بحوث في الفقه :صلاة الجمعة احکامها و آدابها وخاتمة في صلاة العیدین

هوية الکتاب

بطاقة تعريف:الفقیهي البزشکي، محمدرضا، 1345 -

عنوان واسم المؤلف:بحوث في الفقه :صلاة الجمعة احکامها و آدابها وخاتمة في صلاة العیدین/ محمدرضا الفقیهي البزشکي؛ [ أمر بها] دارالحکمة...[و اخرين].

تفاصيل المنشور:تهران: میراث شرق، 1444ق.= 1401.

مواصفات المظهر:635 ص.

شابک:978-622-7983-99-9

حالة الاستماع:فاپا

لسان: العربية.

ملحوظة:[ به سفارش] دارالحکمة، مرکز بین المللی فجرنا، مركز التدريس والتعلم، الناشرون زاگرس.

ملحوظة:بالای عنوان: بحوث فی الفقه.

ملحوظة:کتابنامه:ص.[779]- 800؛ أيضا مع الترجمة.

عنوان آخر:بحوث في الفقه.

موضوع: نماز جمعه - نماز عید فطر

المعرف المضاف:موسسه دارالحکمة کانادا

المعرف المضاف:House of Wisdom Institute of Canada

ترتيب الكونجرس:BP187/5

تصنيف ديوي:297/353

رقم الببليوغرافيا الوطنية:8829182

معلومات التسجيلة الببليوغرافية:فاپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

بحوث في الفقه صلاة الجُمُعة أحكامها وآدابها وخاتمة في صلاة العيدين

محمّدرضا الفقيهي البزشكي

ص: 3

ص: 4

محتویات الکتاب

محتویات الکتاب

مقدمة الطبعة الثانية..... 12

صورة تقريظ سماحة الاُستاذ الشيخ آية الله العظمی جعفر السبحاني - دام ظله - ..... 14

مقدّمة سماحة آية الله السيّد ابوالحسن المهدوي - زید عزّه - ..... 16

صلاة الجمعة رمز السيادة الدينية..... 22

الإهداء..... 24

التصدير: ..... 28

الفصل الأوّل: الأخبار والرّوايات المنقولة في فضل يوم الجُمعة وليلتها ..... 34

أوّلاً: خيرة الله من بين الأيّام..... 36

ثانياً: سيّد الْأيّام..... 36

ثالثاً: يوم المزيد..... 37

رابعاً: يوم الشّاهد..... 38

خامساً: أفضل الأعياد بعد غدير خمّ..... 39

سادساً: يوم الرّحمة والمغفرة..... 40

سابعاً: يوم استجابة الدّعوات وتضاعف الحسنات..... 42

ثامناً: يوم خروج القائم وقيام السّاعة..... 46

ص: 5

تاسعاً: يوم الخصال الخمس..... 48

عاشراً: يوم الميثاق..... 49

حادي عشر: يوم صعود الأعمال وتزيين الجنان..... 49

ثاني عشر: أفضل وأحبّ عمل فيه الصّلاة على محمّد وآله..... 50

الفصل الثّاني: الجمعة في المعنی والمفهوم..... 52

الجمعة عند أرباب اللغة:..... 54

الفصل الثّالث: حكم صلاة الجمعة في زمان غيبة الإمام المعصوم علیه سلام ..... 60

آراء الفقهاء حول حكم صلاة الجمعة في عصر الغيبة..... 62

الفصل الرّابع: نقد آراء الفقهاء حول حکم صلاة الجمعة وبيان الرّأي المختار..... 110

هنا اُمور:..... 112

الأوّل: اضطراب كلمات الشّيخ الطّوسي رحمه الله :..... 112

الثاني: الجواب عن استدلال القائل بحرمة صلاة الجمعة في عصر الغيبة بأنّ الظّاهر من كلمة (الإمام) أو (السّلطان العادل) هو الإمام المعصوم علیه السلام أو نائبه..... 116

الثالث: كلمة (الإمام) في الرّوايات هي حقيقةٌ لغويةٌ لا شرعيةٌ..... 133

تعريف الإمام في كلمات أرباب اللّغة..... 133

الرابع: الجواب عن حمل الشّيخ جواز انعقاد الجمعة لأهل القرايا والسّواد بأنّه بمنزلة النّصب الخاصّ من ناحية الأئمّة :..... 140

الخامس: الجواب عن استدلال القائل بعدم كون صلاة الجمعة في عصر الغيبة واجبةً تعيينيّةً مستدلّاً بأنّ سيرة أصحاب الأئمّة : أو المتشرّعة جرت علی عدم إقامتها..... 146

السّادس: الاستدلال للقول بالوجوب التخييري وجوابه:..... 174

الرّأي المختار في حكم صلاة الجمعة..... 182

ص: 6

أدلّة الرّأي المختار من آيات وأخبار..... 209

فضيلة صلاة الجمعة..... 219

نزول الملائكة المقرّبين على أبواب المساجد يوم الجمعة لكتابة أسامي المصلّين..... 222

فضل الجمع في شهر الصّيام علی جمع سائر الشّهور..... 225

الفصل الخامس: بعض المسائل الهامّة حول صلاة الجمعة..... 226

الأوّل: حكم السّفر يوم الجمعة..... 228

الثاني: اشتراط الخطبة والجماعة في صحّة صلاة الجمعة..... 232

بقي هنا أمران:..... 242

الأوّل: الخطبة في المعنی والمفهوم..... 242

الثاني: مسألة لزوم متابعة المأموم إمامه في أفعال الصّلاة..... 243

الثالث: هل يجب اتحاد الإمام والخطيب؟..... 254

الرابع: سقوط وجوب الجمعة عن طوائف..... 259

بقي هنا شيء وهو أنّه:..... 265

ما المراد من الشّيخ الكبير في المقام؟..... 265

الخامس: وجوب الجمعة علی أهل القری والسّواد كما هي واجبةٌ علی أهل الأمصار والبلاد..... 268

السّادس: حكم المبادرة المعذورين إلى الظّهر..... 275

السّابع: من وجبت عليه صلاة الجمعة فصلاة الظّهر لا تجزيه..... 276

الثامن: يستحبّ للمسافر اختيار الجمعة علی الظّهر..... 282

التاسع: المرأة والجمعة والجمعات..... 284

العاشر: سقوط الجمعة عن المعذورين رخصةٌ وليس عزيمةً..... 295

ص: 7

الحادي عشر: هل يجوز للّذين يستثنون عن حضور الجمعة أن يكونوا إماماً في الجمعة؟..... 300

الثاني عشر: وقت صلاة الجمعة..... 312

ما هو المراد من السّاعة في المقام؟..... 320

الثالث عشر: متی يبدأ إمام الجمعة بالخطبة؟..... 324

الكلام في أدلّة الأقوال وبيان المختار منها..... 328

الرابع عشر: علی الإمام أن يخطب قائماً..... 335

الخامس عشر: ينبغي لأئمّة الجمعة والجماعة العمل بالاحتياط..... 340

السادس عشر: حكم الاستماع إلی الخطبتين والصّلاة خلالهما..... 343

السابع عشر: من لم يحضر الخطبة فقط، أو الخطبة مع ركعة من الصّلاة، فقد أدرك الجمعة..... 360

الثامن عشر: الفصل بين الجمعتين..... 363

التاسع عشر: وجوب تقديم الخطبة علی الصّلاة..... 367

العشرون: سلام الإمام علی النّاس..... 371

الحادی والعشرون: ما يعتبر في الخطبتين..... 376

الثاني والعشرون: هل تشترط العربيّة في الخطبة؟..... 389

الثالث والعشرون: استحاب تقصير الخطبة..... 394

الرابع والعشرون: التّرتيب بين أجزاء الواجب للخطبة..... 398

الخامس والعشرون: كيفيّة صلاة الجمعة..... 401

هنا مسألتان:..... 404

الاُولى: حكم الجهر والإخفات في صلاة الجمعة..... 404

الثانية: هل تجب قراءة سورتي الجمعة والمنافقين في صلاة الجمعة أو لا؟..... 407

ص: 8

بقي هنا شيء، وهو أنّه هل يجب أن يكون القراءة في الصّلاة عن الحفظ وظهر القلب؟..... 416

السّادس والعشرون: حكم الأذان الثّالث يوم الجمعة..... 428

السابع والعشرون: حكم تكرار الرّكوع في الرّكعة الثّانية..... 432

الثامن والعشرون: حكم المعاملات يوم الجمعة..... 435

الفصل السّادس: آداب صلاة الجمعة وسننها..... 443

الأوّل: الاستحمام والتّنظيف..... 445

الثاني: غسل الجمعة..... 453

بقي هنا أمرٌ، وهو أنّه هل يكفي غسل الجمعة عن الوضوء أم لا؟..... 461

الكلام في أدلّة الأقوال..... 468

تقسيم الرّوايات الواردة في المسألة إلی طوائف ستة..... 477

الكلام في الجمع بين الطوائف الستة من الأخبار..... 483

الرّأي المختار في المقام..... 485

الثالث: لبس الثّياب النظيفة والتّطيّب..... 487

الرابع: المباكرة إلی المصلّي، لا سيّما في جمع شهر الصّيام..... 491

الخامس: السّواك قبل الصّلاة..... 495

السّادس: كراهة أكل الأطعمة ذات الرّائحة الكريهة عند الذّهاب إلى المساجد..... 496

السّابع: استحباب اختصاص أوّل الصّفوف بأهل الفضل، وأفضل أوّلها ما دنی الإمام من يمينه..... 498

الثّامن: استحباب تسوية الخلل بين صفوف الجماعة والقيام عند قول الإمام: «قد قامت الصّلاة»، وكراهة انفراد المأموم عن الصف مع إمكان الدخول فيه..... 500

التّاسع: نوافل الجمعة..... 503

بقيت هنا بعض المسائل الّتي تجدر الإشارة إليها، وهي عبارة عن:..... 512

ص: 9

1 - وقت إقامة النّوافل..... 512

2 - هل النّوافل جميعاً هي نافلة الظّهرين؟ أو الأربعة منها للجمعة وباقيها نافلة الظّهرين؟ أو كلّها نافلةٌ للجمعة؟..... 513

3 - جواز اعتبار صلاة جعفر بن أبي طالب علیه السلام من نوافل الجمعة أو من نوافل سائر الأيّام والليالي..... 514

العاشر: استحباب الجهر بالقراءة لمن يصلّی الظّهر يوم الجمعة..... 519

الحادي عشر: استحباب الدّعاء حين الخروج إلی المصلّی في الجمعة والعيدين..... 525

الثاني عشر: الدّعاء الّذي روي عن الإمام عليّ بن موسی الرّضا علیهما السلام لقنوت صلاة الجمعة..... 526

الثّالث عشر: يستحب للإمام أن يدعو لنفسه وللمؤمنين ويكره أن يختصّ نفسه بالدّعاء..... 527

الرابع عشر: إهداء ثواب صلاة الجمعة ونوافلها إلى المعصومين:..... 529

خامس عشر: استحباب الدّعاء ما بين فراغ الخطيب واستواء الصّفوف، وكذا آخر النّهار إلی غروب شمس يوم الجمعة..... 531

السّادس عشر: بعض التّعقيبات الخاصّة بصلاة الجمعة وصلاة عصرها..... 533

السّابع عشر: استحباب سجدة الشّكربعد كلّ صلاة وعند تجدّد النّعم ودفع النّقم..... 538

الفصل السّابع: خاتمةٌ في صلاة العيدين..... 545

العيد في المعنی والمفهوم..... 547

أقوال الفقهاء حول حكم صلاة العيدين..... 549

بيان الرّأي المختار ودليله..... 557

الفصل الثّامن: بعض المسائل الهامّة حول صلاة العيدين..... 559

ص: 10

الأوّل: وقت صلاة العيد والخروج إلی المصلّي..... 561

الثاني: استحباب الإصحار في صلاة العيدين..... 569

الثّالث: عدم الأذان والإقامة في صلاة العيدين..... 572

الرّابع: الخطبة في صلاة العيدين تؤدّي بعد الصّلاة..... 575

الخامس: شرائط وجوب صلاة العيدين..... 578

السّادس: هل يعتبر الفصل بين العيدين؟..... 580

السّابع: صورة صلاة العيد وكيفيّتها..... 585

الثّامن: عدم اشتراط قراءة سورة خاصّة في صلاة العيدين..... 596

التّاسع: استحباب إقامة صّلاة العيدين على انفراد عند فقدان الشّرائط أو لمن فاتته الجماعة..... 599

بقي هنا اُمور تجدر الإشارة إليها، وهي:..... 603

الاُولی: في جواز إقامة العيدين جماعةً عند فقدان الشّرائط:..... 603

الثّانية: لايجب قضاء صلاة العيدين علی من فاتته:..... 606

الثالثة: أنّه لا فرق في عدد ركعات صلاة العيد بين وجود الشّرائط وفقدانها:..... 609

العاشر: إذا اتّفق عيد وجمعة في يوم واحد..... 610

مصادر التحقيق..... 618

❊ ❊ ❊

ص: 11

مقدمة الطبعة الثانية

اشارة

لكتاب «صلاة الجمعة، أحكامها وآدابها وخاتمة في صلاة العيدين»

بحمد الله، والصّلاة والسّلام علی خاتم الأنبياء محمّد المصطفی وأوصيائه الطاهرين، الطبعة الاُولی لكتاب «صلاة الجمعة أحكامها وآدابها وخاتمة في صلاة العيدين» في سنة 1392 قد تحقّقت علی يد النيابة المحترمة لشؤون تدبير سياسة أئمة الجمعة في 1500 نخسة.

وبعد نشر هذه الطبعة وتلقّی الأنظار المقترحة أو الإصلاحيّة لبعض الفضلاء الكرام وأئمة الجمعة وأساتذة الدروس العليا وخارج الحوزة العلميّة المحترمين والعثور علی النواقص الموجودة في الكتاب فی مجال التصحيف وبعض الأغلاط في الكتابة من جهةٍ وضرورة درج المباحث الاُخری اللازمة والمغفولة في الطبعة الاُولی دفعني إلی استئناف النظر في المطالب المعنونة.

ومن هذا المنطق بادرت بالإصلاحات الجديدة وإضافة بعض المستندات والمطالب المثمرة في الطبعة الثانية الّتي تبلغ خمسين في المأة بالنسبة إلی الطبعة الاُولی، وحاولت بعون الله وفضله تقديم هذه الطبعة باُسلوب أجمل وأروع إلی المحقّقين والأفاضل.

أشكر الاُستاذ الكريم سماحة آية الله العظمی الشيخ جعفر السبحاني (دام ظلّه العالي)، وآية الله السيّد أبوالحسن المهدوي من أساتذة دروس الخارج

ص: 12

في الفقه والاُصول وإمام جمعة إصفهان الموقّت، ومندوب مجلس الخبراء من محافظة إصفهان، علی بذلهم المحبّة لرؤية الكتاب ومطالعة بعض أقسامه ودرج المقدمة فيه.

آمل رضا الحقّ عزّ وجلّ وإمام العصر أرواحنا له الفداءأ في المساعي المبذولة، واستدعی العلماء الأعلام والفضلاء الكرام وأئمة الجمعة المحترمين مساعدتهم لهذا العبد الضعيف فی إعطاء نظراتهم الإصلاحيّة والمقترحة.

وصّی بعض المؤمنين نشر الكتاب باللغة الفارسيّة كي يثمر عامّة مصلّی الجمعة أكثر وأكثر، إن شاءالله ألبّي هذه الوصيّة في المستقبل في قالب حذف المباحث الاستدلاليّة وإرائة المطالب بصورة وجيزة. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

قم المقدسة - محمد رضا الفقيهي البزشكي

27 رجب المرجب سنة 1440 ه-

يوم المبعث المصادف 14/1/1398 ش

09134111843

ص: 13

صورة تقريظ سماحة الاُستاذ الشيخ آية الله العظمی جعفر السبحاني - دام ظله -

صورة تقريظ سماحة الاُستاذ الشيخ العلّامة المحقق

آية الله العظمی جعفر السبحاني دام ظله علی الكتاب

عکس

ص: 14

بسم الله الرحمن الرّحيم

الحمدلله رب العالمين والصّلاة والسّلام

علی خير خلقه محمّد صلّی الله عليه وآله الطاهرين.

أمّا بعد: لاحظت ما كتبه الفاضل الشيخ محمّد رضا الفقيهي حول صلاة الجمعة، فالكتاب بحمد الله كتاب جامع لبيان أحكام صلاة الجمعة وآدابها وأقوال العلماء.

فقد خرج المؤلف في نهاية الأمر بعد دراسة الأقوال إلی أنّها واجبة بالوجوب التعييني لا التخييري، وهذا هو الّذی قوّيناه في البحوث الفقهيّة في كتاب «ألطاف الرّحمن في فقه القرآن»، فنقدّم شكرنا المتواصل إلی المؤلف الشيخ محمّد رضا الفقيهي فللّه درّه وعليه أجره .

قم - جعفر السبحاني

حُرّر في 17 ربيع الأوّل 1440

ص: 15

مقدّمة سماحة آية الله السيّد ابوالحسن المهدوي

مقدمة سماحة آية الله السيّد ابوالحسن المهدوي مندوب مجلس الخبراء وإمام جمعة إصفهان الموقّت علی الطبعة الثانية للکتاب

بسم الله الرحمن الرّحيم

الحمدلله كما هو أهله ومستحقّه، والصّلاة والسّلام علی خير خلقه وأشرف رُسله محمّد صلی الله علیه و آله و سلم، وعلی أهل بيته المعصومين علیهم السلام الّذين اختارهم علی علم علی العالمين(1)،ولعنة الله علی أعدائهم أجمعين إلی يوم الدّين.

إنّ الله تبارك وتعالی يتابع مقصداً وهدفاً عالياً في خلقة العالم والإنسان، والإنسان هو الّذي يجب عليه أن يصيّر الاستعدات الكامنة فيه بالفعل بالإرادة والاختيار للوصول إلی ذلك الهدف.

لقد ذكر فی القرآن الكريم ولسان الأئمّة المعصومين الناصع علیهم السلام هذا المقصد العالي بألفاظ وتعابير مختلفة(2).

ص: 16


1- قال الله تبارك وتعالی: (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمينَ) «الدخان»: 32. وعن مولانا الهادي علیه السلام في زيارة الجامعة «اصْطَفَاكُمْ بِعِلْمِه».
2- مثل: الف: صيرورة الإنسان مثلاً ربوبيّاً عالياً (الِلَّذينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ)، «النحل»: 60، و(وَهُوَ الَّذي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ)، «الروم»: 27. ب: الوقوف في جنبه تعالی: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرينَ)، «الزّمر»: 56. ج: تلقّی النفس المطمئنة: (يا أيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلي في عِبادي وَادْخُلي جَنَّتي)، «الفجر»: 27 - 30. د: القرب إلی المقام الربوبي بمقدار قوسين أو أدنی (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى)، «النجم» 8 - 9. ه- : النيل إلی درجة عند الله: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلُوا في سَبيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)، «آل عمران»: 169، و(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّني مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّني مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمينَ)، «التحريم»: 11. و: النيل إلی لقاء الله: (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)، «الكهف»: 110. ز: خرق الحجب بأجمعها إلّا حجاب الواجبيّة منها. ح: صيرورة الإنسان مهدويّاً وشبيهاً بالإمام.

وللوصول إلی هذا المقصد العظيم يجب القيام وفق الأوامر والأحكام الدينيّة برمّتها، بالأخصّ الواجبات وترك المحرّمات والالتزام المستمرّ بالتقوی الدينيّة(1) وتكميلها بالقيام بالمستحبات وترك المكروهات.

الإنسان إثر هذه الرياضات الشرعيّة يصل إلی مقام خير البريّة(2)، والمرافقة المستمرة مع الصادقين(3)، وولاية الله(4) والتأهل للدخول في جنّة عباد الله الروحيّة وجنّة الله الصوريّة(5).

ص: 17


1- قال الله عزّ وجل: (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقينَ)، «الأعراف»: 128.
2- (إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ)، «البيّنة»: 7.
3- (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقينَ)، «التوبة»: 119.
4- (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَلَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْديلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظيمُ)، «يونس»: 62 - 64.
5- (وَادْخُلي جَنَّتي)، «الفجر»: 30.

ولأجل المرور علی هذا الدّرب يجب علی الجميع التفكير والتعقّل في كيفيّة خلقة العالم(1) والعثور علی أنّ عالم الوجود لم يُخلق عبثاً(2)، حينئذٍ وبعد حالة اليقظة يبدأ بالحركة الروحيّة، ولا يزال يُحيی ذكر الله الّذي يتمثّل في أداء الأوامر الإلهيّة. وبالالتزام به يصل إلی شاطئ النجاة(3)، والوصول إلی هذا الشاطئ وإن يكون صعباً ولكن قريب ومتناولٌ(4).

في أثناء هذه الأوامر لا نجد عملاً أكثر أهميّة وفائدة من الصّلاة في الوصول إلی الهدف وتقرّب العبد إلی خالق الكون.

ص: 18


1- (إِنَّ في خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِی الْأَلْباب الَّذينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ)، «آل عمران»: 190 - 191.
2- (أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ)، «المؤمنون»: 115.
3- (فَاذْكُرُوني أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لي وَلا تَكْفُرُونِ)، «البقرة»: 152، وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «مِنْ أَشَدِّ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى خَلْقِهِ ذِكْرُ اللَّهِ كَثِيراً، ثُمَّ قَالَ : لَا أَعْنِي سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَإِنْ كَانَ مِنْهُ، وَلَكِنْ ذِكْرَ اللَّهِ عِنْدَ مَا أَحَلَّ وَحَرَّمَ، فَإِنْ كَانَ طَاعَةً عَمِلَ بِهَا، وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً تَرَكَهَا»، «الكافي» ج2/80 الحديث 4.
4- (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعيداً وَنَراهُ قَريباً)، «المعارج»: 6 - 7، وعن مولانا السجاد × في دعاء أبي حمزة الثمالي: «وَأَنَ الرَّاحِلَ إِلَيْكَ قَرِيبُ الْمَسَافَةِ وَأَنَّكَ لَا تَحْتَجِبُ عَنْ خَلْقِكَ إِلَّا أَنْ تَحْجُبَهُمُ الْأَعْمَالُ دُونَكَ»، «مصباح المتهجد وسلاح المتعبد» ج 2/583.

الصّلاة وسيلةٌ لتقرّب كلّ إنسان متّقي(1) ومعراج لكلّ مؤمن، وخير عمل لذكر الله(2)، وتكرارها في كلّ يوم والقيام بها خمس وثلاثون مرّةً في الاُسبوع زائداً علی الصّلوات المستحبّة الموجودة في الشريعة يُعتبر طريقاً إلی تحصيل الكمال ورشد العبد الرّوحي.

والصّلاة الّتي يُشترط في صحّتها أن تُؤدّي من بينها بالجماعة هي صلاة الجمعة(3).

من حُسن الحظّ بعد انتصار الثورة الإسلاميّة فی ايران بقيادة آية الله العظمی الإمام الخميني المنقطع النظير في عصر الغيبة قد اندلعت حركة جماهيريّة لإقامة هذه الصّلاة بحيث قال الإمام الخميني قدس سره:

إن لم تخدم الثورة الإسلاميّة بشيء ولم تأت بهديّة إلّا إقامة صلاة الجمعة، فهذه الهديّة كافية للشعب.

هذه الكلمة كاشفة عن الأهميّة البالغة، والتأثير الوافي لهذه الصّلاة في الرشد الروحي، وازدياد البصيرة، وتثبيت روح التقوی، والعمل الصالح، وتنويرالأفكار الجماهيريّة، والوقوف علی أوضاع العالم السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، والحفاظ علی معنويات المسلمين قبال خطط ومكائد أعداء

ص: 19


1- عَنْ مَولانا أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام قَالَ: «الصَّلَاةُ قُرْبَانُ كُلِ تَقِيٍ»، «الكافي» ج3/265 الحديث 6.
2- (أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْري)، «طه»: 14.
3- ففي صحيحة زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ علیه السلام قَالَ: «إِنَّمَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ عَلَى النَّاسِ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ خَمْساً وثَلَاثِينَ صَلَاةً، مِنْهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فَرَضَهَا اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ فِي جَمَاعَةٍ وهِي الْجُمُعَةُ»، الحديث. «من لا يحضره الفقيه» ج1/2 الحديث 1217، «وسائل الشيعة» ج7/295 الحديث 9382.

الإسلام، وإحياء معنويات المسلمين بالعمل بالأوامر الدينيّة(1) لا سيّما ذكر اسم المولی والمقتدی بقيّة الله الأعظم الّذي له دور كبير في عصر الغيبة.

وبعد ارتحال الإمام الخميني قدس سره، خليفته الصالح سماحة آية الله العظمی الإمام الخامنه اي (دام ظلّه العالي) أكد علی رشد الكمّي والكيفي لهذه الفريضة الإلهيّة، بحيث نشاهد اليوم إقامتها في أقصی نقاط بلدنا العزيز، والشعب ينتفعون من بركاتها الوافرة الدنيويّة والاُخرويّة، والفرديّة والاجتماعيّة.

الإسلام ولأجل تنمية مصالح ومنافع الإسلام والمسلمين يؤكّد علی إقامة ثلاثة مراسيم الناصعة؛ أحدها: إقامة صلوات الجماعة اليوميّة في المساجد والمعابد، ثانيها: دعوة النّاس من مسافة ذات فرسخين للاجتماع الاُسبوعي لإقامة صلاة الجمعة العباديّة والسياسيّة، ثالثها: والمهرجان السنويّة الدوليّة لأداء فريضة الحجّ.

كتاب «صلاة الجمعة أحكامها وآدابها وخاتمة في صلاة العيدين» الّذي ألّفه الأخ العزيز، والصديق المكرّم، والفاضل الموقّر، سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الحاج الشيخ محمّد رضا الفقيهي (زيد عزّه العالي) بالجهد الوافر والّذي يحتوي علی إضافات في الطبعة الثانية، قد أدرج فيه زائداً علی حكم صلاة الجمعة الفقهيّة في زمان غيبة المعصوم علیه السلام، ونقل بعض أنظار المتقدّمين والمتأخّرين وبعض معاصري الفقهاء من الفريقين وبصورة الفقه المقارن،وروايات في فضيلة ليلة الجمعة ونهارها، والأعمال المندوبة فيها، بالإضافة إلی البيان الاجتهادي والاستدلال الفقهي لمسائل مرتبطة بها نظير: كيفيّة الخطبة

ص: 20


1- (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اسْتَجيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْييكُمْ)، «الأنفال»: 24.

وشرائطها، والشرائط المتعلّقة بإمام الجمعة ومأموميه ومستمعيه، والرخصة المتعلّقة بالمعذورين عن الحضور، وحكم السفر في يوم الجمعة، والمبادرة إلی صلاة الظهر لمخاطب الجمعة في أوّل وقتها، والوقت المختصّ بإقامة صلاة الجمعة، ووجوب أو استحباب قراءة سور الجمعة والمنافقين فيها، ونوافل الجمعة، وخاتمة حول صلاة العيدين وأحكامها، وحكم ورود العيد والجمعة في يوم واحد، وبعد مطالعتي بعض البحوث المذكورة في الكتاب وجدته مفيداً وقليل النظير والغالي للجمهور بالأخصّ الروحانيين وأئمة الجمعة والجماعات.

آمل الله عزّ وجلّ أن يمنحه ويمنح الأكابر الّذين واسطوا في طريق نقل هذه المعارف من صدر الإسلام إلی الآن إلينا، أجراً جزيلاً، ويوفّقنا في تحصيل رضائه تعالی ودرك إقامة الجمعة والجماعات مع مولانا ومقتدانا بقيّة الله الأعظم أرواحنا فداه، إن شاء الله آمين يا ربّ العالمين.

السيّد ابوالحسن المهدوي

20/5/1397 المطابق 28 ذي قعدة الحرام 1439

ص: 21

صلاة الجمعة رمز السيادة الدينية

إنّ صلاة الجمعة تعدّ رمزاً للسّيادة الدّينية وانعكاساً لالتقاء الدّين مع السياسة، والحاكم الدّيني مكلّفٌ بإقامة هذه الصلاة أو تعيين ممثّلٍ ينوب عنه فيها.

وقبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران فإنّ صلاة الجمعة العبادية السياسية لم تكن تقام وكان النّاس محرومين من فيضها نظراً لعدم توفّر الظروف الملائمة لإقامتها، ولكن ببركة سيادة النظام الإسلامي في بلد القرآن والعترة شهدت إيران الإسلامية إقامة هذه الفريضة المعنوية السياسية واتّسع نطاقها يوماً بعد يوم بفضل جهود الشعب وألطاف الإمام الخميني قدس سره وخلفه الصالح سماحة آية الله العظمی الإمام السّيد علیّ الخامنئي حفظه الله، لدرجة أنّ عدد الأماكن الّتي تقام فيها وصل إلى ما يقارب سبعمائة مكان.

المعاونية الثقافية لمجلس التخطيط والبرمجة لأئمّة الجمعة قامت بإجراء بحوثٍ حول صلاة الجمعة وجعلتها بين يدي أئمّة الجمعة المحترمين وبعض المراكز الثقافية، وذلك بهدف بيان المحاور الفقهية والاجتماعية والسياسية والثقافية لصلاة الجمعة.

عزيزي القارئ، الكتاب الّذي بين يديك يتضمّن نظرةً على الأحكام والآداب الفقهية لصلاة الجمعة حيث تمّ تأليفه وتحقيق أبحاثه باللغة العربية بواسطة سماحة الشيخ محمّد رضا الفقيهي البزشكي المحترم.

ونظراً لأنّ المخاطب الأساسي في هذا الكتاب هم أئمّة الجمعة وعلماء البلاد ورجال الحوزات العلمية، فلم تكن هناك حاجةٌ لترجمة نصوصه إلى اللغة

ص: 22

الفارسية، فقد دوّنه المؤلّف المحترم بأسلوبٍ سليسٍ ورتّبه ترتيباً منطقيّاً وعزّزه باستدلالاتٍ فقهيةٍ تمحورت حول موضوع (صلاة الجمعة أحكامها وآدابها).

نتقدّم بالشكر الجزيل وفائق التقدير للمؤلّف الفاضل سماحة الشيخ محمّد رضا الفقيهي البزشكي، ونهدي هذا الأثر القيّم إلى جميع محبّي العلم والباحثين في الحوزة العلمية وأئمّة الجمعة المحترمين، آملين من الله العلی القدير أن تتزايد الجوانب الكميّة والنوعيّة لصلاة الجمعة في بلادنا يوماً بعد يومٍ وأن يتّسع نطاق هذه القاعدة المعنوية والسياسية.

المعاون الثقافي لمجلس التخطيط والبرمجة لأئمّة الجمعة

ص: 23

الإهداء

أقدّم هذا الأثر المتواضع إلی الصّدّيقة الطاهرة فاطمة الزّهراء علیها السلام، صاحبة المنزلة الرفيعة في الكونين، وسيّدة نساء العالمين(1)، وريحانة خاتم الأنبياء والمرسلين صلی الله علیه و آله و سلم، وزوجة أسد الله الغالب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام، واُمّ الأئمّة الأطهار علیهم السلام ، الّتی جُعلت محبّتها ومحبّة ذريّتها أجراً للرّسالة في القرآن الكريم(2)، وعندما كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يشتاق إلى الجنّة كان يشمّها(3)، ويقول فيها:

ص: 24


1- حكی المجلسي رحمه الله عن «معاني الأخبار»، الْهَمَدَانِيُّ عَنْ عليّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم فِي فَاطِمَةَ أَنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ أَهِيَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِهَا؟ فَقَالَ: «ذَاكَ لِمَرْيَمَ كَانَتْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ عَالَمِهَا، وَفَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ»، راجع: «بحارالأنوار» ج43/26.
2- حكی القندوزي الحنفي عن ابن عباس قال: لمّا نزلت (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) قلنا: يا رسول الله من قرابتك الّذين فرض الله علينا مودّتهم؟ قال صلی الله علیه و آله و سلم: عليٌّ وفاطمة وابناهما - ثلاث مرّات - ، راجع: «ينابيع المودة» ج2/325.
3- حكی المجلسي رحمه الله عن تفسير فرات بن إبراهيم بِإِسْنَادِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ الْيَمَانِيِّ قَالَ: دَخَلَتْ عَائِشَةُ عَلَى النَّبِيِّ صلی الله علیه و آله و سلم وَهُوَ يُقَبِّلُ فَاطِمَةَ علیها السلام، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُقَبِّلُهَا وَ هِيَ ذَاتُ بَعْلٍ؟ فَقَالَ لَهَا: وَسَاقَ حَدِيثَ الْمِعْرَاجِ إِلَى أَنْ قَالَ: «ثُمَّ أَخَذَ جَبْرَئِيلُ علیه السلام بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي الْجَنَّةَ وَأَنَا مَسْرُورٌ، فَإِذَا أَنَا بِشَجَرَةٍ مِنْ نُورٍ مُكَلَّلَةٍ بِالنُّورِ فِي أَصْلِهَا مَلَكَانِ يَطْوِيَانِ الْحُلِيَّ وَالْحُلَلَ ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامِي فَإِذَا أَنَا بِتُفَّاحٍ لَمْ أَرَ تُفَّاحاً هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ فَأَخَذْتُ وَاحِدَةً فَفَلَقْتُهَا فَخَرَجَتْ عَلَيَّ مِنْهَا حَوْرَاءُ كَانَ أَشْفَارُهَا مَقَادِيمُ أَجْنِحَةِ النُّسُورِ، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتِ؟ فَبَكَتْ وَقَالَتْ: لِابْنِكَ الْمَقْتُولِ ظُلْماً الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیه السلام، ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامِي فَإِذَا أَنَا بِرُطَبٍ أَلْيَنَ مِنَ الزُّبْدِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ فَأَخَذْتُ رُطَبَةً فَأَكَلْتُهَا وَأَنَا أَشْتَهِيهَا فَتَحَوَّلَتِ الرُّطَبَةُ نُطْفَةً فِي صُلْبِي، فَلَمَّا هَبَطْتُ إِلَى الْأَرْضِ وَاقَعْتُ خَدِيجَةَ فَحَمَلَتْ بِفَاطِمَةَ، فَفَاطِمَةُ حَوْرَاءُ إِنْسِيَّةٌ، فَإِذَا اشْتَقْتُ إِلَى رَائِحَةِ الْجَنَّةِ شَمِمْتُ رَائِحَةَ ابْنَتِي فَاطِمَةَ علیها سلام»، «بحار الأنوار» ج8/190 الحديث 165.

«فداها أبوها»(1)، وهي المحدّثة الّتي كانت أنيسة أُمّها في الرّحم طليلة حملها(2)، ومخاطبة جبرائيل الأمين بعد فراق أبيها(3)، العزيزة الّتي رفع الرّحمن

ص: 25


1- حكی المجلسي رحمه الله عن ابْنِ شَاهِينَ فِی مَنَاقِبِ فَاطِمَةَ، وَأَحْمَدُ فِی مُسْنَدِ الْأَنْصَارِ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَثَوْبَانَ أَنَّهُمَا قَالَا: كَانَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و آله و سلم يَبْدَأُ فِی سَفَرِهِ بِفَاطِمَةَ وَيَخْتِمُ بِهَا، فَجَعَلَتْ وَقْتاً سِتْراً مِنْ كِسَاءٍ خَيْبَرِيَّةٍ لِقُدُومِ أَبِيهَا وَزَوْجِهَا، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صلی الله علیه و آله و سلم تَجَاوَزَ عَنْهَا وَقَدْ عُرِفَ الْغَضَبُ فِی وَجْهِهِ حَتَّى جَلَسَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، فَنَزَعَتْ قِلَادَتَهَا وَقُرْطَيْهَا وَمَسَكَتَيْهَا وَنَزَعَتِ السِّتْرَ فَبَعَثَتْ بِهِ إِلَى أَبِيهَا وَقَالَتْ: اجْعَلْ هَذَا فِی سَبِيلِ اللَّهِ، فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ: قَدْ فَعَلَتْ فِدَاهَا أَبُوهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، «مَا لِآلِ مُحَمَّدٍ وَلِلدُّنْيَا فَإِنَّهُمْ خُلِقُوا لِلْآخِرَةِ وَخُلِقَتِ الدُّنْيَا لَهُمْ»، «بحارالأنوار» ج43/86.
2- عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیه السلام كَيْفَ كَانَتْ وِلَادَةُ فَاطِمَةَ علیها سلام؟ قَالَ: «نَعَمْ إِنَّ خَدِيجَةَ عَلَيْهَا رِضْوَانُ اللَّهِ لَمَّا تَزَوَّجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم هَجَرَتْهَا نِسْوَةُ مَكَّةَ فَكُنَّ لَا يَدْخُلْنَ عَلَيْهَا وَلَا يُسَلِّمْنَ عَلَيْهَا وَلَا يَتْرُكْنَ امْرَأَةً تَدْخُلُ عَلَيْهَا، فَاسْتَوْحَشَتْ خَدِيجَةُ مِنْ ذَلِكَ فَلَمَّا حَمَلَتْ بِفَاطِمَةَ علیها السلام صَارَتْ تُحَدِّثُهَا فِي بَطْنِهَا وَتُصَبِّرُهَا وَكَانَتْ خَدِيجَةُ تَكْتُمُ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم، فَدَخَلَ يَوْماً وَسَمِعَ خَدِيجَةَ تُحَدِّثُ فَاطِمَةَ فَقَالَ لَهَا: يَا خَدِيجَةُ مَنْ يُحَدِّثُكِ؟ قَالَتِ: الْجَنِينُ الَّذِی فِي بَطْنِي يُحَدِّثُنِي وَيُؤْنِسُنِي، فَقَالَ لَهَا: هَذَا جَبْرَئِيلُ يُبَشِّرُنِي أَنَّهَا أُنْثَى وَأَنَّهَا النَّسَمَةُ الطَّاهِرَةُ الْمَيْمُونَةُ وَأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَيَجْعَلُ نَسْلِي مِنْهَا وَسَيَجْعَلُ مِنْ نَسْلِهَا أَئِمَّةً فِی الْأُمَّةِ يَجْعَلُهُمْ خُلَفَاءَهُ فِي أَرْضِهِ بَعْدَ انْقِضَاء»، «بحارالأنوار» ج16/80.
3- صحيحة عليّ ابْنِ رِئَابٍ الكوفي عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الْجَفْرِ؟ فَقَالَ: «هُوَ جِلْدُ ثَوْرٍ مَمْلُوءٌ عِلْماً، قَالَ لَهُ: فَالْجَامِعَةُ؟ قَالَ: تِلْكَ صَحِيفَةٌ طُولُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فِی عَرْضِ الْأَدِيمِ مِثْلُ فَخِذِ الْفَالِجِ، فِيهَا كُلُّ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ وَلَيْسَ مِنْ قَضِيَّةٍ إِلَّا وَهِي فِيهَا حَتَّى أَرْشُ الْخَدْشِ، قَالَ: فَمُصْحَفُ فَاطِمَةَ علیها سلام؟ قَالَ: فَسَكَتَ طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَبْحَثُونَ عَمَّا تُرِيدُونَ وَعَمَّا لَا تُرِيدُونَ، إِنَّ فَاطِمَةَ مَكَثَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم خَمْسَةً وَسَبْعِينَ يَوْماً وَكَانَ دَخَلَهَا حُزْنٌ شَدِيدٌ عَلَى أَبِيهَا وَكَانَ جَبْرَئِيلُ علیه السلام يَأْتِيهَا فَيُحْسِنُ عَزَاءَهَا عَلَى أَبِيهَا وَيُطَيِّبُ نَفْسَهَا وَيُخْبِرُهَا عَنْ أَبِيهَا وَمَكَانِهِ، وَيُخْبِرُهَا بِمَا يَكُونُ بَعْدَهَا فِی ذُرِّيَّتِهَا وَكَانَ عَلِيٌّ علیه السلام يَكْتُبُ ذَلِكَ فَهَذَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ علیها سلام»، «الكافي» ج1/241 الحديث 5، «بحارالأنوار» ج26/41 الحديث 72.

السّماوات، وبسط الأرض، وخلق الشّمس والقمر المنيرين، والبحار والكون برمّته لمحبّتها ومحبّة أبيها وزوجها وذريّتها الطّاهرة(1).

أقدّم هذا الجهد المتواضع إلی مقام المحدّثة الّتي يعجز الخلق عن معرفتها كما عجزوا عن معرفة ليلة القدر(2)، والّتي كانت فخر الأئمّة(3)، والكفؤ الوحيد

ص: 26


1- في الحديث الكساء: «فقال اللّه عزّ وجلّ: يا ملائكتی ويا سكّان سمواتی، إنّی ما خلقت سماء مبنيّة ولا أرضا مدحيّة، ولا قمراً منيراً، ولا شمساً مضيئة، ولا فلكاً يدور، ولا بحراً يجری، ولا فلكاً تسری إلّا فی محبّة هؤلاء الخمسة الّذين هم تحت الكساء، فقال الأمين جبرائيل: يا ربّ ومن تحت الكساء؟ فقال عزّ وجلّ: هم أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة، وهم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها، فقال جبرائيل: يا ربّ أ تأذن لی أن أهبط إلى الأرض لأكون معهم سادساً؟ فقال اللّه: نعم قد أذنت لك»، الحديث، «عوالم العلوم والمعارف والأقوال من الآيات والأخبار والأقوال» ج11/933 للشيخ البحرانی الإصفهانی (م قرن 12 ه- )
2- حكی المجلسي رحمه الله عن «تفسير فرات بن إبراهيم» أنّ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدٍ روی مُعَنْعَناً عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: «(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِی لَيْلَةِ الْقَدْرِ) اللَّيْلَةُ فَاطِمَةُ، وَالْقَدْرُ اللَّهُ، فَمَنْ عَرَفَ فَاطِمَةَ حَقَّ مَعْرِفَتِهَا فَقَدْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةَ لِأَنَّ الْخَلْقَ فُطِمُوا عَنْ مَعْرِفَتِهَا»، «بحارالأنوار» ج43/66.
3- في التوقيع الشريف عن مولانا صاحب الزمان عج الله تعالی فرجه الشریف: «وَفِي ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ لِي أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»، «كتاب الغيبة للحجة للشيخ الطوسي» ص 286، «بحار الأنوار» ج53/180.

لمولانا عليّ بن أبي طالب علیه سلام (1)، والّتي كان غضبها غضب الرّب ورضاها رضاه(2).

ص: 27


1- روی الْمُفَضَّلُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «لَوْ لَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَكُنْ لِفَاطِمَةَ كُفْوٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ»، راجع: «بحار الأنوار» ج43/107.
2- حكی القندوزي الحنفي عن عليّ علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «يَا فاطمة إنّ الله يغضب لغضبك، ويرضی لرضاك»، «ينابيع المودة» ج2/57.

التصدیر

إنّ صلاة الجمعة في الحقيقة هي من أحسن البركات الباقية للثورة الإسلاميّة الإيرانيّة، حيث أحياها إمام الاُمّة الخميني الكبير قدس سره، الّذي يعدّ معمار هذه الثّورة ومؤسّسها، كما أنّ قائد الثّورة آية الله العظمی الإمام الخامنه ای دام ظلّه العالي يُؤكد باستمرار علی ضرورة إقامة هذه الصّلاة المباركة علی أفضل وجهٍ.

بما أنّ من سنّ سنّة حسنة فهو يُشارك الّذين يعملون بها في الثواب إلی يوم القيامة(1)،

فإمام الاُمّة بكلّ تأكيد شريك في ثواب إقامة صلاة الجمعة مع سائر بركات هذه الثّورة، وكذلك فإنّ ثوابها يعمّ جميع القائمين عليها.

تتجلّی لنا أهميّة هذه الصلاة الّتي لا بديل لها وندرك أبعادها السّياسية والاجتماعيّة، عند التأمّل بمضامين الخُطب الّتي تشتمل الحمد الله تبارك وتعالی والثّناء عليه، والصّلاة علی رسوله الأعظم وأوصيائه الطّاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، وكذلك النّصيحة بتقوی الله، والموعظة للمؤمنين والاستغفار لهم، وبيان ما يُصلح الدّين والدّنيا وما يُفسدهما، وبيان أوضاع المسلمين بالشّرح والتّحليل.

ص: 28


1- إشارةٌ إلی الرِّواية النَّبويَّة صلی الله علیه و آله و سلم: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَة فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَیْ ءٌ»، «الكافی» ج5/9 الحديث 1، «التهذيب» ج 6/124 الحديث 1، «وسائل الشِّيعة» ج15/24 الحديث 19937

ومن مميّزات هذه الصّلاة أنّها تنتهي بقراءة سورة من السور الصغيرة في القرآن، وتقام جماعةً باتّفاق الفريقينعلی خلاف سائر الصّلوات الاُخری، وأيضاً لهذه الصّلوة دورٌ مشهودٌ بعد انتصار الثّورة الإسلاميّة في 22 من بهمن سنة 1357 ه- ش، ولا سيّما في سنوات الدّفاع المقدّس الثمانية تحت ظلّ القيادة الحكمية لإمام الاُمّة قدس سره حيث لعبت دوراً هامّاً في تعبئة الجماهير وتنوير الأفكار حول الحرب المفروضة وبيان مصالح البلد والعالم، وافشال مكائد أعداء الإسلام ومخطّطاتهم وعلی رأسهم الشّيطان الأكبر آمريكا الخبيثة.

إنّ الإمام الرّاحل قدس سره قد وجّه هذا الخطاب إلی أئمّة الجمعة في جميع محافظات ايران:

إنّ صلاة الجمعة الّتي كانت منبوذةً بيننا هي إحدى الإنجازات الهامّة للثّورة الإسلاميَّة، حيث كانت تقام غالباً تحت إشراف السُّلطات الغاشمة بين أهل السُّنَّة، لكن الآن وبحمد لله فقد أصبحت تُقام بمضمونها الحقيقي بعد هذه النّهضة، ويجب علی جميع الحاضرين إرشاد النّاس إلى أهميّتها وإبلاغهم بأنّها تحتلّ مكانةً ساميةً بالنّسبة إلی سائر الاُمور، وأيضاً يجب أن توصّوا النَّاس بالاجتماع حتّی تبقی محفوظةً للأجيال اللاحقة من الخلل والآفات(1).

أمّا قائد الثّورة الإسلاميّة سماحة آية الله العظمی الخامنئي دام ظلّه العالی في أوائل العشرة الثّانية من انتصار الثّورة الإسلاميّة أشار أيضاً إلی مكانة صلاة الجمعة المرموقة، وقال:

ص: 29


1- راجع: «صحيفه ی نور» ج18/151

كان الشّعب الإيراني محروماً من هذه النّعمة، والثّورة الإسلاميّة قد مَنحَتهُم صلاة الجمعة، وطوال هذه السّنوات الاثنتي عشرة فإنّ صلاة الجمعة قد لعبت دوراً كبيراً في تقدّم هذا الشّعب ونجاحه وتعبئة القوی وتهذيب النفس وهداية النّاس سياسياً ودينياً(1).

ومن هذا المنطلق يجب علی جميع أبناء الاُمّة الإسلاميّة أن يستعرضوا قدرة الإسلام الواقعيّة إلی أعداء الإسلام بحضورهم في صلاة الجمعة وأن يزرعوا اليأس في صفوفهم كي نشاهد تنامی جبهة الإسلام والمسلمين كما نشاهده اليوم في ليبيا ومصر والبحرين وتونس واليمن والحجاز، وحتّى نری الصّحوة الإسلاميّة النابعة من صلاة الجمعة.

نعم، لو أنّ المسلمين بأجمعهم - غير ذوي الأعذار منهم - يقومون بأداء واجبهم العيني في الجمعة ويتسابقون لحضورها وإقامتها كالسّيول العارمة، فسوف تظهر أُبّهة الإسلام العظيمة وسيحلّ اليأس والإحباط في نفوس الأعداء والظّالمين ولا يفكّرون أبداً بالاستيلاء علی ثروات البلاد الإسلاميّة أو التسلّط عليهم.

ما سنعرضه للقرّاء الكرام في هذا الكتاب عبارةٌ عن مجموعة من المباحث الفقهيّة والرّوائيّة حول أحكام صلاة الجمعة في زمن غيبة إمام العصرأ وبيان بعض فروعها ومسائلها الفقهيّة الّتي يُبتلی النّاس بها، وكذا سنذكر شرحاً لبعض آدابها وسُننها، وسنتطرّق في الختام إلى مسائل حول صلاة عيدي الفطر والأضحی، وهدفنا في طرح المباحث هو أن نقارن آراءنا مع آراء أهل السّنّة

ص: 30


1- راجع: «حديث ولايت» ج6، مكتب السّيد القائد.

والجماعة ونطرح البحث بصورة مقارنة بين فقه الإماميّة والمذاهب الأربعة لإثراء البحث.

والدافع من تدوين هذا البحث بالعربيّة هو تقديم خدمة للقرّاء الكرام من رجال الدين وأئمّة الجمعة.

نأمل أن ينال هذا الجهد المتواضع رضا الرّب والأئمَّة الطّاهرين علیهم السلام وأن يؤدّي إلی زيادة اهتمام الجماهير الشّعبيّة بصلاة الجمعة.

وفي الختام أقدّم اعتذاري للقرّاء الأعزّاء إن وجد خطأ أو سهوٌ، وأرجو منهم إعلامي بذلك لكي يتمّ تنقيح الكتاب على أفضل وجه.

محمّدرضا الفقيهي البزشكي

قم المقدسة - جمادی الاُولی 1432 ه-

09134111843

ص: 31

أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم

بسم الله الرّحمن الرحيم

الحمد لله الّذي جعل صلاة الجمعة حجّ المساكين(1)، وبالسّعي

إلی ذكره وقت ندائها أمر المؤمنين(2)، وجعلتاركها ثلاث جمع

بغير علّة منالمنافقين(3)، والصّلاة والسّلام علی من جعلها

فريضة واجبة إلی يوم الدّين(4)،محمّد صلی الله علیه و آله و سلم سيّد النّبيين والمرسلين وعلی آله وأهل بيته اُمناء الدّين.

ص: 32


1- في خبر عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ علیه السلام قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِي صلی الله علیه و آله و سلم يُقَالُ لَهُ قُلَيْبٌ، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي تَهَيَّأْتُ إِلَى الْحَجِّ كَذَا وَكَذَا مَرَّةً فَمَا قُدِّرَ لِي، فَقَالَ لَهُ: يَا قُلَيْبُ عَلَيْكَ بِالْجُمُعَةِ، فَإِنَّهَا حَجُّ الْمَسَاكِينِ»، «التهذيب» ج3/236 الحديث علیه السلام، «وسائل الشيعة» ج7/300 الحديث 9398.
2- قال الله تبارك وتعالی: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، «الجمعة»: 9/554.
3- روی الشَّهِيد الثَّانِي فِی «رِسَالَةِ الْجُمُعَةِ» قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و آله و سلم: «مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ مُتَعَمِّداً مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ بِخَاتَمِ النِّفَاقِ»، «رسائل الشهيد الثاني» ج1/181، «وسائل الشيعة» ج7/302 الحديث 9407.
4- المرفوعة الّتي رواها المحقق الحلّي رحمه الله عَنِ النَّبِيِّ صلی الله علیه و آله و سلم: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْجُمُعَةَ فَرِيضَةً وَاجِبَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، «المعتبر فی شرح المختصر» ج2/277، «وسائل الشيعة» ج 7/301 الحديث 9403.

نتطرّق في هذا البحث المختصر إلى بيان أحكام صلاة الجمعة في زمن غيبة الإمام المعصوم علیه السلام، وفي خاتمته نذكر أحكام صلاة العيدين بصورة الفقه المقارن على أساس المباني الاستدلالية في فقه الإماميّة.

وقبل أن نبحث في أحكام صلاة الجمعة في الفقه والسّنة وذكر ما يتعلّق بها من فروع ومسائل فقهيّة، نذكر بعض الأخبار والرّوايات المنقولة عن النّبيّالأكرم صلی الله علیه و آله و سلم والأئمة الطّاهرين علیهم السلام في فضل يوم الجمعة وليلتها تبرّكاً وتيمّناً بها، ونبوّبها في اثني عشر عنواناً ضمن الفصل الأوّل من الكتاب.

❊ ❊ ❊

ص: 33

الفصل الأوّل: الأخبار والرّوايات المنقولة في فضل يوم الجُمعة وليلتها

اشارة

ص: 34

ص: 35

هناك فضائل عظيمة ليوم الجمعة وليلتها، نذكر جانباً منها فيما يلي:

أوّلاً: خيرة الله من بين الأيّام.

1 - صحيحة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أنّه قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَ مِنْ كُلِّ شي ء شَيْئاً، فَاخْتَارَ مِنَ الْأَيَّامِ يَوْمَ الْجُمُعَة».(1)

2 - موثقة أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ آبَائِهِ :عن رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم قالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ اخْتَارَ مِنَ الْأَيَّامِ الْجُمُعَةَ، ومِنَ الشُّهُورِ شَهْرَ رَمَضَانَ، ومِنَ اللَّيَالِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ، واخْتَارَنِي عَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ، واخْتَارَ مِنِّي عَلِيّاً وفَضَّلَهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَوْصِيَاءِ» إلى آخر الحديث، وفِيهِ نَصٌّ عَلَى الْأَئِمَّةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ :(2).

ثانياً: سيّد الْأيّام.

1 - موثقة ابْنِ أَبي نَصْرٍ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ الرِّضَا علیه سلام عن رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم أنّه قال: «إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الْأَيَّامِ يُضَاعِفُ اللَّهُ فِيهِ الْحَسَنَاتِ، ويَمْحُو فِيهِ السَّيِّئَاتِ، ويَرْفَعُ فِيهِ الدَّرَجَاتِ، ويَسْتَجِيبُ فِيهِ الدَّعَوَاتِ، وتُكْشَفُ فِيهِ الْكُرُبَاتُ، وتُقْضَى فِيهِ الْحَوَائِجُ الْعِظَامُ، وهُو يَوْمُ الْمَزِيدِ لِلَّهِ فِيهِ عُتَقَاءُ وطُلَقَاءُ مِنَ النَّارِ، مَا دَعَا بِهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وعَرَفَ حَقَّهُ وحُرْمَتَهُ إِلَّا كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ أَنْ يَجْعَلَهُ مِنْ عُتَقَائِهِ وطُلَقَائِهِ

ص: 36


1- «الكافی» ج3/413 الحديث 3، «التهذيب» ج3/4 الحديث 10، «وسائل الشيعة» ج7/375 الحديث 9618.
2- «كمال الدين وتمام النعمة» ج1/281 الحديث 32، «وسائل الشيعة» ج7/381 الحديث 9636.

مِنَ النَّارِ، فَإِنْ مَاتَ في يَوْمِهِ أَو لَيْلَتِهِ مَاتَ شَهِيداً وبُعِثَ آمِناً، ومَا اسْتَخَفَّ أَحَدٌ بِحُرْمَتِهِ وضَيَّعَ حَقَّهُ إِلَّا كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ أَنْ يُصْلِيَهُ نَارَ جَهَنَّمَ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ»(1).

2 - صحيحة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «فَضَّلَ اللَّهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْأَيَّامِ، وَإِنَّ الْجِنَانَ لَتُزَخْرَفُ وَتُزَيَّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِمَنْ أَتَاهَا، وَإِنَّكُمْ تَتَسَابَقُونَ إِلَى الْجَنَّةِ عَلَى قَدْرِ سَبْقِكُمْ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَإِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ لَتُفَتَّحُ لِصُعُودِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ»(2).

3 - روی ابن عمر عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «سَيِّدُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ أَبُوكُم، وَفِيهِ دَخَلَ آدَمُ أَبُوكُم الْجَنَّةَ، وَفِيهِ خَرَجَ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَة»(3).

ثالثاً: يوم المزيد

ثالثاً: يوم المزيد(4).

1 - روی أبو محمد جعفر بن أحمد بن علي القمّي في كتاب «العروس» مرفوعاً عَنْ الإمام عَلِيٍّ علیه سلام أنّه قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم إِذْ جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ واُمِّي أَخْبِرْنِي عَنْ يَوْمِ الْأَحَدِ كَيْفَ سُمِّيَ يَوْمَ الْأَحَدِ؟ (إِلَى أَنْ قَالَ:) بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم وقَالَ: سَأَلْتَنِي عَنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم تُسَمِّيهِ الْمَلَائِكَةُ في السَّمَاءِ يَوْمَ الْمَزِيدِ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمٌ خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ علیه السلام، يَوْمُ الْجُمُعَةِ نَفَخَ اللَّهُ في

ص: 37


1- «الكافي» ج3/414 الحديث 5، «التهذيب» ج3/2 الحديث 2، «وسائل الشيعة» ج7/376 الحديث 9621.
2- «الكافي» ج3/415 الحديث صلی الله علیه و آله و سلم، «وسائل الشيعة» ج7/385 الحديث 9648.
3- «كنز العمال» ج7/716 الخبر 21067.
4- «الكافي» ج3/414 الحديث 5، «التهذيب» ج3/2 الحديث 2، «وسائل الشيعة» ج7/376 الحديث 9621.

آدَمَ الرُّوحَ، يَوْمُ الْجُمُعَةِيَوْمٌ أَسْكَنَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ الْجَنَّةَ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمٌ أَسْجَدَ اللَّهُ مَلَائِكَتَهُ لآِدَمَ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمٌ جَمَعَ اللَّهُ فِيهِ لآِدَمَ حَوَّاءَ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمٌ قَالَ اللَّهُ لِلنَّارِ: (كُونِی بَرْداً وسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ)، يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمٌ اسْتُجِيبَ فِيهِ دُعَاءُ يَعْقُوبَ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمٌ غَفَرَ اللَّهُ فِيهِ ذَنْبَ آدَمَ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمٌ كَشَفَ اللَّهُ فِيهِ الْبَلَاءَ عَنْ أَيُّوبَ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمٌ فَدَى اللَّهُ فِيهِ إِسْمَاعِيلَ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمٌ خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ السَّمَاوَاتِ والْأَرْضَ ومَا بَيْنَهُمَا، يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمٌ يُتَخَوَّفُ فِيهِ الْهَوْلُ وشِدَّةُ الْقِيَامَةِ والْفَزَعُ الْأَكْبَرُ»(1).

رابعاً: يوم الشّاهد.

1 - صحيحة دَاوُودَ بْنِ سِرْحَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام في معنَى قَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: (وشاهِدٍ ومَشْهُودٍ) قَالَ: «الشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ»(2).

2 - صحيحة الْبَزَنْطِيِّ عَنْ مُفَضَّلٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیه السلام أنّه قَالَ: «إِذَا كَانَ حَيْثُ يَبْعَثُ اللَّهُ الْعِبَادَ أُتِیَ بِالْأَيَّامِ يَعْرِفُهَا الْخَلَائِقُ بِاسْمِهَا وحِلْيَتِهَا، يَقْدُمُهَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ لَهُ نُورٌ سَاطِعٌ يَتْبَعُهُ سَائِرُ الْأَيَّامِ كَأَنَّهَا عَرُوسٌ كَرِيمَةٌ ذَاتُ وَقَارٍ تُهْدَى إِلَى ذِي حِلْمٍ ويَسَارٍ، ثُمَّ يَكُونُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ شَاهِداً وحَافِظاً لِمَنْ سَارَعَ إِلَى الْجُمُعَةِ، ثُمَّ يَدْخُلُ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى الْجَنَّةِ عَلَى قَدْرِ سَبْقِهِمْ إِلَى الْجُمُعَةِ»(3).

ص: 38


1- راجع: «مستدرك الوسائل» ج6/58 - 59 الحديث 6423.
2- «من لايحضره الفقيه» ج1/272 الحديث 1242، «وسائل الشيعة» ج7/378 الحديث 9627.
3- «أمالي الصدوق» 324 الحديث 7، «وسائل الشيعة» ج7/385 الحديث 9649.

3 - روی أبو هريرة عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «أَفْضَلُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ شاهِدٌ، وَالْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالْيَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ»(1).

خامساً: أفضل الأعياد بعد غدير خمّ.

1 - صحيحة أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام يَقُولُ: «مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ بِيَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ»(2).

2 - رُوي عَن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم قَوله: «الْجُمُعَةُ سَيِّدُ الْأَيَّامِ وأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وهُو أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ ويَوْمِ الْأَضْحَى»(3).

3 - خبر يَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى علیه السلام في حَدِيثٍ طَوِيلٍ أنّه قَالَ: «وأَمَّا الْيَوْمُ الّذي حَمَلَتْ فِيهِ مَرْيَمُ فَهُو يَوْمُ الْجُمُعَةِ لِلزَّوَالِ، وهُو الْيَوْمُ الّذي هَبَطَ فِيهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، ولَيْسَ لِلْمُسْلِمِينَ عِيدٌ كَانَ أَوْلَى مِنْهُ، عَظَّمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى وعَظَّمَهُ مُحَمَّدٌ صلی الله علیه و آله و سلم فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عِيداً فَهُو يَوْمُ الْجُمُعَةِ»(4).

4 - صحيحة ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أنّه قَالَ: «السَّبْتُ لَنَا والْأَحَدُ لِشِيعَتِنَا والْإِثْنَيْنِ لِأَعْدَائِنَا والثَّلَاثَاءُ لِبَنِي أُمَيَّةَ والْأَرْبِعَاءُ يَوْمُ شُرْبِ الدَّوَاءِ والْخَمِيسُ تُقْضَى فِيهِ الْحَوَائِجُ، والْجُمُعَةُ لِلتَّنْظِيفِ والتَّطَيُّبِ وهُو عِيدٌ لِلْمُسْلِمِينَ وهُو أَفْضَلُ مِنَ الْفِطْرِ والْأَضْحَى، ويَوْمُ غَدِيرِ خُمٍّ أَفْضَلُ الْأَعْيَادِ وهُو الثَّامِنَ

ص: 39


1- «كنز العمال» ج7/716 الخبر 21065.
2- «الكافي» ج3/413 الحديث 1، «التهذيب» ج3/2 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج7/375 الحديث 9619.
3- «عدة الداعي» ص: 46، «وسائل الشيعة» ج7/381 الحديث 9639.
4- «الكافي» ج1/400 الحديث 4، «وسائل الشيعة» ج7/376 الحديث 9622.

عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، ويَخْرُجُ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وتَقُومُ الْقِيَامَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ومَا مِنْ عَمَلٍ أَفْضَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ»(1).5 - مرفوعة الصَّدُوق قال: خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام في الْجُمُعَةِ فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَلِيِّ الْحَمِيدِ، (إِلَى أَنْ قَالَ:) أَلَا إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ لَكُمْ عِيداً وهُو سَيِّدُ أَيَّامِكُمْ وأَفْضَلُ أَعْيَادِكُمْ، وقَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ في كِتَابِهِ بِالسَّعْيِ فِيهِ إِلَى ذِكْرِهِ، فَلْتَعْظُمْ رَغْبَتُكُمْ فِيهِ، ولْتَخْلُصْ نِيَّتُكُمْ فِيهِ، وأَكْثِرُوا فِيهِ التَّضَرُّعَ والدُّعَاءَ ومَسْأَلَةَ الرَّحْمَةِ والْغُفْرَانِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ يَسْتَجِيبُ لِكُلِّ مَنْ دَعَاهُ، ويُورِدُ النَّارَ مَنْ عَصَاهُ وكُلَّ مُسْتَكْبِرٍ عَنْ عِبَادَتِهِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ)، وفِيهِ سَاعَةٌ مُبَارَكَةٌ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ فِيهَا شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاهُ»(2).

6 - روی أنس عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «لَيْسَ مِن أَعْيَادِ اُمَّتِي عِيدٌ أَفْضَل مِن يَوْمِ الْجُمُعَة، وَرَكْعَتَانِ في يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ مِن أَلْفِ رَكْعَةٍ في غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَة، وَتَسْبِيحَةٌ في يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ مِن أَلْفَ تَسْبِيحَةٍ في غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَة»(3).

سادساً: يوم الرّحمة والمغفرة.

1 - صحيحة الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «مَنْ وَافَقَ مِنْكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلَا يَشْتَغِلَنَّ بِشيء غَيْرِ الْعِبَادَةِ، فَإِنَّ فِيهِ يُغْفَرُ لِلْعِبَادِ، وتَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الرَّحْمَةُ»(4).

ص: 40


1- «الخصال» ج2/394 الحديث 101، «وسائل الشيعة» ج7/380 الحديث 9635.
2- «من لايحضره الفقيه» ج1/275 الحديث 1262، «وسائل الشيعة» ج7/379 الحديث 9629.
3- «كنز العّمال» ج7/719 الخبر 21079.
4- «من لايحضره الفقيه» ج1/272 الحديث 1243، «وسائل الشيعة» ج7/378 الحديث 9628.

2 - صحيحة الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام أنَّه قَالَ: «لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ لَيْلَةٌ غَرَّاءُ، ويَوْمُهَا يَوْمٌ أَزْهَرُ، ومَنْ مَاتَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ كُتِبَ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ، ومَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كُتِبَ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ»(1).

3 - صحيحة جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیه سلام أنّه قَالَ: سُئِلَ عَنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ولَيْلَتِهَا، فَقَالَ: «لَيْلَتُهَا لَيْلَةٌ غَرَّاءُ ويَوْمُهَا يَوْمٌ زَاهِرٌ، ولَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ يَوْمٌ تَغْرُبُ فِيهِ الشَّمْسُ أَكْثَرَ مُعَافَى مِنَ النَّارِ، مَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَارِفاً بِحَقِّ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ كُتِبَ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ وبَرَاءَةٌ مِنَ الْعَذَابِ، ومَنْ مَاتَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أُعْتِقَ مِنَ النَّارِ»(2).

4 - مرسلة إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْبِلَادِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وأَبِي عَبْدِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم أنّهما قَالا: «مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ بِيَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وإِنَّ كَلَامَ الطَّيْرِ فِيهِ إِذَا لَقِيَ بَعْضُهَا بَعْضاً سَلَامٌ سَلَامٌ يَوْمٌ صَالِحٌ»(3).

5 - ما رواه الشيخ المفيد رحمه الله في كتاب «الاختصاص» عن علي بن مهزيار مرفوعاً عَنْ أَبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أنّه قَالَ: «مَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَارِفاً بِحَقِّنَا عَتَقَ مِنَ النَّارِ، وكُتِبَ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ»(4).

ص: 41


1- «من لايحضره الفقيه» ج1/272 الحديث 1244، «وسائل الشيعة» ج7/379 الحديث 9630.
2- «الكافي» ج3/415 الحديث 8، «وسائل الشيعة» ج7/377 الحديث 9623.
3- «الكافي» ج3/415 الحديث 11، «التهذيب» ج3/4 الحديث 7، «وسائل الشيعة» ج 7/377 الحديث 9625.
4- «الاختصاص» ص 130، «مستدرك الوسائل» ج6/65 الحديث 6443.

6 - خبر أَنَسٍ عَنِ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أنّه قَالَ: «إِنَّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ويَوْمَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعٌ وعِشْرُونَ سَاعَةً، لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ في كُلِّ سَاعَةٍ سِتُّمِائَةِ أَلْفِ عَتِيقٍ مِنَ النَّارِ»(1)

7 - خبر مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ عَن الإمامِ الرِّضَا علیه سلام أنّه قَالَ: «إِذَا رَكَدَتِ الشَّمْسُ عَذَّبَ اللَّهُ أَرْوَاحَ الْمُشْرِكِينَ بِرُكُودِ الشَّمْسِ سَاعَةً، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لَا يَكُونُ لِلشَّمْسِ رُكُودٌ رَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ لِفَضْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ»(2).

8 - روی ابن عمر عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلّا وَقاهُ اللَّهُ تَعَالی فِتْنَةَ الْقَبْر»(3).

سابعاً: يوم استجابة الدّعوات وتضاعف الحسنات.

1 - صحيحة هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أنّه قالَ في الرَّجُلِ الّذي يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ شَيْئاً مِنَ الْخَيْرِ مِثْلَ الصَّدَقَةِ والصَّوْمِ: «يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّ الْعَمَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يُضَاعَفُ»(4).

2 - خبر جَابِر عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام أنّه قَالَ: «الْخَيْرُ والشَّرُّ يُضَاعَفُ في يَوْمِ الْجُمُعَةِ»(5).

ص: 42


1- «وسائل الشيعة» ج7/380 الحديث 9634، «الخصال» ج2/392 الحديث 93. وقريب منها ما رواه عن أنس فی «كنز العمّال» ج7/719 الخبر 21080.
2- «الكافي» ج3/416 الحديث 14، «وسائل الشيعة» ج7/378 الحديث 9626.
3- «كنز العمّال» ج7/709 الخبر 21045.
4- «من لا يحضره الفقيه» ج1/272 الحديث 1245، «وسائل الشيعة» ج7/379 الحديث 9631.
5- «ثواب الأعمال» 171 الحديث 22، «وسائل الشيعة» ج7/380 الحديث 9632.

3 - صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام في معنَى قَوْلِ يَعْقُوبَ لِبَنِيهِ: (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّی) أنّه قَالَ: «أَخَّرَهُمْ إِلَى السَّحَرِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ»(1).

4 - صحيحة عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أبي مَحْمُودٍ أنّه قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا علیه السلام: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، مَا تَقُولُ في الْحَدِيثِ الّذي يَرْوِيهِ النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى يَنْزِلُ في كُلِّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا»؟ فَقَالَ علیه السلام: «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَرِّفِينَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ؛ واللَّهِ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم ذَلِكَ، إِنَّمَا قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى يُنْزِلُ مَلَكاً إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ في الثُّلُثِ الْأَخِيرِ، ولَيْلَةَ الْجُمُعَةِ في أَوَّلِ اللَّيْلِ، فَيَأْمُرُهُ فَيُنَادِي: هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَاُعْطِيَهُ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ يَا طَالِبَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ ويَا طَالِبَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، فَلَا يَزَالُ يُنَادِي بِهَذَا حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ عَادَ إِلَى مَحَلِّهِ مِنْ مَلَكُوتِ السَّمَاءِ. حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أبي عَنْ جَدِّي عَنْ آبَائِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم »(2).

5 - عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ في تَفْسِيرِهِ صحيحاً عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أنّه قَالَ: «إِنَّ الرَّبَّ تَعَالَى يُنْزِلُ أَمْرَهُ كُلَّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وفِي كُلِّ لَيْلَةٍ في الثُّلُثِ الْأَخِيرِ، وأَمَامَهُ مَلَكَانِ فَيُنَادِي: هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَيُتَابَ عَلَيْهِ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَيُغْفَرَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَيُعْطَى سُؤْلَهُ؟ اللَّهُمَّ أَعْطِ كُلَّ مُنْفِقٍ خَلَفاً، وكُلَّ مُمْسِكٍ تَلَفاً، إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ عَادَ أَمْرُ الرَّبِّ إِلَى عَرْشِهِ

ص: 43


1- «من لا يحضره الفقيه» ج1/272 الحديث 1240، «وسائل الشيعة» ج7/389 الحديث 9659.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج1/271 الحديث 1238، «وسائل الشيعة» ج7/388 الحديث 9658.

يُقَسِّمُ الْأَرْزَاقَ بَيْنَ الْعِبَادِ. ثُمَّ قَالَ لِلْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ: يَا فُضَيْلُ نَصِيبَكَ مِنْ ذَلِكَ وهُو قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: (ومَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شيء فَهُو يُخْلِفُهُ)»(1).

6 - صحيحة أَبی بَصِيرٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيُنَادِي كُلَّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى آخِرِهِ: أَ لَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُونِيلآِخِرَتِهِ وَدُنْيَاهُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأُجِيبَهُ؟ أَ لَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَتُوبُ إِلَيَّ مِنْ ذُنُوبِهِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟ أَ لَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ قَدْ قَتَّرْتُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ يَسْأَلُنِي الزِّيَادَةَ في رِزْقِهِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأُوَسِّعَ عَلَيْهِ؟ أَ لَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ سَقِيمٌ يَسْأَلُنِي أَنْ أَشْفِيَهُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأُعَافِيَهُ؟ أَ لَا عَبْدُ مُؤْمِنٌ مَحْبُوسٌ مَغْمُومٌ يَسْأَلُنِي أَنْ أُطْلِقَهُ مِنْ حَبْسِهِ فَأُخَلِّيَ سَرْبَهُ؟ أَلَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ مَظْلُومٌ يَسْأَلُنِي أَنْ آخُذَ لَهُ بِظُلَامَتِهِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأَنْتَصِرَ لَهُ وَآخُذَ لَهُ بِظُلَامَتِهِ؟ قَالَ: فَمَا يَزَالُ يُنَادِي بِهَذَا حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ»(2).

7 - صحيحة محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه عَنْ أَحَدِهِمَا صلی الله علیه و آله و سلم أنّه قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ لَيَسْأَلُ اللَّهَ الْحَاجَةَ فَيُؤَخِّرُ اللَّهُ قَضَاءَ حَاجَتِهِ الّتي سَأَلَ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِيَخُصَّهُ بِفَضْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ»(3).

8 - صحيحة أَبَانٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه سلام أنّه قَالَ: «إِنَّ لِلْجُمُعَةِ حَقّاً وحُرْمَةً، فَإِيَّاكَ أَنْ تُضَيِّعَ أَوتُقَصِّرَ في شَيْ ءٍ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ والتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ وتَرْكِ الْمَحَارِمِ

ص: 44


1- «تفسير القمّي» ج2/204، «وسائل الشيعة» ج7/391 الحديث 9663.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج1/420 الحديث 1239. ومثله ما رواه فی «مستدرك الوسائل» ج6/73 الحديث 6469، إلّا أنّ فيه: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيَأْمُرُ مَلَكاً فَيُنَادي كُلَّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى آخِرِه»، الحديث.
3- «من لا يحضره الفقيه» ج1/272 الحديث 1241، «وسائل الشيعة» ج7/390 الحديث 9661.

كُلِّهَا، فَإِنَّ اللَّهَ يُضَاعِفُ فِيهِ الْحَسَنَاتِ، ويَمْحُو فِيهِ السَّيِّئَاتِ، ويَرْفَعُ فِيهِ الدَّرَجَاتِ، قَالَ: وذَكَرَ أَنَّ يَوْمَهُ مِثْلُ لَيْلَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُحْيِيَهُ بِالصَّلَاةِ والدُّعَاءِ فَافْعَلْ، فَإِنَّ رَبَّكَ يَنْزِلُ في أَوَّلِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا يُضَاعِفُ فِيهِ الْحَسَنَاتِ ويَمْحُو فِيهِ السَّيِّئَاتِ، وإِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ كَرِيمٌ»(1).9 - خبر جَابِرُ قال: كَانَ عَلِيٌّ علیه السلام يَقُولُ: «أَكْثِرُوا الْمَسْأَلَةَ في يَوْمِ الْجُمُعَةِ والدُّعَاءَ، فَإِنَّ فِيهِ سَاعَاتٍ يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ والْمَسْأَلَةُ مَا لَمْ تَدْعُوا بِقَطِيعَةٍ أَو مَعْصِيَةٍ أَو عُقُوقٍ، واعْلَمُوا أَنَّ الْخَيْرَ والْبِرَّ يُضَاعَفَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ»(2).

10 - خبر زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ آبَائِهِ عَنْ فَاطِمَةَ أنّها قَالَتْ: «سَمِعْتُ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم يَقُولُ: إِنَّ في الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ فِيهَا خَيْراً إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَّةُ سَاعَةٍ هِي؟ قَالَ: إِذَا تَدَلَّى نِصْفُ عَيْنِ الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ، قَالَ: فَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَقُولُ لِغُلَامِهَا: اصْعَدْ عَلَى الظِّرَابِ فَإِذَا رَأَيْتَ نِصْفَ عَيْنِ الشَّمْسِ قَدْ تَدَلَّى لِلْغُرُوبِ فَأَعْلِمْنِي حَتَّى أَدْعُو»(3).

11 - رَوى جَابِرٌ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: قَالَ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «إِنَّ جَبْرَئِيلَ أَتَانِي بِمِرْآةٍ في وَسَطِهَا كَالنُّكْتَةِ السَّوْدَاءِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا جَبْرَئِيلُ مَا هَذِهِ؟ قَالَ: هَذِهِ الْجُمُعَةُ، قَالَ: قُلْتُ: ومَا الْجُمُعَةُ؟ قَالَ: لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ كَثِيرٌ، قَالَ: قُلْتُ: ومَا الْخَيْرُ الْكَثِيرُ؟ قَالَ: تَكُونُ لَكَ عِيداً ولِاُمَّتِكَ مِنْ بَعْدِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قُلْتُ: ومَا لَنَا فِيهَا؟ قَالَ: لَكُمْ فِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ مَسْأَلَةً فِيهَا وهي لَهُ قِسْمٌ في الدُّنْيَا إِلَّا أَعْطَاهَا،

ص: 45


1- «وسائل الشيعة» ج7/375 الحديث 9620.
2- «المحاسن» ج1/58 الحديث 95، «وسائل الشيعة» ج7/383 الحديث 9644.
3- «معاني الأخبار» 399 الحديث 59، «وسائل الشيعة» ج7/384 الحديث 9647.

وإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِسْمٌ في الدُّنْيَا ذُخِرَتْ لَهُ في الآخِرَةِ أَفْضَلَ مِنْهَا، وإِنْ تَعَوَّذَ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ مَا هُو عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ صَرَفَ اللَّهُ عَنْهُ مَا هُو أَعْظَمُ مِنْهُ»(1).

12 - روی أبو هريرة عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «تَضاعَفُ الحَسَناتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ»(2).

ثامناً: يوم خروج القائم وقيام السّاعة.

1 - صحيحة ابْنِ أبي عُمَيْرٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «السَّبْتُ لَنَا، وَالْأَحَدُ لِشِيعَتِنَا، وَالْإِثْنَيْنِ لِأَعْدَائِنَا، وَالثَّلَاثَاءُ لِبَنِي اُمَيَّةَ، وَالْأَرْبِعَاءُ يَوْمُ شُرْبِ الدَّوَاءِ، وَالْخَمِيسُ تُقْضَى فِيهِ الْحَوَائِجُ، وَالْجُمُعَةُ لِلتَّنْظِيفِ وَالتَّطَيُّبِ، وَهُوَ عِيدٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، وَ يَوْمُ غَدِيرِ خُمٍّ أَفْضَلُ الْأَعْيَادِ وَهُوَ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ ذِی الْحِجَّةِ، وَيَخْرُجُ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَتَقُومُ الْقِيَامَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَمَا مِنْ عَمَلٍ أَفْضَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ»(3).

2 - خبر عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ مَوْلَى الرَّشِيدِ عَنْ دَارِمِ بْنِ قَبِيصَةَ عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ عَنِ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم قَالَ: «تَقُومُ

السَّاعَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَيْنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ»(4).

3 - عن الإمام العسكري علیه السلام في تفسيرقوله صلی الله علیه و آله و سلم: «لَا تُعَادُوا الْأَيَّامَ فَتُعَادِيَكُمْ»، فَقَالَ: نَعَمْ الْأَيَّامُ نَحْنُ بِنَا قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، فَالسَّبْتُ اسْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم، وَالْأَحَدُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْإِثْنَيْنِ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، وَالثَّلَاثَاءُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاقِرُ وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ، وَالْأَرْبِعَاءُ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ وَعَلِیُّ بْنُ مُوسَى وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَنَا، وَالْخَمِيسُ ابْنِيَ الْحَسَنُ، وَالْجُمُعَةُ ابْنُ ابْنِي

ص: 46


1- «بحار الأنوار» ج86/280، «مستدرك الوسائل» ج6/58 الحديث 6422.
2- «كنز العمال» ج7/712 الخبر 21057.
3- «الخصال» ج2/394 الحديث 101، «وسائل الشيعة» ج7/380 الحديث 9635.
4- «الخصال» ج2/390 الحديث 84، «وسائل الشيعة» ج7/380 الحديث 9633.

وَإِلَيْهِ تَجْتَمِعُ عِصَابَةُ الْحَقِّ، وَهُوَ الّذي يَمْلَؤُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، فَهَذَا مَعْنَى الْأَيَّامِ وَلَا تُعَادُوهُمْ في الدُّنْيَا فَيُعَادُوكُمْ في الآخِرَةِ»(1).

4 - نقرأ في زيارة سيّدنا ومولانا صاحب الزَّمانأ يوم الجمعة: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللَّهِ في أَرْضِهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا عَيْنَ اللَّهِ في خَلْقِهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا نُورَ اللَّهِ الّذي بِهِ يَهْتَدِي الْمُهْتَدُونَ، وَيُفَرَّجُ بِهِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْمُهَذَّبُ الْخَائِفُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْوَلِيُّ النَّاصِحُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا سَفِينَةَ النَّجَاةِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا عَيْنَ الْحَيَاةِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ بَيْتِكَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، السَّلَامُ عَلَيْكَ عَجَّلَ اللَّهُ لَكَ مَا وَعَدَكَ مِنَ النَّصْرِ وَظُهُورِ الْأَمْرِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَوْلَايَ أَنَا مَوْلَاكَ، عَارِفٌ بِأُولَاكَ وَاُخْرَاكَ، أَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِكَ وَبِآلِ بَيْتِكَ، وَأَنْتَظِرُ ظُهُورَكَ وَظُهُورَ الْحَقِّ عَلَى يَدِكَ، وَأَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ يَجْعَلَنِي مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ لَكَ، وَالتَّابِعِينَ وَالنَّاصِرِينَ لَكَ عَلَى أَعْدَائِكَ، وَالْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْكَ في جُمْلَةِ أَوْلِيَائِكَ، يَا مَوْلَايَ يَا صَاحِبَ الزَّمَانِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ بَيْتِكَ هَذَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَوْمُكَ، الْمُتَوَقَّعُ فِيهِ ظُهُورُكَ، وَالْفَرَجُ فِيهِ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى يَدِكَ، وَقَتْلُ الْكَافِرِينَ بِسَيْفِكَ، وَأَنَا يَا مَوْلَايَ فِيهِ ضَيْفُكَ وَجَارُكَ، وَأَنْتَ يَا مَوْلَايَ كَرِيمٌ مِنْ أَوْلَادِ الْكِرَامِ، وَمَأْمُورٌ بِالْإِجَارَةِ، فَأَضِفْنِي وَأَجِرْنِي صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ الطَّاهِرِينَ»(2) .

5 - ما رواه الشَّيْخُ الْمُفِيدُ في «الْاخْتِصَاصِ» بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ علیهم السلام

ص: 47


1- «الخصال» ج2/386 الحديث 102، «كمال الدّين وتمام النعمة» ج2/383 الحديث 9، «بحارالأنوار» ج36/413 - 414 الحديث 3.
2- «جمال الاسبوع»: 37، «بحارالأنوار» ج99/215 - 216.

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم أَنَّهُ قَالَ في حَدِيثٍ: «وَأَمَّا يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَهُوَ يَوْمٌ جَمَعَ اللَّهُ فِيهِ الْأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَوْمَ الْحِسَابِ، مَا مِنْ مُؤْمِنٍ مَشَى بِقَدَمَيْهِ إِلَى الْجُمُعَةِ إِلَّا خَفَّفَ اللَّهُ عَلَيْهِأَهْوَالَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ بَعْدَ مَا يَخْطُبُ الْإِمَامُ، وهي سَاعَةٌ يَرْحَمُ اللَّهُ فِيهَا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ» الْخَبَرَ(1).

تاسعاً: يوم الخصال الخمس.

1 - رُوي عَنِ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أنّه قَالَ: «الْجُمُعَةُ سَيِّدُ الْأَيَّامِ وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى، فِيهِ خَمْسُ خِصَالٍ: خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ، وَأَهْبَطَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ إِلَى الْأَرْضِ، وَفِيهِ تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا أَحَدٌ شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ مُحَرَّماً، وَمَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلَا سَمَاءٍ وَلَا أَرْضٍ وَلَا رِيَاحٍ وَلَا جِبَالٍ وَلَا شَجَرٍ إِلَّا وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَنْ تَقُومَ الْقِيَامَةُ فِيهِ»(2) .

2- روي سعد بن عبادة عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِخَمْسُ خِصالٍ: فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُهْبِطَ آدَمُ إلَی الْأَرْضِ، وَفِيهِ تَوَفَّی اللهُ آدَمَ، وَفِيهِ ساعَةٌ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئاً إِلَّا آتَاهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ مَأْثَماً أَوْ قَطِيعَةَ رَحِم، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَمَا مِنْ مَلَك مُقَرَّبٍ وَلاَ سَمَاءٍ وَلاَ أَرْضٍ وَلَا رِيحٍ وَلَا جَبَلٍ وَلَا بَحْرٍ إِلَّا وَهُمْ مُشْفِقُونَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فِيهِ»(3).

ص: 48


1- «مستدرك الوسائل» ج6/41 الحديث 6379.
2- «عدة الداعي» ص 38، «وسائل الشيعة» ج7/381 الحديث 9639.
3- «كنز العمال» ج7/718 الخبر 21076.

عاشراً: يوم الميثاق.

1- خبر عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ ابْنِ أبي يَعْفُورٍ عَنْ أبي حَمْزَةَ أنَّ رجلاً سأل أَبا جَعْفَرٍ علیه السلام: كَيْفَ سُمِّيَتِ الْجُمُعَةُ؟ فقَالَ علیه السلام: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَمَعَ فِيهَا خَلْقَهُ لِوَلَايَةِ مُحَمَّدٍ وَوَصِيِّهِ في الْمِيثَاقِ، فَسَمَّاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِجَمْعِهِ فِيهِ خَلْقَهُ»(1).

2 - روی الشَّيْخ أَبو مُحَمَّدٍ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيّ الْقُمِّي في كتاب «الْعَرُوسِ» عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام أنّه قال: «سُمِّيَتِ الْجُمُعَةُ جُمُعَةً لِأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ الْخَلْقَ لِوَلَايَةِ مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ صلی الله علیه و آله و سلم، وَقَالَ علیه السلام أيضاً: سُمِّيَتِ الْجُمُعَةُ جُمُعَةً لِأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ لِلنَّبِيِّ صلی الله علیه و آله و سلم أَمْرَهُ »(2).

حادي عشر: يوم صعود الأعمال وتزيين الجنان.

1 - صحيحة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «فَضَّلَ اللَّهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْأَيَّامِ، وَإِنَّ الْجِنَانَ لَتُزَخْرَفُ وَتُزَيَّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِمَنْ أَتَاهَا، وَإِنَّكُمْ تَتَسَابَقُونَ إِلَى الْجَنَّةِ عَلَى قَدْرِ سَبْقِكُمْ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَإِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ لَتُفَتَّحُ لِصُعُودِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ »(3).

2 - خبر الْحُسَيْنِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «إِنَّ الْحُورَ الْعِينَ يُؤْذَنُ لَهُنَّ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ فَيُشْرِفْنَ عَلَى الدُّنْيَا فَيَقُلْنَ: أَيْنَ الَّذِينَ يَخْطُبُونَّا إِلَى رَبِّنَا؟»(4).

ص: 49


1- «الكافي» ج3/415 الحديث 7، «التهذيب» ج3/3 الحديث 4، «وسائل الشيعة» ج7/377 الحديث 9624.
2- نقلاً من «مستدرك الوسائل» ج6/59 الحديث 6424.
3- «الكافي» ج3/415 الحديث 9، «وسائل الشيعة» ج7/385 الحديث 9648.
4- «المحاسن» ص 58 الحديث 92، «وسائل الشيعة» ج7/383 الحديث 9645.

ثاني عشر: أفضل وأحبّ عمل فيه الصّلاة على محمّد وآله.

1- قال الله تبارك وتعالی في كتابه المجيد: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النّبيّيَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْليماً)(1).

2- صحيحة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «إِذَا كَانَتْ عَشِيَّةُ الْخَمِيسِ وَلَيْلَةُ الْجُمُعَةِ نَزَلَتْ مَلَائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ، وَمَعَهَا أَقْلَامُ الذَّهَبِ وَصُحُفُ الْفِضَّةِ لَا يَكْتُبُونَ عَشِيَّةَ الْخَمِيسِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ إِلَّا الصَّلَاةَ عَلَى النّبيّوَآلِه»(2).

3 - صحيحة عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «يَا عُمَرُ إِنَّهُ إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ بِعَدَدِ الذَّرِّ، في أَيْدِيهِمْ أَقْلَامُ الذَّهَبِ وَقَرَاطِيسُ الْفِضَّةِ لَا يَكْتُبُونَ إِلَى لَيْلَةِ السَّبْتِ إِلَّا الصَّلَاةَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، فَأَكْثِرْ مِنْهَا، وَقَالَ: يَا عُمَرُ إِنَّ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ في كُلِّ جُمُعَةٍ أَلْفَ مَرَّةٍ وَفِي سَائِرِ الْأَيَّامِ مِائَةَ مَرَّةٍ»(3).

4 - في صحيحة ابْنِ أبي عُمَيْرٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «مَا مِنْ عَمَلٍ أَفْضَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ»(4).

ص: 50


1- «الأحزاب»: 56/426.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج1/273 الحديث 1250، «وسائل الشيعة» ج7/386 الحديث 9651، «بحارالأنوار» ج91/50.
3- «الكافي» ج3/416 الحديث 13، «وسائل الشيعة» ج7/387 الحديث 9655.
4- «الخصال» ج2/394 الحديث 101، «وسائل الشيعة» ج7/380 الحديث 9635، «بحارالأنوار» ج91/50.

5 - ما رواه الْمُفَضَّلُ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «مَا مِنْ شيء يُعْبَدُ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ»(1).

6 - صحيحة مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «مَنْ قَالَ في يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِائَةَ مَرَّةٍ: (رَبِّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ) قَضَى اللَّهُ لَهُ مِائَةَ حَاجَةٍ ثَلَاثُونَ مِنْهَا لِلدُّنْيَا»(2).

7 - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنِ الرِّضَا علیه سلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِائَةَ مَرَّةٍ، قَضَى اللَّهُ لَهُ سِتِّينَ حَاجَةً، مِنْهَا لِلدُّنْيَا ثَلَاثُونَ حَاجَةً، وَثَلَاثُونَ لِلآخِرَةِ»(3) .

هذه بعض ما ورد في فضل يوم الجمعة وليلتها من الأخبار والأحاديث، ومن فضل هذا اليوم وجوب صلاة الجمعة فيه، وسقوط فريضة الظهر عند أدائها.

❊ ❊ ❊

ص: 51


1- «الكافي» ج3/429 الحديث 3، «وسائل الشيعة» ج7/388 الحديث 9657.
2- «ثواب الأعمال» ص 190 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج7/387 الحديث 9654.
3- «بحارالأنوار» ج91/60.

الفصل الثّاني: الجمعة في المعنی والمفهوم

اشارة

ص: 52

ص: 53

الجمعة عند أرباب اللغة:

قال الرّاغب في «مفرداته»:

الجمع: ضمُّ الشَّيء بتقريب بعضه من بعض يقال: جمعته فاجتمع، (إلی أن قال:) وقولهم: يوم الجمعة لاجتماع النّاس للصَّلاة، قال الله تعالی: (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ)(1)،(2).

وقال ابن منظور المصري:

الجُمْعةُ: المَجموعةُ، يقال: أَعطِني جُمعة من تَمْر، وهو كالقُبْضة...، ويُجْمع على جُمُعات وجُمَع(3).

وقال العلّامة المجلسي قدس سره في معنی الجمعة:

والجمعة بضمّ الميم والسّكون لغتان؛ اليوم المعهود، وإنّما سُمّي به لاجتماع النّاس فيه للصّلاة، وقيل: لأنّه تعالى فَرَغَ فيه مِن خَلقِ الأشياء فاجتمعت فيه المخلوقاتُ(4).

وقد ورد في بعض الأخبار ما يكون مشعراً بمعنی الجمعة، منها: ما رواه عَبْدُ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ ابْنِ أبي يَعْفُورٍ عَنْ أبي حَمْزَةَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: قَالَ لَهُ رَجُلٌ: كَيْفَ سُمِّيَتِ الْجُمُعَةُ؟ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَمَعَ فِيهَا خَلْقَهُ لِوَلَايَةِ مُحَمَّدٍ وَوَصِيِّهِ في الْمِيثَاقِ، فَسَمَّاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِجَمْعِهِ فِيهِ خَلْقَهُ»(5).

ص: 54


1- «الجمعة»: 9/554.
2- «مفردات ألفاظ القرآن» ص 201 - 202.
3- راجع: «لسان العرب» ج 8/56 و 58.
4- «بحارالأنوار» ج86/125.
5- «الكافي» ج3/415 الحديث 7، «التهذيب» ج3/3 الحديث 4، «وسائل الشيعة» ج7/377 الحديث 9624.

وما رواه الشَّيْخُ الْمُفِيدُ في «الْاِخْتِصَاصِ» بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ علیه السلام عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم أَنَّهُ قَالَ في حَدِيثٍ: «وَأَمَّا يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَهُوَ يَوْمٌ جَمَعَ اللَّهُ فِيهِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْحِسَابِ، مَا مِنْ مُؤْمِنٍ مَشَى بِقَدَمَيْهِ إِلَى الْجُمُعَةِ إِلَّا خَفَّفَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَهْوَالَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، بَعْدَ مَا يَخْطُبُ الْإِمَامُ وهي سَاعَةٌ يَرْحَمُ اللَّهُ فِيهَا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ»، الْخَبَرَ(1).

وما رواه أبو محمد جعفر بن أحمد بن علي القمّي في كتاب «العروس» مرفوعاً عن جَابِرُ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: قَالَ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «إِنَّ جَبْرَئِيلَ أَتَانِي بِمِرْآةٍ في وَسَطِهَا كَالنُّكْتَةِ السَّوْدَاءِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا جَبْرَئِيلُ مَا هَذِهِ؟ قَالَ: هَذِهِ الْجُمُعَةُ، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا الْجُمُعَةُ؟ قَالَ: لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ كَثِيرٌ، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا الْخَيْرُ الْكَثِيرُ؟ قَالَ: تَكُونُ لَكَ عِيداً وَلِاُمَّتِكَ مِنْ بَعْدِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قُلْتُ: وَمَا لَنَا فِيهَا؟ قَالَ: لَكُمْ فِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ مَسْأَلَةً فِيهَا وهي لَهُ قِسْمٌ في الدُّنْيَا إِلَّا أَعْطَاهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِسْمٌ في الدُّنْيَا ذُخِرَتْ لَهُ في الْآخِرَةِ أَفْضَلَ مِنْهَا، وَإِنْ تَعَوَّذَ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ مَا هُوَ عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ صَرَفَ اللَّهُ عَنْهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ»(2).

لكن الفيّومي صاحب كتاب «المصباح المنير» فرّق بين الجمعة بسكون الميم وضمّها، بأنّ الاُولی اسمٌ لتمام مدّة الاُسبوع الّتي شروعها يوم السبت، والثاني اسمٌ لخصوص اليوم السابع منها حيث قال:

(جمع) جَمَعْتُ: الشّي ءَ (جَمْعاً) وجَمَّعْتُهُ بالتَّثْقِيلِ مُبَالَغَة، و(الْجَمْعُ) الدَّقَلُ لأنه يُجْمَعُ ويُخْلَطُ، ثمَّ غَلَبَ عَلَى التَمْر الرَّدِيءِ واُطْلِقَ عَلَى كُلِّ

ص: 55


1- «مستدرك الوسائل» ج6/41 الحديث 6379.
2- «مستدرك الوسائل» ج6/58 الحديث 6422.

لَوْنٍ مِنَ النَّخْلِ لا يُعْرَفُ اسْمُهُ، و(الْجَمْعُ) أيضاً الْجَمَاعَةُ تَسْمِيَةٌ بالمصْدَرِ ويُجْمَعُ عَلَى (جُمُوعٍ) مثلُ فَلْسٍ وفُلُوسٍ، و(الْجَمَاعَةُ) مِنْ كُلِّ شَی ءٍ يُطْلَقُ عَلَى القَلِيلِ والكَثِيرِ، ويُقَالُ لِمُزْدَلِفَةَ (جَمْعٌ) إمّا لأنَّ النَّاسَ يَجْتَمِعُونَ بِهَا، وِإمَّا لأَنَّ آدمَ اجْتَمَعَ هُنَاكَ بِحَوَّاءَ، وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ سُمِّيَ بذلِكَ لاجْتِمَاعِ النَّاسِ بِهِ، وضَمٌ الميم لُغَةُ الحِجَازِ وفَتْحُهَا لُغَةُ بَنِي تَمِيم، وإنْ كَانُهَا لُغَةُ عُقَيلٍ وقَرَأَ بِهَا الْأَعْمَشُ، والْجَمْعُ (جُمَعٌ) و(جُمُعَاتٌ) مِثْلُ غُرَفٍ وغُرُفَاتٍ فِي وُجُوهِهَا، و(جَمَّعَ) النَّاسُ بالتَّشْدِيدِ إِذَا شَهِدُوا الجُمْعَةَ كَمَا يُقَالَ (عَيَّدُوا) إذا شَهدُوا العِيدَ، وأمّا (الْجُمْعَةُ) بسكُونِ المِيم فاسْمٌ لِأَيَّامِ الاُسبوع وأوّلُهَا يومُ السَّبْتِ، قَالَ أَبُو عمَرَ الزَّاهِدُ فِي كِتَابِ المدْخَلِ: أَخْبَرَنَا ثَعْلَبٌ عَنِ ابنِ الأَعْرَابِيِّ، قَالَ: أوَّلُ الْجُمْعَةَ يومُ السَّبْتِ، وأوَّلُ الأيَّامِ يَوْمُ الأَحَدِ هكَذَا عِنْدَ الْعَرَب(1).

أقول: ويؤيّد هذا الرّأي ما رواه الكليني رحمه الله صحيحاً عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «عَاشَتْ فَاطِمَةُ علیها السلام بَعْدَ أَبِيهَا خَمْسَةً وَسَبْعِينَ يَوْماً لَمْ تُرَ كَاشِرَةً(2) وَلَا ضَاحِكَةً، تَأْتِي قُبُورَ الشُّهَدَاءِ في كُلِّ جُمْعَةٍ مَرَّتَيْنِ الْإِثْنَيْنَ وَالْخَمِيسَ فَتَقُولُ: هاهُنَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم هاهُنَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ»(3).

ص: 56


1- راجع: «المصباح المنير في غريب الشرح الكبير» ج2/108 - 109.
2- قال الطريحي: ( كشر ) في الحديث «فاطمة علیها السلام لم تر كاشرة و لا ضاحكة» الكاشر: المتبسم من غير صوت، و إن كان معه صوت فهو ضحك، ومنه إخوان المكاشرة. «مجمع البحرين» ج3/474.
3- «الكافي» ج3/228 الحديث 3.

وأحمد بن محمّد بن خالد البرقي في «محاسنه» عن النَّوْفَلِيّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم: «اُفٍّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ لَا يَجْعَلُ في كُلِّ جُمْعَةٍ يَوْماً يَتَفَقَّهُ فِيهِ أَمْرَ دِينِهِ وَيَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ»(1).

والظاهر أنّ المجلسي قدس سره لم ير نظر «المصباح» في هذا المجال حيث فسّر بعد نقله الرواية: بأنَّ المراد ب- «الجُمْعَةِ» فيها الاُسبوع مجازاً، من باب تسمية الكُلّ باسم جزئه، حيث قال:

المراد بالجمعة الاُسبوع تسمية للكُلّ باسم الجزء(2).

وقد تقدم أيضاً تصريح ابن منظور المصري بأنّ الجُمْعةَ المَجموعة.

ثم إنّ إضافة الصلاة إلی الجمعة يمكن أن تكون بيانيّة كما في «خاتم فضّة» أي الصلاة الّتي هي الجمعة، أو ظرفيّة أي الصلاة الّتي ظرفها يوم الجمعة، أو تكون إضافة لاميّة كما في «غلام زيد» أي الصلاة الّتي هي ليوم الجمعة.

والأقرب من هذه الوجوه الأوّل، أي أن تكون بيانيّة، ممّا يشهد علی ذلك إطلاق الجمعة علی صلاتها في كثير من الأخبار، منها:

1 - صحيحة أَبِي بَصِيرٍ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ جَمِيعاً عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ جُمَعٍ مُتَوَالِيَةً طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ»(3).

2 - صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَ زُرَارَةَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ مِنْهَا عَلَى فَرْسَخَيْنِ»(4).

ص: 57


1- «المحاسن» ج1/225، «بحارالأنوار» ج1/176 الحديث 44.
2- راجع: «بحارالأنوار» نفس المصدر.
3- «التهذيب» ج3/238 الحديث 632، «وسائل الشيعة» ج7/299 الحديث 9396.
4- «الكافي» ج3/419 الحديث 2، «وسائل الشيعة» ج7/309 الحديث 9431.

3 - صحيحة مَنْصُورٍ يَعْنِي ابْنَ حَازِمٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «يُجَمِّعُ الْقَوْمُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا كَانُوا خَمْسَةً فَمَا زَادُوا، فَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ فَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ، وَالْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ»، الْحَدِيثَ(1).

4 - صحيحة أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أبي الْعَبَّاسِ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «أَدْنَى مَا يُجْزِئُ في الْجُمُعَةِ سَبْعَةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَدْنَاهُ»(2).

5 - موثقة النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ آبَائِهِ : قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم: «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً اسْتَأْنَفَ الْعَمَلَ»(3).

6 - ما رواه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ علیهم السلام قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم يُقَالُ لَهُ قُلَيْبٌ، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّی تَهَيَّأْتُ إِلَى الْحَجِّ كَذَا وَكَذَا مَرَّةً فَمَا قُدِّرَ لِي، فَقَالَ لِي: «يَا قُلَيْبُ عَلَيْكَ بِالْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا حَجُّ الْمَسَاكِينَ»(4).

ص: 58


1- «التهذيب» ج3/239 الحديث 636، «الاستبصار» ج1/419 الحديث 1610، «وسائل الشيعة» ج7/304 الحديث 9418.
2- «الكافي» ج3/419 الحديث 5، «التهذيب» ج3/21 الحديث 76، «الاستبصار» ج 1/419 الحديث 1609، «وسائل الشيعة» ج7/303 الحديث 9412.
3- «ثواب الأعمال» ص 59 الحديث 2، «وسائل الشيعة» ج7/298 الحديث 9391.
4- «التهذيب» ج3/236 الحديث 625، «وسائل الشيعة» ج7/300 الحديث 9398.

7 - ما رواه حَمَّادُ بْنِ عَمْرٍو وَأَنَسُ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام في وَصِيَّةِ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم لِعَلِيٍّ علیه السلام قَالَ: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ جُمُعَةٌ وَلَا جَمَاعَةٌ»(1).

8 - مرفوعة الْقُطْبِ الرَّاوَنْدِيُّ في «لُبِّ اللُّبَابِ» أَنَّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: «تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا، وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الزَّاكِيَةِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا، وَصِلُوا الّذي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ إِيَّاهُ، وَالصَدَقَةِ في السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْجُمُعَةَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»(2).

إلی غير ذلك من الأخبار الّتي اُطلقت «الجمعة» فيها علی صلاتها .

❊ ❊ ❊

ص: 59


1- «من لا يحضره الفقيه» ج4/263 الحديث 824، «وسائل الشيعة» ج8/334 الحديث 10828.
2- راجع: «مستدرك الوسائل» ج6/10 الحديث 6294.

الفصل الثّالث: حكم صلاة الجمعة في زمان غيبة الإمام المعصوم علیه السلام

اشارة

حكم صلاة الجمعة في زمان غيبة الإمام المعصوم علیه السلام

ص: 60

ص: 61

بعد أن ذكرنا فضل يوم الجمعة وليلتها في الفصل الأوّل وما لها من معنی ومفهوم في الفصل الثاني، نذكر في هذا الفصل بعض الأقوال الواردة في هذا المجال، ثمّ نختار بحسب الأدلّة ما هومختارنا في المقام.

آراء الفقهاء حول حكم صلاة الجمعة في عصر الغيبة.

قبل ذكر آراء العلماء في حكم صلاة الجمعة أثناء غيبة الإمام المعصوم علیه السلام نُشير إلى أنّه لا خلاف بين فقهائنا العظام (قدس الله أسرارهم) في أصل وجوب هذه الصّلاة إجمالاً أثناء حضور المعصومين علیهم السلام وبسط يدهم، ومطلقاً عند فقهاء العامّة، قال المحقق النراقي رحمه الله :

فاعلم أنّه لا خلاف عندنا في وجوبها (صلاة الجمعة) عيناً علی كلّ من استجمع الشرائط الآتية، مع حضور الإمام المعصوم، أو من ينصبه بخصوصه - عموماً أو لصلاة الجمعة - وتمكنه من إقامتها(1).

وقال ابن رشد القرطبي:

أمّا وجوب صلاة الجمعة علی الأعيان فهو الّذي عليه الجمهور لكونها بدلاً من واجب وهو الظهر، ولظاهر قوله تعالی: (يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْع)، والأمر علی الوجوب ولقوله (عليه الصّلاة والسّلام): لينتهينّ أقوام عن وَدعِهِمُ الجمعات أو ليختمنّ الله علی قلوبهم(2).

ص: 62


1- راجع: «مستند الشيعة» ج6/11.
2- راجع: «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج1/442 - 443.

وقال عبد الرّحمن الجزيري:

وقد انعقد الإجماع علی أنّ الجمعة فرض عين(1).

وأمّا في زمان الغيبة، فالعلامة المجلسي رحمه الله بعد ما عنون المسألة حكی قولين لبعض الفقهاء والمحدّثين، أحدهما يوجب صلاة الجمعة والآخر يحرّمها في هذا الزمان، ثمّ رجّح القول بالوجوبِ المُضَيَّق العيني في جميع الأزمان حتّی مع فقدان الفقية المبسوط اليد الجامع لشرائط الفتوی لو كان إمام الجمعة واجداً لشرائط الجماعة وكان خطيباً قادراً على إيراد الخطبة البليغة المناسبة بحسب أحوال النَّاس والأمكنة والأزمنة والأعوام والشُّهور والأيام، وكان عالماً بمسائل الصَّلاة إمَّا اجتهاداً أو تقليداً.

وإليك نصّ كلامه:

فأمَّا القائلون بوجوبها عيناً في الغيبة فهو أبو الصَّلاح، والمفيد في المقنعة والأشراف، والكراجكي، وكثيرٌ مِنَ الأصحاب، حيث أطلقوا ولم يقيَّدوا الوجوب بشيءٍ كالكليني والصَّدوق وسائر المحدثين التَّابعين للنُّصوص الواردة عن أئمة الدِّين علیهم السلام .

أمّا الكليني فلأنّه قال: «باب وجوب الجمعة وعَلَى كَم تجب» ثُمَّ أورد الأخبار الدَّالة على الوجوب العيني ولم يورد خبراً يدلُّ على اشتراط الإمام أو نائبه، حتَّى أنَّه لم يورد رواية محمد بن مسلم الآتية الّتي توهّم جماعة دلالتها على اعتبار الإمام أو نائبه، ولا يخفى على المتتبِّع أنَّ قدماءَ المُحدِّثين لا يذكرون في كتبهم مذاهبهم، وإنَّما يوردون أخباراً يصحّحونها ومنه يعلم مذاهبهم وآراءهم، وكذا الصّدوق في الفقيه قال: «باب وجوب الجمعة وفضلها» وأورد الأخبار ولم يورد معارضاً، ورواية

ص: 63


1- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/375 .

ابن مسلم نتكلّم على دلالتها، وعبارته في المقنع كالصّريح في ذلك كما سيأتي، وقال رحمه الله في كتاب «المجالس» في مجلس أورده لوصف دين الإمامية: والجماعة يوم الجمعة فريضةٌ وفي سائر الأيّام سنةٌ، فمن تركها رغبةً عنها وعن جماعة المسلمين من غير علّةٍ فلا صلاة له، ووُضِعَتِ الجمعةُ عن تسعةٍ: عن الصّغير، والكبير، والمجنون، والمسافر، والعبد، والمرأة، والمريض، والأعمى، ومن كان على رأس فرسخين.

وتخصيصها بزمان الحضور مع كونه بصدد بيان مذهب الإمامية ليعمل به تلامذته والآخذون عنه من غير قرينةٍ، في غاية البُعدِ، وكذا سائر المُحدِّثين ظواهر كلماتهم ذلك....

وأمّا القائلون بالتّحريم فَهُم ابن إدريس، وسلّار، والعلّامة في المنتهى وجهاد التّحرير، ونُسب إلى الشّيخ وعبارته مضطربة، وإلى علم الهدى في مسائل الميافارقيات وهي أيضاً ليست بصريحةٍ فيه، لأنّه قال: صلاة الجمعة ركعتان من غير زيادة عليهما، ولا جمعة إلّا مع إمامٍ عادلٍ، أو مع نصبه الإمام العادل، فإذا عدم صلّيت الظهر أربع ركعاتٍ، فيحتمل أن يكون الفقيه أو كُلُّ من جمع صفات إمام الجماعة من المنصوبين مِن قِبَلِ الإمام عنده، كما أنّ الشّيخ قال مثل هذا الكلام ثمّ صرّح بالجواز في زمان الغيبة، وقال ابن البراج في النسخة الّتي عندنا من المهذّب: واعلم أنّ فرض الجمعة لا يصحّ كونه فريضةً إلّا بشروطٍ متى اجتمعت صحّ كونه فريضة جمعة ووجبت لذلك، ومتى لم يجتمع لم يصحّ ولم يجب كونه كذلك بل يجب كون هذه الصّلاة ظهراً ويصلّيها المصلّي بنية كونها ظهراً، والشّروط الّتي ذكرناها هي أن يكون المكلّف لذلك حرّاً، بالغاً، كامل العقل، سليماً عن المرض والعرج والعمى والشّيخوخة الّتي لا يمكن الحركة معها، وأن لا يكون مسافراً ولا في حكم المسافر، وأن يكون بينه وبين موضع الجمعة فرسخان فما

ص: 64

دونهما، ويحضر الإمام العادل أو من نصبه أو من جرى مجراه، ويجتمع من النَّاس سبعةٌ أحدهم الإمام، ويتمكن من الخطبتين، ويكون بين الجمعتين ثلاثة أميال، فهذه الشّروط إذا اجتمعت وجب كون هذه الصّلاة فريضة جمعة، ومتى لم يجتمع سقط كونها فريضة جمعة وصلّيت ظهراً كما قدمناه، فإن اجتمع من النّاس خمسة نفر أحدهم الإمام وحصل باقي هذه الشّروط كانت صلاتها ندباً واستحباباً، ويسقط فرضها مع حصول الشّروط المذكورة عن تسعة نفر وهم الشّيخ الكبير، والطفل الصّغير، والعبد، والمرأة، والأعمى، والمسافر، والأعرج، والمريض، وكلّ من كان منزله من موضعها على أكثر من فرسخين، ثمّ قال: وإذا كان الزّمان زمان تقيةٍ جاز للمُؤمنين أن يقيموا في مكان لا يلحقهم فيه ضررٌ وليصلُّوا جماعة بخطبتين، فإن لم يتمكَّنوا من الخطبة صلُّوا جماعة أربع ركعاتٍ، ومن صلّى فرض الجماعة مع إمام يقتدي به فليصلّ العصرَ بعد الفراغ من فرض الجمعة ولا يفصل بينهما إلّا بالإقامة، انتهى.

ولا يخفى أنّ المُستفاد من كلامه أوّلاً وآخراً أنَّه تجب الجمعة عيناً مع الإمام أو نائبه الخاصّ أو العامّ أعني الفقيه الجامع لشرائط الفتوى، وهو المراد بقوله «أو من جرى مجراه»، وحمله على أنّ المراد من نصبه لخصوص الصّلاة أو من جرى مجراه بأن نصبه للأعمّ منها بَعِيدٌ، مع أنّه يشمل الفقيه أيضاً ومع عدم النائب والفقيه ووجود العادل يجب تخييراً مع التّمكّن من الخطبة فتدبّر، ثمّ أقول: إذا عرفت هذه الاختلافات فالّذي يترجّح عندي منها الوجوب المضيّق العيني في جميع الأزمان وعدم اشتراط الإمام أو نائبه الخاصّ أو العامّ، بل يكفي العدالة المعتبرة في الجماعة والعلم بمسائل الصّلاة إمّا اجتهاداً أو تقليداً أعمّ من الاجتهاد والتّقليد المصطلح بين الفقهاء، أو العالم والمتعلم على اصطلاح المحدثين، نعم يظهر من الأخبار زائداً على

ص: 65

إمام الجماعة القدرة على إيراد الخطبة البليغة المناسبة للمقام بحسب أحوال النَاس، والأمكنة والأزمنة، والأعوام والشّهور والأيام، والعلم بآدابها وشرائطها(1).

وقال الشّيخ الحرّ العاملي رحمه الله :

أقول: ويدلّ علی ذلك - أي وجوب إمامة واحد من المسلمين الحاضرين وإن لم يكن بمعصوم - جميع ما دلّ علی الوجوب من القرآن والأحاديث المتواترة الدالّة بعمومها وإطلاقها مع عدم قيام دليل صالح لإثبات الاشتراط، وما تضمّن لفظ الإمام من أحاديث الجمُعُة المراد به إمام الجماعة مع قيد زائد وهو كونه يحسن الخطبتين ويتمكن منهما لعدم الخوف، وهو أعمّ من المعصوم كما صرّح به علماء اللغة(2) وغيرهم، وكما يفهم من إطلاقه في مقام الاقتداء، والقرائن علی ذلك كثيرة جدّاً، والتصريحات بما يدفع الاشتراط أيضاً كثيرة، وإطلاق لفظ الإمام هنا كإطلاقه في أحاديث الجماعة، وصلاة الجنازة، والاستسقاء، والآيات، وغير ذلك من أماكن الاقتداء في الصلاة، وإنّما المراد به هنا اشتراط الجماعة مع ما ذكر(3).

وقال شيخ الطائفة الإمام أبو جعفر محمّد بن الحسن الطّوسي رحمه الله في كتابه (الخلاف) في فصل (كتاب الجمعة):

لا خلاف بين الاُمّة في وجوب الجمعة علی كلّ أحد، وإنّما يخرج بعضهم بدليل مثل العليل والمسافر، والمرأة ومن أشبههم...، الواجب

ص: 66


1- «بحارالأنوار» ج86/143 - 147.
2- أقول: سنذكر تصريح كلمات أرباب اللغة بذلك.
3- راجع: «وسائل الشيعة» ج7/310 - 311.

يوم الجمعة عند الزّوال الجمعة، فإن صلّی الظهر لم يجزه عن الجمعة ووجب عليه السّعي، فإن سعی وصلّی الجمعة برأت ذمّته، وإن لم يفعل حتّی فاتته الجمعة وجب عليه إقامة الظّهر...، دليلنا قوله تعالی: (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ)، وأيضاً فلا خلاف أنّ الجمعة فرضٌ، فمن قال: إنّ الفرض الظّهر، فعليه الدّلالة، وكذلك من قال: إن صلّی الظّهر في أوّل الوقت ثمّ فاتته الجمعة سقط فرضه، فعليه الدّلالة...، من شرط انعقاد الجمعة الإمام، أو من يأمره الإمام بذلك من قاضٍ أو أمير ونحو ذلك، ومتی اُقيمت بغير إذنه لم تصحّ، وبه قال الأوزاعي وأبوحنيفة...، دليلنا أنّه لا خلاف أنّها تنعقد بالإمام أو بأمره، وليس علی انعقادها إذا لم يكن إمامٌ دليلٌ. فإن قيل: أ ليس قد رويتم فيما مضی وفي كتبكم أنّه يجوز لأهل القرايا والسّواد والمؤمنين إذا اجتمع العدد الّذي تنعقد بهم أن يصلّوا الجمعة؟ قلنا: ذلك مأذونٌ فيه مرغوبٌ فيه، فجری ذلك مجری أن ينصب الإمام من يصلّي بهم، وأيضاً عليه إجماع الفرقة فإنّهم لا يختلفون أنّ مِن شرط الجمعة الإمام أو من أمره. و روی محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام أنّه قَالَ: «تَجِبُ

الْجُمُعَةُ عَلَى سَبْعَةِ نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ولَا تَجِبُ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُمْ: الْإِمَامُ، وقَاضِيهِ، والْمُدَّعِي حَقّاً، والْمُدَّعَى عَلَيْهِ، والشَّاهِدَانِ، والّذي يَضْرِبُ الْحُدُودَ بَيْنَ يَدَيِ الْإِمَامِ»، وأيضاً فإنّه إجماع، فإنّ مِن عهد النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم إلی وقتنا هذا ما أقام الجمعة إلّا الخُلفاء والاُمراء ومَن وَلِيَ الصَّلاةَ، فعلم أنّ ذلك إجماع أهل الأعصار، ولو انعقدت بالرّعيّة لصلّاها كذلك(1).

ص: 67


1- «كتاب الخلاف» ج1/593 المسألة 355، و ص 607 - 608 المسألة 370، و ص 626 - 627 المسألة 397.

وقال محمّد بن جمال الدّين مكي العاملي المعروف بالشّهيد الأوّل رحمه الله في الفصل السادس من كتاب «الصلاة» من اللمعة الدمشقيّة في بيان بقية الصلوات الواجبة، وما يختاره من المندوبة:

فمنها الجمعة، وهي ركعتان كالصّبح عوض الظُّهر.

ثمّ قال الشهيد الثّاني رحمه الله فی شرحه:

فلا يجمع بينهما، فحيث تقع الجمعة صحيحة تجزی عنها...، ولا تنعقد الجمعة إلّا بالإمام العادل أو نائبه خصوصاً أو عموماً، ولو كان النّائب فقيهاً جامعاً لشرائط الفتوى مع إمكان الاجتماع في الغيبة، هذا قيدٌ في الاجتزاء بالفقيه حال الغيبة لأنه منصوبٌ من الإمام علیه السلام عموماً بقوله: «انظروا إلى رجل قد روى حديثنا» إلى آخره، وغيره.

والحاصل أنّه مع حضور الإمام علیه السلام لا تنعقد الجمعة إلّا به أو بنائبه الخاصّ وهو المنصوب للجمعة، أو لما هو أعمّ منها، وبدونه تسقط، وهو موضع وفاق.

وأمّا في حال الغيبة - كهذا الزّمان - فقد اختلف الأصحابُ في وجوب الجمعة وتحريمها، فالمصنّف هنا أوجبها مع كون الإمام فقيهاً لتحقّق الشّرط وهو إذن الإمام الّذي هوشرطٌ في الجملة إجماعاً، وبهذا القول صرّح في الدروس أيضاً.

وربما قيل: بوجوبها حينئذٍ وإن لم يجمعها فقيهٌ، عملاً بإطلاق الأدلة، واشتراط الإمام علیه السلام أو من نصبه إن سُلِّم، فهو مختصٌ بحالة الحضور أو بإمكانه، فمع عدمه يبقى عموم الأدلة من الكتاب والسّنة خالياً عن المعارض، وهو ظاهر الأكثر ومنهم المصنّف في البيان، فإنّهم يكتفون بإمكان الاجتماع مع باقي الشرائط.

وربّما عبّروا عن حكمها حال الغيبة بالجواز تارةً وبالاستحباب اُخرى، نظراً إلى إجماعهم على عدم وجوبها حينئذٍ عيناً، وإنّما تجب على

ص: 68

تقديره تخييراً بينها وبين الظّهر، لكنّها عندهم أفضل من الظّهر، وهو معنى الاستحباب، بمعنى أنّها واجبةٌ تخييراً، مستحبةٌ عيناً، كما في جميع أفراد الواجب المخيّر إذا كان بعضها راجحاً على الباقي، وعلى هذا ينوي بها الوجوب وتجزي عن الظّهر، وكثيراً ما يحصل الالتباس في كلامهم بسبب ذلك حيث يشترطون الإمام، أو نائبه في الوجوب إجماعاً، ثمّ يذكرون حال الغيبة ويختلفون في حكمها فيها فيُوهم أنّ الإجماع المذكور يقتضي عدم جوازها حينئذٍ بدون الفقيه، والحال أنّها في حال الغيبة لا تجب عندهم عيناً، وذلك شرط الواجب العيني خاصة، ومن هنا ذهب جماعةٌ من الأصحاب إلى عدم جوازها حال الغيبة لفقد الشّرط المذكور، ويُضعَّف بمنع عدم حصول الشّرط أوّلاً لإمكانه بحضور الفقيه، ومنع اشتراطه ثانياً لعدم الدّليل عليه من جهة النّص فيما علمناه.

وما يظهر من جعل مستنده الإجماع فإنّما هو على تقدير الحضور، أمّا في حال الغيبة فهو محل النّزاع، فلا يُجعَلُ دليلاً فيه مع إطلاق القرآن الكريم بالحثّ العظيم المؤكّد بوجوه كثيرة مضافاً إلى النّصوص المتظافرة على وجوبها بغير الشّرط المذكور، بل في بعضها ما يدلّ على عدمه، نعم يعتبر اجتماع باقي الشّرائط ومنه الصّلاة على الأئمة ولو إجمالاً، ولا ينافيه ذكر غيرهم. ولو لا دعواهم الإجماع على عدم الوجوب العيني لكان القول به في غاية القوة، فلا أقلّ من التخييري مع رجحان الجمعة(1).

ص: 69


1- «الرّوضة البهية فی شرح اللمعة الدّمشقية» ج1/120 - 123.

أمّا الشيخ محمّد حسن النّجفي رحمه الله صاحب (الجواهر) فقد أطال الكلام في نقل بيان أقوال الفقهاء العظام في وجوب هذه الصّلاة أوحرمتها في زمان الغيبة، ثمّ ذهب إلی عدم وجوبها عيناً وثبوتها تخييراً(1).

وقال الإمام الخميني قدس سره في (التحرير):

مسألة 1 - تجب صلاة الجمعة في هذه الأعصار مخيراً بينها وبين صلاة الظّهر، والجمعة أفضل والظّهر أحوط، وأحوط من ذلك الجمع بينهما، فمن صلّى الجمعة سقطت عنه صلاة الظّهر على الأقوى، لكن الأحوط الإتيان بالظّهر بعدها، وهي ركعتان كالصّبح.

مسألة 2 - من ائتمّ بإمام في الجمعة جاز الاقتداء به في العصر، لكن لو أراد الاحتياط أعاد الظّهرين بعد الائتمام إلّا إذا احتاط الإمام بعد صلاة الجمعة قبل العصر بأداء الظّهر، وكذا المأموم، فيجوز الاقتداء به في العصر ويحصل به الإحتياط.

مسألة 3 - يجوز الاقتداء في الظّهر الاحتياطي، فإذا صلّوا الجمعة جاز لهم صلاة الظّهر جماعةً احتياطاً، ولو ائتمّ بمن يصلّيها احتياطاً من لم يصلّ الجمعة لا يجوز له الاكتفاء بها، بل تجب عليه إعادة الظهر(2).

وأمّا السّيد المحقّق الخوئي رحمه الله علی ما في تقريراته علی (العروة الوثقی) للسّيد اليزدي رحمه الله فذهب إلی أنّه لا وجه للقول بوجوب صلاة الجمعة تعييناً، ولا للقول بعدم مشروعيتها في عصر الغيبة، بل حكمها الوجوب التخييري، إلّا أنّه إذا اُقيمت الجمعة في الخارج بما لها من الشّرو،ط فمقتضى بعض الأخبار هو

ص: 70


1- راجع: «جواهر الكلام» ج11/151 - 193.
2- «التّحرير الوسيلة» ج1/231، المسألة 1 و 2 و 3 من مباحث «البحث في صلاة الجمعة».

وجوبها تعييناً حينئذٍ، وهو لو لم يكن أقوى فلا أقلّ من أنّه أحوطٌ، فمقتضى الاحتياط الوجوبي هو الحضور، ثمّ إنّه نظر في خاتمة كلامه في حكم المسألة علی ما هو مقتضی الاُصول العمليّة، وحيث إنّ كلامه رحمه الله مشتملٌ علی نقل الأقوال والمحتملات في المسألة ونقدها، فنذكره فيما يلي بتمامه علی ما هو من التّفصيل والتّطويل، فإنّه قال:

القول في صلاة الجمعة: وهذه هي المسألة الّتي وقعت معركة الآراء منذ عهد بعيد، وحيث إنّ الماتن رحمه الله قد أهمل فيها الكلام ولم يتعرّض لصلاة الجمعة أصلاً، فنرى من المناسب جداً أن نتعرّض لها أوّلاً ثم نعقّبها بالكلام على الصّلوات اليومية إن شاء اللّه، فنقول ومن اللّه نستعين: الأقوال في المسألة ثلاثةٌ:

أحدها: إنّ المتعيّن يوم الجمعة صلاة الظّهر، وصلاة الجمعة غير مشروعة في عصر الغيبة فلا تجزي عن الظّهر.

ثانيها: إنّ الواجب يوم الجمعة صلاة الجمعة تعييناً.

ثالثها: إنّ المكلّف يتخيَّر يوم الجمعة بين الظّهر والجمعة.

وهذا الاختلاف منهم (قدس اللّه أسرارهم) إنّما هو بعد تسالمهم على وجوب صلاة الجمعة ومشروعيّتها في الجملة، أعني عصر الحضور فيما إذا أقامها الإمام علیه السلام أو من نصبه لذلك خاصّةً، بل إنّ وجوبها بهذا المعنى - أعني وجوبها إجمالاً - من ضروريات الدّين ولم يخالف فيها أحدٌ من المسلمين، إلّا أنّهم بعد اتفاقهم على وجوبها التعييني مع الإمام علیه السلام أو من نصبه لذلك اختلفوا في أنّها عند عدم حضور الإمام علیه السلام أو المنصوب الخاصّ من قِبَلِه هل تبقى على وجوبها التعييني كما في عصر الحضور؟ أو يشترط في وجوبها ومشروعيتها حضوره علیه السلام أو منصوبه الخاصّ لذلك فلا تكون مشروعةً في عصر

ص: 71

الغيبة بل المتعيّنحينئذٍ صلاة الظّهر يوم الجمعة، أو أنّ المنتفي في عصر الغيبة هو الوجوب التعييني فقط دون مشروعيتها؟

ونتيجة ذلك هو القول بالوجوب التخييري عند عدم حضوره علیه السلام أو المنصوب الخاصِّ من قِبَله.

المشهور عند فقهائنا (قدس الله أسرارهم) عدم وجوب الجمعة تعييناً، بل ذكروا أنّه ممّا لا خلاف فيه عند القدماء، بل الظاهر من كلماتهم عدم مشروعية الجمعة في عصر الغيبة لاشتراطهم في مشروعيتها حضوره علیه السلام أو من نصبه لذلك مدّعين عليه الإجماع في كلماتهم كثيراً، والقول بذلك هو المحكی عن الشيخ في الخلاف، وابن زهرة في الغنية، والمحقّق في المعتبر، والعلّامة في التّحرير والمنتهى والتّذكرة، والشّهيد في الذّكرى، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد، وغيرهم في غيرها. وعن الشّهيد الثاني ذهابه إلى القول الثاني في رسالته الّتي وضعها في هذه المسألة، وقد اختاره صاحب المدارك قدس سره وتبعهما على ذلك جماعةٌ من المتأخّرين.

نعم حكی عن الشّهيد أيضاً القول بالتّخيير في المسألة على خلاف ما ذكره في رسالته. واستظهر صاحب الجواهر (طاب رمسه) أنّ الشّهيد قدس سره كتب تلك الرّسالة حال صغره وأبان شبابه، وعلّله بقوله: «لما فيها من الجرأة الّتي ليست من عادته على أساطين المذهب وكفلاء أيتام آل محمد علیهم السلام وحفَّاظ الشّريعة ولما فيها من الاضطراب والحشو الكثير ولمخالفتها لما في باقي كتبه من الوجوب التخييري، ونسأل اللّه أن يتجاوز له عمّا وقع فيها وعمّا ترتَّب عليها من ضلال جماعة من النّاس»، انتهى. هذا، والصّحيح من تلك الأقوال هو القول الثالث، أعني الوجوب التخييري الّذي ذهب إليه الشّهيد الثاني قدس سره في باقي كتبه - غير الرّسالة - على ما نسبه إليه صاحب الجواهر قدس سره في كلامه المتقدم

ص: 72

نقله. ومرجعه إلى أنّ حضوره علیه السلام أو من نصبه لإقامة الجمعة ليس بشرط في مشروعيّتها، وإنّما يُشتَرَط في وجوبها إذا قلنا في المقام دعويان:

الدعوى الاُولى: أنّ صلاة الجمعة ليست واجبةً تعيينيةً عند عدم حضور الإمام علیه السلام أو من نصبه لذلك.

الدعوى الثانية: أنّ حضوره علیه السلام أو المنصوب الخاص من قِبَله شرطٌ لوجوبها لا لمشروعيَّتها، فهي مشروعةٌ في عصر الغيبة ومجزئةٌ عن الظّهر، ونتيجة هذا هو الوجوب التخييري لا محالة.

أمّا الدّعوى الاُولى، فلا بُدّ لنا في إثباتها وتدعيمها من التعرّض للأدلّة المستدل بها على وجوب صلاة الجمعة تعييناً، فإذا أثبتنا بُطلانها ظهر بطلان القول بالوجوب التعييني لا محالة لأنَّه أمرٌ يحتاج إلى دليل، والمفروض عدم استقامته، فنقول: استدلّ القائل بالوجوب التعييني في المسألة بوجوه من الكتاب والسّنة.

الاستدلال بالكتاب:

أمّا الكتاب فبقوله عزَّ من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) فإنّها دلّت على وجوب السّعي إلى ذكر اللّه سبحانه عندما يُنادَى للصّلاة يوم الجمعة بقول المؤذّن: (حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ) أو بغيره، وليس ذكر اللّه يوم الجمعة بحيث يجب السّعي إليه يوم الجمعة إلّا صلاة الجمعة، فإنّ المنصرف من الآية المباركة بعد تخصيص الحكم بيوم الجمعة - دون سائر الأيّام - إرادة صلاة الجمعة من ذكر اللّه، لا مطلق الصّلاة، وقد قرّرنا في محله ظهور الأمر في الوجوب التعييني ما لم يثبت غيره بدليل.

ص: 73

نعم، لا خصوصية للأوامر القرآنية في الظّهور في الوجوب، كما ذكره صاحب الحدائق قدس سره، حيث قال: ولا سيّما الأوامر الكتابيَّة، إذ لا نعرف لها خصوصيةً في ذلك.

فكيف كان، فيثبت بالآية المباركة وجوب صلاة الجمعة تعييناً على كلّ مكلّف في كلّ زمان لأنّه خطابٌ عامّ يشمل الأفراد والأزمنة حتّى يقوم دليلٌ على خلافها.

والجواب عن ذلك أنّ الآية المباركة لا دلالة لها على الوجوب التعييني بوجه، وذلك أمّا أوّلاً: فلأنّها قضيةٌ شرطيةٌ وقد عُلِّقَ فيها وجوب السَّعي إلى الصّلاة على النّداء إليها، فقال عزّ من قائل: (إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ)، ومعنى ذلك أنّه متى ما تحقّقت إقامة الجمعة في الخارج في نفسها ونُودي إليها وجب السّعي نحوها، وأمّا أنّ النّداء إليها وإقامتها واجبان مطلقاً على كلّ مكلّف - كما هو المدّعى - فلا يستفاد منها أبداً، بل مقتضى المفهوم المستفاد من الجملة الشّرطيّة عدم وجوب صلاة الجمعة إذا لم يناد إليها ولم يتحقّق إقامتها، ويدلّ على ذلك قوله تعالى: (وإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَو لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْو ومِنَ التِّجارَةِ واللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) فإنّ المستفاد من تلك الآية أنّ السّعي نحو الصّلاة إنّما يُطلب حالَ كونه صلی الله علیه و آله و سلم قائماً للصلاة أو للخطبة، أي حالما اُقيمت الصّلاةُ في نفسها وانعقدت خارجاً، وأنّ السّعي حالئذٍ مرغوبٌ فيه للشَّارع، وتركهم لها وهو صلی الله علیه و آله و سلم قائمٌ لها واشتغالهم باللّهو والتّجارة مذمومٌ لَدَى اللَّه سُبحانه، فلا ذَمّ على تركهم لها إذا لم يكن صلی الله علیه و آله و سلم قائماً بها، ومعه كيف يمكن أن يستفاد منها أنّ إقامتها واجبةٌ في نفسها؟

وأمّا ثانياً: فلأنّ السّعي بمعنى السّير السّريع والإسراع في المشي، كالعدو والرّكض، فالآية تدلّنا على وجوب السّرعة عند الأذان والنّداء

ص: 74

للصّلاة يوم الجمعة، ومقتضى المناسبة بين الحكم وموضوعه أنّ المراد بالذِّكر فيها هو الخطبة الّتي كان يلقيها رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم قبل الصّلاة موعظةً وإرشاداً للنّاس وتخويفاً لهم من عذاب اللّه سبحانه، لا أنّ المراد به هو الصّلاة نفسها.

والوجه في هذه المناسبة أنّ صلاة الجمعة غير مترتبة على النّداء، لوضوح أنّ بينه وبينها فاصلاً وهو الخطبة وأنّ وقت صلاة الجمعة يمتدّ إلى زمان الركوع، فلا يجب الإسراع إليها إلّا إذا بلغ الإمام الركوع، وخاف المكلّف أن لا يدركه وهو راكع، بحيث لو أدركه وهو كذلك أي راكعٌ لأجزأه من غير كلام.

فإرادة الصّلاة من الذّكر لا يلائم تفريع السّعي على النّداء في الآية المباركة، لما عرفت من أنّ الإسراع إليها غير واجبٍ عند النّداء، ويجوز التَّأخير عن الحضور إلى أن يركع الإمام، ولأجل ذلك لا يمكننا إرادة الصّلاة من الذّكر المأمور بالسّعي إليه، وبه يُستكشَف أنّ المراد به الخطبة والأمر بالإسراع في المشي عند النّداء إنّما هو لأجل سماع الخطبة لما فيها من الموعظة والإرشاد، بقرينة ما قدّمناه من أنّ الحضور للخطبة غير واجب من غير خلاف. وبهذه القرينة يُحمل الأمر بالإسراع في الآية المباركة على الاستحباب، فلا دلالة له على الوجوب.

ويدلّنا على ذلك قوله عزّ من قائل: (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ)، فإنّ الخير للتّفضيل - لا أنّه في مقابل الشرّ - فلا يُستعمل إلّا فيما إذا كان كلا الطرفين حسناً في نفسه غير أنّ أحدهما أحسن من الآخر، فمعنى الآية أنّ التّجارة وإن كانت ذات منفعة ماليّة وقد يترتّب عليها فعل محبوب اُخروي إلّا أنّ السّعي إلى ذكر اللّه وما عند اللّه من الجزاء الدائم، والثّواب الباقي خيرٌ من تلك المنفعة الماليّة، ومن اللّهو والالتذاذ النّفسي الّذي يطرؤه الفناء ويتعقّبه الزّوال بعد قليل.

ص: 75

ويشهد على أنّ لفظة الخير مستعملةٌ للتّفضيل - لا في مقابل الشرّ - تتبُّع موارد استعمالاتها في القرآن الكريم لأنّك إذا لاحظتها رأيت بوضوح أنّها كثيراً ما يُستعمل بمعنى الأفضل والأحسن عند اشتمال كلا الطّرفين على الحسن في نفسه، ولا سيما إذا كانت مستعملة مع الإضافة كخير الرّازقين أو خير الرّاحمين، أو مع كلمة (من) كما في قوله عزّ من قائل: (ولَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) لبداهة أنَّ كلا من الحياتين ذات خير ومنفعة، غير أنّ الآخرة أحسن لبقائها ودوامها.

فإذا كان الخير بهذا المعنى في الآية المباركة لم تكن فيها أيّة دلالة على وجوب صلاة الجمعة تعييناً، فإنّ هذا التّعبير لسان الاستحباب لأنّه المناسب له دون الوجوب لأنّه لوكان أمراً حتميّاً وواجباً على المكلّفين لكان من المناسب، بل اللازم أن يحذّرهم عن تركها ويرتّب عليه الذمّ والعذاب أو غير ذلك ممّا يدلّهم على وجوبها، لا أن يكتفی بقوله: (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ).

نعم قد يُستعمل الخير في موارد الوجوب كما في قوله تعالى: (وأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)، ولكن ذلك إنّما ثبت من الخارج بالدليل، وإلّا فكلمة خير في نفسها - في اللغة العربيّة وما يراد فيها من سائر اللّغات - ظاهرةٌ في الاستحباب كما ذكرناه.

وعلى الجملة إنّ الآية لا دلالة لها على الوجوب وإنّما يدلّنا الأمر فيها بالسّير السّريع على الحث والتّرغيب لسماع الخطبة لاشتمالها على المواعظ والإرشاد، هذا على أنّا لو تنازلنا عن ذلك وسلّمنا أنّ المراد بالذّكر في الآية المباركة هو الصّلاة كان الأمر بالسّعي أيضاً محمولاً على الاستحباب، لما أشرنا اليه ويأتي من امتداد وقت الحضور والاشتراك في صلاة الجمعة إلى زمان الرّكوع بحيث لو أدركها والإمام راكعٌ كفی في صحّتها، فلا يجب السّعي إلى صلاة الجمعة بمجرد

ص: 76

النّداء، ولا قائل بوجوب السّعي في نفسه، وإنّما القائل يدّعي وجوب الحضور للصّلاة، وقد عرفت أنّه موسّعٌ إلى زمان الركوع والإسراع غير واجب فيه، فلا مناص من حمل الأمر بالسّعي إليها على الاستحباب.

ويرشدنا إليه ذيل السورة المباركة أيضاً: (قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْو ومِنَ التِّجارَةِ واللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) بالتّقريب المتقدّم آنفاً ولا نعيده.

وبقوله عزّ من قائل: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ والصَّلاةِ الْوُسْطى) بدعوى أنّ المراد بالصّلاة الوسطى صلاة الجمعة يوم الجمعة، وصلاة الظّهر في غيرها. وقد أمرنا اللّه سبحانه بالمحافظة عليها زائداً على وجوب المحافظة على مطلق الصلوات.

وهذا الاستدلال عجيبٌ، ومن هنا لم يتصدّ المحقق الهمداني قدس سره للجواب عنه ولم يعتن به وإنّما اكتفى بقوله: «وفي الاستدلال بهما ما لا يخفی»، والحقُّ معه، لأنّ الصّلاة الوسطى قد فُسّرت في رواياتنا بصلاة الظّهر وفي بعض القراءات بصلاة العصر، وحملت على التقية كما في الوسائل، إذا يدور أمرها بين أن يراد منها الظهر أو العصر، ولم يرد تفسيرها بصلاة الجمعة في شي ءٍ من الرّوايات.

نعم، روى الطبرسي في مجمع البيان عن عليّ علیه السلام أنّ صلاة الوسطى صلاة الجمعة يوم الجمعة، وصلاة الظّهر في سائر الأيّام، إلّا أنّها غير قابلة للاعتماد عليها لإرسالها، فلا دليل على تفسيرها بصلاة الجمعة بوجه.

على أنّه لا يسعنا الاستدلال بها على لزوم صلاة الجمعة ووجوب إقامتها وإن فَسّرناها بصلاة الجمعة، لأنّ الأمر بالمحافظة على شيء إنّما يصحّ بعد وجوبه في نفسه إذا يكون الأمر بالمحافظة إرشاداً إلى لزوم الإتيان بصلاة الجمعة وأهميّتها حيث ذكرت بالخصوص بعد ذكرسائر الصّلوات والأوامر الإرشاديّة، لا دلالة لها على الوجوب - فضلاً

ص: 77

عن سعته وضيقه - كما هو الحال في أوامر الطّاعة، فإنّ الوجوب أو الاستحباب في الأوامر الإرشاديّة إنّما يستفادان من الخارج ويتّبعان أدلّتهما. فكما أنّ الآية المباركة غير ناظرة إلى الأجزاء والشّرائط وسائر الكيفيّات المعتبرة في صلاة الجمعة من العدد والحريّة والذكوريّة وغيرها من دون خلاف، كذلك لا تعرض لها لكونها واجبةً في أيّ عصر وأنّ وجوبها يختصّ بزمان الحضور أو يعمّ عصر الغيبة أيضاً، فلايمكن استكشاف شيء من ذلك من الآية المباركة بوجه، وعلى الجملة لم يدلّنا دليلٌ على أنّ الوسطى هي صلاة الجمعة، وعلى تقدير التنازل لا دلالة للآية على وجوبها وأنّه يختصّ بزمان الحضور أو يعمّ عصر الغيبة. هذا كلّه في الاستدلال بالكتاب.

الاستدلال بالسّنة.

وأمّا السّنة، فقد استدلّوا بطوائف من الأخبار، وهي الكثيرة بمكان ومتجاوزة عن حدّ الاستفاضة بلا ريب، وقد أنهاها بعضهم إلى مائتي حديث، فقال: «فالّذي يدلّ على الوجوب بصريحه من الصّحاح والحسان والموثّقات وغيرها أربعون حديثاً، والّذي يدلّ بظاهره على الوجوب خمسون حديثاً، والّذي يدلّ على المشروعيّته في الجملة أعمّ من أن يكون عينيّاً أو تخييرياً تسعون حديثاً، والّذي يدلّ بعمومه على وجوب الجمعة وفضلها عشرون حديثاً، ولا يبعد دعوى تواترها، بل لا شبهة في تواترها الإجمالي للقطع بصدور بعضها عن المعصوم علیه السلام وعدم مخالفة جميعها للواقع». وبهذا نستغني عن التّكلّم على أسنادها بحيث لو تمّت دلالتها على هذا المدّعى ولم يكن هناك ما يمنع عن هذا الظّهور لم يكن أيّ مناص من الالتزام بوجوب صلاة الجمعةتعييناً، بل الأمر كذلك حتّى لو أنكرنا تواترها لكفاية ما فيها من الاخبار الصّحيحة والموثّقة، فلا مجال للتّشكيك فيها بحسب السّند.

ص: 78

وإليك نبذةٌ من الأخبار:

منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام، قال: «إنَّما فرض اللَّه عزَّ وجلَّ على النَّاس من الجمعة إلى الجمعة خَمساً وثلاثين صلاة، منها صلاةٌ واحدةٌ فرضها اللَّه عزَّ وجلَّ في جماعةٍ وهي الجمعة، ووضعها عن تسعةٍ: عن الصَّغير، والكبير، والمجنون، والمسافر، والعبد، والمرأة، والمريض، والأعمى، ومن كان على رأس فرسخين». ولا كلام في سندها، وأمّا دلالتها على وجوب الجمعة تعييناً فقد نوقش فيها بأنّها ناظرةٌ إلى بيان الصّلوات الواجبة من الجمعة إلى الجمعة، وأنّ عددها يبلغُ خمساً وثلاثين صلاة، ولم ترد لبيان الشّروط وسائر الكيفيّات المعتبرة فيها، ولا نظر لها إلى أنّها واجبةٌ في أيّ عصر وأنّها مشروطةٌ بوجود الإمام أو المنصوب الخاصّ من قِبَلِه، وأنّ الإمام تعتبر فيه العدالة، وأنّ عددهم لابدّ أن يكون خمسةً أو سبعةً فما فوق، أو غير ذلك من القيود والشّروط؛ ومعه لا يمكننا التمسّك بإطلاقها لإثبات وجوب صلاة الجمعة مطلقاً حتّى في عصر الغيبة، ودفع كلّما يشكّ في اعتباره فيها من القيود.

فالصحيحة إنّما سيقت لبيان أنّ صلاة الجمعة واجبةٌ في الجملة، وحالها حال ما إذا دلّ دليلٌ على أنّ الغسل يجب في سبعة موارد - مثلاً - فكما أنّه غير ناظر بالطّبع إلى بيان الكيفيّة المعتبرة في غسل الجنابة أو غيرها وأنّها تتحقّق بأيّ شيء ولا يمكن التمسّك بإطلاقه لدفع ما يشكّ في اعتباره فيه من القيود، فكذلك الحال في هذه الصحيحة، وقد تقدّم أنّ وجوب صلاة الجمعة - في الجملة - من الضّروريات الّتي لا تقبلالمناقشة، والصحيحة وردت لبيان هذا الأمر الضّروري الّذي لا خلاف فيه.

ص: 79

والّذي يوضّح ما ذكرناه هو أنّا لو شككنا في اعتبار شيء في غير الجمعة من الصّلوات، كما إذا شككنا أنّ السّورة جزءٌ في صلاة الظّهر أو العصر أو غيرهما، لا يمكننا أن نتمسّك في دفعه بإطلاق هذا الحديث، بدعوى أنّ قوله علیه السلام: «إنَّما فرض اللَّه عزّ وجلّ على النَّاس...» مطلقٌ، وهذا لا وجه له سوى ما قدّمناه من أنّها غير واردة لبيان القيود وسائر الكيفيّات المعتبرة في الفرائض، فلا إطلاق لها من هذه الجهة، فإذا شككنا في أنّ حضور الإمام علیه السلام شرطٌ في وجوب صلاة الجمعة، لم يمكننا التّمسّك بإطلاق هذه الصّحيحة لدفع شرطيَّته، كذا نوقش في دلالتها.

والتّحقيق أنّ المناقشة غيرُ واردة على دلالتها، والوجه فيه أنّ الشّك قد يرجع إلى أجزاء المأمور به وشرائطه، ولا ينبغي التّردد في أنّ الصّحيحة غير ناظرة إلى القيود والكيفيّات المعتبرة في الصّلاة، فلا يمكن دفع ما يشكّ في اعتباره فيها بإطلاق الصّحيحة كما تقدّم.

وقد يرجع الشّك إلى أصل الوجوب والتكليف وأنّهما يعمّان جميع المكلّفين في كلّ عصر أو يخصّان طائفةً دون اُخرى، أعني من عنده الإمام أو المنصوب من قبله، فلا وجوب لمن لم يدركه علیه السلام ولم يكن عنده منصوبٌ خاصٌ من قبله.

وهذا الشّك يندفع بالعموم الوارد في الصحيحة، وهو قوله علیه السلام: «إنَّما فرض اللَّه عزّ وجلّ على النَّاس...» فإنّ (النَّاس) جمعٌ محلّى باللام، وهو من أداة العموم، وبعمومها يثبت أنّ وجوب صلاة الجمعة كغيرها من الصّلوات الواجبة في الحديث يعمّ كلّ مكلّف في كلّ حين بلا فرق في ذلك بين عصري الغيبة والحضور، وليس هذا الاستدلال - كما ترى- بإطلاق الصّحيحة ليردّ أنّه يتوقف على أن يكون المتكلّم في مقام

ص: 80

البيان، وليست الصّحيحة بصدد البيان من تلك الجهة، فدلالة الصّحيحة ممّا لا ينبغي الإشكال فيه.

ويشهد لما ذكرناه، زائداً على أنّه المستفاد من العموم، أنّه علیه السلام لم يستثن في الصّحيحة ممّن كلّف بصلاة الجمعة إلّا الطّوائف التّسع، ولم يعدّ علیه السلام منهم من ليس عنده الإمام علیه السلام أو المنصوب الخاصّ من قِبَلِه، فلو كان هناك شرطٌ آخرٌ للوجوب ككون المكلّف في عصر الحضور للزم أن يُنَبِّهَ عليه ويستثنی من لم يكن واجداً له، ومعه يزيد عدد المستثنين في الصّحيحة عن التّسع.

وأصرح من هذه الصّحيحة ما ورد في صحيحة اُخری لزرارة - كما يأتي قريباً- من قوله علیه السلام: «وذلك سُنةٌ إلى يومِ القيامة» لأنّها صريحةٌ في أنّ وجوب الجمعة غير مختصّ بعصر دون عصر، بل تجب على كلّ مكلّف في كلّ حين، وهذا مؤكِّدٌ لما ذكرناه من دلالة الصّحيحة على وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة.

ومنها صحيحة أبي بصير ومحمّد بن مسلم جميعاً عن أبي عبد اللَّه علیه السلام، قال: «إنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ فرض في كُلِّ سبعة أيامٍ خَمساً وثلاثين صلاةً، منها صلاةٌ واجبةٌ على كُلِّ مُسلِمٍ أن يشهدها، إلّا خمسة: المريض والمملوك والمسافر والمرأة والصَّبي» وسندها صحيحٌ، ودلالتها بالعموم الوضعي على وجوب الجمعة لكلّ مسلم إماماً كان أو مأموماً أوضح من سابقتها.

ومنها صحيحة ثانية لزرارة عن أبي جعفر الباقر علیه السلام قال: «صلاة الجمعة فريضةٌ والاجتماع إليها فريضةٌ مع الإمام، فإن ترك رجلٌ من غير علِّةٍ ثلاث جُمَعٍ فقد ترك ثلاث فرائض، ولا يَدَعُ ثلاث فرائض من غير علّةٍ إلّا منافق».

ص: 81

ومنها صحيحة أبي بصير ومحمَّد بن مسلم، قالا: سمعنا أبا جعفر محمد بن عليٍّ علیه السلام يقول: «من ترك الجمعة ثلاثاً متواليات بغير علّةٍ طبع اللَّه على قلبه» وهو من أوصاف المنافقين وكناية عن كون ذلك موجباً للعصيان، وسندها صحيحٌ فإنّ محمّد بن عيسى بن عبيد وإن كان قد استثناه الصّدوق عن رجال نوادر الحكمة تبعاً لشيخه ابن الوليد إلّا أنّه ممّن وثّقه النّجاشي وابن نوح، وقال: «إنّ أصحابنا يقولون: من مثل أبي جعفر محمد بن عيسى؟ فالسّند صحيحٌ». مضافاً إلى أنّ الشّيخ قد نقل هذه الرواية - في تهذيبه - باختلاف يسيرٍ في ألفاظها، وسند صحيح وليس فيه محمّد بن عيسى بن عبيد، كما هو ظاهر.

ومنها صحيحةٌ ثالثةٌ لزرارة، قال: قال أبو جعفر علیه السلام: «الجمعة واجبةٌ على من إن صلّى الغداة في أهله أدرك الجمعة، وكان رسول اللَّه صلی الله علیه و آله و سلم إنَّما يُصلّي العصرَ في وقت الظُّهر في سائر الأيام كي إذا قضوا الصَّلاة مع رسول اللَّه صلی الله علیه و آله و سلم رجعوا إلى رحالهم قبل اللَّيل، وذلك سنةٌ إلى يوم القيامة».

منها غير ذلك من النّصوص وقد قدّمنا أنّها تامّة السّند والدّلالة في نفسها.

الجواب عن الرّوايات:

ومع هذا كلّه، لا يسعنا الحكم بوجوب الجمعة تعييناً، ولا مناص من حمل الأخبار الظّاهرة في ذلك على الوجوب التخييري، لأنّ دلالتها على وجوب صلاة الجمعة وإن كانت تامّة - كما مرّ وذكرنا أنّها دلالة لفظية وبالعموم - إلّا أنّ كونه وجوباً تعيينياً غير مستند إلى اللّفظ وإنّما يثبت بالإطلاق ومقدمات الحكمة باعتبار أنّ لفظ الواجب أو الفريضة وأشباههما إنّما يكون ظاهراً في التعييني فيما إذا أطلق، ولم يقيّد بما يدلّ على عدل آخر له، فإنّ التخييري هو المحتاج إلى مؤونة البيان ولو

ص: 82

بمثل إذا لم يأت بعدله. فإذا كان الحال كما عرفت، فلا مناص من رفعاليد عن إطلاق الروايات الواردة في المقام وحمله على التخييري لوجوه صالحة للقرينية والمانعية عن الأخذ بظواهرها، أعني الوجوب التعييني.

الوجوه الصالحة للمانعية:

منها: أنّ صلاة الجمعة لو كانت واجبةً تعيينيّةً لشاع ذلك وذاع، ولكان من المسلّمات الواضحات نظير غيرها من الفرائض اليومية، فإنّ حال صلاة الجمعة وقتئذٍ حال الفرائض اليوميّة بعينها ولم يكن لإنكار وجوبها سبيل ولم يكد يخفی على أحد من المسلمين فضلاً عن العلماء المحققّين والباحثين، لوضوح أنّها من المسائل عامّة البلوى، والنّصوص فيها كثيرةٌ متظافرةٌ، بل لا تبعد دعوى تواترها كما مرّ، ومعه كيف ساغ لفقهائنا الأعلام (قدس اللَّه أسرارهم) أن ينكروا وجوبها، بل قد عرفت تسالم الفقهاء الأقدمين على عدمه ولم ينقل القول بالوجوب التعييني من أحد منهم في المسألة على اختلاف آرائهم في مشروعيتها في عصر الغيبة وعدمها، فإنّ المحكي عن الشّيخ قدس سره جوازها، وعن ابن إدريس وسلّار حرمتها وعدم مشروعيتها كما اختاره بعض المتأخّرين، أفلم تصل إليهم ما وصلت بأيدينا من الأخبار المتقدمة على كثرتها؟! ولا سيّما من روى لنا هذه كالشّيخ وغيره ممّن لا يحتمل غفلته وعدم عثوره عليها، كيف وهي بمرأى ومسمع منهم (قدس اللّه أسرارهم)، وقد ملؤوا كتبهم وطواميرهم من تلك الأحاديث، ومع هذا يدّعي الشّيخ قدس سره الإجماع على عدم وجوب الجمعة تعييناً كما ادّعاه غيره كصاحب الغنية وابن إدريس وغيرهم، فهل تراها غائبة عن أنظارهم أو تحتمل أنّهم أفتوا بجواز ترك فريضة من فرائض اللَّه سبحانه - على جلالتهم وعظمتهم -؟! ومع هذا التّسالم كيف يمكننا الأخذ بظاهر

ص: 83

الأخبار وإطلاقها، بل يدلّنا هذا على عدم كون الجمعة واجبةً تعيينيّة،إذا لا مناص من حمل تلك النّصوص على الوجوب التخييري وأفضل الفردين.

منها أنّ صلاة الجمعة لو كانت واجبةً تعيينيّة فلماذا جرت سيرة أصحابهم علیهم السلام على عدم إقامتها في زمانهم على جلالتهم في الفقه والحديث، فهل يحتمل أن يكونوا متجاهرين بالفسق لتركهم واجباً تعيينيّاً في حقّهم وفريضةً من فرائض اللَّه سبحانه؟! فكيف أهملوا ما وجب في الشّريعة المقدسة ولم يعتنوا بالأخبار الّتي رووها بأنفسهم عن أئمتهم علیهم السلام ولم يعملوا على طبقها؟!

والّذي يدلّنا على جريان سيرتهم على ترك الجمعة - مضافاً إلى أنّه لم ينقل إلينا إقامتهم لصلاة الجمعة في تلك الأعصار فإنّهم لو كانوا أقاموها لنقل إلينا لا محالة وظهر وبان - نفس الرّوايات الواردة عنهم علیهم السلام . فهذه صحيحة زرارة قال: حثّنا أبو عبداللَّه علیه السلام على صلاة الجمعة حتّى ظننت أنّه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدو عليك؟ فقال: «لا، إنّما عنيت عندكم»، وموثقة عبد الملك بن أعين - وهو أخو زرارة - عن أبي جعفر علیه السلام قال: قال: «مثلك يهلك ولم يُصَلِّ فريضةً فرضها اللّهُ؟!، قال: قلت: كيف أصنع؟ قال: صَلُّوا جماعةً»، يعنی صلاة الجمعة.

فإنّ الرّواية الاُولى صريحةٌ في أنّ زرارة - على جلالته - لم يكن يصلِّي صلاة الجمعة، فلو كانت واجبةً تعيينيّة كيف أمكن أن يخفى على مثله؟! فلو كان عالماً بها وغير مخفيّة عليه فكيف يحتمل أن يكون تاركاً فريضةً من فرائض اللَّه سبحانه جهراً مع ما ورد في شأنه وشأن نظرائه من المدح والثّناء من أنّهم أُمناء اللَّه على حلاله وحرامه، وأنّه لو لاهم لانقطعت آثار النّبوّة، وأنَّهم السّابقون إلينا في الدُّنيا والآخرة إلى غير ذلك ممّا ورد في حقّهم؟ فمن جريان سيرته على عدم إقامتها - وهو

ص: 84

الرّاوي لجملة من الأخبار الظَّاهرة في الوجوب - نستكشف كشفاً قطعياً أنّ صلاة الجمعة ليست واجبةً تعيينيّةً.

على أنّ الحثّ والتّرغيب إنّما يناسبان الاُمور المستحبة، وأمّا الواجبات فلا مجال فيها لهما بوجه، بل اللازم فيها التّوبيخ على تركها والتّحذير على مخالفتها بالوعيد، فهذا اللّسان لسان الاستحباب دون الوجوب.

كما أنّ الظّاهر من الموثّقة أنّ عبد الملك - على ما هو عليه من الجاه والمقام - لم يصلّ صلاة الجمعة طيلة حياته ولو مرّةً واحدةً حتّى صار بحيث وبّخه الإمام علیه السلام بقوله: «مثلك يهلك ولم يُصَلِّ فريضةً فرضها اللَّه!» فهاتان الرّوايتان المعتبرتان دلّتا على أنّ أصحاب الأئمة علیهم السلام جرت سيرتهم على ترك صلاة الجمعة إلى أن وبّخهم علیه السلام أوحثّهم عليها. (إلی أن قال السيّد الخوئي:) وكيف كان، فقد استفدنا من الرّوايات الواردة أنّ سيرة أصحاب الأئمة علیهم السلام كانت جاريةً على ترك الجمعة، ولا يرضى القائل بالوجوب باحتمال أنّ أصحابهم علیهم السلام على كثرتهم وجلالتهم كانوا تاركين لواجب أهمّ، بل متجاهرين بالفسق وترك فريضة من فرائض اللَّه سبحانه، وهذا دليلٌ قطعي على أنّ صلاة الجمعة ليست بواجبة تعيينيّة.

ومنها الأخبار الواردة في عدم وجوب الحضور لصلاة الجمعة على من كان بعيداً عنها بأزيد من فرسخين، وقد عدّ هذا من جملة المستثنيات في بعض الصّحاح المتقدمة كما في صحيحة زرارة المتقدمة، وصحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللَّه علیه السلام عن الجمعة، فقال: «تجب على كُلِّ مَن على رأس فرسخين، فإن زاد على ذلك فليس عليه شيء»، والوجه في دلالتها على عدم وجوب الجمعة تعييناً أنّ الحضور لها إذا لم يكن واجباً على النّائی بأزيد من فرسخين وبنينا على أنّ صلاة الجمعة واجبةً تعيينيّةً، لوجبت إقامتها على من كان بعيداً عنها

ص: 85

بأزيد من فرسخين في محلّه، لأنّ مفروضنا وجوبها على كلّ مكلّف تعييناً، وإمام الجماعة يوجد في كلّ قرية ومكان من بلاد المسلمين؛ اللّهمّ إلّا أن تحمل الأخبار على سكنة الجبال ومن يعيش في القلل على سبيل الانفراد، وهو من النّدرة بمكان إذن، فبأيّ موجب تسقط صلاة الجمعة عن النّائي بأزيد من فرسخين؟ فالحكم بسقوطها عنه بقوله علیه السلام: «فليس عليه شيء» يدلّنا على عدم وجوبها تعييناً لا محالة.

ومنها الرّوايات الواردة في أنّ كلّ جماعة - ومنهم أهل القرايا - إذا كان فيهم من يخطب لهم لصلاة الجمعة وجبت عليهم صلاة الجمعة، وإلّا يصلّون ظهراً أربع ركعات، كصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما صلی الله علیه و آله و سلم، قال: سألته عن اُناس في قرية هل يصلّون الجمعة جماعةً؟ قال: «نعم، ويصلُّون أربعاً إذا لم يكن من يخطب». ومعتبرة الفضل بن عبد الملك قال: سمعت أبا عبد اللَّه علیه السلام يقول: «إذا كان قوم [القوم] في قريةٍ، صلُّوا الجمعة أربع ركعاتٍ، فإن كان لهم من يخطب لهم جمعوا إذا كانوا خمس نفر، وإنَّما جُعِلَت ركعتين لمكان الخطبتين». وموثقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللَّه علیه السلام عن الصَّلاة يوم الجمعة، فقال: «أمّا مع الإمام فركعتان، وأمَّا مَن يصلِّي وحده فهي أربع ركعاتٍ بمنزلة الظُّهر، يعنی إذا كان إمامٌ يخطب، فإن لم يكن إمامٌ يخطب فهي أربع ركعاتٍ وإن صلُّوا جماعةً».

وتقريب الاستدلال بتلك الرّوايات أنّ المراد فيها بمن يخطب لا بدّ أن يكون من يخطب لهم بالفعل، لا من من شأنه أن يخطب، وإن لم يتمكن من الخطبة فعلاً، وذلك لأنّ الظّاهر المتبادر من قوله علیه السلام: «مَن يَخطُب» هو الفعلية، فحمله على إرادة من يخطبهم شأناً وقوّةً بمعنى من له قابلية ذلك، خلاف الظّاهر جداً.

ص: 86

على أنّ ذلك فرضٌ نادرٌ لا يمكن حمل الأخبار عليه، لوضوح أنّ في الأماكن المسكونة من البلاد والقرايا يوجد إمام يصلّي بأهلها جماعةً، بل لا توجد قريةٌ لا يكون لهم فيها إمامٌ يقيم الجماعة إلّا نادراً، والإمام الّذي يتمكن من قراءة فاتحة الكتاب وإقامة الجماعة يتمكن من الخطبة في صلاة الجمعة قطعاً، لأنّ الفاتحة تُجزِئ في الخطبة، ويكفی في الوعظ والإرشاد أن يقول: (يا أيُّها النَّاس اتَّقوا اللَّه) أو نحوه؛ فأقلّ الواجب المجزِئ من التحميد والثّناء وقراءة السّورة أمرٌ مقدورٌ لكلّ إمام يقيم الجماعة، ولا يعتبر في صلاة الجمعة خطبةٌ طويلةٌ حتّى يتوقّف إلقائها على الكمال والمهارة في فنّ الخطابة.

وعلى الجملة، أنّ في أهل القرايا يوجد من يخطب لهم شأناً وقوَّةً، ولا توجد قريةٌ لا يوجد فيها من يخطبهم كذلك، ومعه لا يبقى أيّ معنى لتعليق وجوب صلاة الجمعة على وجود من يخطب، ووجوب صلاة الظّهر على صورة عدم وجدانه؛ فلا مناص من حمل الرّوايات على إرادة من يخطب لصلاة الجمعة فعلاً.

إذن فالأخبار واضحة الدّلالة على أنّ صلاة الجمعة غير واجبة الإقامة في نفسها، وإنّما يؤمر بها على تقدير وجود من أقامها في الخارج بإرادته، وخطب لهم، أي أقدم على إقامتها وتهيّأ للإتيان بها، فإنّ الواجب حينئذٍ هو صلاة الجمعة، وإن لم يكن هناك من أقدم على إقامتها بالفعل، فالواجب صلاة الظّهر.

وأين هذا من وجوب صلاة الجمعة تعييناً، لأنّها لو كانت كذلك لوجب الإقدام على إقامتها والمباشرة لخطبتها بحيث لو لم يقمها الإمام بالفعل ولم يخطب لهم، ارتكب معصيةً بتركه فريضةً تعيينيّةً في حقّه، وبذلك يحكم بفسقه وسقوطه عن العدالة نظير ما لو ترك بعض الفرائض اليومية متعمّداً، ومع الحكم بفسقه كيف يجوز أن يصلِّي بهم

ص: 87

أربع ركعات ظهراً، كما لعلّه ظاهر الرّوايات، لعدم جواز الائتمام به وقتئذٍ هذا، بل يمكن أن يقال إنّ الاستدلال بتلك الرّوايات غير متوقف على حملها على إرادة من يخطب لهم بالفعل، فلو حملناها على إرادة من يخطب لهم شأناً أيضاً، أمكننا الاستدلال بها على عدم وجوب الجمعة تعييناً، لأنّها لو كانت واجبةً كذلك لوجب تعلّم الخطبة على أهل القرايا كفايةً ليتمكَّنوا منها شأناً وقوَّةً ويقتدروا على إلقائها في الجمعة الآتية ويكون ترك تعلّمها محرّماً، فإنّ المقدمات الّتي يكون تركها مؤدِّياً إلى ترك الواجب وتعذّره في ظرفه واجبةُ التّحصيل لا محالة، ومعه يكون ترك التعلّم وإهماله مستلزماً لفسق الإمام وبه يخرج عن قابلية الإمامة في الجماعة، ولا معنى للائتمام به حالئذٍ كما هو ظاهر الرّوايات.

هذا تمام الكلام في الأخبار المستدَلُّ بها على وجوب الجمعة تعييناً والأدلة القائمة على خلافها والموجبة لحملها على الوجوب التخييري.

نبذةٌ اُخری من الرّوايات:

بقي الكلام في نبذة اُخری من الرّوايات الّتي استدلُّوا بها أيضاً على هذا المدّعى، ولا يتأتّى في بعضها الحمل على الوجوب التخييري كما توهِّم.

منها صحيحة زرارة، قال: قلت لأبي جعفر علیه السلام على من تجب الجمعة؟ قال: «تجب على سبعة نفرٍ من المُسلمين، ولا جمعة لأقلَّ من خمسةٍ من المُسلمين أحدهم الإمام، فإذا اجتمع سبعةٌ ولم يخافوا؛ أَمَّهم بعضُهم وخطبهم». وغيرها من الرّوايات الواردة في أنّ صلاة الجمعة يشترط في وجوبها حضور سبعة من المسلمين، نظراً إلى دلالتها على أنّ السّبعة إذا اجتمعت في أيّ زمان وجبت صلاة الجمعة. وتدلّنا بإطلاقها على عدم الفرق في ذلك بين عصري الغيبة والحضور.

ص: 88

الجواب عن الرّوايات:

ويردّ الاستدلال بها أنّها أجنبية الدّلالة على هذا المدّعى، فإنّ قوله علیه السلام: «تجب الجمعة على سبعة نفرٍ من المُسلمين»، إمّا أن يكون وارداً لبيان شرط الصّحة، وإمّا أن يكون ناظراً إلى بيان شرط الوجوب.

أمّا على الأوّل: فالرّواية ساكتةٌ عن بيان وجوب صلاة الجمعة فضلاً عن بيان أنّه تعيينیٌّ أو تخييریٌّ، لأنّ مفروضنا أنّها ناظرةٌ إلى بيان ما يشترط في صحتها وأنّها تتوقَّف على وجود سبعة نفرٍ من المسلمين بحيث لو كانوا أقلّ منها لم تصحّ. فالرّواية أجنبيةٌ عما نحن بصدده.

نعم، هذا الاحتمال على خلاف ما هو الظّاهر من السّؤال في الرّواية، لأنّ الرّاوي إنّما سأله عن أنّ الجمعة على من تجب، ولم يسأله عن أنّها تصحّ من أيّ شخص، أو في أيّ وقت؛ مضافاً إلى أنّها على هذا التقدير معارضةٌ بما دلّ على أنّ شرط صحّتها حضور خمسة من المسلمين، وأنّه لا جمعة إذا كانوا أقلّ من خمسة. وكيف كان فالرّواية على هذا التقدير أجنبيةٌ عمّا نحن بصدده، أعني إثبات أنّها واجبةٌ تعيينيةً أو تخييريةً بالكلّيّة.

وأمّا على الثاني بأن تكون مسوقةً لبيان شرط الوجوب، فأيضاً لا دلالة لها على أنّ صلاة الجمعة واجبةٌ تعيينيةٌ، بل هي على خلاف المطلوب أدلّ، والوجه فيه أنّ الحكم بوجوب صلاة الجمعة على سبعة نفر إنّما هو في حقّ غير المسافرين، لوضوح أنّ المسافر لا تجب عليه الجمعة يقيناً، نعم سيوافيك أنّها جائزةٌ في حقّه بل مستحبَّةٌ، وأمّا الوجوب فلا، فيختصّ الوجوب بالحاضرين.

وعلى ذلك، لا معنى لتعليق الوجوب على وجود سبعة من المسلمين، لأنّ وجود السّبعة متحقّق في أيّ بلدة وقرية، وهل يوجد مكانٌ مسكون للمُسلمين ولا يوجد فيه سبعة نفر؟! ولا سيّما إذا لاحظنا حوله إلى ما

ص: 89

دون أربعة فراسخ من جوانبه الأربع - لئلّا يبلغ حد السّفر الشّرعي - أو إلى فرسخين من الجوانب الأربعة بناءً على عدم وجوبها على النّائي عنها بأزيد من فرسخين - كما هو كذلك - فما معنى التّعليق بوجودهم؟! وبذلك يصبح التّعليق فيها لغواً ظاهراً، وحمله على من يعيش في الجبال وبقطن البراري والقُلل على سبيل الانفراد والانعزال، أو على أهل الرّياضة والرّهبان وغيرهم ممّن يعيش منعزلاً عن المجتمع غير صحيح، لأنَه أمرٌ نادر التّحقق، بل هو فرض الخروج عن موضوع الوجوب والصحة، لعدم صحة الجمعة وعدم وجوبها إلّا مع الجماعة ولا تنعقد منفردةً، فكيف يحمل التّقييد في الرّوايات على الاحتراز عن أمثالهم؟!

إذن، لا مناص من أن يراد من الرّوايات التّعليق على اجتماع السّبعة من المسلمين لا على أصل وجودهم، فمعنى الرّوايات على ذلك أنّ السّبعة متى ما اجتمعت في الخارج وتحقّق اجتماعهم في نفسه لأجل صلاة الجمعة وجبت إقامتها على ما صرّح به في الصحيحة، حيث قال: «فإذا اجتمع سبعةٌ ولم يخافوا، أَمَّهم بعضُهم وخطبهم».

والتّقييد فيها باجتماع السّبعة والتّعليق على انضمام بعضهم ببعض وتحقّق الهيئة الاتصاليّة إنّما هو للاحتراز عمّا إذا كانوا متفرّقين وغير مجتمعين لأجلها، فتدلّنا الصّحيحة على أنّ إقامة الجمعة والاجتماع لأجلها غير مأمور بهما في نفسهما، فلا وجوب قبل الاجتماع ولا يجب تحصيله، نعم إذا تحقّق اجتماعهم وإقامتهم لها في نفسه وجبت على غيرهم أيضاً إقامتها.

ثمّ إنّ ظاهرها وإن كان هو وجوب صلاة الجمعة تعييناً على كلّ مكلّف بعد تحقّق اجتماع السّبعة في الخارج غير أنّ القرائن الّتي قدّمناها على كونها واجبةً تخييريةً وعدم كونها واجبةً تعيينيّاً إلّا فيما إذا كان هناك من

ص: 90

يخطبهم بالفعل تدلّنا على حمل تلك الروايات أيضاً على الوجوب التخييري.

فحاصل الرّوايات بعد ضمّ بعضها ببعض أنّ اجتماع السبعة متى ما تحقّق في نفسه للصّلاة بأن أقدم بعضهم لأداء الخطبة وتصدّي لها بالفعل وجبت إقامتها على المسلمين لا محالة وإلّا فلا، وهو معنى الوجوب التخييري كما تقدّم.

ومنها صحيحة منصور عن أبي عبد اللَّه علیه السلام في حديث قال: «الجمعة واجبةٌ على كُلِّ أحدٍ، لا يُعذَر النَّاسُ فيها إلّا خمسةٌ: المرأة والمملوك والمسافر والمريض والصبي» بدعوى دلالتها على أنّ النّاس غير معذورين في ترك الجمعة، ولا يستقيم هذا إلّا إذا كانت واجبةً تعيينيةً، إذ لو كانت واجبةً تخييريةً فللنّاس أن يختاروا العدل الآخر ويتركوا صلاة الجمعة، فلماذا لا يعذرون في ترك أحد عدلي التخييري مع إتيانهم بالعدل الآخر؟! فالصّحيحة كالصّريح في الوجوب التعييني وآبيةٌ عن الحمل على الوجوب التخييري بتاتاً.

ويدفعه: أنّ المراد بالصّحيحة ليس أنّهم غير معذورين في ترك إقامة الجمعة وأصلها، بل المراد أنّهم غير معذورين في ترك الحضور لها والسّعي نحوها بعدما تحقّقت إقامتها وصارت منعقدةً في الخارج.

ويشهد لذلك استثناء المسافر، وكذا من كان على رأس فرسخين أو الزّائد عن الفرسخين، على اختلاف الأخبار بحسب اللّسان، لأنّ المسافر لم يستثن عن أصل وجوب الجمعة ومشروعيّتها، فإنّها مشروعةٌ في حقّه، بل هي أفضل من أن يختار صلاة الظّهر، بل في موثقة سماعة عن الصادق علیه السلام أنّه قال: «أيُّما مسافرٍ صلَّى الجمعة رغبةً فيها وحُبّاً لها أعطاه اللَّه عزَّ وجلَّ أجرَ مائةَ جمعةٍ للمقيم» لأنّها تدلّ على أنّ الجمعة من المسافر أعظم وأكثر ثواباً من الجمعة الّتي يقيمها الحاضر،

ص: 91

ولعلّ المشهور أيضاً استحبابها للمسافر، فهو إنّما استثنى عن وجوب السعي والحضور لها بعد إقامتها، فلو أقيمت الجمعة في بلد لم يجب على المسافر أن يحضرها، وكذلك استثناء من كان على رأس فرسخين أو الزّائد عليهما، كما في بعض الأخبار المتقدّمة، لأنّه أيضاً استثناءٌ عن وجوب الحضور، فلا يجب على النّائي عن الجمعة بأزيد من فرسخين - أو بفرسخين - أن يحضرها، فليس هذا استثناءٌ عن أصل مشروعيّتها وإقامتها، فإنّ حاله في ذلك حال من في البلد بعينه، بل لو لا ما ذكرناه لم يكن معنى محصّل للبعد فرسخين أو كونه على رأسهما، لأنّه بعيدٌ عن أيّ شيء. فهل يراد به البعد عن الوجوب وهو أمرٌ لا معنى له؟ فلا مناص من أن يراد به البعد عن مقام الجمعة والمكان الّذي اُقيمت الجمعة فيه، ومعنى ذلك أنّه مستثنى عن حضور الجمعة المنعقدة في مكان.

وقد قدّمنا في الاستدلال بما دلّ على استثناء من كان على رأس فرسخين أنّ صلاة الجمعة لو كانت واجبةً تعيينيةً لوجبت إقامتها على من كان على رأس فرسخين - أو الزّائد عليهما - أيضاً كغيره، لعدم الفرق في الوجوب التعييني بين القريب والبعيد. فهذه الأخبار ناظرةٌ إلى الاستثناء عن وجوب الحضور لها بعد إقامتها في الخارج للتّسهيل والإرفاق لهم كيلا يتّعبوا أنفسهم بالخروج عن مساكنهم إلى مكان تقام فيه الجمعة. وكذلك الحال في الاستثناء عند نزول المطر كما في صحيحة عبد الرَّحمن بن أبي عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه علیه السلام أنَّه قال: «لا بأس أن تدع الجمعة في المطر» لأنّه أيضاً يرجع إلى الاستثناء عن وجوب الحضور لها بعد إقامتها إرفاقاً من الشّارع كي لا يتبلّل المكلّف بمجيئه إلى محل الجمعة حالئذٍ.

ص: 92

وإلاّ فلو كانت واجبةً تعيينيةً لكان من البعيد جداً سقوطها بنزول المطر وشبهه من الطواري، فإنّ حالها حينئذٍ حال بقيّة الفرائض، كصلاة الفجر، وهل يحتمل سقوطها لحدوث البرودة أو الحرارة أو نزول المطر، ونحوها؟ وكذا الحال في استثناء المرأة والمملوك في تلك الصحيحة، لأنّه كاستثناء المسافر يرجع إلى الاستثناء عن وجوب الحضور لصلاة الجمعة بعد إقامتها، لا إلى أصل مشروعيّتها، لأنّها مشروعةٌ في حقّهما كما في المسافر، وتدلّ على ذلك رواية حفص بن غياث وقد ورد فيها أنّ اللَّه عزَّ وجلَّ فرض - أي صلاة الجمعة - على جميع المؤمنين والمؤمنات، ورخّص للمرأة والعبد والمسافر أن لا يأتوها، فلمَّا حضروا سقطت الرُّخصة ولزمهم الفرض الأوّل، إلّا أنّها غير صالحة للحجيّة، ومن هنا نجعلها مؤيدةً للمدّعي.

إذن، فالصّحيحة لا دلالة لها على وجوب الجمعة تعييناً، نعم تدلّنا - حسب ما قدّمناه من القرائن الدّاخليّة والخارجية - على وجوب الحضور لها فيما إذا انعقدت واُقيمت في الخارج، ولا يعذر في ترك الحضور لها إلّا المسافر والمرأة والمملوك والمريض والصَّبي، فالمتحصّل ممّا سردناه أنّه يجب الحضور لصلاة الجمعة بعدما انعقدت في الخارج ولا يجب عقدها في نفسها.

وممّا تلوناه عليك في الجواب عن تلك الصحيحة يظهر الجواب عن الرّوايات الواردة في أنّ من ترك صلاة الجمعة ثلاثاً متواليةً من دون علة طبع اللَّه على قلبه، أو أنّه منافقٌ، لأنّه قد اتضح بالصّحيحة المتقدّمة أنّ المراد بترك صلاة الجمعة ترك الحضور لها بعد انعقادها وإقامتها في الخارج، ولا إشكال في أنّ تارك الحضور لها بعد الانعقاد عاص وممّن طبع اللَّه على قلبه أو منافقٌ، ولا يراد بتركها تركُ أصل الإقامة وعقد الجمعة. إذن صلاة الجمعة واجبةٌ بالوجوب التخييري حسب الأخبار

ص: 93

والقرائن المتقدّمتين، ولا دليل على كونها واجبةً تعيينيّةً بوجه هذا كلّه في أصل عقدها وإقامتها.

حكم حضور صلاة الجمعة عند إقامتها في الخارج.

هل يجب الحضور لصلاة الجمعة فيما إذا اقيمت في الخارج؟

وأمّا إذا اُقيمت في الخارج بما لها من الشروط، فهل يجب الحضور لها أو لا؟ مقتضى بعض الأخبار المتقدّمة هو الوجوب التعييني حينئذٍ، إلّا أنّ القائلين بوجوب الجمعة ومنكريه لمّا لم يفرّقوا بين إقامتها وحضورها بعد الانعقاد لم يسعنا الحكم بوجوب الحضور لها تعييناً بعد الانعقاد، إلّا أنّه لو لم يكن أقوى فلا أقلّ من أنّه أحوط، فمقتضى الاحتياط الوجوبي هو الحضور، هذا تمام الكلام في الدعوى الاُولى.

أمّا الدّعوى الثّانية:

أعني إثبات أصل المشروعيّة في عصر الغيبة قبال القائل بحرمتها وإنكار مشروعيّتها بتاتاً وأنّ حضوره علیه السلام شرطٌ للوجوب لا للمشروعيّة، فقد اتّضح الكلام فيه ممّا سردناه في إثبات الدّعوى الاُولى إجمالاً، وتفصيل الكلام فيها يتوقف على التّعرض لما استدلّ به على عدم المشروعية وتزييفه، فنقول: قد ذهب جماعةٌ إلى عدم مشروعيّة صلاة الجمعة في عصر الغيبة وحرمتها، ونسب ذلك إلى صريح ابن إدريس وسلّار وظاهر المرتضى وغيرهم، بدعوى أنّ مشروعيّتها يتوقَّف على حضور الإمام علیه السلام أو من نصبه لإقامتها بالخصوص، لأنّها من شُؤونه ومن المناصب المختصّة به، وحيث لا يمكننا التّشرف بحضوره علیه السلام ولا إذنَ لأحد في إقامتها بالخصوص فلا تكون مشروعةً.

وهؤلاء المنكرون إن كان نظرهم إلى أنّها ليست بواجبة تعيينية كما قدّمناه وقلنا إنّ الوجوب التخييري هو المعروف بينهم. فهذا صحيحٌ، ولكنّه لا يحتاج إلى دليل يثبته، بل يكفي في صحّته عدم دلالة الدّليل

ص: 94

على كونها واجبةً تعيينية، لأنّه المحتاج إلى المثبت والبرهان، لانفيه وإنكاره وهذا ظاهرٌ.

وإن كان نظرهم إلى نفي المشروعيّة أساساً بالمعنى الأعمّ من الوجوب التعييني والتخييري عند عدم حضوره علیه السلام وعدم منصوب خاصّ من قبله، فهو أمرٌ مخالفٌ لإطلاق الأدلّة المتقدّمة من الكتاب والسّنة، لما عرفت من دلالتها على وجوب الجمعة من غير تقييده بحضور الإمام أو من نصبه، والتّقييد يحتاج إلى دليل يدلّ عليه. وقد استدلُوا عليه بوجوه:

منها: دعوى الإجماع على عدم المشروعيّة من دون حضوره علیه السلام، أو وجود منصوب من قبله.

وتندفع بأنّ المسألة ليست بإجماعيّة يقيناً، كيف وقد عرفت أنّ المشهور هو الوجوب التخييري في مفروض الكلام أعني فرض عدم حضوره علیه السلام وعدم منصوب خاصّ من قبله، فلا إجماع على عدم المشروعية، ولا أنّه المشهور بين الأصحاب، نعم ذهب إليه جمعٌ كما مرّ، كما ذهب المشهور إلى التّخيير، فلو كان هناك إجماعٌ تعبديّ فإنّما هو على نفي الوجوب التعييني لا على نفي المشروعية، فالإجماع عليه مقطوع العدم، فلاحظ.

ومنها: دعوى أنّ السيرة من لدن عصر النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم والخلفاء من بعده، وكذلك عصر الأئمة علیهم السلام جرت على تعيين من يقيم الجمعة كتعيين من يتصدّى للقضاء والمرافعات، فكانوا ينصبون أشخاصاً معيّنين لإقامة الجُمعات أو التّصدي للمرافعات، ولم يكن يقيم الجمعة أو يتصدّي للقضاء إلّا من نصب لأجلهما بالخصوص، ولم يكن يقيمها كلّ من كان يريد الجمعة. ومقتضى هذه السّيرة عدم مشروعيّتها عند عدم حضوره علیه السلام وعدم منصوب من قبله بالخصوص.

ص: 95

وهذه الدّعوى من الغرائب، وذلك لأنّه لا طريق لنا إلى استكشاف حال صلاة الجمعة في عصر النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم فلا ندري أنّ الجمعة هل كانت تقام في سائر المدن والقرايا، أو كانت إقامتها خاصّةً ببلده صلی الله علیه و آله و سلم، ثمّ على تقدير الإقامة في جميع الأماكن في عصره صلی الله علیه و آله و سلم فهل كان يقيمها المنصوبون لإقامتها بالخصوص من قبله صلی الله علیه و آله و سلم، أو أنّ إقامتها لم تكن مختصةً لشخص دون شخص بل كان يقيمها كلّ من له أهليّة الإقامة من دون حاجة إلى إذن و نصب؟ لم يصل شيء من ذلك إلينا بنقل تاريخ، أو رواية، فليس عندنا أيّ طريق إلى استكشاف ذلك في عصره صلی الله علیه و آله و سلم، وأمّا عصر الأئمة علیهم السلام ، فلم يدلّنا دليلٌ على أنّهم نصبوا شخصاً معيّناً لإقامة الجمعة ولو في مورد واحد، نعم ثبت منهم علیهم السلام التّرخيص في إقامتها للعموم من دون تخصيصه بشخص دون شخص، فدونك الأخبار المتقدّمة المتضمّنة لوجوب الجمعة على أهل القرايا إذا كان لهم من يخطب على اختلاف ألسنتها، ومع هذا كيف يمكننا استكشاف أنّ سيرتهم كانت جاريةً على النّصب لإقامة الجمعة بالخصوص؟! وأمّا عصر عليّ (عليه أفضل السّلام) فلا ينبغي التّردّد في أنّه علیه السلام كان ينصب القضاة ويعين الولاة على المدن والأمصار، وأنّ هؤلاء الولاة والقضاء المعيّنين المنصوبين لتلك المناصب من قبله علیه السلام هم الّذين كانوا يقيمون الجمعات كما يتصدّون للمرافعات، إلّا أنّ ذلك ليس من جهة أنّ إقامة الجمعة كانت تحتاج إلى النّصب بالخصوص، بل من جهة أنّ إقامتها من مستتبعات مقامهم حيث أنّ العادة كانت جاريةً على أن يكون الوالي أو القاضي هو المقيم لصلاة الجمعة لأهميّتها، فكان للوالي شؤون متعدّدة بحسب المتعارف في تلك الأزمنة، ومنها إقامة الجمعات.

ص: 96

وأين هذا ممّا نحن بصدده؟! فإنّ المدّعى لزوم النّصب لخصوص إقامة الجمعة، لا النّصب للقضاوة أو الولاية أو غيرهما من الجهات العامة، ولم يثبت أنّه علیه السلام كان ينصب أشخاصاً معيّنين لإقامتها بالخصوص كما كان يعيّنهم للقضاء والولاية.

ومنها: أنّ وجوب الجمعة عند عدم حضوره أو المنصوب الخاصّ من قبله مثار الفتنة والخلاف، ولا يكاد يظنّ بالشّارع الحكيم أن يأمر بما يثير الفتنة والجدال.

بيان ذلك: إنّ الجمعة لابدّ وأن يقيمها شخصٌ واحدٌ في كلّ مكان ولا يشرّع فيها التّعدد في محل واحد، وكيف يحمل الشّارع من في ذلك المحل كافّةً على الائتمام بواحد غير معيّن ويوكل تعيينه إلى إراداتهم؟! فإنّه لا تكاد تتّفق آراؤهم على شخص واحد، على أنّ جلّ النّاس يأبى عن الاقتداء بمن يراه مثله أودونه في الأهلية للإمامة، وأضف إلى ذلك أنّ كلّ شخص أو الأغلب - على الأقلّ - يريد أن يكون هو المتصدي لهذا الأمر المهمّ، أو يقيمها من اتّصل به من الأقارب والأولاد، فإنّ حبّ الرئاسة جبليّ للبشر، أو إذا فرضنا أنّه لا يريد ذلك بنفسه فقد يريده أهل محلّته وأعوانه، بل هذا هو الأغلب في العوامّ فإنّه من المحسوس أنّ أهل كلّ محلة يريدون أن يكون الإمام لجماعتهم هو المقيم لصلاة الجمعة في البلد، وبهذا تتحقّق الفتنة وينشأ النّزاع والخلاف، بل قد يؤدّي إلى الضّرب أو القتل، وقد شاهدنا أنّ اقامة الجمعة في الكاظميّة أدّت إلى قتل جمع لا يقلّ عددهم عن خمسة أو أربعة، فما هذا شأنه لا يصلح أن يأمر به الحكيم.

فلا تنحسم مادة الجدال والنّزاع إلّا أن ينصب الشّارع أحداً لإقامتها بالخصوص، فإنّه بذلك ترتفع الخصومة ولا يبقى لها مجالٌ، والنّتيجة أنّ الجمعة لا تكون مشروعةً من دون نصب.

ص: 97

ويدفعه أنّ هذه المناقشة إنّما تصحّ فيما إذا قلنا إنّ صلاة الجمعة واجبةٌ تعيينيّة، وأمّا إذا قلنا إنّها واجبةٌ تخييريةٌ - كما هو المدّعى - فلا يمكن أن يكون في ذلك أيّ إثارة للفتنة وإلقاء للخلاف لبداهة أنّ المسلمين إذا رأوا أنّ إقامة الجمعة - أي اختيار هذا العدل من الواجب التخييري - أدّى إلى التّشاجر والنّزاع، تركوا إقامتها وأخذوا بالعدل الآخر. فوجوبها كذلك لا يترتب عليه أيّ محذور، فهذه الشّبهة لو تمّت في نفسها فإنّما يجدي لنفي التّعيينيّة ولا تنفي أصل المشروعيّة أبداً، بل يمكن أن يقال إنّ الأمر بصلاة الجمعة لا يكون مثاراً للفتنة أبداً حتّى على القول بالوجوب التعييني في المسألة، والوجه في ذلك أنّ من تصدّى لإقامة الجمعة وإمامتها إمّا أن يكون ممّن توفّرت فيه شروط الإقامة وتحقّقت فيه أهليّتها لدى المكلّف بصلاة الجمعة، وإمّا أن لا يكون كذلك عنده، فعلى الأوّل لا مناص لغيره من أن يأتمّ به في صلاة الجمعة، ولا نرى أيّ مانع من أن يكون هو المتصدّي لإمامتها حينئذٍ، وإن رأى المأموم نفسه أرقى من الإمام وأصلح منه للتّصدي بالإمامة لأنّه ليس في هذا الائتمام سوى مجاهدة النّفس والتّخاضع وإطلاق النّفس عن الأنانية والكبرياء، وهو أمرٌ محبوبٌ للشّارع، وقد حثّنا على التجنب عن الكبر واختيار التّواضع، والمقام من مصاديقه وموارده، وقد كنّا نشاهد أن الزّاهد الفقيه الشّيخ عليّ القمّي (طاب رمسه) يأتمّ به من هو أقدم وأرقى منه في الفضل والكمال، فما هو المانع من أن يتصدّي مثله للإمامة على غيره ويصلّي النّاس خلفه؟!

وأمّا على الثاني، فلا تكون الجماعة مشروعةً خلفه ليكون ذلك مثاراً للفتنة والخلاف، فلا جمعة حتّى يجب حضورها، ولا فرق في ذلك بين ما سلكناه من عدم وجوب الجمعة إلّا بعد الانعقاد، وما سلكه غيرنا من وجوب إقامتها ابتداءً لأنّه لم تنعقد جمعةٌ صحيحةٌ حتّى يجب

ص: 98

حضورها، ولا يجب عقدها حينئذٍ لسقوطه وعدم مشروعية الزّائد على جمعة واحدة في مكان واحد على تفصيل موكول إلى محلّه، والمتحصّل أن إيجاب الجمعة غير مستلزم لشيء من إيثار الفتنة والخلاف.

نعم، لو كنا جوّزنا إقامتها لكلّ شخص - كما عليه العامّة - أدّى ذلك إلى التشاجر والنزاع، لما مرّ من أنّ كلّ شخص يريد أن يكون هو المتصدّي لهذا المقام، أو من يرجع إليه من أقربائه، ولا أقلّ ممّن يقيم الجماعة في محلّته كما تقدّم، إلّا إنّا لا نقول به، فدعوى عدم المشروعيّة في عصر الغيبة أمرٌ لا أساس له.

ومنها: أنّ صلاة الجمعة لو قلنا بوجوبها وكانت مشروعة في عصر الغيبة للزم الحكم بوجوبها على من بعد عن الجمعة فرسخين - أو كان نائياً عنها بأزيد من فرسخين - على اختلاف الأخبار كما مرّ، فلا بدّ أن يقيمها في محلّه، مع أنّ غير واحد من الرّوايات المتقدمة دلّ على استثنائه وليس المراد بهم هو المسافرون لاستلزامه التّكرار في الروايات، بل المراد به هم القاطنون في القرايا وغيرها من الأماكن البعيدة من الجمعة فرسخين، فمن ذلك نستكشف عدم مشروعيّتها من دون الإمام أو منصوبه الخاصّ، لأنّه لا وجه لهذا الاستثناء إلّا عدم حضور الإمام أو نائبه عندهم.

والجواب عن ذلك ما اسبقناه من أنّ الاستثناء في الرّوايات إنّما هو عن وجوب الحضور لها، لا عن أصل الوجوب والمشروعيّة ،كيف وقد ورد الأمر في الأخبار بإقامتها على أهل القرايا إذا كان لهم إمام يخطب، نعم لا يجب عليهم الحضور للجمعة المنعقدة في البلد إذا ابتعدوا عنها فرسخين.

ص: 99

ومنها: ما رواه الصّدوق قدس سره بإسناده عن الفضل بن شاذان في العلل والعيون عن الرّضا علیه السلام، قال: «إنَّما صارت صلاة الجمعة إذا كان مع الإمام ركعتين، وإذا كان بغير إمام ركعتين وركعتين، لأنَّ النَّاسَ يتخطون إلى الجمعة من بُعد فأحبَّ اللَّهُ عزَّوجلَّ أن يخفِّف عنهم لموضع التَّعب الّذي صاروا إليه، ولأنَّ الإمام يحبسهم للخطبة وهم منتظرون للصَّلاة؛ ومن انتظر الصَّلاة فهو في الصَّلاة في حكم التَّمام، ولأنَّ الصَّلاة مع الإمام أتمَّ وأكمل، لعلمه وفقهه وفضله وعدله، ولأنَّ الجمعة عيدٌ وصلاة العيد ركعتان، ولم تقصر لمكان الخطبتين».

وقال إنَّما جُعِلَتِ الخُطبة يوم الجمعة، لأنَّ الجمعة مشهدٌ عامٌ، فأراد أن يكون للأمير - كما عن العلل - أو للإمام - كما عن العيون - سببٌ إلى موعظتهم وترغيبهم في الطَّاعة وترهيبهم من المعصية، وتوقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم ودنياهم، ويخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق ومن الأهوال الّتي لهم فيها المضرَّة والمنفعة، ولا يكون الصَّابر في الصَّلاة مُنفصلاً وليس بفاعل غيره ممّن يؤمُّ النَّاس في غير يوم الجمعة، وإنَّما جُعِلَتِ خطبتين ليكون واحدة للثَّناء على اللَّه والتَّمجيد والتَّقديس للَّه عزَّوجلَّ، والاُخری للحوائج والأعذار والإنذار والدُّعاء لما يريد أن يعلمهم من أمره ونهيه ما فيه الصَّلاح والفساد.

فإنّ قوله علیه السلام: «لأنَّ الصَّلاة مع الإمام أتمَّ وأكمل لعلمه وفقهه وفضله وعدله»، وقوله: «ويخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق ومن الأهوال الّتي لهم فيها المضرَّة، والمنفعة...، وليس بفاعلٍ غيرُه مَن يؤمُّ النَّاس في غير يوم الجمعة» يدلان على أنّ الإمام في صلاة الجمعة، لا مناص من أن يكون فقيهاً وفاضلاً وعالماً وعادلاً ومسيطراً على العوالم والآفاق، حتّى يخبر النّاس عن الأهوال الّتي لهم فيها المضرَّة والمنفعة، ويأمرهم بما فيه الصّلاح وينهاهم عمّا يفسدهم، فالعدالة المجرّدة - الكافية في إمام

ص: 100

الجماعة - غير كافية في إقامة صلاة الجمعة، إذ تدلّنا الرّواية على اشتراط حضور الإمام أو من نصبه بالخصوص في وجوب الجمعة ومشروعيّتها، لأنّ تلك الخصال لا تتحقّق إلّا فيه علیه السلام أو في منصوبه الخاصِّ، فلا يكتفی فيها بمجرّد وجود إمام صالح للجماعة،كيف وقد صرّحت بأنّ الإمام في صلاة الجمعة غير الإمام في غير يوم الجمعة، حيث قال: «وليس بفاعلٍ غيرُه مِمَّن يؤمّ النَّاس في غير يوم الجمعة».

والجواب عنها أنّ هذه الرّواية وغيرها ممّا رواه الصّدوق قدس سره عن الفضل بن شاذان غير قابلة للاعتماد عليها، لأنّ في طريقه إليه عبد الواحد بن محمد بن عبدوس وعليّ بن محمد بن قتيبة، ولم يدلّنا دليلٌ على وثاقتهما، نعم قد ترضّی الصّدوق على شيخه عبد الواحد بن محمد بن عبدوس، إلّا أنّ مجرّد التّرضي منه قدس سره لشخص لا يدلّ على وثاقته، فالرّواية قاصرةٌ بحسب السّند،كما أنّها قاصرة الدّلالة على هذا المدّعى، وذلك لأنّا وإن لم نشترط في وجوب الجمعة ومشروعيّتها حضور الإمام علیه السلام أو من نصبه لأجلها، إلّا أّنه لا مناص من أن يكون الإمام فيها ممّن يصلح لموعظة النّاس وترغيبهم وترهيبهم، فإنّها مشهدٌ عامٌ ويحضرها كلّ من كان في البلد وضواحيه إلى أربعة فراسخ من جوانبه الأربعة، أعني ستّة عشر فرسخاً بضرب الأربعة في أربعة، أو إلى فرسخين من الجوانب الأربعة أعني ثمانية فراسخ بضرب الاثنين في الأربعة نظراً إلى استثناء من بعد عن الجمعة فرسخين عن وجوبها أو عن وجوب الحضور لها وإن لم يبلغ حدّ السّفر الشرعي إذا يجتمع فيها خلق كثير، والإمام في مثل هذا المجتمع لابدّ وأن يكون - بالطبيعة - متمكناً من موعظتهم وترغيبهم وتحذيرهم، ولا يتمكن من ذلك إلّا المتّصف بالأخلاق الفاضلة من العلم والعدالة وسائر الكمالات المعنويّة.

ص: 101

كما لابدّ وأن يكون بصيراً متطلِّعاً على الأوضاع السّالفة والحاضرة ومسيطراً على الاُمور، فكون إمام الجمعة كذلك أمرٌ يقتضيه طبع الحال في مثل ذاك المجتمع العظيم، لا أنّ الإمام يجب أن يكون كذلك شرعاً لعدم دلالة الرّواية عليه، لأنّها إنّما وردت لبيان الحكمة في تشريع صلاة الجمعة وللحكاية عن الجمعات المنعقدة في الخارج.

وذكر صاحب الوسائل قدس سره أنّ جملة «وليس بفاعل غيره ممن يؤمُّ النَّاس...» غير موجودة في العيون، إلّا أنّها سواء كانت فيه أم لم تكن، لا دلالة لها على هذا الاشتراط كما عرفت فلا يستفاد منها غير أنّ الجمعة بما أنّها مشهدٌ عظيمٌ كان الإمام فيها - بالطبيعة - غير الأئمة في سائر الجماعات المتعارفة، لا أنّ كونه كذلك معتبر فيه شرعاً.

ومنها: موثّقة سماعة، قال: سألت أبا عبد اللَّه علیه السلام عن الصّلاة يوم الجمعة، فقال: «أمَّا مع الإمام فركعتانِ، وأمَّا لِمَن صَلَّى وحده فهي أربع ركعاتٍ وإن صلُّوا جماعةً» لأنَّها دلَّت بمقتضى المقابلة على أنَّ صلاة الجمعة مشروطةٌ بحضور الإمام وأنَّه يغاير الإمام في صلاة الجماعة، حيث قال: «وإن صلُّوا جماعةً»، وإلّا فالمفروض أنّهم متمكّنون من الجماعة، بل قد ذكر المحقّق الهمداني قدس سره أنّها كالنصّ في أنّ إمام الجمعة الّذي هو شرطٌ في وجوب الرّكعتين ليس مطلق من يصلِّي بالنّاس جماعةً.

والجواب عن ذلك أنّ هذه الرّواية قد رواها الصّدوق قدس سره إلى قوله: «فهي أربع ركعاتٍ» من دون اشتمالها على الذّيل، أعني قوله: «وإن صلُّوا جماعةً». ورواها الكليني قدس سره بعين هذا السّند مفسّرةً ومشروحةً، فإنّ روايته قد فسّرت الإمام بإمام يخطب، فروی عن سماعة أنّه قال: سألت أبا عبد اللَّه علیه السلام عن الصَّلاة يوم الجمعة، فقال: «أمَّا مع الإمام فركعتانِ، وأمَّا من يُصلِّي وحده فهي أربع ركعاتٍ بمنزلة الظُّهر، يعني إذا

ص: 102

كان إمام يخطب، فإن لم يكن إمام يخطب فهي أربع ركعاتٍ وإن صلَّوا جماعةً»، فالرّواية هي الرّواية بعينها ولكن مشروحةٌ وموضحةٌ، ولا يحتمل تعدّدها بوجه وقد شرحت المراد من تلك الرّواية، ومعها لا دلالة لها على اعتبار حضور الإمام علیه السلام أو منصوبه الخاصّ في وجوب الجمعة كما ترى، هذا بناءً على أنّ التّفسير في الرّواية من الإمام علیه السلام، وأمّا إذا كان من سماعة، فالأمر أيضاً كذلك، لأنّ غير واحد من الرّوايات قد دلّتنا على أنّ وجوب الجمعة مشروطٌ بوجود إمام يخطب ويتمكن من الخطبة، وهذه الرّوايات كالشارحة لهذه الموثّقة فلا دلالة لها على المدّعى.

ومنها: جملةٌ من الأخبار الواردة في أنّ الجمعة والحكومة والحدود لهم علیهم السلام ، وإليك بعضها:

منها: الخبر المروي عن دعائم الإسلام عن عليّ علیه السلام أنّه قال: «لا يصلح الحُكم ولا الحُدود ولا الجُمعة إلّا للإمام أو مَن يقيمه الإمام».

ومنها: ما روي عن الأشعثيات: «من أنَّ الجمعة والحكومة لإمام المسلمين».

ومنها: ما رواه الفاضل ابن عصفور عنهم علیهم السلام : «من أنَّ الجمعة لنا والجماعة لشيعتنا».

ومنها: غير ذلك مما دلّ على أنّ الجمعة لهم علیهم السلام .

ويردّه أنّ تلك الرّوايات ضعيفة السّند - كليّةً - لإرسالها، فلا يمكننا الاعتماد عليها في قبال المطلقات المتقدّمة من الكتاب والسّنة الدّالة على وجوب الجمعة من غير تقييده بحضور الإمام أو المنصوب من قبله، بل قد عرفت دلالة بعضها على إذنهم علیهم السلام في إقامتها لكلّ من يحسن الخطبة ويتمكن من الإمامة.

ص: 103

على أنّا لو أغمضنا عن أسانيدها، فلا دلالة لها على خلاف ما قدّمناه في المسألة، لأنّ كون الجمعة لهم بمعنى أنّهم أحقّ بإقامتها منغيرهم، ولا يسع لغيرهم أن يزاحمهم في ذلك، ومن هنا لو كان علیه السلام حاضراً لكان أحقّ بها من غيره بلا ريب، وإنّما نرى جوازها من دونه لأنّهم علیهم السلام أذنوا في ذلك على نحو العموم، والجواز للغير مستنداً إلى إذنهم غير مناف لكونهم أحقّ بها من غيرهم بوجه، لأنّها نظير الحكومة فكما أنّها تختصّ بهم علیهم السلام ويجوز لغيرهم التّصدي لها بإذنهم في ذلك كما في مقبولة عمر بن حنظلة الدّالة على جواز التّحاكم إلى علماء الشّيعة فكذلك الحال في إمامة الجمعة، فهل يتوهم أحدٌ عدم جواز تصدّي غيرهم علیهم السلام للحكومة بدعوى اختصاصها لهم علیهم السلام ؟! لأنّنا أيضاً نسلّم الاختصاص، غير أنّا ندّعي أنّ إمامة الغير إذا كان مستنداً إلى إذنهم في ذلك - ولو على نحو العموم - لم يكن منافياً للاختصاص.

وبهذا يظهر الجواب عمّا ورد في الصحيفة السجادية علیه السلام في دعاء يوم الجمعة وثاني العيدين من قوله علیه السلام: «الَّلهمَّ إنَّ هذا المقامَ مقامٌ لخلفائك وأصفيائك ومواضع أُمنائك في الدَّرجة الرَّفيعة الّتي اختصصتهم بها، قد ابتزوها وأنت المقدّر لذلك، (إلى أن قال:) حتَّى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزّين يرون حكمك مبدّلاً وكتابك منبوذاً...، وعجّل الفرج والرُّوح والنُّصرة والتَّمكين والتأييد لهم»، وقد استدلّوا به أيضاً على الاختصاص.

وقد عرفت أنّا نسلّم اختصاص الجمعة لهم علیهم السلام بلا ريب، إلّا أنّهم علیهم السلام بأنفسهم رخّصوا في إقامتها لكلّ من استجمع شرائط الإمامة ترخيصاً عاماً كما مرّ، وهذا غير منافٍ للاختصاص بهم بوجه.

ومنها الأخبار الواردة في أنّ الجمعة إذا صادفت عيداً من فطرٍ أو أضحى، فللإمام أن يأذن لمن حضرها من الأماكن النّائية بالرّجوع إذا

ص: 104

شاؤوا ذلك، حيث استظهروا منها أنّ الجمعة حقّ يخصهم علیهم السلام ولذا كان لهم أن يأذنوا في ترك الحضور لها وإسقاط حقّهم بذلك، وإلّا فلوكانت صلاة الجمعة فريضةً تعيينيّةً كبقيّة الفرائض لم يكن أيّ مسوغ في ترخيصهم في تركها، لأنّه ليس إلّا ترخيصاً في ترك فريضة تعيينيّة، كما لو رخّصوا في ترك فريضة المغرب أو غيرها؛ وهي عدّة روايات:

منها: صحيحة الحلبي أنّه سأل أبا عبد اللَّه علیه السلام عن الفطر والأضحى، إذا اجتمعا في يوم الجمعة، فقال: «اجتمعا في زمان عليٍّ علیه السلام، فقال: من شاء أن يأتي إلى الجمعة فليأت، ومن قعد فلا يضرُّه وليصلِّ الظُّهر، وخطب خطبتين جمع فيهما خطبة العيد وخطبة الجمعة»، وهذه الرّواية وإن كانت صحيحةً بحسب السّند لصحة إسناد الصّدوق إلى الحلبي، إلّا أنّها قاصرة الدّلالة على هذا المدّعى لعدم اشتمالها على أنّ الإمام علیه السلام أذن للنّائين عن البلد في ترك الحضور للجمعة، وإنّما اشتملت على بيان حكم شرعيّ عامّ نظير غيره من الأحكام الّتي جعلها الشّارع في الشّريعة المقدّسة على نحو القضية الحقيقية، وهو أنّ الجمعة متى ما صادفت عيداً من فطرٍ أو أضحى، جاز لمن كان متنحياً عن البلد أن يترك الحضور للجمعة، وأين هذا من إذنه علیه السلام في تركها إذناً خاصّاً مسقطاً لحقّه حتّى يقال: إنّها من حقوقهم علیهم السلام ؟!

ومنها: ما رواه سلمة عن أبی عبد اللَّه علیه السلام، قال: «اجتمع عيدان على عهد أمير المؤمنين علیه السلام فخطب النَّاس، فقال: هذا يومٌ اجتمع فيه عيدان، فمن أحبَّ أن يجمع معنا فليفعل، ومن لم يفعل فإنَّ له رخصةً»، يعنی من كان متنحياً، وهي أيضاً قاصرة الدّلالة على المدّعى، لأنّ الظّاهر من قوله علیه السلام: «فإنَّ له رخصةً» أنّه مرخّصٌ في ترك الجمعة ترخيصاً شرعياً، ومن باب أنّه حكمٌ كلّيٌ مجعول في الشّريعة المقدسة كما مرّ، لا أنّه إذنٌ شخصيٌ في ترك الحضور للجمعة وإسقاطٌ لحقّه.

ص: 105

ومنها: ما رواه إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه أنّ عليَّ بن أبي طالب علیه السلام كان يقول: «إذا اجتمع عيدان للنَّاس في يومٍ واحدٍ فإنَّه ينبغيللإمام أن يقول للنَّاس في خطبته الاُولى: إنَّه قد اجتمع لكم عيدان فأنا اُصلِّيهما جميعاً، فمن كان مكانه قاصياً فأحبَّ أن ينصرف عن الآخر فقد أذِنتُ له».

وهذه الرّواية وإن كان قد اشتملت على أنّه علیه السلام أذن للقاصي مكانه في الرّجوع، إلّا أنّ الظّاهر منها أيضاً أنّه ليس إذناً شخصيّاً منه علیه السلام، بل إنّما أذن له بما أنّه مبيّنٌ للحرام والحلال وغيرهما من الأحكام الكلّيّة الإلهية، لا أنّه أذن بصفة أنّه إمامٌ فحسب، وهو نظير ما يقوله المجتهد لمن استفتاه: (أذِنتُ لك في أن تفعل كذا) مثلاً، لأنّ ظاهره أنّه بيانٌ للحكم الكلّي لا أنّه إذْنٌ شخصيّ، فلاحظ. هذا على أنّ الرّواية ضعيفة السّند لأنّ الكليني قدس سره رواها عن محمّد بن أحمد بن يحيى، ومحمّد بن أحمد هذا - كما في الوسائل - إنّما أخذ هذا الحديث من كتاب محمّد بن حمزة بن اليسع الّذي رواه محمّد بن الفضيل ولم يسمعه منه بنفسه، ومحمّد بن حمزة هذا لم يظهر أنّه من هو، فهل هو أبو طاهر بن حمزة بن اليسع الثّقة حتّى يعتمد على روايته أو غيره؟ على أنّ محمّد بن الفضيل الّذي روى عنه محمّد بن حمزة بن اليسع أيضاً ضعيفٌ أو مردّدٌ بين الثّقة وغيرها.

فإلى هنا تحصّل أنّه لا وجه للقول بوجوب صلاة الجمعة تعييناً، ولا للقول بعدم مشروعيتها في عصر الغيبة، بل أمر بين الأمرين، وهو الوجوب التخييري كما تقدّم. هذا كلّه بحسب الأدلة الاجتهادية واللفظيّة.

مقتضى الأصل في المقام.

ص: 106

ثمّ إنّا إذا لم نتمكّن من استفادة حكم الجمعة من الأدلّة اللفظيّة الواردة في المقام، فلم يقم عندنا دليلٌ على وجوبها الأعمّ من التعييني والتخييري، ولا على حرمتها، ووصلت النّوبة إلى الشّك ومقتضىالأصل في المسألة، فهل يقتضي الأصل وجوبها تعييناً أو تخييراً؟ أو أنّه يقتضي الحرمة وعدم المشروعيّة؟

فقد نفرض أنّا نشكّ في مشروعية صلاة الجمعة وفي كلّ من وجوبها التعييني والتخييري، لأنّ المفروض عدم استفادة شيء من ذلك عن الدليل، والمرجع في هذه الصورة هو إطلاقات الفوق في المسألة إذا اعترفنا بالإطلاق في الأخبار الواردة في أنّ الواجب في كلّ يوم سبع عشرة ركعةً وخمس فرائض، وهي رواياتٌ متظافرةٌ، بل متواترةٌ إجماليةٌ، فعلى تقدير كونها مطلقةً - كما هي كذلك - لا مناص من أن نتشبّث بإطلاقها، ومقتضاه عدم مشروعية الجمعة رأساً وأنّ الواجب هي صلاة الظّهر يوم الجمعة، وإلّا لم يكن الواجب سبع عشرة ركعةً.

وقد نفرض الشك في كلّ من المشروعية والوجوب - الأعمّ من التعييني والتخييري - كما في الصورة السّابقة مع البناء على عدم الإطلاق في الأخبار المتقدمة من هذه الجهة، فهل مقتضى الأصل حينئذٍ هو الوجوب التعييني أو التخييري؟ أو لا هذا ولا ذاك، بل مقتضاه عدم المشروعيّة رأساً؟

هذا له صورٌ؛

الاُولى: ما إذا شككنا في أنّ الجمعة هل هي في عصر الغيبة واجبةٌ بالوجوب التعييني أو أنّها واجبةٌ تخييرية؟ بأن نقطع بمشروعيّتها ووجوبها ولتردّد بين قسمي الوجوب، وبما أنّ أمر صلاة الجمعة في هذه الصّورة يدور بين التّعيين والتّخيير فلا مناص من الرّجوع إلى البراءة عن اعتبار الخصوصية والتّعيين، وذلك لما قرّرناه في جريان

ص: 107

البراءة العقلية والنّقلية عند دوران الأمر بين التّعيين والتّخيير، وقلنا إنّ مقتضى كلتا البراءتين عدم اعتبار الخصوصية والتّعيين فيما يحتملتعينه للعلم بالجامع والشّك في اعتبار الخصوصية الزّائدة كخصوصية التّعيينية في المقام، ونتيجة ذلك هو الوجوب التخييري لا محالة.

الثانية: أن نحتمل عدم مشروعية الجمعة في عصر الغيبة لاحتمال اختصاصها بزمان الحضور، كما نحتمل مشروعيّتها وكونها واجبةً تخييرية فقط بأن نقطع بعدم كونها واجبةً تعيينيّةً، بل هي إمّا غير مشروعة وإمّا أنّها واجبةٌ تخييرية، ومعنى ذلك إنّا نشكّ في أنّ صلاة الظّهر - يوم الجمعة - واجبةٌ تعيينيّةٌ كما إذا لم تكن صلاة الجمعة مشروعة، أو أنّها تخييريةٌ كما إذا كانت الجمعة مشروعةً وواجبةً تخييريةً.

والمرجع فيهذه الصّورة أيضاً هي البراءة عن تعين الظّهر وخصوصيّتها، ونتيجته الوجوب التخييري كما مرّ.

الثالثة: أن نشك في أنّ الواجب التعييني يوم الجمعة هل هي صلاة الظّهر أو الجمعة؟ وهذا الشّك قد يقترن باحتمال الوجوب التخييري في الجمعة، وقد لا يقترن به للقطع بعدم كون الجمعة واجبةً تخييريةً ، بل يدور أمرها بين الحرمة والتّعيين، ومعناه أنّا نشكّ في أنّ المتعيّن يوم الجمعة هي صلاة الظّهر أو الجمعة .

فعلى التّقدير الأوّل أيضاً لابدّ من الرّجوع إلى البراءة عن احتمال التّعين والخصوصية في كلّ من صلاتي الظّهر والجمعة، وتصبح النّتيجة وجوباً تخييرياً لا محالة، وعلى التّقدير الثاني لا مناص من الاحتياط للعلم الإجمالي بوجوب إحدى الصلاتين تعييناً، وهو يقتضی الجمع بين الصلاتين.

ص: 108

هذا كلّه فيما إذا لم يثبت أنّ صلاة الجمعة كانت قبل عصر الغيبة واجبةً تعيينيّةً، وإلّا فعلى المشهور من جريان الاستصحاب في الأحكام الكلّيّة، يستصحب وجوبها التعييني في عصر الغيبة، نعم على ماسلكناه من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام، لا بدّ من الرّجوع إلى ما يقتضيه غيره من الاُصول في المسألة وقد عرفت تفصيله، هذا تمام الكلام في صلاة الجمعة(1).

انتهی كلام السيّد الخوئي رحمه الله .

❊ ❊ ❊

ص: 109


1- راجع: «التنقيح فی شرح العروة» ج6/12 - 58.

الفصل الرّابع: نقد آراء الفقهاء حول حکم صلاة الجمعة وبيان الرّأي المختار

اشارة

ص: 110

ص: 111

أقول: حيث كان كلام السيّد الخوئي رحمه الله وافياً ومشتملاً على بيان كافٍ للأقوال المحتملة في المسألة ونقدها، وأنّه ذكر إجمالاً الأدلّة الّتي استدلّ بها الفقهاء على آرائهم ، فنكتفي بكلامه عن ذكر سائر الأقوال في هذا المجال، وقبل بيان الرأي المختار نذكر اُموراً:

هنا اُمور:

الأوّل: اضطراب كلمات الشّيخ الطّوسي رحمه الله :

إنّ ما قاله العلّامة المجلسي رحمه الله من وجود اضطراب في كلام الشيخ الطوسي رحمه الله (1) لعلّه إشارةٌ إلی ما نقلناه عنه في ذيل كلامه:

إنّ من شرط انعقاد الجمعة الإمام، أو من يأمره الإمام بذلك من قاضٍ أو أمير ونحو ذلك، ومتی اُقيمت بغير إذنه لم تصحّ(2).

ص: 112


1- قد تقدم كلامه رحمه الله فی بدو نقل «آراء الفقهاء حول حكم صلاة الجمعة في عصر الغيبة» حيث قال: «وأمّا القائلون بالتحريم فهم ابن إدريس، وسلّار، والعلّامة في المنتهى وجهاد التحرير، ونسب إلى الشيخ أنّ عبارته مضطربة». راجع: «بحارالأنوار» ج86/145. وإلی ذلك قد أشار أيضاً في الحدائق حيث قال: وأمّا الشيخ قدس سره فإنّ كلامه فی كتبه في هذه المسألة لا يخلو من اضطراب وهو إلى القول بالوجوب العيني فی زمن الغيبة أقرب منه إلى الوجوب التخييري الّذي أدعوه عليه، كما لا يخفى على من راجع كلامه في الخلاف والمبسوط والنهاية. راجع: «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج 9/425.
2- راجع: «كتاب الخلاف» ج1/626 المسألة 397.

فكما يمكن أن يُحمَل كلامه رحمه الله علی الإمام المعصوم علیه السلام عند حضوره كذلك يمكن أن يُحمَل علی الفقيه المبسوط اليد الجامع لشرائط الفتوی في زمن الغيبة، خصوصاً عند القائل بولاية الفقيه المطلقة في مثل هذا الزّمان، إذ الفقهاء أيضاً منصوبون من قبله علیه السلام بنصب عامّ بمقتضی الرّوايات الواردة في هذا الصدد؛ منها:

التّوقيع الوارد عن مولانا صاحب الزّمان عج الله تعالی فرجه الشریف الّذي رواه في كتاب (كمال الدِّين وتمام النّعمة) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِصَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَعْقُوبَ، حَيثُ قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ الْعَمْريّ أَنْ يُوصِلَ لِي كِتَاباً قَدْ سَأَلْتُ فِيهِ عَنْ مَسَائِلَ أَشْكَلَتْ عَلَيَّ، فَوَرَدَ التَّوْقِيعُ بِخَطِّ مَوْلَانَا صَاحِبِ الزَّمَانِ علیه السلام: «أَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ أَرْشَدَكَ اللَّهُ وثَبَّتَكَ» إلى أَن قالَ: «وأَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا، فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وأَنَا حُجَّةُ اللَّهِ، وأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَمْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وعَنْ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ فَإِنَّهُ ثِقَتِي وكِتَابُهُ كِتَابِی»(1).

وبعبارة اُخری نقول: إنّ للعوامّ في الرّجوع إلی الفقهاء في زمن الغيبة ما يكون لهم في الرّجوع إلی الأئمّة الهُدی علیهم السلام عند حضورهم، يستثنی منه ما يكون مشروطاً بالعصمة كعدم الخطاء والسّهو والنسيان، وكذا كون ما يُفتون به موافقاً لما في علم الله تبارك وتعالی، أمّا الجمعة والقضاء والحكومة ليست مشروطةً بها، بدليل ما ورد في باب القضاء عن مولانا الصّادق علیه السلام في مقبولة عمر بن حنظلة بأنّ: «الرَّادّ عليهم كالرَّادّ علينا، والرَّادّ علينا الرَّادّ علی الله وهو علی

ص: 113


1- «كمال الدين وتمام النعمة» ج2/483 الحديث 4، «وسائل الشيعة» ج27/140 الحديث 33424.

حدِّالشِّرك»(1)، وما ورد في باب الحكومة علی النّاس عن مولانا أميرالمؤمنين علیه السلام عند إبطال مزاعم الخوارج حينما سمع قولهم: «لاَحُكمَ إلّا للهِ» حيث قال: «لابُدَّ للنَّاس من أمير برٍّ أو فاجرٍ»(2)، وذلك بمعنی أنّه لابُدّ للنّاس من أمير برّ عادل يدبّر اُمورهم وأنّه عند حضورهم: تنحصر الحكومة بهم ،لأنّهم المصداق التّامّ والكامل لأمير البرّ العادل، وحيث إنّ العلماء الّذين نعبّر عنهم بالفقهاء الجامعين لشرائط الفتوی هم أقرب مصداق للمعصومين علیهم السلام لذا يلزم إيكال الحكم إليهم عند الغيبة، وكذا هو الحال بالنسبة إلی القضاء والجمعة، لاسيّما إذا قلنا بأنّ الجمعة من شؤون الحكومة.

ص: 114


1- «التهذيب» ج6/218 الحديث 6. وإليك الحديث بتمامه: عَنْ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِی دَيْنٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَتَحَاكَمَا إِلَى السُّلْطَانِ أَوْ إِلَى الْقُضَاةِ، أَ يَحِلُّ ذَلِكَ؟ فَقَالَ علیه السلام: «مَنْ تَحَاكَمَ إِلَى الطَّاغُوتِ فَحَكَمَ لَهُ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ سُحْتاً وَإِنْ كَانَ حَقُّهُ ثَابِتاً، لِأَنَّهُ أَخَذَ بِحُكْمِ الطَّاغُوتِ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُكْفَرَ بِهَا، قُلْتُ: كَيْفَ يَصْنَعَانِ؟ قَالَ: انْظُرُوا إِلَى مَنْ كَانَ مِنْكُمْ قَدْ رَوَى حديثنَا وَنَظَرَ فِی حَلَالِنَا وَحَرَامِنَا وَعَرَفَ أَحْكَامَنَا، فَلْيَرْضَوْا بِهِ حَكَماً فَإِنِّی قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً، فَإِذَا حَكَمَ بِحُكْمِنَا فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ فَإِنَّمَا بِحُكْمِ اللَّهِ اسْتُخِفَّ وَعَلَيْنَا رُدَّ، وَالرَّادُّ عَلَيْنَا الرَّادُّ عَلَى اللَّهِ، وَهُوَ عَلَى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»، فكونه حاكماً من قبله علیه السلام يعمّ لجميع المناصب الّتي هي وظيفة للإمام ومنها صلاة الجمعة علی القول به.
2- «نهج البلاغة» الخطبه الرقم 40، ونصّها كما يلي: «كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ، نَعَمْ إِنَّهُ لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: لَا إِمْرَةَ إِلَّا لِلَّهِ، وَإِنَّهُ لَابُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ يَعْمَلُ فِی إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ، وَيَسْتَمْتِعُ فِيهَا الْكَافِرُ، وَيُبَلِّغُ اللَّهُ فِيهَا الْأَجَلَ، وَيُجْمَعُ بِهِ الْفَيْ ءُ، وَيُقَاتَلُ بِهِ الْعَدُوُّ، وَتَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ، وَيُؤْخَذُ بِهِ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ وَيُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ» الخطبة.

وكيف كان إنّ الّذي يمكن أن يُنسب إلی الشيخ في «كتاب الخلاف» علی نحو القطع واليقين من خلال ملاحظة مجموع كلامه أنّه رحمه الله لا يجوّز الجمعة في عصر الغيبةإذا لم تكن الحكومة بيد الفقيه الجامع للشرائط، وأمّا إذا كانت الحكومة في هذا العصر تحت إمرة الفقيه المبوسط اليد فيُحتمل في كلامه الوجهان كما عرفت.

وأمّا قوله في كتابي «النّهاية» و«المبسوط»:

ولا بأس أن يجتمع المؤمنون في زمان التّقيّة بحيث لا ضرر عليهم فيصلّوا جمعةً بخطبتين، فإن لم يتمكنوا من الخطبة جاز لهم أن يصلّوا جماعةً لكنّهم يصلّون أربع ركعات(1).

فيمكن أن يكون ناظراً إلی زمان التّقيّة عند الحضور، أو تكون فتوی آخر منه لزمان الغيبة وهو الأنسب، كما صرّح بذلك في (مصباح المتهجّد) حيث قال:

ويستحب في زمان الغيبة والتّقيّة بحيث لا ضرر عليهم إذا اجتمع المؤمنون وبلغوا سبعة نفر أن يصلّوا الجمعة ركعتين بخطبة، فإن لم يكن من يخطب صلّوا أربعاً (2).

والظاهر أنّ المستفاد من مفهوم كلام الشيخ أخيراً هو وجوب صلاة الجمعة تعييناً أثناء الغيبة إذا لم يكن الزمان زمان التّقيّة وكانت الحكومة بيد الفقيه المبسوط اليد الجامع لشرائط الفتوی.

ص: 115


1- «النهاية في مجرّد الفقه والفتاوی» ص: 107، «المبسوط في فقه الإماميّة» ج1/151، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج3/322.
2- «مصباح المتهجّد» ص: 364.

الثاني:

الجواب عن استدلال القائل بحرمة صلاة الجمعة في عصر الغيبة بأنّ الظّاهر من كلمة (الإمام) أو (السّلطان العادل) هو الإمام المعصوم علیه السلام أو نائبه(1).

إنّ ما استدلّ به القائل بحرمة صلاة الجمعة في عصر الغيبة مستدلّاً بأنّ الظّاهر من كلمة (الإمام) أو (السّلطان العادل) في الرّوايات الواردة في باب صلاة الجمعة، هو الإمام المعصوم علیه السلام أو من نصبه بنصب الخاصّ أو العامّ لإقامة صلاة الجمعة، أو أنّ الجمعة والحكومة من شؤون إمام المسلمين، فهي إنّما تكون واجبة تعيينية عند حضوره فقط حتّی ادّعوا لمذهبهم عدم الخلاف أو الإجماع أو اتفاق فقهائنا عليه،كابن إدريس الحلّي رحمه الله (م 598 ه-) حيث قال:

عندنا بلا خلاف بين أصحابنا أنّ من شرط انعقاد الجمعة الإمام علیه السلام أو من نصبه للصلاة(2).

ومنهم المحقق الحلّي رحمه الله (م 676 ه-) حيث قال:

السلطان العادل أو نائبه شرط في وجوب الجمعة وهو قول علمائنا(3).

فيلاحظ عليه:

أوّلاً: أنّه لم يرد في شيء من أخبار أبواب صلاة الجمعة ولا العيدين كلمة «السّلطان العادل» حتّی نحمله علی الإمام المعصوم علیه السلام مثلاً، بل الموجود فيها

ص: 116


1- منهم ابن إدريس الحلّي، وسلّار، والطبرسي، والفاضل التوني، والعلّامة في «المنتهی» وجهاد «التحرير»، (رضوان الله تعالی عليهم) نقلاً من «جواهر الكلام» ج11/179، و«بحارالأنوار» ج86/144، و....
2- «السرائر الحاوي لتحرير الفتاوی» ج1/303.
3- راجع: «المعتبر في شرح المختصر» ج2/279.

هو «الْإِمَامُ» أو «فَلْيُصَلُّوا في جَمَاعَةٍ» أو «أَمَّهُمْ بَعْضُهُمْ وَخَطَبَهُمْ»، وتلك العبارة إنّما جاءت في بعض العبائر الّتي ليست من كلامهم علیهم السلام .

وثانياً: أنّ المراد من «الإمام» فيها إمّا أن يكون لبيان أحد شروط وجوب صلاة الجمعة بأنّ وجوبها مشروطٌ بالجماعة وهي تحصل بوجود إمامٍ يتمكن من الخطبة ويخطب كما صرّح بذلك منطوق صحيحة زُرَارَةَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه سلام قَالَ: «إِنَّمَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى النَّاسِ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ خَمْساً وَثَلَاثِينَ صَلَاةً، مِنْهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فَرَضَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ في جَمَاعَةٍ وهي الْجُمُعَةُ، وَ وَضَعَهَا عَنْ تِسْعَةٍ: عَنِ الصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ، وَالْمَجْنُونِ، وَالْمُسَافِرِ، وَالْعَبْدِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالْمَرِيضِ، وَالْأَعْمَى، وَمَنْ كَانَ عَلَى رَأْسِ فَرْسَخَيْنِ»(1)، ومدلول صحيحة زُرَارَةَ الاُخری عَنْه علیه السلام أنّه قَالَ: «تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى سَبْعَةِ نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا جُمُعَةَ لِأَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدُهُمُ الْإِمَامُ فَإِذَا اجْتَمَعَ سَبْعَةٌ وَلَمْ يَخَافُوا أَمَّهُمْ بَعْضُهُمْ وَخَطَبَهُمْ»(2).

أي أنّ المستفاد منها أنّ صلاة الجمعة بخلاف سائر الصلوات الواجبة اليوميّة متی حصلت شرائطها تجب أن تقام بالجماعة، وهي مشروطةٌ بإمام الجماعة، لا أنّها مشروطة بالإمام المعصوم علیه سلام ! فما ورد في تلك الرّوايات من اشتراطها ب- «الإمام» فهو في الحقيقة ناظر إلی بيان هذا الشّرط.

وقد استظهر ذلك المحقق العاملي رحمه الله (م 1009 ه-) في المدارك في مبحث صلاة العيدين منه حيث قال :

ص: 117


1- «من لا يحضره الفقيه» ج1/266 الحديث 1217، «وسائل الشيعة» ج7/295 الحديث 9382.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج1/267 الحديث 1218، «وسائل الشيعة» ج7/310 الحديث 9436.

وقد قطع المصنف وغيره من الأصحاب بأنّ شروط هذه الصلاة شروط الجمعة، وقد تقدم أنّها خمسة، الأوّل: السلطان العادل أو من نصبه للصلاة، وظاهر العلّامة في المنتهى اتفاق الأصحاب على اعتبار هذا الشرط، واحتجّ بصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام قال: «لَيْسَ في الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى أَذَانٌ وَلَا إِقَامَةٌ، (إلى أن قال:) وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ مَعَ إِمَامٍ في جَمَاعَةٍ فَلَا صَلَاةَ لَهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ»، وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما صلی الله علیه و آله و سلم قال: سَأَلْتُهُ عَنِ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى؟ فَقَالَ: «لَيْسَ صَلَاةٌ إلّا مَعَ إِمَامٍ»، و رواية معمر بن يحيى، عن أبي جعفر علیه السلام قال: «لَا صَلَاةَ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إلّا مَعَ إِمَامٍ»، وعندي في هذا الاستدلال نظر، إذ الظاهر أنّ المراد بالإمام هنا إمام الجماعة لا إمام الأصل علیه السلام كما يظهر من تنكير الإمام ولفظ الجماعة، وقوله علیه السلام في صحيحة ابن سنان: «مَنْ لَمْ يَشْهَدْ جَمَاعَةَ النَّاسِ في الْعِيدَيْنِ فَلْيَغْتَسِلْ وَيَتَطَيَّبُ بِمَا وَجَدَ وَلْيُصَلِّ وَحْدَهُ كَمَا يُصَلِّي في الْجَمَاعَةِ»، وفي موثقة سماعة: «لَا صَلَاةَ في الْعِيدَيْنِ إلّا مَعَ إِمَامٍ، وَإِنْ صَلَّيْتَ وَحْدَكَ فَلَا بَأْسَ»، (إلی أن قال:) وبالجملة فتخصيص الأدلة الدالة على الوجوب بمثل هذه الروايات لا يخلو من إشكال، وما ادعوه من الإجماع فغير صالح للتخصيص أيضاً، لما بينّاه غير مرّة من أنّ الإجماع إنّما يكون حجة مع العلم القطعي بدخول قول الإمام علیه السلام في أقوال المجمعين، وهو غير متحقّق هنا. ومع ذلك فالخروج عن كلام الأصحاب مشكل، واتباعهم بغير دليل أشكل(1).

وقد أشار إلی ذلك أيضاً الشّيخ الحرّ العاملي رحمه الله (م 1104 ه-) حيث قال:

ص: 118


1- «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج 4/93 - 95.

وإطلاق لفظ الإمام هنا كإطلاقه في أحاديث الجماعة وصلاة الجنازة والاستسقاء والآيات، وغير ذلك من أماكن الاقتداء في الصلاة، وإنّما المراد به هنا اشتراط الجماعة مع ما ذكر(1).

وقال الحكيم البارع والفقيه المعاصر الحاج آقا رحيم الأرباب رحمه الله (1297 - 1396 ه- ) الّذي كان من علماء مدينة إصبهان ومن القائلين بوجوب العيني التعييني للجمعة علی ما في تقريرات مخطوطة الّتي ألّفها سماحة جدّي آیة الله الشيخ مصطفی الفقيهي قدس سره (م 1430 ه- ):

واعلم أنّ «الإمام» المذكور في أخبار هذا الباب هو إمام الجماعة، والمقصود من ذكره مجرّد اشتراط كون صلاتهم جماعة في مقابل باقي الصلوات، فتارة يعبّر عنه بقوله: «فَلْيُصَلُّوا في جَمَاعَةٍ» كما في صحيحة عمر بن يزيد(2)، واُخری بقوله: «أَمَّهُمْ بَعْضُهُمْ وَخَطَبَهُمْ» كما في صحيحة زرارة(3)، وثالثة بقوله: «فَمَنْ صَلَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ في غَيْرِ جَمَاعَةٍ فَلْيُصَلِّهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ في سَائِرِ الْأَيَّامِ» كما في صحيحةاُخری عن زرارة(4)، فإذا غيّر التعبير وقال: «إِنَّمَا صَلَاةُ الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَتَانِ فَمَنْ صَلَّى مَعَ غَيْرِ إِمَامٍ وَحْدَهُ فهي أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بِمَنْزِلَةِ الظُّهْرِ»

ص: 119


1- راجع: «وسائل الشيعة» ج7/311.
2- «التهذيب» ج3/245 الحديث 664، «وسائل الشيعة» ج7/313 الحديث 9442.
3- «من لا يحضره الفقيه» ج1/267 الحديث 1218، «وسائل الشيعة» ج7/310 الحديث 9436.
4- «من لا يحضره الفقيه» ج1/125 الحديث 600، «وسائل الشيعة» ج7/312 الحديث 9438.

كما في موثقة سماعة(1)، أو قال: «أَحَدُهُمُ الْإِمَامُ» كما في صدر صحيحة زرارة الاُولی، فليس إلّا تغيير العبارة والمقصود إفادة اشتراط الجماعة، وليس للفظ «الإمام» إطلاق حتّی يدّعی انصرافه إلی الإمام الأصل بعد ما ذكرنا من التعبيرات الصريحة في اشتراط الجماعة. انتهی كلامه رفع مقامه.

هذا مع أنّ قوله علیه السلام: «فَإِذَا اجْتَمَعَ سَبْعَةٌ وَلَمْ يَخَافُوا أَمَّهُمْ بَعْضُهُمْ وَخَطَبَهُمْ» في ذيل الصحيحة شاهد آخر علی ما ذكرناه، إذ لو كان مراده علیه السلام من كلمة «الإمام» في الصحيحة هو خصوص الإمام المعصوم علیه السلام فحيث إنّ الإمامة حينئذٍ منحصرة فيه لكان المناسب أن يقول: (أَمَّهُمْ إمَامُهُم وَخَطَبَهُم) بدل قوله: «أَمَّهُمْ بَعْضُهُمْ وَخَطَبَهُمْ».

كما أنّه تشهد أيضاً لما ذكرناه - من كون المراد من كلمة (الإمام) المستعملة في تلك الروايات هو إمام الجماعة لا الإمام المعصوم علیه السلام - موثَّقة سَمَاعَةَ حَيثُ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: «أَمَّا مَعَ الْإِمَامِ فَرَكْعَتَانِ، وأَمَّا مَنْ يُصَلِّي وَحْدَهُ فهي أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بِمَنْزِلَةِ الظُّهْرِ، يَعْنِی إِذَا كَانَ إِمَامٌ يَخْطُبُ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ إِمَامٌ يَخْطُبُ فهي أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وإِنْ صَلَّوْا جَمَاعَةً»(2)، حيث يستعمل قوله علیه السلام: «أمَّا مَعَ الْإِمَامِ فَرَكْعَتَانِ» في مقابل قوله علیه السلام: «وأَمَّا مَنْ يُصَلِّي وَحْدَهُ فهي أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بِمَنْزِلَةِ الظُّهْرِ» وقد صرّح بذلك في ذيل الموثّقة أيضاً، أضف إلی ذلك تنكير كلمة الإمام الواردة بعدها للإطلاق علی كلّ إمام قادر علی الخطبة.

ص: 120


1- «التهذيب» ج3/245 الحديث 664، «وسائل الشيعة» ج7/313 الحديث 9443.
2- «الكافي» ج3/421 الحديث 4، «وسائل الشيعة» ج7/310 الحديث 9435.

وتشهد له أيضاً ما وردت في الأخبار الواردة في باب صلاة العيدين مثل صحيحتي سَمَاعَةَ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «لَا صَلَاةَ في الْعِيدَيْنِ إلّا مَعَ الْإِمَامِ، فَإِنْ صَلَّيْتَ وَحْدَكَ فَلَا بَأْسَ»(1)، وما سأله علیه السلام عن أنّه مَتَى يُذْبَحُ؟ قَالَ: «إِذَا انْصَرَفَ الْإِمَامُ»، قُلْتُ: فَإِذَا كُنْتُ في أَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا إِمَامٌ فَأُصَلِّي بِهِمْ جَمَاعَةً ؟ فَقَالَ: «إِذَا اسْتَقَلَّتْ الشَّمْسُ...، لَا بَأْسَ أَنْ تُصَلِّيَ وَحْدَكَ، ولَا صَلَاةَ إلّا مَعَ إِمَامٍ»(2)، فقد استعمل كلمة «الإمام» في هذين الصحيحين في مقابل الصلاة الفرادی.

وكذا ما وردت في باب سقوط الأذان والإقامة عمّن أدرك الجماعة بعد تسليم الإمام كصحيحة أو موثقة أبي بَصِيرٍ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَنْتَهِي إِلَى الْإِمَامِ حِينَ يُسَلِّمُ، قَالَ: «لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْأَذَانَ فَلْيَدْخُلْ مَعَهُمْ في أَذَانِهِمْ، فَإِنْ وَجَدَهُمْ قَدْ تَفَرَّقُوا أَعَادَ الْأَذَانَ»(3).

فعليه - كما سيأتي - لا وجه لحمل المطلق وهو الإمام في المقام علی الفرد الكامل أي الإمام المعصوم علیه السلام إذا لم يكن هناك ما يوجب الإنصراف من كثرةالاستعمال علی وجه يوجب تبادر ذلك المعنی إلی الذهن حين سماعه بالوضع التعيّني بما يمنع من تصوّر غيره.

ص: 121


1- «التهذيب» ج3/128 الحديث 128، «وسائل الشيعة» ج7/421 الحديث 9747.
2- «التهذيب» ج3/287، «وسائل الشيعة» ج7/422 الحديث 9748.
3- «الكافي» ج3/304 الحديث 12، «وسائل الشيعة» ج5/429 الحديث 7003.

أو يكون المراد من «الإمام» فيها هو بيان اشتراط العدالة في إمام الجماعة، إذ العامّة جوّزوا الإيتمام إجمالاً خلف الفاسق ومرتكب الكبائر(1)، قال الشيخ رحمه الله (م 460 ه-) في «الخلاف»:

لا يجوز الصلاة خلف الفاسق المرتكب للكبائر، من شرب الخمر والزّنا واللواط وغير ذلك، وخالف جميع الفقهاء في ذلك إلّا مالكاً فإنّه وافقنا في ذلك، وحكى المرتضى عن أبي عبد الله البصري انّه كان يذهب إليه، ويحتجّ في ذلك بإجماع أهل البيت، وكان يقول: إنّ إجماعهم حجة. دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضاً الصلاة في الذمّة بيقين، ولا تبرأ بيقين إذا صلّى خلف الفاسق، و روى أحمد بن محمد عن سعد بن إسماعيل عن أبيه قال: قلت للرضا علیه السلام: رجل يقارف الذنوب وهو عارف بهذا الأمر أصلی خلفه؟ قال: «لا»(2).وقال ابن رشد القرطبي (م 595 ه-) في «بداية المجتهد»:

اختلفوا في إمامة الفاسق، فردّها قوم بإطلاق، وأجازها قوم بإطلاق، وفرّق قوم بين أن يكون فسقه مقطوعاً به أو غير مقطوع به، فقالوا: إن كان

ص: 122


1- أقول: بل العامّة لم يعدّوا العدل لباري تعالی فی إعداد اُصول الدّين توهماً منهم أنّه ينافي قدرته عزّ وجلّ، ولا استبعاد منهم في ذلك، إذ العدل والظلم يبتنيان علی مسألة «التحسين والتقبيح العقليين» المسألة المعروفة المبحوثة عنها في علم الكلام، والأشاعرة من العامّة لا يعتقدون بذلك بل يقولون: بأنّ الحسن ما حسّنه الشارع والقبيح ما قبّحه الشارع، فصار ذلك هو أساس الخلاف الأصيل بينهم وبين العدليّة الّذين يعتقدون بأنّ الله تبارك وتعالی «قادر علی جميع المقدورات إلّا أنّه حكيم و عادل لا يجور». ولزيادة التوضيح راجع: «اُصول الفقه للعلّامة المظفر رحمه الله ، مبحث المستقلّات العقليّة».
2- «كتاب الخلاف» ج1/560 المسألة 310.

فسقه مقطوعاً به أعاد الصلاة المصلّي وراءه أبداً، وإن كان مظنوناً استحبّت له الإعادة في الوقت، وهذا الّذي اختاره الأبهري تأوّلاً علی المذهب، ومنهم من فرّق بين أن يكون فسقه بتأويل أو يكون بغير تأويل مثل الّذي يشرب النبيذ ويتأوّل أقوال أهل العراق، فأجازوا الصلاة وراء المتأوّل ولم يجيزوها وارء غير المتأوّل(1).

وقال ابن قدامة الحنبلي (م 620 ه-) في «المغني»:

وتجب الجمعة والسّعي إليها سواءٌ كان من يقيمها سنياً أو مبتدعاً أو عدلاً أو فاسقاً نصّ عليه أحمد، و روی عن العباس بن عبد العظيم: أنّه سأل أبا عبدالله عن الصّلاة خلفهم - يعني المعتزلة - يوم الجمعة؟ قال: أمّا الجمعة فينبغي شهودها فإن كان الّذي يصلّي منهم أعاد، وإن كان لا يدري أنّه منهم فلا يعيد، قلت: فإن كان يقال: إنّه قد قال بقولهم، قال: حتّی يستيقن، ولا أعلم في هذا بين أهل العلم خلافاً، والأصل في هذا عموم قول الله تعالی: (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْع) وقول النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «من تركها في حياتي أو بعدي وله إمام عادل أو جائر استخفافاً بها أو جحوداً بها فلا جمع الله له شمله»، وإجماع الصحابة (رضي الله عنهم) فإنّ عبد الله بن عمر وغيره من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كانوا يشهدونها مع الحجاج ونظرائه ولم يسمع من أحد منهم التخلف عنها، وقال عبد الله بن أبي الهذيل:تذاكرنا الجمعة أيام مختار فأجمع رأيهم علی أن يأتوه، فإنّما عليه كذبه ولأنّ

ص: 123


1- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج1/402.

الجمعة من أعلام الدين الظاهرة ويتولّاها الأئمة ومن ولوه فتركها خلف من هذه صفته يؤدّي إلی سقوطها(1).

وقال الجزيري (م 1360 ه- ) في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

تكره إمامة الفاسق إلّا إذا كان إماماً لمثله باتفاق الحنفيّة والشافعيّة، والحنابلة قالوا: إمامة الفاسق ولو لمثله غير صحيحة إلّا في صلاة الجمعة والعيد إذا تعذرت صلاتهما خلف غيره، فتجوز إمامته للضرورة، والمالكيّة قالوا: إمامة الفاسق مكروهة ولو لمثله، (إلی أن قال:) وكذا تكره إمامة المبتدع إذا كانت بدعته غير مكفرة باتفاق(2).

فالرّوايات إمّا ناظرة إلی اشتراط الجماعة في الجمعة في مقابل من زعم أنّها تقام جماعة وفرادی كسائر الصّلوات اليومية، كما صرّحت بذلك صحيحة زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ علیه السلام قَالَ: «إِنَّمَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى النَّاسِ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ خَمْساً وَثَلَاثِينَ صَلَاةً، مِنْهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فَرَضَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ في جَمَاعَةٍ وهي الْجُمُعَةُ، وَوَضَعَهَا عَنْ تِسْعَةٍ: عَنِ الصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ، وَالْمَجْنُونِ، وَالْمُسَافِرِ، وَالْعَبْدِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالْمَرِيضِ، وَالْأَعْمَى، وَمَنْ كَانَ عَلَى رَأْسِ فَرْسَخَيْنِ»(3)، أو ناظرة إلی اشتراط العدالة في الإمام وعدم كونه فاسقاً (4) في مقابل أكثر العامة

ص: 124


1- «المغني لابن قدامة» ج2/301 - 302.
2- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/429.
3- «من لا يحضره الفقيه» ج1/266 الحديث 1217، «وسائل الشيعة» ج7/295 الحديث 9382.
4- وقد وردت بهذا المضمون روايات نقلها الشيخ الحرّ العاملي رحمه الله في باب 11 من أبواب صلاة جماعة «الوسائل» ج8/313، وجعل عنوانه باب «عدم جواز الاقتداء بالفاسق»، مضافاً إلی ما دلت بخصوصها علی اشتراط عدالة إمام الجمعة؛ منها: صحيحة زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ علیه السلام: إِنَّ اُنَاساً رَوَوْا عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْجُمُعَةِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمٍ؟ فَقَالَ: «يَا زُرَارَةُ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام صَلَّى خَلْفَ فَاسِقٍ، فَلَمَّا سَلَّمَ وَانْصَرَفَ قَامَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ: يَا أَبَا الْحَسَنِ صَلَّيْتَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَمْ تَفْصِلْ بَيْنَهُنَّ؟ فَقَالَ: إِنَّهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ مُشَبِّهَاتٍ، فَسَكَتَ، فَوَ اللَّهِ مَا عَقَلَ مَا قَالَ لَهُ». «الكافي» ج3/374 الحديث 6، «وسائل الشيعة» ج7/350 الحديث 9550. قال المجلسي رحمه الله في بيان الحديث: قوله علیه السلام: «مُشَبِّهَات» بفتح الباء أي مشتبهات لا يعرف ما هُنّ، أو بكسر الباء أي يوقع الناس في الشبهة في عدالة الإمام، وفي بعض النسخ «مشتبهات»، والحاصل: أنّه علیه السلام صلّی تقيّة الجمعة خلف خلفاء الجور، ثمّ أعاد الصلاة ظهراً، فلمّا سأله السائل عن ذلك أجاب بما يفهمه المحقق ويشتبه علی المخالف، وقد كان علیه السلام يصلّي ركعتين بعد الجمعة من غير تسليم قبلهما ويقول: هما ركعتان مشتبهتان، وكلا هما حسن. راجع: «مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول صلی الله علیه و آله و سلم » ج15/257. ومنها صحيحة أَبيی بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ علیه السلام: كَيْفَ تَصْنَعُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: «كَيْفَ تَصْنَعُ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أُصَلِّي فِي مَنْزِلِي ثُمَّ أَخْرُجُ فَأُصَلِّي مَعَهُمْ؟ قَالَ: كَذَلِكَ أَصْنَعُ أَنَا». «التهذيب» ج3/246 الحديث 671، «وسائل الشيعة» ج7/350 الحديث 9549. وصحيحة حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ علیه السلام: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّا نُصَلِّي مَعَ هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُمْ يُصَلُّونَ فِي الْوَقْتِ فَكَيْفَ نَصْنَعُ؟ فَقَالَ: «صَلُّوا مَعَهُمْ، فَخَرَجَ حُمْرَانُ إِلَى زُرَارَةَ فَقَالَ لَهُ: قَدْ أَمَرَنَا أَنْ نُصَلِّيَ مَعَهُمْ بِصَلَاتِهِمْ، فَقَالَ زُرَارَةُ: مَا يَكُونُ هَذَا إِلَّا بِتَأْوِيلٍ، فَقَالَ لَهُ حُمْرَانُ: قُمْ حَتَّى نَسْمَعَ مِنْهُ، قَالَ: فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ زُرَارَةُ: إِنَّ حُمْرَانَ أَخْبَرَنَا عَنْكَ أَنَّكَ أَمَرْتَنَا أَنْ نُصَلِّيَ مَعَهُمْ فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ، فَقَالَ لَنَا: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا يُصَلِّي مَعَهُمُ الرَّكْعَتَيْنِ، فَإِذَا فَرَغُوا قَامَ فَأَضَافَ إِلَيْهَا رَكْعَتَيْنِ». «الكافي» ج3/375 الحديث 7، «وسائل الشيعة» ج7/351 الحديث 9551.

حيث جوّزوا إمامة الفاسق إجمالاً(1)، و إلی ما ذكرناه أخيراًأشار الشّيخ عماد الدّين حسن بن علی الطبرسي أو الطوسي (حي إلی 698 ه-) في كتاب «نهج العرفان إلى هداية الإيمان» حيث قال:

إنّ الإمامية أكثر إيجاباً للجمعة من الجمهور، ومع ذلك يشنعون عليهم بتركها حيث إنّهم لم يجوزوا الائتمام بالفاسق ومرتكب الكبائر والمخالف في العقيدة الصحيحة(2).

فعلی أيّ حال إذا جاء الاحتمال فقد بطل الاستدلال.

وثالثاً: نحن نعتقد أيضاً بكون إقامة الجمعة كالحكومة والإفتاء حقّ منحصرٌ بالأئمّة المعصومين علیهم السلام زمان حضورهم، كما دلّت عليه مرسلة حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ: قَالَ: «إِذَا قَدِمَ الْخَلِيفَةُ مِصْراً مِنَ الْأَمْصَارِ جَمَّعَ النَّاسَ لَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ»(3)، إلّا أنَّهم أوكلوا هذا الحقّ إلى من تتوفّر فيه

ص: 125


1- قد روی ابن ماجة القزويني فی سننه بإسناده عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: خطبنا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فقال: «أيّها النّاس توبوا إلی الله قبل أن تموتوا، (إلی أن قال:) واعلموا أنّ الله قد فرض عليكم الجمعة في مقامی هذا، في يومی هذا، في شهری هذا، في عامي هذا إلی يوم القيامة، فمن تركها في حياتي أو بعدي وله إمام عادل أو جائر استخفافاً بها أو جحوداً لها فلا جمع الله له شمله ولا بارك له فی أمره، ألا ولا صلاة له، ولا زكاة له، ولا حجّ له، ولا صوم له، ولا برّ له حتّی يتوب، فمن تاب تاب الله عليه»، الخبر. «سنن ابن ماجة القزويني» ج1/343، كتاب إقامة الصلاة الباب 78 باب فرض الجمعة الخبر 1081.
2- نقلاً من «رسائل الشهيد الثاني» ج1/189، «بحارالأنوار» ج86/145، «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج9/382، و....
3- «التهذيب» ج3/23 الحديث 81، «وسائل الشيعة» ج7/339 الحديث 9522. أقول: إنّها تدلّ بالمفهوم علی أنّ الإمام أو نائبه الخاصّ أو العامّ إذا لم يكونوا حاضرين فيجوز للمؤمنين إقامة الجمعة، قال المحدث البحراني رحمه الله بعد ذكر الحديث: فإنّه يدلّ بالمفهوم على جواز تجميع غير الإمام إذا لم يكن هو شاهداً وتقديمه من حيث كونه إماماً ظاهراً، ونحن لا ننكر تقدّم الإمام أو نائبه إذا وجد أحدهما، وإنّما نمنع سقوط التقديم عند عدم حضور أحدهما، على أنّك قد عرفت أنّ أصل هذا الاشتراط إنّما هو من العامّة تبعهم فيه من تبعهم توهماً أنّه مذهبنا، وأخبارنا وكلام قدمائنا كما عرفت خالٍ من ذلك. راجع: «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج 9/430. ومثلها دعاء الّذي ورد من ناحية السجاد علیه السلام ليومي الأضحی والجمعة، وهو: «اللَّهُمَّ هَذَا يَوْمٌ مُبَارَكٌ مَيْمُونٌ وَالْمُسْلِمُونَ فِيهِ مُجْتَمِعُونَ فِي أَقْطَارِ أَرْضِكَ يَشْهَدُ السَّائِلُ مِنْهُمْ وَالطَّالِبُ وَالرَّاغِبُ وَالرَّاهِبُ، (إِلَى قَوْلِهِ:) اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا الْمَقَامَ لِخُلَفَائِكَ وَأَصْفِيَائِكَ وَمَوَاضِعَ أُمَنَائِكَ فِي الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ الَّتِي اخْتَصَصْتَهُمْ بِهَا قَدِ ابْتَزُّوهَا وَأَنْتَ الْمُقَدِّرُ لِذَلِكَ، (إِلَى قَوْلِهِ:) حَتَّى عَادَ صِفْوَتُكَ وَخُلَفَاؤُكَ مَغْلُوبِينَ مَقْهُورِينَ مُبْتَزِّينَ يَرَوْنَ حُكْمَكَ مُبَدَّلًا وَكِتَابَكَ مَنْبُوذاً، (إِلَى قَوْلِهِ علیه السلام:) وَعَجِّلِ الْفَرَجَ وَالرَّوْحَ وَالنُّصْرَةَ وَالتَّمْكِينَ وَالتَّأْيِيدَ لَهُمْ» إلى آخر الدّعاء. «الصحيفة السجادية» الدعاء الرقم 48، «بحار الأنوار» ج86/218 - 219. والخبر عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: قَالَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا مِنْ عِيدٍ لِلْمُسْلِمِينَ أَضْحًى وَلَا فِطْرٍ إِلَّا وَهُوَ يُجَدِّدُ لآِلِ مُحَمَّدٍ فِيهِ حُزْناً، قُلْتُ: وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ حَقَّهُمْ فِي يَدِ غَيْرِهِمْ»، «الكافي» ج4/169 الحديث 2، «من لا يحضره الفقيه» ج1/511 الحديث 1480.

حيث جوّزوا إمامة الفاسق إجمالاً(1)، و إلی ما ذكرناه أخيراًأشار الشّيخ عماد الدّين حسن بن علی الطبرسي أو الطوسي (حي إلی 698 ه-) في كتاب «نهج العرفان إلى هداية الإيمان» حيث قال:

إنّ الإمامية أكثر إيجاباً للجمعة من الجمهور، ومع ذلك يشنعون عليهم بتركها حيث إنّهم لم يجوزوا الائتمام بالفاسق ومرتكب الكبائر والمخالف في العقيدة الصحيحة(2).

فعلی أيّ حال إذا جاء الاحتمال فقد بطل الاستدلال.

وثالثاً: نحن نعتقد أيضاً بكون إقامة الجمعة كالحكومة والإفتاء حقّ منحصرٌ بالأئمّة المعصومين علیهم السلام زمان حضورهم، كما دلّت عليه مرسلة حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ: قَالَ: «إِذَا قَدِمَ الْخَلِيفَةُ مِصْراً مِنَ الْأَمْصَارِ جَمَّعَ النَّاسَ لَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ»(3)، إلّا أنَّهم أوكلوا هذا الحقّ إلى من تتوفّر فيه

ص: 126


1- قد روی ابن ماجة القزويني فی سننه بإسناده عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: خطبنا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فقال: «أيّها النّاس توبوا إلی الله قبل أن تموتوا، (إلی أن قال:) واعلموا أنّ الله قد فرض عليكم الجمعة في مقامی هذا، في يومی هذا، في شهری هذا، في عامي هذا إلی يوم القيامة، فمن تركها في حياتي أو بعدي وله إمام عادل أو جائر استخفافاً بها أو جحوداً لها فلا جمع الله له شمله ولا بارك له فی أمره، ألا ولا صلاة له، ولا زكاة له، ولا حجّ له، ولا صوم له، ولا برّ له حتّی يتوب، فمن تاب تاب الله عليه»، الخبر. «سنن ابن ماجة القزويني» ج1/343، كتاب إقامة الصلاة الباب 78 باب فرض الجمعة الخبر 1081.
2- نقلاً من «رسائل الشهيد الثاني» ج1/189، «بحارالأنوار» ج86/145، «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج9/382، و....
3- «التهذيب» ج3/23 الحديث 81، «وسائل الشيعة» ج7/339 الحديث 9522. أقول: إنّها تدلّ بالمفهوم علی أنّ الإمام أو نائبه الخاصّ أو العامّ إذا لم يكونوا حاضرين فيجوز للمؤمنين إقامة الجمعة، قال المحدث البحراني رحمه الله بعد ذكر الحديث: فإنّه يدلّ بالمفهوم على جواز تجميع غير الإمام إذا لم يكن هو شاهداً وتقديمه من حيث كونه إماماً ظاهراً، ونحن لا ننكر تقدّم الإمام أو نائبه إذا وجد أحدهما، وإنّما نمنع سقوط التقديم عند عدم حضور أحدهما، على أنّك قد عرفت أنّ أصل هذا الاشتراط إنّما هو من العامّة تبعهم فيه من تبعهم توهماً أنّه مذهبنا، وأخبارنا وكلام قدمائنا كما عرفت خالٍ من ذلك. راجع: «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج 9/430. ومثلها دعاء الّذي ورد من ناحية السجاد علیه السلام ليومي الأضحی والجمعة، وهو: «اللَّهُمَّ هَذَا يَوْمٌ مُبَارَكٌ مَيْمُونٌ وَالْمُسْلِمُونَ فِيهِ مُجْتَمِعُونَ فِي أَقْطَارِ أَرْضِكَ يَشْهَدُ السَّائِلُ مِنْهُمْ وَالطَّالِبُ وَالرَّاغِبُ وَالرَّاهِبُ، (إِلَى قَوْلِهِ:) اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا الْمَقَامَ لِخُلَفَائِكَ وَأَصْفِيَائِكَ وَمَوَاضِعَ أُمَنَائِكَ فِي الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ الَّتِي اخْتَصَصْتَهُمْ بِهَا قَدِ ابْتَزُّوهَا وَأَنْتَ الْمُقَدِّرُ لِذَلِكَ، (إِلَى قَوْلِهِ:) حَتَّى عَادَ صِفْوَتُكَ وَخُلَفَاؤُكَ مَغْلُوبِينَ مَقْهُورِينَ مُبْتَزِّينَ يَرَوْنَ حُكْمَكَ مُبَدَّلًا وَكِتَابَكَ مَنْبُوذاً، (إِلَى قَوْلِهِ علیه السلام:) وَعَجِّلِ الْفَرَجَ وَالرَّوْحَ وَالنُّصْرَةَ وَالتَّمْكِينَ وَالتَّأْيِيدَ لَهُمْ» إلى آخر الدّعاء. «الصحيفة السجادية» الدعاء الرقم 48، «بحار الأنوار» ج86/218 - 219. والخبر عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: قَالَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا مِنْ عِيدٍ لِلْمُسْلِمِينَ أَضْحًى وَلَا فِطْرٍ إِلَّا وَهُوَ يُجَدِّدُ لآِلِ مُحَمَّدٍ فِيهِ حُزْناً، قُلْتُ: وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ حَقَّهُمْ فِي يَدِ غَيْرِهِمْ»، «الكافي» ج4/169 الحديث 2، «من لا يحضره الفقيه» ج1/511 الحديث 1480.

الشروط، كما في التّوقيع الشّريف المتقدّم: «وأَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا، فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وأَنَا حُجَّةُ اللَّهِ، وأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَمْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وعَنْ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ فَإِنَّهُ ثِقَتِي وكِتَابُهُ كِتَابِي»(1)، وكذا في الخبر المرويّ عن مولانا الصّادق علیه السلام: «فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ حَافِظاً لِدِينِهِ مُخَالِفاً عَلَى هَوَاهُ مُطِيعاً لِأَمْرِ مَوْلَاهُ، فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوهُ، وذَلِكَ لَا يَكُونُ إلّا بَعْضَ فُقَهَاءِ

ص: 127


1- «كمال الدين وتمام النعمة» ج2/483 الحديث 4، «وسائل الشيعة» ج27/140 الحديث 33424.

الشِّيعَةِ» إلى آخر الحديث(1)، وغيرهما من الأخبار(2)، حيث أمروا النّاس في عصر الغيبة باتّباع الفقهاء الّذين تتوفّر فيهم الشروط، فكان لهم علیهم السلام حقّ الحكومة والجمعة بالأصالة والولاية، وللفقهاء بالعرض والنّيابة.

فالأولی بل الأقوی حينئذٍ إذا كان الفقيه مبسوط اليد يمكنه إقامة الجمعة بلا خوف وتقية إقامتها بنفسه، أو نصب فرد لإقامتها، وإلّا سقط هذا الشرط أيضاً بمقتضی ما سيأتي من جواز انعقاد الجمعة لأهل القرايا والسواد إذا لم يخافوا، وتمّ عددهم إلی الّذي تنعقد به صلاة الجمعة وكان فيهم من يخطب.

ثمّ لا يخفی أنّه بناءً علی هذا المبنی للزم القول بوجوبها مع الفقيه عيناً على حدّ وجوبها مع الإمام ونائبه الخاص قضية لوجود الشرط، والعجب من بعض المتأخرين حيث لا يقولون به بل يجعلونها حال الغيبة مستحبة بمعنى أنّها أفضل الفردين الواجبين على التّخيير فهي مستحبة عيناً، وواجبة تخييراً.

ورابعاً: أنّ حضور المعصوم وحده غير كافٍ لوجوب صلاة الجمعة، حيث يشهد لذلك أنّ النّبيّ الأعظم صلی الله علیه و آله و سلم والأئمّة الأحد عشر علیهم السلام كانوا حاضرين ولم يقيموا الجمعة، إلّا في أوّل جمعة بعد أن هاجر النّبيّ الأكرم صلی الله علیه و آله و سلم إلی المدينة

ص: 128


1- «الاحتجاج» ج2/458، «وسائل الشيعة» ج27/131 الحديث 33401.
2- مثل خبر عبيد الله بن أحمد بن عامر الطائي عن أبيه عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم: «اللَّهُمَّ ارْحَمْ خُلَفَائِي، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ خُلَفَاؤُكَ؟ قَالَ: الَّذِينَ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي وَيَرْوُونَ عَنِّي أَحَادِيثِي وَسُنَّتِي فَيُعَلِّمُونَهَا النَّاسَ مِنْ بَعْدِي». «عيون أخبار الرّضا علیه سلام» ج2/37 الحديث 94، «وسائل الشيعة» ج27/92 الحديث 32298، فهي تدلّ بالالتزام علی لزوم اتّباع الفقهاء.

المنوّرة حتّی زمان ارتحاله إلی الملأ الأعلی(1)، وخلال خلافة الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام وفي فترة قصيرة في أوائل عهد إمامة الإمام الحسن علیه السلام، بل اللازم في وجوبها إضافةً إلی حضور المعصوم بناءً علی هذا المبنی بسط يد الحاكم الإسلامي وعدم الخوف من ناحية الأعداء؛ وهذا ما نستفيده من بعض الأخبار(2)

ص: 129


1- قال الرّواندي: قيل: إنّ الأنصار قالوا: إنّ لليهود يوماً يجتمعون فيه في كلّ سبعة أيّام، والنّصاری كذلك فاجتمعوا يوم العروبة إلی سعد بن زرارة، فأنزل الله آية الجمعة، وأوّل جمعة جمعها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم هي أنّه لمّا قدم المدينة مهاجراً نزل قُبا علی بني عمرو بن عوف وأقام بها يوم الاثنين والثّلاثاء والأربعاء والخميس وأسّس مسجدهم، ثمّ خرج يوم الجمعة عامداً المدينة فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واديهم فخطب وصلّی الجمعة، وقد أبطل الله قول اليهود حين افتخروا بالسّبت وأنّه ليس للمسلمين مثله فشرّع الله لهم الجمعة. راجع: «فقه القرآن» ج1/169، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج4/533. وحكی المجلسي رحمه الله عن ابن شهاب الزّهري في «إعلام الوری»: وكان خروج رسول اللَّه صلی الله علیه و آله و سلم من قباء يوم الجمعة فوافي بني سالم عند زوال الشّمس، فتعرّضتْ له بنو سالم فقالوا: يا رسول اللَّه هَلُمَّ إلى الْجَدِّ وَالْجَلَدِ وَالْحَلْقَةِ وَالْمَنَعَةِ، فَبَرَكَتْ نَاقَتُهُ عند مسجدهم وقد كانوا بنوا مسجداً قبْلَ قدوم رسول اللَّه صلی الله علیه و آله و سلم، فنزل في مسجدهم وصلَّى بهم الظُّهْرَ وَخطبَهُمْ، وكان أَوّل مسجد خطب فيه بالجمعة وصلّى إلى بيت الْمَقْدس، وكانَ الَّذِين صلَّوْا معه في ذلك الوقْت مائَةَ رجل. «بحارالأنوار» ج19/108. وقد حكی أمين الإسلام الطبرسي رحمه الله في تفسيره قصة أوّل جمعة جمعها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بأصحابه في قبيلة بني سالم بن عوف وحكی خطبته الشريفة. راجع: «مجمع البيان في تفسير القرآن» ج10/433.
2- راجع: مُوَثَّق أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ علیه السلام قَالَ: «لَا جُمُعَةَ إِلَّا فِی مِصْرٍ تُقَامُ فِيهِ الْحُدُودُ». «التهذيب» ج3/239 الحديث 21، «وسائل الشيعة» ج7/307 الحديث 9425.

والأحاديث(1)، والّذي نشاهده اليوم في إيران الإسلاميّة بحمد لله تعالى بعد انتصار الثّورة الإسلاميّة بقيادة الإمام القائد الرّاحل الخميني قدس سره، حيث بُسطت يد الحاكم الإسلامي وانعدم الخوف من ناحية الأعداء، وكذلك شُرّعت قوانين إسلامية من قبل مجلس الشّوری الإسلامي تتطابق مع الشريعة المقدّسة ودستور الجمهوريّة الإسلاميّة تحت إشراف مجلس صيانة الدّستور، وأيضاً اُقيمت الحدود الإسلامية وتمّ التصدّي للطّواغيت الاستكباريّة العالميّة ما لم نسمع به ولم نره منذ ظهور الإسلام إلی زماننا هذا؛ إلّا أنّه مع الأسف فإنّ المعصوم علیه السلام ليس حاضراً بيننا، فمع هذه الظّروف الزّمانية الثمينة كيف يمكن لنا القول بحرمة صلاة الجمعة في عصر الغيبة أو بعدم وجوبها عيناً؟!

وخامساً: أنّه لوكان إقامة الجمعة في عصر الغيبة علی الفرض حراماً علی حدّ حرمة الخمر والخنزير وسائر المحرمات للزم التّصريح به لئلّا يلزم الإغراء بالجهل، كما هو عادة الشارع في المنع والنهي عن ارتكاب سائر المحرمات(2)

ص: 130


1- راجع: صَحِيح مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى سَبْعَةِ نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا جُمُعَةَ لِأَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدُهُمُ الْإِمَامُ، فَإِذَا اجْتَمَعَ سَبْعَةٌ وَلَمْ يَخَافُوا أَمَّهُمْ بَعْضُهُمْ وَخَطَبَهُمْ». «من لايحضره الفقيه» ج1/411 الحديث 1220، «وسائل الشيعة» ج7/304 الحديث 9415، و ص 310 الحديث 9436.
2- قد دلّت علی ذلك آيات من القرآن الكريم، منها قوله تبارك وتعالی: (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) «الإسراء»: 15، وقوله تعالی: (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى)، «طه»: 134، وقوله تعالی: (وَمَا كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا)، «القصص»: 59.

لا أن ينهي عنها كناية بواسطة مفهوم كلمتي «الإمام» أو «السطان العادل» الّلتين لم تثبت أو وردتا في قليل من روايات صلاة الجمعة في قبال تلك المطلقات الكثيرة الآمرة بإقامتها من دون تقييد لعصر الحضور أو الغيبة!

وسادساً: بعد ما اعترف المستدلّ بأنّ صلاة الجمعة كانت واجبة عينية في زمانه صلی الله علیه و آله و سلم و زمان خلافة عليّ علیه السلام فنقول بتعميمها في عصر الغيبة أيضاً إذا لم يخافوا من فعلها من باب الاشتراك أو عدم نسخ أحكامه صلی الله علیه و آله و سلم بعده، خرج منه زمان سائر الأئمة علیهم السلام للخوف وغصب حقّهم من ناحية الأعداء، فمن ادّعی أنّها مشروطة مطلقاً بوجود الإمام المعصوم علیه السلام، أو من نصبه بالتنصيب الخاص أو العام (أعني الإذن منه لإقامة الجمعة ولغيرها من الاُمور) وأنّها محرمة في عصر الغيبة، فعليه إثباته بالأدلّة القطعية اليقينية، فكيف يمكن له رفع اليد من تلك النصوص الواردة الدّالة علی وجوب صلاة الجمعة بهذا الظهور المدّعی؟!

وبعبارة اُخری: أنّ أدلّة وجوب صلاة الجمعة تامّة بالنسبة إلی تمام العصور والأزمنة إلّا أنّها كسائر الواجبات مشروطة بالشرائط العامّة للتكليف الّتي منها القدرة وعدم الخوف من ناحية الأعداء علی النفس أو البدن أو المال المحترم، من دون فرق فيه بين زمان الحضور أو الغيبة، لا أنّها مشروطة بوجود الإمام المعصوم علیه سلام .

زائداً علی أنّ في أصل انتساب اشتراط وجوب الجمعة بإذن الحاكم أو السّلطان إلی الفقهاء الإماميّة بحثاً، وأوّل من صرّح بذلك من الفقهاء أبو حنيفة من العامّة حيث عدّ أنّ السّابع من شروط صحة الجمعة: «الإذن العامّ من

ص: 131

الإمام - أي الحاكم - »(1)، منعاً منهم عن إقامتها بواسطة تابعي أئمة الطاهرين علیهم السلام وشيعتهم بأنّها من شؤون الحكومة الّتي كانت كثيراً ما في أيدي الغاصبين، أمّا الخاصة فلم يسمع ذلك من قدمائهم، كما صرّح به المحدث البحراني رحمه الله حيث قال:

إنّ أصل هذا الاشتراط إنّما هو من العامّة تبعهم فيه من تبعهم توهّماً أنّه مذهبنا، وأخبارنا وكلام قدمائنا كما عرفت خالٍ من ذلك(2).

وسابعاً: أنّ ما ادّعوا من دعوی عدم الخلاف أو إجماع الإماميّة علی عدم جواز إقامة الجمعة بغير الإمام المعصوم علیه السلام أو من نصبه لذلك، فإثباته بعد ملاحظة ما سيأتي من كلماتهم عند نقل «أقوال الفقهاء الّتي ظاهرة أو صريحة حول كون صلاة الجمعة في عصر الغيبة واجبةً بالوجوب العينيی التعييني، أو أنّها كذلك بعد ما إذا اُقيمت في الخارج بما لها من الشرائط» أوّل الكلام، زائداً علی عدم كونه بإجماع تعبّدي محض معتبر عند فقهائنا لكونه إجماعاً مدركيّاً، الّذي منشؤه ما وردت من الأخبار والأحاديث عن الفريقين من أنّ صلاة الجمعة متی تجب، تقام بالجماعة فقط بخلاف سائر الصلوات الواجبة اليوميّة، والجماعة عندنا بالاتفاق والإجماع مشروطةٌ بالإمام العادل، فادّعوا أنّه الإمام المعصوم علیه السلام أو من نصبه لذلك.

ص: 132


1- راجع: «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/380
2- راجع: «الحدائق الناضرة فی أحكام العترة الطاهرة» ج 9/430

الثالث:

كلمة (الإمام) في الرّوايات هي حقيقةٌ لغويةٌ لا شرعيةٌ.

إنَّ كلمة (الإمام) الّتي ذُكرت في الرّوايات لم تكن حقيقةً شرعيّةً حتّی يلزم لنا الأخذ بما لها من المعنی في الشّريعة المقدّسة، ولو كانت كذلك لاتّضح لنا الأمر، بل هي حقيقةٌ لغويّةٌ.

تعريف الإمام في كلمات أرباب اللّغة.

قال ابن منظور في لسان العرب:

(الإِمامُ) كُلُّ من ائتَمَّ به قومٌ كانوا على الصِّراط المستقيم أو كانوا ضالِّين، ثمّ حكی عن ابن سيّده: و(الإِمامُ) ما ائْتُمَّ به من رئيسٍ وغيرِه، والجمع (أَئِمَّة).(1)

وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتاب العين:

وكُلُّ من اقتُدي به وقُدِّم في الاُمورٍ فهو إمامٌ، والنّبيّ علیه السلام إمام الاُمّة، والخليفة إمام الرعية...، والقرآن إمام المسلمين...، والمصحَفُ الّذي يُوضَعُ في المساجد يُسَمَّى الإمام، والجمع الأئمَّة علی زنة الأعمَّة(2).

وقال الرّاغب في «مفرداته»:

(الإِمام) المؤتمّ به، إنساناً كأن يُقتدی بقوله أو فعله، أو كتاباً، أو غير ذلك، محقَّاً كان أو مبطلاً، وجَمعُهُ (أئمَّة)، وقوله تعالى: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ)(3) أي: بالّذي يقتدون به، وقيل بكتابهم، وقوله:

ص: 133


1- «لسان العرب» ج12/24.
2- «كتاب العين» ج8/428 - 429.
3- «الإسراء»: 71.

(واجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً)(1)، وقال: (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ)(2) جمع إمام(3).

وقال في «التّحقيق في كلمات القرآن الكريم»:

والتّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو القصد المخصوص، أي القصد مع التّوجّه الخاصّ إليه، وهذا المعنى محفوظٌ في جميع مشتقّاتها: أُمّ - أُمّة - إمام - أمام - إمّا - أمّا - أم...، (إِمام) علی وزان (كتاب)، هو في الأصل مصدرٌ، ثُمَّ أُطلق علی ما يُتوجَّه إليه ويُقصَد ويكون مصداقاً لهذا المعنی ومَظهراً تامّاً له، ويختلف الإمام باختلاف الموارد والقاصدين والمتوجّهين والجهات والاعتبارات، فيقال: إمام الجمعة، إمام الجَماعة، إمام الهداية، إمام الضَّلالة(4) .

فكما تری لم يرد في شيء من تصريحاتهم ما يستفاد بأنّ المراد من (الإمام) هو خصوص الأنبياء والأئمة الأطهار علیهم السلام أو الخلفاء والسّلاطين؛ فتدبّر.

ويؤيّد ما استظهرناه من أنّ المراد بالإمام في الروايات الواردة في المقام هو ما له من المعنی عند أرباب اللغة، ما قاله الشّيخ محمّد حسن النّجفي رحمه الله في مبحث «ما يستحب لأمير الحاجّ» من كتاب حج «جواهر الكلام» فإنّه بعد ما ذكر روايات باب الرابع من روايات أبواب «إحرام الحج والوقوف بعرفة» - كصحيح مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا صلی الله علیه و آله و سلم قَالَ: «لَا ينبغي لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ

ص: 134


1- «الفرقان»: 74.
2- «القصص»: 41.
3- «مفردات ألفاظ القرآن» ص 87.
4- «التحقيق في كلمات القرآن الكريم» ج1/149.

يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إلّا بِمِنَى وَيَبِيتُ بِهَا إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ»(1)، وصحيح جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «ينبغي لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ مِنْ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِمِنَى وَيَبِيتَ بِهَا وَيُصْبِحَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ يَخْرُجَ»(2)، وصحيحة مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمَسْجِدِ الْخَيْفِ وَيُصَلِّيَ الظُّهْرَ يَوْمَ النَّفْرِ في الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ»(3)، وصحيح آخر عن مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام هَلْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم الظُّهْرَ بِمِنَى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، وَالْغَدَاةَ بِمِنًى يَوْمَ عَرَفَةَ»(4)، وصحيح آخر عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِمِنَى وَيَبِيتَ بِهَا وَيُصْبِحَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ يَخْرُجَ إِلَى عَرَفَاتٍ» (5) - قال:

والمراد بالإمام أمير الحاجّ كما صرّح به غير واحد، فإنّه الّذي ينبغي أن يتقدّمهم إلى المنزل فيتبعوه ويجتمعوا إليه ويتأخر عنهم في الرحيل منه، وفي خبر حَفْصٍ الْمُؤَذِّنِ قَالَ: حَجَّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ بِالنَّاسِ سَنَةَ

ص: 135


1- «التهذيب» ج5/176 الحديث 591، «الاستبصار» ج2/253 الحديث 891، «وسائل الشيعة» ج13/523 الحديث 18356.
2- «التهذيب» ج5/177 الحديث 592، «وسائل الشيعة» ج13/523 الحديث 18357.
3- «التهذيب» ج5/177 الحديث 593، «الاستبصار» ج2/254 الحديث 893، «وسائل الشيعة» ج1/524 الحديث 18358.
4- «التهذيب» ج5/177 الحديث 594، «وسائل الشيعة» ج13/524 الحديث 18359.
5- «من لا يحضره الفقيه» ج2/280 الحديث 1373، «وسائل الشيعة» ج13/525 الحديث 18361.

أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، فَسَقَطَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ بَغْلَتِهِ فَوَقَفَ عَلَيْهِ إِسْمَاعِيلُ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «سِرْ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يَقِفُ (1)»(2).

أضف إلی ذلك أنّ موارد استعمال هذه الكلمة ومشتقاتها في القرآن العظيم عامّ يشمل لكلا الأئمة العدل والجور ولاتختصّ بالإمام العادل المعصوم، فمن الأوّل قوله تبارك وتعالی: (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمينَ)(3)، وقوله تعالی: (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدينَ) (4)، وقوله تعالی: (وَالَّذينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقينَ إِماماً)(5). من الثاني قوله تبارك وتعالی: (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا في دينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ)(6)، وقوله تعالی: (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ)(7).

لا يقال: إنّه قد وردت رواياتٌ متعدّدةٌ دالّةٌ علی عدم خلوّ الأرض من إمام عادل، حيث لا ريب في أنّ المراد بكلمة (الإمام) في هذه الرّوايات هو خصوص الإمام العادل المعصوم علیه السلام، فهي ترشدنا إلی كونها حقيقةً شرعيّةً في هذا

ص: 136


1- «الكافي» ج4/541 الحديث 5، «وسائل الشيعة» ج13/525 الحديث 18362.
2- «جواهر الكلام» ج19/7.
3- «البقرة»: 124/19.
4- «الأنبياء»: 73/328.
5- «الفرقان»: 74/366.
6- «التوبة»: 12/188.
7- «القصص»: 41/390.

المعنی الجديد، فعلينا الأخذ بها عند استعمالها في سائر الموارد في الشّريعة المقدّسة(1).

منها موثّق أبي بَصِيرٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام حيث قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَجَلُّ وأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَتْرُكَ الْأَرْضَ بِغَيْرِ إِمَامٍ عَادِلٍ».

ومنها صحيحة أبي حَمْزَة عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام حيث قَالَ: «واللَّهِ مَا تَرَكَ اللَّهُ أَرْضاً مُنْذُ قَبَضَ آدَمَ علیه السلام إلّا وفِيهَا إِمَامٌ يُهْتَدَى بِهِ إِلَى اللَّهِ وهُو حُجَّتُهُ عَلَى عِبَادِهِ، ولَا تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ حُجَّةٍ لِلَّهِ عَلَى عِبَادِهِ».

ومنها صحيحة أبي حَمْزَة أيضاً، إذ قَالَ: قُلْتُ لِأبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: أَتَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟ قَالَ: «لَو بَقِيَتِ الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ لَسَاخَتْ».

ومنها صحيح مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أبي الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَتَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟ قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: فَإِنَّا نُرَوَّى عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه سلام أَنَّهَا لَا تَبْقَى بِغَيْرِ إِمَامٍ إلّا أَنْ يَسْخَطَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ أَو عَلَى الْعِبَادِ، فَقَالَ: «لَا، لَا تَبْقَى إِذاً لَسَاخَتْ».

ومنها ما رواه أَبُو هَرَاسَةَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «لَو أَنَّ الْإِمَامَ رُفِعَ مِنَ الْأَرْضِ سَاعَةً لَمَاجَتْ بِأَهْلِهَا كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ بِأَهْلِهِ».

ومنها صحيحة الْوَشّاء حيث قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام: هَلْ تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟ قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: إِنَّا نُرَوَّى أَنَّهَا لَا تَبْقَى إلّا أَنْ يَسْخَطَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ عَلَى الْعِبَادِ، قَالَ: «لَا تَبْقَى إِذاً لَسَاخَتْ»(2).

ص: 137


1- ممن أشار إلی ذلك الميرزا أبوالقاسم القمّي رحمه الله والظاهر أنّه مال إليه أيضاً، راجع: «مناهج الأحكام في مسائل الحلال والحرام» ص 28.
2- «الكافي» ج1/178 - 179، الباب 6، باب «أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّةٍ»، الأحاديث 6 و 8 و 10 و 11 و 12 و 13.

لأنّا نقول: إنّ كلمة (الإمام) في هذه الرّوايات وأمثالها لم تستعمل علی نحو الإطلاق في المعنی المدّعی، بل استعملت مع كلمة (الأرض)، ولا شكّ في أنّ المراد من إمام الأرض هو خصوص الإمام المعصوم علیه السلام الّذي هو خليفة الله في أرضه، وبه تُمسك السماوات أن تقع علی الأرض، و به ينزّل الغيث، إلی آخر ما في زيارة الجامعة الكبيرة المرويّة عن مولانا الإمام عليّ الهادي علیه السلام وما في كتاب (الحجّة) من «اُصول الكافي» للمحدّث الكليني قدس سره، وأين هذا عمّا نحن بصدده من إمام الجمعة والجماعة ؟!

إن قلت:

إنّ المراد بلفظ «الإمام» في المقام هو الإمام المعصوم علیه السلام من باب صرف المطلق إلی أكمل الأفراد والحصص أو إلی الفرد الكامل، كما استدلّ بذلك المحقق البهبهاني رحمه الله (م 1205 ه-) حيث قال:

ذكروا أنّه لابدّ (في وجوب صلاه الجمعة) من الإمام، و قد عرفت أنّه إمام الأصل بالتبادر، وانصراف الإطلاق إلی الكامل، فكما ينصرف الوجوب إلی العيني لأنّه الكامل فكذلك الإمام. ثمّ استدل علی مذهبه بقوله تعالی: (وَنُريدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ اسْتُضْعِفُوا في الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثينَ)(1)، حيث إنّ المتبادر منه وكذا غيره من الآيات والروايات أنّه الأولی بالتصرف و هو الإمام المعصوم علیه سلام (2).

ص: 138


1- «القصص»: 5/385.
2- راجع: «مصابيح الظلام» ج2/25 - 26 و 41.

قلنا:

لنا معه كلام في المشبّه والمشبّه به؛ أمّا المشبّه أنّ الانصراف مدفوع هنا عرفاً بحيث ينصرف الذهن إلی الإمام المعصوم علیه السلام كلّما يسمع اللفظ من أخبار صلاة الجمعة، إذ الانصراف يحتاج إلی دليل أو قرينة مفقودين في المقام، كما حرّرناه آنفاً في روايات عدم خلوّ الأرض من إمام عادل.

وأمّا المشبّه به أنّ ما قاله من حمل الوجوب علی الوجوب النفسي التعييني العيني - كما بيّنه علماء الاُصول - لم يكن من باب حمله علی أكمل الأفراد أو علی الفرد الكامل، بل إطلاق الصيغة يقتضي إذا كان الآمر في مقام البيان ولم ينصب قرينة علی ما يقابلها من الوجوب الغيري والكفائي والتخييري، كون الوجوب نفسيّاً تعيينيّاً عينيّاً، حيث إنّ كلّ واحد ممّا يقابلها يكون فيه نوع من تقييد الوجوب وتضييق دائرته، فالحكمة تقتضي كونه مطلقاً، وجب هناك شيء آخر أم لا، أتی بشيء آخر أو لا، أتی به آخر أم لا(1).

ص: 139


1- أقول: لزيادة التوضيح راجع «كفاية الاُصول»، مبحث الأوامر، بحث «قضية إطلاق الصيغة يقتضي كون الوجوب نفسيّاً تعيينيّاً عينيّاً».

الرابع:

الجواب عن حمل الشّيخ جواز انعقاد الجمعة لأهل القرايا والسّواد بأنّه بمنزلة النّصب الخاصّ من ناحية الأئمّة علیهم السلام .

إنّ ما قاله شيخ الطائفة رحمه الله عند جوابه عن إشكال جواز انعقاد الجمعة بما ورد لأهل القرايا والسّواد والمؤمنين إذا تمّ بهم العدد الّذي تنعقد به صلاة الجمعة: بأنّ ذلك بمنزلة النّصب الخاصّ من ناحية الإمام علیه السلام لمن يُصلِّي بهم(1)، فهو في غاية البعد، إذ النّاظر المنصف يری أنّها آبيةٌ عن مثل هذا الجواب، بل لسانها هو لسان إنشاء حكم كلّي موضوع شامل لجميع الأزمنة والعصور من باب «حَلالُ مُحَمَّدٍ حَلالٌ إلَی يَومِ القِيامَةِ، وحَرَامُهُ حَرامٌ إلَی يَومِ القِيامَةِ»(2)، لاسيّما بملاحظة (أل) الجنس في مثل كلمتي (القوم) و(المسلمين)،

ص: 140


1- حيث قال: من شرط انعقاد الجمعة الإمام أو من يأمره الإمام بذلك من قاضٍ أو أمير ونحو ذلك، (إلی أن قال:) فإن قيل: أليس قد رويتم فيما مضی وفي كتبكم أنّه يجوز لأهل القرايا والسواد والمؤمنين إذا اجتمع العدد الّذي تنعقد بهم أن يصلّوا الجمعة؟ قلنا: ذلك مأذون فيه مرغوب فيه، فجری ذلك مجری أن ينصب الإمام من يصلّي بهم. راجع: «كتاب الخلاف» ج1/626 المسألة الرقم 397.
2- روی زرارة عن الصَّادق علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ؟ فَقَالَ: «حَلَالُ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله و سلم حَلَالٌ أَبَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَحَرَامُهُ حَرَامٌ أَبَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَكُونُ غَيْرُهُ وَلَا يَجِي ءُ غَيْرُهُ». «الكافي» ج1/58 الحديث 19. وقد صرّحت أيضاً بأنّ أحكامه الشرعية الصادرة في زمانه صلی الله علیه و آله و سلم مستمرة إلی يوم القيامة مرسلة سَلَّامِ بْنِ الْمُسْتَنِيرِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ علیه السلام قَالَ: قَالَ جَدِّي رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم: «أَيُّهَا النَّاسُ حَلَالِي حَلَالٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَحَرَامِي حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَلَا وَقَدْ بَيَّنَهُمَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْكِتَابِ، وَبَيَّنْتُهُمَا لَكُمْ فِي سُنَّتِي وَسِيرَتِي، وَبَيْنَهُمَا شُبُهَاتٌ مِنَ الشَّيْطَانِ وَبِدَعٌ بَعْدِي، مَنْ تَرَكَهَا صَلَحَ لَهُ أَمْرُ دِينِهِ، وَصَلَحَتْ لَهُ مُرُوَّتُهُ وَعِرْضُهُ، وَمَنْ تَلَبَّسَ بِهَا وَقَعَ فِيهَا وَاتَّبَعَهَا كَانَ كَمَنْ رَعَى غَنَمَهُ قُرْبَ الْحِمَى، وَمَنْ رَعَى مَاشِيَتَهُ قُرْبَ الْحِمَى نَازَعَتْهُ نَفْسُهُ إِلَى أَنْ يَرْعَاهَا فِي الْحِمَى، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَحَارِمُهُ، فَتَوَقَّوْا حِمَى اللَّهِ وَمَحَارِمَهُ»، الحديث. «كنز الفوائد» ج1/164، «وسائل الشيعة» ج27/169 الحديث 33515.

أو الفعل المضارع الّذي يدلّ علی الدّوام والتّكرار في بعضها، وكذا كلمتا (قوم) و(اُناسٌ) اللّتان ذكرتا بصيغة التنكير بحيث يمكن انطباقهما علی جميع النّاس وسكنة القرايا والبوادي، بل يمكن أن يقال إنّها مضافاً إلی كونها علی الأقلّ متظافرةً عدداً، تنادي بأعلی صوت بأنّ صلاة الجمعة لا يحتاج في جوازها أو وجوبها عيناً إلى أكثر من إمام عادل خطيب إذا اكتمل العدد الّذي تنعقد به، حتّى وإن لم تكن الحكومة بيد الفقيه الجامع لشرائط الفتوی، أو كما قال السيّد محمّد العاملي رحمه الله صاحب كتاب (المدارك):

فهي كالنّص في الدّلالة علی عدم اعتبار الإمام أو نائبه(1) .

وبذلك نجيب عمّا ذهب إليه المحقق البهبهاني رحمه الله (م 1205 ه-) في «حاشيته علی المدارك» بأنّ:

الاستدلال علی وجوب الجمعة بالآية وأمثالها، فهو مبني علی المذهب السخيف من كون الخطاب شاملاً للمشافهة والغائب جميعاً، أو لقاعدة الاشتراك في التكاليف وهو أيضاً غلط لاحتمال أن يكون الحكم بالاشتراك بعد الخطاب(2).

لوضوح عدم اختصاص الخطابات القانونيّة النوعيّة بالمشافهين بخلاف الخطابات الخارجيّة الشخصيّة الحقيقيّة، كما هو مبيّن علی من راجع كتب الاُصول مبحث «حجيّة الظهور بالنسبة إلی غير المقصودين بالإفهام»، فلو

ص: 141


1- «مدارك الأحكام» ج4/22.
2- «الحاشية على مدارك الأحكام» ج 3/188.

أصرّ رحمه الله علی اختصاص الخطاب في المقام بالمشافهين فنقول له: ما تقول في توجّه سائر التكاليف الشرعيّة الخمسة في غير الجمعة بالنسبة إلی غير المشافهين نقول به في المقام أيضاً!

قد دلّت علی ما ذكرناه ما وردت من الأخبار الدالة علی أنّ الله تبارك وتعالی لم يجعل القرآن لزمان دون زمان ولا لناس دون ناس، بل يجري فيمن يأتي كما يجري فيمن مضی، وهو في كلّ زمان جديد، منها:

1 - ما رواه أبو بَصِيرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) فَقَالَ: «رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم الْمُنْذِرُ، وَعَلِيٌّ الْهَادِي، يَا أَبَا مُحَمَّدٍ هَلْ مِنْ هادٍ الْيَوْمَ؟ قُلْتُ: بَلَى جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا زَالَ مِنْكُمْ هادٍ بَعْدَ هادٍ حَتَّى دُفِعَتْ إِلَيْكَ، فَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، لَوْ كَانَتْ إِذَا نَزَلَتْ آيَةٌ عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مَاتَتِ الآيَةُ مَاتَ الْكِتَابُ، وَلَكِنَّهُ حَيٌّ يَجْرِي فِيمَنْ بَقِيَ كَمَا جَرَى فِيمَنْ مَضَى»(1).

2 - وما رواه الشّيخ رحمه الله في «أماليه» عن يعقوب بن السكيت النحوي عَنِ الرِّضَا عَنْ أَبِيهِ صلی الله علیه و آله و سلم أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: مَا بَالُ الْقُرْآنِ لَا يَزْدَادُ عَلَى النَّشْرِ وَالدَّرْسِ إلّا غَضَاضَةً؟ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَجْعَلْهُ لِزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ، وَلِنَاسٍ دُونَ نَاسٍ، فَهُوَ في كُلِّ زَمَانٍ جَدِيدٌ، وَعِنْدَ كُلِّ قَوْمٍ غَضٌّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»(2).

3 - وما رواه أبوُ عَمْرٍو الزُّبَيْرِيِّ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام في حَدِيثٍ: «مَنْ كَانَ قَدْ تَمَّتْ فِيهِ شَرَائِطُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الّتي قَدْ وَصَفَ بِهَا أَهْلَهَا مِنْ أَصْحَابِ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وَهُوَ مَظْلُومٌ فَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ في الْجِهَادِ كَمَا أُذِنَ لَهُمْ، لِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ في الْأَوَّلِينَوَالْآخِرِينَ وَفَرَائِضَهُ عَلَيْهِمْ سَوَاءٌ إلّا مِنْ عِلَّةٍ أَوْ حَادِثٍ يَكُونُ، وَالْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ أَيْضاً

ص: 142


1- «الكافي» ج1/191 الحديث 3.
2- «الأمالی للطوسي» ص 580 الحديث 1203، «بحار الأنوار» ج2/280 الحديث 44.

في مَنْعِ الْحَوَادِثِ شُرَكَاءُ، وَالْفَرَائِضُ عَلَيْهِمْ وَاحِدَةٌ، يُسْأَلُ الْآخِرُونَ عَنْ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ كَمَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْأَوَّلُونَ، وَيُحَاسَبُونَ بِهِ كَمَا يُحَاسَبُون»(1).

وكيف كان فمن الأخبار الدالّة علی أنّ الجمعة واجبة عينية علی أهل القری والسّواد وغيرهم مطلقاً ولا تختصّ بالمشافهين ولا الموجودين في زمان التخاطب، بل يعمّ بالمنطوق أو المفهوم جميع النّاس إلی يوم القيامة، إذا اكتمل عددهم إلی الّذي تنعقد به الجمعة وكانوا من غير من استثنی عنهم الجمعة، وكان فيهم من يخطب؛ هي:

1 - صحيحة مُحَمَّد بْن الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ فَضَالَةَ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «إِذَا كَانَ قَوْمٌ في قَرْيَةٍ صَلَّوُا الْجُمُعَةَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَنْ يَخْطُبُ لَهُمْ جَمَّعُوا إِذَا كَانُوا خَمْسَ نَفَرٍ، وإِنَّمَا جُعِلَتْ رَكْعَتَيْنِ لِمَكَانِ الْخُطْبَتَيْنِ»(2).

2 - صحيحة صَفوان بْن يَحْيَى عَنْ مَنْصُورٍ - يَعْنِي ابْنَ حَازِمٍ - عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه سلام أَنّه قَالَ: «يُجَمِّعُ الْقَوْمُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا كَانُوا خَمْسَةً فَمَا زَادُوا، فَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ فَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ، والْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ»، إلى آخر الْحَدِيثَ(3).

3 - موَثَّقة ابْن أبي يَعْفُورٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «لَا تَكُونُ جُمُعَةٌ مَا لَمْ يَكُنِ الْقَوْمُ خَمْسَةً»(4).

ص: 143


1- «التهذيب» ج6/133 الحديث 224.
2- «التهذيب» ج3/238 الحديث 634، «الاستبصار» ج1/420 الحديث 1614، «وسائل الشيعة» ج7/304 الحديث 9417.
3- «التهذيب» ج3/239 الحديث 636، «الاستبصار» ج1/419 الحديث 1610، «وسائل الشيعة» ج7/304 الحديث 9418.
4- «التهذيب» ج3/239 الحديث 637، «الاستبصار» ج1/419 الحديث 1611، «وسائل الشيعة» ج7/305 الحديث 9419.

4 - صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا صلی الله علیه و آله و سلم حيث قال: سَأَلْتُهُ عَنْ أُنَاسٍ في قَرْيَةٍ هَلْ يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ جَمَاعَةً؟ قَالَ: «نَعَمْ، ويُصَلُّونَ أَرْبَعاً إِذَا لَمْ يَكُنْ مَنْ يَخْطُبُ»(1).

5 - صحيحة أَبَان بْنِ عُثْمَانَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «إِذَا كَانَ قَوْمٌ في قَرْيَةٍ صَلَّوُا الْجُمُعَةَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَنْ يَخْطُبُ بِهِمْ جَمَّعُوا إِذَا كَانُوا خَمْسَ نَفَرٍ، وإِنَّمَا جُعِلَتْ رَكْعَتَيْنِ لِمَكَانِ الْخُطْبَتَيْنِ»(2).

6 - صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأبي جَعْفَرٍ علیه السلام: عَلَى مَنْ تَجِبُ الْجُمُعَةُ؟ قَالَ: «تَجِبُ عَلَى سَبْعَةِ نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ولَا جُمُعَةَ لِأَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدُهُمُ الْإِمَامُ فَإِذَا اجْتَمَعَ سَبْعَةٌ ولَمْ يَخَافُوا أَمَّهُمْ بَعْضُهُمْ وخَطَبَهُمْ»(3).

ص: 144


1- «التهذيب» ج3/238 الحديث 633، «الاستبصار» ج1/419 الحديث 1613، «وسائل الشيعة» ج7/306 الحديث 9423.
2- «التهذيب» ج3/238 الحديث 634، «الاستبصار» ج1/420 الحديث 1614، «وسائل الشيعة» ج7/306 الحديث 9424.
3- «من لا يحضره الفقيه» ج1/267 الحديث 1218، «وسائل الشيعة» ج7/304 الحديث 9415، و ص 310 الحديث 9436.

7 - صحيحة مَنْصُورٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام في حَدِيثٍ قَالَ: «الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ لَا يُعْذَرُ النَّاسُ فِيهَا إلّا خَمْسَةٌ: الْمَرْأَةُ، والْمَمْلُوكُ، والْمُسَافِرُ، والْمَرِيضُ، والصَّبِيُّ»(1).

8 - مرفوعة مرويّة عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْجُمُعَةَ فَرِيضَةً وَاجِبَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»(2) .

9 - ما روی ابن ماجة القزويني في سننه بإسناده عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: خطبنا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فقال: «أيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إلیَ اللهِ قَبلَ أن تَمُوتُوا، (إلی أن قال:) وَاعلَمُوا أنَّ اللهَ قَد فَرَضَ عَلَيكم الجُمُعَةَ في مَقامِي هَذا، في يَومِي هَذا، في شَهرِي هَذا، في عَامِي هَذا إلی يَومِ القِيمَةِ، فَمَن تَرَكهَا في حَياتِي أو بَعدِي وَلَه إمَامٌ عَادِلٌ أو جَائِرٌ استِخفَافاً بِهَا أو جُحُوداً لَهَا فَلا جَمَعَ اللهُ لَهُ شَملَهُ وَلا بَارَك اللهُ في أمرِهِ، إلّا وَلا صَلاةَ لَهُ، وَلا زَكاةَ لَهُ، وَلا حَجَّ لَهُ، وَلا صُومَ لَهُ، وَلا بِرَّ لَهُ حَتّی يَتُوبَ، فَمَن تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيهِ»، الخبر(3).

والرّوايات كما تری متظافرة مستفيضة، كثرتها يغنينا عن ملاحظة أسانيدها مع ما كانت فيها من الصّحاح، فهل يصحّ لنا أن نقول بأنّها أحكام شخصيّة خارجيّة بمعنی كونها بمنزلة النّصب الخاصّ من ناحية الإمام علیه السلام لمن يُصلِّي

ص: 145


1- «التهذيب» ج3/239 الحديث 636، «الاستبصار» ج1/419 الحديث 1610، «وسائل الشيعة» ج7/300 الحديث 9397.
2- «المعتبر في شرح المختصر» ج2/277، «وسائل الشيعة» ج7/301 الحديث 9403.
3- «سنن ابن ماجة القزويني» ج1/343، كتاب إقامة الصلاة، الباب 78، باب فرض الجمعة، الخبر 1081.

بهم الجمعة؟! لا سيّما بملاحظة الجمل الخبريّة الواردة فيها في مقام إنشاء الطلب من دون أن يكون فيها من صيغ الخطاب شيء.

ثمّ إنّه علی القول باختصاص الحكم بأهل القری والسّواد - كما اختاره الشّيخ رحمه الله في «الخلاف» - للزم تعميمه أيضاً لجميع أهل المدن والبلاد من باب تنقيح المناط القطعي العرفي.

الخامس:

الجواب عن استدلال القائل(1) بعدم كون صلاة الجمعة في عصر الغيبة واجبةً تعيينيّةً مستدلّاً بأنّ سيرة أصحاب الأئمّة علیهم السلام أو المتشرّعة جرت علی عدم إقامتها.

قد ادّعى بعدم كون صلاة الجمعة في عصر الغيبة واجبةً تعيينيّةً، استناداً بأنّ سيرة أصحاب الأئمّة علیهم السلام أو المتشرّعة جرت علی عدم إقامتها، وأنّها لو كانت واجبةً تعيينيّةً فلماذا جرت سيرتهم هكذا ولماذا أهملوا ما وجب عليهم في الشّريعة المقدّسة ؟!

هذا المدّعی كما يبدو أقوی أدلّتهم علی ذلك، بل ونزيد عليه أيضاً أنّه كما جرت سيرة أصحاب الأئمّة علیهم السلام أو المتشرّعة علی عدم إقامتها،كذلك فإنّ سيرة الأئمّة علیهم السلام أنفسهم قد جرت علی عدم إقامتها، لكن سيظهر لك الوجه والعلّة في عدم إقامتها عند الجواب عن هذا الاستدلال.

أمّا الجواب فيمكن تقريره كما يلي:

1 - إنّ السّيرة علی ما بيّنه علماء الاُصول هي عبارةٌ عن اتّفاق عملي واستمرار لعادة المسلمين أو المؤمنين علی فعل شيء أو تركه، في مقابل الإجماع الّذي

ص: 146


1- هو المحقق الخوئي رحمه الله ، راجع: «التنقيح في شرح العروة الوثقی» ج6/28 - 29.

هو اتّفاقٌ قولي، لكن كما أنّ حجّية الإجماع إنّما تتحقّق بموافقة المعصوم علیه السلام مع المجمعين فكذلك حجّية السّيرة، فإنّها أيضاً تكون بموافقة المعصوم علیه السلام للمُطبّقين لها أو المعرضين عنها فيما فعلوه أو تركوه بمنظرهم ومحضرهم، ما لم يكن هناك أيّ مانع ورادع من إبراز مخالفتهم(1)، ومن هنا لا اعتبار للسّير الّتي حدثت بعد عصورهم.

ثمّ إنّ أقصی ما يكون للسّيرة من الدّلالة في صورة الفعل هو أصل الجواز، وفي صورة التّرك هو أصل جواز التّرك دون الوجوب أو الحرمة.

2 - إنّ المتعارف بين النّاس هو أنّ صلاة الجمعة وكذا العيدين من شؤون الحكومة، لدرجة أنّه يُقال: (إنّها صلاةٌ عباديّةٌ سياسيّةٌ)، لاسيّما بملاحظة وجوب كون الخطيب قائماً وقت إيراد الخطبة، وما ينبغي له بأن يكون عالماً بمصالح الإسلام والمسلمين، صريحاً في إظهار الحقّ وإبطال الباطل حسب المقتضيات والظّروف، شُجاعاً لا تأخذه في الله لومة لائم، وأن يعتمد علی شيء من قوس أو عصا أو سلاح، وأن يذكر ضمن خطبته ما هو من مصالح المسلمين في دينهم ودنياهم، وأن يخبرهم بما يجري في بلاد المسلمين وغيرها من الأحوال الّتي لهم فيها المضرّة أو المنفعة، وما يحتاج إليه المسلمون في حياتهم ومعادهم وسائر المسائل السّياسيّة والاقتصاديّة(2).

ص: 147


1- راجع: موضوع «السّنّة» فی كتب الاُصول مبحث حجيَتها بتقرير المعصوم علیه السلام، مثل «كفاية الاُصول» للمحقّق الخراساني قدس سره، و «اُصول الفقه» لعلّامة المظفّر رحمه الله .
2- راجع: «تحرير الوسيلة» ج1/234 - 236، المسائل 9 و 12 و 14. وصحيحة حَمَّاد بْنِ عِيسَى عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «إِذَا كَانُوا سَبْعَةً يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلُّوا فِي جَمَاعَةٍ، وَلْيَلْبَسِ الْبُرْدَ وَالْعِمَامَةَ، وَيَتَوَكَّأُ عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصًا، وَلْيَقْعُدْ قَعْدَةً بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَيَجْهَر بِالْقِرَاءَةِ، وَيَقْنُت فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْهُمَا قَبْلَ الرُّكُوعِ». «وسائل الشِّيعة» ج7/313 الحديث 9442. وموثقة الْفَضْل بْنِ شَاذَانَ عَنِ الرِّضَا علیه السلام قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَتِ الْخُطْبَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ مَشْهَدٌ عَامٌّ فَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ لِلْأَمِيرِ سَبَبٌ إِلَى مَوْعِظَتِهِمْ وَتَرْغِيبِهِمْ فِي الطَّاعَةِ وَتَرْهِيبِهِمْ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، وَتَوْقِيفِهِمْ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ مَصْلَحَةِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَيُخْبِرهُمْ بِمَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ مِنَ (الآفَاقِ مِنَ) الْأَهْوَالِ الَّتِي لَهُمْ فِيهَا الْمَضَرَّةُ وَالْمَنْفَعَةُ، وَلَا يَكُونُ الصَّابِرُ فِی الصَّلَاةِ مُنْفَصِلاً، وَلَيْسَ بِفَاعِلٍ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَؤُمُّ النَّاسَ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ خُطْبَتَيْنِ لِيَكُونَ وَاحِدَةٌ لِلثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَالتَّمْجِيدِ وَالتَّقْدِيسِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْأُخْرَى لِلْحَوَائِجِ وَالْإِعْذَارِ وَالْإِنْذَارِ وَالدُّعَاءِ، وَلِمَا يُرِيدُ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ مَا فِيهِ الصَّلَاحُ وَالْفَسَادُ». «علل الشرائع» 265 الحديث 9 الباب 182، «وسائل الشِّيعة» ج7/344 الحديث 9533.

يشهد لما ذكرنا من كون صلاة الجمعة صلاةً عباديّة سياسيّةً حكوميّةً، أنّ المأمون عليه اللعنة والعذاب بعد أن استشار وزيره الفضل بن سهل واستقرّ رأيه علی جلب الإمام عليّ بن موسی الرّضا علیه السلام من المدينة إلی (مَرْو) وتقليده منصب ولاية العهد لإخماد ثورة السّادة العلويين وإرغامهم على الطاعة لحكمه، وينصرفوا عن التّفكير في الخلافة والطمع بها، طلب من الإمام علیه السلام أن يحضر صلاة عيد الفطر، لكنّه لمّا بلغه خروج الإمام إلی المصلَّی علی الهيئة الكذائية ورأى أنّ حكومته ستصبح على وشك الانهيار لو صلّی الإمام هكذا، بعث إليه كي ينصرف عن ذلك ويعود إلی منزله(1).

3 - أهمّ أمر في هذا المضمار هو أنّ العصر الذّهبي في إمامة الأئمّة الأحد عشر (صلوات الله عليهم أجمعين) كما نعلم هو عصر الإمامين محمّد الباقر

ص: 148


1- راجع: «وسائل الشيعة» ج7/453 الحديث 9844، صحيحة عليّ بن إبراهيم، «منتهی الآمال المترجم» ج2/449 - 460.

وجعفر الصّادق علیهما السلام، ومع ذلك ففي هذا العصر - حسب الشّواهد التّأريخيّة - فإنّ الصّادقين علیهما السلام وكذلك الخواصّ من أصحابهما كانوا تحت المراقبة الشديدة وتعرّضوا لمضايقات من قبل اُمراء وخلفاء الجور، وإن كانت لهما فرصةٌ لنشر علوم آل الرّسول (صلوات الله عليهم أجمعين) ما لم يكن لغيرهما من بعد عهد منع كتابة الحديث بأمر عمر بن الخطّاب.

وقبل بيان هذه الشّواهد التّأريخيّة ينبغي ذكر جانب ممّا تعرّض له الإسلام والمسلمون بعد رحيل سيّد المرسلين صلی الله علیه و آله و سلم حتّى عهد الصّادقين علیهما السلام علی ما ذكره العلّامة السّيد جعفر مرتضی العاملي رحمه الله ، حيث قال:

قد استمرّ المنع من كتابة الحديث وروايته عشرات السّنين...، بل لقد صارت كتابة الحديث عيباً أيضاً حتّی في أوائل عهد بني مروان. ومضت السّنون والأحقاب ومات الصّحابة الأخيار، بل أوشك التّابعون علی الانقراض أيضاً، ونشأت أجيالٌ وأجيالٌ لم تسمع أحداً يذكر شيئاً عن نبيّها ولا عن مواقفه وتعاليمه وسيرته ومفاهيمه، وتربّت هذه الأجيال علی المنهج الفكری الّذي أراده لها الحكام والمتسلّطون والموتورون والحاقدون وتلاذمة أهل الكتاب المعجبون بهم، وذهب الدّين وتلاشی حتّی لم يبقَ من الإسلام إلّا اسمه ومن الدّين إلّا رسمه حسبما روی عن أميرالمؤمنين عليّ (عليه الصّلاة والسّلام) الّذي لم يعش إلّا إلی سنة أربعين من الهجرة، ثمّ زاد البلاء بعد ذلك وبرح الخفاء إلی حدّ الفضيحة...، وأخرج الشّافعي من طريق وهب بن كيسان أنّه قال: رأيت ابن الزّبير يبدأ بالصّلاة قبل الخطبة! ثمّ قال: كلّ سُنَّة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قد غُيِّرت، حتّی الصّلاة...، وقال أبو الدّرداء: والله لا أعرف فيهم من أمر محمَّدٍ صلی الله علیه و آله و سلم شيئاً إلّا أنَّهم يصلُّون جميعاً...، ورُوي عن الإمام

ص: 149

الصّادق علیه سلام وقد ذكرت هذه الأهواء عنده فقال: «لا واللَّهِ مَا هُمْ عَلَى شيء مِمَّا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم إلّا اسْتِقْبَالَ الْكَعْبَةِ فَقَط»(1).

وحينما صلّی عمران بن حصين خلف عليٍّ علیه السلام أخذ بيد مطرف بن عبدالله، وقال: لقد صلّی صلاة محمَّد صلی الله علیه و آله و سلم، ولقد ذكرني صلاةَ محمَّدٍ صلی الله علیه و آله و سلم، وكذلك قال أبو موسی حينما صلَّی خلف عليٍّ علیه سلام.

وأخيراً فقد ذكروا أنّ النّاس والهاشميّين في زمن السّجاد علیه السلام إلی أن مضت سبع سنين من إمامة الباقر علیه السلام كانوا لا يعرفون كيف يصلّون ولا كيف يحجّون؟! فإذا كانت الصّلاة الّتي هي عمود الدّين والرّكن الأعظم في الإسلام، ويؤدِّيها كلّ مسلم خَمس مرَّات يوميّاً، كان لا يعرف حدودها وأحكامها أقرب النّاس إلی مهبط الوحي والتّنزيل، الّذين يفترض فيهم أن يكونوا أعرف من كلّ أحد بالشّريعة وأحكام الدّين! فكيف تكون حالة غيرهم من أبناء الاُمّة الّذين هم أبعد عن مصدر العلم والمعرفة؟! وما هو مدی اطّلاعهم علی أحكام الشّريعة يا تری...؟!

ولكنّنا نأسف حين نقول للقارئ إنّ هذه هي الحقيقة كلّ الحقيقة وليس فيها أيّ مبالغة وتضخيم(2).

فبعدما عرفت بعض الوقائع الّتي عرضت للإسلام والمسلمين في هذه الفترة، نذكر فيما يلي بعض الشّواهد التّأريخيّة:

منها: أمر الصادق علیه السلام بالصَلاة مع العامّة مع نهيه عنهافي غير حالة التقيّة:

ص: 150


1- «المحاسن» ج1/156 الحديث 89، «بحارالأنوار» ج65/91، «مستدرك الوسائل» ج3/169 الحديث 3290.
2- راجع: «الصّحيح من سيرة النّبيّ الأعظم 9» ج1/141 - 146.

قد دلّت علی ذلك روايات؛ منها:

1 - صَحِيحَةٌ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ صَلَّى مَعَهُمْ في الصَّفِّ الْأَوَّلِ كَانَ كَمَنْ صَلَّى خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم في الصَّفِّ الْأَوَّلِ»(1).

2 - ما رواه مُحَمَّدُ بْنِ الْحُسَنِ عَنِ الْبَرْقِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «يَا إِسْحَاقُ أَ تُصَلِّي مَعَهُمْ في الْمَسْجِدِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: صَلِّ مَعَهُمْ، فَإِنَّ الْمُصَلِّيَ مَعَهُمْ في الصَّفِّ الْأَوَّلِ كَالشَّاهِرِ سَيْفَهُ في سَبِيلِ اللَّهِ»(2) .

3 - صَحِيحَةٌ مُحَمَّد بْن عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ يُصَلِّي صَلَاةً فَرِيضَةٍ في وَقْتِهَا ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُمْ صَلَاةً تَقِيَّةً وَهُوَ مُتَوَضِّئٌ إلّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا خَمْساً وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فَارْغَبُوا في ذَلِكَ»(3).

4 - صَحِيحَةٌ أَحْمَد بْن أبي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيّ في الْمَحَاسِنِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا تَحْمِلُوا النَّاسَ عَلَى أَكْتَافِكُمْ فَتَذِلُّوا، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ في كِتَابِهِ:

ص: 151


1- «من لا يحضره الفقيه» ج1/25 الحديث 1126، «وسائل الشيعة» ج8/299 الحديث 10717.
2- «التهذيب» ج3/277 الحديث 809، «وسائل الشيعة» ج8/301 الحديث 10723.
3- «من لا يحضره الفقيه» ج1/250 الحديث 1125، «وسائل الشيعة» ج8/302 الحديث 10728.

(وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) ثُمَّ قَالَ: عُودُوا مَرْضَاهُمْ، وَاشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ، وَاشْهَدُوا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ، وَ صَلُّوا مَعَهُمْ في مَسَاجِدِهِمْ» إلی آخر الْحَدِيثَ(1) .

5 - صحيحة عَلِيّ بْنُ جَعْفَرٍ العريضي في كِتَابِهِ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «صَلَّى حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ خَلْفَ مَرْوَانَ وَنَحْنُ نُصَلِّي مَعَهُمْ»(2).

6 - مُوَثَّقةُ أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى في نَوَادِرِهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ مُنَاكَحَتِهِمْ وَالصَّلَاةِ خَلْفَهُمْ؟ فَقَالَ علیه السلام: «هَذَا أَمْرٌ شَدِيدٌ لَنْ تَسْتَطِيعُوا ذَاكَ، قَدْ أَنْكَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم وَصَلَّى عَلِيٌّ علیه السلام وَرَاءَهُمْ»(3).

هذا حكم حالة التقيّة، أمّا حكم غيرها فقد ورد في صحيحة زرارة أنّه قال: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام عَنِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُخَالِفِينَ؟ فَقَالَ: «مَا هُمْ عِنْدِي إلّا بِمَنْزِلَةِ الْجُدُرِ(4)»(5).

ومثلها صحيحة أو موثقة أبي عَلِيِّ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ: قُلْتُ لِأبي جَعْفَرٍ علیه السلام: إِنَّ مَوَالِيَكَ قَدِ اخْتَلَفُوا فَأُصَلِّي خَلْفَهُمْ جَمِيعاً؟ فَقَالَ: «لَا تُصَلِّ إلّا خَلْفَ مَنْ تَثِقُ بِدِينِهِ»(6).

ص: 152


1- «المحاسن» ج1/18 الحديث 51، «وسائل الشيعة» ج8/301 الحديث 10724.
2- «وسائل الشيعة» ج8/301 الحديث 10725.
3- «وسائل الشيعة» ج8/301 الحديث 10726.
4- قال ابن منظور المصري: والجِدارُ: الحائط، والجمع جُدُرٌ، وجُدْرانٌ جمع الجمع. راجع: «لسان العرب» ج4/119.
5- «الكافي» ج3/373 الحديث 2، «التهذيب» ج3/266 الحديث 754، «وسائل الشيعة» ج8/309 الحديث 10749.
6- «الكافي» ج3/374 الحديث 5، «التهذيب» ج3/266 الحديث 755، «وسائل الشيعة» ج8/309 الحديث 10750.

ومنها: أنّه مع كثرة تلامذته، لكن لم يكن له خمسةٌ أوسبعة عشر معاضدين يفتدوه بأنفسهم وأموالهم:

جاء في (المناقب) لابن شهرآشوب أنّ عددهم أربعة آلاف رجل حيث قال:

ينقل عن الصّادق علیه السلام من العلوم ما لا ينقل عن أحد، وقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرّواة من الثِّقات على اختلافهم في الآراء والمقالات وكانوا أربعة آلاف رجل»(1).

لكنّه ليس فيهم إلّا قليل يفتدوه بأموالهم وأنفسهم، قد دلّ علی ذلك:

1 - حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ عَنْ أبي حَمْزَةَ عَنْ مَأْمُونٍ الرَّقِّيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سَيِّدِي الصَّادِقِ علیه السلام إِذْ دَخَلَ سَهْلُ بْنُ الْحَسَنِ الْخُرَاسَانِيُّ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ لَكُمُ الرَّأْفَةُ والرَّحْمَةُ، وأَنْتُمْ أَهْلُ بَيْتِ الْإِمَامَةِ؛ مَا الّذي يَمْنَعُكَ أَنْ يَكُونَ لَكَ حَقٌّ تَقْعُدُ عَنْهُ وأَنْتَ تَجِدُ مِنْ شِيعَتِكَ مِائَةَ أَلْفٍ يَضْرِبُونَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالسَّيْفِ ؟! فَقَالَ لَهُ علیه السلام: «اجْلِسْ يَا خُرَاسَانِيُّ، رَعَى اللَّهُ حَقَّكَ، ثُمَّ قَالَ: يَا حَنِيفَةُ اسْجُرِي التَّنُّورَ، فَسَجَرَتْهُ حَتَّى صَارَ كَالْجَمْرَةِ وابْيَضَّ عُلُوُّهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا خُرَاسَانِيُّ قُمْ فَاجْلِسْ في التَّنُّورِ، فَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّ: يَا سَيِّدِي يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ لَا تُعَذِّبْنِي بِالنَّارِ، أَقِلْنِي أَقَالَكَ اللَّهُ! قَالَ: قَدْ أَقَلْتُكَ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ هارُونُ الْمَكِّيُّ ونَعْلُهُ في سَبَّابَتِهِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ الصَّادِقُ علیه السلام: أَلْقِ النَّعْلَ مِنْ يَدِكَ واجْلِسْ في التَّنُّورِ، قَالَ: فَأَلْقَى النَّعْلَ مِنْ سَبَّابَتِهِ ثُمَّ جَلَسَ في التَّنُّورِ، وأَقْبَلَ الْإِمَامُ علیه السلام يُحَدِّثُ الْخُرَاسَانِيَّ حَدِيثَ خُرَاسَانَ حَتَّى كَأَنَّهُ شَاهِدٌ لَهَا، ثُمَّ قَالَ: قُمْ يَا خُرَاسَانِيُّ وانْظُرْ مَا في التَّنُّور، قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَرَأَيْتُهُ مُتَرَبِّعاً فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَسَلَّمَ عَلَيْنَا،

ص: 153


1- راجع: «بحارالأنوار» ج47/27.

فَقَالَ لَهُ الْإِمَامُ علیه السلام: كَمْ تَجِدُ بِخُرَاسَانَ مِثْلَ هَذَا؟ فَقَالَ: واللَّهِ ولَا وَاحِداً! فَقَالَ علیه السلام: لَا واللَّهِ ولَا وَاحِداً، ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّا لَا نَخْرُجُ في زَمَانٍ لَا نَجِدُ فِيهِ خَمْسَةً مُعَاضِدِينَ لَنَا، نَحْنُ أَعْلَمُ بِالْوَقْتِ»، إلى آخر الخبر(1).

2 - روی في «الكافي» صحيحاً بإسناده عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ أنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقُلْتُ لَهُ: واللَّهِ مَا يَسَعُكَ الْقُعُودُ؟! فَقالَ: «وَلِمَ يَا سَدِيرُ؟»، قُلْتُ: لِكَثْرَةِ مَوَالِيكَ وشِيعَتِكَ وأَنْصَارِكَ، واللَّهِ لَوكَانَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مَا لَكَ مِنَ الشِّيعَةِ والْأَنْصَارِ والْمَوَالِي مَا طَمِعَ فِيهِ تَيْمٌ ولَا عَدِيٌّ، فَقَالَ: «يَا سَدِيرُ وكَمْ عَسَى أَنْ تَكُونُوا؟»، قُلْتُ: مِائَةَ أَلْفٍ، قَالَ: «مِائَةَ أَلْفٍ؟»، قُلْتُ: نَعَمْ، ومِائَتَيْ أَلْفٍ. فَقَالَ: «ومِائَتَيْ أَلْفٍ؟»، قُلْتُ: نَعَمْ، ونِصْفَ الدُّنْيَا؛ فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: «يَخِفُّ عَلَيْكَ أَنْ تَبْلُغَ مَعَنَا إِلَى يَنْبُعَ، قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِحِمَارٍ وبَغْلٍ أَنْ يُسْرَجَا، فَبَادَرْتُ فَرَكِبْتُ الْحِمَارَ، فَقَالَ: يَا سَدِيرُ تَرَى أَنْ تُؤْثِرَنِي بِالْحِمَار!، قُلْتُ: الْبَغْلُ أَزْيَنُ وأَنْبَلُ، قَالَ: الْحِمَارُ أَرْفَقُ بِي، فَنَزَلَ فَرَكِبَ الْحِمَارَ ورَكِبْتُ الْبَغْلَ، فَمَضَيْنَا فَحَانَتِ الصَّلَاةُ، فَقَالَ: يَا سَدِيرُ انْزِلْ بِنَا نُصَلِّي، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ أَرْضٌ سَبِخَةٌ لَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا، فَسِرْنَا حَتَّى صِرْنَا إِلَى أَرْضٍ حَمْرَاءَ ونَظَرَ إِلَى غُلَامٍ يَرْعَى جِدَاءً، فَقَالَ: واللَّهِ يَا سَدِيرُ، لَوكَانَ لِي شِيعَةٌ بِعَدَدِ هَذِهِ الْجِدَاءِ مَا وَسِعَنِي الْقُعُودُ، ونَزَلْنَا وصَلَّيْنَا، فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنَ الصَّلَاةِ عَطَفْتُ إِلى الْجِدَاءِ فَعَدَدْتُهَا فَإِذَا هي سَبْعَةَ عَشَرَ(2).

ص: 154


1- راجع: «بحارالأنوار» ج47/123.
2- «الكافي» ج2/242 الحديث 4، «بحارالأنوار» ج47/372.

ومنها: أمر المنصور (لعنة الله عليه) بواليه علی الحرمين الشّريفين بإحراق دار الصّادق علیه السلام:

قال المفضّل بن عُمَر: وجّه المنصور إِلى الحسن بن زيد وهو واليه على الحرمين أَن أَحرِق على جعفر بن محمّد داره، فألقى النَار في دار أبي عبد اللَّه علیه السلام فأخذت النّارُ في الباب والدّهليز، فخرج أَبوعبد اللَّه علیه السلام يتخطّى النَّار ويمشي فيها ويقول: «أَنَا ابْنُ أَعْرَاقِ الثَّرَى، أَنَا ابْنُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ».

ثمّ قال العلّامة المجلسي رحمه الله في بيان قوله علیه السلام: «أَنَا ابْنُ أَعْرَاقِ الثَّرَى»:

رأيت في بعض الكتب أنّ أعراق الثرى كنايةٌ عن إسماعيل علیه السلام، ولعله إنَّما كُنِّي عنه بذلك لأنَّ أولاده انتشروا في البراري(1) .

ومنها: قيام الاُمراء والخلفاء بجلب الإمام الصّادقَ علیه السلام من المدينة إلی العراق تشديداً لمراقبته وتهيُّئاً لقتله، وكانت تلك المضايقات إلى درجة أنّه علیه السلام كان يُنادي طاغوت زمانه: يا أميرالمؤمنين!

قال العلّامة المجلسي رحمه الله في «جلاء العيون»:

لقد ذكر في الرّوايات المعتبرة أنّ أبا العبّاس السّفّاح أوّل خلفاء بني العبّاس طلب الإمام علیه السلام من المدينة إلی العراق، ولكنّه أخلی سبيله وأجازه بالذّهاب إلی المدينة بعد ما رأی المعاجز الباهرة والآيات الظّاهرة والعلوم الوافرة والأخلاق العالية من ذلك الإمام الهمام، فلمّا وصل الأمر إلی المنصور الدّوانيقي أخ السّفّاح واطّلع علی كثرة الشّيعة وأتباع الإمام الصّادق علیه السلام دعاه إلی العراق وصمّم علی قتله خمس مرَّاتأو أكثر، لكنّه كان ينصرف عن عزمه في كلّ مرّة بعد مشاهدة

ص: 155


1- راجع: «بحارالأنوار» ج47/136.

المعاجز العظيمة منه علیه السلام، كما روی ابن بابويه وابن شهرآشوب وغيرهما(1) .

وإليك ما تدلّ عليه من الرّوايات:

1 - ما رُويَ في «عيون أخبار الرّضا علیه سلام» بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْفَضْلِ عَنِ الرِّضَا عَنْ أَبِيهِ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا) أنَّهُ قَالَ: «أَرْسَلَ أَبُوجَعْفَرٍ الدَّوَانِيقِيُّ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیه السلام لِيَقْتُلَهُ وطَرَحَ لَهُ سَيْفاً ونَطْعاً، وقَالَ: يَا رَبِيعُ إِذَا أَنَا كَلَّمْتُهُ ثُمَّ ضَرَبْتُ بِإِحْدَى يَدَيَّ عَلَى الْاُخری فَاضْرِبْ عُنُقَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ علیه السلام ونَظَرَ إِلَيْهِ مِنْ بَعِيدٍ، تَحَرَّكَ أَبُوجَعْفَرٍ عَلَى فِرَاشِهِ، قَالَ: مَرْحَباً وأَهْلاً بِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا أَرْسَلْنَا إِلَيْكَ إلّا رَجَاءَ أَنْ نَقْضِيَ دَيْنَكَ ونَقْضِيَ ذِمَامَكَ، ثُمَّ سَاءَلَهُ مُسَاءَلَةً لَطِيفَةً عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وقَالَ: قَدْ قَضَى اللَّهُ حَاجَتَكَ ودَيْنَكَ وأَخْرَجَ جَائِزَتَكَ، يَا رَبِيعُ لَا تَمْضِيَنَّ ثَلَاثَةً حَتَّى يَرْجِعَ جَعْفَرٌ إِلَى أَهْلِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ لَهُ الرَّبِيعُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، رَأَيْتَ السَّيْفَ؟ إِنَّمَا كَانَ وُضِعَ لَكَ والنَّطْعَ، فَأَيُّ شيء رَأَيْتُكَ تُحَرِّكُ بِهِ شَفَتَيْكَ؟ قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ علیه السلام: نَعَمْ يَا رَبِيعُ، لَمَّا رَأَيْتُ الشَّرَّ في وَجْهِهِ قُلْتُ: حَسْبِيَ الرَّبُّ مِنَ الْمَرْبُوبِينَ، وحَسْبِيَ الْخَالِقُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، وحَسْبِيَ الرَّازِقُ مِنَ الْمَرْزُوقِينَ، وحَسْبِيَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، حَسْبِي مَنْ هُو حَسْبِي، حَسْبِي مَنْ لَمْ يَزَلْ حَسْبِي، حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إلّا هُو، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وهُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ»(2).

2 - رُويَ في«مهج الدعوات» نقلاً مِنْ كِتَابٍ عَتِيقٍ بإسنادهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْحَاجِبِ قَالَ: قَعَدَ الْمَنْصُورُ يَوْماً في

ص: 156


1- نقلاً عن: «منتهی الآمال المترجم» ج2/231.
2- راجع: «بحارالأنوار» ج47/162.

قَصْرِهِ في الْقُبَّةِ الْخَضْرَاءِ وكَانَتْ قَبْلَ قَتْلِ مُحَمَّدٍ وإِبْرَاهِيمَ تُدْعَى الْحَمْرَاءَ، وكَانَ لَهُ يَوْمٌ يَقْعُدُ فِيهِ يُسَمَّى ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الذَّبْحِ، وكَانَ أَشْخَصَ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ علیه السلام مِنَ الْمَدِينَةِ فَلَمْ يَزَلْ في الْحَمْرَاءِ نَهَارَهُ كُلَّهُ حَتَّى جَاءَ اللَّيْلُ ومَضَى أَكْثَرُهُ، قَالَ: ثُمَّ دَعَا أبي الرَّبِيعَ فَقَالَ لَهُ: يَا رَبِيعُ إِنَّكَ تَعْرِفُ مَوْضِعَكَ مِنِّی وإِنِّي يَكُونُ لِيَ الْخَبَرُ ولَا تَظْهَرُ عَلَيْهِ اُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ وتَكُونُ أَنْتَ الْمُعَالِجَ لَهُ، فَقَالَ: قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيَّ وفَضْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ومَا فَوْقِي في النُّصْحِ غَايَةٌ، فقَالَ: كَذَلِكَ أَنْتَ، سِرِ السَّاعَةَ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ فَاطِمَةَ فَأْتِنِي عَلَى الْحَالِ الّذي تَجِدُهُ عَلَيْهِ لَا تُغَيِّرْ شَيْئاً مِمَّا هُو عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ وإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ هَذَا واللَّهِ هُو الْعَطَبُ، إِنْ أَتَيْتُ بِهِ عَلَى مَا أَرَاهُ مِنْ غَضَبِهِ قَتَلَهُ وذَهَبَتِ الْآخِرَةُ، وإِنْ لَمْ آتِ بِهِ وأَدْهَنْتُ في أَمْرِهِ قَتَلَنِي وقَتَلَ نَسْلِي وأَخَذَ أَمْوَالِي، فَخُيِّرْتُ بَيْنَ الدُّنْيَا والْآخِرَةِ، فَمَالَتْ نَفْسِي إِلَى الدُّنْيَا، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الرَّبِيعِ: فَدَعَانِي أبي وكُنْتُ أَفَظَّ وُلْدِهِ وأَغْلَظَهُمْ قَلْباً، فَقَالَ لِي: امْضِ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ فَتَسَلَّقْ عَلَى حَائِطِهِ ولَا تَسْتَفْتِحْ عَلَيْهِ بَاباً فَيُغَيِّرَ بَعْضَ مَا هُو عَلَيْهِ ولَكِنِ انْزِلْ عَلَيْهِ نُزُولاً فَأْتِ بِهِ عَلَى الْحَالِ الّتي هُوَ فِيهَا، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ وقَدْ ذَهَبَ اللَّيْلُ إِلَى أَقَلِّهِ، فَأَمَرْتُ بِنَصْبِ السَّلَالِيمِ وتَسَلَّقْتُ عَلَيْهِ الْحَائِطَ فَنَزَلْتُ عَلَيْهِ دَارَهُ، فَوَجَدْتُهُ قَائِماً يُصَلِّي وعَلَيْهِ قَمِيصٌ ومِنْدِيلٌ قَدِ ائْتَزَرَ بِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ قُلْتُ لَهُ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: «دَعْنِي أَدْعُو وأَلْبَسُ ثِيَابِي»، فَقُلْتُ لَهُ: لَيْسَ إِلَى تَرْكِكَ وذَلِكَ سَبِيلٌ، قَالَ: «وأَدْخُلُ الْمُغْتَسَلَ فَأَتَطَهَّرُ»، فًقُلْتُ: ولَيْسَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ، فَلَا تَشْغَلْ نَفْسَكَ فَإِنِّي لَا أَدَعُكَ تَغَيَّرَ شَيْئاً، فَأَخْرَجْتُهُ حَافِياً حَاسِراً في قَمِيصِهِ ومِنْدِيلِهِ وكَانَ قَدْ جَاوَزَ علیه السلام السَّبْعِينَ، فَلَمَّا مَضَى بَعْضُ الطَّرِيقِ ضَعُفَ الشَّيْخُ فَرَحِمْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: ارْكَبْ فَرَكِبَ بَغْلَ

ص: 157

شَاكِرِیٍّ(1) كَانَ مَعَنَا، ثُمَّ صِرْنَا إِلَى الرَّبِيعِ فَسَمِعْتُهُ وهُو يَقُولُ لَهُ: وَيْلَكَ يَا رَبِيعُ، قَدْ أَبْطَأَ الرَّجُلُ وجَعَلَ يَسْتَحِثُّهُ اسْتِحْثَاثاً شَدِيداً، فَلَمَّا أَنْ وَقَعَتْ عَيْنُ الرَّبِيعِ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وهُو بِتِلْكَ الْحَالِ بَكَى، وكَانَ الرَّبِيعُ يَتَشَيَّعُ، فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ علیه السلام: «يَا رَبِيعُ أَنَا أَعْلَمُ مَيْلَكَ إِلَيْنَا فَدَعْنِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وأَدْعُو»، قَالَ: شَأْنَكَ ومَا تَشَاءُ.

فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفَّفَهُمَا ثُمَّ دَعَا بَعْدَهُمَا بِدُعَاءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ إلّا أَنَّهُ دُعَاءٌ طَوِيلٌ والْمَنْصُورُ في ذَلِكَ كُلِّهِ يَسْتَحِثُّ الرَّبِيعَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ دُعَائِهِ عَلَى طُولِهِ أَخَذَ الرَّبِيعُ بِذِرَاعَيْهِ فَأَدْخَلَهُ عَلَى الْمَنْصُورِ، فَلَمَّا صَارَ في صَحْنِ الْإِيوَانِ وَقَفَ ثُمَّ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِشيء لَمْ أَدْرِ مَا هُو، ثُمَّ أَدْخَلْتُهُ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَالَ: وأَنْتَ يَا جَعْفَرُ، مَا تَدَعُ حَسَدَكَ وبَغْيَكَ وإِفْسَادَكَ عَلَى أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ، ومَا يَزِيدُكَ اللَّهُ بِذَلِكَ إلّا شِدَّةَ حَسَدٍ ونَكَدٍ مَا تَبْلُغُ بِهِ مَا تُقَدِّرُهُ. فَقَالَ لَهُ: واللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا فَعَلْتُ شَيْئاً مِنْ هَذَا ولَقَدْ كُنْتُ في وَلَايَةِ بَنِي أُمَيَّةَ وأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُمْ أَعْدَى الْخَلْقِ لَنَا ولَكُمْ، وأَنَّهُمْ لَا حَقَّ لَهُمْ في هَذَا الْأَمْرِ، فَوَاللَّهِ مَا بَغَيْتُ عَلَيْهِمْ ولَا بَلَغَهُمْ عَنِّي سُوءٌ مَعَ جَفَاهُمُ الّذي كَانَ بِي؛ وكَيْفَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَصْنَعُ الْآنَ هَذا وأَنْتَ ابْنُ عَمِّي وأَمَسُّ الْخَلْقِ بِي رَحِماً وأَكْثَرُهُمْ عَطَاءً وبِرّاً، فَكَيْفَ أَفْعَلُ هَذَا؟ فَأَطْرَقَ الْمَنْصُورُ سَاعَةً وكَانَ عَلَى لِبْدٍ وعَنْ يَسَارِهِ مِرْفَقَةٌ جِرْمَقَانِيَّةٌ وتَحْتَ لِبْدِهِ سَيْفٌ ذُوفَقَارٍ كَانَ لَا يُفَارِقُهُ إِذَا قَعَدَ في الْقُبَّةِ، قَالَ: أَبْطَلْتَ وأَثِمْتَ، ثُمَّ رَفَعَ ثِنْيَ الْوِسَادَةِ فَأَخْرَجَ مِنْهَا إِضْبَارَةَ كُتُبٍ فَرَمَى بِهَا إِلَيْهِ،

ص: 158


1- الشّاكری الأجير والمستخدم معرّب «چاكر» قاله الفيروزآبادی، نقلاً من «بحارالأنوار» ج47/199.

وقَالَ: هَذِهِ كُتُبُكَ إِلَى أَهْلِ خُرَاسَانَ تَدْعُوهُمْ إِلَى نَقْضِ بَيْعَتِي وأَنْ يُبَايِعُوكَ دُونِي، فَقَالَ علیه السلام: واللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا فَعَلْتُ ولَا أَسْتَحِلُّ ذَلِكَ ولَا هُو مِنْ مَذْهَبِي، وإِنِّی لَمَنْ يَعْتَقِدُ طَاعَتَكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وقَدْ بَلَغْتُ مِنَ السِّنِّ مَا قَدْ أَضْعَفَنِي عَنْ ذَلِكَ لَو أَرَدْتُهُ، فَصَيِّرْنِي في بَعْضِ جُيُوشِكَ حَتَّى يَأْتِيَنِي الْمَوْتُ فَهُو مِنِّي قَرِيبٌ، فَقَالَ: لَا ولَا كَرَامَةَ، ثُمَّ أَطْرَقَ وضَرَبَ يَدَهُ إِلَى السَّيْفِ فَسَلَّ مِنْهُ مِقْدَارَ شِبْرٍ وأَخَذَ بِمَقْبِضِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ ذَهَبَ واللَّهِ الرَّجُلُ، ثُمَّ رَدَّ السَّيْفَ وقَالَ: يَا جَعْفَرُ، أَمَا تَسْتَحِي مَعَ هَذِهِ الشَّيْبَةِ ومَعَ هَذَا النَّسَبِ أَنْ تَنْطِقَ بِالْبَاطِلِ وتَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ؟ تُرِيدُ أَنْ تُرِيقَ الدِّمَاءَ وتَطْرَحَ الْفِتْنَةَ بَيْنَ الرَّعِيَّةِ والْأَوْلِيَاءِ! فَقَالَ: لَا واللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا فَعَلْتُ ولَا هَذِهِ كُتُبِي ولَا خَطِّي ولَا خَاتَمِي، فَانْتَضَى مِنَ السَّيْفِ ذِرَاعاً، فَقُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ مَضَى الرَّجُلُ، وجَعَلْتُ في نَفْسِی إِنْ أَمَرَنِي فِيهِ بِأَمْرٍ أَنْ أَعْصِيَهُ لِأَنَّنِي ظَنَنْتُ أَنَّهُ يَأْمُرُنِي أَنْ آخُذَ السَّيْفَ فَأَضْرِبَ بِهِ جَعْفَراً، فَقُلْتُ: إِنْ أَمَرَنِي ضَرَبْتُ الْمَنْصُورَ وإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَيَّ وعَلَى وُلْدِي وتُبْتُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ مِمَّا كُنْتُ نَوَيْتُ فِيهِ أَوَّلاً، فَأَقْبَلَ يُعَاتِبُهُ وجَعْفَرٌ يَعْتَذِرُ، ثُمَّ انْتَضَى السَّيْفَ إلّا شَيْئاً يَسِيراً مِنْهُ، فَقُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ مَضَى واللَّهِ الرَّجُلُ، ثُمَّ أَغْمَدَ السَّيْفَ وأَطْرَقَ سَاعَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، وقَالَ: أَظُنُّكَ صَادِقاً، يَا رَبِيعُ هاتِ الْعَيْبَةَ مِنْ مَوْضِعٍ كَانَتْ فِيهِ في الْقُبَّةِ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ: أَدْخِلْ يَدَكَ فِيهَا. فَكَانَتْ مَمْلُوءَةً غَالِيَةً وَضَعَهَا في لِحْيَتِهِ وكَانَتْ بَيْضَاءَ فَاسْوَدَّتْ، وقَالَ لِي: احْمِلْهُ عَلَى فَارِهٍ مِنْ دَوَابِّيَ الّتي أَرْكَبُهَا وأَعْطِهِ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وشَيِّعْهُ إِلَى مَنْزِلِهِ مُكَرَّماً وخَيِّرْهُ إِذَا أَتَيْتَ بِهِ إِلَى الْمَنْزِلِ بَيْنَ الْمُقَامِ عِنْدَنَا فَنُكْرِمُهُ والِانْصِرَافِ إِلَى مَدِينَةِ جَدِّهِ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم، فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ وأَنَا مَسْرُورٌ فَرِحٌ بِسَلَامَةِ جَعْفَرٍ علیه السلام ومُتَعَجِّبٌ مِمَّا أَرَادَ الْمَنْصُورُ ومَا صَارَ

ص: 159

إِلَيْهِ مِنْأَمْرِهِ، فَلَمَّا صِرْنَا في الصَّحْنِ قُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، إِنِّي لَأَعْجَبُ مِمَّا عَمَدَ إِلَيْهِ هَذَا في بَابِكَ ومَا أَصَارَكَ اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ كِفَايَتِهِ ودِفَاعِهِ، ولَا عَجَبَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ وقَدْ سَمِعْتُكَ تَدْعُو في عَقِيبِ الرَّكْعَتَيْنِ بِدُعَاءٍ لَمْ أَدْرِ مَا هُو إلّا أَنَّهُ طَوِيلٌ ورَأَيْتُكَ قَدْ حَرَّكْتَ شَفَتَيْكَ هاهُنَا أَعْنِي الصَّحْنَ بِشيء لَمْ أَدْرِ مَا هُو، فَقَالَ لِي: أَمَّا الْأَوَّلُ فَدُعَاءُ الْكَرْبِ والشَّدَائِدِ، لَمْ أَدْعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ قَبْلَ يَوْمِئِذٍ، جَعَلْتُهُ عِوَضاً مِنْ دُعَاءٍ كَثِيرٍ أَدْعُو بِهِ إِذَا قَضَيْتُ صَلَاتِي لِأَنِّي لَمْ أَتْرُكْ أَنْ أَدْعُو مَا كُنْتُ أَدْعُو بِهِ، وأَمَّا الّذي حَرَّكْتُ بِهِ شَفَتِي فَهُو دُعَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم يَوْمَ الْأَحْزَابِ، ثُمَّ ذَكَرَ الدُّعَاءَ، ثُمَّ قَالَ: لَو لَا الْخَوْفُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لَدَفَعْتُ إِلَيْكَ هَذَا الْمَالَ ولَكِنْ قَدْ كُنْتَ طَلَبْتَ مِنِّي أَرْضِي بِالْمَدِينَةِ وأَعْطَيْتَنِي بِهَا عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ فَلَمْ أَبِعْكَ وقَدْ وَهَبْتُهَا لَكَ، قُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، إِنَّمَا رَغْبَتِي في الدُّعَاءِ الْأَوَّلِ والثاني، فَإِذَا فَعَلْتَ هَذَا فَهُو الْبِرُّ، ولَا حَاجَةَ لِيَ الْآنَ في الْأَرْضِ، فَقَالَ: إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ لَا نَرْجِعُ في مَعْرُوفِنَا، نَحْنُ نَنْسَخُكَ الدُّعَاءَ ونُسَلِّمُ إِلَيْكَ الْأَرْضَ، صِرْ مَعِي إِلَى الْمَنْزِلِ، فَصِرْتُ مَعَهُ كَمَا تَقَدَّمَ الْمَنْصُورُ وكَتَبَ لِي بِعُهْدَةِ الْأَرْضِ وأَمْلَى عَلَيَّ دُعَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم وَأَمْلَى عَلَّیَ الّذي دَعَا بِهِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ، فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، لَقَدْ كَثُرَ اسْتِحْثَاثُ الْمَنْصُورِ واسْتِعْجَالُهُ إِيَّايَ وأَنْتَ تَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ الطَّوِيلِ مُتَمَهِّلاً كَأَنَّكَ لَمْ تَخْشَهُ؟! فَقَالَ لِي: نَعَمْ، قَدْ كُنْتُ أَدْعُوبِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ بِدُعَاءٍ لَا بُدَّ مِنْهُ، فَأَمَّا الرَّكْعَتَانِ فَهُمَا صَلَاةُ الْغَدَاةِ خَفَّفْتُهُمَا ودَعَوْتُ بِذَلِكَ الدُّعَاءِ بَعْدَهُمَا، فَقُلْتُ لَهُ: أَمَا خِفْتَ أَبَا جَعْفَرٍ وقَدْ أَعَدَّ لَكَ مَا أَعَدَّ ؟! فَقالَ: خِيفَةُ اللَّهِ دُونَ خِيفَتِهِ، وكَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ في صَدْرِي أَعْظَمَ مِنْهُ، قَالَ الرَّبِيعُ: كَانَ في قَلْبِي مَا رَأَيْتُ مِنَ الْمَنْصُورِ

ص: 160

ومِنْ غَضَبِهِ وخِيفَتِهِ عَلَى جَعْفَرٍ ومِنَ الْجَلَالَةِ لَهُ في سَاعَةٍ مَا لَمْ أَظُنُّهُ يَكُونُ في بَشَرٍ، فَلَمَّا وَجَدْتُ مِنْهُ خَلْوَةً وطَيَّبَ نَفْسِي، قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ رَأَيْتُ مِنْكَ عَجَباً، قَالَ: مَا هُو؟ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ رَأَيْتُ غَضَبَكَ عَلَى جَعْفَرٍ غَضَباً لَمْ أَرَكَ غَضِبْتَهُ عَلَى أَحَدٍ قَطُّ، ولَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ ولَا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ كُلِّ النَّاسِ حَتَّى بَلَغَ بِكَ الْأَمْرُ أَنْ تَقْتُلَهُ بِالسَّيْفِ وحَتَّى إِنَّكَ أَخْرَجْتَ مِنْ سَيْفِكَ شِبْراً، ثُمَّ أَغْمَدْتَهُ ثُمَّ عَاتَبْتَهُ ثُمَّ أَخْرَجْتَ مِنْهُ ذِرَاعاً ثُمَّ عَاتَبْتَهُ ثُمَّ أَخْرَجْتَهُ كُلَّهُ إلّا شَيْئاً يَسِيراً فَلَمْ أَشُكَّ في قَتْلِكَ لَهُ، ثُمَّ انْجَلَى ذَلِكَ كُلُّهُ فَعَادَ رِضاً حَتَّى أَمَرْتَنِي فَسَوَّدْتَ لِحْيَتَهُ بِالْغَالِيَةِ الّتي لَا يَتَغَلَّفُ مِنْهَا إلّا أَنْتَ ولَا يَغْلِفُ مِنْهَا وَلَدُكَ الْمَهْدِيُّ ولَا مَنْ وَلَّيْتَهُ عَهْدَكَ ولَا عُمُومَتَكَ وأَجَزْتَهُ وحَمَلْتَهُ وأَمَرْتَنِي بِتَشْيِيعِهِ مُكَرَّماً؟ فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا رَبِيعُ، لَيْسَ هُو كَمَا ينبغي أَنْ تُحَدِّثَ بِهِ وسَتْرُهُ أَوْلَى ولَا أُحِبُّ أَنْ يَبْلُغَ وُلْدَ فَاطِمَةَ فَيَفْتَخِرُونَ ويَتِيهُونَ بِذَلِكَ عَلَيْنَا حَسْبُنَا مَا نَحْنُ فِيهِ ولَكِنْ لَا أَكْتُمُكَ شَيْئاً انْظُرْ مَنْ في الدَّارِ فَنَحِّهِمْ، قَالَ: فَنَحَّيْتُ كُلَّ مَنْ في الدَّارِ، ثُمَّ قَالَ لِي: ارْجِعْ ولَا تُبْقِ أَحَداً فَفَعَلْتُ، ثُمَّ قَالَ لِي: لَيْسَ إلّا أَنَا وأَنْتَ، واللَّهِ لَئِنْ سَمِعْتُ مَا أَلْقَيْتُهُ إِلَيْكَ مِنْ أَحَدٍ لَأَقْتُلَنَّكَ ووُلْدَكَ وأَهْلَكَ أَجْمَعِينَ ولَآخُذَنَّ مَالَكَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أُعِيذُكَ بِاللَّهِ، فَقالَ: يَا رَبِيعُ قَدْ كُنْتُ مُصِرّاً عَلَى قَتْلِ جَعْفَرٍ وأَنْ لَا أَسْمَعَ لَهُ قَوْلاً ولَا أَقْبَلَ لَهُ عُذْراً، وكَانَ أَمْرُهُ وإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَخْرُجُ بِسَيْفٍ أَغْلَظَ عِنْدِي وأَهَمَّ عَلَيَّ مِنْ أَمْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ فَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ هَذَا مِنْهُ ومِنْ آبَائِهِ عَلَى عَهْدِ بَنِي اُمَيَّةَ، فَلَمَّا هَمَمْتُ بِهِ في الْمَرَّةِ الْاُولَى تَمَثَّلَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم فَإِذَا هُو حَائِلٌ بَيْنِي وبَيْنَهُ بَاسِطٌ كَفَّيْهِ حَاسِرٌ عَنْ ذِرَاعَيْهِ قَدْ عَبَسَ وقَطَّبَ في وَجْهِي عَنْهُ، ثُمَّ هَمَمْتُ بِهِ في الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وانْتَضَيْتُ مِنَ السَّيْفِ أَكْثَرَ مِمَّا انْتَضَيْتُ مِنْهُ في الْمَرَّةِ الْاُولَى، فَإِذَا أَنَا

ص: 161

بِرَسُول ِاللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم قَدْ قَرُبَ مِنِّي ودَنَا شَدِيداً وهَمَّ لِي أَنْ لَو فَعَلْتُ لَفَعَلَ فَأَمْسَكْتُ، ثُمَّ تَجَاسَرْتُ وقُلْتُ: هَذَا بَعْضُ أَفْعَالِ الرَّئِيِّ، ثُمَّ انْتَضَيْتُ السَّيْفَ في الثَّالِثَةِ فَتَمَثَّلَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم بَاسِطَ ذِرَاعَيْهِ قَدْ تَشَمَّرَ واحْمَرَّ وعَبَسَ وقَطَّبَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَيَّ فَخِفْتُ واللَّهِ لَو فَعَلْتُ لَفَعَلَ وكَانَ مِنِّي مَا رَأَيْتَ، وهَؤُلَاءِ مِنْ بَنِي فَاطِمَةَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لَا يَجْهَلُ حَقَّهُمْ إلّا جَاهِلٌ لَا حَظَّ لَهُ في الشَّرِيعَةِ؛ فَإِيَّاكَ أَنْ يَسْمَعَ هَذَا مِنْكَ أَحَدٌ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الرَّبِيعِ: فَمَا حَدَّثَنِي بِهِ أبي حَتَّى مَاتَ الْمَنْصُورُ ومَا حَدَّثْتُ أَنَا بِهِ حَتَّى مَاتَ الْمَهْدِيُّ ومُوسَى وهَارُونُ وقُتِلَ مُحَمَّدٌ(1).

هذا مع أنّ تسمية أيّ شخض غير عليّ بن أبی طالب علیه السلام بهذا العنوان حتّی الإمام القائم علیه السلام ممنوع ومحذور، وذلك لأنّه اسم سمی الله به علياً علیه السلام ولم يُسمّ به أحدٌ قبله ولا بعده إلّا كافر، قد دلّت علی ذلك روايات منها ما يلي:

1 - صحيحة أبي الرَّبِيعِ الْقَزَّازِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ: لِمَ سُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: «اللَّهُ سَمَّاهُ وَهَكَذَا أَنْزَلَ في كِتَابِهِ، وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولِي وَأَنَّ عَلِيّاً أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ»(2).

2 - صحيحة أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ علیه السلام لِمَ سُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ علیه سلام ؟ قَالَ: «لِأَنَّهُ يَمِيرُهُمْ الْعِلْمَ، أَمَا سَمِعْتَ في كِتَابِ اللَّهِ: (وَنَمِيرُ أَهْلَنا)؟»(3).

ص: 162


1- راجع: «بحارالأنوار» ج47/195 - 199.
2- «الكافي» ج1/412 الحديث 4.
3- «الكافي» ج1/412 الحديث 3.

ثمّ أضاف الكليني رحمه الله : وَفِي رِوَايَةٍ اُخری قَالَ: «لِأَنَّ مِيرَةَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ عِنْدِهِ يَمِيرُهُمُ الْعِلْمَ».

3 - خبر عُمَرَ بْنِ زَاهِرٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْقَائِمِ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: «لَا ذَاكَ اسْمٌ سَمَّى اللَّهُ بِهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام لَمْ يُسَمَّ بِهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ وَلَا يَتَسَمَّى بِهِ بَعْدَهُ إلّا كَافِرٌ، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ كَيْفَ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بَقِيَّةَ اللَّهِ، ثُمَّ قَرَأَ: (بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(1).

4 - مرسلة مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الرَّازيِّ عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَامَ عَلَى قَدَمَيْهِ فَقَالَ: «مَهْ هَذَا اسْمٌ لَا يَصْلُحُ إلّا لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام سَمَّاهُ اللَّهُ بِهِ وَلَمْ يُسَمَّ بِهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ فَرَضِيَ بِهِ إلّا كَانَ مَنْكُوحاً وَإِنْ لَمْ يَكُنِ ابْتُلِيَ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ في كِتَابِهِ: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إلّا إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إلّا شَيْطاناً مَرِيداً) قَالَ: قُلْتُ: فَمَا ذَا يُدْعَى بِهِ قَائِمُكُمْ؟ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بَقِيَّةَ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ»(2).

ومنها: شدّة مراقبة الخلفاء لبعض الخواصّ من أصحاب الأئمّة علیهم السلام بحيث يؤدّی الأمر إلی تخريبهم من ناحية الأئمة علیهم السلام :

وإليك بعض ما تدلّ عليه من الرّوايات:

1 - حَدَّثَ مُحَمَّدُ بن قُولِوَيه، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعدُ بن عَبدِ اللهِ القُمِّي عَن مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ اللهِ المسمَعِي وأحمَدَ بن مُحَمَّد بن عِيسَى، عَن عَلِيِّ بن أسباط عَن

ص: 163


1- «الكافي» ج1/411 الحديث 2.
2- «تفسير العياشي» ج1/276 الحديث 274، «وسائل الشيعة» ج14/600 الحديث 19889، «بحار الأنوار» ج37/331.

الحُسَين بن زُرَارَة، قَالَ: قُلتُ لِأبِي عَبدِ الله علیه السلام: إنَّ أبِي يقرَأُ عَلَيك السَّلامَ، ويَقُولَ لَك: جَعَلَنِي اللهُ فِدَاك، إنَّه لَا يَزال الرَّجُلُ والرَّجُلانِ يقدِمَانِ فَيَذكُرَانِ أنَّك ذَكَرتَنِي وقُلتَ فِيَّ؟ فَقَالَ: «اقرأ أبَاك السَّلامَ وقُل لَهُ: وَأنَا وَاللهِ اُحِبُّ لَكَ الخَيرَ في الدُّنيَا وَاُحِبُّ لَكَ الخَيرَ في الآخِرَةِ، وَأنَا وَاللهِ عَنكَ رَاضٍ فَمَا تُبَالِي مَا قَالَ النَّاسُ بَعدَ هَذَا»(1).

2 - رُويَ فِي «رجال الكشّي» عن حَمْدَوَيْهِ بْنِ نُصَيْرٍ عَنِ الْيَقْطِينِيِّ عَنْ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَارَةَ وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُولَوَيْهِ والْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ مَعاً عَنْ سَعْدٍ عَنْ هارُونَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَارَةَ وابْنَيْهِ الْحَسَنِ والْحُسَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «اقْرَأْ مِنِّي عَلَى وَالِدِكَ السَّلَامَ، وقُلْ لَهُ إِنِّي أَعِيبُكَ دِفَاعاً مِنِّي عَنْكَ، فَإِنَّ النَّاسَ وَالْعَدُوُّ يُسَارِعُونَ إِلَى كُلِّ مَنْ قَرَّبْنَاهُ وحَمِدْنَا مَكَانَهُ لِإِدْخَالِ الْأَذَى فِيمَنْ نُحِبُّهُ ونُقَرِّبُهُ، ويَذُمُّونَهُ لِمَحَبَّتِنَا لَهُ وقُرْبِهِ ودُنُوِّهِ مِنَّا، ويَرَوْنَ إِدْخَالَ الْأَذَى عَلَيْهِ وقَتْلَهُ، ويَحْمَدُونَ كُلَّ مَنْ عَيَّبْنَاهُ نَحْنُ وإِنْ يُحْمَدُ أَمْرُهُ، فَإِنَّمَا أَعِيبُكَ لِأَنَّكَ رَجُلٌ اشْتَهَرْتَ بِنَا وبِمَيْلِكَ إِلَيْنَا، وأَنْتَ في ذَلِكَ مَذْمُومٌ عِنْدَ النَّاسِ غَيْرُ مَحْمُودِ الْأَثَرِ بِمَوَدَّتِكَ لَنَا ولِمَيْلِكَ إِلَيْنَا، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَعِيبَكَ لِيَحْمَدُوا أَمْرَكَ في الدِّينِ بِعَيْبِكَ ونَقْصِكَ، ويَكُونَ بِذَلِكَ مِنَّا دَفْعُ شَرِّهِمْ عَنْكَ، يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ وعَزَّ: (أَمَّا السَّفينَةُ فَكانَتْ لِمَساكينَ يَعْمَلُونَ في الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفينَةٍ غَصْباً)، هَذَا التَّنْزِيلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ صَالِحَةٌ، لَا وَاللَّهِ مَا عَابَهَا إلّا لِكَيْ تَسْلَمَ مِنَ الْمَلِكِ ولَا تَعْطَبَ عَلَى يَدَيْهِ، ولَقَدْ كَانَتْ صَالِحَةً لَيْسَ لِلْعَيْبِ فِيهَا مَسَاغٌ والْحَمْدُ لِلَّهِ.

ص: 164


1- «معجم رجال الحديث» ج8/235، «تاريخ آل زرارة»/66.

فَافْهَمِ الْمَثَلَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَإِنَّكَ واللَّهِ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ وأَحَبُّ أَصْحَابِ أبي علیه السلام حَيّاً وَمَيِّتاً، فَإِنَّكَ أَفْضَلُ سُفُنِ ذَلِكَ الْبَحْرِ الْقَمْقَامِ الزَّاخِرِ، وإِنَّ مِنْ وَرَائِكَ مَلِكاً ظَلُوماً غَصُوباً يَرْقُبُ عُبُورَ كُلِّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ تَرِدُ مِنْ بَحْرِ الْهُدَى لِيَأْخُذَهَا غَصْباً ثُمَّ يَغْصِبَهَا وأَهْلَهَا ورَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ حَيّاً ورَحْمَتُهُ ورِضْوَانُهُ عَلَيْكَ مَيِّتاً، ولَقَدْ أَدَّى إِلَيَّ ابْنَاكَ الْحَسَنُ والْحُسَيْنُ رِسَالَتَكَ أَحَاطَهُمَا اللَّهُ وكَلَأَهُمَا ورَعَاهُمَا وحَفِظَهُمَا بِصَلَاحِ أَبِيهِمَا كَمَا حَفِظَ الْغُلَامَيْنِ، فَلَا يَضِيقَنَّ صَدْرُكَ مِنَ الّذي أَمَرَكَ أبي علیه السلام وأَمَرْتُكَ بِهِ وأَتَاكَ أَبُو بَصِيرٍ بِخِلَافِ الّذي أَمَرْنَاكَ بِهِ، فَلَا واللَّهِ مَا أَمَرْنَاكَ ولَا أَمَرْنَاهُ إلّا بِأَمْرٍ وَسِعَنَا ووَسِعَكُمُ الْأَخْذُ بِهِ ولِكُلِّ ذَلِكَ عِنْدَنَا تَصَارِيفُ ومَعَانٍ تُوَافِقُ الْحَقَّ، ولَو أُذِنَ لَنَا لَعَلِمْتُمْ أَنَّ الْحَقَّ في الّذي أَمَرْنَاكُمْ فَرُدُّوا إِلَيْنَا الْأَمْرَ وسَلِّمُوا لَنَا واصْبِرُوا لِأَحْكَامِنَا وارْضَوْا بِهَا، والّذي فَرَّقَ بَيْنَكُمْ فَهُو رَاعِيكُمُ الّذي اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ خَلْقَهُ وهُو أَعْرَفُ بِمَصْلَحَةِ غَنَمِهِ في فَسَادِ أَمْرِهَا فَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ بَيْنَهَا لِتَسْلَمَ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهَا لِيَأْمَنَ مِنْ فَسَادِهَا وخَوْفِ عَدُوِّهَا في آثَارِ مَا يَأْذَنُ اللَّهُ ويَأْتِيهَا بِالْأَمْنِ مِنْ مَأْمَنِهِ، والْفَرَجِ مِنْ عِنْدِهِ عَلَيْكُمْ بِالتَّسْلِيمِ وَالرَّدِّ إِلَيْنَا وَانْتِظَارِ أَمْرِنَا وأَمْرِكُمْ وفَرَجِنَا وفَرَجِكُمْ، فَلَو قَدْ قَامَ قَائِمُنَا عَجَّلَ اللَّهُ فَرَجَهُ وتَكَلَّمَ بِتَكَلُّمِنَا [مُتَكَلِّمُنَا] ثُمَّ اسْتَأْنَفَ بِكُمْ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ وشَرَائِعِ الدِّينِ والْأَحْكَامِ والْفَرَائِضِ كَمَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله و سلم لَأَنْكَرَ أَهْلُ التَّصَابُرِ فِيكُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ إِنْكَاراً شَدِيداً، ثُمَّ لَمْ تَسْتَقِيمُوا عَلَى دِينِ اللَّهِ وطَرِيقَتِهِ إلّا مِنْ تَحْتِ حَدِّ السَّيْفِ فَوْقَ رِقَابِكُمْ، إِنَّ النَّاسَ بَعْدَ نَبِیِّ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم رَكِبَ اللَّهُ بِهِ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَغَيَّرُوا وبَدَّلُوا وحَرَّفُوا وزَادُوا في دِينِ اللَّهِ ونَقَصُوا مِنْهُ، فَمَا مِنْ شيء عَلَيْهِ النَّاسُ الْيَوْمَ إلّا وهُو مُحَرَّفٌ عَمَّا نَزَلَ بِهِ الْوَحْيُ مِنْ عِنْدِ

ص: 165

اللَّهِ، فَأَجِبْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ تُدْعَى إِلَى حَيْثُ تَرْعَى حَتَّى يَأْتِيَ مَنْ يَسْتَأْنِفُ بِكُمْ دِينَ اللَّهِ اسْتِئْنَافاً»، الحديث(1).

3 - عَنْ حَمْدَوَيْهِ بْنِ نُصَيْرٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبي الْعَبَّاسِ الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ أَحْيَاءً وأَمْوَاتاً أَرْبَعَةٌ: بُرَيْدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْعِجْلِيُّ، وزُرَارَةُ، ومُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، والْأَحْوَلُ، وهُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ أَحْيَاءً وأَمْوَاتاً»(2).

ومنها: عزم المنصور على قتل وصيّه بعد شهادته علیه السلام:

ممّا تدّل علی ذلك:

1 - رُويَ في المناقب لابن شهرآشوب عَنْ أبي جَعْفَرٍ الْقُمِّيِّ أَنّهُ قالَ: سَمَّهُ الْمَنْصُورُ ودُفِنَ في الْبَقِيعِ، وقَدْ كَمَلَ عُمُرُهُ خَمْساً وسِتِّينَ سَنَةً، ويُقَالُ: كَانَ عُمُرُهُ خَمْسِينَ سَنَةً، واُمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أبي بَكْرٍ(3).

2 - الغيبة للشّيخ الطوسي رحمه الله : رَوَى أَبُو أَيُّوبَ الْخُوزِيُّ، قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ في جَوْفِ اللَّيْلِ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وهُو جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ، وبَينَ يَدَيْهِ شَمْعَةٌ وفِي يَدِهِ كِتَابٌ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ رَمَى الْكِتَابَ إِلَيَّ وهُو يَبْكِي، وقَالَ: هَذَا كِتَابُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ يُخْبِرُنَا أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وإِنَّا إِلَيْهِ

ص: 166


1- «رجال الكشّي» 138 - 141، «جامع الرّواة» ج1/325، «معجم رجال الحديث» ج8/233 - 235، «بحارالأنوار» ج2/246 - 248.
2- راجع: «رجال الكشّي» ص 135، «كمال الدّين» ج1/76، «وسائل الشّيعة» ج27/143 الحديث 33433، «بحارالأنوار» ج47/340.
3- راجع: «بحارالأنوار» ج47/5.

رَاجِعُونَ ثَلَاثاً، وأَيْنَ مِثْلُ جَعْفَرٍ، ثُمَّ قَالَ لِي: اكْتُبْ، فَكَتَبْتُ صَدْرَ الْكِتَابِ، ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ إِنْ كَانَ أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَقَدِّمْهُ وَاضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ: فَرَجَعَ الْجَوَابُ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ أَوْصَى إِلَى خَمْسَةٍ: أَحَدُهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَعَبْدُ اللَّهِ وَمُوسَى ابْنَيْ جَعْفَرٍ وَحَمِيدَةَ، فَقَالَ الْمَنْصُورُ: لَيْسَ إِلَى قَتْلِ هَؤُلَاءِ سَبِيلٌ(1).

هذا حال خصوص زمانه علیه السلام، وأمّا شدّة التقيّة وغلبة الحقد والعداوة، بالنسبة إلی شيعة عليّ بن أبي طالب وأئمة الطاهرين علیهم السلام في طليلة زمن إمامة سائر الأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) فأظهر من الشّمس وأبين من أن تخفی، حتّى أنّ الرّجل ليقال له زنديق أو كافر أحبّ إليه من أن يقال له إنّه شيعة عليّ علیه السلام خوفاً علی نفسه وعشيرته، من هذا الباب قصّة حجّاج بن يوسف الثقفي الأمير السّفاك الظالم المبير (لعنة الله عليه) الّذي ولّی إمرة عراق عشرين سنة وقتل بيده مائة وعشرين ألف رجل من الشيعة ومات سنة 95 ه- ، ولمّا مات وجد في سجنه ثمانون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة من دون تقصير، نذكر فيه نموذجاً ممّا يحكي ابن أبي الحديد المعتزلي (586 - 656 ه-) في شرحه علی «نهج البلاغة» عن الإمام الباقر علیه السلام، وما ذكره المحقق الموسوي الخوانساري رحمه الله في كتابه القيم «روضات الجنات»، ثمّ ننقل ما ذكره المجلسي رحمه الله من منع الحجّاج النّاس أن يقولوا: إنّ وُلد فاطمة علیها السلام وُلد رسول الله 9. قال ابن أبي الحديد:

وقد روی: أنّ أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر علیه السلام قال لبعض أصحابه (أبان بن أبي عيّاش): يا فلان ما لقينا من ظلم قريش إيّانا وتظاهرهم

ص: 167


1- راجع: «بحارالأنوار» ج47/3.

علينا، وما لقی شيعتنا ومحبّونا من النّاس، إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قبض وقد أخبر أنّاأولى الناس بالناس، فتمالأت علينا قريش حتّى أخرجت الأمر عن معدنه واحتجت على الأنصار بحقّنا وحجّتنا، ثمّ تداولتها قريش واحد بعد واحد حتّى رجعت إلينا، فنكثت بيعتنا، ونصبت الحرب لنا، ولم يزل صاحب الأمر في صعود كئود حتّى قتل فبويع الحسن ابنه وعوهد ثمّ غدر به وأسلم ووثب عليه أهل العراق حتّى طعن بخنجر في جنبه ونهبت عسكره وعولجت خلاليل اُمهات أولاده فوادع معاوية وحقن دمه ودماء أهل بيته وهم قليل حق قليل، ثمّ بايع الحسين علیه السلام من أهل العراق عشرون ألفاً، ثمّ غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم وقتلوه، ثمّ لم نزل أهل البيت نستذل ونستضام ونقصی ونمتهن ونحرم ونقتل ونخاف ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا، ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقربون به إلى أوليائهم وقضاة السوء وعمّال السوء في كلّ بلدة فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، ورووا عنّا ما لم نقله، وما لم نفعله ليبغضونا إلى الناس، وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن علیه السلام فقتلت شيعتنا بكلّ بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة، وكان من يذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سجن، أو نهب ماله، أو هدّمت داره، ثمّ لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين علیه السلام، ثمّ جاء الحجاج فقتلهم كلّ قتلة، وأخذهم بكلّ ظنة وتهمة، حتّى أنّ الرّجل ليقال له زنديق أو كافر أحبّ إليه من أن يقال شيعة عليّ علیه السلام، وحتّى صار الرجل الّذي يذكر بالخير ولعلّه يكون ورعاً صدوقاً يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة، ولم يخلق الله تعالى شيئاً منها ولا كانت ولا وقعت وهو يحسب أنّها حقّ لكثرة من قد رواها ممنّ لم يعرف بكذب ولا بقلة ورع.

ص: 168

وروى أبو الحسن عليّ بن محمد بن أبي سيف المدائني في كتاب الأحداث قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعةأن برئت الذمّة ممّن روى شيئاً من فضل أبي تراب علیه السلام وأهل بيته، فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كلّ منبر يلعنون عليّاً ويبرءون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشدّ النّاس بلاءً حينئذٍ أهل الكوفة، لكثرة من بها من شيعة عليّ علیه السلام فاستعمل عليهم زياد بن سمية، وضمّ إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة، وهو بهم عارف لأنّه كان منهم أيّام عليّ علیه السلام، فقتلهم تحت كلّ حجر ومدر وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل، وطرفهم وشرّدهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم، وكتب معاوية إلى عمّاله في جميع الآفاق إلّا يجيزوا لأحد من شيعة عليّ وأهل بيته شهادة، وكتب إليهم أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبّيه وأهل ولايته، والّذين يروون فضائله ومناقبه، فادنوا مجالسهم وقرّبوهم وأكرموهم، واكتبوا لي بكلّ ما يروي كلّ رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته.

ففعلوا ذلك حتّى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء ولحباء والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كلّ مصر وتنافسوا في المنازل والدّنيا، فليس يجي ء أحد مردود من النّاس عاملاً من عمّال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلّا كتب اسمه وقرّبه وشفعّه فلبثوا بذلك حيناً.

ثمّ كتب إلى عمّاله أنّ الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصر وفی كلّ وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا النّاس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب علیه السلام إلّا وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فإنّ هذا أحبّ إليّ وأقرّ لعيني وأدحض لحجة أبي تراب و شيعته، وأشدّ عليهم من مناقب عثمان وفضله.

ص: 169

فقرأت كتبه على النّاس فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجد النّاس في رواية ما يجري هذا المجرى حتّى أشادوابذكر ذلك على المنابر وألقی إلى معلمي الكتاتيب فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتّى رووه وتعلموه كمّا يتعلّمون القرآن، وحتّى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء الله.

ثمّ كتب إلى عمّاله نسخة واحدة إلى جميع البلدان انظروا من قامت عليه البينة أنّه يحبّ علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه، وشفع ذلك بنسخة اُخری من اتهمتموه بمولاه هؤلاء القوم فنكلوا به وأهدموا داره، فلم يكن البلاء أشدّ ولا أكثر منه بالعراق ولا سيّما بالكوفة حتّى أنّ الرجل من شيعة عليّ علیه السلام ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقی إليه سرّه ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدثه حتّى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمن عليه، فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم النّاس في ذلك بلية القراء المراءون والمستضعفون الّذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا مجالسهم ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل، حتّى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الّذين لا يستحلون الكذب والبهتان فقبلوها ورووها، وهم يظنّون أنّها حقّ، ولو علموا أنّها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها.

فلم يزل الأمر كذلك حتّى مات الحسن بن عليّ علیه السلام فازداد البلاء والفتنة فلم يبق أحد من هذا القبيل إلّا وهو خائف على دمه أو طريد في الأرض.

ثمّ تفاقم الأمر بعد قتل الحسين علیه السلام وولّی عبد الملك بن مروان فاشتدّ على الشيعة، وولّى عليهم الحجاج بن يوسف فتقرب إليه أهل النسك

ص: 170

والصلاح والدّين ببغض عليّ وموالاة أعداءه وموالاة من يدّعي من النّاس أنّهم أيضاً أعداؤه فأكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهمومناقبهم وأكثروا من البغض من عليّ علیه السلام وعيبه والطعن فيه والشنئان له حتّى أنّ إنساناً وقف للحجاج ويقال إنّه جد الأصمعي عبد الملك بن قريب فصاح به أيّها الأمير إنّ أهلي عقوني فسموني عليّاً وإنيی فقير بائس، وأنا إلى صلة الأمير محتاج فتضاحك له الحجاج وقال للطف ما توسلت به قد وليتك موضع كذا(1).

وقال المحقق الخوانساري رحمه الله :

إنّ الحجّاج قتل مائة وعشرين ألف رجل صبراً، ولمّا مات وجد في سجنه ثمانون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة، منهم ثلاثة وثلاثون ألفاً بلا تقصير، قال الراغب في محاضراته: خرج الحجّاج يوماً إلی الجامع فسمع ضجّة شديدة فقال: ما هذا؟ قالوا: أهل السجون يضجّون من شدّة الحرّ، فقال: قولوا لهم: (اخسؤوا فيها ولا تكلّمون) ووجد في حبسه مائة ألف وأربعة آلاف رجل وعشرين ألف امرأة، منهم أربعة آلاف امرأة مجرّدات، وكان حبس الرجال والنساء في مكان واحد، ولم يكن في حبسه سقف ولا ظلّ من الشمس، ومَن يتّقي بيده مِن الحرّ فيرميه الحرس من فوقه بالآجر، وكان أكثرهم مقرنين في السلاسل، وكان يُسقون الزّعاق(2)، ويطعمون الشعير المخلوط بالرماد...، وقد

ص: 171


1- «شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد» ج 11/43 - 46. وقريب إليه ما ذكره العلّامة المجلسي رحمه الله في «بحارالأنوار» ج27/211 - 214.
2- الزُّعاقُ، كغُرابٍ: الماءُ المُرُّ الغَلِيظُ الّذي لا يُطاقُ شُرْبُه من أَجُوجَتِه، قالهُ اللَّيْثُ، الواحِدُ والجَمِيعُ فيهِ سواءٌ، قالَ: وإِذا كَثُرَ مِلْحُ الشَّيْ ءِ حَتّى يَصِيرَ إِلى المَرارَةِ، فأَكَلْتَه، قُلْتَ: أَكَلْتُه زُعاقاً. «تاج العروس من جواهر القاموس» ج 13/195.

كان أحرص علی قتل الأخيار وخصوصاً الفاطميّين الأطهار بحيث نقل أنّه أتی بصاع خبز من طحن دمائهم فكان يصوم ويفطر به، وأمر بنبشثلاثة آلاف من قبور النجف الأشرف في طلب جثّة أمير المؤمنين علیه السلام فلم يظفر بذلك، وكان أيضاً يتحسّر دائماً ويظهر الأسف علی أنّه لم يحضر وقعة الطّف فيكون معيناً علی قتل الشهداء المظلومين(1).

ثمّ إنّه قد روی العلّامة المجلسي رحمه الله في «البحار» مرسلاً عن عامر الشعب، أنّه قال:

بعث إليّ الحجّاج ذات ليلة، فخشيت فقمت فتوضّأت وأوصيت، ثمّ دخلت عليه فنظرت فإذا نطع(2) منشور، والسيف مسلول، فسلّمت عليه، فردّ عليّ السلام، فقال: لا تخف، فقد آمنتك الليلة وغداً إلى الظهر وأجلسني عنده، ثمّ أشار، فأتی برجل مقيّد بالكبول(3) والأغلال، فوضعوه بين يديه، فقال: إنّ هذا الشيخ يقول: إنّ الحسن والحسين كانا ابني رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم، ليأتينّي بحجّته من القرآن وإلّا لأضربنّ عنقه، فقلت: يجب أن تحلّ قيده، فإنّه إذا احتجّ فإنّه لا محالة يذهب، وإن لم يحتجّ فإنّ السيف لا يقطع هذا الحديد، فحلّوا قيوده وكبوله، فنظرت فإذا هو سعيد بن جبير، فحزنت بذلك وقلت: كيف يجد حجّة على ذلك من القرآن؟! فقال له الحجّاج: ائتني بحجّة من القرآن على ما ادّعيت، وإلّا أضرب عنقك، فقال له: انتظر، فسكت ساعة، ثمّ قال له مثل ذلك، فقال: انتظر، فسكت ساعة، ثمّ قال له مثل ذلك، فقال: أعوذ

ص: 172


1- «روضات الجنات» ج2/54.
2- النطع: بساط من الجلد يفرش تحت المحكوم عليه بالعذاب أو بقطع الرأس.
3- مفرده الكبل: القيد، أو أعظم ما يكون من القيود.

باللّه من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، ثمّ قال: (وَوَهَبْنا لَهُإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ (إلى قوله) وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)(1) ثمّ سكت، وقال للحجّاج: اقرأ ما بعده فقرأ: (وَزَكَرِيَّا

وَيَحْيى وَعِيسى)، فقال سعيد: كيف يليق هاهنا عيسى؟! قال: إنّه كان من ذرّيّته، قال: إن كان عيسى من ذرّيّة إبراهيم ولم يكن له أب بل كان ابن ابنته فنسب إليه مع بعده، فالحسن والحسين أولى أن ينسبا إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم مع قربهما منه؛ فأمر له بعشرة آلاف دينار، وأمر بأن يحملوها معه إلى داره، وأذن له في الرجوع.

قال الشعبي: فلمّا أصبحت قلت في نفسی قد وجب عليّ أن آتی هذا الشيخ، فأتعلّم منه معاني القرآن لأنّي كنت أظنّ أنّي أعرفها، فإذا أنا لا أعرفها فأتيته، فإذا هو في المسجد وتلك الدنانير بين يديه يفرّقها عشراً وعشراً ويتصدّق بها، ثمّ قال: هذا كلّه ببركة الحسن والحسين صلی الله علیه و آله و سلم ؛ لئن كنّا أغممنا واحداً لقد أفرحنا ألفاً، وأرضينا اللّه ورسوله صلی الله علیه و آله و سلم (2).

إلی غير ذلك من القصص والحكايا الدالّة علی شدّة التقيّة والخوف بالنسبة إلی شيعتهم علیهم السلام في تلك الأدوار، فصلاة الجمعة وإن كانت واجبةً عينيّةً في ذلك العصر إلّا أنّها كسائر الواجبات، أي أنّها منوطةٌ بالقدرة، وحيث إنّ حكام الجور يمنعون من إقامتها بإمامة الأئمّة علیهم السلام أو المنصوبين من ناحيتهم، فيكون ذلك هو السّبب في رجوعهم إلی عدلها، وهو الظّهر.

ص: 173


1- «الأنعام»: 84/138.
2- «بحارالأنوار» ج43/229.

وبذلك يظهر الجواب أيضاً عمّا يقال إنّ صلاة الجمعة لو كانت واجبةً تعيينيّةً لشاع ذلك وذاع، ولكان من المسلّمات الواضحات نظير غيرها من الفرائض اليومية (1).

ثمّ إنّه وراء هذه السّيرة المدعاة علی ترك صلاة الجمعة رواياتٌ كثيرةٌ تحثّ على وجوبها وتحضّ عليها، وسنشير إليها لاحقاً(2).

السّادس:

الاستدلال للقول بالوجوب التخييري وجوابه:

إنّه قد عبّر للقول بالوجوب التخييري تارة:

بما قاله السيّد الخوئي رحمه الله من الأخذ بالبراءة بالنّسبة إلی اعتبار كلتي الخصوصيّتين - التّعيين والتّخيير - عند دوران الأمر بين وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة تعييناً أو بينها وبين وجوب صلاة الظّهرتخييراً، فينتج عنه كون صلاة الجمعة واجبةً بالوجوب التخييري في هذا العصر(3).

لكنّ هذا الرأي بعد ما استظهرنا من الأدلّة كون الجمعة واجبة بالوجوب العيني التعييني غير موافق مع ما اخترناه في مبحث (دوران الأمر بين التّخيير والتّعيين) وذلك لأنّ الشكّ فيهما يرجع إلی الشكّ في سقوط ما عُلم تعلُّق التّكليف به يقيناً بفعل ما يُحتمل كونه عدلاً له، فبناءً علی قاعدة (الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينيّة) يكون المرجع هو الاشتغال، وبالتالي وجوب الجمعة تعييناً.

ص: 174


1- راجع: «التّنقيح في شرح العروة الوثقی» ج6/26.
2- راجع: «مبحث فضيلة صلاة الجمعة» في آخر هذا الفصل.
3- راجع: «التّنقيح في شرح العروة الوثقی» ج6/57.

نعم، مقتضی بعض الأخبار - مثل ما رواه مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَيْنِ صحيحاً بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ، حَيْثُ قَالَ: قُلْتُ لِأبي جَعْفَرٍ علیه السلام: عَلَى مَنْ تَجِبُ الْجُمُعَةُ؟ قَالَ: «تَجِبُ عَلَى سَبْعَةِ نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ولَا جُمُعَةَ لِأَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدُهُمُ الْإِمَامُ، فَإِذَا اجْتَمَعَ سَبْعَةٌ ولَمْ يَخَافُوا أَمَّهُمْ بَعْضُهُمْ وخَطَبَهُمْ»(1) - أنّه إذا كان عدد المصلّين بين الخمس إلی السّبع فإنّ الحكم هو التّخيير بين الجمعة والظّهر، والجمعة أفضل، لكنّه إذا بلغ العدد إلی السّبع فتتعيّن صلاة الجمعة(2).

قال الفيض الكاشاني رحمه الله بعد ما نقل الصحيحة:

ص: 175


1- «من لا يحضره الفقيه» ج1/267 الحديث 1218، «وسائل الشيعة» ج7/304 الحديث 9415، و ص 310 الحديث 9436.
2- أقول: وقد صرّح بذلك الشّيخ الطّوسي رحمه الله في «الخلاف» حيث قال: تنعقد الجمعة بخمسة نفرٍ جوازاً وبسبعة تجب عليهم. «كتاب الخلاف» ج1/598، المسألة 359. وقال في «النّهاية»: الاجتماع فی صلاة الجمعة فريضةٌ إذا حصلت شرائطه ومن شرائطه أن يكون هناك إمامٌ عادلٌ، أو من نصبه الإمام للصّلاة بالنّاس ويبلغ عدد من يصلِّي بهم سبعة نفر، فإن كانوا أقلّ من ذلك لم تجب عليهم الجمعة ويستحبّ لهم أن يجمّعوا إذا كانوا خمسة نفرّ. «النهاية في مجرّد الفقه والفتاوی» ص 103، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج3/319 - 320. وقال المولی محسن الكاشاني رحمه الله بعد نقله الرواية: والمنفي في قوله: «ولا جمعة لأقل من خمسة» مطلق الوجوب، والثابت مع السبعة الوجوب العيني كما يرشد إليه إتيانه علیه السلام باللام المستعملة في الاستحباب والتخيير في الخمسة، وبعلى المستعملة في الوجوب والحتم في السبعة، وبهذا يجمع بين الأخبار المختلفة في هذا المعنى ظاهراً. راجع: «الشهاب الثاقب في وجوب صلاة الجمعة العيني» ص: 21.

لعلّ المراد أنّها تجب على سبعة حتماً وعزيمة من دون رخصة في تركها، وتجب لخمسة تخييراً وعلى الأفضل مع الرخصة في تركها، وبهذا جمع في التهذيبين بين الأخبار المختلفة في الخمسة والسبعة، ويؤيّده تعدية الوجوب ب- (اللام) في الخمسة و ب- (علی) في السبعة، وأمّا إذا كانوا أقل من خمسة فليس عليهم ولا لهم جمعة، بل عليهم حتماً أن يصلّوا أربعاً كما بيّن(1).

وبعبارة اُخری: إذا بلغ عدد المصلّين في الجمعة إلی السّبع وتوّفرت سائر شروط صلاة الجمعة من كون المصلّين من غير ما استثنی عنهم الجمعة، ومع عدم الخوف من الأعداء، ووجود إمام عادل يتمكن من الخطبة، فتتعيّن حينئذٍ إقامة صلاة الجمعة، وإلّا تتعيّن صلاة الظّهر ولا تُجزأ الجمعة، فلا وجه للقول بالوجوب التخييري للظّهر والجمعة لو كان عدد المصلّين فوق السّبعة، إذ الظّهر حينئذٍ لم تكن في عرض الجمعة حتّی يتخيّر المكلّف بينها وبين الجمعة.

وبعبارة ثالثة: أنّ موارد التّخيير بين الظّهر والجمعة علی ما ورد في الأخبار والأحاديث حول أحكام صلاة الجمعة منحصرةٌ فيما يلي:

1 - التّخيير بين الجمعة والظهر إذا كان عدد المصلّين بين خمسة إلی سبعة(2).

ص: 176


1- راجع: «الوافي» ج 8/1124.
2- راجع: «وسائل الشيعة» ج7/303 - 306 باب «اشتراط وجوب الجمعة بحضور سبعة، واستحبابها عند حضور خمسة أحدهم الإمام»، «مستدرك الوسائل» ج6/11 نفس الباب.

2 - التّخيير بين الجمعة والظهر إذا كان المصلّي ممّن استُثنی عنه وجوب الجمعة(1).

3 - إذا اتّفق عيدٌ وجمعةٌ في يوم واحد، فمن حضر العيد وكان نائياً عن الجمعة سقط عنه فرض الجمعة فيكون مخيّراً في حضور الجمعة وعدمه(2).

هذا علی القول بوجوب الجمعة تعيينياً.

4 - أمّا بناءً علی القول بتردّد أمرها بين الوجوب التعييني والحرمة بعد القطع بعدم الوجوب التخييري، فحيث يكون المقام من قبيل الدوران بين المحذورين وأنّ الجمع بينهما موجب للقطع بالمخالفة القطعيّة يكون مقتضی القاعدة حينئذٍ هو التخيير أيضاً، إلّا أنّ التخييرهنا ابتدائي وفي الثلاثة الاُولی استمراري في طيلة الجمعات.

ففي عدا هذه الموارد بناءً علی مختارنا في المقام والّذي سيأتي ذكره لاحقاً، فإنّ صلاة الجمعة متعيّنةٌ ولا سبيل للتخيير بينها وبين صلاة الظهر.

واُخری:

بما قاله بعض من التّخيير بين الظهر والجمعة جمعاً بين عمومات الظهر والجمعة، أو بين أدلة اشتراط الإمام علیه السلام علی زعمهم أو نائبه، وعمومات الجمعة الّتي مقتضاها الوجوب وأنّه أعم من العيني والتخييري، فننتفي العينية بأدلّة الاشتراط، أو الإجماع المدّعی في كلام بعض علی اشتراط الإمام بمعنی أنّها لا

ص: 177


1- راجع: المسائل الرّابعة والثّامنة والعاشرة من المسائل الآتية تحت عنوان «بعض المسائل الهامّة حول صلاة الجمعة» في هذا الكتاب.
2- راجع: المسألة العاشرة من المسائل الآتية تحت عنوان «بعض المسائل اللازمة حول صلاة العيدين» في هذا الكتاب.

تجب عينية زمن الغيبة، أو بأصل عدم العينيّة، فتعيّن الثاني أي الوجوب التخييري(1).

ففيه: أنّ عمومات الظهر ثابتة إلی زمان تشريع الجمعة الّتي من شرائطها إقامتها جماعةً بالإمام العادل القادر علی إيراد الخطبة، وأنّ ظاهر أدلة الاشتراط ذلك لا الإمام المعصوم علیه السلام أو نائبه علی ما بينّاه عند «الجواب عن استدلال القائل بحرمة صلاة الجمعة في عصر الغيبة بأنّ الظّاهر من كلمة (الإمام) هو الإمام المعصوم علیه السلام أو نائبه»، ولا أقلّ من الشّك وبطلان الاستدلال، زائداً علی ما سيأتي من فتوی كثير من فقهائنا العظام (قدس الله أرواحهم) علی الوجوب التعييني العيني للجمعة زمن الغيبة علی وجه ينتفي الإجماع بشكل يشكف قطعاً عن قول المعصوم علیه السلام الّذي هو ملاكنا في حجيّة الإجماع، فكان الإجماع غير تامّ ثبوتاً وإثباتاً، ويبقی عمومات الجمعة بلا معارض، قال المحدث البحراني رحمه الله في مقام الجواب عن هذا الادّعاء:

وبالجملة فإنّهم (أي القائلين بالإجماع) مصرّحون بأنّ مقتضى الكتاب والسنة هو الوجوب العيني كما عرفت، وإنّما صرفهم عنه الإجماع حيث إنّه أحد الأدلة الشرعية والجمع بينه وبين دليلي الكتاب والسنة يقتضي حمل الوجوب على الوجوب التخييري كما هو المشهور، فيبقى الكلام معهم في هذا الإجماع وحجيته وقد عرفت ممّا حققناه آنفا ما يبطل التمسك به والاعتماد عليه، ونزيده تأكيداً (أوّلاً:) أنّه لا ريب أنّ هؤلاء المتأخرين إنّما تلقوا هذا الإجماع من الشيخ والمرتضى

ص: 178


1- راجع: «مستند الشيعة» ج6/13 - 14 و 53، «الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية» ج1/123.

اللّذين هما أصل الخلاف في هذه المسألة، وقد قدمنا لك ما في دعاويهم الإجماع في غير مقام من المجازفة والمساهلة سيما ما عدّده شيخنا الشهيد الثاني في رسالته الّتي قدمنا ذكرها، وحينئذٍ فهل يثق أحد ممن وقف على ذلك بالركون إلى هذا الإجماع والخروج به عن صريح قول الله عزّ وجل ورسوله صلی الله علیه و آله و سلم الصريحين في الوجوب العيني بمزيد التأكيد والتشديد؟ ما هذه إلّا جرأة تامة على الله ورسوله صلی الله علیه و آله و سلم وأئمته علیهم السلام ، والتستر بأنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد مقبول لا يخفى ما فيه بعد ما عرفت، و(ثانياً:) أنّه مع تسليم قبوله فهو لا يخرج عن أن يكون من قبيل خبر مرسل في الباب وهو ممّا لا يعارض به تلك الأدلّة الصحيحة الصريحة من السنة والكتاب، وتخصيصها به متوقف على كونه في الصحة والصراحة مثلها ليجب الجمع بينه و بينها، وإلّا فهو ممّا يرمي به جزافاً كما هو المقرّر في قواعدهم فإنّهم لا يجمعون بين الدليلين إلّا مع التكافؤ في الصحة والصراحة وإلّا فتراهم يطرحون المرجوح(1).

مضافاً إلی أنّه كلّما ثبت الوجوب ولو بذلك الإجماع المدّعی إذا كان كاشفاً فلا يمكن رفع اليد عنه باحتمال وجود واجب آخر (وهو الظهر في المقام) يكون عدلاً له وبديلاً عنه في عرضه، فالأصل أيضاً هو التعيين لا التخييركما ثبت في الاُصول.

هذا مع أنّه لو شككنا في أنّه هل يشترط في وجوب الجمعة عيناً زمن الغيبة الإذن كما يشترط عند الحضور؟ فبما أنّ الشك في المقام شك في الأجزاء والشرائط فالأصل فيه هو البراءة، إذ لو كان للزم علی الشارع بيانه حذراً من إغراء

ص: 179


1- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج 9/421.

الناس بالجهل، كما أنّه شرط في وجوب الجمعة، عدم كون المصلّي ممّن استثنی عنه الجمعة.

ثم إنّه علی القول بالوجوب التخييري في المقام، ففي أنّه هل هو في عقدها خاصّة بمعنی أنّ للناس الخيار في إنشائها وجمع العدد لها وتعيين إمام لها، فإذا فعلوا ذلك تعيّن على كلّ من اجتمعت له الشرائط حضورها والإتيان بها ويصير الوجوب حينئذٍ عينياً، لا أنّ لآحاد الناس التخيير في حضورها وعدمه بعد اجتماع الإمام والعدد المشترط معه، أو بقائه بعد إقامتها أيضاً؟ قولان: ذهب إلی الأوّل كثير من الفقهاء منهم الشهيد الأوّل رحمه الله في كتاب «نكت الإرشاد» فإنّه بعد ما حكی كلام العلّامة رحمه الله : «وفي استحبابها حال الغيبة وإمكان الاجتماع قولان» قال:

بأنّ الاستحباب إنّما هو في الاجتماع لها في الحالة المذكورة (أي حال الغيبة) لا في إيقاع الجمعة فإنّه مع الاجتماع يجب الإيقاع وتتحقق البدلية عن الظهر(1).

وقد أشار إلی ذلك أيضاً الشّيخ محمد حسن النّجفي رحمه الله فإنّه بعد ما نقل مذهب أبي الصّلاح الحلبي رحمه الله في المقام بأنّه: «يستحب الاجتماع للجمعة في زمن الغيبة»، قال:

نعم ظاهره وجوب السعي بعد انعقادها، فالتخيير حينئذٍ في العقد خاصة كما هو أحد القولين بين أهل التخيير، بل قيل: أنّه أشهرهما(2).

وقال السيّد الخوئي رحمه الله :

ص: 180


1- «غاية المراد في شرح نكت الإرشاد» ج1/163.
2- «جواهر الكلام» ج11/176.

لا دليل على كونها واجبة تعيينية بوجه هذا كلّه في أصل عقدها وإقامتها، وأمّا إذا اُقيمت في الخارج بما لها من الشروط فهل يجب الحضور لها أو لا؟ مقتضى بعض الأخبار المتقدمة هو الوجوب التعييني حينئذٍ، إلّا أنّ القائلين بوجوب الجمعة ومنكريه لما لم يفرّقوا بين إقامتها وحضورها بعد الانعقاد لم يسعنا الحكم بوجوب الحضور لها تعييناً بعد الانعقاد، إلّا أنّه لو لم يكن أقوى فلا أقل من أنّه أحوط، فمقتضى الاحتياط الوجوبي هو الحضور(1).

بقي هنا شيء:

وهو أنّه قد يعبّر عن الجمعة حال الغيبة بكونها مندوباً، ومرادهم بذلك أنّها أفضل الفردين الواجبين علی القول بالتّخيير، أو أنّه يستحب الاجتماع حينئذٍ لإقامتها فهي بعد ما أقامت صارت عينيّة، وليس مرادهم بذلك أنّها مندوبة بالمعنی المتعارف المقابل للواجب، إذ لا معنی لكون فعل مندوب أصالتاً وهو في المقام الجمعة مثلاً بدلاً عن الفعل الواجب أعني الظهر كذلك.

وبعبارة اُخری: لا مانع من كون شيء مستحباً وواجباً تخييراً بالنسبتين كما يقال إنّ الصلوات الخمسة اليومية تستحب إقامتها جماعة في مقابل من أقامها منفرداً مع كونها واجبات في الحالين.

ص: 181


1- «التنقيح في شرح العروة الوثقى» ج 6/40.

الرّأي المختار في حكم صلاة الجمعة.

في الختام نقول: إنّ الّذي يقوی عندنا بمقتضی ما تقدّم وما سيأتي من أدلّة الكتاب والأخبار، هو الوجوب المضيّق العيني للجمعة كما صرّح به أبو الصّلاح الحلبي في (الكافي) والشّيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي في (الوسائل) والسّيّد محمّد العاملي في (المدارك)(1) والمحدّث الكبير العلّامة المجلسي في (البحار)، وغيرهم من أعاظم العلماء (قدس الله أسرارهم)، لاسيّما إذا كانت إمرة المسلمين والحُكومة عليهم بيد الفقيه العادل المبسوط اليد والجامع لشرائط الفتوی، وخصوصاً إذا أقامها هو بنفسه.

وإليك بعض هذه الأقوال:

بعض أقوال الفقهاء الّتي ظاهرة أو صريحة حول كون صلاة الجمعة في عصر الغيبة واجبةً بالوجوب العيني التعييني، أو أنّها كذلك بعد ما إذا اُقيمت في الخارج بما لها من الشرائط:

قال السّيد المرتضی رحمه الله (م 436 ه-) في (جمل العلم والعمل) وفي (رسائل المرتضی) علی نحو الإطلاق من دون أن يذكر حالة الحضور أو الغيبة:

صلاة الجمعة فرضٌ لازمٌ مع حضور الإمام العادل واجتماع خمسة فصاعداً الإمام أحدهم(2).

والظاهر من المحدّث الكليني رحمه الله (م 329 ه-) في الكافي، والشّيخ الصدوق رحمه الله (م 381 ه-) في الفقيه أنّ نظرهما وما أفتيا به في المقام هو الوجوب

ص: 182


1- راجع: «مدارك الأحكام» ج4/21 - 22.
2- راجع: «جمل العلم والعمل» ص 71، «رسائل المرتضی» ج2/41، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج3/184.

العيني التعييني وذلك لما رويا في الكتابين أحاديث علی وجوب الجمعة، وعلی كم تجب، ووجوب حضور من كان علی رأس فرسخين، واشتراط الفصل بين الجمعتين بثلاثة أميال، و...، واقتصرا علی ذلك من دون أن يشترطا في وجوبها الإذن أو اختصاصها بزمن الحضور أو وجود الفقيه، علی وجه يستفاد منه أنّه لو كان نظرهما وما أفتيا به غير ذلك لأشارا إليه، لما صرّح به في أوّل الكافي مخاطباً لمن سأله تصنيفه:

وقلت: إنّك تحبّ أن يكون عندك كتاب كافٍ يجمع من جميع فنون علم الدّين، ما يكتفی به المتعلّم، ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ عنه من يريد علم الدّين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين علیهم السلام (1).

وما حكي عن الصّدوق رحمه الله :

بأنّه لم يقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه، وإنّما يورد فيه ما يفتي به، ويحكم بصحّته، ويعتقد أنه حجّة بينه وبين ربّه(2).

أمّا من المصرّحين بذلك الشّيخ المفيد رحمه الله (م 413 ه-) في (المقنعة) حيث قال:

واعلم أنّ الرواية جاءت عن الصادقين علیهم السلام أنّ الله جلّ جلاله فرض على عباده من الجمعة إلى الجمعة خمساً وثلاثين صلاة، لم يفرض فيها الاجتماع إلّا في صلاة الجمعة خاصة، فقال جلّ من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، وقال الصّادق علیه السلام: «مَنْ تَرَكَ

ص: 183


1- راجع: «خاتمة مستدرك الوسائل» ج3/469.
2- راجع: «خاتمة مستدرك الوسائل» ج4/6.

الْجُمُعَةَ ثَلَاثاً مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ» ففرضها، وفّقك الله الاجتماع على ما قدمناه إلّا أنّه بشريطة حضور إمامٍ مأمونٍ على صفاتٍ، يتقدّم الجماعة ويخطبهم خطبتين، يسقط بهما وبالاجتماع عن المجتمعين من الأربع الركعات ركعتان، وإذا حضر الإمام وجبت الجمعة على سائر المكلفين إلّا من عذره الله تعالى منهم، وإن لم يحضر إمام سقط فرض الاجتماع، وإن حضر إمام يخل شرائطه بشريطة من يتقدم فيصلح به الاجتماع فحكم حضوره حكم عدم الإمام، والشرائط الّتي تجب فيمن يجب معه الاجتماع أن يكون حراً بالغاً طاهراً في ولادته مجنَّباً من الأمراض الجذام والبرص خاصة في جلدته، مسلماً مؤمناً معتقداً للحق بأسره في ديانته، مصلياً للفرض في ساعته، فإذا كان كذلك واجتمع معه أربعة نفر وجب الاجتماع، ومن صلّى خلف إمام بهذه الصفات وجب عليه الإنصات عند قراءته والقنوت في الاُولى من الركعتين في فريضته(1).

وقال رحمه الله في كتابه المسمی ب- «الإشراف في عامّة فرائض أهل الإسلام»:

باب عدد ما يجب به الاجتماع في صلاة الجمعة:

عدد ذلك ثماني عشرة خصلة: الحرية، والبلوغ، والتذكير، وسلامة العقل، وصحة الجسم، والسلامة من العمى، وحضور المصر، والشهادة للنداء، وتخلية السرب، ووجود أربعة نفر بما يأتي ذكره من هذه الصفات، ووجود خامس يؤمّهم له صفات يختص بها على الإيجاب ظاهر الإيمان والعدالة والطهارة في المولد من السفاح والسلامة من ثلاثة أدواء البرص والجذام والمعرة بالحدود المشينة لمن

ص: 184


1- راجع: «المقنعة» ص 162 - 164، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج3/133.

أقيمت عليه في الإسلام والمعرفة بفقه الصلاة والإفصاح بالخطبة والقرآن وإقامة فروض الصلاة في وقتها من غير تقديم ولا تأخير عنه بحال والخطبة بما يصدق فيه من الكلام، فإذا اجتمعت هذه الثماني عشرة خصلة وجب الاجتماع في الظهر يوم الجمعة على ما ذكرناه، وكان فرضها على النصف من فرض الظهر للحاضر في سائر الأيام(1).

وكذا الشّيخ أبو الصّلاح الحلبيّ رحمه الله (م 447 ه- ) في (الكافي) حيث قال:

لا تنعقد الجمعة إلّا بإمام الملّة أو منصوب من قبله أو بمن تتكامل فيه صفات إمام الجماعة عند تعرّض الأمرين، وأذان وإقامة وخطبة في أوّل الوقت مقصورة علی حمد الله والثّناء عليه بما هو أهله، والصّلاة علی محمّد وآله المصطفين، ووعظ وزجر، بشرط حضور أربعة نفر معه، فإذا تكاملت هذه الشّروط انعقدت جمعة وانتقل فرض الظّهر من أربع ركعات إلی ركعتين بعد الخطبة، وتعيّن فرض الحضور علی كلّ رجل بالغ حرّ سليم مخلّی السّرب حاضر بينه وبينها فرسخان فما دونهما، ويسقط فرضها عمّن عداه، فإن حضرها تعيّن عليه فرض المدّخول فيها جمعة(2).

والقاضي أبو الفتح الكراجكي رحمه الله (م 449 ه-) في كتابه المسمّى ب- «تهذيب المسترشدين» حيث قال:

وإذا حضرت العدة الّتي يصح أن تنعقد بحضورها الجماعة يوم الجمعة وكان إمامهم مرضياً متمكناً من إقامة الصلاة في وقتها وإيراد الخطبة على وجهها، وكانوا حاضرين آمنين ذكوراً بالغين،كاملي

ص: 185


1- «الإشراف في عامة فرائض أهل الإسلام» ص 24 - 25.
2- «الكافي في الفقه»: 151، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج3/279.

العقول، أصحّاء، وجبت عليهم فريضة الجمعة، وكان على الإمام أن يخطب بهم خطبتين ويصلّي بهم بعدها ركعتين(1).

والقاضي ابن البرّاج رحمه الله (م 481 ه-) في (المهذّب):

واعلم أنّ فرض الجمعة لايصحّ كونه فريضةً إلّا بشروط متی اجتمعت صحّ كونه فريضة جمعة ووجبت لذلك، ومتی لم تجتمع لم تصحّ ولم يجب كونه كذلك، بل يجب كون هذه الصّلاة ظهراً ويصلّيها المصلّي بنيّة كونها ظهراً، والشّروط الّتي ذكرناها هي...، أن يحضر الإمام العادل أو من نصبه أو من جري مجراه(2).

والشّيخ عماد الدّين حسن بن علي الطبرسي أو الطوسي (حي إلی 698 ه-) في كتاب «نهج العرفان إلى هداية الإيمان» بعد ما نقل الخلاف بين المسلمين في وجوب الجمعة قال:

إنّ الإمامية أكثر إيجاباً للجمعة من الجمهور، ومع ذلك يشنعون عليهم بتركها حيث إنّهم لم يجوزوا الائتمام بالفاسق ومرتكب الكبائر والمخالف في العقيدة الصحيحة(3).

ثم أضاف إليه الشّهيد الثاني رحمه الله بعد ذلك بقوله:

وفيه دليل على أنّ تركهم للجمعة لهذه العلّة، لا لأمر آخر، فلو كانوا يشترطون في وجوبها بل في جوازها مطلقاً إذن الإمام المفقود حال الغيْبة أصلاً أو أكثرياً بالنسبة إلى الموضع الّذي يحضر فيه النائب، بل

ص: 186


1- نقلاً من «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج 4/24 .
2- «المهذّب» ج1/100.
3- نقلاً من «رسائل الشهيد الثاني» ج1/189، «بحارالأنوار» ج86/145، «الحدائق الناضرة فی أحكام العترة الطاهرة» ج9/382، و ....

في زمن حضوره أيضاً لعدم تمكّنه غالباً من نصب الأئمّة لها حينئذٍ أيضاً ولا مباشرتها بنفسه، لما تصوّر العاقل أنّ الإماميّة أكثر إيجاباً لها من العامّة، لأنّ ذلك معلوم البطلان ضرورة، وإنّما يكونون أكثر إيجاباً لها من حيث إنّهم لا يشترطون فيها المصر كما يقوله الحنفي، ولا جوفه، ولا حضور أربعين كما يقوله الشافعي، ويكتفون في إيجابها بإمام يقتدي به أربعة نفر مكلّفين بها، فيظهر بذلك كونهم أكثر إيجاباً من الجمهور، وإنّما منعهم من إقامتها غالباً ما ذكرناه من فسق الأئمّة.

على أنّا قد بيّنا أنّ الأئمة علیهم السلام أنكروا على تركها زيادةً على ما ذكر في الحديثين، وصرّحوا بوجوبها على كلّ أحد كما أشرنا إليه في الأخبار المتقدّمة، وقولُه علیه السلام: «لا يُعْذَرُ الناس فيها»، وقول الباقر علیه السلام: «مَنْ تَرَكَ الجمعةَ ثلاثَ جُمَعٍ مُتواليةٍ طَبَعَ اللهُ على قَلبه»، فأيّ مبالغة ونكير أعظم من هذا؟ وأيّ مناسبة فيه للواجب التخييري؟ لأنّ ترك فرد منه إلى الفرد الآخر جائز إجماعاً لا يجوز ترتّب الذّمّ عليه قطعاً، وأبلغ من ذلك قول النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم في خطبة طويلة حثّ فيها على صلاة الجمعة منها: «إنّ اللهَ تعالى قد فَرَضَ عليكم الجمعةَ فَمَنْ تَركَها في حَياتی أو بعدَ مَوتي استخفافاً بِها أو جُحوداً لَها فلا جَمَعَ اللهُ شَمْلَه ولا بارك له في أمرِه، ألا ولا صَلاةَ له، ألا وَلا زكاةَ له، ألا وَلا حجّ له، ألا وَلا صومَ له، ألا وَلا بِرّ له حتّى يتوبَ»، نقل هذا الخبر المخالف والمؤالف، واختلفوا في ألفاظ تركناها، لا مدخل لها في هذا الباب، وأمثال ذلك عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم والأئمّة علیهم السلام كثيرة دالّة على إيجابها والحثّ عليها، ولو لم يكن في

ص: 187

الباب إلّا الآية الشريفة في سورة الجمعة لكان ذلك كافياً لاُولی الأبصار، شافياً عند ذوي الاعتبار(1).

والشّهيد الأوّل رحمه الله (م 786 ه-) في «الدّروس»:

تجب صلاة الجمعة ركعتين بدلاً من الظّهر بشرط الإمام أو نائبه، وفي الغيبة تجمع الفقهاء مع الأمن وتُجزئ عن الظّهر علی الأصحّ(2).

و قال رحمه الله في «الذّكری»:

وأمّا مع غيبته كهذا الزّمان، ففي انتفائها قولان أصحّهما وبه قال معظم الأصحاب الجواز إذا أمكن الاجتماع والخطبتان، (إلی أن قال:) ولأنّ الفقهاء حال الغيبة يباشرون ما هو أعظم من ذلك بالإذن، كالحكم والإفتاء، فهذا أولی(3).

و قال الشّهيد الثاني رحمه الله (م 966 ه-) في «الرسائل» الّتي ألّفها في أواخر عمره الشريف بأربع سنوات(4) :

ص: 188


1- «رسائل الشهيد الثاني» ج1/189 - 191.
2- «الدّروس» ج1/186 درس 46.
3- «الذكری» ج4/104.
4- كتب رحمه الله في آخر الرسالة : فرغ من تسويدها مؤلّفُها الفقير إلى عفو الله تعالى زين الدين بن عليّ بن أحمدَ الشاميّ العامليّ غُرّة شهر ربيع الأوّل المنتظم فی سلك سنة اثنتين وستّين وتسعمائة هجريّة حامداً مصلّياً مسلّماً مستغفرا. «رسائل الشهيد الثاني» ج 1/248. والعجب من صاحب «الجواهر» رحمه الله واٌستاذه الوحيد البهبهاني رحمه الله (م 1205 ه-) حيث تثاقل عليهما ذهاب الشّهيد الثاني رحمه الله إلی الوجوب العيني التعييني في المقام، ونسبا إليه بأنّه كتبها في صغر سنه. راجع: «جواهر الكلام» ج11/170، «الحاشية علی مدارك الأحكام» ج3/154 - 155.

ثمّ إنّ الأصحاب اتّفقوا علی وجوبها عيناً مع حضور الإمام أو نائبه الخاصّ، وإنّما اختلفوا فيه في حال الغيبة وعدم وجود المأذون له فيها علی الخصوص، فذهب الأكثر حتّی كاد أن يكون إجماعاً أو هو إجماعٌ علی قاعدتهم المشهورة من أنّ المخالف إذا كان معلوم النّسب لا يقدح فيه، إلی وجوبها أيضاً مع اجتماع باقي الشّرائط غير إذن الإمام، وهم بين مطلق للوجوب كما ذكرناه، وبين مصرّح بعدم اعتبار بشرط الإمام أو من نصبه حينئذٍ، وربّما ذهب بعضهم إلی اشتراطها حينئذٍ بحضور الفقيه الّذي هو نائب الإمام علی العموم، وإلّا لم يصحّ، وذهب قومٌ إلی عدم مشروعيّتها أصلاً حال الغيبة مطلقاً، والّذي نعتمده من هذه الأقوال ونختاره وندين الله تعالی به هو المذهب الأوّل ولنا عليه وجوهٌ من الأدلّة(1).

والشّيخ حسين بن عبد الصّمد تلميذ الشّيخ الشّهيد الثاني ووالد الشّيخ البهائي (م 984 ه-)، قال في رسالته المعروفة ب- «العقد الطهماسبي»:

تتمة مهمة وممّا يتحتّم فعله في زماننا صلاة الجمعة إمّا لدفع تشنيع أهل السنة إذ يعتقدون إنّا نخالف الله والرسول صلی الله علیه و آله و سلم وإجماع العلماء في تركها وظاهر الحال معهم، وإمّا بطريق الوجوب الحتمي والإعراض عن الخلاف لضعفه لقيام الأدلّة القاطعة الباهرة على وجوبها من القرآن وأحاديث النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم والأئمة المعصومين علیهم السلام الصحيحة الصريحة الّتي لا تحتمل التأويل بوجه، وكلّها خالية من اشتراط الإمام والمجتهد بحيث إنّه لم تحضرني مسألة من مسائل الفقه عليها أدلّة بقدر أدلّة صلاة الجمعة من كثرتها وصحتها والمبالغة فيها، ولم نقف لمن اشترط

ص: 189


1- «رسائل الشّهيد الثاني (ط ق)»: 51.

المجتهد على دليل ناهض، وكيف مع معارضة القرآن والأحاديث الصّحيحة، ولا قال باشتراطه أحد من العلماء المتقدّمين ولا المتأخّرين ما عدا الشهيد في اللمعة وفي باقي كتبه وافق العلماء ولم يشترطه، نعم تبعه عليه المحقّق الشّيخ علي، ثمّ قال: وملخّص الأقوال ثلاثة: الوجوب الحتمي من غير تعرض للمجتهدين، وهو ظاهر كلام كلّ العلماء المتقدمين وجماعة من المتأخّرين، والثاني: الوجوب التخييري بينها وبين الظهر، وهو مذهب المتأخرين ما عدا سلّار وابن إدريس، وادّعوا عليه الإجماع ولم يشترطوا مجتهداً، والثالث: المنع منها حال الغيبة مطلقاً سواء حضر المجتهد أو لا، وهو مذهب سلّار وابن إدريس، واتفق الكلّ على ضعف دليله وبطلانه، والّذي يصلّي الجمعة يكون قد برأت ذمّته وأدّى الفرض بمقتضى كلام الله ورسوله والأئمة (صلوات الله عليهم) وجميع العلماء، وخلاف سلّار و ابن إدريس والشيخ لا يقدح في الإجماع لما تقرر من قواعدنا أنّ خلاف الثلاثة والأربعة بل والعشرة والعشرين لا يقدح في الإجماع إذا كانوا معلومي النسب وهذا من قواعدنا الاُصولية الإجماعية، والّذي يصلّي الظهر تصحّ صلاته على مذهب هذين الرجلين والمتأخّرين لأنّهم ذهبوا إلى التخيير ولا تصحّ بمقتضى كلام الله ورسوله صلی الله علیه و آله و سلم والأئمة المعصومين علیهم السلام والعلماء المتقّدمين (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، نعم لو أراد أحد تمام الاحتياط للخروج من خلاف هذين الرجلين صلّى الظهر بعدها، وليهيّئ تاركها الجواب لله تعالى لو سأله يوم القيامة لم تركت صلاة الجمعة وقد أمرت بها في كتابي العزيز على أبلغ وجه وأمر بها رسولي الصادق صلی الله علیه و آله و سلم على آكد وجه وأمر بها الأئمة الهادون علیهم السلام وأكدّوا فيها غاية التأكيد ووقع إجماع المسلمين على وجوبها في الجملة؟ فهل يليق من العاقل الرشيد أن يقول تركتها

ص: 190

لأجلخلاف سلّار وابن إدريس؟ ما هذا إلّا عمىً أو تعامى أو تعصّب مضرّ بالدّين، أجارنا الله وإياكم منه وجميع المسلمين(1).

والسيّد محمّد بن علي الموسوي العاملي (م 1009 ه-) بعد ما نقل جملة من الأخبار الدالّة علی وجوب الجمعة مطلقة قال:

فهذه الأخبار الصّحيحة الطرق الواضحة الدلالة على وجوب الجمعة على كلّ مسلم عدا ما استثنی تقتضي الوجوب العيني، إذ لا إشعار فيها بالتخيير بينها وبين فرد آخر، خصوصاً قوله علیه السلام: «مَنْ تَرَكَ الجمعةَ ثلاثَ جُمَعٍ مُتواليات طَبَعَ اللهُ على قَلبه» فإنّه لو جاز تركها إلى بدل لم يحسن هذا الإطلاق، وليس فيها دلالة على اعتبار حضور الإمام علیه السلام ونائبه بوجه، بل الظاهر من قوله علیه السلام: «فَإن كانَ لَهُم مَن يَخطُبُ جَمَعُوا» وقوله: «فَإذَا اجتَمَعَ سَبعَةٌ وَلَم يَخَافُوا أمَّهُم بَعضُهُم وَخَطَبَهُم» خلافه، كما سيجي ء تحقيقه إن شاء اللَّه، قال جدي قدس سره في رسالته الشريفة الّتي وضعها في هذه المسألة بعد أن أورد نحو ما أوردناه من الأخبار ونعم ما قال: فكيف يسع المسلم الّذي يخاف اللَّه تعالى إذا سمع مواقع أمر اللَّه تعالى ورسوله وأئمته علیهم السلام بهذه الفريضة وإيجابها على كلّ مسلم أن يقصّر في أمرها ويهملها إلى غيرها ويتعلل بخلاف بعض العلماء فيها، وأمر اللَّه تعالى ورسوله وخاصّته علیهم السلام أحقّ ومراعاته أولى، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)، ولعمري لقد أصابهم الأمر الأوّل فليرتقبوا الثاني إن لم يعف اللَّه تعالى ويسامح، نسأل اللَّه العفو والرحمة بمنّه وكرمه(2).

ص: 191


1- راجع: «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج 9/388 - 389.
2- راجع: «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج 4/8 - 9.

والفاضل المحقق الشّيخ حسن ابن الشّهيد الثاني المعروف بصاحب المعالم (م 1011 ه- ) قال في رسالته الموسومة «بالاثني عشرية»:

شرط وجوب الجمعة الآن حضور خمسة من المؤمنين فما زاد و يتأكّد في السّبعة، وأن يكون فيهم من يصلح للإمامة و يتمكّن من الخطبة.

وقال ابنه الفاضل في شرح هذه الرسالة مشيراً إلى الأخبار المتقدمة:

وهذه الأخبار كما ترى مطلقة في وجوب الجمعة عيناً والحمل على التخييري موقوف على قيام ما يصلح للدلالة على وجوب الآخر، وإلّا فالدلالة على الفرد المذكور وحده لا يعتريه شوب الارتياب ولا يخفى مفادها على ذوي الألباب، وما ينقل من الإجماع على انتفاء العيني في زمن الغيبة فقد سمعت الكلام في نظيره(1).

وقال الشّيخ فخر الدين الطّريحي النّجفي رحمه الله (م 1085أو 1087 ه-)في شرح رسالة «الاثني عشرية» للشّيخ حسن ابن الشّهيد الثاني المتقدمة:

أمّا في زمن الغيبة كهذا الزّمان الّذي عبّر عنه المصنف بالآن فللعلماء في انعقادها وعدمه أقوال ثلاثة؛ (إلى أن قال:) و(ثالثها:) الوجوب العيني من غير تعرّض للمجتهد وهو ظاهر كلام أكثر المتقدمين كما نقل عنهم، وما ظفرنا فيه شاهد على هذا النقل كعبارة المفيد في المقنعة فإنّها صريحة في عدم اشتراط الإمام أو نائبه في الوجوب العيني وقد نقل ذلك عنه في كتاب الاشراف، (إلی أن قال:) وما ادّعوه من الإجماع غير تامّ فإنّه لو تمّ فإنّما هو بنقل الواحد، وعلى تقدير تسليم حجيته لا يزيد عن الخبر، بل ربما يكون بمنزلة الخبر المرسل فإذا عارض الأخبار رجعنا الى التّرجيح،

ص: 192


1- راجع: «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج 9/389.

ورجحان الأخبار هنا غير خفيّ لصراحتها(1).

والمحقّق السّبزواري رحمه الله (م1090ه-) في «الكفاية»:

وهي ركعتان بدل الظّهر، ووجوبها في الجملة إجماعیّ بين المسلمين؛ إنّما الخلاف في زمان غيبة الإمام علیه السلام، والأقرب وجوبها عيناً بلا اشتراط الفقيه، لكنّ الأحوط أنّه إذا وجد الفقيه في بلد لا يجمع غيره، وكذا الأعلم وأن لا يؤمّ للجمعة غير الفقيه إلّا بإذنه(2).

وقال رحمه الله في رسالة ألّفها في الوجوب العيني في هذه المسألة بعد نقل الأدلّة و البراهين على الوجوب العيني بلا شرط، ما هذا صورته:

وممّا ذكرنا ظهر أنّ الّذي يقتضيه التّحقيق والأدلة القاهرة الظاهرة أنّ صلاة الجمعة في زمن الغيبة واجبة عيناً وانّه لا يعتبر فيها الفقيه، بل يكفي العدل الجامع لشرائط الإمامة، (إلى أن قال:) فلا يليق إهمالها وتعطيلها وهجرها استناداً إلى العلل العليلة والأهواء الردية، ومع ذلك فقد أهمل الناس مثل هذه الفريضة المؤكدة وتركوها وهجروها في بلاد المؤمنين مع انتفاء التقية من قبل المخالفين.

وقال في موضع آخر من هذه الرّسالة أيضاً:

وما كان حقّ هذه الفريضة العظيمة من فرائض الدّين أن يبلغ التهاون بها إلى هذا الحدّ مع أنّ شرائط الوجوب متحققة في أكثر بلاد الإيمان خصوصاً في هذه الأعصار والأزمان، والعجب كلّ العجب من طائفة من المسلمين كيف يقدمون على إنكار هذه الفريضة العظيمة ويشنعون على من فعلها أو قصد الإتيان بها ويبالغون في ذلك أشدّ المبالغة من

ص: 193


1- راجع: «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج 9/389 - 390.
2- «كفاية الأحكام» ج1/101 - 102.

غير أن يكونوا على بينة ويتمسكوا في ذلك بحجة؟ فيا عجبا كيف جرأتهم على الله تعالى ورسوله صلی الله علیه و آله و سلم وإقدامهم على الحقّ وأهله، وسيجمع الله بين الفريقين في موقف واحد هناك ويرفع حجاب كلّ مكتوم، ويعرف الظالم من المظلوم (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)، فإلى الله المشتكى في كلّ حال وعليه التوكل في المبدأ والمآل(1).

ثمّ إنّ هناك كلاماً مبسوطاً حسناً من ملا محسن الفيض الكاشاني رحمه الله (م 1091 ه-) الفقيه المحدّث المفسّر، صاحب كتب المتعددة منها تفسيري «الصافي»و«الأصفی»، و«الوافي» و«المحجة البيضاء» في بدأ كتاب ألّفه في خصوص الوجوب العيني صلاة الجمعة، فإنّه قال:

اعلم أيّدك اللّه بروح منه أنّ وجوب صلاة الجمعة في الجملة أظهر من الشّمس في رابعة النهار، وأنّه ممّا اتفق عليه علماء الإسلام في جميع الأعصار وسائر الأمصار والأقطار، كما صرّح به جمع غفير من الأخيار، وأنّ جميع علماء الإسلام طبقة بعد طبقة قاطعون بأنّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم استمرّ بفعلها على الوجوب العيني طول حياته المقدسّة، وأنّ النّسخ لا يكون بعده صلی الله علیه و آله و سلم، ولم يذهب إلى اشتراط وجوبها بشرط يوجب سقوطها في بعض الأزمان إلّا رجل أو رجلان من متأخري فقهائنا الّذين هم أصحاب الرأي والاجتهاد، دون القدماء الّذين لا يتجاوزون مدلول ألفاظ الكتاب والسنة وأخبار أهل البيت (صلوات اللّه عليهم)، فإنّه لا خلاف بينهم في وجوبها الحتمي وعدم سقوطها أصلاً إلّا للتقية كما لا اختلاف في ألفاظ القرآن والحديث في ذلك، وإنّما وقع في الشّبهة

ص: 194


1- نقلاً من: «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج 9/391.

شرذمة من أصحاب الآراء من المتأخّرين لما رأوا من ترك أجلة الأصحاب لها برهة من الزّمان دون رهبة، فزعموا أنّ لها شرطاً آخر غير ما ثبت بالأخبار الصحيحة، وأنّه قد يوجد وقد لا يوجد، وإلّا لما تركها هؤلاء الأجلّاء وقتاً دون وقت كما قال الشّيخ الشهيد رحمه الله بعد إثبات الوجوب العيني بالبرهان (إلّا أنّ عمل الطائفة على عدم الوجوب العيني في سائر الأعصار والأمصار)، انتهى.

فاتفقت آراؤهم على أنّ ذلك الشرط إنّما هو حضور السّلطان العادل أو من نصبه لذلك، كأنّهم عنوا بالسلطان العادل، كما صرّح به بعضهم الإمام المعصوم علیه السلام فاشترطوا حضوره علیه السلام إذا تيسر كما في بلد إقامته علیه السلام في دولة الحقّ وإذنه علیه السلام لها إذا لم يتيسر الحضور كما في البلاد الاُخری في ذلك الوقت، وذلك لما رأوا أنّ الأئمة كانوا يفعلون في دولتهم محقين كانوا أم مبطلين، ولما رأوا أنّ العامة يستدلون عليه أنّ الاجتماع مظنّة النزاع ومثار الفتن والحكمة موجبة لحسم مادة الاختلاف ولن يستمرّ إلّا مع السلطان، فاستحسنوا هذا الاستدلال منهم كما استحسنوا العمل بالاجتهاد والقول بالرأي منهم، ثمّ زعموا أنّ ذلك كان شرطاً لشرعية هذه الصّلاة، ثمّ اختلف هؤلاء فيما بينهم؛ فمنهم من عمّم هذا الشرط لزمان الظهور والغيبة فحكم بسقوط الصلاة في الغيبة لعدم إمكان الشرط حينئذٍ وهو محمّد بن إدريس صريحاً وسلّار بن عبد العزيز ظاهراً وهما الّلذان كنينا عنهما بالرّجل والرّجلين، وإنّما أتينا بالترديد لاحتمال كلام سلّار التأويل بما يرجع إلى الحقّ، وابن إدريس هذا هو الّذي قال فيه العلّامة والمحقق ما قالا وكدت اذكر نبذة منه لو وجدت له مجالاً، ومنهم من خصّ الشّرط بزمان الظهور وأسقط في زمان الغيبة لامتناعه، ثمّ اختلف هؤلاء فمنهم من جعل الوجوب حينئذٍ حتماً من دون رخصة في تركها فوافق رأيهم مذهب القدماء الأخباريين

ص: 195

وسائر الاُمة، ومنهممن زعم أنّ في تركها (ح) رخصة وأنّ وجوبها (ح) تخييري وأنّها أفضل الفردين الواجبين تخييراً فهي مستحبة عيناً واجبة تخييراً لها في بعض الأوقات كما ذكرنا، والاشتباه وقع لهم من عبارات بعض من تقدّم عليهم ولا سيّما الشّيخ الطوسي رحمه الله كما ستقف عليه إن شاء اللّه تعالى، وكأنّهم عنوا بالتّخيير كما صرّح به بعضهم أنّ للناس الخيار في إنشائها وجمع العدد لها وتعيين إمام لأجلها فإذا فعلوا ذلك وعزموا على فعلها تعيّن على كلّ من اجتمعت له الشرائط الاُخر حضورها ولا يسع أحد التخلّف عنها حينئذٍ إلّا أنّ لآحاد النّاس التخيير في حضورها وعدمه، ومنهم من زعم أنّ الإذن العامّ قائم مقام الإذن الخاصّ في زمان الغيبة فاشترط فيها حضور الفقيه لأنّه نائب الإمام علیه السلام على العموم ومأذون من قبله علیه السلام في إجراء الأحكام، وإليه ذهب واحد أو اثنان من متأخريهم، وكلّ من أصحاب هذه الآراء ادّعى الإجماع على رأيه، مع أنّه لا مستند لإجماعه من كتاب ولا سنة ولا خبر، وليس لرأيه من هذه الدّلائل الثلاثة عين ولا أثر، بل الباعث لهم على هذه الآراء ما ذكرناه كما يظهر من تضاعيف كلماتهم وفحاوی عباراتهم وستسمع شطراً منها.

وأمّا ما استدلّوا به عليها فكأنّهم تعسفوا به بعد استقرار الرأي على أنّ كلام أكثرهم مضطرب غاية الاضطراب، فإنّك تراهم تارة يشترطون السلطان العادل، أو من نصبه لها، أو يستدلون على عدالته بما ينفي اعتبار الجائر ونصبه أصلاً ورأساً، وتارة يقولون لو نصب الجائر عدلاً استحب الاجتماع وانعقدت جمعه كأنّ في إذن السّلطان الجائر مدخلاً في انعقادها.

ومرّة تسمعهم يقولون يسقط الوجوب في زمان الغيبة لفقد الشرط، ومرّة يقولون الفقيه منصوب من قبل الإمام علیه السلام ولهذا يمضي أحكامه ويجب

ص: 196

مساعدته على إقامة الحدود، وتارة يطلقون هذا الشّرط ويدّعون عليهالإجماع، ثمّ يقولون وفي زمان الغيبة قولان؛ أصحّهما الجواز للروايات، والآخر المنع لفقد الشّرط، ومنهم من يقول بعد هذا الاشتراط ودعوى الإجماع عليه، فإن قيل قد رويتم جوازها لأهل القرى والسواد، قلنا ذلك مأذون فيه مرغب فيه فجرى مجرى أن ينصب الإمام من يصلّي، وتارة يفسّرون السّلطان العادل بالإمام المعصوم، وتارة يستدلّون على عدالته بأنّ الفاسق يسرع إلى بواعث طبعه لا إلى مواضع المصلحة كأنّهم يريدون بالعادل ما يقابل الفاسق، ومرّة يدلّ كلامهم على أنّ مرادهم بحضور السّلطان العادل ما يكون على جهة السلطنة والاستيلاء، ومرّة يجعلون الحضور في مقابلة الغيبة فيعمم الحضور حال التقية ايضاً، إلى غير ذلك من التناقض الظاهر والتهافت الباهر، وقد يتقصي عن بعضها من قبلهم بتعسفات ستسمعها إن شاء اللّه تعالى، وربما اجتمع أكثرها في كلام أحدهم بل كتابه الواحد كما سنقف عليه، ولعلك تعجّب من دعواهم الإجماع في هذه المسألة مع هذا الاختلاف الجلي! ويزيدك تعجّباً منع بعضهم بعضاً في هذه الدّعوى مع ادّعائه لنفسه، فهم ينهون عنها ولا ينأون عنها، ولعمري أنّها ليست بعجب منهم لعدم اختصاصها بهذه المسألة بل هي دأب أصحاب الآراء في كثير من المسائل، (لا يقال:) وأنت أيضاً ادّعيت الإجماع على وجوبها وأّنه ممّا اختلف فيه، (لأنّا نقول:) إنّه لا خلاف لأحد في أصل وجوبها، بل الكلّ معترفون به ويدّعون الإجماع عليه بل يعدّونه من ضروريات الدّين، وإنّما اختلفوا في شروطها وكلّ يدّعي الإجماع على ما يدّعي من الشّروط من دون برهان عليه، وسنتلو عليك ما تعلم به أنّ مثل من يدّعي منهم الإجماع في المسائل الخلافية الاجتهادية كمثل العنكبوت، ثم إنّ طائفة من المتفقهة المحدّثين بعد

ص: 197

زمان التقية ممّن لا معرفة له بأحاديث أهل البيت علیهم السلام ولا دراية له فيالتحصيل من الّذين جمدوا على عبارات الفقهاء ولا يعرفون الحقّ إلّا بالرجال، مع أنّهم لا يفهمون كلام الرجال ليعرفوا به الحقّ لقلة بصيرتهم وقصور معرفتهم والتزامهم المشهورات وتهالكهم عليها وإن لم يكن لها أصل وتقليدهم الأعمى للآباء والأسلاف وخروجهم بذلك عن طريق الحقّ والإنصاف كالّذين (قالُوا

إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى اُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) اشتبه عليهم الأمر اشتباهاً عظيماً وتحيروا في فيفاء التقليد ومهمة اتباع السلف حيرة لا محيص لهم عنها إلّا بالإصغاء إلى أمثال هذه الكلمات الّتي نتلوها عليك، ومنهم من لم يشتبه عليه الأمر فيها إلّا أنّه أوقد نار العصبية واستحمل أوزار الحمية لعدواته الحقّ وأهله بغياً وحسداً فأخذ يبالغ في الأفكار ولا يرفع رأساً إلى الاعتبار، وهو الّذي يسمع آيات اللّه ثمّ يصرّ مستكبراً كأن لم يسمعها كأنّ في اُذنيه وقراً وهؤلاء ذرهم في غمرتهم يعمهون ذرهم يخوضوا ويلعبوا حتّى يلاقوا يومهم الّذي يوعدون فلا كلام لنا معهم، وأمّا الّذين اشتبه عليهم الأمر فسنتلوا عليهم الآيات والنّصوص حتّى يتبين لهم أنّ الوجوب العيني هو الحقّ وأنّه غير مشروط بما يوجب سقوطها في بعض الأزمان إلّا التّقية من أهل البغي والعدوان وأنّ اشتراط السلطان ليس عليه سلطان، وأنّ اعتبار النائب والفقيه ليس عليه برهان، وأنّ لا فرق بين أزمنة ظهور الإمام علیه السلام وغيبته منذ شرعت إلى الآن، ولما رأينا أنّ اعتماد أكثر هؤلاء على كلام الفقهاء المجتهدين أكثر منه على كلام اللّه عزّ وجلّ وكلام رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وكلام الأئمة المعصومين (صلوات اللَّه عليهم أجمعين) وكلام القدماء (رضوان اللّه عليهم)، ثم إنّ وقوفهم على قول المجتهد الميت أكثر منه على قول الفقيه الحيّ وإن كان شخصاً واحداً مع أنّ فقهائهم المجتهدين قد وصّوهم على ترك العمل بقولهم بعد

ص: 198

موتهم إلّا أنّهم نسوا حظاً ممّا ذكروا به فلا تزال تطلع علىخائنة منهم إلّا قليلاً منهم ناسب أن نورد في خلال البيان والاستدلال على الوجوب العيني، وبعد ذلك البيان والتبيين من كلمات الفقهاء الماضين ما تقوی به الدلائل والحجج عند هؤلاء تلطفا بهم إلى الاستماع ووصلة بهم إلى الانتفاع، ولما شاهدنا أنّ اعتبارهم للإجماعات المخترعة الّتي هم فيها متشاكسون والأمارات الظنية المبتدعة الّتي هم فيها متخالفون أكثر من اعتبارهم النّصوص الصّريحة والأخبار الصّحيحة ناسب أن نورد من ذينك الأمرين أيضا ما يشفي به عليهم و يروي به غليلهم و لتتظافر الأدلّة الشّرعية المعتبرة عندهم جميعاً على المطلوب ليكون أوقع في نفوسهم، وأطفأ لكؤوسهم، ونبدأ أوّلاً بكلام اللّه تعالى ثمّ نورد كلام رسول اللَّه صلی الله علیه و آله و سلم ثمّ كلام الأئمة المعصومين علیهم السلام ، والأدلّة الشّرعية منحصرة عندنا في هذه الثلاثة، ثمّ ننقل كلام المشتهرين من القدماء والمتأخّرين، ونثبت به الإجماع المعتبر عند القائلين به على الوجوب العيني، ثمّ نأتي بالوجوه العقلية المعتبرة عند أهل الرأي على ذلك، والأدلة الشّرعية منحصرة عندهم في هذه الخمسة، ثمّ نجيب عن شبهة المخالفين مفصّلاً، ثمّ نزيف الإجماعات المنقولة التّي عليها مدار احتجاجاتهم في تحقيق وتشييد البيانات بكلام القوم، ثمّ نختم الرسالة بالأخبار الواردة في الحثّ على صلاة الجمعة وإمحاض النصيحة، وليكن ذلك كلّه في أبواب ثمانية عدد أبواب الجنة، ومن اللّه التأييد في كلّ باب(1).

ص: 199


1- «الشهاب الثاقب في وجوب صلاة الجمعة العينی» ص 8 - 13.

وقال في «الوافي»:

ثمّ لا يخفى دلالة هذه الأخبار المستفيضة على وجوب صلاة الجمعة على كلّ مسلم عدا من استثنی من غير شرط سوى ما ذكر كوجوب سائر الصّلوات اليومية وجوب حتم وتعيين من غير تخيير في تركها ولا توقف على حضور معصوم أو إذن منه علیه السلام، وذلك لأنه ليس في شيء منها ذكر لشيء من ذلك، وأوامر الشّرع إنّما تكون شاملة للأزمان والأشخاص إلّا ما خرج بدليل خاص فما زعمته طائفة من متأخّري أصحابنا من التخيير في هذه الصّلاة في زمن غيبة الإمام علیه السلام أو عدم جواز فعلها حينئذٍ أو عدم جوازه مطلقاً من دون إذن منه فلا وجه له إذ لا دليل عليه من كتاب ولا سنة، فإن قيل: ظاهر خبري حثّ زرارة وعبد الملك عليها يشعر بأنّ الرّجلين كانا متهاونين بها مع أنّهما من أجلّاء الأصحاب ولم يقع من الإمامين علیهما السلام إنكار بليغ بل حثّاهما على فعلها، فدلّ ذلك على أنّ الوجوب ليس بحتم وتعيين بل هو ممّا فيه رخصة في حين قلنا إنّ السّر في تهاون الشّيعة بصلاة الجمعة ما عهد من قاعدة مذهبهم أنّهم لا يقتدون بالمخالف ولا بالفاسق.

والجمعة إنّما كانت تقع في الأغلب من أئمة المخالفين ونوّابهم وخصوصاً في المدن المعتبرة، وكانت الشّيعة لا يتمكنون منها بالاستقلال خوفاً منهم ومن ملئهم أن يفتنهم فكانوا يصلّون في بيوتهم أربعاً ثم يحضرون جمعتهم ويجعلونها نافلة أو يقرؤون لأنفسهم سرّاً ويزيدون على الركعتين اُخريين خفية وخيفة، وزرارة وعبد الملك كانا بالكوفة وهي أشهر مدن الإسلام ذلك الوقت، وكان إمام الجمعة فيها مخالفاً منصوباً من أئمة الضلال فكانا متهاونين بها لهذا الوجه .

ولمّا كانت الجمعة من أعظم فرائض اللَّه تعالى وأجلّها ما رضی الإمامان علیهما السلام لهما بتركها مطلقاً حثّاهما على فعلها سرّاً مهما تيّسر،

ص: 200

وهذابعينه هو السبب في تهاون أصحابنا لهذه الفريضة في زمن الغيبة حتّى آل الحال إلى تركها رأساً في أكثر الأوقات ومعظم الأصقاع مع إمكان إقامتها على وجهها، وهذا هو السبب الأصلي في وقوع متأخّري أصحابنا في شبهة التّخيير وهو الباعث الأقوى على إحداث هذا القول في هذه المسألة، وأنت خبير بأنّ التخيير فيها ليس إلّا كالتخيير للشّيعة بين مسح الرّجلين في الوضوء سرّاً وبين غسلهما فيه جهراً في بلاد المخالفين فإنّهم قد يأتون فيها بذا وقد يأتون بذا وأمّا في بلادهم وحيث يأمنون فلا يسع لهم إلّا المسح، فكذلك في صلاة الجمعة وقد بسطنا الكلام في هذه المسألة في كتابنا الموسوم ب- «الشهاب الثاقب» من أراده فليرجع إليه(1).

وقد صنّف المولی محمّد مقيم اليزدي رحمه الله (م 1084 ه-)كتاب «الحجّة في وجوب صلاة الجمعة في زمن الغيبة»، وقد أقام الجمعة والجماعة في المسجد الجامع في مدينة (يزد) أربعين سنةً، وهو أوّل من أقام الجمعة في هذه المدينة وكان رأيه الوجوب التعييني(2).

وقد حكی المحدث البحراني رحمه الله في «حدائقه» عن الفقيه المحدث محمّد تقي المشهور بالمجلسي الأوّل رحمه الله (م1070 ه-) والد صاحب «البحار» في رسالة مبسوطة الّتي ألّفها في تحقيق مسألة الجمعة وإثبات الوجوب العيني لها من غير اشتراط حضور المعصوم، وأنّه قد أبلغ الكلام فيها غايته وجاوز نهايته

ص: 201


1- «الوافي» ج 8/1127 - 1128.
2- «الحجة في وجوب صلاة الجمعة في زمن الغيبة» ترجمة المصنِّف بقلم السيّد جواد المدرسي: 50.

بنقل آيات باهرة وأخبار كثيرة ظاهرة وذكر وجوه دلالتها متعاضدة متكاثرة، بأنّه قال:

فصار مجموع الأخبار مائتي حديث، فالّذي يدلّ على الوجوب بصريحه من الصّحاح والحسان والموثقات وغيرها أربعون حديثاً، والّذي يدلّ بظاهره على الوجوب خمسون حديثاً، والّذي يدلّ على المشروعية في الجملة أعم من أن يكون عينياً أو تخييرياً تسعون حديثاً، والّذي يدلّ بعمومه على وجوب الجمعة وفضلها عشرون حديثاً ثمّ الّذي يدلّ بصريحه على وجوب الجمعة إلى يوم القيامة حديثان، والّذي يدلّ على عدم اشتراط الإذن بظاهره ستة عشر حديثاً بل أكثرها كذلك كما مرّت الإشارة إليه في تضاعيف الفصول، وأكثرها أيضاً يدلّ على الوجوب العيني كما اُشير إليه، فظهر من هذه الأخبار المتواترة الواضحة الدلالة الّتي لا يشوبها شك ولا يحوم حولها شبهة من طرف سيّد الأنبياء والمرسلين والأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) أنّ صلاة الجمعة واجبة على كلّ مسلم عدا ما استثني.

وليس في هذه الأخبار مع كثرتها تعرّض لشرط الإمام ولا من نصبه ولا لاعتبار حضوره في إيجاب هذه الفريضة العظيمة، فكيف يليق بالمؤمن الّذي يخاف الله إذا سمع مواقع أمر الله ورسوله والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) وإيجابها على كلّ مسلم وعلى كلّ مؤمن وعلى كلّ عاقل أن يقصر في أمرها ويتعلّل بخلاف سلّار وابن إدريس فيها مع اتّفاق كافّة العلماء على وجوبها؟ وأمر الله تعالى ورسوله وأئمته

ص: 202

(صلوات الله عليهم أجمعين) أحقّ ومراعاته أولى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)، انتهى(1).

وقال في«روضة المتقين» بعد ما نقل الأخبار الدالّة علی وجوب الجمعة علی أهل القری والسواد:

ويدلّ هذه الأخبار وما في معناها على الوجوب العيني مع وجود من يخطب مع عدم الخوف وأنّ الأصل الجمعة لا الظهر(2).

وقد تقدّم صريح كلام العلّامة المجلسي رحمه الله (م 1110ه-) في المقام، حيث قال:

الّذي يترجَّح عندي منها الوجوب المضَيَّق العيني في جميع الأزمان وعدم اشتراط الإمام أو نائبه الخاصّ أو العامّ، بل يكفي العدالة المعتبرة في الجماعة والعلم بمسائل الصلاة إمّا اجتهاداً أو تقليداً أعمّ من الاجتهاد والتّقليد المصطَلَح بين الفقهاء، أو العالم والمتعلّم على اصطلاح المحدّثين، نعم يظهر من الأخبار زائداً على إمام الجماعة، القدرة على إيراد الخطبة البليغة المناسبة للمقام بحسب أحوال النّاس والأمكنة والأزمنة والأعوام والشّهور والأيام والعلم بآدابها وشرائطها(3).

وكذا الشّيخ الحرّ العاملي رحمه الله (م 1104 ه-) حيث قال:

ويدلّ علی ذلك - أي وجوب إمامة واحد من المسلمين الحاضرين وإن لم يكن بمعصوم - جميع ما دلّ علی الوجوب من القرآن والأحاديث المتواترة الدالّة بعمومها وإطلاقها مع عدم قيام دليل صالح

ص: 203


1- راجع: «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج9/390.
2- «روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه» ج 2/582.
3- «بحار الأنوار» ج86/146 - 147.

لإثبات الاشتراط، وما تضمّن لفظ الإمام من أحاديث الجمعة المراد به إمام الجماعة مع قيد زائدٍ وهو كونه يحسن الخطبتين ويتمكن منهما لعدم الخوف، وهو أعمّ من المعصوم كما صرّح به علماء اللغة وغيرهم، وكما يفهم من إطلاقه في مقام الاقتداء، والقرائن علی ذلك كثيرة جدّاً، والتصريحات بما يدفع الاشتراط أيضاً كثيرة، وإطلاق لفظ الإمام هنا كإطلاقه في أحاديث الجماعة، وصلاة الجنازة، والاستسقاء، والآيات وغير ذلك من أماكن الاقتداء في الصلاة، وإنّما المراد به هنا اشتراط الجماعة مع ما ذكر(1).

وقال الفقيه المحدث البحراني رحمه الله (1186 ه-) صاحب «الحدائق»:

أقول: فلينظر العاقل المنصف إلى ما دلّت عليه هذه الأخبار من الدّلالة الصريحة الواضحة على وجوب هذه الفريضة المعظمة وجوباً عينياً من غير ما زعموه من الشّرائط الّتي تمحّلوها بمجرّد آرائهم وعقولهم، وهل ورد في مسألة من مسائل الفقه المسلمة بينهم مثل ما ورد في هذه المسألة من الأخبار؟ ولا معارض لها إلّا ما يدعونه ويصولون به من الإجماع على نفى الوجوب العيني زمن الغيبة، وقد عرفت آنفاً ما فيه ممّا أوضح فساد باطنه وخافية، وقصاراه مع تسليمه أنّه في قوة خبر مرسل ومن المقرّر في كلامهم والمتفق عليه من قواعدهم أنّهم لا يجمعون بين الأدلّة إلّا مع التكافؤ في الصّحة، وهل يبلغ هذا الإجماع على تقدير ما ذكرنا إلى مقاومة خبر من هذه الأخبار فضلاً عنها كلّها حتّى أنّه يجب تخصيصها به؟ ما هذا إلّا قلّة تأمل وإنصاف بل عدم صيانة وعفاف وجرأة تامّة على ترك هذه الفريضة الجليلة نعوذ بالله من

ص: 204


1- راجع: «وسائل الشيعة» ج7/310 - 311.

زيغ الأفهام وطغيان الأحلام وزلل أقدام الأقلام في أحكام الملك العلّام(1).

وقال الشّيخ مرتضی الحائري رحمه الله (م 1406ه-) في كتابه المسمی ب- «صلاة الجمعة» بعد أن حكی الأقوال السبعة في حكم صلاة الجمعة في عصر الغيبة:

إذا عرفت ذلك فنقول ومنه التوفيق وعليه التّكلان: لعلّ الأوفق بما وصل إلينا من الدليل هو الوجوب التعييني(2).

ومن القائلين بوجوب التعييني للجمعة أيضاً الحكيم البارع والفقيه المعاصر الحاج آقا رحيم الأرباب رحمه الله (1297 - 1396 ه-) من علماء مدينة اصبهان(3).

وقد تقدّم كلام السيّد الخوئي رحمه الله (1317 - 1413 ه-) من أنّه لا وجه للقول بوجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة تعييناً، ولا للقول بعدم مشروعيّتها، بل حكمها الوجوب التخييري إلّا أنّه إذا اُقيمت في الخارج بما لها من الشروط، فمقتضی بعض الأخبار هو وجوبها تعييناً حينئذٍ، وهو لو لم يكن أقوی فلا أقلّ من أنّه أحوط، فمقتضی الاحتياط الوجوبي هو الحضور، حيث قال:

حكم حضور صلاة الجمعة عند إقامتها في الخارج:

هل يجب الحضور لصلاة الجمعة فيما إذا اُقيمت في الخارج؟ وأمّا إذا أُقيمت في الخارج بما لها من الشّروط، فهل يجب الحضور لها أو لا؟ مقتضى بعض الأخبار المتقدّمة هو الوجوب التعييني حينئذٍ، إلّا أنّ القائلين بوجوب الجمعة ومنكريه لما لم يفرّقوا بين إقامتها وحضورها

ص: 205


1- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج 9/415.
2- «صلاة الجمعة الحائري» ص 123.
3- راجع: «نماز جمعه يا قيام توحيدی هفته» ص 16 مقدمه، للسيّد محمّد جواد الموسوي الغروي.

بعد الانعقاد لم يسعنا الحكم بوجوب الحضور لها تعييناً بعد الانعقاد، إلّا أنّه لو لم يكن أقوى فلا أقلّ من أنّه أحوط، فمقتضى الاحتياط الوجوبي هو الحضور(1).

وقريب منه ما قاله شيخنا الاُستاذ مكارم الشيرازي (دام ظله):

صلاة الجمعة ركعتان وهي تنوب صلاة الظهر يوم الجمعة، وهي واجبة عيناً في زمان حضور النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم والإمام المعصوم علیه السلام ونائبه الخاص، وأمّا في زمن الغيبة الكبرى فهي واجبة تخييراً، يعني أنّ الإنسان مخيّر بين صلاة الجمعة وصلاة الظهر، ولكن الأحوط أن لا تترك في زمن الحكومة الإسلامية العادلة(2).

ثمّ إنّ العامّة أيضاً اتفقوا علی وجوبها عيناً وإليك بعض أقوالهم:

قال ابن رشد القرطبي (م 595 ه-) في «بداية المجتهد ونهاية المقتصد»:

وأمّا وجوب صلاة الجمعة علی الأعيان فهو الّذي عليه الجمهور لكونها بدلاً من واجب وهو الظهر، ولظاهر قوله تعالی: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) والأمر علی الوجوب، ولقوله (عليه الصلاة والسلام): «لينتهينّ أقوامٌ عن وَدعِهِمُ الجمعات، أو ليختمنّ اللهُ علی قلوبهم»، وذهب قومٌ إلی أنّها من فروض الكفايات، وعن مالك روايةٌ شاذّةٌ أنّها سنّةٌ، والسبب في هذا الاختلاف تشبيهها بصلاة العيد لقوله (عليه الصلاة والسلام): «إنّ هذا يومٌ جعلهُ اللهُ عيداً»(3).

ص: 206


1- «التنقيح في شرح العروة» ج6/40.
2- راجع: «رسالة توضيح المسائل» المسألة الرقم 671.
3- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج1/442 - 444.

وقال ابن قدامة الحنبلي (م 630 ه-) في «المغني»:

الأصل في فرض الجمعة الكتاب والسنة والإجماع، أمّا الكتاب فقوله تعالی: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) فأمر بالسعي، ويقتضي الأمر الوجوب، ولا يجب السّعي إلّا إلی الواجب، ونهی عن البيع لئلّا يشتغل به عنها، فلو لم تكن واجبة لما نهی عن البيع من أجلها، والمراد بالسّعي هاهنا: الذّهاب إليها لا الإسراع، فإنّ السّعي في كتاب الله لم يرد به العدو، قال الله تعالی: (وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى) وقال: (وَسَعى

لَها سَعْيَها) وقال: (سَعى في الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فيها) وقال: (وَيَسْعَوْنَ في الْأَرْضِ فَساداً) وأشباه هذا لم يرد بشيء من العدو، وقد روی عن عمر أنّه كان يقرؤها (فامضوا إلی ذكر الله). وأمّا السنة: فقول النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «لينتهينّ أقوامٌ عن وَدعِهِمُ الجمعات، أو ليختمنّ اللهُ علی قلوبهم ثمّ ليكوننّ من الغافلين» متفق عليه، وعن أبي الجعد الضمري أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال: «من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله علی قلبه»، وقال علیه السلام: «الجمعة حقٌ واجبٌ علی كلّ مسلم إلّا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض» رواهما أبو داود، وعن جابر قال: خطبنا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فقال: «واعلموا أنّ الله تعالی قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا، في يومي هذا، في شهري هذا، من عامي هذا، فمن تركها في حياتي أو بعد مماتي وله إمام عادل أو جائر استخفافاً بها وجحوداً لها، فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره، ألا ولا صلاة له، ألا ولا زكاة له، ألا ولا حجّ له، ألا ولا صوم

ص: 207

له، ولا برّ له حتّی يتوب، فإنتاب تاب الله عليه»، رواه ابن ماجه وأجمع المسلمون علی وجوب الجمعة(1).

قال عبد الرحمن الجزيري (م 1360 ه-) في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

صلاة الجمعة فرض على كلّ من استكملت فيه الشّروط الآتي بيانها، وهي ركعتان لما روی عن عمر رضی الله عنه أنّه قال: «صلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلّى اللّه عليه وسلّم»، رواه أحمد والنسائي، وابن ماجة بإسناد حسن، وهي فرض عين على كلّ مكلف قادر مستكمل لشروطها، وليست بدلاً عن الظّهر، فإذا لم يدركها فرض عليه صلاة الظّهر أربع ركعات، وقد ثبتت فرضيتها بالكتاب والسنة والإجماع، أمّا الكتاب فقد قال اللّه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ)، وأمّا السّنة فمنها قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: «لقد هممت أن آمر رجلاً يصلّي بالناس، ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم» رواه مسلم، وقد انعقد الإجماع على أنّ الجمعة فرض عين(2).

ص: 208


1- «المغني لابن قدامة» ج2/295.
2- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/375.

أدلّة الرّأي المختار من آيات وأخبار.

تقدّم آنفاً صورة المسألة علی ما ورد في كلام الفقهاء والعلماء (قدس الله أسرارهم)، وإليك بعض الآيات والرّوايات الواردة في المقام الّتي يمكن أن نستفيد منها الوجوب التعييني للجمعة:

1 - قوله تبارك وتعالی: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا في الْأَرْضِ وابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَو لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْو ومِنَ التِّجارَةِ واللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)(1).

تقريب الاستدلال أنّ الله تبارك وتعالی قد أمر فيها بالسعي إلی ذكر الله وهو صلاة الجمعة، بدلالة قوله عزّ وجلّ قبل ذلك وبعده: (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ) و(فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ)، والأمر يقتضي الوجوب وإطلاقة يقتضی كونه تعيينيّاً.

قال العلّامة المجلسي رحمه الله في تفسير هذه الآيات الكريمة:

لا ريب في نزول هذه السّورة وتلك الآيات في صلاة الجمعة، وأجمع مفسّروا الخاصّة والعامّة عليه بمعنى تواتر ذلك عندهم، والشك فيه كالشك في نزول آية الظهار في الظهار وغيرها من الآيات والسّور الّتي مورد نزولها متواتر معلوم، ومدار علماء الخاصّة والعامّة في الاستدلال على أحكام الجمعة على هذه الآية، وخصّ الخطاب بالمؤمنين تشريفاً لهم وتعظيماً ولأنّهم المنتفعون به، وإيذاناً بأنّ مقتضى الإيمان العمل بفرائض الله تعالى وعدم الاستهانة بها وأنّ تاركها كأنّه غير مؤمن، وفسّر

ص: 209


1- «الجمعة»: 9 - 11/ 554.

الأكثر النّداء بالأذان، قال في مجمع البيان: أي إذا أذّن لصلاة الجمعة وذلك إذا جلس الإمام على المنبر يوم الجمعة وذلك لأنّه لم يكن على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم نداءٌ سواه ونحو ذلك، قال في الكشاف: والظّاهر أنّ المراد حضور وقت النّداء كما أنّ في قوله: (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاة) المراد إرادة القيام، ولما كان النداء شائعاً في ذلك الوقت عبّر عنه به، وفيه الحثّ على الأذان لتأكُّد استحبابه لهذه الصّلاة حتّى ذهب بعضهم إلى الوجوب(1).

وقال المحدث البحراني رحمه الله بعد ما استدلّ بها علی وجوب الجمعة:

والتقريب فيها اتفاق المفسرين على أنّ المراد بالذكر في الآية صلاة الجمعة أو خطبتها أو هما معاً، نقل ذلك غير واحد من العلماء، والأمر للوجوب على ما تحقق في الاُصول...، ومن المعلوم بين الخاصّة والعامّة أنّ هذه الآية إنّما نزلت في الأمر بها والحثّ عليها منه تعالى، والرّادّ لدلالة الآية رادّ عليه تعالى وعلى رسوله صلی الله علیه و آله و سلم كما لا يخفى(2).

2 - وقوله تبارك وتعالی: (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتينَ)(3).

روی في معاني الأخبار صحيحاً في تفسير الصّلاة الوسطی عن أبي بَصِيرٍ يَعْني الْمُرَادِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «صَلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الظُّهْرِ وهي أَوَّلُ صَلَاةٍ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صلی الله علیه و آله و سلم »(4).

ص: 210


1- «بحارالأنوار» ج86/124.
2- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج 9/398 و 407.
3- «البقرة»: 238/39.
4- «معاني الأخبار» ص 331 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج4/22 الحديث 4408.

وروی الفضل بن الحسن الطبرسي رحمه الله في «مجمع البيان» مرفوعاً عَنْ عَلِيٍّ علیه السلام: «أَنَّهَا (الصَّلاة الْوُسْطى) الْجُمُعَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالظُّهْرُ في سَائِرِ الْأَيَّامِ»(1).

وتقريب الاستدلال أنّه تبارك وتعالی أمر بالمحافظة علی الصّلوات عموماً وعلی الوسطی بالخصوص، والصّلاة الوسطی كما مرّ قد فسّرت بالظّهر في غير يوم الجمعة، وبالجمعة فيها، والمحافظة تقتضي تأكيد الوجوب.

3 - صحِيحة مَنْصُورٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام في حَدِيثٍ قَالَ: «الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ لَا يُعْذَرُ النَّاسُ فِيهَا إلّا خَمْسَةٌ: الْمَرْأَةُ، والْمَمْلُوكُ، والْمُسَافِرُ، والْمَرِيضُ، والصَّبِيُّ»(2).

4 - صَحِيحَةُ أبي بَصِيرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَا: سَمِعْنَا أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ علیه السلام يَقُولُ: «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثاً مُتَوَالِيَاتٍ بِغَيْرِ عِلَّةٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِه»(3).

5 - صحيحة زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ علیه السلام قَالَ: «صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَرِيضَةٌ وَالِاجْتِمَاعُ إِلَيْهَا فَرِيضَةٌ مَعَ الْإِمَامِ، فَإِنْ تَرَكَ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ ثَلَاثَ جُمَعٍ فَقَدْ تَرَكَ ثَلَاثَ فَرَائِضَ، وَلَا يَدَعُ ثَلَاثَ فَرَائِضَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ إلّا مُنَافِقٌ»(4).

ص: 211


1- «مجمع البيان» ج2/599، «وسائل الشيعة» ج4/23 الحديث 4410.
2- «التهذيب» ج3/239 الحديث 636، «الاستبصار» ج1/419 الحديث 1610، «وسائل الشيعة» ج7/300 الحديث 9397.
3- «وسائل الشّيعة» ج7/298 الحديث 9392. وقريب منها ما رواه عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم في «كنز العمال» ج7/728 الخبر 21123.
4- «أمالي الصدوق» ص 392 الحديث 13، «وسائل الشيعة» ج7/297 الحديث 9389.

6 - قال المجلسي رحمه الله في «البحار»: وَجَدْتُ في أَصْلٍ قَدِيمٍ مِنْ اُصول أَصْحَابِنَا مَرْفُوعاً عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام قَالَ: «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثاً مُتَتَابِعَةً لِغَيْرِ عِلَّةٍ كُتِبَ مُنَافِقاً»(1).

لا يخفی أنّ ترك الجمعة ولو مرّة واحدة من غير عذر حرام كترك سائر الواجبات، إلّا أنّه في ترك الجمعة نوع غلظة وشدّة لا تكون في غيرها من الواجبات بحيث لو بلغ عددها إلی ثلاثة جمع متواليات، فزائداً علی ذنبه هذا، يطبع الله علی قلبه أيضاً بخاتم النفاق كما صرّح به في صحيحة أبي بصير ومحمّد بن مسلم وغيرها، الّذي هو أشدّ أنواع الضلالة والجهالة لما قال الله تبارك وتعالی: (إِنَّ الْمُنافِقينَ في الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصيراً)(2)، بما لا يقال في حقّ الكافرين.

7- صَحِيحَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْهَا عَلَى فَرْسَخَيْنِ»(3) .

8- صَحِيحَةُ زُرَارَةَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «تَجِبُ

الْجُمُعَةُ عَلَى سَبْعَةِ نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا جُمُعَةَ لِأَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدُهُمُ الْإِمَامُ فَإِذَا اجْتَمَعَ سَبْعَةٌ وَلَمْ يَخَافُوا أَمَّهُمْ بَعْضُهُمْ وَخَطَبَهُمْ»(4).

9 - صحيحة زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ علیه السلام قَالَ: «إِنَّمَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى النَّاسِ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ خَمْساً وَثَلَاثِينَ صَلَاةً، مِنْهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ

ص: 212


1- ( [1]) «مستدرك الوسائل» ج6/9 الحديث 6291.
2- «النساء» : 145/101.
3- «وسائل الشيعة» ج7/308 الحديث 9428.
4- «وسائل الشيعة» ج7/310 الحديث 9436.

فَرَضَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ في جَمَاعَةٍ وهي الْجُمُعَةُ، وَوَضَعَهَا عَنْ تِسْعَةٍ: عَنِ الصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ، وَالْمَجْنُونِ، وَالْمُسَافِرِ، وَالْعَبْدِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالْمَرِيضِ، وَالْأَعْمَى، وَمَنْ كَانَ عَلَى رَأْسِ فَرْسَخَيْن»(1).

10 - مَرفُوعَةُ مُحَمَّدِ بْن مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ الْمُفِيد في الْمُقْنِعَةِ قَالَ: إِنَّ الرِّوَايَةَ جَاءَتْ عَنِ الصَّادِقِينَ علیهم السلام : «إِنَّ اللَّهَ جَلَّ جَلَالُهُ فَرَضَ عَلَى عِبَادِهِ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ خَمْساً وثَلَاثِينَ صَلَاةً لَمْ يَفْرِضْ فِيهَا الِاجْتِمَاعَ إلّا في صَلَاةِ الْجُمُعَةِ خَاصَّةً، فَقَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)»(2) .

بتقريب أنّه كما لا شك في أنّ الوجوب في الأربعة والثلاثين منها وجوب تعييني فكذلك في الخامس والثلاثين، كما صرّح به صاحب حيث قال:

لا يخفى أنّ غير الجمعة من هذه الفرائض المشار إليها ممّا لا خلاف ولا إشكال في وجوبها عيناً من غير شرط زائد على ما قرّر في الصّلوات اليومية، ونظم الجمعة فيها وعدّها معها أظهر ظاهر في أنّها مثلها في الوجوب العيني مع استكمال ما دلّت عليه الأخبار واتفقت عليه علماؤنا الأبرار من الشّرائط فيها، وادّعاء الوجوب التخييري على بعض الوجوه موجب لتهافت الكلام واختلاف حكم الفرائض بغير مائز، وأيضاً لو كان وجوبها تخييرياً على بعض الوجوه لاستثنی ذلك الوجه كما استثنى المملوك والمسافر وغيرهما، فإنّ استثناء هؤلاء إنّما هو من

ص: 213


1- «من لا يحضره الفقيه» ج1/266 الحديث 1217، «وسائل الشيعة» ج7/295 الحديث 9382.
2- «وسائل الشيعة» ج7/300 الحديث 9400.

الوجوب العيني لا مطلق الوجوب لوجوبها عليهم لو حضروا وإنّما لهم الخيرة في الحضور كما تقرر عندهم، فالوجوب التخييري ثابت لهم فلا وجه لاستثنائهم دون شركائهم(1).

11 - صحيحة فُضَيْل بْنِ يَسَارٍ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «إِنَّ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَشْيَاءَ مُوَسَّعَةً وأَشْيَاءَ مُضَيَّقَةً، فَالصَّلَاةُ مِمَّا وُسِّعَ فِيهِ تُقَدَّمُ مَرَّةً وتُؤَخَّرُ اُخری، والْجُمُعَةُ مِمَّا ضُيِّقَ فِيهَا، فَإِنَّ وَقْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَاعَةُ تَزُولُ ووَقْتَ الْعَصْرِ فِيهَا وَقْتُ الظُّهْرِ في غَيْرِهَا»(2).

12 - صَحِيحَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَيَابَةَ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «إِنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَ الْمُحْبَسِينَ في الدَّيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَيَوْمَ الْعِيدِ إِلَى الْعِيدِ، وَيُرْسِلَ مَعَهُمْ فَإِذَا قَضَوُا الصَّلَاةَ وَالْعِيدَ رَدَّهُمْ إِلَى السِّجْنِ»(3).

13 - مُوَثَّقَةُ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْتَعْمِلَنَّ أَجِيراً حَتَّى يُعْلِمَهُ مَا أَجْرُهُ، وَمَنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيراً ثُمَّ حَبَسَهُ عَنِ الْجُمُعَةِ يَبُوءُ بِإِثْمِهِ، وَإِنْ هُوَ لَمْ يَحْبِسْهُ اشْتَرَكَا في الْأَجْرِ»(4).

14 - المرفوعة المرويَّةِ عَنِ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْجُمُعَةَ فَرِيضَةً وَاجِبَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»(5).

ص: 214


1- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج 9/408.
2- «الكافي» ج3/274 الحديث 2، «وسائل الشيعة» ج7/315 الحديث 9449.
3- «وسائل الشيعة» ج7/340 الحديث 9523.
4- «الكافي» ج5/289 الحديث 4.
5- «المعتبر في شرح المختصر» ج2/277، «وسائل الشيعة» ج7/301 الحديث 9403.

15 - مَرفُوعَةُ الشَّهِيدِ الثاني رحمه الله في رِسَالَةِ الْجُمُعَةِ قَالَ: قَالَ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إلّا أَرْبَعَةً : عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ»(1).

16 - مَرفُوعَةُ اُخری عن الشَّهِيدِ الثاني رحمه الله أيضاً في رِسَالَةِ الْجُمُعَةِ قَالَ: قَالَ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ(2) الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيُخْتَمَنَّ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ»(3).

17 - مرفوعة الصّدوق رحمه الله عن الباقر علیه السلام قال: «مَنْ تَرَكَ الْجَمَاعَةَ رَغْبَةً عَنْهَا وَعَنْ جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ فَلَا صَلَاةَ لَهُ»(4).

18 - المَرفُوعَةُ المَروِيَّةُ عَنِ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم في خُطْبَةٍ طَوِيلَةٍ نَقَلَهَا الْمُخَالِفُ وَالْمُؤَالِفُ وهی: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْجُمُعَةَ، فَمَنْ تَرَكَهَا في حَيَاتِي أَوْ بَعْدَ مَوْتِي اسْتِخْفَافاً بِهَا أَوْ جُحُوداً لَهَا فَلَا جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ، وَلَا بَارَكَ لَهُ في أَمْرِهِ، ألا وَلَا صَلَاةَ لَهُ، ألا وَلَا زَكَاةَ لَهُ، ألا وَلَا حَجَّ لَهُ، ألا وَلَا صَوْمَ لَهُ، ألا وَلَا بِرَّ لَهُ حَتَّى يَتُوبَ»(5).

ص: 215


1- «وسائل الشّيعة» ج7/301 الحديث 9405.
2- الودع: الترك. راجع: «مجمع البحرين» ج4/400.
3- «وسائل الشّيعة» ج7/302 الحديث 9408. والظاهر أنّه علیه السلام أشار فيها إلی قوله تبارك وتعالی: (اُولئِكَ الَّذينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَاُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ)، «النحل»: 108/279.
4- «عقاب الأعمال»: 277 الحديث 4، «وسائل الشيعة» ج7/299 الحديث 9394.
5- «وسائل الشيعة» ج7/302 الحديث 9409، وقريب منها ما رواها في «كنز العمال» ج7/721 الخبر 21091.

19 - خبر حَفْصِ بْن غِيَاثٍ حَيثُ قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ مَوَالِيهِمْ سَأَلَ ابْنَ أبي لَيْلَى عَنِ الْجُمُعَةِ هَلْ تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ والْعَبْدِ والْمُسَافِرِ؟ فَقَالَ: لَا، قَالَ: فَإِنْحَضَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمُ الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ فَصَلَّاهَا، هَلْ تُجْزِيهِ تِلْكَ الصَّلَاةُ عَنْ ظُهْرِ يَوْمِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وكَيْفَ يُجْزَی مَا لَمْ يَفْرِضْهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَمَّا فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ؟ إِلَى أَنْ قَالَ: فَمَا كَانَ عِنْدَ ابْنِ أبي لَيْلَى فِيهَا جَوَابٌ، وطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُفَسِّرَهَا لَهُ فَأَبَى ثُمَّ سَأَلْتُهُ أَنَا عَنْ ذَلِكَ فَفَسَّرَهَا لِي، فَقَالَ: الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ فَرَضَ عَلَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ، ورَخَّصَ لِلْمَرْأَةِ والْمُسَافِرِ والْعَبْدِ أَنْ لَا يَأْتُوهَا، فَلَمَّا حَضَرُوا سَقَطَتِ الرُّخْصَةُ ولَزِمَهُمُ الْفَرْضُ الْأَوَّلُ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَجْزَأَ عَنْهُمْ، فَقُلْتُ: عَمَّنْ هَذَا؟ قَالَ: عَنْ مَوْلَانَا أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه سلام»(1).

ثمّ إنّ هناك أخبار وردت من طرق العامّة، هي:

20 - روی ابن مسعود عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلاً يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ أُحرِقَ عَلَی رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الْجُمُعَةِ بُيوتَهُم»(2).

21 - روی ابن عمر عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «الْجُمُعَةُ واجبةٌ إلّا عَلَی مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمَ أَوْ ذِي عِلَّةٍ»(3).

22 - روی جابر عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَعَلَيهِ الْجُمُعَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلّا عَلَی مَرِيضٍ أَوْ مُسَافِرٍ أَوْ امْرَأَةٍ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَمْلُوكٍ، وَمَنِ اسْتَغْنَى عَنْهَا بِلَهْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ اسْتَغْنَى اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ»(4).

23- روی أنس عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «إذَا أذِنَ الْمُؤَذِّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَرُمَ الْعَمَلُ»(5).

ص: 216


1- «التهذيب» ج3/21 الحديث 78، «وسائل الشيعة» ج7/337 الحديث 9518.
2- «كنز العمال» ج7/728 الخبر 21131.
3- «كنز العمال» ج7/725 الخبر 21115.
4- «كنز العمال» ج7/726 الخبر 21120.
5- «كنز العمال» ج7/723 الخبر 21101.

24 - ما روی ابن ماجة القزويني في سننه بإسناده عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: خطبنا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فقال: «أيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إلیَ اللهِ قَبلَ أن تَمُوتُوا، (إلی أن قال:) وَاعلَمُوا أنَّ اللهَ قَد فَرَضَ عَلَيكم الجُمُعَةَ في مَقامِي هَذا، في يَومِي هَذا، في شَهرِي هَذا، في عَامِي هَذا إلی يَومِ القِيمَةِ، فَمَن تَرَكهَا في حَياتِي أو بَعدِي وَ لَه إمَامٌ عَادِلٌ أو جَائِرٌ استِخفَافاً بِهَا أو جُحُوداً لَهَا فَلا جَمَعَ اللهُ لَهُ شَملَهُ وَلا بَارَك اللهُ في أمرِهِ، ألا وَلا صَلاةَ لَهُ، وَلا زَكاةَ لَهُ، وَلا حَجَّ لَهُ، وَلا صُومَ لَهُ، وَلا بِرَّ لَهُ حَتّی يَتُوبَ، فَمَن تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيهِ»، الخبر(1).

25 - ما روی نعيم بن حماد عن عليّ علیه السلام قال: «لَا يُجَمِّعُ القَوْمُ الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ في مَوْضِعٍ يَجِبُ عَلَيْهِمْ فِيهِ شُهُودُ الْجُمُعَةِ»(2).

والرّوايات كما تری متظافرة بل متواترة معناً، كثرتها يغنينا عن ملاحظة أسانيدها مع ما كانت فيها من الصّحاح.

تقريب الاستدلال أنّ الرّوايات تدلّ بالمطابقة أو بالالتزام علی الوجوب العيني التعييني للجمعة، ففي صحيحة فضيل (الرواية الرقم 11) مثلاًلو لم تكن الجمعة واجبة بالوجوب العيني التعييني فلم قال علیه السلام: «ووَقْتَ الْعَصْرِ فِيهَا وَقْتُ الظُّهْرِ في غَيْرِهَا»؟

إن قلت: إنّ الحثّ والترغيب علی إقامة الجمعة الوارد في بعض روايات الجمعة إنّما يناسب الاُمور المستحبة، وأمّا الواجبات فلا مجال لهما في هذا

ص: 217


1- «سنن ابن ماجة القزويني» ج1/343 كتاب إقامة الصلاة، الباب 78، باب فرض الجمعة، الخبر 1081.
2- «كنز العمال» ج8/370 الخبر 23309.

المورد بوجه بل اللازم فيها التّوبيخ على تركها والتّحذير من مخالفتها بالوعيد، فهذا اللسان هو لسان الاستحباب دون الوجوب(1).

قلنا: أمّا أوّلاً: أنّ لسان الأحاديث في بعضها هو لسان التّوبيخ مثل ما ورد في صحيحتي أبي بَصِيرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَا: سَمِعْنَا أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ علیه السلام يَقُولُ: «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثاً مُتَوَالِيَاتٍ بِغَيْرِ عِلَّةٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِه»(2)، و زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ علیه السلام قَالَ: «صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَرِيضَةٌ وَالِاجْتِمَاعُ إِلَيْهَا فَرِيضَةٌ مَعَ الْإِمَامِ، فَإِنْ تَرَكَ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ ثَلَاثَ جُمَعٍ فَقَدْ تَرَكَ ثَلَاثَ فَرَائِضَ، وَلَا يَدَعُ ثَلَاثَ فَرَائِضَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ إلّا مُنَافِقٌ»(3)، ومَرفُوعَةُ الشَّهِيدِ الثاني رحمه الله في رِسَالَةِ الْجُمُعَةِ قَالَ: قَالَ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيُخْتَمَنَّ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ»(4)، وما رواه المجلسي رحمه الله في «البحار» إذ قال: وَجَدْتُ في أَصْلٍ قَدِيمٍ مِنْ اُصول أَصْحَابِنَا مَرْفُوعاً عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام قَالَ: «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثاً مُتَتَابِعَةً لِغَيْرِ عِلَّةٍ كُتِبَ مُنَافِقاً»(5)، وما روی ابن مسعود عن

ص: 218


1- المستشكل هو المحقق الخوئي رحمه الله ، راجع: «التنقيح في شرح العروة الوثقی» ج6/29. والظاهر أنّه أخذه من الوحيد البهبهاني رحمه الله ، راجع: «الحاشية على مدارك الأحكام» ج3/140.
2- «وسائل الشّيعة» ج7/298 الحديث 9392. وقريب منها ما رواه عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم في «كنز العمال» ج7/728 الخبر 21123.
3- «أمالي الصدوق» ص 392 الحديث 13، «وسائل الشيعة» ج7/297 الحديث 9389.
4- «وسائل الشيعة» ج7/302 الحديث 9408.
5- «مستدرك الوسائل» ج6/9 الحديث 6291.

النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «لَقَدْهَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلاً يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ أُحرِقَ عَلَی رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الْجُمُعَةِ بُيوتَهُم»(1).

وثانياً: إنّ لسان معظم هذه الأحاديث هو لسان الواجب التعييني، مثل ما تقدّم تحت رقم: 3، 7، 8 ، 9، 10، 11، 12، 13، 14، 15، 19، 21، 22، 23، 25.

وثالثاً: لو شككنا في أنّ هذه الأحاديث دالّةٌ علی الوجوب أو الاستحباب، ثمّ علی الواجب التعييني أو التخييري، فالحقّ حملها علی الوجوب لا الاستحباب، حيث إنّ طبيعة الطلب فيها تقتضي الانبعاث، ولا سبيل لعدم الانبعاث ما لم يصرّح الشّارع الآمر بالتّرخيص والتّرك، وهكذا الأمر في حمله علی الواجب التعييني(2) .

فضيلة صلاة الجمعة.

ثمّ إنّ هناك زائداً علی ما تقدّم الكثير من الأحاديث والأخبار الّتي تؤكّد على فضيلة صلاة الجمعة، نذكر بعضاً منها فيما يلي:

1 - ما رواه الشيخ رحمه الله بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أبي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَهْبٍ عَنْ جَعْفَرٍ أَنَّ عَلِيّاً علیه السلام كَانَ يَقُولُ: «لَأَنْ أَدَعَ شُهُودَ حُضُورِ الْأَضْحَى عَشْرَ مَرَّاتٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَدَعَ شُهُودَ حُضُورِ الْجُمُعَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ»(3).

ص: 219


1- «كنز العمال» ج7/728 الخبر 21131.
2- ولزيادة التّوضيح راجع: كتب الاُصول مبحث «دلالة الأمر علی الوجوب»، مثل «كفاية الاُصول» للمحقّق الخراساني قدس سره، و«اُصول الفقه» للعلّامة المظفّر رحمه الله .
3- «وسائل الشيعة» ج7/300 الحديث 9399.

2 - الخَبَرُ المَروِيّ عَنِ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً اسْتَأْنَفَ الْعَمَلَ»(1).

3 - مُوَثَّقَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ قَالَ: قَالَ الصَّادِقُ علیه السلام: «مَا مِنْ قَدَمٍ سَعَتْ إِلَى الْجُمُعَةِ إلّا حَرَّمَ اللَّهُ جَسَدَهَا عَلَى النَّارِ»(2) .

4 - مرسلة عَوَالِي اللئاَلِيعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْجُمُعَةَ في عَامِي هَذَا في شَهْرِي هَذَا في سَاعَتِي هَذِهِ فَرِيضَةً مَكْتُوبَةً، فَمَنْ تَرَكَهَا في حَيَاتِي وَبَعْدَ مَمَاتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ جُحُوداً لَهَا وَاسْتِخْفَافاً بِحَقِّهَا فَلَا جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ، وَلَا بَارَكَ اللَّهُ لَهُ في أَمْرِهِ، ألا لَا صَلَاةَ لَهُ، ألا لَا حَجَّ لَهُ، ألا لَا صَدَقَةَ لَهُ، ألا لَا بَرَكَةَ لَهُ ألا أَنْ يَتُوبَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ»(3).

5 - جَاءَ نَفَرٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم فَسَأَلُوهُ عَنْ سَبْعِ خِصَالٍ، فَقَالَ: «أَمَّا يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَيَوْمٌ يَجْمَعُ اللَّهُ فِيهِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، فَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ مَشَى فِيهِ إِلَى الْجُمُعَةِ إلّا خَفَّفَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَهْوَالَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ»(4).

6 - خَبَرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ علیه السلام قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم يُقَالُ لَهُ قُلَيْبٌ، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي تَهَيَّأْتُ إِلَى الْحَجِّ كَذَا وَكَذَا مَرَّةً فَمَا قُدِّرَ لِي، فَقَالَ لَهُ: يَا قُلَيْبُ عَلَيْكَ بِالْجُمُعَةِ، فَإِنَّهَا حَجُّ الْمَسَاكِينِ»(5).

ص: 220


1- «وسائل الشيعة» ج7/296 الحديث 9384.
2- «وسائل الشيعة» ج7/297 الحديث 9388.
3- «مستدرك الوسائل» ج6/10 الحديث 6296.
4- «وسائل الشيعة» ج7/298 الحديث 9390.
5- «التهذيب» ج3/236 الحديث 7، «وسائل الشيعة» ج7/300 الحديث 9398.

7 - رُوِيَ عَن الإمامِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِيٍّ علیهم السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم: «ثَلَاثَةٌ لَوْ تَعْلَمُ اُمَّتِي مَا [لَهَا] فِيهَا لَضَرَبَتْ عَلَيْهَا بِالسِّهَامِ: الْأَذَانُ، وَالْغُدُوُّ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَالصَّفُّ الْأَوَّلُ»(1) .

8 - روى ابن شهرآشوب في (الْمَنَاقِبِ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في تَفسير قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً) إلى آخر الْآيَةَ، أنّه قالَ: إِنَّ دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنَ الشَّامِ بِالْمِيرَةِ عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِالطَّبُولِ لِيُؤْذِنَ النَّاسَ بِقُدُومِهِ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ إِلَيْهِ إلّا عَلِيٌ والْحَسَنُ والْحُسَيْنُ وفَاطِمَةُ علیهم السلام وسَلْمَانُ وأَبُوذَرٍّ والْمِقْدَادُ وصُهَيْبٌ، وتَرَكُوا النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم قَائِماً يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «لَقَدْ نَظَرَ اللَّهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى مَسْجِدِي، فَلَولَا الْفِئَةُ الَّذِينَ جَلَسُوا في مَسْجِدِي لَانْضَرَمَتِ الْمَدِينَةُ عَلَى أَهْلِهَا نَاراً، وحُصِبُوا بِالْحِجَارَةِ كَقَوْمِ لُوطٍ»، ونَزَلَ فِيهِمْ (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ) الآيَةَ(2).

9 - الخَبَرُ المَروِيُّ عَن مَولانَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام: «ضَمِنْتُ لِسِتَّةٍ الْجَنَّةَ؛ رَجُلٌ خَرَجَ بِصَدَقَةٍ فَمَاتَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، ورَجُلٌ خَرَجَ يَعُودُ مَرِيضاً فَمَاتَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، ورَجُلٌ خَرَجَ مُجَاهِداً في سَبِيلِ اللَّهِ فَمَاتَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، ورَجُلٌ خَرَجَ حَاجّاً فَمَاتَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، ورَجُلٌ خَرَجَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَمَاتَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، ورَجُلٌ خَرَجَ في جِنَازَةِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فَمَاتَ فَلَهُ الْجَنَّةُ»(3).

ص: 221


1- «مستدرك الوسائل» ج4/20 الحديث 4068.
2- «مستدرك الوسائل» ج6/25 الحديث 6347.
3- «من لا يحضره الفقيه» ج1/140 الحديث 384.

10 - روى أنس بن مالك عَن رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم قولَهُ: «لَمَّا اُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ رَأَيْتُ تَحْتَ الْعَرْشِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَدِينَةٍ كُلُّ مَدِينَةٍ كَدُنْيَاكُمْ، ومَلَائِكَةً نَاشِرِي أَجْنِحَتِهِمْ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ ويُهَلِّلُونَهُ، ويَقُولُونَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلَّذِينَ يَحْضُرُونَ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلَّذِينَ يَغْتَسِلُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ»(1).

11 - روی أنس عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «أَ لَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ مَنْ لَا يَشْغَلُهُ عَنِ

الْجُمُعَةِحَرٌّ شَدِيدٌ، وَلَا بَرْدٌ شَدِيدٌ، وَلَا رَدغٌ (2)»(3).

نزول الملائكة المقرّبين على أبواب المساجد يوم الجمعة لكتابة أسامي المصلّين.

قد عدّ من آداب الجمعة وسننها مباكرة المصلّي إلی المسجد الأعظم الّذي تصلّی فيه الجمعة، وادّعی في «الجواهر» عدم وجدانه الخلاف علی ذلك لكونه مسارعة إلی الخير(4)، هناك روايات تدلّ علی نزول الملائكة المقرّبين ذلك اليوم علی أبواب المساجد لكتابة أسامي المصلّين، الأوّل فالأوّل بقراطيس من فضّة وأقلام من ذهب، منها:

1 - خَبَرُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ نَزَلَ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ مَعَهُمْ قَرَاطِيسُ مِنْ فِضَّةٍ وَأَقْلَامٌ مِنْ ذَهَبٍ فَيَجْلِسُونَ عَلَى أَبْوَابِ

ص: 222


1- «مستدرك الوسائل» ج6/90 الحديث 6504.
2- قال ابن منظور المصري: ردغ: الرَّدْغُ والرَّدَغةُ والرَّدْغةُ، بالهاء: الماء والطين والوَحَل الكثير الشديدُ. راجع: «لسان العرب» ج8/426.
3- «كنز العمال» ج7/719 الخبر 21085.
4- «جواهرالكلام» ج11/325.

الْمَسْجِدِ عَلَى كَرَاسِيَّ مِنْ نُورٍ، فَيَكْتُبُونَ النَّاسَ عَلَى مَنَازِلِهِمْ الْأَوَّلَ وَالثاني، حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ، وَلَا يَهْبِطُونَ في شيء مِنَ الْأَيَّامِ إلّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ»، يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ الْمُقَرَّبِينَ(1).

2 - الشَّهِيدُ الثاني في رِسَالَةِ إِكْمَالِ الْجُمُعَةِ، نَقَلَ عَنِ النَّبِيِّ صلی الله علیه و آله و سلم أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ وَجَاؤُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ»(2).

3 - رَوَی نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مَلَائِكَةً يَقِفُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَمَعَهُمْ صُحُفٌ مِنْ نُورٍ، وَأَقْلَامٌ مِنْ نُورٍ، فَيَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، فَإِذَا سَمِعُوا النِّدَاءَ حَضَرُوا الْخُطْبَةَ»(3).

4 - نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو الْفُتُوحِ في تَفْسِيرِهِ، عَنْ أبي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى مَلَائِكَةً مَعَهُمْ أَقْلَامٌ مِنْ ذَهَبٍ وَصُحُفٌ مِنْ فِضَّةٍ فَيَأْتُونَ وَيَقِفُونَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ وَيَكْتُبُونَ أَسَامِيَ الَّذِينَ يَأْتُونَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، فَإِذَا كَتَبُوا سَبْعِينَ مِنْهُمْ قَالُوا: هَؤُلَاءِ بِعَدَدِ السَّبْعِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ مُوسَى علیه السلام مِنْ اُمَّتِهِ، ثُمَّ يَتَخَلَّلُونَ في الصُّفُوفِ وَيَتَفَقَّدُونَ الَّذِينَ لَمْ يَحْضُرُوا، فَيَقُولُونَ: أَيْنَ فُلَانٌ؟ قِيلَ لَهُمْ: هُوَ مَرِيضٌ، فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ اشْفِهِ حَتَّى يُقِيمَ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ، وَيَقُولُونَ: أَيْنَ فُلَانٌ؟ قِيلَ لَهُمْ: ذَهَبَ إِلَى السَّفَرِ، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: اللَّهُمَّ رُدَّهُ

ص: 223


1- «وسائل الشيعة» ج7/347 الحديث 9542.
2- «مستدرك الوسائل» ج6/38 الحديث 6368.
3- «مستدرك الوسائل» ج6/70 الحديث 6459.

سَالِماً فَإِنَّهُصَاحِبُ الْجُمُعَةِ، أَيْنَ فُلَانٌ؟ فَيَقُولُونَ: مَاتَ، فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُقِيمُ الْجُمُعَةَ»(1).

5 - روی أبوهريرة عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «إنَّ الْمَلَائِكَةُ عَلَی أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ يَكْتُبُونَ النَّاسَ عَلَی مَنَازِلِهِمْ جَاءَ فُلانٌ مِنْ سَاعَةِ كذا وَكذا، وَجَاءَ فُلانٌ مِنْ سَاعَةِ كذا وَكذا،

جَاءَ فُلانٌ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، جَاءَ فُلانٌ فَأَدْرَكَ الصَّلاةَ وَلَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ»(2).

6 - روی ابن عباس عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «إذَا كانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ دُفِعَتْ أَلْوِيَةُ(3) الْحَمْدِ إِلَی الْمَلَائِكَةِ إِلَی كلِّ مَسْجِدٍ يُجَمَّعُ فِيهِ، فَيَحْضُرُ جَبْرَئِيلُ الْمَسْجِدَ الحَرامَ، مَعَ كلِّ مَلَك مِنْهُمْ كتَّابٌ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، مَعَهُمْ قَرَاطِيسُ فِضَّةٍ وَأَقْلَامُ ذَهَبٍ، يَكْتُبُونَ النَّاسَ عَلَی مَرَاتِبِهِمْ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامُ كتِبَ مِنَ السَّابِقِينَ، وَمَنْ جَاءَ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامُ كتِبَ شَهِدَ الْخُطْبَةَ، وَمَنْ جَاءَ بَعْدَ كتِبَ شَهِدَ الْجُمُعَةَ، فَإذا سَلَّمَ الْإِمَامُ تَصَفَّحَ المَلَك وُجُوهَ الْقَوْمُ فَإذَا فَقَدَ الرَّجُلَ مِمَّنْ كانَ يَكْتُبُهُ فِيمَا خَلا مِنَ السَّابِقِينَ قَالَ: اللهُمَّ عَبْدٌ فُلانٌ نَكْتُبُهُ فِيمَا خَلا مِنَ السَّابِقِينَ لَا نَدْرِي مَا خَلَّفَهُ، اللهُمَّ إنْ كانَ مَرِيضاً فَاشْفِهِ، وَإنْ كانَ غَائِباً فَأَحْسِنْ صَحَابَتَهُ، وَإنْ كانَ قَبَضْتَهُ فَارْحَمْهُ وَيُؤَمِّنُ الَّذِينَ مَعَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ»(4).

ص: 224


1- راجع: «مستدرك الوسائل» ج6/38 الحديث 6367.
2- «كنز العمال» ج7/738 الخبر 21178.
3- قال ابن منظور المصري: اللِّواء: العَلَم، والجمع أَلْوِيَة وأَلوِياتٌ، الأَخيرة جمع الجمع، راجع: «لسان العرب» ج15/262.
4- «كنز العمال» ج7/740 الخبر 21186.

فضل الجمع في شهر الصّيام علی جمع سائر الشّهور.

1 - روی الصّدوق رحمه الله في (ثواب الأعمال) عَنْ أبي عَنْ سَعْدٍ عَنِ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ عَنْ عَمْرِوبْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: «إِنَّ لِجُمَعِ شَهْرِ رَمَضَانَ لَفَضْلاً عَلَى جُمَعِ سَائِرِ الشُّهُورِ، كَفَضْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم عَلَى سَائِرِ الرُّسُلِ»(1).

2 - قالَ جَابِر: كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام يُبَكِّرُ إِلَى الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ تَكُونُ الشَّمْسُ قِيدَ رُمْحٍ، فَإِذَا كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ يَكُونُ قَبْلَ ذَلِكَ، وكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ لِجُمَعِ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى جُمَعِ سَائِرِ الشُّهُورِ فَضْلاًكَفَضْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ»(2).

3 - روی جابر عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «فَضْلُ الْجُمُعَةِ في رَمَضَان كَفَضْلِ رَمَضَانَ عَلَی الشُّهُورِ»(3).

❊ ❊ ❊

ص: 225


1- نقلاً من «بحارالأنوار» ج93/376.
2- «وسائل الشيعة» ج7/348 الحديث 9543.
3- «كنز العمال» ج7/709 الخبر 21040.

الفصل الخامس: بعض المسائل الهامّة حول صلاة الجمعة

اشارة

ص: 226

ص: 227

الفصل الخامس: بعض المسائل الهامّة حول صلاة الجمعةنذكر في هذا الفصل بعض المسائل والأحكام الهامّة حول صلاة الجمعة تحت ثمانية وعشرين عنواناً:

الأوّل: حكم السّفر يوم الجمعة.

قد يقال: إنّه يكره السّفر بعد طلوع فجر يوم الجمعة ويحرم بعد الزّوال وقبل الصّلاة لوكان مفوّتاً للصّلاة، قال الشّيخ رحمه الله في (الخلاف):

من طلع الفجر عليه يوم الجمعة وهو مقيمٌ يكره له أن يسافر إلّا بعد أن يُصلّي الجمعة، وليس ذلك بمحظورٍ، وللشّافعي فيه قولان: أحدهما أنّه لا يجوز، وبه قال ابن عمر وعائشة، والآخر أنّه يجوز، وبه قال عمر والزّبير بن العوّام وأبو عبيدة بن الجرّاح، وإليه ذهب أبوحنيفة وأصحابه، وروی أنّ عمر أبصر رجلاً عليه هيئة السّفر وهو يقول: لو لا أنّ اليوم الجمعة لخرجت، فقال عمر: أُخرج فإنّ الجمعة لا تحبس مسافراً.

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، والمقيم إذا زالت الشّمس، لا يجوز له أن ينشأ سفراً إلّا بعد أن يصلّي الجمعة، وبه قال الشافعي، وقال محمد بن الحسن: يجوز له ذلك، وبه قال باقي أصحاب أبي حنيفة.

دليلنا: قد ثبت أنّ بزوال الشّمس تجب عليه الجمعة، فلا يجوز له أن يشرع فيما يسقط فرض الجمعة معه، فمن أجاز ذلك فعليه الدلالة(1).

وادّعی في «الجواهر» عدم الخلاف في حرمته حينئذٍ، ثمّ ترقّی وادّعی الإجماع من غير واحد عليه علی وجه يمكن تحصيله أيضاً(2).

ص: 228


1- «كتاب الخلاف» ج1/609، المسألة 371 و372.
2- «جواهر الكلام» ج11/282.

وقال الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

لا يجوز السّفر يوم الجمعة باتّفاق المذاهب، إلّا أنّ في حكمه تفصيلاً، فالحنفيّة قالوا: يكره الخروج من المصر يوم الجمعة بعد الأذان الأوّل إلی أن يصلّي الجمعة علی الصحيح، أمّا السّفر قبل الزّوال فلا يكره.

والمالكيّة قالوا: يكره السّفر بعد فجر الجمعة لمن لا يدركها في طريقه، وإلّا جاز كما يجوز السّفر قبل الفجر، أمّا السّفر بعد الزّوال فحرامٌ....

والشّافعيّة قالوا: يحرم علی من تلزمه الجمعة السّفر بعد فجر يومها إلّا إذا ظنّ أنّه يدركها في طريقه أو كان السّفر واجباً كالسّفر لحجّ ضاق وقته وخاف فوته....

والحنابلة قالوا: يحرم سفر من تلزمه الجمعة بعد الزّوال إلّا إذا لحقه ضررٌ، كتخلّفه عن رفقته في سفر مباح فيباح له السّفر بعد الزّوال حينئذٍ، أمّا السّفر قبل الزّوال فمكروه، وإنّما يكون السّفر المذكور حراماً أو مكروهاً إذا لم يأت بها في طريقه، وإلّا كان مباحاً(1).

هذه بعض الأقوال المطروحة في المسألة، وإليك بعض الرّوايات الواردة في هذا المضمار:

1 - نقل محمّد بن الحسين الرّضي في (نهج البلاغة) عن أمير المؤمنين علیه السلام فِي كتابه إِلى الحارث الهمداني أنّه قال: «ولَا تُسَافِرْ في يَوْمِ جُمُعَةٍ حَتَّى تَشْهَدَ الصَّلَاةَ، إلّا نَاصِلاً في سَبِيلِ اللَّهِ أَو في أَمْرٍ تُعْذَرُ بِهِ»(2).

2 - صحيحة أبي أَيُّوب الخَرَّاز عن أَبي عبد اللَّه علیه السلام عندما سأله عن معنى

ص: 229


1- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/400 - 401.
2- «نهج البلاغة» الرسالة الرقم: 69، «وسائل الشيعة» ج7/407 الحديث 9706.

قول اللَّه عزَّ وجلّ: (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا في الْأَرْضِ وابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ)، قَالَ: «الصَّلَاةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ والِانْتِشَارُ يَوْمَ السَّبْتِ»(1).

3 - صحيحة ابنِ أَبي عمير عن عبد اللَّه بنِ سنان عن أبي عبد اللَّه علیه السلام: «ويُكْرَهُ السَّفَرُ والسَّعْیُ في الْحَوَائِجِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، يُكْرَهُ مِنْ أَجْلِ الصَّلَاةِ فَأَمَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَجَائِزٌ يُتَبَرَّكُ بِهِ»(2).

4 - مرفوعة إِبراهيمَ بن عليٍّ الكفعمِيّ في المصباح عنِ الرِّضا علیه السلام أَنّهُ قَالَ: «مَا يُؤْمِنُ مَنْ سَافَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَنْ لَا يَحْفَظَهُ اللَّهُ تَعَالَى في سَفَرِهِ، ولَا يَخْلُفَهُ في أَهْلِهِ، ولَا يَرْزُقَهُ مِنْ فَضْلِهِ»(3).

5 - خبر محمَّد بن علِيِّ بنِ الحسين بإسناده عنِ السَّرِيِ عن أَبي الحسنِ عليِّ بنِ محمَّدٍ علیه السلام قَالَ: «يُكْرَهُ السَّفَرُ والسَّعْيُ في الْحَوَائِجِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بُكْرَةً مِنْ أَجْلِ الصَّلَاةِ، فَأَمَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَجَائِزٌ يُتَبَرَّكُ بِهِ»(4).

6 - ما رواه المجلسي رحمه الله مرفوعاً عَنِ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «مَنْ سَافَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَعَا عَلَيْهِ مَلَكَاهُ أَنْ لَا يُصَاحَبَ في سَفَرِهِ، وَلَا تُقْضَى لَهُ حَاجَةٌ» وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يُوَدِّعُهُ لِسَفَرٍ،فَقَالَ: لَا تَعْجَلْ حَتَّى تُصَلِّيَ، فَقَالَ: أَخَافُ أَنْ

ص: 230


1- «وسائل الشيعة» ج7/406 الحديث 9702.
2- «وسائل الشيعة» ج7/386 الحديث 9652.
3- «وسائل الشيعة» ج7/406 الحديث 9705.
4- «من لا يحضره الفقيه» ج1/273 الحديث 1251، «وسائل الشيعة» ج7/406 الحديث 9701.

تَفُوتَنِي أَصْحَابِي، ثُمَّ عَجَّلَ، فَكَانَ سَعِيدٌ يَسْأَلُ عَنْهُ حَتَّى قَدِمَ قَوْمٌ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ رِجْلَهُ انْكَسَرَتْ، فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنِّي كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنَّهُ سَيُصِيبُهُ ذَلِكَ(1).

أقول: الّذي يقوی عندنا أنّ النّواهی الواردة في تلك الرّوايات نهياً وكراهةً عن السّفر يوم الجمعة لا تكون إلّا لأجل إرشاد المكلفين إلی تعيّن الجمعة عليهم، كما مرّ التصريح به في بعضها، بحيث لولا ذلك لم تكن أيّة منقصة ولا نهي في ذات السّفر لهم في هذا اليوم، فبناءً على هذا لم يكن السّفر إذا كان بنحو تعدد المطلوب سفر معصية حتّی يلزمهم إتمام الصّلاة ووجوب الصّيام في الجمعة لو وافق شهر رمضان، بل هو مثل سفر مباح بذاته يرتكب في ضمنه حرامٌ، وللسّفر من الحكم ما كان له قبل الجمعة.

وبعبارة اُخری: لم يكن علی المسافر في وقت النّداء للجمعة إلّا ذنبٌ واحدٌ، وهو ذنب تركه صلاة الجمعة، لا ذنبان؛ ذنب ترك الجمعة زائداً إلی ذنب القيام بالسّفر حينئذٍ.

وسيأتي إن شاء الله تعالی زيادة توضيح عند بيان مسألة «حكم المعاملات في يوم الجمعة».

ص: 231


1- «بحار الأنوار» ج86/214.

الثاني: اشتراط الخطبة والجماعة في صحّة صلاة الجمعة.

أمّا الخطبة فهي شرط في انعقاد الجمعة عند الإماميّة وأكثر العامّة لكونها عوضاً أو بدلاً عن الركعتين، أرسلها بعض الفقهاء إرسال المسلّمات، وادّعی بعض آخر عدم الخلاف أو الإجماع عليها، قال المحقق رحمه الله :

ثمّ الجمعة لا تجب إلّا بشروط؛ الأول: السّلطان العادل أو من نصبه...، الثاني: العدد وهو خمسة الإمام أحدهم، وقيل سبعة، والأوّل أشبه...، الثالث: الخطبتان ويجب في كل واحدة منهما الحمد لله والصلاة على النّبيّ صلی الله علیه وآله وسلم والوعظ وقراءة سورة خفيفة...(1).

وقال الشّيخ الطوسي رحمه الله :

الخطبة شرط في صحة الجمعة، وبه قال سعيد بن جبير، والأوزاعي، والثور، وأبو حنيفة وأصحابه، والشافعي، وقال الحسن البصري: يجوز بغير خطبة، دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضاً لا خلاف أنّ مع الخطبة تنعقد الجمعة، وليس على انعقادها مع فقد الخطبة دليل، و روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام انه قال: «ليس تكون جمعة إلّا بخطبة»(2).

وقال المحدث البحراني رحمه الله :

الخطبتان شرط في انعقاد الجمعة، أجمع الأصحاب (رضوان اللّه عليهم) وأكثر العامّة على أنّ الخطبتين شرط في انعقاد الجمعة...،

ص: 232


1- «شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام» ج 1/84 - 85.
2- «كتاب الخلاف» ج 1/614، المسألة 381.

واشتراطها بالجماعة إجماعي نصاً وفتوى، أمّا الثاني فلما نقله جملة من الأصحاب وأمّا الأول فللأخبار المستفيضة(1).

وقال السيّد الطباطبائي رحمه الله صاحب «الرياض»:

الثالث (من شروط الجمعة): الخطبتان بإجماعنا وأكثر أهل العلم على الظاهر، المصرّح به في كلام جماعة(2).

وقال ابن رشد القرطبي:

اتفق المسلمون علی أنّها (أركان الجمعة) خطبة وركعتان بعد الخطبة،

واختلفوا من ذلك في خمس مسائل هي قواعد هذا الباب؛ المسألة الاُولی:

في الخطبة، هل هي شرط في صحة الصلاة وركن من أركانها أم لا؟ فذهب الجمهور إلی أنّها شرط وركن، وقال قوم: إنّها ليست بفرض، وجمهور الأصحاب مالك علی أنّها فرض إلّا ابن الماجشون(3).

وقال ابن قدامة الحنبلي:

إنّ الخطبة شرط في الجمعة لا تصح بدونها، كذلك قال عطاء والنخعي وقتادة والثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفاً إلّا الحسن قال: تجزئهم جميعهم خطب الإمام أو لم يخطب لأنّها صلاة عيد فلم تشترط لها الخطبة كصلاة الأضحی، ولنا: قول الله تعالی: (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّه) والذّكر هو الخطبة، ولأنّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم ما ترك الخطبة للجمعة في حال وقد قال: «صلّوا كما

ص: 233


1- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج 10/81 و 112.
2- «رياض المسائل» ج 3/326.
3- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج1/456.

رأيتموني اُصلّي»، وعن عمر رضی الله عنه أنّه قال: قصرت الصّلاة لأجل الخطبة، وقول عائشة نحو من هذا، وقال سعيد بن جبير: كانتالجمعة أربعاً فجعلت الخطبة مكان الركعتين، وقوله خطبهم قائماً...، روی ابن عمر: «أنّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم كان يخطب خطبتين وهو قائم يفصل بينهما بجلوس» متفق عليه، وقال جابر بن سمرة: إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كان يخطب قائماً، ثمّ يجلس، ثمّ يقوم فيخطب قائماً(1).

وقال الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

الحنفيّة قالوا: الخطبة لها ركن واحد وهو مطلق الذّكر الشامل للقليل والكثير...، والمشروط عندهم الخطبة الاُولی، وأمّا تكرارها فهو سنة

كما يأتی في السنن(2).

يستدلّ علی ذلك - زائداً علی الإجماع المدّعی - بما وردت في المقام من الأخبار متظافرة بل متواترة، وهي تارة تدلّ عليها بالمطابقة كصحيحة دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أبي الْعَبَّاسِ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «لَا جُمُعَةَ إلّا بِخُطْبَةٍ وَإِنَّمَا جُعِلَتْ رَكْعَتَيْنِ لِمَكَانِ الْخُطْبَتَيْنِ»(3).

وصحيحة محمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام حيث قَالَ: «يَكُونُ بَيْنَ الْجَمَاعَتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ، يَعْنِي لَا تَكُونُ جُمُعَةٌ إلّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، وَلَيْسَ تَكُونُ جُمُعَةٌ إلّا بِخُطْبَةٍ، قَالَ: فَإِذَا كَانَ بَيْنَ الْجَمَاعَتَيْنِ في الْجُمُعَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُجَمِّعَ هَؤُلَاءِ وَيُجَمِّعَ هَؤُلَاءِ»(4) .

ص: 234


1- «المغني لابن قدامة» ج2/302 - 303.
2- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/390.
3- «المعتبر» ص: 203، «وسائل الشيعة» ج7/314 الحديث 9446.
4- «الكافي» ج3/419 الحديث 7، «وسائل الشيعة» ج7/314 الحديث 9447.

وصحيحة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام في حَدِيثٍ قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَتِ الْجُمُعَةُ رَكْعَتَيْنِ مِنْ أَجْلِ الْخُطْبَتَيْنِ فهي صَلَاةٌ حَتَّى يَنْزِلَ الْإِمَامُ»(1).

وصحيحة زُرَارَةَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام أنَّه قَالَ: «تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى سَبْعَةِ نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا جُمُعَةَ لِأَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدُهُمُ الْإِمَامُ فَإِذَا اجْتَمَعَ سَبْعَةٌ وَلَمْ يَخَافُوا أَمَّهُمْ بَعْضُهُمْ وَخَطَبَهُمْ»(2) .

صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْجُمُعَةِ؟ فَقَالَ: «بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، يَخْرُجُ الْإِمَامُ بَعْدَ الْأَذَانِ فَيَصْعَدُ الْمِنْبَرَ فَيَخْطُبُ وَلَا يُصَلِّي النَّاسُ مَا دَامَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ يَقْعُدُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَدْرَ مَا يُقْرَأُ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ثُمَّ يَقُومُ فَيَفْتَتِحُ خُطْبَتَهُ، ثُمَّ يَنْزِلُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَيَقْرَأُ بِهِمْ في الرَّكْعَةِ الْاُولَى بِالْجُمُعَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْمُنَافِقِينَ»(3).

واُخری بما تدلّ عليها بالملازمة كصحيحة عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «إِذَا كَانُوا سَبْعَةً يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلُّوا في جَمَاعَةٍ، وَلْيَلْبَسِ الْبُرْدَ وَالْعِمَامَةَ، وَيَتَوَكَّاُ عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصًا، وَلْيَقْعُدْ قَعْدَةً بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ، وَيَقْنُتُ في الرَّكْعَةِ الْاُولَى مِنْهُمَا قَبْلَ الرُّكُوعِ»(4).

ص: 235


1- «التهذيب» ج3/12 الحديث 42، «وسائل الشيعة» ج7/313 الحديث 9441.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج1/267 الحديث 1218، «وسائل الشيعة» ج7/310 الحديث 9436.
3- «الكافي» ج3/424 الحديث 7، «وسائل الشيعة» ج7/313 الحديث 9444.
4- «التهذيب» ج3/245 الحديث 664، «وسائل الشيعة» ج7/313 الحديث 9442.

وأمّا الجماعة فهي أيضاً كذلك باتّفاق الفريقين فلا تصحّ الجمعة فرادی(1)، وتتحقق الجماعة بنيّة اقتداء المأمومين بالإمام وبنيّة الإمام الإمامة، أي كونه عالماً باقتداء المأمومين حتّی يحصل له العلم بالجماعة بالنسبة إليه أيضاً وتشرع صلاته، وأقلّ عدد تنعقد به الجمعة عندنا خمسةٌ، أمّا العامّة فقد اختلفوا في أقلّ عدد تنعقد به الجمعة، فالمالكيّة قالوا: أقلّ الجماعة الّتي تنعقد بها الجمعة اثنا عشر رجلاً غير الإمام، والحنفيّة قالوا: يشترط في الجماعة الّتي تصحّ بها الجمعة أن تكون بثلاثة غير الإمام، والشّافعيّة والحنابلة قالوا: يشترط في الجماعة الّتي تصحّ بها الجمعة اُمورٌ؛ أحدها: أن يكونوا أربعين ولو بالإمام(2).

قال الشّيخ رحمه الله في «الخلاف»:

ص: 236


1- راجع: «كتاب الخلاف» ج1/626 - 628، المسائل 397، 398، و 399، «جواهر الكلام» ج11/242، «تحريرالوسيلة» ج1/232، القول في شرائط صلاة الجمعة، «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/387، و.... نعم إنّ الشّافعيّة من العامّة أوجبوا الجماعة في خصوص الركعة الاُولی من الجمعة واعتقدوا باستحبابها في الركعة الثّانية منها سواءٌ فيه الإمام والمأموم، حيث قالوا: لا يشترط فيها بقاء الجماعة بمعنی أنّهم لو نووا مفارقة الإمام فيها وأتمّوا صلاتهم لأنفسهم صحّت صلاتهم، وكذلك الإمام إذا نوی مفارقتهم فيها وأتمّ لنفسه. «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/388 . وقالوا (الشافعيّة) أيضاً: الجماعة فی الركعة الاُولی من صلاة الجمعة فرض عين، وفي الرّكعة الثّانية من صلاة الجمعة سنَّةٌ، فلو أدرك الإمام في الرّكعة الاُولی من صلاة الجمعة ثمّ نوی مفارقته في الرّكعة الثّانية وصلاّها وحده صحّت صلاته. «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/408.
2- راجع: «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/387 - 389.

تنعقد الجمعة بخمسة نفر جوازاً وبسبعة تجب عليهم، وقال الشّافعي: لا تنعقد بأقلّ من أربعين من أهل الجمعة، وبه قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعمر بن عبد العزيز من التابعين، وفي الفقهاء أحمد وإسحاق، وقال ربيعة تنعقد باثني عشر نفساً، ولا تنعقد بأقلّ منهم، وقال الثوري وأبو حنيفة ومحمد: تنعقد بأربعة؛ إمام وثلاثة معه، ولا تنعقد بأقلّ منهم، وقال الليث بن سعد وأبو يوسف: تنعقد بثلاثة، ثالثهم الإمام، ولا تنعقد بأقلّ منهم، لأنّه أقل الجمع، وقال الحسن بن صالح بن حي: تنعقد باثنين، قال الساجي: ولم يقدر مالك في هذا شيئاً، دليلنا: إجماع الفرقة، وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال: «تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين، ولا تجب على أقلّ منهم: الامام، وقاضيه، والمدّعي حقاً، والمدّعى عليه، والشاهدان، والّذي يضرب الحدود بين يدي الإمام»، وأمّا الجواز فقد روى أبو العباس الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «أدنى ما يجزي في الجمعة سبعة أو خمسة أدناه»، و روى منصور عن أبي عبد الله علیه سلام قال: «يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا، فإن كانوا أقلَّ من خمسة فلا جمعة لهم»، و روى ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «لا يكون الجمعة ما لم يكن القوم خمسة»، وروى زرارة قال: كان أبو جعفر علیه السلام يقول: «لا تكون الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين على أقلّ من خمسة رهط الإمام وأربعة».

ثمّ قال بعد ذكر مسائل:

العدد شرط في الخطبة كما هو شرط في نفس الصّلاة، فإن خطب وحده ثم حضر العدد فأحرم بالجمعة لم تصح، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: العدد ليس بشرط في صحة الخطبة، فإن خطب وحده فأحرم بهم أجزأه، دليلنا: طريقة الاحتياط، فإنّه لا خلاف إذا خطب مع حضور

ص: 237

العدد في أنّ الجمعة منعقدة، وليس ها هنا دليل على أنّها تنعقد إذا لم يحضروا الخطبة، فاقتضى الاحتياط ما قلناه(1).

وقال المحقق رحمه الله صاحب «الشرائع»:

الرابع (من شروط الجمعة): الجماعة، فلا تصحّ فرادى وإذا حضر الإمام الأصل وجب عليه الحضور والتقدم وإن منعه مانع جاز أن يستنيب(2).

ثم أضاف إليه صاحب الجواهر بقوله:

إجماعاً بين المسلمين فضلاً عن المؤمنين كما اعترف به في المعتبر والتذكرة والمنتهی علی ما حكي عن بعضها، ونصوصاً(3).

وقال السّيد الطباطبائي رحمه الله صاحب«الرياض»:

الرابع (من شروط الجمعة): الجماعة، فلا تصحّ فرادى إجماعاً فتوىً ونصاً، ومنه الصحيح: «فرضها اللّه تعالى في جماعة»، وهي شرط في الابتداء لا الانتهاء اتفاقاً، وتتحقق الجماعة بنيّة المأمومين الاقتداء بالإمام، فلو أخلّوا بها أو أحدهم لم تصح صلاة المخلّ، ويعتبر في انعقاد الجمعة نيّة العدد المعتبر، وفي وجوب نيّة القدوة للإمام هنا نظر، من حصول الإمامة إذا اقتدی به، و من وجوب نيّة كلّ واجب، ولا ريب أنّ الوجوب أحوط، وهو خيرة الشهيد والمحقق الثاني(4).

وقال الشّهيد الثاني رحمه الله في بيان كيفية تحقق الجماعة:

ص: 238


1- «كتاب الخلاف» ج1/598 و 610، المسائل 359 و 373.
2- «شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام» ج 1/85.
3- «جواهر الكلام» ج11/242.
4- «رياض المسائل» ج 3/339 - 340.

تتحقق الجماعة بنية المأمومين الاقتداء بالإمام، فلو أخلّوا بها أو أحدهم لم تصح صلاة المخلّ، ويعتبر في انعقاد الجمعة نيّة العدد المعتبر، وهل يجب على الإمام نيّة الإمامة؟ نظر، من وجوب نية الواجب، وحصول الإمامة إذا اقتدی به وإن لم يثب عليها بدون النيّة، ولا ريب أنّها أحوط(1).

وقال الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

اتفق الأئمة علی أنّ الجمعة لا تصحّ إلّا بجماعة، ولكنهم اختلفوا في عدد الجماعة الّتي لا تصحّ الجمعة إلّا بهم كما اختلفوا في شروط هذه الجماعة(2).

قد استدلّ علی اشتراط الجماعة في المقام بروايات متظافرة بل متواترة، منها:

1 - صحيحة زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ علیه السلام قَالَ: «إِنَّمَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ عَلَى النَّاسِ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ خَمْساً وثَلَاثِينَ صَلَاةً، مِنْهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فَرَضَهَا اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ في جَمَاعَةٍ وهي الْجُمُعَةُ، ووَضَعَهَا عَنْ تِسْعَةٍ: عَنِ الصَّغِيرِ والْكَبِيرِ والْمَجْنُونِ والْمُسَافِرِ والْعَبْدِ والْمَرْأَةِ والْمَرِيضِ والْأَعْمَى ومَنْ كَانَ عَلَى رَأْسِ فَرْسَخَيْنِ»(3).

ص: 239


1- راجع: «مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام» ج 1/239.
2- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/387. ومثله ما قاله ابن رشد القرطبي فی «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج1/451.
3- «من لا يحضره الفقيه» ج1/2 الحديث 1217، «وسائل الشيعة» ج7/295 الحديث 9382.

2 - صحيحة أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أبي الْعَبَّاسِ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «أَدْنَى مَا يُجْزِئُ في الْجُمُعَةِ سَبْعَةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَدْنَاهُ»(1).

3 - صحيحة زُرَارَةَ قَالَ: كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام يَقُولُ: «لَا تَكُونُ الْخُطْبَةُ وَالْجُمُعَةُ وَصَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ رَهْطٍ: الْإِمَامِ وَأَرْبَعَةٍ»(2).

4 - صحيحة الْحَلَبِيِّ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ إِذَا كَانَ الْقَوْمُ خَمْسَةً أَوْ سَبْعَةً فَإِنَّهُمْ يُجَمِّعُونَ الصَّلَاةَ كَمَا يَصْنَعُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ»(3).

5 - صحيحة زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأبي جَعْفَرٍ علیه السلام: عَلَى مَنْ تَجِبُ الْجُمُعَةُ؟ قَالَ: «تَجِبُ عَلَى سَبْعَةِ نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا جُمُعَةَ لِأَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ

أَحَدُهُمُ الْإِمَامُ، فَإِذَا اجْتَمَعَ سَبْعَةٌ وَلَمْ يَخَافُوا أَمَّهُمْ بَعْضُهُمْ وَخَطَبَهُمْ»(4).

6 - صحيحة الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «إِذَا كَانَ قَوْمٌ في قَرْيَةٍ صَلَّوُا الْجُمُعَةَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَنْ يَخْطُبُ لَهُمْ جَمَّعُوا إِذَا كَانُوا خَمْسَ نَفَرٍ وَإِنَّمَا جُعِلَتْ رَكْعَتَيْنِ لِمَكَانِ الْخُطْبَتَيْنِ»(5).

ص: 240


1- «الكافي» ج3/419 الحديث 5، «التهذيب» ج3/21 الحديث 76، «الاستبصار» ج1/419 الحديث 1609، «وسائل الشيعة» ج7/303 الحديث 9412.
2- «الكافي» ج3/419 الحديث 4، «التهذيب» ج3/240 الحديث 640، «الاستبصار» ج1/419 الحديث 1612، «وسائل الشيعة» ج7/303 الحديث 9413.
3- «من لا يحضره الفقيه» ج1/331 الحديث 1489، «وسائل الشيعة» ج7/303 الحديث 9414.
4- «من لا يحضره الفقيه» ج1/267 الحديث 1218، «وسائل الشيعة» ج7/304 الحديث 9415.
5- «التهذيب» ج3/238 الحديث 634، «الاستبصار» ج1/420 الحديث 1614، «وسائل الشيعة» ج7/304 الحديث 9417.

7 - صحيحة مَنْصُورٍ ابْنَ حَازِمٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «يُجَمِّعُ الْقَوْمُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا كَانُوا خَمْسَةً فَمَا زَادُوا، فَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ فَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ، وَالْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ»، الْحَدِيثَ(1).

8 - موثقة ابْنِ أبي يَعْفُورٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «لَا تَكُونُ جُمُعَةٌ مَا لَمْ يَكُنِ الْقَوْمُ خَمْسَةً»(2).

9 - صحيحة عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «إِذَا كَانُوا سَبْعَةً يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلُّوا في جَمَاعَةٍ، (إلَى أَنْ قَالَ:) وَلْيَقْعُدْ

قَعْدَةً بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ»، الْحَدِيثَ(3).

10 - صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم في الْجُمُعَةِ، قَالَ: «إِذَا اجْتَمَعَ خَمْسَةٌ أَحَدُهُمُ الْإِمَامُ فَلَهُمْ أَنْ يُجَمِّعُوا»(4).

ص: 241


1- «التهذيب» ج3/239 الحديث 636، «الاستبصار» ج1/419 الحديث 1610، «وسائل الشيعة» ج7/304 الحديث 9418.
2- «التهذيب» ج3/239 الحديث 637، «الاستبصار» ج1/419 الحديث 1611، «وسائل الشيعة» ج7/304 الحديث 9419.
3- «التهذيب» ج3/245 الحديث 664، «الاستبصار» ج1/418 الحديث 1607، «وسائل الشيعة» ج7/305 الحديث 9421.
4- «رجال الكشي» ج1/390 الحديث 279، «وسائل الشيعة» ج7/306 الحديث 9422.

بقي هنا أمران:

الأوّل: الخطبة في المعنی والمفهوم.

الخُطبة بالضم: الخطابة علی نحو الموعظة، قال الطريحي:

(خطب) قوله تعالى: (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) [38/20]، الخطاب هو توجه الكلام نحو الغير للإفهام، وقد ينقل إلى الكلام الموجّه، وفصل الخطاب هو الفصل بين اثنين...، والخطب: الأمر الّذي يقع فيه المخاطبة والشأن والحال، وفي الحديث:" «خطيب وفد المؤمنين» خطيب القوم: كبيرهم الّذي يخاطب السلطان ويكلمه في حوائجهم، والوفد المراد به الجماعة، والخطب والمخاطبة والتخاطب: المراجعة في الكلام، ومنه الخطبة ضماً وكسراً، لكن الخُطبة بالضم تختص بالموعظة والكلام المخطوب به، ولذا يعدى بنفسه فيقال: خطبنا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أي وعظنا، وبالكسر خِطبة النساء، وهي من الرجل والاختطاب من المرأة، يقال:"خطب المرأة إلى القوم" إذا تكلم أن يتزوج منهم، فهو خاطب، وخطاب مبالغة. و"الخُطبة" بالضمّ فُعلة بمعنى مفعول كنسخة بمعنى منسوخ وغُرفة من ماء بمعنى مغروف، والجمع خُطَب، وخَطُب بالضم خَطَابة بالفتح: صار خطيباً، وكان يقال لشعيب علیه السلام "خطيب الأنبياء" لحسن مراجعته قومه، وكانوا أهل بخس للمكيال والميزان(1) .

يؤيد ذلك ما ورد في حكمة الخطبة في موثقة الْفَضْل بْنِ شَاذَانَ عَنِ الرِّضَا علیه السلام قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَتِ الْخُطْبَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ مَشْهَدٌ عَامٌّ فَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ لِلْأَمِيرِ سَبَبٌ إِلَى مَوْعِظَتِهِمْ وَتَرْغِيبِهِمْ في الطَّاعَةِ وَتَرْهِيبِهِمْ مِنَ الْمَعْصِيَةِ،

ص: 242


1- راجع: «مجمع البحرين» ج 1/662 - 663.

وَتَوْقِيفِهِمْ عَلَى مَا أَرَادَمِنْ مَصْلَحَةِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَيُخْبِرُهُمْ بِمَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ مِنَ (الآفَاقِ مِنَ) الْأَهْوَالِ الّتي لَهُمْ فِيهَا الْمَضَرَّةُ وَالْمَنْفَعَةُ، وَلَا يَكُونُ الصَّابِرُ في الصَّلَاةِ مُنْفَصِلاً، وَلَيْسَ بِفَاعِلٍ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَؤُمُّ النَّاسَ في غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ خُطْبَتَيْنِ لِيَكُونَ وَاحِدَةٌ لِلثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَالتَّمْجِيدِ وَالتَّقْدِيسِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْاُخری لِلْحَوَائِجِ وَالْإِعْذَارِ وَالْإِنْذَارِ وَالدُّعَاءِ، وَلِمَا يُرِيدُ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ مَا فِيهِ الصَّلَاحُ وَالْفَسَادُ»(1).

الثاني: مسألة لزوم متابعة المأموم إمامه في أفعال الصّلاة.

قد عرفت آنفاً اشتراط الجماعة في صحّة صلاة الجمعة، فمن أجل ذلك ينبغي أن نشير إلی مسألة لزوم متابعة المأموم لإمامه في أفعال الصّلاة، إذ كثيراً ما نرى في الجمعة والجماعات تقدّم المأمومين على أئمّتهم في أفعال صلواتهم، وهذا الأمر يدلّ على عدم اكتراثهم بذلك أو قلّة علمهم بأحكام الجماعة.

نذكر في بادئ الأمر بعض الأقوال في المسألة ثمّ نعقّبها بذكر بعض الرّوايات الواردة في المقام، مع بيان القول المختار فيها:

قال الشّيخ الصّدوق رحمه الله :

إنّ من المأمومين من لا صلاة له، وهو الّذي يسبق الإمام في ركوعه

وسجوده ورفعه(2).

وقال الشّيخ رحمه الله في «الخلاف»:

إذا رفع المأموم رأسه من الركوع قبل الإمام عاد إلى ركوعه ويرفع مع الإمام، وبه قال الشافعي إلّا أنّه قال: فرضه قد سقط بالأوّل، دليلنا:

ص: 243


1- «وسائل الشيعة» ج7/344 الحديث 9533.
2- حكاه عنه فی «جواهرالكلام» ج13/211.

إجماع الفرقة، وروى عليّ بن يقطين قال: سألت أبا الحسن علیه السلام عنالرجل يركع مع الإمام يقتدی به، ثمّ يرفع رأسه قبل الإمام، قال: «يعيد ركوعه معه»، فأمّا القول بإسقاط الفرض بالركوع الأوّل فيحتاج إلى دليل(1).

وقال المحقق النراقي رحمه الله في «مستنده»:

والمراد بالمتابعة الواجبة في الأفعال والتكبيرة عدم تقدّم المأموم علی المشهور، بل لم أعثر علی مصرّح بخلافه في الأفعال، بل عن شرح الإرشاد لفخر المحققين الإجماع عليه فيها، فتجوز المقارنة وإن انتفت معها فضيلة الجماعة عند بعضهم ونقصت عند آخر، ولكن عن بعض آخر عدم النقص أيضاً(2).

وقال الشّيخ محمّد حسن النّجفي رحمه الله في «الجواهر»:

وممّا يعتبر في الجماعة أيضاً أنَها تجب المتابعة فيها على المأموم للإمام في الأفعال بلا خلاف أجده فيه على الظاهر، كما اعترف به في الرُّوض والذّخيرة والحدائق، بل في المعتبر والمنتهى والذّكرى والمدارك والمفاتيح؛ وعن النّجيبية والقطيفية وغيرهما الإجماع أو الاتّفاق عليه، بل ظاهر الأوَّل أنّه كذلك بين المسلمين، بل هو صريح الثاني أو كصريحه، لظاهر الآية والنّبوي: «إنَّما جعل الإمام إماماً ليؤتمّ به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا»(3)، وإن كان هو عامّياً على الظاهر إلّا أنّه رواه الأصحاب في كتبهم، بل وعملوا به، ولإشعار محافظة سائر المسلمين عليه في سائر الأعصار والأمصار بوجوبه

ص: 244


1- «كتاب الخلاف» ج1/352، المسألة 103.
2- «مستند الشيعة» ج8/96.
3- «صحيح البخاري» ج1/169، «سنن ابن ماجة» ج1/392 الخبر 1237.

ولزومه أيضاً، بل وإشعار سياق كثير من الأخبار المشتملة على لفظالاقتداء ونحوه به، بل كاد يكون ظاهر فحوى ما تسمعه من المعتبرة الآمرة بالرجوع لمن رفع رأسه من السّجود أو الرّكوع قبل الإمام لتحصيل الرفع معه وإن حصل مع ذلك زيادة ركن، بل وظاهر الأخبار الآمرة باشتغال المأموم بتسبيح ونحوه عند الفراغ من القراءة قبل الإمام انتظاراًلركوع الإمام كي يركع معه، إلى غير ذلك ممّا يمكن تصيّده من الأدلة حتّى ما تسمعه من موثق ابن فضال سؤالاً وجواباً، فمن العجيب ما يظهر من بعض متأخّري المتأخّرين من انحصار دليل الأصحاب بعد دعوى الإجماع في النبّوي العامّي، حتّى أنّ بعض مشايخنا قال: إنّه الأصل في هذا الباب، وكيف كان فالمراد منها في المشهور كما في الرياض أن لا يتقدم المأموم الإمام، بل هو معقد إجماع الذكرى السابق، كما أنّه ظاهر غيرها أيضاً (1).

وقال الشّهيد الثاني رحمه الله في «الرّوضة»:

وتجب علی المأموم المتابعة لإمامه في الأفعال إجماعاً، بمعنی أن لا يتقدّمه فيها، بل إمّا أن يتأخّر عنه وهو أفضلٌ، أو يقارنه، لكن مع المقارنة تفوت فضيلة الجماعة وإن صحّت الصّلاة، وإنّما فضلها مع المتابعة(2).

وقال السّيد الطباطبائي اليزدي رحمه الله في «العروة»:

لا يجوز أن يتقدّم المأموم علی الإمام في الأفعال، بل يجب متابعته بمعنی مقارنته أو تأخّره عنه تأخّراً غير فاحش ولا يجوز التّأخّر الفاحش.

ص: 245


1- «جواهر الكلام» ج13/201 - 202.
2- «الرّوضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة» ج1/162.

وجوب المتابعة تعبّدي وليس شرطاً في الصّحة، فلو تقدّم أو تأخّر فاحشاً عمداً أثم ولكن صلاته صحيحة وإن كان الأحوط الإتماموالإعادة، خصوصاً إذا كان التّخلّف في ركنين، بل في ركن، نعم لو تقدّم أو تأخّر علی وجه تذهب به هيئة الجماعة بطلت جماعته.

إذا رفع رأسه من الرّكوع أو السّجود قبل الإمام سهواً أو لزعم رفع الإمام رأسه، وجب عليه العود والمتابعة ولا يضرّ زيادة الركن حينئذٍ لأنّها مغتفرة في الجماعة في نحو ذلك، وإن لم يعد أثم وصحّت صلاته، لكن الأحوط إعادتها بعد الإتمام، بل لا يترك الاحتياط إذا رفع رأسه قبل الذكر الواجب ولم يتابع مع الفرصة لها، ولو ترك المتابعة حينئذٍ سهواً أو لزعم عدم الفرصة لا يجب الإعادة وإن كان الرفع قبل الذكر، هذا ولو رفع رأسه عامداً لم يجز له المتابعة، وإن تابع عمداً بطلت صلاته للزيادة العمديّة، ولو تابع سهواً فكذلك إذا كان ركوعاً أو في كلّ من السجدتين، وأمّا في السجدة الواحدة فلا(1).

وقال الإمام قدس سره في «التّحرير»:

تجب على المأموم متابعة الإمام في الأفعال بمعنى أن لا يتقدّم فيها عليه ولا يتأخّر عنه تأخراً فاحشاً، وأمّا في الأقوال فالأقوى عدم وجوبها عدا تكبيرة الإحرام، فإنّ الواجب فيها عدم التّقدم والتقارن، والأحوط عدم الشّروع فيها قبل تمامية تكبيرة الإمام، من غير فرق فيما ذكر بين المسموع من الأقوال وغيره وإن كانت أحوط في المسموع وفي خصوص التّسليم، ولو ترك المتابعة فيما وجبت فيه عصى، ولكن صحّت صلاته وجماعته أيضاً إلّا فيما إذا ركع حال اشتغال الإمام

ص: 246


1- «العروة الوثقی» ج1/668، المسألة 7 و 8 و 9.

بالقراءة في الاُوليين منه ومن المأموم، فإنّ صحة صلاته فضلاً عنجماعته مشكلةٌ، بل ممنوعةٌ؛ كما أنّه لو تقدّم أو تأخّر فاحشاً على وجه ذهبت هيئة الجماعة، بطلت جماعته فيما صحّت صلاته.

لو رفع رأسه من الرّكوع أو السّجود قبل الإمام سهواً أو لزعم رفع رأسه، وجب عليه العود والمتابعة، ولا يضر زيادة الركن حينئذٍ، وإن لم يعد أثم وصحّت صلاته إن كان آتياً بذكرهما وسائر واجباتهما، وإلاّ فالأحوط البطلان، وأحوط منه الإتمام ثمّ الإعادة، ولو رفع رأسه قبله عامداً أثم وصحّت صلاته لو كان ذلك بعد الذّكر وسائر الواجبات، وإلّا بطلت صلاته إن كان الترك عمداً، ومع الرفع عمداً لا يجوز له المتابعة، فإن تابع عمداً بطلت صلاته للزيادة العمدية، وإن تابع سهواً فكذلك لوزاد ركناً.

لو رفع رأسه من الرّكوع قبل الإمام سهواً ثم عاد إليه للمتابعة فرفع الإمام رأسه قبل وصوله إلى حد الرّكوع، لا يبعد بطلان صلاته، والأحوط الإتمام ثمّ الإعادة.

لو ركع أو سجد قبل الإمام عمداً لا يجوز له المتابعة، وإن كان سهواً فوجوبها بالعود إلى القيام أو الجلوس ثمّ الرّكوع أو السّجود لا يخلو من وجه، وإن كان لا يخلو من إشكال، والأحوط مع ذلك إعادة الصلاة(1).

وقال القاضي أبي الوليد بن رشد القرطبي في كتابه «بداية المجتهد»:

ص: 247


1- «تحريرالوسيلة» ج1/272 - 273، المسائل 9 و 11 و 12 و 14 من مسائل «القول فی أحكام الجماعة».

أجمع العلماء علی أنّه يجب علی المأموم أن يتّبع الإمام في جميع أقواله وأفعاله إلّا في قوله: سمع الله لمن حمده، وفي جلوسه إذا صلّیجالساً لمرض عند من أجاز إمامة الجالس، وأمّا اختلافهم في قوله: سمع الله لمن حمده، فإنّ طائفة ذهبت إلی أنّ الإمام يقول إذا رفع رأسه من الرّكوع: سمع الله لمن حمده فقط، ويقول المأموم: ربّنا ولك الحمد فقط، وممّن قال بهذا القول مالك وأبوحنيفة وغيرهما، وذهبت طائفة اُخری إلی أنّ الإمام والمأموم يقولان جميعاً: سمع الله لمن حمده ربّنا ولك الحمد، وأنّ المأموم يتّبع فيهما معاً الإمام كسائر التكبير سواء(1).

وحكی الجزيري في كتابه «الفقه علی المذاهب الأربعة» اتّفاق المذاهب الأربعة علی اشتراطهم متابعة المأموم لإمامه في أفعال الصّلاة إجمالاً، حيث قال:

ومن شروط الإمامة متابعة المأموم لإمامه في أفعال الصّلاة علی تفصيل في المذاهب(2).

وقد حكی علاء الدين الهندي من العامّة في كتابه المسمی ب- «كنز العمال» أخباراً تدلّ علی أمر المأموم بمتابعة إمامه، أو ذمّ تقدّم المأموم علی إمامه منها:

ما روی أبو أمامة عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «إِذَا كبَّرَ الْإِمَامُ فَكبِّرُوا، وَإذَا رَكعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكوعِ فَارْفَعُوا، وَإذَا صَلَّی جَالِساً فَصَلُّوا جُلُوسَاً أَجْمَعِينَ»(3).

ص: 248


1- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج1/423 - 424.
2- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/419.
3- «كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال» ج7/602 الخبر 20463.

وما روی أبو هريرة عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «مَا يَأْمَنُ الّذي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ في صَلاتِهِ أَنْ يُحَوَّلَ اللهُ صُورَتَهُ في صُورَةِ الْحِمَارِ».

وما روی ابن قانع عن شيبان عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أو وَضَعَهُ فَلا صَلاةَ لَهُ».

وما روی أيضاً أبوهريرة عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «إنَّ الّذي يَسْجُدُ قَبْلَ الْإِمَامِ وَيَرْفَعُ قَبْلَهُ إنَّمَا نَاصِيَتُهُ بِيَدِ الشَّيْطَانِ»(1).

أقول: إنّ التّحقيق في المقام يقتضي تقسيم المسألة إلی أقسام ثلاثة، كما تلي:

تارةً: يفارق المأموم إمامه عن سهو و غير عمد، ففي هذه الصّورة تصحّ صلاته بشرط العودة والمتابعة مع الإمام إذا لم يوجب بذلك ازدياد الرّكن غير المعفوّ،كما لو رفع رأسه من الرّكوع قبل الإمام سهواً ثمّ عاد إليه للمتابعة فلم يصل بركوعه ورفع الإمام رأسه منه قبل وصوله إليه، ممّا يمكن أن نستفيد من منطوقه أو مفهومه صحّة ذلك عبارة عن:

1 - صحيحة الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ الّذي سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ رَجُلٍ صَلَّى مَعَ إِمَامٍ يَأْتَمُّ بِهِ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ، فَقَالَ له: «فَلْيَسْجُدْ»(2).

ص: 249


1- «كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال» ج7/607 و 611 الأخبار 20479 و 20480 و 20504.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج1/258 الحديث 1173، «وسائل الشيعة» ج8/390 الحديث 10982.

2 - صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ الْأَشْعَرِیِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أبي الْحَسَنِ علیه سلام حينما سَأَلَهُ عَمَّنْ رَكَعَ مَعَ إِمَامٍ يَقْتَدِی بِهِ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ؟ فَقَالَ: «يُعِيدُ رُكُوعَهُ مَعَهُ»(1).

3 - صحيحة عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ حَيثُ قالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ علیه السلام عَنِ الرَّجُلِ يَرْكَعُ مَعَ الْإِمَامِ يَقْتَدِي بِهِ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ؟ فَقَالَ: «يُعِيدُ رُكُوعَهُ مَعَهُ»(2).

4 - موثَّقة ابْنِ فَضَّالٍ حَيثُ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أبي الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام في الرَّجُلِ كَانَ خَلْفَ إِمَامٍ يَأْتَمُّ بِهِ فَيَرْكَعُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ، وهُو يَظُنُّ أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ رَكَعَ، فَلَمَّا رَآهُ لَمْ يَرْكَعْ رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ أَعَادَ رُكُوعَهُ مَعَ الْإِمَامِ؛ أَيُفْسِدُ ذَلِكَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ أَمْ تَجُوزُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ؟ فَكَتَبَ علیه السلام: «تَتِمُّ صَلَاتُهُ، ولَا تَفْسُدُ بِمَا صَنَعَ صَلَاتُهُ»(3).

5 - موثّقة اُخری عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ أبي الْحَسَنِ علیه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَسْجُدُ مَعَ الْإِمَامِ فَأَرْفَعُ رَأسِي قَبْلَهُ، اُعِيدُ؟ قَالَ: «أَعِدْ واسْجُدْ»(4).

6 - صحيحة زُرَارَةَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «إِذَا

اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ قَدْ زَادَ في الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ رَكْعَةً لَمْ يَعْتَدَّ بِهَا، وَاسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ اسْتِقْبَالاً إِذَا كَانَ قَدِ اسْتَيْقَنَ يَقِيناً»(5).

7 - صحيحة مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى فَذَكَرَ أَنَّهُ زَادَ سَجْدَةً؟ قَالَ: «لَا يُعِيدُ صَلَاةً مِنْ سَجْدَةٍ وَ يُعِيدُهَا مِنْ رَكْعَةٍ»(6).

ص: 250


1- «التهذيب» ج3/47 الحديث 163، «الاستبصار» ج1/438 الحديث 1688، «وسائل الشيعة» ج8/390 الحديث 10983.
2- «التهذيب» ج3/277 الحديث 810، «وسائل الشيعة» ج8/391 الحديث 10984.
3- «التهذيب» ج3/277 الحديث 811، «وسائل الشيعة» ج8/391 الحديث 10985.
4- «التهذيب» ج3/280 الحديث 824، «وسائل الشيعة» ج8/391 الحديث 10986.
5- «الكافي» ج3/348 الحديث 3، «وسائل الشيعة» ج6/319 الحديث 8075.
6- «من لايحضره الفقيه» ج1/228 الحديث 1009، «التهذيب» ج2/156 الحديث 610، «وسائل الشيعة» ج6/319 الحديث 8076.

8 - موثقة عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ رَجُلٍ شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ أَ سَجَدَ ثِنْتَيْنِ أَمْ وَاحِدَةً فَسَجَدَ اُخری ثُمَّ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ قَدْ زَادَ سَجْدَةً؟ فَقَالَ: «لَا وَاللَّهِ، لَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِزِيَادَةِ سَجْدَةٍ، وَقَالَ: لَا يُعِيدُ صَلَاتَهُ مِنْ سَجْدَةٍ وَيُعِيدُهَا مِنْ رَكْعَةٍ»(1).

والمراد بالرّكعة في هذه الثلاثة هو الرّكوع، يشهد بذلك جعل الرّكعة في مقابل السّجدة في الأخيرين.

واُخری: يفارق إمامه عن علم وعمد، ففي هذه الصّورة لا يجوز له المتابعة لخروجه بذلك عن الجماعة، وحيث كان بحثنا هنا في خصوص صلاة الجمعة الّتي تعتبر مشروطةً بالجماعة، فإنّ صلاته - جمعته - تكون باطلةً أيضاً وعليه المبادرة بالظهر بعده.

وقد صرّح إلی حكم هذه الصّورة الشّيخ الأعظم الأنصاري رحمه الله حيث قال:

لا خلاف ولا إشكال في اعتبار عدم تقدّم المأموم على الإمام، وحكاية الإجماع عليه مستفيضة، والظاهر أنّه شرط للجماعة، فتبطل بالإخلال به ولو في زمان يسير، والعود إلى الائتمام بعده مبنيّ على جواز تجديد نيّة الانفراد(2).

وقال السيّد الخوئي رحمه الله :

ص: 251


1- «التهذيب» ج2/156 الحديث 611، «وسائل الشيعة» ج6/319 الحديث 8077.
2- «كتاب الصلاة للشيخ الأعظم الأنصاري» ج2/511.

أمّا في فرض العمد: فلا إشكال في عدم جواز العود والمتابعة، لاستلزامه الزيادة العمدية المبطلة من غير دليل على اغتفارها كما هو واضح(1).ممّا يمكن أن يستفاد منه ذلك صحيحة غِيَاثِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: سُئِلَ أَبُوعَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الرَّجُلِ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَبْلَ الْإِمَامِ، أَيَعُودُ فَيَرْكَعُ إِذَا أَبْطَأَ الْإِمَامُ ويَرْفَعُ رَأْسَهُ مَعَهُ؟ فَقَالَ: «لَا»(2).

بتقريب أنّه بعد ما علم بأنّ إمامه بطيء في أفعاله، فإنّ تقدّمه عليه هو تقدّمٌ عمديّ، فلا يجوز له المتابعة بعد ذلك، وقد أشار إلى ذلك الشّيخ الحرّ العاملي رحمه الله بعد نقله الحديث بقوله:

أقول: حمله الشّيخ وغيره على من تعمّد ذلك وقد تقدّم ما يدلّ عليه وعلى حكم السّجود.

وثالثةً: يفارق الإمام عن عمد وغير سهو، إلّا أنّه ليس من نيّته الخروج عن الجماعة كأكثر المصلّين، بل إنّما يفعل ذلك جهلاً ولقلّة مبالاته بأحكام الجماعة، فالأقوی بل المتعيّن في هذه الصّورة إلحاقه بالصّورة الثّانية، خصوصاً فيمن كانت عادته الثّانويّة في الجمعة والجماعات مفارقة الإمام، إذ متابعة الإمام علی ما يستفاد من الأخبار والأحاديث من شرائط الجماعة، وتعدّ أمراً داخلاً

ص: 252


1- «موسوعة الإمام الخوئي» ج 17/244.
2- «التهذيب» ج3/47 الحديث 164، «الاستبصار» ج1/438 الحديث 1689، «وسائل الشيعة» ج8/391 الحديث 10987.

ضمن مفهومها عند العرف وأرباب اللغة(1)، وبذلك يعلم أنّه لا يمكن لنفي لزومها وصحّة الصّلاة بدون رعايتها أن نتمسك بالبراءة لكونها كانت من قبيلالشك في موارد الشرائط والأجزاء، وأنّ الأصل فيها هو البراءة، فلا يوجد دليلٌ علی صحّتها مع فقدان المتابعة.

هذا، وقد ثبت في الاُصول أيضاً اشتراك الأحكام ثبوتاً بين العالم والجاهل حتّی ادّعي عليه إجماع الإماميّة، فالأحكام مشتركة بين جميع المكلّفين سواء علموا بها أم لا، خلافاً لما اختاره أكثر العامّة من أنّ الأحكام إنّما تثبت لخصوص العالم بها أو من قامت لديه الحجّة، فمن لم يعلم بالحكم ولم تقم عنده الحجّة عليه لاحكم في حقّه حقيقة وفي الواقع(2)، زائداً علی لزوم الأخذ بالاحتياط والاشتغال.

ص: 253


1- راجع: تعريف الإمام في كلمات أرباب اللغة عند جوابنا عن استدلال القائل بحرمة صلاة الجمعة في عصر الغيبة بأنّ الظاهر من كلمة «الإمام» أو «السلطان العادل» هو الإمام المعصوم علیه السلام أو نائبه. .
2- ولزيادة التوضيح راجع: «اُصول الفقه للعلّامة المظفر» ص 392، المقصد الثالث مباحث الحجّة، مبحث «اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل».

الثالث: هل يجب اتحاد الإمام والخطيب؟

ذهب كثير من الفريقين علی لزوم الاتحاد في المقام تارة بعنوان بعنوان الزوم والوجوب، أو الاحتياط الوجوبي، أو علی الأقرب والأظهر، أو بصورة إرسال المسلّم، واُخری بلزومه في صورة الإمكان والقدرة، في قبال من جاز تعدّدهما تشبيهاً بجواز الاقتداء بإمامين متعدّدين في صلاة واحدة، نذكر في ما يلي بعض ما ظفرنا عليها من الأقوال:

قال الرّاوندي رحمه الله :

هل يجوز أن يخطب رجل ويصلّي آخر؟ قلنا: لا، وذلك أنّ السنّة ثبتت بخلافه ولم يحفظ عن أحد من أئمة الإسلام أنّه تفرّد بالصّلاة دون

الخطبة، فثبت أنّ فعل ما في السّؤال بدعة(1).

وقال المحقق النراقي رحمه الله في «مستنده»:

لا شكّ في رجحان اتّحاد الخطيب والإمام؛ للاحتياط، والمروي في تفسير القمّي المتقدّم...، وللاتّحاد في صلاة النّبيّوالأئمّة علیهم السلام ...، وهل يجب ذلك كما عن الرّاوندي في أحكام القرآن والمنتهى والتذكرة...، أو لا كما عن نهاية الإحكام وظاهر المدارك والذخيرة؟ التردد للأصل، الحقّ هو الثاني؛ لما ذكر وعدم دلالة شيء ممّا مرّ على الوجوب(2).

وقال المحدث البحراني رحمه الله في «الحدائق»:

الثالث (ممّا يجب في الخطبتين): اتحاد الخطيب والإمام على أظهر القولين وأشهرهما وهو اختيار الرّاوندي في «أحكام القرآن»، وقوّاه

ص: 254


1- «فقه القرآن (للراوندي)» ج1/134، «سلسلة الينابيع الفقهيَّة» ج4/510.
2- راجع: «مستند الشيعة» ج6/75، المسألة السادسة من مسائل «شرائط صلاة الجمعة».

العلّامة في «المنتهى» والشهيد في «الذكرى» واختاره السيّد السّند في «المدارك»، ونقل عن العلّامة في «النهاية» القول بجواز المغايرة معلّلاً بانفصال كلّ من العبادتين عن الاُخری، وبأنّ غاية الخطبتين أن يكونا كالركعتين ويجوز الاقتداء بإمامين في صلاة واحدة(1).

وقال الإمام الراحل قدس سره في «التحرير»:

يجب أن يكون الخطيب قائماً وقت إيراد الخطبة، ويجب وحدة الخطيب والإمام، فلو عجز الخطيب عن القيام خطب غيره وأمّهم الّذي خطبهم، ولو لم يكن غير العاجز فالظاهر الانتقال إلى الظهر، نعم لو كانت الجمعة واجبة تعييناً خطبهم العاجز عن القيام جالساً، والأحوط الإتيان بالظهر بعد الجمعة، ويجب الفصل بين الخطبتين بجلسة خفيفة(2).

وقال المحقق السّبزواري رحمه الله :

يجب اتحاد الإمام والخطيب مع الإمكان(3).

وقال العلّامة رحمه الله في «النهاية»:

وهل يجب اتحاد الإمام والخطيب؟ الأقرب المنع، لجواز تعدد الأئمة في صلب الصلاة، مع احتماله، لأنّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم تولّاهما، ولا يجب على المأمومين استئناف نيّة القدوة، لأنّه خليفة الأوّل، والغرض من

ص: 255


1- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج 10/85.
2- «تحريرالوسيلة» ج1/235، المسألة 12 من مسائل «البحث في صلاة الجمعة».
3- «مهذ،ب الأحكام» ج9/86، المسألة 11.

الاستخلاف تنزيل الخليفة منزلة الأوّل، ويحتمل الوجوب، لوجوب تعيين الإمام في الابتداء(1).

وقال ابن قدامة الحنبلي في «المغني»:

والسنّة(2) أن يتولّی الصلاة من يتولّی الخطبة، لأنّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم كان يتولّاهما بنفسه وكذلك خلفاؤه من بعده، وإن خطب رجلٌ وصلّی آخر لعذر جاز، نصّ عليه أحمد، ولو خطب أميرٌ فعزل وولّی غيره فصلّی بهم فصلاتهم تامّة، نصّ عليه، لأنّه إذا جاز الاستخلاف في الصلاة الواحدة للعذر ففي الخطبة مع الصلاة أولی، وإن لم يكن عذر فقال أحمد رحمه الله : لا يعجبني من غير عذر، فيحتمل المنع لأنّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم كان يتولّاهما وقد قال: «صلّوا كما رأيتموني اُصلّي»، ولأنّ الخطبة اُقيمت مقام ركعتين، ويحتمل الجواز لأنّ الخطبة منفصلة عن الصلاة فأشبهتا صلاتين...، وقد روی عن أحمد أنّه لا يجوز الاستخلاف لعذر ولا غيره، قال في رواية حنبل في الإمام إذا أحدث بعد ما خطب فقدم رجلاً يصلّي بهم، لم يصلّ بهم إلّا أربعاً إلّا أن يعيد الخطبة ثمّ يصلّي بهم ركعتين، وذلك لأنّ هذا لم ينقل عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم ولا عن أحد من خلفائه، والأوّل المذهب(3).

وقال الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة» حكاية عن المالكية في الثالث من شروط صحة الجمعة:

ص: 256


1- «نهاية الأحكام في معرفة الأحكام» ج2/ 18.
2- مراده من السنة في المقام هو فعل النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وخلفائه لا السنة بمعنی الفعل المندوب الراجح فعله.
3- «المغني لابن قدامة» ج2/307 - 308.

الثالث: الإمام، ويشترط فيه أمران؛ أحدهما: أن يكون مقيماً أو مسافراً

نوی إقامة أربعة أيام، ثانيهما: أن يكون هو الخطيب، فلو صلّى بهم غير من خطب فالصلاة باطلة، إلّا إذا منع الخطيب من الصلاة مانع يبيح له الاستخلاف كرعاف، ونقض وضوء، فيصح أو يصلّی غيره إن لم ينتظر زوال عذره في زمن قريب، وإلّا وجب انتظاره(1).

أقول: الظاهر بل الأقوی بل المتعيّن كما صرّح به في «فقه القرآن» وجوب اتحاد الإمام والخطيب إلّا لعذر مثل الحدث وشبهه، وعليه يحمل كلام العلّامة رحمه الله أخيراً في النهاية حيث علّل عليه بجواز تعدّد الأئمة في صلب الصلاة إذ جواز تعدّد الأئمة في الصلاة إنّما هو في حالة العذر لا الاختيار كما يؤمي إليه في رواية أبي حَفْصٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام «أَنَّ عَلِيّاً علیه السلام كَانَ يَقُولُ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الرُّعَافُ وَلَا الدَّمُ وَلَا الْقَيْ ءُ، فَمَنْ وَجَدَ أَذًى فَلْيَأْخُذْ بِيَدِ رَجُلٍ مِنَ الْقَوْمِ مِنَ الصَّفِّ فَلْيُقَدِّمْهُ، يَعْنِی إِذَا كَانَ إِمَاماً»(2)، وعليه يُردّ قياس المقام بجواز تعدّد الأئمة في صلاة واحدة بأنّه قياس مع الفارق.

وكيف كان يمكن أن نستدلّ علی مختارنا تارة: بالسيرة المستمرة بين المسلمين حيث إنّها جارية بأنّ المتولّي لهما من زمن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم إلی زماننا هذا واحد.

واُخری: بأنّ الظاهر من بعض الأخبار المستفيضة الواردة في باب الجمعة كصحيحة زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأبي جَعْفَرٍ علیه السلام: عَلَى مَنْ تَجِبُ الْجُمُعَةُ؟ قَالَ: «تَجِبُ

ص: 257


1- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/381.
2- «التهذيب» ج2/325 الحديث 1331، «الاستبصار» ج1/404 الحديث 1540، «وسائل الشيعة» ج7/240 الحديث 9219.

عَلَى سَبْعَةِ نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا جُمُعَةَ لِأَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدُهُمُ الْإِمَامُ، فَإِذَا اجْتَمَعَ سَبْعَةٌ وَلَمْ يَخَافُوا أَمَّهُمْ بَعْضُهُمْ وَخَطَبَهُمْ»(1)، وصحيحة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم يُصَلِّي

الْجُمُعَةَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ قَدْرَ شِرَاكٍ وَيَخْطُبُ في الظِّلِّ الْأَوَّلِ، فَيَقُولُ جَبْرَئِيلُ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ زَالَتِ الشَّمْسُ فَانْزِلْ فَصَلِّ، وَإِنَّمَا جُعِلَتِ الْجُمُعَةُ رَكْعَتَيْنِ مِنْ أَجْلِ الْخُطْبَتَيْنِ فهي صَلَاةٌ حَتَّى يَنْزِلَ الْإِمَامُ»(2)، وصحيحة عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «إِذَا كَانُوا سَبْعَةً يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلُّوا في جَمَاعَةٍ، وَلْيَلْبَسِ الْبُرْدَ وَالْعِمَامَةَ، وَيَتَوَكَّأُ عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصًا، وَلْيَقْعُدْ قَعْدَةً بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ، وَيَقْنُتُ في الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْهُمَا قَبْلَ الرُّكُوعِ»(3)، وصحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: «بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، يَخْرُجُ الْإِمَامُ بَعْدَ الْأَذَانِ فَيَصْعَدُ الْمِنْبَرَ فَيَخْطُبُ وَلَا يُصَلِّي النَّاسُ مَا دَامَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ يَقْعُدُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَدْرَ مَا يُقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، ثُمَ يَقُومُ فَيَفْتَتِحُ خُطْبَتَهُ، ثُمَّ يَنْزِلُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ فَيَقْرَأُ بِهِمْ في الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِالْجُمُعَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْمُنَافِقِينَ»(4)، أنّه يتّحد الإمام والخطيب.

وثالثة: بعدّها بمنزلة الصلاة في صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة(5) وشبهها، يخرج منه موارد العذر مثل الحدث والموت وشبههما.

ص: 258


1- «من لا يحضره الفقيه» ج1/267 الحديث 1218، «وسائل الشيعة» ج7/304 الحديث 9415.
2- «التهذيب» ج3/12 الحديث 42، «وسائل الشيعة» ج7/316 الحديث 9452.
3- «التهذيب» ج3/245 الحديث 664، «وسائل الشيعة» ج7/313 الحديث 9442.
4- «الكافي» ج3/424 الحديث 7، «وسائل الشيعة» ج7/313 الحديث 9444.
5- «التهذيب» ج3/12 الحديث 42، «وسائل الشيعة» ج7/316 الحديث 9452.

إن قلت: إنّ الشك في المقام حيث يكون من قبيل الشّك في موارد كون المشكوك شرطاً أو جزءً فيتمسك فيه كما تقرّر في محلّه بالبراءة لا الاحتياط أو الاشتغال، إذ لو كان علی الفرض أن يكون الخطيب والإمام متحداً للزم علی الشارع بيانه لئلّا يقعوا النّاس في الجهل فيندرج تحت قائدة القبح بلا بيان، زائداً علی أنّه يمكن للقول بعدم لزومه أن نتمسّك أيضاً بحديث الرفع.

قلنا: الأصل دليل حيث لا دليل، فبعد ما عرفت من ظهور الأدلّة اللفظيّة علی اتحاد الإمام والخطيب فلا تصل النوبة إلی البراءة لا سيّما بعد اعتضادها بالسّيرة المستمرة بين المسلمين من زمن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم إلی زماننا هذا.

الرابع: سقوط وجوب الجمعة عن طوائف.

يستثنی من خصوص وجوب الجمعة - لا جوازها - بعض الطوائف؛ وهي: المسافر، والمرأة، والصبي، والمجنون، والمريض، والشّيخ الكبير، والعبد، ومن بعُد عنها بأزيد من فرسخين، والأعرج، والأعمی، وعند نزول المطر. وذلك لأنّ أدلّة الجمعة منها ما يثبت منه الوجوب، ومنها ما لا يدلّ علی أزيد من الرجحان والمشروعيّة، ولا يلزم من انتفاء الأوّل انتفاء الثاني(1).

قال الشّيخ الطوسي رحمه الله في «الخلاف»:

لا تجب علی العبد والمسافر الجمعة بلا خلاف(2).

وقال العلّامة الحلّي رحمه الله في «التذكرة»:

ص: 259


1- أقول: سيأتي زيادة بيان إن شاء الله في مسألة «سقوط الجمعة عن المعذورين رخصةٌ وليس عزيمةً».
2- «كتاب الخلاف» ج1/610، المسألة 375 من صلاة الجمعة.

شرائط الوجوب عشرة: البلوغ، والعقل، والذكورة، والحرّيّة، والسلامة من المرض والعمى والعرج والشيخوخة المانعة من الحركة، والسفر، والزيادة على فرسخين، وليس الإسلام شرطاً للوجوب، لأنّ الكفّار عندنا مخاطبون بالفروع، وبه قال الشافعي، خلافا لأبي حنيفة، والعقل شرط في الوجوب والجواز معاً، وباقي الشروط شرط في الوجوب لا الجواز، والصبي وإن لم تجب عليه، ولا المجنون، لانتفاء التكليف عنهما، إلّا أنّه يستحب إحضار الصبي الجمعة للتمرين، كما يمرّن بالعبادات، خصوصاً المراهق(1).

وقال المحقق النراقي رحمه الله في «مستنده»:

التاسع (من شرائط وجوب الجمعة): انتفاء المطر، وفاقاً للأكثر، بل عن التذكرة أنّه لا خلاف فيه بين جملة العلماء، وتدلّ عليه صحيحة عبد الرحمن: «لا بأس بأن يترك الجمعة في المطر»، والظاهر أنّ المراد المطر الكثير الموجب لنوع تعسّر لا مطلقاً، وألحق به بعضهم الوحل(2)، والحرّ والبرد الشديدين، إذا خاف الضّرر معها، وعن السيّد أنّه قال: وروي أنّ من يخاف على نفسه ظلماً أو ماله فهو معذور، وكذا من كان متشاغلاً بجهاز ميّت، أو تعليل والد، ومن يجري مجراه من ذوي الحرمات الوكيدة، والظاهر عدم السقوط إلّا بما ورد به النصّ أو أوجب الحرج أو الضرر أو كان واجباً مضيّقاً(3).

ص: 260


1- «تذكرة الفقهاء (ط-الحديثة)» ج 4/85، المسألة 414.
2- قال الطريحي: (وحل) الوحل بالتحريك: الطين الرقيق. وهو بالفتح مصدر. وبالكسر مكان، وبالتسكين لغة ردي. راجع: «مجمع البحرين» ج 5/490.
3- «مستند الشيعة» ج6/110.

وقال الإمام الراحل قدس سره في «التحرير»:

يشترط في وجوبها اُمورٌ: التكليف والذكورة والحرية والحضر والسلامة من العمی والمرض، وأن لا يكون شيخاً كبيراً، وأن لا يكون بينه وبين محل إقامة الجمعة أزيد من فرسخين، فهؤلاء لا يجب عليهم السعي إلى الجمعة لو قلنا بالوجوب التعييني، ولا تجب عليهم و لو كان الحضور لهم غير حرجي ولا مشقة فيه(1).

وقال ابن رشد القرطبي في «بداية المجتهد»:

وأمّا علی من تجب؟ فعلی من وجدت فيه شروط وجوب الصلاة المتقدمة، ووجد فيها زائداً عليها أربعة شروط؛ اثنان باتّفاق، واثنان مختلف فيهما، أمّا المتفق عليهما: فالذكورة والصحة، فلا تجب علی امرأة ولا علی مريض باتّفاق، لكن إن حضروا كانوا من أهل الجمعة، وأمّا المختلف فيهما: فهما المسافر والعبد، فالجمهور علی أنّه لا تجب عليهما الجمعة، وداود وأصحابه علی أنّه تجب عليهما الجمعة، وسبب اختلافهم: اختلافهم في صحة الأثر الوارد في ذلك وهو قوله (عليه الصّلاة والسّلام): «الجمعة حقٌ واجب علی كلّ مسلم في جماعة إلّا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض»، وفی اُخری: «إلّا خمسة» وفيه: «أو مسافر»، والحديث لم يصحّ عند أكثر العلماء(2).

وقال الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

للجمعة شروط زائدة علی شروط الصّلاة المتقدمة، فالحنفية قالوا: فشروط وجوبها ستة؛ أحدها: الذكورة، فلا تجب علی الاُنثی ولكن إذا

ص: 261


1- «تحرير الوسيلة» ج1/237، المسألة رقم 1 من «القول فيمن تجب عليه».
2- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج1/444 - 447.

حضرتها وأدتها فإنّها تصحّ منها وتجزئها عن صلاة الظّهر، ثانيها: الحرية...، ثالثها: أن يكون صحيحاً، فلا تجب علی المريض الّذي يتضرّر بالذّهاب لحضورها ماشياً...، أمّا الأعمی الّذي لا يمكنه الذّهاب إليها بنفسه فالإمام يقول: إنّها تسقط عنه...، رابعها: الإقامة في المحل الّذي تقام فيه الجمعة...، خامسها: أن يكون عاقلاً فلا تجب علی المجنون ومن في حكمه، سادسها: البلوغ، فلا تجب علی الصبي الّذي لم يبلغ...، والمالكية قالوا: فأمّا شروط وجوبها فهي كشروط وجوب الصّلاة المتقدمة وتزيد عليها اُمور: أحدها: الذكورة...، ثانيها: الحرية...، ثالثها: عدم العذر المبيح لتركها، فتسقط عن المريض الّذي يتضرّر بالذّهاب إليها راكباً أو محمولاً، فإذا قدر علی السّعي لها ولو باُجرة لا تجحف به فإنّها تجب عليه...، رابعها: أن يكون مبصراً، فلا تجب علی الأعمی إذا تعذّر عليه الحضور بنفسه أو لم يجد قائداً، فإن أمكنه المشي بنفسه أو وجد قائداً فإنّها تجب عليه، خامسها: أن لا يكون شيخاً هرماً يصعب عليه الحضور، سادسها: أن لا يكون وقت حرّ أو برد شديدين، ومثل الحرّ والبرد الشّديدين المطر والوحل الشّديدان، سابعها: أن يخاف من ظالم يحسبه أو يضرّ به ظلماً، أمّا إن كان يستحقّ ذلك فإنّ الجمعة لا تسقط عنه، ثامنها: أن يخاف علی مال أو عرض أو نفس...، تاسعها: أن يكون مقيماً بالبلد الّذي تقام به الجمعة...، عاشرها: أن يكون في بلدة مستوطنة، فلو نزل جماعة كثيرة بمكان ونووا فيه الإقامة شهراً مثلاً وأرادوا أن يقيموا جمعة في ذلك المكان فلا تجب عليهم ولا تصحّ...، والشافعية قالوا: فأمّا شروط وجوبها الزائدة علی ما تقدّم في شروط وجوب الصلاة فمنها الشروط الّتي ذكرها المالكية إلی الشرط العاشر...، ومن شروط وجوب الجمعة الإقامة، فلا تجب الجمعة علی المسافر إلّا إذا نوی المسافر إقامة أربعة أيام في بلد

ص: 262

الجمعة...، والحنابلة قالوا: فأمّا شروط وجوبها الزائدة علی ما تقدّم فمنها الشّروط الّتي ذكرت عند المالكية والشافعية والحنفية...، ومنها الإقامة ببناء يشمله اسم واحد كمصر، فكلّ القاطنين في مدينة مصر تجب عليهم الجمعة ولو كان بينهم وبين المحل الّتي تقام فيه فراسخ كثيرة لأنّها مدينة واحدة لها اسم واحد، أمّا الجهات الّتي لها أسماء خاصة بها كعين شمس، ومصر الجديدة، والزيتون ومعادي الخيبري ونحو ذلك، فإنّ كلّ جهة منها مستقلّة بنفسها في هذا الشرط(1).

قد استدلّ عليه بعدّة روايات منها:

1 - صحيحة زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ علیه السلام قَالَ: «إِنَّمَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ عَلَى النَّاسِ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ خَمْساً وثَلَاثِينَ صَلَاةً، مِنْهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فَرَضَهَا اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ في جَمَاعَةٍ وهي الْجُمُعَةُ، ووَضَعَهَا عَنْ تِسْعَةٍ: عَنِ الصَّغِيرِ، والْكَبِيرِ، والْمَجْنُونِ، والْمُسَافِرِ، والْعَبْدِ، والْمَرْأَةِ، والْمَرِيضِ، والْأَعْمَى، ومَنْ كَانَ عَلَى رَأْسِ فَرْسَخَيْنِ»(2).

2 - صحيحة أبي بَصِيرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ جَمِيعاً عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ في كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ خَمْساً وَثَلَاثِينَ صَلَاةً، مِنْهَا صَلَاةٌ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَشْهَدَهَا إلّا خَمْسَةً: الْمَرِيضَ، وَالْمَمْلُوكَ، وَالْمُسَافِرَ، وَالْمَرْأَةَ، وَالصَّبِيَّ»(3).

ص: 263


1- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/378 - 383.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج1/2 الحديث 1217، «وسائل الشيعة» ج7/295 الحديث 9382.
3- «الكافي» ج3/418 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج7/299 الحديث 9395.

3 - مرفوعة الشّهيد الثاني في رسالة الجمعة قال: قَالَ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إلّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ»(1).

4 - صحيحة عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: «لَا بَأْسَ أَنْ تَدَعَ الْجُمُعَةَ في الْمَطَرِ»(2).

5 - صحيحة الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنِ الرِّضَا علیه السلام قَالَ: «إِنَّمَا

وَجَبَتِ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ يَكُونُ عَلَى فَرْسَخَيْنِ لَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا يُقَصَّرُ فِيهِ الصَّلَاةُ بَرِيدَانِ ذَاهِباً أَوْ بَرِيدٌ ذَاهِباً وَبَرِيدٌ جَائِياً، وَالْبَرِيدُ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ، فَوَجَبَتِ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ هُوَ عَلَى نِصْفِ الْبَرِيدِ الّذي يَجِبُ فِيهِ التَّقْصِيرُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَجِي ءُ فَرْسَخَيْنِ وَيَذْهَبُ فَرْسَخَيْنِ فَذَلِكَ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ، وَهُوَ نِصْفُ طَرِيقِ الْمُسَافِرِ»(3).

حيث إنّ الظاهر من قوله علیه السلام: «ووَضَعَهَا عَنْ تِسْعَة» في الصحيحة الاُولی، وكذا قوله علیه السلام: «لَا بَأْسَ أَنْ تَدَعَ الْجُمُعَةَ في الْمَطَرِ» في صحيحة عبد الرّحمن بن أبی عبد الله نفي الوجوب دون الجواز.

ثم إنّه لا تنافي بين هذه الرّوايات بأن يستثنی عن وجوب الجمعة تارة أربعة، واُخری خمسة، وثالثة تسعة، ورابعة استثنائها عند نزول المطر خاصة، وذلك لأنّه بضمّ بعضها إلی البعض، وتحكيم منطوق بعضها بمفهوم بعضها الاُخری ينتج أنّ الشروط المعتبرة في التكليف بالجمعة إحدی عشرة شرطاً، هذا مع ضعف

ص: 264


1- «رسائل الشهيد الثاني» ج1/179، «سنن أبي داود» ج1/280 الحديث 1067، «وسائل الشيعة» ج7/301 الحديث 9405.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج1/266 الحديث 1221 «وسائل الشيعة» ج7/341 الحديث 9525.
3- «عيون أخبار الرضا علیه سلام» ج2/112، «وسائل الشيعة» ج7/308 الحديث 9430.

سند المرفوعة، وإمكان إدخال بعض هذه العناوين تحت بعضها الاُخری منها كالعمی والعرج فإنّه يمكن إدخالهما تحت عنوان المرض، وكذا خروج مثل الصبي والمجنون بحديث الرفع(1) وعمومات ما دلّت علی اشتراط البلوغ والعقل في التكليف(2).

بقي هنا شيء وهو أنّه:

ما المراد من الشّيخ الكبير في المقام؟

إنّ المراد من الشّيخ الكبير الّذي يسقط عنه وجوب حضور الجمعة علی ما يظهر من الكتاب والأخبار وكلمات أرباب اللغة والفقهاء وأهل التفسير، أنّه هو الّذي يسقط عنه أيضاً وجوب الصيام والحجّ والجهاد وأمثالها لمشقّتها عليه وضعفه عن فعلها، فهو هنا من يتعذّر أو يصعب عليه حضور الجمعة، الّذي نسميه بالفارسيّة ب- «از پا افتاده فرتوت»، المعنی الّذي معروف ومعهود عند العرف، ففي الحقيقة أنّ المراد من كلمة «ال» في كلمات «الصغير»، «المجنون»، «المسافر»، «العبد»، «المرأة»، «المريض»، «الأعمی»، وكذلك «الكبير» هو تلك المعاني المعهودة عندهم لا سيّما بقرينة المقارنة بين الكلمات، قال ابن منظور المصري في معجم لغته:

ص: 265


1- وهو وما رواه فِی «االوسائل» بإسناده عن ابن ظَبْيَانَ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بِامْرَأَةٍ مَجْنُونَةٍ قَدْ زَنَتْ فَأَمَرَ بِرَجْمِهَا، فَقَالَ عَلِيٌّ علیه السلام: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْقَلَمَ يُرْفَعُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ». «وسائل الشيعة» ج1/45 الحديث 81.
2- راجع: «وسائل الشيعة» ج1/39 - 46، بابي «اشتراط العقل في تعلق التكليف» و«اشتراط التكليف بالوجوب والتحريم بالاحتلام أو الإنبات مطلقاً، أو بلوغ الذكر خمس عشر سنة والاُنثی تسع سنين».

والهِمُّ، بالكسر والتشديد: الشيخ الكبيرُ البالي، وجمعه أَهْمام(1).

وقال المحقق الكركي رحمه الله في مقام البيان منه:

والهم: وهو الشيخ الكبير إذا كانت شيخوخته بالغة حدّ العجز، أو مستلزمة للمشقة الكثيرة بالحضور(2).

وعرّفه الشّهيد في «الروضة» بقوله:

والهم: وهو الشّيخ الكبير الّذي يعجز عن حضورها (الجمعة) أو يشقّ عليه مشقة لا تتحمل عادة(3).

وقال العلّامة رحمه الله في «المنتهی»:

ويسقط فرض الجهاد عن الشيخ الكبير، لعجزه وضعف قوّته عن الحرب، قال اللّه تعالى: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفٰاءِ وَلٰا عَلَى الْمَرْضىٰ وَلٰا عَلَى الَّذِينَ لٰا يَجِدُونَ مٰا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ)(4).

و روی الطبري في تفسيره بإسناده عن عكرمة في المراد عن قوله تعالی: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكين) قال: قال ابن عباس: هو الشيخ الكبير(5).

ثمّ إنّ هنا بعض الأخبار الّتي يستعمل فيها كلمة «الشّيخ الكبير» ناظرة إلی ما مرّ من معناه، منها صحيحة إِبْرَاهِيمَ بْنِ أبي زِيَادٍ الْكَرْخِیِّ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِأبي

ص: 266


1- «لسان العرب» ج 12/619.
2- «رسائل المحقق الكركي» ج 3/333.
3- «الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية» ج 1/124.
4- «التوبة»: 91. «منتهى المطلب في تحقيق المذهب» ج 14/23.
5- «البقرة»: 184. «جامع البيان في تفسير القرآن (تفسير الطبري)» ج2/81.

عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام رَجُلٌ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ إِلَى الْخَلَاءِ لِضَعْفِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، فَقَالَ: «لِيُومِ بِرَأْسِهِ إِيمَاءً، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْ يَرْفَعُ إِلَيْهِ الْخُمْرَةَ فَلْيَسْجُدْ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ فَلْيُومِ بِرَأْسِهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ إِيمَاءً، قُلْتُ: فَالصِّيَامُ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ في ذَلِكَ الْحَدِّ فَقَدْ وَضَعَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَقْدُرَةٌ فَصَدَقَةُ مُدٍّ مِنَ الطَّعَامِ بَدَلَ كُلِّ يَوْمٍ أَحَبُّ إِلَیّ،َ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ يَسَارُ ذَلِكَ فَلَا شيء عَلَيْهِ»(1).

ومنها: صحيحة عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُتْبَةَ الْهَاشِمِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ علیه السلام عَنِ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْعَجُوزِ الْكَبِيرَةِ الّتي تَضْعُفُ عَنِ الصَّوْمِ في شَهْرِ رَمَضَانَ؟ قَالَ: «تَصَدَّقَ في كُلِّ يَوْمٍ بِمُدِّ حِنْطَةٍ»(2).

ومنها: صحيحة مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «إِنَّ عَلِيّاً علیه السلام رَأَى شَيْخاً لَمْ يَحُجَّ قَطُّ وَلَمْ يُطِقِ الْحَجَّ مِنْ كِبَرِهِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ رَجُلاً فَيَحُجَّ عَنْهُ»(3).

ص: 267


1- «التهذيب» ج4/237 الحديث 695، «وسائل الشيعة» ج10/211 الحديث 13243.
2- «التهذيب» ج4/237 الحديث 695، «وسائل الشيعة» ج10/211 الحديث 13243.
3- «التهذيب» ج5/14 الحديث 38، «وسائل الشيعة» ج11/63 الحديث 14247.

الخامس:

وجوب الجمعة علی أهل القری والسّواد كما هي واجبةٌ علی أهل الأمصار والبلاد.

من المسائل المختلفة فيها عند العامّة ظاهراً هي مسألة وجوب الجمعة علی أهل القری والسواد، فيوجبها مالك والشّافعي وأحمد(1)، وخالفهم أبوحنيفة(2) والثوري حيث ذهبا إلی عدم وجوبها علی من كان خارج البلد وإن كان قريباً منه ويبلغه النداء(3)، وفسّر البلد أبو يوسف بما فيه سوق وقاضٍ يستوفی الحقوق

ووالٍ يستوفی الحدود(4) .

قال الشّيخ رحمه الله في «الخلاف»:

الجمعة واجبة على أهل القرى والسّواد كما تجب على أهل الأمصار إذا حصل العدد الّذي تنعقد بهم الجمعة، وبه قال الشّافعي وإن خالفنا في العدد، وبه قال في الصحابة ابن عمر، وابن عباس، وفي الفقهاء

ص: 268


1- راجع: «كتاب الخلاف» ج1/596 - 597، «المغني لابن قدامة» ج2/331، «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج1/468.
2- أقول: قد حكی الجزيري فی «الفقه علی المذاهب الأربعة» عن الحنفية بأنّه لم ينف الوجوب عن أهل القری والسواد مطلقاً، بل إذا لم يبلغ عددهم أربعين حيث إنّه قال: ولا تجب الجمعة على سكان الخيام، ولا على أهل القرى الصغيرة الّتي لا يتجاوز عدد سكانها أربعين، فإن كانوا أربعين فأكثر، فإنّ الجمعة تجب عليهم إذا كانوا لا يفارقونها صيفاً ولا شتاءً. «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/384. فعليه يمكن أن يقال: إنّ الحنفيّة أيضاً من الموافقين فی وجوب الجمعة علی أهل القری والسواد إذا بلغ عدد المصلّين الأربعين، فمن نقل عنه مخالفته في ذلك لم يتوجّه إلی هذا التفصيل.
3- راجع: «كتاب الخلاف» ج1/594، ذيل المسألة 357 .
4- راجع: «كتاب الخلاف» ج1/597، ذيل المسألة 358.

مالك، وأحمد، وإسحاق، وقال مالك: كان أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يصلّون الجمعة في هذه القرى الّتي بين مكة والمدينة، وقال أبو حنيفة: لا تجب على أهل السّواد، وإنّما تجب على أهل الأمصار، وقال أبو يوسف: المصر ما كان فيه سوق وقاضٍ يستوفی الحقوق و والٍ يستوفی الحدود، قال: فإن سافر الإمام فدخل قرية فإن كان أهلها يقيمون الجمعة صلّى الجمعة، وإلّا لم يصلّها...، دليلنا: إجماع الفرقة فإنّهم أجمعوا على أنّ سبعة نفر تجب عليهم الجمعة، ومنهم من يقول بالخمسة، ولم يفرّقوا بين أهل المصر وبين أهل السّواد، وأخبارهم عامّة، فوجب حملها على عمومها (1).

وقال في «المبسوط»:

يجب على أهل القرى والسّواد إذا كان فيهم العدد الجمعة، ومن شرط

ذلك أن يكون قراهم مواضع استيطان(2)، فأمّا أهل بيوت مثل البادية والأكراد فلا تجب عليهم ذلك لأنّه لا دليل على وجوبها عليهم، ولو قلنا: إنّها تجب عليهم إذا حضر العدد لكان قوياً لعموم الأخبار في ذلك(3).

وقال العلّامة الحلّي رحمه الله :

المصر ليس شرطاً في الجمعة بل الوجوب متعلّق بأهل السّواد والقرى إذا حصلت فيهم الشّرائط كما تجب على أهل المصر، وهو قول علمائنا والشّافعي، وهو منقول عن ابن عمر وابن عبّاس، وعمر بن عبد العزيز،

ص: 269


1- «كتاب الخلاف» ج1/596، المسألة 358 من كتاب «صلاة الجمعة».
2- أي يكون مواضع قراهم ما أقاموا فيها بنية التأبيد.
3- «المبسوط في فقه الإمامية» ج 1/144.

والأوزاعيّ، واللّيث، ومكحول، وعكرمة، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وقال أبو حنيفة: لا تجب على أهل السّواد، ونقله الجمهور عن عليّ علیه السلام، وعن الحسن، وابن سيرين، وإبراهيم، ومحمّد بن الحسن، لنا: قوله تعالى: (فاسعوا إلى ذكر الله) وذلك عامّ(1).

وقال المحقّق العاملي رحمه الله :

والمعروف من مذهب الأصحاب أنّ وجوب الجمعة على أهل القرى والبادية كوجوبها على أهل المصر، لعموم الأمر بالجمعة من غير تخصيص، وخصوص صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما صلی الله علیه و آله و سلم، قال: سألته عن اُناس في قرية، هل يصلّون الجمعة جماعة؟ قال: «نعم يصلّون أربعاً إذا لم يكن من يخطب»(2).

وقال ابن رشد القرطبي:

وأمّا وجوب الجمعة علی من هو خارج المصر فإنّ قوماً قالوا: لا تجب علی من خارج المصر، وقوم قالوا: بل تجب، وهؤلاء اختلفوا اختلافاً كثيراً، فمنهم من قال: من كان بينه وبين الجمعة مسيرة يوم وجب عليه الإتيان إليها وهو شاذٌ، ومنهم من قال: يجب عليه الإتيان إليها علی ثلاثة أميال، ومنهم من قال: يجب عليه الإتيان من حيث يسمع النداء في الأغلب وذلك من ثلاثة أميال من موضع النداء، وهذان القولان عن مالك...، وسبب اختلافهم في هذا الباب اختلاف الآثار، وذلك أنّه ورد أنّ الناس كانوا يأتون الجمعة من العوالي في زمان النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وذلك

ص: 270


1- «منتهى المطلب في تحقيق المذهب» ج 5/352.
2- «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج 4/58.

ثلاثة أميال من المدينة(1)، و روی أبوداود: أنّ النّبيّ(عليه الصّلاة والسّلام) قال: «الجمعة علی من سمع النداء»(2) وروي: «الجمعة علی من آواه الليلُ إلی أهله»(3)، وهو أثرٌ ضعيفٌ(4).

وقال ابن قدامة الحنبلي:

ولا يشترط للجمعة المصر، روي نحو ذلك عن ابن عمر وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي والليث ومكحول وعكرمة والشافعي، و روي عن عليّ رضي الله عنه أنّه قال: «لا جمعة ولا تشريق إلّا في مصر جامع»، وبه قال الحسن وابن سيرين وإبراهيم وأبوحنيفة ومحمد بن الحسن، لأنّه قد روي عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أنّه قال: «لا جمعة ولا تشريق إلّا في مصر جامع»، ولنا: ما روي كعب بن مالك أنّه قال: أسعد بن زرارة أوّل من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له: نقيع الخضمات، رواه أبوداود، وقال ابن جريج: قلت لعطاء تعني إذا كان ذلك بأمر النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم ؟ قال: نعم، قال الخطابي: حرة بني بياضة علی ميل من المدينة(5).

ص: 271


1- «صحيح البخاري» ج2/36، كتاب الجمعة باب «من أين تؤتی الجمعة ...» الحديث 25.
2- «سنن أبي داود» ج1/278، كتاب الصلاة باب «من تجب عليه الجمعة» الحديث 1056.
3- «سنن الترمذي» ج2/375 - 377، أبواب الصلاة باب «ما جاء من كم تؤتی الجمعة» الحديث 501 و 502.
4- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج1/468 - 469.
5- «المغني لابن قدامة» ج2/331.

أقول: التّحقيق أنّ الجمعة تجب علي أهل القری والسّواد كما تجب علی أهل الأمصار والبلاد، وذلك بدليل كونه مذهب الأصحاب أو مجمعٌ عليها عندهم أوّلاً: كما ادّعاه الشّيخ رحمه الله في «الخلاف» والمحقق العاملي رحمه الله في «المدارك».

وثانياً: بالعمومات الواردة الدالة علی وجوب الجمعة علی كلّ مكلف إلّا الخمس أو التسع، وليس فيها من كان خارج البلد، منها: صَحِيحَةُ مَنْصُورٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام في حديث قال: «الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ لَا يُعْذَرُ النَّاسُ فِيهَا إلّا خَمْسَةٌ: الْمَرْأَةُ، والْمَمْلُوكُ، والْمُسَافِرُ، والْمَرِيضُ، والصَّبِيُّ»(1).

وصحيحة زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ علیه السلام قَالَ: «إِنَّمَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى النَّاسِ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ خَمْساً وَثَلَاثِينَ صَلَاةً، مِنْهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فَرَضَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ في جَمَاعَةٍ وهي الْجُمُعَةُ، وَوَضَعَهَا عَنْ تِسْعَةٍ: عَنِ الصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ، وَالْمَجْنُونِ، وَالْمُسَافِرِ، وَالْعَبْدِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالْمَرِيضِ، وَالْأَعْمَى، وَمَنْ كَانَ عَلَى رَأْسِ فَرْسَخَيْنِ»(2).

توضيح ذلك أنّ قوله علیه السلام: «الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ لَا يُعْذَرُ النَّاسُ فِيهَا» في صحيحة منصور بن حازم البجلي المتقدّم وأمثالها عنوان عامّ يعمّ جميع المكلّفين من الرّجال والنّساء، والحاضرين والمسافرين، والعبيد والأحرار، والمرضی ومن ليس به علّة وغيرهم، خرج منه ما دلّ الدليل علی خروجه بالقطع

ص: 272


1- «التهذيب» ج3/239 الحديث 636، «الاستبصار» ج1/419 الحديث 1610، «وسائل الشيعة» ج7/300 الحديث 9397.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج1/266 الحديث 1217، «وسائل الشيعة» ج7/295 الحديث 9382.

واليقين، وما نحن نبحث عنه عنوان آخر لم يثبت خروجه عن العامّ بهذا العنوان، فلا يزال يبقی تحت عنوان العام إلی أن يثبت المخصص، بل نقول زائداً عليه بأنّ وضوح الحكم هنا أوضح من التمسك بالعام في الشبهات المفهوميّة للمخصص إذا كان المخصص منفصلاً، لأنّ الشك في المقام شك في أصل التخصيص بهذا العنوان، وهاهنا في أنّه هل المشكوك مصداق للخاصّ بعد ما علم التخصيص إجمالاً.

وبذلك يظهر أنّه لا وجه لما تردد الشّيخ رحمه الله في «المبسوط» لشمول حكم وجوب الجمعة علی أهل البوادي والأكراد، بعد ما لم يدل عليه دليل بالخصوص من الأخبار والأحاديث.

وثالثاً: بما وردت في خصوص المقام، مثل صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا صلی الله علیه و آله و سلم قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ أُنَاسٍ في قَرْيَةٍ هَلْ يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ جَمَاعَةً؟ قَالَ: «نَعَمْ وَيُصَلُّونَ أَرْبَعاً إِذَا لَمْ يَكُنْ مَنْ يَخْطُبُ»(1).

وصحيحة الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «إِذَا كَانَ قَوْمٌ في قَرْيَةٍ صَلَّوُا الْجُمُعَةَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَنْ يَخْطُبُ بِهِمْ جَمَّعُوا إِذَا كَانُوا خَمْسَ نَفَرٍ، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ رَكْعَتَيْنِ لِمَكَانِ الْخُطْبَتَيْنِ»(2).

ثمّ إنّ هناك وراء هذه الرّوايات والعمومات موثقة طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ علیه السلام قَالَ: «لَا جُمُعَةَ إلّا في مِصْرٍ تُقَامُ فِيهِ الْحُدُودُ»(3)، وموثقة

ص: 273


1- «التهذيب» ج3/238 الحديث 633، «الاستبصار» ج1/419 الحديث 1613، «وسائل الشيعة» ج7/306 الحديث 9423.
2- «التهذيب» ج3/238 الحديث 634، «الاستبصار» ج1/420 الحديث 1614، «وسائل الشيعة» ج7/306 الحديث 9424.
3- «التهذيب» ج3/239 الحديث 639، «الاستبصار» ج1/420 الحديث 1617، «وسائل الشيعة» ج7/307 الحديث 9425.

حَفْصِبْنِ غِيَاثٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ صلی الله علیه و آله و سلم قَالَ: «لَيْسَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى جُمُعَةٌ وَلَا خُرُوجٌ في الْعِيدَيْنِ»(1)، ومرفوعة الشّيْخ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْقُمِّيُّ في كِتَابِ «الْعَرُوسِ» عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: «لَا جُمُعَةَ إلّا في مِصْرٍ يُقَامُ فِيهِ الْحُدُودُ»(2)، ومرفوعة اُخری منه عنه علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى جَمَاعَةٌ وَلَا خُرُوجٌ في الْعِيدَيْنِ»(3)، ومرفوعة «دعائم الإسلام» عن عليّ علیه السلام أنّه قال: «لَيْسَ عَلَى الْمُسَافِرِ جُمُعَةٌ وَلَا جَمَاعَةٌ وَلَا تَشْرِيقٌ(4) إلّا في مِصْرٍ جَامِعٍ»(5)، الّتي دلّت علی نفي وجوب الجمعة علی أهل القری ومن كان خارج البلد، لكنّه حيث إنّ ما دلّت علی الوجوب قوية سنداً ومشهورة بين الأصحاب أوّلاً، ومخالفة لما أفتی به الحنفيّة أو غيرهم من العامّة ثانياً(6)، وموافقة للاحتياط ثالثاً، نقدّمه علی هذه الرّوايات

ص: 274


1- «التهذيب» ج3/248 الحديث 679، «الاستبصار» ج1/420 الحديث 1618، «وسائل الشيعة» ج7/307 الحديث 9426.
2- نقلا من «مستدرك الوسائل» ج6/12 الحديث 6299.
3- نقلا من «مستدرك الوسائل» ج6/12 الحديث 6300.
4- التشريق: صلاة العيد، وإنّما أخذ من شروق الشمس لأنّ ذلك وقتها. «لسان العرب» ج10 ص 176.
5- «دعائم الإسلام» ج1/181، «مستدرك الوسائل» ج6/12 الحديث 6301.
6- أقول: موثقة طلحة بن زيد وكذا المرفوعة الثانية للشيخ جعفر بن أحمد القمّي فی كتاب «العروس» كما هو ظاهر موافق لمذهب الحنفية من العامّة دون سائر مذاهبهم، فإنّهم يقولون فی أهل القری والبوادي ومن كان خارج البلد بمثل مقالة الخاصّة، كما صرّح به الشيخ رحمه الله في «التهذيب» إجمالاً حيث قال: هذا الخبر ورد مورد التقية لأنّه مذهب بعض العامّة، فما قاله رحمه الله في «الاستبصار» بكونها موافقاً لأكثر مذاهب العامّة فغير سديد.

الأخيرة، هذا مع إمكانحمل موثقة حفص علی من كان بعيداً عن البلد بأزيد من فرسخين ولم يكن فيهم من يخطب كما صرّح به في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة.

السّادس:

حكم المبادرة المعذورين إلى الظّهر.

من سقطت عنه الجمعة ولم يحضرها يجوز له البدار للظّهر، بأن يصلّي الظّهر في وقتها ولا يجب عليه تأخير الصّلاة حتّی تفوته الجمعة، بل يستحبّ له تقديمها كسائر الأيّام، صرّح في «الجواهر» بعدم وجدانه الخلاف فيه(1).

هذا ما دام لم يحضر الجمعة في وقتها، فإن حضرها وهو قد أقام الظهر قبلها فيبطل بذلك ظهره وعليه أن يصلّي الجمعة مع المؤمنين حينئذٍ، وذلك لأنّه كان ممّن استثنی عنه وجوب الجمعة فكان له أن لا يحضرها، فلو حضرها سواء أقام قبلها الظهر أم لا، يشكف بذلك أنّ فرضه في عالم الواقع والثبوت هو الجمعة.

قال الشّيخ رحمه الله في «الخلاف»:

من سقط عنه فرض الجمعة لعذر، من العليل والمسافر والعبد والمرأة وغير ذلك، جاز له أن يصلّي في أوّل الوقت، وجاز له أن يصلّيها جماعةً، وبه قال الشّافعي؛ إلّا أنّه يستحب تأخيره إلى آخر الوقت، وقال أبوحنيفة: يكره لهم أن يصلّوها جماعةً، دليلنا: الأخبار الواردة في فضل الجماعة، وهي عامّةٌ في جميع النّاس، فمن خصّها فعليه الدلالة(2).

ص: 275


1- «جواهر الكلام» ج11/282.
2- «كتاب الخلاف» ج1/607 المسألة 369.

وقال الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

أمّا من لا تجب عليه الجمعة كالمريض ونحوه، فتصحّ صلاة الظّهر منه ولو حال اشتغال الإمام بصلاة الجمعة، ويندب له تأخير الظّهر إذا رجا زوال عذره، وأمّا إذا لم يرج ذلك فيندب له تعجيلها في أوّل وقتها ولا ينتظر سلام الإمام، باتّفاق ثلاثة من الأئمّة، وخالف الحنفيّةُ فقالوا: يسنّ للمعذور تأخير صلاة الظّهر بعد صلاة الجمعة، أمّا صلاته قبل ذلك فمكروهةٌ تنزيهاً سواءٌ رجا زوال عذره أو لا(1).

السّابع:

من وجبت عليه صلاة الجمعة فصلاة الظّهر لا تجزيه.

بناءً علی القول بالوجوب التعييني للجمعة، لو صلّی المصلّي الظّهر في وقت الجمعة لم تجزه عنها وعن فرضه حتّی علی القول بالأمر التّرتبي، وذلك لأنّ محل الأمر التّرتبي هو أن يكون هناك أمران فعليّان أحدهما أهمّ من الآخر، فإذا ترك المكلّف امتثال الأمر بالأهمّ وفعل الآخر، فهو في ظرف عصيانه للأهمّ ممتثل ومطيع للأمر بالمهمّ، بخلاف المقام لما أنّ الظّهر في ظرف الجمعة لم يكن بمأموربه أصلاً، فعليه السّعي لإقامة الجمعة(2)، لكنّه لو لم يفعلها عصياناً حتّی فاتته الجمعة وجب عليه بعد الفوات أداء الظّهر، قال يحيی بن سعيد رحمه الله في «الجامع»:

من عليه الجمعة إذا صلّی ظهراً لم تجزه، ووجب عليه السّعي إليها، فإن لم يفعل حتّی فاتت أعاد الظّهر(3).

ص: 276


1- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/401 - 402.
2- ولزيادة التوضيح راجع: «كفاية الاُصول» مسألة الضدّ في مبحث الأوامر.
3- «الجامع للشرائع» ص 95، «سلسلة الينابيع الفقهيَة» ج4/883.

وقال الشّيخ رحمه الله في «الخلاف»:الواجب يوم الجمعة عند الزوال الجمعة، فإن صلّى الظّهر لم يجزه عن

الجمعة ووجب عليه السّعي، فإن سعى وصلّى الجمعة برأت ذمته، وإن لم يفعل حتّى فاتته الجمعة وجب عليه إقامة الظّهر، وللشّافعي فيه قولان؛ أحدهما مثل ما قلناه، وبه قال زفر، وقال في القديم الواجب هو الظّهر ولكن كلّف إسقاطها بفعل الجمعة، وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إذا صلّى الظّهر في داره يوم الجمعة قبل أن تقام الجمعة صحّت صلاته، ثمّ ينظر فيه، فإن سعى إلى الجمعة قال أبو حنيفة: يبطل ما فعله من الظّهر بالسّعي إلى الجمعة، لأنّه يتشاغل بعدها بما يختصّ بالجمعة، وقال أبو يوسف: لا تبطل بالسّعي إلى الجمعة، ولكنه إذا وافى الجامع، فأحرم خلف الإمام بطلت الآن ظهره وكانت الجمعة فرضه، وقال محمّد: إذا صلّى الظّهر كان مراعى، فإن لم يحضر الجمعة صحت ظهره، وإن حضرها فصلّى الجمعة بطلت الآن ظهره، دليلنا: قوله تعالى: (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ)، وأيضاً فلا خلاف أنّ الجمعة فرض، فمن قال: إنّ الفرض الظّهر، فعليه الدلالة، وكذلك من قال: إن صلّى الظّهر في أوّل الوقت ثمّ فاتته الجمعة سقط فرضه، فعليه الدلالة، وأيضاً فلا خلاف أنّه إذا صلّى الجمعة وسعى إليها فإنّ ذمته قد برأت، ولم يقم دليلٌ على براءتها إذا لم يفعل، وإذا فاتته الجمعة وأعاد الظّهر فلا خلاف أنّ ذمته قد برأت، وإذا لم يقض الظّهر لم يقم دليل على براءة

ص: 277

ذمته، وأيضاً حديث جابر أنّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة» وهذا نصّ(1).وقال في «الجواهر»:

ولو وجبت الجمعة عليه عيناً فصلّی الظّهر، كانت صلاته باطلةً لعدم الأمر بها، ولم تسقط عنه الجمعة بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل المحكيّ عن التّذكرة والمنتهی وجامع المقاصد وظاهر المعتبر الإجماع عليه للأصل بلا معارض، فما عن أبي حنيفة وصاحبيه من السّقوط غلطٌ قطعاً، بل وجب عليه السّعي حينئذٍ فإن أدركها، وإلّا أعاد الظّهر(2).

وقال ابن قدامة الحنبلي:

من وجبت عليه الجمعة إذا صلّی الظّهر قبل أن يصلّي الإمام الجمعة لم يصحّ ويلزمه السّعي إلی الجمعة إن ظنّ أنّه يدركها لأنّها المفروضة عليه، فإن أدركها معه صلّاها، وإن فاتته فعليه صلاة الظّهر، وإن ظنّ أنّه لا يدركها انتظر حتی يتيقن أنّ الإمام قد صلّی ثمّ يصلّی الظّهر، وهذا قول مالك والثّوري والشّافعي في الجديد، وقال أبوحنيفة والشّافعة في القديم: تصحّ ظهره قبل صلاة الإمام، لأنّ الظّهر فرض الوقت بدليل سائر الأيام وإنّما الجمعة بدلٌ عنها وقائمة مقامها، ولهذا إذا تعذّرت الجمعة صلّی ظهراً، فمن صلّی الظّهر فقد أتی بالأصل فأجزأه كسائر الأيام، وقال أبوحنيفة: ويلزم السّعي إلی الجمعة فإن سعی بطلت ظهره وإن لم يسع أجزأته.

ص: 278


1- «كتاب الخلاف» ج1/607، المسألة 370.
2- «جواهر الكلام» ج11/143، وراجع أيضاً: «كتاب الخلاف» ج1/607 المسألة 370، و ....

ولنا: أنّه صلّی ما لم يخاطب به وترك ما خوطب به، فلم تصحّ كما لو صلّی العصر مكان الظّهر، ولا نزاع في أنّه مخاطب بالجمعة فسقطت عنه الظّهر كما لو كان بعيداً وقد دلّ عليه النصّ والإجماع، ولا خلاف في أنّه يأثم بتركها وترك السّعي إليها، ويلزم من ذلك أن لا يخاطببالظهر لأنّه لا يخاطب في الوقت بصلاتين، ولأنّه يأثم بترك الجمعة وإن صلّی الظّهر، ولا يأثم بفعل الجمعة وترك الظّهر بالإجماع، والواجب ما يأثم بتركه دون ما لم يأثم به، وقولهم: إنّ الظّهر فرض الوقت، لا يصحّ لأنّها لو كانت الأصل لوجب عليها فعلها وأثم بتركها ولم تجزه صلاة الجمعة مع إمكانها فإنّ البدل لا يصار إليه إلّا عند تعذر المبدل بدليل سائر الأبدال مع مبدلاتها، ولأنّ الظّهر لو صحّت لم تبطل بالسّعي إلی غيرها كسائر الصلوات الصحيحة، ولأنّ الصّلاة إذا صحّت برأت الذمّة منها وأسقطت الفرض عمّن صلّاها فلا يجوز اشتغالها بها بعد ذلك، ولأنّ الصّلاة إذا فرغ منها لم تبطل بشيء من مبطلاتها فكيف تبطل بما ليس من مبطلاتها ولا ورد الشّرع به؟! فإمّا إذا فاتته الجمعة فإنّه يصير إلی الظّهر لأنّ الجمعة لا يمكن قضائها لأنّها لا تصحّ إلّا بشروطها ولا يوجد ذلك في قضائها فتعيّن المصير إلی الظّهر عند عدمها وهذا حال البدل(1).

وقال الجزيري في كتابه «الفقه على المذاهب الأربعة»:

من وجبت عليه الجمعة وتخلّف عن حضورها بغير عذر، لا يصحّ أن يصلّي الظّهر فبل فراغ الإمام من صلاة الجمعة بسلامه منها، فلو صلّی الظّهر في هذه الحالة لم تنعقد باتّفاق الشّافعيّة والحنابلة. والحنفيّة قالوا: من لا عذر له يمنعه عن حضور الجمعة إذا لم يحضرها وصلّی

ص: 279


1- «المغني لابن قدامة» ج2/342 - 343.

الظّهر قبل صلاة الإمام انعقد ظهره موقوفاً، فإن اقتصر علی ذلك بأن انصرف عن الجمعة بالمرّة صحّ ظهره وإن حرم عليه ترك الجمعة، أمّا إذا لم ينصرف بأن مشی إلی الجمعة فإن كان الإمام لم يفرغ من صلاته بطل ظهره بالمشي إذا انفصل عن داره وانعقد نفلاً، ووجب عليه أنيدخل مع الإمام في صلاته، فإن لم يدركه أعاد الظّهر، وإن كان الإمام قد فرغ من صلاته، لم يبطل ظهره بالمشي، والمالكيّة قالوا: من تلزمه الجمعة وليس له عذرٌ يبيح له التّخلف عنها، إن صلّی الظّهر وهو يظنّ أنّه لو سعی إلی الجمعة أدرك ركعةً منها، فصلاته باطلةٌ علی الأصحّ ويعيدها أبداً، وأمّا إذا كان بحيث لو سعی إلی الجمعة لا يدرك منها ركعةً، فصلاته الظّهر صحيحةٌ، كما تصحّ ممّن لا تلزمه الجمعة ولو علم أنّه لو سعی إليها يدركها بتمامها(1).

أقول: يمكن أن نستدلّ علی عدم جواز الظّهر لمن وجبت عليه الجمعة - مضافاً إلی أنّ واجبه التعييني في ذلك الوقت هو خصوص الجمعة ولا واجب آخر له في عرضها حتّی يكون بدلاً عنها - بما يستفاد من مفهوم مخالف صحيحة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ قَوْمٍ في قَرْيَةٍ لَيْسَ لَهُمْ مَنْ يُجَمِّعُ بِهِمْ أَيُصَلُّونَ الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ في جَمَاعَةٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا لَمْ يَخَافُوا»(2).

وموثقة سماعة حيث قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؟ فَقَالَ: «أَمَّا مَعَ الْإِمَامِ فَرَكْعَتَانِ، وَأَمَّا مَنْ يُصَلِّي وَحْدَهُ فهي أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بِمَنْزِلَةِ الظُّهْرِ، يَعْنِي إِذَا كَانَ إِمَامٌ يَخْطُبُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْإِمَامُ يَخْطُبُ فهي أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَإِنْ صَلَّوْا

ص: 280


1- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/401.
2- «التهذيب» ج3/15 الحديث 55، «الاستبصار» ج1/417 الحديث 1599، «وسائل الشيعة» ج7/327 الحديث 9491.

جَمَاعَةً»(1)، حيث يستفاد منهما إنّ من كانت وظيفته يوم الجمعة، صلاة الجمعة لا يجوز له حينئذٍ غيرها، مؤيّدة بما روي عن طريق العامّة صريحاً عن عليّ علیه سلام قال: «لَا يُجَمِّعُ القَوْمُ الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ في مَوْضِعٍ يَجِبُ عَلَيْهِمْ فِيهِ شُهُودُ الْجُمُعَةِ»(2).

فبذلك يظهر أنّه لو مات أحد ممّن وجبت عليه الجمعة تعييناً أثناء الوقت المختصّ بها سواء حضرها أم لم يحضرها، لا يجب علی وليّه قضاء تلك الصّلاة ولا الظهرين، أمّا الجمعة فلعدم ثبوت القضاء لها بعد انقضاء وقتها لما يتبدلّ الحكم منها إلی الظّهر، وأمّا الظّهر فلكونه غير مأمور به في وقت الجمعة حتّی يجب قضاءه، وكذلك العصر، والقضاء فرع الثبوت والفوت(3)، كما أنّه لايجب عليه قضاء صوم من أفطره عذراً أو عصياناً ومات أثناء نهاره.

والفرق بين الحضور وعدمه، والعذر والعصيان حينئذٍ إنّما هو في الإنقياد أو التجري اللّذين نعبّر عنهما بحُسن الفاعليی أو قبحه، لا الفعلي الّذي هو الملاك في الثّواب والعقاب، والأداء والقضاء، فافهم.

ص: 281


1- «الكافي» ج3/421 الحديث 4، «وسائل الشيعة» ج7/310 الحديث 9435.
2- «كنز العمال» ج8/370 الخبر 23309.
3- قد اشتهر عند الفقهاء قاعدة: «قضاء ما فات كما فات» المستفادة من أخبار، منها: صحيحة زرارة قَالَ: قُلْتُ لَهُ: رَجُلٌ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ مِنْ صَلَاةِ السَّفَرِ فَذَكَرَهَا فِي الْحَضَرِ؟ قَالَ: «يَقْضِي مَا فَاتَهُ كَمَا فَاتَهُ، إِنْ كَانَتْ صَلَاةَ السَّفَرِ أَدَّاهَا فِي الْحَضَرِ مِثْلَهَا، وَإِنْ كَانَتْ صَلَاةَ الْحَضَرِ فَلْيَقْضِ فِي السَّفَرِ صَلَاةَ الْحَضَرِ كَمَا فَاتَتْهُ». «الكافي» ج3/435 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج8/268 الحديث 10621. فكلّما لم يصدق الفوات لم يجب القضاء.

الثامن:يستحبّ للمسافر اختيار الجمعة علی الظّهر.

يجوز للمسافر حضور الجمعة وتُجزِيه عن الظّهر(1)، بل يستحبّ له اختيار الجمعة علی الظّهر، وله من الأجر والثّواب أجر مائة جمعة للمقيم، فقد روی الصّدوق رحمه الله في «ثَوَابِ الْأَعْمَالِ» مَوثَّقاً عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ عَنْ أَبِيهِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّمَا مُسَافِرٍ صَلَّى الْجُمُعَةَ رَغْبَةً فِيهَا وحُبّاً لَهَا أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ أَجْرَ مِائَةِ جُمُعَةٍ لِلْمُقِيمِ»(2).

قال السيّد الخوئي رحمه الله بعد ما نقل الموثقة:

أنّها تدلّ على أنّ الجمعة من المسافر أعظم وأكثر ثواباً من الجمعة الّتي يقيمها الحاضر، ولعلّ المشهور أيضاً استحبابها للمسافر(3).

ص: 282


1- راجع: «تحريرالوسيلة» ج1/237، المسألة 3. وخبر سُلَيْمَان عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ مَوَالِيهِمْ سَأَلَ ابْنَ أبِي لَيْلَى عَنِ الْجُمُعَةِ هَلْ تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ؟ فَقَالَ: لَا، قَالَ: فَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمُ الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ فَصَلَّاهَا هَلْ تُجْزِيهِ تِلْكَ الصَّلَاةُ عَنْ ظُهْرِ يَوْمِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَكَيْفَ يُجْزِی مَا لَمْ يَفْرِضْهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَمَّا فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ؟ (إِلَى أَنْ قَالَ:) فَمَا كَانَ عِنْدَ ابْنِ أبِي لَيْلَى فِيهَا جَوَابٌ وَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُفَسِّرَهَا لَهُ فَأَبَى، ثُمَّ سَأَلْتُهُ أَنَا عَنْ ذَلِكَ فَفَسَّرَهَا لِي فَقَالَ: الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ عَلَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَ رَخَّصَ لِلْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ أَنْ لَا يَأْتُوهَا، فَلَمَّا حَضَرُوا سَقَطَتِ الرُّخْصَةُ وَلَزِمَهُمُ الْفَرْضُ الْأَوَّلُ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَجْزَأَ عَنْهُمْ، فَقُلْتُ: عَمَّنْ هَذَا؟ قَالَ: عَنْ مَوْلَانَا أَبِی عَبْدِ اللَّه علیه سلام. «التهذيب» ج3/21 الحديث 78، «وسائل الشيعة» ج7/337 الحديث 9518.
2- «ثواب الأعمال وعقاب الأعمال» ص 59 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج7/339 الحديث 9521.
3- «التنقيح في شرح العروة الوثقى» ج 6/37.

وقال ابن قدامة الحنبلي:

والأفضل للمسافر حضور الجمعة لأنّها أكمل(1).

هذا للمسافر الّذي لم ينو الإقامة في بلد عشرة أيَّام فصاعداً، أو من رجع عن قصده بعد ما صلّی إحدی الصلوات الرباعيّة، أو لم ينو الإقامة ومضی عليه ثلاثون يوماً في مكان واحد، أو كان شغله السّفر، أو كان سفره سفر المعصية، وإلّا فإنّهم بمنزلة الحاضر ووجبت عليهم الجمعة كما تجب عليهم الظهر تماماً في غيرها من أيام الاُسبوع(2).

ص: 283


1- «المغني لابن قدامة» ج2/341.
2- أقول: قد دلّت علی ذلك ما رواها الشيخ الحرّ رحمه الله في «وسائل الشيعة» ج8/484 - 488، الباب 11 من أبواب صلاة المسافر، وهو باب «وُجُوبِ الْإِتْمَامِ عَلَى الْمُكَارِی وَالْجَمَّالِ وَالْمَلَّاحِ وَالْبَرِيدِ وَالرَّاعِي وَالْجَابِي وَالتَّاجِرِ وَالْبَدَوِيِّ مَعَ عَدَمِ الْإِقَامَة»، منها صحيحة هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «الْمُكَارِي وَالْجَمَّالُ الَّذِي يَخْتَلِفُ وَلَيْسَ لَهُ مُقَامٌ يُتِمُّ الصَّلَاةَ وَيَصُومُ شَهْرَ رَمَضَانَ»، الحديث 11233. وصحيحة إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَلَّاحِينَ وَالْأَعْرَابِ هَلْ عَلَيْهِمْ تَقْصِيرٌ؟ قَالَ: «لَا بُيُوتُهُمْ مَعَهُمْ»، الحديث 11237. وصحيحة عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ علیه السلام عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «أَصْحَابُ السُّفُنِ يُتِمُّونَ الصَّلَاةَ فِي سُفُنِهِمْ»، الحديث 11239. وموثقة إِسْمَاعِيلَ بْنِ أبِي زِيَادٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ صلی الله علیه و آله و سلم قَالَ: «سَبْعَةٌ لَا يُقَصِّرُونَ الصَّلَاةَ: الْجَابِي الَّذِي يَدُورُ فِی جِبَايَتِهِ، وَالْأَمِيرُ الَّذِي يَدُورُ فِي إِمَارَتِهِ، وَالتَّاجِرُ الَّذِي يَدُورُ فِي تِجَارَتِهِ مِنْ سُوقٍ إِلَى سُوقٍ، وَالرَّاعِي، وَالْبَدَوِيُّ الَّذِي يَطْلُبُ مَوَاضِعَ الْقَطْرِ وَمَنْبِتَ الشَّجَرِ، وَالرَّجُلُ الَّذِي يَطْلُبُ الصَّيْدَ يُرِيدُ بِهِ لَهْوَ الدُّنْيَا، وَالْمُحَارِبُ الَّذِي يَقْطَعُ السَّبِيلَ»، الحديث 11241. وكذا ما رواها رحمه الله في أبواب 8 و 9 و 12 و 13 و 15 و 18 من هذه الأبواب.

التاسع: المرأة والجمعة والجمعات.

يجوز للمرأة أن تحضر الجمعة وتجزيها عن الظّهر، إلّا أنّه يقال يستحبّ لها اختيار الظّهر في بيتها.

قال المحقق الحلّي رحمه الله في «المعتبر»:

الأفضل للمرأة أن لا تسعى إلى الجماعة لأنّها ليست أهلاً لحضور مجامع الرجال ولو كانت منسية لقوله علیه السلام: «بيوتهنّ خير لهنّ»، ولما روى أبو همام عن أبي الحسن علیه السلام قال: «إذا صلّت المرأة في المسجد مع الإمام ركعتي الجمعة فقد نقصت صلاتها، لتصلّ في بيتها أربعاً أفضل»(1).

وقال الشّهيد الأوّل رحمه الله في «اللمعة»:

ومسجد المرأة بيتها، ثمّ قال الشّهيد الثاني رحمه الله في شرحه: بمعنی أنّ صلاتها فيه أفضل من خروجها إلی المسجد، أو بمعنی كون صلاتها فيه كالمسجد في الفضيلة، فلا تفتقر إلی طلبها بالخروج، وهل هو كمسجد مطلق، أو كما تريد الخروج إليه فيختلف بحسبه؟ الظاهر الثاني(2).

وقال الإمام الخميني قدس سره في «التحرير»:

ص: 284


1- «المعتبر في شرح المختصر» ج 2/93.
2- «الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية» ج1/87.

يجوز للمرأة الدّخول في صلاة الجمعة، وتصحّ منها وتجزيها عن الظّهر إن كان عدد الجمعة - أي خمسة نفر رجالاً - وأمّا إقامتها للنّساء أو كونها من جملة الخمسة، فلا تجوز ولا تنعقد إلّا بالرّجال(1).

وقال الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

قد عرفت أنّ الذّكورة شرطٌ في وجوب الجمعة، فلا تجب علی المرأة ولكن تصحّ منها إذا صلّتها بدل الظّهر، وهل الأفضل للمرأة أن تصلّي الجمعة أو تصلّي الظّهر في بيتها؟ في ذلك تفصيلٌ، فالحنفيّة قالوا: الأفضل أن تصلّي المرأة في بيتها ظهراً، سواءٌ كانت عجوزاً أو شابَّةً، لأنّ الجماعة لم تشرّع في حقّها، والمالكيّة قالوا: إن كانت المرأة عجوزاً انقطع أرب الرّجال منها، جاز لها أن تحضر الجمعة، وإلّا كره لها ذلك، فإن كانت شابَّةً وخيف من حضورها الافتنان بها في طريقها أو في المسجد فإنّه يحرم عليها الحضور دفعاً للفساد، والشّافعيّة قالوا: يكره للمرأة حضور الجماعة مطلقاً في الجمعة وغيرها إن كانت مشتهاةً، ولو كانت في ثياب رثّة، ومثلها غير المشتهاة إن تزيّنت أو تطيّبت، فإن كانت عجوزاً وخرجت في أثواب رثّة ولم تضع عليها رائحةً عطريَّةً ولم يكن للرّجال فيها غرضٌ، فإنّه يصحّ لها أن تحضر الجمعة بدون الكراهة؛ علی أنّ كلّ ذلك مشروطٌ بشرطين:

الأوّل: أن يأذن لها وليّها بالحضور سواءٌ كانت شابَّةً أو عجوزاً، فإن لم يأذن حرم عليها.

ص: 285


1- «تحرير الوسيلة» ج1/237، المبحث «القول فيمن تجب عليه صلاة الجمعة»، المسألة 4.

الثاني: أن لا يخشی من ذهابها للجماعة افتنان أحد بها، وإلّا حرم عليها الذّهاب.

والحنابلة قالوا: يباح للمرأة أن تحضر صلاة الجمعة بشرط أن تكون غير حسناء، أمّا إن كانت حسناء فإنّه يكره لها الحضور مطلقاً(1).

يمكن أن يستدلّ علی أصل مسألة جواز صلاة الجمعة للمرأة مع استحباب اختيارها الظّهر في بيتها بصحيحة مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أبي هَمَّامٍ عَنْ أبي الْحَسَنِ علیه السلام حَيثُ قَالَ: «إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ في الْمَسْجِدِ مَعَ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْجُمُعَةَ رَكْعَتَيْنِ فَقَدْ نَقَصَتْ صَلَاتَهَا، وإِنْ صَلَّتْ في الْمَسْجِدِ أَرْبَعاً نَقَصَتْ صَلَاتَهَا، لِتُصَلِّ في بَيْتِهَا أَرْبَعاً أَفْضَلُ»(2)، وخبر حفص بن غياث الّذي سيجيء في مسألة «سقوط الجمعة عن المعذورين رخصةٌ وليس عزيمةً»، وما رواه العلّامة المجلسي رحمه الله عن «دعائم الإسلام» عَنْ الإمامِ عَلِيٍّ علیه السلام حَيثُ قَالَ: «إِذَا شَهِدَتِ الْمَرْأَةُ والْعَبْدُ الْجُمُعَةَ أَجْزَأَتْ عَنْهُمَا مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ»(3)، وخبر يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ قَالَ:

ص: 286


1- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/384.
2- «التهذيب» ج3/241 الحديث 644، «وسائل الشيعة» ج7/340 الحديث 9524.
3- «بحارالأنوار» ج86/255، «مستدرك الوسائل» ج6/26 الحديث 6351.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «خَيْرُ مَسَاجِدِ نِسَائِكُمُ الْبُيُوتُ»(1)، وخبر مُحَمَّدِ بْنِ شُرَيْح قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ خُرُوجِ النِّسَاءِ في الْعِيدَيْنِ؟ فَقَالَ: «لَا إلّاالْعَجُوزَ عَلَيْهَا مَنْقَلَاهَا يَعْنِي الْخُفَّيْنِ»(2)، وخبر يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ خُرُوجِ النِّسَاءِ في الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ؟ فَقَالَ: «لَا، إلّا امْرَأَةً مُسِنَّةً»(3).

لكنّه في مقابل تلك الأحاديث شواهد اُخری دلّت علی خلافها نشير فيما يلي إلی بعضها:

1 - قوله تبارك وتعالی في قصة مريم علیها السلام وأمرها بالصّلاة في بيت المقدس مع سائر المصلّين: (يَا مَرْيَمُ اقْنُتي لِرَبِّكِ وَاسْجُدي وَارْكَعي مَعَ الرَّاكِعينَ)(4).

2 - ما قاله علي بن إبراهيم القمّي رحمه الله في تفسيره في شأن نزول قوله تعالی: (يَا أَيُّهَا النّبيّقُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)(5) :

كان سبب نزوله أنّ النساء كنّ يخرجن إلى المسجد ويصلّين خلف رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وإذا كان بالليل خرجن إلى صلاة المغرب والعشاء الآخرة والغداة، يقعد الشُبان لهنّ في طريقهنّ فيؤذونهنّ ويتعرضون لهنّ فأنزل الله (يَا أَيُّهَا النّبيّقُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ) إلى قوله: (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)(6).

3 - خبر حضور مولاتنا فاطمة علیها السلام صلاة الجمعة نقلاً عن ابن شهرآشوب في «المناقب» عن ابن عبّاس في معنى قوله تعالى: (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً

ص: 287


1- «من لا يحضره الفقيه» ج1/154 الحديث 719، «التهذيب» ج3/252 الحديث 694، «وسائل الشيعة» ج5/237 الحديث 6434.
2- «الكافي» ج5/538 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج20/238 الحديث 25528.
3- «الكافي» ج5/538 الحديث 2، «وسائل الشيعة» ج20/238 الحديث 25529.
4- «آل عمران»: 43/55.
5- «الأحزاب»: 59/426.
6- «تفسير القمّي» ج 2/196. وقد حكاه عنه أيضاً في «البرهان في تفسير القرآن» ج4/496.

انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)(1):

أَنَّ دِحْيَةَ الْكَلْبِیَّ جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنَ الشَّامِ بِالْمِيرَةِ عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِالطَّبُولِ لِيُؤْذِنَ النَّاسَ بِقُدُومِهِ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ إِلَيْهِ إلّا عَلِیٌ والْحَسَنُ والْحُسَيْنُ وفَاطِمَةُ علیهم السلام وسَلْمَانُ وأَبُوذَرٍّ والْمِقْدَادُ وصُهَيْبٌ، وتَرَكُوا النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم قَائِماً يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «لَقَدْ نَظَرَ اللَّهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى مَسْجِدِي، فَلَولَا الْفِئَةُ الَّذِينَ جَلَسُوا في مَسْجِدِي لَانْضَرَمَتِ الْمَدِينَةُ عَلَى أَهْلِهَا نَاراً، وحُصِبُوا بِالْحِجَارَةِ كَقَوْمِ لُوطٍ»، ونَزَلَ فِيهِمْ: (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ)، الآيَةَ (2).

4 - خبر عبد اللَّه بن جعفر الحِميريّ في «قرب الإسناد» عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ النِّسَاءِ هَلْ عَلَيْهِنَّ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ مَا عَلَى الرِّجَالِ؟ قَالَ: «نَعَمْ»(3).

5 - صحيحة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ جَعْفَرٍ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ صلی الله علیه و آله و سلم في حَدِيثٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم يَسْمَعُ صَوْتَ الصَّبِيِّ وَهُوَ يَبْكِي وَهُوَ في الصَّلَاةِ فَيُخَفِّفُ الصَّلَاةَ أَنْ تَعْبُرَ اُمُّهُ»(4).

ص: 288


1- «الجمعة»: 11/554.
2- «مستدرك الوسائل» ج6/25 الحديث 6347.
3- «قرب الإسناد» : 100، «وسائل الشيعة» ج7/338 الحديث 9519.
4- «علل الشرائع» ج2/344 الحديث 1 من الباب 49، «وسائل الشيعة» ج8/421 الحديث 11068، «بحار الأنوار» ج85/42. وفي «العلل» و«البحار»: «فَتَصِيرُ إِلَيْهِ اُمُّهُ» بدل «أَنْ تَعْبُرَ اُمُّهُ».

ومثلها ما روی العامّة عن أبي قتادة عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «إِنِّي لَأقُومُ إلَی الصَّلاةِ وَأَنَا اُرِيدُ أَنْ اُطَوِّلَ فِيهَا فَاسْمَعُ بُكاءَ الصَّبِيّ فَأتَجَوَّزُ في صَلاتِي كراهِيَّةَ أَنْ أشُقَّ عَلَی اُمِّهِ»(1).

6 - ما حكی الصّدوق رحمه الله مرفوعاً من حضور النّساء من قبيلة بني سلمة في مسجدهم مسجد ذي قبلتين مع الرجال وصلاتهم جماعة مع النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم حين نزول آية تغيير القبلة (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ)(2)، حيث قال:

صلّى رسول اللَّه صلی الله علیه و آله و سلم إلى بيْت الْمقدس بعد النّبُوّة ثلاث عشرة سنة بمكّة وتسعة عشر شهراً بالمدينة، ثمّ عيَّرَتْهُ اليهود فقالوا له: إنّك تابع لقبلتنا، فاغتمّ لذلك غمّاً شديداً، فلمّا كان في بعض اللّيل خرج صلی الله علیه و آله و سلم يقَلِّب وجهه في آفاق السّماء فلمّا أصبح صلّى الغداة، فلمّا صلّى من الظّهر ركعتين جاء جبرئيل علیه السلام فقال له: (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) الْآية، ثمّ أَخذ بيد النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم فحوَّل وجهه إلى الكعبة وحوَّل من خلْفه وجوههُم حتَّى قام الرِّجال مقام النِّساء والنِّساء مقام الرِّجال، فكان أوَّل صلاته إلى بيت المقدس وآخرها إلى الكعبة و بلغ الخبر مسجداً بالمدينة، وقد صلَّى أَهْله من الْعصر ركعتين فحوَّلُوا نحو القبلة وكان

ص: 289


1- «كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال» ج7/594 الخبر 20421.
2- «البقرة»: 142/22.

أوَّل صلاتهم إلى بيت المقدس وآخرها إلى الكعبة، فسمی ذلك المسجد مسجد القبلتين(1).7 - ما رواه الصّدوق رحمه الله مرفوعاً عن الإمام أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام أنّه قال: «كَانَ النِّسَاءُ يُصَلِّينَ مَعَ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم فَكُنَّ يُؤْمَرْنَ أَنْ لَا يَرْفَعْنَ رُؤُوسَهُنَّ قَبْلَ الرِّجَالِ لِضِيقِ الْأُزُر»(2).

ومثلها ما رواه العامّة عن أسماء بنت أبي بكر عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «مَنْ كانَ مِنْكنَّ تُؤمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلَا تَرْفَعُ رَأسَهَا حَتَّی يَرْفَعَ الرِّجَالُ رُؤُسَهُم مِنْ ضِيقِ ثِيابِ الرِّجَالِ»(3).

8 - ما رواه العامّة عن ابن عمر عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «إِذَا اسْتَأْذَنَكمْ نِسَاؤُكُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَلَا تَمْنَعُوهُنَّ»(4).

9 - قصة صلاة اُم المؤمنين خديجة علیها السلام مع النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم و عليّ علیه السلام جماعة في المسجد الحرام زادها الله شرفاً(5).

ص: 290


1- «من لا يحضره الفقيه» ج1/ 178 الحديث 843، «وسائل الشيعة» ج4/301 الحديث 5210.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج1/259 الحديث 1176، «وسائل الشيعة» ج8/343 الحديث 10855.
3- «كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال» ج7/678 الخبر 20877.
4- «كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال» ج7/677 الخبر 20873.
5- عن يحيى بن عفيف عن أبيه قال: كنت جالساً مع العباس بن عبد المطلب رضی الله عنه بمكة قبل ظهور أمر النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم، فجاء شاب فنظر في السّماء حين تحلقت الشّمس ثم استقبل الكعبة فقام يصلّي، ثمّ جاء غلام فقام عن يمينه، ثمّ جاءت امرأة فقامت خلفهما فركع الشاب فركع الغلام والمرأة، ثمّ رفع الشاب فرفعا، ثمّ سجد الشاب فسجدا، فقلت: يا عباس أمر عظيم! فقال العباس: أمر عظيم أتدری من هذا الشاب؟ هذا محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي، أ تدري من هذا الغلام؟ هذا عليّ بن أبي طالب ابن أخي، أتدری من هذه المرأة؟ هذه خديجة ابنة خويلد، إنّ ابن أخی هذا حدثني أنّ ربّه ربّ السماوات والأرض أمره بهذا الدين الّذي هو عليه، ولا والله ما على ظهر الأرض على هذا الدّين غير هؤلاء الثلاثة. راجع: «كنزالفوائد» ج1/262 - 263.

10 - ما ورد في باب اعتكاف المرأة، مثل صحيحة الْحَلَبِيِّ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «لَا ينبغي لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ إلّا لِحَاجَةٍ لَابُدَّ مِنْهَا، ثُمَّ لَا يَجْلِسُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَلَا يَخْرُجُ في شيء إلّا لِجَنَازَةٍ، أَوْ يَعُودُ مَرِيضاً وَلَا يَجْلِسُ حَتَّى يَرْجِعَ، قَالَ: وَاعْتِكَافُ الْمَرْأَةِ مِثْلُ ذَلِكَ»(1).

إلی غير ذلك من الشّواهد والأخبار الّتي دلّت علی جواز حضور النّساء في المسجد والجماعات وكذلك الاعتكافات ولم يتعرض لهنّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أو أحد المعصومين علیهم السلام بأنّ صلاتهنّ في بيوتهنّ أفضل من صلاتهنّ في المسجد ، بل يصطاد منها أفضليّة حضورهنّ فيها، إذ كيف يمكن أن تكون صلاتهنّ في البيوت أفضل وقد أمر الله سبحانه مريم علیها السلام بالصّلاة جماعة مع الرّاكعين، هل أنّه حكم مختصّة بها أو يعمّ سائر النساء؟!، وأيضاً هل يمكن كون صلاة المرأة في بيتها أفضل وقد صلّت خديجة علیها السلام جماعة في المسجد الحرام، أو نقول بأنّ صلاتهنّ في المساجد والجماعات كانت مكروهة أيضاً في زمانه صلی الله علیه و آله و سلم إلّا أنّه أخبر بذلك الإمام الصّادق علیه السلام القول الّذي يلازم القول بتأخير البيان عن وقت الحاجة أو الإغراء بالجهل تعالی الله جلّ جلاله و رسوله صلی الله علیه و آله و سلم عنه.

ص: 291


1- «من لا يحضره الفقيه» ج2/122 الحديث 529، «وسائل الشيعة» ج10/549 الحديث 14090.

ثمّ إنّ محمد تقي المجلسي رحمه الله قال في شرح قول الصّادق علیه السلام: «خَيْرُ مَسَاجِدِ نِسَائِكُمُ الْبُيُوتُ»:لأنّها أقرب إلی عصمتهنّ وسترهنّ حتّی أنّه روي: «أنّ صلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في صفتها، وصلاتها في صفتها أفضل من صلاتها في صحن دارها» وهكذا(1).

أقول: الظاهر كما أشار إليه المجلسي قدس سره آنفاً أنّ أفضلية البيت للمرأة بالنّسبة إلی المسجد لا يكون إلّا لأجل مناسبة البيت لكمال عصمتهنّ وسترهنّ من باب تناسب الحكم والموضوع، وحيث إنّ الصلاة في المسجد مستحب لكلّ شخص فمن رعت منهنّ السّتر والعفاف بوجه المطلوب عند الشّارع بأن لا يكون لباسهنّ رقيقاً وشفافاً بحيث يری الجسم من وراءه، وأن يكون لباسهنّ ممّا يختفی فيه حجم أعضاء أبدانهنّ، فصلاتها حينئذٍ في المسجد أفضل من صلاتها في بيتها، كما شهدت بذلك إجمالاً هذه الشّواهد المذكورة، وغيرها مثل عمومات ما دلّت علی كراهة ترك حضور المسجد للصلاة، كصحيحة زُرَارَةَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام في حَدِيثٍ قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْهُ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ فَلَا صَلَاةَ لَهُ»(2)، وصحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: «لَا صَلَاةَ

ص: 292


1- راجع: «روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه» ج2/107. أشار رحمه الله إلی صحيحة هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي مِخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا وَصَلَاتُهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِی الدَّارِ». «من لا يحضره الفقيه» ج1/259 الحديث 1178، «وسائل الشيعة» ج5/236 الحديث 6431.
2- «الكافي» ج3/372 الحديث 5، «وسائل الشيعة» ج8/291 الحديث 10694.

لِمَنْ لَا يَشْهَدُ الصَّلَاةَ مِنْ جِيرَانِ الْمَسْجِدِ إلّا مَرِيضٍ أَوْ مَشْغُولٍ»(1)، وما دلّت علی حضّحضور المساجد كخبر الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الصَّادِقِ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام في حَدِيثِ الْمَنَاهِي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم: «وَمَنْ مَشَى إِلَى مَسْجِدٍ يَطْلُبُ فِيهِ الْجَمَاعَةَ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ سَبْعُونَ أَلْفَ حَسَنَةٍ، وَيُرْفَعُ لَهُ مِنَ الدَّرَجَاتِ مِثْلُ ذَلِكَ، فَإِنْ مَاتَ وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَعُودُونَهُ في قَبْرِهِ، وَيُبَشِّرُونَهُ، وَيُؤْنِسُونَهُ في وَحْدَتِهِ، وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى يُبْعَثَ»(2)، وكذا ما وردت في فضل الصّلاة جماعة مثل صحيحة جابر بن يزيد الجعفي عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام في حَدِيثٍ قَالَ: «فَضْلُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الرَّجُلِ فَرْداً خَمْسٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً في الْجَنَّةِ»(3)، وما حكاه الشّهيد الثاني رحمه الله في «روض الجنان» عن كتاب «الإمام والمأموم» للشّيخ أبي محمد جعفر بن أحمد القمّي بإسناده المتصل إلی أبي سعيد الخُدری قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم: «أَتَانِی جَبْرَئِيلُ مَعَ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبِّكَ يُقْرِؤُكَ السَّلَامَ وَأَهْدَى إِلَيْكَ هَدِيَّتَيْنِ لَمْ يُهْدِهِمَا إِلَى نَبِيٍّ قَبْلَكَ، قُلْتُ: مَا الْهَدِيَّتَانِ؟ قَالَ: الْوَتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ، وَالصَّلَاةُ الْخَمْسُ في جَمَاعَةٍ، قُلْتُ: يَا جَبْرَئِيلُ وَمَا لِاُمَّتِي في الْجَمَاعَةِ؟ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ كَتَبَ اللَّهُ لِكُلِ وَاحِدٍ بِكُلِّ رَكْعَةٍ مِائَةً وَخَمْسِينَ صَلَاةً، وَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً كَتَبَ اللَّهُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ بِكُلِّ رَكْعَةٍ سِتَّمِائَةِ صَلَاةٍ، وَإِذَا كَانُوا أَرْبَعَةً كَتَبَ اللَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِكُلِّ رَكْعَةٍ أَلْفاً وَمِائَتَيْ

ص: 293


1- «من لا يحضره الفقيه» ج1/245 الحديث 1091، «وسائل الشيعة» ج8/291 الحديث 10696.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج4/10 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج8/287 الحديث 10681.
3- «الكافي» ج3/372 الحديث 7، «وسائل الشيعة» ج8/286 الحديث 10679.

صَلَاةٍ، وَإِذَا كَانُوا خَمْسَةً كَتَبَ اللَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِكُلِّ رَكْعَةٍ أَلْفَيْنِ وَأَرْبَعَمِائَةِ صَلَاةٍ، وَإِذَا كَانُوا سِتَّةً كَتَبَ اللَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِكُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَثَمَانَمِائَةِ صَلَاةٍ، وَإِذَا كَانُوا سَبْعَةً كَتَبَ اللَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِكُلِّ رَكْعَةٍ تِسْعَةَ آلَافٍ وَسِتَّمِائَةِ صَلَاةٍ، وَإِذَا كَانُوا ثَمَانِيَةً كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لِكُلِّوَاحِدٍ مِنْهُمْ تِسْعَةَ عَشَرَ أَلْفاً وَمِائَتَيْ صَلَاةٍ، وَإِذَا كَانُوا تِسْعَةً كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِكُلِّ رَكْعَةٍ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَلْفاً وَأَرْبَعَمِائَةِ صَلَاةٍ، وَإِذَا كَانُوا عَشَرَةً كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لِكُلِّ وَاحِدٍ بِكُلِّ رَكْعَةٍ سَبْعِينَ أَلْفاً وَأَلْفَيْنِ وَثَمَانَمِائَةِ صَلَاةٍ، فَإِنْ زَادُوا عَلَى الْعَشَرَةِ فَلَوْ صَارَتْ بِحَارُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلُّهَا مِدَاداً وَالْأَشْجَارُ أَقْلَاماً وَالثَّقَلَانِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ كُتَّاباً لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَكْتُبُوا ثَوَابَ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، يَا مُحَمَّدُ تَكْبِيرَةٌ يُدْرِكُهَا الْمُؤْمِنُ مَعَ الْإِمَامِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ سِتِّينَ أَلْفَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَخَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا سَبْعِينَ أَلْفَ مَرَّةٍ، وَرَكْعَةٌ يُصَلِّيهَا الْمُؤْمِنُ مَعَ الْإِمَامِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَسَجْدَةٌ يَسْجُدُهَا الْمُؤْمِنُ مَعَ الْإِمَامِ في جَمَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِتْقِ مِائَةِ رَقَبَةٍ»(1)، إلی غير ذلك من الأخبار والأحاديث الّتي يعمّ الرّجال والنّساء معاً، إذ المستحب في حقّ الرّجل مستحبّ في حقّ المرأة إلّا ما أخرجه الدّليل.

إن قلت: فإن كانت صلاة النّساء في المسجد والجماعات أفضل من صلاتهنّ في البيوت، فما معنی ما ورد من مثل صحيحة أبي هَمَّامٍ عَنْ أبي الْحَسَنِ علیه السلام: «إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ في الْمَسْجِدِ مَعَ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْجُمُعَةَ رَكْعَتَيْنِ فَقَدْ نَقَصَتْ صَلَاتَهَا، وإِنْ صَلَّتْ في الْمَسْجِدِ أَرْبَعاً نَقَصَتْ صَلَاتَهَا، لِتُصَلِّ في بَيْتِهَا

ص: 294


1- «روض الجنان» ص 363، «بحارالأنوار» ج88/14 الحديث 26، «مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل» ج6/443 الحديث 7184.

أَرْبَعاً أَفْضَلُ»(1)، وخبر يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «خَيْرُ مَسَاجِدِ نِسَاءِكُمُ الْبُيُوتُ»(2)؟قلنا: إنّها ناظرة إلی ما هو الغالب فيهنّ حيث إنّ كثيراً منهنّ لا يرعين ما وجب عليهنّ الشّرع من السّتر والعفاف في الطرق والمعابر، فأخبر الشارع بأنّ صلاتهنّ في البيوت أفضل من صلاتهنّ في المساجد، وإلّا فمن رعت منهنّ ذلك بالوجه المطلوب عند الشّارع فإنّه يجوز لها دخول المساجد والجماعات بل يستحب.

العاشر:

سقوط الجمعة عن المعذورين رخصةٌ وليس عزيمةً.

قد عرفت سقوط وجوب الجمعة عن طوائف، ولكن هل يجوز لهم الحضور وإقامة صلاة الجمعة المنعقدة بغيرهم؟ وهل يجزئهم ذلك عن صلاة الظّهر أم لا؟

الظّاهر كونه كذلك، إذ بعض أدلّة صلاة الجمعة يثبت بها الوجوب، وبعضها يدلّ علی الرّجحان والمشروعيّة، ولا يلزم من انتفاء أحدهما انتفاء الآخر.

وبعبارة اُخری: أنّ الأحكام الصادرة في الشّريعة المقدسة عامّة تشمل جميع المكلّفين إلّا من خرج عنها بنصّ خاصّ معلوم، ففي المقام قد دلّت الأدلّة علی رجحان صلاة الجمعة وعلی لزوم السّعی إليها، ثمّ استثنی عنها الطوائف المذكورة بالمخصّص المنفصل مجملاً مفهومه دائر بين الأقلّ والأكثر، فإذا

ص: 295


1- «التهذيب» ج3/241 الحديث 644، «وسائل الشيعة» ج7/340 الحديث 9524.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج1/154 الحديث 719، «التهذيب» ج3/252 الحديث 694، «وسائل الشيعة» ج5/237 الحديث 6434.

شككنا في أنّ المستثنی هل هو أصل وجوب السّعي أو هو مع الرجحان والمشروعيّة؟ فبما أنّه يلزم في التخصيص الاكتفاء علی القدر المتيقن وإبقاءالزائد عليه تحت عموم العام نحكم بجواز حضورهم الجمعة واحتسابها بعنوان فرضهم(1).

وادّعی في «الجواهر» عدم وجدانه الخلاف فيه، وحكی عن «المدارك» أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب، حيث قال:

وكلّ هؤلاء عدا المجنون ومن لم تكن عبادته من الصبيان شرعيّة إذا اتفق منهم أو تكلّفوا الحضور للجمعة المنعقدة بغيرهم صحّت منهم وأجزأتهم عن الظهر بلا خلاف أجده، فيه بل في «المدارك» أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب، (إلی أن قال:) بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، مضافاً إلی ما تسمعه من الإجماعات وغيرها ممّا يدلّ علی الوجوب والانعقاد المستلزمين للإجزاء ضرورةً(2).

فبناءً عليه كلّ من سقطت عنه صلاة الجمعة لعذر، فإنّها تصبح واجبةً عليه إذا حضرها، فإنّه قبل حضور الجمعة مخيّرٌ بين الظّهر والجمعة، لكنّه إذا حضرها تعيّنت عليه صلاة الجمعة، قال الشّيخ رحمه الله في (النّهاية):

ومع حصول هذه الشّرائط تسقط عن تسعة نفر: الشّيخ الكبير، والطّفل الصّغير، والمرأة، والعبد، والمسافر، والأعمی، والأعرج، والمريض، ومن كان علی رأس أكثر من فرسخين؛ ويلزم هؤلاء المذكورين إلّا من هو خارجٌ عن التّكليف - مثل الطّفل الصّغير - الفرض أربع ركعات، فإن

ص: 296


1- أقول: لزيادة التوضيح راجع: «كفاية الاُصول» ص 218 - 226، المبحث «حجيّة العامّ المخصص في الباقي».
2- «جواهرالكلام» ج11/268.

حضروا الجمعة وجب عليهم الدّخول فيها وأجزأتهم صلاة ركعتين، وإن لم يحضروا لم يجب عليهم الحضور حسب ما قدّمناه(1) .

وقال في «الخلاف» وفيه إشارة إلی قول أبي حنيفة والشّافعي:

لا تجب علی العبد والمسافر الجمعة بلا خلاف، وهل تنعقد بهم دون غيرهم أم لا؟ فإنّ عندنا أنّهم إذا حضروا انعقدت بهم الجمعة إذا تمّ العدد وبه قال أبوحنيفة، وقال الشّافعي: لا تنعقد بهم الجمعة انفردوا أو تمّ بهم العدد(2).

وقال المحقّق النراقي رحمه الله في «المستند»:

قد عرفت سقوط وجوب حضور الجمعة عن المذكورين قطعاً، فهل يجوز لهم الحضور والتجميع، ويجزئ ذلك عن ظهرهم أم لا؟

الظاهر نعم، وفاقاً لجماعة لعدم دلالة أخبار الوضع والسّقوط على الزّائد على وضع الوجوب، حتّى ما صرّح فيه بوضع الجمعة، إذ لا معنى لوضع نفسها، بل حكمها وهو كما يحتمل أن يكون مطلق المشروعيّة يحتمل الرجحان، فإنّ أدلّة الجمعة منها ما يثبت منه الوجوب، ومنها ما لا يدلّ على أزيد من الرجحان والمشروعيّة، ولا يلزم من انتفاء الأوّل انتفاء الثاني، (إلی أن قال:) مضافاً في المسافر، إلى المرويّ في ثواب الأعمال والأمالي: «أيّما مسافر صلّى الجمعة رغبة فيها وحُبّا لها، أعطاه أجر مائة جمعة [للمقيم]»، وفي المرأة، إلى صحيحة أبي همام: «إذا صلّت المرأة في المسجد مع الإمام يوم

ص: 297


1- «النهاية في مجرّد الفقه والفتاوی» ص 103، «سلسلة الينابيع الفقهيَّة» ج3/320.
2- «كتاب الخلاف» ج1/610، المسألة 375.

الجمعة الجمعة ركعتين فقد نقصت صلاتها، وإن صلّت في المسجد أربعاً نقصت صلاتها، لتصلّ في بيتها أربعاً أفضل»(1).

وقال الإمام الرّاحل قدس سره في «التحرير»:

كلّ هؤلاء إذا اتفق منهم الحضور أو تكلفوه صحّت منهم وأجزأت عن الظهر، وكذا كلّ من رخّص له في تركها لمانع من مطر أو برد شديد أو فقد رجل ونحوها ممّا يكون الحضور معه حرجاً عليه، نعم لا تصحّ من المجنون، وصحّت صلاة الصّبي، وأمّا إكمال العدد به فلا يجوز، وكذا لا تنعقد بالصبيان فقط(2) .

وقال ابن قدامة الحنبلي في كتابه «المغنی»:

إنّ ما كان شرطاً لوجوب الجمعة فهو شرط لانعقادها فمتی صلّوا جمعة مع اختلال بعض شروطها لم يصحّ ولزمهم أن يصلّوا ظهراً، ولا يعدّ في الأربعين الّذين تنعقد بهم الجمعة من لا تجب عليه، ولا يعتبر اجتماع الشّروط للصحّة، بل تصحّ ممّن لا تجب عليه تبعاً لمن وجبت عليه، ولا يعتبر في وجوبها كونه ممن تنعقد به(3).

ثمّ إنّه قد استدلّ علی ذلك بأخبار، منها خبر حفص بن غياث حيث قال: سَمِعْتُ بَعْضَ مَوَالِيهِمْ سَأَلَ ابْنَ أبي لَيْلَى عَنِ الْجُمُعَةِ هَلْ تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ والْعَبْدِ والْمُسَافِرِ؟ فَقَالَ: «لَا، قَالَ: فَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمُ الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ فَصَلَّاهَا، هَلْ تُجْزِيهِ تِلْكَ الصَّلَاةُ عَنْ ظُهْرِ يَوْمِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وكَيْفَ يُجْزِي مَا

ص: 298


1- «مستند الشيعة» ج6/112، المسألة الاُولی.
2- «تحرير الوسيلة» ج1/237، المسألة 2.
3- «المغني لابن قدامة» ج2/332.

لَمْ يَفْرِضْهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَمَّا فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ؟ (إِلَى أَنْ قَالَ:) فَمَا كَانَ عِنْدَ ابْنِ أبي لَيْلَى فِيهَا جَوَابٌ، وطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُفَسِّرَهَا لَهُ فَأَبَى، ثُمَّ سَأَلْتُهُ أَنَا عَنْ ذَلِكَ فَفَسَّرَهَا لِي، فَقَالَ: الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ فَرَضَ عَلَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ، ورَخَّصَ لِلْمَرْأَةِ والْمُسَافِرِ والْعَبْدِ أَنْ لَا يَأْتُوهَا، فَلَمَّا حَضَرُوا سَقَطَتِ الرُّخْصَةُ ولَزِمَهُمُ الْفَرْضُ الْأَوَّلُ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَجْزَأَ عَنْهُمْ، فَقُلْتُ: عَمَّنْ هَذَا؟ قَالَ: عَنْ مَوْلَانَا أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه سلام»(1) .

وخبر عبد اللَّه بن جعفر الحِميريّ في «قرب الإسناد» عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ النِّسَاءِ هَلْ عَلَيْهِنَّ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ مَا عَلَى الرِّجَالِ؟ قَالَ: «نَعَمْ»(2).

مضافاً إلی ما ورد من استحباب أمر الصّبيان بالصّلاة مطلقا لست سنين أو سبع سنينمنها صحيحةالْحَلَبِيِّ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «إِنَّا نَأْمُرُ صِبْيَانَنَا بِالصَّلَاةِ إِذَا كَانُوا بَنِي خَمْسِ سِنِينَ، فَمُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلَاةِ إِذَا كَانُوا بَنِي سَبْعِ سِنِينَ»، الحديث(3).

ص: 299


1- «التهذيب» ج3/21 الحديث 78، «وسائل الشيعة» ج7/337 الحديث 9518.
2- «قرب الإسناد» : 100، «وسائل الشيعة» ج7/338 الحديث 9519.
3- «الكافي» ج3/409 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج4/19 الحديث 4401 .

الحادي عشر:

هل يجوز للّذين يستثنون عن حضور الجمعة أن يكونوا إماماً في الجمعة؟

قد عرفت أنّه يستثنی من خصوص وجوب الجمعة – لا جوازها - بعض الطوائف؛ وهي: المسافر، والمرأة، والصبيّ، والمجنون، والمريض، والشّيخ الكبير، والعبد، ومن بعد عنها بأزيد من فرسخين، والأعرج، والأعمی، وعند نزول المطر، فنبحث هنا عن أنّه هل يجوز للّذين يستثنون عن حضور الجمعة أن يكونوا إماماً في الجمعة أم لا؟

قال الشّيخ رحمه الله في «المبسوط»:

ولا تنعقد الجمعة بإمامة فاسق ولا امرأة، وكلّ من لا تنعقد به الجمعة لا يكون إماماً فيها، ويجوز أن يكون الإمام في الجمعة عبداً إذا كان أقرأ الجماعة ويكون العدد قد تمّ بالأحرار، والمسافر يجوز أن يصلّي بالمقيمين وإن لم يكن واجباً عليه إلّا أنّه لا يصحّ منه ذلك إلّا إذا أتى بالخطبتين، ويكون العدد قد تمّ بغيره، وإن صلّى بقوم مسافرين بلا خطبة كان ظهراً لا جمعة(1).

فقد أجاز رحمه الله من هولاء الّذين يستثنی عنهم الجمعة خصوص إمامة العبد والمسافر إذا تمّ بغيرهما العدد.

وقال ابن قدامة الحنبلي:

ولا تنعقد الجمعة بأحد من هؤلاء (الّذين يستثنون عن حضور الجمعة) ولا يصحّ أن يكون إماماً فيها، وقال أبوحنيفة والشّافعي: يجوز أن يكون العبد والمسافر إماماً فيها ووافقهم مالك في المسافر، وحكی عن أبي

ص: 300


1- «المبسوط في فقه الإمامية» ج 1/149.

حنيفة: أنّ الجمعة تصحّ بالعبيد والمسافرين لأنّهم رجالٌ تصحّ منهم الجمعة، ولنا: أنّهم من غير أهل فرض الجمعة فلم تنعقد الجمعة بهم ولم يجز أن يؤمّوا فيها كالنساء والصبيان، ولأنّ الجمعة إنّما تنعقد بهم تبعاً لمن انعقدت به فلو انعقدت بهم أو كانوا أئمة فيها صار التبع متبوعاً...، ولأنّ الجمعة لو انعقدت بهم لانعقدت بهم منفردين(1).

إذا عرفت مجمل الأقوال عند الفريقين نبحث عن كلّ واحد منهم علی حدّه فنقول:

أمّا الصّبي والمجنون: فقد ادعی المحقق النراقي رحمه الله علی اشتراط البلوغ والعقل في إمام الجماعة اتفاق الأصحاب، سواء كان في المجنون أن يكون مطبقاً أو ذا الأدوار في حال جنونه، وكذلك الصّبي إذا كان غير مميز، وعلی الأظهر الأشهر إذا كان مميزاً(2).

قال الشّيخ رحمه الله في «الخلاف»:

الصّبي إذا لم يبلغ، لا تنعقد به الجمعة وإن كان تصحّ منه صلاة التطوع، وللشّافعي فيه قولان؛ قال في الإملاء: يجوز ذلك، وقال في الأم: لا يجوز ذلك، دليلنا : إنّ انعقاد الجمعة به يحتاج الى دليل، وليس في الشّرع ما يدلّ عليه(3).

وقال العلّامة رحمه الله في «النهاية»:

لا تصحّ إمامة الصّبي لأنّه لا جمعة عليه، وإذا فعلها لا يسقط بها الفرض عن نفسه إذ لا فرض عليه، بخلاف العبد والمسافر فإنّهما

ص: 301


1- «المغني لابن قدامة» ج2/341 - 342.
2- راجع: «مستند الشيعة» ج8/25 و 32.
3- «كتاب الخلاف» ج1/628، المسألة 400 من مسائل «صلاة الجمعة».

يسقطان بهما فرض الظّهر إن جوزنا إمامتهما، ويحتمل الجواز كسائر الفرائض إن جوزنا إمامته فيها(1).

وقال المحدث البحراني رحمه الله في «الحدائق»:

يشترط في الإمام اُمور: (الأوّل:) البلوغ، فلا تصحّ إمامة الصّبي وإن كان مميزاً، وقال العلّامة في «المنتهى» إنّه لا خلاف فيه، مع أنّ المنقول عن الشّيخ في «الخلاف» و«المبسوط» جواز إمامة الصبيّ المراهق المميز العاقل في الفرائض، وهو ظاهر في ثبوت الخلاف في المسألة، وأمّا ما أوّله به في «المدارك» من الحمل على غير الجمعة - حيث قال: والظاهر أنّ مراده بالفرائض ما عدا الجمعة - فلا يظهر له وجه سيما مع دلالة ظواهر جملة من الأخبار على ذلك...، (الثاني:) العقل، فلا تنعقد إمامة المجنون قولاً واحداً لعدم الاعتداد بفعله، بقي الكلام في ما لو كان يعتريه الجنون أدواراً، فهل تجوز إمامته في حال الإفاقة؟ الظاهر ذلك وهو المشهور، وبه صرّح العلّامة في باب الجماعة من «التذكرة» على ما نقل عنه، إلّا أنّه قطع في باب الجمعة من «التذكرة» على ما حكى عنه بالمنع من إمامته مستنداً إلى إمكان عروضه حال الصلاة له(2).

وقال الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

ومن شروط صحة الإمام البلوغ، فلا يصحّ أن يقتدي بالغ بصبي مميّز في صلاة مفروضة، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الشّافعية فقالوا: يجوز اقتداء البالغ بالصبيّ المميز في الفرض إلّا في الجمعة، فيشترط

ص: 302


1- «نهاية الإحكام في معرفة الأحكام» ج 2/26.
2- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج10/2 و 4.

أن يكون بالغاً إذا كان الإمام من ضمن العدد الّذي لا يصحّ إلّا به، فإن كان زائداً عنهم صحّ أن يكون صبيّاً مميزاً...، ومن شروط صحة الإمامة العقل، فلا تصحّ إمامة المجنون إذا كان لا يفيق من جنونه، أمّا إذا كان يفيق أحياناً ويجن أحياناً فإنّ إمامته تصحّ حال إفاقته، وتبطل حال جنونه باتفاق(1).

قد دلّت علی شرطيّتهما فيهما أخبار، منها: صحيحة أبي بَصِيرٍ يَعْنِي لَيْثاً الْمُرَادِيَّ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «خَمْسَةٌ لَا يَؤُمُّونَ النَّاسَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَعَدَّ مِنْهُمُ الْمَجْنُونَ وَوَلَدَ الزِّنَا»(2).

وموثقة إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيّاً علیه السلام كَانَ يَقُولُ: «لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ الْغُلَامُ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ، وَلَا يَؤُمُّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، فَإِنْ أَمَّ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَفَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ خَلْفَه»(3).

أقول: الظاهر من باب تناسب الحكم والموضوع، وكذا حكم العقل عدم مناسبة منصب إمامة الجمعة والجماعة لإمامة المجنون أدواراً، وإن أقامهما في دور إفاقته، لا سيّما إذا احتمل عروضه حالة الصّلاة، وذلك لعلوّ ذلك المنصب الرفيع عن مثل إمامة المجنون، أو ولد الزّنا، أو الأجذم والأبرص، ومن لا يرضی المأمومون بإمامته، وأمثالها، فما يقال من جواز إمامة المجنون أدواراً حال إفاقته محل تأمّل وترديد.

ص: 303


1- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/409 - 410.
2- «الكافي» ج3/375 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج8/321 الحديث 10783.
3- «التهذيب» ج3/29 الحديث 103، «الاستبصار» ج1/ 423 الحديث 1632، «وسائل الشيعة» ج8/322 الحديث 10789.

أمّا المرأة: فقد ادّعي علی عدم جواز الائتمام بها في غير الجمعة من الصّلوات الواجبة إجماع الفريقين، فكيف بالجمعة الّتي لا تنعقد بهنّ؟!، قال الشّيخ رحمه الله في «الخلاف»:

لا يجوز أن يأتمّ الرجل بامرأة ولا خنثى، وبه قال جميع الفقهاء إلّا أبا ثور فإنّه قال: يجوز ذلك، دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضاً فالصّلاة في الذمّة بيقين ولا يجوز إبراؤها إلّا بيقين، ولا يقين لمن صلّى خلف امرأة، وأيضاً روى جابر أنّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم قال: «لا تؤمّن امرأة رجلاً، ولا يؤمّ أعرابی مهاجراً (1)»(2).

وقال المحدث البحراني رحمه الله في «الحدائق»:

لا تصحّ إمامة المرأة ولا الخنثى لعدم جواز إمامتهما للرجال كما سيأتي في باب الجماعة إن شاء اللَّه تعالى، قال في «التذكرة»: يشترط في إمامة الرّجال الذكورة عند علمائنا أجمع وبه قال عامّة العلماء، ولا ريب في اشتراطها بناءً على أنّ الجمعة لا تنعقد بالمرأة ولا بالخنثى(3).

وقال المحقق النراقي رحمه الله في «مستنده»:

السادس (من شرائط الجماعة): الذكورة إذا كان المأموم ذكراً أو ذكراً واُنثى، فلا تجوز إمامة المرأة لرجل، باتفاق العلماء كما عن المعتبر، بل بالإجماع المحقّق والمحكي في «التذكرة» و«المفاتيح» و«شرحه» وعن «المنتهى» و«روض الجنان» و«الذكرى» وغيرها؛ وهو الدليل عليه، مضافاً إلى التأيّد بالنّبوی المشهور، والمرتضوي المروي في

ص: 304


1- راجع: «سن ابن ماجة» ج1/343 الخبر 1081.
2- «كتاب الخلاف» ج1/548، المسألة 288 من مسائل «صلاة الجماعة».
3- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج10/7.

الدعائم - الّلذين ضعفهما بالعمل مجبور - : «لا تؤمّ المرأة رجلاً»، وإنّما جعلناهما مؤيّدين لاحتمال الجملة المنفية الغير الصريحة في التحريم(1).

وقال الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

ومن شروط الإمامة - الذكورة المحققة - فلا تصحّ إمامة النّساء، وإمامة الخنثى المشكل إذا كان المقتدى به رجال، أمّا إذا كان المقتدى به نساء فلا تشترط الذكورة في إمامتهنّ، بل يصحّ أن تكون المرأة إماماً لامرأة مثلها أو الخنثى باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية فقالوا: لا يصحّ أن تكون المرأة ولا الخنثى المشكل إماماً لرجال أو نساء، لا في فرض ولا في نفل، فالذكورة شرط في الإمام مطلقاً مهما كان المأموم(2).

أقول: يمكن أن نستدلّ علی ذلك مضافاً إلی الإجماع المدّعی عند الفريقين بمرسلة دعائم الاسلام، عن جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ الرِّجَالَ، وَتُصَلِّي بِالنِّسَاءِ، وَلَا تَتَقَدَّمُهُنَّ وَلَكِنْ تَقُومُ وَسْطاً مِنْهُنَّ، وَفِي نُسْخَةٍ: بَيْنَهُنَّ وَتُصَلِّينَ بِصَلَاتِهَا»(3) ، وبالنّبوي المروي الّذي رواه العامّة بواسطة جابر، وينجبر ضعفهما بما عمل عليه الأصحاب بل فقهاء الفريقين.

أمّا المسافر: فقد عرفت أنّه يجوز للمسافر حضور الجمعة بعنوان المأموم وتجزئه عن الظّهر، بل يستحبّ له اختيار الجمعة علی الظّهر، وله من الأجر

ص: 305


1- «مستند الشيعة فی أحكام الشريعة» ج 8/34 - 35.
2- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/409.
3- «دعائم الإسلام» ج1/152، «مستدرك الوسائل» ج6/468 الحديث 7267.

والثّواب أجر مائة جمعة للمقيم، وأمّا كونه إماماً فقد استظهر جوازه المحدث البحراني رحمه الله في «الحدائق» حيث قال:

نعم لما دلّ خبر حفص(1) على أنّه مع حضور المسافر لموضع الجمعة المنعقدة بالحاضرين تجب عليه صلاة الجمعة وكذا خبر كتاب المحاسن، وجب القول بالصحة في الموضع المذكور سواءٌ كان الحاضر إماماً أو مأموماً فإنّه تجب عليه الصلاة كذلك وتنعقد به على القول بذلك كما هو الأظهر(2).

وقد مرّ كلام الشّيخ رحمه الله مشيراً إلی ما نحن بصدده حيث قال:

ولا تنعقد الجمعة بإمامة فاسق ولا امرأة، وكلّ من لا تنعقد به الجمعة لا يكون إماماً فيها، ويجوز أن يكون الإمام في الجمعة عبداً إذا كان أقرأ الجماعة ويكون العدد قد تمّ بالأحرار، والمسافر يجوز أن يصلّي بالمقيمين وإن لم يكن واجباً عليه إلّا أنّه لا يصحّ منه ذلك إلّا إذا أتى بالخطبتين، ويكون العدد قد تمّ بغيره، وإن صلّى بقوم مسافرين بلا خطبة كان ظهراً لا جمعة(3).

ص: 306


1- راجع: «التهذيب» ج3/21 الحديث 78، «وسائل الشيعة» ج7/337 الحديث 9518.
2- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج 10/160. وقد صرّح بذلك أيضاً من فقهائنا المعاصرين الشيخ حسين المظاهري (دامت بركاته) حيث قال ما هذا مراده: المسافر وإن لم ينو الإقامة في بلد عشرة أيّام فكما يجوز له أن يحضر الجمعة الّتي انعقدت بغيره، كان له أيضاً أن يكون إماماً للحاضرين بلا فرق. راجع: رسالته العمليّة ص 205، المسألة 1172.
3- «المبسوط في فقه الإمامية» ج 1/149.

وقال الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة» حكاية عن المالكية في الثالث من شروط صحة الجمعة:

الثالث: الإمام، ويشترط فيه أمران؛ أحدهما: أن يكون مقيماً أو مسافراً نوی إقامة أربعة أيام(1)، ثانيهما: أن يكون هو الخطيب(2).

أقول: حيث جوّزنا للمسافر أداء صلاة الجمعة فالظّاهر بدواً - كما صرّح به في «الحدائق» - عدم الفرق فيه بين أن يكون مأموماً أو إماماً للحاضرين، وذلك لكون كلمة (أيّ) من أدوات العموم، وكذا لإطلاق كلمة (مسافر) الَّلتين جاؤتا في موثّقة الصّدوق علیهم السلام : «أَيُّمَا مُسَافِرٍ صَلَّى الْجُمُعَةَ رَغْبَةً فِيهَا وحُبّاً لَهَا أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ أَجْرَ مِائَةِ جُمُعَةٍ لِلْمُقِيم»(3)، لكنّ الأحوط بل الأظهر يقتضي عدم كون الإمام مسافراً لاحتمال أنّ العامّ في المقام ينصرف بالانصراف الحقيقي إلی المأموم، وذلك لأنّ الإطلاق متفرّعٌ علی مقدمات الحكمة الّتي عُدَّ منها انتفاء القدر المتيقَّن في مقام التّخاطب؛ فلذلك لقائل أن يقول إنّ المتيقَّن من الجواز في المقام هو جوازه لخصوص المأموم دون الإمام، لا سيّما بملاحظة عدّه في إعداد التسعة الّذين سقطت عنهم الجمعة في صحيحة زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أبي

ص: 307


1- أقول: عدّ المالكية فی إعداد قواطع السفر: نية إقامة أربعة أيام بشرط أن تكون تامّة، فلا يحتسب عندهم يوم الورود إن ورد بعد طلوع الفجر، ولا يوم الخروج إن خرج في أثنائه. «الفقه علی المذاهب الأربعة»ج 1/479.
2- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/381.
3- «ثواب الأعمال وعقاب الأعمال» ص 59 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج7/339 الحديث 9521.

جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ علیه السلام قَالَ: «إِنَّمَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ عَلَى النَّاسِ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ خَمْساً وثَلَاثِينَ صَلَاةً، مِنْهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فَرَضَهَا اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ في جَمَاعَةٍ وهي الْجُمُعَةُ، وَ وَضَعَهَا عَنْ تِسْعَةٍ: عَنِ الصَّغِيرِ، والْكَبِيرِ، والْمَجْنُونِ، والْمُسَافِرِ، والْعَبْدِ، والْمَرْأَةِ، والْمَرِيضِ، والْأَعْمَى، ومَنْ كَانَ عَلَى رَأْسِ فَرْسَخَيْنِ»(1)، حيث لا شك في أنّ المراد منهم أن يكونوا مأمومين، بل والسؤال عنه فيما إذا كان مأموماً في خبر حَفْصِ بْن غِيَاثٍ حَيثُ قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ مَوَالِيهِمْ سَأَلَ ابْنَ أبي لَيْلَى عَنِ الْجُمُعَةِ هَلْ تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ والْعَبْدِ والْمُسَافِرِ؟ فَقَالَ: «لَا، قَالَ: فَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمُ الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ فَصَلَّاهَا، هَلْ تُجْزِيهِ تِلْكَ الصَّلَاةُ عَنْ ظُهْرِ يَوْمِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وكَيْفَ يُجْزِي مَا لَمْ يَفْرِضْهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَمَّا فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ؟ إِلَى أَنْ قَالَ: فَمَا كَانَ عِنْدَ ابْنِ أبي لَيْلَى فِيهَا جَوَابٌ، وطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُفَسِّرَهَا لَهُ فَأَبَى، ثُمَّ سَأَلْتُهُ أَنَا عَنْ ذَلِكَ فَفَسَّرَهَا لِي، فَقَالَ: الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ فَرَضَ عَلَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ، و رَخَّصَ لِلْمَرْأَةِ، والْمُسَافِرِ، والْعَبْدِ أَنْ لَا يَأْتُوهَا، فَلَمَّا حَضَرُوا سَقَطَتِ الرُّخْصَةُ ولَزِمَهُمُ الْفَرْضُ الْأَوَّلُ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَجْزَأَ عَنْهُمْ. فَقُلْتُ: عَمَّنْ هَذَا؟ قَالَ: عَنْ مَوْلَانَا أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه سلام»(2) .

مضافاً إلی ما سيأتي في المسألة الخامسة عشرة من ضرورة مراعاة العمل بالاحتياط لأئمّة الجمعة والجماعة.

أمّا إمامة العبد: فقال الشيّخ رحمه الله في «الخلاف»:

ص: 308


1- «من لا يحضره الفقيه» ج1/2 الحديث 1217،«وسائل الشيعة» ج7/295 الحديث 9382.
2- «التهذيب» ج3/21 الحديث 78، «وسائل الشيعة» ج7/337 الحديث 9518.

يجوز أن يكون العبد إماماً في صلاة الجمعة وإن كان فرضها ساقطاً عنه إلّا أنّه إذا تكلّفها جاز أن يكون إماماً فيها، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك: لا تصحّ (1).

وقال في مبحث «صلاة الجماعة» منه:

يجوز إمامة العبد إذا كان من أهلها، وبه قال الشّافعي، وقال أبو حنيفة: هي مكروهة، و روي في بعض رواياتنا أنّ «العبد لا يؤمّ إلّا مولاه»، دليلنا: عموم الأخبار الواردة في فضل الجماعة في ذلك ذكرناها في الكتابين، وقوله علیه السلام: «يؤمّكم أقرؤكم» ولم يفصل(2).

وقد مرّ كلام ابن قدامة الحنبلي حيث قال:

ولا تنعقد الجمعة بأحد من هؤلاء (الّذين يستثنون عن حضور الجمعة) ولا يصحّ أن يكون إماماً فيها، وقال أبوحنيفة والشّافعي: يجوز أن يكون العبد والمسافر إماماً فيها ووافقهم مالك في المسافر، وحكی عن أبي حنيفة: أنّ الجمعة تصحّ بالعبيد والمسافرين لأنّهم رجالٌ تصحّ منهم الجمعة، ولنا: أنّهم من غير أهل فرض الجمعة فلم تنعقد الجمعة بهم ولم يجز أن يؤمّوا فيها كالنساء والصبيان، ولأنّ الجمعة إنّما تنعقد بهم تبعاً لمن انعقدت به فلو انعقدت بهم أو كانوا أئمة فيها صار التبع متبوعاً...، ولأنّ الجمعة لو انعقدت بهم لانعقدت بهم منفردين(3).

ص: 309


1- «كتاب الخلاف» ج1/627، المسألة 398 من مسائل «صلاة الجمعة».
2- نفس المصدر ج1/547، المسألة 286 من مسائل «صلاة الجماعة».
3- «المغني لابن قدامة» ج2/341 - 342.

قد استدلّ الإماميّة علی جواز إمامة العبد بروايات، منها: صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا صلی الله علیه و آله و سلم أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْعَبْدِ يَؤُمُّ الْقَوْمَ إِذَا رَضُوا بِهِ وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآناً؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ»(1).

وموثقة سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَمْلُوكِ يَؤُمُّ النَّاسَ فَقَالَ: «لَا، إلّا أَنْ يَكُونَ هُوَ أَفْقَهَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ»(2).

بقي من الطوائف المستثناة عن حضور الجمعة المريض، والأعمی، والأعرج، ومن كان علی أزيد من فرسخين، والشيخ الكبير، وعند نزول المطر، فمقتضی قاعدة تناسب الحكم والموضوع أنّ استثناءهم في المقام لم يكن إلّا لأجل مشقة السّعي وكلفته عليهم، لا لأجل منقصة في ذواتهم، لا سيّما مع خلوّ المقام من دليل يدلّ علی ذلك بالخصوص، بل النصّ ورد علی خلافه إجمالاً في الأعمی والكبير، كما دلت عليه صحيحة زُرَارَةَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام في حَدِيثٍ قَالَ: قُلْتُ: أُصَلِّي خَلْفَ الْأَعْمَى؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُسَدِّدُهُ وَكَانَ أَفْضَلَهُمْ»(3)، وموثقة أبي عُبَيْدَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الْقَوْمِ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجْتَمِعُونَ فَتَحْضُرُ الصَّلَاةُ فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَقَدَّمْ يَا فُلَانُ؟ فَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم قَالَ: يَتَقَدَّمُ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِلْقُرْآنِ، فَإِنْ كَانُوا في الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا في الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَكْبَرُهُمْ سِنّاً، فَإِنْ كَانُوا في السِّنِّ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَعْلَمُهُمْ

ص: 310


1- «التهذيب» ج3/29 الحديث 99، «الاستبصار» ج1/423 الحديث 1628، «وسائل الشيعة» ج8/326 الحديث 10799.
2- «التهذيب» ج3/29 الحديث 101، «الاستبصار» ج1/423 الحديث 1630، «وسائل الشيعة» ج8/326 الحديث 10800.
3- «الكافي» ج3/375 الحديث 4، «وسائل الشيعة» ج8/339 الحديث 10842.

بِالسُّنَّةِ و َأَفْقَهُهُمْ في الدِّينِ، وَلَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمُ الرَّجُلَ في مَنْزِلِهِ وَلَا صَاحِبَ سُلْطَانٍ في سُلْطَانِهِ»(1)، فعليه لا وجه للقول بعدم جواز إمامة أحد من الّذين يستثنون عن حضور الجمعة علی نحو الإطلاق والقضية السالبة الكلّية، ففي خصوص المريض، وحين الخوف، أو عند نزول المطر قد صرّح بجوازها من العامّة ابن قدامة حيث قال:

فأمّا المريض ومن حبسه العذر من المطر والخوف فإذا تكلّف حضورها وجبت عليه وانعقدت به ويصحّ أن يكون إماماً فيها، لأنّ سقوطها عنهم إنّما كان لمشقة السعي فإذا تكلّفوا وحصلوا في الجامع زالت المشقة فوجبت عليهم كغير أهل الأعذار(2).

فبناءً عليه لا مانع من كونهم أئمة في الجمعة والجماعات إلّا ما أخرجه الدليل بالخصوص، كما في المرأة والصبيّ والمجنون، أو يكون عاجزاً عن القيام بواجبات الخطبة أو الصّلاة كما أشار إليه الشّيخ رحمه الله إجمالاً حيث قال:

لا يجوز للجالس أن يؤمّ بالقيام، وبه قال مالك، وقال الشّافعي: الأفضل أن لا يصلّي خلفه، فإن فعل أجزأه وصحّت صلاته، غير أنّهم يصلّون من قيام، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وقال أحمد: إذا صلّى الإمام قاعداً صلّوا خلفه قعوداً مع القدرة على القيام، ولا يجوز أن يصلّوا قياماً خلف قاعد، فإن صلّوا خلفه قياماً لم تصحّ صلاتهم، دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضاً روى جابر الجعفي عن الشعبي أنّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم قال: «لا يؤمنّ أحد بعدي قاعداً بقيام»(3).

ص: 311


1- «الكافي» ج3/376، «وسائل الشيعة» ج8/351 الحديث 10877.
2- «المغني لابن قدامة» ج2/342.
3- «كتاب الخلاف» ج1/544 مسألة 282 من مسائل «صلاة الجماعة»

الثاني عشر: وقت صلاة الجمعة.

الجمعة سواء قلنا بكونها واجبة بالوجوب التعييني أو الوجوب التخييري، فإنّ وقتها مضيّقٌ(1)، إبتداؤها زوال الشّمس، ولكن في آخر وقتها خلافٌ؛ من أنّه ساعة بعد الزّوال، أو إذا صار ظلّ كلّ شيء إلی القدمين من الفَيْء المتعارف من النّاس، أو إذا صار ظلّ كلّ شيء مثله، أو إلی بقي من النهار مقدار أربع ركعات صلاة العصر، إلی ذلك أشار العلّامة المجلسي رحمه الله حيث قال:

اعلم أنّ المشهور بين الأصحاب أنّ أوّل وقت الجمعة زوال الشّمس، فقال الشّيخ في «الخلاف»: وفي أصحابنا من أجاز الفرض عند قيام الشّمس، قال: واختاره علم الهدى، قال ابن إدريس: و لعلّ شيخنا سمعه من المرتضى مشافهةً، فإنّ الموجود في مصنّفات السّيد موافق للمشهور والأوّل أقرب. ثمّ اختلفوا في آخر وقتها، فالمشهور بينهم أنّ آخره إذا صار ظلّ كلّ شيء مثله، بل قال في المنتهى: إنّه مذهب علمائنا أجمع، وقال أبو الصّلاح: إذا مضى مقدار الأذان والخطبة وركعتي الفجر فقد فاتت ولزم أداؤها ظهراً، وقال الشّيخ في المبسوط: إن بقي من وقت الظّهر قدر خطبتين وركعتين خفيفتين صحّت الجمعة،

ص: 312


1- أقول: قد يدلّ علی تضييق وقت الجمعة رواياتٌ منها صحيحة فُضَيْل بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «إِنَّ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَشْيَاءَ مُوَسَّعَةً وَأَشْيَاءَ مُضَيَّقَةً، فَالصَّلَاةُ مِمَّا وُسِّعَ فِيهِ تُقَدَّمُ مَرَّةً وَتُؤَخَّرُ أُخْرَى، وَالْجُمُعَةُ مِمَّا ضُيِّقَ فِيهَا، فَإِنَّ وَقْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَاعَةُ تَزُولُ وَوَقْتَ الْعَصْرِ فِيهَا وَقْتُ الظُّهْرِ فِی غَيْرِهَا»، «الكافي» ج3/274 الحديث 2، «وسائل الشيعة» ج7/315 الحديث 9449، وبهذا المضمون الروايات 9415، 9460، 9466، و 9469 من «الوسائل»، والروايات 6317 و 6318 من «مستدرك الوسائل» ج6/17

وقال ابن إدريس: يمتدّ وقتها بامتداد وقت الظّهر، واختاره في الدّروس والبيان، وقال الجعفي: وقتها ساعة من النّهار.

ومستند المشهور غير معلوم، واستند أبو الصّلاح إلى هذه الأخبار الدالة على التّضييق، والظّاهر أنّ التّضييق في مقابلة الوسعة الّتي في سائر الصّلوات، ومستند الجعفي رحمه الله مَا رُوِيَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «وَقْتُ الْجُمُعَةِ إِذَا زَالَتْ وبَعْدَهُ بِسَاعَةٍ».

وكان والدي (قدَّس الله روحه) يذهب إلى أنّ وقتها بقدر قدمين، وهو قويٌّ لدلالة الأخبار الكثيرة على أنّ وقت العصر يوم الجمعة وقت الظّهر في سائر الأيام، ووقت الظّهر بعد القدمين، فالقدمان وقت الجمعة، والقول بالفاصلة بين وقتي الصّلاتين في غاية البعد، ولا ينافي أخبار التّضييق كما عرفت، ولا أخبار السّاعة إذ السّاعة في الأخبار تطلق على قدر قليل من الزّمان لا السّاعة النجومية، مع أنّ مقدارهما قريب من السّاعات المعوجة الّتي قد مرّ في بعض الأخبار إطلاق السّاعة عليها في باب علل الصّلاة، وظاهر الصّدوق في «المقنع» أنّه اختار هذا الرّأي وإن لم ينسب إليه حيث قال: واعلم أنّ وقت صلاة العصر يوم الجمعة في وقت الاُولى في سائر الأيام، والعجب من القوم أنّهم لم يتفطّنوا لذلك لا من الأخبار ولا من كلامه.

والأحوط الشروع بعد تحقّق الوقت في الخطبة، ثمّ الصّلاة بلا فصل، وأمّا قصر الخطبة فلا يلزم لنقل الخطب الطّويلة عن الأئمة: فيها، وقال في «المبسوط»: ولا يطوّل الخطبة، بل يقتصد فيهما لئلّا تفوته فضيلة أوّل الوقت، وقال فيه: وقَدْ رُوِيَ أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْخُطْبَتَانِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فعلى هذه الرّواية يمكن أن يقال يصلّی الجمعة ركعتين ويترك الخطبتين، والأوّل أحوط، والوجه في هذه الرّواية أن تكون مختصّةً بالمأموم الّذي تفوته الخطبتان فإنّه يصلّي الرّكعتين مع الإمام، فأمّا أن

ص: 313

تنعقد الجمعة بغير خطبتين، فلا يصلح على حال. أقول: وما ذكره أخيراً هو الوجه، بل هو ظاهر الرّواية(1).

وقال ابن إدريس الحلّي رحمه الله فيما إذا اجتمع كسوف واستسقاء وجمعة في وقت واحد:

قدّمت الجمعة وأخّرت صلاة الكسوف، وإن اجتمع استسقاء وكسوف وجمعة لم يقدّم على الجمعة غيرها، ثمّ صلّيت صلاة الكسوف، ثمّ الاستسقاء، بعد تجلّي المنكسف، هذا إذا غلب في الظنّ وكانت الأمارة قوية في أنّ وقت الكسوف لا يفوت ولا يخرج وقته، فأمّا إذا خيف خروج وقت صلاة الكسوف فالواجب التشاغل بصلاتها، وترك صلاة الجمعة في أوّل الوقت، فإنّ وقتها لا يفوت إلّا إذا بقي من النهار مقدار أربع ركعات(2).

وقال المحقّق العاملي رحمه الله في «المدارك»:

وتجب بزوال الشّمس ويخرج وقتها إذا صار ظلّ كلّ شيء مثله(3).

وقريبٌ منها ما قاله السيّد صاحب «العروة»:

وقت الجمعة من الزّوال إلی أن يصير الظِّل مثل الشّاخص، فإن أخّرها عن ذلك مضی وقته ووجب عليه الإتيان بالظّهر(4).

وقال الإمام قدس سره في «التّحرير»:

ص: 314


1- راجع: «بحارالأنوار» ج86/171 - 174.
2- راجع: «السرائر الحاوي لتحرير الفتاوى» ج 1/301.
3- «مدارك الأحكام» ج4/10.
4- «العروة الوثقی» ج1/421، فصلٌ في أوقات اليوميَّة.

وأمّا آخر وقتها بحيث تفوت بمضيّه ففيه خلاف وإشكال، والأحوط عدم التأخير عن الأوائل العرفيّة من الزّوال، وإذا أخّرت عن ذلك فالأحوط اختيار الظّهر وأن لا يبعد امتداده إلی قدمين من فَیْء المتعارف من النّاس ...، لا يجوز إطالة الخطبة بمقدار يفوت وقت الجمعة إذا كان الوجوب تعيينيّاً، فلو فعل أثم ووجبت صلاة الظّهر، كما تجب الظّهر في الفرض علی التّخيير أيضاً، وليس للجمعة قضاءٌ بفوات وقتها(1).

وقال ابن رشد القرطبي في «بداية المجتهد»:

الجمهور علی أنّ وقتها وقت الظّهر بعينه، أعني وقت الزّوال، وأنّها لا تجوز قبل الزّوال، وذهب قومٌ إلی أنّه يجوز أن تصلّي قبل الزّوال وهو قول أحمد بن حنبل، والسبب في هذا الاختلاف في مفهوم الآثار الواردة في تعجيل الجمعة مثل ما خرّجه البخاري عن سهل بن سعد أنّه قال: ما كنّا نتغدّي علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ولا نُقِيل(2) إلّا بعد الجمعة، ومثل ما روي: أنّهم كانوا يصلّون وينصرفون وما للجدران أظلالٌ، فمن فهم من هذه الآثار الصّلاة قبل الزّوال أجاز ذلك، ومن لم يفهم منها إلّا التكبير فقط لم يجز ذلك لئلّا تتعارض الاُصول في هذا الباب، وذلك أنّه قد ثبت من حديث أنس بن مالك أنّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم كان يصلّي الجمعة حين تميل الشّمس، وأيضاً فإنّها لمّا كانت بدلاً من الظّهر وجب أن يكون وقتها وقت الظّهر، فوجب من طريق الجمع بين هذه الآثار أن

ص: 315


1- «تحرير الوسيلة» ج1/238، المسألة 1 و 2.
2- قَالَ: يَقِيلُ قَيْلاً وقَيلُولَةً نَامَ نِصْفَ النَّهَارِ، والْقَائِلَةُ وَقْتُ الْقَيْلُولَةِ وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى (القَيْلُولَةِ). راجع: «المصباح المنير في غريب الشرح الكبير» ج 2/521.

تحمل تلك علی التكبير إذ ليست نصّاً في الصّلاة قبل الزوال، وهو الّذي عليه الجمهور(1).

وقال عبد الرّحمن الجزيري في كتاب «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

وقت الجمعة هو وقت الظّهر من زوال الشّمس إلی أن يصير ظلّ كلّ شيء مثله بعد ظلّ الاستواءكما تقدّم بيانه في مبحث «أوقات الصّلاة»، فلا تصحّ الجمعة قبل هذا الوقت ولا بعده باتِّفاق الحنفيّة والشّافعيّة، والحنابلة قالوا: يبتدئ وقت الجمعة من ارتفاع الشّمس قدر رمح، وينتهي بصيرورة ظلّ كلّ شيء مثله سوی ظلّ الزّوال، ولكن ما قبل الزّوال وقت جواز يجوز فعلها فيه، وما بعد الزّوال وقت وجوب يجب إيقاعها فيه، وإيقاعها فيه أفضلٌ، والمالكيّة قالوا: وقتها من زوال الشّمس إلی غروبها بحيث يدركها بتمامها مع الخطبة قبل الغروب، فإن علم أنّ الوقت الباقي إلی الغروب لا يسع إلّا ركعة منها فلا يشرع فيها، بل يصلّي الظّهر، فإن شرع يصحّ (2).

أقول: إنّ ما نلاحظه من الأخبار الواردة في المقام(3) أنّ أوّل وقت الجمعة هو زوال الشّمس من دون أن يمضي بمقدار وقت النّوافل في غير يوم الجمعة، وذلك لما سيأتي في مبحث (آداب الجمعة وسننها) استحباب تقديم نوافلها قبل الزّوال، وأنّ وقت العصر فيها هو وقت الظّهر في غير يوم الجمعة، كما صرّحت بذلك صحيحة فُضَيْل بْنِ يَسَارٍ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «إِنَّ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَشْيَاءَ مُوَسَّعَةً و أَشْيَاءَ مُضَيَّقَةً، فَالصَّلَاةُ مِمَّا وُسِّعَ فِيهِ تُقَدَّمُ مَرَّةً وتُؤَخَّرُ اُخری، والْجُمُعَةُ مِمَّا

ص: 316


1- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج1/447 - 448.
2- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/375 - 376 .
3- راجع: «وسائل الشيعة» ج7/315، روايات الباب 8 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها.

ضُيِّقَ فِيهَا، فَإِنَّ وَقْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَاعَةُ تَزُولُ و وَقْتَ الْعَصْرِ فِيهَا وَقْتُ الظُّهْرِ في غَيْرِهَا»(1).

وصحيحة صَفْوَانَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ وَقْتِ الظُّهْرِ، فَقَالَ: «بَعْدَ الزَّوَالِ بِقَدَمٍ أَو نَحْوَ ذَلِكَ، إلّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَو في السَّفَرِ، فَإِنَّ وَقْتَهَا حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ»(2) .

وصحيحة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَابْدَأْ بِالْمَكْتُوبَةِ»(3).

وأمّا بالنسبة إلى آخر وقتها فإنّ الأخبار تتلخّص في مرفوعة واحدة رواها الصّدوق رحمه الله والشيخ الطوسي رحمه الله هي: قَالَ أبُوجَعْفَرٍ علیه السلام: «أَوَّلُ وَقْتِ الْجُمُعَةِ سَاعَةُ تَزُولُ الشَّمْسُ إِلَى أَنْ تَمْضِيَ سَاعَةٌ فَحَافِظْ عَلَيْهَا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم قَالَ: لَا يَسْأَلُ اللَّهَ عَبْدٌ فِيهَا خَيْراً إلّا أَعْطَاهُ»(4) .

وهي كما نلاحظ تصرّح بأنّ آخر وقت الجمعة هو مضيّ ساعة بعد زوال الشّمس، ولم نجد في الرّوايات دليلاً مصرّحاً علی أنّه يمتدُّ وقتها بمقدار القدمين من الفَيْء المتعارف من النّاس، أو بامتداد وقتها بوقت الظّهر، أو إذا صار ظلّ كلّ شيء مثله، وأمثال ذلك، وقد تقدّم كلام العلّامة المجلسي رحمه الله آنفاً بأنّ مستند الأخير غير معلوم.

ص: 317


1- «الكافي» ج3/274 الحديث 2، «وسائل الشيعة» ج7/315 الحديث 9449.
2- «وسائل الشيعة» ج7/317 الحديث 9455.
3- «الكافي» ج3/420 الحديث 2، «وسائل الشيعة» ج7/319 الحديث 9463.
4- «من لا يحضره الفقيه» ج1/267 الحديث 1223، «مصباح المتهجد»: 324، «وسائل الشيعة» ج7/318 و320 الحديث 9461 و 9467.

ويبدو أنّ المراد من الأخبار المتظافرة الدّالة علی أنّ وقت العصر يوم الجمعة هو وقت الظّهر في سائر الأيّام، هو لرجحان الجمع بين صلاتي الجمعة والعصر في هذا اليوم وإقامتها في وقت الظّهر من دون أن ينتظر إلی وقت فضيلة العصر في غير الجمعة، فلا دلالة فيها علی أنّ وقت الجمعة مثلاً يمتدّ بامتداد وقت فضيلة الظّهر أو إلی بقي من النّهار مقدار أربع ركعات صلاة العصر، بل هي من هذه الجهة ساكتةٌ، يشعر لما ذكرنا أخبار، منها صحيحة زُرَارَةَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ وَقْتِ الظُّهْرِ فَقَالَ: «ذِرَاعٌ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ، ووَقْتُ الْعَصْرِ ذِرَاعَانِ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ، فَذَاكَ أَرْبَعَةُ أَقْدَامٍ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ حَائِطَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم كَانَ قَامَةً، وكَانَ إِذَا مَضَى مِنْهُ ذِرَاعٌ صَلَّى الظُّهْرَ، وإِذَا مَضَى مِنْهُ ذِرَاعَانِ صَلَّى الْعَصْرَ»، ثُمَّ قَالَ: «أَتَدْرِي لِمَ جُعِلَ الذِّرَاعُ والذِّرَاعَانِ»؟ قُلْتُ: لِمَ جُعِلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «لِمَكَانِ النَّافِلَةِ، لَكَ أَنْ تَتَنَفَّلَ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى أَنْ يَمْضِيَ ذِرَاعٌ، فَإِذَا بَلَغَ فَيْؤُكَ ذِرَاعاً بَدَأْتَ بِالْفَرِيضَةِ وتَرَكْتَ النَّافِلَةَ، وإِذَا بَلَغَ فَيْؤُكَ ذِرَاعَيْنِ بَدَأْتَ بِالْفَرِيضَةِ وتَرَكْتَ النَّافِلَةَ»(1).

ثمّ إنّه علی القول بامتداد وقتها إلی انتهاء وقت فضيلة الظّهر، أو إلی بقي من النّهار مقدار أربع ركعات صلاة العصر يلزم طرح ما وردت من الأخبار الدالّة علی تضيّق وقت الجمعة، زائداً علی أنّه علی فرض وجود أدلّة تؤيّد الأقوال المذكورة، فالمسألة تكون من باب توارد الشّروط المتعدّدة علی جزاء واحد غير قابل للتّكرار، كالأمر بتقصير الصّلاة في السّفر تارةً باختفاء الأذان، واُخری باختفاء الجدران، وكأنّ الشّارع المقدّس قال في المقام بصورة عدة القضايا

ص: 318


1- «من لا يحضره الفقيه» ج1/140 الحديث 653، «وسائل الشيعة» ج4/141 الحديث 4743 و4744.

الشّرطيّة: إذا مضت من ظهر يوم الجمعة ساعةٌ فلا تُصلّ الجمعة وصلّ صلاة الظّهر، ثمّ قال في دليل آخر إذا صار ظلّ كلّ شيء إلی القدمين من الفَيْء المتعارف من النّاس فلا تصلّ الجمعة وصلّ صلاة الظّهر، وهكذا؛ فيقع التّعارض بين منطوق كلّ دليل مع مفهوم الدليل الآخر، وذلك لظهور انحصار كلّ شرط في جزائه مع عدم كون الجزاء قابلاً للتّكرار، فلابدّ علی القول بمفهوم الشرط لعلاج التّعارض علی ما ذهب إليه علماء الاُصول من العمل بأحد أمرين:

الأوّل: إمّا بأن نتصرّف باستقلال الجمل الشّرطية الواردة للجزاء، فينتج أنّ الشّرط في الحقيقة مركب من جميع الشّروط معاً، بأن تكون كلّ منها جزءً للسّبب المركب؛ ولازم هذا القول الأخذ بأعلی الأوقات المنقولة لانتهاء وقت الجمعة.

الثاني: أو بأن نتصرّف في انحصار كلّ من الشّروط في الجزاء، فينتج أنّ الشّرط في الجزاء هو أحد هذه الشّروط علی البدليّة، والنّتيجة علی هذا الأساس هو الأخذ بأضيق الشّروط وأقلّ الأوقات الواردة لانتهاء وقت الجمعة(1).

وحيث إنّ مختارنا في الاُصول في المسألة هو أرجحيّة التّصرف الثاني علی الأوّل، فنقول في المقام بعد ما دلّ الدليل إجمالاً علی أنّ وقت الجمعة مضيّق وليس كالظّهر في سائر الأيام وأنّ وقت العصر فيها هو وقت الظّهر في غيرها، ولم يقم دليل علی سائر الأقوال، بل الخبر مصرّح بكونه بمقدار السّاعة، فالأحوط بل الأقوی هو أنّ آخر وقت الجمعة هو مضيّ ساعة بعد الزوال.

ص: 319


1- راجع: مبحث «تعدّد الشرط واتّحاد الجزاء» في باب «مفهوم الشّرط» من كتب الاُصول.

هذا مع أنّه علی القول بإجمال النصّ من هذه الحيثيّة ولزوم الرجوع إلی الاُصول والقواعد، فبما أنّ الجمعة بناءً علی القول بالتعيين صارت واجبة علی المكلّف عند زوال الشّمس يقيناً فالّذي يتّبع في مثله هو قاعدة الاحتياط والاشتغال تحصيلاً للبراءة اليقينيّة، وهو أيضاً موافق للأخذ بأقلّ الأوقات المنقولة لانتهاء وقت الجمعة.

ما هو المراد من السّاعة في المقام؟

فبعد ما كان مختارنا في المسألة أنّ آخر وقت الجمعة هو مضيّ ساعة بعد الزوال، بقي هنا شيء، وهو أنّه ما هو المراد بالسّاعة الّتي تقدّم ذكرها في المرفوعة؟

أقول: بعد أن تتبّعنا المراد من (السّاعة) المذكورة في المرفوعة والّتي يتمّ من خلالها لتعيين انتهاء وقت صلاة الجمعة، توصّلنا إلى تفسيرين؛ هما:

الأوّل: ما ذهب إليه بعض فقهائنا المعاصرين - منهم الشّيخ الأراكي رحمه الله - بأنّ المراد منها السّاعة المتعارفة في اليوم، وهي ستون دقيقةً(1)، ولعلّه مستند إلى ما رواه أَنَس عَنِ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم حَيثُ قَالَ: «إِنَّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ويَوْمَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعٌ وعِشْرُونَ سَاعَةً، لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ في كُلِّ سَاعَةٍ سِتُّمِائَةِ أَلْفِ عَتِيقٍ مِنَ النَّارِ»(2)، بتقريب أنّ المراد منها أربع وعشرون ساعات متساويةً.

الثاني: ما اختاره اُستاذنا السيّد موسی الشّبيري الزّنجاني (دام ظلّه)، حيث فسّر السّاعة بقسم واحد من اثني عشر قسماً من اليوم الّذي تُقام فيه الجمعة،

ص: 320


1- راجع: «رسالة توضيح المسائل للشّيخ الأراكي رحمه الله » المسائل 728 و 1487.
2- «الخصال» ج2/392 الحديث 93، «وسائل الشيعة» ج7/380 الحديث 9634 .

فعليه يختلف مقدار السّاعة، أي واحد من اثني عشر سهماً من اليوم في الفصول المختلفة من السّنة(1) ، ويمكن أن يُستدلّ علی هذا الرأي بصحيحة مُحَمَّدِ بْنِ أبي عُمَيْرٍ عَنْ أَبَانٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام حَيثُ قَالَ: «سَاعَاتُ اللَّيْلِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، وسَاعَاتُ النَّهَارِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، وأَفْضَلُ سَاعَاتِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ أَوْقَاتُ الصَّلَاة»(2).

والأرجح عندنا من هذين التفسيرين لبيان المراد من السّاعة هو التّفسير الثاني الّذي ذهب إليه سيّدنا الاُستاذ (دام ظلّه)، وذلك لأنّه لا دليل علی تساوي مقدار السّاعة في تمام مدّة الليل والنهار وفي جميع الفصول من السّنة في موارد استعمال هذه الكلمة في الأخبار والرّوايات إذا استعملت بشكل مطلق، بل المراد منها علی ما صرّح به أيضاً بعض أرباب اللغة هو مقدار محدود من الزّمن(3)، فعليه يمكن تفسير المراد من كلمة «السّاعة» الواردة في المرفوعة وفي خبر أنس مع قطع النّظر عن أسنادها بصحيحة محمّد بن أبي عمير المتقدّمة(4).

وبعبارة اُخری: ليس المراد من السّاعة في المقام السّاعة المتعارفة في اليوم الّتي مقدارها ستّين دقيقة، بل المراد منها بقرينة الصّحيحة هو تقسيم كلّ نهار وكذا كلّ ليل إلی اثني عشر قسماً، وبناءً علی ذلك يلزم أن نقسّم اليوم الّذي نقيم

ص: 321


1- راجع: «توضيح المسائل مراجع» ج1/875 المسألة 743.
2- «الخصال» ج2/488 الحديث 65، «وسائل الشيعة» ج7/66 الحديث 8741 . وراجع أيضاً: «وسائل الشيعة» ج4/48 الحديث 4482 وص 52 الحديث 4492.
3- راجع: «التّحقيق في كلمات القرآن الكريم» ج5/318.
4- «الخصال» ج2/488 الحديث 65، «وسائل الشيعة» ج7/66 الحديث 8741، وراجع أيضاً: «وسائل الشيعة» ج4/48 الحديث 4482 وص 52 الحديث 4492.

فيه صلاة الجمعة إلی اثني عشر قسماً ونجعل مقداراً واحداً منها لانتهاء وقتالجمعة، فعليه يتفاوت مقدار السّاعة تقريباً في الشّتاء والصّيف من خمسين إلی سبعين من الدّقائق العرفيّة.

وحيث إنّ السّاعة كانت مُفتی بها عند الجميع من باب كونها قدراً متيقناً علی جميع هذه التفاسير بخلاف القدمين، وكذا صيرورة ظلّ كلّ شيء مثله، إذ كلّ من قال بهما قال بالأوّل يقيناً دون العكس، فينجبر به ضعف سند المرفوعة؛ فنقول الأظهر والأقوی في المقام هو الاقتصار علی مقدار السّاعة بالمعنی الّذي اخترناه.

وللعلّامة المجلسي رحمه الله في هذا المقام بيان نذكره بعينه:

اعلم أنّ اليوم نوعان؛ حقيقي، ووسطی، فالحقيقي عند بعض المنجِّمين من زوال الشّمس من دائرة نصف النّهار فوق الأرض إلى وصولها إليها، وعند بعضهم من زوال مركز الشّمس من دائرة نصف النّهار تحت الأرض إلى وصولها إليها؛ وعلى التّقديرين يكون اليوم بليلته بمقدار دورة من المعدل مع المطالع الاستوائية لقوس يقطعه الشّمس من فلك البروج بحركتها الخاصّة من نصف اليوم إلى نصف اليوم، أو من نصف الليل إلى نصف الليل، والوسطى هو مقدار دورة من المعدل مع مطالع قوس تقطعه الشّمس بالسّير الوسطی، وبسبب الاختلاف بين الحركة الوسطية والحركة التقويمية يختلف اليوم بالمعنى الأوّل والثاني اختلافاً يسيراً يظهر في أيام كثيرة، لكنّ اليوم بالاصطلاحين لا يختلف باختلاف الآفاق، وبعضهم يأخذون اليوم من طلوع الشّمس إلى طلوعها، وبعضهم من غروبها إلى غروبها، وذلك يختلف باختلاف الآفاق، كما تقرّر في محله.

ثمّ قال في موضع آخر من كتاب «البحار»:

ص: 322

اعلم أنّهم يقسمون كلّاً من اليوم الحقيقي واليوم الوسطی إلى أربعة وعشرين قسماً متساويةً يسمّونها بالسّاعات المستوية والمعتدلة، وأقسام اليوم الحقيقي تسمّى بالحقيقية، والوسطی بالوسطية. وقد يقسّمون كلّاً من اللّيل والنّهار في أيّ وقت كان باثنتي عشرة ساعةً متساويةً ويسمّونها بالسّاعات المعوجة لاختلاف مقاديرها باختلاف الأيام طولاً وقصراً، بخلاف المستوية فإنّها تختلف أعدادها ولا تختلف مقاديرها، والمعوجة بعكسها وتُسمّى المعوجة بالسّاعات الزّمانية أيضاً لأنّها نصف سدس زمان النّهار أو زمان اللّيل، وكثير من الأخبار مبنيةٌ على هذا الاصطلاح كما أومأنا إليه، والسّاعتان تستويان في خط الاستواء أبداً وعند حلول الشّمس أحد الاعتدالين في سائر الآفاق، وقد تطلق السّاعة في الأخبار على مقدار من أجزاء اللّيل والنّهار مختصّ بحكم معيّن أو صفة مخصوصة، كساعة ما بين طلوع الفجر والشّمس، وساعة الزّوال، والسّاعة بعد العصر، وساعة آخراللّيل وأشباه ذلك، بل على مقدار من الزّمان وإن لم يكن من أجزاء الّليل والنّهار كالسّاعة الّتي تطلق على يوم القيامة، كما أنّ اليوم قد يطلق على مقدار من الزّمان مخصوص بواقعة أو حكم، كيوم القيامة ويوم حنين، وقال تعالى: (وذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ)(1).

ص: 323


1- «بحارالأنوار» ج56/9 - 10 و 17.

الثالث عشر: متی يبدأ إمام الجمعة بالخطبة؟

هل يجب علی الإمام أن يخطب بعد زوال الشمس؟ أو يجب أن تكون الخطبتان قبل الزوال؟ أو يجوز له أن يخطب قبل الزّوال بحيث إذا فرغ من الخطبتين زالت الشّمس؟

في المسألة أربعة أقوال؛ هي كما تلي:

1 - ما اختاره كثيرٌ من فقهائنا الإماميّة والشّافعي من العامّة، من لزوم كون الخطبتين بعد الزّوال، قال العلّامة الحلّي رحمه الله في «التّذكرة»:

يشترط في الخطبتين اُمورٌ؛ الأوّل: الوقت، وهو ما بعد الزّوال علی الأشهر، فلا يجوز تقديمهما ولا شيء منهما عليه عند أكثر علمائنا، وبه قال الشّافعي، لأنّ إيجاب السّعي مشروطٌ بالنّداء الثّابت بعد الزّوال، ولأنّهما بدلٌ عن الرّكعتين فلهما حكم مبدلهما، وللشّيخ قولٌ بجواز إيقاعهما قبل الزّوال عند وقوف الشّمس بمقدار ما إذا فرغ زالت(1).

2 - ما اختاره عليّ بن حمزة رحمه الله في «الوسيلة» من وجوب وقوعهما قبل الزّوال، حيث قال:

وتجب ثلاثة أشياء: صعود المنبر قبل الزّوال بمقدار ما إذا خطب زالت الشّمس، وأن يخطب قبل الزّوال، ويصلّي بعده ركعتين(2).

وكذا ظاهر نظام الدّين الصّهرشتي في «إصباح الشّيعة» حيث قال:

ص: 324


1- «تذكرة الفقهاء» ج4/68، المسألة 408، وقريب منه ما قاله في «مختلف الشّيعة» ج2/213.
2- «الوسيلة إلی نيل الفضيلة» ص 104، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج4/591.

يأخذ الإمام في الخطبة بقدر ما إذا فرغ منها زالت الشّمس، فإذا زالت نزل وصلّی بالنّاس(1).

3 - ما ذهب إليه بعض الفقهاء منهم شيخ الطائفة من جواز إيقاعهما قبل الزّوال بحيث إذا فرغ منهما زالت الشّمس، قال في «الخلاف»:

يجوز للإمام أن يخطب عند وقوف الشّمس، فإذا زالت صلّی الفرض. ثمّ استدلّ علی ذلك بإجماع الفرقة وبعض الأخبار(2).

وقال المحقق الحلّي رحمه الله في «الشرائع»:

يجوز إيقاعهما قبل زوال الشّمس حتّى إذا فرغ زالت و قيل لا يصحّ إلّا بعد الزّوال و الأوّل أظهر(3).

وقال الإمام قدس سره في «التّحرير»:

يجوز إيقاع الخطبتين قبل زوال الشّمس بحيث إذا فرغ منهما زالت، والأحوط إيقاعهما عند الزّوال(4) .

قد أشار إلی هذه المباني الثّلاثة المحدث البحراني رحمه الله في «حدائقه» حيث قال:

اختلف الأصحاب (رضوان اللَّه عليهم) في وقت الخطبة فذهب جملة منهم - المرتضى وابن أبي عقيل وأبو الصلاح إلى أنّ وقتها بعد الزّوال فلا يجوز تقديمها عليه، واختاره العلّامة ونسبه في الذكرى إلى معظم الأصحاب وإليه مال في المدارك، وقال الشّيخ في الخلاف يجوز أن

ص: 325


1- «إصباح الشّيعة بمصباح الشّريعة» ص 86، «سلسلة اليناييع الفقهيّة» ج4/627.
2- «كتاب الخلاف» ج1/620، المسألة 390.
3- «شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام» ج1/85.
4- «تحريرالوسيلة» ج1/234، المسألة 10.

يخطب عند وقوف الشّمس فإذا زالت صلّى الفرض، وقال في النّهاية والمبسوط: ينبغي للإمام إذا قرب من الزّوال أن يصعد المنبر ويأخذ في الخطبة بمقدار ما إذا خطب الخطبتين زالت الشّمس، فإذا زالت نزل فصلّى بالنّاس، واختاره ابن البراج، وذهب ابن حمزة إلى وجوب صعود الإمام المنبر بمقدار ما إذا خطب الخطبتين زالت الشّمس وأن يخطب قبل الزّوال، واختاره المحقق وإليه ذهب في الذخيرة، قال: ومال اليه الشّهيدان(1).

وكذا صاحب «الجواهر»، حيث قال:

وكيف كان ففي المبسوط والنّهاية والخلاف والمعتبر والذّخيرة والكفاية والشّافية والمنظومة، علی ما عن بعضها، أنّه يجوز إيقاعها قبل زوال الشّمس حتّی إذا فرغ زالت، بل ربّما حكی عن النّاهلي، بل قيل إنّه يلوح أو يظهر من الآبي والشّهيدين، قلت: في ذكری أوّلهما بل في الخلاف الإجماع عليه، بل في الأوّلين أنّه ينبغي، بل في الوسيلة يجب، بل في كشف اللثام أنّه يحتمله الإصباح والمهذّب والمقنعة وفقه القرآن للراوندي، قلت: لعلّ احتمالها إرادة الجواز أظهر، خصوصاً في مثل المقنعة الّتي هي نصب عين الشّيخ، مع أنّه ادّعی الإجماع كما عرفت. وقيل: والقائل المعظم في الذكری، والأشهر في التّذكرة، والمشهور فيما عن الرّوض، لا يصحّ إلّا بعد الزّوال، بل في ظاهر الغنية الإجماع عليه، وفي المحكيّ عن السّرائر هو الّذي تقتضيه اُصول المذهب، ويعضده الاعتبار والعمل في جميع الأعصار، وحاشية المدارك للاُستاذ الأكبر أنّه الموافق لطريقة المسلمين في الأعصار والأمصار، لأنّهما بعد الأذان كتاباً، بل وسنّةً كخبر حريز عن ابن مسلم أنّه سأله عن الجمعة فقال:

ص: 326


1- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج 10/103 - 104.

أذانٌ وإقامةٌ يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب، وموّثقة سماعة المتقدّمة، ولا أذان للصّلاة قبل وقتها، وقد عرفت أنّ وقت هذه الصّلاة الزّوال كما عرفت سابقاً أنّه لا أذان قبل الوقت(1).

4 - جواز إيقاع الخطبتين قبل الزّول بشرط إعادة مقدار الواجب منهما بعد الزّوال، اختار هذا القول الشّيخ البهجة رحمه الله حيث قال:

وقت صلاة الجمعة كوقت صلاة الظهر وهو حين حصول زوال الشّمس، والأحوط وجوباً المبادرة إلی إقامتها أوّل الزّوال مع مراعاة وقت الخطبتين علی الوجه الآتي.

ثمّ قال بعد ذكر مسائل:

يشترط في صحّة الخطبتين وقوع القدر الواجب منهما بعد الزّوال علی الأظهر، فلو وقعت الخطبتان قبل الزّوال وجب إعادة واجباتها بعده(2).

ص: 327


1- «جواهر الكلام» ج11/226.
2- «رسالة توضيح المسائل» ص 286 و 287، المسألتي 1196 و 1203، وراجع أيضاً «توضيح المسائل مراجع» ج1/873، وكذا «رسالة توضيح المسائل ده مرجع» ج1/734، قسم آراء الشّيخ البهجة رحمه الله .

الكلام في أدلّة الأقوال وبيان المختار منها.

قد استُدلّ علی جواز إيقاع الخطبتين قبل الزّوال، بل وجوبه أي القولين الأوسطين - مضافاً إلی الإجماع المدّعی في كلام الشّيخ - بالصحيحة المتقدِّمة لعبد الله بن سنان المنقولة عن الإمام الصّادق علیه السلام حيث قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ قَدْرَ شِرَاكٍ(1)، ويَخْطُبُ في الظِّلِّ الْأَوَّلِ فَيَقُولُ جَبْرَئِيلُ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ زَالَتِ الشَّمْسُ فَانْزِلْ فَصَلِّ»، الحديث(2)، وموثقة مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ الْحَلَبِيِّ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ في الظِّلِّ الْأَوَّلِ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ فَقَالَ لَهُ: قَدْ زَالَتِ الشَّمْسُ فَصَلِّ»(3)، الّتي نقلها المحدث النّوري رحمه الله عن كتاب درست بن أبي منصور، وهو الكتاب الّذي يرويه جماعة منهم ابن أبي عمير(4) المشهور كونه من السّتة الّذين

ص: 328


1- قال العلّامة المجلسي رحمه الله في بيان المراد من «الشِّراك»: الشُّرُك ككُتُب جمع شِرَاك ككِتَاب وهو سير النَّعل. «بحارالأنوار» ج65/15. وقال الشّيخ فخرالدّين الطّريحي في «المجمع»: والشِّراك بكسر الشين: أحد سيور النَّعل الَّتي يكون على وجهها توثق به الرّجل، ومنه الحديث «ولا تدخل يدك تحت الشِّراك» أي شراك النَّعل، ومنه الحديث «تصلَّي الجمعةَ حين تزولُ الشَّمس قدر شراك» يعني إذا استبان الفي ءُ في أصل الحائط من الجانب الشّرقي عند الزّوال فصار في رؤية العين قدر الشِّراك، وهذا أقلّ ما يعلم به الزّوال وليس بتحديد، والظّل يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، وإنّما يتبيّن ذلك في مثل مكة من البلاد الّتي يقلّ فيها الظّل. «مجمع البحرين» ج2/506.
2- «التهذيب» ج3/12 الحديث 42، «وسائل الشيعة» ج7/332 الحديث 9507.
3- «مستدرك الوسائل» ج6/23 الحديث 6342.
4- راجع: «رجال النجاشي» ص 162، الرقم 430.

كانوا منأصحاب أبي إبراهيم الكاظم وأبي الحسن الرّضا صلی الله علیه و آله و سلم وأجمع الأصحاب علی تصحيح ما يصحّ عنهم وأقرّوا لهم بالفقه وكونهم ممّن لا يروون ولا يرسلون إلّا عن الثّقات، وهم: يونس بن عبدالرحمن، وصفوان بن يحيی بيّاع السابري، و محمّد بن أبي عمير، وعبد الله بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن محمد بن أبي نصر(1)، بتقريب دلالة الفعل الماضي من مادة (كون) فيهما علی الدّوام والاستمرار، هذا مع بعض الرّوايات والشّواهد التأريخية الاُخری، مثل ما حكاه يعلی بن الحارث إذ قال: سمعت أياس بن سلمة بن الأكواع عن أبيه قال: كنّا نصلّي مع النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم الجمعة ثمّ نرجع، فلا نری للحيطان فَيئاً نستظلّ به(2).

والمراد بالظلّ الأوّل هو الظّل الّذي كان قبل الزّوال، كما صرّح بذلك الفيض الكاشاني رحمه الله حيث قال: «اُريد بالظّل الأوّل ما قبل الزّوال»(3)، لكن في دلالة الحديثين علی ما ادّعاه عليّ بن حمزة رحمه الله ما لا يخفی، لكونهما دالّين علی فعل النّبيّالأعظم صلی الله علیه و آله و سلم، وأنت خبيرٌ بأنّ مجرّد فعل المعصوم علیه السلام بحكم كونه معصوماً يدلّ علی الأقلّ علی إباحة الشيء، كما أنّ تركه لفعل يدلّ علی عدم وجوبه علی

ص: 329


1- راجع: «رجال الكشي» ص 556، «رجال ابن داود» ص 384، «رجال العلّامة الحلّي» ص 89، «معجم رجال الحديث» ج1/62 .
2- «سنن إبن ماجة القزوينی» ج1/350 الخبر 1100
3- «الوافی» ج8/1110

الأقلّ، أمّا دلالته إضافةً إلى ذلك من وجوب أو حرمة شيء فهي تحتاج إلی قرينة ودليل مفقودين في المقام.هذا، ولو سلمنا كونهما ظاهرين في المقام علی الوجوب بقرينة كلام جبرئيل: «قَدْ زَالَتِ الشَّمْسُ فَانْزِلْ فَصَلِّ»، فإنّ في مقابلهما ظاهر الكتاب، حيث قال الله تبارك وتعالی: (يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ) الآية(1)، وبعض الرّوايات الّتي تدلّ بالصّراحة أو بالظهور علی وجوب إيقاع الخطبتين بعد الزّوال، فمن الأوّل: صحيحة محمّد بن مسلم، حيث قال: سَأَلْتُهُ عَنِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: «بِأَذَانٍ وإِقَامَةٍ، يَخْرُجُ الْإِمَامُ بَعْدَ الْأَذَانِ فَيَصْعَدُ الْمِنْبَرَ فَيَخْطُبُ ولَا يُصَلِّی النَّاسُ مَا دَامَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ يَقْعُدُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَدْرَ مَا يُقْرَأُ (قُلْ هُواللَّهُ أَحَدٌ)، ثُمَ يَقُومُ فَيَفْتَتِحُ خُطْبَتَهُ، ثُمَّ يَنْزِلُ

فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَيَقْرَأُ بِهِمْ في الرَّكْعَةِ الْاُولَى بِالْجُمُعَةِ وفِي الثَّانِيَةِ بِالْمُنَافِقِينَ»(2).

ومرسلة دعائم الإسلام المعتضدة بعمل المشهور عن الإمام الصّادق علیه السلام أنّه قال: «يُبْدَأُ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وإِذَا صَعِدَ الْإِمَامُ جَلَسَ وأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا فَرَغُوا مِنَ الْأَذَانِ قَامَ فَخَطَبَ ووَعَظَ، ثُمَّ جَلَسَ جَلْسَةً خَفِيفَةً، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ خُطْبَةً اُخری يَدْعُو فِيهَا، ثُمَّ أَقَامَ الْمُؤَذِّنُونَ لِلصَّلَاةَ ونَزَلَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ رَكْعَتَيْنِ يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ»(3).

ومن الثاني الأخبار الّتي تقدّم الإشارة إليها آنفاً عند مسألة «وقت صلاة الجمعة» مثل صحيحةفُضَيْل بْنِ يَسَارٍ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «إِنَّ مِنَ الْأَشْيَاءِ

ص: 330


1- «الجمعة»: 9/554.
2- «الكافي» ج3/424 الحديث 7، «وسائل الشيعة» ج7/313 الحديث 9444.
3- «بحارالأنوار» ج86/256، «مستدرك الوسائل» ج6/24 الحديث 6344.

أَشْيَاءَ مُوَسَّعَةً وأَشْيَاءَ مُضَيَّقَةً، فَالصَّلَاةُ مِمَّا وُسِّعَ فِيهِ تُقَدَّمُ مَرَّةً وتُؤَخَّرُ اُخری، والْجُمُعَةُ مِمَّاضُيِّقَ فِيهَا، فَإِنَّ وَقْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَاعَةُ تَزُولُ ووَقْتَ الْعَصْرِ فِيهَا وَقْتُ الظُّهْرِ في غَيْرِهَا»(1).

وصحيحة صَفْوَانَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ وَقْتِ الظُّهْرِ، فَقَالَ: «بَعْدَ الزَّوَالِ بِقَدَمٍ أَونَحْو ذَلِكَ، إلّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَو في السَّفَرِ، فَإِنَّ وَقْتَهَا حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ»(2) .

ومرفوعة الصّدوق رحمه الله والشّيخ رحمه الله : قَالَ أبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: «أَوَّلُ وَقْتِ الْجُمُعَةِ سَاعَةُ تَزُولُ الشَّمْسُ إِلَى أَنْ تَمْضِيَ سَاعَةٌ فَحَافِظْ عَلَيْهَا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم قَالَ: لَا يَسْأَلُ اللَّهَ عَبْدٌ فِيهَا خَيْراً إلّا أَعْطَاهُ»(3)، إذ من البعيد أن يراد من وقت الجمعة في هذه الرّوايات خصوص الصّلاة دون الخطبتين.

فعلی القول بدلالة الطائفة الاُولی علی وجوب إيقاء الخطبتين قبل الزّوال، فكانت النسبة بينها وبين الطائفة الثانية التباين، فلابدّ لنا حينئذٍ من إعمال مرجّحات باب التّعارض من الأخذ بما وافق من الخبرين الكتاب، وما اشتهر منهما بين الأصحاب، وكان أبعد من قول العامّة، ثمّ بما فيه الحائطة للدّين(4)،

ص: 331


1- «الكافي» ج3/274 الحديث 2، «وسائل الشيعة» ج7/315 الحديث 9449.
2- «وسائل الشيعة» ج7/317 الحديث 9455.
3- «من لا يحضره الفقيه» ج1/267 الحديث 1223، «مصباح المتهجد» ص 324، «وسائل الشيعة» ج7/318 الحديث 9461 و9467.
4- راجع: إلی ما رواه الطَّبْرِسِيُّ فِي الْإِحْتِجَاجِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِی دَيْنٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَتَحَاكَمَا إِلَى السُّلْطَانِ، (إِلَى أَنْ قَالَ:) فَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ اخْتَارَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِنَا فَرَضِيَا أَنْ يَكُونَا النَّاظِرَيْنِ فِي حَقِّهِمَا فَاخْتَلَفَا فِيمَا حَكَمَا فَإِنَّ الْحَكَمَيْنِ اخْتَلَفَا فِي حديثكُمْ؟ قَالَ: «إِنَّ الْحُكْمَ مَا حَكَمَ بِهِ أَعْدَلُهُمَا وَأَفْقَهُهُمَا فِي الْحديث، وَأَوْرَعُهُمَا وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مَا يَحْكُمُ بِهِ الْآخَرُ، قُلْتُ: فَإِنَّهُمَا عَدْلَانِ مَرْضِيَّانِ عُرِفَا بِذَلِكَ لَا يَفْضُلُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، قَالَ: يُنْظَرُ الْآنَ إِلَى مَا كَانَ مِنْ رِوَايَتِهِمَا عَنَّا فِي ذَلِكَ الَّذِي حَكَمَا الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ بَيْنَ أَصْحَابِكَ فَيُؤْخَذُ بِهِ مِنْ حُكْمِهِمَا، وَيُتْرَكُ الشَّاذُّ الَّذِی لَيْسَ بِمَشْهُورٍ عِنْدَ أَصْحَابِكَ، فَإِنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَا رَيْبَ فِيهِ، (إِلَى أَنْ قَالَ:) قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ الْخَبَرَانِ عَنْكُمْ مَشْهُورَيْنِ قَدْ رَوَاهُمَا الثِّقَاتُ عَنْكُمْ؟ قَالَ: يُنْظَرُ مَا كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَخَالَفَ الْعَامَّةَ فَيُؤْخَذُ بِهِ، وَيُتْرَكُ مَا خَالَفَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَوَافَقَ الْعَامَّةَ، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أَ رَأَيْتَ إِنْ كَانَ الْفَقِيهَانِ عَرَفَا حُكْمَهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ثُمَّ وَجَدْنَا أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ يُوَافِقُ الْعَامَّةَ وَالْآخَرَ يُخَالِفُ بِأَيِّهِمَا نَأْخُذُ مِنَ الْخَبَرَيْنِ؟ قَالَ: يُنْظَرُ إِلَى مَا هُمْ إِلَيْهِ يَمِيلُونَ، فَإِنَّ مَا خَالَفَ الْعَامَّةَ فَفِيهِ الرَّشَادُ، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَإِنْ وَافَقَهُمُ الْخَبَرَانِ جَمِيعاً؟ قَالَ: أُنْظُرُوا إِلَى مَا يَمِيلُ إِلَيْهِ حُكَّامُهُمْ وَقُضَاتُهُمْ فَاتْرُكُوهُ جَانِباً، وَخُذُوا بِغَيْرِهِ، قُلْتُ: فَإِنْ وَافَقَ حُكَّامُهُمُ الْخَبَرَيْنِ جَمِيعاً؟ قَالَ: إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَرْجِهْ وَقِفْ عِنْدَهُ حَتَّى تَلْقَى إِمَامَكَ، فَإِنَّ الْوُقُوفَ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ خَيْرٌ مِنَ الِاقْتِحَامِ في الْهَلَكَاتِ، وَاللَّهُ الْمُرْشِدُ»، «مستدرك الوسائل» ج17/302 الحديث 21412. وما رواه عَوَالِی اللئالِي حيث قال: رَوَى الْعَلَّامَةُ مَرْفُوعاً إِلَى زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ: سَأَلْتُ الْبَاقِرَ علیه السلام فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، يَأْتِي عَنْكُمُ الْخَبَرَانِ أَوِ الْحديثانِ الْمُتَعَارِضَانِ فَبِأَيِّهِمَا آخُذُ؟ فَقَالَ علیه السلام: «يَا زُرَارَةُ خُذْ بِمَا اشْتَهَرَ بَيْنَ أَصْحَابِكَ وَدَعِ الشَّاذَّ النَّادِرَ، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي إِنَّهُمَا مَعاً مَشْهُورَانِ مَرْوِيَّانِ مَأْثُورَانِ عَنْكُمْ؟ فَقَالَ علیه السلام: خُذْ بِقَوْلِ أَعْدَلِهِمَا عِنْدَكَ وَأَوْثَقِهِمَا فِي نَفْسِكَ، فَقُلْتُ: إِنَّهُمَا مَعاً عَدْلَانِ مَرْضِيَّانِ مُوَثَّقَانِ؟ فَقَالَ علیه السلام: انْظُرْ مَا وَافَقَ مِنْهُمَا مَذْهَبَ الْعَامَّةِ فَاتْرُكْهُ، وَخُذْ بِمَا خَالَفَهُمْ، قُلْتُ: رُبَّمَا كَانَا مَعاً مُوَافِقَيْنِ لَهُمْ أَوِ مُخَالِفَيْنِ فَكَيْفَ أَصْنَعُ؟ فَقَالَ: إِذَنْ فَخُذْ بِمَا فِيهِ الْحَائِطَةُ لِدِينِكَ وَاتْرُكْ مَا خَالَفَ الِاحْتِيَاطَ، فَقُلْتُ: إِنَّهُمَا مَعاً مُوَافِقَانِ لِلِاحْتِيَاطِ أَوْ مُخَالِفَانِ لَهُ فَكَيْفَ أصْنَعُ؟ فَقَالَ علیه السلام: إِذَنْ فَتَخَيَّرْ أَحَدَهُمَا فَتَأْخُذَ بِهِ وَتَدَعَ الآخَرَ»، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ علیه السلام قَالَ: «إِذَنْ فَأَرْجِهْ حَتَّى تَلْقَى إِمَامَكَ فَتَسْأَلَهُ». «مستدرك الوسائل» ج17/303 الحديث 21413.

ومن المعلوم أنّ الرّوايتين الدالّتين علی مختار علي بن حمزة رحمه الله لا تصلحان لأن

ص: 332

تكونا معارضتين لظاهر القرآن والأخبار الّتي أفتی المعظم أو المشهور أو الأشهرعلی وفقها، مع كونها موافقة للاحتياط، خصوصاً بعد ملاحظة كون الخطبتين بمنزلة الرّكعتين الأخيرتين من الصّلاة، وأنّ الأصل في الواجبات الزّمانية عدم جواز فعلها قبل أوان أوقاتها، مضافاً إلی إمكان حمل الرّوايتين علی التقية لما أفتی به الحنابلة من العامّة علی جواز أذان النداء في يوم الجمعة وكذا الصّلاة قبل الزّوال، قال الشّيخ رحمه الله في «الخلاف»:

وقال أحمد: إن أذّن وخطب وصلّی قبل الزوال أجزأه، وأوّل وقتها عند أحمد حين يرتفع النهار(1).

وقال ابن رشد القرطبي في «بداية المجتهد»:

الجمهور علی أنّ وقتها وقت الظّهر بعينه، أعني وقت الزّوال وأنّها لا تجوز قبل الزّوال، وذهب قوم إلی أنّه يجوز أن تصلّي قبل الزّوال وهو قول أحمد بن حنبل(2).

وبعبارة اُخری: يمكن أن يقال إنّ الخبرين بعد ما كانا في مرأی ومنظر الأصحاب فقد أعرض كثير من الفقهاء عنهما، فهما معرض عنهما عندهم.

أمّا ما ذهب إليه الشّيخ البهجة رحمه الله من جواز إيقاع الخطبتين قبل الزّول بشرط إعادة مقدار الواجب منهما بعد الزّوال، ففيه أوّلاً: أنّه يشمل للخطبة الاُولی لا الخطبتين، وثانياً: لم نعثر لهذا القول علی دليل مستقلّ يمكن أن نستدلّ به ليصحّ أن يكون فتوی في المقام، لكنّه بناءً علی القول بعدم جواز إيقاع الخطبة قبل الزّوال فلا مجال لإيقاع الخطبة حينئذٍ إلّا إذا أتی لا أقلّ بمقدار واجباتها بعد

ص: 333


1- «كتاب الخلاف» ج1/620، ذيل المسألة 390 من مسائل «صلاة الجمعة».
2- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج1/447.

الزّوال، وأمّا بناءً علی القول بجواز إيقاع الخطبة قبل الزّوال فإنّ هذا القول أوفق للاحتياط المندوب.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّه ليس قولاً رابعاً في المقام، بل هو عبارة اُخری عن القول الأوّل الّذي اختاره المشهور.

فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّه بعد تضعيف القولين الثاني والثالث اللّذين يستفاد منهما وجوب أو جواز إيقاع الخطبتين قبل الزّوال، فمختارنا في المقام هو القول الأوّل أعني لزوم كون الخطبتين بعد الزّوال الّذي هو خيرة كثير من فقهائنا (رضوان الله تعالی عليهم)، لما دلّ عليه الكتاب، وبعض الأخبار الصّريحة أو الظاهرة الواردة في المقام، وكونهما بدلاً عن الرّكعتين، فلهما حكم مبدلهما، وحيث لا دليل سليماً عن المعارض علی جواز أو وجوب إيقاع الخطبتين قبل الزّوال فلا فرق فيه بين أن أتی بمقدار واجبات الخطبة بعد الزّوال، أم لا، لا سيّما بعد تصريح كلام العلّامة رحمه الله في «التذكرة» بعدم جواز تقديمهما ولا شيء منهما علی الزّوال عند أكثر علمائنا(1).

ص: 334


1- «تذكرة الفقهاء» ج4/68، المسألة 408.

الرابع عشر: علی الإمام أن يخطب قائماً.

ممّا يجب مراعاته من جانب الخطيب عندنا قيامه حين إيراد الخطبة، أرسله بعض الفقهاء إرسال المسلّمات(1)، وادّعی بعض آخر عدم الخلاف(2)، أو الإجماع عليه(3)، أمّا العامّة فهم بين قائل بالوجوب وقائل بالاستحباب(4).

قال الشّيخ رحمه الله في «المبسوط»:

الخطبة شرط في صحة الجمعة لا تصحّ من دونها، ومن شرط الخطبة أن يأتي بها قائماً، ويفصل بين الخطبتين بجلسة خفيفة(5).

ص: 335


1- منهم الشّيخ رحمه الله في «المبسوط» ج1/147، والمحقق رحمه الله في «المعتبر» ج2/285 و«الشرائع» ج1/85، وابن حمزة رحمه الله في «الوسيلة» ص 103، والإمام الراحل قدس سره في «التحرير» ج 1/235.
2- منهم المقدّس الأردبيلي رحمه الله في «مجمع الفائدة والبرهان» ج2/341، والمحقق البحراني رحمه الله في «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج10/84، والسيّد علي الطباطبائي رحمه الله في «رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل» ج3/333، والمحقق النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة» ج6/74.
3- منهم الشّيخ رحمه الله في «الخلاف» ج1/615 المسألة 312، والمحقق الكركي رحمه الله في «جامع المقاصد» ج2/398.
4- راجع: «المغني لابن قدامة» ج2/305، «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج1/457 - 458، «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/394 - 396، «كتاب الخلاف» ج1/615 المسألة 382.
5- «المبسوط في فقه الإمامية» ج1/147.

وقال في «الخلاف»:

على الإمام أن يخطب قائماً إلّا من عذر، وبه قال الشّافعي، وقال أبو حنيفة: المستحب أن يخطب قائماً، فإن خطب جالساً من غير عذر جاز، دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضاً فلا خلاف أنّه إذا خطب قائماً أنّ صلاته وخطبته صحيحتان، وليس على جواز الخطبة جالساً دليل، وروى معاوية بن وهب قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «إنّ أوّل من خطب وهو جالس معاوية، واستأذن النّاس في ذلك من وجع كان بركبتيه، (ثمّ قال:) الخطبة وهو قائم خطبتان يجلس بينهما جلسة لا يتكلّم فيها قدر ما يكون فصل ما بين الخطبتين»(1) .

وقال المحقق رحمه الله في «الشرائع»:

ويجب أن يكون الخطيب قائماً وقت إيراده مع القدرة(2).

وقال في «المعتبر»:

يجب أن يخطب قائماً إلّا مع العذر، وبه قال الشّافعي: ولم يوجبه أبو حنيفة(3).

وقال الإمام الراحل قدس سره في «التحرير»:

يجب أن يكون الخطيب قائماً وقت إيراد الخطبة، ويجب وحدة الخطيب والإمام، فلو عجز الخطيب عن القيام خطب غيره وأمّهم الّذي خطبهم، ولو لم يكن غير العاجز فالظاهر الانتقال إلى الظّهر، نعم لوكانت الجمعة واجبة تعييناً خطبهم العاجز عن القيام جالساً،

ص: 336


1- «كتاب الخلاف» ج1/615 المسألة 382.
2- «شرائع الإسلام في مسائل الحرام والحلال» ج1/85.
3- «المعتبر في شرح المختصر» ج 2/285.

والأحوط الإتيان بالظّهر بعد الجمعة، ويجب الفصل بين الخطبتين بجلسة خفيفة(1).

وقال المحدث البحراني رحمه الله في «الحدائق»:

الثاني (ممّا يجب في الخطبتين): القيام حال الخطبة، ولا خلاف في وجوبه مع الإمكان ونقل عليه في التّذكرة الإجماع(2).

وقال المحقق النراقي رحمه الله في «مستنده»:

المسألة الخامسة: يجب القيام في الخطبتين بلا خلاف،كما صرّح به جماعة، بل هو مذهب الأصحاب، كما في المدارك، بل إجماعي، كما عن التذكرة وروض الجنان وشرح القواعد، لظاهر الإجماع المؤيّد بجملة من الأخبار، كصحيحتي معاوية بن وهب وعمر بن يزيد، والمروي في تفسير القمّي: عن الجمعة كيف يخطب الإمام؟ قال: «يخطب قائماً إنّ اللَّه تعالى يقول: (وَتَرَكُوكَ قائِماً)»(3).

وقال ابن رشد القرطبي في «بداية المجتهد»:

وقال الشّافعي: أقلّ ما يجزئ من ذلك خطبتان اثنتان يكون في كلّ واحدة منهما قائماً، يفصل إحداهما من الاُخری بجلسة خفيفة(4).

وحكی ابن قدامة عن ابن عمر:

كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يخطب قائماً، ثمّ يجلس ثمّ يقوم كما يفعلون اليوم(5).

ص: 337


1- «تحرير الوسيلة» ج1/235 المسألة 12 من مسائل «البحث في صلاة الجمعة».
2- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج 10/84.
3- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج 6/74.
4- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج1/457 - 458.
5- «المغني لابن قدامة» ج2/305.

وقال الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

وأمّا سنن الخطبة: فالحنابلة قالوا: أن يخطب قائماً...، والحنفية قالوا: وأن يخطب وهو قائم، فلو خطب قاعداً أو مضطجعاً أجزأ مع الكراهة(1).

إذا عرفت الأقوال في المسألة نشير إلی ما استدلّ به الإماميّة في المقام، وهي بين ما يدلّ علی ذلك بالالتزام، وما يدلّ عليه بالمطابقة، فمن الأوّل قوله تبارك وتعالی: (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقينَ)(2).

وصحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام في خُطْبَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَذَكَرَ خُطْبَةً مُشْتَمِلَةً عَلَى حَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالْوَصِيَّةِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالْوَعْظِ (إِلَى أَنْ قَالَ:) «وَاقْرَأْ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ وَادْعُ رَبَّكَ وَصَلِّ عَلَى النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وَادْعُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، ثُمَّ تَجْلِسُ قَدْرَ مَا يُمْكِنُ هُنَيْهَةً، ثُمَّ تَقُومُ وَتَقُولُ وَذَكَرَ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ وهي مُشْتَمِلَةٌ عَلَى حَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالْوَصِيَّةِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَالْأَمْرِ بِتَسْمِيَةِ الْأَئِمَّةِ: إِلَى آخِرِهِمْ وَالدُّعَاءِ بِتَعْجِيلِ الْفَرَجِ»، الحديث(3).

ص: 338


1- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/394 - 396.
2- «الجمعة»: 11/554.
3- «الكافي» ج3/422 الحديث 6، «وسائل الشيعة» ج7/342 الحديث 9528.

وصحيحة عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «إِذَا كَانُوا سَبْعَةً يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلُّوا في جَمَاعَةٍ، وَلْيَلْبَسِ الْبُرْدَ وَالْعِمَامَةَ، وَيَتَوَكَّأ(1) عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصاً، وَلْيَقْعُدْ قَعْدَةً بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَيَجْهَر بِالْقِرَاءَةِ، وَيَقْنُت في الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْهُمَا قَبْلَ الرُّكُوعِ»(2).

زائداً علی قوله علیه السلام: «وَيَتَوَكَّأ عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصاً» في صحيحة عمر بن يزيد، إذ القاعد لا يتوكأ علی العصا مادام جالساً.

ومن الثاني: صحيحة مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «إِنَّ أَوَّلَ مَنْ خَطَبَ وَهُوَ جَالِسٌ مُعَاوِيَةُ وَاسْتَأْذَنَ النَّاسَ في ذَلِكَ مِنْ وَجَعٍ كَانَ في رُكْبَتَيْهِ، وَكَانَ يَخْطُبُ خُطْبَةً وَهُوَ جَالِسٌ وَخُطْبَةً وَهُوَ قَائِمٌ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: الْخُطْبَةُ وَهُوَ قَائِمٌ خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا جَلْسَةً لَا يَتَكَلَّمُ فِيهَا قَدْرَ مَا يَكُونُ فَصْلَ مَا بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ»(3).

وموثقة سَمَاعَةَ في حَدِيثٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «يَخْطُبُ يَعْنِي إِمَامَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ قَائِمٌ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِی عَلَيْهِ، ثُمَّ يُوصِي بِتَقْوَى اللَّهِ، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ صَغِيرَةً، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله و سلم وَعَلَى أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَيَسْتَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ»، الحديث(4).

وخبر ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أبي بَصِيرٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْجُمُعَةِ كَيْفَ يَخْطُبُ الْإِمَامُ ؟ قَالَ: «يَخْطُبُ قَائِماً إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ (وَتَرَكُوكَ قائِماً)» (5).

ص: 339


1- قال ابن منظور المصري: وكأ: تَوَكَّأَ على الشي ء، واتَّكَأَ: تَحَمَّلَ واعتمَدَ، فهو مُتَّكِئٌ، والتُكأَةُ: العَصا يُتَّكَأُ عليها في المشي. «لسان العرب» ج1/200 .
2- «التهذيب» ج3/245 الحديث 664، «وسائل الشيعة» ج7/313 الحديث 9442.
3- «التهذيب» ج3/20 الحديث 74، «وسائل الشيعة» ج7/334 الحديث 9511.
4- «الكافي» ج3/421 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج7/342 الحديث 9529.
5- «تفسير القمّي» ج2/367، «وسائل الشيعة» ج7/334 الحديث 9513.

وهنا أيضاً خبر عن طريق العامّة حكاه علاء الدّين الهندي عن ابن عباس: إنّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم كان يخطب يوم الجمعة قائماً، ثمّ يقعد، ثمّ يقوم فيخطب(1).

الخامس عشر: ينبغي لأئمّة الجمعة والجماعة العمل بالاحتياط.

الأمر الهامّ الّذي يحسن التنبيه عليه في المقام هو أنّه ينبغي لأئمّة الجمعة والجماعة - مع غضّ النّظر عن رأيهم الاجتهادي أو التقليدي - العمل بالاحتياط ومراعاة أضيق الأحكام فيما يرتبط بصلواتهم بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن هذه المواضيع أو أهمّها هو زمان إيقاع الخطبتين، وزمان خروج وقت صلاة الجمعة، واكتفائه بغسل الجمعة وسائر الأغسال المندوبة بدلاً عن الوضوء، وهذا من قبيل القضايا الّتي قياساتها معها لاحتمال كونهم إماماً لمن لم يفت أو لم يقلّد عمّن أفتی بسعة تلك الأحكام، لا سيّما في مثل صلاة الجمعة الّتي لا تقام إلّا بالجماعة وما لها من المسائل المختصّة الّتي تقدّم أو سيأتي ذكرها، وإن كان علی المأموم أن يحمل صلاة إمامه علی الصّحيح عنده ما لم يعلم بخلافه.

قال السيّد اليزدي رحمه الله في «العروة»:

يجوز اقتداء أحد المجتهدين أو المقلّدين أو المختلفين بالآخر مع اختلافهما في المسائل الظنية المتعلّقة بالصّلاة إذا لم يستعملا محل الخلاف واتّحدا في العمل، مثلاً إذا كان رأي أحدهما اجتهاداً أو تقليداً وجوب السّورة ورأي الآخر عدم وجوبها، يجوز اقتداء الأوّل بالثاني إذا قرأها وإن لم يوجبها، وكذا إذا كان أحدهما يرى وجوب تكبير الرّكوع أو جلسة الاستراحة أو ثلاث مرات في التّسبيحات في الرّكعتين الأخيرتين يجوز له الاقتداء بالآخر الّذي لا يرى وجوبها لكن يأتي بها بعنوان

ص: 340


1- راجع: «كنز العمال» ج8/376 الخبر 23332.

النّدب، بل وكذا يجوز مع المخالفة في العمل أيضاً في ما عدا ما يتعلّق بالقراءة في الرّكعتين الاُوليين الّتي يتحملّها الإمام عن المأموم فيعمل كلّ على وفق رأيه، نعم لا يجوز اقتداء من يعلم وجوب شيء بمن لا يعتقد وجوبه مع فرض كونه تاركاً له، لأنّ المأموم حينئذٍ عالم ببطلان صلاة الإمام فلا يجوز له الاقتداء به...، إذا علم المأموم بطلان صلاة الإمام من جهة من الجهات، ككونه على غير وضوء أو تاركاً لركن أو نحو ذلك، لا يجوز له الاقتداء به وإن كان الإمام معتقداً صحّتها من جهة الجهل أو السّهو، أو نحو ذلك(1).

وقال الإمام الراحل قدس سره في «التحرير»:

لو اختلف الإمام مع المأموم في المسائل المتعلقة بالصلاة اجتهاداً أو تقليداً صحّ الاقتداء به وإن لم يتّحدا في العمل فيما إذا رأى المأموم صحة صلاته مع خطائه في الاجتهاد أو خطأ مجتهده، كما إذا اعتقد المأموم وجوب التّسبيحات الأربعة ثلاثاً ورأى الامام أنّ الواجب واحدة منها وعمل به، ولا يصحّ الاقتداء مع اعتقاده اجتهاداً أو تقليداً بطلان صلاته، كما يشكل ذلك فيما إذا اختلفا في القراءة، ولو رأى المأموم صحّة صلاته كما لو لم ير الإمام وجوب السّورة وتركها ورأى المأموم وجوبها فلا يترك الاحتياط بترك الاقتداء، نعم إذا لم يعلم اختلافهما في الرّأي يجوز الائتمام ولا يجب الفحص والسؤال، وأما مع العلم باختلافهما في الرّأي والشك في تخالفهما في العمل فالأقوى عدم جواز الاقتداء فيما يرجع إلى المسائل الّتي لا يجوز معها الاقتداء

ص: 341


1- «العروة الوثقی» ج1/674 - 676 المسألة 31 و 32 من مسائل أحكام الجماعة.

مع وضوح الحال، ويشكل فيما يرجع إلى المسائل المحكومة بالإشكال(1).

تقريب كلام الإمام رحمه الله أنّه لو اختلف الإمام والمأموم في المسائل المتعلّقة بالصلاة اجتهاداً أو تقليداً فإنّ له ثلاث حالات تصحّ الصلاة في الاُوليين وتبطل في الثالثة:

الاُولی: ما إذا اتّحدا في العمل كما إذا اعتقد المأموم وجوب التسبيحات الأربعة ثلاثاً ورأی الإمام أنّه واحدة منها، أو بالعكس لكنّهما فعلاها ثلاثاً فصلاتهما حينئذٍ صحيحة بلا إشكال لأنّ الإمام قد أتی بما هو معتبر عند المأموم اجتهاداً أو تقليداً.

والثانية: ما إذا لم يتّحدا في العمل لكنّ المأموم يعتقد صحّة صلاة إمامه ولو كان مخطئاً في اعتقاده اجتهاداً أو تقليداً، أو خطاءً مجتهده فصلاتهما ما دام لم يكشف الخلاف صحيحة لأنّه يری صحّة صلاة الإمام.

والثالثة: نفس الحالة السّابقة إلّا أنّ المأموم اعتقد ببطلان صلاة إمامه جزماً فلا يصحّ له حينئذٍ الاقتداء به إذ مع اعتقاد المأموم ببطلان صلاة الإمام واقعاً كيف يصّح له الإقتداء بالصّلاة المقطوع فسادها؟!

وقال الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

من شروط الإمامة أن تكون صلاة الإمام صحيحةً في مذهب المأموم، فلو صلّی حنفي خلف شافعي سال منه دمٌ ولم يتوضّأ بعده، أو صلّی

ص: 342


1- «تحرير الوسيلة» ج1/276 المسألة 6 من مسائل «القول فی شرائط إمام الجماعة».

شافعي خلف حنفي لمس امرأةً مثلاً، فصلاة المأموم باطلةٌ، لأنّه يری بطلان صلاة إمامه(1).

السادس عشر: حكم الاستماع إلی الخطبتين والصّلاة خلالهما.

الخطبتان في صلاة الجمعة هما بديلتان عن الرّكعتين الأخيرتين من صلاة الظّهر، ومن أجله أفتی بعض الفقهاء من الخاصّة والعامّة بحرمة الكلام حين الخطبتين إمّا مطلقاً أو بشرط إمكان استماعهما، أو بشرط عدم ازدياد الخطبتين على أركان الخطبة وواجباتها، وإلّا كان مكروهاً أو جائزاً، وكيف كان فإنّنا لم نر فتوی تحكم ببطلان الصّلاة حينئذٍ بل ادّعي الإجماع علی صحتّها، إلّا ظاهر كلام الراوندي رحمه الله في «فقه القرآن».

ونذكر في بادئ الأمر بعض الأقوال في المسألة، ثمّ نشير إلی أدلّتها ونحدّد القول المختار منها:

اختار الشيخ رحمه الله في «النّهاية» وفي موضع من «الخلاف» حرمة الكلام حين الخطبتين لمن سمعهما، وكرّهه في موضع آخر منه، فقال في «النّهاية»:

ويحرم الكلام علی من يسمع الخطبة ويجب عليه الإصغاء إليها لأنّها بدلٌ من الرّكعتين، ومن لم يلحق الخطبتين كانت صلاته تامّةً إذا كان الإمام ممّن يُقتدی به(2).

وقال في المسألة الرقم 383 من مسائل كتاب الجمعة من «الخلاف»:

إذا أخذ الإمام في الخطبة حرم الكلام على المستمعين حتّى يفرغ من الخطبتين، وبه قال أبو يوسف والشّافعي وأصحابه، وقال أبو حنيفة

ص: 343


1- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/414.
2- «النهاية في مجرد الفقه والفتاوی» ص 105، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج3/321.

ومحمّد: الكلام مباحٌ ما لم يظهر الإمام، فإذا ظهر حرم حتّى يفرغ من الخطبتين والصّلاة، دليلنا إجماع الفرقة(1).

ثمّ قال بعد ذكر مسائل:

يكره الكلام للخطيب والسّامع، وليس بمحظور ولا يفسد الصّلاة، وللشّافعي فيه قولان: أحدهما يحرم الكلام على الخطيب والسّامع معاً، قاله في القديم، وبه قال في الإملاء، وإليه ذهب مالك والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد، وحكى الشّافعي في القديم عن أبي حنيفة أنّه قال: إذا تكلّم حال الخطبة وصلّى أعادها، وهكذا حكى عنه السّاجي، وقال محمّد: لا يعيد، وقال أصحابه المذهب ما قال محمّد.

والقول الثاني: قال في الأمّ الإنصات مستحبٌ غير واجب، وبه قال النّخعي والحكم وحمّاد والثّوري، دليلنا على نفي تحريمه: أنّ الأصل براءة الذّمة، فمن ادّعى التّحريم فعليه الدلالة؛ فأمّا كونه مكروهاً فلا خلاف فيه(2).

ظاهر كلام نظام الدّين الصّهرشتي في «إصباح الشّيعة» أيضاً هو وجوب الاستماع حيث قال:

يأخذ الإمام في الخطبة بقدر ما إذا فرغ منها زالت الشّمس، فإذا زالت نزل وصلّی بالنّاس، وإذا أخذ في الخطبة فليس لأحد أن يصلّي أو يتكلم بل يصغی إلى الخطبة، ومن دخل في خلال الخطبة لا يسلم(3).

ص: 344


1- «كتاب الخلاف» ج1/615 المسألة 383.
2- «كتاب الخلاف» ج1/625 المسألة 396.
3- «إصباح الشّيعة بمصباح الشّريعة» ص 86، «سلسلة اليناييع الفقهيّة» ج4/627.

لكن ظاهر كلام الراوندي رحمه الله بطلان الصلاة حينئذٍ حيث قال في مبحث تحريم البيع وقت النداء واستدلاله بأنّ النهي يدلّ علی فساد المنهي عنه:

وتحريم البيع يدلّ علی تحريم سائر ما يشغل عن التّوفّر علی سماع الذكر وتدبّره حتّی الكلام، لأنّ النهي يدلّ علی فساد المنهی عنه(1).

وقال العلّامة الحلّي رحمه الله :

قيل: الإصغاء إلى الخطبة واجب، والكلام في أثنائها حرام، وعندي فيه إشكال، لكن لا تبطل الجمعة معه إجماعاً(2).

وقال زين الدّين عليّ الجبعي العاملي الملقّب بالشّهيد الثاني رحمه الله في «الرّوضة»:

ويجب فيهما - الخطبتين - النّية والعربيّة، والتّرتيب بين الأجزاء كما ذُكر...، وإصغاء من يمكن سماعه من المأمومين، وترك الكلام مطلقاً(3).

والظّاهر أنّ المراد من قوله (مطلقاً) هو أنّ المأموم الّذي يسمع الخطبتين والّذي لا يسمعهما فهما سواءٌ، مع وضوح تفاوت الإصغاء عن ترك الكلام، حيث إنّ الإصغاء هو عبارةٌ عن ميل الشّخص بتمام وجوده إلی الخطيب لا مجرّد ترك الكلام سواء التفت إليه أم لا، كما صرّح بذلك ابن منظور المصري في «لسان العرب»، حيث قال:

وأَصْغَيْتُ إلى فلانٍ إذا مِلْت بسَمْعك نحوهَ(4).

ص: 345


1- «فقه القرآن (للراوندي)» ج1/134، «سلسلة الينابيع الفقهيَّة» ج4/510.
2- «تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية (ط - الحديثة)» ج 1/276 - 277.
3- «الرّوضة البهيّة في شرح اللمعة الدّمشقيّة» ج1/121.
4- «لسان العرب» ج14/461.

وقال المحقق النراقي رحمه الله في «مستنده»:

لا يجب إصغاء العدد ولا الحاضرين للخطبة، وفاقاً للمعتبر والنّافع والمبسوط والذخيرة، للأصل، ولأنّ تخصيص الوجوب بالعدد تخصيصٌ بلا دليل، وتعميمه يوجب التكليف بالممتنع إن لم نوجب رفع الصّوت على الخطيب بحيث يسمعه الكلّ، وما لا يقولون به، ولا دليل عليه إن أوجبناه، خلافاً للأكثر كما صرّح به بعض من تأخّر(1).

وتردّد المحقّق الحلّي رحمه الله صاحب كتاب «الشّرائع» في وجوب الإصغاء إلی الخطبة وكذا في تحريم الكلام أثناء الخطبتين علی المستمعين، لكنّه صرّح بعدم كونه حينئذٍ مبطلاً للجمعة.

وأمّا الشّيخ محمّد حسن النّجفي رحمه الله صاحب كتاب «الجواهر» فإنّه بعد ما نقل كلام المحقّق قدس سره صرّح بعدم وجوب الإصغاء عليهم، ومال إلی أنّ الكلام حين الخطبتين ليس بمبطل للجمعة(2).

والإمام الراحل قدس سره في «التّحرير» احتاط بالاحتياط الوجوبي في مسألة الإصغاء إلی الخطبتين في صلاة الجمعة، ثمّ ترقَّی بأنّ الأحوط الإنصات وترك الكلام بينها وإن كان الأقوی كراهته، فقال:

نعم لو كان التّكلّم موجباً لترك الاستماع وفوات فائدة الخطبة لزم تركه(3).

وقال ابن رشد القرطبيی في «بداية المجتهد»:

ص: 346


1- «مستند الشّيعة في أحكام الشّريعة» ج6/81.
2- «جواهر الكلام» ج11/288 - 296
3- «تحرير الوسيلة» ج1/235 مسألة 14

اختلفوا في الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب علی ثلاثة أقوال؛ فمنهم من رأی أنّ الإنصات واجب علی كلّ حال وأنّه حكم لازم من أحكام الخطبة، وهم الجمهور ومالك والشّافعي وأبوحنيفة وأحمد بن حنبل وجميع فقهاء الأمصار، وهؤلاء انقسموا ثلاثة أقسام؛ فبعضهم أجاز التشميت وردّ السلام في وقت الخطبة وبه قال الثّوري والأوزاعي وغيرهم، وبعضهم لم يجز ردّ السلام ولا التّشميت، وبعض فرّق بين السلام والتشميت فقالوا: يردّ السّلام ولا يشمت، والقول الثاني مقابل القول الأوّل وهو: أنّ الكلام في حال الخطبة جائز إلّا في حين قراءة القرآن فيها، وهو مروي عن الشّعبي وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي، والقول الثالث: الفرق بين أن يسمع الخطبة أو لا يسمعها فإن سمعها أنصت، وإن لم يسمع جاز له أن يسبح أو يتكلم في مسألة من العلم وبه قال أحمد وعطاء وجماعة، والجمهور علی أنّه إن تكلّم لم تفسد صلاته، و روي عن ابن وهب أنّه قال: من لغا فصلاته ظهر أربع(1).

وقال ابن قدامة الحنبلي في «المغني»:

ويجب الإنصات من حين يأخذ الإمام في الخطبة، فلا يجوز الكلام لأحد من الحاضرين ونهي عن ذلك عثمان وابن عمر، وقال ابن مسعود: إذا رأيته يتكلّم والإمام يخطب فاُقرع رأسه بالعصا، وكره ذلك عامّة أهل العلم منهم مالك وأبوحنيفة والأوزاعي، وعن أحمد رواية اُخری: لا يحرم الكلام، وكان سعيد بن جبير والنّخعي والشّعبي وإبراهيم بن مهاجر وأبو بردة يتكلّمون والحجاج يخطب، وقال بعضهم: إذا لم نؤمر أن تنصت لهذا، وللشّافعي قولان كالرّوايتين، واحتجّ من

ص: 347


1- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج1/460 - 462

أجاز ذلك بما روی أنس قال: بينما النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم يخطب يوم الجمعة إذ قام رجلٌ فقال: يا رسول الله هلك الكراع وهلك الشاة فادع الله أن يسقينا - وذكر الحديث إلی أن قال - : ثمّ دخل رجلٌ من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قائمٌ يخطب فاستقبله قائماً فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطع النّسل فادع الله يرفعها عنّا، متفقٌ عليه، وروي أنّ رجلاً قام والنّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم يخطب يوم الجمعة فقال: يا رسول الله متی السّاعة؟ فأعرض النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وأومأ النّاس إليه بالسّكوت فلم يقبل وأعاد الكلام، فلما كان في الثالثة قال له النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «ويحك ماذا أعدت لها؟ قال: حبّ الله ورسوله، قال: إنّك مع من أحببت» ولم ينكر عليهم النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم كلامهم، ولو حرم عليهم لأنكره عليهم، ولنا: ما روي أبو هريرة قال: إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال: «إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت» متفقٌ عليه، و روي عن اُبيّ بن كعب: «أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قرأ يوم الجمعة (تبارك) فذكرنا بأيام الله، وأبو الدرداء أو أبو ذر يغمزني، فقلت: متی أنزلت هذه السّورة فإنّي لم أسمعها إلّا الآن؟ فأشار إليه أن اسكت، فلما انصرفوا قال: سألتك متی أنزلت هذه فلم تخبرني! قال اُبيّ: ليس لك من صلاتك اليوم إلّا ما لغوت، فذهب إلی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فذكر له وأخبره بما قال اُبيّ، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «صدق اُبيّ» رواه عبد الله ابن أحمد في المسند وابن ماجة، و روی أبوبكر بن أبي شيبة بإسناده عن أبي هريرة نحوه، وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «من تكلّم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً»، رواه ابن أبي خيثمة، وما احتجّوا به فيحمل أنّه مختصٌ بمن كلّم الإمام أو كلّمه الإمام لأنّه لا يشتغل بذلك عن سماع خطبته، ولذلك سأل النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم هل صلّی؟ فأجابه، وسأل عمر عثمان حين دخل وهو يخطب فأجابه، فتعيّن حمل

ص: 348

أخبارهم علی هذا جمعاً بين الأخباروتوفيقاً بينها ولا يصحّ قياس غيره عليه لأنّ كلام الإمام لا يكون في الخطبة خلاف غيره، وإن قدر التّعارض فالأخذ بحديثنا أولی، لأنّه قول النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم ونصّه، وذلك سكوته، والنصّ أقوی من السكوت(1).

وقال عبد الرّحمن الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

لا يجوز الكلام حال الخطبة علی تفصيل في المذاهب، الحنفيّة قالوا: يكره الكلام تحريماً حال الخطبة، سواءٌ كان بعيداً عن الخطيب أم قريباً منه في الأصحّ، وسواءٌ أ كان الكلام دنيويّاً أم بذكر ونحوه علی المشهور...، وكما يكره الكلام تحريماً حال الخطبة، كذلك تكره الصّلاة كما تقدّم باتّفاق أهل المذهب...، ومن الكلام المكروه ردّ السّلام بلسانه وبقلبه، ولا يلزمه قبل الفراغ من الخطبة أو بعدها، لأنّ البدء بالسّلام غير مأذون فيه شرعاً، بل يأثمفاعله، فلا يجب الردّ عليه وكذا تشميت العاطس، ويكره للإمام أن يسلّم علی النّاس.

والمالكيّة قالوا: يحرم الكلام حال الخطبة وحال جلوس الإمام علی المنبر بين الخطبتين، ولا فرق في ذلك بين من يسمع الخطبة وغيره، فالكلّ يحرم عليه الكلام...، ومن الكلام المحرَّم حال الخطبة ابتداء السّلام وردّه علی من سلّم.

والشّافعيّة قالوا: من كان قريباً من الخطيب بحيث لو أنصت يسمعه يكره له تنزيهاً أن يتكلّم أثناء أداء الخطيب أركان الخطبة، وإن لم يسمع بالفعل، وقيل: يحرم، أمّا ما زاد علی أركان الخطبة فإنّه لا يكره الكلام في أثناء أدائه،كما لا يكره الكلام قبل الخطبة...، ولا بعدها قبل إقامة

ص: 349


1- «المغني لابن قدامة» ج2/320 - 321.

الصّلاة ولا بين الخطبتين، وكذا لا يكره كلام من كان بعيداً عنه بحيثلو أنصت لا يسمع، ويسنن له حينذاك أن يشغل بالذّكر، ويستثنی من كراهة الكلام المذكور أربعة اُمور:

الأوّل: تشميت العاطس فإنّه مندوبٌ.

الثاني: رفع الصّوت بالصّلاة علی النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم عند ذكر اسمه الكريم من غير مبالغة في رفعه، فإنّه مندوبٌ أيضاً.

الثّالث: ردّ السّلام، فإنّه واجبٌ وإن كان البدأ بالسّلام علی مستمع الخطبة من الكلام المكروه.

الرّابع: ما قصد به دفع أذی، كإنقاذ أعمی أو التّحذير من عقرب ونحوه، فإنّه واجبٌ.

والحنابلة قالوا: يحرم علی من كان قريباً من الخطيب يوم الجمعة بحيث يسمعه أن يتكلّم حال الخطبة بأيّ كلام ذكراًكان أو غيره، ولو كان الخطيب غير عدل، إلّا الخطيب نفسه فإنّه يجوز له أن يتكلّم مع غيره لمصلحة...، أمّا من كان بعيداً عن الخطيب بحيث لا يسمعه فإنّه يجوز له الكلام، وإذا اشتغل بالقراءة والذّكر ونحو ذلك كان أفضل من السّكوت...، وكذلك لا يحرم الكلام قبل الخطبتين أو بعدهما ولا في حال سكوت الخطيب بين الخطبتين ولا عند شروع الخطيب في الدّعاء، لأنّه يكون قد فرغ من أركان الخطبة والدّعاء، لا يجب الإنصات له(1).

هذا هو حكم المسألة في منظر الأقوال، وكيف كان ينبغي لنا أن نبحث هنا عن كلّ من الحكمين التّكليفي أي الحرمة أو الكراهة، والوضعي أي بطلان

ص: 350


1- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/398 - 399.

الصّلاة وفسادها بالكلام حين الخطبتين، وعلينا في فهم حكمهما بالرّجوع إلی الأخبار والأحاديث الواردة في المقام.

أمّا حكم المسألة في منظر الأخبار والرّوايات الواردة في المقام، أنّه قد نُهي في بعضها وكرّه في البعض الآخر منها، منطوقاً أو مفهوماً عن كلّ ما يعارض الصّلاة، مثل الالتفات والكلام فيهما بعبارة (الكراهة) أو (لا ينبغي) مع الإذعان بأنّ هذين الاصطلاحين في منطوق الأخبار وفقهائنا المتقدّمين (رضوان الله تعالی عليهم) لم تتعيّن في المعنی المقابل للحرمة، كما أنّه لا دلالة لهما علی خصوص الحرمة، بل المتيقّن منهما مطلق المرجوحيّة، أمّا استفادة أحد المعنيين بالخصوص وإن كان غير عزيز في الرّوايات ولسان الفقهاء، لكنّه أمر يحتاج إلی قرينة.

وكيف كان فقد استُدلّ علی ذلك بروايات، منها ما تلي:

1 - صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْجُمُعَةِ؟ فَقَالَ: «بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، يَخْرُجُ الْإِمَامُ بَعْدَ الْأَذَانِ فَيَصْعَدُ الْمِنْبَرَ فَيَخْطُبُ وَلَا يُصَلِّي النَّاسُ مَا دَامَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ يَقْعُدُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَدْرَ مَا يُقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَفْتَتِحُ خُطْبَتَهُ، ثُمَّ يَنْزِلُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ فَيَقْرَأُ بِهِمْ في الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِالْجُمُعَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْمُنَافِقِينَ»(1).

2 - خبر عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْإِمَامِ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ هَلْ يَقْطَعُ خُرُوجُهُ الصَّلَاةَ أَوْ يُصَلِّي النَّاسُ وَهُوَ يَخْطُبُ؟

ص: 351


1- «الكافي» ج3/424 الحديث 7، «وسائل الشيعة» ج7/313 الحديث 9444.

قَالَ:«لَا تَصْلُحُ الصَّلَاةُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ إلّا أَنْ يَكُونَ قَدْ صَلَّى رَكْعَةً فَيُضِيفُ إِلَيْهَا اُخری، وَلَا يُصَلِّي حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ خُطْبَتِهِ»(1).

بدلالة فحوی عدم جواز الصّلاة حالة الخطبة علی منع الكلام حالها، وأمّا إضمار محمّد بن مسلم اسم الإمام المسؤول عنه فالإنصاف أنّ إضماره لا يضرّ باعتبارها بعد ما كان المضمِر مثل محمّد بن مسلم لما حكی السّيد الخوئي رحمه الله في ترجمته في كتاب «معجم رجال الحديث» بأنّ الشيخ المفيد رحمه الله في رسالته «العدديّة» عدّه بكونه من الفقهاء والأعلام المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيی والأحكام، الّذين لايطعن عليهم ولا طريق إلی ذمّ واحد منهم، أو أنّه ممّن اجتمعت العصابة علی تصديقهم وانقيادهم لهم بالفقه، ثمّ إنّه ذكر روايات في مدحه منها: صحيحة البقباق عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: «أَرْبَعَةٌ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَیَّ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً: بُرَيْدٌ الْعِجْلِيُّ، وَ زُرَارَةُ بْنُ أَعْيَنَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَالْأَحْوَلُ، أَحَبُّ النَّاسِ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً»(2)، ومنها ما رواه الكشي في رجاله صحيحاً عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ بِالْجَنَّةِ: بُرَيْدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْعِجْلِيُّ، وَأَبُو بَصِيرٍ لَيْثُ بْنُ الْبَخْتَرِيِّ الْمُرَادِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَ زُرَارَةُ، أَرْبَعَةٌ نُجَبَاءُ أُمَنَاءُ اللَّهِ عَلَى حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ لَوْ لَا هَؤُلَاءِ انْقَطَعَتْ آثَارُ النُّبُوَّةِ وَانْدَرَسَتْ»(3)، ومنها صحيحة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي يَعْفُورٍ قَالَ: قُلْتُ لِأبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: إِنَّهُ لَيْسَ كُلَّ سَاعَةٍ أَلْقَاكَ وَلَا يُمْكِنُ الْقُدُومُ وَيَجِي ءُ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِنَا فَيَسْأَلُنِي وَلَيْسَ عِنْدِي كُلُّ مَا يَسْأَلُنِي عَنْهُ،فَقَالَ: «مَا يَمْنَعُكَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الثَّقَفِيِّ؟ فَإِنَّهُ سَمِعَ مِنْ أبي

ص: 352


1- «قرب الإسناد» ص 97، «وسائل الشيعة» ج7/417 الحديث 9735.
2- «رجال الكشي» ص 185.
3- «رجال الكشي» ص 170، «وسائل الشيعة» ج27/142 الحديث 33429.

وَكَانَ عِنْدَهُ وَجِيهاً»(1)، ثمّ أضاف السيّد الخوئي رحمه الله : بأنّ الرّوايات في مدح محمّد بن مسلم وجلالة شأنه وعظم مقامه متظافرةٌ مستفيضةٌ، تقدّمت هذه الرّويات في ترجمة يزيد بن معاوية، وزرارة بن أعين، وليث بن البختري، ومحمّد بن عليّ بن النعمان الأحول(2).

أضف إلی ذلك كلّه ما حكی الكشي رحمه الله في رجاله عَن حَمْدَوَيْهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يَاسِينَ الضَّرِيرِ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ : مَا شَجَرَ في رَأيِي شيء قَطُّ إلّا سَأَلْتُ عَنْهُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام حَتَّى سَأَلْتُهُ عَنْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ وَسَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيثٍ(3)، فبناءً علی ذلك لا يبقی شك ولا ريبٌ بأنّ محمّد بن مسلم الثّقفي لا يسأل مسائل دينه و لا أحكامه إلّا عن الإمام المعصوم علیه السلام، إلّا أنّه مردد بين الإمامين الباقر علیه السلام أو الصّادق علیه السلام وهذا المقدار غير ضارّ باعتبار الرّواية حيث إنّهم علیهم السلام من نور واحد.

هذا مع أنّ الغالب والمعمول في المحاورات العرفيّة أنّ الرّاوي السّائل يذكر اسم الإمام المسؤول عنه في ابتداء كتابه أو مسائله ولم يكرّر نوعاً اسمه علیه السلام في ابتداء كلّ مسألة اختصاراً، فليس معنی قوله سألته ثلاثين ألف حديث أو ستة عشر ألف حديث مثلاً أنّه سأله علیه السلام في ثلاثين ألف أو ستة عشر ألف مجلس.

3 - خبر بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الصَّادِقِ عَنْ آبَائِهِ قَالَ علیهم السلام قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام علیهم السلام «النَّاسُ في يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَنَازِلَ: رَجُلٌ شَهِدَهَا بِإِنْصَاتٍ وَسُكُوتٍ قَبْلَ الْإِمَامِ وَذَلِكَ كَفَّارَةٌ لِذُنُوبِهِ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ وَزِيَادَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ

ص: 353


1- «وسائل الشيعة» ج27/144 الحديث 33438.
2- راجع: «معجم رجال الحديث» ج17/247 - 255.
3- «رجال الكشي» ص 163، «بحارالأنوار» ج46/292.

وَجَلَّ: (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها)، وَرَجُلٌ شَهِدَهَا بِلَغَطٍ(1) وَمَلَقٍ(2) وَقَلَقٍ(3) فَذَلِكَ حَظُّهُ، وَرَجُلٌ شَهِدَهَا وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَامَ يُصَلِّي فَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ، وَذَاكَ مِمَّنْ إِذَا سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ وَإِنْ شَاءَ حَرَمَهُ»(4).

4 - صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه سلام حَيثُ قَالَ: «لَا بَأْسَ أَنْ يَتَكَلَّمَ الرَّجُلُ إِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنَ الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَا بَيْنَهُ وبَيْنَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ، وإِنْ سَمِعَ الْقِرَاءَةَ أَولَمْ يَسْمَعْ أَجْزَأَهُ»(5) ، فإنّها دلّت بمفهوم الشّرط علی ثبوت البأس في التّكلّم قبل الفراغ.

5 - ما رُوي في «دعائم الإسلام» عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَى النَّاسِ الصَّمْتُ»(6).

ص: 354


1- قال ابن منظور المصري: لغط: اللَّغْطُ واللَّغَطُ: الأَصْواتُ المُبْهَمة المُخْتَلطة والجَلَبةُ لا تُفهم. «لسان العرب» ج7/391.
2- ملق: المَلَقُ: الوُدّ واللطف الشديد، وأَصله التليين وقيل: المَلَقُ شدة لطف الودّ، وقيل: الترفق والمداراة، والمعنيان متقاربان، مَلِقَ مَلَقاً وتمَلَّقَ وتَملَّقَهُ وتمَلّقَ له تمَلُّقاً وتِمِلَّاقاً أَی تودد إليه و تلطف له...، وفي الحديث: ليس من خُلُق المؤمن المَلَقُ؛ هو بالتحريك الزيادة في التَّوَدُّد والدعاء والتضرع فوق ما ينبغي، وقد مَلِقَ، بالكسر، يَمْلَقُ مَلَقاً، ورجل مَلِقٌ: يعطی بلسانه ما ليس في قلبه.، «لسان العرب» ج10/347.
3- والقَلَقُ: أن لا يستقر فی مكان واحد، وقد أقلَقَهُ فقَلِقَ. «لسان العرب» ج10/323.
4- «مستدرك الوسائل» ج6/109 الحديث 6560.
5- «من لا يحضره الفقيه» ج1/269 الحديث 1229، «وسائل الشيعة» ج7/331 الحديث 9503.
6- «مستدرك الوسائل» ج6/22 الحديث 6335.

6 - مرفوعة مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام: «لَا كَلَامَ والْإِمَامُ يَخْطُبُ، ولَا الْتِفَاتَ إلّا كَمَا يَحِلُّ في الصَّلَاةِ، وإِنَّمَا جُعِلَتِ الْجُمُعَةُ رَكْعَتَيْنِ مِنْ أَجْلِ الْخُطْبَتَيْنِ، جُعِلَتَا مَكَانَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَهُمَا صَلَاةٌ حَتَّى يَنْزِلَ الْإِمَامُ»(1).

7 - خبر الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الصَّادِقِ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام في حَدِيثِ الْمَنَاهِي، إذ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم عَنِ الْكَلَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ والْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ لَغَا، ومَنْ لَغَا فَلَا جُمُعَةَ لَهُ»(2).

8 - صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «إِذَا خَطَبَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلَا ينبغي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ خُطْبَتِهِ، فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنَ الْخُطْبَتَيْنِ تَكَلَّمَ مَا بَيْنَهُ وبَيْنَ أَنْ يُقَامَ لِلصَّلَاةِ، فَإِنْ سَمِعَ الْقِرَاءَةَ أَو لَمْ يَسْمَعْ أَجْزَأَهُ»(3).

9 - خبر عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ في «قُرْب الْإسْنَاد» عَنِ السِّنْدِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أبي الْبَخْتَرِیِّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيّاً علیه السلام قَالَ: «يُكْرَهُ الْكَلَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ والْإِمَامُ يَخْطُبُ، وفِي الْفِطْرِ والْأَضْحَى والِاسْتِسْقَاءِ»(4).

10 - خبر أبي هريرة عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «خُرُوجُ الْإِمَامِ لِلصَّلاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَقْطَعُالصَّلاةَ، وَكلامُهُ يَقْطَعُ الكلامَ»(5).

ص: 355


1- «من لا يحضره الفقيه» ج1/269 الحديث 1228، «وسائل الشيعة» ج7/331 الحديث 9502.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج4/5 «وسائل الشيعة» ج7/331 الحديث 9504.
3- «الكافي» ج3/421 الحديث 2،«وسائل الشيعة» ج7/330 الحديث 9501.
4- «وسائل الشيعة» ج7/331 الحديث 9505.
5- «كنز العمال» ج7/745 الخبر 21205.

11 - خبر ابن عباس عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «مَثَلُ الّذي يَتَكلَّمُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ والْإِمَامُ يَخْطُبُ، مَثَلُ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً، وَالّذي يَقُولُ لَهُ: أَنْصِتْ لَيْسَ لَهُ جُمْعَةٌ»(1).

12 - روی جابر بن عبدالله أنّ سعداً قال لرجل يوم الجمعة: لا صلاة لك! فذكر ذلك الرّجل للنّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم فقال: يا رسول الله إنّ سعداً قال: لا صلاة لك، فقال النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «لِمَيَا سَعْدُ؟ قال: إنّه تكلّم وأنت تخطب، فقال: صَدَقَ سَعْدٌ»(2).

أقول: وحيث لم يكن في سائر الأخبار ما يكون قرينةً علی حمل عبارتي (لَا ينبغي) و(يُكْرَهُ) في خبري الرقم 8 و 9 علی الكراهة المصطلحة عند فقهائنا المتأخّرين، بل اُمِر فيها بوجوب الصّمت أو نُهي عن الكلام حين خطابة الإمام، فالظّاهر بل الأقوی عندنا هو رجحان القول بحرمة الكلام حين الخطبتين، مضافاً إلی ما ورد من كونهما بمنزلة الرّكعتين الأخيرتين من الصّلاة.

إن قلت: لا تنحصر فائدة الخطبة في الاستماع والإصغاء، خصوصاً فيما إذا كانت غير مشتملة علی القرآن والوعظ، لذا لا تسقط الجمعة ولا الخطبة لو كان المصلّون كلّهم صَمّاء، كما لا تسقط الجمعة أيضاً عمّن لم يدرك الخطبة وأدرك الصّلاة أو ركعة واحدة منها فقط، أو نام حين سماع الخطبة، أو لم يمكنه سماعها بعد ما حضرها، أو سمع ولكنّه لم يفهم؛ فما هو الحكم حينئذٍ(3)؟

ص: 356


1- نفس المصدر، الخبر 21206.
2- «كنز العمال» ج8/373 الخبر 23341.
3- راجع: «جامع المقاصد في شرح القواعد» ج2/402، «روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان» ج2/786، «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج4/63، «الحدائق الناضرة فی أحكام العترة الطاهرة» ج10/96 - 101، «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج6/81، «جواهر الكلام» ج11/288، «تحرير الوسيلة» ج1/235 المسألة 14، و....

قلنا: أمّا عدم سقوط وجوب الجمعة والخطبة لوكان المصلّون كلّهم صَمّاء، فهو لعدم كونهم ممّن استثنيت عنهم الجمعة، مضافاً إلی كونها استدلالاً استحسانيَّاً، وأمّا عدم سقوطها عمّن لم يدرك الخطبة أو الخطبة مع ركعة من الصّلاة، فلدلالة الأخبار المتظافرة، بل المتواترة الخاصّة الواردة علی صحّة هذه الصّلاة حينئذٍ كما سنتحدّث عنه لاحقاً، ولو لا ذلك لم نحكم فيه بصحّة جمعتهم أيضاً.

وحيث نحكم بحرمة الكلام في أثناء الخطبتين، فلا يستبعد كونه مبطلاً للجمعة أيضاً، كما يمكن استفادة ذلك من خبر الحسين بن زيد من قوله علیه السلام في حديث المناهي: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم عَنِ الْكَلَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ والْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ لَغَا، ومَنْ لَغَا فَلَا جُمُعَةَ لَهُ»(1)، وكذا عدّهما مكان الركعتين الأخيرتين من الصّلاة، إلّا أنّه كما أشار المحقق البحراني رحمه الله في «الحدائق» لم يصرّح به أحد من القائلين بالتّحريم حيث قال:

والظّاهر أنّ غاية النّهي عن الكلام هو التّحريم على تقدير القول به، لا بطلان الصّلاة أو الخطبة، فإنّه لم يصرّح به أحدٌ من القائلين بالتّحريم بالبطلان في هذا الموضع فيما أعلم، وبذلك أيضاً صرّح بعض متأخّري المتأخّرين(2).

ص: 357


1- «من لا يحضره الفقيه» ج4/5 «وسائل الشيعة» ج7/331 الحديث 9504.
2- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج10/100.

بل ادّعی العلّامة الحلّي رحمه الله الإجماع علی عدم بطلان صلاة جمعة المتكلّم حيث قال في «النهاية»:

ولا تبطل جمعة المتكلّم وإن حرّمناه إجماعاً، والخلاف في الإثم وعدمه(1).

بقي هنا شيء:

بعد ما عرفت حكم الكلام أثناء الخطبتين، فقد قيل بكراهة بل حرمة ردّ السّلام حينئذٍ، مستدلّاً بما روي في «قرب الإسناد» عن أبي الْبَخْتَريِّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ علیه السلام «أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ رَدَّ السَّلَامِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ»(2)، أو بما استدلّ إليه الحنفية والمالكية من العامّة بأنّ: البدأ بالسّلام خلال الخطبة غير مأذون شرعاً فلا يجب ردّه(3).

يلاحظ عليه أوّلاً: أنّ حكم الخطبة لم يكن بأشدّ من الصّلاة الّتي يجوز بل يجب فيها ردّ السّلام كما دلّت عليه أخبار(4)؛ منها: موثقة سَمَاعَةَ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ في الصَّلَاةِ؟ قَالَ: «يَرُدُّ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَلَا يَقُولُ وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم كَانَ قَائِماً يُصَلِّي فَمَرَّ بِهِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَمَّارٌ فَرَدَّ عَلَيْهِ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم هَكَذَا»(5).

ص: 358


1- «نهاية الإحكام في معرفة الأحكام» ج 2/38.
2- «قرب الإسناد» ص 69، «بحار الأنوار» ج86/186، «وسائل الشيعة» ج7/331 الحديث 9506.
3- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/398 .
4- راجع: «وسائل الشيعة» ج7/267، باب «جواز ردّ المصلّي السلام بل وجوبه».
5- «الكافي» ج3/366 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج7/267 الحديث 9303.

وثانياً: أنّ أبي البختري الّذي اسمه وهب بن وهب فهو زائداً علی كونه مطعوناً لما ضعّفه النّجاشي رحمه الله في «رجاله»، والحلّي رحمه الله في «خلاصته»، والطوسي رحمه الله في «فهرسته» بكونه كذاباً، قاضياً، عامّي المذهب(1) ، خبره من الأخبار الآحاد الّتي لم يفت الأصحاب علی وفقه، بل يمكن حمله علی التقيّة لما عرفت آنفاً من ذهاب الحنفية والمالكية من العامّة علی كونه حراماً، أو علی ما إذا ردّ غيره، وقد أشار إلی هذين الاحتمالين العلّامة المجلسي رحمه الله حيث قال:

كراهة رد السّلام لعله محمولٌ على التّقية إذ لا يكون حكمها أشدّ من الصّلاة، ويمكن حمله على ما إذا ردّ غيره، قال العلّامة في النهاية: ويجوز ردّ السّلام بل يجب لأنّه كذلك في الصّلاة وفي الخطبة أولى(2).

وأمّا ما استدلّ به العامّة فهو اجتهاد في مقابل النصّ لا اعتبار به.

ص: 359


1- راجع: «رجال النجاشي» ص : 430، «الخلاصة للحلّي» ص: 262، «فهرست الطوسي» ص: 488.
2- «بحار الأنوار» ج86/186.

السابع عشر:

من لم يحضر الخطبة فقط، أو الخطبة مع ركعة من الصّلاة، فقد أدرك الجمعة.

من لم يدرك الخطبة فقط أو الخطبة مع ركعة من صلاة الجمعة لكنّه أدرك الإمام قبل ركوع الرّكعة الثانية، فقد أدرك الصّلاة عند الفريقين.

قال الشّيخ رحمه الله في «النّهاية»:

من صلّی مع الإمام ركعةً فإذا سلّم الإمام قام فأضاف إليها ركعةً اُخری يجهر فيها وقد تمّت صلاته(1).

وقال المحقّق النراقي رحمه الله في «مستنده»:

لو لم يدرك المأموم الخطبة وأوّل الصلاة، فإن أدرك الإمام قبل الدخول في الرّكوع الثاني صحّت جمعته، ويجب عليه الائتمام بركعة وإتمام الاُخری، بلا خلاف بل عليه الإجماع في المدارك وغيره(2).

ومثله صاحب «الجواهر» فإنّه قد ادّعی عدم الخلاف بل الإجماع عليه بقسميه، وكذلك تواتر النّصوص به(3).

وقال ابن قدامة:

أكثر أهل العلم يرون أنّ من أدرك ركعةً من الجمعة مع الإمام فهو مدركٌ لها، يضيف إليها اُخری ويجزيه، وهذا قول ابن مسعود وابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب والحسن وعلقمة والأسود وعروة والزّهري والنّخعي ومالك والثّوري والشّافعي وإسحاق وأصحاب الرّأي، وقال عطاء وطاووس ومجاهد ومكحول: من لم يدرك الخطبة صلّی أربعاً لأنّ

ص: 360


1- «النهاية في مجرّد الفقه والفتاوی» ص 107، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج3/322.
2- «مستند الشيعة» ج6/91.
3- راجع: «جواهر الكلام» ج11/147.

الخطبة شرط الجمعة، فلا تكون جمعةٌ في حقّ من لم يوجد في حقّه شرطها(1).

وقال الجزيري في كتابه «الفقه على المذاهب الأربعة»:

من أدرك الإمام في الرّكعة الثانية فقد أدرك الجمعة، فعليه أن يأتي بركعة

ثانية ويسلّم باتّفاق، أمّا إذا أدركه في الجلوس الأخير فقط فإنّه يلزمه أن يصلّي أربع ركعات ظهراً(2).

واستُدلّ لذلك بروايات متظافرة، منها ما تلي:

1 - صحيحة حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنِ الْحَلَبِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَمَّنْ لَمْ يُدْرِكِ الْخُطْبَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؟ فَقالَ: «يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ فَلَمْ يُدْرِكْهَا فَلْيُصَلِّ أَرْبَعاً»، وقالَ: «إِذَا أَدْرَكْتَ الْإِمَامَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ فَقَدْ أَدْرَكْتَ الصَّلَاةَ، وإِنْ أَنْتَ أَدْرَكْتَهُ بَعْدَ مَا رَكَعَ فهي الظُّهْرُ أَرْبَعٌ»(3) .

2 - صحيحة الْحَلَبِيِّ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام حَيثُ قَالَ: «إِذَا أَدْرَكْتَ الْإِمَامَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ فَقَدْ أَدْرَكْتَ الصَّلَاةَ، وإِنْ أَدْرَكْتَهُ بَعْدَ مَا رَكَعَ فهي أَرْبَعٌ بِمَنْزِلَةِ

الظُّهْرِ»(4).

3 - صحيحة الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أنّهُ قَالَ: «إِذَا أَدْرَكَ الرَّجُلُ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ، وإِنْ فَاتَتْهُ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعاً»(5).

ص: 361


1- «المغني لابن قدامة» ج2/312.
2- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/402.
3- «الكافي» ج3/427 الحديث 1،«وسائل الشيعة» ج7/345 الحديث 9536.
4- «من لا يحضره الفقيه» ج1/270 الحديث 1233، «وسائل الشيعة» ج7/345 الحديث 9534.
5- «من لا يحضره الفقيه» ج1/270 الحديث 1232، «وسائل الشيعة» ج7/345 الحديث 9535.

4 - صحيحة عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه سلام قَالَ: «إِذَا أَدْرَكْتَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وقَدْ سَبَقَكَ بِرَكْعَةٍ فَأَضِفْ إِلَيْهَا رَكْعَةً اُخری واجْهَرْ فِيهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهُ وهُو يَتَشَهَّدُ فَصَلِّ أَرْبَعاً»(1).

5 - خبر مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَرْزَمی عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ علیه السلام قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وهُو يَتَشَهَّدُ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعاً، ومَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَلْيُضِفْ إِلَيْهَا اُخری يَجْهَرُ فِيهَا»(2).

لكن في مقابل هذه الأخبار صحيحة ابن سنان عن أبي عبد اللَّه علیه السلام: «الْجُمُعَةُ لَا تَكُونُ إلّا لِمَنْ أَدْرَكَ الْخُطْبَتَيْنِ»(3)، الّتي دلّت علی عدم كونها جمعة إلّا إذا أدرك خطبتها، فزائداً علی كونها من الأخبار الآحاد الّتي لا تقاوم المتظافرات ولم يفت بمضمونها أحد من الأصحاب، فقد حملها الشّيخ الطوسي رحمه الله على نفي الكمال والفضل والثّواب، وأنّها لا تدلّ علی لزوم أربع ركعات ظهراً حينئذٍ حيث قال في تهذيبه:

ص: 362


1- «التهذيب» ج3/244 الحديث 659، «الاستبصار» ج1/422 الحديث 1625، «وسائل الشيعة» ج7/346 الحديث 9538.
2- «التهذيب» ج3/160 الحديث 344، «وسائل الشيعة» ج7/347 الحديث 9541.
3- «التهذيب» ج3/160 الحديث 345، «الاستبصار» ج1/422 الحديث 1624، «وسائل الشيعة» ج7/346 الحديث 9540.

فمحمول علی أنّه لا يكون له ثواب من أدرك الخطبتين دون أن تجب عليه إعادة أربع ركعات(1).

الثامن عشر: الفصل بين الجمعتين.

يعتبر الفصل بين الجمعتين عندنا بمسافة ثلاثة أميال(2) فصاعداً، فإن اُقيمت جمعتان دون الحدّ المعتبر سواء كان هناك سببٌ وجيه لتعدد الجمعتين أم لا بطلتا معاً، وإن سبقت إحداهما - ولو بتكبيرة الإحرام - بطلت المتأخّرة، وأمّا العامّة فإنّ فقهاءهم في جميع المذاهب وإن منعوا من تعدّد الأمكنة الّتي تقام فيها صلاة الجمعة في مصر واحد لغير سبب وجيه، إلّا أنّهم في صورة الجواز لم يشترطوا المسافة بين الجمعتين أصلاً.

قال الشّيخ رحمه الله في «الخلاف»:

لا يجمع في مصر واحد وإن عظم وكثرت مساجده إلّا في مسجد واحد، إلّا أن يكون البلد أكثر من ثلاثة أميال فيكون بين الجمعتين ثلاثة أميال فتصحّ الجمعتان، وبه قال الشّافعي، ومالك وهو الظاهر من قول

ص: 363


1- راجع: «التهذيب» ج3/160 ذيل الحديث 6 و ص 343 ذيل الحديث 40، و «الاستبصار» ج1/422 ذيل الحديث 3 .
2- قد فسّر الميل بأربعة آلاف ذراع، وكلّ ثلاثة أميال بفرسخ قال العلّامة الحلّي رحمه الله : الفرسخ ثلاثة أميال إتّفاقاً، والميل أربعة آلاف ذراع، لأنّ المسافة تعتبر بمسير اليوم للإبل السير العام وهو يناسب ما قلناه، وكذا الوضع اللغوي وهو قدر مدّ البصر من الأرض، وفي بعض الرّوايات: ثلاثة آلاف ذراع وخمسمأة، وقال بعض الشّافعيّة: اثنا عشر ألف قدم أو أربعة آلاف خطوة، وأمّا الذراع فأربعة وعشرون إصبعاً. راجع: «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج4/371 المسألة الرقم 619 من مسائل كتاب الصلاة، وقريب منه ما قاله ابن منظور المصري فی «لسان العرب» ج3/86.

أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: إن كان البلد ذا جانب واحد مثل ذلك، وإن كان ذا جانبين نظرت، فإن كان بينهما جسر فمثل ذلك، إن لم يكن بينهما جسر فكلّ جانب منه بلد مفرد، وقال محمّد بن الحسن: القياس أنّه لا يقام فيه إلّا جمعة واحدة، فإن اُقيمت في موضعين جاز استحساناً، وعنه رواية اُخری: إن اُقيمت في ثلاثة مواضع جاز استحساناً، وحكی السّاجي عن أبي حنيفة مثل قول محمّد في أنّه يجوز في موضعين استحساناً إلّا أنّه لم يعتبر أحدهم ثلاثة أميال على ما قلناه، دليلنا: إجماع الفرقة وأيضاً فلا خلاف أنّه إذا صلّى في موضع واحد صحّت الجمعة، وإذا اُقيمت في موضعين فيه خلاف، و روى محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال: «تكون بين الجمعتين ثلاثة أميال، وليس تكون جمعة إلّا بخطبة، وإذا كان بين الجماعتين في الجمعة ثلاثة أميال فلا بأس بأن يجمع بهؤلاء، ويجمع بهؤلاء»، وأيضاً فلا خلاف أنّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم لم يكن يصلّي إلّا في موضع واحد وقد قال صلی الله علیه و آله و سلم: «صَلُّوا كَمَا رَأيتُمُونِي اُصَلِّي»، والاقتداء به واجب(1).

وقال المحقّق رحمه الله في «الشرائع»:

الخامس (من شرائط الجمعة): أن لا يكون هناك جمعة اُخری وبينهما

دون ثلاثة أميال فإن اتفقتا بطلتا، وإن سبقت إحداهما ولو بتكبيرة الإحرام بطلت المتأخرة، ولو لم يتحقّق السابقة أعاد ظهراً(2).

وقال الشّيخ محمد حسن النّجفي رحمه الله في شرحه:

إجماعاً محصّلاً ومنقولاً، مستفيضاً أو متواتراً ونصوصاً(3).

ص: 364


1- «كتاب الخلاف» ج1/ 628 المسألة 401 من صلاة الجمعة.
2- «شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام» ج 1/86.
3- «جواهر الكلام» ج11/245.

وقال الإمام الراحل قدس سره:

قد مرّ اعتبار الفاصلة بين الجمعتين بثلاثة أميال، فإن اُقيمت جمعتان دون الحد المعتبر فإن اقترنتا بطلتا جميعاً، وإن سبقت إحداهما ولو بتكبيرة الإحرام بطلت المتأخّرة، سواء كان المصلّون عالمين بسبق جمعة أم لا، وصحّت المتقدمة، سواء علم المصلّون بلحوق جمعة أم لا، والميزان في الصّحة تقدّم الصّلاة لا الخطبة، فلو تقدّم إحدى الجمعتين في الخطبة والاُخری في الصّلاة بطلت المتأخّرة في الشّروع في الصّلاة(1).

وقال الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

الغرض من صلاة الجمعة هو أن يجتمع النّاس في مكان واحد خاشعين لربّهم، فتتوثق بينهم روابط الاُلفة وتقوی صلاة المحبّة، وتحيي في أنفسهم عاطفة الرّحمة والرّفق وتموت عوامل البغضاء والحقد، وكلّ ينظر إلی الآخر نظرة المودّة والإخاء، فيعين قويّهم ضعيفهم ويساعد غنيّهم فقيرهم ويرحم كبيرهم صغيرهم ويوقّر صغيرهم كبيرهم، ويشعرون جميعاً بأنّهم عبيد الله وحده، وأنّه هو الغنيّ الحميد ذو السّلطان القاهر، والعظمة الّتي لا حدّ لها، ذلك بعض أغراض الشّريعة الإسلاميّة من حثّ النّاس علی الاجتماع في العبادة، وممّا لا ريب فيه أنّ تعدد المساجد لغير حاجة يذهب بهذه المعاني السّامية، لأنّ المسلمين يتفرّقون في المساجد فلا يشعرون بفائدة الاجتماع، ولا تتأثّر أنفسهم بعظمة الخالق الّذي يجتمعون لعبادته

ص: 365


1- راجع: «تحريرالوسيلة» ج1/236 المسألة 15.

خاضعين متذلّلين، فمن أجل ذلك قال بعض الأئمّة: إذا تعددت المساجد لغير حاجة فإنّ الجمعة لا تصحّ إلّا لمن سبق بها في هذه المساجد، فمن سبق بيقين كانت الجمعة له، وأمّا غيره فإنّه يصلّيها ظهراً.

وأمّا إذا تعدّدت الحاجة فالشّافعيّة قالوا: أمّا إذا تعدّدت لحاجة فإنّ الجمعة تصحّ في جميعها، ولكن يندب أن يصلّوا الظّهر بعد الجمعة. والمالكيّة قالوا: إذا تعدّدت المساجد في بلد واحد فإنّ الجمعة لا تصحّ إلّا في أوّل مسجد اُقيمت فيه الجمعة في البلد...، ولكن هذا الحكم عندهم مشروطٌ بأربعة شروط، ثالثها أن لا يخشی من اجتماع أهل البلدة في مسجد واحد حدوث فتنة أو فساد.

والحنابلة قالوا: فإن كان لحاجة كضيق مساجد البلد عمّن تصحّ منهم الجمعة وإن لم تجب عليهم وإن لم يصلّوا فعلاً، فإنّه يجوز وتصحّ الجمعة، سواءٌ أذن فيها ولیّ الأمر أو لم يأذن، وفي هذه الحالة يكون الأولی أن يصلّی الظّهر بعدها، أمّا إن كان التّعدد لغير حاجة فإنّ الجمعة لا تصحّ إلّا في المكان الّذي أَذِن بإقامتها فيه وليّ الأمر، ولا تصحّ في غيره حتّی ولو سبقت، وإذا أذن وليّ الأمر بإقامتها في مساجد متعدّدة لغير حاجة أو لم يأذن أصلاً، فالصّحيحة منها ما سبقت غيرها بتكبيرة الإحرام.

والحنفيّة قالوا: تعدّد الأماكن الّتي تصحّ فيها الجمعة لا يضرّ(1).

استدلّ الإمامية علی مذهبم مضافاً إلی الإجماع المدّعی ببعض الأخبار، منها:

ص: 366


1- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/385 - 386.

1 - صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام حَيثُ قَالَ: «يَكُونُ بَيْنَ

الْجَمَاعَتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ، يَعْنِي لَا تَكُونُ جُمُعَةٌ إلّا فِيمَا بَيْنَهُ وبَيْنَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، ولَيْسَ تَكُونُ جُمُعَةٌ إلّا بِخُطْبَةٍ...، فَإِذَا كَانَ بَيْنَ الْجَمَاعَتَيْنِ في الْجُمُعَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُجَمِّعَ هَؤُلَاءِ ويُجَمِّعَ هَؤُلَاءِ»(1) .

2 - صحيحة جَمِيلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام أنّهُ قَالَ: «تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْهَا عَلَى فَرْسَخَيْنِ، ومَعْنَى ذَلِكَ إِذَا كَانَ إِمَامٌ عَادِلٌ، وَقَالَ: إِذَا كَانَ بَيْنَ الْجَمَاعَتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُجَمِّعَ هَؤُلَاءِ ويُجَمِّعَ هَؤُلَاءِ، ولَا يَكُونُ بَيْنَ الْجَمَاعَتَيْنِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ»(2).

التاسع عشر: وجوب تقديم الخطبة علی الصّلاة.

تجب أن تكون الخطبتان قبل صلاة الجمعة عند الفريقين، نسب في «الجواهر» هذا الرّأي إلی المشهور نقلاً وتحصيلاً شهرةً عظيمةً وقال: «إنّه لا بأس بدعوی الإجماع معها»(3)، فلو بُدئ بالصّلاة قبلهما بطلت، خلافاً لظاهر الصّدوق رحمه الله في «العيون» و«العلل» و«الهداية» و«الفقيه» حيث ذهب إلی تأخّرهما عن صلاة الجمعة لكونهما بدلاً عن الرّكعتين الأخيرتين(4).

قال المحقّق النراقي رحمه الله في «مستنده»:

يجب تقديم الخطبتين على الصّلاة، وفاقاً للمعظم، بل في المدارك: أنّه

ص: 367


1- «الكافي» ج3/419 الحديث 7، «وسائل الشيعة» ج7/314 الحديث 9447.
2- «التهذيب» ج3/23 الحديث 80، «وسائل الشيعة» ج7/315 الحديث 9448.
3- «جواهر الكلام» ج11/228.
4- نقلاً من «رياض المسائل» ج3/332، «مستند الشيعة» ج6/69، «جواهر الكلام» ج11/229، و....

المعروف من مذهب الأصحاب، وفي المنتهى: لا نعرف فيه مخالفاً، وفي الوافي: وهذا ممّا لا يختلف فيها أحد فيما أظنّ، لظاهر الإجماع، وللمروي في العلل: فلم جعلت الخطبة يوم الجمعة قبل الصّلاة، وجعلت في العيدين بعد الصّلاة؟ قيل: «لأنّ الجمعة أمر دائم..،»، والمستفيضة المصرّحة بأنّ خطبة النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم قبل الصّلاة، والمشتملة على أنّ الإمام يخطب قبل الصلاة، فإنّ في دلالتها على الوجوب وإن كان نظر، إلّا أنّه يتمّ باستلزام رجحان التقديم لوجوبه بالإجماع المركّب.

خلافاً لظاهر الصّدوق، في العيون والعلل والهداية والفقيه، فذهب إلى تأخّرهما عن الصّلاة يوم الجمعة، لكونهما بدل الرّكعتين، ولمرسلته: «أوّل من قدّم الخطبة على الصّلاة يوم الجمعة عثمان..،»، والأوّل اجتهاد في مقابلة النصّ، والثاني ضعيف بالشذوذ، والمعارضة مع أقوى منه وأكثر(1).

وقال ابن رشد القرطبي في «بداية المجتهد»:

اتّفق المسلمون علی أنّها (أي الأركان) خطبة وركعتان بعد الخطبة(2).

وقال الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

يشترط لخطبتي الجمعة اُمورٌ، أحدها أن تتقدّما علی الصّلاة، فلا يعتدّ بهما إن تأخّرتا عنها باتّفاق ثلاثة من الأئمّة، وخالف المالكيّة فإنّهم قالوا: إذا أخّرت الخطبتان عن الصّلاة اُعيدت الصّلاة فقط وصحّ الخطبتان ولا يعيدهما بشرط أن يعيد الصّلاة قبل أن يخرج من المسجد

ص: 368


1- «مستند الشيعة» ج6/69 .
2- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج1/456.

بدون تأخير، أمّا إذا لم يعدها قبل الخروج من المسجد أو مضی زمن طويل عرفاً قبل إعادتها فإنّه يجب أن يعيد الخطبتين ويعيد الصّلاة بعدها(1).

قد استدلّ الإماميّة على ذلك بعدّة روايات مضافاً إلی الشّهرة أو الإجماع المدّعی، منها:

1 - صحيحة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ قَدْرَ شِرَاكٍ، ويَخْطُبُ في الظِّلِّ الْأَوَّلِ فَيَقُولُ جَبْرَئِيلُ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ زَالَتِ الشَّمْسُ فَانْزِلْ فَصَلِّ»، إلى آخر الْحَدِيث(2).

2 - موثَّقة عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ أبي مَرْيَمَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام حَيثُ سَألَهُ عَنْ خُطْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم أَقَبْلَ الصَّلَاةِ أَوبَعْدَهَا؟ فَقالَ علیه السلام: «قَبْلَ الصَّلَاةِ ثُمَّ يُصَلِّي»(3).

وأمّا ما ذهب إليه الصّدوق رحمه الله في كتبه الأربعة من تأخير الخطبتين عن الصلاة يوم الجمعة، لكونهما بدل عن الرّكعتين الاُخريين وإن استدلّ عليه في «الفقيه» بمرفوعة عن الصّادق علیه السلام: «أَوَّلُ مَنْ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ عَلَى الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عُثْمَانُ، لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا صَلَّى لَمْ يَقِفِ النَّاسُ عَلَى خُطْبَتِهِ وَتَفَرَّقُوا وَقَالُوا: مَا نَصْنَعُ بِمَوَاعِظِهِ وَهُوَ لَا يَتَّعِظُ بِهَا وَقَدْ أَحْدَثَ مَا أَحْدَثَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَدَّمَ الْخُطْبَتَيْنِ عَلَى

ص: 369


1- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/391.
2- «التهذيب» ج3/12 الحديث 42، «وسائل الشيعة» ج7/332 الحديث 9507.
3- «التهذيب» ج3/20 الحديث 72، «وسائل الشيعة» ج7/332 الحديث 9508.

الصَّلَاةِ»(1)، فأوّلاً: الرّواية من الأخبار الآحاد لم يروها من القدماء إلّا الصّدوق، وثانياً : أنّها ضعيفةٌ من حيث السّند، ومعرض عنها عند الأصحاب ثالثاً،ومعارضة مع أقوی منها رابعاً، مع احتمال كون لفظ الجمعة فيها غلطاً وتصحيفاً من جانب الرّاوي أو النّاسخ وأن يكون أصله يوم العيد، لما سيأتي في الخاتمة أنّ الخطبة في صلاة العيدين تجب أن تؤدّي بعد الصّلاة،كما يحتمل أن تكون الجمعة الّتي قدّم فيها عثمان الخطبة علی الصّلاة كانت يوم العيد، قال صاحب في «الوسائل» بعد نقله الحديث:

هذا غريب لم يروه إلّا الصّدوق، ولا يبعد أن يكون لفظ الجمعة - يعني ما ورد في الفقيه - غلطاً من الرّاوي أو من النّاسخ، وأصله يوم العيد لما يأتي في محلّه، ويحتمل أن يكون العيد الّذي قدّم فيه الخطبة على الصّلاة كان يوم الجمعة.

وقريب منها ما قاله السيّد الطباطبائي رحمه الله صاحب «الرياض»:

وهو اجتهاد في مقابلة النصّ، وإن روى في الفقيه ما يوافقه فقال: قال أبو عبد اللّه علیه السلام: «أوّل من قدّم الخطبة على الصّلاة يوم الجمعة عثمان» الخبر، لإرساله واحتماله التصحيف، أو أن المراد يوم الجمعة في العيد، وقد صرّح الأصحاب ببطلان الصّلاة مع التّأخير، قالوا: لانتفاء شرطها(2).

ص: 370


1- «من لا يحضره الفقيه، ج1/278 الحديث 1264، «وسائل الشيعة» ج7/332 الحديث 9509.
2- «رياض المسائل في بيان أحكام الشّرع بالدلائل» ج3/333.

العشرون: سلام الإمام علی النّاس.

قد يقال إنّه يستحبّ للإمام الخطيب أن يسلّم علی النّاس عند صعوده المنبر إذا استقبلهم، وأن يجلس علی المنبر حتّی يفرغ المؤذّن من أذانه.

قال المقدّس الأردبيلي رحمه الله في «مجمع الفائدة والبرهان»:وينبغي السّلام على الجماعة لما مرّ في الخبر، وكذا الجلوس حتّى يفرغ المؤذنون(1).

وقال المحقّق الحلّي رحمه الله في «الشرائع»:

ويستحب له - للخطيب - أن يكون معتمداً على شيء وأن يسلّم أوّلاً و أن يجلس أمام الخطبة(2).

لكنّ الشّيخ رحمه الله في «الخلاف» أفتی بغير ذلك حيث قال:

إذا جلس الإمام علی المنبر لا يلزمه أن يسلّم علی النّاس، وبه قال مالك

وأبو حنيفة، وقال الشّافعي: يستحب له أن يجلس ويسلّم علی النّاس، دليلنا: أنّ الأصل براءة الذّمة وشغلها بواجب أو ندب يحتاج إلی دليل(3).

وقال ابن قدامة الحنبلي:

يستحب للإمام إذا خرج أن يسلم علی النّاس، ثمّ إذا صعد المنبر فاستقبل الحاضرين سلّم عليهم وجلس إلی أن يفرغ المؤذّنون من أذانهم، كان ابن الزبير إذا علا علی المنبر سلّم، وفعله عمر بن عبد العزيز، وبه قال الأوزاعي والشّافعي، وقال مالك وأبوحنيفة: لا يسنّ

ص: 371


1- «مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان» ج 2 /340.
2- «شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام» ج 1/89.
3- «كتاب الخلاف» ج1/624 المسألة 394 من كتاب الجمعة.

السّلام عقيب الاستقبال لأنّه قد سلّم حال خروجه، ولنا: ما روی جابر قال: كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إذا صعد المنبر سلّم، رواه ابن ماجة، وعن ابن عمر قال: كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إذا دخل المسجد يوم الجمعة سلّم علی من عند المنبر جالساً، فإذا صعد المنبر توجّه النّاس سلّم عليهم، رواهأبوبكر بإسناده عن الشّعبي، فقال: السّلام عليكم ورحمة الله، ويحمد الله تعالی، ويثني عليه، ويقرأ سورة ثمّ يجلس، ثمّ يقوم فيخطب، وكان أبوبكر وعمر يفعلانه، رواه الأثرم، ومتی سلّم ردّ عليه الناس لأنّ ردّ السّلام آكد من ابتدائه، ثمّ يجلس حتّی يفرغ المؤذّنون ليستريح، وقد روی ابن عمر قال: كان النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم يخطب خطبتين، يجلس إذا صعد المنبر حتّی يفرغ المؤذّنون، ثمّ يقوم فيخطب، ثمّ يجلس فلا يتكلّم، ثمّ يقوم فيخطب، رواه أبو داود(1).

وقال الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

وأمّا سنن الخطبة: الشّافعية قالوا: وأن يجلس علی المنبر قبل الخطبة الاُولی، وأن يسلم علی القوم قبل أن يجلس، أمّا ردّ القوم السّلام عليه كلّما سلّم فواجب، وأن يؤذّن واحد بين يدی الخطيب لا جماعة وإلّا كره، والحنابلة قالوا: سنن الخطبة هي أن يخطب الخطيب علی المنبر أو موضع مرتفع، وأن يسلم علی المأمومين إذا خرج عليهم، وأن يسلم عليهم أيضاً بعد أن يصعد علی المنبر، ويقبل عليهم بوجهه، وأن يجلس حتّی يؤذن المؤذّن بين يديه، والمالكية قالوا: يسنّ للإمام أن يجلس علی المنبر قبل الخطبة الاُولی حتّی يفرغ المؤذّن من الأذان...، وأن يسلم علی النّاس حال خروجه للخطبة...، ويكره أن يؤخّر السّلام

ص: 372


1- «المغني لابن قدامة» ج2/296 - 297.

إلی صعوده علی المنبر فلو فعل فلا يجب علی سامعه الرّد عليه، والحنفية قالوا: ويكره له أن يسلم علی القوم(1).

وقد استُدلّ على ذلك ببعض الرّوايات، منها ما تلي:1 - صحيحة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ ‘ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم إِذَا خَرَجَ إِلَى الْجُمُعَةِ قَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُونَ»(2).

2 - مرفوعة مُعَاذِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ جُمَيْعٍ رَفَعَهُ عَنْ عَلِيٍّ علیه السلام قَالَ: «مِنَ السُّنَّةِ إِذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ أَنْ يُسَلِّمَ إِذَا اسْتَقْبَلَ النَّاسَ»(3).

3 - ما رُوي في «دعائم الإسلام» عَنِ الإمام الصَّادِقِ علیه السلام: «يُبْدَأُ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وإِذَا صَعِدَ الْإِمَامُ جَلَسَ وأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا فَرَغُوا مِنَ الْأَذَانِ قَامَ فَخَطَبَ ووَعَظَ، ثُمَّ جَلَسَ جِلْسَةً خَفِيفَةً، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ خُطْبَةً اُخری يَدْعُو فِيهَا، ثُمَّ أَقَامَ الْمُؤَذِّنُونَ لِلصَّلَاةِ ونَزَلَ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ رَكْعَتَيْنِ يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ»(4).

ثمّ في مقابل هذه الأخبار صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْجُمُعَةِ؟ فَقَالَ: «أَذَانٌ

وَإِقَامَةٌ، يَخْرُجُ الْإِمَامُ بَعْدَ الْأَذَانِ فَيَصْعَدُ الْمِنْبَرَ فَيَخْطُبُ، وَلَا يُصَلِّي النَّاسُ مَا دَامَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ يَقْعُدُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ثُمَّ

ص: 373


1- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/394 - 396.
2- «التهذيب» ج3/244 الحديث 663، «وسائل الشيعة» ج7/349 الحديث 9546.
3- «التهذيب» ج3/244 الحديث 662، «وسائل الشيعة» ج7/349 الحديث 9545.
4- «بحارالأنوار» ج86/256، «مستدرك الوسائل» ج6/15 الحديث 6312.

يَقُومُ فَيَفْتَتِحُ خُطْبَتَهُ، ثُمَّ يَنْزِلُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَقْرَأُ بِهِمْ في الرَّكْعَةِ الْاُولَى بِالْجُمُعَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْمُنَافِقِينَ»(1).

أقول: المسألة مركبةٌ من أمرين؛ هما استحباب سلام الإمام علی النّاس عند صعوده المنبر واستقباله لهم، وجلوسه علی المنبر حتّی يفرغ المؤذّن، والّتي تُستدلّ بها علی الاُولی منحصرةٌ ظاهراً بمرفوعة معاذ بن ثابت، وهي زائداً علیكونها من الأخبار الآحاد، ضعيفةٌ من جهة السّند لا تثبت بمثلها الأحكام التّكليفيّة من دون فرق بين الوجوب وغيره، إذ الاستحباب هوكسائر الأحكام التّكليفيّة الخمسة حكم شرعي يتوقّف إثباته علی دليل معتبر، وإلّا كان قولاً على الشّارع بغير دليل، الّذي هو أمر منهيّ عنه في الكتاب(2) والسّنة.

فإن قلت: قد اشتهر بين الأصحاب القول بالتّسامح في أدلّة السّنن لما ورد في بعض الأحاديث بأنّ «مَن بلغه شيء من الثَّواب كان له أجر ذلك»(3)، مثل صحيحة هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام حَيثُ قَالَ: «مَنْ بَلَغَهُ عَنِ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم شيء مِنَ الثَّوَابِ فَعَمِلَهُ، كَانَ أَجْرُ ذَلِكَ لَهُ وإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم لَمْ يَقُلْهُ»(4).

قلنا: الظاهر أنّ المراد بأحاديث (مَن بلغه شيء من الثَّواب كان له أجر ذلك) هو إعطاءُ اللهُ تبارك وتعالی ذلك الثّوابَ لعبده تفضّلاً، وهذا غير ما نحن

ص: 374


1- «الكافي» ج3/424 الحديث 7، «التهذيب» ج3/241 الحديث 648، «وسائل الشيعة» ج7/343 الحديث 9530.
2- قال الله تبارك وتعالی: (قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ)، «يونس»: 59/265.
3- راجع: «وسائل الشيعة» ج1/80 - 82 الباب 18 من أبواب مقدّمة العبادات.
4- «وسائل الشيعة» ج1/81 الحديث 184 والرقم 3 من الباب 18 من أبواب مقدّمة العبادات.

بصدده من إثبات نفس العمل وذاته بهذه الرّوايات تشريعاً وفي عالم الثّبوت محكوماً بالاستحباب من دون أن يدلّ عليه دليل معتبر كما يشعر بذلك قوله علیه السلام: «وإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم لَمْ يَقُلْهُ».

زائداً علی أنّه يمكن أن يكون المراد من قوله علیه السلام في المرفوعة - بعد الإذعان والتصديق بضعف سندها - : «مِنَ السُّنَّةِ إِذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ أَنْ يُسَلِّمَ إِذَا اسْتَقْبَلَ النَّاسَ»(1) هو سلام الخطيب علی الناس عند شروعه بالخطبة، لا السّلام عليهمعند الصعود ثمّ أن يجلس علی المنبر حتّی يفرغ المؤذن من أذانه! لا سيّما بعد ما دلّت الصّحيحة المتقدمة(2) علی أنّه «يَخْرُجُ الْإِمَامُ بَعْدَ الْأَذَانِ فَيَصْعَدُ الْمِنْبَرَ فَيَخْطُبُ» حيث عطفت بالفاء التفريعية الخطبة علی صعوده المنبر من دون أن تذكر التسليم.

هذا حكم سلامه علی النّاس عند صعوده المنبر، وأمّا مسألة جلوسه علی المنبر حتّی يفرغ المؤذّن من أذانه، فقد ورد فيه الروايتان الصحيحتان المتعارضتان، مع أنّ الاُولی منهما دلّت علی فعل النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وهو يدلّ علی مطلق الجواز ، لا الأرجحيّة والاستحباب، إلّا أن نستفيده من باب الغلبة والدوام لدلالة فعل من مادة «كان» عليه.

وكيف كان فبعد فرض التعارض لا يثبت استحباب ذلك أيضاً، لما مرّ آنفاً من أنّ الاستحباب كسائر الأحكام التكليفيّة الخمسة حكم شرعي يتوقَّف إثباته علی دليل معتبر.

ص: 375


1- «التهذيب» ج3/244 الحديث 662، «وسائل الشيعة» ج7/349 الحديث 9545.
2- «الكافي» ج3/424 الحديث 7، «التهذيب» ج3/241 الحديث 648، «وسائل الشيعة» ج7/343 الحديث 9530.

نعم لا مانع من بدو الخطبة بالسّلام بل ربما أن يكون حسناً ومندوباًلما دلّت عليه إطلاق صحيحة مالك بنِ عطيَّة عن أَبي حَمْزَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ علیه السلام قَالَ: «مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِ الْإِنْفَاقُ عَلَى قَدْرِ الْإِقْتَارِ وَالتَّوَسُّعُ عَلَى قَدْرِ التَّوَسُّعِ وَإِنْصَافُ النَّاسِ وَابْتِدَاؤُهُ إِيَّاهُمْ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِمْ»(1)، وموثقة السَّكُونِيِّ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم: «أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مَنْ بَدَأَ بِالسَّلَامِ»(2).لكن ابتداء الخطبة بالسّلام شيء، وسلام الخطيب علی النّاس عند الصعود وجلوسه علی المنبر إلی فراغ المؤذن شيء آخر، وبينهما بون بعيد!

الحادی والعشرون: ما يعتبر في الخطبتين.

إنّه يعتبر إجمالاً عند الفريقين في كلّ من الخطبتين الحمد والثّناء على الله تبارك وتعالی، والصّلاة علی النّبيّوآله علیهم السلام ، والإيصاء بتقوی الله عزّ وجلّ والوعظ والدّعاء والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، ويقرأ عندنا في الاُولی منهما سورة كاملة صغيرة من القرآن الكريم إلّا أنّهم اقتصروا بكفاية قرآة آية من الكتاب في واحد منهما، وزادوا استحباب الدّعاء للملك وسلطان المسلمين أيضاً.

ويعتبر في الثاني منهما أن تكون - إضافةً إلى ما تقدّم - مشتملةً علی الصّلاة علی محمّد وآله بتسميتهم :، وأن يذكر الإمام الخطيب في ضمن خطبته ما هو من مصالح المسلمين، وأن يخبرهم بما يجري في بلاد المسلمين من الأهوال والأحوال ممّا فيها ضرر أو منفعة لهم، وما يحتاجون إليه في معاشهم

ص: 376


1- «الكافي» ج2/188 الحديث 36، «وسائل الشيعة» ج12/55 الحديث 15632.
2- «الكافي» ج2/471 الحديث 3، «وسائل الشيعة» ج12/56 الحديث 15633.

ومعادهم، وقد مرّ في بيان معنی «الخطبة» ومفهومها، أنّها الخطابة علی نحو الموعظة.

أرسلها بعض إرسال المسلّمات، وادّعی بعض آخر الإجماع أو الاتفاق عليه، قال الشّيخ رحمه الله في «الخلاف»:

أقلّ ما تكون الخطبة أن يحمد الله ويثنی عليه، ويصلّي على النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم، ويقرأ شيئاً من القرآن، ويعظ النّاس، فهذه أربعة أشياء لابدّ منها، فإن أخلّ بشيء منها لم يجزه، وما زاد عليه مستحب، وبه قال الشّافعي، وقال أبو حنيفة: يجزي من الخطبة كلمة واحدة: الحمد لله، أو الله أكبر، أو سبحان الله، أو لا إله إلّا الله، ونحو هذا، وقال أبو يوسف ومحمّد: لا يجزيه حتّى يأتی بما يقع عليه اسم الخطبة، دليلنا: إجماعالفرقة، وأيضاً فلا خلاف أنّه إذا أتى بما قلناه فإنّه يجزيه، وليس على قول من قال يجزيه أقلّ من ذلك دليل، و روى سماعة بن مهران قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «ينبغي للإمام الّذي يخطب النّاس أن يخطب وهو قائم، يحمد الله ويثنی عليه، ثمّ يوصي بتقوى الله تعالى، ثم يقرأ سورة من القرآن سورة قصيرة، ثمّ يقوم فيحمد الله ويثنی عليه ويصلّي على محمّد وآله وعلى أئمة المسلمين، ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات، فإذا فعل هذا أقام المؤذّن فصلّى بالنّاس ركعتين»(1).

وقال المحقّق الحلّي رحمه الله صاحب «الشرائع»:

ص: 377


1- «كتاب الخلاف» ج1/616، المسألة 384 من مسائل «صلاة الجمعة».

يجب في كلّ واحدة منهما الحمد لله والصّلاة على النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وآله علیهم السلام والوعظ وقراءة سورة خفيفة، وقيل يجزي ولو آية واحدة ممّا يتم بها فائدتها(1).

وقال المحقق النراقي رحمه الله في «مستنده»:

يجب في كلّ منهما الحمد لله سبحانه والصّلاة علی النّبيّوآله، وشيء من الوعظ بزيادة قراءة سورة في الاُولی خاصّة دون الثّانية، وفاقاً للأكثر في الثّلاثة الاُولی، بل عن الخلاف ظاهر الإجماع عليها(2).

وقال الشّيخ محمّد حسن النجفي رحمه الله صاحب «الجواهر»:

يجب شرعاً هنا في كلّ واحدة منهما الحمد لله أي التحميد بلا خلاف أجده فيه، بل في الخلاف والغنية وظاهر كشف الحقّ وغيره الإجماع عليه...، نعم لا يبعد اعتبار الثناء عليه زيادة علی ذلك كما في موثقسماعة بل وصحيح ابن مسلم وخطبتي أميرالمؤمنين علیه السلام ومعقد إجماع الخلاف والغنية وظاهر كشف الحقّ، بل هو في عبارة جماعة من الأصحاب...، وأمّا الصّلاة علی النّبيّمحمّد وآله علیهم السلام فخيرة الأكثر نقلاً وتحصيلاً وجوبها، بل هو من معقد إجماع الخلاف والغنية والتّذكرة وغيرها...، وأمّا الوعظ فوجوبه خيرة الأكثر نقلاً وتحصيلاً، بل هو من معقد إجماع الخلاف والغنية وظاهر كشف الحقّ...، والظاهر عدم تعيين لفظ حتّی الوصية بتقوی الله، بل عن بعضهم نفي الخلاف فيه للأصل واختلاف الخطب المأثورة...، وأمّا وجوب قراءة سورة خفيفة فيهما فهو المشهور بين الأصحاب، لكن في «كشف اللثام»:

ص: 378


1- «شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام» ج1/85.
2- «مستند الشّيعة» ج6/65.

«لم أظفر له بدليل إلّا ما في «التذكرة» و«نهاية الأحكام» من أنّهما بدل من الرّكعتين، فتجب فيهما كما تجب فيهما، وضعفه ظاهر» قلت: وموثق سماعة وصحيح ابن مسلم وخطبتا أميرالمؤمنين علیه السلام إنّما يظهر منها قراءتها في الاُولی...، وعلی كلّ حال فالقول بعدم القراءة... لا ريب في ضعفه...، والأحوط المحافطة علی جميع ما يستفاد من نصوص المقام صحيح ابن مسلم وموثق سماعة وخطبتي أميرالمؤمنين علیه السلام إلّا ما علم كونه ندباً، ولعلّ منه الشهادة بالتوحيد الّتي يمكن تحصيل الإجماع علی عدم وجوبها فضلاً عن المنقول، بل والشّهادة بالرّسالة وإن ظهر من المرتضی وجوبها كما سمعت(1).

وقال المحقق السبزواري رحمه الله :

واعلم أنّي لم أقف في هذه المسألة على رواية دالة على أقلّ القدر الواجب في الخطبتين والّذي وقفت عليه في هذا الباب روايتانأحدهما ما رواه الكليني بإسناد معتبر والشّيخ في الموثق عن سماعة قال: قال أبو عبد اللّٰه علیه السلام: «ينبغي للإمام الّذي يخطب بالنّاس يوم الجمعة أن يلبس عمامة في الشّتاء والصّيف، ويتردى ببرد يمنية أو عدنية، ويخطب وهوقائم يحمد اللّٰه ويثنی عليه، ثمّ يوصي بتقوى اللّٰه ويقرأ سورة من القرآن صغيرة، ثمّ يجلس، ثمّ يقوم فيحمد اللّٰه ويثني عليه ويصلّي على محمّد صلی الله علیه و آله و سلم وعلى أئمة المسلمين علیهم السلام ، ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات، فإذا فرغ من هذا أقام المؤذن فصلّى بالنّاس ركعتين يقرأ بالاُولى بسورة الجمعة، وفي الثانية بسورة المنافقين، وعلى هذه الرّواية اعتمد المحقّق في المعتبر، وثانيهما: ما رواه الكليني عن

ص: 379


1- «جواهرالكلام» ج11/208 - 216.

محمّد بن مسلم في الصّحيح أن أبا جعفر علیه السلام خطب خطبتين في الجمعة ونقل الخطبتين، والاُولى منها تضمنت حمداً للّٰه والشهادتين والصّلاة على النّبيّوآله والوعظ، قال: ثمّ اقرأ سورة من القرآن، وادع ربّك، وصلّ على النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وادع للمؤمنين والمؤمنات، ثمّ تجلس، وتضمنت الثّانية الحمد والشّهادتين والوعظ والصلاة على محمّد وآله: قال: ثمّ يقول: اللّٰهمّ صلّ على أمير المؤمنين ووصيّ رسول ربّ العالمين، ثمّ تسمّى الأئمّة حتى ينتهی إلى صاحبك، ثمّ تقول: اللّٰهمّ افتح له فتحاً يسيراً، وانصره نصراً عزيزاً، قال: ويكون آخر كلامه أن يقول: (إن اللّٰه يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسٰانِ وَإِيتٰاءِ ذِي الْقُرْبىٰ وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ثمّ تقول: اللّٰهمّ اجعلنا ممّن يذّكر فتنفعه الذّكرى.

ومن هنا يظهر أنّ القول بوجوب السّورة في الخطبة الأخيرة لا وجه له، لعدم اشتمال الروايتين عليها بل مقتضى رواية سماعة عدم توظيف القراءة في الثّانية، ومقتضى الرّواية الثّانية أن يكون آخر كلامه: (إنّ اللّٰه يأمر بالعدل والإحسان) الآية، وذكر ذلك ابن الجنيد والمرتضى، قالالشّهيد: وأورده البزنطي في جامعه أنّه ذكر جماعة من الأصحاب منهم المصنف والشّهيد: أنّه يجب في الخطبتين التّحميد بصيغة الحمد لله وفي إثباته إشكال لصدق مسمّى الخطبة بدونه، والأقرب لا ينحصر الوعظ في لفظ بل يجزئ كلّما اشتمل على الوصيّة بتقوى اللّٰه والحثّ على الطّاعات والزّجر عن المعاصي، وفي الاجتزاء بالآية المشتملة

ص: 380

على الوعظ وكذا بالاجتزاء بالآية على التّحميد ونحوه ممّا يعتبر في الخطبة وجهان ولعلّ الاجتزاء أقرب(1).

وقال ابن قدامة الحنبلي:

يشترط للجمعة خطبتان، وهذا مذهب الشّافعي، وقال مالك والأوزاعي واسحاق وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرّأي: يجزيه خطبة واحدة، وقد ورد عن أحمد ما يدلّ عليه فإنّه قال: لا تكون الخطبة إلّا كما خطب النّبيّ صلی الله علیه و سلم أي خطبة تامّة، ووجه الأوّل أنّ النّبيّ صلی الله علیه و سلم كان يخطب خطبتين كما روينا في حديث ابن عمر وجابر بن سمرة، وقد قال: «صلُّوا كمَا رأيتموني اُصلّي» ولأنّ الخطبتين اُقيمتا مقام الركعتين، فكلّ خطبة مكان ركعة فالإخلال بأحدهما كالإخلال بإحدی الرّكعتين، ويشترط لكلّ واحدة منهما حمد الله تعالی، والصّلاة علی رسوله صلی الله علیه و سلم لأنّ النّبيّ صلی الله علیه و سلم قال: «كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر» وإذا وجب ذكر الله تعالی وجب ذكر النّبيّ صلی الله علیه و سلم لما روي في تفسير قوله تعالی: (أَلَمْ

نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) قال: لا أذكر إلّا ذكرت معی، ولأنّه موضع وجب فيه ذكر الله تعالی والثّناء عليه فوجب فيه الصّلاة علی النّبيّ صلی الله علیه و سلم كالأذان والتّشهد، ويحتمل أن لا تجب الصّلاةعلی النّبيّ صلی الله علیه و سلم لأنّ النّبيّ صلی الله علیه و سلم لم يذكر في خطبه ذلك، فأمّا القراءة فقال القاضي: يحتمل أن يشترط لكلّ واحدة من الخطبتين، وهو ظاهر كلام الخرقي لأنّ الخطبتين اُقيمتا مقام ركعتين فكانت القراءة شرطاً فيهما كالرّكعتين، ويحتمل أن تشترط في إحداهما لما روی الشّعبي قال: كان رسول الله صلی الله علیه و سلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل النّاس فقال: السّلام

ص: 381


1- راجع: «ذخيرة المعاد فی شرح الإرشاد» ج 2/299 - 300.

عليكم، ويحمد الله ويثنّی عليه، ويقرأ سورة، ثمّ يجلس، ثمّ يقوم فيخطب، ثمّ ينزل، وكان أبو بكر وعمر يفعلانه، رواه الأثرم، فظاهر هذا: أنّه إنّما قرأ في الخطبة الاُولی ووعظ الثّانية لهذا الخبر، وظاهر كلام الخرقي أنّ الموعظة إنّما تكون في الخطبة الثانية لهذا الخبر، وقال القاضي: تجب في الخطبتين لأنّها بيان المقصود من الخطبة فلم يجز الإخلال بها، وقال أبو حنيفة: لو أتی بتسبيحة واحدة أجزأ لأنّ الله تعالی قال: (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ) ولم يعيّن ذكراً فأجزأ ما يقع عليه اسم الذّكر، ويقع اسم الخطبة علی دون ما ذكرتموه بدليل أنّ رجلاً جاء إلی النّبيّ صلی الله علیه و سلم وقال: علّمني عملاً أدخل به الجنّة، فقال: «لإن أقصرت في الخطبة لقد أعرضت في المسألة»...، ولنا: أنّ النّبيّ صلی الله علیه و سلم فسّر الذّكر بفعله فيجب الرّجوع إلی تفسيره قال جابر بن سمرة: كانت صلاة رسول الله صلی الله علیه و سلم قصداً وخطبته قصداً يقرأ آيات من القرآن ويذكر النّاس، وقال جابر: كان رسول الله صلی الله علیه و سلم يخطب النّاس يحمد الله ويثنّی عليه بما هو أهله ثمّ يقول: «من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له»، وقال ابن عمر: كان رسول الله صلی الله علیه و سلم يخطب قائماً ثمّ يجلس، ثمّ يقوم كما يفعلون اليوم، فأمّا التّسبيح والتّهليل فلا يسمی خطبة(1).وقال الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

الحنفية قالوا: الخطبة لها ركن واحد، وهو مطلق الذّكر الشّامل للقليل والكثير، فيكفي لتحقّق الخطبة المفروضة تحميدة أو تسبيحة أو تهليلة، نعم يكره تنزيهاً الاقتصار على ذلك، كما سيأتي في سنن الخطبة،

ص: 382


1- «المغني لابن قدامة» ج2/304 - 305.

والمشروط عندهم إنّما هو الخطبة الاُولى، وأمّا تكرارها فهو سنة كما يأتي في السّنن.

والشّافعية قالوا: أركان الخطبة خمسة؛ أحدها: حمد اللّه، ويشترط أن يكون من مادّة الحمد، وأن يكون مشتملاً على لفظ الجلالة، فلا يكفي أن يقول: أشكر اللّه، أو أثني عليه، أو الحمد للرحمن، أو نحو ذلك، وجاز له أن يقول: أحمد اللّه، أو إنّي حامد للّه، وهذا الرّكن لا بدّ منه في كلّ من الخطبتين الاُولى والثانية، ثانيها: الصلاة على النّبيّ صلی الله علیه و سلم في كلّ من الخطبتين، ولابدّ من لفظ الصّلاة، فلا يكفي رحم اللّه سيّدنا محمّداً صلی الله علیه و سلم، ولا يتعيّن لفظ محمّد، بل يكفي أن يذكر اسماً من أسمائه الظّاهرة، ولا يكفی الضّمير في ذلك، ولو مع تقدّم المرجع على المعتمد، ثالثها: الوصيّة بالتّقوى في كلّ من الخطبتين، ولو بغير لفظها، فيكفي نحو: وأطيعوا اللّه، ولا يكفي التّحذير من الدّنيا وغرورها في ذلك من غير حثّ على الطاعة، رابعها: قراءة آية من القرآن في إحداهما، وكونها في الاُولى أولى، ويشترط أن تكون آية كاملة أو بعضاً منها طويلاً، وأن تكون مفهمة معنى مقصوداً من وعد أو وعيد أو حكم أو قصة أو مثل أو خبر، أما نحو قوله تعالى: (ثُمَّ نَظَرَ) فلا يكفي في أداء ركن الخطبة، خامسها: الدّعاء للمؤمنين والمؤمنات في خصوص الثّانية، ويشترط أن يكون الدّعاء بأمر اُخروي، كالغفران إن حفظه، وإلّا كفى الدّعاء بالأمر الدّنيوي، وأن لا يخرج منه الحاضرين بأن يقصد غيرهم.

والمالكية قالوا: الخطبة لها ركن واحد، وهو أن تكون مشتملة على تحذير أو تبشير، ولا يشترط السّجع فيهما على الأصحّ فلو أتى بها نظماً أو نثراً صحّ وندب إعادتها إذا لم يصلّ، فإن صلّى فلا إعادة.

ص: 383

والحنابلة قالوا: أركان الخطبتين أربعة؛ الاُولى: الحمد للّه في أول كلّ منهما بهذا اللفظ، فلا يكفي أحمد اللّه مثلاً، الثاني: الصّلاة على رسول اللّه صلی الله علیه و سلم، ويتعيّن لفظ الصّلاة، الثالث: قراءة آية من كتاب اللّه تعالى، ويلزم أن تكون مستقلّة بمعنى أو حكم، فنحو قوله تعالى: (مُدْهامَّتانِ) لا يكفي في ذلك، الرابع: الوصية بتقوى اللّه تعالى، وأقلّها أن يقول: اتّقوا اللّه، أو نحو ذلك(1).

ثمّ إنّ العامّة كما أشرنا قالوا باستحباب الدّعاء للملك وسلطان المسلمين، بل لابنه وأبيه ونحو ذلك بالصّلاح والإعانة علی الحقّ والنّصر علی الأعداء، لما فعله أبو موسی الأشعري، حيث كان يدعو لعمر في خطبة صلاته ولم ينكر عليه أحدٌ من أصحاب النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم، ولأنّ سلطان المسلمين إذا صلح كان فيه صلاحهم، ففي الدّعاء له دعاء لهم؛ فذلك مستحب غير مكروه.

قال ابن قدامة:

يستحب أن يدعو للمؤمنين والمؤمنات، ولنفسه، والحاضرين، وأن دعا لسلطان المسلمين بالصلاح فحسنٌ، وقد روی ضبة بن محسن: أنّ أبا موسی كان إذا خطب فحمد الله وأثنی عليه، وصلّی علی النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم، يدعو لعمر وأبي بكر، وأنكر عليه ضبة البداية بعمر قبل الدّعاء لأبي بكر ورفع ذلك إلی عمر فقال لضبة: أنت أوثق منه وأرشد، وقال القاضي: لا يستحب ذلك لأنّ عطاء قال: هو محدثٌ، وقد ذكرنا فعل الصّحابة له،

ص: 384


1- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/390 - 391.

و هو مقدّم علی قول عطاء، ولأنّ سلطان المسلمين إذا صلح كان فيه صلاح لهم، ففي الدّعاء له دعاءٌ لهم، وذلك مستحب غير مكروه(1).

وكيف كان قد استدلّ الإمامية علی ذلك بروايات وببعض ما وردت من خطب أميرالمؤمنين علیه السلام، منها ما تلي:

1 - صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام في خُطْبَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ الْخُطْبَةُ الْاُولَى: «الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِي اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، انْتَجَبَهُ لِوَلَايَتِهِ، وَاخْتَصَّهُ بِرِسَالَتِهِ، وَأَكْرَمَهُ بِالنُّبُوَّةِ، أَمِيناً عَلَى غَيْبِهِ، وَرَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَعَلَيْهِمُ السَّلَامُ، اُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَاُخَوِّفُكُمْ مِنْ عِقَابِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُنْجِي مَنِ اتَّقَاهُ بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، وَيُكْرِمُ مَنْ خَافَهُ يَقِيهِمْ شَرَّ مَا خَافُوا، وَيُلَقِّيهِمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً، وَاُرَغِّبُكُمْ في كَرَامَةِ اللَّهِ الدَّائِمَةِ، وَاُخَوِّفُكُمْ عِقَابَهُ الّذي لَا انْقِطَاعَ لَهُ وَلَا نَجَاةَ لِمَنِ اسْتَوْجَبَهُ، فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الدُّنْيَا وَلَا تَرْكَنُوا إِلَيْهَا فَإِنَّهَا دَارُ غُرُورٍ، كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا وَعَلَى أَهْلِهَا الْفَنَاءَ، فَتَزَوَّدُوا مِنْهَا الّذي أَكْرَمَكُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ التَّقْوَى وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ إلّا مَا خَلَصَ مِنْهَا، وَلَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ إلّا مِنَ الْمُتَّقِينَ، وَقَدْ أَخْبَرَكُمُ اللَّهُ عَنْ مَنَازِلِ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً، وَعَنْ مَنَازِلِ مَنْ كَفَرَ وَعَمِلَ في غَيْرِ سَبِيلِهِ، وَقَالَ: (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ، وَما نُؤَخِّرُهُ إلّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ، يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إلّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌ وَسَعِيدٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌوَشَهِيقٌ، خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ

ص: 385


1- «المغني لابن قدامة» ج2/310، وراجع أيضاً : «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/394 - 396.

السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إلّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ، وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إلّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)(1)، نَسْأَلُ اللَّهَ الّذي جَمَعَنَا لِهَذَا الْجَمْعِ أَنْ يُبَارِكَ لَنَا في يَوْمِنَا هَذَا، وَأَنْ يَرْحَمَنَا جَمِيعاً إِنَّهُ عَلى كُلِّ شيء قَدِيرٌ، إِنَّ كِتَابَ اللَّهِ أَصْدَقُ الْحَدِيثِ وَأَحْسَنُ الْقِصَصِ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(2)، فَاسْمَعُوا طَاعَةَ اللَّهِ وَأَنْصِتُوا ابْتِغَاءَ رَحْمَتِهِ، ثُمَّ اقْرَأْ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ، وَادْعُ رَبَّكَ، وَصَلِّ عَلَى النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم ؛ وَادْعُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، ثُمَّ تَجْلِسُ قَدْرَ مَا تَمَكَّنُ هُنَيْهَةً، ثُمَّ تَقُومُ فَتَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنُؤْمِنُ بِهِ وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِي اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، وَجَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ بَشِيراً وَنَذِيراً، وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً، مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى، اُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ الّذي يَنْفَعُ بِطَاعَتِهِ مَنْ أَطَاعَهُ، وَالّذي يَضُرُّ بِمَعْصِيَتِهِ مَنْ عَصَاهُ، الّذي إِلَيْهِ مَعَادُكُمْ وَعَلَيْهِ حِسَابُكُمْ، فَإِنَّ التَّقْوَى وَصِيَّةُ اللَّهِ فِيكُمْ وَفِي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وَمَا في الْأَرْضِ

ص: 386


1- «هود» من آية 103 إلى 108/233. والزفير أوّل نهيق الحمار وشبهه، والشهيق آخره فالزفير من الصدر والشهيق من الحلق، وغَيْرَ مَجْذُوذٍ أي غير مقطوع يقال: جذذت وجددت أي قطعت.
2- «الأعراف» : 203/176.

وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً)(1)، انْتَفِعُوا بِمَوْعِظَةِ اللَّهِ وَالْزَمُوا كِتَابَهُ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ الْمَوْعِظَةِ، وَخَيْرُ الْاُمور في الْمَعَادِ عَاقِبَةً، وَلَقَدِ اتَّخَذَ اللَّهُ الْحُجَّةَ فَلَا يَهْلِكُ مَنْ هَلَكَ إلّا عَنْ بَيِّنَةٍ وَلَا يَحْيَى مَنْ حَيَّ إلّا عَنْ بَيِّنَةٍ، وَقَدْ بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم الّذي اُرْسِلَ بِهِ فَالْزَمُوا وَصِيَّتَهُ، وَمَا تَرَكَ فِيكُمْ مِنْ بَعْدِهِ مِنَ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابِ اللَّهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ اللَّذَيْنِ لَا يَضِلُّ مَنْ تَمَسَّكَ بِهِمَا، وَلَا يَهْتَدِي مَنْ تَرَكَهُمَا، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ وَرَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ تَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَوَصِيِّ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ تُسَمِّي الْأَئِمَّةَ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى صَاحِبِكَ، ثُمَّ تَقُولُ: افْتَحْ لَهُ فَتْحاً يَسِيراً، وَانْصُرْهُ نَصْراً عَزِيزاً، اللَّهُمَّ أَظْهِرْ بِهِ دِينَكَ وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ حَتَّى لَا يَسْتَخْفِيَ بِشيء مِنَ الْحَقِّ مَخَافَةَ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَرْغَبُ إِلَيْكَ في دَوْلَةٍ كَرِيمَةٍ تُعِزُّ بِهَا الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، وَتُذِلُّ بِهَا النِّفَاقَ وَأَهْلَهُ، وَتَجْعَلُنَا فِيهَا مِنَ الدُّعَاةِ إِلَى طَاعَتِكَ، وَالْقَادَةِ في سَبِيلِكَ، وَتَرْزُقُنَا بِهَا كَرَامَةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ مَا حَمَّلْتَنَا مِنَ الْحَقِّ فَعَرِّفْنَاهُ، وَمَا قَصُرْنَا عَنْهُ فَعَلِّمْنَاهُ، ثُمَّ يَدْعُو اللَّهَ عَلَى عَدُوِّهِ وَيَسْأَلُ لِنَفْسِهِ وَأَصْحَابِهِ، ثُمَّ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فَيَسْأَلُونَ اللَّهَ حَوَائِجَهُمْ كُلَّهَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لَنَا، وَيَكُونُ آخِرَ كَلَامِهِ أَنْ يَقُولَ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(2)، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ تَذَكَّرَ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى، ثُمَّ يَنْزِلُ»(3).

2 - موثّقة سماعة قال: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «ينبغي لِلْإِمَامِ الّذي يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْ يَلْبَسَ عِمَامَةً في الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَيَتَرَدَّى بِبُرْدٍ يَمَنِيٍّ أَوْ عَدَنِيٍّ

ص: 387


1- «النساء»: 130/99.
2- «النحل»: 90/277.
3- «الكافي» ج3/422 - 424 الحديث 6.

وَيَخْطُبُ وهُو قَائِمٌ يَحْمَدُ اللَّهَ ويُثْنِي عَلَيْهِ، ثُمَّ يُوصِي بِتَقْوَى اللَّهِ، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ صَغِيرَةً، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَحْمَدُ اللَّهَ ويُثْنِي عَلَيْهِ ويُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله و سلم وعَلَى أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، ويَسْتَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ هَذَا أَقَامَ الْمُؤَذِّنُ فَصَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ في الْاُولَى بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةِ الْمُنَافِقِينَ»(1).

3 - موثقة الْفَضْلِ بنِ شاذان عن الإمام الرّضا علیه السلام أَنّهُ قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَتِ الْخُطْبَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ مَشْهَدٌ عَامٌّ فَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ لِلْأَمِيرِ سَبَبٌ إِلَى مَوْعِظَتِهِمْ وتَرْغِيبِهِمْ في الطَّاعَةِ وتَرْهِيبِهِمْ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، وتَوْقِيفِهِمْ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ مَصْلَحَةِ دِينِهِمْ ودُنْيَاهُمْ، ويُخْبِرُهُمْ بِمَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْآفَاقِ مِنَ الْأَهْوَالِ الّتي لَهُمْ فِيهَا الْمَضَرَّةُ والْمَنْفَعَةُ، ولَا يَكُونُ الصَّابِرُ في الصَّلَاةِ مُنْفَصِلاً ولَيْسَ بِفَاعِلٍ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَؤُمُّ النَّاسَ في غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وإِنَّمَا جُعِلَتْ خُطْبَتَيْنِ لِيَكُونَ وَاحِدَةٌ لِلثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ والتَّمْجِيدِ والتَّقْدِيسِ لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ، والْاُخری لِلْحَوَائِجِ والْإِعْذَارِ والْإِنْذَارِ والدُّعَاءِ ولِمَا يُرِيدُ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ مِنْ أَمْرِهِ ونَهْيِهِ مَا فِيهِ الصَّلَاحُ والْفَسَادُ»(2).

ص: 388


1- «الكافي» ج3/421 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج7/342 الحديث 9529.
2- «وسائل الشيعة» ج7/344 الحديث 9533.

الثاني والعشرون: هل تشترط العربيّة في الخطبة؟

المشهور بين فقهائنا (رحمة الله عليهم) اشتراط كون الخطبتين في الجمعة بالعربيّة، وفي «الحدائق» و«الجواهر» حكايةً عن «المدارك»: منع أكثر الأصحاب من إجزاء الخطبة بغير العربيّة للتأسّي، واحتماله سقوط الجمعة لو لم يفهم العدد المعتبر في وجوب الجمعة العربية، ولم يمكن تعليمهم(1).

أمّا العامّة فعلی ما حكاه الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة» ذهب الحنفية منهم إلی عدم لزومها وإن كانوا المصلّون كلّهم أعراباً، والحنابلة إلی لزومها إن كان الإمام قادراً علی العربيّة سواء كان المصلّون أعراباً أم لا، والشّافعية إلی لزومها في خصوص أركان الخطبة لو كان المصلّون أعراباً والإمام قادراً عليها وإلّا لم تجب، والمالكيّة إلی لزومها مطلقاً بحيث لو لم يوجد من

المصلّين من أدّی الخطبة بالعربيّة سقطت عنهم الجمعة(2).

قال زين الدّين عليّ الجبعي العاملي الملقّب بالشّهيد الثاني رحمه الله في «الرّوضة»:

ويجب فيهما - الخطبتين - النيّة والعربيّة، والتّرتيب بين الأجزاء كما ذُكر...،(3).

وقال المحدث البحراني رحمه الله صاحب «الحدائق»:

المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّه عليهم) المنع من الخطبة بغير العربية للتأسّي، قال في المدارك، وهو حسن، أقول: قد عرفت أنّ

ص: 389


1- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج10/94، «جواهر الكلام» ج11/216.
2- «الفقه علی امذاهب الأربعة» ج1/391 - 392.
3- «الرّوضة البهيّة في شرح اللمعة الدّمشقيّة» ج1/121.

التأسّي لا يصلح لأن يكون دليلاً لحرمة ولا وجوب،كما صرّح به هو وغيره من المحققين، ولكنه في أمثال هذه المواضع يستسلّقه وهو غير جيد، نعم يمكن أن يقال إنّ يقين البراءة موقوف على ذلك، وإنّها عبادة والعبادات توقيفية يتبع فيها ما رسمه صاحب الشّريعة، وهذا هو الّذي جاء عنهم علیهم السلام ، ولو لم يفهم العدد العربيّة ولا أمكن التعلّم قيل: تجب العجمية لأنّ مقصود الخطبة لا يتمّ بدون فهم معانيها، واحتمل في المدارك سقوط الجمعة لعدم ثبوت مشروعيّتها على هذا الوجه، أقول: والأقرب وجوب العربيّة في الصّورة المذكورة، والتعليل بأنّ المقصود من الخطبة فهم العدد لمعانيها مع تسليم وروده لا يقتضي كونه كلياً فإنّ علل الشّرع ليست عللاً حقيقة يدور المعلول مدارها وجوداً وعدماً وإنّما هي معرفات وتقريبات إلى الأذهان كما لا يخفى على من راجع كتاب العلل وما اشتملت عليه أخباره من العلل، على أنّ البلدان الّتي فتحت من العجم والرّوم ونحوهما وعُيّنت فيها الأئمة للجمعات والجماعات لم ينقل أنّهم كانوا يترجمون لهم الخطب ولو وقع لنقل ومنه زمان خلافة أمير المؤمنين علیه السلام، وكيف كان فالأحوط الخطبة بالعربيّة وترجمة بعض الموارد الّتي يتوقف عليها المقصود من الخطبة(1).

وقال النراقي رحمه الله في «مستنده»:

الظاهر عدم وجوب العربيّة في الخطبتين كما عن المسالك؛ للأصل، ويؤيّده انتفاء الفائدة الّتي هي علة التّشريع لو لم يفهمها العدد، ولو

ص: 390


1- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج10/94 - 95.

ضمّ خطبة - يفهمها السّامعون بأيّ لغة كانت - مع العربيّة، كان أولى وأحوط(1).

وقال الإمام الراحل قدس سره:

الأحوط إتيان الحمد والصّلاة في الخطبة بالعربي وإن كان الخطيب

والمستمع غير عربي، وأمّا الوعظ والإيصاء بتقوى اللّه تعالى فالأقوى جوازه بغيره، بل الأحوط أن يكون الوعظ ونحوه من ذكر مصالح المسلمين بلغة المستمعين، وإن كانوا مختلطين يجمع بين اللغات، نعم لو كان العدد أكثر من النّصاب جاز الاكتفاء بلغة النّصاب، لكن الأحوط أن يعظهم بلغتهم(2).

وقال الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

يشترط لخطبتي الجمعة اُمور:...، ثالثها: أن تكونا بالعربيّة على تفصيل في المذاهب، الحنفية قالوا: تجوز الخطبة بغير العربيّة ولو لقادر عليها، سواء كان القوم عرباً أو غيرهم، والحنابلة قالوا: لا تصحّ الخطبة بغير العربيّة إن كان قادراً عليها، فإن عجز عن الإتيان بها أتى بغيرها ممّا يحسنه، سواء كان القوم عرباً أو غيرهم، لكنّ الآية الّتي هي ركن من أركان الخطبتين لا يجوز له أن ينطق بها بغير العربيّة، فيأتي بدلها بأيّ ذكر شاء بالعربيّة، فإن عجز سكت بقدر قراءة الآية، والشّافعية قالوا: يشترط أن تكون أركان الخطبتين باللغة العربيّة، فلا يكفي غير العربيّة متى أمكن تعلّمها، فإن لم يمكن خطب بغيرها، هذا إذا كان القوم عرباً، أمّا إن كانوا عجماً فإنّه لا يشترط أداء أركانهما بالعربيّة مطلقاً، ولو أمكنه

ص: 391


1- «مستند الشيعة» ج6/69.
2- «تحرير الوسيلة» ج1/234، المسألة 8 من مسائل «القول فی شرائط صلاة الجمعة».

تعلّمها ما عدا الآية، فإنّه لابدّ أن ينطق بها بالعربيّة، إلّا إذا عجز عن ذلك، فإنّه يأتي بدلها بذكر أو دعاء عربي، فإن عجز عن هذا أيضاً فعليه أن يقف بقدر قراءة الآية، ولا يترجم، وأمّا غير أركان الخطبة فلا يشترط لها العربيّة بل ذلك سنة، والمالكية قالوا: يشترط في الخطبة أن تكون باللغة العربيّة، ولو كان القوم عجماً لا يعرفونها فإن لم يوجد فيهم من يحسن اللغة العربيّة بحيث يؤدي الخطبة بها سقطت عنهم الجمعة(1).

أقول: هذه حكم المسألة في منظر الأقوال، أمّا حكمها بحسب الأدلة والنّصوص فبما أنّه لم يرد في خصوص المقام ما يدلّ بالصّراحة علی أحد الاحتمالين فيها إلّا عمومات ما دلّت علی اشتراط الجمعة بالخطبة والجماعة ووجوبها علی كلّ أحد إلّا الطوائف الخمسة أو السّبعة وإن كانوا من أهل القری والسّواد ، أو بَعُدوا عن الجمعة بأقلّ من فرسخين، وأنّ علی الإمام أن يكون قائماً وقت إيراد الخطبة، وأن يعتمد علی شيء من قوس أو عصا أو سلاح، وأن يذكر ضمن خطبته ما هو من مصالح المسلمين في دينهم ودنياهم، ووصّی نفسه وإيّاهم بتقوی الله، وأن يخبرهم بما يجري في بلاد المسلمين وغيرها من الأحوال والأهوال الّتي لهم فيها المضرّة أو المنفعة، وما يحتاج إليه المسلمون في حياتهم ومعادهم وسائر المسائل السياسيّة والاقتصاديّة، وكذا ما دلّت علی وجوب استماع الخطبتين(2)، فالّتي نستفيد منها أنّ من حِكمِ إيراد الخطبة هو

ص: 392


1- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/391 - 392 .
2- راجع: «وسائل الشيعة» ج7، قسم صلاة الجمعة وآدابها، أبواب 1 و3 و4 و5 و6 و14 و16 و 18 و 19 و 21 و 24 و 25 و 27 و 31 من هذه الأبواب. منها: موثقة الْفَضْل بْنِ شَاذَانَ عَنِ الرِّضَا علیه السلام قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَتِ الْخُطْبَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ مَشْهَدٌ عَامٌّ فَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ لِلْأَمِيرِ سَبَبٌ إِلَى مَوْعِظَتِهِمْ وَتَرْغِيبِهِمْ فِي الطَّاعَةِ وَتَرْهِيبِهِمْ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، وَتَوْقِيفِهِمْ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ مَصْلَحَةِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَيُخْبِرُهُمْ بِمَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ مِنَ (الآفَاقِ مِنَ) الْأَهْوَالِ الَّتِي لَهُمْ فِيهَا الْمَضَرَّةُ وَالْمَنْفَعَةُ، وَلَا يَكُونُ الصَّابِرُ فِی الصَّلَاةِ مُنْفَصِلًا، وَلَيْسَ بِفَاعِلٍ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَؤُمُّ النَّاسَ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ خُطْبَتَيْنِ لِيَكُونَ وَاحِدَةٌ لِلثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَالتَّمْجِيدِ وَالتَّقْدِيسِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْأُخْرَى لِلْحَوَائِجِ وَالْإِعْذَارِ وَالْإِنْذَارِ وَالدُّعَاءِ، وَلِمَا يُرِيدُ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ مَا فِيهِ الصَّلَاحُ وَالْفَسَادُ». «وسائل الشيعة» ج7/344 الحديث 9533.

تفهيم الإمام تلك الأهداف الرّاقية إلی مخاطبيه، وهي لا يحصل إلّا إذا تكلّم بلسان قومه، قد قال الله تبارك وتعالی في مقام بيان حكمة إرسال الرسل: (وَمَا أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إلّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ)(1)، فصرّح بأنّ من حِكمِ إرسالهم هو تبيين الأحكام الإلهي وتبشير النّاس وإنذارهم، وهي لا تحصل إلّا إذا يتكلّمون بلسان أقوامهم.

وأمّا ما يقال من لزوم كون الخطبة بالعربي للتأسّي بخطب أميرالمؤمنين علیه السلام، ففيه أنّه مجرّد فعل المعصوم علیه السلام وهو كما مرّ غير مرّة لا يصلح لأن يكون دليلاً علی حرمة شيء أو وجوبه، مع أنّه لا يثبت منه أكثر من أنّه علیه السلام قد كلّم بلسان قومه الّذي هو العربيّة، ولا أقلّ من الشك والأخذ بالبراءة لكون المقام من القبيل الشك في الأجزاء والشرائط.

نعم الأحوط كما قاله الإمام الراحل قدس سره إتيان الحمد والصّلاة ، وكذا قراءة السّورة الصغيرة في الخطبة بالعربي وإن كان الخطيب والمستمعون غير عربي.

ص: 393


1- «إبراهيم»: 4/255.

الثالث والعشرون: استحاب تقصير الخطبة.

ينبغي للإمام الخطيب بل أفتی الفريقان بأنّه يستحب له رعاية كون خُطبه بين إيجاز مخلّ وتطويل مملّ، وأن تكون علی سياق حسن وترتيب مستحسن، لتكون أجذب لميل النّاس إلی الجمعة والجمعات، قد اشتهر في الألسنة «خير الكلام ما قلّ ودلّ»، لا سيّما لو كانت إطالتها سبباً لغلبة النّوم علی بعض المصلّين، أو صعوبة بقاء بعض كالمرضی وكبّار السنّ علی الطهارة في تلك المدّة الطويلة، إلی غير ذلك من الوجوه الّتي توجب رغبة جمع معتدّ به من المصلّين عنها، خصوصاً بعد ما تقدّم في المسألة السادسة عشر مسألة حرمة أو كراهة الكلام حين الخطبة وصعوبة مراعاتها لكثير الأشخاص في هذه المدّة، فعلی الإمام رعاية أضعف المستمعين المصلّين لأنّه بخُطبه حبسهم للصّلاة كما أشارت إليه موثقة الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنِ الرِّضَا علیه السلام قَالَ: «إِنَّمَا صَارَتْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ إِذَا كَانَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَإِذَا كَانَ بِغَيْرِ إِمَامٍ رَكْعَتَيْنِ وَرَكْعَتَيْنِ، لِأَنَّ النَّاسَ يَتَخَطَّوْنَ إِلَى الْجُمُعَةِ مِنْ بُعْدٍ، فَأَحَبَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُمْ لِمَوْضِعِ التَّعَبِ الّذي صَارُوا إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ يَحْبِسُهُمْ لِلْخُطْبَةِ وَهُمْ مُنْتَظِرُونَ لِلصَّلَاةِ، وَمَنِ انْتَظَرَ الصَّلَاةَ فَهُوَ في الصَّلَاةِ في حُكْمِ التَّمَامِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ أَتَمُّ وَأَكْمَلُ لِعِلْمِهِ وَفِقْهِهِ وَفَضْلِهِ وَعَدْلِهِ، وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ عِيدٌ وَصَلَاةُ الْعِيدِ رَكْعَتَانِ وَلَمْ تُقْصَرْ لِمَكَانِ الْخُطْبَتَيْنِ»(1).

ص: 394


1- «عيون أخبار الرضا علیه سلام» ج2/111 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج7/312 الحديث 9440.

هذا فيما لو كان الوقت باقياً وإلّا وجب التقصير(1)، قال الشّهيد رحمه الله في «الذّكری»:

ويستحب تقصير الخطبة، لما روی في الصّحاح أنّ عماراً خطب فأوجز وأبلغ، فلمّا نزل قلنا: يا أبا اليقظان قد أبلغت وأوجزت! فلو كنت تنفست، فقال: إنيی سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم يقول: «إنّ طول صلاة الرّجل وقصر خطبته مئنّة(2) من فقهه، فأطيلوا الصّلاة وأقصروا الخطبة»(3).

وقال النراقي رحمه الله في «مستنده»:

يستحبّ أن يكون الخطيب بليغاً جامعاً بين الفصاحة - الّتي هي خلوص الكلام عن ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد، وعن كونها غريبة وحشية - وبين القدرة على تأليف الكلام المطابق لمقتضى الحال من الزّمان والمكان والحاضرين، مع الاحتراز عن الإيجاز المخلّ، والتطويل المملّ؛ ليكون كلامه أوقع في القلوب، وبه يحصل من الخطبة المطلوب(4).

وقال ابن قدامة الحنبلي:

ص: 395


1- قال الإمام الراحل قدس سره: لا يجوز إطالة الخطبة بمقدار يفوت وقت الجمعة إذا كان الوجوب تعيينياً، فلو فعل أثم ووجبت صلاة الظهر كما تجب الظهر فی الفرض على التخيير أيضاً، وليس للجمعة قضاء بفوات وقتها. «تحرير الوسيلة» ج1 . 238 المسألة 2 من مسائل «القول في وقتها».
2- قال ابن منظور المصري: المَئِنَّةُ: العَلامة. راجع: «لسان العرب» ج13/395.
3- «ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة» ج 4/148.
4- «مستند الشيعة» ج6/88.

ويستحب تقصير الخطبة لما روی عمّار قال: إنّي سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول: «إنّ طول صلاة الرّجل وقصر خطبته مَئِنَّةٌ من فقه فأطيلوا الصّلاة وأقصروا الخطبة»، وقال جابر بن سمرة: كنت اُصلّي مع النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وكانت صلاته قصداً وخطبته قصداً، روی هذه الأحاديث كلّها مسلم، وعن جابر بن سمرة قال: كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لا يطيل الموعظة يوم الجمعة إنّما هي كلمات يسيرات، رواه أبو داود(1).

يمكن أن نستدلّ علی ذلك بما دلّ علی استحباب تخفيف الإمام صلاته إذا كان معه من يضعف عن الإطالة، بتقريب عدّ الخطبة منها(2)، أو لتنقيح المناط القطعي العرفي بأنّ مناط الحكم فيهما واحد، منها:

1 - صحيحة عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ سِنَانٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَخَفَّفَ الصَّلَاةَ في الرَّكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لَهُ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ حَدَثَ في الصَّلَاةِ شيء؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: خَفَّفْتَ في الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُمْ: أَ وَ مَا سَمِعْتُمْ صُرَاخَ الصَّبِيِّ؟!»(3).

2 - ما رواها أحمد بن محمّد بن الخالد البرقي صحيحاً في «محاسنه» عن الْحَلَبِيِّ وَأبي بَصِيرٍ جَمِيعاً عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «تَخْفِيفُ الْفَرِيضَةِ وَتَطْوِيلُ النَّافِلَةِ مِنَ الْعِبَادَةِ»(4)، فقال الشيخ الحرّ العاملي رحمه الله بعد نقله الحديث:

ص: 396


1- «المغني لابن قدامة» ج2/308 - 309.
2- أقول: فيه أشارة إلی قوله علیه السلام في مرفوعة الصدوق رحمه الله : «فَهُمَا صَلَاةٌ حَتَّى يَنْزِلَ الْإِمَام». راجع: «من لا يحضره الفقيه» ج1/269 الحديث 1228، «وسائل الشيعة» ج7/331 الحديث 9502.
3- «التهذيب» ج3/274 الحديث 796، «وسائل الشيعة» ج8/419 الحديث 11062.
4- «المحاسن» ج2/324 الحديث 65، «وسائل الشيعة» ج4/36 الحديث 4449.

هذا محمول علی إمام الجماعة مع عدم احتمال من خلفه للإطالة، أو علی استحباب إطالة النوافل أكثر من الفرائض،....

3 - مرفوعة مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الرَّضِيُّ في «نهج البلاغة» عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام في عَهْدِهِ إِلَى مَالِكٍ الْأَشْتَرِ قَالَ: «وَوَفِّ مَا تَقَرَّبْتَ بِهِ إِلَى اللَّهِ كَامِلاً غَيْرَ مَثْلُومٍ وَلَا مَنْقُوصٍ بَالِغاً مِنْ بَدَنِكَ مَا بَلَغَ، وَإِذَا قُمْتَ في صَلَاتِكَ بِالنَّاسِ فَلَا تَكُونَنَّ مُنَفِّراً وَلَا مُضَيِّعاً، فَإِنَّ في النَّاسِ مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ وَلَهُ الْحَاجَةُ، فَإِنِّي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى الْيَمَنِ كَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ؟ فَقَالَ: صَلِّ بِهِمْ صَلَاةَ أَضْعَفِهِمْ وَكُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً»(1).

4 - ما رواه أبوهريرة عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم في حَدِيث قَالَ: «مَنْ أَمَّ قَوْماً فَلَمْ يَقْتَصِدْ بِهِمْ في حُضُورِهِ وَقِرَاءَتِهِ وَرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَقُعُودِهِ وَيَامِهِ رُدَّتْ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ وَلَمْ تُجَاوِزْ تَرَاقِيَهُ، وَكَانَتْ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةَ أَمِيرٍ جَائِرٍ مُتَعَدٍّ لَمْ يَصْلُحْ لِرَعِيَّتِهِ وَلَمْ يَقُمْ فِيهِمْ بِأَمْرِ اللَّهِ، فَقَامَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أبي طَالِبٍ علیه السلام فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأبي أَنْتَ وَاُمِّي وَمَا مَنْزِلَةُ أَمِيرٍ جَائِرٍ مُتَعَدٍّ لَمْ يَصْلُحْ لِرَعِيَّتِهِ وَلَمْ يَقُمْ فِيهِمْ بِأَمْرِ اللَّهِ؟ قَالَ: هُوَ رَابِعُ أَرْبَعَةٍ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِبْلِيسَ، وَفِرْعَوْنَ، وَقَاتِلِ النَّفْسِ، وَرَابِعُهُمْ سُلْطَانٌ جَائِرٌ»(2).

وقد ورد من طريق العامّة لخصوص المقام أيضاً بعض الأخبار منها:

ص: 397


1- «نهج البلاغة»، كتاب الرقم 53، «وسائل الشيعة» ج8/421 الحديث 11069.
2- «ثواب الأعمال وعقاب الأعمال» 287، «وسائل الشيعة» ج8/420 الحديث 11067.

5 - ما روی ابن مسعود عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «إنَّ قِصَرَ الْخُطْبَةِ وَطُولَ الصَّلاةِ مَئِنَّةٌ عَنْ فِقْهِ الرَّجُلِ، فَأطِيلُوا الصَّلاةَ وَأَقْصِرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْراً وَإنَّه سَيأتِي بَعْدَكُمْ أَقْوَامٌ يُطِيلُونَ الْخُطَبَ وَ يُقْصِرُونَ الصَّلاةَ»(1).

6 - ما رواه جابر بن سمرة السّوائي قال: كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لا يطيل الموعظة يوم الجمعة، إنّما هي كلمات يسيرات(2).

7 - ما رواه جابر أيضاً: كانت صلاة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قصداً، وخطبته قصداً(3).

الرابع والعشرون: التّرتيب بين أجزاء الواجب للخطبة.

هل يجب التّرتيب بين أجزاء الواجب من الخطبة، وذلك بتقديم الحمد ثمّ الصّلاة على النّبيّصلّ الله علیه وآله وعلیهم السلام ثمّ الوعظ ثمّ قراءة سورة من القرآن؟ أو أنّ إمام الجمعة مخيّرٌ في ذلك كيف ما شاء؟ المشهور كونه واجباً تحصيلاً للفراغ اليقيني، والظاهر أنّه كذلك عند الشّافعية والحنابلة من العامّة.

قال الشّيخ محمّد حسن النجفي رحمه الله في «الجواهر»:

وأمّا ترتيب أجزاء الخطبة بتقديم الحمد ثمّ الصّلاة ثمّ الوعظ ثمّ القرآن، ففي «الذّكرى» وغيرها وجوبه، بل عن بعضهم نسبته إلى المشهور؛ فلو خالف أعاد على ما يحصل معه التّرتيب، ولا ريب في أنّه أحوط، بل قد يستفاد بعضه من موثّق سماعة وغيره، لكن في «المدارك» وعن «الرّوض» أنّ في تعيينه نظراً، وعن «المنتهى» عدّه من المستحبات،

ص: 398


1- «كنز العمال» ج7/748 الخبر 21223.
2- «سنن أبي داود» ج1/289 الخبر 1106.
3- «كنز العمال» ج8/374 الخبر 23325.

وأنّه قال: فلو عكس ففي الإجزاء نظرٌ، أقربه الثّبوت، قلت: هو لا يخلو من قوّة في البعض، بل من وجه في الجميع(1).

وقال الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

الحنفية قالوا: الخطبة لها ركن واحد، وهو مطلق الذّكر الشامل للقليل والكثير، فيكفي لتحقق الخطبة المفروضة تحميدة أو تسبيحة أو تهليلة، نعم يكره تنزيهاً الاقتصار على ذلك، كما سيأتي في سنن الخطبة، والمشروط عندهم إنّما هو الخطبة الاُولى، وأمّا تكرارها فهو سنة كما يأتي في السّنن.

والشّافعية قالوا: أركان الخطبة خمسة؛ أحدها: حمد اللّه، ويشترط أن يكون من مادة الحمد، وأن يكون مشتملاً على لفظ الجلالة، فلا يكفي أن يقول: أشكر اللّه، أو أثنی عليه، أو الحمد للرحمن، أو نحو ذلك، وجاز له أن يقول: أحمد اللّه، أو إنّي حامد للّه، وهذا الرّكن لا بدّ منه في كل من الخطبتين الاُولى والثانية، ثانيها: الصّلاة على النّبيّ صلی الله علیه و سلم في كلّ من الخطبتين، ولابدّ من لفظ الصّلاة، فلا يكفي: رحم اللّه سيّدنا محمّداً صلی الله علیه و سلم، ولا يتعين لفظ محمّد، بل يكفي أن يذكر اسماً من أسمائه الطاهرة، ولا يكفي الضمير في ذلك، ولو مع تقدّم المرجع على المعتمد، ثالثها: الوصيّة بالتقوى في كلّ من الخطبتين، ولو بغير لفظها، فيكفي نحو: وأطيعوا اللّه، ولا يكفي التّحذير من الدّنيا وغرورها في ذلك من غير حثّ على الطّاعة، رابعها: قراءة آية من القرآن في إحداهما، وكونها في الأولى أولى، ويشترط أن تكون آية كاملة أو بعضاً منها طويلاً، وأن تكون مفهمة معنى مقصوداً من وعد أو وعيد أو حكم

ص: 399


1- «جواهر الكلام» ج11/217.

أو قصة أو مثل أو خبر، أمّا نحو قوله تعالى: (ثُمَّ نَظَرَ) فلا يكفي في أداء ركن الخطبة، خامسها: الدّعاء للمؤمنين والمؤمنات في خصوص الثانية، ويشترط أن يكون الدّعاء بأمر اُخروي، كالغفران إن حفظه، وإلّا كفى الدّعاء بالأمر الدّنيوي، وأن لا يخرج منه الحاضرين بأن يقصد غيرهم.

والمالكية قالوا: الخطبة لها ركن واحد، وهو أن تكون مشتملة على تحذير أو تبشير، ولا يشترط السّجع فيهما على الأصحّ، فلو أتى بها نظماً أو نثراً صحّ و ندب إعادتها إذا لم يصلّ، فإن صلّى فلا إعادة.

والحنابلة قالوا: أركان الخطبتين أربعة: الاُولى: الحمد للّه في أول كلّ منهما بهذا اللفظ، فلا يكفي أحمد اللّه مثلاً، الثاني: الصّلاة على رسول اللّه صلی الله علیه و سلم، ويتعين لفظ الصّلاة، الثّالث: قراءة آية من كتاب اللّه تعالى، ويلزم أن تكون مستقلّة بمعنى أو حكم، فنحو قوله تعالى: (مُدْهامَّتانِ) لا يكفي في ذلك، الرابع: الوصية بتقوى اللّه تعالى، وأقلّها أن يقول: اتّقوا اللّه، أو نحو ذلك(1).

أقول: مستند المسألة هو رجوعها إلی المبحث الاُصولي (دوران الأمر بين التّعيين والتّخيير)، وحيث إنّ مختارنا في الاُصول في المسألة هو وجوب التّعيين، لذا نقول به في المقام، لا سيّما بملاحظة دلالة كلمة (ثمّ) الواردة في بعض الرّوايات الّتي يتبادر منها التّرتيب، منها موثّقة سماعة حيث روي عن أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «يَخْطُبُ يَعْنِي إِمَامَ الْجُمُعَةِ وهُو قَائِمٌ يَحْمَدُ اللَّهَ ويُثْني عَلَيْهِ، ثُمَّ يُوصِي بِتَقْوَى اللَّهِ، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ صَغِيرَةً، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَحْمَدُ اللَّهَ ويُثْنِي عَلَيْهِ ويُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله و سلم وعَلَى أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، ويَسْتَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ،

ص: 400


1- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/390 - 391.

فَإِذَا فَرَغَ مِنْ هَذَا أَقَامَ الْمُؤَذِّنُ فَصَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ في الْاُولَى بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ، وفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةِ الْمُنَافِقِينَ»(1).

الخامس والعشرون: كيفيّة صلاة الجمعة.

صلاة الجمعة ركعتان، وكيفيّتها كصلاة الصّبح، والأقوی فيها كما سيأتي وجوب الجهر بالقراءة، واستحباب قراءة سورة الجمعة في الاُولی والمنافقين في الثانية؛ وفيها قنوتان، أحدهما قبل الركوع في الرّكعة الاُولی، والآخر بعد الرّكوع في الركعة الثّانية.

قال الشّيخ الطوسي رحمه الله في «الخلاف»:

صلاة الجمعة فيها قنوتان، أحدهما في الرّكعة الاُولی قبل الرّكوع،

وفي الثّانية بعد الرّكوع، وخالف جميع الفقهاء في ذلك، دليلنا: إجماع الفرقة(2).

وقال المحقّق النراقي رحمه الله في «مستنده»:

اعلم أنّ صلاة الجمعة كصلاة الصّبح كميّة وكيفيّة، بالإجماع والنّصوص، إلّا أنّه لا يجب فيها الجهر بالقراءة، كما لا يجب الإخفات أيضاً؛ للأصل السّالم عمّا يصلح للمعارضة...، المشهور كما صرّح به غير واحد أنّ في الجمعة قنوتين، أحدهما في الاُولى قبل الرّكوع، والثاني في الثانية بعده، وعن الخلاف الإجماع عليه(3).

ص: 401


1- «الكافي» ج3/421 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج7/342 الحديث 9529.
2- «كتاب الخلاف» ج1/631 المسألة 405.
3- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج 6/117، المسألتي الاُولی والثانية من مسائل كيفية صلاة الجمعة.

وقال الإمام الراحل قدس سره:

صلاة الجمعة ركعتان، وكيفيّتها كصلاة الصّبح، ويستحب فيها الجهر بالقراءة، وقراءة الجمعة في الاُولى والمنافقين في الثانية، وفيها قنوتان أحدهما قبل ركوع الرّكعة الاُولى وثانيهما بعد ركوع الثانية، وقد مرّ بعض الأحكام الرّاجعة إليها في مباحث القراءة وغيرها، ثمّ إنّ أحكامها في الشّرائط والموانع والقواطع والخلل والشك والسّهو وغيرها ما تقدّمت في كتاب الطّهارة والصّلاة(1).

وقال ابن رشد القرطبي في «بداية المجتهد»:

اتّفق المسلمون علی أنّها (أي الأركان) خطبة وركعتان بعد الخطبة، (إلی أن قال:) أكثر الفقهاء علی أنّ من السنّة القراءة في صلاة الجمعة قراءة سورة الجمعة في الرّكعة الاُولی لما تكرّر ذلك من فعله عليه الصّلاة والسّلام...، وفي الثانية ب- (إذَا جَاءَك المُنَافِقُون)...، وقال القاضي: خرّج مسلم عن النعمان بن بشير: أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كان يقرأ في العيدين وفي الجمعة ب- (سَبِّحِ اسمَ رَبِّك الأعلیَ) و(هَل أتَاك حَدِيثُ الغَاشِية)، قال: فإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد قرأ بهما في الصّلاتين، وهذا يدلّ علی أنّه ليس هناك سورة راتبة، وأنّ الجمعة ليس كان يقرأ بها دائماً(2).

قد استدلّ الإمامية علی ذلك زيادة علی الإجماع المدّعی في «الخلاف» وغيره ببعض الأخبار، منها ما تلي:

ص: 402


1- «تحرير الوسيلة» ج1/240، الخامس من فروع صلاة الجمعة.
2- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج1/456 - 466.

صحيحة زرارة بن أعين عن الإمام الباقر علیه السلام حَيثُ قالَ: «إِنَّمَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ عَلَى النَّاسِ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ خَمْساً وثَلَاثِينَ صَلَاةً مِنْهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فَرَضَهَا اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ في جَمَاعَةٍ وهي الْجُمُعَةُ، ووَضَعَهَا عَنْ تِسْعَةٍ: عَنِ الصَّغِيرِ، والْكَبِيرِ، والْمَجْنُونِ، والْمُسَافِر، والْعَبْدِ، والْمَرْأَةِ، والْمَرِيضِ، والْأَعْمَى، ومَنْ كَانَ عَلَى رَأْسِ فَرْسَخَيْنِ، والْقِرَاءَةُ فِيهَا بِالْجَهْرِ، والْغُسْلُ فِيهَا وَاجِبٌ، وعَلَى الْإِمَامِ فِيهَا قُنُوتَانِ؛ قُنُوتٌ في الرَّكْعَةِ الْاُولَى قَبْلَ الرُّكُوعِ، وفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الرُّكُوعِ»(1).

وموثَّقة سَمَاعَةَ حَيثُ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؟ فَقَالَ: «أَمَّا مَعَ الْإِمَامِ فَرَكْعَتَانِ، وأَمَّا مَنْ يُصَلِّي وَحْدَهُ فهي أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بِمَنْزِلَةِ الظُّهْرِ، يَعْنِي إِذَا كَانَ إِمَامٌ يَخْطُبُ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ إِمَامٌ يَخْطُبُ فهي أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وإِنْ صَلَّوْا جَمَاعَةً»(2).

ثمّ إنّه بعد ما ذكرنا كيفيّة صلاة الجمعة، نتعرّض فيما يلي مسألتين متعلّقتين بها:

ص: 403


1- «من لايحضره الفقيه» ج1/409 الحديث 1219، «وسائل الشيعة» ج6/160 الحديث 7621.
2- «الكافي» ج3/421 الحديث 4، «وسائل الشيعة» ج7/310 الحديث 9435.

هنا مسألتان:

اشارة

الاُولى: حكم الجهر والإخفات في صلاة الجمعة.

قد ورد الأمر بجهرية قراءة صلاة الجمعة في بعض الرّوايات الواردة في بيان كيفيّة فعل صلاة الجمعة، إلّا أنّها قد تشتمل علی بعض المندوبات أيضاً، فمن أجل ذلك وقع البحث هنا بين الأصحاب في أنّ الأمر بالجهر فيها هل يحمل علی الوجوب أو الاستحباب؟ ذهب المشهور بل ادّعي الاتفاق علی أنّها مستحب ومندوب، ولم نجد في ذلك رأياً من العامّة، وظاهرهم وجوب الإخفات كالظّهر في غير الجمعة.

قال علاء الدّين أبو المجد الحلبيّ (م قرن 6 ه-) في «الإشارة»:

ومن فضيلتها (صلاة الجمعة) الجهر بالقراءة فيها وقراءة الجمعة بعد الحمد في الاُولی والمنافقين في الثّانية، وصلاة العصر عقيبها بإقامة من غير أذان، ويجب إنصات المأمومين إلی الخطبتين واجتناب ما يجتنبه المصلّي من كلام وغيره(1).

وقال المحقّق الحلّي رحمه الله (م 676 ه- ) صاحب كتاب «الشرائع»:

الجمعة ركعتان كالصّبح يسقط معهما الظّهر، ويستحب فيهما الجهر(2).

وقال المحدّث البحراني رحمه الله (م 1186 ه- ) في «الحدائق»:

ص: 404


1- «إشارة السّبق إلی معرفة الحقّ» ص 98، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج4/778.
2- «شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام» ج 1/83.

منها (المندوبات) الجهر بالظّهر في يوم الجمعة إماماً كان أو منفرداً على الأشهر الأظهر، وقد اختلف الأصحاب (رضوان اللّه عليهم) هنا بعد الاتّفاق على استحباب الجهر في صلاة الجمعة(1).

وقال المحقّق النراقي رحمه الله (م 1245 ه- ) في «مستنده»:

ومنها (سنن يوم الجمعة) أن يجهر فيه بالقراءة في صلاة الجمعة والظّهر، أمّا الاُولی فبلا خلاف، بل عليه الإجماع في كلام جماعة مستفيضاً...، وأمّا الثّانية فعلی الأقوی الأشهر كما صرّح به جمعٌ ممّن تأخّر، بل عن الخلاف الإجماع عليه(2).

وقال الشّيخ محمّد الحسن النّجفي رحمه الله :

ويستحب فيهما الجهر إجماعاً في القواعد والذّكرى والبيان والمدارك والمحكي عن التّذكرة ونهاية الأحكام وجامع المقاصد والرّوضة في بحث الكسوف والغربة وإرشاد الجعفرية والمقاصد العلية والفوائد الملية والمفاتيح والحدائق، فهو كالمتواتر، بل في المعتبر لا يختلف فيه أهل العلم، لكن ظنّي أنّ المراد منه مطلق الرّجحان مقابل وجوب الإخفات في الظّهر في غير يوم الجمعة، لعدم التّصريح بالنّدب قبل المصنف على وجه يكون به إجماعاً(3)، نعم حكی عن مصباح الشّيخ وإشارة السّبق والسّرائر والإصباح، بل عن المنتهى أنّه أجمع كلّ من يحفظ عنه العلم على أنّه يجهر بالقراءة في صلاة الجمعة، ولم أقف على قول للأصحاب في الوجوب وعدمه، بل في كشف اللثام أكثر

ص: 405


1- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج 8/190.
2- «مستند الشّيعة في أحكام الشّريعة» ج6/149 - 150.
3- أقول: قد مرّ أنّه صرّح بالندب علاء الدّين أبو المجد الحلبيّ في «الإشارة» وأنّه أقدم زماناً علی المحقق رحمه الله صاحب الشرائع، والظاهر أنّه لم ير كلامه هاهنا.

الأصحاب ذكروا الجهر فيها على وجه يحتمل الوجوب، بل عن جمل العلم والعمل: «على الامام أن يقرأ في الاُولى الجمعة وفي الثانية المنافقين يجهر بهما» كما أنّه ربما كان ذلك ظاهر الفقيه والمبسوط والنهاية وجامع الشرائع أيضاً(1).

أقول: إنّ ظاهر النّصوص الواردة في باب قراءة صلاة الجمعة، كصحيحة زرارة بن أعين المتقدّمة(2)، وصحيحة عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «إِذَا كَانُوا سَبْعَةً يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلُّوا في جَمَاعَةٍ، ولْيَلْبَسِ الْبُرْدَ والْعِمَامَةَ، ويَتَوَكَّأُ عَلَى قَوْسٍ أَوعَصاً، ولْيَقْعُدْ قَعْدَةً بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، ويَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ، ويَقْنُتُ في الرَّكْعَةِ الْاُولَى مِنْهُمَا قَبْلَ الرُّكُوعِ»(3)، وصحيحة عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «إِذَا أَدْرَكْتَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وقَدْ سَبَقَكَ بِرَكْعَةٍ فَأَضِفْ إِلَيْهَا رَكْعَةً اُخری واجْهَرْ فِيهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهُ وهُو يَتَشَهَّدُ، فَصَلِّ أَرْبَعاً»(4)، هو وجوب الجهر، وذلك لحمل صيغة الأمر والجمل الخبريّة الواردة في مقام إنشاء الطّلب علی الوجوب ما لم يرخّص المولی الآمر بالتّرك علی ما بُيِّن في كتب الاُصول في مبحث (ظهور صيغة الأمر والجمل الخبريّة الدّالّة علی الطّلب في الوجوب)، لكن في مقابل هذا الظّهور الإجماع المدّعی علی كونه مستحبّاً وليس بواجب، ولا سيّما بملاحظة

ص: 406


1- «جواهر الكلام» ج11/133.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج1/409 الحديث 1219، «وسائل الشيعة» ج6/160 الحديث 7621.
3- «التهذيب» ج3/245 الحديث 664، «وسائل الشيعة» ج7/313 الحديث 9442.
4- «التهذيب» ج3/244 الحديث 659، «الاستبصار» ج1/422 الحديث 1625، «وسائل الشيعة» ج7/346 الحديث 9538.

اشتمال الصّحيحة الاُولی علی فعل بعض المندوبات كلبس البُرد والعمامةمع الأمر بالجهر.

والتّحقيق أنّ الّذي يصعب أمر الإجماع في المقام كونه إجماعاً مدركيّاً، فعليه لا يتحقّق الإجماع المقبول في المقام علی وجه يمكن أن يكون دليلاً في المسألة، ونتصرّف به النصوص عن ظواهرها من الوجوب إلی الاستحباب، وعليه فالأحوط بل الأقوی في المسألة وتحصيلاً للفراغ اليقيني هو القول بوجوب الجهر فيها، ولا تصل النّوبة إلی الأصل.

ولا يرد بعد الظهور اشتمال الحديث علی بعض الواجبات والمندوبات، إذ المندوبات المذكورة فيه إنّما تعرف من القرائن الخارجيّة لا من نفس ألفاظ الحديث.

الثانية: هل تجب قراءة سورتي الجمعة والمنافقين في صلاة الجمعة أو لا؟

إنّ الأقوال في المسألة دائرةٌ بين القول بالوجوب والقول بالاستحباب، نذكر فيما يلي بعض الأقوال في هذا الصدد ونشير إلى أدلّة القائلين بهما، ثمّ نذكر مختارنا في المقام.

أمّا القائلون بالوجوب فمنهم من يصرّح به ومنهم من كان ظاهر كلامه ذلك، فمن المصرّحين الشّيخ الصّدوق رحمه الله في «الفقيه» حيث قال:

لا يجوز أن يقرأ في صلاة الظّهر يوم الجمعة بغير سورة الجمعة والمنافقين، فإن نسيتهما أو واحدة منهما في صلاة الظّهر وقرأت غيرهما ثمّ ذكرت فارجع إلی سورة الجمعة والمنافقين ما لم تقرأ نصف السّورة، فإن قرأت نصف السّورة فتمّم السّورة واجعلهما ركعتي نافلة وسلّم فيهما وأعد صلاتك بسورة الجمعة والمنافقين، وقد رُوِيَت رخصة في القراءة في صلاة الظّهر بغير سورة الجمعة والمنافقين لا

ص: 407

أستعملها ولا أفتي بها إلّا في حال السّفر والمرض وخيفة فوت حاجة(1).

بأنّ مراده كما استفاده الشّهيد رحمه الله في «الذّكری» مطلق صلاة الّتي تقام ظهر يوم الجمعة، يؤيّد ذلك إشارته رحمه الله بما وردت من أخبار ترخيص من قرأ في صلاة الجمعة بغير الجمعة والمنافقين، أو إذا كان ذلك فتواءه في الظهر يومها ففی الجمعة بالأولويّة والفحوی.

وكذا السيّد المرتضی علم الهدی رحمه الله علی ما حكاه المحقّق الحلّي رحمه الله فإنّه قال:

إذا دخل الإمام في صلاة الجمعة وجب أن يقرأ في الاُولی بسورة الجمعة، والثّانية بالمنافقين، يجهر بهما لا يجزيه غيرهما(2).

وقال الشّهيد الأوّل في «الذّكری»:

قال ابن بابويه: قد رُوَيتْ رُخَصٌ في القراءة في ظهر الجمعة بغير سورة الجمعة والمنافقين لا أستعملها ولا أُفتی بها، إلّا في حال السّفر والمرض وخيفة فوت حاجة، لما رواه عبد اللَّه بن سنان عن الصّادق علیه السلام: «لا بأسَ أنْ تَقرأ في صلاةِ الجُمعةِ بِغيرِ الجُمعةِ والمُنافقينَ إِذا كُنتَ مُستَعجِلاً»، فظاهره وجوب السّورتين فيها وفي الجمعة، وهو اختيار أبي الصلاح، وأوجب السّورتين المرتضى في الجمعة وقال: قد روی أنّ المنفرد أيضاً يلزمه قراءتهما(3).

ص: 408


1- «من لا يحضره الفقيه» ج1/201.
2- راجع: «المعتبر فی شرح المختصر» ج2/184، «تذكرة الفقهاء» ج3/160، و«مدارك الأحكام» ج3/366.
3- «ذكرى الشيعة فی أحكام الشريعة» ج3/338.

وأمّا من كان ظاهره الوجوب فمنهم أبی يعلی الدّيلمي رحمه الله الملقّب بسلّار في «المراسم» حيث قال:

صلاة الجمعة فرضً مع حضور إمام الأصل أو من يقيم مقامه...، وهي ركعتان يقرأ في الاُولی منهما الحمد والجمعة، وفي الثّانية بالحمد والمنافقين(1).

وأمّا القائلون بالاستحباب فكثيرون، منهم الشّيخ الطوسي رحمه الله في «الخلاف» وادّعی علی ذلك إجماع الفرقة، حيث قال:

يستحب أن يقرأ في الاُولی من ركعتي الجمعة الحمد وسورة الجمعة، وفي الثّانية الحمد والمنافقين، وبه قال الشّافعي، وقال مالك: يقرأ في الاُولی الجمعة وفي الثّانية ب- (هَلْ أَتَيكَ حَدِيْثُ الْغاشِيَةِ)، وقال أبوحنيفة: ليس في القرآن شيء معيّنٌ، يَقرأ ما شاء، دليلنا إجماع الفرقة(2).

وقريب منه ما قاله العلامة الحلّي رحمه الله في المقام:

الجمعة ركعتان كسائر الصلوات، وتتميّز بما تقدّم من الشّرائط والآداب الآتية، وتسقط معها الظّهر بالإجماع، ويستحب أن يقرأ في الاُولى بعد الحمد سورة الجمعة، وفي الثّانية بعد الحمد سورة المنافقين عند علمائنا وبه قال الشّافعي، ومن قرأ غير هاتين السّورتين عمداً لم تبطل جمعته، عملاً بالأصل، ولقول الكاظم علیه السلام وقد سأله عليّ بن يقطين

ص: 409


1- «المراسم العلويّة والأحكام النبويّة» ص 77، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج3/376.
2- «كتاب الخلاف» ج1/618 المسألة 387.

عن الرّجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمّداً، قال: «لا بأس بذلك»(1).

وقال المحقّق الحلّي رحمه الله صاحب «الشّرائع»:

ومنهم من يری وجوب السّورتين في الظّهرين وليس بمعتمد(2).

و قال القاضي ابن البراج الطرابلسي رحمه الله في «المهذّب»:

فإذا حضر يوم الجمعة فينبغي للمكلّف أن يحلق رأسه ويقصّ أظفاره...، ويفتتح الفرض بسبع تكبيرات ويتوجّه ثمّ يقرأ الحمد وسورة الجمعة ويجهر بالقراءة أيضاً، فإذا قام إلی الثّانية قرأ الحمد وسورة المنافقين ويجهر بالقراءة أيضاً(3).

لإعداده ذلك في جملة الاُمور الّتي يستحب أن يفعله المكلّف يوم الجمعة، وأنّها غير مختصّة بالظّهر بل يعمّ الجمعة أيضاً.

وقد تقدّم كلام علاء الدّين أبو المجد الحلبيّ في « الإشارة» حيث قال:

ومن فضيلتها (صلاة الجمعة) الجهر بالقراءة فيها وقراءة الجمعة بعد الحمد في الاُولی والمنافقين في الثّانية، وصلاة العصر عقيبها بإقامة من غير أذان، ويجب إنصات المأمومين إلی الخطبتين واجتناب ما يجتنبه المصلّي من كلام وغيره(4).

وقال ابن قدامة الحنبلي في كتاب «المغني»:

ص: 410


1- «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج 4/98 - 99.
2- «شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام» ج1/72.
3- «المهذّب» ج1/101، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج3/425.
4- «إشارة السّبق إلی معرفة الحقّ» ص 98، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج4/778.

إنّ صلاة الجمعة ركعتان، عقيب الخطبة يقرأ في كلّ ركعة الحمد لله وسورةً ويجهر بالقراءة فيهما، لا خلاف في ذلك كلّه...، ويستحب أن يقرأ في الاُولی بسورة الجمعة والثّانية بسورة المنافقين، وهذا مذهب الشّافعي وأبي ثور(1).

وقال ابن رشد القرطبي في «بداية المجتهد»:

أكثر الفقهاء علی أنّ من سنة القراءة في صلاة الجمعة قراءة سورة الجمعة في الرّكعة الاُولی لما تكرّر ذلك من فعله عليه الصّلاة والسّلام، وذلك أنّه خرّج مسلم عن أبي هريرة: «أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كان يقرأ في الرّكعة الاُولی بالجمعة، وفي الثّانية ب- (إذا جاءك المنافقون)، وروی مالك أنّ الضحّاك بن قيس سأل النعمان بن بشير ما ذا كان يقرأ به رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يوم الجمعة علی أثر سورة الجمعة؟ قال: كان يقرأُ ب- (هل أتاك حديث الغاشية)، واستحبّ مالك العمل علی هذا الحديث، وإن قرأ عنده ب- (سبّح اسم ربّك الأعلی) كان حسناً لأنّه المروي عن عمر بن عبد العزيز، وأمّا أبوحنيفة فلم يقف فيها شيئاً(2).

هذه بعض أقوال فقهاء الفريقين حول استحباب أو وجوب قراءة سورتي الجمعة والمنافقين في صلاة الجمعة،

وكيف كان فقد استُدلَّ علی القول بوجوب قراءة هاتين السّورتين بروايات، منها ما تلي:

ص: 411


1- «المغني لابن قدامة» ج2/311.
2- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج1/465 - 466.

1 - صحيحة مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه سلام حَيثُ قَالَ: «لَيْسَ في الْقِرَاءَةِ شيء مُوَقَّتٌ إلّا الْجُمُعَةُ، يُقْرَأُ بِالْجُمُعَةِ والْمُنَافِقِينَ»(1).

2 - صحيحة الْحَلَبِيِّ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه سلام إِذْ قَالَ: «اقْرَأْ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ والْمُنَافِقِينَ في يَوْمِ الْجُمُعَةِ»(2).

3 - صحيحة عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ عَن أَبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «مَنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِغَيْرِ الْجُمُعَةِ والْمُنَافِقِينَ، أَعَادَ الصَّلَاةَ في سَفَرٍ أَو حَضَرٍ»(3).

4 - صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عِندَما سَألَ أَبا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: الْقِرَاءَةُ في الصَّلَاةِ فِيهَا شيء مُوَقَّتٌ؟ فَقَالَ: «لَا، إلّا الْجُمُعَةُ يُقْرَأُ بِالْجُمُعَةِ والْمُنَافِقِينَ» إلى آخر الحديث(4).

5 - ومثلها صحيحة سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ عِندَما سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: «الْقِرَاءَةُ في الرَّكْعَةِ الْاُولَى بِالْجُمُعَةِ، وفِي الثَّانِيَةِ بِالْمُنَافِقِينَ»(5).

6 - خبر الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «مَنْ لَمْ يَقْرَأْ في الْجُمُعَةِ بِالْجُمُعَةِ والْمُنَافِقِينَ فَلَا جُمُعَةَ لَهُ»(6).

ص: 412


1- -«الكافي» ج3/425 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج6/154 الحديث 7600.
2- «الكافي» ج3/425 الحديث 5، «وسائل الشيعة» ج6/154 الحديث 7603.
3- «الكافي» ج3/426 الحديث 7، «وسائل الشيعة» ج6/159 الحديث 7618.
4- «التهذيب» ج2/95 الحديث 354، «وسائل الشيعة» ج6/155 الحديث 7604.
5- «التهذيب» ج3/11 الحديث 37، «وسائل الشيعة» ج6/155 الحديث 7605.
6- «التهذيب» ج3/7 الحديث 17، «الاستبصار» ج1/414 الحديث 1584، «وسائل الشّيعة» ج6/155 الحديث 7606.

لكن في مقابل هذه الأخبار هناك أخبارٌ أخر تدلّ بصراحة علی عدم كونهما ولا سيّما الجمعة واجبةً تعييناً يوم الجمعة، مضافاً إلی إفتاء كثير من فقهائنا العظام باستحباهما في صلاة الجمعة، منها ما تلي:

1 - صحيحة الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ يَقْطِينٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الْأَوَّلَ علیه السلام عَن الرَّجُلِ يَقْرَأُ في صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِغَيْرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ مُتَعَمِّداً، قَالَ: «لَا بَأْسَ بِذَلِكَ»(1).

2 - صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ علیه السلام عَن الرَّجُلِ يَقْرَأُ في صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِغَيْرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ مُتَعَمِّداً؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ»(2).

3 - موثَّقة يَحْيَى الْأَزْرَقِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ علیه السلام وقُلْتُ لَهُ: رَجُلٌ صَلَّى الْجُمُعَةَ فَقَرَأَ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) و(قُلْ هُواللَّهُ أَحَدٌ)، قَالَ: «أَجْزَأَهُ»(3) .

وبعبارة اُخری: أنّ الأخبار الّتي استُدلّ بها علی القول بالوجوب ظاهرةٌ فيه، وهذه الأخبار تنصّ علی عدم وجوب قراءة السّورتين فيها، فيحمل الظّاهر علی النَّص.

نعم لا ريب في تأكد استحباب قراءة الجمعة والمنافقين يوم الجمعة في الظّهر والجمعة، فينبغي للإمام الخطيب كما مرّت الإشارة إليه أن يختصر من الخطبة ويصلّي الجمعة بالسّورتين لئلا يخرج وقت الصّلاة وقد روی ابن مسعود عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «إنَّ قِصَرَ الْخُطْبَةِ وَطُولَ الصَّلاةِ مَئِنَّةٌ (4) عَنْ فِقْهِ الرَّجُلِ، فَأطِيلُوا

ص: 413


1- «التهذيب» ج3/7 الحديث 19، «وسائل الشيعة» ج6/157 الحديث 7611.
2- «التهذيب» ج3/7 الحديث 20، «وسائل الشيعة» ج6/158 الحديث 7614.
3- «التهذيب» ج3/242 الحديث 654، «وسائل الشيعة» ج6/158 الحديث 7615.
4- قال ابن منظور المصري: المَئِنَّةُ: العَلامة. راجع: «لسان العرب» ج13/395 .

الصَّلاةَ وَأَقْصِرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْراً وَإنَّه سَيأتِي بَعْدَكُمْ أَقْوَامٌ يُطِيلُونَ الْخُطَبَ وَ يُقْصِرُونَ الصَّلاةَ»(1).

وهذا التأكيد بالنسبة إلی المنافقين آكد لعدم التصريح بجواز تركه إلّا إذا يقرأ في الاُولی سورة «الأعلی»، وكيف كان يمكن أن نستدلّ علی استحباب قراءة الجمعة والمنافقين في صلاتي الظّهر والجمعة يوم الجمعة زائداً علی ما تقدّم بصحيحة أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أبي نَصْرٍ عَنِ الرِّضَا علیه السلام: «تَقْرَأُ في لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ سُورَةَ الْجُمُعَةِ وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وفِي الْغَدَاةِ الْجُمُعَةَ وقُلْ هُو اللَّهُ أَحَدٌ، وفِي الْجُمُعَةِ الْجُمُعَةَ والْمُنَافِقِينَ، والْقُنُوتُ في الرَّكْعَةِ الْاُولَى قَبْلَ الرُّكُوعِ»(2).

وذلك لقرينة اقترانها بصلاة ليلة الجمعة وغداتها، حيث لا شك في استحباب قراءة سور الجمعة والأعلی والإخلاص فيهما فكذلك قراءة سورة الجمعة فيها.

وصحيحة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام حَيثُ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ في صَلَاةِ الْجُمُعَةِ: «لَا بَأْسَ بِأَنْ تَقْرَأَ فِيهَا بِغَيْرِ الْجُمُعَةِ والْمُنَافِقِينَ إِذَا كُنْتَ مُسْتَعْجِلاً»(3).

وصحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام: «إِنَّ اللَّهَ أَكْرَمَ بِالْجُمُعَةِ الْمُؤْمِنِينَ فَسَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم بِشَارَةً لَهُمْ، والْمُنَافِقِينَ تَوْبِيخاً لِلْمُنَافِقِينَ، ولَا ينبغي

ص: 414


1- «كنز العمال» ج7/748 الخبر 21223.
2- «قرب الإسناد»: 158، «وسائل الشيعة» ج6/156 الحديث 7610.
3- «التهذيب» ج3/242 الحديث 653، «وسائل الشيعة» ج6/157 الحديث 7613.

تَرْكُهَا، فَمَنْتَرَكَهُمَا مُتَعَمِّداً فَلَا صَلَاةَ لَهُ»(1) ، بحملها علی نفي الكمال لا الإجزاء والصّحة، كما في الحديث: «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلّا في الْمَسْجِدِ»(2).

وخبر عَبَّادِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي رَافِعٍ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام كَانَ يَقْرَأُ في الْجُمُعَةِ في الْاُولَى الْجُمُعَةَ وفِي الثَّانِيَةِ الْمُنَافِقِينَ(3).

فهو مع غضّ النّظر عن ضعف سنده لوقوع الحكيمي وسفيان بن زياد اللذَين وقعا في طريقه لعدم وجود توثيق لهما في كتب الرّجال، فهو بيان لمجرد فعله علیه السلام الّذي لا دلالة فيه علی خصوص الوجوب أو الاستحباب إلّا مطلق الرّجحان والمطلوبية الّتي أقلّها الاستحباب.

ص: 415


1- «الكافي» ج3/425 الحديث 4، «وسائل الشيعة» ج6/154 الحديث 7602.
2- «مستدرك الوسائل» ج3/356 الحديث 3767.
3- «أمالي الطوسي» ج2/261، «وسائل الشيعة» ج6/155 الحديث 7607.
بقي هنا شيء، وهو أنّه هل يجب أن يكون القراءة في الصّلاة عن الحفظ وظهر القلب؟

إذا لم يكن الإمام أو المصلّي حافظاً لسورة الجمعة أو المنافقين أو غيرهما من السّور، فهل يجوز له أن يقرأ بالمصحف وأمثاله؟ ظاهر الأصحاب بل صريحهم عدم اشتراط كون القراءة عن الحفظ وظهر القلب بل للمصلّي أن يقرأ بالمصحف وأمثاله وإن كان حافظاً، وهو أيضاً مذهب الشّافعية والمالكية من العامّة، لكنّ الشهيد الأوّل رحمه الله (م 786 ه-) ومن تبعه(1) من الإمامية، وكذا الحنفية والحنابلة من العامّة علی ما صرّح به المحقق البحراني رحمه الله والجزيري علی عدم جوازه، قال الشّيخ رحمه الله في «الخلاف»:

من لا يحسن القرآن ظاهراً جاز له أن يقرأ في المصحف، وبه قال الشّافعي، وقال أبو حنيفة: ذلك يبطل الصّلاة، دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: (فَاقْرَؤُا مٰا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ)، وقوله: (فَاقْرَؤُا مٰا تَيَسَّرَ مِنْهُ) ولم يفرق(2).

ص: 416


1- منهم: ابن فهد الحلّي رحمه الله في «الرسائل العشر» ص 76، والمحقق الكركي رحمه الله فی «جامع المقاصد في شرح القواعد» ج2/252، وزين الدّين بن علي العاملي المعروف بالشهيد الثاني رحمه الله في كتابي «مسالك الأفهام إلی تنقيح شرائع الإسلام» ج1/205، و «روض الجنان فی شرح إرشاد الأذهان» ج2/698 .
2- «الخلاف» ج1/ 427 المسألة 175 من مسائل كتاب الصلاة.

وقال في «المبسوط»:

ويجوز أن يقرأ في الصّلاة من المصحف إذا لم يحسن ظاهراً. و قريب منه ما قاله في «النّهاية»(1).

وقال المحدّث البحراني رحمه الله :

قد صرّح الأصحاب (رضوان اللّٰه عليهم) بأنّ من لا يحسن الفاتحة يجب عليه التعلّم فإن ضاق الوقت وأمكن الصّلاة مأموماً أو القراءة من مصحف إن أحسن ذلك وجب، وقيل بجواز القراءة من المصحف مطلقاً وهو ظاهر الخلاف والمبسوط وبه صرّح الفاضلان معلّلين بأنّ الواجب مطلق القراءة، ومنع ذلك الشّهيد ومن تبعه للمتمكّن من الحفظ(2).

وقال محمّد حسن النّجفي رحمه الله صاحب «الجواهر»:

وكان الظّاهر من المصنف وغيره ممّن عبّر بعبارته عدم اشتراط الحفظ عن ظهر القلب في القراءة، بل يجزی اتباع القاري والقراءة بالمصحف

ونحوهما(3).

وقال المحقّق النراقي رحمه الله في «مستنده»:

لا تجب القراءة من الحفظ على الأصحّ، وفاقاً للمحكي عن ظاهر الخلاف والمبسوط والنهاية، وصريح الفاضلين، واختاره الأردبيلي وصاحب الذّخيرة وبعض مشايخنا المحقّقين، وهو مختار والدي رحمه الله

ص: 417


1- راجع: «المبسوط في فقه الإمامية» ج1/109، «النّهاية في مجرّد الفقه والفتاوی» ص 80.
2- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج8/109.
3- «جواهرالكلام» ج9/311.

في المعتمد، للأصل وإطلاقات القراءة ورواية الصّيقل: ما تقول في الرّجل يصلّي وهو ينظر في المصحف يقرأ فيه يضع السّراج قريباً منه؟ قال: «لا بأس بذلك».

وخلافاً للشّهيد ومن تبعه، فأوجبها إلّا مع العجز عن الحفظ، لأصل الاشتغال وعدم تبادر مثل ذلك من الإطلاقات سيّما بملاحظة المنع عن النّظر في المصحف المفتوح الّذي في قبلته، والمروي في قرب الإسناد للحميري: عن الرّجل والمرأة يضع المصحف أمامه ينظر فيه ويقرأ ويصلّي، قال: «لا يعتدّ بتلك الصّلاة».

ويردّ أصل الاشتغال بما مرّ من الإطلاق والرّواية، وتخصيص الإطلاق بالسّورة لا وجه له، وعدم التبادر بعدم المضرّة، وإنّما المضرّ تبادر الغير وهو ممنوع، كيف؟! مع أنّه لو نذر أحدٌ أن يقرأ سورة يحكمون بالبراءة بالقراءة عن المصحف قطعاً، بل يحملون مطلقات مرغّبات التلاوة والقراءة على الأعمّ، ولو رأوا حديثاً أنّه يستحب قراءة القرآن كلّ يوم كذا وكذا آية، يحملونها على الأعمّ، بل يجعلون القراءة من المصحف أولى وأتمّ.

وأمّا المنع عن النظر إلى المصحف المفتوح، فإنّما هو على الكراهة وهي في المقام مسلّمة، مع أنّ النّظر إليه لغير القراءة ربما يشوّش القراءة ويختلط معها، ففيه من المنع ما ليس فيما كان للقراءة، ورواية قرب الإسناد بالضعف الخالي عن الجابر، مع أنّ في دلالتها على الوجوب نظراً ظاهراً، لخلوّها عن الدالّ عليه، نعم تدلّ على المرجوحية والكراهة وهي مسلّمة، هذا كلّه مع الاختيار، وأمّا بدونه فيجوز قطعاً، والظاهر أنّه لا خلاف فيه(1).

ص: 418


1- «مستند الشيعة فی أحكام الشريعة» ج 5/81 - 82.

وقال السيّد الطباطبائي رحمه الله صاحب «العروة»:

من لا يكون حافظاً للحمد والسّورة يجوز أن يقرأ في المصحف، بل يجوز ذلك للقادر الحافظ أيضاً على الأقوى، كما يجوز له اتباع من يلقنه آية فآية، لكنّ الأحوط اعتبار عدم القدرة على الحفظ وعلى الائتمام(1).

وقال الشّهيد الأوّل محمد بن مكيّ العاملي رحمه الله :

ولو أمكنه القراءة من المصحف وجبت وقدّمه على الذّكر، لحصول

حقيقة القراءة، ولكنه لا يكفي مع إمكان التعلّم، لأنّ المأمور به القراءة عن ظهر القلب إذ هو المتبادر إلى الأفهام، ولأنّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم لم يأمر الأعرابي بالقراءة من المصحف(2).

وقال الشّهيد الثاني زين الدّين بن علي العاملي رحمه الله بعد قول المحقّق رحمه الله صاحب «الشّرائع»: «ومن لا يحسنها يجب عليه التعلّم، فإن ضاق الوقت قرأ ما تيسّر منها، وإن تعذر قرأ ما تيسّر من غيرها، أو سبّح الله وهلّله وكبّره بقدر القراءة»:

ويكرّره بقدر الفاتحة، وينبغي أن ينوي به البدلية عن القراءة، وكذا ما تقدّم من الأبدال، ولو تعذّر جميع ذلك وجب القيام بقدر الفاتحة، ولو أمكن الائتمام وجب مقدماً على البدل، كما أنّه لو أمكنه قراءة الفاتحة

ص: 419


1- «العروة الوثقی للسّيد اليزدي» ج1/651 المسألة 29 من مسائل أحكام القراءة.
2- راجع: «ذكری الشيعة في أحكام الشريعة» ج3 // 306. وقريب منه ما قاله في «البيان» ص 163، وفي «الدروس الشرعيّة فی فقه الإمامية» ج1/ 172.

من المصحف قدم عليه، ولو أمكن من غيرها قدّم على الذّكر، ولا يكفي القراءة منه مع إمكان الحفظ(1).

وقال الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

تبطل الصّلاة إذا تعلّم الاُمّي آية أثناء الصّلاة ما لم يكن مقتدياً بقارئ، وهذا عند الحنفية والحنابلة، والمالكية قالوا: إن كان مقتدياً بقارئ كفاه الاقتداء، وإن كان غير مقتدٍ وتعلّم الفاتحة أثناء الصّلاة بنی علی ما تقدّم من صلاته ولا تبطل لدخوله فيها بوجه جائز، والشّافعية قالوا: الاُمّي إذا تعلّم شيئاً من القراءة وهو في صلاته بنی علی ما تقدّم من الصّلاة بقراءة ما تعلمه(2).

هذه آراء الفريقين في منظر الأقوال، وكيف كان فقد استدلّ علی القول بالجواز تارة بأنّ الأصل في كلّ شيء جوازه واحتياج المنع إلی الدليل، وثانية بإطلاقات أخبار القراءة الّتي سنشير إليها، وثالثة بصحيحة الحسنِ بنِ زياد الصّيقل قَالَ: قُلْتُ لِأبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: مَا تَقُولُ في الرَّجُلِ يُصَلِّي وَهُوَ يَنْظُرُ في الْمُصْحَفِ يَقْرَأُ فِيهِ يَضَعُ السِّرَاجَ قَرِيباً مِنْهُ؟ فَقَالَ: «لَا

بَأْسَ بِذَلِكَ»(3).

دلالة الحديث علی المطلوب واضحة، و رجال السّند فهم مركب من الشّيخ رحمه الله إلی أحمد بن محمّد بن عيسی الأشعري القمّي، ومنه عن العباس بن معروف عن عليّ بن مهزيار عن فضالة بن أيّوب عن أبان بن عثمان عن الحسن بن زياد الصّيقل.

ص: 420


1- «مسالك الأفهام إلی تنقيح شرائع الإسلام» ج1/205، وقريب منه ما قاله في «روض الجنان فی شرح إرشاد الأذهان» ج2/698 .
2- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/310.
3- «التهذيب» ج2/294 الحديث 1184، «وسائل الشيعة» ج6/107 الحديث 7465.

أمّا طريق الشّيخ إلی أحمد بن محمّد بن عيسی فقد صرّح غير واحد بأنّه صحيح، منهم المحدث البحراني رحمه الله حيث قال:

وطريق الشّيخ إلى أحمد بن محمّد بن عيسى في مشيخة الكتاب صحيح(1).

وكذلك المحدث النوري رحمه الله حيث قال:

طريق الشّيخ إلی أحمد بن محمّد بن عيسی صحيح في المشيخة والفهرست(2).

وأمّا أحمد بن محمّد بن عيسی الأشعري القمّي(3)، والعباس بن معروف(4)، وعليّ بن مهزيار(5)، وفضالة بن أيّوب(6)، وأبان بن عثمان البجلي الأحمر

ص: 421


1- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج 17/ 84.
2- «خاتمة مستدرك الوسائل» ج6/52.
3- راجع ترجمته في «رجال النّجاشي» ص 81 تحت الرقم 198، و«معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة» ج3/85 تحت الرقم 902، و....
4- راجع: ترجمته فی «رجال الشّيخ الطوسي» ص 361 تحت الرقم 5348، و«رجال النّجاشي» ص 281 تحت الرقم 743، و«رجال العلّامة الحلّي» ص 118 تحت الرقم 4، و ....
5- راجع: ترجمته في «رجال الشّيخ الطوسي» ص 360 تحت الرقم 5336، و«رجال النّجاشي» ص 253 تحت الرقم 664، و«رجال العلّامة الحلّي» ص 92 تحت الرقم 6، و ....
6- راجع: ترجمته في «رجال الشّيخ الطوسي» ص 342 تحت الرقم 5092، و«رجال النّجاشي» ص 310 تحت الرقم 850، و«رجال العلّامة الحلّي» ص 133 تحت الرقم 1، و ....

الكوفي(1)، والحسن بن زياد الصّيقل أبو الوليد الكوفي(2)، كانوا من الإماميّين الثقات، أكثرهم من الأجلّاء، غير أنّ الأخير منهم وهو الحسن بن زياد الصّيقل وإن لم يرد له توثيق صريح إلّا أنّ الراوي عنه في بعض الروايات بلا واسطة يونس بن عبد الرحمن(3) ومع الواسطة صفوان بن يحيی(4) وأحمد بن محمّد بن أبي نصر(5) الّذين كانوا من أصحاب أبي إبراهيم موسی بن جعفر وأبي الحسن الرّضا علیهما السلام وكونهم في السّتة الّذين أجمع الأصحاب علی تصحيح ما يصحّ

ص: 422


1- راجع: ترجمته في «رجال الكشّي» ص 375 تحت الرقم 705، و«رجال ابن داود» ص 11 تحت الرقم 6، و«رجال العلّامة الحلّي (خلاصة الأقوال)» ص 21 تحت الرقم 3، و«معجم رجال الحديث» ج1/143 تحت الرقم 37، و ....
2- راجع: ترجمته في «رجال الشّيخ الطوسي» ص 133 تحت الرقم 1382، و ص 180 تحت الرقم 2156، و ص 195 تحت الرقم 2440، و«معجم رجال الحديث» ج5/321 تحت الرقم 2835، و ج6/179 تحت الرقم 3228.
3- راجع: مشيخة الفقيه فی بيان طريقه إلی الحسن زياد «من لايحضره الفقيه» ج4/436، و 496، «الأمالي للصّدوق» ص 370 الحديث الرقم 3، و ص 628 الحديث الرقم 7، «وسائل الشيعة» ج10/509 الحديث الرقم 13979، و ج12/154 الحديث الرقم 15932.
4- راجع: «الكافي» ج3/151 الحديث 1، «التهذيب» ج7/419 الحديث 1679، «وسائل الشيعة» ج20/526 الحديث 26257، و....
5- راجع: «الكافي» ج6/67 الحديث 5، «الاستبصار» ج1/181 الحديث 4، «وسائل الشيعة» ج3/428 الحديث 4069 و ص 481 الحديث 4233، و ج22/105 الحديث 28135.

عنهم وأقرّوا لهم بالفقه وكونهم ممّن لا يروون ولا يرسلون إلّا عن الثقات(1)، فالرّواية صحيحة.

وأمّا المانعون كما أشار إليه النراقي رحمه الله فقد استدلّوا علی مذهبهم بأنّ الأصل هو الاشتغال، وعدم تبادر القراءة بالمصحف ونحوه من إطلاقات أخبار القراءة، وبعدم الاعتداء بالقراءة بالمصحف المفتوح في خبر عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ يَضَعُ الْمُصْحَفَ أَمَامَهُ يَنْظُرُ فِيهِ وَيَقْرَأُ وَيُصَلِّي؟ قَالَ: «لَا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ»(2)، وبالمنع أيضاً عن النّظر في المصحف المفتوح الّذي كان في قبلة المصلّي في موثقة عمار بن موسی الساباطي عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: في الرَّجُلِ يُصَلِّي وَبَيْنَ يَدَيْهِ مُصْحَفٌ مَفْتُوحٌ في قِبْلَتِهِ؟ قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ في غِلَافٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ» الْحَدِيثَ(3)، وبأنّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم لم يأمر الأعرابي بالقراءة من المصحف.

لكنّ الإنصاف أنّ الأصل الجاري في موارد الأجزاء والشرائط هو البراءة دون الاحتياط والاشتغال، وما نحن بصدده من هذا القبيل، إذ لو اشترط كون القراءة علی الفرض من الحفظ وظهر القلب فعلی الشّارع أن يبيّنه صريحاً حذراً عن الإغراء بالجهل لأنّه أطلق العامّ وأراد الخاصّ، هذا أوّلاً.

ص: 423


1- راجع: «رجال الكشّي» ص 556، «رجال ابن داود» ص 384، «رجال العلّامة الحلّي» ص 89.
2- «قرب الإسناد» ص 90، «وسائل الشّيعة» ج6/107 الحديث 7466.
3- «الكافي» ج3/390 الحديث 15، «التهذيب» ج2/225 الحديث 888، «من لايحضره الفقيه» ج1/165 الحديث 776، «وسائل الشّيعة» ج5/163 الحديث 6227 .

وثانياً: بأنّه لا يضرّ عدم تبادر القراءة بالمصحف ونحوه من إطلاقات أخبار القراءة، بل المضرّ إنّما هو تبادر غيره وهو غير موجود، فإذا نذر شخص مثلاً أن يقرأ سورة من القرآن في غير صلاته فكما يجوز له أن يقرأها بالمصحف ونحوه يجوز له أن يقرأ من الحفظ وظهر القلب، فهكذا في الصّلاة(1).

وثالثاً: بضعف عبدالله بن الحسن الّذي روی الخبر عن الكاظم علیه السلام بواسطة أخيه عليّ بن جعفر، لجهالته عند علماء الرجال لا يكون ممدوحاً ولا موثوقاً عندهم، فلا يعارض به الصّحيحة(2).

و رابعاً: بأنّ قوله علیه السلام في الصّحيحة: «لَا بَأْسَ بِذَلِكَ» صريح ونصّ في الجواز، وقوله: «لَا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ» في الخبر علی فرض كون عدم الاعتداء بمعنی البطلان والفساد ظاهر في المنع، ولا تعارض بين النصّ والظاهر، بل يحمل الظاهر علی النصّ ونتيجته الكراهة.

هذا مع أنّه يحتمل قويّاً أنّ روايته هذه متخذة أو عبارة اُخری عمّا رواه الرّجل أيضاً في خبر آخر قد صرّح فيه بعدم كون النظر قاطعاً ومبطلاً للصّلاة بل إنّه ناقص لكمالها الّذي نعبّر عنه أيضاً بالكراهة لكن لا من جهة التّعارض بين النصّ والظاهر بل بدلالة نفس الحديث وصريحه، فقد حكی الحميري في «قُرْبِ الْإِسْنَادِ» عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ هَلْ يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ في نَقْشِ خَاتَمِهِ وَهُوَ في الصَّلَاةِ كَأَنَّهُ يُرِيدُ قِرَاءَتَهُ، أَوْ في الْمُصْحَفِ، أَوْ في كِتَابٍ في الْقِبْلَةِ؟ قَالَ: «ذَلِكَ

ص: 424


1- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج5/82.
2- وهو رواية الحسن الصيقل عن أبي عبدالله علیه السلام، راجع: «التهذيب» ج2/294 الحديث 1184، «وسائل الشيعة» ج6/107 الحديث 7465.

نَقْصٌ في الصَّلَاةِ وَلَيْسَ يَقْطَعُهَا»(1)، والمنع عن النّظر إلی المصحف المفتوح كما هو صريح خبره الأخير وإن يحمل علی الكراهة والمنقصة لكنّه إذا كان لغير القراءة، يشعر بذلك كونه عدلاً مع النّظر إلی نقش الخاتم في سؤال السّائل، فالنّظر إلی المصحف في هذه الحالة وكذلك الخاتم مكروه لما هو منافٍ لإقبال المصلّي في صلاته إلی الله تبارك وتعالی وكونه وافداً إليه عزّ وجلّ، وأين هذا ممّا إذا كان للقراءة والتلاوة؟!

ثمّ علی فرض التّسليم، فإنّ هذا كلّه للحافظ ولا دليل علی تعميمه لغيره، ولا أقلّ من الاحتمال وبطلان الاستدلال، لا سيّما بعد ملاحظة الأوامر المطلقة الواردة بقراءة سور مخصوصة في الصّلوات الواجبة أو المندوبة، أو في صلوات بعض الأوقات الشّريفة، أو في الصّلاة بعد زيارة الإمام عليّ بن موسی الرّضا علیه السلام ولم يؤمر في شيء من أدلّتها باشتراط كونها عن الحفظ وظهر القلب مع أنّ الغالب كون المصلّي بالنّسبة إليها غير حافظ، منها ما وردت في ما يقرأ من سور «يس» و«تبارك الملك» و«الإخلاص» في صلاة الليالي البيض في كلّ من الأشهر الثلاثة رجب وشعبان ورمضان(2)، ومنها ما وردت من استحباب قراءة «الجمعة» و«المنافقين» و«الأعلی» و«التوحيد» في صلوات ليلة الجمعة ويومها(3)، وكذا ما وردت في فضل قراءة «الدخان» و«ق» و«الممتحنة» و«الصف» و«ن» و«الحاقة» و«نوح» و«المزمّل» و«الانفطار»

ص: 425


1- «قرب الإسناد» ص 89، «وسائل الشيعة» ج5/163 الحديث 6228.
2- راجع: «إقبال العمال» ص 654، «وسائل الشيعة» ج8/24 الحديث 10029.
3- راجع: «وسائل الشيعة» ج6/118 الباب 49 من أبواب القراءة في الصلاة.

و«الانشقاق» و«الأعلی» و«الغاشية» و«الفجر» و«التّين» و«التّكاثر» و«النّصر» في الفرائض والنوافل(1).

نذكر منها بعنوان المثال ما رواه الصّدوق رحمه الله في «ثواب أعماله» عن أبي حمزة الثمالي أنّه قال: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الدُّخَانِ في فَرَائِضِهِ وَنَوَافِلِهِ بَعَثَهُ اللَّهُ مِنَ الْآمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَظَلَّهُ اللَّهُ تَحْتَ عَرْشِهِ، وَحَاسَبَهُ حِسَاباً يَسِيراً، وَأَعْطَاهُ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ»(2).

وما حكی المحدّث النّوري رحمه الله عن ابن قولويهفي كيفية زيارة الرّضا علیه السلام وصلاة ركعتي الزّيارة عند رأسه الّتي تقرأ في إحداهما «يس» وفي الاُخری «الرّحمن»، قال جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ في «كَامِلِ الزِّيَارَةِ»: رُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ علیهم السلام أنّه قَالَ: «إِذَا أَتَيْتَ قَبْرَ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى علیه السلام بِطُوسَ فَاغْتَسِلْ عِنْدَ خُرُوجِكَ، (إِلَى أَنْ قَالَ:) فَإِذَا وَافَيْتَ سَالِماً فَاغْتَسِلْ، (إِلَى أَنْ قَالَ:) وَالْبَسْ أَطْهَرَ ثِيَابِكَ، وَامْشِ حَافِياً وَعَلَيْكَ السَّكِينَةَ وَالْوَقَارَ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّمْجِيدِ، وَقَصِّرْ خُطَاكَ، وَقُلْ: (وَسَاقَ الزِّيَارَةَ، ثُمَّ قَالَ:) ثُمَّ ابْتَهِلْ في اللَّعْنِ عَلَى قَاتِلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام وَعَلَى قَتَلَةِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ صلی الله علیه و آله و سلم وَعَلَى جَمِيعِ قَتَلَةِ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم ثُمَّ تَحَوَّلْ عِنْدَ رَأْسِهِ مِنْ خَلْفِهِ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ تَقْرَأُ في إِحْدَاهُمَا «يس» وَفِي الْآخِرَةِ «الرَّحْمَنَ» وَتَجْتَهِدُ في الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ، وَأَكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ لِنَفْسِكَ

وَلِوَالِدَيْكَ وَلِجَمِيعِ إِخْوَانِكَ، وَأَقِمْ عِنْدَهُ مَا شِئْتَ وَلْتَكُنْ صَلَاتُكَ عِنْدَ الْقَبْرِ»(3).

ص: 426


1- راجع: «وسائل الشيعة» ج6/141 الباب 64 من أبواب القراءة فی الصلاة.
2- «ثواب الأعمال» ص 141، «وسائل الشيعة» ج6/141 الحديث 7558.
3- «كامل الزيارات» ص 309، «مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل» ج 10/361 الحديث 12185.

فتخلّص من جميع ما تقدّم إلی هنا أنّه لا دليل يثبت به عدم جواز القراءة بالمصحف وأمثاله حالة الصّلاة سواء كان المصلّي حافظاً أم لا، والعجب من المحقّق النراقي والسّيد الطباطبائي صاحب «العروة» (رضوان الله تعالی عليهما) وإن أفتيا بالجواز إلّا أنّهما عبّرا عن عدم وجوب كون القراءة عن الحفظ وظهر القلب بالأقوی والأصحّ، إذ بعد ما لم يثبت صحة أّو قوة الحكم بالوجوب كيف يكون الحكم بعدمه أصحّ أو أقوی منه؟!

أمّا ما قاله الشّهيد رحمه الله بأنّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم لم يأمر الأعرابي بالقراءة من المصحف فالظاهر أنّه أشار إلی ما رواه سليمان بن الأشعث السّجستاني صاحب «سنن أبي داود» عن عبدالله بن أبي أوفی أنّه قال:

جاء رجل إلی النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم فقال: إنّي لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً فعلّمني ما يجزئني منه، قال: «قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر، ولا قوّة إلّا بالله، قال: يا رسول الله هذا لله عزّ وجلّ فما لي؟ قال: قل: اللّهم ارحمني وارزقني وعافني واهدني، فلمّا قام قال هكذا بيده، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: أمّا هذا فقد ملأ يديه من الخير»(1).

فهو ضعيف سنداً ومخدوش دلالة، إذ الظّاهر كون الأعرابي غير عالم باالكتابة والقراءة بالمصحف مطلقاً حيث قال: إنّي لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً فعلّمني ما يجزئني منه، فأمره صلی الله علیه و آله و سلم بما تقدّم من الأذكار والأدعية، إذ من المعلوم أنّ القراءة من القرآن بقدر الفاتحة مثلاً فإنّه مقدّم قطعاً علی غيره من الأذكار، فلا دلالة فيه علی المدّعی أصلاً.

ص: 427


1- «سنن أبي داود» ج1/192 الخبر الرقم 832.

السّادس والعشرون: حكم الأذان الثّالث يوم الجمعة.

يحرم الأذان الثّالث يوم الجمعة، وقد عرّفه العلامة الحلّي رحمه الله في «التّذكرة» بقوله:

الأذان الثاني بدعةٌ عند علمائنا لقول الباقر علیه السلام: «الأذانُ الثّالث يوم الجمعة بدعةٌ»، وسمّاه بالثّالث كما هو في عبارة بعض علمائنا إلی الإقامة، ولأنّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم لم يفعله اتّفاقاً، وشرّع للصّلاة أذاناً واحداً وإقامةً؛ فالزّيادة الثّالثة بدعةٌ، وكان الأذان يوم الجمعة حين يجلس الإمام علی المنبر علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وعلی عهد أبي بكر وعمر، فلمّا كان زمن عثمان كثر النّاس فأمر بالأذان الثّالث بالزوراء(1)؛ ولا اعتبار بما فعله عثمان مخالفةً للنّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم، وقال عطاء: أوّل من فعله معاوية، وقال الشّافعي: ما فعله النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وأبوبكر وعمر أحبّ إليّ(2).

وعرّفه الحاج آقا رضا الهمداني رحمه الله في «المصباح» بقوله:

الأذان الثاني في يوم الجمعة المسمی في عرفهم أيضاً بالأذان الثّالث الّذي تعارف بين العامّة من زمان عثمان أو معاوية علی ما قيل بدعةٌ؛ إذ لم يعهد في الشّريعة لفريضة واحدة إلّا أذانٌ وإقامةٌ، فما زاد علی ذلك بدعةٌ؛ كما وقع التّصريح بذلك في خبر حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه علیه السلام أنّه قال: «الأَذانُ الثّالثُ يَومَ الجُمعةِ بِدعَةٌ»، وإنّما سمّي ثالثاً لأنّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم شرّع للصّلاة أذاناً وإقامةً، فالزّيادة ثالثٌ، أو باعتبار أنّ

ص: 428


1- قال الطريحي: والزّوراء بالفتح والمدّ: بغداد، وموضع بالمدينة يقف المؤذنون على سطحه للنّداء الثالث قبل خروج الإمام ليسعوا إلى ذكر الله ولا تفوتهم الخطبة، والنّداء الأوّل بعده عند صعوده للخطبة، والثاني الإقامة بعد نزوله من المنبر، قاله فی المجمع، قال: وهذا الأذان أمر به عثمان بن عفان. راجع: «مجمع البحرين» ج2/305.
2- «تذكرة الفقهاء» ج4/106.

الأذان المشروع في يومها أوّله ما كان لفريضة الصّبح فهو ثالثٌ بهذه الملاحظة، أو بملاحظة الأذان الّذي شرّع للإعلام بدخول الوقت، واحتمال أن يكون المراد به أذان العصر ضعيفٌ كما تقدّم تحقيقه في محلّه، والمتبادر من إطلاق البدعة في النّص كعبائر الأصحاب إرادة الحرمة كما أومأ إلی ذلك قوله علیه السلام في صحيحة الفضلاء: «ألا فإنّ كلّ بدعة ضلالةٌ، وكلّ ضلالة سبيلها إلی النّار»(1).

والشّيخ محمّد حسن النّجفي رحمه الله في «الجواهر» بقوله:

الأذان الثّالث المسمی بالثاني يوم الجمعة في جملة من عبارات الأصحاب، بل هو في معقد ما يحكی من ظاهر إجماع التّذكرة بدعةٌ(2).

ص: 429


1- «مصباح الفقيه (ط ق)» ج2/458. قد أشار رحمه الله إلی ما رواها الفضلاء الثلاثة: زُرَارَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَالْفُضَيْلُ أَبَا جَعْفَرٍ الْبَاقِرَ وَأَبَا عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقَ علیهما السلام عَنِ الصَّلَاةِ فِی شَهْرِ رَمَضَانَ نَافِلَةً بِاللَّيْلِ جَمَاعَةً؟ فَقَالا: «إِنَّ النَّبِيَّ صلی الله علیه و آله و سلم كَانَ إِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ انْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَقُومُ فَيُصَلِّي فَخَرَجَ فِی أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لِيُصَلِّيَ كَمَا كَانَ يُصَلِّي فَاصْطَفَّ النَّاسُ خَلْفَهُ، فَهَرَبَ مِنْهُمْ إِلَى بَيْتِهِ وَتَرَكَهُمْ فَفَعَلُوا ذَلِكَ ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَقَامَ صلی الله علیه و آله و سلم فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ عَلَى مِنْبَرِهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الصَّلَاةَ بِاللَّيْلِ فِی شَهْرِ رَمَضَانَ مِنَ النَّافِلَةِ فِي جَمَاعَةٍ بِدْعَةٌ وَصَلَاةَ الضُّحَى بِدْعَةٌ، أَلَا فَلَا تَجْتَمِعُوا لَيْلًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَلَا تُصَلُّوا صَلَاةَ الضُّحَى، فَإِنَّ تِلْكَ مَعْصِيَةٌ، أَلَا فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ سَبِيلُهَا إِلَى النَّارِ، ثُمَّ نَزَلَ صلی الله علیه و آله و سلم وَهُوَ يَقُولُ: قَلِيلٌ فِي سُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ فِي بِدْعَةٍ». «من لا يحضره الفقيه» ج2/137 الحديث 1964.
2- «جواهر الكلام» ج11/300.

والإمام الرّاحل قدس سره في «التحرير» بقوله:

الأذان الثاني يوم الجمعة بدعةٌ محرمةٌ، وهو الأذان الّذي يأتي المخالفون به بعد الأذان الموظّف، وقد يطلق عليه الأذان الثّالث، ولعلّه باعتبار كونه ثالث الأذان والإقامة، أو ثالث الأذان للإعلام والأذان للصّلاة، أو ثالثٌ باعتبار أذان الصّبح والظهر، والظّاهر أنّه غير الأذان للعصر(1).

وقد عرّفه عبد الرّحمن الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة» بقوله:

يجب السّعي لصلاة الجمعة علی من تجب عليه الجمعة إذا نودي لها بالأذان الّذي بين يدی الخطيب...، ولم يكن معروفاً في عهد النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم سوی هذا الأذان، فكان إذا صعد صلی الله علیه و آله و سلم المنبر أذّن المؤذّنون بين يديه، وقد روی ذلك البخاري وأبو داوود والنّسائي والتّرمذي، وقد زاد عثمان رضي الله عنه نداءً قبل هذا عند ما كثر النّاس، روی عن السّائب بن يزيد قال: كان النّداء يوم الجمعة أوّله إذا جلس الإمام علی المنبر علی عهد النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وأبي بكر وعمر، فلمّا كان زمن عثمان وكثر النّاس زاد النّداء الثاني علی الزّوراء، وفي رواية زاد الأذان الثّالث، ولكن المراد به هنا الأذان، وإنّما سمّاه ثالثاً لأنّ الإقامة تسمی أذاناً، وممّا لا ريب فيه أنّ زيادة هذا الأذان مشروعةٌ، لأنّ الغرض منه الإعلام، فلمّا كثر النّاس كان إعلامهم بوقت الصّلاة مطلوباً، وسيّدنا عثمان من كبار الصّحابة المجتهدين الّذين عرفوا قواعد الدّين ونقلوها عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم (2).

ص: 430


1- «تحريرالوسيلة» ج1/240، الثّاني من فروع مسائل «القول فی وقت صلاة الجمعة».
2- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/376 - 377.

قد استدلّ الإماميّة علی حرمة الأذان الثّالث يوم الجمعة زائداً علی الإجماع المستفاد من كلام العلامة رحمه الله في «التّذكرة» بعدّة روايات، منها ما تلي:

موثّقة مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أبي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ علیه السلام حَيثُ قَالَ: «الْأَذَانُ الثَّالِثُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِدْعَةٌ»(1).

وموثّقة مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْخَرَّازِ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ علیه السلام: «الْأَذَانُ الثَّالِثُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِدْعَةٌ»(2).

والظّاهر كونهما واحدة وإن عدّهما صاحب الوسائل حديثين وكان الرّاوي عن حفص بن غياث في الاُولی محمّد بن خالد البرقي الّذي هو والد أبي جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي(3)، وفي الثّانية محمّد بن يحيی الخزّاز، وذلك لوحدة الرّاوي عن الإمام علیه السلام والمتن والمروي عنه.

وما رواه الطّبرسي في «مجمع البيان» عن السّائب بن زيد أنّه قال:

كان لرسول اللَّه صلی الله علیه و آله و سلم مؤذِّن واحد بلال، فكان إذا جلس على المنبر أذَّن على باب المسجد، فإذا نزل أقام الصّلاة، كان أَبوبكر وعمر كذلك حتّى إذا كان عثْمان وكثر النّاس، وتباعدت المنازل زاد أذاناً، فأمر بالتّاذين الأوّل على سطح دار له بالسّوق يقال لها الزّوْراء، وكان يؤَذّن له عليها فإذا جلس عثمان على المنبر أذّن مؤذّنه، فإذا نزل أقام للصّلاة(4).

فإنّ فيها تصريحاً بأنّ الزّيادة كانت بأمر عثمان وهي بدعة محرّمة.

ص: 431


1- «التهذيب» ج3/19 الحديث 67، «وسائل الشيعة» ج7/400 الحديث 9687.
2- «الكافي» ج3/421 الحديث 5، «وسائل الشيعة» ج7/400 الحديث 9688.
3- راجع: «رجال النّجاشي» ص 76.
4- «مستدرك الوسائل» ج6/98 الحديث 6522.

السابع والعشرون: حكم تكرار الرّكوع في الرّكعة الثّانية.

تقدّم أنّ كيفية صلاة الجمعة كصلاة الصّبح إلّا أنّ فيها قنوتين؛ أحدهما في الرّكعة الاُولی قبل الرّكوع، وثانيهما في الرّكعة الثّانية بعده، وحيث كانت عادة المصلّين نوعاً إتيان القنوت في الركعة الثّانية قبل الرّكوع، فإن ركع المأموم في الاُولی سهواً قبل قنوت الإمام يجب عليه العود لتحصيل المتابعة في الرّكوع المشروع(1) فيشمله أدلّتها، بخلاف ما لو عاد إلی الرّكوع ثانياً عن سهو وغفلة بعد قنوته في الرّكعة الثّانية فإنّه تبطل صلاته بواسطة زيادته الرّكن ولا يعمّه أدلّة التبعية لعدم كون الإمام راكعاً حينئذٍ، ولا فرق في بطلان الصّلاة إذا لم تكن هناك تبعيّة بواسطة ترك الرّكن أو زيادته بين السّهو والعمد، قد أرسله فقهاءنا إرسال المسلمات بخلاف العامّة(2).

ص: 432


1- قال السّيد رحمه الله صاحب «العروة»: إذا ركع أو سجد قبل الإمام عمداً لا يجوز له المتابعة لاستلزامه الزيادة العمدية، وأمّا إذا كانت سهواً وجبت المتابعة بالعود إلى القيام أو الجلوس ثمّ الرّكوع أو السجود معه. «العروة الوثقى» ج 1/669، المسألة الرقم 12 من مسائل أحكام الجماعة. ودلّت عليه موثقة ابْنِ فَضَّالٍ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبيی الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام فِي الرَّجُلِ كَانَ خَلْفَ إِمَامٍ يَأْتَمُّ بِهِ فَيَرْكَعُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ رَكَعَ، فَلَمَّا رَآهُ لَمْ يَرْكَعْ رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ أَعَادَ رُكُوعَهُ مَعَ الْإِمَامِ، أَ يُفْسِدُ ذَلِكَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ أَمْ تَجُوزُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ؟ فَكَتَبَ علیه السلام: «تَتِمُّ صَلَاتُهُ، وَلَا تَفْسُدُ بِمَا صَنَعَ صَلَاتُهُ». «التهذيب» ج3/277 الحديث 811، «وسائل الشيعة» ج8/391 الحديث 10985.
2- أقول: تقدّم مزيد بيان لهذه المسألة عند البحث عن لزوم متابعة المأموم إمامه في أفعال الصّلاة وتفصيلاته فی مسألة «اشتراط الخطبة والجماعة في صحّة صلاة الجمعة» من هذا الكتاب، فراجع.

قال المحقّق الحلّي رحمه الله صاحب «الشرائع»:

وكذا (تبطل) لو زاد في الصّلاة ركعة أو ركوعاً أو سجدتين أعاد سهواً وعمداً(1).

وقال العلّامة الحلّي رحمه الله في إعداد مبطلات الصّلاة لأجل ترك الرّكن أو زيادته:

زيادة الرّكن عمداً أو سهواً مبطلة كنقصانه، لما فيه من تغيير هيئة الصّلاة إلّا زيادة القيام سهواً، فلو زاد ركوعاً أو سجدتين دفعة أعاد، (إلی أن قال:) وقال الشّافعي وأحمد وأبوحنيفة: لا يعيد لو زاد سهواً بل يسجد للسهو(2).

وقال السيّد محمّد كاظم اليزدي رحمه الله صاحب «العروة»:

الثاني عشر (من مبطلات الصّلاة) زيادة جزء أو نقصانه عمداً إن لم يكن ركناً، ومطلقاً إن كان ركناً(3).

وقال ابن قدامة الحنبلي:

الزّيادات علی ضربين؛ زيادة من جنس الصّلاة، مثل أن تقوم في موضع الجلوس، أو يجلس في موضع القيام، أو يزيد ركعة أو ركناً، فهذا تبطل الصّلاة بعمده ويسجد لسهوه، قليلاً كان أو كثيراً لقول النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «إذا زاد الرّجل أو نقص فليسجد سجدتين»، رواه مسلم، والثاني من غير جنس الصّلاة كالمشي والحك والتروح، فهذا تبطل

ص: 433


1- «شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام» ج1/104.
2- «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج3/307، المسألة الرقم 338.
3- «العروة الوثقی» ج1/612.

الصّلاة بكثيره ويعفی عن يسيره ولا يسجد له، ولا فرق بين عمده وسهوه(1).

ومثله ابن رشد القرطبي حيث اختصّ البطلان فقط بالأفعال الكثيرة الّتي ليست من جنس الصّلاة، ثمّ نسب ذلك إلی اتفاق المسلمين حيث قال في «معرفة التروك الّتي هي شرط في صحة الصّلاة»:

وأمّا التّروك المشترطة في الصّلاة فاتّفق المسلمون علی أنّ منها قولاً، ومنها فعلاً، فأمّا الأفعال: فجميع الأفعال المباحة الّتي ليست من أفعال الصّلاة، إلّا قتل العقرب والحيّة في الصّلاة، فإنّهم اختلفوا في ذلك لمعارضة الأثر في ذلك للقياس، واتّفقوا فيما أحسب علی جواز فعل الخفيف، وأمّا الأقوال فهي أيضاً الأقوال الّتي ليست من أقاويل الصّلاة، وهذه أيضاً لم يختلفوا أنّها تفسد الصّلاة عمداً(2).

يمكن أن نستدلّ علی بطلان الصّلاة في الصورة الثّانية أي ما لو عاد إلی الرّكوع ثانياً عن سهو وغفلة بعد قنوته في الرّكعة الثّانية، بصحيحة مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى فَذَكَرَ أَنَّهُ زَادَ سَجْدَةً؟ قَالَ: «لَا يُعِيدُ صَلَاةً مِنْ سَجْدَةٍ وَيُعِيدُهَا مِنْ رَكْعَةٍ»(3)، وموثقة عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ رَجُلٍ شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ أَ سَجَدَ ثِنْتَيْنِ أَمْ وَاحِدَةً، فَسَجَدَ اُخری ثُمَّ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ قَدْ زَادَ سَجْدَةً؟ فَقَالَ: «لَا وَاللَّهِ، لَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِزِيَادَةِ سَجْدَةٍ، وَقَالَ: لَا يُعِيدُ صَلَاتَهُ مِنْ سَجْدَةٍ، وَيُعِيدُهَا مِنْ رَكْعَةٍ»(4)، بناءً علی تسمية الجزء باسم الكلّ

ص: 434


1- «المغني لابن قدامة» ج2/30.
2- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج1/331 - 332.
3- «التهذيب» ج2/156 الحديث 610، «وسائل الشيعة»ج 6/319 الحديث 8076.
4- «التهذيب» ج2/156 الحديث 611، «وسائل الشيعة»ج 6/319 الحديث 8077.

لاشتمال الرّكعة علی الركوع، زائداً علی مقابلتها في الخبرين للسّجدة، إلی ذلك أشار الشّيخ محمد حسن النّجفي رحمه الله حيث قال:

فإنّ الظّاهر من مقابلة السّجدة أن يراد بالرّكعة الرّكوع كما فهمه بعضهم، مع إمكان الاستدلال عليه بما دلّ علی إعادة ناسی السّجدة الواحدة ما لم يركع(1).

الثامن والعشرون: حكم المعاملات يوم الجمعة.

بناءً علی القول بالوجوب التعييني للجمعة، فهل يبطل البيع والشّراء وغيرهما من المعاملات إذا تسبّبت بتفويت صلاة الجمعة؟

قد صرّح الشّيخ الطوسي رحمه الله في «الخلاف»(2)، وكذا القاضي ابن البرّاج الطّرابلسي في «جواهر الفقه»(3)، وهبة الله بن الحسن الرّاوندي في «فقه القرآن»(4)، والمحقّق النراقي في «مستند الشّيعة»(5)، وبعض آخر ببطلان المعاملات، لدلالة النّهي المستفاد من آية الجمعة علی الفساد، لكنّه ادّعی الشّيخ محمّد حسن النّجفي رحمه الله صاحب «الجواهر» عدم خلاف الأصحاب في حرمته دون بطلانه، بمعنی أنّ الحكم هنا تكليفي محض ولم يترتّب عليه الحكم الوضعي أي البطلان وذلك للتمسك بأصالة الجواز إلی أن يدلّ علی خلافه دليلٌ، وحُكي عن بعض، كالتّذكرة والغرية والمفاتيح ومصابيح الظَلام، أنّه معقد

ص: 435


1- «جواهرالكلام» ج12/250.
2- «كتاب الخلاف» ج1/631، المسألة 404.
3- «جواهرالفقه» ص 26، «سلسلة الينابيع الفقهيَّة» ج3/395.
4- «فقه القرآن (للراوندي)» ج1/134، «سلسلة الينابيع الفقهيَّة» ج4/510.
5- «مستند الشّيعة في أحكام الشّريعة» ج6/141.

إجماعهم حيث قال بعد قول المحقّق رحمه الله في «الشرائع»: «يحرم البيع يوم الجمعة بعد الأذان»:

بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المحكي عن جامع المقاصد، بل هو معقد إجماع التّذكرة والغرية والمفاتيح ومصابيح الظّلام علی ما حكی عن بعضها، وإليه يرجع ما عبّر به جماعة من الحرمة وقت النّداء، بل هو معقد ما يحكی من إجماع غاية المرام والجواهر، بل لعلّ مراد الجميع الحرمة بعد الشّروع فيه كما صرّح به في الشّافعية ناسباً له إلی الأصحاب، بل لعلّه المراد من معقد إجماع الخلاف علی تحريمه بعده حين يقعد الإمام علی المنبر، والمنتهی «أنّه مذهب علماء الأمصار» والتّذكرة «لا خلاف فيه بين العلماء»(1).

وهكذا ظاهر الإمام الخمينی قدس سره في «التحرير» حيث قال:

لا يحرم البيع ولا غيره من المعاملات يوم الجمعة بعد الأذان في أعصارنا ممّا لا تجب الجمعة فيها تعييناً(2).

فلازم كلامه قدس سره حرمة البيع وغيره من المعاملات لوكانت الجمعة واجبة بالوجوب التعييني.

وكذلك الحكم عند العامّة علی ما صرّح به عبد الرحمن الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة» حيث قال:

يجب السَّعي للصّلاة الجمعة علی من تجب عليه الجمعة إذا نُودي لها بالأذان الّذي بين يدي الخطيب، ويحرم البيع في هذه الحالة لقوله

ص: 436


1- «جواهر الكلام» ج11/304.
2- «تحريرالوسيلة» ج1/240، الفرع الثالث.

تعالی: (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَومِ الجُمُعَةِ فَاسعَوا إلَی ذِكرِ اللهِ وذَرُوا البَيعَ)(1).

ثمّ الظّاهر بل الأقوی كما صرّح به الرّاوندي رحمه الله والعلّامة رحمه الله علی ما حكی عنه في «الحدائق» ومال إليه المحدث البحراني رحمه الله أنّه لا يقيد التّحريم علی القول به خصوص البيع، بل يعمّ سائر المعاملات حملاً للبيع علی مطلق المعاوضات من باب عموميّة العلّة والحكمة، فيشمل غيره من العقود الّتي تمنع عن السّعي(2)، خلافاً للمحقّق رحمه الله في «المعتبر»، حيث خصّ التحريم بالبيع من

ص: 437


1- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/376.
2- قال البحراني رحمه الله : اختلف الأصحاب (رضوان اللَّه عليهم) فی غير البيع من العقود والإيقاعات كالصّلح والإجارة والنكاح والطلاق ونحوها، فألحقها العلّامة قدس سره وجماعة بالبيع للمشاركة في العلّة المومئ إليها في قوله سبحانه تعالى: (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ)، وإنّما خصّ البيع بالذّكر لانّ فعله كان أكثرياً لأنّهم كانوا يهبطون إلى المدينة من سائر القرى لأجل البيع والشّراء. وأيضاً فإنّ ظاهر الآية يقتضي وجوب السّعي بعد النّداء على الفور لا من جهة الأمر لعدم دلالته على الفورية كما تقرر فی الاُصول، بل من جهة أنّ الأمر بترك البيع والسّعي إلى الصّلاة قرينة إرادة المسارعة فيكون كلّ ما نافاها كذلك، أقول: ويعضد ذلك رواية السّري المتقدمة وإن كانت بلفظ الكراهة إلا أنّك قد عرفت أن حملها على التّحريم غير بعيد وقد دلّت على كراهة السّعي في الحوائج الّذي هو أعمّ من العقود أيضاً كما ذهب اليه بعضهم في المقام. «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج 10/174 - 175.

باب الاقتصار علی موضع النصّ ولبطلان القياس(1)، وكيف كان يختصّ الحكم بمن يجب عليه السّعي، فلا يعمّ الطرف الآخر إذا كان ممن استثنی عنه الجمعة.

قال الرّاوندي رحمه الله :

وتحريم البيع يدلّ علی تحريم سائر ما يشغل عن التّوفّر علی سماع الذكر وتدبّره حتّی الكلام، لأنّ النهی يدلّ علی فساد المنهي عنه(2).

أقول: لكنّ التحقيق يقتضي كون النهي الوارد في المقام إرشادياً غير مولوي، وذلك لما بُيّن في الاُصول(3) من أنّ مخالفة الأوامر والنّواهي الواردة في باب المعاملات وكذا الواجبات غير التّعبديّة ما لم يرجع إلی فقدان الشّرط أو الجزء ولم يكن متعلّقاً بنفس المعاملة أو أحد أركانها وصفاتها اللازمة، فهو غير مبطل وغير حرام، بل يأتي للإرشاد إلی حكم آخر، وما نحن بصدده من هذا القبيل حيث إنّ الأمر الوارد في الكتاب بترك البيع لا يكون إلّا لأجل إرشاد المؤمنين لحضور الجمعة لا لمنقصة ذاتية في ذات البيع الكذائي كما في مثل الخمر والخنزير، تشهد بذلك قوله عزّ وجل في ذيل الكريمة: (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ

ص: 438


1- حيث قال رحمه الله : هل يحرم غيره من العقود؟ الأشبه بالمذهب لا، خلافاً لطائفة من الجمهور، لنا اختصاص النّهي بالبيع فلا يعدّي إلى غيره. راجع: «المعتبر في شرح المختصر» ج 2/297.
2- «فقه القرآن (للراوندي)» ج1/134، «سلسلة الينابيع الفقهيَّة» ج4/510.
3- من الّذين شرحه بشكل مبسوط العلّامة المظفر رحمه الله في مسألة «دلالة النهي علی الفساد» في مبحث «الملازمات العقلية» راجع: «اُصول الفقه» ص 357 - 3359.

تَعْلَمُونَ)(1)، وكذا التّعليل المذكور في خبر السّرِيِّ بن سلامة عَنْ أبي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ علیه السلام قَالَ: «يُكْرَهُ السَّفَرُ وَالسَّعْيُ في الْحَوَائِجِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بُكْرَةً مِنْ أَجْلِ الصَّلَاةِ فَأَمَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَجَائِزٌ يُتَبَرَّكُ بِهِ»(2)، وفي مرفوعة مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الرَّضِيّ في «نهج البلاغة» عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام في كِتَابِهِ إِلَى الْحَارِثِ الْهمداني قَالَ: «وَلَا تُسَافِرْ في يَوْمِ جُمُعَةٍ حَتَّى تَشْهَدَ الصَّلَاةَ إلّا نَاصِلاً في سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ في أَمْرٍ تُعْذَرُ بِهِ»(3)، فمن لم يكن من عزمه حضور الجمعة عصياناً فلا دليل زائداً علی حرمة تركه الجمعة، علی بطلان أو حرمة معاملاته، وما يفعله من الأفعال والواجبات غير التّعبديّة بل التّعبديّة - بناءً علی الأمر الترتّبي - في ظرفه، خصوصاً عند من لم يعتقد بأنّ الأمر بالشيء وهو في المقام صلاة الجمعة مثلاً، يقتضي النّهي عن ضدّه(4) كما هو المختار، فللضّدّ من الحكم ما كان له قبل الجمعة، فبناءً علی ذلك لوكانت المعاملات قبل صلاة الجمعة مباحةً أو مكروهةً أو محرّمةً أو مندوبةً فكذلك بعدها، نعم لو كانت واجبةً يقع التّزاحم فلابدّ من علاج التّزاحم بينهما من إعمال مرجحات باب التّزاحم(5)، وهذا غير بطلان

ص: 439


1- «الجمعة» : 9/554.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج1/273 الحديث 1251، «وسائل الشيعة» ج7/406 الحديث 9701.
3- «نهج البلاغة» كتاب الرقم 69، «وسائل الشيعة» ج7/407 الحديث 9706.
4- راجع: كتب الاٌصول مبحث «هل الأمر بالشّيء يقتضي النّهي عن ضدّه؟».
5- راجع : كتب الاٌصول مبحث «التّعادل والتّراجيح» مرجحات المتزاحمين.

الظّهر لمن صلاّهفي وقت الجمعة، حيث إنّ الظّهر حينئذٍ لم يكن بمأمور به حتّی يسقط به ما يكون واجباً عليه(1).

وبعبارة اُخری: إنّ مثل المقام مثل من كان تاركاً لصلاتي الظّهر والعصر عصياناً في غير الجمعة من الأيّام، فهل نحكم ههنا ببطلان أو حرمة معاملاته الّتي يفعله في تلك المدّة زائداً علی معصية وحرمة كونه تاركاً للظّهرين؟! فكذلك مثل من كان تاركاً للجمعة اشتغالاً ببيع أو شراء ونحوهما.

وقد صرّح بذلك أحمد بن عليّ الجصّاص (م سنة 370 ه-) الّذي كان إمام الحنفية في عصره حيث قال:

لم يتعلّق النّهي بمعنى في نفس العقد وإنّما تعلّق بمعنى في غيره وهو الاشتغال عن الصّلاة وجب أن لا يمنع وقوعه، وصحّته كالبيع في آخر وقت صلاة يخاف فوتها إن اشتغل به وهو منهي عنه ولا يمنع ذلك صحّته لأنّ النّهي تعلّق باشتغاله عن الصّلاة، وأيضاً هو مثل تلقي الجلب وبيع حاضر لباد، والبيع في الأرض المغصوبة ونحوها كونه منهياً عنه لا يمنع وقوعه(2).

ص: 440


1- أقول: قد ادّعی في «الجواهر» عدم وجدانه الخلاف لبطلان الظّهر حينئذ، بل في المحكي عن التّذكرة والمنتهی وجامع المقاصد وظاهر المعتبر الإجماع عليه. «جواهر الكلام» ج 11/143.
2- «أحكام القرآن (الجصاص)» ج5/342.

وأشار إليه القرطبي (م 595 ه-) أيضاً حيث قال:

واختلفوا في حكمه (البيع وقت النداء) إذا وقع، هل يفسخ أو لا يفسخ؟ فإن فسخ فعلی من يفسخ، وهل يلحق سائر العقود في هذا المعنی بالبيع أو لا يلحق؟ فالمشهور عن مالك أنّه يفسخ، وقد قيل لا يفسخ، وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة. وسبب الخلاف كما قلنا غير مرّة: هل النهي الوارد لسببٍ من خارج يقتضی فساد المنهي عنه أو لا يقتضيه؟ وأمّا علی من يفسخ فعند مالك علی من تجب عليه الجمعة، لا علی من لا تجب عليه، وأمّا أهل الظاهر فتقتضی اُصولهم أن يفسخ علی كلّ بائع. وأمّا سائر العقود فيحتمل أن تلحق بالبيوع، لأنّ فيها المعنی الّذي في البيع من الشغل به عن السعي إلی الجمعة، ويحتمل أن لا يلحق به لأنّها تقع في هذا الوقت نادراً، بخلاف البيوع. وأمّا سائر الصلوات فيمكن أن تلحق بالجمعة علی جهة الندب لمرتقب الوقت، فإن فات فعلی جهة الحظر، وإن كان لم يقل به أحد في مبلغ علمي(1).

❊ ❊ ❊

ص: 441


1- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج4/524 - 527.

ص: 442

الفصل السّادس:آداب صلاة الجمعة وسننها

اشارة

ص: 443

ص: 444

إضافةً إلى ما ذُكر من الأحكام والمسائل حول صلاة الجمعة في الأبحاث السّابقة، فليوم الجمعة المبارك لها آدابٌ وسُننٌ خاصّةٌ بها، ينبغي للمكلّف معرفتها والقيام بها، لما لها من شأن عظيم وثواب جزيل، نذكرها في هذا الفصل ضمن المباحث التالية:

الأوّل: الاستحمام والتّنظيف.

يستحب في هذا اليوم الاستحمام والتّنظيف والزينة، قال كاشف الغطاء رحمه الله :

يستحب أن يدعو عند التّهيّؤ للخروج للجمعة والعيدين بدعاء مخصوص...، وأن يغسل رأسه بالخطمي...، وأن يحلق رأسه لأنّه نوع من التّنظيف(1).

وقال عبد الرحمن الجزيري:

وأمّا مندوبات الجمعة، فمنها تحسين الهيئة، بأن يقلم أظفاره، ويقصّ شاربه، وينتف إبطه ونحو ذلك، ومنها التّطيب والاغتسال، وهو سنة باتفاق ثلاثة، وقال المالكية: أنّه مندوب لا سنة، والأمر في ذلك سهل(2).

ص: 445


1- «كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء (ط- الحديثة)» ج3/267.
2- راجع: «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/403. ثم إنّه عرف السنة والمندوب والمستحب عند المذاهب بقوله: قد اختلفت آراء المذاهب في معاني السّنة، والمندوب، والمستحب، والفضيلة....، الشّافعية قالوا: إنّ السّنة، والمندوب، والمستحب، والتّطوع ألفاظ مترادفة بمعنى واحد، وهو ما يطلب من المكلّف أن يفعله، طلباً غير جازم، فإذا فعله يثاب على فعله، وإذا تركه لا يعاقب على تركه...، والمالكية قالوا: السّنة هي ما طلبه الشّارع، وأكّد أمره، وعظم قدره. وأظهره في الجماعة ولم يقم دليل على وجوبه ويثاب فاعلها، ولا يعاقب تاركها، وهي بخلاف المندوب عندهم. فإنّه ما طلبه الشّارع ولم يؤكّد طلبه وإذا فعله المكلّف يثاب وإذا تركه لا يعاقب، ويعبّرون عن المندوب بالفضيلة، ويمثّلون لذلك بصلاة أربع ركعات قبل الظّهر...، والحنفية قالوا: تنقسم السّنة إلى قسمين؛ الأوّل: سنة مؤكدة، وهي بمعنى الواجب عندهم لأنهم يقولون: إنّ الواجب أقلّ من الفرض وهو ما ثبت بدليل فيه شبهة ويسمّى فرضاً عملياً، بمعنى أنّه يعامل معاملة الفرائض في العمل، فيأثم بتركه ويجب فيه التّرتيب والقضاء ولكن لا يجب اعتقاد أنّه فرض، وذلك كالوتر، فإنّه عندهم فرض عملاً لا اعتقاداً، فيأثم تاركه ولا يكفر منكر فرضيته، بخلاف الصّلوات الخمس، فإنّها فرض عملاً واعتقاداً، فيأثم تاركها ويكفر منكرها، على أنّ تارك الواجب عند الحنفية لا يأثم إثم تارك الفرض، فلا يعاقب بالنّار على التّحقيق بل يحرم من شفاعة الرّسول عليه الصّلاة والسّلام...، والحنابلة قالوا: السّنة، والمندوب، والمستحب ألفاظ مترادفة بمعنى واحد، وهو ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه كما قال الشّافعية، إلّا أنّهم يقسّمون السّنة إلى مؤكّدة، وغير مؤكّدة، فالمؤكّد كالوتر، وركعتي الفجر والتّراويح، وتركها عندهم مكروه، أما ترك غير المؤكّدة فليس بمكروه. «نفس المصدر» ص 64 - 65.

يستفاد ممّا وردت من الأخبار والرّوايات الواردة في المقام أنّ التّنظيف والتّحسين يحصل باُمورٍ:

منها: التّنوير، حيث يدلّ عليه العديد من الرّوايات، كصحيحة حُذَيْفَةَ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم يَطْلِي الْعَانَةَ ومَا تَحْتَ الْأَلْيَيْنِ في كُلِّ جُمُعَةٍ»(1).

ومرفوعة أحمد بن خالد البرقي عن الإمام الصّادق علیه السلام قال: قِيلَ لَهُ يَزْعُمُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ النُّورَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَكْرُوهَةٌ؟ فَقالَ: «لَيْسَ حَيْثُ ذَهَبْتَ، أَيُّ طَهُورٍ أَطْهَرُ مِنَ النُّورَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؟!»(2).

ص: 446


1- «الكافي» ج6/507 الحديث 14، «وسائل الشيعة» ج7/367 الحديث 9597.
2- «الكافي» ج6/506 الحديث 10، «وسائل الشيعة» ج7/366 الحديث 9596.

والّذي يستفاد من الصّحيحة استحباب التّنوير في كلّ اُسبوع، وتؤيّد ذلك بالمرفوعة أيضاً، ثمّ يتأكد الرّجحان في كلّ خمسة عشر يوماً، كما تدلّ عليه صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَن أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام، حيث قال: «أُحِبُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَطَّلِيَ في كُلِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً»(1)، إلی أن يشتدّ التّأكيد في كلّ عشرين كما تدلّ عليه صحيحة أبي نَصْرٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِنْقَريیِّ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «السُّنَّةُ في النُّورَةِ في كُلِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً، فَإِنْ أَتَتْ عَلَيْكَ عِشْرُونَ يَوْماً ولَيْسَ عِنْدَكَ فَاسْتَقْرِضْ عَلَى اللَّهِ»(2).

وصحيحة ابْنِ أبي عُمَيْرٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «السُّنَّةُ في النُّورَةِ في خَمْسَةَ عَشَرَ، فَإِنْ أَتَتْ عَلَيْكَ عِشْرُونَ يَوْماً ولَيْسَ عِنْدَكَ فَاسْتَقْرِضْ عَلَى اللَّهِ»(3).

ويكره كراهةً شديدةً ترك طلي العانة للرّجال أكثر من أربعين يوماً، وللنّساء أكثر من عشرين يوماً كما تدلّ عليه موثّقة النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَن رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ فَلَا يَتْرُكْ عَانَتَهُ فَوْقَ أَرْبَعِينَ يَوْماً، ولَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تَدَعَ ذَلِكَ مِنْهَا فَوْقَ عِشْرِينَ يَوْماً»(4) .

ص: 447


1- «الكافي» ج6/506 الحديث 8، «وسائل الشيعة» ج2/71 الحديث 1515.
2- «الكافي» ج6/506 الحديث 9، «من لا يحضره الفقيه» ج1/67 الحديث 259، «وسائل الشيعة» ج2/71 الحديث 1514.
3- «التهذيب» ج1/ 375 الحديث 1157، «وسائل الشيعة» ج2/71 الحديث 1513.
4- «الكافي» ج6/506 الحديث 11، «وسائل الشيعة» ج2/139 الحديث 1739.

وكذا الكلام في استحباب طلي الإبطين، كما تدلّ عليه صحيحة ابْنِ أبي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ وحَفْصٍ اَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام كَانَ يَطْلِي إِبْطَيْهِ بِالنُّورَةِ في الْحَمَّامِ(1).

وموثَّقة النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونيِّ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَن رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم: «لَا يُطَوِّلَنَّ أَحَدُكُمْ شَعْرَ إِبْطَيْهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَتَّخِذُهُ مَخْبَأً يَسْتَتِرُ بِهِ»(2).

ومنها: خضاب الرَأس واللحية بالحناء وبالسَواد، ويمكن أن يستدلّ عليه بروايات مستفيضة، بل متواترة، منها ما تلي:

1 - صحيحة ابْنِ أبي عُمَيْرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أبي الْحَسَنِ علیه السلام: «فِي الْخِضَابِ ثَلَاثُ خِصَالٍ؛ مَهِيبَةٌ في الْحَرْبِ، ومَحَبَّةٌ إِلَى النِّسَاءِ، ويَزِيدُ في الْبَاهِ»(3).

2 - صحيحة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام، حَيثُ قَالَ: «خَضَبَ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم ولَمْ يَمْنَعْ عَلِيّاً، إلّا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم تُخْضَبُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، وقَدْ خَضَبَ الْحُسَيْنُ وأَبُو جَعْفَرٍ صلی الله علیه و آله و سلم »(4).

3 - صحيحة مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ حيث قال: «رَأَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام يَخْتَضِبُ بِالْحِنَّاءِ خِضَاباً قَانِياً»(5).

ص: 448


1- «التهذيب» ج1/376 الحديث 1159، «وسائل الشيعة» ج2/135 الحديث 1725.
2- «الكافي» ج6/507 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج2/136 الحديث 1726.
3- «وسائل الشيعة» ج2/82 الحديث 1552.
4- «وسائل الشيعة» ج2/82 الحديث 1550.
5- «وسائل الشيعة» ج2/94 الحديث 1586.

4 - صحيحة مُوسَى الْوَرَّاقِ عَنْ أبي الْحَسَنِ علیه السلام: «دَخَلَ قَوْمٌ عَلَى أبي جَعْفَرٍ علیه السلام فَرَأَوْهُ مُخْتَضِباً بِالسَّوَادِ فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: إِنِّي رَجُلٌ أُحِبُّ النِّسَاءَ فَأَنَا أَتَصَنَّعُ لَهُنَّ»(1).

5 - موثَّقة الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ إذْ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أبي الْحَسَنِ علیه السلام وقَد اخْتَضَبَ بِالسَّوَادِ، فَقُلْتُ: أَرَاكَ اخْتَضَبْتَ بِالسَّوَادِ؟ فَقالَ: «إِنَّ في الْخِضَابِ أَجْراً، والْخِضَابُ والتَّهْيِئَةُ مِمَّا يَزِيدُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ في عِفَّةِ النِّسَاءِ، ولَقَدْتَرَكَ النِّسَاءُ الْعِفَّةَ بِتَرْكِ أَزْوَاجِهِنَّ لَهُنَّ التَّهْيِئَةَ، قُلْتُ: بَلَغَنَا أَنَّ الْحِنَّاءَ يَزِيدُ في الشَّيْبِ! فَقالَ: «أَيُّ شيء يَزِيدُ في الشَّيْبِ؟ الشَّيْبُ يَزِيدُ في كُلِّ يَوْمٍ»(2).

6 - موثَّقة حُسَيْنِ بنِ عمر بنِ يزِيد عن أَبيه قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «الْخِضَابُ بِالسَّوَادِ أُنْسٌ لِلنِّسَاءِ ومَهَابَةٌ لِلْعَدُو»(3).

7 - خبر سَعْدِ بْنِ طَرِيف عَنِ الْأَصْبَغ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام: مَا مَنَعَكَ مِنَ الْخِضَابِ وقَدِ اخْتَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم ؟ فَقال: «أَنْتَظِرُ أَشْقَاهَا أَنْ يَخْضِبَ لِحْيَتِي مِنْ دَمِ رَأْسِي بِعَهْدٍ مَعْهُودٍ أَخْبَرَنِي بِهِ حَبِيبِي رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم »(4).

8 - خبر الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، حَيثُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم: «غَيِّرُوا الشَّيْبَ ولَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ والنَّصَارَى»(5).

ص: 449


1- «الكافي» ج6/480 الحديث 3، «وسائل الشيعة» ج2/82 الحديث 1551.
2- «الكافي» ج6/480 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج2/88 الحديث 1568.
3- «الكافي» ج6/483 الحديث 7، «وسائل الشيعة» ج2/89 الحديث 1570.
4- «وسائل الشيعة» ج2/84 الحديث 1559.
5- «وسائل الشيعة» ج2/84 الحديث 1557.

9 - الحديثُ المرويُّ عَنْ مَوْلىً لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ علیه السلام إذ قال: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ علیه السلام يَقُولُ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم: اخْضِبُوا بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ ويُنْبِتُ الشَّعْرَ ويُطَيِّبُ الرِّيحَ ويُسَكِّنُ الزَّوْجَةَ»(1).

10 - مرفوعة عُبْدُوسِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَن الإِمامِ الصَّادِقِ علیه السلام: «الْحِنَّاءُ يَذْهَبُ بِالسَّهَكِ ويَزِيدُ في مَاءِ الْوَجْهِ ويُطَيِّبُ النَّكْهَةَ ويُحَسِّنُ الْوَلَدَ»(2).

ومنها: غسل الرأس بالخطميّ والسّدر، وتدلّ عليه أخبارٌ عديدةٌ، منها:

1 - صحيحة ابْنِ أبي عُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَن أبی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وقَصُّ الشَّارِبِ وغَسْلُ الرَّأْسِ بِالْخِطْمِيِّ كُلَّ جُمُعَةٍ يَنْفِي الْفَقْرَ ويَزِيدُ في الرِّزْقِ»(3).

2 - موثّقة الكليني رحمه الله عن أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «غَسْلُ الرَّأْسِ بِالْخِطْمِيِّ في كُلِّ جُمُعَةٍ أَمَانٌ مِنَ الْبَرَصِ والْجُنُونِ»(4).

3 - موثَّقة مَنْصُورٍ بُزُرْجَ حَيثُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الكاظم علیه السلام يَقُولُ: «غَسْلُ الرَّأْسِ بِالسِّدْرِ يَجْلِبُ الرِّزْقَ جَلْباً»(5).

4 - خبر مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ الإِمامِ عَلِيٍّ علیه السلام أنّهُ قَالَ: «لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ وظَهَرَ الْوَحْيُ رَأَى قِلَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ وكَثْرَةً

ص: 450


1- «الكافي» ج6/483 الحديث 4، «وسائل الشيعة» ج2/95 الحديث 1590.
2- «الكافي» ج6/484 الحديث 5، «وسائل الشيعة» ج2/95 الحديث 1591.
3- «الكافي» ج6/491 الحديث 10، «وسائل الشيعة» ج7/354 الحديث 9559.
4- «الكافي» ج6/504 الحديث 2، «وسائل الشيعة» ج7/354 الحديث 9557.
5- «الكافي» ج6/504 الحديث 6، «وسائل الشيعة» ج2/62 الحديث 1487.

مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَاهْتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم هَمّاً شَدِيداً، فَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ إِلَيْهِ جَبْرَئِيلَ بِسِدْرٍ مِنْ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَغَسَلَ بِهِ رَأْسَهُ، فَجَلَا بِهِ هَمَّهُ»(1).

ومنها: أخذ الشّارب وتقليم الأظفار، كما ورد في الرّوايات التالية:

1 - صحيحة الْحُسَيْنِ بْنِ أبي الْعَلَاءِ أَنَّهُ قَالَ لِلإمامِ الصَّادِقِ علیه السلام: «مَا ثَوَابُ مَنْ أَخَذَ مِنْ شَارِبِهِ وقَلَّمَ أَظْفَارَهُ في كُلِّ جُمُعَةٍ؟ قَالَ: «لَا يَزَالُ مُطَهَّراً إِلَى الْجُمُعَةِ الْاُخری»(2).

2 - صحيحة هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: «تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يُؤْمِنُ مِنَ الْجُذَامِ والْجُنُونِ والْبَرَصِ والْعَمَى، فَإِنْ لَمْ تَحْتَجْ فَحُكَّهَا حَكّاً»(3).

3 - صحيحة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي يَعْفُورٍ أَنَّهُ قَالَ لِلإمامِ الصَّادِقِ علیه السلام: يُقَالُ مَا اسْتُنْزِلَ الرِّزْقُ بِشيء مِثْلِ التَّعْقِيبِ فِيمَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَقَالَ: «أَجَلْ، ولَكِنْ اُخْبِرُكَ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ، أَخْذِ الشَّارِبِ وتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ»(4).

ص: 451


1- «الكافي» ج6/505 الحديث 7، «وسائل الشيعة» ج2/62 الحديث 1488.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج1/73 الحديث 307، «وسائل الشيعة» ج7/356 الحديث 9563.
3- «من لا يحضره الفقيه» ج1/73 الحديث 302، «وسائل الشيعة» ج7/355 الحديث 9560.
4- «من لا يحضره الفقيه» ج1/74 الحديث 311، «وسائل الشيعة» ج7/355 الحديث 9562.

4 - خبر الْحَسَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ: قَالَ لِي أبُوعَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «خُذْ مِنْ شَارِبِكَ وأَظْفَارِكَ في كُلِّ جُمُعَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شيء فَحُكَّهَا، لَا يُصِيبُكَ جُنُونٌ ولَا جُذَامٌ ولَا بَرَصٌ»(1).

5 - خبر إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ زَكَرِيَّا عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى عَن أَبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «مَنْ قَصَّ أَظَافِيرَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وتَرَكَ وَاحِدَةً لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ نَفَى اللَّهُ عَنْهُ الْفَقْرَ»(2).

6 - خبر هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنّهُ قَالَ: «تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يُؤْمِنُ مِنَ الْجُذَامِ والْبَرَصِ والْعَمَى، وإِنْ لَمْ تَحْتَجْ فَحُكَّهَا حَكّا، قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: مَنْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ وقَصَّ شَارِبَهُ في كُلِّ جُمُعَةٍ ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وبِاللَّهِ وعَلَى سُنَّةِ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، اُعْطِيَ بِكُلِّ قُلَامَةٍ وجُزَازَةٍ عِتْقَ رَقَبَةٍ مِنْ وُلْدِ إِسْمَاعِيلَ»(3).

ص: 452


1- «الكافي» ج6/490 الحديث 3، «وسائل الشيعة» ج7/357 الحديث 9570.
2- «ثواب الأعمال» ص 41 الحديث 3، «وسائل الشيعة» ج7/361 الحديث 9582.
3- «ثواب الأعمال» ص 42 الحديث 5، «وسائل الشيعة» ج7/362 الحديث 9587.

الثاني: غسل الجمعة.

غسل الجمعة سنّةٌ مؤكدةٌ عند الفريقين وليس بواجب، قال الشّيخ رحمه الله في «النّهاية»:

ومن السّنن اللازمة، الغسل يوم الجمعة علی النّساء والرّجال والعبيد والأحرار، في السّفر والحضر مع التّمكن من ذلك، ووقت الغسل من طلوع الفجر إلی زوال الشّمس وكلّما قرب من الزّوال كان أفضل، فإن زالت الشّمس ولم يكن قد اغتسل قضاه بعد الزّوال، فإن لم يمكنه قضاه يوم السّبت، فإن كان في سفر وخاف إلّا يجد الماء يوم الجمعة أو لا يتمكن من استعماله جاز له أن يغتسل يوم الخميس(1).

وقال في «الخلاف» وأشار فيه إلی أقوال العامّة:

غسل الجمعة والأعياد مستحب، وبه قال جميع الفقهاء، وذهب أهل الظّاهر داود وغيره إلى أنّه واجب، وروي ذلك عن كعب الأحبار، دليلنا على ذلك: إجماع الفرقة، وأمّا الوجوب فالأصل براءة الذمة، وشغلها بواجب يحتاج الى دليل، وقال في مبحث صلاة الجمعة منه:

غسل يوم الجمعة سنة مؤكّدة وليس بواجب، وبه قال الشّافعي ومالك وأبو حنيفة وأصحابه، وقال الحسن البصري وداود: واجب، دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضاً الأصل براءة الذمة، وإيجاب ذلك يحتاج الى دليل، وروی عن ابن عباس وابن مسعود أنّهما قالا: «غسل يوم الجمعة مسنون»، وروى زرارة عن أبي عبد الله علیه السلام قال: سألته عن غسل يوم

ص: 453


1- «النهاية في مجرّد الفقه والفتاوی» ص 104، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج3/320.

الجمعة قال: «سنة في السّفر والحضر إلّا أن يخاف المسافر على نفسه القر»(1).

وفي «الجواهر»:

علی المشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعاً، بل هي كذلك لانقراض الخلاف فيه علی تقديره، بل لم تعرف حكايته فيه بين من تقدّم من أصحابنا كالمفيد، بل ظاهره عدمه في المقنعة حيث قال: وأمّا الأغسال المسنونة فغسل يوم الجمعة سنّةٌ للرّجال والنّساء، وغسل الإحرام سنّةٌ أيضاً بلا اختلاف(2).

وقال الإمام الرّاحل قدس سره:

غسل الجمعة، وهو من المستحبات المؤكّدة، حتّى قال بعض بوجوبه، ولكنّ الأقوى استحبابه، ووقته من طلوع الفجر الثاني إلى الزّوال، وبعده إلى غروب الجمعة، ومن أوّل يوم السّبت إلى آخره قضاء، ولكنّ الأحوط فيما بعد الزّوال إلى غروب الجمعة أن ينوي القربة من غير تعرض للأداء والقضاء، وأمّا في ليلة السّبت ففي مشروعية إتيانه تأمّل لا يترك الاحتياط بإتيانه فيه رجاء، ويجوز تقديمه يوم الخميس إذا خاف إعواز الماء يوم الجمعة، ثمّ إن تمكّن منه يومها قبل الزّوال لا بعده يستحب إعادته، وإن تركه حينئذٍ يستحب قضاؤه بعد الزّوال منها ويوم السبت، ولو دار الأمر بين التّقديم والقضاء فالأوّل أولى، وفي إلحاق ليلة الجمعة بيوم الخميس تأمّل، فالأحوط إتيانه رجاءً، كما أنّ في

ص: 454


1- «كتاب الخلاف» ج 1/219، المسألة 187 من مسائل الطهارة، و ص 611 المسألة 376 من مسائل صلاة الجمعة.
2- «جواهر الكلام» ج5/2.

إلحاق مطلق الأعذار بإعواز الماء يوم الخميس وجهاً، لكنّ الأحوط تقديمه حينئذٍ رجاءً(1).

وقال ابن رشد القرطبي:

اختلفوا في طهر الجمعة، فذهب الجمهور إلی أنّه سنّة، وذهب أهل الظّاهر إلی أنّه فرضٌ، ولا خلاف فيما أعلم أنّه ليس شرطاً في صحّة الصّلاة(2).

وقال عبد الرّحمن الجزيري:

قد عرفت ممّا قدمناه لك في «موجبات الغسل» الاُمور الّتي توجب الغسل وتجعله فرضاً لازماً، وهناك اُمور يسنّ من أجلها الغسل أو يندب...، المالكية قالوا: الاغتسالات المسنونة ثلاثة؛ أحدها: غسل الجمعة لمصلّيها، ولو لم تلزمه ويصحّ بطلوع الفجر والاتّصال بالذّهاب إلى الجامع، فإن تقدّم على الفجر أو لم يتصل بالذّهاب إلى الجامع لم تحصل السّنة فيعيده لتحصيلها...، والحنفية قالوا: إنّ الاغتسالات المسنونة أربعة، وهي الغسل يوم الجمعة لمن يريد صلاتها فهو للصّلاة لا لليوم، ولو اغتسل بعد صلاة الفجر، ثمّ أحدث فتوضأ وصلّى الجمعة لم تحصل السّنة...، والشّافعية قالوا: إنّ الاغتسالات غير المفروضة كلها سنّة إذا لا فرق بين المندوب والسنّة عندهم، وهي كثيرة: منها غسل الجمعة لمن يريد حضورها، ووقته من الفجر الصّادق إلى فراغ سلام إمام الجمعة، ولا تسنّ إعادته وإن طرأ بعده حدث...، والحنابلة حصروا الاغتسالات المسنونة في ستة عشر

ص: 455


1- «تحريرالوسيلة» ج1/97 - 98 القول في الأغسال المندوبة.
2- «بداية المجتهد ونهاية المفتصد» ج1/466.

غسلاً، وهي الغسل لصلاة جمعة يريد حضورها في يومها إذا صلّاها»(1).

وقد ورد في فضل هذا الغُسل روايات كثيرة رواها الفريقين، منها:

1 - صحيحة مَنْصُور بْنِ حَازِمٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام حَيثُ قَالَ: «الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الرِّجَالِ والنِّسَاءِ في الْحَضَرِ، وعَلَى الرِّجَالِ في السَّفَرِ»(2).

2 - صحيحة زُرارَةَ عَن أَبي جَعْفَرٍ علیه السلام: «لَا تَدَعِ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ، وشَمَّ الطِّيبَ، والْبَسْ صَالِحَ ثِيَابِكَ، ولْيَكُنْ فَرَاغُكَ مِنَ الْغُسْلِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِذَا زَالَتْ فَقُمْ، وعَلَيْكَ السَّكِينَةَ والْوَقَارَ، وقَالَ: «الْغُسْلُ وَاجِبٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ»(3).

3 - صحيحة الْحُسَيْن بْنِ خَالِدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الْأَوَّلَ علیه السلام كَيْفَ صَارَ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِباً؟ فَقالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَتَمَّ صَلَاةَ الْفَرِيضَةِ بِصَلَاةِ النَّافِلَةِ، وأَتَمَّ صِيَامَ الْفَرِيضَةِ بِصِيَامِ النَّافِلَةِ، وأَتَمَّ وُضُوءَ النَّافِلَةِ بِغُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، مَا كَانَ في ذَلِكَ مِنْ سَهْو أَو تَقْصِيرٍ أَو نِسْيَانٍ أَو نُقْصَانٍ».

ثمّ قال الشّيخ الحرّ العاملي رحمه الله صاحب «الوسائل» في ذيل الحديث:

أقول: في هذا قرينة واضحة علی أنّ المراد بالوجوب الاستحباب المؤكد، لأنّ إتمام وضوء النافلة ليس بواجب ولا لازم، كيف وإتمام الصّلاة والصيام الواجبين هنا ليس بواجب للقطع بعدم وجوب صوم النّافلة وصلاة النّافلة(4).

ص: 456


1- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/117 - 120.
2- «الكافي» ج3/42 الحديث 3، «وسائل الشيعة» ج3/311 الحديث 3728.
3- «الكافي» ج3/417 الحديث 4، «وسائل الشيعة» ج3/312 الحديث 3732.
4- «الكافي» ج3/42 الحديث 4، «وسائل الشيعة» ج3/313 الحديث 3734.

4 - صحيحة الْحَسَن بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ عَنْ أَخِيهِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ علیه السلام عَن الْغُسْلِ في الْجُمُعَةِ والْأَضْحَى والْفِطْرِ، فَقالَ: «سُنَّةٌ ولَيْسَ بِفَرِيضَةٍ»(1).

5 - صحيحة زُرَارَةَ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام حَيثُ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ فَقَالَ: «سُنَّةٌ في السَّفَرِ والْحَضَرِ إلّا أَنْ يَخَافَ الْمُسَافِرُ عَلَى نَفْسِهِ الْقُرَّ»(2).

6 - مُوثَّقة عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَن الرَّجُلِ يَنْسَى الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى صَلَّى؟ فَقالَ: «إِنْ كَانَ في وَقْتٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ ويُعِيدَ الصَّلَاةَ، وإِنْ مَضَى الْوَقْتُ فَقَدْ جَازَتْ صَلَاتُهُ»(3).

7 - موثَّقة الْحَسَن بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام حَيثُ قالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ فَاتَهُ الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؟ فَقالَ: «يَغْتَسِلُ مَا بَيْنَهُ وبَيْنَ اللَّيْلِ، فَإِنْ فَاتَهُ اغْتَسَلَ يَوْمَ السَّبْتِ»(4).

8 - ما رواه الصّدوق رحمه الله في «الهداية» عَن الإمامِ الصَّادِقِ علیه السلام: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ عَلَى الرِّجَالِ والنِّسَاءِ في السَّفَرِ والْحَضَرِ»، ورُوِيَ أَنَّهُ رُخِّصَ في تَرْكِهِ لِلنِّسَاءِ في السَّفَرِ لِقِلَّةِ الْمَاءِ، والْوُضُوءُ فِيهِ قَبْلَ الْغُسْلِ، وَقالَ الإمامُ الصَّادِقُ علیه السلام: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ طَهُورٌ وكَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الذُّنُوبِ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ»(5).

ص: 457


1- «التهذيب» ج1/112 الحديث 295، «وسائل الشيعة» ج3/314 الحديث 3736.
2- «التهذيب» ج1/112 الحديث 296، «وسائل الشيعة» ج3/314 الحديث 3737.
3- «التهذيب» ج1/112 الحديث 298، «وسائل الشيعة» ج3/319 الحديث 3753.
4- «التهذيب» ج1/113 الحديث 301، «وسائل الشيعة» ج3/321 الحديث 3760.
5- «مستدرك الوسائل» ج2/501/الحديث 2560.

9 - ما روی في «الْجَعْفَرِيَّات»: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنِی مُوسَى حَدَّثَنَا أبي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ علیه السلام قَالَ: كَانَ عَلِيُّ علیه السلام يَقُولُ: «مَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَعَ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلّا مِنْ عُذْرٍ أَو لِعِلَّةٍ مَانِعَةٍ»(1).

10 - ما رواه في «البحار» بإسناده عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا علیه السلام: كَيْفَ صَارَ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِباً عَلَى كُلِّ حُرٍّ وعَبْدٍ وذَكَرٍ واُنْثَى؟ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى تَمَّمَ صَلَوَاتِ الْفَرَائِضِ بِصَلَوَاتِ النَّوَافِلِ، وتَمَّمَ صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ بِصِيَامِ النَّوَافِلِ، وتَمَّمَ الْحَجَّ بِالْعُمْرَةِ، وتَمَّمَ الزَّكَاةَ بِالصَّدَقَةِ، وتَمَّمَ الْوُضُوءَ بِغُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ»(2).

11 - ما رواه أَبُو الْبَخْتَرِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ علیه السلام عَنِ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ علیه السلام في وَصِيَّةٍ لَهُ: «يَا عَلِيُّ عَلَى النَّاسِ في كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ الْغُسْلُ، فَاغْتَسِلْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ولَو أَنَّكَ تَشْتَرِي الْمَاءَ بِقُوتِ يَوْمِكَ وتَطْوِيهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ شيء مِنَ التَّطَوُّعِ أَعْظَمُ مِنْهُ»(3).

12 - ما رواه العلّامة المجلسي رحمه الله في «البحار» بإسناده عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ»(4) .

13 - خبر زُرارَة عَن الإمامِ الصَّادِقِ علیه السلام: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ طَهُورٌ وكَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الذُّنُوبِ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ»(5)

ص: 458


1- «مستدرك الوسائل» ج2/499 الحديث 2556.
2- «بحارالأنوار» ج81/129، «مستدرك الوسائل» ج2/501 الحديث 2562.
3- «مستدرك الوسائل» ج2/502 الحديث 2564.
4- «مستدرك الوسائل» ج2/503 الحديث 2566، و بهذا العبارة أيضاً الحديث 2571.
5- «من لا يحضره الفقيه» ج1/61 الحديث 229، «وسائل الشيعة» ج3/315 الحديث 3741.

14 - خبر مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ دُوَيْلِ بْنِ هارُونَ عَنْ أبي وَلَّادٍ الْحَنَّاطِ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنّهُ قَالَ: «مَن اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ واجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ واجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ، كَانَ طُهْراً لَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ»(1).

15 - خبر أَنَسٍ عَن رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم قالَ: «لَمَّا اُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ رَأَيْتُ تَحْتَ الْعَرْشِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَدِينَةٍ كُلُّ مَدِينَةٍ كَدُنْيَاكُمْ، ومَلَائِكَةً نَاشِرِي أَجْنِحَتِهِمْ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ ويُهَلِّلُونَهُ، ويَقُولُونَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلَّذِينَ يَحْضُرُونَ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلَّذِينَ يَغْتَسِلُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ»(2).

16 - روی في كتاب (الْعَرُوسِ) لِلشَّيْخِ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْقُمِّيِّ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنّهُ قالَ: «اغْتَسِلْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلّا أَنْ تَكُونَ مَرِيضاً تَخَافُ عَلَى نَفْسِكَ»، وقالَ علیه السلام: «لَا يَتْرُكُ غُسْلَ الْجُمُعَةِ إلّا فَاسِقٌ، ومَنْ فَاتَهُ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَلْيَقْضِهِ يَوْمَ السَّبْتِ»(3).

ص: 459


1- «التهذيب» ج3/10 الحديث 31، «وسائل الشيعة» ج3/323 الحديث 3766.
2- «مستدرك الوسائل» ج6/90 الحديث 6504.
3- «بحارالأنوار» ج78/129.

17 - مرسلة مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «إِنَّكُمْ تَأْتُونَ غَداً مَنْزِلاً لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ فَاغْتَسِلُوا الْيَوْمَ لِغَدٍ، فَاغْتَسَلْنَا يَوْمَ الْخَمِيسِ لِلْجُمُعَةِ»(1).

18 - روی الشيخ رحمه الله بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ اُمِّهِ وَاُمِّ أَحْمَدَ ابْنَةِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ قَالَتَا: كُنَّا مَعَ أبي الْحَسَنِ علیه السلام بِالْبَادِيَةِ وَنَحْنُ نُرِيدُ بَغْدَادَ فَقَالَ لَنَا يَوْمَ الْخَمِيسِ: «اغْتَسِلَا الْيَوْمَ لِغَدٍ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ الْمَاءَ بِهَا غَداً قَلِيلٌ»، فَاغْتَسَلْنَا يَوْمَ الْخَمِيسِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ(2).

19 - روی ابن عمر عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «إذا جَاءَ أحَدَكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ وَلْيَسْتَنْظِف»(3).

20 - روی ابن عباس عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْسِلُوا رُؤسَكُمْ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُباً، وَمَسُّوا مِنَ الطِّيبِ»(4).

21 - روی ابن مسعود عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «الْغُسْلُيَوْمَ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ»(5).

22 -روی أبو سعيد وأبو هريرة وأنس عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «مَنْ أتَی الْجُمُعَةَ فَتَوَضَّأ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلٌ»(6).

ص: 460


1- «التهذيب» ج1/365 الحديث 1109، «وسائل الشيعة» ج3/319 الحديث 3755.
2- «التهذيب» ج1/365 الحديث 1110، «وسائل الشيعة» ج3/320 الحديث 3756.
3- «كنز العمال» ج7/751 الخبر 21232.
4- «كنز العمال» ج7/152 الخبر 21234.
5- «كنز العمال» ج7/754 الخبر 21248.
6- «كنز العمال» ج7/758 الخبر 21267.

23 - روی أبو أمامة إنَّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قام في أصحابه ذات يوم فقال: «اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَمَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَتْ لَهُ كَفَّارَةٌ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ»(1).

أقول: وهذه الرّوايات كما تری وصرّح بها أيضاً الشّيخ الحُرّ العاملي رحمه الله في «الوسائل» لم تكن بحدّ يمكن أن نستظهر منها الوجوب، بل بعضها ظاهرةٌ وبعضها الاُخری صريحةٌ في أنّ غسل الجمعة من السّنن المؤكدة الّتي لا ينبغي تركها اختياراً.

بقي هنا أمرٌ، وهو أنّه هل يكفي غسل الجمعة عن الوضوء أم لا؟

نبحث هنا عن مسألة كفاية مطلق الغسل عن الوضوء، فنقول: إنّ من المسائل المدوّنة عند العامّة والخاصّة هي مسألة كفاية الغسل عن الوضوء، وهي إجماعيّةٌ إجمالاً عند الإماميّة وأكثر العامّة، مختلف فيها عند بعضهم(2)، ومحصّل الأقوال عند الفريقين أربعةٌ:

بيان أقوال المسألة:

الأوّل: كفايته عن الوضوء في خصوص غسل الجنابة فقط، وقد ادّعي عليه اجماع أهل البيت: وإطباق العلماء من الفريقين إلّا ما حكي عن قليل من العامّة، قال الشيخ رحمه الله :

ص: 461


1- «كنز العمال» ج8/380 الخبر 23350.
2- أقول: أكثر العامّة وهم الحنابلة والحنفيّة والشّافعيّة وإن كانوا قائلين بكفاية غسل الجنابة عن الوضوء، إلّا أنّهم أفتوا بكونه مندوباً قبل الغسل. راجع: «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/116 - 117، «المغني لابن قدامة» ج1/219.

من وجب عليه الوضوء وغسل الجنابة، أجزأه عنهما الغسل، وبه قال جميع الفقهاء إلّا الشافعي فإنّ له ثلاثة أقوال؛ أحدها: مثل ما قلناه، وعليه يعتمد أصحابه، والثاني: أنّه يجب عليه أن يتطهر ثمّ يغتسل، أو يتطهر بعد أن يغتسل، والثالث: أنّه يجب عليه أن يتطهر أوّلاً، فيسقط عنه فرض غسل الأعضاء الأربعة في الغسل، ويأتي بما بقي، وقد أجزأه. دليلنا: قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا)، يعنی اغتسلوا، ولم يفرق، وأيضاً إجماع الفرقة(1).

وقال العلّامة رحمه الله :

يجزي غسل الجنابة عن الوضوء بإجماع أهل البيت : سواء جامعه حدث أصغر أو أكبر، وأطبق العلماء على عدم إيجاب الوضوء إلّا ما حكي عن داود وأبي ثور، فإنّهما أوجباهما معاً، وهو وجه للشّافعيّة لقوله تعالى: (حَتَّى تَغْتَسِلُوا) وقالت عائشة: كان رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم لايتوضّأ بعد الغسل من الجنابة(2) .

وقال المحقّق الحلّي رحمه الله في «النّافع»:

ويجزئ غسل الجنابة عن الوضوء، وفي غيره تردّدٌ أظهره أنّه لايجزئ(3).

وادّعی المحقق النراقي رحمه الله الإجماع المحقّق والمحكي عن جماعة من علمائنا الأخيار، وعمل الفرقة في جميع الأعصار، واستفاضة الأخبار السّالمة عن المعارض(4) ، وقريب منه ما اختاره في «الجواهر» حيث قال:

ص: 462


1- راجع: «الخلاف» ج1/131، المسألة الرقم 74 من مسائل كتاب الطهارة.
2- «تذكرة الفقهاء (ط الحديثة)» ج1/244، المسألة 73 .
3- «المختصر النّافع في فقه الإماميّة» ص 9 .
4- «مستند الشّيعة في أحكام الشّريعة» ج2/356 .

لاإشكال في انفراد غسل الحيض عن غسل الجنابة بالنّسبة للوضوء للاجماع محصَّلاً ومنقولاً مستفيضاً غاية الاستفاضة كالنّصوص علی إجزاء الثاني عنه(1).

وأرسله بعضٌ إرسال المسلّمات منهم السيّد الطّباطبائي صاحب «العروة»(2)، والإمام الرّاحل الخمينی (قدس الله أسرارهما) في «التّحرير»

حيث قال:

يجزي غسل الجنابة عن الوضوء لكلّ ما اشترط به، وقال في أحكام الحائض: وغسله كغسل الجنابة في الكيفيّة والأحكام، إلّا أنّه لا يجزي عن الوضوء فيجب الوضوء معه قبله أو بعده لكلّ مشروط به كالصّلاة، بخلاف غسل الجنابة كما مرّ(3).

الثّاني: كفايته عنه في جميع الأغسال الواجبة دون المستحبّة اختاره علم الهدی السيّد المرتضی رحمه الله حيث قال:

ويستبيح بالغسل الواجب الصّلاة من غير وضوء، وإنّما الوضوء في غير الأغسال الواجبة(4).

ص: 463


1- «جواهر الكلام» ج3/240 .
2- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج1/313 المسألة 15 من مسائل مستحبّات غسل الجنابة.
3- «تحرير الوسيلة» ج1/43، المسألة 18، و ص 54، المسألة 9.
4- راجع: «جمل العلم والعمل» ص 52. أقول: قد نسب بعض من الفقهاء والمحدّثين كالعلّامة في «مختلف الشّيعة في أحكام الشّريعة» ج1/340، والمحدث البحراني في «الحدائق النّاضرة في أحكام العترة الطّاهرة» ج3/119، والعلّامة المجلسي في «بحارالأنوار» ج78/28، والسّيد الحكيم (قدس الله أسرارهم) في «مستمسك العروة الوثقی» ج3/345، إلی السيّد المرتضی رحمه الله أنّه من القائلين بالقول الثّالث الآتي مع أنّ صريح كلامه هنا علی خلاف ذلك، الّلهمّ إلّا أن يكون ذلك رأياً آخراً منه قدس سره، وكيف كان لم نر فيما بأيدينا من كتبه ما يدلّ علی القول الثّالث الآتي.

ولايخفی أنّ كلّ من قال بالقول الثّالث الآتي فهو القائل بالقولين الأوّلين بالطّريق الأولی، إذ النّسبة بين القول الثّالث والقولين الأوّلين عمومٌ وخصوصٌ مطلقٌ، فمن قال بالقول العام فهو القائل لا محالة بالقول الخاصّ أيضاً.

الثّالث: كفايته عنه في جميع الأغسال، واجبة كانت أو مندوبة (الّتي منها غسل الجمعة) إذا كان استحبابها ثابتاً بالدّليل المعتبر لا بمثل التّسامح في أدلّة السّنن، وهو خيرة ابن جنيد الإسكافي رحمه الله علی ما نسب اليه في «المختلف»(1)، وجملة من متأخّري المتأخّرين منهم المحدّث البحراني رحمه الله في «الحدائق»(2)، والمحقّق الأردبيلي رحمه الله في «مجمع الفائدة والبرهان»(3)، وقد نسبه العلّامة المجلسي رحمه الله في «البحار» (4) إلی كثير من المتأخّرين، وهذا أيضاً هو خيرة بعض فقهائنا المعاصرين كالسيّد الخوئي قدس سره وشيخنا الاُستاذ آية الله العظمی مكارم الشّيرازي (دام ظلّه)(5).

ص: 464


1- راجع: «مختلف الشّيعة إلی أحكام الشّريعة» ج1/340 .
2- راجع: «الحدائق النّاضرة في أحكام العترة الطّاهرة» ج2/196 و ج3/122.
3- «مجمع الفائدة و البرهان في شرح إرشاد الأذهان» ج1/132.
4- «بحار الأنوار» ج78/28.
5- راجع: حواشيهما في «العروة الوثقی مع تعليقات آية الله العظمی مكارم الشّيرازي وعدّة من الفقهاء العظام» ج1/230، تحت مسائل «فصلٌ فی كيفية الغسل وأحكامه»، و ص 241 المسألة 15 من مسائل «مستحبّات غسل الجنابة»، و ص 376 المسألة 4 من فصل «في الأغسال الفعليّة».

الرّابع: عدم كفاية الغسل عن الوضوء مطلقاً، وهو خيرة الشّافعي في أحد قوليه أو أقواله(1)، وكذا ما حكي عن داود وأبي ثور علی ما تقدّم من كلام العلّامة في «التّذكرة»، قال الشّيخ رحمه الله في «الخلاف»:

من وجب عليه الوضوء وغسل الجنابة، أجزأه عنهما الغسل، وبه قال جميع الفقهاء إلّا الشّافعي، فإنّ له ثلاثة أقوال؛ أحدها: مثل ما قلناه، وعليه يعتمد أصحابه، والثاني: أنّه يجب عليه أن يتطهر ثمّ يغتسل، أو يتطهر بعد أن يغتسل، والثالث: أنّه يجب عليه أن يتطهّر أوّلاً، فيسقط عنه فرض غسل الأعضاء الأربعة في الغسل، ويأتي بما بقي وقد أجزأه(2).

فبعد ما عرفت الأقوال في المسألة نشير إلی ما يقتضي القاعدة فيها.

ما هو مقتضی القاعدة في المقام؟

أقول: إنّ الموجب للوضوء هو الحدث الأصغر والموجب للغسل هوالحدث الأكبر، وحيث كان الشّرطان أو الموجبتان وكذلك الجزاءان مختلفين ومتغايرين في نوعهما مع الآخر فمقتضی القاعدة - علی ما بُيّن في مبحث مفهوم «الشرط» من الكتب الاُصوليّة - هو اقتضاء كلّ شرط موجبه، سواءٌ أتی بالآخر أم لا، بل هو أظهر من مسألة «إذا اتّحد الشّرط واتّحد الجزاء»، فلا وجه لسقوط كلّ منهما أو

ص: 465


1- راجع: «المغني لابن قدامة» ج1/218.
2- «كتاب الخلاف» ج1/131 الالمسألة 74 من كتاب الطّهارة

سقوط أحدهما المعيّن بفعل الآخر إلّا بدليل حاكم(1) متصرّف في الدّليل المحكوم.

وقد أشار إلی هذه القاعدة السيّد الخوئي رحمه الله حيث قال في بيان مقتضی القاعدة إذا لم يقم دليل الكفاية:

وقد يفرض المكلّف غير متوضّئ حال مسّه الميت أو استحاضتها أو غيرها من الأسباب، ومقتضى القاعدة حينئذٍ هو وجوب الوضوء مع تلك الأغسال، لأنّه غير متوضّئ على الفرض، وإجزاء الأغسال عنه يتوقّف على دلالة الدليل عليه كما دلّ في غسل الجنابة، ولم يقم عليه دليل لأنّ كلامنا فيما تقتضيه القاعدة مع قطع النّظر عن الأخبار(2).

ص: 466


1- الحكومة هی: أن يقدّم أحد الدليلين على الآخر تقديم سيطرة وقهر من ناحية أدائية لا من ناحية السّند أو الحجيّة بل هما على ما هما عليه من الحجيّة بعد التَقديم، بمعنی أنّهما بحسب لسانهما وأدائهما لا يتكاذبان فی مدلولهما فلا يتعارضان كما فی الخاصّ المنافی فی مدلوله للعام، وإنّما التّقديم كما عرفت من ناحية أدائية بحسب لسانهما بمعنى أنّ الدليل الحاكم يكون لسانه لسان تحديد موضوع الدليل المحكوم أو محموله تنزيلاً وادّعاءً فلذلك يكون الحاكم متصرفاً فی عقد الوضع أو عقد الحمل فی الدّليل المحكوم، من أمثلتها فی الشّرعيّات قوله علیه السلام: «لا شك لكثير الشّك» ونحوه مثل نفی شك المأموم مع حفظ الإمام وبالعكس، فإنّ هذا ونحوه يكون حاكماً على أدلة حكم الشّك لأنّ لسانه إخراج شك كثير الشّك وشك المأموم أو الإمام عن حضيرة صفة الشّك تنزيلاً، فمن حقّه حينئذ ألا يُعطى له أحكام الشّك من نحو إبطال الصّلاة أو البناء على الأكثر أو الأقل أو غير ذلك، ولزيادة التّوضيح راجع: «أصول الفقه للمظفّر» ص 554 - 556 مبحث «الحكومة والورود» من مباحث التعادل والتراجيح
2- راجع: «موسوعة الإمام الخوئی» ج7/404 - 405

وكذا ابن قدامة الحنبلي في توجيه قول الشّافعي "بعدم كفاية الغسل عن الوضوء " حيث قال:

إنّ الجنابة والحدث وجدا منه، فوجبت لهما الطّهارتان كما لوكانا منفردين(1).

وبعبارة اُخری: كان الشّك في ما نحن فيه من قبيل الأقلّ (وهو وجوب الغسل في المقام وحده) والأكثر (أي وجوب الغسل والوضوء معاً) الارتباطيين الّذي يوجب الاحتياط عقلاً بإتيان الأكثر إذ لوكان الواجب حقيقة علی المكلّف حينئذٍ هو الغسل والوضوء معاً واكتفی بالغسل وحده فإنّه لما برأ ذمّته من تكليفه(2).

لايقال: إنّ الشّك في المقام وإن كان من قبيل الأقلّ والأكثر الارتباطيين إلّا أنّه حيث كان الوضوء والغسل من القبيل الشّرائط والموانع الّذي علی الآمر بيانه فيجري فيه البراءة لا الاشتغال.

لأنّا نقول: إنّ بحثنا في المقام لم يكن في أصل اشتراط الصّلاة بالطّهارة وعدمها حتّی تجري فيه البراءة، بل الشّك في ما نحن فيه هو في أنّ الطّهارة المشروطة بها الصّلاة هل تتحقّق بالغسل وحده أو بانضمامه الوضوء معاً، وفي مثله الأصل هوالاشتغال لا البراءة.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بأنّ المحدث بالحدث الأصغر والمحدث بالحدث الأكبر فإنّه محدثٌ إجمالاً، وطبيعة الأحداث في كليهما واحدة إلّا أنّه في الثّانية

ص: 467


1- راجع: «المغنی لابن قدامة» ج1/218
2- ولزيادة التوضيح راجع: «كفاية الاُصول» للمحقّق الخراساني، ص 363، مبحث «دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين».

أشدّ، فإذا أقدم المكلّف علی رفع أشدّهما فإنّه يرتفع معه أضعفهما قطعاً، ونتيجته الاكتفاء بفعل الغسل عن الوضوء في جميع الأغسال من دون فرق بين الجنابة وغيرهما.

لكنّك خبير بأنّه إن ثبت بالدليل المعتبر الشّرعي أنّ طبيعة الأحداث في جميع موجبتها واحدة فهو، وإلاّ لزم القول بعدم سقوط الوضوء بالغسل مطلقاً، إذ سقوط الوضوء بالغسل بعد موجبه أمرٌ يحتاج إلی دليل معتبر قطعيّ.

الكلام في أدلّة الأقوال.

أدلّة القول الأوّل: وهو كفاية الغسل عن الوضوء في خصوص الجنابة فقط، إنّه قد استدلّ لهذا القول تارةً بإجماع فقهاء الإماميّة بل إطباق علماء الإسلام إلّا من شذّ من العامّة، واُخری بالكتاب، وثالثة بالأخبار الواردة في المقام.

أمّا الإجماع فقد مرّ عند نقل الأقوال بعض ما يدلّ عليه فلا نعيدها، وأمّا دليله من الكتاب فقوله تبارك وتعالی: (يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إلّا عابِري سَبيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا...)(1)، وقوله تعالی: (... إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ... وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعيداً طَيِّباً ...)(2).تقريب الاستدلال بهاتين الكريمتين أنّه قد أوجب الله تبارك وتعالی في الكريمة الاُولی خصوص الغسل علی الجنب حيث إنّه منع الجنب من الصّلاة

ص: 468


1- «النّساء»: 43/85 .
2- «المائدة»: 6/108.

وجعل الاغتسال مطلقاً الحدّ والغاية لإباحتها، فنتيجته جواز الصّلاة لمن اغتسل عن الجنابة، وكذلك في الكريمة الثّانية أوجب الطّهارة (أي الاغتسال) علی الجنب بالقول المطلق، فلو يجب عليه الوضوء زائداً علی الغسل للزم بيانه لئلاّ يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة بناءً علی القول بمنع التّكليف بلا بيان(1)، أو الإغراء بالجهل لأنّه علی الفرض أطلق الغسل وأراد انضمامه مع الوضوء من دون بيان.

إن قلت: إنّ الله تعالى أمر المحدث بالحدث الأصغر بالوضوء بقوله: (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) إلى قوله: (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ثمّ أمر الجنب أي المحدث بالحدث الأكبر بالغسل بقوله: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) فمن كان محدثاً وجنباً وجب عليه الطهارتان معاً للجمع بين الأمرين.

قلنا: أمّا أوّلاً: إنّه بناءً علی هذا الاستدلال للزم القول بكفاية الغسل للجنب إذا لم يحدث بالحدث الأصغر، فلا يثبت بهما الوضوء في مطلق الجنب سواء جامعه حدث أصغر أم لا.

وثانياً: إنّ الكريمة الاُولی واردة من أوّل أمرها في حكم الجنب وبحكم كونها في مقام البيان قد تنفی علی مطلق الجنب غير الغسل حيث إنّ الله تبارك وتعالی أوجب الغسل علی المحدث جنباً من دون أن أوجب عليه شيئاً آخراً

ص: 469


1- مبنی هذا القول هو مسألة «التّحسين والتّقبيح أنّه هل كونهما عقليين كما ذهب إليه العدلية، أو شرعيين كما اختاره الأشاعرة»، ولزيادة التّوضيح راجع: «اُصول الفقه» ص 223 - 248، مبحث «المستقلّات العقليّة».

غيره، ويؤيّد ذلك استدلال الإمام الباقر علیه السلام في مرسلة محمّد بن مسلم بهذه الآية الكريمة لنفي الوضوء زائداً علی الغسل(1).

وبعبارة اُخری: إنّ الآية الكريمة الأخيرة كانت في مقام بيان حكم كلّ من الطّهارات الثّلاث؛ الوضوء، والغسل، والتّيمّم، ولم توجب علی المحدث بالجنابة زائداً علی الغسل شيئاً، إذ التفصيل قاطع للشّركة فعليه كانت وظيفة المحدث بغير الجنابة هي الوضوء، و وظيفة المحدث بالجنابة هي الاغتسال لا الغير.

أمّا دليل القول من الأخبار والأحاديث فقد دلّت عليه صحيحةُ يَعْقُوبَ بْنِ يَقْطِينٍ عَنْ أبي الْحَسَنِ (الكاظم أو الرِّضا صلی الله علیه و آله و سلم ) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ فِيهِ وُضُوءٌ أَمْ لَا فِيمَا نَزَلَ بِهِ جَبْرَئِيلُ علیه سلام ؟ قَالَ: «الْجُنُبُ يَغْتَسِلُ، يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَغْمِسَهُمَا في الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ مِنْ أَذًى، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ وَعَلَى وَجْهِهِ وَعَلَى جَسَدِهِ كُلِّهِ، ثُمَّ قَدْ قَضَى الْغُسْلَ وَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ»(2)، وصحيحةُ زُرَارَةَ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام وَذَكَرَ كَيْفِيَّةَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَقَالَ: «لَيْسَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وُضُوءٌ»(3)، وصحيحةُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ أبي نَصْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ

ص: 470


1- حيث قال: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ علیه السلام: إِنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ يَرْوُونَ عَنْ عَلِيٍّ علیه السلام أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ؟ قَالَ: «كَذَبُوا عَلَى عَلِيٍّ علیه السلام مَا وَجَدُوا ذَلِكَ فِی كِتَابِ عَلِيٍّ علیه السلام، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا)». راجع: «التهذيب» ج1/139 الحديث 389، «الاستبصار» ج1/125 الحديث 426، «وسائل الشيعة» ج2/247 الحديث 2069.
2- «التهذيب» ج1/142 الحديث 402، «وسائل الشيعة» ج2/246 الحديث 2065.
3- «التهذيب» ج1/148 الحديث 422 و370 و1131، «وسائل الشيعة» ج2/246 الحديث 2066.

الرِّضَا علیه السلام عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ فَقَالَ: «تَغْسِلُ يَدَكَ الْيُمْنَى مِنَ الْمِرْفَقَيْنِ إِلَى أَصَابِعِكَ، وَتَبُولُ إِنْ قَدَرْتَ عَلَى الْبَوْلِ، ثُمَّ تُدْخِلُ يَدَكَ في الْإِنَاءِ، ثُمَّ اغْسِلْ مَا أَصَابَكَ مِنْهُ، ثُمَّ أَفِضْ عَلَى رَأْسِكَ وَجَسَدِكَ، وَلَا وُضُوءَ فِيهِ»(1)، وصحيحةُ حَكَمِ بْنِ حُكَيْمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ (إِلَى أَنْ قَالَ:) قُلْتُ: إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: يَتَوَضَّأُ وُضُوءَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْغُسْلِ، فَضَحِكَ وَقَالَ: «وَأَيُّ وُضُوءٍ أَنْقَى مِنَ الْغُسْلِ وَأَبْلَغُ؟»(2)، ومصحّحةُ ابْنِ أبي عُمَيْرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «كُلُّ غُسْلٍ قَبْلَهُ وُضُوءٌ إلّا غُسْلَ الْجَنَابَةِ»(3)، ومصحّحةُ ابْنِ أبي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «فِي كُلِّ غُسْلٍ وُضُوءٌ إلّا الْجَنَابَةَ»(4)، ومرسلةُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: قُلْتُ لِأبي جَعْفَرٍ علیه السلام: إِنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ يَرْوُونَ عَن عَلِيٍ علیه السلام أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُبِالْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ؟ قَالَ: «كَذَبُوا عَلَى

ص: 471


1- «التهذيب» ج1/131 الحديث 363، «الاستبصار» ج1/123 الحديث 419، «وسائل الشيعة» ج2/247 الحديث 2067.
2- «التهذيب» ج1/139 الحديث 392، «وسائل الشيعة» ج2/247 الحديث 2068.
3- «الكافي» ج3/45 الحديث 13، «التهذيب» ج1/139 الحديث 391، «الاستبصار» ج1/126 الحديث 428، «وسائل الشيعة» ج2/248 الحديث 2072. وإرساله لا يقدح في العمل بها بعد انجبارها بالعمل، وكونه من أصحاب الإجماع الّذي يقال في حقّه: لايرسل ولايروی إلّا عن ثقة. راجع: «رجال الكشّي» ص 556، «رجال ابن داود» ص 384، «معجم رجال الحديث» ج1/63.
4- «التهذيب» ج1/143 الحديث 403، و ص 303 الحديث 881، «وسائل الشيعة» ج2/248 الحديث 2073.

عَلِيٍّ علیه السلام مَا وَجَدُوا ذَلِكَ في كِتَابِ عَلِيٍّ علیه السلام، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا)»(1) .

أضف إلی ذلك الرّوايات الّتي ظاهرها المنع من الوضوء بالقول المطلق إلّا أنّ القدر المتيقّن أو المنصرف منها بقرينة ما ورد من جواز الوضوء (بالمعنی الأعمّ) في غير غسل الجنابة(2)، هو خصوص الجنابة مثل موثقة سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «الْوُضُوءُ بَعْدَ الْغُسْلِ بِدْعَةٌ»(3)، ومرسلة مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى: «أَنَّ الْوُضُوءَ قَبْلَ الْغُسْلِ وَبَعْدَهُ بِدْعَةٌ»(4)، وخبر عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «الْوُضُوءُ بَعْدَ الْغُسْلِ بِدْعَةٌ»(5)، ومرفوعة الْمُحَقِّقِ في الْمُعْتَبَرِ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام قَالَ: «الْوُضُوءُ بَعْدَ الْغُسْلِ بِدْعَةٌ»(6).

فالرّوايات كما تری أكثرها صحاحٌ وقد صرّحت بانتفاء الوضوء مع غسل الجنابة بخصوصها، أو مع كلّ غسل الّذي القدر المتيقّن منه أو أظهر مصاديقه الجنابة.

ص: 472


1- «التهذيب» ج1/139 الحديث 389، «الاستبصار» ج1/125 الحديث 426، «وسائل الشيعة» ج2/247 الحديث 2069.
2- راجع: صحيحتي ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «كُلُّ غُسْلٍ قَبْلَهُ وُضُوءٌ إِلَّا غُسْلَ الْجَنَابَةِ» وحَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «فِي كُلِّ غُسْلٍ وُضُوءٌ إِلَّا الْجَنَابَةَ». «وسائل الشّيعة» ج2/248 الحديث 2072 و2073.
3- «التهذيب» ج1/140 الحديث 396، «وسائل الشيعة» ج2/245 الحديث 2063.
4- «التهذيب» ج1/140 الحديث 394، «الاستبصار» ج1/126 الحديث 430، «وسائل الشيعة» ج2/245 الحديث 2059.
5- «التهذيب» ج1/140 الحديث 395، «وسائل الشيعة» ج2/245 الحديث 2060.
6- «المعتبر» ص 52، «وسائل الشيعة» ج2/246 الحديث 2064.

أدلّة القول الثاني: وهو كفاية الغسل عن الوضوء في جميع الأغسال الواجبة دون المستحبّة الّذي اختاره علم الهدی السّيد المرتضی رحمه الله .

ممّا يمكن أن يستدلّ علی هذا القول مضافاً إلی ما مرّ في دليل القول الأوّل، هو ما وردت في أبواب الحائض والنّفساء والمستحاضة من كفاية الغسل لهنّ عن الوضوء مثل موثّقة مُحَمَّدِ بْنِ أبي حَمْزَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «تَجْلِسُ النُّفَسَاءُ أَيَّامَ حَيْضِهَا الّتي كَانَتْ تَحِيضُ ثُمَّ تَسْتَظْهِرُ وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي»(1)، وصحيحة زُرَارَةَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ: النُّفَسَاءُ مَتَى تُصَلِّي؟ قَالَ: «تَقْعُدُ قَدْرَ حَيْضِهَا وَتَسْتَظْهِرُ بِيَوْمَيْنِ، فَإِنِ انْقَطَعَ الدَّمُ وَإِلَّا اغْتَسَلَتْ وَاحْتَشَتْ وَاسْتَثْفَرَتْ وَصَلَّتْ» الْحَدِيثَ(2)، وموثَّقة يُونُسَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ امْرَأَةٍ وَلَدَتْ فَرَأَتِ الدَّمَ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ تَرَى؟ قَالَ: «فَلْتَقْعُدْ

أَيَّامَ قُرْئِهَا الّتي كَانَتْ تَجْلِسُ ثُمَّ تَسْتَظْهِرُ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَإِنْ رَأَتْ دَماً صَبِيباً فَلْتَغْتَسِلْ عِنْدَ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، فَإِنْ رَأَتْ صُفْرَةً فَلْتَتَوَضَّأْ ثُمَّ لْتُصَلِّ»(3)، فإنّها مع كونها في مقام البيان أو جواب السّؤال لم تتكلّم عن الوضوء أصلاً، مضافاً إلی ما وردت في أنّ غسل الجنابة والحيض واحد، منها موثقة عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَليٍّ الْحَلَبِيِّ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «غُسْلُ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَاحِدٌ»(4)، ومرفوعة مُحَمَّد بْنِ عَلِیِّ بْنِ

ص: 473


1- «الكافي» ج3/99 الحديث 5، «وسائل الشيعة» ج2/381 الحديث 2408.
2- «التهذيب» ج1/173 الحديث 496، «وسائل الشيعة» ج2/383 الحديث 2413.
3- «التهذيب» ج1/175 الحديث 502، «الاستبصار» ج1/151 الحديث 522، «وسائل الشيعة» ج2/383 الحديث 2414.
4- «التهذيب» ج1/162 الحديث 463، «وسائل الشيعة» ج2/315 الحديث 2229.

الْحُسَيْنِ قَالَ: قَالَالصَّادِقُ علیه السلام: «غُسْلُ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَاحِدٌ»(1)، وموثقة الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنِ الرِّضَا علیه السلام في حديث قَالَ: «وَغُسْلُ الْجَنَابَةِ فَرِيضَةٌ وَغُسْلُ الْحَيْضِ مِثْلُهُ»(2).

إذ الظّاهر من الوحدة والمماثلة بينهما في كلام الإمام علیه السلام ليس في خصوص الشّكل والهيئة الظّاهريّة فقط، بل الوحدة والمماثلة بينهما فيما لها من الأحكام و الآثار أيضاً.

بل وقد نفت الوضوء عن الحائض ومثله صريحةً في موثّقة عمّار السّاباطيّ(3) الآتية قريباً في جملة أدلّة القول الثّالث.

أدلّة القول الثالث: وهو كفاية الغسل عن الوضوء في جميع الأغسال الواجبة والمستحبّة الّتي منها غسل الجمعة، إذا كان استحبابها ثابتاً بالدّليل المعتبر لا بمثل التّسامح في أدلّة السّنن الّذي هو خيرة ابن جنيد الإسكافي رحمه الله علی ما نسب اليه في «المختلف»(4)، وجملة من متأخّري المتأخّرين منهم المحدّث البحراني رحمه الله في «الحدائق»(5)، والمحقّق الأردبيلي رحمه الله في «مجمع

ص: 474


1- «من لايحضره الفقيه» ج1/44 الحديث 173، «وسائل الشيعة» ج2/316 الحديث 2231.
2- «عيون أخبار الرّضا علیه سلام» ج2/123، «وسائل الشيعة» ج2/316 الحديث 2232.
3- «التهذيب» ج1/141 الحديث 398، «الاستبصار» ج1/127 الحديث 432، «وسائل الشيعة» ج2/244 الحديث 2057.
4- راجع: «مختلف الشّيعة إلی أحكام الشّريعة» ج1/340.
5- راجع: «الحدائق النّاضرة في أحكام العترة الطّاهرة» ج2/196 و ج3/122.

الفائدة والبرهان»(1)، واختاره أيضاً بعض فقهائنا المعاصرين كالسيّد الخوئي قدس سره وشيخنا الاُستاذ آية الله العظمی مكارم الشّيرازي (دام ظلّه)(2).

ممّا يمكن أن يستدلّ به لهذا القول مضافاً إلی ما مرّ في دليل القولين الأوّلين موثقة عمّار السّاباطي حيث قال: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الرَّجُلِ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ جَنَابَتِهِ أَوْ يَوْمِ جُمُعَةٍ أَوْ يَوْمِ عِيدٍ هَلْ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ؟ فَقَالَ: «لَا، لَيْسَ عَلَيْهِ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ قَدْ أَجْزَأَهُ الْغُسْلُ، وَالْمَرْأَةُ مِثْلُ ذَلِكَ إِذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ حَيْضٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ لَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ، قَدْ أَجْزَأَهَا الْغُسْلُ»(3)، وخبر الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ جَدِّهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهمداني كَتَبَ إِلَى أبي الْحَسَنِ الثَّالِثِ علیه السلام يَسْأَلُهُ عَنِ الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ في غُسْلِ الْجُمُعَةِ؟ فَكَتَبَ: «لَا وُضُوءَ لِلصَّلَاةِ في غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَا غَيْرِهِ»(4)، ومرسلة حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام في الرَّجُلِ يَغْتَسِلُ

ص: 475


1- «مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان» ج1/132.
2- راجع: حواشيهما في «العروة الوثقی مع تعليقات آية الله العظمی مكارم الشّيرازي وعدّة من الفقهاء العظام» ج1 ص 230، تحت مسائل «فصلٌ فی كيفيّة الغسل وأحكامه»، و ص 241، المسألة 15 من مسائل «مستحبّات غسل الجنابة»، و ص 376 المسألة 4 من فصل «في الأغسال الفعليّة».
3- «التهذيب» ج1/141 الحديث 398، «الاستبصار» ج1/127 الحديث 432، «وسائل الشيعة» ج2/244 الحديث 2057.
4- «التهذيب» ج1/141 الحديث 397، «الاستبصار» ج1/126 الحديث 431، «وسائل الشيعة» ج2/244 الحديث 2056.

لِلْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَيُجْزِيهِ مِنَ الْوُضُوءِ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «وَأَيُّ وُضُوءٍ أَطْهَرُ مِنَ الْغُسْلِ»(1).

أدلّة القول الرابع: وهو عدم كفاية الغسل عن الوضوء في شيء من الأغسال واجبة كانت أو مندوبةً الّذي اختاره الشّافعي في أحد قوليه أو أقواله(2)، ونسبه العلّامة أيضاً في «التّذكرة»(3)إلی داود وأبي ثور من الفقهاء العامّة.

ممّا يمكن أن يستدلّ به لهذا القول مضافاً إلی ما مرّ في مقتضی القاعدة في المقام من اقتضاء كلّ شرط موجبه، ما رواه سيف بن عميرة صحيحاً عَن أبي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ إِذَا أَجْنَبْتُ؟ قَالَ: «اغْسِلْ كَفَّيْكَ وَفَرْجَكَ، وَتَوَضَّأْ وُضُوءَ الصَّلَاةِ ثُمَّ اغْتَسِلْ»(4)، بناءً علی أنّ الأمر

بالوضوء فيها ظاهرٌ في الوجوب.

فإذا كان الشّأن في الجنابة ذلك ففي غيرها من سائر الأغسال أظهر، أو بالأولويّة والفحوی.

فالأقوال كما تری تدلّ علی كلّ منها بعض الأخبار والأحاديث، غير أنّ الاُولی منها مدلَّلٌ عليها زائداً علی الأخبار ، بالكتاب والإجماع أيضاً، فالمناسب في المقام تقسيم الرّوايات إلی طوائف مختلفة ثمّ الجمع بينها بالجمع العرفي

ص: 476


1- «التهذيب» ج1/141 الحديث 399، «الاستبصار» ج1/127 الحديث 433، «وسائل الشيعة» ج2/245 الحديث 2058.
2- راجع: «المغني لابن قدامة» ج1/218.
3- راجع: «تذكرة الفقهاء (ط الحديثة)» ج1/244، المسألة 73.
4- «التهذيب» ج1/140 الحديث 393، «الاستبصار» ج1/126 الحديث 429، و ص 97 الحديث 314، «وسائل الشيعة» ج2/247 الحديث 2070.

المقبول حدّ الإمكان، واستنباط الرّأي المناسب حسب القواعد المقرّرة عند تعارض الأخبار، فنقول وبه نستعين: إنّ الأحاديث الواردة في المسألة علی ستّ طوائف:

تقسيم الرّوايات الواردة في المسألة إلی طوائف ستة.

الطّائفة الاُولی: الرّوايات الّتي دلّت علی كفاية مطلق الغسل عن الوضوء.

وهي عبارة عن صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «الْغُسْلُ يُجْزِي عَنِ الْوُضُوءِ، وَأَيُّ وُضُوءٍ أَطْهَرُ مِنَ الْغُسْلِ؟»(1)، وخبر الكليني رحمه الله : وَرُوِيَ «أيُّ وُضُوءٍ أَطْهَرُ مِنَ الْغُسْلِ»(2).

وجه الاستدلال بهاتين الرّوايتين إنّما يتمّ إذا كانت «ال» في كلمة «الغسل» فيهما للجنس لا العهد.

الطائفة الثّانية: الرّوايات الّتي دلّت علی كفاية أغسال الجنابة والحيض والجمعة والعيد وغيرها عن الوضوء.

وهي عبارةٌ عن موثقة عمّار السّاباطي قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الرَّجُلِ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ جَنَابَتِهِ أَوْ يَوْمِ جُمُعَةٍ أَوْ يَوْمِ عِيدٍ هَلْ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ؟ فَقَالَ: «لَا، لَيْسَ عَلَيْهِ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ قَدْ أَجْزَأَهُ الْغُسْلُ، وَالْمَرْأَةُ مِثْلُ ذَلِكَ إِذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ حَيْضٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ لَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ، قَدْ أَجْزَأَهَا الْغُسْلُ»(3)، وخبر

ص: 477


1- «التهذيب» ج1/139 الحديث 390، «الاستبصار» ج1/126 الحديث 427، «وسائل الشيعة» ج2/244 الحديث 2055.
2- «الكافي» ج3/45 الحديث 13، «وسائل الشيعة» ج2/245 الحديث 2062.
3- «التهذيب» ج1/141 الحديث 398، «الاستبصار» ج1/127 الحديث 432، «وسائل الشيعة» ج2/244 الحديث 2057.

الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ جَدِّهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهمداني كَتَبَ إِلَى أبي الْحَسَنِ الثَّالِثِ علیه السلام يَسْأَلُهُ عَنِ الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ في غُسْلِ الْجُمُعَةِ؟ فَكَتَبَ: «لَا وُضُوءَ لِلصَّلَاةِ في غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَا غَيْرِهِ»(1)، ومرسلة حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام في الرَّجُلِ يَغْتَسِلُ لِلْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَ يُجْزِيهِ مِنَ الْوُضُوءِ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «وَأَيُّ وُضُوءٍ أَطْهَرُ مِنَ الْغُسْلِ»(2) ، وصحيحة مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام في حَدِيث قَالَ: «فَإِذَا انْتَهَيْتَ إِلَى عَرَفَاتٍ فَاضْرِبْ خِبَاءَكَ بِنَمِرَةَ، وَنَمِرَةُ هي بَطْنُ عُرَنَةَ دُونَ الْمَوْقِفِ وَدُونَ عَرَفَةَ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ عَرَفَةَ فَاغْتَسِلْ وَصَلِّ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، فَإِنَّمَا تُعَجِّلُ الْعَصْرَ وَتَجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِتَفْرُغَ نَفْسُكَ لِلدُّعَاءِ فَإِنَّهُ يَوْمُ دُعَاءٍ وَمَسْأَلَةٍ»(3)، وموثَّقة مُحَمَّدِ بْنِ أبي حَمْزَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «تَجْلِسُ النُّفَسَاءُ أَيَّامَ حَيْضِهَا الّتي كَانَتْ تَحِيضُ ثُمَّ تَسْتَظْهِرُ وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي»(4)، وصحيحة زُرَارَةَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ: النُّفَسَاءُ مَتَى تُصَلِّي؟ قَالَ: «تَقْعُدُ قَدْرَ حَيْضِهَا وَتَسْتَظْهِرُ بِيَوْمَيْنِ، فَإِنِ انْقَطَعَ الدَّمُ وَإِلَّا اغْتَسَلَتْ وَاحْتَشَتْ وَاسْتَثْفَرَتْ وَصَلَّتْ» الْحَدِيث(5)، وموثَّقة يُونُسَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ

ص: 478


1- «التهذيب» ج1/141 الحديث 397، «الاستبصار» ج1/126 الحديث 431، «وسائل الشيعة» ج2/244 الحديث 2056.
2- «التهذيب» ج1/141 الحديث 399، «الاستبصار» ج1/127 الحديث 433، «وسائل الشيعة» ج2/245 الحديث 2058.
3- «الكافي» ج4/461 الحديث 3، «التهذيب» ج5/179 الحديث 600، «وسائل الشيعة» ج13/529 الحديث 18372.
4- «الكافي» ج3/99 الحديث 5، «وسائل الشيعة» ج2/381 الحديث 2408.
5- «التهذيب» ج1/173 الحديث 496، «وسائل الشيعة» ج2/383 الحديث 2413.

اللَّهِ علیه السلام عَنِ امْرَأَةٍوَلَدَتْ فَرَأَتِ الدَّمَ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ تَرَى؟ قَالَ: فَلْتَقْعُدْ أَيَّامَ قُرْئِهَا الّتي كَانَتْ تَجْلِسُ ثُمَّ تَسْتَظْهِرُ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَإِنْ رَأَتْ دَماً صَبِيباً فَلْتَغْتَسِلْ عِنْدَ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، فَإِنْ رَأَتْ صُفْرَةً فَلْتَتَوَضَّأْ ثُمَّ لْتُصَلِّ»(1)، وموثَّقة يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «تَجْلِسُ النُّفَسَاءُ أَيَّامَ حَيْضِهَا الّتي كَانَتْ تَحِيضُ، ثُمَّ تَسْتَظْهِرُ وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي»(2)، وموثَّقة سَمَاعَةَ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «غُسْلُ الْجَنَابَةِ وَاجِبٌ، وَغُسْلُ الْحَائِضِ إِذَا طَهُرَتْ وَاجِبٌ، وَغُسْلُ الْمُسْتَحَاضَةِ وَاجِبٌ إِذَا احْتَشَتْ بِالْكُرْسُفِ وَجَازَ الدَّمُ الْكُرْسُفَ فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ لِكُلِّ صَلَاتَيْنِ وَلِلْفَجْرِ غُسْلٌ، وَإِنْ لَمْ يَجُزِ الدَّمُ الْكُرْسُفَ فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً وَالْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَغُسْلُ النُّفَسَاءِ وَاجِبٌ، وَغُسْلُ الْمَيِّتِ وَاجِبٌ» الْحَدِيث(3)، وخبر حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ عَنِ البَاقِرِ علیه السلام في حَكمِ النُّفَسَاءِ قَالَ:... قُلْتُ: فَمَا حَدُّ النُّفَسَاءِ؟ قَالَ: «تَقْعُدُ أَيَّامَهَا الّتي كَانَتْ تَطْمَثُ فِيهِنَّ أَيَّامَ قُرْئِهَا، فَإِنْ هي طَهُرَتْ وَإِلَّا اسْتَظْهَرَتْ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ اغْتَسَلَتْ وَاحْتَشَتْ، فَإِنْ كَانَ انْقَطَعَ الدَّمُ فَقَدْ طَهُرَتْ، وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعِ الدَّمُ فهي بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاتَيْنِ وَتُصَلِّي»(4).

ص: 479


1- «التهذيب» ج1/175 الحديث 502، «الاستبصار» ج1/151 الحديث 522، «وسائل الشيعة» ج2/383 الحديث 2414.
2- «الكافي» ج3/99 الحديث 5، «وسائل الشيعة» ج2/385 الحديث 2419.
3- «الكافي» ج3/40 الحديث 2، «وسائل الشيعة» ج2/173 الحديث 1854.
4- «وسائل الشيعة» ج2/386 الحديث 2422.

الطائفة الثّالثة: الرّوايات الّتي دلّت علی كفاية مطلق الغسل عن الوضوء إلّا غسل الجمعة.

وهي عبارة عن خبر الْكُلَيْنِيُّ: وَرُوِيَ أَنَّهُ «لَيْسَ شيء مِنَ الْغُسْلِ فِيهِ وُضُوءٌ إلّا غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ قَبْلَهُ وُضُوءً»(1)، وخبر عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ عَنْ أبي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ علیه السلام قَالَ: «إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَغْتَسِلَ لِلْجُمُعَةِ فَتَوَضَّأْ وَاغْتَسِلْ»(2).

الطّائفة الرّابعة: الرّوايات الّتي ظاهرها التّعميم والإطلاق ودلّت علی أنّ الوضوء مع الغسل بدعة إلّا أنّ القدر المتيقّن أو المنصرف منها بقرينة ما ورد من جواز الوضوء في غير غسل الجنابة(3)، هو خصوص الجنابة.

وهي عبارةٌ عن موثقة سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «الْوُضُوءُ بَعْدَ الْغُسْلِ بِدْعَةٌ»(4)، وخبر عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «الْوُضُوءُ بَعْدَ الْغُسْلِ بِدْعَةٌ»(5)، ومرفوعة الْمُحَقِّقِ في الْمُعْتَبَرِ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام

ص: 480


1- «الكافي» ج3/45 الحديث 13، و «وسائل الشيعة» ج2/245 الحديث 2061.
2- «التهذيب» ج1/141 الحديث 401، «الاستبصار» ج1/127 الحديث 434، «وسائل الشيعة» ج2/248 الحديث 2074.
3- راجع: صحيحتي ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «كُلُّ غُسْلٍ قَبْلَهُ وُضُوءٌ إِلَّا غُسْلَ الْجَنَابَةِ»، وحَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ أَبيی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «فِي كُلِّ غُسْلٍ وُضُوءٌ إِلَّا الْجَنَابَةَ». «وسائل الشيعة» ج2/248 الحديث 2072 و2073.
4- «التهذيب» ج1/140 الحديث 396، «وسائل الشيعة» ج2/245 الحديث 2063.
5- «التهذيب» ج1/140 الحديث 395، «وسائل الشيعة» ج2/245 الحديث 2060.

قَالَ:«الْوُضُوءُ بَعْدَ الْغُسْلِ بِدْعَةٌ»(1)، ومرسلة مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَی: «أَنَّ الْوُضُوءَ قَبْلَ الْغُسْلِ وَبَعْدَهُ بِدْعَة»(2).

الطائفة الخامسة: الرّوايات الّتينفت الوضوء في خصوص غسل الجنابة فقط.

وهي عبارةٌ عن صحيحة يَعْقُوبَ بْنِ يَقْطِينٍ عَنْ أبي الْحَسَنِ (الكاظم أو الرِّضا صلی الله علیه و آله و سلم ) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ فِيهِ وُضُوءٌ أَمْ لَا فِيمَا نَزَلَ بِهِ جَبْرَئِيلُ علیه سلام ؟ قَالَ: «الْجُنُبُ يَغْتَسِلُ، يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَغْمِسَهُمَا في الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ مِنْ أَذًى، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ وَعَلَى وَجْهِهِ وَعَلَى جَسَدِهِ كُلِّهِ، ثُمَّ قَدْ قَضَى الْغُسْلَ وَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ»(3)، وصحيحة زُرَارَةَ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام وَذَكَرَ كَيْفِيَّةَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَقَالَ: «لَيْسَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وُضُوءٌ»(4)، وصحيحة أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ أبي نَصْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ فَقَالَ: «تَغْسِلُ يَدَكَ الْيُمْنَى مِنَ الْمِرْفَقَيْنِ إِلَى أَصَابِعِكَ، وَتَبُولُ إِنْ قَدَرْتَ عَلَى الْبَوْلِ، ثُمَّ تُدْخِلُ يَدَكَ في الْإِنَاءِ، ثُمَّ اغْسِلْ مَا أَصَابَكَ مِنْهُ، ثُمَّ أَفِضْ عَلَى رَأْسِكَ

ص: 481


1- «المعتبر» ص 52، «وسائل الشيعة» ج2/246 الحديث 2064.
2- «التهذيب» ج1/140 الحديث 394، «الاستبصار» ج1/126 الحديث 430، «وسائل الشيعة» ج2/245 الحديث 2059.
3- «التهذيب» ج1/142 الحديث 402، «وسائل الشيعة» ج2/246 الحديث 2065 .
4- «التهذيب» ج1/148 الحديث 422 و 370 و 1131، «وسائل الشيعة» ج2/246 الحديث 2066.

وَجَسَدِكَ، وَلَا وُضُوءَ فِيهِ»(1)،وصحيحة حَكَمِ بْنِ حُكَيْمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ (إِلَى أَنْ قَالَ:) قُلْتُ: إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: يَتَوَضَّأُ وُضُوءَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْغُسْلِ، فَضَحِكَ وَقَالَ: «وَأَيُّ وُضُوءٍ أَنْقَى مِنَ الْغُسْلِ وَأَبْلَغُ؟»(2)، ومرسلة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: قُلْتُ لِأبي جَعْفَرٍ علیه السلام: إِنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ يَرْوُونَ عَنْ عَلِيٍّ علیه السلام أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ؟

قَالَ: «كَذَبُوا عَلَى عَلِيٍّ علیه السلام مَا وَجَدُوا ذَلِكَ في كِتَابِ عَلِيٍّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا)(3)، ومصححة ابْنِ أبي عُمَيْرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «كُلُّ غُسْلٍ قَبْلَهُ وُضُوءٌ إلّا غُسْلَ الْجَنَابَةِ»(4)، ومصححة ابْنِ أبي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «فِي كُلِّ غُسْلٍ وُضُوءٌ إلّا الْجَنَابَةَ»(5).

ص: 482


1- «التهذيب» ج1/131 الحديث 363، «الاستبصار» ج1/123 الحديث 419، «وسائل الشيعة» ج2/247 الحديث 2067.
2- «التهذيب» ج1/139 الحديث 392، «وسائل الشيعة» ج2/247 الحديث 2068.
3- «التهذيب» ج1/139 الحديث 389، «الاستبصار» ج1/125 الحديث 426، «وسائل الشيعة» ج2/247 الحديث 2069.
4- «الكافي» ج3/45 الحديث 13، «التهذيب» ج1/139 الحديث 391، «الاستبصار» ج1/126 الحديث 428، «وسائل الشيعة» ج2/248 الحديث 2072.
5- «التهذيب» ج1/143 الحديث 403، و ص 303 الحديث 881، «وسائل الشيعة» ج2/248 الحديث 2073.

وإرساله لا يقدح في العمل بها بعد انجبارها بعمل الأصحاب في باب الجنابة لا أقلّ، وكونه من أصحاب الإجماع الّذي يقال في حقّه: لايرسل ولايروي إلّا عن ثقة(1).الطائفة السّادسة: الرّواية الّتيدلّت علی لزوم الوضوء زائداً علی الغسل حتّی في الجنابة.

وهي عبارةٌ عن صحيحة أبي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ إِذَا أَجْنَبْتُ؟ قَالَ: «اغْسِلْ كَفَّيْكَ وَفَرْجَكَ، وَتَوَضَّأْ وُضُوءَ الصَّلَاةِ ثُمَّ اغْتَسِلْ»(2)، بناءً علی أنّ صيغة الأمر ظاهرٌ في الوجوب.

الكلام في الجمع بين الطوائف الستة من الأخبار.

في مقام الجمع بين روايات الطّوائف السّتة نقول: أمّا الطّائفة الأخيرة فهي وإن كانت صحيحةً سنداً إلّا أنّها حيث كانت من الأخبار الآحاد أوّلاً، وعلی خلاف الكتاب وجميع الرّوايات المتظافرة بل المتواترة معنی في الطوائف الخمسة الماضية ثانياً، وكذا فتوی الأصحاب بل علماء الإسلام إلّا من شذّ من العامّة ثالثاً، فلا تقاوم عند التعارض لتلك النّصوص الّتي دلّت إجمالاً علی كفاية غسل الجنابة عن الوضوء، وهذا ما يعبّر عنه في «الاُصول» بأنّ إعراض الأصحاب عن خبر فإنّه يوجب وهنه وإن كان راويه ثقة وكان قويّ السّند، بل كلّما

ص: 483


1- راجع: «رجال الكشّي» ص 556، «رجال ابن داود» ص 384، «معجم رجال الحديث» ج1/58 .
2- «التهذيب» ج1/140 الحديث 393، «الاستبصار» ج1/126 الحديث 429، و ص 97 الحديث 314، «وسائل الشيعة» ج2/247 الحديث 2070.

قوي سند خبر فأعرض عنه الأصحاب كان ذلك أكثر دلالة علی وهنه(1)، ولهذا قال الشّيخ محمّد بن الحسن الحُرّ العاملي رحمه الله بعد ما نقل الحديث: هذا محمولٌ علی التّقيّة.

وأمّا الطّائفة الاُولی منها فيحمل «ال» فيها بقرينة روايات الطّائفة الثّانية، علی أنّ «ال» للجنس فيشمل للجنابة وغيرها.

وأمّا روايات الطّائفة الثّالثة الّتي دلّت علی كفاية مطلق الغسل عن الوضوء إلّا غسل الجمعة، فيحمل الوضوء فيها بقرينة ما دلّت في الطّائفة الثّانية علی كفاية مطلق الغسل عن الوضوء في جميع الأغسال، علی استحبابه مع غسل الجمعة، وذلك لأنّ روايات الطّائفة الثّانية أظهرٌ أو نصّ في كفاية غسل الجمعة عن الوضوء، وروايات الطّائفة الثّالثة ظاهرةٌ في عدم كفاية غسل الجمعة عن الوضوء فيحمل الظّاهر علی الأظهر أو النصّ، ونرتفع اليد عن وجوبه ويبقی أصل المطلوبية بمعنی استحبابه مع غسل الجمعة بحاله، هذا مضافاً إلی ضعف سند الخبرين في الطّائفة الثّالثة بالنّسبة إلی أسناد الرّوايات في الطّائفة الثّانية وتظافر رواياتها.

وأمّا روايات الطّائفة الرّابعة فحيث حُكم فيها بأنّ الوضوء مع الغسل بدعةٌ، فهو مختصّ بغسل الجنابة لما مرّ في روايات الطّائفة الخامسة من جواز الوضوء مع كلّ غسل.

ص: 484


1- راجع: «اُصول الفقه» ص 584، مبحث المرجّحات، «التّرجيح بالشّهرة».

وبعبارة اُخری: أنّ كلمة الغسل في هذه الرّوايات وإن كان مطلقاً يشمل الجنابة وغيرها، إلّا أنّه حيث يشترط في الأخذ بالإطلاق علی ما بيّن في علم الاُصول عدم وجود القدر المتيقّن في مقام التّخاطب(1)فيقيّد بخصوص الجنابة.

وأمّا روايات الطّائفة الخامسة فهي بتمامها نفت الوضوء بالنّسبة إلی غسل الجنابة إلّا أنّ أكثرها ساكتةٌ عن حكم غيرها، وأمّا ما ورد في مصححتي ابن عميرمن إثباته في غير الجنابة فهو كما قلنا ظاهرٌ في وجوبه في غير الجنابة، وروايات الطّائفة الثّانية أظهرٌ أو نصٌّ في عدم وجوبه في سائر الأغسال، فيحمل الوضوء فيهما علی استحبابه في غير غسل الجنابة.

الرّأي المختار في المقام.

فبعد ما عرفت الأقوال وأدلّتها في المسألة وكذا وجه الجمع بين أخبار الطّوائف السّتة أو الخمسة(2)، تصل النّوبة إلی بيان الرّأي المختار في المقام، فبناءً علی ما فصلّناه كان رأينا في المسألة هو ما تقدّم تحت عنوان القول الثّالث أعني كفاية الغسل مطلقاً عن الوضوء سواءٌ كان واجباً أو مندوباً إذا كان استحبابه ثابتاً بالدّليل المعتبر لا بمثل التّسامح في أدلّة السّنن.

بيان ذلك:

إنّ المستفاد من الرّوايات في الطّوائف الأربعة الاُولی - مثل صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «الْغُسْلُ يُجْزِي عَنِ الْوُضُوءِ، وَأَيُّ وُضُوءٍ أَطْهَرُ

ص: 485


1- راجع: «كفاية الاُصول» ص 247، مبحث «مقدمات الحكمة».
2- وذلك لسقوط صحيحة أبي بكر الحضرمي في الطّائفة السّادسة عن الحجيّة، لما عرفت آنفاً تعارضها مع تلك الرّوايات المتظافرة بل المتواترة معنی في الطوائف الخمسة.

مِنَ الْغُسْلِ؟»(1)، وموثقة عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الرَّجُلِ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ جَنَابَتِهِ أَوْ يَوْمِ جُمُعَةٍ أَوْ يَوْمِ عِيدٍ هَلْ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ؟ فَقَالَ: «لَا، لَيْسَ عَلَيْهِ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ قَدْ أَجْزَأَهُ الْغُسْلُ، وَالْمَرْأَةُ مِثْلُ ذَلِكَ إِذَا اغْتَسَلَتْ مِنْحَيْضٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ لَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ، قَدْ أَجْزَأَهَا الْغُسْلُ»(2)، ومرسلة حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام في الرَّجُلِ يَغْتَسِلُ لِلْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَ يُجْزِيهِ مِنَ الْوُضُوءِ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «وَأَيُّ وُضُوءٍ أَطْهَرُ مِنَ الْغُسْلِ»(3) - هو اصطياد حكم كلّي الّذي نعبّر عنه بأنّ كلّ غسل سواءٌ كان واجباً أو مندوباً كافٍ عن الوضوء.

هذا من جانب، ومن جانب آخر حيث لم يثبت فيما بأيدينا من الأخبار والأحاديث ما تثبت به رجحان الغسل بذاته إذا لم تكن هناك غاية مفروضة أو مندوبة، فبمعونة تلك الرّوايات الّتي تثبت بها الحكم الكلّی المصطاد نقول: إن دلّ الدّليل المعتبر الشّرعي علی رجحان غسل ولو بعنوان كونه مندوباً فهو يكفي عن الوضوء وإلّا لم يكن لسقوط الوضوء بالغسل وجهٌ، ولا أقلّ من الشّك والرّجوع إلی ما هو مقتضی القاعدة في المقام من اقتضاء كلّ سبب موجبه سواءٌ أتی بالآخر ام لا.

ص: 486


1- «التهذيب» ج1/139 الحديث 390، «الاستبصار» ج1/126 الحديث 427، «وسائل الشيعة» ج2/244 الحديث 2055.
2- «التهذيب» ج1/141 الحديث 398، «الاستبصار» ج1/127 الحديث 432، «وسائل الشيعة» ج2/244 الحديث 2057.
3- «التهذيب» ج1/141 الحديث 399، «الاستبصار» ج1/127 الحديث 433، «وسائل الشيعة» ج2/245 الحديث 2058

إن قلت: إن دلّ دليلٌ علی كون غسل مندوباً ولو كان دليله غير معتبر عندنا، فهو يكفي في جعله تحت ذلك الحكم الكليّ المصطاد، وذلك لما اشتهر بين الأصحاب من التّسامح في أدلّة السّنن.

قلنا: قد مرّت الإشارة في مسألة «سلام الإمام علی النّاس» أنّ الاستحباب كسائر الأحكام التّكليفيّة الخمسة حكمٌ شرعيّ يتوقّف إثباته علی دليل معتبرشرعيّ، وإلّا كان قولاً علی الشارع بغير دليل الّذي هو منهي عنه في الكتاب(1) والسّنة، نعم إنّ غاية ما يستفاد منها هو إعطاء الله تبارك وتعالی ذلك الثّواب تفضّلاً، وهذا غير كون الشيء مندوباً شرعاً.

الثالث: لبس الثّياب النظيفة والتّطيّب.

الثالث من سنن الجمعة لبس الثياب النظيفة والتّطيّب، قال السيّد المرتضی رحمه الله :

ومن سننها لبس أنظف الثياب، ومسّ شيء من الطّيب، وأخذ الشّارب، وتقليم الأظفار(2).

وقال كاشف الغطاء رحمه الله :

يستحب أن يدعو عند التّهيّؤ للخروج للجمعة والعيدين بدعاء مخصوص...، وأن يلبس أنظف ثيابه ويتطيّب(3).

ص: 487


1- قال الله تبارك وتعالی: (قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ)، «يونس»: 59/265.
2- راجع: «جمل العلم والعمل» ص : 71.
3- «كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء (ط- الحديثة)» ج3/267.

وقال ابن رشد القرطبي:

وآداب الجمعة ثلاث؛ الطيب، والسّواك، واللباس الحسن، ولا خلاف فيه لورود الآثار (الأخبار) بذلك(1).

وقال عبد الرحمن الجزيري:

وأمّا مندوبات الجمعة فمنها تحسين الهيئة...، ومنها التطيّب والاغتسال...، ومنها أن يتزين بأحسن ثيابه، والأفضل ما كان أبيض باتفاق الشّافعية والحنفية، أمّا المالكية قالوا: المندوب لبس الأبيض يوم الجمعة، فإن وافق يوم الجمعة يوم العيد لبس الجديد أوّل النّهار ولو كان أسود، لما عرفت أنّ السنة يوم العيد هي أن يلبس الجديد مطلقاً أبيض أو أسود، فإذا خرج لصلاة الجمعة فإنّه يندب له أن يلبس الأبيض وبذلك يكون قد أدّی حق العيد وحق الجمعة، والحنابلة قالوا: المندوب يوم الجمعة هو الأبيض لا غير(2).

هناك عدّة روايات استدل بها علی استحباب لبس الثّياب الجميلة والتطيّب عند الذّهاب إلی الجمعة، منها ما تلي:

1 - صحيحة ابنِ سِنَانٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام في مَعنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)، فَقالَ: «فِي الْعِيدَيْنِ والْجُمُعَةِ»(3).

2 - صحيحة هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ عَن أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «لِيَتَزَيَّنْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، يَغْتَسِلُ ويَتَطَيَّبُ (وَيُسَرِّحُ لِحْيَتَهُ) وَيَلْبَس أَنْظَفَ ثِيَابِهِ، ولْيَتَهَيَّأْ لِلْجُمُعَةِ، ولْيَكُنْ

ص: 488


1- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج1/471.
2- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1 // 403 - 404.
3- «الكافي» ج3/424 الحديث 8، «وسائل الشيعة» ج7/395 الحديث 9676.

عَلَيْهِ في ذَلِكَ الْيَوْمِ السَّكِينَةُ والْوَقَارُ، ولْيُحْسِنْ عِبَادَةَ رَبِّهِ، ولْيَفْعَلِ الْخَيْرَ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ اللَّهَ يَطَّلِعُ إِلَى الْأَرْضِ لِيُضَاعِفَ الْحَسَنَاتِ»(1).

3 - صحيحة زُرَارَةَ عَن أبي جَعْفَرٍ علیه السلام: «لَا تَدَعِ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ، وشَمَّ الطِّيبِ، ولُبْسَ صَالِحِ ثِيَابِكَ، ولْيَكُنْ فَرَاغُكَ مِنَ الْغُسْلِ قَبْلَ الزَّوَالِ، فَإِذَا زَالَتْ فَقُمْ وعَلَيْكَ السَّكِينَةَ والْوَقَارَ، وقَالَ: الْغُسْلُ وَاجِبٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ»(2).

4 - صحيحة مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ عَنْ أبي الْحَسَنِ الرِّضا علیه سلام قالَ: «لَا ينبغي لِلرَّجُلِ أَنْ يَدَعَ الطِّيبَ في كُلِّ يَوْمٍ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَيَوْمٌ ويَوْمٌ لَا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَفِی كُلِّ جُمُعَةٍ ولَا يَدَعْ»(3).

5 - صحيحة عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَاسِرٍ عَنْ أبي الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام عَن رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم: «قَالَ لِي حَبِيبِي جَبْرَئِيلُ علیه السلام: تَطَيَّبْ يَوْماً ويَوْماً لَا، ويَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا بُدَّ مِنْهُ ولَا مَتْرَكَ لَهُ»(4).

6 - موثَّقة السَّكُونِيِّ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه سلام عَن رَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم: «لِيَتَطَيَّبْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ولَو مِنْ قَارُورَةِ امْرَأَتِهِ»(5).

7 - مرفوعة يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَن عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ أَنّهُ قالَ لرَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم: قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَدَعَ الطِّيبَ...، وأَشْيَاءَ ذَكَرَهَا، فَقَالَ رَسُولُ

ص: 489


1- «الكافي» ج3/417 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج7/395 الحديث 9677.
2- «الكافي» ج3/417 الحديث 4، «وسائل الشيعة» ج7/396 الحديث 9678.
3- «الكافي» ج6/510 الحديث 4، «وسائل الشيعة» ج7/364 الحديث 9589.
4- «الكافي» ج6/511 الحديث 12، «وسائل الشيعة» ج7/365 الحديث 9592.
5- «الكافي» ج6/511 الحديث 13، «وسائل الشيعة» ج7/365 الحديث 9593.

اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم: «لَاتَدَعِ الطِّيبَ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَسْتَنْشِقُ رِيحَ الطِّيبِ مِنَ الْمُؤْمِنِ، فَلَا تَدَعِ الطِّيبَ في كُلِّ جُمُعَةٍ»(1).

8 - مرفوعة مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ علیه السلام قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ولَمْ يُصِبْ طِيباً دَعَا بِثَوْبٍ مَصْبُوغٍ بِزَعْفَرَانٍ، فَرَشَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثُمَّ مَسَحَ بِيَدِهِ ثُمَّ مَسَحَ بِهِ وَجْهَهُ»(2).

9 - روی عبد الله بن سلام عن النبّيّ صلی الله علیه و آله و سلم أنّه قَالَ: «مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوِ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ ِسِوَى ثَوْبِ مَهْنَتِه(3)»(4).

ص: 490


1- «الكافي» ج6/511 الحديث 14، «وسائل الشيعة» ج7/365 الحديث 9591.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج1/ 274 الحديث 1256، «وسائل الشيعة» ج7/365 الحديث 9594.
3- حكی ابن منظور المصري عن الأَصمعي: المَهْنة، بفتح الميم، هي الخِدْمة، قال: ولا يقال مِهْنة بالكسر، قال: وكان القياسُ لو قيل مثل جِلْسة وخِدْمة، إِلّا جاء على فَعْلةٍ واحدةٍ. راجع: «لسان العرب» ج13/424.
4- «سنن ابن ماجة القزويني» الحديث 1095.

الرابع: المباكرة إلی المصلّي، لا سيّما في جمع شهر الصّيام.

إنّ من آداب الجمعة وسننها المباكرة إلی المصلّي الّذي تقام فيه الجمعة، لأنّها مسارعةٌ إلی الخير، وينبغي أن يكون ذلك مع سكينة و وقار، وأن يلبس المصلّي أفضل ثيابه كما تقدّم، وقد ورد أنّ الملائكة المقّربين ينزلون عند مساجد الجمعة قبل ورود المصلّين لكتابة أسمائهم بأقلام من ذهب وقراطيس من فضّة.

قال الشّهيد الثاني رحمه الله في «روض الجنان»:

ويستحبّ المباكرة إلى المسجد للإمام وغيره، روى عبد اللّه بن سنان عن الصّادق علیه السلام: «إنّ الجنان لتزخرف وتزيّن يوم الجمعة لمن أتاها، وإنّكم تتسابقون إلى الجنّة على قدر سبقكم إلى الجمعة»، وروى محمّد بن مسلم عن الباقر علیه السلام: «تجلس الملائكة يوم الجمعة على باب المسجد فيكتبون الناس على منازلهم الأوّل والثاني حتّى يخرج الإمام»، والمراد بالمباكرة على ما ذكره المصنّف في التّذكرة التوجّه بعد الفجر وإيقاع صلاة الصّبح فيه والاستمرار، ولتكن المباكرة (بعد) التأهّب لها بالغسل و(حلق الرأس وقصّ الأظفار والشارب، والسّكينة) في الأعضاء حالة الخروج إلى المسجد أو في جميع اليوم بمعنى الاعتدال في حركاتها (والطيب، ولُبْس أفخر الثياب) وأعلاها ثمناً، ولتكن بيضاً، قال الصّادق علیه السلام: «ليتزيّن أحدكم يوم الجمعة ويتطيّب ويسرّح لحيته ويلبس أنظف ثيابه، وليتهيّأ للجمعة، وليكن عليه في ذلك اليوم السكينة والوقار»(1).

ص: 491


1- «روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان (ط-الحديثة)» ج 2/790 - 791.

وقال ابن قدامة الحنبلي:

وللسّعي إلی الجمعة وقتان؛ وقت وجوب، ووقت فضيلة، فأمّا وقت الوجوب فما ذكرناه، وأمّا وقت الفضيلة فمن أوّل النهار، فكلّما كان أبكر كان أولی وأفضل، وهذا مذهب الأوزاعي والشّافعي وابن المنذر وأصحاب الرّأي، وقال مالك: لا يستحب التبكير قبل الزّوال لقول النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «من راح إلی الجمعة» والرّواح بعد الزّوال والغدو قبله، قال النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها» ويقال: تروحت عند انتصاف النّهار، قال امرؤ القيس: تروح من الحيّ أم تبتكر، ولنا: ما روی أبو هريرة: أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في السّاعة الاُولی فكأنّما قرب بدنة، ومن راح في السّاعة الثانية فكأنّما قرب بقرة، ومن راح في السّاعة الثالثة فكأنّما قرب كبشاً، ومن راح في السّاعة الرابعة فكأنّما قرب دجاجة، ومن راح في السّاعة الخامسة فكأنّما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر متّفق عليه، وفي لفظ: «إذا كان يوم الجمعة وقف علی كلّ باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأوّل فالأوّل، فإذا خرج الإمام طووا الصّحف وجاؤوا يستمعون» متّفق عليه، وقال علقمة: خرجت مع عبد الله إلی الجمعة فوجدت ثلاثة قد سمعوه، فقال: رابع أربعة، وما رابع أربعة ببعيد إنّي سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول: «إنّ النّاس يجلسون من الله عز وجلّ يوم القيامة علی قدر رواحهم إلی الجمعة» رواه ابن ماجة، و روی أنّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم قال:

ص: 492

«من غسل يوم الجمعة واغتسل،وبكر وابتكر كان له بكلّ خطوة يخطوها أجر سنة صيامها وقيامها» أخرجه التّرمذي(1).

وقال الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

ومنها (مندوبات الجمعة): المبادرة بالذّهاب إلی موضع إقامتها لغير الإمام، أمّا هو فلا يندب له التّبكير، وليس للمبادرة وقت معين فله أن يذهب قبل الأذان، ومنها المشي بسكينة إلی موضعها بساعتين أو أكثر أو أقلّ عند ثلاثة، وخالف المالكيّة فقالوا: يندب الذّهاب للجمعة وقت الهاجرة، ويبتدئ بقدر ساعة قبل الزّوال وأمّا التبكير وهو الذّهاب قبل ذلك فمكروه(2).

هناك رواياتٌ تؤكّد على ذلك، منها ما تلي:

1 - صحيحة جَابِرٍ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام: «إِذَا كَانَ حَيْثُ يَبْعَثُ اللَّهُ الْعِبَادَ أُتِيَ بِالْأَيَّامِ يَعْرِفُهَا الْخَلَائِقُ بِاسْمِهَا وحِلْيَتِهَا، يَقْدُمُهَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ لَهُ نُورٌ سَاطِعٌ يَتْبَعُهُ سَائِرُ الْأَيَّامِ كَأَنَّهَا عَرُوسٌ كَرِيمَةٌ ذَاتُ وَقَارٍ تُهْدَى إِلَى ذِي حِلْمٍ ويَسَارٍ، ثُمَّ يَكُونُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ شَاهِداً وحَافِظاً لِمَنْ سَارَعَ إِلَى الْجُمُعَةِ، ثُمَّ يَدْخُلُ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى الْجَنَّةِ عَلَى قَدْرِ سَبْقِهِمْ إِلَى الْجُمُعَةِ»(3).

2 - خبر عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام يُبَكِّرُ إِلَى الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ تَكُونُ الشَّمْسُ قِيدَ رُمْحٍ، فَإِذَا كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ يَكُونُ قَبْلَ ذَلِكَ،

ص: 493


1- «المغني لابن قدامة» ج2/298 - 299.
2- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/403.
3- «أمالي الصّدوق» ص 324 الحديث 7، «وسائل الشيعة» ج7/385 الحديث 9649.

وكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ لِجُمَعِ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى جُمَعِ سَائِرِ الشُّهُورِ فَضْلاًكَفَضْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ»(1).

3 - خبر مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام أَنّهُ قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ نَزَلَ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ مَعَهُمْ قَرَاطِيسُ مِنْ فِضَّةٍ وأَقْلَامٌ مِنْ ذَهَبٍ فَيَجْلِسُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ عَلَى كَرَاسِيَّ مِنْ نُورٍ، فَيَكْتُبُونَ النَّاسَ عَلَى مَنَازِلِهِمْ الْأَوَّلَ والثاني، حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ، ولَا يَهْبِطُونَ في شيء مِنَ الْأَيَّامِ إلّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ الْمُقَرَّبِينَ»(2).

4 - روی أبو هريرة عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «مَنِ انْتَظَرَ الصَّلَاةَ فَهُوَ في صَلَاةٍ مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَدْعُو لَهُ الْمَلَائِكَةُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ»(3).

ص: 494


1- «الكافي» ج3/429 الحديث 8، «وسائل الشيعة» ج7/348 الحديث 9543.
2- «الكافي» ج3/413 الحديث 2، «وسائل الشيعة» ج7/347 الحديث 9542.
3- «كنز العمال» ج7/322 الخبر 19076.

الخامس: السّواك قبل الصّلاة.

قال الشّيخ رحمه الله في «الخلاف» وفيه اشارة إلی آراء العامّة:

السّواك مسنونٌ غير واجب، وبه قال جميع الفقهاء، وقال داوود: إنّه واجبٌ، دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضاً الأصل براءة الذّمّة وإيجاب ذلك يحتاج إلی دليل، وروي عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أنّه قال: «لَولا أنْ أَشُقَّ عَلی أُمَّتي لَأمَرتُهُمْ بالسِّواكِ عِنْدَ كلِّ صَلاةٍ»، فلو كان واجباً لأمرهم به شقّ أو لم يشقّ(1).

وقال المحقّق النراقي رحمه الله في «مستنده»:

السّواك واستحبابه عندنا في نفسه وللوضوء مُجمعٌ عليه، والنّصوص به في الموضعين مستفيضةٌ(2).

وقد استدلّ علی ذلك بروايات، منها: صحيحة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحِ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أنَّهُ قالَ: «رَكْعَتَانِ بِالسِّوَاكِ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ رَكْعَةً بِغَيْرِ سِوَاكٍ»(3).

وخبر مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام في وَصِيَّةِ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم لِعَلِيٍّ علیه السلام قَالَ: «عَلَيْكَ بِالسِّوَاكِ لِكُلِّ صَلَاةٍ»(4).

ص: 495


1- «كتاب الخلاف» ج1/70، المسألة 17 من مسائل الطهارة.
2- «مستند الشّيعة» ج2/175.
3- «الكافي» ج3/22 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج2/19 الحديث 1353.
4- «الكافي» ج6/496 الحديث 10، «وسائل الشيعة» ج2/18 الحديث 1352.

وما رواه الطبرسي رحمه الله مرسلة عن وصايا النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم لعليّ علیه السلام: «يَا عَلِيُّ عَلَيْكَ بِالسِّوَاكِ، وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تُقِلَّ مِنْهُ فَافْعَلْ، فَإِنَّ كُلَّ صَلَاةٍ تُصَلِّيهَا بِالسِّوَاكِ تَفْضُلُ عَلَى الّتي تُصَلِّيهَا بِغَيْرِ سِوَاكٍ أَرْبَعِينَ يَوْماً»(1).وعن طريق العامّة روی في «كنزالعمّال» عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «طَيَّبُوا

أَفْوَاهَكُمْ بِالسِّوَاك فَإنَّهَا طُرُقٌ الْقُرْانَ»(2).

السّادس: كراهة أكل الأطعمة ذات الرّائحة الكريهة عند الذّهاب إلى المساجد.

قال المحقّق الحلّي رحمه الله في «الشرائع»:

ويكره دخول من في فمه رائحة بصل أو ثوم.

ثمّ زاد عليه في «الجواهر»:

أو غيرهما من الرّوائح المؤذية للمجاور، كالكرّاث ونحوه في المساجد علی ما صرّح به جماعةٌ من الأصحاب(3).

وقال السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي صاحب «العروة»:

الثاني عشر (من أحكام المسجد): يكره استطراق المساجد إلّا أن يصلّي فيها ركعتين...، و دخول من أكل البصل والثّوم ونحوهما ممّا له رائحة تؤذي النّاس(4).

ص: 496


1- «مكارم الأخلاق» ص 50، «بحارالأنوار» ج73/137، «مستدرك الوسائل» ج1/365 الحديث 868.
2- «كنزالعمال في سنن الأقوال والأفعال» ج1/603 الخبر 2753.
3- راجع: «جواهر الكلام» ج14/125.
4- «العروة الوثقی» ج1/499.

يمكن أن نستدلّ علی ذلك بروايات متظافرة بل متواترة، منها ما تلي:

1 - صحيحةُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ أَكْلِ الثُّومِ؟ فَقالَ: «إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم عَنْهُ لِرِيحِهِ، فَقَالَ: مَنْ أَكَلَ هَذِهِ الْبَقْلَةَ الْخَبِيثَةَ فَلَا يَقْرَبْ مَسْجِدَنَا، فَأَمَّا مَنْ أَكَلَهُ ولَمْ يَأْتِ الْمَسْجِدَ فَلَا بَأْسَ»(1).

2 - صحيحةُ أبي بَصِيرٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَكْلِ الثُّومِ والْبَصَلِ والْكُرَّاثِ، فَقالَ: «لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ نِيّاً وفِي الْقُدُورِ، ولَا بَأْسَ بِأَنْ يُتَدَاوَى بِالثُّومِ، ولَكِنْ إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلَا يَخْرُجْ إِلَى الْمَسْجِدِ»(2).

3 - صحيحةُ أبي بَصِيرٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِيٍّ علیه السلام أَنّهُ قَالَ: «مَنْ أَكَلَ شَيْئاً مِنَ الْمُؤْذِيَاتِ رِيحُهَا فَلَا يَقْرَبَنَّ الْمَسْجِدَ»(3).

4 - صحيحة دَاوود بْنِ فَرْقَدٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَن رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم: «مَنْ أَكَلَ هَذِهِ الْبَقْلَةَ فَلَا يَقْرَبْ مَسْجِدَنَا، ولَمْ يَقُلْ إِنَّهُ حَرَامٌ»(4).

ص: 497


1- «الكافي» ج6/374 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج5/226 الحديث 6398.
2- «الكافي» ج6/375 الحديث 2، «وسائل الشيعة» ج5/226 الحديث 6399.
3- «التهذيب» ج3/255 الحديث 708، «وسائل الشيعة» ج5/228 الحديث 6406.
4- «علل الشرائع» ص 520 الحديث 3، «وسائل الشيعة» ج5/227 الحديث 6402.

السّابع: استحباب اختصاص أوّل الصّفوف بأهل الفضل، وأفضل أوّلها ما دنی الإمام من يمينه.

ينبغي اختصاص الصفّ الأول في الجمعة والجماعات بذوي الفضل والكمال من أهل العلم والتقوی، وذلك لأنّهم ينوبون عن الإمام لو عرض له حدث أو مات في أثناء الصّلاة أو نسي أو غلط شيئاً من القراءة، زائداً علی كونهم أعرف بمسائل الصّلاة والجماعة من سائر المصلّين، نعم إنّه قد وردت أخبارٌ دلّت بعمومها علی استحباب اختيار الصّف الأوّل لجميع المصلّين لكونه أفضل الصّفوف وأفضل الأوّل ما دنی الإمام من يمينه(1)، إلّا أنّه تقيد بما ذكرناه علی ما تشهد عليه صحيحة جَابِرٍ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: قَالَ: «لِيَكُنِ الَّذِينَ يَلُونَ الْإِمَامَ اُولِي الْأَحْلَامِ مِنْكُمْ وَالنُّهَى فَإِنْ نَسِیَ الْإِمَامُ أَوْ تَعَايَا قَوَّمُوهُ، وَأَفْضَلُ الصُّفُوفِ أَوَّلُهَا،

ص: 498


1- راجع: «وسائل الشيعة» ج8/306 - 307 بَابُ «اسْتِحْبَابِ اخْتِيَارِ الْقُرْبِ مِنَ الْإِمَامِ وَالْقِيَامِ فِی الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَاخْتِيَارِ مَيَامِنِ الصُّفُوفِ عَلَى مَيَاسِرِهَا وَالصَّفِّ الْأَخِيرِ فِی صَلَاةِ الْجِنَازَةِ». منها صحيحة جَابِرٍ عَنْ أبِي جَعْفَرٍ علیه السلام فِی الحديث قَالَ: «أَفْضَلُ الصُّفُوفِ أَوَّلُهَا وَأَفْضَلُ أَوَّلِهَا مَا دَنَا مِنَ الْإِمَامِ» الحديث 10741. ومرفوعة سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ بِإِسْنَادِهِ قَالَ: قَالَ: «فَضْلُ مَيَامِنِ الصُّفُوفِ عَلَى مَيَاسِرِهَا كَفَضْلِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الْفَرْدِ» الحديث 10742. وخبر دَعَائِمُ الْإِسْلَامِ، عَنْ عَلِيٍّ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: «أَفْضَلُ الصُّفُوفِ أَوَّلُهَا وَهُوَ صَفُّ الْمَلَائِكَةِ وَأَفْضَلُ الْمُقَدَّمِ مَيَامِنُ الْإِمَامِ»، «بحار الأنوار» ج85/18، «مستدرك الوسائل» ج6/460 الحديث 7237. وفي خصوص الجمعة عن طريق العامّة ما روی سمرة عن النّبيیّ صلی الله علیه و آله و سلم: «احْضُرُوا الْجُمُعَةَ، وَادْنُوا مِنَ الْإِمَامِ فَإنَّ الرَّجُلَ لَا يَزالُ يَتَبَاعَدُ حَتَّی يُؤَخِّرَ فِي الْجَنَّةِ وَإنْ دَخَلَهَا»، «كنز العمال» ج7/734 الخبر 21159.

وَأَفْضَلُ أَوَّلِهَا مَا دَنَا مِنَ الْإِمَامِ، وَفَضْلُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الرَّجُلِ فَذّاً خَمْسٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً في الْجَنَّةِ»(1).

قال العلّامة الحلّي رحمه الله :

أفضل الصّفوف أوّلها فيختصّ به أهل الفضل استحباباً، وهو قول عامّة أهل العلم، روى الجمهور عن رسول اللَّه صلی الله علیه و آله و سلم قال: «خير صفوف الرّجال أوّلها وشرّها آخرها، وخير صفوف النّساء آخرها وشرّها أوّلها»، وعنه علیه السلام أنّه قال: «ليليني منكم أولو النّهى والأحلام»، وعنه علیه السلام أنّه رأى في أصحابه تأخّرا، فقال: «تقدّموا فائتمّوا بي وليأتمّ بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخّرون حتّى يؤخّرهم اللَّه عزّ وجلّ»، ومن طريق الخاصّة: ما رواه الشّيخ عن جابر بن يزيد عن الباقر علیه السلام أنّه قال: «ليكن الّذين يلون الإمام اُولي الأحلام منكم والنّهى، فإن نسي الإمام أو تعايا قوّموه، وأفضل الصّفوف أوّلها، وأفضل أوّلها ما دنا من الإمام»، وما رواه ابن بابويه عن أبي الحسن الكاظم علیه السلام قال: «إنّ الصّلاة في الصفّ الأوّل كالجهاد في سبيل اللَّه»، ولأنّهم يردّون الإمام لو سها، ويدلّ على هذه العلّة قول الباقر علیه السلام: «فإن نسي الإمام قوّموه»، فإنّ حرفي «إن» و«الفاء» دالّان على التّعليل، ولأنّه ربّما يعرض للإمام ما يقطع به الصّلاة فيحتاج إلى من يستخلفه(2).

ص: 499


1- «الكافي» ج3/372 الحديث 7، «وسائل الشيعة» ج8/305 الحديث 10738.
2- «منتهى المطلب في تحقيق المذهب» ج 6/252 - 253.

وقال السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي رحمه الله صاحب «العروة»:

الثّالث (من مستحبات الجماعة): أن يكون في الصفّ الأوّل أهل الفضل ممّن له مزيّة في العلم والكمال والعقل والورع والتّقوى، وأن يكون يمينه لأفضلهم في الصفّ الأوّل فإنّه أفضل الصّفوف(1).

الثّامن:

استحباب تسوية الخلل بين صفوف الجماعة والقيام عند قول الإمام: «قد قامت الصّلاة»، وكراهة انفراد المأموم عن الصف مع إمكان الدخول فيه.

يستحب تسوية الصّفوف، وسدّ الفرج، والمحاذاة بين المناكب، واتصال مساجد الصّفّ اللاحق بمواقف السّابق، والقيام عند قول المؤذن: «قد قامت الصّلاة»، ويكره للمأموم الوقوف في صف وحده إذا وجد موضعاً في الصّفوف، قال المحقّق النراقي رحمه الله في «مستتده»:

ومنها (مستحبات صلاة الجماعة): إقامة الصّفوف واعتدالها وسدّ الفرج الواقعة فيها؛ لاستفاضة النّصوص العاميّة والخاصيّة، فمن الاُولى: كان رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم يسوّي صفوفنا كأنّما يسوّي القداح، وقال: «أقيموا صفوفكم»، وقال: «سوّوا صفوفكم فإنّ تسوية الصّفوف من تمام الصّلاة»، وكان يمسح مناكبهم في الصّلاة ويقول: «استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم»، ومن الثّانية: صحيحة محمّد: «أقيموا صفوفكم، فإني أراكم من خلفي كما أراكم من قدّامي ومن بين يديّ»، والمروي في التّهذيب: «سوّوا بين صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم لئلّا يكون فيكم خلل»، وفي بصائر الصفّار: «لتقيمنّ صفوفكم أو ليخالفنّ

ص: 500


1- «العروة الوثقی» ج1/804.

اللّه بين قلوبكم»، وفيه أيضا: «أقيموا صفوفكم إذا رأيتم خللاً»، وفيه أيضاً: «سوّوا صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم»، إلى غير ذلك(1).

وقال ابن رشد القرطبي في «بداية المجتهد»:

أجمع العلماء علی أنّ الصّف الأوّل مرغّب فيه، وكذلك تراصّ(2) الصّفوف وتسويتها لثبوت الأمر بذلك عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، واختلفوا إذا صلّی إنسان خلف الصّف وحده فالجمهور علی أنّ صلاته تجزي، وقال أحمد وأبو ثور وجماعة: صلاته فاسدة(3).

وقال الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

ومنها (مكروهات الصّلاة) صلاته خلف صف فيه فرجة، وهذا مكروه باتفاق الأئمة ما عدا الحنابلة، فإنّهم قالوا: إن كان يصلّي خلف الصّفّ الّذي فيه فرجة فإن كان وحده بطلت صلاته، وإن كان مع غيره كرهت صلاته(4).

قد استدلّ الفريقين علی ذلك بروايات، منها ما تلي:

ص: 501


1- «مستند الشيعة» ج8/115 - 116.
2- قال ابن منظور المصري: قال الكسائي: التَّراصُّ أَن يَلْصَقَ بعضُهم ببعضٍ حتى لا يكون بينهم خَلَلٌ ولا فُرَجٌ، وأَصله تراصَصُوا من رَصّ البِناء يَرُصُّه رَصّاً إِذا أَلْصَقَ بعضَه ببعض فأُدْغِم. «لسان العرب» ج 7/40.
3- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج1/416 - 418.
4- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/279.

1 - صحيحة حَفْصِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ أَ يَقُومُ الْقَوْمُ عَلَى أَرْجُلِهِمْ أَوْ يَجْلِسُونَ حَتَّى يَجِي ءَ إِمَامُهُمْ؟ قَالَ: «لَا بَلْ يَقُومُونَ عَلَى أَرْجُلِهِمْ فَإِنْ جَاءَ إِمَامُهُمْ وَإِلَّا فَلْيُؤْخَذْ بِيَدِ رَجُلٍ مِنَ الْقَوْمِ فَيُقَدَّمُ»(1).

2 - صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم: «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ خَلْفِي كَمَا أَرَاكُمْ مِنْ قُدَّامِي وَمِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَلَا تُخَالِفُوا فَيُخَالِفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ»(2).

3 - موثقة السَّكُونِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ : قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم: «سَوُّوا بَيْنَ صُفُوفِكُمْ، وَحَاذُوا بَيْنَ مَنَاكِبِكُمْ لَا يَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمُ الشَّيْطَانُ»(3).

4 - موثقة السَّكُونِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم: «لَا تَكُونَنَّ في الْعَيْكَلِ، قُلْتُ: وَمَا الْعَيْكَلُ؟ قَالَ: أَنْ تُصَلِّيَ خَلْفَ الصُّفُوفِ وَحْدَكَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الدُّخُولُ في الصَّفِّ قَامَ حِذَاءَ الْإِمَامِ أَجْزَأَهُ فَإِنْ هُوَ عَانَدَ الصَّفَّ فَسَدَتْ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ»(4).

5 - روی أنس عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «أَتِمُّوا الصُّفُوفَ فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي»(5).

ص: 502


1- «التهذيب» ج2/285 الحديث 1143، «من لا يحضره الفقيه» ج1/252 الحديث 1137، «وسائل الشيعة» ج5/450 الحديث 7058.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج1/252 الحديث 1139، «وسائل الشيعة» ج8/423 الحديث 11074.
3- «التهذيب» ج3/283 الحديث 839، «وسائل الشيعة» ج8/423 الحديث 11073.
4- «التهذيب» ج3/282 الحديث 838، «وسائل الشيعة» ج8/407 الحديث 11032.
5- «كنز العمال» ج7/621 الخبر 20563.

6 - روی ابن عمر عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «صُفُّوا كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ، ُفَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: يُقِيمُونَ الصُّفُوفَ وَيَجْمَعُونَ مَنَاكِبَهُم»(1).

7 - روی أبو هريرة عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «تَوَسَّطُوا الْإِمَامَ وَسُدُّوا الْخَلَل»(2).

8 - روی أنس عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «رُصُّوا(3) صُفُوفَكُمْ وَقَارِبُوا بَيْنَهَا وَحَاذُوا بِالْأَعْنَاقِ، فَوَالّذي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَرَى الشَّيَاطِينَ تَدْخُلُ مِنْ خَلَلِ الصَّفِّ كأنَّهَا الْحَذَفُ(4)»(5).

التّاسع: نوافل الجمعة.

يستحب التَّنفل يوم الجمعة كما يستحب في غيرها من الأيّام، إلّا أنّه في عددها وفي زمان إقامتها خلافٌ بين فقهائنا العظام (قدّس الله أسرارهم)، ومحصّل الأقوال في المقام علی ما تتبعنا ثلاثةٌ:

الأوّل: ماذهب إليه الأكثر، بل المشهور من كونها عشرين ركعةً (6).

ص: 503


1- «كنز العمال» ج7/620 الخبر 20556.
2- «كنز العمال» ج7/608 الخبر 20485.
3- قال ابن منظور المصري: رصص: رَصَّ البُنْيانَ يَرُصّه رَصّاً، فهو مَرْصُوصٌ و رَصِيصٌ، ورَصّصَه و رَصْرَصَه: أَحْكَمَه وجَمَعه وضمّ بعضَه إِلى بعض، وكلُّ ما أُحْكِمَ وضُمَّ، فقد رُصَّ. «لسان العرب» ج7/40.
4- قال المحدث النّوري رحمه الله : وَالْحَذَفُ ضَرْبٌ مِنَ الْغَنَمِ الصِّغَارِ السُّودِ وَاحِدُهَا حَذَفَةُ فَشَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم تَخَلُّلَ الشَّيْطَانِ الصُّفُوفَ إِذَا وَجَدَ فِيهَا خَلَلاً بِتَخَلُّلِ أَوْلَادِ تِلْكَ الْغَنَمِ مَا بَيْنَ كِبَارِهَا. راجع: «مستدرك الوسائل» ج6/506.
5- «كنز العمال» ج7/620 الخبر 20557.
6- راجع: «جواهر الكلام» ج11/318، «مستند الشيعة» ج6/142، «رياض المسائل» ج3/367.

الثاني: ما حُكي عن ابن جنيد الإسكافي رحمه الله من كونها اثنتين وعشرين ركعةً(1).

الثّالث: التّفصيل بين إقامة النّوافل متفرقةً فتكون عشرين ركعةً، وبين فعلها مجتمعةً فتكون ستّ عشرة ركعةً بلا فرق بينها وبين غيرها من الأيّام، قد ذهب إليه الصّدوقان(رحمهما الله)، قال محمّد بن عليّ بن بابويه في «الفقيه»:

وقال أبي رضی الله عنه في رسالته إليّ: إن استطعت أن تصلّي يوم الجمعة إذا طلعت الشّمس ستّ ركعات، وإذا انبسطت ستّ ركعات، وقبل المكتوبة ركعتين، وبعد المكتوبة ستّ ركعات فافعل، وفي نوادر أحمد بن محمّد بن عيسی وركعتين بعد العصر، وإن قدّمت نوافلك كلّها في يوم الجمعة قبل الزّوال أو أخّرتها إلی بعد المكتوبة فهي ستّ عشرة ركعةً، وتأخيرها أفضل من تقديمها، وإذا زالت الشّمس في يوم الجمعة فلا تصلّ إلّا المكتوبة(2).

وقال الشّيخ محمّد حسن النّجفي رحمه الله في «الجواهر»:

ومنها - أي آداب الجمعة - التّنفل بعشرين ركعةً زائداً على غيره من الأيام بأربع على المشهور نصّاً وفتوى، خلافاً للمحكي عن الإسكافي فزاد ركعتين أُخريين أيضاً، فيكون المجموع اثنين وعشرين ركعةً، قال: الّذي يستحبّ عند أهل البيت: من نوافل الجمعة ستّ ضحوةً، وستّ ما بينها وبين انتصاف النّهار، وركعتا الزّوال، وثمانٍ بين الفرضين

ص: 504


1- راجع: «جواهر الكلام» ج11/318، «مستند الشيعة» ج6/143، «رياض المسائل» ج3/367.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج1/329، ذيل الحديث 7 من باب «وجوب الجمعة وفضلها ومن وضعت عنه، والصَّلاة والخطبة فيها».

منها ركعتان نافلة العصر، للصّحيح عن الصّلاة يوم الجمعة كم هي من ركعة قبل الزّوال؟ قال: «ستُّ ركعات بكرةً وستُّ بعد ذلك اثنتي عشرة ركعةً، وستُّ ركعات بعد ذلك ثمان عشرة ركعةً، وركعتان بعد الزَّوال، فهذه عشرون ركعةً، وركعتان بعد العصر، فهذه ثنتان وعشرون ركعةً». وهو كما ترى لا يوافق المحكي عنه في الرَّكعتين بعد العصر، وللصّدوقين فلم يفرّقا بينه وبين باقي الأيام إذا قدّمت على الزّوال أو أخّرت عن المكتوبة(1).

هذه هي بعض الأقوال الّتي طُرحت حول المسألة عند فقهائنا (رضوان الله تعالی عليهم)، ولم يوجد من العامّة في ذلك قول يعرف، وكيف كان فالّذي يكون منشأ لاختلاف الأقوال في المقام هو اختلاف الأخبار الواردة في الباب، وهي علی طوائف ثلاثة نذكرها أوّلاً، ثمّ نستنتج منها ما هو مختارنا حسب المباني المذكورة في علم الاُصول.

وقبل بيان الطوائف نذكر تيمناً بعض ما وردت في مقام الاهتمام بالنّوافل وحكمتها، منها:

1 - صحيحة أبي بَصِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام يَقُولُ: «كُلُّ سَهْوٍ في الصَّلَاةِ يُطْرَحُ مِنْهَا غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُتِمُّ بِالنَّوَافِلِ، إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ الصَّلَاةُ فَإِنْ قُبِلَتْ قُبِلَ مَا سِوَاهَا، إِنَّ الصَّلَاةَ إِذَا ارْتَفَعَتْ في أَوَّلِ وَقْتِهَا رَجَعَتْ إِلَى صَاحِبِهَا وهي بَيْضَاءُ مُشْرِقَةٌ تَقُولُ حَفِظْتَني حَفِظَكَ اللَّهُ، وَإِذَا ارْتَفَعَتْ في غَيْرِ وَقْتِهَا بِغَيْرِ حُدُودِهَا رَجَعَتْ إِلَى صَاحِبِهَا وهي سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ تَقُولُ ضَيَّعْتَنِي ضَيَّعَكَ اللَّهُ»(2).

ص: 505


1- «جواهر الكلام» ج11/318 - 319.
2- «الكافي» ج3/268 الحديث 4.

2 - صحيحة أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه سلام قَالَ: «لَمَّا اُسْرِیَ بِالنّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم قَالَ: يَا رَبِّ مَا حَالُ الْمُؤْمِنِ عِنْدَكَ؟ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيّاً فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ، وَأَنَا أَسْرَعُ شيء إِلَى نُصْرَةِ أَوْلِيَائِي، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شيء أَنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي عَنْ وَفَاةِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِيَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إلّا الْغِنَى وَلَوْ صَرَفْتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَهَلَكَ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِيَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إلّا الْفَقْرُ وَلَوْ صَرَفْتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَهَلَكَ، وَمَا يَتَقَرَّبُ إِلَیَّ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِي بِشيء أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ لَيَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّافِلَةِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ إِذاً سَمْعَهُ الّذي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الّذي يُبْصِرُ بِهِ، وَلِسَانَهُ الّذي يَنْطِقُ بِهِ، وَيَدَهُ الّتي يَبْطِشُ بِهَا، إِنْ دَعَانِي أَجَبْتُهُ، وَإِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ»(1).

3 - المرفوعة الّتي حكاها ابن حيّون نعمان بن محمّد المغربي رحمه الله (م 363 ه- ) في دعائمه من قصّة صلاة الإمام السجاد علیه السلام وفيها التحريص علی فعل النوافل، وهي: عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ علیه السلام أَنَّهُ صَلَّى فَسَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَتَرَكَهُ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ (وهو أَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيّ): يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ سَقَطَ رِدَاؤُكَ عَنْ مَنْكِبَيْكَ فَتَرَكْتَهُ وَمَضَيْتَ في صَلَاتِكَ، وَقَدْ نَهَيْتَنَا عَنْ مِثْلِ هَذَا، قَالَ لَهُ: «وَيْحَكَ أَ تَدْرِي بَيْنَ يَدَيْ مَنْ كُنْتُ؟ شَغَلَنِي وَاللَّهِ ذَاكَ عَنْ هَذَا، أَتَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ إلّا مَا أَقْبَلَ عَلَيْهِ؟! فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ هَلَكْنَا إِذاً، قَالَ: كَلَّا، إِنَ اللَّهَ يُتِمُ ذَلِكَ بِالنَّوَافِلِ»(2).

ص: 506


1- «الكافي» ج2/352 الحديث 8.
2- «دعائم الإسلام» ج1/158، «التهذيب» ج2/341 الحديث 3، «بحار الأنوار» ج81/265، «مستدرك الوسائل» ج3/56 الحديث 30084.

فبعد ما عرفت ذلك فنقول:

أمّا الطّائفة الاُولی: الأخبار الدالّة علی كون نوافل الجمعة عشرين ركعةً، وهي عبارةٌ عن:

1 - صحيحة أَحْمَد بِنْ مُحَمَّد بِن أَبي نَصْر عَن الإمامِ الرِّضا علیه السلام: «صَلِّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الصَّلَاةِ وعَشْراً بَعْدَهَا»(1).

2 - صحيحةٌ اُخری عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْن أَبي نَصْر حَيثُ قالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ علیه السلام عَنِ التَّطَوُّعِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقالَ: «سِتُّ رَكَعَاتٍ في صَدْرِ النَّهَارِ، وسِتُّ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الزَّوَالِ، ورَكْعَتَانِ إِذَا زَالَتْ، وسِتُّ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْجُمُعَةِ؛ فَذَلِكَ عِشْرُونَ رَكْعَةً سِوَى الْفَرِيضَةِ»(2).

3 - صحيحة يَعْقُوبَ بْنِ يَقْطِينٍ عَنِ الْعَبْدِ الصَّالِحِ علیه السلام حَيثُ سَأَلَهُ عَنِ التَّطَوُّعِ في يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ فَقالَ: «إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَتَطَوَّعَ في يَوْمِ الْجُمُعَةِ في غَيْرِ سَفَرٍ صَلَّيْتَ سِتَّ رَكَعَاتٍ ارْتِفَاعَ النَّهَارِ، وسِتَّ رَكَعَاتٍ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ، ورَكْعَتَيْنِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ، وسِتَّ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْجُمُعَةِ»(3).

4 - صحيحة حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مُرَادِ بْنِ خَارِجَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «أَمَّا أَنَا فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وكَانَتِ الشَّمْسُ مِنَ الْمَشْرِقِ بِمِقْدَارِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ في وَقْتِ صَلَاةِ الْعَصْرِ صَلَّيْتُ سِتَّ

ص: 507


1- «التهذيب» ج3/247 الحديث 673، «وسائل الشّيعة» ج7/322 الحديث 9475.
2- «التهذيب» ج3/246 الحديث 668، «وسائل الشيعة» ج7/323 الحديث 9477.
3- «التهذيب» ج3/11 الحديث 36، «وسائل الشيعة» ج7/324 الحديث 9481.

رَكَعَاتٍ، فَإِذَا ارْتَفَعَ النَّهَارُ صَلَّيْتُ سِتّاً، فَإِذَا زَاغَتْ أَوزَالَتْ صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّيْتُ الظُّهْرَ، ثُمَّ صَلَّيْتُ بَعْدَهَا سِتّاً»(1).

5 - صحيحة أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أبي نَصْرٍ عَن أَبي الْحَسَنِ علیه السلام: «الصَّلَاةُ النَّافِلَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، سِتُّ رَكَعَاتٍ بُكْرَةً، وسِتُّ رَكَعَاتٍ صَدْرَ النَّهَارِ، ورَكْعَتَانِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلِّ الْفَرِيضَةَ، ثُمَّ صَلِّ بَعْدَهَا سِتَّ رَكَعَاتٍ»(2).

6 - صحيحة أبي بَصِيرٍ عَن أَبي جَعْفَرٍ علیه السلام: «إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصَلِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عِشْرِينَ رَكْعَةً فَافْعَلْ، سِتّاً بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وسِتّاً قَبْلَ الزَّوَالِ إِذَا تَعَالَتِ الشَّمْسُ، وافْصِلْ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ نَوَافِلِكَ بِالتَّسْلِيمِ، ورَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وسِتَّ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْجُمُعَةِ»(3).

7 - صحيحة أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أبي نَصْرٍ عَنْ أبي الْحَسَنِ علیه السلام: «فِي النَّوَافِلِ في يَوْمِ الْجُمُعَةِ سِتَّ رَكَعَاتٍ بُكْرَةً، وسِتَّ رَكَعَاتٍ ضَحْوَةً، ورَكْعَتَيْنِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وسِتَّ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْجُمُعَةِ»(4).

8 - موثقة الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَن الإمامِ الرِّضَا علیه السلام: «إِنَّمَا زِيدَ في صَلَاةِ السُّنَّةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ تَعْظِيماً لِذَلِكَ الْيَوْمِ، وتَفْرِقَةً بَيْنَهُ وبَيْنَ سَائِرِ الْأَيَّامِ»(5).

9 - خبر فِقْهِ الرِّضَا علیه السلام: «وفِي نَوَافِلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ زِيَادَةُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ تُتِمُّهَا عِشْرِينَ رَكْعَةً، يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا في صَدْرِ النَّهَارِ وتَأْخِيرُهَا إِلَى بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ، فَإِنِ

ص: 508


1- «الكافي» ج3/428 الحديث 2، «وسائل الشيعة» ج7/325 الحديث 9483.
2- «الكافي» ج3/427 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج7/325 الحديث 9484.
3- «وسائل الشيعة» ج7/326 الحديث 9489.
4- «قرب الإسناد» : 158، «وسائل الشيعة» ج7/327 الحديث 9490.
5- «علل الشرائع» ص 266 الحديث 9، «وسائل الشّيعة» ج7/322 الحديث 9472.

اسْتَطَعْتَ أَنْتُصَلِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ سِتَّ رَكَعَاتٍ، وإِذَا انْبَسَطَتْ سِتَّ رَكَعَاتٍ، وقَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ رَكْعَتَيْنِ، وبَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ سِتَّ رَكَعَاتٍ فَافْعَلْ، وإِنْ صَلَّيْتَ نَوَافِلَكَ كُلَّهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوأَخَّرْتَهَا إِلَى بَعْدِ الْمَكْتُوبَةِ أَجْزَأَكَ وهي سِتَّ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وتَأْخِيرُهَا أَفْضَلُ مِنْ تَقْدِيمِهَا»(1).

وأمّا الطائفة الثّانية: الأخبار الدّالة علی كون نوافل الجمعة اثنتين وعشرين ركعةً، وهي عبارةٌ عن:

1 - صحيحة سَعْدِ بْنِ سَعْدٍ الْأَشْعَرِیِّ عَنْ أبي الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام حَيثُ سَألَهُ عَنِ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَمْ رَكْعَةً هي قَبْلَ الزَّوَالِ؟ فَقالَ: «سِتُّ رَكَعَاتٍ بُكْرَةً، وسِتٌّ بَعْدَ ذَلِكَ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً، وسِتُّ رَكَعَاتٍ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ورَكْعَتَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَهَذِهِ عِشْرُونَ رَكْعَةً، ورَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَهَذِهِ ثِنْتَانِ وعِشْرُونَ رَكْعَةً»(2).

2 - خبر الشّيخ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْقُمِّيّ في كِتَابِ «الْعَرُوسِ» عَن الإِمامِ الصَّادِقِ علیه السلام قَالَ: «ينبغي لَكَ أَنْ تُصَلِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سِتَّ رَكَعَاتٍ في صَدْرِ النَّهَارِ، وسِتَّ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الزَّوَالِ، ورَكْعَتَيْنِ مَعَ الزَّوَالِ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ صَلَّيْتَ الْفَرِيضَةَ، إِنْ كُنْتَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ وإِنْ كُنْتَ وَحْدَكَ فَأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ تُسَلِّمُ وتُصَلِّي بَيْنَ الظُّهْرِ والْعَصْرِ ثَمَانَ رَكَعَاتٍ»، و رُوِيَ: «تُصَلِّي بَيْنَ الظُّهْرِ والْعَصْرِ سِتَّ رَكَعَاتٍ»(3).

وأمّا الطّائفة الثالثة: الأخبار الدّالة علی كون نوافل الجمعة ستّ عشرة ركعةً، وهي عبارةٌ عن:

ص: 509


1- «مستدرك الوسائل» ج6/20 الحديث 6330.
2- «التهذيب» ج3/246 الحديث 669، «وسائل الشيعة» ج7/323 الحديث 9476.
3- «مستدرك الوسائل» ج6/20 الحديث 6331.

1 - صحيحة سَعِيدٍ الْأَعْرَجِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقالَ: «سِتَّ عَشْرَةَ رَكْعَةً قَبْلَ الْعَصْرِ، ثُمَّ قَالَ: وكَانَ عَلِیٌّ علیه السلام يَقُولُ: مَا زَادَ فَهُو خَيْرٌ، وقَالَ: إِنْ شَاءَ رَجُلٌ أَنْ يَجْعَلَ مِنْهَا سِتَّ رَكَعَاتٍ في صَدْرِ النَّهَار، وسِتَّ رَكَعَاتٍ نِصْفَ النَّهَارِ، ويُصَلِّي الظُّهْرَ ويُصَلِّي مَعَهَا أَرْبَعَةً، ثُمَّ يُصَلِّي الْعَصْر»(1).

2 - صحيحة سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: قُلْتُ لِأبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: النَّافِلَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؟ قالَ: «سِتُّ رَكَعَاتٍ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ، ورَكْعَتَانِ عِنْدَ زَوَالِهَا، والْقِرَاءَةُ في الْاُولَى بِالْجُمُعَةِ، وفِی الثَّانِيَةِ بِالْمُنَافِقِينَ، وبَعْدَ الْفَرِيضَةِ ثَمَانِي رَكَعَاتٍ»(2).

فبعد ما ذكرنا الطّوائف الثّلاث من الأخبار تصل النّوبة إلی مرحلة بيان المراد منها، فإن أمكن الجمع بينها عرفاً، وإلّا يجب طرح بعضها والأخذ بالاُخری، فبناءً علی ذلك نقول:

أمّا روايات الطّائفة الاُولی فهي بين الإطلاق و التّقييد، أمّا الّتي تقدّمت تحت الرقم 8 فهي مطلقةٌ تجتمع مع سائر روايات هذه الطّائفة، وما بقي منها مقيّداتٌ، والمقيّدات أيضاً علی قسمين:

الأوّل: وهو ما تقدّم تحت الرقم 2 حيث قسّمت النّوافل إلى قسمين، عشرٌ منها قبل الصّلاة والعشر الاُخری بعدها.

الثاني: وهي السّبعة الباقية، وفحواها تقريباً واحدٌ، إذ قسّمت النّوافل إلی أوقات أربعة، ستّ منها بعد طلوع الشّمس في ابتداء النّهار، وستّ اُخری بعد انبساط الشّمس، وركعتان حين زوالها قبل صلاة الجمعة بقليل، والسّتة الاُخری بعد أداء صلاة الجمعة.

ص: 510


1- «التهذيب» ج3/245 الحديث 667، «وسائل الشيعة» ج7/323 الحديث 9478.
2- «التهذيب» ج3/11 الحديث 37، «وسائل الشيعة» ج7/324 الحديث 9480.

وأمّا الطّائفة الثّانية فقد اشتملت علی روايتن، اُولاهما وإن كانت صحيحة السّند إلّا أنّها لم يُفت بها أحدٌ حتّی الإسكافي، حيث إنّه اختار كون ثمان من الرّكعات بعد صلاة الجمعة، وهي صريحةٌ بكون ركعتين منها بعد العصر، والثّانية منهما وإن وافقت رأي الإسكافي إلّا أنّها ضعيفة السّند ولا يمكن الإفتاء بها بعد إعراض الأصحاب عنها.

وأمّا الطائفة الثّالثة فقد تضمّنت روايتين صحيحتين وإن اتّفقتا بالنّسبة إلى رقم ركعات النّوافل، إلّا أنّهما تختلفان بحسب زمان إقامتها، مع كونهما غير مُفتٍ بهما عند الأصحاب حتّی عند الصّدوقين (رحمهما الله) لتنافيهما مع التّفصيل الّذي تقدّم ذكره منهما في «الفقيه».

فتحصل أنّه: بعد إعراض الأصحاب عن الطّائفتين الأخيرتين، فإنّ الطّائفة الاُولی الدّالّة علی تقسيم النّوافل إلی أوقات أربعة كما ذُكر هي المتعيّنة، لا سيّما بعد تضافرها وشهرتها نصّاً وفتوی عند الفقهاء والمحدّثين، لما روى الْعَلَّامَة مَرْفُوعاً إِلَى زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ في باب علاج الأخبار المتعارضة قال: سَأَلْتُ الْبَاقِرَ علیه السلام فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، يَأْتِي عَنْكُمُ الْخَبَرَانِ أَو الْحَدِيثَانِ الْمُتَعَارِضَانِ فَبِأَيِّهِمَا آخُذُ؟ فَقَالَ علیه السلام: «يَا زُرَارَةُ خُذْ بِمَا اشْتَهَرَ بَيْنَ أَصْحَابِكَ ودَعِ الشَّاذَّ النَّادِرَ، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي إِنَّهُمَا مَعاً مَشْهُورَانِ مَرْوِيَّانِ مَأْثُورَانِ عَنْكُمْ! فَقَالَ علیه السلام: خُذْ بِقَوْلِ أَعْدَلِهِمَا عِنْدَكَ وأَوْثَقِهِمَا في نَفْسِكَ، فَقُلْتُ: إِنَّهُمَا مَعاً عَدْلَانِ مَرْضِيَّانِ مُوَثَّقَانِ! فَقَالَ علیه السلام: انْظُرْ مَا وَافَقَ مِنْهُمَا مَذْهَبَ الْعَامَّةِ فَاتْرُكْهُ وخُذْ بِمَا خَالَفَهُم، قُلْتُ: رُبَّمَا كَانَا مَعاً مُوَافِقَيْنِ لَهُمْ أَو مُخَالِفَيْنِ، فَكَيْفَ أَصْنَعُ؟ فَقَالَ: إِذَنْ فَخُذْ بِمَا فِيهِ الْحَائِطَةُ

ص: 511

لِدِينِكَ واتْرُكْ مَا خَالَفَالِاحْتِيَاطَ، فَقُلْتُ: إِنَّهُمَا مَعاً مُوَافِقَانِ لِلِاحْتِيَاطِ أَو مُخَالِفَانِ لَهُ فَكَيْفَ أَصْنَعُ؟ فَقَالَ علیه السلام: إِذَنْ فَتَخَيَّرْ أَحَدَهُمَا فَتَأْخُذَ بِهِ وتَدَعَ الْأَخِيرَ»(1).

وأمّا المقيّدة الّتي تقدّم ذكرها في هذه الطّائفة تحت الرقم 2 وقسّمت النّوافل إلی قسمين فهي محمولةٌ إمّا علی اشتباه الرّاوي، أو علی جواز تأخير أربع ركعات من النّوافل قبل الزّوال لمن لم يقدّمها علی الزّوال إلی بعد الصّلاة(2)، أو نطرحها لكونها معرضاً عنها عند الأصحاب.

بقيت هنا بعض المسائل الّتي تجدر الإشارة إليها، وهي عبارة عن:

1 - وقت إقامة النّوافل.

إنّ المستفاد من الأخبار المتظافرة في الطّائفة الاُولی فضيلة إقامة أربع عشرة ركعةً من الرّكعات العشرين من نوافل الجمعة من ارتفاع النّهار إلی الظّهر حتّی ركعتي الزّوال وستة الباقية منها بعد الجمعة، من الأخبار الدالّة عليه صحيحتي أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أبي نَصْرٍ عَن أَبی الْحَسَنِ علیه السلام: «الصَّلَاةُ النَّافِلَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، سِتُّ رَكَعَاتٍ بُكْرَةً، وسِتُّ رَكَعَاتٍ صَدْرَ النَّهَارِ، ورَكْعَتَانِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلِّ الْفَرِيضَةَ، ثُمَّ صَلِّ بَعْدَهَا سِتَّ رَكَعَاتٍ»(3)، وأبي بَصِيرٍ عَن أَبي جَعْفَرٍ علیه السلام: «إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصَلِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عِشْرِينَ رَكْعَةً فَافْعَلْ، سِتّاً بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وسِتّاً قَبْلَ

ص: 512


1- «مستدرك الوسائل» ج17/303 الحديث 21413.
2- أقول: كما أنَّه قد خصّص تحت هذا العنوان الشّيخ الحُرّ العاملي رحمه الله باباً في الوسائل. راجع: «وسائل الشيعة» ج7/328، باب «استحباب تأخير النَّوافل عن الفرضين لمن لم يقدّمها علی الزّوال يوم الجمعة».
3- «الكافي» ج3/427 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج7/325 الحديث 9484.

الزَّوَالِ إِذَا تَعَالَتِ الشَّمْسُ، وافْصِلْ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ نَوَافِلِكَ بِالتَّسْلِيمِ، ورَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وسِتَّ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْجُمُعَةِ»(1).

أمّا العامّة فلم يعرف منهم قولٌ في ذلك، قال الشيخ رحمه الله :

يستحب يوم الجمعة تقديم النّوافل قبل الزّوال، ولم أعرف لأحد من الفقهاء وفاقاً في ذلك، دليلنا إجماع الفرقة فإنّهم بين فرقتين: فرقةٌ تستحبّ تقديم جميع النّوافل، وفرقةٌ تستحبّ تقديم أكثرها (2).

2 - هل النّوافل جميعاً هي نافلة الظّهرين؟ أو الأربعة منها للجمعة وباقيها نافلة الظّهرين؟ أو كلّها نافلةٌ للجمعة؟

فيه جوه بل أقوال، قد قطع ابن فهد الحلّي رحمه الله بالأخير، حيث قال:

ويوم الجمعة ويزيد فيه أربعاً، هي لليوم، فلا يسقطها السّفر ولا يقضی(3).

صرّح بذلك أيضاً الشّهيدان في «اللمعة» و«الرّوضة» حيث قالا:

«ويزداد في نافلتها» عن غيرها من الأيّام «أربع ركعات» مضافةً إلی نافلة الظّهرين، يصير الجميع عشرين كلّها للجمعة فيها، «والأفضل جعلها» أي العشرين «سداس» مفرقة ستاً ستاً «في الأوقات الثلاثة المعهودة»، وهي انبساط الشمس بمقدار ما يذهب شعاعها، وارتفاعها، وقيامها وسط النهار قبل الزوال، «وركعتان» وهما الباقيتان من العشرين

ص: 513


1- «وسائل الشيعة» ج7/326 الحديث 9489.
2- راجع: «كتاب الخلاف» ج1/632 المسألة 406.
3- «الرّسائل العشر لابن فهد الحلّي» ص 65، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج28/858.

عن الأوقات الثلاثة تُفعل «عند الزوال» بعده علی الأفضل، أو قبله بيسير علی رواية(1).

وقال الشّيخ محمّد حسن النّجفي رحمه الله في «الجواهر»:

الأولی الاقتصار علی نيّة القربة من غير تعرّض لشيء من ذلك(2).

وكيف كان يمكن أن يستدل لكون كلّها للجمعة بصحيحة الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَن الإِمامِ الرِّضَا علیه السلام حَيثُ قَالَ: «إِنَّمَا زِيدَ في صَلَاةِ السُّنَّةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ تَعْظِيماً لِذَلِكَ الْيَوْمِ، وتَفْرِقَةً بَيْنَهُ وبَيْنَ سَائِرِ الْأَيَّامِ»(3) .

أقول: لا ثمرة مهمّة في تحقيق ذلك بعد ما ثبت استحباب التنفّل يوم الجمعة بمقدار عشرين ركعةً، ووقتها من ابتداء النهار إلی بعد صلاة الجمعة، فالأَولی كما صرّح به صاحب الجواهر رحمه الله الإتيان بها بنيّة مطلق قصد القربة من دون تعرّض لشيء من ذلك.

3 - جواز اعتبار صلاة جعفر بن أبي طالب علیه السلام من نوافل الجمعة أو من نوافل سائر الأيّام والليالي.

إنّ صلاة جعفر بن أبي طالب علیه السلام تعدّ من المستحبّات الأكيدة قد نقلها الخاصّة والعامّة(4)، وتُسمی بصلاة التّسبيح الّتي هي خيرٌ من الدّنيا وما فيها، وقد حباها النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم إليه حين قدومه من سفره حباً وكرامةً له ولذلك سمّيت بصلاة الحبوة أيضاً، فقد ورد في صحيحة أبی بصير عن أبي عبدالله علیه السلام أنّهُ قالَ: قَالَ

ص: 514


1- راجع: «الرّوضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة» ج1/125.
2- «جواهر الكلام» ج11/324.
3- «علل الشّرائع» ص 266 الحديث 9، «وسائل الشّيعة» ج7/322 الحديث 9472.
4- راجع : «كنز العمّال» ج7/818 - 821 باب «صلاة التسبيح» .

رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم لِجَعْفَرٍ: يَا جَعْفَرُ ألا أَمْنَحُكَ؟ ألا أُعْطِيكَ؟ ألا أَحْبُوكَ؟ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَال: فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ يُعْطِيهِ ذَهَباً أَو فِضَّةً فَتَشَرَّفَ النَّاسُ لِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أُعْطِيكَ شَيْئاً إِنْ أَنْتَ صَنَعْتَهُ في كُلِّ يَوْمٍ كَانَ خَيْراً لَكَ مِنَ الدُّنْيَا ومَا فِيهَا، وإِنْ صَنَعْتَهُ بَيْنَ يَوْمَيْنِ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا بَيْنَهُمَا، أَو كُلَّ جُمْعَةٍ أَو كُلَّ شَهْرٍ أَو كُلَّ سَنَةٍ غَفَرَ لَكَ مَا بَيْنَهُمَا» إلى آخر الحديث(1).

وفي «المُقْنع» للصّدوق رحمه الله :

اعلم أنّ رسول اللَّه صلی الله علیه و آله و سلم لما افتتح خيبر أتاه البشير بقدوم جعفرِ بن أبي طالب، فقال: «ما أدری بأيّهما أشدّ فرحاً، بقدوم جعفر أم بفتح خيبر؟!» فلم يلبث - أنْ قدم – جعفر، فقام إليه رسول اللَّه والتزمه وقَبَّلَ ما ببْن عَيْنَيْهِ وجلس النَّاس حوله، ثمَّ قال ابتِداءً منه: يا جعفر، قال: لبَّيْك يا رسول اللَّه، قال: «ألا أَمْنَحُكَ؟ ألا أَحْبُوكَ؟ ألا أُعْطِيكَ؟ فقال جعفر: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ يُعْطِيهِ ذَهَباً أَو وَرِقاً، فَقَالَ: إِنِّي اُعْطِيكَ شَيْئاً إِنْ صَنَعْتَهُ كُلَّ يَوْمٍ كَانَ خَيْراً لَكَ مِنَ الدُّنْيَا ومَا فِيهَا، وإِنْ صَنَعْتَهُ بَيْنَ يَوْمَيْنِ غُفِرَ لَكَ مَا بَيْنَهُمَا، أَو كُلَّ جُمْعَةٍ أَو كُلَّ شَهْرٍ أَو كُلَّ سَنَةٍ غُفِرَ لَكَ مَا بَيْنَهُمَا، ولَو كَانَ عَلَيْكَ مِنَ الذُّنُوبِ مِثْلُ عَدَدِ النُّجُومِ ومِثْلُ وَرَقِ الشَّجَرِ ومِثْلُ عَدَدِ الرَّمْلِ لَغَفَرَهَا اللَّهُ لَك»(2).

ص: 515


1- «الكافي» ج3/465 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج8/49 الحديث 10068.
2- «المقنع»: 43،«وسائل الشيعة ج8/52 الحديث 10074.

وقال العلّامة المجلسي رحمه الله :

اعلم أنّ هذه الصّلاة من المستفيضات، بل المتواترات، روتها الخاصّة والعامّة بطرق كثيرة وأجمع المسلمون على استحبابها إلّا من شذّ من العامّة؛ قاله العلّامة في المنتهى(1).

وقال المحقّق النراقي رحمه الله في «مستنده»:

واستحباب هذه الصّلاة ثابتٌ بإجماع علماء الإسلام، كما صرّح به جمعٌ من الأعلام، واستفاضت به نصوص أئمة الأنام، وثوابها عظيمٌ وأجرها جسيمٌ، كفّارةٌ للآثام(2).

وقال السيّد محمّد كاظم الطّباطبائي اليزدي رحمه الله في «العروة»:

صلاة جعفر علیه السلام وتسمی صلاة التّسيبح وصلاة الحبوة، وهي من المستحبّات الأكيدة، ومشهورةٌ بين العامّة والخاصّة، والأخبار متواترةٌ فيها(3).

وأفضل أوقات صلاة جعفر علیه السلام صدر النّهار من يوم الجمعة، ففي مرفوعة الطَّبْرِسِي في الاحتجاج عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَريِّ أَنّهُ كَتَبَ إِلى صَاحِبِ الزَّمَانِأ فَسَأَلَهُ عَنْ صَلَاةِ جَعْفَرِ بْنِ أبي طَالِبٍ علیه السلام في أَيِّ أَوْقَاتِهَا أَفْضَلُ أَنْ تُصَلَّي فِيهِ؟ وهَلْ فِيهَا قُنُوتٌ؟ وإِنْ كَانَ فَفِي أَيِّ رَكْعَةٍ مِنْهَا؟ فَأَجَابَأ: «أَفْضَلُ أَوْقَاتِهَا صَدْرُ النَّهَارِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ في أَيِّ الْأَيَّامِ شِئْتَ، وأَيَّ وَقْتٍ صَلَّيْتَهَا

ص: 516


1- «بحارالأنوار» ج88/212.
2- «مستند الشّيعة» ج6/369.
3- «العروة الوثقی» ج2/105.

مِنْ لَيْلٍأَو نَهَارٍ فَهُو جَائِزٌ، والْقُنُوتُ فِيهَا مَرَّتَانِ، في الثَّانِيَةِ قَبْلَ الرُّكُوعِ، وفِی الرَّابِعَةِ بَعْدَ الرُّكُوعِ»، وسَأَلَهُ أيضاً عَن جَوازِها في السَّفَرِ، فَأَجَابَ: «يَجُوزُ ذَلِكَ»(1).

ويجوز احتسابها من نوافل اللّيل أو النّهار أداءً أو قضاءً، فتحسب لها وبعنوان صلاة جعفر علیه السلام أيضاً علی ما ورد في صحيحة ابْنِ أبي عُمَيْرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ عَنْ ذَرِيحٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «إِنْ شِئْتَ صَلِّ صَلَاةَ التَّسْبِيحِ بِاللَّيْلِ، وإِنْ شِئْتَ بِالنَّهَارِ، وإِنْ شِئْتَ في السَّفَرِ، وإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهَا مِنْ نَوَافِلِكَ، وإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهَا مِنْ قَضَاءِ صَلَاةٍ»(2).

وصحيحة أبي بَصِيرٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «صَلِّ صَلَاةَ جَعْفَرٍ في أَیِّ وَقْتٍ شِئْتَ مِنْ لَيْلٍ أَو نَهَارٍ، وإِنْ شِئْتَ حَسَبْتَهَا مِنْ نَوَافِلِ اللَّيْلِ، وإِنْ شِئْتَ حَسَبْتَهَا مِنْ نَوَافِلِ النَّهَارِ، وتُحْسَبُ لَكَ مِنْ نَوَافِلِكَ وتُحْسَبُ لَكَ مِنْ صَلَاةِ جَعْفَرٍ»(3).

أمّا كيفيّة صلاة جعفر فهي كالتالی: أربع ركعات بتسليمتين، يقرأ المصلّي في كلّ منها الحمد وسورةً، ثمّ يقول: «سُبْحَانَ اللَّهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ ولَا إِلَهَ إلّا اللَّهُ واللَّهُ أَكْبَرُ» خمس عشرة مرّةً، وكذا يقول في الرّكوع عشر مرّات، وبعد رفع الرّأس منه يقول نفس هذا الذّكر عشر مرّات، وفي السّجدة الاُولى يقوله عشر مرّات، وبعد رفع الرّأس منها يقوله عشر مرّات أيضاً، وكذا في السّجدة الثّانية يقوله عشر مرّات، وبعد رفع رأسه منها يقوله عشر مرّات، ففي كلّ ركعة يقول هذا الذّكر خمساً وسبعين مرّةً، ومجموعها ثلاثمائة تسبيحة، ولا تتعيّن فيها سورةٌ مخصوصةٌ

ص: 517


1- «الاحتجاج» : 491، «وسائل الشيعة» ج8/56 الحديث 10080.
2- «التهذيب» ج3/187 الحديث 422، «وسائل الشيعة» ج8/57 الحديث 10083.
3- «من لا يحضره الفقيه» ج1/349 الحديث 1542، «وسائل الشيعة» ج8/58 الحديث 10087.

لكنّ الأفضل أن يقرأ في الركعة الاُولى (إِذَا زُلْزِلَتْ) وفي الثّانية (والْعَادِيَاتِ) وفي الثالثة (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ) وفي الرابعة (قُلْ هُواللَّهُ أَحَدٌ).

وقد ورد في صحيحة بسْطَامَ أَنّ رجلاً قالَ لأبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَيَلْتَزِمُ الرَّجُلُ أَخَاهُ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم يَوْمَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ أَتَاهُ الْخَبَرُ أَنَّ جَعْفَراً قَدْ قَدِمَ، فَقَالَ: واللَّهِ مَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا أَنَا أَشَدُّ سُرُوراً بِقُدُومِ جَعْفَرٍ أَو بِفَتْحِ خَيْبَرَ؟ قال: فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ جَعْفَرٌ قال: فَوَثَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم فَالْتَزَمَهُ وقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَسألَهُ الرَّجُلُ عَن الأرْبَعِ رَكَعَاتٍ الّتي أمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم جَعْفَراً أَنْ يُصَلِّيَهَا؟ فَقَالَ علیه السلام: لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: يَا جَعْفَرُ، ألا اُعْطِيكَ؟ ألا أَمْنَحُكَ؟ ألا أَحْبُوكَ؟ قَالَ: فَتَشَوَّفَ النَّاسُ ورَأَوْا أَنَّهُ يُعْطِيهِ ذَهَباً أَو فِضَّةً، قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «صَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مَتَى مَا صَلَّيْتَهُنَّ غُفِرَ لَكَ مَا بَيْنَهُنَّ، إِنِ اسْتَطَعْتَ كُلَّ يَوْمٍ، وإِلَّا فَكُلَّ يَوْمَيْنِ، أَو كُلَّ جُمْعَةٍ، أَو كُلَّ شَهْرٍ، أَو كُلَّ سَنَةٍ، فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكَ مَا بَيْنَهُمَا، فقَالَ: كَيْفَ أُصَلِّيهَا؟ قَالَ: تَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ ثُمَّ تَقْرَأُ ثُمَّ تَقُولُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً وأَنْتَ قَائِمٌ: «سُبْحَانَ اللَّهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ ولَا إِلَهَ إلّا اللَّهُ واللَّهُ أَكْبَرُ»، فَإِذَا رَكَعْتَ قُلْتَ ذَلِكَ عَشْراً، وإِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ فَعَشْراً، وإِذَا سَجَدْتَ فَعَشْراً، وإِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ فَعَشْراً، وإِذَا سَجَدْتَ الثَّانِيَةَ عَشْراً، وإِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ عَشْراً؛ فَذَلِكَ خَمْسٌ وسَبْعُونَ، تَكُونُ ثَلَاثَةَ مِائَةٍ في أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ ، فَهُنَّ أَلْفٌ ومِائَتَانِ، وتَقْرَأُ في كُلِّ رَكْعَةٍ بِ- (قُلْ هُواللَّهُ أَحَدٌ) و(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)»(1).

وفي صحيحة إِبْرَاهِيمَ بْنِ أبي الْبِلَادِ قَالَ: قُلْتُ لِأبي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ علیه السلام: أَیُّ شيء لِمَنْ صَلَّى صَلَاةَ جَعْفَرٍ؟ قَالَ: «لَو كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ رَمْلِ عَالِجٍ وزَبَدِ الْبَحْرِ ذُنُوباً لَغَفَرَهَا اللَّهُ لَهُ، قُلْتُ: هَذِهِ لَنَا؟ قَالَ: فَلِمَنْ هي إلّا لَكُمْ خَاصَّةً؟!»

ص: 518


1- «التهذيب» ج3/186 الحديث 420، «وسائل الشيعة» ج8/50 الحديث 10070.

قُلْتُ:فَأَيَّ شيء أَقْرأفِيهَا؟ وقُلْتُ: أعْتَرِضُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: «لَا، اقْرَأْ فِيهَا (إِذَا زُلْزِلَتْ) و(إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ) و(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ) و(قُلْ هُواللَّهُ أَحَدٌ)»(1).

وفي صحيحة إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أبي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «تَقْرَأُ في الْاُولَى (إِذَا زُلْزِلَتْ) وفِي الثَّانِيَةِ (والْعَادِيَاتِ) والثَّالِثَةِ (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ) والرَّابِعَةِ (قُلْ هُواللَّهُ أَحَدٌ)، قُلْتُ : فَمَا ثَوَابُهَا؟ قَالَ: لَوكَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ رَمْلِ عَالِجٍ ذُنُوباً غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَیَّ فَقَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ لَكَ ولِأَصْحَابِكَ»(2).

العاشر: استحباب الجهر بالقراءة لمن يصلّی الظّهر يوم الجمعة.

في هذه المسألة وجوهٌ، بل أقوال ثلاثة أو أربعة(3):

أحدها: استحبابه لمطلق صلاة الظّهر جماعةً كانت أو انفراداً، وحضراً كانت أو سفراً، ممّن اختار هذا القول هبة الله الرّاوندي رحمه الله في «فقه القرآن» حيث قال:

فأمّا صلاة النّهار فهي عجماءٌ كما ذكرنا، ويجب في الظّهر والعصر جميعاً الْمُخافتة إلّا في الجمعة يوم الجمعة، وفي الرّكعتين الاُوليين من الظّهر أيضاً من يوم الجمعة، فإنّه يستحبّ الجهر فيهما(4).

ص: 519


1- «من لا يحضره الفقيه» ج1/348 الحديث 1539، «وسائل الشيعة» ج8/54 الحديث 10076.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج1/348 ذيل الحديث 1537، «وسائل الشيعة» ج8/54 الحديث 10077.
3- حكی السّيد الحكيم رحمه الله عن الفاضل الهندي رحمه الله في «كشف اللثام» قولاً رابعاً، وهو أنّه نسبه إلی أكثر الأصحاب أنّ ظاهرهم هو وجوب الجهر في مطلق الظهر والجمعة، مع أنّ صريح كلامه فيه هو وجوب الجهر في خصوص الجمعة دون الظّهر. راجع: «مستمسك العروة الوثقی» ج6/203، و«كشف اللثام والإبهام عن قواعد الأحكام» ج4/288.
4- «فقه القرآن للراوندي» ج1/104، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج4/489.

والسيّد عليّ الطباطبائي رحمه الله في «الرياض» حيث قال:

ويستحب الجهر في الفريضة جمعةً كانت أو ظهراً بلا خلاف في الأوّل، بل عليه الإجماع في كلام جماعة مستفيضاً، وعلی الأشهر الأقوی في الثاني أيضاً(1).

ثانيها: المنع من الجهر مطلقاً، وذهب إلی هذا القول ابن إدريس الحلّي رحمه الله في «السّرائر الحاوي لتحرير الفتاوی» فإنّه قال:

والّذي يقوی في نفسي أعتقده وأفتی به وأعمل عليه لأنّ شغل الذّمّة بواجب أو ندب يحتاج إلی دليل شرعيّ، لأنّ الأصل براءة الذّمّة، وأمّا الإجماع فغير حاصل والرّواية مختلفةٌ؛ فلم يبق إلّا لزوم الاُصول وهو براءة الذّمم، وأيضاً في تركه الاحتياط لأنّ تاركه عند جميع أصحابنا، أعني تارك الجهر بالقراءة في صلاة الظّهر يوم الجمعة غير ملوم ولا مذموم، وصلاته صحيحةٌ بغير خلاف، وفاعل الجهر غير آمن من جميع ذلك لأنّه إمّا أن يكون مسنوناً علی قول بعض أصحابنا، أو غير مسنون علی قول البعض الآخر، وفي كلا الأمرين لا ذمّ علی تاركه، وما لا ذمّ علی تاركه ويخشی في فعله أن يكون بدعةً ومعصيةً يستحقّ بها الذّم ومفسداً للصّلاة قاطعاً لها، فتركه أولی وأحوط في الشّريعة(2).

وحُكي عن المحقّق الحلّي رحمه الله في «المعتبر» أنّه قال:

إنّ المنع هو الأشبه بالمذهب(3).

ص: 520


1- «رياض المسائل في بيان أحكام الشّرع بالدّلائل» ج4/82.
2- «السّرائر الحاوي لتحرير الفتاوی» ج1/298، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج4/722.
3- راجع : «ذكری الشّيعة في أحكام الشّريعة» ج3/343، «مستند الشّيعة» ج6/151، «جواهر الكلام» ج9/371.

واستقرب المنع أيضاً الشّهيد الأوّل في كتبه الثّلاثة «الدّروس»(1) و«البيان»(2) و«الذّكری» (3).

ثالثها: التّفصيل بين ما إذا كان منفرداً أو مسافراً - سواءٌ فيه الإنفراد والجماعة - وبين ما إذا كان إماماً في الحضر، بالجواز في الأوليين وعدمه في الأخير، وقد ذهب إليه الشّيخ رحمه الله في «الخلاف» حيث قال:

من صلّی الظّهر منفرداً يوم الجمعة أو المسافر، يستحب له الجهر بالقراءة، ولا أعرف لأحد من الفقهاء وفاقاً في ذلك، دليلنا إجماع الفرقة، وروی الحلبیّ قال: سألت أباعبدالله علیه السلام عن القراءة في الجمعة إذا صلَّيت وحدی أربعاً أجهر بالقراءة؟ قال: «نعم»، وقال: إِقرَأ سُورةَ الجُمعةِ والمُنافقينَ يَومَ الجُمعةِ»، ورَوی محمّد بن مسلم، قال: قال لنا: «صَلُّوا في السَّفرِ صلاةَ الجُمعةِ جَماعةً بغيرِ خطبةٍ واجهروا بالقِراءَةِ»، فقلت له: إنَّه ينكر علينا الجهر بها في السَّفر، فقال: «اجهروا بها». وَروی محمَّد بن مروان قال: سألت أباعبد الله علیه السلام عن صلاة الظُّهر يوم الجمعة كيف نصلِّيها في السَّفر؟ قال: «تُصلِّيها في السَّفرِ رَكعتينِ، والقِراءَةُ فيها الجَهرُ»(4).

ص: 521


1- فقال فی «الدّروس»: والجهر فی صلاة الجمعة (مسنون) لا فی الظُّهر علی الأقرب وإن صلَّيت جماعةً، «الّدروس» ج1/175 درس 41
2- و قال فی «البيان»: ولا يجوز الجهر فی ظهر الجمعة علی الأقرب، واستحبّه الشّيخ مطلقاً وهو مشهور فی الرّواية، والمرتضی إذا صلّيت جماعةً، «البيان (ط.ق)» ص 84
3- و قال فی «الذّكری»: عدم استحباب الجهر فی الظّهر مطلقاً ولعلّه أقربٌ، «ذكری الشّيعة فی أحكام الشّريعة» ج3/343
4- «كتاب الخلاف» ج1/632 مسألة 407.

أقول: منشأ اختلاف الأقوال في المسألة هو اختلاف الرّوايات الواردة في المقام، وهي علی ثلاث طوائف نذكرها أوّلاً ثمّ نذكر مختارنا منها:

الطّائفة الأولی: الرّوايات الّتي دلّت علی استحباب الجهر في مطلق صلاة الظّهر يوم الجمعة، منها ما تلی:

1 - صحيحة عِمْرَانَ الْحَلَبِیِّ قَالَ: سُئِلَ أَبُوعَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّی الْجُمُعَةَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، أَيَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ؟ فَقالَ: «نَعَمْ، والْقُنُوتُ في الثَّانِيَةِ»(1) .

2 - صحيحة الْحَلَبِیِّ حَيثُ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الْقِرَاءَةِ في الْجُمُعَةِ إِذَا صَلَّيْتُ وَحْدِی أَرْبَعاً، أَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ؟ فَقالَ: «نَعَمْ، وَقَالَ: إقْرَأْ سُورَةَ الْجُمُعَةِ والْمُنَافِقِينَ في يَوْمِ الْجُمُعَةِ»(2).

3 - صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام حَيثُ قالَ : قالَ لَنَا: «صَلُّوا في السَّفَرِ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ جَمَاعَةً بِغَيْرِ خُطْبَةٍ واجْهَرُوا بِالْقِرَاءَةِ، فَقُلْتُ: إِنَّهُ يُنْكَرُ عَلَيْنَا الْجَهْرُ بِهَا في السَّفَرِ! فَقالَ: اجْهَرُوا بِهَا»(3).

4 - خبر مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَيْفَ نُصَلِّيهَا في السَّفَرِ؟ فَقالَ: «تُصَلِّيهَا في السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ والْقِرَاءَةُ فِيهَا جَهْراً»(4).

ص: 522


1- «من لا يحضره الفقيه» ج1/269 الحديث 1231، «وسائل الشيعة» ج6/160 الحديث 7620.
2- «الكافي» ج3/425 الحديث 5، «وسائل الشيعة» ج6/160 الحديث 7622.
3- «التهذيب» ج3/15 الحديث 51، «وسائل الشيعة» ج6/161 الحديث 7625.
4- «التهذيب» ج3/15 الحديث 52، «وسائل الشيعة» ج6/161 الحديث 7626.

تقريب ذلك أنّ صحيحة عمران الحلبيّ وإن كانت ظاهرةً في فريضة الظّهر في الحضر إذا اُقيمت فرادی، وكذا تصريح الصّحيحة الثّانية، إلّا أنّه يمكن أن نتعدّی منهما إلی فريضة الظّهر في الحضر إذا اُقيمت جماعةً بتنقيح المناط، وكذا من الفرادی أو الجماعة في السّفر إلی الجماعة في الحضر من الرّوايتين الأخيرتين.

الطّائفة الثّانية: الرّوايات الّتي دلّت علی عدم جواز الجهر مطلقاً، منها ما تلي:

1 - صحيحة جَمِيلٍ حَيثُ قالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَن الْجَمَاعَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ في السَّفَرِ فَقالَ: «يَصْنَعُونَ كَمَا يَصْنَعُونَ في غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ في الظُّهْرِ، ولَا يَجْهَرُ الْإِمَامُ - فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ - إِنَّمَا يَجْهَرُ إِذَا كَانَتْ خُطْبَةٌ»(1).

2 - صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ في السَّفَرِ، فَقالَ: «يَصْنَعُونَ كَمَا يَصْنَعُونَ في الظُّهْرِ ولَا يَجْهَرُ الْإِمَامُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ وإِنَّمَا يَجْهَرُ إِذَا كَانَتْ خُطْبَةٌ»(2).

السّوال في هاتين الصّحيحتين وإن كان عن حكم صلاة الظّهر في السّفر، إلّا أنّ ظاهر قوله علیه السلام «إِنَّمَا يَجْهَرُ إِذَا كَانَتْ خُطْبَةٌ» يدلّ على انحصار الجهر في خصوص الجمعة ونفيه للظّهر مطلقاً.

الطّائفة الثّالثة: الرّوايات الّتي دلّت علی التّفصيل بين الانفراد والقصر إماماً كان أو مأموماً، وبين الجماعة في الحضر:

ص: 523


1- «التهذيب» ج3/15 الحديث 53، «وسائل الشيعة» ج6/161 الحديث 7627.
2- «التهذيب» ج3/15 الحديث 54، «وسائل الشيعة» ج6/162 الحديث 7628.

يدلّ عليها ما تقدّم في الطّائفة الاُولی مع عدم وجود نصّ خاصّ لجواز الجهر في الجماعة في الحضر.

إذا عرفت الأقوال والأدلّة في المسألة فنقول: أمّا القول بعدم الجواز مطلقاً فهو في غاية البعد بعد وجود الرّوايات المستفيضة الدالّة علی الجواز إجمالاً وبعد فتوی جمع من الأصحاب بها كما صرّح به الشّيخ محمّد حسن النّجفي رحمه الله في «الجواهر» حيث قال:

وعلى كلّ حال فالقول بالمنع مطلقاً كما حكاه في المنتهى عن ابن إدريس رحمه الله في غاية الضعف حتّى على أصله، ضرورة تعدّد النّصوص في المقام وصحّتها والعمل بها من الطائفة، كما يومئ إليه ما في الرّياض عن الخلاف من الإجماع على الحكم المزبور، مع أنّ المحكي عن الحلّي في الرّياض ما حكاه في المنتهى عن المرتضى من التّفصيل بين الإمام وغيره، فيجهر الأوّل دون الثاني للصّحيح المروي عن قرب الإسناد عمّن صلّى العيدين وحده والجمعة هل يجهر فيهما؟ قال: «لايجهرُ إلّا الإِمامُ»، ومن هنا قال فيه: إنّ القائل بالمنع مطلقاً بعد لم يظهر، نعم حكاه في «المعتبر» قائلاً أنّه الأشبه بالمذهب، واستقر به بعض من تأخّر، وكيف كان فقد عرفت ما فيه(1).

وأمّا الرّوايتان الصّحيحتان اللّتان ذُكرتا في الطّائفة الثانية فإنّهما تضعفان بإعراض كثير من الفقهاء عنهما، فإنّ الشّيخ رحمه الله بعد نقله الرّوايتين قال:

فالمراد بهذين الخبرين حال التّقيّة و الخوف(2).

ص: 524


1- «جواهر الكلام» ج9/371.
2- «التهذيب» ج3/15 ذيل الحديث 53 و 54.

وقال الشّيخ الحرّ العاملي رحمه الله :

ويحتمل أن يكون المراد - منهما - نفي تأكد الاستحباب في الظّهر وإثباته في الجمعة(1).

أمّا القول بالجواز أو الاستحباب مطلقاً، فإن يمكن لنا أن نقول به بتنقيح المناط من الفرادی في الحضر وكذا من الفرادی والجماعة في السّفر إلی الجماعة في الحضر، وإلّا لا يبقى لنا إلّا القول بالتّفصيل الّذي اختاره الشّيخ رحمه الله في «الخلاف» وهو موافق للاحتياط الوجوبي.

الحادي عشر: استحباب الدّعاء حين الخروج إلی المصلّی في الجمعة والعيدين.

يستحب حين الذّهاب إلی المصلّی في الجمعة والعيدين أن يدعو بما وردت من الأعية، قال كاشف الغطاء رحمه الله :

يستحب أن يدعو عند التّهيؤ للخروج للجمعة والعيدين بدعاء مخصوص(2).

من هذه الأعية الدّعاء الّذي رواه مَالِكُ بْنِ عَطِيَّة عَنْ أبي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ صحيحاً عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام أنّه قَالَ: «ادْعُ في الْعِيدَيْنِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا تَهَيَّأْتَ لِلْخُرُوجِ بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ مَنْ تَهَيَّأَ وَتَعَبَّأَ وَأَعَدَّ وَاسْتَعَدَّ لِوِفَادَةٍ إِلَى مَخْلُوقٍ رَجَاءَ رِفْدِهِ وَطَلَبَ نَائِلِهِ وَجَوَائِزِهِ وَفَوَاضِلِهِ وَنَوَافِلِهِ، فَإِلَيْكَ يَا سَيِّدِي وِفَادَتِي وَتَهْيِئَتِي وَتَعْبِئَتِي وَإِعْدَادِي وَاسْتِعْدَادِي رَجَاءَ رِفْدِكَ وَجَوَائِزِكَ وَنَوَافِلِكَ، فَلَا تُخَيِّبِ الْيَوْمَ رَجَائِي يَا مَنْ لَا يَخِيبُ عَلَيْهِ سَائِلٌ وَلَا يَنْقُصُهُ نَائِلٌ، فَإِنِّي لَمْ آتِكَ الْيَوْمَ بِعَمَلٍ صَالِحٍ قَدَّمْتُهُ وَلَا شَفَاعَةِ

ص: 525


1- «وسائل الشيعة» ج6/162.
2- «كشف الغطاء عن مبهمات الشّريعة الغراء (ط- الحديثة)» ج3/267.

مَخْلُوقٍ رَجَوْتُهُ وَلَكِنْ أَتَيْتُكَ مُقِرّاً بِالظُّلْمِ وَالْإِسَاءَةِ لَا حُجَّةَ لِي وَلَا عُذْرَ، فَأَسْأَلُكَ يَا رَبِّ أَنْ تُعْطِيَنِي مَسْأَلَتِي وَتَقْلِبَنِي بِرَغْبَتِي وَلَا تَرُدَّنِي مَجْبُوهاً وَلَا خَائِباً، يَا عَظِيمُ يَا عَظِيمُ يَا عَظِيمُ أَرْجُوكَ لِلْعَظِيمِ أَسْأَلُكَ، يَا عَظِيمُ أَنْ تَغْفِرَ لِيَ الْعَظِيمَ لَا إِلَهَ إلّا أَنْتَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَارْزُقْنِي خَيْرَ هَذَا الْيَوْمِ الّذي شَرَّفْتَهُ وَعَظَّمْتَهُ، وَتَغْسِلَنِي فِيهِ مِنْ جَمِيعِ ذُنُوبِي وَخَطَايَايَ، وَزِدْنِي مِنْ فَضْلِكَ إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ»(1).

الثاني عشر: الدّعاء الّذي روي عن الإمام عليّ بن موسی الرّضا صلی الله علیه و آله و سلم لقنوت صلاة الجمعة.

مرفوعة مُقَاتِلِ بْنِ مُقَاتِلٍ البلخي قَالَ: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام: «أَيَّ شيء تَقُولُ في قُنُوتِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ: مَا يَقُولُ النَّاسُ، قَالَ: لَا تَقُلْ كَمَا يَقُولُونَ، وَلَكِنْ قُلِ: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ عَبْدَكَ وَخَلِيفَتَكَ بِمَا أَصْلَحْتَ بِهِ أَنْبِيَاءَكَ وَرُسُلَكَ، وَحُفَّهُ بِمَلَائِكَتِكَ، وَأَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ مِنْ عِنْدِكَ، وَاسْلُكْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً يَحْفَظُونَهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَأَبْدِلْهُ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِ أَمْناً يَعْبُدُكَ لَا يُشْرِكُ بِكَ شَيْئاً، وَلَا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ عَلَى وَلِيِّكَ سُلْطَاناً، وَأْذَنْ لَهُ في جِهَادِ عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِ، وَاجْعَلْنِی مِنْ أَنْصَارِهِ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ»(2).

ص: 526


1- «التهذيب» ج3/142 الحديث 48.
2- «مصباح المتهجد» ص 366، «جمال الاُسبوع بكمال العمل المشروع» ص 413، «بحارالأنوار» ج86/251.

الثّالث عشر: يستحب للإمام أن يدعو لنفسه وللمؤمنين ويكره أن يختصّ نفسه بالدّعاء.

يكره للإمام أن يدعو في صلاته لنفسه دون أصحابه، ويستحب له أن يعمّ في دعائه سائر المؤمنين سواء أن يدعو بالمأثورات أو المخترعات، قد استدلّ عليه بموثقة سُلَيْمَانَ بْنِ سَمَاعَةَ عَنْ عَمِّهِ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم قَالَ: «مَنْ صَلَّى بِقَوْمٍ فَاخْتَصَّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ فَقَدْ خَانَهُمْ»(1)، وذلك لأنّ حرف «ال» في قوله علیه السلام: «بِالدُّعَاءِ» ينبئ عن الجنس وهو يعمّ المأثورات والمخترعات معاً، خلافاً للسيّد الطباطبائي اليزدي رحمه الله صاحب « العروة» حيث خصّ الحكم فيما إذا دعا بالمخترعات، فإنّه قال في الثّالث من مكروهات صلاة الجماعة:

الثالث: أن يخصّ الإمام نفسه بالدّعاء إذا اخترع الدّعاء من عند نفسه، وأمّا إذا قرأ بعض الأدعية المأثورة فلا(2).

وقال الشّيخ عليّ الاشتهاردي رحمه الله في «مدارك العروة» بعد ما نقل الموثقة:

ولعلّ وجه التعبير بالخيانة هو أنّ الامام كما ورد في الأخبار رائد القوم وشفيعهم، فلا يناسب تخصيصه الشّفاعة لنفسه مع تعنونه بهذا العنوان، فكأنّه ما أدّى الأمانة، أعني جعل نفسه شفيعاً لهم وجعلهم له وكيلاً في الدّعاء لهم، وبهذا البيان يظهر وجه عدم الفرق بين الدّعاء المأثور وغيره كما لا يخفى، فانّ ما ورد في الدّعاء كأنّه إرشاد من أهل البيت: في كيفيّة الطلب من اللّه تعالى، غاية الأمر أنّ وروده بصورة الانفراد لعلّه باعتبار أنّ الغالب تعليمهم: للمنفرد، ولم أعثر إلى الآن على خبر ورد في حقّ خصوص الإمام قد عبّر فيه بالتكلّم وحده،

ص: 527


1- «التهذيب» ج3/281 الحديث 831، «وسائل الشيعة» ج8/425 الحديث 11081.
2- «العروة الوثقی» ج1/685.

فالتّقييد في المتن بقوله رحمه الله : «إذا اخترع الدّعاء من نفسه» لا يخلو منمنع، مع أنّ حمل الخبر المذكور على الدّعاء المخترع لعلّه حمل على الفرد النّادر، لأنّ غالب الأدعية الّتي يدعی بها في الصّلاة هي المأثورات، فالخبر لو لم يكن منصرفاً إليه فلا أقلّ من إطلاقه(1).

وقد ورد من طريق العامّة أيضاً أخبار بهذا المضمون منها ما رواه ثوبان عن النبّيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «ثَلاثٌ لَا يَحِلُّ لِأحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُنَّ: لَا يَؤمُّ رَجُلٌقَوْماً فَيَخْتَصَّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ فَإنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ، وَلَا يَنْظُرْ في قَعْرِ بَيْتٍ قَبْلُ أَنْ يَسْتَأْذِنَ فَإنْ فَعَلَ ذَلِك فَقَدْ دَخَلَ، وَلَا يُصَلِّي وَهُوَ حَقِنٌ(2)حَتَّی يَتَخَفَّف»(3).

وما رواه أبو أمامة عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «إذَا أَمَّ الرَّجُلُ القَوْمَ فَلَا يَخْتَصَّ بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ فَإنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ، وَلَا يُدْخِلُ عَيْنَهُ في بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَإنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ»(4).

ص: 528


1- «مدارك العروة (للاشتهاردي)» ج 17/56.
2- قال ابن منظور المصري: وحقَنَ البَوْلَ يَحقُنُه ويَحْقِنُه: حَبَسه حَقْناً. «لسان العرب» ج13/125.
3- «كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال» ج7/590 الخبر 20398.
4- «كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال» ج7/602 الخبر 20460.

الرابع عشر: إهداء ثواب صلاة الجمعة ونوافلها إلى المعصومين:.

يستحب للمؤمن أن يهدي ثواب أعماله وما يفعله من وجوه الخير إلی النّبيّ وآله علیهم السلام لما فيها من إبراز المحبّة والمودّة لهم الّتي جعلها الله تبارك وتعالی أجراً لرسالته صلی الله علیه و آله و سلم في قوله عزّ وجلّ: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلّا الْمَوَدَّةَ في الْقُرْبى)(1)، وكونها أيضاً سبباً لتضاعف حسنات المُهدِي فقد قال الله تعالی: (وإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَورُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَى كُلِّ شيء حَسيباً)(2)، وقد فسّرت التحيّة في مرفوعة عليّ بن إبراهيم عن الصّادق علیه السلام بالسّلام وغيره من وجوه البرّ والإحسان(3).

وفي مرفوعة عَلِيِّ بْنُ مُوسَى بْنِ طَاوُوسٍ في كِتَابِ «جَمَالِ الْاُسبوع» قالَ: حَدَّثَ أَبُو مُحَمَّدٍ الصَّيْمَرِيُّ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ بِإِسْنَادِهِ يَرْفَعُهُ إِلَيْهِمْ علیهم السلام قالَ: «مَنْ جَعَلَ ثَوَابَ صَلَاتِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم وأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ والْأَوْصِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِ علیهم السلام أَضْعَفَ اللَّهُ لَهُ ثَوَابَ صَلَاتِهِ أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً حَتَّى يَنْقَطِعَ النَّفَسُ، ويُقَالُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ رُوحُهُ مِنْ جَسَدِهِ: يَا فُلَانُ هَدِيَّتُكَ إِلَيْنَا وأَلْطَافُكَ لَنَا فَهَذَا يَوْمُ مُجَازَاتِكَ ومُكَافَاتِكَ، فَطِبْ نَفْساً وقَرَّ عَيْناً بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ وهَنِيئاً لَكَ بِمَا صِرْتَ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ يُهْدِی صَلَاتَهُ ويَقُولُ؟ قالَ: يَنْوِي ثَوَابَ صَلَاتِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم، ولَو أَمْكَنَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى صَلَاةِ الْخَمْسِ شَيْئاً ولَو رَكْعَتَيْنِ في كُلِّ يَوْمٍ ويُهْدِيَهَا إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ في الرَّكْعَةِ الْاُولَى مِثْلَ افْتِتَاحِ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ بِسَبْعِ

ص: 529


1- «الشّوری»: 23.
2- «النّساء»: 86.
3- روی عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: «أَنَ الْمُرَادَ بِالتَّحِيَّةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ) السَّلَامُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْبِرِّ». راجع: «البرهان في تفسير القرآن» ج2/140.

تَكْبِيرَاتٍ أَو ثَلَاثِ مَرَّاتٍ أَو مَرَّةً في كُلِّ رَكْعَتَيْنِ ويَقُولُ بَعْدَ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ والسُّجُودِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ في كُلِّ رَكْعَةٍ فَإِذَا تَشَهَّدَ وسَلَّمَ، قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ ومِنْكَ السَّلَامُ يَا ذَا الْجَلَالِ والْإِكْرَامِ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ وأَبْلِغْهُمْ عَنِّي أَفْضَلَ التَّحِيَّةِ والسَّلَامِ، اللَّهُمَّ إِنَّ هَذِهِ الرَّكَعَاتِ هَدِيَّةٌ مِنِّي إِلَى عَبْدِكَ ونَبِيِّكَ ورَسُولِكَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْهَا مِنِّي وأَبْلِغْهُ إِيَّاهَا عَنِّي وأَثِبْنِي عَلَيْهَا أَفْضَلَ أَمَلِي ورَجَائِي فِيكَ وفِي نَبِيِّكَ ووَصِيِّ نَبِيِّكَ وفَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ والْحَسَنِ والْحُسَيْنِ وأَوْلِيَائِكَ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ: يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ»، إلى آخر الحديث(1).

وفي صحيحة ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام في الرَّجُلِ يُشْرِكُ أَبَاهُ وَأَخَاهُ وَقَرَابَتَهُ في حَجِّهِ، فَقَالَ: «إِذاً يُكْتَبَ لَكَ حَجّاً مِثْلَ حَجِّهِمْ وَتُزْدَادَ أَجْراً بِمَا وَصَلْتَ»(2)، بتنقيح المناط من الحجّ إلی سائر العبادات، ومن الوالدين والأقرباء إلی الأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) بل بالأولوية والفحوی.

ص: 530


1- «وسائل الشيعة» ج8/169 الحديث 10330.
2- «الكافي» ج4/316 الحديث 6، «وسائل الشيعة» ج11/202 الحديث 14624.

خامس عشر: استحباب الدّعاء ما بين فراغ الخطيب واستواء الصّفوف، وكذا آخر النّهار إلی غروب شمس يوم الجمعة.

يستحب الدّعاء في كلّ وقت(1)، لكنّه قد تأكد الحثّ علی ذلك في بعض الأحيان والأزمان الّتي منها ما بين فراغ الخطيب إلی أن يستوي النّاس الصّفوف، وكذا آخر النّهار إلی غروب شمس يوم الجمعة.

قال الشّيخ رحمه الله في «الخلاف»:

الوقت الّذي يُرجی استجابةُ الدّعوة فيه ما بين فراغ الإمام من الخطبة إلی أن يستوي النّاس في الصّفوف، وقال الشّافعي: هو آخر النهار عند غروب الشّمس(2).

وقال العلّامة الحلّي رحمه الله في التّاسع من آداب الجمعة:

يستحب الدّعاء في الوقت الّذي يرجى استجابة الدّعاء، وهو ما روي عن الصّادق علیه السلام: السّاعة الّتي تستجاب فيها الدّعاء يوم الجمعة ما بين

ص: 531


1- قال الله تبارك وتعالی: (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرينَ)، «غافر»: 60/474. وقال عزّوجلّ (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً)، «الفرقان»: 77/366. وفي صحيحة إسماعيل بن جابر عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فِي رِسَالَةٍ طَوِيلَةٍ قَالَ: «وَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُدْرِكُوا نَجَاحَ الْحَوَائِجِ عِنْدَ رَبِّهِمْ بِأَفْضَلَ مِنَ الدُّعَاءِ وَالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَى اللَّهِ وَالْمَسْأَلَةِ، فَارْغَبُوا فِيمَا رَغَّبَكُمُ اللَّهُ فِيهِ، وَأَجِيبُوا اللَّهَ إِلَى مَا دَعَاكُمْ لِتُفْلِحُوا وَتَنْجَحُوا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ»، «الكافي» ج8/4، «وسائل الشيعة» ج7/31 الحديث 8629. وفي صحيحة سَيْفٍ التَّمَّارِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «عَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ فَإِنَّكُمْ لَا تَقَرَّبُونَ بِمِثْلِهِ»، الحديث «الكافي» ج2/339 الحديث 6، «وسائل الشيعة» ج7/30 الحديث 8627.
2- «كتاب الخلاف» ج1/617 المسألة 385.

فراغ الإمام من الخطبة إلى أن يستوي النّاس في الصّفوف، وساعة اُخری من آخر النّهار إلى غروب الشّمس(1).

وحكی ابن قدامة الحنبلي عن أبي موسی في تفسير النّبوي صلی الله علیه و آله و سلم: «فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ مِنَ النَّهَارِ لا يَسألُ العَبدُ فِيهَا شَيئاً إلّا اُعطِيَ سُؤله» قال:

سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال: «هِيَ مَا بَينَ أن يَجلِسَ الإمَامُ إلَی أن يَقضِيَ الصَّلاةَ»(2).

فقد ورد في صحيحة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «السَّاعَةُ الّتي يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَا بَيْنَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنَ الْخُطْبَةِ إِلَى أَنْ يَسْتَوِيَ النَّاسُ في الصُّفُوفِ، وسَاعَةٌ اُخری مِنْ آخِرِ النَّهَارِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ»(3).

وجاء في خبر جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْقُمِّيّ في كِتَاب «الْعَرُوس» قالَ: قُلتُ لأبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: السَّاعَةُ الّتي تُرْجَى في يَوْمِ الْجُمُعَةِ الّتي لَا يَدْعُوفِيهَا مُؤْمِنٌ إلّا اسْتُجِيبَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ، قُلْتُ: إِنَّ الْإِمَامَ رُبَّمَا يُعَجِّلُ ويُؤَخِّرُ؟ قَالَ: إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ»، وقَالَ علیه السلام: «السَّاعَةُ الّتي يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَا بَيْنَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنَ الْخُطْبَةِ إِلَى أَنْ يَسْتَوِيَ النَّاسُ في الصُّفُوفِ، وسَاعَةٌ اُخری مِنْ آخِرِ النَّهَارِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ»(4) .

ص: 532


1- راجع: «نهاية الإحكام في معرفة الأحكام» ج 2/52.
2- «المغني لابن قدامة» ج2/355.
3- «الكافي» ج3/414 الحديث 4، «وسائل الشيعة» ج7/352 الحديث 9552.
4- «مستدرك الوسائل» ج6/41 الحديث 6378.

السّادس عشر: بعض التّعقيبات الخاصّة بصلاة الجمعة وصلاة عصرها.

إنّ هناك بعض التّعقيبات الخاصّة بصلاة الجمعة وصلاة العصر الّتي تليها، نذكر منها ما تلي:

1 - صحيحة الْحَلَبِيِّ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أنّهُ قَالَ: «مَنْ قَالَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ حِينَ يَنْصَرِفُ جَالِساً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَرْكَعَ(1) الْحَمْدَ مَرَّةً و(قُلْ هُو اللَّهُ أَحَدٌ) سَبْعاً و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) سَبْعاً و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) سَبْعاً، وآيَةَ الْكُرْسِیِّ وآيَةَ السُّخْرَةِ(2)، وآخِرَ قَوْلِهِ: (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ)(3) إِلَى آخِرِهَا، كَانَتْ كَفَّارَةَ مَا بَيْنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ»(4).

2 - صحيحة زَكَرِيَّا الْمُؤْمِنِ عَنِ ابْنِ نَاجِيَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيَابَةَ عَنْ نَاجِيَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: «إِذَا صَلَّيْتَ الْعَصْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقُلِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ الْأَوْصِيَاءِ الْمَرْضِيِّينَ بِأَفْضَلِ صَلَوَاتِكَ، وبَارِكْعَلَيْهِمْ بِأَفْضَلِ بَرَكَاتِكَ، وَالسَّلَامُ عَلَيْهِمُ وعَلَى أَرْوَاحِهِمْ وأَجْسَادِهِمْ ورَحْمَةُ اللَّهِ

ص: 533


1- أي من قبل أن يصلّي صلاة اُخری.
2- قال الشّيخ رحمه الله في «مصباح المتهجد»: آية السخرة وهي ثلاثة آيات من الأعراف (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)، «الأعراف»: 54 - 56 . «مصباح المتهجد» ص 36. وقال المجلسي رحمه الله فالمراد بالآية الجنس، وسُمّيت سُخرة لدلالتها علی تسخير الله تعالی وتذليله لها. راجع: «مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول 9» ج12/317.
3- «التّوبة»: 128/207.
4- «التهذيب» ج3/18 الحديث 65، «وسائل الشيعة» ج7/397 الحديث 9680.

وبَرَكَاتُه...، مَنْ قَالَهَا في دُبُرِ الْعَصْرِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِائَةَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، ومَحَی عَنْهُ مِائَةَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وقَضَى لَهُ مِائَةَ أَلْفِ حَاجَةٍ، ورَفَعَ لَهُ مِائَةَ أَلْفِ دَرَجَةٍ»(1) .

3 - قال الكليني رحمه الله بعد ذكر هذا الحديث مرسلاً :

وروي أنّ من قالها سبع مرّات ردّ اللَّه عليه من كلّ عبد حسنة، وكان عمله في ذلك اليوم مقْبولاً، وجاء يوم القيامة وبين عينيه نور(2).

4 - موثّقة عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ: قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم: مَنْ قَرَأَ دُبُرَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ مَرَّةً، و(قُلْ هُواللَّهُ أَحَدٌ) سَبْعَ مَرَّاتٍ، وفَاتِحَةَ الْكِتَابِ مَرَّةً، و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) سَبْعَ مَرَّاتٍ، وفَاتِحَةَ الْكِتَابِ مَرَّةً، و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) سَبْعَ مَرَّاتٍ، لَمْ تَنْزِلْ بِهِ بَلِيَّةٌ ولَمْ تُصِبْهُ فِتْنَةٌ إِلَى الْجُمُعَةِ الْاُخری، فَإِنْ قَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الّتي حَشْوُهَا الْبَرَكَةُ، وعُمَّارُهَا الْمَلَائِكَةُ، مَعَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وأَبِينَا إِبْرَاهِيمَ علیه سلام»، جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُ وبَيْنَ مُحَمَّدٍ وإِبْرَاهِيمَ صلی الله علیه و آله و سلم في دَارِ السَّلَامِ» وجاء في نُسْخَةٍ اُخری: «فَاتِحَةَ الْكِتَابِ مَرَّةً و(قُلْ هُواللَّهُ أَحَدٌ) مَرَّةً والْمُعَوِّذَتَيْنِ سَبْعاً سَبْعاً»(3) .

5 - نقل السيّد عليّ بن طاووس رحمه الله في «جمال الْاُسبوع» بإسناده إلى الشّيخ أبی جعفر الطوسي عن عَلِيِّ بْنِ أبي جَيِّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنِ الشَّيْخِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْقُمِّيِّ فِيمَا رَوَاهُ في كِتَابِهِ كِتَابِ «ثَوَابِ الْأَعْمَالِ» بِإِسْنَادِهِإِلَى الإمامِ جَعْفَر الصَّادِقِ علیه السلام أنّهُ قَالَ: «مَنْ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ صَلَاةِ

ص: 534


1- «الأمالي (للصّدوق)» ص 399 الحديث 16، «التهذيب» ج3/19 الحديث 68، «وسائل الشيعة» ج7/397 الحديث 9681.
2- «الكافي» ج3/429 الحديث 5، «وسائل الشيعة» ج7/398 الحديث 9682.
3- «ثواب الأعمال» ج60 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج7/398 الحديث 9683.

الْجُمُعَةِ وقَبْلَ أَنْ يَثْنِيَ رِجْلَيْهِ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وفَاتِحَةَ الْكِتَابِ مَرَّةً، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وفَاتِحَةَ الْكِتَابِ مَرَّةً، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، لَمْ يَنْزِلْ بِهِ بَلِيَّةٌ ولَمْ تُصِبْهُ فِتْنَةٌ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ الْاُخری، فَإِنْ قَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِی مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الّتي حَشْوُهَا بَرَكَةٌ وعُمَّارُهَا الْمَلَائِكَةُ مَعَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله و سلم وأَبِينَا إِبْرَاهِيمَ»، جَمَعَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ بَيْنَهُ وبَيْنَ مُحَمَّدٍ وإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وعَلَى آلِهِمَا في دَارِ السَّلَامِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وإِبْرَاهِيمَ وعَلَى آلِهِمَا الطَّاهِرِينَ»(1).

6 - روی ابن عباس عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «مَنْ قَالَ بَعْدَ صَلاةِ الْجُمُعَةِ وَ هُوَ قَاعِدٌ قَبْلَ أنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِه: «سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَ بِحَمْدِهِ، وَاسْتَغْفِرُ اللَّهَ» مِأةَ مَرَّةٍ، غَفَرَ اللهُ لَهُ مِأةَ أَلْفِ ذَنْبٍ، وَ لِوَالِدَيْهِ أربَعَةٌ وَعِشْرِينَ أَلْفَ ذَنْبٍ»(2).

7 - روت أسماء بنت أبي بكر عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «مَنْ قَرَأَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ بِفَاتِحَةِ الكتَابِ وَ(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وَ(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) وَ(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) حُفِظَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْاُخری»(3).

8 –أَعْلَامُ الدِّينِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام : «مَنْ قَالَ عَقِيبَ الظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَصَلَوَاتِ مَلَائِكَتِكَ وَرُسُلِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ»، كَانَتْ لَهُ أَمَاناً بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ، وَمَنْ قَالَ أَيْضاً عَقِيبَ الْجُمُعَةِ سَبْعَ

ص: 535


1- راجع: «مستدرك الوسائل» ج6/90 الحديث 6505.
2- «كنز العمّال» ج7/767 الخبر 21321.
3- «كنز العمّال» ج7/768 الخبر 21323.

مَرَّاتٍ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَعَجِّلْ فَرَجَ آلِ مُحَمَّدٍ» كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْقَائِمِ علیه سلام»(1).

9 - صحيحة ابْنِ أبي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ مِائَةَ مَرَّةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، ومَا زَادَتْ فَهُو أَفْضَلُ»(2) .

10 - مرسلة أبي إِسْمَاعِيلَ الصَّيْقَلِ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «مَنْ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ السَّلَامُ حِينَ يُصَلِّي الْعَصْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يَنْفَتِلَ مِنْ صَلَاتِهِ عَشْرَ مَرَّاتٍ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الْأَوْصِيَاءِ الْمَرْضِيِّينَ بِأَفْضَلِ صَلَوَاتِكَ وَبَارِكْ عَلَيْهِمْ بِأَفْضَلِ بَرَكَاتِكَ وَعَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَعَلَى أَرْوَاحِهِمْ وَأَجْسَادِهِمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ»، صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ تِلْكَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ في تِلْكَ السَّاعَةِ»(3).

11 - حَدَّثَ أَبُو الْمُفَضَّلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا عِصْمَةُ بْنُ نُوحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أبي نَصْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَيَّامَ ويَبْعَثُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَمَامَهَا كَالْعَرُوسِ ذَاتَ كَمَالٍ وَجَمَالٍ تُهْدَى إِلَى ذِي دِينٍ ومَالٍ، فَتَقِفُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ والْأَيَّامُ خَلْفَهَا فَتَشْفَعُ لِكُلِّ مَنْ أَكْثَرَ الصَّلَاةَ فِيهَا عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ:»، قَالَ ابْنُ سِنَانٍ: فَقُلْتُ: كَمِ الْكَثِيرُ في هَذَا وفِي أَيِّ زَمَانِ

ص: 536


1- «بحار الأنوار» ج87/65، «مستدرك الوسائل» ج6/97 الحديث 6521.
2- «ثواب الأعمال»: 189 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج7/399 الحديث 9684.
3- راجع: «بحار الأنوار» ج87/90.

أَوْقَاتِالْجُمُعَةِ أَفْضَلُ؟ فَقالَ علیه السلام: «مِائَةُ مَرَّةٍ، ولْيَكُنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَصْرِ»، قَالَ: فَكَيْفَ أَقُولُهَا؟ قَالَ: «تَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ»(1).

12 - صحيحة مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَمِّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أبي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ علیه السلام أنّهُ قالَ: «إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَلْفَ نَفْحَةٍ مِنْ رَحْمَتِهِ، يُعْطِي كُلَّ عَبْدٍ مِنْهَا مَا شَاءَ، فَمَنْ قَرَأَ (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ) بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِائَةَ مَرَّةٍ، وَهَبَ اللَّهُ لَهُ تِلْكَ الْأَلْفَ ومِثْلَهَا»(2).

13 - صحيحة أبي بَصِيرٍ حَيثُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «الصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ فِيمَا بَيْنَ الظُّهْرِ والْعَصْرِ تَعْدِلُ سَبْعِينَ حَجَّةً، ومَنْ قَالَ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ الْأَوْصِيَاءِ الْمَرْضِيِّينَ بِأَفْضَلِ صَلَوَاتِكَ وبَارِكْ عَلَيْهِمْ بِأَفْضَلِ بَرَكَاتِكَ والسَّلَامُ عَلَيْهِمْ وعَلَى أَرْوَاحِهِمْ وأَجْسَادِهِمْ ورَحْمَةُ اللَّهِ وبَرَكَاتُهُ،كَانَ لَهُ مِثْلُ ثَوَابِ عَمَلِ الثَّقَلَيْنِ في ذَلِكَ الْيَوْمِ»(3).

14 - «جُنَّةُ الْأَمَانِ» وَ«الْبَلَدُ الْأَمِينُ» مِنْ كِتَابِ دَفْعِ الْهُمُومِ وَالْأَحْزَانِ رُوِيَ: «أَنَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ فَلْيَصُمْ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَالْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ تَطَهَّرَ وَرَاحَ وَتَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ بِالرَّغِيفِ إِلَى مَا دُونَ ذَلِكَ في أَكْثَرَ وَأَقَلَّ، فَإِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الّذي لا إِلهَ إلّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ، الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ الّذي لا إِلهَ إلّا هُوَ الْحَیُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ، الّذي مَلَأَتْ عَظَمَتُهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَأَسْأَلُكَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الّذي لَا إِلَهَ إلّا هُوَ الّذي عَنَتْ لَهُ الْوُجُوهُ وَخَشَعَتْ لَهُ الْأَبْصَارُ وَوَجِلَتِ

ص: 537


1- «مستدرك الوسائل» ج6/94 الحديث 6512.
2- «وسائل الشيعة» ج7/399 الحديث 9685.
3- «وسائل الشيعة» ج7/400 الحديث 9686.

الْقُلُوبُ مِنْ خَشْيَتِهِ أَنْ تُصَلِّیَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَنْ تَقْضِيَ في كَذَا وَكَذَا، قَالَ: وَلَا تُعَلِّمُوهَا سُفَهَاءَكُمْ فَيَدْعُوا بِهَا فَيُسْتَجَابَ لَهُمْ وَلَا تَدْعُوا بِهَا في مَأْثَمٍ وَلَا قَطِيعَةِ رَحِمٍ»(1).

السّابع عشر: استحباب سجدة الشّكربعد كلّ صلاة وعند تجدّد النّعم ودفع النّقم.

من المندوبات بعد توفيق العبد لأداء كلّ فرض وتكليف من امتثال أوامر الله وترك نواهيه ومنه صلاته للجمعة، أو تجدد النعم، أو دفع البلايا والشّدائد عنه، أن يشكر لله تبارك وتعالی لما منّ الله عليه فإنّه سبب لازدياد توفيقاته في المستقبل وقد عبّر عنها بعض فقهائنا بسجدتي الشّكر، قال الله تبارك وتعالی: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ)(2)، قد ادّعي عليه إجماع الإماميّة ووافق عليه الشّافعي وأحمد من العامّة، خلافاً لمالك حيث عده مكروهاً وكذا أبي حنيفة في إحدی روايتيه، وفي الثّانية ليس بمشروع لئلّا يتوهّم أنّه مسنونأو واجب(3)، وكيف كان يستحب فيها إلصاق الذّراعين والصّدر والبطن بالأرض.

قال ابن إدريس الحلّي رحمه الله في«السّرائر»:

ويستحب بعد التّسليم والخروج من الصّلاة أن يكبّر وهو جالس ثلاث تكبيرات...، ثمّ يسبح تسبيح الزّهراء علیها السلام، وهو أربع وثلاثون تكبيرة،

ص: 538


1- راجع: «بحار الأنوار» ج87/71.
2- «إبراهيم»: 7/256.
3- راجع: «كتاب الخلاف» ج1/434، المسألة 182 من مسائل كتاب الصّلاة، «تذكرة الفقهاء (ط-الحديثة)» ج 3/223، «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/470 - 471.

التكبير أوّلٌ بلا خلاف، وثلاث وثلاثون تحميدة على الصّحيح من المذهب وأنّه بعد التّكبير، وقال بعض أصحابنا يجعل التّسبيح بعد التّكبير، والأوّل أظهر في الفتوى والقول، وثلاث وثلاثون تسبيحة، ثمّ يصلّث على النّبيّ، ويستغفر من ذنوبه، ويدعو بما أحبّ، ويسجد سجدة الشّكر، وصفتها أن يلصق ذراعيه وجؤجؤه بالأرض، ويضع جبهته على موضع سجوده، ثمّ خدّه الأيمن، ثمّ خدّه الأيسر، ثم يعيد جبهته، ويدعو الله في خلال ذلك، ويسبحه ويعترف بنعمته، ويجتهد في الشّكر عليها، وقد روي فيما يقال في سجدة الشّكر أشياء كثيرة، من أرادها أخذها من مواضعها، وأوجزها أن يقول: شكراً شكراً شكراً، ويكرّر ذلك مراراً، أدناها ثلاثاً، أو حتّى ينقطع النّفس، وإن شاء عفواً عفواً، وروي أنّ أميرالمؤمنين علیه السلام كان يقول إذا سجد: «وعظتني فلم أتعظ، وزجرتني عن محارمك فلم أنزجر، وغمرتني أياديك فما شكرت، عفوك عفوك يا كريم»، ويستحب له إذا رفع رأسه من السّجود أن يضع باطن كفّه اليمنى على موضع سجوده ثمّ يمسح بها وجهه وصدره، وهذا التّعقيب يستحب في دبر كلّ فريضة ونافلة(1).

وقال العلّامة رحمه الله في «التّذكرة»:

سجدة الشّكر، وهي مستحبة عقيب الفرائض وعند تجدّد النّعم ودفع النّقم عند علمائنا أجمع، وبه قال الشّافعي وأحمد لأنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم كان إذا جاءه شيء يسّره خرّ ساجداً، وقال عبد الرحمن بن عوف: سجد رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم فأطال فسألناه فقال: «أتاني جبرئيل فقال: من صلّى عليك مرّة صلّى اللَّه تعالى عليه عشراً، فخررت شكراً للّه، و سجد

ص: 539


1- «السّرائر الحاوي لتحرير الفتاوى» ج 1/232 - 233.

عليّ علیه السلام شكراًيوم النّهروان لمّا وجدوا ذا الثدية، وسجد أبو بكر لمّا بلغه فتح اليمامة وقتل مسيلمة، ومن طريق الخاصّة قول الصّادق علیه السلام: «سجدة الشّكر واجبة على كلّ مسلم تتمّ بها صلاتك، وترضی بها ربك، وتعجب الملائكة منك، وإنّ العبد إذا صلّى ثمّ سجد سجدة الشّكر فتح الرب تعالى الحجاب بين الملائكة وبين العبد»، وقال مالك: إنّه مكروه، وقال الطحاوي: وأبو حنيفة لا يرى سجود الشّكر شيئاً، و روى محمّد عن أبي حنيفة الكراهة، ومحمّد لا يكرهه، واحتجوا بأن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم قد كانت في أيامه الفتوح واستسقى على المنبر وسقی ولم ينقل أنّه سجد، وتركه أحياناً لا ينفي الاستحباب(1).

وقال الشّهيد في «البيان»:

سجدة الشّكر، وهي مستحبة عند تجدّد نعمة، أو دفع نقمة، وعقيب الصّلاة، وقول الصّادق علیه السلام: «واجبة تتم بها صلاتك» محمول على التأكيد، ويستحب فيها إلصاق الذّراعين والصّدر والبطن بالأرض، وتعفير الخدين الأيمن أوّلاً، والعود إلى السّجود، وتكرار «شكراً» مائة مرّة في عوده، أو «عفواً» كذلك، أو ما تيّسر، والدّعاء بالمأثور(2).

وقال المحقّق رحمه الله صاحب «الشّرائع»:

سجدتا الشّكر مستحبتان عند تجدد النّعم ودفع النّقم، وعقيب الصّلوات، ويستحب بينهما التعفير(3).

وقال الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

ص: 540


1- «تذكرة الفقهاء (ط-الحديثة)» ج 3/223 - 224.
2- «البيان» ص: 74.
3- «شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام» ج1/78.

سجدة الشّكر، هي سجدة واحدة كسجود التلاوة عند تجدّد نعمة أو اندفاع نقمة، ولا تكون إلّا خارج الصّلاة، فلو أتى بها في الصّلاة بطلت صلاته، ولو نواها ضمن ركوع الصّلاة وسجودها لم تجزه، وهي مستحبة، وهذا متّفق عليه بين الشّافعية والحنابلة، أمّا المالكية قالوا: سجدة الشّكر مكروهة، وإنّما المستحب عند حدوث نعمة أو اندفاع نقمة صلاة ركعتين ،كما تقدّم، والحنفية قالوا: سجدة الشّكر مستحبة - على المفتي به - ، وإذا نواها ضمن ركوع الصّلاة أو سجودها أجزأته، ويكره الإتيان بها عقب الصّلاة لئلّا يتوهّم العامّة أنّها سنة أو واجبة(1).

هذه بعض الأقوال المطروحة حول المسألة عند الفريقين، ثمّ إنّ الإماميّة قد استدلّوا علی مذهبهم بأخبار متظافرة منها: صحيحة مُرَازِمٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «سَجْدَةُ الشُّكْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ تُتِمُّ بِهَا صَلَاتَكَ، وَتُرْضِي بِهَا رَبَّكَ، وَتَعْجَبُ الْمَلَائِكَةُ مِنْكَ، وَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا صَلَّى ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَةَ الشُّكْرِ فَتَحَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْحِجَابَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْمَلَائِكَةِ فَيَقُولُ: يَا مَلَائِكَتِي انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي أَدَّى قُرْبَتِي وَأَتَمَّ عَهْدِي ثُمَّ سَجَدَ لِي شُكْراً عَلَى مَا أَنْعَمْتُ بِهِ عَلَيْهِ، مَلَائِكَتِي مَا ذَا لَهُ عِنْدِي؟ قَالَ: فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبَّنَا رَحْمَتُكَ، ثُمَّ يَقُولُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ثُمَّ مَا ذَا لَهُ؟ فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبَّنَا جَنَّتُكَ، فَيَقُولُ الرَّبُّ تَعَالَى: ثُمَّ مَا ذَا؟ فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبَّنَا كِفَايَةُ مُهِمِّهِ، فَيَقُولُ الرَّبُّ تَعَالَى: ثُمَّ مَا ذَا؟ فَلَا يَبْقَى شيء مِنَ الْخَيْرِ إلّا قَالَتْهُ الْمَلَائِكَةُ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا مَلَائِكَتِي ثُمَّ مَا ذَا؟ فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبَّنَا لَا عِلْمَ لَنَا، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: لَأَشْكُرَنَّهُ كَمَا شَكَرَنِي، وَأُقْبِلُ إِلَيْهِ بِفَضْلِي وَأُرِيهِ رَحْمَتِي»(2).

ص: 541


1- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/470 - 471.
2- «التهذيب» ج2/110 الحديث 415، «وسائل الشيعة» ج7/6 الحديث 8564.

وصحيحة عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ سَجَدَ سَجْدَةَ الشُّكْرِ وَهُوَ مُتَوَضِّئٌ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا عَشْرَ صَلَوَاتٍ وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ خَطَايَا عِظَامٍ»(1).

وصحيحة أبي الحسين الأسدي - يعني محمّد بن جعفر - أنّ الصَّادِقَ علیه السلام قَالَ: «إِنَّمَا يَسْجُدُ الْمُصَلِّي سَجْدَةً بَعْدَ الْفَرِيضَةِ لِيَشْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِيهَا عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ أَدَاءِ فَرْضِهِ، وَأَدْنَى مَا يُجْزِي فِيهَا شُكْراً لِلَّهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ»(2).

وموثقة ابْنِ أبي عُمَيْرٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ علیه سلام وَقَدْ سَجَدَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَبَسَطَ ذِرَاعَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَأَلْصَقَ جُؤْجُؤَهُ بِالْأَرْضِ في دُعَائِهِ(3).

وخبر عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَاقَانَ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ الثَّالِثَ علیه السلام سَجَدَ سَجْدَةَ الشُّكْرِ فَافْتَرَشَ ذِرَاعَيْهِ وَأَلْصَقَ جُؤْجُؤَهُ (وَ صَدْرَهُ) وَبَطْنَهُ بِالْأَرْضِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «كَذَا يَجِبُ»(4).

ومرفوعة الصّدوق: قال الصّادق علیه السلام: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَجَدَ فَقَالَ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ حَتَّى يَنْقَطِعَ نَفَسُهُ، قَالَ لَهُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: لَبَّيْكَ مَا حَاجَتُكَ؟»(5).

ص: 542


1- «من لايحضره الفقيه» ج1/218 الحديث 971، «وسائل الشيعة» ج7/5 الحديث 8560.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج1/219 الحديث 977، «وسائل الشيعة» ج7/5 الحديث 8561.
3- «الكافي» ج3/324 الحديث 14، «وسائل الشيعة» ج7/13 الحديث 8581.
4- «الكافي» ج3/324 الحديث 15، «التهذيب» ج2/85 الحديث 312، «وسائل الشيعة» ج7/13 الحديث 8580.
5- «من لا يحضره الفقيه» ج1/219 الحديث 975، «وسائل الشيعة» ج7/16 الحديث 8587.

وقد ورد هنا روايات من طرق العامّة منها ما ذكرها البيهقي في «سننه» حيث قال:

روی أبو بكر: كان النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم إذا أتاه أمر يسّره أو سرّ به خرّ ساجداً شكراً لله عزّ وجلّ...، و روی عبدالرّحمن بن عوف أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال: «إنّي لقيت جبرئيل علیه السلام فبشّرني وقال: إنّ ربّك يقول لك: من صلّی عليك صلّيت عليه، ومن سلّم عليك سلّمت عليه، فسجدت الله شكراً»...، و روی عن محمّد بن عبد الله أنّ أبابكر رضي الله عنه أتاه فتح فسجد، وأنّ عمر رضی الله عنه أتاه فتح أو أبصر رجلاً به زمانه فسجد(1).

وظاهر الأخبار بل صريحها كما تری كونها سجدة واحدة وذلك لدلالة صيغة «فعلة» في لغة العرب علی المرّة.

وفي الختام ينبغي التّنبيه علی نكة لطيفة، وهي اقتران شكر الله تبارك وتعالی بشكر الوالدين في خبر الحارث بن دلهاث عن مولانا أبي الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِثَلَاثَةٍ مَقْرُونٍ بِهَا ثَلَاثَةٌ اُخری؛ أَمَرَ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَمَنْ صَلَّى وَلَمْ يُزَكِّ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ صَلَاتُهُ، وَأَمَرَ بِالشُّكْرِ لَهُ وَلِلْوَالِدَيْنِ فَمَنْ لَمْ يَشْكُرْ وَالِدَيْهِ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ، وَأَمَرَ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ فَمَنْ لَمْ يَصِلْ رَحِمَهُ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ»(2)، فعليه لا يحصل كمال شكره تعالی إلّا بشكر الوالدين أعاننا الله تعالی عليه.

إلی هنا تمّ بحمد لله ومنّته ما أردنا أن نبحث عنه في باب الجمعة وصلاتها وما يتعلّق بها من آداب وأحكام.

ص: 543


1- «سنن البيهقي» ج2/370 - 371.
2- «عيون أخبار الرضا علیه سلام» ج1/258 الحديث 13، «وسائل الشيعة» ج9/25 الحديث 11429.

ص: 544

الفصل السّابع: خاتمةٌ في صلاة العيدين

اشارة

ص: 545

ص: 546

العيد في المعنی والمفهوم.

نبحث في هذا الفصل حول صلاة عيدي الفطر والأضحی، وقبل الخوض في المقصود نذكر معنى العيد لغةً واصطلاحاً بما عرّفه علماء اللغة والفقهاء قال أحمد بن فارس بن زكريّا:

العيد كلّ يوم مَجْمَعٍ، واشتقاقه قد ذكره الخليل من عاد - يعود كأنّهم عادوا إليه، ويمكن أن يقال لأنّه يعود كلّ عام وهذا عندنا أصحًّ، والياء في العيد أصلها الواو لكنّها قلبت ياءً لكسرة العين، ويجمعون العيدَ أعياداً ويُصغِّرونه علی عُيَيد(1).

وقال الرّاغب في «مفرداته»:

العود: الرّجوع إلی الشيء بعد الانصراف عنه إمّا انصرافاً بالذات، أو بالقول والعزيمة...، والعادة: اسم لتكرير الفعل والانفعال حتّی يصير ذلك سهلاً تعاطيه كالطبع، ولذلك قيل: العادة طبيعة ثانية، والعِيدُ: ما يُعَاوِدُ مرّة بعد اُخری، وخُصّ في الشّريعة بيوم الفطر ويوم النّحر، ولمّا كان ذلك اليوم مجعولاً للسّرور في الشّريعة كما نبّه النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم بقوله: «أيّام أكل وشرب وبعال» صار يستعمل العِيدُ في كلّ يوم فيه مسرّة، وعلى ذلك قوله تعالى: (أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً) [ المائدة / 114] ، والعِيدُ: كلّ حالة تُعَاوِدُ الإنسان، والعَائِدَةُ: كلّ نفع يرجع إلى الإنسان من شيء ما، والمَعادُ يقال للعود وللزّمان الّذي يَعُودُ فيه، وقد يكون للمكان الّذي يَعُودُ إليه، قال تعالى: (إِنَّ الّذي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) [القصص/ 85] (2).

ص: 547


1- «معجم مقائيس اللغة» ج4/183.
2- «مفردات في الفاظ القرآن» ص 593 - 594.

وقال الشّيخ فخرالدّين الطّريحي رحمه الله :

والعيد واحد الأعياد، هو كلّ يوم مَجْمَع، وقيل: معناه اليوم الّذي يعود فيه الفرح والسّرور(1).

وقال المصطفوي رحمه الله :

«عود»:...، والتّحقيق أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو رجوع إلى عمل في المرتبة الثانية، بمعنى أنّه إقدام ثانويّ بعد المرتبة الاُولى، وسبق في «الرجع» الفرق بينه وبين العود والأوب والتوب وغيرها، وبهذا يظهر حقيقة إطلاق المادّة على العود والعادة والعائدة والعيد والعيادة وأمثالها، فإنّ العود خشب لطيف تجدّد نباته ونموّه، والعادة حالة توجب إعادة ما عمل في الدّفعات اللاحقة، والعائدة منافع قد تكرّرت، والعيد أيّام سرور و بهجة مخصوصة تكرّرت، والعيادة باعتبار تكرّرها(2).

وقال المحدّث البحراني رحمه الله :

العيدين: وهما اليومان المعلومان، واحدهما عيد، وياؤه منقلبة عن «واو» لأنّه مأخوذ من العود إمّا لكثرة عوائد اللَّه تعالى فيه على عباده، وإمّا لعود السّرور والرّحمة بعوده، والجمع أعياد على غير القياس لأنّ حق الجمع ردّ الشيء إلى أصله، قيل: وإنّما فعلوا ذلك للزوم الياء في مفرده، أو للفرق بين جمعه وجمع عود الخشب(3).

ص: 548


1- «مجمع البحرين» ج3/274.
2- «التحقيق في كلمات القرآن الكريم» ج 8/250 - 252.
3- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج 10/199.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه لا خلاف عندنا إجمالاً في أنّ صلاة العيد كالجمعة في الشّرائط والأحكام، فمن قال هاهنا بكونها واجبة في زمان الغيبة يقول به هنا أيضاً، وهي كذلك أيضاً عند الحنفيّة علی الأصحّ، وعند الحنابلة كفاية كصلاة الميت.

وقتها من طلوع الشّمس إلی الزّوال، يستحب تأخيرها إلی أن ترفع الشّمس إلّا أنّه في الفطر يستحب ذلك إلی بعد الإفطار وإخراج الفطرة، لا قضاء لها لو فاتت، نعم يستحب إقامتها علی انفراد عند فقدان الشّرائط أو لمن فاتته الجماعة.

قبل بيان بعض ما لها من المسائل والأحكام، نذكر بعض أقوال الّتي يطرحها الفريقان حول المسألة فنقول وبه نستعين:

أقوال الفقهاء حول حكم صلاة العيدين

قال الشّيخ المفيد رحمه الله (م 413 ه-) في «المقنعة»:

وهذه الصّلاة فرض لازم لجميع من لزمته الجمعة على شرط حضور الإمام، وسنة على الانفراد عند عدم حضور الإمام(1).

قال السيّد المرتضی رحمه الله (م 436 ه-) في «جمل العلم والعمل»:

صلاة العيدين فرضٌ علی كل من تكاملت له شرائط الجمعة الّتي ذكرناها، وهما سنّةٌ للمنفرد عند اختلال تلك الشّروط(2).

ص: 549


1- «المقنعة» ص 194. وقد تقدّم كلامه رحمه الله عند ذكر بعض أقوال الفقهاء الّتي ظاهرة أو صريحة في كون صلاة الجمعة في عصر الغيبة واجبةً بالوجوب العينيي التّعييني، بأنّ مراده من «الإمام» فيها هو الإمام الواجد لشرائط الجماعة والقادر علی إيراد الخطبة.
2- «جمل العلم والعمل» ص 74، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج3/185 - 186 .

وقال في «الانتصار»:

وممّا نظنّ انفراد الإماميّة به القول بأنّ صلاة العيدين واجبتان علی كلّ من وجبت عليه صلاة الجمعة وبتلك الشّروط(1).

وقال أبوالصّلاح الحلبي رحمه الله (م 447 ه-) في «الكافي»:

صلاة يوم الفطر ويوم الأضحی واجبةٌ بشرط تكامل شروط الجمعة علی كلّ من تجب عليه الجمعة(2).

وقال الشّيخ رحمه الله (م 460 ه-) في «الخلاف»:

صلاة العيدين فرضٌ علی الأعيان ولا تسقط إلّا عمّن تسقط عنه الجمعة، وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: إنّها سنّةٌ مؤكدةٌ، إلّا أبا سعيد الاصطخري من أصحاب الشّافعي فإنّه قال: هي من فروض الكفايات، دليلنا إجماع الفرقة، وأيضاً فلا خلاف أنّ من صلّاها برأت ذمّته ومن لم يصلّها ففيه خلافٌ، فالاحتياط يقتضي فعلها(3).

وقال في «النّهاية»:

وتلزم صلاة العيدين كلّ من تلزمه الجمعة وتسقط عمّن تسقط عنه(4).

وقال في «الاقتصاد»:

صلاة العيد عندنا واجبةٌ عند تكامل شروطها، وشروطها شروط الجمعة سواءٌ، وكلّ موضع تجب فيه الجمعة تجب فيه صلاة العيد، وكلّ موضع

ص: 550


1- «الانتصار في انفرادات الإماميّة» 169، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج3/211.
2- «الكافي في الفقه» ص 153، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج3/281.
3- «كتاب الخلاف» ج1/651، المسألة 423.
4- «النهاية في مجرد الفقه والفتاوی» ص 133، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج3/337.

تسقط الجمعة تسقط صلاة العيد لا فرق بينهما، وهي مستحبّةٌ علی الانفراد(1).

وقال في «الجمل والعقود»:

صلاة العيدين فريضةٌ عند شروطها، وشرايطها شرايط الجمعة سواءٌ في العدد وغيره، وتسقط عمّن تسقط عنه وتجب علی من تجب الجمعة عليه، وهي مستحبّةٌ علی الانفراد، وإذا فاتت لا يجب قضاؤها(2).

وقال ابن حمزة رحمه الله (حيّ إلی 566 ه-):

شروط وجوب صلاة العيد شروط وجوب صلاة الجمعة، ويجب على من تجب عليه، وتسقط عمّن تسقط عنه إلّا أنّ صلاة العيد إذا سقط وجوبها لم يسقط استحبابها، وإذا فاتت لا يلزم قضاؤها إلّا إذا وصل إلى الخطبة وجلس مستمعاً إليها وإذا لم تصلّ في الجماعة استحب أن تصلّی على الانفراد(3).

وقال المحقّق الحلّي رحمه الله (م 676 ه-) في «المعتبر»:

صلاة العيدين فريضةٌ علی الأعيان مع شرائط الجمعة، وهو مذهب علمائنا أجمع...، ويشترط في وجوبها شروط الجمعة لأنّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم صلّاها مع شرائط الجمعة، فيقف الوجوب علی صورة فعله، ولأنّ كلّ من قال بوجوبها علی الأعيان اشترط ذلك(4).

ص: 551


1- -«الاقتصاد» ص 270.
2- «الجمل والعقود فی العبادات» ص 85، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج3/360.
3- «الوسيلة إلى نيل الفضيلة» ص 111.
4- «المعتبر في شرح المختصر» ج2/308 - 309.

وقال الشّهيدان الأوّل (م 786 ه-) والثاني (م 966 ه-) رحمهما الله في «اللمعة» و«الرّوضة»:

وتجب صلاة العيدين وجوباً عينيّاً بشروط الجمعة العينيّة(1).

وقال المحقّق العاملي رحمه الله (م 1009 ه-) صاحب «المدارك»:

وقد قطع المصنف وغيره من الأصحاب بأن شروط هذه الصّلاة شروط الجمعة، وقد تقدّم أنّها خمسة، الأوّل: السّلطان العادل أو من نصبه للصّلاة، وظاهر العلّامة في المنتهى اتفاق الأصحاب على اعتبار هذا الشّرط واحتجّ بصحيحة زرارة، عن أبی جعفر علیه السلام قال: «لَيْسَ في الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى أَذَانٌ وَلَا إِقَامَةٌ» إلى أن قال: «وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ مَعَ إِمَامٍ في جَمَاعَةٍ فَلَا صَلَاةَ لَهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ»، وصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما صلی الله علیه و آله و سلم قال: سَأَلْتُهُ عَنِ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى؟ فَقَالَ: «لَيْسَ صَلَاةٌ إلّا مَعَ إِمَامٍ»، و رواية معمر بن يحيى، عن أبي جعفر علیه السلام قال: «لَا صَلَاةَ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إلّا مَعَ إِمَامٍ»، وعندي في هذا الاستدلال نظر، إذ الظّاهر أنّ المراد بالإمام هنا إمام الجماعة لا إمام الأصل علیه السلام كما يظهر من تنكير الإمام ولفظ الجماعة، وقوله علیه السلام في صحيحة ابن سنان: «مَنْ لَمْ يَشْهَدْ جَمَاعَةَ النَّاسِ في الْعِيدَيْنِ فَلْيَغْتَسِلْ وَيَتَطَيَّب بِمَا وَجَدَ وَلْيُصَلِّ وَحْدَهُ كَمَا يُصَلِّي في الْجَمَاعَةِ»، وفي موثقة سماعة: «لَا صَلَاةَ في الْعِيدَيْنِ إلّا مَعَ إِمَامٍ، وَإِنْ صَلَّيْتَ وَحْدَكَ فَلَا بَأْسَ»، (إلی أن قال:) وبالجملة فتخصيص الأدلّة الدالّة على الوجوب بمثل هذه الرّوايات لا يخلو من إشكال، وما ادّعوه من الإجماع فغير صالح للتخصيص أيضاً، لما بيناه غير مرّة من أنّ الإجماع إنّما يكون حجة مع العلم القطعي بدخول قول الإمام علیه السلام في أقوال المجمعين، وهو غير

ص: 552


1- «الرّوضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة» ج1/126.

متحقّق هنا، ومع ذلك فالخروج عن كلام الأصحاب مشكل، واتباعهم بغير دليل أشكل(1).

وقال المحقّق السّبزواري رحمه الله (م 1090 ه-) في «الكفاية»:

المقصد الثالث في صلاة العيدين، وإنّما تجب على من يجب عليه الجمعة، والظّاهر وجوبها في زمان غيبة الإمام بشروط وجوب الجمعة جماعةً، ويعتبر في وجوبها العدد، والظّاهر أنّ الخمس يكفي هاهنا وقيل بالسّبع، والأقوى الأشهر استحباب الخطبتين في صلاة العيد ويستحبّ استماعهما، ووقتهما بعد صلاة العيد، وظاهر كثير من الأصحاب وحدة الصّلاة في الفرسخ حيث أطلقوا القول بمساواتها للجمعة في الشّرائط، ونقل التّصريح به عن بعضهم، وتوقّف فيه بعضهم، وقيل: هذا الشّرط إنّما يعتبر مع الوجوب لا مطلقاً(2).

وقال الفيض الكاشاني رحمه الله (م 1091 ه-) تحت عنوان «اشتراط وجوب صلاة العيد بما اشترط في وجوب الجمعة»:

وهذه الصّلاة ركعتان بالإجماع والنّصوص المستفيضة كما ستطّلع عليها في مباحث القنوت إن شاء اللّه، ويشترط فيها ما يشترط في اليوميّة من التكليف والخلوّ عن الحيض والنّفاس ووجدان الطّهور، لعموم ما دلّ على ذلك، وأمّا اشتراط وجوب صلاة العيد بحضور الإمام علیه السلام أو من نصبه، والمشهور اشتراط وجوبها بما يشترط في وجوب الجمعة؛ أمّا اشتراط الإمام أو من نصبه فظاهر المنتهى اتّفاقهم عليه، ثمّ أشار إلی استدلال العلّامة رحمه الله في «المنتهی» وجواب المحقّق العاملي رحمه الله الّذي تقدّم آنفاً عنه(3).

ص: 553


1- «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج 4/93 - 95.
2- «كفاية الأحكام» ج 1/105.
3- «معتصم الشّيعة في أحكام الشريعة» ج1/172 - 173.

وقال الفاضل الإصفهاني رحمه الله (م 1137 ه-):

شرائط وجوب صلاتي العيدين هي شرائط وجوب صلاة الجمعة عيناً

كما قطع به الأصحاب للأصل والأخبار...، ومع اختلال الشروط أو بعضها أو فوتها مع اجتماعها تستحبّ جماعة وفرادى، وفاقاً لابن إدريس والمحقّق والشيخ في الحائرية...، وتسقط عمّن تسقط عنه، كذا في الخلاف والنهاية والمبسوط والجمل والعقود والمهذب والسرائر والوسيلة والجامع والإصباح ونهاية الإحكام، وفي المنتهى: الذكورة والعقل والحرية والحضر شروط فيها، ولا نعرف فيه خلافاً(1).

وقال المحدّث البحراني رحمه الله «م 1186 ه-»:

أنت خبير بأنّ مقتضى حكمهم في العيدين بأنّها جارية على نحو صلاة الجمعة في شروط الوجوب، هو تبعية صلاة العيدين لصلاة الجمعة كيف كانت، فإنّ هذا الكلام قد صرّح به الجميع ممّن حكم بالوجوب التخييري في الجمعة زمان الغيبة، أو التّحريم، أو الوجوب العيني، وحينئذٍ فاللازم من ذلك أنّ كلّ من اشترط في الجمعة شرطاً من حضور إمام الأصل أو نائبه أو انعقادها بإمام الجماعة أو وجوبها عيناً به فإنّه يجريه في صلاة العيدين، وبه يظهر أنّ كلّ من قال بالوجوب العيني زمان الغيبة في الجمعة فهو قائل به في العيدين أيضاً(2).

وقال صاحب «الجواهر» رحمه الله (م 1266 ه-):

وهي واجبةٌ علی الأعيان إجماعاً منّا بقسميه، بل لعلّ المحكيّ منه متواترٌ كالنّصوص(3).

ص: 554


1- «كشف اللثام والإبهام عن قواعد الأحكام» ج 4/337 - 342.
2- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج 10/205.
3- «جواهر الكلام» ج11/332.

وممّن صرّح أيضاً بوجوب صلاة العيدين وأنّ شرائطهما شرائط الجمعة، السلّار (م 463 ه-) في «المراسم»(1)، والقاضي ابن البرّاج (م 481 ه- ) في «المهذّب»(2)، والرّاوندي (م 573 ه-) في «فقه القرآن»( (3) ، والحلبيّ (م 585 ه-) في «غنية النّزوع إلی علمي الاُصول والفروع»( (4)، وابن إدريس الحلّي (م 598 ه-) في «السّرائر»( (5) ، وعلاء الدّين الحلبيّ (م قرن 6 ه- ) في «إشارة السّبق»(6)، وقطب الدّين الكيدري (حيّ إلی 610 ه- ) في «إصباح الشّيعة»( (7)، و الفاضل الآبي (حيّ إلی 672 ه- ) في «كشف الرّموز»(8)، ويحيی بن سعيد (م 689 ه-) في «الجامع للشّرائع»(9)، والعلّامة الحلّي (م 726 ه-) في «القواعد»(10) (رضوان الله تعالی عليهم).

وقال السيّد الطباطبائي اليزدي رحمه الله (م 1338 ه- ) في «العروة»:

صلاة العيدين الفطر والأضحى، وهي كانت واجبةً في زمان حضور الإمام علیه السلام مع اجتماع شرائط وجوب الجمعة، وفي زمان الغيبة مستحبةٌ

ص: 555


1- «المراسم العلويّة» : 59، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج3/377.
2- «المهذّب» ج1/119، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج3/438.
3- «فقه القرآن» ج1/160، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج4/527.
4- «غنية النزوع إلی علمي الاُصول والفروع» ص 94، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج4/558.
5- «السرائر الحاوي لتحرير الفتاوی» ج1/315، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج4/734.
6- «إشارة السّبق إلی معرفة الحقّ» ص 102، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج4/780.
7- «إصباح الشّيعة بمصباح الشّريعة» ( ) ص 101، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج4/638.
8- «كشف الرّموز» ج1/119.
9- «الجامع للشّرائع» ص 106، «سلسلة الينابيع الفقهيَة» ج4/890.
10- «قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام» ج1/290( )، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج4/927.

جماعةً وفرادى، ولايشترط فيها شرائط الجمعة وإن كانت بالجماعة، فلا يعتبر فيها العدد من الخمسة أو السبعة، ولا بُعد فرسخ بين الجماعتين ونحو ذلك(1).

وقال الإمام الخميني قدس سره (م 1409 ه- ) في «التحرير»:

الفطر والأضحی وهي واجبةٌ مع حضور الإمام علیه السلام وبسط يده واجتماع سائر الشّرائط، ومستحبّةٌ في زمان الغيبة، والأحوط إتيانها فرادی في ذلك العصر، ولا بأس بأتيانها جماعةً رجاءً لا بقصد الورود، ووقتها من طلوع الشّمس إلی الزّوال، ولا قضاء لها لو فاتت(2).

وقال ابن قدامة الحنبلي (م 620 ه- ):

صلاة العيدين فرض علی الكفاية في ظاهر المذهب، إذا قام بها من يكفی سقطت عن الباقين، وإن اتّفق أهل بلد علی تركها قاتلهم الإمام، (إلی أن قال:) لنا علی أنّها لا تجب علی الأعيان أنّها لا يشرّع لها الأذان، فلم تجب علی الأعيان كصلاة الجنازة(3).

وقال عبد الرّحمن الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

في حكم صلاة العيدين ووقتهما تفصيلٌ في المذاهب:

الشّافعيّة قالوا: هي سنّةٌ عين مؤكدة لكلّ من يؤمر بالصّلاة، وتسنّ جماعةً لغير الحاجّ، أمّا الحاجّ فتسنّ لهم فرادی.

والمالكيّة قالوا: هي سنّةٌ عينٌ مؤكدةٌ تلي الوتر في التأكد، يخاطب بها كلّ من تلزمه الجمعة بشرط وقوعها جماعة مع الإمام، وتندب لمن فاته

ص: 556


1- «العروة الوثقی (للسّيد اليزدي)» ج1/101.
2- «تحرير الوسيلة» ج1/241، القول في صلاة العيدين.
3- «المغني لابن قدامة» ج2/367.

معه، ويستثنی من ذلك الحاجّ، فلا يخاطب بها لقيام وقوفه بالمشعرالحرام مقامها.

والحنفيّة قالوا: صلاة العيدين واجبةٌ في الأصحّ علی من تجب عليه الجمعة بشرائطها.

والحنابلة قالوا: صلاة العيد فرض كفاية علی كلّ من تلزمه صلاة الجمعة، فلا تقام إلّا حيث تقام الجمعة ما عدا الخطبة، فإنّها سنّةٌ في العيد بخلافها في الجمعة فإنّها شرطٌ(1).

بيان الرّأي المختار ودليله.

أقول: حيث اخترنا في مبحث «صلاة الجمعة» وجوبها العيني التعييني، كذلك نقول به هنا أيضاً، إذ شرائط وجوب صلاة العيدين هي نفس شرائط وجوب صلاة الجمعة، وهي بحمد الله متوّفرةٌ في زماننا، وتدلّ عليها على أقلّ تقدير الشّهرة بين الأصحاب كما مرّ في بعض الأقوال، فضلاً عن الإجماع المدّعى، وبما ورد في صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَن الإِمامِ الصَّادِقِ علیه السلام أَنَّه قالَ: «صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ فَرِيضَةٌ، وصَلَاةُ الْكُسُوفِ فَرِيضَةٌ»(2)، نلاحظ في هذه الصحيحة أنّ الإمام علیه السلام قرن صلاة العيدين بصلاة الآيات الّتي هي واجبةٌ في زماني الحضور والغيبة.

ص: 557


1- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/344 - 345.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج1/320 الحديث 1457، «وسائل الشيعة» ج7/419 الحديث 9739.

وكذا بعض ما ورد في بيان أحكامها وشرائطها كصحيحة زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام أَنّهُ قالَ: «لَا صَلَاةَ يَوْمَ الْفِطْرِ والْأَضْحَى إلّا مَعَ إِمَامٍ»(1)، بتقريب أنّه لا صلاة واجبة يوم العيدين إلّا مع الإمام والجماعة كما في الجمعة.

ويؤيّده ما رواه الصّدوق رحمه الله مرفوعاً عن الصّادق علیه السلام في تفسير قوله تبارك وتعالی: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)(2): سُئِلَ الصَّادِقُ علیه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى)، قَالَ: «مَنْ أَخْرَجَ الْفِطْرَةَ، فَقِيلَ لَهُ: (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)قَالَ: خَرَجَ إِلَى الْجَبَّانَةِ(3) فَصَلَّى»(4) .

زائداً علی أنّه قد فرّع الله تبارك وتعالی في هذه الكريمة الصّلاة علی الزكاة الواجبة.

❊ ❊ ❊

ص: 558


1- «وسائل الشيعة» ج7/421 الحديث 9743.
2- «الأعلی»: 14 و 15/592.
3- قال الطريحي: والجبانة: الصحراء وتسمى بها المقابر، لأنها تكون فی الصحراء، تشبيه للشي ء بموضعه، ومنه الحديث: «إنّما الصلاة يوم العيد على من خرج إلى الجبانة»، والجبان بدون الهاء: الصحراء أيضاً، كالجبانة. «مجمع البحرين» ج6/224.
4- «من لا يحضره الفقيه» ج1/323 الحديث 1478، «وسائل الشيعة» ج7/450 الحديث 9833.

الفصل الثّامن: بعض المسائل الهامّة حول صلاة العيدين

اشارة

ص: 559

ص: 560

بعد أن ذكرنا الحكم الشّرعي لهذه الصّلاة علی ما في الرّوايات وأقوال العلماء، وبعد بيان القول المختار، نذكر هنا بعض المسائل الهامّة حولها:

الأوّل: وقت صلاة العيد والخروج إلی المصلّي.

وقتها من طلوع الشّمس إلی الزّوال، ويستحب تأخيرها عندنا(1) وكذا عند الشافعيّة من العامّة إلی أن ترفع الشّمس إلّا أنّه في الفطر يستحب ذلك إلی ما بعد الإفطار بالتّمر أو بشيء آخر وإخراج الفطرة، وأن يأكل في الأضحی من لحم الأضحية بعدها، لا قضاء لها لو فاتت خلافاً لبعض العامّة، نعم يستحب إقامتها في الوقت كما يأتي علی انفراد عند فقدان الشّرائط أو لمن فاتته الجماعة.

قال أبوالصّلاح الحلبي رحمه الله (م 447 ه):

و وقتها (صلاة العيدين) ممتد واجبة ومندوبة إلى أن تزول الشّمس فإذا زال ولما يصلّ سقط فرضها(2).

وقال الشّيخ رحمه الله (م 460 ه-) في «المبسوط»:

ووقت صلاة العيد إذا طلعت الشّمس وارتفعت وانبسطت، فإن كان يوم الفطر أصبح بها أكثر لأنّ من المسنون يوم الفطر أن يفطر أولا على شيء من الحلاوة ثمّ يصلّي، وفي يوم الأضحى إلّا يذوق شيئاً حتّى يصلّي ويضحى، ويكون إفطاره على شيء ممّا يضحّى به، والوقت باقٍ إلى زوال الشّمس، فإذا زالت فقد فاتت ولا قضاء على ما بيناه(3).

ص: 561


1- خلافاً لما اختاره المفيد رحمه الله في «المقنعة» من أنّه يخرج بعد طلوع الفجر ويصلّي بعد طلوع الشّمس. «المقنعة (للشيخ المفيد)» ص 194.
2- «الكافي في الفقه» ص 154.
3- «المبسوط في فقه الإمامية» ج 1/169.

و قال في «الخلاف»:

وقت الخروج إلی صلاة العيد بعد طلوع الشّمس، وقال الشّافعي: يستحب له أن يبكر ليأخذ الموضع.

دليلنا: إجماع الفرقة، وروی سماعة قال: سألته عن الْغُدُوِّ إِلَى الْمُصَلَّي في الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى؟ فَقَالَ: «بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ»(1).

وقال الشّهيد الثاني زين الدّين بن عليّ رحمه الله (م 966 ه-) في «الفوائد العليّة»:

والخروج إلى المصلّى بعد انبساط الشّمس وذهاب شعاعها لأنّ ذلك أفضل وقتها...، وتأخير الخروج في الفطر عن الخروج في الأضحى، وكذا تأخير الصّلاة، لاستحباب الإفطار قبل خروجه هنالك، ولاشتغاله بإخراج زكاة الفطر قبل الصّلاة، وليتّسع الزّمان للتضحية بتقديم صلاة الأضحى(2).

وقال المحقّق النراقي رحمه الله (م 1245 ه-) في «مستنده»:

يستحب أن يكون الخروج بعد طلوع الشّمس بالإجماع كما عن «الخلاف»، ثمّ قال: يستحبّ أن يطعم قبل خروجه إلی الصّلاة في عيد الفطر، وبعد عوده في الأضحی، بإجماع أصحابنا؛ كما نصّ عليه جماعةٌ، وهو الحجّة فيه...، ويستحبّ في الأوَّل الحُلْو لفتوی جماعة...، وأفضل الحُلْو التّمر أو الزّبيب أو السّكر...، وفي الثاني أُضحيته إن كان ممّن يُضحّی(3).

ص: 562


1- «الخلاف» ج1/675، كتاب صلاة العيدين، المسألة الرقم 449.
2- «الفوائد الملية لشرح الرسالة النفلية» ص 262.
3- «مستند الشّيعة في أحكام الشريعة» ج6/202 - 207.

وقال الشّيخ محمّد حسن النّجفي رحمه الله (م 1266 ه-) في «الجواهر»:

إن كان إجماعاً منّا بقسميه ونصوصاً، بل في صحيح زرارة عن الباقر علیه السلام

«لَا تَخْرُجْ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى تَطْعَمَ شَيْئاً، ولَا تَأْكُلْ يَوْمَ الْأَضْحَى شَيْئاً إلّا مِنْ هَدْيِكَ وأُضْحِيَّتِكَ، وإِنْ لَمْ تَقْوَ فَمَعْذُورٌ»(1)، ممّا هو ظاهرٌ في كراهة التّرك كغيره من النُّصوص، وينبغي أن يكون المأكول في الفطر تمراً تأسياً بالنّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم لما رُوي عنه أنَّه كان يأكل قبل خروجه تمراتٍ ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أقلّ أو أكثر(2).

وقال السّيد الطباطبائي اليزدي رحمه الله (م 1338 ه-) في «العروة»:

ووقتها (صلاة العيدين) من طلوع الشّمس إلی الزّوال، ولا قضاء لو فاتت، ويستحبّ تأخيرها إلی أن ترفع الشّمس، وفي عيد الفطر يستحبّ تأخيرها بمقدار الإفطار وإخراج الفطرة، ثمّ قال في التّاسع من مندوبات صلاة العيدين: أن يفطر في الفطر قبل الصّلاة بالتّمر وأن يأكل من لحم الأضحية في الأضحی بعدها(3).

وقال ابن رشد القرطبي (م 595 ه-) في «بداية المجتهد»:

واتّفقوا علی أنّ وقتها من شروق الشّمس إلی الزّوال، إلی أن قال: وأجمعوا علی أنّه يستحب أن يقطر في عيد الفطر قبل الغدو إلی المصلّی، وأن لا يفطر يوم الأضحی إلّا بعد الانصراف من الصّلاة(4).

ص: 563


1- «من لا يحضره الفقيه» ج1/321 الحديث 1469، «وسائل الشيعة» ج7/443 الحديث 9814.
2- «جواهر الكلام» ج11/377 حكاه عن «سنن البيهقي» ج3/283.
3- «العروة الوثقی (للسيد اليزدي)» ج2/101 - 102.
4- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج2/118 و 127.

وقال الجزيري (م 1360 ه-) في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

الشّافعية قالوا: وقتها من ابتداء طلوع الشّمس وإن لم ترتفع إلى الزّوال، ويسنّ قضاؤها بعد ذلك على صفتها الآتية، والمالكية قالوا: وقتها من حلّ النّافلة إلى الزّوال، ولا تقضي بعد ذلك، والحنابلة قالوا: وقتها من حلّ النّافلة، وهو ارتفاع الشّمس قدر رمح بعد طلوعها إلى قبيل الزّوال، وإن فاتت في يومها تقضي في اليوم التالي، ولو أمكن قضاؤها في اليوم الأوّل، وكذلك تقضي وإن فاتت أيام لعذر أو لغير عذر، والحنفية قالوا: وقتها من حلّ النّافلة إلى الزّوال، فإذا زالت الشّمس وهو فيها فسدت إن حصل الزّوال قبل القعود قدر التّشهد، ومعنى فسادها أنّها تنقلب نفلاً، أمّا قضاؤها إذا فاتت فسيأتي حكمه بعد. والشّافعية قالوا: يسنّ تأخير صلاة العيدين إلى أن ترتفع الشّمس قدر رمح، والمالكية قالوا: لا يسنّ تأخير صلاة العيدين عن أوّل وقتها.

ثمّ قال:

ويندب أن يأكل قبل خروجه إلی المصلّي في عيد الفطر، وأن يكون المأكول تمراً ووتراً - ثلاثاً أو خمساً - وأمّا يوم الأضحی فيندب تأخير الأكل حتّی يرجع من الصّلاة، ويُندب أن يأكل من الأضحية إن ضحّی، فإن لم يضحّ خيّر بين الأكل قبل الخروج وبعده عند الحنابلة والحنفية، أمّا الشّافعيّة والمالكيّة قالوا: يندب تأخير الأكل في عيد الأضحی مطلقاً، ضحّی أم لا(1).

ص: 564


1- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/345 و 350.

قد استدلّ الأصحاب علی ذلك زائداً علی الإجماع المدّعی بروايات متظافرة، بل متواترة ، منها ما تلي:

1 - صحيحة زُرَارَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: «لَيْسَ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى أَذَانٌ وَلَا إِقَامَةٌ، أَذَانُهُمَا طُلُوعُ الشَّمْسِ، إِذَا طَلَعَتْ خَرَجُوا» الحديث(1).

2 - صحيحة اُخری عنه عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «لَا تَخْرُجْ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى تَطْعَمَ شَيْئاً، ولَا تَأْكُلْ يَوْمَ الْأَضْحَى شَيْئاً إلّا مِنْ هَدْيِكَ وأُضْحِيَّتِكَ، وإِنْ لَمْ تَقْوَ فَمَعْذُورٌ»(2).

3 - صحيحةٌ ثالثة عَنْه قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: «كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام لَا يَأْكُلُ يَوْمَ الْأَضْحَى شَيْئاً حَتَّى يَأْكُلَ مِنْ اُضْحِيَّتِهِ، ولَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ ويُؤَدّيَ الْفِطْرَةَ»، ثُمَّ قَالَ: «وكَذَلِكَ نَفْعَلُ نَحْنُ»(3).

4 - موثقة سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ (الصّادق) علیه السلام عَنِ الْغُدُوِّ إِلَى الْمُصَلَّى في الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى؟ فَقَالَ: «بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ»(4).

5 - موثّقة سَمَاعَةَ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْأَكْلِ قَبْلَ الْخُرُوجِ يَوْمَ الْعِيدِ، فَقالَ: «نَعَمْ وإِنْ لَمْ تَأْكُلْ فَلَا بَأْسَ»(5).

ص: 565


1- «الكافي» ج3/459 الحديث 1، «التهذيب» ج3/129 الحديث 276 «وسائل الشيعة» ج7/473 الحديث 9893.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج1/321 الحديث 1469، «وسائل الشيعة» ج7/443 الحديث 9814.
3- «من لا يحضره الفقيه» ج1/321 الحديث 1468 «وسائل الشيعة» ج7/444 الحديث 9815.
4- «التهذيب» ج3/287 الحديث 859، «وسائل الشيعة» ج7/473 الحديث 9894.
5- «التهذيب» ج3/135 293، «وسائل الشيعة» ج7/445 الحديث 9819.

6 - مرفوعة أبي بَصِيرٍ الْمُرَادِيِّ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم يَخْرُجُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ»(1).

7 - مرفوعة زُرَارَةَعَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «لَا تَخْرُجْ مِنْ بَيْتِكَ إلّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ»(2).

8 - مرفوعة عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ طَاوُسٍ في كِتَابِ «الْإِقْبَالِ» حَيثُ قَالَ: رَوَى ابْنُ أبي قُرَّةَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الرَّجُلِ علیه السلام قَالَ: «كُلْ تَمَرَاتٍ يَوْمَ الْفِطْرِ، فَإِنْ حَضَرَكَ قَوْمٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَطْعِمْهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ»(3) .

9 - ما رُوي في «دَعَائِم الْإِسْلَامِ» عَنْ الإمامِ عَلِيٍّ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم إِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ أَفْطَرَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى تُمَيْرَاتٍ أَو زَبِيبَاتٍ»(4).

10 - ما رُوي في «الْجَعْفَرِيَّاتِ» عَنْ الإمامِ عَلِيٍّ علیه السلام أيضاً: «إِنَّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْفِطْرِ كَانَ يُفْطِرُ عَلَى تَمَرَاتٍ أَو زَبِيبَات»(5).

ص: 566


1- «إقبال الأعمال» ص 281، «وسائل الشيعة» ج7/452 الحديث 9842.
2- «إقبال الأعمال» ص 281، «وسائل الشيعة» ج7/452 الحديث 9843.
3- «إقبال الأعمال»: 281، «وسائل الشيعة» ج7/445 الحديث 9822.
4- راجع: «مستدرك الوسائل» ج6/129 الحديث 6611.
5- «مستدرك الوسائل» ج6/130 الحديث 6617.

بقي هنا شيء:

قيل باستحباب تناول شيء من طين قبر سيّد الشهداء علیه السلام يوم العيد، قال في «فقه الرضّا علیه سلام»:

إنّه روی: «أنَّ أفضل ما يُفطر عليه يوم العيد هو طين قبر الحسين علیه سلام»(1).

قد صرّح بذلك من فقهائنا الشّيخ المفيد رحمه الله في «مسار الشّيعة» حيث قال:

ومن السّنّة فيه الطّيب ولبس أجمل الثّياب، والخروج إلى الصّحراء والبروز للصّلاة تحت السّماء، ويستحب أن يتناول الإنسان فيه شيئاً من المأكول قبل التّوجه إلى الصّلاة، وأفضل ذلك السّكّر، ويستحب تناول شيء من تربة الحسين علیه السلام فإنّ فيها شفاء من كلّ داء، ويكون ما يؤخذ منها مبلغاً يسيراً (2).

قد استدلّ على هذا الاستحباب برواية عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّوْفَلِيِّ حَيثُ قَالَ: قُلْتُ لِأبي الْحَسَنِ علیه السلام: إِنِّي أَفْطَرْتُ يَوْمَ الْفِطْرِ عَلَى طِينٍ وتَمْرٍ، فَقَالَ لِي: «جَمَعْتَ بَرَكَةً وَسُنَّةً»(3).

أقول: إنّ استحباب تناول التربة الحسينيّة علیه السلام يوم الفطر يبدو أنّه منحصرٌ في هذه الرّواية، ولكنّها إضافةً إلى كونها من الأخبار الآحاد، فهي ضعيفةٌ سنداً لأنّ في طريقها الحرّاني(4) وعليّ بن محمّد النّوفلي(5)، وكلاهما مجهولان عند علماء

ص: 567


1- «فقه الرضّا علیه سلام» ص 210.
2- «مسار الشيعة فی مختصر تواريخ الشريعة» ص 31.
3- «الكافي» ج4/170 الحديث 4، «وسائل الشيعة» ج7/445 الحديث 9821.
4- راجع: «معجم رجال الحديث» ج23/80.
5- نفس المصدر، ج12/177.

الرّجال؛ لذا لا تثبت بمثلها الأحكام التّكليفيّة من دون فرق بين الوجوب وغيره علی ما تقدّم تفصيله في مسألة «سلام الإمام علی النّاس»(1)، وقد قال ابن إدريس الحلّي رحمه الله في هذا المجال:

ومن السّنن المؤكدة في العيدين الغسل... وأن يطعم الغادي في يوم الفطر شيئاً من الحلاوة، وأفضله السّكّر، وروي من تربة سيّدنا الشهيد أبي عبد اللّه الحسين بن عليّ صلی الله علیه و آله و سلم، والأوّل أظهر، لأنّ هذه الرّواية شاذةٌ، من أضعف أخبار الآحاد، لأنّ أكل الطّين على اختلاف ضروبه حرامٌ بالإجماع، إلّا ما خرج بالدّليل من أكل التّربة الحسينية على متضمنّها أفضل السّلام للاستشفاء، فحسب القليل منها دون الكثير للأمراض، وما عدا ذلك فهو باق على أصل التّحريم والإجماع(2).

ص: 568


1- راجع إلی المسألة 20 من بعض المسائل الهامّة حول صلاة الجمعة في هذا الكتاب.
2- «السّرائر الحاوي لتحرير الفتاوی» ج1/318.

الثاني: استحباب الإصحار في صلاة العيدين.

يستحبّ الإصحار بصلاة العيد حتّی ينظر إلی آفاق السّماء، إلّا بمكة المكرّمة فإنّه يستحبّ الإتيان بها في المسجد الحرام، وقد ادّعي عليه الإجماع عند فقهائنا(1)، فإنّ الشّيخ محمّد حسن النّجفي رحمه الله بعد أن نقل كلام المحقّق الحلّي رحمه الله في «الشرائع» قال:

وسنن هذه الصّلاة الإصحار بها...، حتّى ينظر إلى آفاق السّماء إجماعاً بقسميه، بل المحكي منهما إن لم يكن متواتراً فهو مستفيضٌ، كالنّصوص المتضمّنة للفعل والقول، بل قد يشمّ من بعضها ولو من حيث مخالفة السّنة، الكراهة في غيرها، ولعلّه المراد من نفي الجواز في غيرها المحكي عن النّهاية، وعلى كلّ حال فهو مسنونٌ إلّا بمكة إجماعاً بقسميه أيضاً(2).

وقال الشّيخ رحمه الله في «النّهاية»:

ولا يجوز صلاة العيدين إلّا تحت السّماء في الصّحراء في سائر البلاد مع القدرة والاختيار، إلّا بمكّة، فإنّه يصلّي بها في المسجد الحرام(3).

أمّا العامّة فبناءً علی ما حكاه الجزيري ففيه تفصيلٌ عندهم، فالمالكيّة قالوا مثل ما قلناه، وأمّا الحنابلة قالوا:

تسنّ صلاة العيد بالصّحراء بشرط أن تكون قريبة من البنيان عرفاً، فإن بعدت عن البنيان عرفاً فلا تصحّ الصّلاة فيها رأساً.

ص: 569


1- راجع: «كتاب الخلاف» ج1/654 المسألة 427، «مستند الشّيعة» ج6/201، «جواهر الكلام» ج11/373 .
2- «جواهر الكلام» ج11/373.
3- «النّهاية في مجرد الفقه والفتاوى» ص 133.

والشّافعيّة قالوا: بأنّ فعلها بالمسجد أفضل لشرفه إلّا لعذر، كضيقه فيكره فيه للزّحام وحينئذٍ يسنّ الخروج للصّحراء.

أمّا الحنفيّةٌ فلم يستثنوا مسجد مكة من المساجد الّتي يكره فعلها فيها، ووافقوا الحنابلة والمالكيّة فيما عدا ذلك(1).

وقال ابن قدامة الحنبلي:

السّنّة أن يصلّي العيد في المصلّی، أمر بذلك عليّ رضی الله عنه، واستحسنه الأوزاعي وأصحاب الرّأي، وهو قول ابن المنذر، وحُكي عن الشّافعی: إن كان مسجد البلد واسعاً فالصّلاة فيها أولی، لأنّه خير البقاع وأطهرها، ولذلك يصلّي أهل مكة في المسجد الحرام، ولنا أنّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم كان يخرج إلی المصلّی ويدع مسجده وكذلك الخلفاء بعده، ولا يترك النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم الأفضل مع قربه ويتكلّف فعل النّاقص مع بعده، ولا يشرع لأمّته ترك الفضائل، ولأنّنا قد أمرنا باتّباع النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم والاقتداء به، ولا يجوز أن يكون المأمور به هو النّاقص والمنهیّ عنه هو الكامل، ولم ينقل عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أنّه صلّی العيد بمسجده إلّا من عذر، ولأنّ هذا إجماع المسلمين فإنّ النّاس في كلّ عصر ومصر يخرجون إلی المصلّی فيصلّون العيد في المصلّی مع سعة المسجد وضيقه، وكان النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم يصلّي في المصلّی مع شرف مسجده، وصلاة النّفل في البيت أفضل منها في المسجد مع شرفه، وروينا عن عليّ2 أنّه قيل له: قد اجتمع في المسجد ضعفاء النّاس وعميانهم، فلو صلّيت بهم في المسجد؟

ص: 570


1- راجع: «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/351.

فقال: «أُخالف السّنَّة إذاً! ولكن نخرج إلی المصلّی وأستخلف مَن يُصلّي بهم في المسجد أربعاً»(1).

وكيف كان، فقد استدلّ فقهاؤنا علی استحباب ذلك - مضافاً إلی دعوی الإجماع - بروايات، منها ما تلي:

1 - صحيحة يُونُسَ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام في حَدِيثٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ فَقالَ: «رَكْعَتَانِ ...، ويَخْرُجُ إِلَى الْبَرِّ حَيْثُ يَنْظُرُ إِلَى آفَاقِ السَّمَاءِ، ولَا يُصَلِّي عَلَى حَصِيرٍ ولَا يَسْجُدُ عَلَيْهِ، وقَدْ كَانَ رَسُولُ صلی الله علیه و آله و سلم يَخْرُجُ إِلَى الْبَقِيعِ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ»(2).

2 - صحيحة عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ عَنْ أبي بَصِيرٍ - يَعْنِي لَيْثَ الْمُرَادِيّ - عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنّهُ قَالَ: «لَا ينبغي أَنْ تُصَلَّي صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ في مَسْجِدٍ مُسَقَّفٍ ولَا في بَيْتٍ، إِنَّمَا تُصَلَّي في الصَّحْرَاءِ أَو في مَكَانٍ بارِزٍ»(3).

3 - مرفوعةُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنّهُ قَالَ: «السُّنَّةُ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ أَنْ يَبْرُزُوا مِنْ أَمْصَارِهِمْ في الْعِيدَيْنِ، إلّا أَهْلَ مَكَّةَ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ في الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ»(4) .

ص: 571


1- «المغني لابن قدامة» ج2/372.
2- «الكافي» ج3/460 الحديث 3، «وسائل الشيعة» ج7/450 الحديث 9835.
3- «من لا يحضره الفقيه» ج1/322 الحديث 1471، «وسائل الشيعة» ج7/449 الحديث 9831.
4- «الكافي» ج3/461 الحديث 10، «وسائل الشيعة» ج7/451 الحديث 9837.

الثّالث: عدم الأذان والإقامة في صلاة العيدين.

ليس في صلاة العيدين أذانٌ ولا إقامةٌ، نعم يستحبّ أن يقول المؤذّن (الصّلاة) ثلاثاً (1)، قال الشّيخ رحمه الله في «الخلاف»:الأذان في صلاة العيدين بدعةٌ وبه قال جميع الفقهاء، وقال سعيد بن مسيّب: أوّل من أحدث الأذان لصلاة العيدين معاوية، وقال محمّد بن سيرين: أوّل من أحدثه بنو أميّة وأخذه الحجّاج منهم، وقال أبو قلابة: أوّل من أحدثه لصلاة العيدين ابن الزّبير، دليلنا: إجماع الفرقة، بل إجماع المسلمين، لأنّ هذا الخلاف قد انقرض.

وروی طاووس عن ابن عبّاس أنّه قال: صلّی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم العيد ثمّ خطب، وصلّاها أبو بكر ثمّ خطب، وصلّاها عمر ثمّ خطب، وصلّاها عثمان ثمّ خطب بغير أذان ولا إقامة، وروی جابر بن سمرة قال: صلّيت مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم غير مرّة ولا مرّتين بغير أذان ولا إقامة، وروی عطاء عن جابر عبدالله قال: شهدت الصّلاة مع النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم يوم العيد، فبدأ بالصّلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة(2).

وقال الشّيخ محمّد حسن النجفي رحمه الله في «الجواهر» بعد ذكر المسألة:

بلا خلاف فيه بين العلماء كما في المدارك(3) .

وقريبٌ منه ما قاله المحقق النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة»(4).

ص: 572


1- راجع: «مستند الشّيعة» ج6/204، «جواهر الكلام» ج11/374، وقد ادّعی عدم خلاف العلماء فيه. «كتاب الخلاف» ج1/656 المسألة 429، «العروة الوثقی» ج1/764 المسألة 10، «تحريرالوسيلة» ج1/242 المسألة 4.
2- «كتاب الخلاف» ج1/656 المسألة 429.
3- «جوهرالكلام» ج11/374.
4- «مستند الشّيعة في أحكام الشريعة» ج6/204.

وقال ابن قدامة:

ولا نعلم في هذا خلافاً ممّن يعتدّ بخلافه، إلّا أنّه روي عن ابن الزّبير أنّه أذّن وأقام، وقيل أوّل من أذّن في العيد ابن زياد، وهذا دليلٌ علی انعقادالإجماع قبله علی أنّه لا يسنّ لها أذانٌ ولا إقامةٌ، وبه يقول مالك والأوزاعي والشّافعي وأصحاب الرّأي، وقد ثبت أنّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم كان يصلّي العيد بلا أذان ولا إقامة، فروی ابن عباس أنّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم صلّی العيد بغير أذان ولا إقامة، وعن جابر مثله متّفقٌ عليهما، وقال جابر بن سمرة صلّيت مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم العيد غير مرّة ولا مرّتين بلا أذان ولا إقامة، رواه مسلم، وعن عطاء قال: أخبرني جابر أن لا أذان يوم الفطر حين يخرج الإمام ولا بعد ما يخرج الإمام، ولا إقامة ولا نداء ولا شيء، ولا نداء يومئذٍ ولا إقامة رواه مسلم، وقال بعض أصحابنا: ينادي لها: (الصّلاة جامعة)، وهو قول الشّافعي، وسنّة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أحقّ أن تتّبع(1).

وقال الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

الأذان والإقامة غير مشروعين لصلاة العيد، ولكن يندب أن ينادی لها بقول: (الصّلاة جامعة)، باتّفاق ثلاثة من الأئمّة، وخالف المالكيّة فقالوا: النّداء لها بقول: (الصّلاة جامعة) و نحوه مكروهٌ أو خلاف الأولی، وبعض المالكيّة يقول: إنّ النّداء بذلك لا يكره إلّا إذا اعتقده أنّه مطلوبٌ، وإلّا فلا كراهة(2).

ص: 573


1- «المغني لابن قدامة» ج2/378.
2- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/353.

أقول: محصّل الأقوال إلی هنا أنّه لا خلاف بين الإماميّة، بل بين المسلمين قاطبةً في أنّ الأذان وكذا الإقامة في صلاة العيدين بدعةٌ وغير مشروعين، وإنّما الخلاف بينهم في أنّ المستحب أن يُنادي لها: (الصّلاة) ثلاثاً، أو (الصّلاة جامعة)، فذهب الإماميّة إلی الأوّل، وأكثر العامّة إلی الثاني.

وقد استدلّ الإماميّة على ذلك بروايات، منها:1 - صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَ رَأَيْتَ صَلَاةَ الْعِيدَيْنِ، هَلْ فِيهِمَا أَذَانٌ وإِقَامَةٌ؟ قَالَ: «لَيْسَ فِيهِمَا أَذَانٌ ولَا إِقَامَةٌ، ولَكِنْ يُنَادَى (الصَّلَاةَ) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» إلى آخر الحديث(1).

2 - صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَن الصَّلَاةِ في الْفِطْرِ والْأَضْحَى، فَقالَ: «لَيْسَ فِيهِمَا أَذَانٌ ولَا إِقَامَةٌ، ولَيْسَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ ولَا قَبْلَهُمَا صَلَاةٌ»(2).

3 - صحيحة زُرَارَةَ قالَ: قالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: «لَيْسَ يَوْمَ الْفِطْرِ ولَا يَوْمَ الْأَضْحَى أَذَانٌ ولَا إِقَامَةٌ، أَذَانُهُمَا طُلُوعُ الشَّمْسِ، إِذَا طَلَعَتْ خَرَجُوا، ولَيْسَ قَبْلَهُمَا ولَا بَعْدَهُمَا صَلَاةٌ»(3).

4 - صحيحة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قالَ: «صَلَاةُ الْعِيدِ رَكْعَتَانِ بِلَا أَذَانٍ ولَا إِقَامَةٍ لَيْسَ قَبْلَهُمَا ولَا بَعْدَهُمَا شيء»(4).

ص: 574


1- «من لا يحضره الفقيه» ج1/322 الحديث 1473، «وسائل الشيعة» ج7/428 الحديث 9762.
2- «ثواب الأعمال» : 103 الحديث 5، «وسائل الشيعة» ج7/428 الحديث 9765.
3- «ثواب الأعمال» : 103 الحديث 7، «وسائل الشيعة» ج7/429 الحديث 9766.
4- «التهذيب» ج3/128 الحديث 271، «وسائل الشيعة» ج7/429 الحديث 9768.

5 - مرفوعة الصّدوق حيث قال: «كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام إِذَا انْتَهَى إِلَى الْمُصَلَّى تَقَدَّمَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ بِلَا أَذَانٍ ولَا إِقَامَةٍ»(1).

الرّابع: الخطبة في صلاة العيدين تؤدّي بعد الصّلاة.

الخطبة في العيدين يجب أن تؤدّي بعد الصّلاة، وهو متّفقٌ عليه عند الخاصّة وكذا عند العامّة ظاهراً(2) ، قال الشّيخ رحمه الله في «الخلاف»:

الخطبة في العيدين بعد الصّلاة، وبه قال جميع الفقهاء، وروي أنّ مروان بن الحكم كان يخطب قبل الصّلاة! دليلنا: إجماع الفرقة، بل إجماع الاُمة، فإنّ خلاف مروان قد انقرض، مع أنّه لو كان لما اعتدّ به على أنّه أنكر على مروان فعله، وروى طارق بن شهاب عن أبي سعيد الخدري قال: أخرج مروان بن الحكم المنبر في يوم العيد وبدأ بالخطبة قبل الصّلاة، فقام رجل فقال: يا مروان خالفت السّنة، أخرجت المنبر في يوم عيد ولم يكن يخرج فيه وبدأت بالخطبة قبل الصّلاة! فقال أبو سعيد الخدري: من هذا؟ قالوا: فلاناً. فقال: أمّا هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول: «مَن رَأى مُنكراً فاستطاع أنْ يُغيّره بيدهِ فليفعل، فإن لم يَستطعْ فبلسانه، فإن لم يَستطعْ فبقلبه، وذلك أضعفُ الإيمانِ»(3).

ص: 575


1- «من لايحضره الفقيه» ج1/328 الحديث 1487، «وسائل الشيعة» ج7/428 الحديث 9764.
2- راجع: «الأمّ» ج1/235، «المجموع»، ج5/21، «كتاب الخلاف» ج1/663 المسألة 436.
3- «كتاب الخلاف» ج1/663 المسألة 436.

وقال المحقّق النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة»:

والخطبة فيهما كما في صلاة الجمعة حتّی في التّعدد، إلّا أنّهما هنا بعد الصّلاة بالإجماع المحقّق والمحكيّ في طائفة من كلماتهم والنّصوصبه، وبأنّ تقديهما علی الصّلاة من بدع عثمان مستفيضةٌ، ويستحب للحاضرين استماعهما للنّص(1) .

وقال ابن رشد القرطبي:

أجمع العلماء علی أنّ السنّة فيها (صلاة العيدين) تقديم الصّلاة علی الخطبة لثبوت ذلك أيضاً عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، إلّا ما روي عن عثمان بن عفّان أنّه أخّر الصّلاة وقدّم الخطبة لئلّا يفترق النّاس قبل الخطبة(2).

وقال ابن قدامة:

إنّ خطبتي العيدين بعد الصّلاة لا نعلم فيه خلافاً بين المسلمين إلّا عن بني اُميّة(3).

لكنّه حكی الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة» اتّفاق المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في اشتراط كون الخطبتين في العيدين بعد الصّلاة، أمّا الحنفيّة فإنّهم لا يشترطون أن يخطب بعد الصّلاة، وإنّما يسنّ تأخيرهما عن الصّلاة، فإن قدّما علی الصّلاة فقد خولف السنّة ولا يلزم إعادتهما بعد الصّلاة أصلاً (4).

ص: 576


1- «مستند الشّيعة في أحكام الشريعة» ج6/198.
2- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج2/112.
3- «المغني لابن قدامة» ج2/384.
4- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/354 - 355.

والعجيب أنّه كيف يحكی هذا عن الحنفيّة مع أنّه حكی في باب «حكم صلاة العيدين ووقتها» أنّهم اعتبروا كون الخطبتين في الجمعة قبل الصّلاة من شرائط صحّة الخطبة، واشترطوا أن تكون الخطبة في العيدين بعد الصّلاة؟!(1).وكيف كان قد استدلّ الإماميّة علی اشتراط تأخير الخطبتين عن الصّلاة مضافاً إلی دعوی الإجماع بروايات، منها ما تلي:

1 - صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ؟ فَقالَ: «رَكْعَتَانِ، (إِلَى أَنْ قَالَ:) والْخُطْبَةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وإِنَّمَا أَحْدَثَ الْخُطْبَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ عُثْمَانُ، وإِذَا خَطَبَ الْإِمَامُ فَلْيَقْعُدْ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ قَلِيلاً، وينبغي لِلْإِمَامِ أَنْ يَلْبَسَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ بُرْداً ويَعْتَمَّ شَاتِياً كَانَ أَو قَائِظاً» الْحَدِيثَ(2).

2 - صحيحةٌ اُخری عَن الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ صَفْوَانَ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحَدِهِمَا صلی الله علیه و آله و سلم في صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ، قالَ: «الصَّلَاةُ قَبْلَ الْخُطْبَتَيْنِ - والتَّكْبِيرُ - بَعْدَ الْقِرَاءَةِ سَبْعٌ في الْاُولَى وخَمْسٌ في الْأَخِيرَةِ، وكَانَ أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهَا بَعْدَ الْخُطْبَةِ عُثْمَانَ لَمَّا أَحْدَثَ أَحْدَاثَهُ، كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ قَامَ النَّاسُ لِيَرْجِعُوا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَدَّمَ الْخُطْبَتَيْنِ واحْتَبَسَ النَّاسَ لِلصَّلَاةِ»(3).

ص: 577


1- راجع: «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/345.
2- «الكافي» ج3/460 الحديث 3، «وسائل الشيعة» ج7/440 الحديث 9802.
3- «التهذيب» ج3/287 الحديث 860، «وسائل الشيعة» ج7/441 الحديث 9803.

الخامس: شرائط وجوب صلاة العيدين.

علی القول بالوجوب التعييني لصلاة العيدين، فلا خلاف بين أصحابنا في أنّهما واجبتان بالشّرائط المعتبرة في صلاة الجمعة إلّا في الخطبة، حيث إنّها متأخّرةٌ عن الصّلاة، ولا تسقط إلّا عمّن تسقط عنه الجمعة، وقد تقدّمت كلمات الفقهاء من الفريقين حول ذلك في باب «أقوال الفقهاء في حكم صلاة العيدين» فلا نعيدها.

يمكن أن يستدلّ علی ذلك بروايات عديدة، منها ما تلي:

1 - صحيحةُ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أبي جَعْفَر علیه سلام أَنّهُ قالَ: «لَا صَلَاةَ يَوْمَ الْفِطْرِ والْأَضْحَى إلّا مَعَ إِمَامٍ»(1).

2 – صحيحةٌ اُخری عنه أَيضاً عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام حَيثُ قَالَ: «مَنْ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ في جَمَاعَةٍ يَوْمَ الْعِيدِ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ ولَا قَضَاءَ عَلَيْه»(2).

3 - صحيحةُ سَمَاعَةَ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنّهُ قَالَ: «لَا صَلَاةَ في الْعِيدَيْنِ إلّا مَعَ الْإِمَامِ، فَإِنْ صَلَّيْتَ وَحْدَكَ فَلَا بَأْسَ»(3).

4 - صحيحةُ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ والْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ جَمِيعاً عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام حَيثُ قالَ: «لَيْسَ في السَّفَرِ جُمُعَةٌ ولَا فِطْرٌ ولَا أَضْحى»(4).

5 - صحيحةُ الْحَلَبِيِّ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنَّهُ قالَ في صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ: «إِذَا كَانَ الْقَوْمُ خَمْسَةً أَو سَبْعَةً فَإِنَّهُمْ يُجَمِّعُونَ الصَّلَاةَ كَمَا يَصْنَعُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ»، وقَالَ:

ص: 578


1- «وسائل الشيعة» ج7/421 الحديث 9743.
2- «وسائل الشيعة» ج7/421 الحديث 9745.
3- «وسائل الشيعة» ج7/421 الحديث 9747.
4- «وسائل الشيعة» ج7/338 الحديث 9520.

«تَقْنُتُ في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ»، فَقُلْتُ: يَجُوزُ بِغَيْرِ عِمَامَةٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، والْعِمَامَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ»(1).

6 - صحيحة سَمَاعَةَ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «لَا صَلَاةَ في الْعِيدَيْنِ إلّا مَعَ الْإِمَامِ، فَإِنْ صَلَّيْتَ وَحْدَكَ فَلَا بَأْسَ»(2).

7 - صحيحةٌ اُخری عنه أيضاً عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قالَ: سألتُهُ مَتَى يُذْبَحُ؟ قَالَ: «إِذَا انْصَرَفَ الْإِمَامُ، قُلْتُ: فَإِذَا كُنْتُ في أَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا إِمَامٌ فَأُصَلِّي بِهِمْ جَمَاعَةً؟ فَقَالَ: «إِذَا اسْتَقَلَّتْ الشَّمْسُ...، لَا بَأْسَ أَنْ تُصَلِّيَ وَحْدَكَ، ولَا صَلَاةَ إلّا مَعَ إِمَامٍ»(3).

والظّاهر أنّ المراد بقوله علیه السلام: «لَا يَؤُمَّ بِهِنَّ» و«لَا صَلَاةَ في الْعِيدَيْنِ إلّا مَعَ الْإِمَامِ» و«لَا بَأْسَ أَنْ تُصَلِّيَ وَحْدَكَ»، أنّ صلاة العيدين مع الإمام واجبةٌ و بدونه جائزةٌ بصورة فُرادی.

8 - موثَّقة مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُوسَى أَنّهُ سأَلَ أَبا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام هَلْ يَؤُمُّ الرَّجُلُ بِأَهْلِهِ في صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ في السَّطْحِ أَو في بَيْتٍ؟ قَالَ: «لَا يَؤُمَّ بِهِنَّ ولَا يَخْرُجْنَ، ولَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ خُرُوجٌ، وَقَالَ: أَقِلُّوا لَهُنَّ مِنَ الْهَيْئَةِ(4) حَتَّى لَا يَسْأَلْنَ الْخُرُوجَ»(5).

ص: 579


1- «وسائل الشيعة» ج7/482 الحديث 9913.
2- «التهذيب» ج3/128 الحديث 128، «وسائل الشيعة» ج7/421 الحديث 9747.
3- «التهذيب» ج3/287، «وسائل الشيعة» ج7/422 الحديث 9748.
4- الهيئة: اللّباس والزّي والتَّجمل. «لسان العرب» ج1/188.
5- «التهذيب» ج3/289 الحديث 872، «وسائل الشيعة» ج7/471 الحديث 9888.

9 - ما رُوي في دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ في صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ: «إِذَا كَانَ الْقَوْمُ خَمْسَةً فَصَاعِداً مَعَ إِمَامٍ في مِصْرٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُجْمِعُوا لِلْجُمُعَةِ والْعِيدَيْنِ»(1).

السّادس: هل يعتبر الفصل بين العيدين؟

تقدم أنّ شرائط وجوب صلاة العيدين هي شرائط وجوب صلاة الجمعة إلّا الخطبة، حيث إنّ رتبتها متقدمةٌ عن الصّلاة في الجمعة وهنا متأخّرة عنها، ولا تسقط إلّا عمّن تسقط عنه الجمعة، فمن الشّرائط المعتبرة فيها اعتبار الفصل بين الجمعتين بفرسخ ، فهل هو كذلك هنا؟

قال أبوالصّلاح الحلبي رحمه الله (م 447 ه-):

ولا تنعقد في مصر واحد جمعتان ولا عيدان، وأقلّ ما يكون بينهما ثلاثة أميال(2).

وقال شمس الدّين محمّد بن مكي العاملي الشّهيد الأوّل رحمه الله (م 786 ه-):

ويشترط فيها الاتّحاد كالجمعة إذا كانتا واجبتين، فينعقد في الفرسخ الواجبة مع المندوبة، والمندوبتان فصاعداً(3).

وقال المحدّث البحراني رحمه الله (م 1186 ه-):

المشهور في كلام الأصحاب (رضوان اللّه عليهم) - بل نقل جملة منهم الإجماع عليه - أنّه يشترط في صلاة العيد ما يشترط في الجمعة من الشّروط المتقدمة، وقد تقدم أنّها خمسة: ...، رابعها: الوحدة، قال

ص: 580


1- «مستدرك الوسائل» ج6/151 الحديث 6671.
2- «الكافي في الفقه» ص 154.
3- «الدّروس الشرعية في فقه الإمامية» ج 1/192.

في المدارك: وظاهر الأصحاب (رضوان اللَّه عليهم) اشتراطها حيث أطلقوا مساواتها للجمعة في الشّرائط، ونقل عن الحلبيين التّصريح بذلك محتجّين بأنّه لم ينقل عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أنّه صلّى في زمانه عيدان في بلد كما لم ينقل أنّه صليت جمعتان، وبما رواه محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال: «قال النّاس لأميرالمؤمنين علیه السلام إلّا تخلف رجلاً يصلّي في العيدين؟ قال: لا اُخالف السّنة»، وهما لا يدلان على المنع ومن ثمّ توقّف العلّامة في «التّذكرة» و«النّهاية» في اشتراط ذلك وهو في محلّه، انتهى، أقول: الظّاهر أنّ مرجع التّعليل المنقول عن الحلبيين إلى أنّ العبادات لما كانت توقيفية من الشارع وجوباً وندباً، وتعدداً واتحاداً، وكمّية وكيفيّة ونحو ذلك فالواجب الوقوف على ما علم منهم (صلوات اللّه عليهم) بقول أو عمل، وغاية ما يفهم من الأخبار هو جواز صلاة واحدة في المصر وتوابعه إلى امتداد مسافة الفرسخ فثبوت الثانية ومشروعيتها في هذه المسافة يتوقف على الدليل، وهذا الكلام موجه صحيح دال على المدّعى بأوضح دلالة كما لا يخفى وبه يقيد إطلاق الأخبار الدالّة على الوجوب فلا يمكن الاستناد إليها في المقام، وأمّا الرّواية فلا إشكال في أنّ ظاهرها هو أنّه لما كان علیه السلام يصحر بصلاة العيدين كما هو السّنة فيها قالوا له أن يخلف في المصر من يصلّي العيدين بمن تخلف من الضعفة والعجزة عن الخروج، فأجاب بأنّی لا أخالف السّنة، والمراد بالسّنة يعنى وحدة الصّلاة في الفرسخ فإنّه واجب بالسنة النّبوية، وإطلاق السّنة على ما وجب بالسّنة شائع في الأخبار كما قدمنا ذكره في مسألة غسل الجمعة من كتاب الطهارة، لا

ص: 581

أنّ المراد بالسّنةالمستحب كما ربما يتوهم، وعلى هذا المعنى بني الاستدلال بالرّواية وهو معنى واضح لا غبار عليه(1).

أمّا العامّة فكما تقدّم في مبحث «الفصل بين الجمعتين» فإنّ فقهاءهم في جميع المذاهب وإن منعوا من تعدّد الأمكنة الّتي تقام فيها صلاة الجمعة في مصر واحد لغير سبب وجيه، إلّا أنّهم في صورة الجواز لم يشترطوا المسافة بين الجمعتين أصلاً، وللجزيري في خصوص المقام كلاماً يستفاد منه أنّ نظرهم كذلك في العيدين حيث قال:

تؤدّي صلاة العيد بالصحراء ويكره فعلها في المسجد من غير عذر، ومتی خرج الإمام للصّلاة في الصّحراء ندب له أن يستخلف غيره ليصلّي بالضّعفاء الّذين يتضرّرون بالخروج إلی الصّحراء صلاة العيد بأحكامها المتقدمة، لأنّ صلاة العيد يجوز أداؤها في موضعين، والمالكيّة قالوا: لا يندب أن يستخلف الإمام من يصلّي بالضّعفاء، ولهم أن يصلّوا، ولكن لا يجهرون بالقراءة، ولا يخطبون بعدها بل يصلّونها سراً من غير خطبة، وصلاة العيدين كالجمعة تؤدّي في موضع واحد، وهو المصلّي مع الإمام متى كان الشخص قادراً على الخروج لها، فمن فعلها قبل الإمام لم يأت بالسّنة على الظاهر، ويسنّ له فعلها معه، نعم إن فاتته مع الإمام ندب له فعلها، كما تقدّم(2).

أقول: مثل المقام وإن كان من قبيل الشك في الشرطيّة والجزئيّة في العبادات والأصل فيه هو البراءة، لأنّه شك في أصل جعل الشّارع الّذي عليه بيانه، إلّا أنّه حيث ورد في المقام مثل صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «قَال

ص: 582


1- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج 1/202 - 209.
2- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/351 - 352.

النَّاسُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام أَلَا تُخَلِّفُ رَجُلاً يُصَلِّي في الْعِيدَيْنِ؟ فَقَالَ: لَا اُخَالِفُ السُّنَّةَ»(1)، بمعنی أنّ سنة النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم هي وحدة الصّلاة في مسافة الفرسخ كما في الجمعة فتعددها مخالف لها، لوضوح عدم صحة كون المراد من السّنة فيها الفعل المندوب، بل المراد منها هو ما سنّه النّبيّالأعظم صلی الله علیه و آله و سلم كما صرّحت بذلك مرفوعة نعمان بن محمد المغربي المعروف بابن حيّون في «دعائم الإسلام» عَنْ عَلِيٍّ علیه السلام أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَمَرْتَ مَنْ يُصَلِّي بِضُعَفَاءِ النَّاسِ يَوْمَ الْعِيدِ في الْمَسْجِدِ، قَالَ: «إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُسَنِّنَ سُنَّةً لَمْ يَسْتَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم »(2)، لا سيّما بعد ما تقدّم تصريح الحلبي رحمه الله في «الكافي» بذلك وادّعي بالعموم الإجماع علی أنّ شرائط وجوب العيدين هي شرائط وجوب الجمعة حيث قال المحقّق الحلّي رحمه الله (م 676 ه-) في «المعتبر»:

صلاة العيدين فريضةٌ علی الأعيان مع شرائط الجمعة، وهو مذهب علمائنا أجمع...، ويشترط في وجوبها شروط الجمعة لأنّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم صلّاها مع شرائط الجمعة، فيقف الوجوب علی صورة فعله، ولأنّ كلّ من قال بوجوبها علی الأعيان اشترط ذلك(3).

قال العلّامة المجلسي رحمه الله بعد نقل صحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة:

ظاهر كثير من الأصحاب اعتبار الوحدة هنا أيضاً أي عدم جواز عيدين في فرسخ كالجمعة، ونقل التّصريح بذلك عن أبي الصلاح وابن زهرة،

ص: 583


1- «التهذيب» ج3/137 الحديث 302، «وسائل الشيعة» ج7/451 الحديث 9838.
2- «دعائم الإسلام» ج1/185،«بحار الأنوار» ج87/374، «مستدرك الوسائل» ج6/133 الحديث 6627.
3- «المعتبر في شرح المختصر» ج2/308 - 309.

وتوقف فيه العلّامة في التّذكرة والنّهاية، وذكر الشّهيد ومن تأخّر عنه أنّ هذا الشّرط إنّما يعتبر مع وجوب الصّلاتين لا إذا كانتا مندوبتين، أو أحدهما مندوبة، واحتجوا على اعتبارها بهذا الخبر، ورواه الشّيخ في الصّحيح عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه سلام (1) وفي دلالته على المنع نظر مع أنّه يمكن اختصاصه ببلد حضر فيه الإمام، وما ذكره الشّهيد وغيره من التّفصيل لا شاهد له من جهة النصّ(2).

فالأظهر بل الظّاهر بل المتعيّن عدم جواز العيدين في الأقلّ من فرسخ، وذلك للقطع بجواز الصلاتين في الفصل بمقدار الجمعة وعدمه في الأقلّ منه، وأمّا ما ذكره الشّهيد رحمه الله من أنّ هذا الشرط إنّما هو يعتبر مع وجوب الصّلاتين لا إذا كانتا مندوبتين، أو أحدهما مندوبة، فهو كما صرّح به العلّامة المجلسي رحمه الله دعوی بلا دليل زائداً علی ما صّرح بعض بل ادّعي عليه الإجماع بأنّه يشترط في صلاة العيد ما يشترط في صلاة الجمعة، فكما يجب في الجمعة حضورها علی من كان بين الفرسخين إذا كان من أهلها فكذلك المقام، نعم لا مانع من تعدّد إقامتها انفراداً في الأقلّ من فرسخ عند فقد الشّرائط، أو كان المصلّي ممّن استثنی عنه العيد وأقامها انفراداً في غير المصلّي.

ص: 584


1- «التهذيب» ج3/137 الحديث 302، «وسائل الشيعة» ج7/451 الحديث 9838.
2- «بحارالأنوار» ج87/356.

السّابع: صورة صلاة العيد وكيفيّتها.

هي ركعتان كالصبح يقرأ في كلّ منهما الحمد وسورة ، والأفضل أن يقرأ في الاُولى «والشّمس» وفي الثانية «الغاشية»، أو في الاُولى«الأعلى» وفي الثانية «والشّمس»، ثمّ يكبّر في الاُولى بعد القراءة خمس تكبيرات وفي الثانية أربع تكبيرات ويقنت عقيب كلّ تكبيرة، ثمّ يكبّر للرّكوع بعد القنوتات في كلّ منهما ويركع ويسجد ويتمّ الصّلاة، فمجموع التكبيرات فيها اثنتا عشرة؛ سبع تكبيرات في الاُولى (عدد التكبيرات الاستفتاحيّة)، وهي تكبيرة الإحرام وخمسٌ للقنوت وواحدةٌ للرّكوع، وفي الثّانية خمس تكبيرات (عدد الصّلوات المفروضة اليوميّة)، أربعةٌ للقنوت وواحدةٌ للرّكوع، ويجزي في القنوت ما يجزي في قنوت سائر الصّلوات، والأفضل أن يدعو بالمأثور، ويأتي بخطبتين بعد الصّلاة مثل ما يؤتى بهما في صلاة الجمعة، وينبغي بل يستحبّ فيهما ذكر بعض المواعظ والعبر والزّواجر والنّصيحة بتقوی الله، والحثّ علی حفظ ما حصل لهم من ثمرات الصيام والقيام في شهر رمضان، وكذا ذكر أحكام الفطرة في عيد الفطر، وأحكام الاُضحيّة في الأضحى.

قال أبوالصّلاح الحلبي رحمه الله (م 447 ه-):

ويلزمه أن يقنت بين كلّ تكبيرتين فيقول: «الّلهمّ أهل الكبرياء والعظمة وأهل العزّ والجبروت، وأهل القدرة والملكوت، وأهل الجود والرحمة، وأهل العفو والعافية، أسألك بهذا اليوم الّذي عظّمته وشرّفته وجعلته للمسلمين عيداً، ولمحمّد صلی الله علیه و آله و سلم ذخراً ومزيداً أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وتغفر لناوللمؤمنين والمؤمنات، وتجعل لنا في كلّ خير قسمت فيه حظاً ونصيباً».

فإذا سلّم من هذه الصّلاة عقب وعفر، ثمّ صعد المنبر فخطب على الوجه الّذي ذكرناه، ويلزم المؤتمين به الاقتداء به بقلوبهم وجوارحهم،

ص: 585

ولا يقرؤون خلفه سمعوا صوته أم لم يسمعوا، وعليه أن يسمعهم قنوته وتكبيره ولا يسمعونه وليصغوا إلى خطبته، فإذا فرغ من الخطبة جلس على المنبر حتّى ينفض النّاس ثمّ ينزل(1).

وقال الشّيخ الطوسي رحمه الله (م 460 ه-):

التكبير في صلاة العيد اثنتا عشرة تكبيرة، في الاُولى سبع، منها تكبيرة الإحرام وتكبيرة الرّكوع، وفي الثانية خمس منها تكبيرة الرّكوع، ومن أصحابنا من قال: فيها تكبيرة القيام، وموضع التكبير في الرّكعتين بعد القراءة.

وقال الشّافعي: الزائد اثنتا عشرة تكبيرة، منها في الاُولى سبع، وفي الثانية خمس ليس منها تكبيرة الإحرام ولا تكبيرة الرّكوع، وموضعها قبل القراءة في الرّكعتين معاً، وبه قال أبو بكر، وعمر، وحكوه عن عليّ علیه السلام وعن عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وأبي هريرة وعائشة، وبه قال في الفقهاء الأوزاعي وأحمد وإسحاق ومالك، إلّا أنّه خالفهم في موضعه فقال: يكبر في الاُولى سبعاً مع تكبيرة الإحرام فيكون الزّائد على الرّاتب على مذهبنا تسعة، وعلى مذهب الشّافعي اثنتا عشرة، وعلى مذهب مالك إحدى عشرة، وقال أبو حنيفة: يكبر في الاُولى ثلاثاً بعد تكبيرة الإحرام، وفي الثّانية ثلاثة سوى تكبيرة القيام، فالزّائد على مذهبه ست تكبيرات، دليلنا: إجماع الفرقة و...(2).

ثمّ قال:

يستحب أن يدعو بين التكبيرات بما يسنح له، وقال الشّافعي: يقف بين كلّ تكبيرتين بقدر قراءة آية لا طويلة ولا قصيرة فيقول: لا إله إلّا الله

ص: 586


1- «الكافي في الفقه» ص 154.
2- «الخلاف» ج1/658، المسألة الرقم 430 من مسائل كتاب صلاة العيدين.

والحمد لله، وقال مالك: يقف بقدر ذلك ساكتاً ولا يقول شيئاً، وقال أبو حنيفة: يوالي بين التكبيرات ولا يفصل بينها ولا يقول شيئاً، دليلنا: إجماع الفرقة(1).

وقال في «المصباح»:

وصفة صلاة العيد أن يقوم مستقبل القبلة فيستفتح الصّلاة يتوجّه فيها ويكبّر تكبيرة الاستِفتاح، فإذا توجّه قرأ الحمد و(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)، ثمّ يرفع يده بالتّكبير فإذا كبّر قال: «اللَّهُمَّ أَهْلَ الْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، وَأَهْلَ الْجُودِ وَالْجَبَرُوتِ، وَأَهْلَ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، وَأَهْلَ التَّقْوَى وَالْمَغْفِرَةِ، أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذَا الْيَوْمِ الّذي جَعَلْتَهُ لِلْمُسْلِمِينَ عِيداً، وَلِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ذُخْراً وَمَزِيداً، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تُدْخِلَنِي في كُلِّ خَيْرٍ أَدْخَلْتَ فِيهِ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تُخْرِجَنِي مِنْ كُلِّ سُوءٍ أَخْرَجْتَ مِنْهُ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا سَأَلَكَ بِهِ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِمَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ»، ثمّ يكبر ثالثة ورابعة وخامسة وسادسة مثل ذلك يفصل بين كلّ تكبيرتين بما ذكرناه من الدّعاء، ثمّ يكبّر السّابعة ويركع بها فإذا صلّى هذه الرّكعة قام إلى الثّانية فإذا استوى قائماً قرأ الحمد وسورة (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) ثمّ يكبّر تكبيرةً ويقول بعدها الدّعاء الّذي قدّمناه، ثمّ يكبّر ثانيةً وثالثةً ورابعةً مثل ذلك، فإذا فرغ من الدّعاء كبّر الخامسة وركع بعدها، فيحصل له في الرّكعتين اثنتا عشرة تكبيرةً؛ سبعٌ في الاُولى وخمس في الثّانية، منها تكبيرة الافتتاح في

ص: 587


1- «الخلاف» ج1/661 المسألة ارقم 433 من مسائل كتاب صلاة العيدين.

الاُولى وتكبيرة الرّكوع في الرّكعتين، فإذا سلّم عقّب بتسبيح الزّهراء علیها السلام وما خفّ عليه من الدّعاء(1).

ثمّ العلّامة المجلسي رحمه الله (م 1110 ه-) بعد ما ذكر ما حكاه الشّيخ رحمه الله في «المصباح» قال:

وأمّا ما ذكره الشّيخ في «المصباح» فلم أره في رواية، والظاهر أنّه مأخوذ من رواية معتبرة عنده اختاره فيه إذ لا سبيل للاجتهاد في مثله(2).

وقال المحقّق النراقي رحمه الله (م 1245 ه-):

لا يتعيّن في القنوت لفظ مخصوص وجوباً للأصل وعدم صراحة ما تضمّنه في الوجوب وصحيحة محمّد عن الكلام الّذي يتكلّم به في ما بين التكبيرتين في العيدين؟ قال: مَا شِئْتَ مِنَ الْكَلَامِ الْحَسَنِ(3)»، ويعضده اختلاف الرّوايات في القنوت المرسوم بينهم، وربّما ظهر من عبارة الحلبي وجوب «اللَّهُمَّ أَهْلَ الْكِبْرِيَاءِ والْعَظَمَةِ» إلی آخره، وهو شاذ(4).

وقال السيّد الطباطبائي اليزدي رحمه الله (م 1338 ه-) صاحب «العروة»:

هي (صلاة العيدين) ركعتان يقرأ في الاُولى منهما الحمد وسورة ويكبِّر خمس تكبيرات عقيب كلّ تكبيرة قنوتٌ، ثمّ يكبّر للرّكوع ويركع ويسجد، ثمّ يقوم للثانية وفيها بعد الحمد وسورة يكبِّر أربع تكبيرات

ص: 588


1- «مصباح المتهجد وسلاح المتعبد» ج 2/654. وذكره ابن طاووس أيضاً في «الإقبال بالأعمال الحسنة (ط - الحديثة)» ج1/495.
2- «بحار الأنوار (ط - بيروت)» ج 87/381.
3- «التهذيب» ج3/288 الحديث 863، «وسائل الشيعة» ج7/467 الحديث 9880.
4- «مستند الشيعة» ج6/197

ويقنت بعدكلّ منها، ثمّ يكبّر للرّكوع ويتمّ الصّلاة، فمجموع التكبيرات فيها اثنتا عشرة؛ سبع تكبيرات في الاُولى، وهي تكبيرة الإحرام وخمسٌ للقنوت وواحدةٌ للرّكوع، وفي الثّانية خمس تكبيرات أربعةٌ للقنوت وواحدةٌ للرّكوع، والأظهر وجوب القنوتات وتكبيراتها، ويجوز في القنوتات كلّ ما جرى على اللسان من ذكرٍ ودعاءٍ كما في سائر الصّلوات، وإن كان الأفضل الدّعاء المأثور، والأولى أن يقول في كلّ منها: «اللَّهُمَّ أَهْلَ الْكِبْرِيَاءِ والْعَظَمَةِ، وأَهْلَ الْجُودِ والْجَبَرُوتِ، وأَهْلَ الْعَفْو والرَّحْمَةِ، وأَهْلَ التَّقْوَى والْمَغْفِرَةِ، أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذَا الْيَوْمِ الّذي جَعَلْتَهُ لِلْمُسْلِمِينَ عِيداً، ولِمُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله و سلم ذُخْراً وشَرَفاً وكرامَةً ومَزِيداً، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وأَنْ تُدْخِلَنِي في كُلِّ خَيْرٍ أَدْخَلْتَ فِيهِ مُحَمَّداً وآلَ مُحَمَّدٍ، وأَنْ تُخْرِجَنِي مِنْ كُلِّ سُوءٍ أَخْرَجْتَ مِنْهُ مُحَمَّداً وآلَ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وعَلَيْهِمْ، اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا سَأَلَكَ بِهِ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، وأَعُوذُ بِكَ مِمَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ المُخلِصُونَ»، ويأتي بخطبتين بعد الصّلاة مثل ما يؤتى بهما في صلاة الجمعة، ومحلّهما هنا بعد الصّلاة بخلاف الجمعة فإنّهما قبلها، ولا يجوز إتيانهما هنا قبل الصّلاة، ويجوز تركهما في زمان الغيبة وإن كانت الصّلاة بجماعة، ولا يجب الحضور عندهما ولا الإصغاء إليهما، وينبغي أن يذكر في خطبة عيد الفطر ما يتعلّق بزكاة الفطرة من الشّروط والقدر والوقت لإخراجها، وفي خطبة الأضحى ما يتعلّق بالاُضحيّة(1).

وقال الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

في كيفيّة صلاة العيدين تفصيل المذاهب:

ص: 589


1- «العروة الوثقی (للسيد اليزدی )» ج1/101

الحنفيّة قالوا: ينوي عند أداء كلّ من صلاة العيدين بقلبه، ويقول بلسانه: اُصلّي صلاة العيد للّه تعالى، فإن كان مقتدياً ينوي متابعة الإمام أيضاً، ثمّ يكبّر للتّحريم، ويضع يديه تحت سرته بالكيفيّة المتقدمة، ثمّ يقرأ الإمام والمؤتم الثناء، ثمّ يكبّر الإمام تكبيرات الزّوائد، ويتبعه المقتدون، وهي ثلاث سوى تكبيرة الإحرام والرّكوع، ويسكت بعد كلّ تكبيرة بمقدار ثلاث تكبيرات، ولا يسنّ في أثناء السّكوت ذكر، ولا بأس بأن يقول: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر، ويسنّ أن يرفع المصلّي سواء كان إماماً أو مقتدياً يديه عند كلّ تكبيرة منها، ثمّ إن كان إماماً يتعوّذ، ويسمّى سراً، ثمّ يقرأ جهراً الفاتحة، ثمّ سورة، ويندب أن تكون سورة «سبّح اسم ربّك الأعلى» ثمّ يركع الإمام ويتبعه المقتدون ويسجد، فإذا قام للثانية ابتدأ بالتّسمية ثمّ بالفاتحة ثمّ بالسّورة، ويندب أن تكون سورة «هَلْ أَتَاكَ»، وبعد الفراغ من قراءة السورة يكبّر الإمام والقوم تكبيرات الزّوائد، وهي ثلاث سوى تكبيرة الرّكوع، ويرفعون أيديهم عند كلّ تكبيرة، ثمّ يتمّ صلاته....

والشّافعية قالوا: صلاة العيد ركعتان كغيرها من النّوافل، سوى أنّه يزيد ندباً في الرّكعة الاُولى بعد تكبيرة الإحرام ودعاء الافتتاح وقبل التعوّذ والقراءة، سبع تكبيرات، يرفع يديه إلى حذو المنكبين في كلّ تكبيرة، ويسنّ أن يفصل بين كلّ تكبيرتين منها بقدر آية معتدلة، ويستحبّ أن يقول في هذا الفصل سراً: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر، ويسنّ أن يضع يمناه على يسراه تحت صدره بين كلّ تكبيرتين، ويزيد في الرّكعة الثانية بعد تكبيرة القيام خمس تكبيرات، يفصل بين كلّ اثنتين منها، ويضع يمناه على يسراه حال الفصل كما تقدّم في الركعة الاُولى، وهذه التكبيرات الزّائدة سنة، وتسمّى: هيئة، فلو ترك شيئاً منها فلا يسجد للسّهو وإن كره تركها....

ص: 590

والحنابلة قالوا: إذا أراد أن يصلّي صلاة العيد نوى صلاة ركعتين فرضاً كفائياً، ثمّ يقرأ دعاء الاستفتاح ندباً، ثمّ يكبّر ست تكبيرات ندباً يرفع يديه مع كلّ تكبيرة، سواء كان إماماً أو مأموماً، ويندب أن يقول بين كلّ تكبيرتين سراً: اللّه أكبر كبيراً، والحمد للّه كثيراً، وسبحان اللّه بكرة وأصيلاً، وصلّى اللّه علی النّبيّوآله وسلّم تسليماً، ولا يتعيّن ذلك بل له أن يأتي بأيّ ذكر شاء، لأنّ المندوب مطلق الذكر، ولا يأتي بذكر بعد التكبيرة الأخيرة من تكبيرات....

والمالكيّة قالوا: صلاة العيد ركعتان كالنّوافل سوى أنّه يسنّ أن يزاد في الرّكعة الاُولى بعد تكبيرة الإحرام وقبل القراءة ستّ تكبيرات، وفي الرّكعة الثانية بعد تكبيرة القيام وقبل القراءة خمس تكبيرات، وتقديم هذا التّكبير على القراءة مندوب، فلو أخّره على القراءة صحّ وخالف المندوب، وإذا اقتدى شخص بإمام يزيد أو ينقص في عدد التكبيرات الّتي ذكر، أو يؤخّره عن القراءة فلا يتبعه في شيء من ذلك، ويندب موالاة التكبير إلّا الإمام فيندب له الانتظار بعد كلّ تكبيرة حتّى يكبّر المقتدون به، ويكون في هذا الفصل ساكتاً، ويكره أن يقول شيئاً من تسبح أو تهليل أو غيرهما، وكلّ تكبيرة من هذه التّكبيرات الزّائدة سنة مؤكدة، فلو نسي شيئاً منها فإن تذكره قبل أن يركع أتى به، وأعاد غير المأموم القراءة ندباً وسجد بعد السّلام لزيادة القراءة الاُولى، وإن تذكره بعد أن ركع فلا يرجع له ولا يأتي به في ركوعه، فإن رجع بطلت الصّلاة، وإذا لم يرجع سجد قبل السّلام لنقص التّكبير ولو كان المتروك تكبيرةواحدة، إلّا إذا كان التّارك له مقتدياً فلا يسجد، لأنّ الإمام يحمله عنه(1).

ص: 591


1- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/346 - 348.

إذا عرفت الأقوال في المسألة أنّه قد استدلّ أصحابنا علی ذلك - زائداً إجمالاً علی الإجماع المدّعی - ببعض أخبار وأحاديث منها:

1 - صحيحةمنصور بن حازم البجلي عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «مَرِضَ أبي يَوْمَ الْأَضْحَى فَصَلَّى في بَيْتِهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ ضَحَّى»(1).

2 - صحيحة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «صَلَاةُ الْعِيدِ رَكْعَتَانِ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ، لَيْسَ قَبْلَهُمَا وَلَا بَعْدَهُمَا شيء»(2).

3 - صحيحة الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنِ الرِّضَا علیه السلام قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَ التَّكْبِيرُ فِيهَا يَعْنِي في صَلَاةِ الْعِيدِ أَكْثَرَ مِنْهُ في غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ، لِأَنَّ التَّكْبِيرَ إِنَّمَا هُوَ تَعْظِيمٌ لِلَّهِ وَتَمْجِيدٌ عَلَى مَا هَدَى وَعَافَى كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَلِتُكَبِّرُوا

اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، وَإِنَّمَا جُعِلَ فِيهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً لِأَنَّهُ يَكُونُ في رَكْعَتَيْنِ اثْنَتَا عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً، وَجُعِلَ سَبْعٌ في الْاُولَى وَخَمْسٌ في الثَّانِيَةِ وَلَمْ يُسَوَّ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ السُّنَّةَ في صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ أَنْ يُسْتَفْتَحَ بِسَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ فَلِذَلِكَ بُدِئَ هاهُنَا بِسَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ، وَجُعِلَ فيالثَّانِيَةِ خَمْسُ تَكْبِيرَاتٍ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ مِنَ التَّكْبِيرِ في الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسُ تَكْبِيرَاتٍ، وَلِيَكُونَ التَّكْبِيرُ في الرَّكْعَتَيْنِ جَمِيعاً وَتْراً وَتْراً»(3).

ص: 592


1- «التهذيب» ج3/136 الحديث 300، «الاستبصار» ج1/445 الحديث 1718، «وسائل الشيعة» ج7/425 الحديث 9756.
2- «ثواب الأعمال» ص 103 الحديث 6، «التهديب» ج3/128 الحديث 271، «الاستبصار» ج1/446 الحديث 1722، «وسائل الشيعة» ج7/429 الحديث 9768.
3- «من لا يحضره الفقيه» ج1/331 الحديث 1488، «عيون أخبار الرضا علیه سلام» ج2/116 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج7/433 الحديث 9781.

4 - صحيحة مُعَاوِيَةَ ابْنَ عَمَّارٍ قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ؟ فَقَالَ: «رَكْعَتَانِ

لَيْسَ قَبْلَهُمَا وَلَا بَعْدَهُمَا شيء، وَلَيْسَ فِيهِمَا أَذَانٌ وَلَا إِقَامَةٌ، تُكَبِّرُ فِيهِمَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً، تَبْدَأُ فَتُكَبِّرُ وَتَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ، ثُمَّ تَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، ثُمَّ تَقْرَأُ (وَالشَّمْسِ

وَضُحَيهَا)، ثُمَّ تُكَبِّرُ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ تُكَبِّرُ وَ َرْكَعُ، فَتَكُونُ تَرْكَعُ بِالسَّابِعَةِ وَتَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَ(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ)، ثُمَّ يُكَبِّرُ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ وَتَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَتَتَشَهَّدُ (وَ تُسَلِّمُ)، قَالَ: وَكَذَلِكَ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم »، الحديثَ(1).

5 - ما رواه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ في «قُرْبِ الْإِسْنَادِ» عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الصَّلَاةِ في الْعِيدَيْنِ هَلْ مِنْ صَلَاةٍ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: «لَا صَلَاةَ إلّا رَكْعَتَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ»(2).

6- مرسلة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ صَلَاةِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى؟ فَقَالَ: «صَلِّهِمَا رَكْعَتَيْنِ في جَمَاعَةٍ وَغَيْرِ جَمَاعَةٍ، وَكَبِّرْ سَبْعاً وَخَمْساً»(3).

هذا حكم عدد ركعاتها وقنوناتها، وأمّا أنّه لا يتعيّن في القنوت لفظ مخصوص بل يجزی فيه ما يجزی في قنوت سائر الصّلوات وإن كان الأفضل أن

ص: 593


1- «الكافي» ج3/460 الحديث 3، «التهذيب» ج3/129 الحديث 278، «الاستبصار» ج1/448 الحديث 1733، «وسائل الشيعة» ج7/434 الحديث 9782.
2- «قرب الإسناد» ص 98، «وسائل الشيعة» ج7/431 الحديث 9773.
3- «التهذيب» ج3/135 الحديث 294، «الاستبصار» ج1/446 الحديث 1724، «وسائل الشيعة» ج7/426 الحديث 9759.

يدعو بالمأثور، وكذا ما ينبغي بيانه وذكره في الخطبتين، فقد دلّت عليها روايات منها:

1 - صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا صلی الله علیه و آله و سلم قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْكَلَامِ الّذي يُتَكَلَّمُ بِهِ في مَا بَيْنَ التَّكْبِيرَتَيْنِ في الْعِيدَيْنِ؟ قَالَ: «مَا شِئْتَ مِنَ الْكَلَامِ الْحَسَنِ»(1).

2 - صحيحة جَابِرٍ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام إِذَا كَبَّرَ في الْعِيدَيْنِ قَالَ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلی الله علیه و آله و سلم، اللَّهُمَّ أَهْلَ الْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، وَأَهْلَ الْجُودِ وَالْجَبَرُوتِ»، وذكر الدّعاء إلى آخره مثله(2).

3 - ما رواه مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ أبي مَنْصُورٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «تَقُولُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ في صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ: اللَّهُمَّ أَهْلَ الْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، وَأَهْلَ الْجُودِ وَالْجَبَرُوتِ، وَأَهْلَ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، وَأَهْلَ التَّقْوَى وَالْمَغْفِرَةِ، أَسْأَلُكَ في هَذَا الْيَوْمِ الّذي جَعَلْتَهُ لِلْمُسْلِمِينَ عِيداً، وَلِمُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله و سلم ذُخْراً وَمَزِيداً، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَأَفْضَلِ مَا صَلَّيْتَ عَلَى عَبْدٍ مِنْ عِبَادِكَ، وَصَلِّ عَلَى مَلَائِكَتِكَ وَرُسُلِكَ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّیأَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا سَأَلَكَ عِبَادُكَ الْمُرْسَلُونَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ بِكَ مِنْهُ عِبَادُكَ الْمُرْسَلُونَ»(3).

4 - ما رواه بِشْرُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «تَقُولُ في دُعَاءِ الْعِيدَيْنِ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ: اللَّهُ رَبِّي أَبَداً، وَالْإِسْلَامُ دِينِي أَبَداً، وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّي أَبَداً، وَالْقُرْآنُ كِتَابِي

ص: 594


1- «التهذيب» ج3/288 الحديث 863، «وسائل الشيعة» ج7/467 الحديث 9880.
2- «التهذيب» ج3/140 الحديث 315، «وسائل الشيعة» ج7/468 الحديث 9882.
3- «التهذيب» ج3/139 الحديث 314، «وسائل الشيعة» ج7/468 الحديث 9881.

أَبَداً، وَالْكَعْبَةُ قِبْلَتِي أَبَداً، وَعَلِيٌّ وَلِيّي أَبَداً، وَالْأَوْصِيَاءُ أَئِمَّتِي أَبَداً وَتُسَمِّيهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ، وَلَا أَحَدَ إلّا اللَّهُ»(1).

أقول: إنّه لا ينطبق ما ذكره الحلبي رحمه الله في «الكافي»، وكذا ما قاله السيّد الطباطبائي رحمه الله صاحب «العروة» وغيرهما في ذكر قنوت صلاة العيد بعينه مع ما جاء في رواية محمّد بن عيسی بن أبي منصور وأمثالها، والظاهر أنّهم أخذوا ذلك من الشّيخ رحمه الله في «المصباح» وقد عرفت تصريح المجلسي رحمه الله بأنّهلم يراها في رواية مستقلّة، غاية ما يمكن أن يقال: إنّ الشّيخ أخذ ذلك من رواية معتبرة عنده لم تصل إلينا، وكيف كان يستفاد من تصريح صحيحة محمّد بن مسلم الماضية، وكذا بعض فقهائنا كالمحقّق النراقي رحمه الله أنّه لم يكن في القنوت لفظ مخصوص، يؤيّد ذلك اختلاف ألفاط الرّوايات الواردة في قنوت صلاة العيد وحيث إنّها مثبتات لا تنافي بينها، نعم لا مانع من ذكره بقصد الرجاء ومطلق الذّكر والدّعاء.

وأمّا ما ينبغي ذكره وبيانه في الخطبتين فقد روی الرّضي رحمه الله في «نهج البلاغة» عن عليّ علیه السلام أنّه قال في بعض الأعياد: «إِنَّمَا هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبِلَ اللَّهُ صِيَامَهُ وَشَكَرَ قِيَامَهُ وَكُلُّ يَوْمٍ لَا يُعْصَى اللَّهُ فِيهِ فَهُوَ يَوْمُ عِيدٍ»(2).وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيِّ عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ علیهم السلام قَالَ: خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أبي طَالِبٍ علیه السلام لِلنَّاسِ يَوْمَ الْفِطْرِ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ يَوْمَكُمْ هَذَا يَوْمٌ يُثَابُ فِيهِ الْمُحْسِنُونَ، وَيَخْسَرُ فِيهِ الْمُسِيئُونَ، وَهُوَ أَشْبَهُ يَوْمٍ بِيَوْمِ قِيَامَتِكُمْ، فَاذْكُرُوا بِخُرُوجِكُمْ مِنْ مَنَازِلِكُمْ إِلَى مُصَلَّاكُمْ خُرُوجَكُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّكُمْ، وَاذْكُرُوا بِوُقُوفِكُمْ في مُصَلَّاكُمْ وُقُوفَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّكُمْ،

ص: 595


1- «التهذيب» ج3/286 الحديث 856، «وسائل الشيعة» ج7/469 الحديث 9883.
2- «نهج البلاغة»، حكمت الرقم 428.

وَاذْكُرُوا بِرُجُوعِكُمْ إِلَى مَنَازِلِكُمْ رُجُوعَكُمْ إِلَى مَنَازِلِكُمْ في الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ، وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ أَدْنَى مَا لِلصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ أَنْ يُنَادِيَهُمْ مَلَكٌ في آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ: أَبْشِرُوا عِبَادَ اللَّهِ فَقَدْ غُفِرَ لَكُمْ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِكُمْ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَكُونُونَ فِيمَا تَسْتَأْنِفُون»(1).

وروی الصدوق رحمه الله أنّه: نَظَرَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ علیه السلام إِلَى اُنَاسٍ في يَوْمِ فِطْرٍ يَلْعَبُونَ وَيَضْحَكُونَ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ وَالْتَفَتَ إِلَيْهِمْ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ شَهْرَ رَمَضَانَ مِضْمَاراً لِخَلْقِهِ، يَسْتَبِقُونَ فِيهِ بِطَاعَتِهِ إِلَى رِضْوَانِهِ، فَسَبَقَ فِيهِ قَوْمٌ فَفَازُوا، وَتَخَلَّفَ آخَرُونَ فَخَابُوا، فَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنَ الضَّاحِكِ اللَّاعِبِ في الْيَوْمِ الّذي يُثَابُ فِيهِ الْمُحْسِنُونَ وَيَخِيبُ فِيهِ الْمُقَصِّرُونَ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ لَشُغِلَ مُحْسِنٌ بِإِحْسَانِهِ، وَمُسِي ءٌ بِإِسَاءَتِهِ»(2) .

الثّامن: عدم اشتراط قراءة سورة خاصّة في صلاة العيدين.

لا يشترط في صلاة العيدين قراءة سورة خاصّة، بل يكفی فيها كلّ سورة تقرأ، نعم الأفضل أن يُقرأ في الرّكعة الاُولی سورة (الشَّمس) وفي الثّانية سورة(الغاشية)، أو أن يُقرأ في الرّكعة الاُولی سورة (الأعلی) وفي الثّانية سورة (الشَّمس)(3).

ص: 596


1- «الأمالي(للصّدوق)» ص100، «وسائل الشيعة» ج7/481 الحديث 9912.
2- راجع: «من لا يحضره الفقيه» ج1 511 الحديث 1479.
3- راجع: «كتاب الخلاف» ج1/662 مسألة 434، «العروة الوثقی» ج1/762 مسألة 1، «تحريرالوسيلة» ج1/241 القول في صلاة العيدين، «الحدائق النّاضرة في أحكام العترة الطّاهرة» ج10/251 .

قال المحدّث البحراني رحمه الله في «الحدائق»:

أجمع الأصحاب (رضوان الله عليهم) على وجوب قراءة سورة بعد الحمد، وأنّه لا يتعيّن في ذلك سورةٌ مخصوصةٌ، قاله في التّذكرة، وإنّما اختلفوا في الأفضل، فنُقل عن الشّيخ في «الخلاف» والمفيد والسيّد المرتضى وأبي الصّلاح وابن البرّاج وابن زهرة، أنّه (الشَّمس) في الاُولى، و(الغاشية) في الثانية، وقال الشّيخ في «المبسوط» و«النّهاية»: أنّه يقرأ في الاُولى (الأعلى)، وفي الثانية (الشَّمس)، وهو قول ابن بابويه في «المقنع» و«من لا يحضره الفقيه»، وقال في «الذّكرى»: يجب قراءة الحمد وسورة معها كسائر الفرائض، ولا خلاف في عدم تعين سورة وإنّما الخلاف في الأفضل، فذهب جماعةٌ إلى أنَّه يقرأ (الأعلى) في الاُولى و(الشَّمس) في الثانية، وقال آخرون (الشَّمس) في الاُولى و(الغاشية) في الثانية، وهذان القولان مشهوران، وقال عليّ بن بابويه يقرأ في الاُولى (الغاشية)، وفي الثانية (الأعلى)، وقال ابن أبي عقيل: يقرأ في الاُولى (الغاشية) وفي الثانية (والشَّمس)(1).

ولقد أرسل ذلك إرسال المسلّمات السيّد محمّد كاظم الطّباطبائي اليزدي رحمه الله صاحب «العروة» حيث قال:

لا يشترط في هذه الصّلاة سورة مخصوصة، بل يجزي كلّ سورة، نعم الأفضل أن يقرأ في الرّكعة الاُولى سورة (الشَّمس) وفي الثّانية سورة (الغاشية)، أو يقرأ في الاُولى سورة (سبَّح اسم)، وفي الثانية سورة (الشَّمس)(2).

ص: 597


1- «الحدائق النّاضرة في أحكام العترة الطّاهرة» ج10/251 - 252.
2- «العروة الوثقی» ج1/762 المسألة 1 من مسائل صلاة العيدين.

هذه هي بعض الأقوال عند الإماميّة، وأمّا العامّة فقد حكی الشّيخ رحمه الله في «الخلاف» والقرطبي في «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» عن الشّافعي أنّه يقرأ في الاُولی سورة (ق) وفي الثّانية سورة (القمر)(1).

قال ابن رشد القرطبي:

أجمعوا علی أنّ السّنة فيها تقديم الصّلاة علی الخطبة...، وأجمعوا أيضاً علی أنّه لا توقيف في القراءة في العيدين، وأكثرهم استحبّ أن يقرأ في الاُولی (يسبّح) أي سورة الأعلی، وفي الثانية (بالغاشية)، لتواتر ذلك عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، واستحب الشّافعي القراءة فيهما

ب- (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجيدِ) و(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) لثبوت ذلك عنه عليه الصّلاة والسّلام(2).

وكيف كان قد استدلّ فقهائنا الإماميّة علی ذلك بصحيحة جميل حيث قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَن التَّكْبِيرِ في الْعِيدَيْنِ؟ فَقالَ: «سَبْعٌ وخَمْسٌ، وقَالَ: صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ فَرِيضَةٌ، وَسَأَلْتُهُ مَا يُقْرَأُ فِيهِمَا؟ قَالَ: (الشَّمْسُ وضُحَاهَا) و(هَلْ أَتَيكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) وأَشْبَاهُهُمَا»(3).

وصحيحة مُعَاوِيَةَ بْن عَمَّارٍ إذْ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ؟ فَقَالَ: «رَكْعَتَانِ لَيْسَ قَبْلَهُمَا ولَا بَعْدَهُمَا شيء، ولَيْسَ فِيهِمَا أَذَانٌ ولَا إِقَامَةٌ، تُكَبِّرُ فِيهِمَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً تَبْدَأُ فَتُكَبِّرُ وتَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ، ثُمَّ تَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، ثُمَّ تَقْرَأُ (والشَّمْسِ وضُحَاهَا) ثُمَّ تُكَبِّرُ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ تُكَبِّرُ وتَرْكَعُ فَتَكُونُ تَرْكَعُ بِالسَّابِعَةِ وتَسْجُدُسَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ

ص: 598


1- «كتاب الخلاف» ج1/662 ذيل المسألة 434.
2- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج2/112 - 113.
3- «التهذيب» ج3/127 الحديث 270، «وسائل الشيعة» ج7/435 الحديث 9784.

يَقُومُ فَيَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ و(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ)، ثُمَّ تُكَبِّرُ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ وتَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وتَتَشَهَّدُ - وتُسَلِّمُ - »، قَالَ: «وكَذَلِكَ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم » إلى آخر الحديث(1).

ورواية إِسْمَاعِيل الْجُعْفِيِّ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام في صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ حَيثُ قَالَ: «يُكَبِّرُ وَاحِدَةً يَفْتَتِحُ بِهَا الصَّلَاةَ، ثُمَّ يَقْرَأُ اُمَّ الْكِتَابِ وسُورَةً، ثُمَّ يُكَبِّرُ خَمْساً يَقْنُتُ بَيْنَهُنَّ، ثُمَّ يُكَبِّرُ وَاحِدَةً ويَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ يَقُومُ فَيَقْرَأُ أُمَّ الْكِتَابِ وسُورَةً، يَقْرَأُ في الْاُولَى (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) وفِي الثَّانِيَةِ (والشَّمْسِ وضُحَاهَا)، ثُمَّ يُكَبِّرُ أَرْبَعاً ويَقْنُتُ بَيْنَهُنَّ، ثُمَّ يَرْكَعُ بِالْخَامِسَة»(2).

التّاسع: استحباب إقامة صّلاة العيدين على انفراد عند فقدان الشّرائط أو لمن فاتته الجماعة.

تقدّم أنّ شرائط وجوب صلاة العيدين هي نفس شرائط وجوب صلاة الجمعة، إلّا أنّه في الجمعة عند فقدان الشّرائط ينتقل الفرض إلی بدله وهو الظّهر، وفي المقام حيث لم يكن للعيدين بدلٌ فإذا فقدت الشّرائط انتفی الوجوب، لكن بعد أن ثبت كونها عبادةً فإنّ استحبابها يبقی على حاله، كما هي طبيعة جميع الواجبات المشروطة إذا كان المكلّف فاقداً لشرائطها حيث وُضع عنها وجوبها دون استحبابها، وذلك لعدم ورود النّهي عنها الّذي يستفاد منه

ص: 599


1- «الكافي» ج3/460 الحديث 3، «وسائل الشيعة» ج7/434 الحديث 9782.
2- «التهذيب» ج3/132 الحديث 288، «وسائل الشيعة» ج7/436 الحديث 9790.

بطلان العبادة، كما ورد في مثل قول النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «دَعِ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ»(1)، فيستحبّ لمن فاتته صلاة العيد جماعةً بشرائطها، إقامتها انفراداً.

قال أبوالصّلاح الحلبي رحمه الله (م 447 ه-):

فإن اختلّ شرط من شرائط العيد سقط فرض الصّلاة، وقبح الجمع فيها مع الاختلال، وكان كلّ مكلّف مندوباً إلى هذه الصّلاة في منزله، والإصحار بها أفضل(2).

وقال ابن إدريس الحلّي رحمه الله (م 598 ه-) في «السّرائر»:

صلاة العيدين فريضةٌ بتكامل الشّروط الّتي ذكرناها في لزوم الجمعة، من حضور السّلطان العادل واجتماع العدد المخصوص، وغير ذلك من الشّرائط الّتي تقدّم ذكرها، وتجب على من تجب عليه صلاة الجمعة، وتسقط عمّن تسقط عنه، وهما سنةٌ إذا صلّيا على الانفراد عند فقد الإمام أو نقصان العدد أو اختلال ما عدا ذلك من الشّروط، ومعنى قول أصحابنا (على الانفراد) ليس المراد بذلك أن يصلّي كلّ واحد منهم منفرداً، بل الجماعة أيضاً عند انفرادها من دون الشّرائط، مسنونةٌ مستحبةٌ؛ ويشتبه على بعض المتفقّهة هذا الموضع، بأن يقول (على الانفراد) أراد مستحبّةً إذا صلّاها كلّ واحد وحده، قال: لأنّ الجمع في صلاة النّوافل لا يجوز، فإذا عدمت الشّرائط صارت نافلة، فلا يجوز

ص: 600


1- راجع: صحيحة يونس بن عبد الرّحمن، «الكافي» ج3/83 الحديث 1، «وسائل الشيعة» ج2/287 الحديث 2156.
2- «الكافي في الفقه» ص 154.

الاجتماع فيها، قال محمّد بن إدريس رحمه الله : وهذا قلّة تأمّل من قائله، بل مقصود أصحابنا (على الانفراد) ما ذكرناه من انفرادها عن الشرائط(1) .

وقال العلامة الحلّي رحمه الله (م 726 ه-) في «التحرير»:

صلاة العيدين واجبةٌ على الأعيان بشرائط الجمعة إلّا الخطبة، وتجب جماعةً مع الشّرائط إلّا مع العذر، ويجوز أن يصلّيها حينئذٍ منفرداً ندباً كما يصلّی جماعةً، ولو فقدت إحدى الشّرائط سقط الوجوب واستحب الإتيان بها جماعةً وفرادى سفراً وحضراً، ولو أخلّ بها مع الشّرائط عوقب على ذلك(2).

وقال رحمه الله في «التذكرة»:

لو فُقدت الشّرائط أو بعضها، سقط وجوبها دون استحبابها، بل يستحبّ الإتيان بها جماعةً وفرادى، سفراً وحضراً وبه قال الشّافعي، لأنّها عبادة فات شرط وجوبها فاستحبّ الإتيان بها كالحجّ، ولقول الصَّادق علیه السلام: «مَنْ لَم يَشْهَدُ الجَماعةَ في العِيدَينِ فَلْيَغتسِلْ وليَتطيَّبْ بِما وَجَدَ، وليُصَلِّ وَحْدَهُ كَما يُصَلِّي في الجَماعةِ»، ومنع أبو حنيفة من فعلها إلّا مع الجماعة، وعن أحمد روايتان كالجمعة، والفرق أنّها بدلٌ عن الظهر، فمع فوات الشّرط ينتقل إلى المبدل بخلاف العيد، إذا عرفت هذا فإنّه يصلّيها كما يصلّيها لو كانت واجبةً، ولو صلّاها في جماعة، استحبّت الخطبة كما تجب في الواجبة، ولو صلّاها منفرداً

ص: 601


1- «السّرائر الحاوي لتحرير الفتاوى» ج 1/315 - 316.
2- «تحرير الأحكام الشّرعيّة على مذهب الإمامية» ج 1/46.

فالأقرب أنّه لا يخطب، قال الشّيخ في «المبسوط» : وقد روی أنّه إن أراد أن يصلّيها أربع ركعات، جاز(1).

وقال المحقّق الحلّي رحمه الله (م 676 ه-) في «المختصر»:

وهي واجبةٌ جماعةً بشروط الجمعة، ومندوبةٌ مع عدمها جماعةً وفرادى(2).

وقد استُدلّ علی ذلك بروايات، منها ما تلي:

1 - صحيحة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام حَيثُ قَالَ: «مَنْ لَمْ

يَشْهَدْ جَمَاعَةَ النَّاسِ في الْعِيدَيْنِ، فَلْيَغْتَسِلْ ولْيَتَطَيَّبْ بِمَا وَجَدَ، ولْيُصَلِّ في بَيْتِهِ وَحْدَهُ كَمَا يُصَلِّي في جَمَاعَةٍ»(3).

2 - صحيحة الْحَلَبِيِّ قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَن الرَّجُلِ لَا يَخْرُجُ في يَوْمِ الْفِطْرِ والْأَضْحَى، أَ عَلَيْهِ صَلَاةٌ وَحْدَهُ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»(4).

3 - موثَّقة مَنْصُورٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «مَرِضَ أبي يَوْمَ الْأَضْحَى فَصَلَّى في بَيْتِهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ ضَحَّى»(5).

ص: 602


1- «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج 4/122 - 123 المسألة 436.
2- «المختصر النافع في فقه الإمامية» ج1/37.
3- «من لا يحضره الفقيه» ج1/320 الحديث 1463، «وسائل الشيعة» ج7/424 الحديث 9754.
4- «التهذيب» ج3/136 الحديث 299، «وسائل الشيعة» ج7/424 الحديث 9755.
5- «التهذيب» ج3/13 الحديث 300، «وسائل الشيعة» ج7/425 الحديث 9756 .

بقي هنا اُمور تجدر الإشارة إليها، وهي:

الاُولی: في جواز إقامة العيدين جماعةً عند فقدان الشّرائط:

ذهب أكثر الأصحاب إلی جواز إقامة العيدين جماعةً عند فقد الشّرائط، كما قالوا بجواز إقامتها انفراداً حينئذٍ، مع أنّه ورد النّهي عنها في صحيحة سَمَاعَة عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام حَيثُ قالَ: قُلتُ لَهُ: مَتَى يُذْبَحُ؟ فَقالَ: «إِذَا انْصَرَفَ الْإِمَامُ، قُلْتُ: فَإِذَا كُنْتُ في أَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا إِمَامٌ فَأُصَلِّي بِهِمْ جَمَاعَةً؟ فَقَالَ: إِذَا اسْتَقَلَّتْ الشَّمْسُ، وَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ تُصَلِّيَ وَحْدَكَ، ولَا صَلَاةَ إلّا مَعَ إِمَامٍ»(1)، وكذا في صحيحة اُخری عنه عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه سلام أَنّهُ قَالَ: «لَا صَلَاةَ في الْعِيدَيْنِ إلّا مَعَ الْإِمَامِ، فَإِنْ صَلَّيْتَ وَحْدَكَ فَلَا بَأْسَ»(2)، وكذلك في موثّقة مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُوسَى عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام حَيثُ سَأَلَهُ: هَلْ يَؤُمُّ الرَّجُلُ بِأَهْلِهِ في صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ في السَّطْحِ أَو في بَيْتٍ؟ فَقالَ: «لَا يَؤُمَّ بِهِنَّ ولَا يَخْرُجْنَ، ولَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ خُرُوجٌ، وَقَالَ: أَقِلُّوا لَهُنَّ مِنَ الْهَيْئَةِ حَتَّى لَا يَسْأَلْنَ الْخُرُوجَ»(3)، وأنت خبيرٌ بأنّ النّهي في العبادات يدلّ علی فساد المنهی.

ومن القائلين بعدم جواز إقامة صلاة العيدين جماعةً صريحاً أو ظاهراً حين فقدان الشّرائط، السيّد المرتضی رحمه الله حيث قال:

صلاة العيدين فرضٌ على كلّ من تكاملت له شرائط الجمعة الّتي ذكرناها، وهما سنّةٌ للمنفرد عند اختلال تلك الشّروط(4).

ص: 603


1- «التهذيب» ج3/287 الحديث 861، «وسائل الشيعة» ج7/422 الحديث 9748.
2- «التهذيب» ج3/128 الحديث 274، «وسائل الشيعة» ج7/421 الحديث 9747.
3- «التهذيب» ج3/289 الحديث 872، «وسائل الشيعة» ج7/471 الحديث 9888.
4- «جمل العلم والعمل» ص 74.

وكذلك الشّيخ رحمه الله في كتبه الخمسة «التّهذيب» و«النّهاية» و«الاقتصاد» و«الخلاف» و«المبسوط»، فإنّه قال في الأخير:

صلاة العيدين فريضةٌ عند حصول شرائطها، وشرائطها شرائط الجمعة سواء في العدد والخطبة وغير ذلك وتسقط عمّن تسقط عنه الجمعة، ومن فاتته صلاة العيد لا يلزمه قضاؤها، ومتى تأخّر عن الحضور لعارض صلّاها في المنزل منفرداً سنّة وفضيلة كما يصلّيها مع الإمام سواء(1).

وأيضاً الشّيخ المفيد رحمه الله في «المقنعة»(2)، وأبو الصّلاح الحلبيّ رحمه الله في «الكافي»(3)، وكذا العلامة الحلّي رحمه الله في «المختلف» فإنّه بعد أن حكی قول ابن إدريس: «معنى قول أصحابنا على الانفراد ليس المراد بذلك أن يصلّي كلّ واحد منهم منفرداً، بل الجماعة أيضاً عند انفرادها من دون الشّرائط مسنونةٌ مستحبةٌ»، قال:

وتأويل ابن إدريس بعيدٌ، مع أنّه روى النّهي عمار بن موسى عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال: قلت له: هل يؤمّ الرجل بأهله في صلاة العيدين في السّطح أو بيت؟ قال: «لا يَؤُمّ بِهنَّ ولا يَخْرُجْنَ»، ولو كانت الجماعة مستحبّة لاستحبت هنا، إذ المستحب في حقّ الرّجل مستحبٌّ في حقّ المرأة إلّا ما خرج بالدليل، إلّا أنّ فعل الأصحاب في زماننا الجمع

ص: 604


1- «المبسوط في فقه الإمامية» ج 1/169، «تهذيب الأحكام» ج3/135، «النّهاية في مجرد الفقه والفتاوى» ص 133، «الاقتصاد الهادي إلی طريق الرّشاد» ص 270، «كتاب الخلاف» ج1/664 ذيل المسألة 437 من صلاة العيدين.
2- «المقنعة» ج1/194.
3- «الكافي في الفقه» ص 155 - 156.

فيهما، قال القطب الرّاوندي: جمهور الإمامية يصلّون هاتين الصّلاتين جماعةً وعملهم حجَّةٌ(1).

وقد تقدّم كلام العلّامة رحمه الله آنفاً في كتابي «التّحرير» و«التّذكرة» ومختاره فيهما جواز إقامة العيدين جماعةً وفرادی.

وقال الوحيد البهبهاني رحمه الله في «المصابيح»:

ومع اختلال الشّرائط يستحبّ الإتيان بها فرادى، لدلالة بعض الرّوايات عليه، وفی جواز الجماعة فيها حينئذٍ قولان، الأحوط المنع(2).

أقول: بعد أن تضافرت الأخبار بجواز أداء صلاة العيدين على انفراد مع عدم الإمام أو مع عدم إدراك الصّلاة معه(3)، ولم نجد في الأخبار ما يقتضي جواز الجماعة حينئذٍ، بل نُهي عن الجماعة في مثل صحيحتي سماعة وموثّقة عمّار بن موسی، فالأحوط وجوباً إن لم يكن أقوی ترك الجماعة، وما حكی المحدّث البحراني رحمه الله بعنوان الجواب عن روايه عمّار بقوله: وقد يُجاب عن رواية عمّار بنفي تأكيد الجماعة بالنّساء(4)، فهو خلاف الظّاهر، لا سيّما بعد اقترانها بسائر الرّوايات الّتي نفت الجماعة مطلقاً مع فقدان الإمام.

ص: 605


1- «مختلف الشّيعة في أحكام الشّريعة» ج 2/263.
2- «مصابيح الظّلام» ج2/33.
3- راجع: «وسائل الشيعة» ج7/421 - 422 أحاديث 5 و 6 من الباب 2 من أبواب صلاة العيد، و ص 424 - 425 أحاديث 1، 2، 3، و 4 من الباب 3، و الحديث 1 من الباب 4 من هذه الأبواب.
4- راجع: «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج10/217.

الثّانية: لايجب قضاء صلاة العيدين علی من فاتته:

صلاة العيدين كما عرفت وقتها من طلوع الشّمس إلی الزّوال، ولا يجب قضاؤها علی من فاتته، سواءٌ قلنا بكونها واجبةً أو مندوبةً، كما أنّه لا فرق في الفوات بين كونه عن عمد أو بسبب نسيان أو جهل.

ينسب ذلك إلی المشهور، كالشّهيد الأوّل رحمه الله في «الذكری»(1)، والشّهيد الثاني رحمه الله في «روض الجنان»(2)، والسيّد علیّ الطباطبائي رحمه الله في «الرّياض»(3)، والفاضل الإصفهاني رحمه الله في «كشف اللثام»(4)، والشّيخ محمّد حسن النّجفي رحمه الله في «الجواهر»( (5). وكذلك يُنسب إلی مذهب الأكثر، كالعلّامة الحلّي رحمه الله في «التّذكرة»(6)، والمحقّق الكركي رحمه الله في «جامع المقاصد»(7)، والمحقّق السّبزواري رحمه الله في «الكفاية»(8) ، وقد عبّر عن بعض بأنّه أشهر القولين كالشّهيد الثاني رحمه الله في «الرّوضة»(9)، وأيضاً أرسله بعض إرسال المسلّمات، كالصّدوق رحمه الله في «المقنع»(10)، والمفيد رحمه الله في «المقنعة»(11)، والشّيخ رحمه الله في كتابي«التّهذيب»

ص: 606


1- «ذكری الشّيعة في أحكام الشّريعة» ج4/163.
2- «روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان» ج2/795.
3- «رياض المسائل» ج4/387.
4- «كشف اللثام» ج4/335.
5- «جواهرالكلام» ج11/355.
6- «تذكرة الفقهاء» ج4/160.
7- «جامع المقاصد في شرح القواعد» ج2/452.
8- «كفاية الأحكام» ج1/106 - 107.
9- «الرّوضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة» ج1/126.
10- «المقنع» ص 149.
11- «المقنعة» ص 200.

و«الخلاف»(1)، وأبو الصّلاح الحلبي رحمه الله في «الكافي»(2)، والمحقّق النراقي رحمه الله في «مستنده»( (3)، والإمام الرّاحل قدس سره فإنّه قال في «التّحرير»: ولا قضاء لها لو فاتت(4).

لكن ظاهر ابن إدريس الحلّي رحمه الله القول باستحباب قضائها حينئذٍ حيث قال:

وليس على من فاتته صلاة العيدين مع الإمام قضاءٌ واجبٌ وإن استُحبّ له أن يأتي بها منفرداً (5).

والإنصاف أنّ كلامه هذا ذو احتمالين؛ إذ كما يمكن أن يكون مراده استحباب قضائها بعد الوقت، يمكن أن يكون مراده استحباب إقامة الصّلاة منفرداً لمن فاتته الجماعة في الوقت بقرينة إطلاق القضاء علی من أدرك خطبة الإمام دون الصّلاة في رواية زُرَارَةَ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّه علیه سلام حَيثُ قالَ: قلتُ لهُ: أَدْرَكْتُ الْإِمَامَ عَلَى الْخُطْبَةِ! فَقالَ علیه السلام: «تَجْلِسُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ تَقُومُ فَتُصَلِّي، قُلْتُ: الْقَضَاءُ أَوَّلُ صَلَاتِي أَو آخِرُهَا؟ قَالَ: لَا، بَلْ أَوَّلُهَا، ولَيْسَ ذَلِكَ إلّا في هَذِهِ الصَّلَاةِ»، قُلْتُ: فَمَا أَدْرَكْتُ مَعَ الْإِمَامِ ومَا قَضَيْتُ! قَال: أَمَّا مَا أَدْرَكْتَ مِنَ الْفَرِيضَةِ فَهُو أَوَّلُ صَلَاتِكَ، ومَا قَضَيْتَ فَآخِرُهَا»(6).

ص: 607


1- «تهذيب الأحكام» ج 3/134، «كتاب الخلاف» ج1/667 مسألة 441 من صلاة العيدين.
2- «الكافي في الفقه» ص 155.
3- «مستند الشّيعة» ج6/182.
4- «تحريرالوسيلة» ج1/241، القول فی صلاة العيدين.
5- راجع: «السّرائر الحاوي لتحرير الفتاوی» ج1/318.
6- «التهذيب» ج3/136 الحديث 301، «وسائل الشيعة» ج7/425 الحديث 9758.

أمّا آراء العامّة فقد قال الجزيري في «الفقه علی المذاهب الأربعة»:

وفي حكم الجماعة فيها وقضائها إذا فاتته مع الإمام تفصيلٌ؛

فالحنفيّة قالوا: الجماعة شرطٌ لصحّتها كالجمعة، فإن فاتته مع الإمام فلا يطالب بقضائها لا في الوقت ولا بعده، فإن أحب قضاءها منفرداً، صلّی أربع ركعات بدون تكبيرات الزّوائد.

والحنابلة قالوا: الجماعة شرطٌ لصحّتها كالجمعة، إلّا أنّه يسنّ لمن فاتته مع الإمام أن يقضيها في أيّ وقت شاء علی صفتها المتقدّمة.

والشّافعيّة قالوا: الجماعة فيها سنّةٌ لغير الحاجّ، ويسنّ لمن فاتته مع الإمام أن يصلّيها علی صفتها في أيّ وقت شاء، فإن كان فعله لها بعد الزّوال فقضاءٌ، وإن كان قبله فأداءٌ.

والمالكيّة قالوا: الجماعة شرطٌ لكونها سنّةٌ، فلا تكون صلاة العيدين سنّةٌ إلّا لمن أراد إيقاعها في الجماعة، ومن فاتته مع ندب الإمام له فعلها إلی الزّوال ولا تُقضی بعد الزّوال(1).

وكيف كان فقد استدلّ الإماميّة علی عدم وجوب قضاء العيدين علی من فاتته الصّلاة بأمرين هما:

1 - عدم وجود دليل على ذلك، وإن شئت قلت: عدم ترتّب القضاء علی فوات الأداء، بل القضاء إنّما يكون بأمر جديد ولم يثبت هنا.

2 - وهو العمدة صحيحة زُرَارَةَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ علیه السلام حَيثُ قَالَ: «مَنْ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ في جَمَاعَةٍ يَوْمَ الْعِيدِ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ ولَا قَضَاءَ عَلَيْهِ»(2)

ص: 608


1- راجع: «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/349، حكم الجماعة فيها وقضائها إذا فات وقتها.
2- «التهذيب» ج3/128 الحديث 273، «وسائل الشيعة» ج7/421 الحديث 9745.

الثالثة: أنّه لا فرق في عدد ركعات صلاة العيد بين وجود الشّرائط وفقدانها:

قد عرفت أنّه يستحبّ الإتيان بصلاة العيد عند فقدان الشرائط انفراداً، وهي علی ما صرّح به الكثير وكذا بعض ما تقدّم من الأخبار تساوي ركعاتها جماعة وانفراداً، إلّا أنّه حكی عن ابن جنيد الإسكافي وعليّ بن بابويه القمّي (رضوان الله تعالی عليهما) أنّهما قالا: تصلّي صلاة العيد مع الشّرائط ركعتين، ومع فقدانها أربعاً، إلی ذلك أشار العلّامة الحلّي رحمه الله حيث قال:

المشهور أنّ مع اختلال الشّرائط يستحب الإتيان بها كما لو صلّى مع الشّرائط، وقال ابن الجنيد: تصلّي مع الشّرائط ركعتين، ومع اختلالها أربعاً، وبه قال عليّ بن بابويه(1).

قد استدلّ علی ذلك بخبر أبي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ: أنّهُ قَالَ: «مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعاً»(2).

يلاحظ عليه: بأنّ الرّواية ضعيفة سنداً أوّلاً، وذلك لأنّ وهب بن وهب بن عبدالله أبا البختريّ فقد ضعّفه النّجاشي بكونه كان كذّاباً وله أحاديث مع الرّشيد في الكذب(3)، ولم يعمل به إلّا الشاذّ ثانياً، وثالثاً موافقٌ لقول الحنفيّة من العامّة كما تقدّم آنفاً، فلا تقاوم مع ما دلّت صحيحة وموثقة علی كونها ركعتين في حالتي الانفراد والجماعة.

ص: 609


1- «مختلف الشيعة في أحكام الشريعة» ج 2/266
2- «التهذيب» ج3/135 الحديث 295، «وسائل الشّيعة» ج7/426 الحديث 9760.
3- «رجال النّجاشي» ص 430.

العاشر: إذا اتّفق عيد وجمعة في يوم واحد.

إذا اتّفق العيد والجمعة في يوم واحد، فمن حضر العيد سقط عنه فرض الجمعة، وكان مخيّراً في حضور الجمعة وعدمه، ومن العامّة ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشافعيّة إلی عدم سقوط فرض الجمعة بحال(1)، وحكی القرطبي كما سيأتي عن بعض العامّة: أنّه يجزئ العيد حينئذٍ عن كلتي صلاة الجمعة و الظّهر معاً، وأنّه ليس عليه في ذلك اليوم إلّا العصر فقط(2)، وهذا كما تری دعوی بلا دليل لم يقل به أحد.

قال أبوالصّلاح الحلبي رحمه الله (م 447 ه-):

ولا يجوز السّفر قبل صلاة العيد الواجبة ويكره قبل المسنونة، وقد وردت الرّواية: «إذا اجتمع عيد وجمعة أنّ المكلّف مخير في حضور أيّهما شاء» والظاهر في الملّة وجوب عقد الصّلاتين وحضورهما على من خوطب بذلك(3).

وقال الشّيخ رحمه الله (م 460 ه-) في «الخلاف»:

إذا اجتمع عيد وجمعة في يوم واحد سقط فرض الجمعة، فمن صلّى العيد كان مخيراً في حضور الجمعة وأن لا يحضرها، وبه قال ابن عباس وابن الزبير، وقال أبو حنيفة ومالك والشّافعي: لا يسقط فرض الجمعة بحال، دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضاً روى أبو هريرة قال: اجتمع عيدانفي يوم على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فخرج رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وصلّى صلاة

ص: 610


1- راجع: «الامّ» ج1/239، «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج1/211، «المجموع» ج4/492، «المغني لابن قدامة» ج2/212، «كتاب الخلاف» ج1/673، المسألة 448.
2- راجع: «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج2/120.
3- «الكافي في الفقه» ص 155.

العيد، وقال: «يا أيّها الناس إنّ هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان، فمن أحبّ أن يشهد الجمعة معنا فليفعل، ومن أحبّ أن ينصرف فلينصرف»، وروى ابن عمر قال: قال النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «من أحبّ أن يأتي الجمعة فليأتها، ومن أحبّ أن يتخلف فليتخلف»، وروى وهب بن كيسان قال: وافق يوم الجمعة يوم عيد على عهد بن الزبير، فأخّر الصّلاة ثم خرج فصلّى العيد، ثمّ خطب فنزل فصلّى ركعتين، ودخل ولم يخرج إلى الجمعة، فعابه قوم من بني اُمية، وكان ابن عباس باليمن، فلمّا قدم ذكر ذلك له فقال: أصاب السّنة، وفي بعض الأخبار: ذكر ذلك لابن الزّبير فقال: كان مثل هذا على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ففعل مثل ذلك، وروى غياث بن كلوب عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله علیه السلام عن أبيه أنّ عليّ بن أبي طالب علیه السلام كان يقول: «إذا اجتمع عيدان في يوم واحد فإنّه ينبغي للإمام أن يقول للناس في خطبته الاُولى أنّه قد اجتمع لكم عيدان فأنا اُصلّيهما جميعاً، فمن كان مكانه قاصياً فأحبّ أن ينصرف عن الأخر فقد أذنت له»، وروى أبان بن عثمان عن سلمة عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «اجتمع عيدان على عهد أمير المؤمنين علیه السلام فخطب النّاس فقال: هذا يوم اجتمع فيه عيدان فمن أحبّ أن يجمع معنا فليفعل، ومن لم يفعل فإنّ له رخصة»، وروی أنّ معاوية سأل زيد بن أرقم: هل شهدت مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عيدين في يوم واحد؟ فقال: نعم وخرج النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم فصلّى العيد ورخّص في ترك الجمعة(1).

ص: 611


1- «كتاب الخلاف ج1/673، المسألة 448.

وقال في «النّهاية»:

إذا اجتمعت صلاة عيد وجمعة في يوم واحد فمن شهد صلاة العيد كان مخيّراً بين حضور الجمعة وبين الرّجوع إلی بيته، وعلی الإمام أن يعلّمهم ذلك في خطبته بعد صلاة العيد(1).

وقال القاضي ابن البرّاج الطرابلسي رحمه الله (م 481 ه-):

وذكر أنّه إذا اتفق أن يكون يوم العيد يوم الجمعة كان الّذي يصلّي صلاة العيد مخيراً بين حضور الجمعة وبين أن لا يحضرها، والظّاهر وجوب حضوره (الإمام) في الصّلاتين وانعقادهما مع تكامل الشّروط الّتي ذكر أنّها لا تنعقد إلّا بكمالها(2).

وقال الشّيخ محمّد حسن النّجفي رحمه الله (م 1266 ه-) في «الجواهر»:

المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً - بل في «الخلاف» الإجماع عليه - أنّه إذا اتّفق عيدٌ وجمعةٌ فمن حضر العيد كان بالخيار في حضور الجمعة، وقد قال الصّادق علیه السلام لما سأله الحلبي في الصّحيح عن اجتماعهما: «اجْتَمَعَا في زَمَانِ عَلِيٍّ علیه السلام فَقَالَ: مَنْ شَاءَ أَنْ يَأْتِيَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَأْتِ، ومَنْ قَعَدَ فَلَا يَضُرُّهُ ولْيُصَلِّ الظُّهْرَ»، وهو كما في المدارك مع صحّة سنده وصراحته في المطلوب، مُؤيَّدٌ بالأصل وعمل الأصحاب(3).

ص: 612


1- «النهاية في مجرّد الفقه والفتاوی» ص 134، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج3/338. وقريب منه ما قاله في «المبسوط في فقه الإمامية» ج1/170.
2- «المهذّب (لابن البرّاج)» ج1/122.
3- «جواهر الكلام» ج11/395.

وقال السيّد الطباطبائي اليزدي رحمه الله (م 1338 ه-) في «العروة»:

إذا اتّفق العيد والجمعة وكان نائياً عن البلد، كان بالخيار بين العود إلی أهله والبقاء لحضور الجمعة(1).

ومن العامّة قال ابن العربي (م 543 ه-) في «أحكام القرآن»:

لا يسقط الجمعة كونها في يوم عيد، خلافاً لأحمد بن حنبل حين قال: إذا اجتمع عيد وجمعة سقط فرض الجمعة، لتقدّم العيد عليها، واشتغال النّاس به عنها، وتعلق في ذلك بما روى أنّ عثمان أذن في يوم العيد لأهل العوالي أن يتخلّفوا عن الجمعة، وقول الواحد من الصّحابة ليس بحجة إذا خولف فيه ولم يجمع معه عليه، والأمر بالسّعي متوجّه يوم العيد كتوجّهه في سائر الأيام(2).

وقال ابن رشد القرطبي (م 595 ه-) في «بداية المجتهد»:

واختلفوا إذا اجتمع في يوم واحد عيد وجمعة هل يجزئ العيد عن الجمعة؟ فقال قوم: يجزئ العيد عن الجمعة وليس عليه في ذلك اليوم إلّا العصر فقط، وبه قال عطاء وروی ذلك عن ابن الزّبير وعليّ، وقال قوم: هذه رخصة لأهل البوادي الّذين يردون الأمصار للعيد والجمعة خاصّة كما روی عن عثمان أنّه خطب في يوم عيد وجمعة فقال: من أحبّ من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظر، ومن أحبّ أن يرجع فليرجع، رواه مالك في الموطّأ وروی نحوه عن عمر بن عبد العزيز وبه قال الشّافعي، وقال مالك وأبو حنيفة: إذا اجتمع عيد وجمعة فالمكلّف مخاطب بهما جميعاً: العيد علی أنّه سنّة، والجمعة علی أنّها فرض ولا

ص: 613


1- «العروة الوثقی» ج1/764، المسألة 11.
2- «أحكام القرآن لابن العربي» ج 4/1809.

ينوب أحدهما عن الآخر، وهذا هو الأصل إلّا أن يثبت في ذلك شرع يجب المصير إليه، ومن تمسّك بقول عثمان فلأنّه رأی أنّ مثل ذلك ليس هو بالرأي وإنّما هو توقيف وليس هو بخارج عن الاُصول كلّ الخروج، وأمّا إسقاط فرض الظّهر والجمعة الّتي هي بدله لمكان صلاة العيد فخارج عن الاُصول جداً، إلّا أن يثبت في ذلك شرع يجب المصير إليه(1).

وكيف كان قد استُدلّ علی ذلك بروايات متظافرة، منها ما تلي:

1 - صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَلَبِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الْفِطْرِ والْأَضْحَى إِذَا اجْتَمَعَا في يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَقالَ: «اجْتَمَعَا في زَمَانِ عَلِيٍّ علیه السلام فَقَالَ: مَنْ شَاءَ أَنْ يَأْتيَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَأْتِ، ومَنْ قَعَدَ فَلَا يَضُرُّهُ ولْيُصَلِّ الظُّهْرَ، وخَطَبَ علیه السلام خُطْبَتَيْنِ جَمَعَ فِيهِمَا خُطْبَةَ الْعِيدِ وخُطْبَةَ الْجُمُعَةِ»(2).

2 - موثّقة سَلَمَةَ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام حَيثُ قالَ: «اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى

عَهْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: هَذَا يَوْمٌ اجْتَمَعَ فِيهِ عِيدَانِ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُجَمِّعَ مَعَنَا فَلْيَفْعَلْ، ومَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَإِنَّ لَهُ رُخْصَةً، يَعْنِی مَنْ كَانَ مُتَنَحِّياً(3)»(4).

3 - موثّقة إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أبي طَالِبٍ علیه السلام كَانَ يَقُولُ: «إِذَا اجْتَمَعَ عِيدَانِ لِلنَّاسِ في يَوْمٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ ينبغي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ لِلنَّاسِ

ص: 614


1- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج2/120 - 121.
2- «وسائل الشيعة» ج7/447 الحديث 9826.
3- قال ابن منظور المصري فى «لسان العرب»: النَّاحِيةُ من كل شي ء: جانِبه...، وأَهْلُ المَنحاةِ: القوم البُعداء الّذين ليسوا بأَقارِب. «لسان العرب» ج15/309.
4- «وسائل الشيعة» ج7/447 الحديث 9827.

فيخُطْبَتِهِ الْاُولَى: إِنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ عِيدَانِ فَأَنَا اُصَلِّيهِمَا جَمِيعاً، فَمَنْ كَانَ مَكَانُهُ قَاصِياً فَأَحَبَّ أَنْ يَنْصَرِفَ عَنِ الْآخَرِ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ»(1).

4 - ما رواه صاحب «الجعفريّات» عن الإمام الباقر علیه السلام أنّهُ قالَ: «اجْتَمَعَ في زَمَانِ عَلِيِّ بْنِ أبي طَالِبٍ علیه السلام عِيدَانِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَذِنْتُ لِمَنْ كَانَ قَاصِياً أَنْ يَنْصَرِفَ إِنْ أَحَبَّ، ثُمَ رَاحَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ الْعِيدَ الآخَرَ»(2).

5 - ما رواه صاحب «دَعَائِمُ الْإِسْلَامِ» عَنْ الإمامِ عَلِيٍّ علیه السلام أَنَّهُ اجْتَمَعَ في خِلَافَتِهِ عِيدَانِ في يَوْمٍ وَاحِدٍ، جُمُعَةٌ وعِيدٌ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْعِيدِ، ثُمَّ قَالَ: «قَدْ أَذِنْتُ لِمَنْ كَانَ مَكَانُهُ قَاصِياً يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي أَنْ يَنْصَرِفَ، ثُمَّ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِالنَّاسِ في الْمَسْجِدِ»(3).

6 - روی أبو هريرة عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «إِذَا اجْتَمَعَ عِيدَانِ في يَوْمٍ أَجْزَأَهُمْ الْأَوَّلُ»(4).

7 - ما رواه أيضاً عنه صلی الله علیه و آله و سلم: «قَدِ اجْتَمَعَ في يَوْمكُمْ هَذا عِيدَانِ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَجْزَأَهُ مِنْ الْجُمُعَةِ فَإنَّا مُجْتَمِعُونَ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالی»(5).

أقول: إنّ مسألتنا في المقام أظهر من مسألة «عدم تداخل المسبّبات فيما إذا تعدّد الشّرط واتّحد الجزاء»(6)، حيث إنّ السبب في وجوب الجمعة هو غير

ص: 615


1- «التهذيب» ج3/137 الحديث 304، «وسائل الشيعة» ج7/448 الحديث 9828.
2- «مستدرك الوسائل» ج6/131 الحديث 6622.
3- «دعائم الإسلام» ج1/187، «مستدرك الوسائل» ج6/132 الحديث 6623.
4- «كنز العمال» ج7/726 الخبر 21125.
5- «كنز العمال» ج7/727 الخبر 21126.
6- راجع: مفهوم الشّرط في الكتب الاُصوليّة مبحث «تداخل الأسباب والمسبّبات»، مثل «كفاية الاُصول» للمحقّق الخراساني رحمه الله ، و«اُصول الفقه» للعلّامة المظفّر رحمه الله .

السبب في وجوب العيدين، وكذلك فإنّ نوع الصّلاة في كلّ منهما تنافي الاُخری كيفيّةً، وهذا هو الّذي يقتضي عدم سقوط كلّ منهما بفعل الآخر، لكنّ الّذي يسهّل الأمر في المقام، ما ورد من الرّوايات في سقوط الجمعة بصلاة العيدين مع كونها مُفتٍ بها عند الأصحاب علی حدّ الشّهرة، بل الإجماع، إلّا أنّه ليس ذلك بمعنی ما حكی القرطبي عن بعض العامّة من أنّه يجزئ العيد حينئذٍ عن كلتي صلاة الجمعة والظهر معاً، وأنّه ليس عليه في ذلك اليوم إلّا العصر فقط، بل بمعنی الرخصة لذلك المصلّي عن حضور الجمعة ولزوم رجوعه إلی بدلها أيّ الظّهر علی ما عرفت في مثل المريض والمسافر والمرأة والعبد وأمثالهم.

لكنّ الظاهر أولاً: اختصاص الحكم بمن كان نائياً عن الجمعة كما صرّح به السيّد اليزدي رحمه الله في «العروة» وقد دلّت عليه الرّوايات الأربعة الرقم 2 إلی 5 ، وثانياً: اختصاص الحكم بغير الإمام، وأمّا الإمام فعليه أن يحضر الجمعة، فإن اكتمل عدد المصلّين فيصلّي بهم الجمعة، وإلّا يصلّي الظّهر كما صرّح بذلك أو استظهره بعض الفقهاء من الخاصّة والعامّة، منهم المحقّق النراقي رحمه الله في مستنده حيث قال :

والظّاهر اختصاص التّخيير بغير الإمام، وأمّا هو فيجب عليه حضور الجمعة، فإن حضر العدد صلّاها، وإلّا يصلّي الظهر(1).

ص: 616


1- «مستند الشّيعة» ج6/220.

وابن قدامة فإنّه قال:

إن اتّفق عيد في يوم الجمعة سقط حضور الجمعة عمّن صلّی العيد إلّا الإمام، فإنّها لا تسقط عنه إلّا أن يجتمع له من يصلّی به الجمعة، وقيل في وجوبها علی الإمام روايتان وممّن قال بسقوطها: الشّعبي والنّخعي والأوزاعي، وقيل: هذا مذهب عمر وعثمان وعليّ وسعيد وابن عمر وابن عباس وابن زبير، وقال أكثر الفقهاء تجب الجمعة لعموم الآية والأخبار الدالّة علی وجوبها، ولأنّهما صلاتان واجبتان فلم تسقط إحداهما بالاُخری كالظّهر مع العيد(1).

إلی هنا تمّ بحمد الله ومنّته ما أردنا أن نبحث عنه في باب صلاة العيدين وما يتعلّق بها من الأحكام، والحمد لله أوّلاً وآخراً.

❊ ❊ ❊

ص: 617


1- «المغني لابن قدامة» ج2/358.

مصادر التحقيق

1 - القرآن الكريم.

2 - الاحتجاج علی أهل اللجاج، أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي (م 548 ه-) نشر مرتضی، مشهد - ايران، الطبعة الاُولی، 1403 ه- .

3 - أحكام القرآن، أحمد بن عليّ الجصّاص (م 370 ه-)، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة الاُولی، 1405 ه- .

4 - أحكام القرآن لابن العربي، ابن العربي محمّد بن عبدالله بن أبوبكر (468 - 543 ه-)، دارالكتب العلميّة، بيروت - لبنان، الطبعة الاُولی، 1424 ه- .

5 - الاختصاص، محمّد بن محمّد بن النّعمان العكبري الملقب بالشّيخ المفيد (336 - 413 ه-)، المؤتمر العالمي لألفيّة الشّيخ المفيد، الطبعة الاُولی، 1413 ه- .

6 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه-)، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، الطبعة الاُولی، 1390 ه- .

7 - إشارة السبق إلی معرفة الحقّ، عليّ بن الحسن الحلبي (م قرن 6 ه-)، مؤسّسة النّشر الإسلامي التّابعة لجماعة المدرسين، قم المقدّسة، الطبعة الاُولی، 1414 ه- .

ص: 618

8 - الإشراف في عامّة فرائض أهل الإسلام، محمّد بن محمّد بن النّعمان العكبري الملقب بالشّيخ المفيد (336 - 413 ه-)، المؤتمر العالمي لألفيّة الشّيخ المفيد، الطبعة الاُولی، 1413 ه- .

9 - إصباح الشيعة بمصباح الشريعة، قطب الدّين الكيدري (حي إلی 610 ه-)، مؤسسة الإمام الصادق علیه السلام، قم، الطبعة الاُولی، 1416 ه- .

10 - اُصول الفقه، محمّد رضا المظفّر (1322 - 1383ه-)، مركز الطّباعة والنّشر التّابع لمكتب الإعلام الإسلامي، قم - إيران، الطبعة السّابعة، 1389 ش.

11 - الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السّنة، سيّد بن طاووس الحلّي(م 664 ه-)، مركز الطّباعة والنّشر التّابع لمكتب الإعلام الإسلامي، قم - إيران، الطبعة الاُولی، 1415 ه- .

12 - الاقتصاد الهادي إلی طريق الرّشاد، ابو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه-)، مكتبة چهلستون، طهران، الطبعة الاُولی، 1375 ه- .

13 -الأمّ، محمّد بن أدريس الشّافعي (م 204 ه-)، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الاُولی، 1403 ه- .

14 - أمالي الصّدوق، الشّيخ الصّدوق (م 381 ه-)، دار الكتب الإسلاميّة، طهران،الطبعة الاُولی، 1362 ش.

15 - أمالي الطوسي، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي(385 - 460 ه-)، دار الثقافة، قم - ايران، الطبعة الاُولی، 1414ه- .

16 - الانتصار في انفرادات الإماميّة، السيّد المرتضی (م 436 ه-)، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاُولی، 1415 ه- .

ص: 619

17 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار علیهم السلام ، محمّد باقر المجلسي (1037 - 1110 ه-)، مؤسّسه الوفاء، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية، 1403 ه- .

18 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ابن رشد الحفيد الأندلسي (م 595 ه-)، المجمع العالمی للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة، طهران، الطبعة الثانية، 1432 ه- .

19 -البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم بن سليمان البحراني (م 1107 ه-)، مؤسسة البعثة، قم المقدسة، الطبعة الاُولی، 1415 ه- .

20 - البيان، محمّد بن جمال الدّين المكي العاملي (الشّهيد الأوّل) (734- 786ه-)، مجمع الذّخائر الإسلاميّة، قم - إيران، الطبعة الاُولی، 1412 ه- .

21 - تاج العروس من جواهر القاموس، السيّد مرتضی الحسيني الزّبيدي الواسطي (م 1205 ه-)، دارالفكر للطّباعة والنّشر والتّوزيع، بيروت - لبنان، الطبعة الاُولی، 1414 ه- .

22 - تاريخ آل زرارة، السيّد محمّد عليّ الأبطحي، مطبعة ربّاني، اصفهان، الطبعة الاُولی، 1400 ه- .

23 - تحرير الأحكام الشّرعيّة علی مذهب الإماميّة، الحسن بن يوسف بن المطهّر العلّامة الحلّي( 648 - 726 ه-)، مؤسسة الإمام الصّادق علیه السلام، قم - إيران، الطبعة الاُولی، 1420 ه- .

24 - تحرير الوسيلة، روح الله الموسوي الخميني (1320 - 1409 ه-)، دار العلم، قم، الطبعة التاسعة، 1380 ش.

ص: 620

25 - التّحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي(م 1426ه-)، دار الكتب العلميّة، بيروت لبنان، الطبعة الثالثة، 2009 م - 1430 ه- .

26 - تذكرة الفقهاء، العلّامة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهر(648 - 726 ه-)، مؤسّسه آل البيت: لإحياء التّراث، قم، الطبعة الاُولی، 1414 ه- - 1372 ش.

27 - تفسير العيّاشي، محمّد بن مسعود بن محمّد بن العيّاشي السّمرقندي (م 320 ه-)، النّشر العلمية، طهران، الطبعة الاُولی، 1380 ه- .

28 - تفسير القمّي، عليّ بن إبراهيم القمّي (م بعد 307 ه)، دار الكتاب، قم، الطبعة الثالثة، 1404 ه- .

29 - التّنقيح في شرح العروة الوثقی، الميرزا عليّ الغروي التبريزي، تقريرات أبحاث المحقق الخوئي (1317 - 1413ه-)، دار الهادي للمطبوعات، قم، الطبعة الاُولی، 1410 ه- .

30 - تهذيب الأحكام، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه-)، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، الطبعة الرابعة، 1365 ش.

31 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، الشّيخ الصّدوق (م 381 ه-)، دار الشّريف الرّضي، ايران - قم، الطبعة الثانية، 1406ه- .

32 - جامع البيان في تفسير القرآن (التفسير الطبري)، محمّد بن جرير الطبري (م 310 ه-)، دار المعرفة، بيروت - لبنان، الطبعة الاُولی، 1412 ه- .

33 - جامع الرّواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والأسناد، محمّد بن عليّ الأردبيلي الغروي الحائري (م 1101 ه-)، دارالأضواء، بيروت - لبنان، الطبعة الاُولی 1403 ه- .

ص: 621

34 -الجامع للشرائع، يحيی بن سعيد الحلّي(م 689 ه-)، مؤسسة سيّد الشهداء العلميّة، قم، الطبعة الاُولی، 1405 ه- .

35 - جامع المقاصد في شرح القواعد، عليّ بن حسين العاملي الكركي الملقب بالمحقّق الثاني (م 940 ه-)، مؤسّسه آل البيت : لإحياء التّراث، قم المقدّسة، الطبعة الثّانية، 1414 ه- .

36 - جمال الاُسبوع بكمال العمل المشروع، سيّد بن طاووس الحلّي (م 664 ه-)، مؤسّسه الآفاق، الطبعة الاُولی، 1371 ش.

37 - جمل العلم والعمل، عليّ بن الحسين الموسوي (السّيد المرتضی) (م 436 ه-) مطبعة الآداب، الطبعة الاُولی، النجف الأشرف، 1387 ه- .

38 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، محمّد حسن النّجفي (م 1266 ه-)، دار إحياء التّراث العربي، بيروت، الطبعة السّابعة، 1403 ه- .

39 - الحاشية علی مدارك الأحكام، الوحيد البهبهاني (م 1205 ه-)، مؤسّسه آل البيت : لإحياء التّراث، قم، الطبعة الاُولی، 1419 ه- .

40 - الحجة في وجوب صلاة الجمعة في زمن الغيبة، المولی محمّد مقيم اليزدي(م1084ه-)، گلبهار، يزد.

41 - الحدائق النّاضرة في أحكام العترة الطاهرة، الشّيخ يوسف البحراني (م 1186ه- )، مؤسّسة النّشر الإسلامی التّابعة لجماعة المدرسين بقم المقدّسة، الطبعة الاُولی، 1405 ه- .

42 - حديث ولايت، مكتب قائد الثورة الإسلامية.

ص: 622

43 - خاتمة مستدرك الوسائل، حسين النّوري الطّبرسي (1254 - 1320 ه-)، مؤسّسه آل البيت علیهم السلام لإحياء التّراث، قم - ايران، الطبعة الاُولی، 1414 ه- .

44 - الخصال، الشّيخ الصّدوق (م 381 ه-)، المنشورات الإسلاميّة التّابعة لجامعة المدرسين، قم المقدّسة، الطبعة الاُولی، ذي القعدة 1403 ه-- 1362ش.

45 - الدّروس الشرعيّة في فقه الإماميّة، شمس الدّين محمّد بن مكي العاملي الشهيد الأوّل (734 - 786 ه-)، مؤسّسه النشر الإسلامی، قم، الطبعة الثانية، صفر المظفّر 1414 ه- .

46 - دعائم الإسلام، نعمان بن محمّد المغربي المعروف بابن حيّون (م 363 ه-)، مؤسّسه آل البيت علیهم السلام لإحياء التّراث، قم - ايران ، الطبعة الثانية ، 1385 ه- .

47 - ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد، المحقّق السّبزواري محمّد باقر بن محمّد المؤمن (م 1090 ه-)، مؤسّسه آل البيت علیهم السلام لإحياء التّراث، قم ، الطبعة الاُولی، 1247 ه- .

48 - ذكری الشّيعة في أحكام الشّريعة، محمّد بن جمال الدّين المكي العاملي الملقب بالشّهيد الأوّل (734 - 786ه-)، مؤسّسه آل البيت علیهم السلام لإحياء التّراث، قم، الطبعة الاُولی، 1418 ه- - 1376 ش.

49 - رجال ابن داود، الحسن بن عليّ بن داود الحلّي (647 - حيّ إلی 707 ه-)، المطبعة الحيدريّة، النجف الأشرف، الطبعة الاُولی، 1392 ه- .

50 - رجال العلّامة (خلاصة الأقوال)، الحسن بن يوسف بن المطهّر العلّامة الحلّي (648 - 726 ه-)، منشورات المطبعة الحيدريّة، النجف الأشرف، الطبعة الثانية، 1381 ه- .

ص: 623

51 - رجال الكشّي (اختيار معرفة الرجال)، محمّد بن عمر الكشّي (م قرن 4 ه-)، دار النّشر التابعة لجامعة مشهد، مشهد، الطبعة الاُولی، 1348 ش.

52 - رجال النّجاشي، أبو الحسن أحمد بن عليّ النّجاشي (372 - 450 ه-)، دار النّشر الإسلامي التابع لجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية، قم، الطبعة الاُولی، 1407 ه- .

53 - رسائل الشّهيد الثاني، زين الدّين عليّ الجبل عاملي (م 966 ه)، مكتبة بصيرتي، قم المقدّسة، الطبعة الاُولی، 1421 ه- .

54 - الرّسائل العشر، جمال الدّين أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي(م841 ه-)، مكتبة آية الله العظمی المرعشي النّجفي، قم المقدّسة، الطبعة الاُولی، 1409 ه- .

55 - رسائل المحقّق الكركي، عليّ بن الحسين العاملي الكركي المعروف بالمحقّق الثاني(م 940 ه-)، دار النّشر الإسلامي التابع لجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية، قم، الطبعة الاُولی، 1409 ه- .

56 - رسائل المرتضی، الشّريف المرتضی عليّ بن الحسين الموسوي (355 - 436 ه-)، دار القرآن الكريم، قم، الطبعة الاُولی، 1405 ه- .

57 - رسالة توضيح المسائل ده مرجع، مسلمي زاده، مؤسّسه منتظران موعود للدراسات، نشر هاتف، مشهد مقدّس، الطبعة الاُولى، 1384 ش.

58 - رسالة توضيح المسائل، الشّيخ حسين المظاهري، النّشر الشّفق، قم - ايران، الطبعة السادسة ، 1375 ش .

59 - رسالة توضيح المسائل، الشّيخ محمّد تقي بهجت، النّشر الشّفق، قم - ايران، الطبعة الثانية والتسعين، 1430 ه- .

ص: 624

60 - رسالة توضيح المسائل، الشّيخ محمّد عليّ الأراكي (العراقي)، دار النّشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامی في الحوزة العلمية، قم، شتاء سنة 1371 ش.

61 - رسالة توضيح المسائل، الشّيخ مكارم الشّيرازي، دارالنّشر الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام، قم - ايران، الطبعة الإثنين والخمسين، 1429 ه- .

62 - رسالة توضيح المسائل مراجع، سيّد محمّد حسن بني هاشمي الخميني، دار النّشر الإسلامي التابع لجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية، قم، الطبعة الثالثة عشرة، ربيع 1385 ش.

63 - الرّوضات الجنات في أحوال العلماء والسادات، السّيد محمّد باقر الخوانساري (م 1313 ه-)، مكتبة اسماعليليان، قم، الطبعة الاُولی، 1390 ه- .

64 - روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان، زين الدّين عليّ الجبل عاملي الملقب بالشّهيد الثاني(م 966 ه-)، دار النشر الإسلامی التابع للمركز الإعلامی في الحوزة العلمية، قم - إيران، الطبعة الاُولی، 1402 ه- .

65 - الرّوضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة، زين الدّين عليّ الجبعي العاملي الشّهيد الثاني(م966 ه-)، انتشارات دار التّفسير، قم، الطبعة الثالثة، 1382 ش.

66 - روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، محمّد تقي ابن مقصود علی الإصبهاني المشهور بالمجلسي الأوّل ( م 1070 ه-)، مؤسسة الثقافي الدينية كوشانبور، قم - ايران، الطبعة الثانية، 1406 ه- .

ص: 625

67 - رياض المسائل في بيان أحكام الشّرع بالدّلائل، السيّد عليّ الطباطبائي(م 1231 ه-)، مؤسّسة النّشر الإسلامی، قم المقدسة، الطبعة الاُولی، رمضان المبارك 1412 ه- .

68 - السّرائر الحاوي لتحرير الفتاوی، محمّد بن منصور ابن إدريس الحلّي (558 - 598 ه-) مؤسّسة النّشر الإسلامي، قم المقدّسة، الطبعة الثانية،1410 - 1411 ه- .

69 - سلسلة الينابيع الفقهيّة، عليّ أصغر مرواريد، مؤسّسه فقه الشّيعة، بيروت - لبنان، الطبعة الاُولی، 1410 ه- - 1990 م.

70 - سنن ابن ماجة القزويني، محمّد بن يزيد القزويني (209 - 273 ه-)، دار الجيل، بيروت، الطبعة الاُولی، 1418 ه- .

71 - سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث السّجستاني (202 - 275 ه-)، دار الحديث، القاهرة، الطبعة الاُولی، 1420 ه- .

72 - سنن التّرمذي، محمّد بن عيسی التّرمذي (209 - 279 ه-)، دار الحديث، القاهرة، الطبعة الاُولی، 1419 ه- .

73 - شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، نجم الدّين جعفر بن الحسن المحقّق الحلّي(602 - 676 ه-)، مؤسّسة إسماعيليان، قم - إيران، الطبعة الثّانية، 1408 ه- .

74 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، عبدالحميد بن هبة الله بن أبي الحديد (م 656 ه-)، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم، الطبعة الاُولی ، 1404 ه- .

ص: 626

75 - الشّهاب الثّاقب في وجوب صلاة الجمعة العيني، ملا محسن الفيض الكاشاني (م 1091 ه-)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت- لبنان، الطبعة الثانية، 1401 ه- .

76 - صحيح البخاري، محمّد بن إسماعيل البخاري (194 - 256 ه-)، دار الفكر، بيروت، الطبعة الاُولی، 1401 ه- .

77 - الصّحيح من سيرة النّبيّ الأعظم صلی الله علیه و آله و سلم، جعفر مرتضی العاملي، دار الهادي، بيروت - لبنان، الطبعة الرّابعة، 1995 م - 1415 ه- .

78 – صحيفه ی نور، سلسلة وصايا الإمام الخميني قدس سره (1320 - 1409 ه-)، مركز الوثائق الثّقافية للثّورة الإسلامية، الطبعة الاُولی، ربيع سنة 1365 ش.

79 - صلاة الجمعة، الشّيخ مرتضی الحائري (م 1406 ه-)، دار النّشر الإسلامي التابع لجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية، قم، الطبعة الاُولی، 1409 ه-.

80 - عدة الدّاعي ونجاح السّاعي، أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (م 841 ه-)، دارالكتب الإسلاميّة، الطهران، الاُولی، 1407 ه- .

81 - العروة الوثقی، محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي(1247 - 1338ه-) مع تعليقات آية الله العظمی مكارم الشيرازي وعدّة من الفقهاء العظام، دار نشر الإمام عليّ بن أبی طالب علیه السلام، قم، الطبعة الثانية، 1430 ه- - 1388 ش.

82 - علل الشّرائع، الشّيخ الصّدوق (م 381 ه-)، كتابفروشی داوري، قم - ايران، الطبعة الاُولی، 1386ه- .

83 - عوالم العلوم والمعارف والأقوال من الآيات والأخبار والأقوال، للشّيخ البحراني الإصفهاني (م قرن 12 ه-)، مؤسسة الإمام المهدي ، قم المقدسة، الطبعة الاُولی، 1413 ه- .

ص: 627

84 - عيون أخبار الرّضا علیه السلام، الشّيخ الصّدوق (م 381 ه)، نشر جهان، تهران، الطبعة الاُولی، 1378 ه- .

85 - غاية المراد في شرح نكت الإرشاد، محمّد بن جمال الدّين المكي العاملي الملقب بالشّهيد الأوّل (734 - 786 ه-)، مركز الطباعة والنّشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، قم - ايران، الطبعة الاُولی، 1414 ه- .

86 - غنية النزوع إلی علمي الاُصول والفروع، ابن زهرة الحلبي(م 585 ه-)، مؤسسة الإمام الصادق علیه السلام، قم، الطبعة الاُولی، 1417 ه- .

87 - الفقه علی المذاهب الأربعة، عبد الرّحمن الجزيري، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة السابعة، 1406 ه- - 1986 م .

88 – فقه القرآن للراوندي، قطب الدّين الراوندي(م 573 ه-)، انتشارات مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم، الطبعة الثانية، 1405 ه- .

89 - الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفليّة، زين الدّين عليّ الجبعي العاملي الملقب بالشّهيد الثاني (م966 ه-)، مركز الطّباعة والنّشر التّابع لمكتب الإعلام الإسلامي، قم - إيران، الطبعة الاُولی، 1420 ه- .

90 - قرب الإسناد، عبد الله بن جعفر الحميري (م قرن 3 ه-)، مؤسّسه آل البيت علیهم السلام لإحياء التّراث، قم المقدّسة، الطبعة الاُولی، 1413ه- .91 – قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام، الحسن بن يوسف بن المطهّر العلامة الحلّي (648 - 726 ه)، دار النّشر الإسلامي التابع لجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية، قم، الطبعة الاُولی، 1413 ه- .

92 – الكافي، محمّد بن يعقوب الكليني (م329 ه-)، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، الطبعة الرابعة، 1407 ه- .

ص: 628

93 - الكافي في الفقه، تقيّ الدّين بن نجم الدّين أبو الصّلاح الحلبيّ (374 - 447 ه-)، مركز الطّباعة والنّشر التّابع لمكتب الإعلام الإسلامي، قم - إيران، الطبعة الاُولی، 1430ه- - 1387 ش.

94 - كتاب الخلاف، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، (385 - 460 ه-)، مؤسّسه النشر الإسلامي، قم، الطبعة الرّابعة، 1415 ه- .

95 - كتاب الصّلاة، الشّيخ الأعظم الأنصاري (م 1281 ه-)، المؤتمر العالمي لتراث الشّيخ الأعظم، قم - ايران، الطبعة الاُولی، 1415 ه- .

96 -كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي (م 175 ه-)، مؤسّسه دار الهجرة، قم - إيران، الطبعة الثانية،1409 ه- .

97 -كتاب الغيبة للحجة، الشّيخ الطوسي (م 460 ه-)، دار المعارف الإسلاميّة، قم المقدسة، الطبعة الاُولی، 1411 ه-..

98 -كشف الرّموز في شرح المختصر النّافع، الفاضل الآبي(حي إلی 672 ه-)، مؤسّسه النّشر الإسلامي، قم، الطبعة الثالثة، 1417 ه- .

99 - كشف الغطاء عن مبهمات الشّريعة الغراء (ط- الحديثة)، جعفر بن خضرالكاشف الغطاء (م 1228 ه-)، دارالنشر الإسلامي التابع للمركز الإعلامي في الحوزة العلمية، قم - إيران، الطبعة الاُولی، 1422 ه- .

100 - كشف اللثام والإبهام عن قواعد الأحكام، محمّد بن الحسن الفاضل الهندي (م 1137 ه-)، دار النشر الإسلامي التابع لجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية، قم، الطبعة الاُولی، 1416 ه- .

ص: 629

101 - كفاية الأحكام، المحقّق السّبزواري محمّد باقر بن محمّد المؤمن (م 1090 ه-)، دار النشر الإسلامي التابع لجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية، قم، الطبعة الاُولی، 1423 ه- .

102 - كفاية الاُصول، الآخوند الخراساني المولی محمّد كاظم (1255 - 1329 ه-)، مؤسّسه آل البيت : لإحياء التّراث، بيروت، الطبعة الاُولی، 1411 ه- - 1990 م.

103 - كمال الدّين وتمام النعمة، محمّد بن علیّ بن بابويه (م 381 ه-)، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، الطبعة الثانية، 1395ه- .

104 - كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، علاء الدّين عليّ المتقي بن حسام الدّين الهندي (م 975 ه-)، مؤسسة الرّسالة، بيروت - لبنان، الطبعة الخامسة، 1405 ه- - 1985 م.

105 - كنز الفوائد، محمّد بن عليّ الكراجكي (م 449 ه-)، دار النّشر الإسلامي التابع لجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية، قم، الطبعة الاُولی، 1416 ه- .

106 - لسان العرب، محمّد بن مكرم بن منظور المصري (630 - 711 ه-)، دارالفكر للطباعة والنشر، بيروت - لبنان، الطبعة الثالثة، 1414 ه- .

107 - المبسوط في فقه الإماميّة، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي(385 -460 ه-) المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة، طهران - إيران، الطبعة الثّالثة، 1387 ه- .

108 - مجمع البحرين، فخر الدّين الطّريحي (979 - 1087 ه-)، مكتب نشر فرهنگ إسلامی، طهران، الطبعة الثانية، 1408 ه- - 1367 ش.

ص: 630

109 - مجمع البيان في تفسير القرآن، الفضل بن الحسن الطبرسي المعروف بأمين الإسلام (م 548 ه-)، انتشارات ناصر خسرو، تهران، الطبعة الثالثة، 1372 ش.

110 - مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، أحمد بن محمّد المقدّس الأردبيلي(م 993 ه-)، دار النّشر الإسلامي التابع لجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية، قم، الطبعة الاُولی، 1403 ه- .

111 - المجموع في شرح المهذّب، يحيی بن شرف النووي الشّافعي(م 676 ه-)، دار الفكر، بيروت، الطبعة الاُولی.

112 - المحاسن، أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 274 ه-)، دار الكتب الإسلاميّة، قم، الطبعة الثانية، 1371ه- .

113 - مختصر التحفة الإثنی عشرية، محمود شكري الآلوسي (م 1270 ه-)، المطبعة السلفية، القاهرة، الطبعة الاُولی، 1373 ه- .

114 - المختصر النافع في فقه الإماميّة، نجم الدّين جعفر بن الحسن المحقّق الحلّي (م 676 ه-)، قم، المنشورات المصطفوي، الطبعة الاُولی.115 - مختلف الشّيعة في أحكام الشّريعة، الحسن بن يوسف بن المطهّر العلّامة الحلّي(648 - 726 ه-)، مؤسّسه النّشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية، رمضان المبارك 1413 ه- .

116 - مدارك الأحكام في شرح شرائع الأحكام، السّيد محمّد بن عليّ الموسوي العاملي(م 1009 ه-)، مؤسّسه آل البيت علیهم السلام لإحياء التّراث، مشهد المقدّسة، الطبعة الاُولی، محرّم الحرام 1410 ه- .

117 - مدارك العروة، الشّيخ علی بناه الاشتهاردي (1340- 1429 ه-)، دار الاُسوة للطباعة والنشر، طهران - ايران، الطبعة الاُولی، 1417 ه- .

ص: 631

118 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول صلی الله علیه و آله و سلم، محمّد باقر المجلسي (1037 - 1110 ه-)، دارالكتب الإسلاميّة، ايران، الطبعة الثانية، 1404 ه- .

119 - المراسم العلويّة في الأحكام النّبويّة في الفقه الإماميّة، سلّار بن عبد العزيز(م قرن 5 ه-)، منشورات الحرمين، قم، الطبعة الاُولی، 1404 ه- .

120 - مسار الشّيعة في مختصر تواريخ الشّريعة، محمّد بن محمّد بن النّعمان العكبري الملقب بالشّيخ المفيد(336 - 413 ه-)، المؤتمر العالمی لألفيّة الشّيخ المفيد، الطبعة الاُولی، 1413 ه- .

121 – مسالك الأفهام إلی تنقيح شرائع الإسلام، زين الدّين عليّ الجبعي العاملي الشّهيد الثاني(م966 ه-)، مؤسسة المعارف الإسلاميّة، قم، الطبعة الاُولی، 1413 ه- .

122 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، حسين النّوري الطبرسي (1254 - 1320 ه-)، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التّراث، بيروت، الطبعة الاُولی، 1408 ه- - 1988 م.123 - مستمسك العروة الوثقی، السيّد محسن الطباطبائي الحكيم(م 1390 ه-)، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة الاُولی.

124 - مستند الشّيعة في أحكام الشّريعة، أحمد بن محمّد مهدي النراقي(م 1245 ه-)، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التّراث، بيروت - لبنان، الطبعة الاُولی، 1429 ه- - 2008 م.

125 - المصباح (جنة الأمان الواقية وجنة الإيمان الباقية)، ابراهيم بن علي الكفعمي العاملي (م 905 ه-)، دار الرّضي، قم - ايران، الطبعة الثانية، 1405 ه- .

ص: 632

126 - مصابيح الظّلام، محمّد باقر بن محمّد الأكمل البهبهاني، (م 1205 ه-)، مؤسّسة العلّامة الوحيد البهبهاني، قم - إيران، الطبعة الاُولی، 1424 ه- .

127 - مصباح الفقيه، الحاج آقا رضا الهمداني (م 1322 ه-)، مكتبة الصّدر، طهران، الطبعة الاُولی.

128 - مصباح المتهجّد، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه-)، مؤسّسه فقه الشّيعة، بيروت - لبنان، الطبعة الاُولی، 1411 ه- - 1991 م.

129 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، أحمد بن محمّد الفيومي (م 770 ه-) مؤسسة دار الهجرة، قم، الطبعة الثانية، 1414 ه- .

130 - معاني الأخبار، محمّد بن عليّ بن بابويه (م 381 ه-)، دار النّشر الإسلامي التابع لجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية، قم، الطبعة الاُولی، 1403 ه-.

131 - المعتبر في شرح المختصر، المحقّق الحلّي(م 676 ه-)، مؤسسة سيّد الشّهداء علیه سلام، قم، الطبعة الاُولی، 1407 ه- .

132 - معتصم الشّيعة في أحكام الشّريعة، ملا محسن الفيض الكاشاني (م 1091 ه-)، انتشارات مدرسة العالي الشّهيد المطهري، طهران، الطبعة الاُولی، 1429 ه- .

133 - معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرجال، السيّد أبو القاسم الخوئي( 1317 - 1413 ه-)، دار الزهراء، بيروت، الطبعة الاُولی، 1409 ه- .

134 -معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس بن زكريّا (م 395 ه-)، مكتب الأعلام الإسلامي، قم، الطبعة الاُولی، جمادي الآخرة 1404 ه- .

135 -المغني، ابن قدامة (م 630 ه)، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان.

ص: 633

136 - مفردات ألفاظ القرآن، الرّاغب الإصفهاني (م 425 ه-)، دار القلم، دمشق، الطبعة الاُولی، 1412 ه- - 1992 م.

137 - المقنع، الشّيخ الصّدوق محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي (م381 ه-)، مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام، قم - إيران، الطبعة الاُولی، 1415 ه- .

138 - المقنعة، محمّد بن محمّد بن النّعمان العكبريّ الملقب بالشّيخ المفيد (م 413 ه-) مركز الطّباعة والنّشر التّابع لمكتب الإعلام الإسلامي، قم - إيران، الطبعة الرّابعة، 1417 ه- .

139 - مكارم الأخلاق، حسن بن الفضل الطبرسي (م قرن 6 ه-)، الشريف الرضي، قم ، الطبعة الرابعة، 1412 ه- .

140 - مناهج الأحكام في مسائل الحلال والحرام، الميرزا أبوالقاسم القمّي (1151 - 1231 ه-)، دار النّشر الإسلامي التابع لجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية، قم، الطبعة الاُولی، 1420 ه- .141 - منتهی الآمال المعرّب، الشّيخ عبّاس القمّي، مؤسّسة النّشر الإسلامي، قم، الطبعة الخامسة، 1422 ه- .

142 - منتهی المطلب في تحقيق المذهب، العلّامة الحلّي (648 - 726 ه-)، مجمع البحوث الإسلاميّة، مشهد - ايران، الطبعة الاُولی، 1412 ه- .

143 - من لا يحضره الفقيه، الشّيخ الصّدوق (م 381 ه-)، مؤسّسه النّشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1413 ه- .

144 - المهذّب، القاضی ابن البرّاج الطبرابلسي (م 481 ه-)، مؤسّسه النّشر الإسلامي، قم المقدسة، الطبعة الاُولی، جمادی الاُولی 1406 ه- .

ص: 634

145 - نماز جمعه يا قيام توحيدی هفته، السيّد محمّد جواد الموسوي الغروي (م 1426 ه-)، دفتر نشر جمعه، اصبهان، الطّبعة الثالثة.

146 - نهاية الإحكام في معرفة الأحكام، العلّامة الحلّي (648 - 726 ه-)، مؤسّسة إسماعيليان، قم، الطبعة الثّانية، 1410 ه- .

147 - النّهاية في مجرّد الفقه والفتاوى، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه-) دار الكتب العربية، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية، 1400 ه- .

148 - الوافي، ملا محسن الفيض الكاشاني (م 1091 ه-)، مكتبة الإمام أميرالمؤمنين عليّ علیه السلام، اصبهان - ايران، الطبعة الاُولی ، 1406 ه- .

149 - وسائل الشّيعة إلی تحصيل مسائل الشّريعة، الشّيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (م 1104 ه-)، مؤسّسه آل البيت علیهم السلام لإحياء التّراث، قم المقدّسة، الطبعة الاُولی، 1410 ه- .150 - الوسيلة إلی نيل الفضيلة، محمد بن عليّ بن حمزة الطوسي (حی إلی 566 ه-)، مكتبة آية الله المرعشي النّجفي، قم - ايران، الطبعة الاُولی، 1408 ه- .

❊ ❊ ❊

ص: 635

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.