1- الكامل في التاريخ: 2 / 577
2- المصدر نفسه: 2 / 577
3- ينظر: النص والاجتهاد، السيد شرف الدين (ت: 1377 ه)، تحقيق وتعليق: أبو مجتبی، سید الشهداء علیه السلام - قم، ط 1، 1404: 441
4- حکیم بن جبلة العبديّ (36ه - 656 م)، من بني عبد القيس: صحابّي، كان شريفا مطاعا، من أشجع الناس. ولاه عثمان إمرة السند، ولم يستطع دخولها فعاد إلى البصرة. واشترك في الفتنة أيام عثمان. ولما كان يوم الجمل أقبل في ثلاث مئة من بني عبد القيس وربيعة، فقاتل مع أصحاب الإمام عليّ علیه السلام، وقطعت رجله فأخذها وضرب بها الّذي قطعها، فقتله بها، وبقي يقاتل على واحدة ويرتجز: یا ساق لن تراعي إن معي ذراعي أحمي بها كراعي ونزف دمه، فجلس متكئا على المقتول الّذي قطع رجله، فمرّ به فارس، فقال: من قطع رجلك؟ قال: وسادي! وقتل في هذه الوقعة. ينظر: الأعلام: 2 / 268 - 269

عائشة رماحهم وأمسكوا ليمسكوا فلم ينته ولم يثن فقاتلهم وهو، يقول: إنّها قریش لیردینها جبنها والطيش، واقتتلوا على فم السكة، وأشرف أهل الدور ممن كان له في واحد من الفريقين هوی فرموا باقي الآخرين بالحجارة، وأمرت عائشة أصحابها فتيامنوا حتى انتهوا إلى مقبرة بني مازن، فوقفوا بها مليا وثار إليهم الناس فحجز الليل بينهم فرجع عثمان إلى القصر، وقد تحيز الناس بعضهم مع طلحة والزبير وعائشة، وبعضهم متمسك ببيعة أمير المؤمنين علیه السلام والرضا به، فسارت من موضعها ومن معها واتبعها على رأيها طلحة والزبير ومروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير حتى أتوا دار الإمارة، فسألوا عثمان بن حنیف الخروج عنها فأبى عليهم ذلك، واجتمع إليه أنصاره وزمرة من أهل البصرة فاقتتلوا قتالا شديدا حتى زالت الشمس وأصيب يومئذ من عبد القيس خاصة خمسمائة شيخ مخضوب من أصحاب عثمان ابن حنيف وشيعة أمير المؤمنين سوی من أصيب من سائر الناس وبلغ الحرب بينهم التزاحف إلى (مقبرة بني مازن) ثم خرجوا على مسناة البصرة حتى انتهوا إلى (الزابوقة)(1)وهي ساحة

ص: 101


1- لزَّابُوقَة: بعد الألف باء موحدة، وبعد الواو قاف، يقال: زبق شعره يزبق أي نتفه، ولعلّ هذا الموضع قلع نبته فسمّي بذلك أو يكون من انزبق الشيء في الشيء إذا دخل فيه، وهو مقلوب انزقب: وهو موضع قريب من البصرة كانت فيه وقعة الجمل أوّل النهار، وهو مدينة المسامعة بنت ربيعة بالبصرة، وهم بنو مسمع بن شهاب بن بلع بن عمرو بن عباد ابن ربيعة بن جحدر بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل. ينظر: معجم البلدان: 3 / 125

دار الرزق، فاقتتلوا قتالا شديدا كثر فيه القتلى والجرحى من الفريقين، و عثمان بن حنيف يقول(1):

شهدت الحروب فشيبني ٭٭٭ فلم أر يوما كيوم الجمل أشدعلی مؤمن فتنة ٭٭٭ وأقتل منهم لحرق بطل

فليت الظعينة في بيتها ٭٭٭ ويا ليت عسكر لم يرتحل «وتعرف هذه الواقعة عندهم بوقعة الجمل الأصغر، وكان لخمس بقين من ربيع الثاني سنة ست وثلاثين للهجرة، وذلك قبل مجيء علي علیه السلام إلى البصرة»(2)ثم إنهم تداعوا إلى الصلح ودخل بينهم الناس لما رأوا من عظيم ما ابتلوا به فتصالحوا على وفق شروط اتفق عليها الطرفان، هي:

1. أن يكون لعثمان بن حنیف دار الإمارة والمسجد وبیت المال. 2. يكون لطلحة والزبير وعائشة ما شاءوا من البصرة، ينزلوا بها ولا يتعرض لهم أحد ولا يتدخلون في شؤون المدينة ولا يتعرضون لأهلها بسوء.

3. أن يلتزم كلا الطرفين ببنود الاتفاق حتى قدوم أمير المؤمنين علیه السلام فإن أحبوا بعد ذلك الدخول في طاعته وإن أحبوا أن يقاتلوا.

4. تمت مصادقة بنود الصلح، وكتبوا بذلك كتابا بينهم وأوثقوا فيه العهود

ص: 102


1- ينظر: بحار الأنوار: 32 / 184
2- النص والإجتهاد: 424

وأكدوها وأشهدوا الناس على ذلك ووضع السلاح وآمن عثمان بن حنيف على نفسه و أمر أصحابه بأن يتفرقوا إلى بيوتهم وينزعوا السلاح(1).

المقصد الرابع: غدر الناكثين:

وبعد أن كتبوا معاهدة الصلح واستقر الوضع، رجع عثان إلى دار الإمارة، وأمر أصحابه أن يلحقوا بمنازلهم، ويضعوا سلاحهم، وافترق الناس... فمكث عثمان بن حنيف في الدار أيّاماً، وقد جنح كلُّ من طلحة والزبير إلى الغدر، فقال طلحة لأصحابه في السر والله لئن قدم علي بن أبي طالب علیه السلام البصرة لنؤخذنَّ بأعناقنا، ثم إنّ طلحة والزبير ومروان بن الحكم أتَوه نصف الليل في جماعة معهم قد ألبسوهم الدروع تحت الثياب، في ليلة مظلمة سوداء مطيرة وعشان نائم، فقتلوا أربعين رجلاً من الحرس، فخرج عثمان بن حنیف، فشدّ عليه مروان فأسرَه، وقتل أصحابه ونتفوا شعره وحلقوا رأسه وحبسوه(2)، وأرادوا بیت المال، فمانعهم الخزّان والموكّلون به وهم السبابِجة(3) من قولهم:

ص: 103


1- ينظر: الكامل في التاريخ: 2 / 578
2- ينظر: مناقب آل ابي طالب ابن شهر آشوب (588 ه)، تصحیح و شرح ومقابلة لجنة من أساتذة النجف الأشرف، مكتبة الحيدرية - النجف الأشرف، مطبعة الحيدرية - النجف الأشرف، (د. ط)، 1376 - 1959 م: 2 / 338
3- السيابجة والزط: وهم قوم من السند كانوا بالبصرة، دخلوا الإسلام لما حاصر أبو موسی الأشعري السوس وفق بنود أبرمها سياه الأسواري كبير يزدجرد، إنا قَدْ أحببنا الدخول معكم في دينكم عَلَى أن نقاتل عدوكم من العجم معكم وعلى أنه إن وقع بينكم اختلاف لم نقاتل بعضكم مع بعض، وعلى أنه أن قاتلنا العرب منعتمونا منهم وأعنتمونا عليهم، وعلى أن ننزل بحيث شئنا منَ البلدان ونكون فيمن شئنا منكم، وعلى أن نلحق بشرف العطاء ويعقد لنا بذلك الأمير الَّذِي بعثكم، فقال أَبُو موسی بل لكم ما لنا وعليكم ما علينا منها:، فلما صاروا إلى البصرة سألوا أي الأحياء أقرب نسبا إلى رَسُول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فقيل: بنو تمیم وكانوا عَلَى أن يحالفوا الأزد فتركوهم وحالفوا بني تميم، ثم خطت لهم خططهم فنزلوا وحفروا نهرهم وهو يعرف بنهر الأساورة، ويقال أن عَبْد الله بْن عَامِر حفره، وكانت جماعة السيابجة موكلين ببيت مال البصرة، يقال أنهم أربعون، ويقال أربعمائة، فلما قدم طلحة بْن عُبَيْد الله والزبير بْن العوام البصرة وعليها من قبل علي بْن أَبِي طالب علیه السلام عُثْمَان بْن حنیف الأنصاري أبوا أن يسلموا بیت المال إلى قدوم الإمام علي علیه السلام فأتوهم في السحر فقتلوهم وكان عَبْد الله بْن الزبير المتولي لأمرهم في جماعة تسرعوا إليهم معه، وكان عَلَى السيابجة يومئذ أَبُو سالمة الزطي، وكان رجلا صالحا، ينظر: الفتنة ووقعة الجمل،: 129، هامش رقم (1)، وفتوح البلدان، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلادري (ت: 279 ه)، دار ومكتبة الهلال - بيروت، (د. ط)، 1988 م: 362

«سبج: السبجة: ثوب من بعض ما يلبسه الطيانون، له جيب ولا يدان ولا فرجان، وربما تسبب الإنسان بكساء أو ثوب»(1).

فقُتِل منهم سبعون رجلاً غير من جُرح، وخمسون من السبعين ضُربت رقابهم صبراً من بعد الأسر، وهؤلاء أوّل من قُتل ظلماً في الإسلام و صبراً(2)، إذ انطلقوا بهم - السيابجة - وبعثمان بن حنيف إلى عائشة فقالت لأبان بن عثمان اخرج إليه فاضرب عنقه - عثمان بن حنیف - فانّ الأنصار قتلت أباك وأعان على قتله، وكانت عندها امرأة من أهل البصرة، فقالت لها: يا أُمّاه! أين يُذهبَ بكِ؟! أتأمرين بقتل عثمان بن حنيف، وأخوه سهل خليفة على المدينة، ومكانه من الأوس والخزرج ما قد علمت! والله، لئن فعلتِ ذلك لتكوننّ له صولة

ص: 104


1- العين: 6 / 59
2- ينظر: الإرشاد: 252

بالمدينة يقتل فيها ذراري قريش. فناب إلي عائشة رأيها وقالت:

«رُدُّوا أَبَانًا، فَرَدُّوهُ، فَقَالَتِ: احْبِسُوهُ وَلا تَقْتُلُوهُ، قَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تَدْعِينَنِي لِهَذَا لَمْ أَرْجِعْ، فَقَالَ لَهُمْ مُجَاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ: اضْرُبُوهُ وَانْتِقُوا شَعْرَ لِحَيْتِهِ، فَضَرَبُوهُ أَرْبَعِينَ سَوْطًا، وَنَتَفُوا شَعْرَ لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ وَحَاجِبَیْهِ وَأَشْفَارِ عَيْنَيْهِ وَحَبَسُوهُ»(1).

وبلغ حکیم بن جبلة ما صنع بعثمان بْنِ حُنیف فقال: لست أَخاف الله إِن لم أنصره! فجاء في جماعة من عبد القيس من ربيعة، وتوجَّه نحو دارِ الرِّزْق، فقالَ لهُ عبد الله بن الزبير: ما لك يا حكيم؟ قال: أَنْ تخلُّوا عثمان، فيقيم في دَارِ الإِمارة على ما كتبتم بینکم حَتَّى يقدم عَلِيٌّ علیه السلام، وَايْمُ اللهِ لَوْ أَجِدُ أَعْوَانًا عَلَیْکُمْ مَا رَضِیْتُ بِهَذِهِ مِنْكُمْ حَتَّى أَقْتُلَكُمْ بِمَنْ قَتَلْتُمْ، وَلَقَدْ أَصْبَحْتُمْ وَإِنَّ دِمَاءَكُمْ لَنَا لَحَلَالٌ بِمَنْ قَتَلْتُمْ، أَمَا تَخَافُونَ اللهَ؟ بِمَ تَسْتَحِلُّونَ الدَّم الْحَرَامَ؟ قَالَ عبد الله بن الزبير: بِدَمِ عُثْمَانَ. قَالَ حكيم مستنكرا لقوله: فَالَّذِينَ قَتَلْتُمْ هُمْ قَتَلُوا عُثْمَانَ؟! أَمَا تَخَافُونَ مَقْتَ الله؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الله بن الزبير: لَا نُخَلِّي سَبِيلَ عُثْمَانَ حَتَّى تَخْلَعَ عَلِیًّا علیه السلام. فَقَالَ حُكَيْمٌ: اللهُمَّ إِنَّكَ حَکَمٌ عَدْلٌ فَاشْهَدْ، وَقَالَ لِأصحابه: لَسْتُ فِي شَكٍّ مِنْ قِتَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، فَمَنْ كَانَ فِي شَكِّ فَلْيَنْصَرِفْ(2). وَتَقَدَّمَ فَقَاتَلَهُمْ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا وَمَعَ حُکَیْمٍ أَرْبَعَةُ قُوَّادٍ، فَكَانَ حُكَيْمٌ بِحِیَالِ طَلْحَةَ، وَذُرَيْحٌ بِحِیَالِ الزُّبَيْرِ، وَابْنُ الْمُحْتَرِشِ بِحِیَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتَّابٍ، وَحُرْقُوصُ بْنُ زُهَیْرٍ بِحِیَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَرْثِ بْنِ هِشَامٍ، فَزَحْفَ طَلْحَةُ لِحُكَيْمٍ وَهُوَ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ، وَجَعَلَ حُكَيْمٌ يَضْرِبُ بِالسَّيْفِ وَيَقُولُ:

ص: 105


1- تاريخ الطبري: 4 / 469
2- ينظر: الكامل في التاريخ: 2 / 579

أَضْرِبُهُمْ بِالْيَابِسِ... ضَرْبَ غُلَامٍ عَابِسِ... مِنَ الْحَيَاةِ آيِسِ.. فِي الْغُرُفَاتِ نَافَسِ فَضَرَبَ رَجُلٌ رِجْلَهُ فَقَطَعَهَا، فَحَبَا حَتَّى أَخَذَهَا فَرَمَى بِهَا صَاحِبَهُ فَصَرَعَهُ وَأَتَاهُ فَقَتَلَهُ ثُمَّ اتَّكَأَ عَلَيْهِ وَقَالَ: أَسَاقِي لَنْ تُرَاعِي... إِنَّ مَعِي ذِرَاعِي، أَحْمِي بِهَا کُرَاعِي(1).

فَأَتَى عَلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا حُکَیْمُ؟ قَالَ: قُتِلْتُ. قَالَ: مَنْ قَتَلَكَ؟ قَالَ: وِسَادَتِي. يعني الرجل الذي تحته، فَاحْتَمَلَهُ وَضَمَّهُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أصحابهِ، وَتَكَلَّمَ يَوْمَئِذٍ حُكَيْمٌ وَإِنَّهُ لَقَائِمٌ عَلَى رِجْلٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنَّ السُّيُوفَ لتأخذهم وما يتتعتع، ويقول: إِنَّا خَلَّفنَا هذين، وقد بايعَا عليًّا علیه السلام وأَعطیَاه الطَّاعة ثُمَّ أَقبلَا مخالفين محاربين يطلبان بدم عثمان، ففَرَّقا بيننا، ونحن أَهل دَارٍ وجوار، اللهُمَّ أنَّهما لم يريدا عثمان! وقتلوا وقتل معهم، قتله يزيد بن الأَسحم الحدَّاني، فوجد حکیم قتيلًا بين يزيد وأَخيه کعب(2).

أما عثمان فنادى وهو في السجن: یا عائشة، ويا طلحة، ويا زبير، إنّ أخي سهل بن حنيف خليفة عليّ بن أبي طالب علیه السلام على المدينة، وأقسم بالله إن قتلتموني ليضعنّ السيف في بني أبيكم وأهليكم ورهطكم، فلا يبقى منكم أحدا. فكفّوا عنه وخافوا أن يوقع سهل بن حنیف بعيالاتهم، وأهلهم بالمدينة، فتركوه وأرسلت عائشة إلى الزبير أن اقتل السيابجة فإنّه قد بلغني الَّذي صنعوا بك(3)، وهم سبعون رجلا وبقيت منهم طائفة مستمسكين ببیت المال، قالوا:

ص: 106


1- ينظر: تاريخ الطبري: 4 / 470 - 472، و الكامل في التاريخ: 2 / 580
2- ينظر: الكامل في التاريخ: 2 / 580، و الاستیعاب في معرفة الأصحاب: 1 / 368 - 369
3- حكَمت عائشة بقتل السيابجة لأنهم عملوا بواجبهم الشرعي، ومدار القصة: عندما نوى أصحاب الجمل الغدر قصد طلحة والزبير وجماعة من جندهم إلى المسجد وقت صلاة الفجر وقد سبقهم عثمان بن حنيف إليه، وأقيمت الصلاة، فتقدم عثمان ليصلي بهم فأخره .أصحاب الزبير فقدموا الزبير وأخروا عثمان، فلم يزالوا كذلك حتى كادت الشمس أن تطلع. وصاح بهم أهل المسجد: ألا تتقون أصحاب محمد وقد طلعت الشمس. وغلب الزبير فصلي بالناس فلما انصرف من صلاته، صاح بأصحابه أن يأخذوا عثمان بن حنيف، فأخذوه بعد أن تضارب هو ومروان بن الحاكم بسيفيهما، ودافع السيابجة عن بيت المال ودار الإمارة، فكان هذا الجرم الذي أمرت عائشة الزبير أن يذبحهم عليه. ينظر: أعيان الشيعة: 8 / 141

لا ندفعه إليكم حتّى يقدم أمير المؤمنين علیه السلام، فسار إليهم الزبير في جيش ليلا فأوقع بهم وأخذ منهم خمسين أسيرا فقتلهم صبرا؛ فذبحهم الزبير كما يذبح الغنم. وقيل كانوا أكثر من ذلك، عن أبي مخنف «كانت السيابجة القتلى يومئذ أربعمائة رجل قال: فكان غدر طلحة والزبير بعثان بن حنيف أوّل غدر في الإسلام وكان السيابجة أوّل قوم ضربت أعناقهم من المسلمين صبرا»(1).

وخيّروا عثمان بن حنیف بين أن يقيم أو يلحق بالإمام علي علیه السلام فاختار الرّحيل فخلَّوا سبيله فلحق بالإمام عليّ علیه السلام(2).

وَفي هذه الأثناء نَزَلَ الإمام عَلِيٌّ علیه السلام الثَّعْلَبِیَّةَ(3) فأَتَاهُ الَّذِي لَقِيَ عُثْمَانَ بْنَ أصحاب طلحة والزبير، وقدموا الزبير، فجاءت السيابجة وهم حرس بیت المال فاخرجوا الزبير وقدموا عثمان فغلبهم ص: 107


1- تاريخ الطبري: 4 / 468. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، حبيب الله الخوئي: 10 / 153. وينظر: أعيان الشيعة: 8 / 141
2- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، حبیب الله الخوئي: 10 / 153
3- الثعلبة: وهو موضع منسوب، بفتح أوله: من منازل طريق مكة من الكوفة، وهي ثلثا الطريق، وأسفل منها ماء يقال له الضّويجعة على ميل منها مشرف، وإنما سمّيت بثعلبة بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء لما تفرّقت أزد مأرب لحق ثعلبة بهذا الموضع فأقام به فسمّي به، فلما كثر ولده وقوي أمره رجع إلى نواحي يثرب فأجلى اليهود عنها، فولده هم الأنصار کما نذكره في مأرب إن شاء الله تعالى وقال الزّجاجي: سمّيت الثعلبية بثعلبة بن دودان بن أسد ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وهو أول من حفرها ونزلها، وقال ابن الكلبي: سمیت برجل من بني دودان بن أسد يقال له ثعلبة، أدركه النوم بها فسمع خرير الماء بها في نومه فانتبه وقال: أقسم بالله إنه لموضع ماء! واستنبطه و ابتناه. ينظر: معجم البلدان: 2 / 78

حُنَيْفٍ وَحَرَسَهُ، فَقَامَ وَأَخْبَرَ الْقَوْمَ الْخَبَرَ، وَقَالَ: اللهُمَّ عَافِنِي مِمَّا ابْتَلَيْتَ بِهِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ مِنْ قَتْلِ المُسْلِمِينَ، وَسَلِّمْنَا مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَلَمَّا انْتَهَى إلى الإِسَادِ أَتَاهُ مَا لَقِيَ حَكِيمُ بْنُ جَبَلَةَ، فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، وَقَرَأَ: «مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا»(1) وَقَالَ:

دَعَا حَكِيمٌ دَعْوَةَ الزِّمَاعِ... حَلَّ بِهَا مَنْزِلَةَ النزاعِ.

وَلمَّا انْتَهَوْا إلى ذِي قَارٍ انْتَهَى إِلَيْهِ فِيهَا عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ شَعْر(2)، فلمَّا رآه الإمام علّي علیه السلام، «بکی و قال له فارقتك شيخا وجئتك أمرد فقال عليّ عليه السلام: إنا للهَّ وإنّا اليه راجعون قالها ثلاثا»(3).

وَنَظَرَ الإمام علیه السلام إلى أصحابهِ، فَقَالَ: انْطَلَقَ هَذَا مِنْ عِنْدِنَا وَهُوَ شَیْخٌ، فَرَجَعَ إِلَيْنَا وَهُوَ شَابٌّ، فَإِذَا قَتَلْنَا بِثَأْرِنَا وَسِعَنَا الْعُذْرُ وَكَانَتِ الْوَقْعَةُ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ رِبِيعٍ الآخِرِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاثِينَ(4)، وَفَلَمْ يَزَلْ بِذِي قَارٍ والقوم تتوافد عليه علیه السلام فَاجْتَمَعَ بِذِي قَارٍ سَبْعَةُ آلافٍ وَمِائَتَانِ، وَعَبْدُ الْقَيْسِ بِأَسْرِهَا فِي الطَّرِيقِ بَيْنَ الإمام عَلِيٍّ علیه السلام وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ يَنْتَظِرُونَ مُرُورَ الإمام عَلِيٍّ علیه السلام بِهِمْ، وُهُمْ آلافٌ، بعد أن طلبهم طلحة والزبير بوقع السيف في رقابهم، وهم صابرون لقدوم الإمام

ص: 108


1- الحدید: 22
2- ينظر: تاريخ الطبري: 4 / 481
3- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 153
4- ينظر: تاريخ الطبري: 4 / 474، 481، والكامل في التاريخ: 2 / 586

علیه السلام ولم يسلموا لطلحة والزبير أو يرضوا لعملهم حتى(1).

المقصد الخامس: جهود الإمام علي علیه السلام لمنع القتال:

لا يخفى على متتبع الأحداث التاريخية جهود الإمام علي علیه السلام المبذولة من أجل منع حرب الجمل، و عندما تحرّك الإمام علي علیه السلام مع قوّاته من ذي قار، أخذ يبعث رسله إلى أهل البصرة، فيدعوهم إلى الرجوع للطاعة والدخول في الجماعة، فلم يجد عند القوم إجابة ومن بعثه إلى طلحة والزبير وعائشة، صَعْصَعة بن صُوحان(2) ومعه کتاب تحدّث فيه عن إثارتهم للفتنة، ويعظّم عليهم حرمة الإسلام، ويخوّفهم فيما صنعوه، ويذكر لهم قبيح ما ارتكبوه من قتل مَن قتلوا من المسلمين، وما صنعوا بصاحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عثمان بن حنيف، وقتلهم المسلمين صبراً، ويعظهم ويدعوهم إلى الطاعة.

ص: 109


1- ينظر: تاريخ الطبري: 4 / 487، والكامل في التاريخ: 2 / 591
2- صعصعة بن صوحان: 56 ه - 676 م) وهو: صعصعة بن صوحان بن حجر بن الحارث العبدي: من سادات عبد القيس. من أهل الكوفة، مولده في دارين (قرب القطيف) كان خطيبا بليغا عاقلا، ولصعصعة بن صوحان أخبار حسان، وكلام في نهاية البلاغة والفصاحة والإيضاح عن المعاني، على ايجاز واختصار له شعر. شهد (صفين) مع الإمام علي علیه السلام وشهرته متأتية من صحبته، وله مع معاوية مواقف. قال الشعبي: كنت أتعلم منه الخطب. ونفاه المغيرة من الكوفة إلى جزيرة (أوال) في البحرين، بأمر معاوية، فمات فيها عن نحو 70 عاما، كتب أديب من البحرين (في جريدة الخليج العربي 26 / 10 / 1379) أن قبره لا يزال معروفا في بلدة تسمى (الكلابية) بالبحرين. ينظر: الأعلام: 3 / 205، و مروج الذهب ومعادن الجوهر، المسعودي (ت: 326 ه)، ط 2، منشورات دار الهجرة، إيران - قم، 1404 ه - 1984 م: 3 / 43

قال صعصعة: فقدمتُ عليهم فبدأتُ بطلحة فأعطيته الكتاب وأدّيت إليه الرسالة، فقال: الآن؟! حين عضّت ابن أبي طالب الحرب يرفق لنا! ثمّ جئتُ إلى الزبير فوجدته ألين من طلحة، ثمّ جئت إلى عائشة فوجدتها أسرع الناس إلى الشرّ، فقالت: نعم قد خرجت للطلب بدم عثمان، والله لأفعلنّ وأفعلنّ! فعدتُ إلى أمير المؤمنين علیه السلام فلقيتُه قبل أن يدخل البصرة، فقال: ما وراءك يا صعصعة؟

قلت: يا أمير المؤمنين، رأيت قوماً ما يريدون إلاّ قتالك!

فقال: الله المستعان(1).

ثم دعا عبد الله بن عبّاس فقال: انطلق إليهم فناشدهم وذكّرهم العهد الذي لي في رقابهم، ولكن دون جدوى(2).

ثم بعث كتاباً إلى طلحة والزبير جاء فيه: «أمّا بعد، فقد علمتُها وإن كتمتما، أنّي لم أُرد الناس حتى أرادوني، ولم أُبايعهم حتی بایعوني. وإنّكما ممّن أرادني وبايعني، وإنّ العامّة لم تبايعني لسلطان غالب، ولا لعرض حاضر، فإن کنتما بایعتُماني طائعين، فارجعا وتوبا إلى الله من قريب، وإن کنتما بایعتُماني کارهين، فقد جعلتما لي عليكما السبيل بإظهار كما الطاعة، وإسرار کما المعصية. ولعمري، ما كنتما بأحق المهاجرين بالتقيّة والكتمان، وإنّ دفعكما هذا الأمر من قبل أن تدخلا فيه، كان أوسع عليكما من خروجكما منه بعد إقرار کما به.

وقد زعمتما أنّي قتلت عثمان، فبيني وبينكما من تخلّف عنّي وعنكما من أهل المدينة، ثمّ يُلزم كلّ امرئ بقدر ما احتمل. فارجعا أيّها الشيخان عن رأيكما، فإنّ

ص: 110


1- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 5/ 201
2- ينظر: الفتوح: 2/ 447، ومناقب آل أبي طالب: 2/ 339

الآن أعظم أمر كما العار، من قبل أن يتجمّع العار والنار، والسلام»(1).

ولم يكتفِ الإمام علیه السلام بذلك في تبليغه النصح والإرشاد ومنع سفك الدماء فبعث كتاباً آخر إلى عائشة قبل الحرب جاء فيه: «أمّا بعد، فإنّكِ خرجتِ غاضبة لله ولرسوله، تطلبين أمراً كان عنك موضوعاً، ما بال النساء والحرب والإصلاح بين الناس؟ تطالبين بدم عثمان، ولعمري لَمن عرّضك للبلاء، وحملك على المعصية، أعظمُ إليكِ ذنباً من قتلةِ عثمان! وما غضبتِ حتى أغضَبتِ، وما هجتِ حتى هَيَّجتِ، فاتّقي الله وارجعي إلى بيتك»(2).

وتأهّبت قوّات الطرفين للحرب، بيد أنّ الإمام علیه السلام منع أصحابه من أن يبدؤوهم بقتال، وحاول في بادئ أمره أن يردع أُولي الفتنة عن الحرب، وإنّ حدیثه علیه السلام مع قادة جيش الجمل، ومع الجيش نفسه يجلي حرصه الشديد على منع هذه الحرب، والركون إلى الحلول السلمية التي تجنب المسلمين شرّ القتال، ويترجم لنا عظیم شخصيّته وأبان سمو قدره، وهو يبذل قصارى جهوده في سبيل المحافظة على الهدوء وعدم الاصطدام رغم أنَّ الحق معه وله، ولمّا لم تثمر جهوده شيئاً، ذهب بنفسه إليهم(3). وقد أماط اللثام عن الموقف السابق الذي كان عليه مساعير الحرب، وتحدّث مرّة أُخرى عن قتل عثمان وكيفيّته بدقّة تامّة،

ص: 111


1- نهج البلاغة - خطب الإمام علي عليه السلام، شرح محمد عبده، دار الذخائر، قم ایران، مطبعة النهضة - ایران، ط 1، 1412 ه: 3/ 111. وينظر: الإمامة والسياسة، ابن قتيبة الدينوري (276 ه)، تحقيق: طه محمد الزيني، مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع، (د. ط)، (د. ت): 66. وبحار الأنوار: 32/ 126
2- بحار الأنوار: 22/ 120. وينظر: الإمامة والسياسة: 67. ومنهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 17/ 44
3- ينظر: تاريخ الطبري: 4/ 508 - 509، و الكامل في التاريخ: 2/ 334 و 335

وكشف أبعاد ذلك الحادث، وأغلق على مثيري الفتنة تشبّثهم بالمعاذير الواهية. ولمّا وجد ذلك عقيماً وتأهّب الفريقان للقتال، أوصى علیه السلام أصحابه بمَلك أنفسهم والمحافظة على الهدوء، وقال: لا تعجلوا حتى أُعذِر إلى القوم... فقام إليهم فاحتجّ عليهم فلم يجد عند القوم إجابة. وبعد اللتيا والتي، بعث ابن عبّاس ثانية من أجل التفاوض الأخير؛ لعلّه يردعهم عن الحرب؛ لئلّا تُسفك دماء المسلمين هدراً، بيد أنّ القوم خُتم على سمعهم، فلم يصغوا إلى رسول الإمام، كما لم يصغوا إلى الإمام علیه السلام من قبل. وقد كان لعائشة وعبد الله بن الزبير خاصّة الدور الأكبر في ذلك(1).

المقصد السادس: معركة الجمل:

ولما التقى الجيشان وقف الإمام علي علیه السلام بين الصفين، عليه قميص ورداء وعلى رأسه عمامة سوداء، وهو يومئذ على بغلة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الشهباء التي يقال لها دلدل، ثم نادى بأعلى صوته: أين الزبير بن العوام فليخرج إلي فقال الناس: يا أمير المؤمنين أتخرج إلى الزبير وأنت حاسر وهو مدجج في الحديد؟، فقال علیه السلام: ليس عليّ منه بأس فأمسكوا، ثم نادى الثانية: أين الزبير بن العوام؟ فليخرج إلي فخرج إليه الزبير، ونظرت عائشة فقالت: وا ثكل أسماء! فقيل لها ليس على الزبير بأس، فإن عليا علیه السلام بلا سلاح.

ودنا الزبير من الإمام علي علیه السلام حتى اختلفت عنقا دابتيهما(2)، فقال له الإمام على علیه السلام: يا أبا عبد الله ما حملك على ما صنعت؟ فقال الزبير: حملني على ذلك

ص: 112


1- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 17/ 45، و أمتاع الأسماع: 13/ 241
2- ينظر: البداية والنهاية: 7/ 269

الطلب بدم عثمان، فقال له علي: أنت وأصحابك قتلتموه فيجب عليك أن تقيد من نفسك، ولكن أنشدك بالله الذي لا إله إلا هو، أما تذكر يوما قال لك رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: (يا زبير أتحب عليا)؟، فقلت: يا رسول الله وما يمنعني من حبه وهو ابن خالي؟، فقال لك: (أما إنك ستخرج عليه يوما وأنت ظالم؟!، فقال الزبير: اللهم بلى قد كان ذلك، قال علیه السلام: فأنشدك بالله الذي أنزل الفرقان أما تذكر يوما جاء رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم من عند بني عمرو بن عوف وأنت معه وهو آخذ بيدك، فاستقبلته أنا فسلم عليَّ وضحك في وجهي وضحكت أنا إليه، فقلت أنت: لا يدع ابن أبي طالب زهوه أبدا فقال لك النبي صلى الله عليه و آله وسلم: (مهلا يا زبير فليس به زهو ولتخرجن عليه يوما وأنت ظالم له)؟ فقال الزبير: اللهم بلی، ولكن نسیت، فأما إذ ذكرتني ذلك فوالله لأنصرفنَّ عنك!، ولو ذكرت هذا لما خرجت عليك(1).

بعد ذلك جدَّ الناس في القتال فنهاهم أمير المؤمنين علیه السلام وقال: اللهم إني أعذرت وأنذرت فكن لي عليهم من الشاهدين. ثم أخذ المصحف وطلب من يقرأ عليهم وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما - الآية - فقال مسلم المجاشعي ها أنا ذا، فخوفه بقطع يمينه وشماله وقتله، فقال لا عليك يا أمير المؤمنين فهذا قليل في ذات الله، فأخذه، ودعاهم إلى الله فقطعت يده اليمنى فأخذه بيده اليسرى فقطعت فأخذه بأسنانه فقتل.

فقال: علیه السلام: الآن طاب الضراب، واشتد القتال و شکت السهام هودج عسکر. فقال أمير المؤمنين علیه السلام ما أراه يقاتلكم غير هذا الهودج اعقروا الجمل(2). وبادر

ص: 113


1- رواه البهيقي في الدلائل: 6/ 414، ونقله ابن كثير في البداية والنهاية: 7/ 269، ومروج الذهب: 2/ 401، والفتوح: 2/ 469، والإمامة والسياسة: 68
2- ينظر: مناقب آل أبي طالب: 2/ 341

إليه عمار فقطع نسعه(1)، فأتاه الإمام علیه السلام ودق رمحه على الهودج وقال: يا عائشة أهكذا أمرك رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أن تفعلي؟ فقالت: يا أبا الحسن ظفرت فأحسن، وملکت فاسجح. فقال لمحمد بن أبي بكر: شأنك وأختك فلا يدن منها أحد سواك، فقال لها: ما فعلت بنفسك؟ عصيت ربك وهتكت سترك ثم أبحت حرمتك وتعرضت للقتل. فذهب بها إلى دار عبد الله بن خلف الخزاعي، فقالت: أقسمت عليك أن تطلب عبد الله بن الزبير جريحا كان أو قتيلا، فقال: إنّه كان هدفا للأشتر فانصرف محمد إلى العسكر فوجده فقال اجلس یا مشئوم أهل بيته فأتاها به، فصاحت وبكت ثم قالت يا أخي استأمن له من علي فأتی أمير المؤمنين علیه السلام فاستأمن له منه. فقال علیه السلام: أمنته وأمنت جميع الناس. وكانت وقعة الجمل بالخريبة(2)، ووقع القتال بعد الظهر وانقضى عند المساء بانتصار الإمام علیه السلام، وكان معه علیه السلام عشرون الف رجل. منهم ثمانون رجلا من البدريين، في مقدمتهم عثمان بن حنيف بوصفه والي المدينة، ومن شرطة الخميس الذين

ص: 114


1- نسع: «النِّسْعُ: سَیْرٌ یُضْفَرُ عَلَی هَیئَةِ أَعِنَّةِ النِّعَالِ تُشَدُّ بِهِ الرِّحَالُ، وَالجَمعُ أَنساعٌ ونُسُوعٌ ونُسعٌ، والقِطْعَةُ مِنْه نِسْعَةٌ، وَقِلَ: النِّسعةُ الّتِی تُنْسَجُ عَرِیضاً للتَّصْدِیرِ، وَفِي الحَدِيثِ: يَجُرُّ نِسعةً فِي عُنُقِه؛ قَالَ ابنُ الأَثير: هُوَ سَیْرٌ مَضْفُورٌ یُجْعَلُ زِمَاماً للبَعِیرِ و غَیْرِه و قَد تُنْسَجُ عَرِیضَةً تُجْعَلُ عَلَی صَدْرِ البَعِیرِ». لسان العرب: 8/ 353
2- الخُرَيبَةُ: بلفظ تصغير خربة: موضع بالبصرة، وسميت بذلك فيما ذكره الزّجاجي لأن المرزبان كان قد ابتنی به قصرا وخرب بعده، فلما نزل المسلمون البصرة ابتنوا عنده وفيه أبنية وسموها الخريبة، وقال حمزة: بنيت البصرة سنة 14 من الهجرة على طرف البرّ إلى جانب مدينة عتيقة من مدن الفرس كانت تسمى وهشتاباد أردشير فخربها المثنّى بن حارثة الشيباني بشنّ الغارات عليها، فلما قدمت العرب البصرة سموها الخريبة، وعندها كانت وقعة الجمل. ينظر: معجم البلدان: 2/ 363

يتقدمون النزال(1)، وممن بايع تحت الشجرة مائتان وخمسون، ومن الصحابة ألف وخمسمائة رجل. وكانت عائشة في ثلاثين ألفا أو يزيدون. منهم المكيون ستمائة رجل. قال قتادة: قتل يوم الجمل عشرون ألفا. وقال الكلبي: قتل من أصحاب علي علیه السلام الف راجل وسبعون فارسا، منهم زيد بن صوحان، وهند الحملي، وأبو عبد الله العبدي، وعبد الله بن رقبة(2).

وكانت حرب الجمل مقدمة وتمهيدا لحرب صفين، فإن معاوية لم يكن ليفعل ما فعل لولا طمعه بما جرى في البصرة، ثم أوهم أهل الشام أن عليا علیه السلام قد خرج لمحاربة عائشة، ومحاربة المسلمين، وأنه قتل طلحة والزبير وهما من أهل الجنة، ومن يقتل مؤمنا من أهل الجنة فهو من أهل النار، فلم يكن الفساد المتولد في صفين إلا فرعا للفساد الكائن يوم الجمل!، ثم نشأ من فساد صفين وضلال معاوية كلُّ ما جرى من الفساد والقبيح في أيام بني أمية(3).

وقد واكب مسيرة أمير المؤمنين الجهادية خيرة أنصاره علیه السلام الذي اصطُلِح عليهم بشرطة الخميس، وقد سألوا الأصبغ: كيف سميتم شرطة الخمیس یا أصبغ؟ قال: إنا ضمنا له الذبح وضمن لنا الفتح، یعني أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)(4)، وهم «أَوّل طَائِفَةٍ مِنَ الجَيشِ تَشهَدُ الوَقعة، وَقِيلَ: بَل صَاحِبُ الشُّرطةِ فِي حَربٍ بِعَينِهَا»(5)، بوصفهم شجعان الجيش، وكان لهم علامة

ص: 115


1- ينظر: مناقب آل أبي طالب: 2/ 347
2- ينظر: مناقب آل أبي طالب: 2/ 347
3- ينظر: بحار الانوار: 31/ 87
4- ينظر: ملاذ الأخبار في فهم تهذيب الأخبار: 10/ 240
5- لسان العرب: 7/ 330

يعرفون بها، وتسميتهم مأخوذة من تقسيم الجيش إذ هو خمس فرق: المقدمة، والقلب، والميمنة، والميسرة، والساق، وهم الأقوياء الذين يتقدمون الجيش، إذ شرطوا على عدم الرجوع حتى يفتحوا أو يقتلوا، والشرطة: بالسكون والحركة أول كتيبة تحضر الحرب وخيار جند السلطان، ونخبة أصحابه الذين يقدّمهم على غيرهم من جنده وهم الأمراء، والجمع شرط مثل غرفة وغرف، والشرطي بالسكون والحركة منسوب إلى الشرطة لا إلى الشرط لأنه جمع(1). ومنهم عثمان بن حنيف الأنصاري، واستمر هذا التشكيل - شرطة الخميس - إلى عهد الإمام الحسن علیه السلام مخلصين لخط النبوة ومتأهبين للدفاع عن الإسلام، فكان ممن فكان ممن ((شهد مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يوم الجمل وصفين))(2) حتى توفي عثمان بن حنيف بالكوفة في زمن معاوية بعد سنة 41 هجرية(3). ولم تسجل له مواقف بارزة في صفين ولربما أثر عليه ما لاقاه من أصحاب الجمل من تعذیب وتمثيل.

وهكذا خُتمت حياة هذا الصحابي الجليل الذي نصح لله ورسوله والأمير المؤمنين علیه السلام فكان سباقا في مواطن الجهاد، راعيا لما عهد له من مهام، وأثبت اخلاصه لإمامه ودافع عنه في الغيب والعلن، وصبر حتى نال الفوز والفلاح ولكن كان ثمنه غاليا، إذ كلفه الكثير الكثير، وبذلك خط اسمه مع اسماء الموالين والمخلصين للرسول ولآله من بعده (عليهم السلام أجمعين).

ص: 116


1- ينظر: شرح أصول الكافي: 6: 286
2- المجموع اللفيف: 1/ 495
3- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 3/ 147

المطلب الثالث: جانب من مكاتيب الإمام علیه السلام اليه

اشارة

رأينا في ما سبق أن من أولويات منهج الإمام علي علیه السلام عندما بایعه المسلمون، هو تغيير ولاة الأمصار، واستبدالهم بغيرهم ممن يرى فيهم النزاهة والورع، والحمية على الدين، وغيرها من الأسس التي يتبعها الإمام علیه السلام في اختيار الولاة على الأمصار، فجعل عثمان بن حنيف على البصرة، إذ يمثل الوالي واجهة الحاكم، وبذلك تقع على عاتق الولاة مسؤولية كبرى، إذ يُرتقي بهم من طبقة العامة إلى الخاصة، ونقصد بالخاصة الذين تتجه إليهم الأبصار ویُحسب عليهم ما يفعلون أكان سلباً أم إيجابا، بوصفهم القادة والأمناء على الرعية في حكومة الإمام علیه السلام، فضلا عن متابعة الحاكم العادل لهم وجعلهم في دائرة تتبعه، ومن هنا يتوجب عليهم الانتباه إلى سلوكهم وكلامهم، وعليهم تجنب صغائر الأمور التي من شأنها إثارة الشبهات، وإن كانت في إطار عامة المسلمين من المباحات، وما أحوجنا إلى دولة يتّسم حُکّامها بهذه السمة، تتأسی بعمل الإمام علیه السلام وتتخذه منهجا، إذ يطالعنا التاريخ على الكتاب الذي بعثه الإمام علي علیه السلام إلى عثمان بن حنيف الأنصاري، وقد بلغه أنه دُعِيَ إلى

ص: 117

وليمة قوم من أهلها فمضى إليها، جاء فيه:

«أما بعد یا ابن حنيف فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان وتنقل إليك الجفان، وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو وغنيهم مدعو فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه. ألا وإن لكل مأموم إماما يقتدي به ويستضئ بنور علمه، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمَرَیهِ ومن طُعمه بقرصَيه ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد، فوالله ما کنزت من دنياكم تبرا ولا ادخرت من غنائمها وفراً، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا، ولا حزت من أرضها شبرا، ولا أخذت منه إلا كقوت أتان دبرة، ولهي في عيني أو هي وأهون من عفصة مَقرِةً. بلي كانت في أيدينا (فدك) من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس قوم آخرین ونعم الحكم الله. وما أصنع بفدك وغير فدك والنفس مظانها في غد جدث تنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب أخبارها، وحفرة لو زيد في فسحتها وأوسعت يدا حافرها لضغطها الحجر والمدر، وسد فرجها التراب المتراكم، وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر وتثبتَ على جوانب المزلق. ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو باليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حري! أو أكون كما قال القائل: وحسبك داء أن تبيت ببطنة * وحولك أكباد تحن إلى القد.

ص: 118

أأقنع من نفسي بأن يقال: هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقمُّمها، تكترش من أعلافها وتلهو عما يراد بها أو أترك سدى، أو أهمل عابثا، أو أجر حبل الضلالة، أو اعتسف طريق المتاهة.

وكأني بقائلكم يقول: إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب، فقد قعد به الضعف عن قتال الاقران ومنازله الشجعان. ألا وإن الشجرة البرية أصلب عودا، والروائع الخضرة أرق جلودا، والنابتات العذية أقوى وقودا، وأبطأ خمودا. وأنا من رسول الله؟ كالصنو من الصنو والذراع من العضد. والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها ولو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها. وسأجهد في أن أطهر الأرض من هذا الشخص المعكوس، والجسم المركوس حتى تخرج المدرة من بين حب الحصيد. إليك عني يا دنيا فحبلك على غاربك، قد انسلل من مخالبك، وأفلت من حبائلك، واجتنبت الذهاب في مداحضك، أين القرون الذين غررتهم بمداعبك؟ أين الأمم الذين فتنتهم بزخارفك؟ ها هم رهائن القبور ومضامين اللحود!! والله لو كنت شخصا مرئيا، وقالبا حسيا، لأقمت عليك حدود الله في عباد غررتهم بالأماني وأمم ألقيتهم في المهاوي، وملوك أسلمتهم إلى التلف وأوردتهم موارد البلاء، إذ لا ورد ولا صدر، هيهات من وطئ دحضك زلق، ومن ركب لججك غرق، ومن أزور عن حبالك وفق، والسالم منك لا يبالي إن ضاق به مناخه، والدنيا عنده کیوم حال انسلاخه. أعزبي عني فوالله لا أساس لك فتقوديني. وأيم الله - يمينا أستثني فيها بمشية الله - لأروضن نفسي رياضة تهش معها إلى القرص،

ص: 119

إذا قدرت عليه مطعوما، وتقنع بالملح مأدوما، ولأدعن مقلتي كعين ماء نضب معينها، مستفرغة دموعها أتمتلئ السائمة من رعيها فتبرك؟ وتشبع الربيضة من عشبها فتربض؟ ويأكل علي من زاده فيهجع؟ قرت إذا عينه إذا اقتدى بعد السنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة والسائمة المرعية. طوبى لنفس أدت إلى ربها فرضها، وعركت بجنبها بؤسها، وهجرت في الليل غمضها، حتى إذا غلبا الكرى عليها افترشت أرضها وتوسدت، کفها في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم، وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم وهمهمت بذكر ربهم شفاههم، وتقشعت بطول استغفارهم ذنوبهم «أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون»، فاتق الله يا ابن حنیف ولتكفك أقراصك ليكون من النار خلاصك))(1).

إنَّ من شأنِ العلماءِ، والصالحينَ بصورةٍ عامةٍ، والأئمةِ الأطهارِ بصورةٍ خاصةٍ، المبادرةَ لتربية الأمة وصيانتها، مستثمرين أي موقف أو فرصة لبث علمهم وإشاعة حكمتهم، حتى قبل أن يُسألوا، فيذهبون إلى زكاة ما رزقهم الله من فضله، وأداء ما أُنيطوا به من مهمة عظمى بوصفهم ورثة الأنبياء والأوصياء، لذا نری کتاب الإمام علي علیه السلام إلى عثمان بن حنیف، يخرج لخطاب العامة وما عثمان بن حنيف إلا نقطة انطلاق له - الكتاب - ولا نقصد بخطاب العامة في زمن عثمان ولا مكانه فحسب - البصرة - بل ينسدل بمضامينه التربوية والتوعوية إلى وقتنا هذا وما بعده إلى قيام الساعة، لما تضمنه من قيم ومفاهيم هادفة تصلح لكل زمان ومكان، فهم - أهل البيت علیهم السلام - عدل القرآن وترجمانه،

ص: 120


1- نهج البلاغة، جمع الشريف الرضي، شرح محمد عبدة: 447 - 451، و بحار الانور: 33/ 476

فقولهم ترجمة لمضامينه، وعملهم تطبيقا لتوجيهه، فقبول الدعوة من المندوبات الاجتماعية، وتعكس التواصل والتآلف بين طبقات المجتمع، كما لا يخفى ما فيها من التفاعل بين السلطة والرعية بشرط أن تكون خالصة لله سبحانه، إلا إنَّ الإمام علیه السلام نبه عثمان بكتابه هذا إلى أمور يفترض بمن يتصدى لزمام الحكم أن يأخذ بها وأن يضعها نصب عينيه إذا ما أراد لحكمة العدل ولرعيته الصلاح، وإذ ذاك فلا بأس بوقفة تحليلية موجزة لمضامين الكتاب:

المقصد الأول: الترفع عن الشبهات:

والمتأمل في مفتتح کتاب الإمام علیه السلام يجده قد وسمه بقوله:

(يا ابن حنيف فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان وتنقل إليك الجفان، وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو وغنيهم مدعو فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه)

اللغة:

الفتية: جمع فتی کفتيان وفتوّ الشابّ والجواد، الفتى: الطري من الإبل.

والفتي من الناس: واحد الفتيان(1).

المأدبة: بضمّ الدال: الأَدَبُ: الَّذی یَتَأَدَّبُ بِهِ الأَدیبُ مِنَ النّاسِ؛ سُمِّیَ أَدَباً لأَنَّهُ یَأدِبُ النّاسَ إلَی المَحامِدِ، ویَنهاهُم عَنِ المَقابِحِ. وأَصل الأَدبِ الدُّعاءُ، والأُدْبَةُ والمَأْدَبَةُ والمَأْدُبَةُ: کُلُّ طَعامٍ صُنِعَ لدَعْوَةٍ أو عُرْسٍ طعام يدعى

ص: 121


1- ينظر: مجمل اللغة،: 1/ 711

إليه الجماعة وأدب القوم يأدبهم بالكسر أي دعاهم إلى طعامه(1)

(الألوان): أنواع من الطعام اللذيذ

(الجفان): جمع جفن، وهو القصعة الكبيرة، الجَفنة: مَعرُوفَةٌ، أَعظمُ مَا يكونُ مِنَ القِصاع، وَالجَمعُ جِفانٌ و جِفَنٌ؛ عَن سِيبَويهِ، كهَضبةٍ وهِضَب، وَالعَدَدُ جفَنات، بِالتَّحرِيكِ، لأَن ثانيَ فَعلةٍ يُحَرَّك فِي الجَمعِ إِذَا كَانَ اسمًا، إِلَّا أَن يَكُونَ يَاءً أَو وَاوًا فيُسَکَّن حِینَئِذٍ. وَفِي الصِّحَاحِ: الجَفنة كالقَصعة. وجَفَنَ الجَزورَ: اتَّخَذَ مِنهَا طَعَامًا(2).

(العائل): «الفقير»(3).

(مجفوَّ): مفعول من جفاه أي معرض عنه يقال: جَفَا الشَّیْءُ یَجْفُو جَفَاءً وتَجَافَی: لَم یَلْزَمْ مکانَه، وجَفَا جَنْبُه عَن الفِرَاشِ و تَجَافَی: نَبَا عَنهُ وَلَم يَطمَئِنَّ عَلَيهِ، الجَفَاءِ البُعدِ عَنِ الشَّيءِ، جَفَاءُ إِذا بَعُدَ عَنهُ، وأَجفَاه إِذا أَبعده(4).

(المقضم): معلف الدابّة، يأكل منه الشعير بأطراف أسنانه، والقضم: من قَضِمَ الفرسُ يَقضَمُ وخَضِمَ الإِنسانُ يَخضَم، وَهُوَ كقَضم الفَرَسِ، والقَضمُ بأَطراف الأَسنان والخَضمُ بأَقصَى الأَضراس، ابنَ سِيدَه: القَضمُ أَكل بأَطراف الأَسنان والأَضراس، وَقِيلَ: هُوَ أَكل الشَّيءِ اليَابِسِ، قَضِمَ يَقضَم قَضماً، والخَضم: الأَكل بِجَمِيعِ الفَمِ، وَقِيلَ: هُوَ أَكل الشَّيءِ الرَّطب، والقَضمُ دُونَ

ص: 122


1- ينظر: لسان العرب: 1/ 206 - 207
2- ينظر: لسان العرب: 13/ 89
3- لسان العرب: 11/ 488
4- ينظر: لسان العرب: 14/ 147 - 148

ذلك(1).

(لفظت) الشيء من فمي ألفظه لفظا من باب ضرب(2):

المعنى:

اشتمل النص على جملة مصطلحات تعكس الواقع الاجتماعي، الذي يهدف الإمام علي علیه السلام لمعالجته، وهو أمر جوهري لابد من تسويته ليعيش الإنسان بكرامة، وقد عرض الإمام علیه السلام لهذا الجانب عن طريق مصطلحات جاءت متناغمة ودلالة حروفها: إذ قال: (تستطاب لك الألوان، وتنقل إليك الجفان) وهذه العبارة اختزلت لنا الطبقة الاجتماعية المترفة، ومثلت تلك الفئة المسيطرة على المجتمع. ثم ذكر المعيار الذي يجب أن يأخذ به الحاكم في التعامل مع هذه الطبقة، فمن البديهي ليس كل أصحاب هذه الطبقة متسلطين أو متعجرفين، بل فيهم من يؤدي حقوق الله ومتبع أحكامه ويعد من هذه الطبقة المترفة، لذا قال علیه السلام له:

(فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه)، إذاً على الحاكم - وغيره من المؤمنين - الترفع عن الشبهات، ومواطن الشك والريبة.

وقوله علیه السلام (فما اشتبه عليك علمه فالفظه) يحتمل وجهين(3):

1. أن يكون المقصود منه بيان الأصل في الأموال وأنّ الأصل فيها التحريم ولزوم الاحتياط والتحرّز إلَّا ما ثبت حلَّه بوجه شرعيّ كما ورد في

ص: 123


1- ينظر: لسان العرب: 12/ 487
2- لسان العرب: 7، 461
3- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 20/ 92

الحديث أنّه: لا يحلّ مال إلَّا من حيث ما أحلَّه الله، فالأصل في المال المشتبه الحلّ والحرمة التحريم وإن قلنا في غيره بالحلَّيّة وهو الظاهر من قوله علیه السلام، (فما اشتبه عليك علمه فالفظه) ولكن يشكل عليه بأنّه لا ينطبق على المورد لأنّ مورد الكتاب الأكل من مأدبة الضيافة ودليل حلَّها هو ظاهر يد المسلم وإصالة اليد دليل عامّ يتكئ عليه في أكثر المعاملات والمبادلات.

2. أن يكون المقصود تحقيق الحلال الواقعي وعدم الاكتفاء بالأمارات والأدلَّة المحتملة للخلاف تحصيلا للورع عن الحرام الواقعي، كما يستفاد من قوله علیه السلام: (وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه) فيستفاد منه أنه قرّر على عمّاله احتياطا في الدين فوق حدّ العدالة الَّتي كانت شرطا في تصدّي هذه المناصب الجليلة.

فيفهم منه بحسب التأديب الأوّل أنّ التنزّه عن هذا المباح أفضل له من تناوله، فحمل کلامه علیه السلام على الوجه الثاني وهو أوضح، لأنّ مقام هذا الصحابي الكبير - عثمان بن حنیف - أجلّ من أن ينال ما لا يحلّ له من الطعام جهلا بالمسألة أو تسامحا في أمر دينه، فكان هذا التشدّد منه علیه السلام عليه لعلوّ رتبته، فنبّه علیه السلام على أنّه لا يليق هذا العمل بمثله، وإن كان لا بأس عليه لغيره ممّن لم ينل مقامه في العلم والورع(1).

وليس هذا فقط بل رأيناه علیه السلام يخط لنا قانونا آخر في نصه المبارك، عندما قال: (وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو وغنيهم مدعو)، الذي يمثل التوازن في المجتمع وعدم انقسامه إلى طبقات متناحرة، والمسؤولية الأكبر تقع

ص: 124


1- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 20/ 92

على الحاكم - أو الحكام أن أجريناه في عصرنا -، الذي يقتصر على زيارة الأغنياء، لتوطيد ملكهم وتنميته، وترسيخ نفوذهم على حساب الفقراء المغيبين، فالحالة هذه كفيلة بتفتيت المجتمع وتدهور الدولة، ولو عملنا بحكمة هذا الكتاب، وامتنع الحاكم عن زيارة المتنفذين أصحاب المصالح أو مساعدتهم على تنفذهم، ووضع السياسة التي تضمن التكافل الاجتماعي، لتقاربت المسافات و استوثقت عرى التواصل الاجتماعي أكثر فأكثر، ومن ثم يصبح هذا المجتمع أهلا لنزول البركة والرحمة الإلهية على المسلمين.

وقد ختم الإمام علیه السلام نهاية كل عبارة بصوت تتناغم فيه صفاته النطقية مع دلالة المصطلح، ولو تأملنا قوله: (تستطاب لك الألوان، وتنقل إليك الجفان) فصوت (النون) ذات الملمح الغنِّي الجميل، الذي يعرب عن الرخاء بدلالة مخرجه من الخيشوم(1)، والخيشوم هو العضو المركب فوق غار الحلق، أو هو الخرق المنجذب إلى داخل الفم(2)، وسماه المحدثون التجويف الأنفي(3) وهو من الأصوات المحببة في النطق لما تضفيه من سمة جمالية على النص، نجده ختم فيه عبارتي: تستطاب لك الألوان... وتنقل لك الجفان. وهذا الفعل مما

ص: 125


1- ينظر: الكتاب، أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر المعروف بسيبويه، تحقيق و شرح عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر، دار الرفاعي، الرياض، ط 2، 1982 م: 4 / 433
2- ينظر: الرعاية في تجويد القراءة و تحقیق لفظ التلاوة، مكي بن أبي طالب القيسي (- 437 ه)، تحقيق: الدكتور أحمد حسن فرحات، دار الكتب العربية، دار المعارف للطباعة، دمشق، 1973 م: 240
3- ينظر: الأصوات اللغوية، الدكتور إبراهيم أنيس، لجنة البيان العربي، القاهرة، مصر، ط 3، 1961 م: 72

يبعث الراحة والسرور في النفس التي تهرع - إذا لم يؤدبها صاحبُها - إلى الملذات، بینما رأيناه علیه السلام ختم قوله: (وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو... وغنيهم مدعو) بصوت (الواو) الذي ينطق بضم الشفتين ضمًا دون الإقفال مع نتوئهما إلى الأمام، ورفع مؤخر اللسان، وسد المجرى الأنفي، ووجود ذبذبة في الوترين الصوتيين(1) مما يضفي عليه صفة الجهر، فهو صوت رباعي الأداء، مصحوب بجهد نطقي؛ بلحاظ محرجه الطويل الذي يمتد على طول الجوف، ويستمر ما شاء المتكلم مده، فترجم طول الجفاء (مجفو...) كما لا يخفى ما فيه من الندب والتوجع، لذلك نرى أغلب الشعراء يجعلونه قافية مراثيهم، لما يمتاز به من سمة الحزن و طول الصوت، فواكب بذلك بين ألم الجفاء والفقر، وطول مخرج الصوت وسمته الحزينة.

ثم نبه إلى دور الأنموذج الذي يقتدي به، فإذا اقتدى الرجل بالصالحين كان عمله مرآة لسلوكهم، وإذا اقتدى بغيرهم كان كهم.

فأكمل نصه قائلا: (ألا وإن لكل مأموم إماما يقتدي به ويستضئ بنور علمه.) وهنا عاد إلى النقطة التي انطلقنا منها وهي أنّ الولاة على الأمصار هم ترجمة حكم الخليفة، وبذلك عليهم الالتزام والطاعة، وعليه المتابعة والتهذیب، کما فعل إمامُنا علیه السلام.

المقصد الثاني: تقديم النظام الأنموذجي:

فهو علیه السلام عندما نبّه عثمان بن حنيف على فعله، لم يترك الأمر من دون تقديم

ص: 126


1- ينظر: مناهج البحث في اللغة، الدكتور تمّام حسّان، مكتبة الإنجلو المصرية، 1955 م: 135

النظام الناجح، وقد قدمه بشقيه النظري والتطبيقي، فلخص سيرته الكريمة بقوله: «لاكتفاء من رياش الدنيا ولباسها وزينتها بطمرين أي ثوبين باليين إزار ورداء من غير صوف يلبسه أحوج الناس، والاكتفاء من طعامها وغذائها ولذائذها بقرصين من خبز الشعير اليابس الفارغ عن الادام»(1). وهذا جلٌّي في القول الآتي:

(ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمرَيهِ ومن طُعمه بقرصَيه ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد، فوالله ما كنزت من دنیاکم تبرا ولا ادخرت من غنائمها وفراً، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا، ولا حزت من أرضها شبرا، ولا أخذت منه إلا كقوت أتان دبرة، وهي في عيني أو هي وأهون من عفصة مَقرِةً)

اللغة:

(الطمر) و «طَمرَ نَفسه وطَمَرَ الشَّىءَ: خَبَأَه حَيثُ لا يُدرى»(2)، وطمر «بالكسر هو الثوب الحلق العتيق أو الكساء البالي من غير الصوف»(3).

(فدك): وفدك: قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة، أفاءها الله على رسوله، (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، في سنة سبع صلحا، وذلك أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم، لما نزل خيبر وفتح حصونها ولم يبق إلا ثلث واشتد بهم الحصار راسلوا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، يسألونه أن ينزلهم على الجلاء وفعل، وبلغ ذلك أهل فدك فأرسلوا إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم

ص: 127


1- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 20/ 93
2- لسان العرب: 4/ 502
3- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 20/ 90

فأجابهم إلى ذلك، فهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكانت خالصة لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وفيها عين فوّارة ونخيل كثيرة، وهي التي قالت فاطمة علیها السلام عنها: إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، نحلنيها(1)،

(الشحّ): البخل مع حرص فهو أشدّ من البخل(2).

(سخوت) السَّخَاوَة والسَّخَاءُ: الجُودُ. والسَّخِيُّ: الجَوَادُ، نفسي عن الشيء: تركته(3).

(الجدث): القبر(4).

المعنى:

يظهر من النص المنصرم أنَّ الإمام علیه السلام طبق أوضح مظاهر الزهد وأصعبها الحد الذي أعذر فيه ولاته، و أصحابه الخلص من مجاراته فيه، فقال لهم: (ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد)، فرسم البرنامج التربوي للحاكم في أربع کلمات:

1. الورع: وهو تحصن النفس عن الرذائل والاجتناب عن المحارم والمحرمات.

2. الاجتهاد - في تحرّي الحقيقة والعمل على مقتضى الوظيفة وتحمّل الكدّ والأذى في سبيل الله.

3. - العفّة - وهي ضبط النفس عمّا لا يحلّ ولا ينبغي من المشتهيات وما فيه

ص: 128


1- ينظر: معجم البلدان: 4/ 338
2- ينظر: لسان العرب: 2/ 495
3- ينظر: المصدر نفسه: 14/ 373
4- ينظر: المصدر نفسه: 2/ 128

الرغبات.

4. - السداد - وهو تحكيم المعرفة بالأمور والأخذ باليقين وتحكيم العمل والدّقة في تقرير شرائطه وكيفيّاته وعدم التسامح فيه(1).

ثم بين علیه السلام أن هذا الزهد خالص لوجه الله ولم يكن حبّا في مال، كما يفعل المقترون الذين يشحون على أنفسهم حتى یکنزوا الأموال، بل نبه إلى ذلك بقوله: (بلي كانت في أيدينا (فدك) من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس قوم آخرین و نعم الحكم الله) فأسباب الرخاء متاحة لهم علیه السلام ولكن رضوا من الدنيا بالنظر إليها بعين حاقرة، والعمل للآخرة تلك الدار الدائمة: (وما أصنع بفدك وغير فدك والنفس مظانها في غد جدث تنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب أخبارها، وحفرة لو زيد في فسحتها وأوسعت يدا حافرها لضغطها الحجر والمدر، وسد فرجها التراب المتراكم).

وأما قوله: (و سخت عنها نفوس آخرين) يظهر من بعض الشرّاح أنّ المراد من نفوس آخرين «هم أهل البيت أي تركوها في أيدي الغاصبين وانصرفوا عنها قال الشارح المعتزلي «وسخت عنها نفوس آخرين أي سامحت وأغضت وليس يعني بالسخاء ها هنا إلَّا هذا لا السخاء الحقيقي لأنّه علیه السلام وأهله لم يسمحوا بفدك إلَّا غصبا و قسرا»(2)؛ إذ كانوا يتصدقون بفيتها على الفقراء.

«وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا

ص: 129


1- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 20/ 94
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 16/ 208. وينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة:20/ 96

* فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا»(1).

فقال علیه السلام: (وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر وتثبتَ على جوانب المزلق. ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو باليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع أو أبيت مبطانا و حولي بطون غرثى وأكباد حرى أو أكون كما قال القائل:

وحسبك داء أن تبيت ببطنة *** وحولك أكباد تحن إلى القد).

فقوله: (وإنما هي نفسي أروضها بالتقوی)، يقول: تقللي واقتصاري من المطعم والملبس على الجشب والخشن رياضه لنفسي، لأنَّ ذلك إنما أعمله خوفا من الله أن أنغمس في الدنيا، فالرياضة بذلك هي رياضة في الحقيقة بالتقوى، لا بنفس التقلل والتقشف التأني نفسي آمنة يوم الفزع الأكبر، وتثبت في مداحض الزلق(2).

فبيّن علیه السلام في هذا الفصل من كتابه أن تجنّبه عن الأكل الطيّب الهنيء، والقناعة بقرصين جافين من شعير ليس من الضرورة لعدم القدرة على ما زاد من المآكل الهنيئة، وأشار إلى اقتداره على أطيب الأكل وأهنى العيش(3).

فقدم تسلسلا واضحا في الوعظ والإرشاد وتنقية النفس من أدران الشبهات والمزالق الدنيوية، ورأيناه في كتابه يجعل من نفسه مثالا لأبلغ غايات

ص: 130


1- الإنسان: 8-11
2- ينظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 16/ 209
3- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 20/ 119

الزهد وأشدها قساوة على النفس، ثم يعدل ليوضح الهدف من هذا السلوك التربوي؛ إذ بوصفه علیه السلام رئيسا للدولة الإسلامية و خليفة الله سبحانه وتعالى على الأرض، جعل من نفسه الأنموذج الخالص في ترويض النفس ومحاربة رغباتها، فروضها وجعلها طائعة، في الوقت الذي بيده كل شيء، وما هذا إلا لتربية المجتمع، فكان قدوة لكل طبقات المجتمع، وجزئيات الحياة، فمثل لهم: التقوى، والعبادة، والعمل، والأخلاق، ... فجسدها بأروع ما يكون، وقدم لنا طريقا سالكا للعيش السوي، فهو يقول: «أقنع من نفسي بأن يقال: هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقمُّمها، تكترش من أعلافها وتلهو عما يراد بها أو أترك سدى، أو أهمل عابثا، أو أجر حبل الضلالة، أو اعتسف طريق المتاهة».

المقصد الثالث: الآثار الصحية:

ويظهر أن ثمة اعتراضا أثاره المخالفون للإمام علیه السلام فهم يعترضون عليه حتّى في زهده، وریاضته ويذمّون قلَّة أكله باعتبار أنّه مخلّ بما يجب عليه من وظيفة الجهاد والدفاع عن الإسلام؛ لأنّه موجب لضعفه وقلَّة مقاومته تجاه العدوّ، وكأنّه ارتفع صدى هذا الاعتراض من الكوفة إلى البصرة فذکَّر علیه السلام في هذا الكتاب ما يقارب الرد عليهم، فيقول: (ألا وإنّ الشجرة البرّية أصلب عودا والروائع الخضرة أرقّ جلودا). فالشجرة البرية من سماتها تحمل العطش وقلة الغذاء لافتقار تربتها إليه، وتحصل على غذائها من رطوبة الجو، و جفاف الأرض، فيغدو عودها صلبا وألوانها شديدة الخضرة، وهنا رسم مقارنة بين

ص: 131

الزاهدين وهذا الشجر، بجامع القدرة على التحمل واستقامة الجسم على بنية قوية، على سبيل الاستعارة التصريحية. ويمكن أن يكون هذا الكلام جوابا عن اعتراض ربما يرد على تحريص أصحابه بالزهد وقلَّة الأكل والمواظبة على جشوبة العيش، فدفعه علیه السلام بأنّ القوّة والشجاعة ذاتيّة للمؤمن ولا تتوقّف على تقوية الجسم بالأغذية اللذيذة(1).

وبذلك شكل كتابه إلى عثمان بن حنیف مشروعا لرد الشبهات وتربية الأمة، والتذكير بحقهم المغصوب (فدك) وقدرته على الوصول إلى الطيبات من المطاعم والمغانم، ولكنه امتنع منها، وجاهد نفسه ليمثل في عيشه مستوى الطبقة الفقيرة، بل لا يدانيه أحد في ذلك، فهذا الإمام العادل، والحاكم الإسلامي على وفق المنهج المحمدي، الذي يخشى أن ينام شبعان، وهناك فرد من رعیته جائع، وعليه فمن يدعي أنَّه من شيعة علي علیه السلام لاسيما الحكام، فلينظروا إلى منهج علي علیه السلام ولیقس عمله بهذا المنهج ثم يرى نفسه بأي طريق يسير...، ثمّ أيّد سيرته هذه بمتابعته للنبيّ صلی الله علیه و آله وسلم فقال: (أنا من رسول الله) كغصنان من أصل واحد فأصلهما عبد المطلب علیه السلام تفرّع منه عبد الله أبو النبيّ وأبو طالب أبو عليّ علیه السلام أو أنّهما مشتقّان من أصل نوريّ واحد في تسلسل الوجود، وانبعاثه عن المصدر الأزلي، كما في غير واحد من الأخبار، وعن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم قال: أنا وعليّ من شجرة واحدة وسائر النّاس من شجر شتّی(2).

وإذا كان العبد كذلك في (طوبى لنفس أدت إلى ربها فرضها، وعرکت بجنبها بؤسها، وهجرت في الليل غمضها، حتى إذا غلبا الكرى عليها افترشت

ص: 132


1- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 20/ 121
2- المصدر نفسه

أرضها وتوسدت، كفها في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم، وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم و همهمت بذكر ربهم شفاههم، وتقشعت بطول استغفارهم ذنوبهم «أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(1) فذكر هنا إلى جانب الصحة البدنية، الصحة النفسية المتمثلة بالثقة بالنفس والأمان يوم الفزع، فهي نفسٌ متطلعةٌ إلى غدها أمام ربِّ کریم عملت له خالصة، ودانت بتعاليمه مخلصة، وبذلك فهي لا تسأل متى وكيف، بل تلقاه بوجه طلق، بخلاف من استمال قلبه حبُّ الدنيا، وأوغل نفسه في مطامعها، يَعزُّ عليه فراق المال الذي كنزه، وأهدر سني عمره في جمعه، وبذلك فلا عمل عنده يلقي الله به، سوى السعي خلف الطعام والشراب كالبهيمة التي همها علفها، متناسيا يوم عبوسا قمطريرا، فلم يعملوا لآخرتهم، بقدر سعيهم لدنياهم، فبين له الثلة الناجية (في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم) فأمنوا فيه.

ثم ختم الكتاب بما فتح فقال علیه السلام: (فاتق الله يا ابن حنیف ولتكفك أقراصك ليكون من النار خلاصك) إذ عاد المخاطبة ابن حنيف، مقدم له نصيحة مسجوعة وهي أميل وأسهل للحفظ من غيرها.

وبذلك دبج كتابه بمضامين تربوية، وتهذيبية، وصحية، انطلقت من دائرة عثمان بن حنیف لتخاطب عامة المسلمين، لما تشمله من المنفعة التي تفيض على المجتمع بطبقاته المختلفة.

ص: 133


1- المجادلة: 22

ص: 134

الخاتمة

ص: 135

ص: 136

الخاتمة

الحمد لله الذي مدَّ النور في السماء، وجعله في أوليائه على البطحاء، محمد وأهل بيته النجباء، الطيبين أصحاب الكساء، والذرية الطاهرة من ولدهم الأتقياء، من استعصم بهم نجا، ومن تخلف عنهم ظلَّ وهوی، بهم بدأ الله الخلق و بهم مسك الختام.

أما بعد:

نرجو أن قد وفقنا في تقديم صورة وافية لحياة هذا الصحابي الجليل (عثمان بن حنيف)، إذ كان همُّنا أن نقدم تسلسل منطقي متماسك لأهم الأحداث والمحطات التي توقف عندها، بدءا من حياته مع الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وجهاده معه في جميع حروبه من بدر وما بعدها، إلى جهاده مع أمير المؤمنين علیه السلام، والمهام الإدارية التي وُکِّل بها، حتى وفاته رضوان الله عليه، وفي هذه المواقف كان ناصحا لله ورسوله ولأهل بيته (عليهم السلام أجمعين) لم يتخاذل أو يقصر في واجب عهد له، بل كان سباقا متطلعا لخدمة الإسلام.

وقد كشفت الدراسة عن المكانة السامية التي يتمتع بها الصحابي (عثمان بن حنيف) عند الصحابة الكبار، من المهاجرين الأوائل والأنصار، وكانوا

ص: 137

من المتقدمين في الرأي والمشورة والاحترام، إذ كان من رواة الحديث، والثقاة الذين يُؤخذ عنهم حديث الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، وسار في ركاب البدريين الذين يُشار لهم بالبنان، ولا يختلف في نزاهتهم اثنان، وقد رجعوا - البدريون - إلى أمير المؤمنين علي علیه السلام، بعد الرسول صلی الله علیه و آله وسلم ومعهم أكثر الصحابة المخلصين، فيا عجبا كيف يعذب ويمثل به أشد تمثيل من طلحة والزبير وعائشة، و كيف يحاربون من كانت هذه سيرتهم، متناسين العهود والمواثيق الغليظة التي عهدها إليهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم؛ فسفكوا الدماء ظلما، وقتلوا كثيراً من الصحابة لا لجرم سوى أنّهم ثبتوا على نهج الرسول صلی الله علیه و آله وسلم ولم يتخبطوا في باطل ولم يتبعوا الشهوات، وحب الدنيا، إذ عرفوا الحق فتمسكوا به، ومن هنا نرى أن أتباع الإمام علي علیه السلام، وانصاره الذين خاضوا معه الحروب، كانوا من الصحابة البدريين السابقين في الإسلام، وهذه سمة مميزة لجيش الإمام علي عليه السلام؛ إذ هو جيش الرسول صلی الله علیه و آله وسلم نفسه ما خلا الذين سقطوا في التمحيص واستسلموا لغدر الشيطان، وبذلك نضع أمام القارئ الكریم طريقا يلتمس فيه الحقيقة، التي حاول كثيرٌ من القدماء والمعاصرين تمويهها وتعتيمها بل محاربتها، وأقصد حق الإمام علیه السلام المغصوب في الخلافة، وظلم الرعية له. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

ص: 138

المصادر المراجع

ص: 139

ص: 140

قائمة المصادر والمراجع

القرآن الكريم.

1. الأبواب (رجال الطوسي)، للشيخ الطوسي (ت: 460 ه)، تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني، مؤسسة النشر الإسلامي التابع لجماعة المدرسین بقم المشرفة، ط 1، 1415 ه.

2. الأخبار الطوال، أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري (ت: 282 ه)، تحقيق: عبد المنعم عامر، مراجعة: الدكتور جمال الدين الشيال، دار إحياء الكتب العربي - عيسى البابي الحلبي وشركاه / القاهرة، ط 1، 1960 م.

3. الاحتجاج، الشيخ الطوسي (ت: 548 ه)، تحقيق: السيد باقر الخرسان، دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الأشرف، (د. ط)، 1386 - 1966 م.

4. الاخبار الطوال، أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري (المتوفي: 282 ه)، تحقيق: عبد المنعم عامر، مراجعة: الدكتور جمال الدين الشيال، دار إحياء الكتب العربي - عيسى البابي الحلبي وشركاه / القاهرة، ط 1،

ص: 141

1960 م.

5. الإرشاد، الشيخ المفيد (413 ه)، تحقيق: مؤسسة آل البيت لتحقيق التراث، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، ط 2، 1414 ه - 1993 م.

6. الاستذکار، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (ت: 463 ه) تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي معوض، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1421 - 2000.

7. الاستيعاب في معرفة الأصحاب، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (ت: 463 ه)، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بیروت، (د. ط)، (د. ت).

8. أسد الغابة في معرفة الصحابة، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (ت 630 ه)، دار الفكر - بيروت، (د. ط)، 1409ه - 1989 م.

9. أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، عَلي محمد محمد الصَّلاَّبي، مكتبة الصحابة، الشارقة - الإمارات، (د. ط)، 1425 ه - 2004 م.

10. الإصابة في تمييز الصحابة، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (ت: 852 ه)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1415 ه.

11.أصل الشيعة وأصولها، الشيخ محمد حسین کاشف الغطاء، تحقيق: علاء آل جعفر، مؤسسة الإمام علي عليه السلام، ستارة، ط 1، 1373 ه.

ص: 142

12. الأصوات اللغوية، الدكتور إبراهيم أنيس، لجنة البيان العربي، القاهرة، مصر، ط 3، 1961 م.

13. الأعلام، خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي (ت: 1396 ه)، دار العلم للملايين، ط 15، 2002 م.

14. أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين (1371 ه)، تحقيق: حسن الأمين، ، دار التعارف للمطبوعات، بیروت - لبنان، (د. ط)، (د. ت).

15. أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين (ت: 1371 ه)، تحقیق و تخریج: حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، (د. ط)، (د. ت).

16. الإمامة والسياسة، ابن قتيبة الدينوري (276 ه)، تحقيق: طه محمد الزيني، مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع، (د. ط)، (د. ت).

17. إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع المؤلف: أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (ت: 845 ه)، تحقيق: محمد عبد الحميد النميسي، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1420 ه - 1999 م.

18. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مع تهذیب جدید، تأليف العلامة المفسر آية الله الشيخ ناصر مکارم الشيرازي، مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت لبنان، ط 1، 1434 ه - 2013 م.

19. الانتصار، العاملي، دار السيرة، بيروت لبنان، ط 1، 1422 ه.

20. بحار الأنوار، العلامة المجلسي (1111 ه)، مؤسسة الوفاء، بیروت - لبنان، ط 2، 1403 ه - 1983 م.

ص: 143

ين 21. البحر المحيط في أصول الفقه، بدر الدين محمد بن بهاء الدين عبد الله الشافعي الزركشي (ت 745 - 794 ه)، قام بتحريره الشيخ عبد القادر عبد الله العاني، راجعه د. عمر سليمان الأشقر، (د. ط)، (د. ت).

22. البدء والتاريخ، المطهر بن طاهر المقدسي (ت: نحو 355 ه)، مكتبة الثقافة الدينية، بور سعيد، (د. ط)، (د. ت).

23. البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (ت: 774 ه)، دار الفكر، (د. ط)، 1407 ه - 1986 م.

24. تاج العروس من جواهر القاموس، محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي (المتوفى: 1205 ه)، المحقق: مجموعة من المحققين، دار الهداية، (د. ط)، (د. ت).

25. تاريخ الثقات، أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلى الكوفي (ت: 261 ه)، دار الباز، ط 1، 1405 ه - 1984 م.

26. تاریخ الخلفاء الراشدين الفتوحات والإنجازات السياسية، د محمد سهيل طقوش، دار النفائس، ط 1، 1424 ه - 2003 م.

27. تاريخ الشيعة بين المؤرخ والحقيقة، الدكتور نور الدين الهاشمي، ستارة - قم، مركز الأبحاث العقائدية - قم - ایران، ط 1، 1428 ه.

28. تاريخ الطبري تاريخ الطبري - تاريخ الرسل والملوك، محمد بن جریر بن یزید بن کثیر بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310 ه)، دار التراث - بيروت، ط 2، 1387 ه.

29. تاريخ دمشق، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر (المتوفى: 571 ه، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر

ص: 144

للطباعة والنشر والتوزيع، (د. ط)، 1415 ه- 1995 م.

30. التحرير والتنوير (تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد)»، محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (ت: 1393 ه)، الدار التونسية للنشر - تونس، (د. ط)، 1984 ه.

31. التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة، شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي (المتوفي: 902 ه)، الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط 1، 141 ه / 1993 م.

32. تفسير الطبري = جامع البيان عن تأویل آي القرآن، محمد بن جریر بن یزید بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (ت: 310 ه)، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات الإسلامية بدار هجر الدكتور عبد السند حسن یمامة دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، ط 1، 1422 هم - 2001 م.

33. تفسير مجمع البيان، الشيخ الطوسي، تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بيروت - لبنان، ط 1، 1415 ه - 1995 م.

34. التوحيد، للشيخ الصدوق (ت 381)، تحقيق: السيد هاشم الحسيني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، (د. ط)، (د.ت).

35. الجامع (منشور کملحق بمصنف عبد الرزاق)، معمر بن أبي عمرو راشد الأزدي مولاهم، أبو عروة البصري، نزيل اليمن (المتوفي:

ص: 145

153 ه)، حبیب الرحمن الأعظمي، ط 2، المجلس العلمي بباكستان، وتوزيع المكتب الإسلامي ببيروت، 1403 ه.

36. الجامع (منشور کملحق بمصنف عبد الرزاق)، معمر بن أبي عمرو راشد الأزدي مولاهم، أبو عروة البصري، نزيل اليمن (المتوفي: 153 ه)، حبیب الرحمن الأعظمي، ط 2، المجلس العلمي بباكستان، وتوزيع المكتب الإسلامي ببيروت، 1403 ه.

37. الجمل، الشيخ المفيد (ت: 413 ه)، مكتبة الداوري - قم - ایران.

38. الحجاج والاستدلال الحجاجي، وآليات اشتغاله، د. رضوان الرقبي، مجلة عالم الفكر ومجلة دورية محكمة تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والأدب - الكويت العدد الثاني، المجلد 40، اكتوبر - ديسمبر، 2011 م.

39. الحجاج والاستدلال الحجاجي، وآليات اشتغاله، د. رضوان الرقبي، مجلة عالم الفكر ومجلة دورية محكمة تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والأدب - الكويت العدد الثاني، المجلد 40، اكتوبر - ديسمبر، 2011 م.

40. حديث الغدير، السيد علي الحسيني الميلاني، ط 1، مركز الأبحاث العقائدية، قم - ایران، 1421 ه.

41. الخصائص الکبری، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفي: 911 ه)، دار الكتب العلمية - بيروت، (د. ط)، (د. ت).

42. الخصائص الکبری، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (ت: 911 ه)، دار الكتب العلمية - بيروت (د. ط)، (د. ت).

ص: 146

43. خلاصة عبقات الأنوار، السيد حامد النقوي (ت:: 1306 ه)، مؤسسة البعثة - قسم الدراسات الإسلامية -طهران - ایران، (د. ط)، 1405، سید الشهداء - قم.

44. الدراسات اللهجية والصوتية عند ابن جني، الدكتور حسام النعيمي، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، سلسلة الدراسات (134)، بغداد، 1980 م.

45. الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، السيد علي خان المدني الشيرازي (ت: 1120 ه)،، تحقیق: تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، منشورات مكتبة بصيرتي - قم، (د. ط)، 1397 ه.

46. رجال ابن داو ود، لابن داود الحلي (ت: 740 ه)، تحقيق: تحقیق وتقديم: السيد محمد صادق آل بحر العلوم، منشورات مطبعة الحيدرية - النجف الأشرف، (د. ط)، 1392 - 1972 م.

47. رجال بن داوود، لابن داود الحلّي (ت: 740 ه)، تحقيق: تحقیق وتقديم: السيد محمد صادق آل بحر العلوم، (د. ط)، منشورات مطبعة الحيدرية - النجف الأشرف، (د. ط)، 1392 - 1972 م.

48. الرعاية في تجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة، مكي بن أبي طالب القيسي (- 437 ه)، تحقيق: الدكتور أحمد حسن فرحات، دار الكتب العربية، دار المعارف للطباعة، دمشق، (د. ط)، 1973 م.

49. روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقیه، محمد تقي المجلسي، (ت 1070)، نمقه وعلّق عليه وأشرف على طبعه السيد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي پناه الإشتهاردي، العلمية - قم،

ص: 147

(د. ط)، (د. ت).

50. سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد، محمد بن يوسف الصالحي الشامي (المتوفي: 942 ه) تحقیق وتعلیق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، دار الكتب العلمية بيروت - لبنان، ط 1 1414 ه - 1993 م.

51. سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد، محمد بن يوسف الصالحي الشامي (ت: 942 ه) تحقیق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، دار الكتب العلمية بيروت - لبنان، ط 1، 1414 ه - 1993 م.

52. سير أعلام النبلاء، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَایماز الذهبي (ت: 748 ه)، دار الحديث - القاهرة، 1427 ه - 2006 م.

53. السيرة النبوية لابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (ت: 774 ه)، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت - لبنان، (د. ط)، 1395 ه - 1976 م.

54. السيرة النبوية لابن هشام، عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، أبو محمد، جمال الدين (ت: 213 ه)، تحقيق: مصطفی السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي، شركة مكتبة ومطبعة

ص: 148

مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط 2، 1375 ه - 1955 م.

55. السيرة النبوية وأخبار الخلفاء، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معبد، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفى: 354 ه)، صحّحه، وعلق عليه الحافظ السيد عزيز بك وجماعة من العلماء، الكتب الثقافية - بيروت، ط 3، 1417 ه.

56. السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني، أحمد أحمد غلوش، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1، 1424 ه - 2004 م.

57. شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، محمد بن محمد بن عمر بن علي ابن سالم مخلوف (المتوفى: 1360 ه)، علق عليه: عبد المجيد خيالي، دار الكتب العلمية، لبنان، ط 1، 1424 ه - 2003 م.

58. شرح الشفا، علي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: 1014 ه)، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1421 ه.

59. شرح الشفا، علي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: 1014 ه)، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1421 ه.

60. شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد (ت: 656 ه)، تحقیق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية - عيس البابي وشركاه، ط 1، 1378 ه - 1959 م.

61. شرف المصطفی، عبد الملك بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الحركوشي، أبو سعد (ت: 407 ه)، دار البشائر الإسلامية - مكة، ط 1، 1424 ه.

ص: 149

62. شرف المصطفی، عبد الملك بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الخركوشي، أبو سعد (ت: 407 ه)، دار البشائر الإسلامية - مكة، ط 1، 1424 ه.

63. الشفا بتعريف حقوق المصطفی، عیاض بن موسی بن عیاض بن عمرون اليحصبي السبتي، أبو الفضل (ت: 544 ه)، دار الفيحاء - عمان، ط 2 - 1407 ه.

64. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي (المتوفي: 393 ه)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين - بيروت، ط 4، 1407 ه - 1987 م.

65. صحيح مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (ت: 261 ه)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي - بیروت، (د. ط)، (د. ت).

66. صحيح البخاري = الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، ط 1، 1422 ه.

67. الصحيح من سيرة النبي الأعظم، السيد جعفر مرتضى العاملي، دار الحديث للطباعة والنشر - قم - ایران، ط 1، (د. ت).

68. الطبقات الکبری، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء، البصري، البغدادي المعروف بابن سعد (المتوفى: 230 ه)، تحقيق: زیاد محمد منصور، مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة، ط 2، 1408 ه.

ص: 150

69. الطبقات الكبرى، القسم المتمم لتابعي أهل المدينة ومن بعدهم، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء، البصري، البغدادي المعروف بابن سعد (المتوفى: 230 ه)، تحقيق: زیاد محمد منصور مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة، ط 2، 1408 ه: 467.

70. عالم المدرستين، السيد مرتضى العسكر، مؤسسة النعمان للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنا، (د. ط) 1410 - 1990 م.

71.عثمان بن عفان ذو النورين، محمد رضا (المتوفي: 1369 ه): 101، و شعر الفتوح الإسلامية في صدر الإسلام، الدكتور / النعمان عبد المتعال القاضي، مكتبة الثقافة الدينية، ط 1، 1426 ه - 2005 م.

72. عصر الخلافة الراشدة محاولة النقد الرواية التاريخية وفق منهج المحدثين، أكرم بن ضياء العمري، مكتبة العبيكان - الرياض، ط 1، 1430 ه - 2009 م.

73. الغدير، الشيخ الأميني (ت: 1392)، دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان، ط 4، 1397 - 1977 م.

74. غرائب القرآن ورغائب الفرقان، نظام الدین الحسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري (المتوفى: 850 ه) تحقیق: الشيخ زکریا عميرات، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1416 ه.

75. غرائب القرآن ورغائب الفرقان، نظام الدین الحسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري (ت: 850 ه) تحقيق: الشيخ زکریا عمیرات، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1416 ه.

76. الفتنة ووقعة الجمل، سيف بن عمر الأسدي التميمي (المتوفي: 200 ه)،

ص: 151

تحقيق: أحمد راتب عرموش، دار النفائس، ط 7، 1413 ه / 1993 م.

77. فتوح البلدان، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البَلَاذُري (المتوفي: 279 ه)،، دار ومكتبة الهلال - بيروت، (د. ط)، 1988 م.

78. في أصول الحوار و تجدید علم الكلام، د. طه عبد الرحمن، المركز الثقافي العربي - الدار البيضاء، ط 2، 2000 م.

79. الكامل في التاريخ، الكامل في التاريخ، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفي: 630 ه)، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، ط 1، 1417 ه / 1997 م.

80. كتاب الثقات، ابن حبان (354 ه)، مؤسسة الكتب الثقافية، مجلس دائرة المعارف العثمانية بحیدر آباد الدكن، ط 1، 1393 ه.

81. کتاب العين، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري (المتوفى: 170 ه)، تحقيق: د مهدي المخزومي، د إبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، (د. ط)، (د. ت).

82. الكتاب، سیبویه؛ أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، تحقیق و شرح عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر، دار الرفاعي، الرياض، ط 2، 1982 م.

83. الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538 ه)، دار الكتاب العربي - بیروت، ط 3، 1407 ه.

84. کشف اليقين، العلامة الحلي (ت: 726 ه)، تحقيق: حسين الدرکهای،

ص: 152

ط 1، 1411 ه.

85. کنز الدرر وجامع الغرر، أبو بكر بن عبد الله بن أيبك الدواداري، حقق الجزء الثالث منه: محمد السعيد جمال الدين، عيسى البابي الحلبي، (د. ط)، 1402 ه - 1981 م.

86. لسان العرب، محمد بن مکرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقي (المتوفي: 711 ه)، دار صادر - بيروت، ط 3، - 1414 ه.

87. المجازات النبوية الشريف الرضي، تحقيق: طه محمد الزبيدي، منشورات مكتبة بصيرتي - قم، (د. ط)، (د. ت).

88. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي (المتوفى: 807 ه)، تحقيق: حسام الدين القدسي، مكتبة القدسي، القاهرة، (د. ط)، 1414 ه، 1994 م.

89. مجمل اللغة، أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (المتوفي: 395 ه)، دراسة و تحقیق: زهير عبد المحسن سلطان، مؤسسة الرسالة - بيروت، ط 2، 1406 ه - 1986 م.

90. مختصر سيرة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم: محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي (ت: 1206 ه)، وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية، ط 1، 1418 ه.

91. مروج الذهب و معادن الجوهر، المسعودي (ت: 326 ه)، منشورات دار الهجرة، إيران - قم، ط 2، 1404 ه - 1984 م.

92. مسند أحمد بن حنبل،، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن

ص: 153

أسد الشيباني (ات: 241 ه)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، ط 1، مؤسسة الرسالة، 1421 ه - 2001 م.

93. مشاهير علماء الأمصار وأعلام فقهاء الأقطار، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعبَد، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفي: 354 ه) حققه ووثقه وعلق عليه: مرزوق على ابراهيم، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - المنصورة، ط 1، 1411 ه - 1991 م.

94. مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة)، الميرجهاني (ت: 1388 ه)، (د. ط)، 1388 ه.

95. معاني القرآن وإعرابه، إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج (المتوفى: 311 ه)، تحقيق: عبد الجليل عبده شلبي، عالم الكتب - بيروت، ط 1، 1408 ه - 1988 م.

96. المعجم الكبير، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني (ت: 360 ه) تحقیق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة ابن تيمية - القاهرة، ط 2، (د. ت).

97. المعجم الكبير للطبراني قطعة من المجلد الحادي والعشرين (يتضمن جزءا من مسند النعمان بن بشیر)، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني (ت: 360 ه)، تحقيق: فريق من الباحثين بإشراف وعناية: د / سعد بن عبد الله الحميد و د / خالد بن عبد الرحمن الجريسي، ط 1، 1427 ه - 2006 م.

98. معرفة الصحابة، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن

ص: 154

موسی بن مهران الأصبهاني (ت: 430 ه)، تحقيق: عادل بن يوسف العزازي، دار الوطن للنشر، الرياض، ط 1، 1419 ه - 1998.

99. المغرب، ناصر بن عبد السيد أبي المكارم ابن على، أبو الفتح، برهان الدين الخوارزمي الطرزي (ت: 61 ه)، دار الكتاب العربي، (د. ط)، (د. ت).

100. مفاتیح العلوم، محمد بن أحمد بن يوسف، أبو عبد الله، الكاتب البلخي الخوارزمي (المتوفي: 387 ه)، تحقيق: إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، ط 2، (د. ت).

101. المفردات في غريب القرآن، أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانی (ت: 502 ه)، تحقيق: صفوان عدنان الداودي، دار القلم، الدار الشامية - دمشق بيروت، ط 1، 1412 ه.

102. مقاییس الهداية في علم الدراية، عبد الله المامقاني، ترجمة و تحقیق: محمد رضا المامقاني، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، ط 1، 1992 م.

103. الملل والنحل، للشهرستاني (548 ه)، تحقيق: محمد سيد كيلاني، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان، (د. ط)، (د. ت).

104. مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب (588 ه)، تصحيح وشرح ومقابلة لجنة من أساتذة النجف الأشرف، مكتبة الحيدرية - النجف الأشرف، مطبعة الحيدرية - النجف الأشرف، (د. ط)، 1376 ه - 1956 م.

105. مناهج البحث في اللغة، الدكتور تمّام حسّان، مكتبة الإنجلو المصرية، (د. ط)، 1955 م.

ص: 155

106. المنتخب من ذيل المذيل، محمد بن جریر بن یزید بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (ت: 310 ه)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان.

107 - المنتظم في تاريخ الملوك والامم، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (ت: 597 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1412 ه - 1992 م.

108. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، حبیب الله الهاشمي الخوئي (ت: 1324 ه)، تحقيق: سيد إبراهيم الميانجي، مصادر الحديث الشيعية القسم العام، ط 4، مطبعة الإسلامية بطهران.

109. الميزان في تفسير القران، للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي، مؤسسة العلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان، ط 1، 1417 ه - 1997 م.

110. النص والإجتهاد: السيد شرف الدين (ت: 1377 ه)، تحقیق وتعليق: أبو مجتبی، ط 1، 1404، سيد الشهداء (ع) - قم.

111. النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب، محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن بطال الركبي، أبو عبد الله، المعروف ببطال (المتوفي: 633 ه)، دراسة وتحقیق وتعليق: د. مصطفى عبد الحفيظ سالم، المكتبة التجارية، مكة المكرمة، 1988 م (جزء 1)، 1991 م (الجزء الثاني).

112. النهاية في غريب الحديث والأثر، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن

ص: 156

محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير (المتوفي: 606 ه)، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي - محمود محمد الطناحي المكتبة العلمية - بيروت، (د. ط)، 1399 ه - 1979 م.

113. نهج البلاغة - خطب الإمام علي عليه السلام، شرح محمد عبده، دار الذخائر، قم ایران، مطبعة النهضة - ایران، ط 1، 1412 ه.

114. نهج البلاغة، شرح: الشيخ محمد عبده، دار الذخائر – قم - ایران، ط 1، 1412.

115. وإعلام الوری بأعلام الهدی، الشيخ الطوسي (ت: 548 ه)، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، نشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم المشرفة، ستارة - قم، ط 1، 1417 ه.

116. الوافي بالوفيات، صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي (المتوفي: 764 ه) تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفي، دار إحياء التراث - بيروت، (د. ط)، 1420 ه - 2000 م.

ص: 157

المحتويات

مقدمة المؤسسة...5

المقدمة...7

التمهيد المنطلقات الأولى للتشيع...11

الفصل الأول

المطلب الأول: المرجعيات الاجتماعية...19

المطلب الثاني: المرجعيات الفكرية...27

أحداث لها علاقة بيعة الغدير...31

المطلب الثالث: عثمان بن حنيف وعمر بن الخطاب...61

الفصل الثاني عثمان بن حنيف في خلافة الإمام علي عليه السلام

توطئة...71

المطلب الأول: أحداث لها علاقة...73

ص: 158

المطلب الثاني: حرب الجمل...85

المطلب الثالث: جانب من مکاتیب الإمام عليه السلام اليه...117

الخاتمة....137

المصادر...141

المحتويات...159

ص: 159

ص: 160

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.