اسم الکتاب: تحفة العالم في شرح خطبة المعالم
المؤلف: آیة الله السید جعفر بحرالعلوم قدس سره
تحقیق: أحمد علي مجید الحلي
الطبعة: الاولی ، 1433 ﻫ-ق
حقوق الطبه المحفوظة
مرکز تراث السید بحرالعلوم قدس سره
العراق - النجف الأشرف - حی الغدیر
خلف فندق النجف السیاحي
نقال: 33367534 - 0964 / 7808726339 - 00964
الموقع: www.bahrululoom.org
طبع علی مطابع
شرکة الاعلم للمطبوعات
بیروت - طریق المطار - قرب سنتر زعرور
هاتف: 450426 / 01 - فاکس: 450427 / 01
Published by Aalami Est.
Beirut Airport Road
Tel: 01/45026 --- Fax: 01/450427
فرع الثانی: العراق - کربلاء المقدسة - شارع السدرة - موبایل: 07801561980
ص: 1
مرکز تراث السید بحرالعلوم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم
تألیف: آیة الله السید جعفر بحرالعلوم
(1289-1377)
تحقیق
أحمد علي مجید الحلي
المجلد الاول
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 3
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف خلقه ، مُحمّدٍ وعلى آله الطيبين الطاهرين.
وبعد ، فإنه من دواعي سروري وغبطتي أن نوفّق لإخراج الاصدار العاشر والحادي عشر من نتاج مركز تراث السيد بحر العلوم قدس سره خلال فترة زمنية قد تتجاوز السنتين ، أو أكثر قليلاً ، لا سيما إنَّ لهذا الكتاب ميزةً خاصةً ؛ بإعتباره انه بمثابة دائرة معارف منوّعة شاملة.
وهو يمثل واحد من أهم ما كتب في هذا الموضوع ، وبشهادة أكثر من محقق ، فهو شرح لخطبة المعالم والتي هي عبارة عن مقدمة كتبها الشيخ حسن إبن الشهيد الثاني مؤلف كتاب معالم الدين وملاذ المجتهدين ، والذي كان ولا يزال من أهم الكتب الأصولية الحية التي لا تزال تُدرّس على نطاق واسع في الحوزات العلمية ، والمقدمة كتبها المؤلف عن قيمة العلم والتعلم والتفقه ، تكاد تكون من أفضل ما كتب عن الموضوع ، وقد قام السيد الجد قدس سره بشرح هذه الخطبة شرحاً مفصّلاً ، وافياً جامعاً مانعاً ، فأعطى الموضوع حقه ، واصبح الكتاب كشكول رائع نادر : (مبتكر في موضوعه ، فريد في بابه ، جم المعارف ، غزير الفائدة ،
ص: 5
ضمّ بين دفنيه نكتاً ظريفة من دقائق العقائد ، والفقه وأصوله ، والتفسير والتاريخ والتراجم والأدب ما لا يستغني عنه العالم والمتعلم) (1).
والكتاب كما ذكره صاحب الذريعة قدس سره في جزئين أولهما في شرح نفس الخطبة ، وفيه ذكر تواريخ المعصومين عليهم السلام من الولادة إلى الشهادة ، وذكر مشاهدهم وقبورهم ، وتواريخ المشاهد وما طرأ عليها من العمارة والخراب وساكنيها ، وغير ذلك ، وذكر أولادهم وتواريخ أحوالهم ، والجزء الثاني في شرح الأحاديث المصدر بها (كتاب المعالم) بعد الخطبة ، وهي تسعة وثلاثون حديثاً ، في فضل العلم والعلماء ، تكلم أولاً في أحوال كل واحد من رجال السند ، جرحاً وتعديلاً ، ثم بحث في دلالة متنه ، وما يستفاد منه ، فهو كتاب علمي تاريخي رجالي (2).
وأما سيدنا الشارح السيد جعفر آل بحر العلوم ، فقد تمت ترجمته في مقدمتي كتابيه أسرار العارفين في شرح دعاء كميل ، وتحفة الطالب في حكم اللحية والشارب ، وكذلك كتب عن حياته الأخ المحقق الأستاذ أحمد الحلي وقد أعطى الموضوع حقه وأجاد فأفاد ، كما أن هناك ترجمة وافية له للعلامة الحجة السيد أحمد الأشكوري قد إنتقى منها الأخ الحلي شطراً ، ووضعها في مقدمته ، لا بأس بالرجوع إليها لمن يريد المزيد من التفاصيل.
ونأمل بالمستقبل أن تصدر مجموعة مؤلفات السيد الجد قدس سره في مجموعة كاملة ، وأسأل الله العلي القدير أن يوفقنا للعثور على المفقود من آثاره ، لا سيما
ص: 6
الكشكول ، وكذلك أن يمكننا من إعادة طبع الكتب المفقودة الاخرى ، إنه سميع مجيب.
وفي النهاية أود أن أقدم جزيل شكري وإمتناني للأخ المحقق الأستاذ أحمد الحلي لما أبداه من جهد ومثابرة في التحقيق ، وللأخ العلامة الشيخ ماجد الصيمري لقيامه بعملية التصحيح النهائية ، وأخيراً الأخ العزيز العلامة الشيخ كاظم البهادلي ؛ لجهوده الجبارة في مختلف المجالات ، فلولاه لما تمكنا من إخراج هذا الإصدار ، وكذلك معظم الإصدارات الأخرى ، سائلاً المولى جلّ وعلا أن يوفقه لما فيه خير الدارين ، إنه أرحم الراحمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمدٍ وآله الطاهرين.
مركز تراث السيد بحر العلوم
فاضل بحر العلوم
لندن 28 / 08 / 2011 م
27 رمضان 1432 ﻫ
ص: 7
ص: 8
• مقدمة التحقيق
• مقدمة المؤلف
• شرح خطبة الكتاب
• المقام الأول في أمير المؤمنين عليه السلام
• المقام الثاني في الإمام الحسن عليه السلام
• المقام الثالث في الإمام الحسين عليه السلام
ص: 9
ص: 10
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أتحف العالم العلم وزيّن به العلماء ، والصلاة والسلام على أشرف خلقه مُحَمَّد خاتم الأنبياء ، وعلى آله الطيبين الطاهرين الأتقياء ، وبعد :
فقد دأب علماؤنا الأعلام - من خلال مواكبتهم للعلم - على الانكباب على بعض الكتب الدراسية وغيرها ، بين درس وتدريس ، وشرح وتعليق ، وحاشية وفهرسة وتبويب ، إلى ما يطول سرده ، والشواهد على ذلك كثيرة نعيشها صباح مساء بالرواية والدراية في الزمن الغابر والحاضر.
والكتاب الذي بين أيدينا ، هو عبارة عن شرحٍ لمقدّمة أحد الكتب الدراسية المعروفة ، فمعالم الأُصول كتاب تناوله طلّاب العلم بالاهتمام الذي قلّ نظيره ، فكان له الحظ الوافر من بين تلك الكتب ، شرحاً له وتعليقاً.
وكتابنا (تحفة العالم) اسم على مسمّى ، موسوعة تاريخية ، رجالية ، حديثية ، ... ، تظهر فيها موسوعة مؤلّفها العلمية وتضلُّعه في الكتب والأسفار ، كما يظهر ولاؤه أيضاً من خلاله تناوله سيرة الأئمة عليهم السلام في مساحة شغلت أكثر من نصف الكتاب بالتحقيق والتدقيق ورفع الشبهات ، وحتى لا نطيل الكلام على القارئ العزيز ؛ أترك له التعرّف على الكتاب بمطالعته ، بعد ما أقدّم له - كما هو المتعارف في فن تحقيق الكتب التراثية - مقدّمة أُعرّف فيها المؤلّف والمؤلَّف تباعاً :
ص: 11
آل بحر العلوم : إنَّ الحديث عن هذا البيت الكريم طويل لا يسعه هذا المجال الضيِّق ، فضلاً على الحديث عن واحد عيلم منهم ، فالنوابغ من هذه الأُسرة العريقة في السيادة والآثار الدينية والعلمية كثيرون ليس هنا سعة لتعدادهم والتحدُّث عنهم ، فقد ملأوا تاريخ النجف بآثارهم ومآثرهم وشخصياتهم البارزة ، بحيث عرفهم كلُّ باحث اشتغل بالتاريخ والسِّير ، ومنهم مؤلّف كتابنا هذا ، وقد حاولت أن أجمع الشتات من ترجمته من بين المخطوطات والمطبوعات وأضعها بين يديك ، وقد أطلت الحديث فيها عن مكتبته التي أهملها التاريخ وتناساها ، فدونكها :
جاء نسبه المبارك في كتابه الماثل بين يديك عند ترجمة جدّه الحسن المثنى رضي الله عنه ؛ فلذلك آثرنا ذكره عن قلمه ، وهو : جعفر بن مُحَمَّد باقر بن علي بن رضا بن مهدي بن مرتضى بن مُحَمَّد بن عبد الكريم ابن السيِّد مراد بن شاه أسد الله ابن السيِّد جلال الدين أمير بن الحسن بن مجد الدين بن قوام الدين بن إسماعيل بن عبّاد بن أبي المكارم بن عباد بن أبي المجد بن عباد بن علي بن حمزة بن طاهر بن علي بن مُحَمَّد بن أحمد بن مُحَمَّد بن أحمد بن إبراهيم الملقّب ب-(طباطبا) ابن إسماعيل الديباج ابن إبراهيم الغمر ابن الحسن المثنى ابن الحسن المجتبى عليه السلام (1).
ص: 12
ولد في النجف الأشرف في 29 من شهر محرم الحرام سنة 1289 ﻫ كما وجد بخطّ جدّه السيِّد علي مؤلّف كتاب البرهان (1).
ومات أبوه وهو طفل صغير فربّاه جدّه السيِّد علي ، وناهيك بتلك التربية من حيث العلم والأخلاق الإسلامية ، والسيادة والشرف ، والكرامة والمجد ، والإيمان والتقوى (2).
نشأ على فضلاء أُسرته ، وحضر في الفقه والأُصول على علماء عصره الفطاحل ، ومراجع التقليد يومئذ ، ونخصُّ بالذكر منهم :
1 - الشيخ فتح الله بن مُحَمَّد جواد النمازي الشيرازي الإصفهاني النجفي الشهير بشيخ الشريعة الإصفهاني (ت 1339 ﻫ) (3).
2 - السيِّد مُحَمَّد بن مُحَمَّد تقي آل بحر العلوم رحمه الله (ت 1326 ﻫ) ، صاحب كتاب البُلغة (4).
3 - الشيخ مُحَمَّد كاظم الخراساني المعروف بالآخوند (ت 1328 ﻫ) صاحب كتاب كفاية الأُصول (5).
ص: 13
4 - السيِّد مُحَمَّد كاظم اليزدي رحمه الله (ت 1337 ﻫ) ، صاحب كتاب العروة الوثقى ، وكثيراً ما ذكره في كتابنا هذا - عند نقل بعض العبارات من عروته - ب-(الأُستاذ) (1).
1 - الميرزا حسين بن مُحَمَّد تقي النوري رحمه الله (ت 1320 ﻫ) ، صاحب مستدرك الوسائل (2).
2 - الشيخ فتح الله بن مُحَمَّد جواد النمازي الشيرازي الإصفهاني النجفي الشهير بشيخ الشريعة الإصفهاني (ت 1339 ﻫ) (3).
3 - السيِّد مُحَمَّد بن مُحَمَّد تقي آل بحر العلوم رحمه الله (ت 1326 ﻫ) ، صاحب كتاب البُلغة (4).
4 - السيِّد مُحَمَّد كاظم اليزدي رحمه الله (ت 1337 ﻫ) ، صاحب كتاب العروة الوثقى (5).
والأخيران من مشايخه أجازاه بالرواية والاجتهاد ، وصرح السيِّد مُحَمَّد صادق آل بحر العلوم رحمه الله أنَّ صورتها في مجاميع آله الخطّية (6).
ص: 14
1 - السيِّد شهاب الدين المرعشي النجفي (ت 1411 ﻫ) ، أجازه بتأريخ 20 صفر الخير سنة (1350 ﻫ) (1).
2 - الشيخ مُحَمَّد ابن الشيخ علي حرز الدين (ت 1365 ﻫ) ، صاحب كتاب معارف الرجال ، أجازه بتأريخ 4 محرم الحرام سنة (1353 ﻫ) (2).
3 - العلّامة السيِّد مُحَمَّد صادق ابن السيِّد حسن آل بحر العلوم (ت 1399 ﻫ) (3) ، فقد أجازه بتأريخ جمادى الأُولى من سنة 1365 ﻫ، وصورة إجازته عثرت عليها في كتاب المجاز المخطوط المسمَّى ب-(إجازاتي) وتسلسلها فيه هو (7) ، وتقع في صفحة واحدة ، وقد كتبها المجيز بخطه ، وإليك نصّها :
إجازة ابن عمِّنا العلّامة الكبير الحجّة السيِّد جعفر آل بحر العلوم رحمه الله
بسمه تعالى
امّا بعدَ حمد الله الذي جعل ضياء العلم ناسخاً لظلام الجهالة ، والصلاة والسلام على نبيِّه مُحَمَّد مُخمد نار الضلالة ، وعلى آله الأئمّة الميامين واُمناء الدين ، ثُمَّ إنَّه لمَا جرت عادة العلماء الأوائل والأواخر بأخذ العلم من الأكابر وتلقّيه سلفاً عن سلف وكابراً عن كابر ، وكان ممَّن رغب الدخول في تلك المسالك ابن الخال السيِّد مُحَمَّد صادق آل بحر العلوم الطباطبائي وفّقه الله لمراضيه وجعل مستقبل أمره خيراً من 2.
ص: 15
ماضيه ، فاستجازني - دام توفيقه - وكان ممَّن أحسن وأجاد في تحصيل هذا الغرض ، بل زاد الندب على المفترض ، فلا جرم أنَّي أجزت له أن يروي عنّي جميع ما جاز لي روايته عن شيخي اُستاذي خاتمة الفقهاء والمجتهدين البحر المتلاطم السيِّد مُحَمَّد كاظم اليزدي - طاب ثراه وجعل الجنة مثواه - عن مشايخه الكرام وأساتيذه العظام ، وله أن يروي عنّي جميع ما برز منّي في قالب التأليف من الكتب والرسائل ، منها كتاب تحفة العالم في شرح مقدَّمة المعالم ، ومنها كتاب أسرار العارفين في شرح دعاء كميل الذي علَّمه أمير المؤمنين عليه السلام ، ومنها رسالة تحفة الطالب في حكم اللّحية والشارب ، ومنها شرح نجاة العباد فيما يتعلَّق ببحث القبلة مفصَّلاً وشرح المواريث أيضاً ، وإنّي ملتمس منه دام فضله أن يذكرني في ال خلوات بصالح الدعاء وأشترط عليه أيضاً ما يشترطه المشايخ في جميع الطبقات ، والحمد لله أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً.
وقد حرَّر بيده الجاني
جعفر نجل المرحوم السيِّد مُحَمَّد باقر
آل بحر العلوم الطباطبائي
جمادى لسنة 1365
ختمه الشريف : جعفر الطباطبائي (1).
4 - العلامة الشيخ مُحَمَّد علي بن أبي القاسم الأوردبادي (ت 1380 ﻫ) (2).
روايتي عن مؤلّف الكتاب رحمه الله :
ص: 16
فأنا أروي عن مؤلّف الكتاب رحمه الله بما أجازني به سماحة المحقّق العلّامة السيِّد مُحَمَّد رضا الحسيني الجلالي دامت تأييداته بتاريخ 10 شوال من سنة 1428 ﻫ عن المحقق السيِّد مُحَمَّد صادق آل بحر العلوم رحمه الله عن المؤلّف رحمه الله.
1 - الشيخ أقا بزرك الطهراني رحمه الله (ت 1389 ﻫ) : ( ... وهو اليوم شيخ هذا البيت) (1).
2 - الشيخ مُحَمَّد حرز الدين رحمه الله : (عالم فاضل أديب ، راوية لسير العلماء الأعلام ن معاصر ، حضر على علماء عصره وكتب ما أملته عليه أساتيذه ، وكان فطناً مستحضراً لمتون الأخبار) (2).
3 - الشيخ جعفر محبوبة رحمه الله (ت 1377 ﻫ) : ( ... وهو اليوم الزعيم الديني في بيته ، والمبرَّز من رجاله ، تخرج على علماء عصره ...) (3).
4 - السيِّد مُحَمَّد مهدي الموسوي الكاظمي الإصفهاني : ( ... العالم المعاصر السيِّد جعفر سلّمه الله تعالى ، له مؤلّفات جيدة تشهد بسعة اطّلاعه) (4).
5 - الحاج الملا علي الواعظ الخياباني التبريزي (ت 1367 ﻫ) : (وهو العلّامة الناقد البصير ، والمحقق الفاقد النظير ، حجة الإسلام ، علم الأعلام ، سناد العلم الشامخ ، وعماد الفضل الراسخ ، اُسوة العلماء الماضين ، وقدوة الفضلاء الباقين ، بقية نواميس
ص: 17
السلف ، ومرجع مشايخ الخلف ، أمره في علو قدره ، وعظم شأنه ، وسمو رتبته ، ودقة نظره ، وإصابة رأيه ، أشهر من أن يذكر ، وأبين من أن يسطر ، لا زال موفَّقاً ومحروساً بحراسة الربِّ العلي) (1).
6 - السيِّد مُحَمَّد صادق آل بحر العلوم رحمه الله : (كان قدس سره دمث الأخلاق ، جامعاً ، حاوياً لعامّة العلوم الإسلامية ، مطّلعاً على التاريخ وتراجم الرجال ، وله اطّلاع واسع في علم الدراية والحديث) (2).
7 - الدكتور مُحَمَّد هادي الأميني رحمه الله : (من أعلم العلماء والأعيان ورجالات التحقيق والفضيلة ، عالم متتبع ثبت ورع ، مدقق أصولي ، متبحّر في التاريخ والقضايا الأدبية والتراجم ، ورع عابد كريم دمث الأخلاق ، له اليد الطولى في علم الحديث والدراية ...) (3).
8 - مُحَمَّد علي التميمي رحمه الله : (من علماء الأعلام المعروفين والشخصيات الفذَّة ، وهو شيخ هذه الأُسرة وعميدها وكبيرها ... وهو الآن في منتصف العقد التاسع ، محترم الجانب ، وشخصية مهمة لها أثرها في المجتمع النجفي العلمي ، له مكانة سامية عند رجال العلم والأدب) (4).
9 - العلّامة السيِّد أحمد الحسني - حفظه الله - : (كان عالماً جليلاً أديباً رواية لسير العلماء الأعلام ، ذا اطلاع واسع بالأحداث التاريخية والوقائع الإسلامية ، فطناً
ص: 18
مستحضراً لمتون الأخبار والروايات ، دمث الأخلاق فاضل الروية ، تعلو أساريره آثار الوقار والطمأنينة.
وكان ذا شخصية مهمة لها أثرها في المجتمع العلمي النجفي ، له مكانة سامية عند رجال العلم والأدب ، انتهت إليه رئاسة بيت (بحر العلوم) في حينه ، وبذلك أصبحت له الكلمة المسموعة بين سائر الناس) (1).
قال فيه الشيخ عبد الغني آل الشيخ خضر قصيدة بمناسبة قدومه من الحج سنة 1356 ﻫ، وفيها مدح ولديه السيِّد هاشم والسيِّد مهدي :
كُلُّنا صبٌّ فحرّكْ تَجِدِ *** اشرِح الشّوقَ بهذا المعهَدِ
يا أحبّايَ لقد أمرضني *** وأباد الصّبرَ خُلفُ الموعدِ
كمدٌ أودى فؤادي حَرُّهُ *** حين شبّت نارُه في كبدي
كلُّ جُرحٍ في فؤادي والحشا *** يشتفي إن كنتمُ من عُوَّدي
أقطعُ البيدَ اشتياقاً لكُمُ *** بحثاً من وجدِه مُتَّقدِ
قاصِداً للوصل لكِنَّ القضا *** دامَ أنْ يمنعني عن مقصدي
كيف أسلو عن ليالٍ بتُّها *** بين غيداءً وريمٍ أغيَدِ
حيثُ كم من معهدٍ دارت به *** أكؤسُ الرّاحِ برغمِ الحُسَّدِ
يا أحبّايَ وما أعذبَها *** نُدبةً تُذهِبُ عنّي كمدي
أنا إنْ غبتم بقلبٍ مُوجَعٍ *** ومن الوجد بطرفٍ أرمَدِ
ص: 19
وَلَكَمْ أذكركم مهما بدا *** قمرٌ في جنح ليلٍ أسودِ
ولَكَمْ أشتاقُكُم في كبدٍ *** هي من نارِ الهوى لم تُبرُدِ
أنا والنّجمُ أسيران معاً *** وكلانا في غرامٍ سرمدي
غير أنّي رقّ قلبي في الهوى *** وهو ما انفكّ شديدُ الجَلَدِ
أيُّها النّجم لَظُلمٌ أن أرى *** تقطعُ الدّهر بعيشٍ رَغَدِ
وأنا ما طاب لي عيشٌ ولا *** راق يا نجمُ بِعَيني موردي
هل تضمُّ الصبَّ أبرادُ الإخا *** مَعَكُم قبلَ الفراقِ الأبدي
فَصِلونا فالهوى طابَ لنا *** بإياب السيِّد المُعتَمَدِ
(جعفرٍ) مَنْ كان في كلّ عُلاً *** سيّداً أكرِمْ به من سيّدِ
ما رأوا أسرعَ منه في الندى *** لا ولا أخطبَ منه في النَّدِي
بسناه يُهتدى إذ إنَّه *** علمٌ في شرع طاها (أحمدِ)
عَقُمَت أُمُّ العلا عن مثله *** ولقد همّتْ ولمّا تَلِدِ
فتزوّد منه علماً نافعاً *** وعلى أنواره فاسترشِدِ
كبَّر الحُجَّاج لمّا شاهدوا *** (جعفراً) يسعى بذاك المشهَدِ
نظروا في وجهه (بدراً) ومن *** حلمِهِ لاذوا بِجَنْبَي (أُحُدِ)
فإلى نجليكَ ينقاد الهنا *** فهما رمز النُّهى والسؤددِ
وهما بدران في أُفُق العُلا *** أشرقا نوراً بهذا البلدِ
لستُ أدري ما تقول الشُّعَرا *** وإلى وصفيهما لم تَهْتَدِ
إنّ بيتاً شادَه (مهديُّكم) *** حقّ لو نال منالَ الفرقَدِ
ص: 20
فاسلموا ما لا طفت ريحُ الصَّبا *** زهرةَ الرّيحانِ في الروض النَّدِي (1)
لم نعثر على شيء من شعره سوى بيت واحد ذكره في كتابه هذا ، مما يدل على قدرته على النظم ، خصوصاً إذا ما عرفنا أنَّ هذا البيت الواحد هو من أدب التأريخ الذي لا ينظمه إلا المهرة من أهل هذا الفن ، وهو :
ومُذْ فرشَ السلطانُ ساحةَ حيدرٍ *** فراشَ عُلاً أرِّخْ (لقد فَرَشَ العرشا)
وحادثته : أنَّ في شهر شوال سنة 1315 ﻫ قُلعت أحجار أرض الصحن المقدَّس بأمر السلطان عبد الحميد الثاني ، واُصلحت السراديب واُعيدت على ما هي عليه اليوم ، فظهرت هناك قبور بعض السلاطين وشاهدها كثير من النجفيين ، ومكانها تحت القبور التي يدفن بها الآن ، وكان تمام العمل سنة 1316 ﻫ يوم الخميس عاشر جُمادى الثانية.
1 - أنوار الرشاد في شرح نجاة العباد (2) ، شرح ب-(قال - أقول) ، خرج منه مجلّد الصلاة ، ومجلّدٌ في الإرث ، وهو شرح مزجي ، مجلَّده الأول بخط المؤلّف رحمه الله من أول كتاب الصلاة إلى آخر لباس المصلّي ، آخره : (ويتلوه في
ص: 21
الجزء الثاني مكانُ المصلّي) ، فرغ منه ثامن جمادى الثانية سنة 1326 ﻫ، وعلى ظهره تقريظ اُستاذه السيِّد مُحَمَّد كاظم اليزدي ، وأول التقريظ : (نحمدك اللهمَّ على ما منحت به العلماء من حفظ شرائع الإسلام ، ورفعت قدرهم من بين الأنام ؛ لشرحهم ما فيه نجاة العباد ، وبيانهم قواعد الأحكام ، ونصلّي ونسلّم على مُحَمَّد وآله الكرام ...) ، وذكر المؤلف أنه لم يتم له (كان المصلّي) ، وفرغ من المجلد الثاني في 24 ربيع الأول سنة 1329 ﻫ، غير مطبوع (1).
2 - أسرار العارفين في شرح كلام مولانا أمير المؤمنين عليه السلام : وهو الدعاء المرويُّ عنه ، المشهور بدعاء كميل بن زياد رضي الله عنه ، فرغ من تأليفه سنة 1330 ﻫ.
أ - المكتبة المرتضوية ، النجف الأشرف ، سنة 1342 ﻫ، طبعة حجرية ، الحجم وزيري ، 154 صفحة (2).
ب - تحقيق فارس حسون كريم ، فدك لإحياء التراث ، قم المقدَّسة ، سنة 1428 ﻫ، الحجم وزيري ، 498 صفحة.
ج - تحقيق الشيخ عبد الرحمن الربيعي ، ضمن منشورات مركز تراث السيِّد بحر العلوم قدس سره رقم (1) ، قم المقدَّسة ، سنة 1430 ﻫ، حجم وزيري ، 462 صفحة.
د - تحقيق السيِّد علي الخراساني ، المكتبة الحيدرية ، قم المقدَّسة ، 1430 ﻫ، الحجم وزيري ، 896 صفحة ، دون التعريف بالمؤلف.
ص: 22
والطبعات الثلاث الأخيرة حُقّقت على الطبعة الأولى من الكتاب دون النسخة الخطّية.
وتوجد منه نسخة خطّية في مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في النجف الأشرف ، وهي برقم (101 / 2) ، الحديث والدعاء تسلسل 2909 ، والنسخة مختومة بختم المكتبة بعدد 2909 وتاريخه 1 / 3 / 1388 ﻫ، الناسخ : السيِّد مُحَمَّد صادق آل بحر العلوم رحمه الله ، تأريخ النسخ : في شهر جمادى الأُولى سنة 1341 ﻫ، والنسخة استنسخت على نسخة المصنّف ، ومن ثمَّ قوبلت بتمام بذل الجهد والطاقة ، وكتب الناسخ في أولها ما نصّه :
بسم الله الرحمن الرحيم ، هديَّتي لمكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام رمزً للولاء والإخلاص له عليه السلام ، 24 صفر سنة 1387 ﻫ، كتبه مُحَمَّد صادق آل بحر العلوم :
إنّ ما أهديتُهُ رمزُ الوِلا *** لعليٍّ مَن فِداهُ العالَمونْ
راجياً يشفَعُ لي مِنْ فَضلِهِ *** يَوْمِ لا ينفَعُ مالٌ وبَنونْ
مُحَمَّد صادق آل بحر العلوم ، توقيعه مع صورة شخصية له (1).
1. تحفة الطالب في حكم اللّحية والشارب ، فرغ منه سنة 1344 ﻫ، وكان اسمه قبل الطبع (منية الطالب في حكم حلق اللحية والشارب) ، رتَّبه على مقدِّمة وأبواب وخاتمة (2) ، كما ورد باسم (بغية الطالب) في مقدِّمة الفوائد الرجالية ،
ص: 23
ومعجم رجال الفكر والأدب في النجف (1) ، وذكر الشيخ الطهراني أنه ترجمه للفارسية وطُبع في النجف الأشرف أيضاً (2).
1 - في النجف الأشرف سنة 1347 ﻫ، حجم الثمن ، 100 صفحة (3).
2 - تحقيق الشيخ مُحَمَّد الباقري ، ضمن منشورات مركز تراث السيِّد بحر العلوم قدس سره رقم (4) ، حجم وزيري ، 171 صفحة ، سنة 1430 ﻫ.
3 - تحفة العالم في شرح خطبة المعالم ، الكتاب الذي بين يديك ، يأتي الحديث عنه لاحقاً.
4 - كشكول ، حاوٍ لعامّة المعارف ، وهو من التحف النادرة ، غير مطبوع (5).
وغيرهما من المؤلَّفات الجليلة والرسائل النفيسة ، لا تزال مخطوطة (6).
استنسخ كتاب (الفوائد الغروية والدرر النجفية) للمولى الشريف أبي الحسن الفتوني العاملي (ت 1138 ﻫ) عن نسخة الأصل التي بخط مؤلّفه رحمه الله ، والموجودة في بيت آل الجواهر في النجف الأشرف (7).
ص: 24
امتازت أُسرة المؤلّف رحمه الله باهتمامها بالكتب والمكتبات إلى يومنا هذا ، ولنا شواهد كثيرة في ذلك يطول سردها ، ونكتفي بما قاله عنهم وعن مكتباتهم فيليب دي طرازي عند تعداده لمكتبات النجف الأشرف ؛ إذ قال ما نصّه : (لأصحاب هذه المكتبات مكانة أدبية تدل عليها كنيتهم (آل بحر العلوم) ، فقد قام منهم فقها ومحدَّثون وشعراء ولغويون عززوا المعارف ما بين أبناء الشيعة في تلك الأرجاء ، وتفرَّدوا خصوصاً بجمعهم مخطوطات قديمة ذات فوائد أدبية أو قيمة أثرية) (1). (2)
ولقد قمت بجمع معلومات من هنا وهناك ، عن هذه المكتبة فصارت موضوعاً يستغني به الباحث عنها ، وفصلتها بين يديك مع جمعٍ لأقوال بعض المعاصرين لمؤسِّسها ، وغيرهم في حقها وعن تاريخها وعن بعض ما تحتويه من نسخ ، فدونكها :
ص: 25
أوّلاً - الشيخ أقا بزرك الطهراني رحمه الله (ت 1389 ﻫ) ، قال ما نصّه : (وله مكتبة جليلة فيها جملة من المخطوطات والنفائس من آثار العلماء وخطوطهم) (1).
ثانياً - الشيخ جعفر محبوبة (1377 ﻫ) ، قال ما نصّه : (مكتبة جامعة لكثير من الكتب المطبوعة وفيها بعض المخطوطات ومن نفائس الأسفار ما لا يستهان به ، وهي أقل عدداً مما تقدَّم (2) ، وقد جمع فيها من كتب العلّامة السيِّد مُحَمَّد آل بحر العلوم (3) أنفسها ، ومن سائر مكتبات النجف وغيرها ولا يزال يجهد بماله وبدنه في اقتنائها ، ومن محتوياتها ... (4) ، وهذه المكتبة أخذت بازدياد متوالٍ ، فإنَّ ولده السيِّد هاشم مجد في شراء الكتب بأنواعها وتحصيلها) (5).
ثالثاً - العلّامة السيِّد مُحَمَّد صادق آل بحر العلوم رحمه الله (ت 1399 ﻫ) ، قال ما نصّه : (وكانت عنده مكتبة ضخمة من أجمع وأنفس مكتبات العراق - يومئذ - من حيث اشتمالها على نفائس المخطوطات ، وأضافها ولده المرحوم فضيلة السيِّد هاشم
ص: 26
بحر العلوم ، فجاءت كأعظم وأفخم مكتبة يمكن الاستفادة منها. وهي موجودة حتّى اليوم) (1).
رابعاً - الأُستاذ جعفر الخليلي (ت 1985 م) ، قال ما نصّه : (وهذه مكتبة اُخرى من مكتبات النجف الخاصة المنسوبة لآل بحر العلوم ، وقد جمعها السيِّد جعفر ممّا استطاع أن يحصل عليه من كتب المتقدِّمين ، وممّا اشتراه من المزاد ، وقد ساعده على اتّساع مكتبته ما هو فيه من سعة العيش والرفاه ، حتى استطاع أن يضمَّ إلى مكتبته عيون الكتب القديمة والحديثة ، وقد أصبحت له خبرة بالكتب النفيسة ، فكان يحرص على الاحتفاظ بها ... (2) ، وكانت مكتبة السيِّد جعفر تعتبر رابع مكتبة مهمة في وقتها بعد مكتبتي آل كاشف الغطاء والشيخ مُحَمَّد السماوي (3) ، وقد تأسَّست في الثلث الأول من القرن الرابع عشر ، ثُمَّ صارت في حوزة ابنه السيِّد هاشم بحر العلوم بعد أبيه) (4).
خامساً - الدكتور مُحَمَّد هادي الأميني ، قال ما نصّه : ( ... وكانت لديه مكتبة ضخمة فخمة فيها نفائس المخطوطات) (5).
سادساً - الأُستاذ الشهيد عبد الرحيم مُحَمَّد علي ، قال ما نصّه : (مكتبة احتوت على المطبوع والمخطوط لكثير من الكتب النادرة ، كانت من محتوياتها أجلّ كتب
ص: 27
مكتبة السيِّد مُحَمَّد بحر العلوم ، ومن سائر مكتبات النجف الأشرف ممّا حصل عليه بالمزاد العلني ، كما كانت - في حينه - تعتبر رابع مكتبة في النجف بعد مكتبتي آل كاشف الغطاء والشيخ مُحَمَّد السماوي ، وهذه السعة في المكتبة - مع الجودة - راجعة إلى خبرة السيِّد المذكور بالكتب المخطوطة مع سعة ذات يده ، وانتقلت بعد وفاته إلى ولده السيِّد هاشم) (1).
سابعاً - السيِّد فاضل نجل السيِّد مُحَمَّد باقر آل بحر العلوم حفظه الله (2) ، قال ما نصّه : (كان رحمه الله إضافةً إلى مقاميه العلمي والأخلاقي الشامخين ، ذا هواية ورغبة باقتناء الكتب المخطوطة والمطبوعة النادرة ، لهذا فقد كانت له مكتبة ضخمة قيّمة من أنفس مكتبات العراق يومئذ ، وهي بالواقع في بدايتها كانت من متبقيات كتب جدّه صاحب البرهان رحمه الله التي انتقلت إليه ، إضافة لبعض الكتب التي اشتراها من السيِّد مُحَمَّد صاحب البلغة ، ثم أضاف إليها رحمه الله ما أضاف وجعلها نموذجاً رائعاً للمكتبات ، وقد ذكرت في العديد من الكتب والمجلّات ، أذكر منها كتاب (تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر) لجرجي زيدان (3) ، وكتاب (ماضي النجف وحاضرها) للشيخ جعفر محبوبة الذي وصفها في الجزء الأول من كتابه المذكور ،
ص: 28
بأنها جامعة لكثير من الكتب المطبوعة وفيها بعض المخطوطات ومن نفائس الأسفار ما لا يستهان به) (1).
ثامناً - مُحَمَّد علي التميمي رحمه الله ، قال ما نصّه : (وله مكتبة شهيرة فيها من نفائس الكتب الخطّية والمطبوعة ، واشتغل في تأسيسها منذ أيام تحصيله ودراسته أطال الله بقاه وحفظه ذخرا) (2).
وتاريخها على ما عثرت عليه من معلومات ينقسم إلى أربع مراحل ، هي :
المرحلة الأُولى :
وهي مرحلة التأسيس من قبل صاحبها المولود سنة (1289 ﻫ) ، وحدد هذه الفترة الأُستاذ جعفر الخليلي في الثلث الأول من القرن الرابع عشر الهجري ، وكانت تحتوي على مخطوطات نفيسة سوف يأتي سرد بعضها ، وذلك من خلال ما حصلت عليه من بطون الكتب كأمثال : الذريعة ، وذيل كشف الظنون ، وماضي النجف وحاضرها ، وبلغ ما عثرت عليه (54) نسخة (3).
المرحلة الثانية :
هي انتقالها بالإرث بعد وفاة صاحبها الذي توفي يوم الإثنين خامس ربيع الأول سنة 1377 ﻫ إلى مكتبة ولده الأكبر السيِّد هاشم (ت 1379 ﻫ) التي أسَّسها
ص: 29
في حياة والده السيِّد جعفر بحسب ما ذكره المرحوم الخليلي ؛ إذ قال - بعد ما أفرد لها عنواناً خاصاً باسم مكتبة السيِّد هاشم بحر العلوم - ما نصّه : (تأسَّست مكتبة السيِّد هاشم بحر العلوم في حياة أبيه السيِّد جعفر ، وبدأت هواية جمع الكتب تظهر فيه قبل منتصف القرن الرابع عشر ، وقد أضاف إلى كتب أبيه طائفة من المخطوطات النادرة ، وقد عرف في الأوساط بهذه النزعة فراح يعرض عليه الوارثون ما يرثونه من المخطوطات ، وقد صار حضور السيِّد هاشم (المزاد العلني) من كل أسبوع من قبيل الفروض الواجبة ، والذي مكّنه من الحصول على نفائس هو ما كان يسخو به من المال ، فقد كان في يسر وسعة أكثر من غيره من الهواة ...) (1).
وقال السيِّد مُحَمَّد صادق آل بحر العلوم رحمه الله (ت1399 ﻫ) ، عند ترجمة السيِّد هاشم ، ما نصّه : (وانشغل عن مواصلة تحصيله لعدّة اُمور ، لعلَّ أهمها : أنه صار ذا هواية وولع في جمع الكتب وانتقاء المخطوطات ، حتى كانت مكتبته في الأواخر - من أهم المكتبات في النجف الأشرف من حيث احتواؤها على مختلف الكتب المطبوعة ونفائس المخطوطات ؛ لأنه ورث مكتبة أبيه الحجّة السيِّد جعفر - وهي من عيون مكتبات النجف يومئذ - وأخذ يضيف عليها من حيث العدد والكيف ، حتى أصبحت تقصد من عامة أنحاء العراق وكتب عنها في مختلف الصحف والمجلّات العراقية) (2).
وقال الأُستاذ الشهيد عبد الرحيم مُحَمَّد علي ، ما نصّه : (مكتبة قيِّمة جداً فهي قد احتوت بالإضافة إلى مكتبة السيِّد جعفر على الكثير ممّا أضافه عليها السيِّد هاشم ، وكان ذوّاقاً خبيراً بالمخطوطات ، وكان لا يترك الحضور بالمزاد العلني لشراء أنفس
ص: 30
ما يعرض عليه الوارثون ما يرثونه من الكتب ، وقد أوقف السيِّد المذكور مكتبته ، إلا أننا لا نعرف ما آلا إليه هذه الثروة القيمة بعد أن حفظت في علب التنك ، ولا ندري ما هي حصة الأرضة من هذه الأعلاق النفيسة) (1).
وقال مُحَمَّد علي التميمي رحمه الله ، ما نصّه : (وللمومى إليه [السيِّد هاشم] مكتبة عامرة من المخطوطات النفيسة والمطبوعات النادرة الوجود ، وقد تعب عليها كثيراً ولاقى المصاعب في جمعها) (2).
وقال الدكتور حسن الحكيم ، ما نصّه : (كان السيِّد هاشم ابن السيِّد جعفر بحر العلوم جمّاعاً للكتب في حياة أبيه ، وأضاف لمكتبته مجموعة من المخطوطات النادرة بعد وفاة أبيه ، وقدرت كتبه بنحو أربعة آلاف كتاب ، جمع قسماً منها من المزاد العلني لبيع الكتب ، وضمَّت المكتبة مخطوطات قديمة ونفيسة) (3).
وقال حفيده السيِّد فاضل نجل السيِّد مُحَمَّد باقر آل بحر العلوم حفظه الله ، ما نصّه : (وقد انتقلت بعد وفاته إلى ولده الأكبر سماحة العلّامة المغفور له السيِّد هاشم بحر العلوم ، وكان هو الآخر من هواة العلم وطلاب المعرفة ومن المولعين باقتناء الكتب لا سيّما المطبوعات النادرة والتاريخية التي قلّ نظيرها ، فأضاف إلى مكتبة أبيه ما صيّر المجموع من أعظم مكتبات العراق في ذلك الوقت ، وبعد وفاة السيِّد هاشم المذكور تبعثر تاريخ المكتبة أدراج الظروف والملابسات والإهمال) (4).
ص: 31
أقول : فصارت تحمل اسماً آخر باسم ولده السيِّد هاشم ، وسمعت من السيِّد فاضل آل بحر العلوم - حفظه الله - أنَّ للأخ الدكتور مُحَمَّد جواد الطريحي فهرساً جامعاً لها نأمل منه أن يقدِّمه للنشر ، ويقع مكان المكتبة - مكتبة السيِّد هاشم - في شارع الطوسي في أصل داره التي أوقفها أيضاً ، والواقعة في محلّة العمارة ، وقد حدثني السيِّد إسماعيل السيِّد حبيب الخرسان الذي توفي عن عمر يناهز التسعين سنة 1430 ﻫ أن هذه الدار هي دار الفقيه الشيخ جعفر الشوشتري (ت 1303 ﻫ) صاحب كتاب الخصائص الحسينية ، وهي اليوم وللأسف خربة ، هيَّأ الله لها من يحيبها وأهلها من السادات الأنجاب.
كما حدَّثني الشيخ شريف - نجل الشيخ مُحَمَّد الحسين آل كاشف الغطاء - عن اهتمام السيِّد هاشم رحمه الله بالمكتبة والسعي في جمع كتبها أكثر من مرّة ، ثم أوقفها في حياته بوقفية خاصة رأيت مصوَّرتَها عند سماحة السيِّد فاضل آل بحر العلوم حفظه الله والذي يجدُّ في إحيائها ولملمتها ، وختم رحمه الله على كتبها على ما وجدته في بعض نسخها بختم مثلث سجعه : (قد وقفت هذا الكتاب هاشم جعفر آل بحر العلوم في مقبرتي على الطالبين للعلم ، على أن لا يخرج منها ، ومن أخرجه منها عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).
ص: 32
المرحلة الثالثة :
وهي بعد وفاة السيِّد هاشم رحمه الله ، تمثلت بجردها من قبل لجنة منتدبة ، وحبسها بسبب الظروف العصيبة التي مر بها العراق ، قال الأُستاذ الخليلي ما نصّه : ( ... وعلى أنَّ مجموع كتب مكتبته ليس كبيراً ، ولكنَّها تضم نسخاً نادرة ذات قيمة وهي تبلغ نحو (4000) كتاب حسب الجرد الذي قامت به لجنة منتدبة بعد وفاته ، وقد أخرج السيِّد هاشم هذه المكتبة من حوزة الملكية الخاصة ، ووقفها للجميع ، ولكنَّها لم تزل لليوم وهي في بيته محبوسة لم ير وجهها النور على الرغم من كونها وفقاً للجميع ، إذ لم يتيسر لزوجته أن تخرجها للناس بعد) (1).
المرحلة الرابعة :
والتي تمثلت بتفرق المكتبة أيدي سبأ بين موضع وآخر بخلاف وقفيتها التي تظهر في ختم الكتب ، وذلك بسبب الظروف العصيبة التي مرَّت على أرض العراق من جراء تحكُّم الجبابرة الطغاة علينا ، وإهمال المكتبة من الورثة والآل ، وغيرها من الأسباب التي يطول سردها هنا.
قال العلامة السيِّد مُحَمَّد صادق آل بحر العلوم رحمه الله (ت 1399 ﻫ) ، ما نصّه : ( ... ولكنّه - ويا للأسف - أصبحت بعد وفاته ضحية العواطف والأهواء لا ينتفع بها ، ولا يمكن أن يطَّلع عليها أيُّ إنسان ، مبعثرة غير منظَّمة) (2).
ص: 33
فقسم منها - من المخطوطات - انضم إلى حرم أمير المؤمنين عليه السلام ، ومن المحتمل أن السبب في ذلك هو السيِّد حسين الرفيعي كليدار حرم أمير المؤمنين عليه السلام - حينئذ - إذ تنتسب إليه زوجة صاحب المكتبة فهي ابنة السيِّد حبيب الرفيعي ، وهو الأكبر منها ، ومن ثم انتقل إلى دار صدّام للمخطوطات في بغداد لأسباب غامضة ولسنوات عديدة تجاوزت الثلاثين عاماً (حدود 1400 - 1430 ﻫ) ، وقد انتقل الكثير من مكتبات النجف الأشرف إلى ذلك المحل حينها بالغصب والشراء ، ثم أُعيد بعد سقوط الطاغية وبالتحديد في أواخر سنة 1431 ﻫ من قبل إدارة الحرم الجديدة ؛ وذلك لكون الأخيرة تملك بعض الوثائق التي تعطيها حق المطالبة بها بعد أخذها من الحرم العلوي المطهَّر ، وهناك من حدّثني أن هذا القسم ينوف على الخمسمائة نسخة خطية أو أكثر.
وقسم آخر منها ذهب إلى مكتبة مرجع الطائفة في حينها السيِّد أبي القاسم الخوئي قدس سره وبعد أن أوكل الأمر إليّ في جمع النسخ المتبقية من المكتبة والموجودة في مكتبة الإمام كاشف الغطاء العامة من قبل السيِّد فاضل آل بحر العلوم والسيِّد جواد الخوئي حفظهما الله وجدت فيها ست نسخ فقط لا غيرها ؛ وذلك لكون المكتبة الأخيرة تعرضت في سنة 1991 م إلى اعتداء آثم لا يغتفر في حقّ التراث الإسلامي ، وقد أنقذ المتبقي منها سماحة الشيخ شريف آل كاشف الغطاء وحفظه عنده في مكتبته ، وكم له من أمثال ذلك من مواقف نبيلة سجلها له التاريخ ، وكما سمعت أن قسماً آخر منها صار في مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام ، وقسماً آخر منها أيضاً صار في مكتبة جامعة النجف الدينية ،
ص: 34
ونأمل بعد هذا التفرق السعي في جمعها وإعادتها لمكانتها في مكانها الأصيل بعد إصلاحه وذلك بهمة الغيارى من المؤمنين.
حصلت عليه من بطون الكتب أمثال : الذريعة ، وذيل كشف الظنون ، وماضي النجف وحاضرها ، ورتّبته بحسب الحروف الألفبائية مع ذكر المصدر ، وبلغ ما عثرت عليه (55) نسخة ، علماً أن هنالك قسماً صرحت المصادر بأنه من نسخ مكتبة السيِّد جعفر آل بحر العلوم رحمه الله لم أذكره خوف الإطالة :
1 - أصحاب الإجماع : للسيد الحسن بن أبي طالب الطباطبائي المتوفى بكازرون سنة (1168 ﻫ أو سنة 1167) ، ذكره الشيخ عبد النبي القزويني في تتميم الأمل بعنوان (مقالة في أصحاب الإجماع) (1).
2 - اُصول الفقه : للسيد رضا ابن آية الله بحر العلوم (ت 1253 ﻫ) ، مجلد بخطه فيه مباحث متفرقة (2).
3 - الإفادة السَّنية في مهم الصلوات اليومية : للشيخ علي بن أبي جامع العاملي ، فرغ منه في 18 شعبان عام 1106 ﻫ، قال فيه : (لخَّصتها تسهيلا على الطلاب ورتَّبتها على ثلاثة أبواب ، وعلى ظهره إجازة المصنف بخطه لكاتبه الشيخ جعفر بن عبد الله الذي كتبه في سنة التأليف ، وقرأه على المصنف قراءة يحث
ص: 35
وتحقيق وتدقيق في مجالس آخرها ضحوة نهار الأحد الثالث والعشرين من المحرم سنة 1107 ﻫ، وعليه حواش كثيرة من المؤلّف) (1).
4 - الأعلام اللامعة في شرح الجامعة : أي الزيارة الجامعة الكبيرة لجدِّ سيدنا بحر العلوم ، وهو السيِّد مُحَمَّد بن عبد الكريم الطباطبائي البروجردي المتوفّى بها حدود سنة 1160 ﻫ (2).
5 - تاريخ الأئمة عليهم السلام = رسالة في مواليد النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام وأولادهم وزوجاتهم ، وتواريخ مواليدهم ووفياتهم ومحل دفنهم ، وغير ذلك. للسيد مُحَمَّد الطباطبائي (ت حدود 1160 ﻫ) ، فرغ منها سنة 1126 ﻫ (3).
6 - تتميم أمل الآمل : للشيخ عبد النبي القزويني (ت 1200 ﻫ) ، بخطّه ، وعلى ظهرها تقريظ آية الله بحر العلوم ، ويظهر أنّها المسوّدة (4).
7 - تحفة الأحباب : للحاج عيسى بن حسين علي كبّة البغدادي ، ألّفه تكملة لكتابه (تحفة الطلاب) في المواعظ والنصائح من الأحاديث الشريفة وكلمات الحكماء والعرفاء والعلماء ، مرتَّب على مقدَّمة وأبواب وخاتمة ، قرَّظه الشيخ مُحَمَّد خضر النجف تقريظا لطيفاً ، قال في تأريخه : (نِلْنا الَهنا في تُحفَةِ الأحبابِ) وهو يوافق سنة (1241 ﻫ) (5).
ص: 36
8 - تحفة الغري : في تحقيق معنى الإيمان والإسلام للسيد مُحَمَّد بن عبد الكريم الطباطبائي البروجردي جدِّ آية الله بحر العلوم ، مرتَّب على مقدَّمة ومقالات وخاتمة ، فرغ منه يوم الأربعاء سابع شهر رمضان المبارك سنة 1126 ﻫ (1).
9 - التقية : للشيخ المحقٌّ علي بن عبد العالي الكركي (ت 940 ﻫ) مختصر ، تأريخ بعضها (1100 ﻫ) (2).
10 - الحاشية على أربعين الشيخ البهائي : للسيد عبد الله بن نور الدين ابن المحدِّث الجزائري (ت 1173 ﻫ) ، أكبر من الأربعين بثلاث مرات (3).
11 - الحاشية على حاشية تهذيب المنطق : للمولى عبد الرزاق اللاهجي (ت 1051 ﻫ) مختصرة تقرب من أربعة آلاف وخمسمائة بيت مع أنها بلغت إلى قوله : (ولا عكس للممكنتين) تأريخ كتابة النسخة (1246 ﻫ) وهي مغلوطة (4).
12 - الحاشية على شرائع الإسلام : للسيد مُحَمَّد مهدي بحر العلوم البروجردي (ت 1212 ﻫ) ، من أول الطهارة إلى آخر مشكوك الصلاة ، تقرب من ثلاثة آلاف بيت (5).
ص: 37
13 - دفع إشكال ضلال أحد الشاهدين : في الآية : ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ...﴾ إلى قوله : ﴿إِحْدَاهُمَا﴾ (1) ، وبيان المراد من ضلال أحدهما. للسيد مُحَمَّد بن عبد الكريم الطباطبائي البروجردي (ت قبل 1168 ﻫ) ، اشتراها من كتب الخوانساري (2).
14 - دفع المناواة عن التفضيل والمساواة : في بيان شأن علي أمير المؤمنين عليه السلام بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وبالنسبة إلى سائر أهل البيت عليهم السلام ، ونسبة بعضهم مع بعض ونسبتهم إلى الأنبياء عليهم السلام ، للسيد حسين المجتهد المفتي ابن حسن بن أبي جعفر مُحَمَّد الموسوي العاملي الكركي نزيل أردبيل ، والمتوفّى بالطاعون (1001 ﻫ) ، وقد كتبه باسم السلطان أبي المظفر الشاه طهماسب الصفوي ، وفرغ منه في (4 - ع 1 - 959 ﻫ) كما في نسخة عصر المؤلّف ، وهي بخط المولى مُحَمَّد بن علي البيوني ، فرغ من الكتابة في أواخر ربيع الثاني (962 ﻫ) ، أي : بعد التأليف بثلاث سنوات ، ولعل الكاتب كان من تلاميذ المؤلف (3).
15 - ديوان السيِّد حسين ابن السيِّد رضا ابن السيِّد مهدي بحر العلوم الطباطبائي (ت 1306 ﻫ) ، مرتَّب على فصلين أولهما في المدائح والمرائي للمعصومين عليهم السلام وفيه تخميس الاثني عشريات لجده بحر العلوم. وثانيهما في
ص: 38
مراثي بعض العلماء مثل شيخه صاحب الجواهر ، والشيخ عباس ابن المولى علي البغدادي تلميذ صاحب الجواهر ، وغيرهما (1).
16 - رجال الشيخ عبد اللطيف : ابن الشيخ نور الدين علي ابن الشيخ الفقيه شهاب الدين أحمد بن أبي جامع الحارثي الهمداني الشامي العاملي تلميذ البهائي وصاحب المعالم والمدارك وغيرهم ، اقتصر في كتابه على رجال الكتب الأربعة ... ، نسخة في آخرها رسالة الشيخ عبد اللطيف في تقليد الميّت ، وتعرض فيها للرد على اُستاذه صاحب المعالم (2).
17 - الرد على الأشعري : الذي اعترض على بعض تصانيف الأصحاب ، فكتب بعض الفضلاء المتأخّرين ردّاً على الأشعري المعترض ، وانتصر فيه لصاحب التصنيف ، ورتَّب كتابه على ثلاثة عناوين (3).
18 - رسالة في تخليل الأسنان في ليالي شهر رمضان : للشيخ البهائي (ت 1031 ﻫ). مختصرة تقرب من سبعين بيتاً (4).
19 - رسالة في صلاة الجمعة ووجوبها التخييري ، وأنَّها أفضل الإفراد ، ويتعيَّن الوجوب مع الفقيه الجامع للشرائط : للشيخ نور الدين علي بن الحسين بن
ص: 39
عبد العالي الكركي (ت 940 ﻫ) ، رتبها على ثلاثة أبواب : الأول في المقدِّمات وهي ثلاثة ، والثاني في نقل الأقوال ، والثالث في اشتراط الفقيه (1).
20 - رسالة في عدم صعود جثّة الإمام إلى السماء من بعد ثلاثة أيام : للسيد الأمير محمود بن فتح الله الحسيني ، كان معاصراً للشيخ الحرّ ، أثبت فيها وجود جثّة الأنبياء والأوصياء في قبورهم ، وأجاب عن الخبرين الدالّين على الصعود بعد ثلاثة أيام (2).
21 - رسالة في فضل مسجد الكوفة والصلاة فيه : وفوائد أُخرى ، للسيد مُحَمَّد بن عبد الكريم البروجردي الطباطبائي (ت قبل 1168 ﻫ) (3).
22 - رسالة في معنى (ويكفي الغسل للجمعة كما يكون للزواج الطراد) في من لا يحضره الفقيه : الظاهر فيه أنه من كلام الإمام عليه السلام ، للشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي ، المتوفى (1121 ﻫ) (4).
23 - رسالة في منجزات المريض : للسيد علي الحائري صاحب (رياض المسائل) (ت 1231 ﻫ) ، ذكرها تلميذه الشيخ أبو علي في رجاله (5).
24 - الرياض الأزهرية في شرح النكت الفخرية : للشيخ صفي الدين بن فخر الدين الطريحي ، وأصله لوالده في شرح الاثني عشرية لصاحب (المعالم) (6).
ص: 40
25 - زبدة الأسرار : في الحكمة. للسيد عبد الله الحسيني في ثلاثة آلاف بيت (1).
26 - زواهر الحكم الزاهر نجومها في غياهب الظلم : في الحكمة ، للميرزا حسن ابن المولى عبد الرزاق اللاهجي (ت 1121 ﻫ) ، مرتّب على مقدمة فيها ثلاثة مقاصد في تعريف الحكمة وموضوعها وأقسامها في مقدمة وثلاثة أبواب ، تأريخ كتابتها 1124 ﻫ وعليها حواش بإمضاء السيِّد محمد (2).
27 - سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد : للشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق (ت 1186 ﻫ) (3).
28 - شرح ألفية الشهيد : للمحقق الكركي الشيخ نور الدين أبي الحسن علي بن الحسين بن عبد العالي الكركي (ت 940 ﻫ) ، وهو موجود في مجموعة من رسائله عند السيِّد جعفر بان السيِّد باقر بحر العلوم في النجف الأشرف ، لكنَّه ناقص (4).
29 - الصحيفة السجادية : للإمام علي بن الحسين عليه السلام ، أوقفها حسن خان الفيلي ، قطع وزيري ، أهداها له جدّه السيِّد علي آل بحر العلوم صاحب البرهان القاطع ، ذكرها الأخير في وصية له ، رأيتها مخطوطة.
ص: 41
30 - العجالة الموجزة : في فروض الناسك التي لا يعذر في الجهل بجهالتها ناسك ، للسيد مُحَمَّد مهدي بحر العلوم الطباطبائي (ت 1212 ﻫ) أوله : [الحمد لله ما طاف طائف بالمسجد الحرام ... إلى قوله هذه عجالة موجزة ...] وهو مرتب على مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة. تأريخ كتابتها 1239 ﻫ، ومعها جواب سؤالات عن بعض مسائل الحج ، أيضا لسيدنا بحر العلوم (1).
31 - العزية : للمحقق الحلي نجم الدين جعفر بن الحسن بن سعيد الهذلي (ت 676 ﻫ) وهي عشر مسائل كتبها لعزّ الدين عبد العزيز. والنسخة مخرومة الآخر عند السيِّد جعفر بن باقر بن علي بحر العلوم صاحب (البرهان) ، والموجود منها إلى المسألة التاسعة في وطء دبر المرأة (2).
32 - الغراء : رسالة في أسرار الصلاة. للشيخ أبي الحسن سليمان بن عبد الله بن علي بن الحسن بن أحمد السراوي الماحوزي (ت 1121 ﻫ) ، رتبها على عشرة فصول ، أولها في الوضوء وعاشرها في التسليم (3).
33 - الفوائد الرجالية : للسيد مُحَمَّد رضا السيِّد مُحَمَّد مهدي بحر العلوم الطباطبائي ، ابتدأ البحث في أصحاب الإجماع ، ثم في حال أبي بصير ، ثم في بيان أن تكويل الأئمة عليهم السلام يفيد المدح ، ثم وجوه الحاجة إلى علم الرجال
ص: 42
وعدمه ، وذكر الخلاف والأقوال البالغة إلى ثمانية في المسألة ، من النفي المطلق والإثبات كذلك والتفاصيل (1).
34 - الفوائد الغروية والدرر النجفية : للمولى الشريف أبي الحسن الفتوني العاملي (ت 1138 ﻫ) ، موجود في النجف في خزانة الشيخ علي ابن الشيخ مُحَمَّد رضا آل كاشف الغطاء ، واستنسخه السيِّد جعفر بن باقر بن علي آل بحر العلوم بخطه عن نسخة الأصل بخط مؤلّفه ، الموجودة في بيت آل الجواهر في النجف (2).
35 - قانون السياسة ودستور الرئاسة : مرتَّب على ثلاثة قوانين : 1 - تهذيب الأخلاق. 2 - تدبير الأموال. 3 - تقويم الرعايا وسياستهم. وبنى كل واحد منها على قاعدتين ، وبيّن فروع كل قاعدة مختصرا على نحو التشجير ، حتى يسهل ضبطها. ألفه باسم سيد أركان الخلافة المعتضدية ، جلال الدين شاه شجاع ، كما يظهر من (روضة الصفا) ، كان حيّاً في (785 ﻫ) (3).
36 - قواعد الشكوك : في شكوك الصلاة ، عناوينه : قاعدة - قاعدة ، للسيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي (ت 1212 ﻫ) في ثلاثمائة بيت (4).
37 - لبُّ التواريخ : فارسي ، للسيد الأمير يحيى بن عبد اللطيف الحسيني القزويني الشيعي بتصريح كشف الظنون (ت 960 ﻫ) ، رتّبه على أقسام أربعة وفيها فصول : أوها في سير النبي صلى الله عليه وآله والأئمة الاثني عشر (5).
ص: 43
38 - اللمعة المحمدية في مدح خير البرية : بديعية ميمية نظير بديعية الصفي الحلي ، لمُحَمَّد بن عبد الحميد بن عبد القادر حكيم زاده ، بالحروف المهملة (1).
39 - مآثر الملوك : لغياث الدين مُحَمَّد بن مُحَمَّد خواند مير البلخي (ت 942 ﻫ) ، فارسي في تاريخ ومآثر الملوك والسلاطين والخلفاء الراشدين والأئمة الطاهرين والوزراء وبعض العلماء والحكماء وذكر مخترعاتهم وآثارهم ، بدأ بملوك العجم (2).
40 - محبوب القلوب : الملمّع بالفارسي نثرا ونظما للمولى الفاضل العارف قطب الدين مُحَمَّد ابن الشيخ علي الشريف ابن المولى عبد الوهاب بن پيله فقيه بالبا الفارسي اللاهجي الأشكوري تلميذ المحقق الداماد ، علق على الكتاب حواشياً نفيسة وتأريخها سنة 1078 ﻫ قريبا من عصر المؤلف (3).
41 - مجمل الحكمة : ترجمة (رسائل إخوان الصفاء) بالاختصار ، لم يعرف المترجم. عليها تملك الشاهزاده فرهاد ميرزا ابن نائب السلطنة عباس ميرزا ابن فتح علي شاه في 1282 ﻫ (4).
ص: 44
42 - المطالب المظفّرية : في شرح ( الرسالة الجعفرية) في فقه الصلاة ، للسيد الأمير مُحَمَّد بن أبي طالب الموسوي الحسيني الأسترآبادي الغروي ، تلميذ المحقق الكركي المصنف للمتن ، بخط عاشور بن حسن ، كتبه 1083 ﻫ (1).
43 - مطلع السعدين ومجمع البحرين : لكمال الدين عبد الرزاق ابن جلال الدين إسحاق السمرقندي (816 - 887 ﻫ) ، وهو تاريخ التيمورية إلى سنة 875 ﻫ في دفترين. أوّلهما من ولادة السلطان أبي سعيد أولجايتو في 704 ﻫ إلى وفاة الامير تيمور الگوركاني في 807 ﻫ والثاني في حكومة شاهرخ في هرات في 807 ﻫ إلى حكومة السلطان حسين في 875 ﻫ (2).
44 - مفتاح أبواب الشريعة في شرح مفاتيح أحكام الشيعة : للسيد مُحَمَّد بن عبد الكريم جد بحر العلوم الطباطبايئ البروجردي ، شرح مزجي لم يتم ، والنسخة بخط المصنّف وخاتم سبطه وحفيده آية الله بحر العلوم وأولاده (3).
45 - مقالة في سجدات القرآن وأحكامها وآدابها : للشيخ البهائي (ت 1031 ﻫ) ، مختصرة تقرب من 40 بيتاً ، مع بعض مقالات أُخر (4).
46 - مقالة فيما لا تتم به الصلاة من الحرير : للشيخ البهائي (ت 1031 ﻫ) (5).
ص: 45
47 - مقالة في وجه التغليب في قوله تعالى : (ما كنا أصحاب السعير) : في سورة الملك ، للشيخ البهائي (ت 1031 ﻫ) ، تعرض فيه لكلام البيضاوي ، ولعله جزء حاشيته على البيضاوي (1).
48 - مناظرة السيِّد مهدي بحر العلوم مع يهودي في ذي الكفل : من إملاء تلميذه السيِّد مُحَمَّد جواد العاملي ، صاحب (مفتاح الكرامة) كما يظهر من آخر كتاب متاجره (2).
49 - منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان : للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني (ت 1011 ﻫ) ، خرجت منه أبواب العبادات إلى آخر الحج ، بخط السيِّد حبيب زوين النجفي ، تلميذ الشيخ جعفر كاشف الغطاء (3).
50 - النية : لنور الدين علي بن عبد العالي الكركي (ت 940 ﻫ) ، مختصرة في خمسين بيتا ضمن مجموعة من رسائله (4).
51 - وجوب الاجتهاد على جميع العباد عند عدم المجتهدين : لنور الدين علي بن عبد العالي الكركي (ت 940 ﻫ) ، والنسخة في مجموعة من رسائله (5).
52 - وجوب الجهر بالتسبيحات في الأخيرتين : أو رجحانه لا أقل ، ردّاً على من حرّمه من الأُصوليين. لمُحَمَّد بن أحمد بن إبراهيم الدرازي البحراني (6).
ص: 46
53 - وجوب الذكر في سجدتي السهو وتعيين الذكر الواجب : لسليمان بن عبد الله الماحوزي (ت 1121 ﻫ) (1).
54 - الوسائل إلى النجاة : أو (الوسائل الحائرية) ؛ لأنّه ألَّفه بالحائر ، أو (وسائل الأُصول) ، أو (الوسائل إلى معرفة أُصول المسائل) للسيد المجاهد مُحَمَّد بن علي الطباطبائي الإصفهاني الحائري (ت 1242 ﻫ) ، وهذا أوصل تصانيفه ... مجلد واحد منه إلى مبحث ترك الاستفصال (2).
55 - الهداية : فقه عملي مقتصرٌ على لبّ الفتوى. خرج منه قسم من الطهارة لسيدنا بحرالعلوم مهدي بن مرتضى بن مُحَمَّد الطباطبائي البروجردي النجفي (ت ﻫ) ، ذكره ميرزا محمود في (المواهب السنيّة) في شرح الدرَّة. قال الشيخ الطهراني رحمه الله : (رأيت النسخة عند حفيده السيِّد جعفر بن باقر بن علي إلى غسل الجنابة وعناوينه : (هداية ... هداية) ، وهو غير (المشكاة) و (المصابيح) اللَّذين له ، ذكر فيه أنه كتبه بالتماس جمع ، وهو في العبادات إلى آخر الحج ، قال السيِّد جعفر بحر العلوم : (وقد شرح الهداية الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، ونسخة الشرح موجودة في مكتبة علي بن مُحَمَّد رضا آل كاشف الغطاء) (3) ) (4).
ص: 47
توفي قدس سره يوم الإثنين 5 ربيع الأول سنة 1377 ﻫ فأثر فقده في الأُفق العلمي تأثيراً بالغاً بحيث عُطّلت لفقده الدروس والأبحاث الخارجية ثلاثة أيام وشيِّع بأفخم تشييع ، ودفن في مقبرة الأُسرة الملاصقة لمسجد الطوسي قدس سره ، وأقيمت له الفواتح العديدة من عامّة طبقات النجفيين (1).
وجدت في كتاب الرحيق المختوم المخطوط رثاءً له نظمه السيِّد مُحَمَّد الحلي النجفي مؤرِّخاً عام وفاته ، وهو :
عَزّ عَلى الإِسلامِ مُذْ *** أَوْدَى الهُمَامَ الأَطهَرُ
لِذَاكَ أرّخْتُ كَمَا *** مَضَى الإِمَامُ جَعْفَرُ
(1377 ﻫ) (2).
الإجازة الكبيرة للمرعشي : 158 رقم 196 ، أسرار العارفين (تحقيق فارس حسون) : 17 - 19 ، أسرار العارفين (تحقيق الربيعي) : 7 - 22 ، الأعلام 2 : 129 ، تحفة الطالب (تحقيق الباقري) : 14 - 28 ، تحفة العالم (ط 2) : أ - د المقدمة ، الدرر البهية (مخطوط) (3) : ضمن ترجمة والده ، علماى معاصر : 417 - 419 رقم 167 ،
ص: 48
فهرس التراث 2 : 422 الفوائد الرجالية 1 : 153 - 155 ، المسلسلات في الإجازات 2 : 143 ، مشهد الإمام 3 : 58 ، مصفّى المقال : 109 ، ماضي النجف وحاضرها 1 : 167 ، معارف الرجال 1 : 182 رقم 81 ، معجم رجال الفكر والأدب في النجف 1 : 214 ، معجم المؤلفين 3 : 145 ، معجم المؤلفين العراقيين 1 : 253 ، المفصل في تاريخ النجف 19 : 325 - 329 ، منار الهدى : 54 رقم 108 ، موسوعة طبقات الفقهاء 14 : 151 رقم 4502 نقباء البشر : 281 رقم 593 ، وغيرها من المصادر الكثيرة (1).
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم
والمعالم : هو مقدمة في اُصول الفقه ، لكتاب (معالم الدين وملاذ المجتهدين) في الفقه ، تأليف الشيخ الجليل جمال الدين أبي منصور الحسن بن زين الدين المعروف بالشهيد الثاني ، المتوفّى (1101 ﻫ) وهو أشهر تصانيفه ، حتى أنه يعرف بصاحب المعالم ، دوَّنت تلك المقدمة مستقلة ، واستمرّت
ص: 49
المدارسة فيها فيما يزيد على مائتي سنة ، وقد عُلّقت عليها في هذه المدة حواش كثيرة مبسوطة ومختصرة (1).
قال الشيخ أقا بزرك الطهراني رحمه الله في كتابه الذريعة : (هو في جزءين أوَّلهما في شرح نفس الخطبة وفيه ذكر تواريخ المعصومين عليهم السلام من الولادة إلى الوفاة ، وذكر مشاهدهم وقبورهم ، وتواريخ المشاهد وما طرأ عليها من العمارة والخراب وساكنيها وغير ذلك ، وذكر أولادهم وتواريخ أحوالهم.
والجزء الثاني في شرح الأحاديث المصدَّر بها كتاب المعالم بعد الخطبة ، وهي تسعة وثلاثون (2) حديثاً في فضل العلم والعلماء ، تكلَّم أوَّلاً في أحوال كل واحد من رجال السند جرحاً وتعديلاً ، ثم بحث في دلالة متنه وما يستفاد منه ، فهو كتاب علمي تاريخي رجالي ، فرغ منه (25 شوال 1343) (3) ، رأيت النسخة بخطه الجيد ثم طُبع في النجف سنة 1355 في مطبعة الغري) (4).
وقال مؤلفه رحمه الله في المقدمة ما نصّه : (وقد أحببت أن أضع على مقدِّمَته التي تُضرب بها الأمثال ، وتلقتها بيد القبول حملة الفضل والكمال ، شرحاً ممّا سمعت فوعيت ، وجمعت فأوعيت من فوائد جمّة ، وقواعد مهمّة ، هي لشاردات المعاني أزمَّة : فلذا تجدني أتعمّد إلى ما يستطرد إليه الكلام من نكتة ، وأتعرض لجملة أذكرها بغتة ، ولم آل جهداً في إحكام اُصول هذا الشرح حسب ما يليق بزماني هذا وتسعه
ص: 50
سنو عمري على قلة أعدادها ، فقد وفقني الله تعالى وله الحمد حتّى اقتبست كلّ ما احتجت إليه في هذا الباب من مظانّه وأخذت من معادنه ، وقد اشتهر في عرف المتأخرين أنَّ علم الأدب عبارة عن النكت والنوادر من الشعر والتواريخ ، وذكر الشيء بالشيء بالاستطراد وبالمناسبة مع مراعاة مقتضى الحال ...).
1 - الشيخ أقا بزرك الطهراني رحمه الله : ( ... وهو كتاب نفيس) (1) ، ( ... كتاب علمي تاريخي رجالي) (2).
2 - الشيخ جعفر محبوبة رحمه الله : ( ... وهو كتاب نفيس استعنا به كثيراً في كتابنا هذا) (3).
3 - العلامة السيِّد مُحَمَّد صادق آل بحر العلوم رحمه الله : ( ... جزءان ضخمان جامعان لكثير من المعلومات والمواضيع القيّمة بحيث لا غناء للباحث والعالم عنها) (4).
4 - الشيخ مُحَمَّد صادق الجعفري رحمه الله : (يقع هذا الشرح لي في جزءين ، وهو بجزأيه غني عن التعريف ، وعُرْفُ المسك يغني عن تعريفه) (5).
ويكفي في مدح الكتاب وأهميته اعتماد جملة من أهل التحقيق عليه ، وليس هنا محلّ سردهم ، كما يكفينا أن سماحة المحقق السيِّد مُحَمَّد مهدي
ص: 51
السيِّد حسن الموسوي الخرسان (دام ظله) اقتبس شذرات منه فيما يتعلّق بأحوال إخوان الإمام موسى بن جعفر وأولاده عليه السلام استدرك فيها على كتاب بحار الأنوار (1) ، وكان تحقيقه لهذا الجزء من البحار في 25 شهر شعبان سنة 1385 في النجف الأشرف (2).
أ - النجف الأشرف ، سنة 1354 ﻫ، مطبعة الغري ، الحجم وزيري ، الجزء الأول 323 ص والثاني 252 ص (3) ، والجزءان في مجلد واحد ، في آخره ست صفحات لجدول الخطأ والصواب ، وكُتب في آخره ما نصّه : (اعتذار ، على الرغم من الجهد في تصحيح الكتاب وقعت فيه أغلاط نبهنا عليها في الجدول مع عدم خلوه بعد من الطفيف من الغلط الغير الخافي ، فالرجاء من القارئ تصحيحه قبل المراجعة). تم طبعه على نفقة عمدة التجار حضرة الحاج عبد الرسول الحاج آخوند علي التاجر المحترم دام عزّه.
وقد رأيت نسخة منها عليها إهداء المؤلّف رحمه الله بخطه إلى مكتبة الإمام كاشف الغطاء العامّة وهي بتسلسل (9 / 1) ، ونصّ ما كتبه : (بسمه تعالى هدية إلى المكتبة الغروية الجعفرية الكاشفية شادها ربّ البرية بمُحَمَّد وآله أهل الجود والعطية. حرّره الأقل جعفر آل بحر العلوم الطباطبائي سنة 1356).
ص: 52
ب - الطبعة الثانية : تقديم الشيخ مُحَمَّد صادق الجعفري ، طبع مكتبة الصادق في طهران ، سنة 1401 ﻫ، أوفسيت على الطبعة الأُولى ، الحجم رقعي ، جزءان في مجلد واحد ، أدخلت عليها تصحيحات الطبعة الأولى.
قبل نحو من ثماني عشرة سنة اقتنيت هذا الكتاب - تحفة العالم - وطالعت جلّه ، وكنت أعجب من موسوعيَّته وغزارة مادته العلمية التاريخية ، وكنت أحدِّث أصحابي عن ذلك أحياناً ، وربما قرأت لهم فصولاً منه وخاصة ما يتعلق بتاريخ النجف الأشرف ، وكانت تؤلمني جداً كثرة الأغلاط التي فيه من جرّاء الطبع ، وأتذكر أنّي ذكرت إعجابي به إلى آية الله السيِّد حسين بن مُحَمَّد تقي آل بحر العلوم رحمه الله (ت 1422 ﻫ) - والذي كان له دور بارز في تربيتنا من طفولتنا إلى شبابنا ، وذلك بالإجابة عن أسئلتنا التي يكتنفها المزاح أحياناً والسؤال عنّا عند غيابنا ، وأحياناً بالشكوى ممّا كان يمر به من الآلام والاضطهاد في تلك الفترة العصيبة الظالمة - فروى لي بعض الشيء مما رآه من المؤلف رحمه الله لمعاصرته له ، وأشار لي عن محل جلوسه في مقبرة آل بحر العلوم ، وأذكر أنه قال لي ما مضمونه : إنه كان من عادة أهل النجف الأشرف أن جنازة العلماء فيهم تمرر في السوق الكبير ، وتعطل لذلك دكاكين السوق ، فأوصى رحمه الله أن لا تمرر جنازته بالسوق لئلا تتأذى الكسبة من جراء ذلك الفعل ، وما ذلك إلا من شدة تواضعه.
وفي شهر رمضان من سنة 1429 ﻫ اقترح عليّ مشكوراً العلامة السيِّد مُحَمَّد علي بحر العلوم دام عزّه تحقيق الكتاب ، فشمرّت عن ساعد الجد وشرعت بالعمل من حينها في مجالس عديدة كنت أعاني فيها عدة أُمور ، منها :
ص: 53
1 - عدم العثور على نسخة خطية للكتاب وهو أمر يزيد في العناء الذي لا يعرفه إلا ذوو الخبرة والاختصاص.
2 - كثرة الأغلاط التي تكتنفها النسخة المطبوعة من الكتاب.
3 - كثرة المصادر المعتمدة فيه ، وخصوصاً أن الكثير منها لم يشر إليها المؤلف رحمه الله.
فصرت اُمنّي النفس بين إكمال العمل وعدمه ، فأسمع من يُحيّيني ويحثني على إكماله ، وبالخصوص المهتمين بالكتاب وتحقيقه من العلماء والفضلاء وأخص بالذكر منهم : سماحة آية الله السيِّد مُحَمَّد رضا الخرسان (دام ظله) ؛ فقد أكَّد عليّ مراراً بذلك وبالخصوص في تحقيق حادثة مرّة بن قيس ، وإظهار أقدم من ذكرها من المؤرّخين (1) ، والعلامة السيِّد حسن نجل السيِّد عز الدين بحر العلوم دام عزه ، كما لا أنسى موقف صاحب المشروع معي سماحة العلامة السيِّد فاضل بحر العلوم دام عزه الذي صبر معي بكل أناة وسعة صدر وكرم نفس وطيب قلب ؛ فحالفني لذلك التوفيق والسعادة في إجابة أمرهم.
ص: 54
وممّا شجعني لإتمامه أيضا عدم تحقيق الكتاب سابقاً (1) ، ومع هذا وذاك كان لابد لي أن أعترف بدوري القاصر في تحقيق الكتاب ؛ إذ إن المهمة صعبة وتحتاج إلى مؤسسة لا لفرد واحد يعيش في ظروف قاسية في بلد مثل العراق ، فأحمد الله على إتمام العمل بالصورة التي يراها القارئ بين يديه ، وأظن أن اعتذاري مقبول بقول القدماء : (الميسور لا يترك بالمعسور).
لعدم عثورنا على النسخة الخطية للكتاب والتي كتبها المؤلف رحمه الله بخطه الجيد كما وصفها الشيخ الطهراني رحمه الله في الذريعة ؛ اعتمادنا على الطبعة الثانية من الكتاب كلونها امتازت بإدخال التصويبات التي كتبت في جدول الخطأ والصواب في آخر الطبعة الأُولى والتي طُبعت في حياة المؤلّف رحمه الله ، كما وجدت نسخة مصححة من الطبعة الأُولى في ممتلكات السيِّد مُحَمَّد صادق بحر العلوم رحمه الله ، صُححت بمباشرة المؤلّف رحمه الله ، وكتب المؤلّف في آخرها ما نصّه : (بلغ مقابلته بحسب الجهد والطاقة من أوله إلى آخره بمباشرة الاقلّ مؤلّفه جعفر آل بحر العلوم عفي عنه سنة 1363 ﻫ) (2) ، فاستفدت من تصحيحاته الزائدة عما موجود في جدول الخطأ والصواب.
ص: 55
اتبعنا في تحقيق الكتاب المنهج الآتي :
1 - اعتمدت الطبعة الثانية من الكتاب وقمت بتنضيدها ومقابلتها.
2 - ضبطت النصّ ، وأثبتُّ ما سقط منه ، كما صحّحت تصحيفاته وأخطاءه - غير القليلة - المطبعية والإملائية ؛ على الطريقة المألوفة وبحسب مصادر الكتاب.
3 - إبراز فقرات مقدِّمة المعالم - أصل الشرح - بالترقيم وتمييزها باللون الغامق ، واحتوى الجزء الأول منه على (62) فقرة ، والثاني على (52) فقرة ، ومجموعهما (114).
4 - تخريج الآيات القرآنيّة وحصرها بين الأقواس المزهّرة.
5 - إرجاع جميع الأحاديث الشريفة والأقوال التي في الأصل إلى مصادرها وإلّا فإلى بعض المصادر المتضمّنة لها ، وربّما استخدمتُ اُسلوب التلفيق بين المصدر والأصل ، مع الإشارة إلى مورد الاختلاف في الهامش.
6 - ما وضعناه بين المعقوفين [ ] إن كان في كلام منقول من مصدرٍ بعينه فهو من ذلك المصدر ، وإلّا فهو من عندنا لضرورةٍ أو لزيادةِ إيضاح.
7 - علّقنا بعض ال تعليقات الضرورية في الهوامش لرفع غموض أو بيان مطلب أو ما شابه ذلك.
8 - وحيث إن الأصل يخلو من وجود أيّ عنوان سوى العنوان الرئيسي للكتاب ، أدخلت العناوين التي في فهرس الكتاب عليه ، عند تقطيعي لنصوصه.
9 - أوضحتُ ما استُبهم من غريب اللغة مع ذكر المصدر.
ص: 56
10 - صرّحت في الهامش بالنصوص التي لم أعثر عليها ، وكذا الكتب التي لم أقف عليها ، وذلك للأمانة العلمية.
عرفاناً بالجميل المسدى إليَّ وإيماناً بالحديث الوارد عن الإمام الرضا عليه السلام : «من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عز وجل» (1).
رأيت أن أشكر من آزرني لتحقيق هذا الكتاب ، فجزاهم الله جميعاً أفضل جزاء المحسنين ، وهم :
أ - سماحة العلّامة السيِّد فاضل آل بحر العلوم دام عزّه ؛ لتبنّي مشروع تحقيق هذا الكتاب ونشره.
ب - سماحة العلّامة السيِّد مُحَمَّد علي آل بحر العلوم دام عزّه ؛ لتشجيعي ومراجعة بعض الكتاب ، والسماح لي بقراءة النسخ الخطية في مكتبة العلمين عند تحقيقي الكتاب.
ج - سماحة العلّامة السيِّد حسن آل بحر العلوم دام عزّه ؛ لتشجيعي وحثّي لإتمام العمل.
د - إدارة المكتبة الحيدرية في الحرم الطهَّر وإدارة مكتبة الإمام الحكيم رحمه الله ، وإدارة مكتبة الإمام مُحَمَّد الحسين آل كاشف الغطاء رحمه الله العامّة في النجف الأشرف ، حيث فتحت الثلاث أبوابها لي - وبعناية خاصّة - ولتزويدي بمصادر التحقيق.
ص: 57
ﻫ - كل من ساهم معي في مقابلة الكتاب ، وأخصُّ بالذكر الأخوين الشيخ رافد الكعبي ، وحسين هادي ونّاس ، وزوجي التي صبرت معي كثيراً.
و - الأُستاذ الأخ علي حبيب العيداني ؛ المصحِّح اللُّغوي للكتاب.
ز - الأخ الأُستاذ عبد العزيز آل عبد العال ؛ لتوفيره بعض مستلزمات العمل.
فإليهم منّي جميعاً أسمى آيات الشكر والعرفان.
وختاماً
ألتمس من إخواني المؤمنين ، ولا سيما أهل البحث والتحقيق ، أن ينبّهوني على ما قد يجدونه من الخطأ غير المقصود ممّا جرى به القلم وزاغ عنه البصر ، فإنّ الإنسان موضع الغلط والنسيان ، والكمال لله والعصمة لأهلها والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات.
وكَتَبَ محقّق الكتاب أحمد علي مجيد الحلّي مولداً
النجفي منشأ ومسكناً ومدفناً إن شاء الله تعالى
في النجف الأشرف في جوار الروضة العلوية المقدَّسة
يوم 15 من شهر ربيع الآخر سنة 1432 ﻫ
ص: 58
بسم الله الرحمن الرحيم
حسن ابتدائي بحمد لله الَّذي شرح صدورنا بمعالم الدين (1) ، ونوّر قلوبنا بأنوار الهداية واليقين ، وأردف علينا فواضل النّعم ، وَعلَّمنا من العلوم ما لم نعلَم ، سبحانه وبحمده أوجدنا بعد أن لم نكن شيئاً مذكورا ، ورزقنا من مشاهدة آياته هدايةً ونورا ، جمع لكسب آدابنا جميع المُعدّات ، وفتح لنا سبل الخيرات ، ثُمَّ الصلاة على أصبح مَن سبق إلى عالم الإيجاد ، وأفصح من نطق بالضاد ، محمّد الَّذي صدع بما اُمرَ من الرسالة ، فأزال عنّا غياهب الجهالة ، وشيّد الأحكام ، وبالغ في الإحكام ، وعلى آله الَّذين حازوا لذّة العلم والعمل ، وانحازوا عن سلوك جادة الزيغ والزلل.
وبعد ، فيقول الغريق في بحر العصيان ، الراجي من رحمة ربِّه صوب الغفران ، جعفر نجل المرحوم السيِّد محمّد باقر آل بحر العلوم الطباطبائي : إنَّ كتاب (معالم الدين وملاذ المجتهدين) الَّذي هو من مصنَّفات الشيخ الفاضل النحرير (2) ، والمحقّق الكامل الَّذي ليس له نظير، حسن ابن الشيخ الشهيد السعيد العلّامة ركن الإسلام والمسلمين زين الملّة والدين العاملي (3) - أحسن الله إليهما -
ص: 59
أجلّ ما ألَّف في الفقه والأُصول ، وأحسن ما جمع فيه بين الدليل والمدلول ، من حيث إيجاز اللفظ وإشباع المعنى ، وتقصير العبارة وإطالة المغزى ، فكم قيَّدَ فيه من الأوابد (1) ما أطلقه المحقّقون ، واقتصّ (2) من الشوارد ما لم يصبه المدقّقون ؛ ولذا تداول سيره في البلاد فتداولوه ، وانتظم في سلك المصاحف المكَرَّمة فتناقلوه ، وتصدّى لكشف غوامضه رجال من أهل العلم شكر الله تعالى سعيهم (3) ، وقد أحببت أن أضع على مقدِّمته التي تُضرب بها الأمثال ، وتلقتها بيد القبول حملة الفضل والكمال ، شرحاً ممَّا سمعت فوعيت ، وجمعت فأوعيت ، من فوائد
ص: 60
جمّة ، وقواعد مهمّة ، هي لشاردات المعاني أزمّة (1) ؛ فلذا تجدني أتعمد إلى ما يستطرد إليه الكلام من نكتة ، وأتعرض لجملة أذكرها بغتة ، ولم آل جهداً في إحكام أُصول هذا الشرح حسب ما يليق بزماني هذا ، وتسعه سنو عمري على قلة أعدادها ، فقد وفقني الله تعالى وله الحمد حَتَّى اقتبست كلّما احتجت إليه في هذا الباب من مظانّه وأخذت من معادنه ، وقد اُشتهر في عرف المتأخّرين أنَّ علم الأدب عبارة عن النكت والنوادر من الشعر والتواريخ ، وذكر الشيء بالشيء بالاستطراد وبالمناسبة مع مراعاة مقتضى الحال ، وإلى ذلك يلمح أبو عبيد حيث يقول : (من أراد أن يكون عالماً فليلزم فنّاً واحداً ، ومن أراد أن يكون أدبياً فليتَّسع في العلوم) (2).
وبالجملة : من أراد العلم لنفسه فالقليل منه يكفيه ، ومن أراده لغيره فحوائج الناس كثيرة. والعمدة في اختياري لهذا المسلك قول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام : «إنَّ هذه القلوب تمل كما تملَّ الأبدان ، فابتغوا لها طرائف الحِكَم» (3).
وهو من إجمام النفس ، وقد جاء فيه كثير :
فعن سلمان الفارسي رضي الله عنه : (أنا أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي) (4).
ص: 61
وقال عمر بن عبد العزيز : (إنَّ نفسي راحلتي ، إن كلفتها فوق طاقتها انقطعت بي).
وقال آخر : (روّحوا الأذهان ، كما تروّحوا الأبدان).
وقال أردشير بن بابك (1) : (إنَّ للآذان مجّة (2) ، وللقلوب مَلّة ففرّقوا بين الحكمتين بلهوٍ ، يكن ذلك استجماما) (3).
وقال الزمخشري في (ربيع الأبرار) : (قصدت بهذا الكتاب إجمام خواطر الناظرين في (الكشّاف عن حقائق التنزيل) ، وترويح قلوبهم المتبعة بإحالة الفكر في استخراج ودائع علمه وخباياه) (4).
ولذا كان كثير من العلماء وأعيان الحكماء ذوي دعابة مقتصدة لا مسرفة ، فإنَّ الإسراف فيها يخرج صاحبه إلى الخلاعة ، ولقد أحسن من قال :
أفِدْ طَبعَك المكدودَ بالجدِّ راحةً *** تُجَمُّ وعلّلْهُ بشيءٍ من المَزحِ
ولكنْ إذا أعطَيتهُ ذاكَ فَلْيكُنْ *** بمقدارِ ما يُعطى الطعامُ مِنَ المِلحِ (5)
ص: 62
وإنَّ النفوس قَدْ يقع لها انصراف عن العلم الواحد ، وملال النظر فيه بسبب مشابهة بعض أجزائه لبعض ، فإذا اطلعت النفس على بعضه قاست ما لم تعلم منه على ما علمت ، ولم يكن الباقي عندها من الغريب لتلتذّ به وتدوم على النظر فيه ، وهذا الملال (1) غير محمود للنفس ، فأحسن علاج لدفع الملال عنها انتقالها من باب إلى باب ، ومن حكمة إلى حكمة ، حَتَّى تلتذ باكتسابها من حيث إنَّ لكلّ جديد لذّة.
فجاء بحمد الله كما توخيت منضوجاً بنار الرويّة ، مردّداً على رواق الفكرة ، متضمناً لعجائب ما كتبته ولطائف ما جمعته ، فهو تذكرة يستصحبه الرجل حيث حَلّ وارتحل ، ويقتدي به في مرحلة العلم والعمل ، وعلى الله المعوّل في تيسير ما أردت ، وله الحمد كلّما قمت أو قعدت ، وسمّيته (تُحفة العالِم في شرح خطبة المعالم).
وهذا أوان الشروع في المقصود.
ص: 63
ص: 64
[1] - قال أجزل الله له الثواب كما ألهمه النُطق بالصّواب : «بسم الله الرحمن الرحيم» (1).
أقول : افتتح الكلام بالبسملة اقتداءً بحديث خير الأنام صلى الله عليه وآله ففي تفسير العسكري عليه السلام عن آبائه ، عن علي عليه السلام : إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله حدَّثني عن الله عزَّ وجلَّ أنَّه قال : «كلّ أمر ذي بال لا يُذكر بسم الله فيه ، فهو أبتر» (2).
وفي (الجعفريات) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «كلّ كتاب لا يُبدأ فيه بذكر الله ، فهو أقطع» (3).
قلت : وحديث الابتداء مرويٌ في التحميد أيضاً كما في (مجمع البحرين) أنَّ في الحديث : «كلّ أمر ذي بال لم يُبدأ بحمد الله فهو أبتر» (4).
ورواه العامّة أيضاً في عامة كتبهم وصحاحهم (5).
وعليه فالجمع بينهما مشكل ، فإنَّ الابتداء بكلّ منهما ينافي الابتداء بالآخر.
وأحسن ما قيل في حَلّ الإشكال : إنَّ الابتداء يُعتبر في العرف ممتداً من حين الأخذ في التصنيف إلى الشروع في المقصود فيقارنه التسمية والتحميد ، بل والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله.
ص: 65
والباء في : «بسم الله» إمّا للملابسة - أي : المصاحبة - بمعنى : مع ، كما في : دخلت عليه بثياب السفر.
وحينئذ فإن جعلنا المتعلق متلبساً المقدّر فالظرف مستقر حال من ضمير ابتداء الكتاب ، وسمّي هذا الظرف مستقراً ؛ لكون متعلّقه عامّاً واجب الحذف كالظرف الواقع خبراً ، أو صفة ، أو صلة ، أو حالاً ، فإنَّ المشهور بين النحويين أنَّ متعلق الظرف في هذه المواضع عام واجب الحذف ؛ لقيام القرينة على تعيُّنه وسد الظرف مسدّه.
فلا يقال : زيد مستقر في الدار وكائن فيها. ولا شاهد له من كلام العرب ، وأمّا قوله تعالى : ﴿فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ﴾ (1) ، فمعناه : ساكناً غير متحرّك ، وليس معناه كائناً وموجوداً ، فليس من الأُمور العامّة حَتَّى يجب حذفه ، وعلى كلّ حال ، فلا يحذف العامل مع الضمير ، بل يجعل الضمير مستقراً في الظرف ، فهو مستقر فيه بالفتح حذف فيه تخفيفاً ، أو لتعلُّقه بالاستقرار العام ، فمعنى كون الظرف مستقراً ، له تعلُّق بالاستقرار كالشمس.
وإن جعلنا المتعلق كتبت من دون تقدير متلبّساً ؛ لإفادة معنى التلبس والمقارنة من الباء من دون تقدير ، فيكون الظرف لغواً ، هذا كلّه بناء على حمل الباء على الملابسة.
وإن جعلناه للاستعانة فالظرف لغو كما في : كتبت بالقلم. لأن المتعلق إمّا الفعل المذكور والباء لإفادة معنى الاستعانة - أي : كتبت باستعانة القلم - أو يُقدَّر
ص: 66
(مستعيناً) في الكلام والباء متعلق به ، وعلى التقديرين فالظرف لغو ، أمّا على الأوّل فظاهر ، وأمّا على الثاني ؛ فلأنَّ الاستعانة ليست من الأفعال العامّة.
هذا ما هو المشهور بين النّحاة في اصطلاح الظرف اللغو والمستقر ، وربّما يُنقل عن السيِّد الشريف أن الظرف المستقر ما استقر فيه عامله ، أي : ما ينساق إليه الذهن من نفس الظرف من غير ذكره عامّاً كان أو خاصّاً ، كقولك : زيد في الدار - أي : حاصل فيها - وزيد على الفرس - أي : راكب عليها - (1).
وكيف كان فكون الباء للمصاحبة أدخل في التعظيم ؛ لأنَّ التبرك باسمه تعالى تأدّب معه وتعظيم ، بخلاف جعله آلة للمقصود ، فإنَّ الآلة غير مقصودة بالذات وإن كان أدل على تمام الانقطاع ؛ لإشعاره بأن الفعل لا يتم بدون اسمه تعالى ، وإضافة الاسم إلى الله دون باقي أسمائه كالخالق والرازق ونحوهما ؛ لأنها معان وصفات فيوهم اختصاص استحقاقه الحمد ، أو التبرك ، أو الاستعانة بوصف دون وصف بخلاف لفظ الجلالة ، فإنه اسم للذات الواجب الوجود الجامع لجميع الخصال والكمال فهو أدلّ على الاستحقاق الذاتي.
ثمَّ إنّ في التبرك بالاسم أو الاستعانة به كمال التعظيم للمسمّى ، فلا يدل على الاتحاد بين الاسم والمسمّى ، بل ربّما دلّت الإضافة على تغايرهما ، فلا وجه لما ذهب إليه العامّة من أنّ أسماءه تعالى عين ذاته بتوهم أنَّ في البسملة دلالة
ص: 67
عليه ، فإنَّ الاستعانة والتبرك بالذات لا باسمه تعالى وهو باطل ظاهر الفساد ؛ لما عرفت ، ولأنّ (ا ل أس د) غير (الأسد) قطعاً فكذا اسم الله تعالى.
ولما روى الشيخ الكليني في الكافي بإسناد حَسن ، عن هشام بن الحكم أنه سأل مولانا الصادق عليه السلام عن أسماء الله واشتقاقها : الله ممَّا هو مشتق؟ قال : «فقال لي : «يا هشام ، الله مشتق من إله والإله يقتضي مألوهاً والاسم غير المسمّى ، فَمَن عبدَ الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً ، ومن عبدَ الاسم والمعنى فقد كفر وعبدَ اثنين ، ومن عبدَ المعنى دون الاسم فذاك التوحيد ، أفهمت يا هشام؟» قال : فقلت : زدني ، قال : «إنَّ لله تسعة وتسعين اسماً ، فلو كان الاسم هو المسمّى لكان كلّ اسم منها إلهاً ، ولكن الله معنى يُدَلُّ عليه بهذه الأسماء وكلّها غيره ، يا هشام ، الخبز اسم للمأكول ، والماء اسم للمشروب ، والثوب اسم للملبوس ، والنار اسم للمحرق ، أفهمت يا هشام فهما تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتَّخذين (1) مع الله تعالى غيره؟» قلت : نعم ، قال : فقال : «نفعك الله به وثبَّتك يا هشام». قال هشام : فو الله ما قهرني أحدٌ في التوحيد حَتَّى قمت مقامي هذا» (2).
بيان : (إِله) بكسر الهمزة على : فعال بمعنى مفعول ، فلمَّا اُدخلت عليه الألف واللام حُذفت الهمزة تخفيفاً ؛ لكثرته في الكلام ، ولو كانتا عوضاً منها لما اجتمعتا
ص: 68
مع المعوّض منه في قولهم : (الإله) ، وإنّما قُطعت الهمزة مع كونها زائدة غير أصلية في النداء مثل : يا ألله ، للزومها تفخيماً لهذا الاسم الشريف (1).
قوله عليه السلام : «والاسم غير المسمّى» يعني : الله المركّب من ألف ولام وهاء ، غير معناه المقصود منه ، وهو دليل على بطلان ما نقلناه عن بعض العامّة وهم الأشاعرة (2) : من أنَّ الاسم عين المسمّى ، ولما أشار عليه السلام إلى أنَّ الاسم غير المسمّى أشار إلى أقسم العبادة وإثبات حقّية واحد منها وإبطال ما عداه بقوله عليه السلام : «فمن عبد الاسم» أي اتخذه معبوداً لنفسه دون المعنى المقصود منه وهو المعبود الحقيقي فقد كفر بالله ؛ إذ جعل ما ليس بربّ ربّا ، «ومن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين» ؛ لجعله ما ليس معبوداً وهو الاسم معبوداً مع المسمّى فهو مشرك بهذا الاعتبار ، «ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد» المطلق الَّذي اعتبر فيه تجرُّده عن جميع ما سواه حَتَّى عن اسمه تعالى ، «فلو كان الاسم هو المسمّى لكان كلّ اسم منه إلهاً» ولزم تعدد الآلهة بتعدد الأسماء وهو باطل ، والملزم مثله «يدل عليه بهذه الأسماء» وكلّها غيره ؛ لأنَّ الدليل غير مدلول قطعاً.
ص: 69
«يا هشام الخبز اسم للمأكول» يعني أنَّ هذه الأسماء تغاير مسمّياتها ، فكذلك الحال في أسمائه تعالى. ومَن قال : هذه الأسماء للخلق لا نزاع في مغايرتها مع المسمّى ، قلنا : إنَّ الفرق تحكُّم وعلى المدَّعي الإثبات.
قوله : «أعداءنا الملحدين» (1) وفي احتجاج الطبرسي «المتخذين» (2) بالذال المعجمة ، وعليه لا يحتاج إلى تضمين معنى الأخذ في الإلحاد.
و (الرحمن) و (الرحيم) : اسمان بنيا للمبالغة من (رحم) كالغضبان من (غضب) ، والعليم من (علم) ، والأوّل أبلغ ؛ لأنَّ زيادة اللفظ تدل على زيادة المعنى ، ومختص به تعالى ، لا لأنَّه من الصفات الغالبة ؛ لأنه يقتضي جواز استعماله في غيره تعالى بحسب الوضع وليس كذلك ، بل لأنَّ معناه المنعم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها ، أي : إلى مرتبة لا ينتهي إليها غيره ، وهذا يفيد جلائل النعم ولا يعم.
وتعقيبه بالرحيم من قبيل التتميم ، فإنه لمّا دلّ على جلائل النعم واُصولها ، ذكر الرحيم ليتناول ما خرج منها من صغائر النّعم وفروعها ، هذا حاصل ما ذكره بعض الشُرّاح في مثل المقام (3).
وعلى كل حال فليست رحمته تعالى باعتبار رقّة القلب ؛ إذ لا يليق به الانفعال تعالى عن ذلك.
ص: 70
تذييل : قَدْ طال التشاجر في شأن أوائل السور المصدّرة بالبسملة في المصاحف هل هي هناك :
[أوّلاً] - جزء من السورة الكريمة ، سواء الفاتحة وغيرها؟
[ثانياً] - أو من الفاتحة لا غير؟
[ثالثاُ] - أو أنها ليست جزءاً من شيء ، بل آية منفردة من القرآن اُنزلت للفصل بين السور؟
[رابعاً] - أو أنها لم تنزل إلّا بعض آية في سورة النمل ، وإنَّما يأتي التالي بها في أوائل السور للتميُّز (1) والتبرك؟
[خامساً] - أو أنها آيات من القرآن أُنزلت بعدد السور من غير كونها جزء شيء منها؟
والأوّل : مذهب الأصحاب كافة ، وقد وردت به الروايات عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام.
والثاني : مختار بعض الشافعية.
والثالث : مختار متأخّري فقهاء الحنفية.
والمشهور بين قدمائهم هو : الرابع.
والخامس : منسوب إلى أحمد وداود (2).
ص: 71
[2] - قال رحمه الله : «الحمد لله المتعالي في عزِّ جلاله عن مطارح الإفهام» (1).
أقول : الحمد لغةً الثناء باللسان على الجميل الاختياري على جهة التعظيم ، فخرج بالجميل الثناء على غيره على قول بعضهم : إنَّ الثناء حقيقة في الخير والشر ، وعلى رأي الجمهور : أنَّه حقيقة في الخير فقط ، ففائدة ذكر ذلك تحقيق الماهية ، أو دفع توهم إرادة الجمع بين الحقيقة والمجاز عند مجوّزه من الأُصوليين ، وبالاختياري المدح ، فإنه يعمُّ الاختياري وغيره عند الأكثر ، يقال : مدحت اللؤلؤ على صفائه.
وعلى جهة التعظيم يخرج ما كان على جهة الاستهزاء أو السخرية ، أو كقوله تعالى : ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ (2). (3)
والشكر : لغةً فعل يُنبئ عن تعظيم المنعم بسبب الإنعام ، سواءً أكان ذكراً باللسان أم اعتقاداً ومحبّة بالجنان ، أم عملاً وخدمة بالأركان ، فمورد الحمد هو اللسان وحده ، ومتعلقه يعم النعمة وغيرها ، ومورد الشكر يعم اللسان وغيره ، ومتعلقه يكون النعمة وحدها ، فالحمد أعم باعتبار المتعلق ، وأخص باعتبار المورد ، والشكر بالعكس ، فيتصادقان في الثناء باللسان في مقابلة الإحسان ، ويتفارقان في صدق الحمد فقط على الوصف بالعلم والشجاعة ، وصدق الشكر فقط على الثناء بالجنان في مقابلة الإحسان.
ص: 72
هذا معنى الحمد والشكر والفرق بينهما لغةً.
وأمّا معناهما العرفي فالحمد : فعل يُنبئ عن تعظيم المنعم من حيث كونه منعماً على الحامد أو على غيره ، سواءً أكان باللسان أم بالجنان أم بالأركان ، والشكر صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله.
ثمَّ الألف واللام : معناهما التعريف ، أعني إحضار مدخولهما في الذهن ، وينقسم إلى قسمين : تعريف الجنس ، وتعريف العهد.
والأوّل ينقسم إلى ثلاثة أنواع ؛ لأنه إمّا أن لا يخلفها (كلّ) لا حقيقة ولا مجازاً ، فهي لبيان حقيقة الجنس والماهيّة من حيث هي ، نحو : ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ (1) ، أي : من حقيقة الماء المعروف ، وقيل : المني.
والفرق بين المعرّف ب-(أل) هذه وبين اسم الجنس النكرة هو الفرق بين المقيّد والمطلق ، وذلك ؛ لأنَّ ذا الألف واللام يدل على الحقيقة بقيد حضورها في الذهن ، وهو معنى التعريف المدلول عليه بآلته ، واسم الجنس النكرة يدل على مطلق الحقيقة لا باعتبار قيد ، وإن خلفها (كلّ) حقيقة فهي لشمول أفراد الجنس ، ويُعبّر عنه بالاستغراق نحو : ﴿وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾ (2) ، فإنه لو قيل : «وخلق كلّ إنسان ضعيفاً» لكان صحيحاً على جهة الحقيقة ، وإن خلفها (كلّ) مجازاً فهي لشمول خصائص الجنس مبالغة ، نحو : «أنت الرجل علماً» ، فإنه لو
ص: 73
قيل : «أنت كلّ رجل علماً لصحّ على جهة المجاز على معنى : «إنك اجتمع فيك ما افترق في غيرك من الرجال من جهة كمالك في العلم» ولا اعتداد بعلم غيرك لقصوره ن رتبة الكمال ، كما في المثل السائر : «كلّ الصيد في جوف الفرا» (1).
والثاني ينقسم إلى ثلاثة أنواع.
العهد الذكري : وهو الَّذي يتقدّم لمصحوبه ذكرٌ ، نحو : ﴿أَرْسَلْنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ﴾ (2) ، وفائدته التنبيه على أنّ الرسول الثاني هو الأوّل ؛ إذ لو جيء به منكَّراً لتوهم أنه غيره.
والعهد الذهني : وهو أن يتقدّم لمصحوبه علم ، على نحو : ﴿بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ﴾ (3) ، ﴿تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾ (4) ، ﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾ (5) ؛ لأنَّ ذلك معلوم عندهم.
والعهد الحضوري : وهو أن يكون مصحوبه حاضراً نحو : ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ (6) أي : اليوم الحاضر.
إذا عرفت هذا فاعلم أنَّ اللام في الحمد للاستغراق عند الجمهور ، وللجنس عند الزمخشري (7) ، ولا فرق هنا ؛ لأنَّ لام الله للاختصاص فلا فرد منه لغيره ، وإلا لوجد الجنس في ضمنه فلا يكون الجنس مختصاً به.
ص: 74
ومعنى الاستغراق فيما نحن فيه : أنّ جميع أفراد الحمد من كلّ حامد إلى كل محمود مرجعه إلى الله. وفي الحقيقة حمدٌ لله تعالى ، سواء كان على الفواضل أو على الفضائل ، فكلّ ذلك عارية منه تعالى كما في الحديث : «إليه يرجع عواقب الثناء» (1) ، وقد عرفت معنى لفظ الجلالة.
«المتعالي في عزّ جلاله» أي : المرتفع بسبب القوَّة والغلبة والعظمة ، ف-(في) هنا للسببية.
والعزّة ، بمعنى : القوَّة والغلبة.
والجلالة ، بمعنى : العظمة.
«والمطارح» جمع : مطرح ، وهو إمّا : مصدر ، بمعنى : الرمي. أو : اسم مكان (2).
[3] - قال رحمه الله : «فلا يحيط بكنهه العارفون» (3).
أقول : (الفاء) للتفريع ، وإنَّما خصّ العارف بالذكر ؛ لأنَّ حكم غيره يعرف بالأولوية به ، ولأن غيره لا يعتد به ، وفيه ردّ على جماعة من المتكلّمين والأشاعرة حيث جوّزوا العلم بكنه ذاته ، وكيف يمكن الإحاطة بها وهذا سيِّد الأنبياء صلى الله عليه وآله يقول : «سبحانك ما عرفناك حق معرفتك» (4) ، وكان يكرر من قول : «اللهُمَّ زدني
ص: 75
فيك تحيُّرا» (1).
وقال سيِّد العارفين : «أنا لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك» (2).
وقال سيِّد الساجدين عليه السلام في دعاء التحميد لله : «قصرت عن إدراكه أبصار الناظرين ، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين» (3) ، وإنما لم يقل عليه السلام : «عقول الواصفين» ؛ لأنَّ العقل لكماله وكشرافته لا يحوم حول هذا الحمى ؛ لأنَّه لا يتعرض إلا لإدراك ما يمكن بخلاف الوهم ، فإنه هو الَّذي يُدرك ما لا يمكن ولا حقيقة له خارجاً ، كإنسان ذي رأسين ، وحيوان من ذهب ، ومع هذا فهو عاجز عن الوصول إلى حقيقة الصفات ؛ لأنها عين الذات ، «فسبحان من تاهت في ذاته نواظر العقول ، وحارت في صفاته بصائر الفحول» (4).
ومن هنا ورد في الأخبار النهي عن التكلُّم في هذا الشأن ، ففي «الكافي» بإسناده عن أبي بصير ، قال أبو جعفر عليه السلام : «تكلّموا في خلق الله ، ولا تتكلّموا في الله ، فإنّ الكلام في الله لا يزداد صاحبه إلا تحيّراً» (5) ، وبُعداً عنه ، فإن الأمر
ص: 76
بالتكلّم في خلق الله ؛ لأنَّ آياته الباهرة وآثاره الظاهرة في العالم دالّة على وجوده ففي كلّ شيء له آية ، دليل على أنه الواحد ، ولكلّ ذرة من الذرات لسان يشهد بوجوده ، كما أشار إليه تعالى بقوله : ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ (1).
وكما هو المقصود من قوله عليه السلام : «اعرفوا الله بالله» (2) ، أي بأسبابه المجعولة من قبله معرفاً من الآيات ، والآثار ، وإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، كما قال عليه السلام : «يا من دلّ على ذاته بذاته» (3).
وفي دعاء أي حمزة : «بك عرفتك وأنت الَّذي دللتني عليك ودعوتني إليك ، ولولا أنت لم أدر (4) من أنت» (5).
وبالجملة : فإنه عزّ سلطانه وبهر برهانه قَدْ سطّر آيات قدرته في صحائف الأكوان ، ونصب رايات وحدته في صفائح الأعراض والأعيان ، وجعل كلّ ذرة من ذرات العالم ، وكلّ قطرة من قطرات العلم (6) ، وكلّ نقطة جرى عليها قلم الإبداع ، وكلّ حرف رقم في لوح الاختراع ، مرآةً لمشاهدة جماله ، ومطالعة
ص: 77
صفات كماله ، حجّةً نيِّرة واضحة المكنون ، وآية بيّنة لقوم يعقلون ، وبرهاناً جلياً لا ريب فيه ، ومنهاجاً سوياً لا يضلّ من ينتحيه (1).
والنهي عن التكلُّم في الله أي في ذاته وصفاته فإنَّ ما يتعلق بهما بحر زاخر لا يصل إلى أطرافه النظر ، ولا يدرك قعره البصير ، ولا يجري فيه فكر البشر ، فكلّ سابح في بحار عزّه وجلاله غريق ، وكلّ طالب لأنوار كبريائه وكماله حريق ، فإنَّ تصوَّر من ذاته شيئاً فهو يشابه ذوات المخلوقات ، وإن تعقّلَ من صفاته أمراً فهو يناسب صفات الممكنات ، وإن لم يتصوَّر منهما شيئاً ولم يستقرَّ عقلُه على أمر صار موجباً للهمّ والغمّ والتدلُّه والحيرة ، حَتَّى يؤدي ذلك إلى الجنون (2). ولنعم ما قيل :
فيكَ يا أعجوبة الكون *** غدا الفكر كليلا
أنتَ حيّرتَ ذوي اللبِّ *** وبلبلت العقولا
كلَّما قدمت فكري *** فيك شبراً فرَّميلا
هائماً يخبط عشواء *** فلا يُهدى سبيلا
[4] - قال رحمه الله : «المتقدّس بكمال ذاته عن مشابهة الأنام» (3).
أقول : (التقدّس) : التنزّه والتعبّد ، وفيه ردّ على المجسَّمة والمشبِّهة ، ولا ريب
ص: 78
في تنزيه الواجب عمّا لا يليق به مثل الجسمية والصورة والتحديد وغيرها من صفات الممكنات المحدثة ، وكمالاتها المستفادة من الغير المستلزمة للنقصان والافتقار.
ومن خطبة الرضا عليه السلام في حضور المأمون : «فليس الله عرف من عرف بالتشبيه ذاته ، ولا إيّاه وحّده من اكتنهه ، ولا حقيقته أصاب من مثّله ، ولا به صدّق من نهاه ، ولا حمد حمده من أشار إليه ، ولا إياه عنى من شبّهه ، ولا له تذلّل من بعّضه ، ولا إياه أراد من توهّمه ، كلّ معروف بنفسه مصنوع ، وكل قائم في سواه معلول» (1).
وإذا كان منزَّهاً عن أمثال هذا ممَّا يوجب النقصان والزوال ، كان باعتبار اتّصافه بأشرف طرفي النقيض في المرتبة الأعلى من الكمال وهو العلي الكبير.
[5] - قال رحمه الله : «فلا يبلغ صفته الواصفون» (2).
أقول : لأنَّ التوصيف عبارة عن بيان الكيفيات ، ولا كيفية له كما عرفت بما لا مزيد عليه ولله المثل الأعلى.
[6] - قال رحمه الله : «المتفضل بسوابغ الإنعام» (3).
أقول : (سوابغ الإنعام) أي : النعم السابغة الكاملة ، من باب إضافة الصفة إلى
ص: 79
الموصوف على نحو : جرد قطيفة (1).
[7] - قال رحمه الله : «فلا يحصي نعمه العادُّون» (2).
أقول : (النعمة) في اللُّغة : اليد (3) ، وفي العرف : المنفعة الحاصلة إلى الغير على جهة الإحسان ، وفيه إشارة إلى قوله تعالى : ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ (4) ، والنعمة على قسمين :
نعمة ظاهرة : وهي الأطعمة والأرزاق ، وثمرتها حياة الأبدان وقوة الجسد والجوارح إلى مدّة قريبة الأمد.
ونعمة باطنة : وهي العلوم والمعارف والإلهامات ، وهي رزق القلوب والنفوس ، وهي أشرف الرزقين باعتبار أشرفية غايتها ومحلّها ، أعني القلب وهو أشرف الجوارح ، والمتولي لخلق الرزقين والمتفضل بإيصالهما إلى كلا الفريقين هو الله سبحانه ، فلا ينبغي أن يتوكل في الرزق إلا عليه.
قال رجل لحاتم : من أين تأكل؟
قال : من خزانته.
قال : يلقي عليك الخبز من السماء؟
ص: 80
قال : لو لم تكن الأرض له لكان يلقيه من السماء (1).
وأدلّ دليل على أشرفية الرزق الثاني من الرزق الأوّل ما جاء في الخبر : أنه جاء رجل إلى الصادق عليه السلام وشكا إليه الحاجة وذكر له واحداً من الناس ذا ثروة كثيرة ، فقال عليه السلام : «أعطه علمك وخذ ماله وجهله». فقال : لا أرضى. فقال عليه السلام : «إنّ الله رزقك أفضل الرزقين ، فكيف تشكو قلّة الرزق؟» (2).
ص: 81
[8] - قال رحمه الله : «المتطوّل بالمنن الجِسام» (1).
أقول : (المتطوّل) من الطّول ، وهو : المنّ ، أي : الإعطاء (2).
و (المنن) جمع المنّة ، وهي : العطيّة (3).
(الجِسام) بالكسر جمع جسم ، وهو : العظم (4).
[9] - قال رحمه الله : «فلا يقوم بواجب شكره الحامدون» (5).
أقول : في توسيط الواجب إشارة إلى أنَّ شكر المنعم واجب كما ذهب إليه جمع من المحقّقين ، بل وجوبه من المستقلات العقلية ؛ لحكمه بوجوب دفع الضرر المحتمل ، وعدم شكره مظنّة لقطع النعمة على العبد ، وبذلك يثبت أيضاً وجوب تحصيل المعرفة ؛ إذ مع عدم المعرفة لا يؤمن من عدم تحقّق الشكر ؛ لما عرفت سابقاً من معناه لغةً وعرفاً ، فلا يحصل شيء منهما للعبد إلا بالمعرفة.
ص: 82
[10] - قال رحمه الله : «القديم الأبدي فلا أزلي سواه» (1).
أقول : (القديم الأبدي) هو : ما لا أوّل لوجوده ، والأزلي أعم منه ؛ لأنَّ عدم الحوادث أزليّة وليست بقديمة ، وحيث إنَّ المصنف نفاه عن غيره تعالى ، فلعل مراده بالأزليّ ما يرادف القديم ليصح نفيه عن غيره ، والدليل على قدمه تعالى أنه : لو كان حادثاً لكان مفتقراً إلى موحد فلا يكون واجباً بالذات ، ولا يكون مبدءاً لجميع الموجودات ، ولا تنتهي إليه سلسلة الممكنات ، وإذا أقرَّ أحد بأنه قديم ، فقد أقرَّ بأنه لا شيء قبله وهو ظاهر ، وبأنه لا شيء معه ؛ إذلو كان معه شيء في الأزل لم يجز أن يكون خالقاً له ؛ لأنه لم يزل معه فكيف يكون خالقاً له.
وإلى ذلك أشار مولانا الرضا عليه السلام بقوله : «اعلَمْ - علمك الله الخير - أنَّ الله تعالى قديم ، والقِدَم صفة دلت العاقل على أنه لا شيء قبله ولا شيء معه في ديمومته» (2).
[11] - قال رحمه الله : «الدائم السرمدي فكل شيء مضمحل عداه» (3).
أقول : (السرمدي) : ما لا آخر لوجوده فكلّ شيء زائل عداه ، والدليل على سرمديّته بهذا المعنى أنه : لو كان له آخر ينتهي إليه لزم أن يعزب عنه شيء من الأشياء تعالى عن ذلك.
ص: 83
[12] - قال رحمه الله : «أحمده سبحانه حمداً يقرِّ بني إلى رضاه» (1).
أقول : قال جدّي الفاضل الصالح المازندراني رحمه الله في الحاشية : (ولمّا كان الحمد المذكور في مقابلة الذات والصفات ، وكان المناسب له الاستقرار والثبات ؛ فلذلك أدّاه بالجملة الاسمية ، أراد أن يحمده ثانياً طلباً لرضاه المتجدِّد آناً فآناً ، ولمزيد عطاياه المستحدثة حيناً فحيناً ، فقال : «أحمده» بصيغة المضارع الدال على الاستمرار التجدّدي كما يقتضيه المقام) ، انتهى (2).
و (سبحان) : مصدر كغفران بمعنى : التنزيه.
ولا يكاد يُستعمل إلا مضافاً منصوباً بفعل مضمر كمعاذ الله ، فمعنى (سبحانه) : أُنزّهه تنزيهاً عمّا لا يليق بجانب قدسه وعزّ جلاله ، وهو مضاف إلى المفعول ، وربّما جوّز كونه مضافاً إلى الفاعل بمعنى التنزُّه فيكون لازماً.
قال الشيخ أبو علي الطبرسي رحمه الله : (إنه صار في الشرع علماً (3) لأعلى مراتب التعظيم التي لا يستحقّها إلا هو سبحانه ، ولذلك لا يجوز أن يستعمل في غيره تعالى وإن كان منزّهاً عن النقائص ، وإلى هذا ينظر ما قاله بعض الأعلام من أنَّ التنزيه المستفاد من سبحان الله ثلاثة أنواع :
- تنزيه الذات عن نقص الإمكان.
- وتنزيه الصفات عن وصمة الحدوث وزيادتها على ذاته المقدسة.
ص: 84
- وتنزيه الأفعال عن القبح والعبث ، وكونها جالبة إليه تعالى نفعاً ودافعة عنه ضرّاً كأفعال العباد) (1).
حمداً : مفعول مطلق تأكيدي (2).
يقربني إلى رضاه : وصف الحمد به تنبيها على أن المقصود الأصلي بالحمد هو تحصيل رضاه.
[13] - قال رحمه الله : «وأكره شكراً أستوجب به المزيد من مواهبه وعطاياه» (3).
أقول : (شكراً) : مفعول مطلق للتأكيد ، وجملة أستوجب لبيان أنَّ المقصود من الشكر طلب الزيادة كما قال عزّ من قائل : ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ (4).
وفي هذه الآية من المبالغة والاعتناء بحقّ الشكر ما لا يتصور فوق ذلك حيث عبَّر تعالى عن ترك الشكر بالكفر ، وقال : ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ (5).
ص: 85
وقال : ﴿مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ﴾ (1).
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله : «الطاعم الشاكر، له من الأجر كأجر الصائم المحتسب ، والمعافى الشاكر ، له من الأجر كأجر المبتلى الصابر ، والمعطى الشاكر ، له من الأجر كأجر المحروم القانع» (2).
وعن الصادق عليه السلام : «أنّه مكتوب في التوراة : اشكر من أنعم عليك ، وأنعم على من شكرك ، فإنّه لا زوال للنعماء إذا شكرت ، ولا بقا لها إذا كفرت ، الشكر زيادة في النعم ، وأمان من الغِيَر» (3).
وعنه عليه السلام أيضاً : «ثلاث لا يضرّ معهن شيء : الدعاء عند الكرب ، والاستغفار عند الذنب ، والشكر عند النعمة» (4).
وعنه عليه السلام أيضاً أنّه قال : «ما أنعم الله عزَّ وجلَّ على عبد من نعمة فعرفها بقلبه وحمد الله ظاهراً بلسانه فتمّ كلامه حَتَّى يؤمر له بالمزيد» (5).
واعلم أنَّ الشكر من أرفع مراتب الأولياء ويتقوّم بثلاثة اُمور :
الأوّل : معرفة المنعم الحقيقي وذلك حاصل بأسباب متعدِّدة :
الأول - علمه بذات المنعم وأنه متَّصف بنعوت الكمال والجمال ، ومنزّه عن النقصان والزوال.
الثاني - علمه بكون المنعم هو المفيض بجود الوجود الَّذي هو الخير
ص: 86
المحض ، ومحض الخير على كلّ ماهيَّة موجودة ، فيستحق بذلك الحمد.
الثالث - علمه بأنّ ذات المنعم الحقيقي منفرد بجلال الصمديّة وعظمة الأُلوهيّة ، ومنه يُعلم أنَّ جملة النّعم منه.
الرابع - اعترافه بالجهل والتقصير والعجز عن معرفة كنه ذاته الأحديّة ، وعن أداء واجب شكره ومراعاة حقوق عبوديّته.
ونكتة اُخرى : أنَّ العبد لا يشكر ربّه المنعم إلا بالقلب واللّسان وسائر الأعضاء ، وكلُّ ذلك ببركة المنعم وإنعامه عليه ، والقدرة على استعمال الجوارح المذكورة نعمة اُخرى على العبد ، وتوفيقه لهذا الاستعمال أيضاً نعمة ثالثة ، فلو أراد أن يشكر المنعم على نعمة من النعم فلا بدّ له من الشكر على هذه النّعم ، فإذا أدّاه فهو أيضاً نعمة اُخرى فينتهي إلى العجز ، والاعتراف بالعجز آخر مراتب الشكر.
قال الصادق عليه السلام : «أوحى الله عزَّ وجلَّ إلى موسى : يا موسى اشكرني حقّ شكري. فقال : ربّي ، وكيف أشكرك حقّ شكرك وليس من شكرٍ أشكرك به إلّا أنعمت به عليَّ؟ قال : يا موسى الآن شكرتني حيث علمت أنّ ذلك منّي» (1).
الأمر الثاني : بالابتهاج والسرور الحاصلين للعبد بسبب وصول تلك النعمة إليه ، لا من حيث إنها موافقة لغرض نفسه ؛ إذ في ذلك متابعة هواها واقتصار همّه في رضاها ، بل لاستشعاره بذلك شفقة المنعم بحيث لو وصل إليه من غيره لما حصل له ذلك الابتهاج والسرور ، أو لاستكشافه بسببها قدرته على القيام بحقوق
ص: 87
عبوديته وإحراز القابلية في نفسه ، فيحصل بذلك له النشاط على أداء قسط من حقوقه فيكون من جملة المقرّبين ، وحقيقة هذه الأحوال راجعة إلى المحبّة والعشق.
و [الأمر] الثالث : يجهد العبد في تحصيل رضا المنعم ، وذلك حاصل بقسم من أفعاله القلبية والبدنية :
أمّا الأوّل : فبأن يصرف ما أنعم الله عليه من القوى العقلية والفكرية في تحصيل معرفة المعبود الحقيقي ، والمقرّبين إلى حضرته ، وفي بديع صنائع موجودات العالم العلوي والسفلي ، ويصرف فكره في الاطّلاع على حقائق الأشياء على ما هي عليها ، التي هي عبارة عن الحكمة ، ويفكّر فيما يصلح به أمر آخرته ودنياه ومصالح إخوانه المؤمنين ، ويضمر لهم الخير ويعزم على امتثال أوامر مولاه والازدجار عن نواهيه ، ويتشوّق ويتعطّش إلى جناب قاضي الحاجات ، وينوي الخير لأبناء نوعه وكفّ الأذى عنهم ... وعلى هذا القياس.
وأمّا الثاني : فبصرف جارحة العين في النظر إلى المخلوقات بنظر الاعتبار ، وإلى تغيُّرات الدهر بنظر العبرة ، وإلى الضعفاء المنحطّين بنظر الشفقة والرأفة ، وإلى الصلحاء والعلماء بنحو من الحرمة والعزّة ، وإلى عيوب إخوانه بضرب من الستر والصيانة ، وصرف جارحة الأُذن في استماع البراهين وآيات القرآن وكلمات الأنبياء وأخبار الأئمة عليهم السلام ، ممَّا فيه موعظة حسنة ، وحكمة نافعة ، وتعليمات عقلية وتعريفات شرعية.
وإن كان من أهل الحُكم ، فيصغي إلى استماع نداء المظلومين واستغاثة الملهوفين ، ولا يصغي إلى ما فيه اللهو ، والإعراض عن ذكر الله عزَّ وجلَّ :
ص: 88
كالغناء ، واستماع الكذب ، والغيبة ، فإن فعل ذلك واستعمل الجارحة في خلاف ما خُلقت فقد كفر بنعمها.
وصرف جارحة اللسان بذكر الله تعالى وتلاوة القرآن ، وإلقاء المطالب العلميّة وبثّ الأخبار الواردة من الأئمة الأطهار على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع ملاحظة شرائطهما ، وشكره تعالى وحمده على كلّ نعمة بقول : الحمد لله ربّ العالمين ، فإن استعملها في الكذب والبهتان والغناء والتكلُّم بالباطل فقد كفر بتلك النعمة ، وهكذا الحال في سائر الأعضاء والجوارح بصرف كلّ جارحة فيما أنعم الله بها عليه لأجله ، فيكون من الَّذين قال الله تعالى في حقهم : ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ (1).
ثُمَّ إنَّ مراتب الشكر تتفاوت بتفاوت مراتب النّعم ، فالمطلوب من أهل الغنى والثروة من مراتب الشكر غير المطلوب من أهل الفقر والفاقة ، ولا يقبل الطائفة الأُولى ما يقبل من الطائفة الثانية ، فمن كان له الغُنم فعليه الغُرم.
ذكر أهل التأريخ : (أنَّ السلطان سنجر السلجوقي مرَّ في طريق وهو في موكب سلطنته ، وكان في الطريق درويش من أهل الفقر فسلَّم على السلطان ، فلم يردّ عليه جواب التحيَّة بلسانه ، بل حرّك رأسه بدل الجواب.
فقال الدرويش : أيُّها الملك إنَّ الابتداء بالتحيَّة مستحب وجوابها واجب ، وأنا قَدْ أدّيت المستحب فلم لا تؤدي الواجب؟
ص: 89
فأمسك السلطان بعنان مركبه وأخذ يعتذر من الدرويش بأنه كان مشغولاً بالشكر فغفل عن جواب التحيَّة.
فقال الدرويش للسلطان : لمن كنت تشكر؟
فقال : الله الَّذي هو المنعم على الإطلاق ، وما نعمة إلا وهي منه ، ولا عطاء إلا من قبله ، فقال الدرويش : بأيّ نوع كنت تشكر؟
فقال : بكلمة الحمد لله ربّ العالمين ، فإن فيها شكر سائر النعم.
فقال الدرويش : أيُّها السلطان ، ما أجهلك بطريقة الشكر الواجب عليك ، إنَّ ما يجب عليك من هذا الأمر هو مقدار ما أفاض عليك المنعم ، وأردف عليك عطاياه الغير متناهية من اقتدار أيامك وسعة زمانك ، فليس الواجب عليك قول : الحمد لله ، فإن الشكر من السلطان إنما يقع موقع القبول ، وتستزاد به النعمة ، إذا وقع منه على كلّ نعمة عنده بما يناسبها ، فالتمس السلطان منه أن يعلّمه ذلك.
فقال له : شكر السلطان هو العدل والإحسان مع عامّة العباد ، وشكر سعة ملكه عدم الطمع في أملاك رعيته ، وشكر ارتفاع عرشه وإقباله الالتفات إلى المنخفضين في تراب الفاقة والمذلّة ، وشكر نعمة التأمُّر أداء حقّ المأمورين ، وشكر الخزائن العامرة التصدّق على أهل الاستحقاق والإدرار عليهم بالمقررات ، وشكر نعمة القوَّة والقدرة النظر إلى العجزة والضعفاء بنظر الرأفة والرحمة ، وشكر نمة الصحَّة شفاء المعلولين بعلّة الظلم بقانون العدالة ، وشكر نعمة كثرة الجند والعسكر منعهم عن إيذاء المسلمين والتعرض لأمتعتهم ، وشكر نعمة القصور العالية والأبنية المشيدة منع الخدم والحشم عن النزول في منازل الرعية وإعفاؤهم عن المزاحمة فيها ، وخلاصة شكر السلطان أن ينظر إلى المحقّ بعين الرضا ، ويقدم راحة الرعية على راحة نفسه) (1).
ص: 90
وسنجر هذا هو ابن السلطان ملك شاه السلجوقي ، كان في حياة أخويه (بر كيارق) و (محمّد) حاكماً على خراسان ، ومن بعدهما قام بأمر السلطنة واتسع ملكه من حدود خطا وختن (1) إلى أقصى مصر والشام ، ومن بحر الخزر إلى اليمن ، وكان ذا هيبة ووقار ، كثير الحياء والكرم ، شفيقاً على الرعية يخاف الله ويعظم العلماء ، ويعاشر الزهاد والأبدال ، ملازماً لعرش الملوكية ، ولا ينفك عن خصائص السلطنة ، وُلد في سنجار الشام يوم الجمعة في الخامس والعشرين من شهر رجب سنة 479 ، مدة سلطنته أربعون سنة وثلاثة أشهر ، مدة حياته اثنتان وسبعون سنة ، توفّي سنة 552 في السادس والعشرين من ربيع الأول.
والسلجوقيون أربعة عشر ملكاً ، مدة ملكهم مائة وإحدى وستون سنة ، وأوّل من أسس لهم السلطنة طغرل بيك بن ميكائيل بن سلجوق ، وسلجوق جدُّهم كان من أولاد أفراسياب - من ملوك الفرس - وبينه وبين أفراسياب أربعة وثلاثون ظهراً ، وتأسيس ملكها سنة 469 وانقضاؤها سنة 700 (2).
رجع : وليعلم أنه كان ينبغي الشكر على النعم الموافقة للطبع مثل الصحَّة والفراغة ، كذلك ينبغي الشكر على المرض والتعب وسائر المشاق ، كما يستفاد من الأدعية المأثورة من سيّد الساجدين عليه السلام ؛ إذ كان يقول عليه السلام : «فما أدري يا إلهي أيّ الحالين أحقّ بالشكر لك ، وأيّ الوقتين أولى بالحمد لك ، أوقت
ص: 91
الصحَّة التي هنأتني بها طيبات الرزق ، ونشطتني بها لابتغاء مرضاتك وفضلك ، وقويتني بها على ما وفقتني له من طاعتك؟ أم وقت العلّة التي محصتني بها ، والنعم التي أتحفتني بها تخفيفاً لما ثقل به على ظهري من الخطيئات ، وتطهيراً لما انغمست فيه من السيئات ، وتنبيهاً لتناول التوبة ، وتذكيراً لمحو الحوبة ... الخ» (1).
وممّا يُحكى عن كعب أنّه قال : (كنت أسير في جبال الشام فلمَّا أشتد الحرّ قلت : أنزل ساعة حَتَّى تنكسر سًورةُ الحَرّ ثُمَّ أذهب إلى مقصودي ، فنظرت إلى خربة كانت في جنبي فدخلتها ، وإذا أنا برجل قَدْ فقد يديه ورجليه ونور بصره وكان يناجي ربَّه ويقول في مناجاته : الحمد لله على نعمائه.
فدخلني العجب منه حيث هو بتلك الحالة من فقد الأعضاء وعدم المساعد ومن يعتمد عليه في قضاء محاويجه ، وهو يشكر الله على نعمائه ، فدنوت منه وسلّمت عليه فردَّ عليَّ السلام ، وقلت له : أيُّها الشاب أيُّ نعمة لله عليك حَتَّى تقابله بهذا الشكر ، وأنت في هذه المحنة الظاهرة؟
فلمّا سمع منّي هذا الخطاب صرخ بي صرخة ، قال : تباعد عني يا بطّال ، ايّ نعمة أكبر من النعمة التي أنعم الله بها عليَّ ، حيث أزال عني كل آلة معصية ، وأكرمني بكلّ آلة طاعة ومعرفة ، وأزال عني العين حَتَّى لا أنظر بها إلى ما يحرم النظر إليه ، وأزال عني اليدين حَتَّى لا أتجاسر بهما إلى تناول المحرمات ، وأزال عني الرجلين حَتَّى لا أسعى بهما إلى المحرمات ، وأكرمني بالقلب حَتَّى أعرفه ، واللسان لكي أدعوه
ص: 92
به ، فمضيت عنه وعلمت أنّ حقيقة الشكر هو هذا) ، انتهى (1).
وكعب الأحبار - بالحاء المهملة - أي : عالم العلماء ، وكان من علماء أهل الكتاب ، أسلم على عهد أمير المؤمنين عليه السلام فصار من فضلاء التابعين ، وإضافته كزيد الخيل (2).
وفي الكافي في الصحيح عن زرارة أنه قال : «كنت قاعداً إلى جنب أبي جعفر عليه السلام وهو محتب (3) مستقبل القبلة ، فقال : أما إنَّ النظر إليها عبادة ، فجاءه رجل من بجبيلة يقال له : عاصم بن عمر ، فقال لأبي جعفر عليه السلام : إنَّ كعب الأحبار كان يقول : إنَّ الكعبة تسجد لبيت المقدس في كلّ غداة. فقال أبو جعفر عليه السلام : فما تقول فيما قاله كعب؟ فقال : صدق ، القول ما قال كعب ، فقال أبو جعفر عليه السلام : كذبت وكذب كعب الأحبار معك ، وغضب.
قال زرارة : وما رأيته عليه السلام استقبل أحداً بقول ، «كذبتَ» غيره» (4).
ونقل الشيخ أبو علي في رجاله عن ابن أبي الحديد أنه (روى جماعة من أهل السِّير أنّ علياً عليه السلام كان يقول عن كعب الأحبار : «إنّه لكذّاب» وكان كعب منحرفاً عن علي عليه السلام) (5).
ص: 93
وذكر ابن جرير الطبري أنه من ساكني حمص ، توفّي بها سنة 32 في خلافة عثمان بن عفان (1).
[14] - قال رحمه الله : «واستقيله من خطاياي استقالة عبد معترف بما جناه ، نادم على ما فرَّط في جنب مولاه» (2).
أقول : استقاله في البيع أي طلب فسخه ، أي أطلب منه تعالى رفع الخطايا عني ، والتعبير عن هذا المعنى بالاستقالة من حيث إنَّ المذنب يشتري سخط ربه بمرضاة نفسه ، وقوله : (استقالة عبد معترف بما جناه) جيء به ؛ لأن الاستقالة مع الاعتراف بالذنب أدخل في تحقق الإقالة وأسرع للإجابة.
[15] - قال رحمه الله : «وأسأله العصمة من الخطأ والخطل ، والسداد في القول والعمل» (3).
أقول : قال جدّي الفاضل الصالح في الحاشية : «الخطأ وهو بفتح الخاء والطاء مع القصر نقيض الصواب ، وقد يمدّ ، وبكسر الخاء وسكون الطاء الذنب ، ومنه قوله تعالى : ﴿إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾ (4).
والخطل : هو المنطق الفاسد المضطرب.
ص: 94
خطل في كلامه خَطَلاً وأخطل أي : أفحش فهو أخص من الخطأ (1).
وإنّما ذكره بعده : لأنَّ العصمة منه أهم في هذا المقام.
والسدادَ : بالنصب عطف على العصمة أي : أسأله التوفيق للسداد وهو الصواب ، والقصد ... إلخ) ، انتهى كلامه (2).
[16] - قال رحمه الله : «وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له» (3).
أقول : هذا منه رحمه الله تصريح بالتوحيد بعدما دلَّ عليه كلامه المتقدِّم ، أعني : حصر الحمد عليه تعالى بالالتزام ، وخصَّ هذه الكلمة لأنها أعلى كلمة من حيث الثواب ؛ لأن المعترف بوحدانيته إذا اعترف بهذه الكلمة عند الموت وجبت له الجنّة ؛ لحديث : «من كان آخر كلامه : لا إله إلا الله فله الجنّة» (4).
بل هي أشرف لفظة نُطق بها في التوحيد ؛ لانطباقها على جميع مراتبه من نفي الشريك والتركيب من الأجزاء الذهنية والخارجية.
و (لا) فيها نافية للجنس ، وإله : اسمها.
قيل : والخبر محذوف تقديره موجود ، ويضعف أنه لا ينفى إمكان معبود بالحق غيره تعالى ؛ لأنَّ الإمكان أعم من الوجود.
وقيل : ممكن ، وفيه أنه لا يدل على نفي التعدُّد مطلقاً.
ص: 95
وحدَهُ : تأكيد لما قَدْ استفيد من التوحيد الخالص ، حَسُنَ ذكره في هذا المقام لمزيد الاهتمام ، فهو حال مؤكِّدة ، كما أنَّ قوله : «لا شريك له» حال مترادفة أو متداخلة.
[17] - قال رحمه الله : «الكريم الَّذي لا تخيب لديه الآمال» (1).
أقول : الخيبة عدم نيل المطلوب.
الآمال : أي ذوي الآمال.
[18] - قال رحمه الله : «القدير فهو لما يشاء فعّال» (2).
أقول : أشار إلى قوله تعالى : ﴿يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ (3) ، ويحكم ما يريد بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير.
[19] - قال رحمه الله : «وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله» (4).
أقول : قرن الشهادة بالرسالة بشهادة التوحيد ؛ لأنها بمنزلة التوحيد ، وقد شرَّف الله تعالى به نبينا صلى الله عليه وآله بكونه لا يذكر إلا ويذكر معه.
ومحمّد : علم منقول من اسم المفعول المضعف ، وسمّي به نبيّنا إلهاماً من الله تعالى وتفاؤلاً بأنه يكثر الحمد له من المخلوقين ؛ لكثرة خصاله الحميدة.
ص: 96
وقد قيل لجدّه عبد المطلب - وقد سمّاه في يوم سابع ولادته لموت أبيه قبلها - لِمَ سمّيت ابنك محمّداً ، وليس من أسماء آبائك ولا قومك؟
فقال : رجوت أن يُحمد في السماء والأرض ، وقد حقّق الله تعالى رجاءه (1).
والفرق بين النبيّ والرسول :
أنَّ الرسول : هو المخبر عن الله تعالى بغير واسطة أحد من البشر ، وله شريعة مبتدأة كآدم عليه السلام أو ناسخة كمحمّد صلى الله عليه وآله.
والنبيّ : هو الَّذي يرى في منامه ، ويسمع الصوت ، ولا يعاين الملك.
والرسول : هو الَّذي يسمع الصوت ، ويرى في المنام ، ويعاين الملك.
وأنَّ الرسول قَدْ يكون من الملائكة بخلاف النبيّ. والأنبياء على ما ورد في الخبر مائة ألف وعشرون ألفاً. والمرسلون منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر ، وأربعة منهم عرب وهم : هود وصالح وشعيب ومحمّد صلى الله عليه وآله (2).
[20] - قال رحمه الله : «المبعوث لتمهيد قواعد الدين» (3).
أقول : نبّه بقوله (المبعوث) على جمعه بين النبوة والرسالة ، والأوّل أعم مطلقاً كما عرفته.
[21] - قال رحمه الله : «وتهذيب مسالك اليقين» (4).
ص: 97
أقول : ليمكن لنا بذلك تهذيب الباطن بدفع الملكات الرديّة ، ونقض شواغله عن الملك العلام.
[22] - قال رحمه الله : «الناسخ بشريعته المطهرة شرائع الأوّلين» (1).
أقول : (الشريعة) والجمع شرائع وهو : مورد الناس للاستسقاء ، سمّي الدين بذلك ؛ لوضوحه وظهوره.
[23] - قال رحمه الله : «والمرسل بالإرشاد والهداية رحمة للعالمين» (2).
أقول : قال بعض المحقّقين : (العالمين) جمع العالم : وهو : اسم لما يعلم به كالخاتم ، وغلب فيما يعلم به الصانع ، وهو كلّ ما سواه من الجواهر والأعراض ، فإنها لإمكانها وافتقارها إلى مؤثّر واجب لذاته تدل على وجوده ، وجمعه ليشمل ما تحته من الأجناس المختلفة ، وغلَّب العقلاء منهم فجمعه بالياء والنون كسائر أوصافهم.
وقيل : (اسم وضع لذوي العلم من الملائكة والثَّقلين ، وتناوله لغيرهم على سبيل الاستتباع).
وقيل : (المراد به الناس هاهنا ، فإن كلّ واحد منهم عالم أصغر من حيث إنه يشتمل على نظائر ما في العالم الأكبر من الجواهر والأعراض التي يعلم بها الصانع ، كما يعلم بما أبدعه في العالم الأكبر) ، انتهى (3).
ص: 98
وإلى الأخير أشار علي عليه السلام بقوله :
أتزعُمُ أنَّك جُرمٌ صغيرٌ *** وفيكَ انطوى العالَمُ الأكبرُ (1)
وقيل : لفظة العالم جمع لا واحد له من لفظه ، وإن العالمين ملحق بالجمع حكماً ؛ لأنه لو كان جمعاً للعالم لزم أن يكون المفرد أوسع دلالة من الجمع ، لأن العالم اسم لما سوى الله تعالى ، والعالمين خاصة بالعقلاء.
[24] - قال رحمه الله : «صلى الله عليه وآله الهداة المهديّين وعترته الكرام الطيبين» (2).
أقول : المراد الصلاة المأثورة بها في قوله تعالى : ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (3) وأصلها الدعاء ، لكنّها منه تعالى مجاز في الرحمة.
قيل : وثواب الصلاة عليه عائدة إلينا ؛ لأنَّ الله تعالى قَدْ أعطى نبيه صلى الله عليه وآله من المنزلة والزلفى به مالا تؤثِّر فيه صلاة مصلٍّ ، وهو منظور فيه وانتظر لما سنحقِّقه فيما يتعلق بهذا الشأن.
وقال الجوهري : (عترة الرجل نسله ورهطه الأدنون) (4).
فيدخل في الأوّل ما عدا علي عليه السلام ويدخل هو في الثاني.
ص: 99
وفي مجمع البحرين في حديث الصادق عليه السلام عن آبائه ، عن الحسن بن علي عليه السلام ، قال : «سُئل أمير المؤمنين عليه السلام عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله : «إني مخلّف فيكم الثَّقلين : كتاب الله ، وعترتي» مَن العترة؟
فقال عليه السلام : أنا والحسن والحسين عليهما السلام والأئمة التسعة من ولد الحسين عليه السلام ، تاسعهم مهديُّهم وقائمهم ، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حَتَّى يردوا على رسول الله صلى الله عليه وآله حوضه» (1).
وفي حديث آخر : وقد سُئل : ومَن عترة النبي؟
فقال : أصحاب العباء.
وعن ابن الأعرابي حكاه عنه تغلب : (العترة ولد الرجل وذريته من صلبه ؛ ولذلك سمّيت ذرية محمّد صلى الله عليه وآله من علي وفاطمة عترة محمّد صلى الله عليه وآله.
قال تغلب : فقلت لابن الأعرابي فما معنى قول أبي بكر في السقيفة : نحن عترة رسول الله صلى الله عليه وآله؟
قال : أراد بذلك بلدته وبيضته ، وعترة محمّد صلى الله عليه وآله - لا محالة - ولد فاطمة عليهما السلام ، كذا في معاني الأخبار) (2).
وعن بعض الأعلام : (أنّه ذكر محمّد بن بحر الشيباني في كتابه (3) عن تغلب ، عن ابن الأعرابي أنه قال : العترة البلدة والبيضة ، وهم عليهم السلام بلدة الإسلام وبيضته واُصوله.
ص: 100
والعترة : صخرة عظيمة يتَّخذُ الضبُّ عندها جحره ، يهتدي بها لئلا يضلَّ عنها ، وهم الهداة للخلق.
والعترة : أصل الشجرة المقطوعة ، وهم عليهم السلام أصل الشجرة المقطوعة ، لأنهم وتروا وقطعوا وظلموا.
والعترة : قِطَعُ المسك الكبار في النافجة (1) ، وهم عليهم السلام من بين بني هاشم وبني أبي طالب كقطع المسك الكبار في النافجة.
والعترة : العين الرائقة العذبة ، وعلومهم لا شيء أعذب منها عند أهل الحكمة والعقل.
والعترة : الذكور من الأولاد ، وهم عليهم السلام ذكور غير إناث.
والعترة : الريح ، وهم عليهم السلام جند الله وحزبه كما أن الريح جند الله.
والعترة : نبت متفرق مثل المرزنجوش (2) ، وهم عليهم السلام أهل المشاهد المتفرقة ، وبركاتهم منبَّثة في المشرق والمغرب.
والعترة : قلادة تعجب بالمسك ، وهم عليهم السلام قلائد العلم والحكمة.
وعترة الرجل : أولياؤه ، وهم عليهم السلام أولياء الله المتقون وعباده المخلصون.
والعترة : الرهط ، وهم عليهم السلام رهط رسول الله صلى الله عليه وآله ، ورهط الرجل قومه وقبيلته ، انتهى موضع الحاجة من كلامه ، وإنما حكيناه بطوله ؛ لعظم قدره ومحصوله) (3).
والكرام : جمع كريم بمعنى النفيس والعزيز.
والكُرَّام بالضم والتشديد ، أكرم من الكريم ويحتمله عبارة المصنف.
ص: 101
[25] - قال رحمه الله : «صلاة ترضيهم ، وتزيد على منتهى رضاهم ، وتبلّغهم غاية مرادهم ونهاية مناهم» (1).
أقول : ترضيهم من الإرضاء أو من الترضية ، يقال : أرضيته عني ورضّيته بالتشديد فرضي. وتبلغهم : من بلغت المكان بلوغاً ، أي : وصلت إليه.
وغاية مرادهم : في محل النصب على أنه مفعول لتبلغهم ، والمعنى : اُصلّي عليهم صلاة توصلهم إلى غاية المراد ونهاية المقصود ، وهذا الكلام من المصنّف رحمه الله ظاهر في أنَّ الصلاة عليهم سبباً لمزيد قربهم وكمالاتهم ، ولم دل دليل على عدم ترقّيهم في الكمالات في النشأة الآخرة ، بل بعض الأخبار يدلُّ على خلافه ، كما ورد في بعض أخبار التفويض : «أنه إذا اُفيض شيء على إمام العصر ، يُفاض أوّلاً على رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثُمَّ على إمامٍ إمامٍ حَتَّى ينتهي إلى إمام العصر (2) ، حَتَّى لا يكون آخرنا أعلم من أوّلنا ، بل مراتب قربه وارتباطه
ص: 102
ورحماته غير متناهية» ، لا يبعد أن يكونوا دائماً متصاعدين على مدارج القرب والكمال ، وكيف يمنع ذلك عنهم وقد ورد في الأخبار الكثيرة وصول آثار الصدقات الجارية والأولاد والمصحف وغيرها إلى الميِّت ، وأيّ دليل على استثنائهم عن تلك الأحكام ، بل هم آباء هذه الأمَّة المرحومة ، والأمَّة أولادهم ، وكلَّما صدر عن الأمَّة من خير وطاعة يصل إليهم نفعها وبركتها.
[26] - قال رحمه الله : «وتكون لنا عدّة وذخيرة يوم نلقى الله سبحانه ونلقاهم وسلّم تسليما» (1).
أقول : (العُدد) ما أعددته لحوادث الدهر من المال والسلاح ، والمراد هنا ما أعدّه ليوم الحساب ، وتقريب أنّ الصلاة عليهم ذخر وعدّة لنا هو أن يقال : إنّ من المعلوم أنّ من كانت له حاجة إلى سلطان فمن آدابه المقررة في العقول والعادات أن يهدي تحفاً إلى المقربين لديه والمكرمين عليه ؛ لكي يشفعوا له عنده ، بل لو لم يشفعوا أيضاً وعلم السلطان ذلك يقضي حاجته.
وبعبارة اُخرى : من أحبه السلطان وأكرمه ورفع منزلته يجب أن يكرمه الناس ويثنوا عليه ، فإذا فعل استحق العطاء من السلطان ، وإذا لم يظهر ذلك منه استحق الحرمان ، فهم صلوات الله عليهم وسائط بيننا وبين ربّنا في إيصال الخيرات والبركات إلينا ؛ لعدم ارتباطنا بساحة جبروته وبعدنا عن حريم ملكوته ، فلا بد أن يكون بيننا وبين ربّنا سفر أو حُجب ذو واجهات قدسيّة وحالات
ص: 103
بشريّة ، كما في (الكافي) في الصحيح عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّ رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله ، إنّي أجعل لك ثلث صلواتي ، بل أجعل لك نصف صلواتي ، لا بل أجعلها كلّها لك ، فقال رسول الله : «إذاً تُكفى مؤونة الدنيا والآخرة» (1).
وفيه أيضاً عن الحسن ، عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السلام ، قال : «ما في الميزان شيء أثقل من الصلاة على محمّد وآل محمّد ، وإنّ الرجل لتوضع أعماله في الميزان فتميل به ، فيُخرج صلى الله عليه وآله الصلاة عليه فيضعها في ميزانه فيرجع به» (2).
الثانية : أن يحذف المضاف إليه وينوى ثبوت لفظه ، فتعرب بالإعراب المذكور أي : الخفض ب-(من) ، ولا تنون أيضاً لنيّة الإضافة كقراءة بعضهم : ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ﴾ (1) بالخفض بغير تنوين ، أي : من قبل القلب ومن بعده ، فحذف المضاف إليه وقدّر وجوده.
الثالثة : قطعها عن الإضافة لفظاً ومعنى ، فلا يقطع عنها التنوين لكونها اسم كسائر أسما النكرات ، فتعرب بالإعراب المذكور فتنصب وتجر كقراءة بعضهم : ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ﴾ (2) بالجر والتنويه ، ومعنى قطعها عن الإضافة : أن لا يكون في نظر المتكلّم خصوصية المضاف إليه ، وكون المقصود قبلاً ما وبعداً ما ؛ لأجل التنكير ؛ إذ معنى الأوّل من المفاهيم المتضايفة ولا يصحّ بدون الإضافة ، ولها حكم الظروف اللازمة الإضافة فافهم.
الرابعة : أن يحذف المضاف إليه وينوى ثبوت معناه ، أي : بعد الحمد دون لفظه كما في المتن ويمنع من التنوين ؛ لثبوت المضاف إليه في التقدير ، كما إذا ثبت في اللفظ ، ويُبنى على الضم لتضمّنها معنى الإضافة التي هي من معاني الحرف ، وكونه على الحركة ؛ لأن الحركة دليل التمكُّن ؛ لأنها في الأصل متمكّنة ، وكونه على الضم ؛ لأنه أقوى الحركات كقراءة السبعة ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن
ص: 105
قَبْلُ وَمِن بَعْدُ﴾ (1) بالضم من غير تنوين ، وإنما سمّيت هذه الأسماء بالغايات ؛ لأنها جُعلت غاية للنطق بعد ما كانت مضافة ، ولهذه العلّة استوجبت أن تُبنى ؛ لأنَّ آخرها حين قُطع عن الإضافة صار كوسط الكلمة ، ووسط الكلمة لا يكون إلا مبنياً.
[28] - قال رحمه الله : «فإنَّ أولى ما أنفقت في تحصيله كنوز الأعمار» (2).
أقول : إضافة الكنوز إلى الأعمار إضافة معنويّة أفادت المضاف تعريفاً ، وهي بمعنى : من ، نحو : لجين الماء ، وخاتم حديد ، وباب ساج ، وذلك ؛ لأن المضاف إليه جنساً من المضاف كما في الأمثلة ، وعلامة ذلك صحَّة الإخبار عن المضاف بالمضاف إليه. فيقال : (هذا حديد) ، مشيراً إلى الخاتم (3).
أو : الباب ساج ، ولمّا شبّه العمر بالكنز رشّحه بما هو من لوازمه أعني الإنفاق.
[29] - قال رحمه الله : «وأطالت التردُّد بين العين والأثر في معالمه الأفكار» (4).
أقول : أي أطالت الأفكار حركتها الفكرية ما بين المقدمات والنتائج في تحصيل معالمه.
ص: 106
[30] - قال رحمه الله : «هو العلم بالأحكام الشرعيّة والمسائل الفقهيّة» (1).
أقول : (هو) مبتدأ ، و (العلم) خبر ، والجملة خبر (إن) الواقعة في صدر الكلام مع اسمها ، والإتيان بضمير الفصل (2) لتخصيص الخبر بالمبتدأ ، فإن معنى قولنا : زيد هو القائم.
أن القيام مقصور على زيد لا يتجاوزه إلى عمرو ؛ ولهذا يقال في تأكيده : لا عمرو ، وفيما نحن فيه المقصود أن العلم المذكور مقصور على صفة الأولوية لا يتجاوز إلى غيرها.
قال المحقّق التفتازاني في المطوّل : (بعد أن جعل معنى تخصيص المسند إليه بالمسند قصر المسند بالمسند إليه.
فإن قلت : الَّذي يسبق إلى الفهم من تخصيص المسند إليه بالمسند ، هو قصره على المسند ؛ لأن معناه جعل المسند إليه بحيث يخص المسند ، ولا يعمُّه وغيرَه.
قلت : نعم ، ولكنَّ غالب استعماله في الاصطلاح على أن يكون المقصور هو المذكور بعد الباء على طريقة قولهم : خصصت فلاناً بالذكر ، إذا ذكرته دون غيره ، وجعلته من بين الأشخاص مختصّاً بالذكر ، فكأن المعنى جعل هذا المسند إليه من بين ما يصح اتصافه بكونه مسنداً إليه مختصاً بأن يثبت له المسند) ، انتهى (3).
وأنت خبير بأنّ ما نحن فيه أيضاً من هذا القبيل ، فيقال : إنّ الأولوية من بين
ص: 107
ما يصح اتصافها بكونها مسنداً ، منفردة ومختصّة بأن يثبت لها علم الفقه مثلاً من بين سائر العلوم ، وفي تعريف الخبر باللازم من مبالغة التخصيص ما لا يخفى.
[31] - قال رحمه الله : «فلعمري إنّه المطلب الَّذي يظفر بالنجاح طالبه ، والمغنم الَّذي يبشر بالأرباح كاسبه» (1).
أقول : ذكر جدّي الفاضل الصالح المازندراني في حاشية المعالم ما يليق بالإشارة إليه ، والاقتصار عليه ، حيث قال : (ثُمَّ أردفه - أي المصنَّف رحمه الله - بذكر غايته العظمى مصدّراً بالقسم ؛ دفعاً لتوهُّم الإنكار والجزاف حيث قال : فلعمري ... إلخ.
(اللام) للابتداء ، حذف خبره وجوباً لقيام جواب القسم مقامه ، أي : لعمري قسمي.
والعمر : بضم العين وفتحها ، فلا تستعمل في القسم إلا بالفتح ، واعترض بأن الحلف بغيره سبحانه منهيٌ عنه ، واُجيب عنه تارة بأنّ المضاف محذوف ، أي : فلواهب عمري. واُخرى بأن المراد هو الإتيان بصورة القسم ترويجاً للمقصود ، وليس المراد به القسم حقيقة) ، انتهى كلامه (2).
و (الذروة) : بالكسر والضم أعلى السنام [وكل شيء] (1).
و (العليا) : تأكيد للعلو المستفاد من الذروة ، والمراد واضح.
[33] - قال رحمه الله : «وتنال به السعادة في الدار الأُخرى» (2).
أقول : وهي الغاية المقصودة من هذا العلم ، والثمرة الملحوظة ، ولذا وردت الأخبار وتواترت الآثار في الحثّ على تحصيل هذا العلم ، والترغيب لتحمُّل المشاق في سبيل تعلُّمه وتعليمه ، وترتّب الثواب العظيم عليهما حسب ما سيتلى عليك منها جملة وافرة.
[34] - قال رحمه الله : «ولقد بذل علماؤنا السابقون وسلفنا الصالحون ، رضوان الله عليهم أجمعين ، في تحقيق مباحثه جهدهم ، وأكثروا في تنقيح مسائله كدَّهم» (3).
أقول : فلله درّهم ، فكم ضربوا في تحصيله شرق البلاد وغربها حيناً ، وألحّوا في طلبه لدى كل أحد وإن كان به ضنينا ، فعرفوا أسراره ورفعوا مناره ، وصانوه عن التبديل واختلاف التأويل ، وأذابوا نفوسهم في تحقيق مباحثه ، فقربوا منه البعيد من مبانيه ، ولحقوا الشريد من معانيه ، وعمروا دِمَنَهُ الدارسة ، وجدَّدوا معالمه الطامسة ، وفهموا أسراره ورأوا بعين البصيرة أنواره ، ورغبوا في سلوك سبيله ، وجهدوا على إحرازه وتحصيله ، وكتبوا في فنّه الشريف ما ينوف على الأُلوف ، وارتادوا ، واصطادوا ، واستفادوا ، وقرأوا ، وسمعوا ، وأمنعوا ، وأتقنوا ،
ص: 109
واجتنبوا واقتنوا ، ﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ (1).
و﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ﴾ (2).
[35] - وإلى ذلك أشار المصنّف رحمه الله وقال : «فكم فتحوا فيه مقفلاً ببنان أفكارهم ، وكم شرحوا منه مجملاً ببيان آثارهم ، وكم صنّفوا فيه من كتاب يهدي في ظلم الجهالة إلى سنن الصواب» (3).
أقول : فيه تشبيه الأفكار بالإنسان بطريق الكتابة وإثبات البنان لها تخييليّة ، ثُمَّ إذا كان الفصل بين (كم) الخبرية ومميزها بفعل متعدّ وجب الإتيان ب-(من) ؛ لئلا يلتبس المميَّز بمفعول ذلك المعتدي ، نحو قوله تعالى : ﴿كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ﴾ (4) و﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ﴾ (5).
وعليه ، فعدم إتيان (من) في الفقرتين الأوليين لا يخلو من شذوذ ، كما هو المنقول عن بعض من نصب مميَّز (كم) الخبرية ، مفرداً كان أو جمعاً بلا فصل أيضاً ، نقله نجم الأئمة في شرحه (6).
والمراد بالآثار هي الكتب المصنَّفة في علم الفقه التي أشار إلى بعضها.
ص: 110
[36] - قال رحمه الله : «من مختصر كان في تبليغ الغاية ، ومبسوط شاف يتجاوز النهاية ، وإيضاح يحلّ من قواعده المشكل ، وبيان يكشف من سرائره المفصّل ، وتهذيب يوصل من لا يحضره الفقيه بمصباح الاستبصار إلى مدينة العلم ، ويجلو بإنارة مسالكه عن الشرائع ظلمات الشك والوهم ، وذكرى دروس مقنعة في تلخيص الخلاف والوفاق ، وتحرير تذكرة هي منتهى المطلب في الآفاق ، ومهذّب جمل يسعف في مختلف الأحكام بكامل الانتصار ، ومعتبر مدارك يحسم مواد النزاع من صحيح الآثار ، ولمعة روض يرتاح لتمهيد اُصول الجنان ، وروضة تدهش بإرشاد فروعها الأذهان ، فشكر الله سعيهم وأجزل من جوده مثوبتهم» (1).
أقول : لا يخفى عليك ما في هذه الفقرات من حسن تأدية المقصد بإيراد أسماء الكتب الفقهية من غير اختلال في النظم ، ولا خفاء في المعنى رعاية لبراعة الاستهلال.
والبراعة : مصدر (برع الرجل) إذا فاق أصحابه.
والاستهلال : أوّل صوت الصبي ، ثُمَّ استُعير لأوّل كل شيء.
فبراعة الاستهلال بحسب المعنى اللغوي تفوق الابتداء ، وفي الاصطلاح كون الابتداء مناسباً للمقصود ، وهو إنّما يكون سبباً لبراعة الاستهلال أي تفوق الابتداء ، فتسميته بها يكون من باب تسمية السبب باسم مسبّبه تنبيهاً على كمال السبب في السببية ، فكأنّ التسمية على طريقة النقل لا الارتجال.
فالمختصر : هو كتاب المختصر النافع في الفقه معروف للشيخ السعيد نجم
ص: 111
الملّة والدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد المعروف بالمحقّق.
والمبسوط : هو كتاب الشيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي رحمه الله.
والشافي في كتاب الإمامة : للسيِّد المرتضى علم الهدى أبي القاسم علي بن الحسين الموسوي.
والنهاية : كتاب في الفقه للعلّامة الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحِلّي طاب ثراه (1).
والإيضاح : هو شرح قواعد العلّامة لولده فخر الدين محمّد بن الحسن بن يوسف المذكور.
والقواعد : من أعرف كتب العلّامة.
والبيان : من أشهر متون الفقه للشهيد الأوّل محمّد بن مكي رحمه الله.
والسرائر : لمحمّد بن أحمد بن إدريس الحِلّي العجلي.
والتهذيب : هو أحد الكتب الأربعة التي عليها المدار بين الطائفة المحقّة الإمامية للشيخ الطوسي المتقدِّم.
ومن لا يحضره الفقيه : أيضاً من الكتب الأربعة للشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه الصدوق القمّي رحمه الله.
والمصباح : الكبير والصغير للطوسي المتقدِّم.
ص: 112
والاستبصار : من الكتب الأربعة المذكورة أيضاً له.
ومدينة العلم : من كتب الصدوق ، أكبر من الفقيه نَسَبَهُ إليه الشيخ في الفهرست (1).
نقل السيِّد عبد الله الجزائري في إجازته الكبيرة : أنه لما تأهّب المولى المجلسي رحمه الله لتأليف كتاب بحار الأنوار كان يفحص عن الكتب القديمة ويسعى في تحصيلها ، وبَلَغَهُ أنّ كتاب مدينة العلم للصدوق يوجد في بعض بلاد اليمن ، فأنهى ذلك إلى سلطان العصر ، فوجّه السلطان أميراً من أركان الدولة سفيراً إلى ملك اليمن بهدايا وتحف كثيرة لخصوص تحصيل ذلك الكتاب (2).
غير أنَّ صاحب الروضات ادّعى : أنّه لم يُرَ منه أثرٌ ولا عين بعد زمن العلّامة والشهيدين ، مع نهاية اهتمام علمائنا في تحصيله ، وإنفاقهم المبالغ الخطيرة في سبيله ، نعم ، قَدْ نثل أنه كان عند والد شيخنا البهائي رحمهما الله ولكنّ العادة تأباه ، كيف لا وهو لم يوجد عند أحد من المحمّدين الثلاثة المتأخّرين أيضاً كما لا يخفى ، فكأنه شبيه بالعنقاء أو لم يكن بهذه المثابة من العظم والبهاء (3). (4)
ص: 113
والمسالك : شرح على (الشرائع) من الكتب المعروفة لزين الدين بن علي المعروف ب-(الشهيد الثاني).
والشرائع : من أحسن كتب الإمامية التي عليها المدار في سالف الأعصار وفي عصرنا هذا ، للمحقّق المتقدِّم (1).
والذكرى والدروس : كتابان معروفان للشهيد المتقدِّم (2).
والمقنعة : لأبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان بن عبد السلام الملقَّب ب-(المفيد).
وكتاب التلخيص أي : تلخيص المرام : للعلامة الحِلّي المتقدِّم.
والخلاف : من الكتب المعروفة للطوسي المتقدِّم.
والتحرير والتذكرة ومنتهى المطلب : من كتب العلّامة.
والمهذب البارع : لجمال الدين أبي العبَّاس أحمد بن شمس الدين بن محمّد بن فهد الحِلّي الأسدي الساكن بالحلة والحائر الشريف حيّاً وميتاً.
والجمل هو : جعل العلم والعمل للسيِّد المرتضى.
ص: 114
والمختلف : للعلّامة الحِلّي المتقدِّم.
وكامل الزيارة : للشيخ النبيل الثقة أبي القاسم جعفر بن محمّد بن جعفر بن موسى بن قولويه.
والانتصار : هو من كتب السيِّد المرتضى.
والمعتبر : من الكتب المعروفة للمحقِّق المتقدِّم (1).
والمدارك : لشمس الدين محمّد بن علي بن الحسين بن أبي الحسن الموسوي العاملي الجبعي ابن بنت الشهيد الثاني.
وتمهيد القواعد : للشهيد الثاني.
والروضة : له أيضاً.
هذا ويجدر بالمقام أن نشير إلى جملة من الكتب والمصنَّفات التي وقع الاختلاف والاشتباه في مصنّفيها ، وجهلوا مؤلِّفيها فمن ذلك :
[أ] - جامع ديوان مولانا أمير المؤمنين عليه السلام : فقد نسبه النجاشيّ في الفهرست إلى الجلوديّ ، وهو عبد العزيز بن يحيى بن عيسى الجلوديّ من أصحاب أبي جعفر عليه السلام (2).
وابن شهر آشوب نسبه إلى الشيخ أبي الحسن علي بن أحمد بن محمّد الفنجكرديّ الأديب النيسابوريّ - كان معاصراً للزمخشري والميداني - المتوفّى
ص: 115
سنة 513 وسمّاه (سلوة الشيعة) (1) ، وفنجكرد قرية من قرى نيسابور.
وذكره عبد الغفّار الفارسيّ فقال : علي بن أحمد الفنجكرديّ الأديب البارع صاحب النظم والنثر الجاريين في سلك السلاسة ، الباقيين معه على هرمه وطعنه في السن ، قرأ اُصول اللُّغة على يعقوب بن أحمد الأديب وغيره وأحكمها وتخرّج فيها ، أصابته علّة لزمته في آخر عمره ومات بنيسابور في الثالث عشر من رمضان سنة 513 وعمره ثمانون (2).
والشيخ أبو الحسن قطب الدين محمّد بن الحسين بن الحسن الكيدري السبزواري شارح نهج البلاغة نسبه إلى نفسه في الشرح المذكور سمّاه بأنوار العقول من أشعار وصي الرسول (3).
ص: 116
ولكن في معجم الأدباء لياقوت الحموي ، أنه قرأ بخط أبي منصور محمّد بن أحمد الأزهري اللغوي في كتاب التهذيب له ، قال أبو عثمان المازني : لم يصح عندنا أنّ علي بن أبي طالب عليه السلام تكلَّم من الشعر بشيء غير هذين البيتين (1) :
تِلكُم قَرَيْشُ تَمَنَّانِي لِتَقْتُلَنِي *** فَلا وجدّك لا بَرُّوا ولا ظَفَرُوا
فإنْ هَلَكْتُ فَرَهْنٌ ذمَّتي لهُمُ *** لذاتِ وَدْقَيْنِ لا يَعْفُو لها أَثَرُ (2)
ص: 117
[ب] - ومن ذلك رسالة إلزام النواصب بإمامة علي ابن أبي طالب عليه اسلام : عدّه في أمل الآمل من جملة الكتب المجهولة المؤلِّف (1) ، والصحيح أنّه للشيخ مفلح الصيمري ، على ما صرّح به العلّامة الشيخ سليمان الماحوزي المتوفّى سنة 1122 في رسالة له في أحوال علماء البحرين (2) ، ونسبه بعضهم إلى السيِّد رضي الدين أبي القاسم عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن أحمد بن طاووس الحسني صاحب كتاب الطرائف ، وهو اشتباه (3).
[ج] - ومن ذلك كتاب فضائل أمير المؤمنين عليه السلام : ذكر ابن شهر آشوب في آخر كتاب معالم العلماء أنه مجهول المؤلِّف (4) ، وهو لمحمّد بن جرير الطبري أعني الشيخ أبا جعفر الإمامي الشيعي جدّه رستم الطبري ، نقل صاحب العبقات من حاشية في أصل كتاب تذكرة الحفاظ للذهبي : أنه لمّا سمع الطبري أنّ ابن أبي داود يتكلَّم في حديث (غدير خم) صنّف كتاب الفضائل وصحّح الحديث المزبور (5).
ص: 118
ولأبي المؤيد أخطب خوارزم الموفّق بن أحمد من علماء العامّة كتاب (فضائل أمير المؤمنين) ينقل عنه صاحب غاية المرام كثيراً (1).
[د] - وفضائل الأخبار : هي رسالة مختصرة فيها مائة منقبة من مناقب أمير المؤمنين بأسانيد العامّة للشيخ الجليل أبي الحسن محمّد بن أحمد بن علي بن الحسين بن شاذان ، أحد مشايخ شيخنا الطبرسي وأبي الفتح الكراجكي ومن جملة المتلمّذين على التلعكبري ، وشيخنا الصدوق رحمه الله (2).
[ﻫ] - ومن ذلك الكتاب الكشكول فيما جرى على آل الرسول : قال في أمل الآمل عند ذكر مؤلَّفات العلّامة : الكشكول فيما جرى على آل الرسول ينسب إليه ، وفي آخر الكتاب عَدَّهُ في ضمن المجاهيل (3).
قلت : ومن المحقِّق أنه من مؤلَّفات السيِّد الحكيم العارف السيِّد حيدر الآملي ابن علي العبيدي الحسني الصوفي المعاصر للعلّامة وفخر الدين ، ويؤيده أنَّ مصنِّف هذا الكتاب ذكر في أثناء الكتاب أنّه كان مشغولاً بتصنيفه سنة 736
ص: 119
من الهجرة النبوية ، وهذا التاريخ متأخّر عن وفاة العلّامة بعشر سنين ، فإنَّ وفاته كما سيجيء سنة 726 (1).
وعلى كل حال فقد قال العلّامة في (الشهاب الثاقب) : (إن السيِّد حيدر هذا اختار القول بوحدة الوجود وأنا منه بريء ، وهو ليس من الَّذين يرجع إليهم ويعتمد عليهم) (2).
[و] - ومن ذلك كتاب التلقين لأولاد المؤمنين : عدّه ابن شهر آشوب من المجاهيل (3) ، وصرّح صاحب الأمل وكشف الحجب أنّه للقاضي أبي الفتح محمّد بن علي بن عثمان الكراجكي (4).
[ز] - ومن ذلك كتاب فرحة الغري في تعيين مرقد علي : ذكرَ في مجالس المؤمنين في ترجمة النَّجف أنّه للسيّد رضي الدين علي بن طاووس وهو اشتباه
ص: 120
منه غريب (1) ، فإنَّ الكتاب المزبور للسيِّد عبد الكريم بن طاووس كما عن رياض العلماء وغيره (2) ، ومن ذلك تلخيص لهذا الكتاب سمّاه مصنّفه الدلائل البرهانية في تصحيح الحضرة الغروية.
قال الشيخ عبد الله الأفندي في رياض العلماء : (رأيت الكتاب المزبور في طهران ولم أعلم مؤلِّفه) (3).
قلت : ومؤلِّفه هو الشيخ أحمد الجوذري النَّجفي ، ألَّفه سنة 1048 ، وتوحيد منه نسخة عتيقة عند بعض السادة في كربلاء (4).
ص: 121
[ح] - ومن ذلك كتاب مصباح الأنوار في مناقب إمام الأبرار : ينسب إلى الشيخ الطوسي ، وخطّأه العلّامة المجلسي في قائمة البحار ، وقال : (كثيراً ما يروي عن الشيخ شاذان بن جبرائيل القمِّي وهو متأخّر عن الشيخ بسنين) (1).
[ط] - ومن ذلك كتاب جامع الأخبار : فإنّ نسبته إلى الصدوق شائعة ، وهو خطأ كما في قائمة البحار ، فإنه يروي عن الصدوق بخمس وسائط.
فقيل : إنه لعلي بن سعد بن أبي الفرج الخياط (2) ، ونسبه جدّي بحر العلوم في فهرست كتبه إلى الطبرسي (3).
ص: 122
ويظهر من بعض مواضع هذا الكتاب وهو فصل تقليم الأظفار أنّ اسم مؤلِّفه محمّد بن محمّد الشعيري ، وهو غير متعين وإن صرَّح به في أمل الآمل (1).
[ي] - ومن ذلك رسالة القبلة الموسومة بإزاحة العلّة : ذكر الشيخ الحرّ العاملي في الفائدة الرابعة من الوسائل أنَّ الرسالة المزبورة للفضل بن شاذان (2) ، وهو من العثرات فإن الرسالة للشيخ الجليل شاذان بن جبرئيل القمِّي كما صرّح هو بنفسه في أمل الآمل ، وقال : (وعندنا منه نسخة) (3).
وفي أوّل الرسالة : فإنَّ الأمير الأجل العالم الزاهد جمال الدين زين الإسلام والمسلمين ، شرف الحاج والحرمين فرامز بن عليّ البقراني الجرجاني أدام الله سعده ، لمّا كان بمكة سنة ثمان وخمسين وخمسمائة إلى آخر ما ذكر ، وأين هو من الفضل بن شاذان المتوفّى في أيام العسكري عليه السلام (4).
ص: 123
[ك] - ومن ذلك كتاب مسند فاطمة عليها السلام : عدّه في أمل الآمل من الكتب المجهولة (1) ، وهو من تآليف الشيخ الحافظ أبي الحسن علي بن عمر الدار قطني ، كما في غيبة البحار وغيرها (2).
[ل] - ومن ذلك كتاب قصص الأنبياء وقد نسبه المشهور إلى قطب الدين سعيد بن هبة الله وهو الظاهر من بعض أسانيده أيضاً (3) ، واحتمل بعض الأعلام أنه تأليف فضل الله بن علي بن عبد الله الحسيني الراوندي كما يظهر من بعض أسانيد السيِّد ابن طاووس (4) ، وقد صرّح بكونه منه في رسالة النجوم وكتاب فلاح السائل (5).
[م] - ومن ذلك كتاب البدع المحدثة لعلي بن أحمد أبي القاسم الكوفيّ صاحب كتاب الأوصياء المتوفّى سنة 353 ، وهذا الكتاب هو المشهور بالاستغاثة في بدع الثلاثة والعلّامة المجلسي في البحار والحر العاملي في الأمل نسباه إلى
ص: 124
الشيخ كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني المتوفّى 679 (1).
وقال شيخنا يوسف البحراني : (ثُمَّ إن ما ذكره شيخنا المذكور من نسبة كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة للشيخ - يعني ابن ميثم - غلط ، قَدْ تبع فيه بعض من تقدَّمه ولكن رجع عنه أخيراً فيما وقفت عليه من كلامه ، وبذلك صرّح تلميذه العالم الشيخ عبد الله بن صالح البحرانيّ رحمه الله) ، انتهى (2).
وهو مذكور في فهرست النجاشي أيضاً بعنوان كتاب البدع المحدثة ، (ويشهد على ما ذكرنا روايته بلا واسطة عن جعفر بن محمّد بن مالك الكوفيّ) (3).
قال النجاشي : (كان يقول : إنه من آل أبي طالب ، وغلا في آخر أمره وفسد مذهبه ، وصنَّف كتباً كثيرة أكثرها على الفساد ، إلى أن قال : توفّي أبو القاسم بموضع يقال له : كرمي من ناحية فسا (4) ، وكانت وفاته سنة 352 ، وقبره بكرمي ... إلخ) (5).
[ن] - ومن ذلك كتاب دفع المناواة عن التفضيل والمساواة : يبحث فيه عن
ص: 125
تفضيل الأئمّة على سائر الأنبياء ومساواتهم مع النبي صلى الله عليه وآله في جميع المراتب سوى مرتبة النبوة ، وهو مؤلَّف جليل لسيِّد المحقّقين السيِّد حسين ابن السيِّد ضياء الدين أبي تراب حسن بن صاحب الكرامات الباهرة والمقامات الزاهرة شمس الدين السيِّد أبي جعفر محمّد الموسويّ الكركي المعروف بالأمير سيِّد حسين ، وهو ابن بنت الشيخ علي المحقّق الثاني ، ونازل منزلته من بعده عند الأُمراء والسلاطين ، توفّي بالطاعون سنة 1001 بقزوين ، وعندي منه نسخة صحيحة ، وقد جعل خطبته باسم السلطان الشاه طهماسب الصفويّ ، وفي آخر الكتاب ذكر ما لفظه : (وفرغ من تسويدها مؤلِّفها المذنب الجاني الحسين بن الحسن الحسيني رابع ربيع الأوّل من سنة تسع وخمسين وتسعمائة من الهجرة النبويّة ، وقد فرغ كاتبه من استنساخه سنة 962) (1).
وعليه ، فلا يمكن رواية المجلسي الأوّل - أعني المولى محمّد تقي - عنه لتولّده بعد وفاته بسنتين أعني سنة 1003 ، فما في فوائد الأُصول لجدّي العلامة بحر العلوم رحمه الله من أنّ الكتاب المزبور هو للسيِّد القاضي أمير حسين الَّذي هو من مشايخ إجازة المجلسيّ الأوّل ، وعليه اعتمد في صحَّة كتاب فقه الرضا عليه السلام غفلة منه رحمه الله (2) ، بناء على : «أنَّ الصارم قَدْ ينبو والجواد قَدْ يكبو»، لما عرفت من تاريخ وفاته الموافق مع طبقة الشهيد الثاني رحمه الله فهو غيره قطعاً.
ومن عجب الاشتباه وغريبه ما رأيت في كتاب أسرار الحكم (3) للحكيم
ص: 126
المحقِّق الحاج ملا هادي السبزواري رحمه الله ، حيث نقل فيه عن بعض المحقِّقين إنكار كون التجريد من كتب المحقِّق الخواجة نصير الدين الطوسي طاب ثراه (1) ، وبالجملة هذا الكتاب من أشهر كتب هذا المحقِّق مضافاً إلى ما صرّح به غير واحد من شرّاح الكتاب المزبور في مبادئ شروحهم من الجزم بنسبة الكتاب المزبور إلى المحقِّق المذكور (2) ، ومن جملة المعترفين : العلّامة الحِلّي في أوّل شرحه الَّذي سماه بكشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (3) ، وكذلك الفاضل الملا علي القوشجي ، قال ما لفظه : (وإن كتاب التجريد الَّذي صنفه في هذا الفن المولى الأعظم والبحر المعظّم ، قدوة العلماء الراسخين ، اُسوة الحكماء المتألهين ، نصير الحقِّ والدين محمّد بن محمّد الطوسيّ قدس الله نفسه وطيّب رمسه ...) (4).
ومن عجيب ما وقع من المحقِّق السبزواري المزبور في كتابه المذكور أنه عبّر عن شرح العلّامة للتجريد بالأسرار الخفيّة مع تصريح الشارح رحمه الله بأنه سمّاه
ص: 127
بكشف المراد (1).
هذا ما وسعني ثبته من الأوهام وهو يسير من كثير ، والسبب الوحيد في هذه الاشتباهات هو المسامحة فيما جرى عليه ديدن القدماء في صدر كتبهم ، فكانوا يذكرون اسم المؤلِّف لتسكين المتعلِّم على ما هو الشأن في مبادئ الحال من معرفة حال الأقوال في مراتب الرجال ، وإن كان المحقِّقون يعرفون الرجال بالحقّ لا الحقّ بالرجال ، ولنعم ما قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام : «لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قال» (2). (3)
[37] - قال رحمه الله : «حيث كان من فضل الله تعالى علينا أن أهّلنا لاقتفاء آثارهم ، أحببنا الأُسوة بهم في أفعالهم ، فشرعنا بتوفيق الله في تأليف هذا الكتاب الموسوم بمعالم الدين وملاذ المجتهدين» (4).
أقول : يقال : أهّله الله للخير تأهُّلاً إذا جعله أهلاً له.
ص: 128
والمعالم : جمع مَعلَم وهو موضع العلم ومربطه.
والباء في قوله : (بمعالم الدين) للتقوية (1) ؛ لكون العامل ليس أصلاً في العمل لكونه اسماً ن والمناسبة بين الاسم والمسمّى واضحة.
[38] - قال رحمه الله : «وجدّدنا به معاهد المسائل الشرعية ، وأحيينا به مدارس المباحث الفقهية ، وشفعنا فيه تحرير الفروع بتهذيب الأُصول ، وجمعنا بين تحقيق الدليل والمدلول» (2).
أقول : المعاهد جمع معهد ، وهو المكان المعهود فيه الشيء ، والمكان الَّذي لا يزال القوم يرجعون إليه ، وكلا المعنيين يناسب المقام (3).
ومدارس : جمع مدرسة ، محل تعليم العلم.
وشفّعنا : أضفنا وزدنا عليه ، وفيه دلالة على أنَّ المقصود بالأصالة من تأليف الكتاب تحرير المسائل الفقهية ، والتعرض للأُصول إنما هو من باب المقدِّمة.
وفي قوله : تحرير الفروع بتهذيب الأٌصول ، من براعة الاستهلال ما لا يخفى لطفه ، فإنَّ التحرير من الكتب الفرعية ، والتهذيب من الكتب الأُصولية (4) ،
ص: 129
وكلاهما للعلامة الحِلّي رحمه الله ، ولما في لفظ التحرير من الإشارة إلى أنَّ هذا البيان خال من الحشو والزوائد.
والمراد من الدليل : هو الأُصول.
ومن المدلول : هو الفقه.
[39] - قال رحمه الله : «بعبارات قريبة من الطباع ، وتقريرات مقبولة عند السماع ، من غير إيجاز موجب للإخلال ، ولا إطناب معقب للملال» (1).
أقول : المقبول من طرق التعبير عن المراد - على ما ذكره الخطيب القزويني - تأديته بلفظ مساوٍ له ، أو ناقص عنه وافٍ به ، أو بلفظ زائد على المراد لفائدة (2).
فالمساواة أن يكون اللفظ بمقدار أصل المراد.
والمراد بالإيجاز أن يكون اللفظ ناقصاً عنه وافياً به ، وهذا النوع - أعني الإيجاز - اعتنت به فصحاء العرب وبلغاؤهم كثيراً ، فإنهم كانوا إذا قصدوا الإيجاز أتوا بألفاظ يستغنون بواحدها عن ألفاظ كثيرة ، كأدوات الاستفهام ، والشروط وغير ذلك ، فقولك : أين زيد؟ مغنٍ من قولك : أزيد في الدار ، أم في المسجد ، أم في السوق؟ إلى أن تستقرئ جميع الأماكن.
وقولك : من يَقُم أقم معه ، مغنٍ عن قولك : إن يقمْ زيد أو عمرو أقم معه.
وما بالدار من أحد ، مغنٍ عن قولك : ما فيها زيد ولا عمرو ولا بكر ، إلى أن تستقرئ جميع الأشخاص.
ص: 130
فغالب كلام العرب مبني على الإيجاز ، والاختصار ، وأداء المقصود بأقل عبارة ، ولذا قال صلى الله عليه وآله مفتخراً : «اُوتيت جوامع الكلم» (1).
أي قوة إيجاز في اللفظ مع بسط في المعاني ، ثُمَّ إنَّ هذا النوع على ضربين : إيجاز قصر ، وإيجاز حذف.
فإيجاز القصر : اختصار الألفاظ ، كقوله تعالى : ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ (2) فإن معناه كثير ولفظه يسير ؛ لأن المراد به أنَّ الإنسان إذا علم أنه متى قَتَلَ قُتِل ، كان ذلك داعياً إلى أن لا يقدم على القتل ، وارتفاع القتل عن الناس حياة لهم.
ومن ذلك أيضاً قوله تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (3) ، فإنّه تعالى وعظ فيها بألطف موعظة ، وذكَّر بألطف تذكرة ، واستوعب جميع أقسام المعروف والمنكر ، وأتى بالطباق اللفظي والمعنوي ، وحسن النسق والتسهيم ، وحسن البيان والإيجاز ، وائتلاف اللفظ ومعناه ، والمساواة وصحَّة المقابلة ، وتمكين الفاصلة ، ومن ذلك قول الشاعر :
يا أيُّها المُتَحَلِّي دُونَ شِيمَتِه *** إنَّ التَّخَلُّقَ يأتي دُونَهُ الخَلْقُ (4)
ص: 131
وإيجاز الحذف : عبارة عن حذف بعض اللفظ لدلالة الباقي عليه ، كقوله تعالى : ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا﴾ (1) أي : أهل القرية ، ومن ذلك قول الشاعر :
«عَلَفْتُها تِبْناً وماءً بارداً» (2) أي سقيتها ماءً بارداً ، فاللفظ الناقص عن المراد غير الوافي به هو الإيجاز المخل ، كقول الحاري بن الحِلْزّة اليشكري :
والعيش خيرٌ في ظلَالِ النوك ممَن *** عاش كَدّاً في ظلال العَقْلِ (3)
والمراد : أن العيش في ظلال النَّوكِ أي الحمق والجهالة ، خير من العيش الشاق في ظلال العقل ، ولكنّ اللفظ غير واف بهذا المراد.
وأمّا الإطناب المستحسن : فهو أن يكون اللفظ زائداً على أصل المراد لفائدة.
قال الزمخشري : (وكما يجب على البليغ في مظانّ الإجمال أن يجمل ويوجز ؛ فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل والإشباع أن يفصّل ويشبع) ، انتهى (4).
قلت : ومن ذلك قوله تعالى : ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ (5).
ص: 132
أطنَبَ فيها أبلغ إطناب وزاد على المتعارف ، وهو أن يقول في وقوع كلّ ممكن على نظام مخصوص لآيات للعقلاء ، وما كان زائداً على أصل المراد لغير فائدة ، ولا يكون اللفظ الزائد متعيِّناً هو الإطناب الممل الغير المستحسن ، كقول ابن الأبرش يذكّر غدْر الزبّاء بجَذِيمة بن الأبرش (1) :
وقدَّدتِ الأَدِيمَ لِراهِشَيْهِ *** وألفى قَوْلَها كَذِباً وَمِيْنا (2)
الكذب والمَيْن : بمعنى واحد ، ولا فائدة في الجمع بينهما فأحدهما لا على التعيين زائد.
ولهذا البيت قصة مذكورة في كتب التاريخ وهي أنَّ عَدي - بالفتح - بن زيد العبادي يذكر حال الزبّاء مع جَذِيمة الأبرش وجَذِيمة - بفتح الجمي وكسر الذال المعجمة - والأبرش لقبه ؛ لأنه كان به برص فهابت العرب أن تلقبه بالأبرص ، فأبدلوا الصاد شيناً ، وكان قَدْ ملك العراق.
وقيل : إنّه أوّل من أوقد الشمع في مجلسه ، وأوّل من نصب المنجنيق في الحصار من العرب ، فكان ملكه قبل المسيح عليه السلام ، وقيل : بعده بمدّة يسيرة ، وكان من أمره أنّه حارب ملك الجزيرة وأعمال الفرات ومشارق الشام.
ويقال لذلك الملك : عمرو بن الضرب بن حسان العميلقي ، فجرى بينه وبين جّذِيمة حروب فانتصر جّذِيمة عليه وقتل عمراً. وكان لعمرو بنت تُدعى
ص: 133
الفارغة - بالفاء والغين - وقيل : نائلة ، ولقبها الزبّاء - بالراء المعجمة والباء الموحَّدة المشدَّدة ، من الزبب وهو كثرة الشعر - لأنها كانت حسنة الحواجب ، طويلة الشعر جداً ، وكانت عاقلة فملكت بعده وبنت مدينتين على شاطئ الفرات من الجانب الشرقي والغربي وهما اليوم خراب.
وكان فيما ذُكر قَدْ أسقفت الفرات وجعلته طريقاً بين المدينتين (1) ، وأخذت في الحيلة على جَذِيمة وأطمعته بنفسها حَتَّى اغتر وكانت بكراً ، فجمع جَذِيمة أصحابه واستشارهم فأشاروا عليه بالمضي إليها ، وخالفهم قصير بن سعد - تابع له من لخم (2) ، وقيل : كان ابن عمه ووزيره ولم يكن قصيراً ؛ ولكن سمّي بذلك لمكره ودهائه - وقال له : لا تفعل ، فخالفه وسار نحوها في جماعة يسيرة فاستقبلته ، وأحاطوا به وحملوه إلى قصرها فأمرت به فشدّوا بين يديه بسيور من أديم كما يفعله الفصّادون ، ثُمَّ قطعت رَواهشه (3) فسال الدم حَتَّى مات.
وكان له ابن اُخت اسمه : عمرو ، فملّكوه مكانه ، فأتاه قصير وقال : نصحت خالك فخالفني ، وأنا اُريد أن تقطع اُذنيَّ وتجدع أنفي وتضربني ضرباً شديداً بالسياط ، ودعني والزبّاء ، ففعل به ذلك.
ص: 134
فهرب قصير على تلك الحالة إلى الزبّاء على أنّه مغاضب لعمرو وأنّه فعل بي ما ترين فصدقت به ، ورقت له وأنعمت عليه وقرَّبته ، وصار من أخصّائها ، وكان يأخذ مالها ويتجر به ، ويضيف إليه أضعافاً من عنده ، ويظهر أنّه من مال التجارة.
وما زال يدبِّر الأمر حَتَّى احتال عليها ، وأدخل إلى قصرها أربعة آلاف رجل بالسلاح ، وجعلهم في صناديق وأقفلها من الداخل ، وحملهم على الإبل ، فلمَّا شاهدت الزبّاء ثقل تلك الأجمال ارتابت منها ، وقالت :
ما للجمال مشيها وئيدا *** أجنْدلاً يحملْن أَمْ حديدا
أَم صرفاناً بارداً شديدا *** أم الرجال جُثَّماً قُعُودا (1)
فلمّا دخلت الإبل إلى حصن الزبّاء خرجت الرجال من الصناديق ، وأخذت المدينة عنوة ، فخرجت الزبّاء هاربة من قصرها إلى السرب الَّذي اتخذته تحت الفرات إلى حصن اُختها في الجانب الآخر ، وكان قصير قَدْ وقف على طريق السرب ، فأبصرت قصيراً ومعه عمرو وبيده السيف ، فمصّت خاتماً كان في يدها فيه سمّ ساعة ، وقالت : (بيدي لا بيد عمرو) فذهب مثلاً.
وخُرِّبت المدينة ، وسبيت الذراري، وأخذ عمرو بثأر خاله جَذِيمة ، وطال ملكه إلى أن بلغ مائة سنة ، ثُمَّ ملك بعده ابنه امرؤ القيس ، وهذه خلاصة القصة (2).
ص: 135
وإليها أشار ابن دريد في مقصورته حيث يقول :
وقد سما عمرو إلى أوتارهِ *** فاحتطّ منها كل عالي المستمى
فاسْتَنْزَلَ الزبَّاءَ قَسْراً وهيَ مِنْ *** عقاب لوح الجو أعلى منتمى (1)
فيا لها قصة في شرحها طول.
رجع : وقد يحصل الإطناب بحشو زائد على أصل المراد لغير فائدة ، ويكون الزائد متعيّناً وهو على قسمين، لأن الزيادة :
[أ] - إمّا مفسدة للمعنى كقول أبي الطيّب المتنبّي :
ولا فضل فيها للشجاعة والنّدى *** وَصَبرِ الفتى لولا لقاء شَعوبِ (2)
والضمير في (فيها) : راجع إلى الدّنيا المذكورة فيما قبله (3).
و (صبر الفتى) أي : على المصائب ، وهو بالجر عطف على الشجاعة.
ص: 136
والشَعوب : بفتح الشين المعجمة ، والعين المهملة ، والواو والباء الموحدة كصبور ، من أسماء المنيّة ، غير منصرف للعلميّة والتأنيث ، وإنّما صرفها للضرورة.
والمعنى : أنّه لا فضيلة في الدنيا للشجاعة والعطاء والصبر على الشدائد على تقدير عدم الموت ، وهذا إنّما يصح في الشجاعة والصبر دون العطاء ، من حيث إنّ الشجاع إذا تيقّن بالخلود هان عليه الاقتحام في الحروب والمعارك ؛ لعدم خوفه من الهلاك ، فالفضل في الاقتحام مع خوف الموت ، وكذلك الصابر إذا تيقّن بزوال الحوادث والشدائد لخلوده في الدنيا وزوال ما يحدث فيها هان عليه صبره على المكروه لوثوقه بالتخلّص ، فالفضل في الصبر مع علمه بقلّة المكث وعدم تيسّر التدارك ؛ لعدم مساعدة الدهر وفجأة الموت.
وهذان بخلاف الباذل فإنّه إذا تيقّن بالخلود شقّ عليه بذل المال ؛ لاحتياجه إليه دائماً ، فالفضل في الإنفاق مع تيقّن الخلود لا مع اليقين بالموت ، فذكر الندى في البيت حشو زائد ، مفسد للمعنى ، هذا خلاصة كلام المحقِّق التفتازاني في (المطوّل) (1).
ثمَّ نقل عن ابن جنّي ما يوجّه به مقصود المتنبي واستظهره ، وهو : (أنّ في الخلود وتنقّل الأحوال من عسر إلى يسر ، ومن شدّة إلى رخاء ، ما يسكّن النفوس ويسهل البؤس ، فلا يظهر لبذل المال كثير فضل) ، انتهى (2).
ص: 137
قال الواحدي في شرحه : (ويجوز أن يكون المعنى : أنّ الإنسان إنّما يشجع ليدفع الموت عن نفسه ، ويجود أيضاً لذلك ، ويصبر في الحرب لدفع الموت أيضاً ، فلو لم يكن في الدنيا موتٌ لم يكن لهذه الأشياء فضل) ، انتهى (1).
[ب] - وإمّا غير مُفسدة ، كقول زهير بن أبي سلمى :
وأَعلَمُ عِلْمَ اليوم والأمْسِ قَبْلَهُ *** ولكنَّني عَن عِلْمِ مَا بَعده عَمِ (2)
فقوله : قَبْلَهُ ، حشو زائد لكنّه لا يفسد المعنى.
[40] - قال رحمه الله : «أنا أبتهل إلى الله سبحانه أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم ، وأتضرّع إليه أن يهديني حين تضلّ الأفهام إلى النهج القويم ، ويثبّتني حيث تزلّ الأقدام على الصراط المستقيم» (3).
أقول : قبل الشروع فيما يتعلّق بشرح عبارة المصنِّف رحمه الله لابدّ لنا من التنبيه على أمر يكون كالمقدِّمة فنقول :
إنّ تقديم المسند إليه قَدْ يفيد التخصيص ، يعني : انفراد المسند إليه بالخبر الفعلي ردّاً على من زعم انفراد غيره به ، أو مشاركة الغير معه فيه.
نحو : أنا سعيت في حاجتك ، لمن زعم أنّ غيرك انفرد بالسعيّ في حاجته ، أو كان مشاركاً لك فيه ، فيكون على الأوّل : قصر قلب ، وعلى الثاني : قصر إفراد ،
ص: 138
ويؤكّد على الأوّل بنحو : لا غيري ، وعلى الثاني بنحو : وحدي ؛ لأنّ الغرض من التأكيد دفع شبهة خالجت قلب السامع ، والشبهة في الأوّل : أنّ الفعل صدر من غيرك.
وفي الثاني : أنّه صدر منك بمشاركة الغير ، والحال صريحاً ومطابقة على دفع الأوّل ، نحو : لا غيري ، وعلى دفع الثاني ، نحو : وحدي ، دون العكس ، ومنه يعرف وجه اختصاص الأوّل بقصر القلب من حيث إنّ الكلام مسوق فيه لقلب اعتقاد المخاطب ، بخلاف الثاني فإنّه مسوق لإثبات الانفراد.
هذا وقد يقدّم لتقوية الحكم وتقريره في ذهن السامع ، وتحقيق أنَّ المتكلم بل المسند إليه وإن كان غير المتكلم يفعل فعل المسند ، لا أنّ غيره لا يفعل ذلك.
نحو : هذا يعطي الجزاء ، وسبب التقوية تكرار الإسناد فيه من حيث إنّ المسند لكونه جملة مشتملة على الإسناد ، مع كونها مستندة بأجمعها إلى المسند إليه المتقدِّم.
وهذا كلّه مذكور في مظانّه من كتب المعاني والبيان (1).
إذا عرفت ذلك كلّه فنقول : قال المحقّق التفتازاني في شرح عبارة الخطيب القزويني وهي قوله : (وأنا أسأل الله من فضله) ما لفظه : (لا يُعرف لتقديم المسند
ص: 139
إليه ها هنا جهة حسن ؛ إذ لا مقتضى للتخصيص ولا للتقوّي ، فكأنّه جعل الواو للحال ، فأتى بالجملة الاسمية) ، انتهى (1).
الظاهر أنَّ نظره في ما ذكره إلى ما عرفت في المقدِّمة من أن التخصيص والتقوي إنّما يكونان مع الإنكار من المخاطب ، وهو لا يناسب مثل المقام ؛ إذ لا يحتمله مثل عبارة الخطيب المذكورة في مقام خطبة الكتاب.
نعم ، نقل الفاضل الجلبي في حاشيته على كتاب المطوّل : (أنَّ بعض العلماء يجوِّز أن يكون التقديم للتخصيص الحقيقي دون الإضافي ، ولا يعتبر فيه رد المخاطب عن الخطأ في الاعتقاد ، والمعنى : أنا أسأل الله لا غيري ؛ لأنّ ما التفت إليه لا يصلح ، أي : لا يليق لأن يلتفت إليه غيري ، فضلاً عن أن يسأل النفع به.
فيكون المراد استحقار مؤلِّفه ، ويجوز أن يكون القصر إضافياً ، أي : أنا أسأل لا معارضيَّ وحسّادي من علماء الزَّمان.
ثُمَّ قال : وكلاهما ليس بشيء ، أمّا الأوّل : فلأنّ استحقار مؤلِّفه بحيث يدّعي عدم صلاحيته لأن يلتفت إليه غيره غير مناسب ، لما أسلفه من مدح مختصره ، وترجيحه على المفتاح ، إلا بتكلّف.
وامّا الثاني : فلأنّه ليس هاهنا من يعتقد شركة معارضيه وحُسّاده له في السؤال حَتَّى يحتاج إلى التخصيص وتوجد جهة الحسن ، وذلك أيضاً ظاهر) ، انتهى (2).
ثُمَّ إنَّ جدّي الفاضل الصالح المازندراني رحمه الله ذكر هذا المطلب بعينه في حاشية المعالم ، ورفع الإشكال عن الأوّل : بأنّ مدح الكتاب بالنظر إلى ذاته لا ينافي استحقاره من حيث كونه منسوباً إلى مؤلِّفه.
ص: 140
وعن الثاني : بأنّه محمول على دعوى مشاركته في الابتهال بناءً على أنَّ ذلك الكتاب بلغ في الكمال ما بلغ حَتَّى ناسب أن يشاركوه فيه ، وذلك كما يمدح رجل عدوَّه بالكمال الَّذي بلغ في الظهور حدّاً لا يمكن إخفاؤه.
قال رحمه الله : (وأمّا التقوَّي ، فلأن يكون إيماء إلى عظمة رجائه من الله. أن يجعله خالصاً ؛ لأنّ من رجا شيئاً يجتهد في تحصيله ، فاغتنم) (1).
والابتهال : هو التضرُّع ويقال في قوله تعالى : ﴿ثُمَّ نَبْتَهِلْ﴾ (2) أي : نخلص في الدعاء.
ثمّ المنقول عن حواشي الكشّاف للتفتازاني : (أنَّ الهداية لفظ مشترك بين المعنيين) (3) ، أعني إراءة الطريق والإيصال إلى المطلوب ، وبذلك يرتفع الإشكال عن موارد استعماله في المعنيين ، كقوله تعالى : ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ﴾ (4) ، فإنّه مستعمل في الدلالة ؛ إذ لا يتصور الضلال بعد الوصول إلى الحقّ.
ص: 141
وكقوله تعالى : ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ﴾ (1) ، فإنّه مستعمل في الإيصال إلى الحقّ ، وحاصل ما ذكره : أنَّ الهداية لفظ يتعدّى إلى المفعول الثاني تارة بنفسه نحو : ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ (2).
وتارة بالحرف نحو : ﴿وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ (3).
وعلى الأوّل : معناه الإيصال ، وعلى الثاني : إراءة الطريق ، وفيه أنَّ قوله تعالى : ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ ...﴾ (4) قَدْ تعدّى فيه فعل الهداية إلى المفعول الثاني بنفسه ، مع أنّ المراد بها الإراءة كما عرفت.
[41] - قال رحمه الله : «وقد رتّبنا كتابنا هذا على مقدِّمة وأقسام أربعة. والغرض من المقدِّمة منحصر في مقصدين» (5).
أقول : قال الزمخشري في الفائق : (المُقَدِّمة : الجماعة التي تتقدَّم الجيش ، من قدَّم بمعنى تقدَّم ، وقد استعبرت لأوّل كلّ شيء فقيل منه : مقدِّمة الكتاب بكسر الدال ، وفتح الدال خُلف) ، انتهى (6).
وقال في المُغرّب : ((قدّم وتقدّم) بمعنى ، ومنه (مقدِّمة الجيش) ، و (مقدِّمة الكتاب) بالكسر) ، انتهى (7).
ص: 142
ومثله في مجمع البحرين (1).
وقال في القاموس : (ومقدِّمة الجيش بكسر الدال ، وعن ثعلب فتح دالة : متقدموه) ، انتهى (2).
وفي تاج العروس : (هي من قدّم بمعنى تقدّم ، قال لبيد :
قدّموا إذ قيلَ قيسٌ قدّموا *** وارفعوا المجدَ بأطرافِ الأسَلْ
أراد : يا قيسُ) ، انتهى (3).
ومثله كلام الفيّومي وغيره في المصباح (4) ، وظاهره كون مقدّمة الكتاب مأخوذة من مقدِّمة الجيش ، وكون كل منهما مأخوذين من (قدّم) اللازم بمعنى تقدّم فكأنهم مطبقون على ذلك.
وأمّا بحسب القياس ، فإمّا أن يكونا مأخوذين من قدَّم بمعنى المتعدي ، أو بمعنى تقدّم اللازم ، وعلى الأوّل يجوز فيهما الكسر والفتح ، ومعنى مقدّمة الجيش بناءً على كسرها : الجماعة الَّذين يقدّمون أنفسهم على الجيش ، اسم فاعل.
وبناءً على فتحها : الجماعة الَّذين قدَّمهم الجيش ، فهي اسم مفعول.
ص: 143
ومعنى مقدمة الكتاب بناءً على كسرها : طائفة من الكتاب تقدّم نفسها على المقصود ، فإنّها لاشتمالها على سبب التقديم كأنها تقدّم نفسها ، أو لإفادتها البصيرة تقدّم من عرفها على من لم يعرفها.
وبناءً على فتحها : طائفة من الكتاب قدّمها المؤلِّف أمام الكتاب ؛ لاشتمالها على سبب التقديم ، وعلى الثاني : لا يجوز إلّا الكسر ، وهذه الوجوه صحيحة على القياس إلا أنّه ربّما يُنسب إلى المشهور كون الفتح خُلفاً كما عرفته من كلام الزمخشري في الفائق.
ولا كلام لنا في مقدّمة الجيش إذا كان المنقول فيها الكسر ، حيث إنَّ اللُّغة تابعة للنقل مع أنّ المنقول في عبارة القاموس المتقدّمة الفتح أيضاً.
وأمّا مقدّمة الكتاب فإن استقر بناء أهل الاصطلاح فيها ابتداء على الكسر بأن كانت منقولة من قدَّم بمعنى تقدم اللازم ، أو من قدّم المتعدي على وجه الاستعارة من مقدّمة الجيش بناءً على عدم جواز الفتح فيها فلا مشاحة ، وإلّا فالفتح جائز أيضاً على القياس كما عرفت.
ثمّ الظاهر من عبارة الزمخشري ، بل صريحها أنَّ المقدِّمة مستعارة من مقدّمة الجيش لأوّل كل شيء ، فهي مجاز في مقدمة العلم والكتاب ، وحقيقة في مقدِّمة الجيش.
والمستفاد من كلام المحقِّق التفتازاني - حيث قال : (والمقدِّمة مأخوذة من مقدّمة الجيش للجماعة المتقدِّمة منها ، من قدَّم بمعنى تقدّم) (1) - أنّها منقولة عنها
ص: 144
لمناسبة بينهما ظاهرة ، وهي أنَّ كلاً منهما طائفة من الشيء تقدَّمت على ذلك الشيء ، فيكون حقيقة اصطلاحية في مقدّمة الكتاب والعلم لتحقق الوضع ثانياً من أرباب الاصطلاح ، وأنت خبير بأنَّ مقتضى العبارة المتقدمة عن المُغرّب والمجمع (1) ، أنه لا فرعية بين مقدّمة الجيش ومقدّمة الكتاب ، بل يكون كلّ منهما أصلاً برأسه.
هذا والتاء فيها للتأنيث كما هو الأصل ، باعتبار كون موصوفها مؤنَّثاً وهي الطائفة ، أو للنقل من الوصفية إلى الاسمية بمعنى : أنَّ اللفظ إذا صار بنفسه اسماً لغلبة الاستعمال بعد ما كان وصفاً كانت اسميته فرعاً لوصفيته فيشبّه بالمؤنث لكونه فرعاً للمذكَّر ، فتجعل التاء علامة للفرعية كما جُعلت علامة لها في رجل علّامة لكثرة العلم ، بناء على أنَّ كثرة الشيء فرع تحقّق أصله ، فعلى هذا يلاحظ للمقدّمة موصوف.
إذا عرفت ذلك فاعلم : أنَّ المعنى المستعمل فيه المقدِّمة على لسان أهل العلم مجازاً أو نقلاً كما عرفت متعدّد.
قال المحقّق التفتازاني في المطوّل : (يقال : مقدِّمة العلم لما تتوقَّف عليه مسائله ، كمعرفة حدّه وغايته وموضوعه. ومقدّمة الكتاب لطائفة من كلامه قُدّمت أمام المقصود لارتباط له بها وانتفاع فيه ، سواء توقَّف عليها أم لا) (2).
ص: 145
وإثبات مقدِّمة الكتاب اصطلاح جديد من المحقّق المذكور لا نقل عليه في كلامهم ، ولا هو مفهوم من إطلاقاتهم ، والَّذي حداه على ذلك أمران كما تشهد به عبارته حيث قال : (ولعدم فرق البعض بين مقدّمة العلم ومقدّمة الكتاب أشكل عليهم أمران احتاجوا في التقصّي عنهما إلى تكلُّف.
أحدهما : بيان توقف مسائل العلوم الثلاثة على ما ذكر في هذه المقدِّمة. وقد ذكره صاحب المفتاح في آخر المعاني والبيان.
والثاني : ما وقع في بعض الكتب من أنَّ المقدِّمة في بيان حدّ العلم ، والغرض منه ، وموضوعه زعماً منهم أنَّ هذا عين المقدِّمة) ، انتهى (1).
وحاصل ما رفع به الإشكال الأوّل : هو أنّه ما تتوقَّف عليه مسائل العلوم هو نفس المعرفة المتعلّقة بالأُمور الثلاثة ، أعني : الموضوع والحدّ والغاية ، بحيث لا يمكن لأحدٍ الشروع في علم من العلوم على وجه الخبرة بدون معرفتها قبل الشروع ، ولكن لا يلزم من ذلك ذكر هذه الأُمور في مبادئ العلوم ، لإمكان المبادرة إلى تحصيل معرفتها وإن ذُكرت في الخاتمة كما فعله صاحب المفتاح ، بل المحقّق التفتازاني في خاتمة تهذيب المنطق جعل الأُمور الثلاثة من أجزاء العلوم ، حيث قال : (خاتمة أجزاء العلوم ثلاثة : الموضوعات وهي التي يبحث في العلم عن عوارضها الذاتية ... إلخ) (2).
مع أنَّ مقدِّمات الشيء خارجة عنه فذلك كاشف عن أنها ليست بذاتها مقدّمة ، فلا بأس في ذكرها أخيراً وإن لزم معرفتها أوّلاً.
ص: 146
والثاني : بأنَّ توهُّم اتحاد الظرف والمظروف من قول بعض : مقدّمة في تعريف العلم وغايته وموضوعه ، إنّما يلزم بزعم أنَّ هذه الأُمور الثلاثة هي عين المقدِّمة ، ولكن قَدْ عرفت أنّه توهُّم باطل ، فقول من قال : مقدّمة في بيان حد العلم والغرض منه وموضوعه ، محمول على إرادته مقدّمة الكتاب من ذلك ، فإنَّ ذكر هذه الأُمور الثلاثة ، وبيان تفاصيلها - ممَّا له ربط وانتفاع بالعلم - توجب معرفتها زيادة بصيرة ، فكأنّه جعل مقدّمة العلم ظرفاً لمقدّمة الكتاب فافهم واغتنم.
[42] - قال رحمه الله : «المقصد الأوّل : في بيان فضيلة العلم ، وذكر نبذ ممَّا يجب على العلماء مراعاته ، وبيان زيادة شرف علم الفقه على غيره ووجه الحاجة إليه ، وذكر حدّه ومرتبته وبيان موضوعه ومبادئه ومسائله» (1).
أقول : أمّا بيان وجه الحاجة إلى هذا العلم - أعني علم الفقه - وذكر حدّه ... إلخ ، فهو موكول إلى محلّه - أعني الأصل الأوّل من المقصد الأوّل من هذا الكتاب - حسب ما تجده مفصّلاً هناك ، فعليك بالمراجعة إليه.
وأمّا بيان فضيلة العلم وما يتبعه ممَّا يجب على العلماء مراعاته ، وسائر ما ذكره ، فقد أشار إليه المصنّف.
ص: 147
[43] - قال رحمه الله : «اعلم أنَّ فضيلة العلم ، وارتفاع درجته ، وعلوّ رتبته أمر كفى انتظامه في سلك الضرورة مؤنة الاهتمام ببيانه ، غير أنّا نذكر على سبيل التنبيه أشياء في هذا المعنى من جهة العقل والنقل كتاباً وسُنَّةً ، مقتصرين على ما يتأدّى به الغرض ، فإنَّ الاستيعاب في ذلك يقتضي تجاوز الحدّ ، ويُفضي إلى الخروج عمّا هو المقصد.
فأمّا الجهة العقلية فهي أنَّ المعقولات تنقسم إلى : جماد ، ونامٍ (1) ، ولا ريب أنّ النامي أشرف ، ثُمَّ النامي ينقسم إلى حسّاس وغيره ، ولا شك أنّ الحسّاس أشرف. ثُمَّ الحسّاس ينقسم إلى : عاقل وغير عاقل ، ولا ريب أنّ العاقل أشرف. ثُمَّ العاقل ينقسم إلى : عالم ، وجاهل ، ولا شك أنّ العالم أشرف من الجاهل ، فالعالِمُ أشرف المعقولات»(2).
أقول : قال بعض المحقّقين : (إنَّ الأُمور على أربعة أقسام : قسم يرضاه العقل ولا ترضاه الشهوة ، وقسم ترضاه الشهوة ولا يرضاه العقل ، وقسم يرضاه العقل والشهوة معاً ، وقسم لا يرضاه العقل ولا ترضاه الشهوة.
أمّا الأوّل : فهو الأمراض والمكاره في الدنيا.
وأمّا الثاني : فهو المعاصي أجمع.
وأمّا الثالث : فهو العلم.
وأمّا الرابع : فهو الجهل.
ص: 148
فينزل العلم من الجهل منزلة الجنَّة من النار ، فكما أنَّ العقل والشهوة لا يرضيان بالنار فكذلك لا يرضيان بالجهل ، كما أنهما يرضيان بالجنَّة فكذا يرضيان بالعلم ، فمن رضي بالجهل فقد رضي بنار حاضرة ، ومن اشتغل بالعلم فقد خاض في جنَّة حاضرة ، فكلّ من اختار العلم يقال له : تعوَّدت المقام في الجنَّة فادخل الجنَّة ، ومن اكتفى بالجهل يقال له : تعوَّدت النار فادخل النار ، والَّذي يدل على أنَّ العلم جنَّة والجهل نار : أنَّ كمال اللَّذة في إدراك المحبوب ، وكمال الألم في البعد عن المحبوب ، والجراحة إنّما تؤلم لأنها تبعد جزءً من البدن عن جزء محبوب من تلك الأجزاء ، وهو الاجتماع فلمَّا اقتضت الجراحة إزالة ذلك الاجتماع ، فقد اقتضت إزالة المحبوب وبعده ، فلا جَرَمَ كان ذلك مؤلماً ، والإحراق بالنار إنّما كان أشد إيلاماً من الجرح ، لأنَّ الجرح لا يفيد إلّا تبعيد جزء معيَّن عن جزء معيَّن.
أمّا النار ، فإنّها تغوص في جميع الأجزاء فاقتضت تبعيد جميع الأجزاء بعضها عن بعض ، فلمَّا كانت التفريقات في الإحراق أشدّ كان هناك أصعب.
أمّا اللذة فهي عبارة عن إدراك المحبوب ، فلذة الأكل عبارة عن إدراك تلك الطعوم الموافقة للبدن ، وكذلك لذة النظر إنّما تحصل لأنّ القوَّة الباصرة مشتاقة إلى إدراك المرثيات ، فلا جرم كان ذلك لذّة لها ، فقد ظهر بهذا أنّ اللَّذة عبارة عن إدراك المحبوب ، والألم عبارة عن إدراك المكروه.
وإذا عرفت هذا فنقول (1) : كلَّما كان الإدراك أغوص وأشدّ ، والمدرك أشرف وأكمل ، والمدرك أتقن وأبقى ، وجب أن تكون اللَّذة أشرف وأكمل. ولا شك أنّ محلَّ العلم هو الروح وهو أشرف من البدن ، ولا شك أنّ الإدراك العقلي أغوص وأشرف. وأمّا المعلوم فلا شك أشرف ، لأنّه هو الله ربّ العالمين ، وجميع مخلوقاته
ص: 149
من الملائكة والأفلاك ، والعناصر والجمادات والنبات والحيوان ، وجميع أحكامه وأوامره وتكاليفه ، وأيّ معلوم أشرف من ذلك (1).
فثبت أنّه لا كمال ولا لذَّة فوق كمال العلم ولذَّته ، ولا شقاوة ولا نقصان فوق شقاوة الجهل ونقصانه ، وممّا يدل على ذلك أنّه إذا سُئل الواحد منا عن مسألة علمية ، فإنَّ علمها وقدر على الجواب فرح وابتهج به. وإن جهلها نكس رأسه حياءُ من الجهل. وذلك يدل على أنّ اللَّذة الحاصلة بالعلم أكمل اللَّذات ، والشقاء الحاصل بالجهل أكمل أنواع الشقاء) (2).
انظر إلى ما في القرآن الكريم إذ يقول عزّ من قائل : ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ (3) ، فقالت الملائكة : يا ربّ ، أتجعل فيها من يفسد ويسفك الدماء ونحن نسبح ونقدّس لك؟ فأجابهم الله تعالى بقوله عزّ من قائل : ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (4).
وحاصل إشكالهم على الله تعالى : أنّك تجعل آدم خليفتك في الأرض وترجّحه علينا ، مع أنَّ مقتضى ما فيه من الطبع البشري هو الفساد وسفك الدماء ؛ لغلبة القوَّة الشهوانية والغضبية ، والدواعي النفسانيّة المفضية إلى الفساد ، ونحن
ص: 150
منزَّهون عن هذا الاقتضاء ، مشغولون بتقديسك وتسبيحك ، لا نفتر عن ذلك بحال من الأحوال.
وخلاصة جواب الباري تعالى عن إشكالهم : أنّكم بواسطة قصور علمكم وقلّة فهمكم لاحظتم هذه الجهة ، ولم تطَّلعوا على سائر الجهات من الأسرار والأنوار التي تعرض النفوس البشرية ، والدرجات الرفيعة الحاصلة لها من العلم ، فإنّي أعلم مالا تعلمون ، ومن ذلك ظهر لهم شرف العلم وأنّه لابد من تفويض الأمر إلى من هو أعلم ، فإنّه يعلم بما هو أليق وما ينبغي.
ولأجل مزيد البيان وتفصيل ذلك الجواب المجمل ، أخذ تعالى في بيان فضل آدم عليه السلام بما لم يكن معلوماً لهم وذلك بأن : ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (1) ، ولما تبيّن قصورهم عنه في العلم ، وأنّ الفضيلة والرجحان والمزية إنّما هو في العلم الَّذي هو منبع الكمالات ، ومبدأ المحامد وصفة الخالق تعالى ، وأنّ مجرد التسبيح والتقديس والإطاعة من صفات المخلوق لا توجب رجحاناً يوجب استحقاق الخلافة : ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ (2).
وفي الآية دلالة على شرف العلم من وجه آخر من حيث إنّه سبحانه ما أظهر كمال حكمته في خلق آدم عليه السلام إلّا بأن أظهر علمه ، فلو كان في الإمكان
ص: 151
وجود شيء أشرف من العلم لكان من الواجب إظهار فضله بذلك الشيء لا بالعلم.
ولذا قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام :
ما الفضلُ إلّا لأَهلِ العلمِ إنَّهُمُ *** عَلَى الهُدى لِمَنِ استَهْدَى أدلّاءُ (1)
وقال عليه السلام :
رضينا قِسْمَةَ الجبَّارِ فينا *** لنا عِلمٌ وللأعداءِ مالُ
فإنَّ المالَ بالإنفاقِ يَفنَى *** وإنَّ العلم باقٍ لا يزالُ (2)
وقال عليه السلام : «العلم وراثة كريمة ، والأدب حُلَلٌ مجدّدة ، والفكر مرآة صافية» (3).
وإنّما قال : «العلم وراثة» ؛ لأن كلّ عالم من البشر إنّما يكتسب علمه من أُستاذ يهذّبه ، وموقفٍ يعلّمه ، فكأنّه ورث العلم منه كما يرث الابن المال من أبيه.
وكان يقال : عطيّة العالم شبيهة بمواهب الله عزَّ وجلَّ ؛ لأنها لا تنفد عند الجود بها ، وتبقى بكمالها عند مفيدها.
وكان يقال : الفضائل العلميّة تشبه النخل ، بطيء الثمرة بعيد الفساد.
ص: 152
وكان يقال : العلم في الأرض بمنزلة الشمس في الفلك ، لولا الشمس لاظلَمَّ الجو ، ولولا العلم لاظلمَّ أهلُ الأرض.
وكان يقال : لا حُلّة أجمل من حُلّة أهل العلم والأدب ؛ لأن حُلل الثياب تبلى ، وحُلل الأدب تبقى ، وحُلل الثياب قَدْ يغتصبها الغاصب ويسرقها السارق ، وحُلل الآداب باقية مع جوهر النفس (1).
ولذا قال عليه السلام : «الناس موتى وأهلُ العلمِ أحياءُ» (2).
وقال عليه السلام : «قيمة كل أمرئٍ ما يحسنه» (3) ، حَتَّى قال الجاحظ في كتاب (البياني والتبيين) عند ذكر هذه الكلمة : (لو لم نقف من هذا الكتاب إلّا على هذه الكلمة لوجدناها شافية كافية ، ومجزية مُغنية ، بل لوجدناها فاضلة عن الكفاية ، وغير مقصّرة عن الغاية) (4).
ومن كلام بعض الحكماء : (عليكم بالأدب فإنّه صاحب في السِّفر ، ومؤنس في الوحدة ، وجمال في المحفل ، وسبب إلى طلب الحاجة) (5).
وقال سقراط الحكيم : (من فضيلة العلم أنك لا تقدر على أن يخدمك فيه أحد ، كما تجد من يخدمك في سائر الأشياء ، بل تخدمه بنفسك ولا يقدر أحد على سلبه عنك) (6).
ص: 153
وقيل لبعض الحكماء : (لا تنظر ، فغمَّض عينيه ، وقيل له : لا تسمع ، فسدَّ اُذنيه ، وقيل له : لا تتكلَّم ، فوضع يده على فمه ، وقيل له : لا تعلم ، فقال : لا أقدر عليه) (1).
وقال نافع بن الأزرق لولده : (يا بنيّ ، عليك بالأدب ، فإنّه دليل على المروءة ، واُنس في الوحشة ، وصاحب في الغربة ، وقرين في الحضر ، وصدر في المجلس ، ووسيلة عند انقضاء الوسائل ، وغنى عند العُدم ، ورفعة للخسيس ، وكمال للشريف ، وجلال للملك) (2).
وقال الزمخشري :
وكلُّ فضيلةٍ فيها سناءُ *** وَجدْتُ العِلمَ من هاتيكَ أسنى
فلا تَعْتدَّ غيرَ العلمِ ذُخراً *** فإنَّ العلمَ كنزٌ ليسَ يَفنى (3)
ومن ذلك قيل : (لا شيء أنفع من العلم ، ولا أرفع منه ، ولا لأحد غنىً عنه ، ومن طعم حلاوته ، وتنعَّم بآياته ، وسحب ضافي ثوابه ، وشرب صافي أكوابه ، لم يشتغل بسواه ، ولم يعدل في صُواه ، ورآه أنفع شيء ناله في اكتسابه ، وأرفع ثواب اكتسى به) (4).
ألم تسمع ما قاله الشاعر المصيب الَّذي نال من العلم أوفى نصيب :
فإنَّ رَفَعَ الغنيُّ لواءَ مالٍ *** لأَنتَ لواءَ عِلمِكَ قَدْ رَفَعْتَا
وإنْ جَلَسَ الغنيُّ على الحشايا *** لأَنتَ على الكواكِبَ قَدْ جَلَستا
ص: 154
وَمَهْمَا افتضّ أبكارَا لغواني *** فَكَمْ بكرٍ مِنَ الحِكَمِ افتَضَضْتا
ثمَّ قال بجهل من فضّل المالَ على العلم
جَعَلْتَ المالَ فوقَ العِلمِ جَهْلاً *** لَعَمرُكَ في القضية ما عَدَلنا
وبينَهُما بنصّ الوحي بَوْنٌ *** سَتَعْلَمُهُ إذا طه قرأتا (1)
يريد قوله تعالى : ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ (2).
وكفى للعلم فضيلة قول رسول الله صلى الله عليه وآله فيما ورد عنه : «نِعْمَ وزيرُ الإيمانِ العلمُ ، ونِعْمَ وزيرُ العِلمِ الحِلْمُ ، وَنِعْمَ وزيرُ الرِّفقِ الصَّبرُ» (3).
وقديماً ما زال أهل العلم والأدب ينسلون إليه من كلّ حدب ، يجتنون أزهاره ويقطعون أثماره ، ويستكثرون منه بلحظة ، ويؤثرون ولو بلفظة ، يدأبون في جمعه وضمَّه ، وينصَبونَ في حفظه وفهمه ، حَتَّى قيل :
أخو العلم حيٌّ خالِدٌ بَعْدَ موتِهِ *** وَأَوْصالُهُ تَحْتَ التُّرابِ رَميمُ
وذو الجَهلِ مَيْتٌ وهْوَ ماشٍ على الثرى *** يُعَدُّ من الأحياءِ وَهوَ عَديمُ
وهما لابن السيّد (4).
ص: 155
ويروى أنّ سفيان الثوري لمّا قدم عسقلان مكث ثلاثة أيام لا يسأله إنسان عن شيء ، فقال : (اكثروا لي حَتَّى أخرج من هذا البلد ، هذا البلد يموت فيه العلم) (1).
وقال فتح الموصلي (2) : (أليس المريض إذا مُنع من الطعام والشراب والدواء يموت؟ قالوا : نعم. قال : فكذلك القلب إذا مُنعت عنه الحكمة والعلم ثلاثة أيام يموت) (3).
وينقل عن أبي الدرداء أنه قال : (لأن أتعلّم مسألة من العلم أحب إليَّ من قيام ليلة) (4).
وفي رواية عن النبي صلى الله عليه وآله : «ما استرذل الله عبداً إلا حظر عنه العلم والأدب» (5).
وقال علي عليه السلام في خطبته في نهج البلاغة : «إذا أرذل الله عبداً حظر عليه العلم» (6).
يقال : (أرذل الله عبداً واسترذله ، أي : جعله رذلاً ، وهو الخسيس الدنيء) (7).
وفيه دلالة على أنّ الجهالة من الرذالة ، وأنّه لا شرف لمن لا علم له.
ص: 156
ولذا قال عليه السلام : «ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ، ولكن الخير أن يكثر علمك ويعظم حلمك» (1).
ومن ذلك تفسير الماء في عالم الرؤيا بالعلم ، إذ كما يُدفع ألم العطش من النفوس بالماء ، كذلك يُدفع ألم الجهل عن النفوس بالعلم (2).
وقال بديع الزَّمان الهمذاني المتوفّى سنة 397 في وصف العلم : (العلم شيء بعيد المرام ، لا يًصطاد بالسهام ، ولا يُقسّم بالأزلام ، ولا يُرى في المنام ، ولا يُضبط باللّجام ، ولا يورث عن الآباء والأعمام ، وزرعٌ لا يزكو إلا متى صادق من الحزم ثرى طيِّباً ، ومن التوفيق مطراً صيّباً ، ومن الطبع جواً صافياً ، ومن الجهد روحاً دائماً ، ومن الصبر سقياً نافعاً ، وغرضٌ لا يصاب إلا بافتراش المدر ، واستناد الحجر ، ورد الضجر ، وركوب الخطر ، وإدمان السهر ، واصطحاب السفر ، وكثرة النظر ، وإعمال الفكر) (3).
ولنعم ما قال مؤيد الدين الإصفهاني المعروف بالطغرائي المتوفّى سنة 513 ﻫ، في أوّل لاميَّته المشهورة :
أصالَةُ الرأيِ صانَتني عَنِ الخَطَلِ *** وحِليَةُ الفضلِ زادَتني لَدَى العَطَل (4)
ص: 157
وقال ابن سينا رحمه الله :
هَذْبِ النفسَ بالعُلوم لِتَرقى *** وترى (1) الكلَّ فهْيَ للكُلّ بَيْتُ
إنّما النفسُ كالزُّجاجَةِ والعقلُ (2) *** سِراجٌ وحِكمَةُ اللهِ زَيْتُ
فإذا أشرَقَتْ فإنَّكَ حَيٌّ *** وإذا أظلمَتْ فإنَّكَ مُيْتُ (3)
وقال آخر :
العلمُ أشرَفُ شيءٍ نالَهُ رَجُلٌ *** مَن لَمْ يَكُنْ فيهِ عِلمٌ لَمْ يَكُنْ رَجُلا
تعلَّمِ العِلَمَ واعمَلْ يا أُخَيُّ بهِ *** فالعِلمُ زَيْنٌ لَمِنْ بالعِلمِ قَدْ عَمِلا (4)
وقال آخر :
العِلمُ مُبلغ قوٍمٍ ذِرْوَةَ الشّرفِ *** وصاحِبُ العِلمِ محفوظٌ مِنَ التّلَفِ
يا صاحبَ العِلمِ مَهْلاً لا تُدَنّسُهُ *** بالمُوبِقات فما للعِلمِ مِن خَلَفِ
العِلمُ يَرفَعُ بيتاً لا عِمادَ لَهُ *** والجَهْلُ يَهدِمُ بيتَ العزّ والشَّرفِ (5)
وقال آخر :
ص: 158
العلم زَيْنٌ وتشريفٌ لصاحبه *** فاطلُب هُديتَ فنونَ العِلمِ والأدَبا
كم سيِّدٍ بطل آباؤه نُجُبٌ *** كانوا الرُّؤوسَ فأمسى بَعدَهُم ذَنَبا
ومُقرفٍ خامِلِ الآباءِ ذي أدبٍ *** نال المعاليَ بالآداب والرُّتبا
العِلمُ كنزٌ وذخرٌ لا فناءَ له *** نِعمَ القرينُ إذا ما صاحِبٌ صحبا
قد يجمع المالَ شخصٌ ثُمَّ يُحرَمُهُ *** عمَّا قليلٍ فَيَلْقى الذُّلَّ والحَرَبا
وجامِعُ العلمِ مغبوطٌ به أبداً *** ولا يُحاذِرُ منه الفَوْتَ والسَّلبا
يا جامِعَ العِلم نِعْمَ الذُّخرُ تجمَعُهُ *** لا تعدِلَنَّ به دُرّاً ولا ذَهبا (1)
وقال آخر :
بالعلمِ والعقلِ لا بالمالِ والذّهبِ *** يزدادُ رَفْعُ الفتى قَدْراً بلا طَلَبِ
فالعِلمُ طَوْقُ النُّهى يزهو به شَرَفاً *** والجهلُ قيدٌ لَهُ يَبْليه باللَّغَبِ (2)
كَنْ يَرْفعُ العلم أشخاصاً إلى رُتَب *** ويخفِضُ الجَهلُ أشرافاً بلا أدبِ
العِلمُ كنزٌ فلا تَفْنى ذخائرُهُ *** والمرءُ ما زاد عِلْمَاً زاد بالرُّتَبِ
فالعلمَ فاطلُبْ لكي يُجْديكَ جَوهَرُهُ *** كالقوتِ للجِسمِ لا تطلُبْ غنى الذَّهَبِ (3)
ص: 159
وقال آخر :
العِلمُ زينٌ فكُن للعِلْمِ مُكْتَسِباً *** وكُنْ لَهُ طالِباً عِشْت مُقتَبسا
اركَنْ إليهِ وثِقْ باللهِ واغنَ بهِ *** وكُنْ حَليماً رَزِينَ العَقلِ مُحْتَرِسا
وكُنْ فتىً سَالكاً مَحْضَ التُّقى *** وَرَعاً للدِّين مُغتَنِمَاً في العِلمِ مُنغَمِسا
فمَنْ تخلّقَ بالآدابِ ظَلَّ بها *** رئيسَ قومٍ إذا ما فارَقَ الرُّؤسا (1)
وقال آخر :
العِلمُ يغرسُ كلَّ فضلٍ فاجتَهِدْ *** ألَّا يفوتَكَ فَضْلُ ذاكَ المغْرسِ
واعلَمْ بأنّ العِلمَ لَيسَ ينالُهُ *** مَنْ همُّهُ في مَطعَمٍ أو مَلْبًسِ
إلّا أخو العِلمِ الَّذي يزهُو بهِ *** في حالَتيهِ عارياً أو مُكتسي
فاجعَلْ لِنَفْسِكَ مِنْهُ حَظّاً وافراً *** واهجُر بهِ طيبَ الرُّقاد وعبِّسِ
فلعلّ يوماً إن حَضَرْتَ بمجلسٍ *** كنتَ الرَّئيسَ وفَخْرَ ذاكَ المجلِسِ (2)
وقال آخر :
يا ساعياً في طلاب (3) المال همَّتهُ *** إنّي أراكَ ضعيفَ العَقْلِ والدِّينِ
عليكَ بالعِلْمِ لا تطلُبْ لَهُ بَدلاً *** واعلَم بأنّك فيه غيرُ مَغْبونِ
ص: 160
العِلمُ يُجدي ويَبقى للفتى أبداً *** والمالُ يَفنى وإنْ أجدى إلى حينِ
فذاك عِزٌّ وذا ذُلٌّ لصاحِبِهِ *** ما زالَ بالبُعدِ بين العزِّ والهُونِ (1)
وقال آخر :
وفي الجَهلِ قبلَ المَوتِ موتٌ لأهلهِ *** وأجسادُهُمْ دونَ القُبورِ قُبورُ
وإن امرءاً لم يًحْسيَ بالعِلم قَلبُهُ *** فليسَ لَهُ حَتَّى النُّشورِ نُشورُ (2)
وقال آخر :
رأيتُ العِلمَ صاحبُهُ كريمٌ *** ولَو وَلدتُه آباءٌ لِئامُ
وليسَ يزالُ يرفَعُهُ إلى أنْ *** تُعظّمَ أمرَهُ القومُ الكِرامُ
فلولا العلمُ ما سَعِدَتْ رجالٌ *** ولا عُرِفَ الحلال ولا الحرامُ (3)
وبالجملة : إنّ السعادة الأبديّة والكرامة السرمديّة إنّما هما بالترقّي من حضيض الجهالة إلى أوج العلوم ، والتحلّي بالشرف والكمال بعد التخلُّص من الرذالة والسفالة بالطبع المشوم ، ولهذا الغرض المهم أنّ الله الَّذي علّم بالقلم ، وعلّم الإنسان ما لم يعلم ، أمرنا باكتساب العلم ، وتحصيل أنواعه من المنطوق والمفهوم ، وفضّل العالم على الجاهل في كلامه ، وهو أصدق قائل ، ومن المعلوم
ص: 161
لدى كلّ ذي عقل سليم وفكر مستقيم أنّ العلم هو زيادة العقل ، ونور القلب ، وعماد الروح وضياء البصر وزينة الأنام ، والنور المتلألئ في جنح الظلام ، والواسطة المستقلّة لإعلاء كلمة الدين ، ودى كلّ ذي عقل سليم وفكر مستقيم أنّ العلم هو زيادة العقل ، ونور القلب ، وعماد الروح وضياء البصر وزينة الأنام ، والنور المتلألئ في جنح الظلام ، والواسطة المستقلّة لإعلاء كلمة الدين ، وإمحاق كيد المفسدين ، وهو السبب الوحيد لعمران البلاد ، وسعادة البلاد.
فعلى العاقل السعي والاجتهاد في تحصيل ما يرقّيه إلى أوج الكمال ؛ فإنّ العلم الَّذي يكسبه هو الفارق بين الهدى والضلال ، وهو الَّذي يرفع الصعلوك إلى درجات الملوك.
(يُحكى أنَّ هارون الرشيد كان بحضرته فقهاء ، وكان فيهم أبو يوسف ، فاُتي برجل فادّعى عليه آخر أنّه أخذ من بيته مالاً بالليل ، ثُمَّ أقرّ الآخذ بذلك ، فاتَّفق الفقهاء على أن تقطع يده. قفال أبو يوسف : لا قطع عليه ، قالوا : لِمَ؟ قال : لأنّه أقرّ بالأخذ ، وأنّه لا يوجب القطع ، بل لا بد من الاعتراف بالسرقة ، فصدّقه الكلّ في ذلك ، ثُمَّ قالوا للآخذ : أسرقتها؟ فقال : نعم ، فأجمعوا على القطع ؛ لأنه أقرّ بالسرقة.
فقال أبو يوسف : لا قطع عليه ؛ لأنّه وإن أقرّ بالسرقة لكن بعدما وجب الضمان عليه بإقراره بالأخذ ، فإذا أقرّ بالسرقة بعد ذلك فهو بهذا الإقرار يسقط الضمان عن نفسه ، فلا يسمع إقراره ، فتعجَّب الكلّ) (1).
قلت : ولا تعجُّب فيه فإنّه موافق لمذهبنا أيضاً ، إذ إقراره بالسرقة مرة واحدة لا يوجب القطع عندنا ؛ لقول الصادق عليه السلام في رواية جميل : «لا يقطع السارق
ص: 162
حَتَّى يقرّ بالسرقة مرَّتين» (1) ، فلا يتصور نفع في إقراره أخيراً إلّا رفع الضمان عن نفسه الثابت بمقتضى إقراره بالأخذ ، وهو منفي بقاعدة إقرار العقلاء على أنفسهم حجّة.
ويُحكى أيضاً : (أنّه اشترى جارية كان تعشّق بها ، فلم تطق نفسه على الصبر عليها مدّة الاستبراء ، فجمع الفقهاء وطلب منهم العلاج على الوجه الشرعي ، فقال أبو يوسف : العلاج منحصر بأن تعتق الجارية ، ثُمَّ تعقد عليها حَتَّى يحل لك وطؤها ؛ إذ لا يكون الاستبراء للعقد ، بل للوطء بملك اليمين ، فوافق طبع الخليفة ذلك وصار سبباً لاشتهار أمره وعلو شأنه) (2).
قلت : من المعلوم أنّ العلَّة في وجوب الاستبراء براءة الرحم من الحمل ، ولا تفيد هذه الحيلة قطعاً ، وما ورد في أخبارنا ممَّا يوافق ذلك محمول على التقيّة حسبما عرفت من اشتهار القضية في زمن الرشيد ، فافهم.
ومن جملة مزايا العلم : (أنّ ثابت بن قرّة بن مروان الحرّاني كان حكيماً كاملاً ، صابئاً مترجماً من أهل حرّان ، انتقل إلى مدينة بغداد واستوطنها في دولة المعتضد ، وكان يكرمه غاية الإكرام ، حَتَّى أنّه طاف في بستان له ويده على يد ثابت ، فانتزع
ص: 163
بغتة يده من يد ثابت ، ففزع من ذلك ثابت ، فقال له : يا ثابت ، أخطأت حين وضعت يدي على يدك وسهوت ، فإنّ العلم يعلو ولا يعلى) (1).
ومولد ثابت سنة 221 ، ووفاته سنة 288.
وعن الشعبي قال : (كنت عند الحجّاج فاُتي بيحيى بن يعمر - فقيه خراسان - من بلخ مكبّلاً في الحديد ، فقال الحجاج : أنت زعمت أنّ الحسن والحسين عليهما السلام من ذرية الرسول صلى الله عليه وآله؟ فقال : بلى.
فقال الحجاج : لتأتيني بيِّنة واضحة من كتاب الله أو لأُقطعنّك عضواً عضواً؟!
فقال : آتيك بينة واضحة من كتاب الله يا حجَّاج.
فقال : فتعجب من جرأته بقوله يا حجَّاج.
قال : ولا تأتي بهذه الآية : ﴿نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ...﴾ (2).
فقال : آتيك بها واضحة من كتاب الله ، قال الله تعالى : ﴿وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ﴾ (3) إلى قوله : ﴿وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَى﴾ (4) فمن أبو عيسى؟ فقد أحلق تعالى عيسى بذرية نوح. فأطرق مليّاُ ثُمَّ رفع رأسه فقال : كأنّي لم أقرأ هذه الآية من كتاب الله ، حِلّوا وثاقه ، وأعطوه من المال كذا) (5).
ص: 164
ويُحكى : «أنّ أعرابياً سأل أبا عبد الله الحسين عليه السلام حاجة ، وقال : سمعت جدّك يقول : «إذا سألتم حاجة فاسألوها من أحد أربعة : إمّا عربي شريف ، أو مولى كريم ، أو حامل القرآن ، أو صاحب وجه صبيح».
فأمّا العرب : فشرفت بجدّك ، وأمّا الكرم : فدأبكم وسيرتكم ، وأمّا القرآن : ففي بيوتكم نزل ، وأمّا الوجه الصبيح : فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : «إذا أردتم أن تنظروا إليَّ فانظروا إلى الحسن والحسين».
فقال الحسين عليه السلام : ما حاجتك؟ فكتبها على الأرض.
فقال الحسين عليه السلام : «سمعت أبي عليّاً عليه السلام يقول : «قيمة كلّ امرئ ما يحسنه» ، وسمعت جدّي يقول : «المعروف بقدر المعرفة».
فأسألك عن ثلاث مسائل إن أحسنت في جواب واحدة فلك ثلث ما عندي ، وإن أجبت عن اثنتين فلك ثلثا ما عندي ، وإن أجبت عن الثلاث فلك كل ما عندي - وقد حمل إلى الحسين عليه السلام صرّة من العراق.
فقال : سل ولا قوة إلا بالله.
فقال عليه السلام : أي الأعمال أفضل؟
قال الأعرابي : الإيمان بالله.
قال عليه السلام : فما نجاة العبد من الهلكة؟
قال : الثقة بالله.
قال عليه السلام : فما يزين المرء؟
قال : علم معه حلم.
ص: 165
قال عليه السلام : فإن أخطأه ذلك؟
قال : فمال معه كرم.
قال عليه السلام : فإن أخطأه ذلك؟
قال : فقر معه صبر.
قال عليه السلام : فإن أخطأه ذلك؟
قال : فصاعقة تنزل من السماء فتحرقه.
فضحك الحسين عليه السلام ورمى بالصرَّة إليه» (1).
[44] - قال رحمه الله : «فصل : وأمّا الكتاب الكريم فقد أشير إلى ذلك في مواضع منه» (2).
أقول : ذكر الفصل هنا غير مناسب ؛ لأنّ الفصل إنّما يذكر للحجز بين الشيئين ، والانتقال من مطلب إلى غيره ، فكان المناسب أن يقول : وأمّا الجهة النقليّة فمن الكتاب الكريم ... إلخ.
[45] - قال رحمه الله : «الأوّل : قوله تعالى في سورة القلم وهي أوّل ما نزل على نبيّنا صلى الله عليه وآله في قول أكثر المفسرين : ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ (3)» (4).
ص: 166
أقول : سمّاها سورة القلم بمناسبة ذكر القلم فيها ، وقد يعبّر عنها بسورة العلق ، كما في مجمع البيان أيضاً ؛ بمناسبة ذكر العلق فيها (1) ، وقد يقال لها سورة اقرأ أيضاً بتلك المناسبة ، كما في تفسير الجلالين (2) وعلى كلّ حال ، فأكثر المفسرين على أنّها أوّل ما نزل من القرآن ، وأوّل يوم نزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو قائم على حراء ، أعلمه خمس آيات من أوّل هذه السورة (3).
وقيل : أوّل ما نزل من القرآن ، قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ (4).
وقيل : أوّل سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله فاتحة الكتاب (5).
قال شيخنا البهائي رحمه الله في (تفسير العروة الوثقى) في وجه تسمية الحمد بسورة الفاتحة : (إمّا لكونها أوّل السورة نزولاً ، كما عليه الجمّ الغفير من المفسرين. أو لما نُقل من كونها مفتتح الكتاب المثبت في اللَّوح المحفوظ. أو مفتتح القرآن المنزل جملة واحدة إلى سماء الدنيا. أو لتصدير المصاحف بها على ما استقر عليه ترتيب السور القرآنية ، وإن كان باختلاف الترتيب النزولي. أو لافتتاح ما يُقرأ في الصلاة من القرآن.
فهذه وجوه خمسة لتسميتها بفاتحة الكتاب ، وربّما يُخدش الرابع منها بتقديم تلك التسمية على هذا الترتيب ؛ لوقوعها في الحديث النبوي ، ووقوعه بعد عصر
ص: 167
الرسالة. والخامس بأنّ المراد بالكتاب الكلّ لا البعض ، وهي في الصلاة فاتحة البعض لا الكل على أنّ إطلاق الكتاب على البعض من المستحدثات بعد هذه التسمية ؛ إذ هو اصطلاح اُصوليّ) ، انتهى (1).
والعَلَق (2) : جمع علقة وهي القطعة الجامدة من الدم التي تعلق لرطوبتها بما تمرّ به ، فإذا جفَّ لا تسمَّى علقة ، أي : خُلق الإنسان من دم جامد بعد النطفة ، وقيل معناه : خلق آدم من طين يعلق باليد ، والأوّل أصحّ (3).
اقرأ : فعل أمر مبني على السكون ، لكونه صحيح الآخر غير معتل فيبنى على حذف آخره. ولا مسند إلى ألف الاثنين ، أو واو الجماعة ، أو ياء المخاطبة ، فيبنى على حذف النون ، نحو : قوما ، وقوموا ، وقومي. الفاعل مستتر فيه وجوباً.
باسم ربّك : الباء زائدة ، كما في قول الشاعر :
[هُنَّ الحرائرُ لا ربَّاتُ أخمِرَةٍ *** سُودُ المُحاجِرِ] لا يَقْرَأنَ بالسُّوَرِ (4)
والتقدير اسم ربّك كقوله : ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ (5) ، والجار والمجرور في محل النصب ليكون مفعولاً لإقرأ (6).
ص: 168
واسم : مضافاً إلى ربّ ، وربّ مضاف إليه ، وهو مضاف إلى الكاف ، والكاف مضاف إليه ومجرور محلّاً لكون لفظه مبنيّ على الفتح ، وقيل : دخلت الباء في الكلام لتنبه على البداية باسمه في كلّ شيء فهي غير زائدة ، وعليه ، فيجوز أن يكون الجار والمجرور في محلّ النصب على أن يكون حالاً أي : اقرأ مبتدئاً باسم ربّك.
الَّذي : اسم موصول مبنيّ لشبهه بالحرف في الافتقار ؛ لأنّ الحرف كما لا يدل على معنى تام بدون ضم الاسم إليه ، فكذلك الموصولات لا تدلُّ على معنى تام حَتَّى يؤتى بالصلة والعائد.
خلق : فعل ماضي مبني على الفتح لعدم اتصاله بواو الجماعة فيبنى على الضم كضربوا ، أو بالضمير المرفوع المتحرك فيبنى على السكون كضربْتُ ، والفاعل مستتر فيه وجوباً (1) تقديره هو راجع إلى ربّك ، والجملة من الصلة والموصول والعائد في محل الجر على أن يكون صفة للربّ.
ص: 169
خلق : فعل ماض مبني على الفتح.
الإنسانَ : مفعول به منصوب على الفتحة.
من علق : جار ومجرور وعلامة جره الكسرة.
اقرأ : فعل أمر كما عرفت.
وربّك الأكرم : الواو للحالية ، وجملة ربّك الأكرم مبتدأ وخبر في موضع الحال من ضمير اقرأ ، وجملة الحال إذا كانت اسمية لابد أن تكون مرتبطة بالواو أو بالضمير أو بهما معاً (1).
الَّذي : موصول كما تقدّم.
علّم : فعل ماض مبني على الفتح ، الفاعل مستتر فيه تقديره هو راجع إلى ربّك والجملة صلة الموصول.
بالقلم : جار ومجرور وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة.
علّم الإنسان : فعل وفاعل ومفعول.
ما لم يعلم : (ما) موصولة في محل النصب على أن تكون مفعولاً ثانياً لعلّم.
لم : جازمة.
يَعْلَمْ : فعل مضارع مجزوم ب-(لم) وعلامة جزمه السكون ، والقاعدة في حرف المضارعة : أنّه إذا كان ماضيه رباعياً كان مضموماً تقول : تريد ، تحسن، تقيم ، لأنّ الماضي أراد ، أحسن ، أقام. وإن كان ثلاثياً ، مثل : ضرب ، وذهَب. أو
ص: 170
خماسياً : مثل : انطلق ، واقتتل. أو سداسياً ، مثل : استخرج ، واحرنجم ، فإنّ حرف المضارعة مفتوح في ذلك كلّه.
[46] - قال رحمه الله : «حيث افتتح كلامه المجيد بذكر نعمة الإيجاد ، أتبعه بذكر نعمة العلم فلو كانت بعد نعمة الإيجاد نعمة أعلى من نعمة العلم لكانت أجدر بالذكر» (1).
أقول : ففيه دلالة على ما ذكره في أوّل الوجه العقلي من أنّ الشرف للوجود ، وأتبعه بذكر نعمة العلم على وجه المبالغة في كونها نعمة عظيمة ، حيث وصف نفسه بالأكرمية ، ورتّب عليه التعليم ، وترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلّية ، أي : يكون الوصف هو العلَّة في إثبات الحكم.
فالآية تدل : على أنّه سبحانه تعالى إنّما استحق الوصف بالأكرمية ؛ لأنّه أعطى العلم ، فلولا أنّ العلم أشرف من غيره لما كانت إفادته أشرف من إفادة غيره.
[47] - قال رحمه الله : «وقد قيل في وجه التناسب بين الآية المذكورة في صدر هذه السورة المشتمل بعضها على خلق الإنسان من علق ، وبعضها على تعليم ما لم يعلم ، أنّه تعالى ذكر أوّل حال الإنسان ، أعني كونه علقة ، وهي بمكانٍ من الخساسة ، وآخر حاله هي صيرورتهُ عالماً ، وذلك كمال الرفعة والجلالة ، فكأنّه سبحانه قال : كنت في أوّل الأمر في تلك المنزلة الدنيّة الخسيسة ، ثُمَّ صرت في آخره إلى هذه الدرجة الشريفة النفيسة» (2).
ص: 171
أقول :الآي جمع آية ، كالآيات ، والآيا ، والآية : العلامة ، والأصل أوَيَة بالتحريك ، ففيه تنبيه على أنّ العلم أشرف الصفات الإنسانيّة ، كأنّه تعالى يقول : الإيجاد ، والإحياء ، والقدرة ، والرزق كرم وربوبيّة.
أمّا الأكرم : هو الَّذي أعطاك العلم ، لأنّ العلم هو النهاية في الشرف ، ثُمَّ المنقول عن بعض المفسرين أنّ ها هنا نكتة ، وهي : (أنّ أوّل هذه السورة دلّ على فضيلة العلم ، وبعدها مذمَّة المال ، فكفى ذلك مرغّباً في العلم ، منفّراً عن الدنيا) (1).
قيل : المراد من قوله عزَّ وجلَّ ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ ، الكتابة التي تُعرف بها الأُمور الفانية ، والقلم كنابة عنها ، أو على حذف المضاف ، أي : الكتابة بالقلم.
وأوّل من خطّ به إدريس عليه السلام ، وكيف كان ففيه تنبيه على فضيلة الكتابة ، فأخبر تعالى : أنّه علّم بالقلم ؛ إذ وصف نفسه بالكرم إشارة إلى أنّ تعليمها من جزيل نعمه ، وإيذاناً بأن منحها من فائض ديمه.
وقال تعالى : ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ﴾ (2) ، فجعل الكتابة من وصف الكرام ، كما قَدْ جاء فعلها أيضاً من جماعة الأنبياء. وإنّما منعها النبي صلى الله عليه وآله معجزة قَدْ بيّن تعالى سببها حيث ذكر إلحادهم بقوله : ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا ...﴾ (3).
ويُروى أنّ سليمان عليه السلام سأل عفريتاً عن الكلام؟
ص: 172
فقال : ريح لا يبقى. قال : فما قيده؟ قال : الكتابة بالقلم (1).
وفي الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «القلب يتّكل على الكتابة» (2).
والمراد بالقلب : النفس الناطقة ، والاتكال : الاعتماد.
وفيه أيضاً عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «اكتبوا فإنّكم لا تحفظون حَتَّى تكتبوا» (3).
وفيه أيضاً عن عبيد بن زرارة ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : «احتفظوا بكتبكم فإنّكم سوف تحتاجون إليها» (4).
وفيه أيضاً عن المفضّل بن عمر ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : «اكتب وبُثَّ علمك في إخوانك ، فإنْ مِتَّ فأورث كتبك بنيك ، وليقوموا مقامك ، فإنّه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلّا بكتبهم» (5).
ففي هذه الأخبار من الحث على الكتابة وعدم الاعتماد على الحفظ ما لا يخفى ؛ ولذا أجمع عليه السلف والخلف رضوان الله عليهم ، ففي ذلك كمال الشفقة على الأُمَّة ؛ إذ لولا ذلك لكانت الأمَّة حائرة في دين الحق وأحكامه ، ولا سيّما في مثل هذا العصر.
ص: 173
وما أحسن ما قيل في فضل القلم على السيف وهو لابن الرومي :
إنْ يخدِمِ القلمُ السيفَ الَّذي خضعَتْ *** لهُ الرقابُ ودانَتْ خوفَهُ الأُمَمُ
فالموتُ والموتُ شيءٌ لا يغالِبُهُ *** ما زال يَتبَعُ ما يجري بهِ القَلَمُ
كذا قضى اللهُ للأقلامِ مُذ بُريَتْ *** إنَّ السُّيوفَ لها مُذْ أُرهِفَتْ خَدَمُ (1)
أيضاً في وصف القلم :
وذي عفافٍ راكعٍ ساجدٍ *** أخو صلاحٍ دَمْعُهُ جاري
ملازِمُ الخَمْسِ لأوقاتِها *** مجتَهِدٌ في طاعَةِ الباري (2)
وقال محمود بن أحمد الأصبهاني :
أخرسُ يُبنيكَ بإطراقِهِ *** عن كُلِّ ما شئِتَ مِنَ الأمْرِ
يُذري على قرطاسِهِ دمْعَةً *** يُبدي بها السرَّ وما يدري
كعاشِقٍ أخفى هَواهُ وقَدْ *** نمَّت عليه عَبَرةٌ تجري
تُبصِرُهُ في كُلِّ أحوالِهِ *** عُريانَ يكسو الناسَ أو يُعْرِي
يُرى أسيراً في دَواةٍ وقَدْ *** أطلَقَ أقواماً مِنَ الأسْرِ (3)
ص: 174
[وقال آخر] (1) : (القلم أحدُ اللّسانين ، وهو المخاطب للغيوب بسرائر القلوب على لغات مختلفة من معاني معقولة ، بحروف معلومة ، متباينات الصور ، مختلفات الجهات ، لقاحها التفكُّر ، نتاجها التدبُّر ، تخرس منفردات ، وتنطلق من درجات ، بلا أصوات مسموعة ولا ألسنة محدودة ولا حركات ظاهرة ، خلا قلم حرف باريه قطَّتُه ليطلق المداد به ، وأرهف جانبيه ليردّ ما انتشر عنه إليه ، وشقّ رأسه ليحتبس المداد عليه ، فهناك استمد القلم بشقّه ، ونثر في القرطاس بخطه حروفاً أحكمها التفكر ، وأولى الأسماع بها الكلام الَّذي سداه العقل ، وألحمه اللّسان ، ونهشته اللَّهوات ، وقطعته الأسنان ، ولفظته الشفاه ، ووعته الأسماع عن أنحاء شتى من صفات أسمائه) (2).
قال البحتري :
طِعانٌ بأطرافِ القوافي كأنّهُ *** طِعانٌ بأطراف القنا المتكسّرِ (3)
وقال ابن المعتز : (القلم مُجهز لجيوش الكلام ، يخدم الإرادة ، ولا يملّ استزادة ، يسكت واقفاً ، وينطق سائراً ، على أرضٍ بياضها مظلم ، وسوادها مضيء ، وكأنه يُقَبِّل بساط سلطان ، أو يفتح نوَّار بستان) (4).
وقال علي بن عبيد : (أصمٌّ يسمع النَّجوى ، أعيا من باقل (5) ، وأبلغ من سَحبان وائل (6) ، يجهل الشاهد ، ويُخبر الغائب ، ويجعل الكتب بين الإخوان ألسُناً ناطقة ،
ص: 175
وأعيُناً لاحظة ، وربّما ضَمَّنها من ودائع القلوب ما لا تبوح به الألسن عند المشاهدة) (1).
ومن كلام أبي حفص بن برد الأندلسي : (ما أعجب شأن القلم! يشرب ظلمة ويلفظ نوراً ، قَدْ يكون قلم الكاتب أمضى من شباة المحارب ، القلم سهم ينقذ المقاتل ، وشفرة تطيح بها المفاصل) (2).
سورة القلم إحدى سور العزائم الأربع التي يجب السجود على من قرأ إحدى أياتها الأربع ، والغسل لقراءتها على المجنب إن وجبت عليه ، والثلاث الأُخريات هي : سورة (ألم السجدة) وسورة (حم السجدة) وسورة (النجم).
ومن العجب سهو جملة من المتقدِّمين منهم الصدوق رحمه الله في المقنع والفقيه (3) ، وجرى عليه جملة من تأخّر عنه من عدّ سورة (لقمان) عوض (ألم السجدة) مع أنّ سورة (لقمان) ليس فيها سجدة ، وإنّما السجدة في السورة التي تليها وهي (ألم السجدة).
ص: 176
ثُمَّ الظاهر أنَّ الحكم موضع وفاق كما نصّ عليه في المعتبر والمنتهى (1) إلّا أنّ جلّ المتأخّرين ، بل المشهور مطلقاً أناطوا الحكم بمجموع السورة ، حَتَّى البسملة إذا قصد بها إحدى السور الأربع.
ومستندهم في ذلك ما رواه الشيخ في (الحسن) عن محمّد بن مسلم ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : «الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثياب ، ويقرآن ما شاءا إلّا السجدة ، ويدخلان المسجد مجتازين ، ولا يقعدان فيه ، ولا يقربان المسجدين الحرمين» (2).
وفي (الموثّق) عنه ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت : «الحائض والجنب يقرآن شيئاً؟ قال : نعم ، ما شاءا إلّا السجدة» (3).
وأنت خبير بأنَّ مقتضى هاتين الروايتين تحريم نفس آي السجدات الأربع من دون بقيّة سُوَرها ، وهو الَّذي صرّح به المجلسيّ في مرآة العقول ، قال رحمه الله : (وظاهر الأخبار آية السجدة ، ومع عدم الظهور فهي محتملة لها احتمالاً ظاهراً يمنع الاستدلال ، لكنَّ الإجماع بحملها على الأوّل أي : حرمة السور) ، انتهى (4).
قلت : والمناقشة في ظهور الأخبار لعلّه من جهة احتمال كون المراد من لفظ السجدة الواقع فيها بعد أداة الاستثناء سورة (السجدة) على نحو (البقرة) ، و (آل عمران) وغيرها من أسماء السور ، وهي مردودة بعدم ثبوت الحقيقة
ص: 177
الشرعيّة في أسماء سور القرآن بحيث تحمل عليها إذا وردت في الأخبار ، ولا سيَّما بعد اختلاف اسم السورة الواحدة بحسب اختلاف وجه المناسبة كما عرفت سابقاً في وجه تسمية سورة (القلم) ، وهو كاشف عن أنّ التسمية ليست شرعيّة ، ولا نسلِّم انعقاد الإجماع عليه بعد مخالفة مثل : السيِّد المرتضى ، والشيخ الطريحي ، وصاحب الحدائق ، ناقلين ذلك عن جملة من المتأخّرين ، وهو اختيار سيّدنا الأُستاذ رحمه الله في العروة الوثقى (1).
فلا وجه لما ذهب إليه المشهور ، ولا سيّما مع معارضة الأصل له هنا ، والعمومات من الكتاب والسُنّة الدالّة على استحباب قراءة القرآن ، كصحيحة الحلبيّ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «سألته أتقرأ النفساء ، والحائض ، والجنب ، والرجل يتغوّط ، القرآن؟ قال : يقرأون ما شاؤوا» (2).
وصحيحة الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «لا بأس بأن تتلو الحائض والجنب القرآن» (3).
وموثّقة بكير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «سألته عن الجنب ، يأكل ويشرب ويقرأ القرآن؟ قال : نعم ، يأكل ويشرب ويقرأ ، ويذكر الله ما شاء» (4).
ص: 178
ومقتضى حمل المطلق على المقيّد هو الجمع بينهما بحمل هذه على ما عدا آية (السجدة) ، فقد تحقّق من جميع ما ذكرناه أنّ الأظهر قصر الحكم بالتحريم على موضع السجود لا غير.
[48] - قال رحمه الله : «الثاني قوله تعالى : ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ...﴾ (1) الآية ، فإنّه سبحانه جعل العلم علّة لخلق العالم العلوي والسفلي طرّاً ، وكفى بذلك جلالة» (2).
أقول : الآية في آخر سورة الطلاق ، والمعنى : الأمر بمعنى الوحي ، أي : ينزل الوحي بين السماوات والأرض ، ينزل به جبرئيل من السماء السابعة إلى الأرض السابعة ، لكي تعلموا إذا تفكّرتم في خلقها وما جرى من التدبير فيهما ، أنّ من بلغت قدرته هذه ال مبالغ التي لا يمكن أن تكون لغيره ، كانت قدرته ذاتية لا يعجزه شيء عمّا أراده.
الإعراب :
الله : مبتدأ.
الَّذي : اسم موصول.
خلق : فعل ماضي وفاعله مستتر فيه تقديره هو راجع إلى الله.
ص: 179
سبع : مفعول منصوب بفتحة ظاهرة مضاف إلى السماوات ، والجملة صلة الموصول ، والموصول مع صلته خبر للمبتدأ.
وقُرئ (مثلَهُنَّ) (1) بالنصب عطفاً على سبع سموات ، أي : وخلق من الأرض مثلهن ، وبالرفع على الابتداء وخبره من الأرض فهي جملة مستأنفة.
يتنزّل : فعل مضارع مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم.
الأمر : مفعول والفاعل مستتر فيه تقديره هو راجع إلى الله (2).
بين : ظرف مكان منصوب على أنّه مفعول فيه ليتنزّل مضاف إلى (هُنَّ).
لتعلموا : اللام لام (كي).
تعلموا : فعل مضارع منصوب بحذف النون لكونه من الأفعال الخمسة.
تفصيل : المراد بالسماوات السبع الأفلاك السيَّارات ، فإنَّ الفلكين الآخرين يسمّيان بسان الشرع : عرشاً وكرسيّاً ، وفي لسان أهل الهيئة أنَّ الأفلاك تسعة دائرة
ص: 180
بعضها على بعض ، كطبقات البصلة يمسّ سطحها المقعَّر من كلّ طبقة السطح المحدّب للآخر الَّذي في جوفه.
الأوّل : فلك الأفلاك المحيط بجميع الأفلاك ، ويقال له : الفلك الأعظم ؛ لكونه أوسع الأفلاك ، والفلك الأطلس ؛ لكونه خالياً عن الكواكب كالأطلس الخالي عن النقش ، وهو الفلك المحيط بجميع الأجسام لتناهي الأبعاد ، ووجوب وجود جسم محيط بجميع الأجسام محدّد للجهات بناءً على ما قاله بطليموس : إنّا لا نثبت في السماوات فصلاً لا يحتاج إليه ، وليس وراء هذا الفلك شيء ، لا خلا لامتناعه ، ولا ملأ لما عرفت من كلام بطليموس.
الثاني : فلك البروج ، وفيه الثوابت وهي ما عدا السيّارة.
الثالث : فلك زحل المسمّى بكيوان أيضاً ، وهو النحس الأكبر.
الرابع : فلك المشتري وهو السعد الأكبر.
الخامس : فلك المريخ المسمّى بالأحمر أيضاً ، وهو النحس الأصغر.
السادس : فلك الشمس وهي النيِّر الأعظم.
السابع : فلك الزهرة الملقَّب بالسعد الأصغر.
الثامن : فلك عطارد المسمّى بالكاتب أيضاً.
التاسع : فلك القمر وهو المنيّر الأصغر.
والمشهور بينهم مبدأ حساب الأفلاك من فلك القمر ، فيكون فلك الأفلاك هو الفلك التاسع ، وتنتهي إلى فلك القمر.
ومن الأرض مثلهن ، قيل : في الخلق لا في العدد. وقيل : في العدد فإنّ الأرض سبع طبقات ، بعضها فوق بعض لا فرجة بينها.
ص: 181
وقيل : بينها فرجة مسيرة خمسمائة عام.
وفي كلّ طبقة مخلوقات ، ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ (1) ، واستيعاب الكلام فيما يتعلّق بشرح هذه الآية يتوقف على رسم اُمور :
الأمر الأوّل : اعلم أنّ ما ذكرناه من وضع الأفلاك ما يختاره علماء الهيئة ، وأمّا ما دلّت عليه الأخبار ونطقت به الآثار الواردة عن الأئمة الأطهار عليهم السلام فهو على خلاف ما ذكروا ، فقد روى العياشي بإسناده عن الحسين بن خالد ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : «بسط كفَّه اليسرى ، ثُمَّ وضع اليمنى عليها ، فقال : هذه الأرض الدنيا والسماء الدنيا فوقها قُبَّة ، والأرض الثانية فوق السماء الدنيا ، والسماء الثانية فوقها قُبَّة ، والأرض الثالثة فوق السماء الثانية ، والسماء الثالثة فوقها قُبَّة ، حَتَّى ذكر الرابعة ، والخامسة ، والسادسة ، فقال : والأرض السابعة فوق السماء السادسة ، والسماء السابعة فوقها قُبَّة ، وعرش الرحمن فوق السماء السابعة. وهو قوله : ﴿سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ (2)» (3).
إذا قالَتْ حَذامِ فصدِّقوها *** فإنّ القولَ ما قالَتْ حَذامِ (4)
ولذا قال الطبرسي : (لا خلاف في السماوات أنّها سماء فوق سماء.
ص: 182
وأمّا الأرضون فقال قوم : إنّها سبع أرضين طباقاً بعضها فوق بعض كالسماوات ؛ لأنها لو كانت مصمتة لكانت أرض واحدة ، وفي كلّ أرض خلقٌ خلقهم الله كما شاء.
وروى أبو صالح عن ابن عبَّاس : «إنّها سبع أرضين ليست بعضها فوق بعض ، تفرق بينهنّ البحار وتضلّ جميعهن السماء ، والله سبحانه أعلم بصحَّة ما استأثر بعلمه ، واشتبه على خلقه») (1).
الأمر الثاني : لا ريب في حقّية علم الهيئة أعني ما يتعلق الكلام فيه بالأجرام من الكواكب والأفلاك ، وكيفية أجسامها وكمِّيتها ، وترتيب علو بعضها على بعض ، وسرعة حركاتها وبطئها ، وسائر كيفياتها وأوضاعها ، ومحالّ الكواكب ، وتشخُّص حالاتها المختلفة بالاعتبارات المختلفة من المقارنة والتربيع ، والتثليث ، والمقابلة ، والهبوط ، والصعود إلى غير ذلك ممَّا هو من قبيل تشخيص حالاتها وكيفياتها وأوضاعها ، وهو المسمّى بعلم الكلّ في اصطلاحهم ، وربّما يسمّى بعلم الهيئة.
ولا مجال لإنكاره ودعوى عدم حقيّته بالمرَّة ؛ فإنّه راجح تعلّمه ومحتاج إليه في كثير من المسائل الشرعيّة ، كالوقت والقبلة والقمر في العقرب والنيروز - بمعنى تحويل الشمس إلى برج الحمل - وحقيّته في البعض مستلزم لحقيّة أغلبها ضرورة.
إنّ حقيّة تحويل الشمس في ساعة كذا إلى برج الحمل مستلزم لحقيّة ترتيب البروج ، وسير الشمس فيها إلى حركة التوالي ، وتعيين مقدار حركة
ص: 183
الشمس في الليل والنهار ، ودرجات البروج ومساحتها المتوقّف ذلك على صحَّة التعديلات الموقوفة على ثبوت الأفلاك المعدّة لها من الممثل وخارج المركز والحامل والتدوير ونحوها ، وجملة من اُصولها مبرهن عليها في الكتب الهندسية بالأدلة العقليّة.
ونرى صدق ما أثبتوه في الزيج المستخرج من الرصد المشخص لترتيباتها بالعيان في حكمهم بمقتضى تلك الحسابات والتراصيد بالخسوف والكسوف والأهلّة ، وتعيين الفصول المرتبطة بتحويلات الشمس إلى البروج المعيَّنة ، ولو كان شيء من قواعده على غير ما ذكروه لامتنعت الموافقة في شيء منها أو أكثرها ؛ لارتباط بعضها ببعض كما لا يخفى على ممارسه ، وتخلف حكمهم أحياناً في نحو الهلال والكسوف ناشئ من غلط المحاسب الَّذي يستخرج التقويم من الزيج ، بل مثل السيِّد المرتضى والكراجكي المشنّعين على القول بحقيّة النجوم ، أجابا عن استناد المثبتين لذلك بالإصابة في الحكم بالخسوف ووقته ومقداره والأهلَّة.
ولا فرق بين ذلك وغيرها من أحكام النجوم بأنّ الكسوفات واقترانات الكواكب وانفصالاتها من تسيير الكواكب له اُصول صحيحة وقواعد سديدة.
وبالجملة ، استعمال هذا العلم متعارف لدى العلماء المتشرّعين من السلف والخلف.
ص: 184
قال شيخنا المفيد رحمه الله فيما حكي عنه : (إنّ الاستدلال بحركات النجوم على كثير ممَّا سيكون لا يمنع العقل منه ، ولسنا نمنع أن يكون الله عزَّ وجلَّ علّمه بعض أنبيائه ، وجعله علماً على صدقه) ، انتهى (1).
قال شيخ المتكلِّمين محمود بن علي الحمصي رحمه الله في ذكر علم النجوم : (إنّا لا نردّ علمهم فيما يتعلق بالحساب في تسيير النجوم واتصالاتها التي يذكرونها ، فإنّ ذلك ممَّا لا يهمّنا ، ولا هو ممَّا يقابل بإنكار ورد) ، انتهى (2).
وستسمع من العلّامة في (المنتهى) و (التحرير) ومن الشهيد رحمه الله في (الدروس) التصريح بعدم المنع من ذلك ، بل في الأخير التصريح باستحباب تعلّمه لما فيه من الاطّلاع على حكم الله وعظم قدرته (3).
الأمر الثالث : (الظاهر أنّه لا يحرم الإخبار عن الأوضاع الفلكيّة المبتنية على سير الكواكب - كالخسوف الناشئ عن حيلولة الأرض بين النيِّرين ، والكسوف الناشئ عن حيلولة القمر أو غيره - ممَّا سمعت ، بل يجوز الإخبار بذلك جزماً أو ظناً حسب ما يحصل للمخبر ، وكذا لا يحرم الإخبار بحدوث الأحكام عن الاتصالات المذكورة ، بأن يحكم بنزول المطر في المستقبل عند الوضع المعيَّن من القرب والبعد والمقابلة والاقتران ، إذا كان على وجه الظن المستند إلى تجربة محصّلة ، أو منقولة في وقوع تلك الحادثة بإرادة الله عند الوضع الخاص من دون اعتقاد ربط بينهما أصلاً ، بل الظاهر جواز الأخبار على وجه القطع إذا استند إلى تجربة قطعيّة ؛ إذ لا حرج ولا
ص: 185
مانع شرعاً في ذلك ، بل على ما ستعرف من معنى التنجيم يكون ذلك خارجاً منه) ، كما صرَّح بذلك كلّه العلامة الأنصاري رحمه الله (1).
إذا عرفت ذلك فنقول : التنجيم هو الإخبار عن أحكام النجوم باعتبار الحركات الفلكيّة ، والاتصالات الكوكبيّة التي مرجعها إلى القياس والتخمين.
وحاصله : هو البحث عمّا يتعلّق بالحكم بآثار معتبرة من الخير والشر ، والنفع والضرر ، لعموم الخلق أو لخصوص بعضهم في العالم السفليّ بحصول حالات معينة للكواكب والأجسام الفلكيّة ، باعتقاد أنّ الأجرام العلويّة مؤثرات بنحو الإرادة والاختيار في الكوت ، بحيث تمنع التخلف عنها امتناع تخلُّف المعلول عن العلّة العقليّة المقتضي لثبوت الحياة لها ، والتنجيم بهذا المعنى هو محل البحث ، والظاهر حرمته بل كفر من يعتقد ذلك وهو المشار إليه في جملة من الأخبار المصرِّحة بالنهي عن تصديق المنجمين.
فعن النبي صلى الله عليه وآله مرسلاً : «أنّه من صدّق منجِّماً أو كاهناً فقد كفر بما أنزل الله على محمّد صلى الله عليه وآله» (2).
وفي رواية نصر بن قابوس المروية في الخصال ، قال : سمعت أبا عبد الله يقول : «المنجّم ملعون ، والكاهن ملعون ، والساحر ملعون ، والمغنيّة ملعونة ، ومن آواها وأكل كسبها ملعون» (3).
ص: 186
وقال عليه السلام : «المنجّم كالكاهن ، والكاهن كالساحر ، والساحر كالكافر ، والكافر في النار» (1).
وفي الخصال أيضاً بإسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال : «أربعة لا تزال في اُمَّتي إلى يوم القيامة : الفخر بالأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة ، وإنّ النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب» (2).
وفيه أيضاً مسنداً : «أنّه نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن خصال ... إلى أن قال : وعن النظر في النجوم» (3).
وفيه أيضاً مسنداً ، قال : «دخل رجل على عليّ بن الحسين عليه السلام فقال له علي بن الحسين عليه السلام : من أنت؟ قال : أنا منجّم.
قال : فأنت عرّاف؟ قال : فنظر إليه ثُمَّ قال : هل أدلُّك على رجل قَدْ مرّ مذ دخلت علينا في أربعة عشر عالماً أكبر من الدنيا ثلاث مرات ، ولم يتحرك من مكانه؟
قال : من هو؟ قال : أنا ، وإن شئت أنبأتك بما أكلت ، وما ادَّخرت في بيتك» (4).
ص: 187
وفي مجالس الصدوق رحمه الله بإسناد عن عبد الله بن عوف بن الأحمر ، قال : «لمّا أراد أمير المؤمنين عليه السلام المسير إلى النهروان أتاه منجّم ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، لا تسر في هذه الساعة ، وسر في ثلاث ساعات يمضين من النهار.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ولمَ ذاك؟ قال : لأنّك إن سرت في هذه الساعة أصابك وأصاب أصحابك أذى وضرّ شديد ، وإن سرت في الساعة التي أمرتك ظفرت وظهرت وأصبت كلّما طلبت.
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : تدري ما في بطن هذه الدابة ، أذكرٌ أم أنثى؟
قال : إن حسبت علمت.
قال له أمير المؤمنين عليه السلام : من صدّقك على هذا القول كذّب بالقرآن ، قال الله تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (1).
ما كان محمّد صلى الله عليه وآله يدّعي ما ادّعيت ، أتزعم أنّك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء ، والساعة التي من سار فيها حاق به الضر؟
من صدّقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة بالله عزَّ وجلَّ في ذلك الوجه ، وأحوج إلى الرغبة إليك في دفع المكروه عنه ، وينبغي له أن يوليك الحمد دون ربّه عزَّ وجلَّ ، فمن آمن لك بهذا فقد اتَّخذك من دون الله ندّاً وضدّاً.
ثُمَّ قال عليه السلام : اللهُمَّ لا طير إلّا طيرك ، ولا ضير إلّا ضيرك ، ولا خير إلّا
ص: 188
خيرك ، ولا إله غيرك. ثُمَّ التفت إلى المنجم ، فقال : بل نكذِّبك ونخالفك ، ونسير في الساعة التي نَهيت عنها» (1).
ويقال : إنّ الَّذي قال له ذلك هو عفيف بن قيس أخو الأشعث ، وكان يتعاطى علم النجوم (2).
وفي رواية عبد الملك بن أعين المروية في الفقيه : «قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إنّي قَدْ ابتليت بهذا العلم فاُريد الحاجة ، فإذا نظرت إلى الطالع ورأيت الطالع الشر جلست ولم أذهب فيها ، وإذا رأيت الطالع الخير ذهبت في الحاجة ، فقال لي : تقضي؟ قلت : نعم. قال : احرق كتبك» (3).
قال في البحار : (قوله عليه السلام : (تقضي) على بناء المعلوم أي : تحكم بالحوادث وتخبر بالأُمور الآتية والغائبة ، وتحكم بأنّ للنجوم تأثيراً ، أو أنّ لذلك الطالع أثراً ، أو بناء على المجهول ، أي : إذا ذهبت في الطالع تٌقضى حاجتك وتعتقد ذلك؟ ثُمَّ قال : والأوّل عندي أظهر.
ثمّ قال : هذا خبر معتبر يدل على أظهر الوجوه ، على أنّ الإخبار بأحكام النجوم ، والاعتناء بسعادة النجوم والطوالع محرَّم يجب الاحتراز عنه) ، انتهى (4).
وفي نهج البلاغة من كلام له عليه السلام لبعض أصحابه لمّا عزم على المسير إلى الخوارج ، وقد قال له : «إن سرت يا أمير المؤمنين في هذا الوقت خشيت أن لا
ص: 189
تظفر بمرادك عن طريق علم النجوم ، فقال عليه السلام : أتزعم أنّك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صُرف عنه السوء ، وتخوف من الساعة التي من سار فيها حاق به الضر؟ فمن صدق بهذا فقد كذّب القرآن ، واستغنى عن الاستعانة بالله في نيل المحبوب ودفع المكروه ، وتبتغي في قولك للعامل بأمرك أن يوليك الحمد دون ربّه ؛ لأنّك بزعمك أنّك هديته إلى الساعة التي نال فيها النفع وأمن الضرّ؟ ثُمَّ أقبل عليه السلام على الناس ، فقال : أيُّها الناس إيَّاكم وتعلّمَ النجوم إلّا ما يُهتَدَى به في برٍّ أو بحر ؛ فإنّها تدعو إلى الكهانة ، والمنجِّم كالكاهن ، والكاهن كالساحر ، والساحر كالكافر ، والكافر في النار ، سيروا على اسم الله» (1).
بيان :
قوله عليه السلام : «فقد كذّب القرآن» ؛ لأنّ المنجم إذا حكم لنفسه مثلاً بأن يصيب كذا في وقت كذا فقد ادّعى أنّ نفسه تعلم ما تكسب غداً وبأيّ أرضٍ تموت ، وقد قال الله تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾ الآية (2).
وأيضاً الأحكام النجوميّة إخبارات عن اُمور ستكون ، وهي تشبه الاطّلاع على الأُمور الغيبيّة وهو مختص به تعالى ، لقوله تعالى : ﴿قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ (3) ولقوله تعالى : ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾ (4).
ص: 190
وقوله عليه السلام : «واستغنى ... إلخ» ، لأنّه يفزع إليه في كلّ أمر يهتم به ، ويجعله عمدة له ، فيعرض عن الفزع إلى الله ؛ إذ يعتمد على الكواكب والأوقات ، ويشتغل بالفزع إلى ما يستند إلى الكواكب وإلى ملاحظتها.
قوله عليه السلام : «أن يوليك الحمد ... إلخ» ، لأنّ كلّ من زعم ذلك أهّل نفسه لاستحقاق الحمد من مصدِّقه دون الله.
قوله عليه السلام : «تدعوا إلى الكهانة» ، أي إلى أن يُصيّر نفسه كالكاهن في دعوى الإخبار عمّا سيكون ، ثُمَّ أكَّد كونه داعية إلى التشبيه بالكاهن ، انتهى.
واعلم أنَّ الكاهن يتميَّز عن المنجِّم بكون ما يخبر عنه من الأُمور الكائنة إنّما هو عن نفسانيّة له ، وظاهر أنّ ذلك أدعى إلى ال فساد في أذهان الناس وإغوائهم لزيادة اعتقاداتهم فيه.
وأمّا الساحر فيتميّز عن الكافر بأنّ له قوة على التأثير في أمر خارج عن بدنه بآثار خارجة عن الشريعة مؤذية للناس كالتفريق بين الزوجين ونحوه ، وتلك زيادة شرٍّ آخر على الكاهن أدعى لفساد أذهان الناس ، وزيادة اعتقادهم وانفعالهم عنه خوفاً ورغبة.
وأمّا الكافر فيتميّز عن الساحر بالبعد الكثير عن الله وعن دينه ، وإن شاركه في أصل الانحراف عن سبيل الله ، وحينئذ صار الضلال والفساد في الأرض مشتركاً بين الأربعة ، إلّا أنه مقول عليهم بالتشكيك (1).
ص: 191
ولذا جعل عليه السلام الأقوى أصلاً في النسبة ، وقد لاح لك أيضاً أنّ وجه الشبه في الكلّ الانحراف عن طريق الله ، وهذا قياس مفصول النتائج يستنتج منه : أنّ المنجِّم في النار.
وعلى تقدير تفصيله ، فالنتيجة الأُولى كون المنجِّم كالساحر ، وهي مع قوله : «والساحر كالكافر» ينتج : أنَّ المنجِّم كالكافر وهذه النتيجة مع قوله : «والكافر في النار» ينتج المطلوب.
والقياسان الأوّلان من قياس المساواة ، وإذا حُمل على القياس الصحيح فتقديره : المنجم يشبه الكاهن المشبه للساحر ، ومشبه الكاهن المشبه للساحر مُشبه للساحر ، فينتج : أنّ المنجِّم يشبه الساحر.
وهكذا في القياس الثاني : المنجِّم يشبه الساحر المُشبه للكافر ، ومُشبه الساحر المشبه للكافر يشبه الكافر ، فالمنجم يشبه الكافر ، والكافر في النار. فالمنجم كذلك وهو القياس الثالث.
هذه هي الأخبار التي دلَّت على حرمة التنجيم بالمعنى المعروف ، ولذا أفتى به جملة من فقهائنا الأساطين من المتقدِّمين والمتأخّرين ، وإنَّ شئت الاطّلاع على كلماتهم ، فنحن نتلو عليك جملة ممَّا عثرنا عليه ممَّا هو صريح في ذلك ، وأقوى شاهد على ما هنالك :
[أ] - قال السيِّد المرتضى علم الهدى رحمه الله في كتاب الغرر والدرر في أجوبة المسائل السلارية :
(ما القول فيما يخبره المنجّمون من وقُوع حادث ، يضيفون ذلك إلى تأثيرات النجوم؟ وما المانع من أن تؤثّر الكواكب على حدّ تأثير الشمس الأُدْمةَ فينا؟ وإن كان
ص: 192
تأثير الكواكب مستحيلاً فما المانع من أن تكون التأثيرات من فعل الله تعالى بمجرَى العادة عند طلوع هذه الكواكب وانتقالها؟ فليُنْعم ببيان ذلك ، فإنّ الأنفسَ إليه منشوقة. وكيف نقول : إنّ المنجمين حادسون ، مع أنّه لا يفسد من أقوالهم إلا القليل حَتَّى أنهم يخبرون بالكسوف ووقته ومقداره فلا يكون إلّا على ما أخبروا به ، فأيّ فرق بين إخبارهم بحصول هذا التأثير في هذا الجسم ، وبين حصول تأثيرها في أجسامنا؟
الجواب : اعلم أنّ المنجمين يذهبون إلى أنّ الكواكب تفعل في الأرض ومَنْ عليها أفعالاً يُسندونها إلى طباعها ، وما فيهم أحدٌ يذهب إلى أنّ الله تعالى أجرى العادة بان يفعل عند قرب بعضها من بعض أو بعده أفعالاً من غير أن يكون للكواكب أنفسها تأثير في ذلك ، ومن ادّعى هذا المذهب الآن منهم فهو قائل بخلاف ما ذهبت القدماء في ذلك ، ومتجمِّل بهذا المذهب عند أهل الإسلام ، ومتقرب إليهم بإظهاره ، وليس هذا بقول أحد ممّن تقدّم.
وكأن الَّذي كان يجوز أن يكون صحيحاً - وإن دلّ الدليل على فساده - لا يذهبون إليه ، وإنّما يذهبون إلى المحال الَّذي لا يمكن صحَّته ، وقد فرغ المتكلِّمون من الكلام في أنّ الكواكب لا يجوز أن تكون فينا فاعلة.
وتكلّمنا نحن أيضاً في مواضع على ذلك ، وبيّنّا بطلان الطبائع للَّذين يهذون بذكرها ، وإضافة الأفعال إليها ، وبيّنّا أنّ الفاعل لابد أن يكون حيّاً قادراً ، وقد علمنا أنّ الكواكب ليست بهذه الصفة ، فكيف تفعل وما يصحح الأفعال مفقود فيها!؟ وقد سطّر المتكلِّمون طرقاً كثيرة في أنها ليست بحيّة ولا قادرة) ، انتهى (1).
[ب] - وقال العلّامة رحمه الله في المنتهى :
ص: 193
(التنجيم حرام ، وكذا تعلُّم النجوم مع اعتقاد أنها مؤثرات أو أنّ لها مدخلاً في التأثير بالنفع والضرر ، وبالجملة كلّ من يعتقد ربط الحركات النفسانيّة والطبيعيّة بالحركات الفلكيّة والاتصالات الكوكبيّة كافر ، وأخذ الأُجرة على ذلك حرام. أمّا من يتعلّم النجوم وقدر سير الكواكب وبُعدها وأحوالها من التربيع والكسف وغيرها فإنّه لا بأس به) انتهى (1).
ومثله في التحرير والقواعد (2).
[ج] - وقال الشهيد رحمه الله في القواعد :
(كلّ من اعتقد في الكواكب أنَّها مدبّرة لهذا العالم وموجدة ما فيه فلا ريب كافر ، وإن اعتقد أنها تفعل الآثار المنسوبة إليها ، والله سبحانه هو المؤثّر الأعظم كما يقوله أهل العدل فهو مخطئ ، إذ لا حياة لهذه الكواكب ثابتة بدليل عقلي ولا نقلي. وبعض الأشعرية يكفِّرون هذا كما يكفِّرون الأوّل.
قال : وأمّا ما يقال من أنّ إسناد الأفعال إليها كاستناد الإحراق إلى النار وغيرها ، ومن العاديّات ، بمعنى أنّ الله أجرى عادته أنها إذا كانت على شكل مخصوص ، أو وضع مخصوص يفعل ما ينسب إليها ، ويكون ربط المسببّات بها كربط مسبِّبات الأدوية والأغذية بها مجازاً ، باعتبار الربط العادي لا الفعلي الحقيقي ، فهذا لا يكفر معتقده ، ولكنَّه مخطئ أيضاً ، وإن كان أقل خطاً من الأوّل ؛ لأنَّ وقوع هذه الآثار عندنا ليس بدائم ولا أكثري) ، انتهى (3).
[د] - وقال في الدروس :
ص: 194
(ويحرم اعتقاد تأثير النجوم مستقلة ، أو بالشركة والإخبار عن الكائنات بسببها. أمّا لو أخبر بجريان العادة أنّ الله تعالى يفعل كذا عند كذا لم يحرم ، وإن كره على أنّ العدة فيها لا تطَّرد إلا فيما قلّ ، أمّا علم النجوم فقد حرّمه بعض الأصحاب ولعلّه لما فيه من التعرض للمحظور من اعتقاد التأثير ، أو لأنّ أحكامه تخمينيّة ، وأمّا علم هيئة الأفلاك فليست حراماً ، بل ربّما كان مستحبّاً لما فيه من اطّلاع على حِكَمِ الله ، وعِظَمِ قدرته) ، انتهى (1).
[ﻫ] - وقال المحقِّق الكركي :
(اعلم أنّ التنجيم مع اعتقاد أنّ للنجوم تأثيراً في الموجودات السفلية ولو على جهة المدخلية حرام. وكذا تعلُّم النجوم على هذا الوجه ، بل هذا الاعتقاد كفر بنفسه ، نعوذ بالله.
أمّا التنجيم لا على هذا الوجه مع التحرّز عن الكذب فإنّه جائز ، فقد ثبت كراهية التزويج وسفر الحج في العقرب وذلك من هذا القبيل ، نعم ، هو مكروه ، ولا ينجرُّ إلى الاعتقاد الفاسد ، وقد ورد النهيُّ عنه مطلقاً حسماً للمادة) ، انتهى (2).
[و] - وقال في البحار :
(لا نزاع بين الأمَّة في أنّ من اعتقد أنّ الكواكب هي المدبِّرة لهذا العالم ، وهي الخالقة لما فيه من الحوادث والخيرات والشرور، فإنّه يكون كافراً على الإطلاق) ، انتهى (3).
ص: 195
وقال في موضع آخر : (بل القول بكونها علَّة فاعلية بالإرادة والاختيار - وإن توقَّف تأثيرها على شرائط اُخر - كفرٌ) ، انتهى (1).
[ز] - وقال في الوسائل :
(قَدْ صرّح علماؤنا بتحريم علم النجوم والعمل به - ويكفر من اعتقد تأثيرها أو مدخليتها في التأثير ، وذكروا أنّ بطلان ذلك من ضروريات الدين) ، انتهى (2).
[ح] - وقال شيخنا البهائي رحمه الله في رسالته (الحديقة الهلاليّة) :
(ما يدّعيه المنجِّمون من ارتباط بعض الحوادث السفلية بالأجرام العلويّة ، إن زعموا أنّ تلك الأجرام هي العلّة المؤثرة في تلك الحوادث بالاستقلال ، أو أنها شريكة في التأثير فهذا لا يحل للمسلم اعتقاده ، وعلم النجوم المبتني على هذا كفرٌ والعياذ بالله. وعلى هذا يُحمل ما ورد في الحديث من التحذير عن علم النجوم والنهي عن اعتقاد صحَّته.
وإن قالوا : إنّ اتصالات تلك الأجرام وما يعرض لها من الأوضاع علامات على بعض هذا العالم ممَّا يوجده الله سبحانه بقدرته وإرادته ، كما أنّ حركات النبض واختلافات أوضاعه علامات يستدلّ بها الطبيب على ما يعرض للبدن من قرب الصحَّة واشتداد المرض ونحو ذلك ، وكما يستدل باختلاج بعض الأعضاء على بعض الأحوال المستقبلة ، فهذا لا مانع منه ، ولا حرج في اعتقاده ، وما رُوي من صحَّة علم النجوم وجواز نقله محمول على هذا المعنى) ، انتهى (3).
ص: 196
بل يظهر من ابن أبي الحديد في شرحه أنّ الحكم كذلك عند علماء العامّة أيضاً (1).
وما أشار إليه شيخنا البهائي رحمه الله من الأخبار الدالة على صحَّة علم النجوم كثيرة منها :
[أ] - ما هو المروي في روضة الكافي عن عبد الرحمن بن سيابة ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت لك الفداء ، إنّ الناس يقولون : إنّ النجوم لا يحل النظر فيها ، وهي تعجبني فإن كانت تضرّ بديني فلا حاجة لي في شيء يضرّ بديني ، وإن كانت لا تضرّ بديني فو الله إنّي لأشتهيها وأشتهي النظر فيها؟
فقال عليه السلام : ليس كما يقولون : لا تضرّ بدينك ، ثُمَّ قال : إنّكم تنظرون في شيء منها كثيره لا يدرك وقليله لا ينتفع به ، تحسبون على طالع القمر.
ثُمَّ قال : أتدري كم بين المشتري والزهرة من دقيقة؟ قلت : لا والله.
قال : أفتدري كم بين الزهرة وبين القمر من دقيقة؟ قلت : لا.
قال : أفتدري كم بين الشمس وبين السكينة من دقيقة؟
قلت : لا والله ما سمعته من أحد من المنجِّمين قطُّ.
فقال : أفتدري كم بين السكينة واللوح المحفوظ من دقيقة؟ قلت : لا ، ما سمعته من منجِّم قطُّ.
قال : ما بين كلّ منهما إلى صاحبه ستون دقيقة.
ص: 197
ثُمَّ قال : يا عبد الرحمن هذا حساب إذا حسبه الرجل ووقع عليه عرق القصبة التي وسط الأجمة ، وعدد ما عن يمينها ، وعدد ما عن يسارها ، وعدد ما عن خلفها ، وعدد ما عن أمامها ، حَتَّى لا يخفى عليه من قصب الأجمة واحدة» (1).
قال المجلسي رحمه الله : (تحسبون على طالع القمر : يظهر منه أنّه كان مدار أحكام هؤلاء على حركات القمر وأوضاعه. وكانوا لا يلتفتون إلى أوضاع سائر الكواكب ، كم بين المشتري والزهرة ، أي بحساب الدرجات والأوضاع الحاصلة من الحركات ، أو بعد فلك أحدهما عن الآخر ، والأوّل أظهر.
وبين السكينة : هو اسم كوكب غير معروف عند المنجِّمين ، له مدخل في الأحكام وفي بعض النسخ السنبلة ، والأوّل أنسب بقوله : «ما سمعته من منجِّم» (2).
[ب] - وعن محمّد بن يحيى الخثعمي ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النجوم حقّ؟ قال لي : نعم ، قلت له : وفي الأرض من يعلمها؟ قال : نعم ، وفي الأرض من يعلمها» (3).
[ج] - وفي المناقب لابن شهر آشوب عن أبي بصير قال : «رأيت رجلاً يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن النجوم ، فلمَّا خرج من عنده قلت له : هذا علْمٌ له أصل؟ قال له : نعم. قلت : حدثني عنه. قال : اُحدِّثك بالسعد ، ولا اُحدِّثك بالنحس ، إنّ الله جلّ اسمه فرض صلاة الفجر لأوّل ساعة ، فهي فرض وهي
ص: 198
سعد ، وفرض الظهر لسبع ساعات ، وهو فرض وهي سعد ، وجعل العصر لتسع ساعات وهو فرض وهي سعد ، وجعل المغرب لأوّل ساعة من الليل ، وهو فرض وهو سعد ، والعتمة لثلاث ساعات ، وهو فرض وهي سعد» (1).
بيان : لعلّ غرضه عليه السلام أنّ ذلك العلم له أصل ، لكن لا ينبغي لك أن تطلب منه إ لّا بقدر ما تعلم به أوقات الفرائض. أو المعنى : أنّ أوقات الفرائض لها سعادة لوقوع عبادة الله فيها (2).
[د] - وعن علي عليه السلام : «من اقتبس علماً من علم النجوم من حملة القرآن ازداد به إيماناً ويقيناً ثُمَّ تلا : ﴿إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ (3). (4)
[ﻫ] - وفي ربيع الأبرار : عن ميمون بن مهران : «إيّاكم والتكذيب بالنجوم ، فإنّه علم من علوم النبوّة» (5).
[و] - وفيه أيضاً عن علي عليه السلام : «يكره أن يسافر الرجل أو يتزوّج في محاق الشهر ، وإذا كان القمر بالعقرب» (6).
ص: 199
[ز] - وذكر الخطيب في تاريخ بغداد حديثاً أسنده إلى تميم بن الحارث ، عن أبيه ، عن علي عليه السلام : «أنّه يكره أن يتزوّج الرجل أو يسافر إذا كان القمر في محاق الشهر ، أو العقرب» (1).
[ح] - وفي ربيع الأبرار أيضاً ، فيما رواه عن مولانا علي عليه السلام ، ويُروى أنّ رجلاً قال له : «إني اُريد الخروج في تجارة لي وذلك في محاق الشهر ، فقال : أتريد أن يمحق الله تجارتك ، تستقبل هلال الشهر بالخروج» (2).
[ط] - وفيه : (كان علماء بني إسرائيل يسترون من العلوم علمين : علم النجوم ، وعلم الطب. فلا يعلّمونها أولادهم ؛ لحاجة الملوك إليهما ؛ لئلا يكونا سبباً في صحبة الملوك والدنو منهم ، فيضمحل دينهم) (3).
[ي] - وروى عبد الله بن الصلت في كتاب التواقيع - من اُصول الأخبار - أنّه : كتب مصقلة بن إسحاق إلى عليّ بن جعفر عليه السلام رقعة يُعلمه فيها أنّ المنجِّم كتب ميلاده ، ووقّت عمره وقتاً ، وقد قارب ذلك الوقت وخاف على نفسه ، فأحبّ أن يسأله أن يدلَّه على عملٍ يعمله يتقرّب به إلى الله عزَّ وجلَّ. فأمره بما يقدر عليه من الصيام وصلاة الليل والاستغفار ، وقراءة القرآن وأن يجعل أبواباً في الصدقة والعتق (4).
ص: 200
[ك] - وروى محمّد بن خالد البرقي في (قصص الأنبياء) ، فقال ما هذا لفظه : (عبد الله بن سنان ، عن عمّار بن أبي معاوية ، قال : وفُتحت مدائن الشام على يد يوشع بن نون حين انتهى إلى البلقاء ، فوجد فيها رجلاً يقال له : بالق - به سمّيت البلقاء - فجعلوا يخرجون يقاتلونه فلا يقتل منهم رجلاً ، فسأل ذلك فقيل : إنّ في مدينته امرأة منجِّمة تستقبل الشمس بفرجها ، ثُمَّ تحسب ، ثُمَّ يعرض عليها الخيل فلا يخرج يومئذ رجل حضر أجله.
فصلّى يوشع بن نون ركعتين ودعا ربّه أن يؤخر الشمس ، فاضطرب عليها الحساب. فقالت لبالق : انظر ما يعرضون عليك فأعطهم ، فإنّ حسابي قَدْ اختلط عليَّ ، قال : فتصفحي الخيل فاخرجي فإنّه لا يكون إلّا بقتال.
قال : فتصفحت وأخرجت فقتلوا قتلاً لم يقتله قوم ، فسألوا يوشع الصلح فأبى حَتَّى يدفع إليه المرأة ، فأبى بالق أن يدفعها.
فقالت : ادفعني إليه ، فصالحها ودفعها إليه.
فقالت : هل تجد فيما أوحي إلى صاحبك قتل النساء؟
قال : لا ، قالت : أليس إنّما تدعوني إلى دينك؟
قال : بلى ، قالت : فإنّي دخلت في دينك) (1).
هذا آخر لفظه في حديثه ، والمراد باستقبال الشمس بالفرج : المواجهة لها ؛ لتعلم مقدار حركتها وهي عبارة شائعة :
ص: 201
فهذا جملة ما اطلعنا عليه من الأخبار التي تدلُّ على صحَّة علم النجوم وجواز التنجيم. وأنت خبير بوجه الجمع بين هذه وما تقدّم من الأخبار المانعة بحمل ما دل منها على المنع على ما ذكرناه واخترنا حرمته من معنى التنجيم في صدر العنوان ممَّا يرجع محصله إلى إنكار الصانع أو تعطيله عن التصرف ، وتفويض التدبير إلى الحركات الفلكيّة وغير ذلك ممَّا علم من الدين ضرورة أو أنها تفعل الآثار المنسوبة إليها والله سبحانه هو المؤثر الأعظم ، ومحصّله أن الكواكب فاعلة مختارة باختيار هو عين اختيار الله وإرادته ، صادرة عن أمره كالآلة بزيادة الشعور وقيام الاختيار بها ، بحيث يصدق أنّ الفعل فعلها وفعل الله ، فإنّ ظاهر أكثر العبارات التي قدّمنا ذكرها أيضاً تعطي بكفر من يدّعي ذلك - وإن كان الأقوى عندي عدمه تبعاً لشيخنا الشهيد رحمه الله في القواعد كما تقدّمت الإشارة إليه في عبارته - وكذلك العلّامة الأنصاري في مكاسبه ؛ لأنّ القدر المتيقَّن الَّذي قامت به الضرورة عدم نسبة الخلق والرزق والإحياء والإماتة وغيرها إلى غير الله من فاعل مختار باختيار مستقل كما هو ظاهر قول المفوّضة.
وأمّا استنادها إلى الفاعل بإرادة الله المختار بعين مشيّته واختياره حَتَّى يكون كالآلة بزيادة الشعور وقيام الاختياريّة ، بحيث يصدق أنّه فعله وفعل الله فلا ؛ إذ المخالف للضرورة إنكار نسبة الفعل إلى الله تعالى على وجه الحقيقة ، لا إثباته لغيره أيضاً بحيث يصدق أنّه فعله ولو مجازاً.
نعم ، لا دليل على ذلك فالقول به تخرّص ونسبة فعل الله إلى غيره بلا دليل وهو قبيح ومحرّم ، أو حملها على من يدّعي كون الكواكب كالآلة من غير شعور فيها ، لكنها مجبولة على الحركة طبق اختيار الصانع جلّت قدرته. فمن جهة
ص: 202
كونها كالآلة تستند إليها آثارها ، وظاهر كلمات كثير ممّن تقدّم كون هذا الاعتقاد كفراً ، وشيخنا الشهيد رحمه الله فيما تقدّم من عبارته صرّح بعدمه وهو الأقوى ؛ لعدم ثبوت كون ذلك مخالفاً لضرورة الدين ؛ إذ ليس المراد منه العليّة التامّة التي استقرت الضرورة من الدين على بطلانه.
فالقول به بلا دليل حرام ، والقائل به مخطئ ، وحمل ما دلَّ فيها على الجواز على صورة دعوى ربط الحركات بالحوادث من قبيل ربط الكاشف بالمكشوف ، على وجه تكون الحركات علامات ودلالات على الحوادث.
والظاهر أنّ هذا الاعتقاد لم يكن كفراً كما صرّح به العلّامة الأنصاري رحمه الله أيضاً ، وقبله شيخنا البهائي ؛ إذ لا مانع ولا حرج فيه ، بل الظاهر من العلّامة رحمه الله خروجه من مورد طعن العلماء على المنجّمين. ففي البحار نقلاً عن شرح فصّ الياقوت للعلّامة والمتن للشيخ إبراهيم بن نوبخت ، أنّه قال : (اختلف قول المنجِّمين على قولين : أحدهما قول من يقول : إنها حيّة مختارة. الثاني : قول من يقول : إنها موجبة. والقولان باطلان). انتهى (1).
وهذه العبارة ظاهرة بأن مورد الطعن على المنجّمين منحصر في فريقين كلاهما قائلان بكون النجوم فاعلة ، غاية ما هناك أنّ أحدهما يقول : بكونها فاعلة مختارة ، والآخر يقول : بكونها فاعلة موجبة. وعلى هذا فيخرج القائل بكونها علامات عن زمرة المنجِّمين.
هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بفقه المسألة ، والله الموفّق للصواب.
ص: 203
الأمر الثالث : إنّ الأفلاك كلّها كرويّة الأشكال ، صحيحة الاستدارة تحديباً وتقعيراً ؛ لعدم المانع منها على اُصولهم ، وهذه الكرات يحيط بعضها ببعض ، والأرض ساكنة في الوسط بحيث ينطبق حجمها على مركز العالم ؛ لثقلها المطلق.
والَّذين أنكروا كرويّة الأرض فقد أنكروا تحقُّقها ، ولم نطّلع على شبهة في ذلك فضلاً عن دليل ، والدلائل المذكورة في المجسطي (1) وغيره شاهدة بكرويَّتها ، وقد يتوهم أنّ القول بكرويَّتها خلاف ما عليه أهل الشرع ، وربّما استند ببعض الآيات الكريمة كقوله : ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا﴾ (2) ، وقوله جلّ شأنه : ﴿وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ (3) ، ولا دلالة في شيء منها على ما ينافي الكرويّة ، والمفسّرون من العامّة والخاصة متفقون على كرويّة الأرض ، بل ذهب إليه غير واحد من الفقهاء (4).
قال صاحب الكشّاف في تفسير الآية الأُولى : (فإن قلت : هل فيه دليل على أنّ الأرض مسطَّحة وليست بكرويّة؟ قلت : ليس فيه إلّا أنّ الناس يفترشون على الأرض كما يفعلون بالمفارش ، وسواء كانت على شكل السطح أو شكل الكرة فالافتراش غير مستنكر ولا مدفوع ؛ لعظم حجمها ، واتّساع جرمها ، وتباعد أطرافها ،
ص: 204
وإذا كان سهلاً في الجبل - وهو وتد من أوتاد الأرض - فهو في الأرض ذات الطول والعرض أسهل) ، انتهى (1).
وقال الفخر الرازي : (ومن الناس من زعم أنّ الشرط في كون الأرض فراشاً أن لا تكون كرة ، فاستدل بهذه الآية على أنّ الأرض ليست كرة ، هذا بعيد جداً ؛ لأنّ الكرة إذا عظمت جداً كانت كل قطعة منها كالسطح). انتهى (2).
وكيف يتوهَّم متوهِّم أنّ القول بكرويّة الأرض خلاف ما عليه أهل الشرع ، وقد ذهب إليه كثير من علمائنا ، وممَّن قال به صريحاً من فقهائنا : العلّامة وولده فخر الدين.
قال العلّامة في التذكرة : (إنّ الأرض كرة ، فجاز أن يُرى الهلال في بلد ولا يظهر في آخر ؛ لأنّ حدبة الأرض مانعة لرؤيته. وقد رصد ذلك أهل المعرفة ، وشوهد بالعيان خفاء بعض الكواكب الغربية لمن جدَّ في السير نحو المشرق وبالعكس) ، انتهى (3).
وقال فخر المحقّقين في الإيضاح : (الأقرب أنّ الأرض كرويّة ؛ لأنّ الكواكب تطلع في المساكن الشرقية قبل طلوعها في المساكن الغربية ، وكذا في الغروب فكلّ بلد غربي بَعُدَ عن الشرقي بألف ميل ، يتأخَّر غروبه عن غروب الشرقي بساعة واحدة. وإنّما عرفنا ذلك بأرصاد الكسوفات القمرية حيث ابتدأت في ساعة أقل من ساعات بلدنا في المساكن الغربية ، وأكثر من ساعات بلدنا في المساكن الشرقية. فعرفنا أنّ
ص: 205
غروب الشمس في المساكن الشرقية قبل غروبها في بلدنا ، وغروبها في المساكن الغربية بعد غروبها في بلدنا. ولو كانت الأرض مسطحة لكان الطلوع والغروب في جميع المواضع في وقت واحد ، ولأنّ السائر على خط من خطوط نصف النهار إلى الجانب الشمالي يزداد عليه ارتفاع القطب الشمالي وانخفاض الجنوبي وبالعكس). انتهى كلامه (1).
وهو خلاصة ما ذكره المجسطي وغيره في هذا الباب ، ولا يخفى أنَّ قوله رحمه الله : «لأن السائر ... إلى آخره» من تتمة الدليل ؛ لأنّ اختلاف المطالع والمغارب لا يستلزم كرويّة الأرض ، بل استدارتها فيما بين الخافقين فقط ، فيتحقّق لو كانت اسطوانية الشكل - مثلاً - كما لا يخفى.
ص: 206
[49] - قال رحمه الله : «الثالث : قوله سبحانه : ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ فُسِّرت الحكمة بما يرجع إلى العلم» (1).
أقول : الآية واقعة في سورة البقرة (2).
الإعراب
[أ] - بناء على قراءة (يُؤْت) (3) بضم الياء وفتح التاء وهي قراءة [العشرة] ما عدا يعقوب من القرّاء (4).
من : جازمة تجزم فعلين ، أحدهما شرط والآخر جزاء ، وهي اسم في محل الرفع بالابتداء.
يؤت : فعل مضارع مبني للمفعول مجزوم ب-(من) ، وعلامة جزمه حذف حرف العلّة ؛ لأنّ أصله يؤتى بالألف ؛ ك- يحيى ، ونائب فاعله مستتر فيه يعود إلى (من).
والحكمة : مفعول ثاني منصوب بالفتحة.
ص: 207
فقد : الفاء رابطة بين الجزاء والشرط ، كما هي القاعدة في كلّ جزاء يمتنع جعله شرطاً ، فإنّ الفاء لازمة له ، وخصَّت بذلك بما فيها من معنى السببية ، ولمناسبتها للجزاء معنى ، حيث إنّ معناها التعقيب من غير فصل ، كما أنّ الجزاء يتعقّب الشرط وهذا ضابط حسن في ضبط ما يدخله الفاء ، وقد صرّح بذلك ابن مالك في الألفية ، حيث قال :
وَاقرَنْ بِفَا حَتْماً جَوَاباً لَوْ جُعِلْ *** شَرْطاً لإنْ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَنْجَعِلْ (1)
قال أبو حيّان : (وهو أحسن وأقرب ممَّا ذهب إليه بعض أصحابنا من تعداد ما يدخله الفاء). انتهى.
وقد عدّدنا المواضع المذكورة في شرحنا أسرار العارفين (2).
قد : حرف تحقيق.
أوتي : فعل ماض مجهول مبني على الفتح في محل الجزم على الجزائية (3) لفعل الشرط المتقدم ، والضمير المستتر مفعول أول نائب عن الفاعل.
وخيراً : مفعول ثاني منصوب بالفتحة.
كثيراً : منصوب على أن يكون صفة له وهذه الجملة في محل الرفع على الخبرية ، ولا ينافي كون محلها مجزوماً على الجزائية ؛ إذ يكون لمحلّ الجملة
ص: 208
إعرابان باعتبارين. ونظيره قولك : مررت بالَّذي أكرمك. فإنّ الموصول في محل الجر بالباء ، وفي محل نصب على المفعولية للفعل الَّذي قبله.
[ب] - وبناء على القراءة بكسر التاء (1) فهو مبني للفاعل ، والمعنى : (ومن يؤته الله الحكمة) ، ففاعل (يؤت) الضمير المستكن فيه العائد إلى الله.
ومَن : في موضع نصب ب-(يؤت).
ويؤت : مجزوم ب-(من) ، وعلامة جزمه حذف آخره ، أعني : الياء ، فإنّ أصله يؤتي بالياء ، ك- : يرمي ،فحذفت بالجزم فقد عمل فيما عمل فيه.
وقوله رحمه الله : «فسرت الحكمة بما يرجع إلى العلم» إشارة إلى ما ذكره الطبرسي في تفسيره من وجوه معنى الحكمة.
قيل : إنّه علم القرآن ناسخه ومنسوخه ، ومحكمه ومتشابهه ، مقدَّمه ومؤخَّره ، وحلاله وحرامه ، وأمثاله.
وقيل : هو الإصابة في القول والفعل.
وقيل : إنّه علم الدين.
وقيل : هو النبوَّة.
وقيل : هو المعرفة بالله.
وقيل : هو الفهم والعقل ، كما فسّرت بذلك في الرواية قوله تعالى : ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ﴾ (2).
ص: 209
وقيل : هو القرآن والفقه ، كما هو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام.
وقيل : هو العلم الَّذي تعظم منفعته وتجلّ فائدته.
وقيل : هو ما أتاه الله أنبياءه واُممهم من كتابه وآياته ودلالاته اليت يدلّهم بها على معرفة به وبدينه. وإنّما قيل للعلم حكمة ؛ لأنّه يمنع به عن القبيح ؛ لما فيه من الدعاء إلى الحسن والزجر عن القبيح.
ويُروى عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال : «إنّ الله قَدْ آتاني القرآن ، وآتاني من الحكمة مثل القرآن ، وما من بيت ليس فيه شيء من الحكمة إلّا كان خراباً. ألا فتفقَّهوا ، وتعلّموا فلا تموتوا جهّالا» (1).
ومن حيث كون مآل الحكمة المصير إلى السعادة الأبدية ، صار خيراً كثيراً.
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية ، قال : «طاعة الله ومعرفة الإمام عليه السلام» (2) ، وهذا القول منه عليه السلام إشارة إلى أنّ الحكمة النظرية والعملية هما خروج النفس من القوَّة والاستعداد إلى حقيقة العلم ؛ لأنّ معرفة الإمام إشارة إجمالية إلى معرفته على ما ينبغي ، ومعرفة الرسول وما جاء به ، ومعرفة الله وما يليق به ، وهذه المعارف عبارة عن الحكمة النظرية ، وطاعة الله إشارة إلى تخلية الظاهر والباطن عن الرذائل ، وتحليتها بالفضائل ، وهذه هي الحكمة العمليّة.
ويرجع إلى هذا التفسير قول القاضي هي : تحقيق العلم والعمل.
ص: 210
وقول صاحب الكشّاف : هي العلم والعمل به ، والحكيم عند الله هو العالم العامل.
وقول المازري : (هو العلم النافع المصحوب بإنارة البصيرة وتهذيب النفس).
وقول ابن دريد : (هي كلّ ما يؤدي إلى مكرمة ، ويمنع من قبيح) (1).
وعن الصادق عليه السلام أيضاً : «معرفة الإمام واجتناب الكبائر التي أوجب الله عليها النار» (2).
والقمِّي قال : (الخير الكثير معرفة أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام) (3).
وفي مصباح الشريعة ، عنه عليه السلام : (الحكمة ضياء المعرفة ، وميزان التقوى ، وثمرة الصدق. ولو قلت : ما أنعم الله على عبدٍ بنعمة أنعم وأعظم وأرفع وأجزل وأبهى من الحكمة للقلب ، قال الله عزَّ وجلَّ : ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (4) ، أي : لا يعلم ما أودعت وهيأت في الحكمة إلا من استخلصته لنفسي ، وخصصته بها ، والحكمة : هي الكتابة ، وصفة الحكيم : الثبات عند أوائل الأُمور ، والوقوف عند عواقبها وهو هادي خلق الله إلى الله) (5).
وفي الكافي عن النبي صلى الله عليه وآله : «بينا رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض أسفاره إذ لقيه ركب ، فقالوا : السلام عليك يا رسول الله ، فقال : ما أنتم؟ فقالوا : نحن مؤمنون
ص: 211
يا رسول الله ، قال : فما حقيقة إيمانكم.
قالوا : الرضا بقضاء الله ، والتفويض إلى الله ، والتسليم لأمر الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : علماء حكماء كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء ، فإن كنتم صادقين ، فلا تبنوا ما لا تسكنون ، ولا تجمعوا ما لا تأكلون ، واتقوا الله الَّذي إليه ترجعون» (1).
وقال الشيخ البهائي رحمه الله : (الحكمة هي ما يتضمَّن صلاح النشأتين ، أو صلاح النشأة الأُخرى ، وأمّا ما يتضمَّن صلاح الحال في الدنيا فقط فليس من الحكمة في شيء) ، انتهى (2).
والمعنى العام لكلّ ذلك هو : أنّ الحكمة عبارة عن تحقيق العلم وإتقان العمل.
خيراً كثيراً : التنكير للتعظيم والتكثير جميعاً ، والوصف بالكثرة للمبالغة والتأكيد ، وكثرته باعتبار اشتماله على خير الدنيا والآخرة. وفيه دلالة على كمال العلم وعلو منزلته وعموم فوائده ، ولا ينافيه قوله تعالى : ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (3) لأنّ قلَّته بالنسبة إلى علم الواجب لا ينافي كثرته بالنظر إلى ذاته ، ومدة بقائه وبقاء السعادة اللازمة له (4).
ص: 212
[50] - قال رحمه الله : «الرابع : قوله تعالى : ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (1).
أقول : الآية واقعة في سورة الزمر (2).
الإعراب
هل : حرف استفهام لا محل لها من الإعراب مبنية على السكون ، والاستفهام للإنكار.
يستوي : فعل مضارع مرفوع لتجرُّده من الناصب والجازم ، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء حذفت ؛ لثقلها.
الَّذين : اسم موصول في محل الرفع على الفاعلية.
يعلمون : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون في آخره ؛ لكونه من الأفعال الخمسة ، والواو فاعله ، والجملة صلة الموصول.
والَّذين : الواو عاطفة.
الَّذين : اسم موصول.
لا : نافية.
يعلمون : فعل مضارع مع فاعله الَّذي هو عائد صلة الموصول.
ص: 213
المعنى : الَّذين يعلمون هم القانتون الموصوفون بالصفات المحمودة المذكورة فيما قبلها.
أي : ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾ (1) ، والَّذين لا يعلمون هم : التاركون لتلك الصفات.
وهذه الآية على هذا التفسير بيان للسابق ، وإشارة إلى [أنَّ] منشأ تلك الصفات هو العلم ، ومنشأ عدمها هو الجهل. وتنبيه على شرف العلم وفضله ، وفضل العلماء على الجهّال ، ونفي استواء الفريقين باعتبار القوَّة العلمية ، كما أنَّ السابق نفي لاستوائها باعتبار القوَّة العملية للإشعار بأنّ الحقيقة الإنسانية إنّما تتسم بالنباهة والجلال ، وتتصف بالفضيلة والكمال باعتبار العلم والعمل. فمن لم يتصف بهما ليس له من وصف الإنسانية إلّا الاسم ، ولا من حقيقتها إلّا الرسم. وإنّما اُخّر العلمُ عن العمل مع أنّه تابع له متوقّف عليه للتنبيه على أنّ العمل هو الفرض الأصلي من العلم ، حَتَّى أنّ العالم إذا لم يعمل بعلمه كانت الحجّة عليه أعظم ، والحسرة عليه أدوم.
ثمّ بين عزَّ وجلَّ : أنّ هذا التفاوت العظيم بين العالم والجاهل ، وبين القانت وغيره ، لا يعرفه إلّا ذوو العقول الكاملة عن غواشي الأوهام ؛ لأنَّهم القادرون على التمييز بين الحقَّ والباطل بما لهم من بصيرة عقليّة وقوة روحانية ، دون غيرهم ممن كان على بصرهم غشاوة ، وفي صفحات قلوبهم قساوة (2).
ص: 214
ولفظة (إنّما) تفيد إثبات الشيء الَّذي يذكر بعدها ونفي ما عداه على نحو قول الشاعر :
وإنّما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي (1)
وإنّما : كانت لإثبات الشيء ونفي ما سواه من جهة أنَّ (إنّ) لمّا كانت للتوكيد ، وانضاف إليها (ما) للتوكيد أيضاً ، أكَّدت (إنّ) من جهة التحقيق للشيء ، وأكَّدت (ما) من جهة نفي ما عداه ، فإذا قلت : إنّما أنا بشر. فكأنّك قلت : ما أنا إلّا بشر. وفي هذا التفسير دلالة على شرف العلم ومزيّته (2).
[51] - قال رحمه الله : «الخامس : قوله تعالى : ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾»(3).
أقول : الآية واقعة في سورة الملائكة (4).
الإعراب
إنّما : كاف ومكفوف جيء بها لإفادة الحصر.
يخشى : فعل مضارع مرفوع للتجرد وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف.
الله : مفعول منصوب بفتحة ظاهرة.
من عباده : جار ومجرور وعلامة جره كسرة ظاهرة متعلق ب-(يخشى).
العلماء : فاعل ل-(يخشى). وتقرأ الآية :
ص: 215
[أ] - برفع الله ونصب العلماء ، على معنى : (إنما يعظم الله من عباده العلماء) ، كما هو المحكى عن عمر بن عبد العزيز ، وأبي حنيفة (1).
[ب] - والمعنى على القراءة المشهورة : أنّه ليس يخافه حق خوفه ، ولا يحذر معاصيه خوفاً من نقمته إلّا العلماء الَّذين يعرفونه حقّ معرفته.
وفي مجمع البيان : أنّه رُوي عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «يعني بالعلماء من صدق قوله فعله ، ومن لم يصدّق فعله قوله فليس بعالم».
وعن ابن عبَّاس ، قال : (يريد : إنّما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزّتي وسلطاني).
وفي الحديث أيضاً : «أعلمكم بالله أخوفكم لله».
قال مسروق : (كفى بالمرء علماً أنّ يخشى الله ، وكفى بالمرء جهلاً أن يعجب بعلمه).
وإنّما خصّ سبحانه العلماء بالخشية ؛ لأنَّ العالم أحذر لعقاب الله من الجاهل ، حيث يختصُّ بمعرفة التوحيد والعدل ويصدّق بالبعث ، والحساب ، والجنّة ، والنار.
ومتى قيل : فقد نرى من العلماء من لا يخاف الله ، ويرتكب المعاصي.
فالجواب : إنّه لا بد من أن يخافه مع العلم به ، وإن كان ربّما يؤثر المعصية عند غلبة الشهوة لعاجل اللَّذة (2).
ص: 216
وفي الكافي عن السجاد عليه السلام : «وما العلم بالله والعمل إلا إلفان مؤتلفان ، فمن عرف الله خافه ، وحثَّه الخوف على العمل بطاعة الله. وإنَّ أرباب العلم وأتباعهم الَّذين عرفوا الله فعملوا له ورغبوا إليه ، وقد قال الله : ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾» (1).
وعن الصادق عليه السلام : «إنّ من العبادة شدّة الخوف من الله - ثُمَّ تلا هذه الآية» (2).
وفي مصباح الشريعة عن الصادق عليه السلام : «ودليل الخشية التعظيم لله تعالى ، والتمسُّك بخالص الطاعة في أوامره ، والخوف والحذر مع الوقوف عن محارمه ، ودليلها العلم - ثُمَّ تلا هذه الآية» (3).
وقال جدّي الفاضل الصالح فيما يتعلّق بالآية : (ذكر الله تعالى أوّلاً شيئاً من عجائب مخلوقاته ، وغرائب مخترعاته من إنزال الماء ، وإحياء الأموات ، وإيجاد الثمرات ، وغيرها من اختلاف ألوان الجبال ، والناس ، والدواب ، والأنعام. ثُمَّ عقبها بهذه الآية الشريفة تنبيهاً على أنّه لا يصلح للنظر في دلائل وحدته ، والمشاهدة لبراهين معرفته ، والقيام بأداء طاعته وعبادته إلّا العالمون ، لا يخشاه إلّا الراسخون في
ص: 217
العلم ، كما لا يخشى السلطان إلّا المقربون ، لأن الخشية على حسب العلم بالله ، وبنعوت كماله ، وصفات جلاله. وكلّما كان العلم به أقوى كانت الخشية له أشد كما رُوي : «إنّ أعلمَكُم باللهِ أشدُّكُم خشيةً له».
وفي تقديم المفعول دلالة على أنّ الَّذين يخشون من بين عباده هم العلماء دون غيرهم. ولو أخّر لكان المفاد أنّ العلماء لا يخشون إلّا الله ، وهذا أيضاً صحيح. إلّا أنّ في الأوّل من المبالغة في مدح العلم ما ليس في الثاني) ، انتهى (1).
ولذا قال عليه السلام : «يعني بالعلماء من صدَّق قولُه فعلَه» ، فإنّ هذا التصديق من آثار العلم والخشية ولوازمهما ، لأنّ العلم إذا صار ملكة راسخة في النفس مستقرة فيها صارت النفس نوراً إلهياً ، وضوءاً ربانياً ، تنقاد لها القوَّة الشهوانيّة والغضبيّة وسائر القوى الحيوانية ، وينقطع عنها الهوى والوساوس الشيطانيّة ، فترى بنورها عالم الكبرياء والجلال والعظمة الإلهيّة ، فيحصل لها من مشاهدة ذلك خوف وخشية وهيبة موجبة للعمل له ، والجدّ في العبادة ، وغاية الخضوع ، وعدم الإهمال بشيء من أنحاء التعظيم ، ويخاف أن يأمر بشيء ولا يعمل به ، لأنّ ذلك إثم وخيانة ونفاق ، فيكون فعله مًصدِّقاً لقوله قطعاً (2).
وربّما يُفرق به الخوف والخشية بما يناسب الآية من تخصيصها بالعلماء ، من أنّ الخشية حالة تحصيل عند الشعور بعظمة الحقّ وهيبته وخوف الحجب عنه. وهذه حالة لا تحصل إلّا لمن اطَّلع على حال الكبرياء ، وذاق لذّة القرب ، بخلاف الخوف ، فإنّه تألم من العقاب المتوقع بسبب ارتكاب المعصية والتقصير في
ص: 218
الطاعة ، وهو يحصل لأكثر الخلق ، وإن كانت مراتبه متفاوتة ، والمرتبة العليا منه لا تحصل إلا للأوحدي من الناس (1).
[52] - قال رحمه الله : «السادس : قوله سبحانه : ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ﴾» (2).
أقول : الآية واقعة في أوائل سورة آل عمران (3).
الإعراب
شهد : فعل ماضٍ مبني على الفتح.
الله : فاعل مرفوع بضمّة ظاهرة.
أنه : من الحروف المشبّهة مع اسمها.
لا : نافية للجنس.
إله : اسمها مبني على الفتح لتركُّبه مع (لا) ، وخبرها محذوف تقديره موجود ، أو ممكن.
إلا : حرف استثناء.
هو : مستثنى منصوب محله على الاستثنائية ، والجملة أعني الأداة مع المستثنى في محل الرفع على الخبرية ل-(أنَّ) (4).
ص: 219
والملائكة : عطف على الفاعل.
واُولو العلم : عطف عليه أيضاً ، وهو مضاف ومضاف إليه.
المعنى : شبّهت دلالته على وحدانيته بالأفعال والآيات بشهادة الشاهد ، ووجه الشبه البيان والكشف ؛ لأنّ الدلالة مبنيّة للدعوى كاشفة عن صحَّتها كالشهادة. كذلك شبه إقرار الملائكة واُولي العلم بذلك - أي : بالتوحيد - واحتجاجهم عليه بالشهادة ، ثُمَّ استعمل (شهد) بدل (دلّ) و (أقرّ) فهي استعارة مصرَّحة تبعية (1).
وتضمنت الآية الإبانة عن فضل العلم والعلماء ؛ لأنه تعالى قرن العلماء بالملائكة ، وشهادتهم بشهادة الملائكة ، وخصّهم بالذكر كأنّه لم يعتقد بغيرهم.
[53] - قال رحمه الله : «السابع : قوله تعالى : ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾» (2).
ص: 220
أقول : الآية واقعة في أوّل سورة آل عمران ، وأوّلها قوله تعالى : ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ﴾ (1).
الإعراب
ما : نافية غير عاملة لدخولها على الفعل.
يعلم : فعل مضارع مرفوع لتجرُّده ، وعلامة رفعه ضمُّ آخره ، والفاعل مستتر فيه تقديره أحد (2).
تأويله : مضاف ومضاف إليه مفعول ليعلم.
إلّا : حرف استثناء.
الله : مستثنى من الفاعل المستتر - أعني : أحد فهو مستثنى مفرّغ - وإعرابه بحسب ما يقتضيه العامل وهو الرفع.
والراسخون : معطوف على الله على معنى أنّ تأويل المتشابه لا يعلمه إلّا الله والراسخون في العلم ، وقيل : إنّ الواو للاستئناف ، فعلى هذا يكون المتشابه لا يعلمه إلّا الله تعالى ، والوقف عند قوله : ﴿إِلَّا اللَّهُ﴾ فتكون جملة ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ ، وما بعدها مبتدأ وخبر.
ص: 221
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام ، قال : «نحن الراسخون في العلم ، ونحن نعلم تأويله» (1).
ثمّ اختلف في تفسير المحكم والمتشابه ، قال الشيخ البهائي رحمه الله في شرح الأربعين : (المحكم في اللُّغة : هو المضبوط المتقن ، ويُطلق في الاصطلاح على ما اتّضح معناه ، وظهر لكلّ عاف باللُّغة مغزاه ، وعلى ما كان محفوظاً من النسخ أو التخصيص أو منهما معاً ، وعلى ما كان نظمه مستقيماً خالياً عن الخلل ، وعلى ما لا يحتمل من التأويل إلّا وجهاً واحداً ويقابله لكلّ واحد من هذه المعاني المتشابهة) (2).
ثمّ قال [جدّي الفاضل الصالح بعد إيراد الكلام المتقدِّم] (3) : (والمعنى الأوّل وهو أنّ المحكم ما اتّضح معناه وانتفى عنه الاشياء ، والمتشابه نثيضه ، رجّحه الغزالي ؛ لأنّ المحكم اسم مفعول من أحكم ، والإحكام الضبط والإتقان ، ولا شك أنّ ما كان واضح المعنى مضبوطاً متقناً لا اشتباه فيه) ، انتهى (4).
وهذا هو مراد من فسّر المحكم بما علم المراد بظاهره من غير قرينة ، والمتشابه ما لم يعلم المراد بظاهره حَتَّى يقترن به ما يدل على المراد منه لالتباسه.
وأمّا المعنى الأخير فهو الَّذي يلوح من كلام الزمخشري في الكشّاف ، وحاصله : أنّ المحكم ما كان محفوظاً من الاحتمال بأن يكون له معنى ، ولا
ص: 222
يكون له احتمال معنى آخر ، والمتشابه ما يكون له معنى ويكون له احتمال معنى آخر (1).
فاللفظ المفيد للمعنى إن لم يحتمل معنى آخر فهو المحكم ، وإن احتمل فهو المتشابه ، وهو خلاف ما عليه أئمّة الأُصول ، كما صرّح بذلك المحقِّق التفتازاني في حواشي الكشّاف (2) ، بل هذا الَّذي ذكره في معنى المحكم لا ينطبق على غير النصّ.
إذا عرفت ذلك فنقول : ذمّ الله تعالى في هذه الآية على اتباع المتشابه من القرآن دون المحكم منه ، ولو كان اتّباع المحكم مثله لما كان كذلك ، ومن ذلك صحّ لنا الاستدلال بظاهر القرآن ، بل أطبق السلف وتبعهم الخلف على جواز العمل به كالنصّ.
وبعبارة اُخرى أطبقوا على حجّية ظواهر الكتاب ، حَتَّى أنّ الشيخ رحمه الله قَدْ طرح الرواية في مقابل العام الكتابي ، محتجّاً بما ورد عنهم عليهم السلام ممَّا لا خلاف فيه : «إذا جاءكم عنّا حديث فاعرضوه على كتاب الله ، فإن وافق كتاب الله فخذوه ، وإلّا فردوه واضربوا به عرض الحائط» (3).
نعم ، خالف في ذلك أصحابنا الأخباريون ، فإنَّهم اقتصروا على العمل بنصّه ، والدليل لنا على ذلك ما عرفت من الإجماع من وجهين.
ص: 223
الوجه الأول : الآيات القرآنية منها :
[أ] - قوله تعالى : ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ (1) ذم الله تعالى على ترك تدبّره ، والإضراب عن التفكر فيه ، ولا ريب أنّ المراد من ذلك الحث على العمل بمقتضاها ؛ إذ الشيء إنّما يكون مطلوباً لغايته.
[ب] - ومنها قوله تعالى : ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾ (2) ، ومن المعلوم أنّ الغرض وصفه بوضوح المعنى.
[ج] - ومنها قوله تعالى : ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ (3) ، فأثبت للعلماء استنباطاً ، ومعلوم أنّه وراء المسموع منهم عليهم السلام.
[د] - ومنها قوله تعالى : ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ الآية (4) ، بالتقريب المتقدّم.
[ﻫ] - ومنها قوله تعالى : ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ (5). والردّ إلى الله هو الردّ إلى محكم كتابه كما جاءت به الرواية ، لا يقال : يتطرّق القدح إلى الاستدلال بهاتين الآيتين بأن أقصى ما فيهما الدلالة على وجوب اتّباع المحكم وذمِّ اتّباع المتشابه.
ص: 224
ونحن في شبهة من دخول الظاهر تحت المحكم لإمكان أنّه المتشابه ، بل ربّما صرَّح بذلك فلا يتم التقريب إلّا ببيان كونه من المحكم ومن غير المتشابه لأنّا نقول : يدل على ذلك أمران :
الأول : لو لم يكن الظاهر من المحكم لوجب أن يكون من المتشابه ، لكنَّ اللازم باطل فالملزوم مثله.
بيان : الملازمة امتناع كون أنّ الشيء لا قسماً ولا قسيماً.
وبيان بطلان اللازم أنّ المتشابه لغةً وعرفاً : المتمايل الَّذي لا يمتاز عن صاحبه إلّا في يسير من المخالفة ، وبه صرّح أهل التفسير في قوله تعالى : ﴿وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا﴾ (1). ومن المعلوم أن لا تماثل ولا اشتباه بين المعنى الظاهر من اللفظ وغيره ؛ إذ أحدهما راجح والآخر مرجوح فكيف الاشتباه ، لا يقال : لعلّه حاصل من جهة الإرادة خصوصاً في العام ؛ لما اشتهر من أنّه ما من عام إلّا وقد خُصّ ، لأنّا نقول : يجب الفحص عن المخصّص ، ومع عدم الظفر به يترجح انتفاؤه فيعمل بالراجح ، لا يقال : لعل التمسُّك بالعام مشروط بالقطع بعدم المخصّص ، وعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود ؛ لأنّا نقول اللازم من ذلك تعطيل أكثر الأدلّة من العمومات وغيرها من الكتاب وغيره.
الثاني : إنّ أقصى ما قيل في معنى المحكم : هو ما يلوح من كلام الزمخشري في الكشّاف (2) - حسب ما تقدّم نقله - من أنّه لا يحتمل من التأويل
ص: 225
إلّا وجهاً واحداً ، والظاهر كذلك احتمال غيره من جهة الإرادة لا من جهة الدلالة ، لا يقال : المحكم على ما صرّح به الشيخ البهائي رحمه الله هو المضبوط المتقن (1) ، ولا شيء من الألفاظ كذلك سوى النصّ ، فيكون المحكم منحصراً به ؛ لأنّا نقول : الواجب في كلام الشارع حمله على المعاني الشرعية ، فمخالفة المعنى اللُّغوي غير قادحة ، مضافاً إلّا أنّه إنّ اُريد من ذلك ما لا يمكن تطرق التغيير إليه في الدلالة ، وإنّ تغيَّر بالنسخ لزم كون المنسوخ محكماً وهو باطل إجماعاً ، وإلّا لوجب العمل به. وإنَّ اُريد منه ما لم يتطرق في دلالته تغيير أصلاً مع إمكان التطرق ، وجب شموله الظاهر المحفوظ من النسخ المطابق للحق ، لا يقال : ردُّ المتشابه إلى المحكم إنّما يكون بالتأويل ، والتأويل فيه يختص علمه بالله على قراءة من يقف على ﴿إِلَّا اللَّهُ﴾ (2) من قوله تعالى : ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ ، ويبتدئ بقوله : ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ ، أو يختص بالأئمة عليهم السلام على القراءة المشهورة لما ورد عنهم عليهم السلام في جملة من الروايات من أنّهم : «هم الراسخون في العلم».
وقد تقدّم عن الكافي رواية ذلك عن الصادق عليه السلام ؛ لأنّا نقول : المستفاد من كلامهم : أنّ الصواب كون (الراسخون) عطفاً لا استئنافاً ، ويحمل قولهم : «نحن الراسخون» على كمال الرسوخ فيه ، كما في قوله تعالى : ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا
ص: 226
ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ (1) ، لا يقال هو مجاز ؛ لأنّا نقول : يدل عليه أمرهم عليهم السلام بردّ المتشابه إلى المحكم ، ويؤيِّده ما روي عنهم عليهم السلام : «يرفع الله بهذا القرآن والعلم بتأويله ، وبموالاتنا أهل البيت ، والتبرِّي من أعدائنا أقواماً» (2).
الوجه الثاني : ممَّا يدل على ظاهر الكتاب الأخبار الواردة المتضمّنة للأمر بالأخذ به ، فمنها ما رواه في الكافي بسنده إلى محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن عيسى ، عن صفوان بن يحيى ، عن داود بن الحصين ، عن عمر بن حنظلة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين - أو ميراث - ... إلى أن قال : «ينظر ، فما وافق حكمه حكم الكتاب والسُنّة وخالف العامّة فيؤخذ به» (3) ، حيث أمر الأخذ به على الإطلاق ، خرج منه المتشابه بالإجماع ، وبقي ما عدا تحت وجوب الأخذ فيشمل الظاهر أيضاً.
فإن قلت : في سند هذا الحديث ضعف ؛ لما قاله الشهيد رحمه الله في شرح مقدمة الدراية : (من أنّه إنّما وسموه بالمقبول ؛ لأنّ في طريقه محمّد بن عيسى ، وداود بن الحصين ، وهما : ضعيفان.
وعمر بن حنظلة : لم ينص الأصحاب فيه بجرح ولا تعديل) (4).
قلت : أمّا محمّد بن عيسى فقد ظن فيه التضعيف لاستثناء محمّد بن الحسن بن الوليد إياه في رجال نوادر الحكمة ، ولا دلالة في ذلك على الضعف ، وله عدّة
ص: 227
دلائل ناهضة بتوثيقه ، كما صرّح به في الرواشح (1) ، وانتظر لشرح حاله مفصَّلاً في فصول الأخبار وشرح ما يتعلّق بها.
وأمّا داود بن الحصين بالحاء المهملة المضمومة ، والصاد المفتوحة فقد ذكر الشيخ وابن عقدة : أنّه واقفي (2).
وتوقَّف العلّامة رحمه الله في الخلاصة في روايته (3).
ولكن يكفينا قول النجاشي فيه : (أنه ثقة) (4) ، فإن قول النجاشي فيه : (ثقة) لا يعارضه قول الشيخ وغيره بأنّه واقفي ؛ لأنّ الضعف بالمعنى المصطلح لا ينفي الصحَّة عند القدماء حَتَّى عند الشيخ نفسه ؛ لدعواه الإجماع على عمل الفرقة بما يرويه ثقاة الواقفية والفطحية (5) ، مع أن المعهود من سيرة النجاشي على ما يشهد به ا لتتبع ، ونص عليه بعض من لا يجازف في الكلام من الأجلّة الأعلام : أنّه إذا كان فيمن يذكره طعن يورده لا محالة في ترجمته أو في ترجمة غيره ، وعدم تعرضه لذلك آية سلامة المذكور عنده من كلّ طعن ، بل الظاهر تقديم قوله ولو كان ظاهراً على قول غيره من أئمّة الرجال في مقام المعارضة في الجرح والتعديل ولو كان نصّاً.
ص: 228
قال الشهيد الثاني رحمه الله في المسالك : (وظاهر حال النجاشي أنّه أضبط الجماعة ، وأعرفهم بحال الرجال) (1).
وقال الشيخ محمّد في شرح الاستبصار بعد كلام النجاشي والشيخ في شماعة : (والنجاشي يقدّم على الشيخ في هذه المقامات كما يعلم بالممارسة) (2).
وقال الميرزا محمّد [الاسترابادي] (3) في ترجمة سليمان بن صالح : (ولا يخفى تخالف ما بين طريقي الشيخ والنجاشي ، ولعلّ النجاشي أضبط) (4).
وقال جدّي العلّامة بحر العلوم طاب ثراه : (وبتقديمه - أي النجاشي - صرّح جماعة من الأصحاب ، نظراً إلى كتابه الَّذي لا نظير له في هذا الباب ، والظاهر أنّه الصواب) (5).
وقال الأغا البهبهاني رحمه الله في تعليقة الرجال : (ويروي عنه - أي عن داود - صفوان بن يحيى ، وجعفر بن بشير ، وابن أبي نصر ، وكلّ واحد منها (6) أمارة الوثاقة ، ورواية الأجلّاء أمارة الجلالة) (7).
ص: 229
وهذا يرجَّح كلام النجاشي مع أنّه أضبط من الشيخ ، ولعلّه لذلك لكّه قال في الرواشح : (وأمّا داود بن الحصين الأسدي فموثَّق اتفاقاً ، نعم ، قَدْ قيل فيه بالوقف ولم يثبت) (1).
وقال في موضع آخر : (لم يثبت عندي وقفه ، بل الراجح جلالته عن كلّ غميزة وشائبة) (2). (مع أنّه إذا تعارض الجرح والتعديل فالأحق بالاعتبار في الجارح والمعدِّل قوة التمهُّر ، وشدة التبصُّر ، وتعود التمرُّن على استقصاء الفحص ، وإنفاق المجهود ، وما يقال : إنّ الجرح أولى بالاعتبار لكونه شهادة بأمر وجودي بخلاف التعديل ضعيف ؛ إذ التعديل أيضاً شهادة بحصول ملكة وجودية هي العدالة ، إلّا أن يكتفي في العدالة بعدم الفسق من دون ملكة إلى الكفّ والتنزُّه) (3). وهو كما ترى.
وأمّا عمر بن حنظلة فيكفي في قبول روايته قول المحقّق الداماد في الرواشح من أنّ المقبول : (هو الَّذي تلقَّوه بالقبول ، وساروا على العمل بمضمونه من غير التفات إلى صحَّة الطريق وعدمها صحيحاً كان ، أو حسناً ، أو موثوقاً ، أو قوياً ، أو ضعيفاً ، ومقبولات الأصحاب كثيرة ، منها : مقبولة عمر بن حنظلة التي هي الأصل عند أصحابنا في استنباط أحكام الاجتهاد ، وكون المجتهد العارف بالأحكام منصوباً من قبلهم عليهم السلام ، وستعرف ذلك حيث يحين حينه) (4).
ص: 230
قال الماتن رحمه الله : (أنه وجد بخط والده الشهيد رحمه الله ما صورته : عمر بن حنظلة غير مذكور بجرح ولا تعديل ، ولكنَّ الأقوى عندي أنّه ثقة لقول الصادق عليه السلام في حديث الوقت «إذاً لا يكذب علينا») (1).
وقال العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول : (إنّ هذا الحديث - يعني حديث عمر بن حنظلة - موثَّق تلقاه الأصحاب بالقبول) (2).
وبذلك كلّه يظهر جبران ضعف الرواية بما لا مزيد عليه.
وهذا أوان الشروع في ذكر الرواية بتمامها حَتَّى نشير إلى ما يستفاد منها من الفوائد المهمّة والأحكام الجمّة.
قال عمر بن حنظلة : «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث ، فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة ، أيحل ذلك؟
قال : من تحاكم إليهم في حقٍّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت ، وما يحكم له فإنّما يأخذه سحتاً وإن كان حقّه ثابتاً له ؛ لأنّه أخذه بحكم الطاغوت ، وقد أمر الله أن يكفر به. قال الله تعالى : ﴿يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ﴾ (3). قلت : فكيف يصنعان؟ قال : ينظران من كان منكم ممَّن قَدْ روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً ،
ص: 231
فإنّي قَدْ جعلته عليكم حاكماً ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما استخفَّ بحكم الله ، وعلينا ردَّ ، والرادُّ علينا الرادُّ على الله ، وهو على حدٍّ الشرك بالله. قلت : فإن كان كلُّ رجل يختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما ، واختلفا فيهما حكماً ، ما حُكمهما وكلاهما اختلفا في حديثكم؟ قال : الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر. قال : قلت : فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على الآخر؟ قال : فقال : ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الَّذي حكما به ، المجمع عليه من أصحابك ، فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الَّذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإن المجمع عليه لا ريب فيه ، وإنّما الأُمور ثلاثة : أمر بيّنٌ رشدُه فيتَّبع ، وأمر بيّنٌ غيُّه فيُجتنب ، وأمر مشكل يُردّ علمه إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وآله ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : حلال بيّن ، وحرام بيّن ، وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجا من المحرَّمات ، ومن أخذ بالشبهات وقع في المحرَّمات وهلك من حيث لا يعلم. قال : قلت : فإن كان الخبران عنكم مشهورين قَدْ رواهما الثقات عنكم؟ قال : فما وافق حكمه حكم الكتاب والسُنّة وخالف أهل العامَّة فيؤخذ به ، ويترك ما خالف حكم الكتاب والسُنّة ووافق العامّة؟ قلت : جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسُنّة ، ووجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامَّة ، والآخر مخالفاً لهم بأيّ الخبرين يؤخذ؟ قال : ما خالف أهل العامّة ففيه رشاد. فقلت : جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعاً؟ قال : ينظر إلى ما هم إليه أميل حكَّامهم وقضاتُهم فيترك ويؤخذ بالآخر. قلت : فإن وافق حكَّامهم الخبرين جميعاً؟ قال : فإذا كان كذلك
ص: 232
فارجه حَتَّى تلقى إمامك ، فإنَّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات» (1).
وفوائد هذا الخبر الشريف كثيرة ومهمّة جداً :
الأُولى : دلّ الخبر على المنع في الجملة من التحاكم إلى سلاطين الجور من العامّة وقضاتهم ، وأنّ ما يؤخذ بحكمهم فهو حرام وسحت ، وعليه قَدْ دلّت الآية الشريفة : ﴿يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ﴾ (2) ، وقد صرّح جملة من الأصحاب بانسحاب الحكم أيضاً إلى فسقة الشيعة ممن يأخذ الرُّشا على الأحكام ونحوه ، بل غير المأذون من جهتهم عليهم السلام مطلقاً ، ويدل عليه ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام : «كلّ حاكم يحكم بغير قولنا أهل البيت فهو طاغوت» (3).
الثانية : ظاهر المحقِّق الأردبيلي رحمه الله تخصيص التحريم في الخبر المذكور بالتحاكم في الدَّين دون العين ، وهو المنقول عن الشيخ الحر (4) ، وهذا خلاف ظاهر قوله عليه السلام في الخبر : «فإنّما يأخذه سحتاً وإن كان حقّاً ثابتاً» فإنّه بظاهره يفيد عدم الفرق بين الدَّين والعين ، وإن كان ربّما يفرق بينهما بأن المأخوذ عوضاً عن الدين مال للمنكر انتقل إلى المدعي بحكم الطاغوت فلا يجوز له الأخذ ولا
ص: 233
التصرُّف فيه ، بخلاف العين فإنّها مال للمدَّعي وحقٌ له وإن حرم عليه أخذها بحكم الطاغوت ، لكن يجوز له التصرُّف فيها فلا يحرَّم المأخوذ.
وبعبارة اُخرى : إنّ الدَّين أمر كلي ثابت في الذمة لا يتشخَّص في عين مخصوصة إلّا برضا صاحبه ، أو جبر الحاكم الشرعي وتعيينه ، وهما منفيان في المقام.
وأمّا العين فهي مستحقة لصاحبها لا يحتاج في تعيينها إلى من هي بيده ، ولا إلى حاكم شرعي فيجوز لصاحبها أخذها متى تمكَّن منها ، والتوصُّل إلى أخذها بحكم الجائر ، وهذا هو المشهور ، وفيه أنّ الرواية صريحة في ذكر الميراث وهو أعم كما لا يخفى.
فالأحوط - حينئذ - أن يقصد التقاصّ فيما لو كان المتنازع دَيناً ، وربّما قيل : بجواز التوصل بهم إلى أخذ الحق المعلوم اضطراراً مع عدم إمكان الترافع إلى الفقيه العدل ، ويجوز الاستعانة بهم في إجراء حكم الفقيه وأيّد ذلك بقوله تعالى : ﴿يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا﴾ (1).
فإن الترافع على وجه الاضطرار ليس تحاكماً على الإرادة ، ولا يخلو عن الوجه ، ولا سيّما بملاحظة أدلة العسر والحرج ؛ فإنّ حرمة الأخذ مع انحصار الطريق حكم حرجي مرفوع في الدين.
الثالثة : ظاهر الإضافة في قوله عليه السلام : «روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا» ، هو العموم ، فيقتضي أن يكون النائب عنهم عليهم السلام
ص: 234
مطّلعاً على جميع أخبارهم ، عارفاً بجميع أحكامهم إلّا أنّه لما كان ذلك ممَّا يتعذَّر غالباً ، فالظاهر أنّ المراد ما تيسر بحسب الإمكان ، أو القدر الوافي منها ، أو ما يتعلق بتلك الواقعة ، ويؤيده ما في رواية أبي خديجة ، وقوله فيها : «يعلم شيئاً من قضايانا» (1).
وعلى كل حال فالمراد من المعرفة إمّا الفعلية أو القوَّة القريبة منها. وهذا هو المعبّر عنه بالفقيه الجامع لشرائط الفتوى والحكومة بين الناس. ولا يجوز لمن نزل عن هذه ال مرتبة التصدّي للحكومة ، وإن اطّلع على فتوى الفقهاء بلا خلافٍ ممَّن يعتبر بكلامه ، عدا بعض المتقدِّمين ، كالشيخ في المبسوط ، وبعض المتأخّرين كالسيد الجزائري ، والمحقِّق القمي ، وصاحب الجواهر (2).
قال السيِّد الجزائري في الأنوار : (وقوله عليه السلام : «فإنّي قَدْ جعلته عليكم حاكماً فليرضوا به» ، ممَّا استدل به الأصحاب على أنّ المجتهدين منصّبون من قبله عليه السلام للقضاء ، فهم وكلاؤه والمعبِّرون عنه في هذه الأعصار».
ثُمَّ قال : (أقول : بل فيه دلالة أيضاً على أنّ من روى الأحاديث ، وعرف مواقعها كان له منصب القضاء ، وإن لم يكن مجتهداً بالمعنى الجديد للمجتهد ، فإنّ المعنى المعروف منه في الصدر السالف هو من بذل جهده وطاقته في دراية الأحكام
ص: 235
والاطلاع عليها ، حَتَّى إنّ أقوال الحلبيين بوجوب الاجتهاد عيناً يرجع إلى هذا الاجتهاد لا الاصطلاحي ، كما لا يخفى) انتهى (1).
ولو أردت الزيادة فعليك بمراجعة الجواهر (2).
الرابعة : قوله عليه السلام : «الحكم ما حكم به أعدلهما ، وأفقههما ، وأصدقهما ، وأورعهما». يدل على أنّه لا بد للحاكم من أن يتصف بالعدالة ، والفقاهة ، والصدق ، والورع.
فمن اتَّصف بهذه الصفات الأربع فهو أهل للحكومة ، ومنصوب من قبلهم عليهم السلام. ومن لم يتَّصف بشيء منها ، أو بعضها لا يجوز له الحكم بين الناس. وإن تعدَّد المتصف بها ووقع الاختلاف بينهما في الحكم أو المستند ، فظاهر هذا الخبر يفيد تقديم من اتّصف بالزيادة في جميعها ، وتقديم من اتّصف بالزيادة في بعضها على من اتصف بالنقصان في ذلك البعض بعينه مع تساويهما في الباقي ؛ لأنّ مناط الحكم هو غلبة الظن به ، وهي في المتَّصف بالزيادة أقوى وبه يثبت وجوب تقليد الأعلم.
وأمّا إذا اتّصف أحدهما بالزيادة في بعض والآخر بالزيادة في بعض آخر ، ففيه إشكال لتعارض الرجحان وتقابل الزيادة والنقصان ، ولا دلالة فيه على تقديم أحدهما على الآخر حَتَّى قيل بالتخيير ، واستظهره بعض محقِّقي المتأخّرين (3).
ص: 236
الأقوى عندي هنا : تقديم الأفقه على الأعدل ، وإن كان الأوّل مظنون الأفقهية والثاني مقطوع الأعدلية ، بعد أن كان الظن بالأفقهية معتبراً ولو من باب العسر والحرج ؛ لاشتراكهما حينئذ في أصل العدالة المانعة من المحارم. وتبقى زيادة الفقاهة الموجبة لزيادة غلبة الظن خالية من المعارض ، وهو اختيار بعض الأصحاب ، ومع تساويهما في الفقاهة يقدم الأعدل ؛ لثبوت الرجحان له كما هو اختيار سيّدنا الأُستاذ طاب ثراه في العروة ، بل وهو الأشهر (1). ولأنَّ اشتراكهم في أصل الأهليَّة بالنظر إلى أنفسهم لا يقتضي تساويهم بالنظر إلى الغير ، ولأنّ الظنَّ يقول ذي المزيّة أقوى ، وهو ظاهر الحديث ونظائره ، المراد من الأعلم : الأعلم بالشرعيات والأحاديث لا غيرهما كما هو ظاهر.
ويستفاد أيضاً من رواية داود بن حصين ، حيث قال الإمام عليه السلام : «ينظر إلى أفقههما ، وأعلمهما بأحاديثنا».
الخامسة : إنَّ هذا الخبر حجّة لمن ذهب من الأُصوليين والفقهاء إلى أنّ الشهرة حجّة عند تعارض الدليلين ، واستدل به بعض العلماء على حجية الإجماع ، وفيه أن النزاع في جعل الإجماع دليلاً مستقلاً ، وهذا الخبر لا يدلُّ عليه.
السادسة : دل هذا الخبر على أنّ المراد بالشبهات المشكل - أعني : ما لا يظهر وجه حلّيّته ، ولا وجه حرمته - كما هو مقتضى قوله ، وشبهات بين ذلك ، لا المتنازع فيه مطلقاً كما زعم.
ص: 237
السابعة : مقتضى قوله : «من أخذ بالشبهات ارتكب المحرَّمات وهلك» ، هو وجوب الاحتياط.
الثامنة : دل هذا الخبر بمقتضى قوله : «فما وافق حكم الكتاب ...» على حجّية ظواهر الكتاب ، وهو المقصود بالاستدلال بهذا الخبر فيما نحن فيه ، ولا يخفى أنّ هذا القسم من الترجيح في غاية الصعوبة ؛ لتوقُّفه على العلم بسرائر الكتاب وخفيَّاته وعمومه وخصوصه.
التاسعة : مقتضى قوله : «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما» ، أنّه يجب تقليد الأعلم إذا خالف رأيه رأي غير الأعلم ، وأمّا مع العلم بالموافقة أو الشك في الموافقة والمخالفة فيجوز تقليد غير الأعلم ، ولكنَّ الأحوط وجوب تقليد الأعلم مطلقاً ؛ لأنّ العمدة في دليل هذه المسألة - أعني : وجوب تقليد الأعلم - هو عدم العموم أو الإطلاق في الأدلة الدالة على حجّية قول المجتهد مطلقاً ، بل القدر المتيقّن من ذلك هو قول الأعلم ، وقول غير الأعلم مشكوك الحجِّية ، والشك في الحجية كاف في عدم الحجِّية. نعم ، مع العلم بالموافقة غالباً لا أثر لقول الأعلم وهو مطلب آخر.
وعليك بالتأمل في هذا الحديث لعلَّك تستفيد منه ما لم نستفد منه.
ومنها : ما رواه الصدوق رحمه الله في الفقيه عن الصادق عليه السلام في جواب من قال له : «إنّ لي جيراناً ولهم جوار يتغنين ويضربن بالعود فربّما دخلت المخرج فأطيل الجلوس استماعاً منِّي لهُنَّ؟ فقال له الصادق عليه السلام : لا تفعل ، فقال : والله ما هو شيء آتيه برجلي إنّما هو سماع أسمعه باُذني ، فقال الصادق عليه السلام : تا لله
ص: 238
أنت ، أما سمعت الله عزَّ وجلَّ يقول : ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ (1)» (2).
فإنّه ظاهر في التوبيخ على ترك العمل بظاهر القرآن.
ومنها : ما رواه الصدوق رحمه الله أيضاً بسندٍ صحيح عن زرارة ، قال : «قلت لأبي جعفر عليه السلام : ألا تخبرني من أين علمت وقلت : إنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فضحك عليه السلام وقال : يا زرارة قاله رسول الله صلى الله عليه وآله ، ونزل به الكتاب من الله عزَّ وجلَّ ، قال : ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾. فعرفنا أنَّ الوجه كله ينبغي أن يغسل ، ثُمَّ قال : ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه ، فعرفنا أنّه ينبغي لهما أن يغسلا إلى المرفقين ، ثُمَّ فصل بين الكلامين فقال : ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ فعرفنا حين قال : ﴿بِرُءُوسِكُمْ﴾ أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء. ثُمَّ وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه ، فقال : ﴿وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ (3) فعرفنا حين وصلهما بالرأس أنّ المسح على بعضهما ، ثُمَّ فسر ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله للناس فضيَّعوهُ».
وهذا الحديث وقع في الكافي والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه (4).
ص: 239
واعلم أنّ الرازي قال : (إن دخلت الباء على فعل غير متعدٍ بنفسه أفادت الإلصاق ، وإن دخلت على فعل متعدٍ بنفسه أفادت التبعيض كقوله تعالى : ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ أمّا الأوّل فللإتفاق عليه ، وأمّا الثاني فللفرق بين : (مسحت يدي بالمنديل وبالحائط) وبين : (مسحت المنديل والحائط) فإنّه يستفاد التبعيض في الأوّل ، والشمول في الثاني) ، انتهى (1).
وقال العلّامة في التهذيب : (إنّ سيبويه أنكر كونها للتبعيض في سبعة عشر موضعاً من كتابه) (2). - مع تقدمه في علم الأدب ، ومعرفته بلغة العرب - ويؤكد ذلك قول ابن جني : (كون الباء للتبعيض شيء لا يعرفه أهل اللُّغة) (3).
وأجاب عن حُجّة فخر الدين بأنّ : (المسح المقرون بالباء يجعل المنديل والحائط آلة في المسح ، والعاري عنها يجعلها ممسوحين لا ما ذكره. فإنّ الأوّل : عين المتنازع فيه ، فيكون مصادرة على المطلوب. والثاني : ممنوع.
وأيضاً الفعل مع المفعول الأوّل وهو : (يدي) لا يتعدّى بنفسه إلى المنديل ، وهو خارج عن المتنازع فيه ، ولو حذف لفظ يدي وجعل المنديل ممسوحاً منعنا الفرق) ، انتهى (4).
ص: 240
وأنت بعد اختبارك بالحديث الصحيح تعلم أنّه لا اعتبار بإنکار سیبویه وغيره ، والعجب كلّ العجب من العلّامة رحمه الله كيف اعتبر كلام سيبويه وإنكاره مع وجود هذا النصّ ، وذكره له في كتبه الاستدلالية كالمنتهى وغيره (1).
ولعلَّه طاب ثراه غفل عنه حال تصنيف التهذيب ، ولم يتنبّه له أحد من الشراح الَّذين اطَّلعت على شروحهم ، ولهذا قال الشيخ البهائي رحمه الله في الحبل المتين عند الكلام على هذا الحديث : (وأمّا قول سيبويه في سبعة عشر موضعاً من كتابه إنّ الباء لا تجيء للتبعيض في لغة العرب ، فمع كونها شهادة على النفي يكذّبه إصرار الأصمعي (2) على مجيئها له ، وهو أشدُّ اُنساً بكلام العرب ، وأعرف بمقاصدهم من سيبويه ، ثُمَّ قال : وناهيك بما تضمّنه هذا الحديث حجّة عليهم) ، انتهى (3).
وقال في المحصول في الجواب عن ذلك : (إنّ الشهادة على النفي غير مقبولة فلنا أن نخطئ ابن جنّي بالدليل الظاهر الَّذي ذكرناه) (4).
ص: 241
قلت : واختار كون الباء للتبعيض غير واحد من اللُّغويين أيضاً ، ک- صاحب القاموس (1) ، وجماعة من النحویین ك-: ابن کیسان (2) ، وابن مالك في الألفية (3) ، وجلال الدين السيوطي (4) ، وابن الناظم في شرحيهما على الألفية ، وأبي الحجاج يوسف بن محمّد البلوي في كتاب الألف باء.
وقال الفيّومي في المصباح : (وأمّا قولهم الباء للتبعيض فمعناه أنها لا تقتضي العموم ، فيكفي أن تقع على ما يصدق عليه أنّه بعض ، واستدلوا عليه بقوله تعالى : ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ ، وقالوا : الباء هنا للتبعيض على رأي الكوفيين (5).
ونصّ على مجيئها للتبعيض ابن قتيبة في أدب الكاتب (6) ، وأبو علي الفارسي (7) وابن جنّي (8). ونقله الفارسي عن الأصمعي ، وقال ابن مالك في شرح التسهيل : وتأتي الباء موافقة من التبعيضية (9).
وقال ابن قتيبة أيضاً في كتابه الموسوم بمشکلات معاني القرآن: وتأتي الباء بمعنی : (مِنْ) ، تقول العرب : شربت بماء كذا. أي : منه ، وقال تعالى : ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا
ص: 242
عِبَادُ اللَّهِ﴾ (1) ، أي : منها ، ومثله : ﴿يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾ (2) ، أي: يشرب منها. و﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ (3) ، والمراد : أعين الأرض (4).
وقال ابن السراج في جزء له في معاني الشعر : ووضع (الباء) موضع (مع).
ونقل عن ابن السكّيت : أنّ (الباء) تقع موقع (من) و (عن).
وحكى أبو زيد الأنصاري من كلام العرب : (سقاك الله تعالى ماء من كذا. أي : به. فجعلوهما بمعنی ، وذهب إلى مجيء (الباء) بمعنى التبعيض الشافعي (5) - وهو من أئمّة اللسان - وقال بمقتضاه : أحمد ، وأبو حنيفة حيث لم يوجبا التعميم ، بل اكتفى أحمد بمسح الأكثر في رواية ، وأبو حنيفة بمسح الربع ، ولا معنى للتبعيض غير ذلك ، وجعلها في الآية الكريمة بمعنى التبعيض أولى من القول بزيادتها ؛ لأنّ الأصل عدم الزيادة ، ولا يلزم من الزيادة في موضع ثبوتها في كلّ موضع ، بل لا يجوز القول به إلّا بدليل.
فدعوى الأصالة دعوى تأسيس وهو الحقيقة، ودعوى الزيادة دعوی مجاز ، ومعلوم أنّ الحقيقة أولى.
وقوله تعالى : ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ﴾ (6) ، قال ابن عبَّاس : الباء) بمعنی : (من) ، فالمعنی : من نعمة الله ، قاله : الحجَّة في التفسير.
ومثله قوله تعالى : ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ﴾ (7) ، أي : من علم الله ، وقال آخر :
ص: 243
شَرِبْنَ بماءِ البحرِ ثُمَّ ترَّفَعَتْ *** مَتى لُججٍ خُضْرٍ لهُنَّ نَئِيجُ
أي : من ماء البحر ، وهو لأبي ذؤيب الهذلي ، واسمه خویلد بن خالد ، يصف فيه السحاب ، واستشهد به صاحب المغني على مجيء (الباء) بمعنى (من) التبعيضية (1) ، وقال جميل :
فَلَئمْتُ فاها آخِذاً بِقُرونِها *** شَرَفُ النزيفِ بِبَرْدِ ماءِ الحَشْرَجِ
أي : من برد.
وقال النحاة : الأصل أن تأتي للإلصاق ، ومثّلوها بقولك : مسحت يدي بالمنديل. أي : ألصقتها به. والظاهر : أنّه لا يستوعبه ، وهو عرف الاستعمال ويلزم من هذا الإجماع على أنّها للتبعيض) ، انتهى ما أردنا نقله من المصباح بتغيير ما (2).
هذا تمام الكلام فيما يتعلَّق بحجّية ظواهر الكتاب الَّذي خالفنا فيه أصحابنا الأخباريون.
رجع : فإن قلت : هلّا كان القرآن كلّه محكماً؟ قلت : لو كانت الآيات كلّها محكمات تعلق الناس بها ، واقتصروا عليها في الاعتقادات والأعمال ، فأعرضوا عن أئمّة الدين صلوات الله عليهم أجمعين ، وعن طريق النظر والاستدلال ، فيبقون في ظلمات التقليد ولم يهتدوا إلى معرف ةالله التي لا تحصل إلّا بالرجوع
ص: 244
إلى أوليائه ، والنظر إلى الاستدلال. بخلاف ما إذا كانت بعض الآيات متشابهات ، معرفة المتشابه محوجة إلى النظر والاستدلال.
مثلاً : إذا تأمَّلنا قوله : ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ (1) ، وأردنا أن نعرف أنّ ليس المراد من اليد الجارحة ، فلا بد من الاستدلال على أنّ الله ليس بجسم بالدليل العقلي الموقوف على النظر ؛ لما في المتشابه من الابتلاء والتمييز بين الثابت على الحقّ والمتزلزل فيه ، ولما في تقادح العلماء وإتعابهم القرائح في استخراج معانيه وردّه إلى المحكم من الفوائد الجليلة ، والعلوم الجمّة ، ونیل الدرجات من عند الله ؛ ولأنّ المؤمن المعتقد أنّ لا مناقضة في كلام الله ولا اختلاف ، إذا رأى فيه ما يتناقض في ظاهره ، وأهمه طلب ما يوفق بينه ویجریه علی سنن واحد ، ففکر وراجع نفسه وغيره ، ففتح الله عليه وتبيّن مطابقة المتشابه المحکم ازداد طمأنينة إلى معتقده ، وقوة في إيقانه (2).
فهذه أربعة وجوه في الإتيان بالمتشابهات ، فاغتنم.
الإعراب
قل : فعل أمر مبني على السكون ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله والفاعل مستتر فيه وجوباً تقديره أنت.
کفی : فعل ماضٍ مبني على فتحة مقدرة على الألف.
بالله : جار ومجرور متعلق ب-(کفی) في محل رفع على الفاعلية ، وقيل : هو فاعل ومجرور.
شهيدا : حال من الفاعل منصوب بالفتحة الظاهرة.
بيني : ظرف مكان مضاف إلى ياء المتكلّم في محل نصب ، ليكون صفة ل-(شهيدا) (1).
وبينكم : معطوف عليه.
ومَن عنده : يقرأ بفتح الميم (2) وهو بمعنى الَّذي ، وفي موضعه وجهان :
أحدهما : رفع عطفاً على محل لفظ الجلالة أي : كفى الله ، وکفی من عنده.
ص: 246
والثاني : جر عطفاً على لفظ اسم الجلالة ، فعلى هذا (علم الكتاب) : مرفوع بالظرف ، لأنّه اعتمد بكونه صلة ، ويجوز أن يكون الظرف خبراً ، والمبتدأ (علم الكتاب).
وقرأ : (ومِن عنده علم الكتاب) (1) بكسر الميم على أنّه حرف جر ، و (علم الكتاب) على هذا مبتدأ أو فاعل الظرف.
ويقرأ : (عُلِمَ الكتاب) (2) على أنّه فعل لم يسم فاعله وهو العامل في (من) والمراد من هذه الشهادة : أنّه تعالى أظهر المعجزات والأدلة على وفق دعواه ، ولا شهادة أعظم من هذه ؛ لأنّ الشهادة القولية هنا لا تفيد إلّا غلبة الظن ، وهذه تفيد القطع بصحَّة نبوّته.
﴿وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ أي : من حصل عنده علم القرآن ، وفهم معانيه ، واشتماله على دلائل الإعجاز من النظم الأنيق ، والأُسلوب العجيب الَّذي لا يقدر عليه البشر ، فمن علم القرآن على هذه الوجه شهد بأنّه معجز قاهر ، وأنّ الَّذي ظهر هذا المعجز عليه نبي حق أو رسول مصدّق.
ص: 247
وفي تفسير الصافي نقلاً عن الكافي والخرائج والعياشي : عن الباقر عليه السلام : «إيّانا عُني ، وعليٌ أوّلنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبيّ صلى الله عليه وآله» (1).
وفي مجمع البيان عن الصادق عليه السلام مثله (2).
وفي الاحتجاج : سأل رجل علي بن أبي طالب عليه السلام عن أفضل منقبة له؟
فقرأ الآية ، وقال : «إياي عُني بمن عنده علم الكتاب» (3).
وفي المجالس عن النبي صلى الله عليه وآله : أنه سئل عن هذه الآية ، فقال : «ذاك أخي عليّ بن أبي طالب» (4).
والعياشي عن الباقر عليه السلام : أنه قيل له : هذا ابن عبد الله بن سلّام يزعم أنّ أباه الَّذي يقول الله : ﴿كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ (5)؟ قال : كذب ، هو : علي بن أبي طالب» (6).
وعنه عليه السلام : «نزلت في عليّ عليه السلام ، إنّه عالم هذه الأمَّة بعد النبي صلى الله عليه وآله» (7).
والقمِّي عن الصادق عليه السلام: «هو أمير المؤمنين» ، وسئل عن الَّذي عنده علم من الكتاب أعلم ، أم الَّذي عنده علم الكتاب؟ فقال : «ما كان علم الَّذي عنده
ص: 248
علم من الكتاب عند الَّذي عنده علم الكتاب إلا بقدر ما تأخذه البعوضةبجناحها من ماء البحر» (1).
وفي الكافي عنه عليه السلام : «فهل وجدت فيما قرأت في كتاب الله : ﴿كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ ... ثُمَّ ذكر ما يقرب ممَّا ذكر بنحو أبسط وقال في آخره : علمُ الكتاب - والله - كلُّه عندنا ، علم الكتاب - والله - كلّه عندنا» (2).
[55] - قال رحمه الله : «التاسع : قوله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (3).
أقول : الآية واقعة في سورة المجادلة (4).
الإعراب
يرفع : فعل مضارع مرفوع لتجرده.
الله : فاعل مرفوع بالضمة.
الَّذين : اسم موصول في محل النصب على المفعولية.
آمنوا : فعل ماض مبني على الضمة لاتصاله بواو الجماعة ، والفاعل مستتر فيه تقديره هم (5) ، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
ص: 249
منكم : جار ومجرور وعلامة جره كسرة مقدرة.
والَّذين :
الواو : عاطفة.
الَّذين : معطوف على الموصول قبله ، فهو أيضا في محل النصب.
وأوتوا : فعل ماض مبني للمجهول ، ونائب الفاعل مستتر فيه تقديره هم ، وهو العائد. العلم : مفعول [به ثان] منصوب بالفتحة ، والجملة مع العائد صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
درجات : مفعول ليرفع منصوب (1) بالكسرة لكونه من الجمع المؤنَّث السالم. المعنى : يرفع الله الَّذين آمنوا منكم بطاعتهم لرسول الله درجة ، والَّذين آمنوا واُوتوا العلم هم بفضل علمهم وسابقتهم درجات في الجنّة ، وقيل : درجات في مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله فأمر الله سبحانه أن يقرب العلماء من نفسه فوق المؤمنين الَّذين لا يعلمون العلم ، فيبين فضل العلماء على غيرهم.
وفي هذه الآية دلالة على فضل العلماء وجلالة قدرهم ؛ ولذا يقال : لا شبهة في أنّ علم العالم يقتضي لطاعته من المنزلة ما لا يحصل للمؤمن ، ولذلك فإنّه يُقتدى بالعالم في كل أفعاله ، ولا يُقتدى بغير العالم ؛ لأنّه يعلم من كيفية الاحتراز عن الحرام والشبهات ومحاسبة النفس مالا يعرفه غيره ، ويعلم في كيفية الخشوع والتذلُّل في العبادة مالا يعرفه غيره ، ويعلم من كيفية التوبة وأوقاتها وصفاتها ما لا
ص: 250
يعرفه غيره ، ويتحفظ فيما يلزمه من الحقوق مالا يتحفظ منه غيره ، ولكنَّه كما نظم منزلة أفعاله من الطاعات في درجة الثواب فكذلك يعظم عقابه فيما يأتيه من الذُّنوب لمكان علمه حَتَّى لا يمتنع في كثير من صغائر غيره أن يكون كبيراً منه.
[56] - قال الله : «العاشر : قوله تعالى مخاطباً لنبيِّه آمراً له مع ما آتاه من العلم والحكمة : ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾» (1).
أقول : الآية واقعة في أواخر سورة طه (2).
الإعراب
قل : فعل أمر مبني على السكون والفاعل مستتر فيه وجوباً تقديره أنت ، والخطاب للنبيَ.
ربّ : منادى محذوف منه حرف النداء تقديره يا ربّ ، وفيه خمسة أوجه أحسنها :
[أ] - أن تحذف الياء وتبقى الكسرة للدلالة عليها ، كما هو الثابت في المصاحف.
[ب] - ويليه : أن تثبتها ساكنة.
[ج] - وإن شئت فاقلب الكسرة فتحة ، والياء ألفا ، واحذفها.
ص: 251
[د] - وأحسن منه أن لا تحذف.
[ﻫ] - وأحسن من هذا ثبوت الياء محرَّكة ، وإلى ذلك أشار ابن مالك بقوله :
وَاجْعَلْ مُنَادَیً صَحَّ إِنْ يُضَفْ لِيَا *** كَعَبْدِ عَبْدِي عَبْدَ عَبْدَا عَبْدِيَا(1)
[و] - وزاد في شرح الكافي(2) سادساً ، وهو : الاكتفاء من الإضافة بنيَّتها وجعل المنادى مضموماً كالمفرد ، ومنه : ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ﴾ (3).
وزدني : فعل أمر مبني على السكون ، النون للوقاية ، والياء ضمير المفعول.
علما : مفعول ثان منصوب بالفتحة (4).
المعنى : أي استزد من الله سبحانه علماً إلى علمك.
ففي (المجمع) روت عائشة عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنه قال : «إذا أتى عليَّ يوم لا أزداد فيه علماً يقرِّبني إلى الله فلا بارك الله لي في طلوع شمسه».
وقيل معناه : زدني علماً بقصص أنبيائك ، ومنازل أوليائك.
وقيل : زدني قرآناً لأنّه كلَّما ازداد من نزول القرآن عليه ازداد علماً ، انتهى (5).
ص: 252
وفي الخصال : عن الصادق عليه السلام ، عن آبائه ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : «فضل المعلم أحبّ إلى الله من فضل العبادة» (1).
قال جدّي الفاضل الصالح : (إنّ هذا الأمر متضمن للتواضع والشكر لله تعالى ، أي : علّمني يا ربّ علماً جزيلاً وأدباً جميلاً. ومن فضائل العلم وشرفه وشرف أهله أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله ما أمر بطلب الزيادة في شيء إلّا في العلم) ، انتهى (2).
[57] - قال رحمه الله : «الحادي عشر قوله تعالى : ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ (3).
أقول : الآية واقعة في سورة العنكبوت (4).
الإعراب
بل : حرف إضراب مبني على السكون.
هو : مبتدأ مرفوع المحلّ.
آیات : خبر مرفوع بالضمة.
بيِنات : صفة له.
في صدور : جار ومجرور متعلق بعامل محذوف تقديره كائن أو حاصل.
الَّذين : موصول في محل الجر بإضافة صدور إليه.
ص: 253
اُوتوا : فعل ماض مبني للمجهول ، ونائب الفاعل مستتر فيه تقديره هم وهو العائد.
العلم : مفعول ثان ل-(اُوتوا) ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل الَّذي هو العائد ، والمفعول صلة الموصول لا تحتاج إلى محل من الإعراب.
المعنى : بل القرآن آيات ومعجزات واضحات ، من حيث إنّ معانيه غير محصورة ومتباينة غير مقدورة لنا ، ﴿فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ ، قيل : هم الحفّاظ والقرّاء ، والحقّ : أنّهم الأئمّة المعصومون عليهم السلام ؛ لأنّ الكل إنّما هو في صدورهم ، وأمّا في صدور غيرهم ليس إلّا قليلا.
وتروى في الكافي روايات متكثرة على أنّهم هم الأئمّة عليهم السلام ، ففيه عن أبي بصير ، قال : «سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول في هذه الآية : ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ فأومأ بيده إلى صدره» (1).
وعنه أيضاً قال : «قال أبو جعفر عليه السلام في هذه الآية : ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ ، ثُمَّ قال : أما والله - يا أبا محمّد - ما قال بين دفَّتي المصحف.
قلت : مَنْ هُم جُعِلتُ فداك؟ قال : مَنْ عسى أن يكونوا غيرنا» (2).
أما : بالتخفيف ، حرف استفتاح.
وأبو محمّد : كنية أخرى لأبي بصير.
ص: 254
وكلمة (ما) في قوله : «ما قال» نافية ، أي : لم يقل إنّ الآيات بين دفتي المصحف - أي : جلديه الَّذين يحفظان أوراقه - بل قال : ﴿فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ ؛ ليُعلَمَ أنّ للقرآن حملة يحفظونه عن التحريف في كلّ زمان ، وهم الأئمّة عليهم السلام.
وبسنده عن هارون بن حمزة ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : سمعته يقول : ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ ، قال : «هم الأئمّة خاصة» (1).
وبسنده أيضاً عن محمّد بن الفضيل ، قال : سألته عن قول الله عزَّ وجلَّ ، ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ ، قال : «هم الأئمّة عليهم السلام خاصة» (2).
والأمثال : خبره مرفوع بالضمة (1).
ونضرب : فعل مضارع مرفوع بالضمة لتجرده ، والفاعل مستر فيه وجوباً تقديره نحن.
والهاء : ضمير مفعول في محل النصب.
والجملة في محل النصب على الحالية من الأمثال لكونه مفعولاً في المعنى المستفاد من (تلك) ، كقوله تعالى : ﴿وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا﴾ (2).
ويجوز أن تكون (الأمثال) صفة لتلك ، وجملة نضربها في محل الرفع على الخبرية للمبتدأ.
للناس : جار ومجرور متعلق ب-(نضربها).
وما يعقلها :
الواو : عاطفة.
ما : نافية.
يعقل : فعل مضارع مرفوع للتجرد ، والفاعل مستتر فيه تقديره أحد.
والهاء : ضمير متصل في محل النصب على المفعولية.
إلّا : حرف استثناء [ملغى].
العالمون : مستثنى مرفوع لكونه من المستثنى المفرغ ، فيكون إعرابه بحسب العامل (3).
ص: 256
المعنى : الأمثال هي الأشباه والنظائر ، يعني : أمثال القرآن نضربها للناس ونذكرها لهم لتدعوهم إلى المعرفة والتوحيد ، وتعرِّفهم قبح ما هم فيه من عبادة الأصنام. وما يفهمها إلّا من يعلم وجه الشبه بين المثل والممثّل به.
قال جدّي الفاضل الصالح رحمه الله : (ولمّا كان قريش يسخرون في ضرب المثل بالذباب والبعوض والعنكبوت ونحوها ؛ لعتوِّهم أو لجهلهم بحسن موقعه ومورده وفوائده ؛ نزلت الآية لبيان أنَّ تلك الأمثال والتشبيهات لا يعقل وجه حسنها إلّا العالمون ؛ لأنّها وسائل في المعاني المحتجبة عن العقول.
قال بعض الحكماء : والعلم إذا كان حدسياً يعرفه العاقل ، وأمّا إذا كان فکریاً فلافتقاره إلى مقدمات سابقة - والمثل ممَّا يفتقر في إدراك صحّته وحسن موقعه إلى اُمور سابقة ولاحقة يعرف بها تناسب مورده وفائدته - فلا يعقل صحَّته إلَّا العلماء».(1)
[59] - قال رحمه الله : «فصل : وأمّا السُنّة فهي في ذلك كثيرة لا تحصى فمنها ما أخبرني به إجازةً عدّةٌ من أصحابنا» (2).
أقول : قّدْ عرفت أنّه لا مناسبة بمقتضى النسق ذكر الفصل هنا.
والسُنّة في اللُّغة : الطريقة والسير مطلقاً ، والجمع سُنن ، كغرفة وغرف.
ص: 257
وفي الصناعة : هي طريقة النبيّ أو الإمام أو مطلق المعصوم المحكية إلينا بقوله ، أو فعله ، أو تقريره ، فتسمية ذلك سُنّة من باب نقل العام إلى الخاص ، كما إليه الإشارة في كلام الطريحي حيث عبر عنها في الصناعة بالطريقة دون نفس أحد الثلاثة ، فكان كلٌّ من قول المعصوم ، أو فعله ، أو تقريره طريقة يجب أن يجري المكلّف عليها ؛ لأنها حجَّة عليه (1).
والظاهر أنّ حكاية الحديث القدسي في لسان المعصوم داخلة في قوله ، فيندرج بذلك في السُنّة فلا يلزم تخميس الأدلّة ، وخروج نفس الحديث القدسي عن الكتاب والسُنّة كما هو الظاهر غير قادح في التربيع بعد انحصار طريقه في حكاية المعصوم المندرج بذلك في السُنّة ، وحينئذ فحكاية هذا الحديث عن حكاية المعصوم داخلة في الحديث ، كحكاية قوله ، وفعله ، وتقريره.
ثُمَّ اعلم انّه لا بدّ للراوي من مستند تصحُّ له من أجله رواية الحديث ، ويقبل منه بسببه ، وهو في الرواية عن المعصوم نفسه ظاهر ، وأمّا في الرواية عن الراوي - كما في هذا الزَّمان الخالي من مشاهدة الإمام عليه السلام - فله وجوه سبعة :
أوَّلها : وهي أعلاها السماع عن الشيخ ، إمّا بإملاء من حفظه ، أو بقراءة في كتابه ، وهو أعلى مراتب التحمُّل بينهم ، حَتَّى القراءة على الشيخ على المشهور.
وثانيها : القراءة على الشيخ ، وهي التي عليها المدار في هذه الأعصار ، ويقال لها : العرض ؛ لعرض القارئ حاله على الشيخ ، وفي كونها كالسماع ، أو أعلى منه ،
ص: 258
أو دونه خلاف أشهره الثالث ؛ لما في الأول مزية بأن الشيخ أعرف بوجوه ضبط الخبر من غيره ، ولما فيه من المماثلة لتحديث النبيّ صلى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام أصحابهم.
وثالثها : الإجازة ، بأن يجيز له رواية كتاب ونحوه ، بأن يقول الشيخ له : أجزت لك أن تروي عنّي ما صح عندك أنّه من مسموعاتي أو لك ولغيرك فلان - وفلان من الموجودين المعنيين.
ورابعها : المناولة ، وهو أن يقول الشيخ مشيراً إلى كتاب بعينه يعرف ما فيه : سمعت ما فيه ، فهو يصير بذلك محدِّثاً ، وللسامع أن يروي عنه ما في ذلك الكتاب ، سواء قال له : ارو عنّي ، أو لا.
ولو قال : (حدِّث عنّي ما فيه) دون (سمعته) فلا يصير محدِّثاً ، وليس للسامع أن يروي عنه ، وإذا سمع الشيخ نسخة من كتاب مشهور ، فليس له أن يشير إلى نسخة منه إلّا إذا علم مطابقتها.
وخامساً : المكاتبة ، وهو أن يكتب إليه وهو غائب : أنّ ما في هذا الكتاب ، أو ما صحَّ من الكتاب الفلاني هو من مسموعاتي. فلذلك الغائب أن يعمل بكتابه إذا علم ، أو ظن أنّه كتابه ؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وآله كان يأمر بإنفاذ الكتاب ، وكذا الأئمّة عليهم السلام وهو يقول حين الأداء : كاتبني بكذا ، أو : أخبرني مكاتبةً.
وسادسها : الإعلام من الشيخ بأنّ هذا الكتاب روايته ، أو سماعه من شيخه.
وسابعها : الوِجادة بالكسر ، وهو في العرف أن يوجد كتاب ، أو حديث رواه إنسان بخطّه ، وليس للواجد منه إجازة ولا نحوها. والعبارة عن ذلك : وجد بخطّ فلان كذا ، ونحوها ، واختلف في جواز العمل بها لو كانت ممَّا يوثق بها ، والجواز قريب لانسداد باب العمل لولاها.
ص: 259
[60] - قال رحمه الله : «منهم السيِّد الجليل نور الدين عليّ بن الحسين بن أبی الحسن الحسينيّ الموسويّ أدام الله تأييده ، والشيخ الفاضل عزّ الدين الحسين بن عبد الصمد الحارثيّ قدَّس الله روحه بحقّ روايتهم إجازةً عن والدي السعيد الشهيد زين الملّة والدين رفع الله درجته كما شرَّف خاتمته ، عن شيخه الأجل نور الدين علي بن عبد العالي العاملي الميسي ، عن الشيخ شمس الدين محمّد ابن المؤذّن الجزيني ، عن الشيخ ضياء الدين علي ابن شيخنا الشهيد ، عن والده قدَّس الله سره ، عن الشيخ الإمام العلّامة جمال الملّة والدين الحسن بن يوسف بن المطهَّر ، عن والده رضي الله عنه ، عن شيخه المحقِّق السعيد نجم الملّة والدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد قدَّس الله نفسه ، عن السيِّد الجليل شمس الدين فخار بن معدّ الموسويّ ، عن الشيخ الإمام أبي الفضل شاذان بن جبرئيل القمّي ، عن الشيخ الفقيه العماد أبي جعفر محمّد بن أبي القاسم الطّبري ، عن الشيخ أبي علي الحسن ابن الشيخ السعيد الفقيه أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ رحمه الله ، عن والده رضي الله عنه ، عن الشيخ الإمام المفيد محمّد بن محمّد النعمان ، عن الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن الشيخ الجليل الكبير أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن عبد الله بن میمون القداح» (1).
أقول : وقبل الشروع في ترجمة هؤلاء الأعلام والأجلة الكرام زاد الله تعالی لهم الإكرام وخصَّهم بمزيد الإنعام ، لا بدّ لنا من التنبيه على أمرٍ نبيه ، وهو أنّه ذكر شيخنا الشهيد الثاني رحمه الله في شرح بداية الدراية : (أنّه تُعرف العدالة المعتبرة في الراوي بتنصيص عدلين عليها ، أو بالاستفاضة. بأن تشتهر عدالته بين أهل النقل ،
ص: 260
أو غيرهم من أهل العلم ، كمشايخنا السالفين من عهد الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني وما بعده إلى زماننا هذا.
لا يحتاج أحد من هؤلاء المشايخ المشهورين إلى تنصيص على تزكية ولا بِّينة على عدالة ؛ لما اشتهر في كلّ عصر من ثقتهم وضبطهم وورعهم زيادة على العدالة. وإنَّما يتوقف على التزكية غير هؤلاء من الرواة الَّذين لم يشتهروا بذلك ككثير ممن سبق على هؤلاء ، وهم طرق الأحاديث المدونة في الكتب غالباً. وفي الاكتفاء بتزكية الواحد العدل في الرواية : قول مشهور لنا ولمخالفينا ، كما يكتفي به - أي : بالواحد - في أصل الرواية. وهذه التزكية فرع الرواية ، فكما لا يعتبر العدد في الأصل فكذا في الفرع) ، انتهى كلامه (1).
وقال السيِّد الداماد رحمه الله في الرواشح : (ممَّايجب أن يعلم ولا يجوز أن يذهل عنه : أنَّ مشيخة المشايخ الَّذين هم کالأساطين والأركان ، أمرهم أجلُّ من الاحتياج إلى تزكية مزكٍّ ، وتوثيق موثّقٍ) ،انتهى (2).
أقول : لا يخفى أنّ العدالة - بناء على تفسيرها بالملكة - من الأُمور الباطنية لا تثبت إلّا بكاشف قطعي أو شرعي ، ومنه كفاية مطلق الطريق الظنّي في ذلك ،کالاختبار بالمعاشرة ، والصحبة الكاشفة بالاطّلاع على جملة من أحواله الدّالة على ذلك ، وباشتهاره بين الناس خصوصاً العلماء والمحدِّثين ، بحيث تعاملوا معه معاملة العدل بالرجوع إليه ، وأخذ رواياته ، وإن لم يصرّحوا بتوثيقه كالصدوق رحمه الله ، وبحسن الظاهر.
ص: 261
كلّ ذلك لما تقرر في محلّه من أنّ التعديل ممَّا يتوفر به الدواعي وتعمُّ به البلوي. فلو اقتصر فيه على العلم لزم المخالفة القطعية في كثير ممَّا ترتّب عليه من الأحكام ، فيجري فيه نظير دليل الانسداد ، كما في نظائره من الضرر والنسب ونحوها ، فيكفي فيه مجرد الظن القوي البالغ درجة السكون والاطمئنان ، مضافاً إلى ما تحقق من أنّ الظنون الرجالية معتبرة بقول مطلق عند من يعمل بمطلق الظن في الأحكام ، من غير حاجة إلى أنّ التعديل من باب الشهادة أو الرواية ، وذلك لأنّ الظن في باب الرجال يوجب الظن بالحكم الفرعي الكلّيّ ، فيعتبر من هذه الجهة وإن كان ظناً في الموضوع غير معتبر في حدّ نفسه ، مضافاً إلى ما يظهر من تتبُّع أحوال السلف من النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام حيث جرت سيرتهم على حسن الظن وإلى الأخبار الظاهرة في ذلك.
وبالجملة ، لا عبرة بما هو المعروف في هذا الشأن من بناء المسألة على الخلاف في أنَّ التركية هل هي من باب الشهادة حَتَّى يعتبر فيها التعدُّد ، أو من باب الرواية حَتَّى يكتفي بواحد؟ بل المدار في باب التركية على صيرورة الخبر موثقاً به من أي سبب كان ، من غير اختصاص بتزكية العدل الواحد فضلاً عن عدلين ، بل تكفي تزكية غير الإمامي أيضاً لو أفاد قوله الظن ، كعلیّ بن الحسن بن فضّال ، وكذلك في باب الجرح ، بل بطريق أولى ؛ لأنّ الأصل عدم حجّية الخبر ، وما عن شيخنا البهائي رحمه الله من قبول تزكية غير الإمامي دون جرحه (1) لعله
ص: 262
ناظر إلى حصول الظن بالأول ؛ لأنَّ الفضل ما شهدت به الأعداء دون الثانی ؛ لأن الخصم لا عبرة بقدحه.
إذا عرفت ذلك فالحري بنا أن نقدِّم ترجمة شيخنا الماتن رحمه الله وذکر أحواله فإنّه مقدمة هذا الجيش فهو : المحقِّق جمال الدين أبو منصور ، كان فاضلاً محقِّقاً ، ومتقناً مدقِّقاً ، وزاهداً تقياً ، وعالماً رضياً ، وكاملاً ذكياً ، بلغ من التقوى والورع أقصاهما ، ومن الزهد والعبادة منتهاهما ، ومن الفضل والكمال ذروتهما وأسناهما ، وحقّ على ابن الصقر أن يشبه الصقرا.
كان لا يحوز قوت أكثر من اُسبوع أو شهر (1) ؛ لأجل القرب إلى مساواة الفقراء أو البعد عن التشبُّه بالأغنياء ، والشاهد على فضله ما حرَّره من التصانيف وحقّقه من التآليف ، فمن عرفها حقّ المعرفة أذعن بثبوت دعوى هذه الصفة.
كان رحمه الله ينكر كثرة التصنيف مع عدم تحريره ، ويبذل جهده في تحقيق ما الّفه وتحبيره ، تضلَّع من علوم الحديث والرجال والفقه والأُصول مستغنياً بما يحتاج إليه ممَّا سواها من المعقول والمنقول.
كان هو والسيِّد الجلیل صاحب المدارك السيِّد محمّد ابن اُخته - قدَّس الله روحيهما - في التحصيل كفرسي رهان ورضيعي لبان ، وكانا متقاربين في السنّ ، وبقي بعد السيِّد محمّد بقدر تفاوت ما بينهما في السن تقريباً ، وكتب على قبر السيِّد محمّد : ﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ
ص: 263
وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ (1) ، وكانت وفاته رحمه الله سنة 1009ﻫ ورثاه بأبيات كتبها على قبره ، وهي قوله :
ففي لِرَهْن ضریحٍ صارَ كالعَلَمِ *** للجودِ والمجدِ والمعروفِ والكَرَمِ
قد كانَ للدينِ شمساً يُستضاءُ به *** محمّد ذو المزايا طاهرُ الشّيَمِ
سقى ثراهُ وهنَّاهُ الكرامَةَ وال- *** رَيْحانَ والرَّوحَ طُرّاً بارئُ النَّسَمِ
والحق أنّ بينهما فرقاً في الدقّة والنظر يظهر لمن تأمّل مصنّفاتهما ، وأنّ صاحب العنوان رحمه الله كان أدقّ نظراً وأجمع من أنواع العلوم ، وكانا مدّة حياتهما إذا اتفق سبق أحدهما إلى المسجد وجاء الآخر بعده يقتدي به في الصلاة ، وكان كلٌّ منهما إذا صنّف شيئاً يرسل أجزاءه إلى الآخر وبعد ذلك يجتمعان على ما يوجبه البحث والتحرير.
وكان مولده الشريف في العشر الأخيرة من شهر رمضان سنة 959 ، ووجد بخطه رحمه الله نقلاً عن خط والده الشهيد رحمه الله بعد ذكر تواريخ إخوته ما هذا لفظه : (وُلد أخوه حسن أبو منصور جمال الدين عشية الجمعة ، سابع عشر شهر رمضان المعظم سنة 959 ﻫ والشمس في ثالثة الميزان والطالع زحل ، اللهُمَّ اجمل خاتمتنا إلى خير يا من بيده كلُّ خير).
وكان سنّه عند وفاة والده أربع سنين وأشهراً ، وقرأ على السيِّد على الصائغ ، والسيِّد علي نور الدين الكبير والد السيِّد محمّد صاحب المدارك ، والشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي ، وعمدة تحصيله على السيِّد علي الصائغ في أكثر العلوم
ص: 264
من المعقول والمنقول والفروع والأصول والعربي والرياضي ، وعلى مولانا عبد الله اليزدي صاحب حاشية المنطق ، وكان المولى المزبور هو يقرأ عليه الفقه والحديث.
ثُمَّ سافر هو وصاحب المدارك إلى العراق وحضرا عند المولى أحمد المقدّس الأردبيلي ، وقرأ عليه عدّة كتب في الأُصول والمنطق والكلام وغيرها.
ولمّا رجع من العراق اشتغل بالتدريس والتصنيف وقرأ عليه جملة من الفضلاء : كولده الشيخ محمّد ، والسيِّد نور الدين ، والشيخ نجيب الدين ، والشيخ حسین ابن الظهير ، والشيخ عبد اللطيف الجامعي صاحب الرجال وشرح الاستبصار وغيرهما ، وغيرهم.
وينقل عن الخليفة سلطان العلماء صاحب الحاشية أنّه قال يوماً ما معناه : (كنت أسمع أنّ الشيخ حسن توفّي في أثناء تصنيف المنتقى أو المعالم ، ومن كان هكذا فكره وتحقيقه ليس عجباً وفاته في مثل هذا التصنيف والفكر فيه).
وله - قدس سره - مصنّفات وفوائد ورسائل وخُطَب ، منها كتاب (منتقی الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان) مجلدان ، وکتاب (معالم الدين وملاذ المجتهدين) [وكتابنا هذا الَّذي بين يديك هو شرح ل-] (1) اُصول مقدمته ، وبرز من فروعه مجلَّد وهو الَّذي رمنا شرح خطبته وبلغنا فيه هذا المقام ، نسأله تعالی التوفيق للإتمام ، و (حاشية على مختلف الشيعة) للعلّامة في مجلد ، وکتاب (مشكاة القول السديد في تحقيق معنى الاجتهاد والتقليد) ، وكتاب (الإجازات) ،
ص: 265
و (التحرير الطاووسي) في الرجال مجلد ، والرسالة (الاثنا عشرية) في الطهارة والصلاة ، وله (ديوان شعر) ، و (مجموع) يحتوى على نفائس الشعر والفرائد له ولغيره ، و (مجموع) آخر بخطه انتخب فيه من فصول (نسيم الصبا) عشرة فصول ، وفيه فوائد وحكايات وأشعار.
انتقل إلى جوار الله تعالی سنة 1011 ﻫ ودُفن في بلدة (جبع) ، فيكون سنّه اثنتين وخمسين سنة (1).
قال الشيخ علي حفيده في (الدر المنثور) : (كان ذا شعر رائق واُسلوب فيه قائق ، كالماء الزلال ، والسحر الحلال ، بلفظ حسن رقيق ، ومعنی جید رشیق ، ما بين مواعظ وألغاز ، وغزل ومراثٍ ومديح).
ومنه قوله رحمه الله :
واعجباً منّي وما إنْ أرى *** تعجُّبي مِنّيَ يحديني
اُطيعُ نفسي إنْ دَعَتني إلى *** أمرٍ بهِ حَقّاً وتُنْجيني
فمَنْ عذيري أو شفيعي إذا *** نادَيتُها يوماً تُلبِّليني
أو مَنْ معيرٌ لِيَ نفساً بِها *** اعتاضُ عن نفسي وتكفيني
من شعره لمّا كان بالعراق ، وقد شاهد ركباً متوجِّهاً من العراق إلى الشام :
قِفْ بالديارِ وسَلْها عن أهاليها *** عسى تردُّ جواباً إذ تُناديها
واستفهِمَنْ مِن لسانِ الحالِ ما فَعَلَتْ *** أيدي الخُطوبِ وماذا أبرَمَتْ فيها
ص: 266
فَسَوْفَ تُنبيكَ أنّ القوم قَدْ رَحَلوا *** ولَم تَكُنْ بَلَغَتْ مِنهُم أمانيها
وغادَرَتْها صروفُ الدهرِ خاليةً *** قَدْ هُدِّمَتْ أسفاً مِنها مغانيها
وأصبَحَتْ بالنَّوى والبين في ظمأٍ *** وما سوى القُربِ مِنهُم لَيْسَ يَرويها
وأظلَمَتْ بعدَهُم أيامُها وَلَقَدْ *** كانَت بِهِم أشرَقَتْ بيضاً لياليها
وبانَ عَنْ عِزّها ذُلُّ الكآبةِ إذْ *** تغيَّرَتْ بَعْدَما بانوا معانيها
وله أيضاً في هذا الشأن :
فؤادي ضاعنٌ إثرَ النِّياقِ *** وجسمي قاطِنٌ أرضَ العِراقِ
ومِنْ عَجَبِ الزَّمانِ حياةُ شَخْصٍ *** ترحَّلَ بعضُهُ والبعضُ باقِ
وحَلَّ السُّقمُ في جسمي فأمسى *** لهُ ليلُ النَّوى لَيلُ المَحاقِ
وصبري راحلٌ عمّا قليلٍ *** لشدَّةِ لَوعَتي ولَظى اْشتياقي
وفرطُ الوجدِ أصبحَ لي حَليفاً *** ولمّا يَنْوِ في الدنيا فِراقي
وتعَبثُ نارُه بالروحِ حيناً *** فيوشِكُ أن يُبلِّغَها التراقي
وأظمأني النَّوى وأراق دمعي *** فلا أروى ولا دمعي بِراقِ
عيونُ الخَلْقِ مَحلولَ الوَثاقِ *** ابى اللهُ المهيمنُ أن تراني
أبيتُ مدى الزَّمانِ بنارِ وجدٍ *** على جمرٍ يزيدُ بهِ احتراقي
وما عيشُ امرئٍ في بحرِ غمٍّ *** يُضاهي کربُهُ كَرْبَ السِّياقِ
يودُّ من الزَّمانِ صفاءَ يومٍ *** يلوذُ بظلِّهِ ممَّا يُلاقي
سَقَتني نائباتُ الدهر كأساً *** مريراً من أباريقِ الفراقِ
ولم يَخْطُر ببالِيَ قبل هذا *** لِفَرْطِ الجَهلِ أنّ الدهرَ ساقِ
وفاضَ الكأسُ بَعْدَ البينِ حَتَّي *** لَعَمْري قَدْ جرت مِنهُ سواقي
ص: 267
فليس لداء ما ألقى دواءٌ *** يؤمَّلُ نفعُهُ إلّا التَّلاقي
ومن شعره وهو بالعراق متشوقاً إلى وطنه رحمه الله :
طولُ اغترابي بفرطِ الشوق أضناني *** والبينُ في غمراتِ الوجدِ ألقاني
يا بارقا من نواحي الحيِّ عارَضَني *** إليكَ عنِّي فقد هيَّجْتَ اشجاني
فما رأيتُكَ في الآفاق معترضاً *** إلا وذكرتني أهلي وأوطاني
ولا سمعتُ شجي الورقاء نائِحَةً *** في الأيْكِ إلا وشبَّت منهُ نيراني
كَمْ ليلةٍ من ليالي البينِ بتُّ بها *** أرعى النجومَ بطرفي وَهْيَ ترعاني
كأنَّ أيدي خطوبِ الدهرِ حين نأوا *** عن ناظِرَي كَحَلتْ بالسُّهدِ أجفاني
ويا نسيماً سرى من حيِّهم سَحَراً *** في طيِّه نشُر ذاكَ الرندِ والبانِ
أحييتَ مِيْتاً بأرض الشامِ مُهْجَتُهُ *** وفي العراقِ لَهُ تخييلُ جُثمانِ
وكَمْ حييتُ وكَمْ قَدْ مِتُّ من شجني *** ما ذاك أوَّلُ إحياءٍ ولا الثاني
شابَتْ نواصِيَّ مِنْ وَجدي فوا أسفي *** على الشبابِ فشيبي قَبْلَ إبّاني
والهُفَ نفسي حصونُ البينِ عامِرَةٌ *** ورَبْعُ قربِ التَّلاقي ماله باني
يا لائِمي كَمْ بهذا اللَّومِ تُزعِجُني *** دعني فلومُكَ قَدْ واللهِ أغراني
لايسكن الوجدُ ما دام الشتاتُ ولا *** تصفو المشارِبُ لي إلّا بلبنانِ
في ربع أُنسي الَّذي حلّ الشبابُ بهِ *** تمائمي وبهِ صحبي وخِلَّاني
كَمْ قَدْ عهِدْتُ بهاتيكَ المعاهِدِ مِنْ *** إخوانِ صدقٍ لَعَمري أيُّ إخوانِ
وكَمْ تقضّتْ لنا بالحيِّ أزمَنةٌ *** على المسرَّة في كرمٍ وبُستانِ
لَم أدر حالَ النَّوی حَتَّى علِقْتُ به *** فغمرتي من وقوعي قبل عرفاني
حتّامَ دهري على ذا الهون يمسكني *** هلّا جنحتُ لتسريحٍ بإحسان
ص: 268
أقسمت لولا رجاءُ القربِ يُسعفني *** فكلَّما مِتُّ بالأشواقِ أحياني
لكدت أقضي بها نحبي ولا عجبٌ *** كَمْ أهلَكَ الوجدُ من شيبٍ وشبَّانِ
يا جيرةَ الحيِّ قلبي بَعْدَ بُعدِكُمُ *** في حيرةٍ بين أوصابٍ وأشجانِ
يمضي الزَّمانُ عليهِ وَهُوَ ملتزمٌ *** بحُبِّكم لم يدنسه بِسُلوانِ
باق على العهد راع للذمام فما *** يسوم عهدَكُم يوماً بنسيانِ
فإن يراني سقامي أو نأى رشدي *** فلا عِجُ الشوقِ أوهاني وألهاني
وإنْ بَكَتْ مقلتي بعد الفراقِ دَمَاً *** فمِن تَذكُرِكُمْ يا خيرَ جيرانِ
وله قدس سره في صدر كتابة :
سلام عليكم لا أرى العيشَ والنَّوى *** يجاذِبُنا ثوبَ الحياةَ يطيبُ
هلِ البينُ إلّا شرُّ داءٍ إذا اعترى *** فليس له غيرُ اللِّقاءِ طَبيبُ
وله طاب ثراه :
سَقَوني في الهوی كأساً *** معاني حُسنِهِم راحَهْ
فلي في مهجتي أصلٌ *** لوجدي أينَ شرّاحَهْ
وله طاب ثراه :
عرِّج على الأحباب يا ذا الحادي *** أنبئهُمُ أنّي على الميعادِ
وقلِ الكئيبُ لِبُعدِكُمْ غادَرْتُهُ *** كالمَيْتِ مُلقىً بينَ أهلِ البادي
ذا مقلةٍ أجفانُها قَدْ كُحِّلتْ *** بعد التفرُّقِ والفلا بِسُهادِ
ويقول من ظمأٍ به واحسرتي *** حَتَّى متى يُروی غليلُ الصادِ
بَعُدَت ديارُ أحبَّتي فلنا بهم *** قدح الزناد مسعَّر بفؤادي
ولقد نذرتُ صيامَ يومِ لقائِهِم *** مَعَ أنّه مِنْ أكبرِ الأعيادِ
ص: 269
روحي الفدا لأحبةٍ من وصلِهِمْ *** ذهبَ الزَّمانُ وما بَلَغْتُ مُرادي
أشكو الزَّمانَ وأهلَهُ فكأنَّما *** خُلِقَ الزَّمانُ وأهلُهُ لِعِنادي
لكنَّني متمسِّك بهدايتي *** الولاءِ أصحابِ الكسا الأمجادِ
أهل النَّبوةِ والرسالةِ والهُدى *** للحقِّ بَعْدَ الشرك والإلحادِ
أعني النبيّ المصطفى المبعوث *** من أُمِّ القرى بالحقّ للإرشاد
والطاهرَ الحبرَ الإمامَ المرتضى *** زوجَ البتولِ أخا النبي الهادي
والبضعةَ الزهراءَ والحسنينِ سا *** داتِ الورى فيهم وبالسجادِ
ومحمّدٍ وبجعفرٍ وبکاظمٍ *** ثُمَّ الرضا ومحمّد والهادي
والعسكريّ ونجله المهديّ من *** نرجوه يروي غَلّة الأكبادِ
ننجو إذا وضع الكتاب ولا نرى *** نفعاً من الأموالِ والأولادِ
يا آلَ أحمَدَ حُبُّكُم لي منهجٌ *** خَلَفٌ عن الآباءِ والأجدادِ
أرجو به عند النزول بحفرتي *** أُنساً وذخري أنتُمُ لِمَعادي
وله طاب ثراه :
صَدَّ دلالاً وانثنى مُعْرِضا *** فأرسَلَ الصّدغَ على خالِهِ
لَئِنْ أبي عن أن تراه فقد *** أنبأنا المُرسَلُ عن حالِهِ
وله أيضا :
اختلف الأصحابُ في محنتي *** وما الَّذي أوجَبَ لي البلوى
فقيل طولُ النأي والبعدُ عن *** نیلِ المُنى مِنْ وصلِ مَنْ أهوى
وقيلَ لا بَلْ صدغُهُ لم يزل *** بالسِّحرِ يرمي القلبَ بالأسوا
وقيل سهما لحظه إذ رنا *** لم يتخطاجسدي عُضوا
ص: 270
وقيل ضعف الطرف والخصر إذ *** عليه قلب الصبّ لا يقوى
وقيل بل کلٌّ له مدخل *** فيها وعندي أنّه أقوى
وقال الشيخ علي الحفيد في كتاب (الدر المنثور) : (إنّه سمعت من بعض مشايخنا ... وغيرهم أنّه لما حج كان يقول لأصحابه : نرجو من الله سبحانه أن نرى صاحب الأمر عليه السلام ، فإنّه يحجُّ في كلّ سنة.
فلمَّا وقف بعرفة أمر أصحابه أن يخرجوا من الخيمة ليتفرغ لأدعية عرفة ، ويجلسوا خارجها مشغولين بالدعاء ، فبينما هو جالس إذ دخل عليه رجل لا يعرفه ، فسلّم وجلس ، قال : فبُهِتُّ منه ، ولم أقدر على الكلام ، فكلَّمني بكلام تقل لي ولا يحضرني الآن. فلمَّا قام وخرج خطر ببالي ما كنت أرجوه ، وقمت مسرعاً قلم أره ، وسألت أصحابي فقالوا : ما رأينا أحداً دخل عليك. وهذا معنى ما سمعته والله أعلم) ، انتهی (1).
وذكره صاحب السلافة فقال : (الشيخ حسن بن زين الدين الشهيد الشامي العاملي ، شيخ المشايخ الجلّة ، ورئيس المذهب والملّة ، الواضح الطريق والسنن ، والموضّح القروض والسنن ، يمّ العلم الَّذي يفيد ويفيض ، وجمّ الفضل الَّذي لا ينضب ولا يغيض. المحقِّق الَّذي لا يراع له يراع ، والمدقّق الَّذي راق فضله وراع ، المتقن في جميع الفنون ، والمفتخر به الآباء والبنون ، قام مقام والده في تمهيد قواعد الشرائع ، وشرح الصدور بتصنيفه الرائق وتأليفه الرائع ، فتشر للفضائل حللاً مطرزة الأكمام ، وأماط عن مباسم أزهار العلوم لثام الأكمام ، وشنف المسامع بفرائد الفوائد ، وعاد على الطلاب بالصلات والعوائد.
ص: 271
وأمّا الأدب : فهو روضه الأريض ، ومالك زمام السجع منه والقريض ، والناظم لقلائده وعقوده ، والمميّز عروضه من نقوده ، وساُثبت منه ما يزدهیك إحسانه ، وتطيبك خرائده وحسانه ، وأخبرني من أثق به أنَّ والده السعيد لمّا ناداه داعي الأجل على يد الشقي العنيد ، فألقى السمع وهو شهيد ، كان للشيخ المذكور من العمر اثنتا عشرة سنة ، وذلك في سنة 965 ، وتوفي رحمه الله تعالى سنة 1011 ، ومن مصنّفاته كتاب (منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان) ، وكتاب (المعالم) ، و (الاثني عشرية) ، و (منسك الحج) ... وغير ذلك.
ومن شعره قوله :
أبهضني حَمْلُ النَّصَبْ *** ونالني فَرْطُ التَّعَبْ
إذْ مُرَّ حالاتِ النَّوى *** عليّ دهري قَدْ كَتَبْ
لا تعجبوا من سقمي *** إنّ حياتي لَعَجَبْ
عاندني الدهرُ فما *** يودُّ لي إلّا العَطَبْ
وما بقاءُ المرءِ في *** بحرِ همومٍ وكُرَبْ
لله أشكو زمناً *** في طرقي الخترَ نَصَبْ
فَلَسْتُ أغدو طالباً *** إلّا ويعييني الطَّلَبْ
لو كُنْتُ أدري وعلّةً *** توجبُ هذا أو سببْ
كأنّه يحسبني *** في سلكِ أصحابِ الأدبْ
أخطأتَ يا دهرُ فلا *** بَلَغْتُ في الدنيا إرَبْ
كَمْ تألف الغدرَ ولا *** تخافُ سُوءَ المُنْقَلَبْ
غادرتني مطَّرحاً *** بين الرزايا والنُّوَبْ
ص: 272
من بعد ما ألبستني *** ثوبَ عناءٍ وَوَصَبْ
في غربةٍ صمّاء إن *** دعوت فيها لَم أُجَبْ
وحاكِمُ الوجدِ على *** جميلِ صبري قَدْ غَلَبْ
ومؤلِمُ الشوقِ له *** قلبي المعنَّى قَدْ وَجَبْ
ففي فؤادي حُرقَةٌ *** منها الحشا قَدِ التَهَبْ
وكل أحبابي قَدْ *** أودعتُهُم وسطَ التُّربْ
فلا يلمني لائمٌ *** إنْ سالَ دمعي وانسَكَبْ
واليومَ نائي أجلي من *** لوعتي قَدْ اقتربْ
إذ بان عنّي وطني *** وعيلَ صبري وانسَلَبْ
ولم يدع لي الدهر *** من راحلتي سوى القَتَبْ
لم ترض يا دهري بما *** صرفُك عنّي قَدْ نَهَبْ
لم يبقَ عندي فِضَّةٌ *** أُنفِقُها ولا ذَهَبْ
واسترجع الصفو الَّذي *** من قبلُ كان قَدْ ذَهَبْ
تبَّت يداهُ مثلَ ما *** تبَّت يدا أبي لَهبْ (1)
وله في رثاء الحسين عليه السلام :
الليلةَ الحَشْرِ لا بل ليلُ عاشورِ *** أنفخةَ الصُّور لا بل نَفْثُ مصدورِ
ليلٌ به خسفت بدر الهدى أسفاً *** وأصبح الدينُ فيه كاسفَ النورِ
يومٌ به ذهبت أبناءُ فاطمةٍ *** للبينِ ما بينَ مقتولٍ ومأسورِ
ص: 273
فأيُّ دمعٍ علیهم غيرُ مُنهَمِلِ *** وأيُّ قلبٍ علیهم غيرُ عاشورِ
يا وقعةَ الطّفِّ خلَّدتِ القلوبَ أسى *** كأنّما كلُّ يوم يومُ عاشورِ
يا وقعةَ الطّفِّ هل تدرين أيَّ فتىً *** أوقفتِهِ رَهْنَ تعقيرٍ وتعفيرٍ
هذا الحسينُ قتيلاً رَهْنَ مَصرَعِهِ *** يبكي له كلُّ تهليلٍ وتكبيرٍ (1)
وأمّا السيِّد نور الدين : فهو علي بن الحسين بن أبي الحسن الحسيني الموسوي العاملي الجبعي ، كان من أعيان العلماء في عصره ، جلیل ، من تلامذة الشهيد الثاني ، تزوج ابنته في حياته فأولدها السيِّد محمّد صاحب المدارك ، ثُمَّ تزوج بعد موته والدة شيخنا الماتن رحمه الله فأولدها السيِّد علي نور الدين المعروف ب-(الصغير) امتيازاً عن أبيه المذكور المعروف بالسيِّد علي نور الدين الكبير.
وستأتي ترجمة الولد بعد الفراغ من ترجمة الوالد ، ولم أقف على من ذكر له شيئاً من التصانيف ولا على تأريخ وفاته ، نعم ، كان هو والسيِّد علي الصائغ المتقدِّم ذكره قَدْ توليّا تربية شيخنا الماتن رحمه الله.
قال الشيخ محمّد العودي في رسالة أحوال الشهيد رحمه الله خلال ذكر تلامذته ، منهم : السيِّد الإمام العلّامة ، خلاصة السادة الأبرار ، وعين العلماء الأخبار ، وسلالة الأئمّة الأطهار ، السيِّد العالم ، الفاضل ، الكامل ، ذو المجدین علی ابن الإمام السيِّد البدل ، أوحد الفضلاء ، وزبدة الأتقياء السيِّد المرحوم عزّ الدين حسين بن أبي الحسن العاملي أدام الله شریف حياته. ربّاه کالوالد لولده ، ورقّاه إلى المعالی بمفرده ، وزوّجه
ص: 274
ابنته رغبة فيه ، وجعله من خواص ملازميه. قرأ عليه جملة من العلوم الفقهيّة ، والعقليّة ، والأدبيّة وغيرها ، وأجازه إجازة عامة) (1).
ويروي عنه الأمير فيض الله التفريشي والمحقِّق الداماد ، قال في مستند بعض الأحراز المرويّة عن الأئمّة عليهم السلام : (ومن طريق آخر رويته عن السيِّد الثقة التبت المركون إليه في فقهه ، المأمون في حديثه ، علي بن أبي الحسن العاصي قراءة وسماعة ، سنة 988 من الهجرة المباركة النبويّة في مشهد سيّدنا ومولانا أبي الحسن الرضا صلوات الله وتسليماته عليه بسناباد طوس ، عن زين أصحابنا المتأخّرين زين الدين أحمد بن علي بن أحمد بن محمّد بن علي بن جمال الدين بن تقي الدين بن صالح بن شرف العاملي رفع الله قدره في أعلى مقامات الشهداء الصدِّيقين) انتهى (2).
وهذا السيِّد يعبَّر عنه : بالسيِّد علي بن أبي الحسن الموسوي تارة ، وبالسيِّد علي بن الحسين بن أبي الحسن كما في المتن تارة أخرى ، وربّما ظنّ بعضهم اتّحاده مع ولده المذكور لاتّحادهما في اللقب وهو غلط (3).
وهاك ترجمة الولد : هو السيِّد نور الدين الصغير علي ابن السيِّد نور الدین الكبير علي بن الحسين بن أبي الحسن الموسوي الحسيني ، وهو أخو الشيخ الماتن رحمه الله من أمِّه ، وأخو السيِّد محمّد صاحب (المدارك) من أبيه ، وذكره السيِّد
ص: 275
علي خان في السلافة بما لفظه : (طود العلم المنيف ، وعضد الدين الحنيف ، ومالك أزمة التحقيق والتصنيف ، الباهر بالرواية والدراية ، والرافع لخميس المكارم أعظم راية ، فضل يعثر في مداه مقتفيه ، ومحل يتمنّى البدر لو أشرق فيه ، وكرم يُخجل المزن الهاطل ، وشيم يتحلّى بها جيد الزمن العاطل ، وصیت من حسن السمعة بين السِّحر والنحر :
فسارَ مسيرَ الشَّمسِ في كُلّ بلدةٍ *** وَهَبَّ هُبوبَ الريحِ في البَرِّ والبَحرِ
حَتَّى كأن رائد المجد لم ينتجع سوى جنابه ، وبريد الفضل لم يقعقع سوی حلقة بابه ، وكان له في مبدأ أمره بالشام مجال لا يكذبه بارق العزّ إذا شام ، بين إعزاز وتمكين ، ومكان في جانب صاحبه مكين ، ثُمَّ انثنى عاطفة عنانه وثانيه ، فقطن بمكّة شرّفها الله تعالى وهو كعبتها الثانية ، تُستلم أركانه كما تُستلم أركان البيت العتيق ، وتُستنشم أخلاقه كما يُستنشم المسك العبيق ، يعتقد الحجيج قصده من غفران الخطايا ، وينشد بحضرته تمام الحج أن تقف المطايا.
وقد رأيته بها وقد أناف على التسعين ، والناس تستعين به ولا يستعين ، والنور يسطع من أسارير جبهته ، والعزّ يرتع في ميادين جلهته ، ولم يزل بها إلى أن دعي فأجاب ، وكأنّه الغمام أمرع البلاد فانجاب ، وكانت وفاته لثلاث عشرة بقين من ذي الحجّة الحرام سنة 1068 رحمه الله. وله شعر يدل على علو محلّه ، وإبلاغه هدي القول إلى محلِّه) ، انتهى (1).
وهذا السيِّد قَدْ قرأ على أبيه المتقدِّم ذكره ، وعلى أخويه شيخنا الماتن والسيِّد صاحب (المدارك) ، له كتاب (شرح المختصر النافع) جيد قَدْ أطال فيه
ص: 276
البحث والاستدلال ، إلّا أنه لم يتمّ ، وكتابه (الفوائد المكيّة في الرد على الفوائد المدنيّة) ، و (شرح الاثني عشريّة البهائيّة) التي في الصلاة ، وغير ذلك من الرسائل ، ومن شعره الرائق قوله متغزلاً :
يا مَنْ مضَوا بفؤادي عندما رحلوا *** من بعد ما في سويدِ القلبِ قَدْ نزلوا
جاروا على مهجتي ظلماً بلا سببٍ *** يا ليتَ شعري إلى مَنْ في الهوی عَدَلوا
وأطلقوا عبرني من بعد بُعدِهُم *** والعين اجفانُها بالسُّهدِ قَدْ كحلوا
يا مَنْ تعذَّب من تسويفهم كبدي *** ما آن يوماً لقطع الحبل أن تصلوا
جادوا على غيرنا بالوصل متصلاً *** وفي الزَّمان علينا مرَّة بخلوا
كيفَ السبيلُ إلى من في هواهُ مَضَى *** عُمري وما صدَّني عن ذكرِهِ شُغُلُ
واحَيْرتي ضاعَ ما أوليتُ من زمنٍ *** إذ خابَ في وصلِ من أهواهُمُ الأملُ
في أيِّ شرعٍ دماءُ العاشقينَ غَدَتْ*** هدراً وليس لهم ثارٌ إذا اقتتلوا
يا للرجال من البيضِ الرِّشافِ أما*** كفاهُمُ ما الَّذي بالناس قَدْ فعلوا
مَن منصفي من غزالٍ ما له شُغُلُ *** عنّي ولا عاقني عن حبِّه عَمَلُ
قَضَيتُ أشراك صيدي في مراتِعِهِ *** الصِّيدُ فنّي ولي في طُرقِوهِ حِيَلُ
فصاحَ بي صائِحٌ : خفِّض عليك فقد *** صادوا الغزالَ الَّذي تبغيهِ يا رَجُلُ
فَصِرْتُ كَالوالِهِ الساهي وفارَقني *** عقلي وضاقَتْ عليَّ الأرضُ والسُّبُلُ
وقلت : باللهِ قُلْ لي أينَ سارَ بهِ *** مَنْ صادَهُ؟ عَلَّهُم في السَّيرِ ما عَجَلوا
فقال لي كيفَ تلقاهُمْ وقَدْ رَحَلُوا*** من وقتِهِم واستجدَّت سيرَها الإِبِلُ
وقوله مادحاً بعض الأُمراء ، وهي من غرر كلامه :
لكَ الفخرُ بالعليا لكَ السعدُ راتبُ *** لكَ العِزُّ والإقبالُ والنَّصرُ غالِبُ
لكَ المجدُ والإجلالُ والجودُ والعطا *** لكَ الفضلُ والنُّعمى لك الشكر واجبُ
ص: 277
سموتَ على هام المجرَّة رفعةً *** ودارَتْ على قُطْبَي عُلاكَ الكواكِبُ
فيا رتبةً لو شِئْتَ أن تبلغَ السُّهى *** بها أقبلت طوعاً إليكَ المطالِبُ
بلغتَ العُلا والمجدَ طفلاً ويافعاً *** ولا عَجَبٌ فالشِّبلُ في المهدِ كاسِبُ
سَمَوْتَ على قُبِّ السراحين صائلاً *** فَكَلَّتْ بكفيكَ القنا والقواضِبُ
وحُزْتَ رهانَ السِّبقِ في حَلَبَةِ العُلا *** فأنتَ لها دونَ البريِّةِ صاحِبُ
وجُلْتَ بِحَوماتِ الوغى جَولَ باسمٍ *** فرُدَّتْ على أعقابِهِنَّ الكتائِبُ
فلا الذارعاتُ المعتِماتُ تكنُّها *** ملابسُها لمَّا تَحِنُّ المضارِبُ
ولا كثرةُ الأعداءِ تغني جُموعَها *** إذا لَمَعتْ مِنْكَ النُّجومُ الثواقِبُ
خُضِ الحتفَ لا تخشَ الردی واقهَرِ العدا *** فليسَ سُوى الإقدامِ في الرأيِ صائِبُ
وشمِّر ذيولَ الحزمِ عن ساقِ عزمِها *** فما ازدَحَمَتْ إلّا عليكَ المراتِبُ
إذا صدقت للناظرين دلائِلٌ *** فدع عنكَ ما تبدي الظنونُ الكواذِبُ
ببيض المواضي يُدرِكُ المرءُ شأوَهُ *** وبالسُّمرِ إن ضاقَت تهونُ المَصاعِبُ
لأسلافِكَ الغرِّ الكرام قواعد *** على مثلها تبنى العُلى والمناصِبُ
زکوتَ وحزتَ المجدَ فرعاً ومحتِداً *** فآباؤك الصيدُ الكرامُ الأطائِبُ
ومن بزك أصلاً فالمعالي سَمَتْ به *** ذری المجدِ وانقادت إليه الرَّغائِبُ
بنو عمِّكُم لمَّا أضاءَت مشارِقٌ *** بِكُم أشرَقَتْ مِنّا علينا مغارِبُ
وفيكُمْ لنا بدرٌ من الغَربِ طالِعٌ *** فلا غروَ إن كانت لديه العجائِبُ
هو الفخرُ مدَّ اللهُ في الأرض ظِلُّهُ *** ولا زال تُجلى مِنْ سناهُ الغياهِبُ
إلى حَلَبِ الشهباءِ منِّي بشارةٌ *** تعطِّرُها حَتَّی تفوحَ الجوانِبُ
إذا ما مضى من بعد عشر ثلاثةٌ *** من الدور فيها تُستَتمُّ المآرِبُ
لقد حدَّثت عنها أُولو العلم مثلَها *** جری وانقَضَتْ تِلكَ النونُ الجواذِبُ
بدا سعدُها لمَّا عليَّ بدا لها *** ويا طالَما قَدْ اُنْجِسَتْ وهوَ غارِبُ
ص: 278
وفوزُ عليٍّ بالعلی فوزُها به *** فكلُّ إلى كلِّ مضافٌ مناسِبُ
كأنِّي بسيفِ الدولةِ الآنَ وارداً *** إليها بلاقي ما جَنَتهُ الثعالِبُ
لقد جاءَها صوبُ الحيا بعد مَحْلِها *** وشرَّفها مَنْ احكَمَتْهُ التجارِبُ
كريمٌ إذا ما أمحلَ الغيثُ أمطَرَتْ *** أياديهِ جُوداً مِنْهُ تصفو المشارِبُ
أريبٌ أديبٌ لو تجسِّمَ لفظُهُ *** أصابَتُهُ عِقداً للنُّحور الكواعِبُ
فيا أيُّها المنصور بُشراك رتبةً *** بها السَّعدُ حقّاً والسرورُ مواظِبُ
مَدَحْتُكُمُ والمدحُ فيكم تجارَةٌ *** بها تثمر النُّعمى وتغلو المكاسِبُ
إلى باب علياكُم شددتُ رواحلي *** ويا طالما شُدَّتْ إليها الركائِبُ
بها الفضلُ منشورٌ بها الجودُ واترٌ *** بها فتحُ من شُدَّتْ عليهِ المذاهِبُ
وماذا عسى أنْ يبلغَ الوصفُ فيكُمُ *** إلى غايةٍ هل يُنقِضُ البحرَ شارِبُ
فلا زلتم في أكمل السَّعدِ والهَنا *** مدى الدَّهر ما مالَتْ وماسَتْ ذوائِبُ (1)
وأمّا عز الدين : فهو حسین بن عبد الصمد ابن شمس الدين محمّد بن علي بن حسین بن صالح الجبعي العاملي ، الحارثي الهمداني ، والد شيخنا البهائي رحمه الله ، ينتهي نسبه إلى الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني المشهور ، الَّذي هو من خواص أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، وله عليه السلام فيه هذه الأشعار كما صرّح به ولده النحرير في حاشية (شرح الأربعين) :
يا حارِ همدانَ مَنْ يَمُتْ يرني *** مِنْ مُؤمِنٍ أو مُنافقٍ قُبُلا
ص: 279
يَعرِفُني شخصُهُ وأعرفه *** بعينه واسمه وما فَعَلا
وأنتَ عند الصراطِ تعرِفُني *** فلا تَخَفْ عشرةً ولا زَلَلا
أقولُ للنار حينَ توقَفُ للعرضِ *** ذريهِ لا تقربي الرَّجُلا
ذريه لا تقربيه إنَّ له *** حبلاً بحبلِ الوصيَّ مُتَّصلا
أسقيكَ من باردٍ على ظمأٍ *** تخالُهُ في الحلاوَةِ العَسَلا (1)
وكان ذلك بعد أن قال له الحارث وهو في مرض موته وكان أمير المؤمنين عليه السلام قَدْ عاده : يا مولاي ، إنّي في أول يوم من أيام الآخرة ، وآخر يوم من أيام الدنيا ، وإني أخاف من الفزع الأكبر ، ولا أدري ما يفعل بي ، وأخاف من النزع والعبور على الصراط.
قيل : فبكى الحارث ، وقال : الحمد لله الَّذي جعلني من شيعتك يا أمير المؤمنین ، ثُمَّ انصرف وفارق الحارث الدنيا (2).
ولله در من قال بالفارسية في هذا المعنی :
أيكة گفتي که من يمت برني *** جان فداي کلام دل جويت
کاش روزي هزار مرتبه من *** مرادمئ تا بديدمي رويت
ص: 280
وفي بعض المواضع : (أنه لما خرج من عنده أمير المؤمنين عليه السلام ، دخل عليه الشعبي الملعون - الَّذي هو رابع أربعة لم يؤمنوا بعلي - فسأله عن حاله فشرح له حديث أمير المؤمنين وما قال له ، فقال الشعبي : أما إنَّ حبَّه لا ينفعك ، وبغضَهُ لا يضرك) (1).
(هداية) : المنقول عن السيِّد المرتضى رحمه الله : (أنه أنكر حضور أمير المؤمنين عليه السلام حين سؤال النكيرين ؛ نظراً منه رحمه الله إلى القواعد الكلاميّة ، أوجبت له الشبهة في ذلك ، فاعترض بأنه إذا مات ألف مؤمن في لحظة واحدة فكيف السبيل؟
وقال : معنى أن المحتضر يري علي عليه السلام أنه يعلم صحَّة ولايته ، ويتحقق وجوب إمامته علماً ضرورياً ، والرؤيا هنا بمعنى العلم ، كقوله : ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ﴾ (2) ، أي : ألم تعلم ، انتهى ما نقل منه) (3).
ص: 281
ولا بد من التعرُّض لذكر ما يزيل هذه الشبهة والارتياب ، ويرفع لك الستر والحجاب ، فأقول : إن من المسلَّم عند الرياضيين تحديد سرعة الفلك الأعلى بمقَدْار ما يقول أحد : واحد ، يتحرك ألفاً وسبعمائة واثنين وثلاثين فرسخاً من مقعَّرِهِ ، أو ألفين وأربعمائة فرسخ على الخلاف ، والله أعلم بما يتحرك من محدَّبِهِ (1).
فالقادر على تحريك مثل هذا الجسم العظيم بهذه السرعة لقطع هذه المسافة ، هو القادر على تسيير إنسان واحد في آن واحد من المشرق إلى المغرب ، وإن المتشرعة تقول : إن الملك ليسير في طرفة عين ألف سنة.
وقال الدميري في (حياة الحيوان) في البراق - أعني الدابة التي ركبها سيّد المرسلين صلى الله عليه وآله ليلة المعراج - : (الصحيح أنه دابة دون البغل وفوق الحمار أبيض ، يضع خطوه عند أقصى طرفه ، ويؤخذ من هذا أنه أخذ من الأرض إلى السماء في خطوة وإلى السموات في سبع خطوات.
قال : وبه يرد على من استبعد من المتكلِّمين إحضار عرش بلقيس في لحظة واحدة ، وقال : إنه اُعدِمَ ثُمَّ أوجد ، وعلَّله بأن المسافة البعيدة لا يمكن قطعها في هذه اللَّحظة ، وهذا أوضح دلیل في الردَّ عليه) (2).
وروى الكليني والصدوق رحمهما الله ... وغيرهما ، في أخبار كادت أن تكون متواترة عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام : «أنه ما من مؤمن يموت إلّا ويحضره رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام فإذا رآهما استبشر» (3).
ص: 282
ولحسن بن سليمان الحِلّي تلميذ الشهيد رحمه الله كتاب سماه (المحتضر) - بالمهملة والضاد المعجمة - في تحقيق معاينة المحتضر النبيّ والأئمّة وقت الاحتضار ، وهو غير كتابه (المختصر) بالخاء المعجمة والصاد المهملة (1).
وفي (الخرائج) عن أبي الحسن موسی بن جعفر عليه السلام ، قال : «أعظم الناس ذنباً ، وأكثرهم إثماً على لسان محمّد صلى الله عليه وآله : الطاعن على عالم آلِ محمّد صلى الله عليه وآله ، والمكذّب ناطقهم ، والجاحد معجزاتهم».
ثمّ قال : «إن من أنكر المعجزات لعلي وأولاده الأحد عشر عليهم السلام مع إثباتها للنبي صلى الله عليه وآله فإنه جاهل بالقرآن ، وقَدْ أخبرنا الله سبحانه عن آصف بن برخیا وصي سليمان عما أتی به من المعجزات من عرش ملكة اليمن ، وكان سليمان يومئذ في بيت المقَدْس ، فقال وصيه هذا : ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ (2).
وارتداد الطرف لا يتوهم فيه ذهاب زمان ، ولا قطع مسافة ، وبين بيت المقَدْس والموضع الَّذي فيه العرش باليمن مسير خمسمائة فرسخ ذاهباً وخمسمائة فرسخ راجعاً فأتاه به من هذه المسافة قبل ارتداد الطرف (3).
فإذا كان آصف وصي سليمان عليه السلام بهذا المنزلة مع أنه ما كان يعلم إلّا
ص: 283
اسماً واحداً من الأسماء العظام ؛ فكيف بأمير المؤمنين عليه السلام الَّذي هو وصي محمّد صلى الله عليه وآله خاتم النبيين وكان يعلم اثنين وسبعين اسماً من الأسماء العظام ، بل هو الاسم الأعظم» (1).
وفي (الخرائج) أيضاً عن صفوان بن يحيى قال : «قال لي العبدي : قالت لي أهلي : قَدْ طال عهدنا بالصادق عليه السلام فلو حججنا وجدَّدنا به العهد.
فقلت لها : والله ما عندي شيء أحتجُّ به.
فقالت : عندنا كسوة وحُلِيّ ، فبع ذلك وتجهز به ، ففعلت ، فلمَّاصرنا قرب المدينة مرَضت مرضاً شديداً حَتَّى أشرفت على الموت ، فلمَّا دخلنا المدينة خرجت من عندها وأنا آيس منها فأتيت الصادق عليه السلام ، وعليه ثوبان ممصَّران ، فسلَّمت عليه ، فأجابني وسألني عنها ، فعرفته خبرها.
فقلت : إني خرجت منها وقَدْ آيست منها ، فأطرق ملياً ثُمَّ قال لي : يا عبدي أنت حزين بسببها؟ قلت : نعم.
قال : لا بأس عليها ، فقد دعوت الله لها بالعافية ، فارجع إليها فإنك تجدها قَدْ أفاقت وهي قاعدة ، والخادمة تلقمها الطبرزد (2).
ص: 284
قال : فخرجت إليها مبادراً فوجدتها قَدْ أفاقت وهي قاعدة والخادمة تلقمها الطبرزد ، فقلت : ما حالك؟ قالت : قَدْ صبّ الله عليَّ العافية صبّاً ، وقَدْ اشتهيت هذا السكر.
فقلت : قَدْ خرجت من عندك آيساً ، فقد سألتي الصادق عليه السلام عنك فأخبرته بحالك ، فقال : لا بأس عليها ، ارجع إليها فهي تأكل السكَّر.
قالت : خرجت من عندي وأنا أجود بنفسي ، فدخل رجل وعليه ثوبان ممصِّران. قال : مالك؟ قلت : أنا ميِّتة وهذا ملك الموت قَدْ جاء لقبض روحي.
فقال : يا ملك الموت؟ قال : لبَّيك أيُّها الإمام.
قال : ألست اُمرت بالسمع والطاعة لنا؟ قال : بلى.
قال : فإني آمرك أن تؤخّر أمرها عشرين سنة ، قال السمع والطاعة.
قال : فخرج هو وملك الموت من عندي فأفقت من ساعتي» (1).
وفي رجال ميرزا محمّد الكبير يسند عن حفص التمّار ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام أيام طلب المعلَّى بن خنيس ، فقال لي : «یا حفص! إني أمرت المعلَّى فخالفني فابتلى بالحديد ، إني نظرت إليه يوماً وهو كئيب حزين فقلت : يا معلَّى! كأنك ذكرت أهلك وعيالك؟ قال : أجل.
قلت : ادنُ منّي ، فدنا منّي فمسحت على وجهه ، فقلت : أين تراك؟ فقال : أراني في أهل بيتي ، وهذه زوجتي ، وهذا ولدي. قال : فتركته حَتَّى تملّى منهم
ص: 285
[واستترت منه] ، حَتَّى نال ما يقال الرجل من أهله ، ثُمَّ قلت : ادنُ منّي ، فدنا منّي ، فمسحت وجهه ، فقلت : أين تراك؟ فقال : أراني معك في المدينة.
قال : قلت : يا معلَّى! إن لنا حديثاً من حفظه علينا حفظه الله على دينه ودنياه ، يا معلَّى! لا تكونوا اُسراءَ في أيدي الناس بحديثنا ، إن شاءوا أمَنوا عليكم ، وإن شاؤوا قتلوكم ... الحديث» (1).
وفيه أيضاً نقلاً عن الكشي : «أنه وجد في كتاب محمّد بن شاذان بن نعيم بخطه ، رُوي عن حمران بن أعين ، أنه قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يحدِّث عن أبيه ، عن أبائه عليهم السلام : أنّ رجلاً كان من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام مريضاً شديد الحمّى ، فعاده الحسين بن علي عليه السلام ، فلمَّا دخل من باب الدار طارت الحمّى من الرجل. فقال له : قَدْ رضيت بما أوتيتم به حقاً حقاً ، والحمّى لتهرب منكم.
فقال عليه السلام : والله ما خلق الله شيئاً إلا أمره بالطاعة لنا ، يا كناسة! قال : فإذا نحن نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقول : لبيك.
قال : أليس أمرك أمير المؤمنين عليه السلام أن لا تقربي إلّا عدواً أو مذنباً ؛ لكي يكون كفارة لذنوبه؟ فما بال هذا؟ وكان الرجل المريض عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي» (2).
وفيه أيضاً في ترجمة زيد بن علي بن الحسين بن زید : روی محمّد بن علي ، قال : «أخبرني زيد بن علي بن الحسين بن زيد ، فقال : مرضت فدخل
ص: 286
الطبيب عليَّ ليلاً ، ووصف لي دواء آخذه في السَّحر كذا وكذا يوماً ، فلم يمكنّي تحصيله من الليل ، وخرج الطبيب من الباب ، وورد صاحب أبي الحسن عليه السلام في الحال ، ومعه صرَّة فيها ذلك الدواء بعينه ، فقال لي : أبو الحسن عليه السلام يقرئك السلام ، ويقول : خذ هذا الدواء كذا وكذا يوماً ، فأخذته ، فشربت وبرئت.
قال محمّد بن علي : فقال لي زيد بن علي : يا محمّد! أين الغلاة من هذا الحديث ، قاله المفيد في (الإرشاد)» ، انتهى (1).
ومن المسلّم عندنا أن إمامنا الجواد عليه السلام قام بأمر الإمامة وهو ابن ستّ سنين (2) ، وفي أوّل سنة إمامته حجّ بيت الله الحرام ، وقَدْ اجتمعت عليه الشيعة من الأطراف ؛ لأجل التشرُّف بخدمته ، وكان أكثرهم من الفضلاء المشهورين ، وفي ثلاثة أيام منى وردت عليه ثلاثون ألف مسألة كلامية وغير كلامية ، وأجاب عنها على نهج الحقّ بحيث حارت عقولهم ، فأقروا بفضله وإمامته (3).
والحجّة صلوات الله وسلامه عليه وعجل الله تعالى فرجه تلبّس بالإمامة وهو ابن خمس سنين أو أربع سنين أو ثلاث سنين.
ص: 287
وفي غيبته الصغرى كانت السُّفراء تتشرَّف بخدمته ، وتأخذ منه الأحكام ، وتظهر منه المعجزات ، ومن أوّل إمامته إلى آخر غيبته الصغرى أربعٌ وسبعون سنة ، وفي سنة 329 توفّي علي بن محمّد السيمري (1) ، فوقعت الغيبة الكبرى.
وبالجملة فالمستفاد من مجموع هذه الأخبار ، وسائر ما لم نذكره : أنه ينبغي أن نعتقَدْ في أئمّتنا عليهم السلام أن أجسامهم كأجسامنا ولا نقيس أطوارهم وأحوالهم بأنفسنا ، وما أحسن من قال :
کار باکان را قياس ازخود مگير ***گر چه با شد در نوشتن شير شبر
هست يك شيري کآدم ميخورد *** شير ديگر هست کآدم ميخورد
وفي الأخبار الكثيرة ما يدلّ على تفويض بعض الشرائع إليهم ، بمعنی كونهم نوّاباً عن الله تعالى فيه بحسب ما تقتضيه عقولهم المقَدْسة ، بل ربّما ظهر من كثير منها عموم التفويض حَتَّى من غير الشرائع أيضاً كما صحّ : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قسيم الجنة والنار (2) ، بل قاسم الأرزاق بين العباد ، كما ورد ذلك في بعض الملائكة أيضاً (3).
وليس هذا من التفويض الَّذي تقوله (المفوِّضة) لعنهم الله ، فإنّهم يقولون : (إنّ الله خلق محمّداً صلى الله عليه وآله وفوّض إليه أمر خلق الدنيا ، وهو الخلّاق لما فيها ، وبعض منهم يقول : فوّض ذلك إلى عليّ عليه السلام ، بل ربّما نَسب بعضهم ذلك إلى سائر الأئمّة أيضاً) (4).
ص: 288
وربّما اُشير إلى ما ذكرنا بما ورد في الحديث : أنّ أمرنا صعب مستصعب ، لا يحتمله إلّا عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ، ولا يعي حديثنا إلّا صدور أمينة ، وأحلام رزينة (1).
تنمية السيِّد رحمه الله الَّذي يقول : لا يمكن حلول جسم واحد في مكانين ترتفع حديث العبدي المتقَدْم ، وأمثال هذه الأحاديث المعتبرة كثيرة لا يسعها شرحنا.
هذا وإذا قال السيِّد رحمه الله إن ما ذكر في الأخبار كلّها معجزات لهم عليهم السلام.
قلنا : تعلُّق أرواحهم بأبدان متعددة ، أو تكوين أبدان متعددة في آن واحد أيضاً من معجزاتهم ، وقَدْ ذكرنا فيما تقَدْم في بحث (التنجيم) رواية (الخصال) عن علي بن الحسين عليه السلام وإخباره المنجّم بأنه عليه السلام قَدْ دخل أربعة عشر عالماً ولم يتحرَّك من مكانه (2).
وفي (الخرائج) أيضاً : أنه لما حضرت الولادة لخديجة دخل عليها ثلاث نسوة ، فارتاعت ، فقلن : لا تخافي ولا تحزني نحن رُسُلُ اللهِ إليك ، هذه : حواء أم البشر ، وهذه : مريم بنت عمران ، وأنا : آسيا بنت مزاحم؟ جئنا لنعينك على أمرك (3).
ص: 289
فأين كانت حواء ومریم وآسیا وهنَّ في أماكن شتّى ، وليس إلا ظهور الأرواح الإلهية في القوالب البرزخية.
وروى ابن طاووس رحمه الله : (أن رجلاً من أصحاب عمر بن سعد - لعنه الله - رأى في الليلة التي قُتل فيها الحسين عليه السلام : أن أبواب السماء فتحت ونزل رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه الملائكة حَتَّى نزل آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، فأين كان الأنبياء حَتَّى نزلوا بكربلاء (1) ، وقَدْ دفنوا في بقاع شتّى وأجسادهم مودعة في قبورهم إلى يوم القيامة).
وعن الحسن بن علي عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام قال له وللحسين : «إذا وضعتماني في الضريح فصليا عليَّ ركعتين قبل أن تهيلا عليَّ التراب وانظرا ما يكون.
فلمَّا وضعاه في الضريح وفعلا ما أمرهما ، فإذا الضريح مغطى بثوب من سندس ، فكشف الحسن عليه السلام ممَّا يلي الوجه فوجد : رسول الله صلى الله عليه وآله وآدم وإبراهيم يتحدثون مع أمير المؤمنين عليه السلام ، وكشف الحسين عليه السلام ممَّا يلي رجليه فوجد : الزهراء عليها السلام ومریم وحوّاء وآسيا ينحن على أمير المؤمنين ويندبنه» (2).
فأين كان محمّد صلى الله عليه وآله وإبراهيم في نجف الكوفة.
وروى ابن عبَّاس : «أن النبي صلى الله عليه وآله رأى علياً وفاطمة والحسن عليه السلام والحسين عليه السلام في السماء ، وسلّم عليهم وقَدْ فارقهم في الأرض» (3).
ص: 290
وهذه الصور بأسرها في العوالم المثالية التي تبقى بها الأرواح بعد خلع الأجساد العنصرية ، فإن كل ميّت مات فإنه لا يقوم بهذا الجسد إلّا يوم القيامة ويوم قيام القائم عليه السلام ، وقَدْ ورد بهذا المضمون جملة من الأخبار.
ورُوي في (الكافي) بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك ، يروون أنَّ أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش؟ فقال عليه السلام : «لا ، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير ، ولكن في أبدان كأبدانهم» (1).
قال خالنا العلامة المجلسي رحمه الله في الجزء الثالث من كتاب (مرآة العقول) في ما يقع على الإنسان بعد الموت في القبر وعالم البرزخ : (ثُمَّ تتعلق الروح بالأجساد المثالية اللطيفة الشبيهة بأجسام الجن والملائكة المضاهية في الصورة للأبدان الأصلية لسبب تعلق الروح بها ، كبيتٍ كان لرجل وخرج منه وخرب ، فإنَّ له تعلُّقاً ما بذلك البيت ويتألَّم بما يقع عليه.
وبذلك يستقیم جميع ما ورد في ثواب القبر وعذابه واتّساع القبر وضيقه ، وحركة الروح وطيرانه في الهواء ، وزيارته لأهله ، ورؤية الأئمة عليهم السلام بأشكالهم وصورهم ، ومشاهدة أعدائهم معذِّبين وسائر ما ورد في أمثال ذلك ، وهذا يتمُّ على تجسُّم الروح وتجرُّده) ، انتهى (2).
ص: 291
وقال عند بيان تعلُّق الروح بالأبدان المثالية عند شرح ما يتعلَّق برواية الكافي) المتقَدْمة ما لفظه - بعد حكمه بحسن الحديث - : ( ويدل على انتقال الأرواح بعد الموت إلى الأحساء المثالية وبه نستقيم كثير من الآيات والأخبار الواردة في أحوال الروح بعد البدن ، وقَدْ وردت به أخبار مستفيضة لا محيص عن القول به ، وليس هذا من التناسخ الباطل في شيء ؛ إذ التناسخ لم يتم دلیل عقلي علی امتناعه وأكثرها عليلة مدخولة ، ولو تمَّت أكثرها فيما نحن فيه كما لا يخفى على من تدبّر فيها ، والعمدة في نفيه : إجماع المسلمين وضرورة الدين ، ومعلوم أنَّ هذا غير داخل فيما انعقَدْ الإجماع والضرورة على نفيه ، كيف وقَدْ قال به كثير من المسلمین کشيخنا المفيد وغيره من المتكلِّمين والمحدِّثين بل لا يبعد القول بتعلَّق الروح بالأجساد المثالية عند النوم أيضاً كما يشهد به ما يرى في المنام ، وقَدْ وقع في الأخبار تشبیه حالة البرزخ وما يجري فيها بحالة الرؤيا وما يشاهد فيها) ، انتهى (1).
وقال شيخنا البهائي رحمه الله في شرح الأربعين : (قَدْ يتوهم أنّ القول بتعلق الأرواح بعد مفارقة أبدانها العنصرية بأشباح اُخَر كما دلَّت عليه الأحاديث قول بالتناسخ.
وهذا توهُّم سخيف ؛ لأنَّ التناسخ الَّذي أطبق المسلمون على بطلاته هو تعلّق الأرواح بعد خراب أجسادها بأجساد أخرى في هذا العالم ... وأمّا القول بتعلُّقها في عالم آخر بأبدان مثالية مدَّة البرزخ إلى أن تقوم قيامتها الكبرى ، فتعود إلى أبدانها
ص: 292
الأولية بإذن مبدعها إمّا بجمع أجزائها المتشتّتة ، أو بإيجادها من كتم العدم كما أنشأها أوّل مرة ، فليس من التناسخ في شيء) ، انتهى (1).
وقال الإمام الفخر الرازي في ما نقل عنه من كتابه (نهاية العقول) : (إنّ المسلمين يقولون بحدوث الأرواح وردها إلى الأبدان لا في هذا العالم ، والتناسخية يقولون : بقدمها وردها إليها في هذا العالم ، وينكرون الآخرة والجنَّة والنار ، وإنَّما كفروا من أجل هذا الإنكار) ، انتهى (2).
ولو أردنا أن نسرد عليك أمثال هذه العبارات من كتب المحقِّقين لطال عليك المقام ، وفيما أوردناه كفاية لما رمنا إثباته ، فاغتنم.
فلنرجع إلى ترجمة صاحب العنوان الَّذي هو المقصود بالبيان فنقول : وحسبه منقبة وفضلاً ما هو المنقول عن الشهيد الثاني في إجازته له من قوله رحمه الله : (إن الأخ في الله المصطفى في الأُخوَّة ، المختار في الدين ، والمترقّي عن حضيض التقليد إلى أوج اليقين ، الشيخ الإمام العالم الأوحد ذا النفس الطاهرة الزكية والهمة الباهرة العليَّة ، والأخلاق الزاهرة الإنسية ، عضد الإسلام والمسلمين ، عزّ الدنيا والدين : حسين ابن الشيخ الصالح ، العالم العامل ، المتقن المتفنن ، خلاصة الأخيار ، الشيخ عبد الصمد ابن الشيخ الإمام شمس الدين محمّد الشهير بالجبعي الحارثي الهمداني ، أسعد الله جَدَّه ، وجدَّد سعدَه وكَبتَ عدوَّه وضدَّه ، ووفَّقه للعروج على معارج العاملين وسلوك مسالك المتقين ممن انقطع بِكُلَيتِهِ إلى طلب المعالي ووصل يقظة الأيام
ص: 293
بإحياء الليالي ، حَتَّى أحرز نصب السبق في مجاری میدانه ، وحصل بفضله السبق على سائر أترابه وأقرانه ، وصرف برهة من زمانه في تحصيل هذا العلم ، وحصل منه على أكمل نصيب وأوفر سهم ، فقرأ على هذا الضعيف كتباً كثيرة في الفقه ، والأُصول ، والمنطق ... وغيرها إلى آخر ما قَدْ فصله فيها) (1).
وکان رحمه الله مطَّلعاً على التواریخ ، ماهراً في اللُّغات ، مستحضراً للنوادر والأمثال ، وكان رحمه الله ممن جدد قراءة كتب الأحاديث في بلاد العجم ، وله مؤلفات جليلة ورسائل جميلة منها : (شرح القواعد) ، و ( حاشية الإرشاد) لم يتم، و (شرح الألفية) لم يعمل مثله ، وكتاب (وصول الأخيار إلى اُصول الأخبار) و (درايته في الحديث) ، وكتاب (الأربعين) ، و (الرسالة الطهماسية في بعض المسائل الفقهية) ، ورسالتي (الرضاعية) و (الوسواسية) ، وله أيضاً (تعليقات) كثيرة على كتب الرياضي ، ورسالة سمّاها (تحفة أهل الإيمان في قبلة عراق العجم وخراسان) ردَّ فيها على الشيخ علي الكركي حيث أمرهم أن يجعلوا الجدي ما بين الكتفين وغيّر محاريب كثيرة ، سافر إلى خراسان ، وأقام بهراة ثُمَّ انتقل إلى البحرين فمات بها ودفن ، وكان تولده أوّل شهر محرم الحرام سنة 918 ووفاته سنة 984 ثامن ربيع الأول وعمره ستاً وستين سنة (2).
ومن نثره ما كتبه للشهيد الثاني في سفره لبلاد العجم ، وهي رسالة عجيبة في نهاية الحسن والبلاغة ، منها قوله : ولطالما كانت تصفح على نشوة الإقبال والقبول ، ويهزني مرة الوصول إلى المأمول ، فأترنم بأبيات يكشف عندها الهواء ،
ص: 294
وتقف لديها الأهواء وأثبتها في رسالتي هذه ليلثم شمسها ببدرها ، ويمتزج عذل زهرها بفوائض بحرها ، وتتشرف بنظرك ومجلسك الرحيب ، ويثبت لها قَدْم صدق عند كل لبيب ، وهي هذه :
ومرسِلِ صِدغٍ قَدْ دعا الناس للهوى *** جهاراً فآمنّا وإن لم يدع أمنَّا
أرانا هوى يولي هوانا لذي النهى *** ولم يولنا يمناً بيسرى ولا يمنى
وأسلَمَنا للموت عمداً ولم يَكُنْ *** ليحيي بالحُسنى وقَدْ ملك الحسنى
أقول وقَدْ أبدى من الشعر منطقاً *** بوعدٍ وما هنّا غرامي ولا هنّا
يُمنِّي بوصل لا يمنُّ ببذله *** بنفسي مَنْ منَّى زمانا ولا منَّا
نعِمْنا به لكِن مُنعْنا من المُنى *** وإذ صدَّ عنَّا قبلَ نيلِ المني عنَّا
وسل لدينا الموت إذ سلَّ جفنه *** فيا حُسْنَ ما سلّا ویا حُسْنَ ما سنّا
نسيمُ الهوى إن أنّ من لوعَةِ الهوى *** فلا تعجبوا أنّي أئِنُّ وقَدْ أنَّا
وليلُ الجفا والصدُّ جنّا وأظلما *** فلا بد إذْ جنّا لمثلي إذ جُنَّا
وأسقمنا ذاكَ الجفا بل أماتَنا *** فيا ليلتي عودي فإنْ عدتُما عُدنا
ويا قومَ لُبنى لا بَعدتُم فإنَّنا *** إلى قريِكُم اُبنا وإن بَعُدَت لبنى (1)
وله أيضاً من المؤلفات سوى ما ذُكِر : رسالة في (الرحلة) يذكر فيها وقائع ما اتفق له في أسفاره ، ورسالة في (مناظرته مع بعض علماء حلب) في مسألة الإمامة ، و (شرح آخر على ألفية الشهيد) كما عن (الرياض) (2) يناقش فيه مع
ص: 295
الشهيد الكركي ، ورسالة في (عينية الجمعة) ، ورسالة في (الاعتقادات الحقّة) وتعليقات له على (الصحيفة الكاملة) ، و (خلاصة الرجال) للعلَّامة ، وكثير من كتب الحديث والفقه ، وكتاب (الغرر والدرر) ، بل (ديوان شعر) كبير.
وأمّا زين الدين : فهو علي بن أحمد بن محمّد بن علي بن جمال الدین تقي بن صالح الجبعيّ ، العامليّ الشاميّ ، ويعرف بابن الحجّة ، المشتهر بالشهيد الثاني.
جلالة قدره أجل من أن يوصف ، روى عن جماعة كثيرة من الفريقين في الشام ومصر ، وبغداد وقسطنطينة ... وغيرها ، وآباؤه الكرام من الأعلام وكذلك أبناؤه الفخام.
وقد صنَّف تلميذه الشيخ محمّد بن علي بن الحسن العودي الجزّيني العاملي في أحوال شيخه وأستاذه تاريخاً سمّاه (بغية المريد من الكشف عن أحوال الشيخ زين الدين الشهيد) (1) ، وقال في مقدمته التي جعلها في وصفه بالكمال على الإطلاق ، وما اشتمل عليه من مكارم الأخلاق : حاز من خصال الكمال محاسنها ومآثرها ، وتردّي من أصنافها بأنواع مفاخرها ، كانت له نفس عليَّة تزهي بها الجوانح والضلوع ، وسجية سنيّة يفوح منها الفضل ويضوع ، كان شيخ الإمامية وفتاها ، ومبدأ الفضائل ومنتهاها.
ملك من العلوم زماما ، وجعل العكوف عليها إلزاما ، فأحيا رسمها وأعلى اسمها ، ولم يصرف لحظة من عمره إلا في اكتساب فضيلة ، ووزع أوقاته على ما
ص: 296
يعود على نفسه نفعه في اليوم والليلة ، أمّا النهار في تدريس ومطالعة وتصنيف ومراجعة ، وأمّا الليل قله فيه استعداد کامل لتحصيل ما يبتغيه من الفضائل.
هذا مع غاية اجتهاده في التوجّه إلى مولاه ، وقيامه بأوراد العبادة حَتَّى تكلَّ قدماه ، وهو مع ذلك قائم بالنظر في أحوال معيشته على أحسن نظام ، وقضاء حوائج المحتاجين بأتمَّ قیام ، يلقى الأضياف بوجه مسفر عن کرم کانسجام الأمطار [وبشاشة تكشف عن شمم كالنسيم المعطار] ، یکاد يبرح بالروح وترتاح إليه النفوس كالغصن المروح (1) ، إن رآه الناظر على اُسلوبٍ ظنَّ أنه ما يعاطي سواه ، ولم يعلم أنه بلغ من كل فنٍّ منتهاه ، ووصل منه إلى غاية أقصاه ، فجاء نظامه أرق من النسيم للعليل ، وآنق من الروض البليل.
أمّا الأدب فإليه كان منتهاه ، ورقي فيه حَتَّى بلغ سما سهاه ، وأمّا الفقه فقد كان قطب مداره وفلك شموسه (2) وأقماره ، وكأنه هوی نجم سعوده في داره.
وأمّا الحديث فقد مد فيه باعاً طويلا ، وذلل صعاب معانيه تذليلاً ، وشعشع القول فيه وروقه ، ومد في ميدان الإعجاز مطلقه ، حَتَّى صار نصب عينيه عياناً ، وجعل للسالكين في طرقه تبياناً ، أدأب نفسه في تصحيحه وإبرازه للناس حَتَّى فشا ، وجعل ورده في ذلك غالباً فيما بين المغرب والعشاء ، وما ذاك إلا لأنه ضبط أوقاته بتمامها ، وكانت هذه الفترة بغير ورد فزيّن الأوراد بختامها.
ص: 297
وأمّا المعقول فقد أتى فيه من الإبداع ما أراد وسبق فيه الأنداد والأفراد ، إن تكلم في علم الأوائل بهج الأذهان والألباب وولج منها كل باب.
وأمّا علوم القرآن العزيز وتفاسيره من البسيط والوجيز فقد حصل على فوائدها وحازها ، وعرف حقائقها ومجازها ، وعلم إطالتها وإيجازها.
وأمّا الهيئة والهندسة والحساب والميقات فقد كانت له فيها يد لا تقصر عن الآيات.
وأمّا السلوك والتصوف فقد كان له فيه تصرف وأي تصرف.
وبالجملة فهو عالم الأوان ومصنّفه ، ومقرظ البيان ومشنّفه ، بتآليف كأنَّها الخرائد ، وتصانيف أبهى من القلائد ، صنعها في فنون مختلفة وأنواع ، وأقطعها ما شاء من الإتقان والإبداع ، وسلك فيها مسلك المدقِّقين ، وهجر طريق المتشدِّقين ، إن نطق رأيت البيان متسرباً من لسانه ، وإن أحسن رأيت الإحسان منتسباً إلى إحسانه.
جدَّد شعائر السنن الحنيفية بعد إخلاقها ، وأصلح للأُمَّة ما فسد من أخلاقها ، وبه اقتدی من رام تحصيل الفضائل ، واهتدى بهداه من تحلَّى بالوصف الكامل ، عمّر مساجد الله وأشاد بنيانها ، ورتّب وظائف الطاعات فيها ، وعظَّم شأنها ، كم أمر بالمعروف ونهی عن المنكر؟ وكم أرشد من صلّى وصام وحجّ واعتمر؟
كان لأبواب الخيرات مفتاحاً ، ولظلمة عتمى الأُمَّة مصباحا ، منه تعلَّم الكرم کلُّ کريم ، وبه استشفى من الجهالة كلُّ سقيم ، واقتفى أثره في الاستقامة كلُّ مستقيم ، لم تأخذه في الله لومة لائم ، ولم يثن عزمه عن المجاهدة في تحصيل العلوم الصوارم ، أخلص لله أعماله فأثّرت في القلوب أقواله.
ص: 298
أعزّ ما صرف همّته فيه خدمة العلم وأهله ، فحاز الحظ الوافر لما توجَّه إليه بكلّه ، ولقد كان مع علو رتبته وسمو منزلته على غاية من التواضع ولين الجانب ، ويبذل جهده مع کل وارد في تحصيل ما يبتغيه من المطالب ، إذا اجتمع الأصحاب عدّ نفسه كواحد منهم ، ولم تمل نفسه التميُّز بشيء عنهم ، حَتَّى كأنه يتعرض إلى ما يقتضيه الحال من الاشتغال من غير نظر إلى حال من الأحوال ، ولا ارتقاب لمن يباشر عنه ما يحتاج إليه من الأعمال
ولقد شاهدت منه سنة ورودي إلى خدمته أنه كان ينقل الحطب على حمار في الليل لعياله ، ويصلّي الصبح في المسجد ، ويشتغل بالتدريس بقية نهاره ، فلمَّا أشعرت منه بذلك كنت أذهب معه بغير اختياره ، وكنت استفيد من فضائله ، وأرى من حسن شمائله ما يجعلني على حبّ ملازمته ، وعدم مفارقته.
وكان يصلّي العشاء جماعة ، ويذهب لحفظ الكرم ، ويصلّي الصبح في المسجد ، ويجلس للتدريس والبحث كالبحر الزاخر ، ويأتي بمباحث يعجز عنها الأوائل والأواخر.
ولعمري قَدْ اشتمل على فضيلة جميلة ومنقبة جليلة ، تفرَّد بها عن أبناء جنسه ، وحباه الله بها تزكية لنفسه ، وهي : أنه من المعلوم البيّن أنّ العلماء (رحمهم الله) لم يقدروا على أن يروّجوا اُمور العلم ، وينظّموا أحواله ، ويفرغوه في قالب التصنيف والترصيف ، حَتَّى يتفق لهم من يقوم بجميع المهمات ويكفيهم كل ما يحتاجون من التعلُّقات ، ويقطع عنهم جميع العلائق ، ويزيل عنهم جميع الموانع والعوائق : إمّا من ذي سلطان يسخره الله لهم ، أوذي مروَّة وأهل خير يُلقي الله في قلبه قضاء مهمّاتهم ؛ لِئلّا يحصل الإخلال باللطف العظيم ، ويتعطل السلوك إلى
ص: 299
المنهج القويم ، ومع ذلك كانوا في راحة من الخوف بالأمان ، وفي دعة من حوادث الزَّمان ، ولكل منهم وکلاء قوامون بمصالح معيشتهم ونظام دنیاهم ، بحيث لا يعرفون إلاّ العلم وممارسته ، ولم يبرز عنهم من المصنفات في الزَّمان الطويل إلا القليل ، ومن التحقيقات إلّا اليسير ، وإن كان بعضهم خارجاً عمّا ذكرنا ، فلا غرو مع ما كان فيه من تمام التوفيق الموصل إلى غاية مدارك التحقيق.
وكان شيخنا المذكور - روَّح الله روحه - مع ما عرفت ، يتعاطى جميع مهماته بقلبه وبدنه ، حَتَّى لو لم تكن إلّا مهمّات الواردين عليه ومصالح الضيوف المتردّدين إليه ، مضافا إلى القيام بأحوال الأهل والعيال ونظام المعيشة ، وإتقان أسبابها من غير وكيل ولا مساعد يقوم بها ، حَتَّى أنه ما كان يعجبه تدابير أحد في اُموره ، ولا يقع على خاطره ترتیب مرتّب لقصوره عمّا في ضميره.
ومع ذلك كلّه فقد كان غالب الزَّمان في الخوف الموجب لإتلاف النفس والتستر والاختفاء الَّذي لا يسع الإنسان معه أن يفكّر في مسألة من الضروريات البديهية ، ولا يحسن أن يعلّق شيئاً يقف عليه من بعده من ذوي الفطن النبيهة.
وسيأتي - إن شاء الله - في عدّ تصانيفه ما ظهر عنه في زمن الخوف من غزارة العلوم المشبهة بنفائس الجوهر المنظوم ، وقد برز عنه مع ذلك من التصنيفات والأبحاث والتحقيقات والكتابات والتعليقات ما هو ناشٍ عن عين فکر صافٍ ، وغارف من بحار علم وافٍ ، بحيث إذا فكّر مِنْ تفكَّر في الجمع بين هذا وبين ما ذكرنا تحيّر ، وهذه فضيلة يشهد له بها كلُّ من كان له به أدنى مخالطة ، ولا يمكن لأحد فيها مغالطة.
ص: 300
ومن الشاهد الواضح البيّن أنَّ الواحد منّا مع قلّة موانعه وتعلُّقاته ، وتوفر دواعيه وأوقاته ، لو بذل الجهد في استقصاء كتابة مصنفاته وما برز من تحقيقاته رأينا أحداً من أصحابه استقصاها ولا بلغ منتهاها ، وكفاه بذلك نبلا [وفخراً].
انتهى ما أردنا نقله من عبارة الرسالة للشيخ محمّد العودي ، ولقَدْ آثرنا نقلها بطولها ؛ رعاية لحقّ صاحب العنوان ، ورجاء أن يقتدي به علماء أبناء زماننا (1).
ونقل المجلسيّ الأول في (حديقة المتقین) : (أنه ربَّما اضطر إلى الصلاة الإيجارية فكانت أجرته في السنة ما يساوي بحساب هذه الأيام أربع قرانات أو أقل) (2).
وأمّا شكله فقد كان ربعة من الرجال في القامة معتدل الهامة ، وفي آخر أمره كان إلى السمن أميل ، بوجه صبح مدور ، وشعر بسط يميل إلى الشقرة مع ما هو من سواد العين والحاجبين ، وكان له خال على أحد خديه ، وآخر على أحد جبينيه ، وبياض اللون ولطافة الجسم ، عبل الذراعين والساقين ، وكأن أصابع يديه أقلام فضة ، إذا نظر الناظر في وجهه وسمع عذوبة لفظه لم تسمح نفسه بمفارقته ، وتسلَّى عن كل شيء بمخاطبته ، تمتلئ العيون من مهابته ، وتبتهج القلوب لجلالته ، وأيم الله إنه لفوق ما وصفت ، وقد اشتمل من حميد الخصال على أكثر ممَّا ذكرت (3).
ص: 301
كان مولده الشريف في يوم الثلاثاء الثالث عشر من شهر شوال سنة 911 ، اشتغل بعد فراغه من قراءة القرآن العزيز بالهاون العربية والفقه على والده ، إلى أن توفّي في العشر الأواسط من شهر رجب يوم الخميس سنة 925 ، وكان من جملة ما قرأ عليه من كتب الفقه : (مختصر الشرائع) ، و (اللمعة الدمشقية).
فارتحل في تلك السنة مهاجراً إلى (مس) (1) في طلب العلم ، فاشتغل على شيخنا الجليل الشيخ علي بن عبد العالي ، ثُمَّ انتقل إلى (كرك نوح عليه السلام) - و (كرك) كلمة سريانية معناها الحصن ، يقولون إن بها قبر نوح وهو الآن يزار ، وطول القبر زهاء أربعين ذراعاً ، وبناه الملك الظاهر (البندر قدار) من بلاد جبل عامل خرج منها كثير من علماء الشيعة - وقرأ بها على السيِّد حسن ابن السيِّد جعفر المتوفّى في السادس من شهر رمضان سنة 933 جملة من الفنون ، وكان ممَّا قرأ عليه : (قواعد المرام في علم الكلام) للشيخ ميثم البحراني ، و (تهذيب العلَّامة في الأُصول) ، و (العمدة الجليِّة في الأُصول الفقهية) من مصنّفات السيِّد [حسن ابن السيِّد] (2) جعفر المذكور ، و (الكافية في النحو).
ثُمَّ ارتحل إلى دمشق ، واشتعل بها على الشيخ الفاضل المحقِّق الفيلسوف : شمس الدین محمّد بن مكي (3) ، المتوفّى سنة 938 في شهر جمادى الأُولی ، فقرأ عليه من كتب الطب (شرح الموجز النفسي) ، و (غاية القصد في معرفة الفصد) من مصنّفات الشيخ المذكور ، و (فصول الفرغاني في الهيئة) ، وبعض (حكمة
ص: 302
إشراق العين) للسهروردي - أعني : الشيخ أبا حفص عمر بن محمّد المتوفّى في شهر محرَّم الحرام سنة 633 - وقرأ في تلك المدّة بها على المرحوم الشيخ أحمد بن جابر (الشاطبية) في علم القراءات ، وقرأ القرآن بقراءة نافع ، وابن کثیر ، وأبي عمرو ، وعاصم.
ثُمَّ رجع إلى (جبع) سنة 938 ، ثُمَّ ارتحل إلى مصر في أول سنة 942 لتحصیل ما أمكن من العلوم ، واجتمع هناك بالشيخ شمس الدين بن طولون الدمشقي الحنفيّ وقرأ عليه جملة من الصحيحين ، وأجازه في روايتهما مع ما يجوز له روايته.
ثُمَّ ارتحل من مصر إلى الحجاز في السابع عشر من شهر شوال سنة 943 ورجع إلى وطنه الأول بعد قضاء الواجب من الحج والعمرة والتمتُّع ، وزيارة النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه.
وكان قدس سره قد رأى النبي صلى الله عليه وآله في منامه بمصر ووعده بالخير ، فلمَّا وقف على القبر المقدّس وزاره خاطبه وأنشده :
صلاةٌ وتسليمٌ على أشرفِ الورى *** ومَنْ فضلُهُ ينبو عن الحدِّ والحصرِ
ومَنْ قَدْ رقى السبعَ الطباقَ بنعلِهِ *** وعوَّضَهُ اللهُ البراقَ عنِ المُهرِ
وخاطَبهُ اللهُ العليُّ بحبِّهِ *** شِفاهاً ولم يحصل لعبد ولا حُرِّ
عُدولِيَ عن تعدادِ فضلِكَ لائِقٌ *** يَكِلُّ لساني عنهُ في النُّظمِ والنَّثرِ
وماذا تقولُ الناسُ في مدحِ مَنْ أتَتْ *** مدائِحُهُ الغرَّاءُ في مُحكَمِ الذكرِ
سَعَيْتُ إليه عاجِلاً سعيَ عاجزٍ *** بعبء ذُوبٍ جمَّةٍ أثقلَتْ ظَهري
ولكنَّ ريحَ الشَّوقِ حرَّك همَّتي *** وروحُ الرَّجا مَعْ ضعفِ نفسي ومَعْ فقري
ص: 303
ومن عادَةِ العُربِ الكرامِ بِوَفدِهِمْ *** إعادَتُهُ بالخيرِ والجبرِ والسوفرِ
وإنْ يكُ وفدٌ قَدْ زَفَوا لِنزيلِهِم *** فكيفَ وقَدْ أوعدتَني الخيرَ في مصرِ
فَحقَّق رجائي سيِّدي في زيارتي *** بِنَيلِ مُنائي والشفاعَةِ في حَشري
ثم رجع من زيارة النبي صلى الله عليه وآله ووصل إلى (جبع) في الرابع عشر من شهر صفة سنة 944 ، ثُمَّ عمَّر داره التي أنشأها بجبع ومدحها الشيخ محمّد العودي المتقدَّم الذكر رحمه الله :
فيالكِ بقعةً قَدْ نِلتِ خَيراً *** وشرَّفَكِ الإلهُ بِمَن وطيكِ
لقد أصبحتِ تفتخرينَ بُشراً *** بزينِ الدين إذْ قَدْ حَلَّ فيكِ
فكيف ولا افتخارَ وصرتِ ظرفاً *** ونبعُ العلمِ من مسكوبٌ بِفيكِ
تُمنَّى الواردون بأن يكونوا *** مكانكِ في سِمار مُسامِريكِ
لينتفعوا غرائبَ كلِّ فنٍّ *** من الأقطارِ قَدْ جُمِّعْنَ فيكِ
فلا زالَ السُّرورُ بكلِّ يومٍ *** يخاطِبُ بالتحيَّةِ ساكنيكِ
ومن شعر صاحب العنوان رحمه الله :
لقد جاءَ في القرآنِ أيةُ حِكمَةً *** تدمَّرُ آياتِ الضَّلالِ ومَنْ يجبرْ
وتخبُر أنَّ الاختيارَ بأيدينا *** فمَنْ شاءَ فليُؤمِنْ ومَنْ شاءَ فَليَكْفُرْ (1)
وأمّا مصنفاته رحمه الله ، وما أفاده من التحقيقات :
ص: 304
فشرحه على (الإرشاد) (1) الموسوم ب-(روض الجنان) خرج منه مجلَّد ضخم ، كتاب (الطهارة والصلاة) وهو أوّل ما برز منه ، و (المقاصد العليّة في شرح الألفيّة) ، و (حاشية) وسطی عليها ، واُخرى مختصرة - تكتب على الهامش لتقييد الفتوى ، وغالب العبارات - و (شرح النقليّة).
و (الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة) مجلَّدان ، قال الشيخ عليّ الحفيد في (الدرّ المنثور) : كتب في أوّل المجلد الأوّل ابتداء تصنيفه ، ومع تاريخه في آخره تكون مدّة ذلك ثلاثة أشهر وأيّاماً.
و (مسالك الإفهام في شرح شرائع الإسلام) قَدْ حوى دورة الفقه تماماً ، و (تمهيد القواعد الأُصوليّة والعربيّة لتفريع الأحكام الشرعية) سلك فيه مسلكاً بديعاً ، ومنهجاً غريباً ما سبق إليه أحد ، رتّبه على قسمين :
أحدهما : في تحقيق القواعد الأُصوليّة وتفريع ما يلزمها من الأحكام الفرعيّة.
والثاني : في تقرير المطالب العربيّة ، وترتيب ما يناسبها من الفروع الشرعيّة ، واختار من كلّ قسم منها مائة قاعدة متفرقة من أبواب مضافة إلى مقدِّمات وفوائد ومسائل لا نظير لها في ردَّ الفروع إلى الأُصول ، ووضَعَ له فهرساً مشتملاً على جدول لطيف تستخرج منه المطالب.
و (حاشية على قطعة من عقود الإرشاد) مشتملة على تحقيقات مهمّة.
ص: 305
و (حاشية على قواعد العلَّامة إلى آخر کتاب التجارة) ، و (منية المريد آداب المفيد والمستفيد).
و (حاشية مختصرة على الشرائع) تشتمل على فتوى خلافيات الشرائع.
وحاشية على المختصر النافع.
ورسالة في أسرار الصلاة.
ورسالة في أحكام نجاسة البئر بالملاقاة وعدمها ، جمع فيها الأقوال ، وحرِّر فيها الحال.
ورسالة فيما إذا تيقن بالطهارة والحدث وشك في السابق منهما.
رسالة في حكم حدث المجنب في أثناء غسل الجنابة حدثاً أصغرَ.
ورسالة في تحريم الطلاق للحائض الحامل الحاضر زوجها عندها المدخول بها.
ورسالة صلاة الجمعة في زمان الغيبة.
ورسالة أخرى في الحث على صلاة الجمعة ، ورسالة نفيسة في حكم المسافر إذا نوى إقامة عشرة أيام ، وإذا خرج ناوي العشرة إلى ما دون المسافة ، سمّاها (نتائج الأفكار في حُكمِ المقيمين في الأسفار).
و (مناسك الحج والعمرة) ، ورسالة لطيفة في نيّتهما.
ورسالة في ميراث الزوجة غير ذات الولد.
ورسالة في أجوبة ثلاث مسائل لبعض الأفاضل : إحداها في شخص على بدنه مني واغتسل في ماء كثير ، والثانية في قطعة جلدة منفصلة عن بدن الإنسان ،
ص: 306
والثالثة : في شخص مرض مرضاً بالغاً أراد الوصية فعرض عليه بعض أصحابه أن يجعل عشرين توماناً من ماله خمساً ، فقال : اجعلوا.
ورسالة في عشرة مباحث في عشرة علوم صنَّفها في اصطنبول ، وعقد في كل مبحث إشكالاً لا ينحل.
ورسالة مسكّن الفؤاد في فقد الأحبة والأولاد ، ورسالة في الغيبة.
ورسالة في عدم جواز تقليد الأموات ، صنّفها برسم الفاضل المرحوم السيِّد حسین بن أبي الحسن جدّ صاحب (المدارك) قدس سرهم.
ورسالة البداية في علم الدراية وشرحها.
وکتاب غنية القاصدين في معرفة اصطلاح المحدِّثين.
وکتاب الرجال والنسب.
وکتاب منار القاصدين في أسرار معالم الدين.
ورسالة في الدنيا مزرعة الآخرة.
وكتاب في تحقيق الكفر والإيمان.
ورسالة في تحقيق النيِّة.
ورسالة في الولاية وأنَّ الصلاة لا تقبل إلّا بها ، وذكرها في شرح الإرشاد.
ورسالة في طلاق الغائب.
ورسالة في المختار من مواضع الخلاف من اللُّمعة.
ورسالة في تحقيق الإجماع.
وكتاب الإجازات حاشية على الإرشاد إلى آخره.
ومنظومة في النحو وشرحها ، ورسالة في شرح (بسم الله الرحمن الرحيم).
ص: 307
وسؤالات الشيخ زين الدين وأجوبتها
وسؤالات الشيخ أحمد.
وفتاوى الإرشاد
وبغية المريد مختصر منية المريد.
ومبرّد الأكباد مختصر مسكّن الفؤاد.
ومختصر الخلاصة.
وفتاوى المختصر.
رسالة في تحقيق قوله تعالى : ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ﴾ (1).
رسالة في تحقيق العدالة.
وجواب المباحث النَّجفية.
وجواب المسائل الهندية.
وجواب المسائل الشامية.
الرسالة الاصطنبولية في الواجبات العينية.
البداية في سبيل الهداية.
فوائد خلاصة الرجال.
رسالة في دعوى الإجماع في مسائل من الشيخ الطوسي ومخالفة نفسه.
قال الشيخ علي الحفيد : وسمعت من بعض مشايخنا أنَّ مصنفاته بلغت ستين مصنفاً.
ص: 308
قال : ورأيت بخط جدّي المرور الشيخ حسن قدس سره ما صورته : تولّد الوالد (قدّس الله نفسه) في يوم الثلاثاء في الثالث عشر من شوال سنة 911 ، واستشهد في سنة 995 ، انتهی.
وللشيخ بهاء الدين قدس سره تاريخ لوفاته ، وهو قوله رحمه الله :
تاريخُ وفاةِ ذلكَ الأوّاهِ *** الجئنَّةُ مستقرُّهُ واللهِ (1)
وقال في (لؤلؤة البحرين) : (وجدت في بعض الكتب المعتمدة في حكاية قتله رحمه الله ما صورته : قبض شيخنا الشهيد الثاني رحمه الله بمكّة المشرِّفة بأمر السلطان سلیم ، ملك الروم ، في خامس شهر ربيع الأول سنة 965 ، وكان القبض عليه بالمسجد الحرام بعد فراغه من صلاة العصر ، وأخرجوه إلى بعض دور مكّة ، وبقي محبوساً هناك شهراً وعشرة أيام ، ثُمَّ ساروا به على طريق البحر إلى قسطنطين ، وقتلوه بها في تلك السَّنة ،
وبقي مطروحاً ثلاثة أيام ثُمَّ ألقوا جسده الشريف في البحر) ، انتهي (2).
وفي أجوبة مسائل السيِّد حسين بن شدقم الحسيني المدني من الشيخ حسین والد الشيخ البهائي رحمهم الله : (ما يقول مولانا فيما يروى عن الشهيد الثاني أنه مرّ بموضع في اصطنبول ومولانا الشيخ معه ، فقال : يوشك أن يقتل في هذا الموضع رجل له شأن ، أو قال شيئاً قريباً من هذا المعنى ، ثُمَّ استشهد رحمه الله في ذلك الموضع ، ولا ريب أنَّ هذه من كراماته رحمه الله.
ص: 309
الجواب : نعم ، هكذا وقع له قدَّس الله روحه ، وكان الخطاب للفقير ، وبلغنا أنه استشهد في ذلك الموضع ، وذلك ما كشف لنفسه الزكية ، حشره الله مع الأئمة الطاهرین عليهم السلام) (1).
وقال السيِّد الجزائري رحمه الله في (مقامات النجاة) : (إنه كان يقرأ في سطور دمه من يعرف حاله ورسمه : الله ، الله. فبنوا عليه بناء خارج اسطنبول يسمى (میرزا زین الدين)) (2).
وفي (الأمل) : (وكان سبب قتله - على ما سمعته من بعض المشايخ ورأيته بخط بعضهم - أنه ترافع إليه رجلان فحكم لأحدهما على الآخر ، فغضب المحكوم عليه وذهب إلى قاضي صيدا واسمه معروف ، وكان الشيخ مشغولاً في تلك الأيام بتألیف شرح اللمعة ، فأرسل القاضي إلى (جبع) من يطلبه ، وكان مقيماً في کرم له مدة منفرداً عن الناس ، متفرّغاً للتأليف.
فقال له بعض أهل البلد : قَدْ سافر عنّا منذ مدة عديدة - وفي رواية كتب فيما أرسله إليه : أيُّها الكلب الرافضي. فكتب إليه الشيخ في جوابه : إنَّ الكلب معروف (3) - فكتب القاضي إلى سلطان الروم : أنه وجد ببلاد الشام رجلاً مبدعاً خارجاً عن المذاهب الأربعة ، فأرسل السلطان رجلاً في طلب الشيخ ، وقال له : ايتني به حياً أجمع بينه وبين علماء بلادي فيطلعوا على مذهبه ، ويخبروني فأحكم عليه بما يقتضيه مذهبي.
ص: 310
فجاء الرجل فاُخبر أنّ الشيخ توجَّه إلى مكة ، فذهب في طلبه فاجتمع به في طريق مكة ، فقال له : تكون معي حَتَّى نحجَّ بیت الله ثُمَّ افعل ما تريد ، فرضي بذلك.
فلمَّا فرغ من الحجّ سافر معه إلى بلاد الروم ، فوصل قسطنطين ، رآه رجل فسأله عن الشيخ ، فقال : هذا رجل من علماء الشيعة ، أريد أن اُوصله إلى السلطان. فقال : أو ما تخاف أن يخبر السلطان بأنّك قَدْ قصرت في خدمته وآذيته وله هناك أصحاب يساعدونه ، فيكون سببة لهلاكك؟ بل الرأي أن تقتله وتأخذ برأسه إلى السلطان ، فقتله في مكانه من ساحل البحر.
وكان هناك جماعة من التركمان فرأوا في تلك الليلة أنواراً تنزل من السَّماء وتصعد ، فدفنوه هناك وبنوا عليه قُبَّة.
وأخذ الرجل رأسه إلى السلطان فأنكر عليه ، وقال : إني أمرتك أن تأتيني به حيّاً فقتلته؟
وسعى عبد الرحيم العبَّاسي في قتل ذلك الرجل ، فقتله السلطان) ، انتهى (1).
وعبد الرحيم هو ابن السيِّد عبد الرحمن ابن السيِّد أحمد العبَّاسي ، العبادي ، الشافعي ، المتوفّى سنة 963 ، صاحب كتاب (معاهد التنصيص في شواهد التلخیص).
وأمّا الشيخ علي بن عبد العال ، فهو نور الدين علي بن عبد العالي الميسي العاملي ، زوج خالة الشهيد الثاني ، ووالد زوجته الكبرى.
ص: 311
قال الشهيد في إجازته الكبيرة بعد عدّ مؤلّفات الشهيد الأول : (فإنّي أرويها عن عدّة مشايخ بطرق عديدة أعلاها سنداً عن شيخنا الإمام الأعظم ، بل الوالد المعظَّم ، شیخ فضلاء الزَّمان ومربّي العلماء الأعيان ، الشيخ الجليل الواعظ المحقِّق ، العابد الزاهد الورع التقي ، نور الدين علي بن عبد العالي الميسي العاملي) (1).
وفي (الأمل) : (له (شرح صيغ العقود والإيقاعات) ، و (شرح الجعفرية) ورسائل متعددة) (2).
وعن (ریاض العلماء) : (رأيت بِهَراة بخط الشيخ حسين بن عبد الصمد ، والد الشيخ البهائي في مجموعة هكذا : توفّي شيخنا الإمام العلَّامة التقي الورع : الشيخ علي بن عبد العالي الميسي أعلى الله نفسه الزكية ، ليلة الأربعاء عند انتصاف الليل ، ودخل قبره الشريف بجبل صديق النبي ، ليلة الخميس ، الخامس - أو السادس - والعشرين من شهر جمادى الأولى سنة 938.
وظهرت له کرامات كثيرة قبل موته وبعده ، وهو ممَّن عاصرته وشاهدته ، ولم أقرأ عليه شيئاً ؛ لانقطاعه وكبره.
وهو يروي عن جماعة من المشايخ العظام :
الأول : محمّد بن محمّد بن داود المؤذّن العاملي الجزّيني.
الثاني : الشيخ محمّد بن أحمد الصهيوني العاملي ، الفاضل ، العالم ، الورع ، المحقِّق الثالث. - والمحقِّق الثاني : علي بن عبد العالي الكركيّ - وله إجازة منه ، وفيها عند ذكره : سیّدنا الشيخ الأجل ، العالم ، الفاضل الكامل ، علّامة العلماء ، ومرجع الفضلاء ، جامع الكمالات النفسانية ، حاوي محاسن الصفات الكاملة العليَّة ، متنسم
ص: 312
ذری المعالي بفضائله الباهرة ، ممتطي صهوات المجد بمناقبه السنيّة الزاهرة ، زین الملة والحقّ والدين ، أبي القاسم علي ابن المبرور المرحوم المقدّس المتوّج المحبور ، الشيخ الأجل ، العالم الكامل ، تاج الحق والدين : عبد العالي الميسي ، أدام الله تعالی میامن أنفاسه الزكية بين الأنام ، وأعاد على المسلمين من بركات علومه الشافية) ، انتهى (1).
والميسي : نسبة إلى ميس بكسر الميم ، ثُمَّ الياء المثناة من تحت ، إحدى قرى جبل عامل.
ويجدر أن نذكر ترجمة المجيز رحمه الله فهو : نور الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن عبد العالي ، العاملي الكركي ، الملقّب تارة بالشيخ العلائي ، واُخرى بالمحقِّق الثاني ، أجلّ من أن يوصف ويمدح.
وكان صاحب الجواهر رحمه الله يقول : (من كان عنده (جامع المقاصد) ، و (الوسائل) ، و (الجواهر) - يعني مؤلّفه - لا يحتاج بعده إلى كتاب آخر للخروج عن عهدة الفحص الواجب على الفقيه في آحاد المسائل الفرعية) (2).
سافر أوائل أمره إلى بلاد مصر ، وأخذ من علمائها بعد الأخذ من علماء الشام ، وسافر إلى العراق وأقام بها زماناً طويلاً ، ثُمَّ سافر إلى بلاد العجم ، في زمن سلطنة الشاه إسماعيل سنة غلبة السلطان علی شاه بيك خان ، ملك الأزبك ، وذلك بعد ظهور دولته بعشر سنين.
ص: 313
وبعد دخوله هراة دخل عليه الشيخ بها واتّصل بصحبته ، وكان المولى سيف الدين أحمد بن یحیی این محمّد بن المولى سعد الدين التفتازاني المعروف - يومئذ - شيخ الإسلام بها ، وكان في جملة من علماء السنة الَّذين جمعوا في دار الامارة بهراة لتعيين المنزل لحضرة الشاه إسماعيل الماضي الصفوي يوم وصل خبر فتحة إلى هراة ، وغلبته على شاه بيك خان ملك الأزبك وقهره وقتله.
ثم إن الشاه إسماعيل أمر بقتل المولى سيف الدين المذكور لأجل تعصُّبه في مذهب التسنُّن فقُتل سنة 916.
وقد دخل هراة خاتم المجتهدين ، الشيخ علي بن عبد العالي الكركي ، واعترض عليهم في قتلهم إيّاه ، وخطَّأهم في ذلك ، وقال : لو لم يقتل لأمكن أن يتم عليه الحجج العقلية والنقلية ، بحقِّية مذهب الإمامية ، وبطلان مذهب التسنُّن ، ويذعن الإلزامه جميع أهل ما وراء النهر ، وخراسان بحقّية مذهب الشيعة الإثني عشرية ؛ ولذلك كان الشيخ المذكور متأسِّفاً دائماً (1).
وبالجملة ، وكانت له عند السلطان المذكور ، وعند السلطان الشاه طهماسب منزلة عظيمة ، وعين له وظائف وإدارات كثيرة ببلاد العراق العربية ، وجعله حاكماً في الأُمور الشرعية لجميع بلاد إيران ، وأعطاء بذلك حكماً وكتاباً يقضي منه العجب (2).
ص: 314
وفي الرياض العلماء : (أنَّ بعدد الخواجة نصير الدين في الحقيقة لم يسع أحد أزيد ممَّا سعى الشيخ علي الكركي هذا في إعلاء أعلام المذهب الحقّ الجعفري ، ودين الأئمّة الإثني عشرية.
وكانت النه في منح الفَجَرة والفَسَقة وزجرهم ، وقلع قوانين المبتدعة ومنعها ، وفي إزالة الفجور والمنكرات ، وإراقة الخمور والمسكرات ، وإجراء الحدود والتعزیرات ، وإقامة الفرائض والواجبات ، والمحافظة على الجمعة والجماعات ، وبيان أحكام الصيام والصلوات ، والفحص عن أحوال الأئمة والمؤذّنين ، ودفع شرور المفسدين والمؤذين ، وزجر مرتكبي الفسوق والفجور - حسب المقدور - مساعٍ جميلة ، ورغّب عامَّة العوام في تعلّم الشرائح وأحكام الإسلام ، وكلّفهم بها ) ، انتهى (1).
وفي التاريخ الفارسي المرسوم ب-(جهان آرا في أحوال الصفوية) : (أنه رحمه الله مات في مشهد علي عليه السلام ، في الثامن عشر من شهر ذي الحجّة ، وهو يوم الغدیر سنة 940 ﻫ في زمن السلطان شاه طهماسب) (2).
وقال الشيخ محمّد العودي : (وهذا الشيخ - يعني المحقِّق المذكور - یروي عنه شيخنا بواسطة ، توفّي مسموماً في الثاني عشر من ذي الحجة الحرام سنة 940 ، وهو في الغرب على مشرَّفهِ السلام) (3).
وعن (رياض العلماء) بعد نقل جملة من الألقاب : (الشهداء الثلاثة هم علی المشهور : الشيخ محمّد بن مكي الشهيد الأول ، والشيخ زين الدين الشهيد الثاني ، والمولى عبد الله الخراساني الشهيد ببخارى.
ص: 315
وباصطلاح والد الشيخ البهائي : هما الأولان مع الشيخ علي بن عبد العالي الكركي) ، انتهى (1).
وقال الشيخ يحيى البحراني في (رسالة مشايخ الشيعة) بعد الثناء عليه وعدّ مصنفاته : (وقد لازمته مدة من الزَّمان ، وبرهة من الأحيان ، فاستفدت من لطائف أنفاسه ، وأخذت من غرائب أغراسه ، أسكنه الله تعالى بحبوحات الجنان ، بمحمّد سيِّد بني عدنان ، وآله المعصومين اُولي العرفان. وشيخه علي بن هلال الجزائري المذكور ، مات بالغري من نجف الكوفة سنة 937 ، وله من العمر ما ينيف على السبعين) (2).
والغرض من هذه الإطالة الردّ على صاحب الروضات ، حيث أنكر شهادة المحقِّق المزبور مستدلاً بعدم نقل ذلك من أحد (3).
ومصنفاته مشهورة منها : (جامع المقاصد) شرح قواعد العلامة إلى بحث التفويض من النكاح.
ومنها : (الرسالة الجعفرية).
ومنها : (رسالة الرضاع).
ومنها : (رسالة الخراجية).
ورسالة الأراضي المندرسة).
و (رسالة صيغ العقود).
والرسالة المسمّاة ب-(نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت).
ص: 316
و (شرح الشرائع).
و (رسالة الجمعة).
و (شرح الألفية).
و (حاشية الإرشاد).
و (حاشية المختلف).
و (رسالة السجود على التربة الحسينية بعد افخارها بالنار) ، وقَدْ رد فيها على الشيخ إبراهيم القطيفي المعاصر له ، المانع عن السجود عليها ، وفرغ من تأليفها في النَّجف الأشرف في الحادي من شهر ربيع الأول سنة 933.
و (رسالة السبحة).
ورسالة الجنائز).
و (رسالة أحكام السلام).
و (المنصورية).
و (رسالة في تعريف الطهارة) (1).
وأمّا الشيخ شمس الدين فهو : محمّد بن محمّد بن محمّد بن داود ، المشتهر بابن المؤذّن الجِزّيني - بكسر الجيم ، وبعدها زاي مشددة مكسورة ، ثُمَّ ياء مثناة من تحت نون نسبة إلى (جزّين) قرية من ولاية الشام - وهو ابن عمّ الشهيد الثاني ، وابن بنت الشيخ أبي القاسم علي بن علي بن جمال الدين محمّد بن طيّ
ص: 317
العاملي الفقعانی ، العالم ، الفاضل ، الأديب ، المعروف ، صاحب الكتاب المعروف ب-(مسائل ابن طيّ) وتنقل عنه الطائفة كثيراً ، المتوفّى سنة 855.
كان نبيلاً شاعراً ، يروي عن الشيخ ضياء الدين علي بن [محمّد بن مکي العاملي عن أبيه ، وكان ابن عمّ الشهيد كما ذكره] الشهيد [الثاني] في بعض إجازاته (1).
ويروي أيضاً عن السيِّد الأجلّ علي بن دقماق مؤلّف كتاب (نزهة العشَّاق) في الأدب ، ودقماق معرب طخماق (2).
وعن : عز الدين أبي المكارم الحسن بن أحمد بن يوسف بن علي الكركي ، المعروف بابن العشرة ، أعني : الفقيه العالم الفاضل الكامل الزاهد ، الَّذي يعبر عنه تارة ب-(عزّ الدين) ، وأخرى ب-(ابن العشرة).
وفي مجموعة الشهيد : (وكان من العلماء الفضلاء ، وأولاد المشايخ الأجلّاء ، وحجّ بيت الله كثيراً نحو أربعين حجّة ، وكان له على الناس مبار ومنافع ، وقرأ علی السيِّد حسن بن نجم الدين الأعرج - من تلامذة الشهيد - وغيره في حدود سنة 862 ومات بكرك نوح عليه السلام بعد أن حفر لنفسه قبراً ، وكان كثير الورع والدعاء) (3).
أُمُّه ولدت في بطن واحد عشرة أولاد في غشاء من جلد رقيق ، فعاش منهم واحد ومات الباقي ؛ فلذلك سمي بابن العشرة (4).
ص: 318
وأمّا الشيخ ضياء الدين أبو القاسم - وقيل : أو الحسن - علي ، ثقة ، يروي عن أبیه وعن بعض مشايخه ، ولم أعثر على من ذكر له شيئاً من المصنّفات ، ولا من ذكر تاريخ وفاته.
واُخت على هذا أيضاً كانت فاضلة فقيهة ، وكان الشهید رحمه الله يثني عليها ويأمر النساء بالرجوع إليها في أحكام الحيض والصلاة ، وكنيتها أُمُّ الحسن ، سمعت من المشايخ ، أخذت عن أبيها ، وعن السيِّد ابن معيّة إجازة.
قال الشهيد الثاني في إجازته الكبيرة : (ورأيت خط هذا السيِّد المعظم - يعني : تاج الدين ابن معيّة - بالإجازة لشيخنا الشهيد شمس الدين محمّد بن مكي ولولديه محمّد وعلي ، ولأُختهما اُمّ الحسن فاطمة المدعوّة بستّ المشايخ) ، انتهى (1).
اقول : محمّد هذا المذكور مع أخيه صاحب العنوان ، هو الشيخ رضي الدين أبو طالب محمّد بن محمّد بن مكي الشهيد ، يروي عن أبيه الشهيد (2).
والظاهر أنّ صاحب العنوان أفضل من أخيه المزبور ، من حيث رواية مثل ابن المؤذّن - المعتمد عليه عند الكل - عنه ، كما هو الواقع في المتن.
ولهم أخ ثالث ، هو الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن محمّد بن مكي ، فاضل ، محقّق ، فقیه ، يروي عن أبیه وقد أجاز له ولأخويه المذكورين ، كما صرَّح بذلك صاحب أمل الآمل (3).
ص: 319
هذا ومن أحفاد الشيخ ضیا ء الدين علي المزبور الشيخ خير الدين بن عبد الرزاق بن مكي بن عبد الرزاق بن ضياء الدين علي.
فمن (الرياض) : (هو من أجلَّة أحفاد شيخنا الشهيد ، فاضل ، عالم ، فقیه ، متكلَّم محقّق ، مدقّق ، جامع للعلوم العقلية والنقلية ، والأدبية والرياضية ، وكان معاصراً للشيخ البهائي رحمه الله وهو قَدْ سكنبشيراز مدّة طويلة ،وقد نقل : أنه لما ألَّف البهائي كتاب (الحبل المتين) ، أرسله إليه بشيراز ليطالع فيه ، ويستحسنه ، وكان البهائي يعتقد فضله ويمدحه ، وبعد ما طالعه ، كتب عليه تعليقات ، وحواشي ، وتحقيقات ، بل مؤاخذات أيضا.
ولهذا الشيخ أولاد وأحفاد ، وهم إلى الآن موجودون يسكنون في بلدة طهران ، ومنهم الشيخ خير الدين المعاصر لنا ، وهو أيضاً رجل مؤمن فاضل ، صالح ، لا بأس به.
وبالجملة : سلسلته خلف عن سلف ، كانوا أهل الخير والبركة ، اسماً ورسماً) ، انتهى (1).
وأمّا والده قدس سره فهو : شمس الملَّة والدين ، أبو عبد الله محمّد ابن الشيخ جمال الدين مكي ابن الشيخ شمس الدين محمّد بن حامد بن أحمد النباطي العاملي الجزّيني المطَّلبي ، أفقه الفقهاء عند جماعة من الأساتیذ ، جامع فنون الفضائل ، وحاوي صنوف المعالي ، وصاحب النفس الزكية القدسية القوية ، التي ينبئ عنها ما ذكره السيِّد الجليل السيِّد حسين القزويني - من مشايخ جدّي بحر
ص: 320
العلوم - في مقدمات شرحه على (الشرائع) ، قال : (وجدت بخط الشيخ السيِّد سعید صاحب (حدائق الأبرار) ، من أحفاد الشارح الفاضل الشهيد الثاني ، قال : وجدت بخط الشيخ ناصر البويهي ، وهو من الفقهاء المتبحِّرین ، والعلماء المتَّقين ، ما هذا لفظه : أنه رأى في منامه كأنَّه في قرية جزّين ، التي هي قرية الشيخ شمس الدین محمّد بن مكي الشهير بالشهيد الأول ، في سنة 955 ، قال : ذهبت إلى باب بيت الشيخ فطرقته فخرج الشيخ إليّ ، فطلبت منه الكتاب الَّذي صنّفه الشيخ جمال الدين بن المطهَّر في الاجتهاد ، فدخل بيته وأتاني بالكتاب ومعه کتاب آخر ، وأظنُّه في الروايات ، فناولنيهما واستيقظت وهما معی) ، انتهى (1).
ولد رحمه الله سنة 734 ، واستشهد في سنة 776 فكان عمره الشريف اثنين وخمسين سنة ، وصرَّح في أربعینه : (أنَّ فخر المحقِّقين أجازه في داره بالحلِّة سنة 751 ، وكذا السيِّد عميد الدين في الحضرة الحائرية ، وابن نما بعد هذا التاريخ بسنة ، وكذا ابن معيِّة بعده بسنة ، والمطار آبادي بعده بسنة ، فعلم أنه رحمه الله ارتحل إلى العراق وتلمَّذ على تلامذة العلّامة رحمه الله أوائل بلوغه ، وهم جماعة كثيرة نشير إلى أساميهم الشريفة) ، انتهى (2).
ويروي عن نحوٍ من أربعين شيخاً من علماء العامّة من أهل مكّة والمدينة ، ودار السلام (بغداد) ، ومصر ، ودمشق ، وبيت المقدس ، ومقام الخليل عليه السلام.
ومن تأمَّل في مدَّة عمره الشريف ، ومسافرته إلى تلك البلاد ، وتصانيفه الرائقة في الفنون الشرعية ، وأنظاره الدقيقة ، وتبحُّره في الفنون العربية والأشعار
ص: 321
والقصص النافعة ، يعلم أنه من الَّذين اختارهم الله تعالی لتكميل عباده وعمارة بلاده ، وأنَّ كل ما قيل أو يقال في حقِّه فهو دون مقاعه ومرتبته (1).
وقَدْ تلمَّذ على كثير من فضلاء الفريقين ، وروى عن جمٍّ غفیر منهم ، وله كتب منها :
(الذكرى) خرج منه الطهارة والصلاة.
وکتاب (الدروس) خرج منه أكثر الفقه.
وکتاب (غاية المراد في شرح نکت الارشاد).
وکتاب (جامع البين في فوائد الشرحين) جمع فيه بين شرحي (تهذيب الأُصول) المعروف بالعميدي ، وشرح السيِّد ضياء الدين.
وكتاب (البيان في الفقه).
ورسالة (الباقيات الصالحات).
و (اللُّمعة الدمشقية) في الفقه.
والأربعون حديثاً).
و (الألفية) و (النفلية) وهما في الواجبات والمستحبات المتعلقة بالصلاة.
و (رسالة في قصر من سافر بقصد الإفطار والتقصير).
و (خلاصة الاعتبار في الحجّ والاعتمار).
وکتاب (القواعد).
و (رسالة التكليف).
ص: 322
و (إجازة مبسوطة حسنة).
وکتاب (المزار) و (الدرَّة الباهرة) اقتصر فيه على إيراد الكلمات القصار من النبيّ والأئمّة عليهم السلام.
وكتاب (المسائل المقداديات).
و (شرح قصيدة الشيخ أبي الحسن علي بن الحسين الشهفيني العاملي في مدح أمير المؤمنين عليه السلام) مجنّساً.
وسبب قتله على ما ذُكِر : (أنه قتل في دولة [بيدر وسلطنة] برقوق ، بفتوى القاضي برهان الدين المالكي ، وعَبّاد بن جُماعة الشافعي ، بعد ما حبس سنة كاملة في قلعة الشام) (1).
وكان سبب حبسه وقتله على ما ذكره المولی محمّد تقي المجلسي رحمه الله في (شرح الفقيه) : أنَّه لِما ذكرهُ رحمه الله في الألفية من أنَّ الإقرار بالنبوة وإمامة الأئمّة الإثني عشر شرط في صحَّة الصلاة ، وأنَّ من لم يعتقد بذلك فلا صلاة له.
فتأثرت العامَّة من ذلك ، وقالوا : إنه يلزم من ذلك بطلان سائر عياداتنا ، فقتلوه بذلك (2).
وقيل : إنه وشی به رجل من أعدائه وكتب محضراً يشتمل على مقالات شنيعة عند العامّة من مقالات الشيعة وغيرهم ، وشهد بذلك جماعة كثيرة وكتبوا
ص: 323
عليه شهادتهم ، وثبت ذلك عند قاضي صيدا ، ثُمَّ أتوا به إلى قاضي الشام فحبس عنده سنة ، ثُمَّ أفتى الشافعي بتوبته ، والمالكي بقتله ، فتوقف في التوبة خوفاً من أن يثبت عليه الذنب ، وأنكر ما نسبوه إليه للتقية.
فقالوا : قَدْ ثبت ذلك عليك ، وحكم القاضي لا ينقض ، والإنكار لا يفيد ، فغلب رأي المالكي لكثرة المتعصّبين عليه ، فقُتل ، ثُمَّ صُلب ، ورُجم ، ثُمَّ اُحرق. وذكر بعضُ : أنه وجده بخط المقداد تلميذه رحمه الله (1).
وبرقوق هذا الَّذي قُتل في أيام سلطنته ، هو : الملك الظاهر سيف الدين برقوق ، وإنما سمِّي برقوق ؛ لجحوظٍ في عينيه ، وهو أول ملوك الجراكسة بمصر والشام ، وكان ابتداء دولتهم سنة 784 ، وانقراضهم في سنة 922 ، فمدة ملكهم 138 سنة ، وعددهم ثلاثة وعشرون ملكاً ، وكان وفاة برقوق ليلة الجمعة في خامس عشر شوال سنة 801 (2).
وفي شرح (اللُّمعة) أن الشهيد رحمه الله كتب (اللُّمعة) بالتماس شمس الدین محمّد الآوي الَّذي هو من أصحاب السلطان علي بن مؤيّد ملك خراسان وما والاها في ذلك الوقت ، إلى أن استولى على بلاده تیمورلنك فصار معه قسراً ، إلى أن توفّي - أي : السلطان علي بن مؤيد - في حدود سنة 795 بعد أن استشهد المصنِّف (قدَّس الله سرّه) بتسع سنين ، وكان بينه وبين المصنِّف (قدَّس الله سرّه)
ص: 324
مودة ومكاتبة على البعد إلى العراق ، ثُمَّ إلى الشام. وطلب منه أخيراً التوجَّه إلى بلاده في مكاتبة شريفة أكثر فيها من التلطُّف والتعظيم والحث للمصنِّف رحمه الله على ذلك ، فأبی وأعتذر إليه.
وصنَّف له هذا الكتاب بدمشق في سبعة أيام لا غير ، على ما نقله عنه ولده المبرور أبو طالب محمّد ، وأخذ شمس الدين الآوي نسخة الأصل ، ولم يتمكَّن أحد من نسخها منه لضنّته (1) بها ، وإنَّما نسخها بعض الطلبة وهي في يد الرسول تعظيماً لها ، وسافر بها قبل المقابلة فوقع فيها بسبب ذلك خلل ، ثُمَّ أصلحه المصنِّف بعد ذلك بما يناسب المقام ، وربما كان مغايراً للأصل يحسب اللفظ ، وذلك في سنة 782.
ونقل عن المصنف رحمه الله أن مجلسه بدمشق في ذلك الوقت ما كان يخلو غالباً من علماء الجمهور ؛ لخلطته بهم وصحبته لهم.
قال : (فلمَّا شرعت في تصنيف هذا الكتاب كنت أخاف أن يدخل عليَّ أحد منهم فيراه ، فما دخل عليَّ أحد منهم منذ شرعت في تصنيفه إلى أن فرغت منه ، وكان ذلك من خفيّ الألطاف.
قال رحمه الله : وهو من جملة كراماته قدس سره ونُوِّرَ ضريحه) ، انتهى (2).
أقول : وعلي بن مؤيد كان من الشيعة الخُلَّص لأهل البيت عليهم السلام ، وكان حسن السيرة يجتنب المسكرات ، ويعظّم العلماء والسادات إلى الغاية ، وكان في كل8.
ص: 325
صباح ينتظر ظهور الحجّة عجَّل الله فرجه ، ويخرج خيله ورکابه استعداداً لنصرته ، وكان يحمل الجوشن تحت ثيابه ، وكان كريماً للغاية.
ولمّا دخل تیمور کور (كان خراسان) حضر مجلسه علي بن مؤيد فلازم خدمته ، فاشفق عليه تيمور وأنفذه على ما كان تحت تصرُّفه من بلاد خراسان وما والاها ، فكان علي بن مؤيد لا يفارق جيش تیمور في الأسفار إلى أن توفّي سنة 783 ، وكان هو الثاني عشر من ملوك (سربداران) وانتهت به ملوکيَّتهم.
وهذه صورة ما كتبه إلى الشهيد رحمه الله :
(سلامٌ كَنَشْرِ العَنْبَرِ المُتَضَوّعِ *** يُخلَّفُ رِيْحَ المِسْكِ في كُلِّ مَوْضِعِ
عَلَى شَمْسِ دِيْنِ الحقِّ دامَ ظِلالُهُ *** بجدٍّ سَعيدٍ في نَعيمٍ مُمتَّعِ
أدام الله تعالی مجلس المولى الإمام العالم ، الفاضل الكامل ، السالك الناسك ، رضيّ الأخلاق ، وفيّ الأعراق ، علّامة العالم ، مرشد طوائف الأُمَم ، قدوة العلماء الراسخين ، اُسوة الفضلاء المحقِّقين ، مفتي الفرق ، الفاروق بالحق للحقّ ، حاوي فنون الفضائل والمعاني ، حائز قصب السبق في حلبة الأعاظم والأعالي ، وارث علوم الأنبياء والمرسلين ، محيي مراسم الأئمة الطاهرین ، سرّ الله في الأرضين ، مولانا شمس الملّة والحق والدین ، مد الله أطناب ظلاله بمحمّد وآله في دولة راسية الأوتاد ، ونعمة متصلة الأمداد ، إلى يوم التناد.
ويعد : فالمحب المشتاق مشتاق إلى كريم لقائه غاية الاشتياق ، وأن يتشرف بعد البعاد بقرب التلاق.
حُرِمَ الطَّرْفُ عَنْ مُحَيّاكَ لَكِنْ *** قَدْ حَظى القَلْبِ مِنْ مُحَيّاكَ رَيّا
ص: 326
وينهي إلى ذلك الجناب ، لا زال مرجعاً لأُولي الألباب ، أنّ شيعة خراسان (صانها الله عن الحدثان) ، متعطِّشون إلى زلال وصاله ، والاغتراف من بحر فضله وأفضاله ، وأفاضل هذه الديار قَدْ مزق شملهم أيدي الأدوار ، وفرق جلَّهم ، بل كلهم صنوف صروف الليل والنهار.
وقال أمير المؤمنين (عليه سلام رب العالمين) : «ثلمةُ الدين موتُ العلماء». وإنّا لا نجد فينا من يوثق به على علمه في فتياه ، أو يهتدي الناس برشد هداه ، فيسألون الله شرف حضوره والاستضاءة بنوره ، والاقتداء بعلومه الشريفة ، والإهداء برسومه المنيفة ، واليقين بكرمه العميم ، وفضله الجسيم ، أن لا يُخَيِّبَ رجاءهُم ولا يَرُدَّ دعاءهم ، ويُسعِفَ مسؤولهم ، وينجح مأمولهم نظم :
إذَا كانَ الدُّعَاءُ لَمحْضِ خَيْرٍ *** عَلَى اَيْدي الكَرِيْمِ فَلَا يردُّ
امتثالا بما قال الله تعالى : ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ﴾ (1).
ولا شك أنَّ الأرحام أولى بصلة الرحم الإسلامية الروحانية ، وأحرى القرابات بالرعاية القرابة الإيمانية ثُمَّ الجسمانية ، فهما عقدتان لا تحلُّهما الأطوار والأدوار ، بل شعبتان لا يهزمهما إعصار الأعصار ، ونحن نخاف غضب الله تعالى على هذه البلاد لفقد المرشد ، وعدم الإرشاد.
والمسؤول من إنعامه العام ، وإكرامه التام ، أن يتفضَّل علينا ، ويتوجَّه إلينا ، متوكِّلا على الله القدير ، غیر متعلّل بنوع من المعاذير. فإنَّا بحمد الله نعرف قَدْره ، ونستعظم أمره ، إن شاء الله تعالی.
ص: 327
والمتوقَّع من مكارم أخلاقه ، ومحاسن ذاته ، إسبال ذيل العفو على هذا الهفو ، والسلام على أهل الإسلام) ، انتهى (1).
وفي جميع ما ذكرناه دلالة واضحة على بطلان ما في (أمل الآمل) من كون تأليف (اللمعة) في سنة حبس الشهيد ، وهي آخر سنيّ حياته الزاهرة التي كانت بوجوده عامرة (2).
وربما ينسب إليه من الشعر ما هو في مقام العرفان :
بالشوقِ والذوقِ نالوا عزَّة الشرفِ *** لا بالدُّلوفِ ولا بالعُجبِ والصَّلَفِ
ومذهبُ القوم أخلاقٌ مطهَّرة *** بها تخلَّقَتِ الأجسادُ في نُطَفِ
صبرٌ وشكرٌ وإیثارٌ ومَخمَصَةٌ *** وأنفُسٌ تقطعُ الأنفاسَ باللَّهفِ
والزهدُ في كلِّ فانِ لا بقاءَ له *** کما مضت سُنَّةُ الأخيارِ والسَّلفِ
قومٌ لتصفيةِ الأرواحِ قَدْ عَمِلوا *** وأسلموا عَرَضَ الأشباحِ للتلفِ
ما ضرَّهُمْ رثُّ أطمارٍ ولا خَلقٍ *** كالدرِّ حاضِرُهُ مخلولِقُ الصَّلَفِ
لا بالتخلُّقِ بالمعروفِ تعرفُهُم *** ولا التكلُّف في شيء من الكَلَفِ
يا شقوتي قَدْ تولَّت أُمّةَ سَلَفت *** حَتَّى تخلّفْتُ في خلفٍ مِنَ الخَلَفِ
ينمِّقون تزاويرَ الغُرورِ لنا *** بالزُّورِ والبَهتِ والبُهتان والسَّرفِ
ليسَ التصوُّفُ عُكّازاً ومِسبَحةً *** کلّا ولا الفقرُ رؤيا ذلِكَ الشَّرفِ
وإن تروحُ وتغدو في مرقَّعةٍ *** وتحتَها موبقاتُ الكبرِ والسَّرفِ
ص: 328
وتظهرُ الزهدَ في الدنيا وأنتَ على *** عکوفِها کعُکوفِ الكبِ في الجِيَفِ
الفقر سرُّ وعنك النفسُ تحجبُه *** فارفع حجابَكَ تجلُ ظلمَةَ التلفِ
وفارقِ الجنسَ واقر النفسَ في نَفسٍ *** وغِبْ عن الحُسنِ واجلِبْ دمعَةَ الأسَفِ
وَاتْلُ المثاني ووحِّدْ إن عزمتَ على *** ذكرِ الحبيبِ وصِفْ ما شئت واتَّصفِ
واخضَعْ له وتذلَّل إذ دعيتَ لهُ *** واعرِف محلَّكَ من آباكَ واعترِفِ
وقِفْ على عرفاتِ الذلِّ منكسراً *** وحولَ كعبةِ عرفانِ الصَّفا فَطُفِ
وادخل إلى خلوة الأفكار مبتكراً *** وعُدْ إلى حانة الأذكار بالصُّحُفِ
وإنْ سقاكَ مُديرُ الراحِ من بدهِ *** كأسَ التجلَّي فَخُذْ بالطاسِ واعْتَرِفِ
واشربْ وسَقِّ ولا تبخَلْ على ظمأ *** فإنْ رجعتَ بلا رِيٍّ فوا أسفي (1)
ومن شعره ما كتبه إلى الشيخ شمس الدين محمّد بن عبد العالي الكركي العاملي حين قَدْومه من مكَّة المشرفة :
ندمتَ بطالعِ السعدِ السعيدِ *** فحيَّاكَ القريبُ مع البعيدِ
وأحييتَ القلوبَ وكان كلٌّ *** من الأصحابِ بعدَك كالفقيدِ
وزرتَ المُصطفی وبنيهِ حقّاً *** وبُلِّغْتَ الأمانيَ في الصُّعودِ
نَعِمْتَ بحجِّ بیتِ اللهِ حَتَّی *** وصلتَ إلى المكارِمِ والسُّعودِ
وعاودت الأقارِبَ في نعيمٍ *** من الرحمنِ أُتبِعَ بالخُلودِ
ودامَ لك الهنا بِهِمُ وداموا *** مع الأيام في رَغمِ الحَسودِ
فلو حلفت حاكيتَ المثاني *** بطاعَةِ والدٍ بَرٍّ ودودِ
ص: 329
وإنِّي مشفقٌ والعزمُ منِّي *** لقاؤك من قصيرٍ أو مدیدِ (1)
ووجد بخطه رحمه الله : هكذا أنشدني السيِّد أبو محمّد عبد الله بن محمّد الحسيني أدام الله أفضاله وفوائده لابن الجوزي :
اقسمتُ باللهِ وآلانهِ *** أليّةً ألقى بها ربي
أنَّ عليَّ بن أبي طالب *** إمامُ أهلِ الشرقِ والغربِ
مَنْ لم یَکُنْ مذهَبُهُ مذهبي *** فإنَّه ليس بذي لُبٍّ
قال الشيخ محمّد بن مكي فعارضته تماماً له :
لأنَّه صنوُ نبيِّ الهدى مَن *** سيفُهُ القاطِعُ في الحَرْبِ
وقد وقاه من جميع الردى *** بنفسه في الخصبِ والجَدْبِ
والنصُّ في الذكر وفي إنَّما *** ولیُّکم کافٍ لذي لُبّ) (2)
ومنها أيضاً في مناقضة هذين البيتين لبعض النواصب ، أو ربما ينتسب الجواب إلى السيِّد المرتضى رحمه الله :
قولُ الروافضِ : (نحنُ اطيبُ مولداً) *** قولٌ جرى بخلافِ دینِ مُحَمّدِ
نكحوا النساء تمتُّعاً فولدن من *** ذاكَ النكاحِ فأينَ طيبُ المولِدِ؟
[فأجابه رحمه الله] (3) :
إنَّ التمتُّع سنَّة مفروضة *** ورد الكتابُ بها وسنَّة أحمَدِ
وروى الرواة بأن ذلك قَدْ جرى *** من غير شكٍّ في زمانِ مُحَمّدِ
ص: 330
ثم استمرَّ الحال في تحليلها *** قَدْ صحَّ ذلك في الحديث المُسنَدِ
عن جابرٍ وعن ابنِ مسعودِ التَّقي *** وعن ابنِ عبَّاسِ الكريم المَولِدِ (1)
وبالحري بالمقام أن نذيّل الكلام بذکر شطرٍ من أخبار المتعة ، وإثبات حلّيتها ، فتقول :
المتعة : هو النكاح المنقطع ، وهو عبارة عن أن يستأجر الرجل امرأة بمال معيّن إلى أجل معيّن فيجامعها (2) ، ولا خلاف بين الإماميّة في أنَّ شرعيتها مستمرة إلى الآن (3).
والأخبار بشرعيتها من طريق أهل البيت عليهم السلام بالغة - أو كادت أن تبلغ - حدّ التواتر ؛ لكثرتها ، حَتَّى أنه مع كثرة اختلاف أخبارنا - الَّذي أكثره بسبب التقيّة - وكثرة مخالفينا في نكاح المتعة لم يوجد خبرٌ واحد فيها يدل على منعها ، وذلك عجیب غریب (4).
بل لا خلاف بين المسلمين قاطبة في أصل شرعيتها ، وأنّها كانت مباحة في ابتداء الإسلام.
ص: 331
ففي تفسير الرازي : (روي أن النبيّ صلى الله عليه وآله لما قدم مكّة في عمرته تزيّن نساء مكّة ، فشكا أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله طول العزوبة ، فقال : استمتعوا من هذه النساء.
واختلفوا في أنّها هل نسخت أم لا؟ فذهب السواد الأعظم من الأمَّة إلی أنها صارت منسوخة ، وقال السواد منهم : إنّها بقيت مباحة كما كانت.
قال : وهذا القول - أي : عدم النسخ - مرويٌّ عن ابن عبَّاس وعمران بن الحصين) ، انتهى (1).
وفي رجال الشيخ أبي علي رحمه الله في ترجمة عبد الملك بن جریج : (أنّ حلّية المتعة ليست من متفرّدات الشيعة حَتَّى يقال بتشيّع من قال بها ، بل الكثير من العامّة كان يذهب إليها أيضاً وكان الخلاف فيها بينهم معروفاً ، إلى أن استقر رأي علمائهم الأربعة (2) على التحريم ، بل المنقول في جملة من كتب العامّة - على ما وجدت - انّ مالكاً أيضاً كان يستحلّ المتعة ، فلاحظ.
إلى أن قال رحمه الله : وقد عدّ السيِّد المرتضی رضي الله عنه في (الانتصار) وقبله شيخه المفيد رحمه الله جماعة من علماء العامّة كانوا يذهبون إلى حلّية المتعة ، وعدّا منهم عبد الملك بن جريج) ، انتهى (3).
وذكر الشيخ عبد الحقّ الدهلويّ في (تحصيل الكمال) في ترجمة أبن جریج : (أنّه كان يبيح المتعة وفعلها) (4).
ص: 332
وابن جريج هذا من أكابر مشايخ العامّة وشيوخ أئمّتهم كما لا يخفى.
ويدلّ على الحِلّية من العقل ما ذكره المرتضى في (الانتصار) ، والعلَّامة أبو الفتوح الرازي في تفسيره (روض الجنان) ، وابن إدريس الحِلّي في (السرائر) : (إنّ من الثابت بالبرهان العقلي أنّ كل منفعة لا ضرر فيها في عاجل ولا آجل فهي مباحة بضرورة العقل ، وهذه صفة نكاح المتعة فيجب إباحته بضرورة العقل) (1).
ومن النقل : قوله تعالى في سورة النساء : ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ (2) ، اتفق جمهور المفسِّرين على أنَّ المراد به نكاح المتعة ، وأجمع أهل البيت عليهم السلام على ذلك (3).
وروي عن جماعة من الصحابة منهم اُبي بن كعب ، وابن عبَّاس ، وابن مسعود أنهم قرؤوا : (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمَّی) وذلك تصريح بأنَّ المراد به عقد المتعة.
ومن جملة من روى ذلك الثعلبي في تفسيره عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عبَّاس ، ومحمّد بن جرير الطبري ، والفخر الرازي ، والنيسابوري في تفاسيرهم عن أبي نضرة (4).
ص: 333
وفي (الكشّاف) عن ابن عبَّاس قال : (هي محكمة - يعني : لم تنسخ - وكان يقرأ : (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمَّی)) (1).
وقال ابن الأثير الجزري في (النهاية) : (وفي حديث ابن عبَّاس : (ما كانت المتعة إلّا رحمة ، رحم الله بها أمة محمّد صلی الله عليه وسلم ، لولا نهیه عنها ما احتاج إلى الزّنى إلّا شفی)
أي : إلّا قليل من الناس ، من قولهم : غابت الشمس إلّا شفى ، أي إلّا قليلاً من ضوئها عند غروبها) (2).
وقال جلال الدين السيوطي في (الدر النثير) : (ولو بقيت المتعة ما احتاج إلی الزّنى إلّا شفى ، أي : إلّا قليل من الناس) (3).
ونقل عن الأزهري تفسير الحديث بأن معناه : (إلا أن يشفى ، أي : يشرف علی الزّنى ولا يواقعه ، فأقام الاسم وهو (الشفى) مقام المصدر الحقيقي وهو (الإشفاء) على الشيء). انتهى (4).
وروى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود أنّه سُئل عن حلّية المتعة ، فأجاب : (إنّه حلال ، ثُمَّ قرأ قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (5)) (6).
ص: 334
وقال النووي في ذيله : (أنه فيه إشارة إلى أنّه كان يعتقَدْ بإباحتها کابن عبَّاس) (1).
وفي تفسير الرازي والنيسابوري ، قال عمارة : (سألت ابن عبَّاس عن المتعة ، أسِفاحٌ هي أم نکاح؟ قال : لا سفاح ولا نكاح.
قلت : فما هي؟ قال : هي متعة ، كما قال تعالى ، قلت : هل لها عدّة؟ قال : نعم ، عدّتها حيضة. قلت : هل يتوارثان؟ قال : لا) (2).
قال أبو حنيفة : (آية الميراث تنطق بنسخ المتعة ، فقال له في ردّه مؤمن الطاق : قَدْ ثبت النكاح بغیر میراث. فقال أبو حنيفة : من أين قلت ذلك؟
فقال : لو أنَّ رجلاً من المسلمين تزوَّج بامرأةٍ من أهل الكتاب ، ثُمَّ توفّي عنها ما تقول فيها؟ قال : لا ترث منه. فقال : قَدْ ثبت النكاح بغیر میراث) (3).
قلت : وتخلف الإرث عن الزوجة كثير كالأمّة إذا كانت زوجة لم ترث ولم تورث ، وكذلك القاتلة ، بل وتخلُّفها عن الطلاق كذلك كالأمَّة المبيوعة تبين بغیر طلاق ، والملاعنة ، والمختلعة ، والمرتدّ عنها زوجها ، والمرضعة قبل الفطام بما يوجب التحريم من لبن الأُم.
وفي التفاسير الثلاثة : الثعلبي ، والنيسابوري ، والرازي عن عمران بن الحصين : (أنه نزلت آية المتعة في كتاب الله ، ولم ينزل بعدها آية تنسخها ، وأمرنا بها
ص: 335
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتمتَّعنا بها ومات ولم ينهنا عنها ، ثُمَّ قال رجل برأيه ما شاء) (1).
وفي تفسير الرازي ، والنيسابوري أنه : (روی محمّد بن جرير الطبري في تفسيره عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أنه قال : لولا أنَّ عمر نهى الناس عن المتعة زني إلّا شقي) (2).
وفي صحيح مسلم قال : سمعت عبد الله يقول : كنّا نغزو مع رسول الله صلی الله عليه وسلم ليس لنا نساء ، فقلنا : ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ، ثُمَّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثُمَّ قرأ عبد الله : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (3) ، وهي في سورة المائدة) (4).
وفيه أيضاً عن جابر الأنصاري ، وسلمة بن أكوع قال : (خرج علينا منادي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : إنَّ رسول الله قَدْ أذِنَ لكُم أن تستمتعوا ، يعني : متعة النساء) (5).
وفيه أيضاً بهذين السندين قال : (إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله : أتانا فأذن لنا المتعة) (6).
وفيه أيضاً عن سيرة قال : (أذِنَ لنا رسول الله صلى الله عليه وآله بالمتعة ، فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر فتمتَّعا) (7).
ص: 336
وفي صحيح مسلم أيضاً عن جابر بن عبد الله ، يقول : (كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر ، حَتَّى نهی عنه عمر في شأن عمرو بن حریث) (1).
وفيه أيضاً : (جاء رجل إلى جابر الأنصاري فذكر له منازعة ابن عبَّاس وابن الزبير فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثُمَّ نهانا عنهما عمر) (2).
قلت : تثنية الضمير ؛ لرجوعه إلى متعة الحج ، ومتعة النساء.
ومناظرة ابن عبَّاس وابن الزبير مذكورة في كتب التواریخ ، وخلاصة القصّة :
(أنَّ ابن عبَّاس قال لابن الزبير : یا جلف ، يا جاف! أتطعن بالمتعة وقَدْ وجدت وخلقت منها؟ فقال ابن الزبير : وكيف ذلك؟ فقال له : إنّ أباك أمهر اُمّك ببردة يمانية عتيقة ، وتمتع بها ، فحملت بك.
ويروى أنّ ابن الزبير وإن ازداد عناداً ، غير أنّه ما كان يحرك القصّة بحضور ابن عبَّاس) (3).
وفي صحيح مسلم عن عطاء ، أنَّ جابر الأنصاري ورد إلى منزله معتمراً ، فسأله قوم من مسائل دينهم ، فسُئل عن المتعة؟
فقال : (نعم ، استمتعنا على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر) (4).
وفيه أيضاً في كتاب الحجّ عن أبي ذر قال : (كانت المتعة لنا رخصة) (5).
ص: 337
وفيه أيضاً في كتاب الحجّ عن أبي ذر : (أنه لا تصلح المتعة إلّا لنا خاصة ، يعني : متعة النساء ومتعة الحجّ) (1).
قلت : ومراد أبي ذر من قوله (لنا) يعني : اُمَّة محمّد صلى الله عليه وآله ، كما عرفت من حديث ابن عبَّاس : (ما كانت المتعة إلّا رحمة رحم الله بها اُمَّة محمّد صلى الله عليه وآله). (2)
وفي (صحيح البخاري) - الَّذي هو عند العامّة كالقرآن الثاني - في أوائل کتاب التفسير ، عن عمران بن الحصين أنّه قال : (نزلت آية المتعة في كتاب الله ، ففعلناها مع رسول الله ولم ينزل قرآن يحرمه ، ولم ينه عنها حَتَّى مات ، قال رجل برأيه ما شاء) (3).
وفي (تفسير الرازي) أن عمر قال في خطبته : (متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا أنهی عنهما وأعاقب عليهما) (4).
وروى الترمذي : (أنه سمع رجلاً من أهل الشام وهو يسأل عبد الله بن عمر عن التمتع بالعمرة إلى الحج ، فقال عبد الله بن عمر : هي حلال ، فقال الشامي : إن أباك قَدْ نهى عنها! فقال عبد الله بن عمر : أرأيت إن كان أبي نهی عنها وصنعها رسول الله صلی الله عليه وسلم ، أمرَ أبي يُتّبع أم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال الرجل : بل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال : لقد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح) (5).
ص: 338
وقال ابن الخطيب في (مستطرفه) - وهو تلميذ النووي - : (إن القاضي يحيى بن أكثم سأل شيخاً من شيوخ المدينة عن دلیل حلّية المتعة ، وإنه كان من أشد المنکرین؟ فقال الشيخ : إن الخير الصحيح عنه أنه قال على المنبر : إن الله ورسوله أحل لكم المتعتين وإني محرَّمهما ، فنحن نقبل شهادته في تحليلهما ، ولا نقبل تحريمهما ؛ لأن التحريم با قراره من عند نفسه) (1).
إذا حفظت ما تلوناه عليك فهلمّ واستمع ما ذكره الرازي في تفسيره ، واعتمد عليه في ردِّ التمسك بآية المتعة ، قال : (والَّذي يجب أن يعتمد عليه في هذا الباب أن تقول : إنا لا ننكر أنَّ المتعة كانت مباحة ، إنما الَّذي نقوله : إنها صارت منسوخة ، وعلى هذا التقدير فلو كانت هذه الآية دالة على أنها مشروعة لم يكن ذلك قادحاً في غرضنا ، وهذا هو الجواب أيضاً عن تمسُّكهم بقراءة اُبيّ وابن عبَّاس) (2)
أقول :
أوّلاً : قَدْ عرفت فيما تقدّم اعتراف جماعة من الصحابة بعدم النسخ وأنّ الحكم ثابت إلى يوم القيامة ، تعم ، قَدْ يقال : إنّ آية المتعة منسوخة بقوله تعالى : ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ (3) حيث منع النكاح إلّا لزوجة أو ملك يمين ، وإذا لم تكن الممتَّعة
ص: 339
زوجة ولا ملك يمين فقد سقط قول من أحلَّها ، وهو نفخ في غير ضرام ، فإنّ آية المتعة في سورة (النساء) وهي مدنيّة وآية منع النكاح مكّية ، والمكّية لا تنسخ المدنية كما لا يخفی.
وثانياً : نسأل عن زمان اطّلاع المحرِّم على النسخ ، أكان بعد موت النبيّصلى الله عليه وآله وانقطاع الوحي عن اُمَّته؟ أم كان ذلك في حياته صلى الله عليه وآله؟
اليس إلى ادعاء الأوّل من سبيل ، وعلى فرض الثاني كيف خفي ذلك على الصحابة أجمع في بقية زمن النبيّ صلى الله عليه وآله ومدّة خلافة أبي بكر وبعض خلافة المحرِّم؟!
ولو فرضنا اختصاصه بالاطّلاع دون غيره كيف جاز له إخفاء مثل هذا الحكم في تمام هذه المدّة؟ ولمَ لا يطلع عليه الخليفة الأوّل حَتَّى ينهى الناس عنه؟ وما الحكمة في إخفاء حكم الله تعالی عن العباد مع ارتكابهم له بمرأى منه ، كما في الروايات الثابتة في الصحاح الستّة ، وخصوصاً صحیح مسلم أنَّ الصحابة كانوا يقولون : كنا نتمتَّع على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ، وفي خلافة أبي بكر ، وشطراً من زمن عمر (1)؟
قال : وقولهم الناسخ إما أن يكون متواتراً أو آحاداً.
قلنا : لعل بعضهم سمعه ثُمَّ نسيه ، ثُمَّ إن عمر رضي الله عنه لما ذكر ذلك في الجمع العظيم تذكّروه ، وعرفوا صدقه فيه ، فسلَّموا الأمر له (2).
ص: 340
أقول : كيف يمكن دعوی عاقل تسليم الصحابة لعمر في حرمة نكاح المتعة بعد أن اطلَّع على ما ورد عنهم في الروايات حسب ما أشرنا إلى جملة منها ؛ من أن عمر فعل برأيه في باب المتعة ما أراد ، ولو كانوا يعرفون صدقه لما أسندوا ذلك إلى رأيه ، بل الإسناد إلى الرأي صريح في تكذيبهم له؟
وأصرح من الكل عبارة جلال الدين السيولي وهو من أعاظم الشافعية ، وأبي العبَّاس القرماني في تاريخهما ، أعني : (تاریخ الخلفاء) ، و (تاريخ الدول) فقد ذكرا ما نصّه : (أن عمر أوّل من حرم المتمة) (1).
وهذا صريح في أن هذا الحكم غير مسبوق من أحد في الإسلام.
قال قوله : إنّ عمر أضاف النهي عن المتعة إلى نفسه.
قلنا : قَدْ بيّنا أنه لو كان مراده أن المتعة كانت مباحاً في شارع محمّد صلى الله عليه وآله وأنا أنهی عنها لزم تکفیره وتكفير كل من لم يحاربه وينازعه ، ويفضي ذلك إلى تكفير أمير المؤمنين حيث لم يحاربه ولم يرد ذلك القول عليه ، وكل ذلك باطل (2).
أقول : أما تكفير بعض الصحابة فلا مانع منه ، وقَدْ ثبت في القرآن : أن الصحابة على قسمين : مؤمن ، ومنافق.
قال تعالى : ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ (3).
ص: 341
وهذه الآية قَدْ وردت في حقّ بعض الصحابة الَّذين كانوا يظهرون الإيمان بالنبيّ ، ولما يدخل الإيمان في قلوبهم (1) ، ولا يلزم من ذلك تكفير أمير المؤمنين عليه السلام بخصوصه ؛ إذ أيُّ إنكار أبلغ من قوله صلى الله عليه وآله : «لولا نهي عمر عن المتعة ما زنى إلّا شفی» (2) ، على أنه عليه السلام لم يتمكن من إنفاذ حکم من الأحكام ، وكان سكوته لضرب من الاستصلاح ، كما قَدْ أبان عليه السلام عن ذلك بكلامه البليغ في خطبة نهج البلاغة حيث يقول : «أما والله لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بین أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، حَتَّى يزهر كل كتاب من هذه الكتب ويقول : يا رب إن علياً قضى بقضائك» (3).
وكما في قول ابن عمر للرجل الشامي : (أرأيت إن كان أبي نهی عنها ... إلخ) (4).
وكما في تاريخ ابن جرير الطبري أيضاً ما هو صريح في أن الأُمَّة أعابت علی عمر بتحريمه المتعة ، مع أنها كانت رخصة من الله (5).
وفي تاريخ ابن خلکان ، في ترجمة يحيى بن أكثم ، أنه : (قال المأمون بعد نقل قول عمر : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا اُحرِّمهما وأعاقب علی
ص: 342
فعملهما : ومن أنت يا جُعَل ، حَتَّى تنهى عمَّا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر رضي الله عنه؟!) (1).
وربما بنى بعضهم الجواب عن الطعن على كون النبيّ صلى الله عليه وآله مجتهداً في الأحكام الشرعيّة ، فيجوز لمجتهد آخر مخالفته ، وهذا بمكان من الغلط ، أمّا على أصول الإماميّة فظاهر ؛ لاتفاقهم على عصمة النبيّ صلى الله عليه وآله كما قال عزَّ وجلَّ : ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ﴾ (2).
وقال تعالى مخاطباً له : ﴿قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ﴾ (3).
وقال تعالى : ﴿قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ﴾ (4) ، وحينئذ فلا يجوز لأحد مخالفته ولا الاجتهاد في مقابلة ما حكم به.
وأمّا على رأي الجمهور : فقد صرح الرازي في تفسيره فيما يتعلق بقوله تعالى : ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ (5) بأن : (الآية دلت على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون عن الخطأ في الفتوى وفي الأحكام ؛ لأنه تعالى أوجب الانقياد لحكمهم ، وبالغ في ذلك الإيجاب ، وبين أنه لا بد من
ص: 343
حصول ذلك الانقياد في الظاهر وفي القلب ، وذلك ينفي صدور الخطأ عنهم) ، انتهى (1).
ومن نفی منهم عصمة الأنبياء فإنّما نفاها قبل البلوغ ، أو قبل النبوة لا بعدهما ، أو فيما ليس له تعلق بتبليغ الأحكام الشرعية كتدبير الحروب ، واستصلاح الجيش ، ونصب العمال وعزلهم ، وما أشبه ذلك. وأمّا ما يتعلق بالتبليغ للأحكام فقد أوجبوا العصمة فيها ؛ لأن الخطأ فيها مناف لما يقتضيه المعجزة من وجوب تصديق النبي صلى الله عليه وآله ، فيما يبلّغه عن الله (2)
هذا كله مضافاً إلى أنه يمكن دعوی ظهور الآية بنفسها في حلّية المتعة ، لأن الاستمتاع جاء بمعنى المتعة لغة كما في القاموس ، قال : (والمتعة ، بالضم والكسر : اسم للتمتيع ، كالمتاع ، وأن يتزوج امرأة يتمتع بها أياماً ، ثُمَّ يخلّي سبيلها ، وأن تضم عمرة إلى حجّك ، وقَدْ تمتعت واستمتعت) ، انتهی (3).
ولكثرة استعماله في الشرع في هذا المعنى حَتَّى صار هو المتبادر منه ، فهو :
إمّا حقيقة شرعية فيه ، أو مجاز مشهور ، فهو مقدّم على المعنى الآخر ، سیما إذا اُضيف إلى النساء ، ويرشد إلى ذلك التعبير بالأجر ، فإنَّه المتعارف في عقد المتعة غالباً.
وأمّا في الدائم فیسمّی مهراً ، وتعليق إعطاء الأجر على الاستمتاع ، فإنّه لا شبهة في لزوم ترتُّب الأجر على الاستمتاع بمعنى المتعة ، ولو مع عدم الالتذاذ ،
ص: 344
بل ولو مع الاشمئزاز ، بخلاف ما لو كان المراد به الاستلذاذ بالجماع ونحوه ، ممَّا هو مستحل بالنكاح الدائم ، فإنه يفهم منه أنه لو لم يحصل الاستلذاذ ونحوه ، لا يجب إعطاء المهر وهو باطل ؛ لأنه قَدْ يجب بالموت ، والفسخ ، ونصفه بالطلاق إذا حصل شيء من ذلك قبل الدخول ، بل قبل الرؤية ، بل لو كان المراد النكاح الدائم ، كان مقتضى الآية وجوب إعطاء تمام المهر بمحض العقد ولو قبل الدخول ، وهو باطل إجماعاً.
وعلى كل حال : إنّ المتمتعة زوجة قطعاً ، ولا وجه لما يتخيل أنَّ اختلاف أحكامهما يدل على تباينهما ؛ لعدم لزوم اتحاد أنواع الأزواج كما في سائر الأنواع الداخلة تحت جنس واحد - انظر إلى اختلاف أحكام البيع اللازم والخياري - ومن هنا ذهب المشهور من فقهائنا إلى كون العقد الدائم والمنقطع حقيقة واحدة ، وأن الاختلاف بينهما باشتراط الأجل وعدمه ، كما حققه سيدنا الأُستاذ طاب ثراه في (العروة الوثقى) والله العالم (1).
خاتمة : لا ريب في استحباب المتعة استحباباً مؤكداً ، وأنَّها من خصال رسول الله صلى الله عليه وآله ، كما ورد في الحديث :
قال المفيد في رسالة المتعة : (روی أبو الفضل الشيباني بإسناده إلى الباقر عليه السلام : أنّ عبد الله بن عطاء المكّي سأله عن قوله تعالى : ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ﴾ (2) ... الآية ، فقال : (إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله تزوّج بالحرّة مُتعة ، فاطّلع عليه بعض
ص: 345
نسائه فاتّهمته بالفاحشة ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله : إنّها لي حلال ، إنّه نکاح بأجل مُسمّى فاکتميه ، فأطلعت عليه بعض نسائه) (1).
وقال : (وروى ابن بابویه بإسناده : (أنّ علياً عليه السلام نكح بالكوفة امرأة من بني نهشل متعة)) (2).
وقال الصادق عليه السلام : «إنّي لأحبُّ للمؤمن أن لا يخرج من الدنيا حَتَّى يتمتع ولو مرة ، وأنه يضع الجمعة في جماعة» (3).
وقال أيضاً : «المتعة والله أفضل من الحجّ ، وبها نزل الكتاب وجرت السنة».
وروى الكليني بإسناده عن رجل من قريش : (بعثت إليّ ابنة عم لي كان لها مال كثير : قَدْ عرفت كثرة من يخطبني من الرجال فلم أزوجهم نفسي ، وما بعثت إليك رغبة في الرجال ، غير أنه بلغني أنه أحلّها الله في كتابه ، وسنّها (4) رسول الله صلى الله عليه وآله في سنّته فحرمها زفر (5) ، فأحببت أن أطيع الله عزَّ وجلَّ فوق عرشه ، وأطيع رسول الله صلى الله عليه وآله وأعصي زفر ، فتزوّجني متعة ، فقلت لها : حَتَّى أدخل على أبي جعفر عليه السلام فأستشيره ، قال : فدخلت عليه فخبرته ، فقال : «افعل ، صلَّى الله عليكُما من زوج» (6).
ص: 346
وفي رسالة المفيد بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (قال لي : «تمتّعتَ؟ قلت : لا ، قال : لا تخرج من الدنيا حَتَّى تحيي السنّة») (1).
وقال الصادق عليه السلام : «إنّي لأكره للرجل أن يموت وقَدْ بقيت عليه خلَّة من خلال رسول الله صلى الله عليه وآله لم يأتها.
فقلت : فهل تمتع رسول الله صلى الله عليه وآله؟
قال : نعم ، وقرأ هذه الآية : وإ أالبي إلى بعض أزواجه حديئا ... إلى قوله : وثبات وأبكاره (2)» (3).
وبالإسناد عن أبي جعفر عليه السلام قال : (قلت : للمتمتّع ثواب؟ قال : «إن كان يريد بذلك وجه (4) الله تعالى وخلافاً على من أنكرها لم يكلمها كلمة إلّا كتب الله له بها حسنة ، ولم يمد إليها يده إلّا كتب الله له حسنة (5) ، فإذا دنا منها غفر الله له ذنباً ، فإذا اغتسل غفر الله له بقدر ما مرَّ من الماء على شعره».
قلت : بعدد الشعر؟ قال : «نعم ، بعدد الشعر») (6).
بل يظهر من جملة من الأخبار استحباب المتعة ، وإن عاهد الله على تركها ، أو جعل عليه نذراً
ص: 347
ففي (الكافي) بإسناده عن علي السائي قال : (قلت لأبي الحسن عليه السلام : جعلت فداك ، إنّي كنت أتزوج المتعة فكرهتها وتشأمت بها فأعطيت الله عهداً بين الركن والمقام ، وجعلت عليَّ في ذلك نذراً أو صياماً أن لا أتزوجها ، ثُمَّ إنّ ذلك شق عليَّ وندمت على يميني ولم يكن بيدي من القوِّة ما أتزوّج به في العلانية؟
قال : فقال لي : «عاهدت الله أن لا تطيعه ، والله لأن لم تطعه لَتَعصِينَّه») (1).
وقريب منه غيره (2) ، فهذه جملة من أحكام المتعة أتينا على تفصيلها والله العالم.
وأما الشيخ فخر الدين فهو : أبو طالب محمّد ابن آية الله العلّامة ، المعبّر عنه في الكتب الفقهية : بفخر الدين ، وفخر الإسلام ، وفخر المحقِّقين وأحياناً بالفخر ، ولد ليلة الاثنين والعشرين من جمادى الأُولى سنة 682.
نقل صاحب (مجالس المؤمنين) عن الحافظ من الشافعية في مدحه : (أنّه رآه مع أبيه في مجلس السلطان محمّد الشهير بخدا بنده ، فوجده شاباً ، عالماً ، فطناً مستعدة للعلوم ، ذا أخلاق رضيّة) ، انتهى (3).
وقال تلميذه السيِّد العارف الأنور السيِّد حيدر الآملي صاحب كتاب (الكشكول فيما جرى على آل الرسول) ، وكتاب (منبع الأسرار) ، وكتاب
ص: 348
(المسائل الحيدريّة) - وهو مجموعة مسائل سأله عنها - والمنقول عن الأخبار ما نصّه : (بعد الحمد والصلاة ، هذه مسائل سألتها عن جناب الشيخ الأعظم ، سلطان العلماء في العالم ، مفخر العرب والعجم ، قدوة المحقِّقين ، مقتدى الخلائق أجمعين ، أفضل المتأخّرين والمتقدِّمين ، المخصوص بعناية ربّ العالمين ، الإمام العلّامة في الملَّة والحقّ والدین ، ابن المطهِّر مدّ الله ظلال أفضاله ، وشيَد أركان الدين ببقائه ، مشافهة في مجالس متفرقة على سبيل الفتوى ، وكان ابتداء ذلك في سلخ رجب المرجّب سنة 759 هجرية نبويّة هلاليّة ، ببلدة الحلّة السيفيّة ، حماها الله عن الحدثان.
وأنا العبد الفقير حيدر بن علي بن حيدر العلويّ الحسيني الآمليّ أصلح الله حاله ، وجعل الجنّة مآله ، ما يقول شيخنا ...) (1).
له كتب منها :
(شرح القواعد) سمّاه أيضاً (الفوائد في حلّ مشكلات القواعد) ، وله شرح (خطبة القواعد) ، و (الفخريّة في النيِّة) ، و (حاشية الإرشاد) ، و (الكافية في الكلام) ، و [شرح] (2) (نهج المسترشدین) لوالده العلَّامة ، وشرح (مبادئ الأُصول) أيضاً لوالده ، وشرح (التهذيب) أيضاً لوالده (3) ، يقال : إنّه من جملة ما ذهب فيه من المسائل الأُصوليّة : قوله ، باقتضاء النهي في العبادات الصحَّة كما اختاره أبو حنيفة
ص: 349
وصاحباه ، وله أيضاً (أجوبة مسائل السيِّد مهنّا بن سنان الحسينيّ المدنیّ في الفروع الفقهيّة النادرة).
وتوفي في سنة 771 في ليلة الجمعة في الخامس والعشرين من جمادی الآخرة ، ونقل المولی محمّد تقي المجلسي في (شرح الفقيه) أنّه : دفن في الحلّة ، ثُمَّ نقل إلى النَّجف (1).
وناهيك في بلوغه في العلم والفضل منتهى الأصل وأسنى المحلّ ، أمر والده وشيخه في وصيته التي ختم بها (القواعد) بإتمام ما بقي ناقصاً من كتبه بعد حلول أجله ، وإصلاح ما وجد فيها من الخلل ، وصرَّح بأمره بالإصلاح في أوّل الإرشاد) أيضاً (2) ، ولعلّه بذلك اشتغل وما صنّف بعد أبيه مع بعد الأجل إلا ما قل ، ولقد عثرت علی حکایتین لطیفتین تناسبان هذه الترجمة :
الأُولى : ما ذكره صاحب كتاب (محبوب القلوب) : (إن شخصاً من أهالي سبزوار رأى في عالم الرؤيا : أنه ، حمل على رأسه تابوتاً وهو يدور في سكك البلدة ، ويفوح من ذلك التابوت رائحة خبيثة نتنة جداً ، بحيث كلَّما أوصلت إلى مسام أحد غشي عليه وغابت روحه.
فقال له واحد : إنَّ هذا التابوت للشيخ فخر الدين خلف العلّامة الحلَّي عطر الله مرقده ، فقص رؤياه على من هو كامل بتأويل الرؤيا ، فقال له : تأویل خباثة رائحة
ص: 350
تابوته من جهة ما كان يذهب إليه ويختاره من المذهب من حرمان من ينتسب بالأُم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله من الخمس) (1).
وهو على خلاف فتوى السيِّد المرتضی رحمه الله ، وهذه المسألة مختلف فيها ، وقَدْ أجمع المتأخّرون - إلآ من شدّ - على تخصيص الخمس بالمنتسب إلى هاشم بالأب خاصة ، وقَدْ وافق بعض المتأخّرين السيِّد المرتضی رحمه الله في فتواه ، كالسيِّد المير الداماد والفاضل الصالح المازندراني في شرحه على الأُصول ، والسيِّد الجزائري في (شرح العوالي) ، والمحدّث الشيخ عبد الله البحراني ، وصاحب
ص: 351
(الحدائق) ، وظاهر صاحب (المدارك) ، و (الذخيرة) التوقُّف في أصل المسألة ، وهي محررة في محلها ، فراجع (1).
والثانية : ما أورده السيِّد المحدث الجزائري في شرحه على (التهذيب) ، قال : (وقَدْ حكى بعض أهل الشروح أنّ العلّامة وولده كانا مع السلطان (خدا بنده) مصاحبين معه في الأسفار والإحضار ، وكان ذلك السلطان يتوضأ للصلاة قبل وقتها ، ومضى علیه زمان على هذه الحالة ، فدخل عليه العلّامة يوماً فسأله ، فقال : أعد كل صلاة صلّيتها على ذلك المنوال.
فلمّا خرج من عنده دخل عليه ولده ، فسأله أيضاً عن تلك المسألة ، فقال له : أعد صلاة واحدة ، وهي أول صلاتك على ذلك الحال ، [وذلك] (2) أنك لما توضأت لها قبل دخول وقتها وصلَّيتها بعد دخوله كانت فاسدة ، فصارت ذمَّتك مشغولة بتلك الصلاة فكلما توضأت بعد تلك الصلاة كان وضوؤك صحيحاً بقصد استباحة الصلاة ؛ لأن ذمَّتك مشغولة بحسب نفس الأمر.
ففرح بذلك السلطان فأخبر العلّامة رحمه الله بقول ولده فاستحسنه ، ورجع عن قوله إلى قول ولده. فلمّا وصلت النوبة إلى من بعده من المحقِّقين عاب عليه في رجوعه عن قوله ، وذلك لأنَّ الوضوء الَّذي وقع من السلطان قبل دخول الوقت إنما وقع
ص: 352
بقصد استباحة الصلاة المستقبلة ، لا الفائتة ، وإنّما الأعمال بالنيَّات ؛ فلا يكون ذلك الوضوء متصرفاً إلى ما في ذمّته ، بل إلى ما سيفعله من الصلوات) (1).
وهو كما ترى بمكان من السقوط ؛ إذ لا ريب في صحَّة قصد الوجوب الوضوء بعد أن كان المتوضي مشغول الذمَّة بما هو مشروط فيه ، أعني : الصلاة الفائتة ، وإن لم يقصد الوجوب لأجّلها ، وإن هو إلّا من قبيل الخطأ في التطبيق هذا.
وفي بعض الأخبار دلالة واضحة على ما قاله فخر المحقِّقين ، كما روی الصدوق رحمه الله في الفقيه في ناسي غسل الجنابة : «أنه يقضي صلاته وصيامه إلى وقت اغتساله غسل الجمعة» (2) ، فإنّه دال على أن الحدث الَّذي لم يقصد رفعه يرتفع بالقصد إلى غيره ، وليس إلا لشغل الذمة بحسب الواقع ونفس الأمر.
قال صاحب الوافي : (في هذا الخبر دلالة واضحة على أن قصد القربة كاف في الأعمال ولم يشترط التعيين ، ولا الوجوب ولا الاستحباب) (3).
وكانصراف الصلاة المعادة إلى ما في ذمَّته من الصلاة الفائتة وإن لم يقصده ، كما هو صریح سیدنا الأُستاذ رحمه الله في العروة (4) ، وغيره في غيرها وله نظائر كثيرة ، وحينئذ فيكون ذلك الوضوء الَّذي أوقعه قبل الوقت باستباحة الصلاة منصرفاً إلى ما في ذمَّته من الصلاة.
ص: 353
وأمّا بناءً على استحباب الوضوء في نفسه - كما هو الأقوى - فلا إشكال في جوازه قبل دخول الوقت ، ويترتَّب عليه آثاره من ارتفاع الحدث ، ونحوه. فيصحُّ معه الدخول في جميع الغايات ، ولا يضرُّه قصد الوجوب في مكان الاستحباب بعد أن لم يكن مشرّعاً ، فلا نحتاج إلى كلفة الجواب عن شيء.
ص: 354
وأمّا الإمام جمال الدين ، فهو : أبو منصور الحسن بن يوسف بن علي بن مطهَّر الحِلّي ، المشهور بالعلّامة في لسان الخاصة ، وبابن المطهَّر على لسان بعض العامَّة ، وهو ابن اُخت المحقِّق ، وأجلّ تلاميذه ، وقرأ على جمٍّ غفير من مشايخ الفريقين ، كوالده الشيخ سديد الدين يوسف ، وابن عمّ والدته الشيخ نجيب الدين يحيی صاحب (الجامع) ، والسيِّدين الجليلين جمال الدين أحمد ورضيّ الدين عليّ ابني طاووس العلويين ، والشيخ ميثم بن علي بن میثم البحراني ، والخواجة نصير الملّة والدين الطوسي ، وکشيخه نجم الدين عمر بن علي المعروف دبیران الكاتب القزويني المنطقي المتوفّی 493 صاحب (الشمسيّة) في المنطق ، ألّفه للخواجة شمس الدین محمّد ، وكان هذا الشيخ من فضلاء العصر وأعلمهم بالمنطق ، وله تصانیف کثيرة قرأ عليه شرح الكشف (1) إلا ما شدّ ، وكان له خلق حسن ، ومناظرات جيدة ، وكان من أفضل علماء الشافعية ، عارفاً للحكم ، أعلم أهل عصره بالمنطق ، والهندسة وآلات الرصد.
وغلط المحدّث النيسابوري حيث عدّه من فضلاء الشيعة ، والشيخ برهان الدين النسفي المصنف في الجدل وغيره كثيراً ، والشيخ جمال الدین حسین بن أبان النحوي ، والشيخ عزّ الدين الفاروقي الواسطي من صلحاء فقهاء السنَّة ، والشيخ تقي الدين عبد الله بن جعفر بن علي الصبّاغ الحنفي - وكان هذا الشيخ صالحاً من فقهاء الحنفية بالكوفة - والشيخ شمس الدین محمّد بن محمّد بن
ص: 355
أحمد الكشي ، المتكلَّم الفقيه ، وهو ابن اُخت المولی قطب الدین المعروف بالعلّامة السبزواري المتوفّى سنة 719 ، وكان شمس الدين المزبور من أفضل علماء الشافعية ، والشيخ السعيد سدید الدین سالم بن محفوظ بن عزيرة السوراوي ، والشيخ أثير الدين الفضل بن عمر الأبهري ، والشيخ أفضل الدين الخولخي ، والشيخ فخر الدين محمّد بن الخطيب الرازي (1).
وكفاه فخراً على من سبقه ولحقه مقامه المحمود في اليوم المشهود الَّذي ناظر فيه علماء المخالفين فأفحمهم ، وصار سبباً لتشيُّع السلطان محمّد الملقَّب بشاه خدا بنده الجایتو خان بن أرغون خان بن أباقا خان بن هلاکو خان بن تولی خان بن جنكيز خان ، وصارت السكَّة والخطب في البلاد بأسامي الأئمة عليهم السلام ، حَتَّى أنَّ بعض العامَّة ذكر في تاريخه من سوانح سنة 707 ، إظهار خدا بنده شعار التشيُّع بإضلال ابن المطهَّر.
وقيل : إن السلطان غازان خان بن أرغون خان في سنة 702 كان في بغداد فاتفق أن سيَّداً علوياً صلَّى الجمعة في يوم الجمعة في الجامع ببغداد مع أهل السنُّة ، ثُمَّ قام وصلَّى الظهر منفرداً ، فتفطَّنوا منه ذلك ، فقتلوه فشكا ذووه إلى السلطان ، فتكدَّر خاطره ، ومسّت عواطفه ، وأظهر الملالة من ذلك ، وأنه يقتل رجل من أولاد رسول الله صلى الله عليه وآله بمثل هذا الذنب ، ولم يكن له علم بالمذاهب الإسلامية ، فقام يتفحُّص عنها ، وكان في اُمرائه [جماعة يتشیَّعون ، منهم :] (2) أمير
ص: 356
طرمطار بن مانجو بخشي ، وغيره من الشيعة ، فأخذ في استنصار مذهب الشيعة وتقويته في ذهن الملك ، حَتَّى مال إليه ، فقام في تربية السادة ، وعمارة مشاهد الأئمة عليهم السلام إلى أن توفّي سنة 760.
وقام بالسلطنة من بعده أخوه السلطان محمّد الجایتو المذكور ومعنی الجايتو : المبارك ، وصار مائلاً إلا الحنفية بترغیب جمع من علمائهم ، وكان وزيره الخواجة رشيد الدين الشافعي مستاء بذلك ، غير أنه لا يمكنه مخالفة السلطان إلى أن جاء القاضي نظام الدين عبد الملك من مراغة إلى خدمة السلطان ، وكان ماهراً في المعقول والمنقول ، فجعله قاضي القضاة لتمام ممالکه ، فجعل يناظر مع علماء الحنفية في محضر السلطان في مجالس عديدة فيعجزهم ، فمال الملك إلى مذهب الشافعية والحكاية المشهورة في الصلاة وقعت في محضره (1).
وهو ما ذكره القاضي ابن خَلّكان عن إمام الحرمین أبي المعالي عبد الملك الجويني إمام الشافعية المتوفى سنة 478 في رسالته المعمولة لبيان حقّية المذهب الشافعي التي سماها (غیاث الأُمم ومغيث الخلق) ، بما صورتها :
(ویحکی أن السلطان يمين الدولة وأمير الملَّة أبا القاسم محمود بن سبکتکین كان على مذهب أبي حنيفة ، وكان مولعاً بعلم الحديث ، وكانوا يسمعون الحديث من الشيوخ بين يديه ، وهو يسمع. وكان يستفسر الحديث فوجد الأحاديث أكثرها موافقاً لمذهب الشافعي ، فوقع في جلده حكَّة فجمع الفقهاء من الفريقين في مرو ، والتمس
ص: 357
منهم الكلام في ترجيح أحد المذهبين على الآخر ، فوقع الاتفاق على أن يصلُّوا بين يديه ركعتين على مذهب الشافعي ، وعلى مذهب أبي حنيفة ؛ ولينظر فيه السلطان ويتفكّر فيه ويختار ما هو أحسن. فصلَّى القفَّال المروزي من أصحاب الشافعية بطهارة مسبغة ، وشرائط معتبرة من طهارة ، وستر ، واستقبال القبلة ، وأتى بالأركان والهيئات والسنن ، والآداب ، والفرائض على وجه الكمال والتمام. وكانت صلاة لا يجوِّز الشافعي دونها.
ثُمَّ صلَّى ركعتين على ما جوَّزه أبو حنيفة ، فلبس جلد کلب مدبوغ ، ولطخ رأسه بالنجاسة ، وتوضّأ بنبيذ التمر. وكان في صميم الصيف بالمفازة فاجتمع عليه الذباب ، وكان وضوؤه منكوساً معكوساً ، ثُمَّ استقبل القبلة ، وأحرم بالصلاة من غير نيّة ، وأتی بالتكبير بالفارسية ثُمَّ قرأ آية بالفارسية (دو برك سبز) (1) ، ثُمَّ نقر نقرتين کنثرات الغراب من غير فصل ومن غير رکوع ، ثُمَّ تشهد وضرط من غير سلام.
وقال : أيُّها السلطان هذه صلاة أبي حنيفة. فقال السلطان : لو لم تكن هذه له القتلتك ؛ لأن مثل هذه الصلاة لا يجوزها ذو دین وأنكر الحنفية أن تكون هذه صلاة أبي حنيفة. وأمر القفّال بإحضار كتب الفريقين ، وأمر السلطان نصرانياً كاتباً يقرأ المذهبين جميعاً فوجدت على مذهب أبي حنيفة على ما حكاه القفّال ، فأعرض السلطان عن مذهب أبي حنيفة وتمسَّك بمذهب الشافعي ، ولو عرضت الصلاة التي جوَّزها أبو حنيفة على العامي لامتنع من قبولها). انتهى (2).
ولعلّ هذه الحكاية كرر وقوعها بمحضر السلطان محمّد المزبور ، وإمام الحرمين أبو المعالي ، وهذا هو الَّذي نقل ابن شهر آشوب عن جدّه أنه سمعه
ص: 358
يقول : شاهدت مجلّداً ببغداد في يدي الصحّاف فيه روایات (غدیر خم) ، مکتوباً ، المجلَّدة الثامنة والعشرون من طرق قوله : (من کنت مولاه فعلي مولاه) ، ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون) (1).
وحكى ابن طاووس في طرائفه الحكاية عن ابن شهر آشوب (2).
ثُمَّ اتفق أن ورد على السلطان السيِّد تاج الدين الآوي الإمامي مع جماعة من الشيعة ، وكانوا يناظرون مع القاضي نظام الدين في محضر السلطان في مباحث كثيرة ، فعزم السلطان على الرواح إلى بغداد وزيارة أمير المؤمنين عليه السلام.
ص: 359
فلمَّا ورد رأى في منامه ما قوّی به دين الشيعة ، فعرض السلطان سورة الواقعة على الأُمراء ، فحرّضه عليه من كان متّهماً في مذهب الشيعة ، فصدر الأمر بإحضار أئمَّة الشيعة ، فطلبوا جمال الدين العلّامة ، وولده فخر المحقِّقين ، وكان مع العلّامة من تأليفاته كتاب (نهج الحق وکشف الصدق) ، وکتاب (منهاج الكرامة) ، فأهداهما إلى السلطان وصار مورداً للألطاف والمراحم السلطانية.
فأمر السلطان قاضي القضاة نظام الدین عبد الملك - وهو أفضل علماء زمانهم - أن يناظر مع آية الله العلّامة ، وهيّأ مجلساً عظيماً مشحوناً بالعلماء والفضاء ، فناظرهم وأثبت عليهم بالبراهين العقلية والحجج النقلية بطلان مذهبهم العامية وحقّية مذهب الإمامية على وجه تمنَّوا أن يكونوا جماداً أو شجراً ، وبُهتوا كأنَّهم أُلقوا حجراً. ثُمَّ أكَّد ذلك بالكتاب المزبور المزيل للارتیاب ، فعدل السلطان ، والأُمراء ، والعساکر ، وجمٌّ غفير من العلماء والأكابر إلى التزام المذهب الحق ، وزيّنوا الخطبة والسكّة بسوامي أسامي الأئمة عليهم السلام.
وكان المناظرون الحاضرون في ذلك المجلس خلقاً كثيراً من علماء العامّة : کالمولی قطب الدين الشيرازي ، وعمر الكاتب القزويني ، وأحمد بن محمّد الكشّي ، والسيِّد ركن الدين الموصلي.
ولمّا انقضت المناظرة خطب العلّامة خطبة بليغة مشتملة على ثناء الله ، والصلاة على النبي وآله. فقال السيِّد ركن الدين : ما الدليل على جواز الصلاة على غير الأنبياء؟
ص: 360
فقرأ العلامة قوله تعالى : ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾ (1).
فقال الموصلي : ما الَّذي أصاب علياً وأولاده من المصيبة حَتَّى استوجبوا الصلاة عليهم؟
فعدد العلّامة بعض مصائبهم ، ثُمَّ قال : أيُّ مصيبة أعظم عليهم من أن يكون مثلك تدّعي أنّك من أولادهم ثُمَّ تسلك سبيل مخالفتهم! فاستحسنه الحاضرون وضحكوا.
فأنشد بعض من حضر :
إذا العلويُّ تابعَ ناصبياً *** لمذهبهِ فما هُوَ من أبيه
وكان الكلبُ خيراً منهُ طبعاً *** لأنَّ الكلبَ طبعُ أبيه فيه
وجعل السلطان بعد ذلك تاج الدین محمّد الآوي المتقدم ذكره نقيب الممالك (2).
أقول : ربما احتج المانع بقصر السلف عليهم مع أنّ النبي صلى الله عليه وآله قال : «اللهُمَّ صلّ على آل أبي أوفى» ، لما أتاه بصدقة ، رواه العامَّة في الصحيحين (3).
ص: 361
والتأسِّي به واجب ، وقصر السلف لا حجّة فيه ؛ إذ العادة ليست حجّة على الشرع مع تسلیم عادتهم ، كيف ومن كبّار السلف : الباقر والصادق عليهما السلام وقد صلّوا على كثير من أصحابهم في النقل الصحيح.
وبلغ العلّامة رحمه الله من القرب والمنزلة عند السلطان ، بحيث كان لا يرضى بعد ذلك بمفارقته حضراً وسفراً ، بل نقل صاحب تاریخ حبیب السير في كتابه (مآثر الملوك) : أنه أمر له ولمائة من طلاب مجلسه ترتیب مدرسة سيَّارة ذات غرف من الخيام الكرباسية ، وما يحمل عليها من الدواب السيَّارة ، وكانت تحمل مع الموكب السلطاني ، وتضرب في كل منزل (1).
ونقل : أنه وجد في أواخر بعض الكتب وقوع الفراغ منه في المدرسة السيّارة السلطانية في كرمانشاهان. وفي جملة من أواخر أجزاء (التذكرة) : أنه وقع الفراغ منه في السلطانية (2).
وكان له رحمه الله قرى كثيرة قَدْ حفر أنهارها بنفسه ، وأحياها بماله ، لم یکن لأحد فيها من الناس تعلّقٌ. وقد أوقف كثيراً من قراه في حياته.
ص: 362
قال الشيخ إبراهيم القطيفي في كتاب (السراج الوهاج) : (إنه رأی خطه عليه ، وخط الفقهاء المعاصرين له من الشيعة والسنّة ، ومنه إلى الآن ما هو في يد مَن ينسب إليه بقبضه بسبب الوقف الصحيح ، وفي صدر سجل الوقف أنه أحياها وكانت مواتاً.
قال رحمه الله : والوقف الَّذي عليه خطّه وخط الفقهاء موجود إلى الآن) ، انتهى (1).
وعن (ریاض العلماء) : (أنَّ وفاة العلّامة رحمه الله بمحروسة الحلَّة ، في يوم السبت ، الحادي والعشرين من شهر محرَّم الحرام ، المفتتح به سنة 726) (2).
ووزّع تصنيفه على أيام عمره من ولادته إلى موته ، فکان قسط كل يوم کراساً مع ما كان عليه من الاشتغال بالإفادة ، والاستفادة ، والدرس ، والتدريس ، والأسفار ، والحضور عند الملوك ، والمباحثات مع الجمهور ، ونحو ذلك (3).
وفي نقد الرجال : (أن له رحمه الله أزيد من سبعين كتاباً. ولعلّه اقتصر على ما هو المعروف المشهور من كتبه بين العلماء ، وإلّا فقد ذكر الطريحي في (مجمع البحرين) في مادة العلم : أن بعض الفضلاء وجد بخطه رحمه الله خمسمائة مجلدٍ من مصنّفاته ، غير خط غيره) (4).
بل عن كتاب (روضة العارفین) نقلاً عن بعض شرّاح التجريد : (أنّ للعلّامة رحمه الله نحواً من ألف مصنَّف کتب تحقيق) (5).
ص: 363
ولا ينبغي التعجُّب من ذلك بعدما كان العلم نوراً يقذفه الله في قلب من يشاء :
وإذا حلَّتِ الهدایةُ قلباً *** نَشَطَتْ للعبادَةِ الأعضاءُ
وكم له نظير من علماء الفريقين ، فقد ذكر ياقوت الحموي في (معجم الأدباء) : (أن علي بن أحمد الفارسي المعروف بابن حزم المتوفّى سنة 456 ، بلغت تأليفاته في الحديث والأُصول والنّحل والملل وغير ذلك من التاريخ والنسب وكتب الأدب والردّ على المعارض نحو أربعمائة مجلد.
قال : وهذا شيء ما علمناه لأحد ممَّن كان في دولة الإسلام قبله ، إلّا لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري ، فإنَّه أكثر أهل الإسلام تصنيفاً ، فذكر أنَّ أيام حياته حسبت [وحسبت] (1) تصانيفه ، وكان لكل اليوم أربع عشرة ورقة).
وذكر أنَّ ابن حزم اجتمع يوماً مع الفقيه أبي الوليد سليمان بن خلف بن سعيد بن أيوب الباجي صاحب كتاب المنتقى والاستغناء وغيرهما من التآليف ، وجرت بينهما مناظرة فلمَّا انقضت قال الفقيه أبو الوليد : (تعذرني فإنَّ أكثر مطالعاتي كانت على سُرُجِ الحُرّاس.
قال ابن حزم : وتعذرني أيضاً فإنَّ أكثر مطالعاتي كانت على منابر الذهب والفضة ، أراد أنَّ الغَناء أمنع لطلب العلم من الفقر) (2).
ص: 364
ولأحمد بن أبان بن سيد اللُّغوي الأندلسي الملقّب بابن سيد - بلا ألف ولام المتوفى سنة 382 ، کتاب العالم في اللُّغة) مائة مجلد ، مرتَّب على الأجناس ، يبدأ فيه بالفلك ، وختم بالذرَّة (1).
ولمحمّد بن علي بن محمّد بن أبي بكر الأدفوي كتاب الاستغناء في تفسير القرآن مائة مجلد (2).
وللشيخ الحافظ الكبير ثقة الدين أبي القاسم علي بن عساكر الدمشقي تاریخ دمشق في ثمانين مجلداً.
وذكر الفاضل الهندي رحنه الله في مقدِّمته - کشف اللِّثام - (أنه قال فخر الإسلام : لما اشتغلت على والدي - قدّس الله روحه - في المعقول والمنقول ، وقرأت كثيراً من كتب أصحابنا ، التمست منه أن يعمل كتاباً في الفقه ، جامعاً لأسراره وحقائقه ، پیتي مسائله على علميّ الأُصوليين والبرهان ، وأن يشير عند قاعدة إلى ما يليق من الحكم ، وإن كان قَدْ ذكر قبل ذلك معتقده وفتواه ، وما لزمه من نصّ على قاعدة اُخرى وفحواها ؛ لتنبيه المجتهد على اُصول الأحكام ، وقواعد مبادئ الحلال والحرام ، فقد يظن كثير من الجهَّال المقلّدين بتناقض الأحكام فيه ، ولم يعلموا أنَّهم الم يفهموا من كلامه حرفاً واحدا ، كما قيل : (ويل للشعر من رواية السوء)) ، انتهى (3).
ص: 365
ثم قال : (وقَدْ يستبعد اشتغاله قبل تصنيف هذا الكتاب في المعقول والمنقول ، والتماس تصنيف کتاب صفته كذا وكذا ؛ لأنَّه ولد سنة اثنتين وثمانين وستمائة ، وقد عد المصنف الكتاب في مصنفاته في الخلاصة ، وذكر تاريخ عدّه لها ، وأنه سنة 693 وفي بعض النسخ سنة 692 ، فكان له من العمر عند إتمام الكتاب إحدى عشرة ، أو عشرة ، أو عشراً ، أو أقل ، فضلاً عما قبله ، ولكنَّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.
وقَدْ فرغت من تحصيل العلوم معقولها ومنقولها ولم أكمل ثلاث عشرة سنة ، وشرعت في التصنيف ولم أكمل إحدى عشرة سنة ، وصنَّفتُ : (منية الحريص على فهم شرح التلخیص) ، ولم أكمل خمس عشرة سنة. وقَدْ كنت عملت قبله من كتبي ما ينيف على عشرة من متون وشروح وحواش ، كالتلخيص في البلاغة وتوابعها ، والزبدة في اُصول الدين ، والخود البريعة في اُصول الشريعة وشروحها ، والكاشف ، وحواشي شرح عقائد النسفية ، وكنت اُلقي من الدروس وأنا ابن ثمان سنين شرحي التلخيص للتفتازاني ، مختصره ومطوله). انتهى كلام الفاضل الشارح رحمه الله (1).
قلت : لا ينبغي الاستعجاب من ذلك قَدْ ذكر الشهيد الثاني رحمه الله في شرح الدراية أن في زمن المأمون جاؤوا بطفل له من العمر أربع سنين ، وكانوا يحملونه على المنكب ، وإذا جاع يبكي ، وكان يناظر العلماء في القياس والاستدلال (2).
هذا وربّما يُنسب إلى العلّامة رحمه الله من الشعر قوله :
ليسَ في كلِّ ساعةٍ أنا محتاجٌ *** ولا أنتَ قادِرٌ أن تُنيلا
فاغتَنِم عزَّتي ويُسرَكِ فاحرِزْ *** فرصةً تسترقُّ فيها الخليلا (3)
ص: 366
قيل : وله أيضاً ، كتبه إلى المحقِّق الطوسيّ في صدر كتاب ، وأرسله إلى السلطان خدا بنده مسترخصاً للسفر إلى العراق من السلطانية :
مَحبَّتي تقتضي مُقامي *** وحالتي تقتضي الرحيلا
هذانِ خصمانِ لستُ أقضي *** بينَهُما خوفَ أنْ أميلا
ولا يزالانِ في اختصامٍ *** حَتَّى نری رأيَكَ الجميلا (1)
وعن تذكرة الشيخ نور الدين علي بن عراق المصري : أنَّ الشيخ تقي الدين بن تيمية الَّذي كان من جملة علماء السنَّة ، معاصراً للعلّامة ، ومنكراً عليه في الخلفاء كثيراً. كتب إليه العلّامة بهذه الأبيات :
وكُنتَ تعلمُ كُلَّما علِمَ الوری *** طُرّاً لَصِرتَ صديقَ كلِّ العالَمِ
لكِنِ جَهِلْتَ فقلتَ إنَّ جميع مَنْ *** يهوی خلافَ هواكَ ليسَ بِعالِمِ (2)
فكتب الشيخ شمس الدين محمّد بن محمّد بن عبد الكريم الموصلي في جوابه هذه القطعة وأرسلها إليه :
يا مَنْ يُمِّوهُ في السُّؤالِ مُسَفْسِطاً *** إنَّ الَّذي ألزمْتَ لَيْسِ بِلازِمِ
هذا رسولُ اللهِ يعلَمُ كُلَّ ما *** عَلِموا وَقَدْ عاداهُ جُلُّ العالَمِ (3)
ص: 367
وأمَّا يوسف : فهو سدید الدين ، أبو يعقوب ، ويقال : أبو المظفر بن زين الدين عليّ بن المطهَّر الحلِّي ، الفقيه ، المتکلّم ، الأُصوليّ.
قال الشهيد رحمه الله في إجازته لابن الخازن في أثناء ذكره العلّامة : (ومنهم الحسن ابن الإمام الأعظم الحجّة أفضل المجتهدين ، السعيد الفقيه ، سديد الدين أبي المظفر ابن الإمام المرحوم زين الدين علي بن المطهَّر ، أفاض الله علی ضرايحهم المراحم الربانيّة ، وحيَّاهم بالتعم الهنيئة) (1).
ومنه يظهر أن زين الدين عليّ جدّ العلّامة كان أيضاً من العلماء المبرّزين.
والمنقول من العلَّامة في (كشف اليقين) في باب أخبار مغيِّبات أمير المؤمنين عليه السلام ، ومن ذلك إخباره عليه السلام بعمارة بغداد ، وملك بني العبَّاس وذکر أحوالهم وأخذ المغول الملك منهم.
رواه والدي رحمه الله ، وكان ذلك سبب سلامة أهل الحلَّة والكوفة والمشهدین الشريفين من القتل ؛ لأنّه لمّا وصل السلطان هلاكو إلى بغداد وقبل أن يفتحها هرب أكثر أهل الحلَّة إلى البطائح إلّا القليل ، فكان من جملة القليل والدي رحمه الله ، والسيِّد مجد الدين بن طاووس ، والفقيه ابن أبي العز ، فأجمع رأيهم على مكتبة السلطان بأنّهم مطيعون ، داخلون تحت إيالته (2) ، وأنقذوا به شخصاً أعجمياً ، فأنفذ السلطان إليهم فرماناً مع شخصين : أحدهما يقال له : نكلة ، والآخر يقال له : علاء الدين ، وقال لهما : قولا لهم : إن كانت قلویک کما وردت به کتبکم تحضرون إلينا.
ص: 368
فجاء الأميران فخافوا ؛ لعدم معرفتهم بما ينتهي الحال إليه ، فقال له والدي رحمه الله : إن جئت وحدي كفى؟ فقالا : نعم ، فاُصعد معهما ، فلمَّا حضر بين يديه - وكان ذلك قبل فتح بغداد ، وقبل قتل الخليفة - قال له : كيف أقدمتم علی مکاتبتي والحضور قبل أن تعلموا بما ينتهي إليه أمري وأمر صاحبكم؟ وكيف تأمنون أن یصالحني ورحلت عنه؟
فقال له والدي رحمه الله : إنّما أقدمنا على ذلك ؛ لأنّا روينا عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال في بعض خطبه : الزوراءُ وما أدراك ما الزوراء ، أرض ذات أثل ، يشيد فيها البنيان ، ويكثر فيها السكَّان ، ويكون فيها محاذم وخزّان ، يتخذها ولد العبَّاس موطناً ، ولزخرفهم مسكناً ، تكون لهم دار لهو ولعب ، يكون بها الجور الجائر ، والخوف المخيف ، والأئمّة الفجرة ، والأُمراء الفسقة ، والوزراء الخونة ، يخدمهم أبناء فارس والروم ، لا يأتمرون بمعروف إذا عرفوه ، ولا يتناهون عن منكر إذا أنكروه ، يكتفي الرجال منهم بالرجال ، والنساء منهم بالنساء ، فعند ذلك الغمُّ العميم ، والبكاء الطويل ، والويل والعويل لأهل الزوراء من سطوات الترك ، وماهم الترك؟ قوم صغار الحدق ، وجوههم كالمجان المطوَّقة ، لباسهم الحديد ، جرد مرد ، يقدمهم ملك يأتي من حيث بدأ ملكهم ، جهوري الصوت ، قوي الصولة ، عالي الهمة ، لا يمرُّ بمدينة إلّا فتحها ، ولا ترفع عليه راية إلّا نكَّسها ، الويل الويل لمن ناوأه ، فلا يزال كذلك حَتَّى يظفر.
فلمَّا وصف لنا ذلك ووجدنا الصفات فيكم ، رجوناك فقصدناك. فطيَّب قلوبهم ، وكتب لهم فرماناً باسم والدي رحمه الله يطيِّبُ فيه قلوب أهل الحلَّة وأعمالها ، انتهى (1).
ص: 369
قلت : ومجد الدين هذا الَّذي ذكره العلَّامة من الجمع القليل مع والده ، هو : محمّد بن عزّ الدين الحسن بن موسی بن جعفر ، من آل طاووس.
قال في (عمدة الطالب) : (خرج إلى السلطان هلاکو خان وصنَّف له کتاب (البشارة) ، وسلَّمَ الحلَّة والنيل والمشهدين الشريفين من القتل والنَّهب ، وردَّ إليه النقابة بالبلاد العراقية) (1).
ويظهر من جواب العلَّامة لسؤال السيِّد مهنا ، غاية فضل والده وتقدمه في كثير من العلوم ، وهذه صورة المسألة ، سؤالاً وجواباً :
(ما يقول سیِّدنا في الأمَّة إذا كانت مشتركة بين جماعة فأحلَّوا وطأها لواحد منهم ، فهل تحلُّ أم لا؟ وإن حلَّت له ، هل تحلُّ له بأمرين من ملك وتحليل ، أم بأمر واحد؟
الجواب : اختلف علماؤنا في حلّ هذه الأمة ، والأقوى إباحتها ، وكنت قَدْ رأيت والدي رحمه الله في النوم بعد وفاته وأنا قاعد بين يديه وهو يبحث لنا على نهج ما كان في حياته ، فبحث عن هذه المسألة ونقل الخلاف ، وذكر أنَّ السيِّد المرتضی رحمه الله منع من إباحتها ، والشيخ الطوسي رحمه الله أجاز وطأها.
فقلت : الحق قول المرتضی ، فقال : لِمَ؟ فقلت : لأنَّ سبب البضع لا يتبعَّض. فلا يقال : زوَّجتك ، أو أنكحتك (2) بعض هذه الجارية ويكون الباقی مباحاً بالملك.
فقال رحمه الله : هذا غلط ، نحن لا نقول (3) : إذا ملك بعضها يحرم [عليه] بعضها ويحل بعضها ، بل لو كان فيها لغيره أقل جزء منها كانت بأسرها حراماً ، فيكون التحليل مبيحاً للجميع لا للبعض) (4).
ص: 370
أقول : مع كونه رؤيا فيه نظر ؛ لأنه مسلَّم أنَّ الجميع حرام قبل التحليل ، ولكن عند التحليل لم يُستفد الحلُّ من التحليل خاصّة ، وإلّا لم تحلّ له ضرورة. إنَّ التحليل يختصّ بالشقص (1) المملوك ، فلا بدَّ من القول : يحل الشقص الآخر ، سبب آخر وهو الملك. ومع ذلك فالحق الجواز. والتحقيق يقتضي رسم اُمور :
الأمر الأول : لا ريب في جواز تزويج الأمَة المشتركة بين اثنين أو أكثر الأجنبي باتفاقهم ؛ لانحصار الحقّ فيهم ، واتحاد سبب الحلِّ. فإنّ اتَّحد العقد منهم بأن وكَّلوا واحداً منهم أو أجنبياً أو عقد الفضولي ، وأجاز الجميع : فلا إشكال في الصحَّة. وإن أوقع كل منهم عقداً على ملکه لم يصح ؛ إذ العقد لا يستباح به بعض الفرج.
الأمر الثاني : لو عقد أحدهما وحلَّل الآخر لم يصح ؛ لتبعُّض البضع - بمعنی حصول النكاح بالعقد والتحليل ، وهو باطل كما ستسمعه - نعم ، يحتمل الجواز بناء على جعل التحليل عقداً دائماً أو منقطعاً ، كما هو المنقول عن المرتضی رحمه الله (2) ، فلا يكون من التبعيض في شيء ولكنَّ القول به نادر ، بل لا قائل به ممَّن تأخَّر عنه. على أنه قَدْ عرفت في الأمر الأول عدم الصحَّة في صورة
ص: 371
تعدُّد العقد ، ولذا احتملنا الجواز ولم نجزم بالصحَّة حَتَّى لو قلنا بمقالة المرتضی رحمه الله في مسألة التحليل.
الأمر الثالث : لا يجوز تزويج الأمَة المشتركة لأحد الشريكين ؛ لاستلزامه تبعیض البضع من حيث استباحته بالملك والعقد ؛ ولأنَّ الحلِّ ينحصر في الأزواج وملك اليمين في قوله تعالى : (وإلا على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم) (1) ، فالمستباح بهما خارج عن القسمة ؛ لأنَّ التفصيل - في الآية بين القسمين بالعطف بأو - يقطع الاشتراك (2) ، لا يقال : إنَّ الآية كما يحتمل إرادة منع الجمع ، يحتمل إرادة منع الخلوّ ، فلا يدل على منع الجمع ، فإذا استباح بهما صح ، لأنّا نقول : إنَّ الشرطية المنفصلة تحتمل منع الجمع والخلوّ ، ومنع كل واحد منهما - أعني : المنفصلة الحقيقية التي يكون الحكم فيها يتنافي الجزأين صدقاً وکذباً - ومع قيام الاحتمال يتحقق الاستباحة مع وجود أحدهما - أي : الزوجية أو ملك اليمين - ويحصل الشك في تحققها مع اجتماعها ، فيستصحب حكم المنع الثابت قبل ذلك.
وبعبارة اُخرى : القرآن دلَّ على تحريم غير المستثنی ، فيجب التوقُّف في الإباحة على ما علم دخوله في المستثنی ؛ إذ مع إجمال المخصّص يكون المرجع عموم العام كقولك : أكرم العلماء إلا بعضهم.
الأمر الرابع : قال المحقِّق في الشرائع : (إذا تزوَّج أمة بين شريكين ، ثُمَّ اشترى حصة أحدهما بطل العقد ، وحرم عليه وطؤها ، ولو أمضى الشريك الآخر العقد بعد
ص: 372
الابتاع ، لم يصح ، وقيل : يجوز وطؤها بذلك ، وهو ضعيف. ولو حلَّلها له ، قيل : تحل وهو مروي ، وقيل : لا ؛ لأنَّ سبب الاستباحة لا يتبعّض) ، انتهی (1).
أقول : لا خلاف ، ولا إشكال في بطلان العقد في الصورة المزبورة. بشراء حصة أحد الشريكين ، أو بعضها ، أو بعضاً من حصة كل منهما. وکذا لو كانت لواحد واشترى بعضها ؛ لأن ملك الجزء يبطل عقده ؛ لامتناع أن يعقد الإنسان لنفسه على أمته ابتداء ، وهو يستلزم بطلان الاستدامة ، ولا يمكن الحكم ببقاء العقد في الجزء الآخر ؛ لأن العقد لا يتبعّض ليبطل في بعض ويصح في بعض ؛ والانتفاء الكل بانتفاء الجزء ، فتعيَّن بطلانه في الجميع (2).
وأمّا تحريم وطئها فلاستلزام التصرف في مال الغير بغير إذنه ؛ ولرواية (زرعة) ، عن سماعة ، قال : سألته عن رجلين بينهما أمة فزوَّجاها من رجل ، ثُمَّ إنَّ الرجل اشترى بعض السهمين؟ قال : «حرمت عليه باشترائه إياها ، وذلك أن بيعها طلاقها إلا أن يشتريها جميعاً» (3).
وروى في (الكافي) في الموثَّق عن سماعة أيضاً : «إلا أن يشتريها من جميعهم» (4).
هذا مع عدم رضاء الشريك الآخر ، وأمّا مع رضائه وإمضائه بعد الابتياع ، فقد ذهب الشيخ الطوسي رحمه الله في محكی (النهاية) ، والقاضي ابن البرّاج ، وابن
ص: 373
فهد في محكيّ (المهذّب) إلى جواز وطئها بذلك الإمضاء (1) ، وهو كما ترى ضعيف جدا ؛ إذ مع بطلان عقد النكاح بالشراء - كما هو الظاهر - كيف يصير صحيحاً بمجرد الرضا؟! ومع عدم بطلانه لا حاجة لاعتبار رضاه بعد العقد ، مع فرض وقوعه أولاً برضاه ، ولم يتجدّد له ملك ، فلا يقف على إجازته (2) ، مضافاً إلى ما سمعته من الرواية المتقدِّمة الدالّة على البطلان.
ومن هنا حمل المحقِّق رحمه الله - في نكته على النهاية - كلام الشيخ على الرضا يعقد البيع للنصف الآخر ، قال رحمه الله : (وكأنه يقول : إلا أن يشتري النصف الآخر من بايع النصف الأوّل فضولاً ، ويرضي مالِكُ ذلك النصف بالعقد) (3).
قال في (الجواهر) : (وهو وإن كان بعيداً إلّا أنه أقرب من حمله على ظاهره الَّذي لا ينبغي نسبته إلى من له أدنى معرفة بالتفقُّه ، فضلاً عن شيخ الطائفة) (4).
قلت : وعليه فلا يكون مثله مخالفاً في المسألة. ولعلَّه لذلك جزم غير واحد من المتأخّرين بعدم الصحَّة فيه من غير نقل خلاف لأحد ، لا من الشيخ ولا من غيره. بل أرسله إرسالاً. وقوله رحمه الله : ولو حللها ... إلخ (5).
هذا من جملة الأسباب المقتضية لإباحة الأمَّة المذكورة حينئذ للمشتري ، وهو تحلیل أحد الشريكين للآخر وطأها ، فقد عرفت في جواب العلَّامة لسؤال السيِّد مهنّا أن المسألة خلافية (6) ، والأكثر على العدم.
ص: 374
وذهب ابن إدريس ، والعلَّامة والشهیدان ، وصاحب الحدائق ، والجواهر ، والمنهاج ، إلى حِلَّه بذلك (1).
وقال السيِّد الأُستاذ رحمه الله في (العروة) : للنصّ (2).
وقال في (الرياض) : (والمنع مطلقاً متَّجه لولا ورود (رواية) مروية في الكتب الثلاثة صحيحة صريحة في الإباحة بالتحليل ، قال : سألته عن جارية بين رجلين ، دبَّراها جميعاً ، ثُمَّ أحل أحدهما فرجعها لشريكه؟ قال : «هو له حلال») (3).
قال رحمه الله : (وهي وإن اختص موردها بغير المقام ، إلا أنَّ في ذيلها تعليل الحكم بما ظاهره العموم له ، مع أنَّ الظاهر عدم القائل بالفرق) ، انتهی (4).
قلت : والرواية طويلة الَّذي أوردها في (الجواهر) ، وقال : (وهو صريح في المدَّعى أولاً وآخِرا) (5).
فلا وجه لما قَدْ يتوهم من كون المقام من قبيل ما تعدّد فيه سيب الإباحة ؛ لأنّ المراد بالمِلك - الَّذي هو أحد السيبين المذكورين في الآية - هو أعمّ من ملك الرقبة والمنفعة. والسبب الموجب للتحليل هنا هو الملك وإن كان مركّباً من
ص: 375
الَّذي لا يقصر عن تقييد ما يقتضي عدم الجواز من الأصل وقاعدة تبعیض البضع ، والله العالم.
الأمر الخامس : لا يجوز وطء من بعضه حرّ إذا اشتری نصیب الرِّقِّية لا بالعقد ولا بالتحليل بأن تحلّل سهم حريتها. نعم ، لو هابها جاز له التمتُّع بها في الزَّمان الَّذي وقع في نوبتها عملاً بالنصّ الصحيح ، ولكن الأحوط خلافه (1) ؛ إذ ليست المهاباة إلا تقسيماً للمنفعة لا توقيتاً للحرِّية ، ولا يترتَّب عليها سوى ملك المنفعة شيءٌ من آثار الحرِّية.
الأمر السادس : اعلم أنَّ التحليل من خواص فرقة الشيعة كالمتعة ، والأحوط تعيين الأجل في صيغة التحليل ، وإن كان الأقوى عدم الاشتراط ، كما أنَّ الأقوى أيضاً عدم اشتراط التقييد بالمهر ، وإن كان أحوط أيضاً ، ثُمَّ أن التحليل المتَّفق على كفايته منحصر في صيغتين ، إحداهما : أن يقول مولى الجارية بعد تعيين الأجل : أحللت لك وطء جاريتي المعهودة في المدَّة المعلومة. فيقول القابل بلا فصل : قبلت التحليل - هكذا - أو قبلتُ. وإن كان الموجب وكيلاً فيقول : عوض جاريتي جارية موكّلي ، وإن كان القابل قَدْ عيَّن وكيلاً أيضاً فيقول : عوض لك ، لموكِّلك.
الثانية : أن يقول الموجب - يعني المولی - : جعلتك في حِلِّ من وطء جاريتي المعلومة في المدة المعلومة. فيقول القابل : قبلت لنفسي.
ص: 376
هكذا ، وفي صورة الوكالة كما فيما تقدَّم ، ولو أراد أن يحلِّل شيئاً من مقدمات الوطء كالنظر ، واللمس ، والتقبيل ، والتفخيد وأمثاله ، فيقول : أحللت لك النظر إلى بدن جاريتي المعلومة ، أو لمسها ، أو تقبيلها - مثلاً - فيقول القايل : قبلت.
ولو توافق الشريكان على تحليل الأمَّة المشتركة فيوكِّلان من يجري الصيغة من جانبهما ، فيقول الوكيل ، عن مُوَكِّليّ أحللت لك وطء جاريتهما المعلومة في المدَّة المعلومة. قيقبل القابل كما تقدَّم.
اولو أراد كل من الشريكين إجراء صيغة جاز له ذلك. ولكن يجب على كل منهما أن يقول : أحللت لك وطأها ، ولا يصح أن يقول : أحللت لك وطء حصَّتي. ويعتبر في القبول حينئذ تعدُّده لكل إحلال قبول ، وتحلیل مقدمات الوطء لا يستلزم تحليل الوطء بخلاف العكس فإنه يحلل سائر المقدمات ، ولا استبعاد في تحليل المقدمات مع تحریم الوطء كالحائض.
الأمر السابع : المولود من المملوكين مشترك بين المالكين. وإذا كان الأب حرّاً ولم يشترط مالك الأمَّة مملوكية المولود كان حرّاً أيضاً ، وإن اشترطهما ففي كونه حرّاً أورِقّاً خلاف المشهور أنه رِقٌّ بسبب الشرط. والأظهر عدمه ، لأنَّ شرط الرقِّية فاسد في مثل الفرض ؛ لأنَّ المولود تابع لأشرف الأبوين. وعليه فالأحوط عدم الاشتراط لاحتمال فساد العقد به ، وإن كان الأقوى أنه غير مفسد. وعلى فرض الاشتراط فالأحوط المبادرة إلى إعتاقهم.
الأمر الثامن : يشترط في المحلَّل له أن لا يحرم عليه وطء المحلَّلة ، وإلّا فلا أثر للتحليل ، كتحليل الأمَّة المسلمة للكافر ، أو الشيعيّة للمخالف. فإن ذلك غير جائز.
ص: 377
الأمر التاسع : لا مانع من تحليل المولى أمته لعبده ، وإن قلنا بما عن المشهور من كون التحليل تمليك منفعة ، وإن العبد لا يملك شيئاً من عين أو منفعة كما هو الأظهر الأشهر ، ولو كان بإذن مولاه ، وذلك لانصراف المنفعة عن مثل ما نحن فيه ، فلا وجه لمنع بعض المتأخّرين عن صحَّته. وكذا لا مانع من أن يُنكِحَ المولى عبدَه من أمته ، ويكفي أن يقول : أنكحتك فلانة ، ولا يحتاج إلى القبول منه ، أو من العبد ؛ لإطلاق الأخبار ، ولأنَّ الأمر بيده فإيجابه مغن عن القبول. وإذا أراد المولى التفريق بينهما لا حاجة إلى الطلاق ، بل يكفي أمره إياهما بالمفارقة ، ولو أمره بالطلاق فلا يخلو عن إشكال.
الأمر العاشر : المعلوم من مذاق الشرع عدم جواز تحلیل غير الوطء المتعدِّدين في زمان واحد ، وخصوصاً مع اختلاف المحلل صنفاً أو عضواً ، كما لو أحلّ النظر للشخص والّلمس لآخر ، أو أحلّ النظر لجماعة ، بل صرَّح في (الجواهر) : بإمكان دعوی معلومية ذلك من الشريعة ، كمعلومية عدم البعلين اللامرأة الواحدة ، وأنّه لا فرق في عدم جواز الاشتراك بين الوطء وبين غيره من باقي الاستمتاعات.
قال : (وربما كان في تصريح بعضهم بصیرورة المحلَّلة ولو نظرا أجنبية بالبسبة إلى السيِّد شهادة على ما ذكرنا ، ضرورة أولوية الأجنبي بالمنع منه ، لعدم الاستصحاب فيه) (1).
ص: 378
وأمَّا جعفر : فهو ابن الحسن بن أبي زکریا یحیی بن الحسن بن سعيد الحلِّي ، الهذلى شيخنا نجم الدين أبو القاسم المحقِّق المنوّه باسمه وعلمه في قصة الجزيرة الخضراء (1) ، وناهيك بفضله وعظيم قدره ونبله : أنَّ المحقِّق الطوسي نصير الملة والدين حضر مجلس درسه ، فقطع الدرس تعظيماً له وإجلالاً لمنزلته فأمرهم بإكمال الدرس ، فجرى البحث في مسألة استحباب التياسر فقال المحقِّق الطوسي : (لا وجه لهذا الاستحباب ، لأنَّ التياسر إن كان من القبلة إلى غيرها فهو حرام ، وإن كان من غيرها إليها فهو واجب.
فقال المحقِّق رحمه الله : بل منها إليها ، فسكت المحقِّق الطوسي رحمه الله).
ثم ألَّف المحقِّق في ذلك رسالة لطيفة - أوردها الشيخ أحمد بن فهد في (المهذَّب) بتمامها - وأرسلها إلى المحقِّق الطوسي فاستحسنها (2).
وكان أبوه الحسن من الفضلاء المذكورين ، وجدّه يحيي من العلماء الأجلاء المشهورين.
توفي رحمه الله في شهر ربيع الأوّل سنة 676 ، وفي (لؤلؤة البحرين) نقلاً عن بعض الأجلاء الأعلام من متأخِّري المتأخّرين : (رأيت بخط بعض الأفاضل ما صورة عبارته : في صبح يوم الخميس ثالث عشر ربيع الآخر سنة 676 سقط الشيخ الفقيه أبو القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد الحلِّي رحمه الله من أعلى درجة في داره فخر
ص: 379
میِّتاً لوقته من غير نطق ولا حركة ، فتفجع الناس لوفاته واجتمع لجنازته خلق کثير ، وحمل إلى مشهد أمير المؤمنين عليه السلام. وسئل عن مولده فقال : سنة 602) ، انتهى (1).
وله تصانیف محقِّقة ، محررة عذبة منها : كتاب (المسائل العزية) عشر مسائل ، (المسائل المصرية) ، کتاب (أُصول الدين) (کتاب معارج الأُصول) ، كتاب (الكهنة في المنطق) ، کتاب (نکت النهاية) ، رسالة (التياسر في القبلة) جيدة ، كتاب (نهج الوصول إلى علم الأُصول) ذكره في (أمل الآمل) (2) ، کتاب (شرائع الإسلام) ووجدت في بعض المجاميع أنه مشتمل على أثني عشر ألف مسألة. وكتاب (مختصر النافع) ستّة آلاف مسألة ، وكتاب (المعتبر) وکتاب اختصار مراسم سلّار الديلمي في الفقه) (3).
ومن كبار تلامذته ابن داود الحِلّي صاحب (الرجال) المعروف ، المتولد سنة 647 ، والشيخ الإمام جلال الدين محمّد ابن الشيخ الإمام ملك الأدباء شمس الدين محمّد بن الكوفي الهاشمي الحائري شيخ الشهيد ، والشيخ صفي الدين عبد العزيز بن سرايا الحلِّي ، الفاضل الشاعر الأديب ، الماهر المشهور ، المتولد
ص: 380
سنة 677 ، والمتوفّی 750 صاحب القصيدة البديعية المشتملة على مائة وخمسين نوعاً من أنواع البديع وشرحها (1) ، وديوان شعر کبیر.
قال صاحب (القاموس) : (اجتمعت سنة 747 بالأديب الشاعر صفي الدين بن سرايا الحلِّي رحمه الله بمدينة بغداد فرأيته شيخاً كبيراً له قدرة تامَّة على النظم والنثر ، وخبرة بعلوم العربية والشعر ، فغزله أرق من سحر النسيم ، وأدق من المحيا الوسيم ، وكان شيعياً قُحّاً ، إلّا أنه كان ذا حالة رثّة ، وهيئة قبيحة ، وعمامة وسخة ، ووجه أقبح من الكل. ومن رأى صورته لا يظن أنه ينظم ذلك الشعر الَّذي هو كالدر في الأصداف) ، انتهى.
نقلاً عن تراجم أرباب البديعيات الملحقة بشرح بديعية سيد علي خان التي ألحقها به ، قَدْ عثرت عليها في بعض نسخ (أنوار الربيع) (2).
والشيخ الكامل الفقيه : عز الدين حسن بن أبي طالب اليوسفي ، المعروف بالآبي صاحب كتاب (کشف الرموز) في شرح النافع (3).
ص: 381
وذكره جدِّي بحر العلوم طاب ثراه في (رجاله) وقال : (إنه أوّل من شرح النافع ، وقال : إنه محقِّق فقیه ، قوي الفقاهة ، وقد يعبَّر عنه بابن الربيب) (1).
والوزير شرف الدين أبو القاسم علي بن الوزير مؤيِّد الدين أبي طالب محمّد بن أحمد العلقمي ، وكان عالماً فاضلاً ، جلیل القدر ، شاعراً أديباً.
ومؤيد الدين أبوه كان وزير المستعصم العبَّاسي ، شيعياً سُلّمت إليه بغداد من بعد فتحها على يد هولاكو ، فمكث الوزير شهوراً ثُمَّ مرض ، ومات رحمه الله سنة 656 (2).
قال شرف الدين أبو القاسم علي : (اشتملت خزانة والدي على عشرة آلاف مجلد من نفائس الكتب ، وصنَّفَ الناس له الكتب ، فممّن صنَّفَ له الصاغاني اللُّغوي ، صنَّف له (العُباب) وهو كتاب عظيم كبير في لغة العرب ، وصنَّفَ له عز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد کتاب (شرح نهج البلاغة) ، يشتمل على عشرين مجلداً ، فأثابهما وأحسن جائزتهما ، وكان ممدّحاً مدحه الشعراء ، وانتجعه الفضلاء.
فممَّن مدحه كمال الدين بن البوقي بقصيدة من جملتها :
مؤيّدُ الدين أبو طالٍب *** محمّدُ بنُ العلقميِّ الوزيرْ
وهذا بيت حسن جمع فيه لقبه وكنيته واسمه واسم أبيه وصنعته. وكان مؤيد الدين عفيفاً عن أموال الديوان وأموال الرعية ، متنزهاً مترفعاً.
قيل : إنَّ بدر الدين صاحب الموصل أهدى إليه هدية تشتمل على كتب وثياب ولطائف قيمتها عشرة آلاف دينار ، فلمَّا وصلت إلى الوزير حملها إلى خدمة الخليفة ،
ص: 382
وقال : إن صاحب الموصل قَدْ أهدى لي هذا واستحييت منه أن أردَّه إليه ، وقد حملته إليك وأنا اسأل قبوله ، فقبل.
ثُمَّ أنه أهدى إلى بدر الدين عوض هديته شيئاً من لطائف بغداد قيمته اثنا عشر الف دينار ، والتمس منه أن لا يهدي إليه شيئاً بعد ذلك) (1).
والعلقمي اسم نهر اقتطع من الفرات إلى كربلاء ومنه إلى الكوفة ، وكان هو الباعث علی عمران الكوفة ورُقيِّها ، وأثره إلى الآن ظاهر قرب مرقد أبي الفضل العبَّاس سلام الله عليه.
وقد بلغ ابن العلقمي المزبور : أن الصادق عليه السلام لما زار جدَّه الحسين عليه السلام خاطب النهر : «بأنَّك مُنِعتَ عن جدّي الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء وإلى الآن أنت جار» ، فسعی ابن العلقمي في تخریب سدّ هذا النهر ، فانقطع الماء وأوجب ذلك خراب الكوفة. وهو السبب في اشتهاره بنهر العلقمي. هكذا وجدته في كتاب (التحفة الرضوية) (2).
ومن تلامذته المحقِّق الشيخ شمس الملّة والدين محفوظ بن وشاح بن محمّد ، وكان من أعيان علمائنا في عصره ، وكان شاعراً أديباً ، وله رثاء في حقّ أُستاذه ، ورثاه الحسن بن داود من بعد موته (3) ، ومن جملة ما كتب به إلى أُستاذه ، ما ذكره الشيخ حسن - أعني : شيخنا الماتن رحمه الله - وهي :
ص: 383
أغيبُ عنكَ وأشواقي تجاذبُني *** إلى لقائِكَ جذبَ المُغرَمِ العاني
إلى لقاءِ حبيبٍ مثلِ بدرِ دُجیً *** وقد رماهُ باعراضٍ وهجرانِ
قلبي وشخصُك مقرونانِ في قَرَنٍ *** عند انتباهي وبعدَ النومِ يغشاني
حَلَلْتَ منّي مَحَلّ الروح في جسدي *** فأنتَ ذكرايَ في سرِّي وإعلاني
لو لا المخافةُ مِن كُروهٍ ومن مللٍ *** لطالَ نحوَكَ تَردادي وإتياني
يا جعفرُ بنَ سعيدٍ يا إمامَ هدى *** يا أوحدَ الدهرِ يا مَنْ مالَهُ ثاني
إنَّي بِحُبِّكَ مُغرىً غيرَ مُكتَرِثٍ *** بِمَنْ يلومُ وفي حُبِّيكَ يلحاني
فأنتَ سيِّدُ أهلِ الفضلِ كلَّهِمُ *** لم يَختلِفْ أبداً في فضلِكَ اثنانِ
في قلبِكَ العلُم مخزونٌ بأجمَعِهِ *** تَهدي بهِ مِن ضَلالٍ كلِّ حَيرْانِ
وفوكَ فيه لسانٌ حَشْوُهُ حِكَمٌ *** تروي بهِ مِنْ زلالٍ كلَّ ظمآنِ
وفخرُكَ الشامخُ الراسي وَزَنْتَ به *** رَضوی فزادَ علی رَضوی وَثهْلانِ
وحسنُ أخلاقِكَ اللاتي فَضَلْتَ بها *** كلِّ البريَّةِ مِنْ قاصٍ ومِنْ دانِ
تُغني عن المأثُراتِ الباقياتِ ومَنْ *** يُحصي جواهرَ أجبالٍ وكُئْبانِ
يا مَنْ على دُرُجِ العلياءِ مرتقياً *** أنتَ العظيمُ الكبيرُ القدرِ والشانِ
فأجابَهُ المحقِّق رحمه الله :
لقد وافَتْ قصائِدُكَ العوالي *** تهزُّ معاطِفَ اللَّفظِ الرَّشيقِ
فَضَضْتُ خِتامَهُنَّ فَخِلْتُ أنَّي *** فَضَضْتُ بِهِنَّ عن مِسْكٍ فَتيقِ
وحالَ الطَّرفُ منها في رياضٍ *** كُسِينَ بناظرِ الزهرِ الأنيقِ
فَكَمْ أبصرتُ من لفظٍ بدیعٍ *** يُدَلُّ بناظرِ الزهرِ الأنيقِ
وكَمْ شاهَدْتُ من عِلْمٍ خَفِيٍّ *** يُقرِّبُ مَطلبَ الفضلِ السّحيقِ
ص: 384
شَرِبتُ بها كؤوساً من معانٍ *** غَنيتُ بِشُربِهِنَّ عن الرحيقِ
ولكنِّي حلتُ بها حقوقاً *** أخافُ لِثِقلِهِنَّ مِنَ العُقوقِ
فسِرْأ أبا الفضائل بي رويداً *** فَلَسْتُ أُطيقُ كفرانَ الحُقوقِ
وتحمَّل ما أُطيقُ بهِ نُهوضاً*** فإنَّ الرِّفقَ أنسَبُ بِالصديقِ
فَقَدْ صيَّرتَنِي لِعُلاكَ رِقّاً *** بِبِرِّكَ بَلْ أرَقُّ مِنَ الرَّقيقِ
وكتب من بعدها نثراً من جملته :
(ولست أدري كيف سوّغ لنفسه الكريمة - مع حنوه على إخوانه ، وشفقته على أوليائه وخلانه - إثقال كاهلي بما لا يطيق الرجال حمله ، بل تضعف الجبال أن تقلَّه؟ حَتَّى صيّرني بالعجز عن مجازاته أسيراً ، وأوقفني في ميدان محاوراته حسيراً ، فما اُقابل ذلك البرِّ الوافر ، ولا اُجازي ذلك الفضل الغامر ، وإني لأظن کرم عنصره ، وشرف جوهره ، بعثه على إفاضة فضله وإن أصاب غير أهله ، أو كأنَّه مع هذه السجيّة الغراء ، والطويَّة الزهراء ، استملي بصحيح فكرته ، وسلیم فطرته الولاء من صفحات اوجهي ، وفلتات لساني ، وقرأ المحبّة من لحظات طرفي ، ولمحات شأني ، فلم ترض همَّته العلِيَّة من ذلك الإيراد بدون البيان ، ولم يقنع لنفسه الزكية عن ذلك الخبر إلا بالعيان ، فحرّك ذلك منه بحراً لا يسمح إلا بالدرر ، وحجراً لا يترشّح بغير الفقر ، وإنَّما أُستمدُّ من إنعامه الاقتصاد على ما تطوَّع به من البرّ ، حَتَّى أقوم بما وجب عليَّ من الشكر إن شاء الله) (1).
ومن شعر المحقِّق رحمه الله أيضاً وكتب إلى أبيه :
ص: 385
لِيَهنِكَ أنِّي كلَّ يوم إلى العُلى *** أقدِّمُ رجلاً لن تزلِّ بها النَّعلُ
وغيرُ بعيدٍ أن تراني مقدِّماً *** على الناس حَتَّى قيلَ لیسَ لَهُ مِثْلُ
تطاوعني بكرُ المعاني وعونُها *** وتنقادُ لي حَتَّى کأنِّي لها بَعْلُ
ويشهدُ لي بالفضلِ کلُّ مبرِّز *** ولا فاضلٌ إلّا ولي فوقَهُ فَضْلُ
قال المحقِّق رحمه الله : فكتب إليَّ فوق هذه الأبيات : لئِنْ أحسِنْتَ في شعرِكَ لقد أسأتَ في حقِّ نفسِكَ ، أما علمت أنَّ الشعر صناعة من خلع العفَّة ، ولبس الحرفة ، والشاعر ملعون وإن أصاب ، ومنقوص وإن أتي بالشيء العجاب ، وكأنِّي بكَ قَدْ ارمَمَكَ الشيطانُ بفضيلةِ الشّعر ، فجعلتَ تنفق ما تلفّق بين جماعة ولا يرون لك فضلاً غيره ، فسمَّوك به ، وقد كان ذلك وصمة عليك إلى آخر الدهر ، أما تسمعُ :
ولستُ أرضى أن يقال شاعِرٌ *** تبّاً لها مِنْ عُدَدِ الفضائِلِ
قال رحمه الله : فوقف عند ذلك خاطري حَتَّى كأني لم أقرع له باباً ، ولم أرفع له حجاباً ، وأكَّد ذلك عندي ما رويته بإسناد متَّصل : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله دخل المسجد وبه رجل قَدْ أطاف به جماعة ، فقال : «ما هذا؟» قالوا : علّامة. فقال : «ما العلّامة؟» قالوا : عالم بوقائع العرب ، وأنسابها ، وأشعارها.
فقال صلى الله عليه وآله : «ذلك علم لا يضرُّ من جهله ، ولا ينفع من عَلِمَه».
ومن البيِّن أن الإجادة فيه يفتقر إلى تمرين الطبع ، وصرف الهمة إلى الفكر في تناسب معناه ، ورشاقة ألفاظه ، وجودة سبکه ، وحسن حشوه تمريناً متكرراً حَتَّى يصير خلقاً وشيماً إن ذلك سبب الاستكمال فيه ، والإهمال سبب القصور عنه.
وإلى هذا المعنى أثرت فيَّ جملة أبيات ، وهي :
هجرتُ صوغَ قوافي الشِّعرَ مُذ زَمَنٍ *** هَيهاتَ يرضى وقد أغضبتُهُ زَمَنا
وُعُدْتُ اوقِظُ أفكاري وقَدْ هَجَعَتْ *** عُنقاً وأُزعِجُ عزمي بَعْدَ ما سَکَنا
ص: 386
إنَّ خواطرَ كالآبارِ إن نُزِحَتْ *** طابَتْ وإنْ تُبقِ فيها ماءها أجِنا
فاصبحْ شَكوراً أياديكَ التي سَلَفَتْ *** ما كُنْتُ أُظهِرُ عیبي بَعْدَ ما كَمَنا
ولمكان إضرابي عنه وإعراضي حَتَّى عفى ذكر اسمه ، لم يبق إلا ما هو حقيق أن يرفض ولا يعرض ، ويضمر ولا يظهر ، ولكن مع ذلك أورد ما أدخل في حيز الامتثال ، وإن كان سرُّه أنسب بالحال ، فمنه :
وما الإسرافُ مِنْ خُلُقي *** وإنِّي لَأُجزّأُ بالقليلِ عَنِ الكثيرِ
وما أُعطي المطامِعَ لي قياداً *** ولو خُودِعتُ بالمالِ الخطيرِ
وأُغمِضُ عن عُيوبِ الناس حَتّى *** أخالَ وإن تناجيني ضميري
وأحتملُ الأذى في كلِّ حالٍ *** على مَضَضٍ وأعفو عن كثيرِ
ومَنْ كانَ الإلهُ له حسيباً *** أراهُ النُّجحَ في كُلِّ الأُمورِ
ومنه قوله رحمه الله :
يا راقداً والمنايا غيرُ راقدةٍ *** وغافلاً وسهامُ الدهر ترمیهِ
فيمَ أرتكَ الليالي قُبحَ دُخْلَتِها *** وغَدرَها بالَّذي كانَتْ تصافيهِ
أما أرتك الليالي قبح دخلتها *** وغدرها بالذي كانت تصافيه
رفقاً بنفسِكَ يا مغرورُ إنَّ لها *** يوماً تشيبُ النواصي من دواهيهِ (1)
ولمَّا توفّي رثاه الشيخ محفوظ بن وشاح بقصيدة يقول فيها :
أقلقني الدهرُ وفرطُ الأسى *** وزادَ في قلبي لهيفُ الضَّرامْ
ص: 387
لِفَقْدِ بَحرِ العلمِ والمُرتضى *** في القولِ والعقلِ وفَصْلِ الخِصامُ
أعني أبا القاسِم شَمسَ العُلى *** الماجِدَ المِقدامَ ليتَ الزَّحامْ
أزمّة الدينِ بتدبيرهِ *** مَنظومَةٌ ، أحسِنْ بِذاكَ النِّظامْ!
شَبِّهْ بهِ البازِيَّ في بَحثِهِ *** وعِندَهُ الفاضِلُ فَرْخُ الحَمامْ
قد أوضحَ الدينَ بتصنيفهِ *** من بعدِ ما كانَ شديدَ الظَّلامْ
بعدك أضحَى الناسُ في حَيْرَةِ *** عالِمُهُم مشبَّه بالعَوامْ
لولا الَّذي بيَّنَ في كُتْبِهِ *** لأشرَفَ الدينُ على الإصْطِلامْ
قَدْ قلتُ للقَبرِ الَّذي ضمَّهُ *** کيفَ حَوَيْتَ البحرَ والبَحرُ طامْ؟
عَلَيكَ منِّي ما حدا سائِقٌ *** أو غرَّدَ القُمرِيُّ الفا سَلامْ (1)
ولقد رثاه الشيخ محمود بن يحيى بقصيدة منها :
عزَّ العزاءُ فلاتَ حينَ عَزاءِ *** مِنْ بَعدِ فُرقَةِ سيِّد الشُّعَراءِ
العالمُ الحَبرُ الإمامُ المُرتضی *** عَلَمُ الشَّريعةِ قدوَةُ العُلماءِ
أكذا المنونُ تحطّ أطوادَ الحِجى ***
ويفيضُ منها بَحرُ كلِّ عَطاءِ
ما للفتاوی لا یُرَدُّ جوابُها *** ما للدعاوی غُطِّيتْ بِغِطاءِ
ما ذاكَ إلّا حينَ ماتَ فقيدُنا *** شمسُ المعالي أوحَدُ الفُضَلاءِ
ذهبَ الَّذي كنَّا نصولُ بعزِّه *** ولسانِهِ الماضي على الأعداءِ
مَنْ الفتاوى المُشكِلاتِ يَحُلُّها *** ويُبنُها بالكشفِ والإمضاءِ
مَنْ للكلامِ يَبينُ من أسرارِهِ *** معنی حقیقةِ خالِقِ الأشياءِ
مَنْ ذا لِعلْمِ النحو واللُّغةِ التي *** جاءت غرائِبُها عَنِ الفصَحاءِ
ص: 388
مَنْ للعَروض يَبينُ من أسراره *** الخافي ومن للشعرِ والشُّعراءِ
ما خِلْتُ قَبلَ يُحَطُّ في قَعْرِ الثرى *** إنَّ البدورَ تغيبُ في الغبراءِ
الموتُ مَحفوظٌ وأبقى بَعدَه *** غدرٌ لَعَمرُكَ موتُهُ وبقائي
مولايَ شمسَ الدّينِ يا فخرَ الوَرى *** مالي أُنادي لا تُجيبُ ندائي (1)
وأمّا شمس الدين فهو : السيِّد فخار بن شمس الدین ، شیخ الشرف معدّ بن فخار بن أحمد بن أبي القاسم محمّد بن الحسين بن محمّد بن إبراهيم المجاب ، الموسوي ، الحائري ، الموصوف في التراجم والإجازات بكل جميل ، وهو مؤلّف کتاب (الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب عليه السلام) ، قال في (اللؤلؤة) : (إنَّ هذا الكتاب كان عندي وقد نقلت أكثره في كتاب (سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد) حيث إنه ذكر في (شرح نهج البلاغة) توقُّفه في إسلام أبي طالب ، قال : وقد أشبعنا معه الكلام في الكتاب المزبور ، وبيَّنا ما في كلامه من القصور) ، انتهى (2).
وعن رجال النيسابوري : أنه توفّي سنة 630.
وممّا ينسب إليه من الشعر هذه الأبيات :
سأغسلُ أشعاري الحسانَ وأهجُر *** القوافي وأقلى ما حَيِيتُ القوافيا
وألوي عن الآداب عُنْقي وأعتَذِرْ *** لَها بَعدَ حُبّي ما أرى القومَ قاليا
فإنِّي أرى الآداب يا أُمَّ مالِكِ *** تزيدُ الفتی ممَّا یَرومُ تنائيا
ص: 389
انتهى (1).
وقال ابن أبي الحديد في شرحه : وصنَّفَ بعض الطالبيين في هذا العصر کتاباً في إسلام أبي طالب ، وبعثه إليَّ وسألني أن أكتب عليه بخطّي نثراً أو نظماً ، أشهد فيه بصحَّة ذلك ، وبوثاقة الأدلة عليه ، فتحرَّجتُ أن أحكم بذلك حكماً قاطعاً ؛ لما عند من التوقُّف فيه ، ولم أستجز أن أقعد عن تعظيم أبي طالب ، فإنِّي أعلم أنَّه لولاه لما قامت للإسلام دعامة. وأعلم أن حقّه واجب على كل مسلم في الدنيا إلى أن تقوم الساعة ، فكتبتُ على ظهر المجلَّد :
ولولا أبو طالب وابنُه *** لما مَثُلَ الدینُ شَخصْاً فقاما
فذاكَ بمَكَّةَ آوي وحامی *** وهذا بِيثربَ جَسَّ الحِماما
تكفَّلَ عبدُ مَنافٍ بأمرٍ *** وأودي فكانَ عليٌّ تَماماً
فقُل في ثبيرٍ مضى بَعْدَ ما *** قضى ما قضاهُ وأبقى شِماما
فلِلّهِ ذا فاتِحاً للهُدى *** وللهِ ذا للمعالي خِتاما
وما ضرَّ مجدَ أبي طالب *** جَهولٌ لَغا أو بَصيرٌ تعامى
کما لا یضرُّ بآيِّ الصَّباحِ *** من ظنَّ ضوءَ النَّهارِ الظَّلاما (2)
وفي فهرست النجاشي : (أنَّ أحمد بن محمّد بن عمّار أبو علي الكوفي ، ثقة جلیل من أصحابنا ، له كتب ، وعدَّ منها كتاب (إيمان أبي طالب)) (3).
ص: 390
وفيه أيضاً : (أنَّ أحمد بن محمّد بن أحمد بن طرخان الكندي أبو الحسين الجرجرائي الكاتب ، ثقة ، صحيح السُّماع ، وكان صديقنا ، قتله إنسان يعرف بابن أبی العبَّاس ، يزعم أنّه علوي ؛ لأنّه أنكر عليه نكرة ، وله كتاب (إيمان أبي طالب) (1).
ولسهل بن أحمد بن عبد الله بن سهل الديباجي كتاب (إيمان أبي طالب) (2).
ولعلي بن حمزة البصري من علماء العامّة معاصر الكليني کتاب (إيمان أبي طالب) (3).
وللشيخ إمام الشيعة معین الدین مسعود بن علي البيهقي کتاب (سلوة الشيعة) (4) ، وفيه الأدلة على تحقيق إيمان أبي طالب تفصيلاً.
ص: 391
وکتاب (منى الطالب في إيمان أبي طالب) للشيخ المفيد أبي سعيد محمّد بن أحمد بن الحسين النيسابوري ، ذكره الشيخ منتجب الدين (1).
وکتاب (إيمان أبي طالب) للشيخ المفيد رحمه الله مذكور في قائمة البحار (2).
وروى أبو الفداء في تاريخه المعروف عن ابن عبَّاس : (أنَّ أبا طالب أسلم عند موته) (3).
ونقل المحقِّق الفريد شهاب الدين أحمد بن محمّد الخفاجي المتوفّى سنة 1069 في كتاب (طراز المجالس) (4) عن خط أبي العبَّاس أحمد بن أبي طالب بن الشّحنة - بالكسر - المحدِّث المشهور ، وابن حجّة الحموي الحنفي في (ثمرات الأوراق) نقلاً عن هشام بن السائب : (أنه لما حضرت الوفاة أبا طالب عمَّ النبي صلى الله عليه وآله جمع إليه وجوه قريش فأوصاهم ، وقال :
يا معشر قريش ، أنتم صفوة الله من خلقه ، وقلب العرب ، وفيكم السيِّد المطاع ، وفيكم المقدِّم الشجاع ، والواسع البال ، واعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المآثر نصيباً إلا أحرزتموه ، ولا شرفاً إلا أدركتموه ، فلكم بذلك على الناس الفضيلة ، ولهم إليكم الوسيلة ، والناس لكم حرب وعلى حربكم ألْبٌ ، وإني اُوصيكم بتعظيم هذه البَنيَّة ، فإن فيها مرضاةً للربّ وقواماً للمعاش ، ونبأةً (5) للوطأة ، صِلوا أرحامكم ولا
ص: 392
تقطعوها ، فإنَّ في صلة الرحم منسأةً للأجل وزيادةً للعلم ، واتركوا البغي والعقوق فبهِما هَلَكَتِ القرونُ قبلَكُم ، وأجيبوا السائل وأعطوا الداعي فإنّ فيهما شرفَ الحياة والممات ، وعليكم بالصدق في الحديث ، وأدُّوا الأمانة ، فإنَّ فيهما محبّةً للخاص ومَكْرُمَةً للعام. وإنِّي اُوصيكم بمحمّد خيرا ، فإنَّه الأمين في قريش ، والصدِّيق في العرب ، وهو الجامع لكل ما أوصيتكم به ، وقد جاء بأمر قَبِلَهُ الجَنانُ ، وأنكره اللّسان مخافة الشنآن.
وأيمُ اللهِ : كأنَّي أنظر إلى صعاليك العرب وأهل الوبر في الأطراف والمستضعفين من الناس قَدْ أجابوا دعوته ، وصدَّقوا كلمته ، وعظّموا أمره ، فخاض بهم غمرات الموت ، فصارت رؤساء قريش وصنادیدها أذناباً ، ودورها خراباً ، وضعضاؤها أرباباً ، وأعظمهم عليه أحوجهم إليه ، وأنفرهم منه أحظاهم عنده ، قَدْ مَحَضَتْهُ العربُ ودادَها ، وأصفت له فؤادها ، وأعطت له قيادها دونكم.
يا معشر قريش ، وكونوا له ولاة ، ولحزبه حماة ، والله لا يسلك أحدكم سبيله إلّا رَشُدَ ، ولا يأخذ أحد بهديه إلا سَعِدَ ، ولو كان لنفسي مَدَّةٌ أو لأجلي تأخيرٌ لكففتُ عنه الهزاهز ، ولدفعت عنه الدواهي ، ثُمَّ هلك) (1).
قال الخفاجي : (ومن الغريب هنا ما قاله القرطبي : سمعت أنَّ الله أحيا للنبيّ صلى الله عليه وآله عمَّه أبا طالب فآمن به. كذا في شرح البخاري للعيني في التفسير من سورة (التوبة)) ، انتهى (2).
وأما عند الشيعة فإيمانه من المسلَّمات ، بل ضروري.
ص: 393
وأمّا الإمام أبو الفضل : فهو سديد الدين شاذان بن جبرئيل بن إسماعيل أبي طالب القمّي ، نزيل مهبط وحي الله ، ودار هجرة رسول الله ، صاحب المؤلَّفات البديعة التي منها رسالة (إزاحة العلّة في معرفة القبلة) ، وقد أدرجها العلَّامة المجلسي رحمه الله في البحار (1) ، وكتاب (الفضائل) المعروف ومختصره المسمّى ب-(الروضة) (2).
وله كتاب (تحفة المؤلف الناظم ، وعمدة المكلّف الصائم) وکان معاصراً لابن إدريس الحِلّي صاحب (السرائر) (3) ولم أعثر على من ذكر تاریخ وفاته (4).
وأمّا الشيخ العماد فهو : أبو جعفر محمّد بن أبي القاسم علي بن محمّد بن علي الطبري الآملي ، كان مجاور النَّجف الأشرف في عشر سنين وخمس مائة ، قرأ على الشيخ أبي علي ابن الشيخ أبي جعفر الطوسي رحمه الله ، وله تصانیف منها : كتاب (الفرج في الأوقات ، والمخرج بالبيِّنات) و (شرح مسائل الشيعة) (5) وله
ص: 394
أيضاً كتاب (بشارة المصطفى لشيعة المرتضی) سبعة عشر جزءاً ، وكتاب (الزهد والتقوى) (1).
وأمّا أبو علي : فهو الشيخ المؤتمن مفيد الدين الحسن بن محمّد الطوسي ، له كتب منها :
(الأمالي) المعروف ، الَّذي هو غير أمالي والده الشيخ الطوسي ، وإن كانت أخباره عن والده أيضاً ، ومنها (شرح نهاية والده) ، و (المرشد إلى سبيل المتعبِّد) ، وكان من أعاظم تلامذة والده والدَّيلمي وغيرهما.
وعن جدِّي المجلسي : (أنه كان ثقة فقيهاً ، عارفاً بالأخبار والرجال) (2).
وقَدْ يلقَّب : بالمفيد الثاني ، واُمُّه بنت الشيخ المسعود ورَّام ، وكانت فيها الفضل والصلاح ، ولها ولأُختها اُمّ السيِّد ابن طاووس إجازة على جميع مصنَّفاته ورواياته ، ويثني عليهما ، ودفن في النَّجف بجنب أبيه ، ولم أعثر على تاريخ وفاته (3).
ص: 395
وأمَّا أبو جعفر والده فهو : محمّد بن الحسن بن علي الطوسي رحمه الله وفي ریاض العلماء : (أنَّ المسعودي صاحب التاريخ هو جدّ الشيخ الطوسي رحمه الله من طرف أُمه ، كما يقال) (1).
وكيف كان فهو شيخ الطائفة المحقّة ، ورافع أعلام الشريعة الحقَّة ، إمام الفرقة بعد الأئمَّة المعصومين ، وعماد الشيعة الإمامية في كلّ ما يتعلَّق بالمذهب والدین ، محقِّق الأُصول والفروع ، ومهذِّب فنون المعقول والمسموع (2).
ثقة ، صدوق ، عین ، عارف بالأخبار والرجال والفقه والأُصول والكلام والأدب ، جميع الفضائل تنسب إليه ، صئَّف في كل فنون الإسلام ، وهو المهذِّب للعقائد في الأُصول والفروع ، والجامع لكمالات النفس في العلم والعمل ، وكان تلميذ الشيخ المفيد محمّد بن النعمان.
ولد قدس الله روحه في رمضان سنة 385 ، وقدم العراق في شهور سنة 408 ، وتوفي رحمه الله ليلة الاثنين في الثاني والعشرين من المحرَّم سنة 460 ، بالمشهد المقدَّس الغروي ، ودفن بداره.
ص: 396
قال الحسن بن مهدي السليقي : (تولَّيت أنا والشيخ أبو محمّد بن عبد الواحد العين زربي ، والشيخ أبو الحسن اللؤلؤي غسله في تلك الليلة ودفنه. وكان يقول أولاً بالوعيد ، ثُمَّ رجع وهاجر إلى مشهد أمير المؤمنين عليه السلام خوفاً من الفتن التي تجددت ببغداد وأحرقت كتبه ، وکرسياً كان يجلس عليه للكلام) (1).
ويعلم من هذا التاريخ أنه رحمه الله ولد بعد وفاة الصدوق رحمه الله بأربع سنين (2) ، وأنه عمَّر خمساً وسبعين سنة ، وأنه يوم وروده العراق كان في سن ثلاث وعشرین ، وإن مقامه فيها مع المفيد كان نحواً من خمس سنين ، فإنه رحمه الله توفي سنة 413 (3) ، ومع السيِّد المرتضی نحواً من ثمان وعشرين سنة ، فإنه رحمه الله توفّي سنة 436 (4) وبقي بعد السيِّد أربعاً وعشرين سنة : اثنتي عشرة سنة منها في بغداد ، لأنَّ الفتنة التي كانت بين الشيعة وأهل السنَّة ، وصارت سبباً لمهاجرته من بغداد ، كانت سنة 448 كما ستعرف ، فكان بقاؤه في المشهد الغروي اثنتي عشرة سنة ، ودفن في داره ، وقبره مزار يتبرَّكُ به ، وصارت داره مسجداً باقياً إلى الآن (5).
ص: 397
قال جدِّي بحر العلوم في رجاله : (وقد جدَّد مسجده في حدود سنة 1198 ، فصار من أعظم المساجد في الغري المشرَّف ، وكان ذلك بترغيبنا بعض الصلحاء أهل السعادة) ، انتهى (1).
وقال القاضي نور الله رحمه الله في مجالسه : (ذكر ابن كثير الشامي في تاريخه في ترجمة الشيخ : أنه كان فقيه الشيعة ، مشتغلاً بالإفادة في بغداد ، إلى أن وقعت الفتنة بين الشيعة والسنة سنة 448 ، واحترقت كتبه وداره في باب الكرخ ، فانتقل إلى النَّجف ، وبقي هناك إلى أن توفّي في شهر محرم الحرام سنة 460) ، انتهى (2).
ص: 398
وعن ابن الجوزي في تاريخه فيمن توفّي سنة 460 من الأكابر : (أبو جعفر الطوسي : فقيه الشيعة ، توفّي في مشهد أمير المؤمنين عليه السلام) (1).
وفي (تاريخ الكامل) في حوادث سنة 460 في المحرم أيضاً : (توفّي أبو جعفر الطوسي فقيه الإمامية بمشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام) (2).
وقال تاج الدین بن تقي الدين السبكي الشافعي المتوفّى سنة 771 في (طبقات الشافعية) : (محمّد بن الحسن بن علي أبو جعفر الطوسي ، فقيه الشيعة ومصنفهم كان ينتمي إلى مذهب الشافعي ، له تفسير القرآن ، وأملي أحاديث وحکایات تشتمل على مجلدين ، قدم بغداد وتفقه على مذهب الشافعي ، وقرأ الأُصول والكلام على أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان المعروف بالمفيد ، فقیه الإمامية ، وحدث عن هلال الحفار ، روى عنه أبنه أبو علي الحسن ، وقد أحرقت كتبه عدة نوب بمحضر من الناس ، توفّي بالكوفة سنة 460) ، انتهى (3).
ولم أعرف إلى الآن من ذكر في ترجمة الشيخ ، انتماءه إلى الشافعية غير السُّبكي ، ولقَدْ أورده من غير إسناد ولا إضافة إلى كتاب ، ولا موافق له في كتب التواريخ والسِّير المُعدّة لذكر مثل ذلك ، فهو من الأكاذيب الباطلة. وما أبعد ما بين هذا ، وما صرَّح به بعض الأشاعرة في تاريخ مصر) : (من كونه رافضياً ، قويَّ التشيُّع) (4).
ص: 399
ولنعم ما قيل في تاريخ وفاته :
يا مرقَد الطوسيَّ فيكَ قَدْ انطوى *** تُحيي العلومِ فَعُدْتَ أطيبَ مَرْقَدِ
بِكَ شيخُ طائفةِ الدُّعاةِ إلى الهدى *** ومُجَمِّعُ الأحكامِ بَعْدَ تَبَدُّدِ
أودي بِشَهْرِ مُحرَّمٍ فأضافَهُ *** حُزناً بفاجِع رُزئِهِ المُتَجَدِّدِ
وبكى لهُ الشرعُ الشريفُ مؤرِّخا *** (أبكى الهُدى والدينَ فَقْدُ مُحَمَّدِ) (1)
(سنة 460).
ومن محاسن الاتفاق : أن وقع مرقد جدِّنا بحرُ العلوم - طاب ثراه - بجنب مرقد صاحب العنوان ، فإنّه واقع فيما يلي جهة مغرب ذلك المسجد على يسار الداخل إليه من الباب ، قیل : وكان ذلك بموجب وصية منه بذلك لبعض أصحابه وأحبابه ، وولده العلَّامة السيِّد رضا رحمه الله.
وكانت وفاة السيِّد الجد رحمه الله سنة 1212 ، وذكر غير واحد من الأجلَّاء : أنّه لمّا دفن واُهيل عليه التراب سمع الحاضرون قائلاً لا يرون شخصه ، ينشد هذين البيتين ، ولم يعرف قائلهما إلى الآن :
للهِ قبرُكَ من قبرٍ تضَّمَنَهُ *** عِلمُ النبيينَ مِنْ نوحٍ إلى الخَلَفِ
كانَتْ حَياتُكَ إحياءً لِمَا شَرَعوا *** وفي مماتِكَ مَوتُ العِلمِ والشَرَفِ (2)
ص: 400
ولنعم ما قيل في تاريخ وفاته :
غابَ إمامُ العصرِ عنَّا وبانْ *** وخُلّدِ اليومَ بأعلى الجنانْ
فَضَعْضَعَ الدينَ وهدَّ الهُدى *** وأفجَعَ الإسلامَ إنساً وجانْ
کلٌّ له ينعى ونارُ الأسى *** تُضْرَمُ في أحشائِهِ والجنانْ
مَنْ للقضايا بعده والهُدى *** مَنْ للمعاني بعدَهُ والبَيانْ
اليومَ قَدْ غابَ إمامُ الهُدی *** مصباحُنا المُزهرُ فيه المَكانْ
جَدَّ فنالَ الفَخْرَ في جدِّهِ *** وفازَ في الخُلدِ بِحُورٍ حسانْ
مُذْ واحدُ العَصرِ مضى أرّخوا *** (قَدْ فَقَدَ المَهديَ هذا الزَّمانْ) (1)
وفي سنة 1305 جُدِّد بناء هذا المسجد بعد قلعه من أساسه بعناية جدّي العلّامة حسين آل بحر العلوم (2) ، المتوفّى سنة 1306 ، لما آذنت جدرانه إلى الانخفاض والسجود ، فرغب بعض أهل الخير والسعادة في تجديد أساسه ، فاُسّس بنيانه على تقوى ، وأملي من أهل الخيرات الراغبين في القربات أن يلفتوا أنظارهم إلى هذا المسجد العظيم ويصلحوا ما فسد من أطرافه اليوم قبل أن يتسع الخرق على الراقع.
ص: 401
تنبيه : لا ينبغي القدح في من اختار بعض الأقوال التي ذهبت إليها جماعة العامّة ، أو غيرهم من أهل الآراء الفاسدة ، كما سمعت من العلَّامة رحمه الله : أن الشيخ رحمه الله كان يقول أولاً بالوعيد ، ثُمَّ رجع (1).
والقول بالوعيد هو : اختيار عدم جواز عفو الله عن الكبائر عقلاً من غير توبة. كما عليه جماعة الوعيدية ، مثل : أبي القاسم البلخي وأتباعه ، مع أنه خلاف ما اجتمع عليه الإمامية فإنها متَّفقة : على أنَّ المؤمن الَّذي عمل عملاً صالحاً يدخل الجنَّة خالداً فيها ، وأما الَّذي خلط عملاً صالحاً بغير صالح فاختلفوا فيه (2).
فقالت التفضيلية (3) من أهل السُنّة والإمامية أجمع : أنه لا يجب تعذيبهم ، بل قَدْ يعفو الله عنهم ، أو يشفع النبي صلى الله عليه وآله فيهم ؛ لقوله صلى الله عليه وآله : «ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من اُمَّتي» (4) ، وقد يعاقبه لكن عقاباً منقطعاً ؛ لأنه يستحق الثواب.
قال الصدوق رحمه الله في اعتقاداته : (اعتقادنا في الوعد والوعيد : أنَّ من وعده الله على عمل ثواباً فهو منجزه له ، ومن أوعده على عمل عقاباً فهو فيه بالخيار فإنْ عذَّبه فعدله ، وإن عفا عنه فبفضله ، وما ربُّك بظلام للعبيد. وقد قال الله تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾ (5). والله أعلم) ، انتهى) (6).
ص: 402
ويدل عليه من الكتاب قوله تعالى : ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (1).
ومن السُنّة ما ورد في (الكافي) و (تفسير العياشي) معاً ، عن الباقر عليه السلام في تفسير هذه الآية : «أولئك قوم مؤمنون يحدثون في إيمانهم من الذنوب التي يعيبها المؤمنون ويكرهونها ، فأولئك عسى الله أن يتوب عليهم» (2).
وفي تفسير العياشي خاصّة عنه عليه السلام في هذه الآية ، قال : «والعسى من الله واجب ، وإنما نزلت في شيعتنا المذنبين» (3).
قلت : ولا شكّ في استحسان صدق الوعد ، وليس كذلك صدق الوعيد ، ولذا لم يكن من أسمائه تعالی صادق الوعيد ، ويقال له : صادق الوعد.
وقال تعالى : ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ﴾ (4) ، ولم يقل : ووعيده ، بل قال : ويتجاوز عن سيئاته ، مع أنه توعَّد عليها. وأثنى على إسماعيل بأنَّه كان صادق الوعد.
وكتب أرسطا طاليس في كتاب طويل إلى إسكندر بن فیلقوس : (صُنْ وعدَكَ عن الخُلفِ فإنَّه شَيْنٌ ، وشِبْ وعيدَكَ بالعفوِ فإنَّه زَيْنٌ) (5).
ص: 403
وقال الطبرسي في (المجمع) في تفسير قوله تعالى : ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ (1). (ويمكن الاستدلال به على بطلان الإحباط ؛ لأنَّ الظاهر يدل على أنه لا يفعل أحد. شيئاً من طاعة أو معصية ، إلا ويجازى عليها ، وما يقع محبطاً لا يجازى عليه. وليس لهم أن يقولوا : إنّ الظاهر بخلاف ما تذهبون إليه في جواز العفو عن مرتكب الكبيرة ، وذلك لأنّ الآية مخصوصة بالإجماع ، فإنّ التائب معفوٍّ عنه بلا خلاف ، وعندهم إنّ من شرط المعصية التي يؤاخذ بها ، أن لا تكون صغيرة. فجاز لنا أيضاً أن نشترط فيها أن لا يكون ممَّا يعفو الله عنه) (2).
وبالجملة فهو - أي جواز العفو - وإن صار من المسلَّمات عند الإمامية ، إلّا أنّه لم يكن من الأُصول المسلَّمة عند القدماء ، بحيث يوجب عدم القول به قدحاً ، انظر إلى ما ذكره علماء الرجال في ترجمة محمّد بن بشر السوسنجزدي من أنه : كان من عيون أصحابنا وصالحهم ، متكلِّم جيِّد الكلام ، صحيح الاعتقاد ، وكان يقول بالوعيد. كذا في (الخلاصة) (3) ، وقريب منه في (فهرست النجاشي)(4) ، ومع فرض كونه من الأُصول فعدم اختياره لا يوجب قدحاً.
فقد ذهب المفيد رحمه الله إلى : أن الله تعالى لا يقَدْر على غير مقدور العبد. كما هو مذهب الجبائي.
ص: 404
والسيِّد المرتضی رحمه الله إلى مذهب البهشمية من أن إرادته تعالى عرض لا في محلّ.
والشيخ الجليل أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت إلى : جواز اللَّذة العقلية عليه سبحانه ، وأن ماهيته تعالی معلومة كوجوده ، وأن ماهيته الوجود المعلوم ، وأن المخالفين يخرجون من النار ولا يدخلون الجنّة.
والصدوق ، وشيخه ابن الوليد ، والطبرسي في (مجمع البيان) (1) - والسيِّد الجزائري في (الأنوار) ، والمحقِّق الفيض على ما يظهر من سياق كلامه في (الوافي) ، والطريحي في (مجمع البحرین) في مادة (ي. د. ي) ، إلى : جواز السهو على النبي صلى الله عليه وآله (2).
ومحمّد بن أبي عبد الله الأسدي إلى : الجبر والتشبيه (3).
وابن جنید رحمه الله فرّق بین علم النبي صلى الله عليه وآله بالشيء ، وبين علم خلفائه بذلك الشيء ، وكان يمنع من شهادة العبد العدل ، وكان يلحق عرق الجنابة من الاحتلام بالجنابة من الحرام ، وكان يقول بالقياس. فلهذا تركت مُصنِّفاته (4).
وذهب صاحب الجواهر رحمه الله في وجه الجمع بين الأخبار الواردة في الكُرّ من حيث المساحة والوزن ، مع ما هو المعلوم من زيادة مقَدْار المساحة على
ص: 405
مقَدْار الوزن إلى منع علم الإمام عليه السلام بنقص الوزن دائماً عن المساحة ، قال رحمه الله : (ولا غضاضة فيه ؛ لأنَّ علمهم عليه السلام ليس كعلم الخالق ، فقد يكون قدَّروه بأذهانهم الشريفة ، وأجرى الله الحكم عليه) (1).
حَتَّى أنّ العلَّامة الأنصاري رحمه الله قال في ردّه : (ولم أجد من دفع الإشكال. نعم ، دفعه بعض بوجه أشكل ، فإنَّ هذا يرجع إلى نسبة الغفلة في الأحكام الشرعية ، بل الجهل المركّب إليهم! وتقرير الله سبحانه إياهم على هذا الخطأ؟! تعالى الله وتعالوا عن ذلك عُلوّاً كبيراً) (2).
ونسب إلى هشام بن الحكم ، وابن سالم ، ويونس ما هو أعظم من ذلك ، إلى غير ذلك ممَّا يطول تعداده.
والحكم بعدم عدالة هؤلاء لا يلتزم به موحِّد يؤمن بالله ، والَّذي يظهر من كلمات أصحابنا المتقدّمين وسيرة أساطين المحدثين ، أنّ المخالفة في غير الأُصول الخمسة لا توجب الفسق إلّا أن يستلزم إنکار ضروري الدين كالتجسیم بالحقيقة لا بالتسمية ، وكذا القول بالرؤية بالانطباع والانعکاس ، وأمّا القول بها لا معها فلا ، لأنه لا يبعد حمله على إرادة اليقين التام ، وشدَّة الانكشاف العلمي.
وأمّا تجويز إدراك اللَّذة العقلية عليه تعالى مع تفسيرها بإدراك الكمال من حيث إنه کمال ، فلا يوجب فسقاً.
ونسب ابن طاووس ، والخواجة نصير الدين الطوسي ، وابن فهد ، والشهید ، وشيخنا البهائي رحمه الله ، وجدّنا التقي المجلسي الأول ، وغيرهم من الأجلّة إلى
ص: 406
التصوُّف ، وغير خفي أنَّ ضرر التصوُّف إنَّما هو فساد الاعتقاد من القول بالحلول ، والوحدة في الوجود ، أو الاتحاد ، أو فساد الأعمال ، كالأعمال المخالفة للشرع ، والتي يرتكبها كثير من المتصوِّفة في مقام الرياضة والعبادة. وغير خفيّ على المطَّلعين على أحوال هؤلاء الأجلّة ، أنَّهم منزّهون عن كلا الفسادَینِ قطعاً (1).
وبالجملة أكثر الأجلّة ليسوا بخالصين عن أمثال ما أشرنا إليه ، ومن هنا يظهر التأمُّل في ثبوت الغلوّ والفساد للمذهب بمجرد رمي علماء الرجال من دون ظهور الحال.
ولا ريب في أنَّ من بذل وسعه في تحصيل الدليل ، ولم يهتد إليه ، ولم يقف عليه ، فهو معذور عقلاً ونقلاً. ولذا لمّا سئل المحقِّق القمی رحمه الله عن بيانات صاحب الوافي وتأوّلاته ، وأنها حقة أم باطلة؟ أجاب : (بأنَّ هذه التأويلات توجب الإضلال عن الدين ، وانحراف القاصرين ، ولولا احتمال الشبهة في حقِّ صاحب هذه التأويلات فهو مظنَّة التكفير. فتراه قَدْ جعل الشبهة عذراً) (2).
والمنقول عن شيخنا البهائي رحمه الله : (أن المكلَّف إذا بذل جهده في تحصيل الدليل فليس عليه شيء إذا كان مخطئاً في اعتقاده ، ولا يخلد في النار ، وإن كان بخلاف أهل الحق) (3).
وهذا هو السرُّ الواقعي في عدم وجوب القضاء على المخالف إذا استبصر مع إتيانه على وفق مذهبه. فإنَّه فاعل في نفسه ما يراد منه ، ولا يلزم أن يكون
ص: 407
علماء أهل الضلال ورؤساء الكفَّار غیر مخلِّدين في النار إذا أوصلتهم شبههم وأفكارهم الفاسدة إلى ذلك ، من غير اتِّباع لأهل الحق.
وكأبي حنيفة وأحزابه ؛ إذ يمكن أن يقال : لا نسلِّم أن علماء الضلال قَدْ بذلوا جهدهم في طلب الحق ، ولم يقفوا عليه ، حَتَّى يتمَّ الإيراد بأمثال هؤلاء ، ولاسيَّما مع قوله تعالى : ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ (1) ، فيجوز أن يكون منهم من لم يبذل جهده ، وإنَّما بذل الجهد على مذهب الأسلاف عصبية ، ومنهم من بذل الجهد وظهر له الحقّ ، ولكن لحبّ الجاه والدولة والسلطان ، ينقاد إلى الشقاوة ، وقد خالف العامّة جملة من السنن النبوية المروية من طرقهم ؛ لأنّ الشيعة ملازمة لها كمسألة تسطيح القبور ، ونحوها.
وأمّا حديث سهو النبي صلى الله عليه وآله الشائع ذكره في أخبار الأئمة عليهم السلام حسب ما يستفاد من كلام الصدوق رحمه الله في الفقيه (2) ، فيمكن الجواب عنه :
بأنّ ذلك وارد عنهم عليهم السلام ، ولكن لا يلزم وقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وآله لإمكان حمل ما ورد عنهم عليهم السلام على التقنيَّة ؛ نظراً إلى شیوع ذلك عند العامّة بحيث يعدّ من المسلَّمات عندهم.
ففي مصابيح البغوي ومشكوة الطبي : (أنه من المتَّفق على روايته ، كما في صحيح البخاري ، ومسلم ، عن أبي هريرة ، قال : صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة العصر ، فسلّم في رکعتین ....) الحديث (3).
ص: 408
وأما الفتنة التي أوجبت مهاجرة الشيخ من بغداد إلى النَّجف ، فظنّي أنها هي التي ذكرها ابنُ الأثير في حوادث سنة 443 ، ولعلّها خمدت ثُمَّ استجدت في سنة 448 ؛ لأنه ذكر زيادتها في أول سنة 445 ، فمن المحتمل قوياً استمرارها إلى ذلك التاريخ. ولم استحضر - حالَ التحریر - تاریخ ابن کثير لأنظر ما فيه (1).
والمنقول عنه أنه : (وكان سبب هذه الفتنة أن أهل الكرخ شرعوا في عمل باب المساكين وأهل القلائين في عمل ما بقي من باب مسعود ، ففزع أهل الكرخ وعملوا أبراجاً كتبوا عليها بالذهب : (محمّد وعلي خير البشر).
وأنكر السُنّة ذلك وادعوا : أن المكتوب : (محمّد وعلي خير البشر ، فمن رضي فقد شكر ، ومن أبى فقد كفر).
وأنكر أهل الكرخ الزيادة وقالوا : ما تجاوزنا ما جرت به عادتنا فيما نكتبه علی مساجدنا ، فأرسل الخليفة القائم بأمر الله أبا تمام نقيب العبَّاسيين ، ونقيب العلويين ،
ص: 409
وهو : عدنان ابن الرضي (1) ؛ لكشف الحال وإنهائه ، فكتبا بتصديق قول الكرخيين ، فأمر حينئذ الخليفة ونواب الرحيم بكفّ القتال ، فلم يقبلوا ، وانتدب ابن المذهب القاض والزهيري وغيرهما من الحنابلة أصحاب عبد الصمد بحمل العامّة على الإغراق في الفتنة ، فأمسك الملك الرحيم عن كفّهم غيظاً من رئيس الرؤساء لميله إلى الحنابلة ، ومنع هذه السنة من حمل الماء من دجلة إلى الكرخ ، وكان نهر عیسی قَدْ انفتح بثقه (2) فعظم الأمر عليهم. وانتدب جماعة منهم وقصدوا دجلة ، وحملوا الماء وجعلوه في الظروف وصبّوا عليه ماء الورد ونادوا : الماء للسبيل. فأغروا به السُنّة.
وتشدد رئيس الرؤساء على الشيعة (3) فمحوا : (خير البشر) وكتبوا : (عليهما السلام). فقالت السُنّة : لا نرضى إلا أن يقلع الآجر الَّذي عليه محمّد وعلي ، وأن لا يؤذن : (حيَّ على خير العمل) ، وامتنع الشيعة من ذلك ، ودام القتال [من أول صفر] (4) إلى ثالث ربيع الأول ، وقتل فيه رجل هاشمي من السُنّة ، فحمله أهله على نعش وطافوا به في الحربية وباب البصرة وسائر محال السُنّة. واستنفروا الناس للأخذ بثأره ، ثُمَّ دفنوه عند أحمد بن حنبل وقد اجتمع معهم خلق كثير أضعاف ما تقدَّم.
ص: 410
فلمَّا رجعوا من دفنه ، قصدوا باب مشهد التبن (1) [أي مشهد الإمامین الكاظمين عليهما السلام] (2) فأغلق بابه فنقّبوا في سورها وتهدّدوا البوّاب فخافهم وفتح الباب فدخلوا ونهبوا ما في المشهد من قناديل ومحاريب ذهب وفضة وستور وغير ذلك. وأدركهم الليل فعادوا ، فلمَّا كان الغد كثر الجمع فقصدوا المشهد وأحرقوا جميع الترب والآزاج ، واحترق ضریح موسى وضریح ابن ابنه محمّد بن علي ، والجوار والقبتان الساج اللّتان عليهما ، واحترق ما يقابلهما ويجاورهما من قبور ملوك بني بويه معز الدولة وجلال الدولة ومن قبور الوزراء والرؤساء ، وقبر جعفر بن أبي جعفر المنصور ، وقير الأمين محمّد ابن الرشيد ، وقبر اُمّه زبيدة ، وجرى من الأمر الفظيع ما لم يجر في الدنيا مثله.
فلمَّا كان الغد ، خامس الشهر ، عادوا وحفروا قبر موسی بن جعفر ومحمّد بن علي لينقلوهما إلى مقبرة أحمد بن حنبل فحال الهدم بينهم وبين معرفة القبر فجاء الحفر إلى جانبه ، وسمع أبو تمّام نقيب العبَّاسيين وغيره من الهاشميين والسُنّة الخبر ، جاؤوا ومنعوا عن ذلك.
وقصد أهل الكرخ إلى خان الفقهاء الحنفيين فنهبوه وقتلوا مدرِّس الحنفية أبا سعد السرخسی ، وأحرقوا الخان ودور الفقهاء ، وتعدَّت الفتنة إلى الجانب الشرقي فاقتتل أهل باب الطاق وسوق بج والأساكفة وغيرهم ، ولما انتهى خبر إحراق المشهد إلى نور الدولة دبيس بن مزيد ، عظم عليه واشتد وبلغ منه كلَّ مبلغ ، لأنه وأهل بيته وسائر أعماله من النيل كلهم شيعة. فقطعت في أعماله خطبة الإمام القائم بأمر الله
ص: 411
فروسل في ذلك وعوتب فاعتذر بأن أهل ولايته شيعة ، واتّفقوا على ذلك ، فلی أن يشق عليهم ، كما أن الخليفة لم يمكنه كف السفهاء عما فعلوا بالمشهد ما فعلوا) ، انتهى (1).
وأمّا المفيد : فقد كان كثير المحاسن ، جم المناقب ، حديد الخاطر ، دقت الفطنة ، مُتَضلِّعاً بالرجال والأخبار والأشعار ، وأوثق أهل زمانه في الحديث. صاحب التوقيعات المعروفة المهدوية ، على موقِّعها آلاف الثناء والتحيِّة.
وقَدْ ذكر [النجاشي] (2) نسبه هكذا : (أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان بن عبد السلام بن جابر بن النعمان بن سعید بن جبیر بن وهيب بن هلال بن أوس بن سعيد بن سنان بن عبد الدار بن الريان بن قطر بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن کعب بن علة بن خلد بن مالك بن أدد بن زید بن يشجب بن عريب بن زید بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان).
وفي رجال النجاشي : (شيخنا واُستاذنا رضي الله عنه ، فضله أشهر من أن يوصف في الفقه ، والكلام ، والرواية ، والثقة ، والعلم. ثُمَّ عدَّ مؤلفاته وقال : مات رحمه الله ليلة الجمعة الثلاث ليال خلون من شهر رمضان سنة ثلاث عشرة وأربعمائة ، وكان مولده يوم الحادي عشر من ذي القعدة سنة ست وثلاثين وثلثمائة ، وصلَّي عليه الشريف المرتضى : أبو القاسم علي بن الحسين بميدان الأشنان ، وضاق على الناس مع كبره ، ودفن في داره سنين ، ونقل إلى مقابر قريش بالقرب من السيِّد أبي جعفر عليه السلام - عند
ص: 412
الرجلين إلى جنب قبر شيخه الصدوق : أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولویه - وقيل مولده سنة 338) (1).
وفي الفهرست للشيخ الطوسي رحمه الله : (يكنّى أبا عبد الله ، المعروف بابن المعلِّم ، من جملة متكلِّمي الإمامية. انتهت إليه رئاسة الإمامية في وقته ، وكان مقدماً في العلم وصناعة الكلام ، وكان فقيهاً متقدِّماً فيه ، حسن الخاطر ، دقیق الفطنة ، حاضر الجواب. وله قريب من مائتي مصنَّف كبار وصغار.
قال رحمه الله : وكان يوم وفاته يوماً عظيماً لم ير أعظم منه من كثرة الناس للصلاة عليه ، وكثرة البكاء ، من المخالف والموافق) (2).
وعن تاريخ اليافعي المسمّى بمرآة الجنان عند ذکر سنة 413 : (وفيها توفّي عالم الشيعة ، وإمام الرافضة ، صاحب التصانيف الكثيرة ، شيخهم المعروف بالمفيد وبابن المعلَّم ، البارع في الكلام والفقه والجدل ، وكان يناظر أهل كلّ عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية.
قال ابن أبي طيّ : وكان كثير الصدقات ، عظيم الخشوع ، كثير الصلاة والصوم ، خشن اللِّباس.
وقال غيره : كان عضد الدولة وربما زار الشيخ المفيد - ولمَّا فاق في بحث الإمامة على عبد الجبار المعتزلي ، أهدى إليه السلطان المذكور فرساً مقلَّدة بالذهب ، وخلعه بنفائس الخلع ، واقتطع له جملة من القرى التي حول بغداد - وكان شيخاً ،
ص: 413
ربعة ، نحيفاً أسمر ، عاش ستاً وسبعين سنة ، وله أكثر من مائة مصنف ، وكانت جنازته مشهودةّ ، شيَّعهُ ثمانون ألفاً من الرافضة والشيعة ، وأراح الله منه) (1).
وعن تاريخ ابن کثیر الشامي أنه قال فيه : (محمّد بن محمّد بن النعمان ، أبو عبد الله ، المعروف بابن المعلِّم ، شيخ الإمامية الروافض ، والمصنَّف لهم ، والمحامي عن حوزتهم ، كانت له وجاهة عند ملوك الأطراف لميل كثير من أهل ذلك الزَّمان إلى التشيُّع ، وكان مجلسه يحضره خلق كثير من العلماء من سائر الطوائف) (2).
وقال جدّي بحر العلوم رحمه الله : (وحكي عن الشيخ يحيى بن بطريق الحلِّي صاحب كتاب (العمدة) .. وغيره ، أنَّه : ذكر في رسالة نهج العلوم لتزكية الشيخ المفيد رحمه الله طريقين : إحداهما ما يشترك بينه وبين غيره من أصحابنا الثقات).
وثانيهما : ما يختص به ، وهو ما ترويه كافة الشيعة وتتلقّاه بالقبول من أنّ مولانا صاحب الأمر. صلوات الله عليه وعلى آبائه - كتب إليه ثلاثة كتب ، في كلّ سنة كتاباً ، وكان نسخة عنوان الكتاب : للأخ السديد والوليّ الرشيد الشيخ المفيد أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان أدام الله إعزازه.
ثُمَّ قال : وهذا أوفى مدح وتزكية ، وأزکی ثناء وتطرية ، يقول إمام الأُمَّة وخلف الأئمّة عليه السلام.
ثُمَّ قال رحمه الله : وقد يشكل أمر هذا التوقيع بوقوعه في الغيبة الكبرى مع جهالة حال المبلّغ ودعواه المشاهدة المنفيّة بعد الغيبة الصغرى.
ص: 414
ويمكن دفعه باحتمال حصول العلم بمقتضى القرائن واشتمال التوقيع علی الملاحم والأخبار عن الغيب الَّذي لا يطَّلع عليه إلّا الله وأوليائه بإظهاره لهم ، وإنّ المشاهدة المنفيّة : أن بشاهد الإمام ويعلم أنّه الحجّة عليه السلام حال مشاهدته له ، ولم يعلم من المبلغ ادعاؤه ذلك.
وقد يمنع أيضاً امتناعها في شأن الخواص ، وإن اقتضاه ظاهر النصوص بشهادة الاعتبار ، ودلالة بعض الآثار (1).
وقال رحمه الله في فوائده الأُصوليّة في بحث الإجماع بعد اشتراط دخول كل من لا تعرفه ممَّن يحتمل كونه الإمام عليه السلام : (وربّما يحصل لبعض حفظة الأسرار من العلماء الأبرار العلم بقول الإمام عليه السلام بعينه على وجه لا ينافي امتناع الرؤية في مدّة الغيبة ، فلا يسعه التصريح بنسبة القول إليه عليه السلام فيبرزه في صورة الإجماع جمعاً بين الأمر بإظهار الحق والنهي عن إذاعة مثله بقول مطلق ، لكنَّ هذا على تقديره طریق آخر بعيد الوقوع ، مختص بالأوحدي من الناس ، وذلك في بعض المسائل الدينيّة بحسب العناية الربَّانيّة) ، انتهى (2).
فتراه رحمه الله معترفاً بإمكان الرؤية في مثل هذه الأزمنة التي هي زمن الغيبة الكبرى ، وإنّي أعتقد أنّه عنى بقوله : (مختص بالأوحدي من الناس) نفسه القدسيّة ؛ فإنّ وقوع مثل ذلك له ممَّا هو مسلّم عند كافة من تأخَّر عنه (3).
ص: 415
وقال السيِّد المرتضی رحمه الله في تنزيه الأنبياء : (فإن قيل : فإذا كان الإمام عليه السلام غائباً بحيث لا يصل إليه أحد من الخلق ولا يُنتفع به ، فما الفرق بين وجوده وعدمه؟ ... إلى أن قال : الجواب : قلنا : أوّل ما نقوله إنّا غير قاطعين على أنّ الإمام عليه السلام لا يصل إليه أحد ولا يلقاه عليه السلام بشر ، فهو أمر غير معلوم ولا سبيل إلى القطع إليه) ، انتهى (1).
وقال المحقِّق الشيخ أسد الله التستري عليه السلام في رسالة كشف القناع : (الثاني عشر من وجوه الإجماع وهو ملحق بها صورة : أن يحصل لبعض حملة أسرار الأئمّة العلم بقول الإمام الغائب بعينه ، بنقل أحد سفرائه وخَدَمته سرّاً على وجه يفيد اليقين ، أو بتوقيعه ومكاتبته ، كذلك ، أو بسماعه منه مشافهة على وجه لا ينافي في امتناع الرؤية في زمن الغيبة).
ثُمَّ ساق كلامه إلى أن قال : (ولا ريب أن حصول العلم لبعض الخواص يقول الإمام عليه السلام على نحو ما ذكر أمر يمكن في نفسه ، ولوقوعه شواهد من الأخبار والآثار ، ويجوز له التوسل في إظهار الحق بما قلناه ، حيث لم يكن مأموراً بستره مطلقاً ، ولا يمنع الأمر بستره عن الأعداء ، أو عمّن لا يحمل ذلك كما لا يخفى ، فيكون حجّة على نفسه لكونه من السنّة ، وعلى غيره بعد إبرازه - على نحو ما ذكر - لكونه من الإجماع ، وربما يكون هذا هو الأصل في كثير من الزيارات والآداب والأعمال المعروفة التي تداولت بين الإمامية ولا مستند لها ظاهراً من أخبارهم ، ولا من كتب قدمائهم الواقفين على آثار الأئمّة عليهم السلام وأسرارهم ، ولا إمارة تشهد بأن منشأها أخبار مطلقة ، أو وجوه اعتبارية مستحسنة ، هي التي دعتهم إلى إنشائها وترتيبها ، والاعتناء بجمعها ، وتدوينها ، كما هو الظاهر في جملة منها.
ص: 416
کما روی والد العلّامة ، وابن طاووس طاب ثراهما ، عن السيِّد الكبير رضي الدین محمّد بن محمّد الأوي الحسيني المجاور بالمشهد المقدس الغروي قدس الله روحه - عن صاحب الزَّمان صلوات الله عليه في طريق الاستخارة بالسبحة ، وغيره أيضاً على ما يظهر من كلام الشهيد رحمه الله ، وكما هو مروي عنه في قصة الجزيرة الخضراء المعروفة المذكورة في البحار ، وتفسير الأئمة وغيرهما ، وكما سمعه منه عليه السلام ابن طاووس في السرداب الشريف ، وكما علّمه عليه السلام محمّد بن علي العلوي الحسيني المصري في حائر الحسين وهو بين النائم واليقظان ، وقَدْ أتاه الإمام عليه السلام مکرّراً وعلمه إلى أن تعلّمه في خمس ليال وحفظه ثُمَّ دعا به واستجيب دعاؤه ، وهو دعاء العلوي ، المصري ، المعروف ، وغير ذلك ممَّا يقف عليه المتتبع ، ويحتمل أن يكون هو الأصل أيضاً في كثير من الأقوال المجهولة القائل). انتهى (1).
وإنّما آثرنا نقل كلامه بطوله لوفور فوائده ، وغزارة محصوله.
وقال شيخنا البهائي في شرح الحديث السادس والثلاثين من كتاب شرح الأربعين عند قول أمير المؤمنین عليه السلام : «اللهُمَّ بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجية ، إما ظاهر مشهور ، أو خائف مستور» (2) ، أي : (مستتر غير متظاهر بالدعوى إلّا للخواص ، كما كان من حاله عليه السلام في أيام خلافة من تقدم عليه ، وكما كان من حال الأئمة عليه السلام من ولده ، وكما هو في هذا الزَّمان من حال مولانا وإمامنا الحجّة المنتظر محمّد بن الحسن المهدي سلام الله عليه وعلى آبائه الطاهرين) (3).
ص: 417
وقال المجلسي في (غيبة البحار) عند بيان وجه تشبيهه عليه السلام بالشمس : (إنّ الشمس قَدْ تخرج من السحاب وينظر إليه واحد دون واحد ، فكذلك يمكن أن يظهر عليه السلام في أيام غيبته لبعض الخلق دون بعض) (1).
وقال أيضاً في باب (إنه عليه السلام يشهد ويرى الناس ولا يرونه) : (لعلَّه محمول على من يدّعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه عليه السلام إلى الشيعة ، على مثال السُّفراء ، لئلّا ينافي الأخبار التي مضت. وستأتي فيمن رآه عليه السلام). انتهى (2).
ولعلّ المراد بالآثار التي ادعوا شهادتها على المدّعي ، الوقائع المذكور أغلبها في البحار في الباب الَّذي جعله لخصوص من ادّعى الرؤية في الغيبة الكبرى (3) ، وزاد على ذلك العلّامة النوري في رسالته (جنّة المأوى) (4) وكتاب (دار السلام) من الحكايات الصادقة والأحاديث الرائقة في حقّ الفائزين بشرف حضوره عليه السلام (5)، وقد بلغت في حد الكثرة والتواتر ما لا يسع أحداً إنكاره ، أو
ص: 418
خصوص ما رواه في (الكافي) و (الغيبة) للنعماني ، والشيخ الطوسي بأسانید معتبرة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : «لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة ، ولا بد له في غيبته من عزلة ، وما بثلاثين من وحشة» (1).
وظاهر الخبر كما صرّح به شرّاح الحديث أنه عليه السلام : يستأنس بثلاثين من أوليائه في غيبته ، ومن المعلوم أنّ هذا العدد من الرجال يتبادلون في كل قرن لعدم التقدير لعمرهم ، مثل ما قَدْر له عليه السلام وعليه (2).
فما في بعض الأخبار كما في غيبة الشيخ الطوسي ، واحتجاج الطبرسي ، بل وإكمال الدين للصدوق ، أنه خرج التوقيع إلى أبي الحسن السيمري (3) : «يا علي بن محمّد السيمري : اسمع ، أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنك ميّت ما بينك وبين ستة أيام ، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامّة ، فلا ظهور إلّا بعد إذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد ، وقسوة القلوب ، وامتلاء الأرض جوراً ، وسيأتي من شيعتي من يدعي
ص: 419
المشاهدة ؛ ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني ، والصيحة فهو كذّاب مفتر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» (1).
لعلّه محمول على من يدّعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه عليه السلام إلى الشيعة على مثال السُّفراء ، كما وقع ذلك في أثناء الغيبة الصغرى من جماعة من المذمومين الَّذين ادّعوا البابية والسفارة كذباً وافتراء ، كأبي محمّد الحسن الشريعي : فإنه أوّل من ادّعی مقاماً لم يجعله الله فيه ، ولم يكن أهلاً له ، وكذّب على الله وعلى حججه عليهم السلام ، ونسب إليهم ما لا يليق بهم ، وما هم منه ابراء. فلعنه الشيعة وتبرأت منه ، وخرج التوقيع من الإمام عليه السلام بلعنه والبراءة منه.
ثم تبعه في الدعوى من بعده : محمّد بن نُصَير - بالنون المضمومة ، والصاد المهملة المفتوحة - النُّميري ، وأبو طاهر محمّد بن علي بن بلال ، والحسين بن منصور الحلّاج ، وابن أبي العزاقر محمّد ، المعروف بالشلمغاني (2).
وقَدْ خرج التوقيع بلعنهم والبراءة منهم جميعاً على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح نسخته : «عرّفك الله الخير ، أطال الله بقاءك ، وعرَّفك الخير كلَّه ، وختم به عملك - من تثق بدينه وتسكن إلى نيّته من إخواننا أسعدكم الله - وقال ابن داود : أدام الله سعادتكم من تسكن إلى دينه وتثق بنيّته - بأن محمّد بن علي المعروف بالشلمغاني ، عجّل الله له النقمة ولا أمهله قَدْ ارتدّ عن الإسلام وفارقه ، وألحد في دين الله وادّعي ما كفر معه بالخالق جلّ وتعالى ،
ص: 420
وافترى كذباً وزوراً ، وقال بهتاناً وإثماً عظيماً ... إلى أن قال عليه السلام : إننا في التوقّي المحاذرة منه مثل ما كنّا عليه من تقدمه من نظرائه من الشريعي ، والنُّميري ، والهلالي ، والبلالي ، وغيرهم. وعادة الله جلّ ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا جميلة ، وبه نثق ، وإياه نستعين ، وهو حسبنا في كل اُمورنا ونعم الوكيل» (1).
والشلمغاني هو : أبو جعفر محمّد ، ممّن ذهب إلى طهارة جلد الميتة التي هي من حيوان طاهر حال الحياة ، ولو دبغ بشيء من النجس.
وعن الشيخ الطوسي وغيره أنّه : (كان مستقيم الطريقة ، ثُمَّ تغيَّر وظهرت منه مقالات منكرة ، وأن له من الكتب التي عملها في حال استقامته كتاب (التكليف) (2) ، ثُمَّ غلا وظهرت منه مقالات منكرة).
وصرَّح في شهادات اللمعة بكونه من الغلاة(3).
وفي الروضة البهية : (أن هذا الرجل الملعون كان من الشيعة أولاً ، وصنّف کتاباً سمّاه کتاب (التكليف) ، ثُمَّ غلا ، وظهر منه مقالات منكرة فتبرأت الشيعة منه ، وخرج فيه توقيعات كثيرة من الناحية المقدّسة على يد أبي القاسم ابن روح وکیل الناحية ، فأخذه السلطان وقتله). انتهى (4).
والشريعي : كان من أصحاب أبي الحسن علي الهادي عليه السلام ، ثُمَّ الحسن العسكري عليه السلام.
ص: 421
والنُّميري : كان من أصحاب أبي محمّد الحسن بن علي ، فلمَّا توفّي أبو محمّد عليه السلام ادّعى مقام أبي جعفر محمّد بن عثمان.
وكان من أفاضل أهل البصرة علماً ، وكان ضعيفاً ومنه بدؤ النصيرية وإليه ينسبون ، كذا في خلاصة العلّامة (1).
وأما أبو طاهر [محمّد بن علي بن بلال] (2) : فقصته معروفة فيما جرى بينه وبين أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري رضي الله عنه ، وتمسُّكه بالأموال التي كانت عنده للإمام عليه السلام ، وامتناعه من تسليمها ، وادِّعائه أنَّه الوكيل حَتَّى تبرّأ الجماعة منه ولعنوه ، وخرج فيه من صاحب الزَّمان عليه السلام ما هو معروف (3).
وأمّا الحسين بن منصور الحلّاج : فقد ذكر الشيخ رحمه الله له أقاصيص (4) ، وقد ردّ عليه كبار المشايخ المتقدِّمين والمتأخّرين ، كالجنيد والشيخ أبي جعفر محمّد بن بابویه رئیس المحدّثين ، والشيخ الطبرسي ، والمرتضى ، والعلّامة ، وابن طاووس صاحب الكرامات ، والشيخ ابن فهد الحلِّي ، والمجلسي (5).
وجدَّ حامد الوزير للمقتدر العبَّاسي أن يسلّمه إليه ، وسعى في قتله ، وسلّمه إلى الشرطي ليلاً فأصبح يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي القعدة سنة 309 ، فأخرجه إلى باب الطاق فضربه الجلّاد ألف سوط ، فلم يتأوّه شيئاً ، ثُمَّ قطع أطرافه الأربعة ،
ص: 422
ثُمَّ حزّ رأسه ، وأحرق جثته بالنار ، ولمّا صارت رماداً ألقاها في دجلة ، ونصب رأسه على الجسر ، وأرخ بعضهم ذلك بكلمة : (شط).
وأكبر ما نقل في حقه : ما ذكره السيِّد الداماد في (رواشحه السماوية) ، في آخر الراشحة السابعة والثلاثين ، قال : (ولقَدْ رأيت في بعض آثار الصوفية أن الحسین بن منصور الحلّاج كان ينوي في أول شهر رمضان ويفطر يوم العيد ، ويختم القرآن في كل ليلة في ركعتين ، وفي كل يوم في مانتي ركعة ، وكان يلبس السواد يوم العيد ، ويقول : هذا لباس مأتم من يرد عمله. ثُمَّ قال رحمه الله : فلعل هذا في مذهب استحقار الطاعة ، واستكبار المعصية في سبيل العبودية وجه آخر لاتخاذ عيد الفطر بوم مأتم.
وبالجملة : العارف إنما يتعيد بضاحية نهار العرفان ، والعاشق إنما يتنورز بطلوع شمس وجه الحبيب في نيروز خلع الأجساد ، ورفض الأبدان.
جعلنا الله سبحانه من أهل سعادة لقائه ، ومن المبتهجين ببهجة الاستضاءة بنوره ، والابتهاء ببهائه بحرمة أخلائه من سفرائه وأصفيائه من أوليائه) ، انتهى (1).
قال المحقِّق الماحوزي في رجاله (بُلغةُ المُحدّثين) : (والعجب من صاحب مجالس المؤمنين (2) ، وصاحب كتاب محبوب القلوب ، وغيرهما حيث بالغوا في مدحه وادّعوا : أنّه من الأولياء الكُمَّل وهو عجيب). انتهى (3).
ص: 423
وذكروا من جملة كتب المفيد رحمه الله : (آن له كتاباً في الرد على أصحاب الحلّاج ، وهو كافٍ في قدحه ، وفساد طريقته) (1).
قال جدّي بحر العلوم رحمه الله : (ويعلم من تاريخ تولده ووفاته رضي الله عنه أنّه عمَّر خمسة - أو سبعاً - وسبعين سنة ، وأنّه أدرك جميع الطبقة الثامنة ، وثلاث عشرة سنة من الطبقة التاسعة ، ولم يدرك شيئاً من الغيبة الصغرى ؛ فإنّها انقضت بوفاة أبي الحسن علي بن محمّد السمري - آخر السفراء - سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ، وهي سنة تتأثر النجوم ، وولادة المفيد متأخّرة عنها بسبع سنين أو أكثر) (2).
وفي (مجالس المؤمنین) : أنَّ هذه الأبيات لصاحب الأمر عليه السلام وجدت مكتوبة على قبره طاب ثراه :
لا صَوَّتَ الناعي يفقدِكَ إنَّه *** يومٌ على آلِ الرسولِ عظیمُ
إن كُنْتَ قَدْ غُيِّبْتَ في جَدَثِ الثَّرى *** فالعِلمُ والتوحيدُ فيكَ مُقيمُ
والقائِمُ المهديُّ يَفرَحُ كُلَّمَا *** تُلِيَتْ عَليكَ مِنَ الدُّروسِ عُلومُ (3)
وأمّا أبو القاسم فهو : الشيخ المحدِّث ، المُتقِن ، المتبحّر ، الفقيه ، الجليل ، أبو القاسم جعفر بن محمّد بن جعفر بن موسی بن قولويه القمّي.
ص: 424
قال النجاشي : (كان أبو القاسم من ثقات أصحابنا وأجلائهم في الحديث والفقه. روى عن أبيه وأخيه عن سعد ، وقال : ما سمعت من سعد إلّا أربعة أحاديث.
وعليه قرأ شيخنا أبو عبد الله الفقه ومنه حمل ، وكلّ ما يوصف به الناس من جميل وثقة وفقه فهو فوقه ، له كتب حسان ... قرأت أكثر هذه الكتب على شيخنا أبي عبد الله ، وعلى الحسين بن عبيد الله) ، انتهى (1).
وهو من كبار مشايخ شيخنا المفيد ، ومدفون أيضاً في جنبه ، بالقرب من مرقد مولانا الجواد عليه السلام ، وفي بعض التواريخ الفارسية المعروفة ب-(نامه دانشوران) : أنَّه مدفون بقم ، وهو اشتباه ، فإنّ المدفون هناك هو والده أعني : محمّد بن قولویه ، كما هو المصرّح به في جملة من التواريخ.
وله : كتاب (جامع الزيارات) ، وكتاب (فهرست ما كان يرويه من الكتب والأُصول).
ومات رحمه الله سنة 369 ، وكتابه (جامع الزيارات) هو المعروف في زماننا ب-(کامل الزیارات).
وأمّا أبو جعفر فهو : ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكلينيّ الرازيّ ، صاحب (الكافي) وابن اُخت علّان الكليني.
وقال ابن الأثير في جامع الأُصول : (أبو جعفر محمّد بن يعقوب الرازيّ ، الفقيه ، الإمام على مذهب أهل البيت عليهم السلام ، عالم في مذهبهم كبير ، فاضل عندهم مشهور ، وعدّه في حرف النون من كتاب (النبوّة) من المجدَّدين لمذهب الإماميّة على
ص: 425
رأس المائة الثالثة ، إشارة إلى الحديث المشهور المرويّ عن النبيّ صلى الله عليه وآله ، أنّه قال : «الله يبعث لهذه الأُمَّة على رأس كل مائة سنة من يجدَّد لها دينها» (1)) (2).
وقال النجاشی : (ومات أبو جعفر الكليني رحمه الله ببغداد ، سنة 329 ، سنة تناثر النجوم ، وصلّى عليه محمّد بن جعفر الحسني (3) ، أبو قيراط ، ودفن بباب الكوفة.
وقال لنا أحمد بن عبدون : كنت أعرف قبره وقد دُرس (4)) (5).
قال جدّي العلّامة رحمه الله : (ثُمَّ جُدِّد ، وهو إلى الآن مزار معروف بباب الجسر وهو باب الكوفة ، وعليه قُبَّة عظيمة) (6).
قال السيِّد هاشم البحراني في كتابه (روضة العارفین) : (إنَّ بعض ولاة بغداد رأى بناء القبر فسأل عنه ، فقيل : إنّه لبعض الشيعة ، فأمر بهدمه وحفر القبر ، فرأى فيه جسداً بكفنه لم يتغيّر ، ومعه آخر صغير كأنه ولده بكفنه أيضاً ، فأمر بإبقائه وبنى عليه قُبَّة.
ص: 426
وقيل : إنّه لمّا رأى إقبال الناس على زيارة قبر الكاظم عليه السلام حمله النصب على حفر القبر ، وقال : إن كان كما يزعمون من فضله فهو موجود في قبره ، وإلّا منعنا الناس عنه.
فقيل له : إنّ هاهنا رجلاً من علماء الشيعة المشهورين ، ومن أقطابهم اسمه : محمّد بن يعقوب الكليني ، وهو أعور ، فيكفيك الاعتبار بقبره ، فأمر به فوجدوه بهيئته كأنه قَدْ دُفن تلك الساعة ، فأمر بتعظيمه ، وبناء قُبَّة عظيمة عليه ، فصار مزاراً مشهور (1)) (2).
وكيف كان فمعه قبر آخر يقال : (إنّه الكراجكي ، أو الكيدري (3)) (4).
وقَدْ عُلِمَ من تاريخ وفاة هذا الشيخ رحمه الله أنّ طبقته من السادسة والسابعة ، وأنّه قَدْ توفّي بعد وفاة العسكريّ عليه السلام بتسع وستين سنة ، فإنّه قبض عليه السلام 260 ، فالظاهر أنّه أدرك تمام الغيبة الصغرى ، بل بعض أيّام [الإمام] (5) العسكريّ عليه السلام أيضاً.
وفي القاموس : ((كلین) كأمير ، قرية بالريّ منها محمّد بن يعقوب الكليني من فقهاء الشيعة) (6).
ص: 427
وقال جدّي العلّامة : (ومن نظر کتاب (الكافي) الَّذي صنَّفه هذا الإمام - طاب ثراه - وتدبّر فيه تبيّن له صدق ذلك - أي : كونه مجدّداً بمذهب الإماميّة على المائة الثالثة - وعلم أنّه عليه السلام مصداق هذا الحديث - أي : المرويّ عن النبيّ صلى الله عليه وآله - فإنّه کتاب جليل عظيم النفع ، عدیم النظير ، فائق على جميع كتب الحديث بحسن الترتيب ، وزيادة الضبط ، والتهذيب وجمعه للأُصول والفروع ، واشتماله على أكثر الأخبار الواردة عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام ، وقد اتفق تصنيفه في الغيبة الصغرى بين أظهر السفراء في مدّة عشرين سنة ، كما صرَّح به النجاشي (1) وغيره ، وقد ضبطت أخباره في ستة عشر ألف حديث ومائة وتسعة وتسعين حديثاً.
وجدت ذلك منقولاً من خط العلَّامة قدس سره.
وقال الشهيد في (الذكرى) : إنَّ ما في (الكافي) من الأحاديث يزيد على ما في مجموع الصحاح الستَّة للجمهور (2).
وقال في حاشية منه على هذا الموضع : وذكر بعض المتأخّرين أنّ الصحيح منها خمسة آلاف واثنان وسبعون ، والحَسن مائة وأربعة وأربعون ، والموثّق ألف ومائة وثمانية عشر ، والقويّ اثنان وثلاثمائة ، والضعيف تسعة آلاف وأربعمائة وخمسة وثلاثون ، والمجتمع من هذا التفصيل ستّة عشر ألفاً ومائة وواحد وعشرون حديثاً ، وهو لا يطابق الإجمال). انتهى (3).
والأقسام الأربعة إنّما هي في اصطلاح المتأخّرين ، وأمّا على اصطلاح المتقدِّمين فكلَّما في الكتب الأربعة صحيح ، فإنّ الصحيح عندهم ما يوثق
ص: 428
بصدوره ، ونحن وإن وافقنا المتأخّرين في الاصطلاح ولكن نوافق القدماء في الحجيّة ، وإن لم يطلق عليه اسم الصحيح.
وكيف كان ، وله من المصنّفات غير (الكافي) : كتاب (الرد على القرامطة) ، وکتاب (تعبير الرؤيا) ، وكتاب (الرجال) ، وكتاب (رسائل الأئمة عليهم السلام) وکتاب (ما قيل فيهم من الشعر) (1).
وأما عليّ بن إبراهيم صاحب التفسير المعروف ومختصره ... وغيرهما ، ويعبّر عنه ب-(القمّي).
قال النجاشي : (عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي ، أبو الحسن ، ثقة في الحديث ، ثبت ، معتمد ، صحيح المذهب ، سمع فأكثر ، وصنَّف كتباً ، وأضرَّ في وسط عمره ، وله کتاب التفسير) ... إلخ) (2).
قلت : وتفسيره كلّه أحاديث إلّا كلمات يسيرة ، وعبارات نزيرة هي منه ، لكنّه لا يوجد في بعض المقامات ارتباط السابق باللاحق. ومن هنا قال السيِّد البحراني في تفسير (الهادي) في بيان اختلاف كتب الحديث : إنّ كتب الحديث قَدْ صارت في هذا الزَّمان لا تخلو من الاختلاف ، ولا سيّما تفسير علي بن إبراهيم ، فإنه فاقد الائتلاف (3).
ص: 429
وأمّا إبراهيم أبوه ، فهو : إبراهيم بن هاشم ، أبو إسحاق القمّي ، أصله كوفيّ انتقل إلى قمّ ، وهو من أصحاب الرضا والجواد عليهما السلام ، کثیر الرواية ، واسع الطريق ، سدید النقل ، مقبول الحدیث ، له كتب ، روى عنه أجلّاء الطائفة وثقاتها(1).
ذكره العلّامة ، وابن داود في القسم الأوّل ، وقال العلّامة : والأرجحُ قبول روايته (2).
وصرّح بتوثيقه : السيِّد عليّ ابن طاووس في (فلاح السائل) (3).
وقال جدّي بحر العلوم رحمه الله : (والأصح - عندي - أنّه ثقة ، صحيح الحديث. ويدل على ذلك وجوه:
الأوّل : ما ذكره ولده الثقة والثبت المعتمد في (خطبة تفسيره المعروف) فإنّه قال : (ونحن ذاكرون ومخبرون بما انتهى إلينا ، ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الَّذين فرض الله طاعتهم وأوجب ولايتهم) (4) ، ثُمَّ إنه روی معظم كتابه هذا عن أبيه.
الثاني : توثيق كثير من المتأخّرين ولا يعارضه عدم توثيق الأكثر ؛ لأن غايته عدم الاطّلاع على السبب المقتضي للتوثيق ، فلا تكون حجّة على المطَّلع ؛ لتقدم قول المثبت على النافي.
الثالث : تصحيح الحديث من أصحاب الاصطلاح كالعلّامة والشهيدين وغيرهم في كثير من الطرق المشتملة عليه ، كما أشرنا إلى نبذ منها.
ص: 430
الرابع : اتّفاق الأصحاب على قبول روايته ، مع اختلافهم في حجيّة الحَسن ، وفي اكتافهم في ثبوت العدالة بحسن الظاهر ، فلا بد من وجود سبب مجمع على اعتباره كون هو المنشأ في قبول الكل أو البعض ، وليس إلّا التوثيق.
الخامس : أن في تلقّي القمّيين من أصحابنا أحاديثه بالقبول ، مع ما هو المعلوم من حال القمّيين وطريقتهم في الجرح والتعديل وتضيُّقهم في أمر العدالة ، وتسرعهم إلى القدح والجرح [والهجر] (1) والإخراج بأدنى ريبة ؛ دلالة على أنه عندهم بمكانة من الثقة والاعتماد وسلامته من الطعن.
وساق كلامه إلى أن قال : إنّ هذه الوجوه التي ذكرناها وإن كان كلٌّ منها كافياً في إفادة المقصود ، إلّا أنّ المجموع - مع ما أشرنا إليه من أسباب المدح - کنارٍ على علم). انتهى (2).
والمنقول عن والد شیخنا البهائيّ أنّه كان يقول : إنّي لأستحي أن لا أعدّ حدیثه صحيحاً (3).
وللسيد محمّد باقر المعروف بحجّة الإسلام رسالة فيه ، يختار فيها أن حديثه من الصحاح (4).
ص: 431
وأمّا حمّاد بن عيسى فهو : الجُهني وقَدْ ذكر في ضبطه : بالجيم المضمومة والهاء المفتوحة وكسر التون بعدها (1) ، قيل : نسبة إلى جُهينة بن زيد (2).
قال : (دخلت على أبي الحسن الأوّل عليه السلام (3)، فقلت له : جُعِلتُ فداك ، أدعُ الله في أن يرزقني داراً ، وزوجة ، وولداً ، وخادماً ، والحجّ في كل سنة.
فقال : «اللهُمَّ صلِّ على محمّد وآل محمّد وارزقه داراً ، وولداً ، وزوجة ، وخادماً والحجّ خمسين سنة».
قال حمّاد : فلمَّا اشترط خمسين سنة علمت أنّي لا أحجّ أكثر من خمسين سنة.
قال حمّاد : وحججت ثمانياً وأربعين سنة ، وهذه داري قَدْ رزقتها ، وهذه زوجتي وراء الستر تسمع كلامي ، وهذا ابني ، وهذا خادمي ، قَدْ رزقت کل ذلك.
فحجّ بعد هذا الكلام حجّتين تمام الخمسين ، ثُمَّ خرج بعد الخمسين حاجّاً ، فزامل أبا العبَّاس النوفلي القصير ، فغرقه الماء قبل أن يحجّ زيادة على الخمسين ، عاش إلى وقت الرضا عليه السلام وتوفي سنة 209 ، وكان أصله كوفياً ،
ص: 432
ومسكنه البصرة ، وعاش نيِّفاً وتسعين سنة ، ومات بوادي قناة بالمدينة ، وهو واد يسيل من الشجرة إلى المدينة) (1).
وهو من أصحاب الإجماع (2) ، وصرح بتوثيقه الشيخ (3).
وقال النجاشي : (حمّاد بن عيسى ، أبو محمّد الجهني ، مولی ، وقيل : عربي ، أصله الكوفة [و] (4) سكن البصرة ، وقيل : إنه روى عن أبي عبد الله عليه السلام عشرين حديثاً ، وأبي الحسن والرضا عليهما السلام ، ومات في حياة أبي جعفر الثاني عليه السلام ، ولم يحفظ عنه رواية عن الرضا عليه السلام ولا عن أبي جعفر عليه السلام ، وكان ثقة في حديثه صدوقاً ، قال : سمعت من أبي عبد الله عليه السلام سبعين حديثاً ، فلم أزل أدخل الشك في نفسي حَتَّى اقتصرت على هذه العشرين.
وله حديث مع أبي الحسن موسى عليه السلام في دعائه بالحجّ) (5).
ثُمَّ إن هنا أمرين ينبغي التنبيه عليهما :
الأوّل : ما وقع من الكشّي والشيخ هنا من أنّ حمّاداً عاش إلى وقت الرضا عليه السلام (6) ، صريح في أنه لم يدرك من بعد الرضا عليه السلام ، بل ولا تمام زمان
ص: 433
الرضا عليه السلام ، وهذا مناف لما ذكره الكشي من أن وفاته في سنة 209 (1) ؛ إذ من المعلوم أن وفاة الرضا عليه السلام في سنة 203 ، وعليه فقد بقي حماد بعد مولانا الرضا عليه السلام ستّ سنين كما صرّح به النجاشي من أنّ وفاته في حياة أبي جعفر عليه السلام (2).
الثاني : ما صدر من العلّامة هنا ، حيث قال في (الخلاصة) : (دعا له أبو عبد الله الصادق عليه السلام أن يحجّ خمسين حجّة ، ووافقه على ذلك ابن طاووس (3) ، وهو اشتباه ؛ لما قَدْ عرفت من النجاشي والكشّي من أن الدعاء من مولانا أبي الحسن بن جعفر عليه السلام) (4).
جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام ، ويروي هو عن أبي عبد الله عليه السلام. وكان ثقة ، له كتب منها : کتاب (مبعث النبيّ صلى الله عليه وآله وأخباره) ، وكتاب (صفة الجنّة والنار)) ، انتهى (1).
ويشير إلى وثاقته رواية حمّاد بن عيسى المتقدِّم عنه ، كما في الرواية المرويّة في (التهذيب) في باب كمّية الفطر (2) ، وباب حکم العلاج للصائم (3) ، وفي (الكافي) في باب ما يجوز للمحرم أن يلبسه (4). وكذلك عبد الله بن المغيرة ، والحسن بن علي بن فضّال في غير باب من أبواب الفقه ، وهم من أصحاب الإجماع (5) ، فلا عبرة بما في الكشّي عن جبرئيل بن أحمد قال : سمعت محمّد بن عيسى أنه كان يقول : بالتزيُّد) (6) ؛ لما في (الخلاصة) من أنّ في طريقه ضعفاً (7) ؛ وذلك من حيث أنّ جبرئيل مجهول الحال ، مضافاً إلى ما في تعليق الوحيد البهبهاني رحمه الله : (بإمكان توجيه کلام ابن عيسى بأنّ لعلّ مراده بالتزيُّد أمر آخر غير الزيدية) (8) ، ويؤيِّده ما رواه في الكشّي ، عن حمدويه ، عن أيوب بن نوح ، عن
ص: 435
صفوان بن يحيی ، عن أبي خالد القماط ، عن عبد الله ميمون ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «يا بن ميمون ، كم أنتم بمكّة؟ قلت : نحن أربعة.
قال : إنّكم نور الله في ظُلمات الأرض» (1).
وما في (الخلاصة) من : (أن هذا لا يفيد العدالة لأنه شهادة منه لنفسه ، لكن الاعتماد على ما قاله النجاشي حسن ، لو لم يكن في السند مثل صفوان الَّذي أجمع العصابة على تصحيح ما يصحُّ عنه) (2).
ولذا صرَّح الطريحيّ ، والمجلسيّ ، والمحقِّق الماحوزيّ ، بوثاقته (3).
[61] - قال : (ح) ، وعن محمّد بن یعقوب ، عن محمّد بن الحسن وعلي بن محمّد ، عن سهل بن زیاد ، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ ، عن عبد الله بن میمون القدّاح (4).
أقول : قال الشيخ حسين - والد الشيخ البهائي - في رسالته التي عملها في فن الدراية إنّه : (إذا كان للحديث إسنادان أو أكثر ، تامّان أو ناقصان ، كتبوا عند الانتقال من سَنَدٍ إلى آخر : (ح) علامةً للتحويل ، فيَقْرأُ القارئُ (حاء) تامّةً ، ليدلَّ على التحويل.
ومنهم من قال : إنّ هذه (الحاء) رمزٌ عن (صح) ؛ لئلّا يتوهّم أنّ متن الحديث سقط ، ولئلّا يُركّبَ الإسناد الثاني على الإسناد الأوّل ، فيجعلهما واحداً.
ص: 436
والحقّ أنّها من التحويل من إسنادٍ إلى آخر ، أو من الحائل بين الإسنادين ، كما قدّمناه ، وما ذكروه من التعليل ثانياً هو نفس ما قلناه.
ومحمّد بن يعقوب الكليني ، والشيخ الطوسي ، وكثير من محدثينا يقتفون بحرف العطف ، سواء أكان السّندُ الثاني تامًاً أم ناقصاً ، ولا بأس به). انتهى (1).
فأمّا محمّد بن الحسن : فقد قال المجلسي رحمه الله : (إنه مجهول) (2).
والظاهر أنّه : الصفّار ، الثقة ، الأشعريّ ، أبو جعفر الأعرج ، كان وجهاً في أصحابنا القمّيين ، ثقة ، عظيم القدر ، راجحاً ، قليل السقط في الرواية ، له کتب ، توفّي بقم سنة 290 ﻫ رحمه الله (3).
واحتمال كونه ابن الوليد الثقة بعيد ، فإنّ ابن الوليد هذا بنفسه يروي عن الصفّار ، فمن البعيد أن يروي عن سهل بن زياد بلا واسطة ، وعلى فرض كونه : ابن الوليد ، فهو :
محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، أبو جعفر شيخ القمّيين ، وفقيههم ، ومتقدّمهم ، ووجههم.
ويقال : إنّه نزيل (قم) وما كان أصله منها ، ثقة ثقة ، عين ، مسكون إليه ، له کتب ، منها : كتاب ( تفسير القرآن) ، وكتاب (الجامع) ، مات سنة 343 ﻫ (4).
ص: 437
عليّ بن محمّد فهو : أبو الحسن عليّ بن محمّد بن إبراهيم بن أبان الرازي ، الكليني ، المعروف بعَلّان ، خال الشيخ أبي جعفر محمّد بن يعقوب الکليني الراوي عنه في (الكافي) كثيراً.
قال النجاشي : (إنّه ثقة ، فسين ، وقتل علّان بطریق مكّة ، وكان استأذن الصاحب عليه السلام فخرج : (توقّف عنه في هذه السَّنة) ، فخالفَ) (1).
وبسببهبه حكم العلَّامة بأنّ السند حسن أو موثَّق لا يقصران عن صحيح (2).
وعَلّان بفتح العين المهملة ، وتشديد اللّام كما ذكره بعض علمائنا الأعلام (3) ، ومعناه : المبالغة في فعل (العلانية) بناء على استعماله الصحيح متعدياً أيضاً ، كما ينصّ عليه في القاموس (4).
وأمّا سهل بن زياد فقد اضطربت كلمات علماء الرجال ، واختلفت أقوالهم فيه ، حيث يظهر من بعضهم توثيقه ، ومن آخر تضعيفه ، بل قَدْ وقع التصريح من بعضهم بتوثيقه في موضع ، وفي موضع آخر بقدحه ، كما عن الشيخ رحمه الله حيث
ص: 438
قال في موضع من رجاله : إنه ثقة (1) ، وقال في عدة مواضع من فهرسته : إنّه ضعيف (2).
وقال النجاشي : (إنه كان ضعيفاً في الحديث ، غير معتمد فيه. وكان أحمد بن محمّد بن عيسى يشهد عليه بالغلوّ ، والكذب ، وأخرجه من قم إلى الريّ وكان يسكنها ، وقد كاتب أبا محمّد العسكري عليه السلام على يد محمّد بن عبد الحميد العطّار للنصف من شهر ربيع الآخر سنة 255 ، ذكر ذلك أحمد بن علي بن نوح ، وأحمد بن الحسين ، رحمهما الله. له كتاب (التوحيد)) ، انتهى (3).
وعن الغضايري إنه : (كان ضعيفاً جداً ، فاسد الرواية والمذهب) (4).
ومثله عن الخلاصة (5).
وقال جدّي الصالح في (شرح أُصول الكافي) : (إنَّه ضعيف في ضَعَفَة ، وترك فيه ذكر الضعفاء والمجاهيل) (6).
وقال في التعليقة : (سهل بن زیاد اشتهر الآن ضعفه ولا يخلو من نظر ؛ لتوثيق الشيخ وكونه كثير الرواية جداً ؛ ولأنّ رواياته سديدة مقبولة مفتی بها ؛ ولرواية جماعة من الأصحاب عنه كما هو المشاهد.
ص: 439
وصرّح به هنا النجاشي ، بل ورواية أجلائهم عنه ، بل وإكثارهم من الرواية عنه منهم عدّة من أصحاب الكليني ، وسيجيء ذكرهم في الخاتمة ، والكليني مع نهاية احتياطه في أخذ الرواية واحترازه عن المتَّهمين كما هو ظاهر ومشهور. وينبِّه علیه ما سيجيء في ترجمة إكثاره من الرواية عنه بمكانٍ ، لا سيَّما في (كافيهِ) الَّذي قال في صدره ما قال ، فتأمّل.
وبالجملة ، أمارات الوثوق والاعتماد والقوة التي مرَّت الإشارة إليها مجتمعة فيه كثيرة ، مع أنا لم نجد من أحد من المشايخ القدماء تأمُّل في حديثه بسببه ، حَتَّى أنَّ الشيخ رحمه الله مع أنه كثيراً ما تأمّل في أحادیث جماعة بسببهم ، لم يتَّفق [في كتبه] مرّة ذلك بالنسبة إليه ، بل وفي خصوص الحديث الَّذي هو واقع في سنده ربما يطعن ، بل ويتكلّف في الطعن من غير جهته ، ولا يتأمّل منه أصلاً). انتهى (1).
وظنّي : أن منشأ التضعيف ؛ ما سمعته من حكاية أحمد بن محمّد بن عیسی وإخراجه من (قم) ، وشهادته عليه بالغلوّ والكذب. وهذا ممَّا يضعِّف التضعيف ويقوي التوثيق عند المنصف المتأمّل ، لا سيَّما المطلع على حالة أحمد ، وما فعله بالبرقي (2) ، وقاله في علي بن محمّد بن شيرة ، ورد النجاشي عليه (3) ، وإن أهل (قم) كانوا يخرجون الراوي بمجرد توهم الريب (4).
ص: 440
وفي ترجمة محمّد بن أورمه ما يقويه ، لاسيَّما أنه صنف كتاباً في ّالرد على الغُلاة ، وورد عن الهادي عليه السلام : «أنّه برئ ممَّا قذف به ، ومع ذلك كانوا يرمونه بالغلوّ» (1).
وتوثيق الشيخ له في (رجاله) لا يعارضه تضعيفه في (الفهرست) ، فإنّ تصنيف الرجال مؤخّر عن (الفهرست) ، فيكون التوثيق فيه دليلاً على إعراضه عمّا في (الفهرست) فيحكم بموثقية حديثه ، بناءً على أنّ التعارض بين التوثيق المذكور وبين ما ذكره الغضائري من تعارض العموم والخصوص مطلقاً ؛ إذ لفظ (ثقة) ظاهر في كون الرجل : إمامياً عادلاً ضابطاً ، فعند التعارض بالتصريح على فساد العقيدة يحمل على أن المراد : الموثَّقية ، مع أنَّ الَّذي يظهر من تتبُّع الأخبار الصادرة عن سهل انتفاء الغلوّ عنه ، ولعلَّ نسبة الغلوّ إليه وإلى أضرابه من قبيل ما قيل : من أنَّ الظاهر من القدماء - لاسيَّما القمييّن منهم - أنّهم كانوا يعتقدون للأئمة منزلة خاصة ، وكانوا يعدون التعدّي عنها ارتفاعاً وغلواً ، مع أنَّ ما سمعته من النجاشي في ترجمته من أنّ له كتاب (التوحيد) (2) ينافي المصير إلى الغلوّ بالمعنى المردود ، مع أن الظاهر منه : أن نسبته إلى الغلوّ وأمثاله من فساد العقيدة غير محقّقة عنده ، بل من حيث ذكره ابن عیسی.
ص: 441
وممّا يدل على مدحه أيضاً : أنَّه ممَّن كاتب العسكري عليه السلام لاسيَّما على يد محمّد بن عبد الحميد الَّذي وثَّقه النجاشي (1) ، والعلَّامة (2) ، وأنه يروي عن ثلاثة من الأئمة : الجواد عليه السلام ، والهادي عليه السلام ، والعسكري عليه السلام ، كما في رجال الشيخ رحمه الله (3).
وقال جدّي بحر العلوم رحمه الله : (وأمّا سهل ، فقد اشتهر ضعفه ، ولا يخلو من نظر ؛ لتوثيق الشيخ ، ولكونه كثير الرواية جداً ، وعندهم أن ذلك من علامات الوثاقة ، بل من أدلَّتها ، ولأن رواياته سديدة مقبولة مفتى بها ، ولرواية الأجلاء عنه ، ولعدم تأمُّل المفيد فيه ؛ حيث ذكر في رسالة الردّ على الصدوق حديثاً دالّاً على مطلوب الصدوق رحمه الله وسهل في سنده ، وطعن عليه بوجوه كثيرة ، وبذل جهده في الطعن على ذلك ، وتشبَّث في طرحه وأنه لا أصل له بما أمكنه ، ولم يقدح في سهل بن زیاد. ولكونه من مشايخ الإجازة وهو دليل الوثاقة) ، انتهى (4).
وممّا يدل على أن شيخية الإجازة دليل على الوثاقة كلام المجلسي رحمه الله في (الوجيزة) ، فإنّه بعد أن ضعّفَ سهل بن زياد المذكور ، قال : (وعندي لا يضرُّ ضعفه ؛ لكونه من مشايخ الإجازة) ، انتهى (1).
فبعد ما سمعت كلماتهم الدالّة بعضها على القدح والآخر على المدح ، لا يبعد القول بتوثيقه ، ووثاقة أخباره بالمعنى الأعم.
وأمّا جعفر بن محمّد الأشعري فهو : جعفر بن محمّد بن عبد الله الَّذي يروي عن ابن القدّاح كثيراً - كما في السند أيضاً - أو هو جعفر بن محمّد بن عیسی [الأشعري] أخو أحمد (2).
وفي التعليقة : (الراجح هو الأول ، وروى عنه محمّد بن [أحمد بن] يحيى ولم تستثن رواياته من رجاله ، وفيه دليل على ارتضائه ، وحسن حاله ، بل مُشعر بوثاقته - كما أشرنا إليه في الفوائد - مضافاً إلى كونه كثير الرواية وأنهم أكثروا من الرواية عنه) ، انتهى (3).
[92] - قال رحمه الله : «وعن محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن جعفر بن محمّد الأشعري ، عن عبد الله بن میمون القدّاح ، عن أبي عبد الله عليه السلام».
ص: 443
أقول : أما محمّد بن يحيى فهو : أبو جعفر العطّار القمِّي ، الثقة ، الجليل القدر ، المشهور ، شيخ أصحابنا في زمانه ، ثقة ، عين ، كثير الحديث ، وذكر النجاشي له كتباً منها : كتاب (مقتل الحسين عليه السلام) ، وكتاب (النوادر) (1).
وقال الطريحي في (درایته) : (ويعرف أنه أبو جعفر العطّار الثقة برواية الكليني عنه ، ورواية ابنه أحمد عنه) (2).
وأمّا أحمد بن محمّد فهو : أحمد بن محمّد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص بن السائب بن مالك بن عامر الأشعري ، من بني ذُخْران بالذال المعجمة المضمومة والخاء المعجمة الساكنة ، والألف والنون بعد الراء ، وما في (الإيضاح) من أنّه : بالراء والنون بعد الألف اشتباه بین ابن عوف بن الجُماهر بضم الجيم والراء بعد الهاء (3) وابن الأشعر ، يكنّى أبا جعفر.
قال النجاشي : (أوّل من سكن (قم) من آبائه سعد بن مالك بن الأحوص ، وكان السائب بن مالك وفد إلى النبي صلى الله عليه وآله وأسلم ، وهاجر إلى الكوفة ، وأقام بها.
وأبو جعفر رحمه الله شيخ القميين ، ووجههم ، وفقيههم ، غير مدافع ، لقي الرِّضا عليه السلام ، وله كتب ، ولقي أبا جعفر الثاني عليه السلام ، وأبا الحسن العسكري ، انتهى ما في النجاشي ملخَّصاً) (4).
ص: 444
وفي (خلاصة الأقوال) : (أنّه كان ثقة ، وله كتب ذكرناها في الكتاب الكبير) (1).
وبالجملة : فوثاقته متَّفق عليها بين الفقهاء وعلماء الرجال من غير تأمّل غميزة.
وفي المشتركات : (يعرف ابن محمّد بن عیسی بوقوعه في وسط السند ، ويروي عنه أحمد بن علي بن أبان ومحمّد بن يحيى العطار ... إلخ) (2).
واعلم : إنّا حيث التزمنا أن نذكر في شرحنا هذا ترجمة الرواة الواقعين في سلسلة سند كل رواية تعرّض لها المصنِّف رحمه الله ، ومن المعلوم أنّ سلسلة الرواية تنتهي إلى أحد الأئمّة الغرر والأوصياء الاثني عشر ، فلم نستجز إهمال ذكرهم ، وعدم القيام بواجب حقّهم ، وأداء مفروض خدمتهم ، فلا جرم أن أنهينا الكلام في ذلك إلى اثني عشر مقاماً :
ص: 445
ص: 446
علي بن أبي طالب عليه السلام ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، ولد بمكّة المشرّفة في وسط الكعبة ، يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من رجب ، سنة ثلاثين من عام الفيل على ما نقله جلّ أصحاب التاريخ. والمشهور ما بين الخاصة والعامّة أنّه ولد بين العمودين على البلاطة الحمراء (1)
قال الصدوق رحمه الله : (ومن صلّى في الكعبة صلّى إلى أيِّ جوانبها شاء ، وأفضل ذلك أن يقف بين العمودين على البلاطة الحمراء ، ويستقبل الركن الَّذي فيه الحجر الأسود) (2).
وممَّن صرّح به صاحب (عمدة الطالب) ، وابن الصبّاغ ، ورواه الفقيه الشافعي المعروف بابن المغازلي في (المناقب) (3).
و [ذكره] علي بن [محمّد بن] أحمد المكّي في (الفصول المهمة) نقلاً عن کتاب (المناقب) لابن المغازلي (4). (5)
ص: 447
[و]قال : (ولم يولد بالبيت الحرام قبله أحد سواه ، وهي فضيلة خصّه الله تعالى بها ؛ إجلالاً له ، وإعلاءً لمرتبته ، وإظهاراً لمكرمته (1) (2).
مات أبوه أبو طالب لأربع بقين من رجب السنة العاشرة من البعثة ، وأيو طالب اسمه (عبد مناف) ، كما في رواية الصدوق في معاني الأخبار) (3).
وقيل : اسمه عمران ، كما في بعض زيارات النبيّ صلى الله عليه وآله المرويّة في (البحار) بعد قول الزائر : (السلام على اُمَّك آمنة بنت وهب ، السلام على عمّك عمران أبي طالب) (4).
والأوّل أصح.
واُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، مربّية رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأوّل من هاجرت مع النبيّ صلى الله عليه وآله من النساء من مكّة إلى المدينة تمشي على قدميها. وهي التي بشّرت زوجها أبا طالب برسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال لها أبو طالب : (يكون
ص: 448
لك ولد من بعد ثلاثين سنة يشبه هذا المولود في جميع أطواره وأخلاقه) (1) ، وهذه من كرامات أبي طالب (2).
وكنيته المشهورة : أبو الحسن ، وأبو تراب (3).
ولقبه : المرتضی ، وأمير المؤمنين (4).
كان هو الإمام بعد الرسول صلى الله عليه وآله بالحقّ ، وأفضل أهل العالم ، والغوث الأعظم ، وخليفة الله ، ووارث علم النبيّ صلى الله عليه وآله ، لم يفارقه في مشاهده وغزواته كلّها إلّا في غزوة تبوك خلّفه النبيّ صلى الله عليه وآله في المدينة ، وقال فيه : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيَّ بعدي» (5).
وقال فيه أيضاً : «عليٌّ منّي وأنا منه» (6).
وقالت : «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها» (7).
ص: 449
وفي ریحانة الألبا : (أنّ الدعاء ب-(كرّم الله وجهه) مختصٌّ بأمير المؤمنین علی بن أبي طالب ، كرَّم الله وجهه في لسان الناس ؛ لأنه أسلم صبياً ولم يسجدُ لغير الله.
قال : وقد روت الشيعة فيه أثراً ، وهو أنّ اُمّه وهي حاملة به ، كانت إذا جاءت الصنم أحسّت بتحويل وجهه عنه في بطنها. ولم نر فيه نقلاً لغيرهم(1)) ، انتهى(2).
وكان المسلمون قاطبة في المسائل المشكلة يقتبسون من مشكاة أنواره ، وقد جُمِعَ من كلمات حكمته وآياته ما يشبه كتاب الله العزيز ، کنهج البلاغة (3) وکتاب الوصایا (4) ، وكتاب نثر اللآلي (5) الَّذي جمعه الحسن بن بشر الآمدي ، ودیوان شعره الَّذي قد شرحه جملة من الأكابر من العامّة والخاصة. وفي جملة
ص: 450
من التواريخ أنّ المرويّ صحيحاً أنّ الجفر والجامع من تصنيفات عليّ المرتضی کرم الله وجهه.
وذكر السيِّد الشريف علي بن محمّد الجرجاني في (شرح المواقف) : (أنّ الجفر والجامعة مؤلّفان لأمير المؤمنین رضي الله عنه ، يمكن استخراج الوقائع والحوادث المتعلِّقة بالعالم من هذين المؤلّفين.
قال : ورأيت في مصر من جملته ورقة استخرجوا منها أحوال ملوك تلك المملكة) ، انتهى (1).
والَّذي يظهر من جملة من الأخبار أنهما من خصائص الأئمّة عليهم السلام توجدان عندهم ، وسيأتي في أحوال الصادق عليه السلام ما يؤيّد ذلك فتذكر.
وتوفي عليه السلام بالكوفة ليلة الجمعة ، وفي (الكافي) ليلة الأحد لتسع بقين من شهر رمضان سنة 40 من الهجرة ، وله من العمر ثلاث وستون سنة (2) ، بضربة عبد الرحمن بن ملجم المرادي ، أشقى الأوّلين والآخرين ، وشقيق عاقر ناقة صالح ، وسيأتي تعيين موضع قبره الشريف.
ص: 451
(فصل في ذكر أولاده عليه السلام : وهم كثيرون ، وقَدْ اختلفوا في عددهم ذكوراً وإناثاً غير أنا نذكر ما يلقه جهدنا في تحقيقه.
فالأوّل والثاني الحسن والحسين عليهما السلام.
والثالثة : زينب الكبرى ، زوجة عبد الله بن جعفر ، تکنّی أم الحسن ، ويكفي في جلالة قدرها ، ونبالة شأنها ما ورد في بعض الأخبار من أنها دخلت يوماً على الحسين عليه السلام وكان يقرأ القرآن ، فوضع القرآن على الأرض وقام لها إجلالاً (1).
والرابع : محسن السقط ، قال المفيد في (الإرشاد) : وفي الشيعة من يذكر أنّ فاطمة عليها السلام أسقطت بعد النبي صلى الله عليه وآله ذكراً ، كان سمّاه رسول الله وهو حمل : محسناً ، فعلی قول هذه الطائفة أولاد أمير المؤمنين ثمانية وعشرون ولداً) ، انتهى (2).
وهذا الكلام منه رحمه الله يعطي عدم اعترافه بحديث المحسن وسقوطه کما لا يخفى (3).
والخامسة : اُمّ كلثوم ، تزوَّجها عمر كما سيأتي ، وهؤلاء الخمسة من فاطمة الزهراء عليها السلام.
والسادسة زينب الصغرى : المكنّاة أمّ كلثوم الصغرى ، اُمُّها اُمُّ سعيد ابنة عمرو بن مسعود الثقفي ، تزوجها محمّد بن عقيل فأولدها أبا محمّد عبد الله ،
ص: 452
وعلى ما في (العمدة) عبد الله كان فقيهاً ، محدِّثاً ، جليلاً ، مات بعد الأربعين من الهجرة (1).
والسابع : محمّد بن الحنفيّة ، المكنّى بأبي القاسم ، اُمُّه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفيّة ، أخبر النبي صلى الله عليه وآله به قبل ولادته وسمّاه باسمه ، وكنَّاه بكنيته (2).
الثامن : العبَّاس الأكبر ، المعروف بقمر بني هاشم من فرط حسنه وجماله ، ويكنّى أبا الفضل ، ويلقّب بالسقّا ؛ لأنه استسقى الماء لأخيه الحسين يوم الطف ، وقتل دون أن يبلَّغه إياه ، وقبره حيث استشهد ، وكان صاحب راية الحسين عليه السلام في ذلك اليوم.
وقال الصادق عليه السلام : «كان عمّنا العبَّاس بن علي نافذ البصيرة ، صلب الإيمان ، جاهد مع أبي عبد الله ، وأبلى ًبلاء حسناً ، ومضى شهيداً ، ودمه في بني حنيفة».
وفي (عمدة الطالب) : (أنه قتل وله من العمر أربع وثلاثون سنة) (3).
التاسع : عبد الله الأكبر.
العاشر : جعفر الأكبر ، يكنّى بأبي عبد الله.
الحادي عشر : عثمان الأكبر ، وهؤلاء الأربعة استشهدوا في وقعة الطف ، وهم من بطن فاطمة أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة ، وربيعة هذا هو أخو لبيد الشاعر بن عامر بن کلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ، وليس من بني
ص: 453
دارم التميميين ، وإن ذكره المفيد في (إرشاده) (1) ، ولكن ردّ عليه ابن إدريس رحمه الله في (السرائر) (2) بما عرّفناك ، والقرائن توافق ما ذكره في (السرائر).
الثاني عشر : العبَّاس الأصغر ، ذكره غير واحد من أرباب التواريخ.
قال صاحب الناسخ : (إنّ بعض العلماء زعم أنّ العبَّاس بن علي استشهد في الليلة العاشرة ، مع أن أكثر أهل السير يذكرون شهادته في يوم عاشوراء ، وذلك لأن في أولاد أمير المؤمنين عبَّاسين : الأكبر ، والأصغر ، والَّذي قتل في الليلة العاشرة هو الأصغر ، سبق إلى طلب الماء فنال سعادة الشهادة في تلك الليلة) (3).
ويدلّ على ذلك جملة من عبارات المؤرِّخين من العامّة حيث عبّروا عن أبي الفضل بالعبَّاس الأكبر ، کسبط ابن الجوزي في (التذكرة) ، والشبلنجي في نور الأبصار) ، والشيخ أحمد شهاب الدين الشافعي في (وسيلة المآل في عدَّ مناقب الآل) وهذا الشيخ من أكابر الشافعية (4) ، ذكره صاحب (السلافة) من مشايخ العلماء وأدباء مكّة (5) ، وقد فرغ من تصنيف الكتاب المزبور سنة 1022 ، وعّده صاحب (العبقات) من أجود التآليف.
ص: 454
وممّا ذكرنا يظهر ضعف من وصف أبا الفضل بأنه كان شاباً أمردَ ، بين عينيه أثر السجود ، كما في (الدمعة الساكبة) (1) ، مع أنَّه قَدْ عرفت تصريحهم ، كما في (عمدة الطالب) بأنّه قُتل وله من العمر أربع وثلاثون سنة (2).
فمن المحقِّق أنّ هذا وصف عبَّاس الأصغر.
الثالث عشر : محمّد الأصغر ، اُمّه اُمُّ ولد قُتل بالطف.
الرابع عشر : أبو بكر ، لم يعرف اسمه ، من شهداء الطف ، أمه لیلی بنت مسعود النهشلي ، ولعلَّها هي التي قال المفيد رحمه الله في (رسالة المتعة) : (وروی ابن بابویه بإسناده أنّ علياً عليه السلام نكح امرأة بالكوفة من بني نهشل متعةً) (3).
الخامس عشر : يحيى ، اُمُّه أسماء بن عمیس الخثعمية ، توفّي في حياة أبيه.
السادس عشر : عون ، وهو شقيق يحيی واستشهد في الطف.
السابع عشر : عبيد الله ، وهو شقيق أبي بكر المتقدم ، قُتل في محاربة مصعب بن الزبير مع المختار ، وقبره في المذار من سواد البصرة ، وأهل البطائح يعظّمون مرقده ، ويأتون إلى زيارته ، ومصعب كان يشنَّع على المختار ويقول له : أنت قتلت ابن الإمام.
قال ابن إدريس في مزار (السرائر) : (وقد ذهب شيخنا المفيد في كتاب (الإرشاد) ، إلى أن عبيد الله بن النهشلية ، قتل بكربلاء مع أخيه الحسين عليه السلام وهذا خطأ محض ، بلا مراء ؛ لأَن عبيد الله بن النهشلية ، كان في جيش مصعب بن الزبير ، ومن
ص: 455
جملة أصحابه ، قتله أصحاب المختار بن أبي عبيد بالمذار ، وقبره هناك ظاهر ، والخبر بذلك متواتر ، وقد ذكره شيخنا أبو جعفر (1) في (الحائريات) لمَّا سأله السائل عمَّا ذكره المفيد في (الإرشاد) فأجاب : بأن عبيد الله ابن النهشلية ، قتله أصحاب المختار بن أبي عبيدة بالمذار ، وقبره هناك معروف ، عند أهل تلك البلاد) ، انتهى (2).
قلت : وذكر ما يوافقه أيضاً صاحب (عمدة الطالب) في أوّل كتابه ، فراجع (3).
وفي (مدينة المعاجز) نقلاً عن ابن الراوندي ، أنّه روي عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «جمع أمير المؤمنين عليه السلام بنيه وهم اثنا عشر ذكراً ، فقال لهم : إني اُحبُّ أن يجعل فيّ سُنّة من يعقوب إذ جمع بنيه وهم اثنا عشر ذکراً فقال لهم : إني اُوصي إلى يوسف ، فاسمعوا له وأطيعوا ، وإنّي أوصي إلى الحسن والحسين ، فاسمعوا لهما وأطيعوا.
فقال عبيد الله ابنه : أدون محمّد بن علي - يعني : محمّد بن الحنفية؟
فقال له : أجُرأة على في حياتي؟! كأنّي بك قَدْ وجدت مذبوحاً في فسطاطك لا يدري من قتلك. فلمَّا كان في زمان المختار أتاه فقال [له : ولّني عملا ، قال] (4) : لست هناك ، فغضب وذهب إلى مصعب بن الزبير وهو بالبصرة ، فقال : ولّني قتال أهل الكوفة ، فكان على مقدّمة مصعب ، فالتقوا بحروراء ، فلمَّا
ص: 456
حجز الليل بينهم أصبحوا وقد وجدوه مذبوحاً في فسطاطه ، لا يدري من قتله» (1).
والظاهر من هذه الرواية أنّه لا يحمد كما لا يخفی.
الثامن عشر : محمّد الأوسط ، وأُمُّه أمامة بنت أبي العاص بن الربيع العبشمية ، وأُمُّها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ، ومحمّد هذا قُتل بالطف مع أخيه.
التاسع عشر : عمر الأطرف ، ويقال له : عمر الأكبر ، ويكنّى بأبي القاسم ، ولقب بالأطرف ؛ لأن فضيلته من طرف أبيه ، وأُمُّه أُمُّ حبيب الصهباء التغلبية من سبي الردة ، وذكره صاحب (عمدة الطالب) ، قال : (وكان ذا لَسَنٍ وفصاحةٍ ، وجودٍ وعفّةٍ).
إلى أن قال : (وتخلّف عمر عن أخيه الحسين ولم يسر معه إلى الكوفة ، وكان قَدْ دعاه إلى الخروج معه فلم يخرج. ويقال : إنه لما بلغه قتل أخيه الحسين عليه السلام خرج في معصفرات له ، وجلس بفناء داره ، وقال : أنا الغلام الحازم ، ولو أخرج معهم الميت في المعركة وقتلت.
قال : ولا يصح رواية من روی أنّ عمر حضر کربلاء) ، انتهى (2).
ولعلّه يشير بكلامه الأخير إلى ردّ ما نقله البعض من أنّ عمر المذكور كان حاضراً ملازماً لأخيه الحسين عليه السلام إلى الليلة العاشرة من محرّم ، ثُمَّ فرّ تلك الليلة وتنزل الجوالیق ، ويقال لأولاده : [أولاد] الجواليق (3).
ص: 457
وكيف كان ، قيل : مات عمر ب-(ينبع) وهو ابن سبع وسبعين سنة ، وقيل : خمس وسبعين سنة ، وقيل : استشهد مع أخيه في محاربة مصعب مع المختار وهو وأخوه مع مصعب فاستشهدا جميعاً ، وفي (ينابيع المودة) أن تربته (نهاوند) من أرض العجم (1).
والعشرون : رُقيَّة ، شقيقة عمر المتقدِّم ، زوجة مسلم بن عقيل - كما في رجال الشيخ (2) - اُم ولديه عبد الله ، ومحمّد ، وبنته عاتكة ، والولدان هما المقتولان بالطفّ.
وقبر رُقيَّة في مصر كما صرّح به في (معجم البلدان) (3).
وفي (عمدة الطالب) : (أنَّ زوجة مسلم تسمّى اُمَّ كلثوم بنت علي بن أبي ابي طالب عليه السلام ، وأن بنتها حميدة) (4) ، والله العالم.
الواحد والعشرون : نفيسة ، زوجة عبد الله الأكبر ابن عقيل.
الثاني والعشرون : أمامة ، وقيل : أمانة ، زوجة الصلت بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب.
الثالث والعشرون : ميمونة أيضاً زوجة عبد الله الأكبر ابن عقيل.
الرابع والعشرون : رملة ، وهي شقيقة اُمّ الحسن الآتية.
ص: 458
الخامس والعشرون : اُمّ الحسن ، زوجة سليمان بن علي بن عبد الله بن العبَّاس ، دفنت بالشام مع زوجها ، وهاتان أُمُّهما : اُمّ سعيد بنت عمرو بن مسعود الثقفي.
السادس والعشرون : خديجة الصغرى.
السابع والعشرون : فاطمة ، وهي التي طلبها الشامي في مجلس یزید ، يقال : إنَّها زوجة أبي سعيد بن عقيل.
هذا ما وسعني الاطّلاع عليه في باب أولاده عليه السلام.
وفي رحلة ابن جبير المتوفّى سنة 614 ، أن في بغداد في الطريق إلى باب البصرة مشهداً حفيل البنيان داخله قبرٌ متّسع السّنام ، عليه مكتوب : (هذا قبر عون ومعين ، من أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه) (1).
قلت : قَدْ أصيبا في النهروان (2).
وعمران بن علي : أصيب جريحاً في النهروان ، وقبره في بابل معلوم (3). (4)
ص: 459
تنبيهات :
الأوّل : إنّ في خارج دمشق موضعاً يعرف بالزينبية ، وفيه بقعة يقال : إنّها بقعة زينب الكبرى ، بنت أمير المؤمنين ، ولكن لم أعثر في المزارات المعتبرة والمقاتل ما يؤيّد ذلك ، بل قَدْ صرَّح الفاضل میرزا عبَّاس قلیخان المستوفي في تاريخه (الطراز المذهَّب) بأنّ الَّذي يصح عنده أن زينب لمّا رجعت من الشام توفيت بالمدينة المنوَّرة ، ودفنت هناك.
قال : (ولا أدري متى كانت وفاتها (1) ، ثُمَّ قال : وأظن أنّ البقعة المزبورة هي لزینب الصغرى بنت الحسين عليه السلام ، أو لإحدى بناتها أو أحفادها (2).
هذا ونقل بعض الموثّقين (3) عن اُستاذه المحدِّث النوري أنّه وقع قحط عظیم في المدينة ، وأنّ عبد الله بن جعفر انتقل إلى الشام فراراً من القحط ، ومن قصده الرجوع إلى المدينة بعد ارتفاع القحط عنها ، وكانت زينب معه فاتَّفق أنها مرضت في أيام استقامتها في الشام في القرية التي فيها المزار الآن ، فماتت هناك في ضيعة في تلك القرية) ، انتهى (4).
ويحتمل أن تكون البقعة لزينب الصغرى بنت أمير المؤمنين عليه السلام المكنّاة باُمّ كلثوم.
ص: 460
قال ابن جبير في رحلته : (ومن مشاهد أهل البيت عليهم السلام : مشهد أم كلثوم ابنة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، ويقال لها : زینب الصغرى ، وأم كلثوم ، كنية أوقعها النبيّ صلى الله عليه وآله عليها ؛ لشبهها بابنته أم كلثوم رضي الله عنها ، والله أعلم بذلك ، ومشهدها الكريم بقرية قبليّ البلد تعرف ب-(راوية) على مقَدْار فرسخ ، وعليه مشهد (1) كبير ، وخارجه مساكن ، وله أوقاف ، وأهل هذه الجهات يعرفونه بقبر الستّ اُمّ كلثوم ، مشينا إليه وتبرّکنا برؤيته ، نفعنا الله بذلك (2)) (3).
الثاني : ذهبت الكيسانيّة - وهم أصحاب المختار بن أبي عبيدة الثقفي - إلى إمامة محمّد بن الحنفيّة وفرض طاعته بعد الحسين عليه السلام على المشهور بينهم ، وزعموا أنّه حيٌّ لم يمت ولا يموت حَتَّى يظهر بالحق ، وهو المهديّ يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلِئَتْ ظلماً وجوراً ، وأنّه مقيم بجبل (رضوى) (4) وإلى ذلك يشير كُثَیّر عزّة - بالتصغير - الشاعر المعروف المتوفّى سنة 105 ، وكان کیسانيّ المذهب بقوله :
ص: 461
ألا إنّ الأئمّةَ من قُريشٍ *** ولاةُ الحقّ أربعةٌ سواءُ
عليُّ والثلاثة من بنيهِ *** هُمُ الأسباطُ ليسَ بِهم خَفاءُ (1)
فسبطٌ سِبطُ إيمانٍ وبرٍ (2) *** وسبطٌ غيَّبتهُ كَربَلاءُ
وسبطٌ لا يذوقُ الماءَ (3) حَتَّى *** يقودَ الخيلَ يَقدِمُها اللّواءُ
تغيَّبَ لا يُرى فيهم زماناً *** بِرَضوى عندَهُ عَسَلٌ وماءُ (4)
قال الجوهري في الصحاح : (كيسان : لقب المختار) (5).
والجدّي بحر العلوم في مدح الأئمّة عليهم السلام والردّ على كُثير عزّة على طريقة الكيسانية قصيدة فريدة يقول فيها :
(ألا إنّ الأئمّةَ من قریشٍ) *** ثمانيةٌ وأربعةٌ سَواءُ
کما الأسباط والنقباء نصّاً *** مِنَ المُختارِ ليسَ بهِ خَفاءُ
عليُّ والثلاثة من بنيهِ *** ألعليِّون الهُداةُ الأصفياءُ
وعُدَّتهم مَحامِدَةٌ کِرامٌ *** کذا الحَسنونَ لیسَ بِهِم مِراءُ
وجعفرُ وابنُهُ موسی وكلٌّ *** دليلٌ للهُدی نورٌ ضِياءُ
غَطارِفَةٌ خَضارِمَةٌ كُماةٌ *** جَحاجِحَةٌ ولاةٌ أولياءُ
ص: 462
وقد بيّن بطلان هذا المذهب بما لا مزيد عليه في موضعه (1).
وعلى كل حال ، فمُحمّد بريء من قبول هذه النسبة إليه ، وفي الخبر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : «المحامدةُ تأبی أن يعصى الله عزَّ وجلَّ.
قلت : ومَن المحامدة؟ قال : محمّد بن جعفر ، ومحمّد بن أبي بكر ، ومحمّد بن أبي حذيفة ، ومحمّد بن أمير المؤمنين» (2).
وروى الكليني رحمه الله في الصحيح عن أبي عبيدة وزرارة جميعاً ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام قال : «لمّا قُتل الحسين عليه السلام أرسل محمّد بن الحنفية إلى علي بن الحسين عليه السلام فخلا به ، فقال له : يا ابن أخي ، قَدْ علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله دفع الوصية والإمامة من بعده إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، ثُمَّ إلى الحسن عليه السلام ، ثُمَّ إلى الحسين عليه السلام ، وقد قتل أبوك رضي الله عنه وصلّى على روحه ولم يوصِ ، وأنا عمُّك وصنو أبيك وولادتي من علي عليه السلام في سنّي وقديمي أحقّ بها منك في حداثتك ، فلا تنازعني في الوصية والإمامة ، ولا تحاجّني.
فقال له على بن الحسين عليه السلام : يا عمّ ، اتّق الله ولا تدَّعِ ما ليس لك بحقّ ، إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين. إنَّ أبي يا عمُّ - صلوات الله عليه - أوصی إليّ قبل أن يتوجَّه إلى العراق ، وعهد إليّ في ذلك قبل أن يستشهد بساعة ، وهذا سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله عندي ، فلا تتعرّض لهذا ؛ فإنّي أخاف عليك تقص
ص: 463
العمر وتشتُّت الحال ، إنَّ الله تبارك وتعالى جعل الوصية والإمامة في عقب الحسين عليه السلام فإذا أردت أن تعلم ذلك فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حَتَّى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك».
قال أبو جعفر عليه السلام : «وكان الكلام بينهما بمكّة ، فانطلقا حَتَّى أتيا الحر الأسود ، فقال علي بن الحسين عليه السلام لمحمّد بن الحنفية : أبدأ أنت وابتهل إلى الله عزَّ وجلَّ ، وسله أن ينطق لك الحجر ، ثُمَّ سل. فابتهل محمّد بن الحنفية (1) في الدعاء وسأل الله عزَّ وجلَّ ثُمَّ دعا الحجر فلم يجبه.
فقال علي بن الحسين عليه السلام يا عم لو كُنْتَ وصياً وإماماً لأجابك.
قال له محمّد : فادع الله أنت يا ابن أخي وسله ، فدعا الله عزَّ وجلَّ علي بن الحسين عليه السلام بما أراد ، ثُمَّ قال : أسألك بالَّذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الأوصياء وميثاق الخلق (2) أجمعين ، لمّا أخبرتنا مَن الوصي والإمام بعد الحسين بن علي عليه السلام؟
قال : فتحرَّك الحجر حَتَّى كاد أن يزول عن موضعه ، ثُمَّ أنطقه الله عزَّ وجلَّ بلسان عربي مبين ، فقال : اللهُمَّ إنَّ الوصية والإمامة بعد الحسين بن علي عليه السلام إلى علي بن الحسين بن علي عليه السلام» (3).
ص: 464
قال القاضي ابن خَلَکان : (إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي رضي الله عنه سيولد لك بعدي غلام وقَدْ نحلته اسمي وكنيتي ، ولا تحلّ لأحد من اُمَّتي من بعده وممَّن يسمّى محمّداً ، ويكنّى أبا القاسم) (1).
قال القطب الراوندي في الخرائج : (إنَّ منازعته في الإمامة مع علي بن الحسين وادّعاءه له بعد شهادة الحجر الأسود له ، لإزالة شكوك العوام والمستضعفين ، وكان معتقدا للحقّ معترفاً به) (2).
وعن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله جعفر عليه السلام يقول : «كان أبو خالد الكابلي يخدم محمّد بن الحنفية دهراً وما كان يشكُّ في أنّه إمام حَتَّى أتاه ذات يوم فقال له : جعلت فداك ، إنّ لي حرمة ومودّة وانقطاعاً ، فأسألك بحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأمير المؤمنين عليه السلام ، إلّا أخبرتني أنت الإمام الَّذي فرض الله طاعته على خلقه؟
فقال لي : يا أبا خالد حلّفتني بالعظيم ، الإمام علي بن الحسين عليه السلام عليّ وعليك وعلى كلّ مسلم» (3).
وقال في التعليقة : (وتخلُّفه عن الحسين عليه السلام لعلَّه لعذر أو مصلحة ، والرواية الواردة في ذمِّه لذلك لو كانت صحيحة فلعلَّه أيضاً لمصلحة) (4).
ص: 465
ومن كلامه : (ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بُدّاً حَتَّى يجعل له الله فرجاً) (1).
وكانت ولادته لسنتين بقيتا من خلافة عمر ، ووفاته في محرَّم سنة 81 بالمدينة ، ودفن بالبقيع ، وقيل : خرج إلى الطائف هارباً من ابن الزبير فمات هناك ، وقيل : مات ببلاد (أيلة) (2) - وهي موضع برضوی - وهو جبل ينبع بین مكة والمدينة (3).
وفي معجم البلدان : (أن (خارك) ؛ جزيرة في وسط البحر الفارسي ، قريبة من عبادان معروفة ، وفيه قبر يزار وينذر له ، يزعم أهل الجزيرة أنه قبر محمّد ابن الحنفية رضي الله عنه والتواريخ تأبى ذلك) (4).
وفي العقد الفريد : (أنه وقف محمّد ابن الحنفيّة على قبر الحسين عليه السلام فخنقته العبرة ، ثُمَّ نطق فقال : يرحمك الله أبا محمّد ، فلَئِنْ عزّت حياتك فلقد هدّت وفاتك ، ولنعم الرُّوح روح ضمّه بدنك ، ولنعم البدن بدنٌ ضمّه كفنك ، وكيف لا يكون كذلك وأنت بقيّة ولد الأنبياء ، وسليل الهدي ، وخامس أصحاب الكساء ، غذتك أكفُّ الحقّ ، وربِّيتَ في حجر الإسلام فطبت حيّاً ، وطبت ميتاً ، وإن كانت أنفسنا غير طيبة بفراقك ، ولا شاكّة في الخيار لك) (5).
ص: 466
الثالث : ذكر صاحب (الاستيعاب) : (أَنَّ أُمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وُلِدَت قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ، أُمُّها فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ، خطبها عمر بن الخطاب إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فقال له : إنها صغيرة.
فقال له عمر : زوجنيها يا أبا الحسن ، فإنّي أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد.
فقال له على رضي الله عنه : أنا أبعثها إليك فإن رضيتها زوجتُكَها ، فبعثها إليه ببرد وقال لها قولي : هذا البُرد الَّذي قلت لك.
فقالت ذلك لعمر ، فقال قولي له : قَدْ رضيتُ رضي الله عنك ، ووضع يده على ساقها فكشفها فقالت : أتفعل هذا؟ لولا أنّك أمير المؤمنين لكسرت أنفك.
ثُمَّ خرجت حَتَّى جاءت أباها فأخبرته الخبر ، وقالت : بعثتني إلى شيخ سوء.
فقال : يا بنية إنه زوجكِ ، فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين في الروضة ، وكان يجلس فيها المهاجرون الأوّلون فجلس إليهم ، فقال لهم : رفئوني (1) ، فقالوا بماذا يا
ص: 467
أمير المؤمنين؟ قال : تزوجت أُمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : كل نسب وسبب وصهر منقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري.
فكان لي به عليه السلام النسب والسبب ، فأردت أن أجمع إليه الصهر فرفّأوه (1)) ، انتهى (2).
وكيف كان ، فلا ينبغي الريب في أنّ أُمّ كلثوم هذه - التي تزوّجها عمر - توفِّيت في زمان أخيها الحسن عليه السلام ولم تدرك وقعة الطفّ ، وذكر أرباب السير أنها ولدت من عمر ولداً اسمه : زید يلقب بذي الهلالين ، وبنتاً تسمّى : رقية (3).
قال في (أسد الغابة) : (وتوفّيت أُمّ كلثوم وابنُها زيد في وقت واحد) (4).
وروى الشيخ الحرّ في (الوسائل) أنه : (اُخرجت جنازة أُمّ كلثوم بنت علي وابنها زید بن عمر ، وفي الجنازة : الحسن ، والحسين ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عبَّاس ، وأبو هريرة ، فوضعوا جنازة الغلام ممَّا يلي الإمام والمرأة وراءه ، وقالوا : هذا هو السُنّة) (5).
وممّا ذكر يظهر لك عدم صحَّة ما ذكره محمّد بن طلحة في مطالب السَّؤول - عند شرحه لأولاد الصديقة الطاهرة - حيث قال : ([وأما] (6) أُمّ كلثوم تزوّجَ بها عمر بن الخطاب فولدت له ولدين ، فلمَّا قتل عمر تزوّجَ بها بعده عون بن
ص: 468
جعفر فلم تلد له ، فلمَّا مات تزوَّجها بعده عبد الله بن جعفر بعد موت زينب - أُختها - فلم تلد له وماتت عنده) (1).
ولا ريب في عدم صحَّة ما ذكرناه ؛ لاتفاق المحدِّثين والمؤرِّخين من الفريقين كما عرفت ، على أنّ أم كلثوم هذه تُوفِّيت في زمان أخيها الحسن عليه السلام ، ولا عبرة ممَّا في (ناسخ التواریخ) فإنّه مأخوذ منه (2) ، ومن المعلوم أنّ عوناً ومحمّداً ولدَي جعفر قتلا في زمن عمر في وقعة تُستَر ، وكيف تزوّجها عبد الله بن جعفر في زمان أخيها الحسن عليه السلام مع تزوجّه بزينب الباقية بعد أخيها الحسين عليه السلام مدة ، فتدبَّر.
قال الشيخ أبو محمّد الأطروش : (الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام في كتاب الإمامة : إنَّ أمير المؤمنين عليه السلام زوّج أُمّ كلثوم من عمر ، لكن ، لمّا كانت صغيرة لم يتمكَّن من مضاجعتها حَتَّى قُتل) (3).
وعندي أنّ هذا غير صحيح ، لما عرفت من تصريح الرواية المتقدِّمة بخلافها ؛ ولأن أم كلثوم عند قتله لم ينقص عمرها عن عشرين سنة.
ص: 469
وقال الصدوق في التوحيد : (إنّ أُمّ كلثوم ما دخلت بيت عمر ، بل جنّيةٌ تصوَّرت بصورتها ، ودخلت بيته (1) ، وهو غير صحيح أيضاً ، وللشيعة كلام طويل في هذا الشأن) (2).
الرابع : نقل ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) عن الشيخ أبي جعفر الإسكافي رحمه الله : (أنّ معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام ، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله ، فاختلقوا ما أرضاه ، منهم : أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين : عروة بن الزبير.
إلى أن قال : وأمّا أبو هريرة فروي عنه الحديث الَّذي معناه : أنّ عليا عليه السلام خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأسخطه ، فخطب على المنبر وقال : لاها الله! لا تجتمع ابنة ولي الله وابنة عدو الله : أبي جهل! إنّ فاطمة عليها السلام بضعة منّي يؤذيني ما
ص: 470
يؤذيها ، فإن كان عليٌّ يريد ابنة أبي جهل فليفارق ابنتي ، وليفعل ما يريد ، أو کلاماً هذا معناه ، والحديث مشهور من رواية الكرابيسي) ، انتهى (1).
قال السيِّد المرتضی رحمه الله في (تنزيه الأنبياء) : (إنّ هذا الخبر باطل موضوع ، غير معروف ، ولا ثابت عند أهل النقل ، وإنّما ذكره الكرابيسي طاعناً به على أمير المؤمنين عليه السلام ، ومعارضاً بذكره لبعض ما يذكره شيعته من الأخبار في أعدائه ، وهيهات أن يشبَّه الحقُّ بالباطل ، ولو لم يكن في ضعفه إلّا رواية الكرابيسي له واعتماده عليه ، وهو من العداوة لأهل البيت عليهم السلام ، والمناصبة لهم والإزراء عليهم وعلى فضائلهم (2) ومآثرهم على ما هو مشهور لكفی) ، انتهى (3).
ومن أقوى الأمارات على انحراف الرجل عن أمير المؤمنين عليه السلام ما ذكره ابن النديم في فهرسته : (أن له كتاب (الإمامة) وفيه غمز على عليه عليه السلام) (4).
والكرابيسي على ما ذكره ابن خَلّكان في (الوفيات) : (هو أبو علي الحسين بن [علي بن يزيد] الكرابيسي البغدادي صاحب الإمام الشافعي وأشهرهم بانتياب مجلسه ، وأحفظهم لمذهبه ، وله تصانیف کثيرة في أُصول الفقه وفروعه ، وكان متكلّماً عارفاً بالحديث ، وصنّف أيضاً في الجرح والتعديل وغيره ، وأخذ عنه الفقه خلق كثير ، وتوفي سنة 245 ، وقيل سنة 248 ، وهو أشبه بالصواب.
ص: 471
قال : والكرابيسي بفتح الكاف والراء وبعد الألف باء موحدة مكسورة ، ثُمَّ يا مثناة من تحتها ساكنة ، وبعدها سین مهملة هذه نسبة إلى الكرابيس وهي الثياب الغليظة ، واحدها کرباس بكسر الكاف وهو لفظ فارسي عُرِّب ، وكان [أبو علي] يبیعها فنسب إليها) ، انتهى (1).
وذكره الذهبي في كتابه (میزان الاعتدال) ، وقال في حقّه : (إنّه [ساقط] لا يرجع إلى قوله).
ونقل عن الخطيب : (أن حديثه يعزّ جداً ؛ لأنّ أحمد بن حنبل كان يتكلَّم فيه ، وهو أيضاً كان يتكلَّم في أحمد ، فتجنَّب الناس الأخذ عنه ، ولمّا بلغ یحیی بن معین أنه يتكلَّم في أحمد لعنه ، وقال : ما أحوجَهُ إلى أن يُضرب!
إلى أن قال : ومقت الناس حسيناً ؛ لكونه تكلَّم في أحمد ، انتهى باختصار غير ضار راجع (میزان الاعتدال ص 255) (2) ، هذا حال الكرابيسي عند رجال العامّة).
وأمّا أبو هريرة ، فقد قال في (القاموس) : (عبد الرحمن بن صخر ، رأی النبي صلى الله عليه وآله في كمِّه هرّة فقال : يا أبا هريرة ، فاشتهر به ، واختلف في اسمه على نيِّف وثلاثين قولاً) ، انتهى (3).
والأصحُّ ما في القاموس) تبعاً لقول الحاكم ، والنَّووي ، وتصحيح البخاري في صحيحه (4) ، والمرويّ عن محمّد بن سیرین - كما في (معجم البلدان) - عن
ص: 472
أبي هريرة ، قال : (استعملني عمر بن الخطّاب على البحرين فاجتمعت لي اثنا عشر ألفاً ، فلمَّا قدمت على عمر قال لي : يا عدوَّ الله والمسلمين - أو قال : عدوّ كتابه - سرقت مال الله؟!
قال : قلت : لست بعدوِّ الله ولا المسلمين - أو قال : عدوّ كتابه - ولكنّي عدوّ من عاداهما.
قال : فمن أين اجتمعت لك هذه الأموال؟ قلت : خيل لي تناتجت وسهام اجتمعت.
قال : فأخذ منّي اثني عشر ألفاً ، فلمَّا صليت الغداة قلت : اللهُمَّ اغفر لعمر.
قال : وكان يأخذ منهم ويعطيهم أفضل من ذلك ، حَتَّى إذا كان بعد ذلك قال : ألا تعمل يا أبا هريرة؟ قلت : لا.
قال : ولمَ وقد عمل من هو خير منك ، يوسف عليه السلام؟
قال : اجعلني على خزائن الأرض إنّي حفيظ عليم.
قلت : يوسف نبيِّ ابن نبي ، وأنا أبو هريرة ابن اُميمة ، وأخاف منكم ثلاثاً واثنتين.
فقال : هلا قلت : خمساً ، قلت : أخشى أن تضربوا ظهري ، وتشتموا عرضي ، وتأخذوا مالي ، وأكره أن أقول بغير علم ، وأحكم بغير علم) ، انتهى (1).
وفيه دلالة واضحة على أنه كان يضع الحديث لأجلهم.
ص: 473
وفي (حياة الحيوان) نقلاً عن مسند أبي داود الطيالسي ، وعن عائشة أنه قيل لها : (إنّ أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الشؤم في ثلاث : المرأة ، والدا والفرس.
فقالت عائشة : لم يحفظ أبو هريرة ، لأنه دخل ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول : قاتل الله اليهود ، يقولون : الشؤم في ثلاث : المرأة ، والدار ، والفرس.
فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله) ، انتهى (1).
وفيه أيضاً عن مسند أبي داود الطيالسي من حديث الشعبي ، عن علقمة ، قال : (كنّا عند عائشة ومعنا أبو هريرة ، فقالت : يا أبا هريرة أنت الَّذي تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله : إن امرأة عُذّبت بالنار من أجل هرّة؟
قال أبو هريرة : نعم ، سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله.
فقالت عائشة : المؤمن أكرم على الله من أن يعذَّبه من أجل هرَّة ، إنَّما كانت المرأة مع ذلك كافرة ، يا أبا هريرة إذا حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وآله فانظر كيف تحدِّث) (2).
وفي (میزان الاعتدال) للذهبي نقلاً عن أبي يوسف القاضي ، عن الكلبيّ ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة مرفوعاً : (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خيرٌ له من أن يمتلئ شعراً.
فقالت عائشة : لم يحفظ الحديث ، إنّما قال رسول الله صلى الله عليه وآله : خير من أن يمتلئ شعراُ هُجيتُ به) (3).
ص: 474
ونقل ابن أبي الحديد في (شرح النهج) عن الشيخ أبي جعفر أنّه روی الأعمش : (لمّا قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة ، جاء إلى مسجد الكوفة ... وقال : والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إنّ لكلّ نبي حرماً ، وإنّ حرمي بالمدينة ما بين عِير إلى ثور ، فمن أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، وأشهد بالله أنّ علياً أحدث فيها.
فلمَّا بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولّاه إمارة المدينة.
قال : قال أبو جعفر : وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا ، غير مرضي الرواية ، ضربه عمر بالدرّة ، وقال : قَدْ أكثرت من الرواية وأحر بك (1) أن تكون كاذباً علی رسول الله صلى الله عليه وآله.
وروی سفيان الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم التيمي ، قال : كانوا لا يأخذون عن أبي هريرة إلّا ما كان من ذكر جنّة أو نار.
وروى أبو أسامة ، عن الأعمش ، قال : كان إبراهيم صحيح الحديث ، فكنت إذا سمعت الحديث أتيته فعرضت عليه ، فأتيته يوماً بأحاديث من حديث أبي صالح ، عن أبي هريرة ، فقال : دعني من أبي هريرة ، إنّهم كانوا يتركون كثيراً من حديثه.
وقَدْ روي عن علي عليه السلام أنّه قال : ألا إنّ أكذب الناس - أو أكذب الأحياء - على رسول الله صلى الله عليه وآله أبو هريرة الدوسي.
وروى أبو يوسف ، قال : قلت لأبي حنيفة ... وساق كلامه إلى أن قال - أي : أبو حنيفة - والصحابة كلُّهم عدول ما عدا رجالاً ، ثُمَّ عدّ منهم أبا هريرة ، وأنس بن مالك.
ص: 475
وروت الرواة : أنّ أبا هريرة كان يؤاكل الصبيان في الطريق ، ويلعب معهم ، وكان يخطب ... وكان يمشي وهو أمير المدينة في السوق ، فإذا انتهى إلى رجل يمش أمامه ، ضرب برجله الأرض ، ويقول : الطريق الطريق! جاء الأمير! يعني نفسه.
ثمَّ قال ابن أبي الحديد : قَدْ ذكر ابن قتيبة هذا كلّه في كتاب (المعارف) ، فی ترجمة أبي هريرة ، وقوله فيه حجّة ؛ لأنّه غير متّهم عليه) ، انتهى (1).
ونقل عن الجاحظ في كتاب التوحيد : (أنَّ أبا هريرة ليس بثقة في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ولم يكن علي رضي الله عنه يوثّقه في الرواية ، بل يتَّهمهُ ويقدَحُ فيه ، وكذلك عمر وعائشة) ، انتهى (2).
وفي مناقب الخوارزمي : (أنَّ رجلاً سأل أبا هريرة بصفّين في مجلس معاوية ، فقال : أنشدك بالله إن سألتك عن حديث سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وآله أتجيبني؟ قال : نعم.
قال الرجل : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي : من کنت مولاه فعلي مولاه ، اللهُمَّ والِ مَنْ والاه وعادِ مَنْ عاداه؟ قال : نعم.
قال : إنّي رأيتك واليت أعداءه ، وعاديت أولياءّه؟!
فقال أبو هريرة : إنا لله وإنا إليه راجعون) ، انتهى (3).
وعن فضائل السمعاني مثله (4).
ص: 476
ولا أظنك ترتاب في كذب هذا الخبر وبطلانه بعد ما عرفت من حال أبي هريرة روايةً ، وخصوصاً عداوته لأمير المؤمنین عليه السلام تجاه ما كان يتَّهمه ويقدحُ فيه ، كما نقلناه عن الجاحظ.
وإن أردت توسيع المخاض بأكثر من ذلك ، وتحقيق كذب ما هنالك ، فنقول : إنّه روى ابن شهر آشوب بإسناده عن الصادق عليه السلام ، قال : «حرّم الله عزَّ وجلَّ على علي عليه السلام النساء ما دامت فاطمة حيّة. قال : لأنّها طاهرة لا تحيض» (1).
فإن كانت هذه الرواية صحيحة ، والحكم الَّذي تضمنته من حرمة التزویج على عليّ عليه السلام ثابت ، فعليٌّ أحقّ بالتجنُّب من محظور القول والفعل ، كيف لا وهو القائل : «ولست بمأبور في ديني فيواري بها رسول الله صلى الله عليه وآله عنّي» (2). (3)
قال في القاموس : (وقول علي : (ولست بمأبور في ديني) أي : بمُتَّهم في ديني) (4).
وإن لم تكن الرواية صحيحة ، والحرمة غير ثابتة عليه السلام ، والحكم باقٍ على الإباحة الأصلية المستفادة من العموم المستفاد من الآية المبيحة للنساء الأربع ، فابنة أبي جهل المشار إليها كانت مسلمة ؛ لأنّ هذه القصة كانت بعد فتح مكّة وإسلام أهلها طوعاً وكرهاً ، فلا مانع من التزویج بها. وما كان النبي صلى الله عليه وآله
ص: 477
بهيجه سوی غضب الله وسخطه ، وحاشاه من أن ينكر أمراً مباحاً في شريعته ما كان عليه ممَّا وصفه الله به ، ومدحَهُ عليه من الخُلُق العظيم ، فهذه الرواية قَدْ تضمنّت ما يشهد بطلانها ، ويقضي على كذبها من حيث ادّعى فيها : أنّ النبي صلى الله عليه وآله ذمَّ هذا الفعل ، وأعلن بإنكاره على المنبر.
فإن قلت : فما الجواب عمّا رواه الصدوق الله رحمه الله في (العلل) : «من أنّ رجلاً سأل الصادق عليه السلام : هل تشيّع الجنازة بنار ويمشي معها بمجمرة أو قنديل؟ - وإنّما كان وجه هذا الكلام مع تشييع جنازة فاطمة عليها السلام - قال : فتغيّر لون أبي عبد الله عليه السلام من ذلك واستوى جالساً ، ثًمَّ قال : إنّه جاء شقيٌّ من الأشقياء إلى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال لها : أما علمتِ أنّ علياً قَدْ خطب بنت أبي جهل؟ فقالت : حقّاً ما تقول؟ فقال : حقّاً ما أقول - ثلاث مرات - فدخلها من الغيرة مالا تملك نفسها ، وذلك أنّ الله تبارك وتعالى كتب على النساء غيرة ، وكتب على الرجال جهاداً ، وجعل للمحتسبة الصابرة منهنّ من الأجر ما جعل للمرابط المهاجر في سبيل الله.
قال : فاشتدّ غمّ فاطمة عليها السلام من ذلك ، وبقيت متفكّرة هي حَتَّى أمست وجاء الليل حملت الحسن عليه السلام على عاتقها الأيمن ، والحسين على عاتقها الأيسر ، وأخذت بيد أمِّ كلثوم اليسرى بيدها اليمنى ، ثُمَّ تحوَّلت إلى حُجرة أبيها ، فجاء عليّ فدخل حُجرته فلم يرَ فاطمة عليها السلام فاشتد لذلك غمُّه ، وعظم عليه ، ولم يعلم القصة ما هي ، فاستحى أن يدعوها من منزل أبيها ، فخرج إلى المسجد يصلّي فيه ما شاء الله ، ثُمَّ جمع شيئاً من كثيب المسجد واتكأ عليه ، فلمَّا رأى النبيّ صلى الله عليه وآله ما بفاطمة من الحزن أفاض عليه الماء ، ثُمَّ لبس ثوبه ، ودخل
ص: 478
المسجد ، فلم يزل يصلّي بين راكع وساجد ، وكلما صلّى ركعتين دعا الله أن يذهب ما بفاطمة من الحزن والغمّ ، وذلك أنّه خرج من عندها وهي تتقلَّبُ وتتنفَّسُ الصعداء ، فلمَّا رآها النبيّ صلى الله عليه وآله أنّها لا يهنيها النوم ، وليس لها قرار ، قال : لها قومي يا بنيَّة ، فقامت ، فحمل النبي صلى الله عليه وآله الحسن ، وحملت فاطمة عليها السلام الحسين ، وأخذت بيد أُمّ كلثوم فانتهى إلى علي وهو نائم ، فوضع النبيّ صلى الله عليه وآله رجله على رجل عليّ فغمزه ، وقال : قم يا أبا تراب ، فكم ساكن أزعجته ، ادع لي أبا بكر من داره ، وعمر من مجلسه ، وطلحة ، فخرج عليّ فاستخرجهما من منزلهما ، واجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وآله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي ، أما علِمتَ أنّ فاطمة بضعة منّي وأنا منها فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذاها بعد موتي كان كَمَنْ آذاها في حياتي ، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي.
فقال علي عليه السلام : بلى يا رسول الله ، قال : فقال : فما دعاك إلى ما صنعت؟
فقال علي : والَّذي بعثك بالحقّ نبياً ما كان منّي ممَّا بلغها شيء ، ولا حدَّثت بها نفسي.
فقال النبيّ صلى الله عليه وآله : صَدقْتَ وصُدِّقت ، ففرحت فاطمة بذلك ، وتبسَّمت حَتَّى رُثِي ثغرُها.
فقال أحدهما لصاحبه : إنّه لعجب لحينه ، ما دعاه إلى ما دعانا هذه الساعة؟!
قال : ثُمَّ أخذ النبيّ صلى الله عليه وآله بيد عليّ فشبك أصابعه بأصابعه فحمل النبيّ صلى الله عليه وآله الحسن عليه السلام ، وحمل الحسين عليه السلام عليّ ، وحملت فاطمة عليها السلام أُمّ
ص: 479
کلثوم ، وأدخلهم النبي صلى الله عليه وآله بيتهم ، ووضع عليهم قطيفة ، واستودعهم الله ثُمَّ خرج وصلّى بقية الليل) ، انتهى موضع الحاجة من الرواية (1).
قلت : والجواب عن هذه الرواية من وجوه :
الأوّل : الطعن في سندها من حيث إنّ فيه زياد بن عبيد الله ، وهو من المجاهيل ، كما صرّح به في (الوجيزة) (2).
وعمرو بن أبي المقدام وهو ليس بتلك المكانة من الوثاقة ، بل قال الغضائري : إنه ضعيف جداً (3).
والَّذي وثَّقه في كتابه الآخر هو : عمر بن حريث أخو عمرو (4).
الثاني : أن فاطمة عليها السلام عالمة بما كان وما يكون فكيف تعتمد على قول رجل مجهول؟
الثالث : أنها ما كانت تذهب إلى بيت أبيها صلى الله عليه وآله من غير إذن زوجها عليه السلام ، وهي القائلة له : «ما عرفتني خائنة ولا كاذبة ، وما خالفتك منذ عاشرتك» (5) فكيف يتصور خروجها بتلك المثابة بلا رخصة منه.
الرابع : وهو العمدة أنَّها صريحة في تبرئته عليه السلام ممَّا نسب إليه ، وتصديق النبي صلى الله عليه وآله إيَّاه فما وجه القدح هذا؟
ص: 480
ولمروان بن أبي حفص شاعر الرشيد (1) قصيدة ضمّنها هذا الحديث الموضوع من أن علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل ، وأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله سِيْءَ بذلك ، ومدح فيها هارون الرشید ، ونال فيها ما نال من ذمّ علي وبنيه عليهم السلام ، وأوّلها على ما ذكره بن أبي الحديد في (شرح النهج) :
سلامٌ على جُمْلٍ وهيهاتَ مِنْ جُملِ *** ويا حبّذا جُملٌ وإن صَرَمَتْ حبلي (2)
حَتَّى قال :
عليٌّ أبوكُمْ كان أفضلَ مِنكُمُ *** أباهُ ذوو الشُّوری وکانوا ذَوي فَضْلِ
وساءَ رسولَ اللهِ إذ ساءَ بنتَهُ *** بخِطبَتِهِ بنتَ اللَّعينِ أبي جَهْلِ
فذمَّ رسولُ اللهِ صِهْرَ أبيكُمُ *** على مِنبَرٍ بالمنطقِ الصادِعِ الفَصْلِ
ومنها :
وحكّم فيها حاكِمَينِ أبوكُمُ *** هُما خَلعاهُ خُلعَ ذي النَّعلِ للنَّعلِ
وقد باعها من بَعدِهِ الحسنُ ابنُهُ *** فقد أبطلا دعواكُمُ الرثَّةَ الحَبلِ
وضبَّعتُموها وهي في غيرِ اهلِها *** وطالَبتُمُوها حين صارَتْ إلى الأهْلِ (3)
ص: 481
فردّ عليه جدّي العلامة المؤيّد من الله الملك الحيّ القيّوم ، والمشهور في الآفاق ب(بحر العلوم) رحمه الله ردّاً مبيناً ؛ لكفره وشقاوته ، ومصرِّحاً ببغضه وعداوته وهي قوله رحمه الله :
ألا عّدِّ عن ذکری بثينَة أو جُمْلِ *** فما ذکرُها عندي يُمِرُّ ولا يُحلِي
ولا أطربتني البيضُ غيرَ صحائِفٍ *** محبَّرةٍ بالفضل ما بَرِحَت شُغلي
وعوج يقيمُ الإعوجاج انسلالها *** إذا حانَ منها الحينُ حنّت إلى السَّلِّ
وعُدْ للأُلى هُم أصلُ كلِّ فضيلةٍ *** ويمّم منارَ الفضلِ من رَبْعِهِ الأصلِ
وعرِّجْ على الأطهارِ من آلِ هاشمٍ *** فَهُمْ شرفي والفخرُ فيهم وَهُمْ أصلي
وسلّم على خيرِ الأنامِ مُحمّدٍ *** وعترتِهِ الغُرِّ الكرام أُولي الفضلِ
وخُصَّ علياً ذا المناقبَ والعُلى *** وصيَّ النبيِّ المُرتضى خيرةَ الأهلِ
وبُثَّ لهُم بثّي فإنِّيَ فيهِمُ *** أكابِدُ اقواماً مراجِلُهُم (1) تغلي
وقُلْ للذي خاضَ الضلالَة والعَمى *** ومَنْ خَبَطَ العشواءَ في ظُلمَةِ الجَهلِ
ومَنْ باعَ بالأثمان جوهرةَ الهُدى *** کما باع بالخُسرانِ جَوهَرَةَ العقلِ
هجوتَ أُناساً في الكتاب مديحُهُم *** وفي العقلِ بانَ الفضلُ مِنهُم وفي الثَّقلِ
ولفّقت زوراً كادَت السَّبعُ تنطوي *** لَهُ والجبالُ الشمُّ تهوي إلى السَّفلِ
عّلَوا حَسَباً من أن يصابوا بِوضمَةٍ *** فيدفَعُ عن أحسابِهِم أنا أو مثلي
ولكنْ أبَتْ صبراً نفوسٌ أبيّةٌ *** وأنف حَمِيٌّ لا يقِرُّ على الذُّلِّ
فأصغِ إلى قولي وهَل أنا مُسمِعٌ *** غَداةَ أُنادي الهائمينَ مَعَ الوَعْلِ (2)
عليٌّ أبونا كان كالطُّهرِ جدِّنا *** لَهُ ما لَهُ إلّا النبوَّةَ مِنَ فَضْلِ
ص: 482
وذو الفضلِ مَحسودٌ لذي الجَهْلِ والعَمى *** لذا حَسَدَ الطُّهرَ النبيَّ (1) ابو جهلِ
وعادی عليّاً كلُّ أرنذلَ أسفلٍ *** وضُولِعَ مدخولُ الهوى ذاهِبُ العقلِ
لئن كانتِ الشورى أَبَتْهُ وقبلَها *** سقيفتُهُم اصلُ المفاسِدِ والخَتْلِ (2)
فقد كانَ أهلُ الرِّحلتَينِ وندوةٍ *** أبَوا قَبْلها مِن جَهْلِهِم سيِّدَ الرُّسلِ (3)
وحارَبهُ اهلُ الكتابَ بِبَغيهِم *** وكانوا بهِ يستفتحون لدى الوَهْلِ
وأصحابُ موسی السامريُّ أضلّهم *** بكيدٍ (4) فضلّوا عاكفين على العجلِ
وقد كُذّب الرسلُ الكرامُ وقوتلوا *** فما ضرَّهُم خذلانُ قومٍ ذوي جَهْلِ
ولو كانَتِ الشورى لقومٍ ذوي فضلِ *** لما عَدَلوا بالأمر يَوماً إلى الرَّذلِ
ابوا حيدراً إذ لم يكونوا كمثله *** وما الناسُ إلا مائلون إلى المِثْلِ
ابوْه ويأبى الله إلا الَّذي أبَوْا *** وهل بَعْدَ حُكمِ اللهِ حُكْمٌ لذي عَدْلِ
له في العقودِ العاقداتِ لَهُ الوِلا *** مِنَ الله عَقْدٌ مُبرَمٌ غيرُ مُنحلِّ
وكم في كتابِ اللهِ مِنْ حُجَّةٍ لهُ *** وآياتِ فضلٍ شاهداتٍ على الفَضْلِ
کشاهدِ هودٍ ثُمَّ يتلوهُ شاهدٌ *** من الرَّعدِ والأحزابِ والنَّملِ والنَّحلِ
إمام أتى فيه من الله ما أتى *** وهل قَدْ أتى في غيره هل أتى قل لي؟
وبلَّغ فيهِ المصطفى أمرَ ربِّهِ *** على منبرٍ بالمنطِقِ الصادِع الفَصْلِ
فقال : ألستُم تَعلمونَ بأنني *** أحقُّ وأولى الناسِ بالناسِ في الكُلِّ
ص: 483
فقالوا : بلى ، قال النبيُّ : فأنتَ يا *** أبا حَسَنٍ أولى الوری بالوری مِثلي
وأنزلَهُ منه بِمنزِلَةٍ مَضَتْ *** لهارونَ مِنْ موسى بنِ عِمرانَ مِن قَبلِ
وشبّهه بالأنبياء لجمعه *** جميعَ الَّذي فيهِم مِنَ الفَخْرِ والنُّبلِ
له حکمُ داود وزُهد ابن مَريمٍ *** ومَجْدِ خليل الله ذي الفضلِ والبَذلِ
وتسليم إسماعيل عند مبيته *** وعزم کليم اللهِ في شدَّة الأزْلِ
وحكمة إدريسٍ وأسماء آدمٍ *** وشُکرِ نجيِّ الله في عَهدِ ذي الكِفْلِ
وخَطْب شعيبٍ في خِطابَةِ قومِهِ *** وخَشْيَةِ يَحيى البَرّ في هَيبَةِ الحُكْلِ (1)
وكانَ عديلَ المصطفی ومثيلَهُ *** وهَلْ لعديل الطُّهرِ أحمَدَ مِنْ مِثْلِ
وكان الأخَ البرَّ المُواسي بنفسِهِ *** ومَنْ لَمْ يخالِفْهُ بقَولٍ ولا فِعْلِ
وأوَّلَ من صلّى وآمنَ واتَّقی *** وأعلَمَ خِلْقِ اللهِ بالفَرضِ والنفلِ
وأشجّعَهُم قلباً وأبسَطَهُم يداً *** وأرعاهُمُ عَهْداً وأحفَظَ للإلِّ
وأكرمَهُم نفساً وأعظَمَهُم تُقىّ *** وأسخاهُمُ كَفّاً وإن كانَ ذا قلِّ
حبیبٌ حبیبِ اللهِ نفسُ رسولِهِ *** ونورُ مُجَلِّي النور في العُلْوِ والسُّفلِ
رقی فارتقى في القُدْسِ مَرقىّ مُمتّعاً *** تجاوز فيه الوَهْم عن مَبْلَغِ العقلِ
تحيَّرت الألباب في ذاتِ ممكنٍ *** تعالى عن الإمكانِ في الوَصْفِ والفِعْلِ
تجمّعتِ الأضدادُ فيه من العُلى *** فعزَّ عن الأندادِ والشبهِ والمثلِ
آذلك أم مَنْ للمعايِبِ عيبةٌ *** تَفرَّعَ كلُّ العيبِ عَن كُفرِهِ الأصلي
تطامَنَ للاتِ الخبيثةِ اعصُراً *** وزادَ نفاقاً حين أسلَمَ عَن خَتْلِ
ومصطَنِعُ ربّاً بكفّيهِ لاكَهُ *** بفكّيهِ لمّا جاعَ واضطُرَّ للأكُلِ
أمَنْ هو بابٌ للعلومِ كَمَن غدا *** يفضّلُ ربّاتِ الحِجال مِنَ الجَهْلِ
ص: 484
ومن جهل الأبّ الَّذي كلُّ سائمٍ *** بهِ عارِفٌ راعٍ فصيلٍ إلى عجلِ
ومن هُوَ اقضاهُم كَمَنْ جدَ جدّه *** ليقضيَ في جَدٍّ قضيةَ ذي فَصْلِ
فأحصَوا قضاياهُ ثمانِينَ وِجْهَةً *** تلوّن ألواناً وأخطأ في الكُلِّ
ومن كَلَّ عن فهم الكَلالَةِ فهمُهُ *** مُقرّاً بكُلِّ العَجْزِ عن ذاكَ والكَلْ
وكم بينَ من قال اسالوني جَهْرَةً *** ومن يستقيلُ الناسَ في المَحفِل الحَفلِ
ومَنْ هو كرارٌ إلى الحرب يصطلي *** بنيرانها حَتَّى تبوحَ بما یَصلي
له الرايةُ العظمی بطيرُ بها إلى *** قلوبٍ أُطيرَتْ مِنهُ بالرُّغْبِ والنَّصلِ
ومَنْ لا يُرى في الحرب إلا مشمّراً *** بذیل ذيول الفرِّ في المعشر الفلِ
أبو حسينٍ ليثُ الوغى أسدُ الثری *** مقدّمها عند الهزاهزِ والوَهْلِ
أقام عمادَ الدين مِنْ بَعْدِ میلهِ *** وثلَّ عُروشَ المشركينَ أُولي الحلِّ
وقاتلَ في التأويلِ مَنْ بَعْدِ مَنْ بَغی *** كما كان في التنزيل قاتَلَ من قبلِ
فروّی من الكفَّارِ بالدَّمِ سيفَهُ *** وثنّى به الباغينَ عَلّا نَهْلِ
وزوَّجه المختارُ بضعَتَهُ وما *** لها غيرُهُ في الناسِ مِنْ كُفُوٍ عَدْلِ
وقال لها زوّجتكِ اليوم سيّداً *** تقیّاً نقيّاً طاهرَ الفرعِ والأصْلِ
وأنتِ أحَبُّ الناس عندي وإنّه *** اعزُّ وأولى الكلّ بعديَ بالكُلِّ
وإنَّ إله العرش ربَّ العُلا قضى *** بذا وتولَّى الأمر والعقدَ مِنَ قَبلي
فأبدَتْ رضاها واستجابَتْ لِرَبِّها *** ووالدِها رَبِّ المكارِمِ والفضلِ
وكم خاطبٍ قَدْ رُدَّ فيها ولم يُجَب *** وكم طالبٍ صِهراً وما كان بالأهلِ
وشيخانِ قَدْ رُدّا (1) وقد حدَّثَتْهما *** نفوسُهُما أمراً فآبا على ذًلِّ
ولولا عليٌ ما استجيبت لخاطبٍ *** ولا كانت الزَّهرا تُزفٌّ إلى بعلِ
ص: 485
وأكرِمْ بِمَنْ يُعلي النبيّ بشأنها *** واسمِع بما قَدْ قال من قولِهِ الفَصْلِ
ألا فاطم مِنّي ومَنْ هي بضعتي *** ومن قَطعها قطعي ومَنْ وصْلُها وَصلي
ومَنِ لرضاها الله يرضى وسُخطُها *** لَهُ سَخَطٌ اعظِمْ بذلك من قَوْلِ (1)
لذا اختارها المختار للمرتضى الَّذي *** رضاها رضاه في العزيمة والفعلِ
ومن لا يزال الحقّ معه ولم يزل *** مع الحقّ لا ينفك كلّ عن الكلِّ
فأعظِمُ بزوجينِ الإلهُ ارتضاهُما *** جَليلَيْنِ جلّا عن شبیهٍ وعَنْ مِثْلِ
فكلٌّ لكلٍّ صالحٌ غير صالحٍ *** له غيره والشكل یأبی سوى الشكلِ
لذلك ما هَمَّ الوصي بخطبةٍ *** حياة البتول الطهر فاقدة المِثْلِ
بذا أخبر المختارُ والصِّدقُ قولُهُ *** ابو حسنٍ ذاك المصدَّقُ في النَّقلِ
فأضحى بريئاً والرسول مبرّئاً *** وقد أبطلا دعواكم الرثّةَ الحبلِ
بذلك فاعلم جَهْلَ قومٍ تحدَّثوا *** بخطبته بنتِ اللَّعينِ أبي جَهْلِ
نعم ، رغِبَت مخزومُ فيه وحاوَلَتْ *** بذلِكَ فضلاً لو أُجيبت إلى الفَضْلِ
فلمّا أبى الطُّهرُ الوصيُّ ولم يُجِبْ *** رَمَتْهُ بما رامَت ومالَت إلى العَدْلِ
وساعَدَها الرِّجسان فيهِ وحاولا *** إثارةَ بغضاءٍ مِنَ الحِقْدِ في الأهْلِ
فبرّأه المختار مِمَّا تحدَّثت *** وما أظهَرَ الرِّجسانِ مِنْ كامِنِ الغِلِّ
وقَدْ طوَّقا إذ ذاك منه بلعنةٍ *** فسامتها خسفاً وذُلاً على ذلِّ
وقد جاء تحريمُ النكاح لِحَيدرٍ *** على فاطمٍ فيما الرُّواة له تُملي
فإنْ كان حقّاً فالوصي أحقّ مَن *** تجنَّبَ محظوراً مِنَ القولِ والفِعْلِ
وكيف يُظَنُّ السوءُ بالطُّهرِ حَيدَرٍ *** وربّ العُلى في ذكرِهِ فَضْلَهُ يُعلي
وكيف يحومُ الوهمُ حَول مُطَهَّرٍ *** مِنَ الرِّجس في فصلٍ مِنَ القَولِ لا هَزْلِ
ص: 486
ومثلُ عليٍّ هَلْ يرومُ دَنِيَّةً *** کفی حاجزاً عن مثلِها حاجزُ العَقْلِ
وليس (1) يشاءُ المستحيلَ الَّذي شأی *** جَميعَ الورى في العَقْلِ والنَّقْلِ والنُّبلِ
وإنْ لَمْ يَكُنْ حقّاً وكان مُحَلّلاً *** له كلُّ ما قَدْ حَلَّ مِنْ ذاكَ لِلكُلِّ
فما كانَتِ الزَّهرا لِيُسخِطَها الَّذي *** بهِ اللهُ راضٍ حاكِمٌ فيهِ بالعَدْلِ
ولا كانَ خيرُ الخلقِ مَنْ لا يُهيجُهُ *** سوى غضبٍ للهِ يَغضَبُ مِنْ جَهْلِ (2)
وهَلْ ساءَ نفساً نفسُها وسرورُها *** إذا سرِّها مُرُّ المَساءَةِ مِنْ مَحْلِ
وما ساء خيرَ الناسِ غيرُ شرارِهِم *** کعِجْلِ بني تَيمٍ وصاحِبِهِ الرَّذلِ
وجرّارة الأذناب تلك التي سَعَتْ *** على جَمَلٍ يَوماً ويوماً على بَغْلِ
بِهِم سيئتِ الزَّهرا وأُوذِيَ أحمدٌ *** وصُنو النَّبيِّ المُصطفى خاتَمِ الرُّسلِ
وما ضرّ شأن (3) المرتضى ظُلمُهُم له *** ولا فَلتَةٌ مِنهُم وشوری ذوي خَذْلِ
ولا ضرَّهُ جَهلُ ابنِ قيسٍ وقد هَوی *** ودلَّاه جهل ابن العاص(4) في مدحض الزلِّ
وقد بانَ عجزُ الأشعَرِيّ وعزه *** وما كان بالمرضي والحَكَمِ العَدْلِ
نهاهُمْ عنِ التحكيمِ والحُكْمِ بالهوى *** فَلَمْ ينتهُوا حَتَّى رأوا سبّة الجَهْلِ
وحاوَلْتَ نقصاً من عليٍّ وإنَّما *** نَقَضْتَ العُلى في ذاك إن كُنتَ ذا عقلِ
فما عَلَتِ العلياءُ إلّا بمجدِهِ *** ولو خَلَعَ العَلياءَ خرَّت إلى السُّفلِ
وأمَّا التي قَدْ خصّه ربُّه بها *** فليست برغمٍ منكَ تُدفَعُ بالعزلِ
أَيَعزل منصوبُ الإلهِ بِعَزلهِم *** إذاً فَلَهُم عَزلُ النبيّينَ والرُّسْلِ
ص: 487
وقِسْتَ العُلى بالنَّعلِ وهي بِقلبِها *** مراتُعُها جيدُ اللَّعينِ أبي جَهْلِ (1)
فبشراكُمُ بالنَّعلِ تتبع لعنةً *** مضاعفةً من تابعي خاصِف النَّعلِ
وما شأنَ شأنَ المجتبى سبطِ أحمَدٍ *** مصالحةُ الباغي الغويِّ على دَخْلِ
فَقَدْ صالَحَ المُختارُ مَنْ صالَحَ ابنُه *** وصدَّ عن البيتِ الحَرامِ إلى الحِلِّ
وقال خطيباً فيه : إبني سيّدٌ *** يَكُفُّ بهِ اللهُ الأكفَّ عن القتلِ
کما كَفَّ أيديكم بمكَّة عنهُمُ *** لما كانَ في الأصلابِ من طيِّبِ النَّسلِ
وقَدْ قال في السِّبطَينِ قولاً جَهِلْتُمُ *** معانيهِ لكنْ قَدْ وعاهُ ذوو العَقلِ
إمامانِ إنْ قاما وإن قعدا فما *** يضرُّهما خذلانُ مَن هَمَّ بالخَذْلِ
فصيَّرتُموا صُلحَ الزكيِّ مسَّبةً *** وأكثر فيه العاذِلونَ مِنَ العَذلِ
وتلك شكاةٌ ظاهرُ عنه عارُها *** وماهي إلا عِصمَة رثَّة الحَبلِ
لئن کنتمُ انكرتُمُ حُسْنَ ما أتی *** بهِ الحَسَنُ الأخلاقِ والخيمِ والعقلِ (2)
لفي مثلِها ذَمَّ الذميمُ محمّداً *** على صُلحِهِ كفّارَ مكَّة مِنْ قَبلِ
وسمّاه ذو الرجس الدنيّ دنيّةً *** وطابقتموه واحتذى النعلُ بالنَّعلِ
وليسَ بنُكرٍ ذاكَ مِنهُم فإنّهم *** له تَبَعٌ من بعد صاحِبِهِ الرَّذْلِ
هُما سهّلا للقوم ذمِّ نبيِّهم *** وعترته بالطَّعنِ فيهم وفي الأهْلِ
هُما أسّسا ظلم الهداة وقد بنی *** غواتُهُمُ بغياً على ذلِكَ الأصْلِ
ولولاهما ما کان شوری ونعثلٌ *** ولا جَمَلٌ والقاسِطونَ ذوو الدَّخلِ
ولا كان تحكيمٌ ولا كان مارِقٌ *** ولا رُمي الإسلامُ بالحادثِ الجُلِّ
ولا كان مخضوباً عليٌ بضربةٍ *** لأشقى الأنامِ الكافرِ الفاجرِ (3) الوَغْلِ
ص: 488
ولا سيئتِ الزَّهرا ولا ابتُزَّ حقّها *** ولا دُفِنت سرّاً بمُحلَولِكِ الطِّفلِ
ولا غُمي القبر الشريف وقرّب ال *** بعيد إلى الهادي وبُوعِدَ بالأهلِ
ولا جَنَحَ السبطُ الزَّكي ابن أحمدٍ *** لسلم ابن حربٍ حرب كلِّ أخي فضلِ
ولا كان بالطّفّ الحسين مُجَدَّلاً *** ولا رأسه للشام يُهدى إلى النَّذلِ
ولا سُبيت يوماً بناتُ مُحَمّدٍ *** ولا آلُهُ اضحت أضاحي على الرَّملِ
ولا طمعت فيه علوج أُمَيَّةٍ *** ولا حکمت أبناءُ مثلَة في النَّسلِ
جملتم تراث الأقربين لِمَن نأی *** وأدنيتُمُ الأقصَينَ عَدْلاً عَنِ العَدْلِ
وأخّرتَمَ من قَدْ علا كعبُهُم على *** خدودِ الأُلى مالوا ومِلتُم إلى المِثْلِ
على أنّني مستغفرٌ من مقالتي *** وذكري شروداً سار في مَثَلٍ (1) قبلي
فما خَدُّ مَنِ قِستُم بهِ صالحاً لأنْ *** يكون لَعَمري موطِئَ الرِّجلِ والنَّعلِ
وأينَ سماءُ المجدِ من مهبَطِ الثری *** واينَ سِماكُ الفضلِ (2) من مُدحَضِ الجَهْلِ
واينَ السُّهی من مُهجَةِ الشَّمسِ في الضُّحى *** وأينَ العُلى من مُنتهى البُعدِ في السُّفلِ
زعمتُمُ بني العبَّاس عُقدَةُ أمرها *** وما صَلَحوا للعقد يَوماً ولا الحَلِّ
وجدُّهم قَدْ كان أفضلَ منهُمُ *** وما أُدخِلَ الشّوری ولا عُدَّ للفَضْلِ
وقد قدّموا التيميّ قِدماً لسنِّه *** وما قدَّموا شَيْخَ الكُهولِ (3) أبا الفَضْلِ
ص: 489
لقد ظلموا العبَّاسَ إن كانَ أهلُها *** وإن لم يكن أهلاً فما الوُلْدُ بالأهلِ
فما بالُكُم صيَّرتموها لِوُلدِهِ *** وأثبتوا للفرعِ ما ليسَ للأصْلِ
وقد بَذَلَ العبَّاسُ نصرَةَ حيدٍر *** وبيعَتَهُ بَعْدَ النبيّ بلا فَصْلِ
وكان بحقّ الطهر كالحَبرِ نجلِهِ *** عليماً وأكرِم بابنِ عبَّاس من نَجْلِ
ولكنْ أبى الأحفادُ سيرةَ جدِّهم *** فجَدُّوا بظلمِ الأكرمينَ (1) مِنْ النَّسْلِ
وغرّهُمُ المُلكُ العقيمُ وعزّهُم *** فبعداً لعزٍّ عاد بالخزي والذُّلِّ
وقد قطعوا الأرحامَ بعد قيامِهِم *** بظلمِ مقام الأقربينَ مِنَ الأهلِ
بحبسٍ وتشريدٍ وبغيٍ وغيلةٍ *** وحربٍ وأرصادٍ وخذلٍ إلى قتلِ
لئن قتلت ولدَ النبيِّ أُميَّة *** فقتلاهُمُ أوفى عديداً من الرَّملِ
وإن منعتها الماء تشفي غليلها *** فقد أرسلوه للقبور من الغلِّ
وإن حبست عنها الفرات فإنَّهم *** بإجرائه أحرى فقُبِّحَ من فعلِ
وقد حيل فيما بين ذاك وبينهم *** فحاروا وحارَ العقلُ مِن كلِّ ذي عقلِ
وحاولت الأرجاسُ إطفاءَ نورهِمْ *** بأفواهِهِم والنور یسمو ويستعلي
فعلمُهُمُ المنشورُ في كلِّ مشهدٍ *** وحُكْمُهُمُ المشهودُ بالنَّصفِ والعّدْلِ
وأسماؤهم تتلو (2) لأسماء ربِّهم *** وجَدُّهُمُ خیر الوری سید الرسلِ
ويرفعهم في وقت كلّ فريضة *** نداءُ صلاةٍ والصلاةُ من الكُلِّ
مشاهدهم مشهورةٌ (3) وبيوتُهُم *** تراها كبيتِ اللهِ شارِعَةَ السُّبلِ
تشدُّ الوری من کل فجٍّ رحالَها *** إليها وتطوي البيدَ حَزْناً إلى السَّهلِ
ص: 490
علی کلِّ عدّاءٍ من السير ضامرٍ *** يغولُ الفلا في كل هاجرة تغلي
تؤمّ التي فيها النجاةُ وعندَها *** مُناخ ذوي الحاجات للفوزِ بالسُّؤلِ
بيوتٌ بإذن اللهِ قَدْ رُفِعَت فما *** لها غيرُ بيتِ الله في الفضلِ من مِثْلِ
وفيها رجالٌ ليس يلهيهُمُ بها *** عن اللهِ بيعٌ أو سوى البيعِ من شُغْلِ
اولئكَ أهلُوها وأهلاً بأهلِها *** ولا مرحباً بالغير إذْ ليسَ بالأهلِ
أولئك لا نوکی أُميَّةَ والتي *** اقتفتها (1) فزادَت في الضَّلالَةِ والجَهْلِ
أساءت إلى الأهلينَ فاجتُثّ أصلُها *** وبادت کما بادت أُميَّةُ من قبلِ
فسل عنهم الزوراء کم باد أهلُها *** فأمست لفقد الأهل بادية الثُّكلِ
أُبيدت بها خضراء ذات سوادها *** فاضحَتْ بها حمراءَ من حَلَبِ النَّصْلِ
وإن شئت سل أبناء يافِثَ عنهُمُ *** فعندَهُمُ انباءُ صدقٍ عن الكُلِّ
فكم ترك الأتراك كلّ خليفةٍ *** ببغداد خلفاً لا يُمِرُّ لا يُحلي
وكم قلبوا قلب المِجَنّ (2) لهم بها *** وكَم خَلَعوها (3) خَلعَ ذي العَدْلِ
وكم قطعَ الجبّارُ دابرَ ظالمي *** أُولي عدلِهِ والحمدُ للهِ ذي العَدْلِ
وقلتُم أضاعوها كَذِبتُم وإنَّما *** أُضيعَتْ بِكُم لمّا انطويْتُم على إلغِلِ
وهَلْ يطلبونَ الأمرَ مِنْ غيرِ ناصرٍ *** أو النصرَ مِمَّن لا يُقيمُ على إلِّ
كنصرة أنصار النبيّ ابن عمّه *** فلم يبقَ مِنهُم غيرُ ذي عَدَد قُلْ
ونصر عُبيد اللهِ في يوم مَسْكِنٍ *** لسبط رسول الله ذي الشَّرَفِ الكُلِّ (4)
ص: 491
إذ انسلَّ من جند عليهم مؤمّرٌ *** بجنحِ الظلامِ والدُّجى سترُ منسَلِّ
ولم يَرعَ حقِّ المصطفى ووصيِّه *** ولا حرمة القربى الحَرِيَّةِ بالوصْلِ
ونصرة كوفانٍ حسيناً على العدى *** فلمَّا أتاهم حلَّ ما حلَّ بالنسلِ
وبيعة أشراف القبائل مسلماً *** وقد أسلموه بعد ذلِكَ للقتلِ
ونصرتَهُم زيداً وإعطاؤهم يداً *** وتركهُمُ إياه فرداً لدى الوهْلِ
ولو قام في نصر الوصي وولده *** حُماةُ مصاديق اللِّقا صادقو الفعلِ
لقام بنصر الدين من هو أهله *** وذید بِهِم کم ليسَ للأمر بالأهْلِ
ولو كان في يوم السقيفة جعفرٌ *** أو الحمزة الليثُ الصؤولُ أبو الشبلِ
لما وَجَدَتْ تيمٌ سبيلاً إلى العُلى *** ولا هبط الأمر العليُّ إلى السَّفلِ
ولكنْ قضى فیما قضى اللهُ عندَهُ *** وما خَطّت الأقلام في اللَّوح من قَبلِ
بإمهالهم حَتَّی يميز به الَّذي *** يطيعُ من العاصي المكبِّ على الجَهْلِ
إلى أن يقوم القائمُ المرتجى الَّذي *** يقومُ بأمر اللهِ يطلب بالذَّحلِ
ويشفي صدور المؤمنينَ بنصرهِ *** ويملأُ وجه الأرضِ بالقسطِ والعَدْلِ
ويسقي العدی کأساً مصبّرةً إذا *** بها نَهَلوا علُّوا بِيَحْمُومَ مِنْ مُهْلِ (1)
فمهلاً فإنَّ اللهَ منجزُ وعدِهِ *** وموهنُ كيدِ الكافرينَ على مَهْلِ
وخاذلُ جمعِ الماردينَ ومَن سعى *** الإطفاءِ نورِ اللهِ بالخيلِ والرَّجلِ
فديتُكَ يا بنَ العسكري إلى متى *** نعاني العنا من كلِّ ذي ترةٍ رّذلِ
فقم يا وليَّ الله وانهض بعزمَةٍ *** من اللهِ منصوراً علی کلّ مستعلِ
لئن ضنّ بالنصر المؤزَّر معشرٌ *** فإنّي مُعِدُّ النَّصر من عالَمِ الظِلِّ
ولاني دليلي والمُهَيمنُ شاهدي *** وعلمُك بي حَسْبي مِنَ القولِ والفعلِ
ص: 492
فدونكَ نصري باللِّسان طليعة *** لنصري إذا طالَعْتَ نورَكَ يستعلي
أتت من عُبيدٍ مَتَّ إسماً ونسبةً *** له مِنكَ حبلٌ غيرُ مُنْقطِعِ الوَصْلِ
فَمُنَّ علينا بالقبول فإنّها *** أشقّ على الأعدا مِنَ الرَشَقِ بالنبلِ (1)
عليك سلام الله مبلَغَ فضلِهِ *** ومالَكَ من فَضْلٍ على كلِّ ذي فضلِ (2)
ولعمري لقد بالغ رحمه الله في إزالة ذلك الغبار حَتَّى أوضح نهج الحق کضوء النهار ، ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ (3).
ومروان هذا : هو أبو السمط ، وقيل : أبو الهندام ابن أبي حفصة سليمان بن يحيى بن أبي حفصة يزيد ، الشاعر المشهور كان جدّه أبو حفصة مولی مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي فأعتقه يوم الدار ؛ لأنه أبلی یومئذ فجعل عنقه جزاءه ، وقيل : إن أبا حفصة كان يهودياً طبيباً أسلم على يد عثمان بن عفان ، وقيل : على يد مروان بن أبي العاص الأُموي.
قال ابن خَلّكان : (وهو من أهل اليمامة ، وقدِمَ بغداد ومدح المهديّ وهارون الرشيد ، وكان يتقرّب إلى الرشيد بهجاء العلويين ، هو من الشعراء المجيدين ، والفحول المقدّمين) (4).
ص: 493
وذكره أبو العبَّاس في كتاب طبقات الشعراء ؛ فقال في حقّه : (وأجود ما ت مروان قصيدته الغراء اللاميّة وهي التي فُضِّلَ بها على شعراء زمانه يمدح فيها معن بن زائدة الشيباني.
ويقال : إنه أخذ منه عليها مالاً كثيراً لا يقدّر قدره ، ولم ينل أحد من الشعراء الماضين ما ناله مروان بشعره ، فممّا ناله ضربة واحدة ثلاثمائة ألف درهم من بعض الخلفاء بسبب بيت واحد) ، انتهى كلام ابن المعتز (1).
وفي الأغاني : (أنه كان يأتي باب المهدي ؛ لأن ينال منه عطية ، في فرو کبش وقمیص کرابيس ، وعمامة كرابيس ، وخفّ كبل (2) ، وكساء غلیظ. وهو منتن الرائحة ، وكان لا يأكل اللحم حَتَّى يقرم (3) إليه ، بخلاً ، فإذا قرم أرسل غلامه فاشترى له رأساً فأكله.
فقيل له نراك لا تأكل إلّا الرؤوس في الصيف والشتاء فلم تختار ذلك؟ قال : نعم ، الرأس أعرف سعره ، ولا يستطيع الغلام أن يغبني فيه ، وليس بلحم يطبخه الغلام فيقدر أن يأكل منه ، إن مسَّ عيناً أو أُذناً أو خداً وقفت عليه ، فآكل منه ألوانا ، آکل عينيه لوناً ، وأُذنيه لوناً ، وغلصمته لوناً ، وأكفی مؤنة طبخه ، فقد اجتمعت لي فيه مرافق) ، انتهى (4).
نعوذ بالله من أن يبلغ بنا حالة البخل حَتَّى نشحَّ بالمال على أنفسنا ، وكانت ولادته سنة 105 وتوفي سنة 182 ببغداد ، دفن بمقبرة نصر بن مالك الخزاعي.
ص: 494
الخامس : [قال العلّامة المجلسي رحمه الله] (1) : (اختلف الناس في موضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، فقيل : إنه في بيته ، وقيل : في رحبة المسجد ، وقيل : إنه في كرخ بغداد ، لكن اتفقت الشيعة سلفاً وخلفاً ونقلاً عن أئمّتهم عليهم السلام على أنّه لم يدفن إلّا في الغريّ ، في الموضع المعروف الآن ، والأخبار في ذلك متواترة ، وقد كتب السيِّد ابن طاووس في ذلك كتاباً سمّاه (فرحة الغري) (2) ، ونقل الأخبار والقصص الكثيرة الدالّة على المذهب المنصور.
قال رحمه الله : وقد قدّمنا بعض القول في ذلك في أبواب شهادته صلوات الله عليه ، والأمر أوضح من أن يحتاج إلى البيان) (3).
وقال الديلمي في (إرشاد القلوب) : (وأمّا الدليل الواضح والبرهان اللّائح على أن قبره الشريف عليه السلام موجود بالغري فمن وجوه :
الأوّل : تواتر الإمامية الاثنا عشرية يروونه خلفاً عن سلف.
ص: 495
الثاني : إجماع الشيعة ، والإجماع حجّة.
الثالث : ما حصل عنده من الآثار والآيات وظهور المعجزات ، كقيام الزَّمِن ، وردّ بصر الأعمى ، وغيرها) (1).
أقول : ومن المسلّم عند الشيعة أنّ الأئمّة عليهم السلام جاؤوا إلى هذا الموضع الشريف من النَّجف ، وزاروا جدّهم أمير المؤمنين عليه السلام ، وأخبروا شيعتهم بذلك. ولا شك أنّ الأولاد والأحفاد وسائر العشيرة والأقربين أعرف بمراقد أبيهم من غيرهم.
فقد روى الكليني رحمه الله في (الصحيح) عن صفوان الجمّال ، قال : «كنت أنا وعامر وعبد الله بن جذاعة الأزدي عند أبي عبد الله عليه السلام قال : فقال له عامر : جعلت فداك ، إنَّ الناس يزعمون أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام دفن بالرحبة؟ قال : لا. قال : فأين دفن؟ قال : إنّه لمّا مات احتمله الحسن فأتی به ظهر الكوفة قريباً من النَّجف ، يسرةً عن الغري يمنةً عن الحيرة ، فدفنه بين ذكوات بيض. قال : فلمَّا كان بعد ذهبت إلى الموضع ، فتوَّهمت موضعاً منه ، ثُمَّ أتيته فأخبرته ، فقال : أصبْتَ رحمَك الله ، ثلاث مرات) (2).
والأخبار كثيرة ، نورد جملة منها في أحوال الحسين عليه السلام لمناسبة اقتضت تأخير ذكرها إلى هناك ، وفي (شرح النهج) لابن أبي الحديد نقلاً عن الشيخ أبي القاسم البلخيّ : (أنّ علياً عليه السلام لما قتل قصد بنوه أن يخفوا قبره خوفاً من بني أُميَّة أن يحدثوا في قبره حدثاً ، فأوهموا الناس في موضع قبره تلك الليلة - وهي ليلة دفنه -
ص: 496
ابهامات مختلفة ، فشدّوا على جمل تابوتاً موثقاً بالحبال ، يفوح منه روائح الكافور ، وأخرجوه من الكوفة في سواد الليل صحبة ثقاتهم ، يوهمون أنهم يحملونه إلى المدينة فيدفنونه عند فاطمة عليها السلام.
وأخرجوا بغلاً وعليه جنازة مغطاة يوهمون أنّه يدفنونه بالحيرة ، وحفروا حفائر عدّة منها بالمسجد ومنها برحبة القصر - قصر الإمارة - ومنها في حجرة من دور آل جعدة بن هبيرة المخزومي ، ومنها في أصل دار عبد الله بن يزيد القسري ، بحذاء باب الورّاقين ممَّا يلي قبلة المسجد ، ومنها في الكُناسة ، ومنها في الثويّة ، فعُمّي على الناس موضع قبره ولم يعلم دفنه على الحقيقة إلّا بنوه ، والخواص المخلصون من أصحابه ، فإنّهم خرجوا به عليه السلام وقت السحر في الليلة الحادية والعشرين من شهر رمضان ، فدفنوه على النَّجف ، بالموضع المعروف بالغريّ ، بوصاية منه عليه السلام إليهم في ذلك ، وعهد كان عهد به إليهم ، وعمّي موضع قبره على الناس.
واختلف الأراجيف في صبيحة ذلك اليوم اختلافاً شديداً ، وافترقت الأقوال في موضع قبره الشريف وتشعَّبت ، وادَّعی قوم : أنَّ جماعة من طيِّئ وقعوا على جمل في تلك الليلة وقد أضلَّه أصحابه ببلادهم ، وعليه صندوق ، فظنُّوا فيه مالاً ، فلمَّا رأو ما فيه خافوا أن يطلبوا به ، فدفنوا الصندوق بما فيه ، ونحروا البعير وأكلوه.
وشاع ذلك في بني أميَّة وشيعتهم واعتقدوه حقّاً ، فقال الوليد بن عقبة من أبيات يذكره عليه السلام فيها :
فإنْ يكُ قَدْ ضلَّ البعيرُ بِحملِهِ *** فما كانَ مَهديّاً ولا كانَ هادياً (1)
ص: 497
وفي (تذکرة الخواص) لسبط ابن الجوزي نقلاً عن الشيخ الحافظ أبی نعیم الأصفهاني : (أنَّ الَّذي على النَّجف إنَّما هو قبر المغيرة بن شعبة ، قال : ولو علم زوَّاره لرجموه.
ثُمَّ قال : وهذا من أغلاط أبي نعيم ، فإنّ المغيرة بن شعبة لم يعرف له قبر ، وقيل : إنّه مات بالشام) ، انتهى (1).
قلت : وصرَّحَ ابنْ الأثير في (النهاية) أن المغيرة مدفون في الثوية (2).
وعن تاریخ جدّه ابن الجوزي ، أنه قال أبو الغنائم - وهو من العبّاد والمحدِّثين ، ومن أهل السنَّة - : (إنه قَدْ مات في الكوفة ثلاثمائة من الصحابة لا يعرف قبر أحدهم سوى قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو القبر الَّذي تزوره الناس الآن) (3).
وبالجملة ، فكلمات أهل هذا الفن - وهم النسّابون وأصحاب السير والتواریخ - متّفقة على تعيين مرقَدْه عليه السلام في النَّجف : كالحموي في (معجم البلدان) ، والقلقشندي في كتاب (صبح الأعشی) وابن الأثير في (كامل التواریخ) ، وابن الفداء في (تاريخه) ، والفخري في (تاريخ الوزراء) ، والداودي (4) في (عمدة الطالب) ، وابن اعثم الكوفي في (الفتوح) ، والدينوري ، وابن طلحة الشافعي في (مطالب السؤول) ، وابن الصباغ في (الفصول المهمة) ، وأبي الفرج الأصبهاني ، وابن شحنة في (روضة المناظر) ، والشبلنجي في (نور الأبصار) ، بل و
ص: 498
صاحب (القاموس) ، و (تاج العروس) في كتابيهما (1) ، وزاد في (عمدة الطالب) أنه : (وقد ثبت أن زين العابدين ، وجعفر الصادق ، وابنه موسی عليه السلام زاروه في هذا المكان (2)) (3).
ص: 499
ويقال : إنَّ الموضع المعروف ب-(مقام زین العابدین) في جهة الغري من سور النَّجف كان يربط ناقته هناك ، ويأتي إلى قبر جدِّه محدودباً مختفياً ، ثُمَّ يرجع إلى الموضع ويبيت به ، ثُمَّ يرتحل صبحاً إلى الحجاز (1).
وكيف كان ؛ فربَّما ينطبق على هذا المكان ما رواه في (البحار) بسنده عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «كان أبي علي بن الحسين عليه السلام قَدْ اتخذ منزله من بعد
ص: 500
مقتل أبيه الحسين بن علي بيتاً من شعر ، وأقام بالبادية ، فلبث بها عدة سنين كراهيةً لمخالطة الناس وملابستهم ، وكان يصير من البادية بمقامه بها إلى العراق زائراً لأبيه وجدِّه ، ولا يشعر بذلك من فعله.
قال محمّد بن علي : فخرج سلام الله عليه متوجّهاً إلى العراق لزيارة أمير المؤمنين عليه السلام صلوات الله عليه ، وأنا معه ، وليس معنا ذو روح إلا الناقتين ، فلمّا انتهى إلى النَّجف من بلاد الكوفة ، وصار إلى مكان منه بكى حَتَّى اخضلّت لحيته بدموعه ...» إلى آخر ما ذكره (1).
وقد ورد في فضل النَّجف أخبار كثيرة يناسب نقلها في المقام :
فعن كتاب مدينة العلم للصدوق رحمه الله : «أنه سأل منصور بن حازم من الصادق عليه السلام عن مجاورة النَّجف عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، وقبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام فقال : إن مجاورة ليلة عند قبر أمير المؤمنين أفضل من عبادة سبعمائة عام ، وعند قبر الحسين عليه السلام [أفضل] من عبادة سبعين عام» (2).
وسأله عن الصلاة عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : «الصلاة عند قبر أمير المؤمنين مائتا ألف صلاة ، وسكت عن الصلاة عند قبر الحسين عليه السلام» (3).
ص: 501
والَّذي يترجح في نظري القاصر : أنَّ هذه الزيادة في الصلاة غير مختصّة بخصوص مشهده عليه السلام ، بل هي ثابتة لسائر ما تحويه البلدة المقدّسة من الدور والبقاع ؛ ولصدق النيَّة في الجميع ، وأنه يكفي في الإضافة أدنی مناسبة ، كما قال الشاعر :
إذا کوكَبُ الخرقاء لاح بِسَحرَةٍ *** سهيلٍ أذاعَت غزلَها في الأقارِبِ (1)
وأضاف لفظ الكوكب إلى الخرقاء ؛ بمناسبة أنها كانت تهتم لأمر الشتاء عند طلوعه ، ولأنه يقال : فلان عنده دار أو بستان يريدون به الملكية ، ولو كان بين المالك والمملوك بون بعيد.
ولقوله تعالى : ﴿لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ (2) ، والمراد : مطلق فقراء المهاجرين الَّذين كانوا في مكة.
وقوله تعالى : ﴿فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ﴾ (3) ، وليس المراد منعهم من الكيل بحضوره ، أو في داره ، ولأنّه كلَّما كان مجال الفضل أوسع كان في الاحترام أدخل ، فإنه أجل قدراً وأرفع شأناً من أن يحصر حريمه ببقعته المباركة خاصة.
وكيف كان فروى أبو بصير أيضاً عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «إنَّ النَّجف كان جبلاً وهو الَّذي قال ابن نوح : ﴿سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾ (4) ، ولم يكن على وجه الأرض جبل أعظم منه ، فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه : يا جبل ،
ص: 502
أيعتصمُ بِكَ منّي؟ فتقطَّع قِطَعاً قِطَعاً إلى بلاد الشام ، وصار رملاً دقيقاً ، وصار بعد ذلك بحراً عظيماً ، وكان يسمى ذلك البحر : بحر (ني) ، ثُمَّ جفّ بعد ذلك فقيل : (ني) جفّ ، فسمّيَ ب-(نيجف) ، ثُمَّ صار بعد ذلك يسمّونه (نجف) ؛ لأنه كان أخفَّ على ألسنتهم» (1).
وفي (علل الشرائع) يرفعه إلى علي عليه السلام ، قال : «إنَّ إبراهيم عليه السلام مرَّ ب-(بانقيا) فكان يزلزل بها فبات بها ، فأصبح القوم ولم يزلزل بهم ، فقالوا : ما هذا وليس حدث؟ قالوا : نزل هاهنا شيخ ومعه غلام له ، قال : فأتوه ، فقالوا له : يا هذا إنه كان يزلزل بنا كلّ ليلة ، ولم يزلزل بنا هذه الليلة فبت عندنا ، فبات فلم يزلزل بهم ، فقالوا : أقم عندنا ونحن نجري عليك ما أحببت.
قال : لا ، ولكن تبيعون هذا الظهر (2) ، ولا يزلزل بكم.
فقالوا : فهو لك. قال : لا آخذه إلا بالشراء.
قالوا : فخذه بما شئت ، فاشتراه بسبع نعاج وأربعة أحمِرَة ؛ فلذلك سمي (بانقيا) ؛ لأن النعاج بالنبطية (نقيا).
قال : فقال له غلامه : يا خلیل الرحمن ما تصنع بهذا الظهر فليس فيه زرع ولا ضرع؟
فقال له : اسكت ، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يحشر من هذا الظهر سبعين ألفاً يدخلون الجنَّة بغير حساب ، يتشفَّع الرجل منهم لكذا وكذا» (3).
ص: 503
وفي (معجم البلدان) : (بانِيقيا - بكسر النون - ناحية من نواحي الكوفة) (1).
وفي (السرائر) : (وإنما سميت (بانيقيا) ؛ لأن إبراهيم عليه السلام اشتراها بمائة نعجة من غنمه ، لأن (با) مائة ، و (نقيا) شاة ، بلغة النبط) (2).
وكيف كان فهي القادسية ، وهي آخر أرض الغري (3).
وفي (کامل الزيارة) : عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزَّ وجلَّ : ﴿وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ (4) ، قال : «الربوة نجف الكوفة ، والمعين الفرات» (5).
وفيه أيضاً : يرفعه إلى عقبة بن علقمة أبي الحبوب (6) ، قال : «اشترى أمير المؤمنين عليه السلام ما بين الخورنق إلى الحيرة إلى الكوفة ، من الدهاقين بأربعين ألف درهم ، وأشهد على شرائه.
قال : فقيل له : يا أمير المؤمنين نشتري هذا بهذا المال ، وليس ينبت حطبا (7)؟ فقال : سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : «كوفان ، كوفان يرد أوَّلها على آخرها ، يحشر من ظهرها سبعون ألفاً يدخلون الجنَّة بغير حساب» ، فاشتهيت أن يحشروا من ملكي» (8).
ص: 504
وفي (فرحة الغري) : عن داود قال : قال الصادق عليه السلام : «أربع بقاع ضجَّت من أيام الطوفان : البيت المعمور فرفعه الله ، والغري ، وكربلاء ، وطوس» (1).
وفي (تفسير العياشي) : «عن بدر بن خليل الأسدي ، عن رجل من أهل الشام قال : قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : أول بقعة عُبد الله عليها ظهر الكوفة ، لمّا أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم ، سجدوا على ظهر الكوفة» (2).
وروى الديلمي في (إرشاد القلوب) بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : «الغريّ قطعة من الجبل الَّذي كلّم الله عليه موسى تكليماً ، وقدّس عليه عيسی تقديساً ، واتخذ عليه إبراهيم خليلاً ، ومحمداً صلى الله عليه وآله حبيباً ، وجعله للنبيّين مسكناً».
وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام نظر إلى الكوفة ، فقال : «ما أحسنَ منظَركِ ، وأطيبَ قَعْرَكِ ، اللهُمَّ اجعله قبري بها».
ومن خواص تربته إسقاط عذاب القبر ، وترك محاسبة منكر ونكير للمدفون هناك ، كما وردت به الأخبار الصحيحة عن أهل البيت عليهم السلام (3).
وكتب الفاضل ملّا مهدي المعروف ب-(النراقي الأوّل) إلى جدّي بحر العلوم رحمه الله :
ألا قُلْ لِسكَّانِ أرضِ الغريّ *** هنيئاً لكُمْ في الجنانِ الخلودُ
أفيضوا علينا مِنَ الماءِ فيْضاً *** فنحنُ عُطاشى وأنتُم وُرودُ
ص: 505
فأجابه جدّي بحر العلوم رحمه الله :
ألا قُلْ لمولىً يرى من بعيد *** ديارَ الحبيبِ بِعَينِ الشُّهودِ
لكَ الفضلُ من غائِبٍ شاهِدٍ *** على حاضر غائِبٍ بالصُّدودِ
فنحنُ على الماءِ نشكو الظَّما *** وفُزْتُمْ على بُعدِكُمْ بالوُرودِ (1)
والمقصود من البيت الثاني : أنك وإن كنت غائباً عن أرض الغري ، ولكن كنت بحكم الحاضر ؛ لأنّك تحبُّ المجاورة ، ومن أحبَّ عمل قوم شاركهم ، ونحن وإن كنَّا حضوراً في الغري ، ولكن لعدم أداء حقّ الجوار تُعَدُّ في زمرة الغائبين المحرومين ، ولنِعمَ ما قيل :
إذا متْ فادفني مجاوِرَ حيدَرٍ *** أبا شُبَّرٍ أعني بهِ وشَبير
فتىً لا تمسُّ النارُ مَنْ كانَ جارَه *** ولا يخشي من مُنكَرٍ وَنَكيرِ
وعارٌ على حامي الحمى وهو في الحِمى *** إذا ضلَّ في البيدا عِقالُ بعيرِ (2)
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام : «أنه كان إذا أراد الخلوة بنفسه أتى إلى طرف الغري ، فبينما هو ذات يوم هناك مشرف على النَّجف ، فإذا رجل قَدْ أقبل من البريَّة راكباً على ناقة ، وقدّامه جنازة ، فحين رأى علياً عليه السلام قصده حَتَّی
ص: 506
وصل إليه وسلّم عليه فرد عليه السلام ، وقال له : من أين؟ قال : من اليمن قال : وما هذه الجنازة التي معك؟ قال : جنازة أبي أنت أدفنه في هذه الأرض ، فقال : لم لا دفنته في أرضكم؟ قال : أوصى إليّ بذلك ، وقال : إنه يدفن هناك رجل يدخل في شفاعته ربيعة ومضر ، فقال عليه السلام : أتعرف ذلك الرجل؟ قال : لا ، فقال : أنا والله ذلك الرجل ، أنا والله ذلك الرجل ، قم فادفن أباك ، فقام ودفنه» (1).
ومن خواص ذلك الحرم الشريف : أنَّ جميع المؤمنين يحشرون فيه ، وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : «ما من مؤمن يموتُ في شرق الأرض وغربها إلّا وحشر الله روحه إلى وادي السلام».
وجاء في الأخبار والآثار : (أنه بين وادي النَّجف والكوفة ، كأنّي بهم حَلَقٌ قعود يتحدّثون على منابر من نور ، والأخبار في هذا المعنى كثيرة) (2).
قال في (مجمع البحرين) في (س ل م) : (ووادي السلام : اسم موضع في ظهر الكوفة يقرب من النَّجف ، وفي الخبر : قلت أین وادي السلام؟ قال : ظهر الكوفة.
وفي الحديث : إنها البقعة من جنَّة عدن) ، انتهى (3).
وفيه موضع منبر القائم يعبَّر عنه بمقام المهدي عليه السلام (4) ، ويتبعه قبر هود وصالح (5) ، كما هو صريح جملة من الأخبار ، وهي مشاهد معروفة تزورها الناس.
ص: 507
وروى الكليني في (الكافي) ، بإسناده عن حبَّة العَرَني ، قال: «خرجت مع أمير المؤمنين عليه السلام إلى الظهر (1) ، فوقف بوادي السلام كأنّه مخاطب لأقوام ، فقمتُ بقيامه حَتَّى عييت ، ثُمَّ جلست حَتَّى مللت ، ثُمَّ قمت حَتَّى نالني مثل ما نالني أوّلاً ، ثُمَّ جلست حَتَّى مللت ، ثُمَّ قمت وجمعت ردائي ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، إنّي قَدْ أشفقت عليك من طول القيام ، فراحة ساعة ، ثُمَّ طرحت الرداء ليجلس عليه.
فقال لي: يا حبَّة ، إن هو إلا محادثة مؤمن أو مؤانسته.
قال ، قلت : يا أمير المؤمنين ، وإنّه لكذلك؟
قال : نعم ، ولو كشف لك لرأيتهم حلقاً حلقاً محتبين يتحادثون.
فقلت : أجسام أم أرواح؟
فقال عليه السلام : أرواح ، وما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض إلّا قيل لروحه : الحقي بوادي السلام ، وإنّها لبقعة من بقاع جنّة عدن» (2).
وفيه أيضاً : بإسناده عن أحمد بن عمر رفعه ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «قلت له : إنَّ أخي ببغداد وأخاف أن يموت بها.
فقال: ما تبالي حيثما مات ، أما إنّه لا يبقى مؤمن في شرق الأرض وغربها إلّا حشر الله روحه إلى وادي السلام.
ص: 508
قلت له : وأين وادي السلام؟ قال : ظهر الكوفة ، أما إنّي كأنّي بهم حَلَقٌ حَلَقٌ قُعود يتحدثون» (1).
هذه الآثار والأخبار هي التي دعت الشيعة إلى حمل موتاهم من كلّ فجٍّ عميق ، وواد سحيق إلى النَّجف ، حَتَّى صار ذلك من أظهر شعائر الشيعة ، وأخصّ ما يُعرفون به ، وأصبح وادي السلام كمدينة عامرة تحتوي على المباني العالية والغرف المزيّنة بأنواع الزينة ، وفيها من أنواع الزهر والأوراد ما يروق الناظر ويستنشق منها النسيم العاطر ، وممّا يدل على طيب تربتها إنّا لم نجد فيها الوحشة والانقباض بل هي من أحسن المنتزَّهات لأهالي بلدتنا المقدّسة.
وللأخ الأُستاذ العلّامة الشرقي في شأن وادي السلام قصيدة (2) ، وهي :
سلِ الحجَر الصوّانَ والأثرَ العادي *** خليلَيَّ كم جيلٍ قَدْ احتضَنَ الوادي
فيا صيحة الأجيالِ فيه إذا دَعَتْ *** ملايينَ آباءٍ ملايينَ أولادِ
ثلاثونَ جيلاً قَدْ ثَوَتْ في قرارِهِ *** تَزَاحَمُ في عُربٍ وفُرسٍ وأكرادِ
ففي الخمسة الأشبارِ دُكَّت مدائِنٌ *** وقد طُويَت في حُفرةٍ ألفُ بغدادِ
طلبتُ ابن عبَّاد فألفيتُ صخرةً *** وقد رُفِشَتْ : هذا ضريحُ ابنِ عبَّادِ
وكَمْ کومَةٍ للتُربِ من حَولِ كُومَةٍ *** مُعَلَّمَة هذا الزعيمُ وذا الهادي
ص: 509
وما الربواتُ البيضُ في أيمُنِ الحِمى *** وقد خَشَعَتْ إلّا أناضِدُ أكبادِ
خَليلَيَّ هَجْساً واختِلاساً بِخَطوِكُم *** فلم تَطأوا إلّا مراقِدَ رُقّادِ
فذو الزَّهوِ خلَّى الزهوَ عنهُ وقد ثوى *** وظلَّتْ على الغَبرا سيادَةُ أسيادِ
فكَمْ من همومٍ في التُرابِ وهمَّةٍ *** وكَمْ طُوِيَتْ فيه شمائلُ أمجادِ
أعقباكِ يا دُنيا قميصٌ وطِمرَة *** بِحُفرِة أرضٍ من خراباتِ زهّادِ
عبرتُ على الوادي فشقَّت عجاجَةٌ *** فكم من بلادٍ في الغبارِ وكَمْ نادِ
وأبقيتُ لم أنقُضْ على الرأس تربةً *** لأرفع تکريماً على الرأس أجدادي
ذهبنا إلى القَلّال نسعی کرامةً *** أتقبَلُ أجدادٌ زيارةَ أحفادِ
وهل رادعٌ للناس عن كَسرة قُلَّة *** إذا عَرَفوها من ظلوعٍ وأعضادِ
وجئنا لحيٍّ يضربون قبابَهُم *** على رائحٍ عن حيِّهم وعلى الغادي
قبابٌ عليها استهزأ الدهرُ ما بها *** سوى الحجَرِ المدفون والحَجَرِ البادي
ألا أيُّها الركب المجعجع في الحِمی *** إلى أين مسری ضعنِكُم ومَنِ الحادي
حدوجٌ عليها رَوْعَة فكأنَّها *** وقد سجدوا فيها محاریبُ عُبَّادِ
غداً تنبت الأجسادُ عشباً على الثرى *** فهَلْ تطلعُ الأرواحُ مطلعَ أورادِ
وهل لَعِبَتْ في الراقدينَ حُلومُهُم *** بأطيافِ أفواحٍ وأطيافِ أنكادِ
محالٌ على الأرواح دَفْنٌ بِتُربَةٍ *** ولكنَّها هذي القبورُ لأجسادِ
مضت نشأةُ الأرحام في ظُلماتها *** وأضوأ منها نشأتينِ وإعدادِ
ولي نشأة أجلى وأعلى فإنَّني *** لتهيئةٍ في النشأتينِ وإعدادِ
فما هذه الأجسادُ من بعد نزعِها *** سوى قَفَصٍ خالٍ وقد أفلَتَ الشادي
طباع الفتى فردوسُهُ أو جحيمُهُ *** وفي طيّ أخلاقي نشوري وميعادي (1)
ص: 510
اللهُمَّ ارزقنا حسن العاقبة ، ولا تسلبنا نعمة مجاورة قبر وليَّك أمير المؤمنين ، وسيّد الوصيين ، ووفقنا للقيام بواجب شكر هذه النعمة العظيمة ، والمنّة الجسيمة ، وارزقنا الممات على ولايته ، واجعلنا من المحبوِّين بعنايته ، آمین.
السادس : لا ينبغي المسامحة في زيارة تربة أولياء الله ، وقبور المؤمنين ، خصوصاً في أيام الجمعة ولياليها.
والمشهور : استحباب الوضوء لزيارة قبورهم ، وكثيراً ما يكون سبباً لاستمداد الفيوضات من بواطنهم ، فإنّ نفس الزائر ونفس المزور شبیهتان بمرآتین صقیلتین وضعتا بحيث ينعكس الشعاع من إحداهما إلى الأُخرى ، فكلّما حصل في نفس الزائر الحيّ من المعارف والعلوم ، والأخلاق الفاضلة من الخشوع لله تعالى ، والرضاء بقضائه ، ينعكس منه نور إلى روح ذلك الإنسان الميِّت. وكلّما حصل في نفس ذلك الميِّت من العلوم المشرقة ، والآثار القويّة الكاملة فإنّه ينعكس منها نور إلى روح هذا الزائر الحيّ ، ومن هذا ورد في الحديث : إذا تحيِّرتم في الأُمور فاستعينوا من أهل القبور (1).
بناء على أن تعلق النفس بالبدن تعلق يشبه العشق الشديد ، والحبّ التام. فإذا مات الإنسان وفارقت النفس هذا البدن فذلك الميل باقٍ وذلك العشق غير زائل إلّا بعد حين ، وتبقى تلك النفس عظيمة الميل إلى ذلك البدن ، قويَّة الانجذاب إليه.
ص: 511
فأمّا أهل الكمال والسعادة فمن حيث إنَّهم كسبوا تلك الكمالات ، ونالوا تلك السعادات في تلك الأبدان المستودعة في تلك القبور والترب ؛ فلأرواحها عناية خاصّة بأبدانها. وأمَّا أهل الضلال والشقاوة فلمَّا ذكر أيضاً من كون أبدانها ظرفاً لأرواحها ؛ ولذا نُهي عن كسر عظم الميت ، ووطء قبره ، والجلوس عليه. وعلى هذا التقرير ، فإذا ذهب الإنسان إلى قبر إنسان قوي النفس ، کامل الجوهر شديد التأثير ، كقبور الأئمّة عليهم السلام ، والشهداء ، والأولياء الصالحين ، والعلماء الراشدين ، ووقف هناك ساعة من وجهة السؤل ، وصفاء العقيدة ، تأثَّرت نفسه من تلك التربة ، وحصل لنفس هذا الزائر تعلُّق بتلك التربة. وقد عرفت أن لنفس الميِّت أيضاً تعلّقاً بها فيحصل بين النفسين ملاقاة روحانية ، وبهذا الطريق تصير الزيارة سبباً لحصول المنافع الجزيلة ، والابتهاج العظيم لروح الزائر والمزور ، هذا هو الحكمة الشرعية في شرعية زيارة القبور (1).
قال في كتاب (محبوب القلوب) : (إنّه لمّا توفّي أرسطاطاليس الحكيم اليوناني ، نقل أهل اسطاغيرا رمّته بعدما بلیت ، وجمعوا عظامه وصيّروها في إناء من نحاس ، ودفنوها في الموضع المعروف بأرسطوطاليسي ، وصيّروه مجمعاً لهم يجتمعون فيه للمحاورة (2) في جلائل الأُمور ، وإذا أصعب عليهم شيء من فنون الحكمة والعلم أتوا ذلك الموضع وجلسوا إليه ، ثُمَّ تناظروا فيما بينهم حَتَّى يستنبطوا ما أشكل عليهم ، ويصح لهم ما شجر بينهم ، وكانوا يرون أن مجيئهم إلى الموضح الَّذي في عظام أرسطو يزكّي عقولهم ، ويصحّ فكرهم ، ويلطّف أذهانهم ، وأيضاً
ص: 512
تعظيماً له بعد موته ، وأسفاً على فراقه ، وحزناً لأجل الفجيعة به ، وما فقدوه من ينابيع حكمته) ، انتهى (1).
وقريب منه في كتاب (المطالب العالية) للفخر الرازي (2).
أقول : وهذا واضح بناء على ما نطق به بعض الأخبار ، وذهب إليه أكثر العقلاء من الملّيين والفلاسفة ، وتواترت عليه الشواهد العقلية ، والنقلية ، من القول ببقاء النفس الناطقة بعد الموت ، وأنّها لا تخرب بخراب البدن ، ولا تفنى بفنائه بعد مفارقتها إيّاه ، بل تبقى مدّة البرزخ إلى أن تقوم القيامة الكبرى فتعود إلى بدنها الأول ، ويكفي في هذا الباب قوله تعالى : ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ (3) ، وإلى ذلك أشار أبو العلاء المعري في قصيدته الدالية المعروفة بقوله فيها :
خُلِقَ الناسُ للبقاءِ فضلَّتْ *** أُمَّة يحسبونَهُم للنَفادِ (4)
ومن المحقِّق : أنَّ المراد بكون النفس ناطقة أنها مدركة للكلّيات ، وهو معنی ما قيل من قيام العلوم والإدراكات ولو ظنّية بها ، كما عن بعض المحقِّقين ،
ص: 513
فلا يزول الظن بالموت ، وكذلك العلم الَّذي هو الانكشاف التام لعدم زوال النفس الناطقة به ، فلا يلزم بقاء العرض بدون موضوع.
لا يقال : إنَّ الإدراك مطلقاً عبارة عن الصورة الحاصلة في الذهن ، أو حصول الصورة في الذهن ، ولا بقاء للذهن بعد الموت وخراب البدن ، حيث يصير جماداً لا حسَّ فيه.
لأنّا نقول : إنَّ هذا إنّما يتمُّ مع تسليم كون الذهن من أجزاء البدن ، وکون الصورة المذكورة محفوظة فيه ، وبحيث لو حاول النفس إدراك تلك الصورة ، والالتفات إليها كان الذهن وسيلة إليها ، وأمَّا بناء على أن الذهن قوة من قوى النفس الناطقة تدرك بها المعلومات ، وليست من أجزاء البدن فهي قائمة بالنفس الناطقة التي يشير إليها الإنسان بقوله : (أنا).
وقال شارح (المقاصد) : (وعندنا لما لم تكن الآلات شرطاً في إدراك الجزيئات ، أمَّا لأنه ليس بحصول الصورة لا في النفس ولا في الحسّ ، وأمّا لأنّه لا يمتنع ارتسام صورة الجزئي في النفس ، بل الظاهر من قواعد الإسلام أنه يكون للنفس بعد المفارقة إدراكات متجدِّدة جزئية واطّلاع على بعض جزئيات أحوال الأحياء ، لاسيَّما الَّذين كان بينهم وبين الميت تعارف في الدنيا ، ولهذا ينتفع بزيارة القبور والاستعانة بنفوس الأخبار من الأموات في استنزال الخيرات ، واستدفاع الملمّات ، فإنَّ للنفس بعد المفارقة تعلُّقاً ما بالبدن وبالتربة التي دفنت فيها. فإذا زار الحيُّ تلك التربة وتوجَّهت تلقاء نفس الميِّت حصل بين النفسين ملاقاة وإضافات) ، انتهى (1).
ص: 514
وقال الشيخ الرئيس : (إنَّ النفس الكاملة في العلم والعمل حينما تفارق ، تشابه العقل الفعّال ، ومثله يمكن له التصرُّف في هذا العالم ، کنفس الزائر بوسيلة الزيارة تستمد من نفسه الكاملة في طلب خير وسعادة ، أو دفع شرٍّ وأذيَّة ، فلا بد من أن تُمِدُّها بقدر استمدادها ويظهر تأثير عظيم) ، انتهى.
وبالجملة : فهذا المطلب ممَّا هو مسلَّم عند أرباب العقول ، ومحرَز في كتب المعقول.
السابع : ذكر صاحب تاریخ (حبیب السير) أن شمس الدين محمّد المنتهي نسبه إلى أبي يزيد البسطامي ، دخل (بلخ) وكان في أطراف (کابل) و (غزنین) ، وكان دخوله إلى (بلخ) في سنة 885 ، واتصل بخدمة ميرزا بایقرا ، وأظهر له تاریخاً قَدْ كُتِبَ في زمان السلطان سنجر بن ملك شاه السلجوقي ، وكتب مؤرِّخه فيه : (أن مرقد أمير المؤمنين عليه السلام في قرية خواجة خيران في الموضع الفلاني ، فجمع میرزا بایقرا السادات والعلماء والأعيان من أهل (بلخ) وتوجَّه إلى تلك القرية ، وهي على بعد ثلاثة فراسخ من العاصمة ، وقصد حيث ما عيّنه صاحب التاريخ فوجد ضريحاً في وسط قُبَّة ، فأمر بحفره فظهرت فيه صخرة بيضاء منقور فيها : هذا قبر أسد الله أخي الرسول علي ولي الله.
فلا جرم أنَّ الحاضرين تبرّكوا بتلك التربة ، وبذلوا النذورات إلى المستحقين وشاع هذا الأمر في الأطراف والبلدان ، وقصد المكان المؤمنون من الناس ، وذوو الحاجات ، وسعوا في طلب حاجاتهم فعوفي كثير ورجعوا مقضيين المرام ، وفي أسرع وقت بلغ ازدحام النفوس وكثرة النقود بمرتبة ما عليها مزيد.
ص: 515
فشرح میرزا بایقرا حقيقة الحال إلى السلطان حسین بایقرا وكان مقر سلطنته بلدة هراة ، فتوجَّه إلى تلك الناحية ، وقصد التبرُّك لذلك المرقد ، وبعد الابتهال وأداء مراسم التبرُّك أمر ببناء سوق فيه يشتمل على فنادق وحمام ، ووقف لها أحد أنهار بلخ المعروف الآن بالنهر الشاهي ، وفوض نقابة الإستانة المزبورة إلى السيِّد تاج الدين حسن المعروف بالآندخودي الَّذي هو من أقارب السيّد ، [ثمّ] (1) تركه ورجع إلى عاصمته هراة.
وفي أسرع وقت صارت القرية المزبورة من كثرة العمارات والزراعة وتردُّد الناس کالمصر الجامع ، وإنّ بعض الشيّادين لمّا رأوا هذه الحادثة أخذوا في نقل المنامات الكاذبة ؛ لتشخيص بعض النقاط بدعوی کونها من مراقد الأولياء ، وقبراً من قبور الأنبياء وأولاد بعض الأئمّة الأطهار ، ویرتزقون من الشاردين والواردين ، وكلّ ذي حاجة جاء إلى ذلك المحلّ يسألون منه ، فإذا قال : قُضيت حاجتي وعُوفيت من مرضي ، حملوه على الرؤوس ، وتجوّلوا به في الأطراف ، وعلت أصواتُهُم إلى عنان السماء ، وإن أخبرهم بخلاف ذلك أوجعوه بالضرب المؤلم ، وقابلوه بالإهانة ، وسمَّوه شكّاكاً ومنافقاً ، ولما بلغ ذلك السلطان أرسل إليهم الشيخ الواعظ حسين الكاشفي فأطفأ تلك النائرة.
قال : وذلك المرقد الشريف إلى الآن هو مطاف الجمهور من البعيد والقريب) ، انتهی (2).
وذكر أيضاً في تأريخه الصغير المعروف ب-(مآثر الملوك) : (أنَّ السلطان بایقرا أحدث في ذلك المشهد عمارة في نهاية الرصانة) (3).
ص: 516
هذا ، وأنت خبير بأن ذاك نبأ على غير أساس ، وجثّة بلا رأس ، ومثل ذلك كثير في سائر البلدان ، وإن مثل هذه الآثار لا تقابل ما قدَّمنا ذكره من الروايات والأخبار ، وإن كان الزائر ربما يثاب على نيَّته (1).
و [يقول] (2) الفقير : إنما ذكرت هذا من باب المناسبات واستطراد ذکر الشيء بالشيء.
ونظير ذلك ما ذكره ياقوت الحموي في )معجم البلدان) : (أن في حلب في قرب جبل جوشن مشهداً مليح العمارة ، تعصّب الحلبيون وبنوه أحكم بناء ، وأنفقوا عليه أموالاً ، يزعمون : أنهم رأوا علياً رضي الله عنه في المنام في ذلك المكان) (3).
وفيه أيضاً : (إن عند باب الجنان مشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، رؤي فيه في النوم) (4).
ص: 517
وقال ابن جبير في رحلته إلى الشام : (فيها مساجد كثيرة لأهل البيت رضي الله عنهم [رجالاً ونساء ، وقد احتفل الشيعة في البناء عليهم] (1) ، ولها الأوقاف الواسعة ، ومن أحفل هذه المشاهد : مشهد منسوب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قَدْ بني عليه مسجد حفيل رائق البناء ، بإزائه بستان كلُّه نارنج ، والماء يطرد فيه من سقاية معيَّنة ، والمسجد كلُّه ستور معلقة ، في جوانه صغار وكبار ، وفي المحراب عامر عظيم قَدْ شُقَّ بنصفين والتحم بينهما ، ولم بَيِن النصف عن النصف بالكلّية ، تزعم الشيعة أنّه انشق لعليّ رضي الله عنه ، أمَّا بضربة سيفه ، أو بأمر من الأُمور الإلهية على يديه. ولم يذكر عن علي رضي الله عنه ، أنّه دخل قط هذا البلد ؛ اللهُمَّ إلّا إنّ زعموا أنه كان في النوم ، فلعل جهة الرؤيا تصح لهم) (2).
وأمَّا السلطان حسين ميرزا فهو : ابن میرزا منصور بن میرزا بايقرا ابن ميرزا عمر شیخ ابن تيمور الملك المشهور ، وكان عاصمة ملكه بلدة هراة ، ومدّة ملكه ثمان وثلاثون سنة وأربعة أشهر ، ومدّة حياته سبعون سنة ، وقبل وفاته بعشرين سنة اعتلَّ بالفلج إلى أن توفّي في السادس عشر من شهر ذي الحجَّة سنة 911 ، ودفن في هراة في مقبرة أعدَّها لدفنه.
ص: 518
وأمَّا ميرزا بايقرا فهو : ابنه كان مع أخيه مظفَّر حسين ميرزا يتوليان أمر السلطنة بعد أبيهما في بلدة هراة ، ثُمَّ آل أمره إلى أن توجَّه مع السلطان سليم العثماني إلى قسطنطين ، وتوفي سنة 920 في قسطنطين.
وأمّا الشيخ حسين الواعظ فهو : المعروف بمولانا کمال الدین حسین الواعظ ، كان متبحّراً في علم النجوم ، وكذلك في سائر العلوم ، وتوفّي سنة 910 ، وله من المصنَّفات : (جواهر التفسير) ، و (المواهب العليَّة) ، و (روضة الشهداء) - وهو أوّل كتاب [فارسي] (1) صُنِّفَ في وقعة كربلاء (2) ، واشتهر قراءته حَتَّى بلغ إلى حدّ يقال لذاكر الحسين عليه السلام : روضة خوان ، ولمجالس التعزية : مجلس الروضة - و (الأنوار السهيلي) ، و (مخزن الإنشاد) ، و (أخلاق المحسنين) ، و (كتاب الاختيارات) المعروف ب-(لوائح القمر) (3).
الثامن : دخل السلطان سليمان خان العثماني مدينة بغداد في الثامن عشر من جمادى الأُولى سنة 941 ، وزار قبر أبي حنيفة - وكان الشاه إسماعيل لما ملك بغداد أمر بنقض تربته ، فجدَّد السلطان المزبور عليه مشهداً عظيماً ، وبني فيه تكية يطبخ فيها طعام ، وبنى عليه قلعة حصينة ، ووضع فيها المدافع والحرس - وزار
ص: 519
مرقد الإمامين الهمامين الجوادين عليهما السلام في ظاهر بغداد ، وزار الشيخ عبد القادر الجيلاني ، ثُمَّ قصد زيارة المشهدين المعظمين أمير المؤمنين عليه السلام ، وأبي عبد الله الحسين عليه السلام ، واستمد من أرواحهما ، ثُمَّ زار المزارات المتبرَّكة ، ولمّا توجَّه إلى زيارة النَّجف الأشرف رأى القُبَّة المنوّرة من مسافة أربعة فراسخ ، ترجَّل عن فرسه فسأله بعض اُمراء دولته عن سبب ذلك ، فقال : لمَّا وقعت عيني على القٌبَّة ارتعشت أعضائي بحيث لم استطع الركوب على الفرس. فقال له بعض من كان معه : إن المسافة بعيدة إلى النَّجف ، ولعلَّ السلطان لا يمكن من الوصول بهذه الحالة ، فقال : نتفاءل بكتاب الله. فلمَّا فتحوا المصحف الشريف خرجت هذه الآية : ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ (1) ، فركب بعض الطريق ، ومشی بعضه حَتَّى دخل الروضة المقدِّسة ، ولسان الحال منه مترنم بهذا المقال :
إذا نحنُ زُرناها وجدّنا نسيمَها *** يفوحُ لنا كالعَنْبَرِ المتنفَّسِ
ونمشي حُفاةً في ثراها تأدُّباً *** ترى أنَّنا نمشي بوادٍ مقدَّسِ
ولما زار الصندوق المقدّس ، ورأى الموضع المعروف بمكان الإصبعين ؛ سأل عن كيفية الحال ، فذكروا قصّة مُرَّة ، فقال بعض من حضر معه : إن هذه موضوعات الروافض ، ولا أصل لها. فاستكشف السلطان حقيقة الحال من
ص: 520
روحانية صاحب المرقد عليه من الله السلام ، فلمَّا كان من اليوم الثاني أمر بقطع لسان المكذّب (1).
وفي بعض المجاميع : أن السلطان ، ورجال دولته لمّا شاهدوا القُبَّة المنورة وترجّل بعضهم عن فرسه ، فسأل السلطان عن السبب ، فقال : إنَّ صاحب هذا المرقد كان أحد الخلفاء فنزلت إجلالاً له. فقال السلطان : وأنا أيضاً أفعل ذلك. فقال له بعض رجاله : إنك خليفة حي ، ووالي اُمور المسلمين ، والحيّ أفضل من الميِّت. فقال السلطان : نتفاءل بكتاب الله ، فخرجت الآية الكريمة ، فأمر السلطان بضرب عنق المزبور ، وأنشد هذين البيتين إشارة إلى القصة :
تزاحَمُ تيجانُ المُلوكِ ببابِهِ *** ويكثُرُ عندَ الاستلامِ ازدحامُها
إذا ما رأتْهُ من بعيدٍ تَرجَّلت *** وإن هي لم تَفْعَل ترجَّلَ هامُها (2)
وهما للشيخ أبي الحسن علي بن محمّد التهامي ، المقتول سنة 416.
وقد خمسَّها جدّي بحر العلوم بتخمیس نفيس وهو :
تَطوفُ ملوكُ الأرضِ حولَ جنابِة *** وتَسعَى لكي تحظى بِلَثْمِ تُرابِهِ
فكانَ كَبيتِ اللهِ بيتٌ عَلا بِهِ *** (تزاحَمُ تيجانُ المُلوكِ ببابِهِ)
ص: 521
(ويكثُرُ عندَ الازدحامِ استلامُها)
أتتهُ مُلوكُ الأرضِ طَوعَاً وأمَّلتْ *** مَلِيكَاً سَحابُ الفَضْلِ مِنْهُ تَهامَلَتْ
وَمَهْمَا دَنَتْ زادتْ خُضُوعَاً بِهِ عَلَتْ *** (إذا ما رأتْهُ من بعيدٍ تَرجَّلتْ)
(وإن هي لم تَفْعَل ترجَّلَ هامُها) (1)
وله رحمه الله في تشطير البيتين ، وهو تشطير بلا نظير :
(تزاحَمُ تيجانُ المُلوكِ ببابِهِ) *** ليبلغ مَنْ قرب إليه سلامُها
وتَستَلمُ الأركان عند طوافها *** (ويكثُرُ عندَ الاستلامِ ازدحامُها)
(إذا ما رأتْهُ من بعيدٍ تَرجَّلتْ) *** لَيعلوَ فوقَ الفَرقَدَينِ مَقامُها
فإنْ فَعَلَتْ هاماً على هامِها عَلَتْ *** (وإنْ هي لم تَفْعَل ترجَّلَ هامُها) (2)
وأمَّا حديث مُرَّة بن قيس : فقد قال العلَّامة النوري رحمه الله في كتاب (دار السلام) : (إنه وإن لم يكن مذكوراً في الكتب المعتبرة إلا أنّه قَدْ بلغ عند الشيعة من التواتر حدّاً بحيث لا يخفى على أحد ، بل قلّ معجزة عندهم مثله في الشيوع ، بل قَدْ نظمه بعض شعراء الفرس من قبيل الحكيم سنائي المعروف ، وهو في حدود الخمسمائة ، وكذلك الفردوسي في (شاه نامة) وهو في حدود الأربعمائة ، والمولی حسن الكاشي الآملي معاصر العلَّامة الحلِّي (3)) (4).
ص: 522
وذكره شمس الدين محمّد الرضوي من علماء الدولة الصفوية في كتابه حبل المتين في معجزات أمير المؤمنين) (1) ، ونظمه في قصيدة مخصوصة لهذه المعجزة - وهذا السيِّد الجليل ينتهي نسبه إلى موسى المبرقع ، وله في أحوال كل أحد من الأئمة عليهم السلام كتاب ، وله في أحوال الرضا عليه السلام كتاب (وسيلة الرضوان) ، ألَّفه سنة 1135 - ونقل السيِّد محمّد صالح الترمذي ، المتخلص بالكشفي ، من علماء أهل السنة في كتاب المناقب) : (أنَّ مُرَّة بن قيس كان رجلاً كافراً ، له أموال وخدم وحشم كثيرة ، فتذاكر يوماً مع قومه في شأن آبائه ، وأجداده ، فقيل له : إن
ص: 523
أكثرهم قَدْ قتلوا بسيف علي بن أبي طالب ، فسألهم عن محلّ قبره عليه السلام فدلُّوه على النَّجف.
فجهّز معه ألفي فارس ، وألوفاً من الرجالة ، وتوجَّه إلى النَّجف. فلمَّا قرب من نواحي البلدة تحصّن أهلها في داخل البلدة ، فحاربهم في مدَّة ستة أيام حَتَّی ثلم موضعاً من السور ودخل البلدة عنوة ، وفرَّ الناس وخرجوا هاربين على وجوههم.
فجاء حَتَّى دخل الروضة المقدَّسة ، وخاطب صاحب المرقد بقوله : يا علي ، أنت قتلت آبائي وأجدادي ، وأراد أن يشقَّ الضريح بسيفه ، فخرج منه إصبعان مثل ذي الفقار فقطعه نصفين ، وفي ساعته انقلب النصفان حجرين أسودين ، فجاؤوا بهما إلى باب النَّجف ، وكان كلُّ من يزور المرقد الشريف يرفُسهُما برجله ، ومن خواص ذلك : أنَّه كلَّما مرَّ عليهما حيوان بال عليهما ، ومضى مدَّة من الزَّمان ، وكان الحال على ذلك المنوال ، فجاء رجل من خدام مسجد الكوفة ، وحمل القطعتين إلى باب المسجد وطرحهما هناك ، واتَّخذهما مرتزقاً له من الزائرين والمتردِّدين).
قال السيِّد صاحب (المناقب) : (حدثني الشيخ يونس ، وهو رجل من صلحاء أهل النَّجف : أني رأيت عضواً من أعضائه هناك). انتهي (1).
ويحكى عن الشيخ قاسم الكاظمي النَّجفي شارح الاستبصار : (أنه كان كثيراً ما يدعو على من أخرج الحجر المزبور من النَّجف ، ويقول : خذل الله من أخرج هذا الملعون من تلك العتبة المقدسة ، وأبطل هذه المعجزة الباهرة) (2).
وأشار إلى هذه القصّة أيضاً السيِّد محمود بن فتح الله الحسيني الكاظمي النَّجفي المذكور في (الروضات) ، في ذيل ترجمة شارح (الزبدة) الفاضل
ص: 524
الجواد ، وله عنه الرواية في رسالته التي ألفها لإثبات وجود جثّة الأنبياء والأوصياء في قبورهم ، قال : (إنَّ مُرَّة بن قيس الدمشقي ، كان لأبيه مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام سابقة من حيث قتله أباه ، فحمله ذلك إلى أن يأتي قبره عليه السلام ويستخف به ، فلمَّا أعدّ واستعدّ أتى الكوفة ، وسأل عن ظهرها ، وعن مكان القبر الشريف ، وتوجَّه إليه يقصده ، فجرى عليه ما جرى ، وقصَّته مشهورة بين الوری). انتهي (1).
ويظهر من صاحب (الجواهر) في بحث اللّعان خصوصية لهذا المكان من الروضة المقدّسة ، حيث قال في شرح قول المحقِّق : (وقد يغلظ اللّعان بالقول والمكان) ما لفظه : بأن يلاعن بينهما في البقاع المشرفة ، مثل ما بين الركن والمقام - أي : الحطيم - إن كان في مكّة ، وفي المسجد عند الصخرة إن كان في بيت المقدس ، وعند قبر رسول الله صلى الله عليه وآله إن كان في المدينة ، وعند المكان المعروف بالإصبعين في مشهد أمير المؤمنين عليه السلام قريباً من مكان رأسه المعظَّم) ، انتهى (2).
وهذا المكان معلوم اليوم وعلامته الثقبة الواقعة في طرف الصندوق الخاتم ، وممّا يلي القبلة ، من جهة الرأس الشريف (3).
والصندوق من آثار السلطان محمّد خان الخواجة القاجاري ، المؤسِّس للدولة القاجارية ، المتوفى سنة 1211 (4) ، وحمل نعشه إلى النَّجف ، ودفن جوار
ص: 525
المرقد المطهَّر ، وأرسل الضريح في صحبة الفقيه المطلق : أغا محمّد علي الهزارجریبي ، نجل المرحوم الأغا محمّد باقر الهزارجریبي ، وكان الابن من تلامذة جدّنا بحر العلوم ، وتوفي سنة 1245 ، ودفن الأب في الإيوان الجنوبي المعروف : بإيوان العلماء ، من الصحن المرتضوي (1).
الثامن : في ذكر من زار النَّجف من الملوك والوزراء والعلماء ، ومن بنی شيئاً في ذلك المرقد المقدّس.
يستفاد من جملة من كتب التواريخ أنَّ التعميرات الحادثة في المرقد المرتضوي عليه السلام أساسية كانت أو تزیینية ، هي على ما ستذكر :
الأول: ما صدر من داود العبَّاسي ، حيث أرسل رجلين من العملة ، ومعهما غلام له ، يقال له الجمل ، إلى قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، وقال لهم : امضوا إلى هذا القبر الَّذي افتتن به الناس ، ويقولون إنه قبر علي حَتَّى تنبشوه ، وتجيئوني بأقصى ما فيه.
فمضوا إلى الموضع وقالوا : دونكم وما أمر به ، فحفر الحفّارون وهم يقولون : لا حول ولا قوة إلّا بالله في أنفسهم ، حَتَّى نزلوا خمسة أذرع ، فلمَّا بلغوا
ص: 526
إلى الصلابة قال الحفّارون : قَدْ بلغنا إلى موضع صلب وليس نقوی بنقره ، فأنزلوا الحبشي ، فأخذ المنقار فضرب ضربة سمعنا لها طنيناً شديداً في البرّ ، ثُمَّ ضرب ثانياً ، فسمعنا طنيناً أشد ممَّا تقدّم ، ثُمَّ ضرب الثالثة فسمعنا أشدَّ من ذلك ، ثُمَّ صاح الغلام صيحةً ، فقمنا وأشرفنا عليه ، وقلنا للذين كانوا معه اسألوه ما باله؟
فلم يجبهم ، وهو يستغيث ، فشدُّوه وأخرجوه بالحبل ، فإذا على يده من أطراف أصابعه إلى مرفقه دم ، وهو يستغيث ولا يكلّمنا ، ولا يحارُ جواباً ، فحملناه على البغل ورجعنا طائرین ، ولم يزل لحم الغلام ينشر من عضده وجبينه وسائر شقه الأيمن ، حَتَّى انتهينا إلى داود. فقال : أيُّ شيء وراء كم؟ فقلنا : ما تراه ، وحدّثناه بذلك فالتفت إلى القبلة وتاب عمّا هو عليه ، ورجع عن المذهب ، وتولی وتبرّأ.
وركب بعد ذلك ليلاً إلى مصعب بن جابر فسأله أن يعمل على القبر صندوقاً ، ولم يخبره بما جرى بوجه من سوَّى مكان المرقد وطمَّه بالتراب ، وعمّر الصندوق عليه ، ومات الغلام الأسود من وقته ، والقصة مذكورة في كتاب (فرحة الغري) (1).
وداود هذا هو أبو سليمان بن علي بن عبد الله بن العبَّاس ، عم السَّفاح ، وهو الَّذي نازع الصادق عليه السلام في إرث مولی لرسول الله صلى الله عليه وآله توفّي ولم يخلّف وارثاً ، فخاصم ولد العبَّاس الصادق عليه السلام وكان هشام بن عبد الملك قَدْ حجّ في تلك السنة ، فجلس لهم ، فقال داود : الولاء لنا.
ص: 527
فقال الصادق عليه السلام : «بل الولاء لي» ، فقال داود : إنَّ أباك قاتل معاوية.
فقال عليه السلام : «إن كان أبي قاتل معاوية فقد كان حظّ أبيك فيه الأوفر» (1).
قلت : وإنما كان حظ أبيه فيه الأوفر ؛ لأن أباه عبد الله بن العبَّاس كان مع أمير المؤمنين في قتال معاوية ، وكان يسعى فيه سعياً بليغاً ثُمَّ فرّ ، وهو الَّذي قتل المُعلَّی بن خنیس وكان من قوام أبي عبد الله عليه السلام ، وإنَّما قتله بسببه ، وکان محموداً عنده ، ومضى على منهاجه (2).
وأمره مشهور ، فروي عن أبي بصير ، قال : لمّا قتل داود بن علي المعلَّی بن خنیس وصلبه ، عظم ذلك على أبي عبد الله عليه السلام واشتدّ عليه ، وقال له : يا داود! علامَ قتلت مولاي وقيّمي في مالي ، وعلى عيالي؟ والله إنَّه لا وجه عند الله منك (3).
وبالجملة : كان في أيام السَّفاح ، وصعد المنبر بالكوفة يوم بويع السَّفاح ، وقال : يا أهل الكوفة ، إنّه لم يقم فيكم إمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إلا علي بن أبي طالب ، وهذا القائم فيكم يعني : السَّفاح. ثُمَّ ولّاه المدينة ، والموسم ومكّة ، واليمن ، واليمامة (4).
وقال ابن عساكر في تأريخه : (لمّا بويع لبني العبَّاس كان مسنداً ظهره إلى الكعبة ، فقال : شكراً شكراً ، إنّا والله ما خرجنا لنحفر بكم نهراً ، ولا لنبني قصراً ، ظن عدو الله لن نقدر عليه أمهل له في طغيانه ، وأرخى له من زمانه ، حَتَّى عثر في فضل
ص: 528
خطامه. فالآن حيث أخذ القوس باريها ، وعاد النبال إلى النزعة ، وعاد الملك إلى نصابه ، في أهل بيت نبيِّكم ، أهلَ الرأفة والرحمة. والله إن كنّا لنشهد المرَّ ونحن على فرشنا ، أمن الأسود والأبيض لكم ذمّة رسوله ، وذمَّة رسوله ، وذمَّة العبَّاس ، ورب هذه البنية لا نُهيج منكم أحداً.
ثُمَّ نزل ، وسمع سالم بن حفصة يطوف بالبيت وهو يقول : لبيك مُمْهِلَ (1) بني أميَّة فأجازه داود بألف دينار) (2).
واستعمله السَّفاح على الكوفة ، ثُمَّ عزله وبعثه ، فصلّی بالموسم. وكان حجّه سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، وكان أول من ولي المدينة من بني العبَّاس ، وأول من أقام الحج للناس في ولاية العبَّاسيين. وتوفي بالمدينة سنة 132 ، واستخلف عليها ولده موسی (3).
ولمّا كان أبو العبَّاس عبد الله بن محمّد بالكوفة صعد المنبر ليخطب الناس ، فحضر ولم يتكلَّم ، فوثب داود بين يدي المنبر فخطب وذكر أمرهم ، وخروجهم ، ومنَّى الناس ، ووعدهم العدل ، فتفرقوا عن خطبته.
وتوفّي وهو ابن اثنتين وخمسين سنة ، وكان أدرك من خلافتهم ثمانية أشهر ، وقيل تسعة أشهر (4) ، (5)
ص: 529
الثاني : البناء الهاروني ، قال الشيخ المفيد في (الإرشاد) ، وصاحب (عمدة الطالب) ، واللفظ للأخير : (فلم يزل قبره عليه السلام مخفياً حَتَّى كان زمن الرشید هارون بن محمّد بن عبد الله العبَّاسي ، فإنه خرج ذات يوم إلى ظاهر الكوفة يتصيَّد ، وهناك حمر وحشية وغزلان ، فكان كلَّما ألقى الصقور والكلاب عليها لجأت إلى كثيب رمل هناك ، فترجع عنها الصقور والكلاب. فتعجَّبَ الرشیدُ من ذلك ورجع إلى الكوفة ، وطلب من له علم بذلك ، فأخبره بعض شيوخ الكوفة : أنه قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام.
فيحكى أنه خرج ليلاً إلى هناك ومعه علي بن عيسى الهاشمي ، وأبعد أصحابه عنه ، وقام يصلّي عند الكثيب ، ويبكي ، ويقول : والله يا ابنَ عمّ إنّي لأعرف حقَّك ، ولا اُنكر فضلك ، ولكن ولدك ليخرجون عليّ ، ويقصدون قتلي ، وسلب ملكي. إلى أن قرب الفجر وعلي بن عیسی نائم ، فلمَّا قرب الفجر أيقظه هارون ، وقال : قم فصلّ عند قبر ابن عمِّك.
ص: 530
قال : وأي ابن عمّ هو؟ قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام؟ فقام علي بن عيسى فتوضأ وزار القبر ، ثُمَّ إنَّ هارون أمر أن تبنى عليه قُبَّة ، وأخذ الناس في زيارته ، والدفن لموتاهم حوله ، إلى أن كان زمن عضد الدولة فناخسرو ابن بویه. انتهى (1).
وهارون هو : الخليفة الخامس من العبَّاسيين ، توفّي بطوس ، في ليلة السبت في الثالث من ربيع الثاني سنة 193(2).
الثالث : بناء محمّد بن زيد بن محمّد بن إسماعيل - حالب الحجارة (3) - ابن الحسن بن زید بن الحسن المجتبى عليه السلام المعروف : بالداعي الصغير ، الَّذي ملك طبرستان في سنة 273 ، بعد أن ملكها أخوه الحسن بن زيد - الملقَّب : بالداعي الكبير الأول ، وكان ظهوره بطبرستان سنة 250 ، وتوفي سنة 270 وله كتاب (الجامع في الفقه) وكتاب (البيان) ، وكتاب (الحجّة في الإمامة) (4) - ولم يعقب.
ص: 531
واستولى على الأمر بعده خِتنُه على أُخته : أبو الحسين أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن علي بن عبد الرحمن الشَّجري ، ابن القاسم بن الحسن بن زید بن الحسن عليه السلام ، وكان أخو الداعي : محمّد بن زید بجرجان. فلمَّا وصل إليه الخبر زحف إلى أبي الحسين من جرجان سنة 271 ، فقتله وملك طبرستان ، وأقام بها سبع عشرة سنة وسبعة أشهر ، واستولى على تلك الديار حَتَّى خطب له رافع بن هرثمة بنیشابور. ثُمَّ لمّا بلغه أسر عمر وابن ليث توجَّه نحو تسخیر خراسان. فتقدم لدفعه محمّد بن هارون السرخسي صاحب إسماعيل بن أحمد الساماني فقتله في ظاهر كركان - یعنی جرجان - في شهر شوال سنة 287 ، وحمل رأسه وابنه زيد بن محمّد إلى بُخاری ، ودفن بدنه بجرجان عند قبر الديباج محمّد بن الصادق عليه السلام ، وكان فاضلاً متديِّناً ، وحسن السيرة.
وكيف كان : فمحمّد بنى على المشهد الشريف قُبَّة وحائطاً حَتَّى قيل : إنه أول من أظهر مشهد جده عليه السلام.
وهو الَّذي أخبر الصادق عليه السلام عنه ب- : «إنّه لا تذهب الأيام حَتَّی يبعث الله رجلاً ممتحناً في نفسه في القتل ، يبني عليه حصناً فيه سبعون طاقاً».
قال حبيب بن الحسين : سمعت هذا الحديث قبل أن يبنى على الموضع شيء ، ثُمَّ إن محمّد بن زيد وجّه فبنى عليه ، فلم تذهب الأيام حَتَّى امتحن محمّداً في نفسه بالقتل.
والخبر روي في (مدينة المعاجز) (1).
ص: 532
الرابع : بناء السيِّد أبو علي عمر الرئيس الجليل ، والَّذي ردّ الله علی يده الحجر الأسود ، لمَّا نهبت القرامطة مكّة في سنة 317 ، وأخذوا الحجر وأتوا به إلى الكوفة ، وعلَّقوه في السارية السابعة من المسجد ، والقصّة طويلة.
وكان السيِّد المزبور أمير الحاج فردّ الحجر إلى محلّه في سنة 339 ، فكان لبثه عندهم 22 سنة.
وهذا السيِّد الجليل بنی قُبَّة جدّه أمير المؤمنين عليه السلام من خالص ماله ، وهو من ذرية الحسين ذي الدمعة ، فهو أبو علي عمر بن يحيى القائم بالكوفة ابن الحسين النقيب الطاهر ابن أبي عاتقة أحمد الشاعر المحدّث ابن أبي علي عمر ابن أبي الحسين يحيى - من أصحاب الكاظم ، المقتول سنة 250 ، الَّذي حمل رأسه في قوصرة للمستعین - ابن أبي عبد الله (1) ، الزاهد العابد الحسين - ذي الدمعة ، الَّذي ربّاه الصادق عليه السلام وأورثه علماً جمّا - ابن زید الشهيد ابن السجاد عليه السلام (2).
وقيل : ردّ الحجر على يد أبيه يحيى (3).
الخامس : (بناء السلطان عضد الدولة الديلمي) جاء وأقام في النَّجف قريباً من سنة ، فأحضر المعماريين ، والبنّائين من أطراف البلاد ، وخرب العمارة العتيقة ،
ص: 533
وصرف أموالاً كثيرة جزيلة ، وعمّر عمارة جليلة ، وقد ستر الحيطان بالخشب الساج المنقوش ، وأصحّ القناة الآتية قناة آل أعين ، وبنى المنهدم منها وأحكمها أشدَّ من الأول ، فاشتهرت بقناة آل بويه ، وما زالت تسقي أهل النَّجف عذبَ الماء حَتَّى أبلى الدهر جدَّتها بعد مئات من السنين (1).
قال ابن كثير : (إنَّ عضد الدولة لمّا توفّي في بغداد سنة 372 أوصى قبل وفاته بحمل جنازته إلى مشهد النَّجف ، فحمل ودفن جوار الروضة المتبرّكة ، وكتبوا على قبره : هذا قبر عضد الدولة وتاج المملكة (2) أبي شجاع ابن رکن الدولة ، أحبَّ مجاورة هذا الإمام المُتّقي (3) لطمعه في الخلاص ، ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا﴾ (4) ، وصلواته الناظرة على محمّد وآله الطاهرة) (5).
قال : (ومن جملة مآثره : تجديد عمارة مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام).
وفي حبيب السير : (أنه دفن عضد الدولة ممَّا يلي رجلي الإمام عليه السلام ، عند البابين اللذين يدخل منهما إلى الروضة) (6).
وفي (فرحة الغري) : (كانت زيارة عضد الدولة للمشهدين الشريفين الطاهرين الغروي والحائري في شهر جمادى الأُولى من سنة 371 ، وورد مشهد الحائر ، مشهد مولانا الحسين عليه السلام لبضع بقين من جمادی ، فزاره عليه السلام ، وتصدَّق وأعطى الناس على
ص: 534
اختلاف طبقاتهم ، وجعل في الصندوق دراهم ، فَفُرِّقت على العلويين ، فأصاب کلِّ واحد منهم : اثنان وثلاثون درهماً ، وكان عددهم ألفين ومائتي اسم.
ووهب لعوام المجاورين عشرة آلاف درهم ، وفرَّق على أهل المشهد من الدقيق والتمر مائة ألف رطل ، ومن الثياب خمسمائة قطعة ، وأعطى الناظر عليهم ألف درهم.
وخرج وتوجَّه إلى الكوفة لخمس بقين من جمادى المؤرّخ ، ودخلها وتوجَّه إلى المشهد الشريف الغروي يوم الاثنين ، ثاني يوم وروده وزار الحرم الشريف ، وطرح في الصندوق دراهم ، فأصاب كل منهم واحداً وعشرين درهما ، وكان عدد العلويين ألفاً وسبعمائة اسم ، وفرق على المجاورين وغيرهم خمسة آلاف درهم ، وعلى الناحية ألف درهم ، وعلى القرَّاء والفُقهاء ثلاثة آلاف درهم ، وعلى المرتبين والخازن والبواب على يد أبي الحسن العلوي ، وعلى يد أبي القاسم بن أبي العابد ، وأبي بكر بن سیَّار) (1).
وفي (تاريخ الذهبي) : (أنَّ في سنة 379 مات صاحب بغداد شرف الدولة بن عضد الدولة وله 29 سنة ، وكانت دولته ثلاثين شهراً ، ودفن عند أبيه بالمشهد الأمجد.
وفي سنة 403 مات صاحب بغداد السلطان بهاء الدولة ابن عضد الدولة وله 42 سنة ، وكانت مدَّة ملكه 24 سنة ، ودفن بالمشهد الأسعد) (2).
ص: 535
وذكر ابن كثير أيضاً : (أنَّ جلال الدولة البويهي توجَّه من بغداد نحو الغريّ لزيارة أمير المؤمنين ، وكان في أكثر الطريق يمشي على قدميه طلباً لمزيد الأجر والثواب ، وزار مشهد الحسين عليه السلام وذلك سنة 431 ، وتوفّي هو سنة 435) (1).
والظاهر أنَّ القُبَّة التي هي بناء عضد الدولة هي المقصودة من قول أبي عبد الله حسين بن أحمد الحجَّاج ، الملقّب بابن الحجَّاج الشاعر ، الماهر في قصيدته المعروفة ، المشهورة التي أولها :
يا صاحِبَ القُبَّة البيضاء في النَّجف *** مَنْ زارَ قَبرَكَ واستشفى لَدَيْكَ شُفِي
وتوفّي ابنُ الحجَّاج في يوم الثلاثاء السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة 391 بالنيل ، وحُمِلَ إلى بغداد ودفن عند مشهد موسی بن جعفر عليه السلام ، وأوصى أن يكتب على قبره : ﴿وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ﴾ (2).
وكان من كبار الشيعة ، وكفى في فضله أن السيِّد الرضي رحمه الله انتخب شعره وسماه (الحَسَنُ من شِعْرِ الحُسَين) ، ويظهر من شعره أنه من أولاد الحجَّاج بن يوسف الثقفي.
قال ابن شبانة : (وهو مناف كونه من بلاد العجم إلّا أن يكون ولد فيها ، انتهى (3)) (4).
ص: 536
وكيف كان ، فلم تزل عمارة عضد الدولة باقية إلى سنة 753 فاحترق الحرم ، واحترق فيما احترق مصحف في ثلاثة مجلَّدات يقال إنّه كان بخط صاحب المرقد عليه السلام وإنه كان في آخره : وكتب علي ابن أبي طالب.
ويقال : إنَّ الَّذي كان في آخر ذلك المصحف : علي ابن أبي طالب ، ولكن الياء تشتبه بالواو في الخط الكوفي (1).
قال في (عمدة الطالب) : (وقد رأيت مصحفاً بالمذار في مشهد عبيد الله بن علي بخطّ أمير المؤمنين عليه السلام في مجلَّد واحد في آخره بعد تمام كتابة القرآن المجيد : بسم الله الرحمن الرحيم كتبه عليُّ بن أبي طالب. ولكنَّ الواو تشتبه بالياء في ذلك الخط) (2).
وسيأتي في المقام السابع زيادة لهذا المطلب ، فراجع حيث هناك (3).
السادس : البناء المتجدِّد بعد ما وقع من الحرق.
قال في (العمدة) : (وجُدِّدت عمارة المشهد على ما هي عليه الآن ، وقد بقي من عمارة عضد الدولة قليل ، وقبور آل بویه هناك ظاهرة مشهورة لم تحترق) (4).
ص: 537
وصاحب (العمدة) توفّي سنة 828 وظنّي أنَّ مقصوده من هذا البناء ، الضريح الَّذي عمله الخليفة المستنصر العبَّاسي ، على ما ذكره صاحب (الفرحة) ، قال : (والخليفة المستنصر عمل الضريح الشريف ، وبالغ فيه) (1).
وأقدم تاریخ یوجد الآن في داخل الحرم الشريف هي الكتيبة التحتانية المتَّصلة بالهزارة فإنَّ تاریخ کتابتها سنة 1131 (2) ، وظنّي أنّ الكتابة الفوقانية التي هي باللّاجورد الأبيض الواقعة في منطقة القُبَّة المنوَّرة من داخل الحرم مع التزيينات الواقعة حول الكتيبة فما فوق ، كلُّها من آثار السلطان نادر شاه ؛ لأنَّ الكتيبة المزبورة قَدْ ختمت باسم کاتبها (مهر علي) في سنة 1156 (3).
وهذا التأريخ موافق لتاريخ تذهیب القُبَّة الَّذي هو من آثار نادر ؛ إذ قَدْ كتب بالحروف الذهبية المارقة على جبهة الإيوان الشرقي المتَّصل بالرواق الشرقي ما نصُّه :
(الحمد لله تعالى قَدْ تشرف بتذهیب هذه القُبَّة المنوَّرة والروضة المطهَّرة : الخاقان الأعظم ، وسلطان السلاطين الأفخم ، أبو المظفَّر المؤيَّد بتأييد الملك القاهر ، السلطان : نادر أدام الله ملکه ، وأفاض على العالمين سلطته وبرَّه ، وعدله وإحسانه.
ص: 538
وقيل في تاريخه : خلَّده الله ودولته سنة ستٍّ وخمسين ومائة وألف) انتهى (1).
ولقد أجاد من أرَّخ ذلك بقوله : (آنست من جانب الطور ناراً) سنة 1156 (2).
ولا أدري أن التزيينات الزجاجية ، والترصيعات المراتبة التي هي داخل الحرم الشريف في أيِّ تاريخ حدثت؟ ومَنْ الباذل لنفقتها؟ غير أنه يوجد من جهة الرأس الشريف من طرف القبلة وعكسها مرآتان كبيرتان مكتوب على كلّ منهما هذا البيت :
قُلْ لِمَنْ يسألُ عَنْ تاريخِها *** هو صَرْحٌ من قواريرَ مُمَرَّدُ
أعني : (سنة 1301).
وأمّا الضريح الفضّي الموضوع فعلاً على المرقد الشريف ، فهو من آثار مشير السلطنة الشيرازي - من رجال السلطان ناصر الدین شاه القاجاري - وتاریخ الفراغ منه : (تمّ ضريح الأمير) سنة 1298 (3).
وحكى ابن النَّجار في تاريخ المدينة : (أن العاضد آخر خلفاء الفاطميين عمل للحُجرة النبوية ستارة من الدبيقي الأبيض عليها الطُّرُز والجامات المرقومة بالإبريسم الأصفر والأحمر ، مكتوب عليها سورة (يس) بأسرها ، والخليفة العبَّاسي يومئذ
ص: 539
المستضيء بأمر الله. ولمَّا جهّزها إلى المدينة امتنع قاسم بن مهنا - أمير المدينة يومئذ - من تعليقها حَتَّى يأذن فيه المستضيء ، فنفذ الحسين بن أبي الهيجاء قاصداً إلى بغداد في استئذانه في ذلك ، فأذن فيه ، فعلقت الستارة على الحجرة الشريفة نحو سنتين ، ثُمَّ بعث المستضيء ستارة من الإبريسم البنفسجي عليها الطراز والجامات البيض المرقومة ، وعلى دور خاماتها مرقوم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعلى طرازها اسم الإمام المستضيء بالله. فقلعت الأُولى ونفذت إلى مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه بالكوفة ، وعُلّقت ستارة المستضيء مكانها) (1).
وهذا ما يتعلَّق بداخل الروضة المقدِّسة.
وأمَّا الرواق الشرقي الَّذي منه باب الحرم الشريف ، فقد زُيَّن بالترصیعات الزجاجية على ما هي الآن على نفقة الحاج حمزة التبريزي ، كان ساكناً في النَّجف ، وكان من التجَّار المعروفين بالتديُّن ، وكان يحب الخير ، وتوفي في النَّجف ودفن. وعلى ما بلغني : أنه أنفق على ذلك ثلاثة آلاف توماناً ، وفرغ من تعمیره سنة 1284 (2).
وفي سنة 1307 شرعوا في تزيين الأروقة القبلية ، والشمالية ، والغربية ، على ما هي الآن على نفقة الحاجي أبو القاسم ، والحاجي على أكبر البو شهري ، وفرع منه سنة 1309 (3).
ص: 540
وفي سنة 1206 جُدِّد فرش الصحن على نفقة رجل من أهالي إيران يقال له (مير خير الله) ، كما هو المستفاد من مادة تاريخه الفارسي :
(بنای مهر خير الله بجا بود) (1).
وممَّن تشرَّف بتقبيل القبلة : الملك الصالح ، فارس المسلمين ، أبو الغارات ، نصیر الدین طلائع بن رزيك ، وكان شجاعاً ، كريماً جواداً فاضلاً ، محبّاً لأهل الأدب ، جيد الشعر ، رجل وقته فضلاً وعقلاً وسياسة وتدبيراً ، وكان مُهاباً في شكله ، عظيماً في سطوته ، محافظاً على الصلوات فرائضها ونوافلها ، شدید المغالاة في التشيّع.
وقد توجَّه في بدء أمره مع جماعة من مساكين الشيعة إلى زيارة النَّجف. وكان متولّي المشهد الشريف يومئذ رجلاً اسمه السيِّد معصوم ، فرأى في المنام : أنّ أمير المؤمنين يأمره أن يصل إلى أربعين شخصاً من فقراء الشيعة جاؤوا للزيارة ، وفيهم رجل يقال له : طلائع بن رزيك وهو من أكبر الشيعة والمحبين لنا ، وقل له : إنا أعطيناك إيالة مصر فتوجَّه إليه سريعاً ، فلمَّا أصبح السيِّد جاء إليهم ، وأخبر رزيك بمقالة أمير المؤمنین عليه السلام ، فتوجَّه من وقته إلى مصر ، فكان من أمره ما شحن به التأريخ ، وكانت وفاته في رمضان سنة 556. ورزيك بضم الراء ، وتشديد الزاء المكسورة ، وسكون الياء المثناة (2).
ص: 541
وممَّا قاله في مدح أمير المؤمنين عليه السلام :
ولايتي لأميرِ المؤمنينَ علي *** بهِ بَلَغتُ الَّذي أرجوهُ من أملِ
إن كان قَدْ أنكَرَ الحُسَّادُ رُتْبَتَهُ *** في جُودِهِ فتمسَّك يا أخي بِهَلِ (1)
وفي سنة 914 توجَّه السلطان الشاه إسماعيل الصفوي نحو العراق. ولمّا وصل خبره إلى بغداد - وواليها يومئذ باريك بيك - غادرها وفرّ إلى الشام فدخل السلطان الشاه إسماعيل المزبور بغداد ، وملك العراق - أعني : بغداد وما والاها - بلا قتال ، ولا جدال ، فتوجَّه إلى زيارة النَّجف الأشرف وسائر الروضات المقدَّسة مع الإكرام والإنعام الملوكي على المعتكفين بتلك الأعتاب. وعيَّن الحفاظ ، والمؤذّنين ، والخَدَمة ، والقناديل من الذهب ، والفضة ، والأفرشة اللائقة ، والصناديق العالية ، وتنسيق بعض محال العراق على الإستانة المقدَّسة ، وبذل النقود على كثير من طبقات المجاورین ، وحفر نهراً من الفرات لسقي النَّجف ، وتوجَّه نحو بلاد خوزستان (2).
وفي (زبدة التواريخ) : (أنَّ السلطان الشاه عبَّاس الصفوي الكبير ، زار النَّجف الأشرف في سنة 1032 ، ومكث فيه أسبوعين ، وكان يتولَّى كنس المشهد الشريف
ص: 542
بيده في كلّ يوم ، وبذل الأموال الكثيرة على إصلاح النَّجف ، فأجرى الماء في آباره وصحنه) (1).
وفي سنة 1041 توجَّه الشاه صفي بن صفي ميرزا ابن السلطان الشاه عبَّاس الماضي لزيارة العتبات ، فأدَّى ما عليه من النذور ، والإكرام ، والإنعام ، وإطعام أرباب الحاجات ، ورجع إلى بغداد (2).
وفي سنة 1042 أمر بتجديد القُبَّة المرتضوية ، وفسحة الحرم ووسعته. فاجتمع المعمارون في النَّجف ، واشتغلوا في تلك المصلحة الشريفة مدَّة ثلاث سنين ، ووجدوا في حوالي النَّجف معدن الصخر في غاية الجودة فعملوا منه ما يحتاج إليه. وأمر بشقِّ نهر عميق عريض من حوالي الحلَّة إلى مسجد الكوفة ، ومنه إلى الخورنق وأنزله إلى بحر النَّجف ، وأحدث هناك بحيرة يجتمع فيها الماء ، ثُمَّ بوسيلة القناة أوصل الماء داخل السور ، ثُمَّ باستعانة الدولاب أجرى الماء على وجه الأرض في الأزقّة والصحن المرتضوي.
وقال في ذلك شعراء العصر :
شاه إقبال فرين خسرو دين شاه صفي *** انکه خال قَدْ مش زبور افسر آمد
يا فت توفيق که آرد بنجف آب فرات *** وان بشارة بشه از حيدر صفدر آمد
ساکنان نجف از تشنگي آزاد شدند *** رحمة حق همه را شامل وياور آمد
سال تاريخجه برسيدم از ايشان گفتند *** آب ما از مدد ساقي کوثر آمد (3)
ص: 543
(سنة 1042).
وفي سنة 1317 فتحوا باباً لسور النَّجف قرب باب القديم إلى جهة وادي السلام (1).
وفي سنة 602 توفّي الأمير مجد الدين طاشتكين المستنجدي أمير الحاج ، وحاكم خوزستان ، وكان حسن السيرة ، كثير العبادة ، جواداً ، وشجاعاً ، غالياً في التشيُّع ، ونقل تابوته إلى الكوفة ودفن في النَّجف بوصية منه ، ذكره صاحب (فوات الوفيات) (2).
وفي تاريخ بن خلکان : (أنَّ أبا القاسم الحسين بن علي بن الحسين بن محمّد بن يوسف ، الوزير المغربي ، توفّي في منتصف شهر رمضان سنة 418 في الموصل ، ونقل إلى مشهد النَّجف بوصية منه ، وكان فاضلاً ، عاقلاً شاعراً ، شجاعاً حسن الخط جدّاً ، وكان ماهراً في فنِّ الوزارة لم يُرَ مثله) (3).
وذكر النجاشي له تصانيفَ ، وقال : (إنه من ذرِّية بهرام جور) (4).
ص: 544
وممَّن فاز بحسن الجوار : الأمير الشيخ حسن نويان ، المعروف بالشيخ : حسن بزرك الإيلخاني الَّذي استقل بحكومة العراق مدّة 17 سنة ، ثُمَّ توفّي في بغداد حيث عاصمته ، ونقل إلى النَّجف ، ودفن بجوار الأمير عليه السلام وكانت وفاته سنة 757 ، وقد شيَّد مباني فخمة في النَّجف ، وقد أنشأ دولته في بغداد سنة 736 (1).
وممَّن فاز بحسن الجوار مَيِّتاً : الشريف شهاب الدين أبو سليمان أحمد بن رميثة ، بعد أن قُتِلَ بالحلَّة بأمر السلطان الشيخ حسن الإيلكاني المذكور ، فصلَّی عليه ودفنه في داره ، ثُمَّ نقل إلى المشهد الغروي. والتفصيل في (عمدة الطالب) (2).
وفي سنة 1288 في العاشر من ربيع الأول توفّي أبو الملوك كيومرث میرزا ، الملقَّب بملك أرا ابن السلطان فتحعلی شاه القاجاري ، وحمل تابوته إلى وادي السلام (3).
وفي سنة 1156 توجَّه نادر شاه إلى زيارة العتبات المقدّسة ، وذلك بعد إبرام امر الصلح بينه وبين السلطان العثماني محمود خان الأوّل ، ولمَّا وصل شهربان واقفه سليمان بيك مختار بغداد ، ومحمّد أغا ، وجملة من الأشراف من أهالي
ص: 545
بغداد ، ومعهم الهدايا ، والتحف اللائقة ، فأکرم ملتقاهم ، ورجعوا وهم رهين إحسانه ، مطوِّقین بطوق فضله وامتنانه ، فزار الإمامين الكاظمين عليهما السلام ، ثُمَّ عبر إلى قبر أبي حنيفة ، ورجع عصراً إلى الكاظمين عليهما السلام وفي اليوم الثاني توجَّه من طريق الحلَّة عازماً إلى النَّجف ، وكان في موكبه طبقات علماء إيران ، وأفغان ، وبخاری ، وسائر توران.
وكان جلّ غرضه من ذلك توحید مذهب الإسلام ، ورفع النزاع ما بين اُمَّة خير الأنام ، فلا جرم أن حضر جملة من علماء المشهدين الشريفين ، والحلَّة وتوابع بغداد ، وعقد لهم مجلس المذاكرة في الإستانة المقدّسة ، فجرت المفاوضات ، ورفعوا المواد المنافرة ، وما يوجب المغايرة ، وكتبوا بذلك وثيقة حاكية عن حقيقة الحال ، مختومة بخواتیم من حضرات الأعلام ، وجعلوا أصل الوثيقة في الخزانة المقدّسة الغروية ، وأرسلوا سوادها إلى الممالك المحروسة الإيرانية ، ودونك ترجمتها الحرفية بالعبارة العربية :
(الغرض من تحرير هذه النميقة هو أنه : لمّا كان بعد رحلة خاتم النبيين لكل واحد من الصحابة الراشدين مساعٍ مشكورة ، ومجاهدات مبرورة ، من حيث ترويجهم للدين المبين ، وبذلهم النفوس والأموال ، صار كل واحد منهم بذلك مشمولاً لقول الله تعالى : ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ﴾ (1) ، وبعد رحلة سيِّد الأبرار بإجماع الصحابة الكبار تقررت الخلافة إلى الخليفة الأول ، ومن بعده بنص الأول إلى الثاني ، وبعده بحكم مجلس الشورى والاتفاق إلى ذي النورين ، وبعده إلى أسد الله الغالب ، ومظهر الغرائب ، والهزبر السالب علي بن أبي طالب عليه السلام.
ص: 546
وكل واحد من هؤلاء الخلفاء الأربعة في مدَّة خلافته قَدْ نهج منهج الالتئام والائتلاف ، وتخلّى عن شوائب الاختلاف ، ملاحظاً لرسم المصادقة ، محافظاً على حوزة الملَّة المحمّدية من تطرق الشرك والبغض ، وبعد انقضاء هذه المدَّة لمَّا انتقلت الخلافة إلى بني اُميَّة ، ومن بعدهم إلى بني العبَّاس أيضاً ؛ التزموا هذه الملَّة ، وثبتوا على هذه العقيدة إلى سنة 906 ، الَّذي خرج فيها السلطان فاتح البلاد الشاه إسماعيل الصفوي ، وعرج معارج السلطنة ، عدل عن هذا النهج القويم وأخذ في تنقيص حقِّ الخلفاء ، وإمالة قلوب العوام بتعليم من علماء آذربایجان وکيلان ، وبالغ في ذلك حَتَّى أشاع الرفض والسبِّ ، وأعلن على المنابر أنواع الفظائع والفضائح ، وبذلك أعلنت أهل السنة والجماعة المعاداة فأوجب ذلك القتل ، وشن الغارات من الطرفين بين المسلمين.
وكانت هذه الأحوال جارية إلى دور الخاقان المغفور الشاه : سلطان حسین فانتهى الأمر في دوره : أنَّ تركمان الدشت ، وأفاغنة قندهار ، والروم ، والروسية وسائر الأطراف ، أخلُّوا ببناء ممالك إيران وأساس السلطنة ، وأوجبوا على أنفسهم تدمير تلك الممالك ، واستيصال الأمَّة الإيرانية.
ولكن إذا تعلَّقت مشية مالك الملك ، الَّذي لم يزل على أمر لابدّ له من البروز من ستر الحجاب إلى ساحة الشهود ، فنبغ كوكب الذات النيِّرة الوجود ، المشتملة على أنواع السعادات ، الحضرة الأعلى ، الخاقان ، القهرمان من نسل تركمان الرفيع الشأن ، البرق المحرق الذخائر العصاة من أبناء الزَّمان بالتأييد السبحاني ، واهب تيجان الملوك ، وممالك توران ، ظل حضرة السبحان نادر الدوران ، خلَّد الله ملكه من مطلعهِ ، فرفع بوجوده ظلمة ساحتها ، واسترجع تلك الممالك - التي بمقتضى الانقلابات الوقتية وقعت بيد الأجانب - بقوّة كفّه الكافية ، وكسر شوكة أرباب الفساد والنزاع ،
ص: 547
إلى سنة 1148 التي عقد فيها مجلساً كبيراً شوروياً ، حاوياً لكل شریف ووضيع في بادية مغان ؛ لأجل اختيارهم من يريدون للقيام بأمر السلطنة ، فتمسَّكوا بذيل الإلحاح والإبرام.
وقالوا : إنَّ الله تعالى أكرمك بالسلطنة ، وأكرم السلطنة بك. ولا اختيار لأحد في تغيير أمر الله. إن هذه السلطنة حقٌّ من حقوقك ، فكما أنك في أول الحال صنت أعراضنا ونفوس سائر المسلمين ، وأنقذتنا من مخالب الأعداء فلتكن بعد في مقام المحافظة علينا ، لا نرضى أن تجعلنا في عهدة غيرك.
فأجابهم حضرة السلطان ، بأنّه : إن كنتم راغبين في سلطنتي ، وصيانة نفوسكم ، فلا أجيب مسؤولكم إلا بترك السبِّ والرفض ، اللَّتينِ هما روية مخالفة لروية أسلافي الكرام ، وآبائي العظام. وأن تنهجوا منهاج الإمام الناطق بالحق جعفر الصادق عليه السلام. فبادروا ذلك منه بالقبول من طريق الحق بلا شائبة وريب ، متَّفقين في هذا الحكم المقدَّس ، مصغین له بسمع الإذعان.
وكتبوا بذلك وثيقة لأجل مزيد التأكيد ، جعلوها في الخزانة العامرة ، ولما تم الأمر على ما هنالك أرسل حضرة الأعلى الشاهانية وزيراً إلى الدولة العليَّة العثمانية يطلب من أعلى حضرته ، الباسط لباسط الأمن والأمان ، والناشر لرايات : ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ (1). سلطان البرَّين ، وخاقان البحرين ، خادم الحرمين الشريفين ، ثاني إسكندر ذي القرنين : بادشاه إسلام بناه الروم أيَّد الله بقاه ؛ المطالب الخمسة الآتية بیانها :
ص: 548
الأول : بما أنَّ أهل إيران عدلوا عن العقائد السابقة ، ونكلوا الرفض ، والسبَّ ، وقبلوا الجعفري الَّذي هو من المذاهب الحقَّة ؛ المأمول من القضاة ، والعلماء ، والأفندية الكرام : الإذعان بذلك ، وجعله خامس المذاهب.
الثاني : إنَّ الأركان الأربعة من الكعبة المعظمة في المسجد الحرام تتعلَّق بأئمة المذاهب الأربعة ؛ فالمذهب الجعفري يشاركهم في الركن الشامي ، وبعد فراغ الإمام الراتب فيه من الصلاة يصلّون بإمامهم على الطريقة الجعفرية.
الثالث : في كلّ سنة يعيَّنُ من حكومة إيران أمير للحجاج الإيرانيين ، كأمير مصر والشام في كمال العزة والاحترام ، يوصل الحاج الإيرانيين إلى كعبة المقصود ، ويكون في الدولة العليَّة العثمانية أعلى شأناً من الأمير المصري ، والشامي.
الرابع : فَكُّ الأسراء من الجانبين ، ومنع وقوع البيع عليهم.
الخامس : تعيين وکيلين من الدولتين في مقر السلطتين لأجل القيام بمصالح
المملکتین.
وبهذه الوسيلة ترتفع الاختلافات الصورية ، والمعنوية ما بين اُمَّة سيد الثقلين ، وبعد ذلك ، بمقتضى قوله تعالى : ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (1) ، تجري مراسم الأخوة والألفة بين الأُمَّة الإيرانية والعنصر الرومي.
ولمّا بلغ المنشور إلى اُمناء الدولة العثمانية قبلوا من ذلك مادة تعيين أمير الحاج ، ومادة إطلاق الأُسراء ومادة تعيين الوكيلين ، وحقّية المذهب الجعفري من دون جعله مذهباً خامساً رسمياً.
وطال البحث والكلام ما بين رجال الدولة في هذا الشأن ، وكان الأمل إنجاح والمهمة في بعض أيام ، ولكن استطالة مدة المذاكرة ثمان سنين ، ولمّا تتمّ.
ص: 549
وفي هذه السنة الموافقة سنة 1156 هجرية ؛ عزم السلطان على الدخول في حدود الروم لخلو أرضها عن الهواء النفساني ، فيجدِّد فتح باب المذاكرة إطفاء لثائرة الفساد ، ودفعاً للنزاع ما بين أهل الإسلام. فلا جرم أن أحضر جملة من الأُمَّة الإيرانية في موكبه المنصور الهمايوني ومن أهل بلخ ، وبخاری ، وشيوخ الإسلام ، والقضاة الكرام ، والعلماء الأعلام ؛ برسم الضيافة ، وتوجَّه بهم نحو العراق لأجل إنجاز المطالب المعهودة ، مع مقدمة مقام السلطنة المروية.
ولمَّا فاز بالتشرُّف بتقبيل تراب الروضة العلوية جلب جماعة من علماء النَّجف الأشرف ، وكربلاء ، والحلة ، وتوابع بغداد إلى حوزة المذاكرة ، وجدد الأمر الهمایوني بما صريحه : أنه حيث لا يوجد فتور ولا قصور في مذهب الإسلام إلّا شيوع السبِّ والرفض من بدوِّ الدولة الصفوية في هذه الأُمَّة ؛ فالواجب على العلماء الكرام الَّذين هم دعائم دين الإسلام أن يحتفلوا بمجلس للمحاورة ، والمذاكرة في هذه المهمة ، حَتَّى يصفو منهل عذب الملَّة النبوية الَّذي اُشيب من ازدحام اختلاف الاُمم عليه بالشكوك والشبهات ، ويطفئوا نائرة الفساد بزلال الماء الحق ، فاجتمعوا على النهج المقرر في المرقد الشريف ، بحضور أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وشرعوا في المفاوضات وإظهار العقائد.
وقد حررت الواقعة طبقاً لما وقعت في المشهد الشريف ، بشهادة صاحب المرقد عليه السلام ، وهي :
نحنُ الداعين للدولة القاهرة النادرية علماء ممالك إيران عقيدتنا الإسلامية : أنه بعد رحلة سيد المرسلين تقررت الخلافة بإجماع الأُمَّة للخليفة الأول ، وبعده بنصّ الأوّل ، والاتفاق للثاني ، وبعده بالشورى والاتفاق لذي النورين ، وبعده لأسد الله الغالب ، ومطلوب كل طالب ، علي بن أبي طالب عليه السلام. وبمضمون الآية الواقية
ص: 550
بالهداية : ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رضي الله عنهمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ (1).
وبفحوى الآية الشريفة : ﴿لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ (2).
والحديث الشريف : «أصحابي كالنجوم بأيِّهم اقتدیتم اهتديتم» (3) ؛ الخلفاء الأربعة على الحق ، وكانت المواصلة والمرابطة بينهم مرعية : فقد سألوا علياً عليه السلام من بعد وفاة الخليفة الأول والثاني عن حالهما ، فقال عليه السلام : «هما إمامان قاسطان ، عادلان ، كانا على الحقّ» (4).
وكان يقول الخليفة الأوّل في حقِّ علي عليه السلام : (لست بخيركم وعليٌّ فيكم) (5).
والخليفة الثاني كان يكرر هذا الكلام في حقِّ علي عليه السلام : (لولا علي لهلك عمر) (6) ، ونظائر ذلك - ممَّا يدل على رضاء كلّ منهم من صاحبه - کثیر.
وفي سنة 906 خرج الشاه إسماعيل الصفوي ، وأشاع الرفض ، والسبِّ للخلفاء الثلاثة ؛ وهو السبب في ظهور الفساد ، ونهب أموال العباد ، وأورث البغض ، والمعاداة فيما بين المسلمين. ومقتضى قوله تعالى : ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ﴾ (7).
ص: 551
انَّ الشاهنشاه ملجأ العالم ، مزيِّن تخت السلطنة ، وكما حرر أعلاه استكشف الحال من الداعين في المجلس الكبير الشوروي المعقد في بادية مغان ، ونحن أيضاً أبدينا عقائدنا الإسلامية في هذا الشأن ، وحالاً نحن المسؤولين في الروضة المقدّسة العلوية تظهر عقائدنا الإسلامية على النهج المسطور ، ونتبرّأ من الرفض.
وطبقاً لما وافق عليه العلماء الأجلّاء : شيخ الإسلام ، وسائر الأفندية العظام من ارباب الدولة العملية العثمانية ، من تصديق حقيّة المذهب الجعفري ، فنحن على هذه العقيدة راسخون ، وما تحرر ذلك إلا لمحض الخلود ، وتصميم القلب ، خالياً من شوائب البطش والقلب ، ومتى ما ظهر منا خلاف تلك العقيدة فنحن خارجون من ربقة الدين ، مستحقون لغضب الله تعالى ، وسخط سلطان الزَّمان.
عقيدة الداعين لدوام الدولتين العليَّتين علماء النَّجف وکربلاء ، والحلَّة ، وتوابع بغداد أن الإمام جعفراً عليه السلام من ذرِّية الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ، وممدوح سائر الأُمم ، ومقبول عند أئمة الملل ، ومسلم.
وحسب ما قرره علماء بلاد إيران ، وحرَّروه ، تحقق أيضاً لدى الداعين : أن العقائد الإسلامية الإيرانية صحيحة ، وأن الفرقة المزبورة قائلون بحقّية الخلفاء الكرام ، وهم من أهل الإسلام ، وأُمَّة سيد الأنام ، ومن أظهر العداوة منهم فهو عار عن كسوة الدين ، والله ورسوله وأكابر الدين بريئون منه ، وفي دار الدنيا محاكمته مع سلطان العصر ، وفي العشبي مع جبار شديد البطش والقهر.
عقيدة أقلّ دعاة علماء قُبَّة الإسلام : بُخاری وبلخ : أنَّ العقائد الصحيحة الإسلامية للأمة الإيرانية على نحو ما ذكره العلماء أعلاه ، وأن هذه الفرقة داخلة في أهل الإسلام ، ومن أُمَّة سيد الأنام ، وكل من أظهر العداوة مع هذه الجماعة خارج عن الدين ، ومحروم من شفاعة خاتم النبيين ، وفي دار الدنيا هو مسؤول سلطان الآفاق ، وفي العقبى لسلطان السلاطين على الإطلاق ، والاختلاف لأهل هذه العقيدة في بعض
ص: 552
الفروعات مع الأئمة الأربعة غير مناف ، ولا مغاير للإسلام ، وأصحابها من أهل الإسلام ، ويحرم على الفريقين المسلمين من اُمَّة محمّد صلى الله عليه وآله ، وأخوين في الدين ، قتلُ كلّ واحدٍ منهما الآخرَ ، ونهبَهُ ، وأسرَهُ).
هذه تمام ترجمة صورة المعاهدة.
ثم أمر ببذل خمسين ألف تومان لتذهيب القُبَّة المنوَّرة ، وأحال حساب ذلك على صاحب المرقد عليه السلام ، وأيضاً : مائة ألف روبية إيرانية ؛ لترميث الكاشي الجدران الصحن المقدَّس ، من زوجته كوهر شاه بیکم ، وعشرين ألف تومان من السيدة رضية سلطان بیکم : بنت الشاه سلطان حسين الصفوي ؛ لأجل عمارة المسجد الواقع خلف الظهر.
وبعد قضاء وطره من الزيارة في مدة خمسة أيَّام ألوى عنان الانصراف من العراق ، وسار من طريق المسيَّب إلى بغداد ، أنعم علی خدام الأماكن الثلاثة للأئمة الأربعة عليهم السلام وأبي حنيفة بصفة النذر (1).
وفي سنة 1287 تشرف السلطان ناصر الدين الشاه القاجاري إلى زيارة النَّجف الأشرف ، وباقي العتبات المقدسة ، وأنعم على كافة طبقات المجاورین الإنعامات الملوكية ، خصوصاً طبقات العلماء الأعلام (2).
ص: 553
وممَّن خص بمزيد الإكرام منه تعظيماً لأمره ، واعتناء بشأنه ، هو جدي العلّامة السيِّد علي صاحب البرهان القاطع ، فأعطاه ألف أشرفي ذهب ، وأتحفه بحُقة مرصَّعة بالمجوهرات ، وأرسل له بعد عودته إلى طهران عصا وعبا.
قال السيِّد صالح القزويني :
أيدري علي ناصر الدينِ لِمْ لهُ *** عصاً وعباً للهِ أُهدي تَقرُّبا
رأی يَدَهُ البيضا فأهدى لَهُ العصا *** ومُذْ كانَ مِن أهلِ العَبا أرسَلَ العَبا
فكلٌّ لَعمري ناصرُ الدين منهُما *** ففي علمهِ هذا وذلِكَ بالظُّبا (1)
وفي سنة 1338 تشرّف السلطان أحمد شاه القاجاري بزيارة النَّجف ، ودخل البلدة الشريفة أول يوم من شهر رمضان ، وكان حاكم النَّجف يومئذ إنكليزياً ، وبقى ليلة واحدة ، وأنعم على العلماء ، وخدمة الروضة : اثني عشر ألف تومان (2).
وفي بعض السنين المتأخّرة ؛ جاء أسد من البادية ودخل النَّجف من الباب الَّذي ينتهي بسالكه إلى المرقد الشريف ، والناس تحاشياً منه تنکسر دونه ، وتفجّ له الطريق وكان يوم وروده عيد النوروز ، والبلدة مملوءة بالزوار ، ولما وصل الأسد إلى باب الصحن الشریف سدّوا عليه الباب فتمرَّغ بالعتبة المقدسة ،
ص: 554
ومسمس (1) بشيء كأنه يخاطب أسد الله الغالب أمير المؤمنين عليه السلام ، ثُمَّ رجع من حيث أتی.
وسمعت هذه القصّة ممن كان حاضراً في ذلك اليوم في الصحن الشريف ، ثُمَّ رأيت في ديوان أديب العراق على الإطلاق عبد الباقي العمري ، الفاروقي ، المتوفی سنة 1278 ما لفظه : أنّه لمّا شاع ، وذاع ، وملأ الأسماع ورود الأسد الوارد الباب المشهد المقدَّس ، ومقعد الصدق الأنفس ، فقوبل من سكنة النَّجف الأشرف بالعكس والطرد. فقال معاتباً لهم بألطف عتاب على منعهم إياه عن التمرُّغ بتراب أعتاب ذلك الغالب المنيع الجناب ، الفسيح الرحاب ، الرفيع القباب :
عجبتُ لسكانِ الغريّ وخوفِهم *** من الأسدِ الضاريَ إذ جاء مُقبِلا
ليلثمَ أعتاباً تَحُطّ ببابِها *** ملائكةٌ السبعِ السماواتِ أرحُلا
وفي سوحِها كَم قَدْ أناخَتْ تواضُعَاً *** قَسَاوِرَةُ الغابِ الربوبي كَلْكَلا
وهم في حِمىً فيه الوجودُ قَدْ احتمی *** ومغناه كم أغني عديماً ومُرمِلا
وقد أغلقوا باب المدينة دونَهُ *** وذلِكَ بابٌ ما رأيناهُ مُقفَلا
فمرَّغ خَدَّاً في ثرى بابِ حطَّةٍ *** وردَّ وقد أخفى الزئيرَ مُهَرْوِلا
فلو عرفوا حقَّ الولاء لحيدرٍ *** لما منعوا عنه مواليه لا ولا (2)
ص: 555
وفي أوّل شهر شوال سنة 1315 شرع بهدم رأس المنارة الشمالية ، مع تجديد فرش الصحن الشريف بأمر المخلوع عبد الحمید خان العثماني ، وكان الفراغ من الجميع عشر جمادی الثانية سنة 1316 (1).
وعندئذ ظهرت مقابر تحت المقابر التي يدقون فيها ، فعلی ما رأينا ذلك كانت أرض الصحن منخفضة عما هي عليها الآن ، والقبور التي ظهرت مبنية بالكاشي الملون المنبت بالأجورد ، وعلی قبر منها مكتوب بالكتابة الحجرية ، هكذا : (المبرور شاه زادة سلطان بايزيد طاب ثراه توفّي في شهر جمادى الأول ، سنة 833 هلالية).
وعلى قبر آخر : (هذا ضريح الطفل السعيد ، سلالة السلاطين ، شاه زادة الشيخ أويس طاب ثراه).
وعلى قبر آخر : (الله لا إله إلا هو ، هذا قبر الشاه الأعظم معز الدين عبد الواسع ، أنار الله برهانه ، توفّي في خامس عشر جمادى الأول ، سنة 790).
وعلى قبر آخر : (هذا قبر السعيدة المرحومة : بابندة سلطان).
ص: 556
والمقابر هي قريبة من باب الرواق الشمالي ، المعروف بباب الرحمة ، على يسار الداخل ، يبعد عن الجدار مقدار أربعة أذرع أو خمسة تقريباً. وقد أرّختُ هذا التجديد بقولي :
ومُذْ فَرَشَ السلطانُ ساحَةَ حيدرٍ *** فِراشَ عُلّا أرَّخ لقد فَرَشَ العَرشا (1)
في سنة 1305 : نصبت الساعة الكبيرة على باب الصحن الشريف ، أرسلها أمين الملك ، من رجال السلطان ناصر الدين القاجاري (2).
وفي سنة 1279 : فتحوا باباً للصحن الشريف من جهة المغرب (3).
وفي سنة 1281 : عمّروا المنارة الجنوبية الواقعة بجنب المقدَّس الأردبيلي (4).
وفي سنة 1304 في شهر ذي القعدة : قلعوا ذهب القُبَّة المنوَّرة وطوَّقوها بأطواق من حديد ، سدّاً لشقوقها ، وأعادوا إليها الذهب فنقصت الأحجار الكريمة لأجل مواضع الشقوق التي حشیت بالجصّ والآجر ، فأكملوها.
وفي سنة 709 : زار السلطان محمّد شاه خدا بندة مشهد علي عليه السلام ، وبسبب رؤيا رآها اختار مذهب الشيعة ، وأمر بضرب الدنانير وعليها كلمة : (لا إله إلا الله ، محمّد رسول الله ، علي ولي الله). وفي ثلاثة سطور متوازية (5).
ص: 557
وذكر ابن الأثير : (أنَّ في سنة 610 ، توفّي معز الدين أبو المعالي سعد بن علي ، المعروف بابن حديد ، الَّذي كان وزيراً للخليفة الناصر لدين الله ، وحمل تابوته إلى مشهد أمير المؤمنين بالكوفة) (1).
وفي تاريخ الكامل في حوادث سنة 399 : (أنَّ أبا محمّد بن سهلان اشتد مرضه فنذر إنْ عوفي بني سوراً على مشهد أمير المؤمنين ، فعوفي ، فأمر ببناء سور عليه ، فبني في هذه السنة ، تولی بناءُه أبو إسحاق الأرجاني) (2).
وأبو محمّد هذا هو : الحسن بن مفضّل بن سهلان الرامهرمزي ، من وزراء الديلم ، وبني أيضاً سوراً للحائر الحسيني ، وتوفّي سنة 410 (3).
وتكية البكتاش : غرفة في الصحن الشريف الغروي ، في نهاية الرصانة والإحكام.
والبكتاشية نسبة إلى الشيخ العارف بالله ؛ السيِّد محمّد الرضوي ، من أولاد الرضا عليه السلام ، وقيل من أولاد الإمام الكاظم عليه السلام من صلب إبراهيم الثاني ، جاء من بلاد خراسان إلى بلاد الروم ، وهو المعروف ببكتاش الولي الصوفي المشهور (أعني : الَّذي ينتسب إليه الطائفة القلندرية ، الموسومة بالبکتاشية ، الَّذي لهم كسوة معروفة).
ص: 558
وكان في عصر السلطان مراد ابن السلطان أورخان بن عثمان الغازي ، المشهور عند الناس بغازي خداوند کار ، المتوفى - أعني : هذا السلطان - سنة 791.
وكان الولي بكتاش المزبور من جملة أصحاب الكرامات ، وأرباب الولايات ، وقبره ببلاد التركمان المعروفة ببلاد الروم ، وعلى قبره قُبَّة ، وعنده زاوية ، ويتبرك به ، وتستجاب عنده الدعوات ، وقد اعتكف مدة من الدهر في النَّجف الأشرف ، ومكَّة المعظمة ، وله أياد عظيمة على السلطان المزبور ، وتوفّي سنة 738 ، وتاريخه بکتاشية (1).
وفي تاريخ (نزهة القلوب) لحمد الله المستوفي (المتوفّى سنة 750) : (أن دورة النَّجف ألفان وخمسمائة خطوة) (2).
وأمّا الباب الفضّي للحرم المقدّس الَّذي منه دخول الزائر ، فهو من آثار الصدر الأعظم : الحاج محمّد حسین خان الأصبهاني ، من رجال فتح علي شاه (3).
وكذلك السور الحائط بالنَّجف حالاً الَّذي لم يكن من قبل ؛ قضيته مهملة ، إلّا أنّه تداعی بعضه لما أعرض عنه التعهُّد وأهمله ، ولولا أنَّ الحوادث لطّت فاهُ لفاهَ بدعوى الخلود ، ولكن تراه اليوم أخنى عليه الَّذي أخنى على لبد. ومن
ص: 559
المعلوم أنَّ النفقة المصروفة عليه في ذلك التاريخ تقصر دون بذلها همم الرجال (1).
وذكر المؤرِّخ فرهاد میرزا القاجاري : (أنه قَدْ صرف في بنائه ، مع المدرسة الواقعة في داخل البلد المعروفة ، باسمه : خمسة وتسعين ألف تومانٍ من الذهب الأشرفي المثقالي. ووقع الفراغ منه سنة 1226 ، وأرَّخه بعض الشعراء ؛ وهو أقا محمّد الأصفهاني ، المتخلص بطلعة بالفارسية :
اين قلعة که حکمش از سمانا سمك است *** بركرد نجف که سجد كاه ملك استجون
کشت تمام كفت طلعت تاریخ *** يك برج قلعة نجف ته فلك است
وكان وفاة الصدر المزبور في شهر صفر سنة 1239 ، في دار السلطنة طهران ، وحمل إلى النَّجف ، ودفن في المدرسة المعروفة باسمه) (2).
ومن بعد بناء هذا السور انقطع طمع الوهابي من النَّجف ، وإلّا فقبل هذا التاريخ في كل يوم كان يحمل على النَّجف ، ویشن الغارة على أهلها.
ففي سنة 1216 أغار علی مشهد الحسين عليه السلام ، وقتل الرجال والأطفال ، وأخذ الأموال ، وعاث في الحضرة المقدَّسة فخرَّب بنیانها ، وهدم أركانها. ثُمَّ إنه بعد ذلك استولى على مكَّة المشرَّفة ، والمدينة المنوَّرة ، وفعل بالبقيع ما فعل ، لكنَّه لم يهدم قُبَّة النبي صلى الله عليه وآله (3).
ص: 560
وفي السنة الحادية والعشرين ، في الليلة التاسعة من شهر صفر قبل الصبح بساعة ، هجم على النَّجف ، فظهر لأمير المؤمنين عليه السلام المعجزات الظاهرة ، والكرامات الباهرة ، فقتل من جيشه کثير ، ورجع خائباً (1).
وفي سنة 1225 في الليلة التاسعة من شهر رمضان : أحاطت الأعراب من عنزة القائلين بمقالة الوهابي بالنَّجف ، ومشهد الحسين عليه السلام ، وقد قطعوا الطريق ، ونهبوا زوَّار الحسين عليه السلام بعد منصرفهم من زيارة نصف شعبان ، وقتلوا منهم جمعاً غفيراً ، وأكثر القتلى من زوار العجم. وربما قيل : إنهم مائة وخمسون ، وقيل : أقل ، وبقي جملة من زوَّار العرب في الحلَّة ما تمكَّنوا من الرجوع ، فبعضهم صام رمضان في الحلَّة ، وبعضهم مضى إلى الحسكة.
وكانت النَّجف في حصار والأعراب غير منصرفين ، وهم من الكوفة إلى مشهد الحسين عليه السلام بفرسخين ، أو أكثر ، وطائفة الخزاعل متخاذلون مختلفون. ولمّا كثر تهاجمهم على النَّجف خافت الحكومة العثمانية على الخزانة العلوية ، فاضطرت إلى حملها إلى الكاظمية عليه السلام (2).
وفي سنة 1238 وقع القرار ما بين الدولتين : الإيرانية ، والعثمانية على إرجاع ذلك إلى النَّجف مع إشراف معتمد من رجال إيران ، ففعلت.
وفي الآونة الأخيرة وجد على بعض أقفالها خاتم جدِّي العلَّامة السيِّد علي بحر العلوم رحمه الله (3).
ص: 561
وفي (مجالس المؤمنين) : (أن الفاضل العادل علاء الدين خواجة عطاء الملك الجويني ، حاكم بغداد من قبل أباقان ، أخ الخواجة شمس الدين محمّد الجويني ، اللَّذين هما من كبار وزراء طبقة المغول ، وينتمي نسبهما إلى الشيخ الفقيه أبو المعالي ، إمام الحرمين ، وهو صاحب التاريخ المعروف بجهان كشا ، المتوفّى سنة 683 ، حفر نهر التاجية في أرض النَّجف ، وصرف عليه أزيد من مائة ألف دينار ذهب) (1).
وأجرى الماء حوف النَّجف سنة 676 في شهر رجب ، والقصّة مذكورة في تاريخ وصاف مفصلاً.
وفي (القاموس) : (والتاجيَّة نهر بالكوفة) (2).
أقول : وإنَّما قيل تاجيَّة ؛ لأنَّ تاج الدين علي ابن أمير الدين - من فضلاء عصر علاء الدين - كان المباشر له فاشتهر باسمه ، وهو نهر التاجيَّة ، المعروف الآن بحيث لا يخفى مكانه (3).
وفي (تاريخ تجارب الأُمَم) لأبي علي بن مسكويه : (أن حارث ابن عمرو الَّذي كان من ملوك العرب في زمن الجاهلية ، ومعاصراً لقباذ الساماني ، عزم على شقّ
ص: 562
نهر من شط الفرات إلى جهة النَّجف، بإشارة من أحد تبايعة اليمن. فأجرى الفرات إلى الحيرة ، وحوالي أرض النَّجف) (1).
ثم قام من بعده بهذا العبء الثقيل سليمان بن أعين المتوفَّى سنة 250 ، وكان من عظماء رجال الشيعة المعروفين في القرن الثالث الهجري. فأنبط عيناً فوّارة من مكان يعرف بقُبَّة الشنبق ممَّا يلي النَّجف (2).
وفي سنة 942 زار الشاه طهماسب الصفوي مرقد أمير المؤمنين ، فأمر بحفر نهر من الحلَّة ، فحفر من فوق نهر التاجيّة ، من جهة الغرب ، على الطريق السائر إلى قرية نمرود من الحلَّة ، فامتد طوله قدر ستَّة فراسخ في عرض عشرة أذرع. ولكن لم يصل الماء إلى النَّجف ؛ لارتفاع أرضها عن مجرى الماء ، وبينه وبين نهر التاجيّة ما يقرب من میل ، أو أقل ، ويعرف بنهر الطهماسية ، وهو الآن عليه المزارع والعشائر (3).
ص: 563
وممَّن بذل جهده في إجراء الماء إلى النَّجف : النواب آصف الدولة بهادر یحیی خان الهندي ، الَّذي هو من أحفاد برهان الملك ، من أعاظم رجال محمّد شاه سنة 1208 ، وأرخه بعضهم بقوله : (صدقة جارية) (1).
ومنهم العلَّامة الماهر الشيخ : محمّد حسن صاحب الجواهر ، المتوفى سنة 1266 ، وبذل عليه ثمانين ألف تومان ، على نفقة السلطان ثریا جاه محمّد أمجد علي شاه الهندي ، المتوفّى في اليوم الواحد والعشرين من شهر صفر ، سنة 1263 ، وتخلَّف مكانه ابنه السلطان محمّد واجد علي شاه ، ثُمَّ توفّي الشيخ قبل الحصول على النتيجة ، ونهر الشيخ في خارج النَّجف معلوم (2).
ومن بعده اشتغل بهذه المهمة حجّة الإسلام : السيِّد أسد الله الأصفهاني المتوفَّى سنة 1290 ، وصرف على ذلك ثلاثين ألف تومان من ثلث المرحوم إسماعيل خان النوري الكرماني ، المعروف بوكيل الملك المتوفي سنة 1283 ، وكان من رجال الدولة القاجارية فأجرى الماء في نهر النَّجف سنة 1288 ، فاستقدام إلى مدَّة ، ثُمَّ فسد قناته بواسطة البَرَد الخشن الَّذي جاء في فصل الشتاء
ص: 564
سنة 1307 ، حَتَّى قيل : إنَّ الحبَّة منه أكبر من الرمّانة ، واَّلذي رأيته بعیني کان أصغر منه (1).
وفي سنة 1305 : أمر السلطان المخلوع عبد الحميد العثماني بحفر نهر الحيدرية ، الموجود فعلاً ، ومنه الاستقاء. وتاريخ الفراغ منه : (عذب الشرب) (2).
وفي اليوم السابع من شهر جمادى الثانية من شهور سنة 1336 ، هجم بعض الأشرار من أهالي النَّجف على دار الحكومة الإنكليزية ، وقتلوا الحاكم السياسي الإنكليزي قبطان مارشال ، فقامت القيامة الكبرى على أهل البلدة ، وجعلوا البلدة في حصار شديد ، وأغلقوا أبواب البلدة ، ولا يدخل فيها داخل ، ولا يخرج منها شارد ، والناس في داخل البلدة والأشقياء على أطراف سور البلدة ، يحاربون الجيش الإنكليزي ، والمدافع والدبابات تنشر على الأهالي الرصاص والقُلل. ونفد ما كان عند الناس من الماء الحلو ، وبلغ لحم الطير في نصف روبية ، ووزنة الحنطة في سبع ليرات ، وهكذا بقية الحاجيات.
واستدام الحال على هذا المنوال أربعين يوماً ، ففتحوا البلدة عنوة ، ودخلوها قهراً ، فقتل من قتل ، واُسر من اُسر ، وقد أرَّخ بعضهم ذلك بقوله : (حصار وغلا ، ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم) (3).
ص: 565
وفي سنة 1320 : طلبت الحكومة التركية الأنابيب الحديدية لتناول الماء من نهر الكوفة إلى النَّجف بمسافة خمسة أميال ، وجلبت الأنابيب من شركة (جرمن) ، وعند تكامل أكثرها في الندف ، وقعت الحرب العظمى ، فكانت الضربة القاضية على ذلك المشروع والأنابيب مطروحة على الجادة ، ما بين النَّجف والكوفة. وقد علا جملة منها الرمال ، وسترها التراب. ولعل بعد تطاول السنين إذا اتفق انكشاف بعضها بسبب من الأسباب ، وخرجت من تحت التراب بموجب تحيّر غير المطَّلع على حقيقة الحال (1).
وفي سنة 1346 بذل التاجران الكبيران : الحاج أقا محمّد الملقَّب بمعين التجار البو شهري ، وعمدة التجار الحاج رئيس ، الأموالَ الباهظة لجلب الأنابيب الحديدية مع الماكنة التي تسوق الماء من شط الفرات بالكوفة في الأنابيب ، وتوصلها إلى النَّجف. وقد كمل عملها وتركيبها ، وجرى الماء في يوم الأربعاء 22 جمادى الثانية سنة 1348 (2).
ص: 566
وأيضاً المرحوم : آقا محمّد هو الَّذي قام بأمر المصباح الكهربائي وحده ، ولم يشار له أحد في هذا المشروع ، وينار الصحن الشريف ، والحرم المقدَّس مجّاناً في كلّ ليلة. وكان شروعه این است قبل إرواء النَّجف بالماء بقلیل.
ص: 567
ص: 568
هو : ابن أمير المؤمنين عليه السلام وهو السبط الأوّل والإمام الثاني.
وكنيته : أبو محمّد.
ويلقّب بالمجتبي ، والزكيّ ، والسبط.
ولد عليه السلام في ليلة السبت النصف من شهر رمضان - ولا يعلم في ذلك مخالف - في السنة الثانية من الهجرة في المدينة المنورة (1).
وفي (الإرشاد) : (إنه ولد في السنة الثالثة) (2).
وقبض بالمدينة مسموماً سنة 49 من الهجرة ، وله من العمر سبع وأربعون سنة.
وذكر المجلسي رحمه الله أن وفاته عليه السلام : (في آخر صفر ، قال : وقيل : الثامن والعشرون ، ودفن بالبقيع) (3).
والتمس منه عمر بن الخطاب أن يسافر مع سعد بن أبي وقاص إلى العجم حين جهَّز له جيشاً إلى بلاد الفرس ، ووصل إلى الريِّ ، ومنه إلى قرية كهنك وأردستان ، ومنه إلى قرية فهباية - من أعمال نايین - ثُمَّ دخل أصفهان وفي خارج
ص: 569
أصفهان قطعة أرض تعرف بلسان الأرض نزل فيها ونطقت الأرض معه قائلة : (يا ابن رسول الله ما أكثر السَّحرة في أصفهان فأقرأ عليهم عوذة) (1). وصلّى في المسجد العتيق (2) ، وفي مسجد لنبان أيضاً (3). (4)
ومن قصَّته : (أنّه بويع بعد وفاة أبيه بيومين ، ووجَّه عماله إلى السواد والجبل ، ثُمَّ خرج إلى معاوية في نيِّف وأربعين ألفاً ، وسيّر على مقدّمته قیس بن سعد بن عبادة في عشرة آلاف ، وأخذ على الفرات يريد الشام ، وسار الحسن عليه السلام حَتَّی أتی ساباط المدائن فأقام بها أياماً ، فأحسّ في أصحابه فشلاً وغدراً فقام فيهم خطيباً ، فقال : «تسالمون من سالمت ، وتحاربون من حاربت؟ فقطعوا عليه كلامه وانتهبوا رحله حَتَّى أخدوا رداءه من على عاتقه.
فقال : لا حول ولا قوة إلّا بالله» ، ثُمَّ دعا بفرسه فركب وسار حَتَّى إذا كان في مظلم ساباط ، طعنه رجل من بني أسد يقال له : سنان بن الجرّاح بمعول فجرحه جراحة كادت أن تأتي على نفسه ، فصاحَ الحسنُ صيحةٌ وخرَّ مغشياً عليه وابتدر الناس إلى الأسدي فقتلوه ، فأفاق الحسن عليه السلام من غشيته ، وقد نزف وضعف ، فعصَّبوا جراحته ، وأقبلوا به إلى المدائن ، فأقام يداوي جراحته ، وخاف أن يُسلمه أصحابه إلى معاوية لما رأى عليه السلام من فشلهم وقلة نصرتهم ، فأرسل إلى معاوية ، وشرط عليه شروطاً إن هو أجابه إليها سلَّم إليه الأمر.
ص: 570
منها : أن له ولاية الأمر بعده ، فإن حدث به حدث فللحسين عليه السلام.
ومنها : أن له خراج دار الحرب من أرض فارس ، وله في كل سنة خمسين ألف ألف.
ومنها : أن لا يهيج أحداً من أصحاب علي ، ولا يعرض لهم بسوء.
ومنها : أن لا يذكر علياً إلّا بخير) (1).
قال صاحب العمدة : (ويروي أن معاویه کتب كتاباً شرط فيه للحسن شروطاً ، وكتب الحسن كتاباً يشترط فيه شروطاً ، فيختم عليه معاوية ، فلمَّا رأى الحسن عليه السلام کتاب معاوية وجد شروطه له أكثر ممَّا اشترطها لنفسه ، فطالبه بذلك.
فقال : قَدْ رضيت بما اشترطته فليس لك غيره ، ثُمَّ لم يف بشيء من الشروط) (2).
تنبيه : ليس في الشروط المذكورة ما ينافي إمامته عليه السلام ، فليس فيها خلع نفسه امن الإمامة ، معاذ الله ، إنَّ الإمامة بعد حصولها للإمام لا تخرج عنه بقوله ، بل مقتضى قوله صلى الله عليه وآله : «ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا» (3) ، هو أنَّ الإمامة رئاسة إلهية ، وشرافة نفسانية ، لا تنفك عن ذاته ، قام بأمرها أو قعد عنها ، وإنَّما ينخلع عن الإمامة عند العامّة. وهو حَيٌّ - بالأحداث والكبائر ، ولو قلنا بتأثير خلع النفس فإنَّما هو في الخلع بالاختيار ومن دون كره وإجبار ، وأمَّا معهما فلا.
ص: 571
وأمَّا البيعة : فإن اُريد بها الصنفة والكف عن المنازعة ، فقد كان ذلك ولا حجة في مثله عليه ، وإن اُريد بها الرضا وطيب النفس ، فوجدان وشاهد الحال شاهدان بخلافه.
وأمَّا أخذ الصلات من معاوية فشائع ، بل واجب. فإنَّ كلّ مالٍ حلَّ في يد كلّ جائر متغلّب على أمر الأُمَّة يجب على كل أحد حَتَّى على الإمام عليه السلام انتزاعه من يده ، کیف ما أمكن طوعاً أو کرهاً.
قال الصندوق رحمه الله في الباب الثاني والأربعين من كتاب (العيون) : (كان سبيل ما يقبله الرضا عليه السلام من المأمون ، سبیل ما كان يقبله النبي صلى الله عليه وآله من الملوك ، وسبيل ما يقبله الحسن بن علي عليه السلام من معمارية ، وسبیل ما كان يقبله الأمة من آبائه عليهم السلام من الخلفاء ، ومن كانت الدنيا كلّها له فغُلِبَ عليها ثُمَّ اُعطي بعضَها ، فجائز له أن يأخذه) ، انتهى (1).
مع أنه لم يظهر عليه السلام الموالاة لمعاوية.
ذكر أولاده عليه السلام
كان للحسن عليه السلام من الولد :
(1) محمّد الأصغر ، (2) وجعفر ، (3) وحمزة ، (4) وفاطمة درجوا ، وأُمُّهم اُمُّ کلثوم بنت الفضل بن العبَّاس بن عبد المطَّلب.
ص: 572
(5) ومحمّد الأكبر ، وبه کان یکنی ، (6) والحسن ، واُمُّهما خولة بنت منظور الغطفانية.
(7) وزید ، (8) واُمّ الحسن ، (9) واُمّ الحسين اسمها رملة ، واُمُّهم اُمُّ بشير بنت أبي مسعود الأنصاري ، واسمه عقبة بن عمرو.
(10) إسماعيل ، (11) یعقوب ، واُمُّهما جعدة بنت الأشعث بن قیس التي سمّته.
(12) القاسم ، (13) أبو بكر ، (14) عبد الله ، قُتلوا مع الحسين عليه السلام وكان عبد الله صغيراً لم يراهق ، قتل في جنب عمّه ، واُمُّهم اُمُّ ولد ، لا بقية لهم ، وقیل اسم اُمُّهم : نفيلة.
(15) حسين الأثرم ، وقبره في فخّ.
(16) عبد الرحمن خرج مع عمّه الحسین عليه السلام إلى الحجّ فتوفّيَ بالأبواء مُحرِماً.
(17) اُمُّ سلمة لاُمِّ ولدٍ تُسمَّى : ظمياء.
(18) عمرو ، وقيل : عمر ، وكان في الطف ولم يقتل ؛ لصغره ، اُمُّه اُمُّ ولد ولا بقية له.
(19) اُمُّ عبد الله ، اسمها فاطمة ، وهي اُمُّ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين عليهم السلام ، واُمُّها أُمُّ ولد تدعى : صافية.
(20) طلحة ، لا بقية له ، وكان جواداً كريماً ، وأمه : أم إسحاق بنت طلحة بن عبید الله التيمي.
وفي تاريخ الخميس ، ومقتل أبي مخنف من أولاد الحسن عليه السلام :
ص: 573
((21) أحمد ، وفي الأخير أنه قَتل من القوم ثمانين فارساً ، ثُمَّ قُتل في حومة الحرب) (1).
(22) رقيّة زوجة عبيد الله بن العبَّاس بن علي ، وفي النَّجف في محلّة البراق ضريح من خشب ينتسب إليها.
وقال السيِّد القزويني في (فلك النجاة) : (إنَّ القاسم بن الحسن السبط ، وهو : القاسم الأكبر ، غیر شهيد الطف المدفون في العتيکيات - المسمى الآن : بالمسيِّب - قريب من الفرات ، وقد أصيب جريحاً في النهروان) (2).
هذا ما وسعني الاطلاع عليه (3).
والعقب من أولاده الكرام من زید وحسن (4).
وذكر أصحاب السيرة : (أنَّ زيد بن الحسن - ويكنّى بأبي الحسن - كان يلي صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلمَّا ولي سليمان بن عبد الملك كتب إلى عامله بالمدينة :
ص: 574
أما بعد إذا جاءك كتابي هذا ، فاعزل زيداً عن صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله ، وادفعها إلى فلان بن فلان - رجل من قومه ، لعله : أبو هاشم عبد الله بن محمّد بن الحنفية - قال : وأعنه على ما استعانك عليه ، والسلام.
فلمّا استخلف عمر بن عبد العزيز كتب إليه :
أمّا بعد ، فإن زید بن الحسن ، شریف بني هاشم وذو سنّهم ، فإذا جاءك كتابي هذا ؛ فاردد إليه صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأعنه على ما استعانك عليه ، والسلام) (1).
وكان رأيه التقية لأعداء الدين والتآلف لهم ، والمداراة معهم ، كما ذكره المفيد رحمه الله في (الإرشاد) (2) ، ولم يحضر مع عمّه الحسين عليه السلام يوم الطف لعلَّه لمانع من ذلك ، فلا يدل على ذمّه.
وبالجملة فقد كان جلیل القدر ، کریم الطبع ، طيِّب النفس ، كثير البرّ وکان مسنّاً. ومدحه الشعراء ، وقصده الناس من الآفاق لطلب برِّه (3) ، وكان يلقب بالأبلج (4) ، وهو جدّ السيدة نفيسة بنت السيِّد حسن الأنور (5).
وفي زيد بن الحسن ، يقول محمّد بن بشر الخارجي :
وزيدٌ ربيعُ الناس في كلِّ شَتَوةٍ *** إذا اختلفَتْ أنواؤُها ورعودُها
حَمولٌ لأشناقِ الدِّياتِ كأنَّه *** سِراجُ الدُّجی قَدْ قارنته سُعودُها
ص: 575
مات زيد ما بين مكّة والمدينة ، في أرض حاجر قرب ثُغْرة (1) ، سنة 120 ، وله من العمر تسعون ، وقيل مائة ، ودفن بالبقيع ورثاه جماعة من الشُّعراء.
فممَّن رثاه قدامة بن موسی الجمحي بقوله :
فإنْ يكُ زيدٌ غالَتِ الأرضُ شخصَهُ *** فَقَدْ بانَ معروفٌ هناكَ وجُودُ
وإنْ يكُ أمسى رهنَ رمسٍ فَقَدْ ثَوى *** بهِ وهوَ محمودُ الفعالِ حَميدُ
سريعٌ إلى المضطرِ يعلمُ أنَّه *** سيطلبُهُ المعروفَ ثُمَّ يعودُ
وليسَ بقوَّال وقد حَطّ رحْلَه *** لِمُلْتَمِسٍ يَرجوهُ أينَ تُريدُ؟
إذا قَصَّرَ الوغدُ الدنيُّ سما بهِ *** إلى المَجدِ آباءٌ لهُ وجُدودُ
إذا ماتَ مِنهُم سيِّدٌ قامَ سيِدٌ *** کريمٌ فيبني مَجْدَهُمْ ويُشيدُ
مات ولم يدّع الإمامة ، ولا ادَّعاها له مدَّعٍ من الشيعة ولا من غيرهم ؛ وذلك لأنَّ الشيعة رجلان : إمامي ، وزيدي.
فالإمامي : يعتمد في الإمامة النصوص ، وهي معدومة في ولد الحسن عليه السلام باتفاق ، ولم يدَّعٍ ذلك أحد منهم لنفسه ، فيقع فيه الارتياب.
والزيدي : يراعي في الإمامة بعد علي والحسن والحسين عليهم السلام الدعوة والجهاد. وزيد بن الحسن کان مسالماً لبني اُميَّة ، ومتقلِّد الأعمال من قبلهم ، وكان رأيه التقية لأعدائه ، والتآلف لهم ومداراتهم ، وهذا أيضاً عند الزيدية خارج عن علامات الإمامة (2).
ص: 576
وكيف كان ، فقد ورد في ذمِّ زيد والطعن عليه أيضاً روایات نقلها القطب الراوندي (1) ، واعتمد عليها بعض المتأخّرين ، فحكم بعدم حسن عقيدته وإيمانه (2).
قال جدّي الأمجد : السيِّد محمّد في رسالته : (ولعلَّ ترك الكلام في ذمِّه ومدحه معاً أولى) ، انتهى(3).
ومن ذريته : الشاه زاده عبد العظيم ، المدفون بالريّ ، وهو عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زید بن الحسن ، وله مشهد عظيم من آثار مجد الملك أبو الفضل أسعد بن محمّد بن موسى البراوستاني ، قرية من قرى مدينة قم ، وكان من وزراء السلطان بر کیارق بن السلطان ملك شاه (4).
ص: 577
وقال الصدوق رحمه الله في بحث الصوم من كتاب (من لا يحضره الفقيه) : (إنه كان مرضياً ، يعني عند الأئمة عليهم السلام) (1).
قلت : ووصل بخدمة الإمامين التقي والنقي عليهما السلام ، وأكثر الرواية عنهما ، وفي رواية كالصحيحة عن الإمام علي الهادي عليه السلام أنّ زيارته تعادل زيارة الحسين عليه السلام (2).
وفي سنة 1270 أمر السلطان ناصر الدین شاه القاجاري بتأهب قبّته وتبلیط إيوانه بالقوارير(3).
وأمّا الحسن بن الحسن عليه السلام ، المعروف ب-(الحسن المثنی) ، فيروى أنه خطب إلى عمّه الحسين عليه السلام إحدی انتبه : فاطمة وسكينة.
فقال عليه السلام : «اختر با بني أحبَّهما إليك» ، فاستحى الحسن ولم يرد جواباً.
فقال له عمّه الحسين عليه السلام : «قد اخترت لك ابنتي فاطمة فهي أكثر شبهاً باُمِّي فاطمة عليهما السلام» فزوَّجها منه ، وكانت تلقّب بفاطمة الصغرى ، قبال فاطمة الصديقة الكبری (4).
ص: 578
ويظهر من (الكافي) آنها أكبر سناً من أختها سكينة بنت الحسین عليه السلام ؛ لأنه عليه السلام في يوم الطف أوصى إليها لتوصل الوصية إلى السجّاد عليه السلام (1) ، وخطبتها البليغة التي أنشأتها باب الكوفة مروية في الاحتجاج (2).
وحضر الحسن بن الحسن مع عمّه الحسين عليه السلام بطف كربلاء ، فلمَّا قُتل الحسين عليه السلام واُسر الباقون من أهله اُسر الحسن من جعلتهم ، فجاء أسماء بن خارجة فانتزع الحسن من بين الأسرى ، وقال : والله لا يوصل إلى ابن خولة أبداً (3).
وقيل : إنه اُصيب بجراحات كثيرة يوم عاشوراء ، وكان ملقى مع القتلى وبه رمق ، فلمَّا أرادوا حزّ الرؤوس ، وأرادوا حزّ رأسه ، قال أسماء بن خارجة : دعوه حَتَّى نرد الكوفة فيرى عبيد الله بن زياد فيه رأيه ، فسمع ابن زیاد ذلك ، فقال : دعوا لأسماء ابن اُخته ، فحمله فعالجه حَتَّى عوفي ، ثُمَّ توجَّه إلى المدينة (4).
ص: 579
والعجب من ابن الأثير حيث قال : (واستُصغر الحسن بن الحسن واُمُّه خولة بنت منظور بن زياد الفزاري) (1).
وبالجملة : دسَّ إليه سليمان بن عبد الملك السّم سنة 97 ﻫ، وله ثلاث وخمسون سنة ، وأخوه زيد حي بالكوفة ، وأوصى إلى أخيه من اُمِّه إبراهيم بن محمّد بن طلحة (2) ، وضربت زوجته فاطمة بنت الحسين عليه السلام على قبره فسطاطاً ، وكانت تقوم الليل وتصوم النهار ، وكانت تُشبّه بالحور العين ؛ لجمالها ، فلمَّا كانت رأس السنة قالت لمواليها : إذا اظلم الليل فقوَّضوا هذا الفسطاط.
فلمَّا أظلم الليل ، وقوضوه سمعت قائلاً يقول : هل وجدوا ما فقدوا؟
فأجابه آخر : بل يئسوا فانقلبوا (3).
وكان الحسن بن الحسن عليه السلام متولياً لصدقات أمير المؤمنين ، فنازعه في ذلك عمّه عمر فقال : الولد أولى بتولية صدقات أبيه من ابن الابن ، وخاصمه على ذلك الحجّاج ، فأحضر الحسن بن الحسن عليه السلام وقال له : شارك عمّك عمر بن علي في صدقات أبيه.
فقال الحسن بن الحسن عليه السلام : إنّ أبي أمير المؤمنين ولّانيها في حياته ، وإني لا اُغيِّر شرطاً من أمره ، ولا اُدخل في هذه الخدمة من لم يُدخله (4).
ص: 580
فقال له الحجّاج : فقد أدخلته معك ، وشاركته إياك. فتكلَّم الحسن شيئاً وخرج منه ، وتوجَّه نحو الشام ، فحضر باب عبد الملك بن مروان ، وأدى وضيفة التحيَّة ، فرحَّب به وقال : لأيِّ حاجة قطعت هذا الطريق البعيد؟
فحكى له قصّة الحجّاج معه ، فقال عبد الملك : ليس للحجَّاج هذا الحكم ، وكتب إليه بعدم المداخلة في أمر الحسن بن الحسن عليه السلام ، وأنعم على الحسن بالعطایا الوافرة وأذن له الرجوع (1).
وربما يقال : إن الشيخ عبد القادر الجيلاني من ذرية الحسن المثنى ، وينتهي إليه نسبه من عبد الله المحض ، وقد كذّبه صاحب (العمدة) بأنَّه لم يدَّعِ هذا النسب ، ولا أحد من أولاده ، وإنّما ابتدأ بها ولد ولده القاضي أبو صالح نصر بن أبي بكر بن عبد القادر ، ولم يقم عليها بيِّنة ، ولا عرفها له أحد ، إلى آخر ما ذكره (2).
وممَّن صرَّح بنسبته إلى الحسن عليه السلام أحمد الكتبي في (فوات الوفيات) (3).
ص: 581
وهذا الحسن هو جد السادة الطباطبائية ، فهم حسنيون أباً وحسينيون اُمَّاً (1) ، والحقير اُنهي نسبي إلى الحسن بن الحسن عليه السلام هكذا : (جعفر بن محمّد باقر بن علي بن رضا بن مهدي بن مرتضی بن محمّد بن عبد الكريم بن السيِّد مراد بن شاه أسد الله بن السيِّد جلال الدين أمير بن الحسن بن مجد الدين بن قوام الدين بن إسماعيل بن عبّاد بن أبي المكارم بن عبّاد بن أبي المجد بن عبّاد بن علي بن حمزة بن طاهر بن علي بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن إبراهيم الملقب بطباطبا ابن إسماعيل الديباج ابن إبراهيم الغمر ابن الحسن المثنى بن الحسن المجتبى عليه السلام) (2).
قال في (عمدة الطالب) : (ولُقّب الغمر ؛ لجوده ، ويكنّى أبا إسماعيل ، وكان سيّداً شريفاً ، روى الحديث ، وهو صاحب الصندوق بالكوفة ، يزار قبره ، وقبض عليه أبو جعفر المنصور مع أخيه وتوفي في حبسه سنة 145 وله تسع وستون سنة. وكان السَّفّاح يكرمه) (3).
إلى أن قال : (والعقب من إبراهيم الغمر في إسماعيل الديباج (4) وحده ، ویکنّی : أبا إبراهيم ، ويقال له : الشريف الخلاص ، وشهد فخّاً ، وحبسه أبو جعفر المنصور ،
ص: 582
والعقب منه في رجلين الحسن التج ، وإبراهيم (طباطبا) (1) ، ولقب بذلك ؛ لأن أباه أراد أو يقطع له ثوباً وهو طفل ، فخيَّرهُ بین قميص وقبا ، فقال : طباطبا - يعنی قباقبا - وقيل : ما السواد لقَّبوه بذلك ، وطباطبا بلسان النبطية : سيِّد السادات ، لأنَّه كان ذا خطر وتقدَّم) (2).
وعن بعض المواضع المعتبرة في وجه هذه التسمية : (أن هذا الرجل دخل روضة جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله يوماً شريفاً وهو في حالة حسنة ، فلمَّا سلم على الحضرة المقدّسة سمع قائلاً يقول من وراء الستر : طِباطِبا بكسر الطاء ، وهي عبارة أخرى عن قولهم : طوبى لك ، ونصبها على المصدرية من طاب يطيب) (3).
وهو الَّذي صرح باسمه في الحديث المروي في (الكافي) في باب (ما يفصل له بين دعوى المحق والمبطل) (4).
وبالجملة : كان ديِّناً ذا رصانة في دينه ، ورزانة في يقينه ، عرض عقائده على الرضا عليه السلام فنزَّهها عن الشك والشُّبَه (5).
وأمّا أحمد بن إبراهيم : فهو الرئيس المعروف بابن طباطبا ، كان مولده بأصبهان ويكنّى أبا عبد الله (6).
ص: 583
وأما محمّد ابنه يكنّى بأبي جعفر ، ومحمّد الواقع في أحفاده (1) هو : أبو الحسن ، الشاعر الأصفهاني ، كان فاضلاً ، أديباً حسن الشعر ، موصوفاً بالديانة والعفَّة ، متوقّد الذهن ، ذكي الفطنة - وعدّه صاحب (العمدة) من أواخر شعراء قريش في زمرة محمّد بن صالح الحسيني ، وعلي بن محمّد الحمّاني وغيره (2) - تولَّد بأصفهان ، وله تصانيف منها : كتاب (نقد الشعر) ، وکتاب (تهذيب الطبع) ، وكتاب (العروض) ، وكتاب (في المدخل إلى معرفة المُعمَّى من الشعر) ، وکتاب (تقريظ الدفاتر) ، و (ديوان شعره).
ومن شعره في العفّة قوله :
اللهُ يعلمُ ما أتيتُ خناً *** إنْ أكثروا العَّذالُ أو سَفِهوا
ماذا يعيبُ الناسً من رَجُلٍ *** خَلُصَ العفافُ مِنَ الأنامِ لَهُ
يَقظاتُهُ ومنامُهُ شَرَعٌ *** كلٌّ بِكُلٍّ منهُ مُشتَبِهُ
إنْ هَمَّ في حُلُمٍ بفاحِشَةٍ *** زَجَرْتهُ عِفَّتُه فينتَهُ
توفي رحمه الله سنة 322 (3).
وأمّا علي بن محمّد ، يکنَّی : بأبي الحسين أيضاً شاعر معروف له ذيل طويل (4) ، ذكره أبو عبد الله حمزة بن الحسين الأصفهاني في كتاب أصفهان (5).
ص: 584
وأمّا القاسم بن الحسن ، فقد قُتل مع عمّه الحسين عليه السلام في الطفّ ، ودفن معه فی الحائر ، بنصّ شيخنا المفيد رحمه الله في (الإرشاد) بعد ذكر أسامي الشهداء من أهل بيت الحسين عليه السلام ، أنَّهم مدفونون جميعاً في حفرة حفرت لهم في مشهده ، وسوِّي عليهم التراب إلّا العبَّاس بن علي (1).
ومن المسلّم : أنه حمله الحسين عليه السلام من مصرعه ووضعه بين القتلى من أهل بيته (2) ، وبعد ذلك كلّه فما أدري من الَّذي تجاسر على الله وعلى رسوله بإلحاق هذه الفقرات بزيارة الوارث؟! أعني : (وعلی من لم يكن في الحائر معكم خصوصاً سيدي ومولاي : أبا الفضل العبَّاس بن أمير المؤمنين ، وقاسم بن الحسن ...) (3).
ويا ليته عيّن موضع قبر القاسم في محلّ آخر ، ولم يضعه من حيث أصله ؛ لتزوره الناس في ذلك الموضع ، وهذه الزيادة من أقبح الزيادات ، ولم توجد في كتب من تصانيف العلماء ، وقد اتَّخذها الناس من العوام جزءاً من الزيارة.
ص: 585
وكيف كان : فحديث القاسم الثاني من الأكاذيب المشهورة (1) ، والمزار المعروف خارج طهران الَّذي يزار فيه رأس القاسم ، هو قبر الشاه قاسم فیض بخش المتوفَّى سنة 981 ، ابن السيِّد محمّد نور بخش (2).
ص: 586
هو : الإمام الثالث ، والسبط الثاني.
کنیته : أبو عبد الله.
ويلقَّب : ( بالسبط ، والشهيد) (1).
ولد بالمدينة آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة (2) - إن أخذنا أوّل السنة من شهر رمضان ، وأربع منها إن أخذناه من المحرَّم -.
وهذا أولی ممَّا ذكره بعضٌ كالشيخ في (المصباح) ، والمفيد في (الإرشاد) ، والكفعمي في (مصباحه) من أن ولادته : (لخمس أو ثلاث خلون من شعبان) (3) ؛ لورود الإشكال على ما ذكروه من حيث إنه ورد في كثير من الأخبار : (أن بين ميلادي الحسن عليه السلام والحسين عليه السلام ستَّة أشهر وعشرة أيام) (4).
ولم يُنقل خلاف في كون ميلاد الحسن عليه السلام ليلة النصف من شهر رمضان ؛ ولذا اختاره الكليني في (الکافي) ، والشيخ في (التهذيب) ، والعلّامة في (المنتهی) ، والشهيد في (الدروس) ، وجدّي الأمجد السيِّد محمّد في رسالة (مواليد الأئمة ) (5) ، والشيخ أبو علي في (رجاله) ، والطريحي في (الدراية) (6).
ص: 587
وقبض قتيلاً بكربلاء من أرض العراق يوم الاثنين (1) - وقيل : يوم الجمعة (2) ، وقيل : يوم السبت (3) - قبل الزوال - وقيل : بعده (4) - العاشر - وروى ابن عبَّاس التاسع ، وليس بمعتمد (5) - من شهر محرّم الحرام سنة 61 من الهجرة ، وله من العمر يومئذ سبع وخمسون سنة وأشهر ، ودفن في كربلاء ، ممَّا يلي مولد عيسي عليه السلام (6) ، ويقال له : الحائر الحسيني.
فصل : وفي تحديد الحائر اختلاف عظيم بين الفقهاء ، خصوصاً في مسألة التخيير بين القصر والإتمام في الأماكن الأربعة التي هي من مهمَّات المسائل الفقهية ، ومن أسرار الأئمّة عليهم السلام ، وخواص الإماميّة ، فلا بأس بشرح الكلام فيما يخصها.
ص: 588
فنقول : لا شبهة في أنه ليس المراد من حرم الحسين عليه السلام خصوص البقعة المقدّسة ، فإن سعة الحرم دليل على جلالة صاحب الحرم ، فلا يناسب جلالة قدره عليه السلام ضيق حرمه بحيث يقتصر على نفس القُبَّة ، أو ما دار عليه سور المشهد.
والأخبار الواردة حول هذه المسألة كثيرة ، فمنها :
ما هو بلفظ (الحائر) : وهو ما رواه ابن بابويه في (الفقيه) مرسلاً عن الصادق عليه السلام ، قال : «من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن : بمكّة ، والمدينة ، ومسجد الكوفة ، وحائر الحسين عليه السلام» (1).
ورواه أيضاً ابن قولويه في (کامل الزیارات) بسند صحيح عن حمّاد بن عيسى ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السلام (2).
ومنها : ما هو بلفظ (الحرم) : وهو ما رواه الصدوق رحمه الله في الخصال عن حمّاد بن عیسی ، ورواه الشيخ وابن قولويه أيضاً في (المزار) بالإسناد المذكور ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : «من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن : حرم الله ، وحرم رسوله ، وحرم أمير المؤمنين وحرم الحسين صلوات الله عليهم» (3).
ص: 589
وما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال ، سمعته يقول : «تتم الصلاة في أربعة مواطن : في المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله ، ومسجد الكوفة ، وحرم الحسين عليه السلام» (1).
ومنها : ما هو بلفظ (عند القبر) : وهو ما رواه في (الكافي) عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن رجل من أصحابنا يقال له : حسین ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «تتم الصلاة في ثلاثة مواطن : في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله وعند قبر الحسين عليه السلام» (2).
وفي (کامل الزيارات) بإسناده إلى زياد القندي ، قال : قال أبو الحسن موسی عليه السلام : «يا زياد ، اُحبُّ لك ما اُحبُّ لنفسي وأكره لك ما أكره لنفسي ، أتِمَّ الصلاة في الحرمين وبالكوفة وعند قبر الحسين عليه السلام» (3).
هذه هي الأخبار الواردة في المقام.
فنقول : أما ما كان مشتملاً على لفظ (الحايِرْ) وهو بعد الألف باء مكسورة وراء ساكنة فهو في الأصل : حوض ينصب إليه مسيل الماء من الأمطار ، سمِّي بذلك ؛ لأنَّ الماء يتحيَّر فيه ، يرجع من أقصاه إلى أدناه (4).
ص: 590
وبهذه المناسبة أطلق لفظ (الحايِرْ) على موضع قبره عليه السلام لوقوعه في أرض منخفضة ، كما هو المشاهد من الصحن الشريف من جوانبه الأربعة ، خصوصاً باب الزينبية وباب السدرة.
ولا وجه لما هو مشهور : من أن وجه التسمية بذلك من جهة : (أن المتوكّل العبَّاسي لمّا أمر بحرث قبره عليه السلام أطلق الماء عليه فكان لا يبلغه) (1) ، وإنْ صدقت القصّة ؛ إذ في كثير من الأخبار الصادرة قبل وجود المتوكّل إطلاق لفظ (الحاير) على موضع قبر الحسين عليه السلام.
فقد روى أبو حمزة الثمالي بسند معتبر عن الصادق عليه السلام أنه قال : «إذا أردت أن تزور قبر العبَّاس بن علي ، وهو على شط الفرات بحذاء الحائر فقف على باب السقيفة ... إلخ» (2).
وإنَّ ولادة المتوكّل سنة 206 (3) ، ووفاة الصادق عليه السلام سنة 148 ، ولا يصح أن يكون الإطلاقتي باعتبار الواقعة المتأخّرة.
وبالجملة ، فالظاهر أنّ الحائر حقيقة : هو مواضع القبور الشريفة كما يظهر من عبارة شيخنا المفيد لمّا ذكر من قُتل مع الحسين عليه السلام من أهله ، قال : (والحاير محيط بهم إلّا العبَّاس فإنَّه على المسناة) (4).
ص: 591
وأظهر منه عبارة (السرائر) في مقام تحديد الحائر : (أنه ما دار عليه سور المشهد ، والمسجد عليه ، دون ما دار سور البلد عليه ؛ لأنَّ ذلك هو الحائر حقيقة ؛ لأنَّ الحائر في لسان العرب : الموضع المطمئن الَّذي يحار الماء فيه) ، انتهى (1).
ولكن من البيّن الَّذي لا ريب فيه أنه يوجد في لسان القدماء ، ومعاصري الأئمّة ، ومن قارب عصرهم ، وفي كتب الأخبار والسير إطلاق الحائر على البلدة المقدّسة كثيراً ، بحيث قَدْ بلغ حدّ الظهور ، ولو بضرب من التوسعة والمجاز ، بل وفي اللُّغة ما هو صريح في ذلك ، ونحن ندلك على مواضع منه ، وعليك بالتتبُّع في استخراج الباقي.
روى الشيخ رحمه الله بإسناده عن الصادق عليه السلام ، أنّه قال : «من خرج من مكّة أو المدينة ، أو مسجد الكوفة ، أو حائر الحسين عليه السلام قبل أن ينتظر الجمعة ، نادته الملائكة أين تذهب لا ردَّك الله» (2).
إذاً ، لا معنى للخروج من نفس القُبَّة ، بل المراد البلدة قطعاً ، كما هو المغروس في الأذهان وعلیه عمل أهل الإيمان.
ص: 592
وقال في (القاموس) و (تاج العروس) : (والحائر موضع بالعراق فيه مشهد الامام المظلوم الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، سمِّي لتحيُّر الماء فيه.
ومنه : نصر الله بن محمّد الكوفي ، سمع أبا الحسن ابن غبرة. والإمام النسَّابة عبد الحميد ابن الشيخ النسابة جلال الدين فخار .... الحائريان) ، انتهى (1).
قال الحافظ ابن حجر : (وممَّن ينتسب إلى الحائر الشريف أبو الغنائم محمّد بن أبي الفتح العلوي الحائري) (2).
وقال الشيخ في (فهرست رجاله) ما لفظه : (حميد بن زياد ، من أهل نينوى ، قرية إلى جنب الحائر على ساكنه السلام) ، انتهى (3).
ولا يخفى أن المتبادر من لفظ الحائر في المواضع المذكورة هو ما دار عليه سور البلد.
وبالجملة : فالظهور العرفي كاف لحمل لفظ الحائر على البلد ، وهو مع ما سيأتي كاف في الخروج عن مقتضى الأصل ، أعني : القصر في كل مسافر بمقتضی استصحاب حكم المسافر قبل حضور البلد.
وأمّا ما وقع التعبير فيه بالحرم فلا نصرة فيه لمذهب المشهور ؛ لما في جملة من الأخبار من تحدید حرم الحسين عليه السلام بما هو أوسع منه ، بل ومن سور البلد بكثير.
ص: 593
ففي (الكافي) ، و (التهذيب) ، و (ثواب الأعمال) ، و (کامل الزيارة) ، و (مصباح المتهجِّد) جميعاً عن إسحاق بن عمَّار ، قال : سمعت أبا عبد الله يقول : «إنَّ لموضع قبر الحسين عليه السلام حرمة معلومة من عرفها واستجار بها اُجير ، قلت : صف لي موضعها؟ قال : امسح من موضع قبره اليوم خمسة وعشرين ذراعاً من قدامه وخمسة وعشرين ذراعاً من عند رأسه ، وخمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رجليه ، وخمسة وعشرين ذراعاً من خلفه. وموضع قبره من يوم دفن روضة من رياض الجنَّة ... الخبر» (1).
وفي (الفقيه) مرسلاً عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «حريم قبر الحسين عليه السلام خمسة فراسخ من أربعة جوانب القبر» (2).
وفي التهذيب) أيضاً بسنده إلى أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «قبر الحسين عليه السلام عشرون ذراعاً مُكسَّراً ، روضة من رياض الجنة» (3).
وفيه أيضاً بسنده إلى أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «البركة من قبر الحسين عليه السلام على عشرة أميال» (4).(5)
والَّذي يقتضيه تعدُّد الضبط ثبوت الحكم لأعمِّ العناوين ، بحمل الاختلاف على اختلاف مراتب الفضيلة. ومقتضاه ثبوت الحكم لحرم الحسين عليه السلام بما هو
ص: 594
أوسع ممَّا دار عليه سور البلد ، فضلاً عما أحاط به الصحن ، ويؤيد أخبار التحديد أخبار اُخر كثيرة جدّاً قَدْ وقع التعبير فيها : ب-(أرض كربلاء) كما في خبر : افتخار کربلاء مع الكعبة (1) ، وما في اتخاذ الله كربلاء حرماً آمناً مباركاً (2).
ص: 595
وما رواه يونس بن ظيبان عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال له : «إذا أتيت أبا عبد الله عليه السلام فاغتسل على شاطئ الفرات ، ثُمَّ البس ثيابك الطاهرة ، ثُمَّ امش حافياً فإنَّك في حرم من حرم الله وحرم رسوله ...» (1) ، أو غير ذلك.
فما في (الجواهر) من أنّه : (لمّا كان القصر هو الأصل في المسافر ، وكثير من هذه النصوص اعتبارها من جهة الاتجار بالشهرة ، وقد قيل : إنَّ المشهور هنا الاقتصار في الحرمين على المسجدين منه ، بل على الأصليين منهما دون الزيادة الحادثة ، كما أنَّ الظاهر كونه كذلك بالنسبة إلى مسجد الكوفة وقبر الحسين عليه السلام) (2) ، [هو] (3) ضعيف جداً ؛ لما عرفت : من أنَّ اعتبار تلك النصوص ليس من جهة عمل المشهور حَتَّى يقتصر على مقدار العمل ، بل من جهة تأييدها بما طرق سمعك من الأخبار المتواترة الموافقة لمضمونها ، ومن حيث تكرر أسانيدها ووثاقة رواتها ، وكثرة وجودها في الكتب المعتمادة ، وثبوت بعضها في الكتب الأربعة.
وأمَّا الأخبار المشتملة على لفظ (عند) فهي من الإجمال بمكان ؛ لصدقه على القرب والبعد ، واختلاف المراد منه بحسب اختلاف التعبير ، مثلاً لو قيل : أقام عند قبر الحسين عليه السلام ليلاً ، يمكن أن يراد منه البيتوتة في البلد.
ص: 596
وبالجملة : فهو في البعد أظهر كما نصّ عليه أهل اللُّغة من الفرق بينه وبين (لدی) ؛ بأن الأخير لا يستعمل إلا في الحاضر ، بخلاف الأول (1).
فقد تحقّق من جميع ما ذكرناه : أنَّ الأقوى والأظهر هو أنّ التخيير غير مختصٍّ بما خصّه به المشهور من الاقتصار فيه على ما حوته القُبَّة الشريفة ، والصحن الشريف. كما هو اختيار غير واحد من المتقدّمين كالشيخ ، وابن حمزة ، وجماعة اُخرى ، ويحيى بن سعيد الحلِّي [والمحقِّق] (2) في كتاب له في السفر ، والحرّ العاملي في (الوسائل) ، وأصرّ عليه الفاضل النراقي في المستند ، وقطع به في آخر كلامه (3). وهو اختيار غير واحد من أفاضل المعاصرين كالسيد النوري في شرح (نجاة العباد) والشيخ أبي الفضل الرازي في كتاب (شفاء الصدور في شرح زيارة عاشور) (4) ، فلا وجه للاحتياط بالاقتصار على القدر المتيَّقن كما هو عمدة دليل المشهور.
وكيف كان : ففي خارج كربلاء موضع معروف ، وهو على ما في (فلك النجاة) (5) ، مشهد الشيخ نصير الدين علي بن حمزة بن الحسن الطوسي ، فاضل
ص: 597
جلبل ، له مصرفات يرويها علي بن يحيي الحنّاط ، قاله صاحب (أمل الآمل) (1) ، وهو والد الشيخ الإمام ، عماد الدين أبو جعفر محمّد بن علي بن حمزة الطوسي ، صاحب (الوسيلة) (2).
وأيضاً في خارج كربلاء موضع قبر الحرّ بن يزيد ، من بني رياح ، معروف تروره الشيعة.
والعجب من المحدّث النوري حيث ذكر في كتابه (اللؤلؤ والمرجان) : (أنه إلى الآن لم يوجد ما يدلُّ على تعيين مرقده هناك ، سوى السيرة المستمرة من الشيعة تزوره حيث هناك ، بل يظهر من المقاتل ، وأخبار الزيارة أنه مدفون مع سائر الشهداء في نفس الحائر.
نعم ، ذكر الشهيد رحمه الله في (الدروس) أن بعد زيارة الحسين عليه السلام فليزر ابنه علي بن الحسين ، وسائر الشهداء ، وأخاه العبَّاس ، والحر بن يزيد. ثُمَّ قال : وهذا كاف لتعيين مرقده) ، انتهى (3).
ص: 598
وكأنه رحمه الله لم يطَّلع على ما ذكره صاحب (نزهة القلوب) حمد الله المستوفي المؤرِّخ : (أن في ظاهر کربلاء قبر الحرّ ، الذي هو جدّه الثامن عشر تزوره الناس).
والأولاد والأحفاد أعرف بقبور أسلافهم (1).
وما ذكره السيِّد الجزائري في (الأنوار) عن جماعة من الثقات : (أنَّ الشاه إسماعيل لمّا ملك بغداد أتى إلى مشهد الحسين عليه السلام وسمع من بعض الناس الطعن على (الحرّ) ، أتى إلى قبره وأمر بنبشه ، فنبشوه ، فرأوه نائماً كهيئته لما قُتل ، ورأوا على رأسه عصابة مشدودا بها رأسه ، فأراد الشاه أخذ تلك العصابة لما نقل في كتب السير والتواريخ أن تلك العصابة هي دسمال الحسين عليه السلام ، شدَّ بها رأس الحرّ لمّا أصيب في تلك الواقعة ، ودفن على تلك الهيئة ، فلمَّا حلّوا تلك العصابة جرى الدم من رأسه حَتَّى امتلأ منه القبر. فلمَّا شدّوا عليه تلك العصابة انقطع الدم وكلما أرادوا أن يعالجوا قطع الدم بغير تلك العصابة (2) لم يمكنهم فَتَبيَّنَ لهم حسنُ حاله ، فأمر فبنی على قبره بناء ، وعيّن له خادماً يخدم قبره) ، انتهى (3). (4)
ص: 599
وتذهیب القُبَّة الحسينيّة من السلطان : محمّد خان القاجاري ، وذلك سنة 1207.
وفي عهد السلطان فتح علي شاه القاجاري ، كتبوا أهالي كربلاء إليه : أنَّ ذهبَ القُبَّة الحسينية قَدْ صار أسودَ ، فأمر السلطان بقلع الأحجار الذهبية ، وأبدلها بأحجار جديدة ، وجدَّد ذهب الأحجار العتيقة ، وزيّن بها قُبَّتي الكاظمين عليهما السلام.
وفي سنة 1276 جاء الشيخ عبد الحسين الطهراني (1) إلى كربلاء بأمر السلطان ناصر الدین شاه القاجاري ، وجدَّد تذهيب القُبَّة الحسينية ، وبناء الصحن الشريف ، وبناء الإيوانات بالكاشي الملوَّن ، وتوسعة الصحن من جانب فوق الرأس المطهَّر. ولمَّا فرغ من ذلك مرض في الكاظمين ، وتوفّي سنة 1286 ، ونقل إلى كربلاء (2).
ص: 600
قَدْ فاز بحسن الجوار جملة من العلماء ، والملوك ، والسلاطين ، والأعيان من القدماء ، والمتأخّرين ، فممَّن فاز بحسن الجوار مَيِّتاً : الشريف أبو أحمد الحسين بن موسى ، والد الشريفين : الرضي ، والمرتضى ، المتوفّى سنة 400 ببغداد ، وقد أناف على التسعين ثُمَّ حمل إلى الحائر فدفن قريباً من قبر الحسين عليه السلام (1).
وفي كتاب (الدرجات الرفيعة) : (أنه مدفون معه ولداه الرضي والمرتضى ، بعد أن دفنا في دارهم في بلد الكاظمين ، ثُمَّ نقلا إلى جوار جدِّهما الحسين عليه السلام) (2).
وقال ابن شدقم الحسيني في كتابه (زهر الرياض وزلال الحياض) : (إن في سنة 942 ﻫ نبش قبره بعض قضاة الروم ، فرآه كما هو لم تغير الأرض منه شيئاً. وحكى من رآه : أن أثر الحناء في يديه ولحيته ، وقد قيل : إنَّ الأرض لا تغيِّر أجساد الصالحين) ، انتهى (3).
وقالجدِّي بحر العلوم بعد ما نقل ما ذكر: (والظاهر أنّ قبر السيِّد وقبر أبيه وأخيه في المحلّ المعروف ب-(إبراهيم المجاب)) ، انتهى (4).
ص: 601
وقيل : (إنَّهم مدفونون مع إبراهيم الأصغر ابن الإمام الكاظم عليه السلام ، وإنَّ قبره خلف ظهر الحسين عليه السلام بستَّة أذرع) (1).
وممَّن فاز بحسن الجوار مجد الملك : أسعد بن محمّد البراوستاني ، القمِّي ، وزير السلطان بركيارق السلجوقي ، بعد أن قتل سنة 472 نقل نعشه إلى كربلاء ، ومن آثاره المادية قُبَّة البقيع ، وبناء مرقد عثمان بن مظعون ، وبقعة السيِّد عبد العظيم الحسني ، وروضة الإمامين موسى الكاظم ومحمّد الجواد عليه السلام (2).
النظام شاهیة (3)
ومنهم برهان نظام شاه ابن أحمد شاه ، من عائلة النظام شاهيّة في (أحمد نكر) مملكة الهند ، فإنه مات سنة 961 ، ودفن بجنب أبيه المزبور ، ثُمَّ نقلا إلى الحائر (4).
ومنهم : مرتضى نظام شاه ابن الحسين نظام شاه ، المعروف ب-(ديوا) ، قتل سنة 996 ، وأُودع جثمانه زماناً ، ثُمَّ نقل إلى الحائر (5).
ص: 602
وعن تاريخ الغياثي : (أنَّ الخواجة عطاء الملك ، وصاحب الديوان ، وابنه هارون زاروا النَّجف على عهد اشتغالهم بوزارة العراق وإمارته. وزار معهم الجمُّ الغفير من أئمة الفريقين. وبعد الفراغ من الزيارة انجرّ كلامهم إلى مسألة الإمامة ، فقال هارون : إنا نستكشف حقيقة الحال من المصحف الَّذي هو على المرقد الشريف ، ونتفاءل به ، وبما أمرنا نمضي. فلمَّا فتح المصحف كان في أول صفحة هذه الآية : ﴿قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾ (1) ، فتشيَّع كلُّهم) (2).
ومنهم : الحاج ميرزا أقاسي الصدر الأعظم للسلطان محمّد شاه القاجاري إلى أوائل سلطنة ناصر الدين. ثُمَّ انسلخ من الأُمور ، وسكن الحائر الشريف حَتَّى توفّي هناك ، وذلك سنة 1265.
ومنهم : السلطان مظفر الدين شاه القاجاري ، المتوفّى سنة 12 ذي القعدة سنة 1334 ، وحمل تابوته إلى الحائر.
ص: 603
وكذلك ابنه السلطان محمّد علي شاه خُلِعَ عن السلطنة 27 جمادى الثانية سنة 1327 ، وسافر إلى أدسا من بلاد الأجانب إلى أن مات ، فحمل تابوته إلى الحائر.
فالسلطان أحمد شاه ابن السلطان محمّد علي شاه ، خُلِعَ عن السلطنة سنة 1344 ، وانقرضت دولة القاجارية بخلعه ، وتوفّي في شهر شوال سنة 1348 وحمل تابوته من أوربا حيث توفّي إلى الحائر الحسيني (1).
وممَّن فاز بحسن الجوار حيّاً وميتاً : الشيخ أبو العبَّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلِّي الأسدي ، صاحب المقامات العالية في العلم والعمل ، والتصانيف ك-(المهذّب البارع) ، و (شرح مختصر النافع) ، و (عدّة الداعي) ، و (شرح ألفية الشهيد) (2) ، و (الإرشاد) (3).
رأى ليلة في منامه أن أمير المؤمنين عليه السلام أخذ بيد السيِّد المرتضى رحمه الله وهما يمشيان في الروضة الغروية ، وعليهما الأثواب من الحرير الأخضر ، فدنا الشيخ أحمد
ص: 604
منهما وسلَّم ، فأُجيب ، ثُمَّ قال له السيد : أهلاً بناصرنا أهل البيت ، فسأل منه أسماء مصنَّفاته ، فذكر له جملة منها فقال له السيد : اكتب كتاباً ، واجعل في مفتتحه هذه العبارة : (بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله المقدَّس بكماله عن مشابهة المخلوقات).
فلما فاق من النوم شرع بكتاب (التحرير) وافتتحه بذلك (1).
ولد سنة 757 وتوفّي سنة 841 ، وقبره قربي المخيَّم الحسيني ، معروف يزار ، وله قُبَّة عالية.
قال كمال الدين محمّد بن طلحة : (إنَّ للحسين عليه السلام ستَّة أولاد ذكور ، وأربع بنات) (2).
فأوّلهم : علي الأكبر ابن الحسين عليه السلام قتل مع أبيه في يوم الطف ، وله يومئذ على ما قيل تسع عشرة سنة ، وروي ثماني عشرة سنة ، وهو ضعيف ، كما سنحقّقه ، واُمُّه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي.
وعلي بن الحسين : الأوسط وهو الإمام زين العابدين عليه السلام.
وجعفر بن الحسين لا بقية له ، واُمُّه قضاعية ، وتوفّي في حياة أبيه.
وعبد الله بن الحسين الملقب بالرضيع جاءه سهم وهو في حجر أبيه ، وهو المعروف بعليٍّ الأصغر ، وحفر له الحسين قبراً بجفن سيفه ودفنه.
ص: 605
ومحمّد.
وعمر بن الحسين ، ذكره ابنُ الأثير ، وله في مجلس يزيد مكالمة مع خالد بن يزيد (1).
وفي (معجم البلدان) : ((بلد) مدينة قديمة على دجلة فوق الموصل ، وبها مشهد عمر بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه) (2).
وأمَّا البنات : فسكينة وهي خيرة النسوان بشهادة الحسين عليه السلام ، واُمُّها الرباب بنت امرئ القيس بن عَديّ ، كلبية ، معدِّية ، وهي شقيقة عبد الله الرضيع.
وفاطمة بنت الحسين ، واُمُّها اُمُّ إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله.
وزبيدة بنت الحسين.
وزينب بنت الحسين ، تلك عشرة كاملة (3).
ثُمَّ عثرت في كتاب (معجم البلدان) : (أنّ في غربيّ حلب في سفح جبل (جوشن) قبر المحسن بن الحسين عليه السلام ، ويزعمون : أنه سقط لما جيء بالسبي من العراق لتحمل إلى دمشق ، أو طفل كان معهم مات بحلب فدفن هنالك) (4).
ص: 606
الأوّل : قال ابن إدريس في باب المزار من (السرائر) بعد ذكر جملة من آداب الزيارة ما لفظه : (فإذا كانت الزيارة لأبي عبد الله الحسين عليه السلام زار ولده علياً الأكبر ، واُمُّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي ، وهو أوّل قتيل في الوقعة ، يوم الطف ، من آل أبي طالب عليهم السلام ، وولد علي بن الحسين عليه السلام هذا في إمارة عثمان.
وقد روى عن جدّه علي بن أبي طالب عليه السلام ، وقد مدحه الشعراء ، وروي عن أبي عبيدة ، وخلف الأحمر : أن هذه الأبيات قيلت في عليّ بن الحسين الأكبر ، المقتول بكربلاء :
لم تَرَ عينٌ نظرَتْ مثلَهُ *** مِنْ مُحتفٍ يمشي ومن (1) ناعِلِ
يغلي نئيَّ اللَّحم حَتَّى إذا *** أنضجَ لم يُغْلِ على الآكِلِ
كان إذا خبَتْ (2) له نارُهُ *** يُوقِدُها بالشرفِ الكامِلِ
كيما يراها بائِسٌ مُرمِلٌ *** أو فردُ حيٍّ ليسَ بالآهِلِ
أعني ابنَ ليلى ذا السدا والندا *** أعني ابنَ بنتِ الحَسَبِ الفاضِلِ
لا يؤثُر الدنيا على دينهِ *** ولا يبيعُ الحقَّ بالباطِلِ
ص: 607
قال : وقد ذهب شيخنا المفيد في كتاب (الإرشاد) إلى أنّ المقتول بالطف هو علي الأصغر ، وهو ابن الثقفية ، وأَنَّ عليّاً الأكبر هو زين العابدين عليه السلام اُمُّه اُمُّ ولد ، وهي شاه زنان بنت كسرى يزدجرد).
ثُمَّ قال محمّد بن إدريس : (والأولى الرجوع إلى أهل هذه الصناعة ، وهم النسابون : وأصحاب السير والأخبار والتواريخ. مثل : الزبير بن بكّار في كتاب (أنساب قريش) ، وأبي الفرج الأصفهاني في (مقاتل الطالبيين) ، والبلاذري ، والمزني صاحب كتاب (اللباب في أخبار الخلفاء) ، والعمري - النسّابة - حقَّق ذلك في كتاب المجدي ، فإنه قال : وزعم من لا بصيرة له أنّ علياً الأصغر هو المقتول بالطَّفّ ، وهذا خطأ ووهم (1) ، وإلى هذا - يعني كون المقتول هو الأكبر - ذهب صاحب كتاب (الزواجر والمواعظ) ، وابن قتيبة في (المعارف) وابن جرير الطبري المحقِّق لهذا الشأن ، وابن أبي الأزهر في تاريخه ، وأبو حنيفة الدينوري في (الأخبار الطوال) ، وصاحب كتاب (الفاخر) - مصنف من أصحابنا الإمامية ، ذكره شيخنا أبو جعفر في فهرست المصنفين (2) - وعلي بن همّام في كتاب (الأنوار) في تواريخ أهل البيت ومواليدهم ، وهو من جملة أصحابنا المصنفين المحقِّقين ، فهؤلاء جميعاً أطبقوا على هذا القول ، وهم أبصر بهذا النوع.
إلى أن قال : وأي غضاضة تلحقنا ، وأي نقص يدخل على مذهبنا ، إذا كان المقتول علياً الأكبر ، وكان علي الأصغر الإمام المعصوم بعد أبيه الحسين عليه السلام ، فإنه كان لزين العابدين يوم الطف ثلاث وعشرون سنة ، ومحمّد ولده الباقر عليه السلام حي له ثلاث سنين وأشهر.
ص: 608
ثم بعد ذلك كلّه ، فسيدنا ومولانا علي بن أبي طالب عليه السلام كان أصغر ولد أبيه سنّاً ، ولم ينقصه ذلك) ، انتهى (1).
وفيه من المبالغة والإصرار ما لا يخفى على اُولي الأنظار ، وممَّن أصر على ذلك الإربَلّي صاحب كتاب (كشف الغُمَّة) (2).
ومنهم الشهيد رحمه الله في (الدروس) قال رحمه الله : (وإذا زاره - يعني : الحسين عليه السلام - فليزر ولده علي بن الحسين عليه السلام وهو الأكبر) ، انتهى (3).
وهو موافق لما في تاريخ ابن الجوزي ، حيث قال : (في ذكر أولاد الحسين : علي الأكبر قتل مع أبيه يوم الطف ، ولا بقية له. وعلي الأصغر وهو زين العابدين عليه السلام ، والنسل له) ، انتهى (4).
وحيث ثبت : أن علياً المقتول أكبر سناً من الإمام زين العابدين ، فالقول بأن سنَّة ثماني عشرة سنة - كما هو المعروف على الألسنة ، بل المنظوم في المراثي - ليس بصحيح ؛ إذ من المعلوم أنَّ علياً أخاه زين العابدين عليه السلام ، كان له من العمر حين استشهد أبوه الحسين عليه السلام ثلاث وعشرون سنة ، فيلزم أن يكون عمر المقتول أكثر من ذلك ، كما هو المنقول عن المجلسي رحمه الله في (جلاء العيون) من أنه كان له من العمر يومئذ خمس وعشرون سنة.
ص: 609
وأيضاً ليس من الصحيح ما هو معروف ومشهور من أنه : قتل علي الأكبر قبل أن يتزوَّج.
ومن البعيد من سيرة أهل البيت عليهم السلام أن يبلغ أولادهم هذه المبالغ من العمر وهم على حالة العزوبة ، مضافاً إلى ما في زيارة أبي حمزة الطويلة التي رواها المجلسي في (التحفة) عن الصادق عليه السلام في زيارة علي بن الحسين عليه السلام : «صلى الله عليك وعلى عترتك وأهل بيتك وآبائك وأبنائك ...» (1) ، وجعلها من أوّلَ زيارَة الحسين عليه السلام.
الثاني : ذكر السيِّد علي الميبدي في (كشكوله) نقلاً عن المسعودي في (مروج الذهب) مدعياً انفراده في هذا النقل ، ولم يروه من غيره وهي حادثة عظيمة في رأس الحسين عليه السلام ، قال : (في بيان أيام الدولة العبَّاسية ، وسبي بنات مروان الحمار إلى صالح بن علي ، فقالت بنت مروان الكبرى : ليسَعَنا من عدلِكُم ما وسِعَكُم من جَورِنا.
فقال صالح بن علي : ألم تفعلوا كذا وكذا - وذكر أفعال بني أُميَّة ببني هاشم وبني العبَّاس - إلى أن قال : ألم يخرج بحرم رسول الله صلى الله عليه وآله سبايا (2) ، وبعث برأس الحسين قَدْ نقب دماغه على رأس رمح يدار به كور الشام ومدائنها) (3).
ص: 610
أقول : ومن المحقِّق أن نسخة (مروج الذهب) التي كانت عند الميبدي ؛ قَدْ بدل منها الصاد المهملة بالقاف المعجمة سهواً من الكاتب ، وإلا فالموجود في سائر النسخ قَدْ نصب دماغه على رأس رمح (1) ، وعليه فلا غرابة فيه.
ولما انجرّ الكلام إلى رأس الحسين عليه السلام فلا بأس بالإشارة إلى جملة ممَّا يتعلّق بذلك ، ففي جملة من التواريخ المعتبرة : (أن بمصر مزاراً يعرف بمشهد رأس الحسین علیه السلام).
ففي (صبح الأعشى) : (أن سبب بنائه ؛ أن رأس الإمام الحسين عليه السلام كان بعسقلان ، فخشى الصالح طلائع بن رزيك عليه من الفرنج فبنی جامعه خارج باب زويلة - وهي محلَّة وباب بالقاهرة - وقصد نقل الرأس إليه فغلبه الفائز على ذلك ، وأمر بابتناء هذا المشهد ، ونقل الرأس إليه في سنة 549.
قال : ومن غریب ما اتَّفق من بركة هذا الرأس الشريف ما حكاه القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر : أنَّ السلطان صلاح الدین یوسف بن أيوب حين استولى على القصر بعد موت العاضد - آخر خلفاء الفاطميين بمصر - قبض على خادم من خدَّام القصر وحلق رأسه وشدَّ عليها طاساً داخله خنافس فلم يتأثر بها. فسأله السلطان صلاح الدين عن ذلك وما السر فيه؟ فأخبر : أنه حين أحضر الرأس الشريف إلى المشهد حمله على رأسه ، فخلَّى عنه السلطان وأحسن إليه) ، انتهى (2).
ص: 611
وفي (معجم البلدان) : (أن بمصر من المشاهد والمزارات : بالقاهرة مشهداً به رأس الحسين بن علي رضي الله عنه ، نقل إليها من عسقلان لما أخذ الفرنج عسقلان.
قال : وهو خلف دار المملكة يزار) ، انتهى (1).
وقال اليافعي : (بعث برأس الحسين عليه السلام إلى عمرو بن سعيد - يعني : والي المدينة - فكفن ، ودفن بالبقيع عند قبر اُمَّه فاطمة عليهما السلام).
قال : (هذا أصح ما قيل فيه) (2).
وذكر الشيخ ابن نما ، عن منصور این جمهور : (أنه دخل خزانة يزيد بن معاوية لما فتحت فوجد بها جونة حمراء فقال لغلامه سليم : احتفظ بهذه الجونة فإنَّها كنز من كنوز بني اُميَّة.
فلمَّا فتحها إذا فيها رأس الحسين عليه السلام وهو مخضوب بالسواد ، فقال لغلامه : آتني بثوب. فأتاه فلفَّه ، ثُمَّ دفنه بدمشق عند باب الفراديس عند البرج الثالث ممَّا يلي المشرق) (3).
ص: 612
ويروى أيضاً : (أن سليمان بن عبد الملك بن مروان : طلب الحسن البصري ، وقال له : رأيت في النوم : أن النبي صلى الله عليه وآله يلاطفني فما تأويل ذلك؟
قال له : لعلك أحسنت إلى أولاده وعترته؟! فقال : نعم ، وجدت رأس الحسين في خزانة يزيد ، فوضعته في خمسة أثواب من حرير ، وصلَّيت عليه مع خمسة من أصحابي ، ودفنته في ضريح. فقال الحسن : من ذلك ؛ النبي صلى الله عليه وآله أظهر رضاءه عنك ، فأكرمه سليمان ، وأنعم عليه وأرجعه) (1).
ويقال : (أنّه لمّا تخلّف عمر بن عبد العزيز ؛ أخذ يتفحَّص عن رأس الحسين عليه السلام ، فأخبروه : أنه مدفون. فأمر بنبشه ، واستخرجه ، ولم يعلم بعده بما جرى على الرأس الشريف) (2).
وقال البلاذري أيضاً في تاريخه : (هو - يعني الرأس الشريف - بدمشق في دار الإمارة) (3).
ووافقه على ذلك الواقدي.
وفي (التذكرة) حكاية عن ابن أبي الدنيا ، قال : (وجد رأس الحسين عليه السلام في خزانة يزيد بدمشق ، فكفَّنوه ، ودفنوه بباب الفراديس) (4).
ص: 613
قال ابن عساكر في تاريخه : (باب الفراديس من شمال البلد أيضاً (1) منسوب إلى محلة كانت خارج الباب تسمَّى (الفراديس) وهي الآن خراب ، وکان للفراديس باب آخر عند باب السلامة فسُدَّ ، (والفراديس) بلغة الروم : البساتين) (2).
قلت : ويقال له الآن : (باب السلام) رُمِّم سنة 641 ﻫ.
ويقال أيضاً ، كما في (التذكرة) : (أنه بمسجد الرّقّة على الفرات بالمدينة المشهورة ، ذكره عبد الله بن عمر الورَّاق في مقتله ، وقال : لمَّا حضر الرأس هين يدي یزید بن معاوية قال : لأبعثنه إلى آل أبي معيط عوضاً عن رأس عثمان! وكانوا بالرّقّة فبعثه إليهم ، فدفنوه في بعض دورهم ، ثُمَّ أدخلت تلك الدار في المسجد الجامع.
قال : وهو إلى جانب سدرَةٍ هناك ، وعليه شبيه التنبل (3) لا يذهب شتاءً ولا صيفاً) ، انتهى (4).
ولم يذكر أحد هذا غير ابن الورَّاق.
وقال المقريزي في (خططه) : (عن الملك الأفضل لما فتح بیت المقدس سنة 491 ذهب منه إلى عسقلان ، وتفحَّص عن رأس الحسين عليه السلام لمَّا بلغه أنه مدفون هناك في مشهد قديم فوجده ، وأخرج الرأس وطيَّبه ، وجعله في سفط ، ووضعه في بیت عال بنى له مشهداً رفيعاً ، ثُمَّ حمل الرأس الشريف بنفسه ، ضامّاً له إلى صدره ، ومشی برجله إلى المشهد حَتَّى دفنه في ذلك الضريح.
ص: 614
وذكر بعضُ المؤرِّخين : أنَّ أوّل من شرع في بناء ذلك المشهد بعسقلان هو أمير الجيوش بدر الجمالي وزير المستنصر بالله معدّ الفاطمي ، ثُمَّ من بعده أكمله الملك الأفضل) (1).
وفي جملة من الأخبار : أن الرأس الشريف مدفون في النَّجف ، عند أمير المؤمنين عليه السلام.
وعقد له في (الوسائل) باباً مستقلاً عنوانه : باب استحباب زیارة رأس الحسين عليه السلام عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام واستحباب صلاة ركعتين لزيارة كلٍّ منهما (2).
منها : ما رواه بإسناده عن مبارك الخبَّاز ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : «أسرجوا البغل والحمار في وقت ما قدم وهو في الحيرة ، قال : فركب وركبت حَتَّى دخل الجرف ، ثُمَّ نزل فصلى ركعتين ، ثُمَّ تقدم قليلاً آخر فصلى ركعتين ثُمَّ تقدم قليلاً آخر فنزل فصلى ركعتين ، ثُمَّ ركب ورجع ، فقلت له : جعلت فداك ما الأَوليين والثانيتين والثالثتين؟ قال : الركعتين الأوليين : موضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، والركعتين الثانيتين : موضع رأس الحسين عليه السلام ، والركعتين الثالثتين : موضع منبر القائم عليه السلام».
ص: 615
وبالإسناد عن عمر بن عبد الله بن طلحة النهدي ، عن أبيه ، قال : «دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فذكر حديثاً حدثناه ، قال : مضينا معه - يعني : أبا عبد الله عليه السلام - حَتَّى انتهينا إلى الغري ، قال : فأتی موضعاً فصلى ، ثُمَّ قال لإسماعيل : قم فصل عند رأس أبيك الحسين عليه السلام ، قلت : أليس قَدْ ذهب برأسه إلى الشام؟ قال : بلی ولكن فلان مولانا سرقه فجاء به فدفنه هاهنا» (1).
وفي (الكافي) : بإسناده إلى يزيد بن عمر بن طلحة ، قال : «قال لي أبو عبد الله عليه السلام وهو بالحيرة : أما تريد ما وعدتك؟ قلت : بلی - يعني الذهاب إلى قبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه - قال : فركب وركب إسماعيل وركبت معهما حَتَّى إذا جاز الثوية وكان بين الحيرة والنَّجف عند ذکوات بيض ، نزل ونزل إسماعيل ونزلت معهما ، فصلَّی وصلَّی إسماعيل وصلَّيتُ ، فقال لإسماعيل : قم فسلّم على جدَّكَ الحسين عليه السلام ، فقلت : جعلت فداك أليس الحسين عليه السلام بكربلا؟ فقال : نعم ولكن لمَّا حُمِلَ رأسه إلى الشام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين عليه السلام».
وفيه أيضاً : بإسناده عن أبان بن تغلب ، قال : «كنت مع أبي عبد الله عليه السلام فمرَّ بظهر الكوفة ، فنزل فصلَّى ركعتين ، ثُمَّ تقدَّم فصلَّى ركعتين ، ثُمَّ سار قليلاً فنزل فصلَّى ركعتين ، ثُمَّ قال : هذا موضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام قلت : جعلت فداك ، والموضعان اللَّذان صليتَ فيهما؟ فقال : موضع رأس الحسين عليه السلام ، وموضع منزل القائم» (2).
ص: 616
وروی جعفر بن محمّد بن قولویه بإسناده عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن موسی الخشّاب ، عن علي بن أسباط ، رفعه ، قال : «قال أبو عبد الله عليه السلام : إنَّك إذا أتيت الغري رأيت قبرين ، قبراً كبيراً وقبراً صغيراً ، فأما الكبير فقبر أمير المؤمنين ، وأمَّا الصغير فرأس الحسين عليه السلام» (1).
وعن يونس بن ظبيان ، قال : «كنت عند أبي عبد الله عليه السلام بالحيرة أيام مقدمه على أبي جعفر ... إلى أن قال : فركب وركبت. ولمَّا خرجنا من الحيرة ، قال : تقدَّم يا يونس ، قال : فأقبل يقول : تيامن تياسر ، فلمَّا انتهينا إلى الذَّكوات الحمر (2) ، قال : هو المكان ، قلت : نعم ، فتيامَنَ ، ثُمَّ قصد إلى موضع فيه ماء وعين فتوضَّأ ، ثُمَّ دنا من أكمة فصلَّى عندها ، ثُمَّ مال عليها وبکی ، ثُمَّ مال إلى أكمَةٍ دونها ، ففعل مثل ذلك ، ثُمَّ قال : يا يونس افعل مثل ما فعلت ، ففعلت ذلك. فلمَّا تفرَّغت قال لي : يا يونس تعرفُ هذا المكان ، فقلت : لا ، فقال : الموضع الَّذي صلَّيتُ عنده أوّلاً هو قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، والأكمة الأُخرى رأس الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، إنَّ الملعون عبيد الله بن زیاد لعنه الله لمَّا بعث برأس الحسين عليه السلام إلى الشام رُدَّ إلى الكوفة ، فقال : أخرجوه عنها لا يفتن به أهلُها ، فصيَّره الله عند أمير المؤمنين عليه السلام ، فالرأس مع الجسد والجسد مع الرأس» (3).
ص: 617
ويظهر من أخبار اُخر : أنّ الرأس الشريف مدفون في مسجد الحنَّانة الواقع بقرب النَّجف في طريق مسجد الكوفة.
في أمالي الشيخ بإسناده عن المفضَّل بن عمر ، قال : «جاز مولانا جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام بالقائم المائل في طريق الغريّ ، فصلَّى عنده رکعتين ، فقيل له : ما هذه الصلاة؟ قال : هذا موضع رأس جدِّي الحسين بن علي عليهما السلام ، وضعوه ها هنا» (1).
ويظهر من خبر آخر : أنَّ ها هنا نزل القوم الَّذين كان معهم رأس الحسين عليه السلام في صندوق ، فبعث الله عزَّ وجلَّ طيراً فاحتمل الصندوق بما فيه ، فمرَّ بهم جمَّال ، فأخذوا رأسه وجعلوه في الصندوق وحملوه.
والخبر مروي في (مدينة المعاجز) عن أبي جعفر محمّد بن جرير الطبري الشيعي في كتاب (دلائل الإمامة) (2).
والغريب جدّاً ما ذكره صاحب (الجواهر) في كتاب الحجّ أنّه : (ويمكن أن يكون هذا المكان موضع دفن الرأس الشريف بعد سلخه ، فإنَّهم - لعنهم الله تعالى - نقلوه بعد أن سلخوه) ، انتهى (3).
ولعلَّ موضع القائم المائل هو المسجد المعروف الآن ب-(مسجد الحنَّانة) الواقع قرب النَّجف ؛ ولذا يصلّي الناس فيه (4).
ص: 618
وروى الشيخ في (أماليه) : (بسنده عن ابن مسكان ، عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن القائم المائل في طريق الغري؟ فقال : نعم ، إنَّه لمّا جاز سرير أمير المؤمنين علي عليه السلام انحنى أسفاً وحزنا على أمير المؤمنين عليه السلام ، وكذلك سرير أبرهة لمَّا دخل عليه عبد المطَّلب انحنی ومال) (1).
وقال سبط ابن الجوزي في (التذكرة) : (واختلفوا في الرأس على أقوال أشهرها أنه رد إلى المدينة مع السبايا ، ثُمَّ رد للجسد إلى كربلاء فدفن معه) (2).
وصرَّح به أيضاً أبو ريحان البيروني في (الآثار الباقية) (3).
وقال يوسف بن حاتم الشامي في (الدر النظيم) : (إنَّ المشهور بين علمائنا الإمامية أنه دفن رأسه مع جسده ، ردَّه علي بن الحسين عليه السلام بكربلاء) (4).
وقال الصدوق في (الأمالي) : (خرج علي بن الحسين عليهما السلام بالنسوة ، وردّ رأس الحسين عليه السلام بكربلاء) (5).
وقال الشيخ ابن حجر في (شرح الهمزية) : (وقيل : اُعيد - يعني الرأس الشريف - إلى الجثة بكربلاء بعد أربعين يوماً من قتله) (6).
ص: 619
وقال صاحب (حبيب السير) : (إنَّ الإمام الرابع مع أخواته وعمَّاته وسائر أقربائه توجَّهوا إلى المدينة في العشرين من صفر ، وألحق رأس الحسين عليه السلام وسائر الشهداء بأبدانهم ، وبعده سارع إلى تربة جدِّه المقدسة ، وألقى رحل إقامته) (1).
وأصح الروايات التي هي مختار الشيعة والعلماء الأخيار في باب دفن الرأس المكرَّم هو ذلك.
وروى ابن طاووس في (اللهوف) وغيره في غيرها : (إنَّ رأس الحسين عليه السلام اُعيد فدفن مع بدنه بكربلاء ، وأن عمل الطائفة على ذلك) (2).
بيان وتصحيح :
((الحِيْرة) بكسر الحاء المهملة ، وسكون الياء المثناة من تحت ، وبعدها راء : مدينة كانت على ثلاثة أميال من الكوفة على موضع يقال له النَّجف) (3).
و ((الجُرْف) بالضم ، وسكون الراء ، وبعدها فاء : موضع بالحيرة ، كانت به منازل المنذر) (4).
موضع منبر القائم : هو موضع في خارج النَّجف ، یعرف ب-(مقام المهدي عليه السلام) وعليه قُبَّة من الكاشي الأخضر ، وقد عمّره جدّي بحر العلوم ، ومن
ص: 620
بعده زار النَّجف السيِّد محمّد خان - سلطان السند - فبذل على تعميره فعُمِّر وذلك سنة (1310 ﻫ) (1) وينسب إليه بعض الكرامات (2).
((الغَرِيّ) بفتح الغين المعجمة ، وكسر الراء ، وتشديد الياء ، والغَرِيَّان : طربالان ، وهما بناءان كالصومعتين بظاهر الكوفة قرب قبر علي بن أبي طالب عليه السلام) (3).
((الثَوِيَة) بفتح الثاء المثلثة ثُمَّ الكسر ، وياء مشددة ، ويقال (الثُّوَيَّة) بالتصغير : موضع قريب من الكوفة ، وقيل : بالكوفة ، وقيل : خريبة إلى جانب الحيرة على ساعة منها ، ذكر العلماء : كانت سجناً للنعمان بن المنذر ، كان يحبس فيها من أراد قتله ، فكان يقال لمن حبس بها ثوى ، أي : أقام ، فسمِّيت الثوية بذلك) (4).
الزكوات : قال بعض المثبتين في سبع نسخ التي بأيدينا : بالزاي ، ولم أقف في كتب اللُّغة له معنى يناسب المقام ، إلّا أنَّ الطريحي في (المجمع) قال : ((الذكوات) بالذال المعجمة جمع (ذَكاة) بالفتح : الجمرة الملتهبة من الحصى ، ومنه الحديث : قبر علي عليه السلام بين ذكوات بيض ، واُحبُّ التختّم بما يظهره الله بالذكوات البيض (5)) (6).
ص: 621
الثالث : أنّ الحسين عليه السلام كان يشبه النبي صلى الله عليه وآله من رأسه إلى صدره ، ويشبه أباه في بقية الأعضاء (1).
أشجع الناس ، وأعلم أهل الإسلام قاطبة بأحكام النبي صلى الله عليه وآله مع فصاحة اللّسان ، وطلاقة البيان ، جامع لجميع الخصال الحسنة التي كانت في العرب مستحسنة ، وكان أوّل شخص سیاسي في العالم الإسلامي ، ويمكن أن يقال : إنه لا يرى في أرباب الديانات أحد اختار مآثر السياسة مثله عليه السلام. فإنَّ يزيد لمّا أخذ ولاية العهد من أبيه معاوية اشتغل بأخذ البيعة لنفسه من الرؤساء ، فرأى عليه السلام أنَّ حركات بني اُميَّة التي كانت لهم السلطنة المطلقة ، والإحاطة التامّة بالرياسة الروحانية الإسلامية ، توجب ضعف عقائد الناس بدين الإسلام ، مع علمه عليه السلام بما انطوت عليه سريرتهم ، وجرت به سيرتهم من العداوة ، والبغضاء لبني هاشم.
وبقاء الحال على ذلك المنوال ينجرُّ عاجلاً إلى أن لا يبقى منهم دَيَّار(2) ، ولا نافخ نار ، فعزم عليه السلام على بثّ السياسة الحسينية في الإسلام ، فحينما جلس یزید مقام أبيه وتصدّى لخلافة المسلمين أوجب عليه السلام على نفسه التمرُّد عن طاعته ، والتَّظاهُر بمخالفته ، على ما كان عليه يزيد من الإصرار على أخذ البيعة منه عليه السلام ،
ص: 622
وإدخاله تحت طاعته ، فأبی عن الإذعان له ، والتخضُّع إليه ؛ ولذا عزم على إتلاف نفسه العزيزة مع اُسرته في سبيل إعزاز الدين ، وتشييد شريعة جدّه سیِّد المرسلین صلى الله عليه وآله ، وتصدّى لقلب السياسة الاُمويَّة التي شاعت في الإسلام ، حَتَّی كادت أن تقضي على الدين الحنيف الإسلامي.
إنَّ من ذاق طعم الإيمان ، ونوّر قلبه بنور الوجدان ، إذا نظر بدقة إلى أوضاع تلك الأدوار التي كانت تجري على محور واحد من تمشية اُمور بني اُميَّة ، ونفوذ مقاصدهم ، واستيلائهم على سائر طبقات المسلمين ، يصدّق بأوّل وهلة أنه عليه السلام أحيا دین جدّه صلى الله عليه وآله وأحكم قانونه الإسلامي فقتل نفسه.
ولولا تلك النهضة منه عليه السلام لم يبق الإسلام بالصورة الحالية ، وأمكن أن ينقلب المسلمون إلى ما كانوا عليه في بدو الإسلام ، ويضيِّعوا قوانینه ورسومه ، فعندما جزم بإنجاز هذا المشروع خرج من المدينة متوجِّهاً نحو أهم مراكز الإسلام : مكَّة ، والعراق ، اللَّذينِ فيهما ساحة الإسلام ، وأينما حلَّ في نقطة من نقاطها ، وبقعة من بقاعها أولد في قلوب أهلها ما هو أهم مقدمات السياسة - أعني : تتغير القلوب من بني اُميَّة - وكان يبلغ ذلك يزيد حَتَّى خاف على ملکه من تلك السياسة في الممالك الإسلامية ، وعلم أن ذلك موجبٌ لزوال الأيدي للسلطنة الاُمويّة ، فلم يَرَ بُدّاً دون أن صمَّم على قتال الحسين عليه السلام في أوّل آونة من جلوسه على تخت السلطنة قبل شروعه بكل أمر مهم.
وكان ذلك من أكبر الأغلاط السياسية لبني اُميَّة التي أوجب محو آثارهم من صفحة الوجود وتسويد أوراق تاريخهم ، ومن أدل ما يستدل به على تقديس قصده عليه السلام من المقاصد الدينيّة الدنيويّة عندما أقدم على العراق مع علمه عليه السلام
ص: 623
الحاصل له بالتجاريب على عهد أبيه وأخيه عند مقاومة بني اُميَّة ، وعدم تهيُّؤ أسباب الحرب له ، وما كان عليه يزيد من كثرة العدد ، ووفرة المدد من المال والاقتدار ، حَتَّى كان ينادي عليه السلام بأعلى صوته : «إنّي مقتول في سفري هذا إلى العراق» (1).
وكان يقرر ذلك على أصحابه ، ومن كان معه من أنصاره إنَّما للحُجَّة ، وقطعاً لطمع مَن صاحبه يتوهَّم الجاه ، وکسب الحلال. ولو كان غرضه الحصول على مرتبة السلطنة ، وتسخير عرش المملكة لكان أولى بإظهار ما يوجب الميل إلى مصاحبته ، ونشاط أعوانه وأنصاره ، غير أنه لما لم يكن في نفسه الشريفة سوى القتل والمظلومية التي هي العمدة في تلك السياسة الوحيدة ، توسَّل إلى ما يؤيِّدها ويؤكّدها في نظر العموم ، حَتَّى تكون مصائبه في القلوب أشدَّ تأثيراً وأوقع في النفوس.
ومن المعلوم : أنَّ الحسين عليه السلام كان محبوباً في قلوب أبناء عصره أشد المحبَّة ، ولو كان غرضه غير ما ذكرناه لأمكن أن يجلب إليه الجم الغفير ، والجمع الكثير ، والجيش الجرّار. ولكن لو اتفق قتله على هذه الحالة ، لعلَّه ما كان يُحمَلُ على المحمل الصحيح ، ولم تحصل له تلك المظلومية. التي هي السبب الوحيد لتلك السياسة المقدَّسة ، بل خاطب أصحابه : «بأنَّي قَدْ أذنت لكم فانطلقوا
ص: 624
جميعاً ، أنتم في حل مني ، ليس عليكم حرج ، ولا ذمام ، وهذا الليل قَدْ غشیكم فاتخذوه جملاً» (1).
وهذا أمر اختص به الحسين عليه السلام ، فقد كان مع أبيه أمير المؤمنين عليه السلام في صفين أصناف من الناس ، وأخلاط منهم. حيث خرج جمع منهم بصورة الرضا ، ولكنَّهم على حسب الباطن كانوا لذلك كارهين. ولم يتحسَّس عليه السلام ذلك منهم ، ولا أذِنَ لمن كان كارهاً للجهاد بالانصراف ، بل كان يحثُّهم على القتال في سبيل الله ، ويذمُّهم على تهاونهم.
فكل من قتال علي عليه السلام والحسين وإن كان لإقامة الدين إلا أنَّهما باعتبار اختلافهما بحسب المقام اختلفا بالآثار والأحكام. وحيث لم يكن للحسين عليه السلام مناص عن الشهادة ، وكان نصرته لدين الله بكونه مقتولاً مغلوباً لا بغلبته على العدو ، وكان ذلك الموقف ممَّا لا يليق إلا لمن خلص في طريق الدين ، وطلب له الموت في سبيل التوحيد. ولو لم يكن غرضه المغلوبية لما حمل معه نساءه وأطفاله وبني عمومته ؛ لعلمه بما في نفوس بني اُميَّة من الشحناء مع بني هاشم ، بحيث لا يستطيعون العفو عند المقدرة عليهم بعد قتله ، وإنَّهم لا بُدَّ من إيسارهم.
وفي ذلك من تأثير النفوس - لا سيَّما مثل العرب - ماله تمام المدخلية في السياسة الحسينية ، وذلك معلوم وغیر منكر أن الحركات الوحشية التي وقعت من
ص: 625
بني أميَّة بعد قتله عليه السلام على آل الرسول صلى الله عليه وآله ، والصبية الصغار من ذرِّية فاطمة البتول أثَّرت في نفوس عامة البشر ، فضلاً عن المسلمين ما لم يؤثر فيها القتل ، فكان ذلك أصدق شاهد على بعض بني اُميَّة لبني هاشم من آل محمّد صلى الله عليه وآله.
إنَّ المتأمِّل بعين البصيرة فيما صدر منه عليه السلام في واقعة الطف من آواها إلى آخرها يعلم بأنه لم يترك في ذلك سياسةً لها أدنى ماخلية في إنجاز مرامه ، هذا منتهى السياسة وقوة القلب ، وبذل النفس في سبيل نيل المرام.
انظر إلى ما فعله عليه السلام في آخر لمحة من حياته فحيَّر فيها عقول الفلاسفة ؛ إذ عرض طفله على الأعداء قائلاً لهم : «خذوه واسقوه قطرة من الماء ، وردُّوه إليّ ، فوجَّهوا إليه سهماً فذبحه في حجر أبيه» (1).
كيف لم تفته هذه النكتة في تلك الآونة مع تلك المصائب الواردة عليه ، وتشتُّت الأفكار المتراكمة والعطش الشديد ، والجراحات المجهزة التي لا تُعَدُّ ولا تحصى ، ولم يغفل عليه السلام عن السعي في حصول الغرض وتهيئة المعدّات له. وأعظم نفع حصل له عليه السلام لهذه النكتة : أنَّ العالم الإسلامي بأجمعه بعد الوقوف عليها علم علماً لا يشوبه شكّ ، أنَّ الأعمال الوحشية التي ارتكبوها في ذلك اليوم ما كانت من باب الدفاع ، بل إنَّما هي لصرف العداوة ، ومحض البغضاء.
ص: 626
فإنَّ قتل الطفل بتلك الحالة المدهشة ليس إلا من التوحُّش والسَّبُعية المنافية السائر الملل والأديان ، فانكشف بذلك : أنهم لم يكتفوا بمحو أحكام الإسلام خاصَّة ، بل كان جُلُّ مرامهم قطع شأفة آل محمد صلى الله عليه وآله.
وممّا يوضح ذلك : أنه عليه السلام إلى آخر قطرة اُريقت من دمه لم يبدأهم بما يوجب عليهم الدفاع ، ويُلْجِئهم إلى الكفاح ، بل أظهر لهم أنه متى أخلَوا له السبيل لحق بشعاب الجبال ، ممَّا هو خارج عن ملك يزيد ، بل عن الحدود الإسلامية ، ومؤامرته في ذلك مع عمر بن سعد في كربلاء معروفة مذكورة في كتب السير والتواریخ ، فانكشف الغطاء عن عيون المسلمین دفعة واحدة بعد قتل الحسين عليه السلام ، وأذعنوا أنَّ بني هاشم أحقُّ بالرئاسة الدينيّة لظهور آثار الروحانية ، وظهر للعالم الإسلامي روحانية جديدة ، وما انقضت الأيام والليالي حَتَّى انتزعت السلطنة من تلك الطائفة ، وبأقل من قرن واحد اُزيلت السلطنة من بني اُميَّة بالكلّية : ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ (1).
تمَّ الجزء الأول من (تحفة العالم في شرح خطبة المعالم) ويتلوه
الجزء الثاني (2).
ص: 627
ص: 628
• الآيات القرآنية
• الأحاديث
• الأشعار
• الأعلام
• المحتويات
ص: 629
ص: 630
إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ................................................................ 74
إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ................................................ 340
أَرْسَلْنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولً......................................................... 74
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا........................................ 222
إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ.................................. 338 ، 370
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا.................................................. 203
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ............................ 359
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ................................................... 179
لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ...................................... 242
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ......................................................... 280
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ....................................................... 74
أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ................ 212
إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً............................. 237
إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ.......................................... 188
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ................................................... 400
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ................................................. 131
أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا............................................................... 37
إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ................................................... 199
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ............................ 133
إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا....................................................... 95
إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ........................................................ 342
أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ........................................... 282
إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ............................................................. 142
إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ............................ 142
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ.................................. 225
ص: 631
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ........................................ 214 ، 216
إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ........................................................ 151
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ....................................................... 142
أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ............................................ 359
بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ................................................................. 74
بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ..................................................... 223 ، 462
تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا................................................................. 241
تَحْتَ الشَّجَرَةِ.................................................................. 74
ثُمَّ نَبْتَهِلْ..................................................................... 141
ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ...................................................... 72
رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ........................................................ 251
رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ...................................... 110
سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ............................................. 500
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلىَ........................................................ 168
سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ............................................... 182
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ.............................................. 77
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا....................................................... 99
عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ.................................. 152
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ...................................................... 241
فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى...................................... 518
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ.......................................... 85
فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ..................................................... 242
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ............................................................. 238
فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ..................................... 223
ص: 632
فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ........................................................... 74
فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ............................................... 401
فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي.......................................................... 500
فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ............................. 342
فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ........................................................... 66
فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ......................................... 332
فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ................................................. 401
قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا......................................... 599
قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا.......................................... 152
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ.................................. 110
قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا.......................................................... 244
قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ............................. 190
قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ.................................................... 342
قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي........................................ 342
كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ........................................................... 110
كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ.......................................................... 110
لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ............................... 85
لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ............................................... 500
لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ................................................... 223
لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ................................... 549
لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ.................................................... 105
مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ........................................... 86
مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ................................... 262
نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ.......................................................... 164
ص: 633
هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ.................................................. 223
وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا............................................................... 224
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا............................................ 400
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ......................................... 344 ، 346
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ........................................................ 151
وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ......................................................... 238
وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا...................................................... 132
وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ................................................. 37
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا............................................. 406
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ.................................................. 338
وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ.......................................... 326
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ...................................... 549
وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ........................................ 142
وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ.................................................... 204
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ.................................. 142
وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ.................................................... 238 ، 241
وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا.................................................. 80
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ.......................................................... 172
وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ.............................................. 502
وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ.......................................................... 238
وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ.................................... 73
وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا........................................................... 73
وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ........................................................... 164
وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ........................................... 190
ص: 634
وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا................................................... 172
وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ.................................................... 491
وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا........................................................... 155
وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ....................................................... 89
وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا........................................ 511
وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ...................................................... 208
وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ......................................... 131
وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا................................................... 211
وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ.................................................... 181
وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ........................................................... 342
وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.................................................. 401
وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ................................ 164
وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا............................................................. 255
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ..................................... 333 ، 335
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ................................................................ 167
يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ........................................................... 243
يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا.......................................................... 249
يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ...................................... 230 ، 232
يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ........................................................... 241
يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ................................................................. 96
ص: 635
ص: 636
أبو الحسن عليه السلام يقرئك السلام ، ويقول : خذ هذا الدواء ........................ 286
أتريد أن يمحق الله تجارتك ، تستقبل هلال الشهر بالخروج ........................ 199
أتطعن بالمتعة وقد وجدت وخلقت منها ........................................ 336
احتفظوا بكتبكم فإنّکم سوف تحتاجون إليها ................................... 173
اادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من اُمَّتي ........................................ 400
إذا أتى عليٍّ يوم لا أزداد فيه علماً يقرِّبني إلى الله فلا ............................. 251
إذا أردل الله عبداً حظر عليه العلم ............................................. 157
إذا جاءكم عنّا حدیث فاعرضوه على كتاب الله ................................. 222
إذا وضعتماني في الضريح فصليا عليَّ ركعتين .................................... 289
أذِن لنا رسول الله صلى الله عليه وآله بالمتعة ................................................ 335
أربع بقاع ضجَّت إلى الله أيام الطوفان : البيت المعمور ........................... 503
أربعة لا تزال في اُمَّتي إلى يوم القيامة ............................................ 186
استمتعوا من هذه النساء ...................................................... 330
إعرفوا منازل الرجال منّا على قدر رواياتهم عنّا ................................... 440
اعرفوا منازل الناس على قدر روایاتهم عنّا ....................................... 440
أعطه علمك وخذ ماله وجهله .................................................. 81
أعلمكم بالله أخوفكم لله ..................................................... 215
اكتب وبُثَّ علمك في إخوانك ، فإنْ مِتَّ ...................................... 173
اكتبوا فإنّكم لا تحفظون حَتَّى تكتبوا ............................................ 173
ألا تخبرني من أين علمت وقلت : إنّ المسح بعض الرأس .......................... 237
الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثياب ............................... 176
الحائض والجنب يقرآن شيئاً؟ قال : نعم ، ما شاءا إلّا ............................ 177
الَّذي جعل لكم الأرض فراشا ................................................. 203
الربوة نجف الكوفة ، والمعين الفرات ............................................ 502
السلام على اُمَّك آمنة بن وهب ............................................... 446
السلام عليك يا رسول الله ، فقال : ما أنتم؟ فقالوا : نحن مؤمنون يا رسول الله...... 210
ص: 637
الصلاة عند قبر أمير المؤمنين مائتا ألف صلاة ................................... 499
الطاعم الشاکر ، له من الأجر كأجر الصائم المحتسب ............................. 86
العلم وراثة كريمة ، والأدب حُلَلٌ مجدّدة ......................................... 153
الغريّ قطعة من الجبل الَّذي كلّم الله عليه موسی تکلیماً .......................... 503
القلب يتّكل على الكتابة ..................................................... 173
الله مشتق من إله والإله يقتضی مألوهاً والاسم غير المسمّى ......................... 68
اللهُمَّ بلی لا تخلو الأرض من قائم الله بحجية .................................... 415
اللهُمَّ زدني فيك تحيُّرا ........................................................... 76
اللهُمَّ صلّ علی آل أبي أوفى ................................................... 359
المؤمن أکرم علی الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير .......................... 290
المتعة والله أفضل من الحجّ ، وبها نزل الكتاب وجرت السنة........................ 345
المحامدةُ تأبى أن يعصي الله عزَّ وجلَّ ............................................ 461
المعروف بقدر المعرفة ......................................................... 165
المنجّم كالكاهن ، والكاهن كالساحر .......................................... 186
المنجّم ملعون ، والكاهن ملعون ، والساحر ملعون ............................... 186
الناس موتی وأهلُ العلمِ أحياءُ ................................................. 153
إليه يرجع عواقب الثناء ......................................................... 75
أما إنّه لا يبقی موهن في شرق الأرض وغربها إلّا حشر الله روحه ................... 506
أما والله لو ثنيت لي الوسادة الحكمت بين أهل التوراة ............................ 341
إنَّ إبراهيم عليه السلام مرَّ ب-(بانقيا) فكان يزلزل بها .................................... 501
إنَّ أعلمَكُم بالله أشدُّکُم خشيةً له ............................................. 216
إنَّ الله رزقك أفضل الرزقين ، فكيف تشكو قلّة الرزق .............................. 81
إنَّ الله قَدْ آتاني القرآن ، وآتاني من الحكمة مثل القرآن ........................... 209
إن الله ورسوله أحل لكم المتعتين وإني محرَّمهما ................................... 338
إنّ الله يبعث لهذه الأُمَّة على رأس كل مائة سنة ................................. 424
ص: 638
أن النبي صلى الله عليه وآله رأى علياً وفاطمة والحسن عليه السلام والحسين عليه السلام في السماء ........... 289
إنَّ النَّجف كان جبلاً ......................................................... 500
إنَّ أمير المؤمنين عليه السلام زوّج اُمّ كلثوم من عمر .................................... 467
أنّ رجلاً أتى النبي صلى اللهل عليه وآله فقال : يا رسول الله ، إنّي أجعل لك ثلث صلواتي 104
إنّ رسول الله قَدْ أذِنَ لكُم أن تستمتعوا ......................................... 335
إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله أتانا فأذن لنا المتعة ......................................... 335
أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله دخل المسجد وبه رجل قَدْ أطاف به ......................... 384
إن سرت يا أمير المؤمنين في هذا الوقت خشيت أن لا تظفر ...................... 189
أنّ علياً عليه السلام نكح بالكوفة امرأة من بني نهشل متعة.............................. 345
أن عمر أوّل من حرم المتعة .................................................... 340
إنّ فاطمة عليها السلام بضعة منّي يؤذيني ما يؤذيها ..................................... 469
إن مجاورة ليلة عند قبر أمير المؤمنين أفضل من عبادة سبعمائة عام .................. 499
إنّ من العبادة شدّة الخوف من الله ............................................. 216
إنَّ هذه القلوب تمل كما تملَّ الأبدان ، فابتغوا لها طرائف الحِكَم ..................... 61
أنا أبعثها إليك فإن رضيتها زوجتُكَها ........................................... 465
أنا لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك ........................... 76
أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها .................................................... 447
أنت منّي بمنزلة هارون من موسی ............................................... 447
إنّكم نور الله في ظُلمات الأرض ............................................... 434
أنّه برئ ممَّا قذف به ، ومع ذلك كانوا يرمونه بالغلوّ .............................. 438
أنه كان إذا أراد الخلوة بنفسه أتى إلى طرف الغري ............................... 504
إنّه لمّا مات احتمله الحسن فأتى به ظهر الكوفة ................................. 494
أنه ما من مؤمن يموت إلّا ويحضره رسول الله صلى الله عليه وآله ............................... 281
أنّه مكتوب في التوراة : اشكر من أنعم عليك ..................................... 86
إنّه نکاح بأجل مُسمّى فاكتميه ، فأطلعت عليه بعض نسائه ...................... 344
ص: 639
أنه يقضي صلاته وصيامه إلى وقت اغتساله غسل الجمعة ......................... 352
إني اُحبُّ أن يجعل فيّ سُنّة من يعقوب ......................................... 454
إنّي قَدْ ابتليت بهذا العلم فاُريد الحاجة .......................................... 189
إنّي كنت أتزوج المتعة فكرهتها وتشأمت بها فأعطيت الله عهداً .................... 346
إنّي لأحبُّ للمؤمن أن لا يخرج من الدنيا حَتَّى يتمتع ............................. 345
إنّي لأكره للرجل أن يموت وقد بقيت عليه خلَّة من خلال ........................ 346
اُوتيت جوامع الكلم .......................................................... 131
أوحى الله عزَّ وجلَّ إلى موسی : یا موسی اشكرني حقّ شكري ...................... 87
أول بقعة عُبد الله عليها ظهر الكوفة ، لمّا أمر الله الملائكة ........................ 503
أولئك قوم مؤمنون يحدثون في إيمانهم ........................................... 401
إيّاكم والتكذيب بالنجوم ، فإنّه علم من علوم النبوّة ............................. 199
إيّانا عُني ، وعليّ أوّلنا وأفضلنا وخيرنا .......................................... 246
إياي عُني بمن عنده علم الكتاب ............................................... 246
بعثت إليّ ابنة عم لي كان لها مال كثير : قَدْ عرفت كثرة من يخطبني ................ 345
بك عرفتك وأنت الَّذي دللتني عليك ............................................ 77
تكلّموا في خلق الله ، ولا تتكلّموا في الله ......................................... 76
ثلاث لا يضرّ معهن شيء ...................................................... 86
ثلمةُ الدين موتُ العلماء ...................................................... 325
جعلت لك الفداء ، إنّ الناس يقولون : إنّ النجوم لا يحل النظر ................... 197
حرّم الله عزَّ وجلَّ على عليّ عليه السلام النساء ....................................... 475
حرمت عليه باشترائه إياها .................................................... 371
ذاك أخي عليّ بن أبي طالب .................................................. 247
رأيت رجلاً يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن النجوم .................................. 198
سُئل أمير المؤمنين عليه السلام عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله : «إني مخلّف فيكم .... 100
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النجوم حقّ؟ قال لي : نعم .......................... 198
ص: 640
سألته أتقرأ النفساء ، والحائض ، والجنب ، والرجل يتغوّط ، القرآن؟ ................ 178
سألته عن الجنب ، يأكل ويشرب ويقرأ القرآن؟ قال : نعم ........................ 178
سبحانك ما عرفناك حق معرفتك ................................................ 75
صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة العصر ، فسلّم في ركعتين......................... 406
طاعة الله ومعرفة الإمام عليه السلام .................................................. 209
عرّفك الله الخير ، أطال الله بقاءك ............................................. 418
علّم آدم الأسماء كلّها ثُمَّ عرضهم على الملائكة .................................. 152
علُم الكتاب - والله - كلُّه عندنا ................................................. 248
عليٌّ منّي وأنا منه ............................................................ 447
فارجع إليها فإنك تجدها قَدْ أفاقت وهي قاعدة ، والخادمة تلقمها الطبرزد .......... 283
فإنّما يأخده سحتاً وإن كان حقّاً ثابتاً ........................................... 232
فأومأ بيده إلى صدره ......................................................... 253
فضل العلم أحبّ إلى الله من فضل العبادة ...................................... 251
فعاده الحسين بن علي عليه السلام ، فلمَّا دخل من باب الدار طارت الحمّى ............. 285
فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثُمَّ نهانا عنهما عمر ................................. 335
فقال أصحاب العباء ......................................................... 100
فليس الله عرف من عرف بالتشبيه ذاته ........................................... 79
فما أدري يا إلهي أيّ الحالين أحقّ بالشكر لك .................................... 91
فيه والله ما يحتاج إليه ولد آدم من خلق الله آدم إلى أن تفنی الدنیا ................. 575
قصرت عن إدراكه أبصار الناظرين ، وعجزت عن توته أوهام الواصفين ............... 76
قم يا أبا تراب ، فكم ساكن أزعجته ........................................... 477
قيمة كل امرئٍ ما يحسنه ...................................................... 153
قيمة كلّ امرئ ما يحسنه ...................................................... 165
كان أبو خالد الكابلي يخدم محمّد بن الحنفية ................................... 463
كان أبي علي بن الحسين عليه السلام قَدْ اتخذ منزله.................................... 498
ص: 641
كان عمّنا العبَّاس بن علي نافذ البصيرة ......................................... 451
كذب ، هو : علي بن أبي طالب ............................................. 247
كذبت وكذب كعب الأحبار معك .............................................. 93
كلّ أمر ذي بال لا يُذكر بسم الله فيه ، فهو أبتر ................................. 65
كلّ حاكم يحكم بغير قولنا أهل البيت فهو طاغوت ............................. 232
كلّ كتاب لا يُبدأ فيه بذكر الله ، فهو أقطع ...................................... 65
كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق ......................................... 335
كوفان ، كوفان يرد أوَّلها على آخرها ، يحشر من ظهرها .......................... 502
لا بأس بأن تتلو الحائض والجنب القرآن ........................................ 178
لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة ............................................. 417
لا تخرج من الدنيا حَتَّى تحيي السنّة ............................................. 345
لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قال .......................................... 128
لا يقطع السارق حَتَّى يقرّ بالسرقة مرَّتین ........................................ 163
لولا أنَّ عمر نهى الناس عن المتعة ما زنى إلّا شقي ............................... 334
لولا نهي عمر عن المتعة ما زنى إلّا شفی ........................................ 341
ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ، ولكن الخير .................................. 157
ما أحسنَ منظَركِ ، وأطيبَ قَعْرَكِ ، اللهُمَّ اجعله قبري بها ......................... 503
ما استرذل الله عبداً إلا حظر عنه العلم والأدب ................................. 157
ما أنعم الله عزَّ وجلَّ على عبد من نعمة فعرفها بقلبه ............................... 86
ما عرفتني خائنة ولا كاذبة ..................................................... 478
ما في الميزان شيء أثقل من الصلاة على محمّد وآل محمّد ......................... 104
ما كان علم الَّذي عنده علم من الكتاب ....................................... 247
ما كانت المتعة إلّا رحمة رحم الله بها اُمَّة محمّد صلى الله عليه وآله .............................. 336
ما من مؤمن يموتُ في شرق الأرض وغربها إلّا وحشر الله روحه .................... 505
متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ......................................... 341
ص: 642
معرفة الإمام واجتناب الكبائر التي أوجب الله عليها النار .......................... 210
من اقتبس علماً من علم النجوم من حملة القرآن ازداد به إيماناً ..................... 199
من أنت؟ قال : أنا منجّم .................................................... 187
من تحاكم إليهم في حقٍّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت ........................ 230
مَنْ عسى أن يكونوا غيرنا ..................................................... 253
من كان آخر كلامه لا اله إلا الله فله الجنّة ........................................ 95
من کنت مولاه فعلي مولاه ، اللهُمَّ والِ مَنْ والاه وعادِ مَنْ عاداه .................. 474
من لم یشکر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عز وجل ............................ 56
نحن الراسخون في العلم ، ونحن نعلم تأويله ...................................... 220
ندع أبناءنا وأبناءكم .......................................................... 164
نزلت آية المتعة في كتاب الله ، ففعلناها مع رسول الله ............................ 337
نزلت في عليّ عليه السلام ، إنّه عالم هذه الاُمَّة بعد النبي صلى الله عليه وآله ......................... 247
نِعْمَ وزيرُ الإيمانِ العلمُ ، ونِعْمَ وزيرُ العِلمِ الحِلْمُ ................................... 156
نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن خصال .............................................. 187
هذه الأرض الدنيا والسماء الدنيا فوقها قُبَّة ..................................... 182
هم الأئمّة عليهم السلام خاصة ...................................................... 254
وارزقه داراً ، وولداً ، وزوجاً ، وخادماً ، والحجّ خمسين سنة ........................ 430
وما العلم بالله والعمل إلا إلفان مؤتلفان ........................................ 216
يا أمير المؤمنین ، لا تسر في هذه الساعة ........................................ 187
یا حفص! إني أمرت المعلَّی فخالفني فابتلى بالحديد .............................. 284
يا علي بن محمّد السيمري اسمع ، أعظم الله ..................................... 417
یا عمّ ، اتّق الله ولا تدَّعِ ما ليس لك بحقّ ....................................... 461
يرفع الله بهذا القرآن والعلم بتأويله .............................................. 225
يعلم شيئاً من قضايانا ........................................................ 233
يعني بالعلماء من صدق قوله فعله ............................................. 215
ص: 643
يكره أن يتزوّج الرجل أو يسافر إذا كان القمر في محاق الشهر ..................... 199
يكره أن يسافر الرجل أو يتزوّج في محاق الشهر................................... 199
ص: 644
أبا شُبَّرٍ أعني بهِ وشَبير ........................................................ 506
أجنْدلاً يحملْن أمْ حديدا....................................................... 135
أخو صلاحٍ دَمْعُهُ جاري ...................................................... 174
إذا اختلفَتْ أنواؤُها ورعودُها .................................................. 573
أقدِّمُ رجلاً لن تزلَّبها النَّعلُ ..................................................... 386
ألَّا يفوتَكَ فَضْلُ ذاكَ المغْرسِ .................................................. 160
الجنَّةُمستقرُّهُ واللهِ ............................................................. 309
القوافي وأقلى ما حَيِيتُ القوافيا ................................................ 389
إلى لقائِكَ جذبَ المُغرِمَ العاني ................................................. 384
أليّةً ألقى بها ربِّي ............................................................. 330
اُمَّة يحسبونَهُم للنَفادِ ......................................................... 513
إنْ أكثروا العَّذالُ أو سَفِهوا .................................................... 582
إنَّ التَّخَلُّقَ يأتي دُونَهُ الخَلْقُ .................................................... 132
إنَّ الَّذي ألزمْتَ لَيْسَ بِلازِمِ .................................................... 367
أنبئهُمُ أنّي على الميعادِ ........................................................ 269
أنفخةَ الصُّور لا بل نَفْثُ مصدورِ ............................................. 273
انكه خال قَدْ مش زبور افسر آمد ............................................. 544
إنّي أراكَ ضعيفَ العَقْلِ والدِّينِ ................................................. 161
أْوْدَى الهُمَامُ الأَطْهَرُ ........................................................... 48
بأرض شرق أو بغرب ........................................................ 618
بر كرد نجف كه سجد كاه ملك استجون ....................................... 560
بهِ بَلَغتُ الَّذي أرجوهُ من أملِ ................................................. 542
تبّاً لها مِنْ عُدَدِ الفضائِلِ ...................................................... 386
تُجَمُّ وعلّلْهُ بشيءٍ من المَزحِ ...................................................... 62
تدمَّرُ آياتِ الضَّلالِ ومَنْ يجبرْ ................................................. 304
تعجُّبي مِنّيَ يحديني ........................................................... 266
ص: 645
تهزُّ معاطِفَ اللَّفطِ الرَّشيقِ .................................................... 384
ثمانيةُ وأربعةُ سَواء............................................................. 462
جان فداي كلام دل جويت .................................................. 281
جهاراً فآمنّا وإنْ لم يدع أمنَّا ................................................... 295
جون مرة قيس كافري كشت .................................................. 523
خليلَيَّ كم جيلٍ قَدْ احتضَنَ الوادي ............................................ 509
ديارَ الحبيبِ بِعَينِ الشُّهودِ ..................................................... 506
زبهرقتل عدو ساخت ذوالفقار انگشت ......................................... 523
سهيلٍ أذاعَت غزلَها في الأقارِبِ ................................................ 502
سيفُهُ القاطِعُ في الحَرْبِ ....................................................... 330
شَرْطاً لإنْ أوْ غَيْرِهَا لَمْ يَنْجَعِلْ ................................................. 208
شَرَفُ النزيفِ بِبَرْدِ ماءِ الحَشْرَجِ ................................................ 244
طُرّاً لَصِرتَ صديقَ كلِّ العالَمِ .................................................. 367
طِعانٌ بأطراف القنا المتكسّرِ ................................................... 175
عاش كَدّاً في ظلال العَقْلِ ..................................................... 132
عسى تردُّ جواباً إذ تُناديها .................................................... 266
عصاً وعباً للهِ اُهدي تَقرُّبا ..................................................... 554
عِلمُ النبيينَ مِنْ نوحٍ إلى الخَلَفِ ................................................ 400
عَلَى الهُدى لِمَنِ استهْدَى أدلّاءُ ............................................... 152
عَلَى أيْدي الكَرِيْمِ فَلَا يردُّ ..................................................... 327
عن كُلِّ ماشِئتَ مِنَ الأمْرِ ..................................................... 174
غدا الفكر كليلا ............................................................... 78
فاحتطّ منها كل عالي المستمى ................................................ 136
فأرسَلَ الصّدغَ على خالِهِ ..................................................... 270
فاطلُب هُديتَ فنونَ العِلمِ والأدَبا .............................................. 159
ص: 646
فإنّ القولَ ما قالَتْ حَذامِ ..................................................... 182
فحيَّاكَ القريبُ مع البعيدِ ...................................................... 329
فراشَ عُلاً أرَّخْ (لقد فَرَشَ العرشا) ................................................ 21
فَقَدْ بانَ معروفٌ هناكَ وجُودُ .................................................. 574
فَلا وجدّك لا بَرُّوا ولا طَفَرُوا ................................................... 118
فَما ذكرُها عندي يُمِرُّ ولا يُحلِي ................................................. 482
فما كانَ مَهديّاً ولا كانَ هادياً ................................................. 497
قَدْ حَظى القَلْبِ مِنْ مُحَيّاكَ رَيّا ................................................. 326
قولٌ جرى بخلافِ دينِ مُحَمّدِ .................................................. 330
كرده در مغز عقل زير وزبر ................................................... 523
كَعَبْدِ عَبْدِي عَبْدَ عَبْدَا عَبْدِيَا .................................................. 251
گرچه با شد در نوشتن شيرشبر ............................................... 288
لا بالدُّلوفِ ولا بالعُجبِ والصَّلَفِ ............................................. 328
لأنْتَ لواءَ عِلمِكَ قَدْ رَفَعْتَا .................................................... 155
لعليٍّ مَن فِداهُ العالَمون ......................................................... 23
لكَ العِزُّ والإقبالُ والنَّصرُ غالِبُ ................................................ 278
للجودِ والمجدِ والمعروفِ والكَرَمِ ................................................. 264
للناظرين على قناة يرفعُ ....................................................... 611
لما مَثُلَ الدينُ شَخْصاً فقاما ................................................... 390
لمذهبهِ فما هُوَ من أبيه ........................................................ 361
لنا عِلمٌ وللأعداءِ مالُ ........................................................ 152
لهُ الرقابُ ودانَتْ خوفَهُ الأُمَمُ ................................................. 174
ليبلغ مَنْقرب إليه سلامُها ..................................................... 522
مَتى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نَئِيجُ ...................................................... 243
ص: 647
محمّدُ بنُ العلقميِّ الوزيرْ ...................................................... 382
مُحيي العلومِ فَعُدْتَ أطيبَ مَرْقَدِ ................................................ 400
معاني حُسنِهِم راحَهْ .......................................................... 269
مَلِيكَاً سَحابُ الفَضْلِ مِنْهُ تهامَلَتْ ............................................. 522
من الأسد الضاريَ إذ جاء مُقبِلا .............................................. 555
مِنْ بعدما في سويدِ القلبِ قَدْنزلوا .............................................. 277
مَنْ زارَ فَبرَكَ واستشفى لَدَيْكَ شُفِي ............................................ 536
مَنْ لَمْ يَكُنْ فيهِ عِلمٌ لَمْ يَكُنْ رَجُلا ............................................. 158
مِنْ مُؤمِنٍ أو مُنافقٍ قُبُلا ...................................................... 280
مَنْ مُحتفٍ يمشي ومن ناعِلِ .................................................... 605
نَشَطَتْ للعبادَةِ الأعضاءُ ...................................................... 364
هنيئاً لَكُمْ في الجنانِ الخلودُ .................................................... 505
هو صَرْحٌ من قواريرَ مُمَرَّدُ ...................................................... 539
هَيهاتَ يرضى وقد أغضبتُهُ زَمَنا ................................................ 386
وأجسادُهُمْ دونَ القُبورِ قُبورُ ................................................... 161
وارفعوا المجدَ بأطرافِ الأسَلْ ................................................... 143
واشرحِ الشّوقَ بهذا المعهَدِ ....................................................... 19
واقرّ السلام على عرب بذي سلم .............................................. 381
والبينُ في غمراتِ الوجدِ ألقاني ................................................. 268
وألفى قَوْلَهَا كَذِباً وَمِيْنا ........................................................ 133
وإنّما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي ........................................... 214
وإنّي لَاُجزّأ بالقليلِ عَنِ رَميمُ ................................................... 156
وتَسعَى لكي تحظى بِلَثْمِ تُرابِهِ .................................................. 521
ص: 648
وَجدْتُ العِلمَ من هاتيكَ أسنى ................................................ 154
وجسمي قاطِنٌ أرضَ العِراقِ ................................................... 267
وحالتي تقتضي الرحيلا ....................................................... 367
وحيلَةُ الفضلِ زادَتني لَدَى العَطَل ............................................... 158
وخُلّدِ اليومَ بأعلى الجنانْ ...................................................... 401
ورازق هذا الخَلق في العسر واليسر ............................................... 81
ورد الكتابُ بها وسنَّة أحمَدِ .................................................... 330
وزادَ في قلبي لهيفُ الضَّرامْ ..................................................... 387
وشرَّفَكِ الإلهُ بِمَن وطيكِ ...................................................... 304
وصاحِبُ العِلمِ محفوظٌ مِنَ التّلَفِ .............................................. 159
وَسَبَرِ الفتى لولا لقاء شَعوبِ ................................................... 137
وغالفلاً وسهامُ الدهر ترميهِ ................................................... 387
وفيكَ انطوى العالَمُ الأكبرُ ...................................................... 99
وكُنْ لَهُ طالِباً ما عِشْت مُقتَبسا ................................................ 160
ولا أنتَ قادِرٌ أن تُنيلا ........................................................ 366
ولاةُ الحقّ أربعةٌ سواءُ ......................................................... 462
ولكنَّني يعَن عِلْمِ مَا بَعده عَمِ .................................................. 138
ولَو وَلدتُه آباءٌ لِئامُ ........................................................... 161
وما الَّذي أوجَبَ لي البلوى ................................................... 270
ومَنْ فضلُهُ ينبو عن الحدِّ والحصرِ ............................................... 303
ونالني فَرْطُ التَّعَبْ ........................................................... 272
وَهَبَّ هُبوبَ الريحِ في البَرِّ والبَحرِ .............................................. 276
ويا حبّذا جُملٌ وإن صَرَمَتْ حيلي .............................................. 481
ويكثُرُ عندَ الاستلامِ ازدحامُها ......................................... 521 ، 522
يجاذِبُنا ثوبَ الحياةَ يطيبُ ..................................................... 269
ص: 649
يُخلِّفُ رِيْحَ المِسْكِ في كُلِّ مَوْضِعِ ............................................... 326
يزدادُ رَفْعُ الفتى قَدْراً بلا طَلَبِ ................................................. 159
يفوحُ لنا كالعَنْبَرِ المتنفَّسِ ...................................................... 520
يومٌ على آلِ الرسولِ عظيمُ .................................................... 424
ص: 650
إبراهيم الغمر .................................................................. 12
ابن الأبرش .................................................................. 133
ابن الجوزي ........................................... 397 ، 452 ، 495 ، 496
ابن السيد ................................................................... 301
ابن العشرة .................................................................. 317
ابن المعتز ............................................................ 174 ، 492
ابن المولى ......................................................... 38 ، 40 ، 44
ابن بابويه ........................................................... 345 ، 453
ابن جرير الطبري ....................................................... 94 ، 341
ابن جني .................................................................... 239
ابن سينا .................................................................... 157
ابن شهر آشوب ...................................... 118 ، 120 ، 357 ، 375
ابن عقيل ................................................................... 456
ابن فهد .................................................................... 421
ابن قتيبة ............................................................ 241 ، 474
ابن كثير ..................................................... 357 ، 396 ، 407
ابن مسعود .................................................................. 333
أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت ................................................. 403
أبو السمط ................................................................. 491
أبو الهندام .................................................................. 491
أبو جعفر عليه السلام .................................. 76 ، 93 ، 176 ، 253 ، 462
أبي بصير ................................ 42 ، 76 ، 172 ، 197 ، 253 ، 463
أبي حمزة ...................................................................... 77
أحمد الجوذري ............................................................... 121
أخطب خوارزم .............................................................. 119
أردشير بن بابك ............................................................... 62
ص: 651
أرسطا طاليس ....................................................... 401 ، 510
أسد الله ............................................... 12 ، 414 ، 513 ، 553
إسماعيل .......... 12 ، 32 ، 312 ، 350 ، 392 ، 401 ، 482 ، 517 ، 529
إسماعيل الديباج ............................................................... 12
الأدفوي .................................................................... 363
الأُدفُوي .................................................................... 363
الأديب النيسابوريّ ........................................................... 115
الأرموي .................................................................... 529
الأزهري ............................................................. 117 ، 333
الأشاعرة .............................................................. 69 ، 397
الأشكوري ...................................................... 44 ، 49 ، 350
الأصمعي ........................................................... 240 ، 241
الأندلسي ........................................................... 175 ، 363
الأوردبادي ................................................................... 16
الباقر ........................................ 246 ، 247 ، 344 ، 360 ، 401
البحراني ......... 46 ، 125 ، 301 ، 350 ، 353 ، 357 ، 405 ، 425 ، 428
البخاري .............................. 337 ، 359 ، 391 ، 407 ، 470 ، 576
البراقي .............................................................. 519 ، 532
البروجردي ...................................... 35 ، 36 ، 37 ، 39 ، 45 ، 47
البسطامي ................................................................... 513
البغوي ..................................................................... 407
البقراني الجرجاني ............................................................. 123
البلخي ....................................................... 43 ، 360 ، 400
البندر قدار .................................................................. 301
البهائي ..... 37 ، 38 ، 39 ، 45 ، 113 ، 166 ، 195 ، 196 ، 202 ، 211 ،
ص: 652
220 ، 224 ، 240 ، 261 ، 278 ، 291 ، 308 ، 311 ، 314 ، 319 ، 350 ، 405 ، 415 ، 435
الترمذي .................................................................... 337
التفتازاني .............. 107 ، 137 ، 139 ، 144 ، 145 ، 146 ، 222 ، 312
التهامي ..................................................................... 519
الثعلبي ...................................................... 332 ، 334 ، 549
الجاحظ ..................................................... 152 ، 474 ، 475
الجامعي .............................................................. 31 ، 264
الجبائي...................................................................... 403
الجزائري ......... 37 ، 113 ، 234 ، 308 ، 315 ، 350 ، 351 ، 403 ، 463
الجلالي ................................................................. 17 ، 29
الجواد عليه السلام .................................................. 286 ، 423 ، 440
الجوهري .............................................................. 99 ، 460
الحجّاج ..................................................................... 163
الحسن الشريعي .............................................................. 418
الحسن بن مهدي السليقي .................................................... 395
الحسن عليه السلام ... 181 ، 286 ، 289 ، 346 ، 461 ، 466 ، 467 ، 476 ، 477
الحسين بن روح .............................................................. 418
الحسيني عليه السلام 100 ، 164 ، 165 ، 186 ، 272 ، 289 ، 381 ، 442 ، 450 ، 451 ، 453 ، 455 ، 458 ، 459 ، 461 ، 462 ، 463 ، 464 ، 467 ، 477 ، 494 ، 499 ، 517 ، 518 ، 574 ، 575 ، 577 ، 578
الحكيم ......................... 57 ، 119 ، 151 ، 153 ، 210 ، 510 ، 521
الحلاج ..................................................................... 421
الحلي ............................................................ 41 ، 43 ، 47
الحموي .............................................. 117 ، 362 ، 390 ، 515
الخليلي ..................................................... 14 ، 27 ، 29 ، 32
الخوئي ................................................................. 34 ، 54
ص: 653
الخواجة رشيد الدين الشافعي .................................................. 355
الخوارزمي ................................................................... 474
الداماد ................................. 44 ، 229 ، 260 ، 274 ، 350 ، 421
الدامغاني ................................................................... 529
الديباجي ................................................................... 389
الذهبي .............................................................. 470 ، 537
الراوندي ............................................................ 124 ، 454
الربيعي ..................................................... 22 ، 28 ، 31 ، 48
الرضا 56 ، 79 ، 83 ، 90 ، 126 ، 210 ، 269 ، 274 ، 372 ، 428 ، 431 ، 432 ، 461 ، 568
الزمخشري ................. 62 ، 74 ، 132 ، 143 ، 144 ، 153 ، 221 ، 224
السجاد ..................................................................... 216
السرخسي .................................................................. 409
السلطان حسين بايقرا ........................................................ 513
السلطان حسين ميرزا ........................................................ 516
السلطان سليم ............................................... 308 ، 517 ، 519
السلطان سنجر ....................................................... 89 ، 513
السمرقندي ................................................................... 44
السويدي البغدادي .......................................................... 551
السيمري ............................................................ 286 ، 417
الشافعي 242 ، 310 ، 322 ، 355 ، 356 ، 397 ، 445 ، 452 ، 469 ، 496
الشريف الرضي .............................................................. 350
الشعبي ...................................................... 163 ، 279 ، 472
الشهيد الأول ........................................................ 310 ، 314
الشهيد الثاني 45 ، 114 ، 115 ، 126 ، 227 ، 259 ، 273 ، 292 ، 308 ، 310 ، 314 ، 316 ، 318 ، 319 ، 364
ص: 654
الشيخ الشريف .......................................................... 32 ، 34
الصادق 52 ، 68 ، 81 ، 86 ، 87 ، 100 ، 162 ، 209 ، 210 ، 215 ، 216 ، 220 ، 225 ، 229 ، 237 ، 246 ، 247 ، 251 ، 283 ، 284 ، 345 ، 346 ، 381 ، 432 ، 449 ، 451 ، 475 ، 476 ، 496 ، 499 ، 502 ، 528 ، 549
الصدوق 112 ، 113 ، 119 ، 122 ، 175 ، 186 ، 237 ، 350 ، 352 ، 395 ، 400 ، 406 ، 411 ، 440 ، 445 ، 446 ، 468 ، 476
الطباطبائي 15 ، 16 ، 35 ، 36 ، 37 ، 38 ، 39 ، 41 ، 42 ، 43 ، 45 ، 46 ، 47 ، 48 ، 52 ، 59
الطبرسي .......... 70 ، 84 ، 119 ، 122 ، 181 ، 208 ، 402 ، 417 ، 421
الطبري ............................... 118 ، 332 ، 334 ، 357 ، 362 ، 392
الطبي ....................................................................... 407
الطريحي ........................... 32 ، 40 ، 54 ، 177 ، 256 ، 361 ، 442
الطهراني .............................................. 6 ، 24 ، 47 ، 55 ، 521
الطوسي 32 ، 47 ، 54 ، 122 ، 122 ، 307 ، 350 ، 353 ، 368 ، 371 ، 377 ، 392 ، 393 ، 394 ، 397 ، 411 ، 417 ، 419 ، 424 ، 435 ، 536
العسكري ....... 65 ، 123 ، 420 ، 437 ، 440 ، 443 ، 490 ، 563 ، 574
العياشي ..................................................... 181 ، 401 ، 503
الغزالي .............................................................. 221 ، 357
الغضايري ................................................................... 438
الفاضل الصالح ............ 84 ، 96 ، 108 ، 140 ، 216 ، 221 ، 252 ، 256
الفاضل الهندي .............................................................. 363
الفرغاني .................................................................... 301
القاضي نظام الدين .................................................. 355 ، 357
القطب الراوندي ............................................................. 463
القندوزي ................................................................... 357
القوشجي ................................................................... 127
ص: 655
الكاظم ..................................................................... 425
الكرابيسي ........................................................... 469 ، 470
الكراجكي ................................................... 119 ، 120 ، 425
الكركي 36 ، 38 ، 39 ، 41 ، 44 ، 46 ، 126 ، 194 ، 293 ، 294 ، 312 ، 313 ، 314 ، 317 ، 328
الكليني 68 ، 259 ، 260 ، 281 ، 345 ، 350 ، 389 ، 424 ، 425 ، 426 ، 435 ، 436 ، 438 ، 442 ، 461 ، 494 ، 506
الكوچسفهاني ............................................................... 350
الكيدري السبزواري .......................................................... 116
اللكهنوي ................................................................... 519
الماحوزي .................................................. 40 ، 42 ، 46 ، 422
المازندراني ...................................... 84 ، 108 ، 140 ، 350 ، 381
المازني ...................................................................... 117
المأمون ................................................ 79 ، 274 ، 341 ، 364
المجسطي ............................................................ 202 ، 205
المجسَّمة ...................................................................... 78
المجلسي 113 ، 122 ، 124 ، 126 ، 197 ، 229 ، 290 ، 322 ، 349 ، 392 ، 393 ، 405 ، 416 ، 435 ، 441 ، 493
المرتضى 112 ، 114 ، 115 ، 177 ، 183 ، 191 ، 269 ، 280 ، 329 ، 331 ، 350 ، 368 ، 369 ، 393 ، 395 ، 403 ، 411 ، 414 ، 447 ، 449 ، 469 ، 485
المرعشي .................................................... 14 ، 15 ، 16 ، 18
المسعودي ................................................................... 394
المشهدي ................................................................... 527
المظفر ................................................................ 38 ، 366
المغيرة ....................................................... 433 ، 495 ، 496
المفيد 114 ، 183 ، 221 ، 259 ، 286 ، 291 ، 304 ، 331 ، 344 ، 345 ، 350 ، 390 ، 394 ، 395 ،
ص: 656
403 ، 410 ، 411 ، 412 ، 421 ، 422 ، 423 ، 440 ، 450 ، 452 ، 453 ، 529
الملا باشي .................................................................. 551
المهدي ...................................................... 416 ، 492 ، 505
الميلاني ....................................................................... 54
النبي 35 ، 36 ، 37 ، 43 ، 65 ، 86 ، 100 ، 104 ، 126 ، 156 ، 171 ، 185 ، 210 ، 247 ، 257 ، 258 ، 261 ، 269 ، 289 ، 302 ، 303 ، 311 ، 343 ، 358 ، 359 ، 390 ، 400 ، 403 ، 406 ، 443 ، 450 ، 451 ، 475 ، 477 ، 478
النجاشي 125 ، 227 ، 228 ، 388 ، 402 ، 410 ، 421 ، 422 ، 423 ، 424 ، 426 ، 427 ، 428 ، 431 ، 432 ، 433 ، 434 ، 436 ، 437 ، 438 ، 439 ، 440 ، 442 ، 443 ، 542
النوري ......................................... 14 ، 348 ، 416 ، 458 ، 521
الهادي ............................... 269 ، 420 ، 428 ، 439 ، 487 ، 507
اليافعي ..................................................................... 411
اليزدي .............................................. 14 ، 16 ، 22 ، 48 ، 264
أم كلثوم ............................................................ 459 ، 467
إمام الشيعة معين الدين ....................................................... 389
أمير المؤمنين 16 ، 22 ، 23 ، 33 ، 34 ، 37 ، 61 ، 93 ، 100 ، 115 ، 118 ، 119 ، 128 ، 151 ، 186 ، 187 ، 188 ، 210 ، 232 ، 247 ، 278 ، 279 ، 280 ، 285 ، 287 ، 289 ، 321 ، 325 ، 340 ، 357 ، 366 ، 367 ، 378 ، 395 ، 397 ، 415 ، 450 ، 452 ، 454 ، 457 ، 458 ، 461 ، 465 ، 466 ، 467 ، 469 ، 493 ، 494 ، 496 ، 498 ، 499 ، 502 ، 503 ، 504 ، 506 ، 509 ، 513 ، 518 ، 520 ، 521 ، 528
بحر العلوم 1 ، 12 ، 13 ، 14 ، 15 ، 16 ، 17 ، 18 ، 19 ، 21 ، 22 ، 23 ، 24 ، 25 ، 26 ، 27 ، 28 ، 29 ، 30 ، 31 ، 32 ، 33 ، 34 ، 35 ، 36 ، 37 ، 38 ، 41 ، 42 ، 43 ، 45 ، 47 ، 48 ، 51 ، 52 ، 53 ، 54 ، 55 ، 57 ، 122 ، 126 ، 228 ، 319 ، 360 ، 380 ، 396 ، 412 ، 422 ، 428 ، 440 ، 460 ، 479 ، 503 ، 519 ، 520 ، 552 ، 563
بدر الدين ........................................................... 380 ، 381
ص: 657
بدر بن خليل الأسدي ....................................................... 503
بر كيارق ..................................................................... 91
برهان الدين المالكي .......................................................... 322
بزرك الطهراني ................................ 17 ، 26 ، 49 ، 51 ، 360 ، 521
بن شاذان ................................................... 119 ، 123 ، 285
بن طاووس .................................................................. 118
بن عساكر .................................................................. 363
بن قولويه ........................................................... 115 ، 423
تغلب ...................................................................... 100
تيمور كور .................................................................. 324
ثابت بن قرّة ................................................................ 163
جعدة بن هبيرة .............................................................. 495
جعفر النقدي ............................................................... 553
جعفر بن محمّد بن قولويه ............................................. 259 ، 411
جعفر محبوبة ................................................ 17 ، 26 ، 28 ، 51
جعفر عليه السلام 93 ، 115 ، 176 ، 177 ، 199 ، 237 ، 253 ، 282 ، 345 ، 346 ، 411 ، 431 ، 432 ، 433 ، 434 ، 454 ، 463 ، 498 ، 575
حسان بن جراح ............................................................. 519
حسن الحكيم ................................................................. 31
حسين آل بحر العلوم ................................................... 47 ، 399
حسين الرفيعي ................................................................ 33
حسين بن شدقم ............................................................ 308
حماد بن عيسى .............................................................. 259
حيدر الآملي ........................................................ 119 ، 347
خواجة خيران ............................................................... 513
ص: 658
داود بن حصين ............................................................. 236
دبيران ...................................................................... 353
رسول الله 65 ، 100 ، 101 ، 102 ، 104 ، 155 ، 164 ، 166 ، 186 ، 210 ، 231 ، 238 ، 249 ، 251 ، 281 ، 289 ، 334 ، 335 ، 336 ، 337 ، 339 ، 341 ، 344 ، 345 ، 346 ، 350 ، 354 ، 384 ، 392 ، 407 ، 446 ، 450 ، 455 ، 461 ، 463 ، 465 ، 466 ، 468 ، 472 ، 473 ، 474 ، 475 ، 476 ، 477 ، 479 ، 489 ، 502
زرارة .......................................................... 93 ، 172 ، 237
زين الدين علي .............................................................. 366
زين العابدين ......................................................... 496 ، 498
زينب ........................................ 450 ، 455 ، 458 ، 459 ، 467
سعد بن عبد الله ............................................................ 527
سفيان الثوري ........................................................ 155 ، 473
سلجوق ...................................................................... 91
سلطان حسين .............................................................. 360
سلمان الفارسي ............................................................... 61
سليمان الماحوزي ............................................................ 118
سليمان بن يحيى ............................................................. 491
سهل بن زياد ......................... 435 ، 436 ، 437 ، 438 ، 440 ، 441
سيف الدين برقوق ........................................................... 323
شاذان بن جبرئيل ............................................ 123 ، 259 ، 392
شمس الدين بن طولون ........................................................ 302
صاحب الجواهر .......................................... 21 ، 38 ، 312 ، 404
طغرل بيك ................................................................... 91
طهماسب ............................................. 38 ، 126 ، 313 ، 314
عباس .................................................................. 38 ، 44
ص: 659
عبد الباقي العمري ........................................................... 553
عبد الحسين الطهراني ......................................................... 350
عبد الستار الحسني ........................................................... 424
عبد العالي الميسي .................................................... 310 ، 311
عبد القادر الجيلاني .......................................................... 518
عبد الكريم بن طاووس ....................................................... 121
عبد الله الأفندي ............................................................. 121
عبد الله الحسيني ....................................................... 40 ، 124
عبد الله بن ميمون .................................... 259 ، 433 ، 435 ، 442
عبد الله بن يزيد القسري ...................................................... 495
عبد الملك بن جريج .................................................. 330 ، 331
عثمان بن عفان ....................................................... 94 ، 491
عدنان ابن الرضي ............................................................ 408
عروة بن الزبير ............................................................... 468
علم الهدى .......................................................... 112 ، 191
علي الحائري .................................................................. 40
علي الحفيد .......................................................... 270 ، 307
علي بحر العلوم .................................................. 41 ، 53 ، 563
علي بن أحمد الفنجكرديّ .................................................... 116
علي بن الحسين 39 ، 41 ، 112 ، 115 ، 119 ، 186 ، 273 ، 274 ، 285 ، 288 ، 312 ، 321 ، 411 ، 461 ، 462 ، 463 ، 498 ، 569 ، 574 ، 575
علي بن دقماق .............................................................. 317
علي بن طاووس ..................................................... 120 ، 350
علي بن عبيد ................................................................ 174
علي بن مؤيد ........................................................ 323 ، 324
ص: 660
علي نور الدين الكبير ................................................. 263 ، 273
علي عليه السلام 65 ، 94 ، 99 ، 100 ، 156 ، 198 ، 281 ، 285 ، 289 ، 314 ، 361 ، 362 ، 468 ، 469 ، 473 ، 477 ، 501 ، 521 ، 576
عمر بن الخطاب ..................................................... 465 ، 466
عمر بن عبد العزيز ..................................................... 62 ، 214
عمر بن علي ........................................................ 353 ، 467
عيسى 36 ، 115 ، 163 ، 226 ، 408 ، 430 ، 431 ، 433 ، 437 ، 439 ، 440 ، 441 ، 442 ، 443 ، 503 ، 527
غازان خان .................................................................. 354
فارس حسون ........................................................... 22 ، 48
فاطمة 100 ، 124 ، 318 ، 446 ، 450 ، 451 ، 457 ، 465 ، 468 ، 475 ، 476 ، 477 ، 478 ، 495 ، 575 ، 578
فاطمة الزهراء ........................................................ 450 ، 465
فاطمة بنت الحسين .......................................................... 575
فتح الموصلي ................................................................ 155
فخار بن معد ............................................................... 259
فخر الدين ..................... 40 ، 112 ، 204 ، 239 ، 347 ، 349 ، 354
فيض الله التفريشي ........................................................... 274
كعب الأحبار ................................................................ 93
كمال الدين بن البوقي ....................................................... 380
مؤيد الدين .......................................................... 157 ، 380
كجد الدين بن طاووس ...................................................... 366
محمّد باقر آل بحر ............................................................. 59
محمّد بن بحر الشيباني ........................................................ 100
محمّد بن بشر السوسنجردي .................................................. 402
ص: 661
محمّد عبَّاس بن علي أكبر الموسوي الجزائري ..................................... 519
محمود بن فتح الله ............................................................. 39
مرة بن قيس ................................................................. 521
مسلم 104 ، 176 ، 333 ، 335 ، 336 ، 339 ، 359 ، 388 ، 407 ، 456 ، 463
معصوم ..................................................................... 539
مفلح الصيمري .............................................................. 118
موسى 51 ، 87 ، 112 ، 115 ، 118 ، 282 ، 357 ، 368 ، 409 ، 423 ، 432 ، 447 ، 460 ، 481 ، 496 ، 503 ، 574
ميرزا بايقرا ........................................... 360 ، 513 ، 516 ، 517
ميكائيل ...................................................................... 91
ناصر الدين ................................................................. 552
نجم الدين ............................................. 41 ، 317 ، 353 ، 377
نصر بن مالك الخزاعي ....................................................... 492
نصير الدين الطوسي .................................................. 127 ، 405
نكلة ....................................................................... 366
هارون الرشيد ........................................................ 161 ، 479
هاشم بحر العلوم .................................................. 27 ، 29 ، 31
هشام بن الحكم ....................................................... 68 ، 404
هولاكو ..................................................................... 380
ياقوت .............................................................. 362 ، 515
يحيى البحراني ................................................................ 314
يوسف البحراني ........................................................ 40 ، 125
ص: 662
مقدمة المركز .................................................................... 5
مقدّمة التحقيق ................................................................ 11
ترجمة المؤلّف رحمه الله : ......................................................... 12
نسبه : .................................................................... 12
ولادته ونشأته : ............................................................ 13
أساتذته : ................................................................. 13
مشايخه في الرواية : ......................................................... 14
المجازون منه : .............................................................. 15
قالوا فيه : ................................................................. 17
حجُّه وما قيل فيه : ......................................................... 19
من شعره : ................................................................ 21
مؤلَّفاته : .................................................................. 21
طبعاته : ................................................................... 22
مستنسخاته : .............................................................. 24
مكتبته : .................................................................. 25
قالوا عنها : ................................................................ 26
تاريخ المكتبة : ............................................................. 29
فهرس لبعض مخطوطاتها : ................................................... 35
وفاته وموضع دفنه : ........................................................ 48
رثاؤه : .................................................................... 48
مصادر ترجمته : ............................................................ 48
حول الكتاب : ............................................................ 49
ص: 663
اسمه : ..................................................................... 49
موضوعه : ................................................................. 50
قالوا في الثناء عليه : ........................................................ 51
طبعاته : ................................................................... 52
أنا والكتاب : .............................................................. 53
النسخة المعتمدة : .......................................................... 55
منهج التحقيق : ............................................................ 56
شكر وعرفان : ................................................................ 57
[مقدمة المؤلِّف رحمه الله] ........................................................... 59
حديثالبسملة والحمدلة ...................................................... 65
الظرف اللّغو والمستقر ....................................................... 66
إضافة الاسم إلى الله ........................................................ 67
عدم اتحاد الاسم والمسمّى ................................................... 67
أقسام العبادة في خبر هشام................................................... 68
بيان في كلمة إله ............................................................ 68
البسملة في أوائل السور ...................................................... 71
الحمد والمدح والشكر ....................................................... 72
أقسام أل التعريف .......................................................... 73
عدم إمكان العلم بكنه ذاته .................................................. 75
النهي عن التكلُّم في الذات................................................... 76
الرد على المجسَّمة والمشبِّهة ................................................... 78
النعمة ووجوب شكر المنعم .................................................. 79
الفرق بين القديم والأزلي ..................................................... 83
ص: 664
(سبحان) مصدر تنزيلي ..................................................... 84
في مرحلة الشكر ............................................................ 85
قصة السلطان سنجر ........................................................ 89
حكاية ككعب الأحبار ...................................................... 92
[في أحوال كعب الأحبار] ................................................... 93
[ في معنى الاستقالة] ....................................................... 94
[في معنى الخطأ والخطل] .................................................... 94
[في معنى الشهادة لله عزَّ وجلَّ] .............................................. 95
[في معنى الخيبة والآمال والقدير] ............................................. 96
[في معنى الشهادة للنبي محمّد] ............................................... 96
الفرق بين النبي والرسول ..................................................... 97
العالمين جمع ................................................................ 98
[في معنى الصلاة] .......................................................... 99
معاني العترة ................................................................ 99
الصلاة عليهم سبب لمزيد قربهم عليهم السلام ................................. 102
[في معنى العدّة] .......................................................... 103
حالات قبل وبعد ......................................................... 104
[في شرح بعض عبارات المقدِّمة] ............................................ 106
تخصيص المسند إليهي بالمسند .............................................. 107
كلمة (فلعمري) .......................................................... 108
[في شرح بعض عبارات المقدِّمة أيضا] ....................................... 108
كم الخبرية ومميزها ......................................................... 110
براعة الاستهلال .......................................................... 111
ص: 665
كشف الحجب عن بعض الكتب ........................................... 115
[في شرح بعض عبارات المقدِّمة أيضاً] ....................................... 128
الإيجاز والإطناب والمساواة ................................................. 130
قصة الزبّاء ............................................................... 133
الكلام على بيت للمتنبي ................................................... 136
تقديم المسند إليه .......................................................... 138
تحقيق لفظ الهداية ......................................................... 141
تحقيق لفظ المقدِّمة ........................................................ 142
[بيان زيادة شرف علم الفقه على غيره] ..................................... 147
[في بيان فضيلة العلم] ..................................................... 148
آية : ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ ...﴾ ........................................ 150
ما ورد في العلم نظماً ونثراً ................................................. 152
[وما قيل فيه نظماً أيضاً] .................................................. 157
[حكايات في بيان رفعة المتعلِّم] ............................................ 162
أبو يوسف مع الفقهاء في حكم السارق ..................................... 162
مسألة استبراء الرَّحم ....................................................... 163
حديث ثابت بن قرّة ...................................................... 163
[الحسن والحسين عليهما السلام من ذرية الرسول صلى الله عليه وآله .............................. 164
[في كرم الإمام الحسين عليه السلام] .............................................. 165
[في مورد ذكر كلمة فصل] ................................................. 166
آية : ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ ........................................ 166
الإعراب ................................................................. 168
في فضل الكتابة .......................................................... 172
فضل القلم على السيف ................................................... 174
ص: 666
فائدة جليلة .............................................................. 176
آية : ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ...﴾ ................................. 179
السموات والأفلاك على رأي أهل الهيئة ...................................... 180
مسألة التنجيم ............................................................ 186
[في جملة من الأخبار المصرحة بالنهي عن تصديق المنجمين] ................... 186
[الأخبار الدالة على صحَّة علم النجوم] ..................................... 197
كرويّة الأرض ............................................................ 204
آية : ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ...﴾............................................ 207
آية : ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ ...﴾ ..................................... 213
آية : ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾.................................. 215
آية : ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ ...﴾............................................ 219
آية : ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ...﴾ ....................................... 220
[تفسير المحكم والمتشابه] ................................................... 222
حجِّية ظواهر الكتاب ..................................................... 223
[داود بن الحصين] ........................................................ 228
[عمر بن حنظلة] ......................................................... 230
[رواية ابن حنظلة بتمامها] ................................................. 231
ما يستفاد منها من الأحكام ............................................... 233
مجيء الباء للتبعيض ....................................................... 240
هلّا كان القرآن كلّه محكما ................................................. 244
آية : ﴿قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا ...﴾ .......................................... 245
آية : ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ...﴾ ......................................... 249
آية : ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ .............................................. 251
ص: 667
آية : ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ ...﴾........................................... 253
آية : ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ...﴾ ................................... 255
معنى السُنّة والطريقة ....................................................... 257
وجوه الرواية .............................................................. 258
فيما تعرف به العدالة ...................................................... 260
ترجمة صاحب المعالم ...................................................... 263
السيّد علي نور الدين الكبير ................................................ 274
السيّد علي نور الدين الصغير ............................................... 275
الشيخ حسين والد البهائي.................................................. 279
حضور علي عليه السلام عند المحتضر ............................................. 281
الجسد المثالي ............................................................. 289
التناسخ الباطل ........................................................... 292
بقية ترجمة والد البهائي ..................................................... 293
الشهيد الثاني ............................................................. 296
المحقِّق الكركي ............................................................ 311
ابن المؤذّن الجزّيني ......................................................... 317
ابن العشرة ............................................................... 318
[أولاد الشهيد الأول رحمه الله] ................................................. 319
الشهيد الأول ............................................................. 320
سبب قتله ................................................................ 323
سيف الدين برقوق ........................................................ 324
كتابة الملك علي بن مؤيد إلى الشهيد الأول ................................. 324
[أشعاره رحمه الله] ............................................................. 328
مسألة المتعة .............................................................. 331
ص: 668
فخر الدين ابن العلّامة .................................................... 348
الرؤيا المنقولة في محبوب القلوب ............................................. 350
وضوء السلطان خدابنده ................................................... 352
العلامة الحلِّي ............................................................. 355
تشيُّع السلطان خدابنده ................................................... 356
صلاة على طريقة أبي حنيفة ................................................ 357
مناظر العلّامة وقاضي القضاة .............................................. 359
كثرة مؤلّفات العلّامة ...................................................... 363
ما في أول (كشف اللِّثام) .................................................. 365
والد العلامة .............................................................. 368
حضوره بين يدي هولاكو .................................................. 368
مسألة إحلال الأمّة المشتركة ................................................ 371
المحقِّق الحلِّي .............................................................. 379
[أشهر تلامذته] .......................................................... 380
اشتهار النهر العلقمي باسمه ................................................ 383
السيِّد فخار بن مَعَدّ ...................................................... 389
من كتب في إيمان أبي طالب ............................................... 390
إثبات إيمانه من كتب العامّة ................................................ 392
شاذان بن جبرئيل ......................................................... 394
عماد الدين الطبري ....................................................... 394
الشيخ حسن بن محمد الطوسي ............................................. 395
والده الشيخ الطوسي ...................................................... 396
مرقدُ بَحرِ العلوم بجنب مرقدهِ ................................................ 400
ص: 669
القول بالوعيد ............................................................ 402
الفتاوى الغربية من بعض فقهائنا ............................................ 404
سبب مهاجرة الشيخ من بغداد ............................................. 409
الشيخ المفيد .............................................................. 412
الرؤية في الغيبة الكبرى ..................................................... 414
المدَّعون المشاهدة مع النيابة ................................................ 420
الحلّاج وما قيل فيه ........................................................ 422
رجع إلى ترجمة الشيخ المفيد ................................................ 424
ابن قولويه ................................................................ 424
محمّد بن يعقوب الكليني ................................................... 425
علي بن إبراهيم ........................................................... 429
أبوه إبراهيم ............................................................... 430
حمّاد بن عيسى ........................................................... 432
التنبيه على أمرين .......................................................... 433
عبد الله بن ميمون ........................................................ 434
[حيلولة] ................................................................. 436
محمّد بن الحسن الصفّار ................................................... 437
ابن الوليد ................................................................ 437
عَلّان الكليني ............................................................. 438
سهل بن زياد ............................................................. 438
رجال الشيخ الطوسي بعد فهرسته ........................................... 441
ما يدل على وثاقة الراوي .................................................. 442
جعفر بن محمّد الأشعري ................................................... 443
محمّد بن يحيى العطّار ...................................................... 444
ص: 670
أحمد بن محمّد بن عيسى ................................................... 444
المقام الأول : في أمير المؤمنين عليه السلام ......................................... 447
[أحوال والديه عليه وعليهما السلام] .............................................. 448
[كُناه وألقابه وفضله عليه السلام] ................................................ 449
تخصيصه بتكرُّم الوجه ...................................................... 450
الجفر والجامعة من مؤلّفاته عليه السلام ............................................ 450
وفاته عليه السلام بالكوفة ........................................................ 451
عدد أولاده وبناته ......................................................... 452
الزينبية في خارج الشام ..................................................... 460
الكيسانيّة ومحمّد ابن الحنفيّة ................................................ 461
تزوّج عمر باُمَ كلثوم ....................................................... 467
رواية أبي هريرة الطعن على الإمام علي عليه السلام ................................. 470
ترجمة الكرابيسي .......................................................... 471
ترجمة أبي هريرة ............................................................ 472
قصيدة مروان شاعر الرشيد [والردّ عليها] .................................... 481
ترجمة مروان المذكور ........................................................ 493
مرقد الإمام علي عليه السلام في النَّجف ...................................... 495
[مقام الإمام زين العابدين عليه السلام] ........................................... 500
ما ورد في فضل النَّجف .................................................... 501
حديث اليماني ........................................................... 507
وادي السلام مدفن النَّجف ................................................ 507
زيارة قبور المؤمنين ......................................................... 511
ص: 671
بقاء النفس بعد الموت ..................................................... 513
المرقد الَّذي في بلخ ........................................................ 515
السلطان حسين ميرزا ...................................................... 518
ابنه ميرزا بايقرا ............................................................ 519
كمال الدين حسين الكاشفي .............................................. 519
سليمان خان العثماني ..................................................... 520
حديث مُرَّة بن قيس ....................................................... 522
زيارة الملوك وآثارهم في النَّجف .............................................. 526
داود العبَّاسي ............................................................. 527
[هارون الرشيد] ............................................................ 53
الداعي الصغير مُحمّد بن زيد ................................................ 531
السيد أبو علي عمر ....................................................... 533
السلطان عضد الدولة الديلمي ............................................. 534
شرف الدولة ............................................................. 536
جلال الدولة البويهي ...................................................... 536
ابن الحجَّاج الشاعر ....................................................... 536
المستنصر العبَّاسي وما يتعلَّق بداخل الروضة المقدِّسة ........................... 538
مشير السلطنة الشيرازي .................................................... 540
العاضد الخليفة الفاطمي ................................................... 540
[أروقة الحرم المقدَّس] ...................................................... 540
طلائع بن رُزّيك .......................................................... 541
الشاه إسماعيل الصفوي .................................................... 542
الشاه صفي الصفوي ...................................................... 543
الأمير طاشتكين .......................................................... 544
ص: 672
الوزير المغربي .............................................................. 544
الشيخ حسن نويان ........................................................ 545
الشريف أحمد بن رميثة .................................................... 545
ملك أرا القاجاري ........................................................ 546
السلطان نادر شاه ........................................................ 546
ناصر الدين شاه القاجاري ................................................. 554
أحمد شاه القاجاري ....................................................... 555
[قصة الأسد الَّذي لاذ بالحرم المطهّر] ....................................... 555
عبد الباقي العمري ........................................................ 555
قبور بعض الملوك قرب الحرم ................................................ 557
الوزير أبو المعالي ابن حديد ................................................. 559
ابن سهلان .............................................................. 559
التكية البكتاشية .......................................................... 559
سور النَّجف الحالي ........................................................ 560
الغارات الوهابية على النَّجف ............................................... 561
نهر التاجيَّة ............................................................... 563
حارث بن عمرو .......................................................... 564
قُبَّة الشنبق ............................................................... 564
الشاه طهماسب الصفوي .................................................. 564
نهر آصف الدولة الهندي ................................................... 565
نهر الشيخ صاحب الجواهر في النَّجف ....................................... 565
نهر السيِّد أسد الله ........................................................ 565
نهرالحيدرية ................................................................ 566
ص: 673
حصار النَّجف على عهد الأنكليز .......................................... 566
المقام الثاني : في الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ................................... 569
صلحه عليه السلام مع معاوية .................................................... 570
فصل في أولاده عليه السلام : .................................................... 572
[في أحوال زيد ابن الإمام الحسن عليه السلام] ..................................... 574
[في أحوال الشاه عبد العظيم الحسني عليه السلام] .................................. 577
[في أحوال الحسن ابن الإمام الحسن عليه السلام] .................................. 578
الشيخ عبد القادر الكيلاني ................................................. 581
[نسب مؤلّف الكتاب رحمه الله] ................................................ 582
[في أحوال بعض أجداد المؤلّف رحمه الله] ........................................ 582
القاسم ابن الإمام الحسن عليه السلام ............................................. 585
المقام الثالث : في الإمام الحسين عليه السلام ....................................... 587
تحديد الحائر الحسيني ...................................................... 588
مشهد ابن حمزة ........................................................... 597
مشهد الحرّ الرِّياحي ....................................................... 598
تذهيب القُبَّة الحسينيّة ..................................................... 600
فصل : [فيمن فاز بحسن الجوار مع الأعلام] ................................. 601
الرضي والمرتضى ووالدهما ................................................... 601
مجد الملك البراوستاني ...................................................... 602
النظام شاهيّة ............................................................. 602
ميرزا أقاسي الصدر ........................................................ 603
السلطان مظفَّر الدين شاه القاجاري ........................................ 603
ص: 674
السلطان محمّد علي شاه القاجاري .......................................... 604
السلطان أحمد شاه القاجاري ............................................... 604
ابن فهد الحلِّي ............................................................ 604
فصل : في ذكر أولاده عليه السلام ................................................ 605
تنبيهات ................................................................. 607
علي بن الحسين عليه السلام المقتول .............................................. 607
رأس الإمام الحسين عليه السلام وما قيل فيه ........................................ 610
رأس الإمام الحسين عليه السلام في النَّجف ........................................ 615
مسجد الحنَّانة ............................................................ 618
الإمام الحسين عليه السلام أوّل سياسي في العالم ................................... 622
الآيات القرآنية .............................................................. 631
الأحاديث .................................................................. 637
الأشعار .................................................................... 645
الأعلام ..................................................................... 651
المحتويات 663
ص: 675
اسم الکتاب: تحفة العالم في شرح خطبة المعالم (المجلد الثانی)
المؤلف: آیة الله السید جعفر بحرالعلوم قدس سره
تحقیق: أحمد علي مجید الحلي
الطبعة: الاولی ، 1433 ﻫ-ق
حقوق الطبه المحفوظة
مرکز تراث السید بحرالعلوم قدس سره
العراق - النجف الأشرف - حی الغدیر
خلف فندق النجف السیاحي
نقال: 33367534 - 0964 / 7808726339 - 00964
الموقع: www.bahrululoom.org
طبع علی مطابع
شرکة الاعلم للمطبوعات
بیروت - طریق المطار - قرب سنتر زعرور
هاتف: 450426 / 01 - فاکس: 450427 / 01
Published by Aalami Est.
Beirut Airport Road
Tel: 01/45026 --- Fax: 01/450427
فرع الثانی: العراق - کربلاء المقدسة - شارع السدرة - موبایل: 07801561980
ص: 1
مرکز تراث السید بحرالعلوم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم
تألیف: آیة الله السید جعفر بحرالعلوم
(1289-1377)
تحقیق
أحمد علي مجید الحلي
المجلد الثاني
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 3
ص: 4
قال ابن خَلّكان : (هو أحد الأئمّة الاثني عشر ، وكان من سادات التابعين).
قال الزهري : (ما رأيت قرشياً أفضل منه ، إلى أن قال : وكان يقال لزين العابدین : ابن الخيرتين ؛ لقوله صلى الله عليه وآله : «لله تعالى من عباده خیرتان : فخيرته من العرب قريش ، ومن العجم فارس») ، انتهى (1).
وقال في الصواعق : (وزين العابدين هذا : هو الَّذي خلف أباه علماً وزهداً وعبادة ، وكان إذا توضّأ للصلاة أصفرّ لونه ، فقيل له في ذلك؟ فقال : ألا تدرون بین يدي من أقف.
قال : وحُكي أنه كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة) ، انتهى (2).
وفي ربيع الأبرار للزمخشري : (أنه عليه السلام لمّا غسّلوه وجدوا على ظهره مجلاً (3) ؛ ممَّا كان يستقي لضعفة جيرانه في الليل ، وممّا كان يحمل إلى بيوت المساكين في جرب الطعام) ، انتهى (4).
وقال الجاحظ في رسالته التي في فضائل بني هاشم : (لم أجد أحداً يتماری في تفضيله ويشك في تقديمه) (5).
ص: 5
[وقال ابن عنبة :] (1) (وفضائله أكثر من أن تحصى أو يحيط بها الوصف) (2).
وذكر أبو نعيم : (أنه لمّا حجّ هشام بن عبد الملك في حياة أبيه ، أو الوليد ، لم يمكنه أن يصل إلى الحجر من الزحام ، فنُصب له منبر إلى جانب زمزم ، وجلس ينظر إلى الناس ، وحوله جماعة من أعيان أهل الشام ، فبينما هو كذلك إذ أقبل زین العابدين ، فلمَّا انتهى إلى الحجر تنحَّى له الناس حَتَّى استلمه. فقال أهل الشام لهشام : من هذا؟ قال : لا أعرفه - مخافة أن يرغب أهل الشام في زین العابدین -.
فقال الفرزدق : أنا أعرفه ، ثُمَّ أنشد :
هذا الَّذي تعرفُ البطحاءُ وطأتُهُ *** والبيتُ يعرفُهُ والحِلُّ والحَرَمُ
هذا ابنُ خيرِ عبادِ اللهِ كُلِّهِمُ *** هذا التقيُّ النقيُّ الطاهرُ العلَمُ
إذا رأتهُ قريشٌ قال قائِلُهُمْ *** إلى مكارِمِ هذا ينتهي الكَرَمُ
يُنمي إلى ذِروَةِ العزِّ التي قَصُرَتْ *** عن نيلِها عَرَبُ الإسلامِ والعَجَمُ
إلى أن قال :
هذا ابنُ فاطمةٍ إن كُنتَ جاهِلَهُ *** بِجَدِّهِ أنبياءُ اللهِ قَدْ خُتِمُوا
فَلَيْسَ قولُكَ مَنْ هذا بِضائِرِهِ *** العُربُ تَعرِفُ مَنْ أنكَرتَ والعَجَمُ (3)
والقصيدة مشهورة ، ذكر منها ابن الأثير في النهاية ، في (ج. ن. ه-) بيتاً ، وأشار إليها ، وقال : (إنها من شعر الفرزدق في علي بن الحسين ، زین العابدين) (4).
ص: 6
وذكرها الجنابذي ، وابن الشافعي ، وابن حجر (1).
ومع ذلك : فمن الغريب ما عن ابن بكَّار في الموفَّقيات أنَّها للحزين اللَّيثي في بني اُميَّة (2) ، وغلّطه في ذلك وأنكر عليه ابن عبد البرّ ، وقال : (إنه لا يصح) (3).
والزبيرُ هذا من أشدّ الناس عداوة لله ولأوليائه. وإنَّما صنّف الموفَّقيات تقرباً إلى الموفَّق العبَّاسي : وهو معروف بالعداوة الشديدة لأهل البيت عليهم السلام.
ووُلد في الخامس من شعبان في المدينة المنورة سنة 38 ﻫ، وقُبض فيها سنة 95 ﻫ، في الخامس والعشرين من مُحرَّم ، كما في الكافي عن الصادق عليه السلام (4).
ويفهم من الرواية : أنَّ له حين قُتل أبوه اثنتين وعشرين سنة.
وأمّا أمُّه الحقيقية : فقد روى الصدوق رحمه الله عن الرضا عليه السلام : «ماتت في أيام نفاسها به ، فسلّمه الحسين عليه السلام إلى اُمّ ولد له ، وكان يدعوها عليه السلام : بالأُمّ ، وهي التي زوّجها لمولى له ، لا اُمُّه الحقيقية».
والسبب في إقدامه على تزويجها على ما رواه الصدوق : (أنه عليه السلام واقع بعض
ص: 7
نسائه ثُمَّ خرج يغتسل ، فلقيته اُمُّه هذه ، فقال لها : إن كان في نفسك شيء من هذا الأمر فاتقي الله وأعلميني؟ فقالت : نعم ، فزوّجها. فقال الناس : زوّج علي بن الحسين عليه اُمُّه) (1).
حَتَّى نقل ابن قتيبة في كتاب (المعارف) : (أنَّ اُمّ زین العابدین زوّجها بعد أبيه بزيد مولى أبيه ، وأعتق جارية له وتزوَّجها ، فكتب إليه عبد الملك بن مروان يعيّره بذلك.
فكتب إليه زين العابدين : ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ (2) ، وقد أعتق رسول الله صلى الله عليه وآله صفية بنت حييّ بن أخطب ، وتزوَّجها ، وأعتق زيد بن حارثة ، وزوّجه بنت عمَّته زينب بنت جحش») (3).
ولكن حقيقة الحال ما عرّفناك ، فكيف لا؟ والنفس تستنكف عن قبوله ، والحال أنها كانت بنت يزدجرد ملك الفرس. ولمّا اُتي بها لم ترضَ إلّا بالحسين عليه السلام ، فكيف ترضى بعده بأحد الموالي (4).
وعلى كلّ حال ، إنَّ المتحقق من السّيَر والأخبار ، أن في اُسراء الفرس الَّذين جاؤوا إلى المدينة من بنات يزدجرد ثلاث فتيات :
تزوّج واحدة منهن عبد الله بن عمر ، فأولدها سالم. والاُخرى محمّد بن أبي بكر ، فأولدها القاسم. والثالثة : الحسين عليه السلام ، فأولدها علي بن الحسين عليه السلام ، وهي
ص: 8
شاه زنان (1) ، ولم تحضر وقعة الطف قطعاً.
ومن الممكن أن شهربانويه التي كانت في كربلاء ، هي زوجة محمّد بن أبي بكر ، قَدْ تزوّجها الحسين عليه السلام بعد وفاته ، وهي التي رمت نفسها في الفرات بعد قتل الحسين عليه السلام (2).
وبالجملة : فلا ينال عليَّ بن الحسين عليه السلام نقص من جهة اُمُّه ، وأنَّها من المجوس ، وأن ولادتها من غير عقد ، كما قاله صاحب العمدة (3) ؛ فإنه ناشئ من عدم الخبرة بالأحكام الشرعية ، فإنَّ الكافر إذا أسلم على نكاح اُقرّ عليه ، إذا كان صحيحاً عندهم ؛ وإن كان فاسداً عندنا ، فإن لكل قوم نكاحاً ، ولا يجب الفحص عن كيفيته ؛ فإن كثيراً من الكفَّار أسلموا على عهده صلى الله عليه وآله مع أزواجهم ، فأقرّهم على نكاحهم من غير استفصال ، نعم ، إذا اشتمل على ما يبطله استدامةً كنكاح المحارم ، كان باطلاً بعد الإسلام (4).
وُلد له ستة عشر ولداً :
محمّد الباقر عليه السلام : المكنّى بأبي جعفر ، اُمُّه أم عبد الله ، بنت عمّه الحسن بن
ص: 9
علي عليه السلام ، كما سيأتي.
قال الدميري في (حياة الحيوان) : (لم يكن للحسين عليه السلام عقب إلا من ابنه زين العابدين ، ولم يكن لزين العابدین نسل إلا من ابنة عمّه الحسن عليه السلام ، فجميع الحسينيين من نسله ، وكل حسيني لأب ، هو حسني لأم ، ولا عكس) (1).
وعبد الله كان يلي صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله ، وصدقات أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان فاضلاً فقيهاً ، يروي عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله أخباراً كثيرة ، وحدّث الناس عنه ، وحملوا عنه الآثار (2).
وفي أول (شرح المسائل الناصرية) : (روی أبو الجارود زياد بن المنذر ، قال : قيل لأبي جعفر الباقر عليه السلام : أيّ إخوتك أحبّ إليك وأفضل؟ فقال عليه السلام : «أمّا عبد الله فيدي التي أبطش بها - وكان عبد الله أخاه لأبيه واُمُّه - (ويقال له : الباهر ؛ لجماله ، ما جلس مجلساً إلا بهر جماله وحسنه من حضر ، توفّي وهو ابن سبع وخمسين سنة ، وله عقب ذكره في العمدة) (3).
وأمّا عمر : فبصري الَّذي اُبصر به ، وأمّا زيد : فلساني الَّذي أنطق به ، وأمّا الحسين : فحليم يمشي على الأرض هوناً ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً» (4)) (5).
ص: 10
وهذا الخبر وإن كان مرسلاً إلا أن الظاهر من إيراد السيِّد له كونه عنده قطعياً ؛ ولعله ذُكر إظهاراً لمدح عبد الله ، وشاهداً على حسن حاله.
ولكن يعارض هذا الخبر ما رواه ابن شهر آشوب ، قال : «رُوي عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : فيما أوصاني به أبي عليه السلام أن قال : يا بني ، إذا أنا مِتُّ فلا يلي غسلي غيرك ، فإن الإمام لا يغسّله إلا إمام مثله بعده. واعلم أنَّ عبد الله أخاك سيدعو الناس إلى نفسه ، فامنعه ، فإنْ أبى ، فإنَّ عمره قصير.
قال الباقر عليه السلام : فلمَّا مضى أبي ادَّعي عبد الله الإمامة ، فلم أنازعه ؛ فلم يلبث إلا شهوراً يسيرة حَتَّى قضى نحبه (1) ، وتربته في الموصل» (2).
والحسن والحسين الأكبر : وهما مع عبد الله ، اُمُّمهم أم ولد (3) ، وكان الحسين عليه السلام تابعياً مدنياً ، مات سنة 157 ﻫ، ودُفن بالبقيع ، يكنّى أبا عبد الله ، وله أربع وستون سنة ، من أصحاب أبيه الباقر والصادقعليهم السلام.
كذا في رجال الشيخ (4).
وفي إرشاد المفيد رحمه الله : (إنه كان فاضلاً ورعاً) ، انتهی (5).
(وزيد : وهو الَّذي نُسب إليه الزيدية ، وهم جماعة قالوا بإمامته بعد أبيه ، وهو
ص: 11
جدّ شرفاء اليمن) (1).
والروايات في مدح زيد وذمَّه متعارضة ، وما يدل على المدح أكثر.
قال في (الرجال الكبير) : (هو جليل القدر ، عظيم المنزلة ، قُتل في سبيل الله وطاعته سنة 121 ﻫ. وله اثنتان وأربعون سنة ، وورد (ووردت - ظ) في علو قدره روايات تضيق (يضيق - ط) المقام عن إيرادها) ، انتهى (2).
وفي الإرشاد : (كان زيد بن علي بن الحسين عين إخوته بعد أبي جعفر عليه السلام وأفضلهم ، وكان عابداً ورعاً فقيهاً سخياً شجاعاً ، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويطالب بثارات الحسين عليه السلام (3).
واعتقد كثير من الشيعة فيه أنه الإمام ، وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف يدعو إلى الرضا من آل محمّد صلى الله عليه وآله ، فظنوه يريد بذلك نفسه ، ولم يكن يریدها ؛ لمعرفته باستحقاق أخيه للإمامة من قبله ، ووصيته عند وفاته إلى أبي عبد الله عليه السلام) ، انتهى (4).
وليس المراد بالرضا الإمام الثامن عليه السلام كما لا يخفى ، بل المراد من يرضون به من آل محمّد صلى الله عليه وآله.
ومن جملة ما ورد في مدحه ، ما رواه في الأمالي يسنده إلى ابن أبي عمير ، عن حمزة بن حمران ، قال : «دخلت على الصادق عليه السلام ، فقال : من أين أقبلت؟
ص: 12
فقلت له : من الكوفة. قال : فبكی عليه السلام حَتَّى بُلَّت لحيتُه ، فقلت له : يا ابن رسول الله مالك أكثرت من البكاء؟ فقال : ذكرت عمِّي زيداً وما صُنع به فبكيت.
فقلت : وما الَّذي ذكرت منه؟ فقال : ذكرت مقتله ، وقد أصاب جبینه سهم ، فجاءه ابنه يحيى فأنكبّ عليه ، وقال له : أبشر يا أبتاه ، إنك ترد على رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.
قال : أجل يا بني ، ثُمَّ دعا بحدّاد ، فنزع السَّهم من جبينه ، فكانت خروج نفسه معه ، فجيء به إلى ساقية تجري عند بستان زائدة ، فحفر له فيها ودُفن ، واُجري عليه الماء. وكان معهم غلام سندي لبعضهم ، فذهب إلى يوسف بن عمر - الثقفي عامل هشام بن عبد الملك (1) - من الغد ، فأخبره بدفنهم إيّاه ، فأخرجه يوسف بن عمر ، وصلبه في الكناسة أربع سنين ، ثُمَّ أمر به فاُحرق بالنار ، وذُري في الرياح. فلعن الله قاتله وخاذله. وإلى الله جل اسمه أشكو ما نزل بنا أهل بيت نبيه بعد موته ، وبه نستعين على عدونا ، وهو خير مستعان» (2).
إلى غير ذلك ممَّا لا يُحصى كثرة.
وأمّا العلماء المتصدون لمدحه ، فأولهم: الصدوق رحمه الله في العيون ، ثُمَّ تبعه شيخنا المفيد ، والطبرسي في كتاب إعلام الورى (3).
ومنهم : النجاشي في ترجمة أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، وشيخ الطائفة في الفهرست (4).
ص: 13
ومنهم : شيخنا الشهيد في (الذكرى) في مسألة الصلاة على المصلوب ، ووافقه الشهيد الثاني في (الروضة البهية) (1).
ومنهم : الأستر آبادي في رجاله (2).
وعمر : وهو مع أخيه زيد لاُمِّ ولد واحدة. وسمعت مدحه في الخبر المتقدّم ، ونزيدك : أنه قال الطوسي رحمه الله (3) : (إنَّه مدني تابعي ، روى عن أبي أمامة بن سهل بن حنیف) (4).
وفي الإرشاد : (كان عمر بن علي بن الحسين عليه السلام فاضلاً جليلاً ، ولِيَ صدقات النبي صلى الله عليه وآله وصدقات أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان ورعاً سخياً) (5).
وهو جدّ السيِّد الرضي والمرتضى [لأمهما] (6) ، قال المرتضی رحمه الله في شرح (المسائل الناصرية) ، عند وصف أجداده من قبل اُمّه : (وأمّا عمر بن علي بن الحسين عليه السلام ولقبه : الأشرف ، فإنه كان فخم السيادة ، جليل القدر والمنزلة في الدولتين معاً : الاُموية والعبَّاسية ، وكان ذا علم. وقد رُوي عنه الحديث ، ثُمَّ ذكر الخبر المذكور) (7).
ص: 14
وإنما قيل له : الأشرف بالنسبة إلى عمر الأطرف عم أبيه ، فإن هذا لمّا نال فضيلة ولادة الزهراء البتول عليها السلام ، كان أشرف من ذلك ، وسُمي الآخر : الأطرف ؛ لأن فضيلته من طرف واحد ، وهو طرف أبيه أمير المؤمنين عليه السلام (1).
والحسين الأصغر ، وعبد الرحمن ، وسليمان لاُمّ ولد ، وعلي - وكان أصغر أولاده - ومحمّد الأصغر اُمّه اُمُّ ولد ، وخديجة هي مع أخيها علي الأصغر ، من اُمّ ولد واحدة ، تزوجها محمّد بن عمر بن علي ، فولدت له عدة أولاد.
وفاطمة ، وعلية - ذكرها النجاشي في الفهرست - وصرّح بأنَّ لها كتاباً يرويه عنها أبو جعفر محمّد بن عبد الله ، عمّن روى عنهم ، عن زرارة بن أعين عنها (2).
واُم كلثوم : لاُمَّهات أولاد.
ومليكة : من اُمِّ ولد.
وذكر بعضهم موضع ولد وبنتين ، من الذكور القاسم ، واُمّ الحسن ، [ومن الإناث] (3) وأم الحسين ، وأنه من أولاده عليه السلام هذا لم يعقب (4).
ص: 15
ص: 16
لقّبه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله، وأبلغه السلام على لسان جابر لمّا اُضرّ في آخر عمره. «وافاه الباقر عليه السلام في يوم من الأيام وسلّم عليه ، وكان حدث السن ، فردّ عليه جابر وسأله من أنت؟ فقال له عليه السلام : أنا محمّد بن علي بن الحسين عليه السلام ، فقال : اُدنُ منّي ، فدنا منه عليه السلام ، فأخذ يده وقبله ، وقال له : يا بن رسول الله ، إنَّ رسول الله يقرؤك السلام.
فقال الباقر عليه السلام : على رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته. ثُمَّ قال عليه السلام : وكيف كان ذلك؟ فقال جابر : كنت يوماً مع رسول الله ، فقال : يا جابر لعلَّك تبقى حَتَّى توافي أحد ولدي ، يقال له : محمّد بن علي بن الحسين عليه السلام ، أعطاه الله النور والحكمة. أبلغه سلامي» (1).
قال صاحب (عمدة الطالب) : (ويُقال له : عمود الشرف ، ومناقبه متواترة بين الأنام ، مشهورة بين الخاص والعام ، وقصده المنصور الدوانيقي بالقتل مراراً ، فعصمه الله منه) ، انتهى (2).
ويكنّى بأبي جعفر ، ويظهر من بعض الأخبار أنه كان يُكنّى بذلك في صغر سنّه ، ويؤيده ما رُوي عنه من : «إنّا لنُكنّي أولادنا في صغرهم مخافة النّبز أن يُلحق بهم» (3).
ص: 17
ولد عليه السلام بالمدينة ، يوم الجمعة أول شهر رجب ، وقيل : (يوم الثالث من صفر) (1).
والأول أصح ؛ لما رواه الشيخ في المصباح ، عن جابر الجعفي قال : (وُلد الباقر أبو جعفر بن علي عليه السلام يوم الجمعة ، غرّة رجب سنة سبع وخمسين من الهجرة) (2).
وكانت اُمُّه فاطمة ، المكنّاة : باُمّ عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب. قال الصادق فيها : «إنَّها كانت صدّيقة ، لم تُدرك في آل الحسن امرأة مثلها» (3).
وفي (دعوات الراوندي) : رُوي عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : «كانت اُمِّي قاعدة عند جدار ، فتصدّع الجدار ، وسمعنا هدّة شديدة ، فأشارت بيدها ، وقالت : لا وحقِّ المصطفى ، ما أذن الله لك في السقوط ، فبقي معلّقاً حَتَّى جازته ، فتصدّق عنها أبي بمائة دينار» (4).
وهو هاشمي من هاشميّين ، وعلوي من علويّين (5).
قال الحافظ عبد العزيز الجنابذي : (واُمُّها اُمُّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر) (6).
وهذا من الاشتباه والغلط ؛ فإنَّ من المُسلَّم أنّ اُمَّ فروة بنت القاسم هذه زوجة
ص: 18
الباقر عليه السلام ، أم ولده الصادق عليه السلام ؛ فكيف يمكن أن تكون جدّة الباقر يعني : اُمّ اُمّه.
وأشنع من ذلك ما صدر من صاحب (جنات الخلود) ، من : (أنَّ الأصحّ : أنَّ اُمُّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر) (1) ، مع أنّ اُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر - أيضاً - اُمُّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. وصرّح به هو أيضاً ؛ ولذا كان الصادق عليه السلام يقول : «لقد ولدني أبو بكر مرّتين». وذلك من حيث إنَّ اُمَّه اُمّ فروة ، كانت بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر من طرف الأب ، وبنت أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر من طرف الأُم (2) ، فأبو بكر جدّه عليه السلام لأُمه من الطرفين ، وثبت بالنص الصحيح : أنَّ أجداد الأئمة عليهم السلام كلُّهم أولاد حلال.
وعلى كل حال : فلا يجتمع القول : بكون زوجة الباقر عليه السلام بنت أسماء هذه ، مع القول : بكون اُمُّه بنت أسماء المزبورة.
فإن كان من المحقِّق : أنّ اُمّ عبد الله التي هي بنت الحسن عليه السلام أمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، فلا نسلّم أنَّها اُمّ الباقر عليه السلام ، فقد ذكر الطريحي في المجمع : (أنَّ اُمَّ الباقر عليه السلام كانت بنت عبد الله بن الحسن بن علي عليه السلام) (3) ، وذُكر في الدراية : (أنَّ اُمَّه اُم عبد الله بنت الحسن بن الحسن بن علي عليه السلام) (4) ، وإن كان الأخير باطلاً أيضاً ؛ فإن الحسن بن الحسن ، قَدْ تزوج بفاطمة بنت الحسين عليه السلام ، فتكون بنته هذه بنت اُخت علي بن الحسين عليه السلام ، فلا يصح له تزوَّجها ، ولعله لذلك عدل
ص: 19
إلى ما في المجمع ؛ فإنَّه متأخّر تصنيفه عن الدراية.
والصحيح : أنَّ اُمَّها اُم ولد تدعى : صافية (1) ، كما تقدم بيانه في أولاد الحسن عليه السلام ، فعليك بالتأمُّل التام في هذا المقام ، فقد زلَّت فيه جملة من الأقدام.
وقُبض مسموماً بالمدينة ، من هشام بن عبد الملك بن مروان سنة 114 من الهجرة ، وله يومئذ سبع وخمسون سنة ، عاش بعد أبيه تسع عشرة سنة وشهرين ، كما في الكافي. ودُفن بالبقيع ، في القبر الَّذي دُفن فيه أبوه : علي بن الحسين عليه السلام (2).
وُلد له عليه السلام سبعة أولاد : أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام ، وعبد الله ، من اُمٍّ واحدة ، اُمُّهما : اُم فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، وكان عبد الله يشار إليه بالفضل والصلاح.
وفي مقاتل الطالبيين : (أن عبد الله هذا دخل على رجل من بني اُميَّة فأراد قتله ، فقال له عبد الله : لا تقتلني أكن لله عليك عيناً ، ولك على الله تعالى عوناً. فقال : لست هناك ، وترکه ساعة ، ثُمَّ سقاه سمّاً في شراب سقاه إياه فقتله (3)) (4).
وإبراهيم ، وعبد الله ، اُمُّهما : اُمّ حكيم بنت الأسد بن المغيرة الثقفي.
ص: 20
وعلي : وقبره في حوالي بلدة كاشان ، يُعرف بإمام زاده مشهد (بار کرس) (1).
وزينب : لاُمِّ ولد ، واُم سلمة : لاُمِّ ولد.
وفي معجم البلدان : (أن في مصر قبر آمنة بنت محمّد الباقر عليه السلام) (2). (3)
ص: 21
وكنيته : أبو عبد الله ، وُلد عليه السلام بالمدينة ، في السابع عشر من شهر ربيع الأول ، سنة 83 من الهجرة. وعلى الأصح سنة 80 ، وهو يوم شریف ، عظيم البركة ، من جملة الأعياد الأربعة الإسلامية (1) ، واُمّه اُم فروة ، واسمها قريبة (2) - وعن الجعفي : أنَّ اسمها فاطمة - بنت الفقيه القاسم ابن النجيب محمّد بن أبي بكر (3) ، واُمّها بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ؛ فالقاسم : هو جدّ مولانا الصادق عليه السلام لأُمِّه ، وابن خالة سيد الساجدین عليه السلام ؛ لأنّ اُمَّه واُمَّ القاسم بنتا یزدجرد.
قال الدميري في (حياة الحيوان) نقلاً عن كتاب (أدب الكاتب) لابن قتيبة : إن الجفر جلد كتب فيه الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام لآل البيت كل ما يحتاجون إلى علمه ، وكل ما يكون إلى يوم القيامة ، قال : وإلى هذا الجفر أشار أبو العلاء المعري بقوله :
لقد عجبوا لأهل البيت لمّا *** أتاهم عِلمُهُم في مِسْكِ جَفْرِ
ومرآةُ المنجِّمِ وهي صغرى *** أرته كلّ عامِرَةٍ وقفرِ (4)
وقال صاحب (الملل والنحل) في مدح الإمام الصادق عليه السلام : (وهو ذو علم
ص: 22
غزير في الدين ، وأدب كامل في الحكمة ، وزهد بالغ في الدنيا (1) ، وورع تام عن الشهوات ، وقد أقام بالمدينة مدّة يفيد الشيعة المنتمين إليه ، ويفيض على الموالين له أسرار العلوم ، ثُمَّ دخل العراق وأقام بها مدّة ، ما تعرض للإمامة قطُّ ، ولا نازع أحداً في الخلافة قطُّ.
ومَن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شطّ ، ومَن تعلّى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حطّ. وقيل : مَن أنس بالله توحّش عن الناس ، ومَن استأنس بغير الله نهبه الوسواس ، وهو من جهة الأب ينتسب إلى شجرة النبوة ، ومن جانب الأُم إلى أبي بكر) ، انتهى (2).
وبالحري أن نذكر شيئاً من فضل القاسم وأبيه ، فإنَّ ذلك مقصد نبيه :
قال ابن خَلّکان : (أبو محمّد القاسم بن محمّد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، ونسبه معروف ؛ فلا حاجة إلى رفعه ، كان من سادات التابعين وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة ، وكان من أفضل أهل زمانه ، روی عن جماعة من الصحابة رضي الله عنه ، ورَوي عنه جماعة من كبار التابعين.
قال يحيى بن سعيد : ما أدركنا أحداً نفضّله على القاسم بن محمّد.
وقال مالك : كان القاسم من فقهاء هذه الأُمَّة.
وقال محمّد بن إسحاق : جاء رجل إلى القاسم بن محمّد ، فقال : أنت أعلمُ أم سالم؟ فقال : ذاك مبارك سالم. قال ابن إسحاق : کره أن يقول : هو أعلم منّي فيكذب ، أو يقول : أنا أعلم منه ، فيزكّي نفسه.
ص: 23
وكان القاسم أعلمهما. وتوفي سنة 101 ﻫ، وقيل : سنة 102 ﻫ، وقيل : سنة 108 ه ، وقيل : سنة 112 ﻫ بقدید. فقال : كفّنوني في ثيابي التي كنت أُصلّي فيها وقميصي وإزاري وردائي.
فقال ابنه : يا أبتِ ، ألا نزيد ثوبين؟ فقال : هكذا كُفّن أبو بكر : في ثلاثة أثواب ، والحي أحوج إلى الجديد من الميِّت.
وكان عمره سبعين سنة ، أو اثنتين وسبعين سنة). انتهى (1).
ورُوي في الكافي في باب مولد الصادق عليه السلام ، عن إسحاق بن حريز ، قال أبو عبد الله عليه السلام : «كان سعيد بن المسيّب ، والقاسم بن محمّد بن أبي بكر ، وأبو خالد الكابلي من ثقات علي بن الحسين عليه السلام» (2).
وفي (قرب الإسناد) : (أنه ذُكر عند الرضا عليه السلام ، القاسم بن محمّد خال أبيه ، وسعيد بن المسيّب ؛ فقال عليه السلام : «كانا على هذا الأمر») ، انتهى (3).
وذكر الشهيد الثاني رحمه الله في (منية المريد) : (أنَّ القاسم بن محمّد بن أبي بكر أحد فقهاء المدينة المتفق على علمه وفقهه بين المسلمين ، قيل : إنه سُئل عن شيء؟ فقال : لا أحسِنُهُ. فقال السائل : إنّي جئت إليك لا أعرف غيرك.
فقال القاسم : لا تنظر إلى طول لحيتي ، وكثرة الناس حولي. والله لا اُحسِنُهُ. فقال شيخ من قريش جالس إلى جنبه : يا بن أخي ألزمها ، فوالله ما رأيتك في مجلس أنبل منك مثل اليوم. فقال القاسم : والله لئن يُقطع لساني أحبّ إليّ من أن أتكلَّم بما لا علم لي به) (4).
ص: 24
وأمّا محمّد بن أبي بكر أبوه ، فهو جليل القدر ، عظيم المنزلة من خواص علي عليه السلام ، وُلد في حجّة الوداع ، وقُتل بمصر سنة 38 من الهجرة في خلافة علي عليه السلام ، واُحرق في جيفة حمار بمصر القديمة ، ولم يبق إلا رأسه الشريف ، فدفنه مولاه بمحراب المسجد ، وقيل تحت المئذنة ، وكان عاملاً على مصر من قبل علي عليه السلام ، فمکث دون السنة ، ثُمَّ قتل (1).
قال في (معجم البلدان) عند ذكر من دُفن بالقرافة : (وقبر خال رسول الله صلى الله عليه وآله - وهو أخو حليمة السعدية - ، وقبر رجل من أولاد أبي بكر الصديق) (2).
وقد ذكرنا سابقاً حديث أبي الحسن الرضا عليه السلام في شأن المحمّدين الأربعة (3).
وفي المروي عن موسی بن جعفر عليه السلام ، المتضمن الذكر حوارييّ كل إمام ، قال عليه السلام : «ثُمَّ ينادي منادٍ : أين حوارييّ علي بن أبي طالب وصي محمّد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فيقوم عمرو بن الحمق ، ومحمّد بن أبي بكر ، وميثُمَّ التمار : مولى بني أسد ، واُويس القرني» (4).
وعن الرضا عليه السلام : «أنه دخل عليه جماعة من الشيعة ، فلم يأذن لهم بالجلوس : فقالوا : يابن رسول الله ، ما هذا الجفاء العظيم؟! قال : لدعواكم أنكم شيعة أمير
ص: 25
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. ويحكم! إنما شیعته : الحسن والحسين عليهما السلام وسلمان ، وأبو ذر ، والمقداد ، ومحمّد بن أبي بكر ، الَّذين لم يخالفوا شيئاً من أوامره ، ولم يرتكبوا شيئاً من زواجره ... الحديث» (1).
واُمُّه أسماء بنت عميس الخثعمية ، كانت تحت جعفر الطيار ، اُمُّ ولديه : عبد الله ، ومحمّد ، وفي السنة العاشرة لمّا توفّي جعفر بمؤتة ، تزوجها أبو بكر ، فولدت منه محمّداً في طريق حجّة الوداع ، ثُمَّ تزوَّجها أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفاة أبي بكر ، فكان محمّد في تربيته عليه السلام ، وكان عمره حينئذ سنتين (2).
وقُبض الصادق عليه السلام مسموماً ، سمّه أبو جعفر المنصور الدوانيقي ، في يوم النصف من شهر شوال ، وقيل : (في النصف من رجب سنة 148 ﻫ، وله خمس وستون سنة. عاش بعد أبيه أربعاً وثلاثين سنة ، ودُفن بالبقيع في القبر الَّذي دُفن فيه أبوه صلوات الله عليهما) (3).
ص: 26
وُلد له عشرة أولاد : موسى عليه السلام ، وهو الإمام بعده ، وإسماعيل ، وعبد الله الأفطح ، وأم فروة - اسمها عالية - ، أمهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين عليه السلام.
ونُقل عن ابن إدريس رحمه الله أنه قال : (أم إسماعيل ، فاطمة بنت الحسين الأثرم ابن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام) (1).
وإسحاق لأم ولد ، والعبَّاس ، وعلي ، ومحمّد ، وأسماء ، وفاطمة لأمهات أولاد شتَّى.
وكان إسماعيل أكبر أولاد الصادق عليه السلام ، وهو جدّ الخلفاء الفاطميين في المغرب ومصر ، ومصر الجديد (الجديدة - ظ) من بنائهم (2).
وفي بغداد قبران مذمومان : أحدهما علي بن إسماعيل ابن الصادق عليه السلام ، ويعرف عند البغداديين بالسيد سلطان علي ، والآخر : أخوه محمّد بن إسماعيل جدّ الفاطميين ، ويعرف عندهم : بالفضل. والمحلة التي فيها محلة الفضل (3).
ص: 27
وكان عليه السلام شديد المحبة لإسماعيل ، والبرِّ به ، والإشفاق عليه ، وكان قوم من الشيعة يظنون أنه القائم بعد أبيه والخليفة له ؛ لما ذكرنا من كبر سنه ، وميل أبيه إليه ، وإكرامه له ؛ ولما كان عليه من الجمال ، والكمال الصوري والمعنوي ، توفّي في حياة أبيه ، وحينما حُمل إلى البقيع للدفن كان الصادق عليه السلام يضع جنازته على الأرض ويرفع عن وجهه الكفن ، بحيث يراه الناس ، فعل ذلك في أثناء الطريق ثلاث مرّات ليرى الناس موته ، وأنه لم يغب ، كما كان يظن به ذلك. ولمّا تحقّق موته رجع الأكثرون عن القول بإمامته ، وفرض طاعته ، وقال قوم : إنه لم يمت ، وإنَّما لُبس على الناس في أمره.
وقالت فرقة : إنَّه مات ، ولكن نصّ على ابنه محمّد : وهو الإمام بعد جعفر ، وهم المسمّون : بالقرامطة ، والمباركة ، وذهب جماعة : إلى أنه نصّ على محمّد جدّه الصادق دون إسماعيل ، ثُمَّ يسحبون الإمامة في ولده إلى آخر الزَّمان (1).
قال جدّي الأمجد السيِّد محمّد جدّ جدِّنا بحر العلوم : (وسخافة مذهبهم وبطلانه أظهر من أن يُبيّن ، مع أنه مبيّن بما لا مزيد عليه في محلّه) (2).
ص: 28
وقبر إسماعيل ليس في البقيع نفسه ، بل هو في الطرف الغربي من قُبَّة العبَّاس في خارج البقيع ، وتلك البقعة [هي] (1) ركن سور المدينة من جهة القبلة والمشرق ، وبابه من داخل المدينة ، وبناء تلك البقعة قبل بناء السور ، فاتَّصل السور به ، وهو من بناء بعض الفاطميين من ملوك مصر (2).
وقبر المقداد بن الأسود الكندي في البقيع أيضاً ، فإنه مات بالجرف ، يبعد عن المدينة بفرسخ ، وحُمل إلى المدينة. فما عليه سواد أهل شهروان (3) من أن فيه قبر مقداد بن الأسود ؛ هذا اشتباه.
ومن المحتمل قوياً كما في (الروضات) : (أن القبر المشهور الَّذي في شهروان هو للشيخ الجليل الفاضل المقداد صاحب المصنَّفات ، من أجلّ علماء الشيعة) (4). (5)
ص: 29
وذكر علماء السير والتواريخ فيما يتعلق بتاريخ المدينة المنورة : (أن أي أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله دُفنوا في البقيع).
وذكر القاضي عيّاض في (المدارك) : (أنَّ المدفونين من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله هناك عشرة آلاف) (1) ، ولكن الغالب منهم مخفي الآثار عيناً وجهة. وسبب ذلك : أن السابقين لم يُعلّموا القبور بالكتابة والبناء ، إضافةً إلى أن تمادي الأيام يوجب زوال الآثار.
نعم ، إن من يُعرف مرقده من بني هاشم عيناً وجهة ، قبر إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله في بقعة قريبة من البقيع ، وفيها قبر عثمان بن مظعون من أكابر الصحابة ، وهو أول من دُفن في البقيع.
وفيه أيضاً قبر أسعد بن زرارة ، وابن مسعود ، ورُقيَّة ، واُمّ كلثوم - بنات رسول الله صلى الله عليه وآله -. 3.
ص: 30
وفي الروايات من العامة والخاصة ، أنه : (لمّا توفت رقية ودفنها صلى الله عليه وآله ، قال : الحقي بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون) (1).
قال السمهودي : (إنّ الظاهر أن بنات النبي صلى الله عليه وآله كلهن مدفونات عند عثمان بن مظعون ؛ لأنه صلى الله عليه وآله لمّا وضع حجراً على قبر عثمان ، قال : بهذا اُميّز قبر أخي ، وأدفن معه كل من مات من ولدي) (2).
وروى الدولابي المتوفَّى سنة 310 ﻫ في كتاب (الكنى) : (أنه لمّا مات عثمان بن مظعون ، قالت امرأته : هنيئاً لك يا أبا السائب الجنّة ، وإنه أول من تبعه إبراهيم ولد رسول الله صلى الله عليه وآله) (3).
وقبر عقيل بن أبي طالب ، ومعه في القبر ابن أخيه : عبد الله الجواد ابن جعفر الطيّار.
وقريب من قُبَّة عقيل ، بقعة فيها زوجات النبي ، وقبر صفية بنت عبد المطلب ، عمّة النبي صلى الله عليه وآله على يسار الخارج من البقيع (1).
وفي طرف القبلة من البقعة قبر متصل بجدار البقعة عليه ضريح ، والعامَّة يعتقدون : أنه قبر الزهراء عليها السلام (2).
وأنَّ قبر فاطمة بنت أسد هو الواقع في زاوية المقبرة العمومية للبقيع في الطرف الشمالي من قُبَّة عثمان ، وهو اشتباه ؛ فإن من المحقّق : أن قبر فاطمة الزهراء عليها السلام إما في بيتها ، أو في الروضة النبوية ، على مشرفها آلاف الثناء والتحيَّة.
وإنَّ القبر الواقع في الطرف القبلي من البقعة ، هو قبر فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين عليه السلام ، كما في بعض الأخبار أنَّ الأئمة عليهم السلام الأربعة نزلوا إلى جوار جدّتهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.
وإنَّ القبر الواقع في المقبرة العمومية هو : مشهد سعد بن معاذ الأشهلي ، أحد
أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ، كما ذكره في تلخيص معالم الهجرة.
وممَّن عُين قبر فاطمة بنت أسد حيثما ذكر لنا السيِّد على السمهودي في وفاء
ص: 32
الوفا بأخبار دار المصطفی (1).
ولنختم الكلام في أمر البقيع بما رُوي عن سليمان الشاذكوني (2) : (أنه رجفت قبور البقيع في عهد عمر بن الخطاب ، فضجّ أهل المدينة من ذلك ، فخرج عمر وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يدعون بسكون الرجفة ، فما زالت تزيد في كل يوم إلى أن تعدّى ذلك إلى حيطان المدينة ، وعزم أهلها إلى الخروج عنها ، فعند ذلك قال عمر : عليّ بأبي الحسن علي بن أبي طالب عليه السلام ، فحضر ، فقال : يا أبا الحسن ، ألا ترى إلى قبور البقيع ورجيفها حَتَّى تعدّى ذلك إلى حيطان المدينة ، وقد همّ أهلها بالرحلة منها؟ فقال علي عليه السلام : «عليّ بمائة رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من البدريين» ، فجاؤوا بهم ، فاختار من المائة عشرة ، فجعلهم خلفه ، وجعل التسعين من ورائهم ، ولم يبقَ بالمدينة ثيّب ولا عاتق إلا خرجت ، ثُمَّ دعا بأبي ذرّ ، وسلمان ، والمقداد ، وعمّار ، فقال لهم : «کونوا بين يديَّ حَتَّى توسّط البقيع». والناس محدقون به ، فضرب الأرض برجله ، ثُمَّ قال : «مالَكِ؟» ثلاثاً فسكنت.
فقال : «صدق الله وصدق رسوله صلى الله عليه وآله ، فقد أنبأني بهذا الخبر ، وهذا اليوم ، وهذه الساعة ، وباجتماع الناس له. إنّ الله تعالى يقول في كتابه : ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا﴾ (3). وأخرجت لي
ص: 33
أثقالها» ، ثُمَّ انصرف الناس معه ، وقد سكنت الرجفة) (1).
هذا وكان عبد الله أكبر إخوته بعد أخيه إسماعيل ، ولم تكن منزلته عند أبيه عليه السلام منزلة غيره من إخوته الأكرام ، وكان متَّهماً في الخلاف على أبيه في الاعتقاد ، ويقال : إنه كان يخالط الحشوية ، ويميل إلى مذهب المرجئة ، وادّعی بعد أبيه الإمامة محتجّاً بأنّه أكبر أولاده الباقين بعده ، فاتَّبعه جماعة من أصحاب الصادق عليه السلام ، ثُمَّ رجع أكثرهم عن القول ، ولم يبقَ عليه إلا نفر يسير منهم. وهم الطائفة الملقّبة بالفطحية ؛ لأن عبد الله كان أفطح الرجلين ، ويقال : إنهم لُقبوا بذلك ؛ لأنَّ رئيسهم وداعيهم إلى هذا المذهب يقال له : عبد الله بن أفطح (2).
وأمّا إسحاق فقد قال في (الإرشاد) : (وكان إسحاق بن جعفر عليه السلام من أهل الفضل ، والصلاح ، والورع ، والاجتهاد ، وروى عنه الناس الحديث والآثار. وكان ابنُ کاسب إذا حدّث عنه يقول : حدثني الثقة الرضي إسحاق بن جعفر عليه السلام ، وكان يقول : بإمامة أخيه موسی بن جعفر عليه السلام ، وروي عن أبيه النصّ على إمامته) (3).
ص: 34
وقال في (العمدة) : (ويكنّى أبا محمّد ، ويُلقّب المؤتمن. ووُلد بالعريض ، وكان. أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله ، واُمُّه اُمُّ أخيه موسى الكاظم عليه السلام ، وكان محدّثاً جليلاً ، وادَّعت طائفة من الشيعة فيه الإمامة ، وكان سفيان بن عيينة إذا روى عنه يقول : حدثني الثقة الرضا إسحاق بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين عليه السلام) (1).
وكان محمّد بن جعفر عليه السلام سخياً شجاعاً ، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ، وكان يصرف في مطبخه كل يوم شاتاً ، وكان يرى رأي الزيدية في الخروج بالسيف ، وخرج على المأمون في سنة 199 ﻫ بمكّة ، وتبعه الجارودية ، فوجَّه عليه المأمون جنداً بقيادة عيسى الجلودي ، فكسره وقبض عليه ، وأتی به إلى المأمون ، فأكرمه المأمون ولم يقتله ، وأصحبه معه إلى خراسان (2).
وقبره في بسطام (3) ، وهو الَّذي ذكرنا سابقاً أن قبره في جرجان ، فإن جرجان اسم لمجموع الناحية المعينة المشتملة على المدينة المدعوة بالأسترآباد وغيرها ، مثل مصر والقاهرة ، والعراق والكوفة.
قال في (مجالس المؤمنين) في ضمن أحوال بايزيد البسطامي : (إنَّ السلطان أولجایتوخان أمر ببناء قُبَّة على تربته).
وقد ذهب إلى إمامته بعد أبيه قوم من الشيعة يقال لهم : السمطية ؛ لنسبتهم إلى
ص: 35
رئيس لهم يقال له : يحيى بن أبي السمط (1).
وكان علي بن جعفر كثير الفضل ، شديد الورع ، سديد الطريق ، راوية للحديث من أخيه موسى عليه السلام (2).
وهو المعروف بعلي بن جعفر العُرَيْضِيّ ، نشأ في تربية أخيه موسی بن جعفر عليه السلام ، ومن أهل التضييف بأيدي الشيعة إلى هذا اليوم (3) ، وأدرك من الأئمّة أربعة أو خمسة.
وقال السيِّد في الأنوار : (كان من الورع بمكان لا يدانى فيه ، وكذلك من الفضل ، ولزم أخاه موسی بن جعفر عليه السلام ، وقال بإمامته وإمامة الرضا والجواد عليهما السلام. وكان إذا رأى الجواد عليه السلام مع الصبيان يقوم إليه من المسجد من بين جماعة الشيعة ، وينكبّ على أقدامه ، ويمسح شیبته على تراب رجليه ، ويقول : قَدْ رأى الله هذا الصبيّ أهلاً للإمامة ، فجعله إماماً ولم يَر شيبتي هذه أهلاً للإمامة ؛ لأنَّ جماعة من الشيعة كانوا يقولون له : أنت إمام فادّع الإمامة ، وكان رضي الله عنه لا يقبل منهم قولاً.
ورُوي أنَّ الجواد إذا أراد أن يفصد أخذ الدم ، يقول عليّ بن جعفر للفصّاد : إفصدني حَتَّى أذوقَ حرارة الحديد قبل الجواد عليه السلام) ، انتهى (4).
وله مشاهد ثلاثة :
الأول : في (قم) ، وهو المعروف ، وهو في خارج البلد ، وله صحن وسيع ، وقُبَّة
ص: 36
عالية ، وآثار قديمة ، منها : اللوح الموضوع على المرقد المكتوب فيه اسمه واسم والده ، وتاريخ الكتابة سنة 74 (1).
قال المجلسي رحمه الله في (البحار) : (من جملة من هو معروف بالجلالة والنبالة علي بن جعفر عليه السلام ، مدفون في (قم) ، وجلالته أشهر من أن تذكر.
وأمّا كون مدفنه في (قم) ، فلم يُذكر في الكتب المعتبرة ، لكن أثر القبر الشريف الموجود قدیم ، وعليه مكتوب اسمه). انتهى (2).
وفي (تحفة الزائر) : (يوجد مزار في (قم) ، وفيه قبر كبير ، وعلى القبر مکتوب : قبر على بن جعفر الصادق عليه السلام ، ومحمّد بن موسی.
ومن تاريخ بناء ذلك القبر إلى هذا الزَّمان قريب من أربعمائة سنة) ، انتهى (3).
وقال الفقيه المجلسي الأول في (شرح الفقيه) في ترجمة علي بن جعفر عليه السلام بعد ذکر نبذة من فضائله : (وقبره في (قم) مشهور.
قال : سمعت أن أهل الكوفة طلبوا منه أن يأتيهم من المدينة ، ويقيم عندهم ، فأجابهم إلى ذلك ، ومكث في الكوفة مدَّة ، وحفظَ أهل الكوفة منه أحاديث ، ثُمَّ طلب أهل (قم) النزول إليهم ، فأجابهم إلى ذلك. وبقي هناك إلى أن توفّي وله ذرِّية منتشرة في العالم.
وفي أصفهان قبر بعضهم ، منهم : قبر السيِّد كمال الدين في قرية (سين برخوار) ، وهو مزار معروف) ، انتهى (4).
ص: 37
وظنّي القوي : أن محمّد بن موسى المدفون معه ، هو من ذرِّية الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ، وهو محمّد بن موسی بن إسحاق بن إبراهيم العسكري ابن موسی بن إبراهيم بن موسی بن جعفر عليه السلام.
قال صاحب (تاريخ قم) : (وُلد من أبي محمّد موسی بن إسحاق ولدٌ وبنت ، ولكن لم يُذكر اسم الولد) (1).
وذكر صاحب (العمدة) : (أنه أعقب موسی بن إسحاق بن إبراهيم العسكري ، أبا جعفر محمّد الفقيه بقم ، وأبا عبد الله إسحاق .. الخ) (2).
الثاني : في خارج قلعة سمنان ، في وسط بستان نضرة مع قُبَّة ، وبقعة ، وعمارة نزهة.
ولكن المنقول عن المجلسي أنه قال : (لم يُعلم أنَّ ذلك قبره ، بل المظنون خلافه) (3).
الثالث : في العُريض - بالتصغير - على بعد فرسخ من المدينة : اسم قرية كانت ملکه ، ومحلّ سكناه وسکنی ذرِّیته ؛ ولهذا كان يُعرف بالعُرَيْضِيّ. وله فيها قبر وقُبَّة ، وهو الَّذي اختاره المحدّث النوري في خاتمة المستدرکات (4) ، مع بسط تام وهو الظاهر ، ولعل الموجود في قم هو لأحد أحفاده (5).
ص: 38
وأمّا العبَّاس بن جعفر ، فقد قال المفيد في الإرشاد : (كان فاضلاً نبيلاً) (1).
تتميم : لا يخفى أنه يوجد على ضفة نهر كربلاء المشرّفة المعروفة بالحسينية ، مقام یُعرف بمقام جعفر الصادق عليه السلام ، على لسان سواد أهل تلك البلدة ، ولعلَّه هو الَّذي عبّر عنه الصادق عليه السلام في حديث صفوان الَّذي نقله المجلسي في تحفة الزائر عن مصباح الشيخ الطوسي رحمه الله ، الوارد لتعليمه إياه آداب زيارة جدّه الحسين عليه السلام ، وفيه : فإذا وصلت إلى نهر الفرات - يعني : شريعة الصادق ، بالعلقمي - فقل : كذا ، والتفسير من الشيخين (2) ، وظاهره : أن المقام المقدّس كان منسوباً إلى الصادق عليه السلام في عصرهما.
ص: 39
ص: 40
ولقبه : الكاظم ، وكنيته : أبو الحسن ، وأبو إبراهيم ، وأبو علي.
ويُعرف : بالعبد الصالح ، والعالم ، وباب الحوائج.
وفي ذلك يقول الشاعر وما أحسنه :
يا سميَّ الكليم جئتكُ أسعى *** نحوَ مَغناكَ قاصداً مِن بلادي
ليس تُقضى لنا الحوائجُ إلّا *** عندَ بابِ الرَّجاء جدِّ الجوادِ
وقد شطّرهما جدّي بحر العلوم رحمه الله :
(يا سميَّ الكليم جئتُكَ أسعى) *** والهَوى مركبي وحبُّك زادي
مسَّني الضرُّ وانتحی بِيَ فقري *** (نَحو مغناكَ قاصداً مِن بلادي)
(ليس تُقضى لنا الحوائجُ إلّا) *** عندَ بابِ الحوائجِ المعتادِ
عند بَحرِ النَّدى ابن جعفرَ موسی *** (عند باب الرَّجاء جدّ الجَوادِ) (1)
واُمّه عليه السلام : اُمُّ ولد ، يقال لها : حميدة البربرية.
وُلد عليه السلام بالأبواء - وهو منزل بين مكّة والمدينة ، قريب من الجُحفة - يوم الأحد في السابع من شهر صفر سنة ثمان ، وقيل : تسع وعشرين ومائة من الهجرة ، وقُبض مسموماً بسمّ هارون الرشید ببغداد ، في حبس السندي بن شاهك.
ولمّا مات أدخل السندي عليه الفقهاءَ ، ووجوهَ أهل بغداد ؛ لينظروا إليه ،
ص: 41
وأشهدهم على أنه مات حتف أنفه ، فشهدوا على ذلك ، حيث لم يجدوا به جراح ، ولا خنق ، فاُخرج ووُضع على الجسر ببغداد ، ونودي عليه : هذا موسی بن جعفر قَدْ مات ، فانظروا إليه.
ثُمَّ حُمل ، فدُفن في مقابر قريش في باب التبن ، وكانت هذه المقبرة قديماً لبني هاشم ، والأشراف من الناس (1).
وكان المتولي لأُموره ابنه أبو الحسن الرضا عليه السلام ، ولا يُلتفت إلى ما يستبعده الوهم من أنه عليه السلام : وقت وفاة أبيه كان بالمدينة ، فكيف حضر بغداد في ليلة واحدة؟ فإن القادر الَّذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، قادر على مثله.
وكان ذلك في اليوم الخامس والعشرين من رجب ، وقيل : في الخامس منه ، وقيل : في السادس ، والأول أشهر ، وهو الموافق لرواية التهذيب : لستّ بقین من رجب. إذا حُسب يوم الوفاة في سنة 183 ﻫ، وله خمس وخمسون سنة (2). (3)
حکی ابن خَلّكان في ترجمته عليه السلام : (أن هارون الرشيد حبسه في بغداد ، ثُمَّ دعا صاحب شرطته ذات يوم ، فقال له : رأيت في منامي حبشياً أتاني ومعه حربة ، وقال : إن لم تخل عن موسی بن جعفر عليه السلام وإلّا نحرتك بهذه الحربة.
فاذهب فخلِّ عنه ، وأعطه ثلاثين ألف درهم ، وقل له : إن أحببت المقام عندنا ، فلك عندي ما تحب ، وإن أحببت المضي إلى المدينة ، فامضِ. قال صاحب الشرطة : ففعلت ذلك ، وقلت له : لقد رأيت من أمرك عجباً.
ص: 42
فقال عليه السلام : أنا أخبرك : بينما أنا نائم إذ أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال : يا موسی حُبست مظلوماً ، فقل هذه الكلمات ، فإنك لا تبيت هذه الليلة في السجن : وذكر الدعاء.
ثُمَّ قال : وتوفّي موسى الكاظم في رجب ، سنة 183 ﻫ، وقيل : سنة 187 ﻫ، بغداد مسموماً ، وقيل : توفّي في الحبس) (1).
وكان الشافعي يقول : (قبر موسى الكاظم عليه السلام الترياق المجرّب) (2).
وفي (جامع التواريخ) ، تأليف رشید الدین فضل الله الوزير ابن عماد الدولة ، أبي الخير : (أن في يوم الاثنين في السابع عشر من ذي الحجّة سنة 672 ﻫ وفاة الخواجة نصير الدين الطوسي في بغداد ، عند غروب الشمس) (3) ، وأوصى أن يُدفن عند قبر موسی عليه السلام والجواد عليه السلام ، فوجدوا هناك ضريحاً مبنياً بالكاشي والآلات. فلمَّا تفحصوا ، تبيّن أن الخليفة الناصر لدين الله قَدْ حفره لنفسه مضجعاً ، ولمّا مات دفنه ابنه الظاهر في الرصافة مدفن آبائه وأجداده.
ومن عجائب الاتّفاق : أنَّ تاريخ الفراغ من إتمام هذا السرداب يوافق يومه مع م ولادة الخواجة ، يوم السبت في الحادي عشر من جمادى الأُولى سنة 597 ، تمام عمره : خمس وسبعون سنة وسبعة أيام.
وممَّن فاز بحسن الجوار هو : أبو طالب يحيى بن سعيد بن هبة الدين علي بن
ص: 43
قزعلي بن زيادة ، من اُمراء بني العبَّاس. يقال له : الشيباني ، وأصله من واسط ، وُلد في بغداد سنة 522 ﻫ، وتوفّي سنة 594 ﻫ، ودُفن بجنب روضة الإمام موسی عليه السلام ، ذكره ابن خَلّكان في تاريخه ، وكان شيعي المذهب ، حسن الأخلاق ، محمود السيرة (1).
وممَّن فاز بحسن الجوار بعد الممات : الأمير توزن الديلمي من اُمراء رجال الديالمة في عصر المتَّقي العبَّاسي ، وعصى عليه ، وخالفه حَتَّى فرّ الخليفة منه إلى الموصل ، ثُمَّ استماله ، وأرجعه إلى بغداد ، توفّي الأمير المزبور سنة 334 ﻫ (2) ، ودُفن في داره ، ثُمَّ نُقل إلى مقابر قريش (3).
وُلد له سبع وثلاثون ، وقيل : تسع وثلاثون ولداً ذکراً واُنثی ؛ علي بن موسی الرضا عليه السلام ، وإبراهيم ، والعبَّاس ، والقاسم لاُمَّهات أولاد.
وإسماعيل ، وله مزار في تويسرکان من بلاد ايران (4).
وجعفر ، وهارون ، والحسن : لأُمّ ولد.
ص: 44
وأحمد ، ومحمّد ، وحمزة : لأُمّ ولد.
وعبد الله ، وإسحاق ، وعبيد الله ، وزيد ، والحسن ، والفضل ، وقبره في بهبهان معروف یزار ، ويعرف ب-(شاه فضل) (1).
والحسين ، وسليمان : لأُمَّهات أولاد.
وفاطمة الكبرى ، وفاطمة الصغرى ، ورُقيَّة ، وحكيمة ، واُمّ أبيها ، ورقيَّة الصغرى ، وكلثوم ، واُمّ جعفر ، ولبابة ، وزينب ، وخديجة ، وعليَّة ، وآمنة ، وحسنة ، وبُريهة ، وعائشة ، واُمّ سلمة ، وميمونة : لأُمَّهات شتَّى (2).
أمّا علي عليه السلام : فسيأتي شرح حاله في المقام الثامن.
وأمّا إبراهيم : فقد قال المفيد رحمه الله في الإرشاد ، والطبرسي في (إعلام الوری) : (كان إبراهيم بن موسى عليه السلام شجاعاً كريماً ، وتقلّد الإمرة على اليمن في أيام المأمون من قبل محمّد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام الَّذي بايعه أبو السرايا بالكوفة ، ومضى إليها ، ففتحها وأقام بها مدَّةً إلى أن كان من أمر أبي السرايا ما كان ، وأخذ له الأمان من المأمون. وصرّحا : بأنَّ لكلّ من ولد أبي الحسن موسی عليه السلام فضل ومنقبة مشهورة) (3).
وفي (وجيزة) المجلسي : (إبراهيم بن موسی بن جعفر ممدوح) (4).
ص: 45
وفي (الكافي) في باب (إنّ الإمام متى يعلم أنّ الأمر قَدْ صار إليه) ، بسنده عن علي بن أسباط : قال : «قلت للرضا عليه السلام : إن رجلاً عنى أخاك إبراهيم فذكر له : أن أباك في الحياة ، وأنت تعلم من ذلك ما يعلم.
فقال : سبحان الله! يموت رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولا يموت موسی؟! قَدْ والله مضى كما مضى رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولكنَّ الله تبارك وتعالى لم يزل منذ قبض نبيه صلى الله عليه وآله هلّم جرّاً ، يمُّن بهذا الدين على أولاد الأعاجم ، ويصرفه عن قرابة نبيَّه هلّم جرّاً ، فيعطي هؤلاء ويمنع هؤلاء ، لقد قضيتُ عنه في هلال ذي الحجّة ألف دينار ، بعد أن أشفي على طلاق نسائه ، وعتق مماليكه ، ولكن قَدْ سمعتَ ما لقي يوسف من إخوته» (1).
قال جدّي الصالح في (شرح اُصول الكافي) : (قوله : (عنی) بمعنی : قصد ، وأراد.
وفي بعض النسخ : (غرّ أخاك) ، قيل : ذلك الرجل أخوهما : عبَّاس.
قوله : (فذكر له) فاعل (ذكر) راجع إلى الرجل ، وضمير (له) إلى إبراهيم.
قوله : (وأنت تعلم) أي : ذكر أيضاً له أنك تعلم ما لا يعلم من مكانه.
ولفظة : (لا) غير موجودة في بعض النسخ ، ومعناه واضح.
قوله : (على أولاد الأعاجم) کسلمان وغيره ، وفيه مدح عظيم للعجم ، وتفضيلهم على العرب) (2).
إسحاق ابن سلمة (1).
وكيف يُنكر فضلهم ؛ وفي الأخبار ما يدلُّ على أنَّهم من أعوان القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وأنهم أهل تأييد الدين؟
قال النبي صلى الله عليه وآله : «أسعد الناس بهذا الدين فارس».
رواه الشيخ أبو محمّد جعفر بن أحمد بن علي القمِّي ، نزيل الريّ ، في كتاب (جامع الأحاديث) (2) ، مع أنهم في تأييد الدين ، وقبول العلم ، أحسن وأكثر من العرب يدل على ذلك ، قوله تعالى : ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَىٰ بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ * فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾ (3).
قال علي بن إبراهيم ، قال الصادق عليه السلام : «لو انزل القرآن على العجم ما آمنت به العرب ، وقد نزل على العرب فآمنت به العجم» (4). فهي فضيلة للعجم.
وقال عند تفسير قوله تعالى : ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (5) : الشعوب : العجم ، والقبائل : من العرب ، (والأسباط : من بني إسرائيل ، قال : ورُوي ذلك عن الصادق عليه السلام) (6).
ص: 47
وقال رسول الله يوم فتح مكَّة : «يا أيُّها الناس إن الله قَدْ أذهب عنكم بالإسلام نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها. إنَّ العربية ليست بأبٍ والد (1) ، وإنَّما هو لسان ناطق ؛ فمن تكلَّم به فهو عربي ، ألّا إنّكم من آدم ، وآدم من التراب» (2).
وهذا صريح في أنَّ التكلَّم بلغة العرب وحده لا فخر فيه ، بل المناط هو التقوى. وفي (الفتوحات المكية) في الباب السادس والستين وثلاثمائة : (أن وزراء المهدي عليه السلام من الأعاجم ، ما فيهم عربي ، لكن لا يتكلَّمون إلا بالعربية ، لهم حافظ ليس من جنسهم) ، انتهى (3).
بل المستفاد من خطبة أمير المؤمنين فيما يتعلق بإخباره عن القائم عليه السلام ، حيث يقول فيها : «وكأنَّي أسمع صهيل خيلهم ، وطمطمة رجالهم» (4) ، إنَّهم يتكلَّمون بالفارسية.
قال في البحار : (الطمطمة) : اللُّغة العجمية ، ورجل طمطمي : في لسانه عجمة. وأشار عليه السلام بذلك إلى أن عسكرهم من العجم) ، انتهی (5).
ولا ينافي ما ذكره صاحب الفتوحات ؛ إذ لعلَّ التكلُّم بالعربي لوزرائه خاصة دون بقية الجيش.
وفي حياة الحيوان : عن ابن عمر : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «رأيت غنماً سوداً دخلت فيها غنم كثير بيض». قالوا : فما أوَّلته يا رسول الله؟ قال : «العجم
ص: 48
يشركونكم في دينكم ، وأنسابكم» ، قالوا : العجم يا رسول الله؟ قال : «لو كان الإيمان متعلّقاً بالثُّريا ؛ لناله رجال من العجم» (1).
[رجع] (2) : وسبب المن والإعطاء والصرف والمنع في رواية الكافي : هو استعمال الاستعداد الفطري ، وقبوله ، وإبطاله ، والإعراض عنه ، فلا يلزم الجبر.
قوله : (لقد قضيت عنه).
قال الفاضل الأمين الأسترآبادي : (أي قضيت عن الَّذي غَرَّ إبراهيم ، وكأنه عبَّاس أخوهما).
قوله : (ألف دينار) بعد أن أشرف وعزم على طلاق نسائه ، وعتق مماليكه ، وعلى أن يشرد من الغرماء. وكان قصده من الطلاق والعتق أن لا يأخذ الغرماء مماليكه ، ويختموا بيوت نسائه ، وقيل : عزمه على ذلك ؛ لفقره ، وعجزه من النفقة.
قوله : (قد سمعتَ ما لقيَ يوسفُ) يعني : أنَّهم يقولون ذلك افتراء ، وينكرون حقّي حسداً. انتهى (3).
وفي بصائر الدرجات : (أنه ألحَّ إلى أبي الحسن عليه السلام في السؤال ، فحكّ بسوطه الأرض ، فتناول سبيكة ذهب ، فقال له : استغن بها ، واكتم ما رأيت) (4).
وبالجملة : قال جدّي بحر العلوم رحمه الله : (ما ذكره المفيد رحمه الله ، وغيره من الحكم
ص: 49
بحسن حال أولاد الكاظم عليه السلام عموماً محلُّ نظر ؛ وكذا في خصوص إبراهيم ، كما هو ظاهر الرواية المتقدمة (1).
وكيف كان : فإبراهيم هذا هو جدّ السيِّد المرتضى والرضي رحمه الله ، فإنَّهما ابنا أبي أحمد النقيب ، وهو الحسين بن موسی بن محمّد بن موسی بن إبراهيم بن موسی بن جعفر عليه السلام.
وظاهر الأكثر ، كالمفيد رحمه الله في (الإرشاد) ، والطبرسي في (إعلام الوری) ، وابن شهر آشوب في (المناقب) ، والإربلي في (كشف الغُمَّة) : (أن المسمَّى بإبراهيم من أولاد أبي الحسن عليه السلام : رجل واحد) (2).
ولكن عبارة صاحب (العمدة) تعطي : (أن إبراهيم من ولده اثنان : إبراهيم الأكبر ، وإبراهيم الأصغر (3) ، وأنه يلقب بالمرتضی ، والعقب منه ، واُمُّه اُمُّ ولد نُوبِيَّة ، اسمها : نَجِيَّة) (4).
والظاهر التعدد ، فإن علماء النسب أعلم من غيرهم بهذا الشأن.
والظاهر : أن المسؤول عن أبيه ، والمخبر بحياته هو إبراهيم الأكبر ، وأن الَّذي هو جدّ المرتضی والرضي هو الأصغر ، كما صرّح به جدّي بحر العلوم (5) ، وقد ذكرنا أنه مدفون في الحائر الحسيني ، خلف ظهر الحسين عليه السلام.
وكيف كان : ففي شيراز بقعة تُنسب إلى إبراهيم بن موسی عليه السلام واقعة في محلّة (لب آب) ، بناها محمّد زكي خان النوري ، من وزراء شیراز سنة 1240 ﻫ، ولكن لم
ص: 50
أعثر على مستند قوي يدل على صحَّة النسبة ، بل يبعدها ما سمعت من إرشاد المفيد من أنه : (كان والياً باليمن) (1) ، بل ذكر صاحب أنساب الطالبيّين : أنّ إبراهيم الأكبر ابن الامام موسی عليه السلام ، خرج باليمن ودعا الناس إلى بيعة محمّد بن إبراهيم طباطبا (2) ، ثُمَّ دعا الناس إلى بيعة نفسه ، وحجّ في سنة 202 ﻫ، وكان المأمون يومئذ في خراسان ، فوجّه إليه حمدويه بن علي وحاربه ، فانهزم إبراهيم وتوجَّه إلى العراق (3) ، وأمّنه المأمون وتوفي في بغداد ، وعلى فرض صحَّة ما ذكرناه فالمتيقّن أنه أحد المدفونين في صحن الكاظم ؛ لأنَّ هذا الموضع كان فيه مقابر قريش من قديم الزَّمان ، فدُفن إلى جنب أبيه عليه السلام) (4).
وأمّا أحمد بن موسى عليه السلام، ففي (الإرشاد) : (كان کریماً جليلاً ورعاً ، وكان أبو الحسن موسى يحبّه ويقدّمه ، ووهب له ضيعته المعروفة باليسيرة. ويقال : إنه رضي الله عنه أعتق ألف مملوك.
قال : أخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى ، قال : حدثنا جدّي : سمعت إسماعيل بن موسى عليه السلام يقول : خرج أبي بولده إلى بعض أمواله بالمدينة ، فكنَّا في
ص: 51
ذلك المكان ، وكان مع أحمد بن موسی عشرون من خدام أبي وحشمه ، إن قام أحمد قاموا ، وإن جلس جلسوا معه ، وأبي بعد ذلك يرعاه ويبصّرهُ ما يغفل عنه ، فما انقلبنا حَتَّى تشيّخ (1) أحمد بن موسی بيننا). انتهى (2).
وكانت اُمُّه من الخواتين المحترمات ، تدعی : باُمّ أحمد ، وكان الإمام موسی شديد التلطّف بها. ولمّا توجَّه من المدينة إلى بغداد أودعها ودائع الإمامة ، وقال لها : كلّ من جاءك وطلب منك هذه الأمانة في أيِّ وقت من الأوقات ، فاعلمي بأنّي قَدْ استشهدت ، وأنه هو الخليفة من بعدي ، والإمام المفترض الطاعة عليك ، وعلى سائر الناس ، وأمر ابنه الرضا عليه السلام بحفظ الدار.
ولمّا سمّه الرشيد في بغداد جاء إليها الرضا عليه السلام ، وطالبها بالأمانة ، فقالت له اُمّ أحمد : لقد استشهد والدك؟ فقال : بلى ، والآن فرغت من دفنه فأعطني الأمانة التي سلّمها إليك أبي حين خروجه إلى بغداد ، وأنا خليفته والإمام بالحق على تمام الإنس والجنِّ.
فشقّت اُمّ أحمد جيبها ، وردّت عليه الأمانة ، وبايعته بالإمامة (3).
ص: 52
فلمّا شاع خبر وفاة الإمام موسی بن جعفر عليه السلام في المدينة ، اجتمع أهلها على باب اُمّ أحمد ، وسار معهم إلى المسجد.
ولما كان عليه من الجلالة (1) ، ووفور العبادة ، ونشر الشرائع ، وظهور الكرامات ، ظنوا به أنه الخليفة والإمام بعد أبيه ، حينئذ فبايعوه بالإمامة ، فأخذ منهم البيعة ، ثُمَّ صعد المنبر ، وأنشأ خطبة في نهاية البلاغة ، وكمال الفصاحة.
ثُمَّ قال : أيُّها الناس ، كما أنكم جميعاً في بيعتي ، فإني في بيعة أخي علي بن موسی الرضا عليه السلام ، واعلموا أنَّه الإمام والخليفة من بعد أبي ، وهو ولي الله ، والفرض عليّ وعليكم من الله والرسول طاعته ، بكل ما يأمرنا.
فكلُّ من كان حاضراً خضع لكلامه ، وخرجوا من المسجد يقدمهم أحمد بن موسی عليه السلام ، وحضروا باب دار الرضا عليه السلام ، فجدّدوا معه البيعة ، فدعا له الرضا عليه السلام (2) ، وكان في خدمة أخيه مدة من الزَّمان إلى أن أرسل المأمون على الرضا عليه السلام ، وأشخصه إلى خراسان ، وعقد له خلافة العهد ، وهو المدفون بشیراز المعروف : بسيد السادات ، ويعرف عند أهل شيراز بشاه جراغ.
ص: 53
وفي عهد المأمون قصد شيراز مع جماعة ، وكان من قصده الوصول إلى أخيه الرضا عليه السلام. فلمَّا سمع به (قتلغ خان) عامل المأمون على شیراز توجَّه إليه خارج البلد ، في مكان يقال له : خان زینان على مسافة ثمانية فراسخ من شیراز قتلاقی الفريقان ، ووقع الحرب بينهما. فنادى رجل من أصحاب قتلغ : إن كان تريدون ثمَّة الوصول إلى الرضا عليه السلام فقد مات. فحين ما سمع أصحاب أحمد بن موسى ذلك تفرَّقوا عنه ، ولم يبق معه إلا بعض عشيرته وإخوته ، فلمَّا لم يتيسر له الرجوع توجَّه نحو شیراز ، فأتبعه المخلفون ، وقتلوه حيث مرقده هناك (1).
وكتب بعض في ترجمته : (أنه لمّا دخل شیراز اختفى في زاوية ، واشتغل بعبادة ربِّه حَتَّى تُوفّي لأجله ، ولم يطلّع على مرقده أحد ، إلى زمان الأمير : مقرب الدين مسعود بن بدر الدين ، الَّذي كان من الوزراء المقربين لأتابك أبي بكر بن سعد بن زنكي ، فإنه لمّا عزم على تعمير في محل قبره حيث هو الآن ، ظهر له قبر وجسد صحیح غير متغيّر ، وفي إصبعه خاتم منقوش فيه : العزة لله أحمد بن موسی ، فشرحوا الحال لأبي بكر ، فبنى عليه قُبَّة ، وبعد مدة من السنين آذنت بالانهدام ، فجدّدت تعميرها الملكة تاشي خواتون أم السلطان الشيخ أبي إسحاق ابن السلطان محمود ، وبنت عليه قُبَّة عالية ، وإلى جنب ذلك مدرسة ، وجعلت قبرها في جواره ، وتاريخه يقرب من سنة 750 هجرية) (2).
وفي سنة 1243 ﻫ جعل السلطان فتح علي شاه القاجاري عليه مشبّكاً من الفضة الخالصة ، ويوجد على قبره نصف قرآن بقطع البياض بالخطّ الكوفي الجيد
ص: 54
على ورق من رَقِّ الغزال ، ونصفه الآخر بذلك الخطّ في مكتبة الرضا عليه السلام ، وفي آخره : (كتبه علي بن أبي طالب) ، فلذلك كان الاعتقاد بأنه خطه عليه السلام ، وأورد بعض أنَّ مخترع علم النحو لا يكتب المجرور مرفوعاً.
والَّذي ببالي أن غير واحد من النحاة ، وأهل العربية صرّح : بأن الأب والابن إذا صارا علمين يعامل معهما معاملة الأعلام الشخصية في أحكامها ، وصرّح بذلك صاحب (التصريح) (1).
وقال أبو البقاء في آخر كتابه (الكُلّيات) : (وممَّا جرى مجرى المثل الَّذي لا يغيّر : (علي بن أبي طالب) حَتَّى ترك في حالي النصب والجر على لفظه في حالة الرفع ؛ لأنه اشتهر في ذلك ، وكذلك معاوية بن أبي سفيان ، وأبو اُميَّة) ، انتهي (2).
وظني القوي : أن القرآن بخط علي عليه السلام لا يوجد إلا عند الحجّة صلوات الله عليه ، وأن القرآن المُدعی کونه بخطه عليه السلام هو علي بن أبي طالب المغربي ، وكان معروفاً بحسن الخط الكوفي ، ونظير هذا القرآن بذلك الرقم بعينه يوجد في مصر في مقام رأس الحسين عليه السلام ، كما ذكرنا : أنه كان يوجد نظيره أيضاً في المرقد العلوي المرتضوي ، وأنه احترق فيما احترق.
هذا وربّما يُنقل عن بعض أنَّ مشهد السيِّد أحمد المذكور في بلخ ، والله العالم.
وفي بيرم من أعمال شیراز مشهد يُنسب إلى أخي السيِّد أحمد يُعرف عندهم بشاه علي أكبر ، ولعلّه هو الَّذي عدّه صاحب (العمدة) من أولاد موسی بن
ص: 55
جعفر عليه السلام وسمّاه علياً (1).
وأمّا القاسم بن موسى عليه السلام كان يحبُّه أبوه حبّاً شديداً ، وأدخله في وصاياه ، وفي باب الإشارة والنصّ على الرضا عليه السلام من الكافي في حديث أبي عمارة ، يزيد بن سليط الطويل ، قال أبو إبراهيم : «اُخبرك يا أبا عمارة أنّي خرجت من منزلي ، فأوصيت إلى ابني فلان - يعني : علياً الرضا عليه السلام - وأشركت معه بنيّ في الظاهر ، وأوصيته في الباطن ، فأفردته وحده ، ولو كان الأمر إليّ لجعلته في القاسم ابني ؛ لحبِّي إياه ، ورأفتي عليه ، ولكنَّ ذلك إلى الله عزَّ وجلَّ ، يجعله حيث يشاء. ولقد جاءني بخبره رسول الله صلى الله عليه وآله ، وجدّي علي عليه السلام ، ثُمَّ أرانيه وأراني من يكون معه ، وكذلك لا يوصّى إلى أحد منَّا حَتَّى يأتي بخبره رسول الله صلى الله عليه وآله ، وجدّي علي عليه السلام ، ورأيت مع رسول الله خاتماً ، وسيفاً ، وعصاً ، وكتاباً ، وعمامة ، فقلت : ما هذا يا رسول الله؟ فقال لي : أمّا العمامة فسلطان الله عزَّ وجلَّ ، وأمّا السيف فعزّ الله تبارك وتعالى ، وأمّا الكتاب فنور الله تبارك وتعالى ، وأمّا العصا فقوة الله عزَّ وجلَّ ، وأمّا الخاتم فجامع هذه الأُمور.
ثُمَّ قال لي : والأمر قَدْ خرج منك إلى غيرك ، فقلت : يا رسول الله ، أرنيه أيّهم هو؟ فقال رسول الله : ما رأيتُ من الأئمّة أحداً أجزع على فراق هذا الأمر منك ، ولو كانت الإمامة بالمحبة ؛ لكان إسماعيل أحبّ إلى أبيك منك ، ولكنَّ ذلك من الله» (2).
وفي الكافي أيضاً ، بسنده إلى سليمان الجعفري ، قال : «رأيت أبا الحسن عليه السلام يقول لابنه القاسم : قُم يا بني ، فاقرأ عند رأس أخيك : ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا﴾ (3) حَتَّی
ص: 56
تستتمها ، فقرأ ، فلمَّا بلغ : ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا﴾ (1) قضى الفتى ، فلمَّا سُجِّي وخرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر ، فقال له : كنا نعهد الميِّت إذا نزل به الموت يُقرأ عنده : ﴿يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ (2) ، فصرت تأمرنا بالصافات؟! فقال : يا بني ، لم تُقرأ عند مکروب من موت قطّ إلّا عجَّل الله راحته» (3).
ونصّ السيِّد الجليل علي بن طاووس على استحباب زيارة القاسم ، وقرنه بالعبَّاس ابن أمير المؤمنين عليه السلام ، وعلي بن الحسين عليه السلام المقتول بالطف. وذكر لهم ولمن يجري مجراهم زيارة يزارون بها ، من أرادها وقف عليها في كتابه (مصباح الزائرين) (4).
وقال في البحار : (والقاسم بن الكاظم عليه السلام - الَّذي ذكره السيد رحمه الله - قبره قريب من الغريّ) (5).
ص: 57
وما هو معروف في الألسنة من أن الرضا عليه السلام قال فيه : «من لم يقدر على زيارتي فليزر أخي القاسم» كذب ، لا أصل له في أصل من الاُصول ، وشأنه أجلّ من أن يُرغَّب الناس في زيارته بمثل هذه الأكاذيب (1).
وأمّا محمّد بن موسى عليه السلام : ففي الإرشاد : (أنه من أهل الفضل ، والصلاح - ثُمَّ
ص: 58
ذكر ما يدل على مدحه ، وحسن عبادته -) (1).
وفي رجال الشيخ أبي علي ، نقلاً عن حمد الله المستوفي في (نزهة القلوب) : (أنه مدفون أخيه شاه جراغ في شيراز ، وصرّح بذلك أيضاً السيِّد الجزائري في الأنوار ، قال : وهما مدفونان في شيراز ، والشيعة تتبرّك بقبورهما (بقبريهما - ظ) ، وتكثر زيارتهما ، وقد زرناهما كثيراً) ، انتهى (2).
يقال : (إنه في أيام الخلفاء العبَّاسية (العبَّاسيين - ظ) دخل شیراز واختفى بمكان ، ومن أجرة كتابة القرآن أعتق ألف نسمة) (3).
واختلف المؤرخون في : أنه الأكبر ، أو السيِّد أحمد؟
وكيف كان : فمرقده في شيراز معروف ، بعد أن كان مخفياً على زمان أتابك ابن سعد بن زنكي ، فبُني له قُبَّة في محلَّة (باغ قتلغ) ، وقد جُدّد بناؤه مرات عديدة :
منها : في زمان السلطان نادر خان ، وفي سنة 1296 رمثه (4) النواب اُويس ميرزا
ص: 59
ابن النواب الأعظم ، العالم ، الفاضل الشاه زاده فرهاد ميرزا القاجاري (1).
وأمّا الحسين بن موسی ويلقّب بالسيد علاء الدين ، فقبره أيضاً في شيراز ، معروف ذكره شيخ الإسلام : شهاب الدين أبو الخير حمزة بن حسن بن مودود ، حفيد الخواجة : عز الدين مودود بن محمّد بن معين الدين محمود ، المشهور بزر کوش الشيراز ، المنسوب من طرف الأم إلى أبي المعالي مظفر الدین بن محمّد بن روزبهان ، توفّي حدود سنة 800 ﻫ ذكره المؤرخ الفارسي في تاريخه المعروف بشیراز نامة ، وملخَّصُ ما ذكره :
إنَّ قتلغ خان كان والياً على شيراز ، وكان له حديقة في مكان ، حيث هو مرقد السيِّد المذكور ، وكان بوّاب تلك الحديقة رجلاً من أهل الدين ، وكان يرى في ليالي الجمعة نوراً يسطع من مرتفع في تلك الحديقة ، فأبدى حقيقة الحال إلى الأمير : قتلغ ، وبعد مشاهدته لما كان يشاهده البوّاب ، وزيادة تجسّسه وكشفه عن ذلك المكان ؛ ظهر له قبر ، وفيه جسد عظيم ، في كمال العظمة ، والجلال ، والطراوة ، والجمال ، بيده مصحف ، وبالأُخرى سيف مصلت.
فبالعلامات والقرائن علموا : أنه قبر حسين بن موسى عليه السلام ، فبنى له قُبَّة ورواقاً.
الظاهر : أن قتلغ خان هذا ، غير الَّذي حارب أخاه السيِّد أحمد ، ويمكن أن تكون الحديقة باسمه ، والوالي الَّذي أمر ببناء مشهده غيره ، فإن قتلغ خان لقب جماعة ، كأبي بكر بن سعد الزنكي ، واحدٌ [من] (2) أتابكية أذربيجان ، بل هم (3) من
ص: 60
الدول الإسلامية ، كرسيُّ ملكها : کرمان ، عدد ملوكها : ثمانية ، نشأت سنة 619 ﻫ، وانقضت سنة 703 ﻫ ؛ إذ من المعلوم أن ظهور مرقده كان بعد وفاته بسنين.
وكتب بعضهم : أن السيِّد علاء الدين حسين كان ذاهباً إلى تلك الحديقة فعرفوه أنه من بني هاشم ، فقتلوه في تلك الحديقة ، وبعد مضي مدَّة ، وزوال آثار الحديقة ، بحيث لم يبق منها إلا ربوة مرتفعة ، عرفوا قبره بالعلامات المذكورة. وكان ذلك في دور الدولة الصفوية.
وجاء رجل من المدينة يقال له : ميرزا علي وسكن شیراز ، وكان مثرياً ، فبنی عليه قُبَّة عالية ، وأوقف عليه أملاكاً وبساتين ، ولمّا توفّي دُفن بجنب البقعة ، وتولية الأوقاف كانت بيد ولده ميرزا نظام الملك ، أحد وزراء تلك الدولة ، ومن بعده إلى أحفاده ، والسلطان خليل الَّذي كان حاكماً في شيراز من قبل الشاه إسماعيل بن حيدر الصفوي ، رمث (1) البقعة المذكورة ، وزاد على عمارتها السابقة في سنة 810.
وأمّا حمزة بن موسی : فهو المدفون في الري ، في القرية المعروفة : بشاه زاده عبد العظيم ، وله قُبَّة وصحن ، وخدّام.
وكان الشاهزادة عبد العظيم على جلالة شأنه ، وعظم قدره ، يزوره أيام إقامته في الريَّ ، وكان يُخفي ذلك على عامَّة الناس ، وقد أسرّ على بعض خواصه : أنه قبر رجل من أبناء موسی بن جعفر عليه السلام (2). (3)
ص: 61
وممَّن فاز بقرب جواره بعد الممات : هو الشيخ الجليل ، السعيد ، قدوة المفسرین : جمال الدين أبو الفتوح حسين بن علي الخزاعي الرازي : صاحب التفسير المعروف ب-(روض الجنان) في عشرين مجلّداً فارسياً ، إلّا أنّه عجیب ، ومكتوب على قبره اسمه ونسبه بخطّ قدیم. فما في مجالس المؤمنين من أن قبره في أصفهان ، بعيد جداً (1).
وفي تبریز : مزار عظيم يُنسب إلى حمزة ، وكذلك في قم في وسط البلدة ، وله ضریح. وذكر صاحب (تاريخ قم) : (أنه قبر حمزة ابن الإمام موسى عليه السلام) (2).
والصحيح : ما ذكرنا ، ولعلَّ المزار المذكور لبعض أحفاد موسی بن جعفر عليه السلام.
وأمّا المرقدان في صحن الكاظمين عليهما السلام فيقال : إنهما من أولاد الكاظم عليه السلام ، ولا يُعلم حالهما في المدح والقدح ، ولم أر من تعرّض لهذين المرقدين.
نعم ، ذكر العلّامة السيِّد مهدي القزويني في مزار کتابه (فلك النجاة) : (أن الأولاد الأئمة قبرين مشهورين في مشهد الإمام موسى عليه السلام من أولاده ، لكن لم يكونا من المعروفين. وقال: إن أحدهم اسمه : العبَّاس ابن الإمام موسى عليه السلام ، الَّذي ورد في
ص: 62
حقّه القدح). انتهى (1).
قلت : والمكتوب في لوح زيارة المرقدين أن أحدهما إبراهيم ، وقد تقدم أنه أحد المدفونين في الصحن الكاظمي.
والآخر : إسماعيل. ولعل الَّذي يُعرف بإسماعيل : هو العبَّاس بن موسى. وقد عرفت ذمَّه من أخيه الرضا عليه السلام بما لا مزيد عليه ، ويؤيده ما هو شائع على الألسنة : من أن جدّي بحر العلوم - طاب ثراه - لمّا خرج من الحرم الكاظمي أعرض عن زيارة المشهد المزبور ، فقيل له في ذلك ؛ فلم يلتفت (2).
وأمّا إسماعيل بن موسی ، الَّذي هو صاحب الجعفريات ، فقبره في مصر (3) ، وكان ساكناً به ، وولده هناك ، وله كتب يرويها عن أبيه ، عن آبائه ، منها : کتاب الطهارة ، کتاب الصلاة ، کتاب الزكاة ، کتاب الصوم ، کتاب الحج ، کتاب الجنائز ، کتاب الطلاق ، کتاب الحدود ، کتاب الدعاء ، کتاب السنن والآداب ، کتاب الرؤيا. كذا في رجال النجاشي (4).
ص: 63
وفي تعليقات الرجال : (أن كثرة تصانيفه ، وملاحظة عنواناتها ، وترتيباتها ، ونظمها ، تشير إلى المدح ، مضافاً إلى ما في [خبر] (1) صفوان بن يحيى : أن أبا جعفر - أعني : الجواد عليه السلام - بعث إليه بحنوط : وأمر إسماعيل بن موسى بالصلاة عليه.
قال : والظاهر : أنه هذا ، وفيه أشعار بنباهته) ، انتهى (2).
وفي مجمع الرجال لمولانا عناية الله : (أنه هو جزماً ، وقال : يدل على زيادة جلالته جداً) (3).
وفي رجال ابن شهر آشوب : (إسماعيل بن موسی بن جعفر الصادق عليه السلام سكن مصر وولده بها ، ثُمَّ عدّ كتبه المذكورة) (4).
ولا يخفى ظهور كون الرجل من الفقهاء عندهم ، وفي القرية المعروفة : بفيروز کوه ، مزار ينسب إلى إسماعيل ابن الإمام موسی عليه السلام أيضاً (5).
وأمّا إسحاق : فمن نسله الشريف أبو عبد الله ، المعروف : بنعمة ، وهو محمّد بن الحسن بن إسحاق بن الحسن بن الحسين بن إسحاق بن موسی بن جعفر عليه السلام ، الَّذي كتب الصدوق له (من لا يحضره الفقيه) ، كما صرّح به في أول الكتاب المزبور (6).
يوجد في أطراف الحلَّة مزار عظيم ، وله بقعة وسيعة ، وقبة رفيعة تُنسب إلى
ص: 64
حمزة ابن الإمام موسی عليه السلام (1) ، تزوره الناس وتنقل له الكرامات. ولا أصل لهذه الشهرة. بل هو قبر حمزة بن قاسم بن علي بن حمزة بن حسن بن عبيد الله بن العبَّاس ابن أمير المؤمنين عليه السلام ، المكنَّى بأبي يَعلَى (2) ، ثقة جليل القدر ذكره
ص: 65
النجاشي في الفهرست ، وقال : (إنه من أصحابنا ، كثير الحديث ، له كتاب من روى عن جعفر بن محمّد عليه السلام من الرجال ، وهو كتاب حسن ، وكتاب التمهید ، وكتاب الزيارات والمناسك ، وكتاب الرد على محمّد بن جعفر الأسدي) (1).
وأمّا زيد فقد خرج بالبصرة ، فدعا إلى نفسه ، وأحرق دوراً ، وأعاث ، ثُمَّ ظُفر به وحُمل إلى المأمون.
قال زيد : (لمّا دخلت على المأمون نظر إليّ ثُمَّ قال : اذهبوا به إلى أخيه أبي الحسن علي بن موسى ، فتركني بين يديه ساعة واقفاً ، ثُمَّ قال : يا زيد ، سوءةً لك : ما أنت قائل لرسول الله صلى الله عليه وآله إذا سفكت الدماء ، وأخفتَ السبيل ، وأخذت المال من غير حلّه ، غرّك حديث حمقى أهل الكوفة : أن النبي صلى الله عليه وآله قال : إن فاطمة أحصنت فرجها ، فحرّمها الله وذرِّيتها على النار ، إن هذا لمن خرج من بطنها : الحسن والحسين عليهما السلام فقط. والله ما نالوا ذلك إلا بطاعة الله ؛ فلئن أردت أن تنال بمعصية الله ما نالوا بطاعته ، إنك إذاً لأكرم عند الله منهم) (2).
وفي العيون : (إنه عاش زيد بن موسى إلى آخر خلافة المتوكّل ، ومات بسُرَّ من
ص: 66
رأى) (1).
وكيف كان فهذا زيد هو المعروف بزيد النار ، وقد ضعَّفه أهل الرجال ، ومنهم : المجلسي في وجيزته (2).
وفي العمدة : (أنه حاربه الحسن بن سهل ، فظفر به ، وأرسله إلى المأمون ، فأدخله عليه بمرو مقيَّداً ، فأرسله المأمون إلى أخيه علي الرضا عليه السلام ، ووهب له جرمه ، فحلف علي الرضا عليه السلام : أن لا يكلّمه أبداً ، وأمر بإطلاقه ، ثُمَّ إنَّ المأمون سقاه السمَّ فمات) (3).
هذا وقال ابن شهر آشوب صاحب المعالم (4) : (حكيمة بنت أبي الحسن موسی بن جعفر عليه السلام قالت : لمّا حضرت ولادة الخيزران اُمّ أبي جعفر عليه السلام دعاني الرضا عليه السلام ، فقال : يا حكيمة ، أحضري ولادتها ، وادخُلي وإيَّاها والقابلةَ بيتاً. ووضع لنا مصباحاً ، وأغلق الباب علينا ، فلمَّا أخذها الطلق طُفي المصباح وبين يديها طست فاغتممت بطفي المصباح ، فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر عليه السلام في الطست ، وإذا
ص: 67
عليه شيء رقيق ، كهيئة الثوب ، يسطع نوره حَتَّى أضاء البيت ، فأبصرناه ، فأخذته فوضعته في حجري ، ونزعت عنه ذلك الغشاء.
فجاء الرضا عليه السلام ففتح الباب ، وقد فرغنا من أمره ، فأخذه فوضعه في المهد ، وقال : يا حكيمة إلزمي مهده. قالت : فلمَّا كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ، [ثُمَّ نظر يمينه ويساره] (1) ، ثُمَّ قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمّداً رسول الله. فقمتُ ذَعِرَةً فَزِعَةً ، فأتيت أبا الحسن عليه السلام ، فقلت له : قَدْ سمعت من هذا الصبي عجباً. فقال : ما ذاك؟ فأخبرته الخبر ، فقال : يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر) ، انتهى (2).
وحكيمة بالكاف - كما صرّح به جدّي بحر العلوم رحمه الله : (وأمّا حليمة - باللام - فمن تصحيف العوام) (3).
قلت : وفي جبال طريق بهبهان مزار ، يُنسب إليها ، يزوره المتردِّدون من الشيعة (4).
وأمّا فاطمة : فقد روى الصدوق في (ثواب الأعمال) ، و (العيون) أيضاً ، بإسناده ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن فاطمة بنت موسی بن جعفر عليها السلام؟ فقال : «من زارها فله الجنَّة» (5).
وفي كامل الزيارة مثله ، وفيه أيضاً بإسناده عن ابن الرضا - أعني : الجواد عليه السلام -
ص: 68
قال : «من زار عمَّتي بقم فله الجنَّة» (1).
وفي مزار البحار : رأيت في بعض كتب الزيارات : حدّث علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن سعد ، عن علي بن موسى الرضا عليه السلام ، قال : «يا سعد ، عندكم لنا قبر؟ قلت : جُعلت فداك ، قبر فاطمة بنت موسی عليهما السلام ، قال : نعم ، من زارها عارفاً بحقّها فله الجنَّة» (2).
وعن (تاريخ قم) للحسن بن محمّد القمي : بإسناده عن الصادق عليه السلام قال : «إن لله حرماً وهو مكة ، ولرسوله حرماً وهو المدينة ، ولأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة ، ولنا حرماً وهو قم ، وستُدفن فيه امرأة من ولدي تسمی : فاطمة ؛ من زارها وجبت له الجنَّة. قال عليه السلام ذلك ولم تحمل بموسى عليه السلام اُمُّه» (3).
وبسند آخر عنه : «أن زيارتها تعدلُ الجنَّة» (4).
قلت : وهي المعروفة اليوم بمعصومة ، ولها مزار عظيم ، ويُذكر في بعض كتب التاريخ : أن القُبَّة الحالية التي على قبرها من بناء سنة 529 ﻫ، بأمر المرحومة : شاه بیکم بنت عماد بيك.
وأمّا تذهيب القُبَّة مع بعض الجواهر الموضوعة على القبر ، فهي من آثار السلطان : فتح علي شاه القاجاري (5).
ص: 69
وأمّا فاطمة الصغرى ، وقبرها في بادکوبة خارج البلد ، يبعد عنه بفرسخ من جهة جنوب البلد ، واقع في وسط مسجد بناؤه قدیم. هكذا ذكره صاحب مرآة البلدان.
وفي رشت مزار : (يُنسب إلى فاطمة الطاهرة : اُخت الرضا عليه السلام ، ولعلها غير من ذكرناها) (1).
فقد ذكر سبط ابن الجوزي في (تذكرة خواص الاُمَّة) في ضمن تعداد بنات موسی بن جعفر عليه السلام : (أربع فواطم : کبری ، ووسطی ، وصغرى ، واُخرى ، والله أعلم) (2).
ومن جملة المدفونين بجنب الإمامين ، الهمامين ، الكاظمين عليهما السلام ، القاضي أبو يوسف : يعقوب بن إبراهيم ، أحد صاحبي أبي حنيفة ، والآخر هو محمّد بن الحسن الشيباني (3). كانت ولادة القاضي المذكور سنة 113 ﻫ، وتوفي وقت الظهر ، في الخامس من ربيع الأول ، سنة 182 ﻫ، وقبره بجنب مشهدهما عليه السلام معلوم (4).
وممَّن فاز أيضاً بقرب الجوار بعد الموت : النواب فرهاد ميرزا ، معتمد الدولة ، خلف المرحوم عبَّاس ميرزا ابن فتح علي شاه القاجاري ، وولي عهده السابق ،
ص: 70
وكان من النواب المذكور من فحول فضلاء الدورة القاجارية ، معروفاً بوسعة التتبع والاستحضار ، خصوصاً في فَنَّي التاريخ والجغرافيا ، واللُّغة الإنكليسية.
وله مآثر مأثورة منها : كتابه الموسوم (بجام جم) في تاريخ الملوك والعالم ، وكتاب (القمقام الزخّار والصمصام البتّار) في المقتل ، وكتاب (الزنبيل) يجري مجرى الكشكول ، و (شرح خلاصة الحساب بالفارسية ، و (هداية السبيل وكفاية الدليل) رحلة زيارته بيت الله الحرام.
ومن أعظم آثاره : تعمير صحن الإمام موسی بن جعفر عليه السلام ، وتذهیب رؤوس منائره الأربع ، كما هو المشاهد الآن ، ومدَّة التعمير ستّ سنين ، وفرغ من تعميره سنة 1299 ﻫ وتوفي سنة 1305 ﻫ في طهران ، وحُمل نعشه إلى الكاظمين عليهما السلام ، ودفن بباب الصحن الشريف الكاظمي ، حيث لا يخفى (1).
ص: 71
ص: 72
وكنيته : أبو الحسن الثالث ، كان مولده يوم الثلاثاء ، وقيل : يوم الخميس ، وقيل : يوم الجمعة ، في الحادي عشر من شهر ذي القعدة ، وقيل : ذي الحجة ، سنة 148 من الهجرة على ما ذكره المفيد في (الإرشاد) ، والكليني في (الكافي) ، والشيخ في (التهذيب) (1) ، وقيل سنة 153 ﻫ (2).
ونسب إلى ما رواه (3) الصدوق : (من بعد وفاة الصادق عليه السلام بخمس سنين في المدينة) (4).
اُمُّه اُمّ ولد ، يقال لها : اُمّ البنين.
والمروي أن حميدة : اُمّ موسی بن جعفر عليهما السلام لمّا اشترتها. رأت رسول الله في المنام ، وقد أمرها بأن يقطعها (تقطعها - ظ) إلى الإمام موسی عليه السلام ، وأخبرتها (وأخبرها - ظ) بأنه يلد منها الرضا عليه السلام (5).
قيل : لم يُعرف له ولد سوى ابنه الإمام محمّد بن علي ، كما هو في
ص: 73
(الإرشاد) (1) ، والأصح : أن له أولاد ، أو قَدْ ذكر غير واحد من العامة : له خمسة بنين ، وابنة واحدة. وهم :
محمّد القانع ، والحسن ، وجعفر ، وإبراهيم ، والحسين ، وعائشة (2).
وفي بعض كتب الأنساب : مذكورٌ العقبُ من بعضهم فلاحظ (3).
ص: 74
وفي قوجان مشهد عظيم يُعرف : بسلطان إبراهيم بن علي بن موسی الرضا عليه السلام.
ومن عجيب ما يوجد في ذلك المشهد من الآثار بعض الأوراق من كلام الله المجيد هي بخط : بأي سنقر بن شاه رخ ابن أمير تیمور الكرر كاني يقال : إن السلطان نادر شاه الأفشاري جاء بها من سمرقند إلى هذا المشهد ، وطول الصفحة في ذراعين ونصف ، وعرضها في ذراع وعشرة عقود ، وطول السطر في ذراع ، وعرضه خمسة عقود ، والفاصل ما بين السطرين ربع ذراع ، بقلم غلیظ في عرض ثلاث أصابع (1).
والسلطان ناصر الدین شاه القاجاري : لمّا سافر إلى خراسان لزيارة الرضا عليه السلام
ص: 75
جاء بورقتين منها إلى طهران ، جعلها في متحفه الملوكي.
وكيف كان : فإن المأمون الخليفة العبَّاسي أشخص الرضا عليه السلام من المدينة إلى خراسان ، سنة 200 من الهجرة ، ولمّا رجع إلى بغداد ؛ لاختلال وقع في العراق ، أنهض معه الرضا عليه السلام ، وسمّه في قرية بطوس ، كما هو المشهور بين الإمامية ، فقُبض عليه السلام بها في يوم الثلاثاء في السابع عشر من شهر صفر ، وذكر الصدوق رحمه الله : في يوم الجمعة الإحدى والعشرين من رمضان (1).
وذكر المفيد رحمه الله في تاريخه : (أن اليوم الثالث والعشرين من ذي القعدة كانت وفاته ، سنة 203 ﻫ على المشهور) (2).
وفي الكافي عن محمّد بن سنان : (أنه قُبض عليه السلام في سنة 202 ﻫ) (3).
وذكر النجاشي في ترجمة أحمد بن عامر رواية تؤيّد هذا القول ، وهي : (أنه مات الرضا عليه السلام بطوس سنة اثنتين ومائتين يوم الثلاثاء ، لثمانٍ خلون من جمادی الأولى) (4).
وأورد صاحب کتاب (تاريخ نيسابور) : (أن علياً الرضا ابن موسی بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي بن الحسين عليهم السلام ، لمّا دخل نیسابور كان في قُبَّة مستورة ، على بغلة شهباء ، وقد شقّ بها السوق ، فعرض له الإمامان الحافظان : أبو
ص: 76
زرعة الرازي ، وابن أسلم الطوسي ، ومعهما من أهل العلم والحديث ما لا يُحصى ؛ فقالا : يا أيُّها السيِّد الجليل ابن السادة الأئمة ، بحق آبائك ، وأجدادك الأطهرين ، وأسلافك الأكرمين إلا ما أريتنا وجهك الميمون ، ورويت لنا حديثاً عن آبائك ، عن جدِّك نذكرك به. فاستوقف غلمانه ، وأمر بكشف المظلّة ، وأقرَّ عيون الخلائق برؤية طلعته ، وإذا له ذؤابتان متدلّيتان (1) على عاتقه ، والناس قيام على طبقاتهم ينظرون ما بين باكِ ، وضارعِ (2) ، ومتمرِّغ في الترابِ ، ومقبّل لحافر بغلته ، وعلا الضجيج ، فصاحت الأئمَّة الأعلام : معاشر الناس أنصتوا ، واسمعوا ما ينفعكم ، ولا تؤذونا بصراخكم ، وكان المستملي أبا زرعة ، ومحمّد بن أسلم الطوسي.
فقال علي الرضا عليه السلام : «حدثني أبي موسى الكاظم ، عن أبيه جعفر الصادق ، عن أبيه محمّد الباقر ، عن أبيه زين العابدين ، عن أبيه شهيد کربلا ، عن أبيه علي المرتضی ؛ قال : حدثني حبيبي وقرة عيني رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال : حدّثني جبرئيل عليه السلام ، قال : حدَّثني ربّ العزَّة سبحانه وتعالى ، قال : كلمة لا إله إلا الله حصني ؛ فمن قالها دخل حصني ، ومن دخل حصني أمن من عذابي» ، ثُمَّ أرخی الستر على القُبَّة (3) ، وسار.
قال : قُعدّ أهل المحابر والدواوين الَّذين كانوا يكتبون ، فأنافوا على عشرين ألفا.
(قال أحمد : لو قُرئ هذا الإسناد علی مجنون لأفاق من جنونه) (4).
ص: 77
وقال أبو القاسم القشيري : اتصل هذا الحديث بهذا السند ببعض اُمراء السامانية ، فكتبه بالذهب ، وأوصى أن يُدفن معه في قبره ، فرُئي في المنام بعد موته ، فقيل له : ما فعل الله بك؟ فقال : غفر لي بتلفظي : بلا إله إلا الله ، وتصديقي : أنَّ محمّداً رسول الله.
هكذا أورده المنّاوي - من العامَّة - في شرحه الكبير على الجامع الصغير) (1).
وقال في الجواهر : (ولعلَّه لذا سُمّي بسلسلة الذهب ، وإنّي كثيراً ما أكتبه في كأس ، وأمحوه بماء ، وأضع عليه شيئاً من تربة الحسين ؛ فأرى تأثيره سريعاً والحمد لله. ولي فيه رؤيا عن أمير المؤمنين عليه السلام تصدّق ذلك ، لكنَّها مشروطة بالصدقة بخمسة قروش) (2).
وعن أمالي الصدوق رحمه الله بسنده عن إسحاق بن راهويه قال : «لما وافی أبو الحسن الرضا عليه السلام نيسابور ، وأراد أن يرحل منها إلى المأمون ، اجتمع إليه أصحاب الحديث ، فقالوا : يا بن رسول الله ، ترحَلُ عنّا ، ولا تحدِّثنا بحديث فنستفيده منك؟ وقد كان قعد في العمَّارية ، فأطلع رأسه ، وقال : سمعت أبي موسی بن جعفر يقول : سمعت أبي جعفر بن محمّد يقول : سمعت أبي محمّد بن علي يقول : سمعت أبي علي بن الحسين يقول : سمعت أبي الحسين بن علي يقول : سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : سمعت جبرئيل عليه السلام يقول : سمعت الله عزَّ وجلَّ يقول : لا إله إلا الله حصني ، فمن دخل حصني أمن من عذابي. فلمّا مرّت الراحلة ، نادانا :
ص: 78
بشروطها ، وأنا من شروطها» (1).
ذكر جماعة من أصحاب السِّير والتاريخ ، ورواة الأخبار بأيام الخلفاء : (أنَّ المأمون لمّا أراد ولاية العهد الرضا عليه السلام ، وحدّث نفسه بذلك وعزم عليه ، أحضر الفضل بن سهل ، وأخبره بما في عزمه ، وأمره بمشاورة أخيه الحسن في ذلك.
فاجتمعا وحضرا عند المأمون ، فجعل الحسن يعظّم ذلك عليه ، ويعرّفه ما في خروج الأمر عن أهل بيته.
فقال المأمون : إنّي عاهدت الله تعالى : إنّي إنْ ظفرتُ بالمخدوع - وفي نسخة الإرشاد (المخلوع) عوض (المخدوع) ، والمراد منه : محمّد الأمين - سلّمت الخلافة إلى أفضل بني طالب ، وهو أفضلهم ، ولا بدّ من ذلك.
فلمّا رأيا تصميمه ، وعزمه على ذلك ، أمسكا عن معارضته ، فقال : تذهبان إليه الساعة ، وتخبر انه بذلك عنّي ، وتلزمانه به.
فذهبا إلى الرضا عليه السلام وأخبراه بذلك وألزماه ، فامتنع ، فلم يزالا به حَتَّى أجاب على أنه : لا يأمر ولا ينهى ، ولا يعزل ولا يُولّي ، ولا يتكلَّم بين اثنين في حكومة ، ولا يغيّر شيئاً ممَّا هو قائم على أصله.
فأجابه المأمون إلى ذلك. ثُمَّ إنَّ المأمون جلس مجلساً لخواصّه من الوزراء والحجّاب والكتّاب ، وأهل الحلّ والعقد ، وكان ذلك في يوم الخميس ، لخمس خلون من شهر رمضان سنة 201 ﻫ، وقال للفضل بن سهل : أخبر الجماعة الحاضرين برأي
ص: 79
أمير المؤمنين في الرضا علي بن موسى عليه السلام ، وأنّه : ولّاه العهد ، وأمرهم بلبس الخضرة ، والعود لبيعته في الخميس الثاني.
فحضروا ، وجلسوا على مقادیر طبقاتهم ومنازلهم ، كلّ في موضعه ، وجلس المأمون ، ثُمَّ جيء بالرضا عليه السلام ، فجلس بين وسادتين عظيمتين ، وُضعتا له ، وهو لابس الخضرة ، وعلى رأسه عمامة ، تقلّد سيفاً ، فأمر المأمون ابنه العبَّاس بالقيام إليه ، ومبايعته أول الناس.
فرفع الرضا عليه السلام يده وجعلها من فوق ، فقال له المأمون : ابسط يدك ، فقال : هكذا كان يبايع رسول الله صلى الله عليه وآله يده فوق أيديهم.
فقال له : افعل ما ترى. ثُمَّ وُضعت بِدَرُ الدراهم ، والدنانير ، والثياب ، والخِلَع. وقام الخطباء والشعراء ، وذكروا ما كان من أمر المأمون من ولاية عهده للرضا عليه السلام ، وذكروا فضل الرضا عليه السلام ، وفُرّقت الصّلات والجوائز على الحاضرين على حسب مراتبهم ، وأول من بُدئ به العلويون ، ثُمَّ العبَّاسيون ، ثُمَّ باقي الناس ، ثُمَّ إنَّ المأمون قال للرضا عليه السلام : قم فاخطب الناس.
فقام عليه السلام ، فحمد الله وأثنى عليه ، وثنّى بذکر نبيَّه محمّد صلى الله عليه وآله ، فصلّى عليه وقال : أيُّها الناس ، إنَّ لنا عليكم حقّاً برسول الله صلى الله عليه وآله ، ولكم علينا حقّ به ، فإذا أديتم إلينا ذلك ، وجب لكم علينا الحكم والسلام.
ولم يُسمع منه في هذا المجلس غير هذا ، وخُطب للرضا عليه السلام بولاية العهد في كلّ بلد ، وخطب عبد الجبّار بن سعيد في تلك السنة على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله بالمدينة. فقال في الدعاء للرضا عليه السلام وهو على المنبر : ولي عهد المسلمین علي بن موسی بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي عليه السلام.
وأنشد :
ستَّة آباءٍ هُمُ ما هُمُ *** أفضلُ مَنْ يشرَبُ صوبَ الغَمامْ
ص: 80
وذكر المدائني ، قال : لمّا جلس الرضا عليه السلام ذلك المجلس ، وهو لابس تلك الخِلَع ، والشعراء ، والخطباء يتكلَّمون ، وتلك الألوية تخفق على رأس الرضا عليه السلام ، نظر إلى بعض أصحابه الحاضرين ممَّن كان يختصّ به ، وقد داخله من السرور ما لا مزيد عليه ؛ وذلك لِما رأى ، فأشار إليه الرضا عليه السلام ، فدنا منه ، فقال له في اُذنه سرّاً : لا تشغل قلبك بشيء ممَّا ترى من هذا الأمر ، ولا تستبشر به ؛ فإنَّه لا يتمّ) (1).
وهذه صورة مختصرة من كتاب العهد ، الَّذي كتبه المأمون بخطّه للرضا عليه السلام.
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب كتبه عبد الله بن هارون الرشيد لعلي بن موسی بن جعفر وليّ عهده.
أمّا بعدُ : فإنَّ الله عزَّ وجلَّ اصطفى الإسلام ديناً ، واختار له من عباده رسلاً ، دالّین عليه ، وهادين إليه ، يبشّر أولهم بآخرهم ، ويصدّق تاليهم ماضيهم ، حَتَّى انتهت نبوَّةُ الله إلى محمّد صلى الله عليه على فترة من الرسل ، ودروس من العلم ، وانقطاع من الوحي ، واقتراب من الساعة ، فختم الله به النبيين ، وجعله شاهداً عليهم ومهيمناً ، وأنزل عليه كتابه العزيز الَّذي ﴿لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ (2).
فلمَّا انقضت النبوة ، وختم الله بمحمّد صلى الله عليه وآله الرسالة ، جعل قوام الدين ، ونظام أمر المسلمين في الخلافة ونظامها ، والقيام بشرائعها وأحكامها ، ولم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة ، وحمل مشاقّها ، وخبر مرارةَ طعمها وذاقها ، مُسهِراً لعينيه ، مُنْصِباً لبدنه ، مُطيلاً لفكره ، فيما فيه عز الدين وقمع المشركين ، وصلاح الأمَّة وجمع الكلمة ، ونشر العدل ، وإقامة الكتاب والسنة ، ومنعه لك من الخفض والدَّعة ، ومهن العيش ، محبة أن يلقى الله سبحانه وتعالى مناصحاً له في دينه وعباده ، ومختارةً لولاية عهده ، ورعاية الاُمَّة من بعده ، أفضل من يقتدر عليه في دينه ، وورعه ،
ص: 81
وعلمه ، وأرجاهم للقيام في أمر الله وحقّه ، مناجياً لله تعالی بالاستخارة في ذلك ، ومساءلته العامة ما فيه رضاه وطاعته في آناء ليله ونهاره.
مُعمِلاً فكرَهُ ونظره في طلبه والتماسه في أهل بيته من ولد عبد الله بن العبَّاس ، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، مقتصراً ممَّن علم حاله ومذهبه منهم على علمه ، وبالغاً في المسألة ممَّن حفي عليه أمر (1) جهده وطاقته ، حَتَّى استقصى اُمورهم معرفةً ، وابتلى أخبارهم مشاهدةً ، واستبرأ أهوالهم معاينةً ، وكشف ما عندهم مسألةً ، وكانت خيرته بعد استخارة الله تعالى ، وإجهاده نفسه في قضاء حقّه في عباده ، وبلاده في الفئتين جميعاً : علي بن موسی بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؛ لما رأى من فضله البارع ، وعمله الذائع ، وورعه الظاهر الشائع ، وزهده الخالص النافع وتخلّيه عن الدنيا ، وتفرّده عن الناس. وقد استبان له من لم تزل الأخبار عليه منطبقة ، والألسن عليه متَّفقة ، والكلمة فيه جامعة ، والأخبار واسعة ؛ ولمّا لم يزل يُعرف به الفضل يافعاً وناشئاً ، وحدثاً وكهلاً ؛ فلذلك عقد له بالعهد والخلافة من بعده ، واثقاً بخيرة الله في ذلك ، إذ علم الله تعالى : أنه فعله إيثاراً له وللدين ، ونظراً للإسلام والمسلمين ، وطلباً للسلامة وإثبات الحجَّة ، والنجاة في اليوم الَّذي تقوم فيه الناس لربِّ العالمين ، ودعا أمير المؤمنين ولده وأهل بيته وخاصته ، وقوّاده وخدمه ؛ فبايعه الكلُّ مطيعين ، مسارعين ، عالمين ، بایثار أمير المؤمنين ، طاعة الله على الهوى في ولده ، وغيره ممَّن هو أشبك رحماً وأقرب قرابة ، وسمّاه الرضا إذ كان مرضياً عند الله تعالی وعند الناس ، وقد آثر طاعة الله تعالى ، والنظر لنفسه وللمسلمين ، والحمد لله رب العالمين.
كتبه بيده في اليوم الاثنين لسبع خلون من شهر رمضان المعظَّم ، سنة إحدى ومائتين ، وهذه صورة ما على العهد مكتوباً بخط الإمام علي بن موسی الرضا :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الفعّال لما يشاء ، لا مُعقّب لحكمه ، ولا راد لقضائه. يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وصلواته على نبيه محمّد صلى الله عليه وآله ، خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين.
أقول : وأنا علي بن موسی بن جعفر : إنّ أمير المؤمنين عضده الله بالسداد ، ووفّقه
ص: 82
للرشاد ، عرف من حقّنا ما جهله غيره ، فوصل أرحاماً قُطعت ، وأمّن نفوساً فُزعت ، بل أحياها بعد أن كانت من الحياة آيسة ؛ فأغناها بعد فقرها ، وعرفها بعد نکرها ، مبتغياً بذلك رضا ربِّ العالمين ، لا يريد جزاء من غيره. وسيجزي الله الشاكرين ، ولا يضيع أجر المحسنين.
وإنه جعل إلي عهده والإمرة الكبرى ، إنْ بقيتُ بعدَه ، فمن حلّ عقدة أمر الله بشدّها ، أو قصم عروة أحبّ الله اتّساقها ، فقد أباح الله حريمه ، وأحلّ محرمة ؛ إذا كان بذلك زارياً على الإمام ، منتهكاً حرمة الإسلام ، وخوفاً من شتات الدين ، واضطراب أمر المسلمين ، وحذر فرصة تنتهز ، وعلقة (1) تبتدر.
وجعلت لله تعالى على نفسي عهداً إن استرعاني أمر المسلمين ، وقلَّدني خلافة العمل فيهم عامّة ، وفي بني العبَّاس بن عبد المطلب خاصة ، أن أعمل فيهم بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله ، ولا أسفك دماً ، ولا اُبيح فرجاً ولا مالاً ؛ إلا ما سفكته حدوده ، وأباحته فرائضه ، وأن أتخير الكفاة جهدي وطاقتي ، جعلت بذلك على نفسي عهداً مؤكّداً ، يسألني الله عنه ؛ فإنه عزَّ وجلَّ يقول : ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ (2) ، وإن أحدثت ، أو غيَّرت ، أو بدَّلت ، كنت للعزل مستحقاً وللنكال متعرضاً ، وأعوذ بالله من سخطه ، وإليه أرغب في التوفيق لطاعته ، والحول بیني وبين معصيته في عافية لي وللمسلمين.
والجامعة ، والجفر يدلان على ضدِّ ذلك. وما أدري ما يفعل الله بي ولا بكم ، إن الحكم إلا لله يقضي بالحق ، وهو خير الفاصلين.
ولكنّي امتثلت أمر أمير المؤمنين ، وآثرت رضاءه والله تعالى يعصمني وإيّاه ، وأشهدت الله على نفسي ، وكفى بالله شهيداً ، وكتبت بخطّي بحضرة أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ، والحاضرين اولياء نعمته ، وخواص دولته : الفضل بن سهل ، وسهل بن الفضل ، والقاضي يحيى بن أكثُمَّ ، وعبد الله بن طاهر ، وثمامة بن الأبرش ، وبشر بن المعتمر ، وحمَّاد بن النعمان. وذلك في شهر رمضان ،
ص: 83
سنة إحدى ومائتين.
صورة رقم شهادة القاضي يحيى بن أكثُمَّ : شهد يحيى بن أكثُمَّ على مضمون هذا المكتوب : ظهره ، وبطنه ، وهو يسأل الله أن يعرف أمير المؤمنين ، وكافة المسلمين بركة هذا العهد والميثاق.
وكتب بخطه في التاريخ المبين فيه صورة رقم شهادة عبد الله بن طاهر ، أثبت شهادته فيه بتاريخه عبد الله بن طاهر.
وصورة رقم شهادة حمّاد : شهد بذلك حمّاد بن النعمان بمضمونه : ظهراً ، وبطناً ، وكتبه بيده في تاريخه.
وصورة شهادة ابن المعتمر : شهد بمثل ذلك بشر بن المعتمر.
وعلى الجانب الأيسر : بخط الفضل بن سهل : رسم أمير المؤمنين بقراءة هذه الصحيفة ، التي هي صحيفة العهد والميثاق : ظهراً وبطناً ، بحرم سیِّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله ، بين الروضة والمنبر ، على رؤوس الأشهاد ، بمرأى ومسمع من وجوه بني هاشم ، وسائر الأولياء والأخيار ، بعد أخذ البيعة عليهم ، واستيفاء شروطها بما أوجبه أمير المؤمنين من العهد لعلي بن موسی الرضا ؛ لتقوم به الحجَّة على جميع المسلمين ، ولتبطل الشبهة التي كانت اعترضت آراء الجاهلين ، وما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه (1).
وفي كشف الغُمَّة : «وممّا تلقته الأسماع بالاستماع ، ونقلته الألسن في بقاع الأصقاع : أنَّ الخليفة المأمون وجد في يوم عيدٍ انحراف مزاج ، أحدث عنده ثقلاً عن الخروج إلى الصلاة بالناس ، فقال لأبي الحسن علي الرضا عليه السلام : يا أبا الحسن قم وصلّ بالناس.
ص: 84
فخرج الرضا عليه السلام وعليه قميص قصير أبيض ، وعمامة بيضاء لطيفة ، وهما من قطن ، وفي يده قضيب. فأقبل ماشياً يؤم المصلِّين ، وهو يقول : السلام على أبويّ آدمَ ونوحٍ ، السلام على أبويّ إبراهيمَ وإسماعيلَ ، السلام على أبويّ محمّد وعليٍ ، السلام على عباد الله الصالحين.
فلمّا رآه الناس هرعوا إليه ، وانهالوا عليه ؛ لتقبيل يديه.
فأسرع بعض الحاشية إلى الخليفة المأمون ، فقال : يا أمير المؤمنين تدارك الناس ، واخرج وصلّ بهم ؛ وإلّا خرجت الخلافة منك.
فحمله على أن خرج بنفسه ، وجاء مسرعاً ، والرضا عليه السلام بعد من كثرة الزحام عليه لم يخلص إلى المصلى ، فتقدَّم المأمون وصلَّى بالناس» (1).
وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام عن تميم القرشي ، عن أبيه ، عن أحمد بن علي الأنصاري ، قال : «سألت أبا الصلت الهروي ، فقلت له : كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا عليه السلام ، مع إكرامه ومحبته له ، وما جعل له من ولاية العهد بعده؟
فقال : إنَّ المأمون إنّما كان يكرمه ويحبُّه لمعرفته بفضله ، وجعله له ولاية العهد من بعده ، ليري الناس أنه راغب في الدنيا ، فيسقط محلُّه من نفوسهم. فلمَّا لم يظهر منه في ذلك للناس إلا ما ازداد به فضلاً عندهم ، ومحلّا في نفوسهم ، جلب عليه المتكلّمين من البلدان ، طمعاً من أن يقطعه واحد منهم ، فيسقط محلُّه عند العلماء ، وبسببهم يشتهر نقصه عند العامَّة ، فكان لا يكلّمه خصم من اليهود ، والنصارى ، والمجوس ، والصابئين ، والبراهمة ، والملحدين ، والدهرية ، ولا خصم من فرق المسلمين المخالفين له ، إلّا قطعه وألزمه الحجّة.
وكان الناس يقولون : والله إنه أولى بالخلافة من المأمون.
وكان أصحاب الأخبار يرفعون ذلك إليه ، فيغتاظ من ذلك ، ويشتدُّ حسده.
ص: 85
وكان الرضا عليه السلام لا يحابي المأمون من حق ، وكان يجيبه (1) بما يكره في أكثر أحواله ؛ فيغيظه ذلك ، ويحقده عليه ، ولا يظهره له.
فلمّا أعيته الحيلة في أمره اغتاله ، فقتله بالسمّ) ، انتهى (2).
قال في البحار : (اعلم أن أصحابنا والمخالفين اختلفوا أنّ الرضا عليه السلام هل مات حتف أنفه ، أو مضى شهيداً بالسمّ؟ وعلى الأخير : هل سمّه المأمون لعنه الله أو غيره؟
والأشهر بيننا أنه عليه السلام مضى شهيداً بسمّ المأمون.
ويُنسب إلى السيِّد علي ابن طاووس أنه أنكر ذلك ، وأنكره الإربَلَي رحمه الله ، في (کشف الغُمَّة). وردّ ما ذكره المفيد بوجوه سخيفة ، حيث قال : بعد إيراد كلام المفيد : بلغني ممَّن أثقُ بهَّ أن السيِّد رضی الدین علي بن طاووس رحمه الله كان لا يوافق على أن المأمون سقى عليّاً عليه السلام السمّ ، ولا يعتقده.
وكان رحمه الله كثير المطالعة ، والتنقيب ، والتفتيش على مثل ذلك. والَّذي كان يظهر من المأمون ، من حنوه عليه ، وميله إليه ، واختياره له دون أهله وأولاده ممَّا يؤيد ذلك ويقرِّره.
وقد ذكر المفيد رحمه الله شيئاً ما يقبله عقلي ، ولعلّي واهم. وهو أن الإمام كان يعيب ابني سهل عند المأمون ، ويقبِّح ذكرهما إلى غير ذلك. وما كان أشغلَهُ باُمور دينه وآخرته ، واشتغاله بالله عن مثل ذلك.
وعلى رأي المفيد رحمه الله : إن الدولة المذكورة من أصلها فاسدة ، وعلى غير قاعدة مرضية ؛ فاهتمامه عليه السلام بالوقيعة فيهما ، حَتَّى أغراهما بتغيير رأي الخليفة عليه السلام ، فيه ما فيه ، ثُمَّ إن نصيحته للمأمون وإشارته عليه بما ينفعه في دينه لا توجب أن تكون سبباً
ص: 86
لقتله ، وموجباً لركوب هذا الأمر العظيم منه. وقد كان يكفي في هذا الأمر أن يمنعه من الدخول عليه ، أو يكفّه عن وعظه.
ثُمَّ إنا لا نعرف أن الإبر إذا غُرست في العنب صار مسموماً ، ولا يشهده القياس الطبَّي. والله أعلم بحال الجميع ، وإليه المصير. وعنده تجتمع الخصوم) ، انتهى (1).
قلت : وممَّن منع من صحَّة نسبة ذلك إلى المأمون : الصدوق أيضاً في العلل ، والعيون ، فإنه بعد نقل الرواية المتضمنة لسرقة الصوفي ، ورفع أمره إلى المأمون ، ومكالمة المأمون مع الرضا عليه السلام في شأن ذلك الصوفي ، وأنه احتجب المأمون عن الناس ، واشتغل بالرضا عليه السلام حَتَّى سمّه ، فقتله. وقد كان قتل الفضل بن سهل ، وجماعة من الشيعة.
قال رحمه الله : (روي هذا الحديث كما حكيته ، وأنا بريء من عهدة صحَّته) ، انتهى (2).
وكيف كان فهو موهون من حيث مخالفته لمذهب المشهور ، والأخبار ناطقة بخلافه ، ولذا ترى المجلسي رحمه الله أخذ في ردّ ما استند إليه الإربلّي : (بأن الوقيعة في ابني سهل لم يكن للدنيا حَتَّی يمنعه عنه الإشتغال بعبادة الله تعالی ، بل كان ذلك لما وجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ورفع الظلم عن المسلمين مهما أمكن. وکون خلافة المأمون فاسدة أيضاً لا تمنع منه ، كما لم تمنع غيره من الإرشاد إلى ما فيه مصالح المسلمين في الغزوات وغيرها.
ص: 87
ثُمَّ إنه ظاهر أن نصيحة الأشقياء ووعظهم بمحضر الناس لا سيما المدَّعين الفضل والخلافة ، ممَّا يثير حقدهم ، وحسدهم ، وغيظهم. مع أنه لعنه الله كان أول أمره مبنياً على الحيلة والخديعة ؛ لإطفاء نائرة الفتن الحادثة من [خروج] (1) الأشراف والسادة من العلويين في الأطراف ، فلمَّا استقر أمره أظهر كيده) (2).
وأمّا دعوی عدم شهادة القياس الطبِّي على غرس الإبرة في العنب ، وصيرورة العنب مسموماً : فهو إنما يتم مع خلو الإبرة من المواد السمومية ، وأمّا مع غمسها في السمّ ، ثُمَّ غرسها في العنب ؛ فلا بعد في تأثيره ، بل يكون مؤثّراً قطعاً.
قال السيِّد الأجل السيِّد عبد الله الجزائري (3) في مسألة الاستخراج من الجفر : (لا ريب أنه أشرف وأوثق من الاستخراج من النجوم والرمل ، والإصابة فيه أكثر ، إلى أن قال : ورأيت بعض المهوسين بهذا العلم عملاً منسوباً إلى الرضا عليه السلام ، سُئل نفسه : كيف حال الرضا مع المأمون؟ - كتبه في سطر ، ثُمَّ كتب حروفاً من السؤال مفصولة في سطر آخر ، ثُمَّ أخذ نظائرها في سطر ثالث - وساق العمل في سطور متعدِّدة إلى أن حصل الجواب : (يسمُّهُ المأمون في عنب). قال : فأخذت ذلك دستوراً ، ونسجت على منواله ، وعملت أعمالاً رأيت منها العجائب.
ومن وجوه إعجاز القرآن المعلومة بهذا العلم الشريف : أنك إذا عملت في قوله تعالى : ﴿مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ بالأعمال الجفرية ، خرج الجواب : ﴿يُحْيِيهَا الَّذي
ص: 88
أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ (1). وفي قوله تعالى : ﴿مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾﴿خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ (2).
قال : وهذا كلّه من الشواهد المعتبرة على وثاقة هذا العلم ، وأنه من الأسرار المكنونة التي لا يمسّها إلا المطهَّرون).
هذا إتمام الكلام في سبب وفاته ، وأن الحق ما اختاره أجلاء أصحابنا الإمامية من أنه عليه السلام مضى شهيداً بسمّ المأمون ، عليه لعائن الله أبد الآبدين.
في فضيلة بقعته ، ومحلّ دفنه - صلوات الله عليه - ومن بنی قبَّته ، وشيّد أثاره فاعلم : أن من جملة الأخبار الدالة على فضيلة تلك الأرض المقدسة ، والبقعة المباركة ما رواه الشيخ رحمه الله في باب الزيارات من التهذيب : «أنَّ الرضا عليه السلام قال : إنَّ بخراسان لبقعة من الأرض يأتي عليها زمان تصير مختلف الملائكة ، فقال : فلا يزال فوج ينزل من السماء وفوج يصعد ، إلى أن يُنفخ في الصور.
فقيل له عليه السلام : يا بن رسول الله وأيّ بقعة هذه؟ فقال : هي أرض طوس ، وهي والله روضة من رياض الجنَّة ... الخ» (3).
روي أيضاً عن الصادق عليه السلام : «أربع بقاع ضجّت إلى الله من الغرق في أيام الطوفان ، قال : البيت المعمور فرفعه الله إليه ، والغري وکربلا وطوس» (4).
قال في الوافي : (ولمّا ضجّت تلك البقاع ، وكان ضجيجها إلى الله من جهة
ص: 89
عدم وجود من يعبد الله على وجهها ، فجعلها الله مدفن أوليائه) (1).
فأول مدفن بُني في تلك الأرض المقدَّسة سناباد ، بناها اسکندر ذو القرنين صاحب السدّ ، وكانت دائرة إلى زمان بناء طوس.
قال في معجم البلدان : (طوس مدينة بخراسان ، بينها وبين نيسابور نحو عشرة فراسخ ، وتشتمل على مدينتين : يقال لإحداهما الطابران ، وللأُخرى نوقان. ولهما أكثر من ألف قرية ، فتحت في أيام عثمان ، وبها قبر علي بن موسی الرضا ، وبها أيضاً قبر هارون الرشيد.
وقال مسعر بن المهلهل : وطوس أربع مدن : منها اثنتان كبيرتان ، واثنتان صغيرتان ، وبهما آثار أبنية إسلامية جليلة ، وبها دار حميد بن قحطبة ، ومساحتها ميل في مثله ، وفي بعض بساتينها قبر علي بن موسى الرضا عليه السلام وقبر الرشید) ، انتهى (2).
وكان حميد بن قحطبة والياً على طوس من قبل هارون ، فبنى في سناباد بنياناً ومحلاً لنفسه ، متی خرج إلى الصيد نزل فيه ، وحميد هذا هو الَّذي قتل في ليلة واحدة ستين سيِّداً من ذرِّية الرسول بأمر من هارون الرشيد ، كما هو في العيون (3).
قال ابن عساكر في تاريخه : (حميد بن قحطبة ، واسمه زياد بن شبيب بن خالد بن معدان الطائي ، أحد قوّاد بني العبَّاس ، شهد حصار دمشق ، وكان نازلاً علی باب توما ، ويقال على باب الفراديس ، وولي الجزيرة للمنصور ، ثُمَّ ولي خراسان في خلافة المنصور ، وأقرّه المهدي عليها حَتَّى مات ، واستخلف ابنه عبد الله ، وولي مصر
ص: 90
في خلافة المنصور في شهر رمضان سنة ثلاث وأربعين ومائة ، سنة كاملة ، ثُمَّ صُرف عنها ، وكانت وفاة المترجم سنة تسع وخمسين ومائة) ، انتهى (1).
وأمّا أصل بناء القُبَّة المنورة ، فالظاهر أنها كانت في حياته عليه السلام مشهورة بالبقعة الهارونية ، كما هو مروي في العيون من أنه : دخل دار حمید بن قحطبة الطائي ، ودخل القُبَّة التي فيها قبر هارون الرشيد (2).
وأيضاً عن الحسن بن الجهم ، قال : (حضرت مجلس المأمون يوماً ، وعنده علي بن موسی الرضا عليه السلام، وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام - وذكر أسئلة القوم ، وسؤال المأمون عنه عليه السلام وجواباته ، وساق الكلام - إلى أن قال : فلمَّا قام الرضا عليه السلام تبعته ، فانصرف إلى منزله ، فدخلت عليه ، وقلت له : يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله ، الحمد لله الَّذي وهب لك من جميل رأي أمير المؤمنين ما حمله على ما أرى من إكرامه لك ، وقبوله لقولك.
فقال عليه السلام : يا بن الجهم ، لا يغرنّك ما ألفيته عليه من إكرامي ، والاستماع منّي ، فإنه سيقتلني بالسمّ وهو ظالم لي ، أعرف ذلك بعهد معهود إليّ من آبائي عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، فاکتم عليّ هذا ما دُمْتُ حيّاً.
قال الحسن بن الجهم : فما حدّثت أحداً بهذا الحديث إلى أن مضى الرضا عليه السلام بطوس مقتولاً بالسمّ [ودُفن في دار حمید بن قحطبة الطائي في القُبَّة التي فيها قبر هارون الرشيد إلى جانبه] (3)) (4).
ص: 91
وبالجملة ، فالظاهر أن سناباد كانت بلدة صغيرة بطوس ، وكانت لحميد بن قحطبة فيها دارٌ وبستانٌ ، ولمّا مات هارون الرشيد في طوس دُفن في بيت حمید ، ثُمَّ بنى المأمون قُبَّة على تربة أبيه ، ولمّا توفي (1) الإمام عليه السلام دُفن بجنب هارون في تلك القُبَّة التي بناها المأمون ، فلا وجه لما هو الشائع على الألسن أن قبَّته المباركة من بناء ذي القرنين.
ولعلَّ وجه الشبهة أنّ (مرو شاه جان) الَّذي هو من أعظم بلاد خراسان ، هو من بناء ذي القرنين كما ذكره ياقوت الحموي في معجم البلدان ، وكان فيها سریر سلطنته ، ومن حسن هوائه كان يسمّيه بروح الملك ، بكسر اللام ، وباعتبار تقديم المضاف إليه اشتهر بشاه جان (2).
وفيه أيضاً : (وقد رُوي عن بريدة بن الحصيب أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : يا بريدة إنه سيُبعث من بعدي بعوث ، فإذا بُعثت ، فکن في بعث المشرق ، ثُمَّ كن في بعث خراسان ، ثُمَّ كن في بعث أرض يقال لها مرو ، إذا أتيتها فانزل مدينتها ؛ فإنَّه بناها ذو القرنين ، وصلّى فيها عزير ، أنهارها تجري بالبركة ، على كل نقب منها ملك شاهر سيفه يدفع عن أهلها السوء إلى يوم القيامة) (3).
وقال بعض : هي خير بقاع الأرض من بعد الجنات الأربع التي هي : سعد سمرقند ، ونهر أبلة ، وشعب بوّان ، وغوطة دمشق ، من حيث طيب الفواكه والغلّة ، وجمال النساء والرجال ، والخيل الجياد التي توجد فيها ، وسائر الحيوانات.
ص: 92
و كانت مرو دار الإمارة للملوك من آل طاهر ، ومن المحتمل أنَّ إسکندر حيث كان من المقرَّبين عند الله ، اُلهم من عالم الغيب أنه يُدفن في هذه البقعة من الأرض أحد الأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين ، فبنى هذه البلدة ، وسمَّاها سناباد كما رواه الصدوق رحمه الله في إكمال الدين ، وفيه : يقتله عفریت متكبِّر ، ويُدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح ذو القرنين ، ويُدفن إلى جنب شرّ خلق الله (1).
ولنعم ما قاله دعبل الخزاعي رضي الله عنه :
أربع بطوسٍ على قبرِ الزَّكيِّ إذا *** ما كُنتَ تَرفَعُ من دینٍ على فطَرِ
قبرانِ في طوس : خيرُ الناسِ كلَّهمُ *** وقبرُ شرِّهُمُ، هذا مِن العِبَرِ
ما ينفعُ الرجسَ من قبرِ الزكيّ وما *** على الزكيِّ بِقُربِ الرجسِ من ضَرَرِ
هيهاتَ كلُّ امرئٍ رهنٌ بِما كَسَبَتْ *** بهِ يداهُ فَخُذْ ما شِئْتَ او فَذَرِ
وعليه ، فإن إسكندر لم يبنِ القُبَّة ، بل إنَّما هو المُمَصّر لتلك البلدة (2).
وفي الخرائج : (رُوي عن الحسن بن عبَّاد - وكان كاتب الرضا عليه السلام - قال : دخلت عليه ، وقد عزم المأمون بالمسير إلى بغداد ، فقال : يا بن عبَّاد ما ندخل العراق ولا نراه ، فبكيت وقلت : آيستني أن آتي أهلي وولدي. قال عليه السلام : أمّا أنت فستدخلها ، وإنَّما عنيت نفسي. فاعتلَّ وتوفّي في قرية من قرى طوس
ص: 93
[قال الراوندي رحمه الله :] (1) وقد كان تقدّم في وصيته أن يُحفر قبره ممَّا يلي الحائط ، بينه وبين قبر هارون ثلاثة أذرع. وقد كانوا حفروا ذلك الموضع لهارون ، فكُسرت المعاول والمساحي ، فتركوه ، وحفروا حيث أمكن الحفر ، فقال : أحفروا ذلك المكان ، فإنَّه سيلين عليكم ، وستجدون صورة سمكة من نحاس وعليها كتابة بالعبرانية ، فإذا حفرتم لحدي ، فعمّقوه وردّوها ممَّا يلي رجليَّ.
فحفرنا ذلك المكان ، فكانت المحافر تقع في الرمل الليّن بالموضع ، ووجدنا السمكة مكتوب عليها بالعبرانية : (هذه روضة علي بن موسى ، وتلكَ حفرةُ هارون الجبَّار) فرددناها ، ودفناها في لحده عند موضع قاله) (2).
ومن المعلوم أن حفر الأرض ، وعمل سمكة من نحاس وكتابة ، لا يكون إلا من إنسان (3) ، وبالجملة ، فالظاهر أن الحفر المزبور من آثار إسكندر ذي القرنين دون القُبَّة المنوَّرة.
قال في مجالس المؤمنين عند ترجمة الشيخ كمال الدين حسين الخوارزمي : (إنه مسطور في التواریخ ، وفي الألسنة ، والأفواه خصوصاً عند أهل خراسان ، أنه مدّة أربعمائة سنة لم تكن عمارة لائقة على قبر الإمام علي بن موسی ، وبعض الآثار التي كانت توجد عليه هي من أساس حميد بن قحطبة الطائي ، الَّذي كان في زمان هارون الرشيد حاكماً في طوس من قبله ، ولمّا توفّي دفنه في داره ، ومن بعده دفنوا الإمام عليه السلام في تلك البقعة بجنب هارون) (4).
ص: 94
ويظهر من الخبر المروي عن الرضا عليه السلام : «أنّي اُدفن في دار موحشة ، وبلاد غريبة» (1) ، أنه في مدة أربعمائة سنة المذكورة ، لم تكن في حوالي مرقده الشریف دار ولا سكنة ، وكانت نوقان في كمال العمران مع أنه ما بين (2) نوقان وسناباد من البعد إلا حدّ مدّ الصوت.
وقال في (کشف الغُمَّة) : (إن امرأة كانت تأتي إلى مشهد الإمام عليه السلام في النهار وتخدم الزوَّار ، فإذا جاء الليل سدّت باب الروضة وذهبت إلى سناباد) (3).
وربّما يقال : (إن بعض التزيينات كانت توجد في بناء المأمون من بعض الديالمة إلى أن خرّبه الأمير سبکتکین ، وذلك لتعصُّبه وشدّته على الشيعة ، وكان خراباً إلى زمان يمين الدولة محمود بن سبکتکين) (4).
قال ابن الأثير في (الكامل) في ضمن حوادث سنة 421 ﻫ : (وجُدّد عمارة المشهد بطوس الَّذي فيه قبر علي بن موسی الرضا عليه السلام والرشيد ، وأحسن عمارته ، وكان أبوه سبکتکین أخربه ، وكان أهل طوس يؤذون من يزوره ، فمنعهم من ذلك ، وكان سبب فعله ؛ أنه رأى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في المنام وهو يقول له : إلى متى هذا؟ فعلم أنه يريد أمر المشهد ، فأمر بعمارته) (5).
ص: 95
ثُمَّ إن هذه العمارة قَدْ هدمت عند تطرق قبائل غز ، وجُدّدت في عهد السلطان سنجر السلجوقي (1).
قال في مجالس المؤمنين : (وإنَّ القُبَّة العالية ، والبناء المعظّم الموجود الآن من أثار شرف الدين أبي طاهر القمِّي ، الَّذي كان وزيراً للسلطان سنجر.
قال : وكان بناء الوزير المزبور بإشارة غيبية ، وأن تعيين المحراب الواقع في المسجد فوق الرأس إنما كان بإشارة من الإمام عليه السلام ، وتعيين علماء الشيعة) ، انتهى (2).
وفي سنة 500 ﻫ أمر السلطان سنجر السلجوقي بصناعة الكاشي الَّذي يفوق في الجودة حلي الصين ، وأن يُكتب عليه الأحاديث النبوية والمرتضوية ، وتمام القرآن ، وكان الكاتب لهما عبد العزيز بن أبي نصر القمِّي.
ومن عجيب أمر ذلك ، أنه حُملت تلك الآلات على النوق ، واُرسلت من قم ، فجاءت بطيّ الأرض إلى حوالي خراسان ، ونزلت في منخفض من الأرض بقرب البلدة المقدَّسة ، فمرّ جماعة من المارة على تلك الناحية ، فاطّلعوا على صورة الحال ، فحملوها إلى سيد النقباء السيِّد محمّد الموسوي ، فبنى بها الهزارة الرضوية.
وكان السلطان سنجر ابن الملك شاه السلجوقي مع سعة ملکه قَدْ اختار هذا المكان على سائر بلاده ، ومازال مقيماً به إلى أن مات ، وقبره به في قُبَّة عظيمة ، لها شبَّاك إلى الجامع ، وقُبَّته زرقاء تظهر من مسيرة يوم ، بناها له بعض خدمه بعد موته ووقف عليها وقفاً لمن يقرأ القرآن ، ويكسو الموضع (3).
ص: 96
قال في (المعجم) : (وتركتها أنا في سنة 612 ﻫ على أحسن ما يكون) (1).
واستمر بناء سنجر إلى زمان جنكيز خان ، فهدمه تولي خان بن جنكيز خان ، وذلك في سنة 617 ﻫ (2).
قال ابن الأثير في (الكامل) في ما يتعلق بأحوال التتار الَّذين هم جند جنكيز : (إنه لمّا فرغوا من نيسابور ، سیّروا طائفة منهم إلى طوس ، ففعلوا بها كذلك أيضاً ، وخرَّبوها وخرَّبوا المشهد الَّذي فيه الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام والرشید حَتَّى جعلوا الجميع خراباً). ومثله في (شرح نهج البلاغة) (3).
وفي الكتيبة الذهبية الواقعة في منطقة القُبَّة المنوَّرة ما صورته :
بسم الله الرحمن الرحيم ، من عظائم توفيق الله سبحانه أن وفق السلطان الأعظم ، مولی ملوك العرب والعجم ، صاحب النسب الطاهر النبوي ، والحسب الباهر العلوي ، تراب أقدام خدّام هذه الروضة المنورة الملكوتية ، مروّج آثار أجداده المعصومين ، السلطان ابن السلطان ، أبا المظفر شاه عبَّاس الحسيني الموسوي الصفوي بهادرخان ، فاستدعى بالمجيء ماشياً على قدميه من دار السلطنة إصفهان إلى زيارة هذا الحرم الأشرف.
وقد تشرّف بزينة هذه العتبة من خُلَّصِ ماله في سنة ألف وعشر ، وتمّ فيسنة ألف وستَّ عشرة.
وفي موضع آخر من القُبَّة مكتوب ، وهو من إملاء المحقّق الخونساري :
ص: 97
من ميامين منن الله سبحانه الَّذي زيَّنَ السماء بزينةٍ الكواكب ، ورصّع هذه القباب العُلا بدرر الدراري الثواقب ، أن استعد السلطان الأعدل الأعظم ، والخاقان الأفخم الأكرم ، أشرف ملوك الأرض حسباً ونسباً ، وأكرمهم خُلُقاً وأدباً ، مروّج مذهب أجداده الأئمّة المعصومين ، ومحيي مراسم آبائه الطيبين الطاهرين ، السلطان ابن السلطان ابن السلطان بن السلطان ، سليمان الحسيني الموسوي الصفوي بهادر خان ، بتذهيب هذه القُبَّة العرشية الملكوتية وتزيينها ، وتشرّف بتجديدها وتحسينها ؛ إذ تطرّق عليها الانكسار ، وسقطت لِبَناتُها الذهبية التي كانت تشرق الشمس في رابعة النهار ، بسبب حدوث الزلزلة العظيمة في هذه البلدة الطيِّبة الكريمة في سنة أربع وثمانين وألف ، وكان هذا التجديد سنة ستّ وثمانين وألف ، كتبه محمّد رضا الإمامي.
ومكتوب على جبهة الباب الواقع في قبلة المرقد الشريف :
لقد تشرّف بتذهيب الروضة الرضوية التي يتمنّى العرش لها أمر النيابة ، وأرواح القدس تخدم جنابه ، السلطان نادر الأفشاري رحمه الله الملك الغفّار سنة 1155 ﻫ.
وكُتب بعده :
ثُمَّ بمرور الأعوام ، ظهر عليها الاندراس ، فأمر السلطان ابن السلطان والخاقان ابن الخاقان ، ناصر الدین شاه قاجار خلّد الله ملکه ، بالتزيين بالزجاجة (بالزجاج - ظ) والبلُّور ؛ لتصير نوراً على نور.
وأرسل السلطان قطب شاه الدكني طاب ثراه ألماسةً كبيرة بقدر بیضة الدجاجة هدية إلى الضريح الرضوي ، ولمّا استولى عبد المؤمن خان رئیس طائفة الأزبكية على خراسان ، نهبها من الخزانة في جملة ما نهب.
ص: 98
ولمّا زار السلطان شاه عبَّاس الصفوي خراسان في الدفعة التي مشى فيها على قدمه ، وكانت مدّة خروجه من إصفهان ودخوله خراسان ثمانية عشر يوماً ، أهدى له بعض الخواتين الأزبكية تلك الألماسة ، ولمّا بلغه أن الألماسة من الأعيان الراجعة إلى الخزانة الرضوية ، أمر ببيعها في استانبول ، واشترى بقيمتها أملاكاً وأنهاراً تُصرف منافعها على تلك البقعة ، وكان ذلك بإجازة بعض العلماء (1).
وحكى بعض المؤرِّخين ، عن محمّد بن عبد الله الكوفي - وكان حاكماً في نوقان (2) - : (أن بعض ملوك الريّ أرسل رجلين إلى نصر بن أحمد ببخارى ؛ لتبليغ أمر ، وكان أحدهما شيعياً من أهل ريِّ ، والأخر سنيّاً من أهل قم ، فلمَّا وصلا إلى طوس ، قال الشيعي للسنّي : لا بدّ لنا من زيارة الرضا عليه السلام ، ثُمَّ التوجُّه إلى بخاری.
فقال له صاحبه : إنَّ السلطان أرسلنا في شغل مهم ، ولا يناسب لنا الاشتغال بغيره ما لم نفرغ من مهمَّة السلطان ، فتوجَّها إلى بخاری وعملا بالمقصود ، ولمّا وصلا إلى طوس عند المراجعة ، قال الشيعي لصاحبه السنّي : فلنذهب إلى زيارة مرقد علي بن موسى الرضا عليه السلام ، فأبى صاحبه من ذلك وقال : إني خرجت من قم وكنتُ سنيّاً ، ولا أحبّ أن أرجع إلى بلدي وأنا رافضي.
فلمَّا سمع ذلك سلّم إليه ما في راحلته من أسباب ومتاع ، وركب دابته مخففاً ، وتوجَّه نحو المرقد الشريف قاصداً تقبيل العتبة ، والتشرّف بتلك الروضة المقدَّسة ، فلمَّا جاء الليل التمس من الخادم أن يبيت داخل الروضة ، وأن يجعل مفاتیح الروضة
ص: 99
عنده ، فأجابه على ملتمسه ، ودفع إليه المفاتيح ، وذهب إلى أهله ، فاشتغل الرجل بالتضرّع إلى الله تعالى ، والطواف حول مرقد الإمام ، والاشتغال بقراءة القرآن على الرأس الشريف ، وحينما كان يقرأ ، سمع صوت قارئ آخر يقرأ معه حيث يقرأ من السور والآيات ، فلمَّا سمع ذلك الصوت مع علمه بعدم وجود أحد غيره قطع القراءة ، وأخذ يتجسّس ويدور حول الضريح ؛ ليطّلع على حقيقة الحال ، فلم يرَ أحداً ، فعاد إلى قراءة القرآن ، فسمع ثانياً ما كان يسمع ، فأصغى إصغاءً جيداً.
فتبيّن له أن الصوت من داخل المرقد الشريف ، ومن شدَّة شوقه إلى تلك النغمة ، أخذ يجدّ في قراءة القرآن من أول الفاتحة إلى سورة مريم ، فلمَّا وصل إلى قوله تعالى : ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَٰنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ (1) ، سمع من المرقد الشريف قراءة الآية هكذا : ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ (2) ، فلمَّا أصبح وقد ختم القرآن خرج من الروضة متوجِّهاً إلى نوقان ، وسأل القرّاء عن منشأ القراءة ، فقالوا : لا بأس بهذه القراءة من حيث اللفظ والمعنى غير أنّا لم نظفر في قراءة أحد من القرّاء بهذه القراءة.
ثُمَّ لمّا حضر نيسابور ، سأل عن هذه القراءة قرّاء نيسابور ، فقالوا : لم نسمع بهذه القراءة ، ثُمَّ لمّا حضر الري ، سأل القرّاء بها ، قالوا : أنت من أين أخذت هذه القراءة؟
ص: 100
فقال لهم : أنا في حاجة إلى قراءتها ، فقالوا له : إنها قراءة النبي صلى الله عليه وآله على رواية أهل البيت عليهم السلام ، ثُمَّ أصرّوا عليه فحكى لهم القصة ، فزاد اعتقادهم في صحَّة القراءة) (1).
قلت : وفي (مجمع البيان) ما نصّه : (في الشواذ رواية قتادة ، عن الحسن (يحشر المتقون) و (يساق المجرمون) ، قال : فقلت : إنها بالنون يا أبا سعيد ، قال : وهي للمتقين إذاً) (2).
وفي (فردوس التواریخ) نقلاً عن بعض التواريخ : (أنه كان للسلطان سنجر - أو أحد وزرائه - ولد اُصيب بالدق ، فحكم الأطباء عليه بالتفرّج والاشتغال بالصيد ، فكان من أمره أن خرج يوماً مع بعض غلمانه وحاشيته في طلب الصيد ، فبينما هو كذلك فإذا هو بغزال مارق من بين يديه ، فأرسل فرسه في طلبه ، وجدَّ في العدو ، فالتجأ الغزال إلى قبر الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ، فوصل ابن الملك إلى ذلك المقام المنيع ، والمأمن الرفيع الَّذي من دخله كان آمنا ، وحاول صيد الغزال فلم تجسر خيله على الإقدام عليه ، فتحيّروا من ذلك ، فأمر ابن الملك غلمانه وحاشيته بالنزول من خيولهم ، ونزل هو معهم ومشي حافياً مع كمال الأدب نحو المرقد الشريف ، وألقى نفسه على المرقد ، فأخذ في الابتهال إلى حضرة ذي الجلال ، ويسأل شفاء علَّته من صاحب المرقد ، فعوفي ، فأخذوا جميعاً في الفرح والسرور وبشروا الملك بما لاقاه ولده من الصحَّة ببركة صاحب المرقد ، وقالوا له : إنه مقيم عليه ، ولا بتول منه حَتَّى يصل البنّاؤون إليه ، فيبني عليه قُبَّة ، ويستحدث هناك بلداً ويشيّده ؛
ص: 101
ليبقى بعده تذكاراً ، ولمّا بلغ السلطان ذلك ، سجد لله شكراً ، ومن حينه وجّه نحوه المعماريين ، وبنوا علی مشهده بقعة وقبَّة وسوراً يدور على البدر) (1).
ص: 102
الملقَّب : بالتقي ، والجواد ، والمرتضى ، والمنتجب ، والقانع ، والمختار ، والعالم.
وكنيته : أبو جعفر الثاني ، وأبو الفضل ، وقد يُكنّى بأبي علي ولكنّه متروك.
وُلد بالمدينة يوم الجمعة ، النصف - أو التاسع عشر - من شهر رمضان ، علی ما ذكره المفيد في (الإرشاد) و (التاريخ) ، والكليني ، والطوسي ، في (الكافي) و (التهذيب) (1).
ونقل الشيخ رحمه الله في المصباح ، عن ابن عيّاش : (أنه ذكر مولده في عاشر رجب) (2).
قال جدّي الأمجد : (وربّما دلّ عليه ظاهر ما خرج من الناحية المقدّسة على يد الشيخ الكبير أبي القاسم رحمه الله من الدعاء في أيام رجب ، وذلك ؛ لأن الظاهر تعلّق الجار في قوله عليه السلام في رجب : (بالمولودين). واحتمال تعلّقه بالسؤال بعيد) ، انتهى (3).
قلت : والدعاء المذكور هو هذا : «اللهُمَّ إني أسألك بالمَولودَينِ في رجب ، محمّد بن علي الثاني ، وابنه علي بن محمّد المنتجب ...» إلى آخر الدعاء (4).
ص: 103
وذكر الشيخ الطوسي رحمه الله في متهجّده عن ابن عيّاش : (أنّ اليوم الثاني من رجب كان مولد الهادي عليه السلام ، ورُوي أنه كان اليوم الخامس منه ، وأن في عاشره وُلد الجواد عليه السلام) (1).
وقال الكفعمي : (وبعض أصحابنا كأنهم لم يقفوا على هذه الرواية ، فأوردوا هنا سؤالاً وأجابوا عنه ، وصفتها : أن [قلت] (2) : إنَّ الجواد والهادي عليهما السلام لم يولدا في شهر رجب ، فكيف يقول الإمام الحجّة عليه السلام : (اللهُمَّ إنّي أسألك بالمولودَينِ في رجب) ، قلت : إنه أراد التوسل بهما في هذا الشهر ، لا كونهما وُلدا فيه.
ثُمَّ قال : وما ذكروه غير صحيح من وجوه ، الأول : إنَّما يتأتّى قولهم على بطلان رواية ابن عيّاش ، وقد ذكرها الطوسي رحمه الله في متهجّده ، وغيره من أصحابنا في مصابيحهم.
قال ابن طاووس رحمه الله في كتاب (فتح الأبواب) : وکتاب متهجّد جدّي الشيخ الطوسي رحمه الله كتاب عمل ودراية (3) ، وما هو على سبيل مجرد الرواية ؛ لأن من صنّف کتاب عمل ، فقد تقلّد العمل بما فيه ، ومتى كان فيه ما لا يعتقده ، فقد أبدع بالإسلام ، وحوشي الشيخ الطوسي من أن يصنّف بدعة (4).
الثاني : ظهوره في تخصيص التوسّل بهما عليهما السلام في رجب دون شعبان ورمضان وغيرهما ، وهو تخصیص من غير مخصّص لولا الولادة.
ص: 104
الثالث : إنه لو كان كما ذكروا ، لقال صاحب الأمر عليه السلام : اللهُمَّ إني أسألك الامامين. ولم يقل : (بالمولودين) ، ولأجل ولادة الحسين عليه السلام ثالث شعبان ، قيل في دعائه : (اللهُمَّ إني أسألك بالمولود في هذا اليوم)) ، انتهى (1).
لعل التوسل بولادتهما عليهما السلام دون باقي الأئمّة عليهم السلام لمزيد إتمام الحجّة في توالي الأئمّة الاثني عشر ؛ لظهوره إلى الرضا عليه السلام ، فكأنه عليه السلام أراد إحياء أمرهما عند الشيعة كما هو دأبهم في سائر الأدعية والصلاة ، فافهم.
وكيف كان فهو بالاتفاق في سنة 195 ﻫ، واُمُّه اُمّ ولد يُقال لها : سبيكة نوبية ، وقيل أيضاً : إن اسمها خيزران ، وكان له من العمر عند وفاة اُمِّه سبع سنين وأشهرُ على المشهور.
ثُمَّ أشخصه المعتصم محمّد بن هارون ، بعد ما ملك الخلافة بعد أخيه المأمون من المدينة إلى بغداد ، فورد عليه السلام بغداد لليلتين بقيتا من المحرَّم سنة 220 ﻫ، فقتله بالسمّ على يد زوجته اُمّ الفضل بنت المأمون في آخر ذي القعدة من تلك السنة ، فكان له عليه السلام يومئذ خمس وعشرون سنة وشهران وثمانية عشر يوماً ، ودُفن بمقابر قريش في ظهر جدّه موسی بن جعفر عليه السلام (2).
ص: 105
فهم ذكوراً وإناثاً ثلاثة عشر ، أمّا الذكور : فعليٌّ عليه السلام الَّذي هو الإمام من بعده ، وأبو الحسن ، وأبو طالب ، وزيد ، وجعفر ، وموسى المبرقع (1).
وأمّا الإناث : فحكيمة - بالكاف - وأمّا حليمة - باللام - غلط ، كما تقدم نظيره ، وسيأتي.
وفاطمة : تزوجها المأمون كما في مناقب ابن شهر آشوب (2).
وزينب ، وأم محمّد ، وميمونة : وهذه الثلاث دُفِنَّ في قم عند فاطمة بنت موسی بن جعفر عليه السلام (3).
وخديجة ، وأم كلثوم.
وأمّا أبو الحسن : فقد أعقب ، وكذلك أبو طالب ، وكذلك جعفر ، وكذلك موسی المبرقع.
وذكر صاحب العمدة : (أنه عليه السلام أعقب من رجلين هما : علي الهادي عليه السلام ، وموسی المبرقع) (4).
وموسی : اُمُّه اُمّ ولد.
ص: 106
قال في عمدة الطالب : (مات بقم ، وقبره بها ، ويقال لولده الرضويين ، وهم بقم إلا من شذ منهم) ، انتهى (1).
وتُنسب إلى موسى المبرقع بيوت من الهند ، منها : أولاد مير أمان الله في سامانه.
ومنها : أولاد السيِّد مخدوم شاه زيد بور ، وغيرهما.
وفي (تاريخ قم) في باب أحوال الجواد عليه السلام ، قال : (ومن أولاده موسي الَّذي هو في قم) (2).
ونقل المجلسي عنه : (أن أول من جاء إلى قم من السادة الرضوية ، أبو جعفر موسی بن محمّد بن علي الرضا عليه السلام سنه 256 ﻫ، وكان يضع البرقع على وجهه ، وتوفي ليلة الأربعاء ثامن ربيع الآخر سنة 296 ﻫ، ودفنوه في الموضع المعروف الآن أنه مدفنه ، وهو معروف اليوم بالمحلة الموسوية) (3).
ونقل أيضاً المحدث النوري في رسالته المسمّاة ب-(البدر المشعشع في احوال موسی المبرقع) ، عن التاريخ المذكور : (أنه دُفن في الخان المعروف من اقليم الأيام بمحمّد بن الحسن بن أبي خالد الأشعري الملقّب بشنبوله ، واُمّ موسی أول من دُفن في ذلك المكان) ، انتهى (4).
ص: 107
ومحمّد بن الحسن - هذا الَّذي هو ضجيع موسی - : هو أحد الرواة من القمّيين من أصحاب الرضا عليه السلام ، وكان وصياً لسعد بن عبد الله القمّي (1).
ويظهر من بعض الروايات مذمّة موسی بما لا مزيد عليه ، ففي (الإرشاد) بإسناده عن يعقوب بن ياسر ، قال : (كان المتوكّل يقول : ويحكم قَدْ أعياني أمر ابن الرضا ، وجهدت أن يشرب معي وأن ينادمني ، فامتنع ، وجهدت أن أجد فرصة في هذا المعنى ، فلم أجدها. فقال له بعض من حضر : إن لم تجد من ابن الرضا ما تريده من هذه الحالة ، فهذا أخوه موسی ، قصّاف عزّاف ، يأكل ويشرب ، ويعشق ويتخالع ، فأحضره وأشهره ، فإن الخبر يشيع عن ابن الرضا بذلك ، فلا يفرّق الناس بينه وبين أخيه ، ومن عرفه اتّهم أخاه بمثل فعاله ، فقال : اكتبوا بإشخاصه مُكرَّماً ، فاُشخص مكرَّماً ، فتقدم المتوكّل أن يتلقاه جميع بني هاشم والقواد وسائر الناس ، وعمل على أنه إذا وافى أقطعه قطيعة ، وبنى له فيها ، وحوّل إليها الخمّارين والقيان ، وتقدم بصلته وبرّه ، وأفرد له منزلاً سرياً يصلح أن يزوره هو فيه.
فلمَّا وافی موسی تلقّاه أبو الحسن عليه السلام في قنطرة وصيف - وهو موضع يتلقی فيه القادمون - فسلّم عليه ووافاه حقّه ثُمَّ قال له : إن هذا الرجل قَدْ أحضرك ليهتكك ويضع منك ، فلا تقرّ له أنك شربت نبيذاً قطّ ، واتق الله يا أخي أن ترتكب محظوراً. فقال له موسی : وإنَّما دعاني لهذا فما حيلتي؟ قال : فلا تضع من قدرك ، ولا تعص ربِّك ، ولا تفعل ما يشينك ، فما غرضه إلا هتكك.
فأبى عليه موسی ، فکرّر عليه أبو الحسن عليه السلام القول والوعظ ، وهو مقيم على خلافه ، فلمَّا رأى أنه لا يجيب قال له : أما إن المجلس الَّذي تريد الاجتماع معه عليه ، لا تجتمع عليه أنت وهو أبداً.
ص: 108
قال : فأقام موسی ثلاث سنين يُبكر كلّ يوم إلى باب المتوكّل ، فيقال له : قَدْ تشاغل اليوم ، فيروح ويُبكر ، فيقال له : قَدْ سكر ، فيُبكر ، فيقال له : قَدْ شرب دواء. فما زال على هذا ثلاث سنين حَتَّى قُتل المتوكّل ، ولم يجتمع معه على الشراب) (1).
وأنت خبير بأن هذا الخبر دال على قدحه بما هو مخرج عن العدالة ، غير أنه معارض بما رواه في الكافي من الحديث المتضمّن لإشهاد الجواد عليه السلام ابنه موسى على نسخة وصيَّته ، وقد صرّح عليه السلام فيها بأنه مستقل في التولية على جملة موقوفات أبيه عليه السلام من غير مشاركة أحد ، ومن المعلوم أن تولية الأوقاف من قبل الإمام من أقوى شواهد العدالة في حق المتولّي (2).
وما رواه الشيخ الحسن بن علي بن شعبة في (تحف العقول) : عن موسی بن محمّد بن الرضا عليه السلام ، عن أخيه أبي الحسن الثالث عليه السلام حين سأله يحيى بن أكثُمَّ عن مسائل ، فسأل عنها أخاه عليه السلام ، وعبارة الحديث : «فجئت إلى علي بن محمّد ، فدار بيني وبينه من المواعظ ما حملني وبصّرني طاعته ، فقلت له : جُعلت فداك إن ابن أكثُمَّ كتب يسألني عن مسائل لأفتيه فيها ، فضحك عليه السلام ثُمَّ قال : وهل افتيته؟ قلت : لا ، قال : ولِمَ؟ قلت : لم أعرفها ، فقال عليه السلام : وما هي؟ قلت : کتب يسألني عن كيت وكيت ... إلى أخر الحديث بطوله» (3).
ص: 109
وفيه دلالة على كمال معرفته ، وتبصّره ، وتجنّبه عن القول بغير ما يعلم في الدين ، وإن أردت الاطلاع على الشواهد المبرئة لموسى ، فعليك بالرسالة المسماة ب-(البدر المشعشع) للعلّامة النوري - طاب ثراه - (1).
ولموسی المبرقع ولدان : محمّد درج ، ولم يعقب.
وأحمد ، أعقب : أبا علي محمّد بن أحمد بن موسی المبرقع ، وتوفي سنة 315 ﻫ، ودُفن في بقعة جدّه موسی المبرقع (2) ، والبقية في ولده لابنه أبي عبد الله أحمد نقیب قم ، فيهم السيِّد العالم عبيد الله بن موسی بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن موسی المبرقع ، ذكر الشيخ منتجب الدين في فهرسته : (أنه ثقة ، ورع فاضل ، محدّث ، له : كتاب (أنساب آل الرسول وأولاد البتول) ، (كتاب في الحلال والحرام) ، كتاب (الأديان والملل)) ، انتهى (3).
ص: 110
الملقّب بالهادي ، والنّقي ، والطيِّب ، والأمين ، والناصح ، والفتَّاح ، والمرتضی ، والفقيه ، والعالم ، والمتوكّل - وكان يُخفي على الناس هذا اللَّقب ، ويسعى في إخفائه ، ويوصي بعدم ذكره بهذا اللقب في مجمع العامّة ؛ من باب التقية من الخليفة العبَّاسي - ولكنَّ أشهر ألقابه الأول والثاني ، وربّما كان يلقّب بالعسكري ؛ لحضوره في معسكر الخليفة (1).
ويکتنّی : بأبي الحسن الرابع ، أو بأبي الحسن الثالث (2).
وُلد قريباً من المدينة في النصف من ذي الحجّة على ما ذكره الشيخان في (الإرشاد) و (التهذيب) والكليني في (الكافي) (3).
ص: 111
وروى الشيخ في المصباح : (أنه وُلد عليه السلام في السابع والعشرين من ذي الحجّة (1) ، واختاره المفيد رحمه الله في (التاريخ) (2) ، وقيل : في ثاني رجب أو خامسه) (3).
ورُوي عن إبراهيم [بن هاشم القمِّي] (4) : (أنه كان في ثالث عشر من رجب) (5).
وربّما يُشعر بكونه في رجب ما ذكرنا من الدعاء (6) ، وكان ذلك في سنة 212 - وقيل الرابعة عشرة - من الهجرة ، وكان له حين وفاة أبيه ستّ - أو ثماني - سنین.
واُمُّه : اُمّ ولد ، يقال لها : سمانة المغربية ، وقيل : إنّ اُمُّه اُمّ الفضل بنت المأمون (7).
ثُمَّ إن المتوكّل بعث یحیی بن هرثمة بن أعين مع جنود إلى المدينة ؛ ليشخصه إلى سُرَّ من رأى ، فأشخصه ، فأقام بها عشرين سنة وبضعة أشهر ، ثُمَّ سمّه المتوكّل ، فقتله على ما رواه الصدوق وجماعة (8).
قال جدّي الأمجد : (ويظهر من بعض الأخبار أن المتوكّل جهد كثيراً في إيقاع حيلة به عليه السلام ، فلم يتمكّن ، بل مات - لعنه الله - بدعائه عليه قبل أن يُقبض عليه السلام ، فقُبض مسموماً من ابن المتوكّل أعني المعتمد) ، انتهى (9).
ص: 112
وكان قبضه في يوم الاثنين الثالث من شهر رجب في سنة 354 ﻫ على ما نقله جماعة ، وقيل : إنه اتّفاقي ، وكان عمره الشريف يومئذ إحدى وأربعين سنة وستة أشهر على المشهور في الميلاد ، فكانت مدَّة إمامته ثلاثاً وثلاثين سنة ، ودُفن في بيته الَّذي كان يعبدُ الله فيه بِسُرَّ من رأى مدّة عشر سنين وأشهر ، وهو البيت الَّذي عيّنه له المتوكّل العبَّاسي (1).
قال في (المعجم) : (وبسامراء قبر الإمام علي بن محمّد بن علي بن موسی بن جعفر وابنه الحسن بن علي العسكريين ، وبها غاب المنتظر في زعم الشيعة الإمامية ، وبها من قبور الخلفاء ، قبر الواثق ، وقبر المتوكّل ، وابنه المتصر ، وأخيه المعتز ، والمهتدي والمعتمد ابن المتوكّل) (2).
وممَّن فاز بحسن الجوار حيّاً وميتاً : إبراهيم بن العبَّاس بن محمّد بن صولتكين ، الشاعر المشهور المتوفّى في منتصف شعبان سنة 243 ﻫ بِسُرَّ من رأى ، وكان متصلاً بذي الرئاستين الفضل بن سهل ، ثُمَّ تنقّل في أعمال السلطان ودواوينه إلى حين وفاته ، وكان من شعراء عصره ، وذكره ابن شهر آشوب من شعراء الشيعة ومادحي أهل البيت عليهم السلام (3).
ص: 113
قصة شجرة كشمر (1)
ومدينة سامراء من إنشاء المعتصم العبَّاسي ، وبنى بها منارة كان يصعدها على حمار مريسي ، ودرج تلك المنارة من خارجها ، وأساسها على جریب من الأرض ، وطولها تسع وتسعون ذراعاً ، ومريس قرية بمصر (2).
ونقل المؤرِّخ الفارسي في (مرآة البلدان) - تاريخ السلطان ناصر الدین شاه - : (أن المتوكّل العبَّاسي كتب إلى عامله في خراسان ، وهو طاهر بن عبد الله ذو اليمينين أن يقطع الشجرة التي في قرية كشمر - من توابع خراسان - ، وذلك حينما أراد بناء جعفرية سامراء ، فقطعها وحملها على الإبل ، وقد غلّف أغصانها بالنماط الصوفية ، وأرسلها إلى بغداد ، وأن المجوس بذلوا له خمسين ألف دينار لئلّا يقطعها ؛ لاعتقادهم أنها غرس زردشت ، جاء بها من الجنّة).
ويقول بعض المؤرِّخين : (إن عمر الشجرة إلى سنة 232 هجرية 1450 سنة ، وهي سنة تلبّس المتوكّل بالخلافة ، وحين وصول الشجرة إلى قريب سامراء قُتل المتوكّل ، وعليه ، فمدّة حملها تقرب من أربع عشرة سنة ، ومن عظمها أنه لمّا وقعت على الأرض تزلزت جملة من الأبنية حولها وتضررت ، وأن ساقها بحجم 28 ذراعاً ، ويستظل تحتها أكثر من ألفي حيوان من البقر والغنم ، ومن قسم الطيور الموكّرة على أغصانها ما حجبت الشمس عن الناس حين ما هاجت عنها لدى انقلابها ، وقد حُملت أغصانها على ألف وثلاثمائة بعير ، واُجرة حمل مَن ساقها إلى بغداد ألف درهم) (3).
ص: 114
قال الشهيد رحمه الله في مزار (الدروس) ناقلاً عن المفيد رحمه الله : (إنه لا يجوز الدخول في حرم الإمام أبي محمّد الحسن العسكري عليه السلام ، بل يُزار من ظاهر الشباك ، ومنع من دخول الدار ، ونقل عن الشيخ أبي جعفر : أنه الأحوط ، لأنها ملك الغير ولا يجوز التصرف فيها إلا بإذنه ، قال : ولو أن أحداً دخلها لم يكن مأثوماً وخاصة إذا تأول في ذلك ما رُوي عنهم عليهم السلام أنهم جعلوا شيعتهم في حلٍّ من مالهم) ، انتهى (1).
أقول : تعليل الجواز بتحليل الخمس لشيعتهم عليل جداً ، فإنَّ تحليل الخمس للشيعة لا يستلزم تحلیل سائر أموالهم أينما كانت ، على أنه ليس في كلام المفيد المنع من دخول المشهد ، ولعل نظره في الوقوف بظاهر الشباك إلى رعاية الأدب ، بل على جواز الدخول ما هو المروي بطرق عديدة في آداب الزيارة من الوقوف عند القبر ، واللصوق به ، والانكباب عليه (2) ، مضافاً إلى ما عليه كافة العلماء الأبرار والزائرين الأخيار ، نعم الأحوط والأرجح تأخر الزائر عند زيارة الهادي عليه السلام من الضريح المقدّس ؛ لما سننقله قريباً عن مزار الشيخ الجليل الشيخ خضر شلال (3).
ص: 115
وقال صاحب (الملل والنحل) : (إن مشهده عليه السلام في قم) (1).
وأنت خبير بأنه ناشئ من عدم التثبُّت ، وعدم التعُّمق في أحوال الأئمّة صلوات الله عليهم ، وأعظم من ذلك ما في الجزء الرابع من (تاريخ ابن خلدون) عند ذكره الدولة الإسماعيلية ، حيث ذكر أن الشيعة تزعم أن الإمام بعد محمّد التقي ابنه علي ويلقّبونه الهادي ، ويقال الجواد ، ومات سنة 254 ﻫ وقبره بقم.
وقال : (ويزعمون أن الإمام بعده ابنه العسكري ؛ لأنه وُلد بِسُرِّ من رأى ، وكانت تُسمّى العسكر ، وحُبس بها بعد أبيه إلى أن هلك سنة 260 ﻫ، ودُفن جنب أبيه في المشهد) (2).
وفيه ، أولاً : أنَّ الجواد من ألقاب الإمام التاسع محمّد بن علي عليه السلام.
وثانيا : ما عرفت من موضوع قبر الإمام الهادي عليه السلام وأنه في سُرَّ من رأى ، لا في قم ، والعجب أنه صرّح بأن العسكري عليه السلام توفّي في سُرَّ من رأى ، ودُفن بجنب أبيه في المشهد ، ومع ذلك كيف يكون مدفن أبيه في قم ، وهل هو إلا تناقض في عبارة واحدة.
وُلد له : الحسن عليه السلام ، والحسين ، ومحمّد ، وأبو عبد الله جعفر المعروف بالكذّاب ، وابنة مسمّاة بعائشة.
ص: 116
أمّا الحسن عليه السلام : فهو الإمام من بعده.
وأمّا الحسين : فقد كان ممتازاً في الديانة من سائر أقرانه وأمثاله ، تابعاً لأخيه الحسن معتقداً بإمامته ، ودُفن في حرم العسكريين تحت قدميهما (1).
وعن بعض كتب الأنساب : أن هارون بن علي الواقع في الميدان العتيق بأصبهان هو من أولاد أبي الحسن الهادي عليه السلام (2).
وأمّا محمّد : جلالته وعظمة شأنه أكثر من أن يذكر ، وكفى في ذلك قابليته للإمامة ، وهو أكبر أولاد الهادي عليه السلام ، وكانت الشيعة تظن فيه أنه الإمام بعد أبيه ، ولمّا توفّي في حياة الهادي عليه السلام ، قال لولده الحسن : «يا بني أحدث الله شكراً ، فقد أحدث في أمراً» (3).
وفي رواية اُخرى أنه قال : «بدا لله في أبي محمّد بعد أبي جعفر - يعني محمّد - مالم يكن يعرف له ، كما بدا له في موسی بعد مضي إسماعيل ما کشف به عن حاله» (4).
وفي الإرشاد : بسنده عن النوفلي قال : «كنت مع أبي الحسن عليه السلام في صحن داره ، فمرّ بنا محمّد ابنه ، فقلت له : جُعلت فداك، هذا صاحبنا بعدك؟ فقال : لا ، صاحبكم من بعدي الحسن» (5).
ص: 117
وبسنده : عن محمّد الأصبهاني قال : «قال لي أبو الحسن عليه السلام : صاحبكم من بعدي الَّذي يصلّي عليّ ، قال : ولم نكن نعرف أبا محمّد قبل ذلك ، قال : فخرج أبو محمّد بعد وفاته ، فصلّی عليه» (1).
وبسنده ، إلى جماعة من بني هاشم ، منهم الحسن بن الحسين الأفطس : «أنهم حضروا يوم توفّي محمّد بن علي بن محمّد دار أبي الحسن عليه السلام ، وقد بُسط له في صحن داره ، والناس جلوس حوله ، من آل أبي طالب وبني العبَّاس وقريش مائة وخمسون رجلاً سوى مواليه وسائر الناس ؛ إذ نظر إلى الحسن بن علي عليهما السلام وقد جاء مشقوق الجيب حَتَّى قام عن يمينه ونحن لا نعرفه ، فنظر إليه أبو الحسن عليه السلام بعد ساعة من قيامه ، ثُمَّ قال له : يا بني أحدث لله شكراً ، فقد أحدث فيك أمراً ، فبكى الحسن واسترجع ، فقال : الحمد لله ربِّ العالمين ، وإيَّاه أسأل تمام نعمه علينا ، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
فسألنا عنه ، فقيل لنا : هذا الحسن بن علي ابنه ، وقدرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة ونحوها ، فيومئذ عرفنا وعلمنا أنه قَدْ أشار إليه بالإمامة وأقامه مقامه» (2).
والأخبار في هذا كثيرة قَدْ أوردها المفيد رحمه الله في الإرشاد (3) ، ومع ذلك فالعجب من صاحب (جنّات الخلود) حيث قال فيها : (إنه لم يُعرف حاله) (4). مع أن قبره مزار معروف في قرية بلد من نواحي الدجيل.
ص: 118
وفي معجم البلدان : (نقل عن السيِّد عبد الكريم ابن طاووس رحمه الله أن قبر أبي جعفر محمّد ابن الهادي عليه السلام في بلد - التي هي مدينة قديمة على دجلة فوق الموصل - وادّعى الإتفاق على ذلك) (1).
وهو غريب منه ، وسواد أطراف سامراء من العامّة والخاصّة يعظّمون هذا المشهد ، ويقطعون الخصومات التي تقع بينهم بالحلف به ، والحضور في مشهده ، ولا يعرفونه إلا قبر السيِّد محمّد بن علي الهادي عليه السلام ، ويعبّرون عنه بسبع الدجيل (2).
وأمّا جعفر : فهو الملقّب بالكذّاب ، وكان معروفاً بحبّ الجاه وطلب الدنيا ، وصرف أكثر عمره مع الأوباش والأجامرة ولعب الطنبور وسائر ما هو غير مشروع ، ولكن كان متظاهراً بإمامة الحسن العسكري ، ومن بعد وفاته ادّعی
ص: 119
الإمامة ، وكان يجبر الناس على إطاعته والقول بإمامته (1) ، وأراد أن يصلّي على جنازة أخيه ، فمنعه ذلك الحجّة صاحب الأمر عليه السلام ، وقصته معروفة (2).
ويقال : إنه تاب في أخر عمره ، فلُقّب بجعفر التوّاب ، بل ورد في الأخبار تشبیه جعفر بأخوة يوسف علييه السلام ؛ حيث غفر الله لهم ذنوبهم ، وعفا عنهم يوسف (3) ، وقال : ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾ (4).
ص: 120
ويُلقّب بصاحب الناحية أيضاً كما في كتب الرجال (1) ، وبهذا يصحّ سند زيارة الناحية المرويّة في الإقبال ، قال : (خرج من الناحية سنة اثنتين وخمسين ومائتين ... إلخ) (2).
وخروجها بهذا التاريخ يكون مقدّماً على ولادة الحجّة بأربع سنين ، فالمراد منه العسكري (3).
وكنيته : أبو محمّد ، وُلد بالمدينة على المشهور - وقيل بسُرَّ من رأى (4) ، ولعله خطأ كما صرّح به جدّي الأمجد (5) - في يوم الجمعة ، الثامن من شهر ربيع الآخر - وقيل غير ذلك ، والأول أشهر - في سنة 232 من الهجرة (6) - وقيل في سنة الثلاثين فوق (ثلاثين بعد - ظ) المائتين ، ونقل عن المفيد رحمه الله قال جدّي الأمجد : (لعله سهو في النقل ؛ إذ ليس فيما رأينا من كتبه ذلك) (7) - (8).
ص: 121
وكانت اُمُّه اُمّ ولد ، يقال لها حديث ، وكانت في غاية الورع والتقوى ، فأقام عليه السلام بسُرَّ من رأى بعد أبيه عليه السلام قريباً من ستّ سنين ، ثُمَّ سمّه المعتمد أبو عيسی ابن المتوكّل على ما ذكره الصدوق رحمه الله (1).
وقال الطبرسي : (ذهب كثير من أصحابنا إلى أنه مضى مسموماً ، وكذلك أبوه وجدّه وجميع الأئمّة عليهم السلام) (2).
فقُبض يوم الجمعة - وقيل يوم الأحد ، وقيل يوم الأربعاء والأول أشهر - الثامن من شهر ربيع الأول - وقيل في غيره ، والأول هو المعتمد - وكان ذلك في عام الستّين فوق (ستين بعد - ط) المائتين ، وكان عليه السلام يومئذ ابن ثماني وعشرين سنة ، ومدّة إمامته ستّ سنين ، ودُفن بسامراء في داره في البيت الَّذي دُفن فيه أبوه عليه السلام ، ومرقده خلف ظهر أبيه ، وعلى قولٍ : إنّ ذرِّيته عليه السلام منحصرة في ابنه الإمام صاحب الأمر محمّد بن الحسن ، وبنت واحدة غير موسومة ولا مذكورة في الكتب ، والأصح انحصار ولده في الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف (3).
الأول : قال المجلسي رحمه الله في مزار البحار : (إن في القُبَّة الشريفة - يعني قُبَّة الإمامين العسكريين عليهما السلام - قبراً منسوباً إلى النجيبة الكريمة العالمة الفاضلة التقية الرضية حكيمة بنت أبي جعفر الجواد عليه السلام ، ولا أدري لِمَ لَمْ يتعرضوا لزيارتها مع ظهور فضلها
ص: 122
وجلالتها؟! وأنها كانت مخصوصة بالأئمّة عليهم السلام ومودعة أسرارهم ، وكانت اُمُّ القائم عله السلام عندها ، وكانت حاضرة عند ولادته عليه السلام ، وكانت تراه حيناً بعد حين في حياة أبي محمّد العسكري عليه السلام ، وكانت من السفراء والأبواب بعد وفاته ، فينبغي زيارتها بما أجرى الله على اللَّسان ممَّا يناسب فضلها وشأنها والله الموفق) ، انتهى كلامه (1).
قال جدّي بحر العلوم رحمه الله بعد نقل هذه العبارة : (قلت : عدم التعرُّض لزيارتها - رضي الله عنه ا - كما أشار إليه الخال المفضال عجيب ، وأعجب منه عدم تعرض الأكثر لها - کالمفيد في الإرشاد ، وغيره في كتب التواريخ والسِّيَر والنسب - في أولاد الجواد عليه السلام ، بل حصر بعضهم بناته عليه السلام في غيرها :
قال المفيد رحمه الله : وخلّف أبو جعفر الجواد عليه السلام من الولد عليّاً - ابنه الإمام من بعده - وموسی ، وفاطمة ، وأمامة ، ولم يخلّف ذكراً غير من سمَّيناه.
وقال الطبرسي في إعلام الوری : وخلّف من الولد عليّاً - الإمام - وموسی ، (ومن البنات حكيمة وخديجة وأم كلثوم) (2).
ويقال : خلّف فاطمة وأمامة ابنتيه ، ولم يخلف غيرهم.
وقال السروي في المناقب : وأولاده : علي الإمام ، وموسى وحكيمة ، وخديجة ، واُمّ كلثوم. قال : وقال - (أيوب الأنصاري) (3) - أبو عبد الله الحارثي : خلّف فاطمة وأمامة فقط) ، انتهى (4).
ص: 123
أقول : فهذه الجليلة بنت الإمام أبي جعفر الجواد عليه السلام ، واُخت الإمام علي الهادي عليه السلام ، وعمّة الإمام الحسن العسكري عليه السلام ، وقد أدركت أئمّة أربعة بزيادة إمام العصر عليه السلام إلى من تقدّم ، وأن الهادي عليه السلام أمر نرجس خاتون أن تتعلم منها معالم الدين وأحكام الشرع والتأدُّب بالآداب الإلهية (1) ، وكان لها منصب السفارة بعد العسكري عليه السلام من قبل إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وكانت توصل عرائض الناس إليه ، والتوقيعات الصادرة منه عليه السلام إلى الناس (2) ، ومرقدها الشريف ممَّا يلي قدمي العسكريين عليهما السلام ، ولها صندوق على حِدَة.
وبجنب ضريح العسكري عليه السلام أيضاً ، ضریح نرجس خاتون اُمّ الإمام صاحب الزَّمان عليه السلام ، واقع خلفه.
الثاني : قال الشيخ الجليل والفقيه النبيل الشيخ خضر شلّال النَّجفي المتوفى 1255 ﻫ، - وقبره في محلّة العمارة من النَّجف ، معروف تقصده الناس ؛ لقراءة الفاتحة وإسعاف الحوائج (3) - في مزاره في باب زيارة العسكريين : (أنه لا شكّ أنَّ
ص: 124
الأرجح عند زيارة الإمام علي الهادي عليه السلام ، تأخُّر الزائر عن الضريح المبارك بمقدار ذراع أو أزيد ، ولا يلصق نفسه بالشبَّاك كما هو المتعارف في آداب زيارة الأئمَّة عليهم السلام.
قال رحمه الله : إذ من المحقَّق الواصل إلينا أنَّ الشبَّاك الواقع على الضريح المقدِّس في زماننا هو متأخّر عن موضع القبر ، وأنَّ القبر الشريف قُدَّام الشبَّاك.
قال رحمه الله : ويؤيد هذه المقالة أنّي وجماعة من العلماء والصلحاء تشرفنا إلى زيارته وكان معنا أحد العلويين الحاملين للعلم ، فأخبرني بشيء كان أوجب تشويشهم واضطرابهم ، وهو أنه كان واقفاً بقرب الضريح مستدبر القبلة ، فسمع صوتاً من الضريح يقول له : تنحّ عن موقفك إلى ورائك. قال : وليس سبب ذلك إلّا ما ذكرناه من أنَّ الضريح خارج عن الشبَّاك) ، انتهى (1).
ولا يخفى أنَّ الضريح هو الضريح الفولاذي الَّذي هو من آثار الشاه سلطان حسين الصفوي خاتمة السلاطين الصفوية ، كما أن تذهيب القُبَّة الموجودة الآن من آثار السلطان ناصر الدین شاه القاجاري المقتول سنة 1313 ﻫ، بنظارة الفقيه الجامع الشيخ عبد الحسين الطهراني المتوفّى سنة 1286 ﻫ، وعدد أحجارها الذهبية هكذا 27748 ، کتیبة 160 ، حاشية 320.
والمراد من العلوي هو السيِّد جدّنا بحر العلوم (طاب ثراه) كما صرّح به العلّامة النوري رحمه الله في تحية الزائر ، وكان اضطرابه ؛ لتأخُّره عن موقفه دفعة (2).
ص: 125
ونقل المجلسي في آخر المجلّد الثاني عشر من البحار : (أنه وقعت داهية عظمی ، وفتنة كبرى ، في سنة ستّ ومائة بعد الألف من الهجرة في الروضة المنورة بِسُرَّ من رأى ، وذلك أنه لغلبة الأروام (1) وأجلاف العرب على سُرَّ من رأى ، وقلَّة اعتنائهم بإكرام الروضة المقدّسة ، وجلاء السادات والأشراف الظلم الأروام عليهم منها ، وضعوا ليلة من الليالي سراجاً داخل الروضة المطهَّرة في غير المحل المناسب له ، فوقعت من الفتيلة نار على بعض الفروش أو الأخشاب ، ولم يكن أحد في حوالي الروضة فيطفيها. فاحترقت الفروش والصناديق المقدَّسة والأخشاب والأبواب ، وصار ذلك فتنة لضعفاء العقول من الشيعة والنُصَّاب من المخالفين ؛ جهلاً منهم بأن أمثال ذلك لا يضرّ بحال هؤلاء الأجلَّة الكرام ، ولا يقدح في رفعة شأنهم عند الملك العلّام ، وإنَّما ذلك غضب على الناس ، ولا يلزم ظهور المعجز في كل وقت ، وإنَّما هو تابع للمصالح الكلّية والأسرار في ذلك خفية ، وفيه شدَّة تكليف ، وافتتان وامتحان للمكلَّفين ، وقد وقع مثل ذلك في الروضة المقدّسة النبوية بالمدينة أيضاً صلوات الله على مشرِّفها وآله.
قال الشيخ الفاضل الكامل السديد يحيى بن سعيد (قدس الله روحه) في كتاب (جامع الشرائع) في باب اللّعان : إنه إذا وقع بالمدينة يستحب أن يكون بمسجدها عند منبره عليه السلام.
ثُمَّ قال : وفي هذه السنة وهي سنة أربع وخمسين وست مائة في شهر رمضان احترق المنبر وسقوف المسجد ، ثُمَّ عُمل بدل المنبر) (2).
ص: 126
في الغوث الأعظم ، والملاذ الأفخم ، ناموس الدهر ، وصاحب العصر ، الإمام محمّد بن الحسن ، الملقَّب بالحجّة ، والصاحب ، وصاحب العسكر ، وصاحب الأمر ، وصاحب الناحية ، وصاحب الدار ، وصاحب الزَّمان ، والغريم ، والمهدي ، والقائم ، والمنتظر ، والهادي ، والخلف الصالح ، والبلد الأمين ، والخاتم ، المکنَّی بأبي عبد الله ، وأبي القاسم (1).
وُلد في سُرَّ من رأى ، في دار أبيه العسكري ، يوم الجمعة - وعلى الأصح ليلة الجمعة - في ليلة النصف من شعبان سنة 256 ﻫ، بعد انقضاء أحد وأربعين يوماً من خلافة المعتمد على الله العبَّاسي.
واُمُّه نرجس خاتون بنت قيصر الروم ، وعلى قولٍ بنت یشوعا بن قیصر من نسل شمعون من حواري عيسی عليه السلام ، وذكر بعض المؤرِّخين أن قيصر كان عازماً على تزويجها من ابن أخيه ، واحتفل بمأدبة عظيمة ، فلم يتم الأمر في تلك الحفلة ، فلمَّا أن جاء الليل رأت نرجس خاتون في منامها النبي صلى الله عليه وآله مع فاطمة الزهراء عليها السلام ، فأسلمت على يديهما ، وعقداها للحسن العسكري عليه السلام ، ورأته في المنام ، ومن شدَّة شوقها إليه ألقت نفسها بين اُسارى المسلمين ، فجاء المسلمون بها إلى بغداد وجعلوها في البيع ، فأرسل الإمام علي بن محمّد الهادي عليه السلام مع
ص: 127
بشر بن سليمان مائتين وعشرين ديناراً ذهباً إلى بغداد ، فشراها ، ثُمَّ أعطاها إلى ابنه العسكري عليه السلام ، وفي عرض الطريق سمّت نفسها نرجس خاتون (1).
ومدّة عمره عليه السلام من حين ولادته إلى التحرير يوم الخامس عشر من شهر شعبان سنة 1343 ﻫ ألف وثماني وأربعون سنة ، وغيبته يوم الأحد - وقيل : يوم الجمعة - من خوف الأعداء عاشر شهر شوال سنة 262 ﻫ، وعلى قول سنة 265 ﻫ (2).
وشمائله على ما نقله السيِّد الشبلنجي : (شاب أكحل العينين ، أزجّ الحاجبين ، أقنى الأنف ، كثُّ اللّحية ، على خدِّه الأيمن خالٌ.
قال : وأخرج الروياني والطبراني وغيرهما : المهدي من ولدي ، وجهه كالكوكب الدرِّي ، اللّون لون عربي ، والجسم جسم إسرائيلي - أي طويل - يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً) ، انتهى (3).
وقال صاحب (الفتوحات) : (واعلم أنَّ المهدي عليه السلام إذا خرج يفرح به جميع المسلمين ، خاصَّتهم وعامَّتهم ، وله رجال إلهيّون يقيمون دعوته وينصرونه ، ثُمَّ الوزراء له يتحملون أثقال المملكة عنه ، ويعينونه على ما قلّده الله ، ينزل عليه عيسی بن مریم عليه الصلاة والسلام بالمنارة البيضاء شرقي دمشق ، متَّكئاً على ملكين ، ملك عن
ص: 128
يمينه ، ملك عن يساره ، والناس في صلاة العصر ، فيتنحى له الإمام عن مكانه ، فيتقدَّم فيصلي بالناس ، يؤمّ الناس بسُنَّة سيدنا محمّد صلى الله عليه وآله ، يكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويقبض الله إليه المهدي طاهراً مطهِّراً ، وفي زمانه يُقتل السفياني عند شجرة بغوطة دمشق ، ويُخسف بجيشه البيداء ، فمن كان مجبوراً من ذلك الجيش مكرهاً يُحشر على نيَّته) ، انتهى (1).
وفي سنن أبي داود ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وآله ، قال : «لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لبعث الله تعالی رجلاً من أهل بيتي ، يملؤها عدلاً كما ملئت جورا» (2).
وأخرج أبو داود والترمذي ، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عنه صلى الله عليه وآله ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : «المهدي منّي ، أجلى الجبهةِ ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً».
وزاد أبو داود : «يملك سبع سنين» (3).
وأخرج ابن شیرویه - وهو من أكابر العامَّة - في كتابه (فردوس الأخبار) في باب الألف واللام ، عن ابن عبَّاس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «المهدي طاووس أهلِ الجنَّة» (4).
ص: 129
وعنه أيضاً بإسناده ، عن حذيفة بن اليمان ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : «المهديّ [رجلٌ من] (1) ولدي ، وجهه كالقمر الدرّي ، اللَّون لون عربي ، والجسم جسم إسرائيلي ، يملأ الأرض عدلاً ، كما مُلئت جوراً ، يرضى بخلافته أهلُ السموات والأرض ، والطير في الجو ، يملك عشرين سنة» (2).
وأخرج الحافظ أبو نعيم ، عن ثوبان ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «إذا رأيتم الرايات السود قَدْ أقبلت من خراسان ، فأتوها ولو حَبْواً على الثلج ، فإنَّ فيها خليفة الله المهدي» (3).
وأخرج أيضاً ، عن عبد الله بن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «يخرج المهدي من قرية يقال لها كريمة» (4).
وأخرج الحافظ أبو عبد الله محمّد بن ماجة القزويني في حديث طويل في نزول عيسی بن مریم عليه السلام ، عن أبي أمامة الباهلي ، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله - وذكر الدجَّال - فقال : «إنَّ المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد ويدعى ذلك اليوم (يوم الخلاص)» ، قالت اُمّ شريك بنت أبي العسكر : فأين العرب يومئذ؟ قال صلى الله عليه وآله : «هم يومئذ قليل ، وجلّهم بيت المقدس ، وإمامهم المهدي ، وقد تقدّم ليصلّي بهم الصبح إذ نزل عيسی بن مريم ، فرجع ذلك
ص: 130
الامام ينكص عن عيسى القهقرى ؛ ليتقدم عيسى يصلّي بالناس ، فيضع عيسی يده على كتفيه ثُمَّ يقول له : تقدّم» (1).
وروى البخاري ومسلم في صحيحهما ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله الله صلى الله عليه وآله : «كيف أنتم إذا نزل ابن مریم فیکم وإمامكم منكم» (2).
وههنا فوائد ذكرها صاحب (الصواعق المحرقة) يناسب لنا نقلها :
(الأولى - قال : الأظهر أنَّ خروج المهدي قبل نزول عيسی ، وقيل بعده.
الثانية - قال : تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وآله ، أنه من أهل بيته ، وأنه يملأ الأرض عدلا.
الثالثة - تواترت الأخبار على أنه يعاون عيسى على قتل الدجَّال بباب (لُد) بأرض يقال لها فلسطين بالشام.
الرابعة - قال جاء في بعض الآثار أنه يخرج في وتر السنين ، سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع.
الخامسة - بعد أن تعقد له البيعة بمكَّة يسير منها إلى الكوفة ، ثُمَّ يفرّق الجند إلى الأمصار.
السادسة - أنَّ السَّنة من سِنِيِّه مقدارُ عشر سنين.
السابعة - أنَّ سلطانه يبلغ المشرق والمغرب ، تظهر له الكنوز ، لا يبقى في الأرض خراب إلا عمّره) (3).
ص: 131
وهذه علامات قيام القائم ، مروية عن أبي جعفر رضي الله عنه ، قال : «إذا تشبّه الرجال بالنساء ، والنساء بالرجال ، وركبت ذوات الفروج السروج ، وأمات الناس الصلوات ، واتَّبعوا الشهوات ، واستخفُّوا بالدماء ، وتعاملوا بالربا ، وتظاهروا بالزنا ، وشيّدوا البناء ، واستحلوا الكذب ، وأخذوا الرشا ، واتبعوا الهوى ، وباعوا الدين بالدنيا ، وقطعوا الأرحام ، وظنوا بالطعام ، وكان الحلم ضعفاً ، والظلم فخراً ، والأمراء فجرة ، والوزراء كذبة ، والأمناء خونة ، والأعوان ظلمة ، والقرّاء فسقة ، وظهر الجور ، وكثر الطلاق ، وبدأ الفجور ، وقُبلت شهادة الزور ، وشُربت الخمور ، وركبت الذكور الذكور ، واستغنت النساء بالنساء ، واتَّخِذ الفيء مغنماً ، والصدقة مغرماً ، واتُّقي الأشرار مخالفة ألسنتهم ، وخروج السفياني من الشام ، واليماني من اليمن ، وخسف بالبيداء بين مكَّة والمدينة ، وقتل غلام من آل محمّد صلى الله عليه وآله بين الركن والمقام ، وصاح صائح من السماء بأنَّ الحقَّ معه ومع أتباعه.
قال : فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة ، واجتمع إليه ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً من أتباعه ، فأول ما ينطق به هذه الآية : ﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (1) ، ثُمَّ يقول : أنا [بقية الله وخليفته وحجَّته عليكم ، فلا يسلّم عليه أحد إلا قال : السلام عليك يا] (2) بقية الله في الأرض ، فإذا اجتمع عنده العقد - عشرة آلاف رجل - فلا يبقى يهودي ولا نصراني ولا أحد ممَّن يعبد غير الله تعالى إلا آمن به وصدّقه ، وتكون الملَّةُ واحدة ، ملّة الإسلام وكل ما كان في الأرض من معبود سوى الله تعالى تتزل
ص: 132
عليه نار من السماء فتحرقه ، والله أعلم (1). انتهى ما في الصواعق ؛ وإنَّما آثرت نقله بطوله ؛ لكونه أدخل في إثبات الحجَّة وإيضاح المحجّة» (2).
قال ابن أبي الحديد في شرحه ، عند قوله عليه السلام في آخر الخطبة التي خطبها في المدينة «بنا فتح الله لا بكم ، وبنا يختم لا بكم» : إنه إشارة إلى المهدي عليه السلام الَّذي يظهر في آخر الزَّمان (3).
وما أحسن قوله في إحدى معلقاته :
ولقد عَلِمْتُ بأنه لا بدَّ مِنْ *** مَهدِيِّكُمْ ولِيَومِهِ أتوقَّعُ
تحميهِ مِنْ جُندِ الإلهِ کتائِبٌ *** کاليمِّ أقبلَ زاخِراً يَتَدَفَّعُ
فيها لآلِ أبي الحديد صوارِمٌ *** مشهورَةٌ ورِماحُ خَطٍّ شُرَّعُ
ورجالُ موتٍ مُقدِمون كأنَّهم *** أُسُدُ العرينِ الرُّبْدُ لا تَتَكَعْكَعُ
تِلكَ المُنى إمّا أغِبْ عنها فَلِي *** نفسٌ تُنازِعُني وشوقٌ يَنزَعُ (4)
وألطف منه قول الحافظ الشيرازي :
مژده ايدل كه مسيحا نفسي مي آيد *** كه انفاس خوشش بوى كسى مي آيد
از غم هجر مكن ناله وفرياد كه من *** زده ام فالي وفرياد رسى مي آيد
كس ندانست كه منزل گه معشوق كجاست *** اين قدر هست كه بانك جرسي مي آيد
ص: 133
ولعلَّ الحكمة في نزول عيسى عليه السلام واقتدائه به في صلاته ، أنَّ ملوك الأرض من الكفَّار كلّهم اُمّة عيسى عليه السلام كما هو المشاهد الآن ، فإذا نزل عليه السلام وكان من أعوانه عليه السلام ورأوه يصلّي خلفه وهم يعرفونه أنه عيسی ، فتحصل لهم الرغبة في الإيمان به وقبول أوامره ، وفيه من المصالح مالا يخفی ، فتدبّر.
إن قيل : ما السبب في غيبته عليه السلام ، وما الوجه فيها؟
فالجواب : السبب من الأعداء والخصوم ، فإنَّ الواجب عليه تعالی إعلامهم به ، وقد فعل ما وجب عليه من تتميم اللُّطف.
وقد يقال : إنَّ السبب فيها استخلاص النطف التي يحصل منها أهل الإيمان من أصلاب أهل النفاق ، فإنّ بسط اليد يقتضي القيام بالسيف الموجب لقتل أهل الخلاف ، فيفوت بقتلهم وجود تلك الذراري الصالحة من أصلابهم ، هذا مع ضبط القواعد الكلّية الشرعية في غيبته ، فمتى تعذّر الانتفاع به في الجزئيات بقي الانتفاع به في الكلّيات المهمة - التي هي الأُصول بحالها - فإنه الحافظ للشريعة ، والعالم بقوانينها ، والعارف بأحكامها ، فبقاؤه مستلزم لبقائها وحفظها عن التغيّر والزوال ؛ وذلك هو الأصل في وجوب نصبه في الحكمة الإلهية.
وأمّا تصرفه في الأحكام الجزئية ، وإنفاذ السياسات ، وإصلاح أفراد النوع ، فربّما منع منه تغلّب الظلمة ، ورُوي عن الحسين عليه السلام أنه كان يوم الطف إذا حمل
ص: 134
على عسكر ابن زياد يقتل بعضاً ويترك بعضاً [مع تمكُّنه من قتلهم] (1) ، فقيل له في ذلك ، فقال عليه السلام : «كُشف عن بصري ، فأبصرت النطف التي في أصلابهم فعرفت من يخرج من أهل الإيمان ، فتركته عن القتل لاستخلاص تلك الذرِّية» (2).
وهذا شأن أهل الولاية في تدبير أمور الخلق.
في ذكر مراتب الأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين وتفضيل بعضهم على بعض في المرتبة ، فنقول : لا ريب أنَّ مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أفضل من الحسن والحسين عليهما السلام ، والأخبار في ذلك مشحونة ، وأنه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله خير خلق الله ، وسيد من دخل في عالم الوجود.
ومختصر الدليل على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله خير خلق الله بالكتاب والسنَّة وإجماع المسلمين ، وعلي عليه السلام نفس النبيّ صلى الله عليه وآله بنصّ القرآن في قوله تعالى: ﴿وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ﴾ (3) ، ولا ريب أنه ليس المراد أن نفسه عليه السلام نفسه صلى الله عليه وآله حقيقة ، فالمراد المساواة معه في جميع الخصوصيات سوى النبوة ، بقاعدة أنه إذا تعذَّرت الحقيقة فالمراد أقرب المجازات ، وتذكّر هنا البيت من القصيدة المتقدِّمة لجدّي بحر العلوم رحمه الله في ردّ مروان بن أبي حفص حيث يقول :
ص: 135
عليٌّ أبونا کانَ کالطُّهرِ جدّنا *** لَهُ ما لَهُ إلَّا النُّبوَّة مِنْ فَضْلِ
ويدل على ذلك أيضاً قوله صلى الله عليه وآله في الحسنين حين حملهما : «نعم الراكبان وأبوهما خير منهما» (1).
وقوله صلى الله عليه وآله : «يا علي ، ما عرف الله إلا أنا وأنت ، ولا عرفني إلا الله وأنت ، ولا عرفك إلا الله وأنا» (2) ، صريح بأنه عليه السلام لا يعرفه إلا الله ورسوله ، فيكون الحسنان عليهما السلام قاصرين عن رتبة ذات علي عليه السلام.
وقال صلى الله عليه وآله : «أنت نفسيَ التي بين جنبيّ» (3) تبعاً للآية الشريفة (4).
وقال صلى الله عليه وآله : «أنت منّي بمنزلة الروح من الجسد» (5).
والحسن عليه السلام أفضل من الحسين عليه السلام ، ومن الأدلة على ذلك ما رواه الصدوق رحمه الله في كتاب (إكمال الدين) بإسناده إلى هشام بن سالم ، قال : «قلت للصادق عليه السلام : الحسن عليه السلام أفضل أم الحسين عليه السلام؟ فقال : الحسن عليه السلام أفضل من الحسين. قلت : فكيف صارت الإمامة من بعد الحسين عليه السلام في عقبه دون ولد الحسن عليه السلام؟ فقال : إنَّ الله تبارك وتعالى لم يرد ذلك إلا أن يجعل سنّة موسی وهارون جارية في الحسن والحسين عليهما السلام ، ألا ترى أنهما كانا شريكين في
ص: 136
النبوة ، كما كان الحسن والحسين عليهما السلام شريكين في الإمامة ، وأنَّ الله عزَّ وجلَّ جعل النبوة في ولد هارون ولم يجعلها في ولد موسى وإن كان موسى أفضل من هارون» (1).
وأمّا فضل الحسن والحسين عليهما السلام على الأئمّة التسعة عليهم السلام فيحديث «سيدا شباب أهل الجنة» (2) ، خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام بالنص ، وبقي كلٌّ من سواهما وهو ممَّا عليه الإجماع.
وأمّا فاطمة عليها السلام ، فاختلف العلماء في شأنها ، فقال قوم : إنها بعد علي عليه السلام أفضل من بنيها الأحد عشر عليهم السلام.
وقال قوم : إنها بعد الحسن والحسين عليهما السلام أفضل من التسعة عليهم السلام.
وقال آخرون : إن الأئمّة الاثني عشر كلّهم أفضل منها. وسبب الاختلاف اختلاف الروايات ، والَّذي يترجَّح عندنا أن فضلها بعد الأئمّة الاثني عشر ، ويدلّ عليه قوله تعالى : ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ﴾ (3) ، وهو عام لا يلزم منه ترجيح كل ذکر عليها ؛ ولما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وبعض الأئمّة عليهم السلام أنها أفضل نساء العالمين (4) ، ولم يرد أنها أفضل الرجال من العالمين.
ولما رواه الصدوق رحمه الله في (الفقيه) ، في ما أوصى محمّد صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام : «يا علي ، إنَّ الله عزَّ وجلَّ أشرفَ على الدنيا ، فاختارني منها على رجال العالمين ،
ص: 137
ثُمَّ أطَّلع ثانية ، فاختارك على رجال العالمين ، ثُمَّ اطَّلع الثالثة ، فاختار الأئمّة عليهم السلام من ولدك على رجال العالمين ، ثُمَّ اطَّلع الرابعة ، فاختار فاطمة عليها السلام على نساء العالمين» (1) ، وهو مشعر بتفضيلهم عليها.
وأمّا أفضلية القائم عليه السلام ، فمن تتبع الأخبار والأدعية ، مثل دعاء الندبة المرويّ عن الصادق عليه السلام (2) لم يُشك أنه أفضل التسعة من ذرِّية الحسين عليه السلام ، قال عليه السلام في جملة ما قال في الدعاء المزبور : «اللهُمَّ ونحن عبيدك التائقون إلى وليّك ، المذكّر بك وبنبيِّك ، خلقته لنا عصمة وملاذاً ، وأقمته لنا قواماً ومعاذاً ، وجعلته للمؤمنين منَّا إماماً ، فبلغه منَّا تحية وسلاماً ، وزدنا بذلك يا ربّ إكراماً ، واجعل مستقره لنا مستقراً ومقاماً ، وأتمم نعمته بتقديمك إيَّاه أمامنا حَتَّى توردنا جنانك ، ومرافقة الشهداء من خلصائك» (3).
وممَّا صُرّح به من الأحاديث ما رواه الفاضل المقداد في شرح باب الحادي
عشر : «تسعة من ذرِّية الحسين عليه السلام تاسعهم قائمهم ، أعلمهم» (4).
وفي رواية اُخرى : «تاسعهم قائمهم ، أعلمهم ، [أحكمهم] (5) ، أفضلهم» (6).
ص: 138
وفي حديث الوصية في قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام في أمر الوصية : «وأنا دنيا اليك يا علي ، وأنت تدفعها إلى وصيّك ، ويدفعها وصيّك إلى أوصيائك من ولدك واحداً بعد واحد ، حَتَّی تُدفع إلى خير أهل الأرض بعدَك ...» الحديث (1).
خرج من عموم قوله بعدك تفضيل الحسنين عليهما السلام بما عرفت من حديث السيادة وبقي من سواهما.
لا يقال : إنّا إذا سلَّمنا واعتقدنا أن بعضهم عليهم السلام أفضل من بعض ، فما وجه ما ورد في بعض الأخبار أنهم قالوا : «إنّا كلَّنا خلقنا من نور واحد وطينة واحدة». وورد : «إنّا كلّنا سواء ، أولنا محمّد وأوسطنا محمّد وآخرنا محمّد ، وكلّنا محمّد ، فلا تفرَّقوا بيننا» (2). وأمثال ذلك.
لأنا نقول : إن المراد التساوي في الفضيلة على الغير ، وهو لا يستلزم المساواة بينهم ، أو أنهم عليهم السلام أرادوا أنهم متساوون فيما يحتاج إليه جميع الخلق ، فكلّهم فيهم الكفاية في مرحلة الهداية ، وإراءة الطرق (3) وتبلیغ أحكام سيّد الأنام ، وإن تفاضلوا في درجات أنفسهم ، وفيما يختصون به من معرفة الله سبحانه كما سمعت من قول النبي : «ولا يعرف الله إلا أنا وأنت».
ص: 139
وروى الحسن بن سليمان الحِلّي في مختصر کتاب سعد بن عبد الله الأشعري بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «قلنا له : الأئمة بعضهم أعلم من بعض؟ فقال : «نعم ، وعلمهم بالحلال والحرام وتفسير القرآن واحد»» (1).
هذا ، وأنت خبير بأن مقتضى آية المباهلة وحسب ما أشرنا إليه أفضلية علي عليه السلام على سائر الأنبياء حَتَّى اُولي العزم منهم ، عدا نبيّنا صلى الله عليه وآله ؛ إذ لا مانع من مشارکته عليه السلام معه صلى الله عليه وآله في هذه الخصوصية.
ويدل عليه ما هو المتفق عليه بين الفريقين من أن النبي صلى الله عليه وآله قال : «من أراد أن ينظر إلى نوح في عزمه ، وإلى آدم في علمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في فطنته ، وإلى عيسى في زهده ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب». رواه ابن أبي الحديد في شرحه ، عن أحمد بن حنبل في المسند ، وعن أحمد البيهقي في صحيحه (2) ، والدلالة على المطلوب واضحة ، فإن كل واحد منهم صلى الله عليه وآله امتاز عن سائرهم بخصلة واحدة من هذه الخصال فمن اجتمعت فيه جميعها يكون أفضل من جميعهم.
وما في (تفسير النيشابوري) من أنه : (كما انعقد الإجماع بين المسلمين على أن محمّد صلى الله عليه وآله أفضل من سائر الأنبياء ، فكذلك انعقد الإجماع بينهم على أن النبي أفضل ممَّن ليس بنبي) (3).
فهو جواب عار من الصواب ؛ لأنَّ ترجيحه على خصوص من عدا النبي يلزم مساواته مع سائر الأنبياء في الرتبة وهو خلاف ضروري للمسلمين.
ص: 140
وهذا أوان الشروع في شرح الأخبار والأحاديث المتضمِّنة لفضيلة العلم وفضل العلماء ، ورأينا أن نبحث في كل حدیث منه على صحَّة السند وإبطاله ، وما اشتمل عليه المتن من المباحث الأُصولية ، وما يُستنبط منه من الأحكام الشرعية وغيرها.
[63] - قال رحمه الله : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «مَن سلكَ طريقاً يطلب فيه علماً سلكَ الله به طريقاً إلى الجنّة ، وإنَّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به ، وإنه ليستغفر لطالب العلم مَن في السماء ومَن في الأرض حَتَّى الحوت في البحر ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر ، وإنَّ العلماء ورثة الأنبياء ، إنَّ (1) الأنبياء لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً ، ولكن ورَّثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظّ وافر» (2).
أقول : وفي هذا الخبر من الدلالة على ثواب العالم والمتعلِّم ما لا يخفی.
[أ] - «مَن سلكَ طريقاً» : أي من دخل في طريق.
[ب] - «يطلب فيه علماً» : الجملة في محل النصب ، على أنها حال من فاعل سلك ، أو صفة لطريق ، والضمير فيها للطريق ، والمراد بهذا العلم المعارف الربانيّة ، والنوامیس الإلهية ، والأحكام النبويّة ، ويمكن حمله على العموم بناءً على أنّ
ص: 141
العلم من حيث إنّه عِلم له شرف وكمال ، ومن طريق هذا العلم الفكر ، والأخذ من العالم ابتداء أو بواسطة أو وسائط.
[ج] - «سلكَ الله به طريقاً إلى الجنّة» : الباء للتعدية ، أي : أدخله الله في طريق يوصل سلوكه إلى الجنّة في الآخرة أو في الدنيا ، بتوفيق عمل من أعمال الخير يوصله إلى الجنّة.
ومن طريق العامّة : «سهّل الله له طريقاً من طرق الجنّة» (1).
وحاصل المراد : من سلك في الدنيا طريق العلم سلك في الآخرة طريق الجنّة ؛ لأنَّ سلوك طريق الجنّة لا يمكن بدون العلم به وبكيفية سلوكه ، فالسلوك والعبور في طريق العلم سلوك وعبور في طريق الجنّة ، ادعاء لكمال الأوّل في السببية حَتَّى كأنه لم يتخلف أحدهما عن الآخر.
[د] - «إنَّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به» : قال ابن الأثير : (أي تضعها لتكون وطاءً له إذا مشى. وقيل : هو بمعنى التواضع [له] تعظيماً لحقّه. وقيل : أراد بوضع الأجنحة ، نزولهم عند مجالس العلم وترك الطيران. وقيل : أراد به إظلالهم بها) (2).
[ﻫ] - «مَن في السماء ومَن في الأرض ... إلخ» : لفظ (مَن) هنا ليس مختصاً بذوي العقول كما يقتضيه الوضع اللُّغوي ، بل يعمّ كل ذي حياة ، كما يظهر من بعض الأخبار أنّ لسائر الحيوانات تسبیحاً وتقديساً ، وإنّما ذكر الحوت بعد حتّى ؛ لبُعد المناسبة بينه وبين العالم من حيث الطبيعة والتحيّز وسائر الأوصاف ، بحيث
ص: 142
لا تكون مشاركة بينهما إلا في مجرد الروح الحيواني ، وإنّما يستغفرون لطالب العلم ، لأنّ بقاء طالب العلم وصلاح حاله وطهارة ظاهره وباطنه من الذنوب سبب لقاء الكائنات كلّها وصلاح حالها وتمام نظامها ، فكلّ ذي حياة سواء كان عاقلاً أو جاهلاً ، ناقصاً أو غير ناقص ، يطلب لطالب العلم مغفرة الذنوب وصلاح الحال ؛ العلمه بأن صلاح ذلك راجع إلى صلاح نفسه في الحقيقة ، وذلك في العاقل المعلوم ، وأمّا في الأخيرين ؛ فلأنَّ كلّ ذي وجود يحب وجوده وبقاءه وصلاح حاله ، فهو يستغفر لطالب العلم من جهة أنه من أسباب وجوده من حيث لا يعلم.
[و] - «وفضل العالم على العابد ... إلخ» : لمّا كان العلم والعبادة كل منهما نوراً يُمشی به على صراط الحق ، غير أن كونهما كذلك لا ينافي زيادة أحدهما على الآخر ، كما في القمر وسائر النجوم أراد دفع توهَّم عدم الزيادة بهذا الكلام ، فهو من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس في المقدار زيادة للإيضاح.
[ز] - «وإنَّ العلماء ورثة الأنبياء» : الوارث من يرث رجلاً بعد موته ، والعلماء هم الوارثون لعلوم الأنبياء.
[ح] - «إنَّ الأنبياء لم يورَّثوا ديناراً ولا درهماً» : والمراد أنَّ الأنبياء لم يكن من شأنهم جمع الأموال وتخلّفها (1) ، لمن بعدهم كما هو شأن أبناء الدنيا ، وهذا لا ينافي انتقال ما في أيديهم من الضروريات کالمساكن والمراكب والملبوسات ونحوها ، وإلا كان منافياً لظاهر ما دلَّ من الآيات والروايات على توريثهم ؛ فلذا عدالت العامّة : (دُفن أبو بكر وعمر في بيته صلى الله عليه وآله من نصيب بنتيهما) (2).
ص: 143
ونقل السيِّد محمود الآلوسي في تفسيره (روح المعاني) من بعض أهل السُنَّة : (أنه أجاب عن أصل البحث بأنَّ المال بعد [وفاة] (1) النبي صلى الله عليه وآله صار في حكم الوقف على المسلمين ، فيجوز لخليفة الوقت أن يخصّ من شاء بما شاء ... إلخ) (2).
وعليه فكان من الإنصاف إعطاء فدك لفاطمة عليها السلام بعد ادِّعائها وإظهار رغبتها فيه ، كما رُوي عن عثمان أنه أعطى الحكم بن العاص - طرید رسول الله صلى الله عليه وآله - ثلث مال أفريقية ، وقيل : ثلاثين ألفاً (3).
وإن كان صدقة ، فمن البيِّن أن تلك الصدقة لم تكن صدقة واجبة محرَّمة على أهل البيت ، بل إنَّما كانت مستحبة مباحة عليهم عليهم السلام ، مع أنَّ فدك كانت في قبضة الزهراء وتحت تصرُّفها في حياة النبي صلى الله عليه وآله بإعطائه إياها (4).
وكان ذلك عند نزول الآية : ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ﴾ (5).
كما روى ذلك أبو سعيد الخدري ، وجماعة من الصحابة (6).
ويدل عليه قول أمير المؤمنين في نهج البلاغة : «بلی ، كانت في أيدينا فدك (7) من كل ما أظلّته السماء ، فشحَّت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس
ص: 144
آخرين. ونِعمَ الحكمُ اللهُ. وما أصنع بفدك وغير فدك ، والنفس مظانُّها في غد جدث (1)» (2).
[ط] - «فمن أخذ منه أخذ بحظّ وافر» : المراد من الأخذ هو أخذ دراية وفهم ، لا مجرد النقل والرواية فإنَّ ذلك ليس من التورّث للعلم ، وإن كان يُعد خِدمةً للعلم والفاعل خادم العلماء ، كما يدل عليه قوله : «بحظّ وافر» ؛ إذ من المعلوم أنَّ الحظّ الوافر من العلم الَّذي يُعد قليله خير من الدنيا وما فيها لا يكون إلا في الأوّل : ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ (3).
قال بعض العلماء : (لو علم الملوك ما نحن فيه من لذّة العلم الحاربونا بالسيوف ، ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ (4).
قيل : (أراد واحد خدمة ملك ، فقال الملك : اذهب وتعلَّم حَتَّى تصلح لخدمتي ، فلمَّا شرع في التعلم وذاق لذّة العلم ، بعث الملك إليه وقال : اتركِ التعلُّم ، فقد صرت أهلاً لخدمتي.
فقال : كنت أهلاً لخدمتك حين لم ترني أهلاً لخدمتك ، وحين رأيتني أهلاً لخدمتك رأيت نفسي أهلاً لخدمة الله ، وذلك لأني كنت أظنُّ أنَّ الباب بابك ؛ لجهلي والآن علمت أنَّ الباب باب الربّ) (5).
ص: 145
[64] - قال رحمه الله : وبالإسناد عن الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان ، عن الشيخ الصدوق أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي رحمه الله ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن الحسن بن زياد العطار ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام :
«تعلَّموا العلم ، فإنَّ تعلّمه حسنة ، ومدارسته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه من لا يعلمه صدقة ، وهو عند الله لأهله قربة ، لأنه معالم الحلال والحرام ، وسالك بطالبه سبل (1) الجنّة ، وهو أنيس في الوحشة ، وصاحب في الوحدة ، وسلاح على الأعداء ، وزين الإخلّاء ، يرفع الله به أقواماً يجعلهم في الخير أئمة يُقتدى بهم ، تُرمق أعمالهم ، وتُقتبس آثارهم ، وترغب الملائكة في خلَّتهم ، يمسحونهم بأجنحتهم في صلاتهم ، لأنَّ العلم حياة القلوب ، ونور الأبصار من العمى ، وقوَّة الأبدان من الضعف ، يُنزل الله حامله منازل الأبرار ، ويمنحه مجالسة الأخيار في الدنيا والآخرة. [وبالعلم يُطاع الله ويُعبد ، وبالعلم يُعرف الله ويُوحَّد] (2) ، وبالعلم توصل الأرحام ، وبه يُعرف الحلالُ والحرامُ. والعلم إمام العقل ، والعقل تابعه ، يُلهمه (3) السعداء ، ويحرمه الأشقياء» (4).
أقول : وشرح الحديث يستدعي بسطاً في موضعين :
ص: 146
فيما يتعلق بالسند وترجمة رجاله من دون تکرار ذكر مَن تقدَّم ذكره ، وكذلك الحال في الأحاديث الآتية ، فإنّا نتعرض لذكر رجال سند كل حدیث بحذف مَنْ تقدَّم ذكره ، فنقول :
أمّا الصدوق فهو : محمّد بن علي بن الحسين بن موسی بن بابويه القمِّي أبو جعفر ، نزيل الريّ ، شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان ، وكان ورد بغداد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة ، وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السِنّ. وله كتب كثيرة لا حاجة في تعدادها ، مات - رضي الله عنه - بالريّ سنة 381 ﻫ (1).
قال جدّي بحر العلوم في رجاله - بعد أن أطال الكلام في ترجمة حاله وما يدل على علو شأنه وسمو مقامه - ما لفظه : (وكيف كان فوثاقته أمر ظاهر جليّ ، بل معلوم ضروري ، کوثاقة أبي ذر وسلمان) (2).
وقال الاُستاذ في (تعليقاته) : (نقل المشايخ معنعناً عن شيخنا البهائي رحمه الله وقد سئل عنه ، فعدَّله ووثّقه وأثنى عليه وقال : سئلت قديماً عن زکريا بن آدم والصدوق محمّد بن علي بن بابویه : أيُّهما أفضل وأجلّ مرتبة؟ فقلت : زکريا بن آدم ، لتوافر الأخبار بمدحه ، فرأيت شيخنا الصدوق - رحمة الله عليه - عاتباً عليَّ وقال : من أين ظهر لك فضل زکريا بن آدم؟ وأعرض عنّي) ، انتهی (3).
ص: 147
وفي كتاب (بُلغَةُ المحدِّثين) : (كان بعضٌ من مشايخنا يتوقَّف في وثاقة شيخنا الصدوق رحمه الله ، وهو غريب مع أنه رئيس المحدِّثين المعبّر عنه في عبارات الأصحاب بالصدوق ، وهو المولود بالدعوة ، الموصوف في التوقيع بالمقدَّس الفقيه. وصرّح العلّامة في (المختلف) بتعديله وتوثيقه ، وقبله ابن طاووس في [كتاب] (1) (فلاح السائل) وغيره.
ولم أقف على أحد من الأصحاب يتوقَّف في روايات (من لا يحضره الفقيه) إذا صحّ طريقها ، بل رأيت جمعاً من الأصحاب يصفون مراسيله بالصحَّة ، ويقولون : إنها لا تقصر عن مراسیل ابن أبي عمير ، ومنهم العلّامة في (المختلف) ، والشهيد في (شرح الإرشاد) ، والسيّد [المحقِّق] (2) الداماد - قدّس الله أرواحهم -) (3). وسنذكر لك التوقيع في ترجمة أبيه.
ومرقده الشريف في الريّ قريب من مشهد الشاه زاده عبد العظيم في وسط بستان وعليه قُبَّة تزوره الناس.
وأمّا علي فهو أبوه ، أعني علي بن الحسين بن موسی بن بابويه القمّي ، أبو الحسن ، شيخ القمّيين في عصره ، [ومتقدمهم] (4) ، وفقيههم ، وثقتهم.
وكان قدم العراق واجتمع مع أبي القاسم الحسين بن روح رحمه الله وسأله مسائل ، ثُمَّ كاتبه بعد ذلك على يد علي بن جعفر بن الأسود ، يسأله أن يوصل له
ص: 148
رقعة إلى الصاحب عليه السلام ويسأله فيها الولد. فكتب إليه : «قد دعونا الله لك بذلك ، وسترزق ولدین ذکرین خيِّرين».
فوُلد له أبو جعفر وأبو عبد الله من اُمّ ولد.
وكان أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله يقول : سمعت أبا جعفر يقول : (أنا وُلدت بدعوة صاحب الأمر عليه السلام)) ، وكان - طاب ثراه - يذكر أنَّ جميع ذلك التوقيع عنده بخط الإمام عليه السلام ويفتخر بذلك.
وكان قدومه بغداد سنة 328 ﻫ ومات رحمه الله سنة 329 ﻫ وهي سنة تناثر النجوم ، وقد أخبر عن وفاته في قم علي بن محمّد السّمري رحمه الله وهو في بغداد ، فقال : (رحم الله علي بن الحسين بن بابويه) ، فقيل له : هو حيّ ، فقال : (إنه مات في يومنا هذا). فكتب اليوم ، فجاء الخبر بأنه مات فيه (1).
هكذا ذكره غير واحد من علماء الرجال كالنجاشي ومن تأخّر عنه ، والظاهر من ذلك أنَّ قدومه بغداد كان قبل وفاته بسنة ، فتكون ولادة ابنيه قبل وفاته بأقل من سنة ؛ لأنَّ طلب الولد منه عليه السلام كان بعد رجوعه إلى قم وهو غير ملائم ؛ لما يظهر من موارد من كلماته في (الفقيه) حيث قال : (قال والدي في رسالته إليّ) (2) ؛ لوضوح أنَّ الظاهر منه أنه كان في حال حياة والده على حد يليق أن يرسل إليه رسالة ، مضافاً إلى أن الظاهر من العبارة المنقولة عنه عليه السلام في باب الدعوة للولد ،
ص: 149
أنَّ الولدين كانا من اُمّ ولد واحدة ، فعند كونهما في سنة واحدة لا يمكن أن وُلدا توأماً ، ومرقده الشريف في المقبرة الكبيرة في قم وله بقعة وسيعة وقبة رفيعة (1).
وأمّا سعد ، فهو ابن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمّي ، يُكنى أبا القاسم ، جلیل القدر ، واسع الأخبار ، كثير التصانیف ، ثقة ، شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها ، ولقی مولانا أبا محمّد العسكري عليه السلام. وإن تردَّد في ذلك النجاشي (2) ، توفّي رحمه الله سنة 301 ﻫ، وقيل : مات يوم الأربعاء للسابع والعشرين من شوال سنة 300 ﻫ في ولاية رستم ، ووثّقه صاحب (المشتركات) (3).
وأمّا محمّد بن عيسی ، فربّما يُظن فيه التضعيف ؛ لاستثناء محمّد بن الحسن بن الوليد إيّاه في رجال (نوادر الحكمة) ، ولا دلالة في ذلك على الضعف ، وله عدّة دلائل ناهضة بتوثيقه كما صرّح به في (الرواشح) (4).
وكيف يُتوقف منه مع أنَّ النجاشي قَدْ صرّح بأنه : (جليل في أصحابنا ، ثقة ، عين ، كثير الرواية ، حسن التصانيف ، روي عن أبي جعفر الثاني عليه السلام مكاتبة ومشافهة) ،
ص: 150
ثُمَّ ذکر کلام ابن الوليد وقال : (إنَّ أصحابنا ينكرون هذا القول ويقولون : مَنْ مثل أبي جعفر محمّد بن عيسى سكن بغداد. وهذا إشارة منه إلى إجماع الأصحاب على إنكارهم ذلك منه).
وقال القتيبي : وهو علي بن محمّد بن قتيبة النيسابوري - الَّذي اعتمد عليه الكَشِّي في كتاب (الرجال) وهو تلميذ فضل بن شاذان - (كان الفضل بن شاذان رحمه الله يحب العبيدي - يعني محمّد بن عيسى - ويثني عليه ، ويمدحه ، ويميل إليه ، ويقول : ليس في أقرانه مثله ، وحسبك هذا الثناء من الفضل رحمه الله) (1).
وأمّا الجواب عن مسألة الاستثناء ، فهو أنه ليس قدحاّ لابن عيسى لأجل نفسه ، بل لأمر آخر ، والَّذي ذكره بعض المحقّقين المتأخّرين : أنَّ الداعي لذلك هو أنَّ شيخنا ابن الوليد كان يعتقد أنه يُعتبر في الإجازة أن يقرأ على الشيخ ، أو يقرأ الشيخ عليه ، وكان السامع فاهماً لما يرويه ، وكان لا يعتبر الإجازة المشهورة بأن يقول : أجزت لك أن تروي عنّي ، وكان محمّد بن عيسى صغير السن ولا يُعتمد على فهمه عند القراءة ، ولا على إجازة يونس له ، ويؤيد ذلك ما حكاه الكَشِّی عن نصر بن الصباح أنه قال : [إنَّ] (2) محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين اصغر في السن من أن يروي عن ابن محبوب (3). - وهو الحسن بن محبوب - وحصل الجواب :
أوّلاً : إنَّ البلوغ يُعتبر في الراوي حال الرواية لا حال التحمُّل.
ص: 151
وثانياً : إنَّ وفاة يونس على ما في رجال النجاشي سنة 208 ﻫ (1) ، ومقتضاه أنه أدرك من إمامة مولانا الجواد عليه السلام خمس سنين ؛ لأنَّ وفاة مولانا الرضا عليه السلام كان في سنة 203 ﻫ - أوّل سنة إمامة الجواد - وأمّا حسن بن محبوب فإنه عاش بعد يونس ستَّ عشرة سنة (2) ، ومحمّد بن عيسى أيضاً ممَّن روى عن مولانا الرضا عليه السلام كما صرّح به شيخ الطائفة في (التهذيب) (3).
فمن أين يقال : إنه لم يكن قابلاً للإجازة؟! مع أنه قَدْ أدرك يونساً في زمن مولانا الرضا عليه السلام وقد روي عنه ، وممّا يدل على صحَّة ما نقول ، ما رواه الشيخ رحمه الله في طلاق (التهذيب) في الصحيح عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عيسى اليقطيني ، عن الرضا عليه السلام أنه فرض إليه الحج وإلى يونس بن عبد الرحمن ، قال : «بعث إليَّ أبو الحسن الرضا عليه السلام رزم ثياب وغلماناً ودنانير (4) وحجّة لي وحجّة لأخي موسى بن عبيد ، وحَجّة ليونس بن عبد الرحمن ، فأمرنا أن نحجّ عنه ، فكانت بيننا مائة دينار أثلاثاً فيما بيننا ، فلمَّا أردت أن اُعبِّى الثياب رأيت في أضعاف الثياب طيناً! فقلت للرسول : ما هذا؟ فقال : ليس يوجّه بمتاع إلا جعل فيه طيناً من قبر الحسين عليه السلام
ص: 152
[ثُمَّ] (1) قال الرسول : قال أبو الحسن عليه السلام : هو أمان باذن الله ، وأمرنا بالمال باُمور : من صلة أهل بيته ، وقوم محاويج لا يؤبه لهم (2) ، وأمر بدفع ثلاثمائة دينار إلى رحم امرأة كانت له ، وأمرني أن أطلّقها عنه واُمتّعها بهذا المال ، وأمرني أن اُشهد على طلاقها صفوان بن يحيي وآخر ، نسي محمّد بن عيسی اسمه» (3).
بيان : الرِّزمة بتقديم المهملة وكسرها ما شُدّ في ثوب واحد ، ورزم الثياب ترزيماً شدّها (4) ، والتعبية تهيئة الأشياء في موضعها (5) ، فكيف يحكم بأن محمّد بن عيسی حال إدرا که يونس كان صغير السن؟!
وممّا يدل على ما ذكر أيضاً ما في رجال الكَشِّي في ترجمة محمّد بن سنان : (روى عنه الفضل وأبوه يونس ومحمّد بن عيسى ، وذكر جماعة اُخرى - إلى أن قال - : وغيرهم من العدول والثقات من أهل العلم) (6).
فإن المستفاد من هذا الكلام اعتقاد وثاقته كمن ذكرهم ، وقد حققنا أنَّ جبع ما في رجال الكَشِّي هو اختيار الشيخ رحمه الله ، فالشيخ أيضاً موافق في هذا الكلام.
ص: 153
ويدل على ذلك أيضاً قول خالنا المجلسي رحمه الله في (الوجيزة) : (إنَّ الأصحَّ عندي أنَّ محمّد بن عيسى العبيدي ثقة ، صحيح الحديث ، فقد وثّقه أبو عمرو الكَشِّي) (1).
تنبيه : ولمحمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمِّي كتب ، منها : كتاب نوادر الحكمة ، وهو كتاب حسن [كبير] (2) ، يعرفه القمّيون ب-(دَبَّة شبيب) ، قال : (وشبيب (فامِيّ) (3) كان بقم ، له دبّة ذات بيوت ، يُعطي منها ما يُطلب منه من دهن ، فشبَّهوا هذا الكتاب بذلك) (4).
وقد استثنی محمّد بن الحسن الصفّار صاحب کتاب (بصائر الدرجات) من رجال أسانيد (نوادر الحكمة) ثلاثين رجلاً ، وتبعه على ذلك ابن الوليد ، ثُمَّ تبعه على ذلك الصدوق ؛ لكونه من تلامذة ابن الوليد ، فترى كثيراً ممَّا يحكم بصحَّته إنما يحكم بذلك اعتماداً على تصحيح شيخه ابن الوليد المذكور (5).
ص: 154
قال في بحث الصوم من كتاب الفقيه : (وأمّا خبر صوم يوم غدیر خم والثواب المذكور فيه لمن صامه ، فإنَّ شيخنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه كان لا يصحّحه ، ويقول إنه من طريق محمّد بن موسى الهمداني وكان [كذّاباً] (1) غير ثقة ، وكل ما لم يصحّحه ذلك الشيخ قدس الله روحه ، ولم يحكم بصحَّته من الأخبار ، فهو عندنا متروك غير صحيح) ، انتهى (2).
وإنَّما لم يعمل بهذه الرواية ؛ لأن الصفّار استثناه فيمن استثناه من رجال أسانید نوادر الحكمة (3).
إذا عرفت ذلك فنقول : ذهب الصدوق في أوّل الفقيه في باب المياه إلى أنه (لا بأس بالوضوء والغسل من الجنابة بماء الورد) (4).
مع كون المستند في ذلك رواية محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس وهو من المستثنَين كما عرفت ، وقد استثناه هو وشيخه ، وأنه لا يجوز العمل بما تفرّد به ، وهذه الرواية ممَّا تفرّد به العبيدي ، عن يونس مع أنه قَدْ ضمن في أوّل الفقيه
ص: 155
أن يورد فيه ما هو حجّة بينه وبين ربّه (1) ، وهذا من المصدوق ربّما يكون مؤيداً لقبول رواية العبيدي المذكور أيضاً فتدبّر ، وبذلك كفاية لمن كان من أهل المعرفة والدراية.
(وأمّا يونس) فهو ابن عبد الرحمن ، مولی علي بن يقطين بن موسی ، مولی بني أسد ، أبو محمّد ، كان وجهاً في أصحابنا ، متقدِّماً ، عظيم المنزلة ، وُلد في أيام هشام بن عبد الملك ، ورأى جعفر بن محمّد عليهما السلام بين الصفا والمروة ولم يرو عنه ، وروى عن أبي الحسن موسی والرضا عليه السلام ، وكان الرضا يشير إليه في العلم والفتيا ، وكان ممَّن بُذل له على الوقف مال جزیل وامتنع من أحذه وثبت علی الحق ، ويكفيه فضلاً وشرفاً ووثوقاً قول الرضا عليه السلام - لوكيله وخاصّته عبد العزيز بن المهتدي حين سأله : إنّي لا أقدر على لقائك في كل وقت ، فممَّن آخذ معالم ديني؟ - : «خُذ عن يونس».
فإنَّها منزلة عظيمة ، وقول أبي محمّد صاحب العسكر عليه السلام في حقّ كتابه (يوم وليلة) بعد أن سأل عليه السلام : تصنيفُ مَنْ هذا؟ فقيل له : تصنيف يونس بن عدن الرحمن [مولى] (2) آل يقطين.
[فقال:] (3) أعطاء الله بكل حرف نوراً يوم القيامة.
ص: 156
ولذا قال النجاشي : (ومدائح يونس كثيرة ، ليس هذا موضعها ، وإنَّما ذكرنا هذا حَتَّى لا نخليه من بعض حقوقه) (1).
وعلى كل حال ، فلا ينبغي الالتفات إلى بعض ما ورد فيه من الذَّم ، وإن شنت الاطلاع التام فعليك بمراجعة تعليقات الأُستاذ البهبهاني (2).
(وأمّا الحسن) فهو ابن زياد العطّار ، وثّقه النجاشي وصاحب المشتركات (3) ، ويُميّز عن غيره برواية ابن أبي عمير عنه.
(وأمّا سعد) بن طريف بالطاء المهملة الحنظلي ، الإسكاف ، مولى بني تميم الكوفي ، ويقال : سعد الخفّاف.
قال النجاشي فيه : (إنه يُعرّف ويُنكّر) (4).
وذكره العلّامة رحمه الله في القسم الثاني في كتاب (الخلاصة) (5) : (ويظهر من صاحب المشتركات - حيثُ لم يصفه بشيء - التوقُّف فيه أيضاً) (6) ، وعدّه في (الوجيزة) : مِنَ المختَلفِ فيهِ (7).
ص: 157
(وأمّا الأصبغ) فهو ابن نُباتة - بضم النون - المُجاشعي - بضم الميم - كان من خاصَّة أمير المؤمنين عليه السلام ، وعمّر بعده.
قال في (الخلاصة) : وهو مشکور (1).
وفي (الحاوي) عدّه في الحسان (2).
وفي (الوجيزة) : أنه ممدوح (3).
في شرح متن الحديث :
[أ] - «فإن تعلُّمه حسنة» : فيه دلالة على أنه سبب لتكفير الذنوب ، ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ (4) ، والمراد بالعلم في هذا المقام هو العلم المتكفِّل المعرفة الله وصفاته ، وما يتوقف عليه المعرفة ، والعلم المتعلق بمعرفة الشريعة. والواجب من القسم الأول مرتية يحصل بها الاعتقاد بالحق الجازم ومن القسم الثاني العلم بما يحتاج إلى علمه من العبادات وغيرها ولو تقلیداً ، وطلب هذا المقدار فرض عين.
[ب] - «ومدارسته تسبيح» : من حيث إن مدارسة العلم توجب زيادة البصيرة في ذات الباری تعالی وصفاته ، وكلَّما ازداد الإنسان معرفة بالله وبصفاته
ص: 158
ازدادت خشيته ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (1) ، ومراتب الخشية لا تُحصى حسب مراتب العلم والعرفان ، وكلما زاد خشية من الله زاد تسبیحاً وتنزیهاً له بولی ولخشية سبب لهما ، والحمل مجاز من باب إطلاق المسبَّب على السبب.
[ج] - «والبحث عنه جهاد» : إذ لا ريب أن العالم ببحثه يُظهر الحق الَّذي فيه ترویج الشرع الشريف ، واستقامة دعامته ، فهو كالمجاهد في هذا الغرض ، وعن طريق العامّة أنه قال صلى الله عليه وآله : «أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد ، أمّا أهل العلم فدلُّوا الناس على ما جاء به الرسل ، وأما أهل الجهاد فجاهدوا بأسيافهم على ما جاءت به الرسل» (2).
وقال عليه السلام : «يوزن يوم القيامة مداد العلماء بدم الشهداء» (3).
[د] - «وتعليمه من لا يعلمه صدقة» : فيه تحريض وترغيب على التعليم ، حيث إنه كالصدقة ولكن الغرض المشابهة في اقتضاء الثواب لا في كمِّيته ، فإنَّه ربّما يزيد على ثواب الصدقة ، فإن الروايات الواردة في هذا الباب كثيرة ، (فمنها) ما في الكافي بإسناده إلى أبي جعفر عليه السلام ، قال : «إنَّ الَّذي يعلّم العلم منكم ، له أجر مثل المتعلّم ، وله الفضل عليه ، فتعلّموا العلم من حملة العلم ، وعلّموه إخوانكم كما علَّمَكُمُوه العلماء» (4). أي من غير تغيير في النقل.
ص: 159
وفيه أيضاً عن أبي جعفر عليه السلام ، [قال] (1) : «من علّم باب هدى فله مثل أجر من عمل به ، ولا ينقص اُولئك من أجورهم شيئاً ، ومن علّم باب ضلال كان عليه مثل أوزار من عمل به ، ولا ينقص اُولئك من أوزارهم شيئاً» (2).
وفيه أيضاً عن حفص بن غياث ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : «من تعلّم العلم وعمل به وعلّم لله ، دُعي في ملكوت السماوات عظيماً ، فقيل : تعلّم لله ، وعمِلَ لله ، وعَلَّمَ لله» (3).
[د] - «لأهله قربة» : إذ بالعلم يحصل القرب إلى الله تعالى ، لأنه بالعلم يُعرف الحلال والحرام ، فيُتّبع الأول ويُجتنب الثاني ، ولذا قال عليه السلام : «وسالِكٌ بطالبهِ إلى الجنَّة».
[ﻫ] - وكذلك «هو أنيسٌ في الوحشة» : أي رافع للهمِّ من حامله ، فإنه إن كان للآخرة فالعلم سبب للنجاة منه ، وإن كان لأسباب دنيوية كالفقر ، والفاقة ، والضيق ، والمرض ، فالعالم يعلم أن ذلك كلّه موجب لمزيد أجره ، وذخيرة لآخرته ، فيهوّن عليه ذلك ، ويتمسَّك بعرى الصبر كما صبر اُولوا العزم.
[و] - وكذلك «هو صاحب في الوحدة» : نُقل عن بعض الأكابر : (أنّه كان يحترز عن مجالسة الناس ومصاحبتهم ، فقيل له في ذلك ، فقال : أيّ صاحب أفضل ممَّا في صدري) (4).
ص: 160
ولنعم ما قاله شمس الدين المعروف بخواجة حافظ الشيرازي المتوفى سنة 791 ﻫ :
فراغتني وكتابي وكوشه چمني *** من اين مقام بدنيا واخرة ندهم
[ز] - وكذلك «هو سلاح على الأعداء» : إذ به تنقطع حُجَّة أعداء الدين ، كما بالقتال بالسلاح تنقطع شوكتهم ، وباقي فقرات الحديث واضحة.
ص: 161
[65] - قال رحمه الله : فصل : وروينا بالإسناد عن محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن الحسن بن الحسين الفارسي ، عن عبد الرحمن بن زيد ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة ، ألا إنَّ الله تعالى يُحِبُّ بغاةَ العلم» (1).
(أقول) وهنا موضعان :
فيما يتعلق بسند الحديث ، والمذكور في (الكافي) بدل الحسن بن الحسين ، الحسن بن أبي الحسين ، فكأن لفظة : (أبي) ساقطة من عبارة الماتن رحمه الله ، وبناءً على ما في (الكافي) فهو غير مذكور في كتب الرجال (2) ؛ ولذا حكم المجلسي في (مرآة العقول) بأن الحديث مجهول السند (3).
نعم ، ذكر الشيخ في فهرسته في باب (الحسين) ، الحسين بن الحسن الفارسي القمّي ، له كتاب (4) ، ولعلّ المذكور في الكافي سهو من الناسخین ، والصحيح ما في الفهرست ، وعليه فيمكن تصحيح السند بتقديم الحسين على الحسن.
ص: 162
(وأمّا عبد الرحمن بن زيد) فهو من أصحاب الصادق عليه السلام كما في رجال الشيخ (1) ، وهو من المجاهيل ، وزيد أبوه هو ابن أسلم مولى عمر بن الخطّاب ، فيه نظر كما في (الخلاصة) نقلاً عن الشيخ رحمه الله (2).
في شرح المتن :
[أ] - «الفرض والوجوب» : سيّان عندنا وعند الشافعي ، والفرض آكد من الواجب عند أبي حنيفة ؛ لأنَّه خُصّ الفرض بما ثبت بدلیل قطعي ، والواجب بما ثبت بدلیل ظنّي (3).
[ب] - «والبغاة» : جمع الباغي ، وهو الطالب.
(وربّما) يستدل بهذا الخبر على نفي تكليف الكُفَّار بالفروع نظراً إلى أن موردها المسلم دون مجرد البالغ.
(وفيه) أنه لا يدل على عدم تكليف غير المسلم وعدم وجوبه عليه ، ولو سَلِمَ ، فإنَّما هو بمفهوم الَّلقب وهو كما ترى ، وقد أشرنا فيما تقدّم إلى ما هو المراد من العلم في أمثال هذه الأخبار ، ونزيدك بياناً هنا ، فنقول : لا يخفى على كلّ من أشرق نور العقل على جبهة استعداده ، أنَّ شرف الإنسان على سائر
ص: 163
الكائنات بجوهر العقل ، وأن ذلك الشرف إنَّما يحصل له في الحقيقة عند ما يتحلَّی بخاصيَّة العقل - أعني معرفة الأشياء والعمل بمقتضاها - ومن أهم المعارف معرفة النفس ، فمن عرف نفسه فقد عرف ربّه ، ولنعم ما قيل :
تو که در علم خودزبان باشي *** عرف کردگار گي باشي
وكذلك معرفة ما يرجع إليه نفسه ، ومعرفة ربّه ، ومعرفة تكاليف الربّ الواردة على العبد ، وما عدا الأخير وهي المعارف التي تسمّى اُصول الدين عند المتكلّمين ، والحكمة الإلهية عند الحكماء ، وعلم المعرفة عند الصوفية الموحِّدين ، (وباتّفاق العلماء والمحصّلين من العقلاء أنه لا يمكن الفوز لأحد بدون هذه المعارف والعمل بموجبها.
(وجمهور العلماء) متَّفقون على عدم كفاية التقليد في معرفة اُصول الدين ، بل لابدّ فيها من الدليل ، والمراد من التقليد غير الكافي في المقام هو محض السماع من الغير ، كالخبر المحتمل للصدق والكذب ، كما أنَّ المراد من الدليل اللازم هو ما أوجب السامع اطمئناناً وسکوناً في خاطره بصدق ما سمعه ، کالأخبار الحاصلة لنا التي نصدّقها في عرفنا لما نجد فيها من أمارات الصدق ، قلا محالة تعمل بمقتضاها ، وهذا المقدار كافٍ لكلّ مكلّف في تحصيل معارف نفسه ، وعمل شخصه ، ولا يجب عليه تحصيل ما زاد عليه ، كالعلم باصطلاحات العلماء ، وأرباب النظر ، وتطبيق كلّ دليل على قانون علم الميزان ، نعم ربّما يلزم ذلك من يريد تعليم الغير أو لأجل دفع بعض الشبهات الواردة ، وما ذكرناه من هذا المقدار الواجب يمكن تحصيله لكلّ مكلّف جامع الشرائط التكليف ، سواء كان من الخواص أو من العوام ، ولا يُعذر أحد من سائر الأصناف في عدم طلبه ،
ص: 164
وترك السعي في تحصيله ، كما هو مقتضى هذا الحديث ؛ إذ لا يزاحم شغلاً ولا نافيه شغل.
(ومع ذلك) فالناس معرضون عن تحصيله ، ويعتذرون بصعوبته ، بل أكثر المنسوبين إلى العلم في زماننا مع إفناء عمرهم في قراءة الكتب وأخذ المسائل قَدْ حُرموا من الوقوف على القدر الضروري منه ، بحيث لا تجد فرقاً بينهم وبين سائر عوام الناس.
(وأمّا معرفة تكاليف الرب) ، فاللازم على المكلّف تحصيل المعرفة مقدِّمة للعمل ، إمّا بالاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط ، فالجاهل التارك للاحتياط والتقليد ، إمّا قاصر أو مقصِّر ، والقاصر لا يستحق العقاب على جهله وتر که التعلُّم ، وإن وجب عليه الفعل ثانياً مع انكشاف الخلاف ، وأمّا إذا طابق عمله الواقع فلا يجب عليه الإعادة ولا القضاء وكذلك المقصِّر ، نعم ، الفرق بينهما في مخالفة الواقع ، فإنَّ المقصر يستحق العقاب مع وجوب القضاء والإعادة عليه عند انکشاف المخالفة ، والقاصر لا يستحق العقاب وإن وجب عليه الفعل ثانياً ، (وهذا كلّه) بناءً على ما هو المحقَّق في محلّه من أن التقليد إنَّما يجب مقدمة للامتثال الظاهري للأحكام الواقعية ؛ لأن هذا هو المستفاد من جميع أدلّته ، وليس له وجوب نفسي ، ولا هو شرط للعمل شرطاً شرعياً.
(ويترتَّب) على ذلك أنه لو بنى الجاهل في عمله على ترك الاحتياط والتقليد ، لكنَّه اتَّفق مطابقة عمله للواقع أو لرأي المجتهد الأعلم ، صحّ ذلك منه وترتَّب عليه الأثر.
أمّا في المعاملات : فظاهر.
ص: 165
وأمّا في العبادات : فلفرض تأتّي نيَّة القربة من المقصّرين ، فإنَّ كثيراً منهم يعتقدون أن ما يفعلونه من التقصير أيضاً مقرّب ، وأن فعله خير من تركه ، وأن فيه ثواباً لكن دون الثواب المترتّب على الفرد الجامع الشرائط الصحَّة ، كما هو المشاهد من المصلّي أول الوقت مع عدم صحَّة قراءته ، وإن كان ذلك من تسويلات النفس أو الشيطان إلا أنَّ الظاهر کفایته إذا طابق العمل الواقع ، نعم ، في صورة المخالفة وعدم تحقُّق القربة ، لا إشكال في بطلان عمله ، ويُعاقب المقصر على ذلك (هذا هو الحق الحقيق) اللائق بالقبول ، وإن خالف فيه المشهور ، (والَّذي يؤيده) ما ذكره صاحب (المدارك) مصرّحاً بنسبته إلى سلطان المحقِّقين ، نصير الملَّة والدين ، من أن : (كل من أتی بواجبٍ في نفس الأمر وإن لم يكن عالماً بحكمه ، فإنَّه يصحّ ما فعله.
ومثله القول في الاعتقادات الكلامية إذا طابقت نفس الأمر ، فإنَّها كافية وإنْ لم تحصل من الأدلة المقرَّرة ، حَتَّى لو أخذ المسائل من غير أهله تقليداً ، بل لو لم يأخذ من أحد وظنَّها كذلك) ، انتهى (1).
(وممَّا يدل) على ذلك ما في رواية عمّار الواردة في التيمُّم بدلاً عن الغسل حين سأله ، «كيف صنعت في سفرك حين لم تجد الماء؟ فقال : تمعّكت في التراب. فقال عليه السلام : ذلك صنع الحمير ، أجزأك لو صنعت كذا» (2).
فإنَّه صريح في صحَّة العمل المطابق للواقع مع عدم العلم.
ص: 166
(وكذا) لو تبيّن في موارد التجديد فساد وضوئه السابق ، بل الأمر كذلك إذا توضأ بعنوان الاحتياط فيما كان مستصحب الطهارة ، وإنَّ تأمَّل فيه بعض الفقهاء ، لكنّ الحق ما عرفت من الكفاية ، بل هو المستفاد ممَّا ورد فيه من كونه نوراً على نور فإنَّه ظاهر في إفادة الطهارة أيضاً فإذا تبيّن عدم حصول الطهارة بالوضوء الواجب لفساده کفی عنه من جهة حصول الغرض بالتجديد.
(وهذا بابٌ) واسع في الفقه يتفرَّع عليه فروع منها : ما إذا تبيَّن فساد صلاة الفرد بعد المعادة جماعة ، فإنَّه لا إشكال في سقوط الأمر بالصلاة معها كما صرّح به سيِّدنا الأُستاذ رحمه الله في العروة الوثقى.
(ومنها) ما هو المجمع عليه من أنّ من صام آخر يوم من شعبان بنيَّة أنه منه ثُمَّ انكشف أنه أول رمضان أجزأهُ من رمضان.
(كما قد) اجمعوا على عدم وجوب الحدِّ على من وطئ امرأة ثُمَّ ظهر كونها زوجته.
(ومن أفطر) يوم الثلاثين من شهر رمضان ثُمَّ تبيَّن كونه من شوال لم يجب عليه القضاء والكفَّارة ، سواء كان شاكّاً فيه أو معتقداً أنه من رمضان ، ولو اعتقد في يوم الشكّ في أول الشهر أنه من رمضان فأفطر فإن [تبيَّن] (1) أنه من شعبان ايضاً لم يجب عليه شيء ، كما هو صريح السيِّد الأُستاذ رحمه الله في العروة (2).
ص: 167
(لا يقال) : إنَّ هذه الفروع كلَّها إنَّما صِيرَ إليها لقيام الدليل عليها ؛ لأنا نقول : قيام الدليل على ذلك دليل على أنَّ للمطابقة مع الواقع مدخلية تامّة في صحَّة العمل كما هو المدّعى.
(هذا كله) في تصحيح عمل الجاهل إذا أحرز مطابقته للواقع أو لرأي الفقيه الأعلم الَّذي كان يجب عليه العمل بفتواه ، وأمّا إذا شكَّ في المطابقة ففي المعاملات قيل : يبني على الصحَّة بعد العمل ، وهو مشکل.
وفي العبادات المؤقتة إذا شك في خارج الوقت لا يجب عليه القضاء لأن القضاء مرتَّب على الفرات وصدق الفوت مع الشك في المخالفة والمطابقة غير معلوم ، وهو أيضاً مشكل ؛ لأنَّ الفوت أمر عدمي ؛ إذ هو عبارة عن عدم الإتيان ، وهو موافق للأصل ، ولا يحتاج في إثباته إلى الأصل حَتَّى يكون من الأصل المثبت. وإذا شكَّ والوقت باق فالأقوى وجوب الإعادة تحصيلاً لليقين بالفراغ بعد اليقين بالشغل ، ولا مجرى القاعدة الشكّ بعد الفراغ هنا مع فرض كونه شاکّاً في الصحَّة والفساد من حين العمل ؛ لبنائه على ترك التقليد.
وبعبارة أخرى: الصحَّة والفساد يدوران مدار المخالفة والموافقة للواقع ، وهو غير معلوم له من أول الأمر ، والله العالم.
(ثُمَّ إن الناس) كما أنَّهم تسامحوا في مرحلة تحصيل المعارف الإلهية ، كذلك تسامحوا في تحصيل المعرفة بالتكاليف أيضاً.
(وبالجملة) فالناس غير باذلين جهدهم في كسب العلوم ، والسبب الواقعي في ذلك أنهم لم يتصوروا غاية العلوم كما هي ، بل جعلوا الغاية القصوى من
ص: 168
تلك العلوم تحصيل المال والجاه والاعتبار الدنيوي ، ونهاية ذوي الهمم من أهل هذه الطبقة هي الشهرة وخفق النّعال ، ولا يرومون الوصول إلى ما فوق ذلك ، (وهؤلاء) هم المعنيون بما ورد في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام : «إياكم وهؤلاء الرؤساء الَّذين يترأسون ، فوالله ما خفقت النعال خلف رجل إلا هلك وأهلك» (1).
وفيه أيضاً بإسناده عن جويرية بن مسهر ، قال : اشتددت خلف أمير المؤمنين عليه السلام فقال لي : «يا جويرية ، إنّه لم يهلك هؤلاء الحمقى إلا بخفق النّعال خلفهم» (2).
والخفق : صوت النعل ، أمّا هلاکه ؛ فلأنه يورث الفخر ، والعجب ، والتكبُّر وغيرها من المهلكات ، وأمّا إهلاکه ، فإنَّ الرئيس المقدّم والأمير المعظّم إذا ضلّ عن العدل ، وعدل عن الطريق تبعه كافة العوام ؛ خوفاً من بطشه ، وطمعاً في جاهه وماله ، فضلّوا بمتابعته ، وأضلّهم عن سبيل الرشد بسيرته القبيحة.
(هذا) إذا كان الرئيس جاهلاً ظاهراً ، وكذا إذا كان عالماً غير عادل ؛ فإنَّه كثيراً ما تعتريه شبهة ، وتعترضه زلة ، فيضلّ بها عوام المؤمنين ، فإنَّهم يقلّدونه في ظاهر أحواله ، ويعتمدون عليه في أقواله ، بل ربّما يقولون في أنفسهم : إذا فعل هو هذا ، فنحن أولى به منه ، كما قيل :
إذا كان ربُّ البيتِ بالطَّبلِ مُولَعاً *** فشيمةُ أهلِ البيتِ كُلِّهم الرَّقصُ
(ومن ثَمّ) قال النبي صلى الله عليه وآله : «أخاف على اُمَّتي زلة عالم» (3).
ص: 169
وفي الكافي أيضاً بإسناده عن الرضا عليه السلام أنه ذكر رجلاً ، فقال : إنَّه يحبُّ الرئاسة ، فقال : «ما أتيان ضاريانِ في غنمٍ قَدْ تفرَّقَ رِعاؤُها بأضرَّ في دينِ المُسلمِ من (1) الرئاسة» (2).
وفيه من التبعيد من طلب الرئاسة ما لا يخفى ؛ لأنها تهلك دينه وتفسده ؛ لأن الرئاسة متوقّفة على العلم بالأُمور الشرعية ، والأخلاق النفسانية ، وتهذيب الظاهر والباطن من الأعمال والأخلاق الباطلة ، وتحليتهما بالأعمال والأخلاق الفاضلة ، او تطويع النفس الأمّارة للنفس المطمئنّة ، وتعديل القوَّة الشهرية والغضبية ، ورعاية العدل في جميع الأُمور ، وهذه الأُمور لا توجد إلّا في المعصوم ، ومن وفَّقه الله تعالی من أوليائه.
وقد سأل بعض موالي علي بن الحسين عليه السلام أبا عبد الله عليه السلام أن يكلّم الولاة على أن يولّيه في بعض البلاد ، وأقسم بأيمان مغلّظة أن يعدل ولا يظلم ولا یجور ، فرفع أبو عبد الله عليه السلام رأسه إلى السماء فقال : «تناولُ السماء أيسرُ عليك من ذلك» (3).
ص: 170
(وروی) مسلم بإسناده عن أبي ذرّ ، قال : «قلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله ألا تستعملني؟ قال : فضرب بيديه على منكبي ثُمَّ قال : يا أبا ذر ، إنّك ضعيف ، وإنَّها أمانة ، وإنَّها يوم القيامة خزي وندامة ، إلّا من أخذها بحقّها وأدّى الَّذي عليه فيها» (1).
ومن هنا لمّا سمع بعض العلماء يقول : (أين الزاهدون في الدنيا والراغبون في الآخرة؟ فقال له : اقلب الكلام وضع يدك على من شئت) (2).
وعن الحسن البصري ، قال : (مرض سلمان مرضه الَّذي مات عنه ، فدخل عليه سعد يعوده وقال : يا سلمان کیف تجدُك؟ قال : فبكي.
فقال : ما يبكيك؟ فقال : والله ما أبكي حبّاً للدنيا ، وإنَّما أبكي لهذه الأساور حولي.
فقال سعد : فنظرت فو الله ما رأيت إلا إجّانَة ومطِهَرَة) (3).
(ورُوي) : (أنه لمّا بُعث إلى المدائن ركب حماراً وحده ، ولم يصحبه أحد ، ووصل إلى المدائن خبر قدومه ، فاستقبله أصناف الناس على طبقاتهم ، فلمَّا رأوه قالوا له : أيُّها الشيخ أين خلّفت أميرنا؟ قال : ومن أميركم؟ قالوا : الأمير سلمان الفارسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله.
فقال : لا أعرف الأمير ، وأنا سلمان الفارسي ، ولست بأمير ، فترجّلوا له ، وقادوا إليه النجائب والمراكب.
ص: 171
فقال : إن حماري هذا خير لي وأوفق ، فلمَّا دخل البلد أرادوا أن ينزلوه دار الإمارة ، فقال : مالي ودار الإمارة ولست بأمير ، فنزل على حانوت في السوق ، وقال : ادعوا صاحب الحانوت ، فاستأجره منه وجلس هناك يقضي بين الناس ، وكان معه وطاء يجلس عليه ، ومِطهَرة يتطهَّر بها للصلاة ، وعكّازة يتعمّد عليها في المشي ، فاتفق أن سيلاً وقع في البلاد ، فارتفع صباح الناس بالويل والعويل ويقولون : وا أهلاه ، وا ولداه ، وا مالاه ، فقام سلمان ووضع وطاءه على عاتقه ، وأخذ مِطهَرته وعكّازته وارتفع على صعيد ، وقال : هكذا ينجو المخفُّمون يوم القيامة) (1).
وفي الكافي أيضاً بسنده ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : «ملعون من ترأس ، ملعون من همّ بها ، ملعون من حدث بها نفسه» (2).
والترؤُس ادِّعاءُ الرئاسة بغير حق ، فإنَّ التفعُّل غالباً يكون للتكلّف.
[وفي حديثٍ آخر له عليه السلام في الكافي] (3) قال : «إيَّاك والرئاسة ، وإياك أن تطأ أعقاب الرجال ، قال : قلت : جُعلت فداك أمّا الرئاسة فقد عرفتها ، وأمّا أن أطأ أعقاب الرجال فما ثلثا ما في يدي إلّا ممَّا وطئت أعقاب الرجال ، فقال لي : ليس حيثُ تذهب ، إياك أن تُنَصّبَ رجلاً دون الحجَّة ، فتصدّقه في كل ما قال» (4).
وقال أبو عبد الله عليه السلام : «وإن شراركم من أحبّ أن يوطأ عقبه ، إنه لابد من كذّاب أو عاجز الرأي» (5).
ص: 172
وذلك ؛ لأن حبّ الرئاسة أشد الفسوق وأعظمها ، إذ كلّ فسق غيره يعود ضرره إلى الفاسق ، وهذا الفسق يعود ضرره إلى تخريب الدين ، وإلى الفاسق ، والخلق أجمعين ، وقد قال الله تعالى : ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (1).
وإن كثيراً من المعتنين بطلب العلم من أرباب العمائم قَدْ أكثر من أسباب جلب العوام ، واقتداء الأنام ، وهو في مرحلة المعرفة معتمداً على التقليد المحض ، بحيث يساوي معرفته معرفة الأطفال والعجائز ، ومشاهدة هذه الأحوال ربّما منعت بعض الأذكياء من السلوك في مسالك العلم ، واليأس من الفوز بالسعادة الحقيقية ، عصمني الله وإياك من الزلل.
ص: 173
ص: 174
[66] - قال رحمه الله : وعن محمّد بن یعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن عيسی ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عمّن حدّثه ، قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول : «أيُّها الناس اعلموا أنَّ كمال الدين طلب العلم والعمل به ، [ألا] وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال ، إنَّ المال مقسوم مضمون لکم ، قَدْ قسّمه عادل بینکم [وضمنه] ، وسَيَفِي لكم ، والعلم مخزون عند أهله ، وقد اُمرتم بطلبه من أهله ، فاطلبوه» (1).
أقول : شرح الحديث يتمُّ في موضعين :
(فأمّا ابن محبوب) فهو الحسن بن محبوب السراد ، ويقال له : الزراد ، ویکنّی أبا علي ، مولى بجيلة ، كوفي ، ثقة.
روي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، وروى عن ستين رجلاً من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام ، وكان جليل القدر ، ويعدّ من الأركان الأربعة في عصره (2).
وهو ممَّن أجمعت العصابة عليه (3) ، ومات رحمه الله سنة 224 ﻫ وهو من أبناء خمس وسبعين سنة (4) ، وصّرح بتوثيقه غير واحد من علماء الرجال ، كالنجاشي في (الفهرست) ، والعلّامة في (الخلاصة) ، والكاظمي في (المشتركات) (5).
ص: 175
(وأمّا هشام) بن سالم فهو المعروف بالجواليقي الجعفي (1).
قال في (الخلاصة) : ثقة ، ثقة (2).
وقال ابن طاووس : ظاهر أنه صحيح العقيدة ، معروف الولاية ، غير مدافع ، انتهى (3).
وفي الكافي ، في باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه ، رواية دالة على فساد عقيدته (4) ، وكان العلّامة رحمه الله بنى على ضعف تلك الرواية بحيث لا يوجب قدحها في الرجل (5).
(وأمّا أبو حمزة) الثمالي فاسمه ثابت بن دينار ، ثقة. قال النجاشي : (إنه لقي عليَّ ابن الحسين عليه السلام ، وأبا جعفر عليه السلام ، وأبا عبد الله عليه السلام ، وأبا الحسن عليه السلام وروى عنهم ، وكان من خيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث) (6).
ص: 176
(وأمّا السبيعي) فهو أبو إسحاق بن کلیب ، على ما ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب أبي محمّد الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام (1) ، وروى عنه أبو حمزة الثمالي ، وقيل : هو عمر - أو عمرو - بن عبد الله بن علي السبيعي ، وهو موافق لما في شرح الكرماني لصحيح البخاري (2) ، وعليه فهو من الثقات ، بل من أخصّ الخواص.
قال في مجمع البحرين : (روی محمّد بن جعفر المؤدِّب أن أبا إسحاق واسمه عمرو بن عبد الله السبيعي ، صلّی أربعين سنة صلاة الغداء بوضوء العتمة ، وكان يختم القرآن في كُلّ ليلة ، ولم يكن في زمانه أعبد منه ولا أوثق في الحديث عند الخاص والعام ، وكان من ثقات علي بن الحسين عليه السلام ، ووُلد في الليلة التي قُبض فيها أمير المؤمنين عليه السلام ، وله تسع وتسعون سنة ، وهو من هَمْدان) ، انتهى (3).
وفي رجال الوسيط أنه وابن يونس من العامّة ، ولعل بما قاله الذهبي في میزان الاعتدال إن أبا إسحاق السبيعي من أئمّة التابعين بالكوفة وأثباتهم (4) وهو ليس بقاطع عليه بالخلاف ؛ إذ لعله قَدْ خفي مذهبه لشدَّة التقية ، على أنه ااَّفق له اولغيره مدح رجال الشيعة كأبان بن تغلب وغيره بأعظم من هذا (5).
ص: 177
وفي (القاموس) : (السبيع ، كأمير ، السبيع بن سبع ، أبو بطن من هَمْدان ، ومنهم : الإمام أبو إسحاق عمرو بن عبد الله ، ومحلّة بالكوفة منسوب إليهم) (1).
وقال ابن الأثير في النهاية : (السبيع ، هو بفتح السين وكسر الباء : محلّة من محالّ الكوفة منسوبة إلى القبيلة ، وهم بنو سبيع من هَمْدان) (2).
وقوله : عمّن حدثه يوجب إرسال الحديث.
في شرح متن الحديث :
[أ] - «قال : سمعت أمير المؤمنين» : هذا لقب خُصّ به علي بن أبي طالب كما هو متفق عليه بين علماء الإمامية ، ثبتت له هذه المرتبة من عهد النبي صلى الله عليه وآله ، بل لُقِّب به وآدم بين الروح والجسد ، كما رواه من العامّة ابن شیرویه في فردوس الأخبار (3) ، ومع ذلك فقد زعمت العامّة مشاركة الأول والثاني معه عليه السلام في هذا اللَّقب ، بل جعلوا ذلك من أوليات الثاني ، وقالوا : أوَّل من لقِّب بأمير المؤمنين هو عمر (4) ، وللسيد رضي الدين علي بن طاووس الحسني رحمه الله كتاب (اليقين باختصاص مولانا أمير المؤمنين بإمرة المؤمنين) قَدْ جمع فيه من طرق العامّة المعتبرة والكتب المعتمدة عندهم مائتي وعشرين حديثاً بأسانيد مختلفة متعددة ،
ص: 178
ممَّا يدل على تخصيص هذا اللقب بعلي بن أبي طالب عليه السلام ، واعترف رحمه الله بأنه لم يستوعب جميع الأخبار.
[ب] - «والعمل به» : إعلم أن كلّ علم من علوم الدين يقتضي عملاً لو لم يأت به لكان ذلك العلم ناقصاً ، حَتَّى مُثّل العلم بوجوده تعالى ، وقدرته ، ولطفه ، وإحسانه ، يقتضي طاعةً في أمره ونهيه ، والعلم بوجود الجنَّة والنار يقتضي العمل الموجب لحصول الأوَّل والنجاة من الثاني ، فلا وجه للاختصاص بالعلم المتعلّق بكيفية العمل كما هو المنقول عن بعض الناظرين إلى هذا الحديث (1).
[ج] - «أوجب عليكم من طلب المال» : فيه دلالة على أمرين :
الأول : طلب المال ، وعلى قدر الكفاف واجب قطعاً ، وبه يحصل الاستعانة بالعبادات والطاعات كما ورد : لولا الخبز ما صلَّينا ولا صمنا (2).
ولا ينافي الزهد المطلوب في دار الدنيا ؛ لأن المراد به كما عن أمير المؤمنين عليه السلام : «قُصر الأمل ، وشكر كلّ نعمة ، والورع عمّا حرّم الله عزَّ وجلَّ» (3).
وكيف يكون الزهد في ترك الحلال وقد قال الصادق عليه السلام : «لا خير فيمن لا يحب جمع المال من حلال يكفُّ به وجهه ، ويقضي به دينه ، ويصل به رحمه» (4).
ص: 179
الثاني : طلب العلم أوجب وأوكد من طلب المال ، والمراد به الوجوب العقلي العيني ، أي أحسن وأليق بأنفسكم ، والدليل عليه قول أمير المؤمنين عليه السلام لكميل بن زياد : «يا کميل العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق» (1).
[د] - ويمكن أن يُجعل قوله عليه السلام : «إنَّ المال مقسوم» : بيان لأرجحية طلب العلم ؛ إذ يعد الالتفات إلى قوله تعالى : ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (2) ، وقوله تعالى : ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ (3) لا ينبغي لعاقل أن يصرف عزيز أوقاته ، وثمین ساعاته في جلب الأموال ، وتحصيل الأسباب ، ويترك طلب العلم الَّذي فيه حياة القلب والبقاء الأبدي ، فإن العلم غذاء الروح وحياته الباقية التي لا انقطاع لها (الناس موتی وأهل العلم أحياء) (4).
[ﻫ] - «فاطلبوه من أهله» : وهم الأئمّة الَّذين هم أهل الذكر كما قال تعالى : ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (5).
وحاصل هذه الرواية أن الرزق من لوازم الحياة ، فالإنسان غير مختار في ترکه ، بل مأتيّ إليه وإن فرّ عنه ، وما كان بهذه المثابة من ملازمة الوجود لا ينبغي الجهد في تحصيله ، بخلاف العلم فإنه ليس من شرائط الوجود والحياة ، بل يحصل بالطلب والابتغاء من أهله ، فينبغي المبالغة في طلبه وتحصيله من أهله.
ص: 180
[67] - قال رحمه الله : وعنه ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسی ، عن محمّد بن خالد ، عن أبي البختري (1) ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «إنَّ العلماء ورثة الأنبياء ، وذاك أن الأنبياء لم يورَّثوا درهماً ولا ديناراً ، وإنَّما أورثوا أحاديث من أحاديثهم ، فمن أخذ بشيء منها أخذ حظاً وافراً ، فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه؟ فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين» (2).
أقول : وتقريب المرام في موضعين :
في حال سند الحديث : ومرجع الضمير الكليني رحمه الله.
فأمّا محمّد بن خالد : فهو المعروف بالبرقي ، أبو عبد الله ، مولى أبي موسى الأشعري.
قال النجاشي : (وكان محمّد ضعيفاً في الحديث ، وكان أديباً ، حسن المعرفة بالأخبار وعلوم العرب) ، انتهى (3).
ووثّقه المجلسي في (الوجيزة) (4) ، وقال صاحب البُلغَة : (وابن خالد البرقي مختلف فيه ، ولعلَّ الأظهر تعديله) (5).
ص: 181
وأمّا أبو الحسن البختري : بالخاء المعجمة ، اسمه وهب بن وهب ، فعن الفضل بن شاذان أنه من أكذب البريَّة (1).
وقال الشيخ : (إنه ضعيف ، عامَّي المذهب) (2).
وعدّه المجلسي : (غالياً) (3).
مع ذلك فقد قال جدّي الفاضل الصالح في شرحه : (إن الحديث معتبر ، وإن كان الراوي كذوباً ؛ لأن الكذوب قَدْ يصدق) (4).
[أ] - قَدْ عرفت من البيانات السابقة شرح ما يتعلق ببعض فقرات الحديث بما لا ينافي ما عليه الشيعة من توريث الأنبياء ، والمقصود من قوله عليه السلام : «فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه» هو التنبيه على أنه ينبغي لكم أن تعرفوا أحوال الناس حَتَّى تجدوا أهل هذا العلم لتأخذوا منه ؛ لأنَّ مدّعي العلم بعد النبي صلى الله عليه وآله كثير ، والجميع ليسوا قائلين بالصواب ، ولا آخذين له من مشكاة النبوة ، بل أكثرهم يدعون بمجرد الأهواء طالبين للتقدّم والرئاسة ، التابعين للشيطان والنفس الأمارة بالسوء وإنَّما القائلون بالحقّ ، الآخذون له من منبع الرسالة ، وهم أهل البيت الَّذين قال النبي صلى الله عليه وآله فيهم : «إنّي تارك فيكم الثَّقلين : كتابَ اللهِ وعترتي أهلَ بيتي».
ص: 182
[ب] - ويدل عليه قوله : «فإنَّ فينا أهلَ البيتِ عُدولاً» : فينا خبر إنَّ مقدَّم على اسمه وهو عدولاً ؛ لكونه ظرفاً ، وأهل البيت منصوب على المدح بتقدير أعني ، أو مجرور على أنه بدل لفينا ، أو مجرور بدلاً عن ضمير المتكلّم إن جُوِّز ، كما هو المنقول عن الأخفش من أنه أجاز تبديل الظاهر من ضمير الحاضر مطلقاً (1). (2)
[ج] - «في كل خلف» : أي في كلّ قرن ، فإن الخلف للمرء من يكون بعده ، وكلّ قرن خلف للقرن السابق.
قال في النهاية : [في مادة (خ. ل. ف) (3) (فيه (يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين) الخلف بالتحريك والسكون : كل من يجيء بعد من مضى ، إلا أنه بالتحريك في الخير ، وبالتسكين في الشر) ، انتهى (4).
والمراد من العدول النافين للتحريف والانتحال هم الأئمّة عليهم السلام الراسخون في العلم كما هو صريح قوله عليه السلام في زيارة الجامعة : «ورضيَكُم خلفاءَ في أرضه ، وحُجَجّاً على بريّته ، وأنصاراً لدينه» (5) فإنهم عليه السلام يذبّون عن دينه كل مخالف ، بأن يبطلوا حجّته بالبرهان الحق ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «يحمل هذا
ص: 183
الدين في كلّ قرن عدول ، ينفون عنه تأويل المبطلين ، وتحريف الغالين ، وانتحال الجاهلين كما ينفي الكيرُ خبثَ الحديد» (1).
وهذا على الحقيقة والأصل ، ويحتمل أن يريد بالعدول : علماء شیعتهم الَّذين يقتفون آثارهم ، ويعرفون أحكامهم ، الممتحنين ، المحتملين لعلومهم ، وهم من عناهم السيِّد السجّاد عليه السلام في تقسيم العلماء ، إلى أن قال :
«ولكنّ الرجلّ كل الرجل ، نعم الرجل ، هو الَّذي جعل هواه تبعاً لأمر الله ، وقواه مبذولة في رضا الله ، يرى الذلَّ مع الحق أقرب إلى عزّ الأبد من العزّ في الباطل ، ويعلم أنَّ قليل ما يحتمله من ضرائها يؤدية إلى دوام النعيم في دار لا تبيد ولا تنفد ، وأنَّ كثيراً ممَّا يلحقه من سرائها - إن اتّبع هواه - يؤدِّيه إلى عذاب لا انقطاع له ولا يزول ، فذلكم الرجل نعم الرجل ، فيه فتمسَّكوا ... الحديث» (2).
وقال جدّي الصالح رحمه الله : (في هذا الخبر دلالة ظاهرة على أن العصر لا يخلو من حجّة ، والروايات الدالّة عليه أكثر من أن تُحصى ، وقد يُستدل بهذا الخبر على حجّية الإجماع) ، انتهى (3).
ص: 184
[68] - قال رحمه الله : وعنه ، عن الحسين بن محمّد ، عن علي بن محمّد بن سعد رفعه ، عن أبي حمزة ، عن علي بن الحسين عليه السلام ، قال : «لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللُّجَج ، إنَّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى دانيال : إنّ أمقتَ عبيدي إليّ ، الجاهل المستخف بحقّ أهل العلم ، التارك للاقتداء بهم ، وإنّ أحبَّ عبيدي إليّ ، التقيّ الطالب للثواب الجزيل ، اللازم للعلماء ، التابع للحلماء ، القابل عن الحكماء» (1).
أقول : وتقريب المرام في موضعين :
في رجال سند الحديث : مرجع الضمير في عنه كما تقدّم.
والحديث مرفوع ، والمراد من الحسين بن محمّد : هو حسين بن محمّد بن عامر ابن أخي عبد الله بن عامر ، وهو ابن محمّد بن عمران كما في (المشتركات) : (ابن محمّد بن عمران الثقة ، ويقال له : ابن عامر ، روى عنه محمّد بن يعقوب) (2).
وقال في (الرواشح) : (هو من أجلَّاء مشايخ الكليني ، وقد أكثر من الرواية عنه في الكافي ، وصرّح باسم جدِّه عامر الأشعري في مواضع عديدة) (3) ، ونسخ الكافي مختلفة ، ففي بعضها كما في المتن ، وفي بعضها عن علي بن محمّد بن سعد ،
ص: 185
رفعه بإسقاط الحسين بن محمّد ، والمراد بعلي بن محمّد بن سعد في النسخة الأُولى : هو علي بن محمّد بن علي بن سعد الأشعري القمِّي المعروف بابن متویه ، والمراد به في النسخة الثانية : هو علي بن محمّد بن سعد الأشعري وهو أحد شيوخ أبي جعفر الكليني صاحب الكافي رحمه الله (1).
في شرح متن الحديث :
[أ] - «ما في طلب العلم» : يعني من الشرف ، والكمال ، والمنافع ، والحياة الأبدية للنفس الناطقة بعد رقودها في مهد الطبيعة البشرية ، ورکودها في مرقد القوى الإنسانية ، وصدودها عن مشاهدة ما عند الحضرة الربوبية.
[ب] - «وسفك المهج» : كناية عن ارتكاب التعب والمشقَّة الشديدة في طلبه ، كما أن «خوض اللُّجَجَ» كناية عن ارتكاب المكاره والشدائد.
[ج] - «إلى دانيال» : وهو النبيّ من أولاد یهودا بن يعقوب ، وهو الَّذي كان في زمن بخت نصر ، وهو الَّذي تفرّد في علم النجوم والرمل ، وله كتاب (الملاحم والحوادث في الدنيا) كما رواه القطب الراوندي في القصص عن الصدوق بالإسناد عن الصادق عليه السلام (2).
ص: 186
(وكان [قد] (1) ذهب به بخت نصر مع أطفال من أولاد الأنبياء عليه السلام إلى بابل ، وحُبس دانيال في الجبّ المعروف الآن بجبّ دانيال في قرية صغيرة على شاطئ نهر الفرات بأرض العراق ، وذهب أكثر الناس إلى أنها بئر هاروت وماروت ، ثُمَّ إنّ بخت نصر رأى رؤيا عجيبة أهالته ، فسأل عنها الكهنة والسحرة ، فعجزوا عن تعبيرها ، وكان دانيال مع أصحابه في السجن ، فأخبر السجّان بخت نصر بقصَّة دانيال ، فقال له : عليّ به وكان لا يدخل عليه أحدٌ إلا سجد له فأتوا به فقام بين يديه ولم يسجد ، فقال له : ما الَّذي منعك من السجود لي؟
فقال : إن لي ربّاً آتاني الحكمة والعلم ، وأمرني أن لا أسجد لغيره ، فخشيت أن أسجد لغيره فينزع منّي علمه الَّذي أتاني ويهلكني ، فأعجب به ، وقال : نِعمَ ما فعلت حيثُ وفيتَ نعمه ، ثُمَّ أخبره برؤياه التي رآها قبل أن يخبره الملك وعبّرها له ، فجعل يكرمه ويستشيره في اُموره حَتَّى كان أكرم الناس عليه ، وأحبَّهم إليه ، فحسده المجوس وذهبوا إلى إهلاکه ، فنجّاه الله تعالی) (2).
وبخت نصر من ولد نمرود ، وهو الَّذي غزا بني إسرائيل ، وقتل منهم خلقاً كثيراً ، وسبی بعثتهم ، وغزا مصر ، ودوَّخ كثيراً من البلاد ، وهو من الكلدانيين : اُمَّةٌ قديمةُ الرئاسة ، نبيهةُ الملوك ، كان منهم النماردة والجبابرة الَّذين كان أوَّلهم نمرود من بني حام ، ولم يزل ملك الكلدانيين ببابل إلى أن ظهر عليهم الفرس ، وغلبوهم على مملكتهم ، وأبادوا كثيراً منهم ، فدُرست أخبارهم ، وطُمست آثارهم.
ص: 187
(وفي سنة 19 من الهجرة في السنة السابعة من خلافة عمر ، لمّا فرغ أبو موسی الأشعري من فتح مناذر توجَّه إلى فتح شوش ، فحاصرها ، ولمّا رأى شابور صاحب القلعة قوة الأعراب ، وعدم نهوضه بالمقاومة أرسل إلى أبي موسى من يأخذ منه الأمان لعشرة أنفس من أقاربه ، فيفتح لهم باب البلدة ، فقبل أبو موسى ذلك ، وقال للرسول : فليكتب صاحبك أسماءهم ، فكتب شابور ذلك وفتح باب الحصار وتوجَّه مع العشرة إلى أبي موسى.
فقال أبو موسى : لم يكن اسمك مكتوباً مع العشرة ، ونحن على ما وعدناك من سلامة العشرة ، والأصلح بحال المسلمين قتلك ، فقتله ، ثُمَّ دخل حصار شوش وضبط ما في خزائن شابور من الأموال ، ثُمَّ رأى باباً محكماً مقفولاً مختوماً ، فسأل عمّا وراء الباب؟ فقيل له : ليس فيه ما ينفعك ، فقال : لابدّ من الاطّلاع عليه ، فأمر بكسر الأقفال ، ودخل فرأى صخرة كبيرة مثل القبر ، وعليها جسد ميِّت وهو مكفّن بقطع من الحرير المزرکش ، مکشوف الرأس ، طويل القامة جداً ، فتعجبوا من طول قامته ، وطول أنفه أكثر من شبر ، فسأل أبو موسى عنه أهل شوش؟
فقالوا : كان هذا الرجل مستجاب الدعوة يستسقون به أهل بابل ، فابتُلي أهل شوش بسنة مجدية ، فأرسلوا إلى بابل يطلبون أهله إرساله إليهم حَتَّى يدعو لهم بالمطر ، فأبوا من إجابة ذلك ، فأرسلوا إليهم خمسين رجلاً برسم الرهينة حَتَّى أرسلوه ، فدعى لهم ، وسقوا ببركته ، وكثر خيرهم ، فلمَّا رأوا ذلك رفعوا اليد من الأشخاص المرهونين ، وبقي الرجل عندهم إلى أن مات ، فكتب أبو موسى صورة الواقعة إلى عمر ، فسأل عمر عن حال هذا الشخص جميع الصحابة ، فلم يُعلمه أحد بحقيقة الحال إلا أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : إنَّه دانيال ، وذكر قصته مع بخت نصر ، وأسارته من بيت المقدس إلى أرض بابل ، وقال لعمر : أكتب لأبي موسى أن يخرجه
ص: 188
من هذا المكان ، ويكفنه فوق كفنه ، ويصلّي عليه ، ويدفنه في محل لا تصل إليه يد أهل الشوش ، ففعل ذلك أبو موسى وحفر له قبراً في قعر نهر شوش بنى عليه بالرخام في غاية الرصانة والاستحکام ، ثُمَّ أجرى الماء عليه) (1).
قال الحموي في مراصد الاطلاع : (السُّوْس بالضم ، ثُمَّ السكون ، وسين اُخرى : بلدة بخوزستان ، وُجد فيها جسد دانيال عليه السلام ، فدُفن في نهرها تحت الماء ، وغُمر قبره ، وموضعه [ظاهر] يُزار) (2).
قال السيِّد الجزائري في (الأنوار) : (ومات دانيال بناحية الشوش ، ودُفن فيها ، والشوش بلد كبير في ناحية شوشتر لكنَّها هذا (هي - ظ) الآن من توابع حويزة فقد خُربت وصارت تلاً من التراب ، وقد وصلنا إليها مراراً وشاهدنا فيها آثاراً غريبة ، وأطواراً عجيبة ، وقبر دانيال قريب منها تتبرَّك به الناس ، وقد شاهدوا له کرامات (وفي بعض الروايات) أن أهل الشوش شكوا إلى أحد المعصومين عليه السلام كثرة الأمطار ، فكتب لهم : إنَّ عظام أخي دانيال تحت السماء والسماء تهطل دموعاً عليه ، فوارَوْهُ تحت التراب حَتَّى تسكن عنكم الأمطار ، فواروه تحت التراب.
وقريب من قبره المبارك النهر الَّذي حفره شابور ذو الأكتاف ، وقد عُمل قريباً من القبر حوض كبير ، وفيه سمك كثير شاهدناها لمّا وصلنا إلى زيارته ، وقد ألفت الزائرين حَتَّى كنا نجلس إلى جرف النهر ونضع الخبز في أيدينا ، وتظهر الحيتان من الماء تأكله من أيدينا شيئاً فشيئاً.
والشوش في لغة الفرس القديمة اسم للشيء الحسن ، ولمّا بنوا الشوشتر سمَّوها بهذا الاسم ، ومعناه الأحسن يعني أنه أحسن من الشوش ، وفي قبَّته صخرة إذا وقَّف
ص: 189
عليها الإنسان وحرَّكها تحركت مستديرة والإنسانُ فوقها ، ثُمَّ تبقى الحركة حَتَّى ينزل الإنسان من فوقها) ، انتهى (1).
وفي باب التوبة من الكافي بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إن الله عزَّ وجلَّ أوحى إلى داود أن أئت عبدي دانيال وقل له : إنك عصيتني فغفرت لك وعصيتني فغفرت لك ، وعصيتني فغفرت لك ، فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك ، فأتاه داود عليه السلام ، فقال : يا دانيال ، إنَّني رسول الله إليك وهو يقول : إنك عصيتني فغفرت لك ، وعصيتني فغفرت لك ، وعصيتني فغفرت لك ، فإن عصيتني الرابعة لم أغفر لك.
فقال له دانيال : قَدْ أبلغت يا نبي الله ، فلمَّا كان في السحر قام دانيال فناجی ربَّه ، فقال : يا ربّ ، إن داود نبيَّك أخبرني عنك أنني قَدْ عصيتُكَ فغفرتَ لي ، وعصيتُكَ فغفرتَ لي ، وعصيتُكَ فغفرتَ لي ، وأخبرني عنك أنني إن عصيتك الرابعة لم تغفر لي ، فوعزتك لئن لم تعصمني لأعصينّك ، ثُمَّ لأعصينّك ، ثُمَّ الأعصينّك» (2).
قال المجلسي رحمه الله : (والعصيان محمول على ترك الأولى ؛ لأن دانيال عليه السلام كان من الأنبياء ، وهم معصومون من الكبائر والصغائر عندنا كما مرّ ، وقوله : (لئن لم تعصمني لأعصينّك) فيه مع الإقرار بالتقصير اعتراف بالعجز عن مقاومة النفس وأهوائها ، وحثّ على التوسُّل بذيل الألطاف الربانية ، والاستعاذة من التسويلات النفسانيّة ، والوساوس الشيطانية) ، انتهی (3).
ص: 190
وفي (مجمع البحرين) : (دانيال النبي بكسر النون ، كان غلاماً يتيماً لا أب له ولا اُمّ ، ربّته عجوز من بني إسرائيل ، وقد أسره بخت نصر وعزيراً ، فأنجاهما الله من العذاب ، ومات دانيال بناحية السوس. وقد وُجد خاتمه في عهد عمر ، وكان على قصّه أسدان وبينهما رجل يلحسانه ، وذلك أن بخت نصر لمّا أخذ في تتبُّع الصبيان وقتلهم ، ووُلد هو ألقته اُمُّه في غيضة رجاء أن ينجو منه ، فقيّض الله له أسداً يحفظه ولبوة ترضعه وهما يلحسانه. فلمَّا كبر صوّر ذلك في خاتمه حَتَّى لا ينسى نعمة الله عليه) (1).
وفي کشکول شيخنا البهائي نقلاً عن خط الشهيد رحمه الله ، يرفعه إلى دانيال النبيّ ، قال : (إذا أراد أحدكم يعلم أن حاجته تقضى أم لا ، فليقبض على شيء من الحبوب ويضمر حاجته ، ويأخذ ثماناً ثماناً من الحبوب المقبوضة ، فإن بقي في يده واحدة فهي للزهرة فالحاجة مقضية ، وإن بقي اثنتان فهي للمريخ فإنَّها لا تقضى ، وإن بقي ثلاث فهي للذئب يكون نحساً لا تقضى ، وإن بقي أربع فهي لزحل فإنها لا تقضى ، وإن بقي خمس فهي للمشتري فإنها تقضي سريعاً ، وإن بقي ست فهي للقمر فإنها تقضى ، وإن بقي سبع فهي لمطارد تقضي حسناً ، وإن بقي ثماني فلا تعرض لها بوجه من الوجوه فإنها وقعت في التوقُّف) (2).
[د] - «والمقت» : هو الإبغاض.
[ﻫ] - «المستخف بحق المعلم» : فيه دلالة على أن الجاهل على إطلاقه ليس مبغوضاً ، بل إنَّما يكون كذلك إذا كان متصفاً بما ذُكر من الاستخفاف والترك ،
ص: 191
والا فالجاهل المعظّم لأهل العلم ، المقتدي بهم المحب لهم والمتعلّم منهم ، هو من أهل المحبَّة دون المقت.
[و] - «والتقي» : الَّذي هو من أحبّ عباد الله إليه ، هو الخائف منه تعالی ، المتجنب عن معصيته بالتزام أوامره ، واجتناب نواهيه ، الطالب للثواب الجزيل ، الحاصل لذلك له من العمل بما يوجبه ، وعمدته تحلية الظاهر بالأفعال الجميلة ، وتخلية الباطن من الأخلاق الرذيلة.
[ز] - «اللازم للعلماء» : وهم أهل العلم من الشيعة ، وفيه دلالة على أن الفضيلة والشرف إنَّما تكون في ملازمة العالم الحلِّيم السليم من مقتضيات القوَّة الغضبية والشهوية ، وبعبارة اُخرى : من صدق قوله فعله ، ومن لم يكن كذلك فليس بعالم ، فقد قال الصادق عليه السلام : «اطلبوا العلم وتزيَّنوا معه بالحلم والوقار ، وتواضعوا لمن تعلّمونه العلم ، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم ، ولا تكونوا علماء جبّارين فيذهب باطلُكم بحقّكم» (1).
وعن الرضا عليه السلام : «أنَّ من علامات الفقيه الحلم والصمت» (2).
وقال بعض الشرّاح : (اختلفت أقوال الأكبر في الفرق بين العالم والحكيم ، فقيل : العالم طبيب الدين بأدوية الحق والصدق والتصفُّح والتعطف.
وقيل : من يخلّص الناس من أيدي الشياطين.
وقيل : هو من لان قلبه ، وحسن خلقه ، ورقّ ذكره ، ودقّ فکره ، ولا يطمع ولا يبخل.
ص: 192
وقيل : الحكيم هو الَّذي يطلب ما ينفعه ، ويترك ما يضرّه ، ويقرب منه ما قيل : هو العدل الأخذ بالحق والصواب قولاً وعملاً.
وقيل : من لا يغضب على من عصي ، ولا يحقد على من جفا.
وقيل : هو من كان كل أفعاله صواباً ، ولا يدخل في اختياره خلل ولا فساد.
وقيل : ليس الحكيم الَّذي يجمع العلم الكثير ، لكن الحكيم الَّذي يعرف صواب ما لَهُ وما عَليهِ.
وقيل : الحكماء للأخلاق کالأطباء للأجساد.
وقيل لعالم : مَن الحكيمُ؟ قال : من تعلَّق بثلاث فيها علم الأولين والآخرين ، قيل : وما هي؟ قال : تقديم الأمر ، واجتناب النهي ، واتّباع السنَّة.
وكيفَ تريدُ أن تُدعى حكيماً *** وأنت لكلّ ما تهوی رَکوبُ
لعلَّ العُمرَ أكثرُهُ تولَّی *** وقد قَرُبَ الرَّدى فمتى تَتوبُ
ورُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : «العلم نهر ، والحكمة بحر ، والعلماء حول النهر يطوفون ، والحكماء في وسط البحر يغوصون ، والعارفون في سفن النجاة يخوضون» ، ولكون الحكماء أعظم شأناً ، وأرفع مكاناً ، رغّب في قبول العلم عنهم ، والأخذ منهم) ، انتهى (1).
ومن كلام الحكيم زيتون الأكبر : (لا تخف موت البدن ، وخف موت النفس ، فقيل له : لم قلت ذلك والنفس لا تموت؟ فقال : إذا انتقلت النفس الناطقة من حد
ص: 193
النطق إلى حد البهمي ، وإن كان جوهرها لا يبطل ، فإنها قَدْ ماتت من العيش العقلي) (1).
ومثل هذا الكلام ما رُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : «للجسم ستة أحوال : الصحَّة ، والمرض ، والموت ، والحياة ، والنوم ، واليقظة وكذلك الروح فحياتها علمها ، وموتها جهلها ، ومرضها شكّها ، وصحَّتها يقينها ، ونومها غفلتها ، ويقظتها حفظها» (2).
ا ولا يخفى ما في كلامه عليه السلام من الحقائق الحكمية والمسائل الفلسفية ، فانظر أيُّها اللبيب إلى ما في هذا الحديث من شرف فضيلة العلم وكماله ، حيث بالغ فيه :
(أولاً) : بأنه لا ينبغي أن يعوق عنه شيء من شدائد الدهر ونوائبه ، ولا يكون ذلك مانعاً من تحصيله.
(وثانياً) : بأن الاستخفاف بالعلماء من أعظم الكبائر الموجبة لمقت الله تعالی وسخطه.
(وثالثاً) : أن ملازمتهم من أعظم القربات الموجب لأعلى درجات محبته.
ص: 194
وفي رياض العلماء (1) في أحوال جدّنا العالم الرباني المولى محمّد صالح المازندراني : (أن أباه المولى أحمد المازندراني كان في غاية من الفقر والفاقة ، فقال يوماً لولده : إنّي لا أقدر على تحمل نفقتك ، ولابد لك من السعي للمعاش ، وأنت في سعة من حاجتي ، فاطلب لنفسك ما تريد.
فهاجر المولى المزبور إلى أصبهان وسكن في المدرسة ، وكان للمدارس وظائف معيَّنة من طرف السلاطين ، يُعطى كل الطلبة على حسب رتبته ، ولمّا كان المولى المعظم أول أمر تحصيله ، كان سهمه منها في كل يوم غازين ، وهما غير وافيين لمصارف أكله ، فضلاً عن سائر لوازم معاشه ، ومضى عليه مدّة لم يتمكّن من تحصيل ضوء لمطالعته ، وكان يقنع بسراج بيت الخلاء ، وكان يطالع بمعونته واقفاً على قدميه إلى الصباح حَتَّى صار في مدة قليلة قابلاً للتلقّي من المولى محمّد تقي المجسي ، فحضر في مجلس درسه في عداد العلماء الأعلام ، إلى أن فاق عليهم ، وكان للمولى الجليل اُستاذه شفقة تامَّة عليه ، وكان يعتمد على جرحه وتعديله في المسائل ، وفي خلال ذلك حصل له رغبة في التزويج ، وعرف ذلك منه اُستاذه رحمه الله.
فقال له يوماً : إن أذنت لي أزوِّجك امرأة ، فاستحيى ، ثُمَّ أذن له فدخل المولى في بيته وطلب بنته آمنة الفاضلة المقدسة المجتهدة البالغة في العلوم حدّ الكمال ، وقال : عيّنت لك زوجاً في غاية من الفقر ، ونهاية من الفضل والصلاح والكمال ، وهو موقوف على إذنك ورضاك.
ص: 195
فقالت الصالحة : ليس الفقر عيباً في الرجال ، فهيّأ والدها المعظَّم مجلساً عالياً زوجها منه ، فلمَّا كانت ليلة الزفاف ودخل عليها ورفع البرقع عن وجهها ونظر جمالها عمد إلى زاوية وحمد الله شكراً واشتغل بالمطالعة.
واتفق أنه ورد على مسألة مشكلة لم يقدر على حلّها ، وعرفت ذلك الفاضلة آمنه بیکم بحسن فراستها وتدبيرها ، فلمَّا خرج المولى المذكور من الدار للبحث والتدريس عمدت إلى تلك المسألة وكتبتها مشروحة مبسوطة ، ووضعتها في مقامه ، فلمَّا دخل الليل وصار وقت المطالعة وعثر المولى على المكتوب وحلّ ما أشكل عليه ، سجد لله شكراً واشتغل بالعبادة إلى الفجر ، وطالت مقدمة الزفاف إلى ثلاثة أيام ، واطّلع على ذلك والدُها المعظَّم فقال له : إن لم تكن هذه الزوجة مرضية لك اُزوّجُك غيرها.
فقال : ليس الأمر كما توهم ، بل المقصود أداء الشكر ، كُلَّما أجهد نفسي في الحياة لا أبلغ أداء ذرَّة من هذه العناية الربانية.
قال رحمه الله : الإقرار بالعجز غاية الشكر) ، انتهى (1).
وله من المصنفات الفائقة والتحريرات الرائقة ما لا يخفى على أهل الكمال حسنها ، كحاشية معالم الأُصول ، وشرح الزبدة ، وشرح اُصول الكافي ، وشرح قصيدة البردة ، توفّي بإصفهان سنة 1081 ﻫ ودُفن في مرقد المجلسي رحمهما الله.
ص: 196
[69] - قال رحمه الله : وعنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، وعن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، جميعاً عن أبي عمير ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : (عالم يُنتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد» (1).
أقول : وشرح المقام في موضعين :
في شرح سند الحديث : مرجع الضمير كسابقه.
(وابن أبي عمير: هو محمّد بن أبي عمير زياد بن عيسى ، أبو أحمد الأزدي ، من موالي المهلَّب بن أبي صفرة ، وقيل : مولى بني اُميَّة ، والأول أصح.
بغدادي الأصل والمقام ، لقي أبا الحسن موسی عليه السلام وسمع منه أحاديث ، كنّاه في بعضها ، فقال : يا أبا أحمد ، وروى عن الرضا عليه السلام ، كان جلیل القدر ، عظيم المنزلة عندنا وعند المخالفين.
والجاحظ يحكي عنه في كتبه ، وقد ذكره في المفاخرة بين العدنانية والقحطانية ، وقال في (البيان والتبيين) : حدّثني إبراهيم بن داحية ، عن ابن أبي عمير. وكان وجهاً من وجوه الرافضة ، وكان حُبس في أيام الرشيد فقيل : لِيَلِيَ القضاء ، وقيل : إنه وُلّي بعد ذلك ، وقيل : بل لِيدلَّ على مواضع الشيعة وأصحاب موسی بن جعفر عليه السلام ، ورُوي أنه ضُرب أسواطاً بلغت منه ، فكاد أن يقرّ العظيم الألم ، فسمع محمّد بن يونس بن عبد الرحمن وهو يقول : اتق الله يا محمّد بن أبي عمير ، فصبر ففرّج الله عنه.
ص: 197
ورُوي أنه حبسه المأمون حَتَّى ولّاه قضاء بعض البلاد ، وقيل : إنَّ اُخته دفنت كتبه في حالة استتاره وكونه في الحبس أربع سنين ، فهلكت الكتب ، وقيل : بل تركتها في غرفة ، فسال عليها المطر فهلكت ، فحدّث من حفظه ، وممّا كان سلف له في أيدي الناس ، فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله) (1).
وربّما أورد بعضهم على الأصحاب كالمصنِّف والسيد محمّد صاحب المدارك بأن محمّد بن أبي عمير يروي عن غير الثقة أيضاً (2) ، فكيف تنظيم مراسيله في سلك الصّحاح ، وفيه أن المذكور أنه لا يرسل إلا عن ثقة ، لا أنه لا يروي إلا عن ثقة ، فتأمّل جيداً ، وقَدْ صنّف كتباً كثيرة ، مات سنة 217 ﻫ.
وأمّا سيف بن عميرة النخعي : عربي ، كوفي ، ثقة ، روى عن أبي عبد الله عليه السلام وأبي الحسن عليه السلام.
له كتاب يرويه جماعات من أصحابنا ، كذا قال النجاشي (3).
في شرح متن الحديث :
[أ] - قال جدّنا الصالح رحمه الله : (أن المراد بهذا العالم ، صاحب الحكمة النظرية والعلمية) (4).
ص: 198
[ب] - «أفضل من سبعين ألف عابد» : لأن عقل العابد الجاهل راقد في مراقد الطبيعة ، وعقل العالم سائر في معالم الشريعة ، وبه نری حقائق الأشياء كما هي ، وبه تُعرف الشرائع من الأوامر والنواهي.
وأيضاً نفع العابد لو تحقق يرجع إلى نفسه ، ونفع العالم يرجع إليه وإلى جميع الخلائق.
وأيضاً العالم وارث الأنبياء ، وقائم مقامهم ، فنسبته إلى غيره كنسبة الأنبياء إلى غيرهم.
وأيضاً العابد في عرنية العقل الهيولاني ، والعالم في مرتبة العقل بالفعل أوفوقها ،ومزية الثانية على الأُولى لا تخفى على ذي بصيرة.
وحده الوجوه تفيد أن العالم أفضل من العابد ، وأمّا كونه أفضل من خصوص هذا العدد ، أعني سبعين ألف عابد ، فعقولنا قاصرة عن إدراك سر ذلك ، والعلم به مختص بأهل الذكر عليه السلام وإنَّما الواجب علينا التسليم ، ويحتمل أن يكون الغرض [من هذا العدد] مجرد إفادة الكثرة الخارجة عن إحاطة الحصر كما هو المتعارف من استعمال هذه العبارة) (1).
(وبالحري بالمقام) ذكر ما رواه الكليني رحمه الله باسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال : «كان عابد في بني إسرائيل لم يقارف من أمر الدنيا شيئاً ، فنخر إبليس نخرة ، فاجتمع إليه جنوده فقال : من لي بفلان؟ فقال بعضهم : أنا له ، فقال : من اين تأتیه؟ قال : من ناحية النساء.
قال : لستَ له ، لم يجرِّب النساء.
قال آخر : فأنا له من ناحية الشراب واللَّذات.
ص: 199
قال : لست له [ليس هذا بهذا].
قال آخر : فأنا له.
قال : من أين تأتيه؟ قال : من ناحية البرّ.
قال : انطلق فأنت صاحبه ، فانطلق إلى موضع الرجل ، فقام حذاه يصلّي.
قال : وكان الرجل ينام والشيطان لا ينام ، ويستريح والشيطان لا يستريح ، فتحوَّل إليه الرجل وقد تقاصرت إليه نفسه ، واستصغر عمله ، فقال : يا عبد الله بأي شيء قويت على هذه الصلاة؟ فلم يجبه ، ثُمَّ أعاد عليه ، فقال : يا عبد الله ، إنّي أذنبت ذنباً وأنا تائب منه ، فإذا ذكرت الذنب قويتُ على الصلاة.
قال : فأخبرني عن ذنبك أعمله وأتوب ، فإذا فعلته قويتُ على الصلاة؟ قال : اُدخل المدينة فسل عن فلانة البغيَّة ، فاعطها درهمین ونَلْ منها.
قال : ومن أين لي درهمان؟ وما أدري ما الدرهمان؟ فتناول الشيطان من تحت قدمه درهمين ، فناوله إيَّاهما ، فقام فدخل المدينة بجلابيبه يسأل عن منزل فلانة البغيَّة ، فأرشده الناس وظنوا أنه جاء يعظها ، فجاء إليها فرمى إليها بالدرهمين.
وقال : قومي فقامت ودخلت منزلها وقالت : اُدخل ، وقالت : إنك جئتني في هيئة ليس يأتي مثلي في مثلها ، فاخبرني بخبرك؟
فأخبرها ، فقالت له : يا عبد الله ، إن ترك الذنب أهون من طلب التوبة ، وليس كل من طلب التوبة وجدها ، وإنما ينبغي أن يكون هذا شيطاناً مُثّلَ لك ، فانصرف فإنك لا ترى شيئاً ، فانصرف وماتت من ليلتها ، فأصبحت فإذا على بابها مكتوب : أحضروا فلانة فإنها من أهل الجنَّة ، فارتاب الناس ، فمكثوا ثلاثاً
ص: 200
لا يدفنوها ارتياباً في أمرها ، فأوحى الله عزَّ وجلَّ إلى نبي من الأنبياء لا أعلمه الا موسی بن عمران أن ائت فلانة ، فصلّ عليها ومُرِ الناسَ أن يُصلُّوا عليها ، فإنّي قَدْ غفرت لها وأوجبت لها الجنَّة بتثبيطها فلان عبدي عن معصيتي» (1).
ص: 201
[70] - قال رحمه الله : وعنه ، عن الحسين بن محمّد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ، عن معاوية بن عمار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : «رجل راوية لحديثكم يبثّ ذلك في الناس ويشدّده في قلوبكم وقلوب شيعتكم ، ولعل عابداً من شيعتكم ليست له هذه الرواية ، أيُّهما أفضل؟ قال : الراوي لحديثنا يشدّ قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد» (1).
أقول : وشرح ما يتعلَّق بالمقام في موضعين :
في ما يرجع إلى السند : ومرجع الضمير كما تقدّم.
وأما أحمد بن إسحاق : فمشترك بين الرازي والقمِّي ، وكلاهما ثقة ، جليل القدر ، ويُحتمل اتّحادهما (2).
وأمّا سعدان بن مسلم ، واسمه عبد الرحمن ، أبو الحسن العامري ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام ، وعمّر عمراً طويلاً (3).
ويروي عنه جماعة من الأجلّاء الأعاظم ، كصفوان ، والقمِّيين ، وابن أبي عمير ، والأصحاب حَتَّى المتأخّرين ربما يرجّحون خبره على خبر الثقة الجليل ،
ص: 202
وهو بمحلّه ، فإنّ في رواية من ذكرنا من الأعاظم عنه شهادة بوثاقته ، ومن جملة ما ربّما رجّحه الأصحاب ما رُوي عنه في تزويج الباكرة الرشيدة بغير إذن أبيها كما في (الوسائل) : عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن العبَّاس ، عن سعدان بن مسلم ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : «لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت بغير إذن أبيها» (1).
ولذا قال المحقّق رحمه الله في الشرائع : (وهل تثبت ولايتهما - يعني الأب والجد - على البكر الرشيدة؟ فيه روايات ، أظهرها سقوط الولاية عنها ، وثبوت الولاية لنفسها في الدائم والمنقطع.
قال : ولو زوَّجها أحدهما ، لم يمض عقده إلا برضاها) ، انتهى (2).
وأمّا معاوية بن عمّار ، فقد قال النجاشي : (إنه كان وجهاً في أصحابنا ، ومقدَّما ، كثير الشأن ، عظيم المحلّ ، ثقة ، وكان أبوه عمّار ثقة في العامَّة ، وجهاً ، يُكنى أبا معاوية ، وأبا القاسم ، وأبا حکيم ... إلى أن قال : ومات معاوية سنة 175 ﻫ) (3).
في شرح متن الحديث :
[أ] - «الراوية» : كثير الرواية ، والتاء للمبالغة ، وفي (المغرب) : الراوية بعيرُ السقاء ؛ لأنه يروي من يحمله ، ومنه راوي الحديث وروايته (4).
ص: 203
[ب] - «والمراد ببثّ الحديث بين الناس» : نشره بينهم.
[ج] - «ويشدِّده» : أي يجعله مستحکماً.
[د] - والمراد من الناس العامة : المستضعفون منهم، الَّذين يُرجی رجوعهم إلى الحق.
[ﻫ] - «وشيعة» الرجل : أتباعه وأنصاره.
قال ابن الأثير في النهاية : (وأصل الشيعة الفرقة من الناس ، وتقع على الواحد والاثنين والجمع ، والمذكّر والمؤنّث بلفظ واحد ومعنىً واحد. وقد غلب هذا الاسم على كل من زعم أنه يوالي علياً وأهل بيته ، حَتَّى صار لهم اسماً خاصاً ، فإذا قيل : فلان من الشيعة ، عُرف أنه منهم ، وفي مذهب الشيعة كذا : أي عندهم ، وتُجمَعُ الشيعةُ على شِيَع، وأصلها من المشايعة ، وهي المتابعة والمطاوعة) ، انتهى (1).
قال الطريحي في (المجمع) : (وفي الحديث : (طال ما اتكؤوا على الأرائك ، وقالوا نحن من شيعة علي) ولعل هذا الحديث وغيره ممَّا يقتضي بظاهره نفي الإسلام عمن ليس فيهم أوصاف مخصوصة زيادة على المذكور المتعارف ، مخصوص بنفي الكمال من التشيُّع) (2).
وفي (النهاية) أيضاً : (إن في حديث علي ، قال له النبي صلى الله عليه وآله : ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين ، ويقدم عليه عدوُّك غضباناً مقمحين ، ثُمَّ جمع يده إلى عنقه ، يريهم كيف الإقماح) (3).
ص: 204
وروى المغازلي في (المناقب) بسنده إلى أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «يدخل الجنّة من اُمَّتي سبعون ألفاً لا حساب عليهم ، ثُمَّ التفت إلى عليّ عليه السلام ، فقال : هم من شيعتك وأنت إمامهم» (1).
وفيه أيضاً باسناده إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، عنه صلى الله عليه وآله ، قال : «أتاني جبرائيل عليه السلام آنفاً فقال : تختَّموا بالعقيق ، فإنَّه أوَّل حجر شهد الله بالوحدانيّة ، ولي بالنبوَّة ، ولعليّ بالوصيّة ، [ولولده بالإمامة] ، ولشيعته بالجنَّة» (2).
إلى غير ذلك من الأخبار المستفيضة من طرق الخاصة والعامَّة بذكر الشيعة اونجاتهم حَتَّى روى الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره الموسوم ب-(روض الجنان) عند تفسير قوله تعالى : ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ (3) : إنّ الخضر عليه السلام قال لبعض مواليه : «إنّي من موالي علي عليه السلام ومن جملة الموكّلين بشيعته» (4).
وبذلك كلّه يظهر فساد من يدّعي من الناس حدوث هذه الكلمة بين المتأخّرين ، وعدم وجودها في زمن النبي صلى الله عليه وآله ، حَتَّى إنّ القاضي (نور الله) كتب (مجالس المؤمنين) لرد هذه الشبهة ، فاغتنم (5).
ص: 205
والظاهر بقرينة ما سبق أن المراد من الراوي في الحديث غير العالم ، بأن يكون راوياً للحديث من غير أن يكون له علم حقيقة الحال ، وقوَّة في فهم معناه ، وهو بهذه المنزلة يفوق على العابد في الفضيلة بألف درجة ، وإلّا فإن كان من أهل الفقه والفهم لما يرویه ، فقد عرفت الحديث السابق : أنه أفضل من سبعين ألف عابد ، ولنعم ما قيل :
صاحب دلي بمدرسه آمد زخانقاه *** بشكسته عهد صحبت أهل طريق را
گفتم ميان عابد وعالم چه فرق بود *** تا اختيار كردي از آن اين طريق را
گفت آن گليم خويش برون ميبر دز آب *** واين جهد ميكند كه بگيرد غريق را
[71] - قال رحمه الله : (فصل ، ومن أهم ما يجب على العلماء مراعاته تصحيح القصد ، وإخلاص النيَّة) (1).
أقول : إنَّ كل شيء يتصور أن يشوبه غيره ، فإذا صفا عن شوبه صار خالصاً ، قال الله تعالى : ﴿مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ﴾ (2) ، فخلوص اللبن أن لا يكون فيه شوب من الدم والفرث ، ومن كل ما يمكن أن يمتزج به ، فمن تصدق وغرضه محض الرياء فهو مخلص ، ومن غرضه محض التقرُّب إلى الله تعالى فهو مخلص أيضاً ، ولكن العادة جرت بتخصيص اسم الإخلاص بتجريد قصد التقرُّب إلى الله تعالى عن جميع الشوائب ، كما أن الإلحاد عبارة عن الميل ،
ص: 206
ولكن خصَّصته العادة بالميل عن الحق ، ومن طلب العلم لمحض الرياء والسمعة ، فطلبه خالص لغة كمن طلبه لمجرد القرية إلى الله تعالی.
والمراد من الخلوص في النيَّة المطلوبة ، هو أن يكون طلبه غير ملحوظ معه شيء سوى وجه الله.
قال الحكيم بطليموس الفلوذي من علماء اليونان : (النيَّة أساس العمل ، والعمل سفير الآخرة) (1).
والمراد من هذا الكلام أن النيَّة هي المقصودة بالذات من الأعمال ، كما أن المقصود من الأبدان الأرواح ، فالنيَّة روح العمل ، كما أن الإخلاص روح النيَّة ، والمعنی روح اللفظ ، والأعمال شرَّعت لغرض النيَّة ، وصيرورتها شجرة مغروسة في أرض القلب ، وملكة راسخة لجوهر النفس ، فالأصل الأصيل والركن الوثيق في اكتساب السعادة والشقاوة الأُخروية صحَّة النيَّة وفسادها ، ومن هنا ورد الحديث مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وآله : «إن الله تعالى يحشر الناس على نيَّاتهم يوم القيامة» (2).
ومراده بأن العمل سفير الآخرة ، أنَّ التوجَّه والإقبال والحضور المعنوي بدون الأعمال الصورية الظاهرية بالقوى البدنية غير كاف ، ولا مخرج عن عهدة التكليف ؛ لأن للطاعات والملكات البدنية تأثيراً بالتنوير في النفس ، كما أنَّ المعاصي تأثيراً بالقسوة والظلمة ، وبأنوار الطاعة يستحکم مناسبة النفس
ص: 207
لاستعدادها القبول المعارف الإلهية ، ومشاهدة الحضرة الربوبية ، كما بالقسوة والظلمة يستبعد للعيد والحُجّاب عن مشاهدة الجمال الإلهي ، فالطاعة مولّدة للَّذة المشاهدة والقرب بواسطة الصفا ، والنور الَّذي يحدث في النفس هو السفير والمصلح لأُمور الآخرة ، وبالجملة فكل حظ من حظوظ الدنيا تستريح إليه النفس ويميل إليه القلب قلّ أم كثر ، إذا تطرق إلى العمل تكدّر بهِ صفوه وزال به إخلاصه ، والإنسان مرتبط بحظوظه منغمس في شهواته ، قلّما ينفك فعل من أفعاله أو عيادة من عياداته عن حظوظ وأغراض عاجلة من هذه الأجناس ، فلذلك قيل : من سلم له من عمره لحظةً واحدةً خالِصَةً لوجه الله نجا.
وذلك لعزَّة الإخلاص ، وعسر تنقية القلب عن هذه الشوائب ، بل الخالص الَّذي لا باعث عليه إلا طلب القرب من الله ، وهذه الحظوظ إن كانت هي الباعث وحدها فلا يخفى شدة الأمر على العبد فيها ، وإنَّما نظرنا فيما إذا كان القصد الأصلي هو التقرُّب واتضافت (واُضيفت - ظ) إليه هذه الأُمور ، وكم من أعمال يتعب الإنسان فيها ويظن أنها خالصة لوجه الله ، ويكون فيها مغروراً كما حُکى عن بعض أنه قال : (قضيت صلاة ثلاثين سنة صلَّيتها في المسجد في الصف الأوَّل ؛ لأنّي تأخَّرت يوماً لعذر ، فصليت في الصف الثاني ، فاعترتني خجلة من الناس حيث رأوني في الصف الثاني ، فعرفت أن في نظر الناس إليّ في الصف الأول كان مسرَّتي وسبب استراحة قلبي من حيث لا أشعر) (1).
وهذا دقيق غامض قلَّما تسلم الأعمال منه ، وقلّ من يتنبه له إلا من رفعه الله تعالى ، والغافلون عنه يرون حسناتهم كلّها في الآخرة سيّئات ، وهم المعنيون
ص: 208
بقوله تعالى : ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ (1) ، ﴿وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ (2).
[72] - قال رحمه الله : (وتطهير القلب من دنس الأغراض الدنيويّة) (3).
أقول : لا يخفى أنَّ العلم عبادة القلب ، كما أنَّ الصلاة عبادة الجوارح ، وكما أنَّ الثانية لا تصحّ بدون الطهارة ، فكذلك الأُولى لا تصحّ ما لم يكن القلب خالياً من الصفات الذميمة كالبخل ، والحقد ، وطلب العلوّ ، وطول الأمل ، وحب المكث في الدنيا للتمتُّع ، والكبر ، والرياء ، والغضب ، والأنفة ، والعداوة ، والبغضاء ، والطمع ، والرغبة ، والبذخ ، والأشر ، والبطر ، وتعظيم الأغنياء ، والاستهانة بالفقراء ، والفخر ، والخيلاء ، والتنافس ، والمباهاة ، والاستكبار عن الحق ، والخوض فيما لا يعني ، وحبّ كثرة الكلام ، والصلف ، والمداهنة ، والعجب ، والاشتغال عن عيوب النفس بعيوب الناس ، وزوال الحزن من القلب ، وخروج الخشية منه ، وشدَّة الانتصار للنفس إذا نالها ذلٌّ ، وضعف الانتصار للحق ، والفرح بالدنيا ، والأسف على فواتها ، والأُنس بالمخلوقين ، والوحشة لفراقهم ، إلّا لإعانةٍ معهم على الدين ، والجفا والطيش ... ونحو ذلك.
ص: 209
وأشد الخَلق تعرضاً لهذه الفتنة العلماء ، فإنَّ الباعث للأكثرين على نشر العلم لذَّةُ الاستيلاء ، والفرح بالاستتباع ، والاستبشار بالحمد والثناء ، والشيطان يلبس عليهم ذلك ويقول : غرضکم نشر دين الله والمحاماة عن الشرع.
ونرى في زماننا هذا أنَّ الواعظ يمنُّ على الله تعالی بوعظه ونصيحته لعباد الله ، وتحذيره الملوك والسلاطين ، ويفرح بقبول الناس قوله ، وإقبالهم عليه وإشارتهم بالأكف إليه ، ولعلَّه يتوهَّم في نفسه أن فرحه لِما يُسّر له من نصرة الدين ، ووُفق إليه من تذكير الجاهل ، ولكن انتظر منه حالة ظهور من هو أحسن منه في فنّ الوعظ وعكوف الناس على ذلك الشخص وانصرافهم عنه ، إنَّك تراه مغضباً من ذلك ، ولو كان الباعث له على الوعظ أمر الدين ، وحفظ شريعة سیِّد المرسلين ، وهداية من أراد الهداية إلى [الله عزَّ وجلَّ] (1) ؛ لأحبّ الطريق الواضح المبين ، لكن المطلوب منه عندما يرى من هو أولی بذلك ، وأتم بهذا الغرض أن يشكر الله تعالى على حصول غرضه على النحو الأتم والأكمل ، وأنه كفاه مؤنة ذلك.
وربّما يسوّل الشيطان له ويقول : إنَّما غمُّك لانقطاع الثواب منك ، لا الانصراف وجوه الناس عنك.
ولا يدري أنَّ انقياده للحق وتسليمه الأمر إلى من هو أصلح منه ، أعوَدُ عليه في الدين من تكليفه بمصالح الخلق مع ما فيه.
وقد ينخدع بعض أهل العلم بغرور الشيطان ، فيحدّث نفسه بأنه لو ظهر من هو أولى منه بالأمر الفرح به وأسلم له وقدمه على نفسه ، وهذه الحالة منه قبل
ص: 210
التجربة والامتحان محض الجهل والغرور ، فإنَّ النفس سهلة الانقياد في مقام الوعد قبل نزول الأمر ، فإذا آن وقت الوفاء بالوعد رجع ولم يف ؛ وذلك لا يعرفه إلّا من عرف مكائد الشيطان والنفس ، وطال اشتغاله بامتحانها.
فمعرفة حقيقة الإخلاص والعمل به بحر عميق فيه الكثير إلا الشاذ النادر ، والفرد الفذ وهو المستثنى في قوله تعالى : ﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ (1).
فلتكن - يا أخي - شديد التعقُّل والمراقبة لهذه الأُمور والدقائق ، ولا تكن المعنيَّ بهذا البيت :
لقد أسمعتَ لو نادَيْتَ حيّاً *** ولكِنْ لا حياةَ لِمَنْ تُنادي
[73] - قال رحمه الله : (تكميل النفس في قوَّتها العملية ، وتزكيتها باجتناب الرذائل واقتناء الفضائل الخُلقية) (2).
أقول : إعلم أن الحكمة عبارة عن العلم بأحوال الأعيان الموجودة على ما هي عليه في نفس الأمر ، وهي تنقسم إلى قسمين : نظرية وعملية.
أمّا الحكمة النظرية : فهي العلم بأحوال الموجودات الخارجة ووجودها عن القدرة والاختيار ، كالعلم بوجود الواجب ، والمبادئ العالية ، والأفلاك ، والعناصر ، النفوس ، والقوى ، والصور ، والطبائع .. إلى غير ذلك.
وأمّا الحكمة العمليَّة : فهي العلم بأحوال الموجودات التي لها تعلُّق باختيار الإنسان وداخل تحت قدرته ، كالأفعال ، والأعمال المؤدِّية إلى صلاح المعاش
ص: 211
والمعاد ، وهذه الأفعال والأعمال إن كانت راجعة إلى مشاركة جماعة في المنزل فيقال له : علم تدبير المنزل.
أو في البلد فعلم السياسة ، وإن لم تكن راجعة لمشاركة أحد ، بل كان باعتبار الانفراد من حيث ينبغي أن يفعل أو لا يفعل ، فهو علم تهذيب الأخلاق ، والمقصود في المقام الإشارة إلى الأخير أعني علم تهذيب الأخلاق.
فنقول : إنَّ الفضائل والرذائل عبارة عن الهيئات الحاصلة في جوهر الذات من مزاولة الأعمال المولّدة للأخلاق الحميدة والذميمة ، وكما أنَّ الفضائل لا محال تؤدّي إلى صلاح المعاد والمعاش كذلك الرذائل تؤدّي إلى فسادهما ، فلا بدَّ من تدبير يوجب كون الهيئات المرتسمة في النفس كلها منشئاً للفضائل والتخلّي عن الرذائل ، وهو تدبیر صنعة تهذيب الأخلاق ، وأن الخُلق ملكة نفسانية تقتضي سهولة صدور الأفعال من النفس بحيث لا يحتاج إلى فكر ورويَّة ، وأنَّ الخُلق على قسمين : طبيعي وعادي.
أمّا الطبيعي : فكمقتضيات أصل المزاج من حركة القوَّة الغضبية بأدنی سبب ، والجزع من أسهل الأسباب ، والجبن من الموهمات ، والإفراط في الضحك أو البكاء بسبب ضعيف ... وأمثال ذلك.
وأمّا العادي : فكما أنَّ الإنسان في ابتداء الأمر يعمل عملاً بفكر ورويَّة ومن كثرة التكرار والتمرُّن يعتاده حَتَّى لا يحتاج إلى فكر ورؤيَّة ، وما ذكرناه من انقسام الخُلق على هذين القسمين هو مذهب المحقّقين من الحكماء ، وبعض غلب عليه البطالة ، وثقل عليه مجاهدة النفس الأمارة والاشتغال بتز کيتها ،
ص: 212
وتهذيب أخلاقها ، يذهب إلى أن الخُلق ليس هو إلا الطبيعي ، فيمتنع تبدیل الأخلاق ، وربّما استدل بعض هؤلاء على ذلك بوجهين :
الأوَّل : أنَّ الخُلق - بالضم - عبارة عن صورة الباطن ، كما أن الخَلق - بالفتح - عبارة عن صورة الظاهر ، وكما لا يمكن تبديل الصورة الظاهرية كذلك لا يمكن تبديل الصورة الباطنية.
الثاني : أنَّ حُسن الخُلُق لا يحصل إلا بمنع النفس من الغضب والشهوة وحب الدنيا وأمثال ذلك ، وهو أمر ممتنع ، والاشتغال به يوجب تضييع العمر فيما لا فائدة فيه.
وهو في غاية الضعف والوهن ، فإنَّ من المُشاهَد المعلوم حدوث الخُلق وتبديله ، وإلا لانتفى أثر التربية والتعليم والتأديب ، مع أنّا نرى الأشرار يكتسبون حالات الأخبار بالمصاحبة معهم ، وكذلك الأخبار يكتسبون حالات الأشرار بالمصاحبة والمعاشرة معهم ، وأنَّ الطبع مکتسب من كل مصحوب.
قال الشيخ الرئيس : (والدليل على أنَّ الأخلاق إنَّما تحصل من اعتياد الأفعال التي تصدر عن الأخلاق ، ما نراه من أصحاب السِّياسات وأفاضل الملوك ، فإنَّهم إنَّما يجعلون أهل المدن أخياراً بما يعوّدونهم من أفعال الخير ، وكذلك أصحاب السياسات الرديَّة والمتغلّبون على المدن يجعلون أهلها أشراراً بما يعودونهم من أفعال الشر) ، انتهى (1).
ص: 213
بل لو قلنا بامتناع التبديل لبطلت المواعظ القرآنية ، والنصائح النبوية ، والتأديبات الشرعية ، وخلت الأوامر والنواهي من الثمرة ، كيف وقد قال الله تعالى : ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ (1).
وقال النبي صلى الله عليه وآله : «حسّنوا أخلاقكم» (2).
وقال صلى الله عليه وآله : «إنَّما بُعثت لأُتمّمَ مكارِمَ الأخلاق» (3).
ولا ينافيه قوله صلى الله عليه وآله : «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة» (4) ؛ إذ المقصود أن الناس يتفاوتون في مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات ، وفيما يُذكر عنهم من المآثر على حسب الاستعداد ومقدار الشرف ، تفاوت المعادن : فيها الرديء والجيِّد. وكيف يُنكر إمكانه بالنسبة إلى الإنسان مع أنّا نشاهد التغيير في أخلاق البهائم وسائر الحيوانات الأهلية والوحشية ، مثل : كلاب الصيد ، وبعض الطيور ، بل وقسم من الخيل ، فإنَّ ذلك كلَّه من تغيير الخُلُق.
إذا عرفت ذلك فنقول : المراد من تکميل النفس في قوَّتها العملية أن تصدر منها الأفعال الإرادية محكمة متقنة ، أي على حسب ما تقتضيه القوَّة النظرية لا على مقتضى الشهوة والغضب ، حَتَّى تحصل في النفس الملكيَّة هيئة فاعلة بالنسبة إلى القوى البدنية ، والنفس السبعية والبهيمية إنَّما تتّصفان بالبدن بمقتضی إشارتها ، وتحصل أيضاً هيئة منفعلة في القوى البدنية تقبل إشارة النفس الملكيَّة بسهولة ، ولا تحصل منها الأفعال بمقتضى الغريزة والطبع.
ص: 214
فالرذائل : هي الآثار الحاصلة في النفس من الأخلاق المذمومة الناشئة من متابعة النفس الملكيَّة إلى النفس البهيمية والسَّبُعية ومطاوعتها لهما ، فهي تارة کالبهيمة المرسلة تأكل ما تجد وتشرب ما ترد ، وتارة كالسَّبُع يُؤذي ويفترس ، فهو وإن كان بصورة إنسان إلا أنه سبع أو بهيمة.
والفضائل : هي الآثار الحاصلة في النفس من الأخلاق المحمودة الناشئة من تسليط النفس الملكيَّة على النفسين البهيمية والسَّبُعية ، ومطاوعتهما لهما كما أشار إلى ذلك.
[74] - وقال رحمه الله : (وقهر القوَّتين الشهرية والغضبية) (1).
أقول : فلا بد من کسر هاتين القوَّتين بالسياسة البدنية ليكمل القوَّة الملكيَّة التي من شأنها أفعال الملائكة من العكوف على عبادة الله ، وملازمة طاعته ، وطلب الزلفى والقرب إليه.
قال الشيخ أبو علي بن مسکویه في كتابه (طهارة النفس) : (أجمع الحكماء على أن أجناس الفضائل أربع وهي : الحكمة ، والعفَّة ، والشجاعة ، والعدالة ؛ ولذلك لا يفتخر أحد ولا يباهي إلا بهذه الفضائل أو عليها ، فأمّا من افتخر بآبائه وأسلافه ؛ فلأنَّهم كانوا على بعض هذه الفضائل أو عليها كلّها).
ثُمَّ قال : (الحكمة هي فضيلة النفس الناطقة المميِّزة ، وهي أن تعلم الموجودات كلّها من حيث هي موجودة ، وإن شئت فقل أن تعلم الأُمور الإلهية ، والأُمور الإنسانية ، ويثمر علمها بذلك أن تعرف المفعولات أيُّها يجب أن يُفعل ، وأيّها يجب أن لا يُفعل.
ص: 215
وأمّا العفَّة : فهي فضيلة الجزء الشهواني ، وظهور هذه الفضيلة في الإنسان يكون بأن يصرف شهواته بحسب الرأي ، أعني أن يوافق التمييز الصحيح حَتَّى لا يتنقاد لها ، ويصير بذلك حرّاً غير مستعيد بشیء من شهواته.
وأمّا الشجاعة : فهي فضيلة التنفس الغضبية ، وتظهر في الإنسان بحسن انقيادها للنفس الناطقة المميِّزة واستعمال ما يوجبه الرأي المحمود ، أعني أن لا يخاف من الأُمور المفزعة إذا كان فعلها جميلاً والصبر عليها محموداً.
وأمّا العدالة : فهي فضيلة في التنفس تحدث لها من اجتماع هذه الفضائل الثلاث التي عدَّدنا ، وذلك عند مسالمة هذه القوى بعضها لبعض ، واستسلامها للقوة المميِّزة ، حَتَّى لا تتغالب ولا تتحرَّك نحو مطلوباتها على رسوم طبائعها ، وتحدث للإنسان بها هيئة يختار بها أبداً الإنصاف من نفسه على نفسه أولاً ، ثُمَّ الإنصاف والانتصاف من غيره) ، انتهى (1).
وأمّا أجناس الرذائل التي هي أضداد الفضائل ، فهي وإن كانت في بادئ النظر أيضاً أربع كما قال الشيخ ابن مسکویه : وأضداد هذه الفضائل الأربع من الرذائل أيضاً أربع : الجهل ، والشَّره ، والجُبن ، والجور.
غير أنه بحسب النظر المستقصى أنَّ لكلّ فضيلة حدّاً ، والتجاوز عنه إلى طرف الأقراط والتفريط يتأدَّى إلى رذيلة (2).
قال المحقّق الطوسي رحمه الله في أخلاقه : (إنَّ كلّ قيد يعتبر في تحديد فضيلة ، فإهماله وجب رذيلة ، كما أن رعاية كلّ قيد لا يعتبر فيها يوجب تبديل الفضيلة إلى الرذيلة ، كالسَّفه والبله بازاء الحكمة ، والتهوَّر والجُبن بازاء الشجاعة ، والشَّره وخمود
ص: 216
الشهوة بإزاء العفَّة ، والظلم والانظلام بإزاء العدالة ، وفي كلّ واحد منها ، فالأول في جانب الإفراط ، والثاني في جانب التفريط ، فالسَّفهُ : هو استعمال قوة الفكر فيما لا يجب ، أو الزيادة على ما يجب ، وهو المراد من الجربزة.
والبله : تعطيل قوة الفكر بالإرادة ، لا ما كان بحسب الخلقة.
والتهوُّر : هو الإقدام على ما لا يحسن الإقدام عليه.
والجبن : هو الحذر ممَّا لا يُحمد الحذر منه.
والشَّره : هو الانغمار في اللَّذات زائداً على قدر الواجب.
والخمود : سكون الشهوة من طلب اللَّذات الضرورية المباحة بحسب الإرادة ، لا من حيث نقصان الخلقة.
والظلم : هو تحصيل أسباب المعاش من الوجوه الذميمة.
والانظلام ، ويُعبر عنه بالهضم ، وهو : تمكين الغير على النفس ، والتطأمن (1) له في الظلم ، وأخذ الأموال والأسباب منه بدون استحقاق).
ص: 217
[75] - قال رحمه الله : وقد روينا بالطريق السابق وغيره ، عن محمّد بن یعقوب رحمه الله ، عن علي بن إبراهيم ، رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام.
حيلولة : وعن محمّد بن يعقوب ، قال : حدّثني به محمّد بن محمود أبو عبد الله القزويني ، عن عدّة من أصحابنا ، منهم جعفر بن أحمد الصيقل ، بقزوین ، عن أحمد بن عيسى العلوي ، عن عبّاد بن صهيب البصري ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «طلبةُ العلم ثلاثة ، فاعرفهم بأعيانهم وصفاتهم : صنف يطلبه للجهل والمراء ، وصنف يطلبه للاستطالة والختل ، وصنف يطلبه للفقه والعقل ، فصاحب الجهل والمراء مؤذٍ ، ممارٍ ، متعرّض للمقال في أندية الرجال بتذاكر العلم وصفة الحلم ، قَدْ تسربل بالخشوع ، وتخلّى من الورع ، فدقّ الله من هذا خيشومه ، وقطع منه حيزومه ، وصاحب الاستطالة والختل ذو خب وملق ، يستطيل على مثله من أشباهه ، ويتواضع للأغنياء من دونه ، فهو لحلوانهم (1) هاضم ، ولدينهم حاطم ، فأعمى الله على هذا خبره ، وقطع من آثار العلماء أثره ، وصاحب الفقه والعقل ، ذو كآبة وحزن وسهر ، قَدْ تحنّك في برنسه ، وقام الليل في حندسه ، يعمل ويخشی ، وَجِلاً ، داعياً ، مُشفِقاً ، مُقبِلاً على شأنه ، عارفاً بأهل زمانه ، مستوحشاً من أوثق إخوانه ، فشدّ الله من هذا أركانه ، وأعطاه يوم القيامة أمانه» (2).
أقول : وشرح المرام في موضعين :
في رجال السند :
ص: 218
والسند الأول مرفوع في الاصطلاح ، والثاني مجهول.
رواه الصدوق رحمه الله في (الأمالي) ، عن جعفر بن محمّد بن مسرور ، عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أبيه ، عن محمّد بن عبد الجبار ، عن محمّد بن زياد ، عن أبان بن عثمان ، عن أبان بن تغلب ، عن عكرمة ، عن ابن عبَّاس ، عن أمير المؤمنين عليه السلام ، بأدنی تغییر (1).
ورواه أيضاً في (الخصال) ، عن محمّد بن موسى المتوكّل ، عن علي الحسين السعد آبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن محمّد بن سنان ، عن أبي الجارود ، عن سعيد بن علاقة ، عنه عليه السلام. (2)
ومرجع الضمير في (به) الحديث ، أي : حدّثني بهذا الحديث.
(وبقزوین) متعلق بقوله : حدّثني على الظاهر ، والغرض من ذكره هو الإشعار باهتمامه في ضبط الرواية ، والظاهر أن هذه العدّة غير العدّة التي يروي عنهم صاحب الكافي بلا واسطة.
(ويؤيِّده) أن جعفر بن أحمد الصيقل غیر داخل في عدّته ، وهو مجهول الحال.
وأمّا عبّاد بن صهيب البصري :
قال الكَشِّي : (إنه بتري) (1).
وقال النجاشي : (إنه ثقة) (2).
وقال الطريحي : (إنَّ عباداً مشترك بين جماعة لا حال لهم في التوثيق ما عدا ابن صهيب) (3).
في شرح ما يتعلق بالمتن :
[أ] - «فاعرفهم بأعيانهم» : أي : المشاهدة الذوقية والمعاينة القلبية ، فإنَّ أصحاب القلوب الصافية ، وأرباب المشاهدات الذوقية ، قَدْ يعرفون خباثة ذات رجل بمجرد النظر إليه ، وإن لم يشاهدوا شيئاً من صفاته بالمشاهدات العينية.
[ب] - «وصفاتهم» : فإن خباثة صفاتهم مظهر لخباثة ذواتهم ، والغرض من هذه المعرفة هو التمييز ما بين المُحقّ والمُبطل ، والهادي والمُظلّ.
[ج] - «والمراء» : بكسر الميم : مصدر بمعنى المجادلة (4) ، والمراد ب-(الجهل) الاستخفاف والاستهزاء ؛ لأن ذلك شأن الجهّال.
[د] - «والاستطالة» : الترفُّع من الطَول بالفتح ، وهو الزيادة.
ص: 220
[ﻫ] - «والخَتل» : بفتح الخاء المعجمة ، والتاء المثناة من فوق : الخُدعة ، يقال : ختله يختله من باب ضرب إذا خدعه وراوغه (1) ، وختل الدنيا بالدين إذا طلبها بعمل الآخرة.
[و] - «وصنفٌ يطلبه للفقه والعقل» : يطلب العلم لتحصيل البصيرة الكاملة في الدين ، والتطلُّع إلى أحوال الآخرة ، وحقارة الدنيا ، ولتكمیل عقله الفطري.
ولمّا ذكر الأصناف الثلاثة وغاية مقاصدهم من طلب المال أراد أن يذكر جملة من أوصاف كل واحد منهم ليعرفوا بها فقال عليه السلام : «فصاحب الجهل والمِراء مؤذ ، ممار» ، أي : مؤذ لغيره لخبث باطنه ، وقدرته على التكلُّم بالأقوال الخشنة عند المباحثة ، والمحاورة في كيفية النزاع والجدل ، يريد بذلك الاستطالة والتفوّق على صاحبه ، أو لمجرد التذاذه بالغلبة كما هو دأب الأكثرين (2).
«والممار» اسم فاعل من (ماراه).
[ز] - «استطال عليه» : أي : تطاول وتفاخر.
نقل جدّي العلّامة السيِّد آل بحر العلوم (طاب ثراه) (3) : (أنَّ يوماً من الأيام كان هو مع أخيه جدّي السيِّد علي آل بحر العلوم صاحب البرهان القاطع (طاب ثراه)
ص: 221
بخدمة والدهما السيِّد رضا بحر العلوم (طاب ثراه) ، فأمرهما السيِّد والدهما المذكور بمصاحبتهما اله إلى عيادة شخص من أكابر بیوت العلم المعروفين بالنَّجف.
قال : وبالاتفاق لمّا دخلنا على صاحب الدار لم نجد في مجلسه من أهل العلم أحداً ، وكان الحاضرون كلهم من السواد السوقية ، فلمَّا استقر بنا الجلوس وأدّى كلٌّ منّا مع صاحبه الوظائف والرسوم العادية ، سأل الشيخ صاحب المنزل والدي عن مسألة فقهية وادّعى الاشتباه فيها على الأصحاب ، وأخذ يقرر إشكاله على الأصحاب لوالدي ، فلمَّا أتمّ كلامه أجابه والدي : بأنك مشتبه في فهم مرادهم ، وإن الإشكال غير وارد عليهم بعد فهم المراد ، وأخذ في بيان مرادهم بأحسن تقریر ، وأوفی بيان وتعبیر ، فلمَّا فرغ من الكلام لم يتقبل الشيخ منه ذلك وأخذ في التثبُّت بالمناقشات ، فكرَّر الوالد عليه الكلام بأوفى من المرة الأولى ، فلم يقنع الشيخ بذلك ، فکرَّر عليه الكلام ثالثاً وبالغ في الايضاح ، فلم يقنع الشيخ بذلك ، فسكت الوالد ولم يتكلَّم بعده بكلمة واحدة ، وحين رأي الشيخ من والدي ذلك قوي عزمه على الكلام وأخذ بإقامة ما عنده من البراهين على صحَّة ما ادّعاه من الغثّ والسمين ، والوالد ساكت لا يتكلَّم بحيث تحقَّق عند العام الحاضرين في ذلك المجلس تفوق الشيخ على السيِّد الوالد وإقحامه بما لا مزيد عليه.
قال : ونحن حاضرون وأدركنا ذلك المعنى من أهل المجلس ، وكنا نقدر على إعانة الوالد ومساعدته في الكلام وإقعاد كلمته على حسب الواقع والمرام ، ولكنّا تأدُّباً اللوالد ، وتوقيراً لصاحب المنزل سكتنا ، ولمّا قمنا وخرجنا من المنزل تقدم أخي السيِّد علي إلى جنب السيِّد الوالد رحمه الله وقال له : يا والدي ، ما الَّذي دعاك إلى السكوت عن إحقاق الحق وقمع الباطل حَتَّى فضحت نفسك ، وفضحت جدَّنا بحر العلوم ، بل وأسأت جعفر بن محمّد عليه السلام بهذا السكوت ، لِمَ سكتّ وأنت محقٌّ في کلامك؟ وبالغ في انزعاجه من تلك الحالة ، ولمّا سكن قال له والدي رحمه الله : مع العلم
ص: 222
بأن الطرف المقابل - يعني الشيخ - فهم كلامي ؛ لأنه ليس بتلك الدرجة من الغباوة بحيث لم يفهم ما قلته ، ولاسيَّما مع تكراري عليه ذلك مرّات ، فالمجادلة معه أكثر من ذلك ما هو إلا لأجل إقعاد الكلمة والالتذاذ بالغلبة ، وهو ممقوت عند صاحب الشرع).
(ولعمري) لتلك حالة لا توجد إلا عند الأوحدين من الناس ، ولاسيَّما بمحضر جماعة من العوام الَّذين هم كالأنعام ، ولا يعرفون الموازين العلمية للأشخاص إلّا بما يشاهدونه بأعينهم من المفاوضات والمكالمات ، ولكن ربَّما كان السكوت جواباً ، قال أبو العبَّاس الناشئ :
وإذا بُليتُ بِجاهلٍ مُتَحامِلٍ *** حَسِبَ (1) المَحالَ من الأُمورِ صَوابا
أوليتُهُ منِّي السكوتَ ورُبَّما *** كانَ السُكوتُ عنِ القبیحِ (2) جَوابا (3)
وقيل لبعض : (ما لكم لا تعاتبون الجهّال ليعلموا؟ فقال : إنّا لا نكلّف العُمْيَ بأن يبصروا ، ولا الصُمَّ بأن يسمعوا) (4).
وقال آخر : (ليس على العالم شيء أصعب ولا أتعب من جاهل يغالطه بالجهل إذا لم يكن عندَهُ عالم يفقه کلامه) (5).
ص: 223
[ح] - «متعرّض للمقال» : لأن غرض إظهار التفوُّق والغلبة والتفاخُر والجاه ، ولا يحصل إلا بجلاله ومقاله.
[ط] - «في أندية الرجال» : الأندية ، جمع النادي وهو : مجلس القوم ما داموا مجتمعين فيه فإذا تفرقوا فليس بناد (1).
[ي] - «قد تسربل الخشوع» : السِّربال بالكسر : القميص ، وسربلته : أي ألبسته السربال - أعني القميص (2).
والخشوع : التذلُّل والخضوع ، يعني : أظهر الخشوع بالتشبُّه بالخاشعين ، والتزييّ بزيهم مع أنه خال من الورع اللازم للخشوع.
(واعلم أنّ الورع على مراتب :
الأول : ورع التائبين ، وهو ما يخرج به الإنسان عن الفسق ويوجب قبول شهادته.
الثاني : ورع الصالحين ، وهم ترك الشبهات خوفاً من سقوط المنزلة بارتكابها.
الثالثة : ورع المتَّقين ، وهم ترك الحلال الَّذي يُتخوَّف منه أن ينجرّ إلى الحرام ، كترك التكلُّم بأحوال الناس خوفاً من الوقوع في الغيبة.
الرابع : ورع السالكين ، وهم الإعراض عما سواه تعالی خوفاً من صرف ساعة من العمر فيما لا يفيد زيادة القرب منه) (3).
[ك] - «فدقَّ الله من هذا» ، أي من أجل عمله هذا العمل.
ص: 224
[ل] - «خيشومه» : أي أعلى أنفه ، وهو كناية عن إذلاله وجعله خائباً خاسراً عمّا قصده من العمل.
[م] - «وقطع منه حيزومه» : الحَيزوم بفتح الحاء المهملة والياء المثناة من تحت ، والزاي المعجمة : وسط الصدر ، وفي القاموس : هو ما استدار من الظهر والبطن (1).
وكيف كان فهو أيضاً كناية عن إهلاکه واستيصاله بالمرَّة ، لقطع ما هو مناط الحياة.
[ن] - «ذو خِبّ ومَلَق» : الخب بكسر الخاء المعجمة والباء الموحدة المشددة ، مصدر بمعنى : الخدعة والغش (2).
والملق بالتحريك : اللُّطف الشديد ، والتودُّد فوق ما ينبغي باللسان من غير أن يكون له أثر في القلب (3).
[س] - «يستطيل على مثله» : من أشباهه أي على من يشابهه في رتبة العلم
والفضل.
[ع] - «ويتواضع للأغنياء من دونه» : أي ممَّن هو دونه في الرتبة والمنزلة ، والاستطالة على المماثل ، والتواضع للأدون من أقبح الأفعال ، ودليل على ركاكة الذات وشناعة الصفات.
ص: 225
[ف] - «فهو الحلوانهم هاضم» : الحلوان هو الرشوة ، فكأن ما يأخذه منهم اُجرة لما يعمله ، وفي بعض النسخ لحلوائهم بالهمزة وهي الأطعمة اللَّذيذة.
[ص] - «ولدينه» : بإفراد الضمير كما هو المتَّفق عليه في نسخ الكافي.
[ق] - «حاطم» : أي كاسر ؛ لأنه باع دينه بدنياه ، بل بلقمة من مائدتهم تبعاً لقوَّة الشهوة ، فهو معط لهم فوق ما يأخذ منهم ؛ لأنه يأخذ منهم ما يطعمون ، ومعط إياهم من دينه ، فلا جرم كان عادماً لإيمانه ويقينه ، أو لأنه يحلّ لهم بفتواه ما يشتهون ، ويحطم دينه بما يُدهن فيدهنون.
وبناءً على ما في المتن من ضمير الجمع فله وجه ، فإن فعله ذلك يوجب تجرّيهم على الحرام ، واعطاءهم إيّاه بالرشوة عند ما يتوقعون منه ما يوافق طباعهم ، فهو حاطم لدينهم ، ثُمَّ دعا عليه بالاستیصال بحيث لم يبق له خبر ولا أثر.
[ر] - «عمي عليه الخبر» : أي خفي ، كناية عن عمى البصر.
[ش] - «وقطع من آثار العلماء أثره» : أي ما بقی من أثار علمه بين الناس ، فلا يُذكر به كما يُذكر به غيره في الدهور ، وتوجب اشتهاره وحسن ذكره ، وإنما دعا على الصنفين للحوق ضررهما على العلماء المحقّين ، أكثر من ضرر الكفّار المتمرِّدين.
[ت] - «وصاحب الفقه والعقل» : وهو الصنف الَّذي يطلب العلم لتکميل القوَّة النظرية والقوَّة العلمية والتخلُّق بالأخلاق الحسنة.
[ث] - «قد تحنّك في برنسه» : التحنُّك إدارة طرف العمامة تحت حنکه ، أي ما تحت ذقنه ، وفيه استحباب التحنُّك.
ص: 226
وقال المجلسي رحمه الله في (مرآة العقول) في شرح هذا الخبر (عند قوله : تحنُّك في برنسه) : (يومين إلى استحباب التحنُّك في الصلاة) (1).
وفيه ما فيه ، نعم ، يدل على ذلك من النصوص ما رواه صاحب العوالي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال صلى الله عليه وآله : «من صلّى بغير حنك فأصابه داء لا دواء له ، فلا يلومنّ إلّا نفسه» (2).
وعنه صلى الله عليه وآله : «من صلّی مقتطعاً (3) فأصابه داء لا دواء له ، فلا يلومنّ إلّا نفسه» (4).
وفي (شرح المفاتيح) : (أن الأوّل مروي في العوالي في مكانين عن النبيّ صلى الله عليه وآله) (5).
ورواه عنه أيضاً في (المستدرکات) (6).
والثاني رواه مستقلاً فخر الإسلام في (شرح الإرشاد) (7) ، فلا دغدغة في ذلك.
(والبرنس) : قلنسوة طويلة ، كان يلبسها النُسَّاك في صدر الإسلام (8).
ص: 227
أو كل ثوب رأسه منه [ملترق به ، من] (1) درّاعة كان أوجبّة أو ممطر ، معرَّب یوناني (2).
ويكفي في كراهة ترك التحنُّك أو السدل مطلقاً ولو في غير الصلاة المرسل أن الطبقية عِمة إبليس ؛ ولذا لم يتوقَّف أحد في كراهة عدم التحنُّك مطلقاً ، كما صرّح به جدّي صاحب البرهان (طاب ثراه) (3).
[خ] - «وجِلاً ، خائفاً» : من عدم قبول عمله ؛ لعلمه بأن الله إنَّما يتقبل أعمال المتَّقين ، ولعلَّه لا يكون منهم ، أو لعلمه بأنَّ المقبول إنَّما هو العمل الصالح ولا يعلم صلاح عمله ، أو يخاف من سوء الخاتمة وانقلاب العاقبة وعدم الاستمرار كما انعكست حالة كثير من العُبَّاد في آخر عمره.
[ذ] - «داعياً لقبول» : عمله وحسن عاقبته ومغفرة ذنوبه.
[ض] - «مشفقاً» : من عدم استجابته ، فإنَّ الدعاء أيضاً من جملة الأعمال التي لا تقبل إلا الصالح منها ، أو من أن يكون قَدْ صدر منه ما يحبس دعاءه ، كما قال عليه السلام في دعاء كميل : «اللهُمَّ اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء» (4).
وكما في الحديث : «أعوذ بك من الذنوب التي تردّ الدعاء» (5).
وهي كما جاءت به الرواية عن الصادق عليه السلام : «سوءُ النيَّة والسريرة ، أو ترك التصديق بالإجابة ، والنفاق مع الإخوان ، وتأخير الصلاة عن وقتها» (6).
ص: 228
[ظ] - «مقبلاً على شأنه» : أي على إصلاح نفسه ، وتهذيب باطنه بالتخلية من الرذائل ، والتحلية بالفضائل.
[غ] - «عارفاً» : بأهل زمانه وبحركاتهم ومقاصدهم بالمكاشفات القلبية والمشاهدات العينية.
[أب] - «مستوحشاً» : من أوثق إخوانه ؛ لعلمه بأن مخالطتهم تُميتُ القلب ، وتُفسد الدين ، فيختار الاعتزال عنهم ؛ لما فيه السلامة ، إذ قَدْ خُصّ بالبلاء من عرفته الناس ؛ ولذا ورد : «فُرَّ من الناس فرارَكَ مِنَ الأسدِ» (1).
وفي الشعر الفارسي :
دلا خو کن بتنهائي *** که از تنها بلا خيزد
سعادت آنکسي دارد *** که از مردم ببرهيزد
وإن شئت توسيع المخاض بأكثر من ذلك ، فنقول : لمّا عرفت أنه ليس الغرض من بعث الأنبياء إلا تهذيب الأخلاق البشرية ، كما قال سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله : «إنَّما بعثتُ لأتَمِّمَ مكارِمَ الأخلاق» (2).
فلا بد من مباشرة الأعمال الشرعية بصورة توجب التحلّي بالفضائل ، والتخلّي عن الرذائل ، وتسبِّب التحصّل للأخلاق الفاضلة ، وتبديل الملكات الرذيلة ، وهذا الأمر لا محال يتوقَّفُ على تنبُّهٍ کامل واطّلاع وافر على أحوال النفس ، والأُمور الباطنية ، وتقلُّبات القلب ، ودقائق آفات النفس ، ويحتاج إلى
ص: 229
اهتمام عظيم في إيقاع العبادات على وجه الإخلاص المحض ، وخلوص النيَّة من جميع الشوائب ، والاهتمام بذلك كلّه ، وملاحظة هذه المعاني مع المعاشرة والمخالطة ، وارتكاب اللوازم والرسوم والعادات ، ومباشرة الأُمور الدنيوية مطلقاً متعسِّرٌ جداً ، بل يتعذَّر على أكثر النفوس.
فلا جرم أنَّ كثيراً من السالكين ، وعلماء الشريعة ، وحكماء الملَّة في كلّ زمان من الأزمان اختاروا العزلة ، وتقليل الخلطة بعد تحصيل العلوم اليقينية ، وحصول الملكات العلمية ، وتكميل القوَّة النظرية ، وكانوا يحثُّون تلاميذهم عليها ، وفي صدر السلف أيضاً كان شعار خلّص الصحابة وكمّل التابعين هو الانقطاع إلى الله ، والانفراد لجهة العبادة من غير تزيّ بزيٍّ خاص ، ولا تسمّ باسم مخصوص ، ولا وضع اصطلاح جدید.
قال مالك بن دينار : (من لم يأنس بمحادثة الله عن محادثة المخلوقين ، فقد قلّ علمه ، وعَمِيَ قلمه ، وضاع عمره) (1).
قيل لبعضهم : (من معك في الدار؟
قال : الله تعالى معي ، ولا يستوحش من أنس به) (2).
ووصف بعض العارفين صفة أهل المحبة الواصلين ، فقال : (جدّد لهم الودّ في كلّ طرفة بدوام الاتصال ، وآواهم (3) في كنفة بحقائق السكون إليه حَتَّى أنّت قلوبهم ، وحنّت أرواحهم شوقاً ، وكان الحبُّ والشوق منهم إشارة من الحق إليهم عن
ص: 230
حقيقة التوحيد وهو الوجود بالله ، فذهبت مناهم ، وانقطعت آمالهم عنده ؛ لما بان منه لهم) (1).
[أج] - «فشدّ الله من هذا أركانه» : المشار إليه بهذا هو العالم الَّذي هو صاحب الفقه والعقل ، أي : ثبّت الله تعالى ، وأحكم غاية الإحكام أركانه الظاهرة ، أعني جوارحه وأعضاءه الباطنة من عقله وفهمه ودينه.
ص: 231
[76] - قال رحمه الله : عنه ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسی ، وعن علي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعاً ، عن حمّاد بن عيسى ، عن عمر بن أذينة ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس ، قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول : «قال رسول الله صلى الله عليه وآله : منهومان لا يشبعان : طالب دنيا وطالب علم ، فمن اقتصر من الدنيا على ما أحلّ الله له سلم ، ومن تناولها من غير حلّها هلك ، إلا أن يتوب أو يراجع ، ومن أخذ العلم من أهله وعمل بعلمه نجا ، ومن أراد به الدنيا فهي حظُّه» (1).
أقول : واستيعاب المرام في موضعين :
فيما يتعلق برجال السند :
ومرجع الضمير كما عرفت.
أمّا عُمَر بن أذينة : هو ابن محمّد بن عبد الرحمن بن اُذينة ، بضم الهمزة ، وفتح الذال المعجمة ، وسكون الياء المنقطة تحتها نقطتين ، وفتح النون.
ذكره النجاشي في (الفهرست) وعدّ نسبه إلى عدنان ، ثُمَّ قال : (شيخ أصحابنا البصريين ووجههم ، روى عن أبي عبد الله عليه السلام بمكاتبة (2) ، له كتاب (الفرائض)) (3).
وزاد في (الخلاصة) : (أنه كان ثقة صحيحاً).
ص: 232
ثُمَّ قال : (قال الكَشِّي : قال حمدويه : سمعت أشياخي منهم العبيدي وغيره ، أنَّ ابن اُذينة كوفي ، وكان هرب من المهدي ، ومات باليمن ؛ فلذلك لم يروِ عنه كثير ، ويقال : اسمه محمّد بن عُمَر بن اُذينة ، غلب عليه اسم أبيه) (1).
وفي (المشتركات) : (ابن اُذينة ، الثقة ، روى عنه ابن أبي عمير ، وصفوان ، والحسن بن محمّد بن سماعة ، وحريز ، وأحمد بن ميثم ، وأحمد بن محمّد بن عيسی ، وأبوه ، وعثمان بن عيسی ، وجميل بن درَّاج ، وحمّاد بن عيسی) (2).
(وأمّا أبان : فهو ابن أبي عياش - بالعين المهملة ، والشين المعجمة - واسم أبي عياش : فيروز - بالفاء المفتوحة ، والياء المنقطة تحتها نقطتين الساكنة وبعدها راء ، وبعد الواو زاي - تابعي ضعيف ، روى عن أنس بن مالك ، وروي عن علي بن الحسين عليهما السلام ، لا يُلتفت إليه ، وينسب أصحابنا وضع كتاب سليم بن قيس إليه) (3).
وفي (الخلاصة) : (الأقوى عندي التوقُّف فيما يرويه ؛ لشهادة ابن الغضائري عليه بالضعف) (4).
وقال الشيخ في رجاله : (إنه ضعيف) (5).
وحكم بتضعيفه خالنا المجلسي رحمه الله في (الوجيزة) (6).
ص: 233
ولم يتعرَّض لذكره صاحب (البُلغة) ؛ بناءً على ما بنى عليه من إسقاط المجاهيل والضعفاء.
وأمّا سُلیم بن قيس : فقد صرّح السيِّد الداماد بأنه صاحب أمير المؤمنين عليه السلام ومن خواصّه ، روی عن السبطين والسجاد والباقر والصادق عليهم السلام وهو من الأولياء ، والحقّ فيه - وفاقاً للعلّامة وغيره من وجوه الأصحاب - تعديلُهُ (1).
وقال ابن شهر آشوب : (سُليم بن قيس الهلالي صاحب الأحاديث ، له كتاب) (2).
وقال ابن طاووس : (تضمّن الكتاب ما يشهد بشكره [وصحَّة كتابه]) ، انتهى (3).
وقال المجلسي : (وكتاب سُليم بن قيس في غاية الاشتهار ، وقد طعن فيه جماعة ، والحق أنه من الأُصول المعتبرة) (4).
وفي موضع من البحار - أظنُّه في كتاب الغيبة - عدّه من الثقات العظام (5).
ص: 234
وقال الشيخ أبو علي : (ولقد طعن فيه الغضائري ، ولو حَكَمْنا بالطَّمْنِ لِطَعنهِ ، لَمّا سَلِمَ جليلٌ مِنَ الطَّعن) (1).
في شرح المتن :
ذُكر هذا الحديث في الكافي في باب (المستأكل بعلمه والمباهي به) (2) ، والمراد بالمستأكل من يتخذ علمه رأس مال يأكل منه ويتوسَّع به في معاشه ، يقال : فلان ذو أكل ، إذا كان ذا حظّ من الدنيا ورزق واسع ، والمأكل : الكسب.
قال أبو جعفر الباقر عليه السلام : «ويحك يا أبا الربيع [لا تطلبنّ الرئاسة ، ولا تكن ذئباً ، و] لا تأكل بنا الناس ، فيفقرك الله» (3).
نهاه أن يجعل العلوم الشرعية التي أخذها منهم عليهم السلام آلة الأكل والأموال ، كما هو شأن قضاة الجور ، وأوعده بأن الله يفقره في الدنيا بتفويت المال ونقص العيش.
والحديث : مروي في التهذيب أيضاً (4).
[أ] - «والمنهوم» : من النَّهَم ، بالتحريك ، وهو إفراط الشهوة في الطعام (5).
ص: 235
وليس فيه دلالة على ذمّ الحرص في تحصيل العلم حَتَّى يُحمل على أن المراد من العلم هو غير علم الآخرة ، بل المقصود أن (أنه - ظ) خاصية الدنيا والعلم (1) ذلك ، يعني : مَنْ ذاق طعم حلاوة العلم ، وحلاوة الدنيا لم يشبع منهما ، (أمّا الدنيا) فكلَّما تناول مرتبة من مراتبها حثَّهُ الحرص وطول الأمل إلى تناول ما فوق ذلك ، ولا يكاد يقنع بمرتبة من مراتب الدنيا ، فهو في ألم من تلك الأحوال حَتَّى يموت.
[ب] - «وأمّا طالب العلم» : فلأنَّ ساحة العلوم أوسع من أن يحوم حولها عقل أحد من أفراد البشر ، قال تعالى : ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ (2).
[ج] - «فمَنِ اقتصَرَ مِنَ الدُّنيا على ما أحَلًّ اللهَ لَهُ سَلِم» : أي وإن كان كثيراً في غاية الكثرة ، وكان فيه شهوة وميل إليها كما هو مقتضى العموم المستفاد من الموصول ؛ ولأنَّ جمع الدنيا من مَمَرّ الحلال حلال لا عقوبة فيه وإن بلغ ما بلغ ، ما لم يؤدِّ إلى حد الغرور ، وقطع علائق التوكُّل على الله تعالى ، والاستيثاق بما عنده من المال.
[د] - «إلا أن يتوب» : إلى الله تعالى بأن يندم على ما فعل فيما سبق ، ويعزم على الترك فيما يأتي ، أو يراجع من ظلمه ويرضيه.
وظاهر الحديث : أن كلّا من التوبة والمراجعة ناج (منجٍ - ظ) من العقاب ، وهو مشکل مع اشتغال الذمَّة بمال الناس المتناول له من غير حلّه ، فأمّا أن يجعل
ص: 236
(أو) : بمعنى الواو للتفسير ، كما هو مذهب الكوفيين ، وابن مالك ، والأخفش ، والجرمي ، واختاره ابن هشام في المغني (1).
أو للإضراب كما قال ابن مالك :
خَيَّر ، أبِحُ ، قَسِّمْ بِأَوْ وأبْهِمِ *** وَاشْكُكْ وإضرابٌ بِها أيضاً نُمِي
والفرق بين الإباحة والتخيير جواز الجمع في تلك دونه ، واحتجوا له بقول توبة :
وقد زَعَمَتْ ليلى بِأنِّيَ فاجِرٌ *** نَفسي تُقاها أو عَلَيْها فُجُورها (2)
وله شواهد أخر.
(أو) : يجعل التوبة علاجاً لما وقع منه من الظلم في حق نفسه من غير تعلُّق بحقّ الغير ، والمراجعة علاجاً لما وقع منه من الاغتصاب لحق الغير ، فإن ذلك لا يرفع إلا مع إرضاء صاحب الحقّ.
ويحتمل تخصيص التوبة بما إذا لم يقدر على رد المال الحرام إلى صاحبه والمراجعة بما قدر عليه.
[ﻫ] - «ومن أخذ العلم من أهله وعمل بعلمه نجا» : أهل العلم هم النبي صلى الله عليه وآله والأئمّة المعصومون ، والعلماء التابعون لهم ، يعني : من أخذ العلم منهم وعمل بما يقتضيه علمه نجا من العقوبات الأُخروية ، ومن كل ما يمنعه عن
ص: 237
التقرُّب إلى الله تعالی ؛ إذ اللازم لطريقتهم لاحق بهم لا محالة ، بل منهم ، كما ورد : «إنَّ سلمان منَّا أهلَ البيت» (1).
ولا شك أن طريقتهم هي الطريقة الحقَّة التي لا يشوبها أدنی رائحة الباطل ، كما قال صلى الله عليه وآله : «الحق مع علي وهو مع الحق ، أينما دار» (2).
وقال صلى الله عليه وآله : «اللهُمَّ أدر الحق معه أينما دار» (3) ، رواه العامَّة في صحاحهم ، وذكروا في ذلك خمسة عشر حديثاً ، ومن جملة من رواه ، إمام الحرمين في الجمع بين الصّحاح السَّتة) في الجزء الثالث منه ، والزمخشري في ربيع الأبرار (4).
وقال ابن أبي الحديد في شرحه عند قول أمير المؤمنين عليه السلام : «إن الأئمّة من قريش غُرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح على من سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم» :
(فإن قلت : إنَّك شرحت هذا الكتاب على مذهب المعتزلة ، فما قولك في هذا الكلام ، وهو تصريح بأن الإمامة لا تصلح من قريش إلا في بني هاشم خاصَّة ، وليس ذلك بمذهب المعتزلة.
قلت : هذا الموضع مشکل ، ولي فيه نظر ، وإن صحّ أن علياً عليه السلام قال ذلك ، قلت : كما قال ؛ لأنه ثبت عندي أن النبي صلى الله عليه وآله قال : «إنه مع الحق وإن الحق يدور معه
ص: 238
حيثما دار» ، ويمكن أن يتأول ويطبّق على مذهب المعتزلة ، فيحمل على أن المراد به كمال الإمامة ، كما حُمل قوله صلى الله عليه وآله : «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» على نفي الكمال ، لا على نفي الصحَّة) ، انتهى (1).
وأنت خير بأن نفي الصحَّة أقرب إلى المعنى الحقيقي من نفي الكمال كما حُقّق في محلّه ، ويدل على صحَّة قوله صلى الله عليه وآله ما رواه ابن حجر في (الصواعق) أنه خرّج مسلم والترمذي وغيرهما عن وائلة أن النبي صلى الله عليه وآله قال : «إنّ الله اصطفی كنانة من بني إسماعيل ، واصطفى من بني كنانة قريشاً ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم» (2).
وأصرح من ذلك كلّه ما نقله أبو العبَّاس القلقشندي المصري الشافعي في كتابه (نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب) : (أنهم يعني أصحابه الشافعية نصّوا على أن الهاشمي أولى بالإمامة من غيره من قريش).
راجع الفصل الأول من مقدمة الكتاب المزبور (3).
[و] - «من أراد به الدنيا فهي حظه» : يعني من أراد بعلمه التوسل إلى زخارق الدنيا ، والتقرَّب إلى الملوك والسلاطين ، وجلب المال من الفاسقين ، والسوق على العالمين ، ذلك حظه وثمرة علمه وماله في الآخرة من نصيب ، قال الله تعالی : ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾ (4).
ص: 239
[77] - قال رحمه الله : عنه ، عن الحسين بن محمّد بن عامر ، عن معلّی بن محمّد ، عن الحسن بن علي الوشّاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبي خديجة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «من أراد الحديث لمنفعة الدنيا ، لم يكن له في الآخرة نصيب ، ومن أراد به خير الآخرة أعطاه الله تعالى خير الدنيا والآخرة» (1).
أقول : واستيعاب المرام في موضعين :
في رجال السند :
ومرجع الضمير كما تقدّم.
ومعلّی بن محمّد : هو أبو الحسن البصري.
قال في (الخلاصة) : (وهو مضطرب الحديث والمذهب ، ونقل عن ابن الغضائري : أنه يعرف حديثُه وينكر ، وأنه يروي عن الضعفاء ، وأنه يجوّز أن يخرج شاهداً) (2).
وقال في (التعليقة) : (قال جدّي رحمه الله : لم نطّلع على خبر يدلُّ على اضطرابه في الحديث والمذهب كما ذكره بعض الأصحاب) ، انتهى (3).
ولم يذكره صاحب (البُلغة) ، وقال في حاشية له على هذا المقام ما لفظه : (لم نذكر معلّی بن محمّد البصري ؛ لأنه ضعيف مضطرب.
ص: 240
قال المعاصر المجلسي في وجيزته ، بعد تضعیفه : ولعلَّه لا يضرّ في السند ؛ لكونه من مشايخ الإجازة ، انتهى.
وفيه نظر ؛ إذ الظاهر عدم انتظام هذا في هذا السلك كما بيَّناه في المعراج وغيره) ، انتهى (1).
فالأقوى: كونه ضعيفا.
وأمّا الحسن بن علي الوشّا : هو ابن زياد الحسن بن علي الهمداني ، أبو محمّد.
قال الشيخ رحمه الله في (التهذيب) في باب (الوصية لأهل الضلال) : (إنّه مطعون) (2).
وفي (الوجيزة) : (إنه ضعيف) (3).
قلت : والأقوى عندي توثيقه لأُمور :
الأول : رواية ابن أبي عمير عنه ، كما صرّح به في (التعليقة) (4).
الثاني : رواية الأجلاء عنه مثل : يعقوب بن زيد (5) ، وأحمد بن محمّد بن عيسی (6) ، والحسين بن سعيد (7) ، وإبراهيم بن هاشم القمِّي (8) ، واحتياط القمِّيين في هذا الباب معروف.
ص: 241
الثالث : ما قاله النجاشي في حقّه ، من أنه كان من وجوه هذه الطائفة (1) ، وربّما يُفهم من هذه العبارة فوق الوثاقة.
قال المحقِّق السيِّد الكاظمي رحمه الله في عدّته ، في ذكر جملة ما يُفهم منه التوثيق : (وكذا قولهم عين من عيون هذه الطائفة ، ووجه من وجوهها) ، انتهى (2).
وقال الشيخ حسين والد شيخنا البهائي في رسالة (وصول الأخيار) : (وأمّا نحو شيخ الطائفة ، وعمدتها ، ووجهها ، ورئيسها ، ونحو ذلك ، فقد استعمله أصحابنا فيمن يستغني عن التوثيق لشهرته ، إيماءً إلى أنَّ التوثيق دون مرتبته) (3).
وهو صريح منه في كونه من ألفاظ التوثيق وأنه أمر مسلّم.
الرابع : قول النجاشي فيه أيضاً : (وكان هذا الشيخ عيناً من عيون هذه الطائفة) (4) ، ووجه الدلالة كسابقه.
الخامس : كونه من مشايخ الإجازة كما صرّح به الأُستاذ الأكبر (5) ، وتلميذه جدّي العلّامة في (التعليقة) وفي (شرح الوافية) (6).
السادس : حكم جماعة من الفقهاء بصحَّة طرق هو فيها ، منهم العلّامة (7) ،
وفي كتاب التدبير من (المسالك) عند ذكر رواية عنه :
ص: 242
(أنَّ الأصحاب ذكروها في الصّحاح) (1).
وفي (شرح اللمعة) وصف حديثه بالصحَّة (2).
السابع : إن عمدة ما يُطعن به ، الوقف على [الإمام] (3) الكاظم عليه السلام ، ولكن من المحقِّق أنه رجع عن ذلك الاعتقاد في جملة من رجع ، وكانت عثرته في أول شبابه ، كما هو مذكور في غيبة الطوسي (4). (5)
وأمّا أحمد فهو : ابن عائذ بن حبيب - وما في (الخلاصة) : أبو حبيب ، اشتباه (6) - الأحمسي البجلي.
قال النجاشي : (هو مولی ، ثقة ، كان صحب أبا خديجة سالم بن مكرَّم ، وأخذ عنه وعُرف به ، وكان خلّالاً (7)) (8).
وقال في (المشتركات) : (ابن عائذ الثقة ، روى عنه علي بن الحسين بن عمر الخزّاز ، وهو عن أبي خديجة سالم بن مُكَرَّم) (9).
ص: 243
وأمّا أبو خديجة : فاسمه سالم بن مکرم الجمَّال.
قال الشيخ : (هو ضعيف) (1).
وقال في موضع آخر : (هو ثقة) ؛ ولذا قال العلّامة في (الخلاصة) : (والوجه عندي التوقُّف فيما يرويه ؛ لتعارض الأقوال فيه) (2).
وكذلك توقَّف فيه ابن طاووس (3) ، ولكنَّ الأقوى عندي كونه من الثقات ؛ القول النجاشي فيه : (إنّه ثقة ، ثقة) (4).
وذكره صاحب (الحاوي) في قسم الثقات ، وقال : (الأرجح عدالته ؛ لتساقط قولي الشيخ وتكافئهما) (5).
فیبقی توثيق النجاشي ، وشهادة علي بن فضَّال له بالصلاح.
وفي (المشتركات) : (أبو خديجة بن مكرم الثقة ، روى عنه الحسن بن علي بن الوشا ، وأحمد بن عائذ) ، انتهى (6).
ص: 244
ولعلَّه من أجل ذلك كلّه حكم العلّامة في (المختلف) بصحَّة روايته في كتاب الخمس (1).
في شرح المتن :
[أ] - «لم يكن له في الآخرة من نصيب» : هذا الفصل بيِّنٌ في نفسه لا يحتاج إلى شرح ؛ لأن من بدل بسوء اختياره النعيم الباقي بالنعيم الفاني الزائل ، فلا جرم إن صار بتلك المعاملة محجوباً عن مشاهدة الأنوار ، محروماً من الفوز بما فاز فيه الأحرار الأخيار.
ص: 245
[78] - قال رحمه الله : عنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد الأصبهاني ، عن المنقري ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «إذا رأيتم العالم محبّاً لدنياه ؛ فاتَّهموه على دينكم ، فإن كلّ محب لشيء يحوط ما أحبَّ».
وقال صلى الله عليه وآله : «أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام : لا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً بالدنيا ، فيصدّك عن طريق محبَّتي ، فإنّ اُولئك قطّاع طريق عبادي المريدين ، إنَّ أدني ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم» (1).
أقول : واستيعاب المرام في موضعين :
في رجال السند : مرجع الضمير كما عرفت.
فالقاسم ، هو : ابن محمّد الأصبهاني القمِّي ، المعروف بكاسولا.
قال النجاشي : (لم يكن بالمرضي) (2) ، ومثله في (الخلاصة) (3) ، وقال الغضائري : (إنه يُكنى أبا محمّد ، حديثه يعرف تارة وينكر اُخرى ، ويجوز أن يخرج شاهداً) (4).
وقال المجلسي في (الوجيزة) : (إنه ضعيف) (5).
ص: 246
وأسقطه في (البلغة) بناءً على ما التزم فيها من حذف الضعفاء ، والعجب من العلّامة في (الخلاصة) ؛ إذ حكم بصحَّة طريق الصدوق إلى سليمان المنقري (1) ، وهو فيه مع ما عرفت من أنه ليس بالمرضيّ عنده.
وكيف كان فالحديث ضعيف ، كما جزم به المجلسي في (مرآة العقول) (2) ، نعم ، يحتمل أن يكون القاسم الواقع في السند هو : ابن محمّد الخلقاني الكوفي ، وهو من الممدوحين كما صرّح به في (الوجيزة) (3).
وأمّا المنقري ، فهو : سليمان بن داود المنقري ، أبو أيوب الشاذكوني ، بصري.
قال النجاشي : (ليس بالمتحقّق بنا (4) ، غير أنه روي عن جماعة أصحابنا من أصحاب جعفر بن محمّد عليه السلام ، وكان ثقة ، له کتاب) ، انتهى (5).
وقال العلّامة في كتاب (إيضاح الاشتباه) : (سليمان - بالياء بعد اللام - بن داود المِنْقَريّ : بكسر الميم ، وإسكان النون ، وفتح القاف والراء ، أبو أيوب الشاذکوني : الشين المعجمة ، والذال المعجمة ، والكاف ، والنون بعد الواو ، بصري : بالباء ، ليس
ص: 247
بالمتحقّق لنا ، غير أنه روي عن جماعة أصحابنا من أصحاب الصادق عليه السلام ، وكان ثقة) (1).
فما في (الخلاصة) من أنه من أصحاب أبي جعفر عليه السلام ، فالظاهر أن كلمة (أبي) زائدة ؛ لما عرفت من عبارة النجاشي والتوضيح (2).
وذكره في (الحاوي) مع ما هو المعروف من طريقته في الموثَّقين (3) ، وبالجملة فتضعيف الغضائري (4) ضعيف لو انفرد ، فكيف إذا عارضه توثيق النجاشي.
وقال الشيخ في (عدّته الأُصولية) : (عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث ، وغياث ابن كلوب ، ونوح بن دراج ، والسكوني ، وغيرهم من العامة عن أئمتنا عليهم السلام فيما لم ينكروه ، ولم يكن عندهم خلافُه) (1).
فيما يتعلق بشرح المتن :
[أ] - «إذا رأيتم العالم محبّاً لدنياه» : بسبب ميله إليها ، ووثوقه بها ، والاهتمام بشأنها بحيث يجزع من فوتها منه ، ويبتش مع إقبالها عليه.
[ب] - «فاتَّهِموه على دينكم» : أي اجعلوه متَّهَماً على الدين الَّذي أنتم عليه ، وبعيداً عن اليقين ، فإنَّ من كان ناظراً إلى الدنيا وزخارفها ، مائلاً عن الآخرة وذخائرها ، لا يكون على وثوق من أمر الآخرة ، فإنَّ الدنيا والآخرة ككفَّتي الميزان ، متی رجح أحدهما نقص الآخر ، ولا يمكن الجمع بينهما.
[ج] - «فإنَّ كلّ محب لشيء يحوط ما أحبَّ» : أي يكلأ ويرعى ما أحبّ ويعرض عما سواه ، كما قال أمير المؤمنين : عليه السلام : «فمن أحبّ الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها» (2).
فهذا العالم أيضاً متّهم في الدين ؛ إذ لا يجتمع الحُبّان : حبُّ الدّنيا والدّین في جوف واحد ، فمن كان محبّاً للدنيا لا محالة يكون كارهاً للدين ؛ فلذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله قال : «حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة» (3).
ص: 249
وبالجملة فمثل هذا العالم خارج عن زمرة العلماء الَّذين قال الله تعالى فيهم : ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (1) ولا يليق بالاحترام ، ولا بجلوسه مجلس النيابة ، بل ولا يجوز مجالسته ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «قالت الحواريون لعيسى : يا روح الله ، مَنْ نُجالس قال : مَنْ يذكركم اللهَ رؤيتُه ، ويزيد في علمِكُم منطقُه ، ويرغّبُكُم في الآخرة علمه» (2). فمن كان منهم محبّاً لدنياه لا ينبغي ملازمته ؛ لأنه يزيّن زينة الدنيا لجلسائه قولاً وفعلاً ، ويتصرف في صدورهم تصرفاً تامّاً ، ويقربه قول أمير المؤمنين عليه السلام : «لا ترفعوا من رفعته الدنيا» (3) وذلك لأنَّ من رفعته الدنيا وأهلها لمّا كان عادلاً عن التقوى ، كان الميل إليه واحترامه ومحبَّته ومجالسته يستلزم المحبَّة للدنيا والميل إليها ، فكان منهياً عنه ، وعدم توقيره ومجالسته زهداً في الدنيا وفي أهلها ، وهو من التقوى ، فكان مأموراً به.
ويؤيده أيضاً قوله عليه السلام في خطبة نهج البلاغة : «لا يُقيم أمر الله سبحانه وتعالى إلا من لا يصانع ولا يضارع ولا يتَّبع المطامع» (4).
والمُصانع من يستعمل الرشوة ، والمضارع من يتضرَّع - أي : يطلب الحاجة - ، ومن كان محباً للدنيا لا بد وأن يكون المعروف عنده ما عرفه ، لا ما دلّ الدليل على كونه معروفاً وحقّاً ، وكذلك المنكر عنده ما أنكره ، بل ليس عنده أنكر من المعروف ؛ وذلك أنه لمّا خالف غرضه ومقصده طرحه حَتَّى صار عنده منكراً يُستقبح فعله ، ولا أعرف من المنكر لموافقته لغرضه ومحبَّته له ، ولذلك لا يستشير
ص: 250
من عالم أعلم منه ، ولا يستغني فقيهاً أفقه منه ، فتصرخ من جور قضائه الدماء ، وتعجّ منه المواريث مع أنه ممَّا خاطب الله به عيسی عليه السلام أن قال له : «يا عيسی ، أطب الكلام - أي تكلَّم بما ينفع ولا يضر - وكن حيث ما كنت عالماً متعلّماً» (1).
ودلّ على ذلك قوله تعالى : ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ (2) ، ودلّ عليه حكاية موسی عليه السلام مع الخضر عليه السلام (3) ، بل أمر اللهُ بذلك سيِّدَ المُرسلين بقوله : ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ (4).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «لا خير في الصمت عن العلم ، كما لا خير في الكلام عن الجهل» (5).
وما أحسن قول بعض الأعراب لولده : (كن مستمعاً جالساً ، أو ذئباً خالساً ، أو كلباً حارساً ، وإيَّاك أن تكون إنساناً ناقصاً) (6).
وقيل لابن مسعود : (بمَ وجدت هذا العلم؟ قال : بلسان سَؤول ، وقلب عَقول) (7).
وقال بعضهم : (سل مسألة الحمقى ، واحفظ حفظ الأكياس) (8).
ص: 251
وبالجملة فربّما يكون قصور العلم من التصدي للرئاسة قبل أوانها ، والتصدر للإمامة قبل زمانها ، فهو يستنكف أن يسأل ، وأن يتعلَّم ما لم يعلم ، وإذا استفاد يرى أنه أفاد ، وإذا تعلَّم يظهر أنه يعلم ، فذلك الَّذي لا يزال هو في نقصان وخسران.
قال أبو حاتم : (فاتني نصفُ العلم! قيل : وكيف ذاك؟ قال : تصدرت ولم أكن للتصدُّر أهلاً ، واستحييت أن أسأل مَن دوني ، واختلف إليّ مَن فوقي ، فذلك الجهل إلى اليوم في نفسي) (1).
وما أحسن ما قيل : (آفة الزعماء ضعف السياسة ، وآفة العلماء حبُّ الرئاسة) (2).
[د] - «ولا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً بالدنيا فيصدك عن طريق محبَّتي» : وذلك لأنَّ المفتون بشيء يزيّن ذلك الشيء إلى الناس ، ويرغبهم إليه قولاً وفعلاً ، ويمنعهم من الرجوع إلى غيره ، نعوذ بالله من حبّ الدنيا وتسويل الشيطان ووساوسه ، فربّما ينجرُّ إلى أقصى مراتب الكفر والجحود بحيث لا تنفعه التوبة والندم.
فقد روى أحمد بن محمّد بن خالد البرقي في كتابه ، عن الصادق عليه السلام أنه قال : «كان رجل في الزَّمان الأول طلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها ، فطلبها حراماً فلم يقدر عليها ، فأتاه الشيطان فقال : يا هذا قَدْ طلبت الدنيا من حلال
ص: 252
فلم تقدر عليها ، وطلبتها من الحرام فلم تقدر عليها ، أفلا أدلّك على شيء يكثر به دنياك ويكثر به تبعك؟
قال : نعم ، قال : تبتدع ديناً وتدعو إليه الناس ، ففعل ، فاستجاب له الناس ، فأطاعوه وأصاب من الدنيا ، ثُمَّ إنه فكر وقال : ما صنعتُ شيئاً ، ابتدعت ديناً ودعوت الناس إليه ، ما أرى لي توبة إلا أن آتي من دعوته إليه فأردَّه عنه ، فجعل يأتي أصحابه الَّذين أجابوه فيقول : إنَّ الَّذي دعوتكم إليه باطل وإنَّما ابتدعته كذباً ، فجعلوا يقولون له : كذبت ، هو الحق ولكنَّك شككت في دينك فرجعتَ عنه ، فلمَّا رأى ذلك عمد إلى سلسلة ، فأوتد لها وتداً ثُمَّ جعلها في عنقه فقال : لا أحلّها حَتَّى يتوب الله عليّ ، فأوحى الله تعالى إلى نبي من أنبيائه أن قل لفلان بن فلان : وعزتي وجلالي لو دعوتني حَتَّى تنقطع أوصالُك ما استجبتُ لك ، حَتَّى ترد من مات على ما دعوته إليه فيرجع عنه» (1).
ورواه الصدوق رحمه الله في (من لا يحضره الفقيه) أيضاً (2).
وبالجملة : إنَّ الرئاسة حق العالم الرّباني الخالص عن المفاسد النفسانية ؛ لأن التصرُّف والتدبير في أمور الخلق ، وإجراء الأحكام عليهم ، وإقامة العدل بينهم موقوف على العلم بالقوانين الشرعية كلّها ، ومعرفة أحوال الناس ، وطهارة النفس واتّصافها بجميع الكمالات ، وتنزُّهها عن جميع المهلكات ، فمن ملك الرئاسة وهو فاقد لما ذكرنا ، فقد أفسد الشرع ونظام الخلق في أول وهلة.
ص: 253
ويعجبني أن أختمَ المقام بذکر کلام جدّي بحر العلوم قدس سره في ضمن ذكره أصناف العلماء ، حيث قال : (ورابع قَدْ غرته الدنيا واستهوته (واستهواه - ظ) ملاذُّها ، ونعيمها وزبرجها ، حَتَّى غلب عليه حبّ الجاه ، والاعتبار ، والرئاسة الباطلة المفضية إلى الهلاك والبوار ، فَهِمَّةُ هذا وأشباهه في تحصيل العلم وتشهير الاسم ، وغرضهم الأصلي ليس إلا الجدال والمراء ، والاستطالة على أشباههم من أشباه العلماء ، أو التوصُّل إلى حطام الدنيا بالخِبِّ والختل ، والسعي في جلبها بجميع الوجوه والحيل ، وحسب هؤلاء القوم من تحصيلهم هذا دعاء أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب عليه السلام بإعماء الخبر ، وقطع الأثر ، أو بدقِّ الخيشوم ، وحزّ الحيزوم ، وقول رسول الله صلى الله عليه وآله : «من طلب العلم ليباهي به العلماء ، أو يماري به السفهاء ، أو يصرف به وجوه الناس إليه ، فليتبوّأ مقعده من النار» (1) ، وكفاهم خزياً وذلاً تشبيهُهُم في كلام الملك الجبَّار تارة بالكلب ، واُخرى بالحمار الَّذي يحمل الأسفار ، ذلك الخزي الشنيع والذلُّ الفظيع ، أعاذنا الله وجميع الطالبين منّي من موجبات الآثام ، ومن أخلاق هؤلاء القوم اللّئام) ، انتهى ما أردنا نقله من كلامه طاب ثراه (2).
ص: 254
[79] - قال رحمه الله : عنه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عمّن حدّثه ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «من طلب العلم ليباهي به العلماء ، أو يماري به السُّفهاء ، أو يصرف وجوه الناس إليه ، فليتبوَّأ مقعده من النار ، إنَّ الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها» (1).
أقول : واستيعاب المرام في موضعين :
في رجال السند :
مرجع الضمير كما تقدّم.
ومحمّد بن إسماعيل هذا : هو الَّذي يروي عنه أبو عمرو الكَشِّي أيضاً ، عن الفضل بن شاذان ، ويصدّر به السند حيث يقول (قال - ظ) مثلاً في كتابه في معرفة الرجال : محمّد بن إسماعيل ، قال : حدّثني الفضل بن شاذان ، عن ابن أبی عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي بصير ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ارتدّ الناس إلا ثلاثة : أبو ذرّ وسلمان والمقداد.
قال : فقال أبو عبد الله عليه السلام : فأين أبو ساسان ، وأبو عمرة الأنصاري» (2).
ويكنَّى بأبي الحسين ، ويقال : أبو الحسن النيسابوري ، المتكلّم الفاضل المتقدّم البارع المحدِّث ، تلميذ الفضل بن شاذان الخصیص به ، كان يقال له :
ص: 255
(بندفر) البَنْد - بفتح الباء الموحِّدة ، وتسكين النون ، والدال المهملة أخيراً - : العلم الكبير ، جمعه بنود.
وهو فَرّ القوم - بفتح الفاء وتشديد الراء - وفُرّتهم - بضم الفاء - وعلى قول صاحب القاموس کلاهما بالضم ، والحق الأول أي : من خيارهم ، ووجههم الَّذي يفترُّون عنه (1). أي : يتحادثون ويتشافهون ويستكثرون من کشف أسنانهم بالحديث عنه والبحث عن اُموره.
وقد يقال له : (بندويه) كما في القاموس : (محمّد بن بندويه : من المحدِّثين) (2). (3)
وقد يقال له : (البندقي) وهو خطأ ، فإن بُنْدُقَة - بالنون الساكنة بين الباء الموحدة ، والدال المهملة المضمومتين قبل القاف - أبو قبيلة من اليمن ، ولم يقع إلينا في كلام أحد من السالفين أن محمّد بن إسماعيل النيسابوري كان من تلك القبيلة ، وما وقع في بعض النسخ من التعبير بالبندقي تصحيف وتحریف من قلم الناسخ کما صرح به في الرواشح (4).
وكيف كان فطريق الحديث بمحمّد بن إسماعيل النيسابوري هذا ، صحيحٌ لا حَسَنٌ كما وقع في بعض الظنون.
ولقد وصف العلّامة وغيره من أعاظم الأصحاب أحاديث كثيرة هو في طريقها بالصحَّة.
ص: 256
وهو غير محمّد بن إسماعيل البرمكي صاحب الصومعة ، وغير محمّد بن إسماعيل بن بزيع (1).
وأمّا الفضل : فهو ابن شاذان بن الخليل ، أبو محمّد الأزدي النيشابوري ، كان أبوه من أصحاب يونس ، وروي عن أبي جعفر الثاني ، [وقيل عن الرضا عليه السلام] (2) أيضاً ، وكان ثقة ، أحد أصحابنا الفقهاء والمتكلّمين. وله جلالة في هذه الطائفة ، وهو في قدره أشهر من أن نصفه. وذكر الكنجي : أنه صنَّف مائة وثمانين كتاباً ، هذا كلام النجاشي (3).
وفي (الخلاصة) زيادة على ذلك : (أنه كان ثقة ، جليلاً فقيهاً متكلّماً ، له عظم الشأن في هذه الطائفة ، قيل : إنه صنَّف مائة وثمانين كتاباً وترحّم عليه أبو محمّد عليه السلام مرّتين ، ورُوي ثلاثاً ولاءً.
ونقل الكَشِّي عن الأئمّة عليهم السلام مدحه ، ثُمَّ ذكر ما ينافيه (4) ، وقد أجبنا عنه في كتابنا الكبير.
وهذا الشيخ أجل من أن يُغمز عليه ، فإنه رئيس طائفتنا) ، انتهى (5).
وتوفّي رحمه الله : سنة (206 ﻫ).
ص: 257
وأمّا ربعي ، فهو : ابن عبد الله بن الجارود بن أبي سبرة الهُذلي ، أبو نعيم ، بصري ، ثقة ، روى عن أبي عبد الله عليه السلام ، وعن أبي الحسن عليه السلام (1) ، وصرّح بتوثيقه النجاشي والعلّامة وصاحب المشتركات (2).
قال صاحب (الوافي) : (وفي بعض النسخ (حریز) بدل (ربعي) وكأنّه الأصح ، وكلاهما ثقة) ، انتهى (3).
والحديث مرسل في الاصطلاح.
فيما يتعلق في شرح المتن :
[أ] - «المباهاة» : المفاخرة.
[ب] - «والمماراة» : المجادلة.
[ج] - «ويتبوّأ» : من كذا ، أي : يتَّخذه منزلاً (4) ، والأمر للتهكُّم.
والمعنى : أن من طلب العلم لأحدٍ من هذين الغرضين الفاسدين فهو من أهل النار ، وإنَّما عبّر عليه السلام بمفاخرة العلماء ومماراة السفهاء ؛ لأن العلماء العالمين بعلمهم لا ينازعون الجهّال ، بل يسكتون إذا بلغت المباحثة إلى حد الجدال ؛ لقبح الجدال ، فيحصل للجاهل المفاخرة عليهم بالغلبة والإسكات ، بخلاف السفهاء فإنَّهم لا يبالون بالمجادلة ، بل هي جلّ غرضهم من ذلك ، كما هو المشاهد من
ص: 258
حال أغلب حَمَلة العلم من أبناء زماننا ، فإنَّ كثيراً منهم لا يقصد من المذاكرة العلمية إلا الغلبة والاشتهار ، وتحصيل التفوُّق والاعتبار.
روى الصدوق رحمه الله في (معاني الأخبار) بإسناده عن الهروي ، قال : سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول : «رحم الله عبداً أحيا أمرنا». فقلت : وكيف يُحيي أمركم؟
قال : «يتعلَّم علومنا ويعلّمها الناس ، فإنَّ الناس لو علموا محاسن کلامنا لاتَّبعونا» ، قال : فقلت له : يا بن رسول الله ، فقد رُوي لنا عن أبي عبد الله أنه قال : «من تعلَّم علماً ليماري به السُّفهاء ، أو يباهي به العلماء ، أو ليقبل بوجوه الناس إليه ، فهو في النار».
فقال عليه السلام : «صدق جدّي ، أفتدري من السُّفهاء؟» ، فقلت : لا يا بن رسول الله. فقال : «هم قُصَّاص من مخالفينا ، وتدري من العلماء؟» ، فقلت : لا ، يا بن رسول الله. فقال : «هم علماء آل محمّد صلى الله عليه وآله الَّذين فرض الله طاعتهم وأوجب مودَّتهم» ، ثُمَّ قال : «أتدري ما معنى قوله : «أو ليقبل بوجوه الناس إليه؟»» ، قلت : لا ، قال : «يعني بذلك والله ادِّعاء الإمامة بغير حقّها ، ومن فعل ذلك فهو في النار» (1).
وبإسناده عن حمزة بن حمران ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «من استأكل بعلمه افتقر».
فقلت له : جُعلت فداك إن في شيعتك ومواليك قوماً يتحملون علومكم ، ويبثونها في شيعتكم ، فلا يعدمون على ذلك منهم البرّ والصلة والإكرام.
ص: 259
فقال عليه السلام : «ليس اُولئك بمستأكلين ، إنَّما المستأكل بعلمه الَّذي يفتي بغير علم ولا هدى من الله عزَّ وجلَّ ، ليبطل به الحقوق طمعاً في حطام الدنيا» (1).
قال المجلسي في (مرآة العقول) : (ويمكن حمل الخبر على بيان الفرد الكامل منها ، لكن لا ضرورة تدعو إليه) (2).
[د] - ثُمَّ أشار عليه السلام إلى عظم خطر الرئاسة وعظم آفتها ، وأنها لا تصلح إلّا لأهلها ، أعني الكاملين في مرتبتي العلم والعمل ، وهم : الأنبياء ، ثُمَّ الأوصياء ، ثُمَّ المتَّبعون لآثارهم من العلماء الفائزين بالنفوس القدسية.
(وما أحسن) من قول جدّي الفاضل الصالح رحمه الله في هذا المقام ، حيث قال : (وبالجملة : إنَّما تصلح الرئاسة لمن يكون : حكيماً عليماً ، شجاعاً عفيفاً ، سخيّاً عادلاً ، فهيماً ذكياً ، متواضعاً رقيقاً ، رفيعاً حيّياً ، سليماً صبوراً ، شكوراً قنوعاً ، ورعاً وقوراً ، حرّاً عفوّاً ، مُؤثراً مسامحاً ، صدّيقاً وفياً ، شفيقاً مكافئاً ، متودّداً متوكّلاً ، عابداً زاهداً ، موفياً محسناً ، بارّاً فائزاً بجميع أسباب الاتصال بالحق ، متجنّباً عن جميع أسباب الانقطاع عنه) ، انتهى (3).
وفي بعض الأخبار : «هلاك المرء سماع خفقان النّعال عقبه» ، وفي بعضها : «يتمنَّى الناس يوم القيمة كونَهُم من الفقراء».
ص: 260
[80] - قال رحمه الله : فصل : وروينا بالإسناد السابق ، عن الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان ، عن الشيخ الصدوق محمّد بن علي بن بابویه رحمه الله ، عن علي بن أحمد بن موسی الدقّاق رضي الله عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن جعفر الكوفي الأسدي ، قال : حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدّثنا عبد الله بن أحمد [الدقّاق] (1) ، قال : حدّثنا إسماعيل بن الفضل ، عن ثابت بن دينار الثمالي ، عن سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : «حقّ سائسك بالعلم : التعظيم له ، والتوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه ، والإقبال إليه ، وأن لا ترفع عليه صوتك ، ولا تجيب أحداً يسأله عن شيء ، حَتَّى يكون هو الَّذي يجيب ، ولا تحدِّث في مجلسه أحداً ، ولا تغتاب عنده أحداً ، وأن تدفع عنه إذا ذُكر عندك بسوء ، وأن تستر عيوبه ، وتُظهر مناقبه ، ولا تُجالس له عدواً ، ولا تُعادي له ولياً.
فإذا فعلت ذلك ، شهد لك ملائكة الله بأنَّك قصدته وتعلَّمت علمه لله جلَّ اسمه ، لا للناس. وحقّ رعيتك بالعلم أن تعلم أن الله عزَّ وجلَّ إنَّما جعلك قيّماً لهم فيما أتاك من العلم ، وفتح لك من خزائنه. فإنْ أحسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم ، ولم تضجر عليهم ، زادك الله عزَّ وجلَّ من فضله. وإن أنت منعت الناس علمك ، أو خرقت عند طلبهم منك ، كان حقّاً على الله عزَّ وجلَّ أن يسلبك العلم وبهاءه ، ويسقط من القلوب محلَّك» (2).
أقول : واستيعاب المرام في موضعين :
ص: 261
في رجال السند :
علي بن أحمد بن موسى ، ويقال له : الدقّاق ، وروى الصدوق رحمه الله عنه مترضياً عليه ، ولعله من مشايخه (1).
وأمّا محمّد بن جعفر ، فهو : محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي ، أبو الحسين الكوفي ، ساكن الريّ ، يقال له : محمّد بن أبي عبد الله.
قال النجاشي : (كان ثقة ، صحيح الحديث ، إلا أنّه روي عن الضعفاء ، وكان يقول بالجبر والتشبيه ، وكان أبوه وجهاً) ، انتهى (2).
ولذا توقف العلّامة في روايته (3) ، والأقوى عندي أنه ثقة لا غميزة فيه ، وفاقاً لجملة من أفاضل أصحاب الرجال كصاحب (الحاوي) ، و (المشتركات) ، و (الوجيزة) ، و (الدراية) (4) ، ويدلّ على وثاقته ما ذكره الصدوق رحمه الله في حقّه أنه من وكلاء الصاحب عليه السلام الَّذين رأوه ووقفوا على معجزاته (5).
ص: 262
وأمّا الشيخ رحمه الله : فقد بجّله وترحّم عليه ، وقال : إنه مات على العدالة ، ولم يُطعن عليه (1) ، نعم ، ذكر أن له كتاباً في الرد على أهل الاستطاعة (2) وهو لا يستلزم کونه جبرياً ؛ لإمكان كونه قائلاً بالحق من أنه : «لا جبر ولا تفويض» ، ولو كان فاسد المذهب كيف يعتمد الصاحب عليه السلام عليه ويجعله بواباً ؛ ولذا قال صاحب (البُلغة) : (والحق أنه غير ثابت ، وقد حقَّقنا ذلك في المعراج) (3).
وأمّا محمّد بن إسماعيل ، فهو : محمّد بن إسماعيل بن أحمد بن بشیر البرمكي المعروف بصاحب الصومعة ، أبو عبد الله ، سكن قم ، وليس أصله منها. ووثّقه النجاشي في (الفهرست) ، والعلّامة في (الخلاصة) والمجلسي في (الوجيزة) والماحوزي في (البُلغة) وصاحب (المشتركات) (4) ، فلا عبرة بما عن الغضائري : (أنه ضعيف) (5).
وأمّا عبد الله بن أحمد : فمشترك بين الثقة وغيره ، وما وجدت له مميِّزاً فهو من المجاهيل (6).
ص: 263
قال الشيخ عبد اللطيف المجامعي في رجاله : (عبد الله بن أحمد الرازي في طريق الفقيه مجهول) (1).
وأمّا إسماعيل ، فهو : اين الفضل بن يعقوب بن الفضل بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي ، من أصحاب أبي جعفر الباقر عليه السلام ، ثقة من أهل البصرة ، رُوي أن الصادق عليه السلام قال : «هو کهل من کهولنا ، وسيِّد من ساداتنا» ، وكفاه بهذا شرفاً ، مع صحَّة الرواية ، كذا ذكره في (الخلاصة) (2).
أقول : وظاهر الرواية ، وصريح الشيخ رحمه الله أنه من أصحاب الصادق عليه السلام أيضاً (3) ، بل يظهر من ترجمة ابن أخيه الحسين بن محمّد روايته عن الكاظم عليه السلام أيضاً (4) ؛ ولذا صرّح بوثاقته المجلسي في (الوجيزة) ، والمحقِّق الماحوزي في (البُلغة) (5).
وأمّا ثابت ، فهو : ابن دينار ، يُکنّی دينار ، وأبا صفية ، وكنيته : ثابت ، أبو حمزة الثمالي (6) ، وقد تقدّم ذكره.
ص: 264
في شرح ما يتعلق بمتن الحديث :
[أ] - «حق سائسك بالعلم» : أي مالك أمرك في التعليم ، من سستُ الرعيّةَ سياسةً (1) ، أي : ملكت اُمورها.
[ب] - «التعظيم له» : عند طلب العلم منه ، والتواضع إليه ، والمذلَّة له ، وترك العلو عليه ، كما قال الصادق عليه السلام : «وتواضعوا لمن تعلّمونه العلم ، وتواضعوا المن طلبتم منه العلم ، ولا تكونوا علماء جبَّارين» (2).
وقال عليه السلام أيضاً : «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : يا طالب العلم إن العلم ذو فضائل كثيرة : فرأسه التواضع» (3).
قيل : (إن زید بن ثابت ركب ، فأخذ عبد الله بن عبّاس بركابه فقال : لا تفعل يابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله.
فقال : هكذا اُمرنا أن نفعل بعلمائنا.
فقال له زيد : أرني يدك ، فأخرج إليه يده ، فأخذها فقبَّلها ، وقال : هكذا اُمرنا أن نفعل بأهل بيت نبيِّنا) (4).
ومن طرق العامَّة : «ليس من أخلاق المؤمن التملُّق ، [ولا الحسد] (5) ، إلا في طلب العلم» (6) ، فلا ينبغي لطالب العلم أن يتكبّر على المعلّم.
ص: 265
وقيل : (أربعة لا ينبغي للشريف أن يأنف منها ، وإن كان أميراً : قيامه من مجلسه لأبيه ، وخدمته لضيفه ، وخدمته للعالم الَّذي يتعلَّم منه ، والسؤال عمّا لا يعلم ممَّن هو أعلم منه) ، انتهى (1).
ومن تكبُّره على المعلّم أن يستنكف من الاستفادة إلا من الأكابر المشهورين ، وهو عين الحماقة ، فإن الحكمة ضالة المؤمن يغتنمها حيث يظفر بها ، ويتقلد المنّة لمن ساقها إليه كائناً من كان ، فلا يُنال العلم إلا بالتواضع ، بل من الأدب تعظيم جميع الخلق ، وإن نبا عنه القلب وازدرته العين ، فإن كلّ أحد من المسلمين كائناً من كان لا يخلو من فضل الله ، فكن لربِّك عبداً ولإخوانك
خادماً ، واعلم أنه ما من أحد من المسلمين إلا وله مع الله سر ، فاحفظ مرتبة ذلك ، كما قيل : (درهيچ سري نيست که سرّي زخدا نيست).
[ج] - «وحسن الاستماع إليه» : بإلقاء السمع ، وتوجيه الحاسة نحو تقریره ، والإصغاء إلى كلماته بحيث يكون كلّه سمعاً ، قال الله تعالى : ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ (2).
قيل : ومن حسن الاستماع إمهال المتكلّم حَتَّى يفضي حديثه ، وقلة التلفت إلى الجوانب ، والإقبال بالوجه ، والنظر إليه حين الكلام ، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله : ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ (3) ، وقال : ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ (4) ، هذا تعليم من الله تعالی لرسوله حسن الاستماع.
ص: 266
قال أبو الليث - من رجال العامَّة - : (من جلس عند العالم ولا يقدر أن يحفظ من ذلك العلم شيئاً ، فله سبع كرامات : ينال فضل المتعلّمين ، وكان محبوساً من الذنوب ما دام جالساً عنده ، وإذا خرج من منزله طلباً للعلم نزلت الرحمة عليه ، وإذا جلس في حلقة العلم فنزلت الرحمة عليهم حصل له نصيب ، وما دام يكون في الاستماع يُكتب له طاعة ، وإذا استمع ولم يفهم ضاق قلبه وانكسر فيكون في زمرة : «أنا عند المنكسرة قلوبهم لأجلي» ، وإذا رأي إعزاز المسلمين للعالم وإذلالهم للفاسق نفر عن الفسق ومال إلى طلب العلم) (1).
وقالت الحكماء : (رأس الأدب كلّه حسن الفهم والتفهُّم ، والإصغاء للمتكلّم) (2).
وقال بعض الحكماء لابنه : (يا بني ، تعلّم حسن الاستماع كما تتعلَّم حسن الحديث ، وليعلم الناس أنك أحرص على أن تَسمع منك على أن تقول قالوا ، ومن حسن الأدب أن لا تغالب أحداً على كلامه ، وإذا سأل غيرك فلا تجب عنه ، وإذا حدّث بحديث فلا تنازعه إياه ، ولا تقتحم عليه ، ولا تُرِهِ أنَّك تعلمه ، وإذا كلّمت صاحبك فأخذته حجَّتُكَ ، فحسَن مخرج ذلك إليه ، ولا تُظهر الظفر به ، وتعلّم حسن الاستماع كما تتعلَّم حسن الكلام) (3).
[د] - «والإقبال إليه» : بأن يستقبل كلّما اُلقي إليه بحسن الإصغاء والضراعة ، والشكر والفرح وقبول المنّة.
ص: 267
وبعبارة أخرى ، فليكن المتعلّمُ لمُعلّمهِ كأرض دَمِنَة نالت مطراً غزيراً ، فتشربت جميع أجزائها ، وأذعنت بالكلّية لقبوله ، ومهما أشار عليه المعلّم بطریق في التعلُّم فليُقلدْهُ وليَدَعْ رأيه ، فإن خطأ مرشده أنفع له من صوابه في نفسه.
قال الخضر عليه السلام لموسى عليه السلام : ﴿إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا﴾ (1) ، ثُمَّ شرط عليه السكوت والتسليم ، ومع ذلك لم يصبر ولم يزل في مراددته إلى أن فارقه.
[ﻫ] - «وأن لا ترفع عليه صوتك» : المنع من رفع الصوت لا يكون إلا للاحترام وإظهار الاحتشام ، ومن بلغ احترامه إلى حيث تنخفض الأصوات منه ، من هيبته وعلو مرتبته لا يكثر عنده الكلام ، ولا يرجع المتكلّم معه إلّا في الخطاب الليّن القريب من الهمس ، كما هو الدأب عند مخاطبة المهيب المعظَّم محاماةً على الترحيب ، ومراعاةً إلى احترام من يجب احترامه في نظر العرف ، ولا سيَّما معاداة أحباء الشخص والتحبُّب إلى أعدائه ، فإنه تذليل له وتحطيط لشأنه البتة.
[و] - «ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم» : الخرق بالتحريك : الدهش من الخوف أو الحياء ، أو أن يتهيَّب فاتحاً عينيه بنظر ، وقد خَرِق - بالكسر - وأخرقته أنا ، أي : أدهشته (2).
والهاء للتعدية ، أي : ولم تدهشهم من تخويف ونحوه.
ص: 268
و (ضجر منه وبه إذا تبرّم وانقلق من الغمّ (1) ، وقد ضمن معنى الغضب ونحوه فعدّاه ب-(على).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : «ما كان الرفق في شيء قطّ إلّا زانه ، ولا كان الخرق في شيء قط إلّا شأنه» (2).
وفي (تحف العقول) : عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لولده الحسين عليه السلام : «يا بنيّ ، رأس العلم الرفق ، وآفته الخرق» (3).
وعنه عليه السلام قال : «الخرق شين الخُلق».
وقال عليه السلام : «الخرق شرّ خُلق».
وقال عليه السلام : «من كثر خرقه استُرذل».
وقال عليه السلام : «الخرق مناواة الأمراء ، ومعاداة من يقدر على الضراء».
وقال عليه السلام : «أقبح شيء الخرق».
وقال عليه السلام : «بئس الشيمة الخرق».
وقال عليه السلام : «رأس الجهل الخرق» (4).
وروي : (أنَّ رجلاً من بني إسرائيل كان منهمكاً في المعاصي ، وسائراً في الغيّ والجهالة ، أتى في بعض أسفاره على بئر ، فإذا كلب قَدْ لهث من العطش ، فرقّ له فأخذ العمامة من رأسه وشدّ بخفه واستسقي الماء وأروى الكلب ، فأوحى الله إلى
ص: 269
نبي ذلك الزَّمان : إني قَدْ شكرت له سعيه ، وغفرت له ذنبه ؛ لشفقته على خلقٍ من خلقي.
فسمع ذلك ، فتاب من المعاصي ، وصار ذلك سبباً لتوبته ، وخلاصه من العقاب) (1).
وفي بعض الأخبار : «ومن علامة الإيمان الشفقة على خلق الله».
وبالجملة ينبغي للمعلّم الشفقة على المتعلّمين بأن يجريهم مجری ولده وبنيه ، بأن يقصد إنقاذهم من نار الآخرة ، وأن يزجرهم عن سوء الخُلُق ، فليكن ذلك منه بطريق التعريض مهما أمكن لا بالتصريح ، وبطریق الرحمة لا بطريق التوبيخ ، فإنَّ التصريح بهتك حجاب الهيبة يورث التجرِّي على المخالفة كما قيل : لو مُنع الناس عن فت البعرة لفتوه ، وقالوا : ما نهينا عنه إلّا وفيه شيء.
وفي (تحف العقول) في مواعظ السجاد عليه السلام ، قال في رسالته المعروفة برسالة الحقوق : «وأمّا حق سائسك بالعلم والتعظيم له ، والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع إليه ، والإقبال عليه ، والمعونة له على نفسك فيما لا غنى بك من العلم : بأن تفرغ له عقلك ، وتحضره فهمك ، [وتكّي له قلبك] ، وتجلّي له بصرك بترك اللَّذات ونقص الشهوات ، وأن تعلم أنك فيما ألقى إليك رسوله إلى من لقيك من أهل الجهل ، فلزمك حسن التأدية عنه [إليهم] ، ولا تخنه في تأدية رسالته ، والقيام بها عنه إذا تقلَّدتها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله» (2).
ص: 270
وفي (إرشاد القلوب) : عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث المعراج ، إلى أن قال : «قال الله تبارك وتعالى : يا أحمدُ ، إنّ عيب أهل الدنيا كثير ، فيهم الجهل والحمق ، لا يتواضعون لمن يتعلّمون منه ...» (1).
تنبيه : لا فرق في وجوب تعظيم العالم بين كونه حيّاً أو ميِّتاً بعد أن كان داخلاً تحت عنوان تعظيم شعائر الله ؛ ولذا فإن الفقهاء استثنوا من كراهة تجدید القبر بعد اندراسه أو البناء عليه قبور الأنبياء والأوصياء والصلحاء والعلماء ، وكذلك اتّخاذ المقبرة مسجداً.
وأمّا ما ورد من طرق العامَّة من أن النبي صلى الله عليه وآله قال : «لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (2) ، فالمراد جعلها قبلة يُسجد إليها كالوثن ، وأمّا من اتَّخذ مسجداً في جوار صالح ، أو صلَّى في مقبرة من غير قصد التوجُّه نحوه فلا حرج فيه ، صرّح بذلك الإمام أبو الحسن الحنفي في حواشيه على سنن الإمام النسائي (3).
كما لا فرق أيضاً في وجوب تعظيمه على الناس بين سائر طبقاتهم حَتَّى الملوك والسلاطين ؛ ولذا ورد : (إذا رأيتم الملوك على باب العلماء فقولوا : نِعْمَ المُلوك ونِعْمَ العُلماء ، وإذا رأيتم العلماء على أبواب الملوك فقولوا : بئسَ المُلوك وبئسَ العُلماء) (4) ، أمّا نِعْمَ الملوك ؛ فلأنَّ موقفهم ذلك كاشف عن حسن سيرتهم وخلوص سريرتهم ، ولأنَّ فيه متابعة باقي الناس لهم ورغبتهم في ذلك ، فإنَّ
ص: 271
الناس على دين ملوكهم ، وأمّا نِعْمَ العُلماء ؛ فلأنَّ في تركهم لباب السلطان رفعاً لمنصبهم الروحاني عن الانخفاض.
يُحکی : (أنَّ السلطان شاه عبَّاس الثاني الصفوي المتوفّى سنة (1077 ﻫ) دخل مدرسة المولی ملا عبد الله التوني المتوفى سنة (1071 ﻫ) صاحب (الوافية في الأُصول) - وكان معاصراً للسيد الداماد - فرأى أنَّ المدرسة خالية من طلبة العلوم ، فسأل من المولى عبد الله السبب في ذلك فقال له : إنّي اُجيب حضرة السلطان بعد أيام ، فلمَّا كان بعد أيام ، حضر المولى مجلس السلطان ، فأكرم قدومه ، وقال له : اطلب منّي ما يهمّك؟ فقال المولى : ما يهمني شيء. فأصرّ عليه السلطان ، فقال له : لي إليك حاجة واحدة وهي أني أركب فرس السلطان ، والسلطان يمشي قدَّامی راجلاً حَتَّى يجتاز الميدان الفلاني.
فسأله السلطان عن الحكمة والغرض من ذلك ، فقال المولى : اُبيّن لك ذلك بعد أيام ، ففعل السلطان ما سأله ، وبعد أيام عاود السلطان إلى المدرسة ، فرآها مملوءة من الطلاب مشحونة بالتلاميذ وهي مجدّة في التحصيل غاية الجدّ ، فسأل السلطان عن السبب في تغيير الحالة؟ فقال المولى : السبب فيما يراه حضرة السلطان وما طلبته منه ، إنَّ الناس ما كانوا عارفين قدر العلم ، وفضيلة العلماء حَتَّى إذا رأو بعيونهم من فعل السلطان مع العالم ، ومشيه قدّامه راجلاً وهو راكب ، فعلموا من ذلك أن مرتبة العالم في الدنيا أعلى من مرتبة السلطان ، فطلباً لهذه المرتبة ، وطمعاً في الجاه والجلال ، وجمع المال السريع الزوال ، اجتمعوا في المدرسة وجدّوا في تحصيل العلم ، وإذا تمّ لهم ذلك ، وبلغوا بعض المراتب العلمية ، تتبدَّل نياتهم وتصلح سرائرهم وتحصل لهم
ص: 272
القربة في سائر العبادات ، كما ورد في الخبر : اطلبوا العلم ولو لغير الله ، فإنه ينجرّ إلى الله) ، انتهت الحكاية (1).
ويؤيده ما رُوي عن طريق العامَّة ، عن النبي صلى الله عليه وآله : «من طلب العلم لغير الله لم يخرج من الدنيا حَتَّى يأتي عليه العلم [فيكون لله]» (2).
وقال في (شرح نهج البلاغة) : (الزهد هو الإعراض عن غير الله. وقد يكون ظاهراً ، وقد يكون باطناً ، إن المنتفع به هو الباطن ، قال صلى الله عليه وآله : إن الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم ، وإنَّما ينظر إلى قلوبكم ونيَّاتكم ، نعم ، وإنْ كان لا بدّ من الزهد الظاهري أولاً ؛ إذ الزهد الحقيقي مبدأ السلوك لا يتحقق ، والسبب فيه أن اللّذات البدنية حاضرة ، والغاية العقلية التي يطلبها الزاهد الحقيقي غير متصورة له في مبدأ الأمر ، وأمّا الظاهري فهو ممكن متيسّر لمن قصده ؛ لتيسّر غایته وهي الرياء والسمعة ؛ ولذلك قال صلى الله عليه وآله : «الرياء قنطرة الإخلاص») ، انتهى (3).
ص: 273
[81] - قال رحمه الله : وبالإسناد عن المفيد ، عن أحمد بن محمّد بن سليمان الرازي ، قال : حدّثنا مؤدبي علي بن الحسين السعد آبادي ، عن أبي الحسن القمّي ، قال : حدّثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن سليمان بن جعفر الجعفري ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «كان علي عليه السلام ، يقول : إنَّ من حقّ العالم أن لا تكثر عليه السؤال ولا تأخذ بثوبه. وإذا دخلت عليه وعنده قوم ، فسلّم عليهم جميعاً ، وخصّه بالتحيَّة دونهم ، واجلس بين يديه ، ولا تجلس خلفه ، ولا تغمز بعينيك ، [ولا تشر بيدك] ، ولا تكثر من القول : قال فلان وقال فلان ، خلافاً لقوله ، ولا تضجر بطول صحبته ، فإنما مثل العالم مثل النخلة ، تنتظرها حَتَّى يسقط عليك منها شيء ، والعالم أعظم أجراً من الصائم القائم ، الغازي في سبيل الله. وإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء إلى يوم القيامة» (1).
أقول : واستيعاب المرام في موضعين :
في رجال السند :
أمّا أحمد ، فهو : ابن محمّد بن محمّد بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بکیر بن أعين بن سنسن ، أبو غالب الزراري.
ص: 274
قال النجاشي : (وكان أبو غالب شيخ العصابة في زمنه ووجههم. له كتب ، حدّثنا شيخنا أبو عبد الله عنه بكتبه. ومات أبو غالب رحمه الله سنة 368 ﻫ، انقرض ولده إلا من ابنة ابنه ، وكان مولده سنة 285 ﻫ) (1).
وقد صرّح بتوثيقه في جعفر بن محمّد بن مالك (2) ، وصرّح بتوثيقه العلّامة في (الخلاصة) (3) ، وصاحب المشتركات أيضاً (4).
وأمّا علي بن الحسين ، فهو : علي بن الحسين السعد آبادي ، وظاهر جماعة من أصحاب الرجال عدّ حديثه حسناً ، بل لا يبعد عدّ حديثه صحيحاً ؛ نظراً إلى كثرة روايته ؛ ولأنه من مشايخ الإجازة ، وجلالة شأن أبي غالب وعلو مرتبته في باب الرواية تمنع من الرواية عنه وأخذه معلّماً مؤدِّباً لو لم يكن من الثقات ، بل أجلّائهم كما هو ظاهر للماهر في الفن (5).
وبالجملة : فإنه وإن كان مسكوتاً عنه ، ولكنَّ أجلاء المشايخ اعتمدوه وروَوا عنه ، كالكليني في العدّة ؛ إذ هو من جملة العدّة الَّذين روى ثقة الإسلام عن أحمد بن خالد بتوسُّطهم ، والصدوق علي بن الحسين ، وعلي بن إبراهيم ، ومحمّد بن موسی بن المتوكّل ، وأبو غالب الزراري الثقة.
ص: 275
والصدوق إذا ذكره ترضّى عنه ، مع أنه شيخ إجازته ، ولم يرو إلا عن أحمد بن محمّد البرقي ، ويؤكّد توثيقه ، بل يدل عليه كثرة رواية جعفر بن قولویه عنه في كتاب (کامل الزيارة) ، وقد نصّ في أوله أن لا يروي فيه إلا عن الثقات من أصحابنا (1).
وأمّا أحمد ، فهو : ابن محمّد بن خالد بن عبد الرحمن بن محمّد بن علي البرقي أبو جعفر ، أصله كوفي (2).
وثّقه الشيخ والنجاشي ، ولكن طعنوا فيه أنه كان يروي عن الضعفاء ، ويعتمد المراسيل (3) ؛ ولذلك أبعده أحمد بن محمّد بن عيسى عن قم ، ثُمَّ ذكروا أنّه أعاده واعتذر إليه ، وأنّه لمّا مات مشى في جنازته حافياً حاسراً (4).
وبالجملة : فهو من أجلّاء رواتنا ، وقد نقل عن جامعه الكبير المسمّى ب-(المحاسن) كلّ من تأخَّر عنه من المصنّفین.
وقول النجاشي : (وكان محمّد ضعيفاً في الحديث ، وكان أديباً ، حسن المعرفة الأخبار وعلوم العرب) (1) ، لا يدل على ضعفه في نفسه ؛ ولذا قدّم العلّامة وجملة من المحقِّقين توثيق الشيخ عليه مع بنائهم على تقديم قول الجارح خصوصاً إذا كان مثل النجاشي ، وهو اسطوانة أهل هذا الفن ولا مجال لردّ كلامه ، فالمراد من كونه ضعيفاً في الحديث أنه : يروي عن الضعفاء وتقدّم في الحديث الخامس أيضاً.
وأمّا سلیمان بن جعفر الجعفري ، (فهو : من أولاد جعفر الطيَّار رضي الله عنه ، ثقة ، من أصحاب الكاظم والرضا عليهما السلام) (2).
فائدة جليلة من رجال الشيخ : إذا قيل في الحديث : عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، فهو إمّا : ابن أبي محمّد بن أبي حمزة التيملي ، الفاضل الثقة ، وهو الَّذي روى الحديث المتضمِّن لكثرة السهو عنه في الفقيه.
أو : محمّد بن أبي حمزة الثمالي الممدوح ، وهو الَّذي يروي عنه ابن أبي عمير.
أو : محمّد بن حسَّان.
وإمّا : ثعلبة بن میمون أبو إسحاق الفقيه النحوي.
ص: 277
وإذا قيل : عن رجل ، عن جعفي (1) ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، فهو : عجلان صالح الثقة ، الَّذي قال له أبو عبد الله عليه السلام : «يا أبا صالح ، كأنَّي أنظر إليك وإلى جنبي الناس يعرضون عليّ» (2).
فلا إشكال في السند من جهة الرجل ، نعم ، الحديث معلّق في الاصطلاح ؛ لسقوط رجال السند من أوله (3).
في شرح ما يتعلَّق بالمتن :
[أ] - «من حق العالم أن لا تكثر عليه السؤال» : لمّا كان العالم أباً روحانياً لك ، وله عليك حقٌّ التربية ، وحقٌّ التعلُّم والتقدُّم ، وجب عليك توقيره وتعظيمه ، ورعاية الأدب معه ، ومع ذلك أن لا تكثر السؤال منه ، فإن ذلك قَدْ يؤذيه ويؤلمه ، إلّا مع إحراز رضائه بذلك.
[ب] - «ولا تأخذ بثوبه» : كناية عن الإلحاح في الطلب ، فإن ذلك أيضاً استخفاف به.
[ج] - «فسلِّم عليهم جميعاً وخصّه بالتحيَّة دونهم» : بأن تخاطبه وتقول : السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا فلان ، وتُسمِّيه بأشرف أسمائه ، وتصبر حَتَّی
ص: 278
يردَّ عليك السلام ، ثُمَّ تخاطب القوم وتقول : السلام عليكم. كما قَدْ فعل مثل ذلك بعض المتكلّمين لمّا دخل على الباقر عليه السلام وعنده جماعة كثيرة.
أو تقول : السلام عليكم جميعاً ، والسلام عليك يا فلان ، وتقصدهم جميعاً بالسلام ، وتخصّه بالثناء والمدح بعد السلام.
مسألة : لا ريب في استحباب سلام المؤمن على المؤمن إذا دخل عليه في بيته ، أو في خارج بيته ، وأصل شرعيته واستحبابه مجمع عليه من الضروريات في دين الإسلام ، قال الله تعالى : ﴿فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾ (1).
وفي (معائي الأخبار) ، عن الباقر عليه السلام ، قال : «هو تسليم الرجل على أهل البيت حين يدخل ثُمَّ يردُّون عليه ، فهو سلامكم على أنفسكم» (2).
وفي (المجمع) ، عن الصادق عليه السلام مثله (3).
وعن (تفسير القمّي) هو : (سلامكم (4) على أهل البيت وردُّهم عليکم ، فهو سلامك على نفسك) (5).
وعن الباقر عليه السلام أيضاً : «إذا دخل الرجل منكم بيته ، فإن كان فيه أحد يسلّم عليهم ، وإن لم يكن فيه أحد فليقل : السلام علينا من عند ربِّنا».
يقول الله : (تحية من عند الله مباركة طيبة) (6).
ص: 279
وعن (الجوامع) : (وصفها بالبركة والطيب ؛ لأنها دعوة مؤمن [لمؤمن] (1) ، يرجى بها من الله زيادة الخير وطيب الرزق.
ومنه قوله عليه السلام : «سلّم على أهل بيتك ، يكثر خير بيتك») (2).
ومن كلام الحسين عليه السلام : «البخيل من بخل بالسلام» (3).
وقال عليه السلام : «للسلام سبعون حسنة : تسع وستون للمبتديء ، وواحدة للراد» (4).
ومن طرق العامة : عن أنس قال : «كنت واقفاً على رأس النبي أصبّ الماء على يديه ، فرفع رأسه وقال : «ألا اُعلّمك ثلاث خصال يُنتفع بها؟»
قلت : بلى بأبي واُمِّي يا رسول الله.
قال : «متی لقيت من اُمَّتي أحداً فسلِّم عليه يطل عمرك ، وإذا دخلت بيتك فسلِّم عليهم يكثر خير بيتك ... الخبر»» (5) ، بل التحيَّة كانت شائعة بين الناس في زمن الجاهلية ولكن لا بصيغة السلام.
قال في (القاموس) : (ووعم الدار کوعد ، وورث (يعمّها) و (عمّا) (6) قال لها : انعمي ، ومنه قولهم : عم صباحاً ومساء وظلاماً) ، انتهى (7).
قال يونس : (وسئل أبو عمرو بن العلاء عن قول عنترة : وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي؟
ص: 280
فقال : هو كما يعمي المطر ويعمي البحر بزبده ، وأراد كثرة الدعاء لها بالاستسقاء.
وقال الأزهري : كأنه لمّا كثر هذا الحرف في كلامهم حذفوا بعض حروفه المعرفة المخاطب به ، وهذا كقولهم : لا هُمَّ ، وتمام الكلام (اللهُمَّ) ، وكقولك : لَهِنَّكَ ، والأصلُ (للهِ إنَّك) (1).
وكيف كان فالمقصود أنَّ من عادات العرب أنهم يقولون عند التحيَّة في الغداة : عم صباحاً.
وفي المساء : عم مساءً ، أي : انعم صباحك ومساءك ، من النعومة.
قال امرؤ القيس بن حجر الكندي :
ألا عِمْ صباحاً أیُّها الطَّللُ البالي *** وهَلْ يَعِمَنْ مَنْ كانَ في العُصُرِ الخالي
وقال في (مجمع البحرين) : (اختلفت الأقاويل في معنى (السلام عليك) فمن قائل : معناه (الدعاء) أي : سَلِمتَ من المكاره.
ومن قائل : معناه (اسم الله عليك) ، أي : أنت في حفظه ، كما يقال : (الله معك) ، وإذا قلت : (السلام علينا) ، أو (السلام على الأموات) فلا وجه ؛ لكون المراد به الإعلام بالسلامة ، بل الوجه أن يقال : هو دعاء بالسلامة لصاحبه من آفات الدنيا ، ومن عذاب الآخرة ، وضعه الشارع موضع التحيَّة والبشري بالسلامة.
ثم إنه اختار لفظ (السلام) وجعله تحيّةً لما فيه من المعاني ، أو لأنه مطابق للسلام الَّذي هو اسم من أسماء الله تيَّمُناً وتبرُّكاً ، وكان يُحيّى به قبل الإسلام ، ويُحيّی بغيره ، بل كان السلام أقل ، وغيره أكثر وأغلب ، فلمَّا جاء الإسلام اقتصروا عليه ومنعوا ما سواه من تحايا الجاهلية.
ص: 281
قال رحمه الله : وإيراده على صيغة التعريف أزين لفظاً ، وأبلغ معنی) ، انتهى (1).
ولعمري إن هذا تبدیل بالأحسن ؛ لأن الحياة إن لم تكن مقرونة بالسلامة لي يعتد بها ، بل لعلَّ الموت خير منها.
إذا عرفت ذلك فهنا فروع :
الأوَّل : قَدْ عرفت أنَّ السلام من السُّنن الخاصة المؤكّدة ، وردّه فرض ؛ لصيغة الأمر الدالّة على الوجوب في آية التحيَّة (2) ، المراد بها السلام ظاهراً على ما نصّ عليه أهل اللُّغة ، ودلّ عليه العرف.
قال في (القاموس) : (التحيَّة ، هي : السلام) (3).
وفي (لسان العرب) : (والتحيَّة : السلام ، وقد حيَّاهُ تحيَّةً) (4).
فلو كانت التحيَّة بغير لفظ السلام كقولك : صبّحك الله بالخير ، أو مسّاك الله بالخير ، لم يجب الردّ كما عليه الأكثر ، واختاره الأُستاذ (طاب ثراه) في (العروة) (5) ، وذهب غير واحد من الفقهاء إلى وجوب الرد حينئذ ، منهم الفاضل المقداد رحمه الله في (کنز العرفان) ، فقد صرّح بأنه : (ليس المراد بحُيِّيتم في الآية : سلام عليکم ، بل كلّ تحيّة وبِرٍّ وإحسان) (6).
ص: 282
واستند في ذلك إلى ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن الصادقين عليهما السلام أنه قال : «التحيَّة السلام وغيرُه من البرّ» ، انتهى (1).
وربّما يُرشد إلى ذلك ما رواه في (المناقب) ، قال أنس : «حيّت جارية للحسن عليه السلام بطاقة ريحان ، فقال لها : «أنتِ حُرَّة لوجه الله» ، فقلت له في ذلك؟ فقال : «أدَّبنا الله عزَّ وجلَّ فقال : ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ ...﴾ الآية ، وكان أحسن منها إعتاقها»» (2).
وما عن (الخصال) ، فيما علّم أمير المؤمنين عليه السلام أصحابه ، قال : «إذا عطس أحدكم فسمِّتوه ، قولوا : يرحمك الله ، ويقول : يغفر الله لكم ويرحمكم ، قال الله تعالى : ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم ...﴾ الآية» (3).
وقوله عليه السلام : «وحيَّا كما الله من كاتبين» (4).
أقول : لا شكّ في إطلاق التحيَّة قبل الإسلام على ما يشمل السلام وغيره من التحيَّات المعروفة عند الجاهلية كما تقدّم تفصيله ، فلمَّا جاء الإسلام اقتصروا من التحايا على السلام ، وتغلّب فيه الاستعمال كما هو الشائع في العرف وعند أهل البيت عليهم السلام من حيث لم يستعملوا سواه ، بل في (الكافي) عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «قال أمير المؤمنين عليه السلام : يُكره للرجل أن يقول : حيّاك الله ، ثُمَّ يسكت حَتَّى يتبعها بالسلام» (5).
ص: 283
فلا ريب في أنَّ إطلاق الآية يحمل على ذلك ، فأمّا الروايات المذكورة المتضمِّنة لإطلاق التحيَّة في الآية الشريفة على غير السلام من أنواع البرّ والإحسان ، فعلی تقدیر صحَّتها يمكن أن يكون ذلك من البطون التي أخبروا بها عليهم السلام ، فلا ينافي كون المراد من ظاهرها خاصَّة السلام.
والحاصل : أنَّه لا يجب ردّ غير السلام من أفراد التحيَّة ، كما قاله الأكثر ؛ للأصل وعدم الدليل الدال على الوجوب ، بل ويظهر من بعض الروايات تخصيص الوجوب بالسلام خاصة ، كقوله صلى الله عليه وآله : «من بدأ بالكلام قبل السلام ، فلا تجيبوه» (1).
إذ غير السلام من الأفراد داخل تحت عموم الكلام ، والعجب من المعاصر النوري رحمه الله في (شرح نجاة العباد) حيث استظهر عدم الإشكال في وجوب الرد في غير الصلاة ، وجعل محلّ الكلام في حال الصلاة ، مع اعترافه بأنَّ كثيراً من المفسِّرين وأهل اللُّغة فسّروا التحيَّة بالسلام (2) ، وأنه على هذا لا عموم في الآية الكريمة ، هذا كلُّه في غير حال الصلاة ، وأمّا فيها فالأحوط الرد بقصد الدعاء إذا كان ممَّن يستحق الرد ؛ لما ثبت من جواز الدعاء في الصلاة لنفسه ولغيره وبدون ذلك لا يجوز.
الثاني : يجب ردُّ السلام نطقاً ، ولو كان في حال الصلاة ، وهو المجمع ع بین علمائنا كما في (التذكرة) (3) ؛ ولإطلاق الأمر بالرد المتناول لحال الصلاة وغيرها ؛ ولأن ترك الجواب إهانة ، ولا يجوز إهانة المؤمن.
ص: 284
الثالث : الظاهر من الآية المعقبة بناء التعقيب من قوله تعالى : ﴿فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ وجوب الفورية ، وفي (الجواهر) : (أنه ظاهر الأدلة والفتاوی) (1).
وفي الحدائق : (أن معناه تعجيله بحيث لا يُعدُّ تاركاً له عرفاً) ، انتهى (2).
ولا فرق في ذلك بين سائر الأحوال حَتَّى حال الصلاة ؛ وذلك لإطلاق الآية ، وعليه فالكلام يقع في مقامين :
المقام الأول : لو عصى المكلّف بالتراخي العرفي في غير حال الصلاة وأخلّ بالفورية ، أو ترکه ساهياً ، فهل يجب عليه إتيانه ثانياً ، وإن عصي فثالثاً ، وهكذا فوراً ففوراً ، أو أنه يسقط الوجوب بفوت الوقت ، أو يبقى الوجوب مُوسَّعاً ، فالساقط الفورية دون الوجوب ، اختار الأول الأردبيلي رحمه الله في (شرح الإرشاد) (3) ؛ نظراً منه إلى مقتضى ظاهر الواجبات الفورية في سائر الموارد ، فإنَّها من قبيل تعدُّد المطلوب ، وأنَّه لو كان المسلم حاضراً وجب عليه الرد دائماً ، ولو غاب يجب عليه قصده أينما كان حَتَّى يرد عليه ، بل احتمل الوجوب في نفسه ، ومع عدم إمكان الوصول إلى المسلِّم وعدم سماعه ؛ إذ ذاك يجب مع إمكانه ، فلا يسقط حينئذ أصل الرد ، وفيه أن الكلّية غير مسلَّمة في الواجبات الفورية ، وليس كلّ واجب فوري يتعدد فيه المطلوب ، بل إنَّما هو فيما إذا استفید فوريتها من الأمر ولو بالقرينة ، بخلاف ما نحن فيه ، فإنَّ فوریته مستفادة من الكيفية المأخوذة في ردِّ التحيَّة عُرفاً ، فهي من أوصاف المأمور به وقيوده ، أعني الرد لا الأمر.
ص: 285
وبعبارة اُخرى : إنَّ السلام وردَّه من قبيل الخطاب والجواب المرتبط أحدهما بالآخر ربطاً وضعياً ، نظير القبول الملحوظ فيه الفورية ؛ لربطه بالإيجاب ربطاً وضعياً ؛ ولذا لا يُكتفى بإتيانه في ثاني الحال وثالثه عند التخلُّف في أول الحال إلا بإعادة الإيجاب ثانياً ، وعلى هذا فمتى اُخلّ بالفورية العرفية سقط أصلُ الوجوب ، فعدم الوجوب حينئذ في ثاني الحال وثالثه ؛ لعدم صدق الردِّ عرفاً ، نظير ما لو قال المولى : إذا ركب الأمير فخذ ركابه. فكما أن من المعلوم وجوب المبادرة إلى الأخذ بالركاب حال الرکوب ، أيضاً من المعلوم عدم وجوب الأخذ في ثاني الحال وثالثه ، وما ذلك إلا من حيث فوات الكيفية المطلوبة فيه ، فلا يجب التلافي بعد ذلك لا قضاءً ولا أداءً.
بل لنا اختيار عدم وجوب الردِّ في الحال الثاني حَتَّى مع استفادة الفورية من نفس الأمر ، وهو الحق الحقيق الَّذي عليه أهل التحقيق ؛ إذ الظاهر من الصيغة على القول بدلالتها بنفسها على الفور هو الوجوب في أول الوقت ، والظاهر هو الحجّة وهو تكلیف واحد من قبيل المطلق والمقيَّد ، والحقُّ أنَّ المقيَّد ينتفي بانتفاء قيده ، فلا يبقى تكليف في الوقت الثاني مع الشك فيه ، كما هو مقتضی أصل البراءة ، وثبوت وجوب الموقَّت بعد فوات الوقت خلاف التحقيق ؛ لأن الجنس لا بقاء له بعد انتفاء الفصل كما حُقّق في محلّه.
والحقُّ أنَّ القضاء بفرض جديد فالخطاب غير شامل لثاني الحال ، ووجو مالم يشمله الخطاب غير معقول ، هذا كلّه مضافاً إلى السيرة القطعية وهو اختيار
ص: 286
الشيخ في (الجواهر) ، وسيدنا الأُستاذ (طاب ثراه) في (العروة) (1) ، وممَّا ذكرنا تعرف ما في الوجه الثالث ، بل هو باطل حَتَّى مع البناء على اختلاف کيفيات الفور ، فبعضها على نحو تعدُّد المطلوب ، وبعضها على نحو وحدة المطلوب ؛ إذ مع الشك في دخول واجب فوري في أحد القسمين بخصوصه لم يكن لنا الحكم بإرادة بقائه في الذمَّة لو انتفت الفورية عمداً أو سهواً ؛ لأنَّ الشك حينئذ في التكليف الزائد المدفوع بالأصل ، ولا مجال للتمسُّك بالاستصحاب ، فإنَّه من قبيل الشكّ السَّببي الَّذي يُقدّم فيه الأصل على المسبَّب قطعاً.
المقام الثاني : فيما لو عصى المكلّف بالتراخي العرفي في أثناء الصلاة ، ففي بطلان ذلك وعدمه وجوه :
الأول : البطلان مطلقاً ؛ وستعرف وجه الإطلاق ، وهو اختيار العلّامة في (التحرير) قال رحمه الله : (لو ترك المصلّي ردَّ السلام مع تعيينه عليه ، فالوجه بطلان صلاته) ، انتهى (2).
وربّما يُستدل له بأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الضد الخاص ، أو عدم الأمر به كما هو المنقول عن البهائي (3) ، وضعفهما ظاهر ، أمّا الأول :
فلمنع الاقتضاء أولاً ، وثانياً وإنْ سلّمنا الاقتضاء فيدل عليه من باب المقدِّمة وبالتبعية ، ولو سلَّمنا دلالة النهي على الفساد في العبادات فهو مخصوص بالنهي
ص: 287
الأصلي لا التبعي ، مع أنَّ بطلان الصلاة ببطلان الجزء لا يتمُّ إلا إذا لم يتدارك فتأمَّل ، ومجرد القراءة المحرَّمة أو الذكر المحرَّم بين الصلاة لا دليل على كونه مبطلاً ، مع أنَّ تخصيص الكلام بالذكر والقراءة لا وجه له ؛ إذ قَدْ يضاد الردّ بعض الأكوان والأفعال كما لو سلّم عليه ومرّ مستعجلاً وتوقَّف إيصال جوابه إلى مشي وحركة ولا يمكن إيصاله برفع الصوت ، فإنَّ الأمر بالردّ يقتضي النهي عن الكون لا عن الذكر والقراءة.
وأمّا عن الثاني ؛ فلأن عدم الأمر بالضد لمانع الاستهجان العرفي أو العقلي لا ينافي المحبوبية الواقعية ، فالصلاة في حال الأمر بالردّ محبوبة وإن لم يمكن الشارع الأمر بها ، فيقصد المصلّي التارك للردّ أمثال المحبوبية الواقعية حينئذ ، وهو من المحقّق في محلّه في الأُصول.
هذا ، وربّما يُدَّعی ظهور النصوص في وجوب الرد في الصلاة ، فيكون کسائر ما يجب في الصلاة من الستر والاستفال ونحوهما ، ولا ينافيه وجوبه قبلها ؛ إذ هو فهم عرفي من اللفظ كالمحرم قبل الصلاة لو فرض مجيء نهي به نحو : لا تنظر إلى الأجنبية في الصلاة. وفيه أنه لاشك في ظهور الأدلَّة في إرادة أنَّ الصلاة لا تمنع من وجوب الردّ ، لا أنّه من واجبات الصلاة.
الثاني : وهو الأظهر عام البطلان مطلقاً كما اختاره الشيخ في (الجواهر) ، والسيد الأُستاذ في (العروة) تبعاً (للدروس) و (البيان) و (الذكری) و (الموجز)
ص: 288
و (جامع المقاصد) و (فوائد الشرائع) و (الإرشاد) و (المسالك) (1) لما عرفت من بطلان الوجهين المزبورين اللَّذينِ يمكن الاستناد إليهما في القول بالبطلان.
الثالث : التفصيل بين ما لو اشتغل بشيء من الواجب في زمان الترك ، فالمتَّجه بطلان الصلاة وعدمه ، فالصحَّة بتقريب أن التعمُّد بالترك موجب لفساد الجزء المستلزم لفساد الكلّ ، إمّا لاقتضاء الأمر بالشيء والنهي عن الضدّ الخاص ، أو لعدم الأمر به ، فيلزم التشريع المفسد للجزء المستلزم لفساد الكلّ ، بحيث لا يجزي بعد إعادته على الوجه الصحيح ، أو لأنه في مثل المفروض من نحو کلام الآدميين في البطلان ، بخلاف ما لو ترك الردَّ وسكت حَتَّى مضى زمان الرد ، ثُمَّ اشتغل بالقراءة فإنَّه لا يبطل ؛ لعدم المقتضي ، وقد عرفت الجواب عمّا عدا الأخير ، وأمّا عنه فهو أنَّ القرآن قرآن بالنظم والأُسلوب ، وحرمة القراءة - على فرض تسليمها - لا تلحقه بكلام الآدميين مادام قصده الحكاية لكلام الله التي لا تحقق القرآنية بدونها ، إنْ هو إلّا كقراءة المجنب القرآن.
الرابع : يُستحب إفشاء السلام وتأكيده ، وفيه من الفضل حَتَّى قيل أنه مندوب أفضل من ردِّه الواجب ، ويدلُّ عليه مارواه في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام : «من التواضع أن تسلّم على من لقيت» (2).
فإنَّ التواضع المطلوب لا يحصل عرفاً إلّا بالإفشاء ، وعن أبي جعفر عليه السلام قال : «كان سلمان رحمه الله يقول : افشوا سلام الله ؛ فإن سلام الله لا ينال الظالمين» (3).
ص: 289
وفي هذا المعنى أخبار كثيرة.
الخامس : المشهور أنه يجب على الراد إسماع المسلّم تحقيقاً أو تقديراً ، واستدل عليه بالتبادر ، وحكم العرف والعادة ، وبما في الكافي عن ابن القدّاح ، عن أبي عبد الله عليه السلام : «إذا سلّم أحدكم فليجهر بسلامه لا يقول : سلّمت فلم يردوا عليّ ، ولعلَّه يكون قَدْ سلّم ولم يُسمِعْهُم ، فإذا ردّ أحدكم فليجهر بردِّه ولا يقول المُسَلّم : سلَّمْتُ فلم يَرُدّوا عليَ» (1).
ويدلّ بعمومه على المصلّي وغيره ، وقيل : لا يجب الإسماع ، وهو ظاهر المحقِّق في (المعتبر) والأردبيلي في (شرح الإرشاد) (2) ؛ لصحيحة منصور عن الصادق عليه السلام ، وموثَّقة عمّار الدالَّتينِ على إخفاء الرد ، وهما محمولان على التقية (3) ، وكذلك رواية محمّد بن مسلم (4).
ص: 290
السادس : يتحقق السلام من الجماعة بوقوعه من واحد ، ويحصل الامتثال بالرد من واحد ؛ لأنَّهما من الأُمور الكفاية ، ويدل عليه ما رواه في (الكافي) عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «إذا سلّم من القوم واحد أجزأ عنهم ، وإذا رد واحد أجزأ عنهم» (1).
ونحوه رواية ابن أبي بكير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه السلام وصحيحة عبد الرحمن بن الحجَّاج ، ويترتب عليه أنّه لو سلّم على جماعة منهم المصلّي فردّ الجواب غيره لم يجز له الردّ بعد تمام الردّ ، نعم ، يجوز قبله.
السابع : قال الأستاذ (طاب ثراه) في (العروة) : (لو ردّ السلام صبيٌّ مميِّز ففي كفايته إشكال ، والأحوط ردّ المصلّي بقصد القرآن أو الدعاء) (2).
أقول : وجه الإشكال والترديد من عموم قوله تعالى : ﴿فَحَيُّوا ...﴾ الشامل المثل الصبي المميِّز ، ولاسيَّما إذا كان ابن عشر سنين ؛ ولأن عبادته شرعية كما يظهر من بعض الأخبار ، ومن أنه مندوب ، ولا يسقط الواجب بالمندوب ، والأقوى الكفاية وسقوط الفرض بالنفل الكثير ، وعليه فلو كان المسلِّم على المصلي صبياً مميِّزاً ، فالأقوى وجوب الرد عليه بعنوان ردّ التحيَّة ، وإن أراد الاحتياط فليقصد القرآن أو الدعاء.
الثامن : إذا كان بعض المسلَّم عليهم مصلياً وبعضهم قاعداً ، فهل يجب الردّ على القاعد أو يتساويان؟ الأظهر التساوي وبردِّ أحدهما يسقط عن الآخر ، ولا يسقط بردِّ من لم يكن مقصوداً بالسلام ؛ لعدم صدق الردِّ عليه.
ص: 291
التاسع : إذا سلّم واحد على جماعة يكفي جواب واحد إجماعاً ، كما هو الشأن في سقوط جميع الواجبات الكفائية بعد قيام من به الكفاية ، ولا يعتبر في السقوط قصد المجیب الردّ عن الجميع ، نعم ، قيل باستحباب أجوبة متعدِّدة ولو بعد جواب واحد فيما لم يكن في الصلاة ، ولم يكفِ ردُّ من لم يكن داخلاً في الجماعة لما ذكرناه.
العاشر : عكس السابق ، بأن سلّم جماعة على شخص واحد ، فهل يكتفي بجواب واحد بصيغة الجمع عن سلامهم بحيث يقصد منها جواب واحد الجماعة ، كما يكتفي بجواب واحد في المسألة السابقة ، أو يجب تكرار الجواب ورد المُسَلّمين؟
المنقول عن ظاهر المشهور الثاني ، وهو الحقُّ فإن تعدُّد التحيَّة بتعدُّد المسلّمین موجب لتعدُّد الردّ ، فلا معنى لكفاية ردّ واحد ، ولو كان بصيغة الجمع ؛ ضرورةَ عدم تعدُّد الردّ مع وحدة الصيغة ، ولا فرق في ذلك بين كون المسلّم عليه الواحد في الصلاة أو خارجها ، فيجب عليه التكرار في الجواب حَتَّی حال الصلاة بعدد أشخاص المسلّمين ، كما يجب عليه في خارجها ، وصریح بعض الأعلام في أجوية مسائله هو الاكتفاء بردّ واحد لو قصد بردّه الردّ على الجميع ، وكان المشروع بردّه بعد فراغ الجميع من صيغة السلام ، وهو كما ترى ؛ فإنَّ قصد التعدُّد لا يوجب التعدُّد الواقعي ، وهذا الفرع غير مذكور في العروة.
الحادي عشر : إنما يجب ردّ السلام على من علم بكونه مقصوداً بالتحيَّة خصوصاً أو عموماً ، أمّا لو شك فيه لم يجب ، ولو كان في حال الصلاة لا يجوز له ذلك حين بطلت صلاته ، إلّا أن يقصد بردّه القرآن أو الدعاء.
ص: 292
الثاني عشر : يجب أن يكون الردّ في أثناء الصلاة بمثل ما سلَّمَ، فلو قال (قیل - ظ) : سلام عليکم. يجب أن يقول في الجواب : (سلام عليکم) ، بل الأحوط المماثلة في التعريف والتنكير والإفراد والجمع ، نعم ، لا يجب المماثلة إذا زاد قوله : ورحمة الله وبركاته ، كما لا تجب في أمير الصلاة أيضاً ، بل الأحوط إسقاط الزيادة المزبورة في حال الصلاة ، ولو اقتصر المسلّم في سلامه بلفظ (سلام) كما هو المتعارف ما بين كثير من العوام والنسوان - سواء كان مكلّفاً أو غير مكلّف - قيل بعدم وجوب ردّ مثل هذا السلام بغير الصلاة ، فإن التحيَّة التي وجب ردّها في الشرع إنَّما هي التحيَّة الصحيحة ، وأمَّا في أثناء الصلاة فالظاهر عدم جوازه ؛ لكونه موجباً لفساد الصلاة ، نعم ، ربّما فرق كما في (العروة) (1) بين ما لو كان المسلّم شخصاً عالماً عارفاً بقواعد النحو ، وأنَّ قوله : سلام ، متدأ محذوف الخبر وكان المحذوف منويّاً له ، وجب الردّ حينئذ ، وما لو لم يكن كذلك فلا يجب ، وفيه أن الصحَّة والغلط تابعان للّسان العربي ولا مدخلية الاقتصاد فيهما ، بل ولا العلم والجهل ، وحذف الخبر من الكلام يُعد من اللّسان العربي ، ولا فرق فيه بين العالم ، والجاهل ، والشيخ ، وصاحب الجواهر أوجب ردّ السلام الغلط ؛ لصدق التحيَّة به عرفاً ، وهو الأقرب ، هذا والظاهر أن العامَّة لا يوجبون الاتحاد مطلقاً.
قال الفخر الرازي في تفسيره : (المبتدئ يقول : السلام عليك ، والمجيب يقول : وعليکم السلام ، وهذا هو الترتيب الحسن) ، انتهي (2).
ص: 293
ومنه ما يُحکی أنَّ جدّي بحر العلوم (طاب ثراه) مذ كان مجاوراً لبيت الله الحرام دخل عليه رجل من أهل مكَّة من أهل السنَّة وسلّم عليه ، فأجابه السيد رحمه الله بقوله : سلام عليکم.
ثُمَّ التفت رحمه الله إلى أن المماثلة بين السلام وجوابه خلاف مذهب الجمهور ، وكان رحمه الله يستعمل التقيَّة معهم ، فأخذ في تدارك المطلب بأن قال للوارد : يا شيخ ، لقد تسالمنا ولم يرد أحدُنا جواب سلام صاحبه ، عليکم السلام ، فاعتقد الشيخ أنَّ السيِّد قصد بقوله : سلام عليکم ، التحيَّة للمبتدئ لا جواب التحيَّة ، والجواب إنَّما هو قوله : عليکم السلام.
الثالث عشر : يُشترط في صحَّة جواب التحيَّة صدوره من المجيب بعد فراغ المحيِّي من تمام الصيغة لعدم صدق الردّ قبل ذلك وهو واضح.
الرابع عشر : قال في (العروة) مقتضي بعض الأخبار عدم جواز الابتداء بالسلام على الكافر إلّا لضرورة ، ولكن يمكن الحمل على إرادة الكراهة (1).
أقول : روى الصدوق رحمه الله في الخصال عن الصادق عليه السلام ، عن أبيه الباقر عليه السلام قال : «لا تسلّموا على اليهود ، ولا على النصارى ، ولا على المجوس ، ولا على عبدة الأوثان ، ولا على موائد شرب الخمر ، ولا على صاحب الشطرنج والنرد ، ولا على المخنَّث ، ولا على الشاعر الذي يقذف المحصنات ، ولا على المصلّي ؛ وذلك لأنَّ المصلّي لا يستطيع أن يردّ السلام ؛ لأنَّ التسليم من المسلّم تطوع
ص: 294
والرد عليه فريضة ، ولا على آكل الربا ، ولا على رجل جالس على غائط ، ولا على الَّذي في الحمّام ، ولا على الفاسق المعلن بفسقه» (1).
وإنَّما حُمل النهي هنا على الكراهة جمعاً بينه وبين ما مرّ من الأخبار.
وإذا سلّم أهل الملل من الكفَّار ، فقل في الردّ عليهم : عليك ؛ لما رُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : «لا تبدؤوا أهل الكتاب بالتسليم ، وإذا سلّموا عليكم فقولوا : وعليكم» (2).
وفي حديث آخر : «إذا سلّم عليك اليهودي والنصراني والمشرك فقل : عليك» (3).
وفي خبر آخر عنه صلى الله عليه وآله أنهم سلّموا عليه فردّ عليهم بلفظ : «عليك» (4).
وفي خبر آخر تقول في الردّ : «سلام» (5).
روی هذه الأخبار في الكافي.
الخامس عشر : قال السيِّد الأُستاذ (طاب ثراه) في (العروة) : (المستفاد من بعض الأخبار أنه يُستحب أن يسلّم الراكب على الماشي ، وأصحاب الخيل على أصحاب البغال ، وهم على أصحاب الحمير ، والقائم على الجالس ، والجماعة القليلة على الجماعة الكثيرة ، والصغير على الكبير.
ص: 295
قال : ومن المعلوم أنَّ هذا مستحب في مستحب ، وإلا فلو وقع العكس لم يخرج عن الاستحباب أيضاً) (1).
هذا تمام الكلام في أحكام السَّلام.
[د] - «واجلس بين يديه ولا تجلس خلفه» : أي حيث تواجهه ولا تحوجه في الخطاب والمواجهة إلى الانحراف لما فيه من صعوبة نظره إليك ، وحرمانك من التشرُّف بنظرك إلى وجهه مع أنه عبادة.
[ﻫ] - «ولا تضجر بطول صحبته» : وفيه مبالغة على لزوم الوقوف عند العلماء ، وترك الإلحاح على السؤال من العالم ، بل اللازم انتظار صدور الكلام منه ، فإذا شرع البيان تصغي إليه بقلبك.
[و] - والمقصود من قوله : «فإنَّما مثل العالم مثل النخلة» : التمثيل للإيضاح ، بانَّك كما لا تسارع إلى الصعود على النخلة ولا إلى هزّها قبل أوان اقتطاف ثمرتها ، فكذلك ينبغي لك أن لا تحرِّك العالم ولا تضطره إلى كثرة الكلام ، واتباع السؤال بالسؤال.
[ز] - «والعالم أعظم أجراً من الصائم القائم» : إذ لا ريب أنَّ العالم الرباني الهادي للخلق إلى الحقّ أعظم أجراً من الصائم القائم ، فإنَّ الثاني إنَّما يكفُّ نفسه عن المفطرات والملهيات ، وفي ذلك تفع لنفسه دون غيره ، بخلاف الأول فإنه بعلمه ينقذ الناس من الوقوع في الشبهات والاعتقادات الباطلة ، وكذلك المجاهد
ص: 296
الغازي في سبيل الله ، فإنه بمجاهدته مع الكفَّار مدافع عن غلبة الكفَّار على أبدان الخلق ، بخلاف العالم ، فإنه بعلمه مدافع لجنود الجهل عن الاستيلاء على قلوب الضعفاء.
[ح] - «ثلم في الإسلام» : قال في (مجمع البحرين) : (الثلمة كبرمة : الخلل الواقع في الحائط وغيره ، والجمع : ثلم كبرم. وعلَّل ذلك بأنَّهم حصون كحصون سور المدينة ، فذكر ذلك على سبيل الاستعارة والتشبيه) ، انتهى (1).
ويستعمل متعديّاً ولازماً ؛ ولذا عُديّ ب-(في) في الحديث.
[82] - قال رحمه الله : (فصل ، ويجب على العالم العمل ، كما يجب على غيره ، لكنَّه في حق العالم آكد ، ومن ثُمَّ جعل الله تعالی ثواب المطيعات من نساء النبي صلى الله عليه وآله وعقاب العاصيات منهن ، ضعف ما لغيرهِنَّ ، وليجعل له حظاً وافراً من الطاعات والقربات ، فإنَّها تفيد النفس ملكةً صالحةً واستعداداً تامّاً لقبول الكمالات) (2).
[أ] - أقول : إعلم أنَّه كلَّما ازداد العبد معرفة بالله تعالی ازداد خضوعاً له وخوفاً منه ، نظير خدم السلطان وحشمه ، فإنَّهم كلما ازدادوا قرباً من السلطان ازداد خطرهم وثقلت تكاليفهم ؛ لزيادة معرفتهم بشؤون السلطنة وعلو العرش الملوكي ، فما ظنُّك بمالك الملوك ووالي مملكة الوجود ، فإذا كان عالماً لا بدَّ له من العلم بأن الله مطَّلع على الضمائر ، عالم بالسرائر ، رقيب على أعمال عباده ، قائم على كل نفس بما كسبت ، وأن سرّ القلب في حقّه مکشوف ، كما أن ظاهر
ص: 297
البشرة للخلق مكشوف ، بل أشد من ذلك ، قال الله تعالى : ﴿أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ﴾ (1) ، وقال : ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (2) ، فهذه المعومات التي هي من خصائص العلماء ، تقهر قلب العالم على مراعاة جانب الله ، وصرف الهمَّة إليه ، واستغراق قلبه بملاحظة ذلك الجلال منكسراً تحت هيبته ، فلا يبقى فيه متسع الالتفات إلى الغير ، فصار همّه همّاً واحداً ولابد من أن يكفيه الله سائر الهموم ، ومن ثُمَّ جعل الله ثواب المطيعات من نساء النبي صلى الله عليه وآله وعقابهن ضعفاً بما أنهن عالمات بالأحكام الشرعية من حيث معاشرتهن له صلى الله عليه وآله ، واختصاصهن بصحبته ، وكسبهن الأخلاق الفاضلة من طول مجاورته ، وكان فعل الواجبات وترك المحرمات في حقّهن آكد من الغير ، وكذلك ثوابهن وعقابهن أكثر من الغير ، فإن الثواب والعقاب يتأكَّدان بتأكُّد الوجوب والحرمة ؛ إذ ربّما يخفّف العقاب عن بعض الجهّال لعذر الجهل ، وكذلك يخفف الثواب لوقوعه من العامل مع قلَّة معرفته فاقداً لشرائط الكمال.
[ب] - «وليجعل له حظاً وافراً ... إلخ» : بأن يجدَّ ويجتهد في العبادة كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : «أفضل الناس من عشق العبادة ، فعانقها وأحبها بقلبه ، وباشرها بجسده وتفرغ لها ، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا ، على عسر أم على يسر» (3).
ص: 298
وعن أبي عبد الله عليه السلام : مذ سأله بعض أصحابه عن طلب الصّيد ، إلى أن قال عليه السلام : «وإنَّ المؤمنَ لفي شُغُلٍ عن ذلك ، شغله طلب الآخرة عن طلب الملاهي» (1).
وعن کميل بن زياد ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «يا کميل ، إنّه لا تخلو من نعمة الله عزَّ وجلَّ عندك وعافيته ، فلا تخلُ من تحميده ، وتمجيده ، وتسبيحه ، وتقديسه ، وشكره ، وذكره على كلّ حال ... الخبر» (2).
وعن أبي عبد الله عليه السلام في تفسير قول الله عزَّ وجلَّ : ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (3) ، قال : «خلقهم للعبادة» (4).
وبالجملة : فإن العالم أولى بهذه من غيره وأحرى.
قال علي بن الحسين : «إنَّ أحقَّ الناس بالاجتهاد ، والورع ، والعمل بما عند الله ويرضاه ، الأنبياءُ وأتباعُهم» (5).
والمعروف على قدر المعرفة ، والمراد من المعروف كلّ ما عُرف من طاعة الله والتقرُّب إليه ، فلا ينبغي للعالم أن يَنقُصَ معروفُه عن معرفته.
ص: 299
[83] - قال رحمه الله : وقد روينا بالإسناد السالف وغيره ، عن محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن حمّاد بن عيسى ، عن عمر بن اُذينة ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس الهلالي ، قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يحدِّث عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال في كلام له : «العلماء رجلان : رجل عالم آخذ بعلمه فهذا ناجٍ ، وعالمٌ تارك لعلمه فهذا هالِكٌ ، وإنَّ أهل النار ليتأذَّون من ريح العالم التارك لعلمه ، وإن أشد أهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبداً إلى الله ، فاستجاب له وقبل منه ، فأطاع الله، فأدخله الجنَّة وأدخل الداعي النار بترکه علمه ، واتّباعِه الهوي ، وطول الأمل ، أمّا اتّباعُ الهوى فيصدُّ عن الحق ، وطولُ الأملِ يُنسي الآخرة» (1).
أقول : أمّا رجال السند فقد تقدّم ذكرهم جميعاً ، وأمّا ما يتعلق بشرح المتن :
[أ] - قال صاحب الوافي : (هذا التقسيم للعلماء الَّذينَ علمهم مقصور على ما يتعلق بالعمل ، کالعالم بالشريعة ، وكالعالم بالأخلاق دون الَّذينَ علمُهم مقصود لذاته ، کالعالم بالمبدأ والمعاد ، فإنّه لا يكون غالباً إلا ناجياً ، وإذا وقع منه زلَّة أو ذنب تذکّر لربه وتاب ، وتضرّع إليه وأناب) ، انتهى (2).
[ب] - «آخذ بعلمه» : يعني عامل بمقتضاه من تهذيب الظاهر والباطن عن الأعمال القبيحة ، والأخلاق الرذيلة ، وتحليتهما بالأعمال الحسنة ، والأخلاق الفاضلة.
ص: 300
[ج] - «وعالم تارك لعلمه» : غیر عامل بمقتضاه من التجنُّب عن الأخلاق الفاسدة ، وأعمال قُوَّتيهِ الشَّهَويةِ والغضبيةِ ، وتطلُّبِهِ الدّنيا وزُهرتَها ، والإكثار من زخارفها ومشتهياتها ، وتسرُّعه إلى الفتاوى والحكومة بين العباد ، وإنما كان عذاب العالم أكثرَ وأشدَّ ؛ لأنَّ نفسه أقوى ، ومعرفته بقبائح الأعمال الصادرة منه أتمّ ، فتألُّمه وتحسُّرهُ أشدّ ، كما أن ثوابه مع العمل أعظم.
[د] - «لَيَتأذَّونَ من ريح العالم» : قيل : إنّ هذا النتن موجود في الدنيا أيضاً ، إلّا أنّ الشامّة القاصرة لا تدركها ، والآخرة محل بروز الكامنات.
[ﻫ] - «والهوى» : هو ميل النفس الأمَّارة بالسوء إلى مقتضی طباعها من الانغمار في اللَّذات على أنواعها ، واتّباع الهوى يصد عن الحق لا محالة ، أي يحجب القلب عن فهم المعارف ؛ لأنه يضاد العلم والمعرفة ، وحبُّ الشيء يُعمي ويُصِمُّ ، ويكون المتبع لهواه مشركاً بالشرك الخفي ، أفرأيت من اتَّخذ إلهه هواه (1) ، عصمنا الله وإياك.
[و] - «وطول الأمل يُنسي الآخرة» : لأنه يورث قسوة القلب ، وقاسي القلب بعيد عن الآخرة ؛ لأنه شائق إلى الدنيا ، ومن أحبّ شيئاً واشتاقه بعّد عن نفسه اضداده ، وقرّب إليها ملائماته ، فيرى أن على نفسه من حبّه غشاوة مظلمة ، فلا يكاد يتطبَّع فيه الحق.
ص: 301
[84] - قال رحمه الله : عن محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «العلم مقرون إلى العمل ، فمن علم عمل ، ومن عمل علم. والعلم يهتف بالعمل ، فإن أجابه وإلا ارتحل عنه» (1).
أقول : الكلام في موضعين :
في رجال السند :
أمّا محمّد بن سنان : فمختلف فيه غاية الاختلاف ، حَتَّى من شخص واحد ، كالشيخ المفيد ، والشيخ الطوسي ، والعلّامة ، ونقل كلماتهم وما فيها يحتاج إلى بسط لا يقتضيه المقام (2) ، إلّا أنَّ الرجل عندي من عمدة الثقات ، وأجلّ الرواة تبعاً لغير واحد من المحقّقين ونُقَّاد المحصّلين (3) ، ومن أراد التفصيل فعليه برجال جدّي بحر العلوم ، ورسالة حجّة الإسلام السيِّد محمّد باقر الرشتي (4).
ص: 302
وأمّا إسماعيل بن جابر الجعفي : فهو ثقة من أرباب الأُصول التي يرويها عنه الجمّ الغفير ، والجمع الكثير من الأجلّاء ، وصرّح بوثاقته غير واحد من أرباب الفن ، كصاحب (الحاوي) و (الوجيزة) و (المشتركات) (1)، ويروي عن الباقر ، والصادق ، والكاظم عليههم السلام أصابته لقوة ، فأمره الصادق ، فأتى قبر النبي وعلّمه کلمات ، فدعى بها فبرأ (2) ، وقد يقال : الخثعمي ، وهو تصحيف الجعفي.
وشبّه المحقّق الطوسي رحمه الله العلم بالصورة والعمل بالمادة وقال : (وكما لا وجود للمادة بلا صورة ، ولا ثيات للصورة بلا مادة ، فكذلك لا وجود لعمل بلا علم ، ولا ثيات لعلم بلا عمل ، وباجتماعهما يحصل الغرض الأصلي من خلق الإنسان) (1).
وقال حكيم : (القلب ميِّت وحياته بالعلم ، والعلم ميِّت وحياته بالطلب ، والطلب ضعیف وقوته بالمدارسة ، فإذا قوي بالمدارسة فهو محتجب ، وإظهاره بالمناظرة ، فإذا ظهر بالمناظرة فهو عقيم ، ونتاجه بالعمل ، فإذا زُوِّجَ العلم بالعمل توالد وتناسل ملكاً أبدياً لا آخر له) (2).
وقال أفلاطون الحكيم في كتاب (معادلة التفس) - وهي من الصدئ المنسوبة إليه - مخاطباً بها ومعاذلاً لها : (يا نفس ، هذه رتب جماعة ثلاث ، فكوني على أشرفها ، وأجملها : وأدناها رتبة : عامل غير عالم ، كرجل دي سلاح لا شجاعة له ، وما يصنع الجبان بالسلاح؟
والرتبة الثانية : رجل عالم غیر عامل ، كرجل شجاع ولا سلاح معه ، وكيف يلقى عدوه ولا سلاح معه؟ غير أنَّ الشجاع على السلاح أقدر من الجبان على السلاح.
والرتبة الثالثة : هي رجل عالم عامل ، كرجل ذي شجاعة وسلاح ، وهذه ينبغي أن تكون الرتبة الشريفة) (3).
ومن هنا قيل : العلم بلا عمل كالشجرة بلا ثمر ، أو كالحمل على جمل.
ص: 304
والسر في ذلك كلّه على ما قيل : إنَّ العلم الَّذي هو خارج من حدِّ الحال ، وبالغ درجة الكمال ، والملكة ، والرسوخ لا ينفك عن آثاره وخواصّه ، ومن أظهر الخواص له العمل ، أعني الاشتغال بالأفعال الحسنة ، والالتزام بالخصال الجيِّدة.
[ب] - «العلم يهتف بالعمل» : لكونه باعثاً عن العمل ودليلاً عليه ، فإنَّ العالم بموجب علمه دام علمه ؛ لأنَّ للعمل تأثيراً عظيماً في صفاء قلب العامل ، وإزالة الظلمة ، ورفع حجب الجهل عنه ، فلا جرم أنَّ له تأثيراً في رسوخ علمه وتُوَكُّدِهِ ، فيكون محفوظاً من الزوال ، بخلاف ما لو ترك العالم العمل بعلمه ، فإنَّ ترکه موجب لظلمة قلبه ، واحتواء الكدورات عليه ، وانحجابه بالغشاوات ، فإذا استمرّ هذا الحال مع العالم أخذ قلبه في ازدياد الظلمة شيئاً فشيئاً حَتَّى يستوعبه ، فلا يبقى محلٌّ فيه النور العلم ، فيزول عنه بالكلّية لطُروِّ النسيان ، وعروض الشكوك والشُّبَه ، وهو معنى الارتحال عنه ؛ ولذا أنَّ أهل المعرفة قسَّموا أسباب الوصول إلى السعادات الآخروية ، والحظوظ الباقية إلى علم وعمل ، وارتباط أحدهما بالآخر معلوم من الدين ضرورة ، فانفراد أحدهما عن الآخر لا يفيد شيئاً. إنَّ بعض أهل الحكمة قال : إنَّ إدراك المعقولات على ما ينبغي موقوف على صفاء النفس وتنوُّرِها ، وهما موقوفان على تهذيب الأخلاق ، وتكميل السياسيات.
قال الشيخ أبو نصر الفارابي : (ينبغي لمن أراد أن يشرع في الحكمة أن يكون صحيح المزاج ، متأدِّباً بآداب الأخبار ، قَدْ تعلَّم القرآن ، واللُّغَة ، وعُلومَ الشرع أوّلاً ، ويكون عفيفاً ، صدوقاً ، معرضاً عن الفسوق ، والفجور ، والغدر ، والخيانة ، والمكر ، والحيلة ، فارغ البال من مصالح المعاش ، مقبلاً على أداء الوظائف الشرعية ، غير مخلّ بركن من أركان الشريعة ، ولا بأدب من آدابها ، معظّماً للعلم والعلماء ، ولا يكون عنده
ص: 305
لشیء قدر إلا الحكمة وأهلها ، ولا يتَّخذُ العلم حرفة ، وإذا كان بخلاف ذلك فهو عالم زور ، وحکيم کذب ، بل لا يُعدُّ منهم) (1).
فتأمّل - يا أخي - في كلام هذا الحكيم ، فإنَّه صريح في أنَّ العلم هو الثمرة المجتناة من شجرة العلم ، بل هو المحصّل.
ص: 306
[85] - قال رحمه الله : وعنه عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن علي بن محمّد القاشاني ، عمّن ذكره ، عن عبد الله بن القاسم الجعفري ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «إنَّ العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته من القلوب ، كما يزلُّ المطرُ عن الصفا» (1).
أقول : واستيعاب المرام في موضعين :
فيما يتعلق برجال السند : ومرجع الضمير كما تقدّم.
والمراد من العدّة هنا : عليّ بن إبراهيم ، وعلي بن محمّد بن عبد الله بن اُذينة ، وأحمد بن محمّد بن اُميَّة ، وعلي بن حسن.
وكلّما قال الصندوق : (عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد - أعني البرقي المعروف - فالمراد بها هؤلاء) (2).
قال جدّي بحر العلوم (طاب ثراه) ، في ذكر العدّة وصاحبها :
وعدّهُ البرقي وهو أحمدُ *** عليٌّ بنُ الحَسَنِ وأحمَدُ
وبَعْدَ ذينِ ابنُ أُذينَةٍ علي *** وابنٌ لإبراهيمَ واسمُهُ علي (3)
ص: 307
وأمّا علي بن محمّد القاشاني ، فهو : الضعيف ، من ولد زياد مولی عبد الله بن عبَّاس ، من آل خالد بن الأزهر ، لا علي بن محمّد بن شيرة القاشاني الفاضل الفقيه المحدّث الَّذي مدحه النجاشي (1) ، ووثّقه الشيخ وعدّه من أصحاب أبي جعفر الثاني الجواد عليه السلام (2) ، وظنّ العلّامة في (الخلاصة) أنهما واحد (3) ، وهو اشتباه.
قال جدّي الصالح في (شرح الأُصول) بالتغاير ، ونقله عن بعض أفاضل أصحابنا (4).
وقال الشيخ أبو علي رحمه الله : (إنّ احتمال التعدّد ليس بذاك البعيد أيضاً ، بل لا داعي للقول بالاتّحاد أصلاً سوى الوصف بالقاشانيّة ، وهو كما ترى. والله أعلم) (5).
والجعفري : غير معروف كما صرّح به جدّي الصالح (6).
في شرح المتن :
ص: 308
[أ] - «كما يزلُّ المطر عن الصفا» : هو مقصورٌ جمع الصفاة ، وهو الحجر الصلد الَّذي لا يستقر عليه الماء فلا ينبت (1) ، شبّه المعقول - أعني عدم تأثر القلب بموعظة مثل هذا الواعظ - بالمحسوس - أعني عدم تأثر الصخرة الصمّاء من المطر - لزيادة التقرير والإيضاح كما هو شأن الحكماء والبلغاء ، ولا شك أن الموعظة إذا خرجت من القلب دخلت في القلب ، وإذا جرت من اللّسان لم تتجاوز الآذان ، فإن من خالف قوله فعله لا يبقى لقوله تأثير في القلوب ، ومتابعة قوله بالخصوص دون فعله ترجيح بلا مرجَّح ؛ لأنَّ العالم إذا لم يظهر من علمه إلا لقلقة اللّسان من غير أن تظهر منه عبادة ، كان عالماً ناقصاً ، فأمَّا إذا كان يفيد الناس بألفاظه ومنطقه ثُمَّ تشاهده الناس على قدم عظيمة من العبادة ، فإنَّ النفع به يكون عامّاً تامّاً وذلك ؛ لأن الناس يقولون : لو لم يكن معتقداً حقّية ما يقول لما أدأبَ نفسه هذا الدأب ، وأمّا الأول فيقولون فيه : كلّ ما يقوله نفاق وباطل ؛ لأنه لو كان يعتقد حقّية ما يقول لأخذ به ، ولظهر ذلك في حركاته ، فيعتقدون بفعله لا بقوله ، فلا يشتغل أحد منهم بالعبادة ولا يهمّ بها.
قال أمير المؤمنين عليه السلام : «أوضع العلم ما وقف على اللّسان ، وأرفعه ما ظهر في الجوارح والأركان» (2).
فکنّی عليه السلام بالأول عن العلم الَّذي لا عمل معه ، وظهوره وقف على اللّسان فقط ، وهو أنقص درجات العلم ، وأراد الثاني المعلم المقرون بالعمل ، فإنَّ الأعمال الصالحة لمّا كانت من ثمرات العلم بالله وما هو أهله ، كان فيها ظاهرٌ
ص: 309
على جوارح العبد ، وأركانه ظهور العلّة في معلولها ، وذلك هو العلم المنتفع به في الآخرة.
ثُمَّ لا يخفى أنَّ عدم التأثير إنّما يكون في الغالب ، فربّما يحصل لبعض السامعين رقّة قلب وصفاء طينة (1) ، فيتأثَّر من كلام الواعظ المذكور ، وإن كان مخالفاً لعمله فلا ينافي ما سبق في حديث سلیم بن قيس عن أمير المؤمنين عليه السلام : «إنَّ أشدَّ أهل النار ندامة رجل دعا عبداً إلى الله ، فاستجاب دعاءه وقبل ... إلى آخر الحديث» (2).
فإنّه يدل على أنه ربّما كانت موعظة من لم يعلم مؤثّرة ، فلعل ذلك بطريق النُّدرة.
واحتمل بعضهم حمل ذلك على صورة الجهل من السامع بحال المتكلّم بخلاف هذا ، فإنَّ زلَّة الموعظة مخصوصة بصورة علم السامع بحال الواعظ.
ص: 310
[86] - قال رحمه الله : وعنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد ، عن المنقري ، عن علي بن هاشم بن البريد ، عن أبيه ، قال : جاء رجل إلى علي بن الحسين عليه السلام ، فسأله عن مسائل ، فأجاب ، ثُمَّ عاد ليسأل عن مثلها ، فقال علي بن الحسين عليه السلام : «مكتوب في الإنجيل لا تطلبوا علم ما لا تعلمون ولما تعلموا بما علمتم ، فإن العلم إذا لم يُعمل به لم يزدد صاحبه إلا كفراً ، ولم يزدد من الله إلا بعداً» (1).
أقول : مرجع الضمير كما تقدّم.
وعلي بن هاشم المذكور (2) ، هو وأبوه مجهولان ؛ ولذا حكم غير واحد من أهل التحقيق بضعف الحديث.
[أ] - «فسأله عن مسائل» : الظاهر كونها متعلَّقة بالعمل ولو بقرينة السياق.
[ب] - «مکتوب في الإنجيل» : فيه إشارة إلى ثبوت ما كان في الشرائع السابقة في شريعتنا إلا ما اُخرج بالدليل ، ولا ينافيه ثبوت عموم نسخ شريعتنا للشرائع السابقة ؛ إذ الثابت مطلق النسخ لكلّية الشرائع والأديان لا لكلّ حكم من كلّ شريعة.
ص: 311
والانجيل : کتاب عيسی عليه السلام يؤنّث ويذكّر ، فمن أنّث أراد الصحيفة ، ومن ذكر أراد الكتاب ، وهو اسم عبراني أو سرياني ، وقيل : هو عربي.
والإنجيل مثل الأخريط والإكليل وقيل اشتقاقه من النجل الَّذي هو الأصل ، ويقال هو كريم النجل اي الأصل والطبع ، ولمّا عرج عيسی عليه السلام من أقليم الأرض إلى أوج السماء انفقد أكثر فصول الإنجيل إلا ما حفظه الله تعالى ؛ ليكون حجّة وبرهاناً علی النصاری ، كالوصية بفارقليط - ويعنی سيِّد الرسل صلى الله عليه وآله - وبقاء دينه إلى آخر الزَّمان ، وأن بعض ما کان (من كان - ظ) متديِّناً بدین عيسی عليه السلام لمّا رأوا اختلال الإنجيل عزموا على الرجوع عن دينه عليه السلام ، وكان ذلك بعد عروجه باثنتين وعشرين سنة ،فتوجَّه متّى - أحد تلامذة عيسی عليه السلام - إلى تأليف إنجيل ، ومن بعده لوقا - طبيب إنطاکي أحد تلامذة شمعون بطرس - ، ومن بعده يوحنا بن سيداي ، ومن بعده مرقش - أحد تلامذة بطرس - ، فهؤلاء الأربعة ألّف كلّ واحد منهم إنجيلاً ، ومن هنا كان للنصارى أناجیل أربعة على ترتيب الأسامي.
[ج] - «لم يزدد صاحبه إلّا كفرا» : لأن ترك العمل مع العالم جحود وإنكار ، والجاهل التصرف لا يلزمه الإنكار.
[د] - «ولم يزدد من الله إلا بعداً» : أي من رحمة الله وإكرامه في الآخرة ، ولا ريب أنَّ العمل في دار الدنيا موجب لنيل الآخرة والقرب إلى رحمة الله في الآخرة ، فكلّما ازداد العبد في العمل ازداد قرباً إلى الله.
ص: 312
[87] - قال رحمه الله : وعنه ، عن عدّة من أصحابنا ، من أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، رفعه قال : قال أمير المؤملين عليه السلام في كلام له خطب به على المنبر : «أيُّها الناس ، إذا علمتم فاعملوا بما علمتم لعلَّكم تهتدون ، إنّ العالم العامل بغيره كالجاهل الحائر الَّذي لا يستفيق من جهله ، بل قَدْ رأت أنّ الحجّة عليه أعظم ، والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه ، منها على هذا الجاهل المتحيَّر في جهله ، وكلاهما حائر بائر ، لا ترتابوا فتشكُّوا ، ولا تشكُّوا فتكفروا ، ولا تُرخِصوا لأنفسكم فَتُدهِنوا ، ولا تُدْهِنوا في الحقِّ فتخسروا ، وإن من الحقّ أن تَفَقَّهوا ، ومن الله أن لا تفتُروا ، وإنَّ أنصحَكُم لنفسه أطوعُكُم لربِّه ، وأغشَّکم لنفسه أعصاکم لربِّه ، ومن يُطِعِ اللهَ يأمَنْ ويستَبشِرْ ، ومن يعصِ اللهَ يَخِبْ وَينْدَم» (1).
أقول : مرجع الضمير كما تقدّم ، وقد عرفت من يقصده الكليني من العدّة عن أحمد بن خالد البرقي ، وباقي الرجال غير مذکورين ، فالحديث مرفوع.
وأمّا شرح متن الحديث :
[أ] - «خطب على المِنبَر» : بكسر الميم وفتح الباء ، وفي الصّحاح : (نبرت الشيء أنبره نبراً : رفعته. ومنه سُمّي المنبر) (2).
[ب] - «لعلکم تهتدون» : فيه تنبيه على أن العمل بمقتضى العلم يؤدي إلى الاهتداء بهدى الله ، وهو الثبوت على نور اليقين الَّذي هو غاية كلّ شيء ؛ لما
ص: 313
عرفت من أنّ العلم مع العمل موجب للثبوت على سبيل الهداية وصراط الحق ، وأنَّ العلم بلا عمل مستودع.
وبعبارة اُخرى : سلّم الصعود إلى الحضرة الإلهية والقرب من رحمته الواسعة هو العلم والعمل ، لا يمكن الترقّي إلّا بهما ، ولا يكفي التوحيد الَّذي هو الأصل في الاتّصاف بعزَّته وسائر صفاته ؛ لأنَّ الصفات مصادر الأفعال فما لم يترك الأفعال النفسية التي مصادرها صفات النفس بالزهد والتوكُّل ، ولم يتجرَّد عن هيئاتها بالعبادة والتبتُّل ، لم يحصل استعداد الاتّصاف بصفاته تعالى ، فكان العلم الحقيقي الَّذي هو التوحيد بمثابة عُضادتي السلّم ، والعمل بمثابة الدرجات في الترقّي.
[ج] - «العالم العامل بغيره» : أي بغير علمه.
[د] - «كالجاهل الحائر» : في عدم العلم ؛ لأنَّ العلم بلا عمل ليس بعلم ، بل هو أسوأ من الجهل.
[ﻫ] - «لا يستفيق عن جهله» : فيه إشعار بأنَّ الجهل کالسكر أو المرض ، فإنَّ الاستفاقة بمعنى الخلاص من أحدهما.
[و] - «بل قَدْ رأيت» : أي علمت يقيناً كالمشاهدة بالعين.
[ز] - «أنَّ الحُجَّة» : على العالم التارك للعمل بعلمه أعظم من الجاهل المتحيِّر في جهله.
[ح] - «والحسرة» : عليه ، (أدوم) أمّا :
الأوّل : فلأنَّ محاسبته في يوم القيامة على قدر ما عقله وفهمه ، وليس حالة كحال الجاهل قطعاً ، فإنَّ العلم قاطع للعذر.
ص: 314
وأمّا الثاني ، فلأنه كلّما رأى يوم القيامة ربح العاملين وكرامتهم عند الله تعالی ازدادت حسرته وندامته.
ولعلَّ المراد : الحسرة في دار الدنيا ، فإنَّه من حيث إدرا که بالعلم درجات العاملين ، وما أعدّ لهم من القرب والمنزلة في دار جنّات نعيم ، فهو في ألم الغبطة والحسرة من تلك الحيثية ، وما أحسن ما قيل :
قدر زر زرگر شناسد *** قدر جوهر جوهرى
ولا يلزم من ذلك مواظبته على العمل ، كما نرى كثيراً من الناس يترکون النفع الجليل الآجِل ، ويُقدِمون على المنافع الحقيرة العاجلة ، وهم معترفون بتقصيرهم وقصور هممهم ، وأن الألم الحاصل عند زوالها أشدّ من اللَّذة الحاصلة عند وجدانها ، ولكنَّ النفوس الضعيفة تحبُّ الشهوات العاجلة ، حَتَّى أن من الأمثال السائرة على لسان الفرس ، قولهم : (سيلي نقد به از حلواي نسيه).
فتهافت الناس على المعاصي ، وبلوغ الشهوات والمآرب ، وهم في حال التذاذهم بتلك المنافع الطفيفة واجدين ألم الغبطة من حيث تفويتهم على أنفسهم ما هو أعظم وأنفع وألذّ في الآجِل ، وضحك المغبون مشهور عند العقلاء.
[ط] - «وکلاهما حائر بائر» : البائر : الَّذي يتّجه لشيء ولم يأتمر رشداً ، ولا يطيع مرشداً.
[ي] - «ألا ترتابوا» : الريبة بالكسر في أصل اللُّغة : القلق والاضطراب ، ثُمَّ شاع استعمالها في الشكّ وسوء الظن والتُّهمة. والمعنى لا تتَّهموا أهل العلم ولا تنسبوهم إلى احتمال الكذب والافتراء ، فإنَّه يؤدي بكم إلى الشكّ في صدقهم.
ص: 315
هذا في باب العلم ، ولعلَّ المراد : كونوا على يقين في اعتقاداتكم ، ولا ترتابوا أي : لا تجوِّزوا خلافها أصلاً ، وإن كان تجويزاً مرجوحاً ، فإنَّ ذلك يؤدّي إلى الشكّ ، أي ، يقوى على التدريج حَتَّى ينتهي إلى تساوي الحقّ والباطل في نظرکم فنکفروا.
[ك] - «ولا تُرخّصوا» : من الرخصة ضد العزيمة.
[ل] - «لأنفسكم» : أي اعزموا على الطاعات وترك المعاصي ، ولا تتساهلوا في ارتكاب الشهوات في تنويع المآكل ، والمشارب ، والمناکح ، والخروج منها إلى ما لا ينبغي في نفس الأمر ، فتقعوا في المداهنة ، وهي المساهلة في أمر الدين والمسامحة في باب الحقّ واليقين ، فتكونوا من الكافرين والخاسرين.
هذا في باب العمل ، وفيه الحثُّ التامّ على العمل بالطاعات والاجتناب عن المنهيات وغيرها ممَّا يمكن أن يؤدِّي إليها.
[م] - «ولا تُدهِنوا في الحقّ فتخسروا» : أي لا تتساهلوا فيما ثبت حقّيته عندكم ، سواء أكان من العقائد. أم ما يتعلَّق بالعمل ، فإنَّ المساهلة فيه موجبة لنقصان الايمان وحرمان الثواب في يوم الحساب.
[ن] - «وإنَّ من الحقِّ أن تَفَقَّهوا» : أي من حقوق الله الواجبة عليكم أن تتفقهوا في الدين تحصيل المعرفة بحلاله وحرامه وتمييز الخير من الشر.
[س] - «وإنَّ أنصحَكُم لنفسه أطوَعُكُم لربِّه» : لوضوح أن ذلك هو السبب الوحيد لفوزها بالنعيم الأبدي وخلاصها من العقوبات ، وهو معنى النصح حقيقة ، وفيه ترغيب للطاعة بذكر فوائدها كما في قوله : «وأغشّكم لنفسه أعصاکم» تزهيداً عن المعصية بأنها تغشيش للنفس وخيانة في حقّها.
ص: 316
[88] - قال رحمه الله : وعنه ، عن علي بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمّد الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد الله ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله ، ما العلم؟ قال : الإنصاتُ قال : ثُمَّ مه يا رسول الله (1)؟ قال : الاستماع ، قال : ثُمَّ مه؟ قال : الحفظ ، قال : ثُمَّ مه؟ قال : العمل به ، قال : ثُمَّ مه يا رسول الله؟ قال : نشره» (2).
أقول : مرجع الضمير كما تقدّم ، ورجال السند معلومو الحال ، وأمّا شرح المتن :
[أ] - «والإنصات» : (هو السكوت عند الاستماع) (3) ، فإن كثرة المجادلة عند العالم توجب الحرمان من الانتفاع بعلمه ، والسكوت وسيلة إلى حصول العلم وأول مقدماته ؛ ولذا وقع في الجواب عن السؤال عن حقيقته تجوُّزٌ ومبالغةٌ في اشتراطه به ، وكذا ما بعده.
[ب] - «ثم مه» : أصل (مه) (ما) حُذفت الألف وزيدت الهاء للوقف.
[ج] - «قال : الاستماع» : يعني للعلم ، طلباً لسماع الحديث ، وذِكرُ الاستماع بعد الإنصات قرينة على أنَّ المراد من الإنصات هو السكوت فقط ، وإلا فالإنصات لغة هو السكوت للاستماع ، وكيف كان فهما إشارتان إلى سببين من أسباب حصول العلم ، فإنَّ المتعلّم لا بدّ له من السكوت والإصغاء لما يُملي عليه معلّمُهُ.
ص: 317
[د] - «قال : الحفظ» : أي حفظ العلم وضبطه ، وفيه إشارة إلى سبب بقائه ، ولا بدَّ منه ؛ إذ لا ينفع الإنصات والاستماع بدونه ، ولعلَّ المراد منه الحث على الكتابة بخصوصها ؛ إذ لا يأمن الحفظ من النسيان ؛ ولذا قيل : ما حُفظ فرّ وما کُتِبَ فرَّ (1) ، كما وردت به الرواية ، والأخبار بشأن الكتابة مستفيضة قَدْ ذكرناها في الجزء الأول عند تفسير قوله تعالى : ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ (2).
[ﻫ] - وأمّا العمل فقد عرفت أنَّ الغرض الأصلي من العلم هو العمل به.
[و] - وأمّا نشر العلم بين الناس فقد وردت فيه جملة من الأخبار ، ففي الكافي بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «قرأت في كتاب علي عليه السلام أنَّ الله لم يأخذ على الجهّال عهداً بطلب العلم حَتَّى أخذ على العلماء عهداً ببذل العلم للجهّال ؛ لأنَّ العلم كان قبل الجهل» (3).
ولعلَّ المراد التقدم بالشرف والرتبة ، وفيه بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام في هذه الآية : ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ (4) ، قال : «ليكن الناس عندك في العلم سواء» (5).
وبهذا الإسناد عن أبي جعفر عليه السلام قال : «زكاة العلم أن تعلّمه عباد الله» (6).
وقد ذكروا لوجه الشبه وجوهاً :
ص: 318
الأول : إنَّ الزكاة حقُّ الله في المال بإزاء الإنعام ، فكذا التعليم.
الثاني : إنَّ الزكاة توجب نموَّ المال فكذا تعليم العلم يوجب نموَّهُ وزيادته ؛ لأنه شكر النعمة العلم ، والشكر يوجب زيادة النعمة.
الثالث : إنَّ الزكاة توجب طهارة المال عن الشُّبهات ، فكذا تعليم العلم يوجب طهارته عن الشكوك والشُّبَه.
الرابع : إنَّ الزكاة سبب لحفظ المال عن التلف ، فكذا التعليم يوجب حفظه عن الزوال.
وبالجملة : فما هو مذكور في الرواية - من الإنصات وما بعده - من أهمِّ وسائل حصول العلم وأوَّل مقدماته ؛ ولذا وقع في جواب السؤال ب-(ما) الاستفهامية الَّذي هو سؤال عن الحقيقة غالباً ، وليس ذلك إلّا تجوُّزاً ومبالغة في اشتراطه به.
هذا ولا ينبغي أن يمتنع من بذل العلم لأحد لكونه غير صحيح النيَّة ، فإنه يُرجى له صحَّتها ، فقد جاء في الآثار عن بعض العلماء الأخيار أنه قال : طلبنا العلى لغير الله ، فأبى أن يكون إلّا لله.
وقال بعضهم : (فأوصلنا إلى الله) (1).
وذكرنا نظير ذلك فيما تقدّم ، بل اللازم عليه أن يجتهد كلّ الجهد على نشره ، وإذاعته ببذله ، والترغيب فيه ، ولاسيَّما في مثل زماننا هذا الَّذي كادت تندرس فيه أثار الوحي ، والنبوة ، والأئمة عليهم السلام بالكلّية ، فإنَّ بذل الجهد في إشاعة الحديث ، وإفادته ، واستفادته في يومنا هذا من أهمِّ الواجبات.
ص: 319
[89] - قال رحمه الله : فصل : وروينا بالإسناد عن محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «اطلبوا العلم ، وتزيَّنوا معه بالحلم والوقار ، وتواضعوا لمن تعلّمونه العلم ، وتواضعوا لِمَن طلبتم منه العلم ، ولا تكونوا علماء جبَّارين ، فيذهب باطِلُكُم بِحَقّكُم» (1).
أقول : واستيعاب المرام في موضعين
في رجال السند :
الحسن بن محبوب : هو المعروف بالسراد ، ويقال : الزرّاد ، ويكّنى أبا علي ، مولى بجيلة.
قال العلّامة في (الخلاصة) : (كوفي ، ثقة ، عين ، روى عن الرضا عليه السلام ، ، وكان جليل القدر ، يُعدُّ في الأركان الأربعة في عصره. وعدّه الكَشِّي من أصحاب الإجماع ، وقال بعضهم : موضع الحسن بن محبوب : الحسن بن علي بن فضَّال.
ومات الحسن بن محبوب رحمه الله في آخر سنة 224 ﻫ وكان موافياً خمساً وسبعين سنة) (2).
ص: 320
وأمّا معاوية : فهو ابن وهب البجلي ، أبو الحسن.
قال النجاشي : (عربي صميم ، ثقة ، حسن الطريقة ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام ، له كتب ... إلخ) (1).
فيما يتعلق بشرح المتن :
[أ] - «اطلبوا العلم» : قال جدّي الصالح رحمه الله : (إنَّ هذه الأُمور الثلاثة من أعظم الأُصول لتحصيل سعادة الدارين ، واستقامة أحوال الكونين ؛ إذ بالأول تُعرف الأحكام ، والحلال ، والحرام، وأحوال المبدأ والمعاد ، وأحوال السياسات البدنية ، والمنزلية ، والمدنية ، وبالأخيرين تُزيّن النفس بزينة الإناءة ، والرزانة ، والتحلّي بِحِلْيَةِ الصيانة والمتانة ، والتجنُّب عن تبعات الغضب من التضاغن ، والسفه ، والخِفَّة وغيرها ، وهذا أصل عظيم في جلب طيب عيش الدارین ، وطلب نظام النشأتين) (2).
[ب] - «تواضعوا لمن تعلّمونه العلم» : أمّا في أوان اشتغاله بالطلب كما قيل ، أو الأعمّ.
[ج] - «وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم» : أي عند الطلب وبعده.
قال بعض العلماء : (حقُّ المعلّم الربَّاني ، والمربِّي الروحاني على المتعلّم أعظمُ وأولی من حقِّ أبيه الجسماني).
ص: 321
وقال بعض الأكابر : (العلماء أرحم باُمَّة محمّد صلى الله عليه وآله من أبائهم واُمّهاتهم ، قيل : فكيف ذلك؟ قال : لأنَّ أباءهم واُمَّهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا ، والعلماء يحفظونهم من نار الآخرة).
وقيل لإسكندر : (ما بالُكَ تُحبُّ معلّمكَ أكثر ممَّا تحب أباك؟ فقال : لانَّ مُعلّمي سبب حياتي الروحانية الأُخروية ، وأبي وسيلة حياتي الجسمانية الدنيوية) (1).
وبالجملة : فالتواضع معناه التذلُّل ، وهو من الأخلاق العالية التي قَدْ كثر عليها من الله تعالى في كلام الأئمة عليهم السلام في أدعيتهم ، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء كميل بن زياد : «وتجعلني بقسمك راضياً قانعاً ، وفي جميع الأحوال متواضعاً» (2).
وفي الحديث : «ما تواضع أحد لله إلا رفعه» (3).
قال بعض الشراح : (فيحتمل رفعه في الدنيا ، وفي الآخرة ، وفي كليهما) (4).
وفيه أيضاً ، عن أبي عبد الله عليه السلام عنه قال : «سمعته يقول : إن في السماء ملکین موكَّلين بالعباد ، فمن تواضع لله رفعاه ، ومن تكبّر وضعاه» (5).
ولعلَّ المراد من رفعه الثناء عليه ، أو بإعانته في الحصول على المطالب ، وتيسّر أسباب العزة والرفعة في الدارين ، وفي التكبُّر بالعكس فيهما.
وفيه أيضاً : «أنَّ من التواضع أن يجلس الرجل دون شرفه» (6).
ص: 322
أي : عند المجلس الَّذي يقتضي شرفة الجلوس فيه ، أو أدون (أدنى - ظ) منه ، والأخير أظهر.
وفيه أيضاً : «أنَّه نظر أبو عبد الله عليه السلام إلى رجل من أهل المدينة قَدْ اشتری العياله شيئاً وهو يحمله ، فلمَّا رآه الرجل استحيى منه ، فقال أبو عبد الله : «اشتريته العيالك وحملته إليهم ، أما والله لولا أهل المدينة لأحببت أن أشتري لعيالي الشيء ثُمَّ احمله إليهم»» (1).
ويدل على استحباب شراء الطعام للأهل وحمله إليهم ، وأنه مع ملامة الناس الترك أولی.
وفي الكافي : بإسناده عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال : «التواضع أن تعطي الناس ما تُحبُّ أن تُعْطَاه».
وفي حديث آخر قال : «قلت : ما حدُّ التواضع الَّذي إذا فعله العبد كان متواضعاً؟ فقال : «التواضع درجات منها أن يعرف المرء قدر نفسه ، فينزلها منزلتها بقلب سليم ، لا يحب أن يأتي إلى أحد إلا مثل ما يؤتى إليه ، إن رأى سيِّئة درأها بالحسنة ، كاظم الغيظ ، عاف عن الناس ، والله يحب المحسنين»» (2).
أمّا معرفة قدر المرء نفسه فبملاحظة عيوبها وتقصيراتها في خدمة خالقه ، والحاصل التواضع عبارة عن ترك التكبُّر ، والتذلُّل لله ، ولرسوله ، ولأُولي الأمر ، وللمؤمنين ، وعدم حبّ الرفعة والاستيلاء ، وكلّ ذلك موجب للقرب ، وإذا كان أحد الضدَّين موجباً للقرب ، كان الآخر موجباً للبعد.
ص: 323
[د] - «ولا تكونوا علماء جبّارين» : الجبار المتكبِّر ، والكبرياء من صفات الباري تعالى ، قال تعالى : «الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني فيهما قصمت ظهره» (1).
فهو حقٌّ له ، وباطل في غيره ممَّن ادَّعاه لنفسه ، فالتكبُّر من العالم دليل على جهله ، وموجب لسقوط حقوقه التي من جملتها الرئاسة العظمی ، والخلافة الكبرى في الدين والدنيا ، وهو المراد بقوله : «فيذهب باطلُكُم بِحَقّكُم» ، والباء في (بحقّكم) للتعدية.
ص: 324
[90] - قال رحمه الله : وعنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن حمّاد بن عثمان ، عن الحارث بن المغيرة النصري ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزَّ وجلَّ : ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (1) قال : «يعني بالعلماء من صدَّق قولَه فعلُه ، ومن لم يصدق قولَهُ فعله فليس بعالم» (2).
أقول : واستيعاب المرام في موضعين :
في رجال السند : مرجع الضمير كما عرفت.
و (حمّاد بن عثمان بن عمرو بن خالد الفزاري ، وأخوه عبد الله ، ثقتان ، رويا عن أبي عبد الله ، وروی حمّاد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، ومات حمّاد بالكوفة سنة 190 ، كما هو المنقول عن ابن الجوزي في كتاب الجملة) (3).
و (النصري - بالنون والصاد المهملة - : من بني نصر بن معاوية ، ثقة ثقة) (4).
فيما يتعلق بشرح المتن :
ص: 325
[أ] - قَدْ تقدم شرح الآية مفصّلاً ، وقد ذكرنا هناك أنَّ القراءة المشهورة فيها هي نصب لفظ الجلالة ورفع العلماء على أن يكون الأول مفعولاً مقدَّماً والثاني هو الفاعل ، وتقديم ما حقُّه التأخير يفيد الحصر ، فكان المقصود من الآية انحصار الخشية من الله تعالی بصنف العلماء ، وأنَّ من يخشى الله من عباده مثلُ العالم ومن على صفته ، مِمَّن نظر في دلائل الحقّ فعرفه حق معرفته ، وأراد أن يعرفه كنه معرفته ؛ لأن الخشية على حسب العلم بنعوت كماله وصفات جلاله.
[ب] - «فليس بعالم» : وذلك ؛ لأن ترکه العمل بعلمه دليل على أنه ليس بمستیقن في علمه ، وأن العلم عنده مستعار مستودع ، وأنه عن قریب سیسليه ؛ لأنَّ مخالفة العالم علمه من أعظم الذنوب الموجبة لظلمة قلبه ، فلا تجتمع مع نور العلم ، فلا محالة زائل عنه.
ص: 326
[91] - قال رحمه الله : وعنه ، عن عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد البرقي ، عن إسماعيل بن مهران ، عن أبي سعيد القمّاط ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «قال أمير المؤمنين عليه السلام : ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه؟ من لم يقنِّط الناس من رحمة الله ، ولم يؤمِّنهم من عذاب الله ، ولم يرخّص لهم في معاصي الله ، ولم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره ، ألا لا خير في علم ليس فيه تفهّم ، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر ، ألا لا خير في عبادة لا فقه فيها ، ألا لا خير في نسك لا ورع فيه» (1).
أقول : واستيعاب المرام في موضعين :
في شرح حال السند : ومرجع الضمير معلوم.
وإسماعيل بن مهران : كوفي ، يُكنّى أبا يعقوب ، ثقة معتمد عليه ، روى عن جماعة من أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، صرّح بذلك النجاشي في (الفهرست) ، وکفی به شاهداً على الوثوق (2).
والحلبي: يُطلق على محمّد بن علي بن أبي شعبة ، وعلى إخوته : عبيد الله ، وعمران ، وعبد الأعلى ، وعلى أبيهم علي بن أبي شعبة ، وأحمد بن عمر بن أبي شعبة ، وأبيه عمر بن أبي شعبة ، وأحمد بن عمران. وفي الأول ثُمَّ في الثاني أشهر ، كذا في نقد الرجال (1).
وهؤلاء كلّهم ثقات إلا أحمد بن عمران ، وعمر بن أبي شعبة ؛ فإنّه لا نصَّ على توثيقهما ، إلّا أنَّه يُفهم التوثيق من توثيق آل أبي شعبة عموماً (2).
قال النجاشي رحمه الله : (عبيد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي ، مولى بني تيم اللات بن ثعلبة ، أبو علي ، کوفي ، كان يتّجر هو وأبوه وإخوته إلى حلب ، فغلبت عليهم النسبة إلى حلب. وآل أبي شعبة بالكوفة بيت مذكور من أصحابنا ، وروى جدّهم أبو شعبة عن الحسن والحسين عليهما السلام ، وكانوا جميعهم ثقات مرجوعاً إلى ما يقولون.
وكان عبيد الله كبيرهم ووجههم. وصنّف الكتاب المنسوب إليه ، وعرضه على أبي الله عليه السلام ، وصحّحه وقال عند قراءته : أترى لهؤلاء مثل هذا؟) انتهى (3).
وقال المجلسي في (الوجيزة) : (الحلبي يُطلق على ثقات) (4).
في شرح المتن :
ص: 328
[أ] - «حق الفقيه» : أي كامل الفقه ، هو إمّا بدل من الفقيه ، أو صفة له ، ويكون ما بعده - أعني قوله : «من لم يقنِّط الناس» - خبر مبتدأ محذوف تقديره (هو) ، و (أنا) مبتدأ ، وما بعده خبره ، وقيل : أو منصوب بتقدير أعني والمقصود : أن الفقيه الكامل في فقهه لا محالة يكون كذلك ، وذلك ؛ لأنه إن فقه وضع الكتاب العزيز علم أن غرضه عزَّ وجلَّ جذب الناس إليه في سبل مخصوصة بوجوه من الترغيب ، والترهيب ، والوعد ، والوعيد ، والبشارة ، والنذارة وغيرها ، فمن ضرورته إذاً أن لا يقنِّط الناس من رحمة الله بآيات وعیده ونذارته ، ولا يؤيسهم بذلك من روحه لما يلزم اليأس من إغراء العصاة بالمعصية ، واتّباع الهوى ، والحاضر الَّذي يُرجى من نهي النفس عنه ثمرة في الآخرة ، ولذلك قال تعالى : ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (1) وقال : ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ (2).
وأن لا يؤمِّنهم من مكر الله بالجزم بآيات وعده وبشارته ، لما يستلزم السكون إلى ذلك ، والاعتماد عليه من الانهماك في المعاصي واتباع الهوى ؛ ولذا قال تعالى : ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ (3) بل يكون تابعاً في وعظه وجذبه إلى مقاصد سنته ووضع شريعته ، فإنه قلّ موضع من الكتاب العزيز يذكر فيه الوعيد إلّا ويمزجه بالوعد ، والحكمة تقتضي ذلك ؛ ليكون المكلفّ متردِّداً بين الرغبة والرهبة.
ص: 329
ويقولون في الأمثال المرموزة : «لقي موسى عليه السلام وهو ضاحك مستبشر عيسى عليه السلام وهو كالح قاطب ، فقال عيسى : مالك كأنك آمن من عذاب الله؟ فقال موسی عليه السلام : مالك كأنك آيس من روح الله! فأوحى الله إليهما : موسی أحبّكما إليّ شعاراً ، فإنّي عند حسن ظنِّ عبدي بي» (1).
[ج] - «ولم يترك القرآن رغبة إلى غيره» : من الكتب السماوية وغيرها ، يعني الفقيه الكامل يأخذ بالأحكام وغيرها من كتاب الله ، ويتَّبع أوامره ونواهيه ، او يقتفي أثره في العالم ، والعمل ، والقراءة ، ويستنبط منه سائر العلوم الراجعة إلى الاعتقاد من معرفة الله تعالی بذاته ، وصفاته ، وأفعاله ، وأحوال القيامة ، والمعاد الجسماني ، وطريق السلوك إليه تعالى ، والإقبال عليه كما قال : ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾ (2) ، أي انقطع إليه انقطاعاً ، ويعتبر بما حواه من شرح أحوال السالكين من قصص الأنبياء والأولياء ، كقصة : آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسی ، وهارون ، وزکريا ، ويحيى ، وعيسى ، ومريم ، وداود ، وشعيب ، وسليمان ، ويونس ، وإدريس ، والخضر ، وإلياس ، وجبرئيل ، والملائكة ، وغيرهم صلوات الله عليهم أجمعين ، ويتنبّه من أحوال الجاحدين المنطوية في قصص : نمرود ، وفرعون ، وقارون ، وعاد ، وثمود ، وقوم لوط ، وقوم تُبّع ، وأصحاب الأيكة ، وكفّار مكّة ، وعبدة الأوثان ، وإيليس ، والشياطين ، وغيرهم ، ففيما ورد في ذلك من الآيات ماهو واف بالهداية ؛ لاشتمالها على العلوم العقلية ، والحكم البرهانية ، والآثار الإلهية ، والدلائل الوحدانية ، وشواهد ربوبية ، ومواعظ لقمانية ، هي مناهج الإيمان ،
ص: 330
ومعارج العرفان ، كما بشّر الله أهل العقل والفهم في كتابه العزيز أيضاً بما ذكر ، فقال تعالى : ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَ-ٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَ-ٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (1) ، ففيها دلالة على التفخيم ، والتعظيم ، ومدح السالكين في نهج الصواب ، والتابعين للحق في كلّ باب.
[د] - «ألّا لا خير في علم ليس فيه تفهُّم» : أي طلب فهم حقيقته والغرض منه ، فإنَّ الاستدلال بوجود العالم على وجود الصانع ربّما يؤثر العلم في نفس المستدل علماً ظاهرياً يشاركه فيه سائر الناس من العوام ، بخلاف ما لو تأمَّل في كلّ واحد من أجزائه الساكنة ، والمتحركة ، والعلوية ، والسفلية ، والمركَّبة ، والبسيطة ، والنامية ، وغير النامية ، وفي كيفية حركتها ونُشوِّها ، واختلاف مقادیر تلك الحركات ، ومسافتها ، واقتراناتها ، واتصالاتها إلى غير ذلك من الأحوال التي دلَّت على كمال قدرة صانعها ، كما استدل بها خلیل الرحمن ، فيحصل له على ثابت ويقين جازم ، كما حصل له عليه السلام حَتَّى قال له الروح الأمين حين رُمي بالمنجنيق وكان في الهوى مائلاً إلى النار : «ألك حاجة؟ قال : أمّا إليك فلا» (2).
فإعراضه عنه في تلك الحالة ، وإلجاؤه إلى ربِّه ليس إلّا ؛ لأنَّه رأى كلّ من سواه محتاجاً إليه ، خاشعاً لديه ، خاضعاً بين يديه ، مقهوراً لعزَّته ، مغلوباً لقدرته ، بل لم ير موجوداً سواه وملجأً إلّا إياه ، وبالجملة : ففيه الحثّ على الاطّلاع على بواطن الأشياء التي به تتنور قلوب العارفين ، والفرق بين علماء الظاهر والباطن ، أن علماء الباطن واصلون إلى الحق ، وعلماء الظاهر طالبون لطريقه.
ص: 331
[ﻫ] - «ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبُّر» : التدبُّر في القرآن هو التفكُّر فيه والاعتبار به والَّذي هو المقصد الأصلي من سيره من الله إلى هذا العالم ، وهو طورٌ وراء حضور القلب ، فإن الإنسان قَدْ لا يتفكّر في غير القرآن ولكنه يقتصر اعلى سماع القرآن من نفسه ، وهؤلاء يتدبره ، والمقصود من التلاوة التدبر ، فقال سبحانه : ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ (1) ، ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ (2) ، وقال : ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ (3) وإذا لم يكن التدبُّر إلّا بالترديد فليردِّد.
قال أبو ذر : «قام رسول الله صلى الله عليه وآله ليلةً يردِّد قوله تعالى : ﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (4)». فمن لم يتدبَّر فيه كما هو المقصود منه كان بمنزلة منافق يتكلَّم بالحقِّ ظاهراً ، وهو غافل عنه باطناً.
[و] - «ألا لا خير في عبادة ليس فيا تفكُّر» : كما في رواية اُخرى : لأن العرض الأصلي من العيادة هو التقرُّب إلى المعبود ، وطلب رضاه ، والوصول إليه ، والانقطاع عمَّا عداه ، ولا يتحقَّق ذلك من دون يقظة في القلب ، ولذا جاء في الخير : «تفكُّر ساعة خير من عبادة سبعين سنة» (5).
[ز] - «ألا لا خير في عبادة لا فقه فيها» : لا ريب في أنَّ صلاة الفقيه المستنبط لأحكامها من السُنَّة والكتاب أعلى ثواباً وأقرب تناولاً للملائكة ممَّن
ص: 332
لم يفقه شيئاً من أحكامها ، بل أخذها من مقلّده من باب المتابعة والتسليم ورجوع الجاهل إلى العالم ، والمراد من نفي الخير عنها قلَّة ثوابها لا عدم إجزائها.
[ح] - «ألا لا خير في نُسُكٍ لا ورع فيه» : المراد هنا بالنسك هو مطلق العبادة ، والورع هو الكفّ عن المحرَّمات ، ومعلوم أنَّ فعل الواجب من العبادات مع التلبُّس بالمحرَّمات غير منجية لصاحبها.
ص: 333
[92] - قال رحمه الله : عنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عمّن ذكره ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : يا طالب العلم ، إنَّ للعالم ثلاث علامات : العلم ، والحلم ، والصمت ، وللمتكلّف ثلاث علامات : ينازع من فوقه بالمعصية ، ويظلم من دونه بالغلبة ، ويظاهر الظلمة» (1).
أقول : مرجع الضمير كما تقدم.
وعلي بن معبد : مجهول الحال (2) ، والحديث مرسل.
وأمّا شرح المتن :
[أ] - «إنَّ للعالم» : المراد به العالم الكامل والراسخ في العلم ، أعني العم الربَّاني الَّذي يليق الاقتداء بأفعاله والاقتباس من مشكاة أقواله.
[ب] - «ثلاث علامات» : يُعرف هو بها : «العلم والحلم والصمت» : والمراد من الأول آثاره ، أعني العمل على طبق العلم ، وكذالك المراد بالثاني ، أعني سكون الأعضاء وعدم حرکتها بسهولة نحو الانتقام.
ص: 334
وفي الحديث : «الزم الصمت تسلم» (1) ، أي : من آفات اللّسان والمعاصي ، وهي كثيرة (2) ؛ ولذا عدّه عليه السلام من علامات العالم ، فإنَّ ملازمته له دليل على وفور علمه ، ومعرفته ، وصدقه.
[ج] - «وللمتكلّف» : والمراد به من يدّعي مثل ذلك تكلّفاً ، وليس له من تحصيل العلم إلا الرسم وتشهير الاسم ، وغرضه الأصلي ليس إلا الجدل والمراء ، والاستطالة على أشياهه من أشباه العلماء ، أو التوصيل إلى حطام الدنيا بالخبّ والختل ، والسعي في جلبها بجميع الوجوه والحيل ، وكفى خزياً وذلاً تشبيهه في کلام الملك العلّام تارة بالكلب ، واُخرى بالحمار الَّذي يحمل الأسفار ، ذلك هو الخزي الشنيع ، والذلُّ الفظيع.
[د] - «ينازع من فوقه» : من أهل العلم الَّذي يجب عليه الإطاعة والانقياد له ، فكلّما تكلَّم هذا العالم الربَّاني الفوقاني بما فيه نشر للدين القويم ، وسلوك الصراط المستقيم ، ودفعاً للشبهات المظلمة ، تعرّضه المتكلّف بالمزخرفات.
[ﻫ] - «ويظلم من دونه» : في العلم والمعرفة بالغلبة ؛ لقوة ذهنه فيما اكتسبه من الباطل وضعف من دونه ، فلا يتمكّن من التخلُّص عنه.
[و] - «ويظاهر الظلمة» : أي يعينهم على الظلم ، ويمدحهم على ما هم عليه من العقائد الفاسدة ، والسِّير المبغوضة ؛ طلباً لرفعة المنزلة عندهم ، والتفوُّق على الضعفاء بسببهم ، وتحصيل المال بواسطتهم ، كما هو شأن غير واحد من أبناء عصرنا منّ الله تعالى على عباده بفنائه.
ص: 335
[93] - قال رحمه الله : عنه ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن نوح بن شعيب النيسابوري ، عن عبيد الله بن عبد الله الدهقان ، عن درست بن أبي منصور ، عن عروة بن أخي شعيب العقرقوفي ، عن شعيب ، عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : يا طالب العلم ، إنَّ العلم ذو فضائل كثيرة : فرأسه التواضع ، وعينه البراءة من الحسد ، واُذنه الفهم ، ولسانه الصدق ، وحفظه الفحص ، وقلبه حُسن النيَّة ، وعقله معرفة الأشياء والأُمور ، ويده الرحمة ، ورجله زيارة العلماء ، وهمَّته السلامة ، وحكمته الورع ، ومستقرُّه النجاة ، وقائده العافية ، ومركبه الوفاء ، وسلاحه لين الكلمة ، وسيفه الرضا ، وقوسه المداراة ، وجيشه محاورة العلماء ، وماله الأدب ، وذخيرته اجتناب الذنوب ، وزاده المعروف ، ومأواه الموادعة ، ودليله الهدی ، ورفيقه محبَّة الأخيار» (1).
أقول : واستيعاب المرام في موضعين :
في رجال السند : مرجع الضمير كما تقدم.
من رجال الكَشِّي والشيخ أنَّ نوح بن صالح ونوح بن شعيب البغدادي واحد) (1). وذكر الفضل بن شاذان في حق ابن صالح ما يشهد بأنه من شيعة أهل البيت عليهم السلام وكان فقيهاً (2) ، وبالجملة فلا ريب في كون الرجل ممدوحاً بما يقرب من الوثوق ، وصرّح بممدوحيته العلّامة المجلسي في (الوجيزة) وصاحب (بُلغة المحدثین) (3).
والدهقان : ضعيف ، كما صرّح به النجاشي والمجلسي أيضاً (4).
قيل : الدهقان ، اسم أعجمي مركب من (ده) و (قان) ومعناه : سلطان القرية ؛ لأن (ده) اسم للقرية ، و (قان) اسم للسلطان (5).
وأمّا درست - ومعناه صحيح - : ذكره النجاشي في (الفهرست) (6) ، وذكر له في رجاله دليلاً على كونه من الشيعة الإمامية ، كما يدل عليه وضع هذا الكتاب ، فإنَّه في فهرست كتب الأصحاب ومصنّفاتهم ، دون غيرهم من الفرق ، وكذلك (الفهرست) للشيخ ، فكلّ من ذكر له ترجمة في الكتابين ، فهو صحيح المذهب
ص: 337
ممدوح بمدحٍ عام يقتضيه الوضع ؛ لذكر المصنِّفين العلماء والاعتناء بشأنهم وشان کتبهم ، وذكر الطريق إليهم ، وذكر من روى عنهم ومن رووا عنه.
ومن ذلك يُعلم أنَّ إطلاق الجهالة على المذكورين في (الفهرست) للشيخ ، والنجاشي من دون توثيق أو مدح خاص ، ليس على ما ينبغي.
وكذا الكلام فيمن ذكره الشيخ الجليل ابن شهر آشوب السَّروي في كتاب (معالم العلماء) ، ومن ذكره الشيخ علي بن عبيد الله بن بابویه في فهرسته ، وهذا ممَّا ينبغي أن يلحظ ، فقد غفل أكثرهم عنه (1).
وفي خصوص (دُرُست) المذكور ، فرواية ابن أبي عمير عنه إشارة إلى وثاقته أيضاً (2) ، فلا أقل من إدخال حديثه في القويّ ، وإخراجه بذلك من قسم الضعيف.
وأمّا أبو بصير : فهو كنية جماعة ، وعند الإطلاق ينصرف إلى الثقة كما هو المعروف في أمثاله ، وهو عبد الله بن محمّد الأسدي الثقة (1).
فيما يتعلَّق بشرح المتن :
[أ] - «ذو فضائل كثيرة» : ببَّههم على أن العلم إذا لم يكن معه هذه الفضائل التي بها تظهر آثاره ، فهو ليس بعلم حقيقة ولا يُعدُّ صاحبه عالماً ، فشبّه العلم بإنسان له حواس ظاهرة وباطنة لزيادة الإيضاح والتقرير.
[ب] - «فرأسه التواضع» : شبّه التواضع بالرأس ؛ إذ كما أنَّ الإنسان ينتفي بانتفاء رأسه ؛ لكونه جزءه المقوّم له ، فكذلك التواضع إذا انتفى من صاحب العلم انتفى منه العلم ، والجهل مع التواضع خير من العلم مع الكبر ، وقد عرفت معنی التواضع وخواصه.
[ج] - «وعينه البراءة من الحسد» : البراءة من الحسد شبيهة بالعين ، ووجه الشبه بينهما أن كلاً منهما آلة للإدراك ، فالعين الجارحة آلة لإدراك المحسوسات ، وعدم الحسد آلة لإدراك المعقولات ، فإنَّ من لا حسد فيه يستعلم المجهولات من الَّذين يعلمونها بخلاف الحاسد ، فإنه لبغضه من يعلم لا يستعلم منه ما لا يعلم تحقيراً بعلمه وإيذاناً منه بأن ذلك غير قابل للتعليم وليس من الفضائل التي ينبغي اكتسابها ، ومع ذلك يُخفي ما حصله من العلوم عن غيره ،
ص: 339
فهو بذلك غير مشاهد لغيره ما هو حاصل له من العلوم محروم من الزيادة عليه ، وفي هذه الفقرة دلالة على ذمِّ الحسد كما في الكافي بإسناده عن محمّد بن مسلم ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : «إنَّ الرجل ليأتي بأيِّ بادرة فيكفر ، وإنَّ الحسد ليأكل الإيمان ، كما تأكل النار الحطب» (1).
وفيه أيضاً باسناده عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وآله : كاد الفقر أن يكون كفراً ، وكاد الحسد أن يغلب القدر» (2).
وفيه أيضاً باسناده عن معاوية بن وهب ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : «آفة الدين الحسد ، والعُجب ، والفخر» (3).
وفيه أيضاً عن داود الرقي ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قال الله عزَّ وجلَّ لموسی بن عمران عليه السلام : يا بن عمران ، لا تحسدنَّ الناس على ما آتيتهم (4) من فضلي ، ولا تمدَنَّ عينيك إلى ذلك ولا تتبعه نفسَك ، فإنَّ الحاسد ساخط لِنِعَمي ، صادّ لقسمي الَّذي قسمت بين عبادي ، ومن يك كذلك فلست منه وليس مني» (5).
وفيه أيضاً باسناده عن الفضيل بن عياض ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «إنَّ المؤمن يغبط ولا يحسد ، والمنافق يحسد ولا يغبط» (6).
ص: 340
قال ابن الأثير : (الحسدُ أن يرى الرجل لأخيه نعمة ، فيتمنَّى أن تزول عنه ، وتكون له دونه.
والغبط : أن يتمنَّى أن يكون له مثلها ، ولا يتمنَّى زوالها عنه) ، انتهى (1).
قلت : أمّا الأول فحرام مطلقاً كما هو المنقول عن المشهور ، أو إظهاره كما يظهر من بعض الأخبار ، ففي مرفوعة النَّهدي عن أبي عبد الله عليه السلام المروية في آخر أبواب الكفر والإيمان من اُصول الكافي ، قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وآله : وُضع عن اُمَّتي تسع خصال : الخطأ ، والنسيان ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطُرّوا إليه ، وما استُكرِهوا عليه ، والطَيَرة ، والوسوسة في التفكُّر في الخلق ، ابوالحسن ما لم يظهر بلسان أو يد» (2).
وروي : «ثلاث لا يسلم منها أحد : الطَيَرة ، والحسد ، والظن. قيل : فما نصنع؟ قال : إذا تطيرت فامضِ ، وإذا حسدت فلا تبغِ ، وإذا ظننت فلا تحقّق» (3).
والبغي عبارة عن استعمال الحسد ؛ ولذا عَدَّ في الدروس من الكبائر - في باب الشهادات - بغضَ المؤمن وإظهار الحسد ، لا نفسَه (4).
وبالجملة : ففي كثير من أخبار الحسد إشارة إلى ذلك ولعله الأظهر ، فإنَّ العقاب على حالة الحسد التي هي من القهريات مناف لقواعد العدل ، وإن دلَّت حلى خبث سريرة الحاسد ، وعلى كل حال فيستثنى من ذلك نعمة أصابها فاجر أو کافر ، وهو يستعين بها على تهييج الفتنة ، وإفساد ذات البين ، وإيذاء الخلق ، فلا
ص: 341
يضرّ کراهتك لها ، ومحبَّتك لزوالها ، فإنَّك لا تحبُّ زوالها من حيث إنَّها نعمة ، بل من حيث إنَّها آلة الفساد ، ولو أمنت فساده لم يغمَّك تنعُّمه (1).
ثُمَّ إن الحسد من الأمراض العظيمة للقلوب ، ولا تداوي أمراض القلوب إلا بالعلم والعمل ، والعلم النافع لمرض الحسد هو أن تعرف تحقيقاً أنَّ الحسد ضرر عليك في الدنيا والدين ، وأنه لا ضرر به على المحسود في الدين والدنيا ، بل يستقع به في الدين والدنيا ، ومهما عرفت هذا عن بصيرة ، ولم تكن عدوَّ نفسك وصديق عدوَّك ، فارقت الحسد لا محالة.
أمّا كونه ضرراً عليك في الدين ، فهو أنَّك بالحسد سخطت قضاء الله تعالى ، وكرهت نعمته التي قسّمها لعباده ، وعدله الَّذي أقامه في ملکه بخفي حكمته ، واستنكرت ذلك واستبشعته ، وهذه جناية على حدقة التوحيد ، وقذى في عين الإيمان (2).
وأمّا كونه ضرراً عليك في الدنيا ، فهو أنه تتألم بحسدك وتتعذّب به ، ولا تزال في كدر وغمّ بما تراه في عدوك من نعمة أو بليَّة منصرفة عنه ، فتبقى محزوناً متشعِّب القلب ، ضیِّق النفس ، كما تشتهيه لعدوِّك ، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : «لله در الحسد ، حيث بدأ بصاحبه فقتله».
وأمّا أنه ينتفع المحسود في الدين والدنيا فواضح ، أمّا الأول فهو أنه مظلوم من جهتك ولا سيّما إذا أخرجك الحسد إلى القول والفعل بالغيبة ، والقدح فيه ، وهتك الستر ، وذكر المساوئ ، فتكون بذلك مهدياً إليه حسناتك حَتَّى تلقاه يوم
ص: 342
القيامة وأنت مفلس مخروم من النعمة كما حُرّمت في الدنيا ، فأضفت له نعمة إلى نعمته ، ولنفسك شقاوة إلى شقاوتها (1).
وإمّا الثاني : فهو أن أهم أغراض الخلق مساءة الأعداء ، وغمُّهم ، وشقاوتهم ، وکونهم معذَّبين مغمومين ، ولا عذاب أعظم ممَّا أنت فيه من ألم الحسد ، وغاية أماني أعدائك أن يكونوا في نعمة ، وأن تكون في غمٍّ وحسرة (2).
ومن نوابغ الحكم : (الحسد حسكٌ من تعلَّق به هلك) (3).
ولبعضهم ، شعر :
اصبر على حسد الحسود *** فإنَّ صبرَكَ قاتِلُهْ
كالنارِ تأكلُ بعضَها *** إنْ لمْ تَجِدْ ما تأكُلُهْ (4)
وقال آخر :
أيا حاسداً لي على نعمتي *** أتدري على مَنْ أسأتَ الأدَبْ
أسأتَ على اللهِ في حُكْمِهِ *** لأنَّك لم تَرْضَ لي ما وَهَبْ
فجازاك ربِّي بأنْ زادني *** وسدَّ عليكَ وُجوهَ الطَّلب (5)
ص: 343
وحكى صاحب الطرائف : (أن رجلاً من العرب دخل على المعتصم ، فقرّبه وأدناه وجعله نديمه ، وصار يدخل على حريمه من غير استئذان ، وكان له وزير حاسد فغار من البدوي وحسده وقال في نفسه : إن لم أحتل على هذا البدوي في قتله أخذ بقلب أمير المؤمنين وأبعدني منه.
فصار يتلطّف بالبدوي حَتَّى أتى به إلى منزله ، فطبخ له طعاماً ، وأكثر فيه من الثوم ، فلمَّا أكل البدوي منه ، قال : احذر أن تقرب من أمير المؤمنين ، فيشمّ منك رائحة الثوم ، فيتأذى من ذلك ، فإنه يكره رائحته.
ثُمَّ ذهب الوزير إلى أمير المؤمنين ، فخلا به وقال : يا أمير المؤمنين ، إن البدوي يقول عنك للناس : إن أمير المؤمنين أبخر ، وهلكت من رائحة فمه.
فلمَّا دخل البدوي على أمير المؤمنين جعل كمّه على فمه ؛ مخافة أن يُشمَ منه رائحة الثوم ، فلمَّا رآه أمير المؤمنين وهو يستر فمه بكمه ، قال : إن الَّذي قاله الوزير عن هذا البدوي صحيح! فكتب أمير المؤمنين كتاباً إلى بعض عماله يقول له فيه : إذا وصل إليك كتابي هذا ، فاضرب رقبة حامله.
ثُمَّ دعا بالبدوي ودفع إليه الكتاب ، وقال له : امض به إلى فلان وايتني بالجواب ، فامتثل البدوي ما رسم به أمير المؤمنين وأخذ الكتاب وخرج به من عنده ، فبينما هو بالباب إذ لقيه الوزير فقال : أين تريد؟
فقال : أتوجَّه بكتاب أمير المؤمنين إلى عامله فلان. فقال الوزير في نفسه : إنَّ هذا البدوي يحصل له من هذا التقليد مالاً جزيلاً.
فقال له : يا بدوي ما تقول فیمن يريحك من هذا التعب الَّذي يلحقك في سفرك ويعطيك ألفي دينار؟
فقال : أنت الكبير وأنت الحاكم ، مهما رأيته من الرأي أقبل (1).
ص: 344
قال : أعطني الكتاب ، فدفعه إليه ، فأعطاء الوزير ألفي دينار ، وسار بالكتاب إلى المكان الَّذي هو قاصده ، فلمَّا قرأ العامل الكتاب أمر بضرب رقبة الوزير ، فبعد أيام تذكّر الخليفة في أمر البدوي وسأل عن الوزير ، واُخبر بأن له أياماً ما ظهر ، وأن البدوي بالمدينة مقيم ، فتعجَّب من ذلك وأمر بإحضار البدوي ، فحضر فسأله عن حاله ، فأخبره بالقصة التي اتفقت له مع الوزير من أولها إلى آخرها ، فقال له : أنت قلت عني للناس : إنّي أبخر.
فقال : معاذ الله يا أمير المؤمنين أن أتحدث بما ليس به علم ، وإنما كان ذلك مكرً منه وحسداً ، وأعلمه كيف دخل إلى بيته أطعمه الثوم وما جرى له معه.
فقال أمير المؤمنين : قاتل الله الحسد ما أعدله ؛ بدأ بصاحبه فقتله ، ثُمَّ خلع على البدوي واتّخذه وزيراً ، وراح الوزير بحسده) (1).
وأمّا الثاني : أعني عنوان الغبطة - فلا بأس به - بل هو راجع ، وهو مثل من وجد درجة من الكمال يسأل الله تعالى ويطلب منه التوفيق لما فوقها.
[د] - «واُذنه الفهم» : فإن من خوطب بما لا يفهم كمن خوطب بما لا يسمع ، فالعلم بلا فهم كالإنسن بلا اُذن.
[ﻫ] - «ولسانه الصدق» : فإنَّ من أعظم فوائد اللّسان انتفاع الناس بمنطقه ، وإذا لم يكن صادق اللهجة فلا يُعتمد على قوله ، ولا يُعتمد بشيءٍ من منطقه ؛ فيكون كمن لا لسان له.
وفي الكافي بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «إنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يبعث نبياً إلّا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة إلى البرّ والفاجر» (2).
ص: 345
وبإسناده عنه عليه السلام أيضاً ، قال : «إنَّما سُمّي إسماعيل صادق الوعد ؛ لأنه وعد رجلاً في مكان ، فانتظره في ذلك المكان سنة ، فسمّاه الله عزَّ وجلَّ صادق الوعد»
ثُمَّ قال : «إن الرجل أثاه بعد ذلك فقال له إسماعيل : مازلت منتظراً لك» (1).
وفيه أيضاً بإسناده عن زياد الصيقل ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : «من صدق لسانه زکی عمله ، ومن حسنت نيَّته زيد في رزقه ، ومن حَسًن برّه بأهل بيته مُدَّ له في عمره» (2).
وفيه من الدلالة على رفعة درجة الصادقين عند الله عزَّ وجلَّ ما لا يخفی ، وقال الله تعالى : ﴿هَ-ٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾ (3) ، وقال تعالى : ﴿وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ﴾ (4) فمدحهم وبيّن لهم المغفرة والأجر العظيم.
وعن طريق العامة ، عن عائشة قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وآله بِمَ يعرف المؤمن؟ قال : «بوقاره ، ولين کلامه ، وصدق حديثه» (5).
قيل : (لكلّ شيء حلية ، وحلية النطق الصدق) (6).
قال ارسطو طاليس : (أحسن الكلام ما صدق فيه قائله ، وانتفع به سامعه) (7).
ص: 346
وقال عامر العدواني في وصيَّته : (إنّي وجدت صدق الحديث طرفاً من الغيب ، فاصدقوا) (1).
يعني : من لزم الصدق وعوّده لسانه وُفّق فلا يكاد ينطق بشيء يظنه إلا جاء على ظنَّه ، وما أحسن ما قيل في ذلك :
عليكَ بالصدقِ ولو أنَّه *** أحرقَكَ الصّدقُ بنار الوعيدْ
وابغِ رضا المولى فأغبى الورى *** مَنْ أسخَطَ المولى وأرضى العَبيدْ (2)
وقال فضيل : (ما من مضغة أحبّ إلى الله تعالى من اللّسان إذا كان صدوقاً ، ولا مضغة أبغض إلى الله تعالى من اللّسان إذا كان كذوباً) (3).
[و] - «وحفظه الفحص» : يعني البحث والتفتيش ؛ إذ بذلك يحفظ من الضِّياع والنسيان.
[ز] - «وقلبه حسن النيَّة» : فكما أنَّ الرجل إذا كان صحيح القلب تصحُّ معه حركاته وسائرُ جوارحه وأعضائه ، وتترتَّب عليها ما هو المطلوب منها ، كذلك إذا حسنت نيَّته يحسن عمله ، ويترتَّب عليه ما هو غرضه من العلم - أعني الحياة الأبدية - فالعلم العاري عن ذلك كالإنسان العاري عن القلب فلا حياة له.
[ح] - «وعقله معرفة الأشياء والأُمور» : فكما أن قوام الإنسان بعقله ، كذلك قوام العلم بمعرفة الأشياء والأُمور ، والمراد من الأُمور الدنيا وفناؤها ، وما يوجب الزهد فيها ، والإعراض عنها ، والتوجَّه إلى الحق.
ص: 347
[ط] - «ويده الرحمة» : فكما أنَّ اليد الجارحة وسيلة إلى إيصال النعمة التي هي من الفواضل ، كذلك الرحمة من العالم على المحتاجين إليه في العلم ، فإنَّها وسيلة لإيصال النعمة التي هي من الفضائل بالنسبة إلى من يتعلَّم ، فإنَّ العلم مع عدم الرحمة بالمعنى المذكور كالَّذي لا يد له ، وقد قدَّمنا ما يناسب المقام في شرح الحديث الثالث عشر.
[ي] - «ورجله زيارة العلماء» : فكما أنَّ المرء يحصّلُ مآربه بسعي رجله ، فكذلك زيارة العلماء بعضهم بعضاً يوجب انتقال العلم من صدر إلى صدر.
[ك] - «وهمَّته السلامة» : والمراد بالسلامة إمّا سلامته من المعاصي ، أو سلامة الناس من شرّه وحكمته - بفتح الحاء والكاف - وهو المحيط من اللّجام المانعة من خروج الدابة عن لاحبِ الطريق (1) ، والتوجُّه إلى خلاف مقصده.
[ل] - «ومستقرُّه النجاة من الشكوك والشُّبهات» : فإنَّ العالم لا يستقر في منزله ولا يطمئنّ بعلمه إلّا إذا وصل إلى حد اليقين.
[م] - «وقائده العافية» : أي ما يجرُّه إلى نجاته العافية من مرض الجهل ، وسائر الأمراض النفسانية.
[ن] - «ومركبه الوفاء بعهد الله تعالی» : والإتيان بما أمر به ، والاجتناب عمّا نهى عنه ؛ فإنه بذلك يصل إلى مقصوده.
[س] - «وسلاحه لين الكلمة» : وإنَّما شبَّه لين الكلمة بالسلاح الَّذي هو آلة الدفاع ؛ لأنه يدفع بذلك عن صاحبه سَوْرَةَ المكارة.
ص: 348
[ع] - «وسيفه الرضا» : بالقضاء ، أو بما وقع من عدوِّه بالنسبة إليه عند ملاقاته ، فإن بذلك يندفع عنه المضرَّة العاجلة القريبة ، كما أنَّ بالسيف يُدفع العدو القريب ، رُوي في الكافي بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «رأس طاعة الله الصبر والرضا عن الله فيما أحبّ العبد أو كره ، ولا يرضى عبد عن الله فيما أحبّ أو كره ، إلا كان خيراً له فيما أحبَّ أو كره» (1).
وفيه أيضاً بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «إنَّ أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله عزَّ وجلَّ» (2).
وفيه أيضاً بإسناده عن علي بن الحسين عليه السلام ، قال : «الصبر والرضا عن الله رأس طاعة الله ، ومن صبر ورضي عن الله فيما قضى عليه فيما أحبّ أو كره ، لم يقض الله عزَّ وجلَّ له فيما أحبّ أو كره إلا ما هو خير له» (3).
وفي قوله : «إنَّ أعلم الناس ... الخ» دلالة على أنَّ الرضا بالقضاء تابع للعلم والمعرفة ، وأنه قابل للشدَّة والضعف مثلهما ؛ وذلك لأنَّ الرضا مبني على العلم بأنه سبحانه قادر ، قاهر ، عدل ، حکيم ، لطيف بعباده لا يفعل بهم إلّا الأصلح ، وأنّه المدبِّر للعالم وبيده نظامه ، فكلّما كان العلم بتلك الأُمور أتمّ كان الرضا بقضائه أكمل وأعظم ، وأيضاً الرضا من ثمرات المحبَّة والمحبّة تابعة للمعرفة إذا كملت المحبّة ، فكلّما أتاه من محبوبه التذّ به ، وهذه أعلى مدارج الكمال.
ص: 349
[ف] - «وقوسه المداراة» : فإنَّ القوس آلةٌ يُدفع بها العدوُّ البعيد ، وكذلك حسنُ الخُلُق والمداراة ، فإنَّهما يَدفع بهما صاحبهما المضرَّة الآجلة والعاجلة ؛ إذ من المعلوم أن حُسنَ الخُلُق يمنع صاحبه عن المعاصي المتعلّقة بإيذاء الخلق ، کعقوق الوالدين ، وقطع الأرحام ، والإضرار بالمسلمين ، وإساءة الجار ، فلا يقع منهم إلّا المقابلة بالمثل - أعني دفع الضرر وكفّ الأذى عنه -.
ففي الكافي بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «ما يقدم المؤمن على الله عزَّ وجلَّ بعمل - بعد الفرائض - أحبّ إلى الله تعالى من أن يسع الناس بخُلُقه» (1).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : «أكثر ما تلجُ به اُمَّتي الجنَّة ، تقوى الله وحُسنُ الخُلُق» (2).
وفي المروي بالإسناد عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «البّر وحسن الخُلق يعمِّران الديار ، ويزيدان في الأعمار» (3).
وبالجملة : فحسن الخُلق حالة نفسانية يتوقف حصولها على اشتباك الأخلاق النفسانية بعضها ببعض ، ومن ثُمَّ قيل : هو حسن الصورة الباطنة التي هي صورة النفس الناطقة ، كما أنَّ حسن الخُلق هو حسن الصورة الظاهرة وتناسب الأجزاء ، إلّا أنَّ الأول قَدْ يكون مكسباً كما حقَّقناه سابقاً ، ويُعرف ذلك من الشخص بمخالطة الناس بالجهل ، والتودُّد ، والصلة ، والصدق ، واللُّطف ، والمبرّة ، وحسن الصحبة ، والعشرة ، والمراعاة ، والمساواة ، والرفق ، والحلم ، والصبر ، والاحتمال لهم ، والإشفاق عليهم
ص: 350
[ص] - «وجيشه محاورة العلماء» : فإنَّها تقوِّي علمه وتعينه كمعاونة الجيش للسلطان ، فكما أن السلطان يحفظ ثغوره بالجيوش ، كذلك العالم يحفظ مسالك قلبه من هجمات جيش الجهل ، واستيلاء جنود الشيطان عليها بالمحاورة مع العلماء ، والمذاكرة مع الفضلاء ، فإنَّ لكلّ علم أسراراً لا يطّلع عليها من الكتب ، فيجب أخذها من العلماء ؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله : «خذ العلم من أفواه الرجال» ونهی عن الأخذ ممَّن أخذ علمه من الدفاتر ، وقال صلى الله عليه وآله : «لا يغرّنَّكم الصّحفيون» ، وأمر عليه السلام بالمحادثة في العلم والمباحثة ، فإنَّها تفيد التفس استعداداً تامّاً لتحصيل المطالب واستخراج المجهولات.
قال صلى الله عليه وآله : «تذاكروا وتلاقَوا وتحدَّثوا ، فإنَّ الحديث جلاء القلوب ، فإن القلوب لَتَرِينُ كما يَرِينُ السيف ، وجلاؤه الحديث».
وقال صلى الله عليه وآله : «إنَّ الله عزَّ وعلا يقول : تذاكُرُ العلم بين عبادي ممَّا تحيى عليه القلوب الميِّتة ، إن هم انتهوا فيه إلى أمري» (1).
وفي آداب المتعلّمين : (لا بدّ لطالب العلم من المطارحة والمناظرة ، فينبغي أن يكون بالإنصاف ، والتأنّي ، والتأمُّل ، فيحترز عن الشغب والغضب ، فإنّ المناظرة والمذاكرة مشاورة ، إنما يكون لاستخراج الصواب ، وذلك إنَّما حصل بالتأمُّل والإنصاف ، ولا يحصل بالغضب والشغب.
وفائدة المطارحة والمناظرة أقوى من قائدة مجرد التكرار ؛ لأن فيه تكرار مع زيادة.
قيل : (مطارحة ساعة خير من تكرار شهر) ، لكن إذا كان منصفاً سليم الطبع.
ص: 351
وإيَّاك والمناظرة مع [متعنّت] غير مستقيم الطبع ، فإنَّ الطبيعة مسترقة ، والأخلاق متعدية ، والمجاورة مؤثّرة) ، انتهى (1).
[ق] - «ومالُهُ الأدب» : لأن بالأدب يحصل له الألفة والمحبة مع معلّمه ومتعلّمه وسائر الناس ، فهو بمنزلة البضاعة له يتّجر به ، والمراد بالذخيرة ما يحرزه لوقت الحاجة ، فإن اجتناب الذنوب نافعة في يوم القيامة.
[ر] - «وزادُهُ المعروف» : شبَّهه بالزاد من حيث إنَّ الزاد ما يُتَّخذ للسفر الجسماني ، وبدونه يهلك المسافر ولا يصل إلى كعبة مقصوده ، فكذلك السفر إلى الله لا بدَّ له من زاد روحاني وهو المعروف - أعني الأعمال الموافقة لقانون الشرع - وضدُّه المنكر - أعني الأعمال الخارجة عن قانون الشريعة المحمّدية - ومن هنا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر واجبین عقلاً ونقلاً.
أمّا الأول ؛ فلأنَّهما لطفٌ ، وهو واجب على مقتضى قواعد العدل.
وأمّا الثاني : فكثير في الكتاب والسُّنة ؛ أمّا الكتاب كقوله تعالى : ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ (2).
وقوله تعالی : ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ (3).
وأمّا السُّنة فكقوله صلى الله عليه وآله : «لتأمُرُنَّ بالمعروف ولتنهُنَّ عن المنكر ، أو لَيُسَلِطَنَّ اللهُ شرارَكم على خيارِكم ، فيدعوا خيارُكم فلا يُستجاب لهم».
ص: 352
ومن طرق أهل البيت عليهم السلام فيه ما يقصم الظهر ، فليقف عليه من أراده في فروع الكافي ، ووجوبهما على الكفاية في أجود القولين ؛ للآية السابقة ولأن الغرض شرعاً وقوع المعروف ، وارتفاع المنكر من غير اعتبار مباشر معيَّن ، فإذا حصلا ارتفع وهو معنى الكفائي (1).
وذهب الشيخ في (المبسوط) (2) ، وابن حمزة في (الوسيلة) إلى كونهما من فروض الأعيان (3) ، استدل عليه بالرواية السابقة ، حيث إنَّ الخطاب فيه للعموم وفيه نظر بیّن ، فإنَّ الواجب الكفائي يُخاطب به جميع المكلَّفين كالعيني ، وإنَّما يسقط عن الكل بقيام البعض ، فجاز خطاب الجميع به ، ولا شبهة على القولين في سقوط الوجوب بعد حصول المطلوب ؛ لفقد شرطه الَّذي منه إصرار العاصي ، وإنما تختلف فائدة القولين في وجوب قيام الكل به قبل حصول الغرض وإن قام به من فيه الكفاية وعدمه.
وما أبعد ما بين هذا القول وما ذهب إليه صاحب (المستند) رحمه الله من اختصاص ذلك بالمجتهد ، بتقريب : أنَّ أخبار الأمر بالمعروف وإنْ كانت عامَّة ، إلّا أنَّها مختصّة بمثل خبر مسعدة بن صدقة : «سئل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أواجب هو على الأُمَّة جميعاً؟ فقال صلى الله عليه وآله : لا ، فقيل له : ولم؟ فقال : إنَّما هو على القويّ المطاع ، العالم بالمعروف من المنكر ، لا على الضعيف الَّذي لا يهتدي سبيلا ... إلى أن قال عليه السلام : والدليل على ذلك كتاب الله عزَّ وجلَّ :
ص: 353
﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ (1) ، فهذا خاص غير عام .. الحديث» (2).
قلت : والأقوى جواز ما عدا الحبس حسب مراتبه الأهون فالأهون ، وتخصيص أخباره بخبر مسعدة لا يستلزم ما ذكره ؛ إذ الظاهر منه جوازه بمراتبه لكلّ قوي مطاع عالم وإن لم يكن مجتهداً ، بل يمكن أن يقال بجواز الحبس لغير المجتهد أيضاً ، لكن الأحوط اختصاصه به ، نعم يجوز له الإذن لغيره ، واللّازم على المأذون الاقتصار على مقدار الإذن في الكيفية ، وعلى كل حال فلا يجب ذلك إلّا بشروط أربعة : العلم بأن ما يأمر به معروفاً وما ينهى عنه منكراً ، وأن يجوز تأثير الإنكار ، وأن لا يظهر من الفاعل أمارة الإقلاع ، وأن لا يترتَّب على أحدهما مفسدة. ولو توقَّف على الضرب جاز قطعاً ، وسيأتي ما يدل عليه من کلام أمير المؤمنين عليه السلام ، ولو افتقر إلى الجرح والقتل لم يجز قطعاً إلا بإذن الإمام أو نائبه الخاص أو العام.
[ش] - «ومأواهُ المُوادعة» : لهذه الدنيا الفانية وعدم الركون إليها.
[ت] - «ودليله الهدی» : كما أنَّ للإنسان المسافر في عالم الجسم دليلاً يدلّه ولولاه لتاه في البيداء ، ونكب عن الطريق فضلّ عن مقصوده ، كذلك للعلم دليل يهدي صاحبة إلى كعبة مقصوده ، وهو هدى الله تعالى بسبب الأنبياء والأوصياء ، ولا بد للمسافر من رفيق حَتَّى قيل : الرفيق ثُمَّ الطريق ، ورفيق العلم محبَّة الأخيار.
ص: 354
[94] - قال رحمه الله : عنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : «من تعلَّم العلم ، وعمل به ، وعلّم لله ، دُعي في ملكوت السموات عظيماً ، فقيل : تعلّمَ لله ، وعَمِلَ لله ، وعلَمَ لله» (1).
أقول : مرجع الضمير كما تقدّم ، وقد تقدّم شرح كلّ واحد من رجال السند ، فالكلام في شرح المتن :
[أ] - الدعاء هنا بمعنى : التسمية - أي سُمِّي عظيماً - قال في (النهاية) : (دعوته زيداً إذا سمَّيته) (2).
[ب] - والمراد بملكوت السماء ملكها ، والفاء في (فقيل) للتفصيل والتفسير مثل قوله تعالى : ﴿وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ﴾ (3) ، وبقية فقرات الحديث واضحة لا تحتاج إلى بيان.
[95] - قال رحمه الله : «فصل : ولمّا ثبت أنَّ كمال العلم إنَّما هو بالعمل ، تبيّن أنه ليس في العلوم - بعد المعرفة - أشرف من علم الفقه ؛ لأن مدخليته في العمل أقوى ممَّا سواه ؛ إذ به تعرف أوامر الله فتُمتثل، ونواهيه فتُجتنب ؛ ولأنَّ معلوماته - أعني :
ص: 355
أحكام الله تعالى - أشرف المعلومات بعد ما ذكر. ومع ذلك فهو الناظم لأُمور المعاش ، وبه يتمُّ كمال نوع الإنسان» (1).
أقول : المستفاد من عبارة المصنِّف رحمه الله تفضيل علم الكلام على علم الفقه ، وهو كذلك عقلاً ونقلاً ، ولا ينافيه جعل العبادة غاية للخلق في قوله تعالى : ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (2) ؛ إذ لو لم يفسّر بالمعرفة نصّاً أو جمعاً لقلنا : إنَّ العبادة حقّها امتثال المعبود على وجه يليق بما يطلب من الطرق ، لا ما يفعل كيف ما اتَّفق ، وهذا لا يحصل إلا بالمعرفة ، وأن الشرف الذاتي للعلم إنَّما هو بالنظر إلى ضدَّه - أعني : الجهل - وأمّا تقدم بعضه على بعض في الشرف ، إنَّما يعرض له بالنظر إلى الغير لا بالذات كتقدُّم موضوعه ؛ لأنَّ العلم بحال ما هو أشرف ، أشرف معنى من العلم بحال ما ليس كذلك ، وموضوع علم الكلام هو ذات الباري تعالی ، ولا شكَّ أنَّه أشرف الموجودات ؛ فلذلك كانت له المرتبة الأولى من الشرافة بالنسبة إلى علم الفقه ، وهو أشرف العلوم من بعده.
قال جدّي في الدرة :
وأنَّ علمَ الفقهِ في العلومِ *** كالقَمَرِ البازغِ في النُّجوم
بِنورِهِ مِنْ بَعدِ شَمسِ المَعرِفَةْ *** معالِمُ الدينِ عدَتْ مُنْكَشِفَةْ (3)
ص: 356
والمراد بقوله رحمه الله : «شمس المعرفة» : معرفة الله تعالی حسب ما ينبغي ، وسائر اُصول الدين والمذهب ممَّا هو مذكور في الكلام ، وحاصل ما استدل به المصنِّف رحمه الله على تقدم الفقه على بقية العلوم الإلهية وجوه :
الأول : إن كلّ علم يتبعه عمل ، فكمال ذلك العلم بترتب ذلك العمل عليه ، وحيث إن علم الفقه به تُعرف أوامر الله تعالی ونواهيه ، وبه يعرف أن مخالفتهما توجب العذاب الأليم والوصول إلى الجحيم ، فلا يرتكبه العاقل ، بخلاف سائر العلوم ؛ فإنَّ تخلُّفَ العمل عنها يوجب فوات ما هو الغاية لها من زوال الحياة في الطب مثلاً ، وحفظ اللّسان عن الخطأ في النحو ، وهكذا ، فعلمُ الفقه أقوى في ترتُّب ما هو من شرائط کماله عليه ، وما كان كذلك يكون أشرف ممَّا ليس كذلك.
الثاني : إنَّ معلومات هذا العلم أشرف من معلومات سائر العلوم بعد علم الكلام ، فإنَّها عبارة عن أحكام الحلال والحرام التي هي نواميس الشارع المقدّس.
الثالث : إنه الناظم لأُمور المعاش ؛ وذلك لأن كمال الإنسان إمّا بجلب نفعٍ أو بدفع ضرر ، والأول إمّا عاجل أو آجل ، فجلب النافع العاجل : المعاملات ، والأطعمة والأشربة ، والنكاح ، وجلب النافع الآجل : بالعبادات ، ودفع الضرر بالقصاص وما شابهه.
ص: 357
[96] - قال رحمه الله : وقد روينا بطرقنا ، عن محمّد بن یعقوب ، عن محمّد بن الحسن وعلي بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى ، عن عبيد الله بن عباد الله الدِّهقان ، عن درست الواسطي ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن موسی عليه السلام ، قال : «دخل رسول الله صلى الله عليه وآله المسجد فإذا جماعة قَدْ أطافوا برجل ، فقال : ما هذا؟ فقيل : علّامة.
فقال : وما العلّامة؟ فقالوا له : أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها ، وأيام الجاهلية ، والأشعار العربية.
قال : فقال النبي صلى الله عليه وآله : ذاك علم لا يضرّ من جهله ، ولا ينفع من علمه.
ثُمَّ قال النبي صلى الله عليه وآله : إنَّما العلم ثلاثة : آيةٌ مُحكمة ، أو فريضة عادلة ، أو سُنَّةٌ قائمة ، وما خلاهن فهو فضل» (1).
أقول : واستيعاب المرام في موضعين :
في أحوال رجال السند :
الأجلّاء عنه ، وهو مرمي بالوقف ولا يضرّ بوثاقته (1) ؛ ولذا صرّح بوثاقته غير واحد من أهل الفن (2) ، كابن شهر آشوب (3) ، والعلّامة والمجلسي ، وصاحب (البُلغَة) (4).
في ما يتعلق بشرح المتن :
[أ] - «فقال ما هذا» : (ما) للاستفهام وطلب التصوُّر ، وهو على قسمين :
الأول : أن يكون المطلوب بها شرح الاسم ، وهو مقابل التعريف الحقيقي الَّذي هو القسم الثاني المنقسم على أربعة أقسام كما سنذكره ، وحينئذ فالجواب بلفظ دلالته على المطلوب أظهر وأشهر كقولهم : (سعدانة نبت) (5) ؛ إذ المقصود منه شرح الاسم وإيضاحه ، يعني : تفسیر مدلول اللفظ بما يعيّن مسمَّاه من بین المعاني المخزونة في الخاطر ، وليس فيه تحصیل مجهول من معلوم.
الثاني : أن يكون المطلوب بها بيان ماهيّة الشيء وحقيقته ، سواء أكان ذلك الشيء ذاتاً مثل : (ما الإنسان) ، أم وصفاً مثل : (ما العلم) ، أم مركَّباً منهما مثل : (ما الإنسان العالم) ، وحينئذ فالجواب إمّا بالفصل القريب والجنس القريب ، كقولك :
ص: 359
(حيوان ناطق) في جواب (ما الإنسان) ، وإمّا بالفصل القريب والجنس البعيد ، كقولك : (جسم ناطق) في جواب (ما الإنسان) ويُسمَّى الأول : حدّاً تاماً ، والثاني : حدّاً ناقصاً , وإمّا بالخاصة مع الجنس القريب ، كقولك : (حیوان کاتب) أو (ضاحك) في جواب (ما الإنسان) وإمّا بالخاصة مع الجنس البعيد ، كقولك : (جسمٌ نامٍ کاتب) أو (ضاحك) في جواب (ما الإنسان) ، ويسمى الأول : رسماً تامّاً ، والثاني : ناقصاً ، وهذه الأقسام الأربعة مقابل القسم الأول ، فاغتنم.
والظاهر أن المراد هنا هو القسم الثاني الَّذي هو من قسم التعريف الحقيقي ، لأنَّ المقصود هو السؤال عن حقيقة ذلك المتَّصف بالوصف ، الباعث لاجتماع الخلق عليه
[ج] - «فقيل : علّامة» : أي هو رجل موصوف بكثرة العلم ، والتاء فيه للمبالغة في وصف العلم ، بناءً على أنَّ كثرة الشيء فرع تحقُّق أصله ، كما أنَّ التأنيث فرع التذكير.
[د] - «بأنساب العرب» : هو علم تُعرف به أنساب الناس ، وقواعده الكلّية والجزئية وفائدته الاحتراز عن الخطأ في نسب الإنسان ، وهو علم مشهور طويل الَّذيل ، وقد صنّفوا فيه كتباً كثيرة ، وأحسن من كتب في هذا الفن هو الاهم النسابة هشام بن محمّد بن السائب الكلبي المتوفى سنة 204 ﻫ، بل هو الَّذي فتح هذا الباب ، وضبط علم الأنساب.
[م] - «ذاك علم لا يضرّ من جهله» : أراد صلى الله عليه وآله التنبيه على أن العلم الحقيقي هو الَّذي يضرّ جهله في الآخرة ، وينفع اقتناؤه في يوم المعاد ، ويُعد الجهل به نقصاً في نظر العلماء ، لا الَّذي يستحسنه العوام ويكون مصيدة للحطام.
ص: 360
[و] - ثُمَّ أخذ في بيان ذلك وحصره في ثلاث : «آية محكمة ، أو فريضة عادلة ، أو سنَّة قائمة» ، وقد اختلفت أراء الأكابر في تفسير هذه الفقرات ، فقال بعضهم : (إنَّ (الآية المحكمة) إشارة إلى اُصول العقائد ، فإنّ براهينها الآيات المحكمات عن العالم ومن القرآن ، وفي القرآن وفي غير موضع : ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ﴾ أو ﴿لَآيَة﴾ (1) ، حيث يذكر دلائل المبدأ والمعاد.
و (الفريضة العادلة) إشارة إلى علوم الأخلاق التي محاسنها من جنود العقل ، ومساوئها من جنود الجهل ، فإنَّ التحلّي بالأول والتخلّي عن الثاني فريضة ، وعدالتها كناية عن توسُّطها بين طرفي الإفراط والتفريط.
و (السنَّة القائمة) إشارة إلى شرائع الأحكام ، ومسائل الحلال والحرام ، وانحصار العلوم الدينية في هذه الثلاثة معلوم) (2).
وعن السيِّد الداماد رحمه الله : (أنَّ المراد بالفريضة العادلة هو العلم بالشرائع ، والسنن ، والقواعد ، والأحكام في الحلال والحرام ، والمراد من السنَّة القائمة ، هو علم تهذيب الأخلاق ، وتكميل الآداب ، والسفر الى الله تعالی والسير إليه) (3).
وقال جدّي الصالح في شرحه : (والأول إشارة إلى التعلم بالمحكمات القرآنية المتعلقة باُصول الدين وفروعه ، وبالمواعظ والنصائح ، والعبرة بأحوال الماضين.
والثاني : إشارة إلى العلم بكيفية العمل ، وجميع الأُمور المعتبرة فيه شرعاً من غير إفراط وتفريط.
ص: 361
والثالث : إلى العلم بالأحاديث التي بعضها في التوحيد وما يليق به ، وبعضها في المعاد وما يناسبه ، وبعضها في الأخلاق وما يتعلَّق بها ، وبعضها في الأحكام وما يُعتبر فيها ، وبعضها في عادات الرسول صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام) ، انتهى ملخّصاً (1).
ووجه الحصر في الثلاثة ظاهر ، فإنَّ العلوم النافعة إمّا متعلقة باُصول الدين أو بفروعه ، والثانية إمّا متعلّقة بأعمال الجوارح أو بأفعال القلب عن محاسن الأخلاق ومقابحها.
[ز] - «وما خلاهُنَّ فهو فضل» : أي زيادة لا خير فيه في الآخرة ، وإن كان بعضه ممدوحاً في حدِّ ذاته كعلم الرياضي والهندسة (2).
ص: 362
[97] - قال رحمه الله : عنه ، عن الحسين بن محمّد ، عن معلّی بن محمّد ، عن الحسن بن علي الوشّاء ، عن حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «إذا أراد الله بعبدٍ خيراً فَقَّهُه في الدين» (1).
أقول : مرجع الضمير كما تقدّم ، ورجال السند مذكورون فيما تقدّم ، وأمّا ما يتعلق بشرح المتن ، فقد قال شيخنا البهائي رحمه الله :
(ليس المراد بالفقه الفهم ، ولا العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية ، فإنَّه معنی مستحدث ، بل المراد به البصيرة في أمر الدين ، والفقه أكثر ما يأتي في الحديث بهذا المعنى ، والفقيه هو صاحب هذه البصيرة ، وإليها أشار النبي صلى الله عليه وآله بقوله : «لا يفقه العبد كلّ الفقه حَتَّى يمقت الناس في ذات الله ، ويری للقرآن وجوهاً كثيرة» ، ثُمَّ يُقبل على نفسه ، فيكون لها أشدَّ مقتاً) ، انتهى (2).
وهو المراد بقوله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام حين أرسله إلى اليمن : «اللهُمَّ فقّهه في الدين» (3) ، وقول أمير المؤمنين عليه السلام لولده الحسن عليه السلام : «وتفقَّه يا بني في الدين» (4) ، وقوله تعالى : ﴿لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (5) حيث جعل العلَّة الغائية من الفقه الإنذار والتخويف ، ومعلوم
ص: 363
أن ذلك لا يترتَّب إلا على معرفة دقائق آفات النفوس ، ومفسدات الأعمال ، والتطلُّع إلى نعيم الآخرة ، ومراتب الخذلان ، والبعد عن رحمة الملك المنَّان (1).
ص: 364
[98] - قال رحمه الله : عنه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عن رجل ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «الكمالُ كلّ الكمال : التفقُّه في الدين ، والصبر على النائبة ، وتقدير المعيشة» (1).
أقول : أمّا رجال السند فقد تقدّم ذكرهم جميعاً ، ومرجع الضمير كما تقدّم ، وأمّا شرح المتن :
[أ] - «الكمال كلّ الكمال» : أي البالغ حدّ كماله ، وقد عرفت معنى التفقُّه في أمثال هذه الأخبار.
[ب] - «والصبر على النائبة» : أي ترك الجزع والشكاية منها إذا نزلت به ، وفيه إشارة إلى أنَّ شدَّة الجزع موجب لنقص الدين ؛ لاستلزامه كراهية قضاء الله ، وسخطه ، وعدم الالتفات إلى ما وعد به من ثواب الصابرين ، حيث قال تعالى : ﴿وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾ (2) ، وهو لمحو الحسنات وسقوط ما يلزمها من ثواب الآخرة ، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : «ومن ضرب بيده على فخذه عند المصيبة حبط أجره» (3) ، وقال عليه السلام : «الصبر صبران : صبر على ما تكره ، وصبر عما تحب» (4).
ولا ريب أن الأول أشق من الثاني ؛ لأن الأول صبر على مضرَّة نازلة ، والثاني مير علی محبوب متوقَّع لم يحصل.
ص: 365
وسئل بزرجمهر في بليَّته عن حاله ، فقال : (هون عليّ ما أنا فيه فکري في أربعة أشياء : أولها أنَّي قلت : القضاء والقدر لابدَّ من جريانهما ، والثاني أنّي قلت : إن لم أصير فما أصنع ، والثالث أنّي قلت : قَدْ كان يجوز أن تكون المحنة أشد من هذه ، والرابع أني قلت : لعلَّ الفرج قريب) (1).
قال أنوشروان : (جميع أمر الدنيا منقسم إلى ضربين لا ثالث لهما : أمّا ما في دفعه حيلة فالاضطراب دواؤه ، وأمّا ما لا حيلة فيه فالصبر شفاؤه) (2).
وكان يقال : (الصبر مر ، لا يتجرعه إلا حر) (3).
وكان يقال : (إنَّ للأزمان المحمودة والمذمومة أعماراً وآجالاً كأعمار الناس وآجالهم ، فاصبروا لزمان السوء حَتَّى يفنى عمره ، ويأتي أجله) (4).
وكان يقال : (إذا تضيفتك نازلة فأقرِها الصبرَ عليها ، وأكرم مثواها لديك بالتوكُّل والاحتساب لترحل عنك وقد أبقت عليك أكثر ممَّا سلبت منك ، ولا تنسها عند رخائك ، فإن تذكُّرك لها أوقات الرخاء يبعد السوء عن فعلك ، وينفي القساوة عن قلبك ، ويوزعك حمد الله وتقواه) (5).
وقال الله : ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ (6).
ص: 366
وقال علي عليه السلام : «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد» (1) ، فإنَّ الإنسان ما دام في تلك النشأة هو مورد للمصائب والآفات ، ومحل للحوادث والنوائب والعاهات ، ومبتلى بتحمُّل الأذى من بني نوع الإنسان في المعاملات ، ومكلّف بفعل الطاعات وترك المنهيات والمشتهيات ، وكل ذلك ثقيل على النفس غير ملائم لطبعها ، فلابد من أن يكون فيه قوة ثابتة وملكة راسخة بها يقدر على حبس النفس على (عن - ظ) هذه الأُمور الشاقة ، ورعاية ما يوافق الشرع والعقل فيها ، وترك الجزع والانتقام وسائر ما ينافي الآداب المستحسنة المرضية عقلاً وشرعاً وهي المسمَّاة بالصبر ، ومن البيّن أنَّ الإيمان الكامل ، بل نفس التصديق أيضاً يبقى ببقائه ويفنی بفنائه ؛ فلذلك هو من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد.
وسئل الفضيل عن الصبر؟ قال : (تجرع المرارة من غير تعبيس).
وقال رويم : (الصبر ترك الشكوى).
وقال علي عليه السلام : «الصبر مطية لا تكبو».
وقف رجل على الشبلي فقال : (أيّ صبر أشدُّ على الصابرين؟ الصبر في الله تعالی؟
فقال : لا ، قال : فالصبر لله تعالی.
فقال : لا ، قال : الصبر مع الله تعالی.
فقال : لا ، قال فأي شيء؟ فقال : الصبر عن الله ، فصرخ الشبلي صرخة عظيمة ووقع).
ص: 367
ويقال : (إن الشبلي حُبس في المارستان ، فدخل عليه قوم فقال : من أنتم؟ قالوا : محبُّوك جئناك زائرين ، فرماهم بالحجارة فهربوا ، فقال : لو كنتم أحبائي لصبرتم على بلائي).
وعن طريق العامة عن الله عزَّ وجلَّ : «بعيني ما يتحمَّلُ المتحمَّلون من أجلي» (1).
وفي الكافي بإسناده عن حمزة بن عمران ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «الجنّة محفوفة بالمكاره والصبر ، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنَّة ، وجهنم محفوفة باللَّذات والشهوات ، فمن أعطى نفسه لذَّتها وشهوتها دخل النار» (2).
وهذا المضمون متفق عليه بين الخاصّة والعامَّة ، فقد روى مسلم عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «حُفَّت الجنَّةُ بالمكاره وحُفَّت النار بالشهوات» (3).
وهذا من بديع الكلام ، والمراد من المكاره الطاعات ، ومن الشهوات المعاصي ، ورُوي : «أن الله تعالى لمّا خلق الجنَّة قال لجبرائيل : انظر إليها ، فلمَّا نظر إليها قال : يا ربّ لا يتركها أحد إلا دخلها ، فلمَّا حفّها بالمكاره ، قال : انظر إليها ، قال : يا ربّ ، أخشى أن لا يدخلها أحد ، ولمّا خلق النار قال له : انظر إليها ، فلمَّا نظر إليها قال : يا ربّ ، لا يدخلها أحد ، فلمَّا حفّها بالشهوات قال : انظر إليها ، قال : يا ربّ أخشى أن يدخلها كلّ أحد» (4).
ص: 368
وفي الكافي بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «إنّا صُبَّر وشيعتنا أصبر منّا» ، قلت : جعلت فداك ، كيف صار شيعتكم أصبر منكم؟ قال : «لأنّا نصبر على ما نعلم ، وشيعتنا يصبرون على ما لا يعلمون» (1).
و «الصُبَّر» : - بضمِّ الصاد وتشديد الياء المفتوحة. جمع الصابر.
«أصبر منا»: أي الصبر عليهم أشقّ وأشدّ ؛ لأنّا نصبر على ما نعلم ، وأظهر احتمالات الخبر : إنّا نصبر على ما تعلم نزوله قبل وقوعه وهذا ممَّا يهوَّن المصيبة ويسهِّلها ، وشيعتنا تنزل عليهم المصائب فجأة مع عدم علمهم بها قبل وقوعها ، فهي عليهم أشد ، ويحتمل أن يكون المراد : إنا تصبر على ما تعلم كته ثوابه ، والحكمة في وقوعه ، ورفعة الدرجات بسببه ، وشيعتنا ليس علمهم بجميع ذلك كعلمنا ، وهذه كلُّها ممَّا يسكّن التنفس عند المصيبة ويعزّيها ، ويحتمل أن يكون المراد : إنا تصبر على ما تعلم عواقبه وكيفية زواله ، وتبدُّل الأحوال بعده ، كعلم يوسف عليه السلام في الجبّ بعاقبة أمره ، واحتياج الإخوة إليه ، وكذا علم الأئمة عليهم السلام برجوع الدولة إليهم ، والانتقام من أعدائهم ، وابتلاء أعدائهم بأنواع العقوبات في الدنيا والآخرة (2).
قيل : (ولأجل أنَّ الصوم من الصبر قال تعالى : كلّ عمل ابن آدم له إلا الصوم ، فإنَّه لي وأنا أجزي به) (3).
وقال بعضهم :
ص: 369
أما والَّذي لا يعلمُ الغيبَ غيرُه *** ومَنْ ليسَ في كُلِّ الأُمورِ لَهُ كُفْوُ
لَئِنْ كانَ بدءُ الصبرِ مرٌّ مذاقُهُ *** فَقَدْ يُجتنى مِن بَعدِهِ الثَّمرُ الحُلْوُ
ورُوي : «أن عيسی عليه السلام مرّ برجل أعمى أبرص مقعد مضروب الجنين بالفالج ، وقد تناثر لحمه من الجذام ، وهو يقول : الحمد لله الَّذي عافاني ممَّا ابتلی به كثيراً من خلقه.
فقال له عيسى عليه السلام : يا هذا ، وأيّ شيء من البلاء أراه مصروفاً عنك؟
قال : يا روح الله ، أنا خير ممَّن لم يجعل الله في قلبه ما جعل في قلبي من معرفته.
فقال له : صدقت ، هات يدك ، فتناوله يده ، فإذا هو أحسن الناس وجهاً ، وأفضلهم همينة ، قَدْ أذهب الله عنه ما كان به ، فصحب عيسی عليه السلام ، وتعبّد معه» (1).
وقال بعضهم : (قصدت عبادان في بدايتي ، وإذا أنا برجل أعمى مجذوم مجنون قَدْ صُرع ، والنمل تأكل لحمه ، فرفعت رأسه ، ووضعته في حجري ، وأنا اُردّد الكلام ، فلمَّا أفاق قال : من هذا الفضولي الَّذي يدخل بینی وبین ربي؟ فوحقه لو قطَّعني إرباً إربآً ما ازددت له إلا حبّاً) (2).
ورُوي : «أن يونس عليه السلام قال لجبرئيل : دُلَّني على أعبد أهل الأرض ، فدلَّهُ على رجل قَدْ قطع الجذام يديه ورجليه ، وذهب ببصره وسمعه ، وهو يقول :
ص: 370
إلهي متّعتني بهما ما شئت ، وسلبتني ما شئت ، وأبقيت لي فيك الأمل ، يا بَرُّ يا وَصول» (1).
ورُوي : «أنَّ مؤذّناً كان لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام يدخل منزله ، فرأى فيه خادمة فهواها ، وكلَّما التقى معها ، قال : اصبر حَتَّى يحكم الله وهو خير الحاکمين ، ثُمَّ إنَّ الخادمة أتت علياً عليه السلام وأخبرته بهوي المؤذّن إياها ، فقال : ما قال لك؟ قالت : كلَّما رآني قال : اصبر حَتَّى يحكم الله ، فطلبه عليّ فقال : يا فلان الآن حكم الله ، فزوَّجها إياه ، فاستمتع منها حلالاً» (2).
شعر :
فلمَّا رأيتُ النفسَ أوفَتْ على الرَّدى *** فٌزِعْتُ إلى صبري فأسلَمَني صبري
وقال آخر :
على قَدْرِ فَضلِ المرءِ تأتي خُطوبُهُ *** ويُحمَدُ منهُ الصبرُ مِمَّا يُسيبُهُ
فمَنْ قَلَّ فيما يبتغيهِ اصطيارُهُ *** لقد قَلَّ مِمَّا يَرتجيهِ نصيبُهُ (3)
فعليك يا أخي بتحمل تلك الأعمال المفضية إلى الجنَّة ، والتجنُّب عن الأعمال الموصلة إلى النار ، وفَّقنا الله وجميع إخواننا المؤمنين لما فيه الفوز بدار جنَّات النعيم والخلاص من درکات الجحيم ، وقد مدح الله تعالى الصبر في كتابه العزيز في مواضع كثيرة ، وأمر به وجعل أكثر الخيرات مضافاً إلى الصبر ، وأثنی على فاعله ، وأخبر أنه سبحانه وتعالى معه ، وحثّ على التثبُّت في الأشياء ومجانية
ص: 371
الاستعجال فيها ، فمن ذلك قوله تعالى : ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا﴾ (1).
وبالجملة : فقد ذكر الله سبحانه وتعالى الصبر في كتابه العزيز في نيِّف وسبعين موضعاً ، وأمر نبيه صلى الله عليه وآله به فقال : ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ﴾ (2) ، وإنه صلى الله عليه وآله لمّا صبر كما اُمر ، أسفَرَ وجهُ صبرِهِ عن ظفره ونصره ، وكذلك الرسل - الَّذين هم اُولو العزم - لمّا صبروا ظفروا وانتصروا.
حُکي : (أنَّ امرأة من بني إسرائيل لم يكن لها إلا دجاجة ، فسرقها سارق فصبرت وردَّت أمرها إلى الله تعالى ، ولم تدعُ عليه ، ولمّا ذبحها السارق ونتف ريشها نبت جميعه في وجهه ، فسعى في إزالته فلم يقدر على ذلك إلى أن أتي حبراً من أحبار بني إسرائيل ، فشکی له ، فقال : لا أجد لك دواء إلا أن تدعو عليك هذه المرأة ، فأرسل إليها من قال لها : أين دجاجتك؟ فقالت : سُرقت ، فقال : لقد آذاك من سرقها؟ قالت : قَدْ فعل ، ولم تدعُ عليه ، قال : وقد فجعك في بيضها؟ قالت : هو كذلك ، فما زال بها حَتَّى أثار الغضب منها ، فدعت عليه ، فتساقط الريش عن وجهه ، فقيل لذلك الحبر : من أين علمت ذلك؟ قال : لأنها لمّا صبرت ولم تدعُ عليه انتصر الله لها ، فلمَّا انتصرت لنفسها ودعت عليه سقط الريش عن وجهه) (3).
فالواجب على العبد أن يصبر على ما يصيبه من الشدَّة ، ويحمد الله تعالی ، ويعلم أن النصر مع الصبر ، وأن مع العسر يسرا.
ص: 372
[ج] - «وتقدير المعيشة» : بجعلها مقدرةً بقدر يليق بحاله من غير إفراط وتفريط ، ويمكن عطفها على النائبة فتكون مجرورةً ، أي الكمال كلّ الكمال الصبر على النائبة وعلى تقدير المعيشة ، وهو ضيقها.
ص: 373
[99] - قال رحمه الله : عنه ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب الخراز ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «ما من أحد يموت من المؤمنين أحبّ إلى إبليس من موت فقيه» (1).
أقول : واستيعاب المرام في موضعين :
في رجال السند : مرجع الضمير كما تقدّم.
ورواه في (الكافي) أيضاً ، هكذا : (عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن أبي أيوب الخراز ، عن سليمان بن خالد ، عنه عليه السلام) (1).
في شرح المتن :
وإنَّما قيّد الأحد بالمؤمنين ؛ لأن إبليس لا يحب موت الكافرين ، بل يغتمّ ؛ لأنَّهم من أعوانه وأنصاره ، وإنَّما كان موت الفقيه أحبّ إليه من موت سائر المؤمنين مع أنه لا شيء أشد عليه من خروج أحد من الدنيا وهو مؤمن ؛ لأن شأن الفقيه : إفادة العلم ، وتعليم الحقّ ، وإرشاد السبيل ، والحثّ على الطاعة ، والزجر عن المعصية ، وشأن إبليس : إلقاء الشك والوسوسة في النفوس ، وإراءة الباطل بصورة الحق ، والإضلال ، والحث على المعاصي ، فإذا كان منه على طرف الضدّ ، فلا محالة أحبّ فقده ، وليس موت سائر المؤمنين عنده بهذه المنزلة.
ص: 375
[100] - قال رحمه الله : عنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «إذا مات المؤمن الفقيه ، ثُلم في الإسلام ثلمة لا يسدُّها شيء» (1).
أقول : عمدة ما يتعلق بشرح الحديث هو التكلُّم في رجاله ، فنقول : مرجع الضمير كما تقدّم ، وذهب جماعة من علمائنا الأُصوليين إلى أنَّ ابن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى ، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البيزنطي ، لا يرسلون إلا عن ثقة ، وردّه المحقِّق (2) ، وشيخنا الماتن بناءً على أن في رجالهم من طعنه الأصحاب ، فإذا أرسل واحد منهم احتمل أن يكون المطعون أحدهم (3) ، وأجاب عنه شيخنا البهائي بأن هذا لا يقدح ؛ إذ المنقول عدم إرسالهم عن غير الثقة لا عدم روايتهم عنه ، فيحصل بسبب هذا النقل الظن بعدم إرساله عن غير الثقة ، وفيه نظر ؛ لأن العلم بعدم إرساله عن غير الثقة إن كان مستنداً إلى إخبار الراوي بانه لا يرسل إلا عن ثقة ، فيردّ ذلك أنه غير كاف ؛ لجواز أن يكون له جارح لا يعلمه وإن كان مستنداً إلى استقراء مراسيله ، والاطلاع من الخارج على أن المحذوف فيها لا يكون إلا ثقة ، فهذا في معنى الإسناد.
فإن قلت : إخبار الراوي بذلك تزكية للمحذوف ، فيحصل لنا ظن بعدالته إن كان الراوي عدلاً ، فوجب القبول ، واحتمال وجود الجارح لا يقدح في ذلك كما لا يقدح مع العلم بعين الذات ، على أن كون ذلك في معنى الإسناد إنّما هو بالنظر
ص: 376
إلى المتفحِّص لا بالنظر إلينا ؛ لأنّا لا نعلم عدالته بالاستقراء ، بل حصل لنا الظن بها يقول المتفحِّص ؛ لكونه عدلاً.
قلت : قول المتفحِّص وإخبار الراوي بذلك تزكية ، ولا يجوز العمل بها إلا بعد حصول الظن بعدم الجارح بالفحص عنه اتفاقاً ، ولا يمكن ذلك مع عدم تعيين الذات ، ولا يندفع احتمال وجود الجارح احتمالاً قوياً بدونه ، فلا يتوجَّه القبول.
وأمّا ما يتعلق بمتن الحديث : فالثلمة - بالضم - : فرجة المكسور والمهدوم ، شبّه الإسلام بالمدينة ، والعلماء بمنزلة الحصن لها ، وموت كلّ واحد منهم بمنزلة انعدام حصن من حصونها ، وانتظر لتمام البيان في شرح ما يأتي.
ص: 377
[101] - قال رحمه الله : عنه ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن علي بن أبي حمزة ، قال : سمعت أبا الحسن موسی بن جعفر عليه السلام يقول : «إذا مات المؤمن - الفقيه (1) - بكت عليه الملائكة ، وبقاع الأرض التي كان يعبد الله عليها ، وأبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله ، وثُلم في الإسلام ثُلمة لا يسدُّها شيء ؛ لأن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام ، كحصون سور المدينة لها» (2).
أقول : واستيعاب المرام في موضعين :
في رجال السند : مرجع الضمير كما تقدّم.
علي بن أبي حمزة : وردت فيه أخبار فيها ذمُّه ، ووقفُه ، واللَّعنُ عليه ، ومنها اشتهر ضعفه ، وضعف الخبر الَّذي هو فيه ، ولا حاجة إلى نقل كلماتهم بعد تكرُّرها في الكتب (3) ، ومع ذلك فقد ادّعى المحقِّق في (المعتبر) إجماع الأصحاب على العمل بروايته ، قال في بحث الأسآر - بعد أن استدلّ على طهارة سؤر الطيور بروايتي علي بن أبي حمزة وعمّار - : (لا يقال : علي بن أبي حمزة
ص: 378
واقفي ، وعمَّار فطحي ، فلا يُعمل بروايتهما ؛ لأنّا نقول : الوجه الَّذي لأجله عُمل برواية الثقة قبول الأصحاب ، وانضمام القرينة ، لأنَّه لولا ذلك ؛ لمنع العقل من العمل بخبر الثقة ؛ إذ لا وثوق (1) بقوله ، وهذا المعنى موجود هنا ، فإنَّ الأصحاب عملوا برواية هؤلاء كما عملوا هناك ، ولو قيل : فقد ردّوا رواية كلّ واحد منهما في بعض المواضع ، قلنا : كما ردوا رواية الثّقة في بعض المواضع متعلّلين بأنه خبر واحد ، وإلا فاعتبر کتب الأصحاب ، فإنَّك تراها مملوءة من رواية علي المذكور) ، انتهى (2).
أقول : فالظاهر من الأصحاب أنهم لا يرون ما نُسب إليه قدحاً في رواياته ، وضعفاً في أخباره ؛ لعدم منافاة ما ورد في ذمّه ممَّا يتعلق بمذهبه ، كونه ثقة عندهم في غير ما يتعلق بالمذهب الباطل.
نعم ، ينافيه ما في رجال الكَشِّي قال : (قال ابن مسعود ، حدّثني أبو الحسن علي بن الحسن بن فضّال ، قال : ابن أبي حمزة كذّاب متَّهم) (3).
وقال في موضع آخر : (قال ابن مسعود : سمعت علي بن الحسن يقول : ابن أبي حمزة كذّاب ملعون ، قَدْ رويت عنه أحاديث كثيرة ، وكتبت عنه تفسير القرآن كلُّه من أوله إلى آخره ، إلا أنّي لا أستحلُّ أن أروي عنه حديثاً واحداً) (4).
والجواب ، أولاً : إن قول ابن فضال واعتقاده في علي بن أبي حمزة لا يعارض عمل الأعاظم بخبره حسب ما نقل المحقِّق رحمه الله الإجماع عليه.
ص: 379
وثانياً : إن ما قاله فيه داخل في جملة ما رآه ، وقد قالوا في بني فضّال : (ذروا ما رأوا ، وخُذُوا ما رووا) (1).
وثالثاً : إن التأمُّل الصادق يشهد أنه سقط من كلام الكَشِّي هذا شيء ، أن ما قاله ابن فضّال إنَّما هو في حقّ الحسن بن علي بن أبي حمزة لا في حق أبيه علي ، والاشتباه إنَّما هو في نسخة الكَشِّي التي كانت عند ابن طاووس ، وما ذكره في (الخلاصة) إنَّما هو تبعاً لابن طاووس (2) ، والنجاشي ذكره ولم يذكر له ما يوجب طعناً في غير مذهبه بأنه واقفي ، بل وهو أحد عمد الواقفة.
نعم ، قال في ترجمة الحسن ابنه : (قال أبو عمرو الكَشِّي فيما أخبرنا به محمّد بن محمّد بن جعفر بن محمّد عنه ، قال : قال محمّد بن مسعود : سألت علي بن الحسن بن فضّال عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني ، فطعن عليه) ، انتهى (3).
ولعلَّه نظراً إلى ما ذكرنا تردَّد المجلسي رحمه الله في (الوجيزة) في حال علي بن أبي حمزة المذكور ، حيث قال : (إنَّه ضعيف ، وقيل : مُوثَّق : لأنَّ الشيخ قال في العدّة : عمل الطائفة بأخباره ، ولقوله في الرجال : له أصل ، ولقول ابن الغضائري في ابنه الحسن : أبوه أوثق منه) ، انتهى (4).
فتراه لا يمكنه الجزم بطرف من الضعف والوثوق ، والحقّ ما عرفته ، والعجب من الشيخ أبي علي في رجاله ، حيث لم يرض من المجلسي بالتردُّد
ص: 380
متوقّعاً منه الجزم بالضعف ، فأورد عليه بأن تصريح الشيخ بعمل الطائفة بأخباره لا يكون ناهضاً بمقاومة التصريحات الواردة بضعفه من العلماء الأخيار ، وذمّه ، ولعنه المستفيض في الأخبار ، وإن حصل منه نوع اعتماد عليه ، كما أنَّ إثبات الأصل له لا يفيده مدحاً أصلاً ، وصرّحوا بأن كون الرجل ذا أصل لا يخرجه عن الجهالة مطلقاً.
وقول الغضائري في ابنه الحسن : (أبوه أوثق منه ، لا يدل على حسنه ؛ إذ كونه أوثق من رجل ضعیف متَّفق على ضعفه ، أيّ حسن فيه) ، انتهى (1).
وأنت خبير بما فيه ؛ إذ لا مساس لشيء من تصريحاتهم بما يضرُّ في غير مذهبه ، وأنه لا ينافي الوثوق والقول بكون الرجل ذا أصل غير مخرج له عن الجهالة قول من لا اطّلاع له بكلمات السلف - قال المفيد في رسالته في الردّ على الصدوق وغيره في غيرها في مدح جماعة : (هم أصحاب الأُصول المدوَّنة) (2) - له أصل ، أو كتاب ، ولا ريب أنَّ إكثارهم ذلك ليس إلّا لإرادتهم من ذلك الإشارة إلى مدحهم ، وإلّا لكان ذكر ذلك عبثاً ولغواً ، وهو في غاية البعد عن طريقة هؤلاء الأجلّاء ، وبالجملة فدعوى عدم إفادته الحسن مكابرة بيّنة ، وأمّا قول : (أبوه أوثق منه) (3) فهو على وثوقه أدلّ (4).
ص: 381
في شرح المتن :
[أ] - «وأبواب السماء» : فيه ردّ على الفلاسفة القائلين بأن الأفلاك متصلة واحدة لا تقبل الخرق والالتنام ، ويدل عليه أيضاً قوله تعالى : ﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا﴾ (1).
[ب] - «كحصون سور المدينة» : فإنه يدافع عن أهلها هجوم الأعادي والطغاة ، ويمنع عنهم غوائل الخصوم والعصاة ، والحصن هنا - بکسر الحاء - والسور حائط المدينة ، والإضافة بيانية ، والمؤمنون الفقهاء حصون الإسلام ؛ لأنهم يدفعون عنه وعن أهله صدمات المعادين وطغاة الكافرين ، كما يدفع الحصن ذلك عمَّن دخله.
قال الصادق عليه السلام : «علماء شیعتا مرابطون في الثَّغر الَّذي يلي إبليس وعفاريته ، يمنعونهم من الخروج على ضعفاء شيعتنا ، وعن أن يتسلَّط عليهم إبليس وشيعته النواصب ، ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممَّن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرَّة ، لأنه يدفع عن أديان محبِّينا ، وذلك يدفع عن أبدانهم» (2).
وفيه دلالة على المغالاة بنعمة وجود العلماء الربانيين ، كما ورد أن بين المرء والحكمة نعمة العالم (3) ، وهي إرشاده وهدايته الموصل إليها ، وتخليصه من
ص: 382
ظلمات الأوهام ، وتثبيته من مزالّ الأقدام ، وتسديده من مواضع أغاليط الأفهام ، وتعليمه كيفية السلوك في طريق المطالب ، وتقويته للوصول إلى دقائق الحكمة في أعلى المراتب ، فالعالم الحقّاني المؤيِّد الرباني ، جُنّة يقي الناس بعلمه من سهام الشيطان ، وأسنّة مخاطرات النفوس ، وصولات القوى الشهوية والغضبية ، والدواعي الفاسدة النفسانية ، بل من جميع آفات الدنيا وعقوبات الآخرة ، ويؤيِّده تفسير نقص الأرض في قوله تعالى : ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾ (1) بذهاب العلماء (2) ، فبذلك يُعلم أنَّ وجود العلماء الأخيار سبب لعمارة الأرض ، ونظام أهلها ، وارتكابهم لما ينبغي ، واجتنابهم عمّا لا ينبغي من الأخلاق السيِّئة ، والأعمال الرديَّة ، فالأرض وما عليها مشرقة بنور جمالهم ، ناقصة مظلمة بظلم الجور ، والفسق ، والشك ، والشبهة بفقدهم وموتهم ، ومنه تعرف الوجه في بكاء الملائكة عليه الَّذي هو كناية عن شدَّة الحزن ؛ وذلك لانقطاع إعانته المؤمنين وزوال نصرته للدين وأهله ، وبقائهم متحيِّرين ، ووقوع الهرج والمرج من تصدي من ليس أهلاً للرئاسة ، ورجوع الناس إلى الحور بعد الكور ، كما هو ظاهر في زماننا ؛ إذ قَدْ ولي الفتيا والتدريس كثير من الجهّال والصبيان ، وتأتي القضاء للحكومة جماعة من أهل الجور والطغيان ، وفي الدعاء «نعوذ بالله من الحور بعد الكور» ، أي : من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة والتمام (3).
ص: 383
[102] - قال رحمه الله : وبالإسناد السالف ، عن الشيخ المفيد محمّد بن النعمان ، عن أحمد بن محمّد بن سليمان الزراري ، عن علي بن الحسين السعد آبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن محمّد بن عبد الحميد العطّار ، عن عمَّه عبد السلام بن سالم ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «حديث في حلال وحرام تأخذه من صادق ، خير من الدنيا وما فيها من ذهب أو فضة» (1).
أقول : واستيعاب المراء في موضوعين :
في رجال السند :
قال النجاشي : (محمّد بن عبد الحميد بن سالم العطّار أبو جعفر ، روی عبد الحميد عن أبي الحسن موسی عليه السلام ، وكان ثقة من أصحاب الكوفيين) ، انتهى (2).
واختلفوا في كون التوثيق للأب حول الابن ؛ ولذا قال الطريحي في (الدراية) : (محمّد بن عبد الحميد ، المشترك بين الثقة وغيره ، ویمکن استعلام أنه ابن سالم العطّار المحتمل توثيقه پرواية أحمد بن أبي عبد الله عنه ، وبرواية عبد الله بن جعفر عنه) ، انتهی (3).
وصرّح بتوثيقه خالنا العلّامة المجلسي في (الوجيزة) (4).
ص: 384
وأمّا عبد السلام بن سالم : فهو البجلي ، كوفي ، ثقة كما صرّح به النجاشي (1).
في شرح المتن. وهذا الحديث صريح في حُجِّية الخبر الموثوق - أعني : من کا راوی محترزاً عن الكذب وإن كان غير محرز العدالة - وفي التقييد بالحلال والحراء إشارة إلى ما سيأتي في الحديث الَّذي بعده ، من أنَّ الفضل والخير فيما کان من قبيل العلوم الشرعية المتعلّقة بفعال المكلّفين ، ولا خير فيما لا يعنيه.
ص: 385
[103] - قال رحمه الله : وبالإسناد ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن محمّد بن عبد الحميد ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبيه ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إنَّ لي ابناً قَدْ أحبّ أن يسألك عن حلال وحرام ، ولا يسألك عمّا لا يعنيه ، قال : فقال لي : «وهل يسأل الناس عن شيء أفضل من الحلال والحرام» (1).
أقول : واستيعاب المرام في موضعين :
في رجال السند :
قال النجاشي : (يونس بن يعقوب بن قيس ، أبو علي الجلّاب البجلي الدهني ، اُمُّه منية بنت عمّار بن أبي معاوية الدهني ، اُخت معاوية بن عمّار. اختصّ بأبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام ، وكان يتوكل لأبي الحسن عليه السلام ، ومات بالمدينة في أيام الرضا عليه السلام ، فتولى أمره ، وكان حظياً عندهم ، موثقاً ، وكان قَدْ قال بعبد الله ورجع) ، انتهى (2).
وقال في (الخلاصة) : (اختلف علماؤنا فيه ، ... والَّذي اعتمد عليه قبول روايته) (3).
ص: 386
وعدّه في (الحاوي) في قسم الثقات دون الموثَّقين ، وكذا صاحب (المشتركات) (1) ؛ ولذا قال المجلسي في (الوجيزة) : (إنه ثقة كالصحيح ؛ لرجوعه عن الفطحية) (2).
وفي (التعليقة) : (أن حديثه لا يقصر عن الصحيح) (3).
وأمّا يعقوب هذا ، فلم أجد له ترجمة في كتب الرجال ، فهو من صنف المهملين (4).
في شرح المتن :
[أ] - «أحب» : يحتمل أن يكون بضم الباء على صيغة المتكلّم ، ويحتمل أن يكون بصيغة الماضي مبنياً على الفتح ، والفاعل ضمير مستتر فيه راجع إلى ابنه ، والجملة في محل النصب صفة ل-(ابنا).
[ب] - «وهل يسأل الناس» : الاستفهام ليس حقيقياً ، وإنَّما هو للتقرير ، وبقية الفقرات واضحة لا تحتاج إلى بيان.
ص: 387
[104] - قال رحمه الله : (فصل : الحقّ عندنا أنَّ الله تعالى إنَّما فعل الأشياء المحكمة المتقنة لغرض وغاية) (1).
أقول : اختلفت الآراء هنا ، فذهبت المعتزلة : إلى أنَّه تعالى يفعل لغرض ، ولا يفعل شيئاً لغير فائدة.
وذهبت الأشاعرة : إلى أنَّ أفعاله تعالى يستحيل تعليلها بالأغراض والمقاصد (2).
والدليل على صحَّة مذهب المعتزلة أن كلّ فعل لا قع لغرض فإنَّه عبث ، العبث قبيح والله تعالى يستحيل منه القبيح.
احتجَّ المخالف بأنَّ كلّ فاعل لغرض وقصد ، فإنَّه ناقص بذاته مستكمل بذلك الغرض ، والله تعالی پستحيل عليه النقصان.
والجواب : إنَّ النقص إنَّما يلزم لو عاد الغرض والنفع إليه ، أمَّا إذا كان الغرض عائداً إلى غيره فلا ، كما نقول : إنَّه تعالى يخلق الحالم لنفعهم (3).
[105] - قال رحمه الله : (ولا ريب أنَّ نوع الإنسان أشرف ما في العالم السفلي من الأجسام) (4).
أقول : وفي تقييده بالسفلي دلالة على أشرفية نوع الملاكة من نوع البشر ، كما هو المنقول من العلّامة الزمخشري ، ولا يخلو عن تحكُّم ، وذكروا لأشرفية
ص: 388
الإنسان وجوهاً ، منها : قابليته للكتابة التي بها يقدر على إبداع العلوم التي يستنبطها في الدفاتر.
ومنها : الصورة الحسنة كما صرّح به القرآن الشريف : ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ (1).
ومنها : تکریم صفاته ، فإنه تعالى قَدْ أدَّب الإنسان بآدابه الكريمة ، وكمّله بتکميلاته الجليلة ، وألبسه حلل صفاته الجميلة من العقل ، والحياء ، والعلم ، والعفَّة ، والتقوى ، والرأفة ، والرحمة ، والجود ، والكرم ، والحلم ، والحكمة ، والبيان ، والقدرة ، وغير ذلك من ملابس صفات الربوبية.
ومنها : تكريم أفعاله ، فإنَّ الله تعالی أرسل إليه رسلاً ليعرِّفوه كرم الأفعال ، وحسن الأعمال ، حَتَّى إنه دُلّ على حصر جميع أفعاله في صرفها في خدمته وطاعته ، وكفى بهذا تكرِمةً له.
ومنها : انتصاب قامته ، وصفاء لونه ، وبضاضة جلده ، واعتدال أعضائه ، وكثرة الانتفاع بها وصلاحها لأكثر الأعمال ، حَتَّى إذا قيس كلّ واحد إلى نظيره في سائر الحيوانات رأيت فيه صفات الربوبية والتدبير.
منها : قدرته على الانتصاب قائماً ، والاستواء جالساً ، فيستقبل الأشياء بيديه وجوارحه ، ويمكنه العلاج والعمل بهما ، فلو كان مكبوباً على وجهه كذات الأربع لما استطاع أن يعمل شيئاً من الأعمال إلى غير ذلك ممَّا هو مفصّل في
ص: 389
(توحيد المفضّل) (1) ، وقال الله تعالى : ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (2)﴾ (3).
[106] - قال رحمه الله : (فيلزم تعلُّق الغرض بخلقه) (4).
أقول : وذلك ؛ لأن الأشرف أولى بأن يكون متعلّقاً لغرض الحكيم على الإطلاق.
[107] - قال رحمه الله : (ولا يمكن أن يكون ذلك الغرض حصول ضرر له ؛ إذ هذا إنَّما يقع من الجاهل أو المحتاج تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً) (5).
أقول : معنى العبارة أنه لا يمكن الغرض الَّذي لأجله خلق الإنسان إيصال الضرر إليه ؛ إذ هذا إنَّما يتصور من الجاهل غير المميِّز بين النفع والضرر ، أو النافع والضار ، أو الجاهل بقبح الإضرار وحسن النفع ، وربّما يتصور وقوعه من المحتاج ؛ إذ المحتاج إلى شيء ربّما يقدم على الإضرار بالغير ؛ لجلب النفع إلى نفسه ، أو دفع الضرر عنها ، ولا مسرح لهما في حق الباري تعالی.
ص: 390
[108] - قال رحمه الله : (فتعيَّن أن يكون هو النفع ولا يجوز أن يكون عائداً إليه سبحانه لاستغنائه وكماله ، فلابدَّ أن يكون عائداً إلى العبد) (1).
أقول : كما قال الله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ﴾ (2) ، ولأن الاحتياج من صفات الممكن ، والمراد من الغنيّ في حقّه تعالى هو عدم افتقاره إلى الغير لا في ذاته ولا في صفاته.
[109] - قال رحمه الله : (وحيث كانت المنافع الدنيوية في الحقيقة ليست بمنافع ، وإنَّما هي دفع آلام ، فلا يكاد يُطلق اسم النفع إلا على ما ندر منهما ، لم يعقل أن يكون هو الغرض من إيجاد هذا المخلوق الشريف ، ولا سيّما مع كونه منقطعاً مشوياً بالآلام المتضاعفة) (3).
أقول : كلّ من تأمل بعين البصيرة يرى في الحقيقة أنَّ المنافع الدنيوية التي هي عبارة عن اللَّذّات الجسمانية ليست هي لذّات ، بل هي دفع آلام حاصلة للبدن ، فما يظنُّه الآكل عند الأكل لذّة ؛ ما هو إلا دفع ألم الجوع ، وما يجده الناكح حين النكاح من اللذّة ؛ ما هو إلا دفع مضرّة المني المجتمع ، وقس عليه ما سواه من المسكن ، والملبس ، والحشم ، والمركب ، والجاه ، والمنصب ؛ ولذا ترى أن الممتلئ لا يلتذ بالأكل أصلاً ولو قُدّم إليه أنفس المأكل ، ومن البديهي أنَّ الخلاص من الألم غير مرتبة الكمال ، فليس في اللَّذّات الجسمانية بأسرها کمال
ص: 391
أصلاً ولا اعتبار لها في نظر أهل البصيرة ، بل إنما الإنسان بهذه اللذّات يكون شريكاً للحيوان ، وتكون نفسة الناطقة عند استيفائه خادمة لقوة البهيمة ؛ ولذا لل نسبنا إلى أحد كثرة الأكل ووصفناهبذلك لتأثر من ذلك إلى الغاية ، مع أن كلّ عاقل يطلب نشر كماله ويبتشُّ بِذِكره بما فيه من وصف الكمال ، وكيف نعد نيل اللَّذّات الجسمانية كمالاً مع أنَّ كلّنا نقدِّس ذات الباري تعالى الجامع لجميع صفات الكمال من لوث هذه اللذّة ، فلو كانت من الكمال في شيء لثبتت في حقّ مبدأ الكائنات ، هذا كله مع أنه نفع منقطع غير دائم في دار الدنيا ؛ إذ غاية صفة الدنيا للراغبين فيها والراضين بها لا يتجاوز المثل ، وهو أن تزهر في عيونهم وتروقهم محاسنهم ، ثُمَّ عن قليل تزولُ عنهم ، فكأنَّها لم تكن كما هو معنى المثل المضروب لها في القرآن الكريم : ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ (1).
وقال مولانا أمير المؤمنين وسيد الوصيين في وصف الدنيا : «لم يكن امرؤ منها في حبرة إلا أعقبته بعدها عبرة ، ولم يلق من سرّائها بطناً إلّا منحته من ضرائها ظهراً ، ولم تطله فيها ديمة رخاء ، إلا همت (2) عليه مزنة بلاء ، وحري إذا أصبحت له منتصرة أن تسمي له متنكرة ، وإن جانبٌ منها اعذوذبَ واحلولى أمرّ منها جانب فأوبى ، لا ينال امرؤ من غضارتها رغباً إلا أرهقته من نوائبها
ص: 392
تعباً ، ولا يمسي منها في جناح أمن إلا أصبح على قوادم خوف ، غرّارة غرور ما فيها ، فائية فانٍ من عليها ، لا خير في شيء من أزوادها إلا التقوى» (1).
فقد تحقّق من جميع ما ذُكر أنه لا ينبغي أن تكون المنافع الدنيوية التي قَدْ عرفت حقارتها هي الغرض من إيجاد الإنسان ؛ ولذا قال رحمه الله : (فلا بد أن يكون الغرض شيئاً آخر ، ممَّا يتعلّق بالمنافع الأُخروية) (2).
أقول : أعني الفوز بلذّات النشأة الأُخروية والوصول إلى منتهی مراتب الإنسانية ، والأُنس بالابتهاجات الروحانية ، واللذّات العقلية ، والقرب من بساط الرحمة ؛ ولذا عدّه من أعظم المنافع حيث قال : (ولمّا كان ذلك النفع من أعظم المطالب وأنفس المواهب ، لم يكن مبذولاً لكلّ طالب ، بل إنَّما يحصل بالاستحقاق ، وهو لا يكون إلا بالعمل في هذه الدار ، المسبوق بمعرفة كيفية العمل المشتمل عليها هذا العلم ، فكانت الحاجة ماسّةً إليه جدّاً لتحصيل هذا النفع العظيم) (3).
أقول : لا ريب أنَّ الثواب والجزاء إنَّما يترتَّبان على فعل المأمور به وترك المنهيّ عنه ، ولا يتصور ذلك إلّا بالعلم والبصيرة بهما ؛ لأنَّ الَّذي يؤدِّي بغير علم وبصيرة لا يدري إلى من يؤدِّي ؛ لظهور أن من لم يعرف ربِّه ولم يعلم أوامره ونواهيه لا يدري ما يفعل ، ولا لمن يفعل ، ولا من يتقرَّب إليه ، فلو فعل شيئاً لم يكن ذلك عبادة ؛ لأن العلم أصل العبادة والتقرُّب روحه ، فإذا لم يتحقَّقا لم تتحقق العبادة ، وإذا كان جاهلاً لم يكن على ثقة ممَّا أدَّى ولا مصدقاً بأن ما أداه
ص: 393
هو المطلوب منه ويترتَّب عليه الثواب والجزاء ، وبالجملة فإنَّ قبول العمل يتوقف على معرفته تعالى ، ومعرفة صفاته ، ورسوله المبلّغ عنه ، ومعرفة العمل ومأخذه الَّذي يجب الأخذ عنه ، ومعرفة كيفيته ، وأجزائه ، وشرائطه ، ومفاسده ، ومواضع صحَّته ، فإذا حصلت تلك المعارف لأحد وعمل على وفقها كان عمله مقبولاً ، وإلّا فلا ضرورة توقف انتقاء الموقوف بانتقاء الموقوف عليه ، وقد قال العالم عليه السالم : «من دخل في الإيمان يعلم ثبت فيه ، ونفعه إيمانه ، ومن دخل فيه يغير علم خرج منه كما دخل فيه».
وقال : «من أخذ دينه من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله زالت الجبال قبل أن يزول ، ومن أخذ ديته من أقواه الرجال ردّته الرجال - عنه (1) -» (2).
ص: 394
[110] - قال رحمه الله : وقد روينا بالإسناد السابق وغيره ، عن محمّد بن یعقوب ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن درَّاج ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «لوددت أنَّ أصحابي ضُرِبَتْ رؤوسهم بالسياط حَتَّى يتفقَّهوا - في الدين (1) -» (2).
أقول : واستيعاب المرام في موضعين :
في رجال السند :
جميل بن درَّاج : وجه هذه الطائفة ، ثقة ، روى عن أبي عبد الله عليه السلام (3).
في شرح المتن :
[أ] - «أصحابي» : والأصحاب جمع صحب مثل فرخ وأفراخ ، والصحابة جمع صاحب ، ولم يجمع فاعل على فَعالة إلّا هذا (1).
والصحابي على ما هو المختار عند جمهور أهل الحديث : (كلّ مسلم رأی النبي صلى الله عليه وآله ، قیل : وروى عنه ، وقيل : أو رآه النبي صلى الله عليه وآله ، قيل : وكان أهل الرواية عند وفاته مائة ألف وأربعة عشر ألفاً) (2).
وذهب أصحابنا الإمامية إلى أنَّ وصف الصحبة مع النبي صلى الله عليه وآله لا يصير بنفسه سبباً لحسن المتَّصف بها ، فضلاً عن أن يصير بها موثَّقاً عادلاً ، وإنَّ الحكم بتعديل الصحابي وتوثيقه ، أو مدحه وحسنه كغيره يحتاج إلى ثبوت الإيمان أولاً ، ثُمَّ العدالة من اجتناب الكبائر ، وعدم الإصرار على الصغائر ، أو ما هو سبب للمدح ممَّا هو مذكور في محلّه ، وهذا واضح لا يحتاج إلى دليل وبرهان بعد الرجوع إلى أوصاف المؤمنين والفسَّاق في كتاب الله عزَّ وجلَّ ، وإن المناط في الجرح والتعديل هو الإطاعة والعصيان (3).
وأقوى دليل على عدم العبرة بمحض الصحبة قول أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة نهج البلاغة في تمييز الأحاديث الصحيحة :
«وإنَّما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس : رجل منافق مظهر للإيمان ، متصنَّع بالإسلام ، لم يتأثم ولا يتحرَّج ، يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله
ص: 396
متعمداً ، فلو علم الناس أنه منافق کاذب لم يقبلوا منه ولم يصدّقوا قوله ، ولكنَّهم قالوا : صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله ، رآه وسمع منه ولقف عنه ، فيأخذون بقوله ، ولقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك ، ووصفهم بما وصفهم به لك ... إلخ» (1).
فإنَّ هذا تصريح منه عليه السلام بنفاق بعض الصحابة.
[ب] - «ضربت» : بضم التاء على صيغة المتكلّم أو بسكونها ، وضم الأول على البناء للمجهول.
[ج] - «رؤوسهم» : خصّه عليه السلام بالذكر من بين سائر الأعضاء مع أنه أشرفها مبالغة في تأديبهم في ترك التفقُّه ، وفيه دلالة على وجوب الأمر بالمعروف وإن احتاج إلى الضرب وغيره من أنواع التأديب ، كما هو صریح رواية جابر الطويلة : «فأنكروا بقلوبكم والفظوا بألسنتكم وصكُّموا بها جباههم» (2).
ومرسلة التهذيب : قَدْ حق لي أن آخذ البريء منكم بالسقيم ، وكيف لا يحق لي ذلك؟! وأنتم يبلغكم عن الرجل منکم القبيح ، ولا تنكرون عليه ، ولا تهجرونه ، ولا تؤذونه حَتَّى يترکه» (3).
وغير ذلك ممَّا تختصُّ به أدلَّة نفي الضرر ونحوها ، وأمّا صحيحة زرارة : «كان علي عليه السلام لا يُجلس في السجن إلا ثلاثة : الغاصب ، ومن أكل مال اليتيم ظلماً ، ومن أؤتمن على أمانة فذهب بها» (4).
ص: 397
حيث دلَّت من جهة إطلاق الجزء المستفاد من الحصر على عدم حبس غير الثلاثة ، فهي أعم مطلقاً لا ممَّا مرَّ ، فيجب تخصيصها به ، فيتمُّ الوجوب ولكن مع حصول شرائطه المذكورة فيما سبق.
[د] - «بالسِّياط» : بكسر السين ، جمع سوط ، وهو آلة الجلد ، والأصل سواط - والواو فقلبت ياء لكسرة ما قبلها - وتجمع على الأصل أسواط ، وأمّا جمعه على أسباط فشاذ (1).
ص: 398
[111] - قال رحمه الله : عنه ، عن علي بن محمّد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن علي بن أبي حمزة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «تفقَّهوا في الدين ، فإنه من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي ، إن الله تعالى يقول في كتابه : ﴿لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (1)» (2).
أقول : واستيعاب المرام في موضعين :
في رجال السند : فمرجع الضمير كما تقدّم.
في شرح المتن :
[أ] - قال جدّنا الفاضل الصالح : (المراد بالتفقُّه في الدين طلب العلوم النافعة في الآخرة ، الجالبة للقلب إلى حظيرة القدس دائماً ، بحيث يُعد الطالب عرفاً من جملة طلبتها ومشتغلاً بها ، وتلك العلوم في المعدّة لسلوك سبيل الحق ، والوصول إلى الغاية من الكمال ، كالعلوم الإلهية ، والأحكام النبوية ، وعلم الأخلاق ، وأحوال المعاد ومقدّماتها) ، انتهى (1).
[ب] - «فهو أعرابي» : أي كالأعراب في عدم التفقُّه ، وقد ذمَّهم الله تعالی بقوله : ﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ﴾ (2).
قال الجوهري في (الصحاح) : (الأعراب سكان البادية خاصة من العرب ، والنسبة إلى الأعراب أعرابي ؛ لأنه لا واحد له) (3).
وفي الآية دلالة على وجوب التفقُّه ؛ لأنه تعالى أوجب النفر له ، ولو لم يكن واجباً لم يجب النفر له.
وفيه دلالة على وجوب مقدمة الواجب ، وعلى كون وجوبه كفائياً ؛ لإيجاب النقر على طائفة من كلّ فرقة ، وعلى حُجِّية خبر الواحد ؛ لوجوب الحذر علی القوم عند تبليغ الطائفة لهم وإنذارها إياهم ، ومن أراد التفصيل فعليه مراجعة مظانّه من كتب الأُصول.
ص: 400
ثُمَّ إنَّ وجوب التفقه والتعلم يستتبع إيجاب التعليم ؛ إذ لا وجه لوجوب التعليم بالسؤال وعدم وجوب الجواب ، بل وتحريم كتمان العلم والفقه من المسلَّمات عندنا ، قال الله تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَ-ٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ (1).
وقال : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَ-ٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ﴾ (2).
وقال صلى الله عليه وآله : «من كتم علماً ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار» (3).
ص: 401
[112] - قال رحمه الله : عنه ، عن الحسين بن محمّد ، عن جعفر بن محمّد ، عن القاسم بن الربيع ، عن المفضَّل بن عمر ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «عليكم بالتفقُّه في دين الله ولا تكونوا أعراباً ، فإنه من لم يتفقّه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولم يزكِّ له عملاً» (1).
أقول : واستيعاب المرام في موضعين :
في رجال السند : ومرجع الضمير كما تقدّم.
وجعفر بن محمّد : هو جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي ، ضعّفه النجاشي في (الفهرست) ، ونقل عن أحمد بن الحسين - أعني ابن الغضائري على الإعاد شيخ الشيخ والنجاشي - أنه قال في حقّه : (كان يضع الحديث وضعاً ، ويروي عن المجاهيل ، قال : وسمعت من قال : كان أيضاً فاسد المذهب والرواية ... إلى أن قال : ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو علي بن همام ، وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب الزراري رحمهما الله) (2).
وقال ابن الغضائري : (إنَّه كان كذّاباً ، متروك الحديث جملة ، وكان في مذهبه ارتفاع ، ويروي عن الضعفاء والمجاهيل ، وكلّ عيوب الضعفاء مجتمعة فيه) (3).
ص: 402
نعم ، وثّقه الشيخ رحمه الله ولا عبرة بتوثيقه (1) بعد معارضته بكلام من تقدّم ، ولاسيَّما مثل النجاشي المقدّم تعديله على جرح الشيخ ، فضلاً عن جرحه كما هو الحال فيما نحن فيه ؛ ولذا قال العلّامة في (الخلاصة) : عندي في حديثه توقّف ، ولا أعمل بروايته (2).
والقاسم : هو ابن محمّد بن الربيع ، صرّح بتضعيفه العلّامة في (الخلاصة) (3).
وقال الطريحي في (الدراية) : (هو مشترك بين جماعة لا حَظّ لهم في (التوثيق) (4) ، وصرّح أيضاً بتضعيفه المجلسي في (الوجيزة) (5).
وأمّا المفضّل : فالكلام فيه طويل ، وعند المشهور ضعيف ، وعندي تبعاً لجملة من أجلّاء المحقِّقين أنه من أجلّاء الرواة وثقات الأئمّة الهداة ، وكفى شاهداً لنا قول المفيد رحمه الله في الإرشاد : (إنه من شيوخ أصحاب أبي عبد الله عليه السلام وخاصَّته ، وبطانته ، وثقاته الفقهاء الصالحين) (6) ، وإن أردت الاطّلاع على ما في هذا
ص: 403
الشأن فعليك بمراجعة المجلد الثالث من المستدركات فيما يتعلق بشرح مشيخة (من لا يحضره الفقيه) ، فإنَّه قَدْ أورد ما يزيح به العلّة ويشفي الغلة (1).
في شرح المتن :
[أ] - قال جدّي الفاضل الصالح : (والوجه في عدم نظر الله إليه أنَّ استحقاق العبد للكرامة يوم القيامة ليس باعتبار أنه خلق الله ، ولا باعتبار جسمه ، وحسن صورته ، وكثرة أمواله وأولاده وعشيرته ، بل إنَّما هو لصفاء قلبه ، وإحاطته بالمعارف الإلهية ، واتّصافه بالصور العقلية ، وإذعانه بالشرائع النبوية ، وانقياده للأحكام الشرعية ، فكلّ من كانت فيه هذه الأُمور أقوى كان استحقاقه للكرامة والرحمة والنظر إليه أجدر وأحرى ، ومن لم يكن فيه شيء منها كان أبداً منعوتاً بالحرمان موصوفاً بالخذلان).
قال رحمه الله : (ويرشد إليه ما رُوي من طريق العامَّة عنه صلى الله عليه وآله قال : «إنَّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن إلى قلوبكم ، ونياتکم ، وأعمالكم») ، انتهی (2).
[ب] - «ولم يزكِّ له عملاً» : من البديهي أنَّ تزكية العمل متوقّفة على جامعية العمل للشرائط والأجزاء ، وفاقديته لموانع القبول ، ومن لم يكن متفقّهاً في دينه لا يكون كذلك.
ص: 404
[113] - قال رحمه الله : وبالإسناد السالف ، عن المفيد ، عن الحسن بن حمزة العلوي الطبري ، قال : حدّثنا أحمد بن عبد الله ابن بنت البرقي ، عن أبيه ، قال : حدثنا جدّي أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن العملاء ، عن محمّد بن مسلم ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : «لو اُتيتُ بشاب من شباب الشيعة لا يتفقَّه لأدّبته».
قال : وكان أبو جعفر عليه السلام يقول : «تفقَّهوا وإلا فأنتم أعراب» (1). أقول : واستيعاب المرام في موضعين :
في رجال السند : والمراد من الإسناد السالف هو الَّذي ذكره أولاً عن عدّة من أصحابنا.
وأمّا الحسن : فهو ابن حمزة بن علي بن عبد الله بن محمّد بن الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، أبو محمّد ، الطبري ، يُعرف بالمرعشي.
قال النجاشي : (كان من أجلّاء هذه الطائفة وفقهائها ، قدم بغداد ولقيه شيوخنا في سنة 356 ﻫ ومات في سنة 358 ﻫ) ، انتهى (2).
ص: 405
وكان فاضلاً دیّناً ، عارفاً فقيهاً ، زاهداً ورعاً ، كثير المحاسن ، أديباً ، روى عنه التلعکبري ، والحسين بن عبيد الله ، وأحمد بن عبدون ، والمفيد كما في هذا الحديث ، له كتب كثيرة ك-(المبسوط) ، و (المفتخر) (1).
صرّح بتوثيقه صاحب (المشتركات) (2) و (الحاوي) (3).
وأمّا أحمد : فهو ابن عبد الله ابن بنت أحمد بن محمّد البرقي ، وثّقه المجلسي في (الوجيزة) (4) ، ونقل الوحيد البهبهاني في (التعليقة) عن جدّه : (الظاهر أنه ثقة عند الصدوق ؛ لاعتماده في كثير من الروايات عليه) ، انتهى (5).
وأمّا العلاء : فهو ابن رزين القلّاء ، قال النجاشي : (ثقفي ، مولی ، قاله ابن فضال ، وقال ابن عبدة الناسب : مولى يشكر. كان يقلّي السويق ، روي عن أبي عبد الله عليه السلام ، وصحب محمّد بن مسلم وتفقَّه عليه ، وكان ثقة وجهاً ، ثُمَّ ذكر له كتباً) ، انتهی (6).
ص: 406
وأمّا محمّد بن مسلم ، فقد قال النجاشي : (محمّد بن مسلم بن رياح ، أبو جعفر ، الأوقص ، الطحّان ، مولی ثقيف الأعور ، وجه أصحابنا بالكوفة ، فقيه ورع ، صحب أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام وروي عنهما ، وكان من أوثق الناس.
له كتاب يسمَّى : (الأربعمائة مسألة في أبواب الحلال والحرام) ... إلى أن قال : ومات محمّد بن مسلم سنة 150 ﻫ) (1).
قلت : وهو الَّذي قال أبو عبد الله في حقّه لمّا قال له ابن أبي يعفور : إنه ليس كل ساعة ألقاك ، [ولا يمكن القدوم ، ويجيء الرجل من أصحابنا ، فيسألني وليس عندي كلّ ما يسألني عنه ، قال :] (2) فما يمنعك عن محمّد بن مسلم الثقفي ، فإنَّه قَدْ سمع من أبي ، وكان عنده وجيهاً (3).
وما أورده الكَشِّي ممَّا يدل على ذمِّه (4) ، مجاب عنه بمثل ما أجاب به الصادق عليه السلام عن ذم زُرارة (5) ، فتأمَّل.
في شرح المتن :
ص: 407
[أ] - تكرر في الحديث ذكر الشباب ، هو كسحاب جمع (شاب) بالتشدید ، وكذلك الشبان کفرسان ، والأنثى شابّة ، والجمع شواب کدابة ودواب.
وفي الحديث : (ابن ثلاثين سنة يُسمّی شاباً) (1) ، وكان المراد به التحديد من طرف النهاية ، أي آخر من يُطلق عليه هذا الاسم من بلغ الثلاثين.
[ب] - «الشيعة» : قَدْ سبق شرح هذه الكلمة ، وفي الحديث أيضاً : «نحن قريش ، وشيعتنا العرب ، وعدوُّنا العجم» (2) ، وليس فيه دلالة على تفضيل العرب على الفرس ؛ إذ المراد بالعجم من قابل العرب ، وإن كان تركياً أو هندياً كما في الحديث : «أعوذ بك من شرّ فسقة العرب والعجم» (3) ، إذ لا وجه للتعوُّذ من شرِّ العرب وخصوص الفرس.
قال شهاب الدين أحمد القلقشندي في نهاية الأرب : (إنَّ كلّ من كان عدا العرب فهو عجمي ، سواء الفرس ، أو الترك ، أو الروم وغيرهم ، وليس كما تتوهَّمه العامَّة من اختصاص العجم بالفرس ، بل أهل المغرب إلى الآن يطلقون لفظ العجم على الروم والفرنج ومن في معناهم) (4) ، ويُحتمل أن يكون المراد من العجم في الحديث خصوص الخزر ، والديلم ، والترك ، والكلّ من مشركي العجم كما ورد في الخبر المروي في الكافي في باب الجهاد (5).
وباقي فقرات الحديث واضحة لا تحتاج إلى بيان بعد ما سبق منّا نظائره.
ص: 408
[114] - قال رحمه الله : وبالإسناد عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن بعض أصحابنا ، عن علي بن أسباط ، عن إسحاق بن عمّار قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «ليت السياط على رؤوس أصحابي حَتَّى يتفقهوا في الحلال والحرام» (1).
أقول : إسحاق بن عمّار مشترك بين الثقة والموثق ، أمّا الأول : فهو ابن عمّار بن حيان ، مولى بني تغلب ، أبو يعقوب الصيرفي ، وثّقه النجاشي ، وصرّح بأنه شيخ من أصحابنا ، وأنه في بيت كبير من الشيعة ، وأنه روى عن أبي عبد الله عليه السلام وأبي الحسن عليه السلام (2).
والثاني : هو ابن عمّار بن موسی الساباطي الفطحي ، ولا وجه لتوهُّم الاتّحاد ، غير أن النجاشي لم يذكر الثاني ، وأول من وقع في شبهة الاتّحاد السيِّد ابن طاووس ، ثُمَّ تبعه في ذلك العلّامة في (الخلاصة) ، ثُمَّ تبعهما جملة ممَّن تأخَّر عنهُما كالميرزا في (رجاله الكبير) (3).
وممَّن ذهب إلى التغاير شيخنا البهائي في محكيّ (مشرق الشمسين) (4) ، وتلميذه العلّامة الشيخ علي بن سليمان في حواشي الحديث ، وصاحب
ص: 409
(الوافي) (1) ، والمولي عناية الله في (مجمع الرجال) (2) ، وشيخنا يوسف البحراني رحمه الله ، والشيخ أبو علي رحمه الله (3).
وقال الميرزا في حاشية كتاب رجاله الوسيط : (الظاهر من التتبُّع أنَّ إسحاق بن عمّار اثنان : ابن عمّار بن حيان الكوفي ، وهو المذكور في رجال النجاشي ، وابن عمّار بن موسى الساباطي ، وهو المذكور في (الفهرست) ، وأن الثاني فطحي دون الأول ، فتدبَّر) (4).
وكيف كان ، فالثاني موثق ويُميّز بينهما بالقرائن ، ولا حاجة إلى بيان الباقي (5).
ولنقبض عنان القلم على ما أراد الله لنا من إثبات ما حصل من شرح خطبة المعالم ، ولتذييل الكلام بذکر خاتمة فيها فضيلة جليلة في شأن العلماء الأخيار الأبرار ، وقد وردت في جملة من الأخبار ، وهي أنَّ شفاعة العلماء کشفاعة الأنبياء يوم القيامة.
ص: 410
روى الديلمي عن النبي صلى الله عليه وآله : «من أعان طالب العلم فقد أحبّ الأنبياء وكان معهم ، ومن أبغض طالب العلم فقد أبغض الأنبياء ، فجزاؤه جهنّم ، وإنّ لطالب العلم شفاعة كشفاعة الأنبياء ، وله في جنّة الفردوس ألف قصر من ذهب ، وفي جنّة الخلد مائة ألف مدينة من نور ، وفي جنّة المأوى ثمانون درجة من ياقوتةٍ حمراء ، وله بكلّ درهم أنفقه في طلب العلم جوارٍ بعدد النجوم وبعدد الملائكة ، ومن صافح طالب العلم حرّم الله جسده على النار ، ومن أعان طالب العلم إذا مات غفر الله له ولمن حضر جنازته» (1).
وقال عليه السلام : «إذا كان يوم القيامة جمع الله العلماء فيقول لهم : عبادي ، إنّي اُريد بكم الخير الكثير بعد ما أنتم عليه تحملون الشدّة من قبلي وكرامتي ، وتعبَّدني الناسُ بكم ، فابشروا فإنّكم أحبّائي ، وأفضل خلقي بعد أنبيائي ، وابشروا فإنّي غفرت لكم ذنوبكم ، وقبلت أعمالكم ، ولكم في الناس شفاعة مثل شفاعة أنبيائي ، فابشروا فإنّي منكم راض ولا أهتك ستوركم ، ولا أفضحكم في هذا الجمع» (2).
وممّا يناسب ذکره ، ما نقله بعض علمائنا المتأخّرين من أن جدّي العلّامة السیِّد رضا نجل السيِّد بحر العلوم طاب ثراهما (3) ، المتوفى سنة 123 ﻫ، توالت
ص: 411
عليه من الديون المبالغ الباهظة ، فسافر من النَّجف إلى کرمانشاهان يسعى في تحصیل ما يؤدِّي به ديونه ، وأن الشاهزاده محمّد علي ميرزا المتوفى سنة 1237 ﻫ نجل السلطان فتحعلی شاه القاجاري قال له : بعني باباً من الجنة بألف تومان.
فقال له السيد : من أين علمت أنّي أملك ذلك؟
فقال له الشاهزاده : اكتب لي بذلك صكّاً ، واجعل فيه شهادة علماء النَّجف وكربلاء وخواتيمهم ، وأنا أقبل ذلك منك واُسلّمُك الدراهم.
ففعل له السيِّد ذلك ، وقبض منه المبلغ المزبور ، ثُمَّ إنَّ الشاهزاده لمّا توفّي أوصى أن يُجعل الصك معه في كفنه ، ولا شك أن الله تعالى يدخله الجنّة بكرمه ،
ص: 412
ولمّا توفّي حُمل نعشه إلى الحائر الحسيني عليه السلام ودُفن في الرواق الشريف ، فهنيئاً له على ما رزقه الله من حسن النيَّة.
اللهُمَّ اجعلنا ممَّن اجتذبته جواذب الأشواق حَتَّى وقف على بابك ، واختطفته مخالب العشَّاق حَتَّى وصل إلى جنابك ، موقناً بثوابك ، آمناً من عذابك ، إنَّك مجيب دعوة المضطرين ، وأنت أرحم الراحمين ، وكتب بيده مؤلفه الأحقر جعفر آل بحر العلوم الطباطبائي وذلك في الخامس والعشرين من شهر شوال سنة 1342 ﻫ في النَّجف الأشرف على مُشرِّفها آلاف التحيَّة والتُّحف.
ص: 413
ص: 414
• الآيات القرآنية
• الأحاديث
• الأشعار
• الأعلام
• المصادر
• المحتويات
ص: 415
ص: 416
إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا....................................................... 33
اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ...................................... 28
أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ........................ 331
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا.......... 334
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ............................................................. 320
إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ.................................................. 211
الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ.................... 403
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ................................................ 305
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ......................................... 333
أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ....................................................... 299
إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ................................................ 158
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا....................... 404
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ........................................ 404
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا..................................................... 299
إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ................ 334
إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ.......................................................... 364
اِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ.................. 267
إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا.................................................. 269
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ............................... 159 ، 251 ، 327
إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ.................................... 331
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا.................................... 386
بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ........................................... 132
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا.................................. 173
خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ.......................................................... 89
فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ......................... 280
فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ......................................... 180
فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا.......................................... 57
ص: 417
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ.......................... 375
فَبَشِّرْ عِبَادِ................................................................ 333
فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا......................................... 283 ، 286
فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ................................................. 47
قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ....................... 205
قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا.......................................................... 214
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا.............................. 331
كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ............................................... 59
كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ.............. 354
لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ...................................................... 120
لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ................................................. 268
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ........................................... 392
لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.......................................... 8
ليتفقهوا لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ..... 366، 402
مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ.................................. 206
مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ................................................... 89
مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ 240
مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ.................................................... 88
نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.................................... 180
هَ-ٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ.............................................. 348
وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ......................................................... 144
وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ............................................................. 305
وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا....................................................... 33
وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ................................................... 283 ، 284
وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ................................................... 369
وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ................................... 395
ص: 418
وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ...................................................... 348
وَالصَّافَّاتِ صَفًّا.............................................................. 56
وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ.......................................................... 135
وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ........................................ 209
وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا............................................................ 332
وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا............................ 375
وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا................................................. 368
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ................................... 47
وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا.......................................................... 334
وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا................................................ 385
وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ............................................. 236 ، 252
وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا.......................................................... 33
وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا....................................................... 214
وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا......................................................... 252
وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا.......................................... 269
وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ...................................................... 320
وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ................................ 268
وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ... 354 ، 356
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ......................................................... 393
وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا......................................... 145
وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَىٰ بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ............................................... 47
وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ........................................................ 137
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.................................. 300 ، 359
وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا..................................... 180
وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا......................................... 145
ص: 419
وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ........................................................ 358
وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا............................................. 100
وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا............................................. 209
يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ.............................. 394
يُحْيِيهَا الَّذي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ................................................... 89
يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ........................................................ 57
يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا............................................ 100
ص: 420
أتاني جبرائيل عليه السلام آنفاً فقال : تختَّموا بالعقيق.................................. 205
أخاف على اُمَّتي زلة عالم.................................................... 169
إذا أراد الله بعبدٍ خيراً فقَّههُ في الدين.......................................... 366
إذا تشبّه الرجال بالنساء ، والنساء بالرجال..................................... 131
إذا دخل الرجل منکم بيته ، فإن كان فيه أحد يسلّم عليهم...................... 281
إذا رأيتم الرايات السود قَدْ أقبلت من خراسان.................................. 130
إذا رأيتم العالم محبّاً لدنياه ؛ فاتَّهموه على دينكم................................. 247
إذا سلّم أحدكم فليجهر بسلامه.............................................. 291
إذا سلَّم عليك الرجل وأنت تصلّي ، قال : تردّ................................. 292
إذا سلّم عليك اليهودي والنصراني والمشرك فقل................................. 296
إذا سلّم عليك رجل من المسلمين وأنت في.................................... 292
إذا سلّم من القوم واحد أجزأ عنهم........................................... 292
إذا عطس أحدكم فسمِّتوه................................................... 284
إذا كان يوم القيامة جمع الله العلماء فيقول لهم.................................. 414
إذا مات المؤمن - الفقيه...................................................... 381
إذا مات المؤمن الفقيه ، ثُلم في الإسلام ثلمة لا يسدُّها شيء..................... 379
أربع بقاع ضجّت إلى الله من الغرق في أيام الطوفان............................... 89
ارتدّ الناس إلا ثلاثة : أبو ذرّ وسلمان والمقداد.................................. 256
أسعد الناس بهذا الدين فارس.................................................. 47
اطلبوا العلم ، وتزيَّنوا معه بالحلم والوقار........................................ 322
أعوذ بك من الذنوب التي تردّ الدعاء.......................................... 228
آفة الدين الحسد ، والعُجب ، والفخر......................................... 342
افشوا سلام الله ؛ فإن سلام الله لا ينال الظالمين................................ 291
أفضل الناس من عشق العبادة ، فعانقها وأحبها بقلبه............................ 300
أقبح شيء الخرق........................................................... 270
أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد.................................. 159
ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه؟ من لم يقنِّط الناس من........................... 329
ص: 421
البخيل من بخل بالسلام..................................................... 281
البرّ وحسن الخُلق يعمِّران الديار ، ويزيدان في الأعمار........................... 352
التحيَّة السلام وغيرُه من البرّ................................................. 284
التواضع أن تعطي الناس ما تُحبُّ أن تُعْطَاه..................................... 325
التواضع درجات منها أن يعرف المرء قدر نفسه ، فينزلها.......................... 325
الجنّة محفوفة بالمكاره والصبر ، فمن صبر على المكاره............................. 371
الحسن عليه السلام أفضل من الحسين عليه السلام......................................... 136
الحق مع علي وهو مع الحق ، أينما دار........................................ 238
الخرق شرّ خُلق............................................................ 270
الخرق شين الخُلق........................................................... 270
الخرق مناواة الأمراء ، ومعاداة من يقدر على الضراء............................. 270
الزم الصمت تسلم......................................................... 337
الصبر صبران : صبر على ما تكره ، وصبر عما تحب............................ 368
الصبر مطية لا تكبو........................................................ 370
الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد....................................... 370
الصبر والرضا عن الله رأس طاعة الله ، ومن صبر................................ 351
المعجم يشر کوتكم في دينكم ، وأنسابكم....................................... 49
العلم مقرون إلى العمل ، فمن علم عمل ، ومن عمل علم....................... 304
العلم نهر ، والحكمة بحر ، والعلماء حول النهر يطوفون.......................... 193
العلماء رجلان : رجل عالم آخذ بعلمه فهذا ناجٍ............................... 302
الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني فيهما قصمت ظهره................ 326
الكمالُ كلّ الكمال : التفقُّه في الدين ، والصبر على النائبة....................... 368
اللهمّ أدر الحق مع علي حيث دار............................................ 238
اللهُمَّ أدر الحق معه أينما دار................................................. 238
اللهُمَّ فقّهه في الدين........................................................ 366
المهديّ [رجلٌ من] ولدي................................................... 129
ص: 422
المهدي طاووس أهلِ الجنَّة................................................... 129
المهدي منّي ، أجلى الجبهةِ ، أقنى الأنف....................................... 129
الناس معادن كمعادن الذهب والفضة......................................... 214
أمّا عبد الله فيدي التي أبطش بها............................................... 10
إنَّ أحقَّ الناس بالاجتهاد ، والورع ، والعمل بما عند الله ويرضاه................... 300
إن أردت الَّذي لم يشك ولم يدخله شيء ، فالمقداد............................... 29
إنَّ أشدَّ أهل النار ندامة رجل دعا عبداً إلى الله................................. 312
إنَّ أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله عزَّ وجلَّ................................ 351
إنَّ الأئمّة من قريش غُرسوا في هذا البطن من هاشم............................. 238
إنَّ الَّذي يعلّم العلم منكم ، له أجر مثل المتعلّم................................. 159
إنَّ الرجل ليأتي بأيِّ بادرة فيكفر ، وإنَّ الحسد.................................. 342
إنَّ العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته من القلوب............................ 309
إنَّ العلماء ورثة الأنبياء ، وذاك أن الأنبياء لم يورِّثوا.............................. 181
إنَّ الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل......................................... 239
إنَّ الله تعالی أمرني بحبّ أربعة ، وأخبرني أنه يحبّهم................................ 29
إنَّ الله تعالى يحشر الناس على نيَّاتهم يوم القيامة................................ 207
إنَّ الله عزَّ وجلَّ أوحى إلى داود أن ائت عبدي دانيال وقل له..................... 190
إنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يبعث نبياً إلّا بصدق الحديث............................... 347
إنَّ الله عزَّ وعلا يقول : تذاكُرُ العلم بين عبادي ممَّا تحيی......................... 353
إنَّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن إلى قلوبكم......................... 407
إنَّ المؤمن يغبط ولا يحسد ، والمنافق يحسد ولا يغبط............................. 342
إنَّ بخراسان لبقعة من الأرض يأتي عليها زمان تصير............................... 89
أنَّ زيارتها تعدلُ الجنَّة......................................................... 69
إن في السماء ملكين موكَّلين بالعباد ، فمن تواضع لله رفعاه....................... 324
إن لله حرماً وهو مكة ، ولرسوله حرماً وهو المدينة................................. 69
ص: 423
أنَّ من التواضع أن يجلس الرجل دون شرفه..................................... 324
أنَّ من علامات الفقيه الحلم والصمت......................................... 192
إنّا صُبَّر وشيعتنا أصبر منّا.................................................... 372
أنا عند المنكسرة قلوبهم لأجلي............................................... 268
إنّا كلَّنا خلقنا من نور واحد وطينة واحدة...................................... 139
إنّا كلّنا سواء ، أولنا محمّد وأوسطنا محمّد وآخرنا محمّد........................... 139
إنّا لنُكنّي أولادنا في صغرهم مخافة النّبز أن يُلحق بهم.............................. 17
أنت منّي بمنزلة الروح من الجسد.............................................. 136
أنت نفسيَ التي بين جنبيَ................................................... 136
إنَّما العلم ثلاثة : آيةٌ محكمة ، أو فريضة عادلة ، أو سُنَّةٌ......................... 361
إنَّما بعثتُ لأتمِّمَ مكارِمَ الأخلاق.............................................. 229
إنَّما سُمّي إسماعيل صادق الوعد............................................... 348
أنه دخل عليه جماعة من الشيعة ، فلم يأذن لهم بالجلوس.......................... 25
أنه لم يبقَ أحد إلا وجال جولة إلا المقداد بن الأسود.............................. 29
إنَّها كانت صدّيقة ، لم تُدرك في آل الحسن امرأة مثلها............................. 18
أنّي اُدفن في دار موحشة ، وبلاد غريبة.......................................... 95
إني إنما أعيك دفاعاً منِّي عنك................................................ 410
أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام : لا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً بالدنيا....... 247
أوضع العلم ما وقف على اللّسان ، وأرفعه ما ظهر في الجوارح والأركان............. 311
إيَّاك والرئاسة ، وإياك أن تطأ أعقاب الرجال................................... 172
إياكم وهؤلاء الرؤساء الَّذين يترأسون ، فوالله ما خفقت.......................... 169
أيُّها الناس اعلموا أنَّ كمال الدين طلب العلم والعمل به......................... 175
أيُّها الناس ، إذا علمتم فاعملوا بما علمتم لعلَّكم تهتدون......................... 315
بئس الشيعة الخرق.......................................................... 270
بدا لله في أبي محمّد بعد أبي جعفر............................................ 118
بلى ، كانت في أيدينا فدك.................................................. 144
ص: 424
بِمَ يعرف المؤمن............................................................ 348
بنا فتح الله لا بكم ، وهنا يختم لا بكم........................................ 133
تاسعهم قائمهم ، أعلمهم................................................... 138
تذاكروا وتلاقَوا وتحدَّثوا ، فإنَّ الحديث جلاء القلوب............................. 353
تسعة من ذرِّية الحسين عليهم السلام تاسعهم قائمهم ، أعلمهم......................... 138
تعلَّموا العلم ، فإنَّ تعلّمه حسنة ، ومدارسته تسبيح.............................. 146
تفقَّهوا في الدين ، فإنه من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي.................... 402
تفقَّهوا وإلا فأنتم أعراب..................................................... 408
تفكُّر ساعة خير من عبادة سبعين سنة........................................ 334
تناولُ السماء أيسرُ عليك من ذلك........................................... 170
ثلاث لا يسلم منها أحد : الطَيَرة ، والحسد ، والظن............................ 343
ثُمَّ ينادي منادٍ : أين حوارييَ علي بن أبي طالب.................................. 25
حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة.................................................. 250
حديث في حلال وحرام تأخذه من صادق..................................... 387
حسّنوا أخلاقكم........................................................... 214
حٌفَّت الجنَّةُ بالمكاره وحُفَّت النار بالشهوات.................................... 371
حقّ سائسك بالعلم : التعظيم له ، والتوقير لمجلسه.............................. 262
خذ العلم من أفواه الرجال................................................... 353
رأس الجهل الخرق.......................................................... 270
رأس طاعة الله الصبر والرضا عن الله فيما أحبّ العبد............................ 351
رجل راوية لحد يشكم يبثّ ذلك في الناس..................................... 202
رحم الله عبداً أحيا أمرنا..................................................... 260
سئل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..................................... 355
سوء النيَّة والسريرة ، أو ترك التصديق بالإجابة.................................. 228
سيدا شباب أهل الجنة...................................................... 137
ص: 425
طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة..................................... 162
طلبةُ العلم ثلاثة ، فاعرفهم بأعيانهم وصفاتهم................................... 218
عالم يُنتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد.................................. 197
علماء شيعتنا مرابطون في الثَّغر الَّذي يلي إبليس وعفاريته........................ 385
علي مع الحق والحق مع علي ، يدور معه حيثما دار............................. 238
عليكم بالتفقُّه في دين الله ولا تكونوا أعراباً ، فإنه من لم يتفقَّه.................... 405
فقال : سبحان الله! يموت رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولا يموت موسی...................... 46
فمن أحبّ الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها................................. 250
قال لي أبو الحسن عليه السلام : صاحبکم من بعدي الَّذي يصلّي عليّ................. 118
قُبض علي بن الحسين عليهما السلام وهو ابن سبع وخمسين سنة............................ 7
قَدْ حق لي أن آخذ البريء منكم بالسقيم ، وكيف لا........................... 400
قرأت في كتاب علي عليه السلام أنَّ الله لم يأخذ على الجهّال عهداً..................... 320
قُصر الأمل ، وشكر كلّ نعمة ، والورع عمّا حرّم الله عزَّ وجلَّ.................... 179
قُم با بني ، فاقرأ عند رأس أخيك............................................... 56
كاد الفقر أن يكون كفراً ، وكاد الحسد أن يغلب القدر.......................... 342
كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : يا طالب العلم إن العلم......................... 266
كان رجل في الزَّمان الأول طلب الدنيا من حلال فلم........................... 253
كان سعيد بن المسيّب ، والقاسم بن محمّد بن أبي بكر............................ 24
كان عابد في بني إسرائيل لم بنارف من أمر الدنيا شيئاً........................... 199
كان علي عليه السلام لا يُجلس في السجن إلا ثلاثة : الغاصب........................ 400
كانت أُمِّي نامدة عند جدار ، فتصدّع الجدار ، وسمعنا هدّة شديدة................. 18
کُشف عن بصري ، فأبصرت النطف التي في أصلابهم ،......................... 134
كلمة لا إله إلا الله حصني ؛ فمن قالها دخل حصني.............................. 77
كيف أنتم إذا نزل ابن مريم ايکم وإمامكم منكم................................ 131
كيف صنعت في سفرك من لم تجد الماء........................................ 166
لا إله إلا الله حصني ، فمن دخل حصني أمن من عذابي........................... 78
ص: 426
لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت بغير إذن أبيها................................. 203
لا تبدؤوا أهل الكتاب بالتسليم ، وإذا سلّموا عليكم............................ 296
لا تسلّموا على اليهود ، ولا على النصارى ، ولا على المجوس..................... 296
لا تطلبنّ الرئاسة ، ولا تكن ذئباً.............................................. 235
لا خير في الصمت عن العلم ، كما لا خير في الكلام عن الجهل.................. 252
لا خير فيمن لا يحب جمع المال من حلال يكفُّ................................ 179
لا يغرّنَّكم الصّحفيون....................................................... 353
لا يُقيم أمر الله سبحانه وتعالى إلا من لا يصانع................................ 251
لتأمُرُنَّ بالمعروف ولتنهُنَّ عن المنكر............................................ 355
لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد...................................... 272
لقد ولدني أبو بكر مرّتين...................................................... 19
للجسم ستة أحوال : الصحَّة ، والمرض ، والموت ، والحياة........................ 193
للسلام سبعون حسنة : تسع وستون للمبتديء ، وواحدة للراد.................... 281
لله تعالى من عباده خیرتان : فخيرته من العرب..................................... 5
لله در الحسد ، حيث بدأ بصاحبه فقتله....................................... 344
لم يكن امرؤ منها في حبرة إلا أعقبته بعدها عبرة................................ 395
لو أتيتُ بشاب من شباب الشيعة لا يتفقَّه لأدّبته............................... 408
لو انزل القرآن على العجم ما آمنت به العرب.................................... 47
لو عُرض علم مقداد علی سلمان لكفر......................................... 28
لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لبعث الله تعالی رجلاً............................... 129
لوددت أنَّ أصحابي ضُرِبَتْ رؤوسهم بالسياط حَتَّى يتفقَّهوا....................... 398
لولا أهل المدينة الأحببت أن اشتري لعيالي الشيء............................... 325
ليت السياط على رؤوس أصحابي حَتَّى........................................ 412
ليس من أخلاق المؤمن التملُّق................................................ 266
ليكن الناس عندك في العلم سواء............................................. 320
ص: 427
ما تواضع أحد لله إلا رفعه................................................... 324
ما ذنبانِ ضاربانِ في غنمٍ قَدْ تفرَّقَ رِعاؤها بأضرَّ في دينِ.......................... 170
ما كان الرفق في شيء قطّ إلّا زانه............................................ 270
ما من أحد يموت من المؤمنين أحبّ إلى إبليس................................. 377
ما يقدم المؤمن على الله عزَّ وجلَّ بعمل........................................ 352
متی لقيت من اُمَّي أحداً فسلَّم عليه يطل عمرك................................ 281
مكتوب في الإنجيل لا تطلبوا علم ما لا تعلمون ولما تعلموا بما..................... 313
من أخذ دينه من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله زالت الجبال قبل أن.................. 397
من أراد الحديث المنفعة الدنيا ، لم يكن له في الآخرة نصيب...................... 241
من أراد أن ينظر إلى نوح في عزمه ، وإلى آدم في علمه........................... 140
من استأكل بعلمه افتقر..................................................... 260
من أعان طالب العلم فقد أحبّ الأنبياء وكان معهم............................ 414
من التواضع أن تسلّم على من لقيت.......................................... 291
من بدأ بالكلام قبل السلام ، فلا تجيبوه....................................... 285
من تعلّم العلم............................................................. 160
من حقّ العالم أن لا تكثر عليه السؤال ولا تأخذ بثوبه........................... 275
من دخل في الإيمان بملم ثبت فيه ، ونفعه إيمانه ، ومن دخل فيه.................. 397
من زار عمَّتي بقم فله الجنَّة.................................................... 69
من زارها فله الجنَّة............................................................ 68
مَن سلكَ طريقاً يطلب فيه علماً سلكَ الله به طريقاً إلى الجنَّة..................... 141
من صدق لسانه زكى عمله ، ومن حسنت نيَّته زيد في رزقه...................... 348
من صلّى بغير حنك فأصابه داء لا دواء له ، فلا يلومنَ إلّا نفسه................. 227
من طلب العلم لغير الله لم يخرج من الدنيا..................................... 274
من طلب العلم ليباهي به العلماء..................................... 255 ، 256
من علّم باب هدى فله مثل أجر من عمل به.................................. 160
ص: 428
من كتم علماً ألجمه الله يوم القيامة............................................ 404
من كثر خرقه استُرذل....................................................... 270
منهومان لا يشبعان : طالب دنيا وطالب علم.................................. 232
نحن قريش ، وشيعتنا العرب ، وعدوُّنا العجم................................... 411
نعم الراكبان وأبوهما خير منهما............................................... 136
هذا ولدي الحسين ، إمام ابن إمام............................................ 138
هلاك المرء سماع خفقان النّعال عقبه........................................... 261
هو تسليم الرجل على أهل البيت............................................. 280
هو كهل من کهولنا ، وسيِّد من ساداتنا....................................... 265
وإنَّ المؤمنَ لفي شُغُلٍ عن ذلك............................................... 300
وإن شراركم من أحبّ أن يوطأ عقبه ، إنه لابد من كذّاب........................ 173
وأنا أدفعها إليك يا علي ، وأنت تدفعها إلى وصيّك............................. 139
وإنَّما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس................................ 399
وتفقَّه يا بني في الدين....................................................... 366
وتواضعوا لمن تعلّمونه العلم ، وتواضعوا.......................... 192 ، 266 ، 322
وُضع عن اُمَّتي تسع خصال.................................................. 343
وعلمهم بالحلال والحرام وتفسير القرآن واحد................................... 140
وكأنَّي أسمع صهيل خيلهم ، وطمطمة رجالهم..................................... 48
ولا يعرف الله إلا أنا وأنت................................................... 139
ولكنّ الرجل كل الرجل ، نعم الرجل.......................................... 184
ومن ضرب بيده على فخذه عند المصيبة حبط أجره............................. 368
ومن علامة الإيمان الشفقة على خلق الله....................................... 271
وهل يسأل الناس عن شيء أفضل من الحلال والحرام............................ 389
يا أبا ذرّ ، إنّك ضعيف ، وإنَّها أمانة.......................................... 171
يا أبا صالح ، كأنَّي أنظر إليك وإلى جنبي الناس................................. 279
ص: 429
يا أحمدُ ، إنّ عيب أهل الدنيا كثير ، فهم الجهل................................ 272
يا أيُّها الناس إن الله قَدْ أذهب عنكم بالإسلام................................... 48
يا بن عمران ، لا تحسدنّ الناس على ما أتيتهم................................. 342
يا بني أحدث الله شكراً ، فقد أحدث فيك.................................... 117
يا بني ، إذا أنا مِتُّ فلا يلي غسلي غيرك........................................ 11
يا بنيّ ، رأس العلم الرفق ، وآفته الخرق........................................ 270
يا جابر لعلَّك تبقى حَتَّی توافي أحد ولدي....................................... 17
يا جويرية ، إنّه لم يهلك هؤلاء الحمقى إلا بخفق................................ 169
يا رسول الله ، ما العلم؟ قال : الإنصاتُ...................................... 319
يا طالب العلم ، إنَّ العلم ذو فضائل كثيرة..................................... 338
يا طالب العلم ، إنَّ للعالم ثلاث علامات..................................... 336
يا عليّ ، إنَّ الله عزَّ وجلَّ أشرفَ على الدنيا.................................... 137
يا علي ، ما عرف الله إلا أنا وأنت........................................... 136
يا عيسی ، أطب الكلام.................................................... 252
يا کميل العلم خير من المال................................................. 180
يا کميل ، إنّه لا تخلو من نعمة............................................... 300
يتمنَّى الناس يوم القيمة كونَهُم من الفقراء...................................... 261
يحمل هذا الدين في كلّ قرن عدول............................................ 184
يخرج المهدي من قرية يقال لها كريمة........................................... 130
يُكره للرجل أن يقول : حيّاك الله............................................. 285
يوزن يوم القيامة مداد العلماء بدم الشهداء..................................... 159
ص: 430
أتاهم عِلمُهُم في مِسْكِ جَفْرِ.................................................. 22
أتدري على مَنْ أسأتَ الأدَبْ................................................ 345
أحرقَكَ الصّدقُ بنار الوعيدُ.................................................. 349
أفضلُ مَنْ يشرَبُ صوبَ الغَمامْ................................................ 80
إن كنت تربعُ من دين على وطر............................................... 93
بشکسته عهد صحبت أهل طريق را.......................................... 206
عرف کردگار گي باشي..................................................... 164
عليٌّ بنُ الحَسَنِ وأحمَدُ....................................................... 309
فإنَّ صبرَكَ قاتِلُهْ............................................................ 345
فَزِعْتُ إلى صبري فأسلَمَني صبري............................................. 374
فشيمةُ أهلِ البيتِ كُلُّهم الرَّقصُ............................................... 169
قدر جوهر جوهری......................................................... 317
قولُ صدقٍ ثِقاتُنا تَرويهِ........................................................ 58
كالقَمَرِ البازغِ في النُّجوم.................................................... 359
که از تنها بلا خيزد........................................................ 229
که انفاس خوشش بوی کسی مي آيد........................................ 133
لذاك أرخت : قَدْ طاب الرضا ولدا........................................... 414
لَهُ ما لَهُ إلَّا النُّبوَّةِ مِنْ فَضْلِ.................................................. 135
ما كُنتَ ترفَعُ من دينٍ على فطَرِ................................................ 93
من اين مقام بدنيا واخرة ندهم............................................... 161
مَهدِيِّكُمْ ولِيَومِهِ أتوقَّعُ....................................................... 133
نحوَ مَغناكَ قاصداً مِن بلادي.................................................. 41
وَاشْكُكْ وإضرابٌ بِها أيضاً نُمِي............................................... 237
والبيتُ يعرفُهُ والحِلُّ والحَرَمُ....................................................... 6
والهَوى مركبي وحبُّك زادي..................................................... 41
وأنت لكلّ ما تهوى رَكوبُ................................................... 193
ولكِنْ لا حياةَ لِمَنْ تُنادي................................................... 211
ص: 431
ومَنْ ليسَ في كُلِّ الأُمورِ لَهُ كُفْوُ............................................... 372
وهَلْ يَعِمَنْ مَنْ كانَ في العُصرِ الخالي.......................................... 282
ويُحمَدُ منهُ الصبرُ مِمَّا يُصيبُهُ................................................... 374
ص: 432
إبراهيم 7 ، 30 ، 31، 38 ، 41 ، 45 ، 46 ، 49 ، 50 ، 51 ، 52 ، 56 ، 63 ، 70 ، 74 ، 75 ، 112 ، 113 ، 140 ، 197 ، 256 ، 276 ، 292 ، 305 ، 309 ، 336 ، 361 ، 362 ، 376 ، 423 ، 425 ، 426 ، 432 ، 436 ، 438 ، 439 ، 447 ، 454
إبراهيم الأكبر......................................................... 50 ، 51
ابن أبي الحديد.............................................. 133 ، 140 ، 238
ابن الأثير.............. 6 ، 31 ، 95 ، 97 ، 142 ، 178 ، 204 ، 343 ، 452
ابن الشافعي.................................................................. 6
ابن الغضائري.. 233 ، 241 ، 247 ، 249 ، 264 ، 277 ، 382 ، 404 ، 432
ابن الوليد.................................................. 151 ، 154 ، 155
ابن حبان........................................................... 70 ، 436
ابن حجر..................................................... 6 ، 132 ، 239
ابن حمزة.................................................................. 407
ابن شهر آشوب.................... 10 ، 64 ، 67 ، 106 ، 113 ، 234 ، 340
ابن شيرويه......................................................... 129 ، 178
ابن طاووس...... 86 ، 104 ، 119 ، 148 ، 176 ، 234 ، 245 ، 382 ، 411
ابن عبد البر............................................................ 7 ، 31
ابن عساكر........................................................... 10 ، 90
ابن عمر.................................................................... 48
ابن عنبة...................................................................... 5
ابن قتيبة.............................................................. 8 ، 448
ابن مسعود................................................................ 381
ابن مسكان.................................................................. 7
أبو الجارود.................................................................. 10
أبو عبد الله 20 ، 22 ، 24 ، 61 ، 64 ، 124 ، 130 ، 149 ، 160 ، 170 ، 172 ، 173 ، 181 ، 203 ، 218 ، 256 ، 264 ، 276 ، 279 ، 325 ، 348 ، 358 ، 407 ، 409
أبو نعيم............................................... 6 ، 130 ، 166 ، 259
أبي أمامة............................................................ 14 ، 130
ص: 433
أتابك ابن سعد.............................................................. 59
أسعد بن زرارة............................................................... 30
اسكندر.................................................................... 90
أسماء بنت عميس............................................................ 26
إسماعيل 27 ، 28 ، 29 ، 34 ، 51 ، 56 ، 61 ، 63 ، 64 ، 118 ، 239 ، 256 ، 257 ، 258 ، 262 ، 264 ، 265 ، 292 ، 304 ، 305 ، 329 ، 348 ، 368 ، 379 ، 436 ، 437 ، 445 ، 448 ، 451 ، 453 ، 460 ، 461
إسمعيل ابن الإمام موسى...................................................... 64
إسماعيل الهاشمي............................................................ 265
الإربلي............................................................... 74 ، 84
الأسترآبادي................................................... 14 ، 49 ، 433
الأشعري 107 ، 140 ، 150 ، 154 ، 155 ، 181 ، 185 ، 187 ، 319 ، 408 ، 424
الأصفهاني.................................................. 430 ، 433 ، 446
الأفطس.................................................................. 118
الآلوسي........................................................... 144 ، 345
الأمين..................... 49 ، 79 ، 105 ، 127 ، 333 ، 421 ، 23 ، 446
الأنماطي........................................................... 361 ، 362
الأوردبادي.......................................................... 65 ، 120
الباقر 9 ، 10 ، 11 ، 17 ، 18 ، 19 ، 21 ، 76 ، 77 ، 132 ، 235 ، 255 ، 265 ، 280 ، 281 ، 296 ، 305 ، 389
الباهلي................................................................... 130
البخاري............................................ 131 ، 177 ، 434 ، 437
البختري........................................................... 181 ، 182
البرقي 13 ، 61 ، 181 ، 219 ، 253 ، 275 ، 277 ، 309 ، 315 ، 329 ، 386 ، 401 ، 407 ، 408 ، 445
البزوفري.................................................................. 138
البهائي 106 ، 147 ، 191 ، 243 ، 289 ، 366 ، 378 ، 411 ، 420 ، 430 ، 442 ، 447
البهبهاني....... 147 ، 148 ، 157 ، 185 ، 241 ، 242 ، 243 ، 408 ، 426
البيزنطي.................................................................. 378
ص: 434
البيهقي............................................................ 140 ، 434
الترمذي..................................................... 29 ، 129 ، 434
الثمالي............................... 175 ، 176 ، 177 ، 262 ، 265 ، 278
الحاحظ...................................................................... 5
الجامعي................................................................... 401
الجزائري................................. 59 ، 88 ، 189 ، 255 ، 422 ، 426
الجعفري........................... 22 ، 56 ، 65 ، 275 ، 278 ، 309 ، 310
الجعفي.................................. 18 ، 22 ، 176 ، 279 ، 305 ، 392
الجنابذي......................................................... 6 ، 18 ، 74
الجواد 32 ، 36 ، 64 ، 68 ، 74 ، 104 ، 107 ، 109 ، 110 ، 112 ، 116 ، 122 ، 123 ، 124 ، 152 ، 310
الجواليقي.................................................................. 176
الحر العاملي......................................... 362 ، 422 ، 427 ، 429
الحسن بن الحسن............................................................ 19
الحسن بن حمزة............................................................ 407
الحسن بن سليمان......................................................... 140
الحسن بن علي 9 ، 18 ، 19 ، 27 ، 109 ، 113 ، 118 ، 119 ، 177 ، 241 ، 242 ، 246 ، 322 ، 366 ، 382 ، 425 ، 429 ، 432 ، 442 ، 452
الحسني....................................... 65 ، 178 ، 421 ، 440 ، 444
الحسين بن سعيد.............................................................. 7
الحسين عليه السلام 7، 8 ، 9 ، 11 ، 12 ، 19 ، 39 ، 50 ، 55 ، 57 ، 105 ، 121 ، 134 ، 136 ، 138 ، 152 ، 170 ، 176 ، 270 ، 281 ، 313 ، 459 ، 462
الحلبي....................................... 329 ، 330 ، 434 ، 442 ، 445
الحموي....................................... 92 ، 119 ، 189 ، 428 ، 449
الحميري....................................................... 7 ، 219 ، 441
الحنظلي................................................................... 157
ص: 435
الخدري............................................................ 129 ، 144
الخراز............................................................. 376 ، 377
الخيزران..................................................................... 67
الداماد............................................. 148 ، 234 ، 273 ، 364
الدميري......................................................... 9 ، 22 ، 430
الدهني............................................................ 388 ، 389
الدولابي.................................................................... 31
الديلمي.............................................. 44 ، 413 ، 420 ، 440
الذهبي....................................................... 75 ، 177 ، 435
الرازي 62 ، 76 ، 142 ، 145 ، 202 ، 205 ، 252 ، 265 ، 267 ، 268 ، 274 ، 275 ، 281 ، 295 ، 306 ، 440 ، 445 ، 449
الراوندي................................ 18 ، 94 ، 111 ، 186 ، 430 ، 441
الرشيد..................... 41 ، 42 ، 52 ، 81 ، 90 ، 91 ، 92 ، 94 ، 197
الرضا 7 ، 8 ، 12 ، 13 ، 24 ، 25 ، 35 ، 36 ، 42 ، 44 ، 51 ، 52 ، 53 ، 54 ، 55 ، 56 ، 58 ، 63 ، 67 ، 68 ، 69 ، 70 ، 73 ، 74 ، 75 ، 76 ، 77 ، 78 ، 79 ، 80 ، 82 ، 84 ، 85 ، 86 ، 87 ، 88 ، 89 ، 90 ، 91 ، 93 ، 95 ، 97 ، 99 ، 101 ، 102 ، 105 ، 107 ، 108 ، 109 ، 152 ، 156 ، 170 ، 175 ، 192 ، 197 ، 221 ، 223 ، 238 ، 258 ، 260 ، 322 ، 325 ، 327 ،338 ، 351 ، 388 ، 413 ، 438 ، 446 ، 467
الرضي........................... 14 ، 34 ، 428 ، 433 ، 446 ، 448 ، 452
الرقي..................................................................... 342
الزبير........................................................ 28 ، 166 ، 419
الزراري............................................. 275 ، 276 ، 386 ، 404
الزمخشري........................................... 390 ، 432 ، 439 ، 442
الزهراء.................................. 15 ، 32 ، 127 ، 144 ، 419 ، 423
الزهري....................................................................... 5
الساباطي.......................................................... 411 ، 412
السبيعي........................................................... 175 ، 177
ص: 436
السجاد................................................................... 271
السراد.................................................................... 175
السروي................................................................... 123
السعد آبادي......................................... 61 ، 219 ، 276 ، 386
السفياني........................................................... 128 ، 132
السلطان أولجايتوخان......................................................... 35
السمهودي.................................................... 31 ، 32 ، 453
السندي بن شاهك.......................................................... 41
السيوري............................................................ 29 ، 443
الشاذكوني..................................................... 33 ، 34 ، 248
الشبلنجي.......................................................... 128 ، 132
الشبلي............................................................ 370 ، 371
الشهيد الأول...................................................... 432 ، 436
الشهيد الثاني.................................... 14 ، 24 ، 433 ، 446 ، 448
الشيباني................................................ 44 ، 70 ، 420 ، 442
الصادق 7 ، 12 ، 17 ، 18 ، 19 ، 20 ، 22 ، 24 ، 26 ، 27 ، 28 ، 34 ، 37 ، 39 ، 47 ، 64 ، 69 ، 73 ، 76 ، 77 ، 89 ، 138 ، 163 ، 179 ، 186 ، 192 ، 207 ، 229 ، 249 ، 253 ، 265 ، 266 ، 280 ، 292 ، 296 ، 305 ، 313 ، 362 ، 382 ، 384 ، 389 ، 390 ، 409 ، 425 ، 441 ، 446 ، 447
الصدوق 7 ، 13 ، 14 ، 64 ، 66 ، 68 ، 73 ، 75 ، 76 ، 78 ، 87 ، 93 ، 95 ، 111 ، 112 ، 120 ، 122 ، 136 ، 137 ، 146 ، 147 ، 148 ، 154 ، 155 ، 156 ، 186 ، 219 ، 248 ، 254 ، 260 ، 262 ، 263 ، 277 ، 296 ، 309 ، 333 ، 383 ، 408 ، 421 ، 422 ، 427 ، 428 ، 430 ، 438 ، 443 ، 448 ، 449 ، 450
الصفار................................................................... 423
الصفوي.................................... 61 ، 97 ، 98 ، 99 ، 125 ، 273
الصولي................................................................... 113
الصيقل.................................................... 218 ، 219 ، 348
ص: 437
الطباطبائي.................................... 11 ، 415 ، 422 ، 438 ، 439
الطبرسي........ 74 ، 110 ، 122 ، 123 ، 419 ، 421 ، 444 ، 447 ، 453
الطريحي........................ 19 ، 204 ، 220 ، 386 ، 405 ، 429 ، 444
الطقطقي................................................ 51 ، 63 ، 65 ، 421
الطهراني............... 110 ، 113 ، 125 ، 276 ، 432 ، 436 ، 439 ، 452
الطوسي 11 ، 14 ، 39 ، 66 ، 67 ، 76 ، 104 ، 128 ، 163 ، 177 ، 216 ، 233 ، 244 ، 245 ، 265 ، 278 ، 279 ، 304 ، 306 ، 310 ، 313 ، 339 ، 405 ، 419 ، 420 ، 422 ، 424 ، 427 ، 428 ، 431 ، 433 ، 437 ، 439 ، 440 ، 448 ، 452
العاملي 420 ، 421 ، 23 ، 424 ، 427 ، 429 ، 430 ، 431 ، 432 ، 433 ، 437 ، 446 ، 447 ، 451 ، 453
العبَّاس بن جعفر............................................................. 39
العبيدي............................................ 151 ، 154 ، 155 ، 233
العُرَيْضِيّ.................................................................... 36
العسكري 26 ، 38 ، 115 ، 116 ، 120 ، 121 ، 123 ، 124 ، 127 ، 150 ، 427 ، 449
العطار.............................................. 146 ، 157 ، 386 ، 419
العطاردي............................................................. 74 ، 75
العقرقوقي................................................................. 340
العلّامة 27 ، 39 ، 62 ، 65 ، 105 ، 110 ، 119 ، 120 ، 125 ، 138 ، 148 ، 152 ، 157 ، 176 ، 221 ، 243 ، 244 ، 245 ، 246 ، 248 ، 255 ، 257 ، 263 ، 270 ، 276 ، 278 ، 289 ، 310 ، 322 ، 339 ، 340 ، 353 ، 361 ، 372 ، 386 ، 390 ، 405 ، 411 ، 413 ، 414 ، 420 ، 422 ، 423 ، 425 ، 426 ، 428 ، 430 ، 432 ، 433 ، 434 ، 439 ، 440 ، 442 ، 443 ، 444 ، 445 ، 451
الفاضل المقداد.......................................... 29 ، 30 ، 138 ، 284
الفرزدق...................................................................... 6
الفزاري................................................................... 327
الفضل بن سهل.................................... 79 ، 83 ، 84 ، 87 ، 113
الفضل بن شاذان 151 ، 182 ، 256 ، 258 ، 338 ، 362 ، 368 ، 397 ، 422
الفضيل............................................................ 342 ، 370
ص: 438
القائم.............. 28 ، 47 ، 48 ، 123 ، 124 ، 131 ، 138 ، 275 ، 298
القاسم 8 ، 15 ، 18 ، 19 ، 20 ، 22 ، 23 ، 24 ، 56 ، 57 ، 58 ، 61 ، 65 ، 77 ، 103 ، 127 ، 148 ، 150 ، 203 ، 247 ، 248 ، 309 ، 313 ، 340 ، 358 ، 404 ، 424 ، 427 ، 432 ، 433 ، 435 ، 440 ، 441 ، 442 ، 449
القاسم بن الإمام موسى...................................................... 57
القاسم بن محمّد بن أبي بكر........................... 18 ، 19 ، 20 ، 23 ، 24
القاشاني........................................................... 309 ، 310
القاضي عيّاض.............................................................. 30
القتيبي.................................................................... 151
القزويني.............................................. 65 ، 130 ، 218 ، 434
القشيري.................................................................... 77
القلقشندي.......................................... 239 ، 410 ، 436 ، 452
القندوزي............................................................ 11 ، 454
الكاظم 35 ، 41 ، 43 ، 44 ، 45 ، 50 ، 51 ، 57 ، 62 ، 65 ، 77 ، 244 ، 265 ، 278
الكرماني.................................................................. 177
الكشي................................................................... 419
الكليني................. 52 ، 181 ، 185 ، 199 ، 235 ، 315 ، 401 ، 442
الكوفي 54 ، 55 ، 99 ، 157 ، 248 ، 262 ، 263 ، 313 ، 361 ، 392 ، 404 ، 412 ، 439 ، 440
المازندراني...... 177 ، 194 ، 234 ، 366 ، 380 ، 429 ، 435 ، 448 ، 450
المأمون 35 ، 45 ، 51 ، 53 ، 54 ، 66 ، 67 ، 74 ، 76 ، 78 ، 79 ، 80 ، 81 ، 84 ، 85 ، 86 ، 87 ، 88 ، 89 ، 91 ، 92 ، 93 ، 95 ، 105 ، 106 ، 112 ، 198 ، 449
المجامعي................................................................... 265
المجلسي 37 ، 38 ، 39 ، 45 ، 67 ، 87 ، 105 ، 107 ، 111 ، 122 ، 126 ، 128 ، 138 ، 151 ، 154 ، 162 ، 181 ، 182 ، 190 ، 195 ، 196 ، 277 ، 233 ، 234 ، 242 ، 247 ، 248 ، 261 ، 265 ، 330 ، 339 ، 340 ، 372 ، 382 ، 386 ، 389 ، 405 ، 408 ، 423 ، 445
ص: 439
المرتضى................................... 14 ، 50 ، 77 ، 427 ، 433 ، 452
المشهدي.......................................................... 138 ، 446
المعتصم.................................................... 105 ، 114 ، 346
المعتمد..................................................... 112 ، 122 ، 127
المفضل بن عمر............................................................ 279
المفيد 11 ، 13 ، 39 ، 45 ، 49 ، 51 ، 73 ، 74 ، 76 ، 86 ، 103 ، 112 ، 115 ، 119 ، 121 ، 123 ، 146 ، 262 ، 275 ، 304 ، 383 ، 386 ، 405 ، 407 ، 419 ، 420 ، 421 ، 422 ، 429 ، 431 ، 449 ، 451
المقداد......................................... 28 ، 29 ، 284 ، 443 ، 461
المنصور الدوانيقي...................................................... 17 ، 26
المنقري............................................. 247 ، 248 ، 313 ، 358
المهدي 48 ، 90 ، 128 ، 129 ، 130 ، 131 ، 133 ، 233 ، 427 ، 430 ، 454 ، 460 ، 466
الناشئ.................................................................... 223
الناصر لدين الله............................................................. 43
النجاشي 13 ، 15 ، 33 ، 62 ، 63 ، 66 ، 76 ، 147 ، 149 ، 150 ، 151 ، 152 ، 154 ، 157 ، 176 ، 181 ، 198 ، 202 ، 203 ، 220 ، 232 ، 242 ، 243 ، 244 ، 245 ، 247 ، 248 ، 249 ، 258 ، 259 ، 263 ، 264 ، 265 ، 276 ، 277 ، 278 ، 310 ، 323 ، 327 ، 329 ، 330 ، 336 ، 339 ، 340 ، 361 ، 362 ، 376 ، 382 ، 386 ، 387 ، 388 ، 392 ، 397 ، 404 ، 405 ، 407 ، 408 ، 409 ، 411 ، 412 ، 440
النسائي........................................................... 272 ، 434
النصري................................................................... 327
النوري 38 ، 50 ، 58 ، 65 ، 107 ، 110 ، 120 ، 125 ، 194 ، 196 ، 244 ، 255 ، 270 ، 276 ، 285 ، 304 ، 378 ، 423 ، 425 ، 446 ، 453
النوفلي................................................................... 118
النيسابوري 140 ، 151 ، 256 ، 257 ، 338 ، 422 ، 426 ، 427 ، 433 ، 439 ، 442 ، 444 ، 453 ، 454
الهادي 104 ، 106 ، 116 ، 117 ، 119 ، 120 ، 121 ، 124 ، 125 ، 127 ، 298 ، 310 ، 441 ، 449 ، 452
الهمداني..................................... 154 ، 155 ، 242 ، 435 ، 445
الوشا..................................................................... 246
ص: 440
اليقطيني.................................................... 146 ، 150 ، 152
آمنة......................................................... 21 ، 194 ، 195
آمنة بيكم......................................................... 194 ، 195
أمير المؤمنين 10 ، 14 ، 15 ، 17 ، 25 ، 26 ، 29 ، 32 ، 34 ، 48 ، 57 ، 63 ، 65 ، 78 ، 79 ، 81 ، 82 ، 83 ، 84 ، 85 ، 91 ، 95 ، 135 ، 144 ، 146 ، 158 ، 169 ، 175 ، 177 ، 178 ، 179 ، 188 ، 193 ، 205 ، 219 ، 232 ، 234 ، 238 ، 250 ، 251 ، 252 ، 255 ، 266 ، 270 ، 272 ، 284 ، 285 ، 296 ، 300 ، 302 ، 311 ، 312 ، 315 ، 324 ، 329 ، 336 ، 338 ، 344 ، 346 ، 347 ، 356 ، 366 ، 368 ، 374 ، 394 ، 398 ، 440 ، 463
أنوشيروان................................................................. 369
بحر العلوم 1 ، 28 ، 41 ، 49 ، 50 ، 58 ، 63 ، 68 ، 123 ، 125 ، 135 ، 147 ، 221 ، 222 ، 243 ، 254 ، 295 ، 304 ، 309 ، 412 ، 413 ، 414 ، 415 ، 420 ، 425 ، 431 ، 432 ، 434 ، 440 ، 441 ، 443 ، 448 ، 454
بخت نصر.................................................. 186 ، 188 ، 190
بزرجمهر................................................................... 369
بطليموس................................................................. 207
بن أبي عمير................................................ 197 ، 198 ، 292
بن أذينة.................................................................. 232
بن الجهم............................................................ 91 ، 275
بن العاص................................................................. 144
بن المهلهل.................................................................. 90
بن اليمان................................................................. 129
بن بابويه 146 ، 147 ، 148 ، 149 ، 262 ، 340 ، 421 ، 422 ، 427 ، 428 ، 430 ، 438 ، 440 ، 443 ، 448 ، 449 ، 450
بن سنان......................................... 7 ، 76 ، 153 ، 219 ، 304
بن شاذان.................................................. 151 ، 256 ، 339
بن شعبة........................................................... 109 ، 425
بن شهر آشوب.................................................... 448 ، 450
ص: 441
بن شيرويه................................................................. 440
بن طاووس.............................. 57 ، 86 ، 178 ، 392 ، 440 ، 444
بن عياش................................................................. 426
بن غياث........................................... 160 ، 247 ، 250 ، 358
بن قحطبة................................................. 90 ، 91 ، 92 ، 94
بن قولويه.......................................................... 277 ، 442
بن ماجة.................................................................. 130
بن محبوب................................... 151 ، 152 ، 175 ، 203 ، 322
بن مسكويه............................................................... 215
بن معبد.................................................................. 336
بن مهران.......................................................... 329 ، 408
بن مهزيار.................................................................... 7
تاشي خاتون................................................................ 54
ثعلبة........................................................ 28 ، 279 ، 330
ثوبان..................................................................... 130
جابر.................... 17 ، 18 ، 166 ، 304 ، 305 ، 399 ، 445 ، 465
جبرئيل............................................................... 77 ، 78
جبرائيل............................................................ 205 ، 459
جعفر الطيار................................................................ 26
جعفر بن بشير............................................................. 277
جنكيز خان................................................................ 97
جويرية............................................................. 169، 466
حسنة....................................... 146 ، 158 ، 281 ، 462 ، 463
حكيمة........................................ 67 ، 68 ، 122 ، 123 ، 124
حمد الله المستوفي............................................................. 59
حمدويه بن علي.............................................................. 51
ص: 442
حمزة ابن الإمام موسى.................................................. 62 ، 65
حمزة بن حمران....................................................... 12 ، 260
حمزة بن عمران............................................................. 371
خديجة............................................. 241 ، 244 ، 245 ، 246
خضر شلال............................................................... 116
خيزران................................................................... 105
دانيال........................ 185 ، 186 ، 188 ، 189 ، 190 ، 191 ، 460
داوود..................................................................... 436
درست..................................................... 338 ، 339 ، 361
ذو اليمينين................................................................ 114
ربعي بن عبد الله.................................................... 256 ، 368
رسول الله 8 ، 10 ، 12 ، 13 ، 17 ، 25 ، 28 ، 30 ، 31 ، 33 ، 43 ، 46 ، 48 ، 56 ، 68 ، 73 ، 77 ، 78 ، 80 ، 84 ، 89 ، 91 ، 92 ، 124 ، 129 ، 130 ، 131 ، 135 ، 137 ، 141 ، 144 ، 162 ، 171 ، 179 ، 184 ، 190 ، 205 ، 232 ، 234 ، 250 ، 251 ، 255 ، 260 ، 266 ، 270 ، 281 ، 300 ، 319 ، 334 ، 342 ، 343 ، 348 ، 352 ، 361 ، 371 ، 398 ، 462 ، 466
رشيد الدين فضل الله................................................. 43 ، 428
رقية.................................................................. 31 ، 59
روزبهان..................................................................... 60
رويم...................................................................... 370
زرارة بن أعين........................................................ 15 ، 171
زكريا بن آدم............................................................... 147
زين العابدين............................................ 6 ، 8 ، 9 ، 77 ، 437
سالم بن مكرم............................................................. 245
سبيكة نوبية............................................................... 105
سعد بن طريف............................................................ 146
ص: 443
سعد بن عبد الله......................................... 7 ، 66 ، 140 ، 146
سعد بن معاذ............................................................... 32
سلمان................... 28 ، 33 ، 171 ، 172 ، 238 ، 291 ، 442 ، 464
سليم بن قيس................................ 232 ، 233 ، 234 ، 302 ، 312
سليمان بن خالد................................................... 376 ، 377
سمانة المغربية............................................................... 112
سنجر السلجوقي............................................................ 96
سهل بن زياد....................................................... 319 ، 361
شاپور..................................................... 187 ، 188 ، 189
شاه بيكم................................................................... 69
شاه جان................................................................... 92
شاه زنان..................................................................... 8
شاه فضل.................................................................. 45
شمعون............................................................. 127 ، 314
شهر آشوب......................................................... 50 ، 362
شهربانويه..................................................................... 8
صافية................................................................ 20 ، 67
صفوان........................................................ 39 ، 64 ، 153
صفية بنت عبد المطلب....................................................... 32
صولتكين................................................................. 113
عائشة.................................................................... 348
عامر بن حرشنة............................................................. 46
عبد الستار الحسني................................................... 65 ، 119
عبد السلام بن سالم................................................ 386 ، 387
عبد الله ابن الإمام الصادق.................................................... 34
عبد الله بن أحمد..................................... 262 ، 264 ، 265 ، 408
ص: 444
عبد الله بن علي بن الحسين................................................... 10
عبد الله بن عمر......................................................... 8 ، 13
عبد الملك بن مروان............................................................ 8
عبيد الله الدهقان.......................................................... 339
عثمان بن عفان............................................................. 31
عثمان بن مظعون...................................................... 30 ، 31
عجلان................................................................... 279
عروة........................................................ 83 ، 338 ، 340
علي بن إبراهيم 47 ، 52 ، 69 ، 162 ، 170 ، 197 ، 218 ، 232 ، 247 ، 284 ، 313 ، 327 ، 336 ، 358 ، 378 ، 426 ، 454
علي بن أبي حمزة..................................... 380 ، 381 ، 382 ، 401
علي بن أبي طالب 25 ، 26 ، 33 ، 45 ، 55 ، 66 ، 78 ، 82 ، 95 ، 129 ، 140 ، 146 ، 178 ، 255 ، 262 ، 407 ، 450 ، 462
علي بن الحسين 5 ، 6 ، 7 ، 8 ، 12 ، 17 ، 19 ، 20 ، 24 ، 27 ، 35 ، 45 ، 57 ، 61 ، 76 ، 78 ، 80 ، 82 ، 146 ، 147 ، 148 ، 149 ، 170 ، 177 ، 185 ، 233 ، 245 ، 262 ، 275 ، 276 ، 300 ، 313 ، 351 ، 386 ، 397 ، 407 ، 427 ، 428 ، 430 ، 438 ، 443 ، 446 ، 463
علي بن هاشم............................................................. 313
عمر بن الخطاب............................................................. 33
عمر بن علي بن الحسين...................................................... 14
عمرو بن الحمق............................................................. 25
عناية الله..................................................... 64 ، 412 ، 444
عيسى 35 ، 52 ، 122 ، 127 ، 128 ، 130 ، 131 ، 133 ، 140 ، 146 ، 150 ، 151 ، 152 ، 153 ، 154 ، 155 ، 175 ، 181 ، 197 ، 218 ، 219 ، 232 ، 233 ، 242 ، 252 ، 256 ، 277 ، 302 ، 305 ، 313 ، 314 ، 322 ، 327 ، 332 ، 361 ، 368 ، 373 ، 376 ، 377 ، 401 ، 434 ، 442 ، 466
عيسى الجلودي.............................................................. 35
ص: 445
فاطمة 18 ، 22 ، 27 ، 32 ، 66 ، 68 ، 69 ، 70 ، 75 ، 106 ، 123 ، 127 ، 137 ، 138
فتح علي شاه.................................................... 54 ، 69 ، 70
فرهاد ميرزا............................................................ 59 ، 70
قتادة..................................................................... 101
قتلغ خان............................................................. 54 ، 60
قيصر الروم................................................................ 127
كمال الدين 37 ، 93 ، 94 ، 120 ، 124 ، 127 ، 128 ، 132 ، 137 ، 175 ، 263 ، 430 ، 443 ، 448 ، 461
كميل بن زياد...................................................... 300 ، 324
محسن الأمين....................................................... 119 ، 421
محمّد ابن الإمام الصادق...................................................... 35
محمّد بن أبي بكر........................... 8 ، 9 ، 19 ، 22 ، 24 ، 25 ، 463
مروان.................................................. 20 ، 46 ، 135 ، 426
مسعدة بن صدقة.......................................................... 355
معاوية بن وهب..................................... 322 ، 323 ، 336 ، 342
مهدي الخرسان........................................................ 29 ، 75
مهدي القزويني........................................................ 62 ، 65
موسى 25 ، 27 ، 34 ، 35 ، 36 ، 37 ، 38 ، 41 ، 42 ، 43 ، 44 ، 45 ، 46 ، 50 ، 51 ، 52 ، 53 ، 54 ، 55 ، 56 ، 57 ، 58 ، 59 ، 60 ، 61 ، 62 ، 63 ، 64 ، 65 ، 66 ، 67 ، 68 ، 69 ، 70 ، 71 ، 73 ، 74 ، 75 ، 76 ، 77 ، 78 ، 79 ، 80 ، 81 ، 82 ، 84 ، 90 ، 91 ، 94 ، 95 ، 97 ، 99 ، 101 ، 105 ، 106 ، 107 ، 108 ، 109 ، 110 ، 113 ، 118 ، 120 ، 136 ، 140 ، 147 ، 148 ، 152 ، 154 ، 155 ، 156 ، 181 ، 187 ، 188 ، 197 ، 201 ، 219 ، 252 ، 262 ، 263 ، 276 ، 292 ، 305 ، 332 ، 336 ، 361 ، 380 ، 386 ، 411 ، 412 ، 421 ، 422 ، 425 ، 427 ، 428 ، 430 ، 431 ، 438 ، 440 ، 444 ، 462
نادر خان................................................................... 59
نادر شاه................................................................... 75
ناصر الدين شاه........................................ 75 ، 98 ، 114 ، 125
نرجس خاتون...................................................... 124 ، 127
ص: 446
نصر بن أحمد............................................................... 99
نصر بن الصباح.................................................... 151 ، 362
نصير الدين الطوسي........................................... 43 ، 419 ، 422
نمرود.............................................................. 187 ، 332
نوح بن شعيب............................................................. 338
هشام بن عبد الملك........................................ 6 ، 13 ، 20 ، 156
يحيى بن سعيد.................................................. 23 ، 43 ، 126
يزدجرد....................................................................... 8
يشوعا بن قيصر............................................................ 127
يعقوببن زيد............................................................... 242
يوسف البحراني............................................. 412 ، 429 ، 443
يونس بن عبد الرحمن................................ 1446 ، 152 ، 156 ، 197
ص: 447
ص: 448
(أ)
1. أبواب الجنان وبشائر الرضوان : الشيخ خضر بن شلّال آل خدّام العفكاوي (ت 1255 ﻫ) ، تحقيق : قيس بهجت العطار ، نشر : مرکز الزهراء الإسلامي ، قم المقدسة ، سنة 1430 ﻫ.
2. الإتقان في علوم القرآن : جلال الدين السيوطي (911 ﻫ) ، تحقيق : سعيد المندوب ، دار الفکر ، بيروت ، 1416 ﻫ.
3. الاحتجاج : أحمد بن علي الطبرسي (ق 6) ، تعليق : مُحَمَّد باقر الخرسان ، ط 1 ، النجف الأشرف.
4. إحياء علوم الدين : الإمام أبي حامد مُحَمَّد بن مُحَمَّد الغزالي (ت 505 ﻫ) ، دار المعرفة ، بيروت.
5. أخبار الدول وآثار الأُول : أبو العباس أحمد بن يوسف الدمشقي القرماني (ت 1019 ﻫ) ، عالم الكتب ، بيروت.
6. الأخبار الموفَّقيات : الزبير بن بكار ، تحقيق : د. سامي مكّي العاني ، ديوان الأوقاف ، سنة 1393 ﻫ.
7. الاختصاص : ينسب إلى أبي عبد الله مُحَمَّد بن النعمان العكبري البغدادي الملقَّب بالشيخ المفيد (ت 413 ﻫ) ، صحَّحه وعلَّق عليه : علي أكبر الغفاري ، منشورات جماعة المدرِّسين ، قم المقدسة.
8. اختيار معرفة الرجال = رجال الكشي : شيخ الطائفة أبي جعفر مُحَمَّد بن الحسن الطوسي (460 ﻫ) ، تصحيح وتعليق : المعلِّم الثالث مير داماد الاستربادي ، تحقيق : السَّيد مهدي الرجائي ، نشر : مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، قم المقدسة ، 1404 ﻫ.
9. آداب المتعلمين : الخواجه نصير الدين الطوسي (ت 672 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد مُحَمَّد رضا الجلالي ، ستارة ، قم المقدسة ، سنة 1416 ﻫ.
ص: 449
10. الأربعون حديثاً : الشيخ بهاء الدين مُحَمَّد بن حسين الجبعي العاملي ، الشيخ البهائي (ت 1031 ﻫ) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المشرفة ، سنة 1422 ﻫ.
11. إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان : العلّامة الحلّي أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهَّر الأسدي (ت 726 ﻫ) ، تحقيق : الشيخ فارس الحسون ، مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المشرفة ، 1410 ﻫ.
12. إرشاد القلوب : الحسن بن أبي الحسن مُحَمَّد الديلمي (ق 8) ، تحقيق : السَّيد هاشم الميلاني ، دار الأُسوة ، قم المقدسة ، 1417 ﻫ.
13. الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد : أبي عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن النعمان العكبري البغدادي الشيخ المفيد (413 ﻫ) ، تحقيق : مؤسَّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، دار المفيد ، بيروت ، ط 2 ، 1414 ﻫ.
14. الاستبصار فيما اختلف من الأخبار : شيخ الطائفة أبي جعفر مُحَمَّد بن الحسن الطوسي قدس سره (ت 460 ﻫ) ، حقَّقه وعلَّق عليه : السَّيد حسن الموسوي الخرسان ، نشر : دار الكتب الإسلامية ، طهران ، 1363 ﻫ.
15. الاستيعاب في معرفة الأصحاب : أبو عمر يوسف أحمد بن عبد الله أحمد بن مُحَمَّد أحمد بن عبد البر النمري الأندلسي (463 ﻫ) ، بدون معلومات.
16. أسد الغابة في معرفة الصحابة : الشيخ عز الدين أبي الحسن علي بن أبي مُحَمَّد الشيباني المعروف بابن الأثير (ت 630 ﻫ) ، انتشارات اسماعيليان ، طهران.
17. أسرار العارفين : السَّيد جعفر بحر العلوم (1377 ﻫ) ، تحقيق : الشيخ عبد الرحمن الربيعي ، نشر مرکز تراث السَّید بحر العلوم ، 1430 ﻫ.
ص: 450
18. الأصول الستة عشر : مجموعة من كتب الرواية الأولية في عصر الأئمة المعصومین عليهم السلام ، تحقيق ضياء الدين المحمودي ، دار الحديث ، قم المقدسة ، 1423 ﻫ.
19. الأصيلي في أنساب الطالبيين : صفي الدين مُحَمَّد بن تاج الدين المعروف بابن الطقطقي الحسني (709 ﻫ) تحقيق : مهدي الرجائي ، نشر : مكتبة المرعشي ، قم المقدسة ، 1418 ﻫ.
20. الاعتقادات : الشيخ الصدوق أبي جعفر مُحَمَّد بن علي ابن الحسين بن موسی بن بابويه القمِّي (381 ﻫ) ، تحقيق : عصام عبد السيد ، دار المفيد ، بيروت ، ط 2 ، 1414 ﻫ.
21. إعلام الوری بأعلام الهدی : أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، تحقيق : مؤسَّسة آل البيت لإحياء التراث ، قم المقدسة ، 1417 ﻫ.
22. الأعلام : خير الدين الزركلي (ت 1410 ﻫ)، دار العلم للملايين ، بيروت ، ط 5 ، 1980 م.
23. أعيان الشيعة : السَّيد محسن الأمين العاملي (ت 1371 ﻫ) ، حقَّقه وأخرجه : حسن الأمين ، دار التعارف ، بيروت.
24. إقبال الأعمال : السَّيد علي بن طاوس (ت 664 ﻫ) ، تحقيق : جواد القيومي ، مکتب الإعلام الإسلامي ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1414 ﻫ.
25. إكسير العبادات في أسرار الشهادات : آغا بن عابد الدربندي المعروف بالفاضل الدربندي (ت 1285 ﻫ) ، تحقيق : مُحَمَّد جمعة بادي وعباس ملا عطية الجمري ، نشر : دار ذوي القربی ، قم المقدسة ، 1428 ﻫ.
ص: 451
26. الأمالي : الشيخ الصدوق أبي جعفر مُحَمَّد بن علي ابن الحسين بن موسی بن بابويه القمِّي (381 ﻫ) ، تحقيق : قسم الدراسات الإسلامية ، مؤسَّسة البعية ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1417 ﻫ.
27. الأمالي الشيخ الطوسي (460 ﻫ) ، تحقيق : مؤسَّسة البعثة ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1414 ﻫ.
28. الأمالي : الشيخ المفيد (413 ﻫ) ، تحقيق : حسين استاد ، ولي وعلي اکبر غفاري ، جماعة المدرِّسین ، قم المقدسة.
29. أمل الآمل : الشيخ مُحَمَّد بن الحسن (الحر العاملي) (ت 1104 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد أحمد الحسيني ، مط الآداب ، النجف الأشرف.
30. الأنوار النعمانية : السَّيد نعمة الله الجزائري (ت 1112 ﻫ) تحقيق : السَّيد مُحَمَّد علي القاضي الطباطبائي ، مؤسَّسة الأعلمي ، بيروت.
31. أوائل المقالات : الشيخ المفيد (ت 413 ﻫ) ، دار المفيد ، بيروت ، ط 2 ، 1414 ﻫ.
32. أوصاف الأشراف : الخواجة نصر الدين الطوسي (ت 672 ﻫ) ، تحقيق : علي المنصوري ، مؤسَّسة البلاغ ، لبنان ، ط 1 ، 1421 ﻫ.
33. إيضاح الاشتباه : أي منصور الحسن بن يوسف بن المطهَّر الأسدي ، العلّامة الحلّي (ت 726 ﻫ) ، تحقيق : الشيخ مُحَمَّد الحسون ، مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المشرفة.
34. الإيضاح : الشيخ الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري (ت 260 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد جلال الدين الحسيني الأرموي المحدث ، مؤسَّسة دار الحديث الثقافية.
ص: 452
(ب)
35. بحار الأنوار : العلّامة مُحَمَّد باقر بن مُحَمَّد تقي المجلسي (ت 1111 ﻫ) ، مؤسَّسة الوفاء ، بيروت ، ط 3 ، 1403 ﻫ.
36. البداية والنهاية : ابن کثير الدمشقي (774 ﻫ) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط 1 ، 1408 ﻫ.
37. البدر المشعشع : الميرزا حسين بن مُحَمَّد تقي النوري (ت 1320 ﻫ) ، طبع ضمن مجلة الموسم ، العددان 26 - 27.
38. بصائر الدرجات الكبرى : أبو جعفر مُحَمَّد بن الحسن بن فروخ الصفار (ت 290 ﻫ) ، تقدیم وتعليق وتصحيح : العلّامة ميرزا محسن کوچه باغي ، منشورات الأعلمي ، طهران ، 1404 ﻫ.
39. البلد الأمين والدرع الحصين : الشيخ تقي الدين إبراهيم بن علي العاملي
الكفعمي (ت 905 ﻫ) ، منشورات الأعلمي ، بيروت ، 1425 ﻫ.
40. بلغة المحدثين : الشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي ، تحقيق : عبد الزهراء العويناتي ، نشر : العويناتي ، طبع منضما إلى معراج الكمال.
(ت)
41. تاج العروس من جواهر القاموس : محب الدين أبي فيض السَّيد مُحَمَّد مرتضی الحسيني الواسطي الزبيدي الحنفي (ت 1205 ﻫ) ، دراسة وتحقيق : علي شيري ، دار الفکر ، بيروت ، 1414 ﻫ.
ص: 453
42. تاريخ الأمم والملوك : أبي جعفر مُحَمَّد بن جرير الطبري (310 ﻫ) ، قوبلت هذه الطبعة على النسخة المطبوعة بليدن في سنة 1879 م ، راجعه وصحَّحه وضبطه نخبة من العلماء الأجلاء.
43. تاريخ الخميس في أحوال انفس نفيس : الشيخ حسين بن مُحَمَّد الديار بكري ، دار صادر ، بيروت.
44. تاريخ النجف الأشرف : الشيخ مُحَمَّد حسين حرز الدين (1418 ﻫ) ، هذبه وزاد عليه : عبد الرزاق حرز الدين ، منشورات دليل ما ، 1427 ﻫ، قم المقدسة.
45. تاريخ قم : الحسن بن مُحَمَّد بن الحسن الأشعري القمِّي (ت 378 ﻫ) ، ترجمة : تاج الدين حسن بن بهاء الدين القمِّي (في 806 ﻫ) ، تحقيق : مُحَمَّد رضا الأنصاري ، نشر : مكتبة المرعشي ، قم المقدسة ، 1427 ﻫ.
46. تاريخ مدينة دمشق : الحافظ أبي القاسم علی بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي المعروف بابن عساکر (571 ﻫ) ، دراسة وتحقيق : علي شيري ، دار الفکر ، بيروت ، 1415 ﻫ.
47. التبيان في تفسير القرآن : الشيخ الطوسي (460 ﻫ) ، تحقيق : أحمد العاملي ، مكتب الإعلام الإسلامي ، دار إحياء التراث العربي ، ط 1 ، 1409 ﻫ.
48. تحرير الأحكام الشرعية : الحسن بن يوسف بن علی بن المطهَّر العلّامة الحلي (ت 726 ﻫ) ، تحقيق : الشيخ إبراهيم البهادري ، مؤسَّسة الإمام الصادق عليه السلام ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1420 ﻫ.
49. التحرير الطاووسي : الشيخ حسن بن زين الدين (1011 ﻫ) ، تحقيق : فاضل الجواهري ، نشر : مكتبة المرعشي ، قم المقدسة ، 1411 ﻫ.
ص: 454
50. تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله : أبو مُحَمَّد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني (ق 4) ، صحَّحه وعلَّق عليه : علي أكبر الغفاري ، مؤسَّسة النشر الإسلامي ، ط 2 ، 1404 ﻫ.
51. تحفة الطالب في حكم اللحية والشارب : السَّيد جعفر بحر العلوم (1377 ﻫ) ، تحقيق : الشيخ مُحَمَّد الباقري ، نشر مرکز تراث السَّيد بحر العلوم ، 1430 ﻫ، ط 1.
52. تحية الزائر : العلّامة الشيخ حسين بن مُحَمَّد تقي النوري (ت 1320 ﻫ) ، طبعة حجرية ، إيران ، 1327 ﻫ.
53. تذكرة الفقهاء : العلّامة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهَّر (ت 726 ﻫ) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1414 ﻫ.
54. ترتيب المدارك : القاضي أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي (ت 544 ﻫ) ، ضبط وتصحيح : مُحَمَّد سالم هاشم ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، سنة 1418 ﻫ.
55. الترياق الفاروقي : عبد الباقي العمري (ت 1278 ﻫ) ، مط النعمان ، النجف الأشرف ، ط 2 ، 1384 ﻫ.
56. تعليقات على أجوبة المسائل المهنائية : التي حررها العلّامة الحلّي (ت 726 ﻫ) ، تعليق السَّيد مُحَمَّد تقي السيستاني ، مجمع الذخائر الإسلامية ، قم المقدسة ، 1421 ﻫ.
57. تعليقة الوحيد البهبهاني على منهج المقال : مُحَمَّد باقر بن مُحَمَّد أكمل البهبهاني (ت 1205 ﻫ) ، بدون معلومات.
58. تفسير أبي السعود : أبي السعود مُحَمَّد بن مُحَمَّد العمادي (ت 951 ﻫ) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
ص: 455
59. تفسير الثعلبي : أبو إسحاق الثعلبي أحمد بن مُحَمَّد بن إبراهيم النيسابوري (ت 427 ﻫ) ، تحقيق : الإمام أبي مُحَمَّد بن عاشور ، الناشر : دار إحياء التراث العربي ، ط 1 ، 1422 ﻫ.
60. تفسير الجلالين : العلّامة جلال الدین مُحَمَّد بن أحمد المحلي والعلّامة جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، قدم له وراجعه : الأستاذ مروان سوار ، دار المعرفة ، بيروت.
61. تفسير الصافي : المولی محسن الملقَّب بالفيض الكاشاني (ت 1091 ﻫ) ، صحَّحه وقدم له وعلَّق عليه : العلّامة الشيخ حسين الأعلمي ، منشورات مكتبة الصدر ، طهران ، ط 2 ، 1416 ﻫ.
62. تفسير العياشي : أبي النظر مُحَمَّد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي المعروف بالعياشي (ت 320 ﻫ) ، صحَّحه وحقَّقه وعلَّق عليه : السَّيد هاشم الرسولي المحلاتي ، المكتبة العلمية الإسلامية ، طهران.
63. تفسير القمِّي : أبي الحسن علي بن إبراهيم القمِّي (ق 4 ﻫ) ، صحَّحه وعلَّق عليه : السَّيد طيَّب الموسوي الجزائري ، مؤسَّسة دار الكتاب ، قم المقدسة ، ط 2 ، 1404 ﻫ.
64. التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السلام : تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي (عج) ، قم المقدسة.
65. تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان : نظام الدین الحسن بن مُحَمَّد القمِّي النيسابوري (ت 728 ﻫ) ، تحقيق زکريا عميرات ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1416 ﻫ.
66. تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة : الشيخ مُحَمَّد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104 ﻫ) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء الترات
ص: 456
الحر العاملي ، قم المقدسة ، 1414 ﻫ والثانية المعروفة بالطبعة الإسلامية ، تحقيق وتصحيح وتذييل : الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ط 5 ، 1403 ﻫ.
67. تنزيه الأنبياء : أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضی (436 ﻫ) ، دار الأضواء ، بيروت ، ط 2 ، 1409 ﻫ.
68. تهذيب الأحکام : شيخ الطائفة أبي جعفر مُحَمَّد بن الحسن الطوسي (460 ﻫ) ، حقَّقه وعلَّق عليه : السَّيد حسن الموسوي الخرسان ، نشر : دار الكتب الإسلامية ، طهران.
69. التوحيد : الشيخ الصدوق أبي جعفر مُحَمَّد بن علي ابن الحسين بن موسی بن بابويه القمِّي (381 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد هاشم الحسيني ، مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المقدسة ، 1398 ﻫ.
(ث)
70. الثاقب في المناقب : الفقيه عماد الدين أبي جعفر مُحَمَّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة (ق 6) ، تحقيق : الأستاذ نبيل رضا علوان ، مؤسَّسة أنصاريان ، قم المقدسة ، ط 2 ، 1411 ﻫ.
71. ثمرات الأوراق في المحاضرات : الشيخ تقي الدين أبي بكر بن علي المعروف بابن حجة الحموي (ت 837 ﻫ) ، مطبوع بهامش محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء للراغب الأصفهاني ، جمعية المعارف ، مصر ، 1287 ﻫ.
72. ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : الشيخ الصدوق أبي جعفر مُحَمَّد بن علي بن الحسين بن موسی بن بابويه القمِّي رحمه الله (381 ﻫ) ، تقديم : العلّامة الجليل السَّيد
ص: 457
مُحَمَّد مهدي السَّيد حسن الخرسان ، منشورات الرضي ، قم المقدسة ، ط 2 ، 1368 ﻫ.
73. جامع الأحاديث : أبي مُحَمَّد جعفر بن أحمد القمِّي (ق 4) ، ط المطبعة الإسلامية ، طهران ، سنة 1369 ﻫ.
74. جامع التواريخ : رشید الدین فضل الله الهمذاني - تاريخ المغول ، تعریب : مُحَمَّد صادق نشأت وفؤاد عبد المعطي الصياد ، ط الجمهورية العربي المتحدة ، وزارة الأوقاف.
75. جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والاسناد : المولى مُحَمَّد بن علي الأردبيلي (ت 1101 ﻫ) ، نشر : مكتبة المُحَمَّدي.
76. جامع السعادات : الشيخ مُحَمَّد مهدي النراقي (ت 1209 ﻫ) ، حقَّقه وعلَّق عليه العلّامة السَّيد مُحَمَّد کلانتر ، مط النعمان ، النجف الأشرف.
77. جامع المقال : الشيخ فخر الدين الطريحي (ت 1085 ﻫ) ، تحقيق : مُحَمَّد کاظم الطريحي ، مط حيدري ، طهران.
78. الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي : مُحَمَّد بن أحمد الأنصاري (671 ﻫ) ، مؤسَّسة التاريخ العربي ، بيروت ، 1405 ﻫ.
79. جنات الخلود : مُحَمَّد رضا إمامي خاتون آبادي (ق 12) ، نشر : لؤلؤ ومرجان.
80. جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب : السَّيد أحمد الهاشمي ، ط 21 ، مط السعادة ، مصر ، 1384 ﻫ.
81. الجواهر السنية في الأحاديث القدسية : الشيخ مُحَمَّد بن الحسن بن علي بن الحسين الحر العاملي (ت 1104 ﻫ) ، منشورات مكتبة المفيد ، قم المقدسة.
ص: 458
82. جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام : الشيخ مُحَمَّد حسن النجفي (ت 1266 ﻫ) ، حقَّقه وعلَّق عليه : الشيخ عباس القوچاني ، دار الكتب الإسلامية ، طهران.
83. حاشية المعالم : الشيخ مُحَمَّد صالح المازندراني (ت 1181 ﻫ) ، مؤسَّسة الداوري.
84. حبل المتين : الشيخ بهاء الدين مُحَمَّد بن الحسين العاملي (1031 ﻫ) ، انتشارات : بصیرتي ، قم المقدسة.
85. حبيب السير : غياث الدین الحسيني المعروف خواند أمير (ت 943 ﻫ) ، انتشارات خيام ، ط 4 ، 1380 ﻫ.
86. الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة : الشيخ يوسف البحراني (ت 1186 ﻫ) ، نشره : الشيخ علي الآخوندي ، مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المشرفة.
87. الحديقة الهلالية : العلّامة الشيخ مُحَمَّد بن الحسين العاملي المعروف بالشيخ البهائي (1030 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد علي الموسوي الخراساني ، مؤسَّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1410 ﻫ.
88. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : الحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني (ت 730 ﻫ) ، تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا ، دار الكتب العلمية ، 1427 ﻫ.
89. حياة الحيوان : الشيخ كمال الدين مُحَمَّد بن موسی الدميري (ت 808 ﻫ) ، مؤسَّسة الأعلمي ، بيروت ، سنة 1424 ﻫ.
(خ)
90. الخرائج والجرائح : أبي الحسين سعيد بن هبة الله بن الحسن القطب الراوندي (573 ﻫ) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسة الإمام المهدي عليه السلام ، قم المقدسة.
ص: 459
91. خزائن الكتب العربية في الخافقين : الفيكنت فيليب دي طرازي ، نشر دار الكتب ، مط جوزيف صيقلي ، بيروت.
92. خصائص الوحي المبين : خصائص الوحي المبين ، الحافظ ابن البطريق شمس الدين يحیی بن الحسن الأسدي الربعي الحلّي (600 ﻫ) ، تحقيق : الشيخ مالك المحمودي ، دار القرآن الكريم ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1417 ﻫ.
93. الخصال : الشيخ الصدوق أبي جعفر مُحَمَّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمِّي (ت 381 ﻫ) ، صحَّحه وعلَّق عليه : علي أكبر الغفاري ، منشورات جماعة المدرَّسين ، قم المقدسة.
94. خلاصة الأقوال في معرفة الرجال : العلّامة الحلّي أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهَّر الأسدي (726 ﻫ) ، تحقيق : الشيخ جواد القيومي ، مؤسَّسة نشر الفقاهة قم المقدسة.
95. خلاصة الإيجاز في المتعة : الشيخ المفيد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن النعمان ابن المعلِّم أبي عبد الله العكبري البغدادي (ت 413 ﻫ) ، تحقيق : علي أكبر زماني نزاد ، دار المفيد ، بيروت ، 1414 ﻫ الخلاف : شيخ الطائفة أبي جعفر مُحَمَّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ﻫ) ، تحقيق : جماعة من المحققين ، نشر : مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المشرفة ، 1407 ﻫ.
(د)
96. الدُّر المختار شرح تنوير الأبصار : مُحَمَّد أمين الشهير بابن عابدین ، دار الفكر ، بيروت.
97. درُّ النثير : جلال الدين السيوطي (911 ﻫ) ، المطبوع بهامش النهاية في غرب الحديث ، مط العثمانية ، مصر ، 1311 ﻫ.
ص: 460
98. الدرُّ النظيم : الشيخ جمال الدین یوسف الشامي العاملي (ق 7) ، تحقيق : مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المقدسة.
99. الدرة النجفية : السَّيد مُحَمَّد مهدي آل بحر العلوم (ت 1212 ﻫ) ، نشر : مكتبة المفيد ، ط 2 ، 1414 ﻫ.
100. الدروس الشرعية في فقه الإمامية : الشيخ شمس الدين مُحَمَّد بن مكي
العاملي (ت 786 ﻫ) ، تحقيق : مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المقدسة ، ط 1 ، 112 ﻫ.
101. دلائل الإمامة : الشيخ أبي جعفر مُحَمَّد بن جرير بن رستم الطبري (ق 5) ، تحقيق : مؤسَّسة البعثة ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1413 ﻫ.
102. ديوان السَّيد رضا الهندي : السَّيد رضا الموسوي الهندي (ت 1362 ﻫ) ، تحقيق وجمع : السَّيد موسى الموسوي ، دار الأضواء ، بيروت ، ط 1 ، 1409 ﻫ.
103. ديوان السَّيد مُحَمَّد مهدي بحر العلوم : السَّيد مُحَمَّد مهدي بحر العلوم (ت 1212 ﻫ) ، تحقيق : مُحَمَّد جواد فخر الدين وحيدر شاكر الجد ، نشر : المكتبة الأدبية المختصة ، النجف الأشرف ، ط 1 ، 1427 ﻫ.
(ذ)
104. الذريعة إلى تصانيف الشيعة : الشيخ آغا بزرك الطهراني (ت 1389 ﻫ) ، دار الأضواء ، بيروت ، ط 3 ، 1403 ﻫ.
105. ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة : الشهيد الأول مُحَمَّد بن جمال الدين مكي العاملي الجزّينی (786 ﻫ) ، تحقيق : مؤسَّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، في المقدسة ، 1418 ﻫ.
ص: 461
(ر)
106. ربيع الأبرار : أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري (ت 538 ﻫ) ، مؤسَّسة الأعلمي ، بيروت ، سنة 1412 ﻫ.
107. رجال ابن الغضائري : أحمد بن الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم أبي الحسين الواسطي البغدادي (ق 5) ، تحقيق : السَّيد مُحَمَّد رضا الحسيني الجلالي ، دار الحديث ، قم المقدسة ، 1422 ﻫ.
108. رجال ابن داود : تقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلّي (ت بعد سنة 707 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد مُحَمَّد صادق بحر العلوم ، منشورات المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف.
109. رجال الخاقاني : الفقيه الأكبر الشيخ علي الخاقاني (ت 1334 ﻫ) ، تحقيق : العلّامة السَّيد مُحَمَّد صادق بحر العلوم ، نشر : مكتب الإعلام الإسلامي ، ط 2 ، 1404 ﻫ.
110. رجال الطوسي : شيخ الطائفة أبي جعفر مُحَمَّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ﻫ) تحقيق : جواد القيومي الأصفهانی ، مؤسَّسة النشر الاسلامي ، قم المقدسة ، 1415 ﻫ.
111. رسائل المرتضى : الشريف المرتضی أبي القاسم علي بن الطاهر أبي أحمد الحسين (ت 436 ﻫ) ، تقديم : السَّيد أحمد الحسيني ، إعداد : السَّيد مهدي الرجائي ، نشر : دار القرآن الكريم ، قم المقدسة ، 1405 ﻫ.
112. الرواشح السماوية : المير داماد مُحَمَّد باقر الحسيني الأسترآبادي (ت 1040 ﻫ) ، تحقيق : غلام حسين قيصريه ها ونعمت الله الجليلي ، دار الحديث ، قم المقدسة ، 1422 ﻫ.
ص: 462
113. روض الجنان : الشهيد الثاني زين الدين العاملي (466 ﻫ) ، مؤسَّسة آل البيت عليهم السلام ، قم المقدسة ، ط - حجرية ، 1404 ﻫ.
114. روضات الجنات : السَّيد مُحَمَّد باقر الموسوي الخوانساري (ت 1313 ﻫ) ، الدار الإسلامية ، بيروت ، ط 1 ، سنة 1411 ﻫ.
115. الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية : الشهيد الثاني زين الدين العاملي ، (966 ﻫ) ، انتشارات الداوري ، ط 1 ، 1410 ﻫ.
116. روضة الواعظين : الشيخ مُحَمَّد بن الفتال النيسابوري الشهيد في سنة (508 ﻫ) ، تقديم : السَّيد مُحَمَّد مهدي السَّيد حسن الخرسان ، منشورات الرضي ، قم المقدسة.
117. رياض العلماء وحياض الفضلاء : العلّامة الميرزا عبد الله الأصفهاني (ق 12) ، تحقيق السَّيد أحمد الحسيني ، نشر مكتبة المرعشي ، سنة 1415 ﻫ.
118. ريحانة الألبا وزهرة الحياة الدنيا : لشهاب الدين أحمد بن مُحَمَّد بن عمر الخفاجي (ت 1069 ﻫ) ، تحقيق عبد الفتاح الحلو ، طبع بمطبعة عيسى البابي الحلبي ، مصر ، ط 1 ، 1967 م.
(س)
119. سر السلسلة العلوية : الشيخ أبي نصر سهل بن عبد الله بن داود البخاري (ق 4) ، قدَّم له وعلَّق عليه : العلّامة الكبير السَّيد مُحَمَّد صادق بحر العلوم ، منشورات المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف ، ط 1 ، 1381 ﻫ.
ص: 463
120. السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي : الفقيه أبي جعفر مُحَمَّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (ت 598 ﻫ) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المشرفة ، 1410 ﻫ.
121. سلافة العصر في محاسن الشعراء بكل مصر : السَّيد علي خان المدني (ت 1120 ﻫ) ، المكتبة الرضوية ، 1324 ﻫ.
122. سنن ابن ماجة : مُحَمَّد بن يزيد القزويني (275 ﻫ) ، تحقيق : مُحَمَّد فؤاد عبد الباقي ، دار الفکر ، بيروت.
123. سنن أبي داود : للحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (275 ﻫ) ، تحقيق : سعيد مُحَمَّد اللَّحام ، دار الفکر ، بيروت.
124. سنن الترمذي : أبي عيسی مُحَمَّد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 279 ﻫ) ، حقَّقه وصحَّحه : عبد الوهاب عبد اللطيف ، دار الفکر ، بيروت ، ط 2 ، 1403 ﻫ.
125. السنن الكبرى : أحمد بن الحسين البيهقي (458 ﻫ) ، دار الفکر ، بيروت.
126. السنن الكبرى : أحمد بن شعيب النسائي (303 ﻫ) ، تحقيق : عبد الغفار البنداري وسيِّد کسروي ، دار الكتب العلمية ، ط 1 ، 1411 ﻫ.
127. سير أعلام النبلاء : شمس الدين مُحَمَّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 ﻫ) ، أشرف على تحقيقه وتخريج أحاديثه : شعيب الأرنؤوط ، مؤسَّسة الرسالة ، بيروت ، ط 9 ، 1413 ﻫ.
(ش)
128. شذرات الذهب في أخبار من ذهب : أبي الفلاح عبد الحيّ بن العماد الحنبلي (ت 1089 ﻫ) ، ط 2 ، دار المسيرة ، بيروت ، 1399 ﻫ.
ص: 464
129. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام : المحقّق الحلّي أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن (تت 676 ﻫ) ، تعليق : السَّيد صادق الشيرازي ، مؤسَّسة الوفاء ، بيروت ط 2 ، 1409 ﻫ.
130. شرح اُصول الكافي : مُحَمَّد صالح المازندراني (1081 ﻫ) ، مع تعاليق الميرزا أبو الحسن الشعراني ، تصحيح : السَّيد علي عاشور ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1421 ﻫ.
131. شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار : القاضي أبي حنيفة النعمان بن مُحَمَّد التميمي المغربي (ت 363 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد مُحَمَّد الحسيني الجلالي ، مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المشرفة ، 1414 ﻫ.
132. شرح الأسماء الحسنی : ملا هادي السبزواري (1300 ﻫ) ، مكتبة بصیرتي ، إيران.
133. شرح ألفية ابن مالك : بهاء الدين عبد الله بن عقيل العقيلي الهمداني المصري (ت 769 ﻫ) ، ط 2 ، بدون معلومات.
134. شرح رسالة الحقوق : السَّيد حسن القبانجي (ت 1411 ﻫ) ، بدون معلومات.
135. شرح صحيح مسلم : يحيى بن شرف النووي (676 ﻫ) ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، 1407 ﻫ.
136. شرح فصوص الحكم : مُحَمَّد داوود قيصري رومي (معاصر) ، انتشارات علمي وفرهنکي ، 1375 ش.
137. شرح مقامات بديع الزمان الهمذاني (398 ﻫ) : تأليف مُحَمَّد محيي الدين عبد الحميد ، مط المدني ، مصر ، 1381 ﻫ.
ص: 465
138. شرح نهج البلاغة : عبد الحميد بن مُحَمَّد بن أبي الحديد المعتزلي (ت 656 ﻫ) ، تحقيق مُحَمَّد إبراهيم ، نشر : دار إحياء الكتب العربية ، ط 1 ، 1378 ﻫ.
139. شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور : الميرزا أبي الفضل الطهراني (1316 ﻫ) ، تعريب وتحقيق : مُحَمَّد شعاع فاخر ، انتشارات المكتبة الحيدرية ، قم المشرفة ، 1426 ﻫ.
140. الشهيد الأول حياته وآثاره : الشيخ رضا المختاري ، قسم إحياء التراث
الإسلامي ، قم المقدسة ، 1426 ﻫ.
(ص)
141. صبح الأعشى في صناعة الإنشا : أحمد بن علي القلقشندي (ت 821 ﻫ) ، شرح : مُحَمَّد حسين شمس الدين ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1418 ﻫ.
142. الصحاح في اللُّغة : إسماعيل بن حمّاد الجوهري (393 ﻫ) ، دار العلم
للملایین ، بيروت ، ط 4 ، 1407 ﻫ.
143. صحيح ابن حبان : مُحَمَّد بن حبان (354 ﻫ) ، تحقيق شعیب الارنؤوط ، مؤسَّسة الرسالة ، ط 2 ، 1414 ﻫ.
144. صحيح البخاري : أبي عبد الله مُحَمَّد بن إسماعيل البخاري ، طبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة باستانیول ، دار الفکر ، 1401 ﻫ.
145. صحيح مسلم : مسلم النسابوري (261 ﻫ) ، دار الفکر ، بيروت.
146. الصحيفة السجاديّة : الإمام زين العابدين عليه السلام (ت 94 ﻫ) ، جماعة المدرِّسين ، قم المقدسة.
ص: 466
147. الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم : الشيخ زين الدين أبي مُحَمَّد علي بن يونس العاملي النباطي البياضي (ت 877 ﻫ) ، صحَّحه وحقَّقه وعلَّق عليه : مُحَمَّد باقر البهبودي ، نشر : المكتبة المرتضوية ، إيران ، ط 1 ، 1384 ﻫ.
(ط)
148. طبقات الشافعية الكبرى : تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي (ت 771 ﻫ) ، تحقيق : مصطفى عبد القادر أحمد عطا ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1420 ﻫ.
149. طراز المجالس : شهاب الدين أحمد بن مُحَمَّد الخفاجي ، مط الوهبية ، مصر ، 1284 ﻫ.
(ع)
150. العدة في اُصول الفقه : شيخ الطائفة الإمام أبي جعفر مُحَمَّد بن الحسن الطوسي (460 ﻫ) ، تحقيق : مُحَمَّد رضا الأنصاري القمِّي ، مط ستارة ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1417 ﻫ.
151. العدد القوية لدفع المخاوف اليومية : الشيخ علي بن يوسف الحلي ، تحقيق : السَّيد مهدي الرجائي ، نشر : مكتبة المرعشي ، ط 1 ، 1408 ﻫ.
152. العروة الوثقی : السَّيد مُحَمَّد کاظم الطباطبائي اليزدي (ت 1337 ﻫ) ، مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المشرفة ، ط 1 ، 1417 ﻫ.
153. العقد الفريد : أبي عمر أحمد بن مُحَمَّد بن عبد ربه الأندلسي (327 ﻫ) ، شرح إبراهيم الأبياري ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، بدون تاريخ.
ص: 467
154. علل الشرائع : الشيخ الصدوق أبي جعفر مُحَمَّد بن علي بن الحسين بن موسی بن بابويه القمِّي (ت 381 ﻫ) ، نشر : المكتبة الحيدرية ، النجف الأشرف ، 1385 ﻫ.
155. عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب عليهم السلام : جمال الدين أحمد بن علي الحسيني المعروف بابن عنبة (828 ﻫ) ، صحَّحه : مُحَمَّد حسن آل الطالقاني ، نشر المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف ، ط 2 ، 1380 ﻫ.
156. عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار : الحافظ یحیی بن
الحسن الأسدي الحلّي المعروف بابن البطريق (ت 600 ﻫ) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسه النشر الإسلامي قم المشرفة ، 1407 ﻫ.
157. العين : أبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (175 ﻫ) ، تحقيق : الدكتور مهدي المخزومي والدكتور إبراهيم السامرائي ، نشر : مؤسَّسة دار الهجرة ، إيران ، ط 2 ، 1409 ﻫ.
158. عيون الأنباء في طبقات الأطباء : أبو العباس ابن أبي أصيبعة (ت 668 ﻫ) ، دار الفکر ، بيروت ، 1377 ﻫ.
159. عيون أخبار الرضا عليه السلام : الشيخ الصدوق أبي جعفر مُحَمَّد بن علي بن الحسين بن موسی بن بابويه القمِّي (ت 381 ﻫ) ، تحقيق الشيخ حسين الأعلمي ، مؤسَّسة الأعلمي ، بيروت ، ط 1 ، 1404 ﻫ.
(غ)
160. الغاية القصوى : السَّيد مُحَمَّد کاظم الطباطبائي اليزدي (ت 1337 ﻫ) ، ترجمة : خاتم المحدثين الشيخ عباس القمِّي ، نشر : المكتبة المرتضوية ، طهران.
ص: 468
161. غرائب القرآن ورغائب الفرقان : نظام الدین الحسن بن مُحَمَّد النيسابوري (ت 728 ﻫ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط 1 ، سنة 1416 ﻫ.
162. الغدير في الكتاب والسنة والأدب : الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني (ت 1392 ﻫ) ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ط 4 ، 1397 ﻫ.
163. الغيبة : الشيخ أبي عبد الله مُحَمَّد بن ابن إبراهيم بن جعفر الكاتب المعروف بابن أبي زينب النعماني (ت حدود 360 ﻫ) ، تحقيق : فارس حسون کریم ، أنوار الهدی ، قم المقدسة.
164. الغيبة : شيخ الطائفة أبي جعفر مُحَمَّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ﻫ) ، تحقيق : الشيخ عباد الله الطهراني ، مؤسَّسة المعارف الإسلامية ، قم المقدسة ، 1411 ﻫ.
(ف)
165. الفائق في غريب الحديث : العلّامة جار الله محمود بن عمر الزمخشري (ت 583 ﻫ) ،. وضع حواشيه : إبراهيم شمس الدین ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1417 ﻫ.
166. الفتوح : العلّامة أبي مُحَمَّد أحمد بن اعثم الكوفي (نحو 314 ﻫ) ، تحقيق : علي شيري ، دار الأضواء ، بيروت ، ط 1 ، 1411 ﻫ.
197. الفتوحات المكية : محيي الدين مُحَمَّد بن علي بن العربي (638 ﻫ) ، دار صادر ، بيروت.
ص: 469
168. فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم : السَّيد رضي الدين أبي القاسم علي بن موسی بن جعفر بن مُحَمَّد بن طاووس الحسني (ت 664 ﻫ) ، المكتبة الحيدرية ، النجف الأشرف.
169. فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين عليه السلام : السَّيد عبد الكريم بن طاووس الحسني (ت 693 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد تحسين آل شبيب الموسوي ، مركز الغدير للدراسات الإسلامية ، قم المقدسة ، 1419 ﻫ.
170. فردوس الأخبار : للحافظ شیرویه بن شهريار بن شیرویه الديلمي (ت 509) ، دار الفکر ، بيروت ، 1418 ﻫ.
171. الفصول المهمة في معرفة الأئمّة عليهم السلام : علي بن مُحَمَّد بن أحمد المالكي المكي (ت 850 ﻫ) حقَّقه ووثق أصوله وعلَّق عليه : سامي الغريري ، دار الحديث ، قم المقدسة ، 1379 ش ، وطبعة أخرى في دار الأضواء ، بيروت ، 1409 ﻫ.
172. فهرس مكتبة العلّامة السَّيد مُحَمَّد صادق بحر العلوم : أحمد علي مجيد الحلي، نشر مؤسَّسة تراث الشيعة ، قم المقدسة ، 1431 ﻫ.
173. فهرست أسماء مصنفي الشيعة رجال النجاشي : الشيخ أبو العباس أحمد بن علي بن أحماء بن العباس النجاشي الأسدي الكوفي (450 ﻫ) ، تحقيق : الحجّة السَّيد موسى الشبيري الزنجاني ، نشر : مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسین ، قم المشرفة.
174. الفهرست : الشيخ منتجب الدین علي بن بابويه الرازي (ت 585 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد جلال الله بن المحدث الأرموي ، نشر : مكتبة المرعشي ، قم المقدسة ، 1366 ش.
ص: 470
175. الفهرست : شيخ الطائفة أبي جعفر مُحَمَّد بن الحسن الطوسي (460 ﻫ) ، تحقيق : الشيخ جواد القيومي ، نشر : مؤسَّسة نشر الفقاهة ، قم المقدسة ، 1417 ﻫ.
176. الفهرست : للنديم أبو الفرج مُحَمَّد بن أبي يعقوب اسحق المعروف بالورّاق (ت 438 ﻫ) ، تحقيق رضا - تجدد ، طهران ، 1393 ﻫ.
177. فوائد الأصول : السَّيد مُحَمَّد مهدي بحر العلوم (ت 1212 ﻫ) ، إيران ، طبعة حجرية ، بدون تاريخ.
178. الفوائد الرجالية : السَّيد مُحَمَّد مهدي بحر العلوم (ت 1212 ﻫ) ، تحقيق وتعليق : السَّيد مُحَمَّد صادق بحر العلوم ، السَّيد حسين بحر العلوم ، نشر : مكتبة الصادق ، طهران ، ط 1 ، سنة 1363 ش.
(ق)
179. القاموس المحيط : مُحَمَّد بن يعقوب الفيروز آبادي (ت 817 ﻫ) ، بدون معلومات.
180. قرب الإسناد : الشيخ أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري (ق 3) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1413 ﻫ.
181. قصص الأنبياء : قطب الدین سعيد بن هبة الله الراوندي (ت 573 ﻫ) ، تحقيق : الميرزا غلام رضا عرفانيان اليزدي الخراساني ، الناشر : الهادي ، ط 1 ، قم المقدسة.
182 قوانين الأصول : المحقق الفقيه أبو القاسم القمِّي (ت 1231 ﻫ) ، إيران ، طبعة حجرية.
ص: 471
(ك)
183. الكافي : الشيخ مُحَمَّد بن يعقوب الكليني (ت 329 ﻫ) ، تحقيق : علي أكبر غفاري ، نشر : دار الكتب الإسلامية ، ط 3 ، 1388 ﻫ.
184. كامل البهائي : الحسن بن علي الطبري (ق 7) ، تعریب وتحقيق : مُحَمَّد شعاع فاخر ، نشر : المكتبة الحيدرية ، قم المقدسة ، 1426 ﻫ.
185. كامل الزيارات : أبي القاسم جعفر بن مُحَمَّد بن قولويه القمي (368 ﻫ) ، تحقيق : الشيخ جواد القيومي ، نشر : مؤسَّسة الفقاهة ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1417 ﻫ.
186. الكامل في التاريخ : أبي الحسن علي بن أبي الكرم مُحَمَّد الشيباني المعروف بابن الأثير (ت 360 ﻫ) ، دار صادر ، بيروت ، 1385 ﻫ.
187. کربلاء في الذاكرة : سلمان هادي آل طعمة ، مط العاني ، بغداد ، 1988 م.
188. الكشاف عن حقائق التنزيل : أبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي (538 ﻫ) ، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ، مصر الطبعة الأخيرة ، 1385 ﻫ.
189. کشف الحجب والأستار عن أسماء الكتب والأسفار : السَّيد إعجاز حسين النيسابوري الكنتوري (ت 1286 ﻫ) ، تقديم العلّامة آية الله العظمى المرعشي النجفي ، قم المقدسة.
190. کشف الظنون : مصطفى بن عبد الله الشهير بحاجی خلیفة وبکاتب چلبي (1067 ﻫ) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
191. کشف الغمة في معرفة الأئمة عليهم السلام : أبي الحسن علي بن عيسی بن أبي الفتح الأربلي (693 ﻫ) ، دار الأضواء ، بيروت ، 1405 ﻫ.
ص: 472
192. کشف القناع عن وجوه الإجماع : الشيخ أسد الله المعروف بالمحقق الكاظمي (ت 1237 ﻫ) ، نشر : أحمد الشيرازي ، إيران ، سنة 1317 ﻫ.
193. کشف المراد في شرح تجرید الاعتقاد : الحسن بن يوسف بن علي بن المطهَّر العلّامة الحلي (ت 726 ﻫ) ، صحَّحه وقدم له وعلَّق عليه : آية الله الشيخ حسن زادة الآملي ، مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المشرفة ، 1417 ﻫ.
194. كمال الدين وتمام النعمة : الشيخ الصدوق أبي جعفر مُحَمَّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمِّي (ت 381 ﻫ) ، صحَّحه وعلَّق عليه : علي أكبر الغفاري ، مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المقدسة ، 1405 ﻫ.
195. کنز العرفان في فقه القران : أبي عبد الله المقداد بن عبد الله السيوري (ت 829 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد مُحَمَّد القاضي ، نشر المجمع العالمي للتقريب ، قم المقدسة ، 1419 ﻫ.
199. کنز العمال : المتقي الهندي (975 ﻫ) ، مؤسَّسة الرسالة ، بيروت ، 1409 ﻫ.
197. الكنى والألقاب : الشيخ عباس القمِّي (ت 1359 ﻫ) ، تقديم : مُحَمَّد هادي الأميني ، مكتبة الصدر ، طهران ، 1368 ﻫ.
(ل)
198. لؤلؤة البحرين : الشيخ المحدث يوسف البحراني (ت 1186 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد مُحَمَّد صادق بحر العلوم ، مط النعمان النجف الأشرف ، ط 2 ، سنة 1969 م.
199. لسان العرب : مُحَمَّد بن مکرم بن منظور (ت 711 ﻫ) ، نشر أدب الحوزة ، قم المقدسة ، 1405 ﻫ.
ص: 473
200. اللهوف في قتلي الطفوف : السَّيد علي بن موسی بن جعفر بن مُحَمَّد طاووس الحسني (ت 664 ﻫ) ، مكتبة الأنوار الهدى ، قم المقدسة.
201. ليالي بيشاور : السَّيد مُحَمَّد الموسوي الشيرازي ، تعریب وتحقيق : السَّيد حسين الفالي ، نشر : پرهيزكار ، قم المقدسة ، 1422 ﻫ.
(م)
202. ماضي النجف وحاضرها : الشيخ جعفر بن مُحَمَّد باقر محبوبة (1377 ﻫ) ، دار الأضواء ، بيروت ، 1430 ﻫ.
203. مجالس المؤمنين : القاضي نور الله التستري (1019 ﻫ) ، المكتبة الإسلامية ، طهران ، 1377 ش.
204. المجدي في أنساب الطالبين : السَّيد نجم الدين أبي الحسن علي بن مُحَمَّد العلوي العمري (ق 5) ، تحقيق : د. أحمد المهدوي الدامغاني ، نشر : مكتبة المرعشي ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1409 ﻫ.
205. مجمع الأمثال : أبو الفضل النيسابوري الميداني (ت 518 ﻫ) ، الآستانة الرضوية ، مشهد المقدسة.
206. مجمع البحرين : الشيخ فخر الدين الطريحي (ت 1085 ﻫ) ، تحقيق : أحمد الحسيني ، مکتب نشر الثقافة الإعلام الإسلامي ، ط 2 ، 1408 ﻫ.
207. مجمع البيان : أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (560 ﻫ) ، تحقيق : مجموعة ، مؤسَّسة الأعلمي ، بيروت ، ط 1 ، 1415 ﻫ.
208. مجمع الرجال : عناية الله علي القهباني (بعد 1126 ﻫ) ، صحَّحه : ضياء الدين العلّامة ، إصفهان ، 1384 ﻫ.
ص: 474
209. مجمع الفائدة والبرهان : المولى أحمد الأردبيلي (ت 993 ﻫ) ، صحَّحه ونمقه وعلَّق عليه : مجموعة ، منشورات جماعة المدرَّسین ، قم المقدسة.
210. المحاسن : أحمد بن مُحَمَّد بن خالد البرقي (ت 274 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد جلال الدين الحسيني (المحدث) ، نشر : دار الكتب الإسلامية ، طهران ، 1370 ﻫ.
211. المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج : شرح الشيخ مُحَمَّد الشربيني (ق 10) ، نشر : مكتبة مصطفى البابي الحلبي ، مصر ، 1377 ﻫ.
212. المحصول في علم أصول الفقه : فخر الدين مُحَمَّد بن عمر الرازي (606 ﻫ) ، تحقيق : د. طه جابر فياض العلواني ، مؤسَّسة الرسالة ، بيروت ، ط 2 ، 1412 ﻫ.
213. المختصر في أخبار البشر : عماد الدين إسماعيل أبي الفداء (ت 732 ﻫ) ، دار المعرفة ، بيروت.
214. مدينة معاجز الأئمة الاثني عشر : السَّيد هاشم بن سليمان البحراني (ت
1107 ﻫ) ، تحقيق : الشيخ عزة الله المولائي الهمداني ، نشر : مؤسَّسة المعارف الاسلامية ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1413 ﻫ.
215. مرآة الجنان وعبرة اليقظان : لأبي مُحَمَّد عبد الله بن أسعد اليافعي (768 ﻫ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط 1 ، 1417 ﻫ.
219. مرآة العقول في شرح أخبار الرسول صلى الله عليه وآله : العلّامة مُحَمَّد باقر بن مُحَمَّد تقي المجلسي (ت 1111 ﻫ) ، دار الكتب الإسلامية ، طهران ، ط 3 ، 1369 ﻫ.
217. مراقد المعارف : الشيخ مُحَمَّد حرز الدين (1365 ﻫ) ، تحقيق : مُحَمَّد حسين حرز الدین ، مط الآداب ، النجف الأشرف ، 1391 ﻫ.
ص: 475
218. مروج الذهب ومعادن الجواهر : أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي (ت 346 ﻫ) ، نقحه وصحَّحه : شارل بلا ، انتشارات الشريف الرضي ، قم المقدسة ، 1422 ﻫ.
219. المزار : الشيخ مُحَمَّد بن المشهدي (ق 6) ، تحقيق : جواد القيومي الأصفهاني ، مؤسَّسة النشر الإسلامي ، طهران ، 1419 ﻫ.
220. مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها : علي ابن الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، تحقيق : مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث ، قم المقدسة ، نشر : المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام ، مشهد المقدسة ، ط 1 ، 1409 ﻫ.
221. مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام : الشيخ زين الدين بن علي العاملي (ت 965 ﻫ) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسة المعارف الإسلامية ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1413 ﻫ.
222، مستدرك الوسائل : الشيخ حسين بن مُحَمَّد تقی النوري (ت 1320 ﻫ) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1408 ﻫ.
223. مستدركات أعيان الشيعة : السَّيد حسن الأمين ، دار التعارف ، بيروت ، ط 2 ، (1418 ﻫ).
224. مستطرف في كل فن مستظرف : شهاب الدین مُحَمَّد بن أحمد الأبشيهي (ت 850 ﻫ) ، دار الندی ، بيروت ، ط 1 ، 1425 ﻫ.
225. مستند الشيعة في أحكام الشريعة : أحمد بن مُحَمَّد مهدي النراقي (ت 1245 ﻫ) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، مشهد المقدسة ، 1415 ﻫ.
ص: 476
226. مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة والأولاد : الشهيد الثاني الشيخ زین الدین
علي بن أحمد الجبعي العاملي (ت 965 ﻫ) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1407 ﻫ.
227. المسلسلات في الإجازات : السَّيد محمود المرعشي (معاصر) ، نشر : مكتبة المرعشي ، قم المقدسة ، 1416 ﻫ.
228. مسند أبي داود الطيالسي : الحافظ سلیمان بن داود بن الجارود الفارسي البصري الشهير بأبي داود الطيالسي (ت 204 ﻫ) ، دار المعرفة ، بيروت.
229. مسند أحمد : أحمد بن حنبل (241 ﻫ) ، دار صادر ، بيروت.
230. مسند الشهاب : القاضي أبي عبد الله مُحَمَّد بن سلامة القضاعي (454 ﻫ) ، تحقيق : حمدي عبد المجيد السلفي ، مؤسَّسة الرسالة ، بيروت ، ط 1 ، 1405 ﻫ.
231. مشاهد العترة الطاهرة : السَّيد عبد الرزاق كمونة الحسيني (ت 1390 ﻫ) ، مط الآداب ، النجف الأشرف ، سنة 1387 ﻫ.
232. مشرق الشمسين : بهاء الدين مُحَمَّد بن الحسين البهائي العاملي (ت 1031 ﻫ) ، منشورات مكتبة بصیرتي ، قم المقدسة ، طبعة حجرية ، وبضميمته كتاب العروة الوثقى للمؤلف نفسه.
233. مشكاة الأنوار في غرر الأخبار : الشيخ أبي الفضل علي الطبرسي (ق 7) ، تحقيق : مهدي هوشمند ، نشر : دار الحديث ، ط 1.
234. المصباح = جنة الأمان الواقية وجنة الايمان الباقية : الشيخ تقي الدين إبراهيم بن علي الحسن بن مُحَمَّد بن صالح العاملي الكفعمي (ت 905 ﻫ) ، منشورات مؤسَّسة الأعلمي ، بيروت ، ط 3 ، 1403 ﻫ.
ص: 477
235. مصباح الشريعة : المنسوب إلى الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، نشر : مؤسَّسة الأعلمي ، بيروت ، ط 1 ، 1400 ﻫ.
236. مصباح المتهجد : الشيخ أبي جعفر مُحَمَّد بن الحسن الطوسي (460 ﻫ) ، مؤسَّسة فقه الشيعة ، بيروت ، ط 1 ، 1411 ﻫ.
237. مطالب السؤول مناقب آل الرسول صلى الله عليه وآله : الشيخ كمال الدین مُحَمَّد بن طلحة الشافعي (652 ﻫ) ، تحقيق : ماجد بن أحمد العطية ، قم المقدسة.
238. المطول (شرح تلخيص مفتاح العلوم) : سعد الدین مسعود بن عمر التفتازاني (ت 792 ﻫ) ، تحقيق : د. عبد الحميد هنداوي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط 1 ، 1422 ﻫ.
239. معارف الرجال : الشيخ مُحَمَّد حرز الدين (ت 1365 ﻫ) ، نشر : مكتبة آية الله العظمى المرعشي ، قم المقدسة ، 1405 ﻫ.
240. المعارف : ابن قتيبة الدينوري (ت 276 ﻫ) ، صحَّحه وعلَّق عليه : مُحَمَّد إسماعيل الصادي ، دار إحياء التراث العربی ، بيروت ، ط 2 ، 1390 ﻫ.
241. معالم الدين وملاذ المجتهدين : الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني (ت 1101 ﻫ) ، جماعة المدرِّسین ، قم المقدسة.
242. معالم العلماء : أبي عبد الله مُحَمَّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني (ت 588 ﻫ) ، تقديم : السَّيد مُحَمَّد صادق آل بحر العلوم ، المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف ، 1380 ﻫ.
243. معالي السبطين في أحوال الحسن والحسين عليهما السلام : الشيخ مُحَمَّد مهدي الحائري (1369 ﻫ) ، منشورات الشريف الرضي ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1419 ﻫ.
ص: 478
244. معاني الأخبار : الشيخ مُحَمَّد بن علي بن بابويه الصدوق (ت 381 ﻫ) ، صحَّحه : علي أكبر الغفاري ، نشر : انتشارات إسلامي ، قم المقدسة ، 1361 ﻫ.
245. المعتبر في شرح المختصر : أبي القاسم جعفر بن الحسن المحقق الحلّي (676 ﻫ) ، حقَّقه وصحَّحه : عدة من الأفاضل ، نشر : مؤسَّسة سيد الشهداء عليه السلام ، 1364 ش.
246. معجم الأدباء : ياقوت الحموي المتوفی 626 ﻫ، دار المأمون ، مصر.
247. معجم البلدان : الشيخ أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي (ت 626 ﻫ) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1399 ﻫ.
248. معجم الفروق اللغوية : أبي هلال العسكري (ت 395 ﻫ) ، تنظیم الشيخ بيت الله بيات ، تحقيق مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1412 ﻫ.
249. معجم المطبوعات النجفية : مُحَمَّد هادي الأميني ، مط الآداب ، النجف الأشرف ، ط 1 ، 1385 ﻫ.
250. معجم رجال الحديث : السَّيد أبو القاسم الموسوي الخوئي (ت 1413 ﻫ) ، ط 5 ، سنة 1413 ﻫ.
251. معجم مقاییس اللغة : أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت 395 ﻫ) ، تحقيق : عبد السلام مُحَمَّد هارون ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1404 ﻫ.
252. مفاتيح الغيب = تفسير الرازي : فخر الدين مُحَمَّد بن عمر الرازي (606 ﻫ) ، ط 3.
ص: 479
253. المقنع : الشيخ مُحَمَّد بن علي بن بابويه الصدوق (ت 381 ﻫ) ، تحقيق : لجنة التحقيق التابعة لمؤسَّسة الإمام الهادي عليه السلام ، نشر : مؤسَّسة الإمام الهادي عليه السلام ، قم المقدسة ، 1415 ﻫ.
254. المقنعة : أبي عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن النعمان العكبري البغدادي الملقَّب بالشيخ المفيد (ت 413 ﻫ) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسة النشر الإسلامي ، قم المقدسة ، ط 2 ، 1410 ﻫ.
255. المكاسب : الشيخ مرتضی بن مُحَمَّد أمين الأنصاري (ت 1281 ﻫ) ، مجمع الفكر الإسلامي ، قم المقدسة ، 1420 ﻫ.
256. الملل والنحل : أبي الفتح مُحَمَّد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني (548 ﻫ) ، تحقيق : مُحَمَّد سید گیلاني ، دار المعرفة ، بيروت.
257. من لا يحضره الفقيه : الشيخ مُحَمَّد بن علي بن بابويه الصدوق (ت 381 ﻫ) ، صحَّحه وعلَّق عليه : علي أكبر الغفاري ، نشر : جماعة المدرِّسین ، قم المقدسة ، ط 2.
258. منار الهدى في الأنساب : الشيخ مُحَمَّد حسين الأعلمي (ت 1393 ﻫ) ، نشر مكتبة المرعشي ، قم المقدسة ، 1423 ﻫ.
259. مناقب آل أبي طالب عليهم السلام : أبي عبد الله مُحَمَّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني (ت 588 ﻫ) ، صحَّحه وشرحه وقابله : لجنة من أساتذة النجف الأشرف ، المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف ، 1376 ﻫ.
260. مناقب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام : أبي الحسن علي بن مُحَمَّد الشافعي المعروف بابن المغازلي (ت 483 ﻫ) ، دار الأضواء ، بيروت ، 1424 ﻫ.
261. المنتخب من کتاب ابل المذيل : أبو جعفر مُحَمَّد بن جرير الطبري (310 ﻫ) ، نشر : مؤسَّسة الأعلمي ، بيروت ، 1358 ﻫ.
ص: 480
262. المنتظم في تاريخ الملوك والأمم : أبي الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي (ت 597 ﻫ) ، تحقيق : د. سهیل زکار ، دار الفکر ، بيروت ، 1415 ﻫ.
263. منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان : الشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن زین الدین (ت 1011 ﻫ) ، صحَّحه وعلَّق عليه : علي أكبر الغفاري ، منشورات جامعة المدرِّسین ، قم المشرفة ، ط 1 ، 1362 ش.
264. منتهى المقال في أحوال الرجال : لأبي علي مُحَمَّد بن إسماعيل الحائري (ت 1216 ﻫ) ، تحقيق ونشر : مؤسِّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم المقدسة 1416 ﻫ.
265. منتهى المطلب : الحسن بن يوسف بن علي بن المطهَّر العلّامة الحلي (ت 726 ﻫ) ، تحقيق : قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية ، إيران.
266. منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال : مُحَمَّد الاسترآبادي (ت 1028 ﻫ) ، إيران ، ط حجرية ، 1307 ﻫ.
267. منية المريد في أدب المفيد والمستفيد : الشيخ زين الدين بن علي العاملي المعروف بالشهيد الثاني (965 ﻫ) ، تحقيق : رضا المختاري ، الناشر : مكتب الإعلام الإسلامي ، قم المقدسة ، ط 1 ، 1409 ﻫ.
268. المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار : تقي الدين أحمد بن علي المقريزي (ت 845 ﻫ) ، تحقيق د. مُحّمَّد زينهم - مديحة الشرقاوي ، مكتبة مدبولي ، مصر ، 1997 م.
269. موسوعة العتبات المقدسة : جعفر الخليلي ، مؤسَّسة الأعلمي ، بيروت ، ط 2 ، 1407 ﻫ.
ص: 481
270. میزان الاعتدال في نقد الرجال : أبي عبد الله مُحَمَّد بن أحمد بن عثمان (ت 748 ﻫ) ، تحقيق : علي مُحَمَّد البجاوي ، دار المعرفة ، بيروت ، 1382 ﻫ.
(ن)
271. نقباء البشر : الشيخ آغا بزرك الطهراني (ت 1389 ﻫ) ، دار المرتضی ، مشهد المقدسة ، ط 3 ، 1404 ﻫ.
272. نقد الرجال : السَّيد مصطفى بن الحسين الحسيني التفرشي (ق 11) ، تحقيق ونشر : مؤسَّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم المقدسة ، 1418 ﻫ.
273. نهاية الأرب في فنون الأدب : شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري (ت 733 ﻫ) ، تحقيق : د. علي بو ملحم ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1424 ﻫ.
274. نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب : أبي العباس أحمد بن علي بن أحمد القلقشندي (ت 821 ﻫ) ، تحقيق : علي الخاقاني ، مط النجاح ، بغداد ، 1387 ﻫ.
275. النهاية في غريب الحديث والأثر : ابن الأثير الجزري (606 ﻫ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط 1.
276. النهاية في مجرد الفقه والفتاوی : شيخ الطائفة أبي جعفر مُحَمَّد بن الحسن بن علي الطوسي (460 ﻫ) ، تقديم : الشيخ آغا بزرگ الطهراني ، نشر مُحَمَّدي ، قم المقدسة.
277. نهج الإيمان : زين الدين علي بن يوسف بن جبر (ق 7) ، تحقيق : السَّيد أحمد الحسيني ، نشر : مجتمع الإمام الهادي عليه السلام ، مشهد ، ط 1 ، 1418 ﻫ.
278. نهج البلاغة : خطب الإمام علي عليه السلام ، جمع الشريف الرضي (ت 406 ﻫ) ، تحقيق : مُحَمَّد عبدة ، دار المعرفة ، بيروت.
ص: 482
(ﻫ)
279. هداية المحدثين إلى طريقة المُحَمَّدين : الشيخ مُحَمَّد أمين بن مُحَمَّد علي الكاظمي (ت ق 11) ، تحقيق : السَّيد مهدي الرجائي ، نشر : مكتبة المرعشي ، قم المقدسة ، 1405 ﻫ.
280. هدية العارفين : إسماعيل باشا البغدادي ، طبع بعنابة وكالة المعارف الجليلة في مطبعتها البهية استانبول سنه 1951 م ، أعادت طبعه بالأوفست دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
(و)
281. الوافي بالوفيات : خليل بن ابيك بن عبد الله الصفدي (ت 764 ﻫ) ، التحقيق : أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1420 ﻫ.
282. الوسيط في تفسير القرآن المجيد : أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري (ت 468 ﻫ) ، دار الكتب العربية ، بيروت ، ط 1 ، 1415 ﻫ.
283. وسيلة المعاد في شرح نجاة العباد : السَّيد إسماعيل النوري الطبرسي ، 1324 ﻫ، طبعة حجرية.
284. وصول الأخيار إلى أصول الأخبار : الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي (ت 984 ﻫ) ، تحقيق : السَّيد عبد اللطيف الكوهكمري ، نشر : مجمع الذخائر الإسلامية ، قم المقدسة ، 1401 ﻫ.
285. وفاء الوفا بأخبار دار المصطفی صلى الله عليه وآله : نور الدين علي بن أبو المحاسن عبد الله السمهودي (ت 911 ﻫ) ، مط الآداب ، مصر ، 1326 ﻫ.
ص: 483
(ي)
286. يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر : أبي منصور عبد الملك الثعالبي النيسابوري (429 ﻫ) ، شرح وتحقيق : الدكتور مفيد مُحَمَّد قميحة ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، ط 1 ، 1403 ﻫ.
287. ينابيع المودة لذوي القربى : الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (1294 ﻫ) ، تحقيق : سيد علي جمال أشرف الحسيني : نشر : دار الأسوة ، ط 1 ، 1416 ﻫ.
المخطوطات
288. إجازاتي : السَّيد مُحَمَّد صادق آل بحر العلوم (ت 1399 ﻫ).
289. تلخيص الأقوال في معرفة الرجال : السَّيد ميرزا مُحَمَّد بن علي بن إبراهيم الحسيني الاسترآبادي (ت 1028 ﻫ).
290. الدرر البهية في تراجم علماء الإمامية : السَّثيد مُحَمَّد صادق آل بحر العلوم (ت 1399 ﻫ).
291. الرحيق المختوم في ما قيل في آل بحر العلوم : السَّيد مُحَمَّد صادق آل بحر العلوم (ت 1399 ﻫ).
الدوريات
292. الانتظار : مجلة ، تصدر عن مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ، النجف الأشرف ، العدد الرابع ، سنة 1427 ﻫ.
293. بهارستان : مجلة ، تصدر عن مكتبة مجلس الشورى ، طهران ، السنة الثامنة ، العدد الثامن ، سنة 1389 ش.
ص: 484
294. علوم الحديث : مجلة ، تصدر عن دار الحديث ، طهران ، السنة الأولى ، العدد الثاني ، شهر رجب - ذو الحجة الحرام ، سنة 1418 ﻫ.
ص: 485
ص: 486
المقام الرابع : في الإمام علي بن الحسين عليه السلام.................................. 5
في عبادته عليه السلام............................................................... 5
قصيدة الفرزدق................................................................ 6
تاريخ ولادته عليه السلام............................................................. 7
اُمُّه المولود منها................................................................ 7
فصل : في أولاده عليه السلام......................................................... 9
[عبد الله بن علي بن الحسين عليه السلام]............................................ 10
زيد بن علي بن الحسين عليه السلام.................................................. 11
ما ورد فيه من الأخبار........................................................ 12
[عمر الأشرف]............................................................. 14
[بقية أولاده عليه السلام]........................................................... 15
المقام الخامس : في الإمام محمّد بن علي الباقر عليه السلام.......................... 17
مولده عليه السلام................................................................. 18
اُمُّه عليه السلام................................................................... 18
وفاته عليه السلام بالمدينة........................................................... 20
فصل : في أولاده عليه السلام....................................................... 20
المقام السادس : في الإمام جعفر الصادق عليه السلام................................ 22
مولده عليه السلام................................................................. 22
القاسم بن محمّد بن أبي بكر................................................... 23
أبوه محمّد بن أبي بكر........................................................ 25
مدفنه عليه السلام................................................................. 26
ص: 487
فصل : في أولاده عليه السلام....................................................... 27
قبران مذمومان في بغداد...................................................... 27
إسماعيل ابن الإمام الصادق عليه السلام.............................................. 28
قبر المقداد بن الأسود الكندي................................................. 29
[قبر عثمان بن مظعون]...................................................... 31
قبر عثمان بن عفان.......................................................... 31
قبر عقيل بن أبي طالب عليه السلام.................................................. 32
قبر الصدِّيقة الطاهرة عليها السلام.................................................... 32
عبد الله ابن الإمام الصادق عليه السلام............................................... 34
إسحاق ابن الإمام الصادق عليه السلام.............................................. 34
محمّد ابن الإمام الصادق عليه السلام وقبره............................................ 35
علي بن جعفر العُرَيْضِيّ....................................................... 36
مقام الإمام الصادق عليه السلام في كربلاء............................................ 39
المقام السابع : في الإمام موسی بن جعفر عليه السلام................................ 41
مولده عليه السلام في الأبواء........................................................ 41
تاريخ وفاته عليه السلام............................................................ 41
وفاة الخواجة نصير الدين الطوسي ومرقده........................................ 43
ترجمة الشيباني............................................................... 43
الأمير توزون الديلمي......................................................... 44
فصل : في ذكر أولاده عليه السلام................................................... 44
إبراهيم ابن الإمام الكاظم عليه السلام................................................ 45
ما ورد في شأن العجم........................................................ 46
[إبراهيم ابن الإمام موسی ابن جعفر عليه السلام]...................................... 49
ص: 488
أحمد ابن الإمام موسی ابن جعفر عليه السلام......................................... 51
القاسم ابن الإمام موسی ابن جعفر عليه السلام....................................... 56
محمّد ابن الإمام موسی بن جعفر عليه السلام......................................... 58
الحسين ابن الإمام موسی بن جعفر عليه السلام........................................ 60
حمزة ابن الإمام موسی بن جعفر عليه السلام.......................................... 61
القبران في مشهد الكاظمين عليهما السلام............................................. 62
[إسماعيل ابن الإمام موسی بن جعفر عليه السلام]..................................... 63
قبر حمزة في أطراف الحلَّة...................................................... 64
زید ابن الإمام موسی بن جعفر عليه السلام........................................... 66
حكيمة بنت الإمام موسی بن جعفر عليه السلام...................................... 67
فاطمة المعروفة بمعصومة قم.................................................... 68
تتميم...................................................................... 70
القاضي أبو يوسف........................................................... 70
فرهاد ميرزا القاجاري......................................................... 70
المقام الثامن : في الإمام علي بن موسی الرضا عليه السلام............................ 73
مولده عليه السلام................................................................. 73
فصل : في ذكر أولاده عليه السلام................................................... 73
مرقد سلطان إبراهيم.......................................................... 75
صحائف قرآن بخط غريب.................................................... 75
وفاة الإمام الرضا عليه السلام....................................................... 76
كلمة لا إله إلا الله حصني.................................................... 76
فصل : في ذكر ولاية العهد من المأمون للرضا عليه السلام............................... 79
ص: 489
في سمّ المأمون له عليه السلام....................................................... 86
خاتمة شريفة................................................................. 89
المقام التاسع : في الإمام محمّد بن علي عليه السلام................................ 103
ولادته عليه السلام في شهر رجب.................................................. 103
وفاته ومحل دفنه عليه السلام....................................................... 105
فصل : في ذكر أولاده عليه السلام................................................. 106
أحوال موسی المبرقع........................................................ 106
المقام العاشر : في الإمام علي بن محمّد عليه السلام................................ 111
ولادته ، وفاته ، مدفنه عليه السلام................................................. 111
من دُفن بجواره عليه السلام........................................................ 113
قصة شجرة كشمر.......................................................... 114
تنبيه...................................................................... 115
جواز دخول حرمه عليه السلام..................................................... 115
[دفع شبهة حول مكان القبر الشريف]........................................ 116
فصل : في أولاده عليه السلام..................................................... 116
محمد المعروف بسبع الدجيل................................................. 117
توبة ولده جعفر............................................................ 119
المقام الحادي عشر : في الإمام الحسن بن علي العسكري عليه السلام.............. 121
ولادته ووفاته عليه السلام......................................................... 121
تنبيهان................................................................... 122
[حكيمة بنت الإمام الجواد عليه السلام]............................................ 122
ص: 490
عدم اللصوق بضريحه عليه السلام.................................................. 124
[داهية عظمى]............................................................ 126
المقام الثاني عشر.......................................................... 127
ولادته وغيبته عجل الله تعالى فرجه الشريف.................................... 127
شمائله وعلامات ظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف........................... 128
هداية ، فيها مطلبان........................................................ 134
المطلب الأول : [في سبب غيبته عليه السلام]........................................ 134
المطلب الثاني : (تفسیر مراتب الأئمّة عليهم السلام)............................. 135
[شرح الأخبار والأحاديث المتضمنة لفضيلة العلم وفضل العلماء]............. 141
الحديث الأوّل : في ثواب العالم والمتعلم.................................... 141
الحديث الثاني : تعلم العلم حسنة........................................... 146
[ترجمة الشيخ الصدوق رحمه الله].............................................. 147
[ترجمة والد الشيخ الصدوق رحمه الله].......................................... 148
[ترجمة سعد بن عبد الله الأشعري رحمه الله]..................................... 150
[ترجمة محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني رحمه الله]............................... 150
[كتاب نوادر الحكمة]...................................................... 154
الوضوء والغسل بماء الورد.................................................... 155
[ترجمة يونس بن عبد الرحمن]................................................ 156
[ترجمة الحسن بن زياد العطار]............................................... 157
ص: 491
[ترجمة سعد بن طريف الحنظلي]............................................. 157
[ترجمة الأصبغ بن نُباتة]..................................................... 158
الحديث الثالث : طلب العلم فريضة......................................... 162
الموضع الأول.............................................................. 162
[ترجمة عبد الرحمن بن زيد].................................................. 163
الموضع الثاني.............................................................. 163
عمل الجاهل التارك للطريقين................................................. 163
[في ذمِّ حبِّ الرئاسة والعمل بها]............................................. 168
الحديث الرابع : كمال الدين طلب العلم..................................... 175
الموضع الأول : في رجال السند............................................... 175
[ترجمة الحسن بن محبوب السراد]............................................. 175
[ترجمة هشام بن سالم الجواليقي]............................................. 176
[ترجمة أبي حمزة الثمالي]..................................................... 176
[ترجمة أبو إسحاق السبيعي]................................................. 177
الموضع الثاني : اختصاص علي عليه السلام بإمرة المؤمنين.............................. 178
الحديث الخامس : العلماء ورثة الأنبياء...................................... 181
الموضع الأول.............................................................. 181
[ترجمة محمّد بن خالد البرقي]................................................ 181
[ترجمة أبي الحسن البختري].................................................. 182
الموضع الثاني.............................................................. 182
العلماء ورثة الأنبياء......................................................... 182
ص: 492
الحديث السادس........................................................... 185
الموضع الأول.............................................................. 185
[ترجمة الحسين بن محمّد الأشعري]............................................ 185
الموضع الثاني.............................................................. 186
دانيال النبي عليه السلام........................................................... 186
فتح شوشتر في خلافة عمر.................................................. 188
[ترجمة المولی محمّد صالح المازندراني].......................................... 195
الحديث السابع : فضل العالم على العابد.................................... 197
الموضع الأول.............................................................. 197
[ترجمة محمّد بن أبي عمير]................................................... 197
[ترجمة سيف بن عميرة]..................................................... 198
الموضع الثاني.............................................................. 198
الحديث الثامن : حديث الراوية.............................................. 202
الموضع الأول.............................................................. 202
[ترجمة أحمد بن إسحاق].................................................... 202
[ترجمة سعدان بن مسلم].................................................... 202
[ترجمة معاوية بن عمار]..................................................... 203
الموضع الثاني.............................................................. 203
[في معنى لفظ الشيعة]...................................................... 204
وجوب تصحيح النيَّة........................................................ 206
ص: 493
[موعظة بليغة لأهل العلم والوعظ]........................................... 209
تكميل النفس............................................................. 211
الحديث التاسع : طلبة العلم ثلاثة........................................... 218
الموضع الأول.............................................................. 218
[ترجمة أحمد بن عيسى العلوي]............................................... 219
[ترجمة عباد بن صهيب البصري]............................................. 220
الموضع الثاني.............................................................. 220
[من أخلاق العلّامة السيِّد رضا آل بحر العلوم]................................. 221
(رجع).................................................................... 224
[مراتب الورع]............................................................. 224
الحديث العاشر : منهومان لا يشبعان........................................ 232
الموضع الأول.............................................................. 232
[ترجمة عُمَر بن اُذينة]....................................................... 232
[ترجمة أبان بن أبي عياش]................................................... 233
[ترجمة سلیم بن قيس]...................................................... 234
الموضع الثاني.............................................................. 235
الحديث الحادي عشر : الحديث المنفعة الدنيا.............................. 240
الموضع الأول.............................................................. 240
[ترجمة معلّی بن محمّد]...................................................... 240
[ترجمة الحسن بن علي الوشّا]................................................ 241
[ترجمة أحمد بن عائذ]...................................................... 243
ص: 494
[ترجمة سالم بن مکرم]...................................................... 244
الموضع الثاني.............................................................. 245
الحديث الثاني عشر : العالم المحب للدنيا.................................. 246
الموضع الأول.............................................................. 246
[ترجمة القاسم بن محمّد الأصبهاني]........................................... 246
[ترجمة سليمان بن داود المنقري].............................................. 247
[ترجمة حفص بن غياث القاضي]............................................ 248
الموضع الثاني.............................................................. 249
الحديث الثالث العاشر : طلب العلم للمباهاة................................ 255
الموضع الأول.............................................................. 255
[ترجمة محمّد بن إسماعيل].................................................... 255
]ترجمة الفضل بن شاذان]................................................... 257
[الترجمة ربعي بن عبد الله الهُذلي]............................................. 258
الموضع الثاني.............................................................. 258
الحديث الرابع عشر : تعظيم العلماء......................................... 261
الموضع الأول.............................................................. 262
[ترجمة علي بن أحمد الدقّاق]................................................ 262
[ترجمة محمّد بن جعفر]..................................................... 262
[ترجمة محمّد بن إسماعيل].................................................... 263
[ترجمة عبد الله بن أحمد].................................................... 263
ص: 495
[ترجمة إسماعيل الهاشمي]..................................................... 264
الموضع الثاني.............................................................. 265
الحديث الخامس عشر : عدم إكثار السؤال على العالم....................... 274
الموضع الأول.............................................................. 274
[ترجمة أبي غالب الزراري]................................................... 274
[ترجمة علي بن الحسين السعد آبادي]......................................... 275
[ترجمة أحمد بن محمّد البرقي]................................................. 276
[ترجمة محمّد بن خالد البرقي]................................................ 276
[ترجمة سليمان بن جعفر الجعفري]........................................... 277
[فائدة رجالية]............................................................. 277
الموضع الثاني.............................................................. 278
استحباب السلام في الشرع.................................................. 278
[أحكام السلام]........................................................... 282
[تتمة شرح الحديث]....................................................... 296
[في العالم العامل].......................................................... 297
الحديث السادس عشر : العلماء رجلان...................................... 300
الحديث السابع عشر : اقتران العلم بالعمل.................................. 302
الموضع الأول.............................................................. 302
[ترجمة محمّد بن سنان]...................................................... 302
[ترجمة إسماعيل بن جابر الجعفي]............................................. 303
ص: 496
الموضع الثاني.............................................................. 303
الحديث الثامن عشر : العالم إذا لم يعمل بعلمه.............................. 307
الموضع الأول.............................................................. 307
[ترجمة علي بن محمّد القاشاني]............................................... 308
[ترجمة الجعفري]........................................................... 308
الموضع الثاني.............................................................. 308
الحديث التاسع عشر....................................................... 311
[ترجمة علي بن هاشم]...................................................... 311
الأناجيل الأربعة لعيسى عليه السلام................................................ 311
الحديث العشرون : العمل بمقتضى العلم..................................... 313
الحديث الواحد والعشرون : [من لوازم العلم]................................ 317
الحديث الثاني والعشرون : التزيُّن مع طلب العلم............................. 320
الموضع الأول.............................................................. 320
[ترجمة الحسن بن محبوب]................................................... 320
[ترجمة معاوية بن وهب].................................................... 321
الموضع الثاني.............................................................. 321
الحديث الثالث والعشرون : العالم من صدق قوله فعله........................ 325
ص: 497
الموضع الأول.............................................................. 325
[ترجمة حمّاد بن عثمان]..................................................... 325
[ترجمة النصري]............................................................ 325
الموضع الثاني.............................................................. 325
الحديث الرابع والعشرون : الفقيه حقّ الفقيه.................................. 327
الموضع الأول.............................................................. 327
[ترجمة إسماعيل بن مهران]................................................... 327
[ترجمة خالد القمّاط]....................................................... 327
[ترجمة الحلبي]............................................................. 328
الموضع الثاني.............................................................. 328
الحديث الخامس والعشرون : للعالم ثلاث علامات........................... 334
[حال علي بن معبد]...................................................... 334.
الحديث السادس والعشرون : إن العلم ذو فضائل............................ 336
الموضع الأول.............................................................. 336
[ترجمة نوح بن شعيب]..................................................... 336
[ترجمة عبد الله الدهقان].................................................... 337
[ترجمة درست]............................................................ 337
[ترجمة عروة].............................................................. 338
الموضع الثاني.............................................................. 339
[في ذم الحسد]............................................................ 339
ص: 498
الحديث السابع والعشرون : من تعلَّم العلم وعمل به.......................... 355
[في فضيلة الفقه ومنزلته].................................................... 355
الحديث الثامن والعشرون : تحديد العلم الحقيقي............................ 358
الموضع الأول.............................................................. 358
[ترجمة إبراهيم الأنماطي]..................................................... 358
الموضع الثاني.............................................................. 359
الحديث التاسع والعشرون : الفقه في الدين.................................. 363
الحديث الثلاثون : الصبر على النائبة........................................ 365
الحديث الواحد والثلاثون : إبليس يحبُّ موت الفقيه......................... 374
الموضع الأول.............................................................. 374
[ترجمة إبراهيم الخرّاز]....................................................... 374
[ترجمة سليمان بن خالد]................................................... 374
الموضع الثاني.............................................................. 375
الحديث الثاني والثلاثون : موت الفقيه ثلمة.................................. 376
الحديث الثالث والثلاثون : بكاء الملائكة على الفقيه......................... 378
الموضع الأول.............................................................. 378
[ترجمة علي بن أبي حمزة].................................................... 378
ص: 499
الموضع الثاني.............................................................. 382
الرد على الفلاسفة.......................................................... 382
الحديث الرابع والثلاثون : [حديث في حلال وحرام]......................... 384
الموضع الأول.............................................................. 384
[ترجمة محمّد بن عبد الحميد]................................................ 384
[حال عبد السلام بن سالم]................................................. 385
الموضع الثاني.............................................................. 385
حُجية الخبر الموثق.......................................................... 385
الحديث الخامس والثلاثون : [وهل يسأل الناس عن شيء أفضل من الحلال والحرام] 386
الموضع الأول.............................................................. 386
[ترجمة يونس بن يعقوب الدهني]............................................. 386
الموضع الثاني.............................................................. 387
وجوه شرف الإنسان........................................................ 388
المنافع هي دفع آلام........................................................ 391
الحديث السادس والثلاثون : في الأمر بالمعروف............................. 395
الموضع الأول.............................................................. 395
[ترجمة جميل بن درَّاج]...................................................... 395
[ترجمة أبان بن تغلب]...................................................... 395
الموضع الثاني.............................................................. 396
الحديث السابع والثلاثون : وجوب النفر للتفقُّه............................... 399
ص: 500
الموضع الأول.............................................................. 399
[ترجمة علي بن محمّد]...................................................... 399
الموضع الثاني.............................................................. 400
الحديث الثامن والثلاثون : التفقُّه في دين الله................................. 402
الموضع الأول.............................................................. 402
[ترجمة جعفر بن محمّد الكوفي]............................................... 402
[ترجمة القاسم بن محمّد بن الربيع]............................................ 403
[ترجمة المفضَّل بن عمر]..................................................... 403
الموضع الثاني.............................................................. 404
الحديث التاسع والثلاثون : [في أهمية التفقُّه]................................ 405
الموضع الأول.............................................................. 405
[ترجمة الحسن بن حمزة العلوي]............................................... 405
[ترجمة أحمد بن عبد الله ابن بنت البرقي]...................................... 406
[محمّد بن مسلم الثقفي].................................................... 407
الموضع الثاني.............................................................. 407
الحديث الأربعون : [في أهمية التفقُّه أيضاً].................................. 409
شفاعة العلماء يوم القيامة................................................... 410
الآيات القرآنية.............................................................. 417
الأحاديث.................................................................. 421
ص: 501
الأشعار.................................................................. 431
الأعلام..................................................................... 433
المصادر................................................................... 449
المحتويات 487
ص: 502