بحوث في الفقه : الخمس و الإنفال

هوية الکتاب

بطاقة تعريف:فقیهي البزشکي، محمدرضا، 1345 -

عنوان واسم المؤلف:کتاب الخمس والانفال/ محمدرضا الفقیهي البزشکي؛ [ أمر بها] دارالحکمة...[و اخرين].

تفاصيل المنشور:تهران: میراث شرق، 1444ق.= 1401.

مواصفات المظهر:800 ص.

شابک:978-622-7983-99-9

حالة الاستماع:فاپا

لسان: العربية.

ملحوظة:[ أمر بها] دارالحکمة، مرکز بین المللی فجرنا، مركز التدريس والتعلم، الناشرون زاگرس.

ملحوظة:فوق العنوان: بحوث في الفقه.

ملحوظة:کتابنامه:ص.[779]- 800؛ همچنین به صورت زیرنویس.

عنوان آخر:بحوث في الفقه.

مشكلة:خمس

*Khums

المعرف المضاف:موسسة دارالحکمة کانادا

المعرف المضاف:House of Wisdom Institute of Canada

ترتيب الكونجرس:BP188/6

تصنيف ديوي:297/356

رقم الببليوغرافيا الوطنية:8783197

معلومات التسجيلة الببليوغرافية:فاپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

بحوث في الفقه

الخُمس والأنفال

محمّدرضا الفقيهي البزشكي

ص: 3

ص: 4

محتويات الكتاب

_Toc105907592

الإهداء:..... 18

تمهيد:..... 22

حكمة تشريع الخُمس والزكاة في الشريعة المقدسة:..... 48

الخمس في المعنی والمفهوم:..... 53

دليل وجوب الخمس:..... 56

الفصل الأوّل : فيما يجب فيه الخمس..... 75

الأوّل من السبعة الّتي يجب فيها الخمس: الغنائم المأخوذة من الكفار من أهل الحرب:..... 79

ما استدلّ به علی وجوب الخمس في الغنائم الحربيّة:..... 81

الشرائط اللازمة في الغنائم المأخوذة من الكفار من أهل الحرب:..... 85

بقي هنا اُمور:..... 97

ص: 5

الأوّل: هل يجب الخمس في الغنائم الغير قابلة للنقل كما يجب في المنقول منها؟..... 97

الأمر الثاني: فيما يستثنی من الغنيمة قبل التخميس:..... 105

إن لم يكن الغزو بإذن الإما علیه السلام أو نائبه:..... 130

الأمر الثالث: لافرق في الغنيمة بين ما تؤخذ من الكفار حين السريّة، وما تؤخذ منهم بعد ما وضع الحرب أوزارها:..... 135

بقي هنا مسائل خَمس، ذكرها المصنف رحمه الله بعنوان ملحقات مسائل خُمس الغنائم:..... 138

المسألة الاُولی: في حكم الإغارة علی الكفّار وأخذ أموالهم، وحكم ما يؤخذ منهم بالسرقة والغيلة، أو بالربا والدعوی الباطلة:..... 138

المسألة الثانية: في حكم أخذ مال النصّاب:..... 142

المسألة الثالثة: اشتراط كون الغنيمة غير مغصوب من مسلم أو ذميّ أو معاهد ونحوهم من محترمي المال:..... 156

المسألة الرابعة: هل للغنيمة نصاب؟..... 162

المسألة الخامسة: هل في السلب خمس؟..... 164

الثاني ممّا يجب فيه الخمس: المعادن..... 169

تعريف المعدن عند أرباب اللغة واصطلاح الفقهاء:..... 173

دليل وجوب الخمس في المعادن:..... 178

بقي هنا مسائل:..... 184

الاُولی: عدم اشتراط البلوغ والعقل ولا الإسلام في وجوب خمس المعادن:..... 184

ص: 6

المسألة الثانية: هل يعتبر في وجوب خمس في المعادن النصاب؟ وعلی تقديره فما هو مقداره؟..... 188

حجة الأقوال:..... 191

المسألة الثالثة: هل الخمس في المقام بعد إخراج المؤونة والتصفية أم قبلهما؟..... 196

بقي هنا اُمور:..... 203

الأوّل: هل يعتبر كون الخارج البالغ حدّ النصاب في دفعة واحدة أم تكفي الدفعات؟..... 203

الثاني: هل يعتبر وحدة المخرِج (بالكسر) أم يكفي المتعدّد كالمخرَج (بالفتح)؟..... 206

الثالث: هل يعتبر اتحاد جنس المخرَج أم لا؟..... 208

الرابع: عدم اعتبار استمرار تكوّن المعدن ودوامه في وجوب الخمس..... 211

هاهنا مسائل:..... 212

المسألة الاُولى: حكم خمس تراب المعدن قبل التصفية..... 212

المسألة الثانية: هل مباشرة الاستخراج فيما يحتاج إليه شرط في وجوب الخمس بعنوان المعدنيّة أم لا؟..... 217

المسألة الثالثة: حكم ملكيّة المعادن المستخرجة:..... 220

المسألة الرابعة: جواز استيجار الغير أو العبد لاستخراج المعدن:..... 228

المسألة الخامسة: لو عمل فيما أخرجه قبل إخراج خمسه:..... 230

المسألة السادسة: اختبار النصاب عند الشك:..... 234

الثالث: من السبعة الّتي يجب فيها الخمس: الكنز..... 236

الكنز في المعنى والمفهوم: 236

ص: 7

دليل وجوب الخمس في الكنوز والركاز:..... 242

مدى دلالة الأخبار على القيود الّتي يقال أنّها دخيلة في ثبوت الحكم أو صدق الموضوع لدى الفقهاء:..... 246

منها: القصد:..... 246

ومنها: جنس المخرج:..... 246

ومنها: مكان الّذي يوجد فيه الكنز:..... 250

بقي هنا أمران:..... 255

ومنها: مسألة النصاب والمقدار:..... 256

هاهنا مسائل سبع:..... 259

الاُولى: حكم الكنوز الموجودة في أراضي المستأجرة أو المستعارة:..... 259

الثانية: لو علم كون الكنز لمالك محترم:..... 260

الثالثة: حكم الكنوز المتعددة:..... 261

الرابعة: وحدة الإخراج وتعدّده:..... 262

الخامسة: لو وجد في جوف الدابّة أو السمكة المشتراة شيئاً:..... 263

السادسة: النصاب في الكنز بعد إخراج مؤونة الحيازة:..... 267

السابعة: إذا اشترك جماعة في كنز:..... 267

الرابع من السبعة الّتي يجب فيها الخمس: «الغوص»..... 269

دليل وجوب الخمس في الغوص:..... 271

الكلام في نصاب الغوص:..... 277

بقي هنا اُمور:..... 281

الأوّل: هل هناك فرق بين اتحاد النوع وتعدّده؟..... 281

ص: 8

الثاني: هل يفصل فيه بين الدفعة والدفعات؟..... 281

الثالث: هل يشترط في بلوغ النصاب وصوله مستقلّاً أم يكفي فيه اشتراك جماعة؟..... 283

الرابع: إخراج الخمس قبل الموؤنة أم بعدها؟..... 284

الخامس: حكم المخرج بالآلات بلا غوص، والإخراج بشده بآلة بعد غوص:..... 285

السادس: حكم ما يؤخذ من وجه الماء بلا غوص:..... 285

السابع: حكم الأخذ من الغواص:..... 287

الثامن: حكم الغوص في الماء من غير قصد الحيازة ومصادفة الجوهر:..... 288

التاسع: إذا أخرج بالغوص حيواناً وكان في بطنه شيء من الجواهر:..... 288

العاشر: حكم الأنهار العظيمة كدجلة والنيل والفرات حكم البحر:..... 290

الحادي عشر: حكم ما غرق شيء في البحر وأعرض عنه مالكه:..... 291

الثاني عشر: حكم المعادن الواقعة تحت الماء:..... 293

الثالث عشر: في العنبر ونصاب خمسه:..... 294

الخامس من السبعة الّتي يجب فيه الخمس: «المال الحلال المخلوط بالحرام»..... 298

دليل وجوب الخمس في المال الحلال المخلوط بالحرام:..... 301

صور الأموال المخلوطة بالحرام:..... 305

هاهنا اثنتا عشرة مسألة:..... 313

المسألة الاُولى: أنواع أنحاء الاختلاط..... 313

المسألة الثانية: حكم ما لو علم إجمالاً أن الحرام أكثر من الخمس..... 314

ص: 9

المسألة الثالثة: حكم معرفة المالك إجمالاً..... 317

المسألة الرابعة: إذا كان حقّ الغير في الذمّة..... 320

المسألة الخامسة: هل للمختلط هنا خيار في إعطاء الخمس من نفس ما تعلّق به الخمس أو من مال آخر؟..... 323

المسألة السادسة: لو تبيّن المالك بعد إخراج الخمس أو الصدقة..... 324

المسألة السابعة: لو علم بعد إخراج الخمس أنّ الحرام أزيد من الخمس أو أقلّ منه..... 326

المسألة الثامنة: لو خلط الحلال بالحرام عن علم وعمد خوفاً من كونه أكثر من الخمس..... 328

المسألة التاسعة: لو كان المال المختلط ممّا تعلّق به الخمس من غير هذه الجهة..... 330

المسألة العاشرة: إذا اختلط الحرام من الخمس أو الزكاة أو الأوقاف العامّة أو الخاصّة..... 334

المسألة الحادية عشرة: إذا أتلف المال المختلط قبل إخراج خمسه أو تلف في يده على نحو يوجب الضمان..... 335

المسألة الثانية عشرة: لو باع المال المختلط بالحرام قبل إخراج خمسه..... 337

السادس من السبعة الّتي يجب فيه الخمس على ما قالوا: «الأرض الّتي اشتراها الذمّي من المسلم»..... 338

هل المراد بثبوت الخمس هنا ثبوته في رقبة الأرض أو في عوائدها ومنافعها؟..... 345

بقي هنا اُمور: 350

الأوّل: هل الحكم عام يشمل جميع الأراضي، أو يختص المزرع فقط؟..... 350

ص: 10

الثاني: هل مصرف هذا الخمس مصرف غيره من الأخماس أم لا؟..... 352

الثالث: هل الحكم هنا خاصّ بالشراء، أم يشمل لمطلق المعاوضات، بل مطلق الانتقالات حتی مثل الهبة غير المعوضة؟..... 354

الرابع: إذا كانت الأرض مشغولة بشجر أو بناء فهل الخمس يتعلق بالأرض فقط، أم هي معها؟..... 356

الخامس: تخيير الذمّي بين دفع الخمس من نفس الأرض أو قيمتها..... 356

السادس: إذا كانت الأرض مشغولة بشجر أو بناء فليس لوليّ الخمس قلع أشجارها ولا هدم بنيانها..... 357

السابع: عدم النصاب والحول ونية القربة في هذا القسم من الخمس..... 357

ثمّ إنّ هاهنا مسائل عشر قد تعرّضها السيّد صاحب «العروة»، هي كما تلي:..... 359

الاُولى: هل الحكم هنا يشمل للأراضي المفتوحة عنوة أم لا؟..... 359

المسألة الثانية: عدم اسقاط الخمس عن الذمّي ببيعه الأرض قبل إخراج خمسها وإن كان لمسلم آخر، أو بإقالته المسلم له في البيع ونحوهما..... 362

المسألة الثالثة: إذا اشترى الذمّي الأرض من المسلم وشرط عليه عدم الخمس..... 364

المسألة الرابعة: إذا اشترى الذمّي الأرض من مسلم فيخرجها من ملكه ثمّ اشتراها ثانياً..... 365

المسألة الخامسة :إذا اشترى الأرض من مسلم ثمّ أسلم بعد الشراء..... 367

المسألة السادسة: لوتملّك الذمّي الأرض من كافر ذمّياً كان أو غير ذمّي فيما كان مشروطاً بالقبض فأسلم الناقل قبل قبضه..... 369

ص: 11

المسألة السابعة: عدم سقوط الخمس عن الذمّي إذا شرط عليه البائع أن يبيعها بعد الشراء من مسلم..... 371

المسألة الثامنة: إذا اشترى المسلم من الذمّي أرضاً ثمّ فسخ بإقالة أو بخيار..... 372

المسألة التاسعة: يلحق بالذمّي والمسلم في ذلك كلّه من هو في حكم أحدهما من صبيانهم ومجانينهم..... 373

المسألة العاشرة: شراء الخمس بعد إقباضه وتسليمه إلى أربابه..... 374

السابع ممّا يجب فيه الخمس ما يفضل من مؤونة السنة له ولعياله من الصناعات والزراعات وأرباح التجارات..... 375

ما استدلّ به على وجوب الخمس في أرباح المكاسب والتجارات:..... 378

استثناء المؤونة وفروعاتها:..... 385

ما استدلّ به على أنّ المراد بالمؤونة هنا مؤونة السنة:..... 389

ما المراد من الرّبح في المقام؟..... 392

بقي هنا مسائل:..... 403

أمّا المسائل المرتبطة بفروعات الأرباح:..... 403

المسألة الاُولى: إذا علم أنّ مورثه لم يؤدّ خمس ما تركه..... 403

المسألة الثانية: هل يجب الخمس فيما ملك بالخمس أو الزكاة أو الصدقة المندوبة إذا زاد عن مؤونة السنة؟..... 405

المسألة الثالثة: إذا اشترى شيئاً ثمّ علم أنّ البائع لم يؤدّ خمسه..... 407

المسألة الرابعة: في حكم النماءات المتصلة والمنفصلة والحكميّة..... 409

المسألة الخامسة: حكم تنزّل القيمة قبل تمام السنة، وبعدها من جهة الضمان وعدمه..... 415

ص: 12

المسألة السادسة: حكم خمس عمران البستان وغرس الأشجار فيه..... 417

المسألة السابعة: إذا كان له أنواع من الاكتساب وأصناف من الأرباح المختلفة من حيث الزّمان فهل يضمّ بعضها إلى بعض ويحسب المجموع ربحاً واحداً، أم يكون لكلّ واحد عام مستقل برأسه؟..... 419

المسألة الثامنة: اشتراط استقرار الرّبح في وجوب الخمس..... 427

المسألة التاسعة: حكم الخمس في مورد الإقالة..... 429

المسألة العاشرة: حكم تخميس رأس المال..... 431

المسألة الحادية عشرة: في تعيين مبدأ السنة..... 434

وأمّا المسائل المرتبطة بفروعات المؤونة..... 438

الكلام في ماهية المؤونة ومفهومها:..... 438

بقي هنا اُمور:..... 443

الأوّل: لزوم كون مؤونة المستثناة على حدّ تكون لائقة بحاله موافقة لشأنه..... 443

الأمر الثاني: هل هناك فرق بين أروش الجنايات والإتلافات العمديّة وغيرها أم لا؟..... 446

الأمر الثالث: هل تعتبر اللياقة والموافقة في الاُمور القربيّة والعباديّة كما تعتبر في معيشة الرابح وعياله؟..... 447

بقي هنا مسائل:..... 452

المسألة الاُولى: حكم الآلات المحتاج إليها في الكسب..... 452

المسألة الثانية: بقاء المؤونة للسنين الآتية..... 453

المسألة الثالثة: إخراج المؤونة من الرّبح مع وجود مال آخر لا خمس فيه..... 454

ص: 13

المسألة الرابعة: هل المعيار في المؤونة الصرف الفعلي أو أعمّ منه ومن الصرف التقديري؟..... 461

المسألة الخامسة: القرض للمؤونة..... 463

المسألة السادسة: زيادة المؤونة، والاستغناء عنها..... 464

المسألة السابعة: موت المكتسب أثناء الحول..... 469

المسألة الثامنة: مؤونة السنة أو السنوات السابقة..... 470

المسألة التاسعة: هل تحتسب مصارف الحج من المؤونة؟..... 471

المسألة العاشرة: أداء الدَّين من المؤونة أم لا؟..... 476

المسألة الحادية عشرة: مبدأ تعلّق الخمس بالأرباح..... 480

المسألة الثانية عشرة: عدم جبر التالف بالرّبح..... 488

المسألة الثالثة عشرة: جبر الخسران بالرّبح..... 489

المسألة الرابعة عشرة: تعلّق الخمس بالعين..... 494

المسألة الخامسة عشرة: حكم التصرف في بعض الرّبح..... 507

المسألة السادسة عشرة: ربح الخمس وحكم الّذين لم يحاسبوا خمس أموالهم سنين متعدّدة أو منذ كان مكلّفاً به..... 509

المسألة السابعة عشرة: نقل الخمس إلى الذمّة..... 515

المسألة التاسعة عشرة: الشراء بمال غير مخمس..... 520

المسألة العشرون: مصارف الحجّ والزيارات من المؤونة..... 521

المسألة الحادية والعشرون: لو كان الغوص أو المعدن مكسباً له..... 523

المسألة الثانية والعشرون: خمس منافع الزوجة المكتسبة..... 527

ص: 14

المسألة الثالثة والعشرون: هل يشترط التكليف والحريّة في تعلّق الخمس بالأموال أم لا؟..... 528

الفصل الثاني : في قسمة الخمس ومستحقّيه..... 543

الكلام في عدد السّهام ومستحقّيه..... 543

بقي هنا اُمور:..... 571

بقي هنا مسائل:..... 578

المسألة الاُولى: إذا تعدّد أسباب الاستحقاق في شخص واحد..... 578

المسألة الثانية: عدم وجوب البسط على الأصناف..... 580

المسألة الثالثة: مستحقّ الخمس هو من انتسب إلى هاشم جدّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم بالاُبوة..... 591

المسألة الرابعة: بما ذا يثبت النسب؟..... 608

المسألة الخامسة: حكم إعطاء الخمس إلى واجب النفقة..... 612

المسألة السادسة: لا يجوز الإعطاء فوق الكفاية..... 616

المسألة السابعة: حكم الخمس في زمن الغيبة بالنسبة إلى سهم الإما علیه السلام وسهم السّادة..... 620

وأمّا حكم الخمس بالنسبة إلى سهم الأصناف ومتولّيه..... 655

هل يجوز إعطاء الخمس إلى غير من يقلّده في الأحكام الشرعيّة، أم لا؟..... 660

المسألة الثامنة: حكم نقل الخمس من بلده إلى بلد آخر..... 662

المسألة التاسعة: لو أذن الفقيه في النقل، أو وكلّه في قبضه عنه وفي انتقاله..... 667

المسألة العاشرة: مؤونة النقل في كلتي صورتي الجواز والوجوب..... 669

ص: 15

المسألة الحادية عشرة: فروض الّتي لا يصدق عليها عنوان النقل الممنوع..... 671

المسألة الثانية عشرة: لو كان ما فيه الخمس في غير بلده..... 673

المسألة الثالثة عشرة: هل التفاصيل المذكورة في مسألة نقل الخمس من بلد إلى غيره ناظرة إلى خصوص سهم السادة، أو تشمل سهم الإما علیه السلام أيضاً؟..... 674

المسألة الرابعة عشرة: جواز دفع المالك خمسه من مال آخر نقداً أو عروضاً إذا كان بقيمته الواقعيّة..... 675

المسألة الخامسة عشرة: لا تبرأ الذمّة إلّا بعد قبض المستحقّ..... 678

المسألة السادسة عشرة: احتساب الدَّين خمساً..... 680

المسألة السابعة عشرة: هل يعتبر في ولاية المالك على تبدليل خمسه بمال آخر رضي أربابه، أم لا؟..... 682

المسألة الثامنة عشرة: ردّ المستحقّ الخمس على المالك..... 684

المسألة التاسعة عشرة: تحليل الخمس في خصوص المناكح والمساكن والمتاجر، أو فيما إذا انتقل إلى شيعي ممّن لا يعتقد، أو لا يلتزم وجوبه..... 686

هنا مسائل أربعة:..... 699

المسألة الاُولى: هل يجب صرف الخمس في مصارفه في الحال، أو يجوز جعله بعنوان رأس المال وأمثاله يتّجر به وينتفع بمنافعه؟..... 699

المسألة الثانية: إذا امتنع المالك من أداء خمسه اختياراً فهل يجوز للحاكم أخذه منه قهراً؟..... 701

المسألة الثالثة: إذا كان هناك شركاء بعضهم يلتزمون الخمس وبعضهم غير ملتزم به..... 705

المسألة الرابعة: اجتماع الخمس والزكاة في مال واحد..... 706

ص: 16

الفصل الثالث: خاتمة في الأنفال وأحكامها..... 707

المراد من الأنفال بحسب المعنى والمفهوم..... 709

مصاديق الأنفال وعددها..... 712

الأوّل: ما استولى عليها المسلمون من أموال الكفار بغير قتال ولا خيل ولا ركاب..... 713

الثاني: الأراضي الموات..... 720

هل هناك فرق بين ما إذا كان لها مالك معروف، أو لم يكن كذلك؟..... 723

الثالث: صفايا الملوك وقطائهم..... 724

والرابع: ما يصطفيه الإما علیه السلام من الغنيمة..... 724

والخامس: ما يغنمه المقاتلون بغير إذنه علیه السلام..... 724

السادس: ميراث من لا وارث له..... 725

السابع: البحار..... 728

الثامن: المعادن..... 732

حكم الأنفال في عصري الظهور والغيبة..... 738

فهرس مصادر التحقيق:..... 748

❊ ❊ ❊

ص: 17

الإهداء:

أقدّم هذا الأثر المتواضع إلی الصّدّيقة الطاهرة فاطمة الزّهراء سلام الله علیها ، صاحبة المنزلة الرفيعة في الكونين، وسيّدة نساء العالمين(1)، وريحانة خاتم الأنبياء والمرسلين صلی الله علیه و آله و سلم، وزوجة أسد الله الغالب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام، واُمّ الأئمّة الأطهار علیهم السلام ، الّتي جُعلت محبّتها ومحبّة ذريّتها أجراً للرسالة في القرآن الكريم(2)، وعندما كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يشتاق إلى الجنّة كان يشمّها(3)،

ص: 18


1- حكی المجلسي رحمه الله عن «معاني الأخبار» الْهَمَدَانِيُّ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: أَخْبِرْني عَنْ قَوْلِ رَسُولِ الله علیه السلام فِي فَاطِمَةَ سلام الله علیها أَنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ أَهِيَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِهَا؟ فَقَالَ: «ذَاكَ لِمَرْيَمَ كَانَتْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ عَالَمِهَا، وَفَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ». راجع: «بحارالأنوار» ج43/26.
2- حكی القندوزي الحنفي عن ابن عباس، قال: لمّا نزلت (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ في الْقُرْبى) قلنا: يا رسول الله من قرابتك الّذين فرض الله علينا مودّتهم؟ قال صلی الله علیه و آله و سلم: عليٌّ وفاطمة وابناهما - ثلاث مرات - . راجع: «ينابيع المودة» ج2/325.
3- حكی المجلسي رحمه الله عن تفسير فرات بن إبراهيم بِإِسْنَادِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ الْيَمَانِيِّ قَالَ: دَخَلَتْ عَائِشَةُ عَلَى النَّبِيِّ صلی الله علیه و آله و سلم وَهُوَ يُقَبِّلُ فَاطِمَةَ سلام الله علیها عَلَيهَا السَّلامُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ تُقَبِّلُهَا وهِيَ ذَاتُ بَعْلٍ؟ فَقَالَ لَهَا: وَسَاقَ الحديث الْمِعْرَاجِ إِلَى أَنْ قَالَ: «ثُمَّ أَخَذَ جَبْرَئِيل علیه السلام بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي الْجَنَّةَ وَأَنَا مَسْرُورٌ، فَإِذَا أَنَا بِشَجَرَةٍ مِنْ نُورٍ مُكَلَّلَةٍ بِالنُّورِ في أَصْلِهَا مَلَكَانِ يَطْوِيَانِ الحلّي وَالْحُلَلَ، ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامِی فَإِذَا أَنَا بِتُفَّاحٍ لَمْ أَرَ تُفَّاحاً هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ فَأَخَذْتُ وَاحِدَةً، فَفَلَقْتُهَا فَخَرَجَتْ عَلَيَّ مِنْهَا حَوْرَاءُ كَانَ أَشْفَارُهَا مَقَادِيمُ أَجْنِحَةِ النُّسُورِ، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتِ؟ فَبَكَتْ وَقَالَتْ: لِابْنِكَ الْمَقْتُولِ ظُلْماً الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ:، ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامِی فَإِذَا أَنَا بِرُطَبٍ أَلْيَنَ مِنَ الزُّبْدِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ فَأَخَذْتُ رُطَبَةً فَأَكَلْتُهَا وَأَنَا أَشْتَهِيهَا فَتَحَوَّلَتِ الرُّطَبَةُ نُطْفَةً في صُلْبِي، فَلَمَّا هَبَطْتُ إِلَى الْأَرْضِ وَاقَعْتُ خَدِيجَةَ فَحَمَلَتْ بِفَاطِمَةَ، فَفَاطِمَةُ حَوْرَاءُ إِنْسِيَّةٌ، فَإِذَا اشْتَقْتُ إِلَى رَائِحَةِ الْجَنَّةِ شَمِمْتُ رَائِحَةَ ابْنَتِی فَاطِمَةَ سلام الله علیها ». «بحار الأنوار» ج8/190، الحديث 165.

ويقول فيها:«فداها أبوها»(1)، وهي المحدّثة الّتي كانت أنيسة أُمّها في الرّحم طليلة حملها(2)، ومخاطبة جبرائيل الأمين بعد فراق

ص: 19


1- حكی المجلسي رحمه الله عن ابْنِ شَاهِينَ في مَنَاقِبِ فَاطِمَةَ، وَأَحْمَدُ في مُسْنَدِ الْأَنْصَارِ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَثَوْبَانَ أَنَّهُمَا قَالَا: كَانَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله و سلم يَبْدَأُ في سَفَرِهِ بِفَاطِمَةَ وَيَخْتِمُ بِهَا، فَجَعَلَتْ وَقْتاً سِتْراً مِنْ كِسَاءٍ خَيْبَرِيَّةٍ لِقُدُومِ أبيهَا وَزَوْجِهَا، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله و سلم تَجَاوَزَ عَنْهَا وَقَدْ عُرِفَ الْغَضَبُ في وَجْهِهِ حَتَّى جَلَسَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، فَنَزَعَتْ قِلَادَتَهَا وَقُرْطَيْهَا وَمَسَكَتَيْهَا وَنَزَعَتِ السِّتْرَ فَبَعَثَتْ بِهِ إِلَى أَبِيهَا وَقَالَتْ: اجْعَلْ هَذَا في سَبِيلِ اللَّهِ، فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ: «قَدْ فَعَلَتْ فِدَاهَا أَبُوهَا - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ -، مَا لِآلِ مُحَمَّدٍ وَلِلدُّنْيَا فَإِنَّهُمْ خُلِقُوا لِلْآخِرَةِ وَخُلِقَتِ الدُّنْيَا لَهُمْ». «بحارالأنوار» ج43/86.
2- عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّد علیه السلام : كَيْفَ كَانَتْ وِلَادَةُ فَاطِمَةَ سلام الله علیها ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِنَّ خَدِيجَةَ عَلَيْهَا رِضْوَانُ اللَّهِ لَمَّا تَزَوَّجَ بِهَا رَسُولُ الله علیه السلام هَجَرَتْهَا نِسْوَةُ مَكَّةَ فَكُنَّ لَا يَدْخُلْنَ عَلَيْهَا وَلَا يُسَلِّمْنَ عَلَيْهَا وَلَا يَتْرُكْنَ امْرَأَةً تَدْخُلُ عَلَيْهَا، فَاسْتَوْحَشَتْ خَدِيجَةُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا حَمَلَتْ بِفَاطِمَةَ سلام الله علیها صَارَتْ تُحَدِّثُهَا فِي بَطْنِهَا وَتُصَبِّرُهَا وَكَانَتْ خَدِيجَةُ تَكْتُمُ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ الل علیه السلام ، فَدَخَلَ يَوْماً وَسَمِعَ خَدِيجَةَ تُحَدِّثُ فَاطِمَةَ، فَقَالَ لَهَا: يَا خَدِيجَةُ مَنْ يُحَدِّثُكِ؟ قَالَتِ: الْجَنِينُ الَّذِي فِي بَطْنِي يُحَدِّثُنِي وَيُؤْنِسُنِي، فَقَالَ لَهَا: هَذَا جَبْرَئِيلُ يُبَشِّرُنِي أَنَّهَا أُنْثَى وَأَنَّهَا النَّسَمَةُ الطَّاهِرَةُ الْمَيْمُونَةُ وَأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَيَجْعَلُ نَسْلِي مِنْهَا وَسَيَجْعَلُ مِنْ نَسْلِهَا أَئِمَّةً فِي الْأُمَّةِ يَجْعَلُهُمْ خُلَفَاءَهُ فِي أَرْضِهِ بَعْدَ انْقِضَاء». «بحارالأنوار» ج16/80.

أبيها(1)،العزيزة الّتي رفع الرّحمن السّماوات، وبسط الأرض، وخلق الشّمس والقمر المنيرين، والبحار والكون برمّته لمحبّتها ومحبّة أبيها وزوجها وذريّتها الطّاهرة(2).

ص: 20


1- صحيحة علي ابْنِ رِئَابٍ الكوفي عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: «سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّه علیه السلام بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الْجَفْرِ؟ فَقَالَ: هُوَ جِلْدُ ثَوْرٍ مَمْلُوءٌ عِلْماً، قَالَ لَهُ: فَالْجَامِعَةُ؟ قَالَ: تِلْكَ صَحِيفَةٌ طُولُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فِي عَرْضِ الْأَدِيمِ مِثْلُ فَخِذِ الْفَالِجِ، فِيهَا كُلُّ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ وَلَيْسَ مِنْ قَضِيَّةٍ إِلَّا وَهِي فِيهَا حَتَّى أَرْشُ الْخَدْشِ، قَالَ: فَمُصْحَفُ فَاطِمَةَ سلام الله علیها ؟ قَالَ: فَسَكَتَ طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَبْحَثُونَ عَمَّا تُرِيدُونَ وَعَمَّا لَا تُرِيدُونَ، إِنَّ فَاطِمَةَ سلام الله علیها مَكَثَتْ بَعْدَ رَسُولِ الله علیه السلام خَمْسَةً وَسَبْعِينَ يَوْماً وَكَانَ دَخَلَهَا حُزْنٌ شَدِيدٌ عَلَى أَبِيهَا، وَكَانَ جَبْرَئِيل علیه السلام يَأْتِيهَا فَيُحْسِنُ عَزَاءَهَا عَلَى أَبِيهَا وَيُطَيِّبُ نَفْسَهَا وَيُخْبِرُهَا عَنْ أَبِيهَا وَمَكَانِهِ، وَيُخْبِرُهَا بِمَا يَكُونُ بَعْدَهَا فِي ذُرِّيَّتِهَا وَكَانَ عَلِيّ علیه السلام يَكْتُبُ ذَلِكَ فَهَذَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ سلام الله علیها ». «الكافي» ج1/241، الحديث 5، و«بحارالأنوار» ج26/41، الحديث 72.
2- في الحديث الكساء: «فقال اللّه عزّ وجلّ: يا ملائكتي ويا سكّان سمواتي، إنّي ما خلقت سماءً مبنيّة، ولا أرضاً مدحيّة، ولا قمراً منيراً، ولا شمساً مضيئة، ولا فلكاً يدور، ولا بحراً يجري، ولا فلكاً يسري إلّا في محبّة هؤلاء الخمسة الّذين هم تحت الكساء، فقال الأمين جبرائيل: يا ربّ ومن تحت الكساء؟ فقال عزّ وجلّ: هم أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة، هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها، فقال جبرائيل: يا ربّ أ تأذن لي أن أهبط إلى الأرض لأكون معهم سادساً؟ فقال اللّه: نعم قد أذنت لك»، الحديث. «عوالم العلوم والمعارف والأقوال من الآيات والأخبار والأقوال» ج11/933 للشيخ البحراني الإصفهاني (م قرن 12 ه- ).

أقدّم هذا الجهد المتواضع إلی مقام المحدّثة الّتي يعجز الخلق عن معرفتها كما عجزوا عن معرفة ليلة القدر(1)، والّتي كانت فخر الأئمّة(2)، والكفؤ الوحيد لمولانا عليّ بن أبي طالب علیه السلام (3)، والّتي كان غضبها غضب الرّب ورضاها رضاه(4).

ص: 21


1- حكی المجلسي رحمه الله عن تفسير فرات بن إبراهيم: «أنّ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدٍ روی مُعَنْعَناً عَنْ أَبي عَبْدِ اللَّه علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ) اللَّيْلَةُ فَاطِمَةُ، وَالْقَدْرُ اللَّهُ، فَمَنْ عَرَفَ فَاطِمَةَ حَقَّ مَعْرِفَتِهَا فَقَدْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةَ لِأَنَّ الْخَلْقَ فُطِمُوا عَنْ مَعْرِفَتِهَا». «بحارالأنوار» ج43/66.
2- في التوقيع الشريف عن مولانا صاحب الزمان عجل الله تعالی فرجه الشریف «وَفِي ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ لِي أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ». «كتاب الغيبة للحجة للشيخ الطوسي» ص286، و«بحار الأنوار» ج 53/180.
3- روی الْمُفَضَّلُ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّه علیه السلام قَالَ: «لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَكُنْ لِفَاطِمَةَ كُفْوٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ». راجع: «بحار الأنوار» ج43/107.
4- حكی القندوزي الحنفي عن عليّ علیه السلام قال: قال رسول الله علیه السلام: «يَا فاطمة إنّ الله يغضب لغضبك، ويرضی لرضاك». «ينابيع المودّة» ج2/57.

تمهيد:

لا إشكال ولا خلاف في أصل وجوب الخُمس إجمالاً في الشريعة المقدسة الإسلاميّة، وقد نطق به الكتاب العزيز والسنّة المتواترة، بل قامت عليه الضرورة القطعيّة في المذهب الإماميّة علی حدّ يندرج منكره في سلك الكافرين، وقد أطبقت عليه علماء الإسلام قاطبة من الخاصّة والعامّة وإن اختلف العامّة فيه من حيث المورد أو المصرف، لذهاب جُلّهم أو أكثرهم علی تخصيص الخُمس بغنائم دار الحرب والكنوز والمعادن، ولم يختصّوا الإمام علیه السلام بسهم النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وذوي القربى بعد حياته، ولم يقولوا في الثلاثة الباقية بأنّها مختصّة ببني هاشم، بل جعلوا مصرفها كسائر مصارف بيت المال(1).

وحيث إنّهم ذهبوا في أنّ المراد من الغنيمة في آية الخمس هي خصوص الغنائم الحربيّة بحثوا عن الخمس في كتاب الجهاد ضمن مسائل الفيء والغنائم الحربيّة، ولم يدوّنوا في كتبهم الفقهيّة كتاباً بهذا الاسم أصلاً، وقد يلزم من ذلك حرمان بني هاشم من الخمس والزكاة معاً.

أشار إلی ذلك الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء رحمه الله (م 1373 ه-) بعد ما ذكر مسألة الخمس بالسّعة الّتي يقول بها الإماميّة:

ص: 22


1- راجع: «رياض المسائل (ط - الحديثة)» ج5/237، و«مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/11، و«خلاف» ج2/118 - 121 مسألة الرقم 139 و140 و142 و146 من مسائل كتاب الزكاة، وج4/217 مسألة الرقم 41 من مسائل كتاب الفيء وقسمة الغنائم، و«المغني لابن قدامة» ج6/406، و... .

هذا حكم الخمس عند الإماميّة من زمن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم إلی اليوم، ولكن القوم بعد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم منعوا الخمس من بني هاشم وأضافوه إلی بيت المال وبقي بنو هاشم لا خمس لهم ولا زكاة، ومن جهة سقوطه عندهم لا تجد له عنواناً وباباً في كتب فقهائم، حتّی الشافعي(1)

في كتابه، بخلاف الإماميّة فإنّه ما من كتاب فقهٍ لهم صغير أو كبير إلّا وللخمس فيه عنوان مستقل كالزكاة(2).

وقال السيّد البروجردی قدس سره :

اتّفقت كلمة أصحابنا الإمامية على انقسام الخمس إلى ستة أسهم ...، وأنّ المراد بذي القربى هو خصوص الإمام علیه السلام، فلم يرد من كلمة ذي القربى الجنس، وأنّ المراد باليتامى والمساكين وابن السبيل المتّصفين بهذه الصفات من خصوص بنى هاشم، وهم المنتسبون إلى هاشم (من ناحية الأب) في الجملة دون غيرهم. وأمّا العامّة فقد خالفونا في جميع هذه الجهات، فذهبوا في السّهام إلى إسقاط سهم الله تعالى زعماً منهم أنّه تعالى إنّما عدّ نفسه أحد مصارف الخمس تيمناً وتبركاً، فهو تعالى ليس أحد مصارفه حقيقة، لعدم حاجته إليه، وبعضهم أسقط سهم الرسول أيضاً بموته، وآخرون منهم أسقطوا سهم ذي القربى أيضاً

ص: 23


1- معروف أنّ الشافعية من العامة هم أقرب الفرق إلی الإمامية، وهذا الشعر منسوب إلی الشافعي في حبّ أهل بيت الرسول علیهم السلام : يا أهل بيت رسول اللّه حبّكم فرض من اللّه في القرآن أنزله كفاكم من عظيم القدر أنّكم من لم يصلّ عليكم لا صلاة له
2- «أصل الشيعة وأصولها» ص113.

وذهبوا أيضاً إلى أنّ المراد بذي القربى مطلق أقرباء الرسول لا خصوص الإمام، فحملوا كلمة ذى القربى على إرادة الجنس، ثمّ اختلفوا بينهم هنا فذهب بعضهم إلى أنّ المراد بهم خصوص بني هاشم، وقال آخرون منهم: إنّ المراد بهم ما يعمّ بني المطلب كما ذهب إليه محمّد بن إدريس الشافعي المنسوب إلى أحد أجداده المسمّى بشافع، وهو ينتهي بأربعة وسائط إلى مطلب، وذهبوا أيضاً إلى أنّ المراد باليتامى والمساكين وابن السبيل المتّصفين بهذه الصفات من غير بني هاشم. ثمّ إنّهم كما عرفت أسقطوا سهم الرسول صلی الله علیه و آله و سلم بعده بزعمهم أن لا سهم له بعد وفاته، وأمّا سهم ذي القربى فلمّا استخلف عمر ورأى كثرة الغنائم ممّا غنمه المسلمون من الكفار لم يرض بإعطاء حقّ علي ّ علیه السلام بتمامه، ولم يرض هو علیه السلام بأخذ ما دون حقّه فغصب حقّه بأجمعه ولم يعطه شيئاً كما غصبوا الخلافة رأساً...، ثمّ تبعه من بعده عملاً، بل استدلّوا بفعله على عدم ثبوت حقّ لذي القربى واقعاً، فلم يبق إذاً من ستة أسهم الخمس إلّا ثلاثة أسهم، وهي على زعمهم تكون لغير بني هاشم من الأصناف الثلاثة كما تقدّم، وهل هذا إلّا إفك عظيم؟! فالحقّ هو ما ذهبت إليه أصحابنا الإمامية رضوان الله عليهم، وقد دلّت عليه الكتاب والآثار الواردة عن الأئمة الأطهار علیهم السلام (1).

وقال ابن قدامة:

إنّ الخمس يقسّم على خمسة أسهم، وبهذا قال عطاء ومجاهد والشعبي والنخعي وقتادة وابن جريج والشافعي، وقيل يقسّم على ستة:

ص: 24


1- «زبدة المقال في خمس الرسول والآل» ص123 - 125.

سهم لله، وسهم لرسوله لظاهر قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكينِ وَابْنِ السَّبيل)(1)، فعدّ ستة، وجعل الله تعالى لنفسه سهماً سادساً، وهو مردود على عباد الله أهل الحاجة، وقال أبوالعالية سهم الله عزّ وجلّ هو أنّه إذا عزل الخمس ضرب بيده، فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة، فهو الّذى سمّى لله لا تجعلوا له نصيباً، فإنّ لله الدّنيا والآخرة، ثمّ يقسّم بقيّة السّهم الّذى عزله على خمسة أسهم. وروي عن الحسن وقتادة في سهم ذوي القربى كانت طعمة لرسول الله صلّى عليه وسلّم في حياته، فلمّا توفّي حمل عليه أبوبكر وعمر في سبيل الله. وروى ابن عباس أنّ أبا بكر وعمر قسّما الخمس على ثلاثة أسهم، ونحوه حكى عن الحسن بن محمّد بن الحنفية، وهو قول أصحاب الرأي قالوا: يقسّم الخمس على ثلاثة: اليتامى والمساكين وابن السبيل، وأسقطوا سهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بموته وسهم قرابته أيضاً. وقال مالك: الفيء والخمس واحد يُجعلان في بيت المال، قال ابن القاسم: وبلغني عمّن أثق به أنّ مالكاً قال: يعطى الإمام أقرباء رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ما يرى. وقال الثوري والحسن: يضعه الإمام حيث أراه الله عزّ وجلّ ولنا قول الله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) الآية(2).

إن قلت: كيف يكون الخمس بما له من السّعة عند الإماميّة واجباً في الشريعة المقدسة الإسلاميّة في عرض الزكاة، مع أنّه قد ورد الأمر بها في أكثر

ص: 25


1- «الأنفال»: 41.
2- «المغنی لابن قدامة» ج6/406.

من ثلاثين آية من الكتاب العزيز حتّی قرنت في سبعة وعشرين منها مع الصلاة الواجبة، ولم يؤمر بالخمس إلّا في آية واحدة منه؟!

قلنا في مقام الجواب عنه تارة بالنقض واُخری بالحلّ: أمّا نقضاً: بأنّ هناك في الشريعة المقدسة الإسلاميّة واجباتاً مسنونة لم يؤمر بها أو بكيفيّتها في القرآن أصلاً ومع ذلك اعتقد بها المسلمون من العامّة والخاصّة، منها عدد ركعات الصلوات الخَمس وكونها جهريّة أو إخفاتيّة، فهل يمكن رفع اليد عنها لعدم الأمر بها في القرآن؟!

وأمّا حلاً: بأنّ ورود آية واحدة لواجب من الواجبات لم يكن دليلاً علی جواز مخالفتها، زائداً علی وجود نصوص متعدّدة متواترة وردت من ناحية النّبیّ الأعظم صلی الله علیه و آله و سلموالعترة الطاهرة:(1)

دالّة عليه بالمطابقة والالتزام، وأنّه قد أمر الله عزّ وجلّ عباده باتّباع ما قال به رسوله، حيث قال: (وَمَا آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهاكُمْ عَنْهُ

ص: 26


1- منها: مرفوعة عَلِيُّ بْنُ مُوسَى بْنِ طَاوُسٍ في كِتَابِ الطُّرَفِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُسْتَفَادِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ صلی الله علیه و آله و سلم أَنَّ رَسُولَ الله علیه السلام قَالَ لِأَبِي ذَرٍّ وَسَلْمَانَ وَالْمِقْدَادِ: «أَشْهِدُونِی عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (إِلَى أَنْ قَالَ:) وَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَصِيُّ مُحَمَّدٍ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّ طَاعَتَهُ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْأَئِمَّةَ مِنْ وُلْدِهِ، وَأَنَّ مَوَدَّةَ أَهْلِ بَيْتِهِ مَفْرُوضَةٌ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، مَعَ إِقَامِ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا، وَإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ حِلِّهَا وَوَضْعِهَا في أَهْلِهَا، وَإِخْرَاجِ الْخُمُسِ مِنْ كُلِّ مَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ حَتَّى يَدفَعَهُ إِلَى وَلِيِّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَمِيرِهِمْ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِه، فَمَنْ عَجَزَ وَلَمْ يَقْدِرْ إِلَّا عَلَى الْيَسِيرِ مِنَ الْمَالِ فَلْيَدْفَعْ ذَلِكَ إِلَى الضُّعَفَاءِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي مِنْ وُلْدِ الْأَئِمَّةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ (عَلَى ذَلِكَ فَلِشِيعَتِهِمْ) مِمَّنْ لَا يَأْكُلُ بِهِمُ النَّاسُ، وَلَا يُرِيدُ بِهِمْ إِلَّا اللَّهُ، (إِلَى أَنْ قَالَ:) فَهَذِهِ شُرُوطُ الْإِسْلَامِ وَمَا بَقِيَ أَكْثَرُ». راجع: «وسائل الشيعة» ج9/553، الحديث 12695.

فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَديدُ الْعِقابِ)(1)، وأنّه قد قرن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أيضاً عترته في عرض الكتاب الكريم والتمسك بأوامرهم في قوله: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَّهِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتی يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ»(2).

ثمّ إنّه كان للخمس أثراً عميقاً وهامّة من ناحية باذله، ومصارفه في المجمع، وكذا كونه في يد الحاكم الإسلامی عوناً له علی إقامة الدّين والدّنيا في عرض الزكاة والأنفال، بحيث يمكن أن نعبّر عنه بواجب عبادي إقتصادي سياسي، ولأجل كون الخمس من شؤون عنوان الحكومة والإمامة(3) للزم إيصاله إلی

ص: 27


1- «الحشر»: 7.
2- «الكافي» ج1/233 ضمن الحديث 3، و«وسائل الشيعة» ج27/33، الحديث 33144، و«سنن الترمذي» ج5/663 خبر 3788، و«مسند أحمد» ج3/14 و17 و26، و«مسند أبي يعلی» ج2/297، خبر 1021 وص 303، خبر 1027، و«مستدرك الحاكم» ج3/148.
3- ممّا يستفاد منه ذلك صحيحة أبي عليّ بن راشد، قال: قلت لأبي الحسن الثّالث علیه السلام: إِنَّا نُؤْتَى بِالشَّيْ ءِ فَيُقَالُ هَذَا كَانَ لِأَبِي جعفر علیه السلام عِنْدَنَا فَكَيْفَ نَصْنَعُ؟ فَقَالَ: «مَا كَانَ لِأَبِي علیه السلام بِسَبَبِ الْإِمَامَةِ فَهُوَ لِي، وَمَا كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ مِيرَاثٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلی الله علیه و آله و سلم». «من لايحضره الفقيه» ج2/23، الحديث 85، و«وسائل الشيعة» ج9/537، الحديث 12663. أقول: إنّ أبي عليّ بن راشد اسمه الحسن بن راشد من الرواة الثقات ومن وكلاء الإمام الهادي علیه السلام، وقال فيه: «فقد أوجبت في طاعته طاعتي والخروج إلی عصيانه عصياني»، وقال أيضاً: «إنّه عاش سعيداً ومات شهيداً». راجع: «رجال الكشي» ص513 - 514 و603. وخبر عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «عَلَى كُلِّ امْرِئٍ غَنِمَ أَوِ اكْتَسَبَ الْخُمُسُ مِمَّا أَصَابَ لِفَاطِمَةَ سلام الله علیها وَلِمَنْ يَلِي أَمْرَهَا مِنْ بَعْدِهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهَا الْحُجَجِ عَلَى النَّاسِ، فَذَاكَ لَهُمْ خَاصَّةً يَضَعُونَهُ حَيْثُ شَاءُوا، وَحُرِّمَ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ، حَتَّى الْخَيَّاطُ يَخِيطُ قَمِيصاً بِخَمْسَةِ دَوَانِيقَ فَلَنَا مِنْهُ دَانِقٌ إِلَّا مَنْ أَحْلَلْنَاهُ مِنْ شِيعَتِنَا لِتَطِيبَ لَهُمْ بِهِ الْوِلَادَةُ، إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَیْ ءٍ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مِنَ الزِّنَا، إِنَّهُ لَيَقُومُ صَاحِبُ الْخُمُسِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ سَلْ هَؤُلَاءِ بِمَا أُبِيحُوا». «التهذيب» ج4/122، الحديث 348، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 180، و«وسائل الشيعة» ج9/503، الحديث 12586.

الإمام المعصوم علیه السلام أو نوّابه علی ذلك بالخصوص أو العموم عند حضوره(1)، وفي زمن غيبة الحجّة المنتظر عجل الله تعالی فرجه الشریف أرواحنا له الفداء أن نصله إلی حكام الشرع

ص: 28


1- قال المحقق الهمداني رحمه الله : يجب إيصال جميع الخمس إلی الإمام علیه السلام حال حضوره والتّمكن من إيصاله إليه، كما يدلّ عليه كثير من النصوص المتقدمة في طیّ المباحث السابقة، فهو يتولّی أمره علی حسب ما يقتضيه تكليفه. «مصباح الفقيه» ج19/382 . وقد عقد الشيخ الحرّ العاملي رحمه الله صاحب «الوسائل» باباً تحت عنوان «باب وجوب إيصال حصّة الإمام من الخمس إليه»، راجع: «وسائل الشيعة» ج9/537، الباب الثالث من أبواب الأنفال. كما يمكن أن نستفيد ذلك المعنی أيضاً من مثل صحيحة رِبْعِیِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَارُودِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ الله علیه السلام إِذَا أَتَاهُ الْمَغْنَمُ أَخَذَ صَفْوَهُ وَكَانَ ذَلِكَ لَهُ، ثُمَّ يَقْسِمُ مَا بَقِيَ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ وَيَأْخُذُ خُمُسَهُ، ثُمَّ يَقْسِمُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ بَيْنَ النَّاسِ الَّذِينَ قَاتَلُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَسَمَ الْخُمُسَ الَّذِی أَخَذَهُ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ يَأْخُذُ خُمُسَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ يَقْسِمُ الْأَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ بَيْنَ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ يُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقّاً، وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ أَخَذَ كَمَا أَخَذَ الرَّسُولُ صلی الله علیه و آله و سلم». «التهذيب» ج4/128، الحديث 365، و«وسائل الشيعة» ج9/510، الحديث 12602، لما كان معهوداً عندهم أنّ الوالي علی أمر الخمس ليس إلا النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وقد صرّح الإمام الصادق علیه السلام أيضاً بأنّ أمره كذلك في زمن الأئمة:. وكذلك ما رواه عليّ بن الحسين المرتضی في رسالة «المحكم والمتشابه» نقلاً من تفسير النّعماني بإسناده عن عليّ علیه السلام، قال: «الْخُمُسُ يُخْرَجُ مِنْ أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ: مِنَ الْغَنَائِمِ الَّتِي يُصِيبُهَا الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَمِنَ الْمَعَادِنِ، وَمِنَ الْكُنُوزِ، وَمِنَ الْغَوْصِ، وَيَجْرِي هَذَا الْخُمُسُ عَلَى سِتَّةِ أَجْزَاءٍ، فَيَأْخُذُ الْإِمَامُ مِنْهَا سَهْمَ اللَّهِ وَسَهْمَ الرَّسُولِ وَسَهْمَ ذِي الْقُرْبَى، ثُمَّ يَقْسِمُ الثَّلَاثَةَ السِّهَامِ الْبَاقِيَةَ بَيْنَ يَتَامَى آلِ مُحَمَّدٍ وَمَسَاكِينِهِمْ وَأَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ». حكاه في «وسائل الشيعة» ج9/516، الحديث 12611.

والفقهاء خصوصاً عند القائل بولاية الفقيه المطلقة في هذا الزّمان، إذ الفقهاء أيضاً منصوبون من قِبله علیه السلام بنصبٍ عامٍ بمقتضی الرّوايات الواردة في هذا الصدد(1).

ص: 29


1- منها التّوقيع الوارد عن مولانا صاحب الزّمان عجل الله تعالی فرجه الشریف الّذی رواه في كتابِ «كمال الدّين وتمام النّعمة» عن محمّد بن محمّد بن عصام عن محمّد بن يعقوب عن إسحاق بن يعقوب، حيث قال: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ الْعَمْريَّ أَنْ يُوصِلَ لِي كِتَاباً قَدْ سَأَلْتُ فِيهِ عَنْ مَسَائِلَ أَشْكَلَتْ عَلَيَّ، فَوَرَدَ التَّوْقِيعُ بِخَطِّ مَوْلَانَا صَاحِبِ الزَّمَانِ علیه السلام: «أَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ أَرْشَدَكَ اللَّهُ وثَبَّتَكَ، (إلى أَن قالَ:) وأَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا، فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وأَنَا حُجَّةُ اللَّهِ، وأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَمْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وعَنْ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ فَإِنَّهُ ثِقَتِي وكِتَابُهُ كِتَابِي». «كمال الدين وتمام النعمة» ج2/483، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج27/140، الحديث 33424 . ومنها ما عن مولانا الصَّادق علیه السلام في مقبولة عمر بن حنظلة بأنَّ: «الرَّادّ عليهم كالرَّادّ علينا، والرَّادّ علينا الرَّادّ علی الله وهو علی حدِّ الشِّرك»، «التهذيب» ج6/218، الحديث 6 . وتمام الحديث هكذا: عَنْ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ في دَيْنٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَتَحَاكَمَا إِلَى السُّلْطَانِ أَوْ إِلَى الْقُضَاةِ، أَ يَحِلُّ ذَلِكَ؟ فَقَالَ علیه السلام: «مَنْ تَحَاكَمَ إِلَى الطَّاغُوتِ فَحَكَمَ لَهُ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ سُحْتاً وَإِنْ كَانَ حَقُّهُ ثَابِتاً، لِأَنَّهُ أَخَذَ بِحُكْمِ الطَّاغُوتِ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُكْفَرَ بِهَا، قُلْتُ: كَيْفَ يَصْنَعَانِ؟ قَالَ: انْظُرُوا إِلَى مَنْ كَانَ مِنْكُمْ قَدْ رَوَى حَدِيثَنَا وَنَظَرَ في حَلَالِنَا وَحَرَامِنَا وَعَرَفَ أَحْكَامَنَا، فَلْيَرْضَوْا بِهِ حَكَماً فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً، فَإِذَا حَكَمَ بِحُكْمِنَا فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ فَإِنَّمَا بِحُكْمِ اللَّهِ اسْتُخِفَّ وَعَلَيْنَا رُدَّ، وَالرَّادُّ عَلَيْنَا الرَّادُّ عَلَى اللَّهِ، وَهُوَ عَلَى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللَّهِ عَزَّ وجَلَّ»، فكونهم حاكماً من قبله علیه السلام يعمّ لجميع المناسب الّتي هي وظيفة للإمام، ومنها الخمس والزكوات والأنفال وكذا القضاء والحكومة.

وبعبارة اُخری نقول: إنّ للعوام في الرّجوع إلی الفقهاء الجامعين لشرائط الفتوی في زمن الغيبة، ما يكون لهم في الرّجوع إلی الأئمّة الهدی علیهم السلام عند حضورهم، يخرج منه ما يكون مشروطاً بالعصمة كعدم الخطاء والسّهو والنسيان، ويخرج منه أيضاً كون ما يُفتون به موافقاً لما في علم الله تبارك وتعالی، أمّا الخمس والزكاة والأنفال فليست مشروطةً بها.

هذا من منظر عموم أدلّة النيابة، وأمّا في خصوص المقام يمكن أن نستدلّ أيضاً بقوله تبارك وتعالی: (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَميعٌ عَليمٌ)(1)، فإذا كان النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم والأئمة الطاهرين علیهم السلام الّذين كانوا قائماً مقامه صلی الله علیه و آله و سلم مأمورين بأخذ الزكوات عن النّاس وبتبعه يجب علی النّاس أيضاً إيصال الزكوات إليهم علیهم السلام فكذلك حكام الشرع والفقهاء العظام في زمن الغيبة، وإذا كان هذا في الزكاة ففي الخُمس بالأولويّة والفحوی، لاختصاص الله تبارك وتعالی الخمس إكراماً لهم عوضاً عن الزكاة الّتي هي من أوساخ ما في أيدی النّاس، قد يشهد لذالك جعل القُوّام والوكلاء في

ص: 30


1- «التوبة»: 103.

البلاد لأخذ هذه الأموال من ناحيتهم علیهم السلام ، وأنّه ليس من دأبهم أمر النّاس بإعطاء الخمس والزكاة بأنفسهم إلی مستحقّيهما كما أمروهم بمثل إقامة الصوم والصلاة، من ذلك صحيحة علي بن مهزيار الطويلة فيها: «فَأَمَّا الْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلِّ عَامٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ)، فَالْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَهِیَ الْغَنِيمَةُ يَغْنَمُهَا الْمَرْءُ، وَالْفَائِدَةُ يُفِيدُهَا، وَالْجَائِزَةُ مِنَ الْإِنْسَانِ لِلْإِنْسَانِ الّتي لَهَا خَطَرٌ، وَالْمِيرَاثُ الَّذِي لَا يُحْتَسَبُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَا ابْنٍ، وَمِثْلُ عَدُوٍّ يُصْطَلَمُ فَيُؤْخَذُ مَالُهُ، وَمِثْلُ مَالٍ يُؤْخَذُ لَا يُعْرَفُ لَهُ صَاحِبٌ، وَمَا صَارَ إِلَى مَوَالِيَّ مِنْ أَمْوَالِ الْخُرَّمِيَّةِ الْفَسَقَةِ، فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَمْوَالاً عِظَاماً صَارَتْ إِلَى قَوْمٍ مِنْ مَوَالِيَّ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْ ءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُوصِلْ إِلَى وَكِيلِي، وَمَنْ كَانَ نَائِياً بَعِيدَ الشُّقَّةِ فَلْيَتَعَمَّدْ لِإِيصَالِهِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ، فَإِنَّ نِيَّةَ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ»، الحديث(1).

بل يمكن أن يقال: إنّ ظهور الواقفة وسبب وقفهم ليس إلّا لأجل أمر الخمس، وذلك لأنّه منذ ارتحل النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وغصبت الخلافة من أهلها ومنعت فاطمة سلام الله علیها عن أمر فدك وأهل البيت علیهم السلام عن الخمس إلی زمان إمامة الصادق علیه السلام وفي عصر التقيّة الشّديدة الّتي كانت حاكمة علی الشيعة وأئمتهم علیهم السلام في تلك الأزمنة كانت مسألة الخمس مسكوتاً، فإذا صار الزّمان زمان إمامة الصادق علیه السلام نصب وكلاء في البلاد فكانوا مرجعاً للاُمور الشرعيّة

ص: 31


1- «التهذيب» ج4/141، الحديث 398، و«الإستبصار» ج2/60، الحديث 198، و«وسائل الشيعة» ج9/501، الحديث 12583.

وكانت الحقوق والأخماس تدفع إليهم، منهم نصر بن قابوس اللّخمي وعبدالرّحمن بن الحجّاج، قال الشيخ الطوسي رحمه الله في كتاب غيبته:

ومنهم (من المحمودين من وكلاء الأئمة علیهم السلام ) نصر بن قابوس اللخمي، فروي أنّه كان وكيلاً لأبي عبد اللّه علیه السلام عشرين سنة ولم يعلم أنّه وكيل وكان خيراً فاضلاً، وكان عبد الرّحمن بن الحجاج وكيلاً لأبي عبد اللّه علیه السلام ومات في عصر الرّضا علیه السلام على ولايته(1).

والمراد من قوله: «ولم يعلم أنّه وكيله» أي أنّ وكالته لم تكن ظاهرة يعرفها النّاس.

ومنهم حمران بن أعين أخو زرارة، قال المحقّق السيّد محمّد علي الأبطحي الإصفهاني رحمه الله في كتابه القيّم «تهذيب المقال» في ترجمته:

فمن وكلاء أبي عبدالله الصّادق علیه السلام المحمودين حمران بن أعين الشيبانی أخو زرارة وهو عظيم القدر، جليل، روی الكشي في مدحه روايات كثيرة من غير ذمّ أصلاً، وروي عن أبي جعفر علیه السلام أنّه قال: لأنت من شيعتنا في الدّنيا والآخرة(2).

حتّی إذا استشهد الإمام الصادق علیه السلام بسمّ المنصور قام ابنه الإمام الكاظم علیه السلام بإدارة شؤون المسلمين، ومنها الخمس، نصب لأجل ذلك أيضاً وكلاء في البلاد منهم عبدالله بن جندب، قال العلّامة رحمه الله في رجاله:

ص: 32


1- «الغيبة للشيخ الطوسی» ص347.
2- «تهذيب المقال» ج1/130.

عبد الله بن جندب البجلي عربي كوفي من أصحاب الكاظم علیه السلام والرضا علیه السلام ثقة، روى الكشي أنّ أبا الحسن علیه السلام أقسم أنّه عنه راضٍ ورسول الله صلی الله علیه و آله و سلم والله تعالى عنه راضيان. وقال فيه أبو الحسن علیه السلام: إنّ عبد الله بن جندب لمن المخبتين. قال الشيخ الطوسي رحمه الله : إنّه كان وكيلاً لأبي إبراهيم علیه السلام وأبي الحسن الرضا علیه السلام وكان عابداً رفيع المنزلة لديهما، قال حمدويه بن نصير: لما مات عبد الله بن جندب قام عليّ بن مهزيار مقامه(1).

إلی أن انتقل الإمام علیه السلام من سجن إلی سجن، فلمّا استشهد قد اجتمعت أموال كثيرة عند هولاء الوكلاء، فكان ذلك سبباً لإنكار بعضهم قتله طمعاً لتصاحب الأموال فصار مبدأ للوقف(2)، فادّعوا بأنّه القائم من آل محمد علیهم السلام وقد غاب عن قومه، أشار إلی ذلك إجمالاً الكشي في ترجمة عليّ بن أبي حمزة البطائني، حيث قال:

عليّ بن محمّد قال: حدّثني محمّد بن أحمد عن أحمد بن الحسين عن محمّد بن جمهور عن أحمد بن الفضل عن يونس بن عبد الرّحمن، قال: «مات أبوالحسن علیه السلام وليس من قُوامه أحد إلّا وعنده المال الكثير، وكان ذلك سبب وقفهم وجحودهم موته، وكان عند عليّ

ص: 33


1- «رجال العلّامة (خلاصة الأقوال)» ص105.
2- منهم عليّ بن أبي حمزة البطائني الّذي كان من رؤساء الواقفة بل هو أصل الوقف، قال النجاشي في ترجمته: «إنّه كان أحد عمد الواقفة». راجع: «رجال النجاشي» ص249 - 250، تحت الرقم 656.

بن أبيحمزة ثلاثون ألف دينار»(1)، وقال أيضاً: روى أصحابنا أَنّ أَبا الحسن الرِّضا علیه السلام قال بعد موت ابْن أَبي حمزة: «إِنَّهُ أُقْعِدَ في قَبْرِهِ فَسُئِلَ عَنِ الْأَئِمَّةِ علیهم السلام فَأَخْبَرَ بِأَسْمَائِهِمْ حتی انْتَهَى إِلَيَّ فَسُئِلَ فَوَقَفَ، فَضُرِبَ عَلَى رَأْسِهِ ضَرْبَةً امْتَلَأ قَبْرُهُ نَاراً»(2).

أضف إلی ذلك كلّه ما دلّ علی أنّ الإمام مأمور بتقسيم سهام الخُمس نصفه له، ونصفه الآخر للأيتام والمساكين وأبناء السبيل ممّن انتسب إلی هاشم من ناحية الأب، فإن فضل عنهم شيء فهو له، وإن نقص فعليه أن يستغنئهم من عنده(3).

ومن هنا نری أنّ الشيعة في عصر الأئمة علیهم السلام والغيبة الصغری اهتمّوا بإيصال الأخماس من البلاد البعيدة مع صعوبة النقل والسفر في تلك الأزمنة كقم ونيسابور والأهواز وبغداد إلی الإمام علیه السلام أو وكلائه مع أنّ التقيّة في تلك العصور

ص: 34


1- «رجال الكشي (إختيار معرفة الرجال)» ص405.
2- «رجال الكشي (إختيار معرفة الرجال)» ص404.
3- مثل مرسلة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصّالح علیه السلام في الحديث طويل قال: «وَلَهُ - يَعْنِي لِلْإِمَامِ - نِصْفُ الْخُمُسِ كَمَلاً، وَنِصْفُ الْخُمُسِ الْبَاقِي بَيْنَ أَهْلِ بَيْتِهِ فَسَهْمٌ لِيَتَامَاهُمْ، وَسَهْمٌ لِمَسَاكِينِهِمْ، وَسَهْمٌ لِأبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا يَسْتَغْنُونَ بِهِ في سَنَتِهِمْ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْهُمْ شَيْ ءٌ فَهُوَ لِلْوَالِي، فَإِنْ عَجَزَ أَوْ نَقَصَ عَنِ اسْتِغْنَائِهِمْ كَانَ عَلَى الْوَالِي أَنْ يُنْفِقَ مِنْ عِنْدِهِ بِقَدْرِ مَا يَسْتَغْنُونَ بِهِ، وَإِنَّمَا صَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَمُونَهُمْ لِأَنَّ لَهُ مَا فَضَلَ عَنْهُمْ». «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/520، الحديث 12623. وذكر تمام الحديث في الوسائل نفس المصدر ص513، الحديث 12607.

شديدة، ويشترطون علی الحاملين بأن لا يسلّموها إلّا بعد ما اطمئنّوا بأنّه الإمام علیه السلام أو نائبه بمثل الإخبار بتفاصيلها قبل تسلّمها(1).

ثمّ إنّ هنا اُموراً ينبغي الإشارة إليها:

أحدها: أنّ أبا بكر هو أوّل من منع ذوي القربی وبني هاشم الخمس، وتبعه علی ذلك عمر في هذا الظلم العظيم استضعافاً لعليّ بن أبي طالب علیه السلام، وأنّ الصديقة الطاهرة سلام الله علیها هي أوّل من قامت في قبال هذه السياسة الغاشمة الظالمة، قد دلّت علی ذلك بعض الدلائل والشواهد الّتي نقلها الفريقين، منها:

موثقة الحارث بن المغيرة النّصريّ قال: دَخَلْتُ عَلَى أَبي جعفر علیه السلام فَجَلَسْتُ عِنْدَهُ، فَإِذَا نَجِيَّةُ قَدِ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، وَاللَّهِ مَا أُرِيدُ بِهَا إِلَّا فَكَاكَ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ، فَكَأَنَّهُ رَقَّ لَهُ فَاسْتَوَى جَالِساً، فَقَالَ: «يَا نَجِيَّةُ سَلْنِی فَلَا تَسْأَلُنِي عَنْ شيء إِلَّا أَخْبَرْتُكَ بِهِ، قَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا تَقُولُ في فُلَانٍ وَفُلَانٍ؟ قَالَ: يَا نَجِيَّةُ إِنَّ لَنَا الْخُمُسَ في كِتَابِ اللَّهِ، وَلَنَا الْأَنْفَالَ، وَلَنَا صَفْوَ الْمَالِ، وَهُمَا وَاللَّهِ أَوَّلُ مَنْ ظَلَمَنَا حَقَّنَا في كِتَابِ اللَّه»، الحديث(2).

ص: 35


1- من هذا الباب قصة إرسال شطيطة وعصابة الشيعة من نيسابور أخماسهم إلی موسی بن جعفر علیه السلام بمبلغ ثلاثين ألف دينار وخمسين ألف درهم. «المناقب» ج2/409، ورواه عنه في «بحارالأنوار» ج48/73 - 75.
2- «التهذيب» ج4/145، الحديث 405، و«وسائل الشيعة» ج9/549، الحديث 12688.

ومرسلة أَبِی جَمِيلَةَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَحَدِهِمَا صلی الله علیه و آله و سلم قَالَ: «فَرَضَ اللَّهُ في الْخُمُسِ نَصِيباً لآلِ مُحَمَّدٍ فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يُعْطِيَهُمْ نَصِيبَهُمْ»، الحديث (1).

وقال ابن أبي الحديد في شرحه علی نهج البلاغة:

واعلم أنّ الناس يظنّون أنّ نزاع فاطمة أبا بكر كان في أمرين: في الميراث والنحلة، وقد وجدت في الحديث أنّها نازعت في أمر ثالث ومنعها أبو بكر إيّاه أيضاً وهو سهم ذوي القربى، قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري: أخبرني أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدثني هارون بن عمير، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثني صدقة أبو معاوية عن محمّد بن عبد الله عن محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي بكر عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك: أنّ فاطمة سلام الله علیها أتت أبا بكر فقالت: لقد علمت الّذي ظلمتنا عنه أهل البيت من الصدقات وما أفاء الله علينا من الغنائم في القرآن من سهم ذوي القربى، ثمّ قرأت عليه قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) الآية، فقال لها أبو بكر: بأبي أنت واُمي ووالد ولدك السمع والطاعة لكتاب الله ولحقّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وحقّ قرابته، وأنا أقرأ من كتاب الله الّذی تقرءين منه، ولم يبلغ علمي منه أنّ هذا السهم من الخمس يسلم إليكم كاملاً ! قالت: أ فلك هو ولأقربائك؟ قال: لا، بل أنفق عليكم منه وأصرف الباقي في مصالح المسلمين، قالت: ليس هذا حكم الله تعالى، قال: هذا حكم الله! فإن كان رسول الله عهد إليك في هذا عهداً

ص: 36


1- «تفسير العياشي» ج1/325، الحديث 130، و«وسائل الشيعة» ج9/517، الحديث 12615.

أو أوجبه لكم حقاً صدقتك وسلمته كلّه إليك وإلى أهلك، قالت: إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لم يعهد إليّ في ذلك بشيء إلّا أنّي سمعته يقول لمّا أنزلت هذه الآية: أبشروا آل محمّد فقد جاءكم الغنى، قال أبو بكر: لم يبلغ علمي من هذه الآية أن أسلم إليكم هذا السهم كلّه كاملاً، ولكن لكم الغنى الّذي يغنيكم ويفضل عنكم، وهذا عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فاسأليهم عن ذلك وانظري هل يوافقك على ما طلبت أحد منهم؟ فانصرفت إلى عمر، فقالت له مثل ما قالت لأبي بكر، فقال لها مثل ما قاله لها أبو بكر، فعجبت فاطمة سلام الله علیها من ذلك وتظنت أنّهما كانا قد تذاكرا ذلك واجتمعا عليه، قال أبو بكر: وأخبرنا أبو زيد قال: حدثنا هارون بن عمير قال: حدثنا الوليد عن ابن أبي لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال: أرادت فاطمة أبا بكر على فدك وسهم ذوي القربى فأبى عليها وجعلهما في مال الله تعالى، قال أبو بكر: وأخبرنا أبو زيد قال: حدثنا أحمد بن معاوية عن هيثم عن جويبر عن أبي الضحاك عن الحسن بن محمّد بن عليّ بن أبي طالب علیه السلام أنّ أبا بكر منع فاطمة وبني هاشم سهم ذوي القربى وجعله في سبيل الله في السلاح والكراع(1).

ثمّ قال بعد ذكر كلمات في هذا الموضوع:

واعلم أنّا إنّما نذكر في هذا الفصل ما رواه رجال الحديث وثقاتهم وما أودعه أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتابه وهو من الثقات الأمناء

ص: 37


1- « شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد» ج16/230 - 231.

عند أصحاب الحديث ...، وقال لي علوي في الحلّة(1) يعرف بعليّ بنمهنإ ذكي ذو فضائل: ما تظن قصد أبي بكر وعمر بمنع فاطمة فدك؟ قلت: ما قصدا؟ قال: أرادا ألّا يظهرا لعليّ وقد اغتصباه الخلافة رقة ولينا وخذلانا، ولا يرى عندهما خوراً فأتبعا القرح بالقرح، وقلت لمتكلم من متكلمي الإمامية يعرف بعليّ بن تقي من بلدة النيل(2): وهل كانت فدك إلّا نخلاً يسيراً وعقاراً ليس بذلك الخطير؟! فقال لی: ليس الأمر كذلك، بل كانت جليلة جداً وكان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الآن من النخل، وما قصد أبو بكر وعمر بمنع فاطمة عنها إلّا ألّا يتقوّى عليّ بحاصلها وغلتها على المنازعة في الخلافة، ولهذا أتبعا ذلك بمنع فاطمة وعليّ وسائر بني هاشم وبني المطلب حقّهم في الخمس، فإنّ الفقير الّذي لا مال له تضعف همّته ويتصاغر عند نفسه ويكون مشغولاً بالاحتراف والاكتساب عن طلب الملك والرئاسة، فانظر إلى ما قد وقر في صدور هؤلاء وهو داء لا دواء له، وما أكثر ما تزول الأخلاق والشيم، فأمّا العقائد الراسخة فلا سبيل إلى زوالها(3).

والناظر المنصف إذا راجع الأخبار وتاريخ صدر الإسلام يری إنّ أوّل بليّة حدثت بعد رحيل النّبيّ الأعظم صلی الله علیه و آله و سلم بقليل هي مسألة غصب الخلافة وإحراق بيت فاطمة الزهراء سلام الله علیها (4)، ثمّ يليها في الفجيعة منع فاطمة سلام الله علیها عن أمر فدك

ص: 38


1- الحلّة: تطلق على عدة مواضع؛ منها موضع بين الكوفة والبصرة؛ وهي حلة بني مزيد.
2- النيل هنا: بليدة في سواد الكوفة؛ قرب حلة بني مزيد.
3- «شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد» ج16/234 - 237.
4- راجع: «الإمامة والسياسة لابن قتبية» ج1/30.

وأهل البيت علیهم السلام عن الخمس، مصائب الّتي كان أمر جميعها بيد هذين الرجلين!

ثانيها: قد يقال بتحليل الخمس في زمن الغيبة ووجوبه في زمن الحضور، وهو القول الّذي نسبه في «الجواهر»(1) إلی بعض حواشي «القواعد».

والظاهر أنّه قبل أن يكون قولاً للعلّامة الحلي رحمه الله (م 726 ه-) في «القواعد» أو لبعض حواشيه هو قول للشيخ الطوسي رحمه الله (م 460 ه-) في كتابي «النهاية» و«المبسوط» ولبعض معاصريه، فإنّه بعد ما صرّح بالمنع من التصرف في حصته علیه السلام بغير إذنه حال الحضور قال:

فأمّا في حال الغيبة فقد رخّصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم ممّا يتعلّق بالأخماس وغيرها فيما لابدّ لهم منه من المناكح والمتاجر والمساكن، فأمّا ما عدا ذلك فلا يجوز التصرف فيه على حال(2).

وكيف كان الظاهر أنّهم استدلّوا علی مذهبهم بما وردت من الأخبار الكثيرة الّتي دلّت علی تحليل الخمس للشيعة مطلقاً، أو في خصوص المناكح والمساكن، أو مع تعذّر إيصاله إليه، أو عند إعواز و فقر مكلَّفه(3). منها صحيحة الفضلاء (الفضلاء الثلاثة) أبو بصير وزرارة ومحمّد بن مسلم كلّهم عن أبي جعفر علیه السلام قال: «قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أبي طَالِبٍ علیه السلام: هَلَكَ النَّاسُ في

ص: 39


1- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج21/156.
2- راجع: «النهاية في مجرد الفقه والفتاوی» ص200، و«المبسوط في فقه الإماميّة» ج1/263.
3- راجع: «وسائل الشيعة» ج9/543 - 554 الباب الرابع من أبواب الأنفال.

بُطُونِهِمْ وَفُرُوجِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤَدُّوا إِلَيْنَا حَقَّنَا، أَلَا وَإِنَّ شِيعَتَنَا مِنْ ذَلِكَ وَآبَاءَهُمْ في حِلٍّ»(1).وصحيحة عليّ بن مهزيار قال: قَرَأْتُ في كِتَابٍ لِأبي جعفر علیه السلام مِنْ رَجُلٍ يَسْأَلُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ في حِلٍّ مِنْ مَأْكَلِهِ وَمَشْرَبِهِ مِنَ الْخُمُسِ، فَكَتَبَ بِخَطِّهِ: «مَنْ أَعْوَزَهُ شيء مِنْ حَقِّي فَهُوَ في حِلٍّ»(2). وموثقة يونس بن يعقوب قال: كُنْتُ عِنْدَ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْقَمَّاطِينَ فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ تَقَعُ في أَيْدِينَا الْأَرْبَاحُ وَالْأَمْوَالُ وَتِجَارَاتٌ نَعْلَمُ أَنَّ حَقَّكَ فِيهَا ثَابِتٌ، وَأَنَّا عَنْ ذَلِكَ مُقَصِّرُونَ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «مَا أَنْصَفْنَاكُمْ إِنْ كَلَّفْنَاكُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ»(3).

والجواب عنه أنّها مختلفة دلالة ولساناً يجب تقييد مطلقاتها بمقيّداتها - نبحث عنها إن شاء الله مفصّلاً في مسألة: «حكم الخمس في زمن الغيبة بالنسبة إلی سهم الإمام علیه السلام وسهم السادة»(4) - لم يختر القول بالتحليل المطلق إجمالاً إلّا قليل من الأصحاب، فهو شاذّ عندهم لا يمكن الركون إليه مع إعراض كثيرهم عنه، هذا مع أنّ غيبة الحجّة علیه السلام الّتي يمكن دوامها آلاف سنة

ص: 40


1- «التهذيب» ج4/137، الحديث 386، و«الاستبصار» ج2/58، الحديث 191، و«وسائل الشيعة» ج9/543، الحديث 12675.
2- «التهذيب» ج4/143، الحديث 400، و«وسائل الشيعة» ج9/543، الحديث 12676.
3- «من لا يحضره الفقيه» ج2/23، الحديث 87، و«المقنعة» ص46، و«التهذيب» ج4/138، الحديث 389، و«الاستبصار» ج2/59، الحديث 194، و«وسائل الشيعة» ج9/545، الحديث 12680. والقماط ككتاب الحبل، وأيضاً الخرقة العريضة الّتی تُلفّها علی الصبيّ، راجع: «تاج العروس من جواهر القاموس» ج10/391.
4- راجع: «المسألة السابعة من المسائل المطروحة في فصل قسمة الخمس ومستحقّيه».

وإن كانت مصيبة عظمی علی المسلمين لكنّها لا توجب تعطيل أحكام الإسلام حينئذٍ، وبعد ما كانت مصارف الخمس باقية علی ما هي عليها حال الحضور فعلیالفقهاء الّذين هم نوّابه ووكلائه علی العموم في هذا الزمان القيام بأخذه وصرفه في مصارفه، وكيف يمكن بقاء المصارف بحالها وإباحة جميعه للشيعة؟! وقد أمر بإيصاله إلی الوكلاء في صحيحة عليّ بن مهزيار المتقدمة: «فَأَمَّا الْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلِّ عَامٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شيء قَدِيرٌ)، فَالْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَهِيَ الْغَنِيمَةُ يَغْنَمُهَا الْمَرْءُ، وَالْفَائِدَةُ يُفِيدُهَا، وَالْجَائِزَةُ مِنَ الْإِنْسَانِ لِلْإِنْسَانِ الّتي لَهَا خَطَرٌ، وَالْمِيرَاثُ الَّذِي لَا يُحْتَسَبُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَا ابْنٍ، وَمِثْلُ عَدُوٍّ يُصْطَلَمُ فَيُؤْخَذُ مَالُهُ، وَمِثْلُ مَالٍ يُؤْخَذُ لَا يُعْرَفُ لَهُ صَاحِبٌ، وَمَا صَارَ إِلَى مَوَالِيَّ مِنْ أَمْوَالِ الْخُرَّمِيَّةِ الْفَسَقَةِ، فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَمْوَالاً عِظَاماً صَارَتْ إِلَى قَوْمٍ مِنْ مَوَالِيَّ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ شيء مِنْ ذَلِكَ فَلْيُوصِلْ إِلَى وَكِيلِی، وَمَنْ كَانَ نَائِياً بَعِيدَ الشُّقَّةِ فَلْيَتَعَمَّدْ لِإِيصَالِهِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ، فَإِنَّ نِيَّةَ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ»، الحديث(1). إذ لا فرق ظاهراً في لزوم الإيصال إلی الوكلاء بين حالتي الحضور والغيبة.

أضف إلی ذلك كلّه أنّ القول بالتحليل المطلق يلازم تقييد آية الخمس والأخبار المطلقة الآمرة به بخصوص زمن الحضور ما لم يعهد في غيره من

ص: 41


1- «التهذيب» ج4/141، الحديث 398، و«الإستبصار» ج2/60، الحديث 198، و«وسائل الشيعة» ج9/501، الحديث 12583.

الواجبات إلّا الجهاد الابتدائي علی القول بكونه من خصائص النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وأئمة الطاهرين:(1).

وثالثها: وإن كان محلّ طرحه هو باب الزكاة، أنّه قد استشكل بعض المعاصرين علی كون متعلّق الزكاة هو خصوص الأصناف التسعة المذكورة في

ص: 42


1- هذا مع أنّ الأصحاب في مسألة الجهاد الابتدائی حال الغيبة بأمر الفقيه الجامع للشرائط بين قائل بالجواز وقائل بالمنع، فمن الأوّل الشيخ المفيد رحمه الله (م 413 ه- ) حيث قال: فأمّا إقامة الحدود فهو إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبل الله تعالى وهم أئمة الهدى من آل محمّد: ومن نصبوه لذلك من الاُمراء والحكّام، وقد فوّضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم مع الإمكان، فمن تمكّن من إقامتها على ولده وعبده ولم يخف من سلطان الجور إضراراً به على ذلك فليقمها، ومن خاف من الظالمين اعتراضاً عليه في إقامتها أو خاف ضرراً بذلك على نفسه أو على الدّين فقد سقط عنه فرضها، وكذلك إن استطاع إقامة الحدود على من يليه من قومه وأمن بوائق الظالمين في ذلك فقد لزمه إقامة الحدود عليهم، فليقطع سارقهم، ويجلد زانيهم، ويقتل قاتلهم، وهذا فرض متعيّن على من نصبه المتغلب لذلك على ظاهر خلافته له أو الإمارة من قبله على قوم من رعيته، فيلزمه إقامة الحدود وتنفيذ الأحكام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفار ومن يستحقّ ذلك من الفجّار، ويجب على إخوانه من المؤمنين معونته على ذلك إذا استعان بهم ما لم يتجاوز حدّاً من حدود الإيمان أو يكون مطيعاً في معصية الله تعالى من نصبه من سلطان الضلال، فإن كان على وفاق للظالمين في شي ء يخالف الله تعالى به لم يجز لأحد من المؤمنين معونته فيه، وجاز لهم معونته بما يكون به مطيعاً لله تعالى من إقامة حد وإنفاذ حكم على حسب ما تقتضيه الشريعة دون ما خالفها من أحكام أهل الضلال. راجع: «المقنعة للشيخ المفيد» ص810 - 811.

باب الزكاة، ولم تكن كمتعلّق الخمس تمام أموال النّاس بما هذا كلامه مع تصرف منّا في بيانه:

إنّه كيف يمكن جعل الزكاة الّتي وضعها الشارع علی تسعة أصناف لجميع المصارف الثمانية الّتي منها فقراء غير الهاشميين، وجعل خمس جميع أموال النّاس للإمام وفقراء الهاشميين بحيث يكون نصفه بحسب الجعل لهم، مضافاً إلى شركتهم في زكاة الهاشميين وفيما صرف من الزكاة في سبيل اللّه؟! فهلّا يكون هذا النحو من الجعل ظلماً وزوراً مع كون فقراء الهاشميين أقلّ من جميع الفقراء بمراتب؟ فتدبر، ولو أبيت ما ذكرنا فالأحوط القول بثبوت الزكاة في جميع الأوراق الماليّة الحالّة محلّ النقدين(1).

يلاحظ عليه أوّلاً: - بعد تسليم وضع الزكاة علی الأصناف التسعة وجعل الخمس علی جميع أرباح المكاسب، وأقليّة عدد الهاشميين بالنّسبة إلی غيرهم ومشاركتهم مع ذلك في زكاة الهاشميين وما اختص لهم أيضاً من الزكاة في سبيل الله - بالفرق بين باب الزكاة وباب الخمس بأنّ الزكاة علی فرض بقاء نصاب متعلّقها تكرّرت في كلّ عام بخلاف الخمس، حيث إنّه إذا تعلّق الخمس بعين وأدّاه المكلّف فلا يتكرّر أصلاً بمضيّ السنين والأعوام، بل يجب فيما زادت ونمت منها.

وثانياً: أنّ جعل الشارع الخمس إكراماً لمحمّد صلی الله علیه و آله و سلم ولذي القربی وفقراء الهاشميين عوضاً عن الزكاة ليس معناه أنّ السهم السادات منه يؤتی إليهم علی

ص: 43


1- راجع: «كتاب الزكاة للمنتظری» ج1/282.

أيّ حال، بل الحاكم كما تقدّمت الإشارة إليه مأمور بأنّه إن فضل عنهم شيء منه يأخذه ويصرفه في وجوه تقوية الدّين والمسلمين، وإن نقص عنهم يستغنئهم من نفسه، بمعنی أنّهم إن كانوا من الفقراء والمحاويج لا يحتاجون إلی بيت المال لما خصّ لهم الشارع سهماً من الخمس، بل هم الّذين يساعدون بيت المال وسائر الفقراء إن فضل من سهامهم شيء.

وثالثاً: إذا نقص سهم سبيل الله من الزكاة وكذا السهم الإمام من الخمس عن مصالح الإسلام والمسلمين ودار الأمر بين الفساد والخلل فيها وبين صرف السهم السادات فيها فبمقتضی قاعدة دوران الأمر بين الأهمّ والمهمّ علی الحاكم أن يأخذ من سهمهم أيضاً ويصرفه فيها.

ورابعاً: أنّ جعل الشارع الزكاة وكذا السهم السادات للفقراء من الهاشميين وغيرهم ليس إلّا لأجل الإحسان والإنعام علی عباده، لا لاستحقاقهم ذلك حتّی ينسب إليه الظلم والجور لو جعل لطائفة منهم زيادة لانتسابهم إلی نبيه علیه السلام الّذی لولاه لما خلق الأفلاك(1)!

وخامساً: وهو المهمّ في القام أنّه قد وردت في باب الزكاة روايات مستفيضة بل متواترة فيها صحاح وغير صحاح قد دلّت بالصّراحة علی انحصار الزكاة في الأصناف التسعة وعدم وجوبها في غيرها من الحبوب والثمار(2).

ص: 44


1- قد ورد في الحديث القدسی مخاطباً للنبيّه صلی الله علیه و آله و سلم: «لَوْلَاكَ لَمَا خَلَقْتُ الْأَفْلَاكَ»، راجع: «الوافي» ج2/72، و«بحار الأنوار» ج16/406.
2- راجع: «وسائل الشيعة» ج9/53 - 64، الباب 8 و9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه.

منها صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه علیه السلام: «أُنْزِلَتْ آيَةُ الزَّكَاةِ (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) في شَهْرِ رَمَضَانَ فَأَمَرَ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله و سلم مُنَادِيَهُ فَنَادَى في النَّاسِ: أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الزَّكَاةَ كَمَا فَرَضَ عَلَيْكُمُ الصَّلَاةَ، فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَمِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَنَادَى فِيهِمْ بِذَلِكَ في شَهْرِ رَمَضَانَ، وَعَفَا لَهُمْ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ» الحديث(1).

وخبر محمّد بن الطّيّار قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَمَّا تَجبُ فِيهِ الزَّكَاةُ؟ فَقَالَ: «فِی تِسْعَةِ أَشْيَاءَ: الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَعَفَا رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله و سلم عَمَّا سِوَى ذَلِكَ، فَقُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ فَإِنَّ عِنْدَنَا حَبّاً كَثِيراً، قَالَ: فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟ قُلْتُ: الْأَرُزُّ، قَالَ: نَعَمْ مَا أَكْثَرَهُ، فَقُلْتُ: أَ فِيهِ الزَّكَاةُ؟ فَزَبَرَنِي، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: أَقُولُ لَكَ: إِنَّ رَسُولَ الله صلی الله علیه و آله و سلم عَفَا عَمَّا سِوَى ذَلِكَ، وَتَقُولُ لِی: إِنَّ عِنْدَنَا حَبّاً كَثِيراً أَ فِيهِ الزَّكَاة؟!»(2).

والّذی يخطر ببالي أنّ مراد المستشكل من أنّه لو كان متعلّق الزكاة الأصناف التسعة فهو حكم علی خلاف العدل، ليس هو نسبة الظلم والجور إلی الله عزّ وجلّ، تعالی الله عنه علواً كبيراً، بل إنّه كان بسدد بيان عموميّة متعلّقات الزكاة كالخمس وأنّ القول بالتخصيص يلازم الحكم الجوري الّذی لم يقل به أحد من

ص: 45


1- «من لا يحضره الفقيه» ج2/8، الحديث 26، و«وسائل الشيعة» ج9/53، الحديث 11503.
2- «التهذيب» ج4/4، الحديث 9، و«الاستبصار» ج2/4، الحديث 9، و«وسائل الشيعة» ج9/58، الحديث 11514.

الموحّدين، فكيف بصاحب الشريعة! وعلی أيّ حالٍ لا يليق مثل هذا التعبير من مسلم فضلاً عن فقيه، زائداً علی كونه إجتهاداً في مقابل النصّ!

نبحث في هذا المجال إن شاءالله تعالی بالتفصيل عن أحكام الخُمس والأنفال علی ضوء هذه النواحی الثلاثة: (آثار الخمس من ناحية باذله، ومصارفه في المجمع، وكونه عوناً للحاكم الإسلامی علی إقامة الدّين والدّنيا) وبصورة الفقه المقارن الّذي كان مبتكره الشيخ الطوسي رحمه الله علی حسب مباني الاستدلاليّة في الفقه الإماميّة، علی مدار ما طرحه السيّد محمّد كاظم الطباطبائي رحمه الله في «العروة» مع بعض إضافات وزيادات الّتي لزم البحث عنها، وقبل الشروع فيه نذكر بعض ما فيه إشارة إلی حكمة تشريعه، فنقول وعليه التكلان:

ص: 46

أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الّذي جعل الخُمس عوناً علی الدّين والمحاويج من ذريّة

نبيه علیه السلام، وبذله مفتاحاً لرزق المؤمنين، وتمحيصاً لذنوبهم،

وذخراً ليوم فاقتهم، وأمارة للوفاء بما أقرّوا وعهدوا لربّهم،

ووسيلة لجلب دعاء نبيّهم سيّد الأنبياء والمرسلين

وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين(1)

ص: 47


1- قال الله تبارك وتعالی: (أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَني آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبينٌ وَأَنِ اعْبُدُوني هذا صِراطٌ مُسْتَقيمٌ)، «يس»: 60 - 61. وعن مولانا أبي الحسن الرّضا علیه السلام في جواب من سأله الإذن في الخمس: «إِنَّ الْخُمُسَ عَوْنُنَا عَلَى دِينِنَا وَعَلَى عِيَالاتِنَا وَعَلَى مَوَالِينَا، وَمَا نَبْذُلُهُ وَنَشْتَرِي مِنْ أَعْرَاضِنَا مِمَّنْ نَخَافُ سَطْوَتَهُ، فَلَا تَزْوُوهُ عَنَّا، وَلَا تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ دُعَاءَنَا مَا قَدَرْتُمْ عَلَيْهِ، فَإِنَّ إِخْرَاجَهُ مِفْتَاحُ رِزْقِكُمْ، وَتَمْحِيصُ ذُنُوبِكُمْ، وَمَا تُمَهِّدُونَ لِأَنْفُسِكُمْ لِيَوْمِ فَاقَتِكُمْ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ يَفِی لِلَّهِ بِمَا عَهِدَ إِلَيْهِ وَلَيْسَ الْمُسْلِمُ مَنْ أَجَابَ بِاللِّسَانِ وَخَالَفَ بِالْقَلْبِ، وَالسَّلَامُ». «الكافي» ج1/460، الحديث 25، و«المقنعة» ص46، و«التهذيب» ج4/139، الحديث 395، و«الاستبصار» ج2/59، الحديث 195، و«وسائل الشيعة» ج9/538، الحديث 12665.

حكمة تشريع الخُمس والزكاة في الشريعة المقدسة:

لا ريب في أنّ الحاكم الإسلامي مسئول بالنسبة إلی معاش رعيّته ومعادهم، قد جعل الله المالك الملك الخُمس والزكاة والأنفال وكذا الجزية وأمثالها له لذلك، ففي مثل الخُمس والزكاة زائداً علی كونهما سبباً لإقامة الدّين وسلطة المسلمين ورفع الفقر عنهم، موجباً لتقوية حالة الإعانة والمواساة في الأغنياء بالنسبة إلی الفقراء وذوي الحاجات، وأداء شكر ما أعطاهم الله تعالی وتطهير قلوبهم وتمحيص ذنوبهم، قال تبارك وتعالی: (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَميعٌ عَليمٌ)(1).

وفي خبر محمّد بن سنان عن الرّضا علیه السلام أنّه كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: «أَنَّ عِلَّةَ الزَّكَاةِ مِنْ أَجْلِ قُوتِ الْفُقَرَاءِ، وَتَحْصِينِ أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَلَّفَ أَهْلَ الصِّحَّةِ الْقِيَامَ بِشَأْنِ أَهْلِ الزَّمَانَةِ وَالْبَلْوَى، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (لَتُبْلَوُنَّ في أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ)(2) في أَمْوَالِكُمْ: إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ، وَفِی أَنْفُسِكُمْ: تَوْطِينُ الْأَنْفُسِ عَلَى الصَّبْرِ، مَعَ مَا في ذَلِكَ مِنْ أَدَاءِ شُكْرِ نِعَمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالطَّمَعِ في الزِّيَادَةِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الزِّيَارَةِ وَالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ لِأَهْلِ الضَّعْفِ، وَالْعَطْفِ عَلَى أَهْلِ الْمَسْكَنَةِ، وَالْحَثِّ لَهُمْ عَلَى الْمُوَاسَاةِ، وَتَقْوِيَةِ الْفُقَرَاءِ، وَالْمَعُونَةِ عَلَى أَمْرِ الدِّينِ، وَهُوَ عِظَةٌ لِأَهْلِ الْغِنَى وَعِبْرَةٌ لَهُمْ لِيَسْتَدِلُّوا عَلَى فَقْرِ الْآخِرَةِ بِهِمْ، وَمَا لَهُمْ مِنَ الْحَثِّ في

ص: 48


1- «التوبة»: 103.
2- «آل عمران»: 186.

ذَلِكَ عَلَى الشُّكْرِ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمَا خَوَّلَهُمْ وَأَعْطَاهُمْ، وَالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالْخَوْفِ مِنْ أَنْ يَصِيرُوا مِثْلَهُمْ»(1).

وروی الكليني في «الكافي» وكذا الشيخ في «التهذيبين» عن محمّد بن زيد الطّبريّ قَالَ: كَتَبَ رَجُلٌ مِنْ تُجَّارِ فَارِسَ مِنْ بَعْضِ مَوَالِي أبي الْحَسَنِ الرِّضا علیه السلام يَسْأَلُهُ الْإِذْنَ في الْخُمُسِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ كَرِيمٌ ضَمِنَ عَلَى الْعَمَلِ الثَّوَابَ وَعَلَى الضِّيقِ الْهَمَّ، لَا يَحِلُّ مَالٌ إِلَّا مِنْ وَجْهٍ أَحَلَّهُ اللَّهُ، إِنَّ الْخُمُسَ عَوْنُنَا عَلَى دِينِنَا وَعَلَى عِيَالاتِنَا وَعَلَى مَوَالِينَا، وَمَا نَبْذُلُهُ وَنَشْتَرِي مِنْ أَعْرَاضِنَا مِمَّنْ نَخَافُ سَطْوَتَهُ، فَلَا تَزْوُوهُ عَنَّا، وَلَا تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ دُعَاءَنَا مَا قَدَرْتُمْ عَلَيْهِ، فَإِنَّ إِخْرَاجَهُ مِفْتَاحُ رِزْقِكُمْ، وَتَمْحِيصُ ذُنُوبِكُمْ، وَمَا تُمَهِّدُونَ لِأَنْفُسِكُمْ لِيَوْمِ فَاقَتِكُمْ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ يَفِي لِلَّهِ بِمَا عَهِدَ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ الْمُسْلِمُ مَنْ أَجَابَ بِاللِّسَانِ وَخَالَفَ بِالْقَلْبِ، وَالسَّلَامُ»(2).

وكذا موثقة عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال: «إِنِّی لآَخُذُ مِنْ أَحَدِكُمُ الدِّرْهَمَ وَإِنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَالاً مَا اُرِيدُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنْ تُطَهَّرُوا»(3).

ص: 49


1- «من لايحضره الفقيه» ج2/4، الحديث 7، و«وسائل الشيعة» ج9/12 الحديث 11393.
2- «الكافي» ج1/460 الحديث 25، و«المقنعة» ص46، و«التهذيب» ج4/139، الحديث 395، و«الاستبصار» ج2/59، الحديث 195، و«وسائل الشيعة» ج9/538، الحديث 12665.
3- «من لايحضره الفقيه» ج2/23، الحديث 86، و«علل الشرائع» ج2/377، الحديث 1، و«وسائل الشيعة» ج9/483 الحديث 12542.

فتحصّل ممّا بيّناه من الكتاب والأخبار الّتي قد ظفرنا بها في هذا المجال أنّ في أداء الخُمس والزكاة عشرة آثار هي عبارة عن:

الف: تحليل الأموال، لقوله علیه السلام: «لَا يَحِلُّ مَالٌ إِلَّا مِنْ وَجْهٍ أَحَلَّهُ اللَّهُ».

ب: تحصين أموال أربابها، لقوله علیه السلام: «أَنَّ عِلَّةَ الزَّكَاةِ مِنْ أَجْلِ ...، تَحْصِينِ أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ».

ج: العون علی إقامة الدّين، لقوله علیه السلام: «إِنَّ الْخُمُسَ عَوْنُنَا عَلَى دِينِنَا».

د: كفاية الفقراء والمساكين، لقوله علیه السلام: «أَنَّ عِلَّةَ الزَّكَاةِ مِنْ أَجْلِ قُوتِ الْفُقَرَاءِ ...، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَلَّفَ أَهْلَ الصِّحَّةِ الْقِيَامَ بِشَأْنِ أَهْلِ الزَّمَانَةِ وَالْبَلْوَى، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (لَتُبْلَوُنَّ في أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ)»، وقوله علیه السلام: «إِنَّ الْخُمُسَ عَوْنُنَا ...، عَلَى عِيَالاتِنَا وَعَلَى مَوَالِينَا».

ه- : كونه موجباً لجلب دعاء الأئمة الطاهرين علیهم السلام ، لقوله تعالی: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ)، وقوله علیه السلام: «وَلَا تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ دُعَاءَنَا مَا قَدَرْتُمْ عَلَيْهِ».

و: كونه مفتاحاً لرزق المعطي، لقوله علیه السلام: «فَإِنَّ إِخْرَاجَهُ مِفْتَاحُ رِزْقِكُمْ»، وقوله علیه السلام: «وَالطَّمَعِ في الزِّيَادَةِ».

ز: تخليص النفوس وتزكيتها عن الذنوب والمعاصي، لقوله تعالی: (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها)، ولقوله علیه السلام: «وَتَمْحِيصُ ذُنُوبِكُمْ»، وقوله علیه السلام: «مَا أُرِيدُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنْ تُطَهَّرُوا».

ح: كان ذخراً ليوم الفاقة في القيامة لقوله علیه السلام: «وَمَا تُمَهِّدُونَ لِأَنْفُسِكُمْ لِيَوْمِ فَاقَتِكُمْ».

ص: 50

ط:كونه دليلاً علی صدق إيمان باذله وما يدعيه بلسانه، لقوله علیه السلام: «وَالْمُسْلِمُ مَنْ يَفِي لِلَّهِ بِمَا عَهِدَ إِلَيْهِ وَلَيْسَ الْمُسْلِمُ مَنْ أَجَابَ بِاللِّسَانِ وَخَالَفَ بِالْقَلْبِ».ی: كونه موجباً لشكر ما أعطاه الله تبارك وتعالی، لقوله علیه السلام: «وَمَا لَهُمْ مِنَ الْحَثِّ في ذَلِكَ عَلَى الشُّكْرِ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمَا خَوَّلَهُمْ وَأَعْطَاهُمْ، وَالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالْخَوْفِ مِنْ أَنْ يَصِيرُوا مِثْلَهُمْ».

ثمّ إنّ هنا أحاديث عامّة اُخری أشار فيها إلی بعض من هذه الآثار، منها: مرفوعة سعدان عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْعِمْ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً إِلَّا وَقَدْ أَلْزَمَهُ فِيهَا الْحُجَّةَ مِنَ اللَّهِ، فَمَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ فَجَعَلَهُ قَوِيّاً فَحُجَّتُهُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِمَا كَلَّفَهُ وَاحْتِمَالُ مَنْ هُوَ دُونَهُ مِمَّنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ، وَمَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ فَجَعَلَهُ مُوَسَّعاً عَلَيْهِ فَحُجَّتُهُ عَلَيْهِ مَالُهُ، ثُمَّ تَعَاهُدُهُ الْفُقَرَاءَ بَعْدُ بِنَوَافِلِهِ، وَمَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ فَجَعَلَهُ شَرِيفاً في بَيْتِهِ جَمِيلاً في صُورَتِهِ فَحُجَّتُهُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ، وَأَنْ لَا يَتَطَاوَلَ عَلَى غَيْرِهِ فَيَمْنَعَ حُقُوقَ الضُّعَفَاءِ لِحَالِ شَرَفِهِ وَجَمَالِهِ»(1).

وفي كلمات قصار مولانا أميرالمؤمنين علیه السلام: «إِنَّ لِلَّهِ عِبَاداً يَخْتَصُّهُمُ اللَّهُ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ فَيُقِرُّهَا في أَيْدِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا مِنْهُمْ ثُمَّ حَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ»(2).

وما رواه داود الرّقّيّ عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً صَيَّرَ حَوَائِجَ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَإِنْ قَضَاهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِخْفَافٍ مِنْهُ أُسْكِنَ الْفِرْدَوْسَ،

ص: 51


1- «الكافي» ج1/163، الحديث 6.
2- «نهج البلاغة» قسم كلمات القصار، الرقم 425.

وَإِنْ لَمْ يَقْضِهَا أُسْكِنَ نَارَ جَهَنَّمَ وَنَزَعَ اللَّهُ مِنْهُ صَالِحَ مَا أَعْطَاهُ، وَلَمْ يَنَلْ شَفَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(1).وعنه علیه السلام قال: «مَا عَظُمَتْ نِعْمَةُ عَبْدٍ إِلَّا اشْتَدَّتْ مَئُونَةُ النَّاسِ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَضَجَّرَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِسَلْبِ النِّعْمَةِ»(2).

فبعد ما فرغنا من هذه المرحلة فنشرع البحث ونقول:

قال السيّد رحمه الله في «العروة»:

الخمس، وهو من الفرائض وقد جعلها الله تعالى لمحمّد صلی الله علیه و آله و سلم وذريّته عوضاً عن الزكاة إكراماً لهم، ومن منع منه درهماً أو أقلّ كان مندرجاً في الظالمين لهم والغاصبين لحقّهم، بل من كان مستحلاً لذلك كان من الكافرين، ففي الخبر عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر علیه السلام: ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟ قال علیه السلام: «من أكل من مال اليتيم درهماً ونحن اليتيم»، وعن الصّادق علیه السلام: «إن الله لا إله إلّا هو حيث حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس، فالصدقة علينا حرام، والخمس لنا فريضة، والكرامة لنا حلال»، وعن أبي جعفر علیه السلام: «لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتی يصل إلينا حقّنا»، وعن أبي عبد اللّه علیه السلام: «لا يعذّر عبد اشترى من الخمس شيئاً أن يقول: يا ربّ اشتريته بمالي، حتی يأذن له أهل الخمس»(3).

ص: 52


1- «مشكاة الأنوار في غرر الأخبار» ص333.
2- «مشكاة الأنوار في غرر الأخبار» ص333.
3- «العروة الوثقی للسيّد اليزدي» ج2/366.

الخمس في المعنی والمفهوم:

قبل بيان حكم الخمس وما له من الفروع الآتية ينبغي لنا تعريفه بحسب اللغة وعرف الفقهاء، وهو إجمالاً بحسب اللغة رابع الكسور وواحد من خَمسة.قال أحمد بن فارس (م 395 ه-) في «المقائيس»:

خمس: الخاء والميم والسين أصلٌ واحد، وهو في العدد، فالخمسة معروفة، والخمس: واحدٌ من خَمْسةٍ، يقال خَمَسْتُ القومَ: أخذْتُ خمس أموالهِم، أخْمُسُهم. وخَمَسْتُهم: كنتُ لهم خامساً (1).

وقال الراغب (م 502 ه- ) في «مفرادته»:

أصل الخَمْس في العدد، قال تعالى: (وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سٰادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ)، وقال: (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلّٰا خَمْسِينَ عٰاماً)، والخميس: ثوب طوله خمس أذرع، ورمح مَخْمُوس كذلك، والخمس من أظماء الإبل، وخَمَسْتُ القومَ أَخْمُسُهُمْ: أخذتُ خُمس أموالهم، وخَمَسْتُهُمْ أَخْمُسُهُمْ: كنت لهم خامساً، والخميس في الأيّام معلوم(2).

وقال ابن منظور المصري (م 711 ه-):

الخُمْسُ والخُمُسُ والخِمْسُ: جزء من خمسة يَطَّرِدُ ذلك في جميع هذه الكسور عند بعضهم، والجمع أَخْماس، والخَمْسُ: أَخذك واحداً من خمسة تقول: خَمَسْتُ مال فلان، وخَمَسَهم يَخْمُسُهم بالضم خَمْساً: أَخذ خُمْسَ أَموالهم، وخَمَسْتُهم أَخْمِسُهم، بالكسر إِذا كنتَ خامِسَهم أَو كملتهم خمسة بنفسك. وفي حديث عَدِيّ بن حاتم:

ص: 53


1- «معجم مقائيس اللغة» ج2/217.
2- «مفردات ألفاظ القرآن» ص299.

«رَبَعْتُ في الجاهلية وخَمَسْتُ في الإِسلام»، يعني قُدْتُ الجيشَ في الحالين لأنّ الأمير في الجاهلية كان يأْخذ الرُّبُع من الغنيمة، وجاءَ الإِسلامُ فجعله الخُمْسَ وجعل له مصارف، فيكون حينئد من قولهمرَبَعْتُ القوم وخَمَسْتُهم مخففاً إِذا أَخذت رُبْع أَموالهم وخُمْسَها، وكذلك إِلى العشرة(1).

هذا تعريفه بحسب «اللغة»، وأمّا تعريفه حسب اصطلاح الفقهاء، فقد عرّفه زين الدّين العاملي المعروف بالشهيد الثاني رحمه الله (م 966 ه-) في «المسالك» بقوله:

الخمس هو حقّ مالي يثبت لبني هاشم في مال مخصوص بالأصالة عوضاً عن الزكاة(2).

ف- «الحقّ» بمنزلة الجنس يشمل الزكاة وغيرها، واحترز بالحقّ «المالي» عن غير المالي كالولاية الثابتة للإمام علیه السلام علی رعيّته، وب- «ثبوته لبني هاشم» عن الزكاة وشبهها، وبقوله: «في مال مخصوص» عن ملك الإمام علیه السلام لجميع ما في الأرض(3)، إذ مالكيّة الأشخاص فيما يتملّكون إنّما هي في طول مالكيّته، وبقوله: «بالأصالة» عمّا ثبت لهم بالنذر والوقف.

ص: 54


1- «لسان العرب» ج6/66.
2- «مسالك الأفهام إلی تنقيح شرائع الإسلام» ج1/457.
3- هنا روايات تدلّ علی ذلك المعنی، منها صحيحة أبي خالد الكابليّ عن أبي جعفر علیه السلام قال: «وَجَدْنَا في كِتَابِ عَلِیٍّ علیه السلام (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) أَنَا وَأَهْلُ بَيْتِیَ الَّذِينَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ وَنَحْنُ الْمُتَّقُونَ، وَالْأَرْضُ كُلُّهَا لَنَا، فَمَنْ أَحْيَا أَرْضاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَعْمُرْهَا وَلْيُؤَدِّ خَرَاجَهَا إِلَى الْإِمَامِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي وَلَهُ مَا أَكَلَ مِنْهَا، فَإِنْ تَرَكَهَا وَأَخْرَبَهَا فَأَخَذَهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدِهِ فَعَمَرَهَا وَأَحْيَاهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنَ الَّذِي تَرَكَهَا، فَلْيُؤَدِّ خَرَاجَهَا إِلَى الْإِمَامِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي وَلَهُ مَا أَكَلَ مِنْهَا حَتَّى يَظْهَرَ الْقَائِمُ علیه السلام مِنْ أَهْلِ بَيْتِي بِالسَّيْفِ فَيَحْوِيَهَا وَيَمْنَعَهَا وَيُخْرِجَهُمْ مِنْهَا كَمَا حَوَاهَا رَسُولُ الله علیه السلام وَمَنَعَهَا إِلَّا مَا كَانَ في أَيْدِي شِيعَتِنَا فَإِنَّهُ يُقَاطِعُهُمْ عَلَى مَا في أَيْدِيهِمْ وَيَتْرُكُ الْأَرْضَ في أَيْدِيهِمْ». «تفسير العياشي» ج2/25، الحديث 66، و«الكافي» ج1/407، الحديث 1، و«وسائل الشيعة» ج25/414، الحديث 32246.

هذا ولكن يرد عليه أنّ هذا التعريف تعريف لنصف الخمس لا جميعه، لأنّه أوّلاً: سهم اللّه تعالى خارج عنه، وثانياً: أنّ سهم النّبيّ والأئمة علیهم السلام ثابت بمقتضى كونهم ذا ولاية مطلقة إلهيّة لا بما أنّهم من بني هاشم، ولذا يعطى سهم الإمام علیه السلام لغير بني هاشم، فالأولى أن يقال: «هو حقّ مالي يثبّت لله ولرسوله والأئمة الطاهرين علیهم السلام من أهل بيته وبني هاشم في مال مخصوص بالأصالة».

ثمّ إنّ المراد بالحقّ في المقام لم يكن بما له من المعنی المقابل للحكم حتّی يقال بجواز إسقاطه، بل المراد منه ما يكون أعمّ منه ومن المال، كما يقال: لي حقّ في مال فلان من طريق المشاركة أو المضاربة، ومنه قوله تعالی: (وَالَّذينَ في أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)(1).

وقد فسّره الصادق علیه السلام في موثقة سماعة بن مهران حيث قال: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ لِلْفُقَرَاءِ في أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ فَرِيضَةً لَا يُحْمَدُونَ إِلَّا بِأَدَائِهَا وَهِيَ الزَّكَاةُ بِهَا حَقَنُوا دِمَاءَهُمْ، وَبِهَا سُمُّوا مُسْلِمِينَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ في أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ حُقُوقاً غَيْرَ الزَّكَاةِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (وَالَّذِينَ في أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) فَالْحَقُّ الْمَعْلُومُ

ص: 55


1- «العمارج»: 24 - 25.

مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ وَهُوَ شيء يَفْرِضُهُ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ في مَالِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْرِضَهُ عَلَى قَدْرِطَاقَتِهِ وَسَعَةِ مَالِهِ، فَيُؤَدِّي الَّذِي فَرَضَ عَلَى نَفْسِهِ إِنْ شَاءَ في كُلِّ يَوْمٍ، وَإِنْ شَاءَ في كُلِّ جُمْعَةٍ، وَإِنْ شَاءَ في كُلِّ شَهْرٍ»، الحديث(1).

دليل وجوب الخمس:

لا إشكال ولا خلاف إجمالاً في أصل وجوب الخُمس في الشريعة المقدسة الإسلاميّة، وقد دلّ عليه الكتاب العزيز والسنّة المتواترة، وإجماع علماء الإسلام قاطبة من الخاصّة والعامّة، وإن اختلفوا فيه العامّة من حيث المورد أو المصرف، لذهاب أكثرهم علی تخصيص الخُمس بغنائم دار الحرب والكنز والمعادن(2)،

بل قامت عليه الضرورة القطعيّة في المذهب الإماميّة علی حدّ يندرج منكره في سلك الكافرين(3)،

وأرسله بعض إرسال المسلّمات منهم المحقق الحلّي رحمه الله (م 676 ه-) في كتابي «الشرائع»(4)

و«المختصر»(5)،

والعلّامة الحلّي رحمه الله (م726

ص: 56


1- «الكافي» ج3/498 الحديث 8.
2- راجع: «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/11، «رياض المسائل ط - الحديثة» ج5/227، «خلاف» كتاب الزكاة مسائل الرقم 139 و140 و142 و146، ولأجل ذلك لم يبحث فقهاء العامة عن مبحث «الخمس» بعنوان كتاب مستقل بل بحثوا عنه في كتبهم الفقهيّة طی فروعات مباحث «كتاب الجهاد».
3- من مدعين الضرورة الشيخ جعفر الكاشف الغطاء رحمه الله في «كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء ط - الحديثة» ج4/197، والسيّد الخوئی رحمه الله في «موسوعة الإمام الخوئی» ج25/3، و«مستند العروة الوثقی كتاب الخمس» ص9.
4- «شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام» ج1/162.
5- «المختصر النافع في فقه الإمامية» ج1/63.

ه-) في كتبه الثلاثة: «التذكرة»(1)،

و«التحرير»(2)،

و«المنتهی»(3)،

ومحمّد بن مكي العاملي المعروف بالشهيد الأوّل رحمه الله (م 786 ه-) في «غاية المراد»(4)،

و«الدروس»(5)،

و«اللمعة»(6)،

وزين الدّين بن عليّ العاملي المعروف بالشهيد الثاني رحمه الله (م 966 ه-) في «الروضة»(7)،

والمحدث البحراني رحمه الله (م 1186 ه-) في «الحدائق»(8)،

والسيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي رحمه الله (م 1337 ه-) هنا، والإمام الراحل رحمه الله (م 1409 ه-) في «التحرير»(9).

قال الشيخ الطوسي رحمه الله (م 460 ق) فيما يجب فيه الخمس، وقد أشار فيه إلی أقوال العامة أيضاً:

المعادن كلّها يجب فيها الخمس من الذهب، والفضة، والحديد، والصفر، والنحاس، والرصاص، ونحوها ممّا ينطبع وممّا لا ينطبع،كالياقوت والزبرجد والفيروزج ونحوها، وكذلك القير والموميا والملح والزجاج وغيره.

ص: 57


1- «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج5/407.
2- «تحرير الأحكام الشرعية علی مذهب الإمامية (ط - الحديثة)» ج1/433.
3- «منتهی المطلب في تحقيق المذهب» ج8/511.
4- «غاية المراد في شرح نكت الإرشاد المقدمة» رحمه الله ص58.
5- «الدروس الشرعية في فقه الإمامية» ج1/258.
6- «اللمعة الدمشقية في فقه الإمامية» ص55.
7- «الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية» ج1/187.
8- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/320
9- «تحرير الوسيلة» ج1/352

وقال الشافعي: لا يجب في المعادن شيء إلّا الذهب والفضة فإنّ فيهما الزكاة، وما عداهما ليس فيه شيء انطبع أو لم ينطبع، وقال أبو حنيفة: كلّما ينطبع مثل الحديد، والرصاص، والذهب والفضة ففيه الخمس، وما لا ينطبع فليس فيه شيء مثل الياقوت والزمرد والفيروزج فلا زكاة فيه لأنّه حجارة. وقال أبو حنيفة ومحمّد: في الزيبق الخمس، وقال أبو يوسف: لا شيء فيه. ورواه عن أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: قلت لأبي حنيفة: هو كالرصاص، فقال: فيه الخمس. وقال أبو يوسف وسألته عن الزيبق بعد ذلك، فقال: إنّه يخالف الرصاص فلم أر فيه شيئاً، فروايته عن أبي حنيفة ومذهبه الّذي مات عليه أنّه يخمس.

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضاً قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ)، وهذه الأشياء كلّها ممّا غنمه الإنسان، وأيضاً الأخبار الّتي وردت عنهم علیهم السلام في أنّ الأرض خمسها لنا، وأنّ لنا خمس الأشياء حتی أرباح التجارات، تتناول ذلك، وروي عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أنّه قال: «في الركاز الخمس»، والمعدن ركاز، وقال أيضاً: يجب الخمس في جميع المستفاد من أرباح التجارات والغلات والثمار على اختلاف أجناسها بعد إخراج حقوقها ومؤنها، وإخراج مؤونة الرجل لنفسه ومؤونة عياله سنة، ولم يوافقنا على ذلك أحد من الفقهاء.دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك، لأنّه إذا أخرج الخمس عمّا ذكرناه كانت ذمّته بريئة بيقين، وإن لم يخرج ففي براءة ذمّته خلاف(1).

ص: 58


1- «كتاب الخلاف» ج2/116 - 118، مسائل 138 و139 من مسائل الزكاة.

وقال المحقق الطباطبائي رحمه الله في «الرياض» (م 1231 ه-):

وهو (الخمس) حقّ مالي يثبت لبني هاشم عوض الزكاة بالكتاب والسنة والإجماع، قال سبحانه: (وَاعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ)، وأمّا السنّة فهي متواترة، وأمّا الإجماع فمن المسلمين كافّة، وإن اختلفوا فيما يجب فيه بعد اتّفاقهم على أنّه يجب في غنائم دار الحرب والكنز لصريح الآية والسنة المتواترة في الأوّل، بناءً على أنّ الغنيمة فيهما حقيقة في مفروض المسألة قطعاً، عرفاً ولغةً، ويقتضي إرادته سوق الآية جدّاً(1).

وقال السيّد البروجردي رحمه الله (م 1380 ه-):

الخمس وهو ممّا أجمع على ثبوته في الجملة جميع فرق المسلمين وإن كثر الاختلاف بينهم من جهة أحكامه بعد الاتفاق على أصل ثبوته(2).

وقال الشيخ جعفر الكاشف الغطاء رحمه الله (م 1228 ه-):

الخمس وهو واجب في الجملة، بالضرورة من الدّين على نحو وجوب الزكاة، والحكم في تركه مثله في تركها(3).

وقال السيّد الخوئي رحمه الله (م 1413 ه-):

لا إشكال كما لا خلاف في وجوب الخمس في الشريعة الإسلامية، وقد نطق به الكتاب العزيز والسنّة المتواترة، بل قامت عليه الضرورة

ص: 59


1- «رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل» ج5/227.
2- «زبدة المقال في خمس الرسول والآل» ص4.
3- «كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء ط - الحديثة» ج4/197.

القطعيّة على حدٍّ يندرج منكره في سلك الكافرين، وقد أصفقت عليه علماء المسلمين قاطبةً من الخاصّة والعامّة وإن وقع الخلاف في بعض الخصوصيّات من حيث المورد والمصرف(1).

و حكی الطبري (م 310 ه-) في تفسيره «جامع البيان»:

حدّثنا عمران بن موسى، قال: حدّثنا عبد الوارث، قال: حدّثنا أبان، عن الحسن، قال: أوصى أبو بكر رضی الله عنه بالخمس من ماله، وقال: «ألا أرضى من مالي بما رضي الله لنفسه؟»(2).

قد عرفت من مطاوي كلمات الفريقين اتفاقهم علی وجوب الخمس إجمالا ً، بل كونه ضرورياً عند الإماميّة، وأمّا دليله من الكتاب، فقد قال الله تبارك وتعالی: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكينِ وَابْنِ السَّبيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شيء قَديرٌ)(3).

وهذه هي الآية الوحيدة في القرآن الكريم الّتي تكفّلت لحكم الخمس وبيان مصرفه ومتعلّقه، فرض الله تعالی فيها الخمس علی عباده فيما يغتنموا من الفوائد إجمالاً، وذكر نفسه ورسوله وذا القربی من أهل بيته علیهم السلام في إعداد من لهم الخمس، مع أنّه لمّا جائت قصّة الصدقة والزكاة نزّه نفسه ورسوله وأهل بيته علیهم السلام عنها وقال: (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ

ص: 60


1- «موسوعة الإمام الخوئی» ج25/3، و«مستند العروة الوثقی كتاب الخمس» ص9.
2- «جامع البيان في تفسير القرآن (التفسير الطبري)» ج10/3.
3- «الأنفال»: 41.

قُلُوبُهُمْ وفي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وفي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(1)، لكونها من أوساخ أيدي النّاس فلا تحلّ لهم ذلك، لأنّهم مطهّرون من كلّ دنس ووسخ، زائداً علی أنّه جعل الاعتقاد بالخمس شرط الإيمان بالله وبما أنزله علی رسوله، وتأكيده ب- «أنّ»، واسميّة الجملة، وتقديم الجار والمجرور حيث قال: (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ) الآية، ولم يقل فأنّ خمسه لله، ومع أنّه فرّق بين الزكاة والخمس، ففي الزكاة أمر نبيّه بأخذها من المكلّفين حيث قال سبحانه: (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَميعٌ عَليمٌ)(2)، وفي المقام أمرهم بدفعه إلی أربابه فخاطبهم بقوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ).

ثمّ الغنيمة في أصل اللغة وموارد استعمالها في الكتاب والأخبار وكذا في مصطلح فقهائنا الإمامية هي مطلق الفائدة المكتسبة أو الإعطائية، دنيوياً كانت أو اُخروياً، كما استعملها الله عزّ وجلّ في قوله تعالى: (تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِماتَعْمَلُونَ

خَبيراً)(3)، حيث إنّ المراد منها عند الله في الآية الكريمة هو الثواب الإعطائي الاُخروي، ومن هذا الباب ما رواه محمّد بن الحسين الرّضي في «نهج البلاغة» عن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قال: «إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الطَّاعَةَ غَنِيمَةَ الْأَكْيَاسِ

ص: 61


1- « التوبة »: 60.
2- «التوبة»: 103.
3- «النساء»: 94.

عِنْدَ تَفْرِيطِ الْعَجَزَةِ»(1)، وما رواه محمّد بن عليّ بن الحسين ابن بابويه رحمه الله مرفوعاً عن أبي عبداللّه علیه السلام أنّه قال: «الصَّوْمُ في الشِّتَاءِ هُوَ الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ»(2)، وبهذا المضمون ما روي عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أنّه قال: «الصَّوْمُ في الشِّتَاءِ الْغَنِيمَةُ الْمُبَارَكَةُ»(3)، إلى غير ذلك من الأخبار والأحاديث.

ثمّ اُطلق بما أخذ من مال المشركين بقهر وغلبة، واستعمالها في الغنيمة الحربية ليس إلّا من أجل أنّها من إحدى مصاديق ذلك المعنى الكلّي بعد ما اطّرد استعمالها في المعنى العام منها، وقد ثبت في محلّه أنّ الاطّراد وكثرة استعمال لفظ في معنى دليل على كونه حقيقة فيه، ففي المقام وإن نزلت آية الخمس (الغنيمة) في ضمن آيات الجهاد إلّا أنّ الحكم فيها عام يعمّ غيرها، كالمعادن والكنوز وما فضل عن مؤونة السنة من أرباح التجارات والمكاسبوغيرها، كما أنّه لو نزلت آية الأنفال في بعض الغزوات الّتي أخذت الغنائم فيها بغير حرب لا يمنع ذلك عن شمولها لأراضي الموات وشبهها.

قال أبوالحسين أحمد بن فارس بن زكريا (م 359ه-):

«غنم» الغين والنون والميم أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدلّ على إفادة شيء لم يملك من قبل، ثمّ يختصّ به ما أخذ من مال المشركين بقهرٍ وغلبة، قال

ص: 62


1- «نهج البلاغة» الحكمة الرقم 331، و«وسائل الشيعة» ج15/236، الحديث 20367.
2- «وسائل الشيعة» ج10/414، الحديث 13732.
3- «وسائل الشيعة» ج10/414، الحديث 13733.

الله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ)، الآية(1).

وقال الراغب (م 325ه-):

الغنم معروف، قال تعالى: (وَمِنَ

الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما) [الأنعام / 146]. والغنم: إصابته والظفر به، ثمّ استعمل في كلّ مظفور به من جهة العدى وغيرهم، قال تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء)، [الأنفال/ 41]، (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) [الأنفال/ 69]، والمغنم: ما يُغنَم وجمعه مغانم، قال: (فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثيرَةٌ)

[النساء / 94](2).

وقال الفيروز آبادي (م 817 ه-):

[غنم] الغنم محركة الشاة، لا واحد لها من لفظها، الواحدة: شاة وهو اسم مؤنّث للجنس، يقع على الذكور والإناث، وعليها جميعها - ج: أغنام وغنوم وأغانم، وقالوا غنمان في التثنية على إرادة قطيعين - وغنم مُغنمة كمكرمة ومعظّمة: كثيرة والمَغنم والغَنيم والغَنيمة والغُنم بالضمّ:الفَيء، غَنِم بالكسر، غُنماً بالضمّ وبالفتح وبالتّحريك، وغنيمة وغُنماناً، بالضَمّ، والفوز بالشيء بلا مشقّة...(3).

وقال الطريحي (م 1087 ه-):

ص: 63


1- «معجم مقائيس اللغة» ج4/397.
2- «مفردات ألفاظ القرآن» ص615.
3- «القاموس المحيط» ج4/123.

الغنيمة في الأصل هي الفائدة المكتسبة، ولكن اصطلح جماعة على أنّ ما أخذ من الكفار إن كان من غير قتال فهو فيء، وإن كان مع القتال فهو غنيمة، وإليه ذهب الإمامية، وهو مروي عن أئمة الهدى علیهم السلام كذا قيل، وقيل: هما بمعنى واحد، ثمّ اعلم أنّ الفيء للإمام خاصّة، والغنيمة يخرج منها الخمس، والباقي بعد المؤن للمقاتلين ومن حضر. هذا، وقد عمّم فقهاء الإماميّة مسألة الخمس، وذكروا أنّ جميع ما يستفاد من أرباح التجارات والزراعات والصناعات زائداً عن مؤونة السنة، والمعادن، والكنوز، والغوص والحلال المختلط بالحرام ولا يتميز عند المالك ولا يعرف قدر الحرام، وأرض الذمّي إذا اشتراها من مسلم، وما يغنم من دار الحرب، جميعه يخرج منه الخمس(1).

وقال المصطفوي رحمه الله (م 1426 ه-):

والتحقيق: أنّ الأصل الواحد في المادة (غنم): هو تناول مال لم يكن مالكاً له من قبل ربحاً أو بالأصالة ومن غير معامل، ومن مصاديقه: الغنيمة المأخوذة من العدوّ بالحرب، وما يتحصّل بالتجارة، وأمّا الغَنم: فتطلق على الشاة في قبال البقر والإبل، فإنّه لا يراد من الغَنم إلّا جهة كونها نعمة صرفه وهو الّذي ينال ويتصرّف بهذا المقصود، وليس فيهاجهة اُخرى من كونها حمولة أو مركوبة أو عاملة أو غيرها، فكأنّها غنيمة خالصة وفائدة رابحة ونتيجة مقصودة من التكسب والتجارة، والغُنم أعمّ من أن يكون مادياً أو معنوياً ...، (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ

ص: 64


1- «مجمع البحرين» ج6/129.

لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) يراد مطلق ما يتناول غُنماً من أيّ شيء وبأيّ طريق كان، غنيمة في حرب أو ربحاً في تجارة أو اُجرة من عمل(1).

وإلى ذلك أشار الشيخ المفيد رحمه الله (م413 ه-) حيث قال:

والغنائم كلّ ما استفيد بالحرب من الأموال والسلاح والثياب والرقيق وما استفيد من المعادن والغوص والكنوز والعنبر وكلّ ما فضل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات عن المؤونة والكفاية في طول السنة على الاقتصاد(2).

وقريب منه الشيخ الطوسي (385 - 460 ه-) حيث قال:

الخمس واجب في جميع ما يغنمه الإنسان، والغنائم كلّ ما أخذ بالسيف من أهل الحرب الّذين أمر الله تعالى بقتالهم، من الأموال والسلاح والكراع(3) والثياب والمماليك وغيرها ممّا يحويه العسكر وممّا لم يحوه، ويجب الخمس أيضاً في جميع ما يغنمه الإنسان منأرباح التجارات والزراعات وغير ذلك بعد إخراج مؤونته ومؤونة عياله، ويجب الخمس أيضاً في جميع المعادن من الذهب والفضة والحديد والصفر والملح والرصاص والنفط والكبريت وسائر ما يتناوله اسم

ص: 65


1- «التحقيق في كلمات القرآن الكريم» ج7/272.
2- «المقنعة للشيخ المفيد» ص276، و«سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج5/52.
3- قال الطريحي: (كرع) الكُرَاعُ كغراب من الغنم والبقر بمنزلة الوظيف من الفرس، وهو مستدق الساعد، وهو أنثى، والجمع أَكْرُعٌ كأفلس. وعن ابن فارس: الكُرَاعُ من الدواب ما دون الكعب، ومن الإنسان ما دون الركبة. والكُرَاع: اسم لجماعة الخيل خاصة. وأَكَارِعُ الأرض: أطرافها، «مجمع البحرين» ج4/385.

المعدن على اختلافها، ويجب أيضاً الخمس من الكنوز المذخورة علی من وجدها، وفي العنبر وفي الغوص(1).

وقال في «الخلاف»:

كلّ ما يؤخذ بالسيف قهراً من المشركين يسمّى غنيمة بلا خلاف، وعندنا أنّ ما يستفيده الإنسان من أرباح التجارات والمكاسب والصنائع يدخل أيضاً فيه، وخالف جميع الفقهاء في ذلك، دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضاً قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) عام في جميع ذلك، فمن خصّصه فعليه الدلالة(2).

وقال أمين الإسلام الطبرسي رحمه الله (م 548 ه-):

وقال أصحابنا أنّ الخمس واجب في كلّ فائدة تحصل للإنسان من المكاسب وأرباح التجارات وفي الكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك ممّا هو مذكور في الكتب، ويمكن أن يستدلّ على ذلك بهذه الآية فإنّ في عرف اللغة يطلق على جميع ذلك اسم الغُنم والغنيمة(3).

وقال العلّامة الطباطبائي رحمه الله (م 1403 ه-) في تفسيره:

الغُنم والغَنيمة إصابة الفائدة من جهة تجارة أو عمل أو حرب وينطبق بحسب مورد نزول الآية على غنيمة الحرب(4).

ص: 66


1- «النهاية في مجرد الفقه والفتاوی» ص196 - 197.
2- «الخلاف» ج1/181، كتاب الفيء وقسمة الغنائم المسألة الرقم 1.
3- «مجمع البيان في تفسير القرآن» ج4/836.
4- «الميزان في تفسير القرآن» ج9/89.

أما الفقهاء العامّة كما أشار إليه الشيخ آنفاً نقلوها عن معناها اللغوي إلى غنائم دار الحرب أو خصّوها به، قال الرازي (م 606 ه-) في تفسيره:

الغُنم: الفوز بالشيء يقال: غنم يغنم غنماً فهو غانم، والغنيمة في الشريعة ما دخلت في أيدي المسلمين من أموال المشركين على سبيل القهر بالخيل والركاب(1).

ثمّ على فرض تسليم أنّ المراد بالغنيمة في الآية المباركة هو خصوص غنائم دار الحرب فنتمسك في وجوب غيرها من أقسام ما يجب فيه الخمس بما ورد من الأخبار في المقام، فوجوب الخمس في الغنائم ثابت بالكتاب وفي غيرها بالسنة، وكم له من نظير كإثبات وجوب الركوع والسجود في الصلاة بالكتاب(2)، ووجوب القراءة بالسنّة(3).

هذا دليل المسألة من الكتاب والإجماع، وأمّا دليلة من الأخبار والأحاديث فهي كثيرة متواترة جداً، بعضها تدلّ علی ما يجب فيه الخمس، والاُخری ما دلّت علی كيفيّة تقسيمه، والقدر الجامع بينهما هو وجوب الخمس إجمالاً من بابإحدی الفرائض المسلّمة، بل من الضروريّات عند الإماميّة، وثالثة ما سيأتي من العمومات المتظافرة دلّت علی أنّ الدّنيا بأسرها للنّبيّ والأئمة الطاهرين علیهم السلام ،

ص: 67


1- «التفسير الكبير (مفاتيح الغيب)» ج15/484 .
2- قال الله تبارك وتعالی: (يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون)، «الحج»: 77.
3- راجع: «وسائل الشيعة» ج6/37 - 164، الباب الرقم 1 إلی 74 من أبواب القراءة في الصلاة.

وقد عنونها الكليني رحمه الله في «الكافي» الشريف تحت عنوان «بَابُ أَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا لِلإمام علیه السلام » المستفاد منها أنّه لا يجوز لأحد التكسب بها بغير إذنهم علیهم السلام ، والمأذون منه بدليل الاوليين هو التكسب منها بشرط إخراج خمسه، نشير فيما يلي إلی بعض من كلّ منها.

فمن الاوليين:

صحيحة سماعة قال: سألت أبا الحسن موسی بن جعفر الكاظم علیه السلام عن الخمس؟ فقال: «فِي كُلِّ مَا أَفَادَ النَّاسُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ»(1).

وصحيحة أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر علیه السلام: مَا أَيْسَرُ مَا يَدْخُلُ بِهِ الْعَبْدُ النَّارَ؟ قَالَ: «مَنْ أَكْلٍ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ دِرْهَماً وَنَحْنُ الْيَتِيمُ»(2).

وموثقة أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام في حديث قال: «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنَ الْخُمُسِ شَيْئاً حتی يَصِلَ إِلَيْنَا حَقُّنَا»(3).

وموثقة اُخری عنه عن أبي جعفر علیه السلام قال: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنِ اشْتَرَى شَيْئاً مِنَ الْخُمُسِ لَمْ يَعْذِرْهُ اللَّهُ اشْتَرَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ»(4).وخبر الرّيّان بن الصّلت قال: كتبت إلى أبي محمّد الحسن بن علي العسكري علیه السلام: مَا الَّذِي يَجِبُ عَلَيَّ يَا مَوْلَايَ في غَلَّةِ رَحَى أَرْضٍ في قَطِيعَةٍ لِي،

ص: 68


1- «الكافي» ج1/457، الحديث 11، و«وسائل الشيعة» ج9/503، الحديث 12584.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج2/22، الحديث 78، و«وسائل الشيعة» ج9/483، الحديث 12540.
3- «الكافي» ج1/458، الحديث 14، و«وسائل الشيعة» ج9/484، الحديث 12543.
4- «التهذيب» ج4/136، الحديث 381، و«وسائل الشيعة» ج9/484، الحديث 12544.

وفي ثَمَنِ سَمَكٍ وَبَرْدِيٍّ وَقَصَبٍ أَبِيعُهُ مِنْ أَجَمَةِ هَذِهِ الْقَطِيعَةِ؟ فَكَتَبَ: «يَجِبُ عَلَيْكَ فِيهِ الْخُمُسُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى»(1).

وخبر يزيد قال: كَتَبْتُ: جُعِلْتُ لَكَ الْفِدَاءَ تُعَلِّمُنِی مَا الْفَائِدَةُ وَمَا حَدُّهَا رَأْيَكَ

أَبْقَاكَ اللَّهُ أَنْ تَمُنَّ عَلَيَّ بِبَيَانِ ذَلِكَ لِكَيْ لَا أَكُونَ مُقِيماً عَلَى حَرَامٍ لَا صَلَاةَ لِي وَلَا صَوْمَ؟ فَكَتَبَ: «الْفَائِدَةُ مِمَّا يُفِيدُ إِلَيْكَ في تِجَارَةٍ مِنْ رِبْحِهَا وَحَرْثٌ بَعْدَ الْغَرَامِ أَوْ جَائِزَةٌ»(2).

وخبر عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه علیه السلام: «عَلَى كُلِّ امْرِئٍ غَنِمَ أَوِ اكْتَسَبَ الْخُمُسُ مِمَّا أَصَابَ لِفَاطِمَةَ سلام الله علیها وَلِمَنْ يَلِي أَمْرَهَا مِنْ بَعْدِهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهَا الْحُجَجِ عَلَى النَّاسِ، فَذَاكَ لَهُمْ خَاصَّةً يَضَعُونَهُ حَيْثُ شَاؤوا، وَحُرِّمَ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ، حتی الْخَيَّاطُ يَخِيطُ قَمِيصاً بِخَمْسَةِ دَوَانِيقَ فَلَنَا مِنْهُ دَانِقٌ إِلَّا مَنْ أَحْلَلْنَاهُ مِنْ شِيعَتِنَالِتَطِيبَ لَهُمْ بِهِ الْوِلَادَةُ، إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شيء عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مِنَ الزِّنَا، إِنَّهُ لَيَقُومُ صَاحِبُ الْخُمُسِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ سَلْ هَؤُلَاءِ بِمَا أُبِيحُوا»(3).

وما رواه العياشي في تفسيره مرفوعاً عن إسحاق بن عمّار قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «لَا يُعْذَرُ عَبْدٌ اشْتَرَى مِنَ الْخُمُسِ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ يَا رَبِّ اشْتَرَيْتُهُ بِمَالِي حتی يَأْذَنَ لَهُ أَهْلُ الْخُمُسِ»(4).

ص: 69


1- «التهذيب» ج4/139، الحديث 394، و«وسائل الشيعة» ج9/504، الحديث 12587.
2- «الكافي» ج1/457، الحديث 12، و«وسائل الشيعة» ج9/503، الحديث 12585.
3- «التهذيب» ج4/122، الحديث 348، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 180، و«وسائل الشيعة» ج9/503، الحديث 12586.
4- «تفسير العيّاشي» ج2/63، الحديث 60، و«وسائل الشيعة» ج9/542، الحديث 12674.

وما رواه محمّد بن الحسن الصّفّار في «بصائر الدّرجات» عن عمران بن موسى عن موسى بن جعفر علیه السلام قال: قَرَأْتُ عَلَيْهِ آيَةَ الْخُمُسِ، فَقَالَ: «مَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ لِرَسُولِهِ، وَمَا كَانَ لِرَسُولِهِ فَهُوَ لَنَا، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَرْزَاقَهُمْ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ جَعَلُوا لِرَبِّهِمْ وَاحِداً وَأَكَلُوا أَرْبَعَةً أَحِلَّاءَ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا مِنْ حَدِيثِنَا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ لَا يَعْمَلُ بِهِ وَلَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ إِلَّا مُمْتَحَنٌ قَلْبُهُ لِلْإِيمَانِ»(1).

وما رواه ابن بابويه في «الخصال» بإسناده عن عيسی بن عبدالله العلوي عن أبيه عبدالله بن محمد بن عمر الأطرف عن جدّه محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب قَالَ: وَقَالَ الصّادق علیه السلام: «إِنَّ اللَّهَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْنَا الصَّدَقَةَ أَنْزَلَ لَنَا الْخُمُسَ فَالصَّدَقَةُ عَلَيْنَا حَرَامٌ وَالْخُمُسُ لَنَا فَرِيضَةٌ وَالْكَرَامَةُ لَنَا حَلَالٌ»(2).

وموثقة عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال: «إِنِّي لآَخُذُ مِنْ أَحَدِكُمُ الدِّرْهَمَ وَإِنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَالاً مَا أُرِيدُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنْ تُطَهَّرُوا»(3).

ومرسلة عبد الله بن بكير عن بعض أصحابه عن أحدهما صلی الله علیه و آله و سلم في قول اللّه تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)، قال: «خُمُسُ اللَّهِ لِلْإِمَامِ، وَخُمُسُ

ص: 70


1- «وسائل الشيعة» ج9/484، الحديث 12545.
2- «وسائل الشيعة» ج9/483، الحديث 12541، و«الخصال» ج1/139.
3- «وسائل الشيعة» ج9/483، الحديث 12542.

الرَّسُولِ لِلْإِمَامِ، وَخُمُسُ ذَوِي الْقُرْبَى لِقَرَابَةِ الرَّسُولِ وَالْإِمَامِ، وَالْيَتَامَى يَتَامَى آلِ الرَّسُولِ، وَالْمَسَاكِينُ مِنْهُمْ، وَأَبْنَاءُ السَّبِيلِ مِنْهُمْ، فَلَا يُخْرَجُ مِنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ»(1).

وروی الطبري في تفسيره: حدّثنا عمران بن موسى، قال: حدّثنا عبد الوارث، قال: حدّثنا أبان، عن الحسن، قال: أوصى أبو بكر رضی الله عنه بالخمس من ماله وقال: «ألا أرضى من مالي بما رضي الله لنفسه؟»(2).

وأمّا ما دلّت من الأخبار المتظافرة علی أنّ الدّنيا بأسرها للنّبيّ والأئمة الطاهرين علیهم السلام فمنها:

صحيحة محمّد بن الريّان قال: كَتَبْتُ إِلَى الْعَسْكَريِّ علیه السلام: جُعِلْتُ فِدَاكَ رُويیَ لَنَا أَن لَيْسَ لِرَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا الْخُمُسُ؟ فَجَاءَ الْجَوَابُ: «إِنَّ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا لِرَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم»(3).ومرسلة أحمد بن محمّد بن عبد اللّه عمّن رواه قال: «الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلِرَسُولِهِ وَلَنَا، فَمَنْ غَلَبَ عَلَى شيء مِنْهَا فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيُؤَدِّ حَقَّ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلْيَبَرَّ إِخْوَانَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَاللَّهُ وَرَسُولُهُ وَنَحْنُ بُرَآءُ مِنْهُ»(4).

ومرفوعة جابر عن أبي جعفر علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَأَقْطَعَهُ الدُّنْيَا قَطِيعَةً فَمَا كَانَ لآدَمَ علیه السلام فَلِرَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم، وَمَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ فَهُوَ لِلْأَئِمَّةِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ علیهم السلام »(5).

ص: 71


1- «التهذيب» ج4/125، الحديث 361، و«الاستبصار» ج2/56، الحديث 186، و«تفسير الصافي» ج2/304، و«وسائل الشيعة» ج9/510، الحديث 12601.
2- «جامع البيان في تفسير القرآن (التفسير الطبري)» ج10/3.
3- «الكافي» ج1/409، الحديث 6.
4- «الكافي» ج1/408، الحديث 2.
5- «الكافي» ج1/409، الحديث 7.

وهنا روايات النّبويّ صلی الله علیه و آله و سلم اُخری من طرق العامّة، منها: ما رواها علاء الدّين عليّ المتقي (م 975 ه-) عن طريق عبادة بن الصامت: «يَأيُّهَا النَّاسُ لا يَحِلُّ لِی مِمَّا أفَاءَ(1) اللهُ عَلَيْكُم إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ عَلَيْكُم فَأدّوُا الخَيّاطَ والمَخِيطَ»

الخبر(2).

إلی غير ذلك من الأخبار والأحاديث، وهي كما تری فيها صحاح وغير صحاح، وحيث كانت كثيرة متواترة نستغني عن البحث حول أسانيدها، وننجبر ضعف ضعافها بالشهرة والإجماع المنقول بل المحقّق.

ثمّ إنّ هنا بعض الآيات والأخبار يستفاد منها كون الخمس والزكاة وكذا غيرهما من الواجبات كالصوم والصلاة والحجّ لم تكن من مخترعات الإسلام،بل هي واجبات في الشرائع قبل الإسلام وإن اختلفن في الكميّات أو الكيفيات، منها قوله تعالی ناقلاً فيه قصّة عيسی علیه السلام: (وَجَعَلَني مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصاني بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا)(3)، وقوله تعالی حكاية عن إسماعيل علیه السلام:(وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا)(4)، وقوله تعالی في وجوب الصيام:(يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ

ص: 72


1- قال ابن أثير الجزيري: وهو (الفيء) ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولاجهاد، وأصل الفيء: الرجوع، يقال: فَاءَ يَفِيءُ فِئَةً وفُيُوءً كأنّه كان في الأصل لهم فرجع إليهم، راجع: «النهاية في غريب الحديث والأثر» ج3/482.
2- «كنزالعمّال في سنن الأقوال والأفعال» ج4/378، الخبر 11001.
3- «مريم»: 31.
4- «مريم»: 55.

لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(1)، وما رواه الحسن الطّبرسيّ صحيحاً في «مكارم الأخلاق» عن الصّادق علیه السلام قال: «كَانَ شَرِيعَةُ إِبْرَاهِيمَ علیه السلام التَّوْحِيدَ وَالْإِخْلَاصَ، (إِلَى أَنْ قَالَ:) وَزَادَهُ في الْحَنِيفِيَّةِ الْخِتَانَ وَقَصَّ الشَّارِبِ وَنَتْفَ الْإِبْطِ وَتَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ وَحَلْقَ الْعَانَةِ، وَأَمَرَهُ بِبِنَاءِ الْبَيْتِ وَالْحَجِّ وَالْمَنَاسِكِ فَهَذِهِ كُلُّهَا شَرِيعَتُهُ»(2)، وفي خصوص المقام ما روی السّكوني عن أبي عبد اللّه علیه السلام وفيها: «وَأَوَّلُ مَنْ قَاتَلَ في سَبِيلِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمُ، وَأَوَّلُ مَنْ أَخْرَجَ الْخُمُسَ إِبْرَاهِيمُ»(3).

وما روی حمّاد بن عمرو وأنس بن محمّد عن أبيه جميعاً عن الصّادق عن آباِه علیهم السلام في وصيّة النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم لعليّ علیه السلام قال: «يَا عَلِيُّ إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ سَنَّ في الْجَاهِلِيَّةِ خَمْسَ سُنَنٍ أَجْرَاهَا اللَّهُ لَهُ في الْإِسْلَامِ، (إِلَى أَنْ قَالَ:) وَوَجَدَ كَنْزاً فَأَخْرَجَ مِنْهُالْخُمُسَ

وَتَصَدَّقَ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ)، الآيَةَ»(4).

فبعد ما فرغنا عن أدلّة وجوب الخمس من الكتاب والأخبار والإجماع، نبحث في ضمن فصول عمّا يجب فيه الخمس، وعن مستحقّيه، وعن كيفيّة قسمته بينهم، وفي الختام عن مسألة الأنفال وهي إجمالاً الأموال الّتي يختصّ بها الرسول صلی الله علیه و آله و سلم في حياته وأيّام زعامته الإلهيّة على اُمته، ثمّ يختصّ بها خليفته

ص: 73


1- «البقرة»: 183.
2- «مكارم الأخلاق» ص60، و«وسائل الشيعة» ج2/115، الحديث 1656.
3- «بحار الأنوار» ج12/57.
4- «من لا يحضره الفقيه» ج4/264، الحديث 823، و«وسائل الشيعة» ج9/496، الحديث 12571.

الإمام المعصوم علیه السلام القائم مقامه من بعد استشهاده وارتحاله إلی الملاء الأعلی، واختصاص هذه الأموال بهما من شؤون منصبهما الإلهي المجعول لهما من الله سبحانه، وزعامتهما الكبرى للمسلمين، ولذلك فهي لا تنتقل إلى ورثتهما بعد موتهما، بل تنتقل بعد الرّسول إلى الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام، ثمّ تنتقل منه إلى الإمام بعد الإمام، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فنقول:

ص: 74

الفصل الأوّل: فیما یجب فیه الخمس

اشارة

ص: 75

ص: 76

قال السيّد رحمه الله في «العروة»:

فصل فيما يجب فيه الخمس وهو سبعة أشياء: الأوّل: الغنائم المأخوذة من الكفار من أهل الحرب قهراً بالمقاتلة معهم، بشرط أن يكون بإذن الإمام علیه السلام من غير فرق بين ما حواه العسكر وما لم يحوه، والمنقول وغيره كالأراضي والأشجار ونحوها، بعد إخراج المؤن الّتي أنفقت على الغنيمة بعد تحصيلها بحفظ وحمل ورعی ونحوها منها، وبعد إخراج ما جعله الإمام علیه السلام من الغنيمة على فعل مصلحة من المصالح، وبعد استثناء صفايا الغنيمة كالجارية الورقة والمركب الفارة والسيف القاطع والدرع فإنّها للإمام علیه السلام، وكذا قطائع الملوك فإنّها أيضاً له علیه السلام، وأمّا إذا كان الغزو بغير إذن الإمام علیه السلام فإن كان في زمان الحضور وإمكان الاستيذان منه فالغنيمة للإمام علیه السلام، وإن كان في زمن الغيبة فالأحوط إخراج خمسها من حيث الغنيمة، خصوصاً إذا كان للدعاء إلى الإسلام، فما يأخذه السلاطين في هذا الأزمنة من الكفار بالمقاتلة معهم من المنقول وغيره يجب فيه الخمس على الأحوط، وإن كان قصدهم زيادة الملك لا للدعاء إلى الإسلام، ومن الغنائم الّتي يجب فيها الخمس الفداء الّذي يؤخذ من أهل الحرب، بل الجزية المبذولة لتلك السرية، بخلاف سائر أفراد الجزية، ومنها أيضاً ما صولحوا عليه، وكذا ما يؤخذ منهم عند الدفاع معهم إذا هجموا على المسلمين في أمكنتهم ولو في زمن الغيبة، فيجب إخراج الخمس من جميع ذلك قليلاً كان أو كثيراً، من غير ملاحظة خروج مؤونة السنة على ما يأتي في أرباح المكاسب وسائر الفوائد(1).

ص: 77


1- «العروة الوثقی للسيّد اليزدی» ج2/366 - 367.

قد مرّ أنّ العامّة لم يقولوا بوجوب الخمس إلّا في غنائم دار الحرب والكنوز والمعادن إجمالاً، واستدلّوا عليه بالآية الغنيمة، وهي وإن كانت واردة في خصوص غزوة بدر(1)

لكنّهم تعدّوا منه إلى مطلق الحروب، وإنّما لم يثبتوه في غيره لعدم قيام دليل عندهم عليه، وأمّا الإماميّة فحيث يقتفي في عدد ما يجب فيه الخمس الأخبار الواردة عن أئمتهم: وهي بحسب الاستقراء ظاهراً(2) تدلّ علی وجوبه في سبعة أشياء الّتي هي إجمالاً عبارة عن: الغنائم المأخوذة من الكفار من أهل الحرب قهراً بالمقاتلة معهم، والمعادن، والكنوز، والغوص، والمال الحلال المخلوط بالحرام إذا جهل صاحبه ومقداره، والأرض الّتي اشتراها الذمّي من المسلم، وما يفضل من مؤونة السنة له ولعياله من الصناعات والزراعات وأرباح التجارات.

ص: 78


1- راجع: «تفسير مقاتل بن سليمان» ج2/116.
2- يأتي إن شاءالله: أنّ الخمس في «المال الحلال المخلوط بالحرام»، وفي «الأرض الّتي اشتراها الذّمّي من المسلم» ليس خمساً مصطلحاً، بل هو في الأوّل مخرج قد جعله الشارع المقدّس تعبّداً لتحليل المال، وفي الثاني نوع خراج يجب علی الذّمّي في شرائه لهذه الأراضي من باب الزكاة المضاعفة، ويكون مصرفهما مطلق مصارف بيت المال دون خصوص مصارف أرباب الخمس.

الأوّل من السبعة الّتي يجب فيها الخمس: الغنائم المأخوذة من الكفار من أهل الحرب:

إنّ ما يأخذه المسلمون من الكفار من أهل الحرب إذا كان غير مغصوب من مالك محترم، فتارة يكون من دون المقاتلة معهم بنحو السرقة والدعوی الباطلة والحيلة وأمثالها فيجوز لهم تمليكه، ويجب عليهم خمسه بعد ما مضی عليه الحول بعنوان مطلق الغنائم والفوائد المكتسبة.

واُخری ما لو كان ذلك بنحو القهر والغلبة والمقاتلة معهم، وهو علی نوعين: الأوّل: ما إذا لم يكن الحرب بإذن من الإمام علیه السلام، فهي حينئذٍ كما سيأتي ملك له بعنوان أحد مصاديق الأنفال. والثاني: ما لو كان ذلك بإذن منه، فهي حينئذٍ غنيمة حربيّة تقسم في أوّل الوهلة بين المقاتلين بعد إخراج خمسها وما يستثنی منها قبل التخميس، ولايعتبر فيها الزيادة عن مؤونة السنة، لما يأتي إن شاء اللّه تعالى من اختصاص أدلة استثناء مؤونة السنة بأرباح المكاسب والفوائد، فلا تشمل ما يتعلّق به الخمس من سائر العناوين كالمعدن والكنز، ومنها الغنائم الحربية.

كلامنا في المقام في هذا القسم الأخير وقد ادّعوا عليه إجماع المسلمين، قال المحقق العاملي رحمه الله (م 1009 ه-):

هذا الحكم (وجوب خمس غنائم دار الحرب) مجمع عليه بين المسلمين، والأصل فيه قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شيء) والأخبار المستفيضة(1).

وقال المحقق السبزواري رحمه الله (م 1090 ه-):

ص: 79


1- «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج5/360.

و هو (خمس) واجب في غنائم دار الحرب حواها العسكر أو لا، إذا لم يكن مغصوباً وهذا الحكم مجمع عليه بين المسلمين، والأصل فيه الآية الشّريفة والأخبار المستفيضة(1).

وقال النراقي رحمه الله (م 1245 ه-) في «مستنده»:

ووجوب الخمس فيها (غنائم دار الحرب) في الجملة إجماعی بين المسلمين، ونقل الإجماع عليه مستفيض(2).

وقال الملا حبيب الله الكاشاني رحمه الله (م 1340 ه-) في شرحه علی «المختصر»:

واعلم أنّ الخمس هو يجب في سبعة: الأوّل: غنائم دار الحرب اتفاقاً من العلماء كلّهم موافقهم ومخالفهم وإن وقع الخلاف في غيرها(3).

وقال الإمام الراحل قدس سره (م 1409 ه-):

الأوّل (ممّا يجب فيه الخمس) ما يغتنم قهراً بل سرقة وغيلة - إذا كانتا في الحرب ومن شؤونه - من أهل الحرب الّذين يستحل دماؤهم وأموالهم وسبيّ نسائهم وأطفالهم إذا كان الغزو معهم بإذن الإمام علیه السلام، من غير فرق بين ما حواه العسكر وما لم يحوه كالأرض ونحوها على الأصحّ، وأمّا ما اغتنم بالغزو من غير إذنه فإن كان في حال الحضور والتمكن من الاستئذان منه فهو من الأنفال، وأمّا ما كان في حال الغيبة وعدم التمكن من الاستئذان فالأقوى وجوب الخمس فيه، سيّما إذا كان

ص: 80


1- «ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد» ج2/477.
2- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/14.
3- «منتقد المنافع في شرح المختصر النافع» ص163.

للدعاء إلى الإسلام، وكذا ما اغتنم منهم عند الدفاع إذا هجموا على المسلمين في أماكنهم ولو في زمن الغيبة، وما اغتنم منهم بالسرقة والغيلة غير ما مرّ، وكذا بالربا والدعوى الباطلة ونحوها، فالأحوط إخراج الخمس منها من حيث كونه غنيمة لا فائدة، فلا يحتاج إلى مراعاة مؤونة السنة، ولكن الأقوى خلافه(1).

وقال القرطبي من العلماء العامّة (م 595 ه-):

واتّفق المسلمون على أنّ الغنيمة الّتي تؤخذ قهراً من أيدي الروم ما عدا الأرضين أنّ خمسها للإمام، وأربعة أخماسها للّذين غنموها لقوله تعالی: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) الآية(2).

ما استدلّ به علی وجوب الخمس في الغنائم الحربيّة:

ثمّ إنّه قد استدلّ علی وجوب الخمس في الغانئم الحربيّة بالدلائل الثلاث: الكتاب والأخبار والإجماع، أمّا العقل فحيث كانت المسألة من المسائل التعبديات فليس لدليل العقل فيها مجال.

أمّا الإجماع فقد مرّ شطراً من الأقوال الدالة عليه من الفريقين، وأمّا الاستدلال بالكتاب فقوله تعالی: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكينِ وَابْنِ السَّبيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شيء قَديرٌ)(3).

ص: 81


1- «تحرير الوسيلة» ج1/352، «القول فيما يجب فيه الخمس».
2- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج3/264 - 265.
3- «الأنفال»: 41.

قد عرفت وجه الاستدلال بها علی وجوب الخمس فيما يغتنموا المؤمنون من الفوائد، وأنّ العامّة خصّوها بغنائم دار الحرب، فهي لا أقلّ مجمع عليها عند المسلمين من العامّة والخاصّة قاطبة علی ما نحن بصدده من دون خلاف بينهم.

أمّا الاستدلال عليها بالأخبار فهي متظافرة بل متواترة، منها: صحيحة الحسن بن محبوب عن عبد اللّه بن سنان قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «لَيْسَ الْخُمُسُ إِلَّا في الْغَنَائِمِ خَاصَّةً»(1).

وصحيحة الحلبيّ عن أبي عبد اللّه علیه السلام في الرَّجُلِ مِنْ أَصْحَابِنَا يَكُونُ في أَوَانِهِمْ فَيَكُونُ مَعَهُمْ فَيُصِيبُ غَنِيمَةً، قَالَ: «يُؤَدِّي خُمُسَنَا وَيَطِيبُ لَهُ»(2).

وموثقة أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام قال: «كُلُّ شيء قُوتِلَ عَلَيْهِ عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله و سلم فَإِنَّ لَنَا خُمُسَهُ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنَ الْخُمُسِ شَيْئاً حتی يَصِلَ إِلَيْنَا حَقُّنَا»(3).

وما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه علیه السلام في الْغَنِيمَةِ، قَالَ: «يُخْرَجُ مِنْهُ الْخُمُسُ وَيُقْسَمُ مَا بَقِيَ بَيْنَ مَنْ قَاتَلَ عَلَيْهِ وَوَلِيَ ذَلِكَ»(4).

ص: 82


1- «من لا يحضره الفقيه» ج2/21، الحديث 74، و«التهذيب» ج4/124، الحديث 359، و«الاستبصار» ج2/56، الحديث 184، و«وسائل الشيعة» ج9/485، الحديث 12546.
2- «التهذيب» ج4/124، الحديث 357، و«وسائل الشيعة» ج9/488، الحديث 12553.
3- «الكافي» ج1/458، الحديث 14، و«وسائل الشيعة» ج9/487، الحديث 12550.
4- «التهذيب» ج4/132، الحديث 369، و«وسائل الشيعة» ج9/489، الحديث 12555.

ومرسلة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصّالح علیه السلام قال: «الْخُمُسُ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: مِنَ الْغَنَائِمِ، وَالْغَوْصِ، وَمِنَ الْكُنُوزِ، وَمِنَ الْمَعَادِنِ، وَالْمَلَّاحَةِ»، الحديث(1).

وما رواه الصدوق رحمه الله في «المقنع» قال: روى محمّد بن أبي عمير: «أَنَّ الْخُمُسَ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: الْكُنُوزِ، وَالْمَعَادِنِ، وَالْغَوْصِ، وَالْغَنِيمَةِ»، ونسي ابن أبي عمير الخامسة(2).

ومرفوعة أحمد بن محمّد بن عيسی الأشعري قال: حَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا رَفَعَ الْحَدِيثَ، قَالَ: «الْخُمُسُ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: مِنَ الْكُنُوزِ، وَالْمَعَادِنِ، وَالْغَوْصِ، وَالْمَغْنَمِ الَّذِي يُقَاتَلُ عَلَيْهِ»، وَلَمْ يَحْفَظِ الْخَامِسَ، الحديث(3).

الظاهر كون الروايتين الأخيرتين واحدة وأنّ ما نسيه ابن أبي عمير هو الملَّاحة بالتشديد، الّتي هي الأرض المملحة ومنبت الملح(4)

فتكون فيالحقيقة نوعاً من المعدن، وكيف كان فالرّوايات كما تری بين ما دلّت علی انحصار الخمس في خصوص الغنائم، وبين ما دلّت علی وجوبه في خمسة

ص: 83


1- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/487، الحديث 12549.
2- «المقنع» ص53، و«وسائل الشيعة» ج9/486، الحديث 12547.
3- «التهذيب» ج4/126، الحديث 264، و«وسائل الشيعة» ج9/489، الحديث 12556.
4- حكی ابن منظور المصري عن ابن الأعرابي: أنّ المَلَّاحَةُ: هي مَنْبِتُ المِلْح كالبَقَّالة لمنبت البَقْل، والمَمْلَحةُ: ما يجعل فيه الملح، والمَلَّاح: صاحب المِلْح، راجع: «لسان العرب» ج2/600.

أشياء أو أربعة أشياء بناءً علی حمل الملّاحة علی المعادن، أمّا الاُولی: فيمكن حملها بقرينة أخبار الّتي دلّت علی وجوبه في سائر الأصناف علی انحصار الخمس الواجب بالكتاب في الغنائم، وأنّ ما سواها واجب بالسنة، أو أن يراد بها بناءً علی الأصل اللغوي مطلق الأصناف والأنواع الّتي يجب فيها الخمس، قد

أشار إلی ذلك غير واحد، منهم الشيخ الحر العاملي رحمه الله حيث قال:

أقول: المراد ليس الخمس الواجب بظاهر القرآن إلّا في الغنائم، فإنّ وجوبه فيما سواها إنّما ثبت بالسنة، ويمكن أن يراد بالغنائم هنا جميع الأصناف الّتي يجب فيها الخمس، (إلی أن قال:) ويمكن كون الحصر إضافيّاً بالنسبة إلی الأنواع الّتي لا يجب فيها الخمس(1).

ثمّ قال:

أقول: حصر الخمس في هذه الأشياء مبني علی دخول الباقي في الغنائم، أو حصرٌ إضافيٌ بالنسبة إلی ما عدا المنصوصات(2).

وهنا روايات النّبويّ صلی الله علیه و آله و سلم اُخری رواها العامّة، منها: ما رواها علاء الدّين علي المتقي الهندي (م 975 ه-) عن طريق عمرو بن عبسة: «لايحلّ لي من غنائمكم مثلُ هذا إلّا الخمس، والخمسُ مردود فيكم»(3)، وما رواه مرسلاً عن طريق رجل

ص: 84


1- راجع: «وسائل الشيعة» ج9/485، ذيل الحديث الرقم 12546، وراجع أيضاً: «التهذيب» ج4/124، ذيل الحديث الرقم 359.
2- راجع: «وسائل الشيعة» ج9/489، ذيل الحديث الرقم 12556.
3- «كنزالعمال في سنن الأقوال والأفعال» ج4/372، الخبر 10967.

من بلقين: «لله خمس وأربعة أخماس للجيش، قيل: فما أحد أحقّ من أحد؟ قال: ولا السهم تستخرجه من جنبك فلست أحقّ من أخيك المسلم»(1).

وقد رواها الأخيرة بتمامها ابن قدامة في كتابه ما هذا لفظها:

وعن رجل من بلقين قال: أتيت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وهو بوادي القری، فقلت له: ما تقول في الغنيمة؟ فقال: لله خمسها وأربعة أخماسها للجيش، فقلت: فما أحد أولی به من أحد؟ قال: لا، ولا السهم تستخرجه من جنبك أنت أحقّ به من أخيك المسلم(2).

الشرائط اللازمة في الغنائم المأخوذة من الكفار من أهل الحرب:

إلی هنا ثبت وجوب الخمس في الغنائم المأخوذة من الكفار من أهل الحرب إجمالاً بالأدلّة الثلاثة: الكتاب والأخبار والإجماع، فلنبحث عن فروعها وشرائطها وهي عبارة عن:

الاُولی: يشترط في وجوب الخمس في المقام عند الفريقين أن تكون الغنائم المأخوذة منهم بنحو المقاتلة، لا بغيرها من سرقة أو كيد أو مكر وحيلة وخدعة، فتكون هي لآخذه حينئذٍ لكنّه بعد استثناء المؤن ومضيّ الحول، من باب جواز السرقة من الكفار الحربي إذ عصمة الأموال والدماء إنّما هي بالإسلام وهم كفارغير ذمّيين، أرسله بعض إرسال المسلّمات كالسيّد في «العروة»، وادعی عدم الخلاف أو الإجماع أو الاتفاق بعض آخر.

ص: 85


1- «كنزالعمال في سنن الأقوال والأفعال» ج4/375، الخبر 10986.
2- «المغني لابن قدامة» ج8/488.

قال الشيخ رحمه الله (م 460 ه-) في «الخلاف»:

كلّ ما يؤخذ بالسيف قهراً من المشركين يسمّی غنيمة بلا خلاف(1).

وقريب منها ما قاله المحقق العاملي رحمه الله (م 1009 ه-) صاحب «المدارك»، فإنّه بعد ما حكی كلام المحقق رحمه الله في «الشرائع»: «غنائم دار الحرب، ممّا حواه العسكر وما لم يحوه من أرض وغيرها، ما لم يكن غصباً من مسلم أو معاهد، قليلاً كان أو كثيراً» قال:

هذا الحكم مجمع عليه بين المسلمين(2).

وحكی محمّد بن جرير الطبري (م 310 ه-) في تفسيره عن ابن وكيع أنّه قال:

حدّثنا ابن وكيع قال: حدّثنا أبي، عن سفيان الثوري قال: الغنيمة ما أصاب المسلمون عنوة بقتال فيه الخمس، وأربعة أخماسه لمن شهدها، والفي ء: ما صولحوا عليه بغير قتال، وليس فيه خمس هو لمن سمّى الله(3).

وتقدّم كلام القرطبي (م 595 ه-) في المقام حيث قال:

واتّفق المسلمون على أنّ الغنيمة الّتي تؤخذ قهراً من أيدي الروم ما عدا الأرضين أنّ خمسها للإمام، وأربعة أخماسها للّذين غنموها، لقوله

ص: 86


1- «خلاف» ج4/181، كتاب الفيء وقسمة الغنائم، المسألة الرقم 1.
2- «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج 5/360.
3- «جامع البيان في تفسير القرآن» ج 10/2.

تعالی: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ)، الآية(1).

والثانية: أن يكون القتال بإذن الإمام علیه السلام، قال الشيخ رحمه الله في «الخلاف»:

إذا دخل قوم دار الحرب وقاتلوا بغير إذن الإمام فغنموا كان ذلك للإمام علیه السلام خاصّة وخالف جميع الفقهاء ذلك، دليلنا: إجماع الفرقة

وأخبارهم(2).

ثمّ قال في ضمن مسائل كتاب «السير» منه:

إذا غزت طائفة بغير إذن الإمام فغنموا مالاً، فالإمام مخيّر إن شاء أخذه منهم وإن شاء تركه عليهم، وبه قال الأوزاعي والحسن البصري، وقال الشافعي: يخمس عليهم، وقال أبو حنيفة لا يخمس، دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم(3).

فقوله: «فالإمام مخيّر إن شاء أخذه منهم وإن شاء تركه عليهم» عبارة اُخری عن كونها للإمام علیه السلام خاصّة أمرها بيده إن شاء أخذه منهم وإن شاء تركه لهم، إلّا أنّه في مقالته الاُولی حكی مخالفة جميع فقهاء العامّة لما ذهب إليه الخاصّة، وأشار في الثانية إلی موافقة الأوزاعي والحسن البصري من العامّة لهم.

وأمّا قول الشافعي: «يخمّس عليهم» يعني أنّ حكمها حكم الغنيمة مع الإذن.

وقال العلّامة الحلّي رحمه الله (م 726 ه-):

ص: 87


1- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج3/264 - 265.
2- «الخلاف» ج4/190، كتاب الفيء وقسمة الغنائم، المسألة الرقم 16.
3- «الخلاف» ج5/518، المسألة الرقم 3 من مسائل كتاب «السير».

ما يؤخذ من أموال المشركين حال الحرب بالقهر فهو للمقاتلة يؤخذ منه الخمس، والباقي للغانمين، وما تأخذه سريّة بغير إذن الإمام فهو للإمام خاصّة عندنا(1).

وقال رحمه الله في باب الأنفال وفيها إشارة إلی أقوال العامّة:

ومنه (الأنفال) كلّ غنيمة غنمت بغير إذن الإمام، فإنّها له خاصّة، لقول الصادق علیه السلام: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام، وإذا غزوا بإذن الإمام فغنموا كان للإمام الخمس»، وقال الشافعي: حكمها حكم الغنيمة مع إذن الإمام، لكنّه مكروه، لعموم الآية، ولا دلالة فيها، لأنّها تدلّ على إخراج الخمس في الغنيمة، لا على المالك، وقال أبو حنيفة: إنّها للغانمين ولا خمس، لأنّه اكتساب مباح من غير جهاد، فأشبه الاحتطاب(2)، ونمنع المساواة، لأنّه منهي عنه إلّا بإذنه علیه السلام، وعن أحمد روايتان كالقولين، وثالثة كقولنا(3).

وقال المحقق السبزواري رحمه الله (م 1090 ه-):

المشهور أنّ المغنوم بغير إذن الإمام علیه السلام له، ويدلّ عليه مرسلة العبّاس الورّاق عن رجل سمّاه عن أبي عبد اللّٰه علیه السلام قال: «إذا غزا قوم بغير إذن

ص: 88


1- «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج 9/130، المسألة الرقم 80.
2- أقول: عدم الخمس عنده حينئذٍ مبني علی أنّه إذا لم يكن من باب الجهاد المأذون حتّی يكون خمسها للإمام فتكون كالمباحات الأوليّة كالاحتطاب والاحتشاش والاصطِياد ممّا يجوز تملّكها لكلّ أحد، وحيث لا خمس عندهم في غير الغنائم الحربيّة فتكون لآخذه من دون خمس.
3- «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج5/441 - 442.

الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس»، وتوقّف في هذا الحكم المحقّق في النافع بضعف المستند، وفي المسالك: أنّ المستند مقطوعة البزنطي ولم أطّلع عليها، وذكر فيه أيضاً: أنّ المعروف من المذهب هو العمل بمضمونها لا نعلم فيه مخالفاً، فلا يضرّ القطع، وذكر بعضهم أنّ المأخوذ إن كان سرقة وغيلة ونحوهما ممّا لا قتال فيه فهو لآخذه وعليه الخمس، وإن كان بقتال فهو بأجمعه للإمام، وكيف ما كان يجوز تملّكه حال الغيبة، ولا يجب إخراج حصّة الموجودين من الهاشميّين منه، لأنّهم: أباحوا ذلك لشيعتهم لتطيّب ولادتهم كما يدلّ عليه الأخبار المستفيضة، وكذا يجوز وطء الأمة وشراؤها من السأبي سواء كان السأبي مسلماً أو كافراً، وتعارض ذلك رواية زكريّا ابن آدم المذكورة في كتاب الجهاد. لكنّ العمل على المشهور المرتبط بالأخبار(1).

وقال الشيخ يوسف البحرانی رحمه الله (م 1186 ه-) في «الحدائق»:

المفهوم من كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنّ ما يؤخذ من دار الحرب بغير إذن الإمام فإن كان بسرقة وغيلة ونحوهما فهو لآخذه وعليه الخمس، وإن كان بقتال فهو بأجمعه للإمام علیه السلام، وعلى كلّ من التقديرين فإنّه يباح تملّكه للشيعة حال الغيبة، ولا يجب إخراج حصة الموجودين من الهاشميين، لإباحتهم: ذلك للشيعة لتطيّب ولادتهم، وكذا يجوز الشراء من السأبي، وإن كان جائراً ظالماً، بل

ص: 89


1- «كفاية الأحكام» ج 1/519 - 520.

الشراء من الكافر اُخته وبنته وزوجته، وكلّ حربي قهر حربياً صحّ الشراء منه.

أقول: والغرض من ذكرهم هذا الكلام في هذا المقام هو أنّه يجوز تملك العبيد والإماء المسببة من دار الحرب، سيّما في زمن الغيبة، سواءٌ سبيت بالقهر والغلبة من سلاطين الجور، أو بسرقة وغيلة، وسواءٌ كان السأبي لها مسلماً أو مخالفاً أو كافراً، وأنّ من قهر من الكفار اُخته أو ابنته أو زوجته أو ابنه فإنّه يتملكهم، ثمّ بعد تملّكهم يجوز الشراء منه، والقاهر والمقهور حربيان، ويدلّ على ذلك الأخبار(1).

وادعی النراقي رحمه الله (م 1245 ه-) صاحب «المستند» الشهرة العظيمة المحقّقة والمحكيّة في كتب جماعة، وعن الروضة: أنّه لا قائل بخلافها، وعن الخلاف والسرائر دعوی الإجماع علی أنّ الغنيمة المحوزة في القتال بغير إذن الإمام من الأنفال أمرها بيده(2).

وقال ابن رشد القرطبي الأندلسي (م 595 ه-) الّذي كان شيخ المالكية فيها:

وأجمع جمهور العلماء علی أنّ أربعة أخماس الغنيمة للغانمين إذا خرجوا بإذن الإمام، واختلفوا في الخارجين بغير إذن الإمام...، فالجمهور علی أنّ أربعة أخماس الغنيمة للّذين غنموها، خرجوا بإذن الإمام أو بغير ذلك، لعموم قوله تعالی: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء) الآية، وقال قوم: إذا خرجت السرية أو الرجل الواحد بغير إذن الإمام

ص: 90


1- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج 19/462.
2- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/160.

فكلّ ما ساق نفل يأخذه الإمام، وقال قوم: بل يأخذه كلّه الغنائم،فالجمهور تمسّكوا بظاهر الآية، وهؤلاء كأنّهم اعتمدوا صورة الفعل الواقع من ذلك في عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، وذلك أنّ جميع السرايا إنّما كانت تخرج عن إذنه عليه الصلاة والسلام، فكأنّهم رأوا إذن الإمام

شرط في ذلك، وهو ضعيف(1).

ثمّ إنّه قد استدلّ علی الشرط الأوّل - أي اشتراط كون الغنيمة مأخوذة منهم بالمقاتلة وخيل وركاب لا بغيرها من سرقة أو مكر وحيلة، زائداً علی ما مرّ من عدم الخلاف أو الإجماع أو الاتفاق عليه - بأصالة عدم وجوبه في غيرها، وبروايات مستفيضة رواها الفريقين منها:

صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام: السَّرِيَّةُ يَبْعَثُهَا الْإِمَامُ فَيُصِيبُونَ غَنَائِمَ كَيْفَ يُقْسَمُ؟ قَالَ: «إِنْ قَاتَلُوا عَلَيْهَا مَعَ أَمِيرٍ أَمَّرَهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِمْ أُخْرِجَ مِنْهَا الْخُمُسُ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَقُسِمَ بَيْنَهُمْ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا قَاتَلُوا عَلَيْهَا الْمُشْرِكِينَ كَانَ كُلُّ مَا غَنِمُوا لِلْإِمَامِ يَجْعَلُهُ حَيْثُ أَحَبَّ»(2).

وسيأتي ما في دلالة ذيل الحديث من الضعف في ضمن الاستدلال علی الشرط الثاني.

ص: 91


1- « بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج3/271 - 273.
2- «الكافي» ج5/43، الحديث 1، و«وسائل الشيعة» ج9/524، الحديث 12627.

وموثقة أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام قال: «كُلُّ شيء قُوتِلَ عَلَيْهِ عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله و سلم فَإِنَّ لَنَا خُمُسَهُ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنَ الْخُمُسِ شَيْئاً حتی يَصِلَ إِلَيْنَا حَقُّنَا»(1).

وما رواها أحمد بن محمّد بن عيسی الأشعري قال: حدّثنا بعض أصحابنا رفع الحديث، قال: «الْخُمُسُ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: مِنَ الْكُنُوزِ، وَالْمَعَادِنِ، وَالْغَوْصِ، وَالْمَغْنَمِ الَّذِي يُقَاتَلُ عَلَيْهِ»، وَلَمْ يَحْفَظِ الْخَامِسَ، الحديث(2).

وما رواها في «دعائم الإسلام» مرفوعاً عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال: «الْغَنِيمَةُ تُقْسَمُ عَلَى خَمْسَةِ أَخْمَاسٍ، فَيُقْسَمُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا عَلَى مَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا، وَالْخُمُسُ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ»، الخبر(3).

وما رواها العياشي في تفسيره مرفوعاً عن ابن الطّيّار عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: «يُخْرَجُ خُمُسُ الْغَنِيمَةِ ثُمَّ يُقْسَمُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ(4) عَلَى مَنْ قَاتَلَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ وَلِيِّهِ»(5).

ص: 92


1- «الكافي» ج1/458، الحديث 14، و«وسائل الشيعة» ج9/487، الحديث 12550.
2- «التهذيب» ج4/126، الحديث 264، و«وسائل الشيعة» ج9/489، الحديث 12556.
3- «دعائم الإسلام» ج1/386، و«مستدرك الوسائل» ج7/281، الحديث 8224.
4- في المصدر: أخماس.
5- «تفسيرالعياشي» ج2/62، الحديث 58، و«مستدرك الوسائل» ج7/281، الحديث 8226.

وما رواها أيضاً في «دعائم الإسلام» مرفوعاً عن جعفر بن محمّد علیه السلام أنّه قال: «مَا كَانَ مِنْ أَرْضٍ لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا قِتَالٌ، أَوْ قَوْمٌصَالَحُوا، أَوْ أَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ، أَوْ مَا كَانَ مِنْ أَرْضٍ خَرَابٍ، أَوْ بُطُونِ أَوْدِيَةٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ لِلرَّسُولِ صلی الله علیه و آله و سلم يَضَعُهُ حَيْثُ أَحَبَّ، وَهُوَ بَعْدَهُ لِلْإِمَامِ وَقَوْلُهُ: (لِلَّهِ) تَعْظِيماً لَهُ، وَالْأَرْضُ وَمَا فِيهَا لِلَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ وَلَنَا في الْفَيْ ءِ سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى، ثُمَّ نَحْنُ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا بَقِيَ»(1).

وما رواها أيضاً عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال: في قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَ: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ)(2)، قَالَ: «هِیَ كُلُّ قَرْيَةٍ أَوْ أَرْضٍ لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ، وَمَا لَمْ يُقَاتِلْ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ فَهُوَ لِلْإِمَامِ يَضَعُهُ حَيْثُ أَحَبَّ»(3).

وما رواها علاء الدّين عليّ المتّقي الهندي (م 975 ه-) عن طريق ابن النجار عن بريدة: «ليس لأعراب المسلمين في الفيء والغنيمة شيء إلّا أن يجاهدوا مع المسلمين»(4).

بتقريب أنّ قوله علیه السلام: «كُلُّ شيء قُوتِلَ عَلَيْهِ» أو «الْمَغْنَمِ الَّذِی يُقَاتَلُ عَلَيْهِ» أو «ثُمَّ يُقْسَمُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ عَلَى مَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا، أو قَاتَلَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ وَلِيِّهِ» كان في مقام الاحتراز عن عدم وجوبه إذا أخذت بغير المقاتلة، مضافاً أنّ قوله علیه السلام: «وَإِنْ لَمْ

ص: 93


1- «دعائم الإسلام» ج1/385، و«مستدرك الوسائل» ج7/297، الحديث 8257.
2- - «الأنفال»: 1.
3- «دعائم الإسلام» ج1/386، و«مستدرك الوسائل» ج7/297، الحديث 8258.
4- «كنزالعمال في سنن الأقوال والأفعال» ج4/375، الخبر 10988.

یَكُونُوا قَاتَلُوا عَلَيْهَا الْمُشْرِكِينَ كَانَ كُلُّ مَا غَنِمُوا لِلْإِمَامِ يَجْعَلُهُ حَيْثُ أَحَبَّ» أو «وَمَا لَمْ يُقَاتِلْ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ» أو «إلّا أن يجاهدوا مع المسلمين» صريح في المطلوب.هذا مع إمكان دعوی انصراف اصطلاح الغنيمة الواردة في هذا الروايات عمّا يؤخذ عنهم بغير القتال من السرقة والمكر والحيلة، ولا أقلّ من الشك وبطلان التعميم، زائداً علی أنّه حيث كان الشك في أصل التكليف فالأصل البراءة.

نعم لوكانت السرقة والحيلة حين الحرب والمقاتلة علی وجه تعدّ من شؤونه فلا محالة يلحقها حكم الغنائم الحربيّة، لكونهما من توابعه ولوازمه وأنّ المال يؤخد حينئذٍ من الكافر الحربي حين اشتغاله بالحرب، وقد تقدّم الإشارة إليه في كلام الإمام الراحل قدس سره .

وكيف كان فالرّوايات كما تری أكثرها ضعاف، إلّا أنّه ينجبر ضعفها بعمل الأصحاب بل الفريقين وبالاستفاضة.

إن قلت: الغنائم الّتي لم تكن مأخوذة بالمقاتلة فهي داخلة لا أقلّ تحت عنوان مطلق الفائدة المكتسبة أي الغنيمة بالمعنی الأعمّ، فأيّ فائدة في هذا الاشتراط؟

قلنا: تظهر الثمرة في أنّه علی المعنی الأخصّ تأخذ خُمسها في بدو الأمر، ثمّ يقسم أربعة أقسامها بين المقاتلين من دون اعتبار كونها زائدة عن مؤونة سنتهم أم لا، بخلاف ما إذا كانت بالمعنی الأعمّ، زائداً علی ما قد يقال من اعتبار النصاب في الغنيمة بالمعنی الأخصّ وإن كان ضعيفاً.

واستدلّ علی الشرط الثاني - أي أن يكون القتال بإذن الإمام علیه السلام، فلو لم يكن بإذنه كان كلّه للإمام - زائداً علی الشهرة المدّعی عليه في «الكفاية» و«المستند»، وعلی الإجماع والاتفاق المدعی عليه في «الخلاف» و«التذكرة»

ص: 94

و«السرائر» الّذي تقدّمت الإشارة إليه في نقل كلماتهم، بمرسلة العبّاس الورّاقعن رجل سمّاه عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: «إِذَا غَزَا قَوْمٌ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ فَغَنِمُوا كَانَتِ الْغَنِيمَةُ كُلُّهَا لِلْإِمَامِ، وَإِذَا غَزَوْا بِأَمْرِ الْإِمَامِ فَغَنِمُوا كَانَ لِلْإِمَامِ الْخُمُسُ»(1).

دلالتها علی المطلوب صريحة، إلّا أنّ سندها ضعيف بالإرسال والجهل، لوجود الحسن بن أحمد بن يسار، ويعقوب، والعباس الورّاق الّذين وقعوا في طريق الرّواية، ولم يوثّقونهم علماء الرجال(2).

لكن الّذي يسهّل الأمر أنّ الرواية كانت معمولة بها عند المشهور، بل عند الجميع.

وقد يتوهّم للاستدلال لهذا الشرط أيضاً الاستدلال بصحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام: السَّرِيَّةُ يَبْعَثُهَا الْإِمَامُ فَيُصِيبُونَ غَنَائِمَ كَيْفَ يُقْسَمُ؟ قَالَ: «إِنْ قَاتَلُوا عَلَيْهَا مَعَ أَمِيرٍ أَمَّرَهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِمْ أُخْرِجَ مِنْهَا الْخُمُسُ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَقُسِمَ بَيْنَهُمْ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا قَاتَلُوا عَلَيْهَا الْمُشْرِكِينَ كَانَ كُلُّ مَا غَنِمُوا لِلْإِمَامِ يَجْعَلُهُ حَيْثُ أَحَبَّ»(3)، بناءً علی دلالة صدرها علی اعتبار القيدين: المقاتلة وإذن الإمام، بأنّ لازم من قوله: «مع أمير أمره الإمام» أن تكون المقاتلة بإذنه، وأنّ عدم ذكر الإذن في ذيل الحديث غير ضارّ بعد وضوحه لدی المخاطب وظهور الصدر في المفهوم.

ص: 95


1- «التهذيب» ج4/135، الحديث 378، و«وسائل الشيعة» ج9/529، الحديث 12640.
2- طريق الرواية هكذا: محمّد بن الحسن الشيخ الطوسي رحمه الله بإسناده عن محمّد بن الحسن الصّفّار عن الحسن بن أحمد بن يسار عن يعقوب عن العبّاس الورّاق.
3- «الكافي» ج5/43، الحديث 1، و«وسائل الشيعة» ج9/524، الحديث 12627.

لكن الّذي يوهن الاستدلال بالرواية أنّ ظاهر قوله: «أُخْرِجَ مِنْهَا الْخُمُسُ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَقُسِمَ بَيْنَهُمْ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ» هو تقسيم الخمس إلی السهمين سهم لله عزّ وجلّ وسهم لرسوله صلی الله علیه و آله و سلم لا الأسهام الستة، ثمّ من المعلوم أنّ الباقي منها بعد إخراج الخمس الأسهم الأربعة لا الثلاثة! فالرّواية مخالف للكتاب والأخبار والإجماع، ولابدّ من طرحها لذلك.

ثمّ إنّه لا وجه للعمل ببعض الحديث وطرح بعضه الآخر، إذ عمدة دليل علی حجيّة الخبر الواحد علی ما ثبت في محلّه هو بناء العقلاء وسيرتهم(1)، وليس بنائهم في مثل هذا العمل بالبعض والطرح لبعضه لآخر، بل يطرحونه حينئذٍ بتمامه وتوقّفوا عن العمل به كلّاً لسريان الشك إلی باقيه أيضاً.

ص: 96


1- قال المحقق النائيني رحمه الله : «وأمّا طريقة العقلاء فهي عمدة أدلة الباب بحيث لو فرض أنّه كان سبيل إلى المناقشة في بقية الأدلة، فلا سبيل إلى المناقشة في الطريقة العقلائية القائمة على الاعتماد بخبر الثقة والاتكال عليه في محاوراتهم، بل على ذلك يدور رحى نظامهم، ويمكن أن يكون ما ورد من الأخبار المتكفّلة لبيان جواز العمل بخبر الثقة من الطوائف المتقدمة كلّها إمضاء لما عليه بناء العقلاء وليست في مقام تأسيس جواز العمل به، لما تقدّم من أنّه ليس للشارع في تبليغ أو امره طريق خاص، بل طريق تبليغها هو الطريق الجاري بين الموالي والعبيد العرفية من دون أن يكون له طريق مخترع، وحال الخبر الموثوق به عند الموالي والعبيد حال العلم في جواز الركون إليه والإلزام والالتزام به في مقام المخاصمة والمحاجّة»، راجع: «فوائد الاُصول للنائيني» ج3/194 - 195.

وكيف كان لعلّ الحكمة في هذا الشرط هي كانت لمجازاة المقاتلين حتّی لا ينورون الحروب المفسدة بغير إذن إمام المسلمين لطمع أخذ الغنائم وفتح الممالك والبلدان وأمثالها.

بقي هنا اُمور:

الأوّل: هل يجب الخمس في الغنائم الغير قابلة للنقل كما يجب في المنقول منها؟

محصّل الأقوال في المسألة ثلاثة:

الف: ما ذهب إليه مشهور القدماء بل ادعی عليه الإجماع في «الخلاف» من أنّه يجب فيها الخمس، وهو أيضاً خيرة السيّد صاحب «العروة» هنا، والشافعيّة وابن زبير من العامّة.

ب: ما اختاره جمع من المتأخّرين كصاحبي «الحدائق» و«الجواهر» وعدّة من محشي العروة من عدم تعلّق الخمس بها أصلاً.

ج: التفصيل بين زمان الحضور والغيبة، فيجب في الأوّل دون الثاني، وهو القول الّذي نسب صاحب «الجواهر»(1) إلی بعض حواشي «القواعد».

قبل بيان أدلّة الأقول نذكر نموذجاً منها، قال الشيخ في «الخلاف»:

ما لا ينقل ولا يحول من الدور والعقارات والأرضين عندنا أنّ فيه الخمس، فيكون لأهله، والباقي لجميع المسلمين، من حضر القتال ومن لم يحضر، فيصرف انتفاعه إلى مصالحهم، وعند الشافعي: أنّ حكمه حكم ما ينقل ويحول خمسه لأهل الخمس، والباقي للمقاتلة

ص: 97


1- راجع: «جواهر الكلام» ج21/156.

الغانمين، وبه قال ابن الزبير، وذهب قوم: إلى أنّ الإمام مخيّر فيه بين شيئين، بين أن يقسمه على الغانمين، وبين أن يقفه على المسلمين. ذهب إليه عمر ومعاذ والثوري وعبد الله بن المبارك، وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنّ الإمام مخيّر فيه بين ثلاثة أشياء: بين أن يقسمه على الغانمين، وبين أن يقفه على المسلمين، وبين أن يقرّ أهلها عليها ويضرب عليها الجزية باسم الخراج، فإن شاء أقرّ أهلها الّذين كانوا فيها، وإن شاء أخرج اولئك وأتى بقوم آخرين من المشركين وأقرّهم فيها وضرب عليهم الجزية باسم الخراج، وذهب مالك إلى أنّ ذلك يصير وقفاً على المسلمين بنفس الاستغنام، والأخذ من غير إيقاف الإمام، فلا يجوز بيعه ولا شراؤه، دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم(1).

ظاهركلام الشيخ رحمه الله إجماع الإماميّة علی تعلّق الخمس بالأرضين كإجماعهم علی كون الباقي لجميع المسلمين ملكاً شبه وقف.

وقال المحقق النراقي رحمه الله :

صريح جماعة عدم الفرق في غنائم دارالحرب بين المنقول وغيره، ويظهر من بعض المتأخّرين التخصيص بالأوّل، لكون الأراضي مال الإمام(2).

وقال المحدث البحراني رحمه الله في «الحدائق»:

قد تتبعت ما حضرني من كتب الأخبار كالوافي والوسائل المشتمل على أخبار الكتب الأربعة وغيرها فلم أقف فيها على ما يدلّ على دخول

ص: 98


1- «كتاب الخلاف» ج4/194، المسألة الرقم 18 من مسائل كتاب الفيء وقسمة الغنائم.
2- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/16.

الأرض ونحوها من ما قدمناه في الغنيمة الّتي يتعلّق بها الخمس، ولم أقف في شيء منها على وجوب إخراج الخمس منها عيناً أو قيمة، حتی الأخبار الواردة في تفسير الآية المشار إليها فإنّها ما بين صريح أو ظاهر في تخصيصها بما ينقل ويحول(1).

ومن المصرّحين من المعاصرين بعدم وجوب الخمس في غير المنقول منها السيّد الخوئي رحمه الله حيث قال في حاشيته علی العروة:

ثبوت الخمس في الأراضي محلّ إشكال بل منع(2)، ثمّ قال في مستنده: عدم إطلاق للآية المباركة بالإضافة إلى غير المنقول، فإنّ الغنيمة هي الفائدة العائدة للغانم بما هو غانم، وعليه فتختصّ بما يقسّم بين المقاتلين وهي الغنائم المنقولة، وأمّا الأراضی المحكوم عليها بأنّها ملك لعامّة المسلمين فلا تعدّ غنيمة للغانم والمقاتل بما هو كذلك وإن استفاد منها بما أنّه فرد من آحاد المسلمين فلا تختصّ به، ولا مدخل لوصفه العنواني في الانتفاع بها لتتّصف بكونها غنيمة له كما لا يخفی، فالإطلاق إذن ساقط من أصله، ومعه لا دليل على وجوب الخمس في غير المنقول، هذا ومع الغضّ عن ذلك وتسليم كون النسبة بين الدليلين عموماً من وجه، بدعوى أنّ الآية تعمّ المنقول وغيره وتختصّبالخمس، كما أنّ نصوص الخراج تختصّ بغير المنقول وتعمّ مقدار الخمس وغيره أي تشمل جميع المال فغايته أنّه يتعارض الدليلان

ص: 99


1- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج 12/325.
2- راجع: «العروة الوثقی مع تعليقات آية الله العظمی مكارم الشيرازي وعدة من الفقهاء العظام» ج2/210.

حينئذٍ في مورد الاجتماع أعني الخمس من غير المنقول، فإنّ مقتضى إطلاق الآية وجوبه، ومقتضى تلك النصوص عدمه، فيتساقطان لعدم الترجيح، إذ عموم الكتاب إنّما يتقدّم على عموم السنّة لدى المعارضة فيما إذا لم تكن قطعيّة كعموم الخبر الواحد، أمّا السنّة القطعيّة كما في المقام فهي تعادل قطعيّة الكتاب، فإذن يرجع بعد تساقط الدليلين إلى أصالة البراءة عن الخمس، فتكون النتيجة أيضاً هي ما ذكرناه من الاختصاص(1).

وقال الشيخ محمّد حسن النجفي رحمه الله في «الجواهر» في كتاب الجهاد منه:

قد ذكرنا في كتاب الخمس أنّ السيرة المستمرة في هذا الزمان على عدم إخراج من تمكّن من شيء منها (ما لا ينقل) ذلك بل النصوص الّتي تعرّضت للخراج والإذن فيها للشيعة خالية أيضاً عن ذلك، بل في بعضها التصريح بكون الأرض وخراجها للمسلمين، فيمكن أن يكون حين القسمة جعل الخمس في غيرها، أو أنّه مندرج في نصوص التحليل أو غير ذلك، وعن بعض حواشي القواعد تقييد خروج الخمس منها بحال ظهور الإمام علیه السلام، أمّا حال الغيبة ففی الأخبار أنّه لا خمس فيها، ولعلّه يريد ما ذكرنا من النصوص، ولكن مع ذلك كلّه لا ريب فيأنّ احتياط خروجه من ارتفاعها، وتمام الكلام قد تقدّم في كتاب الخمس(2).

ص: 100


1- «مستند العروة الوثقی كتاب الخمس» ص12 - 13، «موسوعة الإمام الخوئی» ج25/8.
2- «جواهر الكلام» ج21/156.

أقول: إذا عرفت ما ذكرنا من الأقوال في المسألة فالأقوی منها هو القول الثاني، أي عدم تعلّق الخمس بها أصلاً، وذلك لأنّ غاية ما يمكن أن يستدلّ به علی القول بتعميم الخمس للمنقول وغيره هو التمسك بإطلاق الآية الخمس وموثقة أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام قال: «كُلُّ شيء قُوتِلَ عَلَيْهِ عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله و سلم فَإِنَّ لَنَا خُمُسَهُ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنَ الْخُمُسِ شَيْئاً حتی يَصِلَ إِلَيْنَا حَقُّنَا»(1). وما رواها أحمد بن محمّد بن عيسی الأشعری قال: حدّثنا بعض أصحابنا رفع الحديث، قال: «الْخُمُسُ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: مِنَ الْكُنُوزِ، وَالْمَعَادِنِ، وَالْغَوْصِ، وَالْمَغْنَمِ الَّذِي يُقَاتَلُ عَلَيْهِ»، وَلَمْ يَحْفَظِ الْخَامِسَ، الْحَدِيث(2).

وجه الاستدلال أنّ الغنيمة أو المغنم الّذي يقاتل عليه هي لغة مطلقة تشمل للمنقول وغيره، وكذلك التعميم في «كُلُّ شيء قُوتِلَ عَلَيْهِ عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله و سلم فَإِنَّ لَنَا خُمُسَهُ»، فلا وجه لتقييدها وتخصيصها بالمنقول.

يلاحظ عليه أوّلاً: بأنّ ظاهر قوله: (أنّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) الآية هو كون الأربعة الأخماس الباقية للمقاتلين اللّذين اكتسبوها، فيجب عليهم أن يخرجوا منها خمسها ويبقی الباقي لهم، ومن المعلوم أنّ الأراضي لو قلنا بتعلّق الخمس بها لا يكون باقيها للمغانمين، للنصّ والإجماع بأنّها فيء لجميع

ص: 101


1- «الكافي» ج1/458، الحديث 14، و«وسائل الشيعة» ج9/487، الحديث 12550.
2- «التهذيب» ج4/126، الحديث 264، و«وسائل الشيعة» ج9/489، الحديث 12556.

المسلمين من الحاضرين والغائبين والمتجددين(1)، فتكون هذه قرينة لانصراف ظهور إطلاق الآية واختصاصها بالمنقول فقط.

ومثلها في الدلالة ظاهر صحيحة ربعيّ بن عبد اللّه بن الجارود عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: «كَانَ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله و سلم إِذَا أَتَاهُ الْمَغْنَمُ أَخَذَ صَفْوَهُ وَكَانَ ذَلِكَ لَهُ، ثُمَّ يَقْسِمُ مَا بَقِيَ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ وَيَأْخُذُ خُمُسَهُ، ثُمَّ يَقْسِمُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ بَيْنَ النَّاسِ الَّذِينَ قَاتَلُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَسَمَ الْخُمُسَ الَّذِي أَخَذَهُ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ يَأْخُذُ خُمُسَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ يَقْسِمُ الْأَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ بَيْنَ ذوي الْقُرْبَى، والْيَتَامَى، وَالْمَسَاكِينِ، وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، يُعْطِی كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقّاً، وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ أَخَذَ كَمَا أَخَذَ الرَّسُولُ صلی الله علیه و آله و سلم»(2)، لما دلّت بظاهرها علی أنّ مورد الخمس إنّما هو المال المنقول الّذي يؤتی به إلی النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم، زائداً علی ما تقدّم آنفاً من كون الأراضي المفتوحة عنوة المعبّر عنها بالأراضي الخراجيّة ملكاً لعامّة المسلمين من الموجودين وغيرهم إلی يوم القيامة ولا تقسم بين الغانمين كما تقسم الغنائم المنقولة، تدلّ علی ذلك غير واحد منالأخبار(3)،

كصحيحة محمّد الحلبيّ قال: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ السَّوَادِ(4) مَا

ص: 102


1- راجع: «جواهرالكلام» ج21/157.
2- «التهذيب» ج4/128، الحديث 365،و «الاستبصار» ج2/56، الحديث 186، و«وسائل الشيعة» ج9/510، الحديث 12602.
3- أوردها صاحب «الوسائل» في الباب 41 و71 و72 من أبواب جهاد العدوّ، والباب 21 من أبواب عقد البيع.
4- قال الشيخ محمّد حسن النجفي رحمه الله صاحب «الجواهر» في تفسيره: «والمراد بأرض السواد كما في المنتهى الأرض المغنومة من الفرس الّتي فتحت في زمن عمر بن الخطاب، وهي سواد العراق، وحده في العرض من منقطع الجبال بحلوان إلى طرف القادسية المتصل بعذيب من أرض العرب، ومن تخوم موصل طولاً إلى ساحل البحر ببلاد عُبّادان من شرقي دجلة، فأمّا الغربي الّذي يليه البصرة فإنّما هو إسلامي قبل شط عثمان بن أبي العاص، وما والاها كانت سباخاً مواتاً فأحياها عمر بن العاص، وسمّيت هذه الأرض سواداً لأنّ الجيش لما خرجوا من البادية رأوا هذه الأرض والتفاف شجرها سمّوها السواد لذلك»، «جواهرالكلام» ج21/159.

مَنْزِلَتُهُ؟ فَقَالَ: «هُوَ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ لِمَنْ هُوَ الْيَوْمَ وَلِمَنْ يَدْخُلُ في الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْيَوْمِ وَلِمَنْ لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ، فَقُلْتُ: الشِّرَاءُ مِنَ الدَّهَاقِينِ؟ قَالَ: لَا يَصْلُحُ إِلَّا أَنْ تُشْتَرَي مِنْهُمْ عَلَى أَنْ يُصَيِّرَهَا لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا شَاءَ وَلِیُّ الْأَمْرِ أَنْ يَأْخُذَهَا أَخَذَهَا، قُلْتُ: فَإِنْ أَخَذَهَا مِنْهُ؟ قَالَ: يَرُدُّ عَلَيْهِ رَأْسَ مَالِهِ وَلَهُ مَا أَكَلَ مِنْ غَلَّتِهَا بِمَا عَمِلَ»(1)، وصحيحة أبي الرّبيع الشّاميّ عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: «لَا تَشْتَرِ مِنْ أَرْضِ السَّوَادِ شَيْئاً إِلَّا مَنْ كَانَتْ لَهُ ذِمَّةٌ فَإِنَّمَا هُوَ فَيْ ءٌ لِلْمُسْلِمِينَ»(2)، فإنّ ظاهرها كون جميعها ملكاًللمسلمين من دون استثناء الخمس منها، ولوكان واجباً فلما ذا لم نری من حكم الخمس فيها عيناً ولا أثراً مع كثرتها وورودها في مقام البيان؟

ثمّ إنّه لو فرض التعميم في دلالة الآية الشريفة وشمولها للمنقول وغيره يخصّص عمومها بهذه الأخبار الظاهرة في عدم الخمس، فيقدّم الخاصّ علی العامّ من باب تقديم النصّ علی الظاهر أو الأظهر علی الظاهر.

ص: 103


1- «التهذيب» ج7/147، الحديث 652، و«الاستبصار» ج3/109، الحديث 384، و«وسائل الشيعة» ج17/369، الحديث 22767.
2- «التهذيب» ج7/147، الحديث 653، و«وسائل الشيعة» ج17/369، الحديث 22768.

وثانياً: بأنّ الإطلاق والتعميم في الخبرين يمكن تقييده وتخصيصه بالغنائم المنقولة، وذلك لما تقدّم من الأخبار الدالّة علی حكم الأراضي الخراجية من دون استثناء الخمس فيها، ولا أقلّ من الشك وبطلان الاستدلال، هذا مع ضعف الرواية الثانية لكونها مرفوعة.

هذه غاية ما يمكن أن يستدلّ بها علی القول المشهور وقد عرفت ضعفها، زائداً علی أنّ القول بعدم الخمس في الغنائم الغير المنقولة موافقاً لأصالة العدم، ولظاهر الأخبار الواردة في باب الأراضي المفتوحة عنوة من دون فرق فيه بين زمان الحضور والغيبة.

أمّا ما استدلّ به علی القول بالتفصيل بين زمان الحضور والغيبة بوجوبه في الأوّل دون الثاني، فقد تقدّم الإشارة إلی جوابه وضعفه في التمهيد من هذا الكتاب فلا نعيد.

ص: 104

الأمر الثاني: فيما يستثنی من الغنيمة قبل التخميس:

يستثنی من الغنيمة خَمسة أشياء ثمّ يخمس الباقی، (أحدها): المؤونة الّتي تنفق علی الغنيمة بعد تحصليها، قال السيّد رحمه الله في «العروة»:

الأوّل: الغنائم المأخوذة من الكفار من أهل الحرب قهراً بالمقاتلة معهم...، بعد إخراج المؤن الّتي أنفقت على الغنيمة بعد تحصيلها بحفظ وحمل ورعی ونحوها منها(1).

وقال النراقي رحمه الله في مستنده:

يشترط في وجوب الخمس في الفوائد المكتسبة بأقسامها الخمسة، وضع مؤونة التحصيل الّتي يحتاج إليها في التوصل إلی هذه الاُمور من حفظ الغنيمة ونقلها(2).

لكنّه ظهر من المحدث البحراني رحمه الله في «الحدائق» أنّ في المسألة خلافاً حيث قال:

قد اختلفوا في تقديم الخمس علی المؤن وعدمه(3).

وقال السيّد الخوئي رحمه الله بعد نقل كلام السيّد صاحب «العروة»: بعد إخراج المؤن الّتي أنفقت على الغنيمة:

كما هو مقتضى القاعدة من لزوم إخراج المصارف المتعلِّقة بالعين المشتركة من حفظ وحمل ورعي ونحوها من الأموال المصروفة في سبيلها من نفس العين، إذ التخصيص بالبعض تحميلٌ لا دليل عليه،

ص: 105


1- «العروة الوثقی للسيّد اليزدي» ج2/366.
2- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/61.
3- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/327.

وربّما تكون المؤونة أكثر من نفس الغنيمة، وقد صرّح بالإخراج المزبور جماعة، وإن أنكره آخرون استناداً إلى إطلاق الآية المباركة، الّذي هو في حيّز المنع بعد وضوح عدم النظر فيها إلى هذه الجهة لينعقد الإطلاق(1).

وكيف كان أنّه ليس في خصوص جواز إخراج مؤن الغنائم الحربيّة عن وجوب الخمس نصّ خاصّ إلّا أنّه يمكن أن نستدلّ عليها باُمور:

الأوّل: الغنيمة عرفاً هي نفس الفوائد الحاصلة بعد كسر مؤونتها(2)،

فعليه لو كانت المؤن بمقدار الفوائد أو أكثر لم تطلق عليه الفائدة.

الثاني: قاعدة العدل والإنصاف الّتي أشار إليها السيّد الخوئي رحمه الله آنفاً، ففي كلّ مال مشترك كالغنيمة في المقام العدل يقتضي أن يكون مصارف التحصيل مشتركة بين أربابه.

الثالث: الروايات الدالّة علی كون الخمس بعد المؤونة، منها: صحيحة ابن أبي نصر قال: كَتَبْتُ إِلَى أبي جعفر علیه السلام: الْخُمُسُ أُخْرِجُهُ قَبْلَ الْمَؤُونَةِ أَوْ بَعْدَ الْمَؤُونَةِ؟ فَكَتَبَ: «بَعْدَ الْمَؤُونَةِ»(3).

ص: 106


1- «موسوعة الإمام الخوئی» ج 25/10 - 11، و«مستند العروة الوثقی كتاب الخمس» ص15.
2- قد فسّرت الفائدة أيضاً عند علماء اللغة بالزيادة الّتي تحصل للإنسان، فما دام لم ينقص منها المؤن لم تطلق عليها الفوائد، راجع: «مصباح المنير» ج2/485.
3- «الكافي» ج1/458، الحديث 13، و«وسائل الشيعة» ج9/508، الحديث 12597.

ومنها: صحيحة إبراهيم بن محمّد الهمداني أنّ في توقيعات الرّضا علیه السلام إليه: «أَنَّ الْخُمُسَ بَعْدَ الْمَؤُونَةِ»(1).

ومنها: صحيحة محمّد بن الحسن الأشعريّ قال:كَتَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى أبي جَعْفَرٍ الثاني علیه السلام: أَخْبِرْنِي عَنِ الْخُمُسِ أَ عَلَى جَمِيعِ مَا يَسْتَفِيدُ الرَّجُلُ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ مِنْ جَمِيعِ الضُّرُوبِ وَعَلَى الصُّنَّاعِ، وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ فَكَتَبَ بِخَطِّهِ: «الْخُمُسُ بَعْدَ الْمَؤُونَةِ»(2).

لكن الظاهر أنّ المراد بالمؤونة في هذه الروايات وأمثالها هي مؤونة المعاش والعيال، لا الأعمّ منه ومن مؤن الغنائم، ولا أقلّ من الإجمال والإبهام وبطلان الاستدلال، ممّا يستفاد منه ذلك قوله علیه السلام في صحيحة إبراهيم بن محمّد الهمداني: «الْخُمُسُ بَعْدَ مَؤُونَتِهِ وَمَؤُونَةِ عِيَالِهِ وَبَعْدَ خَرَاجِ السُّلْطَانِ»(3)، وقوله علیه السلام في

ص: 107


1- «من لايحضره الفقيه» ج2/22، الحديث 80، و«وسائل الشيعة» ج9/508، الحديث 12598.
2- «التهذيب» ج4/123، الحديث 352، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 181، و«وسائل الشيعة» ج9/499، الحديث 12579.
3- «التهذيب» ج4/123، الحديث 354، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 183، و«وسائل الشيعة» ج9/500، الحديث 12582.

صحيحة عليّ بن مهزيار: «إِذَا

أَمْكَنَهُمْ بَعْدَ مَؤُونَتِهِمْ»(1)، وقوله علیه السلام في صحيحة عليّ بنمهزيار الثانية: «مِمَّنْ كَانَتْ ضَيْعَتُهُ تَقُومُ بِمَؤُونَتِهِ»(2)، وقوله علیه السلام في رواية عليّ بن شجاع النيسابوري: «لِي مِنْهُ الْخُمُسُ مِمَّا يَفْضُلُ مِنْ مَؤُونَتِهِ»(3).

وبعد ضعف التمسك للاستدلال للمطلوب بهذه الرّوايات فالعمدة في المقام هي التمسك بالدليلن الأوّلين.

(الثاني) ممّا يستثنى من الغنائم هو الجعائل(4)، الّتي يجعلها الإمام من الغنيمة لفعل مصلحة من مصالح المسلمين، كأن جعل لمن دلّه علی موضع الماء أو ثغر يدخل منه أو غير ذلك شيئاً، نسبه في «المبسوط» إلی علمائنا، وادّعی بعض كالعلّامه رحمه الله عدم الخلاف في كتابي «المنتهی» و«التذكرة»، وأرسله بعض آخر كالسيّد في «العروة» رحمه الله إرسال المسلمات، وهو كذلك عند مالك وأحمد من العامّة.

قال الشيخ الطوسي رحمه الله (م 460 ه-):

النفل هو أن يجعل الإمام لقوم من المجاهدين شيئاً من الغنيمة بشرط مثل أن يقول: من تولّى السرية فله كذا، ومن دلّني على القلعة الفلانية فله كذا، ومن قتل فلاناً من البطارقة فله كذا، فكلّ هذا «نَفُلٌ» بحركة

ص: 108


1- «التهذيب» ج4/123، الحديث 353، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 182، و«وسائل الشيعة» ج9/500، الحديث 12581.
2- «التهذيب» ج4/141، الحديث 398، و«الاستبصار» ج2/60، الحديث 198، و«وسائل الشيعة» ج9/501، الحديث 12583.
3- «التهذيب» ج4/16، الحديث 39، و«الاستبصار» ج2/17، الحديث 48، و«وسائل الشيعة» ج9/500، الحديث 12580.
4- الجعائل كدارهم جمع جعالة، وهي ما يجعله الإمام لمن يعمل عملاً في مصالح المسلمين المحاربين، أو منحها هديةً لمن شاء، أو صرفها في جهة من الجهات العامّة إذا رأی بذلك مصلحة.

الفاء، ويقال بسكونها، وهو مشتق من النافلة وهي الزيادة، ومن هذا سمّيت نوافل الصلوات الزائدة على الفرائض، وهو جائز عندنا ويستحقه زائداً علی السهم الراتب له(1).

وقال العلّامة الحلّي رحمه الله (م 726 ه-):

يجوز للإمام أن يجعل جعلاً لمن يدلّه على مصلحة من مصالح المسلمين، مثل طريق سهل، أو ماء في مفازة، أو قلعة يفتحها، أو مال يأخذه، أو عدوّ يغير عليه، أو ثغر يدخل منها، ولا نعلم فيه خلافاً؛ لأنّه جعل في مصلحة، فجاز كاُجرة الدليل، وقد استأجر النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم في الهجرة من دلّهم على الطريق، ويستحقّ المجعول له الجعل بنفس الفعل الّذي جعل له الجعل، سواء كان مسلماً أو كافراً، لقوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، ولأنّه شرط فيدخل تحت قوله علیه السلام: «المؤمنون عند شروطهم»(2).

وقال شمس الدّين محمّد بن مكیّ العاملي رحمه الله (م 786 ه-) المعروف بالشهيد الأوّل:

تقسّم الغنيمة المنقولة بعد الجعائل والمؤن ثمّ الخمس بين المقاتلة ومن حضر قبل القسمة حتی المولود بالسويّة، للراجل سهم، وللفارس

ص: 109


1- «المبسوط في فقه الإمامية» ج 2/68.
2- «منتهى المطلب في تحقيق المذهب» ج 14/277، وقريب منه ما قاله في «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج 9/199، المسأله 112 من مسائل كتاب الجهاد.

سهمان، ولذي الأفراس ثلاثة وإن كثرت، ولو اشتركوا في فرس اقتسموا سهمها(1).

وفي موضع من «الجواهر» من غير أن يذكر لذلك دليلاً، قال:

عن اللمعة والروضة التصريح بإخراج الجعائل علی مصلحة من مصالح المسلمين، وهو قويّ(2).

ثمّ صرّح بعدم الخلاف في كتاب «الجهاد» منه، حيث قال:

لا خلاف كما اعترف به الفاضل، بل ولا إشكال في أنّه يجوز لوالي الجيش إماماً أو غيره جعل الجعائل لمن يدلّه على مصلحة من مصالح المسلمين، كالتنبيه على عورة القلعة وطريق البلد الخفي أو نحو ذلك، ويستحق المجعول له الجعل بنفس الفعل كغيره من أفراد الجعالة، سواء كان مسلماً أو كافراً لعموم الأدلة، وليس للجيش الاعتراض وإن كانت الغنيمة لهم، لعموم الولاية، ولفعل النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم، وقد استوفينا الكلام بحمد اللّٰه تعالى في أحكام الجعالة في محلّها، فلاحظ(3).

والظاهر أنّ قوله في عبارته الاُولی: «وهو قوي»، لا يستشمّ منه وجود مخالف فيه بين الأصحاب، بل كأنّه كان بصدد بيان عبارة اُخری عن الإرسال أو الاتفاق، أي أنّه بعد ما كان ممّا لم يختلف فيه أحد من الأصحاب فهو قوي في نفسه.

ص: 110


1- راجع: «الدروس الشرعية في فقه الإمامية» ج 2/35، درس الرقم 130.
2- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/10.
3- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج 21/117 - 118.

وقال السيّد رحمه الله في «العروة»:

وبعد إخراج ما جعله الإمام علیه السلام من الغنيمة علی فعل مصلحة من المصالح(1).

وقال السيّد الخوئي رحمه الله بعد نقل كلام السيّد رحمه الله في «العروة»: «وبعد إخراج ما جعله الإمام من الغنيمة علی فعل مصلحة من المصالح»:

بتمليكه لشخص أو صرفه في جهة من الجهات العامّة حسبما يراه من المصلحة، فإنّ له الولاية المطلقة علی ذلك، إذ هو ولي الأمر وأولی بالمؤمنين من أنفسهم، فيخرج بذاك عن الغنيمة الّتي هي موضوع قسمة الخمس وتكون هدية لمن منحها. فإن قلنا بوجوب التخميس في مطلق الفائدة الشامل للهدية وجب خمسها لهذه الجهة لا لأجل الغنيمة، وإلّا فلا شيء عليه(2).

وقال ابن رشد القرطبي الأندلسي (م 595 ه-):

قد اختلف العلماء في الجعائل، فأجازها مالك، ومنعها غيره، ومنهم من أجاز ذلك من السطان فقط، أو إذا كانت ضرورة، وبه قال أبوحنيفة والشافعي(3).

ثمّ الّذي يستفاد من كلام ابن قدامة الحنبلي (م 620 ه-) بل صريح كلامه أنّه جائز عند أحمد أيضاً، حيث قال بعد نقل كلام الخرقي في مختصره: «وينفل

ص: 111


1- «العروة الوثقی للسيّد اليزدي» ج2/366.
2- «موسوعة الإمام الخوئی» ج 25/11، و«مستند العروة الوثقی كتاب الخمس» ص16.
3- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج3/279.

الإمام ومن استخلفه الإمام كما فعل النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم في بدأته الربع بعد الخمس وفي رجعته الثلث بعد الخمس» في شرحه:

النفل زيادة تزاد على سهم الغازی، ومنه نفل الصلاة وهو ما زيد على الفرض...، والنفل في الغزو ينقسم ثلاثة أقسام: أحدها: هذا الّذيی ذكره الخرقي...، القسم الثاني: أن ينفل الإمام بعض الجيش لعنائه وبأسه وبلائه أو لمكروه تحمله دون سائر الجيش...، القسم الثالث: أن يقول الأمير: من طلع هذا الحصن أو هدم هذا السور أو نقب هذا النقب أو فعل كذا فله كذا أو من جاء بأسير فله كذا، فهذا جائز في قول أكثر أهل العلم منهم الثوري، (ثمّ قال بعد كلمات:) ويجوز للإمام ونائبه أن يبذلا جعلاً لمن يدلّه علی ما فيه مصلحة المسلمين مثل طريق سهلٍ أو ماءٍ في مفازة، أو قلعة يفتحها، أو مال يأخذه، أو عدو يغير عليه، أو ثغرة يدخل منها، لا نعلم في هذا خلافاً، لأنّه جعل في مصلحة فجاز كاُجرة الدليل، وقد استأجر النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وأبوبكر في الهجرة من دلّهم علی الطريق، ويستحقّ الجعل بفعل ما جعل له الجعل، سواء كان مسلماً أو كافراً، من الجيش أو من غيره(1).

وكيف كان إنّه قد استدلّ لذلك تارة بخصوص ما ورد في المقام، كمرسلة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصّالح علیه السلام في حديث قال: «وَلِلْإِمَامِ صَفْوُ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ، صَفْوَهَا الْجَارِيَةَ الْفَارِهَةَ وَالدَّابَّةَ الْفَارِهَةَ وَالثَّوْبَ وَالْمَتَاعَ مِمَّا يُحِبُّ أَوْ يَشْتَهِی فَذَلِكَ لَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَقَبْلَ إِخْرَاجِ الْخُمُسِ، وَلَهُ أَنْ يَسُدَّ بِذَلِكَ الْمَالِ جَمِيعَ مَا يَنُوبُهُ مِنْ مِثْلِ إِعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ

ص: 112


1- «المغني لابن قدامة» ج8/378 - 383.

وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّايَنُوبُهُ، فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ شيء أَخْرَجَ الْخُمُسَ مِنْهُ، فَقَسَمَهُ في أَهْلِهِ وَقَسَمَ الْبَاقِیَ عَلَى مَنْ وَلِيَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ سَدِّ النَّوَائِبِ شيء فَلَا شيء لَهُم»، الحديث(1).

وخبر الّذي نسبه ابن قدامة آنفاً إلی النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «وقد استأجر النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وأبوبكر في الهجرة من دلّهم علی الطريق»(2).

واُخری بعمومات ما دلّت علی ولاية النّبیّ والإمام: علی المؤمنين ووجوب إطاعتهم، كقوله تعالی: (النَّبِیُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ في كِتابِ اللَّهِ)(3).

وفي رواية عبد الرّحيم بن روح القصير عن أبي جعفر علیه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ: (النَّبِیُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ في كِتابِ اللَّهِ) فِيمَنْ نَزَلَتْ؟ فَقَالَ: «نَزَلَتْ في الْإِمْرَةِ، إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ جَرَتْ في وُلْدِ الْحُسَيْنِ: مِنْ بَعْدِهِ، فَنَحْنُ أَوْلَى بِالْأَمْرِ وَبِرَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار، قُلْتُ: فَوُلْدُ جَعْفَرٍ لَهُمْ فِيهَا نَصِيبٌ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَلِوُلْدِ الْعَبَّاسِ فِيهَا نَصِيبٌ؟ فَقَالَ: لَا، فَعَدَدْتُ عَلَيْهِ بُطُونَ بني عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كُلَّ ذَلِكَ، يَقُولُ: لَا، قَالَ: وَنَسِيتُ وُلْدَ الْحَسَنِ علیه السلام فَدَخَلْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ

ص: 113


1- « الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/524، الحديث 12628.
2- «المغني لابن قدامة» ج8/383.
3- «الأحزاب»: 6/418.

لِوُلْدِالْحَسَنِ علیه السلام فِيهَا نَصِيبٌ؟ فَقَالَ: لَا، وَاللَّهِ يَا عَبْدَ الرَّحِيمِ مَا لِمُحَمَّدِيٍّ فِيهَا نَصِيبٌ غَيْرَنَا»(1).

وقوله تبارك وتعالی: (وَمَا آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَديدُ الْعِقابِ)(2).

وقوله عزّ وجلّ: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفيظاً)(3).

وفي صحيحة زرارة بن أعين قال: سمعت أبا جعفر وأبا عبد الله صلی الله علیه و آله و سلم يقولان: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَوَّضَ إِلَى نَبيه علیه السلام أَمْرَ خَلْقِهِ لِيَنْظُرَ كَيْفَ طَاعَتُهُمْ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: (مَا آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)»(4).

وصرّح في خبر موسی بن أشيم بأنّ ما للرسول صلی الله علیه و آله و سلم كان لهم:، ففيه عن الصادق علیه السلام: «يَا ابْنَ أَشْيَمَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَوَّضَ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ فَقَالَ: (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ)، وَفَوَّضَ إِلَى نَبيه علیه السلام فَقَالَ: (مَا آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)، فَمَا فَوَّضَ إِلَى رَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم فَقَدْ فَوَّضَهُ إِلَيْنَا»(5).

ص: 114


1- «الكافي» ج1/288، الحديث 2، و«البرهان في تفسير القرآن» ج4/412، الحديث 1، و«بحارالأنوار» ج25/256، الحديث 17.
2- «الحشر»: 7/546.
3- «النساء»: 80/91.
4- «الكافي» ج1/266، الحديث 3.
5- «الكافي» ج1/265، الحديث 2.

وفي تفسير «البرهان» مرسلة عن أبي إسحاق النّحويّ، قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ أَدَّبَ نَبيه علیه السلام عَلَى مَحَبَّتِهِ، فَقَالَ: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، قَالَ: ثُمَّ فَوَّضَ إِلَيْهِ الْأَمْرَ فَقَالَ: (وَمَا آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)، وَقَالَ: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ)، وَإِنَّ رَسُولَ الله صلی الله علیه و آله و سلم فَوَّضَ إِلَى عَلِیٍّ علیه السلام وَائْتَمَنَهُ فَسَلَّمْتُمْ وَجَحَدَ النَّاسُ، فَوَاللَّهِ لَنُحِبُّكُمْ أَنْ تَقُولُوا إِذَا قُلْنَا، وَأَنْ تَصْمُتُوا إِذَا صَمَتْنَا، وَنَحْنُ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَاللَّهُ مَا جَعَلَ لِأَحَدٍ مِنْ خَيْرٍ في خِلَافِ أَمْرِنَا»(1).

وبهذا المضمون صحيحة أبي الصباح الكناني قال: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «أَشْهَدُ أَنَّ عَلِيّاً إِمَامٌ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ، وَأَنَّ الْحَسَنَ إِمَامٌ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ، وَأَنَّ الْحُسَيْنَ إِمَامٌ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ، وَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ إِمَامٌ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ إِمَامٌ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ»(2).

ضعف الخبرين الدالّين علی المقام منجبر بالشهرة بل بالاتفاق، زائداً علی ما مرّ من العمومات الّتي دلّت علی ولاية النّبيّ والإمام: علی المؤمنين.

هذا، ولقائل أن يقول: إنّ الغنيمة حقيقة تنصرف عرفاً إلی ما بقي ممّا أخد من العدو بعد دفع جعائل الّتي جعلها الإمام لفعل المصالح الرائجة إلی الحرب، بل وقد يذمّ قائد الحرب وأمير الجيش لو لم يقدم بهذه الاُمور!

ص: 115


1- «البرهان في تفسير القرآن» ج 2/134.
2- «الكافي» ج1/186، الحديث 2.

ثمّ إنّه يمكن إثبات ذلك أيضاً للفقيه القائم مقامه إذا كانت مصلحة المسلمين أقوی وأهمّ من حكم الغنيمة، بما ثبت في محلّه من ولايته المطلقة حين الغيبة.(الثالث) ممّا يستثنى من الغنائم صفايا الغنيمة، قد ادّعی في الجواهر عدم الخلاف فيه عند الإمامية، بل وصرّح العلّامة رحمه الله كونه ممّا أجمع عليه علمائنا، وهي كذلك علی ما يظهر من الشيخ رحمه الله في «الخلاف»، وأرسلوه بعض إرسال المسلمات، خلافاً للعامّة حيث خصّوه بالنّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم.

قال الشيخ الطوسي رحمه الله :

ما كان للنّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم من الصفايا قبل القسمة فهو لمن قام مقامه، وقال جميع الفقهاء: إنّ ذلك يبطل بموته، دلينا: إجماع الفرقة وأخبارهم(1).

وقال العلّامة رحمه الله :

للإمام أن يصطفی لنفسه من الغنيمة ما يختاره، كفرس جواد وثوب مرتفع وجارية حسناء وسيف قاطع وغير ذلك ممّا لا يضرّ بالعسكر، عند علمائنا أجمع(2).

وقال الشيخ محمّد حسن النجفي رحمه الله في «الجواهر»:

للإمام علیه السلام أن يصطفی من الغنيمة لنفسه قبل كمال القسمة، من فرس جواد وثوب مرتفع وجارية حسناء وسيف قاطع وغير ذلك ممّا هو صفو

ص: 116


1- «الخلاف» ج4/184، المسألة 6 من مسائل كتاب الفيء وقسمة الغنائم.
2- «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج9/235، وقريب منه ما قاله في «منتهی المطلب في تحقيق المذهب» ج14/341 - 342، المسأله 135.

المال ولم يضرّ بالجيش، بلا خلاف أجده فيه بيننا، من غير فرق بين النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم والإمام علیه السلام عندنا، خلافاً للعامّة فخصّوه بالنّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم(1).

وقال السيّد رحمه الله في «العروة»:وبعد استثناء صفايا الغنيمة كالجارية الورقة والمركب الغارة والسيف القاطع والدرع فإنّها للإمام علیه السلام(2).

وقال القرطبي من العامّة:

والصفی وهو سهم مشهور له صلی الله علیه و آله و سلم، وهو شيء كان يصطفيه من رأس الغنيمة، فرس أو أمة أو عبد...، وأجمعوا علی أنّ الصفيّ ليس لأحد من بعد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلّا أباثور فإنّه قال: يجري مجری سهم النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم(3).

يلاحظ علی ما ادّعی القرطبي من الإجماع علی عدم كونه من بعده صلی الله علیه و آله و سلم بأنّ إجماعهم هذا اجتهاد في مقابل النصّ، إذ بعد ما مرّ من الآيات الآمرة بإطاعة الرسول صلی الله علیه و آله و سلم ومن أوامره أمر النّاس بإطاعة الوصيّ علیه السلام، وما سيأتي من الأخبار الدالّة علی أنّ الإمام علیه السلام فعل كما فعل النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم، فهل يبقی هنا مجالاً لهذا الإجماع والاتفاق؟!

وكيف كان قد دلّت علی ذلك - زائداً علی الإجماع المدعی من فقهائنا، وما مرّ من العمومات الّتي دلّت علی ولاية النبيّ والإمام: علی المؤمنين - جملة من

ص: 117


1- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج 21/195.
2- «العروة الوثقی للسيّد اليزدي» ج2/366.
3- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج3/270 - 271.

الأخبار، منها: صحيحة ربعيّ بن عبد اللّه بن الجارود عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال: «كَانَ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله و سلم إِذَا أَتَاهُ الْمَغْنَمُ أَخَذَ صَفْوَهُ وَكَانَ ذَلِكَ لَهُ، ثُمَّ يَقْسِمُ مَا بَقِیَ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ وَيَأْخُذُ خُمُسَهُ، ثُمَّ يَقْسِمُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ بَيْنَ النَّاسِ الَّذِينَ قَاتَلُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَسَمَ الْخُمُسَ الَّذِی أَخَذَهُ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ يَأْخُذُ خُمُسَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَفْسِهِ، ثُمَّيَقْسِمُ الْأَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ بَيْنَ ذوي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ يُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقّاً، وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ أَخَذَ كَمَا أَخَذَ الرَّسُولُ صلی الله علیه و آله و سلم»(1).

وموثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: سَأَلْتُهُ عَنْ صَفْوِ الْمَالِ؟ قال: «الْإِمَامُ يَأْخُذُ الْجَارِيَةَ الرُّوقَةَ، وَالْمَرْكَبَ الْفَارِهَ، وَالسَّيْفَ الْقَاطِعَ، وَالدِّرْعَ قَبْلَ أَنْ تُقْسَمَ الْغَنِيمَةُ، فَهَذَا صَفْوُ الْمَالِ»(2).

ومرسلة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصّالح علیه السلام في حديث قال: «وَلِلْإِمَامِ صَفْوُ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ، صَفْوَهَا الْجَارِيَةَ الْفَارِهَةَ، وَالدَّابَّةَ الْفَارِهَةَ، وَالثَّوْبَ وَالْمَتَاعَ مِمَّا يُحِبُّ أَوْ يَشْتَهِي، فَذَلِكَ لَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَقَبْلَ إِخْرَاجِ الْخُمُسِ، وَلَهُ أَنْ يَسُدَّ بِذَلِكَ الْمَالِ جَمِيعَ مَا يَنُوبُهُ مِنْ مِثْلِ إِعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَنُوبُهُ، فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ شيء أَخْرَجَ الْخُمُسَ مِنْهُ فَقَسَّمَهُ في أَهْلِهِ، وَقَسَمَ الْبَاقِيَ عَلَى مَنْ وَلِيَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ سَدِّ النَّوَائِبِ شيء فَلَا شيء لَهُم»، الحديث(3)

ص: 118


1- «التهذيب» ج4/128، الحديث 365، و«وسائل الشيعة» ج9/510، الحديث 12602.
2- «التهذيب» ج4/134، الحديث 375، و«وسائل الشيعة» ج9/528، الحديث 12639.
3- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/524، الحديث 12628.

.ومرفوعة محمّد بن محمّد بن النّعمان المفيد رحمه الله في «المقنعة» عن الصّادق علیه السلام أنّه قال: «نَحْنُ قَوْمٌ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَنَا في الْقُرْآنِ، لَنَا الْأَنْفَالُ وَلَنَا صَفْوُ الْمَالِ».

وقال في بيان الرواية:

يعنی بصفوها ما أحبّ الإمام من الغنائم، واصطفاه لنفسه قبل القسمة من الجارية الحسناء، والفرس الفاره، والثَوب الحسن، وما أشبه ذلك من رقيق، أو متاع على ما جاء به الأثر عن السّادة:(1).

(الرابع) ممّا يستثنى من الغنائم قطائع الملوك، والقطائع جمع قطيعة وقطعة، وهي عبارة عن: صفايا الملوك بما هم ملوك، أي المال المختصّ بسلطان المحاربين فإنّه للإمام علیه السلام، سواء كان ممّا ينقل ويحوّل الّذي يسمّى بالصفايا(2)،

ص: 119


1- «المقنعة» ص45، «وسائل الشيعة» ج9/532، الحديث 12645.
2- قال الطريحي: وصفو الشيء خالصه وخياره، وفي الحديث الأئمّة:: «نَحْنُ قَوْمٌ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَنَا، لَنَا الْأَنْفَالُ وَلَنَا صَفْوُ الْمَالِ»، أی جيّده وأحسنه كالجارية الفارة، والسيف القاطع، والدرع قبل أن تقسم الغنيمة، فهذا صفو المال، و في آخر: «لِلْإِمَامِ صَوَافِي الْمُلُوكِ»، وهي ما اصطفاه ملك الكفار لنفسه، وقيل: الصوافي ما ينقل والقطائع ما لا ينقل، وقد اصطفى رسول الله علیه السلام يوم بدر سيف منبه بن الحجاج وهو ذو الفقار اختاره لنفسه، ومحمّد صلی الله علیه و آله و سلم صفوة الله من خلقه، أي اصطفاه، وصفوة المال بحركات الصاد: جيّده، فإذا نزعوا الهاء قالوا: صفو المال، بالفتح لا غير. «مجمع البحرين» ج 1/263 - 265.

أملا كالأرضين الّذي يسمّى بالقطائع(1)،

بشرط ألّا تكون مغصوبة من مسلم أو معاهد ممّا يكون لها مالك محترم فإنّه يرجع لمالكه لعدم جواز تملّكها، أرسلوها الأصحاب إرسال المسلّمات، وخصّوها العامّة بالنّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم، والجواب هو الجواب.

وكيف كان سواء قلنا بالتفصيل بين الصفايا والقطائع، أم قلنا بالشمول والتعميم وأنّهما بمعنی واحد، فيختص كلّ منهما بالإمام، لعدم القول بالفصل، ولما سيأتي في الأخبار الآتية من التعبير بالقطائع تارة، وبما يختصّ بهم الشامل للأراضي وغيرها اُخری.

قال المحقق الحلّي رحمه الله (م 676 ه-):

ومن الأنفال صفايا الملوك وقطائعهم، ومعنى ذلك إذا فتحت أرض من أهل الحرب فما كان يختصّ به مَلِكهم ممّا ليس بغصب من مسلم يكون للإمام كما كان للنّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم، ويدلّ على ذلك مضافاً إلى ما نقل من سيرة النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم، ما رواه سماعة ابن مهران...(2).

وقال العلّامة الحلّي رحمه الله (م 726 ه-):

والأنفال تختصّ بالإمام علیه السلام، وهي: كلّ أرض موات سواء ماتت بعد الملك أو لا، وكلّ أرض ملكت من غير قتال سواء انجلى أهلها أو

ص: 120


1- وقال في بيان المراد من «القطاع»: والقطائع اسم لما لا ينقل من المال كالقرى والأراضي والأبراج والحصون، ومنه الحديث: «قطائع الملوك كلّها للإمام»، «مجمع البحرين» ج4/379.
2- «المعتبر في شرح المختصر» ج 2/633 - 634.

أسلموها طوعاً، ورؤوس الجبال، وبطون الأودية والآجام، وصفايا الملوك وقطائعهم غير المغصوبة(1).

وقال المحقّق السبزواري رحمه الله (م 1090 ه-):

ومن الأنفال: صفايا الملوك وقطائعهم غير المغصوبة، وفسّر الصفايا بما ينقل من المال ويحول، والقطائع بالأرض، قال في المعتبر: ومعنى ذلك إذا فتحت أرض من أهل الحرب فما كان يختصّ به ملكهم ممّا ليس بغصب من مسلم يكون للإمام، كما كان للنّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم (2).

وقال السيّد رحمه الله في «العروة»:

وكذا (يستثنی من الغنيمة) قطائع الملوك فأنّها أيضاً له علیه السلام(3).

ثمّ إنّ هنا كلاماً لشيخنا الاُستاذ مكارم الشيرازی دام ظله الشريف في حكمة حكم اختصاص صفايا الأموال وقطائع الملوك بالإمام، ما هذا نصّه:

والظاهر أنّ هذا الأمر كان متداولاً في الحروب قبل الإسلام، وإن كان ذلك لطمع الملوك وتجبّرهم، ولكن أمضاه الإسلام لحكمة اُخرى، وهي أنّ كون هذه الاُمور بأيدي النّاس سبباً للتشاجر والتنازع بين النّاس غالباً، وكلّ يدّعي أولويته لها ويتفاخر بها على غيره، فلم يرض الشارع المقدس بهذا الأمر وجعل أمرها بيد إمام المسلمين، وإلّا لم يسمع

ص: 121


1- «إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان» ج 1/293، وبه قال أيضاً في كتبه الثلاثة: «تحرير الأحكام الشرعيّة علی مذهب الإماميّة (ط - الحديثة)» ج1/442 - 443، «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج5/440، «منتهی المطلب في تحقيق المطلب» ج8/573.
2- «كفاية الأحكام» ج 1/219.
3- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج 2/366.

انتفاع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في عصره بهذه الاُمور شخصاً، ولا شك في أنّه كان بين غنائم عصره اُمور نفيسة، لا سيّما غنائم خيبر وأمثاله، نعم تزوج صلی الله علیه و آله و سلم به جلباً لحماية اليهود ودفعاً لبغضاهم، والحاصل أنّ هذا حكم سياسي أمضاه الشارع لدفع الخصومات لا غير(1).

وقال في موضع آخر من كتابه:

وكأنّ السّر في هذا الحكم أنّ هذه الصفايا والأموال الحسنة النفيسة ممّا تشاق إليه النفوس ويتنافس فيها المتنافسون، وقد يكون ذلك مظنّة لوسواس الشيطان وسبباً للنزاع بين المسلمين أو اُمراء الجيوش وقادتهم، فاختصّت بالإمام علیه السلام كي لا يكون دولة بين الأغنياء، ومن الواضح الّذي علّمناه من فعل النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم والأئمة: عند بسط اليد أنّهم لا يختصّون بذلك كثيراً بل ينفقونها في سبيل الله ولو بأن تباع وتنفق، فإنّا لم نسمع أنّه صلی الله علیه و آله و سلم أو أحد أوليائه المعصومين لبسوا ألبسة فاخرة من أموال الصفايا ولا من غيرها كما كان متداولاً لا يزال بين الملوك(2).

استدلّ علی ذلك - مضافاً إلى ما أشار إليه في «المعتبر» و«الأنوار» من السّيرة - أخبار متضافرة بل متواترة، منها: صحيحة داود بن فرقد قال: قال أبو عبد اللّه علیه السلام: «قَطَائِعُ الْمُلُوكِ كُلُّهَا لِلْإِمَامِ وَلَيْسَ لِلنَّاسِ فِيهَا شيء»(3).

ص: 122


1- راجع: «أنوار الفقاهة في أحكام العترة الطاهرة كتاب الخمس والأنفال» ص44.
2- راجع: «أنوار الفقاهة في أحكام العترة الطاهرة كتاب الخمس والأنفال» ص496.
3- «التهذيب» ج4/134، الحديث 377، و«وسائل الشيعة» ج9/526، الحديث 12630.

وصحيحة إسحاق بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عَنِ الْأَنْفَالِ؟ فَقَالَ: «هِيَ الْقُرَى الّتي قَدْ خَرِبَتْ وَانْجَلَى أَهْلُهَا فهي لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ، وَمَا كَانَ لِلْمُلُوكِ فَهُوَ لِلْإِمَامِ، وَمَا كَانَ مِنَ الْأَرْضِ الْخَرِبَةِ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَكُلُّ أَرْضٍ لَا رَبَّ لَهَا، وَالْمَعَادِنُ مِنْهَا، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ مَوْلًى فَمَالُهُ مِنَ الْأَنْفَالِ»(1).

وموثقة سماعة بن مهران قال: سَأَلْتُهُ عَنِ الْأَنْفَالِ؟ فَقَالَ: «كُلُّ أَرْضٍ خَرِبَةٍ، أَوْ شيء يَكُونُ لِلْمُلُوكِ فَهُوَ خَالِصٌ لِلْإِمَامِ، وَلَيْسَ لِلنَّاسِ فِيهَا سَهْمٌ، قَالَ: وَمِنْهَا الْبَحْرَيْنُ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ»(2).

ومرفوعة محمّد بن مسلم قال: سَمِعْتُ أَبَا جعفر علیه السلام يَقُولُ: «الْأَنْفَالُ هُوَ النَّفَلُ، وفي سُورَةِ الْأَنْفَالِ جَدْعُ الْأَنْفِ، قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنِ الْأَنْفَالِ؟ فَقَالَ: كُلُّ أَرْضٍ خَرِبَةٍ، أَوْ شيء كَانَ يَكُونُ لِلْمُلُوكِ، وَبُطُونُ الْأَوْدِيَةِ، وَرُؤُوسُ الْجِبَالِ، وَمَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكُلُّ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ خَالِصاً»(3).

ومرفوعة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر علیه السلام قال: «مَا كَانَ لِلْمُلُوكِ فَهُوَ لِلْإِمَامِ»(4).

ص: 123


1- «تفسير القمي» ج1/254، و«وسائل الشيعة» ج9/531، الحديث 12644.
2- «التهذيب» ج4/133، الحديث 373، و«وسائل الشيعة» ج9/526، الحديث 12632.
3- «المقنعة» ص47، و«وسائل الشيعة» ج9/532، الحديث 12646.
4- «تفسير العياشي» ج2/48، الحديث 17، و«وسائل الشيعة» ج9/534، الحديث 12655.

ومرفوعة داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه علیه السلام في حديث قال: قُلْتُ: وَمَا الْأَنْفَالُ؟ قَالَ: «بُطُونُ الْأَوْدِيَةِ، وَرُؤُوسُ الْجِبَالِ، وَالْآجَامُ، وَالْمَعَادِنُ، وَكُلُّ أَرْضٍ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَكُلُّ أَرْضٍ مَيْتَةٍ قَدْ جَلَا أَهْلُهَا، وَقَطَائِعُ الْمُلُوكِ»(1).

ثمّ إنّه كما تقدّمت الإشارة إليه أنّه لم يختصّ الحكم هنا بالإمام المعصوم علیه السلام، بل يعمّ الفقيه القائم مقامه حين الغيبة، إذا قلنا بجواز الجهاد الابتدائی بإذنه، أو كانت الحرب بعنوان الدفاع عن الإسلام والمسلمين في مقابل هجوم الكفّار، وذلك لما ثبت في محلّه من ولايته المطلقة حين الغيبة، وما تقدّم من كون الحكم هذا حكماً إمضائياً سياسياً.

وقد نشير أيضاً إلی قسمي الثالث والرابع ممّا يستثنی من الغنيمة قبل التخميس، وكذا عمّا يغنمه المقاتلون بغير إذنه علیه السلام، عند البحث عن الأنفال في «الفصل الثالث» من هذا الكتاب إن شاءالله تعالی.

(الخامس) ممّا يستثنى من الغنائم الرضخ، لم يتعرّض له السيّد رحمه الله صاحب «العروة» هنا، ولعلّه أدرجه تحت عنوان «الجعائل» أو «النفل» الّتي تقدّم البحث عنها، وعدّه في «الجواهر» ممّا لاخلاف فيه(2)، وفي «الخلاف» و«المنتهی» و«التذكرة» أنّه ممّا أجمع عليه الفرقة، أو مذهب علمائنا أجمع، أو قول أكثر أهل

ص: 124


1- «تفسير العياشي» ج2/49، الحديث 21، و«وسائل الشيعة» ج9/534، الحديث 12656.
2- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج21/198.

العلم(1)،

خلافاً لما يحكی عن ابن الجنيد الإسكافي رحمه الله من اختصاصه السهم للعبد المأذون(2).

وكيف كان أنّه لغة العطيّة القليلة(3)،

واصطلاحاً المقدار الّذي يدفعه الإمام علیه السلام لمن يحضر المعركة مع المقاتلين لغير القتال، كالنّساء للطبخ أو مداواة الجرحى، أو لمن يحضر للقتال إلّا أنّه لم يكن واجباً عليه كالعبد والكافر إذا حضروا بإذن الإمام علیه السلام، وليس له مقدار معيّن، بل هو منوط برأيه، لكن مراعاةً لما سيأتي من النقل، ومعناه اللغوي يلزم أن لا يبلغ سهم المجاهد من الغنيمة، كما أنّه لا يبلغ التعزير الحدّ، ولا مانع مع ذلك من أن يفضل بعضهم علی بعض علی حسب مراتبهم وكثرة النفع بهم، فيفضل العبد المقاتل الشديد مثلاً علی من ليس كذلك.

قال الشيخ رحمه الله في «الخلاف»:

مسألة 20: الصبيان يسهم لهم مع الرجال، وبه قال الأوزاعي، وكذلك من يولد قبل القسمة، وأمّا النساء والعبيد والكفار فلا سهم لهم، وإن شاء الإمام أن يرضخ لهم فعل، وعند الشافعي: له أن يرضخ لهؤلاء الأربعة، ولا سهم لهم، دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.

ص: 125


1- «منتهی المطلب في تحقيق المذهب» ج14/324، و«تذكرة الفقهاء (ط الحديثة)» ج9/227، المسألة 128.
2- نسبه إليه العلّامة الحلّي رحمه الله في «منتهی المطلب في تحقيق المذهب» ج14/329.
3- راجع: «نهاية في غريب الحديث والأثر» ج2/228.

مسألة 21: النساء لا سهم لهن، وإنّما يرضخ لهن، وبه قال جميع الفقهاء إلا الأوزاعي فإنّه قال: يسهم للنساء، دليلنا: إجماع الفرقة، وروي عن ابن عباس أنّه كتب إلى نجدة الحروري: كنت تستفتيني هل كان النساء يخرجن مع النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم؟ كان يخرجن معه، يسقين الماء، ويداوين الجرحى، وكنت تسألنيی هل كان يسهم لهنّ؟ ما كان يسهم لهنّ، وإنّما يحذين من الغنيمة.

مسألة 22: الكفار لا سهم لهم مع المسلمين، سواء قاتلوا بإذن الإمام معه، أو بغير إذن الإمام، وإن قاتلوا بإذنه أرضخ لهم إن شاء الإمام، وبه قال الشافعي، إلّا أنّه قال: يرضخ لهم، وقال الأوزاعي: يسهم لهم مع المسلمين، دليلنا: إجماع الفرقة، ولأنّا قد أجمعنا على وجوب الأسهام للمسلمين، ولا دليل على إلحاق الكفار بهم، وروي أنّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم استعان بيهود بني قينقاع، فرضخ لهم، ولم يسهم(1).

وقال العلّامة رحمه الله في «المنتهی»:

النّساء إذا حضرن المعركة لم يسهم لهنّ وإن احتيج إليهنّ لمنفعة العسكر من الطبخ ومداواة الجرحى وغير ذلك، بل يرضخ لهنّ الإمام ما يؤدّي إليه اجتهاده، ومعنى الرضخ: أنّه يعطى المرضوخ له شيئاً من الغنيمة ولا يسهم له سهم كامل، ولا تقدير للرضخ بل هو موكول إلى نظر الإمام، فإن رأى التسوية بينهنّ سوّى، وإن رأى التفضيل فضّل، وهذا مذهب علمائنا أجمع وأكثر أهل العلم منهم: سعيد بن المسيّب،

ص: 126


1- «الخلاف» ج4/197 - 198، مسائل 20 إلی 22 من مسائل كتاب «الفيء وقسمة الغنائم».

ومالك، والثوريّ، والليث، والشافعيّ، وإسحاق، وأحمد بن حنبل، وهو مرويّ عن ابن عبّاس، وقال الأوزاعيّ: يسهم للنّساء(1).

وقال الشهيد الثاني رحمه الله :

الرضخ العطاء الّذي ليس بالكثير. والمراد هنا العطاء الّذي لا يبلغ سهم الفارس، إن كان المرضخ له فارساً، ولا الراجل إن كان راجلاً، والخنثى المشكل في حكم المرأة، لعدم العلم بالذكورة الّتي هي شرط وجوب الجهاد، وقيل: له نصف سهم ونصف رضخ كالميراث(2).

وقال ابن رشد القرطبي من العامّة:

وأمّا من له السهم من الغنيمة فإنّهم اتّفقوا علی الذكران الأحرار البالغين، واختلفوا في أضدادهم أعني في النّساء والعبيد ومن لم يبلغ من الرجال ممّن قارب البلوغ، فقال قوم: ليس للعبيد والنّساء حظّ من الغنيمة ولكن يرضخ لهم، وبه قال مالك، وقال قوم: لايرضخ ولا لهم حظّ الغانمين، وقال قوم: بل لهم حظّ واحد من الغانمين، وهو قول الأوزاعي، وكذلك اختلفوا في الصبيّ المراهق، فمنهم من قال: يقسّم له، وهو مذهب الشافعي، ومنهم من اشترط في ذلك أن يطبق القتال، وهو مذهب مالك، ومنهم من قال: يرضخ له....، وسبب اختلافهم هو اختلافهم في تشبيه المرأة بالرجل في كونها إذا غزت لها تأثير في الحرب أم لا؟ فإنّهم اتفقوا علی أنّ النّساء مباح لهنّ الغزو، فمن شبّههنّ بالرجال أوجب لهنّ نصيباً في الغنيمة، ومن رآهنّ ناقصات عن الرجال

ص: 127


1- «منتهی المطلب في تحقيق المذهب» ج14/324.
2- «مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام» ج 3/.60

في هذا المعنی إمّا لم يوجب لهنّ شيئاً، وإمّا أوجب لهنّ دون حظّ الغانمين، وهو الإرضاخ(1).

وقال ابن قدامة الحنبلي:

ويرضخ للمرأة والعبد، ومعناه أنّهم يعطون شيئاً من الغنيمة دون السهم، ولا يسهم لهم سهم كامل، ولا تقدير لما يعطونه، بل ذلك إلی اجتهاد الإمام، فإن رأی التسوية بينهم سوّی بينهم، وإن رأی التفضيل فضّل، وهذا قول أكثر أهل العلم منهم: سعيد بن المسيّب ومالك والثوري والليث والشافعي وإسحاق، وروي ذلك عن ابن عباس، وقال أبو ثور يسهم للعبد وروی ذلك عن عمر بن عبد العزيز والحسن والنخعي....، وحكي عن الأوزاعي: ليس للعبد سهم ولا رضخ إلّا أن يجيئوا بغنيمة أو يكون لهم غناء فيرضخ لهم، وقال: ويسهم للمرأة...، لنا: ما روي عن ابن عباس أنّه قال: كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يغزو بالنّساء، فيداوين الجرحی ويحذين من الغنيمة، وأمّا سهم فلم يضرب لهنّ (2).

قد استدلّ عليه - زائداً علی الإجماع والاتفاق - بموثقة سماعة عن أحدهما صلی الله علیه و آله و سلم قال: «إِنَّ رَسُولَ الله صلی الله علیه و آله و سلم خَرَجَ بِالنِّسَاءِ في الْحَرْبِ يُدَاوِينَ الْجَرْحَى وَلَمْ يَقْسِمْ لَهُنَّ مِنَ الْفَيْ ءِ شَيْئاً، وَلَكِنَّهُ نَفَلَهُنَّ»(3).

ص: 128


1- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج3/273 - 276.
2- «المغني لابن قدامة» ج8/410 - 411.
3- «الكافي» ج5/45، الحديث 8، و«وسائل الشيعة» ج15/112، الحديث 20093.

ومرفوعة «دعائم الإسلام» عن أمير المؤمنين علیه السلام أنَّ رَسُولَ الله صلی الله علیه و آله و سلم قَالَ: «لَيْسَ لِلْعَبِيدِ مِنَ الْغَنِيمَةِ شيء، وَإِنْ حَضَرَ وَقَاتَلَ عَلَيْهَا فَرَأَى الْإِمَامُ أَوْ مَنْ أَقَامَهُ الْإِمَامُ أَنْ يُعْطِيَهُ عَلَى بَلَائِهِ إِنْ كَانَ مِنْهُ أَعْطَاهُ مِنْ خُرْثِيِّ الْمَتَاعِ مَا يَرَاهُ»(1).

وما رواه المسلم وغيره من العامة عن يزيد بن هرمز قال: كتب نجدة الحروريّ إلى ابن عبّاس رحمه الله يسأله عن النّساء هل كنّ يشهدن الحرب مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم؟ وهل كان يضرب لهنّ بسهم؟ فقال ابن عبّاس: «قد كنّ يشهدن الحرب، فأمّا الضرب لهنّ بسهم فلا»(2).

وما رواه ابن عبّاس أيضاً قال: كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يغزو بالنّساء فيداوين الجرحى، ويحذين(3)

من الغنيمة، وأمّا السهم فلم يضرب لهنّ» (4)، ينجبر ضعف الأخبار بعمل الأصحاب.

أمّا ما يحكی عن ابن جنيد الإسكافي فهو علی تقديره من متفرداته لا يوافقه أحد من الفريقين، زائداً علی ما صرّحت أيضاً المرفوعة الدعائم السابقة آنفاً بعدم اختصاص العبيد من الغنيمة بشيء.

هذا دليل حكم العبيد والنّساء، والظاهر أنّه ليس للكافر دليل إلّا الإجماع.

ص: 129


1- «دعائم الإسلام» ج1/387، و«مستدرك الوسائل» ج11/97، الحديث 12510.
2- «صحيح مسلم» ج3/1446، الخبر 1812، و«سنن أبي داود» ج3/74، الخبر 2728، و«سنن البيهقيّ» ج6/332، و....
3- يحذين من الغنيمة: أي يعطين، راجع: «النهاية لابن الأثير» ج1/358.
4- «صحيح مسلم» ج3/1444، الخبر 1812، و«سنن الترمذيّ» ج4/125، الخبر 1556، و«سنن البيهقيّ» ج6/332، و....

إن لم يكن الغزو بإذن الإمام علیه السلام أو نائبه:

قد عرفت اشتراط كون الغزوة بإذن الإمام علیه السلام، فإن لم تكن بإذنه فقد تعرّض له في «العروة» حيث قال:

وأمّا إذا كان الغزو بغير إذن الإمام علیه السلام فإن كان في زمان الحضور وإمكان الاستيذان منه فالغنيمة للإمام علیه السلام، وإن كان في زمن الغيبة فالأحوط إخراج خمسها من حيث الغنيمة، خصوصاً إذا كان للدعاء إلى الإسلام، فما يأخذه السلاطين في هذا الأزمنة من الكفار بالمقاتلة معهم من المنقول وغيره يجب فيه الخمس على الأحوط وإن كان قصدهم زيادة الملك لا للدّعاء إلى الإسلام(1).

أقول: أمّا إذا كانت الغزوة في زمن حضوره وإمكان استيذانه علیه السلام فالحكم كما عرفت مبسوطاً في الشرط الثاني، مشهور غاية الاشتهار بل ادّعي عليه الإجماع علی ما صرّح به في «الخلاف» و«التذكرة» و«السرائر» وغيرها بأنّ ما حصل لهم من الغنائم كلّها للإمام علیه السلام، واستدلّوا عليه بمرسلة العبّاس الورّاق عن رجل سمّاه عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: «إِذَا غَزَا قَوْمٌ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ فَغَنِمُوا كَانَتِ الْغَنِيمَةُ كُلُّهَا لِلْإِمَامِ، وَإِذَا غَزَوْا بِأَمْرِ الْإِمَامِ فَغَنِمُوا كَانَ لِلْإِمَامِ الْخُمُسُ»(2).

والرّواية وإن كانت ضعيفة بالإرسال إلّا أنّ الأصحاب تلقّونها بالقبول وعملوا بها، قد أشار إليه الشهيد رحمه الله في «المسالك» حيث قال:

ص: 130


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/367.
2- «التهذيب» ج4/135، الحديث 378، و«وسائل الشيعة» ج9/529، الحديث 12640.

إنّ المغنوم بغير إذن الإمام هل هو له علیه السلام كما هو المشهور ووردت به الرّواية(1)، أم لآخذه وعليه الخمس، نظراً إلى كون الرّواية مقطوعة (مرسلة)، كما ذكره المصنّف في النافع متوقّفاً في الحكم بسبب ذلك؟ إلّا أنّ المعروف من المذهب هو العمل بمضمونها لا نعلم فيه مخالفاً، وحينئذٍ فلا يضرّ القطع، فيكون التفسير الأوّل أولى، وبه صرّح في الدروس، وتبعه عليه جماعة من المتأخّرين(2).

وأمّا في زمن الغيبة، فإن قلنا بجواز الجهاد الابتدائي بإذن الفقيه فالأمر أيضاً واضحٌ، لنيابته عن الإمام علیه السلام حينئذٍ فيكون إذنه بمنزلة إذن الإمام علیه السلام، فهي تقسم بعد إخراج خمسها في أوّل وهلة بين المقاتلين من دون انتظار الحول، لكنّهم لو قاتلوا بغير إذنه كانت الغنائم كلّها من الأنفال وأمرها بيده.

وأمّا لو قلنا بعدم جوازه للفقيه، فالسيّد رحمه الله في «العروة» وبعض محشّيه فقد اختاروا وجوب الخمس فيها علی الأحوط أو الأقوی، لجهة كونها غنيمة حربية وأنّ لزوم الإذن فيها مقيّد بزمان حضوره علیه السلام دون غيبته، قال السيّد الخوئ رحمه الله في بيانه:

لإطلاق الغنيمة في الآية المباركة الشامل لزماني الحضور والغيبة، وليس بإزائه إلّا ما دلّ على اشتراط إذن الإمام غير الصالح للتقييد، إذ هو إمّا الإجماع وهو دليل لبّي يقتصر على المقدار المتيقن منه وهو فرض الحضور والتمكّن من الاستيذان، أو مرسل الورّاق المتقدّم وهو بعد

ص: 131


1- مرسلة الورّاق.
2- «مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام» ج 3/393.

تسليم الإطلاق والشمول لصورتي الغيبة والحضور غير قابل للاستناد، لأجل الضعف غير المنجبر عندنا بالعمل كما تقدّم(1).

ويؤيّد ذلك بصحيحة الحلبيّ عن أبي عبد اللّه علیه السلام في الرَّجُلِ مِنْ أَصْحَابِنَا يَكُونُ في لِوَانِهِمْ فَيَكُونُ مَعَهُمْ فَيُصِيبُ غَنِيمَةً، قَالَ: «يُؤَدِّي خُمُسَنَا وَيَطِيبُ لَهُ»(2)، الظاهر على إباحة الغنيمة للغانم إذا لم يكن بإذن الإمام علیه السلام وإن كان في زمن حضوره.

لكن الإنصاف أنّها علی إطلاقها علی وجه تعمّ زمن الحضور أيضاً مخالف لما اختاره المشهور بل الجلّ بأنّ ما حصل لهم زمن حضورهم: بغير إذنهم من الغنائم كلّها للإمام علیه السلام، وموافق لما ذهب إليه العامّة بأجمعهم، كما صرّح به الشيخ رحمه الله في «الخلاف» حيث قال:

إذا دخل قوم دار الحرب وقاتلوا بغير إذن الإمام فغنموا كان ذلك للإمام علیه السلام خاصّة وخالف جميع الفقهاء ذلك، دليلنا: اجماع الفرقة وأخبارهم(3).

فنطرحها لذلك، كما أنّه لا يبعد أن يكون المراد من قوله علیه السلام في الصحيحة: «يُؤَدِّي خُمُسَنَا وَيَطِيبُ لَهُ» عبارة اُخری عن أنّها للإمام علیه السلام خاصّة أمرها بيده إن شاء أخذه منهم وإن شاء ملكهم، ففي مورد السؤال أجازه لذلك الرجل المعهود

ص: 132


1- «موسوعة الإمام الخوئي» ج 25/16 - 17، و«المستند في شرح العروة الوثقى كتاب الخمس» ص21.
2- «التهذيب» ج4/124، الحديث 357، و«وسائل الشيعة» ج9/488، الحديث 12553.
3- «الخلاف» ج4/190، كتاب الفيء وقسمة الغنائم، المسألة الرقم 16.

أو لكافة شيعتهم بشرط أداء خمسها، إلی ذلك أشار المحقق النراقي رحمه الله فإنّه بعد ذكره المرسلة والصحيحة، قال:

والقول الفصل، وطريق الجمع أن يقال: إنّ الغنيمة للإمام للمرسلة، ولكنّه أحلّه للشيعة بعد الخمس للصحيحة، إذ لا يثبت منها أزيد من ذلك حتّی تعارض به المرسلة(1).

وقد بيّنه في «الخلاف» بقوله:

إذا غزت طائفة بغير إذن الإمام فغنموا مالاً، فالإمام مخير إن شاء أخذه منهم، وإن شاء تركه عليهم(2).

وكيف كان فالأظهر عندي في هذه الصورة أيضاً عدّها من الأنفال، وذلك لأنّه بناءً علی القول بعدم جواز الجهاد الابتدائی للفقيه يصدق عليه لا محالة حينئذٍ كونه جهاداً غير مأذون فيشمله ظاهر المرسلة: «إِذَا غَزَا قَوْمٌ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ فَغَنِمُوا كَانَتِ الْغَنِيمَةُ كُلُّهَا لِلْإِمَامِ» المنجبر ضعفها علی مبنائنا بعمل الأصحاب.

فبناءً عليه وما سيأتي من تعميم الحكمة،ليس فرق في صورة فقد الإذن بين وصول اليد إليه حين حضوره علیه السلام وبين عدم وصولها إليه لغيبته، كما صرّح بذلك بعض الأساطين منهم المحقق النراقي رحمه الله حيث قال:

ثمّ إنّه لا فرق في ذلك بين ما إذا كان الإمام حاضراً أو غائباً، كما صرّح به في الروضة، لإطلاق المرسلة، ولا فيما إذا كان الغزو للدعاء إلى الإسلام أو الملك والسلطنة في دار الحرب أو دار الإسلام، لما ذكر،

ص: 133


1- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/16.
2- «الخلاف» ج5/518، المسألة الرقم 3 من مسائل كتاب «السير».

نعم لوكان فيما إذا كان يخاف من الكفّار على بيضة الإسلام تكون الغنيمة كما إذا كان الغزو بإذنه، للإذن العام حينئذٍ(1).

وبعد جبر ضعف سند المرسلة بالشهرة العظيمة بل بالإجماع والاتفاق وإطلاق دلالتها لزمن الغيبة فهي مقدّم علی الإجماع الّذي يكون دليلاً لبيّاً، فالفقيه حيث لم يكن له علی هذا المبنی إذن الجهاد ابتداءً، وبالفحوی والأولوية لا يجوز للغانمين أيضاً هذا الجهاد أصلاً، فيجب عليه منعهم عنه أو عن استدامته لاسيّما إذا رأی به علی الإسلام أو المسلمين من المفاسد والمضارّ، فعليه يكون ما حصل لهم حينئذٍ من الغنائم كلّها من الأنفال بلا ريب.

والحكمة المظنونة أو المقطوعة لهذا الحكم - أي عدم مبادرة النّاس إلی الحروب بغير الإذن طمعاً لتحصيل الغنائم - عامّة وشاملة لكلا عصري الحضور والغيبة.

هذا حكم الجهاد الابتدائي، أمّا لوكان الحرب للدفاع عن الإسلام والمسلمين كما إذا هناك هجوم من ناحية الكفّار، كانت الغنائم الحاصلة منها للمقاتلين ولأرباب الخمس حينئذٍ هو خصوص الخمس فقط، لإطلاق الآية وعدم اشتراط الإذن مطلقاً في الدفاع.

ص: 134


1- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج 10/162.

الأمر الثالث: لافرق في الغنيمة بين ما تؤخذ من الكفار حين السريّة، وما تؤخذ منهم بعد ما وضع الحرب أوزارها:

لا فرق في الغنيمة إذا كان الاستيلاء بالإذن وبعد القهر والغلبة بين ما تؤخذ من كفّار أهل الحرب حين السريّة، وبين ما تؤخذ منهم بعد ما وضع الحرب أوزارها، فكلّما تؤخذ منهم بعد السريّة بعنوان الفداء لفك اُساراهم، وكذا الجزية المبذولة لتلك السرية (لا مطلق الجزية الّتي تؤخذ من أهل الذمّة)، وما صولحوا عليه في الاُمور المربوطة بهذا الحرب، تعدّ من الغنائم المأخوذة منهم بالمعنی الأخصّ، تقسم جميعها بعد إخراج خمسها في أوّل وهلة بين المقاتلين من دون انتظار الحول، والدليل علی ذلك إلغاء الخصوصية وعدم صحة سلب عنوان الغنيمة عن شيء منها عرفاً.

وبعبارة اُخری: إنّ ما تؤخذ من الكفّار حين الحرب فهي غنائم مباشرة، وما تؤخذ منهم بعد ما وضع الحرب أوزارها غنائم غير مباشرة.

قال السيّد رحمه الله في «العروة»:

ومن الغنائم الّتي يجب فيها الخمس الفداء الّذي يؤخذ من أهل الحرب، بل الجزية المبذولة لتلك السرية، بخلاف سائر أفراد الجزية، ومنها أيضاً ما صولحوا عليه، وكذا ما يؤخذ منهم عند الدفاع معهم إذا هجموا على المسلمين في أمكنتهم ولو في زمن الغيبة، فيجب إخراج الخمس من جميع ذلك قليلاً كان أو كثيراً، من غير ملاحظة خروج مؤونة السنة على ما يأتي في أرباح المكاسب وسائر الفوائد(1).

ص: 135


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/367.

إن قلت: حيث كانت مؤن الحروب ونفقاتها مثل السلاح والمراكب في الأزمنة السابقة علی عهدة المقاتلين فتقسم الغنائم بينهم، «من كان عليه الغرم فله الغنم»، لكنّها هي الآن كانت علی عهدة الحكومات، فلا يسهم لهم منها.

قلنا: إنّه ليس الأمر في تلك الأزمنة كذلك دائماً، لما كان من المجاهدين المحتاجين الّذين لا يملكون إلّا أنفسهم ينفق لهم الحكومة الإسلاميّة من بيت المال من دون أن يحرمونهم من غنائمها، كما هو الظاهر من قوله تبارك وتعالی: (وَلا عَلَى الَّذينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ)(1)، فيستفاد منها أنّه لو كانت الحكومة قادراً لتسهيلها لهم لفعلها.

نعم هناك فرق بين الراجل والفارس وذي الأفراس، أمّا حرمانهم بالمرّة فلا، زائداً علی أنّه يجوز للإمام متی رأی صلاحاً أن يجعل لهم نصيباً من الغنائم تحت عنوان «الجعائل».

بقي هنا شيء:

هل هناك فرق بين الغنائم المأخوذة في الحروب القديمة وما تؤخذ اليوم في الحروب الحديثة؟

إنّ غنائم الحروب في زماننا هذا تتفاوت مع غنائم الحروب في الأزمنة السابقة وصدر الإسلام، فهي سابقاً لا تتجاوز عن مثل النقود والمجهورات والأمتعة الشخصية والمركب والسلاح العام كالسيف والدرع والرمح وأمثالها،

ص: 136


1- «التوبة»: 92.

لكنّها هي اليوم زائداً عليها طائرات وسفن ودبابات ومراكب حربية وأنواع السلاح الحديثة وأشباهها الّتي لايمكن حيازتها والاستفادة منها إلّا للحكومات وفي مجامع العسكرية، أو وإن يمكن الاستفادة منها للجميع إلّا أنّها أشياء ممنوعة حسب القوانين الحكومة لغير العسكريين كالمسدَّس لما يستلزم منها من فساد النظام واختلال الأمنيّة الاجتماعية.

ففي مثل الغنائم العامّة تشملها عمومات الغنائم وتُقسم بين المقاتلين بلا ريب، لكن الغنائم الخاصّة والممنوعة الاستفادة منها للجميع فلا يجوز تقسيمها بين المقاتلين، بل يجب علی الحكومة توزيع قيمتها بين المجاهدين حسب سهامهم، وذلك لأنّها بعد ما كانت ملكاً للمقاتلين الّذين يُمنَعون من الانتفاع بعينها فأقرب الأشياء إليها هو قيمتها.

ثمّ إنّ الحروب في القديم تنحصر غالباً بمنطقة وجهة خاصّة علی وجه يشتركون جميع المجاهدين فيها، لكنّها اليوم كثيراً ما قد اتسع نيرانها المناطق والجهات المتعددة، بحيث يشتغلون بعض المجاهدون بالحرب في منطقة وجهة خاصة، ويفارغون الآخرون الّذين كانوا في سائر الجهات والمناطق، ففي مثل الأوّل تُقسم الغنائم بين الجميع المشاركون فيها، لكنّها في الأخير تختصّ بمن اشتركوا في تلك الهجمة وفي تلك الجهة، والدليل عليه صحّة سلب اسم المقاتل عن المفارغين عن الجهاد حينئذٍ، قد ادعی في «الجواهر» عدم وجدانه الخلاف في ذلك، حيث قال:

لو خرج جيشان من البلد إلى جهتين لم يشرك أحدهما الآخر في غنيمته بلا خلاف أجده فيه ولا إشكال، نعم لو اجتمعا كانا جيشاً واحداً، وكذا لو خرجت السرية من جملة عسكر البلد لم يشركها

ص: 137

العسكر بلا خلاف ولا إشكال، لأنّه ليس بمجاهد، ولمعلومية اختصاص السرايا بما يغنمونه في زمن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم حيث يكون مقيماً في المدينة، بل في المنتهى لو بعث الإمام سرية وهو مقيم في بلد الإسلام فغنمت السرية اختصّت بالغنيمة، ولا يشاركهم أهل البلد فيها بلا خلاف، ولا الإمام علیه السلام ولا جيشه، لأنّها للمجاهدين والمقيم ببلد الإسلام غير مجاهد(1).

هذا كلّه بالنسبة إلی الكفّار المحاربين، أمّا المسلمون البغاة فسيأتي الكلام فيهم إن شاءالله تعالی.

بقي هنا مسائل خَمس، ذكرها المصنف رحمه الله بعنوان ملحقات مسائل خُمس الغنائم:

المسألة الاُولی: في حكم الإغارة علی الكفّار وأخذ أموالهم، وحكم ما يؤخذ منهم بالسرقة والغيلة، أو بالربا والدعوی الباطلة:

الإغارة والغارة من الغور، لغة بمعنی الإقدام علی أخذ المال قهراً وحَرَباً(2)، أو الهجمة والدفعة علی قوم(3)، والماء الغائر: الّذي لا يقدر عليه، والمُغار بالضم: كالمُقام موضع الغارة(4)، والغيلة هي المكر والخدعة، والدعوی الباطلة كمن ادّعی كذباً بأنّ المال الكذائي له.

ص: 138


1- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج 21/210 - 211.
2- راجع: «معجم مقائيس اللغة» ج4/401.
3- راجع: «المحيط في اللغة» ج5/125.
4- راجع: «النهاية في غريب الحديث والأثر» ج3/393.

قال السيّد رحمه الله في «العروة»:

إذا غار المسلمون على الكفار فأخذوا أموالهم فالأحوط بل الأقوى إخراج خمسها من حيث كونها غنيمة ولو في زمن الغيبة، فلا يلاحظ فيها مؤونة السنة، وكذا إذا أخذوا بالسرقة والغيلة، نعم لو أخذوا منهم بالربا أو بالدعوى الباطلة فالأقوى إلحاقه بالفوائد المكتسبة، فيعتبر فيه الزيادة عن مؤونة السنة وإن كان الأحوط إخراج خمسة مطلقاً(1).

أقول: قد عرفت في الشرط الأوّل من شرطي وجوب الخمس في الغنائم المأخوذة من الكفّار من أهل الحرب أن تكون مأخوذة منهم بالمقاتلة لا بغيرها من سرقة أو كيد أو مكر وحيلة وخدعة، فعليه لا إشكال في وجوب الخمس فيها إذا أخذت الغنيمة من الكفّار قهراً بالمقاتلة معهم، وكذا ما أخذت منهم بالإغارة والغيلة والسرقة ونحوها إذا كانت في الحرب وتعدّ من شؤونه، والكلام فيها في زمن الغيبة والحضور فكما مرّ.

أمّا لو كانت هي وأمثالها في غير الحرب، فإنّه وإن جاز أخذ أموالهم بكلّ طريق اتفق، من باب جواز السرقة من الكفار الحربي لعدم الحرمة لأموالهم، إلّا إذا كان في أخذها مفسدة لكونها سبباً للطعن في المذهب، وذلك لأنّ عصمة المال والدم إنّما هي بالإسلام الّتي هو مفقودة فيهم، فيجب فيها الخمس أيضاً إلّا أنّه ليس من باب الغنيمة بمعناها الخاصّ الّتي يجب خمسها في أوّل وهلة من

ص: 139


1- «العروة الوثقى (للسيّد اليزدي)» ج 2/367 - 368، المسألة 1 من مسائل كتاب «الخمس».

دون ملاحظة مؤونة السنة، بل من باب كونها داخلة في الغنيمة بمعناها الأعمّ فيجوز تأخيره إلی الحول.

والدليل عليه أنّ ظاهر أدلّة الغنيمة هو الغنيمة بمعناها الخاصّ، أي ما يؤخذ منهم في الحرب والمقاتلة، لا الغارات الّتي لا يصدق عليها هذا العنوان.

ثمّ إنّ إقامة الدعوی الباطلة عليهم وإن كان حراماً من جهة الكذب وقول الزور، إلّا أنّه حرام تكليفي ولا أثر له فيما يقع في يده من أموالهم، فلا ينافي لحلّيتها.

وأمّا ما اُخذ منهم بالربا، فزائداً علی جواز أخذ أموالهم بكلّ طريق اتفق، فقد ثبت في محلّه أيضاً اتفاق الإماميّة وأبو حنيفة من العامة من أنّ إحدي مستثنيات جواز الربا هي عدم حرمة الربا بين المسلم والكافر الحربي إذا كان الآخذ هو المسلم، صرّح بذلك غير واحد، منهم العلّامة الحلّي رحمه الله حيث قال:

لا ربا عندنا بين المسلم والحربيّ سواء كان ذا أمان أو لا، وسواء كان في دار الإسلام أو دار الحرب، وبه قال أبو حنيفة للأحاديث السابقة، وروى الجمهور عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم قال: «لا ربا بين المسلمين وأهل الحرب في دار الحرب» ونحن لم نشرط الدار، ولأنّه في الحقيقة فيء للمسلمين وقد بذل ماله بإذنه للمسلم فجاز له أخذه منه حيث أزال أمانه عنه ببذله له، وقال الشافعي ومالك وأحمد وأبو يوسف: يثبت الربا بين المسلم والحربيّ مطلقاً كثبوته بين المسلمين(1).

ص: 140


1- «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج 10/208 - 209.

قد استدلّ علی جوازه بالربا تارة بما رواه عمرو بن جميع عن أبي عبداللّه علیه السلام أنّه قال: قَالَ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله و سلم: «لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَهْلِ حَرْبِنَا رِباً نَأْخُذُ مِنْهُمْ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ وَنَأْخُذُ مِنْهُمْ وَلَا نُعْطِيهِمْ»(1)، ينجبر ضعف السند بعمل الأصحاب.

واُخری ب- «قاعدة الإلزام»: ألزموهم بما التزموا به أنفسهم(2)، والمقصود منها أنّ كلّ حكم التزم به مخالفونا أو الكفّار والمشركون ممّا هو مورد لابتلائنا غير جائز في مذهبنا فهو جار في حقّهم يجوز إلزاهم به(3)، قد دلّ علی ذلك أخبار، منها موثقة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال: سَأَلْتُهُ عَنِ الْأَحْكَامِ؟ قَالَ: «تَجُوزُ عَلَى أَهْلِ كُلِّ ذي دِينٍ بِمَا يَسْتَحِلُّونَ»(4).

ص: 141


1- «الكافي» ج5/147، الحديث 2، و«وسائل الشيعة» ج18/135، الحديث 23320.
2- من المستدلين بهذه القاعدة المحقق الخوئي رحمه الله ، راجع: «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/21، و«مستند العروة الوثقی كتاب الخمس» ص25.
3- ولزيادة التوضيح راجع: «القواعد الفقهيّة لمكارم الشيرازي» ج2/135 - 142، قاعدة الإلزام.
4- «التهذيب» ج9/322، الحديث 1155، و«الاستبصار» ج4/148، الحديث 554، و«وسائل الشيعة» ج26/319، الحديث 33077.

المسألة الثانية: في حكم أخذ مال النصّاب:

قال السيّد رحمه الله في «العروة»:

يجوز أخذ مال النصاب أينما وجد، لكنّ الأحوط إخراج خمسه مطلقاً، وكذا الأحوط إخراج الخمس ممّا حواه العسكر من مال البغاة إذا كانوا من النصاب ودخلوا في عنوانهم، وإلّا فيشكل حلية مالهم(1).

أقول: تحقيق المطب يقتضي أن نبحث هنا طيّ مقامات ثلاثة:

الأوّل: النصّاب، وهم الّذين قد أبغضوا علياً أو غيره من الأئمة الطاهرين: أو سبّهم، أو من نصب العداوة لشيعتهم لحبّهم إيّاهم وكونهم من تابعيهم(2)،

وذلك لأنّ مرجع الأخير هو الأوّل أيضاً.

الثاني: البغاة علی الحاكم الإسلامي والحكومة الإسلاميّة، طلباً للرئاسة وحرصاً علی حطام الدنيا، أو خروجاً عليها لشبهة حاصلة لهم ككثير من أصحاب الجمل الّذين زعموا أنّ الدفاع عن اُمّ المؤمنين عائشة يكون فرضاً عليهم.

ص: 142


1- «العروة الوثقى (للسيّد اليزدي)» ج 2/368، المسألة 2 من مسائل كتاب «الخمس».
2- قال الطريحي: وفي القاموس النَّوَاصِبُ والنَّاصِبَةُ وأهل النَّصْبِ المتدينون ببغض علي ّ علیه السلام لأنّهم نَصَبُوا له، أي أعادوه، قال بعض الفضلاء: اختلف في تحقيق النَّاصِبِي: فزعم البعض أنّ المراد من نَصَبَ العداوة لأهل البيت:، وزعم آخرون أنّه من نَصَبَ العداوة لشيعتهم، وفي الأحاديث ما يصرّح بالثاني، فَعَنِ الصَّادِقِ علیه السلام أَنَّهُ: «لَيْسَ النَّاصِبُ مَنْ نَصَبَ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، لِأَنَّهُ لَا تَجِدُ رَجُلاً يَقُولُ: أَنَا أُبْغِضُ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ، وَلَكِنَ النَّاصِبَ مَنْ نَصَبَ لَكُمْ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تُوَالُونَا وَأَنْتُمْ مِنْ شِيعَتِنَا»، «مجمع البحرين» ج 2/173 - 174.

الثالث: من لم يكن داخلاً في أحد العنوانين السابقين، كشخصان أو طائفتان من المؤمنين تنازعا لبعض الدعاوي الشخصيّة الدنيويّة، أو الاعتقاديّة الدينيّة من دون أن يعدّ ذلك خروجاً علی الحكومة الإسلاميّة.

أمّا المقام الأوّل وهم النصّاب، فقد وقع الخلاف العظيم في حليّة أخذ أموالهم وحرمتها، حتی استنكر ابن إدريس الحلّي رحمه الله (م 598 ه-) حليّة أمولهم إذا لم يكونوا من أهل الحرب، كلّ قد ادعی الإجماع علی مذهبه، فمن القائلين بحليّته المحقق البحراني رحمه الله في «الحدائق» حيث صرّح إجماع الأصحاب بكفر الناصب وجواز أخذ ماله وقتله، ومن القائلين بحرمته محققي البهبهاني والأردبيلي (أعلی الله مقامهما) في شرحي «المفاتيح» و«الإرشاد» علی ما حكي عنهما شيخنا الأعظم الأنصاري رحمه الله في كتاب خمسه.

قال المحقق البحراني رحمه الله :

قال محمّد بن إدريس: المعني بالناصب في هذين الخبرين أهل الحرب لأنّهم ينصبون الحرب للمسلمين وإلّا فلا يحلّ أخذ مال مسلم ولا ذميّ على وجه من الوجوه، انتهى، ولا يخفى ما فيه من الضعف والقصور: (أمّا أوّلاً:) فإنّ إطلاق الناصب على أهل الحرب خلاف المعروف لغة وعرفاً وشرعاً، فإنّ الناصب لغة هو المبغض لعليّ علیه السلام كما نصّ عليه في القاموس، وإن كان أصل معنى النصب العداوة إلّا أنّه صار مختصاً بالمبغض له علیه السلام، وأمّا في الشرع فالأحاديث الدالة عليه أكثر من أن تحصى كما لا يخفى على من أحاط بها خبراً، والعرف ظاهر في ذلك...، (وأمّا ثانياً) فإنّ إطلاق المسلم على الناصب وأنّه لا يجوز

ص: 143

أخذ ماله من حيث الإسلام خلاف ما عليه الطائفة المحقة سلفاً وخلفاً من الحكم بكفر الناصب ونجاسته وجواز أخذ ماله بل قتله(1).

وقال الشيخ الأعظم الأنصاري رحمه الله :

وقد ورد في غير واحد من الأخبار إباحة مال الناصب ووجوب الخمس فيه، ويظهر من الحدائق: اتفاق الطائفة المحقّة على الحكم بجواز أخذ مال الناصب، وهو بعيد، والظاهر من شرحي المفاتيح والإرشاد للمحقّقين البهبهاني والأردبيلي الاتفاق على الخلاف فيما ادّعاه(2).

وقريب منها ما قاله السيّد البروجردي رحمه الله حيث قال:

إنّ الناصب منتحل بالإسلام وإن كان قد أنكر ضرورياً من ضرورياته، وهو حبّ أهل البيت: الثابت بقوله تعالى: (قُلْ لٰا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ في الْقُرْبى) ولكنّه لم يعمل الأصحاب بظاهر الروايتين ولم يقولوا بحلية مال كلّ ناصبي لكلّ شيعي أينما وجده وكيف ما أخذه كمال الكافر الحربي(3).

والإنصاف أنّ هذا الدعوی نشأت عن عدم التصريح بالمسألة هنا في كلمات الأصحاب، لكنّهم أجمعوا علی نجاسة الناصب وكونه في زمرة الكفّار كما عرفت آنفاً من كلام «الحدائق»، وقريب منه ما صرّح به المحقق النراقي رحمه الله حيث قال:

ص: 144


1- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج 12/323 - 324.
2- «كتاب الخمس (للشيخ الأنصاري)» ص23.
3- «زبدة المقال في خمس الرسول والآل» ص14.

السابع (من النجاسات) الكافر وله أقسام: القسم الأوّل غير الكتابي الّذي لم ينتحل الإسلام، ونجاسته عند الإماميّة إجماعيّة....، القسم الثانی: الكتابيّون ونجاستهم عندنا مشهورة، والإجماع عليها في عبارات جملة من الأجلّة مذكورة...، القسم الثالث: المنتحلون للإسلام، ولا ريب في نجاسة الناصب منهم، وهو مَن أظهر بغض أحدٍ من أهل البيت:، للإجماع، وموثقة العلل المتقدمة(1)، والأئمة كلّهم داخلون في أهل البيت، لقول الصّادق علیه السلام في الموثقة: «وَالنَّاصِبِ

لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ»، ومن النواصب: الخوارج، بل هم شرّ أقسامهم(2).

فبعد ما ثبت كون الناصب كافراً(3) وأنّه لا عصمة لمال الكافر إلّا ما خرج بالدليل - كما في المرتد لانتقال أمواله إلی وارثه - نحكم في المقام بحليّة تملّك مال الناصب إلّا أنّه لا تشمله أدلّة الغنيمة بمعناها الخاص، لشرطيّة عنوان «القتال» فيها كما مرّ، لكن هناك روايات خاصّة تدلّ علی الحكم فيه، منها:

ص: 145


1- راجع: «علل الشرائع » ص292، و«وسائل الشيعة» ج1/220، الحديث 560.
2- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج1/196 - 204.
3- وقد ورد في الحديث عن الفضيل بن يسار أنّه قال: سَأَلْتُ أَبَا جعفر علیه السلام عَنِ الْمَرْأَةِ الْعَارِفَةِ هَلْ أُزَوِّجُهَا النَّاصِبَ؟ قَالَ: «لَا لِأَنَّ النَّاصِبَ كَافِرٌ»، الحديث. «التهذيب» ج7/303، الحديث 1263، و«الاستبصار» ج3/184، الحديث 667، و«وسائل الشيعة» ج20/553، الحديث 26331. وروی الصدوق رحمه الله أيضاً في «العلل» موثقاً عن عبد اللّٰه بن أبي يعفور عن أبي عبد اللّٰه علیه السلام في الحديث بعد ما أن ذكر فيه اليهودي والنصراني والمجوسي قال: «وَالنَّاصِبِ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَهُوَ شَرُّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ خَلْقاً أَنْجَسَ مِنَ الْكَلْبِ، وَإِنَّ النَّاصِبَ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ لَأَنْجَسُ مِنْهُ». «علل الشرائع » ص292، و«وسائل الشيعة» ج1/220، الحديث 560.

صحيحة حفص بن البختريّ عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: «خُذْ مَالَ النَّاصِبِ حَيْثُمَا وَجَدْتَهُ وَادْفَعْ إِلَيْنَا الْخُمُسَ»(1).

ومثله صحيحة معلّی بن خنيس مع تفاوت يسير قال: قال أبو عبد اللّه علیه السلام: «خُذْ مَالَ النَّاصِبِ حَيْثُ مَا وَجَدْتَ وَادْفَعْ إِلَيْنَا الْخُمُسَ»(2).

ومرسلة إسحاق بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّه علیه السلام: «مَالُ النَّاصِبِ وَكُلُّ شيء يَمْلِكُهُ حَلَالٌ لَكَ إِلَّا امْرَأَتَهُ، فَإِنَّ نِكَاحَ أَهْلِ الشِّرْكِ جَائِزٌ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ الله صلی الله علیه و آله و سلم قَالَ: لَا تَسُبُّوا أَهْلَ الشِّرْكِ فَإِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ نِكَاحاً، وَلَوْ لَا أَنَّا نَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ يُقْتَلَ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَرَجُلٌ مِنْكُمْ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَمِائَةِ أَلْفٍ مِنْهُمْ لَأَمَرْنَاكُمْ بِالْقَتْلِ لَهُمْ وَلَكِنْ ذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ»(3).

ولأجل ذلك يمكن لنا إلحاق مال الناصب بالغنائم بمعناها الخاصّ في وجوب خمسه في أوّل وهلة يؤخذ، إذ الظاهر من قوله علیه السلام: «خُذْ مَالَ النَّاصِبِ حَيْثُمَا وَجَدْتَهُ وَادْفَعْ إِلَيْنَا الْخُمُسَ» هو إرسال الخمس من حينه لا من بعد استثناء المؤونة ومضيّ السنة، فعليه لا وجه للترديد والقول بوجوب الخمس احتياطاً حينئذٍ.

ص: 146


1- «التهذيب» ج4/122، الحديث 250، و«وسائل الشيعة» ج9/487، الحديث 12551.
2- «التهذيب» ج6/387، الحديث 1153، و«وسائل الشيعة» ج17/298، الحديث 22579.
3- «التهذيب» ج6/387، الحديث 1154، و«وسائل الشيعة» ج17/299، الحديث 22580.

هذا حكم تملك مال النصّاب، وأمّا الحكم بجواز قتلهم فالظاهر أنّه منوط بنظر الإمام علیه السلام أو نائبه لما صرّح به في ذيل المرسلة، وتأييدها بمرفوعة عليّ بن إبراهيم عن أبيه رفعه عن بعض أصحاب أبي عبد اللّه علیه السلام أظنّه أبا عاصم السّجستانيّ قال: زَامَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ النَّجَاشِيِّ وَكَانَ يَرَى رَأْيَ الزَّيْدِيَّةِ، فَلَمَّا كُنَّا بِالْمَدِينَةِ ذَهَبَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَذَهَبْتُ إِلَى أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَأَيْتُهُ مُغْتَمّاً، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لِی: اسْتَأْذِنْ لِي عَلَى أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَدَخَلْتُ عَلَى أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام وَقُلْتُ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ النَّجَاشِيِّ يَرَى رَأْيَ الزَّيْدِيَّةِ وَإِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، وَقَدْ سَأَلَنِي أَنْ أَسْتَأْذِنَ لَهُ عَلَيْكَ، فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنِّی رَجُلٌ أَتَوَلَّاكُمْ وَأَقُولُ إِنَّ الْحَقَّ فِيكُمْ، وَقَدْ قَتَلْتُ سَبْعَةً مِمَّنْ سَمِعْتُهُ يَشْتِمُ أَمِيرَ المؤمنين علیه السلام، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ فَقَالَ لِي: أَنْتَ مَأْخُوذٌ بِدِمَائِهِمْ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ! فَقُلْتُ: فَعَلَامَ نُعَادِي النَّاسَ إِذَا كُنْتُ مَأْخُوذاً بِدِمَاءِ مَنْ سَمِعْتُهُ يَشْتِمُ عَلِيَّ بْنَ أبي طَالِبٍ علیه السلام، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: فَكَيْفَ قَتَلْتَهُمْ؟ قَالَ: مِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ الطَّرِيقُ فَقَتَلْتُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ دَخَلْتُ عَلَيْهِ بَيْتَهُ فَقَتَلْتُهُ، وَقَدْ خَفِيَ ذَلِكَ عَلَيَّ كُلُّهُ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «يَا أَبَا خِدَاشٍ عَلَيْكَ بِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ قَتَلْتَهُ كَبْشٌ تَذْبَحُهُ بِمِنًى، لِأَنَّكَ قَتَلْتَهُمْ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ، وَلَوْ أَنَّكَ قَتَلْتَهُمْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شيء في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ»(1).

ص: 147


1- «الكافي» ج7/376، الحديث 17.

والظاهر أنّه مجرد حكم تكليفي بمعنی حرمة ذلك من دون إذن، وإلّا فلا يقاص المؤمن بهم لو خالف الإذن، وكيف كان لا شك في جواز قتلهم كما سيأتي إذا شهروا سيوفهم وارعبوا النّاس وانجرّ الدفع إلی قتلهم، فإنّه قد وردت روايات متظافرة بل متواترة بأنّ دمهم هدر.

هذا كلّه في المقام الأوّل، أمّا المقام الثاني: أي البغاة علی الإمام علیه السلام أو نائبه أو الحكومة الإسلاميّة:

ص: 148

وأمّا المقام الثاني: البغاة علی الحاكم الإسلامي والحكومة الإسلاميّة:

وهم الّذين خرجوا علی الإمام علیه السلام أو الحكومة الإسلاميّة، وينكثون بيعته، ويرفعون في قباله علم الطغيان والعصيان، فهم علی قسمين: قسم منهم داخلون تحت عنوان «الناصب» كمن خرج بالسّيف علی الإمام المعصوم علیه السلام أو نائبه بغضاً له، فهولاء لا إشكال في حليّة تملّك أموالهم بعنوان الغنيمة بمعناها الخاصّ، وجواز قتلهم كالكفّار الأصيل من أهل الحرب.

وقسم آخر: من كان غير داخل تحت هذا العنوان، بل تمرّدوا في مقابل الإمام علیه السلام أو نائبه طلباً للرئاسة وحرصاً علی حطام الدنيا، أو خروجاً عليها لشبهة حاصلة لهم ككثير من أصحاب الجمل الّذين زعموا أنّ الدفاع عن اُمّ المؤمنين عائشة يكون فرضاً عليهم، فبغوا علی إمامهم وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً.

فحينئذٍ يقع الكلام في جواز قتلهم أوّلاً، وفي أخذ أموالهم وفي حكم خمسه ثانياً، أمّا بالنسبة إلی جواز حكم القتل فلا شبهة فيه، لكونهم من المشتهرين السيوف، وحكمهم أظهر ممّن قال الله تبارك وتعالی في حقّهم: (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الّتي تَبْغي حتی تَفي ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطينَ)(1)، وقد روی السّكونيِّ عن جعفر عن أبیه علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «مَنْ شَهَرَ سَيْفاً فَدَمُهُ هَدَرٌ»(2).

ص: 149


1- «الحجرات»: 9/516.
2- «التهذيب» ج10/315، الحديث 1174، و«وسائل الشيعة» ج29/239، الحديث 35536.

وأمّا بالنسبة إلی جواز تملّك أموالهم فقد وقع الخلاف فيه، فالشيخ رحمه الله جعلهم بمنزلة الكفّار الحربيّ في «المبسوط» وفي موضع من «الخلاف»، وادّعی في الأخير أنّ إجماع الفرقة وأخبارهم عليه، وظاهر كلامه كونهم كالكفّار الحربيّ في جواز القتل وتملّك الأموال إلّا أنّه أفتی بوجوب الغسل والصلاة عليهم احتياطاً، فقال في الأوّل:

قتيل أهل البغي لا يُغسل ولا يصلّی عليه لأنّه كافر(1). وقال في «الخلاف»: الباغي: من خرج على إمام عادل ويقاتله، ومنع تسليم الحقّ إليه، وهو اسم ذم، وفي أصحابنا من يقول: إنّه كافر، ووافقنا على أنّه اسم ذم جماعةٌ من العلماء المعتزلة بأسرهم، ويسمّونهم فساقاً، وكذلك جماعةٌ من أصحاب أبي حنيفة والشافعي، وقال أبو حنيفة: هم فُسّاق على وجه التدين، وقال أصحاب الشافعي ليس باسم ذمٍ عند الشافعي، بل هو اسم من اجتهد فأخطأ، بمنزلة من خالف من الفقهاء في بعض مسائل الاجتهاد.

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضاً قوله صلی الله علیه و آله و سلم: «حربك يا عليّ حربي وسلمك سلمي»، وحرب النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم كفرٌ، فيجب أن يكون حرب عليّ علیه السلام مثل ذلك، وقوله صلی الله علیه و آله و سلم: «اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله» صريح بذلك، لأنّ المعاداة من الله لا تكون إلّا للكفار دون المؤمنين(2).

ص: 150


1- «المبسوط في فقه الإماميّة» ج1/182.
2- «الخلاف» ج5/335، المسألة الرقم 1 من مسائل كتاب «الباغي».

إلی أن قال:

الباغي إذا قُتل غُسّل وصُلّي عليه، وبه قال الشافعي، وقال أبوحنيفة: يغسّل ولا يُصلّی عليه، دليلنا: عموم كلّ خبر روي في وجوب الصلاة علی الأموات، وطريقة الاحتياط أيضاً تقتضيه(1).

وهو أيضاً ظاهر الفاضل المقداد الحلّي رحمه الله (م 826 ه-) حيث قال:

إنّ الباغي هو من خرج علی الإمام العادل بتأويل باطل وحاربه، وهو عندنا كافر لقوله صلی الله علیه و آله و سلم: «يا عليّ حربك حربي وسلمك سلمي»(2).

وظاهر بعض منهم السيّد المرتضی رحمه الله (م 436 ه-) أنّهم بحكم الكافرين في خصوص جواز القتل فقط دون غيره من الأحكام وادعی عليه الإجماع أيضاً، حيث قال:

وممّا انفردت به الإمامية: القول بأنّ من حارب الإمام العادل وبغى عليه وخرج عن التزام طاعته يجري مجرى محارب النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وخالع طاعته في الحكم عليه بالكفر، وإن اختلف أحكامهما من وجه آخر في المدافنة والموارثة وكيفية الغنيمة من أموالهم، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، وذهب المحصلون منهم والمحققون إلى أنّ محاربي الإمام العادل فساق تجب البراءة منهم وقطع الولاية لهم من غير انتهاء إلى التكفير(3).

ص: 151


1- «الخلاف» ج5/344، المسألة الرقم 13 من مسائل كتاب «الباغي».
2- «كنر العرفان في فقه القرآن» ج1/386.
3- «الانتصار في انفرادات الإمامية» ص476 - 477، المسألة الرقم 269.

أقول: والانصاف أنّه لا إجماع في المقام لجواز تملّك أموال البغاة غير الناصبيّين بعد كلام الانتصار، وتعدّد فتوی الشيخ رحمه الله ، وما تقدّم في المقام الأوّلمن استنكار ابن إدريس الحلّي رحمه الله (م 598 ه-) حليّة مال الناصب إذا لم يكن من أهل الحرب، وكذا ما نسبه الشيخ الأنصاري رحمه الله هناك إلی محققي البهبهاني والأردبيلي في شرحي «المفاتيح» و«الإرشاد» من اتفاق الأصحاب علی خلاف ما ادعاه المحقق البحراني رحمه الله من حكم الطائفة المحقة سلفاً وخلفاً بكفر الناصب ونجاسته وجواز أخذ ماله بل قتله.

فالأقوی هنا أن نفصّل بين الحكم بجواز القتل لخروجهم وطغيانهم علی الإمام تمرداً، وبين الحكم بعدم حليّة أخذ أموالهم، إذ لا ملازمة بينهما، لا سيّما بعد كونهم مقرّين بالإسلام والشهادتين الّذي هو المناط في عصمة المال والنفوس، كما دلّت عليه صحيحة عبد الله بن سنان قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام بِمَ يَكُونُ الرَّجُلُ مُسْلِماً تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ وَمُوَارَثَتُهُ؟ وَبِمَ يَحْرُمُ دَمُهُ؟ قَالَ: «يَحْرُمُ دَمُهُ بِالْإِسْلَامِ إِذَا ظَهَرَ وَتَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ وَمُوَارَثَتُهُ»(1)، وصحيحة القاسم الصيرفيّ شريك المفضّل قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «الْإِسْلَامُ يُحْقَنُ بِهِ الدَّمُ، وَتُؤَدَّى بِهِ الْأَمَانَةُ، وَتُسْتَحَلُّ بِهِ الْفُرُوجُ، وَالثَّوَابُ عَلَى الْإِيمَانِ»(2).

زائداً علی ما وردت من الروايات الواردة في باب الخارجين علی أميرالمؤمنين علیه السلام والمقاتلين معه في الجمل والصفين والنهروان، المستفادة منها

ص: 152


1- «التهذيب» ج7/303، الحديث 1263، و«الاستبصار» ج3/184، الحديث 668، و«وسائل الشيعة» ج20/554، الحديث 26333.
2- «الكافي» ج2/20، الحديث 1، و«وسائل الشيعة» ج20/556، الحديث 26337.

عدم حليّة أموالهم للمجاهدين، وأنّ حكم دار الإسلام غير دار الشرك، منها:صحيحة مروان بن الحكم قال: لَمَّا هَزَمَنَا عليّ علیه السلام بِالْبَصْرَةِ رَدَّ عَلَى النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ، مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَعْطَاهُ، وَمَنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً أَحْلَفَهُ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْسِمِ الْفَيْ ءَ بَيْنَنَا وَالسَّبْيَ، قَالَ: فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ: «أَيُّكُمْ يَأْخُذُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ في سَهْمِهِ؟» فَكَفُّوا(1).

وما رواه عبد الله بن سليمان قال: قُلْتُ لِأبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام إِنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ أَنَّ عَلِيّاً علیه السلام قَتَلَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ وَتَرَكَ أَمْوَالَهُمْ، فَقَالَ: «إِنَّ دَارَ الشِّرْكِ يَحِلُّ مَا فِيهَا، وَإِنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ لَا يَحِلُّ مَا فِيهَا، فَقَالَ: إِنَّ عَلِيّاً علیه السلام إِنَّمَا مَنَّ عَلَيْهِمْ كَمَا مَنَّ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله و سلم عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، وَإِنَّمَا تَرَكَ عليّ علیه السلام لِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَكُونُ لَهُ شِيعَةٌ وَأَنَّ دَوْلَةَ الْبَاطِلِ سَتَظْهَرُ عَلَيْهِمْ، فَأَرَادَ أَنْ يُقْتَدَى بِهِ في شِيعَتِهِ، وَقَدْ رَأَيْتُمْ آثَارَ ذَلِكَ، هُوَ ذَا يُسَارُ في النَّاسِ بِسِيرَةِ عَلِیٍّ علیه السلام، وَلَوْ قَتَلَ عليّ علیه السلام أَهْلَ الْبَصْرَةِ جَمِيعاً وَاتَّخَذَ أَمْوَالَهُمْ لَكَانَ ذَلِكَ لَهُ حَلَالاً، لَكِنَّهُ مَنَّ عَلَيْهِمْ لِيُمَنَّ عَلَى شِيعَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ»(2).

و روى أبو قيس أنّ عليّاً علیه السلام نادى: «من وجد ماله فليأخذه»، فمرّ بنا رجلٌ فعرف قِدراً يطبخ فيها فسألناه أن يصبر حتی ينضج، فلم يفعل ورمى برجله فأخذها(3).

ص: 153


1- «التهذيب» ج6/155، الحديث 273، و«وسائل الشيعة» ج15/78، الحديث 20019.
2- «علل الشرائع» ص154، الحديث 1، و«وسائل الشيعة» ج15/79، الحديث 20020.
3- «المبسوط في فقه الإمامية» ج 7/266.

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام قال: «لَوْ لَا أَنَّ عَلِيّاً علیه السلام سَارَ في أَهْلِ حَرْبِهِ بِالْكَفِّ عَنِ السَّبْيِ وَالْغَنِيمَةِ لَلَقِيَتْ شِيعَتُهُ مِنَ النَّاسِ بَلَاءً عَظِيماً، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَسِيرَتُهُ كَانَتْ خَيْراً لَكُمْ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ»(1).

فلم نجد في المقام ما يكون صالحاً لأن نستدلّ به علی حليّة أموال البغاة علی الحاكم الإسلامي والحكومة الإسلاميّة إذا لم يكونوا من النصّاب.

ص: 154


1- «علل الشرائع» ص150، الحديث 10، و«وسائل الشيعة» ج15/79، الحديث 20022.

أمّا المقام الثالث: في حكم أموال المتنازعين من المؤمنين:

لو تنازع بعض الأشخاص أو الطوائف من المؤمنين بعض الآخر لبعض الدعاوي الشخصيّة الدنيويّة أو الاعتقاديّة الدينيّة من دون أن يعدّ ذلك خروجاً علی الحكومة الإسلاميّة، فيجب علی المؤمنين أن يصلحوا بينهم حتّی تركوا المنازعة ورجعوا إلی طاعة الله، قال الله عزّوجلّ: (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الّتي تَبْغي حتی تَفي ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطينَ)(1)، وعلی الظالم منهم جبر الخسارات الواردة والقود، ولا يجوز لأحد أن يملك من أموالهم شيئاً، لكونهم من المسلمين المقرّين بالإسلام والشهادتين الّذي هو - كما تقدّم - المناط في عصمة الأموال والنفوس.

هذا تمام الكلام في المسألة الثانية من «العروة»، وإليك المسألة الثالثة منها:

ص: 155


1- «الحجرات»: 9/516.

المسألة الثالثة: اشتراط كون الغنيمة غير مغصوب من مسلم أو ذميّ أو معاهد ونحوهم من محترمي المال:

قال السيّد رحمه الله في «العروة»:

يشترط في المغتنم أن لا يكون غصباً من مسلم أو ذميّ أو معاهد ونحوهم ممّن هو محترم المال، وإلّا فيجب ردّه إلى مالكه، نعم لوكان مغصوباً من غيرهم من أهل الحرب لا بأس بأخذه وإعطاء خمسه وإن لم يكن الحرب فعلاً مع المغصوب منهم، وكذا إذا كان عند المقاتلين مال غيرهم من أهل الحرب بعنوان الأمانة من وديعة أو إجارة أو عارية أو نحوها(1).

وقريب منها ما قاله في «الجواهر»، فإنّه بعد ما حكی قول المحقق رحمه الله في «الشرائع»: «ما لم يكن غصباً من مسلم أو معاهد» قال:

ونحوهم من محترمي المال، ووجهه واضحٌ، نعم لا فرق فيما كان في يد المحاربين بين أموالهم وأموال غيرهم من أهل الحرب أيضاً وإن لم يكن الحرب معهم في تلك السرية، لإطلاق الأدلّة كتاباً وسنّة(2).

أقول: لا فرق في الغنيمة المأخوذة من دار الحرب بين ما إذا كانت ملكاً للمحاربين أنفسهم أو ملكاً لمحارب آخر وإن لم يكن من أهل الحرب فعلاً، سواء أغصبوه منه، أم كان عندهم بعنوان الأمانة من وديعة ونحوها، لصدق

ص: 156


1- «العروة الوثقى (للسيّد اليزدي)» ج 2/369، المسألة 3 من مسائل كتاب «الخمس».
2- «جواهر الكلام» ج16/13.

الغنيمة على الكلّ، فيشمله إطلاق الآية المباركة بعد تساوي الجميع في عدم احترام المال، وهذا ظاهرٌ كما أنّه متسالم عليه بين الأصحاب.

وأمّا لوكان مغصوباً ممّن هو محترم المال كالمسلم والذمّي ونحوهما فالمشهور بل المتفق عليه هو وجوب الردّ إلى مالكه، خلافاً لما ذهب إليه من الخاصّة الشيخ رحمه الله في «النهاية» من أنّ الإمام يغرم القيمة لأربابها من بيت المال، وأمّا العامّة فيه كما سيأتی علی أربعة أقوال.

قال الشيخ رحمه الله :

ومتى أغار المشركون على المسلمين، فأخذوا منهم ذراريّهم وعبيدهم وأموالهم، ثمّ ظفر بهم المسلمون فأخذوا منهم ما كانوا أخذوا منهم المشركون، فإنّ أولادهم يردّون إليهم بعد أن يقيموا بذلك بيّنة، ولا يسترقّون، فأمّا العبيد فإنّهم يقوّمون في سهام المقاتلة، ويعطی الإمام مواليهم أثمانهم من بيت المال، وكذلك الحكم في أمتعتهم وأثاثاتهم على السّواء(1).

ومن العجيب أنّه قد ينسب(2)

إلی القاضي ابن البراج الطرابلسي رحمه الله أنّه من الموافقين لما اختاره الشيخ رحمه الله في «النهاية»، مع أنّ المذكور في كتابه أنّه أفتی

ص: 157


1- «النهاية في مجرد الفقه والفتاوى» ص295.
2- راجع: «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/26، و«مستند العروة الوثقی كتاب الخمس» ص30، و«أنوار الفقاهة في أحكام العترة الطاهرة (كتاب الخمس لمكارم)» ص61، و....

بدفع الأعيان إلی أصحابها مطلقاً سواء ظفر بها قبل القسمة أو بعدها، ولزوم ردّ ثمنها إلی من خرج المغصوب من سهمه بعد ما ظفر بها أربابها، حيث قال:

وإذا ظفر به وغنم وعرفه صاحبه، كان له أخذه واسترجاعه قبل القسمة، ووجب تسليمه إليه إذا ثبت له البينة، وإن كان بعد القسمة كان ذلك له أيضاً، لكن يدفع الإمام إلى من حصل في سهمه قيمته(1).

وقال ابن رشد القرطبي:

وأمّا أموال المسلمين الّتي تستردّ من أيدي الكفّار، فإنّهم اختلفوا في ذلك علی أربعة أقوال مشهورة: أحدها: أنّ ما استردّ المسلمون من أيدي الكفّار من أموال المسلمين فهو لأربابها من المسلمين وليس للغزاة المستردّين لذلك منها شيء، وممّن قال بهذا القول: الشافعي وأصحابه وأبو ثور، والقول الثاني: أنّ ما استردّ المسلمون من ذلك هو غنيمة الجيش ليس لصاحبه منه شيء، وهذا القول قاله الزهري وعمرو بن دينار، وهو مروي عن عليّ بن أبي طالب، والقول الثالث: أنّ ما وجد من أموال المسلمين قبل القسمة فصاحبه أحقّ به بلا ثمن، وما وجد من ذلك بعد القسم فصاحبه أحقّ به بالقيمة، وهؤلاء انقسموا قسمين: فبعضهم رأی هذا الرأي في كلّ ما استردّه المسلمون من أيدي الكفّار بأيّ وجه صار ذلك إلی أيدي الكفّار وفي أيّ موضع صار، وممّن قال بهذا القول: مالك والثوري وجماعة وهو مروي عن عمر بن الخطاب.

وبعضهم فرّق بين ما صار من ذلك إلی أيدي الكفّار غلبة وحازوه حتّی أوصلوه إلی دار المشركين، وبين ما أخذ منهم قبل أن يحوزوه ويبلغوا

ص: 158


1- «المهذب (لابن البراج)» ج1/312.

بهدار الشرك، فقالوا: ما حازوه فحكمه إن ألقاه صاحبه قبل القسم فهو له، وإن ألقاه بعد القسم فهو أحقّ به بالثمن، قالوا: وأمّا ما لم يحزه العدو بأن يبلغوا دارهم به فصاحبه أحقّ به قبل القسم وبعده، وهذا هو القول الرابع (1).

وقال ابن قدامة الحنبلي:

وما أخذه أهل الحرب من أموال المسلمين وعبيدهم فأدركه صاحبه قبل القسمة فهو أحقّ به، فإن أدركه مقسوماً فهو أحقّ به بالثمن الّذي ابتاعه من المغنم في إحدی الروايتين، والرّواية الاُخری: إذا قُسّم فلا حقّ له بحالٍ، يعني إذا أخذ الكفّار أموال المسلمين ثمّ قهرهم المسلمون فأخذوها منهم، فإن علم صاحبها قبل قسمها رُدّت إليه بغير شيء في قول عامّة أهل العلم، منهم عمر رضي الله عنه وعطاء والنخعي وسلمان بن ربيعة والليث ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، وقال الزهري: لا يردّ إليه وهو للجيش ونحوه، عن عمرو بن دينار: لأنّ الكفّار ملكوه باستيلائهم، فصار غنيمة كسائر أموالهم.

لنا: ما روی ابن عمر بأنّ غلاماً له أبق إلی العدو، فظهر عليه المسلمون فرّده رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلی ابن عمر ولم يقسّم...، وعن جابر بن حبوة: أنّ أبا عبيدة كتب إلی عمر بن الخطاب فيما أحرز المشركون من المسلمين، ثمّ ظهر المسلمون عليهم بعد؟ قال: من وجد ماله بعينه فهو أحقّ به ما لم يُقسّم، رواه سعيد والأثرم، فأمّا ما أدركه بعد أن قُسّم ففيه روايتان:إحداهما: أنّ صاحبه أحقّ به بالثمن الّذي حُسب به علی

ص: 159


1- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج3/294 - 296.

من أخذه...، والرواية الثانية عن أحمد: أنّه إذا قُسّم فلا حقّ له فيه بحال(1).

وكيف كان يدلّ على مذهب المشهور - مضافاً إلى عمومات أدلة احترام المال المقتضية لوجوب الردّ - صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ التُّرْكِ يُغِيرُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَأْخُذُونَ أَوْلَادَهُمْ، فَيَسْرِقُونَ مِنْهُمْ،

أَيُرَدُّ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَالْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، وَالْمُسْلِمُ أَحَقُّ بِمَالِهِ أَيْنَمَا وَجَدَهُ»(2).

وما رواه عليّ بن رئاب عن طربال عن أبي جعفر علیه السلام قال: سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَانَ لَهُ جَارِيَةٌ فَأَغَارَ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ فَأَخَذُوهَا مِنْهُ، ثُمَّ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ بَعْدُ غَزَوْهُمْ فَأَخَذُوهَا فِيمَا غَنِمُوا مِنْهُمْ؟ فَقَالَ: «إِنْ كَانَتْ في الْغَنَائِمِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَغَارُوا عَلَيْهِمْ فَأَخَذُوهَا مِنْهُ رُدَّتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ قَدِ اشْتُرِيَتْ وَخَرَجَتْ مِنَ الْمَغْنَمِ فَأَصَابَهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ بِرُمَّتِهَا، وَأُعْطِيَ الَّذِي اشْتَرَاهَا الثَّمَنَ مِنَ الْمَغْنَمِ مِنْ جَمِيعِهِ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا حتی تَفَرَّقَ النَّاسُ وَقَسَمُوا جَمِيعَ الْغَنَائِمِ فَأَصَابَهَا بَعْدُ؟ قَالَ: يَأْخُذُهَا مِنَ الَّذِي هِيَ في يَدِهِ إِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ، وَيَرْجِعُ الَّذِي هِيَ في يَدِهِ إِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَمِيرِ الْجَيْشِ بِالثَّمَنِ»(3).

ص: 160


1- «المغني لابن قدامة» ج8/430 - 431.
2- «التهذيب» ج6/159، الحديث 288، و«الاستبصار» ج3/4، الحديث 7، و«وسائل الشيعة» ج15/98، الحديث 200.
3- «التهذيب» ج6/160، الحديث 291، و«الاستبصار» ج3/6، الحديث 11، و«وسائل الشيعة» ج15/99، الحديث 20064.

دلالة الرّوايتين ظاهرة بل صريحة علی المطلوب، بعد ما كانت الاُولی منهما صحيحة سنداً، والثانية وإن كانت ضعيفة لجهالة طربال الّذي وقع في طريقه، إلّا أنّه منجبر بعمل الأصحاب.

ثمّ إنّه استدلّ علی مذهب الشيخ رحمه الله برواية اُخری لهشام بن سالم عن بعض أصحاب أبي عبد الله عن أبي عبد اللّه علیه السلام في السَّبْيِ يَأْخُذُ الْعَدُوُّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ في الْقِتَالِ مِنْ أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مِنْ مَمَالِيكِهِمْ فَيَحُوزُونَهُ، ثُمَّ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ بَعْدُ قَاتَلُوهُمْ فَظَفِرُوا بِهِمْ وَسَبَوْهُمْ وَأَخَذُوا مِنْهُمْ مَا أَخَذُوا مِنْ مَمَالِيكِ الْمُسْلِمِينَ وَأَوْلَادِهِمُ الَّذِينَ كَانُوا أَخَذُوهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَيْفَ يُصْنَعُ بِمَا كَانُوا أَخَذُوهُ مِنْ أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَمَمَالِيكِهِمْ؟ قَالَ: فَقَالَ: «أَمَّا أَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُقَامُونَ في سِهَامِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَكِنْ يُرَدُّونَ إِلَى أَبِيهِمْ وَأَخِيهِمْ وَإِلَى وَلِيِّهِمْ بِشُهُودٍ، وَأَمَّا الْمَمَالِيكُ فَإِنَّهُمْ يُقَامُونَ في سِهَامِ الْمُسْلِمِينَ فَيُبَاعُونَ وَتُعْطَى مَوَالِيهِمْ قِيمَةَ أَثْمَانِهِمْ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ»(1).

لكنّها ضعيفة سنداً لأجل الإرسال أوّلاً، وكونها معرضة عنها عند المشهور ثانياً، وأخصّ من المدعی ثالثاً، حيث إنّها متعرضة لخصوص المماليك أعني العبيد والإماء دون سائر الأموال المغتنمة، فيحتاج في إلحاقها إليه إلی دعوی القطع بعدم الفرق أو عدم القول بالفصل، ومعارضة بما وردت من الأخبار الّتي دلّت علی مقالة المشهور رابعاً، وموافقة إجمالاً لما اختاره بعض العامّة من أنّه ليس للمالك بعد التقسيم حقّ في ماله خامساً.

ص: 161


1- «الكافي» ج5/42، الحديث 1، و«وسائل الشيعة» ج15/97، الحديث 20060.

فعند التعارض يرجّح ما دلّت علی مقالة المشهور علی هذه، زائداً علی أنّها أيضاً موافقة لعمومات الكتاب والسنّة الدالّة علی احترام مال المسلم.

المسألة الرابعة: هل للغنيمة نصاب؟

قال السيّد رحمه الله في «العروة»:

لا يعتبر في وجوب الخمس في الغنائم بلوغ النصاب عشرين ديناراً فيجب إخراج خمسه قليلاً كان أو كثيراً على الأصحّ(1).

إنّ الظاهر من إطلاق أدلّة وجوب الخمس في الغنيمة عدم اعتبار النصاب، فيجب خمسه مطلقاً، قليلاً كان أو كثيراً، صرّح بذلك كثير من الأصحاب، منهم صاحب «الجواهر» حيث قال:

لا أعرف فيه خلافاً سوی ما يحكی عن ظاهر غريّة المفيد من اشتراط بلوغ مقدار عشرين ديناراً، وهو ضعيف جداً لا نعرف له موافقاً ولا دليلاً(2).

وقال السيّد الخوئي رحمه الله :

كما هو المعروف والمشهور، خلافاً للمفيد في الغريّة حيث اعتبر النصاب، ولكن لم يُعرف له موافق كما صرّح به في الجواهر، كما أنّه لم يُعلم له أيّ مستند حتّی رواية ضعيفة، فالمتبع إذاً إطلاقات الأدلّة منالكتاب والسنة القاضية بلزوم التخميس في مطلق الغنيمة من غير تحديد بحدّ(3).

ص: 162


1- «العروة الوثقى (للسيّد اليزدي)» ج 2/369، المسألة 4 من مسائل كتاب «الخمس».
2- «جواهر الكلام» ج16/13.
3- «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/30، و«مستند العروة الوثقی كتاب الخمس» ص34.

كيف كان يكفي في الحكم بالعدم عدم وجدان ما يُستدلّ به علی ذلك، والظاهر أنّه كذلك عند العامة أيضاً. ثمّ إنّ غاية ما يمكن أن يُستدلّ به علی ذلك قياس المقام بحدّ الكنز في وجوب الخمس الّذي ليس دليلاً في مذهبنا، كصحيحة أبي نصر البزنطي عن أبي الحسن الرّضا علیه السلام قال: سَأَلْتُهُ عَمَّا يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ مِنَ الْكَنْزِ؟ فَقَالَ: «مَا يَجِبُ الزَّكَاةُ في مِثْلِهِ فَفِيهِ الْخُمُسُ»(1).

ومرفوعة محمّد بن محمّد المفيد في المقنعة قال: سُئِلَ الرِّضا علیه السلام عَنْ مِقْدَارِ الْكَنْزِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ؟ فَقَالَ: «مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ فَفِيهِ الْخُمُسُ، وَمَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا خُمُسَ فِيهِ»(2).

ولا يمكن أن نستفيد من قوله علیه السلام: «مَا يَجِبُ الزَّكَاةُ في مِثْلِهِ فَفِيهِ الْخُمُس» تعميم الحكم إلی غير الكنز لكونه ناظراً إلی مورد السؤال.

ص: 163


1- «من لا يحضره الفقيه» ج2/21، الحديث 75، و«وسائل الشيعة» ج9/495، الحديث 12570.
2- «المقنعة للمفيد» ص46، «وسائل الشيعة» ج9/497، الحديث 12574.

المسألة الخامسة: هل في السلب خمس؟

قال السيّد رحمه الله في «العروة»:

السلب من الغنيمة فيجب إخراج خمسه على السالب(1).

«السلب» كسبب وأسباب بالتحريك واحد «الأسلاب» وهو ما يُسلب من المقتول من ثياب وسلاح وجبّة للحرب علی وجه القهر والغلبة، منه قوله تعالی: (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبٰابُ شَيْئاً لٰا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ)(2)، والاُسلوب بالضم والأساليب: الفنّ والفنون.

قال الراغب (م 502 ه-) في «مفرداته»:

السَّلْبُ: نزع الشيء من الغير على القهر، قال تعالى: (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبٰابُ شَيْئاً لٰا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ)، والسَّلِيبُ: الرّجل الْمَسْلُوبُ، والنّاقة الّتي سُلِبَ ولدها، والسَّلَبُ: المسلوب(3).

وقال الطريحي رحمه الله (م 1087 ه-) في «مجمع البحرين»:

(سلب) في الحديث ذكر السلب بفتح اللام، وهو ما يُسلب من المقتول من ثياب وسلاح وجبة للحرب، والجمع"أسلاب" كسبب وأسباب، ومنه "سلبته ثوبه سلباً" من باب قتل: أخذت الثوب منه، فهو سليب ومسلوب، و"الاُسلوب" بضمّ الهمزة: الطريق والفن، يقال: "هو

ص: 164


1- «العروة الوثقى (للسيّد اليزدي)» ج 2/369، المسألة 5 من مسائل كتاب «الخمس».
2- «الحج»: 73/341.
3- «مفردات ألفاظ القرآن» ص419.

على اُسلوب من أساليب القوم" أي على طريق من طرقهم، والاستلاب: الاختلاس(1).

هل السلب يختصّ بالمقاتل السالب، أو أنّه غنيمة كسائر الغنائم يشترك فيها جميع المقاتلين بعد إخراج خمسه؟

إنّ المعروف والمشهور بين أصحابنا بل في «الجواهر» أنّه ممّا لا أجد فيه خلافاً هو الأخير، وأمّا العامّة فهم بين قائل باختصاصه بالمقاتل السالب، وقائل بكونه غنيمة كسائر الغنائم، أشار إلی ذلك الشيخ رحمه الله في «الخلاف» حيث قال:

السلب لا يستحقّه القاتل، إلّا أن يشرط له الإمام، وبه قال أبو حنيفة ومالك، وقال الشافعي: هو للقاتل، وإن لم يشرط له الإمام، وبه قال الأوزاعي والثوري وأحمد بن حنبل.

دليلنا: أنّه إذا شرطه استحقّه بلا خلاف، وإذا لم يشرط له ليس على استحقاقه له دليل(2).

وقال في «الجواهر»:

والسلب بفتح اللام إذا شرطه الإمام للقاتل، ولو لم يشترطه لم يختصّ به بل يكون كباقي مال الغنيمة، بلا خلاف أجده في الأوّل، لعموم «المؤمنون»، ولقول رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله و سلم يوم خيبر: «من قتل قتيلاً فله سلبه» فقتل أبو طلحة يومئذٍ عشرين رجلاً فأخذ أسلابهم، ولاقتضاء صحة الشرط الّتي لا خلاف فيها ذلك، بل ولا إشكال للأصل، وكونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ولما فيه من المصلحة الراجعة للإسلام

ص: 165


1- «مجمع البحرين» ج 2/83.
2- «الخلاف» ج 4/185، المسألة الرقم 8 من مسائل كتاب «الفيء وقسمة الغنائم».

والمسلمين من الرغبة في القتال والتحريض عليه، ولغير ذلك، فيأخذه حينئذٍ من دون استئذان جديد من الإمام علیه السلام لكونه مستحقاً له بالجعالة، وإن استحب له ذلك على ما في المنتهى، وعلى المشهور في الثاني، بل لا أجد فيه خلافاً إلّا من الإسكافي، لعموم ما دلّ على قسمة الغنيمة بين المقاتلين الّذي لا يخصّصه ما يظهر من بعض نصوص الجمهور من كون ذلك جعلاً من النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم لكلّ قاتل في كلّ غزوة بعد عدم ثبوت حجيته، بل إعراض المشهور بل الجميع عداه عنه(1).

ومن العامة قال ابن رشد القرطبي:

هل يجب سلب المقتول للقاتل، أو ليس يجب إلّا أن نفّله له الإمام؟ فإنّهم اختلفوا في ذلك، فقال مالك: لايستحقّ القاتل سلب المقتول إلّا أن ينفّله له الإمام علی وجهه الاجتهاد وذلك بعد الحرب، وبه قال أبوحنيفة والثوري، وقال الشافعي وأحمد وأبوثور وإسحاق وجماعة من السلف: واجب للقاتل، قال ذلك الإمام أو لم يقله، ومن هؤلاء من جعل السلب له علی كلّ حال ولم يشترط في ذلك شرطاً، ومنهم من قال: لا يكون له السلب إلّا إذا قتله مقبلاً غير مدبر، وبه قال الشافعي، ومنهم من قال: إنّما يكون السلب للقاتل إذا كان القتل قبل معمعة الحرب أو بعدها، وأمّا إن قتله في حين المعمعة فليس له سلب، وبه قال الأوزاعي، وقال قوم: إن استكثر الإمام السلب جاز أن يخمّسه.

ص: 166


1- «جواهر الكلام» ج21/186 - 187.

وسبب اختلافهم: هو احتمال قوله عليه الصلاة والسلام يوم حنين بعد ما برد القتال: «من قتل قتيلاً فله سلبه»(1)، أن يكون ذلك منه عليه الصلاة والسلام علی جهة النفل، أو علی جهة الاستحقاق للقاتل(2).

وقال ابن قدامة الحنبلي:

إنّ السلب للقاتل في كلّ حال، إلّا أن ينهزم العدو، وبه قال الشافعي وأبوثور وداود وابن المنذر، وقال مسروق: إذا التقی الزحفان فلا سلب له، إنّما النفل قبل وبعد، ونحوه قول نافع، كذلك قال الأوزاعي وسعيد ابن عبد العزيز وأبوبكر بن أبي مريم: السلب للقاتل ما لم تمتدّ الصفوف بعضها إلی بعض، فإذا كان كذلك فلا سلب لأحدٍ.

ولنا: عموم قوله علیه السلام: «من قتل قتيلاً فله سلبه»...، وكذلك قول أنس: فقتل أبو طلحة يومئذٍ عشرين رجلاً وأخذ أسلابهم(3).

إذا عرفت ذلك فنقول: إنّه لم يرد في خصوص المقام نصّ إلّا ما ورد عن طريق العامة وهو غير نقي السند، ومن ثمّ ذهب العلماء من أصحابنا إلی أنّه لم يختصّ بالمقاتل السالب، بل هو غنيمة كسائر الغنائم يشترك فيه جميع المقاتلين بعد إخراج خمسه.

نعم لا مانع منه لو جعله الإمام علیه السلام للسالب من باب «الجعائل» كما تقدّم، لمصلحة يراها، ولأنّه ولي الأمر فيجوز له ذلك، ولا يجب تخمسيه حينئذٍ

ص: 167


1- «صحيح البخاري» ج4/200، كتاب فرض الخمس، باب من لم يخمّس الأسلاب، الخبر 49.
2- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج3/289 - 291.
3- «المغني لابن قدامة» ج8/388.

لاستثناءه بالجعل عن الغنائم كما سبق، نعم لا إشكال في وجوب خمسه من باب الفائدة وأرباح المكاسب، كما سيأتی إن شاء الله تعالی.

قال الشيخ رحمه الله في «الخلاف»:

إذا شرط له الإمام السلب لا يحتسب عليه من الخمس، ولا يخمس، وعند أبي حنيفة يحتسب عليه من الخمس، وقال الشافعي: لا يخمس وبه قال سعد بن أبي وقاص، وقال ابن عباس: يخمس السلب، قليلاً كان أو كثيراً، وقال عمر: إن كان قليلاً لا يخمس، وإن كان كثيراً يخمس.

دليلنا: أن ينبغي أن يكون لشرط الإمام تأثير، ولو احتسب عليه من الخمس لم يكن فيه فائدة، وكذلك لو خمس، على أنّ ظاهر شرط الإمام يقتضي أنّه له، ومن قال أنّه يحتسب عليه أو يخمس فعليه الدلالة(1).

إلی هنا تمّ الكلام في القسم الأوّل ممّا يجب فيه الخمس، وسيأتي البحث في القسم الثاني منه أعني: المعادن.

ص: 168


1- «الخلاف» ج 4/186، المسألة الرقم صلی الله علیه و آله و سلم من مسائل كتاب «الفيء وقسمة الغنائم».

الثاني ممّا يجب فيه الخمس: المعادن.

الثاني ممّا يجب فيه الخمس (بخصوصه وعنوانه، لا بعنوان مطلق الفائدة وأرباح المكاسب الملاحظة فيها الزيادة علی المؤونة): «المعادن»، أرسله بعض إرسال المسلّمات كالسيّد رحمه الله في «العروة»، وادّعی عليه الإجماع كثير من فقهائنا، وقد أفتی بوجوبه من العامّة أيضاً أبوحنيفة.

قال الشيخ رحمه الله في «الخلاف»:

المعادن كلّها يجب فيها الخمس من الذهب، والفضة، والحديد، والصفر، والنحاس، والرصاص ونحوها ممّا ينطبع وممّا لا ينطبع، كالياقوت، والزبرجد، والفيروزج ونحوها، وكذلك القير، والموميا، والملح، والزجاج وغيره.

وقال الشافعي: لا يجب في المعادن شيء إلّا الذهب والفضة، فإنّ فيهما الزكاة، وما عداهما ليس فيه شيء، انطبع أو لم ينطبع، وقال أبو حنيفة: كلّما ينطبع مثل الحديد والرصاص والذهب والفضة ففيه الخمس، وما لا ينطبع فليس فيه شيء مثل الياقوت والزمرد، والفيروزج فلا زكاة فيه لأنّه حجارة، وقال أبو حنيفة ومحمّد: في الزيبق الخمس، وقال أبو يوسف: لا شيء فيه ورواه عن أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: قلت لأبي حنيفة: هو كالرصاص؟ فقال: فيه الخمس، وقال أبو يوسف: وسألته عن الزيبق بعد ذلك فقال: إنّه يخالف الرصاص، فلم أر فيه شيئاً، فروايته عن أبي حنيفة ومذهبه الّذي مات عليه أنّه يخمس.

ص: 169

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضاً قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ)، وهذه الأشياء كلّها ممّا غنمه الإنسان(1).

وقال العلّامة الحلّي رحمه الله :

الواجب في المعادن الخمس لا الزكاة، عند علمائنا، وبه قال أبو حنيفة، لما تقدّم من الأحاديث، ولقوله علیه السلام: «وفي السيوب الخمس»، والسيوب: عروق الذهب والفضة الّتي تحت الأرض، وقال الشافعي ومالك وأحمد: إنّه زكاة، لقوله علیه السلام: «في الرقة ربع العشر»، والمراد به الزكاة(2).

وقال المحقّق النراقي رحمه الله في « مستنده»:

وجوب الخمس فيها إجماعي، والأصل المتقدّم (كونها من الفوائد المكتسبة فيجب فيه الخمس للآية الشريفة) يثبته، والنصوص به مع ذلك مستفيضة(3).

وقال في «الجواهر» بعد نقل كلام المحقق رحمه الله صاحب «الشرائع»: «الثاني من السبعة الواجب فيها الخمس المعادن»:

إجماعاً محصّلاً ومنقولاً صريحاً في الخلاف والسرائر والمنتهى والتذكرة والمدارك وغيرها، وظاهراً في كنز العرفان، وعن مجمع البحرين والبيان بل في ظاهر الغنية نفی الخلاف بين المسلمين عن

ص: 170


1- «الخلاف» ج2/116، المسألة الرقم 138 من مسائل كتاب الزكاة.
2- «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج 5/410 - 411، المسألة الرقم 309.
3- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/17.

معدن الذهب والفضة، كما أنّ ظاهره فيها أو صريحه الإجماع على غيرهما من أفراده أيضاً(1).

وقال السيّد الطباطبائي اليزدي رحمه الله في «العروة»:

الثاني (ممّا يجب فيه الخمس): المعادن: من الذهب والفضة والرصاص والصفر والحديد والياقوت والزبرجد والفيروزج والعقيق والزيبق والكبريت والنفط والقير والسنج والزاج والزرنيخ والكحل والملح، بل والجص والنورة وطين الغسل وحجر الرحى والمغرة، وهي الطين الأحمر على الأحوط وإن كان الأقوى عدم الخمس فيها من حيث المعدنية، بل هي داخلة في أرباح المكاسب فيعتبر فيها الزيادة عن مؤونة السنة، والمدار على صدق كونه معدناً عرفاً، وإذا شك في الصدق لم يلحقه حكمها فلا يجب خمسه من هذه الحيثية، بل يدخل في أرباح المكاسب ويجب خمسه إذا زادت عن مؤونة السنة من غير اعتبار بلوغ النصاب فيه(2).

وقال ابن رشد القرطبي (م 595 ق) من العامّة:

اختلفوا في اعتبار النصاب في المعدن وقدر الواجب فيه، فإنّ مالكاً والشافعي راعيا النصاب في المعدن، وإنّما الخلاف بينهما أنّ مالكاً لم يشترط الحول، واشترطه الشافعي علی ما سنقول بعد في الجملة الرابعة...، وأمّا أبوحنيفة فلم ير فيه نصاباً ولاحولاً، وقال: الواجب هو الخمس، وسبب الخلاف في ذلك هل اسم «الركاز» يتناول المعدن أم

ص: 171


1- «جواهر الكلام» ج16/13 - 14.
2- «العروة الوثقى (للسيّد اليزدي)» ج 2/369.

لا يتناوله؟ لأنّه قال عليه الصلاة والسلام: «وفي الركاز الخمس»، وروی أشهب عن مالك: أنّ المعدن الّذي يوجد بغير عمل أنّه ركاز وفيه الخمس(1).

وقال ابن قدامة:

في نصاب المعادن: وهو ما يبلغ من الذهب عشرين مثقالاً، ومن الفضّة مائتي درهم أو قيمة ذلك من غيرهما، وهذا مذهب الشافعي، وأوجب أبوحنيفة الخمس في قليله وكثيره من غير اعتبار نصاب، بناءً علی أنّه زكاة، لعموم الأحاديث الّتي احتجّوا بها عليه، ولأنّه لا يعتبر له حول، فلم يعتبر له نصاب كالركاز(2).

قبل الخوض في المقصود وبعد بيان الأقوال ينبغي لنا أن نطلع عن تعريف المعدن عند أهل اللغة واصطلاح الفقهاء، فنقول وعليه التكلان:

ص: 172


1- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج2/257 - 258.
2- «المغني لابن قدامة» ج3/26.

تعريف المعدن عند أرباب اللغة واصطلاح الفقهاء:

«المعدن» كمجلس مفعل من العدن، واحد المعادن، وهو عند أهل اللغة: محل الاستقرار والإقامة والثبوت، سُمّي المعدِن معدناً لإقامة أهله فيه دائماً لا يتحوّلون عنه شتاءً ولا صيفاً، أو لأنّه محل الّذي يكون فيه أصل الشيء ومنبته ومركزه، الّذي يستخرج منه جواهر الأرض كالذهب والفضّة، قال ابن منظور المصري:

عدن: عَدَنَ فلان بالمكان يَعْدِنُ ويَعْدُنُ عَدْناً وعُدُوناً: أَقام، وعَدَنْتُ

البلدَ: تَوَطَّنْتُه، ومرْكَزُ كلّ شيء مَعْدِنُه، و(جَنّٰاتُ عَدْنٍ) منه أي جنات إِقامة لمكان الخُلْد...، ومنه المَعْدِن بكسر الدال، وهو المكان الّذي يَثْبُتُ فيه النّاس لأَنّ أَهله يقيمون فيه ولا يتحوَّلون عنه شتاءً ولا صيفاً، ومَعْدِنُ كلّ شيء من ذلك، ومَعْدِنُ الذهب والفضة سُمّي مَعْدِناً لإِنْبات الله فيه جوهرهما وإِثباته إِياه في الأَرض حتی عَدَنَ أَي ثبت فيها، وقال الليث: المَعْدِنُ مكان كلّ شيء يكون فيه أَصله ومَبْدَؤه نحو مَعْدِنِ الذهب والفضة والأَشياء، وفي الحديث: «فَعَنْ معادِنِ العرب تسأَلوني؟» قالوا: نعم، أَي أُصولها الّتي ينسبون إليها ويتفاخرون بها، وفلان مَعْدِنٌ للخير والكرم إِذا جُبِل عليهما على المَثَل...، والمَعادِنُ: المواضع الّتي يستخرج منها جواهر الأَرض(1).

وقال الطريحي في «المجمع»:

(عدن) قوله تعالى: (جَنّٰاتُ عَدْنٍ) أي جنات إقامة، يقال: عدن بالمكان عدناً وعدوناً من باب ضرب وقعد: إذا أقام به، ومنه سمّي" المعدن"

ص: 173


1- «لسان العرب» ج13/279.

كمجلس لأنّ النّاس يقيمون فيه الصيف والشتاء، ومركز شيء: معدنه، والمعدن: مستقرّ الجوهر، وفي الحديث: «النّاس معادنٌ كمعادن الذهب والفضة»، والمعنى: أنّ الناس يتفاوتون في مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات، وفيما يذكر عنهم من المآثر على حسب الاستعداد ومقدار الشرف، تفاوت المعادن فيها الردي ء والجيّد، وعدن بفتحتين: بلد باليمن(1).

هذا نموذج من أقوال أهل اللغة في تعريف «المعدن»، وأمّا تعريفه عن منظر العلماء والفقهاء:

أقوال الفقهاء في بيان مفهوم المعدن:

إنّه قد اختلف كلمات الفقهاء فيه من العامّة والخاصّة مع ما عرّفه أرباب اللغة، وذلك لأنّ الظاهر من كلمات أهل اللغة كما عرفت أنّ المعدِن اسم مكان كما هو مقتضی وضعه بحسب الهيئة، حيث صرّحوا: بأنّه مركز كلّ شيء وأصله، لكنّ ظاهر فقهاء الفريقين الاتفاق علی أنّه اسم للحالّ لا المحلّ، أي ما استخرج من الأرض ويكون من غيرها، والّذي يسهّل الأمر أنّ وظيفة اللغوي هي بيان معاني اللغات ومفاهيمها، ووظيفة الفقيه هي بيان الأحكام الخمسة التكليفيّة، ومن المعلوم أنّه إذا حكم في المعادن مثلاً بكونها ممّا يجب فيه الخمس كان المراد به هو بيان الحكم الكذائي لما يستخرج منها المبذول بإزائه المال، لا وجوبه لخصوص محلّه وموضع استقراره، وذلك من باب المجاز لا الحقيقة تسميةً للحالّ باسم المحلّ، إذ كثيراً ما يسمّی أحدهما باسم الآخر، كما في

ص: 174


1- «مجمع البحرين» ج 6/281.

إطلاق القرية علی أهلها في قوله سبحانه: (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(1)، والمنسك الّذي هو اسم لمكان العبادة في النسك ونفس العبادات المأمورة بإتيانها في تلك الأمكنة بهذه العلاقة، وهكذا.

ص: 175


1- «يوسف»: 82/245.

وكيف كان قال المحقّق الحلّي رحمه الله :

المعادن وهي كلّ ما استخرج من الأرض ممّا كان فيها، وهو مشتق عن عدن بالمكان إذا أقام فيه، ومنه (جنات عدن)، والخمس فيها واجب على اختلافها منطبعة كانت كالذهب والفضة والحديد والرصاص، أو غير منطبعة كالياقوت والفيروزج والبلخش والعقيق، أوالمائعة كالنفط والغاز والكبريت(1).

وقال العلّامة الحلّي رحمه الله :

المعادن وهي: كلّ ما خرج من الأرض ممّا يخلق فيها من غيرها ممّا له قيمة، سواء كان منطبعاً بانفراده كالرصاص والصّفر والنحاس والحديد، أو مع غيره كالزيبق، أو لم يكن منطبعاً كالياقوت والفيروزج والبلخش والعقيق والبلّور والسبج والكحل والزاج والزرنيخ والمغرة والملح، أو كان مائعاً كالقير والنفط والكبريت، عند علمائنا أجمع(2).

وقال زين الدّين بن عليّ العاملي المعروف بالشّهيد الثاني رحمه الله :

«المعادن»: جمع معدن - بكسر الدال - وهو هنا كلّ ما استخرج من الأرض ممّا كان منها بحيث يشمل على خصوصية يعظم الانتفاع بها، ومنها الملح والجص وطين الغسل وحجارة الرّحى والمغرة (الطين

ص: 176


1- «المعتبر في شرح المختصر» ج 2/619.
2- «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج 5/409، وقريب منها ما قاله في «تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية (ط - الحديثة)» ج 1/434.

الأحمر)، واشتقاقها من عدن بالمكان إذا أقام به لإقامتها في الأرض، ومنه (جنات عدن)(1).

ومن العامّة قال ابن قدامة:

في صفة المعدن الّذي يتعلّق به وجوب الزكاة، وهو كلّ ما خرج من الأرض ممّا يخلق فيها من غيرها ممّا له قيمة، كالّذي ذكره الخرقي ونحوه، من الحديد والياقوت والزبرجد والبلور والعقيق والسبج والكحل والزاج والزرنيخ والمغرة، وكذلك المعادن الجارية كالغاز والنفط والكبريت ونحو ذلك...، وأمّا الطين فليس بمعدن لأتّه تراب، والمعدن ما كان في الأرض من غير جنسها(2).

وهو أيضاً ظاهر ابن رشد القرطبي حيث قال:

ما تجب فيه الزكاة من الأموال فإنّهم اتّفقوا منها علی أشياء واختلفوا في أشياء، أمّا ما اتّفقوا عليه فصنفان من المعدن: الذهب والفضّة اللتين ليستا بحلّي(3).

إلی هنا فرغنا عن تعريف المعدن عند أرباب اللغة وعلماء الفريقين، وسنبحث عن دليله وحكمه.

ص: 177


1- «مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام» ج 1/458.
2- «المغنی لابن قدامة» ج3/24.
3- «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج2/237.

دليل وجوب الخمس في المعادن:

إنّه قد استدلّ علی وجوبه في خصوص المعادن تارة بالإجماع، واُخری بالكتاب، وثالثة بما وردت من الأخبار والروايات الواردة في المقام، أمّا الإجماع فقد مرّ الإشارة إليه عند نقل كلمات الفقهاء في طليعة المبحث فلا نعيده، وأمّا دليله من الكتاب فقوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ)(1)، بناءً علی كونها مطلق الفوائد المكتسبة فتكون أعمّ من الغنيمة الحربية، هذا دليل المسألة من الكتاب والإجماع.

وأمّا دليله من الأخبار والأحاديث فهي علی قسمين: قسم منها ما دلّت علی وجوب الخمس في أشياء إجمالاً، منها المعادن، والاُخری ما دلّت علی بيان مصاديقها والمراد منها، فمن الاُولی:

صحيحة بن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: «الْخُمُسُ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: عَلَی الْكُنُوزِ، وَالْمَعَادِنِ، وَالْغَوْصِ، وَالْغَنِيمَةِ»، ونسي ابن أبي عمير الخامسة(2).

لايضرّ بصحّة الرّواية التعبير ب- «غير واحد» لكونه كاشفاً بحسب الظهور العرفي عن أنّ المروي عنه جماعة معروفون مشهورون قد بلغ الأمر من الوضوح حدّاً يستغنی عن ذكر آحادهم كروايات يونس بن عبد الرحمن عن غير واحد، فلا يعدّ ذلك طعناً في السند، زائداً علی أنّ الراوي وهو محمّد بن أبي عمير كان من

ص: 178


1- «الأنفال»: 41.
2- «الخصال» ص291، «وسائل الشيعة» ج9/494، الحديث 12567.

الأجلّاء الّتي أجمعوا الأصحاب علی تصحيح ما يصحّ عنهم وأقرّوا لهم بالفقه، وكونهم ممّن لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة(1).

وما رواه تفسير النعماني عن عليّ علیه السلام في حديث: «وَالْخُمُسُ يُخْرَجُ مِنْ أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ: مِنَ الْغَنَائِمِ الّتي يُصِيبُهَا الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَمِنَ الْمَعَادِنِ، وَمِنَ الْكُنُوزِ، وَمِنَ الْغَوْصِ»(2).

ومرسلة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصّالح علیه السلام قال: «الْخُمُسُ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: مِنَ الْغَنَائِمِ، وَالْغَوْصِ، وَمِنَ الْكُنُوزِ، وَمِنَ الْمَعَادِنِ، وَالْمَلَّاحَةِ»، الحديث(3).

وما رواه أحمد بن محمّد بن عيسی الأشعري قال: حَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا رَفَعَ الْحَدِيثَ، قَالَ: «الْخُمُسُ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: مِنَ الْكُنُوزِ، وَالْمَعَادِنِ، وَالْغَوْصِ، وَالْمَغْنَمِ الّذي يُقَاتَلُ عَلَيْهِ»، وَلَمْ يَحْفَظِ الْخَامِسَ، الْحَدِيث(4).

الظاهر كون الروايتين الأخيرتين واحدة وأنّ ما نسيه ابن أبي عمير هو الملَّاحة بالتشديد الّتي هي الأرض المملحة ومنبت الملح فتكون في الحقيقة نوعاً من المعدن.

ص: 179


1- لزيادة التوضيح راجع: «رجال الكشي» ص556، «رجال ابن داود» ص384.
2- «وسائل الشيعة» ج9/489، الحديث 12557.
3- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/487، الحديث 12549.
4- «التهذيب» ج4/126، الحديث 264، و«وسائل الشيعة» ج9/489، الحديث 12556.

وما رواه عمّار بن مروان قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «فِيمَا يُخْرَجُ مِنَ الْمَعَادِنِ وَالْبَحْرِ، وَالْغَنِيمَةِ، وَالْحَلَالِ الْمُخْتَلِطِ بِالْحَرَامِ إِذَا لَمْ يُعْرَفْ صَاحِبُهُ، وَالْكُنُوزِ الْخُمُسُ»(1).

وعن طريق العامّة ما رووا النسائي والجوزجاني وغيرهما عن النبيّ علیه السلام: «ما لم يكن في طريق مأتي، ولا في قرية عامرة ففيه وفي الركاز(2) الخمس»(3).

وأمّا ما دلّت علی بيان المراد منها ومصاديقها فروايات، منها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال: سَأَلْتُهُ عَنْ مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ؟ فَقَالَ: «عَلَيْهَا الْخُمُسُ جَمِيعاً»(4).

وصحيحة الحلبيّ في حديث قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الْكَنْزِ كَمْ فِيهِ؟ قَالَ: «الْخُمُسُ، وَعَنِ الْمَعَادِنِ كَمْ فِيهَا؟ قَالَ: الْخُمُسُ، وَعَنِ الرَّصَاصِ وَالصُّفْرِوَالْحَدِيدِ وَمَا كَانَ بِالْمَعَادِنِ كَمْ فِيهَا؟ قَالَ: يُؤْخَذُ مِنْهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ»(5).

ص: 180


1- «الخصال» ص290، الحديث 51، و«وسائل الشيعة» ج9/494، الحديث 12566.
2- قال الطريحي: الركاز ككتاب بمعنى المركوز، أي المدفون، واختلف أهل العراق والحجاز في معناه، فقال أهل العراق: الركاز المعادن كلّها، وقال أهل الحجاز: الركاز المال المدفون خاصّة ممّا كنزه بنو آدم قبل الإسلام، والقولان يحتملهما أهل اللغة لأنّ كلّاً منهما مركوز في الأرض أي ثابت، يقال: ركزه ركزاً: إذا دفنه. راجع: «مجمع البحرين» ج4/21.
3- رواه ابن قدامة في «المغني» ج3/25.
4- «التهذيب» ج4/121، الحديث 345، و«وسائل الشيعة» ج9/491، الحديث 12561.
5- «التهذيب» ج4/121، الحديث 346، و«وسائل الشيعة» ج9/492، الحديث 12562.

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام قال: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَعَادِنِ مَا فِيهَا؟ فَقَالَ: «كُلُّ مَا كَانَ رِكَازاً فَفِيهِ الْخُمُسُ، وَقَالَ: مَا عَالَجْتَهُ بِمَالِكَ فَفِيهِ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْهُ مِنْ حِجَارَتِهِ مُصَفًّى الْخُمُسُ»(1).

وصحيحة محمّد بن مسلم قال: سَأَلْتُ أَبَا جعفر علیه السلام عَنِ الْمَلَّاحَةِ؟ فَقَالَ: «وَمَا الْمَلَّاحَةُ؟ فَقَالَ: أَرْضٌ سَبِخَةٌ مَالِحَةٌ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْمَاءُ فَيَصِيرُ مِلْحاً، فَقَالَ: هَذَا الْمَعْدِنُ فِيهِ الْخُمُسُ، فَقُلْتُ: وَالْكِبْرِيتُ وَالنِّفْطُ يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ؟ قَالَ: فَقَالَ: هَذَا وَأَشْبَاهُهُ فِيهِ الْخُمُسُ»(2).

وصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن محمّد بن عليّ بن أبي عبد اللّه عن أبي الحسن الكاظم علیه السلام قال: سَأَلْتُهُ عَمَّا يُخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ مِنَ اللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ، وَعَنْ مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ هَلْ (فِيهَا زَكَاةٌ)؟ فَقَالَ: «إِذَا بَلَغَ قِيمَتُهُ دِينَاراً فَفِيهِ الْخُمُسُ»(3).

ولا يقدح بصحة الحديث جهالة محمّد بن عليّ بن أبي عبدالله عند أرباب الرجال، لكون الراوي عنه هو محمّد بن أبي نصر البزنطي الّذي كان من الأجلّاء

ص: 181


1- «التهذيب» ج4/122، الحديث 347، و«وسائل الشيعة» ج9/492، الحديث 12563.
2- «التهذيب» ج4/122، الحديث 349، و«وسائل الشيعة» ج9/492، الحديث 12564.
3- «التهذيب» ج4/124، الحديث 356، و«وسائل الشيعة» ج9/493، الحديث 12565.

الّتي أجمعوا الأصحاب علی تصحيح ما يصحّ عنهم وأقرّوا لهم بالفقه، وكونهم ممّن لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة(1).

وعن طريق العامّة أيضاً ما حكاه في «المغني» عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أنّه قال: «وفي الركاز الخمس، قيل: يا رسول الله وما الركاز؟ قال: هو الذهب والفضّة المخلوقان في الأرض يوم خلق الله السموات والأرض».

وفي حديث آخر منه علیه السلام: «وفي السيوب الخمس، قال: السيوب عروق الذهب والفضّة الّتي تحت الأرض»(2).

أقول: والروايات كما تری مستفيضات بل متواترات حكاها الفريقين، فيها صحاح وغير صحاح ينجبر ضعف ضعافها بالإجماع وكثرة عددها، يستفاد منها أنّ المعدن في منظر الأخبار والروايات عبارة عمّا استخرج من الأرض من دون فرق فيها بين ما يكون مستوراً ومكنوناً في جوف الأرض، وما يكون مكشوفاً وظاهراً فوق الأرض ويكون من غيرها كأنواع الفلزات مثل الذهب والفضّة والنحاس والرصاص، وكمعدن الملح المتخذ من سطح الأرض والعنبر المتخذ من سطح الماء، وكذا أنواع المعادن المائعة كالنفط وشبهه.

وأمّا ما لم يخرج عن اسم الأرض إلّا أنّ العرف يُسمّيها معدناً كالعقيق والفيروزج والياقوت والزبرجد ونحوها من الأحجار الكريمة الّتي لا فرق بينها وبين غيرها من الحصی وسائر الأحجار في اتخاذ اُصولها من التراب، فلا شبهة

ص: 182


1- لزيادة التوضيح راجع: «رجال الكشي» ص556، و«رجال ابن داود» ص384، و«رجال العلّامة الحلّي (خلاصة الأقوال)» ص13.
2- «المغني لابن قدامة» ج3/25.

في شمولها الحكم أيضاً، لدوران الحكم مدار هذا العنوان حيث ما دار نفياً وإثباتاً.

وأمّا ما شك في إطلاق هذا العنوان عليه عرفاً كالجصّ والنورة وطين الرأس والطين الأحمر وحجر الرّحی ونحوها، فحيث كانت الأدلّة النقلية بالنسبة إليها مجملاً حينئذٍ فالحكم فيها هو الرجوع إلی الاُصول العمليّة، لما تقرّر في محلّه(1)

من أنّه إذا تعذّر المجتهد بعد الفحص عن إقامة الدليل علی إثبات حكم سواء كان بسبب فقدان النصّ، أو إجماله، أو تعارض الدليلين وتعادلهما، أو لجهة التباس المصاديق الخارجية بعد ما كان الحكم مبيّناً لا غبار عليه، فعليه أن يرجع لرفع تحيّره في مقام العمل إلی الاُصول العمليّة.

والأصل الجاري في المقام هو البراءة عن وجوب الخمس بهذا العنوان، نعم لا شبهة حينئذٍ في دخوله تحت عموم ما أفاد النّاس من قليل أو كثير الواجب فيهالخمس(2)،

إلّا أنّه كان بعد المؤونة ومضي الحول من باب الفوائد وأرباح المكاسب.

وإن شئت قلت: إنّ وجوب الخمس في مثل الغنائم والمعادن والكنوز وأمثالها الّتي لا يعتبر فيها الحول مشروط بإحراز هذه العناوين، فما شُك في

ص: 183


1- لزيادة التوضيح راجع: «اُصول الفقه للعلّامة المظفر رحمه الله » ص595، مباحث «الاُصول العمليّة».
2- راجع: صحيحة سماعة قال: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ موسی بن جعفر الكاظم علیه السلام عَنِ الْخُمُسِ؟ فَقَالَ: «فِي كُلِّ مَا أَفَادَ النَّاسُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ»، «الكافي» ج1/457، الحديث 11، و«وسائل الشيعة» ج9/503، الحديث 12584.

صدق هذه الأسامي عليه فالحكم فيها أيضاً هو وجوب الخمس إلّا أنّه كان بعد المؤونة ومضيّ الحول عملاً بعموم ما دلّ علی وجوب الخمس علی كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير.

بقي هنا مسائل:

الاُولی: عدم اشتراط البلوغ والعقل ولا الإسلام في وجوب خمس المعادن:

إنّه لا يشترط في وجوب إخراج خمس المعادن البلوغ والعقل ولا الإسلام، ولا كونها في أرض مباحة أو مملوكة له، أرسله الأصحاب إرسال المسلمات.

قال السيّد رحمه الله في «العروة»:

ولا فرق في وجوب إخراج خمس المعدن بين أن يكون في أرض مباحة أو مملوكة، وبين أن يكون تحت الأرض أو على ظهرها، ولا بين أن يكون المخرِج مسلماً أو كافراً ذميّاً، بل ولو حربيّاً، ولا بين أن يكون بالغاً أو صبياً، وعاقلاً أو مجنوناً، فيجب على وليّهما إخراج الخمس،ويجوز للحاكم الشرعي إجبار الكافر على دفع الخمس ممّا أخرجه، وإن كان لو أسلم سقط عنه مع عدم بقاء عينه(1).

وقال الشيخ رحمه الله في «الخلاف»:

إذا كان المعدن لمكاتب أخذ منه الخمس، سواءٌ كان مشروطاً عليه أو لم يكن، وبه قال أبوحنيفة، وقال الشافعي: لا شيء عليه، دليلنا: أنّ ذلك

ص: 184


1- «العروة الوثقى (للسيّد اليزدي)» ج 2/369 - 370.

خمس، ولا يختصّ بالأحرار دون العبيد والمكاتبين، والشافعي إنّما منع منه لأنّ عنده أنّه زكاة، وقد بيّنا خلافه وأنّه خمس(1).

وذكر العلّامة الحلّي رحمه الله تحت عنوان خمس المعادن فروعاً هي كما تلي:

الف - الخمس يجب في المخرَج من المعدن، والباقي يملكه المخرِج، لقوله علیه السلام: «وفي الركاز الخمس»، ويستوي في ذلك الصغير والكبير، وقال الشافعي: يملك الجميع، وتجب عليه الزكاة.

ب - المعدن إن كان في ملكه، فهو له يصرف منه الخمس لمستحقّيه، وإن كان في موضع مباح، فالخمس لأربابه، والباقي لواجده.

ج - إذا كان المعدن لمكاتب، وجب فيه الخمس، وبه قال أبو حنيفة، لعموم: «وفي الركاز الخمس»، ولأنّه غنيمة وهو من أهل الاغتنام.

د - العبد إن استخرج معدناً ملكه سيّده، لأنّ منافعه له، ويجب على السيّد الخمس في المعدن.ه - الذمّي يجب عليه الخمس فيه، وبه قال أبو حنيفة، للعموم، وقال الشافعي: لا يجب، لأنّه لا يساوي المسلمين في الغنيمة، ولا يسهم له، ولأنّ المأخوذ زكاة، ولا زكاة على الذمّي.

والمقدّمتان ممنوعتان، وقال الشيخ: يمنع الذمّي من العمل في المعدن، فإن أخرج منه شيئاً ملكه، وأخرج منه الخمس(2).

ص: 185


1- «الخلاف» ج2/120، المسألة الرقم 143 من مسائل كتاب الزكاة.
2- «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج 5/412 - 413.

وقال في «الجواهر»:

اقتضاؤه (إطلاق الأدلّة) عدم الفرق بين أفراد المستنبطين بعد تحقق الملك للمستنبط نفسه أو سيّده كما لو كان عبداً، بل ولا بين المسلم والكافر وإن حكي عن الشيخ بل هو ظاهر «البيان» أنّه يمنع الذمّي من العمل في المعدن، لكن صرّح بأنّه لو خالف وعمل ملك وكان عليه الخمس لإطلاق الأدلّة، نعم اعترف في «المدارك» بأنّه لم يقف له علی دليل يقضي بمنع الذمّي من العمل في المعدن...، وكذا لا فرق بين المكلف وغيره كما صرّح به في «البيان» وإن كان لم يخاطب هو بإخراج الخمس إلّا أنّه يثبت في المال نفسه ذلك، لإطلاق الأدلّة، بل ظاهرها أنّ الحكم المذكور من الوضعيّات الشاملة للمكلفين وغيرهم(1).

أقول: إنّه لا فرق في وجوب إخراج خمس المعادن بين كونها واقعة في أراضي مملوكة أو مباحة الّتي تملك بالإحياء والحيازة، إلّا أنّه يشترط في الأخير الإذن من الإمام علیه السلام أو نائبه، لكونها من الأنفال فيعتبر فيها الاستيذان.

ولا فرق أيضاً بين كونها تحت الأرض أو علی ظهرها، لما تقدّم الإشارة إليه من أنّ المعيار دائر مدار العنوان، فليس للاستخراج موضوعيّة في المقام.

كما إنّه لا فرق أيضاً بين أن يكون المخرِج بالكسر بالغاً أو صبيّاً، عبداً أو حرّاً، مسلماً أو كافراً ذميّاً أو حربيّاً.

ص: 186


1- «جواهرالكلام» ج16/23 - 24.

والدليل علی ذلك كلّه أنّ الخمس علی ما يظهر من أدلّته حقّ مالي ثابت للإمام علیه السلام وأربابه، وأنّه حكم وضعي لا تكليفي محض، وأيضاً أنّه لم يشترط في أدائه قصد القربة كما هي شرط في الزكاة (1)،

فلا يفرق فيه بين المكلّف وغيره، زائداً علی أنّ الكفّار مكلّفون بالفروع كما أنّهم مكلّفون بالاُصول، ويأتي إن شاء الله مزيد الكلام فيه أيضاً في المسألة الرابعة والثمانين فانتظر.

وحيث كان الخمس حقّاً ماليّاً للإمام وأربابه يجوز للحاكم الشرعي - بل يجب عليه - إجبار الكافر الممتنع علی دفع الخمس ممّا أخرجه من المعدن إن كان قادراً علی أخذه منه، لأنّه وليّ مستحقّيه فله استيفاء أموالهم وحقوقهم فيستنقذ مالهم ممّن عليه الحقّ، وأمّا سقوطه عنه بعد الإسلام مع عدم بقاء عينه فلما ثبت في محلّه من أنّ الإسلام يجبّ ما قبله(2).

ص: 187


1- راجع إلی المسألة الرابعة والثلاثين من المسائل المتفرقة المطروحة حول مسائل كتاب الزكاة من «العروة» حيث قال: لا إشكال في وجوب قصد القربة في الزكاة، وظاهر كلمات العلماء أنّها شرط في الإجزاء، فلو لم يقصد القربة لم يكن زكاة ولم يجز.
2- لزيادة التوضيح راجع: «القواعد الفقهيّة لمكارم الشيرازي» ج2/145 - 161.

المسألة الثانية: هل يعتبر في وجوب خمس في المعادن النصاب؟ وعلی تقديره فما هو مقداره؟

اختلف كلمات الفريقين فيه، وهم بين قائل بعدم اعتبار النصاب فيه أصلاً وهو خيرة الشيخ رحمه الله في كتابي «الخلاف»(1) و«الاقتصاد»(2)،

بل يدّعي في الأوّل عليه الإجماع، وبه قال من العامّة الزهري وأبو حنيفة (3)،

وبين قائل بالاعتبار وهو دينار واحد علی رأي أبي الصلاح الحلبي رحمه الله في «الكافي»(4)،

وعشرون ديناراً علی رأي الشيخ في كتابي «النهاية»(5)

و«المبسوط»(6)،

واختاره في «المدارك» ونسبه إلی عامّة المتأخرين(7)، وهو أيضاً خيرة السيّد رحمه الله في «العروة»، ومذهب الحنابلة مطلقاً والمالكيّة والشافعيّة في خصوص معادن الذهب والفضّة لكنّه لا

ص: 188


1- «الخلاف» ج2/119، المسألة الرقم 142 من مسائل كتاب الزكاة.
2- «الاقتصاد الهادي إلی طريق الرشاد» ص283.
3- «المغني لابن قدامة» ج3/26.
4- حيث قال: وما بلغ من المأخوذ من المعادن والمخرج بالغوص قيمة دينار فما زاد. «الكافي في الفقه» ص170.
5- حيث قال: ومعادن الذهب والفضة لا يجب فيها الخمس إلّا إذا بلغت إلی القدر الّذي تجب فيه الزكاة. «النهاية في مجرد الفقه والفتاوی» ص197.
6- فقال: وجميع ما ذكرناه يجب فيه الخمس قليلاً أو كثيراً، ومعادن الذهب والفضّة فإنّه لا يجب فيها الخمس إلّا إذا بلغت إلی القدر الّذي يجب فيه الزكاة. «المبسوط في فقه الإماميّة» ج1/237.
7- «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج5/365.

بعنوان الخمس بل بعنوان الزكاة وشروطها وبعد تصفيتها(1)،

ونقل الشهيد رحمه الله في «المسالك» اكتفاء بعض ببلوغه مائتي درهم لأنّها كانت قيمة عشرين ديناراً في الصدر الأوّل(2)،

وقد نسب إلی فقهائنا المعاصرين اعتبار أقلّ الأمرين من نصاب النقدين أي بلوغه إمّا إلی عشرين دينار أو مائتي درهم(3)

وهو أيضاً خيرة الشافعي(4)،

وعن ابن الجنيد وابن أبي عقيل والمفيد والمرتضی وابن زهرة وسلار (قدّس الله أسرارهم) أنّهم أطلقوا وجوب الخمس فيها(5)،

وهو ظاهر في موافقتهم للقول الأوّل، فاتّضح أنّه ليست المسألة إجماعيّة عند الفقهاء، إليه أشار في «الحدائق» حيث قال:

ثمّ إنّه قد وقع الخلاف هنا في موضعين: أحدهما: في اعتبار النصاب وعدمه في المعدن، وعلى تقدير اعتباره فهل هو عشرون ديناراً أو دينار واحد؟ فذهب الشيخ في الخلاف إلى وجوب الخمس فيها ولا يراعی فيها النصاب وهو اختياره في الاقتصاد أيضاً، ونقل عن ابن البراج وابن إدريس مدّعياً عليه الإجماع حيث قال: إجماعهم منعقد على وجوب إخراج الخمس من المعادن جميعها على اختلاف أجناسها قليلاً كان المعدن أو كثيراً ذهباً كان أو فضة من غير اعتبار مقدار وهذا إجماع منهم بغير خلاف، ونقل عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل والمفيد والسيّد

ص: 189


1- راجع: «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/613 - 615.
2- «مسالك الأفهام إلی تنقيح شرائع الإسلام» ج1/459.
3- راجع: «الخمس في الشريعة الإسلاميّة الغراء» ص92.
4- «المغني لابن قدامة» ج3/26.
5- راجع: «مختلف الشيعة في أحكام الشريعة» ج3/318.

المرتضى وابن زهرة وسلّار أنّهم أطلقوا وجوب الخمس، وهو ظاهر في موافقة القول المتقدم، واعتبر أبو الصلاح بلوغ قيمته ديناراً واحداً، ورواه ابن بابويه في المقنع ومن لا يحضره الفقيه، وقال الشيخ في النهاية: ومعادن الذهب والفضة لا يجب فيها الخمس إلّا إذا بلغت إلى القدر الّذي تجب فيه الزكاة، ونحوه في المبسوط واختاره ابن حمزة، وعليه جمهور المتأخرين(1).

وقال السيّد رحمه الله في «العروة»:

ويشترط في وجوب الخمس في المعدن بلوغ ما أخرجه عشرين ديناراً بعد استثناء مؤونة الإخراج والتصفية ونحوهما، فلا يجب إذا كان المخرج أقلّ منه، وإن كان الأحوط إخراجه إذا بلغ ديناراً بل مطلقاً(2).

وقال ابن قدامة:

الفصل الثالث: في نصاب المعادن، وهو ما يبلغ من الذهب عشرين مثقالاً، ومن الفضة مائتي درهم، أو قيمة ذلك من غيرهما، وهذا مذهب الشافعي، وأوجب أبوحنيفة الخمس في قليله وكثيره من غير اعتبار نصاب بناءً على أنّه زكاة، لعموم الأحاديث الّتي احتجّوا بها عليه، ولأنّه لا يعتبر له حول، فلم يعتبر له نصاب كالركاز(3).

وحيث كان سبب اختلاف الأقوال هو اختلاف الأخبار الواردة في المقام، فعلينا أن نبحث عنها وعن مدى دلالتها، فنقول وبه نستعين:

ص: 190


1- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/329 - 330.
2- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/370.
3- «المغني لابن قدامة» ج3/26.

حجة الأقوال:

أما القول الأوّل: أي عدم اعتبار النصاب فيه أصلاً، فقد تمسّك له بإطلاقات وعمومات روايات الّتي دلّت على وجوب الخمس في المعادن من دون أن يذكر له نصاباً، منها ما رواه عمّار بن مروان قال سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول: «فِيمَا

يُخْرَجُ مِنَ الْمَعَادِنِ وَالْبَحْرِ وَالْغَنِيمَةِ وَالْحَلَالِ الْمُخْتَلِطِ بِالْحَرَامِ إِذَا لَمْ يُعْرَفْ صَاحِبُهُ وَالْكُنُوزِ الْخُمُسُ»(1).

ومرسلة حمّاد بن عيسی عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح علیه السلام قال: «الْخُمُسُ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ مِنَ الْغَنَائِمِ وَالْغَوْصِ وَمِنَ الْكُنُوزِ وَمِنَ الْمَعَادِنِ وَالْمَلَّاحَةِ»، الحديث(2).

وقد اُجيب عنه بأنّها أوّلاً واردة في مقام بيان أصل تشريع الخمس في هذه الأشياء، وإمكان تقييدها بما دلّ على النصاب ثانياً، وثالثة باضطراب أو اختلاف فتوى القائل به، فإنّ الشيخ رحمه الله كما ترى ادّعى الإجماع في «الخلاف» بعدم اعتبار النصاب فيه أصلاً، في حين أنّه يدّعي النصاب في الكتاين الآخرين.

وأمّا حجّة القول الثاني أعني وجوب خمسه إذا بلغ قيمته ديناراً واحداً، فقد استدلّ له بصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن محمّد بن عليّ بن أبي عبد الله عن أبي الحسن الكاظم علیه السلام قال: سَأَلْتُهُ عَمَّا يُخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ مِنَ اللُّؤْلُؤِوَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَعَنْ مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ هَلْ (فِيهَا زَكَاةٌ)؟ فَقَالَ: «إِذَا بَلَغَ

ص: 191


1- «الخصال» ص290، الحديث 51، و«وسائل الشيعة» ج9/494، الحديث 12566.
2- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/487، الحديث 12549.

قِيمَتُهُ دِينَاراً فَفِيهِ الْخُمُسُ»(1).

ففيه أنّها معرض عنها بين الأصحاب لعدم عمل القدماء والمتأخرين بها إلّا أبو الصلاح الحلبي رحمه الله في «الكافي»، نعم أنّها كما يأتي تكون معمولة بها في باب الغوص، زائداً على أنّها معارضة بما سيأتي في حجّة القول الثالث عن محمّد بن أبي نصر البزنطي صحيحاً عن الرّضا علیه السلام حيث يصرّح بكونه عشرين ديناراً!

ثمّ إنّه لا يبعد أن يقال: كان هنا روايتان: رواية في الغوص ونصابه دينار واحد، ورواية في المعدن ونصابه عشرون ديناراً، وقد جمعها الراوي في رواية واحدة فحصل الاشتباه! ويؤيد ذلك أمران:

الف: إفراد الضمير وتذكيره في «قيمته» الظاهر في رجوعه إلى الغوص، وعلى ذلك فالجواب يرجع إلى الغوص فقط.

ب: اختلاف التعبير من السؤالين، فقد عبّر في الأوّل بقوله: «عمّا يخرج» وفي الثانى بقوله: «هل فيها زكاة».

وقال الشيخ رحمه الله في تهذبه بعد ما روى الخبر الدالّ على كونه عشرين ديناراً وما دلّ على كونه ديناراً واحداً:

وليس بين الخبرين تضادّ لأنّ الخبر الأوّل تناول حكم المعادن، والثاني حكم ما يخرج من البحر، وليس أحدهما هو الآخر، بل لكل واحد منهما حكم على الانفراد(2).

ص: 192


1- «التهذيب» ج4/124، الحديث 356، و«وسائل الشيعة» ج9/493، الحديث 12565.
2- «التهذيب» ج4/139 .

وأمّا حجّة القول الثالث: أي كونه عشرين ديناراً، فقد استدلّ له برواية وحيدة وهي ما رواها البزنطي أيضاً في الصحيح قال: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ علیه السلام عَمَّا أَخْرَجَ الْمَعْدِنُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ هَلْ فِيهِ شيء؟ قَالَ: «لَيْسَ فِيهِ شيء حتی يَبْلُغَ مَا يَكُونُ في مِثْلِهِ الزَّكَاةُ عِشْرِينَ دِينَاراً»(1).

تقريب الاستدالال أنّه وإن لم يصرّح فيها بمسألة الخمس أو الزكاة إلّا أنّ قوله: «مِنْ

قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ هَلْ فِيهِ شيء؟» قرينة على أنّ السائل كان عالماً بوجوب شيء عليه بعنوان الخمس إمّا لربح كسبه أو لخصوص ما أخرج من المعدن، لكنّه لا يعلم مقداره، إذ من البعيد أن لا يعلم مثل البزنطي الّذي كان من الأجلّاء أنّ المعدن ليس من العناوين الّتي تجب عليها الزكاة بعنوانه وأنّه لو كان فيه شيء فإنّما هو الخمس، فأجاب علیه السلام بما في مثله من حيث القيمة عشرين ديناراً كما كان هو النصاب في الذهب المسكوك في باب الزكاة، أي أنّ النصاب في البابين واحد، ولولا ذلك لكان الإتيان بقوله «فِي مِثْلِهِ» زائداً.

ممّا يؤيّد ذلك قوة احتمال وقوع هذه الصحيحة بعد صحيحته الاُخرى رواها الرجل، الواردة في الكنز عن أبي الحسن الرّضا علیه السلام قال: سَأَلْتُهُ عَمَّا يَجِبُ فِيهِالْخُمُسُ مِنَ الْكَنْزِ؟ فَقَالَ: «مَا يَجِبُ الزَّكَاةُ في مِثْلِهِ فَفِيهِ الْخُمُسُ»(2)، فأراد بها بيان اتّحاد حكم المعدن مع الكنز، وأنّه ليس في المعدن أيضاً شيء حتی يبلغ ما يكون في مثله الزكاة في الكنز، وبذلك يعلم أنّ احتمال إرادة خصوص الزكاة

ص: 193


1- «التهذيب» ج4/138، الحديث 391، و«وسائل الشيعة» ج9/494، الحديث 12568.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج2/21، الحديث 75، و«وسائل الشيعة» ج9/495، الحديث 12570.

وجري الحديث مجرى التقية، لما تقدّم من اختيار المالكيّة والحنابلة والشافعيّة وجوب الزكاة فيما أخرج من المعادن إذا بلغ النصاب، ممّا لا ينبغي الاعتناء به.

ثمّ أورد عليه تارة: بإعراض القدماء عنها مع صحّته وصراحته في نفي وجوب شيء عليه ما لم يبلغ النصاب، حتی ادّعى الشيخ رحمه الله في «الخلاف» الإجماع على عدم اعتبار النصاب فيها مطلقاً، وأطلق جماعة اُخرى وجوب الخمس فيها الّذي كان ظاهره موافقة القول الأوّل(1).

واُخرى: باحتمال إرادة الزكاة منها وحملها مجرى التقيّة، لما اختاره ثلاثة من الأئمة العامّة(2).

يلاحظ على الأخير ما تقدّم آنفاً من ضعف احتمال إرادة خصوص الزكاة من الحديث وجريه مجرى التقيّة، نعم إيراد الأوّل باقٍ على حاله ولا يمكن رفعه بموافقة المتأخرين لها، إذ المدار في الإعراض والعمل هو فتوى القدماء باعتبار أنّهم كانوا قريبي العهد إلى عصر المعصومين: ولعلّه كان عندهم كتب وقرائنليست عندنا، وأمّا حال المتأخرين فمعلوم عندنا لا تزيد مداركهم على المدارك الموجودة عندنا.

فتحصّل إلى هنا بعد ما كان دليل القول الثاني ضعيفة بإعراض الأصحاب عنه قدمائهم ومتأخّريهم، أنّه لم يكن في المقام إلّا الرّواية الصّحيحة الصّريحة الّتي دلّت على أنّ النصاب في المعادن هو ما يبلغ عشرين ديناراً وهو خيرة عامّة المتأخرّين، والاُخرى العمومات والإطلاقات الّتي أكثرها صحاح دلّت على

ص: 194


1- راجع: «مصباح الفقيه» ج19/167 - 168.
2- راجع: «أنوار الفقاهة في أحكام العترة الطاهرة - كتاب الخمس والأنفال» ص79 - 80.

وجوب الخمس في المعادن من دون أن يذكر له نصاباً وقد أفتى بها القدماء بعدم اعتبار النصاب في المعادن مطلقاً، والتحقيق يقتضي أن نقول: حيث إنّ العبرة في الإعراض والعمل هو فتوى القدماء فالأحوط بل الأقوى في المقام هو القول الأوّل، وبذلك يعلم حال دليلي قولي الآخرين الّذين كانا مبنيتان على الحدّ الّذي يكون في مثله الزكاة، بأنّ الحدّ الّذي يكون فيه الزكاة في الذهب عشرون ديناراً، وفي الفضة مائتا درهم، وفي غيرهما أقلّ الأمرين من نصاب النقدين؛ أي بلوغه إمّا إلى قيمة عشرين ديناراً أو مائتي درهم، فعلى ذلك لو بلغت قيمة المخرج أحد الحدّين لصدق عليه قوله: «حَتَّى يَبْلُغَ مَا يَكُونُ في مِثْلِهِ الزَّكَاةُ»، وعلى ذلك يكون قوله: «عِشْرِينَ دِينَاراً» محمولاً على التمثيل.

ص: 195

المسألة الثالثة: هل الخمس في المقام بعد إخراج المؤونة والتصفية أم قبلهما؟

وتحقيق الكلام أن نبحث عنها طيّ مسألتين:

إحداهما: سواء قلنا باعتبار النصاب في تعلّق الخمس بالمعادن أم لم نقل به، هل الخمس يتعلّق بمجموع المخرج منها حتی بما يصرف في إخراجه وتصفيته ممّا ممتزجاً معه من التراب وغيره، أو يتعلّق بما يبقى بعد استثناء المؤن المصروفة في سبيلهما؟ بمعنى كونه واجباً ثبوتاً حين الأخذ إلّا أنّه لا يجب إخراجه إلّا بعد كسر مؤونة الاستخراج والعلاج فيجوز تخمسيه قبلهما مراعاً باحتسابه بعدهما، لا بمعنى كونه قيداً للوجوب كالاستطاعة بالنّسبة إلى الحجّ.

ثانيتهما: بناءً على القول باعتبار النصاب هل يكفي في تحقّق النصاب بلوغه له قبل استثناء المؤونة، أو لا يكفي إلّا إذا بلغه بعد استثنائها؟ فلو كان الخارج من المعدن ثلاثين ديناراً وكانت المؤونة خمس عشرة ديناراً فعلى الأوّل يتعلّق الخمس بالباقي بعنوان المعدن، بخلافه على القول الثاني فلا يتعلّق به إلّا بعنوان الفوائد المكتسبة.

أمّا المسألة الاُولى: فقد أرسلها الأصحاب - ومنهم السيّد في «العروة» على ما تقدّم آنفاً من كلامه - إرسال المسلمات، بل ادّعي عليه الإجماع بكونه بعد المؤونة، قال الشيخ رحمه الله في «الخلاف»:

وقت وجوب الخمس في المعادن حين الأخذ، ووقت الإخراج حين التصفية والفراغ منه، ويكون المؤونة وما يلزم عليه من أصله، والخمس فيما يبقى، وبه قال أبو حنيفة والأوزاعي، وللشافعي فيه قولان؛ أحدهما: يراعی فيه حلول الحول، وهو اختيار المزني، لأنّه لا تجب الزكاة إلّا في

ص: 196

الذهب والفضة، وهما يراعى فيهما حلول الحول، والآخر وعليه أصحابه: أنّه يجب عليه حين التناول، وعليه إخراجه حين التصفية والفراغ، فإن أخرجه قبل التصفية لم يجزه.

دليلنا: قوله تعالى: (فَأَنَّ

لِلّهِ خُمُسُهُ) والأمر يقتضي الفور، فيجب الخمس على الفور، وأمّا احتساب النفقة من أصله فعليه إجماع الفرقة، وأيضاً الأصل براءة الذّمة، وما قلناه مجمع عليه، وما قالوه ليس عليه دليل(1).

وقال النراقي رحمه الله في «مستنده»:

يشترط في وجوب الخمس في الفوائد المكتسبة بأقسامها الخمسة، وضع مؤونة التحصيل الّتي يحتاج إليها في التوصّل إلى هذه الاُمور من حفظ الغنيمة ونقلها، واُجرة حفر المعدن وإخراجه وإصلاحه وآلاته، وآلات الغوص أو أرشها، واُجرة الغوص وغير ذلك، ومؤونة التجارة من الكراية، واُجرة الدّلال والمنزل، ومؤونة السفر والعشور ونحوها، وكذا مؤونة الزراعة والصناعة ممّا يحتاج إليها حتی آلات الصناعة، لعدم صدق الفائدة على ما يقابلها، وللأخبار المستفيضة(2).

وقال في «الجواهر» بعد نقل كلام المحقق صاحب «الشرائع»: « الخمس يجب بعد المؤونة الّتي يفتقر إليها إخراج الكنز والمعدن من حفر وسبك وغيره»:

ص: 197


1- «الخلاف» ج2/118، المسألة الرقم 140 من مسائل كتاب الزكاة.
2- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/61.

بلا خلاف أجده كما اعترف به في المفاتيح، بل في المدارك نسبة ما في المتن إلى القطع به في كلام الأصحاب، كما أنّه في الخلاف الإجماع عليه، ولعلّه كذلك بل يمكن تحصيله في الجميع وإن سمعت الخلاف فيه في الغنيمة(1).

وكيف كان فقد استدلّ على ذلك زائداً على الإجماع المدعى بما أجاب علیه السلام في صحيحة زرارة بعد سؤاله عن حكم ما يجب في المعادن، فقال: «كُلُّ مَا كَانَ رِكَازاً فَفِيهِ الْخُمُسُ، وقال: مَا عَالَجْتَهُ بِمَالِكَ فَفِيهِ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْهُ مِنْ حِجَارَتِهِ مُصَفًّى الْخُمُسُ»(2)، بتقريب أنّ الظاهر من «المصفّى» هو ما يبقى بعد استثناء المؤونة، وكذا قوله علیه السلام في صحيح محمّد بن الحسن الأشعري: «الْخُمُسُ بَعْدَ الْمؤونة»(3).

لكنّه يلاحظ على الأخير بأنّ الظاهر من قوله علیه السلام: «الْخُمُسُ بَعْدَ الْمؤونة» إنّما هو مؤونة سنة المخمّس وعياله لا مؤونة المكسب والإخراج، يشهد لذلك ما ورد في بعض روايات الباب كقوله علیه السلام في صحيحة علي بن مهزيار: «إِذَا أَمْكَنَهُمْ بَعْدَ مَؤُونَتِهِمْ»(4)، وقوله علیه السلام في صحيحة اُخرى عنه: «الْخُمُسُ بَعْدَ مَؤُونَتِهِ وَمؤونة

ص: 198


1- «جواهرالكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/82.
2- «التهذيب» ج4/122، الحديث 347، و«وسائل الشيعة» ج9/492، الحديث 12563.
3- راجع: «التهذيب» ج4/123، الحديث 352، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 181، و«وسائل الشيعة» ج9/499، الحديث 12579.
4- راجع: «التهذيب» ج4/123، الحديث 353، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 182، و«وسائل الشيعة» ج9/500، الحديث 12581.

عِيَالِهِ وَبَعْدَ خَرَاجِ السُّلْطَانِ»(1)، وقوله علیه السلام في خبر علي بن محمّد بن شجاع النيسابوري: «الْخُمُسُ مِمَّا يَفْضُلُ مِنْ مَؤونَتِهِ»(2).

فالعمدة في المقام زائداً على الإجماع هو ما استدلّ به في الصحيحة المتقدمة عن زرارة، زائداً علی أنّ الخمس ضريبة على الفوائد، وهي عرفاً لا تكون إلّا بعد كسر مصارف الإخراج، ولا أقلّ من الشك والتمسك بأصالة البراءة لنفي الوجوب بالنسبة إليها.

وأمّا المسألة الثانية: بناءً على القول باعتبار النصاب فهل يكفي في تحقّق النصاب بلوغه له قبل استثناء المؤن المصروفة، أو لا يكفي إلّا إذا بلغه بعد استثنائها؟ فلو كان الخارج من المعدن ثلاثين ديناراً وكانت المؤونة

خمس عشرة ديناراً، فعلى الأوّل يتعلّق الخمس بالباقي بعنوان المعدن، بخلافه على القول الثاني فلا يتعلّق به الخمس إلّا بعنوان الفوائد المكتسبة وبعد استثناء مؤونة سنته.

المسألة ذات وجهين بل قولين أشهرهما الثاني، أشار إليهما في «الجواهر» حيث قال:

هل يعتبر النصاب فيما اعتبر فيه من أنواع الخمس قبلها أو بعدها؟ وجهان في المدارك، أقواهما في النظر الثاني، للأصل وظاهر المنساق

ص: 199


1- راجع: «التهذيب» ج4/123، الحديث 354، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 183، و«وسائل الشيعة» ج9/500، الحديث 12582.
2- راجع: «التهذيب» ج4/16، الحديث 39، و«الاستبصار» ج2/17، الحديث 48، و«وسائل الشيعة» ج9/500، الحديث 12580.

إلى الذهن من مجموع الأدلة وفاقاً للمنتهى والتذكرة والبيان والدروس، بل ظاهر الأوّلين كونه مجمعاً عليه بيننا حيث نسب الخلاف فيه فيهما إلى الشافعي وأحمد، بل في المسالك نسبته إلى تصريح الأصحاب أيضاً، بل قال: إنّهم لم يتعرّضوا فيه لخلاف كما ذكروه في مؤونة زكاة الغلات(1).

واستظهره في «المدارك» حيث قال:

فهل يعتبر النصاب بعد المؤونة أم قبلها فيخرج منه ما بقي بعد المؤونة؟ وجهان: أظهرهما الثاني(2).

واختاره السيّد الخوئي رحمه الله أيضاً في تعليقته على «العروة» حيث قال:

الظاهر كفاية بلوغ المخرج عشرين ديناراً قبل استثناء المؤونة وإن كان ما يجب فيه الخمس إنما هو بعد استثنائها(3).

وكيف كان ليس في مسألة اعتبار بلوغ النصاب بعد استثناء مؤونة الاستخراج وعدمه نصّ خاصّ إلّا ما تقدّم من صحيحة البزنطي قال: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ علیه السلام عَمَّا أَخْرَجَ الْمَعْدِنُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ هَلْ فِيهِ شيء؟ قَالَ: «لَيْسَ فِيهِ شيء حتی يَبْلُغَ مَا يَكُونُ في مِثْلِهِ الزَّكَاةُ عِشْرِينَ دِينَاراً»(4)، فمن قال بعدم الاستثناء تمسّك

ص: 200


1- «جواهرالكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/83.
2- «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج5/392.
3- «العروة الوثقی (المحشّی)» ج4/239.
4- «التهذيب» ج4/138، الحديث 391، و«وسائل الشيعة» ج9/494، الحديث 12568.

بإطلاقها بأنّها لم تستثن مؤونة الإخراج مع وجودها في أغلب المعادن(1)، ومن قال بالاستثناء تمسّك بأنّ الظاهر من قوله علیه السلام: «لَيْسَ فِيهِ شيء حتی يَبْلُغَ مَا يَكُونُ في مِثْلِهِ الزَّكَاةُ عِشْرِينَ دِينَاراً» هو وجوب الخمس فيه إذا بلغ العشرين بأن يكون الخمس في نفس العشرين، ولا يتأتى ذلك إلّا إذا اعتبر العشرون بعد المؤونة(2).

والتحقيق في المقام يقتضي أن نقول حيث إنّه إنّما يتمسّك بالإطلإق إذا تمّت مقدمات الحكمة - الّتي منها عدم وجود قدر متيقّن في مقام التخاطب - فلقائل أن يقول إنّ القدر المتيقّن هنا وجوبه إذا بلغ النصاب بعد كسر مؤن الاستخراج، لا سيّما إذا أدرجنا جميع ما يجب فيه الخمس تحت عنوان الغنيمة، ومن الواضح أنّ ما يحاذي المؤونة ليس من الغنائم والمنافع عرفاً، بل ربما تكون مؤن الاستخراج في بداية الأمر أكثر من منافع المعدن بحيث يكون فيه الخسارة، فهل يلتزم أحد بوجوب الخمس حينئذٍ؟! فبذلك نقدّم الظاهر على الإطلاق، والعجب من السيّد الخوئي رحمه الله كيف أفتى في المقام بكفاية تحقّق النصاب قبل استثناء المؤن المصروفة، مع أنّه قد صرّح في مبحث الغنائم الحربية بنفي الإطلاق وأنّه يكون بعد إخراج المؤن الّتي أنفقت على الغنيمة، واستدلّ له بأنّ قاعدة العدل والإنصاف تقتضي أن تكون مصارف تحصيل المنافع في الأموال

ص: 201


1- راجع: «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/44، و«مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص47.
2- راجع: «كتاب الخمس للشيخ الأنصاري» ص127.

المشتركة مشاعة بين أربابها(1)، فإذا وضع الشارع قدراً - بناءً على فرض تسليم جعل النصاب لوجوب الخمس في المعادن - فالإنصاف يقتضي احتسابه بعد استثناء المؤن المصروفة.

هذا مع أنّه حيث كان المقام من قبيل الشك في أصل التكليف الإلزامي، فالأصل المتبع فيه هو البراءة لا الاشتغال.

ص: 202


1- راجع: «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/10 - 11، و«مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص15.

بقي هنا اُمور:

بقي ذيل مسألة اعتبار النصاب في المقام اُمور ينبغي الإشارة إليها، وهي على ما أشار إليها في «العروة» أربعة:

الأوّل: هل يعتبر كون الخارج البالغ حدّ النصاب في دفعة واحدة أم تكفي الدفعات؟

قال السيّد رحمه الله في «العروة»:

ولا يعتبر في الإخراج أن يكون دفعة، فلو أخرج دفعات وكان المجموع نصاباً وجب إخراج خمس المجموع، وإن أخرج أقلّ من النصاب فأعرض ثمّ عاد وبلغ المجموع نصاباً فكذلك على الأحوط(1).

وقال المحقّق البحراني رحمه الله :

المفهوم من كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنّه لا يعتبر في النصاب الإخراج دفعة، بل لو أخرج من المعدن في دفعات متعدّدة ضمّ بعضها إلى بعض واعتبر النصاب من المجموع وإن تخلّل بين الدفعات الإعراض، وشرط العلّامة في المنتهى أن لا يكون بين الدفعات إعراض فلو أهمله معرضاً ثمّ أخرج بعد ذلك لم يضمّ، وهو تقييد للنصّ بغير دليل فإنّ ظاهر النصوص المتقدمة وجوب الخمس في هذا النوع كيف اتّفق الإخراج، فالتقييد بهذا الشرط يحتاج إلى دليل وليس فليس(2).

ص: 203


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/370.
2- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/331.

لا شك في تعلّق الخمس إذا بلغت قيمة الكمّية الخارجة من المعدن في الإخراج الأوّل عشرين ديناراً، إنّما الكلام إذا بلغت أقلّ من ذلك، فهل يضمّ الإخراج الثاني إلى الأوّل في تشكيل النصاب أو لا؟ قد ذكر السيّد البروجردي رحمه الله في المسألة وجوهاً ثلاثة:

أحدها: أنّه لابدّ أن يبلغ النصاب في كلّ دفعة.

ثانيها: أنّه لا فرق بين أن يبلغ النصاب في كلّ دفعة أو دفعات.

ثالثها: أن نفصّل بين الإعراض وعدمه، فيلحق بدفعة واحدة في الصورة الثانية دون الاُولى، ثمّ رجّح الإلحاق مطلقاً(1).

ثمّ إنّه ذكر المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباحه» وجهاً رابعاً، وهو أن نفصّل بين ما إذا عدّ العود بعد الإعراض عملاً استئنافياً عرفاً من غير ارتباط بين الفعلين، فلكلّ واحد منهما نصاب على حدّه، وما إذا كان العود بمنزلة الإعراض عن إعراضه السابق فللعملان نصاب واحد(2).

أقول: قد عرفت أنّه لم يرد لخصوص ما دلّ على اعتبار النصاب وكيفيته إلّا ما تقدّم من صحيح البزنطي قال: سألت أبا الحسن عليّ بن موسی الرّضا علیه السلام عَمَّا أَخْرَجَ الْمَعْدِنُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ هَلْ فِيهِ شيء؟ قَالَ: «لَيْسَ فِيهِ شيء حتی يَبْلُغَ مَا يَكُونُ في مِثْلِهِ الزَّكَاةُ عِشْرِينَ دِينَاراً»(3)، الّتي ظاهره عدم الفرق في ذلك بينالدفعة والدفعات، وذلك حيث إنّه يستعمل كلمة «حتّى» نوعاً فيما إذا كان له

ص: 204


1- «زبدة المقال في خمس الرسول والآل» ص21 - 22.
2- «مصباح الفقيه» ج19/172 - 173.
3- «التهذيب» ج4/138، الحديث 391، و«وسائل الشيعة» ج9/494، الحديث 12568.

نحو امتداد فيصدق على ما إذا لم يبلغ الدفعة الاُولى أنّه لا يجب فيه الخمس حتی يبلغ في غيرها من الدفعات إلی الحدّ المخصوص، لا سيّما باعتبار الأدوات الابتدائية الرائجة لاستخراج المعادن في زمان صدور النصّ، خلافاً للأدوات الكبيرة الحديثية الرائجة اليوم حيث تخرج أكثر من النصاب المذكور.

وكذا الكلام بالنسبة إلی ما تخلّل بينه الإعراض وعدمه، فيعتبر بلوغه حدّ النصاب مطلقاً.

وبعبارة اُخرى: أنّ الخمس في الواقع حكم وضعي يتعلّق بما يحصل من منافع المعدن الّتي يشترط على الفرض بلوغه حدّ النصاب، سواء بلغ الحدّ في الدفعة الاُولى أم طيّ دفعات متعدّدة، وسواء تخلّل بينه الإعراض أم لا، يعدّ العود عرفاً بعد الإعراض عملاً استئنافياً أم لا.

ص: 205

الثاني: هل يعتبر وحدة المخرِج (بالكسر) أم يكفي المتعدّد كالمخرَج (بالفتح)؟

لا ريب في تعلّق الخمس إذا اشترك جماعة في استخراج معدن وبلغ نصيب كلّ واحد منهم النصاب، إنّما الكلام فيما إذا بلغ الحدّ نصيب مجموعهم مجتمعاً، فقد صرّح كثير بعدم الوجوب حينئذٍ، وآخرون بوجوبه كالسيّد في «العروة»، قد أشار إلى هذين القولين في «الجواهر» حيث قال:

وكذا لا فرق قطعاً بين اتحاد المستخرِج للمعدن وتعدّده بحيث اشتركوا في حيازته إذا بلغ نصيب كلّ واحد منهم النصاب، أمّا إذا لم يبلغ فقد صرّح غير واحد بعدم الوجوب على أحد منهم، بل لا أعرف من صرّح بخلافه، لكن قد يقال بظهور صحيح ابن أبي نصر السابق بل وغيره من الأخبار بخلافه، كما اعترف به الشهيد في بيانه، وهو أحوط إن لم يكن أولى، بل قد يدّعى ظهور الصحيح المذكور في عدم اعتبار ذلك في المتعدّدين غير الشركاء أيضاً وإن كان بعيداً جداً إن لم يكن ممتنعاً(1).

وقال المحقّق العاملي رحمه الله :

لو اشترك جماعة في استخراج المعدن اشترط بلوغ نصيب كلّ واحد النصاب، وتتحقق الشركة بالاجتماع على الحفر والحيازة، ولو اختصّ أحدهم بالحيازة والآخر بالنقل وثالث بالسبك، فإن نوى الحيازة لنفسه كان الجميع له وعليه اُجرة الناقل والسابك، وإن نوى الشركة كان بينهم أثلاثاً(2).

ص: 206


1- «جواهرالكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/20.
2- «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج5/367.

وقال السيّد رحمه الله في «العروة»:

وإذا اشترك جماعة في الإخراج ولم يبلغ حصة كلّ واحد منهم النصاب ولكن بلغ المجموع نصاباً فالظاهر وجوب خمسه(1).

أقول: وجوب الخمس - وإن تقدّم كونه وضعياً - لكن مناطه على القول باعتبار النصاب في المقام بلوغه إلى هذا الحدّ بالنسبة إلى كلّ مستخرج، كما هو كذلك في باب الزكاة أيضاً، فإذا اشترك جماعة في الإخراج ولم يبلغ حصة كلّ واحد منهم النصاب لم يصدق بالنسبة إليه أنّه من الّذين غنموا المعدن الّذي وجب أي وضع عليه الخمس، زائداً على أنّه على القول بإجمال الدليل من هذم الجهة فالأصل الجاري في مثله لكونه من قبيل الأقلّ والأكثر الاستقلاليين هو البراءة لا الاشتغال، نعم مقتضى الاحتياط الاستحبابي هو تعميم الحكم لما بلغ النصاب بالانضمام أيضاً.

إن قلت: إطلاق دليل النصاب يعمّ كلا بلوغ النصاب منفرداً ومشتركاً.

قلنا: إنّ الإطلاق كما ثبت في محلّه(2) متفرع على مقدمات الحكمة الّتي عدّ منها انتفاء القدر المتيقّن في مقام التخاطب، والمتيقّن من النصّ والفتوى بلوغهم إلى النصاب منفرداً.

ص: 207


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/370 - 371.
2- راجع: «كفاية الاُصول» ص247، مبحث «المطلق والمقيّد».

الثالث: هل يعتبر اتحاد جنس المخرَج أم لا؟

قال السيّد رحمه الله في «العروة»:

وكذا لا يعتبر اتحاد جنس المخرج فلو اشتمل المعدن على جنسين أو أزيد وبلغ قيمة المجموع نصاباً وجب إخراجه، نعم لوكان هناك معادن متعددة اعتبر في الخارج من كل منها بلوغ النصاب دون المجموع، وإن كان الأحوط كفاية بلوغ المجموع خصوصاً مع اتحاد جنس المخرج منها سيما مع تقاربها بل لا يخلو عن قوة مع الاتحاد والتقارب(1).

عمليّة الاستخراج إمّا تنحصر بمعدن واحد أو بأكثر، وعلى الأوّل إمّا أن يكون المخرَج عنصراً واحداً كالذهب فقط أو الفضة كذلك أو متعدّداً، فعلى الأوّل فالحكم واضح، وعلى الثاني فهل الملاك بلوغ كلّ عنصر نصاباً معيّناً أو كفاية بلوغ المجموع؟ الظاهر هو الثاني، وذلك لأنّ الموضوع هو «ما أخرج من المعدن» أو استفادة الإنسان من المعدن، وليس الموضوع العناصر الّتي تخرج منها حتی يكون كلّ عنصر موضوعاً مستقلاً، هذا مع أنّ الغالب في المعادن اشتمالها على عناصر مختلفة وإنّما يسمّى بالعنصر الغالب كمعدن النفط الّذي يشتمل على عناصر مختلفة من النفط والزيت والغاز وغيرها من منشئاتها المكتشفة الحديثة، ومعدن الذهب الّذي يشتمل على عناصر اُخرى من النحاس والحديد، وهكذا.

هذا كلّه إذا كانت عمليّة الاستخراج منحصرة بمعدن واحد، وأمّا إذا كانت المعادن متعدّدة ففيه كلام بين الأصحاب، اختار صاحب «الجواهر» في بداية

ص: 208


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/371.

الأمر أنّه لا فرق بين المعدن الواحد والمعادن المتعدّدة وأنّ الجميع تحسب واحداً في النصاب، ثمّ نقل هذا النظر عن اُستاذه كاشف الغطاء تبعاً للشهيد في «المسالك» وسبطه في «المدارك» على وجه فيهما، ثمّ قال: «الإنصاف عدم خلوّه عن الإشكال»(1)، وحكى المحقق الهمداني رحمه الله عن الشيخ الأنصاري1 اعتبار الوحدة في ذلك وعن غير واحد التوقف في المسألة(2).

ثمّ إنّ المحقق النراقي رحمه الله وإن استظهر في الصورة الاُولى عدم اعتبار اتحاد الجنس، لكنّه حكى عن الشهيد رحمه الله في «البيان» احتمال اعتباره، وعن ثانيهما في «الروضة» أنّه استجود ذلك حيث قال:

وفي اعتبار اتحاد النوع وجهان احتملهما في البيان، واستجود في الروضة الاعتبار، وكأنّه للأصل والشك في دخول الأنواع المختلفة في الأفراد المتبادرة من الإطلاق.

واختار في المنتهى والتذكرة والتحرير والمدارك: العدم، لما مرّ من إطلاق النصّ، وهو الأظهر، لذلك (يعني الإطلاق)، وعدم اعتبار الشك في التبادر، بل المعتبر العلم بعدم التبادر، وهو ممنوع(3).

أقول: إنّ الّذي يظهر من إطلاق قوله علیه السلام في صحيح البزنطي: «لَيْسَ فِيهِ شيء حتی يَبْلُغَ مَا يَكُونُ في مِثْلِهِ الزَّكَاةُ عِشْرِينَ دِينَاراً»(4) عدم اعتبار ذلك، لما

ص: 209


1- «جواهرالكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/20.
2- «مصباح الفقيه» ج19/173 - 174.
3- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/60.
4- «التهذيب» ج4/138، الحديث 391، و«وسائل الشيعة» ج9/494، الحديث 12568.

عرفت من أنّ الموضوع في المقام هو «ما أخرج من المعدن» أو استفادة الإنسان من المعدن وليس الموضوع أنّ لكلّ معدن حكماً على حدّه.

والعجب من السيّد رحمه الله في «العروة» كيف أفتى في المقام بعدم كفاية المجموع حدّ النصاب مع أنّه أفتى به في زكاة الأنعام حيث قال:

إذا كان مال المالك الواحد متفرقاً ولو متباعداً يلاحظ المجموع، فإذا كان بقدر النصاب وجبت ولا يلاحظ كلّ واحدة على حدّة(1).

فبناءً على ما ذكرناه لا فرق في المقام بين أن تكون المعادن إذا كانت لمالك واحد متقاربة في أرض واحدة بحيث يعدّ الجميع في العرف واحداً، وبين أن تكون متباعدة بحيث تُعدّ متعدّدة.

ص: 210


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/276.

الرابع: عدم اعتبار استمرار تكوّن المعدن ودوامه في وجوب الخمس

قال السيّد رحمه الله في «العروة»:

وكذا لا يعتبر استمرار التكوّن ودوامه فلوكان معدن فيه مقدار ما يبلغ النصاب فأخرجه ثمّ انقطع جرى عليه الحكم بعد صدق كونه معدناً(1).

أقول: المعدن كما تقدّم في تعريفه عند أرباب اللغة اسم مكان متّخذ من العدن الّذي يعدّ عند الاُصوليين مشتقاً، والمعتبر في إطلاقه على نحو الحقيقة عندهم هو تلبسه بالمبدأ في حال النسبة لا بقائه إلى ما يأتي حتی في مثل الصفات المشبهات، نعم إنّهم اتّفقوا على كون المشتق مجازاً فيما يتلبس به في الاستقبال(2)، فبناءً على ذلك كلّما صدق اسم المعدن على شيء وكان فيه مقداراً من الجوهر بما يبلغ النصاب وأخرجه وجب عليه خمسه وإن لم يوجد فيه شيء آخر بعد ذلك، لا سيّما بعد ما كان جميع المعادن أو غالبها فيها مقادير معينة من الجواهر، كثيرة كانت أو قليلة، وعليه لا وجه لما استشكل في «كشف الغطاء» في شمول حكم الخمس فيما لم يستمرّ جنس المعدن حيث قال:

ولو حصل شيء قليل منه في مكان فاستنبط مرّة بمقدار النصاب ثمّ انقطع، ففي دخوله في حكم المعادن إشكال(3).

وفي «الجواهر» بعد نقل كلام اُستاذه كاشف الغطاء رحمه الله قال:

ص: 211


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/371.
2- لزيادة التوضيح راجع: «كفاية الاُصول» ص38، المقدمة الثالث عشر مبحث «المراد بالمشتق».
3- «كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء (ط - الحديثة)» ج4/201.

وإن كان الأقوى في النظر وجوبه لإطلاق الأدلّة المقتضي دخول ذلك(1).

هاهنا مسائل:

المسألة الاُولى: حكم خمس تراب المعدن قبل التصفية.

إنّ بعض المعادن كالذهب والفضة والحديد وغيرها من المعادن المنطبعة في الأرض تكون ممتزجة بالتراب وتحتاج لا محالة إلى التصفية تخليصاً للمواد الجوهرية المعدنية منه، بخلاف مثل العقيق والفيروزج والألماس ونحوها، فالمراد بتراب المعدن التراب الممتزج بالمواد المعدنية، فيقع الكلام تارة في تعلّق الخمس به حينئذٍ، واُخرى في جواز أداء الخمس منه.

أمّا الأوّل: فقد اختار في «كشف اللثام» أنّه يشترط في تعلّق الخمس بها التصفية وظهور الجوهر، وعليه لا يجزئ تخميس تراب المعدن مطلقاً سواء زاد على الخمس أو نقص، أو علم بالتساوي، لعدم تعلّق الخمس به في هذه الحالة، حيث قال:

ولا يصحّ إخراج الخمس من تراب المعدن، لقيام احتمال الاختلاف ولو علم التساوي أو زيادة المدفوع على الحقّ لم يجز أيضاً، لأنّ الظاهر أنّ الخمس إنّما يجب بعد ظهور الجوهر(2).

وهو أيضاً خيرة تلميذه في «الجواهر»(3)، والشيخ الأنصاري رحمه الله في كتاب

ص: 212


1- «جواهرالكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/23.
2- «كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء (ط - الحديثة)» ج4/200.
3- «جواهرالكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/21.

خمسه(1)، واستدلّوا عليه بصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام قال سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: «كُلُّ مَا كَانَ رِكَازاً فَفِيهِ الْخُمُسُ، وقال: مَا عَالَجْتَهُ بِمَالِكَ فَفِيهِ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْهُ مِنْ حِجَارَتِهِ مُصَفًّى الْخُمُسُ»(2)، بدعوى أنّ الظاهر من قوله علیه السلام «مُصَفًّى» أنّه يتعلّق الخمس بالمعدن بعد التصفية، وحاصل كلاماتهم أنّه يشترط في تعلّق الخمس بالمعدن أمران إخراج المعدن من المحلّ فلا خمس قبل الإخراج، وتصفيته من التراب الممتزج به في المعادن المحتاجة إليها كالذهب والفضة ونحوهما، فلا خمس قبل التصفية.

يلاحظ عليه أوّلاً: أنّ ظاهر الأخبار الدّالة على وجوب الخمس في المعادن(3) كفاية مجرد تملّكها بالاستخراج في المعادن المستخرجة، من دون اشتراطه بالتصفية، لصدق المعدن على ما في التراب الممزوج به، كما هو الحال في المعادن المنطبعة، كمعدن الذهب والفضة والحديد ونحوها، منها صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال: سَأَلْتُهُ عَنْ مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ؟ فَقَالَ: «عَلَيْهَا الْخُمُسُ جَمِيعاً»(4)، فعليه يتعلّق الخمس بهمن حين الاستخراج ولو قبل التصفية، ويجب على المستخرج أداءه

ص: 213


1- «كتاب الخمس للشيخ الأنصاري» ص36.
2- «التهذيب» ج4/122، الحديث 347، و«وسائل الشيعة» ج9/492، الحديث 12563.
3- راجع: «وسائل الشيعة» ج9/491، أحاديث الباب الثالث من أبواب ما يجب فيه الخمس.
4- «التهذيب» ج4/121، الحديث 345، و«وسائل الشيعة» ج9/491، الحديث 12561.

سواء صفاه أم لا، ممّا يؤيد ذلك صدق الغنيمة الّذي هو الملاك الحقيقي في تعلّق الخمس بالمعدن بمجرّد الملك ولو قبل التصفية(1).

وأمّا الاستدلال على اشتراط التصفية بقوله علیه السلام في الصحيحة المتقدمة: «مِنْ حِجَارَتِهِ مُصَفًّى الْخُمُسُ» فيقيد به إطلاق الروايات، ففيه كما أجاب عنه المحقق الهمداني رحمه الله وغيره(2) أنّ الظاهر من توصيف حجارة المعدن بالتصفية في قوله علیه السلام: «حِجَارَتِهِ

مُصَفًّى» هو أنّ التصفية قيد للواجب لا شرط للوجوب، ولمتعلّق الخمس لا لتعلّق الخمس به، أي أنّ مورده هو خالص الجوهر ومصفّاه بعد تخليصه وبعد ما يستثنى عنه من المؤن المصروفة للاستخراج والعلاج.

وثانياً: بالنقض بما أورده المحقّق الهمداني رحمه الله أيضاً من أنّ لازم الاشتراط بالتصفية هو أنّه لو باع تراب المعدن على غيره قبلها لا يجب الخمس من حيث المعدنية لا على البائع ولا على المشترى، أمّا البائع فلإخراجه عن ملكه قبل تعلّق الخمس به علی الفرض، وأمّا المشتري فلانتقاله إليه بالشراء لا بالاستخراجمن المعدن(3).

ص: 214


1- كما ورد في صحيحة الحسن بن محبوب عن عبد اللّه بن سنان قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «لَيْسَ الْخُمُسُ إِلَّا في الْغَنَائِمِ خَاصَّةً». «من لا يحضره الفقيه» ج2/21، الحديث 74، و«التهذيب» ج4/124، الحديث 359، و«الاستبصار» ج2/56، الحديث 184، و«وسائل الشيعة» ج9/485، الحديث 12546.
2- راجع: «مصباح الفقيه» ج19/180 - 181، و«موسوعة الإمام الخوئي» ج25/50، و«مستند العروة كتاب الخمس» ص53 و....
3- «مصباح الفقيه» ج19/179.

فتحصّل إلى هنا أنّ إطلاق أدلة تخميس المعدن محكمة لا يمكن رفع اليد عنها بمثل هذا الظهور، إلّا أن يقوم دليل بخصوصه على التقييد بالتصفية، فالخمس يتعلّق بالمعدن قبل التصفية ولكن كان موضوعه نفس الجوهر الداخل في التراب إذا بلغ النصاب.

وإن شئت قلت: أنّ متعلّق الخمس حقيقتاً سواء شرطنا النصاب أم لا، هو نفس الجوهر الممزوج بالتراب، لكنّه حيث لا طريق إلى معرفة مقداره الواقعي التجئنا بالتخليص، وعليه لا يكون للتصفية دخل في الحكم إلّا من حيث كونه طريقاً إليه، ففي مثل ذلك من الأموال المشتركة لا تحصل البراءة من أداء حقّ الشريك إلّا بالتخليص، أو بتراضي الطرفين.

أمّا الثاني: أي أداء الخمس من نفس تراب المعدن بناءً على القول بعدم اشتراط الخمس بالتصفية، فقد فصّل صاحب «العروة» بين ما إذا علم بتساوي الأجزاء في الاشتمال على الجوهر أو بالزيادة فيما أخرجه فيجوز، وإلّا فلا، حيث قال:

لو أخرج خمس تراب المعدن قبل التصفية، فإن علم بتساوي الأجزاء في الاشتمال على الجوهر أو بالزيادة فيما أخرجه خمساً أجزأ، وإلّا فلا لاحتمال زيادة الجوهر فيما يبقى عنده(1).

أقول: التحقيق يقتضي أن نفصّل في المقام على الوجه الآتي لا بما فصّله في«العروة» بالفرق بين ما إذا كان للتراب قبل التصفية قيمة ويوجد بإزائه باذل، ففي هذه الصورة وإن تعلّق الخمس أيضاً بالجوهر الداخل فيه ويحتمل زيادته عن

ص: 215


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/371، المسألة الرقم 6.

المبذول ونقصانه، لكنّه حيث كان المقام من قبيل الأقلّ والأكثر الاستقلاليين فلا إشكال من جواز تخمسيه من نفس تراب المعدن أو قيمته إذا ارتضيا به الحاكم والمالك مصالحة وكان فيه غبطة لأربابه كما كان هو الأمر في كل مال مشترك، سواء علما بتساوي الأجزاء أم لا، يحتمل كونه زائداً عنه أم ناقصاً، وبين ما إذا لم يكن كذلك فلا يجوز مطلقاً.

ص: 216

المسألة الثانية: هل مباشرة الاستخراج فيما يحتاج إليه شرط في وجوب الخمس بعنوان المعدنيّة أم لا؟

إنّه قد يوجد من المعدن مخرجاً مطروحاً في الصحراء إمّا لعامل طبيعي من زلزلة أو سيل أو ريح ونحو ذلك فأخذه شخص وملكه، أو لعامل إنساني غير مالك وعلم بأنّه لم يخرج خمسه، فيقع الكلام حينئذٍ في أنّه هل يجب عليه خمس المعدن بما هو معدن، فيعتبر فيه النصاب على القول به، ولا يستثنى منه مؤونة السنة، أو يجب فيه خمس الفائدة بما هي فائدة لاشتراط مباشرة الاستخراج في خمس المعدن، والمفروض عدمه؟ فهم بين قائل بوجوب التخميس الّذي هو خيرة المشهور ومنهم السيّد رحمه الله في «العروة» من باب الحتياط الوجوبي لعدم دليل على اشتراط ذلك بل يكفي مجرد استيلائه، وقائل بعدم وجوبه كالشيخ جعفر كاشف الغطاء رحمه الله ، وقائل بالتفصيل بين ما إذا كان الإخراج لعامل طبيعي فلا يجب لعدم صدق المعدن عليه، وما كان بفعل إنسان غير المالك فيجب بدعوى إلغاء خصوصية الفاعل عرفاً الّذي اختاره في «مصباح الفقيه».

قال السيّد رحمه الله في «العروة»:

إذا وجد مقداراً من المعدن مخرجاً مطروحاً في الصحراء فإن علم أنّه خرج من مثل السيل أو الريح أو نحوهما أو علم أنّ المخرج له حيوان أو إنسان لم يخرج خمسه وجب عليه إخراج خمسه على الأحوط إذا بلغ النصاب، بل الأحوط ذلك وإن شك في أنّ الإنسان المخرج له أخرج خمسه أم لا(1).

ص: 217


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/371 - 372، المسألة الرقم 7.

وقال في «كشف الغطاء»:

ولو وجد شيئاً من المعدن مطروحاً في الصحراء فأخذ فلا خمس(1).

وقد تنظّر في ما قاله كاشف الغطاء رحمه الله في «الجواهر» حيث قال:

ولعلّه لظهور الأدلة في اعتبار الإخراج وإن كان للنظر فيه مجال، بل قد يدّعى تناول الأدلة لمثله مع فرض مطروحيته مباحاً بأن كان المخرج له حيواناً مثلاً...(2).

وقال المحقّق الهمداني رحمه الله :

ويمكن التفصيل بين ما لو كان بفعل غير المالك أو بهبوب الرياح وجري السيل ونحوه بدعوى أنّ المتبادر من أدلته إنّما هو وجوب الخمس فيما يستخرج من المعادن سواء ملكه المخرج أم لا، بأن كان أجيراً أو وكيلاً أو فضولياً أو غاصباً، غاية الأمر أنّ قراره على من دخل في ملكه بمقتضى المناسبة، فخصوصيّة الفاعل ملغاة لدى العرف فيما يفهمون من أدلته، ولكن لا على وجه يتعدّى إلى مثل السيل وهبوب الريح ونحوه، ألا ترى أنّك لو راجعت وجدانك تجد الفرق بين ما استخرجه غير المالك إما فضولياً أو غصباً أو بزعم أنّه ملكه، فانكشف خلافه، فدفع الحاصل إلى المالك في استفادة حكمه من الأدلّة بشهادة العرف، وقضائهم بعدم مدخليّة خصوصيّة المالك في ذلك، وكون وجوب الخمس في مثل الفرض أولى، وبين ما لو أخذ السيل من المعدن شيئاً فطرحه في مكان آخر، فإنّه موضوع آخر لدى العرف

ص: 218


1- «كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء (ط - القديمة)» ص360.
2- «جواهرالكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/22.

أجنبيّ عمّا يتسبق إلى الذهن من أدلته...، فالتفصيل بين الصورتين غير بعيد(1).

أقول: إنّ الأظهر بل الظاهر من هذه الأقوال هو القول بوجوب الخمس فيها مطلقاً ولا أقلّ من كونه أحوطاً، وذلك لما تقدّم في مبحث تعريف المعدن ودليل وجوبه، أنّ المعدن هو اسم لكلّ ما استخرج أو خرج من الأرض ممّا يخلق فيها من غيرها وكانت له قيمة، وأنّ الخمس على ما يظهر من أدلته حقّ مالي ثابت للإمام علیه السلام وأربابه، وأنّه حكم وضعي لا تكليفي، وأنّ الحكم فيه دائر مدار عنوان المعدنيّة، فعليه كلّما ثبت على شيء اسم المعدن لا يفرق في وجوب الخمس عليه في المعادن المخرجة المطروحة بين كونها لعامل طبيعي أو إنساني غير مالك إذا لم يخرج خمسه.

ص: 219


1- «مصباح الفقيه» ج19/177 - 178.

المسألة الثالثة: حكم ملكيّة المعادن المستخرجة:

المعادن قد تكون في أراضي مملوكة لأشخاص خاص، واُخرى ما تكون في الأراضي العامرة من المفتوحة عنوة، وثالثة ما تكون في الأراضي الموات.

أمّا الأوّل: فهي كانت لأربابها بلا ريب، لأنّها هو القدر المتيقن ممّا دلّ على جواز تمليك المعدن ووجوب تخمسيه، فيجب عليهم خمسها بعد كسر مؤونة الاستخراج إذا بلغ النصاب على القول به، هذا إذا أخرجها المالك بنفسه أو أذن غيره لإخراجه.

وأمّا إذا استخرجها غيره غصباً أو غفلة أو جهلاً، فهناك مذهبان: الأوّل: ما اختاره السيّد رحمه الله في «العروة» تبعاً للمشهور أو الأشهر بأنّها أيضاً كانت لأربابها إلّا أنّه لم يستثن منه حينئذٍ المؤونة الّتي صرفها المخرِج، إذ لا احترام ليد غير المالك إذا لم يكن مأموراً ولا مأذوناً حتی يوجب ضمانها، وذلك لدلالة السيرة المتشرعة بل العقلاء على أنّ من ملك أرضاً ملك توابعها وملحقاتها، ومن هنا لو باع الأرض فاستخرج المشتري منها معدناً كان المعدن له وليس للبائع مطالبته بذلك لأنّه باع الأرض بتوابعها وملحقاتها، قال في «العروة»:

لوكان المعدن في أرض مملوكة فهو لمالكها وإذا أخرجه غيره لم يملكه بل يكون المخرَج لصاحب الأرض، وعليه الخمس من دون استثناء المؤونة لأنّه لم يصرف عليه مؤونة(1).

وقال في «الجواهر»:

ص: 220


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/372، المسألة الرقم 8.

قد صرّح غير واحد من الأصحاب من أنّ المعدن إن كان في ملك مالك فأخرجه مخرِجه كان المعدن لصاحب الأرض وعليه الخمس، بخلاف الأرض المباحة فإنّه لمخرجه، إذ لا فرق عند التأمل بين المطروح وبين ذلك(1).

وقد يؤيّد ذلك بأخبار، منها: قوله صلی الله علیه و آله و سلم في خبر الحسين بن زيد عن الصّادق علیه السلام عن آبائه عن النّبيّ: في حديث المناهي قال: «مَنْ خَانَ جَارَهُ شِبْراً مِنَ الْأَرْضِ جَعَلَهُ اللَّهُ طَوْقاً في عُنُقِهِ مِنْ تُخُومِ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ حتی يَلْقَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُطَوَّقاً إِلَّا أَنْ يَتُوبَ وَيَرْجِعَ»(2).

وخبر الحسن بن عليّ الأحمري عن أبي جعفر علیه السلام قال: قلت له: إِنَّ إِلَى جَانِبِ دَارِي عَرْصَةً بَيْنَ حِيطَانٍ لَسْتُ أَعْرِفُهَا لِأَحَدٍ فَأُدْخِلُهَا في دَارِی؟ فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُ مَنْ أَخَذَ شِبْراً مِنَ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقٍّ أُتِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ في عُنُقِهِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ»(3).

ومرفوعة العوالي عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «مَنْ أَخَذَ شِبْراً مِنَ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ طُوِّقَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ»(4).

ص: 221


1- «جواهرالكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/22.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج4/6، الحديث 1، و«وسائل الشيعة» ج25/386، الحديث 32188.
3- «التهذيب» ج7/130، الحديث 567، و«وسائل الشيعة» ج17/378، الحديث 22789.
4- «عوالي اللئالي» ج3/474، الحديث 7، و«مستدرك الوسائل» ج17/91، الحديث 20828.

والثاني: ما اختاره بعض محشي «العروة» منهم السيّد الخوئي رحمه الله وهو أنّهحيث كان دليل الإلحاق هو السيرة، فلّما أنّه لم يكن للسيرة إطلاق يجب الاقتصار على ما دلّت هي عليه بالقطع واليقين، كما في مثل السرداب والبئر وما يكون عمقه بهذه المقادير، الّتي لا تتجاوز عن حدود الصدق العرفي، فما يوجد أو يكون ويستخرج من خلال ذلك فهو ملك لصاحب الأرض بالتبعيّة المذكورة.

وأمّا ما يخرج عن الصدق العرفي مثل الآبار النفط العميقة جداً الّتي تبلغ الفرسخ أو الفرسخين، أو الآبار العميقة المستحدثة أخيراً لاستخراج المياه من عروق الأرض البالغة في العمق والبعد نحو ما ذكر، وكذا بالنسبة إلى فضائها المتصاعدة البعيدة فلا سيرة في مثلها، ومن هنا لا يحتاج لعبور الطائرات في تلك الفضاء إلى الاستيذان من أرباب تلك الأراضي، وعليه يبقى كلّ ما لم يشمله إطلاق السيرة على ما كانت عليه من الإباحة الأصلية، ونتيجته جواز حيازتها واستملاكها لكلّ من وضع اليد عليها، فكانت هي له وعليه خمسها وإن كان المستخرِج شخصاً آخر غير صاحب الأرض.

نعم إنّه إذا لم يكن ذلك بإذن صاحب الأرض يكون المستخرج آثماً عاصياً، لتصرفه في ملكه بغير إذنه، بل قد يكون ضامناً أيضاً إذا استلزم ذلك نقصاً أو ضرراً فيها، إلّا أنّ العصيان والضمان شيء واستملاك الكامن في بطن الأرض الخارج عن الحدود الملكيّة العرفيّة الّذي هو محل الكلام شيء آخر ولا تنافي بينهما كما هو ظاهر(1).

ص: 222


1- انتهی كلامه ملخصاً. راجع: «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/55 - 58، و«مستند العروة كتاب الخمس» ص58 - 60.

أقول: حيث كان دليل الإلحاق هو السيرة الّتي يجب الاقتصار فيه على مادلّت هي عليه بالقطع واليقين أوّلاً، وبعد ضعف الأخبار الّتي تؤيدها ثانياً، وتصريح جمع منهم: كالكليني، والمفيد، والشيخ، والديلمي، والقمّي (رضوان الله تعالى عليهم) على ما حكاه المحقق الهمداني رحمه الله (1) من أنّ المعادن كلّها ولو كانت في الأراضي المملوكة تكون من الأنفال ثالثاً(2)، فالأقوى بل المتعيّن هو ما ذهب إليه المحقق الخوئي رحمه الله وبعض آخر من محشي «العروة»، وعليه كانت المعادن للإمام علیه السلام بعنوان الأنفال، أو تكون من المباحات الأصلية ولا يكون ملكاً لمالك الأرض فعلاً، فيملكها كلّ من استخرجها من المسلمين ولو كان غير مالك الأرض، نعم عليه ضمان النقص الوارد على أرض الغير بسبب الحفر وأمثاله.

وقد يستدلّ عليه أيضاً بأنّه حيث كانت نسبة المعادن إلى الأرض في بعضها هي الظرفية لا التبعيّة كنسبة الثمرة إلى الأصل والجزء إلى الكلّ كمعادن الذهب

ص: 223


1- راجع: «مصباح الفقيه» ج19/410.
2- تؤيّد ذلك إطلاق مرفوعتي أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام قال: «لَنَا الْأَنْفَالُ، قُلْتُ: وَمَا الْأَنْفَالُ؟ قَالَ: مِنْهَا الْمَعَادِنُ وَالْآجَامُ وَكُلُّ أَرْضٍ لَا رَبَّ لَهَا وَكُلُّ أَرْضٍ بَادَ أَهْلُهَا فَهُوَ لَنَا». «تفسير العيّاشي» ج2/48، الحديث 11، و«وسائل الشيعة» ج9/533، الحديث 12652. وداود بن فرقد عن أبي عبدالله علیه السلام في الحديث قال: قلت: وَمَا الْأَنْفَالُ؟ قَالَ: «بُطُونُ الْأَوْدِيَةِ ورُؤُوسُ الْجِبَالِ وَالْآجَامُ وَالْمَعَادِنُ وَكُلُّ أَرْضٍ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَكُلُّ أَرْضٍ مَيْتَةٍ قَدْ جَلَا أَهْلُهَا وَقَطَائِعُ الْمُلُوكِ». «تفسير العيّاشي» ج2/49، الحديث 21، و«وسائل الشيعة» ج9/534، الحديث 12656.

والفضة والنحاس ونحوها الّتي تغاير جنس الأرض، فلا يحكم فيها بالإلحاق(1)،لكن يلاحظ عليه بأنّها وإن كانت كذلك عند التأمّل والدّقة إلّا أنّ العرف لم يرى فيهما فرقاً في انتسابهما إلى الأرض إمّا بكونها من جنسها كالأحجار الكريمة، أو من باب الظرفيّة وعلاقة الحالّ والمحلّ وتسمية أحدهما باسم الآخر، فالأولى في الإلحاق وعدمه هو ما دلّت عليه السيرة الجارية عند العقلاء، أو كونها مطلقاً من الأنفال أو المباحات الأصلية.

وكيف كان لو قلنا في المستخرجة غصباً أو جهلاً بالإلحاق فيكون المخرَج لصاحب الأرض وكان عليه الخمس من دون أن يستشنى له المؤونة لأنّه لم يصرف عليه مؤونة، وما صرفه المخرِج غير مضمون، وإن قلنا بجواز تملّكه للمخرِخ فكان عليه كلّ من الضمان النقص الوارد على الأرض والخمس معاً بعد ما يستثنى منه مؤن الاستخراج.

وأمّا الثاني: أي ما تكون في الأراضي العامرة من المفتوحة عنوة الّتي تكون لعامّة المسلمين وتسمّى بالأراضي الخراجيّة، فالحكم فيها أيضاً مبني لما تقدّم في الصورة السابقة من أنّه على القول بأنّ ملكيّة المعادن والمنافع مطلقاً سواء كانت قريبة من الأرض أم بعيدة عنها تابعة لأصل الأراضي الّتي وقعت هي فيها، فإن كانت شخصية يكون التابع شخصياً، وإن كانت نوعيّة أو جهتيّة فكذلك هي، وإن قلنا بأنّها كذلك ما لم تتجاوز عن حدود الصدق العرفي كما هو مختارنا في المقام فإذا جاوز عنها يجوز حيازتها واستملاكها لكلّ من وضع يده عليها وكانت

ص: 224


1- راجع: «فقه الشيعة (كتاب الخمس للخلخالي)» ج1/259 - 260.

عليه خمسها.

فالحكم على القول الأوّل مطلقاً وعلى الأخير بالنسبة إلى ما يعدّ من التوابع عرفاً هو حكم العامرة من تلك الأراضي من كونها فيئاً للمسلمين الحاضرين منهم ومن يأتي إلى يوم القيامة، فتكون بمنزلة الوقف ليس لأحد مسلماً كان أوكافراً ذمياً أن يتصرف فيها إلّا بإذن الإمام علیه السلام أو نائبه، يأخذ منها الخراج ويصرفه في منافع المسلمين(1)، لكن السيّد صاحب «العروة» على رغم كونه من القائلين بالقول الأوّل قد أفتى في المقام بأنّ المستخرج إن كان مسلماً يملكه وعليه الخمس، واستشكل في تملك الكافر ذلك، حيث قال:

إذا كان المعدن في معمور الأرض المفتوحة عنوة الّتي هي للمسلمين فأخرجه أحد من المسلمين ملكه وعليه الخمس وإن أخرجه غير المسلم ففي تملّكه إشكال(2).

ففصّل في الأراضي العامرة المفتوحة عنوة بين كون المستخرج مسلماً أو كافراً.

أقول: إنّ إطلاق كلامه لا ينطبق مع قاعدة الأراضي العامرة من المفتوحة عنوة الّتي تقدّم آنفاً، سواء كانت المعادن من الأنفال أو المباحات العامّة، فإذا

ص: 225


1- قال العلّامة علیه السلام: المفتوحة عنوة: للمسلمين قاطبة، ويتولّاها الإمام، ولا يملكها المتصرّف على الخصوص، ولا يصحّ بيعها ولا وقفها، وتصرّف الإمام حاصلها في مصالح المسلمين، ويقبّلها الإمام ممّن يراه بما يراه، وعلى المتقبل بعد مال القبالة الزكاة مع الشرائط، وينقلها الإمام من متقبل إلى غيره بعد المدة. راجع: «إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان» ج1/347 - 348.
2- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/372، المسألة الرقم 9.

حكم فيها بكونها مطلقاً أو ما لم تتجاوز عن حدود الصدق العرفي كانت تابعة لتلك الأراضي فهي وما وقع تحتها كلّها للمسلمين، فكيف يملك شخص ما هو ملك لجميعهم إلى يوم القيامة؟ بل يحتاج التصرف فيها بأيّ وجه حصل لا محالة إلى إذن الإمام أو نائبه، والمسلم والكافر الذمّي بالنسبة إليه سيّان، وإن لمتلحق بها فيملكها كلّ من وضع يده عليها بالحيازة، فيكون التفريق بين المسلم والكافر الذمّي على أيّ حال غير تام ما لم يدل عليه دليل بخصوصه.

وأمّا الثالث: أي ما تكون في الأراضي الموات حال الفتح، الّتي كانت للإمام علیه السلام ويملكها كلّ من أحياها، فبما أنّ إحياء كلّ شيء بحسبه وأنّ إخراج المعدن إحياء له، فيملكها المستخرِج من دون فرق أيضاً بين كونه مسلماً أو كافراً، قال السيّد في ذيل المسألة المتقدّمة:

وأمّا إذا كان في الأرض الموات حال الفتح فالظاهر أنّ الكافر أيضاً يملكه وعليه الخمس.

لكنّ الشيخ رحمه الله في «الخلاف» جمع بين جواز منع الذمّي عن حيازة المعدن وملكه في صورة المخالفة حيث قال:

الذمّي إذا عمل في المعدن يمنع منه، فإن خالف وأخرج شيئاً ملكه ويؤخذ منه الخمس، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، إلّا أنّه قال: لا يؤخذ منه شيء لأنّه زكاة، ولا يؤخذ منه زكاة(1).

وقال المحقّق العاملي رحمه الله بعد نقل كلام الشيخ: «ولم أقف على دليل يدلّ

ص: 226


1- «الخلاف» ج2/120، المسألة الرقم 144 من مسائل كتاب الزكاة.

على منع الذمّي من ذلك»(1).

أقول: بعد ما دلّت إطلاق أو صريح أدلّة الإحياء أنّ كلّ من أحيى الأراضي الموات - مسلماً كان أو كافراً - فهو أحقّ بها وهي له، فلا وجه في تشكيك تملّك الذمّي لها، منها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: سَأَلْتُهُ (أي الصّادق علیه السلام) عَنِ الشِّرَاءِمِنْ أَرْضِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، (إلى أن قال:) وَأَيُّمَا قَوْمٍ أَحْيَوْا شَيْئاً مِنَ الْأَرْضِ أَوْ عَمِلُوهُ فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا وَهِيَ لَهُمْ»(2)، وكذا صحيحة اُخرى عنه قال سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: «أَيُّمَا

قَوْمٍ أَحْيَوْا شَيْئاً مِنَ الْأَرْضِ وَعَمَرُوهَا فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا وَهِيَ لَهُمْ»(3)، إذ الظاهر في الاُولى الشراء من الأرض الّتي تملّكها اليهودي أو النصراني بل جميع الفرق والملل بالإحياء، غاية الأمر بناءً على كونها من الأنفال أو المباحات يحتاج لملكها إلى الإذن من دون فرق فيها بين المسلم والكافر، فكيف يجمع بين الملك وجواز المنع؟!

ص: 227


1- «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج5/368.
2- «التهذيب» ج7/148، الحديث 655، و«الاستبصار» ج3/110، الحديث 390، و«وسائل الشيعة» ج25/411، الحديث 32236.
3- «التهذيب» ج7/152، الحديث 671، و«الاستبصار» ج3/107، الحديث 380، و«وسائل الشيعة» ج25/412، الحديث 32239.

المسألة الرابعة: جواز استيجار الغير أو العبد لاستخراج المعدن:

قد جرت سيرة النّاس على استيجار أو استعانة من الغير في الاُمور الّتي لا تعتبر فيها المباشرة، ولم يردع عنها الشارع، بل هو في الاُمور العظيمة ممّا لابدّ لهم منه ولا محيص عنه، والدليل عليه زائداً على ذلك أنّ الأجير ما دام في إجارة المستأجر يكون يده بسبب عقد الايجار يد المستأجر وعمله فعله، وهو في الواقع ليس إلّا كسائر آلات الفعل، سواء قصد الأجير النيابة أم لا، ففي المقام يصدق الإحياء والاستخراج للمستأجر أو المولى بعمل الأجير والعبد، إلى ذلك أشار السيّد رحمه الله صاحب «العروة» حيث قال:

يجوز استيجار الغير لإخراج المعدن، فيملكه المستأجر وإن قصد الأجير تملكه لم يملكه، وقال أيضاً: إذا كان المخرِج عبداً كان ما أخرجه لمولاه وعليه الخمس(1).

ثمّ إنّه هل يجوز للأجير أو العبد أن يقصدا ملكيّة أنفسهما حينئذٍ لما يخرجاه من المعدن، أم لا؟

أقول: بعد ما كانت الإجارة من العقود اللازمة فإذا كانت الإجارة على وجه تكون جميع منافع الأجير أو تلك المنعة الخاصّة للمستأجر كالعبد بالنسبة إلى مولاه، أو كانت المعدن من قبل في تملك المستأجر، فلا يجوز للأجير أن يفعل في مدّة الإجارة عملاً ينافي حقّ المستأجر أو يعمل لغير من استأجره، لاستلزامه التصرف في ملك الغير غصباً، وأنّ تصرفاته حينئذٍ غير محترمة، فيكون بمنزلة

ص: 228


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/373 مسألة الرقم 10 و11

الفضول يتوقف ما يعمله على إذنه أو إجازته، كما دلّت عليه منطوق وكذا مفهوم صحيحة إسحاق بن عمّار حيث قال: سَأَلْتُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ علیه السلام عَنِ الرَّجُلِ يَسْتَأْجِرُ الرَّجُلَ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ فَيَبْعَثُهُ في ضَيْعَتِهِ، فَيُعْطِيهِ رَجُلٌ آخَرُ دَرَاهِمَ وَيَقُولُ اشْتَرِ بِهَذَا كَذَا وَكَذَا وَمَا رَبِحْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ؟ فَقَالَ: «إِذَا أَذِنَ لَهُ الّذي اسْتَأْجَرَهُ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ»(1)، حيث إنّ سياق الحديث سياق الحكم الوضعي لا التكليفي بأنّه إذا لم يكن مأذوناً فجميع ما كتسبه في هذه المدّة للمستأجر، وكذا تصريح صحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: وَسَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ مَمْلُوكاً، فَقَالَ الْمَمْلُوكُ أَرْضِ مَوْلَایَ بِمَا شِئْتَ وَلِي عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً، فَهَلْ يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ وَهَلْ يَحِلُّ لِلْمَمْلُوكِ؟ قَالَ: «لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ وَلَا يَحِلُّ لِلْمَمْلُوكِ»(2)، تشبيهاً للأجير الّذي منافعه ملكاً للغير بالأجير المملوك.

فبناءً على ذلك فما استشكله شيخنا الاُستاذ (دام ظله) في عدم جواز تملّك الأجير له إذا قصده لنفسه وأنّه يكون في الحقيقة من قبيل حيازة المباح أو إخراج المعدن بآلة مغصوبة(3) غير وارد، لكونه قياساً مع الفارق، إذ كم فرق بين ما يكون العامل مالكاً لنفسه ومنافعه إلّا أنّه حاز بآلة مغصوبة، وبين ما كان جميع منافعه للغير كمن آجر نفسه للحجّ في سنة معيّنة حيث لا يجوز له أن آجر نفسه

ص: 229


1- «الكافي» ج5/287 الحديث 1، «التهذيب» ج7/213 الحديث 935، «وسائل الشيعة» ج19/112 الحديث 24261
2- «الكافي» ج5/288 الحديث 3، «التهذيب» ج7/213 الحديث 934، «وسائل الشيعة» ج19/113 الحديث 24263
3- راجع: «أنوارالفقاهة كتاب الخمس والأنفال» ص105

ثانياً في هذه السنة عن شخص آخر.

هذا حكم الأجير، وأمّا العبد فإن قلنا بعدم ملكيّة العبد وأنّ العبد وما في يده كان لمولاه، فإثبات أنّ ما أخرجه من المعدن يكون لمولاه وبتبعه يجب الخمس عليه ممّا لا يحتاج إلى بيان.

المسألة الخامسة: لو عمل فيما أخرجه قبل إخراج خمسه:

إنّه قد عمل المكلّف في جوهر المعدن قبل إخراج خمسه عملاً يوجب زيادة قيمته، كما لو كان المخرَج ذهباً أو فضةً فضربه دراهم أو دنانير أو جعله حليّاً، أو كان من قبيل الياقوت والعتيق فحكّه، فالأقوال هنا في مقدار خمسه الواجب دائر بين كونه خُمس قيمة أصل الجوهر الّذي صُنع منه هذه المصنوعات عاريةً عن هيئاتها الفعليّة، وبين كونه خُمس قيمتها الماليّة الفعليّة.

اختار الأوّل السيّد الطباطبائي رحمه الله صاحب «العروة» تبعاً لبعض، منهم صاحب «المسالك»(1) و«المدارك»(2) و«الجواهر»(3)، بأنّه اعتبر في الأصل حكم المعدن ونصابه على القول به، وفي الزائد عليه حكم المكاسب، والثاني هو خيرة السيّد الخوئي رحمه الله وبعض آخر، قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا عمل فيما أخرجه قبل إخراج خمسه عملاً يوجب زيادة قيمته،كما إذا ضربه دراهم أو دنانير، أو جعله حليّاً أو كان مثل الياقوت والعقيق

ص: 230


1- «مسالك الأفهام إلی تنقيح شرائع الإسلام» ج1/459.
2- «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج5/368، التنبيه السادس.
3- «جواهرالكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/21.

فحكّه فصّاً مثلاً اعتبر في إخراج خمس مادّته فيقوّم حينئذٍ سبيكةً أو غير محكوك مثلاً ويخرج خمسه(1).

ص: 231


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/373 - 374، المسألة الرقم 12.

وقال السيّد الخوئي رحمه الله بما هذا حاصله:

إنّ الهيئة من حيث هي هي لا ماليّة لها ولا يقسط عليها الثمن ولا شأن لها إلّا ازدياد ماليّة المادّة، لرغبة الناس إليها أكثر من المجرّدة عنها من غير أن يكون لنفس تلك الهيئة حظٌّ من الماليّة، والدليل عليه أنّه لا يمكن لأحد حينئذٍ أن يبيع المادة عارية عن الهيئة أو العكس، ولذا لا يستحق الغاصب قيمة ما أحدثه في العين من الهيئة، بل يجب عليه ردّ المادّة بهيئتها الفعليّة وإن أوجبت زيادةً ماليّةً، نعم لو فرضنا الزيادة في تلك الماليّة من أجل ترقى القيمة السوقيّة وجب ملاحظتها(1).

أقول: المسألة أوّلاً غير مختصّة بالمقام، بل هي جارية في جميع ما يجب فيه الخمس إذا عمل أو اتّجر المكلف بها قبل إخراج خمسه بما يوجب زيادة قيمتها، وكيف كان فالأقوى من هذين القولين هو الثاني، لكن لا بما قاله السيّد الخوئي رحمه الله من (أنّه لا ماليّة للهيئة من حيث هي، لوضوح احتسابها عند البيع والشراء في سوق المعاملات مثل ثمن تصنيع المصنوعات الذهبيّة لا لمجرد رغبة النّاس إليها أكثر من العارية عنها، بل بعنوان أن يكون لها حظٌّ من الماليّة)، بل بأنّه بعد فرض تعلّق الخمس بأعيان ما يجب فيه الخمس، فإذا لم تكن التصرفات بإذن الحاكم الشرعي يكون المتصرِّف حينئذٍ بالنسبة إلى مال الخمس غاصباً غير محترم اليد لا يستحقّ لعمله أجراً لكون العمل فضوليّاً، لا لأنّ العمل لا يُجعل في مقابله مال، وحيث لا يمكن تفكيك المادّة عن الهيئة

ص: 232


1- «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/66 - 68، و«مستند العروة الوثقی كتاب الخمس» ص68 - 70.

فيجب عند التخميس اعتبار الماليّة الفعليّة الحاصلة من المادة والهيئة معاً، لكنه إذا كان بإذن الحاكم اعتبر في الأصل حكم المعدن، وفي الزائد عليه حكم المكاسب.

وأمّا لو اتّجر مع ما أخرجه قبل إخراج خمسه، فقد فصّل السيّد في «العروة» بين ما إذا نوى الإخراج من مال آخر وأدائه منه، وبين عدم نيّته ذلك، بكون ربح الزائد كلّه له على الأوّل، واشتراكه بينه وبين أرباب الخمس على الثاني، حيث قال:

وكذا لو اتّجر به فربح قبل أن يخرج خمسه ناوياً الإخراج من مال آخر ثمّ أدّاه من مال آخر، وأمّا إذا اتّجر به من غير نيّة الإخراج من غيره فالظاهر أنّ الربح مشترك بينه وبين أرباب الخمس(1).

يلاحظ عليه بعد فرض تعلّق الخمس بأعيان ما يجب فيه الخمس، وعدم كون المتصرِّف مأذوناً من الحاكم الشرعي، أنّ التفصيل حسن لو دلّ دليل على كفاية مجرد نيّة إخراج الخمس من مال آخر في نقل الخمس من العين إلى الذمّة، ومع عدمه يكون الحكم واحداً بكون الربح مشتركاً بين المالك وأرباب الخمس في كلا الحالتين.

هذا ما لو أجاز الحاكم بعده التجارة، وإلّا تكون المعاملة بالنسبة إلى سهم أرباب الخمس باطلة ويكون للمشتري حينئذٍ خيار تبعض الصفقة.

ص: 233


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/373 - 374، ذيل المسألة الرقم 12.

المسألة السادسة: اختبار النصاب عند الشك:

ربما شك في بلوغ نصاب المعدن على القول به حدّ الّذي يجب فيه الخمس، وكذا في غيره من الشبهات الموضوعية، كالشك في نصاب الزكاة، أو حصول ربح التجارة في الخمس، أو تحقق الاستطاعة للحجّ، أو طلوع هلال رمضان للصوم وهلال شوال للإفطار، إلى غير ذلك من نظائرها فهل يجب الفحص والاختبار أم لا؟ المعروف لولا الإجماع عدم وجوب الفحص، بل عن المسالك في كتاب الزكاة أنّه لا قائل بالوجوب(1)، ولكن في الجواهر تقوية القول بالوجوب(2)، واختار في «العروة» لزوم الاختبار بالاحتياط الوجوبي، حيث قال:

إذا شك في بلوغ النصاب وعدمه فالأحوط الاختبار(3).

أقول: التحقيق أنّ الفحص عن الموضوعات الخارجية وإن لم يكن واجباً بحكم الشهرة أو الإجماع وبعض الأحاديث الواردة في مبحث الطهارة والنجاسة وسوق المسلمين وكذا بحكم العقلاء وبنائهم، لكنه يستثنى من

ذلك موضعان:

الأوّل: ما اذا كان الوقوف على واقع الأمر سهلاً جداً بحيث كان علمه ببابه أو في كمّه وكيسه، كما إذا شك في مقدار دَينه بزيد مثلاً وتردّد أمره بين الأقلّ والأكثر، أو في أصل الدَّين وكان ذلك مكتوباً في دفتره يطلع عليه بسهولة، فإنّ الفحص هنا واجب لانصراف إطلاقات البراءة عن مثله، وعدم شمول الإجماع

ص: 234


1- «مسالك الأفهام إلی تنقيح شرائع الإسلام» ج1/387.
2- «جواهرالكلام في شرح شرائع الإسلام» ج15/198.
3- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/373 - 374، المسألة الرقم 13.

له، وكون بناء العقلاء على الفحص في مثله.

الثاني: ما كان طبيعة الأمر فيه عدم الوصول إلى الواقع عادة بغير الفحص، مثل مسألة الاستطاعة، وربح المكسب، ومقدار النصاب، ومقدار الزكاة الواجب عليه، فإنّ هذه الاُمور لا تُعلم غالباً بغير فحص، وبناء العقلاء فيها أيضاً على الفحص، فلا يجوز الرجوع إلى الإطلاقات لانصرافها عن أمثالها.

إلى هنا تمّ الكلام في القسم الثاني ممّا يجب فيه الخمس، وسيأتي البحث في القسم الثالث منه أعني الكنز.

ص: 235

الثالث: من السبعة الّتي يجب فيها الخمس: الكنز.

الثالث ممّا يجب فيه الخمس (بخصوصه وعنوانه، لا بعنوان مطلق الفائدة وأرباح المكاسب اللاحظة فيها الزيادة على المؤونة) «الكنز»، أرسله بعض إرسال المسلمات كالسيّد رحمه الله صاحب «العروة»، بل إنّه ممّا أجمعت العامّة والخاصّة على وجوب الخمس فيه إجمالاً، وقد يعبّر عنه بالدفينة والرِّكَاز وفي اللغة الفارسيّة ب- «گنج»، نبحث هنا عن مفهومه عند أهل اللغة ومصطلح الفقهاء أوّلاً، وعن حكمه ثانياً، وعن شرائط تملّكه ثالثاً، وأمّا مفهومه:

الكنز في المعنى والمفهوم:

الكنز لغة هو المال المدفون، واصطلاحاً أنّه المال المدفون الّذي مرّت عليه أعوام كثيرة على وجه انقطعت عنه علاقة مالكه قهراً ليفصّل بذلك بينه وبين اللقطة والمجهول المالك.

قال الراغب في «مفرداته»:

الْكَنْزُ: جعل المال بعضه على بعض وحفظه، وأصله من: كَنَزْتُ التّمرَ في الوعاء، وزمن الْكَنَازِ: وقت ما يُكْنَزُ فيه التّمر، وناقة كِنَازٌ مُكْتَنِزَةُ اللّحم. وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) [التوبة/ 34] أي: يدّخرونها. وقال في تعريف «الرِّكاز»: الرِّكَازُ المال المدفون، إمّا بفعل آدميّ كالكنز، وإمّا بفعل إلهيّ كالمعدن، ويتناول الرِّكَازُ الأمرين(1).

وقال الفيّومي:

ص: 236


1- «مفردات ألفاظ القرآن» ص727 و364.

و(الْكَنْزُ) الْمَالُ الْمَدْفُونُ تسْمِيةً بِالْمَصْدَرِ وَالْجَمعُ (كُنُوزٌ) مِثْلُ فَلْسٍ وفُلُوسٍ، و(اكْتَنَزَ) الشيء (اكْتِنَازاً) اجتَمَعَ وامتَلَأَ(1).

وقال الطريحي:

أصل الكنز: المال المدفون لعاقبة ما، ثمّ اتسع فيه، فيقال لكلّ قَينة يتّخذها الإنسان كنز، ومنه قوله: «ألا اُخبرك بخير ما يكنزه المرء» أي يقينه ويتخذه لعاقبته، والجمع كنوز كفلس وفلوس. وكنز المال من باب ضرب: جَمَعَهُ وَادَّخَرَهُ، ويقال لكلّ ما أدّيت زكاته ليس بكنز وإن كان مدفوناً، وكلّ ما لم يؤدّ زكاته فهو كنز وإن كان ظاهراً يكوى فيه صاحبه يوم القيامة، وقال في تعريف الرّكاز: الرِّكاز ككتاب بمعنى المركوز، أي المدفون، واختلف أهل العراق والحجاز في معناه، فقال أهل العراق: الرِّكاز المعادن كلّها، وقال أهل الحجاز: الرِّكاز المال المدفون خاصّة ممّا كنزه بنو آدم قبل الإسلام، والقولان يحتملهما أهل اللغة لأنّ كلّاً منهما مركوز في الأرض، أي ثابت(2).

وقال الواسطي:

سُمّي الكنز الدّفينة: لكونه مدفوناً في الأرض(3).

هذا تعريفه عند أرباب اللغة، وأمّا تعريفه عند الفقهاء والعلماء، فليس معناه عندهم مطلق المال المدفون، بل المراد منه هو ما يعتبر فيه بعض الخصوصيات من جهة المكان والزمان والمقدار والقصد والكيفيّة وغيرها، نبحث عند البحث

ص: 237


1- «مصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي» ج2/542.
2- «مجمع البحرين» ج 4/75، وج 2/217.
3- «تاج العروس من جواهر القاموس» ج 18/198.

عن الأدلّة الدالّة عليه عن مدى دلالتها عليها، وكيف كان فقد قال الشيخ رحمه الله (م 460 ه-) في «الخلاف»:

الرِّكاز هو الكنز المدفون يجب فيه الخمس بلا خلاف، ويراعى عندنا فيه أن يبلغ نصاباً يجب في مثله الزكاة، وهو قول الشافعي في الجديد، وقال في القديم: يخمّس قليله وكثيره، وبه قال مالك وأبو حنيفة، دليلنا: إجماع الفرقة وأيضاً ما اعتبرناه لا خلاف أنّ فيه الخمس، وما نقص فليس عليه دليل(1).

وقال المحقق الحلي رحمه الله (م 676 ه-) في «المعتبر»:

الرِّكاز هو الكنز المدفون وفيه الخمس بغير خلاف، وهو مشتق من الرَّكز وهو الصوت الخفي، ويقال ركز رمحه في الأرض أي أخفى أسفله. وقيل هو دفين الجاهلية، وقيل هو المعدن. ويشترط لتملّكه أن يكون في أرض الحرب، سواء كان عليه أثر الجاهلية أو أثر الإسلام، أو في أرض الإسلام وليس عليه أثر الإسلام كالسكة الإسلامية، أو ذكر النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أو أحد ولاة الإسلام، وإن كان عليه أثر الإسلام فللشيخ قولان أحدهما: كاللقطة، والثاني: يخمّس إذا لم يكن عليه أثر ملك(2).

وقال العلّامة الحلي رحمه الله (م 726 ه-) في «التذكرة»:

الرِّكاز، وهو المال المذخور تحت الأرض، ويجب فيه الخمس إجماعاً لعموم قوله تعالى: (وَ مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ)، (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء)، (إلى أن قال:) ويجب الخمس في كلّ ما كان ركازاً و هو كلّ

ص: 238


1- «الخلاف» ج 2/121، المسألة الرقم 146 من مسائل كتاب الزكاة.
2- «المعتبر في شرح المختصر» ج 2/620.

مال مذخور تحت الأرض على اختلاف أنواعه، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في القديم لعموم قوله علیه السلام: «وفي الرِّكاز الخمس»، وقول الباقر علیه السلام: «كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس» ولأنّه مال يجب تخميسه، فيستوي فيه جميع أصنافه كالغنيمة. وقال الشافعي في الجديد: لا يؤخذ الخمس إلّا من الذهب والفضة، لأنّه زكاة، فيجب الخمس في بعض أجناسه كالحبوب، والأولى ممنوعة(1).

وقال كاشف الغطاء رحمه الله (م 1228 ه-):

والكنز: المال المذخور تحت الأرض، والمراد ما كان من النقدين مذخوراً بنفسه، أو بفعل فاعل، وهو لواجده وعليه إعطاء خُمسه بعد المصارف، مع بلوغه حدّ النصاب الأوّل في زكاة النقدين، عشرين ديناراً، أو مائتي درهم، إلى أن قال: والظاهر تخصيص الحكم بالنقدين، وغيره يتبع حكم اللقطة(2).

وقال المحقّق الهمداني رحمه الله (م 1322 ه-):

الكنز على ما عرّفه جماعة كالمصنف وغيره: (كلّ مال مذخور تحت الأرض)، والمتبادر منه إرادة كونه عن قصد، فلا يتناول المال المستتر بالأرض لا عن قصد أو بقصد غير الادّخار، كحفظه في مدّة قليلة مثلاً، كما صرّح بذلك الشهيد الثاني في المسالك والروضة، ففي الأوّل قال: «يعتبر في الادّخار كونه مقصوداً لتحقّق الكنز، فلا عبرة باستتار المال بالأرض بسبب الضياع، بل يلحق باللقطة، ويعلم ذلك بالقرائن الحالية

ص: 239


1- «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج 5/413 - 414، و417 - 418.
2- «كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء (ط - الحديثة)» ج 4/201 - 203

كالوعاء». وقال في الروضة في تعريف الكنز: «هو المال المذخور تحت الأرض قصداً»، ولكن حكى عن كاشف الغطاء أنّه لم يعتبر القصد فيه، بل فسّر الكنز الّذي يجب فيه الخمس بما كان من النقدين مذخوراً بنفسه أو بفعل فاعل(1).

وقال السيّد رحمه الله في «العروة»:

الثالث: الكنز، وهو المال المذخور في الأرض أو الجبل أو الجدار أو الشجر، والمدار الصدق العرفي سواء كان من الذهب أو الفضة المسكوكين أو غير المسكوكين أو غيرهما من الجواهر، وسواء كان في بلاد الكفار الحربيين أو غيرهم أو في بلاد الإسلام، في الأرض الموات أو الأرض الخربة الّتي لم يكن لها مالك أو في أرض مملوكة له بالإحياء أو بالابتياع مع العلم بعدم كونه ملكاً للبائعين، وسواء كان عليه أثر الإسلام أم لا، ففي جميع هذه يكون ملكاً لواجده وعليه الخمس(2).

وقال الجزيري في «الفقه على المذاهب الأربعة»:

في تعريف المعدن والرِّكاز وحكمها تفصيل في المذاهب: فالحنفيّة قالوا: المعدن والرِّكاز بمعنى واحد، وهو شرعاً مال وجد تحت الأرض سواء كان معدناً خلقيّاً خلقه الله تعالى بدون أن يضعه أحد فيها، أو كان كنزاً دفنه الكفار...، فيجب فيه إخراج الخمس...، وما بقي بعد الخمس يكون للواجد إن وجد في أرض غير مملوكة لأحد كالصحراء

ص: 240


1- «مصباح الفقيه» ج 19/186
2- «العروة الوثقى (للسيّد اليزدي)» ج 2/374

والجبل، وإنّما يجب فيه الخمس إذا كان عليه علامة الجاهلية، أمّا إنكان من ضرب أهل الإسلام فهو بمنزلة اللقطة ولا يجب فيه الخمس، والمالكية قالوا: ... الرِّكاز فهو ما يوجد في الأرض من دفائن أهل الجاهلية من ذهب أو فضة أو غيرهما، ويعرف ذلك بعلامة عليه، فإذا شك في المدفون هل هو لجاهلي أو غيره، حمل على أنّه لجاهلي، ويجب في الرِّكاز إخراج خمسه...، ولا يشترط في الواجب في الرِّكاز بلوغ النصاب...، وأمّا ما يوجد في الأرض ممّا دفنه المسلمون أو أهل الذمّة من الكفار فإنّه يكون لهم متى عرف المالك أو ورثته، وإن لم يعرف مستحقّه فيكون كالقطة يعرّف عامّاً، ثمّ يكون لواجده، إلّا إذا قامت القرائن على أنّ هذه الدفائن قد توالى عليها عصور ودهور بحيث لا يمكن معرفة ملاكها ولا ورثتهم، فلا تعرّف حينئذٍ وتكون من قبيل المال الّذي جُهلت أربابه، فيوضع في بيت مال المسلمين ويصرف في مصالح العامة، والحنابلة قالوا: الرِّكاز فهو دفين الجاهلية أو من تقدّم من الكفار... وكان عليه أو على شيء منه علامة كفر، أمّا إن وجد عليه علامة إسلام... فهو لقطة تجري عليه أحكامها، ويجب على واجد الرِّكاز إخراج خمسه إلى بيت المال، والشافعية قالوا: الرِّكاز فهو دفين الجاهلية ويجب فيه الخمس حالاً بالشروط المعتبرة في الزكاة إلّا حولان...، فإن لم يكن دفين الجاهلية بأن وجد عليه علامة تدلّ على أنّه إسلامي فحكمه وجوب ردّه إلى مالكه أو وارثه إن علم، وإلّا فهو لقطة(1).

ص: 241


1- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج 1/612 - 616.

دليل وجوب الخمس في الكنوز والركاز:

إنّه قد استدلّ على وجوبه في خصوص الكنوز والرّكاز تارة بعدم الخلاف أو الإجماع، واُخرى بالكتاب، وثالثة بما وردت من الأخبار والروايات الواردة في المقام. أمّا الأوّل فقد مرّت الإشارة إليه عند نقل كلمات الفقهاء في تعريفه عندهم فلا نعيده، وأمّا دليله من الكتاب فقوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ)(1) بناءً على كونها مطلق الفوائد المكتسبة فتكون أعمّ من الغنيمة الحربيّة، هذا دليل المسألة من الكتاب والإجماع، وأمّا دليله من الأخبار والأحاديث فهي روايات متظافرة بل متواترة رواها الخاصّة والعامّة، فيها صحاح وغير صحاح تدلّ بالمطابقة على أنّ من إحدى ما يجب فيها الخمس الكتز.

منها: صحيحة الحلبي في حديث قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الْكَنْزِ كَمْ فِيهِ؟ قَالَ: «الْخُمُسُ، وعَنِ الْمَعَادِنِ كَمْ فِيهَا؟ قَالَ: الْخُمُسُ، وعَنِ الرَّصَاصِ وَالصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ وَمَا كَانَ بِالْمَعَادِنِ كَمْ فِيهَا؟ قَالَ: يُؤْخَذُ مِنْهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ»(2).

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام قال: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَعَادِنِ مَا فِيهَا؟ فَقَالَ: «كُلُّ مَا كَانَ رِكَازاً فَفِيهِ الْخُمُسُ»، الحديث(3).

ص: 242


1- «الأنفال»: 41.
2- «التهذيب» ج4/121، الحديث 346، و«من لايحضره الفقيه» ج2/21، الحديث 73، و«وسائل الشيعة» ج9/492، الحديث 12562.
3- «التهذيب» ج4/122، الحديث 347، و«وسائل الشيعة» ج9/492، الحديث 12563.

السؤال وإن كان عن المعادن إلّا أنّ الحكم في الجواب معلّق على عنوان عام وهو «الرّكاز»، لما مرّ آنفاً من إطلاق الرّكاز لغة على كلّ مال مدفون، إما بفعل آدمي كالكنز، وإمّا بفعل إلهي كالمعدن.

وصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي عن أبي الحسن الرّضا علیه السلام قال: سَأَلْتُهُ عَمَّا يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ مِنَ الْكَنْزِ؟ فَقَالَ: «مَا يَجِبُ الزَّكَاةُ في مِثْلِهِ فَفِيهِ الْخُمُسُ»(1).

وصحيحة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: «الْخُمُسُ

عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى الْكُنُوزِ، وَالْمَعَادِنِ، وَالْغَوْصِ، وَالْغَنِيمَةِ» ونَسِيَ ابْنُ أبي عُمَيْرٍ الْخَامِسَ(2).

وهي كما تقدّمت الإشارة إليه مرسلة بمنزلة الصحيحة.

وموثقة عليّ بن الحسن بن فضّال عن أبيه عن أبي الحسن الرّضا علیه السلام في حديث قال: «كَانَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ خَمْسٌ مِنَ السُّنَنِ أَجْرَاهَا اللَّهُ لَهُ في الْإِسْلَامِ، حَرَّمَ نِسَاءَ الآبَاءِ عَلَى الْأَبْنَاءِ، وَسَنَّ الدِّيَةَ في الْقَتْلِ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، وَكَانَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، وَوَجَدَ كَنْزاً فَأَخْرَجَ مِنْهُ الْخُمُسَ، وَسَمَّى زَمْزَمَ حِينَ حَفَرَهَا سِقَايَةَ الْحَاجِّ»(3).

وما رواه حمّاد بن عَمر وأنس بن محمّد عن أبيه جميعاً عن الصادق عن آبائه:

ص: 243


1- «من لايحضره الفقيه» ج2/21، الحديث 75، و«وسائل الشيعة» ج9/496، الحديث 12570.
2- «الخصال» ص291، الحديث 53، و«وسائل الشيعة» ج9/494، الحديث 12567.
3- «عيون أخبارالرضا علیه السلام » ج1/212، و«وسائل الشيعة» ج9/496، الحديث 12572.

في وصيّة النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم لعليّ علیه السلام قال: «يَا عَلِيُّ إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ سَنَّ في الْجَاهِلِيَّةِ خَمْسَ سُنَنٍ أَجْرَاهَا اللَّهُ لَهُ في الْإِسْلَامِ، (إلى أن قال:) وَوَجَدَ كَنْزاً فَأَخْرَجَ مِنْهُ الْخُمُسَ وَتَصَدَّقَ بِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ)، الآية»(1).

وما رواه عمّار بن مروان قال سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول: «فِيمَا

يُخْرَجُ مِنَ الْمَعَادِنِ وَالْبَحْرِ وَالْغَنِيمَةِ وَالْحَلَالِ الْمُخْتَلِطِ بِالْحَرَامِ إِذَا لَمْ يُعْرَفْ صَاحِبُهُ وَالْكُنُوزِ الْخُمُسُ»(2).

ومرسلة حمّاد بن عيسی عن بعض أصحابنا عن العبد الصّالح علیه السلام قال: «الْخُمُسُ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: مِنَ الْغَنَائِمِ، وَالْغَوْصِ، وَمِنَ الْكُنُوزِ، وَمِنَ الْمَعَادِنِ، وَالْمَلَّاحَةِ»، الحديث(3).

وما رواه أحمد بن محمّد بن عيسی الأشعری قال: حدّثنا بعض أصحابنا رفع الحديث قال: «الْخُمُسُ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: مِنَ الْكُنُوزِ، وَالْمَعَادِنِ، وَالْغَوْصِ، وَالْمَغْنَمِ الّذي يُقَاتَلُ عَلَيْهِ»، وَلَمْ يَحْفَظِ الْخَامِسَ، الْحَدِيث(4).

والظاهر اتحادها مع صحيحة ابن أبي عمير المتقدمة.

ص: 244


1- «من لايحضره الفقيه» ج4/264، الحديث 823، و«وسائل الشيعة» ج9/496، الحديث 12571.
2- «الخصال» ص290، الحديث 51، و«وسائل الشيعة» ج9/494، الحديث 12566.
3- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/487، الحديث 12549.
4- «التهذيب» ج4/126، الحديث 264، و«وسائل الشيعة» ج9/489، الحديث 12556.

وما رواه النعماني في تفسيره عن عليّ علیه السلام: «وَالْخُمُسُ

يُخْرَجُ مِنْ أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ: مِنَ الْغَنَائِمِ الّتي يُصِيبُهَا الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَمِنَ الْمَعَادِنِ، وَمِنَ الْكُنُوزِ، وَمِنَ الْغَوْصِ»(1).

وعن طريق العامّة ما رووا النسائي والجوزجاني وغيرهما عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «مَا لَم يَكُن في طَرِيقٍ مَأتِي، وَلا في قَريَةٍ عَامِرَةٍ فَفِيهِ وَفِي الرِّكازِ الخُمسُ»(2).

وما رواه البيهقي في «سننه» عن أبي هريرة عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «...، وَفِى الرِّكازِ الخُمسُ»، وعن أنس بن مالك قال: قدمنا مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، فدخل صاحب لنا خربة يقضى فيها حاجته، فذهب ليتناول منها لبنة فانهارت عليه تبراً فأخذها فأتى بها النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم فقال: زِنهَا، فوزنها فإذا هي مأتي درهم، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «هَذَا رِكازٌ وَفِيهِ الخُمسُ»(3)، فهي كما ترى تدلّ على أنّ الكنز إجمالاً ممّا يجب فيه الخمس، وعلينا أن نبحث عن مدى دلالتها على القيود والخصوصيّات الّتي يقال أنّها دخيلة في ثبوت الحكم أو صدق الموضوع.

ص: 245


1- حكاه في «وسائل الشيعة» ج9/490، الحديث 12557.
2- رواه ابن قدامة في «المغني» ج3/25.
3- «السنن البيهقي» ج4/155.

مدى دلالة الأخبار على القيود الّتي يقال أنّها دخيلة في ثبوت الحكم أو صدق الموضوع لدى الفقهاء:

منها: القصد:

قد صرّح بعض كالشهيد الثاني رحمه الله في «المسالك» و«الروضة»، والمحقق الهمداني رحمه الله في «المصباح» بأنّه يعتبر في صدق عنوان الكنز أن يكون المال مستوراً بقصد الادّخار مثل أن يحرز المال في وعاء ليفصل بذلك بين الكنز واللقطة، والمشهور عدمه.

والتحقيق يقتضي أن يكون الحكم منوطاً بما يصدق معه المسمّى عرفاً، وحيث لا يقيّد في تحقّق مفهوم الكنز وصحّة حمله على المسمّى، كونه عن قصد وإرادة، فالظاهر بل المتعيّن أنّه يطلق الكنز لغة على مطلق مال المدفون، وبتنقيح المناط أيضاً على المستور في مثل الجدران وبطن الأشجار وجوف السقف ونحوها على نحو لا يمكن الوصول إليه عادةً، حتی إن لم يحرز قصد مالكه.

نعم خرج منه ما يكون مستوراً فوق الأرض خلال أوراق الأشجار، أو في مواضع الّتي تتعيّن لحفظ الموقت،كالصندوق والخزائن، أو وراء الكتب، أو تحت الأحجار ونحوها ممّا يكون معرضاً للعثور عليها غالباً فإنّه لا يصدق عليها الكنز حينئذٍ، فلا تشملها أدلّته بل يجري عليها حكم اللقطة.

ومنها: جنس المخرج:

هل المراد من الكنز هو مطلق المال المذخور في الأرض أو الجبل أو جوف الأبنية أو الشجر كما اختاره السيّد صاحب «العروة» تبعاً للمشهور بل ادّعى عليه

ص: 246

الإجماع(1)، أو المال إذا كان من جنس النقدين كما هو خيرة بعض؟

والكلام فيه بحسب القواعد كالكلام في سابقه من أنّ الحكم منوط بما يصدق معه المسمّى عرفاً، وحيث لا يقيّد في تحقق مفهوم الكنز وصحّة حمله على المسمّى كونه من جنس النقدين، فالظاهر أيضاً إطلاق الكنز على مطلق مال مذخور وإن لم يكن من جنسهما لصدق المال على غيرهما أيضاً بمناط واحد على وجه لا يصحّ سلبه عنه.

هذا، لكنّه قد عدل عن ذلك بعض الخاصّة والعامّة وقيّدوا الحكم فيه بما إذا كان من جنسهما، فمن الإمامية كالشيخ في كتابي «النهاية» و«المبسوط»(2)، وابن إدريس الحلي في «السرائر»(3)، وقطب الدّين الكيدري في «إصباحالشيعة»(4)، وكاشف الغطاء في «كشف الغطاء»(5)، والسيّد الخوئي في

ص: 247


1- قال المحقق الطباطبائي رحمه الله (م 1231 ه-): واعلم: أنّه لا يجب الخمس في الكنز حتّى يبلغ عينه أو قيمته ما يجب في مثله الزكاة من مأتي درهم أو عشرين ديناراً، بإجماعنا الظاهر المنقول في كلام جماعة مستفيضاً، للصحيح: عمّا يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: «مَا تَجِبُ الزَّكاةُ في مِثلِهِ فَفِيهِ الخُمسُ»، ونحوه المرسل، بل أصرح لتضمّنه السؤال عن المقدار لا ما المحتمل لإرادة النوع وإن بَعُدَ، لاتفاق الأصحاب على فهم المقدار منه لا النوع، مع تصريح بعضهم بوجوب الخمس في الكنز بأنواعه من الذهب والفضة والرصاص والصفر والنحاس والأواني، وظاهر المنتهى عدم خلاف بيننا، ويعضده إطلاق النصوص والفتاوى. راجع: «رياض المسائل (ط - الحديثة)» ج5/249.
2- «النهاية في مجرد الفقه والفتاوی» ص198، و«المبسوط في فقه الإماميِة» ج1/336.
3- «السرائر الحاوي لتحرير الفتاوی» ج1/486.
4- «إصباح الشيعة بمصباح الشريعة» ص126.
5- «كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء (ط - الحديثة)» ج4/201 - 203.

«مستنده»(1). ومن العامّة على ما حكاه العلّامة رحمه الله في «التذكرة» الشافعي في قوله الجديد(2).

وكيف كان استدلّ القائلين به من الخاصّة على مختارهم بأنّ مفهوم الكنز وإن كان عاماً يشمل للذهب والفضة وغيرهما، إلّا أنّ الحكم هنا مختص بهما، وذلك لأنّ قوله رحمه الله في صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي عن أبي الحسن الرّضا علیه السلام قال: سَأَلْتُهُ عَمَّا يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ مِنَ الْكَنْزِ؟ فَقَالَ: «مَا يَجِبُ الزَّكَاةُ في مِثْلِهِ فَفِيهِ الْخُمُسُ»(3)، يشعر بكونه منهما، إذ ظاهر السؤال هو كونه سؤالاً عن الجنس والماهيّة لا عن المقدار والكميّة، وحيث إنّه لا يوجد فيما يخرج من الكنوز جنس مماثل لغيرهما من الأجناس الزكويّة، فالحكم بالخمس في الكنوز منحصر فيهما، بل زاد بعضهم(4)، بكونه في خصوص المسكوك منهما.

وقد يجاب عنه بأنّ الأمر على خلاف ذلك لما حكى بواسطة البزنطي عن مولانا الرّضا رحمه الله حديثان صحيحان أحدهما في المخرَج بعنوان الكنز الّذي تقدّم

ص: 248


1- «موسوعة الإمام الخوئي» ج4/75 - 77، و«مستند العروة الوثقی كتاب الخمس» ص77 - 79.
2- «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج5/417 - 418.
3- «من لايحضره الفقيه» ج2/21، الحديث 75، و«وسائل الشيعة» ج9/496، الحديث 12570.
4- كالسيّد الخوئي رحمه الله .

ذكره آنفاً، والآخر فيما يخرج بعنوان المعدن(1)، فبقرينة أنّ السؤال في الأخير سؤال عن المقدار والكمّية نحمل عليه السؤال في المقام أيضاً، كما صرّح به في مرفوعة المفيد قال: سُئِلَ الرِّضا علیه السلام عَنْ مِقْدَارِ الْكَنْزِ الّذي يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ؟ فَقَالَ: «مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ فَفِيهِ الْخُمُسُ، وَمَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا خُمُسَ فِيهِ»(2)، والمرفوعة وإن احتمل كونها من قبيل النقل بالمعنى لا أن يكون هناك حديثان متعدّدان، إلّا أنّها دالّة بالصراحة على فهم المفيد رحمه الله ذلك منها، زائداً على تصريح «الرياض» اتفاق الأصحاب على فهم المقدار منها لا النوع(3)، أللّهمّ إلّا أن يقال إنّ المرفوعة وإن دلّت على الكمّ والمقدار إلّا أنّها لا تنافي الجنس والماهيّة، فبعد إبهام الصحيحة من هذه الجهة، وكون المقام من قبيل دوران الأمر بين الأقلّ (وجوب الخمس بهذا العنوان في خصوص كنوز الّتي كانت من جنسي الذهب أو الفضة) والأكثر (وجوبه في مطلق الكنوز وإن لم تكن من جنسهما) الاستقلاليين في الشبهات المفهوميّة فيما كان المخصص منفصلاً نتمسك فيما كانت من غيرهما بعمومات أدلّة وجوب الخمس فيالأرباح والمنافع والغنائم بالمعنى الأعمّ، فبناءً على ذلك يجب الخمس فيما كانت منهما من دون أن يلاحظ فيها استثناء مؤونة السنة بمجرد الإخراج، وفيما

ص: 249


1- قال: سألت أبا الحسن عليّ بن موسی الرّضا علیه السلام عَمَّا أَخْرَجَ الْمَعْدِنُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ هَلْ فِيهِ شَیْ ءٌ؟ قَالَ: «لَيْسَ فِيهِ شَيْ ءٌ حَتَّى يَبْلُغَ مَا يَكُونُ في مِثْلِهِ الزَّكَاةُ عِشْرِينَ دِينَاراً». «التهذيب» ج4/138، الحديث 391، و«وسائل الشيعة» ج9/494، الحديث 12568.
2- «المقنعة» ص46، و«وسائل الشيعة» ج9/497، الحديث 12574.
3- «رياض المسائل (ط - الحديثة)» ج5/249.

كانت من غيرهما بشرائط الأرباح، فعليه ما اختاره القائلين بالتقييد هو الأقوى، لكن مقتضى الاحتياط الاستحبابي هو تعميم حكم الكنز لمطلق الكنوز من دون فرق بين كونها من قبيل الذهب والفضة المسكوكين أو غير المسكوكين أو غيرهما من الدفائن الثمنية بعد بلوغ ماليتها مقدار عشرين ديناراً أو مأتي درهم.

ومنها: مكان الّذي يوجد فيه الكنز:

حيث يمتاز الكنز عن غيره من المعادن والغوص والغنائم المأخوذة من الكفار من أهل الحرب، بأنّ الاُوليين غير مسبوقين بيد مالك أصلاً، والثالثة غير مسبوقة بيد مالك محترم، بخلاف الكنز لاحتمال سبق يد مسلم أو ذمّيّ عليه حتی يعمّه حكم اللقطة والمجهول المالك، فقد تصدّى لذلك الفقهاء هنا للبحث عن حكم صور أمكنة الّتي يتصور كون الكنز فيها، وهي إجمالاً ثمانية: إذ الكنز إمّا أن يوجد في دار الحرب أو في دار الإسلام، وعلى كلا التقديرين إمّا أن يكون عليه سكة الإسلام وأثره أم لا، وعلى التقادير إمّا أن يوجد في ملك شخصي أو في الأمكنة العمومية من الأنفال والمفتوحة عنوة.

أمّا إذا كان في دارالحرب بأقسامه الأربعة، وكذا ما في دار الإسلام إذا لم يكن عليه أثر الإسلام وكان في أرض مباحة أو ما ليس ملكاً لأحد من المسلمين بالخصوص (الأمكنة العمومية)، فقد ادّعى في «الجواهر» عدم وجدانه الخلاففي كونه ملكاً لواجده وعليه تخميسه(1)، وظاهر «الغنية»(2) الإجماع عليه.

ص: 250


1- «جواهرالكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/28.
2- «غنية النزوع إلی علمي الأصول والفروع» ص129 - 130، و«سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج5/245.

وهو كذلك عند الشافعي إذا لم يكن عليه أثر الإسلام، وفصّل أبوحنيفة فيه بين ما يكون في دار الإسلام فيجب فيه الخمس، وبين ما كان في دار الحرب فلا شيء عليه، وأمّا إذا وجد عليه أثر الإسلام فقال الشافعي إنّه بمنزلة اللقطة إن وجد في دار الإسلام، وإلّا فهو كنز يجب عليه الخمس(1).

ثمّ إنّه استدلّ على كونه ملكاً لواجده فيما يوجد في دار الحرب بأقسامه الأربعة زائداً على عدم الخلاف أو الإجماع المدّعى، تارة: بأنّ الأصل في الأشياء الإباحة، إذ التصرف في مال الغير إنّما يحرم إذا كان مالكه محترماً، ونفس كونه في دار الحرب أمارة لكون مالكه غير محترم حتی وإن وجد عليه أثر الإسلام، لإمكان تملك النقود الإسلامية بواسطة الكفار، ولو شك في كونه مملوكاً لمسلم فالأصل أيضاً عدمه.

واُخرى: بأنّ أظهر مصاديق ما ورد من عمومات أدلة الكنز وإطلاقاته وأنّه ملك لواجده وعليه تخميسه هو هذه الصور الأربعة.

وأمّا ما يكون في دار الإسلام إذا لم يكن عليه أثر الإسلام وكان في الأمكنة العمومية، فهو أيضاً لواجده بالأصل (إذا لم يحتمل سبق يد محترم عليه)والعمومات.

وأمّا ما كان في دار الإسلام في هذه الأراضي إذا كان عليه أثر الإسلام، فقد اختلف فيه بين كونها كالصور السابقة أوكونها لقطة، حكى في «الجواهر» عن «الخلاف» و«السرائر» و«المدارك» و«كشف الغطاء» وظاهر كلام المفيد

ص: 251


1- راجع: «الخلاف» ج2/122 - 123، المسائل الرقم 148 - 149 من مسائل كتاب الزكاة.

والمرتضى وغيرهم، كونه كالسابقة واختاره هو أيضاً لعين ما تقدم من الأدلة(1).

وحكى بعض كصاحب «المستمسك» عن المبسوط والقاضي والفاضلين والشهيدين في «البيان» و«المسالك» والمحقق وغيرهم أنّه يجري عليه حكم اللقطة، ثمّ قال: ونسب ذلك (أيضاً) إلى أكثر المتأخرين تارة، وإلى الأشهر اُخرى، وإلى فتوى الأصحاب ثالثة، زعماً منهم على أنّ الكون في دار الإسلام إذا كان عليه أثره يدلّ على تملك مسلم له، فلا يجري عليه الأصل المتقدم، وضعّفه بأنّ مجرد أثر الإسلام حيث كان أخصّ من المدّعى لا دلالة فيه على سبق يد المسلم له، وعلى فرض تسليمه لا وجه لإجراء حكم اللقطة له لاختصاصها بالمال الضائع الّذي لا يشمل الكنز(2)، وهو أيضاً كما تقدّمت الإشارة إليه آنفاً خيرة الشافعي من العامّة.

أقول: كما صرّح غير واحد من فقهائنا منهم المحقق الهمداني رحمه الله في «مصباحه»(3)، بالفرق بين مفهوم الكنز واللقطة عرفاً بأنّ المتبادر من الأوّل هو المال المدفون المحرز في وعاء غالباً بحيث لم يعرف له مالك أصلاً لطول زمانهوانقراض مالكه، على وجه انقطعت عنه علاقة مالكه قهراً ويعامل معه العرف معاملة المباحات الأصلية الّتي يجوز تملّكها والاستفادة منها لكلّ أحد وقد أمضاها الشارع إجمالاً، بخلاف المال المجهول المالك الّذي لا ينقطع علاقة مالكه عنه بنظرهم، والثانية هي المال الضائع غير المستور الّذي يعرف صاحبها

ص: 252


1- «جواهرالكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/29.
2- «مستمسك العروة الوثقی» ج9/471.
3- «مصباح الفقيه» ج19/205 - 206.

بعد التعريف غالباً، وعلى فرض تعميمها للظاهر والمستور لكنّه غير مشروط فيها بالستر، ولاسيّما بعد عدم دلالة الأثر على كون المالك مسلماً، فنقول - زائداً على التمسك بالأصل - : إنّ إطلاقات اللقطة منصرفة عن مثل الكنز، وعلى فرض شمولها له فحيث إنّ إطلاقات أدلّة الكنز كانت أخصّ من أدلّتها يقدّم على أدلّتها، ونتيجته إلحاقه بالصور السابقة.

وإن شئت قلت: إنّ الكنز وإن كان يفترق عن أخويه أعني المعدن والغوص بحسب الدقّة، ولكنّ العرف والعقلاء حتی المتشرعة منهم لا يفرّقون بينها ويعدّون الجميع من قبيل ما لا صاحب لها، حيث إنّ المالكيّة أمر إعتباري عقلائي، ومرور الدهور والأزمنة يوجب قطع علاقة المالك وعدم اعتبارها بنظرهم، ويستفاد من حكم الشارع في باب الكنوز وعدّه إياها في سياق المعادن والغوص ونحوهما إمضاءه لذلك وعدم رعاية المالك فيها.

وهذا بخلاف باب اللقطة ومجهول المالك حيث إنّه يراعى في جميع مراحله جهة المالكية، إذ حكم فيه أوّلاً: بكراهة الالتقاط لرعاية احتمال عثور المالك على ما فقده، وثانياً: بتعريفه بعد الالتقاط سنة لذلك، وثالثاً: بأنّه إن وجد مالكه وإلّا خيّر الواجد بعده بين حفظ المال عنده أمانة شرعية للمالك وبين التصدّق به أو تملّكه مع الضمان فيهما، الّذي يظهر منها أنّ باب الكنز يفترق عن باب مجهول المالك واللقطة موضوعاً وحكماً

فعلى ما ذكرنا نقول بجواز تملك الكنز حتی إن علم بالآثار والقرائن كون مالكه الأصلي من المسلمين نظير الآثار الباقية في البلاد القديمة مثل بغداد والكوفة إذا انقطع علاقة المالكيّة، كما استقرّت السيرة المتشرعة أيضاً على تصاحبها حتی في صورة العلم بكونها للمسلمين، فضلاً عن صِرف وجود أثر

ص: 253

الإسلام الّذي غايته حصول الظن منه بكون المالك مسلماً.

وممّا ذكرناه يظهر لك أيضاً حكم الكنوز الواقعة في أراضي المملوكة بالإحياء أو بالابتياع مع العلم بعدم كونها ملكاً لبايعيها وانقطاع علاقة ملاكها عنها، فإنّها لا محالة تكون لواجدها وعليه تخمسيه بعنوان الكنز من دون فرق بين أن يكون عليها أثر الإسلام أم لا.

وأمّا ما كان في أراضي مملوكة سواء كان عليه أثر الإسلام أم لا، فلا يخلو أمره أيضاً من أحد الوجهين: إمّا أن تقطع علاقة ملّاكه عنه عرفاً فيكون ملكاً لواجده وعليه تخميسه بعنوان الكنز، وإلّا يجب عليه تعريفه بعنوان اللقطة، وعلى الأخير فإن عرفه المالك وإلّا فلمن كان قبله وهكذا، بل ولكلّ من احتمل كونه له وإن لم يكن من ملّاكها، فإن لم يعرفوه يجري عليه حكم اللقطة من تخيير الواجد بعد التعريف بين حفظ المال عنده أمانة شرعية للمالك وبين التصدّق به أو تملّكه مع الضمان فيهما.

وبعبارة اُخرى: المالكية من العناوين المشتقّة لدى الاُصوليين مبدؤها وجود الملكيّة حال النسبة، وهي كما تزول بالأسباب الاختيارية كالبيع والوقف والهبة تزول بالأسباب القهريّة مثل الموت والارتداد، ومنها زوالها بمرور الدهور وطول الأزمنة بحيث تنقطع علاقة ملّاكها عنها على وجه يصحّ سلب انتسابها بهم مثل ما إذا طرحوها وأعرضوا عنها، فالملاك في المقام في جواز تملك الكنز وعدمه في جميع الصور الثمانية هو كون المال حين الوجدان مرتبطاً لمسلم أو ذمّيّ فلا يجوز تملّكه بعنوان الكنز، بل يجري عليه أحكام اللقطة أو المجهول المالك، وإلّا فهو كنز يكون ملكاً لواجده بعد تخمسيه من دون فرق بين أنواع الأرض الّتي يوجد فيها المال، واختلاف أمثلة أراضي الّتي ذكرها السيّد صاحب «العروة»

ص: 254

وغيره لا تكون إلّا من جهة كونها أمارةً عليه أم لا.

فيتّضح بذلك أنّه إذا انقطع ارتباط الكنز عن ملّاكه في المقام لا نحتاج إلى التعريف أصلاً، أمّا إذا احتمل استمرار بقائه كما كان فعلى الواجد أن يستصب كونه لقطة أيضاً وأن يعمل بأحكامها وله أن يملكه بعد اليأس مع الضمان بعنوان اللقطة لا بعنوان الكنز، فبناءً على ذلك ما اختاره السيّد صاحب «العروة» وبعض محشّيه من أنّ له أن يملكه حينئذٍ بعد التخميس بعنوان الكنز(1) غير سديد، نعم يجوز ذلك اذا أخذنا اليأس دليلاً على صيرورتها كنزاً.

بقي هنا أمران:

الأوّل: لو تنازع فيه الملّاك فيما لم ينقطع العلاقة بعد وجدانه، فله صورتان:

الاُولى: فإن كانوا في مرتبة واحدة وادّعوا مشاركتهم فيه كلّه كان المال لهم بنسبة حصّتهم لكونهم جميعاً ذوي الأيدي وفي الحقيقة أنّه خارج عن صورة التنازع، أو تساويهم في التقسيم إذا ادّعاه كلّ واحد منهم الجميع، لذلك وعدم الترجيح.الثانية: أن لا يكونوا في رتبة واحدة، فكان اللاحق في الحقيقة حينئذٍ منكراً لموافقة قوله اليد، والسابق مدّعياً لمخالفة قوله لها، فيجري عليهما حكم المدّعي والمنكر.

الأمر الثاني: قد جرت عادة الحكومات على أخذ الكنوز من واجديها كأنّهم

ص: 255


1- حيث قال: ولو كان في أرض مبتاعة مع احتمال كونه لأحد البائعين عّرفه المالك قبله، فإن لم يعرفه فالمالك قبله وهكذا، فإن لم يعرفوه فهو للواجد وعليها الخمس. «العروة الوثقى (للسيّد اليزدي)» ج2/374.

لا يرون لهم في ذلك حقاً على وجه يجعلون بعض التعزيرات على الّذين لا يسلّموها إليهم، فما هو حكمها حسب الأدلّة؟

التحقيق يقتضي أن نقول: إنّ الّذي يظهر من الأخبار الكثيرة الواردة في المقام وما يستفاد من مطاوي كلمات الفقهاء أنّ الكنز إذا وجد بشرطه أو شروطه يكون ملكاً لواجده، وليس للحكومة إذا كانت بيد الفقيه إلّا الخمس ليصرفه في مصارفه، نعم يستثنى من ذلك الكنوز الّتي ترتبط بتاريخ ملّة وأسلافهم الّتي لا ينظر إليها من حيث الماليّة فقط، بل لها جهة الثقافيّة أو السياسيّة أو الاقتصاديّة بأن يكون هناك مظنّة خروجها عن بلاد المسلمين وكان خروجها عنها خسارة عليهم وما أشبه ذلك، فللحكومة حينئذٍ من باب إعمال الولاية أخذها بهذه العناوين الثانوية بعد إعطاء ثمنها إلى واجديها، ليجمع بين الحقّين.

ومنها: مسألة النصاب والمقدار:

ومن الشرائط الّتي يقال إنّها معتبرة في وجوب الخمس في المقام النصاب، وهو إجمالاً عشرون ديناراً على ما ذهب إليه المشهور، ودينار واحد على ما نسب إلى أمالي الصدوق وابن زهرة.

أرسله بعضهم كالسيّد الطباطبائي رحمه الله إرسال المسلمات، أو كونه ممّا خلاففيه، أو ممّا اتّفق أو أجمع عليه الأصحاب، قال السيّد رحمه الله في «العروة»:

ويشترط في وجوب الخمس فيه النصاب، وهو عشرون ديناراً(1).

وقال في «الجواهر»:

ص: 256


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/375.

ويعتبر في وجوب الخمس فيه النصاب بلا خلاف أجده فيه، وإن أطلق بعض القدماء، بل في الخلاف والغنية والسرائر وظاهر التذكرة والمنتهى والمدارك الإجماع عليه(1).

وقال الشيخ رحمه الله في «الخلاف»:

الرِّكاز هو الكنز المدفون يجب فيه الخمس بلا خلاف، ويراعى عندنا فيه أن يبلغ نصاباً يجب في مثله الزكاة، وهو قول الشافعي في الجديد، وقال في القديم: يخمّس قليله وكثيره، وبه قال مالك وأبو حنيفة، دليلنا: إجماع الفرقة وأيضاً ما اعتبرناه لا خلاف أنّ فيه الخمس، وما نقص فليس عليه دليل(2).

وقال السيّد الحكيم رحمه الله بعد ما كان مختاره هو ما ذهب إليه المشهور:

وعن أمالي الصدوق: أنّ النصاب دينار واحد، ناسباً له إلى دين الإمامية، ودليله غير ظاهر، كنسبته إلى الإمامية، إذ لم يعرف له موافق، نعم حكى عن الغنية مع الاستدال عليه بالإجماع، لكن عبارتها لا تساعد عليه، فإنّه قال فيها: «ويعتبر في الكنوز: بلوغ النصاب الّذيتجب فيه الزكاة، وفي المأخوذ بالغوص: بلوغ قيمة دينار فصاعداً بدليل الإجماع المتكرر وهي - كما ترى - توافق المشهور(3).

أمّا العامّة كما يظهر من كلام الشيخ آنفاً فلم يوافقنا في هذا الحكم مذهب من مذاهبهم إلّا الشافعي في قوله الجديد، وكيف كان أنّه قد استدلّ عليه زائداً

ص: 257


1- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/26.
2- «الخلاف» ج2/121، المسألة الرقم 146 من مسائل كتاب الزكاة.
3- «مستمسك العروة الوثقی» ج9/475 - 476.

على الإجماع بما رواه البزنطي في الصحيح عن أبي الحسن الرّضا علیه السلام قال: سَأَلْتُهُ عَمَّا يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ مِنَ الْكَنْزِ؟ فَقَالَ: «مَا يَجِبُ الزَّكَاةُ في مِثْلِهِ فَفِيهِ الْخُمُسُ»(1).

ويؤيّده مرفوعة المفيد عن الرّضا علیه السلام حيث قال: سُئِلَ الرِّضا علیه السلام عَنْ مِقْدَارِ الْكَنْزِ الّذي يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ؟ فَقَالَ: «مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ فَفِيهِ الْخُمُسُ، وَمَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا خُمُسَ فِيهِ»(2)، وقد تقدّم قوّة احتمال كون الحديثين واحداً وأنّ الثاني من قبيل النقل بالمعنى.

أقول: قد عرفت أنّ العمدة في المقام هو ما رواه البزنطي صحيحاً عن مولانا الرّضا علیه السلام وأنّه مفتٍ بها عندهم على حدّ الإجماع أو القريبة إليها، وأنّ ما نسب إلى غيرهم لم يقم عليه دليل، فالأقوى بل المتعيّن بعد ما كان المقام من قبيل دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الاستقلاليين هو ما اختاره المشهور من لزوم كونه عشرون ديناراً أو مأتي درهم.

ص: 258


1- «من لايحضره الفقيه» ج2/21، الحديث 75، و«وسائل الشيعة» ج9/496، الحديث 12570.
2- «المقنعة» ص46، و«وسائل الشيعة» ج9/497، الحديث 12574.

هاهنا مسائل سبع:

الاُولى: حكم الكنوز الموجودة في أراضي المستأجرة أو المستعارة:

قال السيّد رحمه الله في «العروة»:

لو وجد الكنز في أرض مستأجرة أو مستعارة وجب تعريفهما وتعريف المالك أيضاً، فإن نفياه كلاهما كان له وعليه الخمس، وإن ادّعاه أحدهما أعطى بلا بيّنة، وإن ادّعاه كلّ منهما ففي تقديم قول المالك وجه لقوّة يده، والأوجه الاختلاف بحسب المقامات في قوّة إحدى اليدين(1).

المسألة من فروع مسألة «مكان الّذي يوجد فيه الكنز» فقد تقدّم امتياز الكنز عن غيره من المعادن والغوص والغنائم المأخوذة من الكفار من أهل الحرب، بأنّ الاُوليين غير مسبوقين بيد مالك أصلاً، والثالثة غير مسبوقة بيد مالك محترم، بخلاف الكنز لاحتمال سبق يد مسلم أو ذمّي عليه حتى يعمّه حكم اللقطة والمجهول المالك، فعرفت أنّ إجراء حكم الكنز فيه متوقف على قطع علاقة المالكية عنه قهراً بمرور الدهور والأزمنة على وجه يعامل معه العرف معاملة المباحات الأصلية.

نبحث هنا عن حكم الكنز الموجود في الأراضي الّتي كانت رقبتها لأحد ومنفعتها لآخر كما إذا كان الواجد مستأجراً أو مستعيراً فحكمه حكم من ابتاع أرضاً فوجده، فإن ظهر بالقرائن والآثار كونه من الكنوز القديمة الّتي انقطعت علاقة ملّاكه عنه، فهو كنز يملك بالوجدان والتخميس، ولا وجه للرجوع إلى

ص: 259


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/375، المسألة الرقم 14.

المالك أو المستعير لعدم جريان يد أيّ منهما عليه، وبذلك يعلم أنّه كان كذلك وإن كان الواجد أجيراً لحفر بئر مثلاً فعثر عليه، بل وإن كان غاصباً لأنّه كان غاصباً للأرض لا الكنز.

وإن لم تقطع العلاقة عنه فعلى الواجد تعريفه بعنوان اللقطة، فإن عرفه المالك أو المستعير بل وكلّ من احتمل كونه له وإن لم يكن من ملّاكه، فإن لم يعرفوه يجري عليه حكم اللقطة من تخيير الواجد بعد التعريف بين حفظ المال عنده أمانة شرعيّة للمالك وبين التصدّق به أو تملّكه مع الضمان فيهما، وليس له أن يستملكه بعد أن يخمّسه.

وعلى الأخير لو تنازع فيه الملّاك فالكلام هو الكلام.

الثانية: لو علم كون الكنز لمالك محترم:

قال السيّد رحمه الله في «العروة»:

لو علم الواجد أنّه لمسلم موجود هو أو وارثه، في عصره مجهول، ففى إجراء حكم الكنز أو حكم مجهول المالك عليه وجهان، ولو علم أنّه كان ملكاً لمسلم قديم فالظاهر جريان حكم الكنز عليه(1).

قد عرفت أنّ المعيار في مفهوم الكنز هو كونه لزمان بعيد انقطع عنه علاقة ملّاكه وصار كمال بلا مالك على وجه يكون من قبيل الإعراض القهري، فحينئذٍ يجري عليه حكم الكنز، وإلّا فهو لقطة لا محالة يجري عليه أحكامها، فبذلك يظهر النظر في ما قاله صاحب «العروة» ومن وافقه من محشّيه.

ص: 260


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/375، المسألة الرقم 15.

الثالثة: حكم الكنوز المتعددة:

قال السيّد رحمه الله في «العروة»:

الكنوز المتعددة لكلّ واحد حكم نفسه في بلوغ النصاب وعدمه، فلو لم يكن آحادها بحدّ النصاب وبلغت بالضمّ لم يجب فيها الخمس، نعم المال الواحد المدفون في مكان واحد في ظروف متعدّدة يضمّ بعضه إلى بعض، فإنّه يعدّ كنزاً واحداً وإن تعدّد جنسها(1).

لو كان هناك كنوز متعدّدة، فعلى القول باعتبار النصاب فيها فهل يعتبر لكل منها نصاباً مستقلّاً، أو يضمّ بعضها إلى بعض؟ وجهان بل قولان، منشؤهما هل الخمس في المقام كونه ضريبة على الاغتنام الّذي يحصله الإنسان من هذا المجرى فالجميع بحكم واحد، أو كونه ضريبة على المتعلّق كأن يقال الغنائم والمعادن والكنوز وهكذا يجب فيه الخمس، فلكلّ حكم على حدّه، والظاهر من إطلاق صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرّضا علیه السلام قال: سَأَلْتُهُ عَمَّا يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ مِنَ الْكَنْزِ؟ فَقَالَ: «مَا يَجِبُ الزَّكَاةُ في مِثْلِهِ فَفِيهِ الْخُمُسُ»(2)، كونها من قبيل العام الأفرادي لا المجموعي حيث إنّها كانت عبارة اُخرى عن أن يقال: «كلّ كنز يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس»، فكلّ ما يصدق عليه أنّه كنز لابدّ من بلوغه بمقدارٍ يجب فيه الزكاة، فلا يضمّ بعضه إلى بعض، نعم الكنز الواحد إذا كان في ظروف متعدّدة أو كان بنحو الأجناس المختلفة

ص: 261


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/376، المسألة الرقم 16.
2- «من لايحضره الفقيه» ج2/21، الحديث 75، و«وسائل الشيعة» ج9/496، الحديث 12570.

يضمّ بعضه إلى بعض، زائداً على كون المقام من قبيل دوران الأمر بين الأقلّ (اعتبار النصاب في كلّ واحد من الكنوز) والأكثر (انضام بعضها إلى بعض في ذلك) الاستقلاليين في الشبهات المفهوميّة فيما كان المخصّص منفصلاً، ففي الأكثر نجري البراءة عن حكم الكنز ونتمسك بعمومات أدلّة وجوب الخمس في الأرباح والمنافع والغنائم بالمعنى الأعم بشرائطها، فعليه ما اختاره القائلين بالتقييد هو الأقوى، وإن كان مقتضى الاحتياط الندبي هو تعميم الحكم لما بلغ النصاب بالانضمام أيضاً.

الرابعة: وحدة الإخراج وتعدّده:

قال السيّد الطباطبائي رحمه الله في «العروة»:

في الكنز الواحد لا يعتبر الإخراج دفعة بمقدار النصاب، فلو كان مجموع الدفعات بقدر النصاب وجب الخمس وإن لم يكن كلّ واحدة منها بقدره(1).

أقول : لم يؤخذ في شيء من أدلّة الكنز عنوان «الإخراج» خلافاً لأدلّة المعدن، حتی نبحث عن أنّ المخرَج هل يعتبر بلوغه حدّ النصاب في دفعة واحدة أم يكفي الدفعات كما تقدّم في المعدن، فلا يقاس الكنز بالمعدن، حيث إنّ الموضوع في الثاني «الإخراج» وفي الأوّل «الاستيلاء والحيازة»، فالأولى أن نعبّر عنه بالاستيلاء، ويمكن تصويره بأنّه إن وجد بعض النصاب في يوم وبعضه الآخر في اليوم الثاني فهل يجب الخمس في المجموع إذا بلغ النصاب أو لا؟

ص: 262


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/376، المسألة الرقم 17.

والّذي ينبغي أن يقال في الجواب على هذا السؤال هو أنّه لو كان الكنز في محل واحد وعثر عليه تدريجاً في دفعات متعدّدة وبلغ المجموع النصاب وجب الخمس حينئذٍ لوحدة الكنز عرفاً، وأمّا إذا تعدّد المحل وانفصل بعضه عن بعض بمقدار ينافي صدق الوحدة لم يجب الخمس وإن بلغ المجموع حدّ النصاب لاقتضاء العام الأفرادي ذلك.

الخامسة: لو وجد في جوف الدابّة أو السمكة المشتراة شيئاً:

قال السيّد رحمه الله في «العروة»:

إذا اشترى دابّة ووجد في جوفها شيئاً فحاله حال الكنز الّذي يجده في الأرض المشتراة في تعريف البائع وفي إخراج الخمس إن لم يعرفه، ولا يعتبر فيه بلوغ النصاب، وكذا لو وجد في جوف السمكة المشتراة مع احتمال كونه لبائعها، وكذا الحكم في غير الدابّة والسمكة من سائر الحيوانات(1).

قد تعرّض الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) لحكم المال الّذي قد يوجد في بطن الحيوان المبتاع أو المصطاد في ذيل البحث عن وجدان الكنز في بطن الأرض إلحاقاً به موضوعاً أو حكماً أو تنقيحاً للمناط، فيكون لواجده كالكنز، وذكروا فيها أحكاماً ثلاثة:

الف: تعريفه البائع.

ب: وجوب إخراج الخمس إن لم يعرف.

ج: عدم اشتراط النصاب.

ص: 263


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/376، المسألة الرقم 18.

في حين أنّه يشكل تطبيقه على القواعد، إذ لو كان ملحقاً بالكنز يجب فيه اعتبار بلوغ النصاب، وإن كان لقطة أو مجهول المالك يجب بعد التعريف واليأس أن يتصدّق بلا إخراج الخمس، لكنّه أفتى به المشهور.

قال المفيد قدس سره في «المقنعة»:

وإن ابتاع شاة أو بعيراً أو بقرة فذبح شيئاً من ذلك فوجد في جوفه شيئاً له قيمة عرّفه من ابتاع ذلك الحيوان منه، فإن عرفه أعطاه إيّاه، وإن لم يعرفه أخرج منه الخمس، وكان أحقّ بالباقي، فإن ابتاع سمكة فوجد في جوفها درّة أو سبيكة، أو ما أشبه ذلك أخرج منها الخمس وتملّك الباقي(1).

وقال المحقّق العاملي رحمه الله عند قول المحقّق قدس سره «ولواشترى دابّة ووجد في جوفها شياً»:

وأمّا وجوب الخمس في هذا الموجود فقد قطع به الأصحاب ولم ينقلوا عليه دليلاً وظاهرهم اندراجه في مفهوم الكنز، وهو بعيد، نعم يمكن دخوله في قسم الأرباح. ثمّ قال عند البحث عن وجوب الخمس فيما وجد في جوف السمكة: وربما لاح من كلام العلّامة في التذكرة الميل إلى إلحاق السمكة بالدابّة، لأنّ القصد إلى حيازتها يستلزم القصد إلى حيازة جميع أجزائها، وهو بعيد. وأمّا وجوب الخمس في ذلك فالكلام فيه كما في الموجود في جوف الدابّة(2).

ص: 264


1- «المقنعة (للشيخ المفيد)» ص647، ومثله الشيخ في «التهاية» ص321 في باب اللقطة، والحلّي في «السرائر» ج2/106 في هذا الباب، و....
2- «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج5/373 - 374.

وقال المحقّق البحراني رحمه الله :

قد ذكر جملة من الأصحاب في هذا المقام أنّه لو اشترى دابة ووجد في جوفها شيئاً له قيمة عرّفه البائع، فإن عرفه فهو له وإن جهله فهو للمشتري وعليه الخمس. ولو ابتاع سمكة فوجد في جوفها شيئاً أخرج خمسه وكان الباقي له، وليس عليه تعريف هنا(1).

أقول: إنّه لا ريب في عدم صدق عنوان الكنز هنا لا لغة ولا عرفاً كما صرّح به في «الجواهر»(2) وغيره، لما عرفت إجمالاً من أنّ الكنز لغة هو المال المدفون، واصطلاحاً أنّه المال المدفون الّذي مرّت عليه أعوام كثيرة، ليفصّل بذلك بين الكنز والقطة والمجهول المالك، وذلك لأنّه لم يمرّ عليه زمان انقطعت عنه علاقة المالكيّه قهراً على وجه يعامل معه العرف معاملة المباحات الأصلية الّتي يجوز تملّكها والاستفادة منها لكلّ أحد، ولا يكون أيضاً علی وجه يمكن أن نتعدّى منه الحكم بتنقيح المناط، حيث من شرطه أن يكون المناط فيه قطعياً وهو غير معلوم هنا، فالقاعدة يقتضي أن يكون الحكم جارياً مجرى باب اللقطة ومجهول المالك من تعريف البائع، بل وكلّ من احتمل كونه له وإن لم يكن بائعاً، فإن لم يعرفه يتخيّر الواجد حينئذٍ بين حفظ المال عنده أمانة شرعية

ص: 265


1- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/338 - 339.
2- حيث قال: جزم في «الحدائق» ببطلان اندراجه في الكنز، وهو جيد بل لم أعرف أحداً من الأصحاب صرّح بخلافه، نعم قد يظهر من بعضهم إلحاقه به تنقيحاً، وهو موقوف على الدليل، فإن ثبت إجماعاً كان أو غيره تعين القول به، وإلّا كان محل منع والظاهر أنّه كذلك، لعدم وصول شيء منها إلينا، «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/36.

للمالك وبين التصدّق به أو تملّكه مع الضمان فيهما، وليس له أن يستملكه بعد أن يخمسه.

هذا حكم المسألة حسب القواعد، لكنّه قد ورد في المقام ما دلّ علی جوازه، وهو ما رواه الكليني رحمه الله بإسناده صحيحاً عن عبدالله بن جعفر حيث قال: كَتَبْتُ إِلَى الرَّجُلِ علیه السلام أَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى جَزُوراً أَوْ بَقَرَةً لِلْأَضَاحِيِّ، فَلَمَّا ذَبَحَهَا وَجَدَ في جَوْفِهَا صُرَّةً فِيهَا دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ أَوْ جَوْهَرَةٌ لِمَنْ يَكُونُ ذَلِكَ؟ فَوَقَّعَ علیه السلام: «عَرِّفْهَا

الْبَائِعَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهَا فَالشيء لَكَ رَزَقَكَ اللَّهُ إِيَّاهُ»(1)، فأجازه الإمام علیه السلام تمليكه بعد التعريف، ولعلّ تخصيص البائع للتعريف هنا محمول على الغالب من عدم كون الدابّة في غير حريم البائع، وإلّا لا خصوصية للبائع لما مرّ أنّ المراد به هو من كانت الدابّة تحت اختياره وإن لم يكن مالكاً كالراعي لها ونحوه، وحيث أفتى بمضمونها المشهور يخصّص بها أدلة اللقطة الدالّة على تخيير الواجد بعد التعريف بين حفظ المال عنده أمانة شرعية للمالك وبين التصدّق به أو تملّكه مع الضمان فيهما، فنقول بجواز تملّكه بعنوان مطلق الفائدة وإن علم كونه لمالك محترم مجهول، ووجوب تخميس مازاد منه بعد مؤونة السنة من دون أن يعتبر فيه نصاباً، كما صرّح به في «السرائر» حيث قال:

إن ابتاع بعيراً أو بقرة أو شاة وذبح شيئاً من ذلك، فوجد في جوفه شيئاً قلّ عن مقدار الدرهم أو كثر، عرّفه من ابتاع ذلك الحيوان منه، فإن عرفه

ص: 266


1- «الكافي» ج5/139، الحديث 9، و«التهذيب» ج6/392، الحديث 1174، و«وسائل الشيعة» ج25/452، الحديث 32335.

أعطاه إيّاه، وإن لم يعرفه أخرج منه الخمس بعد مؤونته طول سنته، لأنّه من جملة الغنائم والفوائد وكان له الباقي(1).

وكذا الحكم لو وجد شيئاً في جوف السمكة المصطاد أو غيرها من سائر الحيوانات غير الأهلية فهو ملك لواجده بعنوان مطلق الفائدة، ولا يجب عليه تعريف الصائد حينئذٍ لأنّه إنّما قصد بحيازته تملّك نفس الحيوان فقط دون ما في جوفه من الأموال، فهي باقية على إباحتها الأصليّة.

السادسة: النصاب في الكنز بعد إخراج مؤونة الحيازة:

قال السيّد(ره) في «العروة»:

إنّما يعتبر النصاب في الكنز بعد إخراج مؤونة الإخراج(2).

أقول: الكلام في اعتبار النصاب بعد إخراج مؤن الكنز وعدمه هو الكلام في المعدن، فراجع.

السابعة: إذا اشترك جماعة في كنز:

قال السيّد رحمه الله في «العروة»:

إذا اشترك جماعة في كنز، فالظاهر كفاية بلوغ المجموع نصاباً وإن لم يكن حصّة كلّ واحد بقدره(3).

أقول: تقدّم البحث أيضاً عن عدم كفاية بلوغ المجوع النصاب عند البحث

ص: 267


1- «السرائر الحاوي لتحريرالفتاوی» ج2/106.
2- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/376، المسألة الرقم 19.
3- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/376، المسألة الرقم 20.

عنه في المعدن، فراجع(1).

إلى هنا تمّ الكلام في القسم الثالث ممّا يجب فيه الخمس، وسيأتي البحث في القسم الرابع منه أعني الغوص.

ص: 268


1- راجع: الأمر الثاني من الاُمور المطروحة في مبحث خمس المعدن.

الرابع من السبعة الّتي يجب فيها الخمس: «الغوص».

وهو لغة: عبارة عن الخوض في الماء(1)، وفي اصطلاح الفقهاء في باب الخمس يراد به ما يخرَج من البحر بالغوص من الجواهر سواء كان من الأحجار أو النبات(2) أو الحيوان(3) كالمرجان دون نفس العمل، فما بيّنه بعض كالسيّد صاحب «العروة» من تفسيره بإخراج الجواهر من البحر لا يخلو عن مسامحة، وذلك لأنّ نفس العمل لا يتعلّق به الخمس فلابدّ أن يراد به نتيجة الإخراج، ثمّ إنّ وجوب الخمس فيه بخصوصه وعنوانه في كلام الأصحاب إجمالاً، لا بعنوان مطلق الفائدة وأرباح المكاسب الملاحظة فيها الزيادة على المؤونة ممّا لا خلاف فيه، أرسله بعض إرسال المسلّمات، وعن غير واحد دعوى الإجماع عليه، خلافاً لكثير من العامّة حيث أنكروا وجوبه فيه.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

الرابع: الغوص، وهو إخراج الجواهر من البحر مثل اللؤلؤ والمرجان وغيرهما معدنياً كان أو نباتياً، لا مثل السمك ونحوه من الحيوانات، فيجب فيه الخمس بشرط أن يبلغ قيمته ديناراً فصاعداً، فلا خمس فيما ينقص من ذلك، ولا فرق بين اتحاد النوع وعدمه، فلو بلغ قيمة

ص: 269


1- عرّفه ابن منظور بالنزول تحت الماء حيث قال: الغوص النُّزول تحت الماء، وقيل: الغوص الدُّخول في الماء. راجع: «لسان العرب» ج7/62.
2- كاليُسر الّذي هو نبات ينبت في البحر ويصنع منه السبّح المعروفة.
3- لا يخفى عليك أنّ صيد الحيوانات البحريّة كالأسماك وشبها إذا لم يعدّ من الجواهر لم يجب عليها الخمس بهذا العنوان، كما يشهد بذلك استقرار سيرة المسلمين على عدم تخمسيها بمجرد صيدها من البحر أو النهر.

المجموع ديناراً وجب الخمس، ولا بين الدفعة والدفعات فيضمّ بعضها إلى بعض(1).

وقال في «الجواهر»:

الرابع ممّا يجب فيه الخمس كلّما يخرج من البحر بالغوص ممّا اعتيد خروجه منه بذلك كالجواهر والدرر ونحوهما بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الحدائق، بل في ظاهر الانتصار وصريح الغنية والمنتهى الإجماع عليه، كظاهر نسبته إلى علمائنا في التذكرة (2).

وقال المحقق رحمه الله في «المعتبر» وفيه إشارة إلى ما اختاره العامّة:

الغوص، وهو ما يخرج من البحر كاللؤلؤ والمرجان والعنبر، وبه قال الزهري وإحدی الروايتين عن أحمد، وأنكره الباقون(3).

ص: 270


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/377.
2- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/39، وقريب منه ما قاله في «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/29.
3- «المعتبر في شرح المختصر» ج2/621.

دليل وجوب الخمس في الغوص:

إنّه قد استدلّ على وجوب الخمس في الغوص تارة بعدم الخلاف أو الإجماع، واُخرى بالكتاب، وثالثة بما وردت من الأخبار والروايات الواردة في المقام، أمّا الأوّل فقد مرّت الإشارة إليه عند نقل كلام «الجواهر»، وأمّا دليله من الكتاب فقوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ)(1)، بناءً على كونها مطلق الفوائد المكتسبة فتكون أعمّ من الغنيمة الحربيّة، هذا دليله من الكتاب والإجماع، وأمّا دليله من الأخبار والأحاديث فهي روايات متظافرة، تدلّ على أنّ من إحدى ما يجب فيها الخمس الغوص.

منها: صحيحة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: «الْخُمُسُ

عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى الْكُنُوزِ، وَالْمَعَادِنِ، وَالْغَوْصِ، وَالْغَنِيمَةِ»، وَنَسِيَ ابْنُ أبي عُمَيْرٍ الْخَامِسَ(2).

وهي كما تقدّمت الإشارة إليه مرسلة بمنزلة الصحيحة.

وصحيحة الحلبي قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الْعَنْبَرِ وَغَوْصِ اللُّؤْلُؤِ؟ فَقَالَ: «عَلَيْهِ الْخُمُسُ»، الحديث(3).

وصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن محمّد بن عليّ بن أبي عبداللهعن أبي الحسن الكاظم علیه السلام قال: سَأَلْتُهُ

عَمَّا يُخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ مِنَ اللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ

ص: 271


1- «الأنفال»: 41.
2- «الخصال» ص291، الحديث 53، و«وسائل الشيعة» ج9/494، الحديث 12567.
3- «الكافي» ج1/461، الحديث 28، و«التهذيب» ج4/121، الحديث 346، و«وسائل الشيعة» ج9/498، الحديث 12576.

وَالزَّبَرْجَدِ وَعَنْ مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ هَلْ (فِيهَا زَكَاةٌ)؟ فَقَالَ: «إِذَا بَلَغَ قِيمَتُهُ دِينَاراً فَفِيهِ الْخُمُسُ»(1).

ومرفوعة محمّد بن عليّ الحسين قال: سُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ جعفر علیه السلام عَمَّا يُخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ مِنَ اللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ، وَعَنْ مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ هَلْ فِيهَا زَكَاةٌ؟ فَقَالَ: «إِذَا بَلَغَ قِيمَتُهُ دِينَاراً فَفِيهِ الْخُمُسُ»(2)، والظاهر كونها متحدة مع صحيحة البزنطي المتقدمة.

ومرفوعة المفيد رحمه الله في «المقنعة» عن الصّادق علیه السلام أنّه قال: «فِی الْعَنْبَرِ الْخُمُسُ»(3)، ولا يبعد اتّحادها مع صحيحة الحلبيّ المتقدمة.

ومرسلة حمّاد بن عيسی عن بعض أصحابنا عن العبد الصّالح علیه السلام قال: «الْخُمُسُ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: مِنَ الْغَنَائِمِ، وَالْغَوْصِ، وَمِنَ الْكُنُوزِ، وَمِنَ الْمَعَادِنِ، وَالْمَلَّاحَةِ»، الحديث(4).

وما رواه أحمد بن محمّد بن عيسی الأشعري قال: حَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا رَفَعَالْحَدِيثَ، قَالَ: «الْخُمُسُ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: مِنَ الْكُنُوزِ وَالْمَعَادِنِ وَالْغَوْصِ وَالْمَغْنَمِ

ص: 272


1- «التهذيب» ج4/124، الحديث 356، و«وسائل الشيعة» ج9/493، الحديث 12565.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج2/21، الحديث 72، و«وسائل الشيعة» ج9/499، الحديث 12577.
3- «المقنعة» ص46، الحديث 53، و«وسائل الشيعة» ج9/499، الحديث 12578.
4- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/487، الحديث 12549.

الّذي يُقَاتَلُ عَلَيْهِ»، وَلَمْ يَحْفَظِ الْخَامِسَ، الحديث(1).

والظاهر أيضاً أنّها متحدة مع صحيحة ابن أبي عمير المتقدمة.

وما رواه النعماني في تفسيره عن عليّ علیه السلام: «الْخُمُسُ

يُخْرَجُ مِنْ أَرْبَعَةِ وُجُوه: مِنَ الْغَنَائِمِ الّتي يُصِيبُهَا الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَمِنَ الْمَعَادِنِ، وَمِنَ الْكُنُوزِ، وَمِنَ الْغَوْص»(2).

وما رواه عمّار بن مروان الكلبي، قال سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول: «فِيمَا يُخْرَجُ مِنَ الْمَعَادِنِ، وَالْبَحْرِ، وَالْغَنِيمَةِ، وَالْحَلَالِ الْمُخْتَلِطِ بِالْحَرَامِ إِذَا لَمْ يُعْرَفْ صَاحِبُهُ، وَالْكُنُوزِ الْخُمُسُ»(3).

والرّوايات كما ترى بين صحيح وغير صحيح، لكنّها حيث كانت متظافرة ومفتٍ بها عند الأصحاب ينجبر بهما ما في بعضها من الضعف، وحيث إنّ العناوين الواردة في الروايات مختلفة من «الغوص»، و«غوص اللؤلؤ»، و«ما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد»، و«العنبر»، و«ما يخرج من البحر»، الّتي يمكن تجميعها في عنوانين: هما «الغوص» و«ما يخرج من البحر»، فلابدّ في مقام تشخيص موضوع الحكم هنا من فهم رابطة النسبة بينالعنوانين، وهي كما ترى عموم وخصوص من وجه، وذلك لأنّ الموضوع على الأوّل خاصّ لاختصاصه بالغوص بالبدن وعامّ لشموله البحر والأنهار الكبيرة، وعلى الثاني خاصّ لاختصاصه بالبحر وعامّ لشموله الإخراج بالغوص وغيره

ص: 273


1- «التهذيب» ج4/126، الحديث 264، و«وسائل الشيعة» ج9/489، الحديث 12556.
2- حكاه في «وسائل الشيعة» ج9/490، الحديث 12557.
3- «الخصال» ص290، الحديث 51، و«وسائل الشيعة» ج9/494، الحديث 12566.

كالآلات، فيتّفقان فيما إذا غاص ببدنه في البحر فاستخرج الجواهر والدراري منه، ويفترق الأوّل عن الثاني فيما إذا غاص ببدنه في الشطوط والأنهار الكبيرة كالنيل فاستخرج الجواهر، فيجب الخمس على الأوّل دون الثاني، كما يفترق الثاني عن الأوّل فيما إذا أخرج من البحر بالأدوات فيجب الخمس على الثاني دون الأوّل، فمن أجل ذلك فقد وقع البحث في تشخيص موضوع ما يجب فيه الخمس، وأنّ الاعتبار هل هو بصدق كلا العنوانين معاً، فيكون الموضوع ما يخرج من البحر بالغوص كما اختاره المحقق وجماعة منهم المحقق الهمداني(1)، نظراً إلى صلاحيّة كلّ منهما لتقييد الآخر، فيجمع بينهما عملاً بصناعة الإطلاق والتقييد.

أو بصدق كلّ واحد منهما فيكون كلّ منهما موضوعاً مستقلّاً للحكم، نظراً إلى عدم الموجب للتقييد بعد كونهما مثبتين، وعدم التنافي في البين ليتصدّى للعلاج أو لإرجاع أحدهما إلى الآخر.

أو بصدق عنوان الغوص وإرجاع الآخر إليه بدعوى أنّ التعبير بما يخرج من البحر جارٍ مجرى الغالب باعتبار غلبة كون الغوص في البحر، كما صرّح بهصاحب «الجواهر»(2).

ص: 274


1- «شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام ج1/163. «مصباح الفقيه» ج19/227 - 226.
2- حيث قال: والأنهار العظيمة كفرات ودجلة والنيل حكمها حكم البحر بالنسبة إلى ما يخرج منها إذا فرض تكوّن مثل ذلك فيها كالبحر، لإطلاق الأدلّة الّتي لا يحكم عليها ذكر البحر في الخبر السابق بعد خروجه مخرج الغالب، نعم قد يقال بانصراف الإطلاق إلى ما يخرج من البحر خاصّة لأنّه المتعارف، لكنّ لعلّ ذلك من ندرة الوجود لا الإطلاق. «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/43.

أو بصدق عنوان الإخراج من البحر وإرجاع الغوص إليه عكس ما مرّ، استناداً إلى أنّ التعبير بالغوص غالبي، إذ التصدّي لإخراج الجواهر من البحر لا يكون غالباً إلّا بالغوص.

أو الأخذ بكلّ منهما لا بمعنى استقلالها في الموضوعية، بل بمعنى إرجاع الجميع إلى عنوان واحد وما هو يخرج من قعر الماء، مقابل المعدن الّذي يؤخذ من غور الأرض.

وجوه، بل أقوال، والتحقيق بعد إمكان إرجاع عناوين: «غوص اللؤلؤ»، و«ما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد»، و«العنبر»، و«ما يخرج من البحر»، إلى عنوان «الغوص» من باب مصاديق هذا العنوان، فالظاهر من هذه الوجوه والأقوال هو الأخير، وذلك لأنّ العرف إذا واجه هذه العناوين يتلقّى من الخمس في المقام كونه ضربيّة على الاغتنام من أعماق الماء في مقابل ضربيّته على الاغتنام من لمعادن الّتي يخرج من أعماق الأرض، وبناءً على ذلك لا يرى موضوعيّة لكونه بواسطة الغوص أو بالآلات، كما لا يرى دخالة في كونه من البحر أو غيره من الأنهار الكبيرة والشطط العظيمة، فلا تنافي عندهم بين الإطلاقين وإن كان بينهما عموم من وجه، لتوافقهما حكماً، كما أنّه الموافق لمراعاة الاحتياط، فيحمل كلّ من الخصوصيتين أي الغوصيّة والبحريّة على المثال، وأنّ المدار هو مطلق إخراج شيء من الماء الكثير، الّذي هو المتبادر

ص: 275

لدى الأذهان العرفية.

قال المحقّق رحمه الله في دليل العامّة على عدم الخمس في المقام:

الغوص، وهو ما يخرج من البحر كاللؤلؤ والمرجان والعنبر، وبه قال الزهري وإحدی الروايتين عن أحمد، وأنكره الباقون، لما رووه عن ابن عباس أنّه قال: «ليس في العنبر شيء إنّما هو شيء ألقاه البحر»(1)، ولأنّه لو كان فيه شيء لنقل فيه سنة...، (إلى أن قال:) وقول ابن عباس لا حجّة فيه، لاحتمال أن يكون قاله اجتهاداً، وقولهم: لو كان فيه شيء لنقل فيه سنة قلنا: تواتراً أو آحاداً، والأوّل ممنوع وإلّا لبطل كثير من الأحكام، والثاني مسلّم وقد نقل عن فضلاء أهل البيت:، وعلى من وجد الركاز إظهاره، وبه قال الشافعي، وعن أبي حنيفة هو بالخيار بين كتمانه ولا شيء عليه، وبين إظهاره وإخراج خمسه. لنا قوله علیه السلام: «وَفِى الرِّكازِ الخُمسُ» فيجب إظهاره وإخراج الحقّ منه لأنّه حقّ لغيره فيجب دفعه إليه(2).

ص: 276


1- حكی البيهقي في سننه عن ابن عباس أنّه قال: ليس في العنبر زكاة إنّما هو شیء دسره البحر، (إلی أن قال:) وسئل ابن عباس عن العنبر أ فيه زكاة؟ فقال: إن كان فيه شیء ففيه الخمس. راجع: «سنن البيهقی» ج4/146.
2- «المعتبر في شرح المختصر» ج2/621 - 622.

الكلام في نصاب الغوص:

الأقوال هنا دائر بين كونه عشرون ديناراً الّذي نسب إلى المفيد رحمه الله ، ودينار واحد الّذي ذهب إليه المشهور منهم السيّد الطباطبائي صاحب «العروة»، وعدم اعتبار النصاب أصلاً الّذي هو خيرة السيّد الخوئي رحمه الله (1)، فأصل النصاب إجمالاً عند القدماء ممّا اتفق عليه الأصحاب، حكى العلّامة (م 726 ه-) في «المختلف» عن المفيد في الرسالة «الغريّة»أنّه قال:

الخمس واجب فيما يستفاد من غنائم الكفار والكنوز والعنبر والغوص، فمن استفاد من هذه الأربعة الأصناف عشرين ديناراً أو ما قيمته ذلك كان عليه أن يخرج منه الخمس، وقال العلّامة بعد نقله قول المفيد: وهذا القول ليس بواضح، فإنّه يشعر باعتبار العشرين في الغنائم والغوص، والمشهور في الأوّل إيجاب الخمس في قليله وكثيره، وفي الغوص اعتبار دينار واحد(2).

وقال الفاضل المقداد رحمه الله (م 826 ه-):اتفق الأصحاب على اعتبار ديار(3).

وقال المحقّق البحراني رحمه الله (م 1186 ه-) في «الحدائق»:

ثمّ إنّه لا خلاف في اعتبار النصاب فيه، وإنّما الخلاف في تقديره، فالمشهور أنّه ما بلغ قيمته ديناراً وعليه تدلّ رواية محمّد بن عليّ

ص: 277


1- «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/114 - 113، و«مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص115.
2- «مختلف الشيعة في أحكام الشريعة» ج3/320.
3- «التنقيح الرائع لمختصر الشرائع» ج1/338.

المتقدمة، ونقل في المختلف عن الشيخ المفيد في المسائل الغرية تقديره بعشرين ديناراً ولم نقف على مستنده(1).

و كيف كان فقد استدلّ المشهور على مذهبهم بصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن محمّد بن عليّ بن أبي عبد الله عن أبي الحسن الكاظم علیه السلام قال: سَأَلْتُهُ عَمَّا يُخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ مِنَ اللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَعَنْ مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ هَلْ (فِيهَا زَكَاةٌ)؟ فَقَالَ: «إِذَا بَلَغَ قِيمَتُهُ دِينَاراً فَفِيهِ الْخُمُسُ»(2)، ورواها الصدوق بعينه أيضاً مرسلاً في «الفقيه» (3)، وفي «المقنع»(4) بترك ذكر المعادن.

والرّاوي عن الكاظم علیه السلام وإن كان مجهولاً عند أرباب الرجال لكن حيث كان الراوي عنه هو البزنطي الّذي كان إمامياً ثقة جليلاً وقد أجمع الأصحاب على كونه من الّذين لايروون ولايرسلون إلّا عن ثقة(5)، فينجبر به ضعفه، إلّا أنّه يشكل الاعتماد عليها من جانب آخر، وهو اشتمالها على ما يخالف المشهور من اعتبار الدينار الواحد في المعدن أيضاً، حيث إنّ المعروف فيه كما تقدّم إمّا عدم

ص: 278


1- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/344.
2- «التهذيب» ج4/124، الحديث 356، و«وسائل الشيعة» ج9/493، الحديث 12565.
3- «من لا يحضره الفقيه» ج2/21، الحديث 72، و«وسائل الشيعة» ج9/499، الحديث 12577.
4- «المقنع (للشيخ الصدوق)» ص172.
5- راجع: «رجال الكشي (اختيار معرفة الرجال)» ص556، و«رجال ابن داود» ص384، و«رجال العلّامة (خلاصة الأقوال في معرفة أحوال الرجال)» ص13.

اعتبار النصاب فيه مطلقاً، أو اعتبار عشرين ديناراً، أمّا اعتبار الدينار الواحد فالظاهر أنّهلم يقل به إلّا أبو الصلاح الحلبي رحمه الله في «الكافي»(1) فقط، ولا يمكن التفكيك في الحديث الواحد ذا حكمين بقبول أحدهما وردّ الآخر، لا سيّما إذا كان بصورة الجملة الواحدة كما في المقام، الّلهمّ إلّا أن يقال: كان هنا روايتان؛ رواية في الغوص ونصابه دينار واحد، ورواية اُخری في المعدن ونصابه عشرون ديناراً، وقد جمعها الراوي في رواية واحدة فحصل الاشتباه! ويؤيّد ذلك أمران:

الف: إفراد الضمير وتذكيره في «قيمته» الظاهر في رجوعه إلى الغوص، وعلى ذلك فالجواب يرجع إلى الغوص فقط.

ب: اختلاف التعبير في السؤالين، فقد عبّر في الأوّل بقوله: «عمّا يخرج» وفي الثاني بقوله: «هل فيها زكاة».

يشهد لذلك ما رواها البزنطي أيضاً في الصحيح حيث قال: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ علیه السلام عَمَّا أَخْرَجَ الْمَعْدِنُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ هَلْ فِيهِ شيء؟ قَالَ: «لَيْسَ فِيهِ شيء حتی يَبْلُغَ مَا يَكُونُ في مِثْلِهِ الزَّكَاةُ عِشْرِينَ دِينَاراً»(2).

وقال الشيخ رحمه الله في تهذيبه بعد ما روى الخبر الدالّ على كونه عشرين ديناراً وما دلّ على كونه ديناراً واحداً:

ص: 279


1- حيث قال: وما بلغ من المأخوذ من المعادن والمخرج بالغوص قيمة دينار فما زاد. «الكافي في الفقه» ص170.
2- «التهذيب» ج4/138، الحديث 391، و«وسائل الشيعة» ج9/494، الحديث 12568.

وليس بين الخبرين تضادّ لأنّ الخبر الأوّل تناول حكم ما يخرج من البحر، والثاني حكم المعادن، وليس أحدهما هو الآخر، بل لكلّ واحد منهما حكم على الانفراد(1).

وبذلك يعلم أنّه لا يمكن القول باحتمال سقط كلمة «عشرين» وبقاء لفظة «ديناراً»(2) من رواية البزنطي الاُولى حتی يكون الحديث دليلاً على اشتراك النصاب في كلا المعادن والغوص وكان دليلاً على مذهب المفيد رحمه الله في المقام، على أيّ حال فإن ثبت الدليل في المقام على اعتبار كون النصاب هو دينار واحد أو قام به الإجماع أو ثبت دليل على ما اختاره المفيد فهو المتّبع، وإلّا فالأحوط ما ذهب إليه السيد الخوئي رحمه الله من تعلّقه بالقليل والكثير، أخذاً بإطلاق ما دلّ على وجوب الخمس في الغوص.

ص: 280


1- «التهذيب» ج4/139.
2- المحتمل هو شيخنا الاُستاذ دام ظلّه في «الخمس في الشريعة الإسلاميّة الغرّاء» ص180 - 181.

بقي هنا اُمور:

الأوّل: هل هناك فرق بين اتحاد النوع وتعدّده؟

أقول: بعد ما كان المتبادر من أدلة الخمس في المقام هو الاستغنام من البحر أو مطلق ماء الكثير، فلا فرق في وجوبه بمقتضى الإطلاق بين اتحاد النوع وتعدّده، فإذا بلغ قيمة مجموع ما أخرجه بالغوص حدّ النصاب (على القول به) وجب فيه الخمس وإن تعدّدت أنواعه من اللؤلؤ والمرجان وغيرهما.

الثاني: هل يفصل فيه بين الدفعة والدفعات؟

لا شك في تعلّق الخمس إذا بلغ النصاب بالغوص الواحد، إنّما الكلام إذا بلغه بأكثر منها، فهل يضمّ الإخراج الثاني إلى الأوّل في تشكيل النصاب أو لا؟

والتحقيق يقتضي أن نقول في المقام بمثل ما تقدّم في المعدن بأنّه يتصور الوجوه الثلاثة بل الأربعة:

أحدها: أنّه كما صرّح به السيّد الخوئي رحمه الله لابدّ أن يبلغ النصاب في كلّ دفعة، وذلك لظهور دليله في الانحلال وأنّ كلّ فرد من أفراد الغوص أو الإخراج موضوع مستقلّ للحكم بحياله في مقابل الآخر(1).

ثانيها: أنّه كما اختاره بعض لا فرق فيه بين أن يبلغ النصاب في كلّ دفعة أو دفعات وإن طال زمانه، وذلك لاستظهار عدم الفرق من هذه الجهة من إطلاقات

ص: 281


1- راجع: «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/114، و«مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص115.

وعمومات ما دلّت على وجوبه في الغوص(1).

ثالثها: أن نفصّل بين الإعراض وعدمه، فيلحق بالدفعة الواحدة في الصورة الثانية دون الاُولى، بناءً على كون الاعتبار بالنيّة، فلا يضرّ الدفعات مطلقاً بالإلحاق ما دامت النيّة باقية.

رابعها: أن نفصّل بين ما إذا عدّ الإخراج الثاني بعد الأوّل عملاً استئنافياً عرفاً من غير ارتباط بين الفعلين فلكلّ واحد منهما نصاب على حدّه، وما إذا كان الثاني بمنزلة إدامة ما أخرجه أوّلاً فيكون للعملان نصاب واحد الّذي اختاره المحقق الهمداني رحمه الله في «مصباحه»(2).

أقول: إنّ المستفاد من إطلاق الأدلة في المقام ونصابه أنّه يجب الخمس على ما يستغنم من الماء بالغوص إذا بلغ النصاب مثلاَ، وظاهره عدم الفرق في ذلك بين ما إذا بلغه مرّة أو بالدّفعات، تخلّل بينه نيّة الإعراض أم لا، يعدّه العرف بعد الإعراض عملاً استئنافياً أم لا، حيث إنّ الموضوع هنا هو استغنام الشخص من الماء لا أفراد ما يحصل بها ذلك.

ص: 282


1- منهم صاحب «المدارك» حيث قال: والأقرب ضمّ الجميع وإن أعرض أو تباعد الزمان. راجع: «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج5/376 و367. ومثله محقق البحراني رحمه الله حيث قال: والأحوط ضمّ الجميع وإن أعرض أو طال الزمان. «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/331 و344 .
2- «مصباح الفقيه» ج19/172 و231 .

الثالث: هل يشترط في بلوغ النصاب وصوله مستقلّاً أم يكفي فيه اشتراك جماعة؟

إذا اشترك جماعة في الغوص لا يبلغ نصيب كلّ واحد منهم حدّ النصاب ولكن يبلغ المجموع الحدّ، فهل المعيار على المجموع منضمّاً أو على نصيب كلّ واحد منهم مستقلّاً؟ اختار الأوّل السيّد الطباطبائي رحمه الله في «العروة» حيث قال:

المدار على ما أخرج مطلقاً وإن اشترك فيه جماعة لا يبلغ نصيب كلّ منهم النصاب(1).

ووافقه فيه بعض محشي العروة، لكن التحقيق على القول بكون الخمس وضيعة على الاغتنام أن يدور الحكم مدار ما يغنمه كلّ شخص على حدّه من نتيجة استخراجه، ولا أقلّ من الشك والأخذ بالبراءة بالنسبة إلى الأكثر (موارد الانضمام) لكونه من قبيل الأقلّ والأكثر الاستقلاليين، نعم مقتضى الاحتياط الاستحبابي هو تعميم الحكم لما بلغ النصاب بالانضمام أيضاً، وأمّا حديث إطلاق دليل النصاب يعمّ كلا بلوغ النصاب منفرداً ومشتركاً، ففيه أنّه - كما ثبت في محلّه(2) - أنّ الإطلاق متفرّع على مقدمات الحكمة الّتي عدّ منها انتفاء القدر المتيقّن في مقام التخاطب، والمتيقّن من النصّ والفتوى بلوغ كلّ شخص النصاب مستقلّاً.

ص: 283


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/377.
2- راجع: «كفاية الأصول» ص247، مبحث «المطلق والمقيّد».

الرابع: إخراج الخمس قبل الموؤنة أم بعدها؟

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

يعتبر بلوغ النصاب بعد إخراج المؤن كما مرّ في المعدن(1).

قد بحثنا غير مرّة أنّ صدق الفائدة والغنيمة عرفاً في جميع أنواع ما يجب فيها الخمس لا يكون إلّا بعد كسر مؤن التحصيل فلا يحتاج إلى التكرار، قال النراقي رحمه الله في «مستنده»:

يشترط في وجوب الخمس في الفوائد المكتسبة بأقسامها الخمسة وضع مؤونة التحصيل الّتي يحتاج إليها في التوصل إلى هذه الاُمور من حفظ الغنيمة ونقلها، واُجرة حفر المعدن وإخراجه وإصلاحه وآلاته، وآلات الغوص أو أرشها، واُجرة الغوص وغير ذلك، ومؤونة التجارة من الكراية، واُجرة الدّلال والمنزل، ومؤونة السفر والعشور ونحوها، وكذا مؤونة الزراعة والصناعة ممّا يحتاج إليها حتی آلات الصناعة، لعدم صدق الفائدة على ما يقابلها، وللأخبار المستفيضة(2).

ص: 284


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/377.
2- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/61.

الخامس: حكم المخرج بالآلات بلا غوص، والإخراج بشده بآلة بعد غوص:

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

والمخرج بالآلات من دون غوص في حكمه على الأحوط وأمّا لو غاص وشدّه بآلة فأخرجه فلا إشكال في وجوبه فيه(1).

الظاهر عدم دخالة مباشرة الشخص الغوص بنفسه، بل الملاك هو الاستخراج من قعر الماء ولو كان باستعانة الوسائط والآلات الحديثة كالرّبات الغواص في زماننا هذا، فإنّ قول السائل: «ما يخرج من البحر» في صحيحة البزنطي(2) يعمّ الإخراج مباشرة وآلة، والأظهر منها حكم الإخراج بالشدّ بالآلة بعد غوص لعدم صحّة سلب عنوان الغوص عنه حقيقة.

السادس: حكم ما يؤخذ من وجه الماء بلا غوص:

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

ص: 285


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/377.
2- أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن محمّد بن عليّ بن أبي عبد الله عن أبي الحسن الكاظم علیه السلام قال: سَأَلْتُهُ عَمَّا يُخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ مِنَ اللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَعَنْ مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ هَلْ (فِيهَا زَكَاةٌ)؟ فَقَالَ: «إِذَا بَلَغَ قِيمَتُهُ دِينَاراً فَفِيهِ الْخُمُسُ». «التهذيب» ج4/124، الحديث 356، و«وسائل الشيعة» ج9/493، الحديث 12565.

لو خرج بنفسه على الساحل أو على وجه الماء فأخذه من غير غوص لم يجب فيه من هذه الجهة، بل يدخل في أرباح المكاسب فيعتبر فيه مؤونة السنة ولا يعتبر فيه النصاب(1).

قد يخرج من الجواهر الموجودة في قعر البحار من دون غوص بواسطة الأمواج اتفاقاً، فهل يشمله حكم الغوص حتی يعتبر فيها النصاب، أو يلحق بأرباح المكاسب حتی يستثنى عنها مؤونة السنة من دون نصاب؟ اختلف فيه الأصحاب، فاختار غير واحد منهم الأخير، وهو أيضاً خيرة السيّد صاحب «العروة» وكثير من محشّيها، واستقرب الشهيدان(2) وبعض آخر(3) كونه بمنزلة الغوص.

أقول: إن أمكن إلغاء خصوصية الغوصية عن المقام من باب «ما يخرج من البحر» فهو، وإلّا فبعد إمكان سلب عنوان الغوص عن المبحوث حقيقة وكون المقام من قبيل الأقلّ والأكثر الاستقلاليين، التحقيق يقتضي أن يلحقه بأرباح المكاسب من باب التمسّك بعموم العامّ في الشبهات المصداقيّة في العام المخصَّص بالمخصِّص المنفصل، نعم لا مانع من إجراء حكم الغوص عليه إذا بلغ النصاب استحباباً.

ص: 286


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/377.
2- فقال الأوّل منهما: ولو أخذ منه شیء من غير غوص فالظاهر أنّه بحكمه ولو كان ممّا ألقاه الماء علی الساحل. وقريب منه ما قاله ثانيهما. راجع: «البيان» ص345، و«مسالك الأفهام إلی تنقيح شرائع الإسلام» ج1/463 - 464.
3- راجع: «أنوار الفقاهة في أحكام العترة الطاهرة، كتاب الخمس» ص152، «الخمس في الشريعة الإسلاميّة الغرّاء» ص182 و183، و....

السابع: حكم الأخذ من الغواص:

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

المتناول من الغواص لا يجري عليه حكم الغوص إذا لم يكن غائصاً، وأمّا إذا تناول منه وهو غائص أيضاً فيجب عليه إذا لم ينو الغواص الحيازة، وإلّا فهو له ووجب الخمس عليه(1).

من غاص شيئاً وحازه وتملّكه وجب عليه خمسه بعنوان الغوص، لكنّه قد كان هناك شخصان أحدهما مالك غير مستخرِج والآخر مستخرِج غير مالك فعلاً، فعلى أيّهما وجب الخمس؟ هاهنا صور:

الاُولى: لو تناول من الغواص تحت الماء ولم يقصد الأوّل الحيازة والتملّك سواء كان أجيراً عنه في العمل أم متبرعاً، فهو غائص بلا ريب، وجب عليه خمسه، ولا شيء على الأوّل.

الثانية: نفس الصورة لكنّه قصد الحيازة والتملّك، فإنّ الخمس إنّما يجب على الأوّل وكان بالنسبة إلى الثاني من قبيل التمليك بالهبة ونحوها.

الثالثة: لو تناول من الغائص خارج الماء بعد ما حازه الأوّل وتملّكه، فالخمس أيضاً واجب عليه.

الرابعة: لو أخرجه الأوّل من غير قصد الحيازة والتملك وطرحه على الساحل فتملّكه غيره، فحكمه ما تقدّم آنفاً في الأمر السادس.

ص: 287


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/378، المسألة الرقم 21.

الثامن: حكم الغوص في الماء من غير قصد الحيازة ومصادفة الجوهر:

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا غاص من غير قصد للحيازة فصادف شيئاً ففي وجوب الخمس عليه وجهان والأحوط إخراجه(1).

لو غاص في الماء بغير قصد الحيازة كما إذا قصد الغسل، أو العثور على ما ضاع منه، أو لتحقيق علمي ونحو ذلك، فصادف جوهراً، فإن قصد حيازته بعده فالظاهر - بل المتعيّن - وجوب الخمس عليه، وإن تردّد فيه السيّد صاحب «العروة» هنا وبعض آخر(2)، إذ لا يعتبر في وجوب الخمس فيه أن يكون الغائص قاصداً حيازته من أوّل الأمر، بل يكفي حيازته بعد ما صادف، لصدق الغوص وكونه ممّا يخرج من الماء.

وإن لم يقصد حيازته أصلاً فلا شيء عليه، إذ الخمس فرع التملّك، والتملّك تابع للحيازة.

التاسع: إذا أخرج بالغوص حيواناً وكان في بطنه شيء من الجواهر:

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا أخرج بالغوص حيواناً وكان في بطنه شيء من الجواهر فإن كان معتاداً وجب فيه الخمس، وإن كان من باب الاتفاق بأن يكون بلع شيئاً

ص: 288


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/378، المسألة الرقم 22.
2- منهم الشيخ محمّد حسن النجفيّ رحمه الله في «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/42، والمحقق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» ج19/232.

اتفاقاً فالظاهر عدم وجوبه وإن كان أحوط(1).

إذا أخرج بالغوص حيواناً وكان في بطنه شيء من الجواهر فهل يجب فيه الخمس مطلقاً؟ كما حكى في «الجواهر» (2) عن كشف الغطاء لصدق الغوص عليه، أو لا يجب مطلقاً؟ لخروجه عن عنوان الغوص فلا شيء فيه للأصل بعد فرض عدم صدق الغوص عليه، أو يفصّل؟ كما هو خيرة السيّد في «العروة» وبعض آخر بين ما كان تكون الشيء في جوفه معتاداً كالصدف بالنسبة إلى اللؤلؤ فيجب فيه الخمس لصدق الغوص عليه، وما كان من باب الاتفاق كما إذا بلع الحيوان شيئاً فالظاهر عدم وجوبه لكونه خارجاً عن مفاد نصوص الباب وإن كان الأحوط إخراج الخمس مطلقاً.

والظاهر منها هو ما اختاره الكاشف الغطاء رحمه الله من وجوبه مطلقاً لما تقدّم في الأمر الخامس عدم اشتراط مباشرة الإنسان الغوص بنفسه، بل الملاك هو الاستخراج من قعر الماء ولو كان باستعانة الوسائط والآلات، فإذن أيّ فرق فيه بين ما تخرج الجوهرة باستعانة الوسائط والآلات الحديثة، وما تخرج بواسطة حيوان؟! معتاداً تكوّنها في بطنه أم لا.

غاية الأمر على الأخير يكون من قبيل ما لو غاص في الماء بغير قصد

ص: 289


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/378، المسألة الرقم 23.
2- حيث قال: نعم لو غاص فأخرج حيواناً بغوصه فظهر في بطنه شيء من المعدن فالأحوط بل الظاهر كما في كشف الاُستاذ تعلّق الخمس به، مع أنّه لا يخلو من إشكال أيضاً إذا فرض عدم اعتياد كون الحيوان محلّاً لذلك. «جواهرالكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/43.

الحيازة فقصدها، حيث مرّ آنفاً وجوب الخمس عليه أيضاً بهذا العنوان.

نعم يخرج منها ما لو وجدت الجوهرة في بطن الحيوان إذا كان مأخوذاً من طريق الصيد لا الغوص، لما عرفت في ذيل المسألة الثمانية عشر أنّ ما وجد شيئاً في جوف السمكة المصطاد أو غيرها من سائر الحيوانات غير الأهليّة فهو ملك لواجده بعنوان مطلق الفائدة لا بعنوان الكنز وأمثاله، ولا يجب عليه تعريف الصائد لو كان قد أخذها منه لأنّ حيازته إنّما كانت للسمكة دون ما في جوفها، فهو باقٍ على إباحته الأصليّة.

العاشر: حكم الأنهار العظيمة كدجلة والنيل والفرات حكم البحر:

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

الأنهار العظيمة كدجلة والنيل والفرات حكمها حكم البحر بالنسبة إلى ما يخرج منها بالغوص إذا فرض تكوّن الجوهر فيها كالبحر(1).

قد اتّضح حكم هذا الفرع ممّا سبق في مبحث «دليل وجوب الخمس في الغوص» بأنّ العناوين المذكورة في النصوص الواردة في المقام دائر بين العناوين الخمس من «الغوص»، و«غوص اللؤلؤ»، و«ما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد»، و«العنبر»، و«ما يخرج من البحر»، الّتي يمكن تجميعها في عنوانين: هما «الغوص» و«ما يخرج من البحر» وقد عرفت بأنّ العرف إذا واجه هذه العناوين يتلقّى من الخمس في المقام كونه ضربيّة على الاغتنام من أعماق الماء في مقابل ضربيّته على الاغتنام من المعادن الّتي يخرج من أعماق

ص: 290


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/378، المسألة الرقم 24.

الأرض، وبناءً على ذلك لا يرى دخالة في كونه من البحر أو غيره من الأنهار الكبيرة والشطط العظيمة إذا تكوّن مثل ذلك فيها، فلا تنافي عندهم بين الإطلاقين وإن كان بينهما عموم من وجه، لتوافقهما حكماً، فيحمل كلّ من الخصوصيتين أي الغوصية والبحرية على المثال، وأنّ المدار هو مطلق إخراج شيء من الماء الكثير الّذي هو المتبادر لدى الأذهان العرفية، زائداً على كونه موافقاً للاحتياط أيضاً.

الحادي عشر: حكم ما غرق شيء في البحر وأعرض عنه مالكه:

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا غرق شيء في البحر وأعرض مالكه عنه فأخرجه الغواص ملكه ولا يلحقه حكم الغوص على الأقوى، وإن كان من مثل اللؤلؤ والمرجان لكنّ الأحوط إجراء حكمه عليه(1).

قد طرح أشياء في البحار أو الأنهار فأخرجها الغواصون، فهل يصحّ تملّكها لهم؟ وهل يتعلّق بها الخمس؟ وبأيّ عنوان هو، بعنوان الغوص أو مطلق الفائدة؟

أقول: الظاهر من الأخبار الواردة في باب الغوص هو كونه خصوص الجواهر الّتي تكوّن في البحر ويخرج منه بالغوص لا كلّ ما غرق فيه من الخارج وإن كان محلّ تكوّنه ذلك، فمقتضى القاعدة كونها لملّاكهم، وعند اليأس عن الظفر بهم إجراء حكم اللقطة عليها، إلّا أن يظهر من الشواهد والقرائن مثل مضيّ الدهور والعصور إعراضهم عنها ولو قهراً، فتكون من قبيل المباحات الأصليّة الّتي تُملك

ص: 291


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/378، المسألة الرقم 25.

بالحيازة، فلا يتعلّق بها الخمس إلّا بعد ما يستثنى عنها مؤونة السنة، ولا أقلّ من الشك والأخذ ببراءة وجوب الخمس فيه بعنوان الغوصيّه بمجرد الحيازة والاستيلاء حتی بعنوان الاحتياط، وقد ورد هناك أيضاً روايتان تدلّان أو يشعران بذلك، هما موثقة السّكوني عن أبي عبد اللّه علیه السلام في حديث عن أمير المؤمنين علیه السلام قال: «وَإِذَا

غَرِقَتِ السَّفِينَةُ وَمَا فِيهَا فَأَصَابَهُ النَّاسُ، فَمَا قَذَفَ بِهِ الْبَحْرُ عَلَى سَاحِلِهِ فَهُوَ لِأَهْلِهِ وَهُمْ أَحَقُّ بِهِ، وَمَا غَاصَ عَلَيْهِ النَّاسُ وَتَرَكَهُ صَاحِبُهُ فَهُوَ لَهُمْ»(1)، وما رواه الشعيري قال: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ سَفِينَةٍ انْكَسَرَتْ في الْبَحْرِ فَاُخْرِجَ بَعْضُهَا بِالْغَوْصِ وَأخْرَجَ الْبَحْرُ بَعْضَ مَا غَرِقَ فِيهَا؟ فَقَالَ: «أَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الْبَحْرُ فَهُوَ لِأَهْلِهِ، اللَّهُ أَخْرَجَهُ، وَأَمَّا مَا أُخْرِجَ بِالْغَوْصِ فَهُوَ لَهُمْ وَهُمْ أَحَقُّ بِهِ»(2)، حيث صرّح في الاُولى منهما بأنّ ما قذفه البحر على الساحل فملّاكه أحقّ به، وأمّا ما غاصه النّاس وتركه صاحبه أي أعرض عنه فهو لمن غاصه، وأمّا الرواية الثانية وإن كانت خالية عن هذا القيد لكنّها يحمل إطلاقها على صورة الإعراض، إذ لا يجوز تصرّف مال الغير بغير إذنه لكونه يكون حينئذٍ من قبيل أكل المال بالباطل.

وإن شئت قلت: إنّ الأخذ بالإطلاق متفرّع عند الاُصوليين على مقدمات الحكمة الّتي عُدّ منها انتفاء القدر المتيقّن في مقام التخاطب، فجواز أخذ ماغرق في البحر في خصوص ما تركوه أربابه وأعرضوا عنه مسلّم، وما زاد عنه

ص: 292


1- «الكافي» ج5/242، الحديث 5، و«وسائل الشيعة» ج25/455، الحديث 32342.
2- «التهذيب» ج6/295، الحديث 822، و«وسائل الشيعة» ج25/455، الحديث 32343.

مشكوك، فنأخذ بالمتيقّن ونترك المشكوك، زائداً على ضعفها بعدم وثاقة اُميّة بن عمرو الّذي وقع في سندها.

الثاني عشر: حكم المعادن الواقعة تحت الماء:

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا فرض معدن من مثل العقيق أو الياقوت أو نحوهما تحت الماء بحيث لا يخرج منه إلّا بالغوص فلا إشكال في تعلّق الخمس به، لكنّه هل يعتبر فيه نصاب المعدن أو الغوص؟ وجهان، والأظهر الثاني(1).

إنّه قد يكون لشيء واحد مشروط بشرط واحد عنوانان أو أكثر يجري على كلّ منها حكم، إلّا أنّ الشرط في كلّ عنوان يتفاوت الآخر كميّة مثل مراتب النصاب فيما تجب فيه الزكاة، وفي المقام كمعادن جواهر العقيق أو الياقوت ونحوهما الواقعة تحت الماء الّتي لا يمكن الوصول إليها إلّا بالغوص، فعلى القول باعتبار النصاب فيهما حيث كان النصاب على حسب كلّ عنوان يتفاوت الآخر كميّة، هل هو نصاب المعدن أو الغوص؟ فيه وجهان، والظاهر بل المتعيّن ثبوت الحكم بتحقّق أوّلها شرطاً في الخارج، وهو في ما نحن فيه وجوب الخمس بعنوان الغوصيّة لا المعدنيّة، وذلك لأنّه بعد ما اُحرز نصاب أوّل العنوانين أو العناوين يخاطب مكلّفه لا محالة بتكليفه ويشمله دليله وإطلاقاته، ولا ينتظر حصول شروط ما بعده من العناوين لا سيّما بعد ما لم يكن البحر لاأقلّ في زمان صدور الرّوايات فرداً شائعاً لوجود تلك المعادن، وزائداً على كونه

ص: 293


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/378، المسألة الرقم 26.

موافقاً للاحتياط أيضاً، فعليه لو كان هناك معدن من الجواهر لم تبلغ قيمته نصاب المعدن عشرين ديناراً لكنّها تبلغ نصاب الغوص يجب فيه الخمس بهذا العنوان، وأمّا غيره من المعادن فالأقوى أن يعتبر فيها نصاب المعدن وإن أخرجت من قعر الماء.

الثالث عشر: في العنبر ونصاب خمسه:

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

العنبر إذا أخرج بالغوص جرى عليه حكمه وإن أخذ على وجه الماء أو الساحل ففي لحوق حكمه له وجهان، والأحوط اللحوق، وأحوط منه إخراج خمسه وإن لم يبلغ النصاب أيضاً .

إنّ المستفاد من كلمات أرباب اللغة أنّ العنبر على وزن جعفر هو نوع طيب نفيس يؤخذ من البحار ونحوه إمّا من جوف الماء أو على سطح الماء وعند الساحل، قال ابن منظور المصري:

العَنبر: من الطيب معروف، وبه سمّي الرجل. وفي حديث ابن عباس: أنّه سئل عن زكاة العنبر فقال: إنّما هو شيء دَسَرهُ البحرُ، هو هذا الطيب المعروف، وجمعه ابن جنى على عَنَابِر، فلا أدري أ حفظ لك أم قاله ليُرِيَنَا النون متحركة، وإن لم يسمع عَنَابِر، والعَنبَرُ: الزعفران وقيل الوَرس، والعَنبَر: الترس وإنّما سُمّى بذلك لأنّه يتّخذ من جلد سمكة بحريّة يقال لها العَنبَر. وفي الحديث: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعث سَرِيَّة إلى ناحية السِّيف فجاعوا، فألقى الله لهم دابة يقال لها العَنبَر

ص: 294

فأكل منها جماعة السَّرِيَّة شهراً حتی سَمِنوا، هي سمكة كبيرة بحريّة تُتَّخذ من جلدها التِّراس، ويقال للتُّرس عَنبَر(1).

وقال في مجمع البحرين:

(عنبر): في الحديث ذكر العنبر، وهو ضرب من الطيب معروف. وفي حياة الحيوان العنبر سمكة بحريّة يتّخذ من جلدها التُّراس، والعنبر المشموم، قيل إنّه يُخرج من قعر البحر يأكله بعض دوابه لدسومته فيقذفه رجيعاً فيطفوا على الماء فتلقيه الرّيح إلى الساحل. قال: وهو يقوى القلب نافع من الفالج واللقوة والبلغم الغليظ(2).

وكيف كان لا إشكال في وجوب الخمس فيه بل هو ممّا أجمع عليه الأصحاب، وقد دلّ عليه صحيحة الحلبيّ قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الْعَنْبَرِ وَغَوْصِ اللُّؤْلُؤِ؟ فَقَالَ: «عَلَيْهِ الْخُمُسُ»، الحديث(3)، ولكونه غنيمة يالمعنى الأعمّ.

قال في «الجواهر»:

فإنّه (خمس) يجب فيه (العنبر) بلا خلاف أجده، بل في المدارك والحدائق الإجماع عليه، كظاهر الغنية أو صريحها لصحيح الحلبي المتقدّم سابقاً(4).

ص: 295


1- «لسان العرب» ج4/610.
2- «مجمع البحرين» ج3/257.
3- «الكافي» ج1/461، الحديث 28، و«التهذيب» ج4/121، الحديث 346، و«وسائل الشيعة» ج9/498، الحديث 12576.
4- «جواهرالكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/44.

إنّما الكلام في أنّه هل هو عنوان مستقلّ في قبال الغوص والمعدن فيجب فيه الخمس مطلقاً وإن أخذ من وجه الماء أو الساحل، أو أنّه من الغوص فيلحقه حكمه، أو من المعدن فيجري عليه حكمه؟ فيه وجوه بل أقوال، قد أشار إليها صاحب «الجواهر» في إدامة كلامه حيث قال:

لكن هل لا نصاب له كما هو ظاهر النهاية والوسيلة بل والسرائر، بل قد يظهر من الأخير الإجماع عليه إن لم يكن صريحه، لإطلاق الصحيح، ومال إليه في المدارك والحدائق، بل استقربه في الكفاية، أو أنّ له حكم المعادن مطلقاً فيعتبر فيه العشرون كما عن غرية المفيد لأنّه منها أو ملحق بها، لأصالة البراءة في الناقص عنه، أو أنّ له حكم الغوص مطلقاً كما هو ظاهر جمع الحلبي لهما في السؤال، أو يفصّل بأنّه إذا خرج بالغوص روعي فيه مقدار دينار لاندراجه في الخبر السابق الّذي لا يقيده ما بعد «من» البيانية بعد إرادة المثال، وإن جني من وجه الماء أو من الساحل كان له حكم المعادن لأصالة البراءة في الناقص عنه كما صرّح به في المنتهى والتذكرة وغيرهما، بل في المدارك والكفاية والحدائق نسبته إلى الأكثر؟ أقوال سوى الثالث، فلم أجد قائلاً به، ولا من نسب اليه ذلك عدا ظاهر الاُستاذ في كشفه أو صريحه هنا وإن قوى نصاب المعادن فيه، أحوطها أوّلها بل أقواها في غير الخارج بالغوص منه، بل وفيه على تأمّل، لعدم تحقق الجابر للخبر المذكور حتی يحكم على إطلاق الصحيح السابق بعد تسليم عدم ظهور البيان فيه لما لا يشمل ذلك وإن كان المراد منه المثال، فتأمل(1).

ص: 296


1- «جواهرالكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/44 - 45.

أقول: بعد إمكان سلب عنوان المعدن عن العنبر أوّلاً، وعدم الحاجة إلى الغوص فيما يؤخذ من وجه الماء ثانياً، وأنّ ما يخرج من قعر الماء لم يصدق عليه اسم الجوهر حتی يشمله عنوان الغوص ثالثاً، وكونه ظاهراً في مقابل الغوص في الصحيحة المذكورة رابعاً، وكون المقام من قبيل الأقلّ والأكثر الاستقلاليين خامساً، فالأولى بل المتعيّن أن يلحقه بأرباح المكاسب بعنوان مستقلّ من باب التمسك بعموم العامّ في الشبهات المصداقية في العام المخصَّص بالمخصِّص المنفصل واستثناء مؤونة السنة عنه من دون نصاب، وقد عرفت آنفاً حكاية «الجواهر» عن السرائر دعوى الإجماع على هذا القول أيضاً، نعم لا مانع من إجراء حكم الغوص عليه حتی لا يستثنى عنه المؤونة إذا بلغ النصاب استحباباً.

إلى هنا تمّ الكلام في القسم الرابع ممّا يجب فيه الخمس، وسيأتي البحث في القسم الخامس منه أعني المال الحلال المخلوط بالحرام.

ص: 297

الخامس من السبعة الّتي يجب فيه الخمس: «المال الحلال المخلوط بالحرام».

الخامس ممّا يجب فيه الخمس بخصوصه وعنوانه، لا بعنوان مطلق الفائدة وأرباح المكاسب الملاحظة فيها الزيادة على المؤونة: «المال الحلال المخلوط بالحرام»، إذا لم يعرف صاحبه ولا يعلم قدره أصلاً بأنّه أقلّ من الخمس أو أكثر، ووجوب الخمس فيه هو المشهور بين الأصحاب بل ادّعي عليه الإجماع، غير أنّ الميرزا القمّي رحمه الله حيث اعتبر التكليف في الخمس بأنّه إذا كان صاحب المال صغيراً فاستظهر عدم وجوبه حينئذٍ ولو بقي المال إلى بعد بلوغه! وكيف كان فهو إجمالاً ممّا لا خلاف فيه، إنّما الكلام في مصرفه، هل هو مصرف سائر أقسام الخمس، أو أنّ مصرفه مطلق الفقراء والمساكين الّذين كانوا محلّ مصرف مظالم العباد، أو التخيير بين الأمرين فله صرفه خمساً كما له الدفع صدقة الّذي هو خيرة المحقق الهمداني رحمه الله في مصباحه(1)، أو صرفه إلى خصوص الفقراء من السّادة عملاً للجمع بين الاحتمالين؟

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

الخامس: المال الحلال المخلوط بالحرام على وجه لا يتميّز مع الجهل بصاحبه وبمقداره، فيحلّ بإخراج خمسه، ومصرفه مصرف سائر أقسام الخمس على الأقوى، وأمّا إن علم المقدار ولم يعلم المالك تصدّق به عنه، والأحوط أن يكون بإذن المجتهد الجامع للشرائط، ولو انعكس بأن علم المالك وجهل المقدار تراضيا بالصلح ونحوه وإن لم

ص: 298


1- «مصباح الفقيه» ج19/307 - 309.

يرض المالك بالصلح ففي جواز الاكتفاء بالأقلّ أو وجوب إعطاء الأكثر وجهان، الأحوط الثاني، والأقوى الأوّل إذا كان المال في يده وإن علم المالك والمقدار وجب دفعه إليه(1).

وقال سيّد بن زهرة الحلبي رحمه الله :

و(يجب الخمس) في المال الّذي لم يتميّز حلاله من حرامه، وفي الأرض الّتي يبتاعها الذمّي من مسلم، بدليل الإجماع المتردّد(2).

وقال في «الحدائق»:

والقول بوجوب الخمس هنا هو المشهور، ونقل عن الشيخ المفيد وابن أبي عقيل وابن الجنيد أنّهم لم يذكروا الخمس هنا في عداد الأفراد المتقدمة، كما لم يذكروه في سابق المقام (أي الأرض الّتي اشتراها الذمّي من المسلم)(3).

وقال في «الجواهر»:

السابع ممّا يجب فيه الخمس الحلال إذا اختلط بالحرام، ولا يتميز صاحبه أصلاً حتی في عدد محصور، ولا قدره أيضاً أصلاً ولو على الإشاعة ممّا اختلط معه وجب فيه الخمس، وفاقاً للنهاية والغنية والوسيلة والسرائر والنافع والقواعد والتذكرة والمنتهى والإرشاد والتحرير واللمعة والبيان وحواشي البخارية والتنقيح والروضة وحاشية الإرشاد والحدائق والرياض وغيرها، بل في المنتهى نسبته إلى أكثر

ص: 299


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/379.
2- «غنية النزوع إلی علمي الاُصول والفروع» ص129.
3- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/363.

علمائنا، والمفاتيح إلى المشهور، بل في ظاهر الغنية أو صريحها الإجماع عليه، وهو بعد شهادة التتبع له في الجملة الحجّة، مضافاً إلى ما في البيان من دعوى اندراجه في الغنيمة(1).

وقال السيّد الخوئي رحمه الله :

على المشهور في وجوب الخمس فيه وفي أنّ مصرفه مصرف سائر أقسام الخمس، واختار بعضهم أنّ مصرفه الفقراء فيتصدّق به عليهم وذهب بعضهم إلى التخيير بين الأمرين؛ أي بين الخمس المصطلح، وبين الصدقة(2).

وقال الميرزا القمّي رحمه الله :

فالأظهر أنّه لا يجب الخمس على مال غير المكلف في الأرباح والمكاسب، للأصل، وعدم ظهور العموم، وكذا في المال المختلط ممّا جهل قدره وصاحبه مطلقاً، بل وفيما جهل صاحبه فقط أيضاً لا يجب عليه شيء ثمّ إن بقي المال على حاله حتی يحصل مناط التكليف فالظاهر عدم تعلّق التكليف حينئذٍ أيضاً، فإنّ ظاهر الأخبار أنّ الخمس على ما يستفيده البالغ من الأرباح، لا أنّه يجب على البالغ وإن استفاد المال في حال عدم التكليف، فكذلك الكلام في إصابة المال المختلط(3).

ص: 300


1- «جواهرالكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/69 - 70.
2- «الموسوعة الإمام الخوئي» ج25/123، و«مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص124.
3- «غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام» ج4/354.

دليل وجوب الخمس في المال الحلال المخلوط بالحرام:

إنّه قد استدلّ إجمالاً على أصل وجوب الخمس فيه تارة بالإجماع بعد شهادة التتبع له في الجملة(1)، واُخرى باندراجه في عنوان الغنيمة(2)، وثالثة بما دلّت عليه من الأخبار الواردة.

والتحقيق أنّه بعد فرض وجود الأخبار الدالّة على وجوب الخمس في المال المختلط، وأنّ البحث هنا أيضاً في وجوب الخمس في هذا المال بخصوصه وعنوانه لا بعنوان مطلق الفائدة وأرباح المكاسب الّتي يلاحظ زيادته على المؤونة، فلا وجه للتمسك على حكمه بالإجماع أوكونه مندرجاً تحت عنوان الغنيمة، فالعمدة في المقام هو الأخبار، وهي على قسمين: الاُولى ما دلّت على كونه في عداد ما يجب فيه الخمس، والاُخرى ما دلّت على وجوبه في خصوص المقام فقط.

فمن الاُولى صحيحة بن مهزيار عن أبي جعفر الجواد رحمه الله في عداد ذلك: «وَمِثْلُ مَالٍ يُؤْخَذُ لَا يُعْرَفُ لَهُ صَاحِبٌ وَمَا صَارَ إِلَى مَوَالِيَّ مِنْ أَمْوَالِ الْخُرَّمِيَّةِ(3)

ص: 301


1- «جواهرالكلام في شرح شرائع الإسلام» نفس المصدر.
2- راجع: «زبدة البيان في أحكام القرآن» ص211.
3- والخرميّة هم أصحاب التناسخ والإباحة، والّذين يقولون: إنّ الناّس كلّهم شركاء في الأموال والحرم. راجع: «تاريخ طبري» ج7/235، و«لسان العرب» ج12/172، و«الوافي» ج10/343.

الْفَسَقَة»(1).

بناءً على عدم كون الخرميّة من الكفار، وإلّا فهي وإن كانت صحيحة سنداً غير مرتبط بالمقام، لوضوح أنّ أموال الكفار - وكذا المال الّذي لا يعرف له صاحب - لم يكن من قبيل المخلوط بوجه من الوجوه، بل هي إمّا غنيمة يجوز أخذها بالإغارة عليهم وكذا بالسرقة ونحوها كما مرّ حكمه في المسألة الاُولى من المسائل المبحوثة المتقدمة(2)، أو كنزٌ الّذي تقدّم حكمه في الثالث من السبعة الّتي يجب فيها الخمس، أو لقطةٌ بعد التعريف الّتي لم يعهد فيها الخمس.

وما رواه عمّار بن مروان قال سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول: «فِيمَا

يُخْرَجُ مِنَ الْمَعَادِنِ وَالْبَحْرِ وَالْغَنِيمَةِ وَالْحَلَالِ الْمُخْتَلِطِ بِالْحَرَامِ إِذَا لَمْ يُعْرَفْ صَاحِبُهُ وَالْكُنُوزِ الْخُمُسُ»(3).

ومن الثانية موثقة عمّار بن موسی الساباطي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ عَمَلِ السُّلْطَانِ يَخْرُجُ فِيهِ الرَّجُلُ؟ قَالَ: «لَا، إِلَّا أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى شيء يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى حِيلَةٍ، فَإِنْ فَعَلَ فَصَارَ في يَدِهِ شيء فَلْيَبْعَثْ بِخُمُسِهِ إِلَى أَهْلِالْبَيْتِ»(4)، بتقريب أنّ الجواز حينئذٍ والحكم بإرسال خمسه في هذه الصورة بفاء

ص: 302


1- «التهذيب» ج4/141، الحديث 398، و«الاستبصار» ج2/60، الحديث 198، و«وسائل الشيعة» ج9/502، الحديث 12583.
2- راجع: المسألة الاوُلی من «بقي هنا مسائل خَمس» في ملحقات مسائل خمس الغنائم.
3- «الخصال» ص290، الحديث 51، و«وسائل الشيعة» ج9/494، الحديث 12566.
4- «التهذيب» ج6/330، الحديث 915، و«وسائل الشيعة» ج9/506، الحديث 12592.

التفريع يدلّ على أنّ وجوب الخمس هنا فوري، فيناسب للمال الحلال المخلوط بالحرام، ولم يكن من قبيل أرباح المكاسب الّتي يجب فيها الخمس بعد إخراج المؤونة ومضي السنة.

وموثقة السّكوني عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: أَتَى رَجُلٌ أَمِيرَ المؤمنين علیه السلام فَقَالَ: إِنّيی كَسَبْتُ مَالاً أَغْمَضْتُ في مَطَالِبِهِ حَلَالاً وَحَرَاماً، وَقَدْ أَرَدْتُ التَّوْبَةَ وَلَا أَدْرِي الْحَلَالَ مِنْهُ وَالْحَرَامَ وَقَدِ اخْتَلَطَ عَلَيَّ، فَقَالَ أَمِيرُ المؤمنين علیه السلام: «تَصَدَّقْ

بِخُمُسِ مَالِكَ فَإِنَّ اللَّهَ رَضِيَ مِنَ الْأَشْيَاءِ بِالْخُمُسِ وَسَائِرُ الْمَالِ لَكَ حَلَالٌ»(1).

وما رواه الحسن بن زياد عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: إِنَّ رَجُلاً أَتَى أَمِيرَ المؤمنين علیه السلام فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي أَصَبْتُ مَالاً لَا أَعْرِفُ حَلَالَهُ مِنْ حَرَامِهِ، فَقَالَ لَهُ: «أَخْرِجِ الْخُمُسَ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ رَضِيَ مِنْ الْمَالِ بِالْخُمُسِ وَاجْتَنِبْ مَا كَانَ صَاحِبُهُ يُعْلَمُ»(2).

ومرفوعة محمّد بن عليّ بن الحسين الصّدوق قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَمِيرِ المؤمنين علیه السلام فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَصَبْتُ مَالاً أَغْمَضْتُ فِيهِ أَ فَلِي تَوْبَةٌ؟ قَالَ:ائْتِنِي بِخُمُسِهِ، فَأَتَاهُ بِخُمُسِهِ، فَقَالَ: هُوَ لَكَ إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَابَ تَابَ مَالُهُ مَعَهُ»(3).

ص: 303


1- «الكافي» ج5/125، الحديث 5، و«التهذيب» ج6/368، الحديث 1065، و«وسائل الشيعة» ج9/506، الحديث 12594.
2- «التهذيب» ج4/124، الحديث 358، وص 138، الحديث 390، و«وسائل الشيعة» ج9/505، الحديث 12591.
3- «من لا يحضره الفقيه» ج2/22، الحديث 83، و«وسائل الشيعة» ج9/506، الحديث 12593.

وقصور سند بعضها فهو منجبر بعمل الأصحاب، وكيف كان فالعمدة من هذه الأخبار هي الأخبار الخمسة الأخيرة، هذا حكم المسألة إجمالاً، ولأجل أن يتّضح حكم مصرف الخمس في المقام ينبغي أن نبحث عن صور الأموال المخلوطة بالحرام، وهي على ما ذكرها غير واحد - منهم السيّد صاحب «العروة» هنا - على أربعة وجوه: من الجهل بمقدار الحرام وصاحبه، وما إذا يعلم المقدار ولا يعلم المالك، وما يكون على عكس ذلك بأن يعلم المالك ولا يعلم المقدار، وما إذا يعلم كليهما، أشار إليه المحقق النراقي رحمه الله حيث قال:

المال المختلط وهو على أربعة أقسام، لأنّه إمّا لا يعرف قدر الحرام -- بالنسبة إلى الجميع لا تفصيلاً ولا إجمالاً - ولا صاحبه، أو يعرفان معاً، أو يعرف الأوّل خاصة، أو الثاني كذلك (1).

ص: 304


1- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/37.

صور الأموال المخلوطة بالحرام:

الاُولى: وهي ما إذا جهل المقدار والمالك معاً على وجه يكون ممزوجاً مع الحلال بحيث لا يتميّز أحدهما عن الآخر، الّتي تكون القدر المتيقّن من الأخبار المتقدمة، كأنّ الشارع المقدس لعدم تعيّن قدر الحرام إثباتاً وتخليطهما معاً صالح لتطهير هذا المال بخمسه تعبداً.

وأمّا مصرفه هل هو مصرف سائر أقسام الخمس، أو أنّ مصرفه مطلق الفقراء والمساكين الّذين كانوا محل مصرف مظالم العباد، أو التخيير بين الأمرين فله صرفه خمساً كما له الدفع صدقةً، أو صرفه إلى خصوص الفقراء من السّادة عملاً للجمع بين الاحتمالين؟

اختلف كلمات الأصحاب في أنّ مصرفه هل هو مصرف الخمس المصطلح، أو خصوص الفقراء، أو التخيير بينهما، نسب الشهيد رحمه الله في «البيان» إلى ظاهر الأصحاب أنّه الخمس المصطلح حيث قال: ظاهر الأصحاب أنّ مصرف هذا الخمس أهل الخمس(1)، وقد صرّح بعض بأنّ مصرف ذلك الخمس الفقراء(2)، وعن الشيخ الأعظم رحمه الله قوّة اختصاص مصرفه بفقراء السادة من بني هاشم(3)، وفي المصباح ترجيح القول بالتخيير إن لم ينعقد الإجماع

ص: 305


1- «البيان» ص348.
2- منهم المحقق العاملي صاحب المدارك. راجع: «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج5/388.
3- راجع: «كتاب الخمس للشيخ الأنصاري» ص254.

على خلافه(1).

أقول: لا دليل على وجه النصّ على أنّ مصرف هذا الخمس هو الخمس المصطلح أو الفقراء إلّا ما تقدّم من رواية عمّار بن مروان(2) الّتي تدلّ بظاهرها على ثبوت الخمس في هذا المال على وزان الخمس في سائر العناوين، لكنّ حيث كان مقتضى القاعدة في الأموال المعلومة القدر إذا جهل صاحبه التفحص عنه إلى أن يحصل اليأس من الظفر به، ثمّ التصدق به على الفقراء لأنّه في الحقيقة نوع إيصال له إلى مالكه، فالأولى في المقام بعد تعيّن قدره ومعلوميّته تعبداً هو اختصاصه أيضاً بمطلق الفقراء من باب «ردّ المظالم»، لصعوبة إثبات حكم مخالف للقواعد والاُصول بنصّ خبر واحد فكيف بظاهره.

يؤيّد ذلك أنّه قد انحصر الكتاب وجوب الخمس المصطلح في آيته في عنوان الغنم والغنيمة، والعرف - خلافاً لما ادعاه المحقّق الأردبيلي رحمه الله في «زبدة البيان»(3) - لا يطلق هذا العنوان على الحرام قطعاً، بل يسلبه عنه من دون ترديد، هذا مع أنّ الأمر بوجوب التصدق به في موثقة السكوني حيث قال علیه السلام: «تَصَدَّقْ

ص: 306


1- «مصباح الفقيه» ج19/309.
2- «الخصال» ص290، الحديث 51، و«وسائل الشيعة» ج9/494، الحديث 12566.
3- راجع:«زبدة البيان في أحكام القرآن» ص211 حيث قال: ويمكن أن يستدلّ علی ذلك (وجوب الخمس في جميع هذه الاُمور السبعة) بهذه الآية فإنّ في عرف اللّغة يطلق علی جميع ذلك اسم الغنم والغنيمة.

بِخُمُسِ مَالِكَ فَإِنَّ اللَّهَ رَضِيَ مِنَ الْأَشْيَاءِ بِالْخُمُسِ وَسَائِرُ الْمَالِ لَكَ حَلَالٌ»(1)، أيضاً يناسب صرفه في الفقراء والمساكين باعتبار كونهم محلّاً لمصرف مظالم العباد لا الخمس المصطلح.

نقل «الوسائل» هنا موافق ل- «الكافي» و«التهذيب»، لكنّه في «الفقيه»(2) بدل قوله: «تَصَدَّقْ بِخُمُسِ مَالِكَ»، قال: «أَخْرِجْ خُمُسَ مَالِك» ومن معلوم أنّ نقل «الوسائل» حيث كان موافقاً ل- «الكافي» و«التهذيب» فهو مقدّم علی «الفقيه».

نعم الأحوط استحباباً اختصاصه بالفقراء من السّادة لكونهم لا أقلّ منطبق على المصرفين ومجمع العنوانين في كلا الحالتين بالنسبة إلى تمامه بناءً على كونه صدقة، ونصفه بناءً على كونه خمساً مصطلحاً، والأولى أن يكون ذلك بإذن الحاكم الشرعى.

وأمّا ما اختاره المحقق الهمداني رحمه الله من القول بالتخيير بين الأمرين، فهو غير موافق لمقتضى رواية عمّار المتقدّم وما اقتضاه القاعدة في المال المجهول المالك، إذ المقدار الّذي لزم إخراجه لتطهير المال إن كان في مقام الواقع والثبوت خمساً مصطلحاً للزم صرفه إلى أهل الخمس بإيصاله إلى الفقيه الجامع للشرائط، وإن كان صدقةً فبعنوان ردّ مظالم العباد للزم دفعه إلى الفقراء والمساكين نيابة فيها عن مالكه الواقعي، فلا دليل حينئذٍ لصرفه تخييراً في كلتا

ص: 307


1- «الكافي» ج5/125، الحديث 5، و«التهذيب» ج6/368، الحديث 1065، و«وسائل الشيعة» ج9/506، الحديث 12594.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج3/189، الحديث 3713.

الأمرين معاً في زمان واحد.

ثمّ بعد فرض كون الخمس في المقام مخرجاً لتطهير المال المختلط تعبداً لا كونه مصرفاً فلا فرق فيه بين كون مالكه صغيراً أوكبيراً، وبذلك يظهر ضعف ما استظهره في «الغنائم» من عدم وجوبه مطلقاً لوكان المالك صغيراً، لكونه من أحكام الوضع والأسباب الّتي لا تفاوت فيها بين المكلّف وغيره.

وأمّا الصورة الثانية: وهو ما إذا علم المقدار في المجموع لا العين بأنّه ثلث أو ربع أو أزيد أو أنقص ولم يعرف صاحبه، فقد صرّح غير واحد منهم المحقق العاملي رحمه الله في «المدارك»(1) والمحقق الطباطبائي رحمه الله في «الرياض»(2) والشيخ الأنصاري رحمه الله (3) بأنّه يتصدّق به عن مالكه وإن زاد عن الخمس بعد اليأس من وجدانه، وادّعى في «المصباح» استظهار كونه ممّا لا خلاف فيه(4)، وعن «التذكرة» ومن تبعه(5) وجوب إخراج الخمس أوّلاً ثمّ التصدّق بالزائد عليه، وعن صاحب «الحدائق»(6) القول بالتخميس فقط، فالمسألة ذات أقوال ثلاثة.

فبعد ما تبيّن حكم الصورة الاُولى فالأقوى من هذه الأقوال في هذه الصورة

ص: 308


1- «مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام» ج5/389.
2- «رياض المسائل» ج5/248.
3- «كتاب الخمس للشيخ الأنصاري» ص248.
4- «مصباح الفقيه» ج19/313.
5- راجع: «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج5/422، و«مسالك الأفهام إلی تنقيح شرائع الإسلام» ج1/467.
6- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/365

أيضاً هو ما اختاره المشهور أي التصدّق بمقدار الحرام عن صاحبه بعد اليأس عن الظفر به مهما كان مقداره، يمكن أن نستدلّ على ذلك بموثقة عليّ بن أبي حمزة البطائني قال: «كَانَ لِي صَدِيقٌ مِنْ كُتَّابِ بني أُمَيَّةَ، فَقَالَ لِيَ: اسْتَأْذِنْ لِي عَلَى أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَاسْتَأْذَنْتُ لَهُ فَأَذِنَ لَهُ، فَلَمَّا أَنْ دَخَلَ سَلَّمَ وَجَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي كُنْتُ في دِيوَانِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَأَصَبْتُ مِنْ دُنْيَاهُمْ مَالاً كَثِيراً وَأَغْمَضْتُ في مَطَالِبِهِ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «لَوْ لَا أَنَّ بني أُمَيَّةَ وَجَدُوا لَهُمْ مَنْ يَكْتُبُ، وَيَجْبِي لَهُمُ الْفَيْ ءَ، وَيُقَاتِلُ عَنْهُمْ، وَيَشْهَدُ جَمَاعَتَهُمْ لَمَا سَلَبُونَا حَقَّنَا، وَلَوْ تَرَكَهُمُ النَّاسُ وَمَا في أَيْدِيهِمْ مَا وَجَدُوا شَيْئاً إِلَّا مَا وَقَعَ في أَيْدِيهِمْ، قَالَ: فَقَالَ الْفَتَى: جُعِلْتُ فِدَاكَ فَهَلْ لِي مَخْرَجٌ مِنْهُ؟ قَالَ: إِنْ قُلْتُ لَكَ تَفْعَلُ؟ قَالَ: أَفْعَلُ، قَالَ لَهُ: فَاخْرُجْ مِنْ جَمِيعِ مَا كَسَبْتَ في دِيوَانِهِمْ، فَمَنْ عَرَفْتَ مِنْهُمْ رَدَدْتَ عَلَيْهِ مَالَهُ، وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ تَصَدَّقْتَ بِهِ، وَأَنَا أَضْمَنُ لَكَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ»، فَأَطْرَقَ الْفَتَى طَوِيلاً، ثُمَّ قَالَ لَهُ: لَقَدْ فَعَلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ، الحديث(1)، الّتي ظاهرة في المال المختلط.

وقد استدلّ عليه أيضاً بما وردت على التصدّق بالمال المتميّز المجهول مالكه بإلغاء الخصوصيّة العرفيّة منه إلى غير المتميّز(2)، كصحيحة يونس بن عبد الرّحمن قال: سُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ الرِّضا علیه السلام وَأَنَا حَاضِرٌ (إِلَى أَنْ قَالَ:) فَقَالَ: رَفِيقٌ كَانَ لَنَا بِمَكَّةَ فَرَحَلَ مِنْهَا إِلَى مَنْزِلِهِ وَرَحَلْنَا إِلَى مَنَازِلِنَا، فَلَمَّا أَنْ صِرْنَا في الطَّرِيقِ أَصَبْنَا بَعْضَ مَتَاعِهِ مَعَنَا فَأَيُّ شيء نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: «تَحْمِلُونَهُ

حتی تَحْمِلُوهُ إِلَى

ص: 309


1- «الكافي» ج5/106، الحديث 4، و«التهذيب» ج6/331، الحديث 920، و«وسائل الشيعة» ج17/199، الحديث 22343.
2- راجع: «أنوار الفقاهة في أحكام العترة الطاهرة، كتاب الخمس والأنفال» ص167.

الْكُوفَةِ،قَالَ: لَسْنَا نَعْرِفُهُ وَلَا نَعْرِفُ بَلَدَهُ وَلَا نَعْرِفُ كَيْفَ نَصْنَعُ، قَالَ: إِذَا كَانَ كَذَا فَبِعْهُ وَتَصَدَّقْ بِثَمَنِهِ، قَالَ لَهُ: عَلَى مَنْ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟ قَالَ: عَلَى أَهْلِ الْوَلَايَةِ»(1).

وما رواه نصر بن حبيب صاحب الخان، قال: كَتَبْتُ إِلَى عَبْدٍ صَالِحٍ علیه السلام لَقَدْ وَقَعَتْ عِنْدِی مِائَتَا دِرْهَمٍ (وَأَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ) وَأَنَا صَاحِبُ فُنْدُقٍ وَمَاتَ صَاحِبُهَا وَلَمْ أَعْرِفْ لَهُ وَرَثَةً، فَرَأْيُكَ في إِعْلَامِي حَالَهَا وَمَا أَصْنَعُ بِهَا فَقَدْ ضِقْتُ بِهَا ذَرْعاً؟ فَكَتَبَ: «اعْمَلْ فِيهَا وَأَخْرِجْهَا صَدَقَةً قَلِيلاً قَلِيلاً حتی تَخْرُجَ»(2).

وأمّا ما عن صاحب «الحدائق» من القول بالتخميس فقط بأنّ لقائل أن يقول أنّ ظاهر الأخبار الدالّة على الأمر بالتصدّق بالمال المجهول المالك إنّما هو في المال المتميّز في حدّ ذاته، وإلحاق المال المشترك به - مع كونه ممّا لا دليل عليه - قياس مع الفارق، لأنّ الاشتراك في هذ المال سارٍ في كلّ درهم درهم وجزء جزء منه، فعزل هذا القدر المعلوم مع كون الشر كة شائعة لا يوجب استحقاق المال المجهول له حتی يتصدّق به، فهذا العزل لا ثمرة له بل الاشتراك باقٍ، إلى أن قال: وبما ذكرنا يظهر أنّ الأظهر دخول هذه الصورة تحت أخبار إخراج الخمس، انتهى كلامه بتفاوت يسير(3)، فيضعف بموثقة ابن أبي حمزة البطائني الظاهرة في المال المختلط.

ص: 310


1- «التهذيب» ج6/395، الحديث 1189، و«وسائل الشيعة» ج25/450، الحديث 32332.
2- «الكافي» ج7/153، الحديث 3، و«التهذيب» ج9/389، الحديث 1389، و«وسائل الشيعة» ج26/297، الحديث 33032.
3- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/364 - 365.

وأمّا الصورة الثالثة: وهو ما يكون على عكس صورة السابقة، بأنّ المالك معلوماً ومقدار الحرام مجهولاً، فقد قيل فيه وجوهاً وأقوالاً؛ من الاقتصار على القدر المتيقّن، للأخذ بقاعدة اليد من كون مجموعه في يده فيحكم بكونه مالكاً له إلّا ما ثبت خروجه عنها قطعاً، أو لأصالة براءة الذمة عن التكليف بدفع أزيد ممّا علم التكليف به، ومن دفع أكثر ما يحتمله حتی تيقّن معه البراءة، ومن القول بلزوم المصالحة مع المالك حينئذٍ، ومن لزوم دفع الخمس إليه فقط(1).

والأولى منها هو الأخير، كما صرّح بذلك العلّامة رحمه الله في «التذكرة»(2)، وذلك لأنّ الخمس هو مصالحة شرعيّة تعبديّة عند الجهل بمقدار الحرام في مجهول القدر والمالك، فإذا علم المالك ولم يرض بشيء لتحليل متصرّفه فقد جعل الشارع ذلك المقدار طريقاً له، فعليه أن يردّ خمسه إليه، ولا دليل على دفع الأكثر أو لزوم المصالحة معه في صورة الإمكان وإن كان أحوطاً، كما لا يحكم بهما أيضاً مع الحاكم الشرعي الّذي هو نائب عن المالك شرعاً في صورة جهله.

وإن شئت قلت: إنّ الخمس هو مصالحة شرعيّة تعبديّة عند الجهل بمقدار الحرام في مجهول القدر والمالك، فنقيس به أيضاً ما إذا كان المقدار مجهولاً والمالك معلوماً، لوضوح كون الملاك فيه هو جهالة القدر، وأمّا المالك فقد

ص: 311


1- راجع: «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج5/422، و«مصباح الفقيه» ج19/328، و«أنوار الفقاهة في أحكام العترة الطاهرة، كتاب الخمس والأنفال» ص170، و....
2- «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج5/422، حيث قال: ولو عرف صاحبه وقدره وجب إيصاله إليه، فإن جهل القدر صالحه أو أخرج ما يغلب علی ظنّه، فإن لم يصالحه مالكه أخرج خمسه إليه، لأنّ هذا القدر جعله الله تعالی مطهّراً للمال.

جعل الشارع المقدس الّذي هو مالك الملوك الفقير في المال المختلط مقامه.

وأمّا الصورة الرابعة: وهو ما إذا كان المالك والقدركلاهما معلومين، فحكمه واضح من لزوم دفع ماله إليه مهما كان مقداره، ممّن صرّح بذلك صاحب «الجواهر» حيث قال:

لو علم قدر المال والصاحب سقط الخمس ووجب الدفع إليه كغيره من الشركاء من غير إشكال بل ولا خلاف(1).

ممّا يستدلّ به ما رواه عليّ بن أبي حمزة البطائني قال: «كَانَ لِي صَدِيقٌ مِنْ كُتَّابِ بني أُمَيَّةَ، فَقَالَ لِیَ: اسْتَأْذِنْ لِی عَلَى أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَاسْتَأْذَنْتُ لَهُ فَأَذِنَ لَهُ، فَلَمَّا أَنْ دَخَلَ سَلَّمَ وَجَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّی كُنْتُ في دِيوَانِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَأَصَبْتُ مِنْ دُنْيَاهُمْ مَالاً كَثِيراً وَأَغْمَضْتُ في مَطَالِبِهِ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «لَوْ لَا أَنَّ بني أُمَيَّةَ وَجَدُوا لَهُمْ مَنْ يَكْتُبُ، وَيَجْبِی لَهُمُ الْفَیْ ءَ، وَيُقَاتِلُ عَنْهُمْ، وَيَشْهَدُ جَمَاعَتَهُمْ لَمَا سَلَبُونَا حَقَّنَا، وَلَوْ تَرَكَهُمُ النَّاسُ وَمَا في أَيْدِيهِمْ مَا وَجَدُوا شَيْئاً إِلَّا مَا وَقَعَ في أَيْدِيهِمْ، قَالَ: فَقَالَ الْفَتَى: جُعِلْتُ فِدَاكَ فَهَلْ لِی مَخْرَجٌ مِنْهُ؟ قَالَ: إِنْ قُلْتُ لَكَ تَفْعَلُ؟ قَالَ: أَفْعَلُ، قَالَ لَهُ: فَاخْرُجْ مِنْ جَمِيعِ مَا كَسَبْتَ في دِيوَانِهِمْ، فَمَنْ عَرَفْتَ مِنْهُمْ رَدَدْتَ عَلَيْهِ مَالَهُ، وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ تَصَدَّقْتَ بِهِ، وَأَنَا أَضْمَنُ لَكَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ»، فَأَطْرَقَ الْفَتَى طَوِيلاً، ثُمَّ قَالَ لَهُ: لَقَدْ فَعَلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ، الحديث(2).

ثمّ إنّه لو خاف عند دفعه في هذين الصورتين الأخيرتين أو غيرهما من

ص: 312


1- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/72.
2- «الكافي» ج5/106، الحديث 4، و«التهذيب» ج6/331، الحديث 920، و«وسائل الشيعة» ج17/199، الحديث 22343.

الموارد على نفسه أو ماله أو عياله الضرر فلا مانع من إيصال ماله إليه غير مباشرة أو بغيره من العناوين.

هاهنا اثنتا عشرة مسألة:

ثمّ إنّ هاهنا اثنتا عشرة مسألة ذكرها السيّد صاحب «العروة» ذيل عنوان خمس «المال المخلوط بالحرام» هي عبارة عن:

المسألة الاُولى: أنواع أنحاء الاختلاط.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

لا فرق في وجوب إخراج الخمس وحليّة المال بعده بين أن يكون الاختلاط بالإشاعة أو بغيرها، كما إذا اشتبه الحرام بين أفراد من جنسه أو من غير جنسه(1).

الاختلاط تارة يكون على نحو الإشاعة والشركة، كما إذا اختلط جنس واحد بعضه مع بعض بحيث لا يتميّز بينهما مثل اختلاط دقيقين أحدهما له والآخر لغيره كاختلاط الماء بالحليب، واُخرى ما يكون بغير الشركة والإشاعة على نحو الاختلاط الظاهريّة فقط إلّا أنّهما لم يكونا متميّزين، كما إذا كانت هناك كتب من نوع واحد أو أنواع مختلفة يختلط بعضها مع بعض لا يدري أيّ واحد منها ملكه وأيّ منها ملك غيره.

فعلى كلا التقديرين إذا اختلط مالان غير متميّزين أحدهما حلال والآخر حرام لا يعلم مقداره ولا مالكه، فبعد صدق الاختلاط بالنسبة إليهما عرفاً،

ص: 313


1- «العروة الوثقی(للسيّد اليزدي)» ج2/380، المسألة الرقم 28.

الطريق الوحيد الّذي جعل الشارع بإسناد إطلاقات روايات الباب لحلّ هذه العويصة هو التخميس، لكنّه إذا كان بنحو غير الشركة، سواء كان مقداره معلوماً أم لم يكن، فالظاهر لتعيين ما يخرج تعبداً أو تحقيقاً هو الرجوع إلى القرعة، وذلك لأخبار باب القرعة، منها صحيح محمّد بن حكيم أو محمّد بن حكم قال: سَأَلْتُ

أَبَا الْحَسَنِ علیه السلام عَنْ شيء؟ فَقَالَ لِی: «كُلُّ مَجْهُولٍ فَفِيهِ الْقُرْعَةُ، قُلْتُ لَهُ: إِنَّ الْقُرْعَةَ تُخْطِئُ وَتُصِيبُ، قَالَ: كُلُّ مَا حَكَمَ اللَّهُ بِهِ فَلَيْسَ بِمُخْطِئٍ»(1).

المسألة الثانية: حكم ما لو علم إجمالاً أن الحرام أكثر من الخمس.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

لا فرق في كفاية إخراج الخمس في حليّة البقيّة في صورة الجهل بالمقدار والمالك بين أن يعلم إجمالاً زيادة مقدار الحرام أو نقيصته عن الخمس، وبين صورة عدم العلم ولو إجمالاً، ففي صورة العلم الإجمالى بزيادته عن الخمس أيضاً يكفي إخراج الخمس فإنّه مطهِّرٌ للمال تعبداً، وإن كان الأحوط مع إخراج الخمس المصالحة مع الحاكم الشرعي أيضاً بما يرتفع به يقين الشغل وإجراء حكم مجهول المالك عليه، وكذا في صورة العلم الإجمالي بكونه أنقص من الخمس، وأحوط من ذلك المصالحة معه بعد إخراج الخمس بما يحصل معه اليقين بعدم الزيادة(2).

ص: 314


1- «من لا يحضره الفقيه» ج3/52، الحديث 174، و«التهذيب» ج6/240، الحديث 593، و«وسائل الشيعة» ج27/260، الحديث 33720.
2- «العروة الوثقی(للسيّد اليزدي)» ج2/381 - 380، المسألة الرقم 29.

إنّ مقدار الحرام المختلط بالحلال قد يكون معلوماً تفصيلاً، وقد يكون معلوماً إجمالاً ومجهولاً تفصيلاً، أمّا إذا كان معلوماً بالتفصيل فقد مرّ في صورتي الثانية والرابعة من أنّه يلزم إعطاءه إلى مالكه في صورة معرفته، وإلى الفقراء في صورة جهله، لكونهم قائماً مقامه شرعاً، مهما كان مقداره مساوياً للخمس أو أزيد من الخمس أو أنقص منه، أمّا لو كان معلوماً إجمالاً ومجهولاً تفصيلاً فقد وقع البحث هنا في أنّه هل هو ملحق بما إذا جهل المقدار مطلقاً حتی يحلّله الخمس وإن كان زائداً عنه، أو ملحق بصورة العلم حتی يلزم التخلّص منه بإعطاء الأقلّ اقتصاراً على القدر المتيقّن فيما يدور الأمر بين الأقلّ والأكثر الاستقلاليين، أو أعطاء أكثر ما يحتمله حتى يعلم بالبراءة، أو بالمصالحة مع الحاكم لكونه قائماً مقام المالك على اختلاف المباني، فاختار السيّد رحمه الله هنا ومن تبعه استناداً إلى اطلاقات روايات الباب إلحاقه بصورة الجهل مطلقاً، واستظهر بعض آخر منهم المحقق الهمداني رحمه الله كونه بحكم المعلوم تفصيلاً، حيث قال:

ولو كان مقدار الحرام مجهولاً تفصيلاً ولكنّه يعلم إجمالاً بأنّه أقلّ من الخمس أو أكثر، فالظاهر كونه بحكم ما لو علم كونه كذلك تفصيلاً في كونه خارجاً عن مورد أخبار الخمس(1).

والتحقيق يقتضي كونه ملحقاً بصورة العلم، وذلك لما ثبت في محلّه من أنّ الأخذ بالإطلاق متفرّع على المقدمات الحكمة الّتي عدّ منها انتفاء القدر

ص: 315


1- «مصباح الفقيه» ج19/323.

المتيقّن في مقام التخاطب(1)، وحيث إنّ المتيقّن في المقام هو صورة الجهل المطلق فشموله لصورة العلم الإجمالي غير معلوم، زائداً على تبادر الجهل المطلق من عدم العلم وتأثير العلم الإجمالي عند دوران الأمر في الشبهات المحصورة إذا كانت أطراف الشبهة مورداً لابتلاء المكلّف أو تأثيره عند المخالفة القطعيّة، فعليه للزم عليه إخراج الزائد من الخمس بما يزيل معه العلم الإجمالي، كما أنّه لو علم كونه أنقص منه لم يجب عليه مقدار الخمس، إلى ذلك أشار في «الجواهر» حيث قال:

إّنه لو اكتفى بإخراج الخمس هنا لحلّ ما علم من ضرورة الدّين خلافه إذا فرض زيادته عليه (أي تطهير مال الغير وتحليله بالخمس من غير رضايته مخالف لضرورة الدّين)،كما أنّه لو كلّف به مع فرض نقيصته عنه وجب عليه بذل ماله الخاصّ له(2).

ثمّ لو قلنا بشمول أخبار الخمس لصورة العلم بالزيادة، فمقتضاه هو الاقتصار على إخراج خمسه، لما في الأخبار من التصريح بأنّ «وَسَائِرُ الْمَالِ لَكَ حَلَالٌ»(3)، فاحتمال وجوب دفع الجميع خمساً، أو صرف خُمسه في مصرف الخُمس والزائد عليه صدقة ضعيف جداً.

ص: 316


1- راجع: «كفاية الاُصول» ص247، مبحث «المطلق والمقيّد».
2- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/74.
3- «الكافي» ج5/125، الحديث 5، و«التهذيب» ج6/368، الحديث 1065، و«وسائل الشيعة» ج9/506، الحديث 12594.

المسألة الثالثة: حكم معرفة المالك إجمالاً.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا علم قدر المال ولم يعلم صاحبه بعينه، لكن علم في عدد محصور، ففي وجوب التخلّص من الجميع ولو بإرضائهم بأيّ وجه كان، أو وجوب إجراء حكم مجهول المالك عليه، أو استخراج المالك بالقرعة، أو توزيع ذلك المقدار عليهم بالسوية وجوه؛ أقواها الأخير، وكذا إذا لم يعلم قدر المال وعلم صاحبه في عدد محصور فإنّه بعد الأخذ بالأقلّ - كما هو الأقوى - أو الأكثر - كما هو الأحوط - يجري فيه الوجوه المذكورة(1).

قد مرّ أنّه لو كان مقدار الحرام معلوماً إجمالاً فإنّه خارج عن عمومات أدلّة الخمس في المقام، كذا الكلام لوكان المالك معلوماً كذلك، والعجب من صاحب «العروة» ومن تبعه كيف حكموا هناك بكونه ملحقاً بالجهل وألحقوه هنا بالعلم؟! وكيف كان إذا كان مقدار المال الحرام معلوماً والمالك معلوماً إجمالاً، فإن لم يمكن الإحاطة به إلّا في ضمن عدد كثير عادة، فلا محالة يجري عليه حكم المجهول المالك، وإن لم يكن كذلك بأن كان مردّداً إجمالاً بين عدد محصور كالأربعة والخمسة وكان كلّ واحد منهم مدّع أنّ المال له، أو يحتمل أن يكون المال له، فلا ريب في كونه حينئذٍ خارج عن عمومات أدلّة الخُمس، إنّما الكلام حينئذٍ في أنّه كيف يمكن له التخلّص من الحرام بالمصالحة معهم جميعاً بأيّ نحو كان، أو بإلحاقه حكماً بالمجهول المالك وإجراء حكمه عليه، أو

ص: 317


1- «العروة الوثقی(للسيّد اليزدي)» ج2/382 - 381، المسألة الرقم 30.

باستخراج المالك بالقرعة، أو بتوزيع مقدار الحرام بينهم بالسوية؟ وقد حكى النراقي رحمه الله في مستنده هنا قولاً آخر وهو لزوم دفع أمثال المال إلى الجميع لاقتضاء قاعدتي اليد (ضمان اليد) والاشتغال الخروج عن عهدة التكليف يقيناً(1) المعتضدة بقاعدة نفي ضرر المالك، ولا يحصل الجزم به إلابدّفع مثله إلى كلّ واحد منهم(2).

أمّا المصالحة فلا شك في أنّها إن أمكنت ووقعت فهي مبرءة للذمّة قطعاً، لكنّها كثيراً ما غير ميسورة، لا سيّما عند المنازعات والخصومات وفيما إذ كان مقدار المال المصالح عليه جزيلاً جداً، أو لا يتمكّن المختلِط من إعطائه.

أمّا إجراء حكم المال المجهول المالك فقد عرفت عدم شموله للمقام، فبقي هنا الاُمور الثلاثة الأخيرة، والظاهر بعد عدم إمكان المصالحة أن نقول: الاختلاط إذا كان على سبيل العدوان وبسوء اختيار المختلط بأن خلط ماله بمال الغير عن علم واختيار، أو عن إفراط وتفريط، فإنّه يجب عليه حينئذٍ دفع أمثال المال إلى الجميع، وذلك لحكومة قاعدة ضمان اليد على القرعة والأقلّ والأكثر، أو انصرافهما عن مثل ذلك، بل لا يبعد أن يكون الأمر كذلك وإن لم يكن الخلط

ص: 318


1- «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه» و«الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية»، والمراد من «قاعدة ضمان اليد» هو أنّ اليد إذا كانت غاصبة فهو سبب لضمان صاحبها وإن وقع التلف لمتلف سماوي أو ورد على المال نقص أو عيب، وهكذا اليد الأمينة إذا خرجت عن الأمانة بالتعدّي أو بالتفريط فهي أيضاً ضامنة. لزيادة التوضيح راجع: «القواعد الفقهيّة لمكارم الشيرازي» ج2/201.
2- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/48.

بصورة عدواني، كأن كان المال عنده وديعة فخلط بغير تعدّ أو تفريط أو خلطه غيره، لعدم تأثير فقد الحكم التكليفي فقدان الحكم الوضعي الثابت بقاعدة الاشتغال، خرج منهما ما يكون حرجياً فلنرجع لاستخراج المالك حينئذٍ بالقرعة لكونها لكلّ أمر مجهول.

وأمّا القول بتوزيع مقدار الحرام بينهم بالسويّة(1) قياساً بما ورد في باب الوديعة المردّدة بين اثنين الّذي أفتى به المشهور وجعله السيّد صاحب «العروة» هنا أقوى الأقوال، مثل موثقة السّكوني عن الصّادق عن أبيه علیه السلام في رَجُلٍ اسْتَوْدَعَ رَجُلاً دِينَارَيْنِ فَاسْتَوْدَعَهُ آخَرُ دِينَاراً فَضَاعَ دِينَارٌ مِنْهَا، قَالَ: «يُعْطَى صَاحِبُ الدِّينَارَيْنِ دِينَاراً وَيُقْسَمُ الْآخَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ»(2)، بتقريب أنّ واحداً من المستودَعَين في عالم الواقع والثبوت لم يكن مالكاً لهذا الدينار قطعاً، لكن مع ذلك حكم الإمام علیه السلام بتقسيمه بينهما بالتنصيف، فكذلك في المقام حيث إنّ المالك الحقيقي للمال هو واحد من الآخذين وباقيهم غير مالكين يقيناً.

يلاحظ عليه - زائداً إلى ما تقدّم من حكومة قاعدة ضمان اليد على القرعة والأقلّ والأكثر، أو انصرافهما عن مثل المقام - بأنّ الحكم في المقيس عليه حيث كان مخالفاً لما اقتضاه القاعدة من عدم كون الأيادي الأمانيّة ضامناً لما تلف عندهم من غير تعدٍّ وتفريط، فعليه لولا النصّ للزم أن نرجع لمعرفة صاحب

ص: 319


1- من القائلين به شيخنا الاُستاذ دام ظلّه، راجع: «أنوار الفقاهة، كتاب الخمس» ص182 - 183.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج3/23، الحديث 63، و«وسائل الشيعة» ج18/452، الحديث 24025.

الدينار إلى القرعة، لا التقسيم بينهما بالسويّة، فنقتصر على ما ثبت من الدليل خلافها ولا نتعدّى منه إلی غيره.

وإن شئت قلت: إنّ أخبار القرعة عام لكلّ أمر مجهول يشمل الوديعة وغيرها، نخصّص بالموثقة باب الوديعة، ونعمل بها في غيرها.

هذا كلّه إذا كان قدر المال معلوماً تفصيلاً، وكذلك الكلام لو كان مقداره معلوماً إجمالاً

بيان ذلك:

قد ثبت في محلّه أنّ أحكام الله تعالى مشتركة ثبوتاً بين العالم والجاهل بها، والعلم سواء كان تفصلياً أو إجمالياً إنّما هو دخيل في تنجّزها اثباتاً(1)، فبناءً على ذلك إنّ ما يكون واجباً على المختلط إخراجه حقيقة هو ما يكون مديوناً واقعاً لكنّه حيث لم يعلمه إلّا إجمالاً ودار أمره بين الأقلّ والأكثر، أمره الشارع بعد ما كان يده مضمونة غير أمينة بفراغ ذمّته عن عهدة التكليف يقيناً، ولا يحصل الجزم به إلابدّفعه الأكثر.

المسألة الرابعة: إذا كان حقّ الغير في الذمّة.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذ كان حقّ الغير في ذمّته لا في عين ماله فلا محلّ للخمس، وحينثذ فإن علم جنسه ومقداره ولم يعلم صاحبه أصلاً أو علم في عدد غير محصور تصدّق به عنه بإذن الحاكم، أو يدفعه إليه، وإن كان في عدد محصور ففيه الوجوه المذكورة، والأقوى هنا أيضاً الأخير، وإن علم

ص: 320


1- راجع: «اُصول الفقه» ص392، مبحث اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل.

جنسه ولم يعلم مقداره بأن تردّد بين الأقلّ والأكثر أخذ بالأقلّ المتيقّن ودفعه إلى مالكه إن كان معلوماً بعينه، وإن كان معلوماً في عدد محصور فحكمه كما ذكر، وإن كان معلوماً في غير المحصور أو لم يكن علم إجمالي أيضاً تصدّق به عن المالك بإذن الحاكم، أو يدفعه إليه، وإن لم يعلم جنسه وكان قيمياً فحكمه كصورة العلم بالجنس، إذ يرجع إلى القيمة ويتردّد فيها بين الأقلّ والأكثر، وإن كان مثلياً ففي وجوب الاحتياط وعدمه وجهان(1).

إنّ ما تقدّم من إخراج الخمس لتحليل المال الحلال المختلط بالحرام إذا جهل مقداره وصاحبه، راجع إلی ما كان الحرام بعينه في الخارج موجوداً، أو كان مخلوطاً قبل انتقاله إلى الذمّة كما إذا تصرّف في المختلط أو تلف المال كلّه بعد اختلاطه(2)، وأمّا إذا كان بصورة حقّ في ذمّته من أوّل الأمر فلا يجري فيه ذلك سواء علم صاحبه أو لم يعلم به، وذلك لوضوح تحليل الخمس مع فرض الاختلاط، ولا يتصوّر ذلك إلّا في الأعيان الخارجيّة لا ما يكون حقاً في الذمّة.

وحينئذٍ ففيه أربعة حالات:

الاُولى: ما كان جنس الحقّ الّذي كان في ذمّته وكذا مقداره معلومين.

الثانية: ما كان الجنس معلوماً والمقدار مجهولاً مردّداً بين الأقلّ والأكثر، كمن يعلم أنّ ما في ذمّته ديناراً إلّا أنّه لا يعلم مقداره هو مائة أو تسعون.

ص: 321


1- «العروة الوثقی(للسيّد اليزدي)» ج2/382 - 383، المسألة الرقم 31.
2- إلی ذلك أشار في الجواهر حيث قال: ولو تصرّف في المختلط بحيث صار الحرام منه في ذمّته لم يسقط الخمس. «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/76.

الثالثة: ما لم يعلم جنسه وكان قيميّاً، مثل ما إذا تردّد التالف بين الإبل والغنم.

الرابعة: ما لم يعلم الجنس وكان مثلياً، كما إذا شك في كونه مائة كيلو من حنطة أو شعير.

وكلّ منها إمّا أن يعرف المالك بعينه أم لا، وعلى الثاني إمّا أن يعرفه في عدد محصور، أو يعرفه في عدد غير محصور، فالحالات اثنتا عشرة حالة:

أمّا الحالة الاُولى: وهي ما كان الجنس والمقدار معلومين، فإن علم مالكه بعينه فلا كلام في وجوب ردّ حقّه إليه، وإن عرفه في ضمن عدد محصور فقد عرفت التفصيل بأنّه إن كان على سبيل الظلم والعدوان فمقتضى القواعد لزوم دفع أمثاله إلى الجميع، خرج منه ما يكون حرجياً أو غير ممكن فلنرجع لاستخراج المالك فيهما بالقرعة(1).

وإن عرفه في ضمن جماعة غير محصورين فلا محالة يجري عليه حكم المجهول المالك من لزوم التفحص عن مالكه إلى أن يحصل اليأس من الظفر به، ثمّ التصدّق به على الفقراء، والأحوط استحباباً أن يكون ذلك بإذن الحاكم لكونه قائماً مقامهم.

وأمّا الحالة الثانية: وهي ما كان الجنس معلوماً والمقدار مجهولاً مردّداً بين الأقلّ والأكثر، كمن يعلم أنّ ما في ذمّته ديناراً إلّا أنّه لا يعلم مقداره هو مائة أو تسعون، فالكلام فيها هو الكلام في الحالة السابقة من التفصيل، وحينئذٍ إن لم

ص: 322


1- لزيادة التوضيح راجع: «القواعد الفقهيّة لمكارم الشيرازي» ج1/347، قاعدة القرعة مبحث مفاد القرعة وحدودها.

يكن ثبوت الحقّ في ذمّته على سبيل الظلم والعدوان فاللازم عليه بعد ما كان المقام من باب الأقلّ والأكثر الاستقلاليين إخراج أقلّ ما احتمله من المقادير.

وأمّا الحالة الثالثة: وهي ما لم يعلم جنسه وكان قيميّاً، مثل ما إذا تردّد التالف بين الإبل والغنم، فالكلام بالنسبة إلى مالكه هو الكلام وعليه بعد ما كان المقام من باب الأقلّ والأكثر الاستقلاليين إن لم يكن ثبوت الحقّ في ذمّته على سبيل الظلم، أن يخرج أقلّ القيمتين.

وأمّا الحالة الرابعة: وهي ما لم يعلم الجنس وكان مثلياً، كما إذا شك في كونه مائة كيلو من حنطة أو شعير، فالكلام بالنسبة إلى مالكه هو الكلام، وعليه بعد ما كان الواجب عليه حينئذٍ هو أداء المثل، وأنّه مردّد بين المتباينين، أن يحتاط بين الجنسين أو الأجناس، إلّا أن ينجرّ ذلك إلى العسر والحرج، فلنرجع في معرفته إلى القرعة.

المسألة الخامسة: هل للمختلط هنا خيار في إعطاء الخمس من نفس ما تعلّق به الخمس أو من مال آخر؟

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

الأمر في إخراج هذا الخمس إلى المالك كما في سائر أقسام الخمس، فيجوز له الإخراج والتعيين من غير توقف على إذن الحاكم، كما يجوز دفعه من مال آخر وإن كان الحقّ في العين(1).

يأتي إن شاء الله في المسألة الخامسة والسبعين أنّ أمر إعطاء الخمس بيد

ص: 323


1- «العروة الوثقی(للسيّد اليزدي)» ج2/383 - 384، المسألة الرقم 32.

المالك وأنّه مخيّر بين دفعه من عين ما تعلّق به الخُمس أو دفع قيمته من مال آخر، فهل الأمر هنا كذلك؟

الأمر في المقام دائر بين أن يكون الخمس الخارج من مال المختلط خُمساً مصطلحاً - كما اختاره السيّد صاحب «العروة» ومن تبعه هنا - فمصرفه مصرف سائر أقسام الخمس ويكون أمره بيد مالكه، وأمّا بناءً على ما اخترناه من كونه صدقة من باب مظالم العباد فليس له ذلك، نعم لو كان فيه مصلحة أو انجرّ ذلك إلى ضرر الفقراء وما أشبههما فلا بأس، كما دلّ بذلك إجمالاً صحيح عليّ الصّائغ قال: سَأَلْتُهُ عَنْ تُرَابِ الصَّوَّاغِينَ وَأَنَّا نَبِيعُهُ؟ قَالَ: «أَمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَسْتَحِلَّهُ مِنْ صَاحِبِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، إِذَا أَخْبَرْتُهُ اتَّهَمَنِي، قَالَ: بِعْهُ، قُلْتُ: بِأَيِّ شيء نَبِيعُهُ؟ قَالَ: بِطَعَامٍ، قُلْتُ: فَأَيَّ شيء أَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ، إِمَّا لَكَ وَإِمَّا لِأَهْلِهِ، قُلْتُ: إِنْ كَانَ ذَا قَرَابَةٍ مُحْتَاجاً أَصِلُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ»(1).

المسألة السادسة: لو تبيّن المالك بعد إخراج الخمس أو الصدقة.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

لو تبيّن المالك بعد إخراج الخمس فالأقوى ضمانه، كما هو كذلك في التصدّق عن المالك في مجهول المالك، فعليه غرامته له حتی في النصف الّذي دفعه إلى الحاكم بعنوان أنّه للإمام علیه السلام(2).

إذا دفع الخمس أو الصدقة ثمّ تبيّن أو ظهر المالك، فإن رضي بما فعله، وإلّا

ص: 324


1- «التهذيب» ج6/383، الحديث 1131، و«وسائل الشيعة» ج18/202، الحديث 23494.
2- «العروة الوثقی(للسيّد اليزدي)» ج2/384، المسألة الرقم 33.

ففي ضمان المال له وعدمه وجهان بل قولان، إلى ذلك أشار في «الجواهر» حيث قال:

ولو تبيّن المالك بعد إخراج الخمس أو الصدقة ففي الضمان وعدمه وجهان، بل قولان؛ من إطلاق قوله صلی الله علیه و آله و سلم: «على اليد ما أخذت حتی تؤدّى»(1)، ومن أنّه تصرّف بإذن المالك الأصلي فلا يستعقب ضماناً، ولعلّ الأقوى الأوّل وفاقاً للروضة والبيان وكشف الاُستاذ، لمنع اقتضاء الإذن رفع الضمان بل أقصاها رفع الإثم، وبعد التسليم فاقتضاؤها إيّاه إن لم يكن هناك دليل عليه، لا أنّها بحيث تعارضه، فالجمع حينئذٍ بينهما بالضمان وعدم الإثم هو المتّجه(2).

أقول: حيث اخترنا أنّ حقيقة الخمس أو الصدقة الواجبة في المال الحلال المشاع المختلط بالحرام كونه من باب ردّ المظالم على وجه لولا ذلك لما يحلّ للمختلط التصرف في سائر أمواله، فالأقوى بل المتعيّن من هذين القولين هو القول بثبوت الضمان حينئذٍ، بل الأمر كذلك حتی على القول بكونه خمساً مصطلحاً، لوضوح أنّ أمر الشارع به هنا، إنّما هو مجوّز تعبديّ لجواز التصرف فيه حكماً ولا يكون من باب الغنيمة وربح الكسب، فلا يلزم منه رفع الحكم الوضعي للضمان الثابت بقاعدتي اليد والاشتغال، بل لابدّ لرفعه من التماس دليل قطعي آخر يدلّ عليه بخصوصه، والمفروض عدمه، كما أنّه قد يحكم في باب كفارت إحرام الحج بالكفارة عند فعل بعض موجباتها ضرورة مع كونها

ص: 325


1- «سنن البيهقي» ج6/90، و«كنز العمّال» ج5/257، الخبر الرقم 5197.
2- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/75.

مأذوناً شرعاً، مثل لبس الرّجل المخيط ضرورة(1).

ومثله في الضمان باب «اللقطة»(2)، وقل دلّ عيه أخبار، منها خبر الحسين بن كثير عن أبيه قال: سَأَلَ رَجُلٌ أَمِيرَ المؤمنين علیه السلام عَنِ اللُّقَطَةِ؟ فَقَالَ: «يُعَرِّفُهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا دَفَعَهَا إِلَيْهِ، وَإِلَّا حَبَسَهَا حَوْلاً، فَإِنْ لَمْ يَجِئْ صَاحِبُهَا أَوْ مَنْ يَطْلُبُهَا تَصَدَّقَ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا بَعْدَ مَا تَصَدَّقَ بِهَا إِنْ شَاءَ اغْتَرَمَهَا الّذي كَانَتْ عِنْدَهُ وَكَانَ الْأَجْرُ لَهُ، وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ احْتَسَبَهَا وَالْأَجْرُ لَهُ»(3).

المسألة السابعة: لو علم بعد إخراج الخمس أنّ الحرام أزيد من الخمس أو أقلّ منه.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

لو علم بعد إخراج الخمس أنّ الحرام أزيد من الخمس أو أقلّ، لا يستردّ الزائد على مقدار الحرام في الصورة الثانية، وهل يجب عليه التصدّق بما زاد على الخمس في الصورة الاُولى أو لا؟ وجهان؛ أحوطهما الأوّل، وأقواهما الثاني(4).

لو تبيّن بعد إخراج الخمس أنّ الحرام كان أزيد من الخمس أو أقلّ منه، فهل

ص: 326


1- راجع: «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج20/404، مدعياً كونه ممّا لا خلاف فيه بل الإجماع بقسميه عليه.
2- راجع: «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج38/347.
3- «التهذيب» ج6/389، الحديث 1164، و«الاستبصار» ج3/68، الحديث 228، و«وسائل الشيعة» ج25/441، الحديث 32307.
4- «العروة الوثقی(للسيّد اليزدي)» ج2/384، المسألة الرقم 34.

يجب عليه التصدق بالمقدار الزائد في الصورة الاُولى، وهل يستردّ الزائد في الصورة الثانية، أم لا؟

قد عرفت أنّ الخمس في المقام هو مطهّر للمال المختلط تعبّداً إذا جهل مقدار الحرام ومالكه، فإذا تبيّن بعد إخراج الخمس أو قبله بأنّه أزيد منه مقداراً فإنّه خارج عن تحت أدلّة الخمس هنا، وذلك لظهور قوله: إِنِّي كَسَبْتُ مَالاً أَغْمَضْتُ في مَطَالِبِهِ حَلَالاً وَحَرَاماً، وَقَدْ أَرَدْتُ التَّوْبَةَ وَلَا أَدْرِي الْحَلَالَ مِنْهُ وَالْحَرَامَ وَقَدِ اخْتَلَطَ عَلَيَّ، فَقَالَ أَمِيرُ المؤمنين علیه السلام: «تَصَدَّقْ

بِخُمُسِ مَالِكَ فَإِنَّ اللَّهَ رَضِيَ مِنَ الْأَشْيَاءِ بِالْخُمُسِ وَسَائِرُ الْمَالِ لَكَ حَلَالٌ»، في موثقة السّكوني(1) على استمرار الحكم بدوام الجهل، أو أنّها منصرفة عمّا ارتفع الجهل، فإذا ارتفع الجهل ارتفع الحكم، وهل يمكن لنا القول بالإجزاء حينئذٍ حتی إذا كان التفاوت كثيراً جداً؟! ولا أقلّ من الشك فيرجع فيه إلى ما تقتضيه القواعد من الاشتغال واليد ونفي ضرر المالك، أو ما يكون قائماً مقامه.

هذا إذا كان مقدار الحرام زائداً عن الخمس، أمّا إذا كان ناقصاً عنه، فقد قيل بأنّه لا يستردّ الزائد عن مقدار الحرام مستدلّاً بما ورد في الزكاة بأنّ ما كان لله لا يرجع، منها ما رواها في «قرب الإسناد» عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه أنّ عليّاً علیه السلام كان يقول: «مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَرُدَّتْ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ إِلَّا إِنْفَاقُهَا، إِنَّمَا مَنْزِلَتُهَا بِمَنْزِلَةِ الْعِتْقِ لِلَّهِ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ عَبْداً لِلَّهِ فَرُدَّ ذَلِكَ

ص: 327


1- «الكافي» ج5/125، الحديث 5، و«التهذيب» ج6/368، الحديث 1065، و«وسائل الشيعة» ج9/506، الحديث 12594.

الْعَبْدُ لَمْ يَرْجِعْ في الْأَمْرِ الّذي جَعَلَهُ لِلَّهِ، فَكَذَلِكَ لَا يَرْجِعُ في الصَّدَقَةِ»(1).

يلاحظ عليه بأنّ ما هو الواجب على المختلط إخراجه في هذه الصورة ثبوتاً إنّما هو ذلك المقدار الناقص، وحيث كان جاهلاً به حكم الشارع بإخراج الخمس عليه حينئذٍ تعبّداً، فإذا تبيّن الخلاف فلا فرق فيه بين حالتي الزيادة والنقيصة، وكذا بين ما إذا تبيّن الخلاف قبل الإخراج وبعده، في أنّ ما هو الواجب عليه إخراجه إنّما هو ذلك المقدار الحرام زائداً عن الخمس أو ناقصاً.

والخبر بعد غضّ النظر عن ضعف سنده - حيث إنّ الحسين بن علوان الكلبي رجل عاميّ، لم يثبت وثاقته عند علماء الرجال(2) - لا يدلّ على أكثر من عدم جواز الرجوع فيما إذ تصدّق الباذل أو المخرج بعنوان أنّه صدقة واقعية من ناحية نفسه أو مالكه، ولا يعمّ لما تصدّقه بظنّ كونه مديوناً ثمّ تبيّن خلافه.

المسألة الثامنة: لو خلط الحلال بالحرام عن علم وعمد خوفاً من كونه أكثر من الخمس.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

لو كان الحرام المجهول مالكه معيّناً، فخلطه بالحلال ليحلّله بالتخميس خوفاً من احتمال زيادته على الخمس، فهل يجزيه إخراج

ص: 328


1- «قرب الإسناد» ص43، و«وسائل الشيعة» ج9/422، الحديث 12385.
2- راجع: «رجال النجاشي» ص52، ذيل الرقم 116، و«رجال ابن داود» ص445، ذيل الرقم 140، .«رجال العلّامة (خلاصة الأقوال)» ص216، ذيل الرقم 6، و....

الخمس أو يبقى على حكم مجهول المالك؟ وجهان؛ والأقوى الثاني، لأنّه كمعلوم المالك حيث إنّ مالكه الفقراء قبل التخليط(1).

إنّ أخبار الخمس في المقام ناظر غالباً إلى الّذين لا يبالون من الحرام والمعاصي فيما اكتسبوا من الأموال، ولذا لم يهتمّوا من أين اكتسبوا الأموال، أ من الحلال أو من الحرام؟ خلطوا حرامها بحلالها تكاثراً، ولكونهم غير متعبّدين بأحكام الشرع، لم يخطر ببالهم أن يقصدوا بذلك الفرار من الزائد عن الخمس، بل ديدنهم عدم التحرّز من ذلك، فإذا أردوا التوبة منه حيث كانوا كثيراً ما جاهلون بمقدار الحرام وأربابه - كما أشار إليه في موثقة السكوني(2) - صالح الشارع لتطهير أموالهم بخمسها تعبّداً، فلا تشمل الاختلاط لغاية التخميس للسيطرة على مال الغير بهذا الطريق، فبعد عدم شمول أدلّة لخمس لمثل ذلك يجب عليه اقتضاءً لقاعدتي اليد والاشتغال الخروج عن عهدة التكليف يقيناً، ولا يحصل الجزم به إلابدّفع أكثر ما احتمله به البراءة، كما قوّاه في «الجواهر» حيث قال:

ولو خلط الحرام بالحلال عمداً خوفاً من كثرة الحرام وليجتمع شرائط الخمس فيجتزأ بإخراجه، عصی بالفعل، وأجزأه الإخراج، ويحتمل قوياً تكليف مثله بإخراج ما يقطع معه بالبراءة إلزاماً له بأشقّ الأحوال ولظهور الأدلّة في غيره(3).

ص: 329


1- «العروة الوثقی(للسيّد اليزدي)» ج2/384، المسألة الرقم 35.
2- «الكافي» ج5/125، الحديث 5، و«التهذيب» ج6/368، الحديث 1065، و«وسائل الشيعة» ج9/506، الحديث 12594.
3- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/76.

المسألة التاسعة: لو كان المال المختلط ممّا تعلّق به الخمس من غير هذه الجهة.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

لو كان الحلال الّذي في المختلط ممّا تعلّق به الخمس وجب عليه بعد التخميس للتحليل خمس آخر للمال الحلال الّذي فيه(1).

إنّ الحلال الّذي في المختلط قد يكون ممّا لم يتعلّق به الخمس في نفسه كما إذا كان إرثاً أو مالاً مخمساً ونحوهما، واُخرى ما يفرض كونه مورداً للخمس بنفسه ولو لم يكن هناك اختلاط.

ما تقدّم من المباحث إلى هنا ناظر إلى القسم الأوّل، فيكفي لتطهيره خمس واحد لمقام الاختلاط، أمّا إذا فرض كونه ممّا يتعلّق به الخمس لغير هذه الجهة كما إذا كان حاصلاً من المعدن أو الكنز، أو أرباح المكاسب والغنائم فلا محالة يجب فيه بعد التحليل بالخمس الأوّل خمسٌ آخر اقتضاءً لتعدّد المسبّبات بتعدّد أسبابها، إلى ذلك أشار غير واحد، منهم صاحب «الجواهر» حيث قال:

ولو كان خليط الحرام ممّا فيه الخمس أيضاً لم يكف خمس واحد لهما كما صرّح به بعضهم، لتعدّد الأسباب المقتضي لتعدّد المسبّبات، فيجب حينئذٍ بعد إخراج خمس التطهير خمس آخر، فما في الحواشي البخارية من الاكتفاء به ضعيف جداً(2).

ص: 330


1- «العروة الوثقی(للسيّد اليزدي)» ج2/385، المسألة الرقم 36.
2- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/76.

وكذا الشيخ الأعظم رحمه الله حيث قال:

لو كان الحلال ممّا فيه الخمس لم يسقط بإخراج هذ الخمس، لعدم الدليل على سقوطه، فيجب حينئذٍ أوّلاً هذا الخمس، فإذا أحلّ لمالكه وطهّر عن الحرام أخرج خمسه، ولو عكس صحّ، لكن تظهر الفائدة فيما لو جعلنا مصرف هذا الخمس في غير الهاشمي، وحينئذٍ فليس له العكس.

وكيف كان فالقول بوحدة الخمس كما يحكى ضعيف جداً، ولعلّه لإطلاق قوله علیه السلام: «وَسَائِرُ الْمَالِ لَكَ حَلَالٌ»(1)، ولا يخفى أنّه من حيث اختلاط الحرام، لامن كلّ جهة، ولذا لو كان زكويّاً لم يسقط زكاته(2).

فالقول بتعدّد الخمس هنا ممّا لا ريب فيه، إنّما الكلام على القول بعدم وحدة المصرفين - كما هو المختار - في تقديم أيّ واحد من التخميسين، هل يجب أوّلاً إخراج خمس المختلط ثمّ إخراج خمس الباقي العناوين، أو يجوز العكس أيضاً؟ وذلك لوضوح كثرة مقدار الخمس في المراتب السابقة بالنسبة إلى مقداره في المراتب النازلة.

اختار المشهور ومنهم السيّد رحمه الله صاحب «العروة» الأوّل، ليطهّر به المال تطهيراً قهريّة إلهيّة، ويعلم مقداره بعد ذلك حتی يتمكّن من تخميسه بعنوان الّذي يجب عليه تخميسه فعلاً.

ص: 331


1- «الكافي» ج5/125، الحديث 5، و«التهذيب» ج6/368، الحديث 1065، و«وسائل الشيعة» ج9/506، الحديث 12594.
2- «كتاب الخمس (للشيخ الأنصاري)» ص263.

لكنّه قد اعترض عليه صاحب «المستند» بأنّ موضوع وجوب خمس «الحلال المختلط» هو المال المركب من مال حلال لشخص المالك ومال حرام لا يعرف صاحبه. وأمّا ما يكون مشتملاً على هذين الصنفين وصنف آخر كحقّ أرباب الخمس كما في المقام فهو خارج عن مدلول تلك الأدلّة، فلابدّ حينئذٍ من إخراج ما تيقّن كونه من ملك السّادة والإمام علیه السلام ليتمحّض الباقي بعد التخميس في الحلال المختلط بالحرام، ثمّ يخرج خمسه بهذا العنوان، فرجّح تقديم تخميس المال بعنوان الربح على تخميسه من ناحية الاختلاط(1).

يلاحظ عليه بأنّ الظاهر من المال الحلال المشير إليه في نصوص المقام هو المال المكتسب من الكسب الحلال بأن يكون المال حلالاً في نفسه مع قطع النظر عن تعلّق الخمس به، وفي قباله يكون المقصود من الحرام هو المال المكتسب من الكسب الحرام كما أشار إليه السائل بقوله: إِنِّي كَسَبْتُ مَالاً أَغْمَضْتُ في مَطَالِبِهِ حَلَالاً وَحَرَاماً، وَقَدْ أَرَدْتُ التَّوْبَةَ وَلَا أَدْرِی الْحَلَالَ مِنْهُ وَالْحَرَامَ وَقَدِ اخْتَلَطَ عَلَيَّ، وعليه يكون مقصود الإمام علیه السلام من قوله: «وَسَائِرُ الْمَالِ لَكَ حَلَالٌ»(2)، تطهير المال من الحرام الّذي هو مال الغير وتمحُّض ملكيّته له، وهذا لا ينافي كون المال الحلال في نفسه متعلقاً للخمس بحكم الشارع، كما يكون الأمر كذلك في أيّ مال حلال متعلّق للخمس.

والحاصل أنّ الإمام علیه السلام في مقام حلّ مشكلة السائل المريد للتوبة وتخلّصه

ص: 332


1- «مستند العروة، كتاب الخمس» ص170 - 169، و«التهذيب» ج25/169 - 170.
2- «الكافي» ج5/125، الحديث 5، و«التهذيب» ج6/368، الحديث 1065، و«وسائل الشيعة» ج9/506، الحديث 12594.

من الحرام أمر بتخميس المال المختلط ليتطهّر من الحرام الّذي هو مال الغير من دون نظر إلى سائر الجهات، فبناءً على ذلك لابدّ في المقام أوّلاً من إخراج خمس المختلط ليتمحّض الباقي في الحلال ثمّ يخرج خمسه، هذا أولاً.

وأمّا ثانياً: يلزم عليه كما تقدّم إخراج أكثر ما احتمل كونه من حقّ أرباب الخمس لا ما تيقّن كونه من ملكهم، وذلك لاقتضاء قاعدة الاشتغال الخروج عن عهدة التكليف يقيناً المعتضدة بقاعدة نفي ضرر المالك بعد ما كان جميع أطراف الشبهة مورداً لابتلاء المكلف، فلا يحصل الجزم به إلابدّفع الأكثر.

وثالثاً: بناءً على الأخذ بالقدر المتيقّن لإخراج الخمس المصطلح - كما هو مختار المعترض - لا يكون قدر الخمس في المرتبة الاُولى دائماً أكثر من مقداره في المرتبة الثانية، لاحتمال كونه أقلّ من خمس المجموع ابتداءً، وكيف كان علينا على القول بأنّ موضوع أخبار التحليل هو المال المر كب من جزئين لا الثلاث، أن نبحث عن إخراج أيّ الخمسين أوّلاً، كان هناك ثمرة أم لا، كما يلزم على المكلف أن يعرف وظيفته عند الزّوال والمغرب لإقامة أيّ الصلاتين الواجبتين عليه تساوي الصلاتين في الكيفيّة والكميّة أم لا.

ص: 333

المسألة العاشرة: إذا اختلط الحرام من الخمس أو الزكاة أو الأوقاف العامّة أو الخاصّة.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

لو كان الحرام المختلط في الحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف الخاصّ أو العامّ، فهو كمعلوم المالك على الأقوى، فلا يجزيه إخراج الخمس حينئذٍ(1).

قد عرفت عند البحث في الصورة الثالثة والرابعة من صور الأموال المخلوطة بالحرام أنّ المالك إن كان معلوماً فإن كان قدر الحرام أيضاً معلوماً يجب عليه أن يدفعه إليه مهما كان مقداره، مساوياً للخمس أم زائداً عنه أم ناقصاً، وإن لم يكن معلوماً فالأولى إن لم يرض المالك بالمصالحة دفع الخمس إليه، وهنا نبحث عن المالك إذا لم يكن معلوماً بشخصه وعينه، لكنه معلوماً بعنوانه الكلّي كما إذا كان الحرام الّذي اختلط بماله من الخمس أو الزكاة أو الأوقاف الخاصّة أو العامّة، فهل هو كمعلوم المالك حتی نقول فيه ما قلنا هاهنا؟ أو كما حكي عن كاشف الغطاء يفصل فيه بين الأوقاف فيكون من قبيل معلوم المالك، وبين الأخماس والزكوات فيكون من قبيل مجهول المالك؟

والتحقيق يقتضي إلحاقه بمعلوم المالك حيث لا فرق في المالك المعلوم الّذي يجب إيصال ماله إليه بين المالك الشخصي والكلّي، ففي مثل الأوقاف فالأمر واضح حيث إنّه في الخاصّة منها فإنّها ملك خاص لمن وقف لهم، وفي العامّة منها ملك للجهة، وكذا الأمر في الأخماس والزكوات، وليس من قبيل

ص: 334


1- «العروة الوثقی(للسيّد اليزدي)» ج2/385، المسألة الرقم 37.

مجهول المالك فلا يجزى له التخميس ما دام يمكن له مراجعة الحاكم الشرعي أو نائبه الّذي له الولاية على الكلّي والتراضي معه بما يتفقان عليه.

المسألة الحادية عشرة: إذا أتلف المال المختلط قبل إخراج خمسه أو تلف في يده على نحو يوجب الضمان.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا تصرّف في المال المختلط قبل إخراج الخمس بالإتلاف، لم يسقط وإن صار الحرام في ذمّته، فلا يجري عليه حكم ردّ المظالم على الأقوى، وحينئذٍ فإن عرف قدر المال المختلط اشتغلت ذمّته بمقدار خمسه، وإن لم يعرفه ففي وجوب دفع ما يتيقّن معه بالبراءة أو جواز الاقتصار على ما يرتفع به يقين الشغل وجهان؛ الأحوط الأوّل، والأقوى الثاني(1).

قد عرفت أنّ المختلِط بمجرد الأخذ يضمن قدر الحرام بقاعدتي اليد والاشتغال، فلو أتلف المال المختلَط قبل إخراج خمسه الّذي جعله الشارع لتطهيره بعنوان المصالحة القهريّة، أو تلف في يده على نحو يوجب الضمان، لا يسقط عنه ما كان واجباً عليه، حيث لا موجب لسقوطه بالإتلاف لعدم دورانه مدار بقاء العين.

لايقال: إنّ تطهير المخلوط من أوصاف العين الخارجية ومع تلفها لا خلط لنحتاج إلى التطهير.

لأنّا نقول: وإن كان موضوع الخلط منتفية بعد الإتلاف، لكنّه حيث كان اليد

ص: 335


1- «العروة الوثقی(للسيّد اليزدي)» ج2/386 - 385، المسألة الرقم 38.

مضمونة بالأخذ فهيى لا محالة مشغولة بالحرام الواقعي المأخوذ حتی يخرج عن عهدته، فحينئذٍ وإن لم يشمله أدلة تخميس المختلط إلّا أنّه يجب عليه بذلك إخراج ما في ذمّته بعنوان ردّ المظالم لا الخمس.

فبناءً على ذلك فإن كان قدر المال المختلط معلوماً اشتغلت ذمّته بمقدار خمسه لكونه مجعولاً شرعاً لتطهير المختلَط إذا جهل مقدار الحرام منه، ولا فرق بين بقاء العين وعدمه من هذه الجهة، وإن كان قدر المال غير معلوم ففي جواز الاقتصار على دفع القدر المعلوم أو وجوب دفع ما يتيقّن معه البراءة وجهان بل قولان، من جهة كون المقام من قبيل الأقلّ والأكثر الاستقلاليين فالواجب عليه هو المقدار المعلوم المتيقّن(1)، ومن جهة قاعدتي اليد والاشتغال فعليه أن يدفع أكثر ما تيقّن معه البراءة منه.

والأقوى بل المتعيّن عندي من هذين الوجهين هو الثاني، وذلك لأنّه بعد ما كانت اليد غاصبة أو خائنة وكون الأخذ حراماً تكليفاً، فعلى المتلف أن يدفع أكثر ما احتمله من القدر حتى يطمئنّ الخروج عن عهدة التكليف يقيناً، زائداً على أنّ المقام وإن كان من قبيل الأقلّ والأكثر الاستقلاليين ومقتضاه هو الأخذ بالقدر المتيقن، لكنّ حيث إنّ قاعدة اليد مختصّة بباب الأموال فهي مقدّمة على تلك القاعدة العامّة.

ص: 336


1- راجع: «أنوار الفقاهة، كتاب الخمس» ص197 - 198، و... .

المسألة الثانية عشرة: لو باع المال المختلط بالحرام قبل إخراج خمسه.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا تصرف في المختلَط قبل إخراج خمسه ضمنه، كما إذا باعه مثلاً، فيجوز لولي الخمس الرجوع عليه، كما يجوز له الرجوع على من انتقل إليه، ويجوز للحاكم أن يمضي معاملته فيأخذ مقدار الخمس من العوض إذا باعه بالمساوي قيمة أو بالزيادة، وأمّا إذا باعه بأقلّ من قيمته فإمضاؤه خلاف المصلحة، نعم لو اقتضت المصلحة ذلك فلا بأس(1).

حيث لم يكن المتصرّف مالكاً لمقدار الخمس أو الصدقة، والحرام ممزوجاً مع الحلال بحيث لا يتميّز أحدهما عن الآخر، فلا يجوز له التصرف في المال المختلط بالبيع ونحوه قبل إخراجه، ويكون تصرّفاته فضولياً يتوقف صحّته بإجازة ولي الأمر أعني الحاكم الشرعي، فإن اختار الردّ جاز له الرجوع على كلّ من البائع والمشتري بعد كونه (أي المشترى) ضامناً أيضاً على ما هو المقرّر في حكم تعاقب الأيدي، وإن كان له الرجوع إلى البائع لوكان جاهلاً بالحال.

وإن اختار الإمضاء فيما إذا رأى المصلحة فيه كما إذا باعه بالمساوى أو بالزيادة، أو بقيمة أقلّ لو اقتضت المصلحة ذلك، فيأخذ مقدار الخمس من العوض.

إلى هنا تمّ الكلام في القسم الخامس ممّا يجب فيه الخمس، وسيأتي البحث في القسم السادس منه أعني الأرض الّتي اشتراها الذمّي من المسلم.

ص: 337


1- «العروة الوثقی(للسيّد اليزدي)» ج2/386، المسألة الرقم 39.

السادس من السبعة الّتي يجب فيه الخمس على ما قالوا: «الأرض الّتي اشتراها الذمّي من المسلم».

السادس ممّا يجب فيه الخمس (بخصوصه وعنوانه، لا بعنوان مطلق الفائدة وأرباح المكاسب الملاحظة فيها الزيادة على المؤونة) على ما قالوا: «الأرض الّتي اشتراها الذمّي من المسلم»، ووجوب الخمس فيها هو المعروف من زمن الشيخ ومن تأخر عنه، وفي «الروضة» نسبته إلى الشيخ والمتأخرين أجمع، وفي «التذكرة» و«المنتهى» و«كنز العرفان» نسبته إلى علمائنا أو إلى أصحابنا، وعن «الغنية» دعوى الإجماع عليه.

وعن بعض الترديد في كون المراد منه الخمس المصطلح، بأنّه في الحقيقة نوع خراج يجب على الذمّي في شرائه لهذه الأراضي من باب زكاة مضاعفة، ويكون مصرفه مطلق مصارف بيت المال دون خصوص مصارف أرباب الخمس، حكى العلّامة رحمه الله في «المختلف» عن ابن الجنيد والمفيد وابن أبي عقيل وسلّار وأبي الصلاح (رضوان الله تعالى عليهم) الّذين كانوا من المتقدّمين أنّهم لم يذكروا هذا القسم من مصاديق ما يجب فيه الخمس، وللشهيد رحمه الله في كتب «المسالك» و«الروضة» و«الفوائد» قولان متعارضان، في حين أنّه صرّح وجوب الخمس في الأوّلين، واختار عدم وجوبه في الأخير، والعامّة ذكروه في مبحث الزكاة من كتبهم، هذه صورة المسألة في منظر فتوى الفريقين إجمالاً، وسنبحث إن شاءالله تعالى عن دليله ومفهومه بعد ما ننقل بعض الأقوال في المقام.

ص: 338

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

السادس: الأرض الّتي اشتراها الذمّي من المسلم سواء كانت أرض مزرع أو مسكن أو دكان أو خان أو غيرها، فيجب فيها الخمس، ومصرفه مصرف غيره من الأقسام على الأصحّ، وفي وجوبه في المنتقلة إليه من المسلم بغير الشراء من المعاوضات إشكال، فالأحوط اشتراط مقدار الخمس عليه في عقد المعاوضة وإن كان القول بوجوبه في مطلق المعاوضات لا يخلو عن قوّة، وإنّما يتعلّق الخمس برقبة الأرض دون البناء والأشجار والنخيل إذا كانت فيه، ويتخيّر الذمّي بين دفع الخمس من عينها أو قيمتها، ومع عدم دفع قيمتها يتخيّر وليّ الخمس بين أخذه وبين إجارته، وليس له قلع الغرس والبناء بل عليه إبقاؤهما بالاُجرة وإن أراد الذمّي دفع القيمة وكانت مشغولة بالزرع أو الغرس أو البناء تقوّم مشغولة بها مع الاُجرة فيؤخذ منه خمسها، ولا نصاب في هذا القسم من الخمس، ولا يعتبر فيه نيّة القربة حين الأخذ حتی من الحاكم، بل ولا حين الدفع إلى السّادة(1).

وقال الشيخ رحمه الله في «المبسوط»:

وإذا اشترى ذمّي من مسلم أرضاً كان عليه فيها الخمس(2).

وقال في كتاب الزكاة من «الخلاف»:

إذا اشترى الذمّي أرضاً عشرية وجب عليه فيها الخمس، وبه قال أبو يوسف، فإنّه قال: عليه فيها عشران، وقال محمّد: عليه عشر واحد وقال

ص: 339


1- «العروة الوثقی(للسيّد اليزدي)» ج2/386 - 387.
2- «المبسوط في فقه الإماميّة» ج1/237.

أبو حنيفة: تنقلب خراجية، وقال الشافعي: لا عشر عليه ولا خراج.

دليلنا: إجماع الفرقة، فإنّهم لا يختلفون في هذه المسألة، وهي مسطورة لهم، منصوص عليها، روى ذلك أبو عبيدة الحذاء قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: «أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس»(1).

وقال الشهيد رحمه الله في «الروضة»:

وهذه الأرض لم يذكرها كثير من الأصحاب كابن أبي عقيل، وابن الجنيد، والمفيد، وسلّار، والتقي، والمتأخرون أجمع والشيخ من المتقدّمين على وجوبه فيها(2).

وقال العلّامة رحمه الله :

الذمّي إذا اشترى أرضاً من مسلم، وجب عليه الخمس ذهب إليه علماؤنا. وقال مالك: يمنع الذمّي من الشراء إذا كانت عشريّة، وبه قال أهل المدينة، وأحمد في رواية فإن اشتراها ضوعف العشر، فوجب عليه الخمس، وقال أبو حنيفة: تصير أرض خراج، وقال الثوري والشافعي وأحمد في رواية اُخرى: يصّح البيع ولا شيء عليه ولا عشر أيضاً، وقال محمّد بن الحسن: عليه العشر.

لنا: أنّ في إسقاط العشر إضراراً بالفقراء، فإذا تعرّضوا لذلك ضوعف عليهم فأخرج الخمس(3).

ص: 340


1- «الخلاف» ج2/73، المسألة الرقم 85.
2- «الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة (المحشی - كلانتر)» ج2/73.
3- «منتهی المطلب في تحقيق المذهب» ج8/543، وقريب منه ما قاله في «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج5/422.

وقال الفاضل المقداد رحمه الله :

في باب الخمس فعمّم أصحابنا موضوعها (الغنيمة) بأنّه جميع ما يستفاد من أرباح التجارات والزراعات والصناعات زائداً عن مؤونة السنة، والكنوز، والمعادن، والغوص، والحلال المختلط بالحرام ولا يتميّز المالك ولا قدر الحرام، وأرض الذمّي الّذي اشتراه من مسلم، وما يغنم من دار الحرب كما تقدّم(1).

وقال الحلبيّ رحمه الله :

ويجب الخمس أيضاً في الفاضل عن مؤونة الحول على الاقتصاد من كلّ مستفاد بتجارة أو زراعة أو صناعة أو غير ذلك من وجوه الاستفادة، أيّ وجه كان، بدليل الإجماع المشار إليه، وطريقة الاحتياط، وفي المال الّذي لم يتميّز حلاله من حرامه، وفي الأرض الّتي يبتاعها الذمّي من مسلم بدليل الإجماع(2).

وقال العلّامة رحمه الله في «المختلف»:

أوجب الشيخ الخمس في أرض الذمّي إذا اشتراها من مسلم، سواء كانت ممّا تجب فيه الخمس كالمأخوذة عنوة أو لا كالّتي أسلم أربابها عليها، واختاره ابن إدريس، ولم يذكر ذلك ابن الجنيد، ولا ابن أبي عقيل، ولا المفيد، ولا سلّار، ولا أبو الصلاح. والأوّل أقرب. لنا: ما رواه

ص: 341


1- «كنز العرفان في فقه القرآن» ج1/249.
2- «غنية النزوع إلی علمي الاُصول والفروع» ص129.

أبو عبيدة الحذاء في الموثّق قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: «أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس»(1).

وأمّا الشهيد رحمه الله كما مرّ وافق المشهور في كتابيه، ونفاه في الآخر، حيث قال في «المسالك»:

ولا يسقط الخمس عن الذمّي ببيع الأرض قبل الإخراج وإن كان البيع لمسلم ولا بإقالة المسلم له في البيع، مع احتمال السقوط هنا(2).

وقال في «الروضة»:

والسابع (ممّا يجب فيه الخمس) أرض الذمّي المنتقلة إليه من مسلم سواء انتقلت إليه بشراء أم غيره وإن تضمّن بعض الأخبار لفظ الشراء، وسواء كانت ممّا فيه الخمس كالمفتوحة عنوة حيث بيعها، وسواء اُعدّت للزراعة أم لغيرها، حتی لو اشترى بستاناً، أو داراً أخذ منه خمس الأرض، عملاً بالإطلاق(3).

ثمّ قال في شرحه على «قواعد الأحكام» للعلّامة رحمه الله :

الحكم بذلك (وجوب الخمس في الأرض الّتي اشتراها الذمّي من مسلم) مشهور بين الأصحاب خصوصاً المتأخرين، ومستنده ضعيف، وكثير من المتقدّمين لم يذكر هذا القسم. والأصل يقتضي عدم الوجوب إلى أن يحصل الناقل عنه(4).

ص: 342


1- «مختلف الشيعة في أحكام الشريعة» ج3/317.
2- «مسالك الأفهام إلی تنقيح شرائع الإسلام» ج1/466.
3- «الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة (المحشی - كلانتر)» ج2/72.
4- «فوائد القواعد» ص281.

وقال ابن قدامة الحنبلي:

قال حرب: سألت أحمد عن الذمّي يشتري أرض العشر؟ قال: لا أعلم شيئاً، وأهل المدينة يقولون في هذا قولاً حسناً، يقولون: لا يترك الذمّي يشتري أرض العشر، وأهل البصرة يقولون قولاً عجباً، يقولون: يضاعف عليهم، وقد روى عن أحمد أنّهم يُمنَعون من شرائها، اختارها الخلّال وهو قول مالك وصاحبه، فإن اشتروها ضوعف عليهم العشر فأخذ منهم الخمس، لأنّ في إسقاط العشر من غلّة هذه الأرض إضراراً بالفقراء وتقليلاً لحقّهم، فإذا تعرّضوا لذلك ضوعف عليهم العشر...، وقال أبوحئيفة: تصير أرض خراج(1).

وكيف كان استدلّ على وجوب الخمس في المقام بصحيحة أبي عبيدة الحذّاء قال سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: «أَيُّمَا ذِمِّيٍّ اشْتَرَى مِنْ مُسْلِمٍ أَرْضاً فَإِنَّ عَلَيْهِ الْخُمُسَ»(2).

مؤيّدة بمرسلة محمّد بن محمّد المفيد في باب الزيادات من المقنعة عن الصادق علیه السلام قال: «الذمّي إِذَا اشْتَرَى مِنَ الْمُسْلِمِ الْأَرْضَ فَعَلَيْهِ فِيهَا الْخُمُسُ»(3)، بحملهما على تعلّق الخمس برقبة الأرض وعينها لا عوائدها، كما صرّح به

ص: 343


1- «المغني لابن قدامة» ج2/729.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج2/22، الحديث 81، و«التهذيب» ج4/139، الحديث 393، و«وسائل الشيعة» ج9/505، الحديث 12589. ورواه المحقق رحمه الله أيضاً في المعتبر مرفوعاً، راجع: «المعتبر» ص293.
3- «المقنعة(للشيخ المفيد)» ص283، و«وسائل الشيعة» ج 9/505، الحديث 12590.

المحقق الهمداني رحمه الله حيث قال:

إنّ متعلّق الخمس على ما يظهر من النصّ خصوصاً ممّا أرسله المفيد رحمه الله هو نفس ما اشتراه الذمّي، أعني رقبة الأرض لا حاصلها أو قيمتها على ذمّته(1).

لكنّه قد تنظّر فيه الشيخ حسن صاحب «المعالم» رحمه الله بعد نقله الحديث على ما حكاه في «الحدائق»، حيث قال:

ظاهر أكثر الأصحاب الاتفاق على أنّ المراد من الخمس في هذا الحديث معناه المعهود وللنظر في ذلك مجال ويعزى إلى مالك القول بمنع الذمّي من شراء الأرض العشريّة وأنّه إن اشتراها ضوعف العشر فيجب عليه الخمس، وهذا المعنى يحتمل إرادته من الحديث إمّا موافقة عليه أو تقيّة، فإنّ مدار التقيّة على الرأي الظاهر لأهل الخلاف وقت صدور الحكم ومعلوم أنّ رأي مالك كان هو الظاهر في زمن الباقر علیه السلام، ومع قيام هذا الاحتمال - بل قربه - لا يتّجه التمسك بالحديث في إثبات ما قالوه...، ثمّ قال: وبالجملة فما ذكره المحقق المشار إليه لا يخلو من قرب، وقريب منه ما ذكره في المدارك حيث قال بعد أن ذكر أنّ الرواية خالية من ذكر متعلّق الخمس ومصرفه صريحاً ما صورته: وقال بعض العامّة: «إنّ الذمّي إذا اشترى أرضاً من مسلم وكانت

ص: 344


1- «مصباح الفقيه» ج19/287 - 286.

عشريّةضوعف عليه العشروأُخِذ منه الخمس» ولعلّ ذلك هو المراد من النصّ(1).

هل المراد بثبوت الخمس هنا ثبوته في رقبة الأرض أو في عوائدها ومنافعها؟

ثمّ إنّ كلامنا في كون «الأرض الّتي اشتراها الذمّي من المسلم» من إحدى مصاديق الّتي يجب فيه الخمس على فرض التسليم، إنّما يتمّ إذا كان متعلّق الخمس هنا هو رقبة الأرض لا فوائدها ومنافعها، ولمّا كانت الصحيحة خالية عن ذكر متعلّق الخمس ومصرفه صريحاً، فكما مرّ قد يشكل في الاستدلال بها على أنّها من إحدى مصاديقه، زائداً على ما عرفت من خلوّ كلمات المتقدّمين من ذكرها بهذا العنوان، وكونها مذكورة في مبحث الزكاة من «الخلاف»، بأن كان المراد بها هو أنّ الذمّي إذا اشترى الأراضي العشريّة الّتي يؤخذ من عوائدها العشر بعنوان الزكاة، فإنّه لا يعاف عن الزكاة بل يؤخذ منه عشران (الخمس) بدل العشر لئلا يرغب أهل الذمّة في شراء أراضي المسلمين، خلافاً لبعض العامّة بأنّه لا يؤخذ منه عشر ولا خراج أو تصير خراجية.

ثمّ إنّه قيل في وجه كون الحديث دليلاً على ثبوت الخمس على رقبة الأرض، بأنّه على فرض ثبوته على فوائد الأرض فزائداً على مخالفته لإطلاق النصّ، أنّها حيث كانت موافقة لقول المالك وبعض العامّة تجري مجرى

ص: 345


1- علی ما حكاه في «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/361 - 360، و«مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج 5/386.

التقيّة(1).

وقد أجاب عنه غير واحد منهم المحقّق الخوئي رحمه الله حيث قال:

إنّ الرواية مروية عن أبي جعفر الباقر علیه السلام واشتهار مالك بالفتوى إنّما كان في عهد الصادق علیه السلام لا الباقر علیه السلام لكي يقتضي الاتّقاء منه، بل لعلّه لم تكن له فتوى في زمنه فإنّ مالك تولّد سنة 96 أي بعد إمامة الباقر علیه السلام بسنتين وتوّفي سنة 179 وكان عمره 83 سنة، وكانت إمامة الباقر علیه السلام سنة 95 ووفاته سنة 114، فكان عمر مالك عند وفاة الباقر علیه السلام 0 2 سنة ولم يكن عندئذٍ صاحب فتوى فضلاً عن اشتهارها، ثمّ إنّ هذه الرواية لم تصدر سنة وفاة الباقر علیه السلام فلعلّها صدرت ولم يكن مالك بالغاً فضلاً عن كونه صاحب فتوى(2).

وكيف كان التحقيق يقتضي بأن نقول إنّ تعلّق الخمس بتلك الأراضي بظاهر هذا الحديث بعنوان المعنى المهوم الّذي يقسّم ستة سهام، محلّ تأمّل وإشكال، بل منع، والّذي يؤيّده أو يدلّ عليه اُمور:

أحدها: عدم تعرّض قدماء الأصحاب له عند بيانهم ما يتعلّق به الخمس، دليل على كونه غير ثابت عندهم.

وثانيها: أنّه قد حصر الخمس في صحيحة عبد الله بن سنان في خصوص الغنائم حيث قال: سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول: «لَيْسَ الْخُمُسُ إِلَّا في الْغَنَائِمِ

ص: 346


1- راجع: «مصباح الفقيه» ج 19/286.
2- «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/175، و«مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص 174.

خَاصَّةً»(1)، بناءً على كون المراد منها معناها الأعمّ كما مرّت الإشارة إليه، ومن الواضح أنّ محلّ الكلام لا سيّما في أوان وقت الشراء الّذي هو زمان وجوبه على الفرض، لم يكن من قبيل الغنائم والفوائد، لكون مدار المعاملات الرّائجة بين النّاس على المساواة بين العوضين لا الفوائد الحاليّة.

وثالثها: أنّ ظاهر ما دلّت من الأخبار على وجوب الخمس في أربعة أو خمسة أشياء، عدم وجوبه في غيرها، منها صحيحة بن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: «الْخُمُسُ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ؛ عَلَی الْكُنُوزِ، وَالْمَعَادِنِ، وَالْغَوْصِ، وَالْغَنِيمَةِ»، ونسي ابن أبي عمير الخامسة(2).

وقد مرّ أنّه لايضرّ بصحّة الرواية التعبير ب- «غير واحد» لكونه كاشفاً بحسب الظهور العرفي عن أنّ المروي عنه جماعة معروفون مشهورون قد بلغ الأمر من الوضوح حدّاً يستغنی عن ذكر آحادهم، كروايات يونس بن عبد الرّحمن عن غير واحد، فلا يعدّ ذلك طعناً في السند، زائداً علی أنّ الرّاوي وهو محمّد بن أبي عمير كان من الأجلّاء الّتي أجمعوا الأصحاب علی تصحيح ما يصحّ عنهم وأقرّوا لهم بالفقه، وكونهم ممّن لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة(3).

ص: 347


1- «من لا يحضره الفقيه» ج2/21، الحديث 74، و«التهذيب» ج4/124، الحديث 359، و«الاستبصار» ج2/56، الحديث 184، و«وسائل الشيعة» ج9/485، الحديث 12546.
2- «الخصال» ص291، و«وسائل الشيعة» ج9/494، الحديث 12567.
3- لزيادة التوضيح راجع: «رجال الكشي» ص556، و«رجال ابن داود» ص384.

وما رواه في تفسير النعماني عن عليّ علیه السلام في حديث: «وَالْخُمُسُ يُخْرَجُ مِنْ أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ: مِنَ الْغَنَائِمِ الّتي يُصِيبُهَا الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَمِنَ الْمَعَادِنِ، وَمِنَ الْكُنُوزِ، وَمِنَ الْغَوْصِ»(1).

ومرسلة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصّالح علیه السلام قال: «الْخُمُسُ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: مِنَ الْغَنَائِمِ، وَالْغَوْصِ، وَمِنَ الْكُنُوزِ، وَمِنَ الْمَعَادِنِ، وَالْمَلَّاحَةِ»، الحديث(2).

وما رواه أحمد بن محمّد بن عيسی الأشعري قال: حَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا رَفَعَ الْحَدِيثَ، قَالَ: «الْخُمُسُ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: مِنَ الْكُنُوزِ، وَالْمَعَادِنِ، وَالْغَوْصِ، وَالْمَغْنَمِ الّذي يُقَاتَلُ عَلَيْهِ»، وَلَمْ يَحْفَظِ الْخَامِسَ الْحَدِيث(3).

وما رواه عمّار بن مروان قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «فِيمَا يُخْرَجُ مِنَ الْمَعَادِنِ وَالْبَحْرِ، وَالْغَنِيمَةِ، وَالْحَلَالِ الْمُخْتَلِطِ بِالْحَرَامِ إِذَا لَمْ يُعْرَفْ صَاحِبُهُ، وَالْكُنُوزِ الْخُمُسُ»(4).

ورابعها: أنّه بعد ما كان جواز أخذ العشر أو الخمس أو الخراج مسلّم منعوائد الأراضي الخراجيّة، فزائداً عليه إثبات الخمس في رقبة تلك الأراضي أيضاً بمثل هذا الخبر - المجمل الدلالة - مع خلوّ كلام المتقدّمين منه أو إشكال بعض

ص: 348


1- «وسائل الشيعة» ج9/489، الحديث 12557.
2- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/487، الحديث 12549.
3- «التهذيب» ج4/126، الحديث 264، و«وسائل الشيعة» ج9/489، الحديث 12556.
4- «الخصال» ص290، الحديث 51، و«وسائل الشيعة» ج9/494، الحديث 12566.

في دلالته على ذلك، لا يخلو من إشكال، والأصل المتّبع حينئذٍ في الشبهات الوجوبيّة الابتدائيّة هو البراءة، وادّعاء القائلين في المقام بالإجماع من أقوى شاهد على أنّ مرادهم هو المعنى الأوّل.

نعم للحاكم الإسلامي منع الذمّي من شراء الأرض وسائر العقارات من المسلمين إذا كان هذا مقدمة لاستيلائهم الاقتصادى والسياسي كما شوهد ذلك في فلسطين، وله أيضاً جعل الخمس بهذا المقصود على رقبة الأرض إذ فرض اشتراؤه ويصير هذا نحو جزية عليهم لا الخمس المصطلح، كما دلّ عليه صحيحة ابن مسلم حيث قال: قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام: أَ رَأَيْتَ مَا يَأْخُذُ هَؤُلَاءِ مِنْ هَذَا الْخُمُسِ مِنْ أَرْضِ الْجِزْيَةِ وَيَأْخُذُ مِنَ الدَّهَاقِينِ جِزْيَةَ رُءُوسِهِمْ أَ مَا عَلَيْهِمْ في ذَلِكَ شيء مُوَظَّفٌ؟ فَقَالَ: «كَانَ عَلَيْهِمْ مَا أَجَازُوا عَلَی أَنْفُسِهِمْ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَكْثَرُ مِنَ الْجِزْيَةِ، إِنْ شَاءَ الْإِمَامُ وَضَعَ ذَلِكَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ وَلَيْسَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ شيء، وَإِنْ شَاءَ فَعَلَى أَمْوَالِهِمْ وَلَيْسَ عَلَى رُؤوسِهِمْ شيء، فَقُلْتُ: فَهَذَا الْخُمُسُ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا هَذَا شيء كَانَ صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله و سلم»(1).

ص: 349


1- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/487، الحديث 12549.

بقي هنا اُمور:

الأوّل: هل الحكم عام يشمل جميع الأراضي، أو يختص المزرع فقط؟

بناءً على ما اختاره المشهور من تعلّق الخمس برقبة الأرض، هل الحكم هنا عامّ يشمل جميع الأراضي من مزرع ومسكن ودكّان وخان وغيرها، أو يختصّ المزرع فقط؟

صرّح جماعة منهم السيّد في «العروة» بأنّه عامّ لجميع الأراضي وقوّاه في «الجواهر» بعد ما نسب الحكم إلى ظاهر النصّ والفتاوى حيث قال:

ظاهر النصّ والفتوى بل هو صريح جماعة عدم الفرق بين أرض المزرع والمسكن وغيرهما... فالأولى ثبوت الخمس سواء كانت مزروعاً أو مسكناً، بل وسواء كانت ممّا فيه الخمس كالأرض المفتوحة عنوة...، لاختلاف جهتي الخمس فيهما(1).

في حين أنّه نسب في «المعتبر» و«المنتهى» القول بالاختصاص إلى ظاهر الأصحاب(2) واستجوده في «المدارك» استناداً إلى أنّها المتبادر(3)، والعجب أنّه كيف يُدّعى على كلّ من القولين أنّه رأي الأكثر أو الأصحاب؟! وهنا قول

ص: 350


1- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/66.
2- حيث قال: والظاهر أنّ مراد الأصحاب أرض الزراعة لا المساكن. راجع: «المعتبر في شرح المختصر» ج2/624، الحديث 4. و«منتهی المطلب في تحقيق المذهب» ج8/544 حيث قال: هل هذا الحكم مختصّ بأرض الزراعة، أو عامّ فيها وفي المساكن؟ إطلاق الأصحاب يقتضي الثاني، والأظهر أنّ مرادهم بالإطلاق الأوّل.
3- «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج5/386.

بالتفصيل بين ما إذا وقع البيع على المسكن وشبهه بعنوان الأرض كما إذا قال اشتريت أرض هذه بكذا وكذا، وبين ما إذا وقع على عنوان الدار أو الدكّان، بثبوته في الأوّل دون الثاني(1)، وكيف كان قد مرّ أنّ العمدة في المقام هي الصحيحة أبي عبيدة الحذاء المروية عن الباقر علیه السلام(2)، والّذي يتبادر عرفاً من كلمة الأرض في قوله «أَيُّمَا ذِمِّيٍّ اشْتَرَى مِنْ مُسْلِمٍ أَرْضاً فَإِنَّ عَلَيْهِ الْخُمُسَ» هو الأرض بعنوان أنّها الأرض لا بعنوان أنّها جزء من الدّار أو الدكّان وغيرهما، ومن أجل ذلك يبذل في المعاملات الرائجة بإزاء كلّ من ساحة الأرض والبناء في مثل الدّار والدكّان ما لا يبذل بإزاء الأرض وحدها بحيث لو ظهرت كونها مملوكة للغير تبعّضت الصفقة، وحيث كان أصل الحكم على الفرض مخالفاً لقاعدة وجوب الخمس في خصوص الغنائم والفوائد فعلينا في مخالفة الاُصول والقواعد أن نقتصر على مورد النصّ الّذي هو بمنزلة القدر المتيقّن في مقام التخاطب ويمنعنا من الأخذ بالإطلاق.

وبعبارة اُخرى: من المعلوم أنّه حيث كانت النسبة بين عنواني الأرض وغيرها من المسكن والدكّان وخان هي العموم المطلق، فإذا شك في تعميم الحكم بين الأقلّ والأكثر الاستقلاليين فعلى ما قرّر في محلّه يتنجّز التكليف في الأقلّ ونرجع إلى البراءة في الأكثر.

ص: 351


1- راجع: «مصباح الفقيه» ج19/291.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج2/22، الحديث 81، و«التهذيب» ج4/139، الحديث 393، و«وسائل الشيعة» ج9/505، الحديث 12589. ورواه المحقق رحمه الله أيضاً في المعتبر مرفوعاً، راجع: «المعتبر» ص293.

هذا إذا كان لكلّ من الأرض والبناء قيمة عرفية مستقلّة، أمّا لو انهدمت البناء أو رثّت بحيث لا ينتفع بها أو قلّت الانتفاء بها ونحوها، فالحكم حكم الأرض وحدها، ولعلّه هو المراد من التفصيل.

هذا كلّه على مقالة المشهور، وأمّا لو قلنا بوجوب الخمس على خصوص الفوائد والمنافع، فالأظهر اختصاص الحكم بالأراضي الزراعية فقط.

والإنصاف تعميم الحكم لغير الذمّي من الكفاركالمهادنين والمعاهدين الّذين يباشرون في بلاد المسلمين بالمعروف، وكذا من لم يدفعوا الجزية منهم بالأولوية والفحوى.

الثاني: هل مصرف هذا الخمس مصرف غيره من الأخماس أم لا؟

صرّح غير واحد من الأصحاب كما أشار إليه المحقق الهمداني رحمه الله بأنّ مصرفه كسائر الأخماس(1)، وعدّه في «العروة» أصحّ القولين، وقد تردّد فيه الفيض رحمه الله فإنّه بعد ما حكى الصحيحة المتقدمة قال:

ص: 352


1- حيث قال: وأمّا مصرفه: فالمعروف بين من أثبته هو مصرف خمس الغنيمة، بل لم ينقل الخلاف فيه عن أحد، بل صرّح بعض بإجماعهم عليه، لانصراف إطلاق الخمس إلى إرادة الخمس المعهود، إمّا بدعوى صيرورته حقيقة فيه في عصر الصادقين صلی الله علیه و آله و سلم، كالزكاة وغيرها من أسامي العبادات، أو لمعهوديّته الموجبة لصرف الإطلاق إليه حيث إنّه لو كان غيره مراداً لوجب بيانه، فعدم البيان في مثل المقام كاشف عن إرادة المعهود. راجع: «مصباح الفقيه«ج 19/287.

ويحتمل أن يكون المراد من الحديث تضعيف العشر على الذمّي إذا كانت الأرض عشريّة، كما ذهب إليه بعض العامّة، لا أخذ الخمس منه لبني هاشم(1).

وقريب منه ما ذكره صاحب «الذخيرة» حيث قال:

لكن في كون المراد من الخمس المذكور فيه معناه المتعارف يعنى الخمس الّذي يُصرف في المصارف المعهود تأمّلاً، وحكي عن مالك القول بمنع شراء الذمّي الأرض العشريّة وأنّه إذا اشتراها ضوعف عليه العشر فيجب عليه الخمس، واحتمال إرادة هذا المعنى في هذا الحديث إمّا موافقة عليه أو تقيّة غير بعيد(2).

والتحقيق أمّا بناءً على مقالة المشهور - من كونها من إحدى مصاديق مايجب فيه الخمس - فمصرفه مصرف غيره من الأخماس من السهام الستّة، لكنّه لو قلنا بأنّ موضوعه فوائدها ومنافعها، أو كونه نوع خراج خمسي وضع على تلك الأراضي إذ رآه الحاكم الإسلامي مانعاً من استيلاء الكفار الذمّيين على بلاد المسلمين فمصرفه مصرف بيت المال بعينه، فكلّ قول ناظر إلى واحد من هذه المباني من دون أن يكون فيها خلافاً.

ص: 353


1- «مفاتيح الشرائع للفيض الكاشانی» ج1/226.
2- «ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد للسبزواري» ج2/484.

الثالث: هل الحكم هنا خاصّ بالشراء، أم يشمل لمطلق المعاوضات، بل مطلق الانتقالات حتی مثل الهبة غير المعوضة؟

المسألة ذو أقوال ثلاثة؛ نسب إلى المشهور كونه مختصاً بالشراء، وإلى كاشف الغطاء رحمه الله أنّه يعمّ جميع المعاوضات، وإلى ظاهر الشهيدين ثبوته حتی في الانتقالات المجانيّة غير المعوّضة، إلى ذلك أشار الشيخ الأنصاري(ره) حيث قال:

وهل الحكم المذكور يختصّ بالشراء كما هو ظاهر المشهور، أو يعمّ مطلق المعاوضة كما اختاره كاشف الغطاء، أو مطلق الانتقال ولو مجاناً كما هو ظاهر الشهيدين(1)؟

وكذا المحقّق الهمداني رحمه الله حيث قال:

إنّ مقتضى الجمود على ظاهر النصّ والفتوى قصر الحكم المزبور على خصوص ما لو اشتراها الذمّي من مسلم، ولكن صرّح كاشف الغطاء بعمومه لما تملّكها منه بعقد معاوضة كائنة ما كانت دون الانتقال المجاني، وعن ظاهر الشهيدين عمومه حتی في الانتقال المجاني(2).

وعن الفيض الكاشاني رحمه الله نسبة القول بالتعميم إلى الأكثر حيث عنون المسألة بعنوان الأرض المنتقلة لا المشتراة وقال: «ويجب في الأرض المنتقلة

ص: 354


1- راجع: «مصباح الفقيه» ج19/291.
2- «مصباح الفقيه» ج19/287 - 288.

من مسلم إلى ذمّي عند أكثر المتأخرين»(1)، وكيف كان لا شك في أنّ ظاهر صحيحة أبي عبيدة الحذّاء الّتي هي العمدة في المقام هو شراء الذمّي، وكما مرّ حيث إنّ الحكم فيه مخالف لقاعدة وجوب الخمس في خصوص الغنائم والفوائد، فعلينا في مخالفة الاُصول والقواعد أن نقتصر على مقدار دلالة الدليل الّذي هو بمنزلة القدر المتيقّن في مقام التخاطب ويمنعنا من الأخذ بالإطلاق، فإن أمكننا أن ندّعى إلغاء الخصوصية عنها بتنقيح المناط القطعي العرفي،كما في مثل العناوين المشيرة الّتي لا دخل لها في إثبات هويّة العناوين المحكيّة بها والمشار إليها والالتزام بخصوصها، بأن نقول إنّ العلّة في المقام هي عدم تسلّط الكفار على أراضي المسلمين، فلا منع من التعدّي عنها إلى مطلق المعاوضات بل مطلق الانتقالات، وإلّا فالمتبع هو الاقتصار.

هذا كلّه مبني على مقالة المشهور من كون الخمس موضوعاً على رقبة الأرض، وأمّا على ما اخترناه من كونه موضوعاً على فوائدها ومنافعها فالظاهر هو تعميم الحكم بجميع وجوه الانتقالات بأن نقول المناط فيه هو المنافع الحاصلة من الأرض بأيّ وجه انتقلت.

ثمّ إنّه على فرض الشك في ثبوته في غير الشراء من الانتقالات سواء كان موضوعه نفس الرغبة أم منافعها، فلا مانع من اشتراط البائع معه الخمس بعنوان الشرط في ضمن العقد في مطلق المعاوضات، أو في الانتقال المجاني المشروط به، اقتضاء حصول كلّ مشروط بشرطه وانعدامه بانعدامه.

ص: 355


1- راجع: «مفاتيح الشرائع للفيض الكاشاني» ج1/226.

الرابع: إذا كانت الأرض مشغولة بشجر أو بناء فهل الخمس يتعلق بالأرض فقط، أم هي معها؟

إذا كانت الأرض مشغولة بشجر أو بناء ونحوهما، فلا وجه على مبنى المشهور لأخذ الخمس ممّا في الأرض، لخروجها عن مفهوم الأرض بعد ما كان أصل الخمس فيها على خلاف القاعدة، ولا أقلّ من الشك والرجوع فيها إلى البراءة، وهو على مبنى الثاني أظهر، لعدم كونها منفعة حاصلة من الأرض حين المعاملة، فيجب عليه الخمس بعد ما يحصل منها المنافع.

الخامس: تخيير الذمّي بين دفع الخمس من نفس الأرض أو قيمتها.

سيأتي إن شاءالله تعالى في المسألة الخامسة والسبعين أنّ الخمس وإن تعلّق بنفس الأعيان الّتي يجب فيها الخمس إلّا أنّ للمالك تخيير بين دفعه من عين ما تعلّق بها الخمس أو دفع قيمته من مال آخر، بل قد لا يمكن الانتفاع بمقدار الخمس من عين ما يجب فيه الخمس فلابدّ حينئذٍ من دفعه من مال آخر بمقدار قيمته بعد ملاحظة مصلحة أربابه، وكيف كان فإن دفعه المالك، وإلّا يتخيّر وليّ الخمس من أخذه بأيّ وجه يجمع بين الحقّين، بل له لأجل الولاية إن رضى المالك بإبقاء العين في يده بعنوان الإجارة (إذ الإجارة عقد تحتاج إلى الإيجاب والقبول)، وكانت فيه مصلحة مستحقّي الخمس إبقاءه حينئذٍ، وأخذ اُجرتها وتقسيمها في مصارف بيت المال أو بين أرباب الخمس.

ص: 356

السادس: إذا كانت الأرض مشغولة بشجر أو بناء فليس لوليّ الخمس قلع أشجارها ولا هدم بنيانها.

ربما تكون الأرض عند اشتراء الذمّي مشغولة بمثل شجر وبناء، فعلى القول بتعلّق الخمس برقبتها فإن دفعه المالك أو قيمته، أو أخذها الوليّ فبها، وليس له أن يقلع الأشجار أو يهدم البنيان لوجودها من قبل الشراء، نعم لو امتنع عن أدائه، أوتصرّف فيه بعد الشراء قبل ذلك كانت الخيرة في إبقائه وهدمه إلى الوليّ، وعلى أيّ حال فعليه اُجرة المثل للمدّة المنصرمة قبل أداء الخمس بنسبة ما فيها من الخمس وإن لم يتصرّف فيها لثبوت ضمان اليد على التقديرين.

السابع: عدم النصاب والحول ونية القربة في هذا القسم من الخمس.

لا نصاب ولا حول عند الفريقين في هذا القسم من الخمس، لما عرفت من إطلاق دليله وهو صحيحة أبي عبيدة الحذاء من دون فرق بين أن يكون المراد منه الخمس المعهود أو الزكاة المضاعفة، كما أنّه لا نصاب ولا حول أيضاً في الغنيمة والحلال المختلط بالحرام.

وكذا لا يعتبر فيه القربة لا من الذمّي لعدم صحة العبادة منه مع الكفر زائداً على أنّ الصحيحة أمرته بدفعه للخمس بما هو ذمّيٌ لا بأن يسلم ثمّ يدفعه، فيستفاد منها سقوط نية القربة من هذا الخمس، ولا من الحاكم حين الأخذ منه أو حين الدفع إلى مصارفه لعدم كونه وليّاً عن الدافع هنا حتی لو قيل به في باب الصغير والمجنون، وإّنما الذمّي هو المكلف بدفع الخمس ابتداء بحسب ظاهر دليل هذا الخمس، والحاكم يأخذه منه بالولاية عن أصحاب الخمس أو الجهة المالكة له، ولا يشترط في الأخذ نيّة القربة من الآخذ أو وليّه حتی في سائر الموارد، وإنّما اللازم نية القربة على من عليه الخمس أو الزكاة، لكنّه حُكي عن

ص: 357

«الدروس» وظاهر «المسالك» وبعض آخر وجوبه للحاكم، إلى ذلك أشار في «الجواهر» حيث قال:

ولا حول ولا نصاب هنا للإطلاق، بل ولا نية على الذمّي قطعاً، بل ولا على غيره حين الأخذ والدفع لإطلاق الدليل، خلافاً لما عن «الدروس» فأوجبها عند الأخذ والدفع عن الآخذ والدافع لا عن الذمّي، ولعلّه ظاهر1 المسالك حيث قال: ويتولّيان أي الحاكم وإمام علیه السلام النيّة عند الأخذ والدفع وجوباً عنهما لا عنه، مع احتمال سقوط النيّة هنا، وبه قطع في «البيان» والأوّل خيرة «الدروس، انتهى، غير ظاهر الو جه بالنسبة للآخذ بعد فرض كون النيّة عن الآخذ لا الذمّي، والأمر سهلٌ(1).

وكيف كان فما ذكره في «المسالك» ووافقه بعض المحشّين على «العروة» من اعتبار النيّة من الحاكم حين الأخذ أو الدفع إلى السّادة ممّا لا يساعده دليل.

ص: 358


1- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/69.

ثمّ إنّ هاهنا مسائل عشر قد تعرّضها السيّد صاحب «العروة»، هي كما تلي:

الاُولى: هل الحكم هنا يشمل للأراضي المفتوحة عنوة أم لا؟

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

لوكات الأرض من المفتوحة عنوة وبيعت تبعاً للآثار ثبت فيها الحكم لأنّها للمسلمين، فإذا اشتراها الذمّي وجب عليه الخمس وإن قلنا بعدم دخول الأرض في المبيع وأنّ المبيع هو الآثار ويثبت في الأرض حقّ الاختصاص للمشتري، وأمّا إذا قلنا بدخولها فيه، فواضح كما أنّه كذلك إذا باعها منه أهل الخمس بعد أخذ خمسها، فإنّهم مالكون لرقبتها ويجوز لهم بيعها(1).

قد عرفت أنّ المعيار في ثبوت الخمس في المقام - سواء كان المراد منه الخمس المعهود أو الزكاة المضاعفة - هو شراء الذمّي الأرض من المسلم، فعليه فقد وقع البحث في الأراضي المفتوحة عنوة إذا كانت معمورة حال الفتح لما ورد من كونها ملكاً للمسلمين لمن كان موجوداً فعلاً ولمن يخلق أو يسلم إلى يوم القيمة، كما صرّح به في صحيحة محمّد الحلبي حيث قال: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ السَّوَادِ مَا مَنْزِلَتُهُ؟ فَقَالَ: «هُوَ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ لِمَنْ هُوَ الْيَوْمَ وَلِمَنْ يَدْخُلُ في الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْيَوْمِ وَلِمَنْ لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ، فَقُلْتُ: الشِّرَاءُ مِنَ الدَّهَاقِينِ؟

قَالَ: لَا يَصْلُحُ إِلَّا أَنْ تُشْتَرَى مِنْهُمْ عَلَى أَنْ يُصَيِّرَهَا لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا شَاءَ وَلِيُّ الْأَمْرِ أَنْ يَأْخُذَهَا أَخَذَهَا، قُلْتُ: فَإِنْ أَخَذَهَا مِنْهُ؟ قَالَ: يَرُدُّ عَلَيْهِ رَأْسَ مَالِهِ وَلَهُ مَا أَكَلَ مِنْ

ص: 359


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/387، المسألة الرقم 40.

غَلَّتِهَا بِمَاعَمِلَ»(1)، في أنّه إذا أخذه الذمّي بواسطة مسلم فهل يجب عليه فيها الخمس أيضاً أم لا؟

ويتصوّر ذلك بوجوه أربعة:

1 - إذا بيعت الأرض تبعاً لبيع الآثار، وقد أشار إليه في المتن بقوله: «وبيعت تبعاً للآثار».

2 - إذا بيعت الآثاركالأشجار والأبنية قائمة على حالها، وعندئذٍ يثبت للمشتري حقّ الإبقاء ونحو اختصاص، وهذه هي الصورة الثانية في كلامه وأشار إليه بقوله: «وإن قلنا بعدم دخول الأرض في البيع وأنّ المبيع هو الآثار...».

3 - إذا اقتضت المصلحة بيع الأراضي المفتوحة عن طريق الحاكم الشرعي، ولعلّه إلى هذا القسم والقسم الآتى يشير السيّد صاحب «العروة» بقوله: «وأمّا إذا قلنا بدخولها فيه فواضح».

4 - إذا باع أهل الخمس من الذمّي سهامهم، على القول بأنّه يتعلّق بالمنقول وغيره من المغنم، وقد حكم صاحب «العروة» في جميع الصور بلزوم الخمس.

وكيف كان فإن قلنا بأنّ الأرض المفتوحة عنوة تملك بتبع الآثار، أو يجوز بيعها بإذن الإمام أو الحاكم الشرعي في مصالح المسلمين، أو قلنا بوجوب الخمس في هذه الأراضي فباعها السّادة حقّهم الّذي وصل إليهم منها(2)،

ص: 360


1- «التهذيب» ج7/147، الحديث 652، و«الاستبصار» ج3/109، الحديث 384، و«وسائل الشيعة» ج17/369، الحديث 22767 .
2- لكنّه قد مرّ في الأمر الأوّل عند البحث عن الغنائم المأخوذة من الكفّار من أهل الحرب أنّ الأقوى فيها هو عدم تعلّق الخمس بها أصلاً .

فلاإشكال ولا كلام بعد إطلاق الدليل في شمول الحكم لها.

وأمّا إذا قلنا بعدم جواز الملك لها حتی تبعاً للآثار وأنّه ليس هناك إلّا حقّ الاختصاص كما هو الظاهر وقد جعله صاحب «المصباح» بأنّه الأشبه بالقواعد، فلا يجري فيها هذا الحكم قطعاً، لأنّه لم ينقل إليه الأرض ولم يتملكها أصلاً، ولا يصدق على هذا الانتقال شراء الأرض حتی مسامحةً، وأنّها في الحقيقة خارجة عن مدلول الرّواية وهو الأرض المشتراة، والعجب من السيّد هنا حيث صرّح بشمول الحكم لها حتی في هذه الصورة أيضاً.

قال المحقّق الهمداني رحمه الله :

والأشبه بالقواعد هو الاقتصار في الحكم المخالف للأصل على مقدار دلالة الدليل، وهو كلّ مورد يصحّ أن يطلق عليه في العرف أنّه اشترى الأرض من غير مسامحة أو تأوّل، (سواء كانت ممّا فيه الخمس كالأرض المفتوحة عنوة) حيث يصحّ بيعها، كما لو باعها الإمام في مصالح المسلمين، أو باعها أهل الخمس من سهمهم الّذي وصل إليهم، أو غير ذلك من الموارد الّتي يصحّ بيعها، بل قد يقال في المبيع منها تبعاً للآثار، بناءً على حصول الملك للمتصرّف بذلك وإن كان يزول بزوال تلك الآثار، كما عن جمع من المتأخرين التصريح به(1).

وفيه تأمّل، بل منع؛ فإنّا إن سلّمنا صدق اسم الملكيّة على مثل هذا الحقّ، فنقول: إنّ المتبادر من النصّ إنّما هو الشراء الموجب لانتقال الأرض إليه على الإطلاق، خصوصاً لو لم نقل بجواز تعلّق الشراء بنفس

ص: 361


1- منهم صاحب «الجواهر»، راجع: «جواهرالكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/66.

الأرض من حيث هي إلّا بالتبع، لا بعنوان كونه شراء الأرض، كما يظهر وجهه ممّا مرّ آنفاً(1).

المسألة الثانية:

عدم اسقاط الخمس عن الذمّي ببيعه الأرض قبل إخراج خمسها وإن كان لمسلم آخر، أو بإقالته المسلم له في البيع ونحوهما.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

لا فرق في ثبوت الخمس في الأرض المشتراة بين أن تبقى على ملكيّة الذمّي بعد شرائه أو انتقلت منه بعد الشراء إلى مسلم آخر، كما لو باعها منه بعد الشراء أو مات وانتقلت إلى وارثه المسلم أو ردّها إلى البائع بإقالة أو غيرها، فلا يسقط الخمس بذلك، بل الظاهر ثبوته أيضاً لوكان للبائع خيار ففسخ بخياره(2).

إنّ موضوع البحث دائر مدار كون الحكم هنا هل هو منوط بحدوث الملك للذمّي بمجرد الشراء، أو أنّه مشروط ببقائه، فيسقط بخروجه عن ملكه ببيع أو بإقالة المسلم له أو بأرث ونحوها؟ والظاهر كما صرّح به غير واحد هو الأوّل، لثبوت الخمس فيها سواء كان المراد منه الخمس المعهود أو الزكاة المضاعفة إذا رآه الحاكم مانعاً من استيلائهم على أراضي المسلمين، من دون أن يلاحظ فيها انتظار الحول أو الزيادة على المؤونة حتی يجوز له تأخير أدائه إلى آخر السنة، ولا دليل على سقوطه بعد ثبوته، وهو في مثل البيع الجديد والإرث فواضح، وكذلك في الإقالة والفسخ بالخيار بناءً على كونهما فسخاً من حين الإنشاء لا من

ص: 362


1- «مصباح الفقيه» ج19/292.
2- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/387، المسألة الرقم 41.

الابتداء.

قال المحقّق الهمداني رحمه الله :

ولا يسقط هذا الخمس ببيعها ثانياً لمسلم وإن كان الأوّل، بل وكذا لا يسقط لو ردّها إليه بالإقالة، لأنّها فسخ من حينها فلا يؤثّر في إسقاط الحقّ الثابت بسببٍ سابقٍ عليه، بل قد يقال بعدم سقوطهم أيضاً في ما لو ردّها بخيار كان له بشرطٍ أو غيره لإطلاق النصّ(1).

وقال السيّد الخوئي رحمه الله :

لا يخفى أنّ موضوع البحث في هذه المسألة هو أنّ مجرّد حدوث الملك بالشراء كافٍ في تعلّق الخمس بالذمّي، أم أنّه مشروط بالبقاء فيسقط بالخروج عن ملكه بقاءً بالنقل إلى مسلم آخر ببيع أو إرث ونحو ذلك؟ وقد اختار (السيّد صاحب العروة) الأوّل، وهو الحقّ من غير إشكال فيه، عملاً بإطلاق النصّ، فلا يسقط الخمس بانتقال الأرض منه إلى مسلم آخر، بل هو ضامن له كما يضمنه المنتقل إليه أيضاً، بمقتضى قانون توارد الأيدي، وللحاكم الشرعي مراجعة أيّ منهما شاء لبطلان البيع بالإضافة إلى مقدار الخمس(2).

ص: 363


1- «مصباح الفقيه» ج19/294.
2- «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/186، و«مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص184 - 185.

المسألة الثالثة: إذا اشترى الذمّي الأرض من المسلم وشرط عليه عدم الخمس.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا اشترى الذمّي الأرض من المسلم وشرط عليه عدم الخمس لم يصحّ، وكذا لو اشترط كون الخمس على البائع، نعم لو شرط على البائع المسلم أن يعطى مقداره عنه فالظاهر جوازه(1).

إنّ الحكم في الواقع ونفس الأمر على ما تقدّم ثابت على الذمّي بما أنّه مشتري لهذه الأرض إلّا أنّه لم يشترط فيه المباشرة كما أنّها شرطٌ في الصوم والصلاة، فإذا اشترى الأرض من المسلم وشرط عليه عدم الخمس، فهو يتصوّر على أنحاء ثلاثة؛ الأوّل: أن يراد أن لا يكون هناك خمس أصلاً، الثاني: أن يراد كونه على البائع المسلم لا المشتري الذمّي، ففي هذين الموردين لا يصحّ الشرط لكونه مخالفاً للسنّة، وهل يسري فساد الشرط في هاتين الصورتين إلى العقد أم لا؟ فيه خلاف.

والثالث: أن يشترط في ضمن العقد أداء البائع الخمس أو مقداره عن الذمّي وكالة أو نيابة، فلا مانع حينئذٍ منه، لكنّه منوط بأداء المسلم الخمس أو مقداره، فإن عمل بما شرط عليه يسقط ما هو واجب عليه، وإلّا يثبت للمشتري خيار تخلّف الشرط، فإن فسخ يدخل في المسألة السابقة من عدم سقوط الحكم بالخروج عن الملك بالفسخ وغيره.

ص: 364


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/387، المسألة الرقم 42.

المسألة الرابعة: إذا اشترى الذمّي الأرض من مسلم فيخرجها من ملكه ثمّ اشتراها ثانياً.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا اشتراها من مسلم ثمّ باعها منه أو مسلم آخر ثمّ اشتراها ثانياً وجب عليه خمسان؛ خمس الأصل للشراء أوّلاً، وخمس أربعة أخماس للشراء ثانياً(1).

قد تقدّم في المسألة الثانية أنّ الحكم ثابت على الذمّي بحدوث الملك له بمجرد الشراء، فإذا اشتراها أوّلاً سواء دفع خمسها أم لا، أجازه وليّ الخمس خروجها قبل ذلك أو لا، فإنّه يجب عليه الخمس بهذا الشراء، فإن أخرجها من ملكه ثمّ اشتراها ثانياً فقد يجب عليه خمس آخر لشرائه مرّة اُخرى من مسلم قضاء لتعدّد الحكم بتعدّد سببه، من دون فرق بين أن يكون هو البائع الأوّل أو غيره، وهكذا لو أخرجها من ملكه ثالثاً ورابعاً، والظاهر كونه ممّا لا خلاف فيه، إنّما الكلام في متعلّقه وهو في الشراء الأوّل تمام الأرض فيجب خمسه، وأمّا في الثانية فقد أفتى السيّد رحمه الله في «العروة» بتعلّقه فيه بأربعة أخماس نظراً إلى أنّ الذمّي لم يكن مالكاً إلّا لأربعة أخماس، والعقد على الزائد عليها كان فضولياً غير نافذ إلّا بإجازة الحاكم الشرعي، والمفروض عدمه، فهو في الحقيقة لم يشتر في هذه المرتبة إلّا أربعة أخماسها، إلى ذلك أشار في «الجواهر» حيث قال:

ص: 365


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/388، المسألة الرقم 43.

ولو اشتراها من مسلم ثمّ باعها منه أو من مسلم آخر ثمّ اشتراها كان عليه خمس الأصل مع خمس الأربعة الأخماس، وهكذا حتی تفني قيمتها(1).

ثمّ إنّ السيّد الخوئي رحمه الله فصّل بين ما إذا باعه من مسلم غير شيعي وبين ما إذا باعه من مسلم شيعي، بأنّه حيث يكون فضولياً بالنسبة إلى مقدار خمسه في هذا البيع لو أخرجها قبل دفع خمسها أو الاستيذان من الوليّ فيجب الخمس في المقدار المنتقلة واقعاً وهو أربعة أخماسها إذا اختار مشتريه بدونه، لكنّه لو كان شيعيّاً فحيث يحلّلون الخمس لشيعتهم فيصحّ بيعه هذا في تمام الأخماس وبتبعه يتعلّق الخمس بتمامه(2).

أقول: لا يخفى أنّ تفصيله حسنٌ لوكان المراد من الخمس في المقام هو الخمس المصطلح - كما هو مختار السيّد صاحب «العروة» - ومن تبعه حتی أباحه لشيعتهم، دون الزكاة المضاعفة أو الخمس المانعة كما هو الأقوى من باب أنّه نحو تضيّق على الذمّيين لمنعهم استيلائهم على أراضي المسلمين، فكأنّ فيه روح الجزية وإن كان بعنوان الخمس، فبناءً على ذلك يجب عليه في الشراء المرتبة الثانية خمس الأربعة الأخماس فقط.

ص: 366


1- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/67.
2- «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/189، و«مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص187.

المسألة الخامسة :إذا اشترى الأرض من مسلم ثمّ أسلم بعد الشراء.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا اشترى الأرض من المسلم ثمّ أسلم بعد الشراء لم يسقط عنه الخمس، نعم لو كانت المعاملة ممّا يتوقف الملك فيه على القبض فأسلم بعد العقد وقبل القبض سقط عنه لعدم تماميّة ملكه في حال الكفر(1).

هاهنا فرعان:

الأوّل: أنّه قد أفتى السيّد صاحب «العروة» ووافقه كثير من محشّيه بعدم سقوط الخمس عن الذمّي لو أسلم بعد الشراء، والعجب منه حيث حكم هنا بعدم سقوطه عن الذمّي مع أنّه صرّح في باب الزكاة بسقوطها عن الكافر لو أسلم بعد ما وجبت عليه الزكاة وإن كانت العين موجودة حين إسلامه(2)، وكيف كان فقال في توجيه عدم سقوطه شيخي الاُستاذ (دامت بركاته) بعد ما وافقه في الحكم:

بأنّ إطلاق دليل وجوب الخمس في هذه الأراضي يعمّ كلا الفرضين: ما كان ذمّياً حين الشراء والإخراج معاً، وما كان ذمّياً حين الشراء فقط، فلا وجه لسقوطه بالإسلام إلّا قوله صلی الله علیه و آله و سلم :«الإسلامُ يَجُبُّ مَا قَبلَهُ»(3)،

ص: 367


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/388، المسألة الرقم 44.
2- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/272، المسألة الرقم 17 من مسائل أصل وجوب الزكاة، حيث قال: لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه الزكاة، سقطت عنه وإن كانت العين موجودة، فإنّ الإسلام يجبّ ما قبله.
3- راجع: «كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال» ج1/66، الخبر 243.

وهوغير مروّي عن طرقنا، وعلى فرض ثبوته فهو ناظر إلى الأحكام التكليفيّة من العصيان والخلاف وعبادة غير الله تعالى وارتكاب المعاصي، وأمّا الحقوق والغرامات والديون والضمانات فهي باقية على ذمّته. فإن قلت: ما الفرق بين الزكوات والأخماس الّتي تسقط عن ذمّته بإسلام الكافر؟ قلت: وجود الفرق بين الواجبين، فالأوّل يطلب منه بنحو العموم كالصلاة والزكاة، والخمس في غير هذا المورد فلا يطلب منه ظاهراً، إمّا لعدم وجوبه عليه كما عليه بعض الفقهاء، أو كون السقوط مقتضى كونه ذمّياً، فيسقط عنه كلّ شيء إلّا الجزية، أو لأجل الإجماع على السقوط وإن لم يعلم وجهه، وأما المطلوب منه بالخصوص بقيد أنّه ذمّي فلا يسقط كما في المقام، وهذا نظير الجزية الّتي تطلب منه بقيد كونه كافراً(1).

يلاحظ عليه بأنّه بعد ما كان الخبر مشهوراً بين الفقهاء ويتسالم الأصحاب بل الفريقين على العمل به، فينجبر بهما ضعفه، كما أنّ الظاهر شموله لمطلق ما ألزم عليه الشرع من دون فرق فيها بين العبادات والكفّارات والحقوق الثابتة بالإسلام كالخراج والجزية، أوكالخمس هنا سواء كانت العين موجودة حالة الإسلام أم لا، نعم هناك فرق بين الغرامات والديون والضمانات الّتي يتعلّق بحقوق النّاس فإنّها باقية على ما هي قبل الإسلام، لانصراف الخبر بما هي مرتبطة بأحكام الدّين وحقوق الشارع مستقيماً.

يؤيّد ذلك بل يدلّ عليه جريان السيرة القطعيّة من النّبيّ الأعظم صلی الله علیه و آله و سلم والأئمة

ص: 368


1- راجع: «الخمس في الشريعة الإسلاميّة الغراء» ص260، مع تفاوت يسير.

الأطهار: على عدم مطالبة من دخل في الإسلام من الكفار الذمّيين بأداء الزكوات والأخماس الماضية مع أنّ بعض تلك الأراضي المشتراة من المسلمين موجودة في أيديهم حالته.

الثاني: لوكانت المعاملة ممّا يتوقف الملك فيها على القبض كما في الهبة، فوهبها المسلم للذمّي وأسلم قبل القبض، فهل يجب عليه الخمس حينئذٍ أم لا؟

الحقّ كما صرّح به السيّد في «العروة» وغيره في هذا الفرع سقوطه عنه، وذلك لأنّ الشراء في النصّ -- على القول بإلغاء الخصوصية منه -- كناية عن حصول الملكيّة للذمّي حينما كان كافراً، والمفروض أنّها غير حاصلة له إلّا بعد قبضه مع أنّه في هذا الحال مسلم، بل هو أوضح حالاً من الفرع الأوّل.

وكذا الكلام لو اشترى له فضولياً من المسلم فأجازه بعد الإسلام بناءً على كون الإجازة ناقلة لا كاشفة، لأنّه ملكها بعد إسلامه.

المسألة السادسة:

لوتملّك الذمّي الأرض من كافر ذمّياً كان أو غير ذمّي فيما كان مشروطاً بالقبض فأسلم الناقل قبل قبضه.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

لو تملّك ذمّي من مثله بعقد مشروط بالقبض، فأسلم الناقل قبل القبض، ففي ثبوت الخمس وجهان؛ أقواهما الثبوت(1).

إذا تملّك الذمّي الأرض من كافر ذمّياً كان الكافر أو غير ذمّي (إذ لا خصوصية لكون الناقل ذمّياً بل مدار البحث يعمّ مطلق الكفار وإن كانوا حربيّاً أو

ص: 369


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/388، المسألة الرقم 45.

معاهداً) فيما كان مشروطاً بالقبض فأسلم الكافر الناقل قبل قبضه، فهل يجب على الذمّي الخمس أم لا؟

الفرق بين هذه المسألة وما تقدّمها - بعد اشتراكهما في أنّ للقبض دوراً في حصول الملكيّة على وجه لولاه، لما كان الإنشاء كافياً في حصولها - هو أنّ الناقل في المسألة السابقة كان مسلماً والمنقول إليه (الموهوب له) كان ذمّياً فأسلم قبل القبض، فوقع الكلام في تعلّق الخمس به وعدمه، باعتبار تخلّل الإسلام بين العقد والقبض وقد عرفت عدمه، لتعلّق الخمس بالانتقال إلى الذمّي من المسلم، وحيث إنّه أسلم قبله فلا يصدق الانتقال من المسلم إلى الذمّي، بل ينتقل الأرض من المسلم إلى المسلم حينئذٍ.

وأمّا هنا فالناقل والمنقول إليه كلاهما ذمّيان أو الناقل كافر غير ذمّي والمنقول إليه ذمّي وقد وهب أحدهما للآخر الأرض، لكن أسلم الناقل قبل القبض، فيقع الكلام في تعلّق الخمس وعدمه، والظاهر تعلّقه لأنّ الشراء -- كما مرّ -- كناية عن الانتقال والمفروض أنّ الأرض انتقلت إليه في حال كون الناقل مسلماً والموهوب له ذمّياً، إلى ذلك أشار في «الجواهر» حيث قال:

ولو تملّك ذمّي من مثله بعقد مشروط بالقبض فأسلم الناقل قبل الإقباض، أخذ من الذمّي الخمس في وجه قويّ(1).

اللّهمّ إلّا أن يقال بانصراف النصّ أو احتماله إلى ما إذا وقع جميع أجزاء العقد المملك من العقد والقبض في حال كون الناقل مسلماً والمنقول إليه ذمّياً،

ص: 370


1- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/67 .

وهو خلاف المفروض، لأنّ القبض وإن وقع في حال كون الناقل مسلماً، لكن العقد وقع في حال كونه ذمّياً، فلا يجب عليه الخمس حينئذٍ، ولاأقلّ من الشك والأخذ بالبراءة كما مال إليه المحقّق الهمداني رحمه الله حيث قال:

ولو تملّك ذمّي من مثله فأسلم البائع قبل الإقباض، أخذ من الذمّي الخمس على ما صرّح به بعض، ولكنّه لا يخلو عن نظر، لخروجه عن منصرف النصّ(1).

المسألة السابعة: عدم سقوط الخمس عن الذمّي إذا شرط عليه البائع أن يبيعها بعد الشراء من مسلم.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

الظاهر عدم سقوطه إذا شرط البائع على الذمّي أن يبيعها بعد الشراء من مسلم(2).

إذا شرط البائع المسلم على الذمّي أن يبيعها بعد الشراء، فهل يسقط عنه الخمس أم لا؟

قد عرفت أنّ المدار في المقام هو حدوث الملك للذمّي بمجرد الشراء من دون أن يشترط فيه البقاء، فإذا تحقّق وجب عليه الخمس سواء شرط عليه البيع أم لا، لعدم الدليل على سقوط ما ثبت سابقاً، نعم قد يستشكل في صحّة هذا الشرط في نفسه بدعوى أنّ القول بالصّحة يستلزم الدور، لأنّ بيعه من مسلم يتوقف على ملكيّته للمبيع، المتوقفة على بيعه، أي العمل بالشرط، فيدور.

ص: 371


1- «مصباح الفقيه» ج19/295.
2- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/388، المسألة الرقم 46.

لكن يلاحظ عليه: بأنّ بيعه منه يتوقف على ملكيّته المتزلزلة، وهي غير متوقفة على بيعه من مسلم، بل يتوقف على إنشاء البيع وقبوله، والمفروض حصوله، نعم لزومه يتوقف على العمل بالشرط فلا دور.

المسألة الثامنة: إذا اشترى المسلم من الذمّي أرضاً ثمّ فسخ بإقالة أو بخيار.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا اشترى المسلم من الذمّي أرضاً ثمّ فسخ بإقالة أو بخيار، ففي ثبوت الخمس وجه، لكنّ الأوجه خلافه، حيث إنّ الفسخ ليس معاوضة (1).

إنّ ما تقدّم إلى هنا هو ما كان الذمّي مشترياً والبائع مسلماً، فلو انعكس الأمر بأن كان المسلم مشترياً والذمّي بائعاً إلّا أنّه فسخ البيع بإقالة أو بخيار بأن عادت الأرض من المسلم المشتري إلى الذمّي البائع، فهل يجب عليه الخمس حينئذٍ أم لا؟ فإن قلنا بوجوب الخمس في كلّ انتقال من المسلم إليه، فهذا من مصاديقه، وإلّا فلا .

والانصاف أنّه لم يثبت بذلك عليه الخمس، وذلك كما صرّح به علماء اللغة عدم كون الفسخ أو الإقالة معاوضة جديدة ولا مملّكاً، بل هما نقض وحلّ للعقد السابق وإزالة للسبب وجعله كأن لم يكن(2)، فالفسخ أو الإقالة موجب لعود كلّ

ص: 372


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/388، المسألة الرقم 47.
2- راجع: «لسان العرب» ج3/44، وج11/580 - 579، و«كتاب العين» ج4/202، وج5/215، و«المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي» ج2/472، وج 2/521، و....

مال إلى صاحبه الأوّل، لا من حين الفسخ أو الإقالة بل من حين العقد، وتكون النتيجة عدم انتقال الأرض إلى الذمّي حتی يشمله النصّ، ولاأقلّ من الشك والأخذ بالبراءة.

المسألة التاسعة:

يلحق بالذمّي والمسلم في ذلك كلّه من هو في حكم أحدهما من صبيانهم ومجانينهم.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

من بحكم المسلم بحكم المسلم(1).

ظاهر عبارة السيّد هنا اختصاص الحكم بمن يلحق بالمسلمين من صبيانهم ومجانينهم، لكن حيث إنّ عنوان المسلم أو الذمّي زائداً على إطلاق نفس دليل الخمس في المقام يعمّ عرفاً من يتبعهم، فالأطفال والمجانين واللقيط من كلّ منهما أيضاً يحكم بحكم من يشابهه، فلو اشترى الذمّي أرض مجنونٍ أو صبىٍّ من المسلمين عن طريق وليّهما وجب عليه الخمس، لأنّهما بحكم المسلم، وهكذا العكس لو اشترى أرض مسلمٍ لصبيٍّ أو ذمّي مجنون وجب الخمس، لأنّهما بحكم الذمّي، هذا كلّه بناءً على إرادة خمس الأرض، وأمّا إذا اُريد منه خمس حاصلها جزية فالحكم أوضح، إذ لا فرق فيما يؤخذ من الكفار جزية -- سواء كان على رؤوسهم أو على أموالهم -- بين الصغير والكبير منهم، وأمّا إذا كان المراد به الخمس المصطلح فباعتبار ما ذكرناه من أنّ المتفاهم من هذا الحكم هو نحو تضييق على الذمّيين لمنع استيلائهم على أراضي المسلمين، فكأنّ فيه

ص: 373


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/388، المسألة الرقم 48.

روح الجزية وإن كان بعنوان الخمس، إلى ذلك أشار إجمالاً في «الجواهر» حيث قال:

ويلحق بالذمّي والمسلم في ذلك كلّه ما هو في حكم أحدهما من صبيانهم ومجانينهم وغيرهم، كما في غيره من الأحكام...(1).

المسألة العاشرة: شراء الخمس بعد إقباضه وتسليمه إلى أربابه.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا بيع خمس الأرض الّتي اشتراها الذمّي عليه، وجب عليه خمس ذلك الخمس الّذي اشتراه وهكذا(2).

لا شك في أنّه إذا اشترى الذمّي خمس الّذي تعلّق بالأرض الّتي اشتراه سابقاً من أربابه بعد دفعه من نفس العين الّتي تعلّق بها الخمس، فقد وجب عليه بهذا الشراء خمس آخر وهكذا في كلّ مرّة اشتراه لصدق شراء الذمّي الأرض من المسلم فيعمّه النصّ ويشمله الحكم.

إلى هنا تمّ الكلام في القسم السادس ممّا يجب فيه الخمس، وسيأتي إن شاء الله البحث في القسم السابع منه أي وجوب الخمس فيما يفضل من مؤونة السنة له ولعياله من الصناعات والزراعات وأرباح التجارات، الّتي تعدّ من أهمّ مصاديق ما يجب فيه الخمس.

ص: 374


1- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/69.
2- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/388، المسألة الرقم 49.

السابع ممّا يجب فيه الخمس ما يفضل من مؤونة السنة له ولعياله من الصناعات والزراعات وأرباح التجارات

إنّ من أهمّ مصاديق ما يجب فيه الخمس من جهة شموله لجميع ما يستفيده الإنسان من أرباح التجارات والمكاسب والصنائع والزراعات والإجارات خلافاً لغيره من سائر المصاديق، وما يكون له من آثاره الاجتماعيّة، وأوسعها نطاقاً، هو ما يحصل له من هذا الطريق، ووجوب الخمس فيها كما صرّح به الشيخ رحمه الله وغيره من مختصّات الإمامية(1).

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

السابع: (ممّا يجب فيه الخمس) ما يفضل عن مؤونة سنته ومؤونة عياله من أرباح التجارات، ومن سائر التكسبات من الصناعات والزراعات والإجارات حتی الخياطة والكتابة والتجارة والصيد وحيازة المباحات واُجرة العبادات الاستيجارية من الحجّ والصوم والصلاة والزيارات وتعليم الأطفال وغير ذلك من الأعمال الّتي لها اُجرة، بل الأحوط ثبوته في مطلق الفائدة وإن لم تحصل بالاكتساب كالهبة والهدية والجائزة والمال الموصى به ونحوها، بل لا يخلو عن قوّة، نعم لا خمس في الميراث إلّا في الّذي ملكه من حيث لا يحتسب، فلا يترك الاحتياط فيه، كما إذا كان له رحم بعيد في بلد آخر لم يكن عالماً به فمات وكان هو الوارث له، وكذا لا يترك في حاصل الوقف الخاصّ، بل وكذا في

ص: 375


1- راجع: «الخلاف، كتاب الفيء وقسمة الغنائم» ج4/181، المسألة الرقم 1، حيث قال: عندنا أنّ ما يستفيده الإنسان من أرباح التجارات والمكاسب والصنائع يدخل أيضاً فيه (الغنيمة) وخالف جميع الفقهاء في ذلك.

النذور، والأحوط استحباباً ثبوته في عوض الخلع والمهر ومطلق الميراث حتی المحتسب منه، ونحو ذلك(1).

نبحث في هذا القسم ممّا يجب فيه الخمس في مقامات ثلاثة:

الأوّل: أصل تشريع الخمس فيها كما وجب في سائر الأقسام.

الثاني: استثناء المؤونة وفروعاتها.

الثالث: مصرفه في حالي الحضور والغيبة، وأنّه هل ثبت سقوطه والعفو عنه بنصوص التحليل مطلقاً أو في خصوص زمن الغيبة، أم لا؟

أمّا البحث عن المقام الثالث فنؤخّره إن شاء الله إلى فصل قسمة الخمس(2)، وهنا نبحث عن المقامين الأوّلين، أمّا المقام الأوّل أي أصل تشريع الخمس فيها كما وجب في سائر الأقسام.

فنقول: إنّ وجوب الخمس في هذا القسم مشهور بل ادّعي عليه الإجماع وتواتر الأخبار به(3)، نعم إنّهم اختلفوا في تحليله في زمان الغيبة، وهو لا ينافي ثبوته، بل هو دليل على أصل ثبوته وتشريعه، قال الشيخ رحمه الله في «الخلاف»:

يجب الخمس في جميع المستفاد من أرباح التجارات والغلّات والثمار على اختلاف أجناسها بعد إخراج حقوقها ومؤنها، وإخراج مؤونة الرجل لنفسه ومؤونة عياله سنة، ولم يوافقنا على ذلك أحد من

ص: 376


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/389.
2- نبحث عن هذه المسألة بالتفصيل إن شاء الله تعالی في المسألة السابعة من المسائل المطروحة في فصل قسمة الخمس ومستحقّيه.
3- راجع: «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/201، و«مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص199، و....

الفقهاء، دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك(1).

وفي «الجواهر» بعد ما حكى عن «الخلاف» و«الغنية» و«التذكرة» و«المنتهى» الإجماع عليه، قال:

بل في الأخيرين من الأربعة دعوى تواتر الأخبار به، وهو الّذي استقرّ عليه المذهب والعمل في زماننا هذا، بل وغيره من الأزمنة السابقة الّتي يمكن دعوى اتصالها بزمان أهل العصمة:(2).

لكن في «المعتبر» بعد ما نسب القول بوجوبه بعد المؤونة فيها إلى كثير من الأصحاب قال:

وقال ابن أبي عقيل: وقد قيل الخمس في الأموال كلّها، حتی على الخياط، والنجار، وغلّة الدار، والبستان والصانع في كسب يده لأنّ ذلك إفادة من الله وغنيمة. وقال ابن الجنيد: فأمّا ما استفيد من ميراث أو كدّ بدن أو صلة أخ أو ربح تجارة أو نحو ذلك فالأحوط إخراجه، لاختلاف الرّواية في ذلك ولأنّ لفظ فرضه محتمل هذا المعنى، ولو لم يخرجه الإنسان لم يكن كتارك الزكاة الّتي لا خلاف فيها، وقال أبو الصلاح الحلبي: الميراث والهدية والهبة فيه الخمس. وأنكر قوله بعض المتأخرين. وأطبق الجمهور على إنكار ذلك كلّه(3).

إلّا أنّه لم يكن صريحاً في مخالفتهما في أصل وجوبه فيها لاحتمال كونه

ص: 377


1- «الخلاف، كتاب الزكاة» ج2/118، المسألة الرقم 139.
2- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/45.
3- «المعتبر في شرح المختصر» ج2/623.

مشيراً إلى جهة العفو عنه وتحليله بعد وجوبه في زمن الغيبة، وعلى فرض تسليمه لا يضرّ بالإجماع لانعقاده في الأزمنة السابقة عنهما، إلى ذلك أشار الشهيد رحمه الله في «البيان» حيث قال:

وظاهر ابن الجنيد وابن أبي عقيل العفو عن هذا النوع وأنّه لا خمس فيه، والأكثر على وجوبه، وهو المعتمد لانعقاد الإجماع عليه في الأزمنة السابقة لزمانهما واشتهار الرّوايات فيه(1).

وقال في «المستند»:

ووجوب الخمس في هذا النوع هو المشهور بين الأصحاب، وعن الخلاف والانتصار والتبيان ومجمع البيان والغنية والمنتهى والتذكرة والشهيد: الإجماع عليه، بل الظاهر إجماعيّته في الجملة، لعدم وجود مخالف صريح، إلّا ما حكي عن القديمين أنّهما قالا بالعفو عن هذا النوع، وفي استفادته من كلامهما خفاء بل ظاهره التوقّف، وكيف كان فلا ينبغي الريب في وجوبه فيه(2).

ما استدلّ به على وجوب الخمس في أرباح المكاسب والتجارات:

إنّه قد استدلّ على وجوب الخمس في المقام زائداً على الإجماع المدعى، بالكتاب، وبما وردت من الأخبار والرّوايات، أما الكتاب فقوله تبارك وتعالى في آية الخمس: (وَاعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ)(3)، وقد تقدّم في مبحث

ص: 378


1- «البيان» ص348.
2- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/31.
3- «الأنفال»: 41.

«دليل وجوب الخمس» في أوائل مباحث هذا الكتاب أنّ الغنيمة تعمّ جميع المنافع والمكاسب ولا تختصّ بغنائم دار الحرب فقط، وورودها في ضمن آيات الجهاد لايوجب تخصيصها بهذه الغنائم خاصّة، كما صرّح به هناك أرباب اللغة وعلماء التفسير والفقهاء من الأصحاب.

ثمّ إنّه قد ورد في بعض الأخبار أيضاً التصريح بعموميّة معنى الغنيمة في خصوص الآية الكريمة، منها ما رواه عليّ بن مهزيار في ضمن حديث طويل صحيح عن أبي جعفر علیه السلام وفيه: «فَأَمَّا الْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ فهي وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلِّ عَامٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شيء قَدِيرٌ)، فَالْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فهي الْغَنِيمَةُ يَغْنَمُهَا الْمَرْءُ، وَالْفَائِدَةُ يُفِيدُهَا، وَالْجَائِزَةُ مِنَ الْإِنْسَانِ لِلْإِنْسَانِ الّتي لَهَا خَطَرٌ، وَالْمِيرَاثُ الّذي لَا يُحْتَسَبُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَا ابْنٍ، وَمِثْلُ عَدُوٍّ يُصْطَلَمُ فَيُؤْخَذُ مَالُهُ، وَمِثْلُ مَالٍ يُؤْخَذُ لَا يُعْرَفُ لَهُ صَاحِبٌ، وَمَا صَارَ إِلَى مَوَاليَّ مِنْ أَمْوَالِ الْخُرَّمِيَّةِ الْفَسَقَة»(1)، وخبر حُكيم مؤذّن بني عيسٍ عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: قلت له: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ)، قَالَ: «هِيَ وَاللَّهِ الْإِفَادَةُ يَوْماً

ص: 379


1- «التهذيب» ج4/141، الحديث 398، و«الاستبصار» ج2/60، الحديث 198، و«وسائل الشيعة» ج9/502، الحديث 12583.

بِيَوْمٍ إِلَّا أَنَّ أبي جَعَلَ شِيعَتَنَا مِنْ ذَلِكَ في حِلٍّ لِيَزْكُوا»(1)، وفي فقه الرّضا علیه السلام بعد ذكر الآية: «وَكُلُّ مَا أَفَادَهُ النَّاسُ فَهُوَ غَنِيمَةٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكُنُوزِ وَالْمَعَادِنِ وَالْغَوْصِ وَمَالِ الْفَيْ ءِ الّذي لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ، وَهُوَ مَا ادُّعِيَ فِيهِ الرُّخْصَةُ، وَهُوَ رِبْحُ التِّجَارَةِ وَغَلَّةُ الصَّنِيعَةِ وَسَائِرُ الْفَوَائِدِ مِنَ الْمَكَاسِبِ وَالصِّنَاعَاتِ وَالْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا، لِأَنَّ الْجَمِيعَ غَنِيمَةٌ وَفَائِدَةٌ ورِزْقُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»(2).

وأمّا الرّوايات الواردة في المقام فهي كثيرة فيها صحاح وغير صحاح، منها: صحيحة سماعة قال: سألت أبا الحسن الكاظم علیه السلام عَنِ الْخُمُسِ؟ فَقَالَ: «فِي كُلِّ مَا أَفَادَ النَّاسُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ»(3).

ومنها صحيحة عليّ بن مهزيار عن محمّد بن الحسن الأشعري قال: كَتَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى أبي جَعْفَرٍ الثاني علیه السلام أَخْبِرْنِي عَنِ الْخُمُسِ أَ عَلَى جَمِيعِ مَا يَسْتَفِيدُ الرَّجُلُ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ مِنْ جَمِيعِ الضُّرُوبِ وَعَلَى الصُّنَّاعِ، وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ فَكَتَبَ بِخَطِّهِ: «الْخُمُسُ

بَعْدَ الْمؤونة»(4).

ومنها صحيحة اُخری عنه قال: قال لي أبو عليّ بن راشد: قلت له: أَمَرْتَنِي

ص: 380


1- «الكافي» ج1/544، الحديث 10، و«التهذيب» ج4/121، الحديث 344، و«الاستبصار» ج2/54، الحديث 179، و«وسائل الشيعة» ج9/546، الحديث 12682.
2- «فقه الرّضا علیه السلام » ص294،و «مستدرك الوسائل» ج7/284، الحديث 8236.
3- «الكافي» ج1/457، الحديث 11، و«وسائل الشيعة» ج9/503، الحديث 12584.
4- «التهذيب» ج4/123، الحديث 352، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 181، و«وسائل الشيعة» ج9/499، الحديث 12579.

بِالْقِيَامِ بِأَمْرِكَ وَأَخْذِ حَقِّكَ، فَأَعْلَمْتُ مَوَالِيَكَ بِذَلِكَ، فَقَالَ لِي بَعْضُهُمْ: وَأَيُّ شيء حَقُّهُ؟ فَلَمْ أَدْرِ مَا أُجِيبُهُ، فَقَالَ: «يَجِبُ عَلَيْهِمُ الْخُمُسُ، فَقُلْتُ فَفِي أيّ شيء؟ فَقَالَ: في أَمْتِعَتِهِمْ وَصَنَائِعِهِمْ، قُلْتُ: وَالتَّاجِرُ عَلَيْهِ وَالصَّانِعُ بِيَدِهِ؟ فَقَالَ: إِذَا أَمْكَنَهُمْ بَعْدَ مَؤُونَتِهِمْ»(1).

ومنها خبر بل موثقة أحمد بن محمّد بن عيسی عن يزيد (وفي نسختين من الكافي ابن يزيد) قال: كَتَبْتُ جُعِلْتُ لَكَ الْفِدَاءَ تُعَلِّمُنِي مَا الْفَائِدَةُ، وَمَا حَدُّهَا؟ رَأْيَكَ أَبْقَاكَ اللَّهُ أَنْ تَمُنَّ عَلَيَّ بِبَيَانِ ذَلِكَ لِكَيْ لَا أَكُونَ مُقِيماً عَلَى حَرَامٍ لَا صَلَاةَ لِي وَلَا صَوْمَ، فَكَتَبَ: «الْفَائِدَةُ مِمَّا يُفِيدُ إِلَيْكَ في تِجَارَةٍ مِنْ رِبْحِهَا وَحَرْثٌ بَعْدَ الْغَرَامِ أَوْ جَائِزَةٌ»(2).

دلالة الرّواية واضحة، فإنّه وإن لم يصرّح فيها بالخمس إلّا أنّ الظاهر منها أنّ السائل إنّما سئل عن الفائدة الّتي يتعلّق بها الخمس وحدّها بعد ما كان أصل ثبوت الخمس فيها مسلماً عنده، فأجابه الإمام علیه السلام بأنّه مطلق الفائدة سواء كانت من تجارة أو من غيرها، والظاهر أنّ كلمة ممّا محرّف، والصحيح أن يكون «ما» بدل «ممّا».

لكنّها مضمرة أوّلاً حيث لم يصرّح فيها باسم الإمام علیه السلام، وثانياً مضطربة من جهة السند إذ المنقول في «الكافي» بن يزيد، وفي «الوسائل» عن يزيد.

والتحقيق يقتضي ترجيح ما حكاه الشيخ الحر العاملي رحمه الله في «الوسائل»،

ص: 381


1- «التهذيب» ج4/123، الحديث 353، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 182، و«وسائل الشيعة» ج9/500، الحديث 12581.
2- «الكافي» ج1/457، الحديث 12، و«وسائل الشيعة» ج9/503، الحديث 12585.

إذ أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري القمي الّذي كان من أصحاب الرّضا علیه السلام هو ابن عبد الله الأشعري لا ابن يزيد(1)، ويزيد هذا وإن كان مجهولاً لم يثبت وثاقته، إلا أنّ الّذي رواها عنه هو أحمد بن محمّد بن عيسى الّذي كان رجلاً محتاطاً في نقل الحديث وفي من يروي عنه، وأخرج مثل البرقي(2) وسهل بن زياد(3) وغيرهم من كبار الرّواة من مدينة قم بسبب روايتهم عن الضعفاء، ممّا يدلّ على تشدّده في نقل الرواية عن خصوص المعصوم علیه السلام وعن طريق الثقة فقط، ويؤيّد به وثاقة الخبر والرّاوي معاً، بل صحّتها كما عبّر عنها المجلسي الأوّل رحمه الله في «روضة المتقين» بأنّها صحيحة(4)، لا سيّما بعد ما كان المتن دليلاً على تورّع الرّاوي.

ثمّ إنّه احتمل المجلسي رحمه الله في «مرآة العقول» أن يكون الإمام المكتوب إليه هو الهادي أو الجواد أو الرّضا:(5)، لكن حيث مرّ أنّ أحمد بن محمّد بن عيسىالقمّي كان من أصحاب الرّضا علیه السلام، وروى الحديث بواسطة واحدة عن

ص: 382


1- راجع ترجمته في: «رجال النجاشي، فهرست أسماء مصنفي الشيعة» ص81 ذيل الرقم 198، و«الفهرست للشيخ الطوسي» ص25 ذيل الرقم 65، و... .
2- راجع: «رجال ابن الغضائري، كتاب الضعفاء» ص39 ذيل الرقم 10، و«رجال ابن داود» ص421 ذيل الرقم 36، و«رجال العلّامة (خلاصة الأقوال)» ص14 ذيل الرقم علیه السلام، و... .
3- راجع: «رجال النجاشي، فهرست أسماء مصنفي الشيعة» ص185 ذيل الرقم 490، و«رجال ابن الغضائري، كتاب الضعفاء» ص67 ذيل الرقم 65، و....
4- «روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه» ج3/120.
5- «مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول» ج6/276.

المعصوم علیه السلام فالأنسب كونه الكاظم أو الرّضا علیه السلام، وكيف كان لا يضرّ ذلك بوثاقة الخبر لكونهم نوراً واحداً.

ومنها خبر عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبداللّه علیه السلام: «عَلَى كُلِّ امْرِئٍ غَنِمَ أَوِ اكْتَسَبَ الْخُمُسُ مِمَّا أَصَابَ لِفَاطِمَةَ عَلَيهَا السَّلامُ وَلِمَنْ يَلِی أَمْرَهَا مِنْ بَعْدِهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهَا الْحُجَجِ عَلَى النَّاسِ، فَذَاكَ لَهُمْ خَاصَّةً يَضَعُونَهُ حَيْثُ شَاؤُوا، وَحُرِّمَ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ، حتی الْخَيَّاطُ يَخِيطُ قَمِيصاً بِخَمْسَةِ دَوَانِيقَ فَلَنَا مِنْهُ دَانِقٌ...»(1).

ومنها خبر عليّ بن مهزيار عن عليّ بن محمّد شجاع النيسابوري أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا الْحَسَنِ الثَّالِثَ علیه السلام عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ مِنْ ضَيْعَتِهِ مِنَ الْحِنْطَةِ مِائَةَ كُرِّ مَا يُزَكَّى، فَأُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ عَشَرَةُ أَكْرَارٍ، وذَهَبَ مِنْهُ بِسَبَبِ عِمَارَةِ الضَّيْعَةِ ثَلَاثُونَ كُرّاً وَبَقِيَ في يَدِهِ سِتُّونَ كُرّاً، مَا الّذي يَجِبُ لَكَ مِنْ ذَلِكَ؟ وَهَلْ يَجِبُ لِأَصْحَابِهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ شيء؟ فَوَقَّعَ علیه السلام: «لِي مِنْهُ الْخُمُسُ مِمَّا يَفْضُلُ مِنْ مَؤُونَتِهِ»(2).

ومنها مرسلة العيّاشي في تفسيره عن إبراهيم بن محمّد قال: كَتَبْتُ إِلَى أبي الْحَسَنِ الثَّالِثِ علیه السلام أَسْأَلُهُ عَمَّا يَجِبُ في الضِّيَاعِ؟ فَكَتَبَ: «الْخُمُسُ بَعْدَ الْمؤونة، قَالَ: فَنَاظَرْتُ أَصْحَابَنَا فَقَالُوا: الْمؤونة بَعْدَ مَا يَأْخُذُ السُّلْطَانُ وَبَعْدَ مؤونة الرَّجُلِ،

ص: 383


1- «التهذيب» ج4/122، الحديث 348، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 180، و«وسائل الشيعة» ج9/503، الحديث 12586.
2- «التهذيب» ج4/16، الحديث 39، و«الاستبصار» ج2/17، الحديث 48، و«وسائل الشيعة» ج9/500، الحديث 12580.

فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ: أَنَّكَ قُلْتَ: الْخُمُسُ بَعْدَ الْمؤونة، وَإِنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا في الْمؤونة، فَكَتَبَ: الْخُمُسُ بَعْدَ مَا يَأْخُذُ السُّلْطَانُ وَبَعْدَ مؤونة الرَّجُلِ وَعِيَالِهِ»(1).

إلى غير ذلك من الأخبار الّتي رواها صاحب «الوسائل» في الباب الرابع من أبواب الأنفال الدالّة على تحليل الخمس في التجارات والزراعات وغيرها في برهة خاصّة من الزّمان حيث تدلّ بدلالتها الالتزاميّة على وجوب الخمس فيها، وكذا بعض ما وردت في الباب الثالث منها بما تبلغ المجموع حدّ التواتر.

هذا تمام الكلام في المقام الأوّل أي أصل تشريع الخمس فيما يفضل من مؤونة السنة له ولعياله كما وجب في سائر الأقسام، وأمّا المقام الثاني: أي استثناء المؤونة منها عن وجوب الخمس:

ص: 384


1- «تفسير العيّاشي» ج2/63، الحديث 61، و«بحار الأنوار» ج93/193، و«مستدرك الوسائل» ج7/285، الحديث 8237.

استثناء المؤونة وفروعاتها:

قد اتّفقت كلمات الأصحاب بصورة إرسال المسلّم أو ادّعي عليه الاتفاق والإجماع بعد إثبات أصل وجوب الخمس في هذا القسم على استثناء المؤونة منها، والمراد منها كما سيأتي تفصيلها في مسألة إحدى وستين وما بعدها من المسائل غير مؤونة التحصيل الّتي لا يختصّ استثناؤها بهذا القسم، حيث لا يعدّ الربح ربحاً إلّا بعد وضعها، بل هي ما ينفقه الشخص على نفسه وعياله الواجبي النفقة وغيرهم كالضيف طول السنة على ما يليق بحاله من دون أن يكون فيها سرفاً أو تبذيراً، فإن تبذّر أو أسرف حُسب عليه ما زاد، قال السيّد رحمه الله في «الانتصار»:

وممّا انفردت به الإمامية القول بأنّ الخمس واجب من جميع المغانم والمكاسب، وما استخرج من المعادن والغوص والكنوز وما فضل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات بعد المؤونة والكفاية في طول السنة على اقتصاد(1).

وقال السبزواري رحمه الله في «الكفاية»:

ومذهب الأصحاب أنّ الخمس إنّما يجب في الأرباح والفوائد إذا فضلت عن مؤونة السنة له ولعياله، وفي المنتهى أنّه قول علمائنا أجمع(2).

ص: 385


1- «الانتصار في انفرادات الإماميّة» ص225، المسألة الرقم 114.
2- «كفاية الأحكام» ج1/212.

وقد أشار إليه بصورة الإجمال في «المصابيح» حيث قال:

وجوبه بعد المؤونة إجماعيّ، بل وضروريّ المذهب(1).

وقال في «الجواهر»:

ممّا يجب فيه الخمس ما يفضل عن مؤونة السنة على الاقتصاد له ولعياله من أرباح التجارات والصنعات والزراعات لا خلاف معتدٍ به أجده فيه، بل في الخلاف والغنية والتذكرة والمنتهى الإجماع عليه، بل في ظاهر الانتصار والسرائر أو صريحهما ذلك، بل أرسله في الرياض عن الشهيد الثاني أيضاً، بل في الأخيرين من الأربعة دعوى تواتر الأخبار به، وهو الّذي استقرّ عليه المذهب والعمل في زماننا هذا، بل وغيره من الأزمنة السابقة الّتي يمكن دعوى اتصالها بزمان أهل العصمة: (2).

وكيف كان تدلّ على ذلك بالصرّاحة أو بالإطلاق روايات مستفيضة، مثل صحيحة عليّ بن مهزيار عن محمّد بن الحسن الأشعري قال: كَتَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى أبي جَعْفَرٍ الثاني علیه السلام: أَخْبِرْنِي عَنِ الْخُمُسِ أَ عَلَى جَمِيعِ مَا يَسْتَفِيدُ الرَّجُلُ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ مِنْ جَمِيعِ الضُّرُوبِ وَعَلَى الصُّنَّاعِ، وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ فَكَتَبَ بِخَطِّهِ: «الْخُمُسُ بَعْدَ الْمؤونة» (3).

ص: 386


1- «مصابيح الظلام للمحقق البهبهاني» ج11/67.
2- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/45. قريب منه المحقق النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/63، و....
3- «التهذيب» ج4/123، الحديث 352، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 181، و«وسائل الشيعة» ج9/499، الحديث 12579.

وصحيحة اُخری عنه قال: قال لي أبو عليّ بن راشد: قلت له: أَمَرْتَنِي بِالْقِيَامِ بِأَمْرِكَ وَأَخْذِ حَقِّكَ، فَأَعْلَمْتُ مَوَالِيَكَ بِذَلِكَ، فَقَالَ لِي بَعْضُهُمْ: وَأَيُّ شيء حَقُّهُ؟ فَلَمْ أَدْرِ مَا أُجِيبُهُ، فَقَالَ: «يَجِبُ

عَلَيْهِمُ الْخُمُسُ، فَقُلْتُ فَفِي أيّ شيء؟ فَقَالَ: في أَمْتِعَتِهِمْ وَصَنَائِعِهِمْ، قُلْتُ: وَالتَّاجِرُ عَلَيْهِ وَالصَّانِعُ بِيَدِهِ؟ فَقَالَ: إِذَا أَمْكَنَهُمْ بَعْدَ مَؤُونَتِهِمْ»(1).

وما كتبه الجواد أو الهادي صلی الله علیه و آله و سلم في بيان كيفية إخراج الخمس في صحيحة اُخری عنه: «الْخُمُسُ بَعْدَ مَؤُونَتِهِ وَمؤونة عِيَالِهِ وَبَعْدَ خَرَاجِ السُّلْطَانِ»(2).

وصحيحة أحمد بن محمّد عن بن أبي نصر قال: كَتَبْتُ إِلَى أبي جعفر علیه السلام الْخُمُسُ أُخْرِجُهُ قَبْلَ الْمؤونة أَوْ بَعْدَ الْمؤونة؟ فَكَتَبَ: «بَعْدَ الْمؤونة»(3)، الدالّة بؤطلاقها على استثناء مطلق المؤونة، مؤونة العمل ومؤونة الرّجل.

وصحيحة اُخرى عن إبراهيم بن محمّد الهمداني أنّ في توقيعات الرّضا علیه السلام إليه: «أَنَّ

الْخُمُسَ بَعْدَ الْمؤونة»(4).

وخبر عليّ بن مهزيار عن عليّ بن محمّد بن شجاع النّيسابوري أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا

ص: 387


1- «التهذيب» ج4/123، الحديث 353، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 182، و«وسائل الشيعة» ج9/500، الحديث 12581.
2- «التهذيب» ج4/123، الحديث 354، «الاستبصار» ج2/55، الحديث 183، و«وسائل الشيعة» ج9/500، الحديث 12582.
3- «الكافي» ج1/458، الحديث 13، و«وسائل الشيعة» ج9/508، الحديث 12597.
4- «من لا يحضره الفقيه» ج2/22، الحديث 80، و«وسائل الشيعة» ج9/508، الحديث 12598.

الْحَسَنِ الثَّالِثَ علیه السلام عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ مِنْ ضَيْعَتِهِ مِنَ الْحِنْطَةِ مِائَةَ كُرِّ مَا يُزَكَّى، فَأُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ عَشَرَةُ أَكْرَارٍ، وذَهَبَ مِنْهُ بِسَبَبِ عِمَارَةِ الضَّيْعَةِ ثَلَاثُونَ كُرّاً وَبَقِيَ في يَدِهِ سِتُّونَ كُرّاً، مَا الّذي يَجِبُ لَكَ مِنْ ذَلِكَ؟ وَهَلْ يَجِبُ لِأَصْحَابِهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ شيء؟ فَوَقَّعَ علیه السلام: «لِي مِنْهُ الْخُمُسُ مِمَّا يَفْضُلُ مِنْ مَؤُونَتِهِ»(1).

ومرسلة العيّاشي في تفسيره عن إبراهيم بن محمّد قال: كَتَبْتُ إِلَى أبي الْحَسَنِ الثَّالِثِ علیه السلام أَسْأَلُهُ عَمَّا يَجِبُ في الضِّيَاعِ؟ فَكَتَبَ: «الْخُمُسُ بَعْدَ الْمؤونة، قَالَ: فَنَاظَرْتُ أَصْحَابَنَا فَقَالُوا: الْمؤونة بَعْدَ مَا يَأْخُذُ السُّلْطَانُ وَبَعْدَ مؤونة الرَّجُلِ، فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ: أَنَّكَ قُلْتَ: الْخُمُسُ بَعْدَ الْمؤونة، وَإِنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا في الْمؤونة، فَكَتَبَ: الْخُمُسُ بَعْدَ مَا يَأْخُذُ السُّلْطَانُ وَبَعْدَ مؤونة الرَّجُلِ وَعِيَالِهِ»(2).

ص: 388


1- «التهذيب» ج4/16، الحديث 39، و«الاستبصار» ج2/17، الحديث 48، و«وسائل الشيعة» ج9/500، الحديث 12580.
2- «تفسير العيّاشي» ج2/63، الحديث 61، و«بحار الأنوار» ج93/193، و«مستدرك الوسائل» ج7/285، الحديث 8237.

ما استدلّ به على أنّ المراد بالمؤونة هنا مؤونة السنة:

لا إشكال في أنّ المراد بالمؤونة في هذه الرّوايات وإن لم تصرح به صريحاً هي مؤونة السنة، بل ادّعي عليه غير واحد الإجماع، منهم العلّامة رحمه الله في كتابي «التذكرة» و«المنتهى» حيث قال:

ولا يجب في فوائد الاكتسابات والأرباح في التجارات والزراعات شيء إلّا فيما يفضل عن مؤونته ومؤونة عياله سنة كاملة. ذهب إليه علماؤنا(1).

والّذي يمكن أن يستدلّ به على المطلوب اُمور، هي:

الأوّل: أنّ تقارن الخمس وخراج السلطان في صحيحة إبراهيم بن محمّد الهمداني، ومرسلة العياشي المقدمتان وأنّ الغالب في الثاني أخذها في كلّ سنة مرّة واحدة، قرينة على كون الأوّل أيضاً مثله.

الثاني: أنّه قد صرّح بتقييد الخمس بالعام في أربع مواضع في صحيحة عليّ بن مهزيار الطويلة في قوله علیه السلام: «إِنَّ الّذي أَوْجَبْتُ في سَنَتِي هَذِه...»، «وَإِنَّمَا أَوْجَبْتُ عَلَيْهِمُ الْخُمُسَ في سَنَتِي هَذِهِ في الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الّتي قَدْ حَالَ عَلَيْهِمَا الْحَوْل...»، «فَأَمَّا الْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ فهي وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلِّ عَامٍ...»، «فَأَمَّا الّذي أُوجِبُ مِنَ الضِّيَاعِ وَالْغَلَّاتِ في كُلِّ عَام»(2)، وهذا التقييد وإن ورد في تلك السنة

ص: 389


1- «منتهی المطلب في تحقيق المذهب» ج8/552، و«تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج5/428.
2- «التهذيب» ج4/141، الحديث 398، و«الاستبصار» ج2/60، الحديث 198، و«وسائل الشيعة» ج9/502، الحديث 12583.

(أي سنةعشرين ومائتين) إلّا أنّه بعد ما ينظر إلى ما دلّ على استثناء المؤونة من وجوب الخمس يحمل على ما هو مركوز عند النّاس بأنّه يحاسب دائماً بصورة سنويّة.

الثالث: سيرة العرف والعقلاء وكذلك المتشرعة بما هم أهل الشرع لمحاسبة ما يحصل لهم بعنوان الرّبح أو الضّرر في تجاراتهم وصناعاتهم وزراعاتهم وإجاراتهم ونحوها الّتي لم يردع عنها الشارع، وكذا ما ينتظمون الحكومات والشركات التجاريّة والماليّة في برامجهم الاقتصاديّة الرائجة قد جرت على كونها بصورة السنويّة، فإنّهم وإن كانت لهم برامج يوميّة أو الاُسبوعيّة أو الشهريّة أو الفصليّة، إلّا أنّها تلاحظ ذيل تلك البرمجة السنويّة، ويحاسبون أرباحهم وخساراتهم بحسب مجموع السنة.

الرابع: أنّ باب الخمس والزكاة باب واحد، بل الأوّل بدل عن الثاني في المصرف لما حُرّموا بني هاشم من الصّدقات فعوّض الله لهم الخمس، وقد ورد في روايات الزكاة أنّ مدار الفقر والغناء لجواز أخذ الفقير الزكاة على السنة، فيستفاد منها أنّ معيار محاسبة المؤونة في كلا المقامين هو السنة، منها: موثقة عليّ بن إسماعيل الدّغشي قال: سألت أبا الحسن الكاظم أو الرّضا علیه السلام عَنِ السَّائِلِ وَعِنْدَهُ قُوتُ يَوْمٍ أَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ، وَإِنْ أُعْطِيَ شَيْئاً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْأَلَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْبَلَهُ؟ قَالَ: «يَأْخُذُ وَعِنْدَهُ قُوتُ شَهْرٍ مَا يَكْفِيهِ لِسَنَتِهِ مِنَ الزَّكَاةِ لِأَنَّهَا إِنَّمَا هِيَ مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ»(1).

ص: 390


1- «علل الشرائع» ص371، الحديث 1، و«وسائل الشيعة» ج9/233، الحديث 11911.

ومرفوعة محمّد بن محمّد المفيد في المقنعة عن يونس بن عمّار قال:سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول: «تَحْرُمُ الزَّكَاةُ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ قُوتُ السَّنَةِ (وَتَجِبُ الْفِطْرَةُ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ قُوتُ السَّنَةِ)...»(1).

ومرسلة حمّاد عن العبد الصّالح علیه السلام: «يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ في مَوَاضِعِهِمْ بِقَدْرِ مَا يَسْتَغْنُونَ بِهِ في سَنَتِهِمْ بِلَا ضِيقٍ وَلَا تَقْتِير»(2).

ثمّ إنّه حيث لم يرد تقييد المؤونة بلفظ السنة في شيء من الرّوايات، بل تستفاد من سيرة العقلاء وأهل العرف، فلا فرق في جعلها مداراً للخمس بين كونها هلاليّة أو شمسيّة، لا سيّما بالنسبة إلى أرباح الّتي كالزراعات تدور على مدار السنة الشمسيّة، وكذا من كان حوله تدور على هذه السنة.

ص: 391


1- «المقنعة» ص40، و«وسائل الشيعة» ج9/234، الحديث 11914.
2- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/266، الحديث 11989.

ما المراد من الرّبح في المقام؟

حيث إنّ الفوائد الّتي يحوزها الإنسان على أقسام، لأنّها إمّا أن تحصل بالاكتساب كالتجارة والصناعة والزراعة والإجارة، وإمّا أن تحصل بشرط القبول فقط كالجوائز والهدايا، وإمّا أن تدخل في ملك الإنسان بلا اختيار كالإرث وهو أيضاً على قسمين لأنّه إمّا محتسب أو غير محتسب، فقد وقع الخلاف في أنّ المراد من الربح هنا هل هو خصوص الأرباح المكتسبة من طريق التجارة، أو الصناعة، أو الزراعة، أو حيازة المباحات، أو التعليم، أو الإجارة واُجرة العبادات الاستيجارية ونحوها؟ أو هو أعمّ منها ومن الّتي يُملك بشرط القبول؟ أو أعمّ منهما ومن الّتي لا الاختيار في تحصيله أصلاً سواء كان محتسباً أم لا؟ أو هو أعمّ منهما ومن خصوص غير المحتسب من الأخير فقط؟

لا إشكال في تعلّق الخمس بكلّ فائدة مكتسبة فاضلة على المؤونة من دون فرق بين أنواعها، لكونها هي القدر المتيقّن من أخبار الباب، وأنّ الأصل هو براءة الذّمة عن التكليف بالزائد.

إنّما الكلام في الأقسام الثلاثة الباقية، فهل هي كالفوائد المكتسبة أو ما تملك بشرط القبول فقط، أو هما مع غير ما يحتسب من الّتي لا الاختيار في تحصيله؟ قد اختلفت فيهما الأنظار وكلمات الأصحاب، فهم بين قائل بالإلحاق مطلقاً لأنّه مقتضياً للاحتياط وموافقاً لما صرّح به أكثر أرباب اللغة من أنّ الغنيمة هي كلّ مال مظفور به، أو الفوز بالشيء بلا مشقّة، أو تناول مال لم يكن مالكاً من

ص: 392

قبل ربحاً كان أو بالأصالة ومن غير معامل، على اختلاف تعابيرهم في تفسيره(1)، حيث يصحّ كونها كذلك على الجميع.

وقائل باختصاص الحكم في الفوائد المكتسبة وفيما يعتبر في حصوله إلى القبول كالهبة والجائزة فإنّه ملحق بالكسب، وأمّا ما لا يعتبر في حصوله ذلك كالميراث فلا يعمّه الحكم.

وقائل بالتفصيل في الأخير بين المحتسب منه فلا يشمله الحكم، وغير المحتسب فيشمله الحكم لما دلّ عليه النصّ مفهوماً ومنطوقاً.

ظاهر الشيخ رحمه الله هو تخصيص الحكم بالأرباح المكتسبة فقط، بل وعن ابن ادريس الحلّي رحمه الله التصريح بعدم الخمس في الفوائد الإعطائية مطلقاً واستقربه العلّامة قدس سره، واختاره النراقي رحمه الله في «مستنده» ونسبه إلى المشهور.

فقال في «الخلاف»:

يجب الخمس في جميع المستفاد من أرباح التجارات، والغلات، والثمار على اختلاف أجناسها بعد إخراج حقوقها ومؤنها، وإخراج مؤونة الرجل لنفسه ومؤونة عياله سنة. ولم يوافقنا على ذلك أحد من الفقهاء، دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك، لأنّه إذا أخرج الخمس عمّا ذكرناه كانت ذمّته بريئة بيقين، وإن لم يخرج ففي براءة ذمّته خلاف(2).

ص: 393


1- راجع إلی معنی الغنيمة عند العلماء اللغة في مبحث «دليل وجوب الخمس» في أوائل مباحث هذا الكتاب.
2- «الخلاف» ج2/118، المسألة الرقم 139 من مسائل كتاب الزكاة.

وقال في «السرائر»:

ويجب إخراج الخمس من المعادن والكنوز على الفور، بعد أخذها، ولا يعتبر مؤون السنة، بل يعتبر بعد إخراج مؤنها ونفقاتها، إن كانت تحتاج إلى ذلك. وأمّا ما عدا الكنوز، والمعادن، من سائر الاستفادات، والأرباح والمكاسب، والزراعات فلا يجب فيها الخمس بعد أخذها وحصولها بل بعد مؤونة المستفيد ومؤونة من تجب عليه مؤونته، سنة هلالية، على جهة الاقتصاد، فإذا فضل بعد نفقته طول سنته شيء أخرج منه الخمس، قليلاً كان الفاضل أو كثيراً...، ثمّ زاد: وقال بعض أصحابنا: إنّ الميراث والهدية والهبة فيه الخمس، ذكر ذلك أبو الصلاح الحلبي في كتاب الكافي الّذي صنّفه، ولم يذكره أحد من أصحابنا، إلّا المشار إليه، ولو كان صحيحاً لنقل نقل أمثاله متواتراً، والأصل براءة الذمّة، فلا نشغلها(1).

وقال العلّامة رحمه الله :

قال أبو الصلاح: يجب الخمس في الميراث والصدقة والهبة، ومنعه ابن إدريس، وهو الأقرب. لنا: أنّ الأصل براءة الذمة، ولم يقم دليل منافٍ، فيبقى سالماً عن المعارض، احتجّ بأنّه نوع اكتساب، فيدخل تحت عموم الاغتنام، والجواب: المنع من المقدمة الاُولى(2).

ص: 394


1- «السرائر الحاوي لتحرير الفتاوی» ج1/489 - 490.
2- «مختلف الشيعة في أحكام الشريعة» ج3/315 .

وقال النراقي رحمه الله :

لا يجب الخمس في الميراث، والصداق، والصدقة، والهبة، ونحوها، على الحقّ المشهور، بل في السرائر: أنّه شيء لم يذكره أحد من أصحابنا غير أبي الصلاح، لما عرفت من اختصاص ثبوت الخمس في الفوائد المكتسبة وصدقها على هذه الاُمور غير معلوم...، وإثبات الخمس في بعض الرّوايات في الجائزة أو الميراث غير مفيد، لضعف البعض سنداً، والكلّ بمخالفة الشهرة القديمة والجديدة والشذوذ(1).

ممّن صرّح بالتعميم مطلقاً من الأصحاب أبو الصلاح الحلبي رحمه الله (م 447 ه-)، وقد جعله الشهيدان في «الروضة» كونه حسناً، ومال إليه في «الحدائق»، فقال في «الكافي»:

فرض الخمس مختصّ بقليل المستفاد بالحرب من الكفار من مال أو رقيق أو كراع أو سلاح أو غير ذلك، مما يصحّ نقله قليله وكثيرة، وما بلغ من الكنوز ما تجب فيه أو في مثل قيمته الزكاة، وما بلغ من المأخوذ من المعادن والمخرج بالغوص قيمة دينار فما زاد، وما فضل عن مؤونة الحول على الاقتصاد من كلّ مستفاد بتجارة أو صناعة أو زراعة أو إجارة أو هبة أو صدقة أو ميراث أو غير ذلك من وجوه الإفادة، وكلّ ما اختلط حلاله بحرامه ولم يتميّز أحدهما من الآخر ولا يعيّن مستحقّه(2).

ص: 395


1- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/52.
2- «الكافي في الفقه» ص170، و«سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج5/107.

وقال في «الروضة»:

وأوجبه (الخمس) أبو الصلاح في الميراث، والصدقة، والهبة، محتجاً بأنّه نوع اكتساب وفائدة، فيدخل تحت العموم، وأنكره ابن إدريس والعلّامة، للأصل، والشك في السبب، والأوّل حسن، لظهور كونها غنيمة بالمعنى الأعم فتلحق بالمكاسب، إذ لا يشترط فيها حصوله اختياراً فيكون الميراث منه(1).

وقال في «الحدائق»:

هل يجب الخمس في الميراث والصداق والهبة والهدية؟ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب الخمس في جميع أنواع المكاسب من الزراعات والصناعات والتجارات عدا الميراث والصدقة والهبة، ونقل عن أبي الصلاح وجوبه في الميراث والهبة والهدية وأنكر ذلك ابن إدريس وقال هذا شيء لم يذكره أصحابنا غير أبي الصلاح...، وبالجملة فإنّه متى فسّرت آية الغنيمة بما هو أعمّ من غنيمة دار الحرب كما عرفته من الأخبار فإنّ هذه الأشياء تدخل فيها البتة وتخرج الأحاديث الواردة في هذه الأشياء على الخصوص شاهدة لذلك، وبه يظهر قوّة القول (بالتعميم) المذكور(2).

ص: 396


1- «الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة (المحشی - كلانتر)» ج2/73 - 74.
2- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/351 - 352.

ومن القائلين بالتعميم إجمالاً شيخنا الاُستاذ (دام ظّله) حيث قال:

إنّ ظاهر كلّ من استدلّ بالآية الشريفة هو عدم الفرق بين أرباح المكاسب وغيرها من الفوائد، والحكم بالعموم قويّ جداً(1).

يظهر من بعض منهم ك- «الخلاف» و« السرائر» و«المستند» أنّ القول باختصاص الحكم بالفوائد المكتسبة هو ممّا تسالم عليه الأصحاب وأنّ المخالف هو الحلبي، في حين أنّه يظهر من العلّامة في «المختلف» أنّ القول بتعميم المطلق هو ممّا وافق عليه الإمامية حيث أسند الخلاف إلى ابن إدريس خاصّة.

ثمّ إنّه استقوى الشيخ الأعظم رحمه الله تعميم الحكم في كلّ ما يعتبر في حصوله منها إلى القصد، كالهبة والجائزة، فإنّها حيث تحتاج إلى القبول فهي في الحقيقة نوع من التكسب وتشملها العمومات، دون ما لا يعتبر فيه ذلك، حيث قال:

إنّ تعميم العنوان لما يحصل من غير قصد مشكل، بل لا وجه له؛ لضعف ما تقدّم من أخبار العموم، واختصاص كلمات الأصحاب ومعاقد الإجماعات بما يحصل بالقصد، فلا يبقى في تمسّكهم بالآية شهادة على عموم فتواهم لما يحصل من غير قصد، مع أنّ صريح جماعة كالمحقق في «الشرائع»، والعلّامة في محكي «المنتهى»، والفقيه المقداد في «كنز العرفان»، والشهيد في «الروضة»، وصاحب «مجمع البحرين» أنّ الغنيمة هي الفائدة المكتسبة، ولذا منع في

ص: 397


1- راجع: «أنوار الفقاهة، كتاب الخمس والأنفال» ص245.

«المختلف» من صدق الاكتساب على تملّك الإرث في مقام ردّ الحلبي، فالاقتصار على ما يصدق عليه الاكتساب والاستفادة أقوی(1).

وقال السيّد الخوئي رحمه الله في مقام الفرق بين الميراث المحتسب وغير المحتسب منه:

وأمّا التفصيل المزبور فلا بأس به، وقد دلّت عليه صريحاً صحيحة عليّ بن مهزيار الطويلة، ولا موجب لرفع اليد عنها بعد صحّة السند وصراحة الدلالة. وما ذكر آنفاً من أنّه لو كان ثابتاً لنقل بالتواتر، لا يجري في هذا القسم من الإرث، لندرته وشذوذه وخروجه عن محلّ ابتلاء العموم، فعدم التعرّض له في كلمات المتقدّمين من الفقهاء لا يدلّ على عدم التزامهم بالوجوب بوجه، فلا موجب لطرح الرواية إلّا أن يدّعى الإجماع على خلافها، ولم يثبت قطعاً(2).

وكيف كان علينا أن نراجع إلى ما يستفاد من الأدلة والنصوص حتی يتّضح لنا القول الصواب في المقام، فنقول: أمّا الآية الكريمة، فظاهرها هو بسط الحكم بجميع ما تقدّم من المصاديق لما عرفت من تفسير الغنيمة عند أهل اللغة والعرف بمطلق الفوائد المكتسبة والإعطائية، فمفهوم الآية عام يشمل جميع المنافع سواء كانت حاصلة من طريق أرباح المكاسب أو غيرها.

وأمّا الأخبار فقد وردت أيضاً روايات متظافرة يستفاد منها العموم، منها صحيحة سماعة قال: سألت أبا الحسن الكاظم علیه السلام عَنِ الْخُمُسِ؟ فَقَالَ: «فِي كُلِّ

ص: 398


1- «كتاب الخمس (للشيخ الأنصاري)» ص82.
2- «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/216، و«مستند العروة، كتاب الخمس» ص214.

مَاأَفَادَ النَّاسُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ»(1).

ومنها موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: كَتَبْتُ إِلَيْهِ في الرَّجُلِ يُهْدِي إِلَيْهِ مَوْلَاهُ وَالْمُنْقَطِعُ إِلَيْهِ هَدِيَّةً تَبْلُغُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ هَلْ عَلَيْهِ فِيهَا الْخُمُسُ؟ فَكَتَبَ علیه السلام: «الْخُمُسُ في ذَلِكَ، وَعَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ في دَارِهِ الْبُسْتَانُ فِيهِ الْفَاكِهَةُ يَأْكُلُهُ الْعِيَالُ إِنَّمَا يَبِيعُ مِنْهُ الشيء بِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ خَمْسِينَ دِرْهَماً هَلْ عَلَيْهِ الْخُمُسُ؟ فَكَتَبَ: أَمَّا مَا أُكِلَ فَلَا، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَنَعَمْ، هُوَ كَسَائِرِ الضِّيَاعِ»(2).

ومنها خبر بل موثقة أحمد بن محمّد بن عيسی عن يزيد (وفي نسختين من الكافي ابن يزيد) قال: كَتَبْتُ جُعِلْتُ لَكَ الْفِدَاءَ تُعَلِّمُني مَا الْفَائِدَةُ، وَمَا حَدُّهَا؟ رَأْيَكَ أَبْقَاكَ اللَّهُ أَنْ تَمُنَّ عَلَیَّ بِبَيَانِ ذَلِكَ لِكَيْ لَا أَكُونَ مُقِيماً عَلَى حَرَامٍ لَا صَلَاةَ لِي وَلَا صَوْمَ، فَكَتَبَ: «الْفَائِدَةُ مِمَّا يُفِيدُ إِلَيْكَ في تِجَارَةٍ مِنْ رِبْحِهَا وَحَرْثٌ بَعْدَ الْغَرَامِ أَوْ جَائِزَةٌ»(3).

ومنها ما رواها الحسن بن عليّ بن شعبة في «تحف العقول» عن الرّضا علیه السلام في كتابه إلی المأمون قال: «وَالْخُمُسُ

مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ مَرَّةً وَاحِدَةً»(4).

ومنها ما رواها عيسی بن المُستفاد عن أبي الحسن موسی بن جعفر عن أبیه علیه السلام أَنَّ رَسُولَ الله صلی الله علیه و آله و سلم قَالَ لِأبي ذَرٍّ وَسَلْمَانَ وَالْمِقْدَادِ: «أَشْهِدُونِي عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، (إِلَى أَنْ قَالَ:) وَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أبي طَالِبٍ وَصِيُّ مُحَمَّدٍ

ص: 399


1- «الكافي» ج1/457، الحديث 11، و«وسائل الشيعة» ج9/503، الحديث 12584.
2- «وسائل الشيعة» ج9/504، الحديث 12588.
3- «الكافي» ج1/457، الحديث 12، و«وسائل الشيعة» ج9/503، الحديث 12585.
4- «تحف العقول» ص418، و«وسائل الشيعة» ج9/490، الحديث 12558.

وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّ طَاعَتَهُ طَاعَةُ اللَّهِ ورَسُولِهِ، وَالْأَئِمَّةَ مِنْ وُلْدِهِ، وَأَنَّ مَوَدَّةَ أَهْلِ بَيْتِهِ مَفْرُوضَةٌ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ مَعَ إِقَامِ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا وَإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ حِلِّهَا وَوَضْعِهَا في أَهْلِهَا، وَإِخْرَاجِ الْخُمُسِ مِنْ كُلِّ مَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ حتی يَرْفَعَهُ إِلَى وَلِیِّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَمِيرِهِمْ ومَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ»، الحديث(1).

هذا، وقد يقال إنّه إذا ثبت الخمس في أرباح المكاسب الّتي تحصل من كدّ اليد ففي ما نفعه الإنسان بغير الاكتساب بالأولوية والفحوى.

وقد استدلّ على ذلك أيضاً(2) بموثقة السكوني عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: «أَتَى رَجُلٌ أَمِيرَ المؤمنين علیه السلام فَقَالَ: إِنِّي كَسَبْتُ مَالاً أَغْمَضْتُ في مَطَالِبِهِ حَلَالاً وَحَرَاماً وَقَدْ أَرَدْتُ التَّوْبَةَ وَلَا أَدْرِي الْحَلَالَ مِنْهُ وَالْحَرَامَ وَقَدِ اخْتَلَطَ عَلَيَّ فَقَالَ أَمِيرُ المؤمنين علیه السلام: تَصَدَّقْ بِخُمُسِ مَالِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ رَضِيَ مِنَ الْأَشْيَاءِ بِالْخُمُسِ وَسَائِرُ الْمَالِ لَكَ حَلَالٌ»(3)، يلاحظ عليه بما مرّ من أنّ الخمس في المال الحلال المخلوط بالحرام لم يكن من قبيل الخمس في أرباح المكاسب، بل هو مخرج لما أوجبه الشارع هناك لتطهير المال المختلط تعبّداً.

نعم خرج عن العموم الميراث والهدية غير الخطيرة، فإنّهما وإن كانتا داخلينتحت العمومات المذكورة إلّا أنّهما استثنيا عن ذلك لما رواه عليّ بن مهزيار في ضمن حديث طويل صحيح عن أبي جعفر علیه السلام وفيه: «فَأَمَّا الْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ فهي

ص: 400


1- «وسائل الشيعة» ج9/553، الحديث 12695.
2- راجع: «أنوار الفقاهة، كتاب الخمس والأنفال» ص245.
3- «الكافي» ج5/125، الحديث 5، و«التهذيب» ج6/368، الحديث 1065، و«وسائل الشيعة» ج9/506، الحديث 12594.

وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلِّ عَامٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شيء قَدِيرٌ)، فَالْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فهي الْغَنِيمَةُ يَغْنَمُهَا الْمَرْءُ، وَالْفَائِدَةُ يُفِيدُهَا، وَالْجَائِزَةُ مِنَ الْإِنْسَانِ لِلْإِنْسَانِ الّتي لَهَا خَطَرٌ، وَالْمِيرَاثُ الّذي لَا يُحْتَسَبُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَا ابْنٍ، وَمِثْلُ عَدُوٍّ يُصْطَلَمُ فَيُؤْخَذُ مَالُهُ، وَمِثْلُ مَالٍ يُؤْخَذُ لَا يُعْرَفُ لَهُ صَاحِبٌ، وَمَا صَارَ إِلَى مَوَالِیَّ مِنْ أَمْوَالِ الْخُرَّمِيَّةِ الْفَسَقَة»(1)، فتدلّ الرّواية بمفهومها بعد صحّة السند وصراحة الدّلالة على أنّ الميراث المحتسب والهدية غير الخطيرة ليس فيهما شيء.

وأمّا مثل المال الموصى به، والمنذور به، والوقف الخاصّ، إذا تملّكه الموصى له أو المنذور له أو الموقوف له، فهي فائدة لا محالة وتدخل في الغنائم ويشملها الحكم. والظاهر عدم ثبوته في الدية والمهر وعوض الخلع الّذي تدفعه الزوجة لزوجها كي يطلّقها، لما يشترط في موضوع الحكم كونها فائدة وغنيمة، وهذا لا ينطبق على مثل ذلك عند أهل العرف، بل هو في النكاح عوض في مقابل البضع، وفي الطلاق عوض لحريّة الزوجة، وفي الدّية عوض عن العضو أو ما ذهب من منافع الشخص أو لطمات الّتي ترد على النفس.

وإن شئت قلت: إنّ الحكم في عوض الخلع، والمهر، والميراث المعهود، والدية فإنّها تثبت بحكم الشارع لا أنّها غنيمة وفائدة استفادها الشخص.

وبذلك يعلم أنّ ما اُبيح لشخص ليصرفه في اُموره ومعيشته مثل ما أباح

ص: 401


1- «التهذيب» ج4/141، الحديث 398، و«الاستبصار» ج2/60، الحديث 198، و«وسائل الشيعة» ج9/502، الحديث 12583.

المضيف لضيفه، ليس من قبيل الهبة والهدية، لعدم دخولها في ملكه، فلو بقي منها شيء آخر السنة لا يشمله الحكم.

وكذا ما يأخذه الإنسان بعنوان القرض، فلا يعدّ أيضاً فائدة وغنيمة، لما يجب عليه من أداء مثله أو قيمته، نعم لو كان القرض نجومياً ولخصوص رأس المال وأدّى أقساطه أو بعضه من منافع هذه السنة، فبمقدار ما أدّى منه يكون من منافعه وأرباحه يجب فيها خمسه في هذا الحول، وسيأتي مزيد بيان إن شاء الله في المسألة السادسة والستين.

ومحصّل الكلام كلّما يصحّ من هذه الفروض حمل عنوان الفائدة أو الغنيمة فقد يجب فيها الخمس، وما لا يصحّ فلا يجب.

ص: 402

بقي هنا مسائل:

ذكر هنا صاحب «العروة» مسائل بعضها ترتبط بفروع الأرباح، وبعضها الاُخرى بفروع المؤونة، فأمّا من الأوّل:

أمّا المسائل المرتبطة بفروعات الأرباح:

المسألة الاُولى: إذا علم أنّ مورثه لم يؤدّ خمس ما تركه.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا علم أنّ مورثه لم يؤدّ خمس ما تركه، وجب إخراجه سواء كانت العين الّتي تعلّق بها الخمس موجودة فيها، أو كان الموجود عوضها، بل لو علم باشتغال ذمّته بالخمس وجب إخراجه من تركته مثل سائر الديون(1).

قد ذكر السيّد رحمه الله في المسألة شقوقاً ثلاثة مشتركة في الحكم والنتيجة، إلّا أنّه في الصورة الاُولى يخرج الخمس من العين، وفي الصورتين الآخرتين من العوض أو ممّا ترك من أمواله، فالاُولى منها: ما لو علم أنّ مورثّه لم يؤدّ خمس ما تركه وكانت العين موجودة، والثانية: ما كانت العين غير موجودة لكن عوضها موجوداً كما إذا يتبدّل العين في أوساط السنة، أو بعدها قبل أن يخرج خمسه بإذن الحاكم أو فضولاً وأجاز الحاكم المعاملة الواقعة عليها وأراد أخذ الخمس منه، أو لم يمضه ويبطل المعاملة بمقدار الخمس فله أن يرجع إلى كلّ من البائع والمشتري لتوارد أيديهما عليها، وثالثتها: ما إذا لم تكن العين ولا عوضها

ص: 403


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/389، المسألة الرقم 50.

موجودتان، فلا إشكال في تمام الصّور في وجوب إخراجه على الورثة، لكونه من جملة الدّيون الّتي رتبتها مقدمة على الوصايا والإرث، فقد قال الله تبارك وتعالى: (يُوصيكُمُ اللَّهُ في أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا مَا تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصي بِها أَوْ دَيْن)، الآية(1).

هذا كلّه صور العلم، أمّا لو شك في تعلّق الخمس بالتركة، أو شك في أدائه بعد العلم بتعلّقه، فلا يجب إخراجه، لمقتضى ظهور اليد على الملكيّة، وحمل فعل المسلم على الصّحة، زائداً على استقرار السيرة على عدم إخراج الخمس من الميراث مع أنّ هذا الشك موجود في غالب موارده.

نعم الأحوط استحباباً إخراجه حينئذٍ بما يغلب معه الظنّ بالبراءة، حذراً عن فواته بعد ثبوته، لما ثبت في محلّه من اشتراك الأحكام ثبوتاً بين العالم والجاهل وافتراقهما في تنجّز التكليف إثباتاً(2).

ص: 404


1- «النساء»: 11.
2- لزيادة التوضيح راجع: «اُصول الفقه للعلّامة المظفر» ص392، مباحث الحجّة، مبحث «اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل».

المسألة الثانية:

هل يجب الخمس فيما ملك بالخمس أو الزكاة أو الصدقة المندوبة إذا زاد عن مؤونة السنة؟

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

لا خمس فيما ملك بالخمس أو الزكاة أو الصدقة المندوبة وإن زاد عن مؤونة السنة، نعم لو نمت في ملكه ففي نمائها يجب كسائر النماءات(1).

يأتي إن شاء الله في مسألة السادسة من مسائل «قسمة الخمس ومستحقّه» أنّه لا يجوز إعطاء الفقير ما زاد على مؤونة سنته على الأحوط بل على الأقوى، وبتبعه لا يجوز له أخذه، فعليه لا تتصوّر هذه المسألة إلّا بالنسبة إلى سهم الإمام علیه السلام الّذي ليس ملاكه الفقر، أو فيما أعطى الفقير مقدار مؤونة سنته إلّا أنّه قتّر على نفسه أو صار ضيفاً لغيره أو ما أشبه ذلك، وكيف كان فقد صرّح السيّد هنا بعدم الخمس، ونسبه صاحب «المستند» إلى جماعة، وعلّل ذلك عن بعضهم بأنّ المستحق من السّادة أو الفقراء يدفع إليه ما هو ملك له ويطلبه فلا تصدق الفائدة والغنيمة عليها حينئذٍ، لانصرافهما إلى ما اكتسبه الإنسان من طريق الصناعات والزراعات وأرباح التجارات وأمثالها، وخالفه كثير من محشي «العروة» منهم صاحب «المستند» نفسه، بأنّه لا يجري هذا التعليل في الصدقة المندوبة، ولا في الزكاة أيضاً بناءً على أنّ الفقير مصرف لها لا أنّه مالك للزكاة، وبمنع الكبرى بأنّه لا منافاة بين مطالبة الملك وصدق الفائدة، حيث إنّ الأجير مثلاً يطلب ملكه وهو الاُجرة، أو من باع بأكثر من الثمن يطلب ما يملكه مع

ص: 405


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/390، المسألة الرقم 51.

صدق الفائدة فيهما بالضرورة(1).

أضف إلى ذلك كلّه ما تقدّم من المعنى المستفاد من الآية الكريمة، وبعض الأخبار الواردة في المقام، وكذا ما صرّح به أكثر أرباب اللغة من تعميم مفهوم الفائدة والغنيمة لجميع المنافع سواء كانت حاصلة من طريق أرباح المكتسبة أو غيرها من الفوائد الإعطائية، خرج عنه الميراث، والهدية غير الخطيرة، فإنّهما وإن كانتا داخلين تحت تلك العمومات إلّا أنّهما استثنيا عنه لما رواه عليّ بن مهزيار في ضمن حديث صحيح عن أبي جعفر علیه السلام «فَالْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فهي الْغَنِيمَةُ يَغْنَمُهَا الْمَرْءُ، وَالْفَائِدَةُ يُفِيدُهَا، وَالْجَائِزَةُ مِنَ الْإِنْسَانِ لِلْإِنْسَانِ الّتي لَهَا خَطَرٌ، وَالْمِيرَاثُ الّذي لَا يُحْتَسَبُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَا ابْنٍ، وَمِثْلُ عَدُوٍّ يُصْطَلَمُ فَيُؤْخَذُ مَالُهُ، وَمِثْلُ مَالٍ يُؤْخَذُ لَا يُعْرَفُ لَهُ صَاحِبٌ، وَمَا صَارَ إِلَى مَوَالِيَّ مِنْ أَمْوَالِ الْخُرَّمِيَّةِ الْفَسَقَة»(2)، فما أخذه الشخص من الخمس أو الزكاة أو الصدقة المندوبة غنيمة بهذا المعنى، يشبه الهدية والجائزة، فإذا زاد عن مؤونة سنته يجب فيه الخمس كسائر ما كسبه من الأرباح، وإذا كان هذا حكم ما أخذه بعنوان الخمس أو الزكاة، ففى ما زاد عنها من نمائهما أظهر.

نعم إنّ هنا طريقاً آخر لعدم وجوب الخمس فيما أخذه الفقير بعنوان الخمس أو الزكاة، وهو أن لا يقصد التملّك حين الأخذ، بل أخذه بقصد مجرد

ص: 406


1- «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/224، و«مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص222 مع تفاوت يسير.
2- «التهذيب» ج4/141، الحديث 398، و«الاستبصار» ج2/60، الحديث 198، و«وسائل الشيعة» ج9/502، الحديث 12583.

إباحة التصرف، فإذا أراد أن يتصرف فيه تصرفاً متوقفاً على الملك قصده.

المسألة الثالثة: إذا اشترى شيئاً ثمّ علم أنّ البائع لم يؤدّ خمسه.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا اشترى شيئاً ثمّ علم أنّ البائع لم يؤدّ خمسه كان البيع بالنسبة إلى مقدار الخمس فضولياً، فإن أمضاه الحاكم يرجع عليه بالثمن ويرجع هو على البائع إذا أدّاه، وإن لم يمض فله أن يأخذ مقدار الخمس من المبيع، وكذا إذا انتقل إليه بغير البيع من المعاوضات، وإن انتقل إليه بلا عوض يبقى مقدار خمسه على ملك أهله(1).

من اشترى شيئاً ثمّ علم أنّ البائع (الّذي يعتقد الخمس) لم يؤدّ خمسه، كان البيع بالنسبة إلى مقدار الخمس فضولياً، وذلك لأنّ مقدار الخمس إمّا مملوك لأربابه بالإشاعة أو الكلّي في المعين، أو حقّ مالي مثل حقّ الرهانة وباع البائع ما لا يملكه، فكيف كان كان البيع لا أقلّ فضولياً بالنسبة إلى ذلك المقدار إن لم يكن بتمامة فضولياً بأن كان الجميع كالعين المرهونة في مقابل حقّ أرباب الخمس، وعلى أيّ حال فإن أجازه الحاكم صحّ البيع وانتقل الخمس إلى المشترى بحصّته من الثمن، وحينئذٍ إن كان البيع بثمن شخصي يرجع الحاكم إلى البائع ويأخذ خمس الثمن منه، وإن كان بثمن كلّي يرجع إلى المشترى ويأخذ منه مقداره ويرجع هو إلى البائع بمقداره لو دفعه إليه، أو يرجع في بدو الأمر إلى البائع من باب تعاقب الأيادي، وكذا الأمر في غير البيع من المعاوضات، وأمّا إن لم يجزه الحاكم سواء كان الانتقال منه بنحو المعاوضة أو

ص: 407


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/390، المسألة الرقم 52.

بنحو الهبة وشبهها، بطل العقد في مقدار الخمس، فعلى المنتقل إليه دفع عين الخمس، أو بدله، وكان للمشتري في صورة جهله بالحال عند المعاوضات خيار تبعض الصّفقة.

هذا كلّه إذا لم يؤدّه البائع الخمس حتی بلغ الأمر إلى الحاكم، أمّا لو أنّه أدّى الخمس بعد الانتقال فيحتمل أن يحكم بالصحّة من غير حاجة إلى الإجازة، لدخوله في كبرى مسألة «من باع شياً ثمّ ملكه»، إلى ذلك أشار فخرالمحققين رحمه الله في شرحه حيث قال:

إذا باع مال غيره ثمّ ملكه (يحتمل) الصحّة، لأنّ إجازة المالك موجبة لصحّة فعل المباشر، فملكه أبلغ، ولأنّ عقد الفضولي سبب صالح للتأثير عند وجود الشرط وقد تحقّق، ولزوال المانع، (وهل) يتوقف على إجازته إشكال من حيث إنّ الرّضا الأوّل لم يكن معتبراً لأنّه لم يكن مالكاً، ومن حيث تحقّق شرط اعتباره، (ويحتمل) البطلان لتضاد ملكي شخصين لشيء واحد بعينه وقد تحقّق أحد الضدين، فينتفي الآخر، (والتحقيق) أنّه إن قلنا بصحة بيع الفضولى صحّ البيع هنا من غير توقف على إجازة البايع(1).

ثمّ إنّه لو كان البائع ممن لا يعتقد الخمس، فيأتي إن شاء الله في مسألة تاسعة عشر من مسائل «قسمة الخمس ومستحقه» أنّه يحلّ له الأخذ منه بالمعاوضات وغيرها، ولا يجب عليه شيء.

ص: 408


1- «ايضاح الفوائد في شرح مشكلات القواعد» ج1/419.

المسألة الرابعة: في حكم النماءات المتصلة والمنفصلة والحكميّة.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا كان عنده من الأعيان الّتي لم يتعلّق بها الخمس، أو تعلّق بها لكنّه أدّاه فنمت وزادت زيادة متصلة أو منفصلة وجب الخمس في ذلك النماء، وأمّا لو ارتفعت قيمتها السوقية من غير زيادة عينيه لم يجب خمس تلك الزيادة، لعدم صدق التكسب ولا صدق حصول الفائدة، نعم لو باعها لم يبعد وجوب خمس تلك الزيادة من الثمن هذا إذا لم تكن تلك العين من مال التجارة ورأس مالها كما إذا كان المقصود من شرائها أو إبقائها في ملكه الانتفاع بنمائها أو نتاجها أو اُجرتها أو نحو ذلك من منافعها، وأمّا إذا كان المقصود الاتجار بها فالظاهر وجوب خمس ارتفاع قيمتها بعد تمام السنة إذا أمكن بيعها وأخذ قيمتها(1).

إذا كان هناك أعيان لا يتعلّق بها الخمس كالميراث، أو تعلّق بها لكنّه أدّاه ثمّ نمت وزادت، فهل يتعلّق بها الخمس أم لا؟

أقول: الزيادة قد تكون عينية، واُخرى حكميّة كزيادة قيمتها السوقيّة من دون زيادة في العين، ثمّ الزيادة العينية تارة تكون متصلة كالنموّ في الأشجار والسمن في الحيوان والصوف في الغنم، أو منفصلة كالفواكه على الشجر واللبن والنتاج في الحيوان، فعلى ذلك يقع الكلام في مقامات ثلاثة:

الأوّل: في الزيادة العينيّة المنفصلة.

الثاني: في الزيادة العينيّة المتصلة.

ص: 409


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/391، المسألة الرقم 53.

الثالث: في الزيادة الحكميّة لأجل ارتفاع القيمة السوقية.

وكلّ ذلك قد قصد بها الاسترباح، وقد لا يكون، فهل يكون الجميع داخلاً في الأرباح الّتي يتعلّق بها الخمس، أو لا يكون الجميع كذلك، أو فيها تفصيل، فبعضها يتعلّق به الخمس، وبعضها الآخر لا يتعلّق به ذلك؟ فنقول وبه نستعين:

أمّا الأوّل: أي الزيادة العينيّة المنفصلة، فلا شك في تعلّق الخمس بهذه الزيادة عند حلول السّنة مطلقاً سواء قصد به التكسب والاستبراح أم لا، لدخولها في الغنائم بالمعنى الأعمّ، وأنّ تابعيّة النماء للأصل على القول به إنّما هو في الملكيّة لا في جميع الأحكام والمسائل، كما دلّت عليه موثقة أبي بصير عن أبي عبداللّه علیه السلام حيث قال: كَتَبْتُ إِلَيْهِ...، عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ في دَارِهِ الْبُسْتَانُ فِيهِ الْفَاكِهَةُ يَأْكُلُهُ الْعِيَالُ إِنَّمَا يَبِيعُ مِنْهُ الشيء بِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ خَمْسِينَ دِرْهَماً هَلْ عَلَيْهِ الْخُمُسُ؟ فَكَتَبَ: أَمَّا مَا أُكِلَ فَلَا، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَنَعَمْ، هُوَ كَسَائِرِ الضِّيَاعِ»(1)، فهي بإطلاقها تشمل الزيادات العينيّة المنفصلة بأجمعها.

وأمّا الثاني، أي الزيادة العينية المتّصلة، فقد يفصّل فيه بين ما إذا قصد بها الاستبراح والانتفاع بأن تعدّ من قبيل الزيادة في رأس المال، فلا إشكال أيضاً في تعلّق الخمس بها بعد مضيّ السنة حتی إن لم يبعها لكنّه كان قابلاً له من دون أيّ مانع، وذلك لازدياد مال التجارة بأنّه كان فيما مضى كذا والآن يكون كذا، فتصدق الفائدة والربح.

وأمّا إذا لم يكن بذلك القصد كما إذا يسمن الحيوان أو تنمو الشجرة فإنّها في

ص: 410


1- «وسائل الشيعة» ج9/504، الحديث 12588.

الحقيقة فوائد بالقوّة بمعنى أنّه إذا باعها وأخذ الثمن صدق عليه الفائدة، فلا يتعلّق بها الخمس فعلاً لما جرت عليه السّيرة المستمرة الكاشفة عن تقرير المعصوم علیه السلام على عدم محاسبة قيمة النموّ والسّمن في كلّ سنة فيما وصل إليه من طريق الإرث وشبهه إذا زادت فيه هذه الزيادات حتی يدفع خمسها، ولوكان ذلك واجباً للزم أن يكون ظاهراً ومشتهراً بين الناس لشدّة الابتلاء بها.

ثمّ إنّه مال المحقّق الهمداني رحمه الله بعدم وجوب الخمس في هذين القسمين إذا لم يقصد بذلك الانتفاع والاسترباح، بأنّها حينئذٍ تابعة بأصلها، حيث قال:

وأمّا نماء الإرث والهبة ونحوها فالأشبه أنّه كأصله لا يتعلّق به الخمس ما لم يقصد بإبقائه الاسترباح والتكسب، كما صرّح به بعض، خلافاً لآخرين، فكلّما اتخذه للاكتساب فظهر فيه ربح بنماء أو إثمار أو انتاج تعلّق به الخمس، ولو أراد الاكتساب والاسترباح بفوائده لا بأصله دخلت فوائده دون زيادة أعيانه كما صرّح بهما كاشف الغطاء(1).

وأمّا المقام الثالث أي الزيادة الحكميّة فيما إذا أدّى خمس الأصل، أو ملك وكان كالميراث ممّا لا يتعلّق به الخمس ثمّ عالت قيمته السوقية من غير زيادة في العين، فقد اختلف فيه الأقوال والكلمات، في حين ما أفتى العلّامة رحمه الله ظاهراً في «التحرير» بعدم وجوب الخمس في هذه الزيادة مطلقاً، قيّده في «المنتهى» بما إذا لم تباع العين، واستظهر السيّد رحمه الله صاحب «العروة» هنا كما مرّ وجوب خمسها بعد تمام السنة بعد بيعها وأخذ ثمنها، واستقربه في «الحدائق» إذا قصد به الاكتساب، ويظهر من الشهيد رحمه الله في «الروضة» وجوب خمسها وإن لم تباع

ص: 411


1- «مصباح الفقيه» ج19/269.

العين، والظاهر أنّ كلّ من شرط في وجوب الخمس هنا البيع أراد به كما يستفاد من عباراتهم بيعها مع أخذ ما بإزائها من الثمن، نذكر فيما يلي بعض كلماتهم في المقام:

قال العلّامة رحمه الله في «التحرير»:

ولو زادت القيمة لتغيّر السعر لا لزيادة فيه لم يجب(1)، وقال في «المنتهى»: لو زادت قيمته السوقيّة من غير زيادة فيه ولم يبعه لم يجب عليه شيء(2).

ومثله ما قاله المحقّق النراقي رحمه الله في «المستند»:

وزيادة القيمة السوقيّة قبل البيع ليست فائدة مكتسبة...، لعدم حصول زيادة له بعد، والزيادة إنّما هى فرضيّة، أي لو باع السلعة تحصل له الفائدة، ولاستصحاب عدم وجوب الخمس فيه، نعم لو باعه بنقد أو جنس وجب الخمس في القدر الزائد...، لصدق حصول الفائدة(3).

وقال في «الحدائق»:

وهل يكفي ظهور الربح في أمتعة التجارة، أم يحتاج إلى البيع والانضاض؟ وجهان: ولعلّ الثاني هو الأقرب(4).

ص: 412


1- «تحرير الأحكام الشرعيّة علی مذهب الإماميّة (ط - الحديثة)» ج1/439.
2- «منتهی المطلب في تحقيق المذهب» ج8/541.
3- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/33.
4- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/354.

وقال في «الروضة»:

الرابع (ممّا يجب فيه الخمس): أرباح المكاسب من تجارة، وزراعة، وغرس، وغيرها مما يكتسب من غير الأنواع المذكورة قسيمها ولو بنماء وتولّد وارتفاع قيمة، وغيرها، خلافاً للتحرير حيث نفاه في الارتفاع(1).

فمحصّل الأقوال أربعة: عدم الخمس في هذه الزيادة مطلقاً، سواء أخذه بقصد الاسترباح أم لا، باعه أو لا، ووجوبه في هذا الفرض بشرط البيع، أو وجوبه في خصوص ما إذا كتسبه بقصد الاسترباح والانتفاع باعه أم لا، أو وجوبه في هذا الفرض بعد البيع وأخذ الثمن.

والتحقيق يقتضي أن نفصّل في المقام بأنّه إن كان سبب ارتفاع القيم قانون العرض والطلب، كقيم الفواكه في أوائل أوقات عرضها وأواسطها، فحيث كان العرض في أوائل أوقات حصولها بالنسبة إلى طلبها قليلاً كانت الأسعار حينئذٍ غالية، وكلّما ازداد العرض رخّصت الأثمان، فهذا الارتفاع إذا أمكن بيعها وأخذ ثمنها فيما كان المقصود بها الانتفاع والاسترباح تحسب لا محالة عند الحول ومحاسبة الخمس.

وأمّا إن كان السبب هو هبوط قوّة الشراء في النقود الّذي نسمّيه اليوم ب- «تورم الاقتصادي» بأن تزداد القيم السوقيّة في كلّ شهر واُسبوع بل في كلّ يوم وصباح ومساء، في جميع الأجناس بنسبة واحدة أو بنسب مختلفة متقاربة، الّذي منشؤه الاعتماد على النقود الورقيّة الاعتباريّة الّتي لا ماليّة لها واقعاً، إذ هي إن طبعت بمقدار الأموال المتولدة في المصانع وغيرها كانت القيم ثابتة في الجملة، وإن

ص: 413


1- «الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة (المحشی - كلانتر)» ج2/66.

طبعت أكثر أو أقلّ من ذلك غلّت الأسعار أو رخّصت، فلا يجب تخمسيها حينئذٍ لعدم صدق كونها غنيمة عرفاً، ولا أقلّ من الشك والأخذ ببراءة الذمّة عن التكليف، ومن هنا لو حان وقت أداء الديون المؤجّلة في باب النقود الورقيّة، أو طلبها الغريم في غير المؤجّلة ولم يف بها المديون حتی نقصت ماليتها بالنسبة إلى ما كانت آنذاك بما لم يتسامح فيه العرف وإن كان قد أعسر عليه وكان من مصاديق (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ)(1)، لا يبرء ذمّته لو أدّى بذلك المقدار، بل لابدّ له زائداً عليه من ملاحظة مقدار هبوطه حين الأداء أيضاً، أو المصالحة معه، إذ المردود حينئذٍ لم يكن مماثلاً ومساوياً للدَّين حقيقة.

ص: 414


1- «البقرة»: 280.

المسألة الخامسة: حكم تنزّل القيمة قبل تمام السنة، وبعدها من جهة الضمان وعدمه.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا اشترى عيناً للتكسب بها فزادت قيمتها السوقيّة ولم يبعها غفلة أو طلباً للزيادة، ثمّ رجعت قيمتها إلى رأس مالها أو أقلّ قبل تمام السنة لم يضمن خمس تلك الزيادة، لعدم تحقّقها في الخارج، نعم لو لم يبعها عمدأ بعد تمام السنة واستقرار وجوب الخمس ضمنه(1).

قد تعرّض المصنف رحمه الله فيما إذا اشترى عيناً للتكسب بها، لحكم تنزّل قيمتها بعد ارتفاعها في ضمن صورتين: (الاُولى) تنزّلها في أثناء السنة، (الثانية) تنزّلها بعد تمام السنة، وحكم في الاُولى بعدم ضمان خمس تلك الزيادة وفي الثانية بالضمان، وعلّل عدم الضمان في الصورة الاُولى بعدم تحقّق الزيادة في الخارج بخلاف الثانية، يلاحظ عليه على كلتا الصورتين:

أمّا على الصورة الاُولى وهي ما إذا تنزّل القيمة أثناء السنة، فالحكم كما ذكره، لكنّه لا بما علّله من «عدم تحقّقها في الخارج»، لما تقدّم في ذيل المسألة السابقة من كفاية مجرد زيادة القيمة في مال التجارة في تعلّق الخمس بها من دون حاجة إلى البيع(2)، بل بملاحظة جواز تأخيره عن أدائه إلى الحول بمقتضى ما تقدّم من أدلّة استثناء مؤونة السّنة عنها، فالخمس وإن تعلّق في أوّل ظهور

ص: 415


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/391، المسألة الرقم 54.
2- حيث قال: وأمّا إذا كان المقصود الاتجار بها فالظاهر وجوب خمس ارتفاع قيمتها بعد تمام السّنة إذا أمكن بيعها وأخذ قيمتها.

الربح إلّا أنّ استقراره إنّما هو عند انتهاء السّنة فيما يبقى زائداً على المؤن المصروفة أو التالفة قهراً.

وإن شئت قلت: إنّ الواجب هنا موسّع على المكلّف إلى آخر السّنة، فلا يضمن عليه ما تنزّل من القيمة حينئذٍ بعد أن رخّص له الشارع في التأخير فضلاً عن استناده إلى الغفلة أو كونه بنية صالحة ولغاية عقلائية، وطلب الزيادة فاتّفق العكس، فلم يكن مثلُ هذا الإبقاء والتأخير تعديّاً ولا تفريطاً في حقّ السّادة ليستتبع الضمان، كما أنّه في صورة العكس أيضاً كما سيأتي في المسألة الخامسة والسّتين لو قتّر على نفسه، أو تبرّع بها متبرّع لا يستثنى له مقدارها، بل يجب عليه تخميس ما في يده منها رأس الحول كائناً ما كان.

وأمّا على الصورة الثانية: وهي ما إذا تنزّل القيمة بعد السّنة، فله حالتان؛ إمّا أن تأخرّ عن أدائه بعد التمكّن والقدرة، أو تأخّر عنه لغيرهما من المعاذير، فالحكم على الأخير أيضاً كالصورة السابقة عدم الضمان.

وأمّا لو تأخّر عنه على الأوّل حتی تنزّلت قيمتها، ففي الضمان وعدمه وجهان؛ من أنّ متعلّق الخمس - كما سيأتي في المسألة الخامسة والسبعين - الأعيان الخارجية وهي موجودة الآن فلا يضمن، ومن أنّه يوجب ضرراً على أربابه، لا سيّما إذا لم يمكن الانتفاع بها إلابدّفع القيمة، فيضمن.

والأقوى بل المتعيّن منهما كما اختاره المشهور(1) هو الأوّل، وذلك لأنّه بعد فرض كون متعلّق الخمس هو الأعيان الّتي هي موجودة الآن إلّا أنّها تنزّلت

ص: 416


1- راجع: «مسالك الأفهام إلی تنقيح شرائع الإسلام» ج12/149 - 150.

قيمتها بالنسبة إلى وقت وجوب إخراجه، فلم يكن عليه واجباً آخر سوى العين وإن كان آثماً لتأخيره إيّام بلا عذر.

نعم لو تلفت العين حينئذٍ بعد الحول وقبل أدائه الخمس، فعليه أن يعوّضها بعين آخر شبيه لها في الصفات والخواصّ، ومع عدمها بقيمتها كائناً ما كانت القيمة، إمّا قيمتها يوم التلف، أو يوم الدفع، أو أعلى القيم على اختلاف المباني(1).

المسألة السادسة: حكم خمس عمران البستان وغرس الأشجار فيه.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا عمّر بستاناً وغرس فيه أشجاراً ونخيلاً للانتفاع بثمرها وتمرها لم يجب الخمس في نموّ تلك الأشجار والنخيل، وأمّا إن كان من قصده الاكتساب بأصل البستان فالظاهر وجوب الخمس في زيادة قيمته وفي نموّ أشجاره ونخيله(2).

المسألة ذات صور ثلاث؛ الاُولى: أن يعمّر بستاناً للانتفاع بثمره وتمره ونحو ذلك في مؤونته ومؤونة عياله ولسائر شؤونه.

الثانية: أن يعمّر البستان لأجل التكسّب بنماء أشجارها من ثمرها ونحوها بأن يبيعها ويتعيّش بثمنها.

الثالثة. أن يعمّر البستان لأجل التكسّب بأصله ببيع أشجاره أو بيع نفس

ص: 417


1- لزيادة التوضيح راجع:«كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري، إعداد لجنة تحقيق الشيخ الأعظم» ج3/226 - 231، مبحث إذا تعذّر المثل في المثلي.
2- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/392، المسألة الرقم 55.

البستان.

والبحث في هذه الصّور عن حكم النماءات المنفصلة والمتصلة وارتفاع القيم على ما بيناه من حيث تعلّق الخمس بها وعدمه.

لا شك في تعلّق الخمس بذلك في الصورة الأخيرة، كما صرّح به السيّد هنا لصدق الإفادة والكسب فيه، فيتعلّق به الخمس على جميع المباني.

وأمّا الصورة الثانية: فلا إشكال أيضاً في تعلّق الخمس فيها بثمار الأشجار ونحوها بعد استثناء مؤونة السنة، لكونها فائدة وكسباً ومالاً تجارياً، وأمّا النماء المتصل من قبيل نموّ أشجارها فضلاً عن ارتفاع قيمة البستان فلا يتعلّق به الخمس على ما مرّ في المسألة الثالثة والخمسين.

وأمّا الصورة الاُولى: فالنماء المنفصل والمتصل فيها وإن كان فائدة مقصودة ومستحصلة أيضاً إلّا أنّه يصدق على البستان وأشجاره ونخيله فضلاً عن ثمارها عنوان المؤونة المستثناة من الأرباح، لما أنّ المراد بالمؤونة هو ما يحتاج إليه الإنسان في معاشه ومعاش عياله وأهله، ولا يخفى أنّ الانتفاع بكلّ شيء بحسبه، فيصدق عنوان المؤونة المستثناة على نفس البستان ونماءاتها المنفصلة والمتصلة أو ارتفاع قيمتها وإن فرض صدق الفائدة بل والتكسّب عليها، نعم ما يزداد آخر السنة من ثمارها ولم تؤكل بالفعل يتعلّق به الخمس لكونه فاضل مؤونته.

والدليل على ذلك كلّه موثقة أبي بصير عن أبي عبداللّه علیه السلام حيث قال:كَتَبْتُ إِلَيْهِ ...، عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ في دَارِهِ الْبُسْتَانُ فِيهِ الْفَاكِهَةُ يَأْكُلُهُ الْعِيَالُ إِنَّمَا يَبِيعُ مِنْهُ الشيء بِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ خَمْسِينَ دِرْهَماً هَلْ عَلَيْهِ الْخُمُسُ؟ فَكَتَبَ: «أَمَّا مَا أُكِلَ فَلَا،

ص: 418

وَأَمَّا الْبَيْعُ فَنَعَمْ، هُوَ كَسَائِرِ الضِّيَاعِ»(1).

المسألة السابعة:

إذا كان له أنواع من الاكتساب وأصناف من الأرباح المختلفة من حيث الزّمان فهل يضمّ بعضها إلى بعض ويحسب المجموع ربحاً واحداً، أم يكون لكلّ واحد عام مستقل برأسه؟

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا كان له أنواع من الاكتساب والاستفادة،كأن يكون له رأس مال يتّجر به، وخان يؤجره، وأرض يزرعها، وعمل يد مثل الكتابة أو الخياطة أو النجارة أو نحو ذلك، يلاحظ في آخر السنة ما استفاده من المجموع من حيث المجموع، فيجب عليه خمس ما حصل منها بعد خروج مؤونته(2).

بعد الفراغ عن استثناء مؤونة السنة عن الأرباح، وتخميس الزائد عليها، حيث إنّه قد يكون لشخص أكثر من كسب واحد وقع الكلام في تعيين المستثنى منه هل هو مجموع الأرباح والفوائد الحاصلة في سنة واحدة على نحو العام المجموعي والمشروط بشرط الاجتماع(3)، أو أنّ لكلّ ربح إجمالاً سنة بانفراده

ص: 419


1- «وسائل الشيعة» ج9/504، الحديث 12588.
2- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/392، المسألة الرقم 56.
3- إنّ العام المجموعي هو ما يلاحظ فيه مجموع الأفراد من حيث هو المجموع موضوعاً واحداً لحكم واحد، ففي المقام يجب خمس واحد لمجموع ما استفاده من الأرباح المختلفة في كلّ سنة من أنواع الاكتسابات بعد ما يخرج منها من المؤن،كما كان كذلك في الأرباح الحاصلة من نوع واحد.

ويستننى منه مؤونة السنة الواقعة بعد ذاك الربح على نحو العام الاستغراقي من باب المشروط بشرط لا(1)، أو لا دليل على كلّ منهما فلا يشترط بشيء من ذلك، وله أن يختار كلّ ما شاء من الفردين؟

وتظهر الثمرة بين القولين الأوّلين، فإنّه على القول الأوّل ليس للرابح إلّا عام واحد، فمتى حان وقته فبناءً على القول بتعلّق الخمس بالعين لا يجوز له التصرّف في جميع رأس ماله قبل تخميسه، لكنّه على الثاني كان له بعدد ما تكسب به من الأنواع عام، فإنّه لا يجوز له التصرّف في خصوص ما حان عامه من الأنواع دون غيرها.

وكيف كان في المسألة وجوه، بل أقوال:

الأوّل: ما ذهب إليه المشهور وعليه السيرة والعمل، وصرّح به في «الدورس» و«الحدائق» والسيّد في «العروة»، واستحسنه واستجوده في «المدارك» و«الجواهر»، وقوّاه في «المستند»، واستظهره الشيخ الأنصاري والمحقق الهمداني (رضوان الله تعالى) عليهم وبعض آخر، هو أنّ المستثنى منه مجموع الأرباح في سنة واحدة، اتحدت في النوع أم لا، قال الشهيد الأوّل رحمه الله :

ص: 420


1- والعام الاستغراقي هو ما يلاحظ فيه كلّ فرد من الأفراد موضوعاً مستقلّاً لحكم بحيث لا يرتبط فيه فرد من أفراده في تعلّق الحكم به بفرد آخر، فبناءً عليه يجب الخمس هنا بتعداد كلّ نوع من أنواع الاكتسابات، فيكون لكلّ منها سنة خاصة ترتبط به.

ولا يعتبر الحول في كلّ تكسّب، بل يبتدأ الحول من حين الشروع في التكسّب بأنواعه، فإذا تمّ خمّس ما فضل(1).

وقال في «المدارك»:

ولو قيل باعتبار الحول من حين ظهور شيء من الربح ثمّ احتساب الأرباح الحاصلة بعد ذلك إلى تمام الحول وإخراج الخمس من الفاضل عن مؤونة ذلك الحول كان حسناً(2).

وقال في «الجواهر»:

و(القول بأنّ لكلّ ربح سنة بانفراده) وإن كان قد يوافقه ظاهر الفتاوى لكن كأنّه معلوم العدم من السيرة والعمل، بل وإطلاق الأخبار...، و(أمّا احتساب مجموع الأرباح الحاصلة في كلّ عام جملة واحدة) جيّد لا يرد عليه ما سمعت، موافق للاحتياط، بل وللاقتصار على المتيقّن خروجه عن إطلاق الأدلّة، بل قد يدّعى القطع به في نحو الصنائع المبنى ربحها على التّجدد يوماً فيوماً، أو ساعة بعد اُخرى تنزيلاً لها باعتبار إحرازها قوّة منزلة الربح الواحد الحاصل في أوّل

ص: 421


1- «الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة» ج1/259. وقريب منها ما قاله صاحب «الحدائق» حيث قال: ولا يعتبر الحول في كلّ تكسّب، بل مبدأ الحول من حين الشروع في التكسّب بأنواعه، فإذا تمّ الحول خمس ما بقي عنده. «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/354.
2- «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج5/39.

السّنة، ولذا كان يعدّ صاحبها بها غنياً، بل لعلّ بعض الحِرف مثلها فيما ذكرنا أيضاً، فتأمل(1).

وقال النراقي رحمه الله في «المستند»:

لو حصلت أرباح متعدّدة في أثناء الحول تدريجاً، فقيل: يعتبر لكلّ خارج حول بانفراده، وتوضع المؤونة في المدة المشتركة بين الربحين عليهما، ويختصّ الثاني بمؤونة بقيّة حوله وهكذا، وقال بعض الأصحاب: إنّ الربح المتجدّد في أثناء الحول المبتدأ من الربح الأوّل يضمّ بعضه إلى بعض وتستثنى المؤونة من المجموع، ويخمّس الباقي بعد تمام الحول الأوّل فيكون حول الجميع واحداً، وإليه ذهب في الدروس، والمحقق الشيخ عليّ في حواشي الشرائع، واستحسنه في المدارك والذخيرة وجعله بعض الأجلّة أولى.

وهو كذلك بل هو الأقوى، لإيجاب الأوّل العسر والحرج المنفيين، بل هو خلاف سيرة النّاس وإجماع العلماء طرّاً، لإيجابه ضبط حول كلّ ربح وعدم خلطه مع غيره، وهو ممّا لم يفعله أحد، سيّما أرباب الصناعات وكثير من التجارات مع أنّ المتبادر المتعارف الشائع من وضع المؤونة هو المعنى الأوّل، هذا مع أنّه الموافق للاحتياط أيضاً(2).

وقال الشيخ الأعظم رحمه الله :

ثمّ إنّ الأظهر في الروايات والفتاوى أنّ المراد بالعام هو العام الّذي يضاف إليه الربح عرفاً ويلاحظ المؤونة بالنسبة إليه، وأمّا مبدأ حول

ص: 422


1- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/81.
2- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/80.

المؤونة فيما يحصل بالاكتساب هو زمان الشروع في التكسّب، وفيما لا يحصل بقصد واختيار - لو قلنا به - زمان حصوله، خلافاً في الأوّل فجعلوه زمان ظهور الربح، بل جعله بعضهم زمان حصوله(1).

وقال المحقّق الهمداني رحمه الله :

ولا يجب علينا الالتزام بأنّ لكلّ ربح حولاً مع أنّه يصحّ أن يفرض لكلّ منه سنة تخصّه وهي من حين حصوله إلى حين حصوله من عامه المقبل، إذ فرق بين ما لو قيل بأنّه: يجب الخمس في كلّ ربحٍ يفضل عن مؤونة السنة، وبين ما قيل بأنّه يجب عليه في كلّ سنةٍ فيما يفضل من ربحها عن مؤونته الخمس،كما استظهرناه من أدلّته، ففي الأوّل العموم بالنسبة إلى أفراد الربح، ومقتضاه أن يكون لكلّ ربحٍ حولٌ، وفي الثاني بالنسبة إلى أفراد السنة، وقد نبّهنا على أنّ السّنة مفهومٌ كلّى يصدق على أفراد لا تتناهي، فإذا حصل له ربحٌ في زمان صحّت إضافته إلى عدّة آحادها الّتي بينها العموم من وجه - كما في الفرض - يكون مخيّراً في تعيين أيّها شاء بحكم العقل(2).

الثاني: ما اختاره الشهيد الثاني في «الروضة» وكاشف الغطاء في «الكشف» والسيّد الخوئي في «المستند» و«الموسوعة» (رضوان الله تعالی عليهم)، ولم أظفر بمصرّح به غير هؤلاء، وهو أنّه لكلّ ربح إجمالاً (إمّا من حين حصول الربح، أو ظهوره، أو من حين الشروع في التكسّب على ما سيأتي شرحه في المسألة الحادية عشرة)، سنة بانفراده ويستثنى منه مؤونة السنة الواقعة بعد ذاك

ص: 423


1- «كتاب الخمس (للشيخ الأنصاري)» ص215.
2- «مصباح الفقيه» ج19/345.

الربح على نحو العامّ الاستغراقي، قال الشهيد رحمه الله :

لو حصل الرّبح في الحول تدريجاً اعتبر لكلّ خارج حولٌ بانفراده، نعم توزع المؤونة في المدّة المشتركة بينه وبين ما سبق عليهما، ويختصّ بالباقي وهكذا(1).

وقال في «كشف الغطاء»:

ولكلّ ربح عام مستقلٌ، والقدر المشترك بين الرّبحين يوزع عليهما(2).

وقال السيّد الخوئي رحمه الله :

الظاهر أنّ ما ذكره الشهيد من أنّ كلّ ربح موضوع مستقلّ وله سنة تخصّه وتستثنى مؤونة السنة عن كلّ ربح بالإضافة إلى سنته هو الصحيح(3).

الثالث: وهو الّذي يظهر من الشهيد في «المسالك» بأنّ له أن يختار كلّ ما شاء من العامّ المجموعي أو الاستغراقي، حيث قال:

وإنّما يعتبر الحول بسبب الرّبح، فأوّله ظهور الرّبح فيعتبر منه مؤونة السنة المستقبلة. ولو تجدّد ربحٌ آخر في أثناء الحول كانت مؤونة بقيّة حول الأوّل معتبرة منهما وله تأخير إخراج خمس الرّبح الثاني إلى آخر حوله، ويختصّ بمؤونة بقية حوله بعد انقضاء حول الأوّل وهكذا(4).

إذا عرفت حكم المسألة في منظر الأقوال، فاعلم أنّ الأقوى بل المتعيّن منها

ص: 424


1- «الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة (المحشی - كلانتر)» ج2/78.
2- «كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء (ط - الحديثة)» ج4/209.
3- «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/245، و«مستند الشيعة، كتاب الخمس» ص242.
4- «مسالك الأفهام إلی تنقيح شرائع الإسلام» ج1/468.

هو ما اختاره المشهور من أنّه هو مجموع الأرباح والفوائد الحاصلة في سنة واحدة على نحو العامّ المجموعي والمشروط بشرط الاجتماع من دون فرق فيها بين كونها قمرية أو شمسية أو ميلادية ومن أيّ شهر تبتدأ منها، وقد استُدلّ عليه تارة: بأنّ المتعارف بين العقلاء من أهل العرف هو ذلك، إذ أنّهم إذا أرادوا محاسبة الرّبح والمصارف بالنسبة إلى كلّ شخص حاسبوا أوّلاً جميع ما انتفع به طول سنته من أنواع مكاسبه، ثمّ أخرجوا منه مجموع مصارفه، فإن بقي منه بعد ذلك شيء يعدّ عندهم ربحاً خالصاً، وكذا الأمر بالنسبة إلى الشركات التجاريّة والمؤسسات الكبرى الماليّة الاقتصاديّة الّتي يقسّمن رؤس أموالهم في أنواع من المكاسب والصناعات والتجارات، فإنّهم بعد محاسبة جميع المنافع وكسر المصارف والمؤن منها في طول سنة يعلنون مقدار الرّبح أو الخسران في تلك السنة، فبهذا الأمر المتداول بين أهل العرف يحمل إطلاق قوله علیه السلام في صحيحة عليّ بن مهزيار: «الْخُمُسُ بَعْدَ الْمؤونة»(1).

نعم إنّهم ربما يحاسبون مقدار الرّبح أو الخسران في كلّ من هذه الاُمور مستقلّاً في قياسها مع الاُخرى، فيقولون ربحنا في تجارتنا وخسرنا في زراعتنا مثلاً، لكنّهم لا يريدون بذلك محاسبة ربح الشركة أو الإنسان بعنوانه وشخصه، بل يريدون محاسبة نفس المكاسب من حيث الرّبح والخسران عند مقايسة بعضها مع بعض.

واُخرى: بأنّ السيرة المتشرعة في تخميس أموالهم من زماننا هذا إلى زمن

ص: 425


1- «التهذيب» ج4/123، الحديث 352، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 181، و«وسائل الشيعة» ج9/499، الحديث 12579.

المعصومين: - كما أشار إليه في «الجواهر» - جارية على ملاحظة مجموع منافعهم بما لها من الأنواع في وقت معيّن معلوم من كلّ سنة، إذ لا فرق عندهم بين المنافع التدريجية الحاصلة طول السنة من كسب واحد، وبين المنافع الحاصلة دفعة أو متعاقبة من عدّة مكاسب طولها، فبعد وضع المؤونات منها يقايسونها مع رؤوس أموالهم في السنة الماضية عليها ويخمّسونها في المقدار الزائد عليها.

وثالثة: بما تقدّم في الاستدلال على أنّ المراد بالمؤونة على أنواعها في باب «خمس الأرباح» هو مؤونة السنة، فيحمل عليها أيضاً مطلق المنافع الحاصلة متفرقة طول السنة، من دون فرق فيها بين وحدة النوع وتعدّده، ولا يقاس المقام بباب الغوص والمعدن والكنز حيث إنّه يجب الخمس فيها بمجرد الاستخراج والتملّك إذا وصلن إلى نصابها المعيّن من دون أن يستثنى فيه مؤونة المُخرِج، فيبحث فيه عن اتحاد النوع وتعدّده، وعن وحدة الإخراج وتكثّره، فالقياس هنا قياس مع الفارق.

ورابعة: بأنّ الاشتغال اليقيني بواجب يقتضي البراءة اليقينيّة منه، فحيث إنّه لا يعتبر الحول في ثبوت الحكم في شيء من الأقسام الّتي تعلّق بها الخمس على ما ادّعي من عدم الخلاف بل الإجماع عليه، إلّا أنّه يؤخّر جوازاً إلى الحول في خصوص ما يجب فيه من الأرباح لاستثناء المؤونة منها(1)، فمتى نشك في المراد من الحول في هذا القسم منها إذا حصلت المنافع تدريجاً من أنواع من

ص: 426


1- راجع: «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/78 - 79. وقد مرّ بالتفصيل في طليعة مبحث هذا القسم ممّا يجب فيه الخمس.

المكاسب، أو من كسب واحد، هل تلاحظ المجموع جملة واحدة في آخر السنة، أم يكون لكلّ واحد منها عام مستقل برأسه؟ فمقتضى القاعدة هو ملاحظتها معاً، اقتصاراً على المتيقّن خروجه عن إطلاق أدلّة المثبتة للحكم في المقام، أو فقل لا أقلّ من الشك والأخذ بما يحصل معه البراءة يقيناً.

إن قلت: إطلاق دليل استثناء المؤونة حتی الحول في الأرباح يعمّ لجميع آحاد الأرباح والمنافع بلغت ما بلغت، فيكون لكلّ واحد منها عام مستقلّ على حدّه.

قلنا: إنّ الإطلاق كما ثبت في محلّه(1) متفرّع على مقدمات الحكمة الّتي عدّ منها انتفاء القدر المتيقّن في مقام التخاطب، والمتيقّن من النصّ والفتوى وكذا المتعارف بين أهل العرف والسيرة من المتشرعة هو ملاحظة المجموع مطلقاً مرّة واحدة، فإلى هنا تبيّن أنّه ليس للقولين الأخيرين دليل سليم عن المعارض.

المسألة الثامنة: اشتراط استقرار الرّبح في وجوب الخمس.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

يشترط في وجوب خمس الرّبح أو الفائدة استقراره، فلو اشترى شيئاً فيه ربح وكان للبائع الخيار لا يجب خمسه إلّا بعد لزوم البيع ومضيّ زمن خيار البائع(2).

إنّ محل الكلام هو ما إذا اشترى عيناً بالبيع الخياري بأقلّ من قيمتها بالنسبةإلى بيعها بالبيع اللازم المستقَرّ بأن كان البائع صاحباً للخيار بحيث إذا فسخ

ص: 427


1- «كفاية الاُصول» ص247، مبحث «المطلق والمقيد».
2- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/392، ال مسألة الرقم 57.

رجع ما فيه الرّبح كالمبيع في المثال إلى البائع، وكان زمن الخيار ممتدّاً إلى ما بعد تمام السنة واستقرّ الملك في السنة اللاحقة عليها، فيبحث حينئذٍ عن الرّبح هل للسنة السابقة حتی يجب تخميسه بمجرّد اللزوم، أو لسنة اللزوم والاستقرار فيما بقي منه بعد مؤونة السنة؟ وأمّا إذا كان زمانه ينتهي قبل حلول رأس السنة وكان استقرار الملك فيها فلا إشكال في كونه من أرباح السنة السابقة مع عدم الفسخ.

فعلى الأوّل قد يقال بكفاية الاستقرار الواقعي بنحو الشرط المتأخر بأنّ لزوم البيع في السنة اللاحقة إذا لم يفسخه من له الفسخ يكشف عن تحقّق الرّبح في السنة السابقة وكان من أرباحها لا من أرباح السنة اللاحقة(1)، لكنّه يلاحظ عليه بأنّ المبيع ما دام لم يستقرّ وإن ملّكه المشتري من حين العقد - خلافاً للشيخ رحمه الله حيث جعل انقضاء مدّة الخيار سبباً لتملك المشتري بالعقد السابق(2) - إلّا أنّه كانت قيمته تلك القيمة القليلة، ولم يصدق عليه حينئذٍكونه بيعاً ذا ربح، وصحّةالسلب كما حقّق في محلّه دليل على كون إطلاق الربح عليه قبل ذلك مجازياً.

ص: 428


1- راجع: «امستمسك العروة الوثقی (للسيّد الحكيم)» ج9/533.
2- راجع: «الخلاف» ج3/22، المسألة الرقم 29 من مسائل كتاب البيوع، حيث قال: العقد يثبت بفس الايجاب والقبول، فإن كان مطلقاً فإنّه يلزم بالافتراق بالأبدان وإن كان مشروطاً يلزم بانقضاء الشرط، فإن كان الشرط لهما أو للبائع فإذا انقضى الخيار ملك المشتري بالعقد المتقدّم، وإن كان الخيار للمشتري وحده زال ملك البائع عن الملك بنفس العقد، لكنّه لم ينتقل إلى المشتري حتّى ينقضى الخيار، فإذا انقضى ملك المشتري بالعقد الأوّل.

نعم لو قلنا بجواز بيعه ثانياً زمن الخيار إذا علم به المشتري الثاني مع انتقال حقّ الخيار معه، وكان باذلاً مع هذه الصفة أكثر ممّا بذله المشتري الأوّل، فلا محالة يصدق عليه كونه رابحاً، فيجب عليه رأس السنة خمس هذه الزيادة المأخوذة بعد إخراج مؤونته إذا لم يفسخه البائع الأوّل إلى آخر زمانه، وكذا الكلام لوقلنا بجوازه مطلقاً وأنّ البائع الأوّل لو فسخ لم ينفسخ العقد الثاني بل يجب على المشتري ضمانه بردّ مثله أو قيمته.

وكيف كان كلّما صدق عنوان الربح بالحمل الشائع الصناعي حقيقة يجب الخمس في القدر الزائد، وما لم يصدق عليه ذلك أو شك فيه فالأصل هو البراءة.

ثمّ إنّ ما ذكره من التزلزل إنّما يجري في أصل العين المشتراة ونمائها المتصلة وارتفاع القيمة، وأمّا المنافع المستوفاة فإنّما يتعلّق بها الخمس لو زاد على المؤونة، لكونها ملكاً للمشتري مطلقاً، لازماً كان العقد أو جائزاً، لكون العين ملكاً للمشتري وإن كان متزلزلاً ومنافعها المستوفاة له.

المسألة التاسعة: حكم الخمس في مورد الإقالة.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

لواشترى ما فيه ربح ببيع الخيار فصار البيع لازماً فاستقاله البائع فأقاله لم يسقط الخمس إلّا إذا كان من شأنه أن يقيله كما في غالب موارد بيع شرط الخيار إذا ردّ مثل الثمن(1).

لواشترى ما فيه ربح ببيع الخيار بأقلّ من قيمتها بالنسبة إلى بيعها بالبيع

ص: 429


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/393، ال مسألة الرقم 58.

المستقرّ فمضى زمان الخيار ولم يفسخه البائع حتی صار البيع لازماً، ثمّ استقاله فأقاله المشتري فهل يسقط خمسه أم لا؟ وهل هناك فرق بين وقوعها في أثناء السنة وبعدها؟

تحقيق المسألة يبتني على تبيين ماهيّة الإقالة، وهي على ما هو المعروف بين الفقهاء وأهل اللغة فسخ وحلّ في حقّ المتعاقدين من حينها لا من حين العقد وليس ببيع، ولا يتحقّق ذلك إلّا بإغماض كلّ منهما عن حقّه بأن طلبه أحدهما وقبله الآخر، وتجري في عامّة العقود اللازمة حتی الهبة اللازمة غير النكاح(1)، وقد ورد في استحباب إقالة النادم أخبار، منها موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: «أَرْبَعَةٌ يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: مَنْ أَقَالَ نَادِماً، أَوْ أَغَاثَ لَهْفَانَ، أَوْ أَعْتَقَ نَسَمَةً، أَوْ زَوَّجَ عَزَباً»(2).

خبر هارون بن حمزة عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: «أَيُّمَا عَبْدٍ أَقَالَ مُسْلِماً في بَيْعٍ أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(3).

وخبر عبد الله بن القاسم عن بعض أهل بيته قال: «إِنَّ رَسُولَ الله صلی الله علیه و آله و سلم لَمْ يَأْذَنْلِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ في تِجَارَتِهِ حتی ضَمِنَ لَهُ إِقَالَةَ النَّادِمِ، وَإِنْظَارَ الْمُعْسِرِ، وَأَخْذَ الْحَقِّ

ص: 430


1- راجع: «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج24/351 - 359، و«كتاب العين» ج5/215، و«النهاية في غريب الحديث والأثر» ج4/133، و... .
2- «الخصال» ص224، الحديث 55، و«وسائل الشيعة» ج17/387، الحديث 22809.
3- «الكافي» ج5/153، الحديث 16، و«وسائل الشيعة» ج17/386، الحديث 22806.

وَافِياً أَوْ غَيْرَ وَافٍ»(1).

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الإقالة إذا وقعت أثناء السنة تكون من قبيل المؤن المستثناة، فلا إشكال في جوازها وسقوط الخمس معها، لما مرّ آنفاً من لزوم استقرار الأرباح والفوائد في وجوب الخمس، وحيث ورد الترغيب فيها شرعاً واستحسانها عرفاً فليس المقام من قبيل العطايا والهبات حتی لزم كونها لائقة بشأن المقيل، لكنّها لوكانت بعد مضيّ السنة ولزوم الخمس فلم يسقط بها الخمس إذ ليس دليل على إسقاطه بعد استقراره، كما لا يسقط الخمس أيضاً عن الّذي تصدّق بأمواله بعد الحول.

المسألة العاشرة: حكم تخميس رأس المال.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

الأحوط إخراج خمس رأس المال إذا كان من أرباح مكاسبه، فإذا لم يكن له مال من أوّل الأمر فاكتسب أو استفاد مقداراً وأراد أن يجعله رأس المال للتجارة ويتّجر به يجب إخراج خمسه على الأحوط ثمّ الاتجار به(2).

بعد الفراغ عن استثناء مؤونة السنة عن الأرباح، وتخميس الزائد عليها، فقد اختلفوا في تخميس رأس المال المتّخذ لتحصيل المؤونة والفائدة على قولينرئيسيين؛ من وجوبه مطلقاً كما هو خيرة السيّد الطباطبائي رحمه الله هنا ومن تبعه، ومن

ص: 431


1- «الكافي» ج5/151، الحديث 4، و«التهذيب» ج7/5، الحديث 15، و«وسائل الشيعة» ج17/386، الحديث 22805.
2- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/393، المسألة الرقم 59.

التفصيل بين ما يحتاج إليه لمؤونة سنته وما لا يحتاج إليه، ومنشأ الخلاف هو صدق المؤونة عليه على بعض التقادير فلا يجب، وإلّا فيجب، ومع الشك في الصّدق حيث كان المقام من قبيل المخصَّص المنفصل الدائر مفهومه بين الأقلّ والأكثر فلابدّ أن نقتصر في تخصيص عمومات أدلّة الخمس الواردة في الغنائم والفوائد على القدر المتيقّن منه، وذلك لأنّه إذا كان المخصِّص منفصلاً لا ينافي لانعقاد ظهور العامّ في العموم، فلا يسري إجمال الخاصّ على الفرض إلى العامّ، ولنرجع إليه عند الشك في التخصيص، ولأجل ذلك احتاط السيّد رحمه الله هنا وجوب الخمس في رأس المال مطلقاً.

وأمّا القول بعدم الخمس في المال الّذي يجعل رأس مال للتجارة مطلقاً فلا نرى به قائلاً.

وتحقيق الكلام في هذا المقام يقتضي أن نفصّل فيه بين ما يحتاج إليه لتحصيل مؤونة سنته على ما يليق بشأنه إذا لم يكن قادراً على إجارة نفسه لبعض الأعمال أو قادراً لكنّه ليس لائقاً بشأنه، فلا يجب خمسه حينئذٍ لكونه من المؤونة أو بحكمها عرفاً أي ما ينتفع به في المعيشة مع بقاء عينه مثل أثاث البيت، فلو وجب عليه خمسه لا تفي منافعه بمؤونته ومصارف عياله ويصير بقدره فقيراً.

وبين ما إذا كان رأس ماله زائداً عنها بحيث لو أدّى خمسه لا يضرّ ذلك بتحصيل مؤونته وعياله على ما يليق بشأنه، فيجب، والمعيار في ذلك هو صدق كون رأس المال من المؤونة أو بحكمها وعدمه عند العرف، قد أشار إلى ذلك غير واحد، منهم الميرزا القمي رحمه الله حيث قال:

والظاهر أنّ تتميم رأس المال لمن احتاج إليه في المعاش من المؤونة

ص: 432

كاشتراء الضيعة لأجل المستغلّ(1).

فإذا كان تتميم رأس المال من المؤونة كاشتراء الضيعة للاستغلال في صورة الحاجة كان أصل رأس المال في هذم الصورة أيضاً بالألوية والفحوى.

والمحقّق الهمداني رحمه الله حيث قال:

ما يحتاج إلى الانتفاع به بالفعل في تعيّشه من بستان أو غنم ونحوهما لا يبعد أن يعدّ عرفاً من المؤونة، وكذا ما يحتاج إليه أرباب الصنائع في صنائعهم من الآلات والأدوات(2).

وقد صرّح به في «المستمسك» أيضاً حيث قال:

والمراد من الحاجة أن يكون المالك بنحو يحتاج بحسب شأنه - أن يكون له رأس مال يتّجر به، بحيث يكون اتّجاره عامل مضاربة – مثلاً - نقصاً عليه وخلاف ما ينبغي له. فهذا المقدار - الّذي يحتاجه في تجارته - حاله حال الفرش والأواني المحتاج إليها معدود من مؤونته، فإذا لم يجب الخمس فيها آخر السنة لم يجب الخمس فيه، لإطلاق ما دلّ على استثناء المؤونة(3).

ص: 433


1- «غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام» ج4/331.
2- «مصباح الفقيه» ج19/276.
3- «مستمسك العروة الوثقی (للسيّد الحكيم)» ج9/534.

المسألة الحادية عشرة: في تعيين مبدأ السنة.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

مبدأ السنة - الّتي يكون الخمس بعد خروج مؤونتها - حال الشروع في الاكتساب فيمن شغله التكسّب، وأمّا من لم يكن مكتسباً وحصل له فائدة اتفاقاً، فمن حين حصول الفائدة(1).

حيث إنّ مراحل تحصيل المنافع في الفوائد الاكتسابيّة التدريجيّة في مثل الحِرف والصناعات والزراعات مختلفة من حين الشروع فيها باعتبار ما سيحصله في المستقبل، أو حين ظهور المنافع قبل بيعها، أو زمان حوصلها بعد بيعها وتبديلها بالأثمان، وفي غيرها إذا حصلت اتفاقيّة، فقد اختلفوا في تعيين مبدأ السنة الّتي يستثنى فيها مؤونتها على أقوال، أشار إلى ذلك إجمالاً المحقق الهمداني رحمه الله حيث قال:

لكن الإشكال في تعيين مبدأ الحول، وأنّه من حين حصول الربح، أو ظهوره، أو من حين الشروع في التكسب، وأنّه يلاحظ بالنسبة إلى كلّ ربح ربح، أو بالنسبة إلى المجموع، فقد اضطربت كلمات الأعلام في ذلك(2).

ومحصل الأقوال هنا أربعة؛ الأوّل: ما صرّح به بعض، منهم صاحبي «الدروس» و«الحدائق»، بأنّه من حين الشروع في التكسّب، قال الشهيد رحمه الله :

ص: 434


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/394، المسألة الرقم 60.
2- «مصباح الفقيه» ج19/336.

ولا يعتبر الحول في كلّ تكسّب، بل يبتدأ الحول من حين الشروع في التكسّب بأنواعه، فإذا تمّ خمس ما فضل(1).

الثاني: ما اختاره في «المسالك» و«الروضة» و«الجواهر» وبعض آخر من أنّه من حين ظهور الربح، فقال في «الجواهر»:

ومبدؤه كما في المسالك والروضة ظهور الربح، بل فيهما أنّه لوحصل له ربح في أثناء الحول لوحظ له حول آخر بانفراده(2).

واستحسنه في «المدارك» حيث قال:

ولو قيل باعتبار الحول من حين ظهور شيء من الربح ثمّ احتساب الأرباح الحاصلة بعد ذلك إلى تمام الحول وإخراج الخمس من الفاضل عن مؤونة ذلك الحول كان حسناً(3).

وقال شيخنا الاُستاذ مكارم الشيرازي (دام ظله) في تعليقته على المسألة:

لا ينبغي الشك في كون مبدأ السنة في جميع الموارد مبدأ ظهور الربح والفائدة، لأنّه مدار الأدلّة ومعيارها، ومجرّد الشروع في الاكتسابلا أثر له(4).

ص: 435


1- «الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة» ج1/259، وقريب منه ما قاله المحقّق البحراني رحمه الله حيث قال: مبدأ الحول من حين الشروع في التكسّب بأنواعه، فإذا تمّ الحول خمّس ما بقي عنده. «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/354.
2- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/80، وراجع أيضاً «مسالك الأفهام إلی تنقيح شرائع الإسلام» ج1/468، و«الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة (المحشی - كلانتر)» ج2/77.
3- «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج5/39.
4- راجع: «العروة الوثقی مع تعليقات آية الله العظمی مكارم الشيرازي وعدّة من الفقهاء» ج2/232، وقريب منه ما قاله السيّد الخوئي رحمه الله فيها.

الثالث: ما أشار إليه الشيخ الأعظم رحمه الله ونسبه إلى بعض من أنّه من زمان حصوله حيث قال:

ثمّ إنّ الأظهر في الرّوايات والفتاوى أنّ المراد بالعام هو العام الّذي يضاف إليه الربّح عرفاً ويلاحظ المؤونة بالنسبة إليه، وأمّا مبدأ حول المؤونة فيما يحصل بالاكتساب هو زمان الشروع في التكسّب، وفيما لا يحصل بقصد واختيار - لو قلنا به - زمان حصوله، خلافاً في الأوّل فجعلوه زمان ظهور الرّبح، بل جعله بعضهم زمان حصوله، (إلى أن قال:) إنّ مبدأ الحول تابع لما تعارف بين النّاس في إضافة الرّبح إليه وإخراج مؤونته من ذلك الرّبح، فمثل الزارع والتاجر والصانع إنّما يأخذون من مستفادهم مؤونة حول الاشتغال، فتراهم ينفقون على الرّبح المرجوّ ويستدينون عليه، بل قد يكون ظهور الرّبح في آخر السنة كما سيجيء، فإنّ أداء ثمن الطعام ونحوه من الضروريّات من الرّبح الحاصل بعد إخراج المؤونة منه(1).

وهو أيضاً خيرة شيخنا الاُستاذ مكارم الشيرازي (دام ظله) في «أنوار الفقاهة» حيث قال:

إنّه لا خمس إلّا في المنفعة والغنيمة، فمتى حصلت في يده وجب عليه الخمس(2).

ص: 436


1- «كتاب الخمس (للشيخ الأنصاري)» ص215.
2- «أنوار الفقاهة في أحكام العترة الطاهرة،كتاب الخمس» ص271.

الرابع: من فصّلوا بين التكسّب وبين الفائدة الاتفاقيّة، فقالوا في الأوّل: إنّ المبدأ هو الشروع في التكسّب، وفي الثاني: هو حصول الرّبح، منهم الشيخ الأعظم الأنصاري رحمه الله وقد مرّ كلامه آنفاً، والسيّد صاحب «العروة».

وتظهر الثمرة بين القول بكونه من حين الشروع في الاكتساب أو من حين ظهور الفائدة، والقول بحصول الربح في يده في استثناء مؤونة الزمان الفاصل بينها من الرّبح على الأوّلين، دون الأخير.

والأقوى من هذه الوجوه هو الوجه الثاني، لما تقدّم في مسألة حكم النماءات المتصلة والمنفصلة بأنّه لا يعتبر البيع ووصول الثمن في يده لتعلّق الخمس بالنماءات إذا كانت قابلة لذلك من دون أيّ مانع، ففي المقام أيضاً من كان في بدو أمر الاكتساب، فمبدأ سنته هو زمان ظهور منافعه، إذ مجرّد زمان الشروع في الاكتساب لا يسمّى غنيمة ومنفعة عند العرف إلّا باعتبار ما سيؤول، وقد قرّر في مبحث «المشتق» من الاُصول(1) أنّ إطلاق المشتق وما في حكمه من الجوامد بلحاظ تلبّسه بالمبدأ في المستقبل، مجاز وليس بحقيقة حتی تشملها عمومات أدلّة الخمس الواردة في الغنائم والفوائد.

ثمّ إنّه يمكن أن يقال أنّ القول بالتفصيل ليس تفكيكاً في مفهوم مبدأ السنة، بل إنّما هو تفكيك في مصداقه ولا مانع منه، فمبدأ ربح كلّ شيء بحسبه، ففيمايحصل بالتدريج والتعقيب من بعد ظهوره، وفيما يحصل بغير تدريج وبغتة، فظهوره بحصوله.

ص: 437


1- - ولزيادة التوضيح راجع: «كفاية الاُصول» ص44.

وأمّا المسائل المرتبطة بفروعات المؤونة.

الكلام في ماهية المؤونة ومفهومها:

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

المراد بالمؤونة مضافاً إلى ما يصرف في تحصيل الرّبح، ما يحتاج إليه لنفسه وعياله في معاشه بحسب شأنه اللائق بحاله في العادة، من المأكل والملبس والمسكن، وما يحتاج إليه لصدقاته وزياراته وهداياه وجوائزه وأضيافه والحقوق اللازمة له بنذر أو كفارة أو أداء دين أو أرش جناية أو غرامة ما أتلفه عمداً أو خطأ، وكذا ما يحتاج إليه من دابة أو جارية أو عبد أو أسباب أو ظرف أو فرش أو كتب، بل وما يحتاج إليه لتزويج أولاده أو ختانهم، ونحو ذلك مثل ما يحتاج إليه في المرض وفي موت أولاده أو عياله، إلى غير ذلك مما يحتاج إليه في معاشه، ولو زاد على ما يليق بحاله ممّا يعدّ سفهاً وسرفاً بالنسبة إليه لا يحسب منها(1).

بعد الفراغ عن استثناء مؤونة السنة عن الأرباح، وتخميس الزائد عليها، ينبغي أن نبحث عن ماهيّتها وخصوصياتها، وهي اسم مصدر بمعنى المال المنفَق بالفتح، وفسّرها أرباب اللغة والفقهاء بالقوت وما يحتاج إليه الإنسان في عيشته وعيشة عياله الفرديّة والاجتماعيّة، قال في «المقائيس»:

ص: 438


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/394، المسألة الرقم 61.

«مؤن» الميم والواو والنون كلمةٌ واحدة، وهي المَوْن: أن تَمُونَ عيالَك، أي تَقوم بكفايتهم وتتحمّل مَؤُونتهم. وأمّا المؤونة فمن المَوْن والأصل فيها مَوونة بغير همزة(1).

وقال في «لسان العرب»:

مون: مانَهُ يَمُونه مَوْناً إِذا احتمل مؤونته وقام بكفايته، فهو رجل مَمُونٌ؛ عن ابن السكيت. ومانَ الرجلُ أَهله يَمُونُهُمْ مَوْناً ومَؤُونةً: كفاهم وأَنفق عليهم وعالهم. ومِينَ فلانٌ يُمانُ، فهو مَمُونٌ، والاسم المائِنةُ والمَوُونة بغير همز على الأَصل، ومن قال مَؤُونٌ، قال مَؤُونة(2).

وقال في «المدارك»:

والمراد بالمؤونة هنا: موؤنة السنة له ولعياله الواجبي النفقة وغيرهم، ومنها الهدية والصلة اللائقتان بحاله، وما يؤخذ منه في السنة قهراً أو يصانع به الظالم اختياراً والحقوق اللازمة له بالأصل أو بالعارض، وموؤنة التزويج، وثمن الدابة والخادم اللائقين بحاله، وما يغرمه في أسفار الطاعات، كلّ ذلك على الاقتصاد من غير إسراف ولا إقتار، فيخمس الزائد عن ذلك(3).

وأوكله في «الجواهر» إلى العرف حيث قال:

هي (الأخبار) خالية عن تفصيل المؤونة وبيانها كخلوّها عن بيان العيال واجبي النفقة أو الأعمّ منهم ومندوبيها، وهو في محلّه في كلّ منهما

ص: 439


1- «معجم مقائيس اللغة» ج5/286.
2- «لسان العرب» ج13/425.
3- «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج5/385.

سيّما الأوّل، لعدم إمكان الإحاطة ببيان ذلك جميعه، خصوصاً مع ملاحظة الأشخاص والأزمنة والأمكنة وغيرها، فالأولى إيكاله إلى العرف كإيكال المراد بالعيال إليه، إذ ما من أحد إلّا وعنده عيال، وله مؤونة، ولعلّه لا فرق فيه على الظاهر بين واجبي النفقة وغيرهم مع صدق اسم العيلولة عليه عرفاً(1).

وفسّره بعض بكلّ ما يحتاج إليه الإنسان في جلب المنفعة أو دفع المضرّة، أو في جلب المحبوب أو دفع المكروه(2).

والتحقيق كما صرّح به في «الجواهر» حيث إنّ أخبار استثاء المؤونة مع كونها في مقام البيان ساكتة عن بيان تفصيل مصاديقها، يكشف عن إيكالهم: فهمها إلى العرف، وهو يختلف بحسب الأشخاص والأزمنة والأمكنة ومصاديقها، الّذي عبارة اُخرى عمّا فسّروه أرباب اللغة بالقيام بقدر الكفاية.

وكيف كان هي على قسمين؛ الأوّل: مؤونة الّتي تُصرف في طريق تحصيل المنافع والأرباح من اُجرة الدّلال والدّكان والحمّال والضرائب الّتي تُؤخذ من التجار وغيرهم ونحوها، فلا ريب ولا إشكال في استثنائها، كما تقدّم عند البحث عنها في مبحث المعدن والكنز والغوص بأنّ صدق الفائدة والغنيمة عرفاً في جميع أنواع ما يجب فيها الخمس لا يكون إلّا بعد كسر مؤن التحصيل، وقد صرّح بذلك غير واحد منهم المحقق النراقي رحمه الله حيث قال:

ص: 440


1- «جواهر الكلام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج16/59.
2- راجع: «مستمسك العروة الوثقی (للسيّد الحكيم)» ج9/537، و«موسوعة الإمام الخوئي» ج25/251، و«مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص248، و....

يشترط في وجوب الخمس في الفوائد المكتسبة بأقسامها الخمسة: وضع مؤونة التحصيل الّتي يحتاج إليها في التوصل إلى هذه الاُمور، من حفظ الغنيمة ونقلها، واُجرة حفر المعدن وإخراجه وإصلاحه وآلاته، وآلات الغوص أو أرشها، واُجرة الغوص وغير ذلك، ومؤونة التجارة من الكراية، واُجرة الدّلال والمنزل، ومؤونة السفر والعشور ونحوها، وكذا مؤونة الزراعة والصناعة ممّا يحتاج إليها حتی آلات الصناعة، لعدم صدق الفائدة على ما يقابلها، وللأخبار المسفيضة(1).

وقال المحقّق الهمداني رحمه الله :

والمراد من المؤونة غير مؤونة التحصيل، الّتي لا يختصّ استثناؤها بهذا القسم، بل لا يعدّ الرّبح ربحاً إلّا بعد وضعها، بل هي مؤونة الشخص وما يصرفه في حوائجه طول السنة(2).

والثاني: ما يحتاج إليه الرابح في معاشه ومعاش عياله وأهله من المأكل والملبس والمسكن ونحوها، وقد دلّ على استثنائه قوله علیه السلام في صحيحة عليّ بن مهزيار: «إِذَا أَمْكَنَهُمْ بَعْدَ مَؤُونَتِهِمْ»(3)، وقوله علیه السلام في صحيحة اُخری عنه: «الْخُمُسُ بَعْدَ مَؤُونَتِهِ وَمؤونة عِيَالِهِ وَبَعْدَ خَرَاجِ السُّلْطَانِ»(4)، وقوله علیه السلام في خبر

ص: 441


1- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/61.
2- «مصباح الفقيه» ج19/271.
3- «التهذيب» ج4/123، الحديث 353، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 182، و«وسائل الشيعة» ج9/500، الحديث 12581.
4- «التهذيب» ج4/123، الحديث 354، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 183، و«وسائل الشيعة» ج9/500، الحديث 12582.

عليّ بن محمّدبن شجاع النيسابوري: «لِی مِنْهُ الْخُمُسُ مِمَّا يَفْضُلُ مِنْ مَؤُونَتِهِ»(1).

فهذه الرّوايات يإطلاقها وعمومها تشمل لجميع ما يرتبط بأمر معاشه ومعاش عياله وأهله من المأكل والملبس والمسكن والمركب وما يحتاج إليه في مقام التداوي ومعالجة الأمراض، وبما يحتاج إليه لتزويج نفسه أو تزويج أولاده، وبما يجب عليه من الحقوق والتكاليف الواجبة كأداء الديون واُروش الجنايات ومصارف الحجّ والوفاء بالنذور وشبهها، وبغيرها كمخارج الزيارات المستحبة والاُمور الرائجة مثل الضيافة والهدايا والجوائز ونحوها ممّا يتداول بين النّاس صرف المنافع فيها.

ص: 442


1- «التهذيب» ج4/16، الحديث 39، و«الاستبصار» ج2/17، الحديث 48، و«وسائل الشيعة» ج9/500، الحديث 12580.

بقي هنا اُمور:

الأوّل: لزوم كون مؤونة المستثناة على حدّ تكون لائقة بحاله موافقة لشأنه.

قد صرّح السيّد رحمه الله صاحب «العروة» هنا تبعاً لغير واحد من الأصحاب(1)، بتقييد مؤونة المستثناة على حدّ تكون لائقة بحاله موافقة لشأنه بحيث لا تعدّ زائداً له عرفاً ولا يلام بها، ولا يخفى في كونه يختلف بحسب اختلاف الأشخاص بالفقر والغنى وباختلاف مناصبهم الاجتماعيّة وباختلاف الأمكنة والبلدان والأزمنة والأعصار، فلو زاد عنها بحيث يعدّ سفهاً وسرفاً بالنسبة إليه حُسب عليه، منهم الشهيد رحمه الله في «المسالك» حيث قال:

المراد بالمؤونة هنا ما ينفقه على نفسه وعياله الواجبي النفقة وغيرهم كالضيف، والهدية، والصلة لإخوانه، وما يأخذه الظالم منه قهراً، أو يصانعه به اختياراً، والحقوق اللازمة له بنذر أو كفارة، ومؤونة التزويج، وما يشتريه لنفسه من دابة وأمة وثوب ونحوها. ويعتبر في ذلك ما يليق بحاله عادة فإن أسرف حسب عليه ما زاد وإن قتّر حسب له ما نقص(2).

والدليل عليه زائداً على ما وردت من الآيات والأخبار في الحذر عنها هو صحّة سلب المؤونة عمّا زاد عن ذلك، وانصراف إطلاقات أدلّة استثناء المؤونة عن الأرباح، عمّا لا يجوز للإنسان صرف المال فيها لكونه حراماً بذاته أو لكونه سفهاً أو إسرافاً أو تبذيراً، إلى ذلك أشار إجمالاً صاحب «المستند» حيث قال:

ص: 443


1- - راجع:«الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/353، و«مصباح الفقيه» ج19/271، و....
2- «مسالك الأفهام إلی تنقيح شرائع الإسلام» ج1/464.

ومن هذا يظهر وجه ما صرّح جماعة بل الأكثر على ما صرّح به بعض الأجلّة من تقييد المؤونة بكونها على وجه الاقتصاد بحسب اللائق بحاله عادة دون الإسراف، فإنّه ليس من المؤونة، لصحّة السلب(1).

قال الله تبارك وتعالى: (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذيراً إِنَّ الْمُبَذِّرينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً)(2)، وقال: (...وَأَنَّ الْمُسْرِفينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ)(3)، وقال: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الّتي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً)(4)، وقد فسّر السفيه في صحيحة أبي بصير الأسدي بمن صرف ماله لشرب الخمر، وبتنقيح المناط يمكن تسريته بكلّ من صرف أمواله في غير الجهات المحلّلة، ففي تفسير عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «شَارِبُ الْخَمْرِ لَا تُصَدِّقُوهُ إِذَا حَدَّثَّ وَلَا تُزَوِّجُوهُ إِذَا خَطَبَ، وَلَا تَعُودُوهُ إِذَا مَرِضَ، وَلَا تَحْضُرُوهُ إِذَا مَاتَ، وَلَا تَأْتَمِنُوهُ عَلَى أَمَانَةٍ فَمَنِ ائْتَمَنَهُ عَلَى أَمَانَةٍ فَاسْتَهْلَكَهَا فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُخْلِفَ عَلَيْهِ وَلَا أَنْ يَأْجُرَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ)، وَأَيُّ سَفِيهٍ أَسْفَهُ مِنْ شَارِبِ الْخَمْرِ؟»(5)، وعن عليّ علیه السلام: «مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَإِيَّاهُ وَالْفَسَادَ

ص: 444


1- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/66.
2- «الإسراء»: 26 - 27.
3- «غافر»: 43.
4- «النساء»: 5.
5- «تفسير القمّي» ج1/131، و«وسائل الشيعة» ج25/313، الحديث 31988.

فَإِنَّ إِعْطَاءَكَ الْمَالَ في غَيْرِ وَجْهِهِ تَبْذِيرٌ وَإِسْرَافٌ وَهُوَ يَرْفَعُ ذِكْرَ صَاحِبِهِ في النَّاسِ وَيَضَعُهُ عِنْدَ اللَّه»(1).

ويؤيّده ما في صحيحة سماعة الواردة فيمن يحلّ له أخذ الزكاة، قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الزَّكَاةِ هَلْ تَصْلُحُ لِصَاحِبِ الدَّارِ وَالْخَادِمِ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ إِلَّا أَنْ تَكُونَ دَارُهُ دَارَ غَلَّةٍ فَخَرَجَ لَهُ مِنْ غَلَّتِهَا دَرَاهِمُ مَا يَكْفِيهِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْغَلَّةُ تَكْفِيهِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ في طَعَامِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ وَحَاجَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ فَقَدْ حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ، فَإِنْ كَانَتْ غَلَّتُهَا تَكْفِيهِمْ فَلَا»(2)، إلى غير ذلك من الأخبار الّتي دلّت على المطلوب بالمطابقة أو الالتزام.

ثمّ إنّه لا فرق هنا في العيال بين واجبي النفقة وغيرها ممّن أشمله العيال عرفاً، كما تقدّمت الإشارة إليه في كلام «الجواهر»(3)، وصرّح به في «المسالك»(4) و«الروضة»(5) و«المدارك»(6) و«الحدائق»(7) و«الرياض»(8)، خلافاً ل«السرائر» حيث اقتصر على الأوّل فقط، وقال:

ص: 445


1- «بحار الأنوار (ط - بيروت)» ج75/97.
2- «الكافي» ج3/560، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/235، الحديث 11916.
3- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/59.
4- «مسالك الأفهام إلی تنقيح شرائع الإسلام» ج1/464.
5- «الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة (المحشی - كلانتر)» ج2/76.
6- «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج5/385.
7- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/353.
8- «رياض المسائل» ج5/253.

وأمّا ما عدا الكنوز والمعادن من سائر الاستفادات والأرباح والمكاسب والزراعات فلا يجب فيها الخمس بعد أخذها وحصولها، بل بعد مؤونة المستفيد، ومؤونة من تجب عليه مؤونته، سنة هلاليّة على جهة الاقتصاد، فإذا فضل بعد نفقته طول سنته شيء أخرج منه الخمس، قليلاً كان الفاضل أو كثيراً(1).

الأمر الثاني هل هناك فرق بين أروش الجنايات والإتلافات العمديّة وغيرها أم لا؟

قد صرّح السيّد رحمه الله هنا بأنّ اُروش الجنايات والإتلافات وموجبات الكفّارات عمدها وخطأها مطلقاً من المؤونة وتستثنى من المنافع وأرباح المكاسب، وقد وافقه عليه كثير من محشي «العروة»، والتحقيق كما أشار إليه إجمالاً صاحب «الجواهر» يقتضي أن نستثني ما تركبه منها عن قصد وعمد إلحاقاً بما صرف من أمواله عن سفه أو إسراف أو تبذير، ولا أقلّ من الشك وبطلان التعميم، ولزوم الأخذ بالقدر المتيقّن فيما كان المخصِّص منفصلاً، فقال في «الجواهر»:

وكذا الإشكال في احتساب اُروش جناياته وقيم متلفاته العمديّة منها (مؤونة) بخلاف الخطائيّة(2).

ص: 446


1- «السرائر الحاوي لتحرير الفتاوی» ج1/489.
2- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/62.

الأمر الثالث:

هل تعتبر اللياقة والموافقة في الاُمور القربيّة والعباديّة كما تعتبر في معيشة الرابح وعياله؟

ظاهر متن «العروة» هنا وكثير من محشّيها وكذا صريح بعض كصاحب «المدارك»(1) أنّه تعتبر اللياقة والموافقة للشأن في صرف المال في الاُمور العباديّة والمستحبّة أيضاً، كما تعتبر في معيشة الرابح وعياله، فعليه لو صرف إنسان أمواله في تلك المصارف بما زاد عن شأنه يجب عليه تخميسه، كما يجب عليه في موارد الإسراف والتبذير! لكنّ التحقيق بعد ما راجعنا إلى الآيات والأخبار المتواترة(2) الّتي تحضّ على الإنفاق وإدمان الحجّ والعمرة وزيارة النّبيّ والأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين)، وما ورد في فضل بناء المساجد وأمثالها، بل ذمّت بالمطابقة أو التزام الّذين تركوها، نرى أنّ لسانها آبية عن ذلك، منها قوله تبارك وتعالى: (الَّذينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)(3)، وقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فيهِوَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(4)، وقوله تعالی : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ

ص: 447


1- «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج5/385.
2- راجع: «وسائل الشيعة» ج5، الباب 8 من أبواب أحكام المساجد، وج9 أبواب 6 و8 و12 و14 و15 و16 و17 و19 و20 و27 و44 و50 و52 من أبواب الصدقة، وج11 أبواب 4 و5 و39 و41 و42 و43 و45 و46 و47 و49 و50 من أبواب وجوب الحجّ وشرائطه، وباب 2 من أبواب استحباب السفر في الطاعات، وج14 أبواب 12 و13 و36 و37 و38 و40 و49 و50 و51 و53 و54 و55 و56 و57 من أبواب المزار وما يناسبه، و... .
3- «البقرة»: 3.
4- «البقرة»: 254.

مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقينَ الَّذينَ يُنْفِقُونَ في السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمينَ الْغَيْظَ وَالْعافينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنينَ)(1)، وقوله عزّ وجلّ: (آمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفينَ فيهِ فَالَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبيرٌ)(2)، وقوله سبحانه: (وَالَّذينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها في سَبيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَليمٍ)(3)، ومرفوعة السيّد الرّضي في «نهج البلاغة» عن أميرالمؤمنين علیه السلام أنّه قال: «يَا ابْنَ آدَمَ مَا كَسَبْتَ فَوْقَ قُوتِكَ فَأَنْتَ فِيهِ خَازِنٌ لِغَيْرِكَ»(4)، وخبر الحسين بن عُلوان عن جعفر عن أبيه قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «إِذَا أَصْبَحْتَ فَتَصَدَّقْ بِصَدَقَةٍ يُذْهِبْ عَنْكَ نَحْسَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَتَصَدَّقْ بِصَدَقَةٍ يُذْهِبْ عَنْكَ نَحْسَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ»(5)، وصحيحة داود بن يزيد عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال: «مَنْ زَارَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ علیه السلام في كُلِّ جُمُعَةٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ الْبَتَّةَ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الدُّنْيَا وفي نَفْسِهِ حَسْرَةٌ مِنْهَا، وَكَانَ مَسْكَنُهُ مَعَ الْحُسَيْنِ بْنِ عليّ علیه السلام»(6)، وخبر أبي الجارود عن أبي جعفر علیه السلام قال: قال لي: «كَمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْحُسَيْنِ علیه السلام؟قُلْتُ: يَوْمٌ لِلرَّاكِبِ وَيَوْمٌ وَبَعْضُ يَوْمٍ لِلْمَاشِي، قَالَ: أَفَتَأْتِيهِ

كُلَّ جُمُعَةٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: مَا آتِيهِ إِلَّا في الْحِينِ، قَالَ: مَا أَجْفَاكَ! أَمَا لَوْ كَانَ قَرِيباً مِنَّا

ص: 448


1- «آل عمران»: 133 - 134.
2- «الحديد»: 7.
3- «التوبة»: 34.
4- «نهج البلاغة»، الحكمة الرقم 192، و«وسائل الشيعة» ج16/19، الحديث 20850.
5- «قرب الإسناد» ص57، و«وسائل الشيعة» ج9/394، الحديث 12316.
6- «كامل الزيارات» ص183، و«وسائل الشيعة» ج14/479، الحديث 19646.

لَاتَّخَذْنَاهُ هِجْرَةً أَيْ تَهَاجَرْنَا إِلَيْهِ»(1)، وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: قَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْمُونٍ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مَا تَرَى في رَجُلٍ قَدْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، الْحَجُّ أَفْضَلُ أَمْ يُعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا بَلْ يُعْتِقُ رَقَبَةً، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «كَذَبَ وَاللَّهِ وَأَثِمَ، لَحَجَّةٌ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ رَقَبَةٍ وَرَقَبَةٍ وَرَقَبَةٍ، حتی عَدَّ عَشْراً، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَهُ في أيّ رَقَبَةٍ طَوَافٌ بِالْبَيْتِ، وَسَعْيٌ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَحَلْقُ الرَّأْسِ، ورَمْيُ الْجِمَارِ؟ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَعَطَّلَ النَّاسُ الْحَجَّ، وَلَوْ فَعَلُوا كَانَ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُجْبِرَهُمْ عَلَى الْحَجِّ إِنْ شَاؤُوا وَإِنْ أَبَوْا، فَإِنَّ هَذَا الْبَيْتَ إِنَّمَا وُضِعَ لِلْحَجِّ»(2)، وصحيحة أبي محمّد الفرّاء قال: سمعت جعفر بن محمّد علیه السلام يقول: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ»(3)، وصحيحة أبي عبيدة الحذّاء عن أبي جعفر علیه السلام أنّه قال: «مَنْ بَنَى مَسْجِداً كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتاً في الْجَنَّةِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَمَرَّبِي وَأَنَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ أَضَعُ الْأَحْجَارَ، فَقُلْتُ: هَذِهِ مِنْ ذَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ»(4)، إلى غير ذلك من الأحاديث والأخبار المتواترة

ص: 449


1- «ثواب الأعمال» ص114، و«وسائل الشيعة» ج14/438، الحديث 19552.
2- «الكافي» ج4/259، الحديث 30، و«التهذيب» ج5/22، الحديث 66، و«وسائل الشيعة» ج11/119، الحديث 14402.
3- «الكافي» ج4/255، الحديث 12، و«وسائل الشيعة» ج11/123، الحديث 14413.
4- «من لا يحضره الفقيه» ج1/152، الحديث 704، و«وسائل الشيعة» ج5/204، الحديث 6334.

الكثيرة بما يغنينا عن البحث حول أسانيدها، ودلّت على المطلوب في الأغلب بصورة فعل المضارع الّذي يفيد الدوام والاستمرار.

فبعد مراجعة الآيات والأخبار تبيّن أنّه لم تنحصر المؤونة فيما يحتاج إليه الإنسان في خصوص ما يصرفه في حياته الماديّة، بل تعمّ أيضاً كلّ ما يحتاج إليه لحياته المعنويّة الاُخرويّة، بل وبما يحتاج إليه في عالم العقبى أحوج لأنّها يوم الّتي: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخيهِ وَأُمِّهِ وَأَبيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنيهِ)(1)، ودخل أميرالمؤمنين علیه السلام على العلاء بن زياد الحارثي وهو من أصحابه يعوده، فلمّا رأى سعة داره قال: «مَا كُنْتَ تَصْنَعُ بِسَعَةِ هَذِهِ الدَّارِ في الدُّنْيَا أَمَا أَنْتَ إِلَيْهَا في الْآخِرَةِ كُنْتَ أَحْوَج»(2)، وكتب في وصيّته لابنه الحسن علیه السلام:

«وَاعْلَمْ أَنَ أَمَامَكَ طَرِيقاً ذَا مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ وَمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، وَأَنَّهُ لَا غِنَى بِكَ فِيهِ عَنْ حُسْنِ الِارْتِيَادِ، وَقَدْرِ بَلَاغِكَ مِنَ الزَّادِ مَعَ خِفَّةِ الظَّهْرِ، فَلَا تَحْمِلَنَّ عَلَى ظَهْرِكَ فَوْقَ طَاقَتِكَ فَيَكُونَ ثِقْلُ ذَلِكَ وَبَالاً عَلَيْكَ، وَإِذَا وَجَدْتَ مِنْ أَهْلِ الْفَاقَةِ مَنْ يَحْمِلُ لَكَ زَادَكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَيُوَافِيكَ بِهِغَداً حَيْثُ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَاغْتَنِمْهُ وَحَمِّلْهُ إِيَّاهُ، وَأَكْثِرْ مِنْ تَزْوِيدِهِ وَأَنْتَ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَلَعَلَّكَ تَطْلُبُهُ فَلَا تَجِدُهُ، وَاغْتَنِمْ مَنِ اسْتَقْرَضَكَ(3) في حَالِ غِنَاكَ

ص: 450


1- «عبس»: 37 - 34.
2- «نهج البلاغة»: الخطبة الرقم 209، و«بحار الأنوار (ط - بيروت)» ج40/336.
3- قوله: «وَاغْتَنِمْ مَنِ اسْتَقْرَضَكَ» الخ حثّ علی الصدقة، والمراد أنّك إذا أنفقت المال علی الفقراء وأهل الحاجة كان أجر ذلك وثوابه ذخيرة لك تنالها في القيامة، فكأنّهم حملوا عنك زاداً ويؤدّونه إليك عند حاجتك.

لِيَجْعَلَ قَضَاءَهُ لَكَ في يَوْمِ عُسْرَتِك»(1).

فنستفيد أنّ كلّ ما يصرفه الإنسان بعد إعاشة نفسه وعائلته في هذه الاُمور، فهو مأمور به ولا يعدّ من الإسراف أو التبذير، يؤيّده ما ورد عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: «لَا خَيْرَ في السَّرَفِ، وَلَا سَرَفَ في الْخَيْرِ»(2).

إن قلت: قد أمر الله تعالى بالاقتصاد والاعتدال في موضوع الإنفاق، حيث قال: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً)(3)، فكلّ ما زاد عن حدّ الشأن اللاتق بحال المنفِق فهو منهى عنه بمقتضى النهي الوارد في هذه الكريمة.

قلنا: إنّ النهي الوارد فيها ليس بمولوي شرعي حتی يكون مخالفته موجباً للعصيان والطغيان، بل هو نهي إرشادي تأكيدي لحكم العقل لئلّا يتعطّل موضوع الإنفاق بين النّاس بسبب الإفراط أو التفريط، نظير ما ورد في الأمر بالاقتصاد في العبادة في مثل خبر سلام بن المستنير عن أبي جعفر علیه السلام قال: قالرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «أَلَا إِنَّ لِكُلِّ عِبَادَةٍ شِرَّةً (4) ثُمَّ تَصِيرُ إِلَى فَتْرَةٍ، فَمَنْ صَارَتْ شِرَّةُ عِبَادَتِهِ إِلَى سُنَّتِي فَقَدِ اهْتَدَى، وَمَنْ خَالَفَ سُنَّتِيی فَقَدْ ضَلَّ وَكَانَ عَمَلُهُ في تَبَارٍ(5)،

ص: 451


1- «نهج البلاغة»: كتاب الرقم 31.
2- «بحار الأنوار (ط - بيروت)» ج74/165، و«مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل» ج15/245، الحديث 18198.
3- «الإسراء»: 29.
4- الشرّة: الرغبة والنشاط. «لسان العرب» ج4/401.
5- في نسخة تباب، وتبار، بمعنى الهلاك. «مجمع البحرين» ج3/232. والتباب: الخسران والهلاك، «مجمع البحرين» ج2/12.

أَمَا إِنِّي أُصَلِّي، وَأَنَامُ، وَأَصُومُ، وَأُفْطِرُ، وَأَضْحَكُ وَأَبْكِي، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ مِنْهَاجِي وَسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّی»، الحديث(1)، فالعبادة ومنها الإنفاق بلغت ما بلغت ليس فيها أيّ منقصة حتی تكون فعلها منهيّاً عنها، بل المرجوح هو الإفراط فيها بما يوجب تركها في مستقبل الزمان.

بقي هنا مسائل:

المسألة الاُولى: حكم الآلات المحتاج إليها في الكسب.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

في كون رأس المال للتجارة مع الحاجة إليه من المؤونة إشكال، فالأحوط كما مرّ إخراج خمسه أوّلاً، وكذا في الآلات المحتاج إليها في كسبه مثل آلات النجارة للنّجار، وآلات النساجة للنّساج، وآلات الزراعة للزّارع، وهكذا، فالأحوط إخراج خمسها أيضاً أوّلاً(2).

قد مرّ الكلام في تخميس رأس المال في المسألة العاشرة (المسألة التاسعة والخمسين)، ويجري الكلام بعينه أيضاً في الآلات المحتاج إليها في كسبه، منأنّه ينبغي أن نفصّل بين ما يحتاج إليها لتحصيل مؤونة سنته على ما يليق بشأنه إذا لم يكن قادراً على إجارة نفسه لبعض الأعمال أو قادراً لكنّه ليس لائقاً بشأنه، فلا يجب خمسها حينئذٍ لكونها من المؤونة أو بحكمها عرفاً أي ما ينتفع به في المعيشة مع بقاء عينه مثل أثاث البيت، فلو وجب عليه خمسه لا تفي منافعها

ص: 452


1- «الكافي» ج2/69، الحديث 1، و«وسائل الشيعة» ج1/109، الحديث 268.
2- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/394، المسألة الرقم 62.

بمؤونته ومصارف عياله ويصير بقدره فقيراً.

وبين ما إذا كانت زائدة عنه بحيث لو أدّى خمسها لا يضرّ ذلك بتحصيل مؤونته وعياله على ما يليق بشأنه، بأن كان لتوسعة منافعه من غير أن يكون محتاجاً إلى هذه التوسعة فيجب خمسه حينئذٍ، وكذا الكلام ما لو جعل الأرباح الحاصلة من السنين السابقة رأس مال للسنة الحاضرة، أو من السنة الحاضرة للسنين المقبلة، فالمعيار في ذلك كما تقدّم هو صدق كون رأس المال من المؤونة السنة الحاضرة أو بحكمها عرفاً، وعدمه.

المسألة الثانية: بقاء المؤونة للسنين الآتية.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

لا فرق في المؤونة بين ما يصرف عينه فتتلف مثل المأكول والمشروب ونحوهما، وبين ما ينتفع به مع بقاء عينه مثل الظروف والفروش ونحوها، فإذا احتاج إليها في سنة الربح يجوز شراؤها من ربحها وإن بقيت للسنين الآتية أيضاً(1).

المؤونة على أقسام؛ فمنها: ما يصرف عينه ولا يبقى كالمأكول والمشروب، فهذا لا كلام في استثنائها.ومنها: ما تبقي عينها وينتفع بمنافعها كالدار والسيارة والظروف والفرش ونحوها، فهي تارة قد يبقى الاحتياج إليها ما دامت باقية، فهي أيضاً لا كلام في استثنائها بعد ما يصدق عليها عنوان المؤونة عرفاً.

واُخرى ما يستغنى عنها بعد السنة كحليّ الّتي تستغنى عنها المرأة بعد أيّام

ص: 453


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/395، المسألة الرقم 63.

شبابها، أو بعض الأسباب والوسائل الّتي تختصّ بمكان أو زمان خاصّ، فهل يجب فيها الخمس بعد مضيّ السنة والاستغناء، أم لا؟ وسيأتي الكلام فيها عند ذكر السيّد رحمه الله لها في المسألة السابعة والستين.

نعم كلّ ما لا يحتاج إليها في الحال ولا المستقبل القريب من بدو الأمر كالدار الوسيع الّتي لها غرف كثيرة زائدة عمّا يحتاج إليها، أو ما كان المتعارف بين النّاس استئجارها لا شرائها، كبعض الظروف والوسائل الممهّدة لمجالس العرس أو العزاء، فلا يحتسب منها.

المسألة الثالثة: إخراج المؤونة من الرّبح مع وجود مال آخر لا خمس فيه.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

يجوز إخراج المؤونة من الرّبح وإن كان عنده مال لا خمس فيه بأن لم يتعلّق به، أو تعلّق وأخرجه، فلا يجب إخراجها من ذلك بتمامها ولا التوزيع وإن كان الأحوط التوزيع، وأحوط منه إخراجها بتمامها من المال الّذي لا خمس فيه، ولو كان عنده عبد أو جارية أو دار أو نحو ذلك ممّا لو لم يكن عنده كان من المؤونة لا يجوز احتساب قيمتها من المؤونة وأخذ مقدارها، بل يكون حاله حال من لم يحتج إليها أصلاً(1).قد يكون لشخص واحد أموال مختلفة، بعضها ممّا يتعلّق به الخمس كأرباح سنته، وبعضها ممّا لا يتعلّق به الخمس كالإرث، أو تعلّق به لكنّه أدّاه كأرباحه السابقة، فهل يأخذ المؤونة من ربح عامه، أو من الثاني، أو يوزع عليهما بالنسبة، أو هو بالخيار في الأخذ من أيّهما شاء؟ فإن أخذها من الأوّل فلا خمس فيها.

ص: 454


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/395، المسألة الرقم 64.

لا شك في جواز إخراج المؤونة من الربح إذا لم يكن له مال آخر لا يتعلّق به الخمس، إنّما الكلام فيما لو كان عنده مال زائد ادّخره لغرض، فهل يجوز له حينئذٍ صرف الرّبح في المؤونة، أم لا؟

فالّذي يظهر من كلمات الأصحاب أنّ في المسألة أقوال ثلاثة: لزوم كونها من الأموال الّتي لا يتعلّق بها الخمس، ومن احتسابها من كليهما بالنسبة، ومن احتسابها من الربح المكتسب فقط، إلى ذلك أشار الشيخ الأعظم رحمه الله حيث قال:

ولو كان للشخص مال لا يتعلّق به الخمس، ففي وجوب إخراج المؤونة منه، أو من الرّبح، أو منهما، أوجه، بل قيل: أقوال، خيرها أوسطها، وفاقاً للشهيد والمحقّق الثانيين، وصاحبي المدارك والذخيرة وشارح المفاتيح، بل هو مقتضى ظاهر كلّ من عبّر عن عنوان هذا القسم في فتواه أو معقد إجماعه بما يفضل من الأرباح عن مؤونة السنة، لأصالة البراءة، ولأنّه الظاهر من قوله: «الخمس بعد المؤونة»، بل هو مقتضى إطلاق المؤونة الشامل لمؤونة التحصيل، إذ لا خلاف ظاهراً في أنّ مؤونة التحصيل مستثنى من الربح لا غير(1).فمن القائلين بالقول الأوّل - أي وجوب كونها من الأموال الّتي لا يتعلّق بها الخمس - المحقق الأردبيلي رحمه الله حيث قال:

ثمّ الظاهر أنّ اعتبار المؤونة من الأرباح مثلاً على تقدير عدمها من غيرها، فلو كان عنده ما يمون به من الأموال الّتي تصرف في المؤونة عادة فالظاهر عدم اعتبارها ممّا فيه الخمس، بل يجب الخمس من

ص: 455


1- «كتاب الخمس (للشيخ الأنصاري)» ص204 - 203، وقريب منه ما قاله المحقق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» ج19/280 - 281.

الكلّ، لأنّه أحوط، ولعموم أدلّة الخمس وعدم وضوح صحّة دليل المؤونة، وثبوت اعتبار المؤونة على تقدير الاحتياج بالإجماع ونفي الضرر وحمل الاخبار عليه، ولتبادر الاحتياج من (بعد المؤونة) الواقع في الخبر، ولأنّه قد يؤول إلى عدم الخمس في أموال كثيرة مع عدم الاحتياج إلى صرفها أصلاً مثل أرباح تجارات السلاطين وزراعاتهم والأكابر من التّجار والزّراع وهو منافٍ لحكمة شرع الخمس في الجملة ويحتمل التقسيط، ولكنّه غير مفهوم من الأخبار إلّا أنّه أحوط بالنسبة إلى إخراجها من الأرباح بالكليّة(1).

ويظهر من الشهيد رحمه الله في «المسالك» أنّ احتسابها من كليهما بالنسبة أعدل، حيث قال:

ولو كان له مال آخر لا خمس فيه إمّا لكونه مخمساً أو لانتقاله إليه بسبب لا يوجب الخمس كالميراث والهبة والهدية والمهر وعوض الخلع، فالمؤونة مأخوذة منه في وجه ومن الأرباح في آخر، والأوّل أحوط، والأعدل احتسابها منهما بالنسبة، فلو كانت المؤونة مائة والأرباح مائتين والمال الآخر ثلاثمائة مثلاً بسطت المؤونة عليهماأخماساً فيسقط من الأرباح خمسها ويخمس الباقي وهو مائة وستون، وهكذا(2).

ص: 456


1- «مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان» ج4/318.
2- «مسالك الأفهام إلی تنقيح شرائع الإسلام» ج1/465.

واختار في «الكشف» احتسابها من الرّبح المكتسب فقط، حيث قال:

وتحتسب المؤونة من الربّح المكتسب دون غيره على أصحّ الأقوال(1).

وقوّاه الشهيد رحمه الله في «الروضة» حيث قال:

ولو كان له مال آخر لا خمس فيه، ففي أخذ المؤونة منه، أو من الكسب، أو منهما بالنسبة أوجه، وفي الأوّل احتياط، وفي الأخير عدل، وفي الأوسط قوّة(2).

ويظهر من كلام الشيخ الأعظم رحمه الله الّذي تقدّم آنفاً أنّ هذا القول هو المشهور ومقتضى ظاهر كلّ من عبّر عن عنوان هذا القسم في فتواه أو معقد إجماعه بما يفضل من الأرباح عن مؤونة السنة.

وفي «الحدائق» أنّه أجود الأقوال، حيث قال:

ولو كان له مال لا خمس فيه ففي احتساب المؤونة منه أو من الرّبح المكتسب أو بالنسبة منهما، أوجه أجودها الثاني، وأحوطها الأوّل(3).

وهنا احتمال آخر، وهو أنّه تابع لصرفها خارجاً، فلو أخذها من أرباح السنة تحسب منها، وإن أخذها من مال الّذي ليس فيه خمس تحسب منه، ولو وزعها عليهما فلكلّ حكمه(4).

ص: 457


1- «كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء (ط - الحديثة)» ج4/208، وهو أيضاً خيرة تلميذه في نجاة العباد والجواهر، راجع: «نجاة العباد (المحشی لصاحب الجواهر)» ص87، و«جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/63.
2- «الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة (المحشی - كلانتر)» ج2/77.
3- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/354.
4- راجع: «أنوار الفقاهة، كتاب الخمس والأنفال» ص282 - 283.

وكيف كان إنّ الّذي يمكن أن يستدلّ به على القول الأوّل أي لزوم كونها من الأموال الّتي لا يتعلّق بها الخمس، هو أنّ استثناء مؤونة السنة حيث كان من طريق الاستثناء المنفصل، فكلّما شك في جواز استثناء شيء منها كما إذا لم يكن الرابح محتاجاً بأخذ مؤونته منها، فلابدّ فيه من الأخذ بعمومات ما دلّت على وجوب الخمس في المقام، ولا تصل النوبة إلى الاُصول العمليّة كالبراءة.

وأمّا القول بالتقسيط الّذي أشار إليه الشهيد رحمه الله بأنّه أعدل، فهو مجرّد استحسان لا يمكن الاستدلال به بعد إطلاقات أدلّة الخمس الّتي هي مستند للقول الأوّل، أو ظواهر ما دلّ على أنّه بعد المؤونة الّذي هو دليل علی القول الثالث.

والّذي يمكن أن يستدلّ به على كونها من الرّبح المكتسب حينئذٍ، هو حمل قوله علیه السلام: «الْخُمُسُ بَعْدَ الْمؤونة»(1)، وأمثاله - الوارد في عدّة من روايات الباب(2) - على البعديّة الزمانيّة لتدلّ على أنّ حدوث الخمس متأخّر عن إخراج المؤونة، كما هو خيرة الحلّي رحمه الله ظاهراً في «السرائر» حيث قال:

وأمّا ما عدا الكنوز والمعادن من سائر الاستفادات والأرباح والمكاسب والزراعات فلا يجب فيها الخمس بعد أخذها وحصولها، بل بعد مؤونة المستفيد، ومؤونة من تجب عليه مؤونته سنة هلالية، على جهة

ص: 458


1- «التهذيب» ج4/123، الحديث 352، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 181، و«وسائل الشيعة» ج9/499، الحديث 12579.
2- «مسالك الأفهام إلی تنقيح شرائع الإسلام» ج9/504 - 499، أحاديث 1 و2 و3 و4 و5 و7 و10 من روايات الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

الاقتصاد، فإذا فضل بعد نفقته طول سنته شيء أخرج منه الخمس، قليلاً كان الفاضل أو كثيراً، ولا يجب عليه أن يخرج منه الخمس بعد حصوله له، وإخراج ما يكون بقدر نفقته، لأنّ الأصل براءة الذمّة وإخراج ذلك على الفور أو وجوبه ذلك الوقت يحتاج إلى دليل شرعي، والشرع خالٍ منه، بل إجماعنا منعقد بغير خلاف أنّه لا يجب إلّا بعد مؤونة الرجل طول سنته، فإذا فضل بعد ذلك شيء أخرج منه الخمس، من قليله وكثيره، وأيضاً فالمؤونة لا يعلمها، ولا يعلم كميّتها إلّا بعد تقضي سنته(1).

يلاحظ عليه بأنّ الظاهر من البعديّة في خمس المكاسب كما في آية سهام الإرث في قوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْن)(2) هو البعديّة الرتبيّة، يعني أنّ مرتبة الخمس متأخرّة عن المؤونة، كما أنّ مرتبة الإرث متأخرّة عن الوصيّة والدَّين من دون أن ينظر إلى الزمان أصلاً، فوجوب الخمس في أرباح المكاسب ليس مشروطاً بمضيّ السنة نظير اشتراط الزكاة في الأنعام بحلول الحول، بل هو واجب فيها من لدن ظهور الرّبح وإن جاز له التأخير إلى آخر السنة إرفاقاً له، فيجوز له التعجيل في الإخراج لكونه إخراجاً للواجب وامتثالاً له، لا سيّما إذا كان الرّبح كثيراً جداً بحيث يقطع عادة بعدم صرف جميعه فيها، ويستثنى المؤونة بما يقدرها على نحو التخمين، فإن بان تساويها مع المؤونة الّتي يصرفها إلى آخر السنة فهو، وإن بان زيادتها عمّا يكفيه وجب عليه إخراج خمس

ص: 459


1- «السرائر الحاوي لتحرير الفتاوی» ج1/489.
2- «النساء»: 12.

تلك الزيادة، لكنّه لو بان نقصانها عن المؤونة بطروّ ما يحتاج إليه ممّا لم يكن مظنوناً له فكما سيأتي تفصيله في المسألتي الثانية والسبعين والتاسعة والسبعين ليس له أن يستردّه، سواء كان الآخذ عالماً بأنّه عجّل في إخراجه أم جاهلاً، كانت العين باقية أم تالفة(1).

ثمّ إنّه على القول بالبعديّة بمعنى البعديّة الزمانيّة في المقام، فلا دليل على احتساب المؤونة من الرّبح المكتسب فقط كما صرّح به في «الكشف»، غاية الأمر إذا لم يصرف منها كان بمنزلة ما إذا قام متبرع بمؤونته أو كمن قتّر على نفسه حيث يجب عليهما تخميس ما يبقى لهما رأس الحول.

وأمّا الّذي يمكن أن يستدلّ به على أنّه تابع لصرفها خارجاً، فلو أخذها من أرباح السنة تحسب منها، وإن أخذها من مال الّذي ليس فيه خمس تحسب منه، ولو وزّعها عليهما فلكلّ حكمه، هو كون الإخراج هنا بمعنى الصرف، فلو لم يصرف منها تعلّق بها الخمس لا محالة.

والأقوى من هذه الوجوه هو القول الأوّل، وذلك لأنّه بعد ما كان استثناء المؤونة من طريق الاستثناء المنفصل، فكلّما شك في جواز استثناء شيء منها كما إذا لم يكن الرابح محتاجاً بأخذ مؤونته منها، فلابدّ فيه من الأخذ بعمومات ما دلّت على وجوب الخمس في المقام، وحيث كان الغالب في أموال الناس تحصيلها من طريق الأرباح والمنافع الجارية، فمن باب الاقتصار في الأخذ بالإطلاق على ما هو متيقّن في مقام التخاطب يحمل إطلاق قوله علیه السلام: «الْخُمُسُ

ص: 460


1- خلافاً لما اختاره السيّد رحمه الله صاحب العروة في المسألة التاسعة والسبعين، حيث خصّ عدم جواز الرجوع فقط في صورة ما إذا كان الآخذ جاهلاً بالحال وكانت العين تالفة.

بَعْدَالْمؤونة» وأمثاله الوارد في عدّة من الرّوايات على جواز إخراج الرّابح مؤونته ومؤونة عياله منها إذا لم يكن عنده غيرها، ولا تصل النوبة إلى الاُصول العمليّة كالبراءة.

المسألة الرابعة:

هل المعيار في المؤونة الصرف الفعلي أو أعمّ منه ومن الصرف التقديري؟

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

المناط في المؤونة ما يصرف فعلاً لا مقدارها، فلو قتّر على نفسه لم يحسب له، كما أنّه لو تبرّع بها متبرّع لا يستثنى له مقدارها على الأحوط، بل لا يخلو عن قوّة(1).

ما المعيار في المؤونة؟ هل الملاك هو ما يصرفه بالفعل أو يعمّ مقداره إن احتاج إليها إلّا أنّه لم يصرفه لعلّة من العلل؟ تظهر الثمرة فإنّه على الأخير أيضاً يخرج مقداره من الرّبح الموجود رأس الحول دون الأوّل، ممّن صرّح بأنّه هو الصرف الفعلي صاحبي «الكشف» و«الجواهر» ومن تبعهما (2)، فقال في «الكشف»:

ولو اقتصر في قوت أو لباس أو آلات أو مساكن أو أوضاع ولم يفعل ما يناسبه لم يحسب التفاوت من المؤونة على الأقوى(3).

ص: 461


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/395، المسألة الرقم 65.
2- راجع: «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/63، و«كتاب الخمس (للشيخ الأنصاري)» ص207، و«مصباح الفقيه» ج19/278، و....
3- «كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء (ط - القديمة» ص362.

ومن القائلين بالتعميم الشهيدان في «الدروس»(1) و«المسالك»(2) و«الروضة»(3) والمحقّق السبزواري في كتابي «الذخيرة» و«الكفاية»(4)، (قدس الله أسرارهم)، ووافقهم في ذلك المحقّق البحراني رحمه الله حيث قال:

ذكر غير واحد من الأصحاب أنّ المراد بالمؤونة هنا ما ينفقه على نفسه وعياله الواجبي النفقة وغيرهم كالضيف، ومنها الهدية والصلة لإخوانه وما يأخذه الظالم منه قهراً أو يصانعه به اختياراً، والحقوق اللازمة له بنذر وكفارة، ومؤونة التزويج وما يشتريه لنفسه من دابّة ومملوك ونحو ذلك، كلّ ذلك ينبغي أن يكون على ما يليق بحاله عادة، وإن أسرف حسب عليه ما زاد، وإن قتّر حسب له ما نقص وما ذكروه (نورالله تعالى مراقدهم) لا بعد فيه(5).

والتحقيق يقتضي أن يقال: إنّ ما قاله القائلين بالاختصاص هو الأقوى بل هو المتعيّن، وذلك لتبادر ما ينفق بالفعل من أخبار استثناء المؤونة عن الخمس، وكذا صحّة سلب عنوان المؤونة عمّا لا يصرفه في حوائجه، صرّح بذلك المحقق الهمداني رحمه الله حيث قال:

قد حكى عن غير واحد كالعلّامة والشهيدين والمحقق الثاني التصريح بانّه لو قتّر حسب له، بل عن المناهل أنّه استظهر عدم الخلاف فيه،

ص: 462


1- «الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة» ج1/258.
2- «مسالك الأفهام إلی تنقيح شرائع الإسلام» ج1/464.
3- «الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة (المحشی - كلانتر)» ج2/76.
4- «ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد» ج2/483، و«كفاية الأحكام» ج1/212.
5- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/353.

فكأنّ محطّ نظرهم أنّ مفاد النصوص والفتاوى إنّما هو تعلّق الخمس بما عدا مقدار المؤونة، فمقدار المؤونة مستثنى عمّا يتعلّق به الخمس سواء أنفقه أم لا، وهو لا يخلو عن نظر، لما أشرنا إليه من أنّ المتبادر من الأخبار إنّما هو استثناء ما ينفقه بالفعل كمؤونة المعدن ونحوها لا استثناء مقدارها، فلو تبرّع متبرّع بنفقته فالظاهر أنّه لا يحسب له ما يقابله من الرّبح، فضلاً عمّا لو قتّر فيه، كما صرّح به غير واحد من مشايخنا (رضوان الله عليهم)، بل لا يبعد أن يقال: إنّه لو قصّر في أداء بعض التكاليف المتوقفة على صرف المال كالحجّ ونحوه في عام استطاعته فزاد ربحه عن مؤونته، وجب عليه الخمس في ما زاد وإن لم يكن يزيد عنه شيء على تقدير الحجّ وكون الحج واجباً عليه في هذه السنة، أو كون تداركه في ما يستقبل واجباً عليه لا يوجب أن يعدّ عرفاً ما يجب صرفه فيه من مؤونة هذه السنة كي يستثنى من ربحها، بل في كلّ سنة يصدر منه فعل الحجّ يعدّ مؤونته من مؤونة تلك السنة، فيستثنى من ربحها بالخصوص وإن حصلت الاستطاعة أو بعضها في ما سبق(1).

المسألة الخامسة: القرض للمؤونة.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا استقرض من ابتداء سنته لمؤونته أو صرف بعض رأس المال فيها قبل حصول الرّبح يجوز له وضع مقداره من الرّبح(2).

بناءً على القول بأنّ مبدأ السنة الّتي يكون الخمس بعد خروج مؤونتها هو

ص: 463


1- «مصباح الفقيه» ج19/278.
2- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/395، المسألة الرقم 66.

حال الشروع في الاكتساب كما هو خيرة السيّد في المسألة الستين، فما استقرضه لمصارف كسبه أو لمؤونة شخصه وعياله فلا محالة يكون من مؤن هذا العام ولا اشكال من كسر مقداره من الرّبح عند ظهوره أو حصوله.

أمّا بالنسبة إلى مصارف كسبه فلما تقدّم من أنّ الربح لا يصدق إلّا بعد إخراج جميع مؤونات الكسب، وأمّا بالنسبة إلى مؤونات شخصه وعياله فقد مرّ من أنّ الخمس بعد المؤونة.

وأمّا بناءً على القول بأنّ مبدأ الحول هو بعد ظهور الرّبح - كما هو المختار - فما استقرضه قبل ذلك لا يعدّ من مؤونة سنة الاكتساب حتی يوضع من ربحه، نعم حيث كان أداء دين ما استدانه لمعيشته يعدّ من المؤونة وإن كان من السنين السابقة كما سيأتي بيانه في المسألة الإحدى والسبعين، فيجوز له أداءه من الرّبح الحاصل في عام حصول الرّبح، لكنّه لو لم يؤدّه لا يمكن وضع شيء من الرّبح في مقابله لصحّة سلب عنوانها بدون الأداء، فمتى اتفقت الأداء يكون من مؤونة السنة الّتي أدّاه.

ثمّ لا يخفى أنّ الدَّين الحاصل من الاستقراض من وليّ الأمر من مال الخمس المعبّر عنه ب- «دستگردان» لا يعدّ من المؤونة بحيث لو أدّاه في سنة الرّبح يعدّ من مؤونة تلك السنة، بل يجب عليه تخميس ماله أوّلاً ثمّ أداءه من المال المخمّس، أو ردّ خمسه حين أدائه.

المسألة السادسة: زيادة المؤونة، والاستغناء عنها.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

لو زاد ما اشتراه وادّخره للمؤونة من مثل الحنطة والشعير والفحم ونحوها ممّا يصرف عينه فيها، يجب إخراج خمسه عند تمام الحول،

ص: 464

وأمّا ما كان مبناه على بقاء عينه والانتفاع به مثل الفرش والأواني والألبسة والعبد والفرس والكتب ونحوها، فالأقوى عدم الخمس فيها، نعم لو فرض الاستغناء عنها فالأحوط إخراج الخمس منها، وكذا في حليّ النسوان إذا جاز وقت لبسهنّ لها(1).

لا فرق في وجوب خمس الفاضل عن المؤونة بين ما كان الرّبح باقياً رأس الحول بصورة المال النقد، وبين ما إذا اشترى به لقوته وعياله أجناساً يصرف عينها مثل الحنطة والاُرز حتی مثل الملح والزيت ونحوها ثمّ زاد منها مقدار في آخر السنة قليلاً كان أو كثيراً، فيجب تخميسها بإطلاقات ما دلّ على وجوب الخمس في كلّ فائدة، زائداً على سلب كونها من مؤن السنة السابقة حينئذٍ.

والمعيار في ذلك أنّ الفاضل حكمه حكم الأصل، فإن كان أصل المال ممّا يجب تخميسه رأس الحول فلا ريب في وجوب تخميس فاضله أيضاً سواء كان بصورة المال أو تبديله بصورة اُخرى، وإن كان ممّا لم يجب تخميسه، فكذلك في فاضله كيفما كان.

هذا فيما كان مبناه على صرف عينه، وأمّا ما كان مبناه على الانتفاع به مع بقائه كالفروش والظروف والألبسة الّتي تبقي بطبيعة الحال أكثر من سنة واحدة، فهي على قسمين:

الأوّل: ما لا يستغنى عنها ما دام قابلاً للانتفاع بها، فلا ريب في عدم وجوب تخميسه، إمّا لشمول أدلة استثناء المؤونات لها حتی بعد السنة، إذ لا يعتبر في صدق مؤونة السنة تلف العين فيصدق عليها العنوان المذكور وإن بقيت إلى

ص: 465


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/395 - 396، المسألة الرقم 67.

السنين الآتية، فإنّ إطلاقها تعمّ المؤونة المصروفة عينها في السنة كالحنطة والشعير ونحوهما، والمؤونة الباقية إلى ما بعد السنة كالفروش والظروف ونحوهما، وإمّا لعدم شمول أدلة الخمس لها بعدها، ولا أقلّ من الشك فيرجع فيها إلى أصالة البراءة لا محالة، زائداً على استقرار السيرة المستمرة عليه.

وإن شئت قلت: إنّ أدلة الخمس إنّما تدلّ على وجوب الخمس فيما حصل له من الرّبح والفائدة والأعيان الباقية ليست مصداقاً جديداً للربح كي تشملها أدلّة الخمس؛ لأنّها كانت من أرباح السنة الماضية وقد شملها أدلّة استثناء المؤونة في تلك السنة فحين حصولها لم تشملها أدلّة الخمس لأنّها مؤونة، وبعد انتهاء السنة لا تشملها أيضاً لعدم كونها فائدة جديدة، لكنّه يظهر من «الجواهر» وجود قائل بوجوب الخمس فيها أيضاً حيث قال:

نعم قد يقال: إنّ ظاهر تقييد المؤونة في السنة يقتضي وجوب إخراج خمس ما زاد منها عليها من غير فرق بين المأكل وغيره من ملبس أو فرش أو أواني أو غير ذلك إلّا المناكح والمساكن، فإنّها إذا أخذت من ربح سنة لا يجب إخراج خمسها بعد السنة، بخلاف غيرهما فإنّه يجب إخراج خمس الجميع بعد السنة، ولعلّه لهذا استثنيت المناكح والمساكن(1).

الثاني: ما يستغنى عنها بعد حين، كما إذا تبدّل شغله وكان له آلات خاصّة بشغله السابق ثمّ استغنى عنها في الشغل الجديد، ومثله حليّ النساء إذا جاز وقت لبسهنّ لهنّ، فاحتاط في «العروة» وجوب الخمس فيها، ومال إليه في

ص: 466


1- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/64 - 65.

«المستند» حيث قال:

نعم، لو زالت الحاجة عن هذه الأعيان في سنة يمكن القول بوجوب الخمس فيها(1).

ثمّ الاستغناء في هذه الصورة يتصوّر على وجهين: تارة يستغنى عنها في أثناء السنة، واُخرى يستغنى عنها بعد تمام السنة أو بعد سنين، أمّا إذا استغنى عنها في أثناء سنة الخمس، فلو قصرت مدّة الاستفادة منها بحيث لا يعدّ من المؤونة لقصر الزمان وكانت العادة جارية باستعارتها أو إجارتها دون شرائها، كالأشياء الّتي يستفاد منها في مجالس الأعراس والتعازي لمدّة يوم أو أيّام قليلة كالكراسي وموائد الطعام والظروف الكثيرة والأواني الكبيرة ونحو ذلك، وجب تخميسها لو اشتراها لعدم كونها مؤونة له عرفاً، وأمّا إذا طالت المدّة بحيث كان ما يحتاج إليه في مدّة طويلة من السنة أو السنوات، كثياب يلبسها في الصيف ويستغنى عنها في الشتاء، أو ثياب الشتاء الّتي يستغنى عنها في الصيف، فلا يجب عليه الخمس حينئذٍ لصدق كونها مؤونة عرفاً، وبذلك يعلم حكم ما يشتريه الآباء لجهاز أعراس أولادهم، فإن كان من قبيل الأوّل يجب تخميسه، وإلّا فلا.

وأمّا إذا استغنى عنها بعد الحول بالمرّة كحليّ النسوان بعد كبر سنهنّ أوآلات الشغل، فالتحقيق يقتضي أن لا يكون أيضاً مشمولاً لأدلّة الخمس، وذلك لأنّه بعد ما لم يكن المبدأ فيها من الآنيات كالقيام والجلوس حتی يشترط فيهاء بقاء المبدأ لصدق العنوان، فإذا خرج فرد عن دليل وجوب الخمس فهو خارج عنه ولو زال عنه المبدأ.

ص: 467


1- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/71.

بيان ذلك: أنّ الظاهر أدلّة استثناء المؤونة كونها تخصيص أفرادي لا تقييد أحوالي(1) بمعنى أنّها تكون مخصّصة لعموم تخميس الرّبح بإخراج المؤونة منه رأساً ولو زال عنها العنوان، فإذا صدق على شيء أنّه مؤونة السنة عرفاً كان مستثنى من دليل التخميس ويؤخذ بإطلاق دليله ولو خرج عن كونه مؤونة السنة بعد تمامها، وبعد خروجه عن أدلّة التخميس وعدم كونه من أرباح السنة الجديد يحتاج لشموله له ثانياً إلى الدليل المفقود هنا، ولا أقلّ من الشك فيرجع فيه إلى البراءة.

وبعبارة اُخرى: أنّها في سنة الرّبح كانت مؤونة لم تشملها عموم أدلّة الخمس لكونها مؤونة، وبعد الاستغناء عنها وزوال الحاجة ليس بربح جديد حتی تشملها عمومات أدلة الخمس بعده.

ص: 468


1- فقوله علیه السلام في صحيحة عليّ بن مهزيار: «الْخُمُسُ بَعْدَ الْمَؤُونَةِ» في جواب السائل أَخْبِرْنِي عَنِ الْخُمُسِ أَ عَلَى جَمِيعِ مَا يَسْتَفِيدُ الرَّجُلُ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ مِنْ جَمِيعِ الضُّرُوبِ وَعَلَى الصُّنَّاعِ، وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ («التهذيب» ج4/123، الحديث 352، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 181، و«وسائل الشيعة» ج9/499، الحديث 12579) واضحة الدّلالة علی أنّ السؤال هو عن كميّة الخمس ومقداره، هل هو علی جميع المال؟ فيكون مقدار الخمس أزيد لا محالة، أم يكون على بعضها فينقص؟ فأجاب علیه السلام بأنّه «بَعْدَ الْمَؤُونَةِ» أي بعد استتاء هذا المقدار، ثمّ يخمّس الباقي، وهذا لا يناسب إلّا التخصيص الأفرادي، دون التقييد الأحوالي الّذي لازمه التخميس بعد زوال تلك الحالة، إذ السؤال ليس عن الأحوال وأنّه في أيّ حالة من الأحوال يجب الخمس، وفي أيّ حالة لا يجب، بل كان السؤال عن المقدار، هل الخمس على جميع المال أو على بعضه؟ وكذا الحال بالنسبة إلى سائر الروايات المذكورة في المقام.

نعم لو بيع تلك الأعيان بعد الاستغناء عنها وربح فيها على ما مرّ في المسألة الثالثة والخمسين (مسألة حكم النماءات الحكميّة) تعلّق الخمس بربحها، وكذا الحال في حليّ النسوان فإنّه لا يجب عليهنّ الخمس فيها إلّا إذا بعن تلك الحليّ وربحن فيها، فيتعلّق الخمس بربحها إذا حال عليه الحول ولم يصرف في مؤونة اُخرى.

المسألة السابعة: موت المكتسب أثناء الحول.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا مات المكتسب في أثناء الحول بعد حصول الرّبح، سقط اعتبار المؤونة في باقيه، فلا يوضع من الرّبح مقدارها على فرض الحياة(1).

إذا مات المكتسب في أثناء الحول وبعد ظهور الرّبح وعلى قول بعد حصوله، سقطت المؤونة في باقيه على فرض حياته وأخرج منه الخمس، أرسله كلّ من تعرّض له إرسال المسلمات، منهم المحقق النراقي رحمه الله حيث قال:

لو مات المكتسب في أثناء الحول بعد ظهور الرّبح وقبل التموّن به كلّا ً أو بعضاً، يخمّس ما بقي منه، لظهور أنّه لا مؤونة له غير ما تموّن(2).

والوجه فيه هو ما مرّ في المسألة الخامسة والستين من أنّ الملاك في المؤونة هو ما يصرف فعلاً لا مقدارها، وإذا لم يحتسب منها ما قتّره على نفسه حال حياته، فكيف بإعداده منها على فرض مماته؟! فيخمس ما بقي منه ثمّ يقسم المال بين الورثة، قال الله تعالى في آيات سهام الإرث: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها

ص: 469


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/396، المسألة الرقم 68.
2- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/80.

أَوْ دَيْن)(1).

المسألة الثامنة: مؤونة السنة أو السنوات السابقة.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا لم يحصل له ربح في تلك السنة وحصل في السنة اللاحقة، لا يخرج مؤونتها من ربح السنة اللاحقة(2).

قد يقال بأنّه إذا لم يحصل له ربح في سنة أو سنوات وحصل في تاليها لا يخرج مؤونة السنة أو السنوات السابقة من الحاضرة من دون فرق بين القول بأنّ مبدأ السنة ظهور الرّبح أو الشروع في الكسب، لتقدّم المؤونة على كلا التقديرين على ظهور أو حصول الربح، وانصراف أدلّة الاستثناء بمؤونة سنة الربح لا السنين السابقة عليه، فتخرج مؤونة كلّ سنة من أرباح تلك السنة فقط.

لكنّ التحقيق أنّ في تصوير أصل المسألة إشكالٌ، لأنّه إن استدان في السنة السابقة لمؤونته ولم يتمكّن من أدائه إلى ظهور أو حصول الربح في السنة الحاضرة، فله أن يؤدّيه من ربح هذه السنة كما سيأتي في المسألة الإحدى والسبعين، وإن تبرّعها باذل أو كان ضيفاً أو قتّر على نفسه وصرف ما دون شأنه فقد عرفت في المسألة الخامسة والستين أنّه لا يجوز له إخراج مقدار مؤونة السنة أو السنوات السابقة من ربح السنة الحاضرة، وكيف كان فالمسألة غير منقحة في كلامهم.

ص: 470


1- «النساء»: 12.
2- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/396، المسألة الرقم 69.

المسألة التاسعة: هل تحتسب مصارف الحج من المؤونة؟

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

مصارف الحجّ من مؤونة عام الاستطاعة، فإذا استطاع في أثناء حول حصول الرّبح وتمكّن من المسير، بأن صادف سير الرفقة في ذلك العام، احتسب مخارجه من ربحه، وأمّا إذا لم يتمكّن حتی انقضى العام، وجب عليه خمس ذلك الرّبح، فإن بقيت الاستطاعة إلى السنة الآتية وجب وإلّا فلا، ولو تمكّن وعصى حتی انقضى الحول فكذلك على الأحوط، ولو حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعدّدة وجب الخمس فيما سبق على عام الاستطاعة، وأمّا المقدار المتمم لها في تلك السنة فلا يجب خمسه إذا تمكّن من المسير، وإذا لم يتمكّن فكما سبق يجب إخراج خمسه(1).

قبل بيان المسألة نذكر مقدمة، أنّه قد مرّ في بيان ماهية المؤونة(2) أنّ ما يحتاج إليه الإنسان لنفسه وعياله في معاشه بحسب شأنه اللائق بحاله في العادة، من المأكل والملبس والمسكن، وما يحتاج إليه لصدقاته وزياراته وهداياه وجوائزه وأضيافه والحقوق اللازمة له بنذر أو كفارة أو أداء دين ونحوها الّتي منها مصارف الحجّ تعدّ من المؤونة، وحجّة الإسلام كما ثبت في محلّه مشروط بشرائط، منها الاستطاعة، وهي إجمالاً في باب الحجّ على ما بيّنه في «العروة» وغيرها مركبة من توفّر أربعة عناصر: سعة المال وصحّة البدن وتخلية السرب

ص: 471


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/396، المسألة الرقم 70.
2- راجع: المسألة الاحدی والستين (الكلام في ماهيّة المؤونة ومفهومها).

وسعة الوقت(1)، ووجوبه على المكلّف مع تحقّق شرائطه فوري، فيجب عليه أن يبادر إليه في العام الأوّل من استطاعته، ولو عصاه بعد استقراره وجب عليه فعله من قابل وإن زال استطاعته بعده.

فبعد هذه المقدمة نقول: تتصوّر المسألة ضمن صور خمسة:

تارة: تحصل له الاستطاعة أثناء حول الرّبح وحجّ في عام استطاعته، فلا شك حينئذٍ في احتساب مخارجه من مؤونة سنته، لما عرفت من شمول المؤونة عرفاً لكلّ ما يليق بحاله من المأكل والملبس وما يحتاج إليه لعباداته وزياراته الّذي منه الحجّ الواجب، بل والحجّ المندوب أيضاً.

واُخرى: إذا حصلت له الاستطاعة الماليّة فقط ولم يتمكن بدناً أو طريقاً أو وقتاً من السير إليه حتی انقضى العام، فلا ريب في وجوب خمس ما يبقى له رأس الحول لعدم صرفه فيه، وحينئذٍ فإن بقيت الاستطاعة الماليّة وحصلت غيرها من العناصر الثلاث في السنة الآتية وجب، وإلّا فلا.

وثالثة: إذا حصلت له الاستطاعة من جميع الجهات الأربعة لكنّه لم يحجّ عصياناً، فقد احتاط وجوباً في «العروة» إخراج خمسه حينئذٍ، وصرّح كثير من محشّيها بأنّ وجوبه هو الأقوى تشبيهاً بمن قتّر على نفسه وأنّ المدار في المؤونة المستثناة هو صرفه في احتياجه، ومجرد الوجوب الشرعي ما دام لم يحجّ غير كافٍ في عدّه منها.

وقد أشكل عليه في «أنوار الفقاهة» في حين أنّه من القائلين بوجوب إخراج

ص: 472


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/428، الثالث من شرائط وجوب حجّة الإسلام.

خمسه على الأحوط في حاشيته على «العروة»، بأنّ من استقرّ عليه الحجّ وتركه عصياناً فقد وجب عليه الحجّ من قابل، فحينئذٍ إن قدر على الحجّ تسكّعاً فلا كلام، لكنّه إذا لم يقدر عليه إلّا بحفظ هذا المال فيجب عليه حفظه إلى القابل، ولا يجوز له التصرف فيه بإخراج خمسه، كما لا يجوز التصرف أيضاً لمن نذر بعض أمواله لمصرف خاصّ لكنّه لم يأت وقت صرفه، فوجوب الوفاء بالنذر أو الحجّ به من قابل يكون بحكم مصرفه ولذا لا يقاس ذلك بمسألة التقتير، ثمّ انتجّ أنّ استثناءه قويّ(1).

يلاحظ عليه حلّاً ونقضاً؛ أمّا حلّاً فبعد ما تقدّم من أنّ المدار في المؤونة المستثناة هو الصرف الفعلي لتبادر ما يخرجه في مؤونته حقيقتاً من قوله علیه السلام في صحيحة عليّ بن مهزيار: «الْخُمُسُ بَعْدَ الْمؤونة»(2)، وكذا صحّة سلب عنوان المؤونة عمّا لا يصرفه في حوائجه، فيرجع في مثل ذلك إلى عمومات أدلّة الخمس في الغنائم والفوائد المكتسبة من الآية وغيرها مقتصراً في تخصيصها على القدر المتيقّن، وحيث كان المخصِّص منفصلاً فلا يقدح في الرجوع إلى العموم كون المخصَّص مجملاً دائراً أمره بين الأقلّ والأكثر.

زائداً على أنّ تشبيه المقام بالناذر ماله لمصرف خاصّ قياس مع الفارق،

ص: 473


1- راجع: «أنوار الفقاهة، كتاب الخمس والأنفال» ص294 - 293، وكذا المحقق الخوانساري رحمه الله علی ما حكي عنه، راجع: «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/70.
2- «التهذيب» ج4/123، الحديث 352، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 181، و«وسائل الشيعة» ج9/499، الحديث 12579.

وذلك بأنّه بالنذر كأنّه يخرج المال من ملك مالكه وعليه أن يصرفه في مورد النذر الفقط، فبناءً على ذلك لو نذر التصدّق مثلاً بعين شخصيّة تعيّنت ولا يجزی مثلها أو قيمتها، وأمّا في المقام المال ماله، يجوز له التصرف فيه أو تبديله كيف ما شاء ما لم يضرّ ذلك بأمر حجّه.

وأمّا نقضاً بأنّه على القول بعدم جواز تصرفه في المال بغير الحجّ، لو حفظ المال لكنّه غلا مخارج الحجّ وأسعاره في القابل بما لا يمكن فعله بهذا المال أصلاً، فهل يسقط عنه فرضه حينئذٍ؟! فكذلك هنا، فيجب عليه لما تعدّد من الأسباب كلا من الخمس والحجّ معاً، ونقول فيه ما نقول فيمن ترك الحجّ مع تحقّق شرائطه من استقراره عليه وإن زالت استطاعته.

وقد مال بل اختار هذا القول في «المصباح» حيث قال:

لا يبعد أن يقال: إنّه لو قصّر في أداء بعض التكاليف المتوقفة على صرف المال - كالحجّ ونحوه في عام استطاعته - فزاد ربحه عن مؤونته، وجب عليه الخمس في ما زاد، وإن لم يكن يزيد عنه شيء على تقدير الحجّ وكون الحجّ واجباً عليه في هذه السنة، أو كون تداركه في ما يستقبل واجباً عليه، لا يوجب أن يعدّ عرفاً ما يجب صرفه فيه من مؤونة هذه السنة، كي يستثنى من ربحها، بل في كلّ سنة يصدر منه فعل الحجّ يعدّ مؤونته من مؤونة تلك السنة، فيستثنى من ربحها بالخصوص وإن حصلت الاستطاعة أو بعضها في ما سبق(1).

ورابعة: ما إذا حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعدّدة، فلا ينبغي الشك

ص: 474


1- «مصباح الفقيه» ج19/279 - 278 .

في وجوب إخراج خمس ما حصل له من السنين الماضية، لعدم المقتضي للاستثناء، وأمّا المقدار المتمّم لها الحاصلة في السنة الأخيرة فحكمه حكم الاستطاعة بتمامها في عام الرّبح فتجري فيه الصور الثلاثة المتقدمة من التمكّن من الحجّ وعدمه والعصيان، ومنه يظهر أيضاً الحكم فيمن جمع أرباح سنين متعدّدة لاشتراء الدار أو المر كب أو التزويج وغيرها، إلى ذلك أشار إجمالاً الشهيد رحمه الله في «الدروس» حيث قال:

مؤونة الحجّ لا خمس فيها، نعم لو اجتمعت من فضلات أو لم يصادف سير الرفقة الحول وجب الخمس(1).

وخامسة: ما إذا انحصر وتوقّف أمر الحجّ على أخذ النوبة بصورة دفع ثمن الحجّ أو بعضه بنحو المضاربة واضافة المنافع الحاصلة منها إلى مال القراض واحتساب الجميع للحجّ، فلو لم يكن له طريق إلى الحجّ غير هذا فلا ريب في كون أصل الثمن من المؤونة، لما عرفت في المسألة التاسعة والخمسين (العاشرة) من أنّ رأس المال الّذي يحتاج إليه الإنسان لتحصيل مؤونة سنته إذا لم يكن قادراً على تحصيله من طريق آخر يعدّ من المؤونة، فإن كان من منافع عام التسجيل أو استقرض لذلك وأدّى ديونه من أرباح السنين الآتية فلا يجب عليه خمس أصل المال، وأمّا المنافع فحيث يمكن أخذها كلّما أرادها المستثمر فلا شك حينئذٍ في وجوب خمس مقدار ما حال عليها الحول، وبذلك يتّضح أيضاً ما إذا توقف أمر شراء الدار أو السيارة وأمثالهما على الاستثمار بهذا النحو.

ص: 475


1- «الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة» ج1/259.

المسألة العاشرة: أداء الدَّين من المؤونة أم لا؟

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

أداء الدَّين من المؤونة إذا كان في عام حصول الرّبح، أو كان سابقاً ولكن لم يتمكّن من أدائه إلى عام حصول الرّبح، وإذا لم يؤدّ دينه حتی انقضى العام فالأحوط إخراج الخمس أوّلاً، وأداء الدَّين ممّا بقي، وكذا الكلام في النذور والكفارات(1).

قد مرّ أنّه يستثنى عن أدلة الخمس في الغنائم والفوائد المكتسبة المؤونة، فنبحث هنا عن الدَّين هل هو من المؤونة أم لا؟ بعد العلم بأنّه لا خصوصيّة لهذا العنوان لاستثنائه عن الحكم وإنّما الملاك هو صدق المؤونة، وحاصل ما أفاده السيّد رحمه الله في المقام أنّ الدَّين إذا كان دين عام الرّبح فهو من المؤونة، وإذا كان للعام السابق على عام الرّبح فليس منها إلّا إذا كان غير متمكّن من أدائه إلى عام الرّبح.

والتحقيق أنّه حيث كانت الدّيون في عالم الواقع والخارج تنقسم إلى أقسام، ينبغي أن نبحث عن جميع أقسامها، فنقول وبه نستعين:

تارة يستقرض لسنته، واُخرى ما كان من السنين السابقة، وكلّ واحد منهما قد يكون لأجل مؤونته، أو لغيرها ممّا لا يحتاج إليه لأمر معاشه، وكلّ من هذه الأقسام إمّا أن يكون مع بقاء العين الّتي استدان لها أو لا، كما في الغرامات وقيم المتلفات والدّيات والنّذورات والكفارات، ولم يتعرّض السيّد رحمه الله لحكم جميع هذه الصور، لكنّا نذكرها استيعاباً للبحث، فنقول:

ص: 476


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/397، المسألة الرقم 71.

أمّا لو استدان وكان ما يقابله باقياً، فإن أدّى دينه أثناء السنة كان المال المقابل له من الرّبح حينئذٍ، فيجب تخميسه بما له من القيمة فعلاً، سواء كان مساوياً لما اشترى به أم أقلّ أم أكثر، فالعبرة بقيمته عند الحول، لا الثمن الّذي أدّى به دينه، لأنّ المال المذكور بنفسه أصبح من الأرباح كما لو اشتراه نقداً.

يستثنى من ذلك ما يُشترَى للمؤونة الّتي تبقى عينها وينتفع بمنافعها كالدار والسيارة والظروف والفرش ونحوها، فهي كما مرّ في المسألة الثالثة والستين (الثانية) لا كلام في استثنائها عن الحكم.

وأمّا لو لم يؤدّ دَينه إذا كان من غير الأخير حتی انقضت الحول فيُقوّم ذاك المال ويلحظ نسبة قيمته الفعليّة مع الثمن الّذي كان في ذمّته، فإن كانت القيمة أكثر من الثمن يخمس الزائد، وإن كانت مساوية أو أقلّ فلا خمس عليه في ذاك المال، لأنّه مدين بإزائه، فبذلك يخرج أربعة من أقسام المسألة.

وأمّا إذا استدان في عام اكتسابه وليس في مقابله شيء، وإنّما عبّرنا عنه بعام الاكتساب للإشارة إلى الخلاف في مبدأ سنة المؤونة هل هو ظهور الربح، أو الشروع في الكسب كما هو خيرة السيّد رحمه الله في المسألة الستين (الحادية عشرة)، فلو شرع في الكسب واستدان لمؤونته قبل ظهور الرّبح فهل له أن يستثنى مقدار الدّين من الرّبح المتأخر أم لا؟ فإن قلنا بأنّ مبدأ السنة مجرد الشروع في الكسب كان حال هذا الدّين حال الدّين بعد ظهور الرّبح كما إذا اشترى مؤونته بالذمّة ثمّ يؤدّي دينه من الرّبح، فلا ريب في كونه مؤونة حتی لو لم يؤدّ دينه، لكسر مقداره عرفاً من أرباح تلك السنة، فيكون الرّبح الموجود بذلك المقدار حقيقة سالبة بانتفاء الموضوع، وكذا الكلام إذا استدان لأمركسبه وتجارته ولم يؤدّ دينه، أوكان مديناً اُجور عمّاله.

ص: 477

وإن قلنا إنّ مبدأها هو ظهور الرّبح فحاله حال الدّين في السنة السابقة، فإذا استدان للصرف في المؤونة فنفس الدّين حينئذٍ وإن لم يكن مؤونة لذاك العام إلّا أنّ أداءه إذا لم يقدر على أدائه آنذاك يعدّ منها لما عرفت في بيان ماهية المؤونة في المسألة الإحدى والستين أنّ أداء الحقوق اللازمة - الّتي منها أداء الدّيون - مؤونة، فهذا القسم إمّا أن يلحق بالقسم الأوّل أو بالقسم الثاني.

بقي هنا شيء:

قد يقال إنّه إذا استدان لمؤونته بنحو نجومي فما حان منه وقته رأس الحول عدّ من المؤونة وما ليس كذلك لم يكن منها، فيجب تخميسه(1).

لكنّ التحقيق حيث كان أصل الاستدانة مع الغنى عنه كما دلّت عليه أخبار كثيرة مكروهاً(2)، وأدائه في عام الرّبح أو حينما حان وقته واجباً إجمالاً، وبعد ما كان أصل الدّين للمؤونة، فبتنقيح المناط وإلقاء الخصوصيّة، وكذا لما دلّ عليه

ص: 478


1- راجع: «أنوار الفقاهة في أحكام العترة الطاهرة، كتاب الخمس والأنفال» ص297.
2- راجع: «وسائل الشيعة» ج18/315، الباب الأوّل من أبواب الدّين والقرض، منها صحيحة أبي الحسن اللّيثي عن جعفر بن محمّد عن آبائه: قال: قال رسول الله علیه السلام: «الدَّيْنُ رَايَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ في الْأَرَضِينَ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُذِلَّ عَبْداً وَضَعَهُ في عُنُقِهِ». وخبر السكوني عن جعفر بن محمّد عن آبائه: قال: قال رسول الله علیه السلام: «إِيَّاكُمْ وَالدَّيْنَ فَإِنَّهُ شَيْنُ الدِّينِ». وخبر أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله علیه السلام يقول: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالدَّيْنِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ تَعْدِلُ الدَّيْنَ بِالْكُفْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ». ومرسلة يعقوب بن يزيد عن بعض أصحابنا عن أحدهم: قال: «يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَاحِبِ الدَّيْنِ يَشْكُو الْوَحْشَةَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْهُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُلْقِيَ عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِ الدَّيْنِ» الحديث، أحاديث الرقم 10 و2 و6 و8 من هذا الباب.

العقل من قبح كون الإنسان ذيلاً بالدّين إذا لم يكن محتاجاً إليه أو كان قادراً على أدائه، نستفيد أنّه كلّما كان المدين قادراً على أدائه وإن لم يحن وقته يستحب له فراغ ذمّته منه، وقد مرّ في بيان ماهيّة المؤونة عدّ صرف المال في الاُمور المندوبة لا سيما إذا كانت لائقة بحاله منها.

هذا مع أنّه نحواً من مقابلة الإحسان بالإحسان، قال الله تبارك وتعالى: (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ)(1) بل قد أمر به قوله سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ)(2)، فقضاء الدّين عند وقته عدلٌ، وقبله إحسانٌ، ومن أنواع حسن القضاء فقد ورد عن طريق العامة عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أنّه قال: «خَيْرَكُمْ (أو) خِيارُ كمْ أَحْسَنُكُمْ قَضاءً»(3)، وقد ورد بهذ المضمون أيضاً عن طريق الخاصة كصحيحة عبد الرّحمن بن الحجاج قال: سألت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الرَّجُلِ يَقْتَرِضُ مِنَ الرَّجُلِ الدِّرْهَمَ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْمِثْقَالَ، وَيَسْتَقْرِضُ الْمِثْقَالَ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ الدِّرْهَمَ؟ فَقَالَ: «إِذَا لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ فَلَا بَأْسَ، وَذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ، إِنَّ أبي علیه السلام كَانَ يَسْتَقْرِضُ الدَّرَاهِمَ الْفُسُولَةَ(4) (فَيُدْخِلُ عَلَيْهِ الدَّرَاهِمَ) الْجِيَادَ، فَيَقُولُ: يَا بني رُدَّهَا عَلَى الّذي

ص: 479


1- «الرّحمن» : 60.
2- «النحل»: 90.
3- «السنن البيهقي» ج5/351، و«سنن أبي داود» ج2/113، باب حسن القضاء الخبر الرقم 3346.
4- الفَسل وهو الرَّديء الرّزل من كلّ شيء، «لسان العرب» ج11/519.

اسْتَقْرَضْتُهَا مِنْهُ،فَأَقُولُ: يَا أَبَهْ إِنَّ دَرَاهِمَهُ كَانَتْ فُسُولَةً وَهَذِهِ خَيْرٌ مِنْهَا ! فَيَقُولُ: يَا بني إِنَّ هَذَا هُوَ الْفَضْلُ فَأَعْطِهِ إِيَّاهَا»(1).

هذا إذا كان الدَّين لأمر مؤونته، وأمّا إذ كان لتوسعة الكسب وازدياد المنافع لكنّه تلف ولم يبق مقابله وبقي الدَّين في ذمّته، والظاهر كونه من المؤونة لوجوب أدائه عليه شرعاً، والكلام في كونه نجوميّاً أو غير نجومي كالكلام هنا.

وأمّا إذا حصل الدَّين بنذر، أو إتلاف أو جناية على ما مرّ في الأمر الثاني من الاُمور المطروحة ذيل المسألة الإحدى والستين، فلا شك في كونه من مؤونة سنة الوفاء والأداء، لا سنة الربح.

المسألة الحادية عشرة: مبدأ تعلّق الخمس بالأرباح.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

متى حصل الرّبح وكان زائداً على مؤونة السنة، تعلّق به الخمس وإن جاز له التأخير في الأداء إلى آخر السنة، فليس تمام الحول شرطاً في وجوبه، وإنّما هو إرفاق بالمالك لاحتمال تجدّد مؤونة اُخرى زائداً على ما ظنّه، فلو أسرف أو أتلف ماله في أثناء الحول لم يسقط الخمس، وكذا لو وهبه أو اشترى بغبن حيلة في أثنائه(2).

هل الخمس يتعلّق بظهور الرّبح ولا يشترط بانقضاء الحول كما عليه

ص: 480


1- «الكافي» ج5/254، الحديث 6، و«من لا يحضره الفقيه» ج3/180، الحديث 816، و«التهذيب ج7/115، الحديث 500، و«وسائل الشيعة» ج18/193، الحديث 23469.
2- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/397، المسألة الرقم 72.

المشهور من عصر المحقّق إلى زماننا هذا، بل ادّعي عليه الإجماع، أو يتوقّف وجوبه على ما قيل بنحو المشروط بشرط الشيء على انقضاء الحول، وقد ادّعي عليه الإجماع أيضاً، كما هو ظاهراً خيرة «التذكرة» و«السرائر»، فلا وجوب قبله؟ قد تعرّض له في «الجواهر» حيث قال:

كذا لا اعتبار للحول في الأرباح أيضاً على المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً بل لا أجد فيه خلافاً إلّا ما يحكى عن السرائر من اعتباره، مع أنّ عبارتها ليست بتلك الصراحة، بل ولا ذلك الظهور كما اعترف به بعضهم، بل قد وقع لمثل العلّامة في المنتهى - ممّن علم أنّ مذهبه عدم اعتبار ذلك - بعض العبارات الظاهرة في بادئ النظر في عدم الوجوب إلّا بعد الحول المراد منها بعد التروي التضيق كعبارة السرائر، خصوصاً بعد دعواه الإجماع فيها ظاهراً على ذلك، ضرورة كون مظنته التضييق لا أصل الوجوب، على أنّه محجوج بإطلاق الأدلّة حتی معاقد الإجماعات بل فيما حضرني من نسخة المفاتيح الإجماع عليه أيضاً، واستثناء المؤونة لا دلالة فيه على تأخّر الوجوب بعد إرادة إخراج قدرها تخميناً منها، لصدق اسم المؤونة به لا المصارف الفعلية كي يستلزم تأخّر الوجوب عنها، لعدم تعقّل تعقّب وجوبه عليها قبل حصولها، ولعلّ هذا هو الّذي ألجأ الحليّ إلى الخلاف إن كان، إلّا أنّه كما ترى، فالأقوى حينئذٍ اتحاد جميع محال الخمس في عدم اعتبار الحول،

ص: 481

ولكن يؤخّر جوازاً خصوص ما يجب في أرباح التجارات كما صرّح به جماعة، بل لا أجد فيه خلافاً، بل الظاهر الإجماع عليه(1).

وقال المحقّق السبزواري رحمه الله :

ويستفاد من الأخبار أنّ الخمس بعد مؤونة الرّجل لنفسه ولعياله، وأمّا اعتبار السنة فقد ادّعی إجماع الأصحاب عليه ابن إدريس والعلّامة، ولم أعرف خبراً يدلّ عليه صريحاً، وظاهر التذكرة حيث نسب اعتبار السنة الكاملة إلى علمائنا أنّه لا يكتفى بالطعن في الثاني عشر كما في الزكاة(2).

وفي «التذكرة»:

لا يجب في فوائد الاكتسابات والأرباح في التجارات والزراعات شيء إلّا فيما يفضل عن مؤونته ومؤونة عياله سنة كاملة عند علمائنا، لقوله علیه السلام: «لا صدقة إلّا عن ظهر غنى»، ولقول أبي جعفر الثاني علیه السلام: «الخمس بعد المؤونة»، وقوله رحمه الله : «عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله وبعد خراج السلطان»، ولا يجب في الفوائد من الأرباح والمكاسب على الفور، بل يتربّص إلى تمام السنة، ويخرج خمس الفاضل، لعدم دليل الفوريّة، مع أصالة براءة الذمّة، ولأنّ تحقيق قدر

ص: 482


1- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/79، وقريب منه ما قاله الشهيد رحمه الله في «الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة» ج1/259، والمحقق البحراني رحمه الله في «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/353، والمحقق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» ج19/333، و....
2- «كفاية الأحكام» ج1/212.

المؤونة إنّما يثبت بعد المدّة، لجوازتجديد ما لم يكن كتزويج بنت وعمارة منزل وغيرهما من المتجدّدات، ولا يراعى الحول في غيره، ولا فيه إلّا على سبيل الرفق بالمكتسب(1).

وفي «السرائر» بعد ما حكم بوجوب الخمس من المعادن والكنوز على الفور، قال:

وأمّا ما عدا الكنوز، والمعادن من سائر الاستفادات، والأرباح والمكاسب، والزراعات، فلا يجب فيها الخمس بعد أخذها وحصولها، بل بعد مؤونة المستفيد، ومؤونة من تجب عليه مؤونته، سنة هلاليّة على جهة الاقتصاد فإذا فضل بعد نفقته طول سنته شيء أخرج منه الخمس، قليلاً كان الفاضل أو كثيراً، ولا يجب عليه أن يخرج منه الخمس بعد حصوله له وإخراج ما يكون بقدر نفقته، لأنّ الأصل براءة الذمّة، وإخراج ذلك على الفور أو وجوبه ذلك الوقت يحتاج إلى دليل شرعي، والشرع خالٍ منه، بل إجماعنا منعقد بغير خلاف أنّه لا يجب إلّا بعد مؤونة الرجل طول سنته، فإذا فضل بعد ذلك شيء أخرج من الخمس من قليله وكثيره.

وأيضاً فالمؤونة لا يعلمها ولا يعلم كميّتها إلّا بعد مضيّ سنته، لأنّه ربما وُلد له الأولاد أو تزوّج الزوجات أو انهدمت داره ومسكنه، أو ماتت دابّته الّتي يحتاج إليها، أو اشترى خادماً يحتاج إليه، أو دابّة يحتاج إليها، إلى

ص: 483


1- «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج5/429 - 428، المسألة الرقم 319 و320، وقريب منه ما قاله في «منتهی المطلب في تحقيق المذهب» ج8/553.

غير ذلك ممّا يطول تعداده وذكره، والقديم ما كلّفه إلّا بعد هذا جميعه، ولا أوجب عليه شيئاً إلّا فيما يفضل عن هذا جميعه طول سنته(1).

وكيف كان فقد عرفت من مطاوي ما ذكرناه من الأقوال إلى هنا أنّ المسألة غير إجماعيّة من الطرفين، فعلينا أن نراجع إلى ما يستفاد من الكتاب والأخبار، أمّا دلالة الكتاب في قوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكينِ وَابْنِ السَّبيلِ)(2)، وكذا قوله علیه السلام في صحيحة سماعة قال: سألت أبا الحسن الكاظم علیه السلام عَنِ الْخُمُسِ؟ فَقَالَ: «فِي كُلِّ مَا أَفَادَ النَّاسُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ»(3)، وما رواه حُكيم مؤذّن بني عيسٍ عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: قلت له: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ)، قَالَ: «هِیَ وَاللَّهِ الْإِفَادَةُ يَوْماً بِيَوْمٍ...»(4)، وفي خبر عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبداللّه علیه السلام: «عَلَى كُلِّ امْرِئٍ غَنِمَ أَوِ اكْتَسَبَ الْخُمُسُ مِمَّا أَصَابَ لِفَاطِمَةَة سلام الله علیها وَلِمَنْ يَلِی أَمْرَهَا مِنْ بَعْدِهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهَا الْحُجَجِ عَلَى النَّاسِ، فَذَاكَ لَهُمْ خَاصَّةً يَضَعُونَهُ حَيْثُ شَاؤُوا، وَحُرِّمَ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ،حتی الْخَيَّاطُ يَخِيطُ قَمِيصاً بِخَمْسَةِ دَوَانِيقَ فَلَنَا مِنْهُ دَانِقٌ...»(5)، وما رواه

ص: 484


1- «السرائر الحاوي لتحرير الفتاوی» ج1/489.
2- «الأنفال»: 41.
3- «الكافي» ج1/457، الحديث 11، و«وسائل الشيعة» ج9/503، الحديث 12584.
4- «الكافي» ج1/544، الحديث 10، و«التهذيب» ج4/121، الحديث 344، و«الاستبصار» ج2/54، الحديث 179، و«وسائل الشيعة» ج9/546، الحديث 12682.
5- «التهذيب» ج4/122، الحديث 348، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 180، و«وسائل الشيعة» ج9/503، الحديث 12586.

محمّد بن الحسن الصّفار في «البصائر» عن عمران بن موسى عن موسى بن جعفر علیه السلام قال: قَرَأْتُ عَلَيْهِ آيَةَ الْخُمُسِ فَقَالَ: «مَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ لِرَسُولِهِ، وَمَا كَانَ لِرَسُولِهِ فَهُوَ لَنَا، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَرْزَاقَهُمْ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ جَعَلُوا لِرَبِّهِمْ وَاحِداً وَأَكَلُوا أَرْبَعَةً أَحِلَّاءَ»(1)، وخبر الرّيّان بن الصّلت قال: كتبت إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكري علیه السلام مَا الّذي يَجِبُ عَلَيَّ يَا مَوْلَايَ في غَلَّةِ رَحَى أَرْضٍ في قَطِيعَةٍ لِي، وفي ثَمَنِ سَمَكٍ وَبَرْدِيٍّ وَقَصَبٍ أبِيعُهُ مِنْ أَجَمَةِ هَذِهِ الْقَطِيعَةِ؟ فَكَتَبَ: «يَجِبُ

عَلَيْكَ فِيهِ الْخُمُسُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى»(2)، إلى غير ذلك من الإطلاقات الّتي تدلّ على وجوب الخمس بمجرد ظهور الرّبح وصدق عنوان الغنيمة، وأمّا ما ورد من التقييد في جملة من روايات الباب بأنّه بعد المؤونة(3) فإنّه لا تدلّ على أنّ الوجوب مشروط بإخراجها، لما مرّ في المسألة الرابعة والستين من أنّ المراد بالبعديّة هو البعديّة الرتبيّة، يعني أنّ مرتبة الخمس متأخّرة عن المؤونة، كما أنّ مرتبة الإرث في آية الإرث متأخّرة عن الوصيّة والدَّين من دون أن ينظر إلى الزمانأصلاً فوجوب الخمس في أرباح المكاسب ليس مشروطاً بمضيّ السنة نظير اشتراط الزكاة في الأنعام بحلول الحول، بل هو

ص: 485


1- «بصائر الدرجات» ص49، الحديث 5، و«وسائل الشيعة» ج9/484، الحديث 12545.
2- «التهذيب» ج4/139، الحديث 394، و«وسائل الشيعة» ج9/504، الحديث 12587.
3- راجع: «وسائل الشيعة» ج9/504 - 499، أحاديث 1 و2 و3 و4 و5 و7 و10 من روايات الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

بالإطلاقات واجب فيها حينما ظهر الربّح، من المصرّحين بعدم اشتراط الحول في المقام المحقق العامليّ رحمه الله حيث قال:

وأمّا الأرباح فالمشهور عدم اعتباره (حول) فيها بمعنى وجوب الخمس فيما علم زيادته عن مؤونة السنة وجوباً موسعاً من حين حصول الرّبح إلى تمام الحول احتياطاً للمكتسب، لاحتمال زيادة مؤونته بتجدّد ولد أو مملوك أو زوجة أو حصول غرامة غير متوقعة أو خسارة في تجارة ونحو ذلك(1).

لا يقال: إنّه يظهر من قوله علیه السلام في صحيحة عليّ بن مهزيار: «فَأَمَّا

الْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ فهي وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلِّ عَامٍ»(2)، أنّه يشترط في وجوب الخمس مضيّ السنة فلا يجب بظهور الرّبح أو حصوله.

لأنّا نقول: الصحيحة كما يشاهد من صدرها ليست ناظرة إلى هذا المعنى، بل هي كانت دالّة على إيجاب خمس خاص الّذي أوجبه علیه السلام عليهم في تلك السنة.

فإلى هنا ثبت وجوب الخمس بمجرد ظهور الرّبح وصدق عنوان الغنيمة، ولازمه كونه على الفور واحتسابه يوماً بعد يوم، بل ربحاً بعد ربح اقتضاءً لطبيعةالبعث وحكم العقل بأنّ أمر المولى يُمتثل فوراً حتی لا يكون البعث في الحال والانبعاث في المستقبل ما لم يثبت خلافه من الشرع، زائداً على أنّ مقتضى أدلة

ص: 486


1- «مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام» ج5/390.
2- «التهذيب» ج4/141، الحديث 398، و«الاستبصار» ج2/60، الحديث 198، و«وسائل الشيعة» ج9/502، الحديث 12583.

شركة أرباب الخمس في هذا المال أيضاً عدم جواز التصرف فيه بعد وجوبه.

والّذي يوجب القول بكونه موسعاً، هو أنّه حيث يستثنى منها مؤونة الرابح وعياله عن الحكم بالنقل والإجماع، والمؤونة كما مرّ في بيان «المراد بأنّها مؤونة السنة»، وأنّ السيرة أيضاً جارية على الاحتساب المتشرعة خمس أموالهم والنّاس منافع مكاسبهم بصورة سنويّة، فلو كان أداءه واجباً بصورة يوم بعد يوم، وربح بعد ربح لوجب بيانه في الأخبار والأدلّة بوجه كان مشتهراً شائعاً بين النّاس كي لا يكونوا مقيمين على الحرام، فبهي ننتفي الفوريّة كما ننتفي أيضاً وجوب الأخماس من ربح الأرباح الحاصلة تدريجاً طول السنة، فالشارع المقدس الّذي كان مالك الملوك ووليّ الخمس أرفق بالرّابحين تحليلاً بقوله علیه السلام: «الْخُمُسُ بَعْدَ الْمؤونة»(1)، في تأخير أدائه إلى آخر السنة، كما أرفق بهم في عدم محاسبة خمس ربح الأرباح الحاصلة طولها، فبناءً على ذلك لو يستثنى المؤونة من ربحه بما يحسبها على نحو التخمين لا سيّما إذا كان الرّبح كثيراً جداً بحيث يقطع عادة بعدم صرف جميعه في مؤونته، وأخرج خمسه عند ظهور منافعه كان جائزاً، وسيأتي تفصيله أيضاً في المسألة التاسعة والسبعين إن شاء الله.

ثمّ إنّه حيث يستثنى من الرّبح خصوص المؤونة، فلو أسرف أو أتلف ماله أثناء الحول ويلحق بذلك كلّ ما يبذله في المعاصي، أو وهبه بما كان زائداً بمايليق بحاله، أو اشترى شيئاً بأكثر من قيمته أو باعه بأقلّ من قيمته من غير غرض عقلائي كإعانة المحاويج والفقراء فراراً عن تعلّق الخمس به، فلا يسقط بها ما

ص: 487


1- «التهذيب» ج4/123، الحديث 352، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 181، و«وسائل الشيعة» ج9/499، الحديث 12579.

وجب عليه من الخمس لكونها غير معدود منها وقد تقدّم أنّ المعيار في استثناء الرّبح عن الخمس هو صدق ما صرفه منه مؤونة عرفاً، من دون فرق في ذلك بين كون مبدأ التعلّق ظهور الرّبح أو انقضاء الحول، فيجب عليه تخميس مقدار ما أتلفه أو يصرفه فيها من الأثمان، قد أشار إليه الشهيد رحمه الله إجمالاً حيث قال:

ولو وهب المال في أثناء الحول أو اشترى بغبن حيلة لم يسقط ما وجب(1).

المسألة الثانية عشرة: عدم جبر التالف بالرّبح.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

لو تلف بعض أمواله ممّا ليس من مال التجارة أو سرق أو نحو ذلك، لم يجبر بالرّبح وإن كان في عامه إذ ليس محسوباً من المؤونة(2).

قد كان التالف ممّا يحتاج إليه في إعاشته كما إذا انهدمت داره أو سرق مركبه ونحوهما، فاحتاج إلى إبدالها بغيرها، فلا كلام في كونها حينئذٍ من صرف الرّبح في المؤونة، وأمّا لو لم يصرفه في تلك المؤونة بأن قتّر على نفسه أو كان التالف من غيرها ومن غير مال التجارة حتی يمكن جبره بربحها في عام الربح، فلا يستثنى من ربح منافعه بحيث لا يكون فيه خمس، وذلك لشمول عمومات أدلّة الخمس له وعدم كونه من مصاديق المؤونة، غاية الأمر أنّه قد وردت عليه خسارةغير مرتبطة بما يجوز له جبره بمنافع مكاسبه بلا خمس، قد أشار إليه في

ص: 488


1- راجع: «الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة» ج1/259.
2- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/398، المسألة الرقم 73.

«الجواهر» حيث قال:

لو اتفق أنّه ظلم أو غصب منه شيء، أو أنكر عليه بعض من له في ذمّته ممّن لا يستطيع إثباته عليه، أو سرق منه أو نحو ذلك، فإنّ احتساب ذلك من المؤونة وإن لم يكن من مال التجارة لا يخلو من إشكال أو منع، ومن هنا صرّح في المسالك والروضة والدروس وغيرها بعدم جبر تلف أو خسران غير مال التجارة بالرّبح وإن كان في عامه(1).

هذا حكم ما كان التالف من غير مال التجارة، أمّا لو كان منها ففيه صور قد تعرّض له السيّد في المسألة الآتية.

المسألة الثالثة عشرة: جبر الخسران بالرّبح.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

لو كان له رأس مال وفرّقه في أنواع من التجارة فتلف رأس المال أو بعضه من نوع منها، فالأحوط عدم جبره بربح تجارة اُخرى، بل وكذا الأحوط عدم جبر خسران نوع بربح اُخرى، لكن الجبر لا يخلو عن قوّة، خصوصاً في الخسارة، نعم لو كان له تجارة وزراعة مثلاً فخسر في تجارته أو تلف رأس ماله فيها، فعدم الجبر لا يخلو عن قوّة، خصوصاً في صورة التلف، وكذا العكس، وأمّا التجارة الواحدة فلو تلف بعض رأس المال فيها وربح الباقي، فالأقوى الجبر، وكذا في الخسران والرّبحفي عام واحد في وقتين، سواء تقدّم الرّبح أو الخسران، فإنّه يجبر الخسران بالرّبح(2).

ص: 489


1- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/60 - 61.
2- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/398، المسألة الرقم 74.

لو كان له رأس مال وجعله لنوع واحد من التجارة أو فرّقه في أنواع منها، فربح في بعض أفرادها أو أنواعها وخسر أو تلف في بعضها الأخرى، فهل يجبر خسارة بعضها ببعض؟ بعد الإذعان بعدم جبر خسران أحد الاكتسابين بربح آخر إذا كانا في عامين مختلفين، من دون فرق في ذلك بين ما كانا حينئذٍ مختلفي النوع أو متحديه، لأنّ لكلّ منهما حكماً مستقلّاً برأسه، صرّح بذلك غير واحد، منهم المحقق النراقي رحمه الله حيث قال بصورة إرسال المسلم:

لو حصل ربح وخسران معاً وتلف بعض ماله أيضاً، فإن كانا في عامين لا يجبر الخسران أو التلف بالربح، لعدم دخوله في المؤونة وانتفاء دليل آخر(1).

وأمّا إذا كانا في سنة واحدة فهل يجبر خسران أحدهما بالآخر مطلقاً، أو لا يجبر مطلقاً، أو فيه تفصيل بين اختلاف النوع واتحاده، أو بين كون الخسران لأجل تلف رأس المال أو للخسران في المعاملة بسبب تنزّل القيمة السوقيّة بالجبر في الثاني منهما دون الأوّل؟ فيه وجوه، بل أقوال، فالشهيد رحمه الله قطع بجبر الخسارة بالرّبح مطلقاً حيث قال:

ويجبر خسران التجارة والصناعة والزراعة بالرّبح في الحول الواحد(2).واستظهر عدم جبره إذا اختلفت أنواعها في «المصباح» حيث قال:

ولا يعدّ على الظاهر جبر الخسارات أو تدارك النقص الوارد عليه بسرقة أو غصب ونحوه في هذه السنة فضلاً عن السنين السابقة من المؤونة

ص: 490


1- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/73.
2- «الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة» ج1/259.

عرفاً، نعم قد يتّجه الجبر والتدارك في ما يتعلّق بتجارة واحدة، لا لكونه معدوداً من المؤونة، بل لعدم صدق الاستفادة والرّبح في تجارة إلّا إذا حصل له منها أزيد ممّا استعمله فيها، ولا يلاحظ في إطلاق الرّبح والخسران كلّ جزئي جزئي من المعاملات بحياله تجارة مستقلّة، بل لا يبعد أن يدعى أنّ المنساق إلى الذهن من مثل قوله علیه السلام: «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» إرادته في الزيادة الحاصلة في أموالهم بالتجارة والصناعة ممّا لا يحتاجون إلى صرفه في معيشتهم في عامهم، فيّتجه حينئذٍ جبر الخسارة والنقصان الواردة عليه في هذه السنة ولو في غير هذه التجارة، ولكنّه لا يخلو عن تأمّل، فالأشبه ما عرفت(1).

واحتاط في «الكشف» أيضاً عدم جبره حينئذٍ حيث قال:

ولا يجبر خسران غير مال التجارة بالرّبح منها والأحوط أن لا يجبر خسران تجارة بربح اُخرى بل يقتصر على التجارة الواحدة(2).

وفصّل الشيخ الأنصاري رحمه الله بين ما إذا كان الرّبح والخسران في مالين في تجارة واحدة، أو في مال واحد في تجارتين متعاقبتين فيجبر، وما إذا كانا في مالين مختلفين ففيه إشكال أقربه الجبران، حيث قال:

لو خسر وربح، فالظاهر جبران الخسارة بالرّبح إذا اتفقا في تجارة واحدة، بأن أخذ شيئين صفقة، فربح في أحدهما وخسر في الآخر. ولو كانا في مال واحد في تجارتين، فإن كان كلاهما متعاقبين في مال واحد، فالظاهر أيضاً الجبران، وذهب بعض مشايخنا إلى عدم جبر

ص: 491


1- «مصباح الفقيه» ج19/280.
2- «كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء (ط - الحديثة)» ج4/208.

الرّبح المتأخر للخسارة المتقدمة، وله وجه على مذهبه، من أنّ مبدأ الحول ظهور الرّبح إن أراد الخسارة المتقدمة على الرّبح الأوّل كما هو ظاهر، إذ المتعقب للرّبح ينجبر بالرّبح المتقدم، ولا يحتاج إلى الانجبار بالمتأخّر. ولو كانا في مالين ففي الجبران إشكال، أقربه ذلك، كما قطع بالجبران في الدروس، وعلّله بعض: بأنّ المناط الأرباح الحاصلة في تجارة كلّ عام لا في خصوص كلّ مال. وأمّا التالف من المال فلا يجبر بالرّبح قطعاً، لأنّ التلف لا يمنع صدق الاستفادة على الرّبح، وجبر التالف ليس من المؤونة(1).

وفصّل النراقي رحمه الله بين ما إذا اشترى أشياء دفعة وإن باعها مراراً، وما إذا اشترى متعدّداً وإن باعها دفعة، واعتقد الجبر في الأوّل دون الثاني(2).

فبعد ما عرفت الأقوال في المسألة فنقول: إنّ الأقوى بل المتعيّن منها هو الجبران مطلقاً من دون فرق فيه بين كونه بسبب الخسران أو التلف أو تنزّل القيمة السوقيّة، وأنّ التجارة واحدة أم متعدّدة، وذلك لما تقدّم في مسألتي الخامسة والسابعة من المسائل المطروحة حول فروعات الأرباح من عدم ضمان ارتفاع القيمة لو زالت قبل الحول، واحتساب جميع المنافع والأرباح إذا كانت له أنواعاًمن الاكتسابات بصورة العامّ المجموعي، كما أنّ الأمر في مؤن الشخص أيضاً كذلك حيث تحسب كلّها بصورة شيء واحد ثمّ تستثنى من أرباحه، فإن بقي له شيء بعد ذلك فيجب عليه تخميسه، فبناءً على ذلك تكون الخسارة أو التلف

ص: 492


1- «كتاب الخمس (للشيخ الأنصاري)» ص212 - 213.
2- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/74 - 73.

الواردة عليه إذا كانت له أنواعاً من التجارة، مثل ما وردت عليه في تجارة واحدة، لا لكونها معدودة من المؤونة بل لعدم صدق الرّبح والاستفادة إلّا إذا زادت عمّا صرفه فيها.

وإن شئت قلت: إنّ المدار في المقام على وحدة المالك وتعدّده، لا على وحدة المعاملة أو التجارة وتعدّدها، والعرف بعد ما انتهى عمل التاجر والعامل رأس الحول وما أجبر خسارة بعضها مع بعض، يحكم عليه بكونه رابحاً أم خاسراً، من دون فرق عنده من أنّ نوع كسبه واحداً أم متعدّداً، اشترى الأشياء أو باعها تدريجاً أو مرّة واحدة، تقدّم الرّبح أو الخسران في عام واحد أو تأخر، زائداً إلى أنّ الغالب في الكسبة العادّيين عدم الاكتفاء بجنس واحد، بل ربما يكون الكاسب في قرية أو منطقة محلّاً لتهيئة أغلب البضائع الحيويّة من غير فرق بين المأكل والملبس ونحوهما، وهذا هو الّذي يستفاد أيضاً من بعض الأخبار، منها: صحيحة عليّ بن مهزيار عن محمّد بن الحسن الأشعري قال: كَتَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى أبي جَعْفَرٍ الثاني علیه السلام: أَخْبِرْني عَنِ الْخُمُسِ أَ عَلَى جَمِيعِ مَا يَسْتَفِيدُ الرَّجُلُ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ مِنْ جَمِيعِ الضُّرُوبِ وَعَلَى الصُّنَّاعِ، وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ فَكَتَبَ بِخَطِّهِ: «الْخُمُسُ بَعْدَ الْمؤونة»(1)، حيث سئل فيها عن جميع ما يستفيدهالرّجل بأنواعها، وصحيحة اُخری عنه قال: قال لي أبو عليّ بن راشد: قلت له: أَمَرْتَنِي بِالْقِيَامِ بِأَمْرِكَ وَأَخْذِ حَقِّكَ، فَأَعْلَمْتُ مَوَالِيَكَ بِذَلِكَ، فَقَالَ لِي بَعْضُهُمْ: وَأَيُّ شيء حَقُّهُ؟ فَلَمْ أَدْرِ مَا أُجِيبُهُ، فَقَالَ: «يَجِبُ عَلَيْهِمُ الْخُمُسُ، فَقُلْتُ فَفِي أيّ شيء؟ فَقَالَ:

ص: 493


1- «التهذيب» ج4/123، الحديث 352، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 181، و«وسائل الشيعة» ج9/499، الحديث 12579.

في أَمْتِعَتِهِمْ وَصَنَائِعِهِمْ، قُلْتُ: وَالتَّاجِرُ عَلَيْهِ وَالصَّانِعُ بِيَدِهِ؟ فَقَالَ: إِذَا أَمْكَنَهُمْ بَعْدَ مَؤُونَتِهِمْ»(1)، حيث أضاف الأمتعة إليهم، وما رواه محمّد بن عيسى عن يزيد في تعريف الفائدة حيث قال: كَتَبْتُ جُعِلْتُ لَكَ الْفِدَاءَ تُعَلِّمُنِي مَا الْفَائِدَةُ، وَمَا حَدُّهَا؟ رَأْيَكَ أَبْقَاكَ اللَّهُ أَنْ تَمُنَّ عَلَيَّ بِبَيَانِ ذَلِكَ لِكَيْ لَا أَكُونَ مُقِيماً عَلَى حَرَامٍ لَا صَلَاةَ لِی وَلَا صَوْمَ، فَكَتَبَ: «الْفَائِدَةُ مِمَّا يُفِيدُ إِلَيْكَ في تِجَارَةٍ مِنْ رِبْحِهَا وَحَرْثٌ بَعْدَ الْغَرَامِ أَوْ جَائِزَةٌ»(2)، فقد فسّر الإمام علیه السلام الفائدة بكلّ ما يفيد الرّجل سواء كان من تجارة أو حرث أو جائزة، ومثله خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللّه علیه السلام حيث قال: «عَلَى كُلِّ امْرِئٍ غَنِمَ أَوِ اكْتَسَبَ الْخُمُسُ مِمَّا أَصَابَ لِفَاطِمَةَ سلام الله علیها وَلِمَنْ يَلِي أَمْرَهَا مِنْ بَعْدِهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهَا الْحُجَجِ عَلَى النَّاسِ» الحديث(3).

المسألة الرابعة عشرة: تعلّق الخمس بالعين.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

الخمس بجميع أقسامه متعلّق بالعين ويتخيّر المالك بين دفع خمس العين أو دفع قيمته من مال آخر نقداً أو جنساً، ولا يجوز له التصرف في العين قبل أداء الخمس وإن ضمنه في ذمّته، ولو أتلفه بعد استقراره ضمنه، ولو اتّجر به قبل إخراج الخمس كانت المعاملة فضوليّة بالنسبة

ص: 494


1- «التهذيب» ج4/123، الحديث 353، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 182، و«وسائل الشيعة» ج9/500، الحديث 12581.
2- «الكافي» ج1/457، الحديث 12، و«وسائل الشيعة» ج9/503، الحديث 12585.
3- «التهذيب» ج4/122، الحديث 348، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 180، و«وسائل الشيعة» ج9/503، الحديث 12586.

إلى مقدار الخمس، فإن أمضاه الحاكم الشرعي أخذ العوض، وإلّا رجع بالعين بمقدار الخمس إن كانت موجودة وبقيمته إن كانت تالفة، ويتخيّر في أخذ القيمة بين الرجوع على المالك أو على الطرف المقابل الّذي أخذها وأتلفها، هذا إذا كانت المعاملة بعين الرّبح، وأمّا إذا كانت في الذمّة ودفعها عوضاً فهي صحيحة، ولكن لم تبرأ ذمّته بمقدار الخمس، ويرجع الحاكم به إن كانت العين موجودة وبقيمته إن كانت تالفة، مخيراً حينئذٍ بين الرجوع على المالك أو الآخذ أيضاً(1).

لا تنحصر المسألة بخصوص خمس المكاسب والتجارات فقط، بل تعمّ جميع أقسامه السبعة، وهي مسألة مهمة ذات آثار متعدّدة، وقبل الخوض فيها ينبغي أن نبحث عن كيفية تعلّق الخمس بالأموال، وهي إجمالاً بإحدى وجوه أربعة محتملة:

الاُولى: وجوبه بنحو الحكم التكليفي المحض، من دون أن يستعقب حكماً وضعيّاً مرتبطاً بالأعيان كوجوب الصوم والصلاة، ففي المقام يشتغل ذمّة المالك بالخمس نظير ما إذا استدانه وصرفه، فالذمّة مشغولة به من دون أن تكون أمواله متعلّقة بالحقّ.

الثانية: أن يكون تعلّق الخمس بالعين من قبيل تعلّق الحقّ بالعين، فتكون ذمّة المالك مشغولة به والعين مرهونة عنده إلى أن يؤدّيه، فكما لا يجوز للراهن التصرف في العين المرهونة إلّا بعد فكّ الرهن، فهكذا لا يجوز له التصرف فيها قبل أدائه، وتكون التصرفات الناقلة فضولية قبل أدائه، فإن أجازها الحاكم ينتقل

ص: 495


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/398 - 399، المسألة الرقم 75.

الخمس إلى ذمّته لا البدل.

وقد عبّر عن ذلك أيضاً بكونه على نحو الماليّة، بأنّ تعلّق الحكم على ما له من الأعيان بمقدار خمس ماليتها، فلا يلزم على المالك إخراجه من نفس عين ما وجب عليها الخمس، بل يجوز له أدائه بأيّ شيء تساوي قيمته قيمة ما كان عليه من الفرض(1).

الثالثة: تعلّقه بالعين على نحو الكلّي في المعين مثل ما إذا يقال: بعتك صاعاً من الصبرة، فالمبيع هو صاع من هذه الصبرة لا من صبرة ايخرى، فأيّ فرد دفعه إلى المشتري فقد دفع المبيع الواقعي، ففي المقام يجب على المالك دفع خمس ما من الأخماس، من غير فرق بين هذا الفرد وذاك، فيجوز له التصرف فيه ما دام الحقّ باقياً فيه حتی بعد انتهاء السنة، وهذا بخلاف ما إذا قلنا بالشركة والإشاعة فليس له التصرف فيه.

الرابعة: أن يكون تعلّق الخمس بالعين على نحو الإشاعة، وتظهر الفائدة على الوجهين فيما لو تلف بعض العين، فإنّه على الإشاعة تلف من سهم كلّ شريك بنسبة شركته، وعلى فرض كونه كلياً في المعيّن كان حقّ أرباب الخمسثابتاً فيها ما دام مقدار خمس مجموع الربح موجوداً مثل ما إذا اشترى صاعاً من صبرة على نحو الكلّي في المعيّن.

إذا عرفت ذلك فاعلم أمّا كونه بنحو الحكم التكليفي المحض والكلّي في المعيّن - كما سيأتي - لم يساعدهما لسان الأدلّة، والّذي يترجّح بعد ذلك عندي

ص: 496


1- حكاه عن بعض من عاصرناه في «أنوار الفقاهة، كتاب الخمس والأنفال» ص315.

من هذه الوجوه بحسب ما يظهر من الأدلّة وانضام بعضها مع بعض، هو كونه على نحو الشركة والإشاعة، وذلك لما تضمّنت إسناد الخمس إلى نفس العين بتعابير مختلفة، فقال في آية الخمس: (وَاعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ)، حيث أخبرت بصورة كسر مشاع بأنّ خمس ما غنمه الرابح من الأشياء،كان لله تبارك وتعالى ولأرباب الخمس وقد يتبادر من ذكر الكسر المشاع في الأموال الشركة والإشاعة، فهي إن لم تكن نصّاً على ذلك فلا أقلّ من كونها ظاهراً فيها، مؤيّدة بقرينة مقابلة سهم الرابح وأرباب الخمس، فحيث كان سهم الرابح وهو أربعة أخماسه بصورة الملك فكذلك سهم أرباب الخمس.

وقال في صحيحة سماعة: سألت أبا الحسن موسی بن جعفر الكاظم علیه السلام عن الخمس؟ فقال: «فِی كُلِّ مَا أَفَادَ النَّاسُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ»(1)، حيث عبّرت عنه بكلمة «في» الّتي إذا ستعملت في أبواب الأموال لا سيّما مع الكسر المشاع ظاهرة في الشركة والملكيّة المشاعة.

وقال في رواية عبد الله بن سنان: قال أبو عبد اللّه علیه السلام: «عَلَى كُلِّ امْرِئٍ غَنِمَ أَوِ اكْتَسَبَ الْخُمُسُ مِمَّا أَصَابَ لِفَاطِمَةَ علیها سلام الله علیها سلام الله علیها وَلِمَنْ يَلِي أَمْرَهَا مِنْ بَعْدِهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهَا الْحُجَجِ عَلَى النَّاسِ، فَذَاكَ لَهُمْ خَاصَّةً يَضَعُونَهُ حَيْثُ شَاؤُوا، وَحُرِّمَ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ،

ص: 497


1- «الكافي» ج1/457، الحديث 11، و«وسائل الشيعة» ج9/503، الحديث 12584، وراجع أيضاً: روايات 12562 و12563 و12564 و12565 و12566 و12569 و12570 و12574 و....

حتی الْخَيَّاطُ يَخِيطُ قَمِيصاً بِخَمْسَةِ دَوَانِيقَ فَلَنَا مِنْهُ دَانِقٌ...»(1)، حيث تشتمل على كلمتي «اللام» الّتي ظاهرة على كون الخمس ملكاً لهم:، و«من» الّتي ظاهرة في التبعيض أي أنّ الخمس هو بعضه، وكذلك كلّما عبّر عنه في سائر الروايات بكلمة «من»، مثل ما رواه في تفسير النعماني عن علىّ علیه السلام في حديث: «وَالْخُمُسُ يُخْرَجُ مِنْ أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ: مِنَ الْغَنَائِمِ الّتي يُصِيبُهَا الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَمِنَ الْمَعَادِنِ، وَمِنَ الْكُنُوزِ، وَمِنَ الْغَوْصِ»(2).

وقال في مرسلة حمّاد بن عيسى عن عبد الصالح علیه السلام: «وَلَهُ بَعْدَ الْخُمُسِ الْأَنْفَالُ، وَالْأَنْفَالُ كُلُّ أَرْضٍ خَرِبَةٍ قَدْ بَادَ أَهْلُهَا، وَكُلُّ أَرْضٍ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنْ صَالَحُوا صُلْحاً وَأَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ عَلَى غَيْرِ قِتَالٍ، وَلَهُ رُؤُوسُ الْجِبَالِ، وَبُطُونُ الْأَوْدِيَةِ وَالْآجَامُ، وَكُلُّ أَرْضٍ مَيْتَةٍ لَا رَبَّ لَهَا، وَلَهُ صَوَافِي الْمُلُوكِ مَا كَانَ في أَيْدِيهِمْ مِنْ غَيْرِوَجْهِ الْغَصْبِ لِأَنَّ الْغَصْبَ كُلَّهُ مَرْدُودٌ، وَهُوَ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَه»، الحديث(3)، فحيث إنّ الأنفال ملك للإمام علیه السلام فالخمس أيضاً ملك له لوحدة السياق.

ص: 498


1- «التهذيب» ج4/122، الحديث 348، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 180، و«وسائل الشيعة» ج9/503، الحديث 12586.
2- «وسائل الشيعة» ج9/489، الحديث 12557، وراجع أيضاً: روايات 12549 و12554 و12556 و12558 و... .
3- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/524، الحديث 12628.

ثمّ إنّه قد أورد السيّد الحكيم رحمه الله على الاستدلال بالظرفيّة بقوله:

إنّ الخمس وإن كان معناه الكسر المشاع، لكن جعله مظروفاً للعين يناسب جداً - بقرينة ظهور تباين الظرف والمظروف - أن يكون المراد به مقداراً من المال يساوي الخمس قائماً في العين نحو قيام الحقّ بموضوعه(1).

لكنّه يمكن الجواب عنه بأنّ المراد من الظرف في أمثال الجزء والكلّ الّذي يقال أنّ الكلّ ظرف للجزء ليس بمعناه الواقعي حتی يلازم التغاير بينهما، بل بمعناه الاعتبارى بأنّ الكلّ يحتوي للجزء.

وقد استدلّ على كونه حكماً مفروضاً على العين فيكون حقّاً لا ملكاً بما رواه ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: «الْخُمُسُ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: عَلَی الْكُنُوزِ، وَالْمَعَادِنِ، وَالْغَوْصِ، وَالْغَنِيمَةِ»، ونسي ابن أبي عمير الخامسة(2)،

حيث عبّر عن وجوب الخمس فيها بكلمة «على» الّتي تدل على الاستعلاء والاستيلاء الظاهر في الوجوب التكليفي وكونه حقاً، لا بكلمة «من» أو «في» أو «اللام» الّتي تدلّ على التبعيض أوالإشاعة أو الملكيّة، زائداً على ما ورد من التصريح بكونه حقاً في موثقة أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام قال: «كُلُّ شيء قُوتِلَعَلَيْهِ عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله و سلم فَإِنَّ لَنَا خُمُسَهُ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنَ الْخُمُسِ شَيْئاً حتی يَصِلَ إِلَيْنَا حَقُّنَا» (3).

ص: 499


1- «مستمسك العروة الوثقی» ج9/559.
2- «الخصال» ص291، و«وسائل الشيعة» ج9/494، الحديث 12567.
3- «الكافي» ج1/458، الحديث 14، و«وسائل الشيعة» ج9/487، الحديث 12550.

يلاحظ عليه بأنّها هي بعينها مرفوعة أحمد بن محمّد حيث قال: حدثتا بعض أصحابنا رفع الحديث قال: «الْخُمُسُ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: مِنَ الْكُنُوزِ، وَالْمَعَادِنِ، وَالْغَوْصِ، وَالْمَغْنَمِ الّذي يُقَاتَلُ عَلَيْهِ»، وَلَمْ يَحْفَظِ الْخَامِسَ، الحديث(1)،

الّتي قد ذكر فيها «من» بدل «على» فلا يعلم أيّهما كان أصل الحديث «من» أو «على»؟ زائداً على أحاديث اُخرى بهذا المعنى حيث عبّر فيها بلفظة «من» كمرسلة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح علیه السلام قال: «الْخُمُسُ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: مِنَ الْغَنَائِمِ، وَالْغَوْصِ، وَمِنَ الْكُنُوزِ، وَمِنَ الْمَعَادِنِ، وَالْمَلَّاحَةِ»، الحديث(2).

وأمّا ما صرّحت بكونها حقاً فليس المراد منه كونه حقاً مقابلاً للملك الّذي هو مصطلح اليوم في عرف الفقهاء والمجتهدين لما يظهر من سياقه حيث عبّر بصورة الكسر المشاع وكلمة «اللام»، مع أنّ إطلاقه على الملك في اللغة والعرف والآيات والأخبار كثير جدّاً، قال الله عزوجل في آية الدّين: (وَلْيُمْلِلِ الّذيعَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الّذي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفيهاً أَوْ ضَعيفاً أَوْ لا يَسْتَطيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْل)(3)، فالحقّ هنا هو المال والدّين لا الحقّ المقابل للملك، وقال تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكينَ وَابْنَ السَّبيلِ وَلا

ص: 500


1- «التهذيب» ج4/126، الحديث 264، و«وسائل الشيعة» ج9/489، الحديث 12556.
2- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/487، الحديث 12549، وراجع أيضاً: الحديث 12554.
3- «البقرة»: 282.

تُبَذِّرْ تَبْذيراً)(1)، الواردة في قصّة فدك الّذي ملّكها الرّسول صلی الله علیه و آله و سلم فاطمة سلام الله علیها وأنحلها إيّاها، وقد ورد في بعض روايات الإرث إطلاق الحقّ عليه مع أنّه ملك، منها صحيحة عليّ بن رئاب عن زرارة عن أبي جعفر علیه السلام: «أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَرِثُ مِمَّا تَرَكَ زَوْجُهَا مِنَ الْقُرَى وَالدُّورِ وَالسِّلَاحِ وَالدَّوَابِّ شَيْئاً، وَتَرِثُ مِنَ الْمَالِ وَالْفُرُشِ وَالثِّيَابِ وَمَتَاعِ الْبَيْتِ مِمَّا تَرَكَ وَتُقَوَّمُ النِّقْضُ وَالْأَبْوَابُ وَالْجُذُوعُ وَالْقَصَبُ فَتُعْطَى حَقَّهَا مِنْهُ»(2).

وأمّا ما عبّر عن بتعلّقه بنحو الماليّة، فهو بعد فقد دليل يدلّ على اثباته إنّما هو تفكيك بين العين وماليّتها في عالم التصور، وإلّا فلا يمكن أن نفصّل بين الشيء وماليّته في الخارج بأن يقال هذا عينه وذاك ماليته! نعم يصحّ أن يقال: هذا الشيء قيمته كذا، أمّا التفكيك بينه وبين ماليّته فلا.

وأمّا كونه بنحو الكلّي في المعيّن، فهو - كما مرّ من عدم دليل يدلّ عليه - مخالف للارتكاز العرفى في مورد الكسر المشاع.

فهذه القرائن والشواهد تشهد بوضوح على أنّ الأقوى بل المتعيّن، من هذهالوجوه هو تعلّق الخمس بالعين على نحو الإشاعة والشركة.

فبعد ما فرغنا من كيفيّة تعلّق الخمس بالأموال، نبحث عن اُمور الّتي فرّع عليها السيّد رحمه الله في «العروة»، نطرحها بصورة أسئلة أربعة هي كما تلي:

الاُولى: هل يتخيّر المالك بين دفع الخمس من العين أو دفع قيمته من مال

ص: 501


1- «الإسراء»: 26.
2- «الكافي» ج7/127، الحديث 2، و«وسائل الشيعة» ج26/206، الحديث 32836، وراجع أيضاً: الحديث 32847.

آخر، نقداً أو جنساً؟

الثانية: هل يجوز له أن يتصرّف فيها قبل أدائه بأن ضمنه في ذمّته؟

الثالثة: ما حكمه لو أتلفه بعد استقراره؟

الرابعة: لو اتّجر به قبل إخراج خمسه فما حكم المعاملات الواقعة عليه؟

أمّا السؤال الأوّل، فإنّه يبتني على كون تعلّق الخمس هنا هل هو بنحو الشركة والإشاعة، أو بغيرها من الأنحاء الثلاثة؟ فأمّا على القول بكونه على نحو الشركة بصورة الإشاعة، فالأصل هو عدم جواز التصرّف في المال المشترك بتبدليه بمال آخر إلّا بإذن شريكه، أو إذن وليّه إذا كان فيه غبطة له، وهو هنا الحاكم الشرعي، وكذا الكلام لو تعلّق به بنحو الكلّي في المعيّن، لمّا كان الواجب عليه هو خمس من أخماسه بصورة فرد سيّال، بخلاف ما لوكان بنحو الحكم التكليفي المحض أو بصورة الحقّ والماليّة، والعجب من صاحب «العروة» مع أنّه اختار في المسألة السادسة والسبعين كونه بنحو الكلّي في المعيّن كيف أفتى في المقام بتخيير المالك بين دفعه من جنس آخر ولو كان مغايراً له، لا سيّما إذا لم يكن الجنس ممّا يحتاج إليه أرباب الخمس كأن دفع كتاب الجواهر لفقير يسكن البادية وإن كان بقيمته؟!

نعم لا مانع من الاستيذان من الحاكم بناءً على ولايته على الخمس ولو حسبة، فلو أجاز كان بمنزلة التبديل مع المستحق اختياراً، أو أدائه بنقد البلد كماصرّح به غير واحد بل ادّعي أنّه مذهب الأصحاب، قال الشيخ الأعظم رحمه الله بعد اختياره تعلّق الخمس بالعين:

لكنّ الظاهر عدم وجوب أن يخرج من كلّ عين خمسها، لصدق إخراج خمس الفائدة، بل الظاهر أنّ الحكم كذلك في الكنز والغوص

ص: 502

والمعدن إذا اشتملت على أجناس مختلفة، وهل يجوز دفع النقد في هذه الأشياء؟ الظاهر ذلك كما صرّح به بعض، بل يظهر من حاشية المدقّق الخوانساري في مسألة وجوب بسط نصف الخمس على الأصناف أنّ جواز أداء القيمة مذهب الأصحاب(1).

واستدلّ عليه تارة بما تمسك به الفقهاء لذلك في باب الزكاة بدعوى شموله للمقام أيضاً بعدم فرق بين بابي الزكاة والخمس من هذه الجهة، حيث إنّ الإمام علیه السلام أجاز بعنوان القضيّة الحقيقيّة إخراج ما وجب عليه من الزكاة بقيمته من الدارهم، ففي صحيحة البرقي قال: كتبت إلی أبي جعفر الثاني علیه السلام: هَلْ يَجُوزُ أَنْ أُخْرِجَ عَمَّا يَجِبُ في الْحَرْثِ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَمَا يَجِبُ عَلَى الذَّهَبِ دَرَاهِمَ قِيمَةَ مَا يَسْوَى، أَمْ لَا يَجُوزُ إِلَّا أَنْ يُخْرَجَ مِنْ كُلِّ شيء مَا فِيهِ؟ فَأَجاب علیه السلام: «أَيُّمَا تَيَسَّرَ يُخْرَجُ»(2).

بل وكونه أولى لما دلّ عليه صحيحة إسحاق بن عمّار الصيرفيّ قال: قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام: جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا تَقُولُ في الْفِطْرَةِ يَجُوزُ أَنْ أُؤَدِّيَهَا فِضَّةً بِقِيمَةِ هَذِهِالْأَشْيَاءِ الّتي سَمَّيْتَهَا قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ ذَلِكَ أَنْفَعُ لَهُ يَشْتَرِي مَا يُرِيدُ»(3).

واُخرى بما جرت عليه سيرة المتشرعة من لدن عصر الصادقين صلی الله علیه و آله و سلم إلى زماننا هذا على أداء خمس أموالهم من المعادن والكنوز والغوص وأرباح

ص: 503


1- «كتاب الخمس (للشيخ الأنصاري)» ص278 - 279.
2- «الكافي» ج3/559، الحديث 1، و«وسائل الشيعة» ج9/192، الحديث 11812.
3- «التهذيب» ج4/86، الحديث 251، و«الاستبصار» ج2/50، الحديث 166، و«وسائل الشيعة» ج9/347، الحديث 12195.

مكاسبهم وغيرها بالنقدين أو بقيمة بلدانهم، لا سيّما إذا كان بلد المالك بعيداً نائياً بالنسبة إلى الإمام علیه السلام أو وكيله، أو أراد إخراج خمس ما لم يصرفه من المواد الغذائيّة رأس الحول، أو لم تكن العين الّتي تعلّق بها الخمس بذي أجزاء حتی يمكن تجزأتها بأجزاء خمسة، فإنّهم يؤدّون أخماسهم حينئذٍ بالنقود الرائجة فقط كما فعله أبو سيار حين ولّى الغوص ببحرين وأصاب أربعمائة ألف درهم، فأتى بخمسها ثمانين ألف درهم أبا عبداللّه علیه السلام(1).

أمّا السؤال الثاني، هل يجوز للرّابح أن يتصرّف في تمام العين قبل أداء خمسها بأن ضمنه في ذمّته؟

محل الكلام في المقام إنّما هو بعد الحول واستقرار الخمس، أمّا جوازه أثناء السنة وصرفها في مؤونته، أو تبديلها بمال آخر فجائز بلا ريب، لما مرّ من كونه موسعاً عليه حتی الحول، وأمّا بعد تعلّقه فبناء على القول بتعلّق الخمس بنحو الشياع أو الكلّي في المعيّن بل وعلى كونه حقّاً متعلّقاً بالعين أيضاً، فلا يجوز لهأن يتصرف في تمام المال المشترك أو المرهون من دون إذن من الشريك أو وليه أو مالكه، ولا دليل على جواز نقله إلى ذمّته، بل قد ورد أخبار على خلافه، منها صحيحة أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر علیه السلام: مَا أَيْسَرُ مَا يَدْخُلُ بِهِ الْعَبْدُ النَّارَ؟

ص: 504


1- راجع: صحيحة أبي سيّار مسمع بن عبد الملك، «الكافي» ج1/337، الحديث 3، و«التهذيب» ج4/144، الحديث 403، و«وسائل الشيعة» ج9/548، الحديث 12686.

قَالَ: «مَنْ أَكْلٍ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ دِرْهَماً وَنَحْنُ الْيَتِيمُ»(1)، وموثقة عنه عن الباقر علیه السلام قال: «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنَ الْخُمُسِ شَيْئاً حتی يَصِلَ إِلَيْنَا حَقُّنَا»(2)، وموثقة اُخری عنه أيضاً عن أبي جعفر علیه السلام قال:سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنِ اشْتَرَى شَيْئاً مِنَ الْخُمُسِ لَمْ يَعْذِرْهُ اللَّهُ اشْتَرَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ»(3)، ومرفوعة العيّاشي في «تفسيره» عن إسحاق بن عمّار قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «لَا يُعْذَرُ عَبْدٌ اشْتَرَى مِنَ الْخُمُسِ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ يَا رَبِّ اشْتَرَيْتُهُ بِمَاليی حتی يَأْذَنَ لَهُ أَهْلُ الْخُمُسِ»(4).

والعجب من الشيخ الأنصاري رحمه الله كيف يستظهر جوازه حيث قال:

الظاهر من الرّوايات منضمّة إلى ملاحظة سيرة النّاس هو جواز التصرف في الأعيان الخمسيّة مع ضمان الجنس(5).

إذ السيرة دليل لبيّ، ولابدّ فيه من الأخذ بمقدار المتيقّن، والقدر مقطوع منها قد جرت على أدائه بالنقدين وبغيرهما من نقود البلاد، ولا صلة بينها وبين جواز التصرّف في الأعيان الخمسيّة بعد استقراره، ضمنه المتصرّف أم لا، قادراً على

ص: 505


1- «من لا يحضره الفقيه» ج2/22، الحديث 78، و«وسائل الشيعة» ج9/483، الحديث 12540.
2- «الكافي» ج1/458، الحديث 14، و«وسائل الشيعة» ج9/484، الحديث 12543، وص 487، الحديث 12550.
3- «التهذيب» ج4/136، الحديث 381، و«وسائل الشيعة» ج9/484، الحديث 12544، وص 540، الحديث 12669.
4- «تفسير العيّاشي» ج2/63، الحديث 60، و«وسائل الشيعة» ج9/542، الحديث 12674.
5- «كتاب الخمس (للشيخ الأنصاري)» ص279.

أدائه بمال آخر أم لا.

وأمّا السؤال الثالث: ما حكمه لو أتلفه بعد استقراره؟

إنّ مقتضى القاعدة كما صرّح به صاحب «العروة» ضمانه، والمراد من الإتلاف هنا هو مطلق الصرف ولو في المؤونة، لا خصوص الإتلاف إسرافاً أو تبذيراً أوسفهاً، إذ الضمان حينئذٍ كما مرّ في الأمر الأوّل من الاُمور المطروحة حول بيان «ماهية المؤونة ومفهومها» ثابت حتی قبل استقراره، لما عرفت من أنّ المستثناة من أرباحه ومنافعه إنّما هو ما يصرفه في مؤونته، وهذا ليس منها، حال عليه الحول أم لا.

قد استدلّ على الضمان في المقام تارة بقاعدة «الإتلاف» (فمن أتلف مال الغير فهو له ضامن، عالماً به أو جاهلاً)(1)، واُخرى بقاعدة «اليد» على اليد ضمان ما لم يكن مأذوناً في تسلّطه عليه حتی تؤدّيه، فمن تسلّط على مال الغير فتلف أو أتلفه، فهو له ضامن مكلّف بأداء مثله أو قيمته(2).

وأمّا السؤال الرابع: لو اتّجر به قبل إخراج خمسه فما حكم المعاملات الواقعة عليه؟

فحيث نختار آنفاً تبعاً لصاحب «العروة» كونه ضامناً لما في يده من سهمأرباب الخمس، فلا محالة تكون المعاملات الواقعة عليه بعد ذلك بالنسبة إلى مقدار الخمس فضوليّة، رتّب عليها آثار البيع الفضولي من إجازة المالك (وهو هنا الحاكم الشرعي النائب عن أرباب الخمس) وأخذ عوضه من كلّ من شاء

ص: 506


1- لزيادة التوضيح راجع: «القواعد الفقهيّة (لمكارم الشيرازي)» ج2/165 - 181.
2- نفس المصدر ج2/214 - 201.

منهم من البائع أو من انتقل إليه المال على ما هو الشأن في باب تعاقب الأيدي، وعدمها، فحينئذٍ فإن كانت العين موجودة رجع بها بمقدار الخمس، وبقيمتها أو مثلها إن كانت تالفة.

هذا إذا كانت المعاملة ثمناً كانت أو مثمناً(1) واقعة بعين المال الّذي تعلّق به الخمس، وأمّا إذا كانت كليّة إلّا أنّه أدّاه في مقام الوفاء، من عين ما تعلّق به الخمس عصياناً أو نسياناً أو غفلة وجهلاً عمّا يجب عليه من الحكم، فلا ريب في كونها صحيحة حينئذٍ، لكنّه في موارد عدم شمول أدلّة التحليل لا يكون مبرءً لذمّته بمقدار الخمس، فإن أذن له الحاكم يأخذ قيمته أو مثله من كلّ من شاء منهم على ما هو الشأن في باب تعاقب الأيدي، وإلّا يسترجعه مع بقائه، ومع تلفه بقيمته أو مثله كما مرّ.

المسألة الخامسة عشرة: حكم التصرف في بعض الرّبح.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

يجوز له أن يتصرّف في بعض الربّح ما دام مقدار الخمس منه باق في يده مع قصده إخراجه من البقيّة، إذ شركة أرباب الخمس مع المالكإنّما هي على وجه الكلّي في المعيّن، كما أنّ الأمر في الزكاة أيضاً كذلك وقد مرّ في بابها(2).

قد بحثنا في المسألة السابقة عن التصرّف في تمام المال الّتي تعلّق به الخمس بعد استقراره بالاتجار وغيره، وقلنا إنّه غير جائز من دون فرق في كون

ص: 507


1- أقول: لا يخفی أنّ المعاملات غالباً من ناحية المثمن شخصيّ، ومن ناحية الثمن كلّي.
2- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/399 - 400، المسألة الرقم 76.

تعلّقه عليه بنحو الإشاعة، أو الكلّي في المعيّن، بل وعلى كونه حقّاً متعلّقاً بالعين أيضاً، وهنا نبحث عن التصرّف في بعضه، بحيث كان مقدار الخمس فيه بعد ذلك باقياً، وعلى الأخير تارة قد يكون من قصده أداءه عمّا بقي عنده، واُخرى لا يكون كذلك.

أمّا إذا قصد أداءه فحيث اختار في «العروة» تعلّق الخمس بالمال بنحو الكلّي في المعيّن، صرّح بجواز تصرّفاته حينئذٍ، لما كان شركة أرباب الخمس معه على مختاره مثل الصاع من الصبرة، لا بنحو الشركة في نفس الأجزاء والأشخاص، فعليه كان المال باقياً على ملك مالكه ويجوز له بعد ما استقرّ عليه الخمس أن يتصرّف فيه ما دام يبقى له مقدار ما ينطبق عليه قدر الخمس.

لكنّك قد عرفت أنّه لا دليل على مذهبه، زائداً على أنّه على القول به للزم أن نقول بجوازه ما دام مقدار الخمس فيه موجوداً، سواء قصد إخراجه من الباقي أم لا، فتقييده بذلك ممّا لم نعرف له وجه.

نعم إنّه يجوز له ذلك على جميع المباني في باب «الزكاة» بخلاف المقام لما ورد فيها من نصوص العزل وجواز التصرف في باقيه، ففي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قَالَ في الرَّجُلِ يُخْرِجُ زَكَاتَهُ فَيَقْسِمُ بَعْضَهَا وَيَبْقَىبَعْضٌ يَلْتَمِسُ لَهَا الْمَوَاضِعَ فَيَكُونُ بَيْنَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، قَالَ: «لَا بَأْسَ»(1).

ص: 508


1- «التهذيب» ج4/45، الحديث 118، و«وسائل الشيعة» ج9/308، الحديث 12091.

المسألة السادسة عشرة: ربح الخمس وحكم الّذين لم يحاسبوا خمس أموالهم سنين متعدّدة أو منذ كان مكلّفاً به.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا حصل الرّبح في ابتداء السنة أو في أثنائها، فلا مانع من التصرّف فيه بالاتّجار، وإن حصل منه ربح لا يكون ما يقابل خمس الرّبح الأوّل منه لأرباب الخمس، بخلاف ما إذا اتّجر به بعد تمام الحول فإنّه إن حصل ربح كان ما يقابل الخمس من الرّبح لأربابه، مضافاً إلى أصل الخمس، فيخرجهما أوّلاً، ثمّ يخرج خمس بقيته إن زادت على مؤونة السنة(1).

هي مسألة مهمّة ذات آثار شرعيّة، تقدّم أنّ الخمس يتعلّق بظهور الرّبح ولا يشترط بانقضاء الحول إلا أنّ استقراره إنّما هو عند انتهاء السنة فيما يبقى له بعد المؤونة، فعليه لا ريب في أنّه يجوز له زائداً عليها أن يتصرّف طولها في الرّبح كيفما شاء بتبديله من عين إلى عين من دون حاجة إلى إذن من الحاكم الشرعى، إنّما الكلام فيما لو اتّجر به بعد السنة مرّات ومرّات حتی يحصل له منها أو من بعضها أرباح جديدة، فهل يجب عليه مضافة إلى ما كان عليه من الخمس في المرحلة الاِولى، ربح ما كان يقابل الخمس الأوّل من هذه الأرباح المتجدّدة بأن يكون لأرباب الخمس خمس الرّبح الأوّل مع هذه الأرباح الجديدة، أم لا؟ مالإلى وجوبه في «الجواهر»(2)، وفي «نجاة العباد» جعله أحوط إن لم يكن أقوى لتبعيّة النماء للأصل، فعليه كان كلّ ربح موضوعاً مستقلّاً لوجوب الخمس

ص: 509


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/400، المسألة الرقم 77.
2- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/55 - 54.

ويكون ما يقابل كلّ خمس من الرّبح أيضاً لأرباب الخمس، واختار عدمه الشيخ الأعظم رحمه الله وتبعه غير واحد، منهم السيّد رحمه الله صاحب «العروة» هنا، وكيف كان فقد قال في «نجاة العباد»:

ولو تحقّق الرّبح في أثناء الحول ثمّ اتّجر به فربح أيضاً فالأحوط إن لم يكن أقوى إخراج ما يختصّ الخمس من الرّبح الأوّل فإذا ربح أوّلاً مثلاً ستمائة وكانت مؤونته مائة فأخذها واتّجر بالباقي مثلاً فربح خمسمائة كان تمام الخمس مائتان وثمانون مائة من الرّبح الأوّل ويتبعها نماؤها من الرّبح الثاني وهو مائة أيضاً فيكون الباقي من الرّبح الثاني أربعمائة وخمسها ثمانون فيكون المجموع مأتين وثمانين(1).

وقال الشيخ الأنصاري رحمه الله :

إذا حصل ربح بعد ربح، فإن اتّحد زمان التكّسب لهما فلا إشكال على المختار من اتحاد أوّلهما في اتحاد آخرها، حتی أنّه لو اتفق حصول أرباح متعاقبة مترتّبة على التكّسب الّذي شرع فيه في أوّل رمضان، واتفق حصول الأخير منها في رمضان المقبل، كانت آخر السنة آخر حولها، (إلى أن قال:) ولا ريب أنّ مراعاة هذا (أي أنّ كلّ ربح موضوع مستقلّ لوجوب الخمس) قد يؤدّى إلى الحرج الشديد كما لو اكتسب كلّ يوم شيئاً، بل كلّ ساعة شيئاً، فإنّ مراعاة حول مستقلّ لكلّ ربح جديد متعذّر أو قريب منه، وهو منفي بالعقل والنقل، مضافاً إلى السيرة القطعيّة، ومع ذلك كلّه فهو موقوف على كون كلّ ربح ربح موضوعاً ومورداً للخمس في أخبار المكاسب، حتی يقال: إنّ كلّ ربح وكلّ فائدة

ص: 510


1- «نجاة العباد» ص85.

فيها الخمس بعد وضع المؤونة منها، وهو ممنوع، بل ظاهر قوله علیه السلام: «الخمس بعد المؤونة»، بعد سؤال السائل بقوله: هل الخمس على جميع ما يستفيد الرجل من جميع الضروب وعلى الصانع؟ أنّ المراد بالمؤونة مؤونة سنة التحصيل والصناعة، فيكون جميع ما يستفاد من أوّل التكّسب إلى تمام السنة، كمستفاد واحد يخرج الخمس ممّا فضل منه عن المؤونة(1).

وقال أيضاً:

إمّا وجوب عزل مقدار الخمس من الرّبح إذا أراد المكلف التجارة بماله، والظاهر أنّه لم يلتزم به أحد، لا فتوى ولا عملاً، وإمّا اشتراك المستحقّين مع المالك في الرّبح الحاصل من المال المشترك وفي الخسارة الّتي تتفق فيه، لأنّ مقتضى عدم وجوب العزل والإذن في التصرف فيه في جملة المال، والظاهر أنّه كسابقه مخالف للفتوى والعمل(2).

فبعد ما عرفت الأقوال في المسألة فاعلم أنّ الّذي يقتضيه القواعد الأوّليّة هو توزيع الرّبح على المال المشترك على طبق حصص الشركاء، هذا إن قلنا بتعلّق الخمس بالأرباح على نحو الشركة في الأعيان أو الكلّي في المعيّن (لا بنحوالحكم المحض أو الحقّ أو الماليّة المتعلّق بالمال من دون مشاركة في الملكيّة)، لكن الّذي نراه من عرف المتشرعة عدم وجوبه، حيث إنّ عمل المتشرعة قد استقرّ على ملاحظة مجموع الأرباح الموجودة آخر السنة بعد مؤونتهم وإخراج

ص: 511


1- «كتاب الخمس (للشيخ الأنصاري)» ص217 - 218.
2- «كتاب الخمس (للشيخ الأنصاري)» ص281.

خمس واحد منها، زائداً على لزوم العسر والحرج الشديد المنفي بالعقل والشرع الّذي أشار إليه الشيخ في كلامه إذا كان كلّ ربح موضوعاً مستقلّاً لوجوب الخمس زائداً على اختصاص الأرباح المقابلة لها لأربابه، بل وكونه مخالفاً لظواهر النصوص أيضاً حيث عرّفوا: الفائدة بما يحصل للمرء بعد مؤونته، ففي صحيحة عليّ بن مهزيار الطويلة: «فَأَمَّا الْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ فهي وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلِّ عَامٍ»، الحديث(1)،

فإن وجب عليهم لكلّ ربحٍ خمسٌ مع ما يقابله من الأرباح الجديدة للزم بيانه حتی لا يلزم من تأخير البيان عن وقت الحاجة الإغراء بالجهل، بأن أطلق علیه السلام الحكم وأراد الأخماس مضافة إلى ما يقابلها من الأرباح.

وإن شئت قلت: إنّ المستفاد من ظواهر النصوص كما فهمه الأذهان العرفيّة أنّ الموضوع للخمس إنّما هو مجموع الأرباح الحاصلة له طول السنة، وذلك لأنّ المستثنى من الرّبح إنّما هو مؤونة تمام السنة بعنوان أنّها مؤونة واحدة للسنة وإن كانت تدريجية، فالمستثنى منه أيضاً يكون ربحاً واحداً وهو ربح تمام السنة لا محالة وإن كانت حاصلة تدريجاً في ضمن تجارات عديدة أيضاً، فحينئذٍ تلحظ مجموع الأرباح الحاصلة طول السنة بالإضافة إلى رأس المال لا بالإضافة إلى الأرباح السابقة الّذي قد مال إليه أو استقواه صاحب «الجواهر».

هذا حكم الأرباح الحاصلة له طول السنة، وأمّا حكم الّذين لم يحاسبوا خمس أموالهم سنين متعدّدة أو منذ كان مكلّفاً به، فإن أمضاها الحاكم الشرعي (إذ الاتجار بالنسبة إلى مقدار الخمس بعد استقراره يكون فضولياً حينئذٍ) فكما

ص: 512


1- «التهذيب» ج4/141، الحديث 398، و«الاستبصار» ج2/60، الحديث 198، و«وسائل الشيعة» ج9/501، الحديث 12583.

صرّح به صاحب «العروة» إن حصل منه ربح كان ما يقابل الخمس من الرّبح لأربابه، زائداً إلى أصل الخمس الأوّل، وعليه للزم على من أهمل محاسبة خمس أمواله سنين متعدّدة أو لم يؤدّ منه شيئاً في عمره، ثمّ شملته العناية الإلهيّة أن تلحظ تلك الأرباح أيضاً مع ما فيها من الصعوبة والمشقة لكونه غاصباً وتاركاً لما وجب عليه من التكليف عصياناً وأدخل الضرر على نفسه باختياره فيؤخذ بأشقّ الأحوال، لكنّه قد مال شيخي الاُستاذ (دام ظلّه) إلى كون الحكم في هذه الصورة أيضاً مثل ما كان قبل السنة واستقراره، لما فيه من السيرة والصعوبة الكثيرة، بل العسر والحرج الشديد، بل هو خيرته حيث قال:

هذا (محاسبة الأرباح المتداخلة) مقتضى القاعدة ولكن السيرة هنا أيضاً على خلافه فلم نر عند محاسبة أموال الذين لم يخمسوا أموالهم طول سنين إلّا محاسبة رأس مالهم الأوّل ثمّ محاسبة الأرباح الحاصلة وتخميسها، مضافاً إلى ما عرفت من الصعوبة الكثيرة، بل العسر والحرج الشديد في محاسبة هذه الأرباح المتداخلة إذا كانت كثيرة، اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ طريق حلّه واضح، وهو التوسل إلى الصلح بين المالك والحاكم الشرعي الذى يكون وليّاً أو وكيلاً لأرباب الخمس، والعمدة ما عرفت من كونه أيضاً مخالفاً لما هو المعهود من سيرةالمتشرعة، فلعل هذا أيضاً من رفق الشارع في المتاجر، ولا أقلّ من عدم ترك الاحتياط بالمصالحة مع المالك في هذا الأمر(1).

يلاحظ عليه أنّه بعد فرض كون المال مشتركاً بينه وبين أرباب الخمس وكونه

ص: 513


1- راجع: «أنوار الفقاهة، كتاب الخمس والأنفال» ص327.

فضولاً بالنسبة إلى سهمهم، فمع قطع النظر عن أخبار التحليل، فإن أمضاها الحاكم فلا محالة يجب عليه أن يلاحظ أيضاً ربح سهامهم كما في غيره من الأموال المشتركة، أمّا كونه غير رائجة في عرف المخمّسين فعلى فرض ثباته غير ضارّ، لعدم كونهم متشرّعين من هذه الجهة، وكان حاله حال من لا يبالي من الحلال والحرام في أمواله ثمّ أراد التوبة والتخلّص منه إلّا أنّه لا يعلم مقداره، فيجب عليه ما تقدّم في المال الحلال المخلوط بالحرام إذا عرف صاحبه ولا يعلم مقداره من إعطاء خمسه إليه(1)، وذلك لأنّ الخمس هو مصالحة شرعيّة تعبديّة عند الجهل بمقدار الحرام في مجهول القدر والمالك، فنقيس به أيضاً ما إذا كان المقدار مجهولاً والمالك معلوماً كما في المقام، لوضوح كون الملاك هاهنا هو جهالة القدر، وأمّا المالك فقد جعل الشارع المقدس الّذي هو مالك الملوك الفقير مقامه لعدم إمكان الوصول إليه عادتاً بخلافه هنا، والأحوط منه المصالحة معه في القدر الزائد عنه في صورة الإمكان، لا أن يتركه بالمرّة، وهذا ما يعبّر عنه بقاعدة «الميسور» وأنّ «ما لا يدركه كلّه لا يتركه كلّه»، ففي ما نحن فيه حيث كان محاسبة الأرباح المتداخلة معسوراً بل حرجيّاً جدّاً، فعليه أن يضاف إلى ما وجب عليه - من خمس ربح سنته - خمس ما كان عنده منالأموال كلّها أيضاً، والأحوط منه عند الإمكان أن يصالح مع الحاكم الشرعي بما فيه غبطة ومصلحة لأربابه لكونه وليّاً أو وكيلاً عن جانبهم.

ص: 514


1- راجع: الصورة الثالثة من صور الأموال المخلوطة بالحرام.

المسألة السابعة عشرة: نقل الخمس إلى الذمّة.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

ليس للمالك أن ينقل الخمس إلى ذمّته ثمّ التصرّف فيه كما أشرنا إليه، نعم يجوز له ذلك بالمصالحة مع الحاكم، وحينئذٍ فيجوز له التصرّف فيه، ولا حصّة له من الرّبح إذا اتّجر به، ولو فرض تجدّد مؤن له في أثناء الحول على وجه لا يقوم بها الرّبح انكشف فساد الصلح(1).

قد بحثنا بالتفصيل في مبحث «تعلّق الخمس بالعين» في المسألة الخامسة والسبعين بأنّه لا يجوز للرّابح أن يتصرّف في تمام العين بعد استقراره وقبل أدائه وإن ضمنه في ذمّته، لأنّه غير مالك بالنسبة إلى قدر الخمس فلا ولاية له لأن ينقله إلى ذمّته سواء كان تعلّقه على العين بنحو الإشاعة أو الكلّي في المعيّن، فلا نعيده.

نعم يجوز له ذلك بأن أخرج الخمس من ماله ويعطيه الحاكم ثمّ يستقرضه منه أو من وكيله المجاز لذلك ليردّه إليه تدريجاً إذا لم يقدر على أدائه دفعة الّذي يسمّى بالمداورة أي «دستگردان كردن»، أو أن يصالح معه الخمس المجهول الموجود في ماله بمبلغ خاصّ في ذمّته، ففي هاتين الصورتين لا حصّة للحاكم إذا اتّجر المالك به، بخلاف ما إذا استجازه للتصرف والاتّجار به فإنّه كان ما يقابله من المنافع لهم خاصة كما أشرنا إليه في المسألة السابقة.

ثمّ إنّه قد ذكر في «العروة» بعد حكم جواز تصرف المالك بالمصالحة بعد السنة ما لا صلة له بموضوعه، حيث قال: «ولوفرض تجدّد مؤن له في أثناء

ص: 515


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/400 - 401، المسألة الرقم 78.

الحول على وجه لا يقوم بها الرّبح انكشف فساد الصلح» لكون الكلام في المصالحة بعد الحول، وأمّا تصرفاته في أثنائه وما يحصل له من المنافع فكما مرّ هناك فغير محتاج إلى المصالحة معه، إلّا أن يكون مراده منه هو كشف مؤونة سابقة نسيها ولم يلحظها عند المصالحة، لكنّه غير مستفاد من كلامه لكونه صريحاً في تجدّد المؤونة لا كشفها، وكيف كان هو كلام غير واضحة الدلالة.

المسألة الثامنة عشرة: التعجيل بإخراج الخمس أثناء السنة.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

يجوز له تعجيل إخراج خمس الرّبح إذا حصل في أثناء السنة، ولا يجب التأخير إلى آخرها، فإنّ التأخير من باب الإرفاق كما مرّ، وحينئذٍ فلو أخرجه بعد تقدير المؤونة بما يظنّه فبان بعد ذلك عدم كفاية الرّبح لتجدّد مؤن لم يكن يظنّها، كشف ذلك عن عدم صحته خمساً، فله الرجوع به على المستحقّ مع بقاء عينه، لا مع تلفها في يده، إلّا إذا كان عالماً بالحال، فإنّ الظاهر ضمانه حينئذٍ(1).

قد مرّ في مبحث «مبدأ تعلّق الخمس بالأرباح» أنّه يتعلّق الخمس بظهور الرّبح ولا يشترط بانقضاء الحول إلّا أنّ استقراره إنّما هو عند انتهاء السنة فيما يبقى له بعد المؤونة، فيكون من قبيل الواجب الموسع للإرفاق إلى الرابح، وقلنا إنّه لو يستثنى المؤونة من ربحه بما يحسبها على نحو التخمين لا سيّما إذا كانالرّبح كثيراً جداً بحيث يقطع عادة بعدم صرف جميعه في مؤونته، وأخرج خمسه عند ظهور منافعه كان جائزاً.

ص: 516


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/401، المسألة الرقم 79.

إنّما الكلام في أنّه لو أخرجه حينئذٍ ثمّ تجدّد له مؤن لم يكن يظنّها، فهل له أن يرجع بما أخرجه بعنوان الخمس أثنائها، أم لا؟ فصّل فيه بعض منهم السيد رحمه الله هنا بين كون العين باقية فيجوز مطلقاً نظراً إلى أنّ التجدّد المزبور كشف عن عدم تعلّق الخمس به من بدو الأمر لتعلّقه بما بعد المؤونة، وما إذا كانت تالفة فلا يجوز لأنّه سلّط الآخذ على أخذه بلا ضمان، بخلاف ما لو كان عالماً بالحال فيجوز، واستوجه عدمه مطلقاً في «المسالك» وتبعه صاحب «الجواهر» والشيخ الأنصاري (رضوان الله تعالی) عليهما فقوّيا عدم جواز الرجوع مطلقاً، فلا تسوغ له المطالبة مع بقاء العين فكيف مع تلفها(1)، فقال الشهيد رحمه الله :

ولو عجّل الإخراج فزادت المؤونة لم يرجع على المستحقّ مع عدم علمه بالحال وتلف العين، وفي جواز رجوعه عليه مع بقاء العين أو علمه بالحال نظر. وقد تقدّم مثله في الزكاة، إلّا أنّ عدم الرجوع هنا مطلقاً متوجّه(2).

وجعل في «الجواهر» متعلّق الخمس بناءً على اشتراط البعديّة أعمّ من المؤونة الواقعيّة المحسوبة آخر السنة، ومن المؤونة المظنونة، فقال في شرح قول المحقّق رحمه الله : «ولكن يؤخّر ما يجب في أرباح التجارات احتياطاً للمكتسب».

ص: 517


1- راجع: «كتاب الخمس (للشيخ الأنصاري)» ص284 - 285.
2- «مسالك الأفهام إلی تنقيح شرائع الإسلام» ج1/468.

والمنع (من الرجوع) مع تلف العين وعدم علم المستحق لأنّه هو الّذي سلّطه عليه باختياره، بل ومع العلم أيضاً وبقاء العين في وجه قويّ كما استوجهه المسالك، فضلاً عن أحدهما، لاحتمال كون المعتبر عند إرادة التعجيل تخمين المؤونة وظنّها وإن لم يصادف الواقع(1).

أقول: التحقيق يقتضي أن نعود إلى ما تقدّم في المراد من البعديّة في قوله علیه السلام: «الْخُمُسُ بَعْدَ الْمؤونة»(2)،

بأنّ الظاهر منها هو البعديّة الرتبيّة كما في آية سهام الإرث، من باب الإرفاق والتوسعة للرّابح وتحليله من جانب الشارع طول الحول، لا أنّها دخيلة في حدوث الحكم وبقائه، نعم إذا غرقت المؤن أرباحه رأس الحول فلا يبقى له حينئد موضوعاً لوجوب الخمس بعد ما كان مأذوناً من التصرف فيها حتی الحول، لكنّه لو أدّاه حين ظهوره أو حصوله أثنائه من قبل أن يستوفى مؤنه منها، فقد أدّى ما يمكن له العفو عنه بعده لكونه مفّوتاً موضوع الترخيص على نفسه كمن قتّر على نفسه ولم يصرف ما يحتاج إليه في أمر معاشه، فبناءً على ذلك لو شُك فيما إذ بادر بأدائه أثناء الحول باختياره فتجدّد له مؤن لم يكن يظنّها هل له أن يرجع إليه أم لا؟ فلنرجع فيه إلى عمومات ما دلّت على وجوب الخمس في الأرباح والمنافع والغنائم بالمعنى الأعم، ولا تصل النوبة إلى إطلاق ما دلّ على كونه بعد المؤونة (لكونه منوطاً بعدم وجود قدرمتيقّن في مقام التخاطب لكنّه موجوداً في المقام وهو ما إذا حاسب خمسه رأس

ص: 518


1- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/80.
2- «التهذيب» ج4/123، الحديث 352، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 181، و«وسائل الشيعة» ج9/499، الحديث 12579.

الحول واحتساب مؤنه حقيقتاً)، أو الاُصول العمليّة كالبراءة حتی يجوز للمالك أن يرجع إلى ما دفعه مطلقاً إن كان باقياً، وبعد تلفه لو كان الآخذ عالماً بالحال، فلا سبيل لرجوع الرّابح إلى ما بادر بأدائه بعنوان الخمس بعدكونه خمساً في الواقع، ومعه لا وجه لما ذكره السيّد رحمه الله من كشفه عن عدم صحّة ما أخرجه خمساً لكونه صادراً من أهله وواقعاً في محلّه، إذ الظنّ غير مؤثر في استثناء المؤونة عن الخمس حتی نبحث عن كونه أ على الوجه الطريقيّة أو الموضوعيّة؟ فإن كان من قبيل الأوّل فجاز له الرجوع لكونه مخطئاً في كشفه عن الواقع، وإلّا فلا لدوران الحكم مداره حينئذٍ، وافق الواقع أم لا.

وإن شئت قلت: إنّه بعد فرض كون الخمس واجباً من بدو الأمر إلّا أنّ الشارع وسّع عليه أداءه حتی الحول، فإذا قطع الرّابح نظره عن استيفاء حقّه وأدّى الخمس أثناءه باختياره فقد ملّكه أربابه، فلا يجوز له استرداده حينئذٍ مع بقاء العين فكيف بما إذا كانت تالفة!

نعم لو أخرج ما يعادل خمسه المظنونة من دون أن ينوى كونه خمساً من باب إعطاء الحاكم أو أربابه قرضاً واحتسابه دقيقاً رأس الحول كما في تقديم الزكاة قبل وجوبها(1)، فيجوز له حينئذٍ من الرجوع إلى ما دفعه زائداً عن خمسه وإن كان تالفاً.

ص: 519


1- راجع: «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/329، المسألة الرقم 5 من مسائل «فصل في وقت إخراج الزكاة»، و... .

المسألة التاسعة عشرة: الشراء بمال غير مخمس.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا اشترى بالرّبح قبل إخراج الخمس جارية لا يجوز له وطؤها، كما أنّه لو اشترى به ثوباً لا يجوز الصلاة فيه، ولو اشترى به ماء للغسل أو الوضوء لم يصحّ، وهكذا، نعم لو بقي منه بمقدار الخمس في يده وكان قاصداً لإخراجه منه جاز وصحّ، كما مرّ نظيره(1).

قد مرّ كلام في المسألتي الخامسة والسبعين والسادسة والسبعين بعنوان كبرى كليّه يستدلّ بها على أفرادها وأنواعها بأنّه لا يجوز للرّابح أن يتصرف في تمام العين بعد استقرار الخمس وقبل أدائه وإن ضمنه في ذمّته، لأنّه غير مالك بالنسبة إلى قدر الخمس، فلا ولاية له لأن ينقله إلى ذمّته سواء كان تعلّقه على العين بنحو الإشاعة أو الكلّي في المعيّن، إلّا إذا أدّاه واستقرضه من الحاكم أو وكيله بالمداورة، وهنا نبحث عن بعض مصاديقها ونتائجها، كأن اشترى بذلك جارية فلا يجوز وطؤها، وإن كان بيتاً أو لباساً فلا تصحّ الصلاة فيه بناءً على بطلان الصلاة في المغصوب(2) وقطع النظر عن أخبار التحليل، وإن كان مأكولاً أو مشروباً فلا يجوز أكله وشربه، وهكذا، فالحكم هنا وضعي وتكليفي.

نعم لو قلنا بتعلّقه على المال من قبيل الكلّي في المعيّن فيجوز له تصرفاته فيه حتی بعد انتهاء السنة ما دام مقدار الخمس منه موجوداً وإن لم يقصد أداءه غفلة أو عمداً كما هو الحال في سائر موارد الكلّي في المعيّن مثل ما إذا باع صاعاً

ص: 520


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/401، المسألة الرقم 80.
2- ولزيادة التوضيح راجع مبحث اجتماع الأمر والنهی في الكتب الاُصوليّة.

من صبرة، فما يقيّده من اشتراط القصد على هذا المبنى فكما مرّ لم نعرف له وجه.

هذا إذا كانت المعاملة عوضاً أو معوضاً واقعة على عين الرّبح وشخصه، لكنّه لو وقع البيع أو الشراء أو غيرهما من المعاملات على الوجه الكلّي في الذمّة لكنّه أدّاه من هذا المال فلا ينبغي الإشكال في صحّتها وجواز تصرفاته في تمام ما انتقل إليه حينئذٍ لكونه ملكاً طلقاً بالنسبة إليه غير أنّه كان مشغولاً وضامناً لمقدار الخمس للمنقول إليه وللخمس لأهله.

ولقائل أن يقول بصحّة تصرّفاته أيضاً في صورة كون المعاملة شخصية وإن كان باطلاً في الواقع فيما إذا عامل مع معامل غير متعبّد بأحكام الخمس والمعاملات، وذلك لكونه عالماً بأنّ الناقل راضياً تصرّفاته في المنقول لما كان متصرفاً في ما يقابله من الثمن الكذائي.

المسألة العشرون: مصارف الحجّ والزيارات من المؤونة.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

قد مرّ أنّ مصارف الحجّ الواجب إذا استطاع في عام الرّبح وتمكّن من المسير من مؤونة تلك السنة، وكذا مصارف الحجّ المندوب والزيارات، والظاهر أنّ المدار على وقت إنشاء السفر، فإن كان إنشاؤه في عام الرّبح فمصارفه من مؤونته ذهاباً وإياباً وإن تمّ الحول في أثناء السفر، فلا يجب إخراج خمس ما صرفه في العام الآخر في الإياب أو مع المقصد وبعض الذهاب(1).

ص: 521


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/402، المسألة الرقم 81.

تقدّم في المسألة السبعين أنّ مصارف الحجّ الواجب أو المستحب وكذا سائر الزيارات المستحبّه تعدّ من مؤونة السنة، إلّا أنّه استظهر هنا وجعل المدار على كون شيء من مؤونة هذا العام وقت إنشائه، فعليه إذا كان إنشاء سفره للحجّ في عام فجميع مصارفه ولو تمّ الحول أثناءه إلى أن تعود إلى موطنه تحسب من أرباح تلك السنة ولا يجب عليه خمسها، فاعترض عليه غير واحد من محشّيها بأنّه على إطلاقه غير صحيح، وهو وجيه إذ مصارف الحجّ على قسمين؛ الأوّل: ما لابدّ من إعطائها في سنة الرّبح منذ أراد السفر ليستفاد منها طول سفره، مثل ما يعطيها للحكومة أو لمدير القافلة لأخذ جواز السفر وتأشيرة الدخول «الفيزا»، وبطاقة الطائرة ذهاباً وإياباً أو شراء المركوب فيما يحتاج إليه، وشراء الهدي ولخيام أيّام التشريق وثوبي الإحرام وأمثالها، بحيث لا يمكنه الحجّ بدونها ولا يمكن تحصيلها في وقتها، أو لا يمكن تحصيلها بالسهولة، فلا ريب في كونها حينئذٍ من مؤونة عام الّذي أنشأ فيه السفر، وتكون حالها حال شراء الدار، أو الفرش، أو الألبسة، ونحو ذلك ممّا يحتاج إليه في سنة الرّبح ويبقى إلى ما بعدها، فإنّها تستثنى من ربح عامه قطعاً الّتي يبحث عنها في المسألة الثالثة والستين.

والثاني: ما يصرف تدريجاً وشيئاً فشيئاً وكان أمره بيده لا بيد مدير القافلة وشبهه، كالنقود الّتي تصرف في الأكل أو الشرب إحياناً أو في اُجور الذّهاب أو الإياب في المقصد وأمثالها فمؤونة كلّ عام حينئذٍ بحسابه، فيجب الخمس بالنسبة إلى ما زاد له رأس الحول كغيرها من أرباحه ومنافعه، ومنه يظهر حكم غيره من المؤن الّتي تطلب أثمانها دفعة أو تدريجية.

ص: 522

المسألة الحادية والعشرون: لو كان الغوص أو المعدن مكسباً له.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

لو جعل الغوص أو المعدن مكسباً له كفاه إخراج خمسهما أوّلاً، ولا يجب عليه خمس آخر من باب ربح المكسب بعد إخراج مؤونة سنته(1).

من جعل الغوص أو المعدن مكسبه فهل يجب عليه حينئذٍ خمس واحد بعنوان مطلق الفائدة، أم يجب عليه خمسان، خمس من حيث المعدن أو الغوص ولا يعتبر فيه استثناء مؤونته، وخمس آخر من حيث الكسب وتستثنى منه مؤونته؟

فاختار السيّد رحمه الله بأنّه ليس عليه إلّا خمس واحد ووافقه عليه محشّيها غالباً، غير أنّ السيّد الخوئي قدس سره حكى عن جماعة(2) تعدّده حيث قال بعد كلام صاحب «العروة»:

خلافاً لجماعة حيث ذهبوا إلى تعدّد الخمس نظراً إلى تعدّد العنوان، غايته أنّ الخمس بعنوان الكسب مشروط بعدم الصرف في المؤونة، وأمّا بعنوان المعدن مثلاً فلا يستثنى منه إلّا مؤونة الإخراج والتحصيل، ولكن ما ذكروه لا يمكن المساعدة عليه بوجه(3).

فاستدلّوا على تعدّده بأنّ لازم تعدّد العنوان تعدّد المعنون، وتعدّد الأسباب

ص: 523


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/402، المسألة الرقم 82.
2- وهم الشيخ آقا ضياء الدّين العراقي والسيّد أحمد الخوانساري (رضوان الله تعالی عليهما)، راجع: «العروة الوثقی - المحشی» ج4/303.
3- «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/304، و«مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص300.

يوجب تعدّد المسبب، فيجب عليه خمس من جهة المعدنيّة وخمس آخر من جهة الاكتساب.

والأقوى بل المتعيّن منهما هو الأوّل، وذلك لوجوه؛ منها: أنّ جميع العناوين الواردة في باب الخمس تندرج تحت عنوان الاغتنام والفائدة إلّا أنّ مصاديقها مختلفة من الغنائم المأخوذة من الكفار والمعدن والكنز والغوص وأرباح المكاسب من باب العموم والخصوص المطلق، وليس من باب ما كانت العناوين مختلفة والمصداق واحداً الّذي يعبّر عنه بالعموم والخصوص من وجه كما إذا أمر تارة بإكرام كلّ هاشمي واُخرى بإكرام كلّ عالم حتی يقال إذا اجتمع العنوانان بأن كان العالم هاشمياً يجب عليك إكرامان، فكلّ واحد من العناوين الخمسة مصداق من مصاديق ذلك العنوان الجامع الّذي اُشير إليه إجمالاً في آية الخمس (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكينِ وَابْنِ السَّبيلِ) الآية(1)، وكذا في صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللّه علیه السلام: «لَيْسَ الْخُمُسُ إِلَّا في الْغَنَائِمِ خَاصَّةً»(2)، وفسّرها علیه السلام بأنّها «هِيَ وَاللَّهِ

ص: 524


1- «الأنفال»: 41.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج2/21، الحديث 74، و«التهذيب» ج4/124، الحديث 359، و«الاستبصار» ج2/56، الحديث 184، و«وسائل الشيعة» ج9/485، الحديث 12546.

الْإِفَادَةُ يَوْماً بِيَوْمٍ...»(1)، وفي رواية تحف العقول عن الرّضا علیه السلام في كتابه إلى المأمون قال: «الْخُمُسُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ مَرَّةً وَاحِدَةً»(2)، والأظهر من ذلك كلّه ما ورد في صحيحة أبي سيّار حيث استفاد أربعمائة ألف درهم من الغوص وجاء بخمسه ثمانين ألف درهم وأعطاها لأبي عبداللّه علیه السلام مع أنّ الغوص كان مكسبه ظاهراً، فلم يعترّض عليه الإمام علیه السلام بأنّ الواجب عليك إنّما هو خمسان(3).

ومنها: أنّ ظاهر النصوص الواردة في الغوص والمعدن بل صريح بعضها أنّ ما يستخرج بهما يملكه المستخرِج بتمامه بعد التخميس بحيث تكون الأربعة أخماس الباقية بتمامها له، فلو كان عليه خمس أو شيء آخر فمعناه أنّ ثلاثة أخماس العين مثلاً كان له لا أربعة أخماسها، وهو غير مستفاد من هذه الأدلّة، منها صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن محمّد بن عليّ بن أبي عبد الله

ص: 525


1- «الكافي» ج1/544، الحديث 10، و«التهذيب» ج4/121، الحديث 344، و«الاستبصار» ج2/54، الحديث 179، و«وسائل الشيعة» ج9/546، الحديث 12682.
2- «تحف العقول» ص418، و«وسائل الشيعة» ج9/490، الحديث 12558.
3- حيث قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: إِنِّي كُنْتُ وُلِّيتُ الْغَوْصَ فَأَصَبْتُ أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَدْ جِئْتُ بِخُمُسِهَا ثَمَانِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَحْبِسَهَا عَنْكَ وَأَعْرِضَ لَهَا وَهِيَ حَقُّكَ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَكَ في أَمْوَالِنَا، فَقَالَ: «وَمَا لَنَا مِنَ الْأَرْضِ وَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهَا إِلَّا الْخُمُسُ؟! يَا أَبَا سَيَّارٍ الْأَرْضُ كُلُّهَا لَنَا، فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهَا مِنْ شَيْ ءٍ فَهُوَ لَنَا، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَنَا أَحْمِلُ إِلَيْكَ الْمَالَ كُلَّهُ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا سَيَّارٍ قَدْ طَيَّبْنَاهُ لَكَ وَحَلَّلْنَاكَ مِنْهُ فَضُمَّ إِلَيْكَ مَالَك...». «الكافي» ج1/337، الحديث 3، و«التهذيب» ج4/144، الحديث 403، و«وسائل الشيعة» ج9/548، الحديث 12686.

عن أبي الحسن الكاظم علیه السلام قال: سَأَلْتُهُ عَمَّا يُخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ مِنَ اللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ، وَعَنْ مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ هَلْ (فِيهَا زَكَاةٌ)؟ فَقَالَ: «إِذَا بَلَغَ قِيمَتُهُ دِينَاراً فَفِيهِ الْخُمُسُ»(1)، حيث إنّ اللام فيها للعهد الذهني أشار بها الإمام علیه السلام بالخمس الواحد المعهود عند المخاطب.

ومنها: أنّ لازم القول بتعدّد الخمس في المقام أنّه كذلك وإن لم يكن الغوص أو المعدن مكسباً له كما إذا غاص وأخرج اتفاقاً الؤلؤة أو الجنس المعدنيّة، وهو واضح البطلان، للقطع بعدم خصوصية للكسب للحكم إلّا بجهة صدق الفائدة، فإذا لم يكن الخمس متعدّداً في غير مورد الكسب فلا يكون متعدّداً في مورد الكسب أيضاً.

لا يقال: إنّه قد تقدّم في المال المختلط بالحرام أنّ المال إذا كان ممّا تعلّق به الخمس من غير جهة الاختلاط فيجب فيه خمسان؛ خمس من جهة الاختلاط، وخمس من جهة كونه مصداقاً لإحدى العناوين الخمسة، فكذلك في المقام.

لأنّا نقول: إنّ الخمس هاهنا كما مرّ لم يكن خمساً مصطلحاً، بل هو مخرَجٌ لتحليل المال بعنوان المصالحة الشرعيّة التعبديّة.

نعم إذا ارتفعت قيمته بعد تخميسه على ما مرّ في مبحث ارتفاع القيمة السوقيّة، أو جعله بعنوان رأس ماله وعمل فيه بما يوجب ازدياد ماليّته، فقد يجب فيه حينئذٍ خمس آخر بلا ريب، إليه قد أشار الشهيد رحمه الله إجمالاً في «الدروس»

ص: 526


1- «التهذيب» ج4/124، الحديث 356، و«وسائل الشيعة» ج9/493، الحديث 12565.

حيث قال:

ولو اتّجر بالمعدن أو الكنز خمّس ربحهما بعد المؤونة(1).

المسألة الثانية والعشرون: خمس منافع الزوجة المكتسبة.

قال السيّد علیه السلام صاحب «العروة»:

المرأة الّتي تكتسب في بيت زوجها ويتحمل زوجها مؤونتها، يجب عليها خمس ما حصل لها من غير اعتبار إخراج المؤونة، إذ هي على زوجها إلّا أن لا يتحمّل(2).

قد مرّ الكلام في المسألة الخامسة والستين أنّ المعيار في المؤونة هو ما يصرفه الرّابح بالفعل، لا ما يعمّ مقدارها وإن لم يصرفه فيها، فقلنا: إنّه لو قتّر على نفسه أو تبرّع بها متبرّع لا يستثنى له مقدارها، ومثله في الحكم ما كان واجباً على غيره إعطاء مؤونته كالزوج بالنسبة إلى زوجته، إذ الزوجة الدائمة تجب نفقتها على زوجها ولو كانت متمولة فما كسبها من المنافع يجب عليها خمسه من دون أن يستثنى منها شيئاً، نعم لو لم يتحمّل الزوج نفقتها عصياناً أو عجزاً فما صرفها فيها، أو صرفت هي من مالها فيما لا يجب على الزوج إنفاقه فلا يجب عليها خمسه.

ص: 527


1- «الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة» ج1/261.
2- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/402، المسألة الرقم 83.

المسألة الثالثة والعشرون: هل يشترط التكليف والحريّة في تعلّق الخمس بالأموال أم لا؟

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

الظاهر عدم اشتراط التكليف والحريّة في الكنز والغوص والمعدن والحلال المختلط بالحرام والأرض الّتي يشتريها الذمّي من المسلم، فيتعلّق بها الخمس، ويجب على الوليّ والسيّد إخراجه، وفي تعلّقه بأرباح مكاسب الطفل إشكال، والأحوط إخراجه بعد بلوغه(1).

فصّل السيّد رحمه الله بين أنواع ما تعلّق بها الخمس، فذهب إلى عدم الاشتراط في خمسة أنواع المذكورة في المتن (الكنز، والغوص، والمعدن، والحلال المختلط بالحرام، وأرض الذمّي) واحتاط في النوع السادس، وهو أرباح المكاسب بإخراجه بعد بلوغه، ولم يتعرّض للنوع السابع، وهو الغنائم المأخوذة من الكفار من أهل الحرب.

وقبل الخوض في المسألة نتعرّض لبعض الأقوال المطروحة فيها، وهي بين قول بعدم اشتراطها أصلاً، واشتراطها مطلقاً، وبعض تفصيلات، بعد الإذعان بأنّها غير منصوصة بخصوصها وغير معنونة في كتب الفقهاء قبل المحقق رحمه الله صاحب «الشرائع»، وأهمّ الأقوال فكما تأتي:

منها: أنّه لا يشترط ذلك في شيء ممّا يجب فيه الخمس على ما استظهره المحقّق الهمداني رحمه الله ، ونسبه إلى المشهور في «المستند» إمّا في خصوص الكنز والمعدن والغوص، أو في الجميع.

ص: 528


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/402 - 403، المسألة الرقم 84.

ومنها: اشتراطها مطلقاً، فلا يجب في مال الصبيّ والمجنون خمس كما لا تجب الزكاة فيه، وهو الّذي استوجهه في «المدارك»، واختاره السيّد الخوئي رحمه الله في غيرالمال الحلال المختلط بالحرام.

ومنها: عدم اشتراطها مطلقاً في خصوص الكنز والمعدن والغوص الّذي اختاره الميرزا القمّي رحمه الله في «الغنائم»، غير أنّ المحقّق رحمه الله في «الشرائع»، والعلّامة رحمه الله في كتابي «القواعد» و«الإرشاد» صرّحا بعدم اشتراط مجرد البلوغ والحريّة ولم يتعرّضا للعقل في هذه الثلاثة.

ومنها: ما اختاره الشهيد رحمه الله في كتابي «الدروس» و«البيان» بعدمها في خصوص كنز والمعدن معاً.

ومنها: ما اختاره في «التحرير» و«المنتهى» و«التذكرة» و«المسالك»(1) بعدمها في الكنز فقط.

ومنها: ما مال إليه في «الجواهر» من عدم اشتراطها في غير الغنيمة، فالأقوال كما ترى كثيرة جداً، قد أشار إلى بعضها المحقّق النراقي رحمه الله حيث قال:

هل يشترط في وجوب الخمس في الأموال: البلوغ والعقل والحريّة، أم لا؟ صرّح في الشرائع والإرشاد والقواعد بعدم اشتراطها في خمس المعادن والكنز والغوص، وفي التحرير بعدمه في الأوّل، وفي الدروس بعدمه في الأوّلين، وفي المنتهى والتذكرة بعدمه في الثاني، مدعياً في المنتهى أنّه قول أهل العلم كافة، وفي الأوّل بعدم اشتراط الحريّة على القول بملك العبد وفى البيان والمسالك بعدمه في الثاني، وقال بعض

ص: 529


1- راجع: «مسالك الأفهام إلی تنقيح شرائع الإسلام» ج1/467.

المعاصرين: ويظهر منهم أنّ تعلّق الخمس بما أخرجه الصبيّ إجماعيّ(1).

وقال المحقّق الهمداني رحمه الله :

الأظهر عدم الفرق في شيء من هذه الأنواع بين أصناف النّاس، نعم، ثبوته (التكليف) في الأرض المشتراة لطفل الذمّي لا يخلو عن تردّد، لانحصار مستنده في الرواية المشتملة على لفظة «على» الظاهرة في التكليف، مع أنّ إطلاق الذمّي عليه مبنيّ على التوسّع، ولكنّه مع ذلك لعلّه أظهر، إذ الغالب في مثل هذه الموارد استعمال لفظة «على» في مجرد الثبوت والاستقرار، كما في قوله: «عليه دَين» و«على اليد ما أخذت» كما أنّ المنساق إلى الذهن من إطلاق الذمّي في مثل المقام إرادة ما يعمّ أطفالهم، والله العالم(2).

وقال السيّد الخوئی رحمه الله :

الظاهر أنّ المشهور هو ثبوت الخمس مطلقاً، إمّا في هذه الثلاثة (الكنز والمعدن والغوص) أو في الجميع.

ثمّ قال بما هذا حاصله: لكنّه غير ظاهر، لأنّ المستفاد ممّا دلّ على رفع القلم عن الصبيّ والمجنون استثنائهما عن دفتر التشريع وعدم وضع القلم عليهما بتاتاً كالبهائم، فلا ذكر لهما في القانون ولم يجر عليهما

ص: 530


1- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/74. أقول: قد نسب النراقي رحمه الله هنا أنّ الشهيد رحمه الله في «البيان» كان من القائلين بعدم اعتبارها في خصوص الكنز فقط، مع أنّه كما سيأتي كان من القائلين بعدم اعتبارها في كلا الكنز والمعدن معاً.
2- «مصباح الفقيه» ج19/333.

شيء، ومقتضى ذلك عدم الفرق بين قلم التكليف والوضع، فترتفع عنهما الأحكام بمناط واحد، وهو الحكومة على الأدلّة الأوّليّة، نعم لو كان ذلك منافياً للامتنان بالإضافة إلى الآخرين كما في موارد الضمانات أو ورد فيه نصّ خاصّ كالتعزيرات الواردة في الصبي فإنّه يستثنى منه، أمّا فيما عدا ذلك فلا وجه لاختصاص رفع القلم بالتكليف بعد إطلاق الدليل، بل يعمّ الوضع أيضاً، وعليه فلا خمس في مال الصبيّ أو المجنون، كما لا زكاة فإنّ النصّ الخاصّ وإن لم يرد في المقام كما ورد في الزكاة إلّا أنّه يكفينا حديث رفع القلم بعد ما عرفت من شموله للوضع كالتكليف من دون فرق بين أقسام ما يجب فيه الخمس، نعم يجب الخمس بالنسبة إلى المال المختلط بالحرام إذ الحكم فيه ليس ثابتاً على شخصه ليرتفع بالحديث، بل ثابت فيه لأنّ مقداراً من المال حينئد لم يكن للصبيّ والتخميس طريق لتطهيره(1).

وقال في «المدارك»:

وربما لاح من العبارة (صاحب الشرائع) اعتبار التكليف والحريّة في غير هذه الأنواع الثلاثة (الكنز والمعدن والغوص)، وهو مشكل على إطلاقه، فإنّ مال المملوك لمولاه فيتعلّق به خمسه، نعم اعتبار التكليف في الجميع متّجه(2).

وفي «الغنائم» وإن استظهر اشتراطها مطلقاً في خمسة من الأقسام، لكنّه

ص: 531


1- «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/308، و«مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص304.
2- «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج5/390.

مال إلى عدم شرطيّتها في خصوص الكنز والمعدن والغوص فقط حيث قال:

فالأظهر أنّه لا يجب الخمس على مال غير المكلف في الأرباح والمكاسب، للأصل، وعدم ظهور العموم، وكذا في المال المختلط ممّا جهل قدره وصاحبه مطلقاً، بل وفيما جهل صاحبه فقط أيضاً لا يجب عليه شيء، ثمّ إن بقي المال على حاله حتی يحصل مناط التكليف فالظاهر عدم تعلّق التكليف حينئذٍ أيضاً فإنّ ظاهر الأخبار أنّ الخمس على ما يستفيده البالغ من الأرباح، لا أنّه يجب على البالغ وإن استفاد المال في حال عدم التكليف، فكذلك الكلام في إصابة المال المختلط وأمّا المعادن والكنز والغوص فمقتضى الأصل ومنع العموم وإن كان عدم التعلّق، ولكن ظاهرهم عدم الخلاف (في وجوبه)، فلعلّه هو الحجّة(1).

وفي «الشرائع» اقتصر في نفي الاشتراط على ثلاثة أنواع «الكنز والمعادن والغوص» وعلى عدم اشتراط البلوغ والحريّة، وسكت عن اشتراط العقل، كما سكت عن غير هذه الثلاثة، ولم يظهر الفرق، وقال:

الخمس يجب في الكنز، سواء كان الواجد له حراً أو عبداً، صغيراً أو كبيراً، وكذا المعادن والغوص(2).

ص: 532


1- «غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام» ج4/354 .
2- «شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام» ج1/164.

وقال العلّامة رحمه الله في «القواعد»:

الكنز، وهو المال المذخور تحت الأرض في دار الحرب مطلقاً أو دار الإسلام ولا أثر له، للواجد وعليه الخمس سواء كان الواجد حراً أو عبداً، صغيراً أو كبيراً، وكذا المعادن والغوص(1).

في حين أنّه صرّح بخصوص الكنز فقط في كتابي «التحرير» و«المنتهى» فقال في الأوّل:

لا يعتبر في الكنز الحول بل متى وجد وجب، (و) يجب الخمس على الواجد مسلماً كان أو ذمّياً، حرّاً أوعبدأ، صغيرأ أوكبيرأ، ذكراً أو اُنثى، عاقلاً أو مجنوناً إلّا أنّ ما يجده العبد لسيّده فيجب الإخراج على السيّد، أمّا المكاتب فيملك الكنز يخرج خمسه والباقي له، والصبيّ والمجنون يملكان أربعة أخماسه، والباقي لأربابه يخرجه الولي(2).

ص: 533


1- «قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام» ج1/361، وقريب منه ما قاله في «إرشاد الأذهان إلی أحكام الإيمان» ج1/293، ومثله المحقّق السبزواري رحمه الله حيث قال: ويجب الخمس على واجد الكنز والمعدن والغوص صغيراً كان الواجد أو كبيراً، حرّاً كان أو عبداً، لعموم الأخبار المتضمنة لوجوب الخمس في هذه الأنواع من غير معارض ومخصّص، لكنّ المخاطب بالإخراج هو الوليّ إذا لم يكن الواجد مكلفاً، والمولى إذا كان الواجد عبداً. راجع: «ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد» ج2/484.
2- «تحرير الأحكام الشرعيّة علی مذهب الإماميّة (ط - القديمة)» ج1/73.

وقال في «المنتهى»:

ويجب الخمس في الكنز على من وجده من مسلم أو ذمّي، وحرّ أو عبد، وصغير أو كبير، وذكر أو اُنثى، وعاقل أو مجنون إلّا أنّ العبد إذا وجد الكنز فهو لسيّده وهو قول أهل العلم، (إلى أن قال:) الصبيّ والمجنون يملكان أربعة أخماس الركاز(1)، والخمس الباقي لمستحقّيه يخرجه الوليّ عنهما، عملاً بالعموم(2).

وقال الشهيد رحمه الله في «الدروس»:

ولا فرق بين أن يكون الإخراج (في المعدن) دفعة أو دفعات كالكنز وإن تعدّدت بقاعها وأنواعها، ولا بين كون المخرج مسلماً أو كافراً بإذن الإمام، أو صبياً أو عبداً(3).

وقال في «البيان»:

ولا فرق بين كون الآخذ من المعدن مكلّفاً أو لا، حرّاً أو عبداً...، لا فرق بين كون واجده (الكنز) حرّاً أو عبداً، مكلفاً أو غيره، مسلماً أو كافراً، ويتناول الإخراج الوليّ(4).

ص: 534


1- قال الطريحي: الركاز ككتاب بمعنى المركوز، أي المدفون، واختلف أهل العراق والحجاز في معناه، فقال أهل العراق: الركاز المعادن كلّها، وقال أهل الحجاز: الركاز المال المدفون خاصّة ممّا كنزه بنو آدم قبل الإسلام، والقولان يحتملهما أهل اللغة لأنّ كلا منهما مركوز في الأرض أي ثابت، يقال: ركزه ركزاً إذا دفنه. راجع: «مجمع البحرين» ج4/21.
2- «منتهی المطلب في تحقيق المذهب» ج8/532 - 533، وقريب منه ما قاله في «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج5/418.
3- «الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة» ج1/260.
4- «البيان» ص342 و344.

وقال في «الجواهر» بعد ما حكى عبارة المحقق رحمه الله : «الخمس يجب في الكنز سواء كان الواجد له حرّاً أو عبداً، صغيراً أو كبيراً».

كما في التحرير والقواعد والمنتهى والتذكرة والبيان والمسالك وغيرها، بل هو قضية إطلاق الباقين، بل سواء كان مجنوناً أو عاقلاً، ذكراً أو اُنثى، مسلماً أو ذمّياً كما صرّح به أيضاً في بعض هذه الكتب، للأدلّة السابقة الظاهرة في أنّه من أحكام الوضع والأسباب الّتي لا تفاوت فيها بين المكلّف وغيره، نعم يكلّف وليّ الطفل والمجنون ومولى العبد إن لم يكن مكاتباً، وإلّا كان عليه إخراج الخمس، بل وكذا المعادن والغوص كما في القواعد لعين ما سمعت أيضاً، لكن ما في المتن كالقواعد قد يشعر باعتبار التكليف والحرّيّة في غير هذه الأنواع الثلاثة، واستشكله في المدارك بالنسبة للثاني بأنّ مال المملوك لمولاه فيتعلّق به خمسه كما أنّه استوجهه بالنسبة للأوّل، وقضيّته عدم الخمس في أرباح تجاراته أو ماله المختلط بالحرام، بل وأرضه المشتراة له لو كان ذمّياً وغنيمته، وفي غير الأخير منه نظر وتأمّل إن لم ينعقد إجماع عليه، خصوصاً الثاني منه الّذي إخراج الخمس فيه لتطهير المال، بل والأوّل لمساواة بعض أدلّتهما السابقة بعض أدلّة الثلاثة السابقة في إفادة تعلّق الخمس بالمال نفسه، وإن لم يكن صاحبه مكلّفاً كما لا يخفى على من أحاط خبراً بما تقدّم منها، ولا ينافيه الخطابات التكليفيّة في البعض الآخر، كما لم ينافه في الثلاثة المتقدمة، ضرورة ظهور مورديّة المكلّف

ص: 535

فيه لا شرطيّته كي يحصل التنافي، فلاحظ وتأمّل جيداً، بل قد يؤيّده إطلاق الفتاوى ومعاقد الإجماعات(1).

إذا عرفت الأقوال في المسألة فاعلم أنّ العمدة منها هو القول بعدم اشتراطها مطلقاً واشتراطها كذلك، وأمّا التفصيلات فلم تدلّ على كلّ منها دليل بخصوصه زائدة على مساواة أدلّة بعضها أدلّة بعض كما أشار إليه في «الجواهر»، وكيف كان إنّه قد استدلّ على عدم اشترطها في شيء ممّا يجب فيه الخمس بأنّ المستفاد من الأدلّة، أنّ الخمس بجميع أقسامه كما تقدّم في المسألة الخامسة والسبعين متعلّق بالعين على نحو الشركة والإشاعة، فيجب إخراجه عن جميع أقسام ما يجب فيه الخمس نظير الضمانات والجنايات والإتلافات وليس حكماً تكليفياً محضاً كي يختصّ بالمكلّفين، نعم لا يجب على الصبيّ أداءه، لأنّه غير مكلّف فيجب ذلك على وليّه فوراً كغيره من الديون الحال الأجل المتعلّق بالصبيّ، ويكون من قبيل التقرّب إلى ماله بوجه حسن الّذي قال الله تبارك وتعالى: (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتيمِ إِلاَّ بِالّتي هِيَ أَحْسَنُ)(2)، فلا يجوز له الامتناع حتی يكبر الصبيّ ويؤدّيه هو بنفسه، لأنّ القرب المنهي عنه هو ما كان بغير أمر الشارع ولو ندباً.

واستدلّ على اشتراطها مطلقاً بأنّ الصبيّ والمجنون لما روى عن عليّ علیه السلام في حديث: «أَنَّ الْقَلَمَ يُرْفَعُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حتی يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حتی

ص: 536


1- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/78. أقول: قد نسب «الجواهر» هنا أنّ الشهيد رحمه الله في «البيان» كان من القائلين بعدم اعتبارها في خصوص الكنز فقط، في حين أنّه كما مرّ آنفاً كان من القائلين بعدم اعتبارها في كلا الكنز والمعدن معاً.
2- «الأنعام»: 152.

يُفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حتی يَسْتَيْقِظَ»(1)، مرتفع عنهما مطلق القلم تكليفاً كان أو وضعاً، إلّا ما دلّ الدليل على ثبوته عليهما بخصوصه كما في الضمانات والتعزيرات الواردة في الصبيّ الّذي كان رفعه منافياً للامتنان بالإضافة إلى الآخرين، وهذا ليس منها.

والأقوى عندي منهما هو الأوّل لا سيّما بعد خروج المال المختلط بالحرام والأرض الّتي اشتراها الذمّي من المسلم عن أنواع ما يجب فيه الخمس بمعناه المصطلح من السهام السّتة، وذلك لأنّ الخمس فيهما في الحقيقة ضربيّة على نفس المال كما في الضمانات والإتلافات لتطهيره تعبّداً في الأوّل، إذ الحرام ليس من مال اليتيم في الواقع، ونوع خراج يجب على الذمّي على شرائه لهذه الأراضي من باب زكاة مضاعفة في الثاني بأنّ الذمّي إذا اشترى الأراضي العشريّة الّتي يؤخذ من عوائدها العشر بعنوان الزكاة، فإنّه لا يعاف عن الزكاة بل يؤخذ منه عشران (الخمس) بدل العشر لئلّا يرغب أهل الذمّة في شراء أراضي المسلمين، فلا تتفاوت فيه بين أن يكون صاحبهما مكلفاً أو غير مكلف كوضع العشور والضرائب المقرّرة من جوانب الحكومات على الأموال من دون أن يلاحظوا أنّ ملاكها كبيراً أو صغيراً، عاقلاً أو مجنوناً.

هذا، مع أنّ الأمر في الغنائم الحربيّة هو تقسيمها بين المقاتلين بعد ما أخذ

ص: 537


1- «الخصال» ص93، الحديث 40، وص175، الحديث 233، و«وسائل الشيعة» ج1/45 الحديث 81، وحكاه العامّة أيضاً بألفاظ قريبة في مسانيدهم عن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم، راجع: «سنن أبي داود» ج4/141، الخبر 4403، و«سنن ابن ماجة» ج1/658، الخبر 2041، و«مسند أحمد بن حنبل» ج6/100، و... .

منها صفاياها وقطائع الملوك وخمسها الّذي كان للإمام رحمه الله ، فلا يفضّ إليهم الأمر على ما يستظهر من بعض الأخبار حتی يقال هذا بالغ وهذا غير بالغ، منها: صحيحة ربعيّ بن عبد اللّه بن الجارود عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: «كَانَ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله و سلم إِذَا أَتَاهُ الْمَغْنَمُ أَخَذَ صَفْوَهُ وَكَانَ ذَلِكَ لَهُ، ثُمَّ يَقْسِمُ مَا بَقِيَ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ وَيَأْخُذُ خُمُسَهُ، ثُمَّ يَقْسِمُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ بَيْنَ النَّاسِ الَّذِينَ قَاتَلُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَسَمَ الْخُمُسَ الّذي أَخَذَهُ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ يَأْخُذُ خُمُسَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ يَقْسِمُ الْأَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ بَيْنَ ذوي الْقُرْبَى، والْيَتَامَى، وَالْمَسَاكِينِ، وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ يُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقّاً، وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ أَخَذَ كَمَا أَخَذَ الرَّسُولُ صلی الله علیه و آله و سلم (1).

ومنها موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: سَأَلْتُهُ عَنْ صَفْوِ الْمَالِ؟ قال: «الْإِمَامُ يَأْخُذُ الْجَارِيَةَ الرُّوقَةَ، وَالْمَرْكَبَ الْفَارِهَ، وَالسَّيْفَ الْقَاطِعَ، وَالدِّرْعَ قَبْلَ أَنْ تُقْسَمَ الْغَنِيمَةُ، فَهَذَا صَفْوُ الْمَالِ»(2).

ومنها مرسلة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصّالح علیه السلام في حديث قال: «وَلِلْإِمَامِ صَفْوُ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ، صَفْوَهَا الْجَارِيَةَ الْفَارِهَةَ، وَالدَّابَّةَ الْفَارِهَةَ، وَالثَّوْبَ وَالْمَتَاعَ مِمَّا يُحِبُّ أَوْ يَشْتَهِي، فَذَلِكَ لَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَقَبْلَ إِخْرَاجِ الْخُمُسِ، وَلَهُ أَنْ يَسُدَّ بِذَلِكَ الْمَالِ جَمِيعَ مَا يَنُوبُهُ مِنْ مِثْلِ إِعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَنُوبُهُ، فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ شيء أَخْرَجَ الْخُمُسَ مِنْهُ فَقَسَّمَهُ في

ص: 538


1- «التهذيب» ج4/128، الحديث 365، و«الاستبصار» ج2/56، الحديث 186، و«وسائل الشيعة» ج9/510، الحديث 12602.
2- «التهذيب» ج4/134، الحديث 375، و«وسائل الشيعة» ج9/528، الحديث 12639.

أَهْلِهِ، وَقَسَمَ الباقي عَلَى مَنْ وَلِيَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ سَدِّ النَّوَائِبِ شيء فَلَا شيء لَهُم»، الحديث(1)،

فلا وجه لاستثناء الغنيمة من هذ الحكم كما فعله صاحب «الجواهر».

وأمّا بالنسبة إلى الأربعة الباقية فهو أيضاً كذلك بعد ما كان مبناؤنا في تعلّق الخمس بها كونها على نحو الشركة والإشاعة، فالشارع المقدس وضع الخمس على هذه المصاديق مطلقاً من دون فرق بين كونها متعلّقاً ببالغ أو طفل، عاقل أو مجنون، حرّ أو عبد بناءً على جواز كون العبد مالكاً لما في يده، وإلّا فعلى سيّده.

وأمّا كون الصغر والجنون موجباً لرفع مطلق قلم التكليف وضعاً وتكليفاً عنهما فيلاحظ عليه نقضاً وحلّاً، وأمّا نقضاً بأنّ كثيراً من الأحكام الوضعيّة ثابتة في حقّ جميع النّاس من دون فرق بين كونهم مكلّفين أو غير مكلّفين ولا ارتباط غالباً بينها وبين الأحكام التكليفيّة، فمثل أحكام الزوجيّة والمصاهرة، والوراثة والنسب والرضاع، والحريّة والرقيّة والملكيّة، والطهارة والنجاسة، وموجبات الوضوء أو الغسل، وموارد الضمانات والتعزيرات وأمثالها لا يتفاوت فيها بين أبناء البشر صغيرهم وكبيرهم، رجالهم ونسائهم، فكيف يمكن استثناء غير المكلفين منها وعدّهم كالبهائم الّتي لا تجرى في حقّهم الأحكام؟! أو كانت هي بتمامها أحكام تنافي رفعها للامتنان بالإضافة إلى الآخرين؟! فلا يمكن أن نقيس الأحكام الوضعيّة على وجه الإطلاق على الأحكام التكليفيّة، كما صرّح به غير واحد،

ص: 539


1- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/524، الحديث 12628.

منهم الشهيد الثاني رحمه الله حيث قال:

إنّ الأحكام (الوضعية) ليست مشروطة بالتكليف على المشهور، ومن ثمّ حكم بضمان الصبيّ والمجنون والسفيه ما أتلفوه من المال ولم ينعقد بسبب الحدث صلاة الصغير، إلى غير ذلك من الأحكام وقد تقدّم بعضها(1).

وأمّا حلّاً بأنّ الحديث - بعد تسليم سنده - فقد عُطف فيه النائم على المجنون والصبيّ، فبقرينة المجاورة واتّحاد السياق نقول إنّه كما أنّ المرفوع في الأخير إنّما هو خصوص قلم التكليف دون غيره من الأحكام الوضعيّة فكذا الأمر في مجاورَيه، زائداً على أنّ الأخذ بالإطلاق كما مرّ غير مرّة متوقف على مقدمات الحكمة الّتي عدّ منها انتفاء القدر المتيقّن في مقام التخاطب، والمتيقّن منه في ما نحن بسدده عند التخاطب - بعد ما مرّ من الأمثلة المنقوضة، والشهرة المدّعاة في كلام الشهيد - هو خصوص الأحكام التكليفيّة فقط، لكنّهما حيث لا يكونان مكلّفين فعلى الوليّ أن يقوم بإخراج خمسهما كما يقوم بسائر اُمورهم.

وأمّا الّذي يوجب ترديد بعض والقول باحتياط خروجه إلى بعد البلوغ، هو أنّ قدماء الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) لم يتعرّضوا لحكم هذه المسألة في كتبهم الفقهيّة، فهل الأمر عندهم أنّ الخمس واجب فيها مطلقاً سواء كان المالك كبيراً أو صغيراً، عاقلاً أو مجنوناً، أو أنّهم عطفوا المسألة على باب الزكاة، فكما أنّ التكليف هناك شرط فكذلك في المقام؟

لكن اعتبار التكليف هناك أيضاً على إطلاقه محلّ تأمّل، إذ التكليف معتبر

ص: 540


1- «تمهيد القواعد الاُصوليّة والعربيّة» ص37.

إجماعاً بقسميه على ما ادّعاه في «الجواهر» في خصوص الذهب والفضّة، نعم إذا اتّجر له الوليّ استحبّ له إخراجها من ماله، وأمّا في غلّاته ومواشيه فقد اختلفوا في وجوبها، فحكم بعض بوجوب الزكاة فيها، وآخرون بعدم وجوبها وادّعى كونه مشهوراً(1). فالقول بوجوبه مطلقاً هو الأقوى.

إلى هنا تمّ الكلام بحمد الله والمنّة في الفصل الأوّل ويتلوه البحث إن شاء الله عن قسمة الخمس ومستحقّيه.

ص: 541


1- راجع: «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج15/18 - 14 و26 - 24.

ص: 542

الفصل الثاني: في قسمة الخمس ومستحقّیه

اشارة

في قسمة الخمس ومستحقّيه.

ص: 543

ص: 544

الكلام في عدد السّهام ومستحقّيه.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

مسألة: يقسم الخمس ستة أسهم على الأصحّ، سهم لله سبحانه، وسهم للنّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم ، وسهم للإمام علیه السلام وهذه الثلاثة الآن لصاحب الزمان أرواحنا له الفداء وعجّل الله تعالى فرجه، وثلاثة للأيتام والمساكين وأبناء السبيل، ويشترط في الثلاثة الأخيرة الإيمان وفي الأيتام الفقر، وفي أبناء السبيل الحاجة في بلد التسليم وإن كان غنياً في بلده، ولا فرق بين أن يكون سفره في طاعة أو معصية، ولا يعتبر في المستحقّين العدالة وإن كان الأولى ملاحظة المرجّحات، والأولى أن لا يعطى لمرتكبي الكبائر خصوصاً مع التجاهر، بل يقوى عدم الجواز إذا كان في الدفع إعانة على الإثم، وسيّما إذا كان في المنع الرّدع عنه، ومستضعف كلّ فرقة ملحق بها(1).

نبحث هنا عن عدد السّهام هل هي ستة أو خمسة؟ وعن تعيين مستحقي السّهام وشروطهم.

وأمّا الكلام عن عدد السّهام، فهي على ما هو المعروف والمشهور بين فقهائنا بل ادّعي عليه الإجماع ستة؛ سهم لله تبارك وتعالى، وسهم لرسوله صلی الله علیه و آله و سلم وسهم للإمام علیه السلام، وثلاثة للأيتام والمساكين وأبناء السبيل من بني هاشم، وفي مقابله ما نسب إلى شاذّ - قيل: إنّه ابن الجنيد - كونها خمسة، بإسقاط سهم الله تعالى أو سهم الرّسول صلی الله علیه و آله و سلم، وربما يظهر من المحقّق العاملي رحمه الله صاحب

ص: 545


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/403 - 404، المسألة الرقم 1.

«المدارك» كونه مايلاً إليه(1)، وهنا قول آخر بكون الخمس بأجمعه حقّاً واحداً ثابتاً جعل الله تبارك وتعالى لنفسه في المرتبة العالية، وفي طوله لرسوله صلی الله علیه و آله و سلم وفي طول الرّسول لذي القربى: أعني الإمام المعصوم بعده إماماً بعد إمام، وأنّ بني هاشم فلا ملكيّة لهم ولا اختصاص بل هم مصارف له فقط كما كان كذلك في الزكاة، قول الّذي ينسب إلى الشيخ فياض الدّين الزنجاني قدس سره(2) ومال إليه في «الجواهر»(3)، وأمّا العامّة بعد اختصاصهم الخمس - كما مرّ - بغنائم دار الحرب والكنوز والمعادن فقد أسقطوا غالباً حقّ الله تبارك وتعالى كأنّه عندهم تشريفي، ولم يختصّوا الإمام علیه السلام بسهم النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وذوي القربى بعد حياته، ولم يقولوا في الثلاثة الباقية بأنّها مختصّة ببني هاشم، بل جعلوا مصرفها كسائر مصارف بيت المال، قد أشار اليه الشيخ رحمه الله في «الخلاف» حيث قال:

عندنا أنّ الخمس يقسّم ستة أقسام: سهم لله وسهم لرسوله وسهم لذي القربى، فهذه الثلاثة أسهم كانت للنّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وبعده لمن يقوم مقامه من الأئمة:، وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل من آل

ص: 546


1- «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج5/397.
2- حكاه عنه شيخنا الاُستاذ مكارم الشيرازي (أدام الله ظلّه) في كتاب «أنوار الفقاهة في أحكام العترة الطاهرة، كتاب الخمس والأنفال» ص416.
3- حيث قال: لولا وحشة الانفراد عن ظاهر اتفاق الأصحاب لأمكن دعوى ظهور الأخبار في أنّ الخمس جميعه للإمام علیه السلام وإن كان يجب عليه الإنفاق منه على الأصناف الثلاثة الّذين هم عياله، ولذا لو زاد كان له علیه السلام ولو نقص كان الإتمام عليه من نصيبه، وحلّلوا منه من أرادوا.... «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/155.

محمّد صلی الله علیه و آله و سلم لا يشركهم فيه غيرهم، واختلف الفقهاء في ذلك، فذهب الشافعي إلى أنّ خمس الغنيمة يقسم على خمسة أسهم (بإسقاط سهم الله)، ثمّ نقل عن مالك أنّه قال: إنّ خمس الغنيمة مفوّض إلى اجتهاد الإمام ليصرفه إلى من رأى أن يصرفه إليه، وحكي عن أبي العالية من فقهاء التابعين موافقته في ستة أسهم، ثمّ حكي عن أبي حنيفة إسقاط السّهام الثلاثة: سهم الله وسهم رسول الله وسهم ذوي القربى الّذين كانوا على عهده صلی الله علیه و آله و سلم، فيُصرف في ثلاثة أسهم؛ سهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل، (انتهى كلامه ملخصاً)(1).

ثمّ قال: الثلاثة أسهم الّتي هي لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من الخمس يختصّ بها من كان من آل الرسول صلی الله علیه و آله و سلم دون غيرهم، وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: إنّها لفقراء المسلمين وأيتامهم وأبناء سبيلهم دون من كان من آل رسول الله خصوصاً(2).

وقال النراقي رحمه الله في «مستنده»:

الخمس يقسّم أسداساً؛ لله، ولرسوله، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وأبناء السبيل، على الحقّ المعروف بين أصحابنا، بل عليه الإجماع عن صريح السيّدَين والخلاف، وظاهر التبيان ومجمع البيان وفقه القرآن للراوندي، بل هو إجماع حقيقة، لعدم ظهور قائل منّا بخلافه، سوى شاذّ غير معروف لا تقدح مخالفته في الإجماع فهو الدليل عليه، مضافاً إلى ظاهر الآية الكريمة وصريح الأخبار

ص: 547


1- «الخلاف، كتاب الفيء وقسمة الغنائم» ج4/209 - 210، المسألة الرقم 37.
2- «الخلاف، كتاب الفيء وقسمة الغنائم» ج4/217 المسألة الرقم 41.

المستفيضة، (إلى أن قال:) خلافاً للمحكيّ في المعتبر والشرائع والتذكرة والمنتهى والجامع عن بعض أصحابنا، فيقسّم خمسة أقسام بإسقاط سهم الله، فواحد للرّسول والأربعة للأربعة .وفي شرحي الشرائع لابن فهد: أنّه لا يعرف به قائلاً وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة(1).

وقال المحقّق الهمداني رحمه الله :

والمشهور بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) شهرة كادت تكون إجماعاً، كما في الجواهر، بل عن صريح الانتصار وظاهر الغنية وكشف الرموز أو صريحهما دعوى الإجماع عليه، وعن مجمع البيان وكنز العرفان أنّه مذهب أصحابنا، وعن الأمالي أنّه من دين الإماميّة أنّه (يقسّم ستة أقسام)، لظاهر قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ)، الآية، ويدلّ عليه أيضاً أخبار مسفيضة، (إلى أن قال:) فما حكي عن شاذ من أصحابنا من أنّه أسقط سهم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ضعيف، بل لم يعرف قائله، وقد حكي عن بعض استظهار كونه ابن الجنيد، واعترضه شيخنا المرتضى رحمه الله بأنّ المحكي عن ابن الجنيد في المختلف موافقة المشايخ الثلاثة وباقي علمائنا(2).

وقال السيّد البروجردي قدس سره:

اتّفقت كلمة أصحابنا الإماميّة على انقسام الخمس إلى ستة أسهم؛ سهم لله، وسهم للرّسول، وسهم لذي القربى، والثلاثة الباقيّة؛ وهي

ص: 548


1- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/83 - 85.
2- «مصباح الفقيه» ج19/351 و354.

نصف الخمس لليتامى والمساكين وابن السبيل، وأنّ المراد بذي القربى هو خصوص الإمام علیه السلام، فلم يرد من كلمة ذي القربى الجنس، وأنّ المراد باليتامى والمساكين وابن السبيل المتّصفين بهذه الصفات من خصوص بني هاشم وهم المنتسبون إلى هاشم في الجملة دون غيرهم، وأمّا العامّة فقد خالفونا في جميع هذه الجهات، فذهبوا في السّهام إلى إسقاط سهم الله تعالى زعماً منهم أنّه تعالى إنّما عدّ نفسه أحد مصارف الخمس تيمّناً وتبرّكاً، فهو تعالى ليس أحد مصارفه حقيقة، لعدم حاجته إليه، وبعضهم أسقط سهم الرّسول أيضاً بموته، وآخرون منهم أسقطوا سهم ذي القربى أيضاً وذهبوا أيضاً إلى أنّ المراد بذي القربى مطلق أقرباء الرّسول لا خصوص الإمام، فحملوا كلمة ذي القربى على إرادة الجنس، ثمّ اختلفوا بينهم هنا فذهب بعضهم إلى أنّ المراد بهم خصوص بني هاشم، وقال آخرون منهم إنّ المراد بهم ما يعمّ بني المطلب، كما ذهب اليه محمّد بن إدريس الشافعي المنسوب إلى أحد أجداده المسمّى بشافع، وهو ينتهي بأربعة وسائط إلى مطلب، وذهبوا أيضاً إلى أنّ المراد باليتامى والمساكين وابن السبيل المتّصفين بهذه الصفات من غير بني هاشم، ثمّ إنّهم كما عرفت أسقطوا سهم الرّسول صلی الله علیه و آله و سلم بعده بزعمهم أن لا سهم له بعد وفاته، وأمّا سهم ذي القربى فلمّا استخلف عمر ورأى كثرة الغنائم ممّا غنمه المسلمون من الكفار لم يرض بإعطاء حقّ عليّ علیه السلام بتمامه، ولم يرض هو علیه السلام بأخذ ما دون حقّه فغصب حقّه بأجمعه ولم يعطه شيئاً كما غصبوا الخلافة رأساً...، ثمّ تبعه من بعده عملاً، بل استدلّوا بفعله على عدم ثبوت حقّ لذي القربى واقعاً، فلم يبق إذاً من ستة أسهم الخمس إلّا ثلاثة أسهم، وهي على زعمهم تكون لغير بني هاشم من الأصناف الثلاثة كما تقدّم،

ص: 549

وهل هذا إلّا إفك عظيم؟! فالحقّ هو ما ذهبت إليه أصحابنا الإمامية (رضوان الله عليهم) وقد دلّت عليه الكتاب والآثار الواردة عن الأئمة الأطهار:(1).

وقال الشيخ فيّاض الدّين الزنجاني رحمه الله في كتابه المسمّى ب- «ذخائر الإمامة» على ما حكاه عنه في «أنوار الفقاهة»:

إنّ هذا الحقّ (أي الخمس) ليس إلّا له تعالى ومنحصر فيه، وأنّ اختصاصه بالرّسول صلی الله علیه و آله و سلم الّذي يذكره بعده عين اختصاصه به تعالى، فالقول بالسهام والاشتراك لا معنى له، (إلى أن قال:) وتقديم الخبر على الاسم في قوله تعالى: (فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ) هو لإفادة أنّ الخمس ليس حقّاً مشتركاً حتی يقسم على سهام، بل إنّما هو مختصّ به تعالى، وما هو مختصّ به فهو مختصّ برسوله...، اعلم أنّ مقتضى الآية والأخبار المفسّرة لها وغيرها أنّ الخمس حقّ وحداني راجع إلى حيث السلطنة والأمارة القائمة بالله سبحانه بالأصالة وبرسوله بالخلافة وبذي القربى المراد منه الإمام علیه السلام بعد الرّسول في زمن الحضور أيضاً بالخلافة، وبالفقيه في الغيبة، فلا وجه للقسمة ولا لكيفيّتها(2).

ص: 550


1- «زبدة المقال في خمس الرّسول والآل» ص123 و125.
2- راجع: «أنوار الفقاهة في أحكام العترة الطاهرة، كتاب الخمس والأنفال» ص416. وقد وافقه علی ذلك ظاهراً الشيخ الفيّاض رحمه الله ، وصريحاً بعض آخر من المعاصرين منهم الإمام الراحل رحمه الله في المسألة السابعة من مبحث قسمة الخمس ومستحقّيه من «التحرير»، والشيخ حسينعليّ المنتظري1 في «كتاب الخمس والأنفال» ص250 و262 و263 و275.

وقد وافقه على ذلك أيضاً في كتاب «الخمس والأنفال» حيث قال:

فالخمس عبارة عن حقّ الإمارة، وهو بأجمعه ثابتة أوّلاً وبالذات لله تعالى، وفي المرتبة المتأخرّة للرّسول بما أنّه خليفة الله في الحكومة، وفي طوله للإمام بما أنّه خليفة الرّسول، فليس هنا ملكيّة خاصّة ولا تقسيم، بل هو حقّ وحداني ثابت بأجمعه لله، وفي طوله للرّسول، وفي طول الرّسول للإمام علي حسب الطوليّة في الحكومة، ومثله الأنفال أيضاً، وليست الإمامة حيثيّة تعليليّة حتی يثبت الخمس والأنفال بسبب الإمامة لشخص الرّسول والإمام، بل هي في المقام حيثيّة تقييديّة فيكون الخمس والأنفال لنفس الحيثيّة كما ترى في الميزانيات الرسميّة، حيث يقال أنّها للحكومة والدولة ونحوهما هذا.

ويشهد لما ذكرنا سياق الآية الشريفة وأخبار كثيرة، أمّا الآية فأوّلاً من جهة أنّه تعالى أدخل لام الاختصاص على اسمه الشريف وعلى كلّ من الرّسول وذي القربى دون الثلاثة الأصناف الباقية، واللام ظاهرة في الاختصاص الكامل والملكيّة المستقلّة، فيظهر من ذلك ثبوت الاختصاص التامّ لجميع الخمس له تعالى مستقلاًّ ولرسوله مستقلّاً ولذي القربى كذلك، ولا محالة يكون ذلك طولية مترتبة، وأمّا الأصناف الاُخر فلا اختصاص لهم وإنّما هم مصارف محضة فيُرتزقون من ميزانيّة الحكومة لكونهم من بيتها، وبهذا يفترقون عن ساير الفقراء حيث إنّهم يُرتزقون من أموال النّاس وصدقاتهم، (إلى أن قال:) أنّ ذكر العناوين

ص: 551

الستة في الآية ليس بلحاظ التسهيم والتقسيم بسهام متساوية، بل يكون اختيار المال بيد الإمام وهو يصرفه فيما يراه صلاحاً(1).

وقال ابن قدامة:

إنّ الخمس يقسّم على خمسة أسهم، وبهذا قال عطاء ومجاهد والشعبي والنخعي وقتادة وابن جريج والشافعي، وقيل يقسّم على ستة: سهم لله، وسهم لرسوله لظاهر قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكينِ وَابْنِ السَّبيل)، فعدّ ستة، وجعل الله تعالى لنفسه سهماً سادساً، وهو مردود على عباد الله أهل الحاجة، وقال أبوالعالية سهم الله عزّ وجلّ هو أنّه إذا عزل الخمس ضرب بيده، فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة، فهو الّذي سمّی لله لا تجعلوا له نصيباً، فإنّ لله الدّنيا والآخرة، ثمّ يقسّم بقيّة السّهم الّذي عزله على خمسة أسهم، وروي عن الحسن وقتادة في سهم ذوي القربى كانت طعمة لرسول الله صلّى عليه وسلّم في حياته، فلمّا توفّي حمل عليه أبوبكر وعمر في سبيل الله، وروى ابن عباس أنّ أبا بكر وعمر قسّما الخمس على ثلاثة أسهم، ونحوه حكي عن الحسن بن محمّد بن الحنفية، وهو قول أصحاب الرأي قالوا: يقسّم الخمس على ثلاثة: اليتامى والمساكين وابن السبيل، وأسقطوا سهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بموته وسهم قرابته أيضاً، وقال مالك: الفيء والخمس واحد يُجعلان في بيت المال، قال ابن القاسم: وبلغني عمّن أثق به أنّ مالكاً قال: يعطى الإمام أقرباء رسول الله صلّى الله عليه

ص: 552


1- «كتاب الخمس والأنفال (للمنتظري)» ص262 - 263 و267.

وسلم على ما يرى، وقال الثوري والحسن: يضعه الإمام حيث أراه الله عزّ وجلّ ولنا قول الله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) الآية(1).

وكيف كان قد استدلّ على كونها ستة زائدة على الإجماع المدّعى بالكتاب وبما وردت من الأخبار الكثيرة الدالّة عليه(2)، لكنّ الإجماع حيث كان منقولاً فلا يعتمد عليه، وأمّا الكتاب فقوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكينِ وَابْنِ السَّبيل)(3)، حيث يصرّح بالأسهم الستة ومصاديقها باللام المفيدة للملك أو الاختصاص أو الاستحقاق وبالعطف ب- «الواو» الّذي يقتضي الشركة، فتدلّ الآية الكريمة على أنّ ذوي السّهام ا لمذكورة مشتركون في الخمس بنحو الشركة العرضية لا الطولية، وحمل بعض كونه بصورة حقّ وحداني، أو سهم الله على التشريف، أو صرف سهم رسوله بعد حياته في غيره من السّهام، أو في سائر مصارف بيت المال بعد وجود القائم مقامه فخلاف الظاهر، بل بعيد جدّاً كما نستفيده من الأخبار الآتية أيضاً.

لايقال: إنّ الآية الكريمة تثبت الحقّ الوحداني لدخوله تعالى اللام على اسمه الشريف وعلى كلّ من الرّسول وذي القربى ولا يدخله على الأصناف الثلاثة الباقية، فهو دليل على عدم كونهم مالكين له، بل أنّهم مصارف له كما كانوا كذلك في الزكاة.

ص: 553


1- «المغني لابن قدامة» ج6/406.
2- راجع: «وسائل الشيعة» ج9/509 - 521، أبواب 1 و3 من أبواب قسمة الخمس.
3- «الأنفال»: 41.

لأنّا نقول عدم تكرار اللام في الثلاثة الأخيرة لا يخرجهم عن الشركة لأنّه معطوف على المجرور كما لا يُكرّر في آية الأنفال: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ) (1)، فلا يحتاج إلى تكرار حرف الجر إلّا للتأكيد كما في الثلاثة الاُولى.

هذا كلّه بناءً على كون المراد ب- «الغنيمة» في الآية الكريمة هو مطلق الفائدة، وأمّا بناءً على اختصاصها بغنائم دار الحرب، فاستدلنا على كونه كذلك في غير الغنائم الحربيّة من الأنواع، بما وردت فيها من الأخبار بعد عدم كونها متعرّضة لبيان مصرفه، حيث يستفاد منها بوضوح علی أنّ المراد به هو الخمس المعهود المقرّر في الشريعة المقدسة، المشار إليه وإلى مصارفه في الآية الكريمة، منها مرسلة بل موثقة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح علیه السلام قال: «الْخُمُسُ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: مِنَ الْغَنَائِمِ، وَالْغَوْصِ، وَمِنَ الْكُنُوزِ، وَمِنَ الْمَعَادِنِ، وَالْمَلَّاحَةِ، يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ هَذِهِ الصُّنُوفِ الْخُمُسُ فَيُجْعَلُ لِمَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ وَتُقْسَمُ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ بَيْنَ مَنْ قَاتَلَ عَلَيْهِ ووَلِيَ ذَلِكَ، وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمُ الْخُمُسُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِلَّهِ، وَسَهْمٌ لِرَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم، وَسَهْمٌ لِذِي الْقُرْبَى، وَسَهْمٌ لِلْيَتَامَى، وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، فَسَهْمُ اللَّهِ وَسَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ لِأُولِي الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِ رَسُولِ اللَّهِ وِرَاثَةً، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، سَهْمَانِ وِرَاثَةً وَسَهْمٌ مَقْسُومٌ لَهُ مِنَ اللَّهِ، وَلَهُ نِصْفُ الْخُمُسِ كَمَلاً، وَنِصْفُ الْخُمُسِ الباقي بَيْنَ أَهْلِ بَيْتِهِ فَسَهْمٌ لِيَتَامَاهُمْ، وَسَهْمٌ لِمَسَاكِينِهِمْ، وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى الْكِتَابِ

ص: 554


1- «الأنفال»: 1.

وَالسُّنَّةِ مَايَسْتَغْنُونَ بِهِ في سَنَتِهِمْ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْهُمْ شيء فَهُوَ لِلْوَالِي، فَإِنْ عَجَزَ أَوْ نَقَصَ عَنِ اسْتِغْنَائِهِمْ كَانَ عَلَى الْوَالِی أَنْ يُنْفِقَ مِنْ عِنْدِهِ بِقَدْرِ مَا يَسْتَغْنُونَ بِهِ، وَإِنَّمَا صَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَمُونَهُمْ لِأَنَّ لَهُ مَا فَضَلَ عَنْهُمْ، (إلى أن قال:) وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ هَذَا الْخُمُسَ خَاصَّةً لَهُمْ دُونَ مَسَاكِينِ النَّاسِ وَأَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ عِوَضاً لَهُمْ مِنْ صَدَقَاتِ النَّاسِ تَنْزِيهاً مِنَ اللَّهِ لَهُمْ لِقَرَابَتِهِمْ بِرَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم، وَكَرَامَةً مِنَ اللَّهِ لَهُمْ عَنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ، فَجَعَلَ لَهُمْ خَاصَّةً مِنْ عِنْدِهِ مَا يُغْنِيهِمْ بِهِ عَنْ أَنْ يُصَيِّرَهُمْ في مَوْضِعِ الذُّلِّ والْمَسْكَنَةِ»، الحديث(1).

ولا يضرّ الإرسال بوثاقة سندها بعد ما كان المرسل هو حمّاد بن عيسى الّذي كان من أصحاب الإجماع الّذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ منهم وتصديقهم لما يقولون وأقرّوا لهم بالفقه(2).

وما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري عن بعض أصحابنا رفع الحديث قال: «الْخُمُسُ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: (إلى أن قال:) فَأَمَّا الْخُمُسُ فَيُقْسَمُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِلَّهِ، وَسَهْمٌ لِلرَّسُولِ صلی الله علیه و آله و سلم، وَسَهْمٌ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَسَهْمٌ لِلْيَتَامَى،وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، فَالّذي لِلَّهِ فَلِرَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم، فَرَسُولُ اللَّهِ

ص: 555


1- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/513، الحديث 12607.
2- راجع: «رجال الكشي» ص375، حيث قال: أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ من هؤلاء وتصديقهم لما يقولون وأقرّوا لهم بالفقه، من دون اولئك السّتة الّذين عدّدناهم وسمّيناهم، ستة نفر: جميل بن دراج، وعبد الله بن مسكان، وعبد الله بن بكير، وحمّاد بن عيسى، وحمّاد بن عثمان، وأبان بن عثمان، قالوا: وزعم أبو اسحاق الفقيه يعني ثعلبة بن ميمون: أنّ أفقه هؤلاء جميل بن دراج وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله علیه السلام.

أَحَقُّ بِهِ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً، وَالّذي لِلرَّسُولِ هُوَ لِذِي الْقُرْبَى وَالْحُجَّةِ في زَمَانِهِ، فَالنِّصْفُ لَهُ خَاصَّةً، وَالنِّصْفُ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ: الَّذِينَ لَا تَحِلُّ لَهُمُ الصَّدَقَةُ وَلَا الزَّكَاةُ، عَوَّضَهُمُ اللَّهُ مَكَانَ ذَلِكَ بِالْخُمُسِ»، الحديث(1).

وما رواه عليّ بن الحسين المرتضی في رسالة «المحكم والمتشابه» نقلاً من تفسير النّعماني بإسناده عن عليّ علیه السلام قال: «الْخُمُسُ يُخْرَجُ مِنْ أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ؛ مِنَ الْغَنَائِمِ الّتي يُصِيبُهَا الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَمِنَ الْمَعَادِنِ، وَمِنَ الْكُنُوزِ، وَمِنَ الْغَوْصِ، وَيَجْرِي هَذَا الْخُمُسُ عَلَى سِتَّةِ أَجْزَاءٍ، فَيَأْخُذُ الْإِمَامُ مِنْهَا سَهْمَ اللَّهِ وَسَهْمَ الرَّسُولِ وَسَهْمَ ذِي الْقُرْبَى، ثُمَّ يَقْسِمُ الثَّلَاثَةَ السِّهَامِ الْبَاقِيَةَ بَيْنَ يَتَامَى آلِ مُحَمَّدٍ وَمَسَاكِينِهِمْ وَأَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ»(2).

زائدة على ما وردت في تفسير آية الغنيمة الدالّة على كونها ستة، مثل مرسلة عبد الله بن بكير عن بعض أصحابه عن أحدهما صلی الله علیه و آله و سلم في قول الله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكينِ وَابْنِ السَّبيل)، قال: «خُمُسُ اللَّهِ لِلْإِمَامِ، وَخُمُسُ الرَّسُولِ لِلْإِمَامِ، وَخُمُسُ ذَوِي الْقُرْبَى لِقَرَابَةِ الرَّسُولِ وَالْإِمَامِ، وَالْيَتَامَى يَتَامَى آلِ الرَّسُولِ، وَالْمَسَاكِينُ مِنْهُمْ، وَأَبْنَاءُ السَّبِيلِ مِنْهُمْ، فَلَا يُخْرَجُ مِنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ»(3).

ثمّ إنّه قد استدلّ على سقوط سهم النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وأخذه سهم الله تعالى

ص: 556


1- «التهذيب» ج4/128، الحديث 366، و«الاستبصار» ج2/56، الحديث 185، و«وسائل الشيعة» ج9/514، الحديث 12608.
2- حكاه في «وسائل الشيعة» ج9/516، الحديث 12611.
3- «التهذيب» ج4/125، الحديث 361، و«الاستبصار» ج2/56، الحديث 186، و«تفسير الصافي» ج2/304، و«وسائل الشيعة» ج9/510، الحديث 12601.

بصحيحة ربعي بن عبد الله بن الجارود عن أبي عبد اللّه علیه السلام الّتي هى من أحسن ما وردت في المقام سنداً تخالف ما تقدّم من الأخبار تصرّح بأنّها خمسة أسهام لا ستة، قال: «كَانَ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله و سلم إِذَا أَتَاهُ الْمَغْنَمُ أَخَذَ صَفْوَهُ وَكَانَ ذَلِكَ لَهُ، ثُمَّ يَقْسِمُ مَا بَقِيَ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ وَيَأْخُذُ خُمُسَهُ، ثُمَّ يَقْسِمُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ بَيْنَ النَّاسِ الَّذِينَ قَاتَلُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَسَمَ الْخُمُسَ الّذي أَخَذَهُ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ يَأْخُذُ خُمُسَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ يَقْسِمُ الْأَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ بَيْنَ ذوي الْقُرْبَى، وَالْيَتَامَى، وَالْمَسَاكِينِ، وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ يُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقّاً، وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ أَخَذَ كَمَا أَخَذَ الرَّسُولُ صلی الله علیه و آله و سلم »(1)، ويظهر من المحقّق صاحب «المدارك» ميله إليه لتضعيفه للأخبار الدالّة على التسديس، أو توقفه في المسألة حيث قال:

وهذه الرواية أصحّ ما بلغنا في هذا الباب، ومقتضاها أنّ للإمام علیه السلام خمس الخمس خاصّة، والباقي لبقيّة الأصناف، وأجاب عنها الشيخ في الاستبصار بأنّها إنّما تضمّنت حكاية فعله صلی الله علیه و آله و سلم ، وجاز أن يكون صلی الله علیه و آله و سلم أخذ دون حقّه توفيراً للباقي على المستحقّين. وهو بعيد جداً، لأنّ قوله علیه السلام: «وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ رسول صلی الله علیه و آله و سلم » يأبى ذلك(2).

أقول: إنّ استبعاد «المدارك» بقرينة يأخذ الإمام علیه السلام كما أخذه النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم حقّ، لظهور صيغة المضارع في الدوام والاستمرار والفعل التشريعي، أي الحكمالاُولى، دون الإعراض عن حقّه صلی الله علیه و آله و سلم توفيراً لباقي المستحقّين، إلّا أنّها تنافي

ص: 557


1- «التهذيب» ج4/128، الحديث 365، و«الاستبصار» ج2/56، الحديث 186، و«وسائل الشيعة» ج9/510، الحديث 12602.
2- «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج5/397.

حينئذٍ ما تقدّم من الأخبار الدالّة على أنّهم: يقسمون الخمس أساداساً، وأمّا حملها على التقيّة كما احتمله في «الوسائل» وقوّاه في «الحدائق»(1) لأنّ تقسيمه إلى الخمسة هو المعروف عند العامّة على ما مرّ من كلام «المغني»، فيلاحظ عليه بأنّهم أسقطوا سهم الله وجعلوه أمراً تشريفياً بينما تدلّ الصحيحة على إسقاط سهم الرّسول صلی الله علیه و آله و سلم فلا يناسب للحمل على التقية أيضاً.

فالأقوى بل المتعيّن في المقام عند التعارض، هو اطراح الرّواية بعد ما كانت مخالفة لظاهر الكتاب وشاذة ومتروكة لدى الأصحاب، زائدة على كثرة ما تدلّ على كونها أسداساً ومعمولة عندهم.

ثمّ إنّ المشهور بل المجمع عليه عند الأصحاب أنّ السهام الثلاثة الّتي كانت لله تعالى ولرسوله صلی الله علیه و آله و سلم ولذي القربى: تكون الآن للإمام المهدىأ، قال الشيخ الأعظم رحمه الله :

المشهور بين أصحابنا هو أنّ المراد بذي القربى هو الإمام علیه السلام، وهو المحكي عن المشايخ الثلاثة (النهاية والمقنعة والانتصار) وابن زهرة (الغنية) وابن حمزة (الوسيلة) وابن إدريس (السرائر) وسلّار (المراسم) والفاضلين (المعتبر والمختلف) والشهيدين (البيان والروضة) والمحقّق الثاني (جامع المقاصد) وغيرهم، وعن الانتصار دعوى الإجماع عليه، وعن مجمع البيان وكنز العرفان أنّه قول أصحابنا، وعن مجمع البحرين أنّه الظاهر من الفقهاء الإماميّة، ويدلّ عليه: ماتقدّم من موثّقة ابن بكير، والمرفوعة، والمرسلة، ورواية سليم بن قيس

ص: 558


1- راجع: «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/373.

الهلالى في تفسير الآية، وفيها: «نحن والله عنّى بذي القربى»، وغير ذلك من الأخبار الّتي لا يقدح ضعف سندها بعد الانجبار بما عرفت من الشهرة المتحقّقة، حيث لم ينسب الخلاف إلّا إلى ابن الجنيد(1)، بل عن الانتصار: الإجماع عليه، وعن الشيخ: نسبته إلينا، وعن كنز العرفان ومجمع البحرين نسبته إلى أصحابنا(2).

وقد صرّح بذلك في بعض ما ورد من الأخبار الواردة في المقام، منها: ما تقدّم في موثقة الحمّاد حيث قال: «فَسَهْمُ اللَّهِ وَسَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ لِأُولِی الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِ رَسُولِ اللَّهِ وِرَاثَةً، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، سَهْمَانِ وِرَاثَةً وَسَهْمٌ مَقْسُومٌ لَهُ مِنَ اللَّهِ، وَلَهُ نِصْفُ الْخُمُسِ كَمَلاً، وَنِصْفُ الْخُمُسِ الباقي بَيْنَ أَهْلِ بَيْتِهِ فَسَهْمٌ لِيَتَامَاهُمْ، وَسَهْمٌ لِمَسَاكِينِهِمْ، وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ»، الحديث(3)، وصحيحة البزنطي عن الرّضا علیه السلام حيث قال: سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) فَقِيلَ لَهُ: فَمَا كَانَ لِلَّهِ فَلِمَنْ هُوَ؟ فَقَالَ: «لِرَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم وَمَا كَانَ لِرَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم فَهُوَ لِلْإِمَامِ»، الحديث(4).

فبعد ما فرغنا عن عدد السهام ومستحقّيه، نبحث عن الشرائط المعتبرة فيالأصناف الثلاثة، وهي على ما بيّنه صاحب «العروة» وغيره عبارة عن:

1) الإيمان:

ص: 559


1- نسبه إليه العلّامة رحمه الله في«المختلف» ج3/327.
2- «كتاب الخمس (للشيخ الأنصاري)» ص291 - 292.
3- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/513، الحديث 12607.
4- «الكافي» ج1/457، الحديث 7، و«وسائل الشيعة» ج9/512، الحديث 12605.

لا خلاف في اعتبار الإيمان في مستحقّي الخمس بالمعنى الأخصّ أي كونه إماميّاً اثنى عشريّاً، بل ادّعي عليه الإجماع (1)، وإن تردّد فيه المحقّق رحمه الله في كتابي «الشرائع» و«النافع»(2)، فلا يُعطى الخمس لغير المؤمن ولا لغير الاثنى عشري من فرق الشيعة وإن كان هاشميّاً فكيف إذا كان كافراً، قال في «الجواهر»:

لا أجد فيه خلافاً محقّقاً كما اعترف به بعضهم، بل في «الغنية» الإجماع عليه، للشغل المقتضي للاقتصار على المتيقّن، وكون الخمس كرامة ومودّة لا يستحقّهما غير المؤمن، ولأنّه عوض الزكاة المعتبر فيها ذلك إجماعاً في المدارك وغيرها، لكن في المتن كالنافع الحكم باعتباره على تردّد(3).

وكيف كان لم يرد لخصوص المقام نصّ بخصوصه، لكنّه قد استدلّ عليه تارة: بالاشتغال، فإنّه يقتضي الاقتصار على المتيقّن وهو المؤمن.

لايقال: إنّه لا تصل النوبة للرجوع إلى الاشتغال بعد إطلاقات الكتاب والسنة الواردة في بيان مستحقّي السهام.

لأنّا نقول: إنّ الأخذ بالإطلاق - كما عرفت غير مرّة - متفرّع على مقدماتالحكمة الّتي عدّ منها انتفاء القدر المتيقّن في مقام التخاطب، والمتيقّن من النصّ والفتوى هنا كونه مؤمناً، زائدة على أنّ الإطلاقات لم ترد لبيان شرائطهم.

ص: 560


1- راجع: «غنية النزوع إلی علمي الاُصول والفروع» ص130.
2- «شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام» ج1/166، و«المختصر النافع في فقه الإماميّة» ص63.
3- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/115.

واُخرى: بما وردت في غير واحد من نصوص هذا الباب من مسألة بدليّة الخمس عن الزكاة، كقوله علیه السلام في موثقة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح علیه السلام قال: «...وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ هَذَا الْخُمُسَ خَاصَّةً لَهُمْ دُونَ مَسَاكِينِ النَّاسِ وَأَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ عِوَضاً لَهُمْ مِنْ صَدَقَاتِ النَّاسِ تَنْزِيهاً مِنَ اللَّهِ لَهُمْ لِقَرَابَتِهِمْ بِرَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم، وَكَرَامَةً مِنَ اللَّهِ لَهُمْ عَنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ، فَجَعَلَ لَهُمْ خَاصَّةً مِنْ عِنْدِهِ مَا يُغْنِيهِمْ بِهِ عَنْ أَنْ يُصَيِّرَهُمْ في مَوْضِعِ الذُّلِّ والْمَسْكَنَةِ»، الحديث(1)، وقد أجمعوا على أنّ الإيمان معتبر في الزكاة(2) حتّى أنّهم صرّحوا تبعاً للنصوص(3) بأنّ غيرالمؤمن إذا استبصر لا يجب عليه شيء من أعماله إلّا الحجّ إذا ترك ركناً منه، والزكاة لأنّه وضعها في غير مواضعها.

ص: 561


1- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/513، الحديث 12607.
2- راجع: «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج9/296، و«جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج15/377 - 378، و... . وقد دلّت عليه أخبار منها صحيحة إبراهيم بن أبي محمود عن الرّضا علیه السلام في الحديث عن أبيه عن الصّادق علیه السلام قال: «مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ يُجْبِرُ عِبَادَهُ عَلَى الْمَعَاصِي أَوْ يُكَلِّفُهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ فَلَا تُعْطُوهُ مِنَ الزَّكَاةِ شَيْئاً». «عيون أخبار الرّضا علیه السلام » ج1/124، و«وسائل الشيعة» ج9/228، الحديث 11899.
3- راجع: «وسائل الشيعة» ج1/126، الباب 31 من أبواب مقدمة العبادات، باب «عدم وجوب قضاء المخالف عبادته إذا استبصرسوى الزكاة إذا دفعه إلى غير المستحقّ، والحجّ إذا ترك ركناً منه». منها: صحيحة معاوية العجلي عن أبي عبدالله علیه السلام في الحديث قال: «كُلُّ عَمَلٍ عَمِلَهُ وَهُوَ في حَالِ نَصْبِهِ وَضَلَالَتِهِ، ثُمَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَرَّفَهُ الْوَلَايَةَ فَإِنَّهُ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ إِلَّا الزَّكَاةَ، فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا لِأَنَّهُ وَضَعَهَا في غَيْرِ مَوَاضِعِهَا، لِأَنَّهَا لِأَهْلِ الْوَلَايَةِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ وَالْحَجُّ وَالصِّيَامُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ». «وسائل الشيعة» ج1/126، الحديث 317.

وقد ورد التعليل أيضاً لمنع إعطاء الزكاة لغير الاثنى عشري من فرق الشيعة بأنّهم كفّار مشركون زنادفة، فإذا كان هذا حكمهم ففي غيرهم من المخالفين والمشركين فبالأولويّة والفحوى، قال يونس بن يعقوب: قلت لأبي الحسن الرّضا علیه السلام: أُعْطِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ أَبَاكَ حَيٌّ مِنَ الزَّكَاةِ شَيْئاً؟ قَالَ: «لَا تُعْطِهِمْ فَإِنَّهُمْ كُفَّارٌ مُشْرِكُونَ زَنَادِقَةٌ»(1).

فالزكاة والخمس وإن تخالفا في بعض الأحكام والمسائل بحيث لا يمكن قياس أحدهما علی الآخر دائماً ومن جميع الجهات، لكنّهما يتّحدان ظاهراً في الشرائط المعتبرة في الأصناف الثلاثة، إلّا أنّ الزكاة مختصّة بالمؤمنين من غير الهاشميين، والخمس بالهاشميين منهم.

2) الفقر:هل يعتبر الفقر في مستحقّي الخمس أم لا؟ أمّا المساكين فظاهر، لأنّهم هم الفقراء وإن اختلفوا في أيّهما أسوأ حالاً من الآخر(2)، وأمّا أبناء السبيل فسنبحث

ص: 562


1- «رجال الكشي» ص456، الرقم 862، و«وسائل الشيعة» ج9/229، الحديث 11902. والمراد بهم «الواقفيّة» الّذين توقّفوا علی إمامة الكاظم علیه السلام، وادّعوا أنّه لم يمت وسيخرج بعد غيبة، من رؤسائهم عليّ بن أبي حمزة البطائني الّذي كان من وكلائه علیه السلام أسّسوا هذه الفرقة طمعاً لتصاحب الأموال الّتي توفّرت في أيديهم من الأخماس والزكوات والوجوهات الشرعيّة. لزيادة التوضيح راجع إلی ترجمته في «رجال الكشي» ص404 - 405.
2- راجع: «الخلاف» ج4/229، المسألة الرقم 10 من مسائل كتاب قسمة الصدقات، و«جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج15/296 - 304، و«معجم الفروق اللغويّة» ص409، الفرق بين الفقير والمسكين، و....

عنه، إنّما الكلام في الأيتام، فقد اختلف فيهم، فهم بين قائل باعتباره فيهم وهو ما اختاره المشهور من الأصحاب في المقام، وكذا الحنابلة والشافعية من العامّة في قوله المشهور، وقائل بعدم اشتراطه كذي القربى الّذي هو خيرة «المبسوط» و«السرائر» و«إصباح الشيعة» و«الجامع للشرائع»، وهو مذهب الشافعية أيضاً في قوله الآخر، وقائل بالتوقف وهو الّذي صرّح به العلّامة رحمه الله في «المختلف»(1)، ويظهر منه في «التذكرة» و«المنتهى»(2)، ومن صاحبي «المعتبر»(3) و«الدروس»، وكذا الفيض الكاشاني رحمه الله في «المفاتيح»(4) حيث عنون المسألة من دون أن يختار شيئاً من القولين، ولم يتعرّضه في «الشرائع»(5) أصلاً، قال المحقق النراقي رحمه الله :الحقّ اعتبار الفقر في مستحقّ الخمس من يتامي السّادات، وفاقاً لظاهر الانتصار والنافع والإرشاد، بل للمشهور على ما صرّح به جماعة...، خلافاً للشيخ والحلي والجامع، فلم يعتبروا الفقر فيهم لعموم الآية(6).

ص: 563


1- «مختلف الشيعة في أحكام الشريعة» ج3/337.
2- راجع: «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج5/435، و«منتهی المطلب في تحقيق المذهب» ج8/566 - 567، إلّا أنّه مال إلی اشتراطه في «تحرير الأحكام الشرعيّة علی مذهب الإماميّة (ط - الحديثة)» ج1/441.
3- «المعتبر في شرح المختصر» ج2/632.
4- «مفاتيح الشرائع» ج1/228.
5- «شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام» ج1/165 - 166.
6- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/102.

وقال الشيخ رحمه الله في «المبسوط»:

واليتامى وأبناء السّبيل منهم يعطيهم مع الفقر والغنى لأنّ الظاهر يتناولهم(1).

وقال الشهيد رحمه الله في «الدروس»:

وفي اعتبار فقر اليتيم نظرٌ، ولم يعتبره الشيخ وابن إدريس(2).

وقال العلّامة رحمه الله في «المنتهى»:

هل يشترط فيه (اليتيم) الفقر أم لا؟ قال الشيخ في المبسوط: لا يشترط الفقر، وهو أحد قولي الشافعى، وفي الآخر: يشترط. احتجّ الشيخ بعموم الآية، ولأنّه يستحقّ باليتم، فيستوي فيه الغنىّ والفقير، كذي القربى عندهم، ولأنّه جعل تشريفاً فلا يختصّ بالفقير، ولأنّه لو اعتبر فيه الفقر لكان داخلاً تحت المساكين، فلا يحتاج إلى إفراده بالذكر، ولم يكن قسماً برأسه. حجّة القول الآخر: أنّ الخمس جعل إرفاقاً للمحاويج،ومعونة لأهل الخصاصة، فيخصّ به أهل المسكنة، اقتصاراً بالحكم على محلّ الغاية، ولأنّه أحوط، إذ البراءة تحصل معه باليقين، بخلاف الدفع إلى الغنيّ، ولأنّ الخمس يصرف على قدر الكفاية، والغنيّ مكتفٍ بماله عن مساعدة الخمس، ولأنّ الصغير لو كان له أب له مال لم

ص: 564


1- «المبسوط في فقه الإماميّة» ج1/262، وكذا الحلّي رحمه الله في «السرائر الحاوي لتحرير الفتاوی» ج1/496، وقطب الدّين الكيدري رحمه الله في «إصباح الشيعة بمصباح الشريعة» ص127، ويحيی بن سعيد رحمه الله في «الجامع للشرائع» ص150.
2- «الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة» ج1/262.

یستحقّ شيئاً، فإذا كان المال له كان أولى بالحرمان، إذ وجود المال له أنفع من وجود الأب(1).

وقال ابن قدامة:

اليتامى وهم الّذين لا آباء لهم ولم يبلغوا الحلم، فإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلم قال: «لا يتمّ بعد احتلام»، قال بعض أصحابنا: لا يستحقّون إلّا مع الفقر، وهو المشهور من مذهب الشافعي، لأنّ ذا الأب لا يستحقّ والمال أنفع من وجود الأب، ولأنّه صرف إليهم لحاجتهم، فإنّ اسم اليتيم يطلق عليهم في العرف للرحمة، ومن كان إعطاؤه لذلك اعتبرت الحاجة فيه، وفارق ذوي القربى فإنّهم استحقّوا لقربهم من رسول الله صلّى عليه وسلم تكرمة لهم، والغني والفقير في القرب سواء فاستويا في الاستحقاق، ولم أعلم هذا نصّاً عن أحمد، وعموم الآية يقتضي تعميمهم، وقال بعض أصحاب الشافعي له قول آخر: أنّه للغني والفقير، لعموم النصّ في كلّ يتيم وقياساً له على سهم ذي القربى، ولأنّه لو خصّ به الفقير لكان داخلاً في جملة المساكين الّذين هم أصحاب السهم الرابع، فكان يستغني عن ذكرهم وتسميتهم(2).

فبعد ما عرفت الأقوال في المسألة نقول: إنّ قياس المقام بذي القربى: - حتی يقال إنّه كما لا يعتبر لفقر فيهم فكذلك في ما نحن بصدده - قياس مع الفارق، وذلك لأنّ لهم مصارف شخصيّة ومصارف شتّى لمنصبهم الإلهيّة في حين أنّه في الطوائف كلّها شخصيّة، فبناءً على ذلك فالأحوط والأقوى من هذه

ص: 565


1- «منتهی المطلب في تحقيق المذهب» ج8/566 - 567.
2- «المغني لابن قدامة» ج6/413.

الأقوال هو اشتراطه في الأيتام أيضاً، لأن ّالصغير لو كان له أب ذو مال لا يجوز له أخذ شيء من الخمس أو الزكوات، فإذا ملك الأموال حينئذٍ بالوراثة فعدم الجواز أوضح، مع أنّ الخمس على ما مرّ من كونه عوضاً عن الزكاة وأنّه لا يجوز فيها إجماعاً أخذها لمن كان قادراً على اكتساب مؤونته(1)، فمعناه أنّ الفقير المستحقّ من السادة هو من كان مستحقّاً للزكاة لولا كونه هاشميّاً، فمن حرم بهذا السبب من أخذ الصّدقات والزكوات استحقّ الخمس، وقد يستفاد ذلك من بعض أخبار الباب أيضاً، ففي موثقة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح علیه السلام قال: «...وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ هَذَا الْخُمُسَ خَاصَّةً لَهُمْ دُونَ مَسَاكِينِ النَّاسِ وَأَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ عِوَضاً لَهُمْ مِنْ صَدَقَاتِ النَّاسِ تَنْزِيهاً مِنَ اللَّهِ لَهُمْ لِقَرَابَتِهِمْ بِرَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم، وَكَرَامَةً مِنَ اللَّهِ لَهُمْ عَنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ، فَجَعَلَ لَهُمْ خَاصَّةً مِنْ عِنْدِهِ مَا يُغْنِيهِمْ بِهِ عَنْ أَنْ يُصَيِّرَهُمْ في مَوْضِعِ الذُّلِّ وَالْمَسْكَنَةِ...، وَجَعَلَ لِلْفُقَرَاءِ قَرَابَةِ الرَّسُولِ صلی الله علیه و آله و سلم نِصْفَ الْخُمُسِ فَأَغْنَاهُمْ بِهِ عَنْ صَدَقَاتِ النَّاسِ وَصَدَقَاتِ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وَوَلِيِّ الْأَمْرِ فَلَمْ يَبْقَ فَقِيرٌ مِنْ فُقَرَاءِ النَّاسِ وَلَمْ يَبْقَ فَقِيرٌ مِنْ فُقَرَاءِ قَرَابَةِ رَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم إِلَّا وَقَدِ اسْتَغْنَى فَلَا فَقِير»،الحديث(2)، وفي مرسلة أحمد بن محمّد عن بعض أصحابنا رفع الحديث إلى أن قال: «فَالنِّصْفُ لَهُ يَعْنِي نِصْفُ الْخُمُسِ لِلْإِمَامِ خَاصَّةً، وَالنِّصْفُ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ الَّذِينَ لَا تَحِلُّ لَهُمُ الصَّدَقَةُ وَلَا الزَّكَاةُ عَوَّضَهُمُ اللَّهُ مَكَانَ ذَلِكَ بِالْخُمُسِ، فَهُوَ يُعْطِيهِمْ عَلَى قَدْرِ كِفَايَتِهِمْ،

ص: 566


1- راجع: «الخلاف» ج4/230، المسألة الرقم 11 من مسائل كتاب قسمة الصّدقات، و«جواهر الكلام في شرح الشرائع» ج15/312، و....
2- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/513، الحديث 12607.

فَإِنْ فَضَلَ شيء فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ نَقَصَ عَنْهُمْ وَلَمْ يَكْفِهِمْ أَتَمَّهُ لَهُمْ مِنْ عِنْدِهِ، كَمَا صَارَ لَهُ الْفَضْلُ كَذَلِكَ يَلْزَمُهُ النُّقْصَانُ»(1).

نعم يضعّفه قضيّة مقابلتهم للمسكين وأبناء السّبيل في الآية الكريمة وأخبار سهام الخمس، بأنّه لوكان الفقر شرطاً فيهم أيضاً كما أنّه ذاتي في الفقراء والمساكين وفي ابن السبيل حين التّسليم، فلا يكون اليتيم قسيماً لهما، ولا يصحّحه بأنّ لزوم التوجّه الخاصّ بهم يقتضي إفرادهم بالذكر كما في وصيّة مولانا عليّ بن أبي طالب رحمه الله للحسن والحسين صلی الله علیه و آله و سلم لما ضربه ابن ملجم لعنه الله: «اللَّهَ اللَّهَ في الأيْتَامِ فَلا تُغِبُّوا أفْوَاهَهُمْ، ولا يَضِيعُوا بِحَضْرَتِكُم»(2) حيث إنّه تأكيدي حينئذٍ كما احتمله صاحب «المستند»(3)، ومعناه أنّه يصرف سهم السادة من الخمس في الفقراء من بني هاشم لا سيّما الأيتام منهم فلا يكون اليتيم قسماًآخر مقابلاً لهم، أو دعوى انصراف الفقراء إلى البالغين كما احتمله صاحب «المصباح»(4)، لأنّ الموضوع بناء عليه هو الموضوع لكنّه توسيع فيه نهايتاً من الشرع من باب الحكومة، كما إذا قال المولى «أكرم العلماء» ثمّ قال عقيب أمره: «المتقي عالمٌ»(5)، أو يقال كما يجوز إعطاء الخمس لابن السبيل الغنيّ إذا احتاج إليه في سفره، فكذلك يجوز إعطاء الخمس لليتيم الّذي ملك مالاً بالوراثة

ص: 567


1- «التهذيب» ج4/126، الحديث 364، و«وسائل الشيعة» ج9/521، الحديث 12624.
2- «نهج البلاغة»، كتاب الرقم 47.
3- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/103.
4- «مصباح الفقيه» ج19/386.
5- لزيادة التوضيح راجع مبحث «الحكومة والورود» من الكتب الاُصوليّة.

ما دام لا يتمكّن من الاستفادة به وتبدليله بما يحتاج إليه، لأنّه بناءً على ذلك للزم أن نتعدّي منه إلى جميع المحتاجين المقطعية وإن لم يكونوا أيتاماً.

فإذاً لا نخاف من أن نعترف بجهلنا بمقصود الشارع من اللفظ وكونه مجملاً عندنا، فنرجع في حكمه إلى ما يقتضيه الاُصول، لما تقرّر في محلّه(1) من أنّه إذا تعذّر المجتهد بعد الفحص عن إقامة الدليل على إثبات حكم سواء كان بسبب فقدان النصّ، أو إجماله، أو تعارض الدليلين وتعادلهما، أو لجهة التباس المصاديق الخارجيّة بعد ما كان الحكم مبيّناً، فعليه أن يراجع لرفع تحيّره في مقام العمل إلى الاُصول العمليّة، والأصل الجاري في مثل المقام هو الاحتياط والاشتغال، للعلم باشتغال الذمّة بالحكم وعدم حصول الفراغ منه إلّا بعد أن نقتصر على مورد القطع واليقين فقط، فالنتيجته أيضاً هو الاقتصار بخصوص الأيتام الفقراء من السادة، لا سيّما لمن لم يفت بوجوب البسط على الأصناف.هذا حكمه بالنسبة إلى الأيتام، وأمّا بالنسبة إلى أبناء السّبيل الّذين يحتاجون في أسفارهم إذا لم يكن لهم ما يصل به إلى أوطانهم ولم يكونوا فقراء في بلادهم، فهل يجوز لهم حينئذٍ أن يأخذوا من الخمس شيئاً؟

قد صرّح بذلك بعض بل ادُّعي عليه الإجماع، إلّا أنّ الشيخ في «المبسوط» والحلّي في «السرائر» والكيدري في «إصباح الشيعة» ويحيى بن سعيد (رضوان الله تعالى عليهم) في «الجامع للشرائع» كما مرّ توسّعوا جوازه حتّی لو كان غنيّاً حينه، لتمسّكهم إطلاق دليله أو عمومه، قال العلّامة رحمه الله :

ص: 568


1- لزيادة التوضيح راجع: «اُصول الفقه للعلّامة المظفر» ص595، مباحث «الاُصول العمليّة».

وأمّا ابن السبيل فلا يعتبر فيه الفقر إجماعاً، نعم يشترط فيه الحاجة في السفر، والبحث فيه قد تقدّم في باب الزكاة وكذا في تناوله للمنشأ لسفره والمجتاز وعدمه(1).

وفي «الجواهر» بعد كلام المحقّق رحمه الله في «الشرائع»: «ابن السبيل لا يعتبر فيه الفقر، بل الحاجة في بلد التسليم ولو كان غنياً في بلده»، قال:

بلا خلاف أجده فيه، بل في «المنتهى» الإجماع عليه...، بل ربما استظهر من إطلاق بعضهم عدم اعتبار الفقر فيه، عدم اعتبار هذه الحاجة فيه أيضاً فيعطى وإن كان غير محتاج بل لعلّه كاد يكون صريح «السرائر»، لكن اعترف الشهيد في «الروضة» بأنّ ظاهرهم عدم الخلاف في اشتراط ذلك فيه(2).

وقال في «المبسوط»:واليتامى وابن السبيل منهم، يعطيهم مع الفقر والغنى، لأنّ الظاهر يتناولهم(3).

أقول: أمّا حديث التمسك بالإطلاق - كما تقّدم غير مراراً - فمتوقّف على مقدمات الحكمة الّتي عدّ منها انتفاء القدر المتيقّن في مقام التخاطب، وهو غير حاصل هنا، زائداً على أنّ المتبادر من ابن السّبيل عرفاً ولغة هو المسافر المنقطع

ص: 569


1- «منتهی المطب في تحقيق المذهب» ج8/567.
2- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/112.
3- «المبسوط في فقه الإماميّة» ج1/262، وقريب منه ما قاله في «السرائر الحاوي لتحرير الفتاوی» ج1/496، وفي «إصباح الشيعة بمصباح الشريعة» ص127، وفي «الجامع للشرائع» ص150.

المحتاج(1) الّذي يقال بالفارسية (درمانده، در راه مانده)، فلا يطلق هذا العنوان لأصحاب المكنة الّذين كانت أسفارهم مثل حضرهم ولو بالاستقراض أو شراء مايحتاج إليه نسيئة بسهولة أو ببيع ما يملكه ونحوها، مع ما مرّ في موثقة حمّاد بن عيسى(2) من جعل الخمس للطوائف الثلاثة من بني هاشم ليستغنوا به عن صدقات النّاس، وكذا ما في مرسلة أحمد بن محمّد(3) بأنّ الإمام علیه السلام يعطى الأصناف على قدركفايتهم، فلا يبقى مجالاً للأخذ بالإطلاق أو الظاهر، بل نقول إنّ اشتراط الفقر هنا بعد الإذعان بذلك الفهم اللغوي والعرفي أوضح من اشتراطه هناك، ولا أقلّ من الشك والأخذ بالقدر المتيقّن.

ص: 570


1- حكی الأزهري في تهذيبه عن ابن سكيت وغيره: وجمع السَّبيل سُبُل. وابن السّبيل : المسافر الّذي انقُطع به وهو يريد الرجوع إلی بلده ولا يجد ما يتبلّغ به، فله في الصّدقات نصيب، ثمّ حكی عن الشافعي: وابن السّبيل عندي: ابن السّبيل من أهل الصّدقة الّذي يريد بلداً غير بلده لأمر يلزمه، قال: ويُعطی الغازي الحَمولة والسّلاح والنفقة والكسوة. ويُعطی ابن السّبيل قدر ما يبلّغه البلد الّذي يريده في نفقته وحَمولته. «تهذيب اللغة» ج12/302، وراجع أيضاً: «مجمع البحرين» ج2/332، «المقنعة (للشيخ المفيد)» ص241، «الجمل والعقود في العبادات (للشيخ الطوسي)» ص103، وفسّره في «التفسير المنسوب إلی الإمام العسكري علیه السلام » ص592 ب- «وَابْنَ السَّبِيلِ الْمُجْتَازَ الْمُنْقَطَعَ بِهِ لَا نَفَقَةَ مَعَهُ»، وكذلك هو عند العامّة، راجع: «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/621 و623 و624 و626، و«بداية المجتهد ونهاية المقتصد» ج2/311، و«المغني لابن قدامة» ج6/438 - 439، و... .
2- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/513، الحديث 12607.
3- «التهذيب» ج4/126، الحديث 364، و«وسائل الشيعة» ج9/521، الحديث 12624.

بقي هنا اُمور:

الأوّل: هل يشترط في ابن السبيل أن يكون سفره مباحاً، أم لا؟ قد صرّح السيّد صاحب «العروة» رحمه الله هنا بأنّه لا فرق في ابن السبيل بين أن يكون سفره في طاعة أو في معصية، ولعلّه أفتى به لإطلاق دليله، واعترضه عليه قاطبة محشّيها، في حين أنّه شرط في مبحث الزكاة أن لا يكون سفره في معصية(1)، والتحقيق بعد ضعف الأخذ بالإطلاق في مثل المقام كما عرفت غير مرّة هو ما اختاروه المحشّين، وذلك لأنّ ابن السبيل في الخمس من جهة الشرائط والصفات كابن السبيل في الزكاة سوى أنّهم في الأوّل هاشمي وفي الأخير غير هاشمي، يؤيّده مارواه عليّ بن إبراهيم مرفوعاً في تفسيره عن الصادق علیه السلام بأنّ: «...ابْنُ

السَّبِيلِ أَبْنَاءُ الطَّرِيقِ الَّذِينَ يَكُونُونَ في الْأَسْفَارِ في طَاعَةِ اللَّهِ فَيُقْطَعُ عَلَيْهِمْ وَيَذْهَبُ مَالُهُمْ فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَرُدَّهُمْ إِلَى أَوْطَانِهِمْ مِنْ مَالِ الصَّدَقَاتِ»(2)،حيث خصّها الإمام علیه السلام بمن كان أسفارهم في طاعة الله أي بمن كان في غير معصية الله، ولا أقلّ من الشك والأخذ بالقدر المتيقّن من إعطائه لمن كان سفره مباحاً.

أضف إلى ذلك أنّه لو كان سفره حراماً ومعصية أو كان مقدمة لفعل حرام، كسفر الزوجة أو الولد بدون إذن زوجها أو مع نهي أحد الأبوين وسفر المديون فراراً من أداء الدَّين مع التمكّن منه وأمثال ذلك، وهكذا ما إذا كان لأجل محرّم

ص: 571


1- راجع: «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/316، الثامن من أصناف المستحقّين للزكاة.
2- «تفسير القمّي» ج1/299، وعن العالم علیه السلام في «التهذيب» ج4/49، الحديث 129، و«وسائل الشيعة» ج9/212، الحديث 11862.

من المحرّمات كقتل نفس محترمة أو إعانة ظالم أو لسلب الأموال أو لقطع الطريق أو الشرب الخمر وأمثالها، فإنّ إعطاءه الخمس أو الصدقات حينئذٍ يعدّ نوعاً من الإعانة على الإثم الّذي نهانا الله عزّ وجلّ عنه بقوله تبارك وتعالى: (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَديدُ الْعِقابِ)، فهو أيضاً محكوم بالبطلان، لا لامتناع اجتماع الأمر والنهى حتی يقال بأنّ مختارنا فيه جوازه، بل لأجل امتناع أن يكون المبغوض في الاُمور التعبديّة مقرّباً إليه تعالى.

الثاني: لو زاد شيء من الخمس بعد ما رجع إلى وطنه، فعليه أن يردّه إلى بيت المال وأربابه، لعدم كونه حينئذٍ معدوداً من أبناء السبيل وأنّه على الفرض غير محتاج فيه أيضاً.الثالث: هل تعتبر العدالة في مستحقّي الخمس أم لا؟

قد جعل عدم اعتبارها هنا أظهر، بل قد ادّعي كونه ممّا لا خلاف فيه أو المعروف من مذهب الأصحاب في حين أنّه في باب الزكاة قد صرّح غير واحد منهم بكونها شرطاً فيها، ففي «الجواهر» بعد قول المحقق رحمه الله في «الشرائع»: «والعدالة لا تعتبر على الأظهر»، قال:

بل لا أجد فيه مخالفاً كما اعترف به في المدارك والرياض بعد نسبته في أوّلهما إلى مذهب الأصحاب...، لكن قد يوهم ما في المتن الخلاف فيه، بل لعلّه من المرتضى لما حكى عنه من اعتبارها في الزكاة مستنداً لما يشمل المقام من النهي كتاباً وسنّة عن معونة الفسّاق والعصاة، بل

ص: 572

قد يقال بلزوم اعتبارها هنا لاعتبارها فيها مع قطع النظر عن ذلك، بل لبدليّة الخمس عن الزكاة وعوضيّته عنها(1).

وقال المحقّق العاملي رحمه الله في «المدارك»:

(إنّ) هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفاً تمسّكاً بإطلاق الكتاب والسنة...، والقول باعتبار العدالة هنا مجهول القائل ولا ريب في ضعفه(2).

وقال في «الرياض»:

ولا تعتبر العدالة هنا بلا خلاف أجده لإطلاق الأدلّة السليمة هنا عمّا يصلح للمعارضة، نعم ربما يظهر من «الشرائع» وجود مخالف فيالمسألة، وفي «المدارك» أنّه مجهول، ولعلّه المرتضى فإنّه وإن لم يصرّح باعتبارها هنا، لكنّه اعتبرها في الزكاة(3).

وأمّا في الزكاة فقد جعلوا اعتبارها بخلاف المقام هو الظاهر من مذهب الأصحاب أو ممّا أجمعوا عليه، قال الشيخ رحمه الله في «الخلاف»:

الظاهر من مذهب أصحابنا أنّ زكاة الأموال لا تعطي إلّا العدول من أهل الولاية دون الفسّاق منهم وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: إذا أعطى الفاسق برأت الذمّة، وبه قال قوم من أصحابنا، دليلنا: طريقة

ص: 573


1- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/115.
2- «مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الإسلام» ج5/411.
3- «رياض المسائل» ج5/261، وقريب منه ما قاله في «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/105.

الاحتياط لأنّه إذا أعطاها العدل برأت ذمّته بلا خلاف، وإذا أعطاها لغير عدل لم تبرأ ذمّته بيقين(1).

وقال في «الحدائق»:

من أوصاف المستحقّين العدالة عند جملة من الأصحاب، منهم الشيخ والمرتضى وابن البرّاج وابن حمزة وغيرهم، ونقل عن ابن الجنيد اعتبار مجانبة الكبائر خاصّة(2).

وفي «الغنية» ادّعى الإجماع عليه(3) فيها، وأرسلها في «المبسوط» إرسالالمسلّمات(4)، لكنّه واستقرب عدم اشتراطها في «المختلف»(5)، وكيف كان يمكن أن نستدلّ على اشتراطها في المقام باتحاد المستحقّين في بابي الخمس والزكاة من جهة الأوصاف والشرائط، إلّا أنّ إثباتها في الزكاة أيضاً أوّل الكلام، إذ المسلّم من نهي الكتاب والسنة عن معونة الفساق والعصاة هو ما إذا كان في إعطائهم الصّدقات والأخماس إعانة على فسقهم وعصيانهم، وأين هذا بما إذا نعطيها بمن ارتكب غيبة أوكذبة مثلاً لسدّ جوعه من دون أن يكون ذلك تشويقاً وإعانة على ذنبه؟ نعم لو كان المنع سبباً لردعه عنه فإنّ أدلّة النهى عن المنكر

ص: 574


1- «الخلاف» ج4/224، المسألة الرقم 3 من مسائل كتاب قسمة الصّدقات.
2- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/209.
3- «غنية النزوع إلی علمي الاُصول والفروع» ص124، و«سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج5/241.
4- «المبسوط في فقه الإماميّة» ج1/247.
5- «مختلف الشيعة في أحكام الشرعية» ج3/208، حيث قال: والأقرب عندی عدم اشتراط العدالة.

يشمله لا محالة حينئذٍ، وكذا لو كان المرتكب متجاهراً بالكبائر مشتهراً بين النّاس عليها فالأحوط وجوباً عدم إعطائه لما ورد في خبر داود الصرّمي قال: سَأَلْتُهُ عَنْ شَارِبِ الْخَمْرِ يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ شَيْئاً؟ قَالَ: «لَا»(1)، والأولى مراعاة المرجّحات من إعطائه لأهل الفضل والتقوى، وأشدّهم فقراً، خصوصاً من لا يسأل حاجته لما حثّ عليها في صحيحة عبد الله بن عجلان السكوني قال: قلت لأبي جعفر علیه السلام: إِنِّي رُبَّمَا قَسَمْتُ الشيء بَيْنَ أَصْحَأبي أَصِلُهُمْ بِهِ فَكَيْفَ أُعْطِيهِمْ؟قَالَ: «أَعْطِهِمْ عَلَى الْهِجْرَةِ في الدِّينِ وَالْفِقْهِ وَالْعَقْلِ»(2)،وفي صحيحة عبد الرّحمن بن الحجاج قال: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الْأَوَّلَ علیه السلام عَنِ الزَّكَاةِ، يُفَضَّلُ بَعْضُ مَنْ يُعْطَى مِمَّنْ لَا يَسْأَلُ عَلَى غَيْرِهِ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، يُفَضَّلُ الّذي لَا يَسْأَلُ عَلَى الّذي يَسْأَلُ»(3).

الرابع: إنّ مستضعف من كلّ فرقة ملحق بها.

والمراد به أنّ كلّ من الفرقة المؤمنة والمخالفة فمستضعفها وهو من قصر عن إدراك الحقّ والباطل (الصبايا والمجانين منهم) ملحق بها في إعطاء الخمس أو المنع عنه، كما هو الحال في سائر الأحكام من الزواج والإرث والزكاة

ص: 575


1- «الكافي» ج3/563، الحديث 15، و«التهذيب» ج4/52، الحديث 138، و«وسائل الشيعة» ج9/249، الحديث 11947.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج2/18، الحديث 59، و«التهذيب» ج4/101، الحديث 285، و«وسائل الشيعة» ج9/262، الحديث 11982.
3- «الكافي» ج3/550، الحديث 2، و«التهذيب» ج4/101، الحديث 284، و«وسائل الشيعة» ج9/262، الحديث 11981.

ونحوها، وذلك للصدق العرفي كما لا يخفى، فإنّه يصدق عليه عنوان المؤمن أو المخالف، بل مقتضى ذلك أن يكون منها، لا أنّه ملحق بها للصدق حقيقة، تعرّضوا لحكمه غالباً في مبحث الزكاة، أرسله بعض إرسال المسلمات، أو كونه ممّا لاخلاف فيه أو ممّا أجمع عليه الأصحاب بعض آخر، قال المفيد رحمه الله :

ولا بأس بإعطاء الزكاة أطفال المؤمنين عند حاجتهم إليها بعد موت آبائهم فإذا بلغوا واعتقدوا الإيمان سلك بهم سبيل المؤمنين في الزكاة، وإن خالفوا قطعت عنهم الزكاة(1).وقال في «الحدائق»:

أنّه لا خلاف بين الأصحاب في أنّ أطفال المؤمنين يعطون من الزكاة دون أطفال غيرهم(2).

وقال في «المستند»:

يجوز أن يعطى الزكاة أطفال المؤمنين بغير خلاف يعلم، كما صرّح به جماعة، بل بالإجماع كما في الروضة والمدارك، بل المختلف، لإطلاق الكتاب والسنة...، ولا يجوز إعطاء أطفال غير المؤمنين بلا خلاف يوجد أيضاً، لعدم تحقق الشرط الّذي هو الإيمان والولاية...، ومن أطفال غير المؤمنين أطفال العوامّ الّذين لا يعلم معرفة آبائهم النّبيّ أو الأئمة بأسمائهم وترتيبهم(3).

وقد استدلّوا على ذلك بأخبار منها صحيحة أبو بصير قال: قلت لأبي عبد

ص: 576


1- «المقنعة (للشيخ المفيد)» ص259.
2- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/207.
3- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج12/209.

اللّه علیه السلام: الرَّجُلُ يَمُوتُ وَيَتْرُكُ الْعِيَالَ أَ يُعْطَوْنَ مِنَ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: «نَعَمْ حتی يَنْشَؤُوا وَيَبْلُغُوا وَيُسْأَلُوا مِنْ أَيْنَ كَانُوا يَعِيشُونَ إِذَا قُطِعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ، قَالَ: يُحْفَظُ فِيهِمْ مَيِّتُهُمْ وَيُحَبَّبُ إِلَيْهِمْ دِينُ أَبِيهِمْ فَلَا يَلْبَثُوا أَنْ يَهْتَمُّوا بِدِينِ أَبِيهِمْ، فَإِذَا بَلَغُوا وَعَدَلُوا إِلَى غَيْرِكُمْ فَلَا تُعْطُوهُمْ»(1).

ص: 577


1- «الكافي» ج3/548، الحديث 1، و«التهذيب» ج4/102، الحديث 287، و«وسائل الشيعة» ج9/226، الحديث 11896.

بقي هنا مسائل:

المسألة الاُولى: إذا تعدّد أسباب الاستحقاق في شخص واحد.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا تعدّد سبب الاستحقاق في شخص واحد، كأن يكون فقيراً وعاملاً وغارماً مثلاً جاز أن يُعطى بكلّ سبب نصيباً(1).

قد تعرّض السيّد رحمه الله لهذه المسألة تبعاً لغالب الفقهاء، في باب «الزكاة» من كتابه، بأنّه إذا تعدّد أسباب الاستحقاق في شخص واحد كما إذا كان الشخص فقيراً وعاملاً وغارماً، يجوز إعطائه من كلّ من سهام الفقراء والعاملين والغارمين وله من كلّ سبب نصيباً، وفي المقام مثل ما إذا كان الشخص فقيراً ويتيماً ومسافراً فنعطيه من سهام الفقراء والأيتام وأبناء السبيل، هذا على القول بوجوب البسط، وإلّا فالأمر سهل، وذلك لاقتضاء تعدّد الأسباب تعدّد المسبّبات أيضاً ما لم يدلّ دليل بخصوصه على تداخلها(2)، نعم مسألة مراعاة الشروط المعتبرة عند الدفع بالنسبة إلى كلّ منها، فهو من لوازمه الشرعية الّتي لا تنفكّ عنه، قال المحقّق النراقي رحمه الله :

لو اجتمعت للمستحقّ أسباب - كأن يكون فقيراً وعاملاً وغارماً - يجوز أن يُعطى بكلّ سبب نصيب، لصدق هذه العنوانات عليه، فيدخل تحت

ص: 578


1- راجع: «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/326، المسألة الرقم 16 من مسائل بقيّة أحكام الزكاة.
2- لزيادة التوضيح راجع: مسألة اقتضاء تعدّد الأسباب تعدّد المسببات من الكتب الاُصوليّة.

عموم الآية والأخبار، وأمّا ما في الحدائق من التوقّف في الحكم، لعدم دليل عليه، ولادّعاء تبادر تغاير هذه الأفراد من الآية والرّوايات، لأنّه الشائع المتكثّر، ولأنّه متى أعطى من حيث الفقر ما يغنيه ويزيد على غناه فكيف يُعطى من حيثية اُخرى مع اشتراط الغرم مثلاً بالعجز عن الأداء؟!، ففاسد جدّاً لوجود الدليل كما مرّ، ومنع التبادر المذكور جدّاً وعدم استلزام الإعطاء من حيث الفقر القدرة على الأداء مثلاً، وأيضاً العمل لا يشترط بعجز أو فقر، وبالجملة ضعفه ظاهر(1).

وقال ابن قدامة الحنبلي:

إن كان ابن سبيل فقيراً في بلده أعطى لفقره وكونه ابن سبيل لوجود الأمرين فيه، ويُعطى لكونه ابن سبيل قدر ما يوصله إلى بلده لأنّ الدفع إليه للحاجة إلى ذلك فتقدّر بقدره، وتدفع إليه وإن كان موسراً في بلده إذا كان محتاجاً في الحال لأنّه عاجز عن الوصول إلى ماله فصار كالمعدوم، وإن فضل معه شيء بعد رجوعه إلى بلده ردّه لأنّه أخذه للحاجة وقد حصل الغنى بدونه فأشبه ما لو أخذه لغزو فلم يغز، وإن كان فقيراً أو اتصل بسفره الفقر أخذ الفضل لفقره، لأنّه إن فات الاستحقاق بكونه ابن سبيل حصل الاستحقاق بجهة اُخرى، وإن كان غارماً أخذ الفضل لغرمه(2).

ص: 579


1- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج9/300، وقريب منه ما قاله في «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج15/447، و... .
2- «المغني لابن قدامة» ج6/438 - 439.

المسألة الثانية: عدم وجوب البسط على الأصناف.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

لا يجب البسط على الأصناف، بل يجوز دفع تمامه إلى أحدهم، وكذا لا يجب استيعاب أفراد كلّ صنف، بل يجوز الاقتصار على واحد ولو أراد البسط لا يجب التساوي بين الأصناف أو الأفراد(1).

نبحث هنا عن مسألتين؛ هما مسألة وجوب بسط الخمس على الأصناف الثلاثة وعدمه، ومسألة وجوب بسطه على أفراد كلّ صنف بناء على القول بوجوب بسطه على الأصناف.

أمّا المسألة الاُولى، والأقوال فيها بين قائل بعدم وجوبه، وهو ما اختاره المشهور من الأصحاب خصوصاً المتأخرين منهم، وقوّاه في «الجواهر»(2)، وهو أيضاً خيرة الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة من العامّة، فيجوز أن يخصّ بالنصف من الخمس طائفة واحدة كالمساكين مثلاً، وهذا ما قامت عليه السيرة أيضاً، وقائل بوجوبه على الأصناف، وهو الّذي اختاره أبي الصّلاح الحلبي رحمه الله في «الكافي» والشيخ رحمه الله ظاهراً في «المبسوط»، وقوّاه صاحبي «الحدائق»(3) و«المستند»، واستحوطه المحقّق رحمه الله في كتابي «الشرايع»(4) و«المختصر»(5)، والفاضل

ص: 580


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/404، المسألة الرقم 2.
2- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/108.
3- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/379 - 382.
4- «شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام» ج1/165.
5- «المختصر النافع في فقه الإماميّة» ص63.

السّيوري رحمه الله في «التنقيح»(1)، واختاره المشهور من الشافعيّة منهم أيضاً، فيجب بسطه إلى ثلاثة أشخاص فما زاد من كلّ صنف إن وجدوا، وإلّا يقسم سهمهم بين الموجودين من سائر الأصناف، قال النراقي رحمه الله :

هل يجوز أن يخصّ بنصف الخمس الّذي للطوائف الثلاث طائفة أو طائفتان منها، أم يجب البسط على الأصناف؟ المحكيّ عن الفاضلين (المحقّق والعلّامة الحلّيين) ومن تأخّر عنهما الأوّل، بل هو المشهور بين المتأخّرين، كما صرّح به جماعة...، وعن المبسوط والحلبيّ والتنقيح: الثاني، ومال إليه جمع من متأخرّي المتأخرّين، منهم الذخيرة والحدائق وبعض شرّاح المفاتيح، وهو الأقوى(2).

وقال الشيخ رحمه الله في «المبسوط»:

والخمس إذا أخذه الإمام ينبغي أن يقسمه ستة أقسام: سهم لله ولرسوله وسهم لذي القربى، فهذه الثلاثة أقسام للإمام القائم مقام النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم يصرفه فيما شاء من نفقته ونفقة عياله وما يلزمه من تحمّل الأثقال ومؤن غيره وسهم ليتامى آل محمّد ولمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم، وليس لغيرهم من سائر الأصناف شيء على حال، وعلى الإمام أن يقسم هذه السهام بينهم على قدر كفايتهم ومؤونتهم في السنة على الاقتصاد، ولايخصّ فريقاً منهم بذلك دون فريق، بل يعطي جميعهم على ما

ص: 581


1- «التنقيح الرائع لمختصر الشرائع» ج1/341.
2- «مستند الشيعة في أحكام الشرعيّة» ج10/99 - 100.

ذكرناه من قدر كفاياتهم، ويسوى بين الذكر والاُنثى فإن فضل منه شيء كان له خاصّة، وإن نقص كان عليه أن يتمّم من حصّة خاصّة(1).

وقال الحلبيّ رحمه الله :

ويلزم من وجب عليه الخمس إخراجه من ماله وعزل شطره لوليّ الأمر انتظاراً للتمكّن من إيصاله إليه، فإن استمرّ التعذّر أوصى حين الوفاة إلى من يثق بدينه وبصيرته ليقوم في أداء الواجب مقامه، وإخراج الشطر الآخر إلى مساكين آل عليّ وجعفر وعقيل والعباس وأيتامهم وأبناء سبيلهم، لكلّ صنف ثلث الشط(2).

وقال الجزيري في «الفقه على المذاهب الأربعة»:

الحنفية قالوا:...، للمالك أن يصرف الزكاة لجميع الأصناف المذكورة في الآية الكريمة، أو لبعضهم ولو واحداً من أيّ صنف كان والأفضل أن يقتصر على واحد إذا كان المدفوع أقلّ من نصاب، فإن دفع لواحد نصاباً كاملاً فأكثر أجزأه مع الكراهة...، والمالكية قالوا:...، ولا يجب تعميم الأصناف الثمانية في الإعطاء بل يجوز دفعها ولو لواحد من صنف واحد، إلّا العامل فلا يجوز دفعها كلّها إليه إذا كانت زائدة على اُجرة عمله...، والحنابلة قالوا:...، ويكفي الدفع لواحد من هذه الأصناف الثمانية، ويجوز أن يدفع الجماعة زكاتهم لواحد كما يجوز للواحد أن يدفع زكاته لجماعة...، والشافعية قالوا:...، ويجب في الزكاة تعميم الأصناف الثمانية إن وجدوا سواء فرّقها الإمام أو المالك،

ص: 582


1- «المبسوط في فقه الإماميّة» ج1/262.
2- «الكافي في الفقه» ص173.

إلّا أنّ المالك لا يجب عليه التعميم إلّا إذا كانت الأصناف محصورة بالبلد ووفی بهم المال، وإلّا وجب إعطاء ثلاثة أشخاص من كلّ صنف، وإن فقد بعض الأصناف أعطيت للموجود واختار جماعة جواز دفع الزكاة ولو كانت زكاة مال لواحد(1).

وقال ابن قدامة في مبحث الخمس من كتابه:

أنّه يفرق (الخمس) بينهم بحيث كانوا من الأمصار، ويجب تعميمهم به حسب الإمكان وهذا قول الشافعي...، والصحيح إن شاء الله أنّه لا يجب التعميم لأنّه يتعذّر فلم يجب كتعميم المساكين(2).

إذا عرفت الأقوال في المقام فاعلم أنّه قد ذكروا للقول بوجوب البسط وجوهاً كلّها قابلة للمناقشة، منها: ظهور «اللام» في آية الخمس - وما يكون من قبيلها من الرّوايات - في الملك أو الاختصاص، وأنّ العطف ب«الواو» يقتضي التشريك في الحكم(3)، فتكون الآية الكريمة نظير قول القائل: «هذا المال يقسم على اليتيم والمسكين وابن السبيل»، أو فقل: كما أنّ السهام الثلاثة الاُولى من قبيل البسط وإن كان اختيارها بتمامها بيد النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم في حياته وبيد الإمام المعصوم علیه السلام بعده، فكذلك بالنسبة إلى الثلاثة الأخيرة.

يلاحظ عليه أوّلاً: بأنّ مقتضى دلالتها على لزوم البسط والشركة على الفرض هو مساواة كلّ صنف من الأصناف الثلاثة، ثمّ كلّ فرد من الآحاد في كلّ صنف

ص: 583


1- «الفقه علی المذاهب الأربعة» ج1/621 و624 و626.
2- «المغني لابن قدامة» ج6/411 - 412.
3- راجع: «رياض المسائل» ج5/256، و... .

من هذه الأصناف من السهام بحيث لا يزيد ولا ينقص سهم واحد منهم بالنسبة إلى الآخرين على ما هو الشأن في جميع موارد الشركة بين الأفراد أو العناوين الكلّيّة، وهذا ممّا لم يلتزم به أحد حتی القائلين بوجوب البسط على الأصناف، إذ كيف يمكن لكلّ مكلّف من المكلّفين بأداء خمس ماله هكذا؟! فإنّ ذلك لو كان ممكناً للفقيه الجامع للشرائط عند بسط يده بأن ينتظم لجميع المحتاجين من بني هاشم برنامج موظفة راتبة، شهريّة أو سنويّة من مجموع الأخماس الواصلة إليه، لكنّه غير مقدور لقاطبة المكلّفين غالباً، بعد كونهم مخاطبون ظاهراً بأداء خمس أموالهم وإن كان قليلاً وتقسيمه على سهام الّتي سمّاها الله تعالى واستحباب مراعاتهم أيضاً المرجّحات عند الأداء من الهجرة في الدّين والفقه والعقل وعدم السؤال!

هذا، وقد تقدّم مسألة اشتراط الفقر عندنا في الأصناف مطلقاً، فعليه يقسم الخمس قسمين، قسم لله تبارك وتعالى ولرسوله ولذي القربى الّذي هو الآن لصاحب العصر والزمانأ ويعرف بعنوان سهم الإمام علیه السلام، وسهم للأصناف الثلاثة بعنوان فقراء السّادة من بني هاشم كملاً الّذي يعبّر عنه اليوم بسهم سادات الكرام، فالمالك له هو جنس الثلاثة الجامع بينهم أي المحتاج منهم والأصناف مصاديقه، فلا يجب البسط بينهم بالسوية لقصور دلالة ملكيّة الجامع عن مالكيّة كلّ صنف منه هكذا، إذ الأيتام أو أبناء السبيل على هذا الفرض ليسا قسيماً للمساكين، زائداً على قلّة عدد أبناء السبيل أو فقده في بلد في القياس إلى عدد الفقراء والمساكين فيها، فإن كان لهم سهم مستقلّاً للزم تعطيل سهمه أو الادّخار له، وكلاهما ممنوع، وهذا بخلاف ما إذا كان مصرفاً للسهم المذكور، فإنّه مع ندرته، أو عدم وجوده يُصرف في الصنفين الآخرين.

ص: 584

أضف إلى ذلك كلّه أنّه لو كان البسط واجباً للزم أن يشتهر وعرفه جميع الفقهاء من الأصحاب، فكيف ذهب المشهور إلى عدم وجوبه؟! وهذا أوضح شاهد على عدمه، ويصلح أن تكون قرينة على أن التسهيم إلى الثلاثة في الآية المباركة والرّوايات إنّما هو لبيان المصرف وليس تمليكاً لثلث النصف لكلّ صنف منهم.

وثانياً: أنّ ما يظهر من ملاحظة السيرة العمليّه من المتشرعة المتعبّدين هو أيضاً عدم بسطهم الخمس على الأصناف الثلاثة، فإنّهم إذا دفعوا الأخماس أصالة إلى السادة بأنفسهم إن قلنا بجوازه، أو وكالة عن حكّام الشرع، يقتصرون على أيّ صنف من المساكين أو اليتامى، بل أيّ فرد منهم في بلدهم، فإن أوجبوا ذلك للزم أن ينقلوه إلى سائر البلاد لو كان البلد فاقداً من أيّ صنف منهم لئلا يلزم الحكم بسقوط الخمس بالنسبة إليه أو الادّخار له، وكذلك سيرتهم عندهم دفع الزكوات.

ومن الأدلّة الّتي استدلّوا بها أيضاً على وجوب البسط قوله علیه السلام في صحيحة ربعيّ بن عبد الله بن الجارود: «...، ثُمَّ يَقْسِمُ الْأَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ بَيْنَ ذوي الْقُرْبَى، وَالْيَتَامَى، وَالْمَسَاكِينِ، وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ يُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقّاً، وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ أَخَذَ كَمَا أَخَذَ الرَّسُولُ صلی الله علیه و آله و سلم »(1).

وقوله علیه السلام في موثقة حمّاد بن عيسى: «...، وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمُ الْخُمُسُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِلَّهِ، وَسَهْمٌ لِرَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم، وَسَهْمٌ لِذِي الْقُرْبَى، وَسَهْمٌ لِلْيَتَامَى،

ص: 585


1- «التهذيب» ج4/128، الحديث 365، و«الاستبصار» ج2/56، الحديث 186، و«وسائل الشيعة» ج9/510، الحديث 12602.

وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ،

وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ...، وَلَهُ نِصْفُ الْخُمُسِ كَمَلاً، وَنِصْفُ الْخُمُسِ الباقي بَيْنَ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَسَهْمٌ لِيَتَامَاهُمْ، وَسَهْمٌ لِمَسَاكِينِهِمْ، وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ، يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّة»، الحديث(1).

وما رواه عليّ بن الحسين المرتضی في رسالة «المحكم والمتشابه» نقلاً من تفسير النّعماني بإسناده عن عليّ علیه السلام قال: «...، وَيَجْرِي هَذَا الْخُمُسُ عَلَى سِتَّةِ أَجْزَاءٍ، فَيَأْخُذُ الْإِمَامُ مِنْهَا سَهْمَ اللَّهِ وَسَهْمَ الرَّسُولِ وَسَهْمَ ذِي الْقُرْبَى، ثُمَّ يَقْسِمُ الثَّلَاثَةَ السِّهَامِ الْبَاقِيَةَ بَيْنَ يَتَامَى آلِ مُحَمَّدٍ وَمَسَاكِينِهِمْ وَأَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ»(2).

وقوله علیه السلام في مرفوعة أحمد بن محمّد: «...، فَأَمَّا الْخُمُسُ فَيُقْسَمُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِلَّهِ، وَسَهْمٌ لِلرَّسُولِ صلی الله علیه و آله و سلم، وَسَهْمٌ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَسَهْمٌ لِلْيَتَامَى، وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ...، فَالنِّصْفُ لَهُ خَاصَّةً، وَالنِّصْفُ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ: الَّذِينَ لَا تَحِلُّ لَهُمُ الصَّدَقَةُ وَلَا الزَّكَاةُ، عَوَّضَهُمُ اللَّهُ مَكَانَ ذَلِكَ بِالْخُمُسِ»، الحديث(3).

وقوله علیه السلام في مرسلة إسحاق: «...، وَثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ يَقْسِمُهُ الْإِمَامُ بَيْنَهُمْ، فَإِنْ أَصَابَهُمْ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ لِكُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ نَظَرَ الْإِمَامُبَعْدُ فَجَعَلَهَا في ذِي الْقُرْبَی»(4).

ص: 586


1- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/513، الحديث 12607.
2- حكاه في «وسائل الشيعة» ج9/516، الحديث 12611.
3- «التهذيب» ج4/128، الحديث 366، و«الاستبصار» ج2/56، الحديث 185، و«وسائل الشيعة» ج9/514، الحديث 12608.
4- «تفسير العياشي» ج2/63، الحديث 62، و«وسائل الشيعة» ج9/518، الحديث 12618.

يلاحظ عليه أوّلاً: بأنّ الرّوايات معرضة عنها عند كثير من الأصحاب بعد كون أكثرها ضعافاً، زائدة على أنّ الظاهر الأخيرة منها دلّت على لزوم التسويّة بين كلّ صنف من هذه الأصناف الّذي لا يقول به أحد.

وثانياً: إنّ مقتضى بدليّة الخمس عن الزكاة كما اُشير إليه في المرفوعة وفي غيرها ممّا وردت من الأخبار في المقام عدم لزوم استيعابه لما دلّ عليه من الأخبار والإجماع هناك، فقد صرّح في باب الزكاة من «الجواهر» وغيره(1) بعدم وجدانهم الخلاف فيه، بل الإجماع عليه، وفيه بأنّ الإجماع بقسميه عليه(2).

من الأخبار المستفيضة الّتي استدلّوا بها على ذلك في الزكاة قول الصادق علیه السلام في احتجاجه على عمرو بن عبيد في صحيحة عبدالكريم بن عتبة الهاشمي، حيث قال له: «مَا تَقُولُ في الصَّدَقَةِ؟ فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْآيَةَ: (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ(3)، قَالَ: نَعَمْ، فَكَيْفَ تَقْسِمُهَا؟ قَالَ أَقْسِمُهَا عَلَى ثَمَانِيَةِ أَجْزَاءٍ، فَأُعْطِي كُلَّ جُزْءٍ مِنَ الثَّمَانِيَةِ جُزْءاً، قَالَ: وَإِنْ كَانَ صِنْفٌ مِنْهُمْ عَشَرَةَ آلَافٍ وَصِنْفٌ مِنْهُمْ رَجُلاً وَاحِداً أَوْ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً جَعَلْتَ لِهَذَا الْوَاحِدِ مَا جَعَلْتَ لِلْعَشَرَةِ آلَافٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَتَجْمَعُ صَدَقَاتِ أَهْلِ الْحَضَرِ وَأَهْلِ الْبَوَادِي فَتَجْعَلُهُمْ فِيهَا سَوَاءً؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَقَدْ خَالَفْتَ رَسُولَ الله صلی الله علیه و آله و سلم في كُلِّ مَا

ص: 587


1- منهم المحقّق السبزواري رحمه الله في «ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد» ج2/465، والمحقّق البحراني رحمه الله في «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/224، والمحقّق النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج9/351، و... .
2- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج15/428.
3- «التوبة»: 60.

قُلْتَ في سِيرَتِهِ، كَانَ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله و سلم يَقْسِمُ صَدَقَةَ أَهْلِ الْبَوَادي في أَهْلِ الْبَوَادِي وَصَدَقَةَ أَهْلِ الْحَضَرِ في أَهْلِ الْحَضَرِ وَلَا يَقْسِمُهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، وَإِنَّمَا يَقْسِمُهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَحْضُرُهُ مِنْهُمْ وَمَا يَرَى، وَلَيْسَ عَلَيْهِ في ذَلِكَ شيء مُؤَقَّتٌ مُوَظَّفٌ، وَإِنَّمَا يَصْنَعُ ذَلِكَ بِمَا يَرَى عَلَى قَدْرِ مَنْ يَحْضُرُهُ مِنْهُم»(1).

وبذلك يظهر الحكم بالنسبة إلى عدم لزوم بسطه بالنسبة إلى أفراد كلّ صنف من هذه الأصناف في المسألة الثانية أيضاً بالأولويّة والفحوى، لكونها متفرعة على الاُولى، ولما فيه أيضاً من العسر والحرج الشديد، على وجه أنّ مثل المحقّق الحلي رحمه الله الّذي احتاط في مسألة البسط على الأصناف صرّح بعدم وجوبه هنا، وادّعى في «المستند» أنّه ممّا لا خلاف فيه.

نعم قد صرّح الشهيد رحمه الله في «الدروس» بتعميه للحاضرين منهم دون الغائبين، ولعلّه قال به من باب «لزوم البسط مهما أمكن» و«ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه»، إلّا أنّ الأولى بل المتعيّن بعد ما عرفت من تلك الأدلّة والشواهد هو رفع اليد عن هذا الأصل، نعم غاية ما يمكن أن يقال كونه مندوباً لما حكى عن فعل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في ذيل الصحيحة من أنّه يقسمه على قدر ما يحضره منهم على ما يرى من حاجتهم.قال المحقّق رحمه الله صاحب «الشرائع»:

وثلاثة للأيتام والمساكين وأبناء السبيل...، ولا يجب استيعاب كلّ طائفة بل لو اقتصر من كلّ طائفة على واحد جاز(2).

ص: 588


1- «الكافي» ج5/26، الحديث 1، و«وسائل الشيعة» ج9/265، الحديث 11987.
2- «شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام» ج1/165.

وقال في «المستند»:

ولا يجب بسط حصة كل صنف على جميع أفراده مطلقاً، بلا خلاف فيه، ولا على الحاضر منهم على الأشهر الأظهر(1).

وقال في «الدروس»:

ويعتبر في الأصناف الإيمان لا العدالة على الأقوى...، وفي اعتبار فقر اليتيم نظر، ولم يعتبره الشيخ وابن إدريس، وكذا في اعتبار تعميم الأصناف، وأمّا الأشخاص فيعمّ الحاضر(2).

بل قد ورد في باب الزكاة تصريح جواز اختصاص واحداً من الأصناف منها حتی يستغنى وإن كان له دابّة ودار وغلام وجارية، فليكن الأمر في المقام بمقتضى البدليّة هكذا، منها صحيحة عليّ بن جعفر العريضي في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام قال: سَأَلْتُهُ عَنِ الزَّكَاةِ أَ يُعْطَاهَا مَنْ لَهُ الدَّابَّةُ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَمَنْ لَهُ الدَّارُ وَالْعَبْدُ فَإِنَّ الدَّارَ لَيْسَ نَعُدُّهَا مَالاً»(3).

وصحيحة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن موسی بن جعفر الكاظم علیه السلام قال:قلت له: أُعْطِي الرَّجُلَ مِنَ الزَّكَاةِ ثَمَانِينَ دِرْهَماً؟ قَالَ: «نَعَمْ، وزِدْهُ، قُلْتُ: أُعْطِيهِ مِائَةً؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَغْنِهِ إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُغْنِيَهُ»(4).

ص: 589


1- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/100.
2- «الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة» ج1/262.
3- «مسائل عليّ بن جعفر» ص142، الحديث 165، و«وسائل الشيعة» ج9/237، الحديث 11920.
4- «الكافي» ج3/548، الحديث 2، و«التهذيب» ج4/64، الحديث 173، و«وسائل الشيعة» ج9/259، الحديث 11972.

وموثقة عمّار بن موسی الساباطي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أَنَّهُ سُئِلَ كَمْ يُعْطَى الرَّجُلُ مِنَ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: «قَالَ أَبُو جعفر علیه السلام إِذَا أَعْطَيْتَ فَأَغْنِهِ»(1).

فتحصّل إلى هنا أنّ القول بوجوب البسط على الأصناف وكذا على الأشخاص من كلّ طائفة منهم ممّا لا يمكن المساعدة عليه، نعم يستحب عند اختصاص الخمس بهم كما مرّ من مراعاة المرجّحات من إعطائه لأهل الفضل والتقوى وأشدّهم فقراً خصوصاً من لا يسأل حاجته لما حثّ عليها في صحيحة عبد الله بن عجلان السكوني قال: قلت لأبي جعفر علیه السلام: إِنِّی رُبَّمَا قَسَمْتُ الشيء بَيْنَ أَصْحَأبي أَصِلُهُمْ بِهِ فَكَيْفَ أُعْطِيهِمْ؟ قَالَ: «أَعْطِهِمْ عَلَى الْهِجْرَةِ في الدِّينِ وَالْفِقْهِ وَالْعَقْلِ»(2)، وفي صحيحة عبد الرّحمن بن الحجّاج قال: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الْأَوَّلَ علیه السلام عَنِ الزَّكَاةِ، يُفَضَّلُ بَعْضُ مَنْ يُعْطَى مِمَّنْ لَا يَسْأَلُ عَلَى غَيْرِهِ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، يُفَضَّلُ الّذي لَا يَسْأَلُ عَلَى الّذي يَسْأَلُ»(3).

وكيف كان فإن قلنا بوجوب البسط على الأصناف وعلى الأشخاص منهم فلامحالة لابدّ للمكلّف من إيصال خمسه بتمامه إلى المجتهد الجامع للشرائط المبسوط اليد، حتی يقسمه هو بين جميع الأصناف وبعده بين جميع أشخاصهم بالسويّة على ما مرّ، لكونه أقرب طريق لإيصال الحقّ إلى أصحابه وأربابه.

ص: 590


1- «الكافي» ج3/548، الحديث 3، و«التهذيب» ج4/64، الحديث 174، و«وسائل الشيعة» ج9/259، الحديث 11973.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج2/18، الحديث 59، و«التهذيب» ج4/101، الحديث 285، و«وسائل الشيعة» ج9/262، الحديث 11982.
3- «الكافي» ج3/550، الحديث 2، و«التهذيب» ج4/101، الحديث 284، و«وسائل الشيعة» ج9/262، الحديث 11981.

المسألة الثالثة: مستحقّ الخمس هو من انتسب إلى هاشم جدّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم بالاُبوة.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

مستحقّ الخمس من انتسب إلى هاشم بالاُبوة، فإن انتسب إليه بالاُم لم يحلّ له الخمس وتحلّ له الزكاة، ولا فرق بين أن يكون علوياً أو عقيلياً أو عباسياً، وينبغي تقديم الأتمّ علقة بالنّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم على غيره أو توفيره كالفاطميين(1).

إنّ المشهور - بل المتفق عليه عند الإماميّة - هو اشتراط انتساب الطوائف الثلاثة؛ الأيتام والمساكين وأبناء السبيل في المقام إلى هاشم جدّ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم بالاُبوة، ولا يشاركهم في نصف الخمس غيرهم وإن كانت اُمّه هاشميّة، خلافاً للعامّة حيث لم يقولوا فيهم بأنّه مختصّ بهم، بل جعلوا مصرفه كسائر مصارف بيت المال، ووافقهم في ذلك إجمالاً ابن الجنيد الإسكافي رحمه الله المتوفى في القرن الرابع على ما حكى عنه في «المختلف» ظاهراً إذا لم يوجد فيهم محتاج.

وكيف كان علينا أن نتكلّم أوّلاً في أصل اعتبار الانتساب إلى هاشم من أقارب الرّسول الأعظم صلی الله علیه و آله و سلم في مقابل مطلق الفقراء والأيتام وأبناء السبيل، وثانياًفي اعتبار الانتساب إليه بالاُبوة دون الاُمومة.

أمّا المرحلة الاُولى: أي أصل الانتساب إجمالاً، فقد استدلّ عليه تارة بالإجماع واُخرى بالأخبار الكثيرة المستفيضة الواردة في المقام. أمّا الإجماع

ص: 591


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/404، المسألة الرقم 3.

فقال السيّد رحمه الله في «الانتصار»:

فأمّا الثلاثة الأسهم الباقية فهي ليتامى آل محمّد: ومساكينهم وأبناء سبيلهم، ولا تتعدّاهم إلى غيرهم ممّن استحق هذه الأوصاف...، وخالف سائر الفقهاء في ذلك، وقالوا كلّهم أقوالاً خارجة عنه، والحجّة فيه: الإجماع المتكرر(1).

وقال الشيخ رحمه الله في «الخلاف»:

الثلاثة أسهم الّتي هي لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من الخمس يختصّ بها من كان من آل الرّسول صلی الله علیه و آله و سلم دون غيرهم، وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وقالوا: إنّها لفقراء المسلمين وأيتامهم وأبناء سبيلهم دون من كان من آل رسول الله خصوصاً، دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم...(2).

وقال العلّامة رحمه الله في «المختلف»:

المشهور أنّ المراد باليتامى والمساكين وابن السبيل في آية الخمس من قرابة النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم من بني هاشم خاصّة، ذهب إليه الشيخان (في المقنعة والنهاية)، وابن أبي عقيل، وأبو الصّلاح (في الكافى) وباقي فقهائنا، إلّاابن الجنيد، فإنّه قال: «وأمّا سهام اليتامى والمساكين وابن السبيل وهي نصف الخمس، فلأهل هذه الصفات من ذوي القربى، وغيرهم من المسلمين إذا استغنى عنها ذوي القربى، ولا يخرج عن ذوي القربى ما

ص: 592


1- «الانتصار في انفرادات الإماميّة» ص225.
2- «الخلاف» ج4/217، المسألة الرقم 41 من مسائل كتاب الفيء وقسمة الغنائم، وراجع أيضاً: «المغني لابن قدامة» ج6/406.

وجد منهم محتاج إليها إلى غيرهم»، ثمّ قال: «لنا: إنّ الخمس عوض عن الزكاة فيمنع منه صاحب الزكاة لئلّا يقع الجمع بينهما، ولأنّه جعل تكرمة لبني هاشم فلا يشركهم غيرهم فيه. ولأنّه أشرف من الزكاة، لأنّه علیه السلام نهى بني هاشم عن أخذ الزكاة لأنّها أوساخ النّاس فعوّضهم بالخمس، وبنو هاشم أشرف من غيرهم فاختصّوا به للتناسب. ولأنّ غيرهم لو استحقّ الخمس لساواهم أو أشرف عليهم لأنّهم امتازوا عنهم بالزكاة مع المشاركة بالخمس، والتالي باطل بالإجماع فكذا المقدّم(1).

حيث إنّه لم ينسب الخلاف إلّا إلى ابن الجنيد عند استغنائهم عنه، وقال في «الجواهر» مع اختلاف يسير:

الإجماع بقسميه على أنّ المراد بهم أقارب النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم لا مطلقاً، وإن حكي عن ابن الجنيد ذلك مع استغناء ذي القربى، لكن خلافه غير قادح في محصّل الإجماع فضلاً عن محكيه، خصوصاً بعد استفاضة الأخبار...(2).

هذه صورة المسألة في منظر الأقوال، وأمّا دليلها من الأخبار، فقد دلّت عليه كما مرّ أخبار مستفيضة، منها قوله علیه السلام في موثقة حمّاد بن عيسى: «...، وَيُقْسَمُ

بَيْنَهُمُ الْخُمُسُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِلَّهِ، وَسَهْمٌ لِرَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم، وَسَهْمٌ لِذِيالْقُرْبَى، وَسَهْمٌ لِلْيَتَامَى، وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ...، وَلَهُ نِصْفُ الْخُمُسِ كَمَلاً، وَنِصْفُ الْخُمُسِ الباقي بَيْنَ أَهْلِ بَيْتِهِ فَسَهْمٌ لِيَتَامَاهُمْ، وَسَهْمٌ

ص: 593


1- «مختلف الشيعة في أحكام الشريعة» ج3/330 - 331.
2- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/88.

لِمَسَاكِينِهِمْ، وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ»، الحديث(1).

وموثقة سليم بن قيس قال: سمعت أمير المؤمنين علیه السلام يقول: «نَحْنُ

وَاللَّهِ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ بِذِي الْقُرْبَى الَّذِينَ قَرَنَهُمُ اللَّهُ بِنَفْسِهِ وَبِنَبِيِّهِ فَقَالَ: (مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ) مِنَّا خَاصَّةً، وَلَمْ يَجْعَلْ لَنَا سَهْماً في الصَّدَقَةِ، أَكْرَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَأَكْرَمَنَا أَنْ يُطْعِمَنَا أَوْسَاخَ مَا في أَيْدِی النَّاسِ»(2).

وقوله علیه السلام في ما رواه عليّ بن الحسين المرتضی في رسالة «المحكم والمتشابه» نقلاً من تفسير النّعماني بإسناده عن عليّ علیه السلام قال: «...، وَيَجْرِي هَذَا الْخُمُسُ عَلَى سِتَّةِ أَجْزَاءٍ، فَيَأْخُذُ الْإِمَامُ مِنْهَا سَهْمَ اللَّهِ وَسَهْمَ الرَّسُولِ وَسَهْمَ ذِي الْقُرْبَى، ثُمَّ يَقْسِمُ الثَّلَاثَةَ السِّهَامِ الْبَاقِيَةَ بَيْنَ يَتَامَى آلِ مُحَمَّدٍ وَمَسَاكِينِهِمْ وَأَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ»(3).

وقوله علیه السلام في مرفوعة أحمد بن محمّد: «فَأَمَّا الْخُمُسُ فَيُقْسَمُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِلَّهِ، وَسَهْمٌ لِلرَّسُولِ صلی الله علیه و آله و سلم، وَسَهْمٌ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَسَهْمٌ لِلْيَتَامَى، وَسَهْمٌلِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ...، فَالنِّصْفُ لَهُ خَاصَّةً، وَالنِّصْفُ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ: الَّذِينَ لَا تَحِلُّ لَهُمُ الصَّدَقَةُ وَلَا الزَّكَاةُ،

ص: 594


1- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/513، الحديث 12607.
2- «الحشر»: 7. «الكافي» ج1/453، الحديث 1، و«التهذيب» ج4/126، الحديث 362، و«وسائل الشيعة» ج9/511، الحديث 12603.
3- حكاه في «وسائل الشيعة» ج9/516، الحديث 12611.

عَوَّضَهُمُ اللَّهُ مَكَانَ ذَلِكَ بِالْخُمُسِ»، الحديث(1).

ومرسلة عبد الله بن بكير عن بعض أصحابه عن أحدهما صلی الله علیه و آله و سلم في قول الله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكينِ وَابْنِ السَّبيل)، قال: «خُمُسُ اللَّهِ لِلْإِمَامِ، وَخُمُسُ الرَّسُولِ لِلْإِمَامِ، وَخُمُسُ ذَوِي الْقُرْبَى لِقَرَابَةِ الرَّسُولِ وَالْإِمَامِ، وَالْيَتَامَى يَتَامَى آلِ الرَّسُولِ، وَالْمَسَاكِينُ مِنْهُمْ، وَأَبْنَاءُ السَّبِيلِ مِنْهُمْ، فَلَا يُخْرَجُ مِنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ»(2).

ومرفوعة العيّاشي في تفسيره عن محمّد بن مسلم عن أحدهما صلی الله علیه و آله و سلم قال: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) قَالَ: «هُمْ قَرَابَةُ رَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم، فَسَأَلْتُهُ: مِنْهُمُ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ وَابْنُ السَّبِيلِ؟ قَالَ: نَعَمْ»(3).

ومرفوعة دعانم الإسلام عن جعفر بن محمّد علیه السلام أنّه قال: «وَالْخُمُسُ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ في الْيَتِيمِ مِنَّا وَالْمِسْكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَلَيْسَ فِينَا مِسْكِينٌ وَلَا ابْنُ السَّبِيل ِالْيَوْمَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ، فَالْخُمُسُ لَنَا مُوَفَّراً وَنَحْنُ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا حَضَرْنَاهُ في الْأَرْبَعَةِ

ص: 595


1- «التهذيب» ج4/128، الحديث 366، و«الاستبصار» ج2/56، الحديث 185، و«وسائل الشيعة» ج9/515، الحديث 12608.
2- «التهذيب» ج4/125، الحديث 361، و«الاستبصار» ج2/56، الحديث 186، و«تفسير الصافي» ج2/304، و«وسائل الشيعة» ج9/510، الحديث 12601.
3- «تفسير العيّاشي» ج2/61، الحديث 50، و«وسائل الشيعة» ج9/516، الحديث 12612.

الْأَخْمَاسِ»(1).

أضف إليها فحوى ما دلّ على لزوم كون الانتساب بالاُبوة فقط، هذه عمدة الأخبار الواردة في المسألة، وبها تقيّد إطلاق الآية الكريمة مضافاً إلى تسالم الأصحاب وإجماعاتهم، وأنّه لم ينسب الخلاف إلّا إلى ابن الجنيد ومخالفته لباقي الأصحاب لو سلّم إنّما هو فيما إذا استغنى بنو هاشم لا مطلقاً، فهو لا يضرّ بالمقصود.

هذا مع أنّ في إثبات مخالفته هنا لباقي الأصحاب ولو بصورة الإجمال بحثاً حيث لم نرى من مخالفته هكذا في كلام «الانتصار» و«الخلاف» عيناً ولا أثراً لجعلهما المخالف هو خصوص فقهاء العامّة فقط، فيحتمل قويّاً أن يكون مر اده1 من قوله: «وأمّا سهام اليتامى والمساكين وابن السبيل وهي نصف الخمس، فلأهل هذه الصفات من ذوي القربى وغيرهم من المسلمين إذا استغنى عنها ذوي القربى»، أخذ الإمام علیه السلام أو نائبه ما فضل من سهامهم على قدر كفايتهم وصرفه في سائر مصارف بيت المال (الّتي منها مصارف الأيتام والمساكين وأبناء السبيل من غير الهاشميّين، بل هي حينئذٍ أولى من سائر المصارف الّتي ليست مختصّة بالأيتام والمساكين وأبناء السبيل من غيرهم)، إذ كما أنّ عليه تكميل ما نقص على قدر حاجتهم من سهم نفسه لا الأكثر إذا لم يكن هناك مؤونة أهمّ وألزم منه، فله أيضاً أخذ ما فضل من سهامهم بعداستغنائهم عنها لما دلّت عليه موثقة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابه عن العبد

ص: 596


1- «دعائم الإسلام» ج1/386، و«مستدرك الوسائل» ج7/290، الحديث 8246.

الصالح علیه السلام حيث قال: «وَلَهُ (يَعْنِي لِلْإِمَامِ) نِصْفُ الْخُمُسِ كَمَلاً، وَنِصْفُ الْخُمُسِ الباقي بَيْنَ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَسَهْمٌ لِيَتَامَاهُمْ، وَسَهْمٌ لِمَسَاكِينِهِمْ، وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا يَسْتَغْنُونَ بِهِ في سَنَتِهِمْ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْهُمْ شيء فَهُوَ لِلْوَالِي، فَإِنْ عَجَزَ أَوْ نَقَصَ عَنِ اسْتِغْنَائِهِمْ كَانَ عَلَى الْوَالِي أَنْ يُنْفِقَ مِنْ عِنْدِهِ بِقَدْرِ مَا يَسْتَغْنُونَ بِهِ، وَإِنَّمَا صَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَمُونَهُمْ لِأَنَّ لَهُ مَا فَضَلَ عَنْهُمْ»،الحديث(1)، فلا يضرّ بحال الإجماع وصار النزاع لفظياً، ولعلّه بهذه الملاحظة لم ينسب الفيض رحمه الله الخلاف إليه صريحاً حيث قال:

ويشترط في الأصناف الثلاثة الإيمان على المشهور...، وأن يكونوا هاشميين للأخبار المستفيضة، خلافاً لظاهر الإسكافي(2).

وأمّا المرحلة الثانية: أي كون الانتساب إليه بالاُبوّة دون الاُمومة، فالأشهر الأظهر بين الأصحاب أنّه يعتبر في الطوائف الثلاث انتسابهم إلى هاشم بالاُبوّة فقط، فلو انتسبوا بالاُمّ لم يحلّ لهم الخمس وتحلّ لهم الزكاة، وذهب السيّد المرتضى رحمه الله على ما قيل ومن تبعه إلى أنّه يكفي في الاستحقاق الانتساب بالاُمّ ويكون الحكم فيه حكم المنتسب بالأب من غير فرق(3)، وتنظّر فيه المحقق

ص: 597


1- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/520، الحديث 12623.
2- «مفاتيح الشرائع» ج1/228.
3- راجع: «رسائل الشريف المرتضی» ج3/257 - 265، في مبحث ميراث أولاد البنين والبنات، وقد تردّد في هذا الانتساب إليه السيبد الخوئي رحمه الله حيث قال: ولا يخفی أنّ ما نسب إلی السيّد1 من عموم الاستحقاق للمنتسب إلی هاشم من طرف الاُمّ غير ثابت. «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/320 - 321، و«مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص316 - 317.

الأردبيلي رحمه الله (1)، وفي «الحدائق» حكى عن الشهيد الثاني رحمه الله في بابي الوقف والميراث من «المسالك» الخلاف عن عدّة من الأصحاب، وجعل منشأ الخلاف أنّ أولاد البنت أولاد حقيقة أو أولاد مجازاً؟ فإن كانوا أولاداً حقيقة يشملهم الحكم وإلّا فلا، ثمّ اختار مذهب السيّد حيث قال:

المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنّه يعتبر في الطوائف الثلاث انتسابهم إلى هاشم بالاُبوّة فلو انتسبوا بالاُمّ لم يعطوا من الخمس شيئاً وإنّما يعطون من الزكاة، وذهب السيّد المرتضى رضی الله عنه إلى أنّه يكفي في الاستحقاق الانتساب بالاُمّ ويكون الحكم فيه حكم المنتسب بالأب من غير فرق، ومنشأ هذا الخلاف أنّ أولاد البنت أولاد حقيقة أو مجازاً، فالمرتضى ومن تبعه على الأوّل والمشهور الثاني، والأصحاب لم ينقلوا الخلاف هنا إلّا عن السيّد رضی الله عنه وابن حمزة، مع أنّ شيخنا الشهيد الثاني في شرح المسالك في بحث ميراث أولاد الأولاد نقله عن المرتضى وابن إدريس ومعين الدّين المصري، ونقله في بحث الوقف على الأولاد عن الشيخ المفيد والقاضي وابن إدريس، ونقل بعض أفاضل العجم في رسالة له صنّفها في هذه المسألة واختار فيها مذهب السيّد هذا القول أيضاً عن القطب الرّاوندي والفضل بن شاذان،ونقله المقداد في كتاب الميراث من كتابه كنز العرفان عن الرّاوندي والشيخ المحقّق الشيخ أحمد بن المتوج البحراني الّذي كثيراً ما يعبّر عنه بالمعاصر، ونقله في الرسالة المشار إليها أيضاً عن ابن أبي عقيل

ص: 598


1- راجع: «مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان» ج4/187، حيث قال: وأمّا اشتراط كونهم منسوباً إلی هاشم بالأب لا الاُمّ فقط ففيه نظر.

وأبي الصلاح والشيخ الطوسي في الخلاف وابن الجنيد وابن زهرة في الغنية، ونقل عن المحقّق المولى أحمد الأردبيلي الميل إليه أيضاً، وهو مختار المحقّق المدقّق المولى العماد مير محمّد باقر الداماد وله في المسألة رسالة جيّدة قد وقفتُ عليها، واختاره أيضاً المحقّق المولى محمّد صالح المازندراني في شرح الاُصول والسيّد المحدّث السيّد نعمة الله الجزائري وشيخنا المحدّث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني...، وأنت خبير بأنّ جملة من هؤلاء المذكورين وإن لم يصرّحوا في مسألة الخمس بما نقلناه عن السيّد المرتضى2 إلّا أنّهم في مسائل الميراث والوقف ونحوها لما صرّحوا بأنّ ولد البنت ولد حقيقة، اقتضى ذلك إجراء حكم الولد الحقيقي عليه في جميع الأحكام الّتي من جملتها جواز أخذ الخمس وتحريم أخذ الزكاة ومسائل الميراث والوقوف ونحوها، لأنّ مبنى ذلك كلّه على كون المنتسب بالاُمّ ابناً حقيقياً، فكلّ من حكم بكونه ابناً حقيقياً يلزمه أن يجري عليه هذه الأحكام، بل الخلاف المنقول هنا عن السيّد إنّما بنوا فيه على ما ذكره في مسائل الميراث والوقوف ونحوها من حكمه بأنّ ابن البنت ابن حقيقة كما سيأتيك ذكره...، والظاهر عندي هو مذهب السيّد قدس سره لوجوه(1).

أقول: إنّ هنا فرقاً بين مسألة كون ولد البنت ولداً حقيقة الّتي لا ريب فيها

ص: 599


1- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/390 - 396.

عرفاً ويشهد لها جريان أحكام النكاح والميراث(1)، وبين مسألة جواز أخذ الخمس لخصوص من انتسب إلى هاشم من ناحية الأب، ولا تترتب الأخيرة منهما على الاُولى حتی يقال إنّ أولاد البنت إن كانوا أولاداً حقيقة يشملهم الحكم وإلّا فلا.

توضيح ذلك: أنّ كلمة الولد أو الذريّة على ما صرّح به أرباب اللغة وموارد استعمالهما في الكتاب والسنة والعرف كما يطلق على أولاد الإنسان ذكوراً كانوا أو إناثاً، كذلك يطلق على أسباطه وأحفاده من دون فرق بين أن يكونوا من أولاد بنينه أو أولاد بناته لكون الجدّ سواء كان أبيّاً أم اُميّاً واقعاً في أجزاء علّة ولادته وهذا يكفي في صدق كونه ولداً له حقيقة وعليه جرت أحكام الأولاد والمناكح والمواريث على أولاد البنات أيضاً، قال في «لسان العرب»:

ص: 600


1- أقول: إنّ الأحكام المترتبة علی الولد مترتب علی ولد البنت كترتّبها علی ولد الابن في أبواب النكاح والميراث والوقف وغير ذلك، قال الله تبارك وتعالی: (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ)، «النساء»: 22، فكما يحرم نكاح زوجة الأب علی ابنه فكذلك يحرم نكاح زوجة الجدّ علی حفيده وسبطه، سواء كانوا من ناحية ابنه أو بنته لصدق كونها منكوحة الأب، وقال سبحانه: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ)، «النساء»: 23، فكما يحرم علی الأب نكاح بنته، يحرم علی الجدّ نكاح بنت ابنه أو بنت بنته لكونهما بحكم هذه الآية بنت الجدّ، وهكذا يحرم علی الابن والسبط نكاح اُمّه وجدّته، وكذا الأمر في مسألة جواز إبداء زينة الاُمّهات بالنسبة إلی الأبناء والأسباط في قوله عزّوجلّ: (وَلا يُبْدينَ زينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِن)، «النور»: 31، وكذا الكلام في بابي الميراث والوقف.

والولد اسم يجمع الواحد والكثير والذكر والاُنثى، وقال أيضاً: السّبط واحد الأسباط وهو ولد الولد. ابن سيدة: السّبط ولد الابن والابنة. وفي الحديث: الحسن والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ورضي عنهما(1).

وقال في مراد من الجدّ والجدّة:

الجدّ: أبو الأب وأبو الاُمّ معروف، والجمع أجداد وجدود. والجدّة: اُمّ الاُمّ واُمّ الأب(2).

وأصرح منه كلام الطريحي حيث قال:

والولد بفتح اللام والواو، وبضمهما وسكون اللام: يطلق على الواحد والجمع، وقد يكون الثاني جمع وَلَد كأسد واُسد ومنه وُلد إسماعيل، وهم العرب من آل قحطان وآل معد...، و(الولد) كلّ ما ولده شيء يطلق على الذكر والاُنثى والمثنى والمجموع، فعل بمعنى مفعول، وجمعه أولاد، ومنه الحديث: إنّ لي وُلداً رجالاً ونساءً(3).

فوُلد إسماعيل هم أولاده ونسله، الأعراب من آل قحطان وآل معد، ومن قال إنّه ليس بولد، فقد تأثّر رأيه من الحكم الرائج في الجاهليّة حيث كانوا يعدّون أولاد الأبناء أولاداً حقيقة، دون أولاد البنات لزعمهم بأنّ الاُمّ لا تكون إلّا وعاءً لنشوء النطفة الحاصلة من جانب الأب وأنّها غير دخيلة في تكوّنها أصلاً في حين أنّه مكوَّن من اللقاح الحاصل من تر كيب نطفة الزوجين، وعلى أساس تلك

ص: 601


1- «لسان العرب» ج3/467، وج7/310.
2- «لسان العرب» ج3/307.
3- «مجمع البحرين» ج4/550.

الفكرة المزعومة يقول الشاعر العرب الجاهلي:

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا *** بنوهنّ أبناء الرجال الأباعدي

وأنشد آخر منهم:

وإنّما اُمهات النّاس أوعية *** مستودعات وللأحساب آباء

ولعلّه إلى ذلك اللقاح يشير قوله سبحانه: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ)(1)، والأمشاج جمع المشج وهو الخليط حيث إنّ النطفة مخلوطة من جزءين أحدهما للزوج والآخر للزوجة(2)، فالولد منتسب إليهما حقيقة، كما يكون منتسباً إلى والد الزوجين كذلك.

وقد انتسب الله تبارك وتعالى عيسى علیه السلام إلى إبراهيم الخليل (على نبيّنا وآله وعليه السّلام) في حين أنّه كان من ذريّته من قبل الاُمّ حيث قال: (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلّاً هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحينَ)(3)، وقد أشار به الصادق علیه السلام فيما رواه بشير الدّهّان عنه حيث قال: «وَاللَّهِ لَقَدْ نَسَبَ اللَّهُ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ في الْقُرْآنِ إِلَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ قِبَلِ النِّسَاء، ثُمَّ قَالَ: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعيسى)(4).

ص: 602


1- «الإنسان»: 2.
2- راجع: «لسان العرب» ج2/367، و«القاموس المحيط» ج1/284، و... .
3- «الأنعام»: 84 - 85.
4- «البرهان في تفسير القرآن» ج2/448، الحديث 4.

وفي الحديث إطلاق الابن والسبط معاً على ابن البنت، ففي تفسير القمّى بإسناده عن أبي الجارود عن الباقر علیه السلام قال: قال لي أبو جعفر علیه السلام: «يَا أَبَا الْجَارُودِ مَا يَقُولُونَ في الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ؟ قُلْتُ: يُنْكِرُونَ عَلَيْنَا أَنَّهُمَا ابْنَا رَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم قَالَ: فَبِأَيِّ شيء احْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ؟ قُلْتُ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ في عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ، (إِلَى قَوْلِهِ:) وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)، فَجَعَلَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: فَبِأَيِّ شيء قَالُوا لَكُمْ؟ قُلْتُ: قَالُوا: قَدْ يَكُونُ وَلَدُ الِابْنَةِ مِنَ الْوَلَدِ، وَلَا يَكُونُ مِنَ الصُّلْبِ، قَالَ: فَبِأَيِّ شيء احْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: احْتَجَجْنَا عَلَيْهِمْ بِقَوْلِ اللَّهِ: (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) قَالَ: فَأَيَّ شيء قَالُوا لَكُمْ؟ قُلْتُ: قَالُوا: قَدْ يَكُونُ في كَلَامِ الْعَرَبِ أَبْنَاءُ رَجُلٍ، وَالْآخَرُ يَقُولُ أَبْنَاؤُنَا، قَالَ: فَقَالَ أَبُو جعفر علیه السلام: وَاللَّهِ يَا أَبَا الْجَارُودِ لَأُعْطِيَنَّكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَنَّهُمَا مِنْ صُلْبِ رَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم وَلَا يَرُدُّهَا إِلَّا كَافِرٌ، قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وَأَيْنَ؟ قَالَ: مِنْ حَيْثُ قَالَ اللَّهُ: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتي في حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ)(1)، فَسَلْهُمْ يَا أَبَا الْجَارُودِ هَلْ حَلَّ لِرَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم نِكَاحُ حَلِيلَتَيْهِمَا؟ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، فَكَذَبُوا وَاللَّهِ وَفَجَرُوا، وَإِنْ قَالُوا: لَا، فَهُمَا وَاللَّهِ أَبْنَاؤُهُ لِصُلْبِهِ وَمَا حُرِّمَتَا عَلَيْهِ إِلَّا لِلصُّلْبِ»(2).

ص: 603


1- «النساء»: 23.
2- «تفسير القمّي» ج1/209.

وعن النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم في الحسن والحسين صلی الله علیه و آله و سلم: «ابْنَاي هَذَانِ إِمَامَانِ قَامَا أَوْ قَعَدَا»(1).

فبعد الاعتراف بأنّ ولد البنت ولد حقيقة، علينا أن نبحث عن المسألة الثانية بأنّه هل يعمّ الخمس بمن انتسب إلى هاشم من ناحية الاُمّ، أو يختصّ بمن انتسب إليه بالاُبوّة فقط؟ فقد مرّ أنّ الأشهر الأظهر بين الأصحاب أنّه يعتبر في الطوائف الثلاث انتسابهم إلى هاشم بالاُبوّة، فلو انتسبوا بالاُمّ لم يحلّ لهم الخمس وتحلّ لهم الزكاة، قال العلّامة رحمه الله في «المختلف»:

يستحقّ الخمس من أبوه هاشمي وإن كانت اُمّه غير هاشميّة بالإجماع، وتحرم عليه الزكاة، واختلف في استحقاق من اُمّه هاشمية وأبوه غير هاشمي، فاختار الشيخ في المبسوط والنهاية المنع من الخمس، ويجوز له أن يأخذ الزكاة، واختاره ابن إدريس وابن حمزة .وذهب السيّد المرتضى الى أنّ ابن البنت ابن حقيقة، ومن أوصى بمال لوُلد فاطمة سلام الله علیها دخل فيه أولاد بنيها وأولاد بناتها حقيقة، وكذا لو وقف على وُلده دخل فيه ولد البنت لدخول ولد البنت تحت الولد. والأقرب الأوّل(2).

وقد تردّد السيّد الخوئي رحمه الله في هذا الانتساب إلى السيّد حيث قال:

المعروف والمشهور بين الأصحاب عدا ما نسب إلى السيّد المرتضى قدس سره أنّ العبرة في الانتساب إلى هاشم المعتبر في استحقاق الخمس إنّما هو الانتساب إليه من قبل الأب، ونسب إلى السيّد

ص: 604


1- «الإرشاد في معرفة حجج الله علی العباد» ج2/30.
2- «مختلف الشيعة في أحكام الشريعة» ج3/332.

استحقاق المنتسب إليه من قبل الاُمّ أيضاً، واختاره في الحدائق بل أصرّعليه، وذكر أنّ منشأ هذا الخلاف هو أنّ ولد البنت ولد حقيقة أو لا؟ فالمرتضى ومن تبعه على الأوّل، والمشهور على الثاني، هذا، ولا يخفى أنّ ما نسب إلى السيّد1 من عموم الاستحقاق للمنتسب إلى هاشم من طرف الاُمّ غير ثابت(1).

والوجه فيه أنّ السيّد رحمه الله لم يصرّح بهذه المقالة في باب الخمس، بل كما مرّ صرّح في مبحث ميراث أولاد البنين والبنات بأنّ ولد البنت ولد حقيقة، فانتسبوا به ذلك، وكيف كان فتنقيح المسألة يقتضى الرجوع مرّة اُخرى إلى العناوين الواردة في أخبار الباب، وهي مختلفة، ففي بعضها تعبّر عنهم ب- «أَهْلِ بَيْتِهِ» أو «قَرَابَتِهِ»، كقوله في موثقة حمّاد بن عيسی: «...، وَلَهُ نِصْفُ الْخُمُسِ كَمَلاً، وَنِصْفُ الْخُمُسِ الباقي بَيْنَ أَهْلِ بَيْتِهِ...، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُمُ الْخُمُسَ هُمْ قَرَابَةُ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فَقَالَ: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)، وَهُمْ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْفُسُهُمْ الذَّكَرُ مِنْهُمْ وَالْأُنْثَى، لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ أَهْلِ بُيُوتَاتِ قُرَيْشٍ وَلَا مِنَ الْعَرَبِ أَحَدٌ وَلَا فِيهِمْ وَلَا مِنْهُمْ في هَذَا الْخُمُسِ مِنْ مَوَالِيهِم»، الحديث(2).

وفي بعضها الاُخرى تعبّر ب- «آل مُحَمَّدٍ» أو «آل الرَّسُولِ:»كقوله علیه السلام في مرفوعة أحمد بن محمّد: «...، فَالنِّصْفُ لَهُ خَاصَّةً، وَالنِّصْفُ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ: الَّذِينَ لَا تَحِلُّ لَهُمُ الصَّدَقَةُ وَلَا الزَّكَاةُ، عَوَّضَهُمُ اللَّهُ

ص: 605


1- «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/320 - 321، و«مستند العروة، كتاب الخمس» ص316 - 317.
2- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/513، الحديث 12607.

مَكَانَ ذَلِكَ بِالْخُمُسِ»، الحديث(1).

وفي مرسلة عبد الله بن بكير عن بعض أصحابه عن أحدهما صلی الله علیه و آله و سلم قال: «خُمُسُ اللَّهِ لِلْإِمَامِ، وَخُمُسُ الرَّسُولِ لِلْإِمَامِ، وَخُمُسُ ذَوِي الْقُرْبَى لِقَرَابَةِ الرَّسُولِ وَالْإِمَامِ، وَالْيَتَامَى يَتَامَى آلِ الرَّسُولِ، وَالْمَسَاكِينُ مِنْهُمْ، وَأَبْنَاءُ السَّبِيلِ مِنْهُمْ، فَلَا يُخْرَجُ مِنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ»(2).

وفي ثالثة تعبّر ب- «لَنَا» و«مِنَّا» كقوله علیه السلام في مرفوعة دعانم الإسلام عن جعفر بن محمّد علیه السلام أنّه قال: «وَالْخُمُسُ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ في الْيَتِيمِ مِنَّا وَالْمِسْكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَلَيْسَ فِينَا مِسْكِينٌ وَلَا ابْنُ السَّبِيلِ الْيَوْمَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ، فَالْخُمُسُ لَنَا مُوَفَّراً وَنَحْنُ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا حَضَرْنَاهُ في الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ»(3).

فهذه التعابير وإن كانت عامّة أو مطلقة تشمل للمنتسبين إليه من ناحيه الاُمّ، كما تشمل للمنتسبين إليه من ناحية الأب، لكنّه هناك قرينة يمنعنا عن الأخذ بعموم أو إطلاق هذه العناوين، وهي أنّه يظهر من الرّوايات المستفيضة الواردة في أبواب تحريم الزكاة على بني هاشم، وتعويض الخمس لهم عن الزكاة، وجواز زكاة بعضهم على بعض، وجواز أخذهم الزكاة مع الضرورة وغيرها، أنّ العنوان المأخوذ في موضوع هذه الأحكام إنّما هو الهاشمي وبنو هاشم وبنو عبد

ص: 606


1- «التهذيب» ج4/128، الحديث 366، و«الاستبصار» ج2/56، الحديث 185، و«وسائل الشيعة» ج9/515، الحديث 12608.
2- «التهذيب» ج4/125، الحديث 361، و«الاستبصار» ج2/56، الحديث 186، و«تفسير الصافي» ج2/304، و«وسائل الشيعة» ج9/510، الحديث 12601.
3- «دعائم الإسلام» ج1/386، و«مستدرك الوسائل» ج7/290، الحديث 8246.

المطّلب، كقوله علیه السلام في صحيحة الفضلاء (الفضلاء الثلاثة وهم: محمّد بن مسلم وأبوبصير وزرارة كلّهم عن أبي جعفر وأبي عبدالله صلی الله علیه و آله و سلم) قالا: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «إِنَّ الصَّدَقَةَ أَوْسَاخُ أَيْدِي النَّاسِ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَيَّ مِنْهَا وَمِنْ غَيْرِهَا مَا قَدْ حَرَّمَهُ، وَإِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ»(1)، وقوله علیه السلام في صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللّه علیه السلام: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِوُلْدِ الْعَبَّاسِ وَلَا لِنُظَرَائِهِمْ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ»(2)، وقوله علیه السلام في صحيحة معلّى بن خنيس: «...، لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِأَحَدٍ مِنْ وُلْدِ الْعَبَّاسِ رضی الله عنه، وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ وُلْدِ عليّ علیه السلام، وَلَا لِنُظَرَائِهِمْ مِنْ وُلْدِ عَبْدِ الْمُطَّلِب»(3)، ومن الواضح أنّ هذه العناوين عناوين يعبّر بها عن الطوائف والقبائل كالتميمي وبني تميم ونحو ذلك، ولا ينبغي الريب في أنّ العبرة في صدقها عرفاً إنّما هو بالانتساب من ناحية الأب خاصّة، فلا يقال تميمي لمن كانت اُمّه منهم فقط، ولا عربي لمن اُمّه عربيّة وأبوه من غيرهم، وهكذا لا يقال هاشمي أو من بني هاشم لمن ليس أبوه منهم وإن كانت اُمّه هاشميّة، كما صرّح بذلك في موثقة حمّاد بن عيسى الّتي هي العمدة في المقام: «... وَمَنْ كَانَتْ أُمُّهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَأَبُوهُ مِنْ سَائِرِ قُرَيْشٍ فَإِنَّ الصَّدَقَاتِ تَحِلُّ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الْخُمُسِ

ص: 607


1- «الكافي» ج4/58، الحديث 2، و«التهذيب» ج4/58، الحديث 155، و«الاستبصار» ج2/35، الحديث 106، و«وسائل الشيعة» ج9/268، الحديث 11993.
2- «التهذيب» ج4/59، الحديث 158، و«الاستبصار» ج2/35، الحديث 109، و«وسائل الشيعة» ج9/269، الحديث 11994.
3- «التهذيب» ج9/158، الحديث 651.

شيء لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: (ادْعُوهُمْلِآبائِهِمْ)»، الحديث(1)، أي أنسبوهم إلى آبائهم، فزائداً على حجيّة قول الإمام علیه السلام فإنّ استشهاده علیه السلام لذلك بالآية الكريمة دليل على أنّ الولد وإن كان متكوّناً من الجانبين لكنّه عند الانتساب في الجوامع والطوائف كما هو رائج عند الملل والأقوام يُدعى بنسب والده.

ثمّ إنّه لا فرق في استحقاق جميع أولاد هاشم الخمسَ سواء كانوا علويّاً أو عقليّاً أو عباسيّاً أو غيرهم إن عُرفوا كما دلّت عليه بعض الأخبار الّتي تقدّمت ذكرها آنفاً، نعم ينبغي إذا لم يكن المال بمقدار يرفع حاجة جميع المستحقّين من تقديم من كان علقته به أكثر من غيره، كما أنّه ينبغي تقديم من كانت سهامه أزيد من غيره، أوكان فيه جهة توجب أولويّته على غيره، قال في «الجواهر»:

لا خلاف في استحقاق الجميع (بني هاشم) الخمس، بل الإجماع محصّل ومنقول عليه، (ثمّ حكى عن اُستاذه:) تقديم الرضويّ ثمّ الموسويّ، ثمّ الحسيني والحسني، وتقديم كلّ من كان علاقته بالأئمة: أكثر(2).

المسألة الرابعة: بما ذا يثبت النسب؟

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

لا يصدّق من ادّعى النسب إلّا بالبيّنة أو الشياع المفيد للعلم، ويكفي الشياع والاشتهار في بلده، نعم يمكن الاحتيال في الدفع إلى مجهول

ص: 608


1- «الأحزاب»: 5. «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/513، الحديث 12607.
2- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/104 - 105.

الحال بعد معرفة عدالته بالتوكيل على الإيصال إلى مستحقّه على وجه يندرج فيه الأخذ لنفسه أيضاً، ولكنّ الأولى بل الأحوط عدم الاحتيال المذكور(1).

حيث يختصّ الخمس بالأصناف من بني هاشم، فلا كلام في أنّه لايجوز دفعه إلى من شك كونه منهم كغيره من الأموال الّتي لها مالك خاصّ، وهو في الحقيقة أمانة شرعيّة في يده لابدّ من إيصاله إلى أهله، قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها)(2).

إنّما الكلام في أنّه هل يجوز دفعه إلى كلّ من ادّعي النسب بلا بيّنة وحجّة شرعيّة، أم لابدّ فيه من إحرازه؟ والحقّ هو الأخير، وذلك لأنّ النسب موضوع كسائر الموضوعات لابدّ في ثبوته من مثبت عرفي أو شرعي، من الوثوق والاطمثنان الشخصي الّذي هو علم عرفي وإن لم يتعرّضه السيّد رحمه الله هنا، لما ذكر في محلّه من أنّ العلم لا يحتاج حجيّته إلى جعل جاعل يثبت معلومه بلا ريب، أو البيّنة(3)، أو الشياع المفيد للعلم، أو مجرّد الشياع والاشتهار في البلد وإن لم يفد العلم إذا كان مدّعيه مأموناً عن الكذب.

وحيث لا خلاف في حجيّة غير الأخير منها، فعلينا أن نبحث عن دليليّته،

ص: 609


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/404، المسألة الرقم 4.
2- «النساء»: 58.
3- لزيادة التوضيح راجع: «القواعد الفقهيّة لمكارم الشيرازي» ج2/33 - 62، قاعدة حجيّة البيّنة.

ويكفي في ذلك قيام السيرة العقلائية على الأخذ بما هو مشهور بين النّاس(1) في كلّ ما كان باب العلم القطعي فيه مسدوداً الّذي من مصاديقه أو من أظهرها الأنساب، فلو لم يقبل فيها هذا الشياع لانسدّ طريق إثباتها غالباً، ولم يردع عنه الشارع بل أمضاه وقرّره، فقد روى المشايخ الثلاثة بأسانيدهم عن يونس بن عبدالرّحمن مرسلةً عن بعض، عن أبي عبد اللّه علیه السلام فقال: سَأَلْتُهُ عَنِ الْبَيِّنَةِ إِذَا أُقِيمَتْ عَلَى الْحَقِّ أَ يَحِلُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِقَوْلِ الْبَيِّنَةِ إِذَا لَمْ يَعْرِفْهُمْ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ؟ فَقَالَ: «خَمْسَةُ أَشْيَاءَ يَجِبُ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَأْخُذُوا فِيهَا بِظَاهِرِ الْحُكْمِ: الْوِلَايَاتُ، وَالتَّنَاكُحُ، وَالْمَوَارِيثُ، وَالذَّبَائِحُ، وَالشَّهَادَاتُ، فَإِذَا كَانَ ظَاهِرُهُ ظَاهِراً مَأْمُوناً جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ بَاطِنِهِ»(2)، ورواه الصدوق رحمه الله في الفقيه إلّا أنّه ذكر الأنساب مكان المواريث(3).

أقول: لا يضرّ الإرسال بوثاقة سندها بعد ما كان المرسل هو يونس بن عبد الرّحمن الّذي كان من أصحاب الإجماع اّلذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ منهم وتصديقهم لما يقولون وأقرّوا لهم بالفقه(4).

ص: 610


1- وهذا غير ما كان يدّعی شيئاً بلا بيّنة ولا شياع مطلقاً.
2- «الكافي» ج7/431، الحديث 15، و«التهذيب» ج6/288، الحديث 798، و«الاستبصار» ج3/13، الحديث 35، و«وسائل الشيعة» ج27/289، الحديث 33776.
3- «من لا يحضره الفقيه» ج3/9، الحديث 29.
4- راجع: «رجال الكشي»: ص556، حيث قال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي ابراهيم وأبي الحسن الرّضا صلی الله علیه و آله و سلم: أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم وأقرّوا لهم بالفقه والعلم، وهم ستة نفر آخر دون الستة نفر الّذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد الله علیه السلام منهم يونس بن عبد الرّحمن، وصفوان بن يحيى بيّاع السابري، ومحمّد بن أبي عمير، وعبد الله بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر، وقال بعضهم: مكان الحسن بن محبوب: الحسن بن عليّ بن فضّال وفضّالة بن أيّوب، وقال بعضهم: مكان ابن فضّال: عثمان بن عيسى، وأفقه هؤلاء يونس بن عبدالرّحمن وصفوان بن يحيى.

نعم يختلف ضبط الكتب مع ضبط الفقيه في ذكرهم المواريث مكان الأنساب، لكنّه يمكن أن يجاب عنه بأنّ الإرث من ثمرات النسب ونتيجته، فلا محذور فيها، لا من حيث السند ولا من حيث الدلالة.

ثمّ إنّ المحقّق النجفي رحمه الله ذكر هنا احتيالاً لدفع المال إلى المدّعى المجهول وتبعه السيّد رحمه الله ، وجعلا الأحوط في تركه، فقال في «الجواهر»:

نعم قد يحتال في الدفع للمجهول المدّعى، بأن يؤكلّه من عليه الحقّ في الدفع إذا فرضت عدالته أو قلنا بعدم اشتراطها، فإنّه يكفي في براءة ذمّته وإن علم أنّه قبضه، لأنّ المدار في ثبوت الموضوع على علم الوكيل دون الموكّل ما لم يعلم الخلاف، لكنّ الانصاف أنّه لا يخلو من تأمل أيضاً(1).

والتحقيق كما تأمّل فيه صاحب «الجواهر» لا فائدة في هذا الاحتيال أيضاً، وذلك لأنّه بعد ما كان المال في يده بعنوان الأمانة الشرعيّة لخصوص السّادات الكرام، فعليه أن يعلم بفراغ ذمّته عنه بإيصاله إلى من علم أو ظنّ بالحجّة المعتبرة كونه من أهله، سواء أدّاه بنفسه أو بوكيله كغير الخمس من سائر الدّيون

ص: 611


1- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/106.

والأمانات، ومجرّد التوكيل أو ادّعاء الوكيل كونه منهم إذا لم يعتقده الموكِّل غير كافٍ في العلم بفراغ ذمّته، لأنّه لا فرق في عدم جواز تصديق المدّعي بين كونه وكيلاً له، أو غيره.

المسألة الخامسة: حكم إعطاء الخمس إلى واجب النفقة.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

فى جواز دفع الخمس إلى من يجب عليه نفقته إشكال خصوصاً في الزوجة، فالأحوط عدم دفع خمسه إليهم، بمعنى الإنفاق عليهم محتسباً ممّا عليه من الخمس، أمّا دفعه إليهم لغير النفقة الواجبة ممّا يحتاجون إليه ممّا لا يكون واجباً عليه كنفقة من يعولون ونحو ذلك فلا بأس به، كما لا بأس بدفع خمس غيره إليهم ولو للإنفاق مع فقره حتی الزوجة إذا لم يقدر على إنفاقها(1).

قد بحث الفقهاء عن هذه المسألة غالباً في مبحث أوصاف المعتبرة في مستحقّي الزكاة، وحيث كان الخمس بدلاً عنها غير أنّ أحدهما يختصّ بالهاشمي والآخر بغيره يبحث عن اعتباره في المقام أيضاً، وكيف كان هى مسألة إجماعيّة هناك عند الفريقين، ففي «الجواهر» بعد قول المحقّق رحمه الله في الوصف الثالث من أوصاف مستحقّي الزكاة: «الوصف الثالث: أن لا يكون ممّن تجب نفقته على المالك كالأبوين وإن علوا والأولاد وإن سفلوا والزوجة والمملوك»، قال:

ص: 612


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/404، المسألة الرقم 5.

بلا خلاف أجده فيه...، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، فضلاً عن محكيه(1).

وقال الخرقي في متن المغني:

ولا يعطى من الصدقة المفروضة للوالدين وإن علوا ولا للولد وإن سفل، ولا للزوج ولا للزوجة. ثمّ قال ابن قدامة في شرحه: قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنّ الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين في الحال الّتي يجبر الدافع إليهم على النفقة عليهم، ولأنّ دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته وتسقطها عنه ويعود نفعها إليه، فكأنّه دفعها إلى نفسه فلم تجز كما لو قضى بها دينه...، أجمع أهل العلم على أنّ الرجل لا يعطى زوجته من الزكاة(2).

وفي المقام جزم الشيخ الأنصاري رحمه الله بعدم جواز إعطائه لهم(3)، في حين أنّ السيّد في «العروة» احتاط في دفعه إليهم، وكيف كان إنّ هنا حكمين؛ أحدهما وجوب الإنفاق إلى من تجب نفقته عليه بحيث إذا امتنع عنه يُجبر عليها، وثانيهما لزوم أداء الخمس عليه، فكان المقام مقام ما كانت الأسباب متعدّدة يطلب كلّ منها مسبباً مستقلّاً، زائداً على أنّ جهة الوجوب في كلّ منهما تخالف جهتها في الاُخری فجهة الوجوب في أحدهما الدفع وفي الاُخری الصرف،

ص: 613


1- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج15/395.
2- «المغني لابن قدامة» ج2/647 و649.
3- حيث قال: وأمّا عدم وجوب النفقة علی المعطی فلا يخفی اعتباره هنا (في الخمس) أيضاً لأجل ما ذكر، ولأجل إشعار التعليلات الواردة. راجع: «كتاب الخمس (للشيخ الأنصاري)» ص317.

فالأصل في مثل ذلك هو عدم التداخل ما دام لم يدلّ دليل عليه، إذ دفع الخمس حينئذٍ لواجبي النفقة يقتضي أن يصرف الخمس في شؤون نفسه لا في مصارفه المقرّرة، كأنّه أخرج الخمس من يده اليمنى وجعله في يده اليسرى، وقد يستفاد ذلك من بعض التعليلات الواردة في أخبار الزكاة بعد فرض بدليّة الخمس عنها، منها ما وردت في صحيحة عبدالرّحمن بن الحجّاج من منع إعطاء الزكاة لواجبي النفقة لأنّهم عياله لازمون له، فقد روى عن الصّادق علیه السلام أنّه قال: «خَمْسَةٌ لَا يُعْطَوْنَ مِنَ الزَّكَاةِ شَيْئاً: الْأَبُ، وَالْأُمُّ، وَالْوَلَدُ، وَالْمَمْلُوكُ، وَالْمَرْأَةُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عِيَالُهُ لَازِمُونَ لَهُ»(1).

ومثل هذا التعليل ما ورد في مرفوعة عبد الله بن الصلت عنه علیه السلام أنّه قال: «خَمْسَةٌ لَا يُعْطَوْنَ مِنَ الزَّكَاةِ: الْوَلَدُ، وَالْوَالِدَانِ، وَالْمَرْأَةُ، وَالْمَمْلُوكُ، لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ»(2)، فالتعليلات تنادى بأعلى صوتها بأنّ جهة الوجوب في كلّ منهما يخالف جهتها في الاُخرى فكيف يجوز صرف الزكاة فيها؟!

وحيث كان ذلك مفروغاً عنه عند أصحاب الأئمة:، فقد سأل إسحاق بن عمّار عن أبى الحسن موسى علیه السلام عن خصوص مصاديق واجبي النفقة حتی لا يصرف زكاته لهم، حيث قال: قلت: فَمَنِ الّذي يَلْزَمُنِي مِنْ ذَوِي قَرَابَتِي حتی لَاأَحْتَسِبَ الزَّكَاةَ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: «أَبُوكَ وَأُمُّكَ، قُلْتُ: أبي وَأُمِّی؟ قَالَ: الْوَالِدَانِ

ص: 614


1- «الكافي» ج3/552، الحديث 5، و«التهذيب» ج4/56، الحديث 150، و«الاستبصار» ج2/33، الحديث 101، و«وسائل الشيعة» ج9/240، الحديث 11928.
2- «علل الشرائع» ص371، الحديث 1، و«وسائل الشيعة» ج9/241، الحديث 11931.

وَالْوَلَدُ»(1).

نعم يجوز دفع خمسه إليهم لغير النفقة الواجبة على الدافع كنفقة من يعولون مثل نفقة زوجة الابن لوكان فقيراً ولم يتمكّن من التكّسب اللائق بحاله ولا ينفق عليها غيره من أوليائها، لأنّ نفقتها غير واجبة على أب البعل، والمفروض كون الزوج فقيراً غير قادراً على نفقتها حينئذٍ، كما يجوز أيضاً أن يدفع خمس غيره إليهم لذلك، أو لنفقتهم الواجبة عليه إذا لم يكن قادراً بنفسه على إنفاقهم.

ثمّ إنّه لو كان المنفق قادراً على إنفاقهم إلّا أنّه يمتنع عن بذلهم عصياناً أو غفلة أو جهلاً وكان في استيفائه منه بواسطة الحاكم الشرعي حرج أو مهانة على المنفق عليه، فيجوز لهم أخذ الأخماس من غيره مطلقاً، سواء كان لأجل نفاقتهم الواجبة عليه أو لغيرها ممّا يحتاجون إليه.

وأمّا إذا كان باذلاً للنفقة فلا يجوز دفع خمس الغير إليهم أيضاً لصدق الغنى على المنفق عليه باستحقاقه النفقة على وليّه من الزوج أو الأقارب إذا كان باذلاً لها كأبناء الأغنياء.

وأمّا وجه تخصيص الزوجة في كلام «العروة» مع أنّ الخمسة كلّهم واجبوا النفقة، هو كون نفقة الزوجة كالدّين فلا يسقط بالعصيان بخلاف غيرهم فلو عصى سقط.

ص: 615


1- «الكافي» ج3/151، الحديث 1، و«التهذيب» ج4/56، الحديث 149، و«الاستبصار» ج2/33، الحديث 100، و«وسائل الشيعة» ج9/241، الحديث 11929.

المسألة السادسة: لا يجوز الإعطاء فوق الكفاية.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

لا يجوز دفع الزائد عن مؤونة السنة لمستحقّ واحد ولو دفعة، على الأحوط(1).

لا إشكال ولا خلاف في عدم جواز الإعطاء التدريجي لو حصل الغنى في الدفعة أو الدفعات السابقة، لصدق الإعطاء إلى الغني حينئذٍ، لا الفقير، وهذا واضح، وأمّا إعطاؤه فوق الكفاية مرّة واحدة فهل يجوز أم لا؟ ففيه وجهان، بل قولان؛ أحدهما: ما اختاره المشهور وهو عدم الجواز، فتوى أو بالاحتياط الوجوبي، ففي «الجواهر»: لا أجد فيه (المنع) خلافاً(2)، وقال السيّد الخوئي رحمه الله : والظاهرأنّ المسألة متسالم عليها(3).

ومنهم السيّد رحمه الله صاحب «العروة»، فإنّه احتاط هنا عدم جوازه، لكنّه أفتى بجوازه في باب الزكاة(4).

وثانيهما: ما أفتى به السيّد محمّد المجاهد قدس سره ابن السيّد على صاحب «رياض المسائل» في «المناهل» على ما حكى عنه شيخنا الأنصاري رحمه الله في

ص: 616


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/404، المسألة الرقم 6.
2- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/112.
3- «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/329، و«مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص324.
4- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/306، المسألة الرقم 2 من مسائل أصناف المستحقّين للزكاة ومصارفها.

كتاب خمسه(1)، وكذا المحقّق النراقي رحمه الله من القول بجواز الإعطاء فوق الكفاية للأصل وإطلاقات الأدلّة بأنّ الفقير الّذي هو موضوع للخمس أو الزكاة أعمّ من أن يصير غنياً حين الأخذ، أم لا، وقياساً على الزكاة المدعى فيها الجواز، وأنّ الأصل جوازه.

قال المحقّق النراقي رحمه الله :

ظاهر الأكثر أنّه لا يعطی فقير من الخمس أزيد من كفاية مؤونة السنة على وجه الاقتصاد ولو دفعة واحدة، ونظرهم إلى ما روى في المرسلة: أنّ الإمام كان يفعل كذلك وجوباً(2)، فكذا غيره، سيّما في نصف الإمام إذا صرف على وجه التتمّة، إذ لم يثبت فيه إلّا جواز إتمام المؤونة. والحقّ أنّ حكم نصف الأصناف حكم الزكاة، ويجوز إعطاء الزائد عن المؤونة دفعة واحدة - أي قبل خروجه عن الفقر - لإطلاق الأدلّة، وأمّا نصف الإمام فلا يجوز إعطاء الزائد من مؤونة السنة على وجه الاقتصاد قطعاً، لأنّه القدر المعلوم إذنه فيه، بل يعلم عدم رضاه بغير ذلك مع

ص: 617


1- «كتاب الخمس (للشيخ الأنصاري)» ص344.
2- حيث قال علیه السلام: «وَلَهُ يَعْنِي لِلْإِمَامِ نِصْفُ الْخُمُسِ كَمَلاً، وَنِصْفُ الْخُمُسِ الْبَاقِي بَيْنَ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَسَهْمٌ لِيَتَامَاهُمْ، وَسَهْمٌ لِمَسَاكِينِهِمْ، وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا يَسْتَغْنُونَ بِهِ في سَنَتِهِمْ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْهُمْ شَيْ ءٌ فَهُوَ لِلْوَالِي، فَإِنْ عَجَزَ أَوْ نَقَصَ عَنِ اسْتِغْنَائِهِمْ كَانَ عَلَى الْوَالِي أَنْ يُنْفِقَ مِنْ عِنْدِهِ بِقَدْرِ مَا يَسْتَغْنُونَ بِهِ، وَإِنَّمَا صَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَمُونَهُمْ لِأَنَّ لَهُ مَا فَضَلَ عَنْهُمْ». «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/520، الحديث 12623. وذكر تمام الحديث في الوسائل نفس المصدر ص513، الحديث 12607.

وجود المحتاج غيره، بل يشكل إعطاء قدر مؤونة السنة كاملةً لواحد مع وجود محتاج بالفعل، واللازم فيه مراعاة المواساة في الجملة وملاحظة الحاجة(1).

أقول: إنّ الظاهر بل المتعيّن منهما هو القول بالمنع مطلقاً، أمّا تدريجاً فواضح، لأنّه بعد ما صار الآخذ غنياً بأخذ الأخماس لمؤونة سنته في المراتب السابقة يخرج عن عناوين المستحقّين للخمس ويدخل تحت عنوان الغني، وأمّا دفعة فلأنّ القدر المتيقّن من إطلاقات دفع الخمس إلى الفقير من السّادة هنا، ودفع الزكاة إلى الفقراء من غيرهم هناك، بل الّذي استقرّ عليه ظواهر الأدلّة بل نصوصها، هو ما يرفع به فقرهم لا الأزيد، الّذي لأجله أمر الشارع بهما وشرعهما، ففي موثقة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح علیه السلام قال: «...، وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ هَذَا الْخُمُسَ خَاصَّةً لَهُمْ دُونَ مَسَاكِينِ النَّاسِ وَأَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ عِوَضاً لَهُمْ مِنْ صَدَقَاتِ النَّاسِ تَنْزِيهاً مِنَ اللَّهِ لَهُمْ لِقَرَابَتِهِمْ بِرَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم، وَكَرَامَةً مِنَ اللَّهِ لَهُمْ عَنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ، فَجَعَلَ لَهُمْ خَاصَّةً مِنْ عِنْدِهِ مَا يُغْنِيهِمْ بِهِ عَنْ أَنْ يُصَيِّرَهُمْ في مَوْضِعِ الذُّلِّ والْمَسْكَنَةِ ...، وَجَعَلَ لِلْفُقَرَاءِ قَرَابَةِ الرَّسُولِ صلی الله علیه و آله و سلم نِصْفَ الْخُمُسِ فَأَغْنَاهُمْ بِهِ عَنْ صَدَقَاتِ النَّاسِ وَصَدَقَاتِ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله و سلم وَوَلِيِّ الْأَمْرِ، فَلَمْ يَبْقَ فَقِيرٌ مِنْ فُقَرَاءِ النَّاسِ وَلَمْ يَبْقَ فَقِيرٌ مِنْ فُقَرَاءِ قَرَابَةِ رَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم إِلَّا وَقَدِ اسْتَغْنَى فَلَا فَقِير»، الحديث(2).

ص: 618


1- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/137، وراجع أيضاً مبحثه في الزكاة ج9/331، فإنّه قد استدلّ لها بالأصل والإطلاقات المستفيضة الواردة فيها.
2- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/513، الحديث 12607.

وهكذ مرسلة أحمد بن محمّد عن بعض أصحابنا رفع الحديث إلى أن قال: «نِصْفُ الْخُمُسِ لِلْإِمَامِ خَاصَّةً، وَالنِّصْفُ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ الَّذِينَ لَا تَحِلُّ لَهُمُ الصَّدَقَةُ وَلَا الزَّكَاةُ عَوَّضَهُمُ اللَّهُ مَكَانَ ذَلِكَ بِالْخُمُسِ، فَهُوَ يُعْطِيهِمْ عَلَى قَدْرِ كِفَايَتِهِمْ، فَإِنْ فَضَلَ شيء فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ نَقَصَ عَنْهُمْ وَلَمْ يَكْفِهِمْ أَتَمَّهُ لَهُمْ مِنْ عِنْدِهِ، كَمَا صَارَ لَهُ الْفَضْلُ كَذَلِكَ يَلْزَمُهُ النُّقْصَانُ»(1).

وعن الرّضا علیه السلام في علّة تشريع الزكاة: «إنَّ عِلَّةَ الزَّكَاةِ مِنْ أَجْلِ قُوتِ الْفُقَرَاءِ، وَتَحْصِينِ أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَلَّفَ أَهْلَ الصِّحَّةِ الْقِيَامَ بِشَأْنِ أَهْلِ الزَّمَانَةِ وَالْبَلْوَى كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (لَتُبْلَوُنَّ في أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ)(2) في أَمْوَالِكُمْ: إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ، وفي أَنْفُسِكُمْ: تَوْطِينُ الْأَنْفُسِ عَلَى الصَّبْرِ مَعَ مَا في ذَلِكَ مِنْ أَدَاءِ شُكْرِ نِعَمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالطَّمَعِ في الزِّيَادَةِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الزِّيَارَةِ وَالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ لِأَهْلِ الضَّعْفِ، وَالْعَطْفِ عَلَى أَهْلِ الْمَسْكَنَةِ، وَالْحَثِّ لَهُمْ عَلَى الْمُوَاسَاةِ، وَتَقْوِيَةِ الْفُقَرَاءِ، وَالْمَعُونَةِ عَلَى أَمْرِ الدِّينِ، وَهُوَ عِظَةٌ لِأَهْلِ الْغِنَى وَعِبْرَةٌ لَهُمْ لِيَسْتَدِلُّوا عَلَى فَقْرِ الْآخِرَةِ بِهِمْ، وَمَا لَهُمْ مِنَ الْحَثِّ في ذَلِكَ عَلَى الشُّكْرِ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمَا خَوَّلَهُمْ وَأَعْطَاهُمْ، وَالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالْخَوْفِ مِنْ أَنْ يَصِيرُوا مِثْلَهُمْ في اُمُور كَثِيرَةٍ في أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَاصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ»(3).

إلى غيرها من الأخبار، ومعها لا يبقى مجالاً للأخذ بالإطلاقات، بل لم

ص: 619


1- «التهذيب» ج4/126، الحديث 364، و«وسائل الشيعة» ج9/521، الحديث 12624.
2- «آل عمران»: 186.
3- «من لا يحضره الفقيه» ج2/8، الحديث 1580، و«وسائل الشيعة» ج9/12، الحديث 11393.

يثبت إطلاق حتی نأخذ به!

هذا، مع أنّ الأصل الجاري على فرض الشك هو الاشتغال لا البراءة، لعدم كون الشك رائجاً إلى أصل ثبوت التكليف، بل هو شك في المكلّف به وفراغ ذمّته بعد العلم بثبوته ووجوبه، فلا يدري أنّه هل يفرغ ذمّته منه بإعطائه الفقير في كلا المقامين (الخمس والزكاة) فوق كفايته ولو حصلت أثناءه، أم لا؟ فالأصل هو الاحتياط والاشتغال.

المسألة السابعة: حكم الخمس في زمن الغيبة بالنسبة إلى سهم الإمام علیه السلام وسهم السّادة.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

النصف من الخمس الّذي للإمام علیه السلام أمره في زمان الغيبة راجع إلى نائبه، وهو المجتهد الجامع للشرائط، فلابدّ من الإيصال إليه أو الدفع إلى المستحقّين بإذنه، والأحوط له الاقتصار على السّادة ما دام لم يكفهم النصف الآخر، وأمّا النصف الآخر الّذي للأصناف الثلاثة، فيجوز للمالك دفعه إليهم بنفسه لكن الأحوط فيه أيضاً الدفع إلى المجتهد أو بإذنه، لأنّه أعرف بمواقعة والمرجّحات الّتي ينبغي ملاحظتها(1).

لا كلام إجمالاً في أنّ أمر الخمس عند حضوره بيده علیه السلام كما صرّح به كثير من الأصحاب ودلّت عليه بعض الأخبار، ففي «الجواهر» بعد قول المحقّق رحمه الله : «ما يجب من الخمس يجب صرفه إليه علیه السلام مع وجوده»، قال:

ص: 620


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/405، مسألة الرقم 7.

كما هو ظاهر الأكثر وصريح البعض كالفاضل في قواعده وغيره بل ينبغي القطع به بالنسبة إلى حصّته، ضرورة وجوب إيصال المال إلى أهله، أمّا حصّة قبيله فالظاهر أنّها كذلك أيضاً، خصوصاً خمس الغنائم وفاقاً لمن عرفت، تحصيلاً للفراغ اليقيني، ولأنّه الواقع والمأثور، بل كان وكلاؤهم: على قبض الخمس في كثير من النواحي حتی في الغيبة الصغرى، ولظهور سياق أكثر الأخبار فيه من إضافته إليهم: وتحليلهم: بعض الناس منه، وغير ذلك ممّا يؤمي إلى أنّ ولاية التصرف والقسمة إليه علیه السلام، وللأمر بإيصاله إلى وكيله في صحيحة ابن مهزيار الطويلة، بل لولا وحشة الانفراد عن ظاهر اتفاق الأصحاب لأمكن دعوى ظهور الأخبار في أنّ الخمس جميعه للإمام علیه السلام وإن كان يجب عليه الإنفاق منه على الأصناف الثلاثة الّذين هم عياله، ولذا لو زاد كان له علیه السلام، ولو نقص كان الإتمام عليه من نصيبه(1).

وقال العلّامة رحمه الله :

ما يختصّ بالإمام علیه السلام يحرم التصرف فيه حال ظهوره إلّا بإذنه، لقوله تعالى: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِل)(2) وقوله علیه السلام: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْه»(3)، بل بصرف الخمس بأجمعه إليه فيأخذ علیه السلام نصفه يفعل به ما يشاء، ويصرف النصف الآخر في الأصناف الثلاثة على قدر حاجتهم وضرورتهم، فإن فضل شيء كان

ص: 621


1- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/155.
2- «البقرة»: 188.
3- «فقه القرآن» ج2/74، و«مسند أحمد بن حنبل» ج5/72.

الفاضل له، وإن أعوز كان عليه علیه السلام، لأنّ النظر إليه في قسمة الخمس في الأصناف، وتفضيل بعضهم على بعض بحسب ما يراه من المصلحة وزيادة الحاجة وقلّتها(1).

وقريب منه ما قاله المحقّق الهمداني رحمه الله :

يجب إيصال جميع الخمس إلى الإمام علیه السلام حال حضوره والتمكّن من إيصاله إليه، كما يدلّ عليه كثير من النصوص المتقدمة في طيّ المباحث السابقة، فهو يتولّى أمره على حسب ما يقتضيه تكليفه(2).

وقال شيخنا الأنصاري رحمه الله :

يجب دفع الخمس كملاً إلى الإمام علیه السلام حال حضوره، كما يستفاد من كثير من النصوص والفتاوى، بل عن المعتبر والمنتهى نسبته إلى الشيخين وجماعة من علمائنا، ويكفي فيه أصالة عدم تسلّط المالك بنفسه على إفراز النصف للإمام، إذ لا ولاية له عليه ولا على أحد من قبيله(3).

إنّما الكلام في حكمه بالنسبة إلى تحليله ووجوبه حال الغيبة، نبحث هنا تارة عن حكمه بالنسبة إلى سهم الإمام علیه السلام، واُخرى عن حكمه بالنسبة إلى سهم السادات الكرام، وهي بالكليّة مسألة ذو أقوال متعدّدة وآراء متشتّتة، بل قد يتّفق اختلاف رأي مجتهد واحد في مواضع متعدّدة، قد أنهاها صاحب «الحدائق» إلى

ص: 622


1- «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج5/442.
2- «مصباح الفقيه» ج19/382.
3- «كتاب الخمس (للشيخ الأنصاري)» ص340.

أربعة عشر قولاً(1)، ونحن بعد ما تتبعنا آثارهم نرى أنّها تزيد عن ذلك، عبّروا عن علّته بتعابير مختلفة، فقال في «المقنعة»:

وإنّما اختلف أصحابنا في هذا الباب (حكم الخمس حال الغيبة) لعدم ما يلجأ إليه فيه من صريح الألفاظ، وإنّما عدم ذلك لموضع تغليظ المحنة مع إقامة الدليل بمقتضى العقل والأثر من لزوم الاُصول في خطر التصرف في غير المملوك إلّا بإذن المالك وحفظ الودائع لأهلها، وردّ الحقوق(2).

وقال الشيخ رحمه الله في «النهاية»:

فقد اختلف قول أصحابنا فيه، وليس فيه نصّ معيّن إلّا أنّ كلّ واحد منهم قال قولاً يقتضيه الاحتياط(3).

وقال في «الحدائق»:

وهذه المسألة من اُمّهات المسائل ومعضلات المشاكل، وقد اضطربت فيها أفهام الأعلام وزلّت فيها أقدام الأقلام، ودحضت فيها حجج أقوام، واتّسعت فيها دائرة النقض والإبرام، والسبب في ذلك كلّه اختلاف الأخبار وتصادم الآثار الواردة عن السّادة الأطهار (صلوات الله وسلامه عليهم) آناء الليل وأطراف النهار(4).

وكيف كان هي مسألة مهمّة ذات آثار عظيمة، لما وقع في بعض النفوس من

ص: 623


1- راجع: «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/437 - 444.
2- «المقنعة (للشيخ المفيد)» ص287.
3- «النهاية في مجرد الفقه والفتاوی» ص200.
4- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/419.

أنّ الخمس وإن كان واجباً في الشريعة المقدسة الإسلامية إلّا أنّهم: حلّلوه لشيعتهم حال الغيبة مطلقاً أو عند عدم احتياج السّادات إليه، أو تحليلهم الخمس في خصوص المناكح والمساكن والمتاجر، وأمثالها.

حكم أصل الخمس وحكم سهم الإمام علیه السلام منه حال الغيبة، ومصرفه ومتوليه.

نتعرّض أوّلاً لنقل أهمّ الأقوال المطروحة، ثمّ نرجع إلى ما يقتضيه الأدلّة والقواعد، لنختار منها ما هو راجح أو أرجح عندنا في النظر إليها بعد النقض والإبرام، وهي إجمالاً عبارة عن:

1) إباحته للشيعة مطلقاً، الّذي أرجحه محقّق السبزواري رحمه الله ، واستفاده العلّامة رحمه الله من كلام الديلمي في «المراسم»، ونقله في «الحدائق» عن شيخه الشيخ عبدالله بن صالح البحريني وجملة من معاصريه، فقال في «الذخيرة»:

وقد ذكرنا سابقاً ترجيح سقوط خمس الأرباح في زمان الغيبة والمستفاد من الأخبار الكثيرة السابقة في بحث الأرباح...، إباحة الخمس مطلقاً للشيعة(1).

وأمّا سلّار بن عبد العزيز في «المراسم» فإنّه بعد ما فرغ عن حكم الخمس تعرّض لحكم الأنفال وقال:

والأنفال له أيضاً خاصة، وهي كلّ أرض فتحت من غير أن يوجف عليها بخيل ولا ركاب، والأرض الموات، وميراث الحربي، والآجام والمفاوز، والمعادن والقطائع: ليس لأحد أن يتصرّف في شيء من ذلك، إلّا بإذنه.

ص: 624


1- «ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد» ج2/492.

فمن تصرّف فيه بإذنه، فله أربعة أخماس المستفاد منها، وللإمام الخمس، وفي هذا الزمان فقد أحلّونا فيما يتصرّف فيه من ذلك كرماً وفضلأ لنا خاصّة(1).

وقال العلّامة رحمه الله بعد حكايته كلام المراسم:

وهذا القول منه يقتضي تعميم الإباحة فيما تقدّم ذكره (أي الخمس)(2).

وقال في «الحدائق»:

كما نقله (الإباحة المطلقة) شيخنا المتقدّم في صدر عبارته، وهو مذهب سلّار على ما نقله عنه في المختلف وغيره، قال بعد أن ذكر المنع من التصرف فيه زمن الحضور إلّا بإذنه علیه السلام: وفي هذا الزمان قد حلّلونا بالتصرف فيه كرماً وفضلاً لنا خاصّة. واختار هذا القول الفاضل المولى محمّد باقر الخراساني في الذخيرة وشيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني...، وهذا القول مشهور الآن بين جملة من المعاصرين(3).

2) وجوب دفنه مطلقاً فيخرجه الإمام علیه السلام بعد ظهوره، قول الّذي نسبه المفيد رحمه الله في «المقتعة»(4)، والشيخ رحمه الله في كتابي «النهاية» و«المبسوط»(5)،

ص: 625


1- «المراسم العلويّة والأحكام النبويّة» ص140.
2- «مختلف الشيعة في أحكام الشريعة» ج3/340.
3- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/438 - 439.
4- «المقنعة (للشيخ المفيد» ص285.
5- «النهاية في مجرّد الفقه والفتاوی» ص201، و«المبسوط في فقه الإماميّة» ج1/246، حيث قال: وقال قوم: يجب دفنه لأنّ الأرضين تخرج كنوزها عند قيام القائم.

والمحقّق رحمه الله في «الشرائع»(1)، والعلّامة رحمه الله في كتابي «التذكرة» و«المنتهى»(2)، إلى بعض ولم يسمّوا قاله.

3) وجوب حفظه مطلقاً ثمّ الوصيّة به عند ظهور أمارات الموت إلى أن يصل إلى صاحب العصرأ، وهذا القول هو خيرة الشيخين (رضوان الله تعالى عليهما)، فقال المفيد رحمه الله :

وهذا القول عندى أوضح من جميع ما تقدّم لأنّ الخمس حقّ وجب لغائب لم يرسم فيه قبل غيبته رسماً يجب الانتهاء إليه، فوجب حفظه عليه إلى وقت إيابه، أو التمكّن من إيصاله إليه، أو وجود من انتقل بالحقّ إليه(3).

4) صرف السهمين جميعاً وجوباً أو جوازاً في الأصناف، نقله المحقّق في المعتبر عن المفيد رحمه الله في الرسالة الغريّة ثمّ اختاره، ونسبه في المختلف إلى جماعة من علمائنا، واختاره فيه وفي المنتهىوالإرشاد(4)، والشهيد في كتابي البيان والدروس(5)، وفي الروضة أنّه المشهور

ص: 626


1- «شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام» ج1/167.
2- «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج5/444، و«منتهی المطلب في تحقيق المذهب» ج8/586.
3- «المقنعة (للشيخ المفيد)» ص286، ومثله الشيخ رحمه الله في «التهذيب» ج4/147.
4- «مختلف الشيعة في أحكام الشريعة» ج3/354 - 355، و«إرشاد الأذهان إلی أحكام الإيمان» ج1/294، «منتهی المطلب في تحقيق المذهب» ج8/587، حيث قال: والّذي ذهب إليه المفيد في الرسالة جيّد.
5- «البيان» ص351، «الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة» ج1/262.

بين المتأخرين(1).

قال في «المعتبر»:

وقال المفيد رحمه الله في الرسالة الغريّة: ومتى فقد إمام الحقّ ووصل إلى إنسان ما يجب فيه الخمس فليخرجه إلى يتامي آل محمّد ومساكينهم وأبناء سبيلهم، وليوفر قسط ولد أبي طالب لعدول الجمهور عن صلتهم، ولمجيء الرواية عن أئمة الهدى بتوفّر ما يستحقّونه من الخمس في هذا الوقت على فقراء أهلهم وأيتامهم وأبناء سبيلهم.

وما ذكره المفيد رحمه الله حسن، لما أسلفناه من وجوب إتمام ما يحتاجون إليه من حصّته عند وجوده، وإذا كان هذا لازماً له في حضوره كان لازماً في غيبته، لأنّ ما وجب بحقّ الله مطلقاً لا يسقط بغيبته من يلزمه ذلك، لكن يجب أن يتولّى صرف ما يحتاجون إليه من حصّة من له النيابة عنه في الأحكام وهو «الفقيه المأمون» من فقهاء أهل البيت: على وجه التتمة لمن يقصر حاصله من مستحقّه عمّا يضطرّ إليه لا غير(2).

5) صرف النصف منه للأصناف وسهمه علیه السلام لمواليه العارفين بحقّه وإن لميكونوا من الهاشميين، صرّح بذلك ابن حمزة في الوسيلة، ونسبه في المختلف الى المفيد رحمه الله في ظاهر غريّته، فقال في «الوسيلة»:

ص: 627


1- «الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة» ج1/193.
2- «المعتبر في شرح المختصر» ج2/641.

وإذا لم يكن الإمام علیه السلام حاضراً فقد ذكر فيه أشياء، والصحيح عندي أنّه يقسم نصييه على مواليه العارفين بحقّه من أهل الفقر والصّلاح والسّداد(1).

وتوقّف في ذلك في «المختلف» بعد نقل كلامه، حيث قال:

وهل يجوز التفريق في فقراء الشيعة غير الهاشميين؟ كلام المفيد وابن حمزة يقتضي ذلك، ونحن فيه من المتوقفين(2).

6) يدفع نصفه إلى من يستحقّه من الأصناف، لكنّه بالنسبة إلى سهمه علیه السلام فإنّه يجب عليه دفنه أو أن يحفظه أيّام حياته، فلو لم يدرك ظهوره دفعه إلى من يثق بدينه وأمانته حتی يصله إليهأ القول الّذي اختاره أبوالصلاح الحلبي رحمه الله في «الكافي»، وحكى عن الشيخ الطوسي رحمه الله اختياره في المسائل الحائريّة(3)، ويؤمّل في «المختلف» أن يعمل عليه، فقال الحلبي رحمه الله :

ويلزم من وجب عليه الخمس إخراجه من ماله وعزل شطره لوليّ الأمر انتظاراً للتمكّن من إيصاله إليه، فإن استمرّ التعذّر أوصى حين الوفاة إلى من يثق بدينه وبصيرته ليقوم في أداء الواجب مقامه، وإخراج الشطرالآخر إلى مساكين آل عليّ وجعفر وعقيل والعباس وأيتامهم وأبناء سبيلهم، لكلّ صنف ثلث الشطر(4).

ص: 628


1- «الوسيلة إلی نيل الفضيلة» ص137.
2- «مختلف الشيعة في أحكام الشريعة» ج3/355.
3- أقول: لم نجد المسألة في «المسائل الحائريّات»، لكنّه حكاه عنه في «السرائر الحاوي لتحرير الفتاوی» ج1/500، وفي «مختلف الشيعة في أحكام الشريعة» ج3/350 .
4- «الكافي في الفقه» ص173.

وقال في «المختلف»:

وقال قوم: يجب أن يقسم الخمس ستة أقسام؛ فثلاثة أقسام للإمام علیه السلام تدفن أو تودع عند من يثق بأمانته، والثلاثة الأقسام الاُخر تفرق على مستحقّيه من أيتام آل محمّد: ومساكينهم وأبناء سبيلهم، وهذا ممّا ينبغي أن يكون العمل عليه، لأنّ هذه الثلاثة الأقسام مستحقّها ظاهر وإن كان المتولّي لتفريق ذلك فيهم ليس بظاهر، كما أنّ مستحقّ الزكاة ظاهر وإن كان المتولّي لقبضها وتفريقها ليس بظاهر، ولا أحد يقول في الزكاة: أنّه لا يجوز تسليمها إلى مستحقّها، (إلى أن قال:) وقال الشيخ أيضاً في المسائل الحائريّة: الخمس نصفه لصاحب الزّمانأ يدفن أو يودع من يوثق به، ويأمره أن يوصي بذلك إلى أن يصل إلى مستحقّه، والنصف الآخر يقسم في يتامى آل الرّسول صلی الله علیه و آله و سلم ومساكينهم وأبناء سبيلهم، فإنّهم موجودون، وإن خاف من ذلك أودع الخمس كلّه أو دفنه(1).

7) نفس القول السادس إلّا أنّه يبيح كلّ ما يختصّ من الخمس بالنسبة إلى المساكن والمناكح والمتاجر لخصوص شيعتهم:، الّذي اختاره القاضي ابن البراج في «المهذب»، والشيخ في «النهاية»، قال القاضي رحمه الله :

وكلّ ما يختصّ من الخمس بالمساكن أو المناكح أو المتاجر فإنّه يجوز التصرّف فيه في زمان غيبة الإمام علیه السلام، لأنّ الرخصة قد وردت في ذلك لشيعة آل محمّد:، دون من خالفهم. وإمّا ما يختصّ به من غير ذلك فلا يجوز لأحد من النّاس كافة التصرّف في شيء منه، ويجب

ص: 629


1- «مختلف الشيعة في أحكام الشريعة» ج3/348 و350.

على من وجب عليه حمله إلى الإمام علیه السلام ليفعل فيه ما يراه، فإن كان علیه السلام غائباً، فينبغي لمن لزمه إخراج الخمس أن يقسمه ستة أسهم على ما بيّناه، ويدفع منها ثلاثة إلى من يستحقّه من الأصناف المذكورة فيما سلف، والثلاثة الاُخر للإمام علیه السلام ويجب عليه أن يحتفظ بها أيّام حياته، فإن أدرك ظهور الإمام علیه السلام دفعها إليه، وإن لم يدرك ذلك دفعها إلى من يوثق بدينه وأمانته من فقهاء المذهب، ووصّى بدفع ذلك إلى الإمام علیه السلام إن أدرك ظهوره، وإن لم يدرك ظهوره وصّى إلى غيره بذلك، وقد ذكر بعض أصحابنا، أنّه ينبغي أن يدفنه تعويلاً في ذلك على الخبر المتضمّن، لأنّ الأرض تظهر كنوزها عند ظهور الإمام علیه السلام، والأوّل أحوط، وأقوى في براءة الذمّة من ذلك(1).

وقال في «النهاية»:

وليس لأحد أن يتصرّف فيما يستحقّه الإمام من الأخماس والأنفال إلّا بإذنه...، هذا في حال ظهور الإمام، فأمّا في حال الغيبة فقد رخّصوا لشيعتهم التصرّف في حقوقهم ممّا يتعلّق بالأخماس وغيرها فيما لابدّلهم منه من المناكح والمتاجر والمساكن، فأمّا ما عدا ذلك، فلا يجوز له التصرّف فيه على حال(2).

8) صرف نصفه إلى من يستحقّه من الأصناف، لكنّه بالنسبة إلى سهمه علیه السلام فإنّه يجري عليه حكم المال المجهول مالكه، فإنّ الإمام علیه السلام وإن كان معلوماً عنواناً يعرف باسمه ونسبه، لكنّه مجهول بشخصه ونفسه، فيتصدّق عن جانبه

ص: 630


1- «المهذّب (لابن البراج)» ج1/180 - 181.
2- «النهاية في مجرّد الفقه والفتاوی» ص200.

لكونه نوعاً من الإيصال إليه علیه السلام، قول الّذي قوّاه في «الجواهر» حيث قال:

وأقوى من ذلك معاملته معاملة المال المجهول مالكه باعتبار تعذّر الوصول إليه روحي له الفداء، إذ معرفة المالك باسمه ونسبه دون شخصه لا تجدي، بل لعلّ حكمه حكم مجهول المالك باعتبار تعذّر الوصول إليه للجهل به، فيتصدّق به حينئذٍ نائب الغيبة عنه، ويكون ذلك وصولاً إليه على حسب غيره من الأموال الّتي يمتنع إيصالها إلى أصحابها، والله أعلم بحقائق أحكامه(1).

9 ) يدفع نصفه إلى من يستحقه من الأصناف، وأمّا سهمه علیه السلام يصرف بيد نائب الغيبة فيما يعلم أو يوثق بكونها مرضيّاً عنده بحيث لو كان بنفسه الشريف حاضراً يصرفه فيها من المصالح العامة المهمّة أو الخاصّة للمؤمنين كإدارة الحوزات العلميّة ومؤونة الطلاب العلوم الدينيّة وما فيه تقوية مباني الدّين ونشره، أو تتميم معاش السّادة، وما يكون من هذا القبيل، القول الّذي اختاره أعاظم المتأخرين والمعاصرين منهم الشيخ الأنصاري رحمه الله حيث قال:

بقي الكلام في مصرفه في زمان الغيبة، فالّذي يقتضيه العمومات وجوب صرف حصّة الأصناف إليهم وإن قلنا بوجوب دفعها إلى الإمام علیه السلام عند الحضور...، وأمّا حصة الإمام علیه السلام فقد عرفت ضعف القول بسقوطها، فالكلام فيها على فرض ثبوتها، فنقول: الّذي تقتضيه القاعدة هو وجوب حفظه له علیه السلام، لأنّه مال غائب وأيّ غائب؟! أرواحنا له الفداء، ولذا ذهب إليه جمهور أصحابنا على ما في المعتبر وعن المنتهى وعن السرائر «أنّه الّذي يقتضيه اُصول الدّين، واُصول

ص: 631


1- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/177.

المذهب، وأدلّة العقول، وأدلّة الاحتياط، وإليه يذهب، وعليه يعوّل جميع محقّقي أصحابنا المصنّفين المحصّلين الباحثين عن مأخذ الشريعة، وجهابذة الأدلّة ونقّاد الآثار، فإنّ جميعهم يذكرون في باب الأنفال هذه المقالة، ويعتمدون على القول الأخير الّذي ارتضيناه بغير خلاف، إلّا أنّ الّذي يقتضيه التأمّل في أحوال الإمام علیه السلام وفي أحوال ضعفاء شيعته في هذا الزمان، ثمّ في ملاحظة حاله بالنسبة إليهم، هو القطع برضاه علیه السلام بصرف حصّته فيهم، ورفع اضطراراتهم بها، وفيما يحتاجون إليه من الاُمور العامّة والخاصّة، فالشك في هذا ليس إلّا من جهة عدم إعطاء التأمّل حقّه في أحوال الطرفين أو في النسبة، مضافاً إلى أنّه إحسان محض، ما على فاعله من سبيل، وإن لم نعلم رضاه بالخصوص(1).

وكذا المحقق الهمداني رحمه الله فإنّه بعد ما حكى الأقوال في المقام وما فيها من النقد والإشكال، قال:

والحاصل: أنّ ما يمكن دعوى القطع به إنّما هو رضاه بصرفه في ما هو الأهمّ فالأهمّ ولو بنظر المتصرّف، لا في خصوص بني هاشم ولا فيهم مطلقاً، فيشكل حينئذٍ صرفه إلى هاشمي فقير مع وجود من هو أحوج وأولى منه في الهاشميين أو في غيرهم، أو وجود مصرف أهمّ ممّا يتعلّق بحفظ الشرع وقوّامه كما لا يخفى...، فالإنصاف أنّ القول بجواز صرفه إلى الفقراء مطلقاً، بل وكذا إلى سائر المصارف الّتي يحصل بها تشييد الدّين وإعلاء كلمة الحقّ ممّا يكون القيام به من وظائف الإمام علیه السلام لا

ص: 632


1- «كتاب الخمس (للشيخ الأنصاري)» ص331 - 333.

يخلو من قوّة خصوصاً مع ملاحظة الأهمّ فالأهمّ، إلّا أنّ الأحوط إن لم يكن الأقوى الاقتصار على فقراء الهاشميّين مع الإمكان كما يظهر من خبر عيسى بن المستفاد المتقدّم(1).

ومنهم المحقق الخوئي رحمه الله فإنّه بعد ما نقل ما قوّاه في «الجواهر» من المعاملة معه معاملة المال المجهول مالكه، قال:

(وهذا الوجه) وإن كان وجيهاً في الجملة وأنّ ما لا يمكن فيه الإيصال يتصدّق به، فإنّه نوع من الإيصال إليه، إلّا أنّه لا إطلاق لدليله يشمل صورة وجود مصرف يحرز رضا المالك بالصرّف فيه...، فلو فرضنا أنّا أحرزنا أنّ المالك المجهول كان عازماً على صرف هذا المال في مصرف معيّن من عمارة المسجد، أو بناية المدرسة، أو إقامة التعزية، فإنّه لا يسعنا وقتئذٍ الصرف في التصدّق، إذ بعد أن كان له مصرف معيّن والمالك يرضى به فالتصدّق بدون إذن منه ولا من وليّه الإمام علیه السلام ولم يأذن بعد ما عرفت من عدم إطلاق في دليل الصدقة يشمل المقام تصرّف فيملك الغير بغير إذنه، فالمتعيّن إذاً ما عرفت (أي الصرف في موارد يحرز فيها رضا الإمام علیه السلام قطعاً أو اطميناناً بحيث كان الصرف في تلك الجهة مرضياً عنده)(2).

هذه هي أهمّ الكلمات المطروحة هنا، يمكن تجميعها طيّ ثلاثة أقوال:

الأوّل: سقوط الخمس وإباحته للشيعة مطلقاً، أو بالنسبة إلى خصوص مساكنهم ومناكحهم ومتاجرهم.

ص: 633


1- «مصباح الفقيه» ج19/439 و442.
2- «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/330، و«مستند العروة - كتاب الخمس» ص326.

الثاني: صرف نصفه إلى من يستحقّه من الأصناف، لكنّه بالنسبة إلى سهمه عجل الله تعالی فرجه الشریف فإنّه يجب أن يحفظ بأحد الطرق من الدفن أو الوصيّة وغيرهما، لكونه مالاً للغائب يجب حفظه إلى أن يصل إليه.

الثالث: نفس القول الثاني، لكنه بالنسبة إلى سهمه علیه السلام يجب صرفه، إمّا عن طريق إجراء حكم المال المجهول مالكه والتصدّق به عنه عجل الله تعالی فرجه الشریف ، أو عن طريق العلم برضايته علیه السلام بصرف سهمه في المصالح العامّة أو الخاصّة للمؤمنين وما فيه تقوية مباني الدّين ونشره.

فعلينا أن نرجع إلى أدلّة ما قيل من الأقوال، وحيث كانت الرّوايات مختلفة لساناً فنقسّمها على طوائف:

الطائفة الاُولى: ما دلّت بظاهرها على إباحتهم الخمس لشيعتهم مطلقاً حتی بالنسبة إلى زمان ظهورهم:، قول الّذي لم يقل به أحد من القائلين بالإباحة، وهي عبارة عن:

صحيحة الفضلاء (الفضلاء الثلاثة، أبو بصير وزرارة ومحمّدبن مسلم)كلّهم عن أبي جعفر علیه السلام قال: «قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أبي طَالِبٍ علیه السلام: هَلَكَ النَّاسُ في بُطُونِهِمْ وَفُرُوجِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤَدُّوا إِلَيْنَا حَقَّنَا، أَلَا وَإِنَّ شِيعَتَنَا مِنْ ذَلِكَ وَآبَاءَهُمْ في حِلٍّ»(1).

وصحيحة داود بن كثير الرّقيّ عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: سمعته يقول:

ص: 634


1- «التهذيب» ج4/137، الحديث 386، و«الاستبصار» ج2/58، الحديث 191، و«وسائل الشيعة» ج9/543، الحديث 12675.

«النَّاسُ كُلُّهُمْ يَعِيشُونَ في فَضْلِ مَظْلِمَتِنَا إِلَّا أَنَّا أَحْلَلْنَا شِيعَتَنَا مِنْ ذَلِكَ»(1).

وصحيحة الحارث بن المغيرة النصريّ عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: قلت له: إِنَّ لَنَا أَمْوَالاً مِنْ غَلَّاتٍ وَتِجَارَاتٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ لَكَ فِيهَا حَقّاً، قَالَ: «فَلِمَ أَحْلَلْنَا إِذاً لِشِيعَتِنَا إِلَّا لِتَطِيبَ وِلَادَتُهُمْ وَكُلُّ مَنْ وَالَى آبَائِي فَهُوَ في حِلٍّ مِمَّا في أَيْدِيهِمْ مِنْ حَقِّنَا فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ»(2).

وموثقة اُخری عنه قال: دَخَلْتُ عَلَى أبي جعفر علیه السلام فَجَلَسْتُ عِنْدَهُ، فَإِذَا نَجِيَّةُ قَدِ اُستاذنَ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، وَاللَّهِ مَا أُرِيدُ بِهَا إِلَّا فَكَاكَ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ، فَكَأَنَّهُ رَقَّ لَهُ فَاسْتَوَى جَالِساً فَقَالَ: «يَا نَجِيَّةُ سَلْنِي فَلَا تَسْأَلُنِي عَنْ شيء إِلَّا أَخْبَرْتُكَ بِهِ، قَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا تَقُولُ في فُلَانٍ وَفُلَانٍ؟ قَالَ: يَا نَجِيَّةُ إِنَّ لَنَا الْخُمُسَ في كِتَابِ اللَّهِ،وَلَنَا الْأَنْفَالَ، وَلَنَا صَفْوَ الْمَالِ، وَهُمَا وَاللَّهِ أَوَّلُ مَنْ ظَلَمَنَا حَقَّنَا في كِتَابِ اللَّه، إلی أن قال: اللَّهُمَّ إِنَّا قَدْ أَحْلَلْنَا ذَلِكَ لِشِيعَتِنَا»، الحديث(3).

وما رواه حكيم مؤذّن بنى عيس عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: قلت له: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ)، قَالَ: «هِيَ وَاللَّهِ الْإِفَادَةُ يَوْماً بِيَوْمٍ إِلَّا أَنَّ

ص: 635


1- «من لا يحضره الفقيه» ج2/24، الحديث 90، و«التهذيب» ج4/138، الحديث 388، و«وسائل الشيعة» ج9/546، الحديث 12681.
2- «التهذيب» ج4/143، الحديث 399، و«وسائل الشيعة» ج9/547، الحديث 12683.
3- «التهذيب» ج4/145، الحديث 405، و«وسائل الشيعة» ج9/549، الحديث 12688.

أبي جَعَلَ شِيعَتَنَا مِنْ ذَلِكَ في حِلٍّ لِيَزْكُوا»(1).

وما رواه أبو حمزة عن أبي جعفر علیه السلام في حديث قال: «فَنَحْنُ أَصْحَابُ الْخُمُسِ وَالْفَيْ ءِ، وَقَدْ حَرَّمْنَاهُ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ مَا خَلَا شِيعَتَنَا، وَاللَّهِ يَا أَبَا حَمْزَةَ مَا مِنْ أَرْضٍ تُفْتَحُ وَلَا خُمُسٍ يُخْمَسُ فَيُضْرَبُ عَلَى شيء مِنْهُ إِلَّا كَانَ حَرَاماً عَلَى مَنْ يُصِيبُهُ فَرْجاً كَانَ أَوْ مَالاً»، الحديث(2).

وما رواه العيّاشي في تفسيره عن فيض بن أبي شبية عن رجل عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: «إِنَّ أَشَدَّ مَا فِيهِ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا قَامَ صَاحِبُ الْخُمُسِ فَقَالَ: يَا رَبِّ خُمُسِي وَإِنَّ شِيعَتَنَا مِنْ ذَلِكَ في حِلٍّ»(3).الطائفة الثانية: ما دلّت على تحليل المناكح مطلقاً، أو مع المساكن والمتاجر طول الغيبة، وهي كما تلي:

صحيحة ضريس الكناسي قال: قال أبو عبداللّه علیه السلام: «أَ تَدْرِي مِنْ أَيْنَ دَخَلَ عَلَى النَّاسِ الزِّنَا؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي، فَقَالَ: مِنْ قِبَلِ خُمُسِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ إِلَّا لِشِيعَتِنَا الْأَطْيَبِينَ فَإِنَّهُ مُحَلَّلٌ لَهُمْ وَلِمِيلَادِهِمْ»(4).

ص: 636


1- «الكافي» ج1/544، الحديث 10، و«التهذيب» ج4/121، الحديث 344، و«الاستبصار» ج2/54، الحديث 179، و«وسائل الشيعة» ج9/546، الحديث 12682.
2- «الكافي» ج8/285، الحديث 431، و«وسائل الشيعة» ج9/552، الحديث 12693.
3- «تفسير العيّاشي» ج2/62، الحديث 59، و«وسائل الشيعة» ج9/554، الحديث 12696.
4- «الكافي» ج1/459، الحديث 16، و«المقنعة» ص45، و«التهذيب» ج4/136، الحديث 383، و«وسائل الشيعة» ج9/544، الحديث 12677.

وصحيحة سالم بن مكرم المعروف بأبي خديجة عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: قَالَ رَجُلٌ وَأَنَا حَاضِرٌ حَلِّلْ لِيَ الْفُرُوجَ! فَفَزِعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: لَيْسَ يَسْأَلُكَ أَنْ يَعْتَرِضَ الطَّرِيقَ، إِنَّمَا يَسْأَلُكَ خَادِماً يَشْتَرِيهَا، أَوِ امْرَأَةً يَتَزَوَّجُهَا، أَوْ مِيرَاثاً يُصِيبُهُ، أَوْ تِجَارَةً، أَوْ شَيْئاً أُعْطِيَهُ، فَقَالَ: «هَذَا لِشِيعَتِنَا حَلَالٌ الشَّاهِدِ مِنْهُمْ وَالْغَائِبِ، وَالْمَيِّتِ مِنْهُمْ وَالْحَيِّ، وَمَا يُولَدُ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَهُوَ لَهُمْ حَلَالٌ، أَمَا وَاللَّهِ لَا يَحِلُّ إِلَّا لِمَنْ أَحْلَلْنَا لَهُ، وَلَا وَاللَّهِ مَا أَعْطَيْنَا أَحَداً ذِمَّةً (وَمَا عِنْدَنَا لِأَحَدٍ عَهْدٌ) وَلَا لِأَحَدٍ عِنْدَنَا مِيثَاقٌ»(1).

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما صلی الله علیه و آله و سلم قال: «إِنَّ أَشَدَّ مَا فِيهِ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَقُومَ صَاحِبُ الْخُمُسِ فَيَقُولَ: يَا رَبِّ خُمُسِي، وَقَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ لِشِيعَتِنَالِتَطِيبَ

وِلَادَتُهُمْ وَلِتَزْكُوَ أَوْلَادُهُمْ»(2).

وصحيحة الفضيل بن يسار عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: «مَنْ وَجَدَ بَرْدَ حُبِّنَا في كَبِدِهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَى أَوَّلِ النِّعَمِ، قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا أَوَّلُ النِّعَمِ؟ قَالَ: طِيبُ الْوِلَادَةِ، ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: قَالَ أَمِيرُ المؤمنين علیه السلام لِفَاطِمَةَ سلام الله علیها : أَحِلِّي نَصِيبَكِ مِنَ الْفَيْ ءِ لآِبَاءِ شِيعَتِنَا لِيَطِيبُوا، ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: إِنَّا أَحْلَلْنَا أُمَّهَاتِ

ص: 637


1- «التهذيب» ج4/137، الحديث 384، و«الاستبصار» ج2/58، الحديث 189، و«وسائل الشيعة» ج9/544، الحديث 12678.
2- «الكافي» ج1/459، الحديث 20، و«المقنعة» ص45، و«التهذيب» ج4/136، الحديث 382، و«الاستبصار» ج2/57، الحديث 187، و«وسائل الشيعة» ج9/545، الحديث 12679.

شِيعَتِنَا لآِبَائِهِمْ لِيَطِيبُوا»(1).

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام أنّه قال: «إِنَّ أَمِيرَ المؤمنين علیه السلام حَلَّلَهُمْ مِنَ الْخُمُسِ، يَعْنِي الشِّيعَةَ لِيَطِيبَ مَوْلِدُهُمْ»(2).

وما رواه في «عوالي اللئالي» قال: سُئل الصادق علیه السلام فقيل له: فَقِيلَ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا حَالُ شِيعَتِكُمْ فِيمَا خَصَّكُمُ اللَّهُ بِهِ إِذَا غَابَ غَائِبُكُمْ وَاسْتَتَرَ قَائِمُكُمْ؟ فَقال علیه السلام: «مَا أَنْصَفْنَاهُمْ إِنْ آخَذْنَاهُمْ وَلَا أَحْبَبْنَاهُمْ إِنْ عَاقَبْنَاهُمْ، بَلْ نُبِيحُ لَهُمُ الْمَسَاكِنَ لِتَصِحَّ عِبَادَتُهُمْ، وَنُبِيحُ لَهُمُ الْمَنَاكِحَ لِتَطِيبَ وِلَادَتُهُمْ، وَنُبِيحُ لَهُمُ الْمَتَاجِرَلِيَزْكُوَ

أَمْوَالُهُمْ»(3).

والظاهر كما صرّح به في «الحدائق»(4) أنّه ليس لما ادّعاه الشيخ ومن تبعه من تحليل الخمس زائداً على المناكح، للمساكن والمتاجر أيضاً غير هذه المرسلة.

الطائفة الثالثة: ما دلّت على تحليلهم الخمس في مقطع خاص من الزمان لضعف المكلّف عن أدائه، وهي عبارة عن موثقة يونس بن يعقوب قال: كُنْتُ عِنْدَ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْقَمَّاطِينَ فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ تَقَعُ في

ص: 638


1- «التهذيب» ج4/143، الحديث 401، و«وسائل الشيعة» ج9/547، الحديث 12684.
2- «علل الشرائع» ج2/377، الحديث 1، و«وسائل الشيعة» ج9/550، الحديث 12689.
3- «عوالي اللئالي» ج2/246، الحديث 14، و«مستدرك الوسائل» ج7/303، الحديث 8272.
4- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/447.

أَيْدِينَا الْأَرْبَاحُ وَالْأَمْوَالُ وَتِجَارَاتٌ نَعْلَمُ أَنَّ حَقَّكَ فِيهَا ثَابِتٌ، وَأَنَّا عَنْ ذَلِكَ مُقَصِّرُونَ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «مَا أَنْصَفْنَاكُمْ إِنْ كَلَّفْنَاكُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ»(1).

الطائفة الرابعة: ما دلّت على تحليلهم الخمس طول الغيبة فقط، بل من الزمان الصادقين: إلى زمان قيام القائم عجل الله تعالی فرجه الشریف ، وهي عبارة عن صحيحة أبي سيّار مسمع بن عبدالملك حيث قال: قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام: إِنِّي كُنْتُ وُلِّيتُ الْغَوْصَ فَأَصَبْتُ أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَدْ جِئْتُ بِخُمُسِهَا ثَمَانِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَكَرِهْتُ أَنْأَحْبِسَهَا عَنْكَ وَأَعْرِضَ لَهَا وَهِيَ حَقُّكَ الّذي جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَكَ في أَمْوَالِنَا، فَقَالَ: «وَمَا لَنَا مِنَ الْأَرْضِ وَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهَا إِلَّا الْخُمُسُ؟! يَا أَبَا سَيَّارٍ الْأَرْضُ كُلُّهَا لَنَا، فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهَا مِنْ شيء فَهُوَ لَنَا، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَنَا أَحْمِلُ إِلَيْكَ الْمَالَ كُلَّهُ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا سَيَّارٍ قَدْ طَيَّبْنَاهُ لَكَ وَحَلَّلْنَاكَ مِنْهُ فَضُمَّ إِلَيْكَ مَالَك، وَكُلُّ مَا كَانَ في أَيْدِي شِيعَتِنَا مِنَ الْأَرْضِ فَهُمْ فِيهِ مُحَلَّلُونَ، وَمُحَلَّلٌ لَهُمْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَقُومَ قَائِمُنَا فَيَجْبِيَهُمْ طَسْقَ مَا كَانَ في أَيْدِي سِوَاهُمْ، فَإِنَّ كَسْبَهُمْ مِنَ الْأَرْضِ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ حتی يَقُومَ قَائِمُنَا فَيَأْخُذَ الْأَرْضَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَيُخْرِجَهُمْ مِنْهَا صَغَرَةً»(2)، فالرّواية دلّت على تحليل الخمس والأنفال إلى أن يقوم القائم عجل الله تعالی فرجه الشریف .

ص: 639


1- «من لا يحضره الفقيه» ج2/23، الحديث 87، و«المقنعة» ص46، «التهذيب» ج4/138، الحديث 389، و«الاستبصار» ج2/59، الحديث 194، و«وسائل الشيعة» ج9/545، الحديث 12680. والقماط ككتاب الحبل، وأيضاً الخرقة العريضة الّتی تُلفّها علی الصبيّ. راجع: «تاج العروس من جواهر القاموس» ج10/391.
2- «الكافي» ج1/337، الحديث 3، و«التهذيب» ج4/144، الحديث 403، و«وسائل الشيعة» ج9/548، الحديث 12686.

أقول: إنّ الّذي يتحصّل من الرّوايات في الطائفة الاُولى من تحليل الخمس بكلا قسميه حتی بالنسبة إلى زمان ظهورهم:، فهو مخالف لصريح الكتاب وللأخبار الكثيرة ولما أفتى به جميع الأصحاب حتی القائلين بتحليله زمن الغيبة، وللزومه حرمان بني هاشم من الخمس والزكاة معاً وصيرورتهم أسوأ حالاً من غيرهم، فيلزم أن نحملها على غير ما هو ظاهر منها.

وبذلك يظهر أيضاً حكم ما يستفاد من الطائفة الأخيرة من تحليلهم الخمس مطلقاً من زمانهم إلى زمان قيام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ، وتخصيص التحليل بسهم الإمام علیه السلام فقط ممّا لا شاهد له، بل مخالف لظاهرها وإطلاقها لا سيّما بملاحظة أنّ سهمه علیه السلام عشر للأموال لا خمسها ولا يطلق الخمس على العشر، وزائداً على منافاته حينئذٍ لما عرفت من وجود مصارف سهمه علیه السلام في هذه المدّة الطويلة ولاسيّما طول الغيبة، لوضوح أنّ سهم الإمام علیه السلام من هذه الأخماس الخطيرة العظيمة لم يكن لمؤن شخصه ونفسه، بل هو من مؤن منصبه بما هو إمام المسلمين ورئيسهم وزعيمهم، كما صرّح بذلك في رواية محمّد بن زيد الطبري عن مولانا الرّضا علیه السلام(1)، وينتقل دائماً من إمام إلى الإمام في كلّ

ص: 640


1- حيث قال: «إِنَّ الْخُمُسَ عَوْنُنَا عَلَى دِينِنَا وَعَلَى عِيَالاتِنَا وَعَلَى مَوَالِينَا، وَمَا نَبْذُلُهُ وَنَشْتَرِي مِنْ أَعْرَاضِنَا مِمَّنْ نَخَافُ سَطْوَتَه...». راجع: «الكافي» ج1/460، الحديث 25، و«المقنعة» ص46، و«التهذيب» ج4/139، الحديث 395، و«الاستبصار» ج2/59، الحديث 195، و«وسائل الشيعة» ج9/538، الحديث 12665.

زمان(1)، فإنّه عجل الله تعالی فرجه الشریف في هذا الزمان ولوكان غائباً عن الأنظار لكن كانت وظائفه باقية على حالها، فبعد ما كان شخصه معلوماً ومصارفه باقية وحقّه موجوداً ووكلائه العامّة أيضاً موجودون، فكيف يمكن أن يعامل مع أمواله معاملة المال الشخصي المجهول مالكه، أو القول بدفن أمواله أو الإيصاء بها وإيتائها إلى ثقة بعد ثقة الّتي يلازم غالباً بل دائماً بسبب طول الزمن تضييع أمواله الكثيرة جداً، وبتبعه تعطيل أغراضه المختلفةالمتعدّدة؟! بل بالعكس يجب على نوّابه حال غيبته القيام بها بصرفه في كلّ أمر يحرز رضايته علیه السلام به، من إقامة الشعائر ونشر الإسلام وحفظ الحوزات العلميّة وصلة الأصناف من السّادة بل وغيرهم من أهل الفقر من المؤمنين مع رعاية الأهمّ فالأهمّ، لا سيّما بملاحظة أنّ مصارفه بالكليّة ليست كمصرف المال المجهول مالكه.

هذا مع تعارضها بروايات متعدّدة، أكثر منها عدداً وأصرح منها دلالة، دلّت بالمطابقة أو الملازمة على خلاف ذلك، وهي أيضاً على طوائف:

الطائفة الاُولى: ما دلّت بالمطابقة أو بالالتزام على عدم تحليلهم: الخمس،

ص: 641


1- كما صرّح بذلك في صحيحة عليّ بن راشد قال: قلت لأبي الحسن الثالث عليّ بن محمّد الهادي علیه السلام: إِنَّا نُؤْتَى بِالشَّيْ ءِ فَيُقَالُ هَذَا كَانَ لِأَبِي جعفر علیه السلام عِنْدَنَا فَكَيْفَ نَصْنَعُ؟ فَقَالَ: «مَا كَانَ لِأَبِي علیه السلام بِسَبَبِ الْإِمَامَةِ فَهُوَ لِي، وَمَا كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ مِيرَاثٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلی الله علیه و آله و سلم ». «من لايحضره الفقيه» ج2/23، الحديث 85، «وسائل الشيعة» ج9/537، الحديث 12663. ومثله ما رواه محمّد بن الحسن الصّفار في «بصائر الدّرجات» عن عمران بن موسی عن موسی بن جعفر علیه السلام قال: قرأت عليه آية الخمس، فقال: «مَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ لِرَسُولِهِ، وَمَا كَانَ لِرَسُولِهِ فَهُوَ لَنَا...». «وسائل الشيعة» ج9/484، الحديث 12545.

منها صحيحة أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي قال: كان فيما ورد عليّ من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري (قدّس الله روحه) في جواب مسائلي إلى صاحب الدّار علیه السلام: «وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ مَنْ يَسْتَحِلُّ مَا في يَدِهِ مِنْ أَمْوَالِنَا وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَهُ في مَالِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِنَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مَلْعُونٌ وَنَحْنُ خُصَمَاؤُهُ، فَقَدْ قَالَ النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم: الْمُسْتَحِلُّ مِنْ عِتْرَتِي مَا حَرَّمَ اللَّهُ مَلْعُونٌ عَلَى لِسَانِي وَلِسَانِ كُلِّ نَبِيٍّ مُجَابٍ، فَمَنْ ظَلَمَنَا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الظَّالِمِينَ لَنَا، وَكَانَتْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: (أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)(1)» الحديث(2).

ومنها موثقة أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام قال:سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنِ اشْتَرَى شَيْئاًمِنَ الْخُمُسِ لَمْ يَعْذِرْهُ اللَّهُ اشْتَرَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ»(3).

ومنها ما رواه الكليني في «الكافي» وكذا الشيخ في «التهذيبين» عن محمّد بن زيد الطبريّ قال: كَتَبَ رَجُلٌ مِنْ تُجَّارِ فَارِسَ مِنْ بَعْضِ مَوَالي أبي الْحَسَنِ الرِّضا علیه السلام يَسْأَلُهُ الْإِذْنَ في الْخُمُسِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ كَرِيمٌ ضَمِنَ عَلَى الْعَمَلِ الثَّوَابَ وَعَلَى الضِّيقِ الْهَمَّ، لَا يَحِلُّ مَالٌ إِلَّا مِنْ وَجْهٍ أَحَلَّهُ اللَّهُ، إِنَّ الْخُمُسَ عَوْنُنَا عَلَى دِينِنَا وَعَلَى عِيَالاتِنَا وَعَلَى مَوَالِينَا، وَمَا نَبْذُلُهُ وَنَشْتَرِي مِنْ أَعْرَاضِنَا مِمَّنْ نَخَافُ سَطْوَتَهُ، فَلَا تَزْوُوهُ عَنَّا، وَلَا تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ دُعَاءَنَا

ص: 642


1- «هود»: 18.
2- «كمال الدّين» ص520، الحديث 49، و«الاحتجاج» ص479، و«وسائل الشيعة» ج9/540، الحديث 12670.
3- «التهذيب» ج4/136، الحديث 381، و«وسائل الشيعة» ج9/484، الحديث 12544، وص 540، الحديث 12669.

مَا قَدَرْتُمْ عَلَيْهِ، فَإِنَّ إِخْرَاجَهُ مِفْتَاحُ رِزْقِكُمْ، وَتَمْحِيصُ ذُنُوبِكُمْ، وَمَا تُمَهِّدُونَ لِأَنْفُسِكُمْ لِيَوْمِ فَاقَتِكُمْ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ يَفِي لِلَّهِ بِمَا عَهِدَ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ الْمُسْلِمُ مَنْ أَجَابَ بِاللِّسَانِ وَخَالَفَ بِالْقَلْبِ، وَالسَّلَامُ»(1).

ومنها ما رواه محمّد بن زيد قال: قَدِمَ قَوْمٌ مِنْ خُرَاسَانَ عَلَى أبي الْحَسَنِ الرِّضا علیه السلام فَسَأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلَهُمْ في حِلٍّ مِنَ الْخُمُسِ، فَقَالَ: «مَا أَمْحَلَ هَذَا، تُمْحِضُونَّا الْمَوَدَّةَ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَزْوُونَ عَنَّا حَقّاً جَعَلَهُ اللَّهُ لَنَا، وَجَعَلَنَا لَهُ، لَا نَجْعَلُ لَا نَجْعَلُ لَانَجْعَلُ

لِأَحَدٍ مِنْكُمْ في حِلٍّ»(2).

ومنها ما رواه إسحاق بن عمّار قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «لَا يُعْذَرُ عَبْدٌ اشْتَرَى مِنَ الْخُمُسِ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ يَا رَبِّ اشْتَرَيْتُهُ بِمَالِي حتی يَأْذَنَ لَهُ أَهْلُ الْخُمُسِ»(3).

ومنها خبر بل موثقة أحمد بن محمّد بن عيسی عن يزيد (وفي نسختين من الكافي ابن يزيد) قال: كَتَبْتُ جُعِلْتُ لَكَ الْفِدَاءَ تُعَلِّمُنِي مَا الْفَائِدَةُ، وَمَا حَدُّهَا؟ رَأْيَكَ أَبْقَاكَ اللَّهُ أَنْ تَمُنَّ عَلَيَّ بِبَيَانِ ذَلِكَ لِكَيْ لَا أَكُونَ مُقِيماً عَلَى حَرَامٍ لَا صَلَاةَ

ص: 643


1- «الكافي» ج1/460، الحديث 25، و«المقنعة» ص46، و«التهذيب» ج4/139، الحديث 395، و«الاستبصار» ج2/59، الحديث 195، و«وسائل الشيعة» ج9/538، الحديث 12665.
2- «الكافي» ج1/460، الحديث 26، و«المقنعة» ص46، و«التهذيب» ج4/140، الحديث 396، و«الاستبصار» ج2/60، الحديث 196، و«وسائل الشيعة» ج9/539، الحديث 12666.
3- «تفسير العيّاشي» ج2/63، الحديث 60، و«وسائل الشيعة» ج9/542، الحديث 12674.

لِي وَلَا صَوْمَ، فَكَتَبَ: «الْفَائِدَةُ مِمَّا يُفِيدُ إِلَيْكَ في تِجَارَةٍ مِنْ رِبْحِهَا وَحَرْثٌ بَعْدَ الْغَرَامِ أَوْ جَائِزَةٌ»(1)، بناءً على أنّ المسؤول عنه الفائدة الّتي تكون موضوعاً للخمس، حيث إنّ الخمس لوكان محلّلاً لم يلزم من جهل موضوعه وحدّه الإقامة على الحرام، كما لا يخفى.

فدلالة الرّواية واضحة، لكنّها مضمرة أوّلاً حيث لم يصرّح فيها باسم الإمام علیه السلام، وثانياً مضطربة من جهة السند إذ المنقول في «الكافي» بن يزيد، وفي«الوسائل» عن يزيد.

والتحقيق يقتضي ترجيح ما حكاه الشيخ الحرّ العاملي رحمه الله في «الوسائل»، إذ أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري القمّي الّذي كان من أصحاب الرّضا علیه السلام هو ابن عبد الله الأشعري لا ابن يزيد(2)، ويزيد هذا وإن كان مجهولاً لم يثبت وثاقته، إلّا أنّ الّذي رواها عنه هو أحمد بن محمّد بن عيسى الّذي كان رجلاً محتاطاً في نقل الحديث وفي من يروي عنه، وأخرج مثل البرقي(3) وسهل بن زياد(4) وغيرهم من كبار الرّواة من مدينة قم بسبب روايتهم عن الضعفاء، ممّا

ص: 644


1- «الكافي» ج1/457، الحديث 12، و«وسائل الشيعة» ج9/503، الحديث 12585.
2- راجع ترجمته في: «رجال النجاشي (فهرست أسماء مصنفي الشيعة)» ص81، ذيل الرقم 198، «الفهرست للشيخ الطوسي» ص25، ذيل الرقم 65، و... .
3- راجع: «رجال ابن الغضائري (كتاب الضعفاء)» ص39، ذيل الرقم 10، و«رجال ابن داود» ص421، ذيل الرقم 36، و«رجال العلّامة (خلاصة الأقوال)» ص14، ذيل الرقم 7، و... .
4- راجع: «رجال النجاشي (فهرست أسماء مصنفي الشيعة)» ص185، ذيل الرقم 490، و«رجال ابن الغضائري (كتاب الضعفاء)» ص67، ذيل الرقم 65، و... .

يدلّ على تشدّده في نقل الرّواية عن خصوص المعصوم علیه السلام وعن طريق الثقة فقط ويؤيّد به وثاقة الخبر والرّاوي، بل صحتّها كما عبّر عنها المجلسي الأوّل رحمه الله في «روضة المتقين» بأنّها صحيحة(1)، لا سيّما بعد ما كان المتن دليلاً على تورّع الرّاوي.

الطائفة الثانية: ما دلّت على نصبهم: الوكلاء لأخذ الأخماس عن أصحابهم، أو أمر الأصحاب بإيصال الأخماس إليهم، منها ما رواه عليّ بن مهزيار في روايةصحيحة طويلة معروفة له عن أبي جعفر الجواد علیه السلام: «فَأَمَّا الْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ فهي وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلِّ عَامٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شيء قَدِيرٌ)، فَالْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فهي الْغَنِيمَةُ يَغْنَمُهَا الْمَرْءُ، وَالْفَائِدَةُ يُفِيدُهَا، وَالْجَائِزَةُ مِنَ الْإِنْسَانِ لِلْإِنْسَانِ الّتي لَهَا خَطَرٌ، وَالْمِيرَاثُ الّذي لَا يُحْتَسَبُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَا ابْنٍ، وَمِثْلُ عَدُوٍّ يُصْطَلَمُ فَيُؤْخَذُ مَالُهُ، وَمِثْلُ مَالٍ يُؤْخَذُ لَا يُعْرَفُ لَهُ صَاحِبٌ، وَمَا صَارَ إِلَى مَوَالِيَّ مِنْ أَمْوَالِ الْخُرَّمِيَّةِ الْفَسَقَةِ، فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَمْوَالاً عِظَاماً صَارَتْ إِلَى قَوْمٍ مِنْ مَوَالِیَّ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ شيء مِنْ ذَلِكَ فَلْيُوصِلْ إِلَى وَكِيلِي، وَمَنْ كَانَ نَائِياً بَعِيدَ الشُّقَّةِ فَلْيَتَعَمَّدْ لِإِيصَالِهِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ، فَإِنَّ نِيَّةَ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ»، الحديث(2).

ومنها ما رواه هبة الله الرّاوندي في «الخرائج والجرائح» بإسناده عن الحسن

ص: 645


1- «روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه» ج3/120.
2- «التهذيب» ج4/141، الحديث 398، و«الإستبصار» ج2/60، الحديث 198، و«وسائل الشيعة» ج9/501، الحديث 12583.

بن عبد الله بن حمدان عن عمّه عن الحسين عن صاحب الزمانأ أَنَّهُ رَآهُ وَتَحْتَهُ علیه السلام بَغْلَةٌ شَهْبَاءُ وَهُوَ مُتَعَمِّمٌ بِعِمَامَةٍ خَضْرَاءَ يُرَى مِنْهُ سَوَادُ عَيْنَيْهِ، وفي رِجْلِهِ خُفَّانِ حَمْرَاوَانِ، فَقَالَ: «يَا حُسَيْنُ كَمْ تَرْزَأُ عَلَى النَّاحِيَةِ؟ وَلِمَ تَمْنَعُ أَصْحَأبي عَنْ خُمُسِ مَالِكَ؟ ثُمَّ قَالَ: إِذَا مَضَيْتَ إِلَى الْمَوْضِعِ الّذي تُرِيدُهُ تَدْخُلُهُ عَفْواً وَكَسَبْتَ مَا كَسَبْتَ تَحْمِلُ خُمُسَهُ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ»، قَالَ: فَقُلْتُ: السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ ثُمَّ ذَكَرَ في آخِرِهِأَنَّ الْعَمْرِيَّ أَتَاهُ وَأَخَذَ خُمُسَ مَالِهِ بَعْدَ مَا أَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ (1).

الطائفة الثالثة: ما دلّت على نصاب وجوبه في غير الأرباح والمنافع، وكونه بعد المؤونة فيها، فإنّه لو كان الخمس مباحاً مطلقاً لم تكن وجه لهذه المحاسبات الدقيقة أو كونه بعدها، منها صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن محمّد بن عليّ بن أبي عبد اللّه عن أبي الحسن الكاظم علیه السلام قال: سَأَلْتُهُ عَمَّا يُخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ مِنَ اللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ، وَعَنْ مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ هَلْ (فِيهَا زَكَاةٌ)؟ فَقَالَ: «إِذَا بَلَغَ قِيمَتُهُ دِينَاراً فَفِيهِ الْخُمُسُ»(2).

ومنها ما رواه البزنطي في الصحيح عن أبي الحسن الرّضا علیه السلام قال: سَأَلْتُهُ عَمَّا يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ مِنَ الْكَنْزِ؟ فَقَالَ: «مَا يَجِبُ الزَّكَاةُ في مِثْلِهِ فَفِيهِ الْخُمُسُ»(3).

ص: 646


1- «الخرائج والجرائح» ص125، و«وسائل الشيعة» ج9/542، الحديث 12672.
2- «التهذيب» ج4/124، الحديث 356، و«وسائل الشيعة» ج9/493، الحديث 12565.
3- «من لا يحضره الفقيه» ج2/21، الحديث 75، و«وسائل الشيعة» ج9/495، الحديث 12570.

ومنها صحيحة عليّ بن مهزيار عن محمّد بن الحسن الأشعري قال: كَتَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى أبي جَعْفَرٍ الثاني علیه السلام أَخْبِرْنِي عَنِ الْخُمُسِ أ عَلَى جَمِيعِ مَا يَسْتَفِيدُ الرَّجُلُ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ مِنْ جَمِيعِ الضُّرُوبِ وَعَلَى الصُّنَّاعِ، وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ فَكَتَبَ بِخَطِّهِ: «الْخُمُسُ بَعْدَ الْمؤونة»(1).ومنها صحيحة اُخرى عن عليّ بن مهزيار قال: قال لى أبو عليّ بن راشد: قلت له: أَمَرْتَنِي بِالْقِيَامِ بِأَمْرِكَ وَأَخْذِ حَقِّكَ، فَأَعْلَمْتُ مَوَالِيَكَ بِذَلِكَ، فَقَالَ لِي بَعْضُهُمْ: وَأَيُّ شيء حَقُّهُ؟ فَلَمْ أَدْرِ مَا أُجِيبُهُ، فَقَالَ: «يَجِبُ عَلَيْهِمُ الْخُمُسُ، فَقُلْتُ: فَفِي أيّ شيء؟ فَقَالَ: في أَمْتِعَتِهِمْ وَصَنَائِعِهِمْ، قُلْتُ: وَالتَّاجِرُ عَلَيْهِ وَالصَّانِعُ بِيَدِهِ؟ فَقَالَ: إِذَا أَمْكَنَهُمْ بَعْدَ مَؤُونَتِهِمْ»(2).

ومنها ما كتبه علیه السلام في بيان كيفيّة إخراج الخمس في صحيحة إبراهيم بن محمّد الهمداني: «الْخُمُسُ بَعْدَ مَؤُونَتِهِ وَمؤونة عِيَالِهِ وَبَعْدَ خَرَاجِ السُّلْطَانِ»(3).

ومنها صحيحة أحمد بن محمّد عن بن أبي نصر قال: كَتَبْتُ إِلَى أبي جعفر علیه السلام: الْخُمُسُ أُخْرِجُهُ قَبْلَ الْمؤونة أَوْ بَعْدَ الْمؤونة؟ فَكَتَبَ: «بَعْدَ

ص: 647


1- «التهذيب» ج4/123، الحديث 352، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 181، و«وسائل الشيعة» ج9/499، الحديث 12579.
2- «التهذيب» ج4/123، الحديث 353، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 182، و«وسائل الشيعة» ج9/500، الحديث 12581.
3- «التهذيب» ج4/123، الحديث 354، و«الاستبصار» ج2/55، الحديث 183، و«وسائل الشيعة» ج9/500، الحديث 12582.

الْمؤونة»(1).

ومنها: صحيحة اُخری عن إبراهيم بن محمّد الهمداني أنّ في توقيعات الرّضا علیه السلام إليه: «أَنَّ الْخُمُسَ بَعْدَ الْمؤونة»(2).

ومنها خبر عليّ بن مهزيار عن عليّ بن محمّد بن شجاع النيسابوري أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا الْحَسَنِ الثَّالِثَ علیه السلام عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ مِنْ ضَيْعَتِهِ مِنَ الْحِنْطَةِ مِائَةَ كُرِّ مَا يُزَكَّى،فَأُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ عَشَرَةُ أَكْرَارٍ، وذَهَبَ مِنْهُ بِسَبَبِ عِمَارَةِ الضَّيْعَةِ ثَلَاثُونَ كُرّاً وَبَقِيَ في يَدِهِ سِتُّونَ كُرّاً، مَا الّذي يَجِبُ لَكَ مِنْ ذَلِكَ؟ وَهَلْ يَجِبُ لِأَصْحَابِهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ شيء؟ فَوَقَّعَ علیه السلام: «لِي مِنْهُ الْخُمُسُ مِمَّا يَفْضُلُ مِنْ مَؤُونَتِهِ»(3).

ومنها مرسلة العيّاشي في تفسيره عن إبراهيم بن محمّد قال: كَتَبْتُ إِلَى أبي الْحَسَنِ الثَّالِثِ علیه السلام أَسْأَلُهُ عَمَّا يَجِبُ في الضِّيَاعِ؟ فَكَتَبَ: «الْخُمُسُ بَعْدَ الْمؤونة، قَالَ: فَنَاظَرْتُ أَصْحَابَنَا فَقَالُوا: الْمؤونة بَعْدَ مَا يَأْخُذُ السُّلْطَانُ وَبَعْدَ مؤونة الرَّجُلِ، فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ: أَنَّكَ قُلْتَ: الْخُمُسُ بَعْدَ الْمؤونة، وَإِنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا في الْمؤونة، فَكَتَبَ: الْخُمُسُ بَعْدَ مَا يَأْخُذُ السُّلْطَانُ وَبَعْدَ مؤونة الرَّجُلِ وَعِيَالِهِ»(4).

ص: 648


1- «الكافي» ج1/458، الحديث 13، و«وسائل الشيعة» ج9/508، الحديث 12597.
2- «من لايحضره الفقيه» ج2/22، الحديث 80، و«وسائل الشيعة» ج9/508، الحديث 12598.
3- «التهذيب» ج4/16، الحديث 39، و«الاستبصار» ج2/17، الحديث 48، و«وسائل الشيعة» ج9/500، الحديث 12580.
4- «تفسير العيّاشي» ج2/63، الحديث 61، و«بحار الأنوار» ج93/193، و«مستدرك الوسائل» ج7/285، الحديث 8237.

إلى غير ذلك من الأخبار والأحاديث الّتي دلّت بالمطابقة أو الالتزام على عدم التحليل على نحو الإطلاق، فعليه للزم من باب الجمع الدلالي من حمل الرّوايات الدّالة على التحليل إمّا على تحليلهم: خمس المناكح وشبهها من المتاجر والمساكن تشريعاً، أو تحليله على ما قيل لما انتقل إلى الشيعة ممّن لا يلتزم وجوبه وإن اعتقد كونه واجباً كما سنبحث عنها في المسألة التاسعة عشرة، أو حملها على تحليل الخمس لمقطع خاص ولأشخاص خاص مالكيّة وولاية كما صرّح به في صحيحة عليّ بن مهزيار قال: قَرَأْتُ في كِتَابٍ لِأبي جعفر علیه السلام مِنْ رَجُلٍ يَسْأَلُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ في حِلٍّ مِنْ مَأْكَلِهِ وَمَشْرَبِهِ مِنَ الْخُمُسِ، فَكَتَبَ بِخَطِّهِ: «مَنْأَعْوَزَهُ شيء مِنْ حَقِّی فَهُوَ في حِلٍّ»(1)، وفي موثقة يونس بن يعقوب قال: كُنْتُ عِنْدَ أبي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْقَمَّاطِينَ فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ تَقَعُ في أَيْدِينَا الْأَرْبَاحُ وَالْأَمْوَالُ وَتِجَارَاتٌ نَعْلَمُ أَنَّ حَقَّكَ فِيهَا ثَابِتٌ، وَأَنَّا عَنْ ذَلِكَ مُقَصِّرُونَ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «مَا أَنْصَفْنَاكُمْ إِنْ كَلَّفْنَاكُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ»(2).

قال المحقق الخوئي رحمه الله في مقام الجمع بين الأخبار:

والأقوى في مقام الجمع حمل نصوص التحليل على ما انتقل إلى الشيعة ممّن لا يعتقد الخمس، أو لا يخمس وإن اعتقد كما ستعرف، وأمّا ما وجب على المكلّف نفسه فلا موجب لسقوطه، ولم يتعلّق به

ص: 649


1- «التهذيب» ج4/143، الحديث 400، و«وسائل الشيعة»ج 9/543، الحديث 12676.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج2/23، الحديث 87، و«المقنعة» ص46، و«التهذيب» ج4/138، الحديث 389، و«الاستبصار» ج2/59، الحديث 194، و«وسائل الشيعة» ج9/545، الحديث 12680.

التحليل، فتكون نصوص التحليل ناظرة إلى الأوّل ونصوص العدم إلى الثاني(1).

ثمّ إنّه على فرض ثبوت التعارض بين الرّوايات الدالّة على التحليل وما دلّت على عدمه، فلا محالة يكون الترجيح مع الرّوايات الكثيرة الأخيرة لكونها موافقاً لظاهر الكتاب، ومشهورة بين الرّواة، والمفتي بها عند كثير من الأصحاب، ومخالفاً لما أفتى به العامة إجمالاً.فإلى هنا ثبت أنّ الأقوى بل المتعيّن في المقام هو عدم تحليلهم: الخمس على نحو الإطلاق، وصرف سهمه علیه السلام فيما يحرز رضايته به بحيث لو كان بنفسه الشريف حاضراً يصرفه فيها، أمّا ما استحوطه في «العروة» من تميم معاش السّادة، فلا يكون موافقاً للاحتياط دائماً بل مخالفاً له إذا انجرّ لتعطيل مصرف أهمّ منه.

هذا حكم الخمس إجمالاً وحكم سهمه علیه السلام حال الغيبة، وأمّا من يتولّى سهمهأ هذا الحال؟

فنقول: فعلى القول بثبوت الخمس حال الغيبة كما هو خيرتنا في المسألة تبعاً لما اختاره المشهور من الأصحاب، فقد صرّح جماعة منهم المحقّق رحمه الله في «المعتبر»(2)، والعلّامة(ره) في كتابي «التحرير» و«القواعد»(3)، والشهيد

ص: 650


1- «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/351، و«مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص345.
2- «المعتبر في شرح المختصر» ج2/641.
3- «تحرير الأحكام الشرعيّة علی مذهب الإماميّة (ط - القديمة)» ج1/75، و«قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام»ج 1/368، حيث قال: وإنّما يتولّی قسمة حقّه علیه السلام الحاكم.

الأوّل رحمه الله في «الدروس»(1)، وثانيهما في «الروضة» و«المسالك»(2)، وكثير منالمتأخرين(3)، بأنّه يتولّى الفقيه فقط أمر سمهه علیه السلام زمن الغيبة، وعن ظاهر «الغرية» على ما حكام المحقّق رحمه الله أنّه لا يشترط فيه ذلك بل يجوز لغيره أيضاً توليته، حيث قال:

وقال المفيد رحمه الله في الرسالة الغرية: ومتى فقد إمام الحقّ ووصل إلى إنسان ما يجب فيه الخمس، فليخرجه إلى يتامى آل محمّد ومساكينهم وأبناء سبيلهم، وليوفّر قسط وُلد أبي طالب لعدول الجمهور عن صلتهم، ولمجيء الرّواية عن أئمة الهدى بتوفّر ما يستحقّونه من الخمس في هذا الوقت على فقراء أهلهم وأيتامهم وأبناء سبيلهم، (ثمّ قال المحقق:) وما ذكره المفيد رحمه الله حسن، لما أسلفناه من وجوب إتمام ما يحتاجون إليه من حصّته عند وجوده، وإذا كان هذا لازماً له في

ص: 651


1- «الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة» ج1/262.
2- «الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة (المحشی - كلانتر)» ج2/79، و«مسالك الأفهام إلی تنقيح شرائع الإسلام» ج1/476. قال في «الروضة»: وليس له أن يتولّی إخراجه (سهم الإمام علیه السلام) بنفسه إلی الأصناف مطلقاً ولا لغير الحاكم الشرعي، فإن تولّاه غيره ضمن.
3- منهم المحقّق السبزواري رحمه الله في «ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد» ج2/492، والعلّامة المجلسي رحمه الله في «زاد المعاد - مفتاح الجنان» ص369، و... .

حضوره كان لازماً في غيبته، لأنّ ما وجب بحقّ الله مطلقاً لا يسقط بغيبته من يلزمه ذلك(1).

ثمّ إنّه فرّع بعض على القول بلزوم صرف سهمه علیه السلام فيما يعلم أو يوثق بكونه مرضيّاً عنده، جواز استقلال المالك ذلك، منهم المحقّق الهمداني رحمه الله فإنّه قال:

وإن استفدنا في جواز الصرف إلى ادّعاء القطع به، فالحكم يدور مداره، فإن حصل للعامّي أيضاً القطع برضا الإمام علیه السلام بأن يصرف أمواله إلى جهة، جاز له أن يعمل بقطعه، كما لو قطع برضا غيره في التصرف فيأمواله، بإذن الفحوى، أو شهادة الحال، وإلّا وجب عليه الرجوع إلى المجتهد(2).

وكذا المحقق الخوئي رحمه الله حيث قال:

يتبع هذا (يعني العلم بالرضا) ما عليه المالك من الوجدان، ولا يصل الأمر إلى البرهان، فإنّه إن كان قد وجد من نفسه - فيما بينه وبين ربّه - أنّه قد أحرز رضا الإمامأ بالمصرف الكذائي بحيث كان قاطعاً، أو مطمئناً به فلا إشكال ولا حاجة معه إلى المراجعة، إذ لا مقتضى لها بعد نيل الهدف والوصول إلى المقصد، وأمّا إذا لم يجد من نفسه هذا الإحراز بل انقدح في ذهنه احتمال أن يكون هذا الصرف منوطاً بإذن نائب الإمام في عصر الغيبة كما كان منوطاً بإذن نفسه في عصر الحضور، ولم يتمكّن من دفع هذا الاحتمال الّذي يستطرق لدى كلّ أحد بطبيعة الحال، بل هو جزمي غير قابل للإنكار، ولا أقلّ من أجل

ص: 652


1- «المعتبر في شرح المختصر» ج2/641.
2- «مصباح الفقيه» ج19/444.

رعاية المصالح العامّة والتحفظ على منصب الزعامة الدينيّة، كان اللازم عندئذٍ مراجعة الحاكم الشرعي، لعدم جواز التصرف في مال الغير وهو الإمام علیه السلام ما لم يحرز رضاه المنوط بالاستيذان من الحاكم حسب الفرض(1).

والأقوى بل المتعيّن من هذه الوجوه والأقوال كما يظهر من مطاوي ما بحثنا إلى هنا هو الأوّل وذلك لأنّه بعد فرض عدم كون الخمس من أموال شخصالإمام علیه السلام ونفسه، بل أنّه ملك له بما أنّه قائم بأمر الإمامة والزعامة أوّلاً، وكون المناط في صرفه هو العلم بإحراز رضايته ثانياً، وأنّ الفقهاء نوّابه العام في تلك الحالة وأنّهم أعرف بأحكامه وأبعد عن الأميال النفساني للزوم كونهم عدولاً يثق بهم وأبصر بمواقع تقسيمه وملاحظة موارد صرفه الأهمّ فالأهمّ ثالثاً، وأن تولّى أرباب الأموال لتقسيم الأخماس يستلزم غالباً الهرج في صرفها في مواقعها ومصالح الزعامة رابعاً، فلا شك في أنّ الدفع إليهم حينئذٍ هو مبرء للذمّة يقيناً بخلاف ما إذا تولاه هو بنفسه، زائداً على أنّه قد أمر بذلك أيضاً في صحيحة عليّ بن مهزيار الطويلة حيث قال علیه السلام: «فَأَمَّا الْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ فهي وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلِّ عَامٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شيء قَدِيرٌ)، فَالْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فهي الْغَنِيمَةُ يَغْنَمُهَا الْمَرْءُ، وَالْفَائِدَةُ يُفِيدُهَا، وَالْجَائِزَةُ مِنَ الْإِنْسَانِ لِلْإِنْسَانِ الّتي لَهَا

ص: 653


1- «الموسوعة الإمام الخوئي» ج25/331، و«مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص326 - 327.

خَطَرٌ، وَالْمِيرَاثُ الّذي لَا يُحْتَسَبُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَا ابْنٍ، وَمِثْلُ عَدُوٍّ يُصْطَلَمُ فَيُؤْخَذُ مَالُهُ، وَمِثْلُ مَالٍ يُؤْخَذُ لَا يُعْرَفُ لَهُ صَاحِبٌ، وَمَا صَارَ إِلَى مَوَالِيَّ مِنْ أَمْوَالِ الْخُرَّمِيَّةِ الْفَسَقَةِ، فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَمْوَالاً عِظَاماً صَارَتْ إِلَى قَوْمٍ مِنْ مَوَالِيَّ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ شيء مِنْ ذَلِكَ فَلْيُوصِلْ إِلَى وَكِيلِي، وَمَنْ كَانَ نَائِياً بَعِيدَ الشُّقَّةِ فَلْيَتَعَمَّدْ لِإِيصَالِهِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ، فَإِنَّ نِيَّةَ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ» الحديث(1)، وإذا كان هذا وظيفة المكلّف زمن الحضور فليكن الأمر كذلك في عصر الغيبة بمقتضى أدلّة النيابة.نعم لو تعذّر المالك من إيصال الخمس إليه ولم يتمكّن أيضاً من الاستئذان منه بالكتابة والرسالة ونحوهما لجاز له بل يجب عليه أن يتولّى أمره بنفسه كما صرّح به بعض، منهم العلّامة المجلسي رحمه الله حيث قال:

ورأى أكثر الفقهاء أنّ صاحب المال إذا أراد أن يدفع بنفسه سهم الإمام علیه السلام للسّادات لا تبرأ ذمّته، إلّا إذا لم يستطع إيصاله إلى العالم المحدّث العادل، وبظنّي أنا الفقير أنّ كلّ الخمس له هذا الحكم(2).

يؤيّد ذلك ما رواه سيد بن طاوس مرفوعاً عن أبي الحسن موسى بن جعفر عن أبيه علیه السلام أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال لأبي ذر وسلمان والمقداد: «أَشْهِدُونِي عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، (إِلَى أَنْ قَالَ:) وَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أبي طَالِبٍ وَصِيُّ مُحَمَّدٍ

ص: 654


1- «التهذيب» ج4/141، الحديث 398، و«الإستبصار» ج2/60، الحديث 198، و«وسائل الشيعة» ج9/501، الحديث 12583.
2- راجع: «زاد المعاد - مفتاح الجنان» ص369. ومنهم المحقّق النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/136، واستظهره أيضاً المحقّق الأردبيلي رحمه الله في «مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان» ج4/359.

وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّ طَاعَتَهُ طَاعَةُ اللَّهِ ورَسُولِهِ، وَالْأَئِمَّةَ مِنْ وُلْدِهِ، وَأَنَّ مَوَدَّةَ أَهْلِ بَيْتِهِ مَفْرُوضَةٌ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ مَعَ إِقَامِ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا وَإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ حِلِّهَا ووَضْعِهَا في أَهْلِهَا، وَإِخْرَاجِ الْخُمُسِ مِنْ كُلِّ مَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ حتی يَرْفَعَهُ إِلَى وَلِیِّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَمِيرِهِمْ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ، فَمَنْ عَجَزَ وَلَمْ يَقْدِرْ إِلَّا عَلَى الْيَسِيرِ مِنَ الْمَالِ فَلْيَدْفَعْ ذَلِكَ إِلَى الضُّعَفَاءِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي مِنْ وُلْدِ الْأَئِمَّةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ (عَلَى ذَلِكَ فَلِشِيعَتِهِمْ) مِمَّنْ لَا يَأْكُلُ بِهِمُ النَّاسُ، وَلَا يُرِيدُ بِهِمْ إِلَّا اللَّهُ، (إِلَى أَنْ قَالَ:) فَهَذِهِ شُرُوطُ الْإِسْلَامِ وَمَا بَقِيَ أَكْثَرُ»(1).فإلى هنا تمّ الكلام بحمد الله بالنسبة إلى حكم أصل الخمس بكلا قسميه إجمالاً، وحكم سهم الإمام علیه السلام منه حال الغيبة، ومصرفه ومتولّيه، وأمّا حكمه بالنسبة إلى سهم السّادات الكرام، فنقول:

وأمّا حكم الخمس بالنسبة إلى سهم الأصناف ومتولّيه.

فقال السيد رحمه الله صاحب «العروة»:

وأمّا النصف الآخر الّذي للأصناف الثلاثة، فيجوز للمالك دفعه إليهم بنفسه، لكن الأحوط فيه أيضاً الدفع إلى المجتهد أو بإذنه، لأنّه أعرف بمواقعة والمرجّحات الّتي ينبغى ملاحظتها(2).

نبحث في هذا السهم أيضاً عن حكمه في زمن الغيبة، وعن جواز إعطائه بيد المالك أو اشتراط كونه بيد نائب الغيبة كما كان كذلك في سهمه علیه السلام.

أمّا حكم سهم الأصناف فقد مرّ اختلاف الأقوال فيها حينئذٍ كما اختلفوا في

ص: 655


1- «وسائل الشيعة» ج9/553، الحديث 12695.
2- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/405، ذيل المسألة الرقم 7.

سهم الإمام علیه السلام من القول بسقوطه رأساً للأخبار التحليل الّتي تقدّمت ذكرها والجواب عنها لا سيّما بالنسبة إلى سهم الفقراء من السّادة، ومن القول بوجوب دفنه أو الإيصاء به أو إيدائه عند من يثق بدينه وأمانته حتی يصله إليهأ بعد ظهوره، وقد عرفت هناك إجمالاً أنّ سهم السّادة كما ذهب إليه المشهور لا يسقط في عصر الغيبة بوجه، بل الحكم هنا أوضح من حكمه بالنسبة إلى سهم الإمام علیه السلام لكونهم موجودين ويلزم منه حرمان بني هاشم من الخمس والزكاة معاً وصيرورتهم أسوأ حالاً من غيرهم، من دون فرق فيه بين أن نقول بملكيّة الأصنافله، أو كونهم مصارف له وأنّ المالك هو منصب الإمامة.

وأمّا أمر إعطائه بيد المالك أو اشتراط كونه بيد نائب الغيبة كما كان كذلك في سهمه علیه السلام، فقد اختلفوا في ذلك أيضاً، صرّح باشتراطه العلّامة المجلسي رحمه الله على ما حكينا كلامه آنفاً من «الزاد المعاد»، وهو أيضاً قول كلّ من قال بأنّ الخمس بأجمعه حقاً واحداً ثابتاً قد جعل الله تبارك وتعالى لنفسه في المرتبة العالية، وفي طوله لرسوله صلی الله علیه و آله و سلم وفي طول الرسول لذي القربى: أعني الإمام المعصوم بعده إماماً بعد إمام، وأنّ بني هاشم فلا ملكيّة لهم ولا اختصاص بل هم مصارف له فقط كما كان كذلك في الزكاة(1)، واحتاطه بعض بنحو الاحتياط الوجوبي كصاحب «الجواهر»، أو الاستحابي كصاحب «العروة» هنا وعلّله فيها بأنّ الفقيه أعرف وأعلم بمواقعه والمرجّحات الّتي ينبغي ملاحظتها.

ص: 656


1- قد أشرنا إلی هذا المبنی وقائليه في مبحث عدد السهام ومستحقّيه.

ولعلّ الأكثر على أنّه لا يشترط، منهم المحقّق النراقي رحمه الله حيث قال:

لا تشترط مباشرة النائب العام وهو الفقيه العدل ولا إذنه في تقسيم نصف الأصناف على الحقّ، للأصل، خلافاً لبعضهم فاشترطه، ونسبه بعض الأجلّة إلى المشهور، ولعلّ وجهه: أنّ مع حضور الإمام يجب دفع تمام الخمس إليه، وكان التقسيم منصبه، فيجب الدفع إلى نائبه في زمن الغيبة بحكم النيابة(1).

وقال الشيخ محمّد حسن النجفي رحمه الله في «الجواهر»:

والأقوى جواز تولّى من عليه الخمس صرف نصيب غير الإمام علیه السلام إليه بنفسه وإن كان الأحوط احتياطاً شديداً دفعه إلى نائب الغيبة وهو المجتهد الجامع للشرائط، أمّا ما يُرجع إلى الإمام علیه السلام (روحي له الفداء) فلابدّ من دفعه إليه ليرى رأيه فيه فإن لم يكن في البلد نقله إليه(2).

وكيف كان فقد استدلّوا على عدم لزوم الاستجازة من الحاكم تارة: بأصالة العدم كما صرّح به المحقّق النراقي رحمه الله آنفاً، لكنّه يلاحظ عليه بأنّ الأصل الجاري في أمثال المقام على فرض الشك هو الاشتغال لا البراءة، لأنّه عالم بتعلّق حقّ الأصناف بماله ولا يحصل اليقين بالبراءة منه إلّا بدفعه بإذن الحاكم الشرعي.

واُخرى: بأنّه ملك لعنوان الأصناف ودفع المال لمالكه لا يحتاج إلى

ص: 657


1- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/135.
2- راجع: «نجاة العباد (المحشی لصاحب الجواهر)» ص92.

الاستجازة من الحاكم(1).يلاحظ عليه: بأنّه فرق بين إعطاء المال إلى مالكه الشخصي وبين تطبيق الملك الثابت للعنوان الكلّي العام على بعض أفراده ومصاديقه، فما لا يحتاج فيه إلى الإذن فإنّما هو في الملك الشخصي، وأمّا تطبيقه على فرد أو أفراد خاصّ وحرمان الآخرين، فلا يعلم كونه ممكناً من دون إذن، ولا أقلّ من الشك ومراجعة الأصل.

وثالثة: بأنّ هذا السهم من الخمس بدل عن الزكاة الممنوعة لبني هاشم وحيث يجوز للمالك في الزكاة دفعها إلى الفقراء بنفسه، فليكن الأمر في الخمس مثلها(2).

يلاحظ عليه بأنّ القدر المتيقّن من المشابهة والبدليّة، إنّما هو في المصرف أى كون المستحقّ فيها من غير بني هاشم وفي الخمس منهم، وأمّا في غيره من الأحكام فغير ثابتة.

هذا وقد ورد الأمر بإيصاله مطلقاً إلى وكلائهم: في صحيحة عليّ بن مهزيار الطويلة حيث قال علیه السلام: «فَأَمَّا

الْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ فهي وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ في كُلِّ عَامٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى

ص: 658


1- راجع: «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/334، و«مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص329.
2- راجع: «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/334، و«مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص329.

الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شيء قَدِيرٌ)، فَالْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فهي الْغَنِيمَةُ يَغْنَمُهَا الْمَرْءُ، وَالْفَائِدَةُ يُفِيدُهَا، وَالْجَائِزَةُ مِنَ الْإِنْسَانِ لِلْإِنْسَانِ الّتي لَهَا خَطَرٌ، وَالْمِيرَاثُ الّذي لَا يُحْتَسَبُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَا ابْنٍ، وَمِثْلُ عَدُوٍّ يُصْطَلَمُ فَيُؤْخَذُ مَالُهُ،وَمِثْلُ مَالٍ يُؤْخَذُ لَا يُعْرَفُ لَهُ صَاحِبٌ، وَمَا صَارَ إِلَى مَوَالِيَّ مِنْ أَمْوَالِ الْخُرَّمِيَّةِ الْفَسَقَةِ، فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَمْوَالاً عِظَاماً صَارَتْ إِلَى قَوْمٍ مِنْ مَوَالِيَّ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ شيء مِنْ ذَلِكَ فَلْيُوصِلْ إِلَى وَكِيلِي، وَمَنْ كَانَ نَائِياً بَعِيدَ الشُّقَّةِ فَلْيَتَعَمَّدْ لِإِيصَالِهِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ، فَإِنَّ نِيَّةَ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ»، الحديث(1)، بتقريب أنّه إذا كان هذا وظيفة المكلّف زمن الحضور فليكن الأمر كذلك في عصر الغيبة بمقتضى أدلّة النيابة، وقد استقرّت السيرة المتشرعة في عصر ظهورهم: على إيصال الخمس بأجمعه إليهم أو إلى وكلائهم مع وجود المحتاجين من بني هاشم بينهم بحيث لم يعهد منهم صرفه آنذاك مستقلّاً بأنفسهم كما في الزكاة، فهذه السيرة ترشدنا بأنّ أمر الخمس حتی بالنسبة إلى سهم السادة كان بأيديهم ووكلائهم، فكيف بسهم الإمام علیه السلام.

أضف إلى ذلك أنّ ما ورد من التحليل في موارد خاصّة أو في زمن خاص، أظهر شاهد على أنّ أمر الخمس بأجمعه منوطاً بهم: وبوكلائهم.

ص: 659


1- «التهذيب» ج4/141، الحديث 398، و«الاستبصار» ج2/60، الحديث 198، و«وسائل الشيعة» ج9/501، الحديث 12583.

ثمّ إنّه بقي هنا شيء ينبغي التنبيه عليه، وهو أنّه:

هل يجوز إعطاء الخمس إلى غير من يقلّده في الأحكام الشرعيّة، أم لا؟

صرّح بعض من عاصرناه بأنّه لابدّ لكلّ مكلّف من إعطاء خمس ماله إلى خصوص من يقلّده في الأحكام الشرعيّة أو وكيله إلّا إذا عُلم بأنّهما يصرفانه في جهة واحدة، منهم شيخنا الاُستاذ مكارم الشيرازي (أدام الله ظلّه) حيث قال:

إذا أراد دفع سهم الإمام علیه السلام للمجتهد الّذي لا يقلّده جاز له ذلك إذا علم بأنّ هذا المجتهد والمجتهد الّذي يقلّده يصرفان سهم الإمام في جهة واحدة(1).

أقول: قد عرفت إنّ غاية ما نستفيده في المقام هو إعطاء الخمس بأجمعه زمن الغيبة إلى الحكام الشرع من باب الولاية العامة الثابتة لهم بمقتضى أدلة النيابة، وعليهم على ما نختاره أن يصرفوا نصفه بعنوان سهم السادة الكرام إلى من يستحقّه من الأصناف، ونصفه الآخر بعنوان سهمه علیه السلام فيما يعلمون أو يوثقون بكونها مرضياً عنده بحيث لو كان بنفسه الشريف حاضراً يصرفه فيها من المصالح العامة المهمّه أو الخاصّه للمؤمنين، فبناءً على ذلك لا يتفاوت في لزوم الإعطاء إليهم بين أن يكون هو مرجعه أيضاً في الأحكام الشرعية أم لا، يؤيّده ما حكى من قصّة تشرّف الحاج علىّ البغدادي رحمه الله بحضرة مولانا صاحب العصرأ حيث سأله عن قبول ما دفعه من مال الإمام علیه السلام إلى عدّة من العلماء في النجف الأشرف، فأجاب علیه السلام علی ما حكی عنه: «نَعَمْ قَدْ أَوْصَلْتْ بَعْضَ حَقِّنَا

ص: 660


1- راجع: رسالة توضيح مسائله، المسألة الرقم 1571.

إِلَی وُكلائِنَا في النَّجَفِ الأشْرَفِ»(1)، وظاهرها على فرض قبول السند أنّه حكماً ثابتاً للمسألة لا أنّها قضية في واقعة.

نعم إذا قلّد المكلّف من كان رأيه ومبناه في صرف الخمس أو سهمه علیه السلام غير مَن أعطى الخمس إليه مِن الدفن أو الإيصاء والإيداع، أو كان رأيه أن يصرف سهم الإمام علیه السلام أيضاً لخصوص الأصناف على وجه يوجب تعطيل المصارف الأهمّ، أو يتفاوت مصرفهما في جهتين مختلفتين بحيث يدّعي كلّ منهما أنّ ما صرفه فيها فهو مرضيّ عندهأ لا الغير، أو حكم على مقلّديه بأن يدفعوا أخماسهم إليه فقط، فإنّه لا يجوز لهم حينئذٍ أن يدفعوا أخماسهم في أمثال ذلك إلى غير مرجعهم، كما لا يجوز اقتداء المصلّي صلاته بمن لا يعتقد وجوب قراءة السورة الكاملة في صلاته اختياراً ولا يقرأها أيضاً بهذه الكيفيّة.

ولو شك في اتحاد نظرهما في أنّ المصرف الكذائي مرضيّ عندهأ أم لا، فالأقوى بل المتعيّن أيضاً هو دفع كلّ مكلّف خمسه إلى مرجعه أيضاً.

ص: 661


1- راجع: «بحارالأنوار (ط - بيروت)» ج53/312 - 315.

المسألة الثامنة: حكم نقل الخمس من بلده إلى بلد آخر.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

لا إشكال في جواز نقل الخمس من بلده إلى غيره إذا لم يوجد المستحقّ فيه، بل قد يجب كما إذا لم يمكن حفظه مع ذلك، أو لم يكن وجود المستحقّ فيه متوقّعاً بعد ذلك، ولا ضمان حينئذٍ عليه لو تلف، والأقوى جواز النقل مع وجود المستحقّ أيضاً لكن مع الضمان لو تلف، ولا فرق بين البلد القريب والبعيد وإن كان الأولى القريب، إلّا مع المرجّح للبعيد(1).

يتعرّض السيّد رحمه الله من هنا إلى المسألة الثالثة عشرة طيّ ستة مسألة، لمسألة نقل الخمس وفروعاتها من بلد إلى غيره لإعطائه إلى الحاكم أو المستحقّ، من جهة جوازه وعدمه تكليفاً، وضمانه وعدمه وضعاً لو تلف في اثناء النقل، نبحث عنها بالترتيب.

أمّا جوازه بل وجوبه إذا لم يوجد فيه مستحقّ بالفعل أو شك في استحقاقه ولم يكن وجود المستحقّ فيه متوقّعاً قريباً، أو قلنا بأنّ أمر الخمس بأجمعه بيد الحاكم الشرع كما هو خيرتنا في المقام وهو غير ساكن في بلده، فهو ممّا لا ريب فيه لوجوب إيصال الحقّ إلى مالكه أو وليّه ووكيله، ولمنافات تأخيره للفوريّة المستفادة من الأوامر على ما بُيّن في محلّه(2)، وكذا الحال في عدم كونه ضامناً لو تلف المال حينئذٍ بلا تقصير لكونه ماُموراً به، وقد استدلّ على ذلك أيضاً بما

ص: 662


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/405، المسألة الرقم 8.
2- راجع بحث «الفور والتراخي» في مبحث الأوامر من كتب الاُصول.

وردت في باب الزكاة كصحيحة محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام: رَجُلٌ بَعَثَ بِزَكَاةِ مَالِهِ لِتُقْسَمَ فَضَاعَتْ، هَلْ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا حتی تُقْسَمَ؟ فَقَالَ: «إِذَا وَجَدَ لَهَا مَوْضِعاً فَلَمْ يَدْفَعْهَا فَهُوَ لَهَا ضَامِنٌ حتی يَدْفَعَهَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهَا مَنْ يَدْفَعُهَا إِلَيْهِ فَبَعَثَ بِهَا إِلَى أَهْلِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانٌ لِأَنَّهَا قَدْ خَرَجَتْ مِنْ يَدِهِ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ الّذي يُوصَى إِلَيْهِ يَكُونُ ضَامِناً لِمَا دُفِعَ إِلَيْهِ إِذَا وَجَدَ رَبَّهُ الّذي أُمِرَ بِدَفْعِهِ إِلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانٌ»(1)، وصحيحة زرارة قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ رَجُلٍ بَعَثَ إِلَيْهِ أَخٌ لَهُ زَكَاتَهُ لِيَقْسِمَهَا فَضَاعَتْ؟ فَقَالَ: «لَيْسَ عَلَى الرَّسُولِ وَلَا عَلَى الْمُؤَدِّي ضَمَانٌ، قُلْتُ: فَإِنَّهُ لَمْ يَجِدْ لَهَا أَهْلاً فَفَسَدَتْ وَتَغَيَّرَتْ أَ يَضْمَنُهَا؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ إِنْ عَرَفَ لَهَا أَهْلاً فَعَطِبَتْ أَوْ فَسَدَتْ فَهُوَ لَهَا ضَامِنٌ (حَتَّى يُخْرِجَهَا)»(2)، وهما وإن كانتا واردتين في الزكاة إلّا أنّه يستفاد منهما حكم عام في كلّ حقّ راجع إلی الغير بقرينة عطف الوصيّ في الاُولی، والرّسول في الثانية علی الزكاة.

وأمّا إذا كان المستحقّ موجوداً في البلد، فإن كان معروفاً بحيث لا يحتاج معرفته إلى الفحص والتحقيق ولا يوجب من إيصاله إليه تأخيراً عرفاً فإنّه لا يجوز له نقله تكليفاً، لكنّه لو نقله ضمنه إذا تلف كما دلّت عليه الصحيحتان ويتقضيه الأصل أيضاً، وكيف كان لا ريب في براءة ذمّته عنه بعد ما قبضه أربابه وإن كانآثماً بالتأخير.

ص: 663


1- «الكافي» ج3/553، الحديث 1، و«من لا يحضره الفقيه» ج2/15، الحديث 46، و«التهذيب» ج4/47، الحديث 125، و«وسائل الشيعة» ج9/285، الحديث 12033.
2- «الكافي» ج3/553، الحديث 4، و«التهذيب» ج4/48، الحديث 126، و«وسائل الشيعة» ج9/286، الحديث 12034.

وإن لم يكن المستحقّ معروفاً بحيث يحتاج معرفته إلى الفحص والسؤال ولم يكن إرساله موجباً لتأخير عرفي زائد كنقلة بواسطة البنوك والحوالات، أو كان له وكيل في ذلك البلد عنده من أمواله مال يمكن إيكال الأمر إليه أو استجاز لنقله من نائب الغيبة وأمثالها، فنقله جائز بلا ريب لاستلزام عدمه في غير الأخير التأخير غير المعذور بعد ما كان المالك طبيعي السّادة المستحقّين لا خصوص الموجودين منهم في البلد، ولا يضمن لو تلف حينئذٍ بلا تقصير لأنّه أمين وكان المال عنده أمانة شرعيّة إلى أن يصله إلى أربابه.

هذا كلّه بناء على فرض كون إفراز قدر الخمس بمشيئة المالك وإرادته، أو أفرزه بإجازة الحاكم حتی يكون التلف من كيس أصحابه، لكنّه لو قلنا بأنّ المالك وإن جاز له أن يدفع قدر الخمس من أيّ قسم من أمواله إلّا أنّه لا يكون خمساً إلّا بعد ما قبضه أربابه، وأنّ مجرد وجوب النقل فضلاً عن جوازه لا يجعل المال التالف متعيّناً في الخمس كما سنبحث عنه في المسألة الخامسة عشرة الآتية، فلا يكون الغرم من كيسهم دائماً، بل هو مبنيّ على كون تعلّق الخمس بالعين هل هو بنحو الكلّي في المعيّن أو بنحو الشركة والإشاعة؟ فإن قلنا بكونه على الأوّل فما دام بقي منه بمقدار الخمس يكون التلف من كيسه لا من كيسهم، وعلى الثاني كما اخترناه عند البحث عنه في المسألة الخامسة والسبعين من مسائل ما يجب فيه الخمس يكون التلف من كلّ من الجانبين، المالك وأربابه بنسبة ما تلف منه، إذا لم يكن هناك تقصير ولو من جهة ترك الأداء فوراً ففوراً على القول به، وسيأتي البحث عنه في محلّه إن شاء الله.

لايقال: إنّه قد ورد في صحيحة عبدالكريم بن عتبة الهاشمي عن الصّادق علیه السلامأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقسم صدقة أهل البوادي على أهلهم وصدقة

ص: 664

أهل الحضر على أهلهم خاصّة، فإذا كان هذا سيرته في الزكاة فليكن الأمر في المقام مثلها بدليل البدليّة، فلا يجوز النقل مطلقاً، حيث قال علیه السلام: «...، كَانَ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله و سلم يَقْسِمُ صَدَقَةَ أَهْلِ الْبَوَاديی في أَهْلِ الْبَوَادِي وَصَدَقَةَ أَهْلِ الْحَضَرِ في أَهْلِ الْحَضَرِ»، الحديث(1).

لأنّا نقول: إنّها على خلاف مطلوبه أدلّ، وذلك لما احتجّ الإمام علیه السلام في صدرها على عمرو بن عبيد الّذي زعم مساواة الأصناف الثمانية في مقدار سهمهم من الزكاة، فاعترض عليه الإمام علیه السلام وقال: «وَإِنْ كَانَ صِنْفٌ مِنْهُمْ عَشَرَةَ آلَافٍ وَصِنْفٌ مِنْهُمْ رَجُلاً وَاحِداً أَوْ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، جَعَلْتَ لِهَذَا الْوَاحِدِ مَا جَعَلْتَ لِلْعَشَرَةِ آلَافٍ؟ قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: وَتَجْمَعُ صَدَقَاتِ أَهْلِ الْحَضَرِ وَأَهْلِ الْبَوَادِي فَتَجْعَلُهُمْ فِيهَا سَوَاءً؟ قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: فَقَدْ خَالَفْتَ رَسُولَ الله صلی الله علیه و آله و سلم في كُلِّ مَا قُلْتَ في سِيرَتِهِ كَانَ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله و سلم يَقْسِمُ صَدَقَةَ أَهْلِ الْبَوَادِي في أَهْلِ الْبَوَادِي وَصَدَقَةَ أَهْلِ الْحَضَرِ في أَهْلِ الْحَضَرِ وَلَا يَقْسِمُهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، وَإِنَّمَا يَقْسِمُهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَحْضُرُهُ مِنْهُمْ وَمَا يَرَى، وَلَيْسَ عَلَيْهِ في ذَلِكَ شيء مُؤَقَّتٌ مُوَظَّفٌ، وَإِنَّمَا يَصْنَعُ ذَلِكَ بِمَا يَرَى عَلَى قَدْرِ مَنْ يَحْضُرُهُ مِنْهُمْ»، فإنّها صريحة على جواز النقل بل وجوبه إذ لم يكن فيه مستحقّ أو كان مستحقّه أقلّ بالنسبة إلى عددهم في غيره، زائداً على أنّه على القول به للزم أن نقول لا أقلّ في موردها بعدم الجواز مع أنّ الأقوى فيها الجواز مع وجود المستحقّ، فكيف بما إذا لم يكن بموجود(2)، فيتعيّن النقل حينئذٍ بلا

ص: 665


1- «الكافي» ج5/26، الحديث 1، و«وسائل الشيعة» ج9/265، الحديث 11987.
2- راجع: «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج15/15 430 - 434، و«مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج9/352 - 355، و....

خلاف ولا إشكال، ولذا نرىأنّه قد حملها الأصحاب غالباً في بابها على الاستحباب، ففي المقام أظهر لعدم استلزام البدليّة عنها مساواتهما في جميع الأحكام من دون أيّ تفاوت.

ثمّ إنّ ما بحثنا عنه إلى هنا مختصّ بحكم نقله بالنسبة إلى سهم السّادة الكرام، وذلك لأنّ النصوص الواردة في الزكاة منعاً أو جوازاً إنّما تختصّ بسهم الفقراء، فلو اُريد التعدّي منه الى الخمس لاختصّ بسهم السّادة من الفقراء فقط ولا تعمّ حصة الإمام علیه السلام، لعدم وجه لقياسه على الزكاة فلابدّ فيه من المشي على طبق أدلّته، وقد يتعرّض له السيّد رحمه الله في المسألة الثالثة عشرة الآتية.

ص: 666

المسألة التاسعة: لو أذن الفقيه في النقل، أو وكلّه في قبضه عنه وفي انتقاله.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

لو أذن الفقيه في النقل لم يكن عليه ضمان ولو مع وجود المستحقّ، وكذا لو وكّله في قبضه عنه بالولاية العامة، ثمّ أذن في نقله(1).

حيث تعرّض السيّد رحمه الله في المسألة السابقة لحكم نقل الخمس من بلده إلى غيره وضعاً وتكليفاً، فذكر هنا موردين للتخلّص من الضمان لو تلف بلا تقصير وإن كان المستحقّ موجوداً في بلده؛ الأوّل: ما إذا أذنه الفقيه في النقل، والثاني: ما كان وكيلاً من قِبله في القبض عنه وفي انتقاله.

أمّا المورد الأخير، فلا إشكال في عدم كونه ضامناً لأنّه بعد قبضه الخمس من جانبه وكالة يخرج الخمس عن ماله، ويتعيّن في المقبوض ويكون يده عليه حينئذٍ يد أمانة لا تضمن بلا تعدّ ولا تفريط، من دون فرق فيه بين كون تعلّق الخمس بالعين بنحو الكلّي في المعيّن أو بنحو الإشاعة.

وأمّا لو أذن له الفقيه في النقل فقط فتلف، فإن قلنا بأنّه ليس للمكلف إفرازه فلا يكون الخمس خمساً إلّا بعد ما قبضه أربابه، كان التلف من كيسه بلا ريب.

وإن قلنا بأنّ إذن الفقيه حينئد توكيل ضمنيّ يلازم عرفاً إذنه بإفرازه مقدار الخمس عن ماله كما هو الظاهر وأنّ القدر المتيقّن من الصحيحتين المذكورتين في المسألة السابقة هو ما إذا انتقله بلا إذن، فكما سبق في الوكالة عنه، وإلّا يكون فائدة الإذن حينئذٍ مجرّد رفع الحكم التكليفي فقط، وأمّا بالنسبة إلى حكمه وضعاً فيأتي فيه ما تقدّم من فرض تعلّق الخمس بالعين هل هو بنحو الكلّي في

ص: 667


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/405، المسألة الرقم 9.

المعيّن أو بنحو الشركة والإشاعة؟ فإن كان بنحو الأوّل فما دام بقى منه بمقدار الخمس يكون التلف من كيسه لا من كيسهم، وعلى الثاني يكون التلف من كلّ من الطرفين بالنسبة.

ص: 668

المسألة العاشرة: مؤونة النقل في كلتي صورتي الجواز والوجوب.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

مؤونة النقل على الناقل في صورة الجواز، ومن الخمس في صورة الوجوب(1).

قد فصّل الفقهاء غالباً في مؤونة النقل هنا بين صورتي الجواز والوجوب، بأنّها في الاُولى متوجة إلى الناقل، وفي الثانية تُحسب من الخمس، واستدلّوا على كونها في صورة الجواز على الناقل بأنّه مع فرض وجود المستحقّ لا يتوقف إيصال الواجب عليه بل إنّما نقله باختياره، فلا وجه حينئذٍ لجعل مؤونته على الخمس بعد عدم كونه لمصلحة أربابه، فهذا ضرر بلا دليل، ولا أقلّ من الشك والأخذ باشتغال ذمّته بأداء الخمس بتمامه.

واستدلّوا على أنّها في صورة الوجوب من الخمس إذا لم يكن هناك مستحقّ ولا يترقّب وجوده في المستقبل القريب بعدم الدليل على تضرّر المالك بذلك وأن وجوب الإيصال لا يقتضي إلّا وجوب النقل لا وجوب تحمّل الضرر فإنّه منفي بأدلّة نفى الضرر(2).

والتحقيق يقتضي أن تكون المؤونة في كلي الحالتين متوجهةً إلى الناقل، أمّا كونها عليه في الاُولى فواضح، وأمّا في الثانية لأنّه كان من قبيل مقدمة الواجب، فإذا وجب عليه إيصال الخمس إلى أربابه والمفروض أنّه متوقف على بذل مؤونة

ص: 669


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/405، المسألة الرقم 10.
2- راجع: «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/334، و«مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص329، و«مستمسك العروة الوثقی» ج9/587، و....

لا يحصل إلّا بها، فهي أيضاً واجبة عليه، كمن وجب عليه دين يتوقف أداءه على مؤونة مثل الّتي يأخذها البنوك ونحوها بعنوان «كارمزد» لإرسال الحوالات حيث لا يجوز احتسابها من أصل الدَّين، كما هو ظاهر من صحيحة علي بن مهزيار الطويلة حيث قال علیه السلام: «...، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ شيء مِنْ ذَلِكَ فَلْيُوصِلْ إِلَى وَكِيلِي، وَمَنْ كَانَ نَائِياً بَعِيدَ الشُّقَّةِ فَلْيَتَعَمَّدْ لِإِيصَالِهِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ»، الحديث(1).

ص: 670


1- «التهذيب» ج4/141، الحديث 398، و«الاستبصار» ج2/60، الحديث 198، و«وسائل الشيعة» ج9/501، الحديث 12583.

المسألة الحادية عشرة: فروض الّتي لا يصدق عليها عنوان النقل الممنوع.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

ليس من النقل لو كان له مال في بلد آخر فدفعه فيه للمستحقّ عوضاً عن الّذي عليه في بلده، وكذا لو كان له دين في ذمّة شخص في بلد آخر فاحتسبه خمساً، وكذا لو نقل قدر الخمس من ماله إلى بلد آخر فدفعه عوضاً عنه(1).

قد تعرّض السيّد رحمه الله هنا لفروض نفی كونها من النقل الممنوع وإن كان فيها نتيجة النقل:

الأوّل: أن يكون له مال في بلد آخر فدفعه عوضاً عمّا وجب عليه من الخمس في بلده، فعلى القول بأنّ المالك مخيّر بين أن يدفع الخمس من العين أو قيمته بنقد رائج البلد أو غيره ممّا يحتاج إليه أربابه كما بُحث عنه في المسألة الخامسة والسبعين، فلا إشكال في جوازه له، لعدم صدق كونه نقلاً.

الثاني: ما لو كان له دَين في ذمّة مستحقّ في بلد آخر، فبناءً على أصل جواز احتساب الدّين من الخمس أو الاستيذان فيه من الحاكم، فلا مانع من احتسابه بهذا العنوان ويعدّ من النقل.

الثالث: أن ينقل مقدار الخمس من سائر أمواله إلى بلد آخر، ثمّ دفعه هناك عوضاً عن الخمس في بلده.

أقول: لم يرد في شيء من الأدلّة عنوان النقل حتی نبحث عن كون هذه الفروض هل كانت من مصاديقه أم لا؟ بل المسألة مبتنية إمّا على وجوب الفوريّة

ص: 671


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/406، المسألة الرقم 11.

في أدائه، فنقول كلّ ما يفرض من الفروض أو غيرها أنّها تنافي الفوريّة بالنسبة إلى ما دفعه في بلده، فهو غير جائز حكماً لكنّه كما مرّ لو دفعه هكذا فهو وإن كان مبرءً لذمّته بعد ما قبضه أربابه لكنّه آثم بالتأخير.

أو على ما ورد في صحيحة عبدالكريم بن عتبة الهاشمي عن الصادق علیه السلام من فعل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أنّه يقسم صدقة أهل البوادي على أهلهم وصدقة أهل الحضر على أهلهم خاصّة(1)، فبناءً على القول بتوافق حكم الخمس والزكاة من هذه الجهة، لايجوز شيء من الفروض المذكورة كلّها، إمّا بالحرمة أو الاحتياط الوجوبي أو الاستحبابي لأنّها تنافي تقسيم كلّ بلد على أهلها.

ص: 672


1- «...، كَانَ رَسُولُ اللَّه ِ صلی الله علیه و آله و سلم يَقْسِمُ صَدَقَةَ أَهْلِ الْبَوَادي في أَهْلِ الْبَوَادِي وَصَدَقَةَ أَهْلِ الْحَضَرِ في أَهْلِ الْحَضَرِ»، الحديث. راجع: «الكافي» ج5/26، الحديث 1، و«وسائل الشيعة» ج9/265، الحديث 11987.

المسألة الثانية عشرة: لو كان ما فيه الخمس في غير بلده.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

لو كان الّذي فيه الخمس في غير بلده، فالاُولى دفعه هناك ويجوز نقله إلى بلده مع الضمان(1).

إنّه على القول بحرمة نقل الخمس أو جوازه مع الضمان على ما مرّ في المسألة الثامنة، كانت العبرة في ذلك ببلد المال سواء كان هو موطنه كما هو الغالب، أو غيره، وكيف كان كلّما كان نقل المال ينافي الفوريّة فلا يجوز نقله تكليفاً وإن كان مبرءً لذمّته وضعاً، وكذا الأمر على ما حكى من فعل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من أنّه يقسم صدقة أهل البوادي على أهلهم وصدقة أهل الحضر على أهلهم، إذ الظاهر من إضافة الأموال إلى مالكيها في قوله علیه السلام: «يَقْسِمُ

صَدَقَةَ أَهْلِ الْبَوَادِي في أَهْلِ الْبَوَادِي وَصَدَقَةَ أَهْلِ الْحَضَرِ في أَهْلِ الْحَضَرِ»، كونه ناظراً إلى الغالب الّذي يتّحد فيها بلد المال مع بلد المالك، فلا إطلاق له حتی يستفاد منها أنّ الملاك هو بلد المالك مطلقاً فلو يخالف بلده بلد المال يجوز له نقله.

ص: 673


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/406، المسألة الرقم 12.

المسألة الثالثة عشرة: هل التفاصيل المذكورة في مسألة نقل الخمس من بلد إلى غيره ناظرة إلى خصوص سهم السادة، أو تشمل سهم الإمام علیه السلام أيضاً؟

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إن كان المجتهد الجامع للشرائط في غير بلده جاز نقل حصّة الإمام علیه السلام إليه، بل الأقوى جواز ذلك ولو كان المجتهد الجامع للشرائط موجوداً في بلده أيضاً، بل الأولى النقل إذا كان مَن في بلد آخر أفضل، أو كان هناك مرجّح آخر(1).

قد تعرّض السيّد رحمه الله في المسألة الثامنة لحكم نقل الخمس منعاً أو جوازاً بالنسبة إلى سهم السّادة الكرام، وعرفت هناك أنّ أدلّته لا تعمّ حصة الإمام علیه السلام، فيتعرّض هنا لحكمه بالنسبة إلى سهم الإمام علیه السلام، فإن قلنا فيه بأنّ أمره راجع إلى الحاكم الشرعي كما هو خيرتنا في المقام فلا يجوز أيّ تصرف فيه إلّا بإجازته، فما دام كان المجتهد الجامع للشرائط المتّحد فتواه في مصرفه مع مرجعه موجوداً في بلده، لا يجوز نقله إذا كان النقل موجباً لتأخير عرفي زائد، ولو نقله حينئذٍ كان عليه ضمانه، وإلّا وجب عليه نقله من دون ضمان.

وإن قلنا فيه بأنّه منوط بالعلم برضايته علیه السلام وإن حصل ذلك العلم للمكلّف العامّي كما هو خيرة المحقّقي الهمداني والخوئي (رحمة الله عليهما)(2)،

ص: 674


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/406، المسألة الرقم 13.
2- راجع: «مصباح الفقيه» ج19/444، و«موسوعة الإمام الخوئي» ج25/331، و«مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص326 - 327.

فالمسألة جوازاً أو منعاً دائرة مدار علمه وعدمه من دون حاجة إلى دخالة رأي الحاكم فيه أصلاً، وإن لم يكن عالماً وجب عليه نقله إلى المجتهد الجامع للشرائط وليس عليه ضمان حينئذٍ.

المسألة الرابعة عشرة:

جواز دفع المالك خمسه من مال آخر نقداً أو عروضاً إذا كان بقيمته الواقعيّة.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

قد مرّ أنّه يجوز للمالك أن يدفع الخمس من مال آخر له نقداً أو عروضاً، ولكن يجب أن يكون بقيمته الواقعيّة، فلو حسب العروض بأزيد من قيمتها لم تبرأ ذمّته وإن قبل المستحقّ ورضي به(1).

المسألة هنا تتضمن أمرين، هما جواز تبديل الخمس بمال آخر، ولزوم مساواتهما في القيمة.

أمّا الأوّل: فقد صرّح السيّد رحمه الله هنا وفي المسألة الخامسة والسبعين من مسائل ما يجب فيه الخمس، بأنّ المالك مخيّر في دفع خمس ماله بين أدائه من العين الّتي تعلّق بها الخمس أو قيمته أو عوضه من جنس آخر، وقد مرّ هناك أنّ مقتضى القاعدة الأوّلية لزوم الأداء من نفس العين الّتي تعلّق بها الخمس، سواء قلنا بتعلّق الخمس بها على نحو الشركة والإشاعة في العين، أو على نحو الكلّي في المعيّن، لأنّ المفروض تعلّق الخمس بالعين على كلّ تقدير، ولا يمكن الخروج عن هذه القاعدة الأوّلية إلّا بمقدار ثبوت ولاية المالك على التبديل، وقد

ص: 675


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/406، المسألة الرقم 14.

ذهب السيّد رحمه الله هنا وهناك إلى ثبوت ولايته على التبديل مطلقاً، سواء أ كان بالنقد أو العروض، ولكن قد تقدّم الإشكال في ثبوت ولايته على التبديل بعروض آخر لا سيّما إذا لم يكن الجنس ممّا يحتاج إليه أرباب الخمس كأن دفع كتاب الجواهر لفقير يسكن البادية وإن كان بقيمته، لعدم إطلاق في دليلها وهو السيرة، إذ القدر المتيقّن الجارى عليه السيرة هو تبديله بالنقد، سواء الدرهم أو الدينار، كما جرت على ذلك في أعصار الأئمة الأطهار:، غاية الأمر أنّه نتعدّي منهما إلى النقود الرائجة في كلّ بلد وناحية وفي كلّ عصر، لعدم الفرق بين النقود جزماً.

وأمّا تبديل الخمس بعروض آخر فلم تحرز السيرة عليه، فلا دليل على ولاية المالك فيه، نعم لا مانع من الاستيذان من الحاكم بناءً على ولايته على الخمس ولو حسبة إذا كان فيه غبطة لأربابه، فلو أجاز كان بمنزلة التبديل مع المستحقّ اختياراً، إذ لا مانع من التبديل بعين اُخرى برضا الطرفين المالك والمستحقّ أو وليّه.

وأمّا الأمر الثاني: أي لزوم المساواة بين الخمس وعوضه من حيث القيمة بعد ما فرغنا من أصل جواز التبديل، فهو ممّا لا ريب فيه ومعمول بين النّاس في معاوضاتهم ومعاملاتهم الرائجة، ومن هنا لا يجوز له أن يحتسب العروض بأزيد من قيمته الواقعيّة لأنّه تفويت وتضييع لحق السّادة وإضرار على أربابهم، فيبرأ ذمّته بمقدار قيمته الواقعيّة، ولا أثر لرضا الآخذ وقبوله في ذلك، كما صرّح بذلك غير واحد منهم كاشف الغطاء رحمه الله حيث قال:

وليس لهاشمي أن يبرأ ذمّة أحد من حقّ الخمس ولا أن يضيع حقوق

ص: 676

السّادات بأخذ القليل جداً عوضاً عن الكثير، ولو كان باختلاف يسير، جاز له شراؤه، ثمّ يحتسب المالك ثمنه عليه(1).

نعم لو باع العروض المفروض، أو صالحه بعشرة مثلاً في ذمّته ببيع أو صلح صحيح، وقد أقدم المشتري على الغبن المزبور لحاجته واضطراره جاز احتساب ماله في ذمّته من العشرة خَمساً إلّا أنّه لابدّ من إجازة الحاكم بناءً على عدم ولاية المالك في احتساب الدّين خُمساً - كما تقدّم ويأتي - وإلّا فلا حاجة إلى إجازته أيضاً.

ص: 677


1- «كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء (ط - الحديثة)» ج4/212.

المسألة الخامسة عشرة: لا تبرأ الذمّة إلّا بعد قبض المستحقّ.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

لا تبرأ ذمّته من الخمس إلّا بقبض المستحقّ أو الحاكم، سواء كان في ذمّته أو في العين الموجودة، وفي تشخيصه بالعزل إشكال(1).

لا ينبغي الإشكال في أنّ المالك بما أنّه الشريك الأعظم وبمقتضى السيرة القطعيّة الجارية من عصر الأئمة: وبما وردت من الأخبار الدالّة على وجوب إيصال الخمس إليهم(2)، له الولاية على تقسيم المال وإخراج خمس من أيّ جزء من أجزائه شاء وتعيينه فيه، وأنّه ليس لأحد أن يلزمه بإعطائه من مال خاصّ، فيبرأ ذمّته من الخمس بعد ما قبضه المستحقّ أو الحاكم الشرعي أو نائبه كما هو كذلك في سائر الحقوق والدّيون، فله أن يتصرّف في باقي أمواله، إنّما الكلام في أنّه هل يجوز للمالك تعيينه في مال معيّن من دون استيذان من الحاكم الشرعي بالعزل ليترتب عليه آثاره من جواز التصرّف في باقيه قبل إقباضه، وعدم ضمانه لوتلف حينئذٍ بغير تقصير وتفريط، أم لا؟

قد صرّح المحقق النراقي رحمه الله جوازه وادّعى عليه الإجماع حيث قال:

ولربّ المال القسمة بالإجماع وظواهر الأخبار المتضمنة لإفراز ربّ المال خمسه وعرضه على الإمام وتقريره عليه(3).

واستشكل كونه خمساً قبل الإيصال غير واحد، منهم صاحب الجواهر رحمه الله

ص: 678


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/406، المسألة الرقم 15.
2- راجع: «وسائل الشيعة» ج9/537 - 543، الباب الثالث من أبواب الأنفال.
3- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/138.

في «نجاة العباد» حيث قال:

الأحوط إن لم يكن أقوى عدم تشخصه بالعزل(1).

والتحقيق أنّ تعيين الخمس في المعزول حتی يترتّب عليه آثاره لم يكن إجماعيّاً، بل الّذي اتفقت عليه كلماتهم هو أنّه لرب المال تقسيم ماله وإخراج خمسه من أيّ جزء من أجزائه شاء من دون احتياج إلى إذن من الحاكم، فإن أوصله إليه سليماً فهو خمسه، وإن سوّف أدائه بعد وجوبه وإمكان دفعه ولو من جهة ترك الأداء فوراً ففوراً حتی تُلف لزم عليه جبره كما في سائر الحقوق والديون، وإن تُلف بعد وجوبه وقبل إمكان دفعه فالمسألة مبنيّة على كون تعلّق الخمس بالعين هل هو بنحو الكلّي في المعيّن أو بنحو الشركة والإشاعة؟ فإن قلنا أنّه على النحو الأوّل يكون التلف ما دام بقي منه مقداره متوجهاً إلى صاحب المال وعليه أن يؤدّي خمسه من ماله الموجود، وعلى الثاني كما هو خيرتنا في المقام يكون التلف متوجهاً إلى كلّ من الجانبين بنسبة ما تلف منه.

ولا يستفاد أيضاً ممّا ورد في ظواهر بعض الأخبار من إفراز ربّ المال خمسه وعرضه على الإمام وتقريره عليه(2)، أكثر من ثبوت ولاية المالك على التقسيم، لا العزل، إن لم نقل بأنّ هذه الأوامر نوعاً من إذنهم: لإفراز ربّ المال خمسه في المعزول، فلا يستفاد منها أنّ المعزول خمس مطلقاً.

ص: 679


1- «نجاة العباد (المحشی لصاحب الجواهر)» ص93.
2- كقول الصّادق علیه السلام في صحيحة حفص بن البختريّ: «خُذْ مَالَ النَّاصِبِ حَيْثُمَا وَجَدْتَهُ وَادْفَعْ إِلَيْنَا الْخُمُسَ». «التهذيب» ج4/122، الحديث 250، و«وسائل الشيعة» ج9/487، الحديث 12551.

المسألة السادسة عشرة: احتساب الدَّين خمساً.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا كان له في ذمّة المستحقّ دَين جاز له احتسابه خمساً، وكذا في حصّة الإمام علیه السلام إذا أذن المجتهد(1).

المسألة متفرعة على كون الإبراء الّذي كان من قبيل الإيقاع لا العقد والتمليك الّذي يحتاج إلى الإيجاب والقبول، من مصاديق الأداء أم لا؟ فإن قلنا إنّه أداء عرفاً، وإلّا يحتاج إلى ما دلّ عليه بالخصوص كما وردت له أخبار متعدّدة في باب الزكاة(2)، منها صحيحة عبد الرّحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا الحسن الأوّل موسی بن جعفر الكاظم علیه السلام عَنْ دَيْنٍ لِي عَلَى قَوْمٍ قَدْ طَالَ حَبْسُهُ عِنْدَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى قَضَائِهِ وَهُمْ مُسْتَوْجِبُونَ لِلزَّكَاةِ، هَلْ لِي أَنْ أَدَعَهُ فَأَحْتَسِبَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: «نَعَمْ»(3)، وادّعى هناك أنّه ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب(4)، فهل يمكن أن نتعدّى منها إلى المقام بمقتضى أدلّة البدليّة، أم لا؟

والتحقيق كونه عرفاً من مصاديق الأداء بعد ما كان المدين من أفراد ذلك العنوان الكلّي وقد عبّروا عنه في عرفهم بالتهاتر، فهي في الحقيقة نوع إيصال

ص: 680


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/406، المسألة الرقم 16.
2- راجع: «وسائل الشيعة» ج9/295، الباب 46 من إبواب المستحقّين للزكاة.
3- «الكافي» ج3/558، الحديث 1، و«وسائل الشيعة» ج9/295، الحديث 12058.
4- راجع: «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/195، و«مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج9/341 - 342، و«جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج15/363، و... .

للحقّ إلى أهله، زائداً على ثبوت ولاية المالك خمسه من أيّ مال شاء كونه منه(1)، وكذا إلغاء العرف الخصوصيّة من هذه الجهة من باب الزكاة إلى سائر موارد الحقوق والدّيون، وبدليّة الخمس عن الزكاة أيضاً في أوصاف المستحقّين، نعم الأحوط استحباباً كون ذلك بإذن الفقيه وموافقته.

هذا ما لو لم نعتبر في إعطاء الخمس إلى مستحقّيها إذن الفقيه، وإلّا كما هو الأقوى عندنا للزم أن يكون ذلك باستجازته وموافقته مطلقاً.

ص: 681


1- وقد أشار إليه في مبحث الزكاة من «الجواهر» حيث قال: وكذا لو كان للمالك دين على الفقير اّلذي لم يملك قوت سنته أو لم يتمكّن من قضاء دينه على الكلام السابق جاز أن يقاصّه به من الزكاة بمعنى احتسابه عليه من الزكاة المستحقّة عليه بلا خلاف، كما اعترف به الفاضلان في ظاهر المعتبر والتذكرة ومحكي المنتهى ولا إشكال لأنّه أحد أمواله، ومقبوض للمدفوع إليه، فهو أحد أفراد الإيتاء المأمور به. «جواهرالكلام في شرح شرائع الإسلام» ج15/363.

المسألة السابعة عشرة:

هل يعتبر في ولاية المالك على تبدليل خمسه بمال آخر رضي أربابه، أم لا؟

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا أراد المالك أن يدفع العوض نقداً أو عروضاً لا يعتبر فيه رضا المستحقّ أو المجتهد بالنسبة إلى حصّة الإمام علیه السلام وإن كانت العين الّتي فيها الخمس موجودة، لكنّ الأولى اعتبار رضاه خصوصاً في حصة الإمام علیه السلام(1).

قد عرفت ولاية المالك على جواز تبديل خمسه بقيمته من النقود لا العروض وأنّ الأمر بيده، إنّما الكلام في أنّه هل يعتبر في تبدليله ذلك رضا المستحقّين في سهمهم ورضا نائب الغيبة في سهمه علیه السلام، أم لا؟

والتحقيق أنّه لا يعتبر، وذلك لأنّه بعد نفوذ تصرّفه وكونه مأذوناً على تعيين الخمس من أيّ جزء من أمواله شاء، فإذاً ليس لأحد من شركائه المطالبة بغيره، قد استدلّ على ذلك تارة بالسيرة المستمرة من أعصارهم: إلى زماننا هذا بأداء المالك خمسه إلى الوكلاء أو المستحقّين من دون أن يجلب رضايتهم، واُخرى بالأخبار الكثيرة الآمرة بدفع المالك خمسه كقوله علیه السلام في صحيحة حفص بن البختريّ «خُذْ مَالَ النَّاصِبِ حَيْثُمَا وَجَدْتَهُ وَادْفَعْ إِلَيْنَا الْخُمُسَ»(2)، وقوله علیه السلام في صحيحة عليّ بن مهزيار الطويلة: «...، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ شيء مِنْ ذَلِكَ فَلْيُوصِلْ إِلَى

ص: 682


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/406، المسألة الرقم 17.
2- «التهذيب» ج4/122، الحديث 250، و«وسائل الشيعة» ج9/487، الحديث 12551.

وَكِيلِي»، الحديث(1)، وقوله علیه السلام في مرسلة الحارث بن حصيرة الأزدي: «...، أَدِّ خُمُسَ مَا أَخَذْتَ فَإِنَّ الْخُمُسَ عَلَيْك»(2)، إلى غير ذلك من الأخبار الظاهرة في أنّه لا يشترط فيه رضا المستحقّ أو الحاكم الشرعي، فما ذكره في «العروة» من أولويّة رضايته خصوصاً في حصة الإمام علیه السلام لم نقف فيه على مستند.

نعم إنّما يتمّ ذلك في تبدليل المالك الخمس بالنقود الرائجة لأنّه هو القدر المتيقّن من السيرة والأخبار الواردة في المقام، وأمّا تبدليله بسائر العروض فلابدّ فيه كما مرّ من كسب رضايتهم لعدم الدليل عليه بخصوصه بعد كون متعلّق الخمس هو العين.

وكيف كان لا فرق في أداء الخمس من العين أو غيرها من النقود أو العروض فيما يجوز بين القول بتعلّق الخمس بالعين بنحو الإشاعة والشركة، أو بنحو الكلّي في المعيّن لبسط يد المالك حينئذٍ من هذه الجهة.

ص: 683


1- «التهذيب» ج4/141، الحديث 398، و«الاستبصار» ج2/60، الحديث 198، و«وسائل الشيعة» ج9/501، الحديث 12583.
2- «الكافي» ج5/315، الحديث 48، و«وسائل الشيعة» ج9/497، الحديث 12575.

المسألة الثامنة عشرة: ردّ المستحقّ الخمس على المالك.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

لا يجوز للمستحقّ أن يأخذ من باب الخمس ويردّه على المالك إلّا في بعض الأحوال، كما إذا كان عليه مبلغ كثير ولم يقدر على أدائه، بأن صار معسراً وأراد تفريغ الذمّة، فحينئذٍ لا مانع منه إذا رضي المستحقّ بذلك(1).

نبحث هنا تارة عن حكمه من ناحية المالك الدافع، واُخرى عن حكمه من ناحية الآخذ المستحقّ أو الحاكم.

أمّا حكمه من ناحية المالك فإن لم يكن له قصد جدّي عند أدائه، بأن يكون العطاء مبنياً أو مشروطاً بالردّ بحيث لولاه لم يطب نفسه بالعطاء، ولم يرض بتصرّف المستحقّ أو الحاكم في المال بل دفعه إليه حيلة ليردّه عليه ثانياً وبلا عوض، فلا أثر حينئذٍ لهذا الدفع أصلاً وكان وجوده كعدمه.

نعم إذا أخرجه من ماله ويعطيه المستحقّ أو الحاكم جدّاً، وإن كان يرجو إعادته عليه من ناحيته إحياناً، أو يستقرضه منه أو من وكيله المجاز ليردّه إليه تدريجاً إذا لم يقدر على أدائه دفعة الّذي يُسمّى بالمداورة أي «دستگردان كردن»، فهو جائز كما أشرنا إليه في المسألة الثامنة والسبعين من مسائل ما يجب فيه الخمس.

وأمّا حكمه من ناحية الآخذ المستحقّ بعد ما دفع إليه جدّاً، فجوازه منوط بأن يكون البذل والهبة بهذا المقدار مناسبة لحاله، أم لا، ولا ارتباط فيه بأن كان

ص: 684


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/406، المسألة الرقم 18.

مبلغ الخمس بالنسبة إلى دافعه كثيراً لم يقدر على أدائه أو لا، لعدم تأثير قدرة المالك وإعساره في بذل المستحقّ ما زاد عن شؤونه.

هذا حكمه بالنسبة إلى المستحقّ، وأمّا حكمه بالنسبة إلى الحاكم والفقيه فإن لم نقل بثبوت ولايته المطلقة في إبراء ذمّة المدينين وتحليلهم من الخمس، فهو على مختارنا مبنيّ على أنّ ردّه هذا هل هو من مصاديق ما أحرز فيه رضا الإمام علیه السلام أم لا؟ فإن كان المردود إليه من موارد صرف سهم السّادة أو الإمام علیه السلام فجائز، وإلّا فلا.

ص: 685

المسألة التاسعة عشرة:

تحليل الخمس في خصوص المناكح والمساكن والمتاجر، أو فيما إذا انتقل إلى شيعي ممّن لا يعتقد، أو لا يلتزم وجوبه.

قال السيّد رحمه الله صاحب «العروة»:

إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممّن لا يعتقد وجوبه كالكافر ونحوه لم يجب عليه إخراجه، فإنّهم: أباحوا لشيعتهم ذلك، سواء كان من ربح تجارة أو غيرها، وسواء كان من المناكح والمساكن والمتاجر أو غيرها(1).

قد أشرنا في المسألة السابعة عند البحث عن الأخبار الّتي دلّت بظاهرها على إباحتهم الخمس لشيعتهم مطلقاً، وما دلّت على عدم تحليله بنحو الإطلاق، بحملها من باب الجمع الدلالي، على تحليلهم: الخمس في مصاديق خاصّة كالمناكح وشبهها من المتاجر والمساكن تشريعاً، أو تحليله على ما قيل لما انتقل إلى الشيعة ممّن لايلتزم وجوبه وإن اعتقد كونه واجباً، أو حملها على تحليل الخمس لمقطع خاصّ ولأشخاص خاصّ ولايةً، فنبحث هنا عن حكمه تحت عنوان «تحليل خمس المناكح والمساكن

ص: 686


1- «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/406، المسألة الرقم 19.

والمتاجر زمن الغيبة، أو تحليله مطلقاً فيما إذا انتقل إلى شيعي ممّن لايعتقد أو لا يلتزم وجوبه»، وكيف كان اختلفت كلماتهم في أصل التحليل أوّلاً، ثمّ في المراد من المباح، هل هو الأنفال، أو الخمس، أو الأعمّ، وأنّه هو المناكح خاصّة، أو هي مع المتاجر والمساكن؟ ظاهر كلام السيّد رحمه الله هنا كون الحكم عامّاً يشمل لجميع ما ينتقل إلى الإنسان ممّن لا يعتقد وجوبه من دون فرق فيه بين المناكح والمساكنوالمتاجر وغيرها، وقد وافقه على ذلك غالب محشّيها، فقال ابن الجنيد الإسكافي رحمه الله على ما حكاه عنه في «المختلف»:

وتحليل ما لا يملك جميعه عندى غير مبرء من وجب عليه حقّ منه لغير المحلّل، لأنّ التحليل إنّما هو ممّا يملكه المحلّل لا ممّا لا ملك له، وإنّما إليه ولاية قبضه وتفريقه في أهله الّذين سمّاه الله تعالى لهم(1).

وقال أبوالصلاح الحلبي رحمه الله :

فإن أخلّ المكلّف بما يجب عليه من الخمس والأنفال كان عاصياً لله سبحانه ومستحقّاً لعاجل اللعن وآجل العقاب، ولا رخصة في ذلك بما ورد من الحديث فيها، لأنّ فرض الخمس والأنفال ثابت بنصّ القرآن والإجماع من الاُمّة ولإجماع آل محمّد: على ثبوته وكيفية استحقاقهم وحمله إليهم وقبضهم إيّاه ومدح مؤدّيه وذمّ المخلّ به، ولا يجوز الرجوع عن هذا بشاذّ الأخبار(2).

وقال المفيد رحمه الله في «المقنعة» بعد ذكر أخبار التحليل والتشديد:

واعلم أرشدك الله تعالى أنّ ما قدّمته في هذا الباب من الرخصة في تناول الخمس والتصرّف فيه، إنّما ورد في المناكح خاصّة، للعلّة الّتي سلف ذكرها في الآثار عن الأئمة: لتطيّب ولادة شيعتهم، ولم يرد في

ص: 687


1- «مختلف الشيعة في أحكام الشريعة» ج3/340.
2- «الكافي في الفقه» ص174، و«سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج5/108 - 109، مع تصرف منّا في نقل عبارته.

الأموال وما أخّرته عن المتقدّم ممّا جاء في التشديد في الخمس والاستبداد به فهو يختصّ الأموال(1).

وقال الشيخ رحمه الله في «النهاية»:

وليس لأحد أن يتصرّف فيما يستحقّه الإمام من الأخماس والأنفال إلّا بإذنه...، هذا في حال ظهور الإمام، فأمّا في حال الغيبة، فقد رخّصوا لشيعتهم التصرّف في حقوقهم ممّا يتعلّق بالأخماس وغيرها فيما لابدّ لهم منه من المناكح والمتاجر والمساكن، فأمّا ما عدا ذلك فلا يجوز له التصرّف فيه على حال(2).

وقال في «الجواهر»:

كان في عباراتهم نوع اختلاف بالنسبة للمباح هل هو الأنفال، أو الخمس، أو الأعمّ، بل وفي أنّه المناكح خاصّة، أو هي والمتاجر والمساكن(3)؟

وقال المحقّق الخوئي رحمه الله بعد بيان الأخبار الدالّة على التحليل وما دلّت على عدمه:

والأقوى في مقام الجمع حمل نصوص التحليل على ما انتقل إلى الشيعة ممّن لا يعتقد الخمس، أو لا يخمس وإن اعتقد كما ستعرف، وأمّا ما وجب على المكلّف نفسه فلا موجب لسقوطه، ولم يتعلّق به

ص: 688


1- «المقنعة (للشيخ المفيد)» ص285.
2- «النهاية في مجرّد الفقه والفتاوی» ص200.
3- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/145.

التحليل، فتكون نصوص التحليل ناظرة إلى الأوّل ونصوص العدم إلى الثاني(1).

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ منشأ الاختلاف - كما أشرنا إليه في حكم الخمس زمن الغيبة - هو الأخبار المختلفة المتعارضة، وقد مرّ هناك مفصّلاً رجحان الأخبار الدالّة على عدم التحليل بنحو الإطلاق على الّتي دلّت منها على تحليل الخمس مطلقاً، فنتكلّم هنا عن خصوص ما يستفاد منها تحليله بالنسبة إلى ما نبحث عنه في المقام، أي تحليله في خصوص هذه العناوين الثلاثة، وفيما إذا انتقل إلى شيعي ممّن لا يلتزم وجوبه وإن اعتقد كونه واجباً، ولا يخفى ما في الأخير من أهميّة بالغة، لكثرة معاشرة النّاس بعضهم مع بعض في معاملاتهم وتصرّفاتهم اليوميّة في الأموال الغير المخمّسة، وكيف كان هي كما مرّ عبارة عن:

صحيحة ضريس الكناسي قال: قال أبو عبداللّه علیه السلام: «أَ تَدْرِي مِنْ أَيْنَ دَخَلَ عَلَى النَّاسِ الزِّنَا؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي، فَقَالَ: مِنْ قِبَلِ خُمُسِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ إِلَّا لِشِيعَتِنَا الْأَطْيَبِينَ فَإِنَّهُ مُحَلَّلٌ لَهُمْ وَلِمِيلَادِهِمْ»(2).

وصحيحة سالم بن مكرم المعروف بأبي خديجة عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: قَالَ رَجُلٌ وَأَنَا حَاضِرٌ حَلِّلْ لِيَ الْفُرُوجَ! فَفَزِعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: لَيْسَ يَسْأَلُكَ أَنْ يَعْتَرِضَ الطَّرِيقَ، إِنَّمَا يَسْأَلُكَ خَادِماً يَشْتَرِيهَا، أَوِ امْرَأَةً يَتَزَوَّجُهَا، أَوْ

ص: 689


1- «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/351، و«مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص345.
2- «الكافي» ج1/459، الحديث 16، و«المقنعة» ص45، و«التهذيب» ج4/136، الحديث 383، و«وسائل الشيعة» ج9/544، الحديث 12677.

مِيرَاثاً يُصِيبُهُ، أَوْ تِجَارَةً، أَوْ شَيْئاً أُعْطِيَهُ، فَقَالَ: «هَذَا لِشِيعَتِنَا حَلَالٌ الشَّاهِدِ مِنْهُمْ وَالْغَائِبِ، وَالْمَيِّتِ مِنْهُمْ وَالْحَيِّ، وَمَا يُولَدُ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَهُوَ لَهُمْ حَلَالٌ، أَمَا وَاللَّهِ لَا يَحِلُّ إِلَّا لِمَنْ أَحْلَلْنَا لَهُ، وَلَا وَاللَّهِ مَا أَعْطَيْنَا أَحَداً ذِمَّةً (وَمَا عِنْدَنَا لِأَحَدٍ عَهْدٌ) وَلَا لِأَحَدٍ عِنْدَنَا مِيثَاقٌ»(1).

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما صلی الله علیه و آله و سلم قال: «إِنَّ أَشَدَّ مَا فِيهِ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَقُومَ صَاحِبُ الْخُمُسِ فَيَقُولَ: يَا رَبِّ خُمُسِي، وَقَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ لِشِيعَتِنَا لِتَطِيبَ وِلَادَتُهُمْ وَلِتَزْكُوَ أَوْلَادُهُمْ»(2).

وصحيحة الفضيل بن يسار عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: «مَنْ وَجَدَ بَرْدَ حُبِّنَا في كَبِدِهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَى أَوَّلِ النِّعَمِ، قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا أَوَّلُ النِّعَمِ؟ قَالَ: طِيبُ الْوِلَادَةِ، ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: قَالَ أَمِيرُ المؤمنين علیه السلام لِفَاطِمَةَ سلام الله علیها : أَحِلِّي نَصِيبَكِ مِنَ الْفَيْ ءِ لآِبَاءِ شِيعَتِنَا لِيَطِيبُوا، ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: إِنَّا أَحْلَلْنَا أُمَّهَاتِ شِيعَتِنَا لآِبَائِهِمْ لِيَطِيبُوا»(3).

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام أنّه قال: «إِنَّ أَمِيرَ المؤمنين علیه السلام حَلَّلَهُمْ مِنَ

ص: 690


1- «التهذيب» ج4/137، الحديث 384، و«الاستبصار» ج2/58، الحديث 189، و«وسائل الشيعة» ج9/544، الحديث 12678.
2- «الكافي» ج1/459، الحديث 20، و«المقنعة» ص45، و«التهذيب» ج4/136، الحديث 382، و«الاستبصار» ج2/57، الحديث 187، و«وسائل الشيعة» ج9/545، الحديث 12679.
3- «التهذيب» ج4/143، الحديث 401، و«وسائل الشيعة» ج9/547، الحديث 12684.

الْخُمُسِ، يَعْنِي الشِّيعَةَ لِيَطِيبَ مَوْلِدُهُمْ»(1).

وصحيحة الفضلاء (الفضلاء الثلاثة، أبو بصير وزرارة ومحمّد بن مسلم) كلّهم عن أبي جعفر علیه السلام قال: «قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أبي طَالِبٍ علیه السلام: هَلَكَ النَّاسُ في بُطُونِهِمْ وَفُرُوجِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤَدُّوا إِلَيْنَا حَقَّنَا، أَلَا وَإِنَّ شِيعَتَنَا مِنْ ذَلِكَ وَآبَاءَهُمْ في حِلٍّ»(2).

وما رواه عليّ بن إبراهيم القميّ في تفسيره في قوله تعالی: (إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ)، أَیْ طَابَ مَوَالِيدُكُمْ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا طَيِّبُ الْمَوْلِدِ (فَادْخُلُوها

خالِدِينَ)(3)، قَالَ أَمِيرُ المؤمنين علیه السلام: إِنَّ فُلَاناً وَفُلَاناً غَصَبُونَا حَقَّنَا، وَاشْتَرَوْا بِهِ الْإِمَاءَ وَتَزَوَّجُوا بِهِ النِّسَاءَ، أَلَا وَإِنَّا قَدْ جَعَلْنَا شِيعَتَنَا مِنْ ذَلِكَ في حِلٍّ لِتَطِيبَ مَوَالِيدُهُمْ»(4).

والأخبار كما ترى تدلّ على استثناء المناكح فقط، أو مع إضافة المآكل والمشارب، ولعلّها أيضاً راجعة إلى طيب الولادة لدخالة الطعام والشراب في النطفة لا محالة، ولم نظفر على ما استدلّ به على استثناء العنوانين الآخرين -

ص: 691


1- «علل الشرائع» ج2/377، الحديث 1، و«وسائل الشيعة» ج9/550، الحديث 12689.
2- «التهذيب» ج4/137، الحديث 386، و«الاستبصار» ج2/58، الحديث 191، و«وسائل الشيعة» ج9/543، الحديث 12675.
3- «الزمر»: 73.
4- «تفسير القميّ» ج2/254، و«مستدرك الوسائل» ج7/303، الحديث 8271.

كما صرّح به غير واحد(1) - إلّا ما رواه في «عوالى اللئالي» مرسلة عن أبي عبداللّه علیه السلام حيث قال: سُئل الصادق علیه السلام فَقِيلَ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا حَالُ شِيعَتِكُمْ فِيمَا خَصَّكُمُ اللَّهُ بِهِ إِذَا غَابَ غَائِبُكُمْ وَاسْتَتَرَ قَائِمُكُمْ؟ فَقال علیه السلام: «مَا أَنْصَفْنَاهُمْ إِنْ آخَذْنَاهُمْ وَلَا أَحْبَبْنَاهُمْ إِنْ عَاقَبْنَاهُمْ، بَلْ نُبِيحُ لَهُمُ الْمَسَاكِنَ لِتَصِحَّ عِبَادَتُهُمْ، وَنُبِيحُ لَهُمُ الْمَنَاكِحَ لِتَطِيبَ وِلَادَتُهُمْ، وَنُبِيحُ لَهُمُ الْمَتَاجِرَ لِيَزْكُوَ أَمْوَالُهُمْ»(2).

وهي وإن كانت واضحة دلالة لتحليل العناوين الثلاثة، بل بقرينة ذيله للتحليل المطلق، لكنّها مضافاً إلى ما في نفس الكتاب من الكلام ضعيفة سنداً، زائداً على ما عرفت من ضعف الدليل على تحليل الخمس بقول المطلق طول الغيبة، فلابدّ بعد غضّ النظر عن عدم سلامة سندها من حملها على ما نحمل الأخبار المطلقة، فنأخذ بالقدر المتيقّن من الأخبار وهو تحليله في خصوص المناكح فقط.

ثمّ إنّه قد وقع البحث في المراد من المناكح هنا، فقد عُرّف بالسراري المغنومة من أهل الحرب، وبثمن الجارية المشتراة إذا اشترها بعين مال الخمس أو بماله الغير المخمّس كما سئل عنه في صحيحة أبي خديجة المتقدّمة عن

ص: 692


1- راجع: «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/419، و«مستمسك العروة الوثقی» ج9/592، و«أنوار الفقاهة في أحكام العترة الطاهرة، كتاب الخمس» ص456، و....
2- «عوالي اللئالي» ج2/246، الحديث 14، و«مستدرك الوسائل» ج7/303، الحديث 8272.

الصّادق علیه السلام(1)، أو زائداً عليها بما يتناول مؤونة التزويج ومهور النساء، قال المحقق الهمداني رحمه الله في تعريفه بما هذا حاصله:

والمراد بالمناكح كما صرّح به غير واحد السّراري المغنومة من أهل الحرب، فإنّه يباح للشيعة في زمن الغيبة نكاحها وتملّكها بالشراء ونحوه، سواء كان جميعها ملكاً للإمام علیه السلام كما إذا كان الحرب بغير إذنه، أو كان له خمسها إذا كان بإذنه، وربما فسّرت المناكح بما يتناول مؤونة التزويج ومهور النساء وثمن الجارية الّتي اشتراها من كسبه(2).

واستقرب الشهيد رحمه الله في «الدروس» إضافة المهور إليها حيث قال:

والأقرب أنّ مهور النساء من المباح وإن تعدّدن لرواية سالم، ما لم يؤدّ إلى الإسراف كإكثار التزويج والتفريق(3).

أقول: التحقيق بقرينة التعليل الّذي ورد فيها مثل: «لِتَطِيبَ وِلَادَتُهُمْ وَلِتَزْكُوَ أَوْلَادُهُمْ» يقتضى أن نقتصر في المستثنى على خصوص ما يكون دخيلاً في تكوّن

ص: 693


1- حيث قال: قَالَ رَجُلٌ وَأَنَا حَاضِرٌ حَلِّلْ لِيَ الْفُرُوجَ! فَفَزِعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: لَيْسَ يَسْأَلُكَ أَنْ يَعْتَرِضَ الطَّرِيقَ، إِنَّمَا يَسْأَلُكَ خَادِماً يَشْتَرِيهَا، أَوِ امْرَأَةً يَتَزَوَّجُهَا، أَوْ مِيرَاثاً يُصِيبُهُ، أَوْ تِجَارَةً، أَوْ شَيْئاً أُعْطِيَهُ، فَقَالَ: «هَذَا لِشِيعَتِنَا حَلَالٌ الشَّاهِدِ مِنْهُمْ وَالْغَائِبِ، وَالْمَيِّتِ مِنْهُمْ وَالْحَيِّ، وَمَا يُولَدُ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَهُوَ لَهُمْ حَلَالٌ، أَمَا وَاللَّهِ لَا يَحِلُّ إِلَّا لِمَنْ أَحْلَلْنَا لَهُ، وَلَا وَاللَّهِ مَا أَعْطَيْنَا أَحَداً ذِمَّةً (وَمَا عِنْدَنَا لِأَحَدٍ عَهْدٌ) وَلَا لِأَحَدٍ عِنْدَنَا مِيثَاقٌ». «التهذيب» ج4/137، الحديث 384، و«الاستبصار» ج2/58، الحديث 189، و«وسائل الشيعة» ج9/544، الحديث 12678.
2- «مصباح الفقيه» ج19/425.
3- «الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة» ج1/263.

الولد فحسب كالسّراري المغنومة أو الجارية المشتراة بعين مال الخمس أو بماله الغير المخمّس، وذلك لما مرّ غير مرّة من لزوم الاقتصار في تخصيص العمومات إذا كان المخصّص منفصلاً دائراً أمره بين الأقلّ والأكثر على القدر المتيقّن منه، فلا يشمل التخصيص في المقام لمثل مؤونة التزويج ومهور النساء الّتي لا تؤثّر في النكاح أثراً من دون مباشرة، فنرجع فيها إلى عمومات أدلة الخمس في الغنائم والفوائد المكتسبة، وقد أشار إليه المحقّق الأردبيلي رحمه الله حيث قال:

وأنّ هذه العلّة (طيب الولادة) لا تصلح للعليّة إلّا في بعض أفراد المناكح، مثل أن يأخذ الجارية من دار الحرب غنيمة بغير إذن الإمام علیه السلام، أو يشتري جارية بعين مال الخمس أو يشتري جارية ماله أو ما فيه الخمس، ولا يتمّ في تزويج النساء وإن كان المهر عين ماله أو ما فيه الخمس، وهو ظاهر على ما قالوا فتأمّل فيه(1).

إلى هنا تمّ الكلام بالنسبة إلى تحليل الخمس زمن الغيبة لخصوص المناكح والمراد منه دون ما سوام من العنوانين، وأمّا تحليله بالنسبة إلى ما إذا انتقل إلى شيعيّ ممّن لا يلتزم وجوبه وإن اعتقد كونه واجباً، فادّعى المحقّق الهمداني رحمه الله كما سيأتي أنّه المراد من تحليل خمس المتاجر، وقد عرفت ضعف الدليل دلّ عليه بخصوصه أو بإطلاقه وعمومه، والعجب من المحقّق الخوئي رحمه الله حيث ادّعى في شرحه على «العروة» أنّه غير مذكور في جميع روايات الباب، كيف ادّعى في «منهاجه» تحليلهم: جواز التصرّف فيما ينتقل إلى المؤمن ممّن

ص: 694


1- «مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان» ج4/360.

لا يخمس؟! حيث قال في الأوّل:

المعروف والمشهور تقييد الحكم بما إذا انتقل المال ممّن لا يعتقد الخمس، مع أنّ هذا القيد غير مذكور في شيء من روايات الباب(1).

ثمّ قال في «منهاجه»:

يحرم الاتّجار بالعين بعد انتهاء السنة قبل دفع الخمس، لكنّه إذا اتّجر بها عصياناً أو لغير ذلك فالظاهر صحّة المعاملة، إذا كان طرفها مؤمناً وينتقل الخمس إلى البدل، كما أنّه إذا وهبها لمؤمن صحّت الهبة، وينتقل الخمس إلى ذمّة الواهب، وعلى الجملة كلّ ما ينتقل إلى المؤمن ممّن لا يخمس أمواله لأحد الوجوه المتقدمة بمعاملة أو مجاناً يملكه فيجوز له التصرف فيه، وقد أحلّ الأئمة (سلام الله عليهم) ذلك لشيعتهم تفضّلاً منهم عليهم، وكذلك يجوز التصرّف للمؤمن في أموال هؤلاء فيما إذا أباحوها لهم، من دون تمليك، ففي جميع ذلك يكون المهنأ للمؤمن والوزر على مانع الخمس، إذا كان مقصراً(2).

ولعلّه استفاد ذلك من مقام الجمع بين النصوص الدالّة على التحليل وما دلّت على عدمه.

ص: 695


1- «الموسوعة الإمام الخوئي» ج25/346، و«مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص340 - 341.
2- «منهاج الصالحين (للسيّد الخوئي)» ج1/347، المسألة الرقم 1258.

وقال المحقّق الهمداني رحمه الله :

والمراد بالمتاجر المال المنتقل إليه ممّن لا يخمس، والقدر المتيقّن منه الّذي يمكن دعوى انصراف أخبار التحليل إليه إنّما هو في ما إذا كان ممّن يستحلّ الخمس كالمخالف وشبهه، لا مطلق من لا يخمس(1).

أقول: الظاهر كما صرّح به المحقّق الهمداني رحمه الله أن نقتصر فيه على فرض التسليم على خصوص من يستحلّ الخمس من المخالفين وشبههم، فلا يعمّ لغير المتلزمين به إذا كان المنقول إليه عالماً بالحال، وذلك لما ورد النهي عن شراء الخمس أو ما فيه الخمس في بعض الأخبار كموثقة أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام في حديث قال: «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنَ الْخُمُسِ شَيْئاً حتی يَصِلَ إِلَيْنَا حَقُّنَا»(2).

وموثقة اُخری عنه عن أبي الباقر علیه السلام قال:سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنِ اشْتَرَى شَيْئاً مِنَ الْخُمُسِ لَمْ يَعْذِرْهُ اللَّهُ اشْتَرَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ»(3).

وما رواه العيّاشي في «تفسيره» مرفوعاً عن إسحاق بن عمّار قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ: «لَا يُعْذَرُ عَبْدٌ اشْتَرَى مِنَ الْخُمُسِ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ يَا رَبِّ اشْتَرَيْتُهُ بِمَالِي حتی يَأْذَنَ لَهُ أَهْلُ الْخُمُسِ»(4).

ص: 696


1- «مصباح الفقيه» ج19/426.
2- «الكافي» ج1/458، الحديث 14، و«وسائل الشيعة» ج9/484، الحديث 12543.
3- «التهذيب» ج4/136، الحديث 381، و«وسائل الشيعة» ج9/484، الحديث 12544.
4- «تفسير العيّاشي» ج2/63، الحديث 60، و«وسائل الشيعة» ج9/542، الحديث 12674.

بل التحقيق بعد فرض حمل الأخبار الدالّة على التحليل على القدر المتيقّن منه أي تحليله في خصوص المناكح فقط بالمعنى الّذي ذكرناه، يقتضي أن نقول زائداً عليه بأنّ الظاهر بل المتعيّن أنّها غير شامل أيضاً لمن لا يعتقد وجوبه من المخالفين وشبههم كغيره من الأموال المغصوبة بعد كونهم عندنا مكلّفون بالفروع كما أنّهم مكلّفون بالاُصول، وأنّ الخمس حكم وضعيّ يتعلّق بنفس العين أيّاً ما كان مالكها، من دون فرق بين انتقال هذه الأموال بأيّ وجه من طرق الانتقال، وقد تعرّضنا لحكمه إجمالاً عند البحث في المسائل الخمسين، والثانية والخمسين، والخامسة والسبعين، والثامنة والسبعين، والرابعة والثمانين، من مسائل ما يجب فيه الخمس.

إن قلت: لو كان الأمر هكذا لوقعنا في عسر وحرج شديد لما نعلم إجمالاً أنّ كثيراً ممّن نعامل معهم تاركون لهذا الفرض الإلهيّ، فيشكل لنا المعاملة معهم!

قلنا: نجيب عنه تارة بالنقض واُخرى بالحلّ، أمّا جوابه نقضاً بأنّ الإشكال غير منحصر بالأموال الغير المخمّسة، بل يشمل لغيره من الأموال المحرّمة كالحاصلة لهم من طريق السرقة، أو الغصب، أو الرشوة، أو الربا، أو الغرر وغيرها من طرق أكل أموال النّاس بالباطل، الّتي نعلم إجمالاً وجودها أيضاً في أموالهم، فكما لا نمنع من المعاملة معهم لهذه الجهات فكذلك في المقام.

وأمّا جوابه حلّاً بأنّ المعيار في تنجّز العلم الإجمالي كون جميع أطرافهمورداً لابتلاء المكلّف ولو تدريجاً(1)، ومن المعلوم أنّه غير حاصل لمن عامل

ص: 697


1- ولزيادة التوضيح راجع: «كفاية الاُصول» ص272، الأمر السابع من الاُمور المطروحة حول أحكام القطع وأقسامه.

معهم معاملة أو معاملات محدودة، زائداً على ما ورد من المعاملة مع سوق المسلمين معاملة الحليّة ما لم يعلم علماً قطعيّاً بحرمته بعينه(1)، منها قوله علیه السلام في صحيحة عبدالله بن سليمان:

«كُلُّ مَا كَانَ فِيهِ حَلَالٌ وَحَرَامٌ فَهُوَ لَكَ حَلَالٌ حتی تَعْرِفَ الْحَرَامَ بِعَيْنِهِ فَتَدَعَهُ»(2)، وكذا ما دلّ على حمل فعل المسلم على أحسنه من دون أن يحتاج إلى الفحص والسؤال، كمرسلة الحسين بن المختار عن أبي عبداللّه علیه السلام قَالَ أَمِيرُ المؤمنين علیه السلام في كَلَامٍ لَهُ: «ضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِهِ حتی يَأْتِيَكَ مَا يَغْلِبُكَ مِنْهُ، وَلَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ سُوءً وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا في الْخَيْرِ مَحْمِلاً»(3).

هذا مع أنّ المعاملات الواقعة بين النّاس أو أكثرها تكون بصورة البيع الكلّي، ومن المعلوم أنّ من يشتري شيئاً بثمن كلّي لا شخصيّ معيّن، فهو يملكه وإن دفعثمنه من مال حرام.

فإلى هنا لم يثبت ما يدلّ على حليّة ما انتقل إلى المؤمن من عين الخمس أو مال الّذي فيه الخمس إذا علمه المنقول إليه تفصيلاً، من دون فرق بين كون ناقله معتقداً وجوبه أم لا، وسواء كان المال من قبيل المساكن والمتاجر أو غيرهما،

ص: 698


1- راجع: «وسائل الشيعه» ج3/490، باب طهارة ما يُشتری من مسلم ومن سوق المسلمين، والحكم بذكاته ما لم يعلم أنّه ميتة، وحكم ما يوجد بأرضهم، وج25/117، باب جواز أكل الجبن ونحوه ممّا فيه حلال وحرام حتّی يعلم أنّه من قسم الحرام بشاهدين.
2- «الكافي» ج6/339، الحديث 1، و«وسائل الشيعة» ج25/118، الحديث 31376.
3- «الكافي» ج2/269، الحديث 3، و«وسائل الشيعة» ج12/302، الحديث 16361.

وأنت خبير بأنّه بعد عمومات أدلّة الخمس، إنّ الّذي يحتاج إلى الإثبات والبرهان هو التحليل لا الوجوب.

فتمّ بحمد الله والمنّة ما تعرّضه السيد الطباطبائي رحمه الله صاحب «العروة» تحت عنوان مسائل كتاب الخمس، وقد نضيف إليه مسائل أربعة تكملة لما ينبغي أن يبحث عنه، ثم نبحث في الفصل الآتي عن ماهيّة الأنفال وأحكامه، أمّا المسائل فكما تلي:

هنا مسائل أربعة:

المسألة الاُولى:

هل يجب صرف الخمس في مصارفه في الحال، أو يجوز جعله بعنوان رأس المال وأمثاله يتّجر به وينتفع بمنافعه؟

أقول: بناءً على ما نختاره من أنّ الخمس بكلا قسيمه بيد الإمام علیه السلام عند حضوره ونائبه عند غيبته وانقطاع النّاس عنه، فما كان الفقيه لابدّ فيها من الصرف الفعلي كمصارف المحتاجين من السّادة الكرام أو المصارف المتداولة في الحوزات العلميّة وطلابها وما كان من هذا القبيل بحيث لولا تصرف لعطّلت نتائجها وما يرجي من حكمة إيجادها، بل قد لزم الاستقراض لأجلها إن لم يكن الخمس بموجود عنده أو كان لكنّه لم يكن كافياً، حتی يؤدّيه عند القدرة واليسار،فيجب صرفه فيها الآن.

وأمّا لو زاد الخمس عن ذلك، أو إن يدفع الخمس أربابه بصورة الدَّين والقرض حتی يؤدّونه على وجه الأقساط الشهري ينتفع من منافعه أفراد أكثر ممّن ينتفع به حالاً، أو إن يجعل الخمس على وجه رأس المال لأغراض اقتصاديّة

ص: 699

كانت أنفع بمصالح الخمس وأربابه كأن يستثمره مثلاً لإنشاء المصانع والمعامل أو لإيجاد المراكز التجاريّة ونحوها وينتفع بمنافعها وبثمن إجارتها أنواع أو أفراد كثير من الّذين كانوا مصرفاً له طول الأزمان والأعصار بالنسبة إلى صرفه فيهم الآن بتمامه مع زوال عينه، فالأقرب بل الأحوط والأولى حينئذٍ جوازه بل وجوبه لعدم الدليل على وجوب صرف عينه في مصارفه مباشرة، ولكونه أحرز لتحصيل رضايتهأ بالنسبة إلى سهمه، وكذلك بالنسبة إلى سهم الأصناف لكونه من أحسن طرق الأداء لحقّهم والإحسان إليهم لا سيّما لو قلنا بأنّه ملك للعنوان لا الأفراد، وحيث يكون ذلك جائزاً أو واجباً وكان الفقيه محسناً فلا ضمان عليه لو تلف الخمس أو منافعه أو بعضهما من دون تعدّ أو تفريط، كما لا ضمان عليه أيضاً لو تلف عينه قبل ذلك بلا تقصير، قال الله تبارك وتعالى: (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(1).

ص: 700


1- «التوبة»: 91.

المسألة الثانية:

إذا امتنع المالك من أداء خمسه اختياراً فهل يجوز للحاكم أخذه منه قهراً؟

الظاهر بل المتعيّن جوازه، وذلك بعد فرض أنّ الخمس دَين وجب على مكلّفه شرعاً، وأنّ الحاكم وليّ لمن امتنع من استيفاء حقّه من الغير، فإذا امتنع المالك عن أدائه فجاز إجباره بذلك كغيره من الدّيون والحقوق، من دون فرق فيه بين أن نقول في وجه تعلّقه على الأعيان بنحو الشركة والإشاعة أو بنحو الكلّي في المعيّن، بل وحتّى لو كان بنحو الحكم التكليفىّ المحض أو من قبيل تعلّق الحقّ بالعين لصدق كونه دَيناً على كلّ حال، قال العلّامة رحمه الله :

كلّ من امتنع من قضاء دَين عليه مع قدرته وتمكّنه منه وامتتع من بيع ماله فإنّ على الحاكم أن يلزمه بأدائه(1).

ويمكن أن يستدلّ على ذلك بعموم موثقة السكوني عن الباقر علیه السلام الدالّة على أنّ علياً علیه السلام يحبس في الدّين، حيث قال: «أَنَّ عَلِيّاً علیه السلام كَانَ يَحْبِسُ في الدَّيْنِ، ثُمَّ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَعْطَى الْغُرَمَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ دَفَعَهُ إِلَى الْغُرَمَاءِ فَيَقُولُ لَهُمُ: اصْنَعُوا بِهِ مَا شِئْتُمْ، إِنْ شِئْتُمْ آجِرُوهُ، وَإِنْ شِئْتُمُ اسْتَعْمِلُوهُ» الحديث(2)، وهذه من إحدی مصاديقه.

مؤيّدة بما رواه في «دعائم الإسلام» مرفوعاً عنه علیه السلام أنّه قال: «مَنِ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الْحَقِّ وَكَانَ مُوسِراً حَاضِراً عِنْدَهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ وَأَبَى خَصْمُهُ إِلَّا

ص: 701


1- «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج14/45، المسألة الرقم 291.
2- «التهذيب» ج6/300، الحديث 838، و«الاستبصار» ج3/47، الحديث 155، و«وسائل الشيعة» ج18/419، الحديث 23962.

أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ حَقَّهُ، فَإِنَّهُ يُضْرَبُ حتی يَقْضِيَهُ»، الخبر(1)، وأنّه كذلك في باب الزكاة لقوله تبارك وتعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)(2).

ثمّ إنّه على القول بجواز أخذ الحاكم الخمس من الممتنع كرهاً كما هو المختار، فيكون هو المتولّي لنيّة قربته على القول بلزومه كما قيل به في الزكاة(3)، أو نقول بعدم لزومه حينئذٍ وذلك لأنّ المستفاد من الأدلّة أنّ هناك جهتين؛ جهة عباديّة مرتبطة بالمالك، وجهة ماليّة قائمة بالخمس بما أنّه حقّ للإمام والأصناف من باب تعدّد المطلوب، فإن قام المالك بكلا الأمرين فهو، وإن امتنع عن أدائه فالحاكم الّذي هو وليّ الممتنَع يقوم بالجهة الثانية فيأخذ حقّه من المالك ويصرفه إليه، دون جهة عباديّته الّتي هي قائمة بالمالك، فالمالك وإن برأ ذمّته لكنّه يحرم من ثوابه، ولعلّ لأجل ذلك يطلق عليه كونه آثماً حينئذٍ، وكيف كان لا يترتّب عليه آثار مانع الخمس فلا يجب عليه أداءه ثانياً عن نيّة وقصد، لعدم الدليل على وجوب خمسين في مال واحد ولزوم إعادته ثانياً بعد جواز الأخذ منه قهراً، فقصد القربة شرط لحصول الثواب لا لإجزاء العمل كما أشار إليه بعض، منهم الشيخ الطوسي رحمه الله حيث قال:

ومتى أعطى (المالك) الإمام أو الساعي ونوی حين الإعطاء إجزاءه،

ص: 702


1- «دعائم الإسلام» ج2/540، الحديث 1923، و«مستدرك الوسائل» ج13/396، الحديث 15711.
2- «التوبة»: 103.
3- راجع: «العروة الوثقی (للسيّد اليزدي)» ج2/351، المسألة السابعة والثلاثون من مسائل متفرقة.

لأنّ قبض الإمام أو الساعي قبض عن أهل السهمان وإن لم ينوِ الإمام أيضاً أجزأه، وإن نوى الإمام ولم ينوِ ربّ المال، فإن كان أخذها منه كرهاً أجزأه لأنّه لم يأخذ إلّا الواجب، وإن أخذها طوعاً ولم ينوِ ربّ المال لم يجزه فيما بينه وبين الله عزّ وجلّ غير أنّه ليس للإمام مطالبته دفعة ثانية(1).

ونقل في التذكرة عن الشافعي الإجزاء، سواء أخذها الإمام طوعاً أو كرهاً، وعن بعض الشافعيّة عدم الإجزاء مطلقاً فيما بينه وبين الله تعالى، سواء أخذها طوعاً أو كرهاً، حيث قال:

وقال الشافعي: تجزئه سواء أخذها الإمام طوعاً أو كرهاً وفرّق بين دفعها إلى الفقراء وبين دفعها إلى الإمام، لأنّ أخذ الإمام بمنزلة القسم من الشركاء فلا يحتاج إلى نيّة، ولأنّ الإمام إنّما يأخذ الزكوات الواجبة، لأنّه لا نظر له إلّا في ذلك، ولا يحتاج إلى نيّة، ولأنّ للإمام ولاية الأخذ ولهذا يأخذها من الممتنع اتفاقاً، ولو لم تجزئه لما أخذها، أو لأخذها ثانياً وثالثاً، لأنّ أخذها إن كان لإجزائها فلا يحصل الإجزاء بدون النيّة، وإن كان لوجوبها فالوجوب باقٍ بعد أخذها. وقال بعض الشافعية: لا تجزئ فيما بينه وبين الله تعالى، سواء أخذها طوعاً أو كرهاً، لأنّ الإمام إمّا نائب للفقراء فلا يجزئ الدفع إليه بغير نيّة، كما لو دفع إلى الفقراء وإمّا نائب عن المالك، فيكون كالوكيل لا يجزئ عنه إلّا مع نيّته، ولأنّها عبادة فلا تجزئ مع عدم نيّة من وجبت عليه إذا كان من أهل النيّة كالصّلاة، وإنّما أخذت منه مع عدم الإجزاء حراسة للعلم الظاهر،

ص: 703


1- «المبسوط في فقه الإماميّة» ج1/233.

كالصلاة يجبر عليها ليأتي بصورتها، ولو صلّى بغير نيّة لم تجزئه عند الله تعالى. وهو وجه عندي، ومعنى الإجزاء عدم المطالبة بها ثانياً(1).

وقال المحقّق النراقي رحمه الله في مبحث الزكاة من كتابه:

لو أخذت الزكاة من شخص كرهاً لا تعتبر نيّته، والمعتبر نيّة الآخذ عند الأخذ والدفع، والوجه فيه أنّ الأخذ منه من باب الأمر بالمعروف، فهو أمر واجب على الآخذ ينوي عند الفعل، وأمّا المالك فهو قد ترك ما يجب عليه، وتكون ذمّته مشغولة بحقّ الفقراء وبعد الأخذ منه كرهاً تبرأ ذمّته، ولكنّه لم يمتثل ما كان يجب عليه، فهو كمديون أقتص منه، فهو آثم وبريء(2).

ص: 704


1- «تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)» ج5/331.
2- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج9/376.

المسألة الثالثة:

إذا كان هناك شركاء بعضهم يلتزمون الخمس وبعضهم غير ملتزم به.

قد يكون هناك شركاء يتّجرون بمالهم المختلط لا يتميّز بعضه من بعض، غير أنّ بعضهم يؤدّون أخماس أرباحهم ولا يؤدّونه بعضهم الآخر، فهل تصحّ تصرّفات المؤدّين منهم في هذا المال المشترك بعد أداء خمس ماله، أم لا؟

أقول: المسألة مبتنية على كيفيّة تعلّق الخمس بالأموال، فإن قلنا بأنّه يتعلّق بالذمّة بنحو الحكم التكليفي المحض، فلا مانع منها لعدم رجوع الحكم إلى عين المال ونفسه، لكنّه لو قلنا بأنّه يتعلّق بالأموال بنحو الشركة والإشاعة أو بنحو الكلّي في المعيّن، بل ولو كان بنحو تعلّق الحقّ بالعين، فيكون من قبيل المال المختلط بالحرام أو المال المرهون لا يجوز التصرّف فيه قبل إخراج حقّ الغير عنه أو الاستجازة من له حقّ الولاية عليه، لما تقدّم في المسألة الخامسة والسبعين من أنّه بناءً على ذلك لا يجوز للمالك التصرّف في العين قبل أداء خمسه وإن ضمنه في ذمّته، ولا فرق فيه من هذه الجهة بين أن يكون ماله مفروزاً معيناً أو مشتركاً.

نعم لو شك في أنّ سائر الشركاء يؤدّون أخماسهم أم لا، فإنّه كما مرّ لا يجب الفحص عنه، وعليه أن يحمل فعلهم على أحسنه ما دام لم يطلعه يقيناً، وكذلك لو قلنا بأنّ الخمس يحلّل له إذا انتقل إليه ممّن لا يعتقد وجوبه أو ممّن لا يلتزم أداءه، كما أنّه يجوز له أن يستجيز لنفسه من الحاكم الشرعي في التصرّف في هذا المال المشترك.

ص: 705

المسألة الرابعة: اجتماع الخمس والزكاة في مال واحد.

إذا كان هناك مال يتعلّق به الزكاة كمن جعل أمر تحصيل معاشه من طريق الأموال الزكوي، فإذا حال الحول وجب عليه الخمس أيضاً كما تجب عليه الزكاة بما لها من النصاب والشرائط، ولا يكفي أداء أحدهما عن الآخر لاقتضاء كلّ سبب مسبّبه، كما يستفاده السائل في خبر عليّ بن محمّد بن شجاع النّيسابوريّ حيث سأل أبا الحسن الثالث علیه السلام عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ مِنْ ضَيْعَتِهِ مِنَ الْحِنْطَةِ مِائَةَ كُرِّ مَا يُزَكَّى، فَأُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ عَشَرَةُ أَكْرَارٍ، وذَهَبَ مِنْهُ بِسَبَبِ عِمَارَةِ الضَّيْعَةِ ثَلَاثُونَ كُرّاً وَبَقِيَ في يَدِهِ سِتُّونَ كُرّاً، مَا الّذي يَجِبُ لَكَ مِنْ ذَلِكَ؟ وَهَلْ يَجِبُ لِأَصْحَابِهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ شيء؟ فَوَقَّعَ علیه السلام: «لِي مِنْهُ الْخُمُسُ مِمَّا يَفْضُلُ مِنْ مَؤُونَتِهِ»(1)، فأوجب عليه بعد الزكاة الخمس ممّا يفضل من مؤونته.

إلى هنا تمّ ما طرحه السيّد الطباطبائي رحمه الله من المسائل تحت عنوان مسائل كتاب الخمس وما نضيف إليها من المسائل، ثمّ إنّه جرت عادة الأصحاب على التعرّض للأنفال وأحكامها بعد الفراغ عن أحكام الخمس لما بينهما من المناسبة باعتبار أنّ الخمس نصفه للإمام علیه السلام والأنفال فتمامها له، فنحن نقتفي آثارهم في البحث عنها وإن لم تعرضها صاحب «العروة»، ونقول:

ص: 706


1- «التهذيب» ج4/16، الحديث 39، و«الاستبصار» ج2/17، الحديث 48، و«وسائل الشيعة» ج9/500، الحديث 12580.

الفصل الثالث: خاتمة في الأنفال وأحکامها

اشارة

ص: 707

ص: 708

نبحث في هذا الفصل عن المراد بالأنفال ومصاديقها، وعن حكمها بحسب الحكم الأوّلي، وبحسب زماني الحضور والغيبة من جهة إذن صاحبها لمجرّد التصرّف فيها، أو زائداً عليه على فرض ثبوت الإذن من ترتيب آثار الملكيّة عليه أيضاً.

المراد من الأنفال بحسب المعنى والمفهوم.

وأمّا المراد منها بحسب المعنى والمفهوم، فقد عرّفها أرباب اللغة بالغنيمة والزيادة والهبة، قال ابن منظور المصري:

النَّفل بالتحريك: الغنيمةُ والهبةُ...، والجمع أنفال ونِفَال...، والنّافلة الغنيمة...، وفي التنزيل العزيز: (يَسْئَلُونَكَ

عَنِ الْأَنْفالِ) يقال الغَنائم، واحدُها نَفَل، وإنما سأَلوا عنها لأَنّها كانت حراماً على مَن كان قبلهم فأَحلَّها الله لهم...، قال أبو منصور: وجِماعُ معنى النَّفَل والنَّافِلَة ما كان زيادة على الأَصل، سُمِّيت الغنائمُ أَنْفَالاً لأَنّ المسلمين فُضِّلوا بها على سائر الاُمَمِ الّذين لم تحلَّ لهم الغَنائم. وصلاةُ التطوُّع نَافِلةٌ لأَنّها زيادة أَجْرٍ لهم على ما كُتِبَ لهم من ثواب ما فرض عليهم...، وكلُّ عطيَّةٍ تَبَرَّع بها مُعطيها من صدقةٍ أَو عملِ خير فهي نَافِلَةٌ. ابن الأَعرابي: النَّفَل الغنائمُ، والنَّفَل الهبة، والنَّفَل التطوُّع. ابن السكيت: تَنَفَّلَ فلان على أَصحابه إِذا أَخذ أَكثر ممّا أَخذوا عند الغنيمة. وقال أَبو سعيد: نَفَّلْتُ فلاناً على فلان أي فضَّلته(1).

ص: 709


1- «لسان العرب» ج11/670 - 671.

وفي «مجمع البحرين»:

(نفل) قوله تعالى: (يَسْئَلُونَكَ

عَنِ الْأَنْفالِ) يعني الغنائم، واحدها نَفَل بالتحريك. والنَّفْلُ: الزيادة. والْأَنْفَالُ: ما زاده الله هذه الاُمة في الحلال، لأنّه كان محرّماً على من كان قبلهم. وبهذا سُمّيت النَّافِلَةُ من الصلاة لأنّها زيادة على الفرض. ويقال لولد الولد: نَافِلَةٌ لأنّه زيادة على الولد. ومنه قوله تعالى: (وَوَهَبْنا

لَهُ إِسْحاقَ ويَعْقُوبَ نافِلَة)(1).

وهي كذلك عند الأصحاب إلّا أنّها مختصة للنّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم ثمّ للأئمة الطاهرين: من بعده، قال النراقي رحمه الله في تعريفها:

الأنفال جمع نفل بسكون الفاء وفتحها، وهو الغنيمة أو العطيّة والزيادة، ومنه سُمّيت النافلة، لزيادتها على الفريضة، والمراد هنا: المال الزائد للنّبيّ والإمام بعده على قبيلتهما من بني هاشم، فالمطلوب ما يختص بالنّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم ثمّ الإمام(2).

وقال في «الجواهر»:

هي (الأنفال) هنا ما يستحقّه الإمام علیه السلام من الأموال على جهة الخصوص كما كان للنّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم سُمّيت بذلك لأنّها هبة من الله تعالى له زيادة على ما جعله له من الشركة في الخمس، إكراماً له وتفضيلاً له بذلك على غيره(3).

ص: 710


1- «مجمع البحرين» ج5/485.
2- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/139.
3- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/116.

وقال في تعريفها السيّد الخوئي رحمه الله ملخصاً: «الخمس نصفه للإمام، أمّا الأنفال فتمامها له»(1)، وفسّرها الجمهور بالغنائم وبما يصل إلى المسلمين عن المشركين بغير قتال(2)، ونُسب إلى فقهائهم أيضاً بأنّها عبارة عن الزّيادات الّتي كان يعطيها النّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم لبعض المجاهدين خاصّة(3).

والأصل فيها قوله تعالى: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنين)(4)، وما دلّت عليها من النصوص المتظافرة الآتية، فهي إجمالاً ما كانت ملكاً للنّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وللإمام القائم مقامه من بعده دون غيرهم من سائر المسلمين، زائداً عمّا كان لهم من الخمس.

ص: 711


1- «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/356، و«مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص350.
2- «أحكام القرآن (للجصّاص)» ج4/222، و«جامع البيان في تفسير القرآن (تفسير الطبري)» ج9/114، و«الموسوعة الفقهيّة الكويتيّة» ج7/18، و... .
3- نسبه إليهم السيّد البروجردي رحمه الله علی ما في تقريراته في «زبدة المقال في خمس الرّسول والآل» ص143.
4- «الأنفال»: 1.

مصاديق الأنفال وعددها.

اختلفت كلمات الأصحاب في عدد مصاديقها ومواردها، ففي «الشرائع» أنّها خمسة(1)، وفي «المستمسك» أنّها سبعة(2)، وفي «القواعد» أنّها عشرة(3)، وفي «المستند» أنّها إحدى عشر(4)، بتجريد عناوين رؤوس الجبال وأذيالها وبطون الأودية السائلة عن عنوان الأراضي الموات، أو تجميعها تحته، أو إضافة عنوان ميراث من لا وارث له، أو حذفهم هذا العنوان هنا لتعرّضهم للبحث عنه ذيل مباحث كتاب الميراث، أو لإضافتهم المال المجهول مالكه إليها بناءً على مبنائهم من كون مصرفه السهام لا الفقراء فنصفه له، قال الشيخ رحمه الله في بيانها:

الأنفال في كلّ أرض خربة باد أهلها، وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب أو سلّمها أهلها طوعاً بغير قتال، ورؤوس الجبال، وبطون الأودية والآجام والأرضون الموات الّتي لا أرباب لها، وصوافي الملوك وقطائعهم الّتي كانت في أيديهم من غير جهة الغصب، وميراث من لا

ص: 712


1- «شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام» ج1/167.
2- «مستمسك العروة الوثقی» ج9/597 - 606.
3- «قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام» ج1/364، حيث قال: الأنفال، وهي مختصّة بالإمام علیه السلام وهي عشرة: الأرض المملوكة من غير قتال انجلی أربابها عنها أو سلّموها طوعاً، والموات تقدّم الملك أو لا، ورؤوس الجبال، وبطون الأودية، وما بهما، والآجام، وصوافي الملوك وقطائهم غير المغصوبة من مسلم أو معاهد، وغنيمة من يقاتل بغير إذنه، وميراث من لا وارث له، وله أن يصطفی من الغنيمة ما شاء كثوب وفرس وجارية وغيرها من غير إجحاف.
4- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/139 - 165.

وراث له، وله من الغنائم قبل أن يقسم الجارية الحسناء، والفرس الفارة والثوب المرتفع، وما أشبه ذلك ممّا لا نظير له من رقيق أو متاع، وإذا قوتل قوم من أهل الحرب بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة للإمام خاصّة دون غيره، فجميع ما ذكرناه كان للنّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم خاصّة، وهي لمن قام مقامه من الأئمة في كلّ عصر، فلا يجوز التصرّف في شيء من ذلك إلّا بإذنه، فمن تصرّف في شيء من ذلك بغير إذنه كان عاصياً، وما يحصل فيه من الفوائد والنماء للإمام دون غيره(1).

وقال في «المهذّب»:

الأنفال هي كلّ ارض تقدّم ذكرها، وميراث من لا وارث له، وجميع المعادن، وكلّ غنيمة غنمها قوم قاتلوا أهل الحرب بغير إذن الإمام علیه السلام أو ممّن نصبه، وما يريده الإمام أخذه لنفسه ممّا تقدّم ذكره، وجميع الأنفال كانت لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في حياته، وهي بعده للإمام القائم مقامه، ولا يجوز لأحد من الناس التصرّف في شيء منها إلّا بإذنه علیه السلام(2).

فكيف كان ليس هنا نزاعاً ماهوياً بينهم، وهي على ما دلّت عليها الأخبار عبارة عن:

الأوّل:

ما استولى عليها المسلمون من أموال الكفار بغير قتال ولا خيل ولا ركاب.

وهي الأراضي الّتي استولی عليها المسلمون من الكفّار بغير قتال ولم

ص: 713


1- «المبسوط في فقه الإماميّة» ج1/263.
2- «المهذّب (لابن البراج)» ج1/186.

يوجف عليها بخيل ولا ركاب، سواء انجلی عنها أهلها أو سلّموها للمسلمين طوعاً، وادّعی أنّها ممّا لا خلاف فيها بل الإجماع عليها(1)، واستدّل عليها بروايات كثيرة متواترة كصحيحة حفص بن البختريّ عن أبي عبداللّه علیه السلام أنّه قال: «الْأَنْفَالُ مَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، أَوْ قَوْمٌ صَالَحُوا، أَوْ قَوْمٌ أَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ، وَكُلُّ أَرْضٍ خَرِبَةٍ، وَبُطُونُ الْأَوْدِيَةِ، فَهُوَ لِرَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم وَهُوَ لِلْإِمَامِ مِنْ بَعْدِهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ»(2).

وصحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام: السَّرِيَّةُ يَبْعَثُهَا الْإِمَامُ فَيُصِيبُونَ غَنَائِمَ كَيْفَ يُقْسَمُ؟ قَالَ: «إِنْ قَاتَلُوا عَلَيْهَا مَعَ أَمِيرٍ أَمَّرَهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِمْ أُخْرِجَ مِنْهَا الْخُمُسُ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَقُسِمَ بَيْنَهُمْ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا قَاتَلُوا عَلَيْهَا الْمُشْرِكِينَ كَانَ كُلُّ مَا غَنِمُوا لِلْإِمَامِ يَجْعَلُهُ حَيْثُ أَحَبَّ»(3).

وصحيحة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عَنِ الْأَنْفَالِ؟ فَقَالَ: «هِيَ الْقُرَى الّتي قَدْ خَرِبَتْ وَانْجَلَى أَهْلُهَا فهي لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ، وَمَا كَانَ لِلْمُلُوكِ فَهُوَ لِلْإِمَامِ، وَمَا كَانَ مِنَ الْأَرْضِ الْخَرِبَةِ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَكُلُّ أَرْضٍ لَا رَبَّ لَهَا، وَالْمَعَادِنُ مِنْهَا، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ مَوْلًى فَمَالُهُ مِنَ الْأَنْفَالِ»(4).وموثقة زرارة عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: قلت له: مَا يَقُولُ اللَّهُ: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ

ص: 714


1- راجع: «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/139، و«جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/116.
2- «الكافي» ج1/453، الحديث 3، و«وسائل الشيعة» ج9/523، الحديث 12625.
3- «الكافي» ج5/43، الحديث 1، و«وسائل الشيعة» ج9/524، الحديث 12627.
4- «تفسير القمّي» ج1/254، و«وسائل الشيعة» ج9/531، الحديث 12644.

الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ)؟ «وَهيَ كُلُّ أَرْضٍ جَلَا أَهْلُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِجَالٍ وَلَا رِكَابٍ، فهي نَفَلٌ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ»(1).

وموثقة محمّد بن مسلم عن أبي عبداللّه علیه السلام أنّه سمعه يقول: «إِنَّ الْأَنْفَالَ مَا كَانَ مِنْ أَرْضٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا هِرَاقَةُ دَمٍ أَوْ قَوْمٌ صُولِحُوا وَأَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ، وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضٍ خَرِبَةٍ، أَوْ بُطُونِ أَوْدِيَةٍ فَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الْفَيْ ءِ، وَالْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ، فَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ لِلرَّسُولِ يَضَعُهُ حَيْثُ يُحِبُّ»(2).

وموثقة سماعة بن مهران قال: سَأَلْتُهُ عَنِ الْأَنْفَالِ؟ فَقَالَ: «كُلُّ أَرْضٍ خَرِبَةٍ، أَوْ شيء يَكُونُ لِلْمُلُوكِ فَهُوَ خَالِصٌ لِلْإِمَامِ، وَلَيْسَ لِلنَّاسِ فِيهَا سَهْمٌ، قَالَ: وَمِنْهَا الْبَحْرَيْنُ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ»(3).

ومرسلة حمّاد بن عيسى عن العبد الصالح علیه السلام في حديث قال: «...، وَالْأَنْفَالُ كُلُّ أَرْضٍ خَرِبَةٍ قَدْ بَادَ أَهْلُهَا، وَكُلُّ أَرْضٍ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنْ صَالَحُوا صُلْحاً وَأَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ عَلَى غَيْرِ قِتَالٍ، وَلَهُ رُؤُوسُ الْجِبَالِ، وَبُطُونُ الْأَوْدِيَةِ وَالْآجَامُ، وَكُلُّ أَرْضٍ مَيْتَةٍ لَا رَبَّ لَهَا، وَلَهُ صَوَافِي الْمُلُوكِ مَا كَانَ في أَيْدِيهِمْ مِنْ غَيْرِ وَجْهِالْغَصْبِ

لِأَنَّ الْغَصْبَ كُلَّهُ مَرْدُودٌ، وَهُوَ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَه»، الحديث(4).

ص: 715


1- «التهذيب» ج4/132، الحديث 368، و«وسائل الشيعة» ج9/526، الحديث 12633.
2- «التهذيب» ج4/133، الحديث 370، و«وسائل الشيعة» ج9/527، الحديث 12634.
3- «التهذيب» ج4/133، الحديث 373، و«وسائل الشيعة» ج9/526، الحديث 12632.
4- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/524، الحديث 12628.

وما رواه عليّ بن أسباط عن أبي الحسن موسى علیه السلام في حديث قال: «إِنَّ اللَّهَ لَمَّا فَتَحَ عَلَى نَبِيِّهِ فَدَكَ وَمَا وَالاهَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ: (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ)(1)، فَلَمْ يَدْرِ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله و سلم مَنْ هُمْ فَرَاجَعَ في ذَلِكَ جَبْرَئِيلَ، ورَاجَعَ جَبْرَئِيلُ رَبَّهُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ ادْفَعْ فَدَكَ إِلَى فَاطِمَةَ، (إلى أن قال:) حَدٌّ مِنْهَا جَبَلُ أُحُدٍ، وَحَدٌّ مِنْهَا عَرِيشُ مِصْرَ، وَحَدٌّ مِنْهَا سِيفُ الْبَحْرِ، وَحَدٌّ مِنْهَا دُومَةُ الْجَنْدَلِ(2)، قِيلَ لَهُ: كُلُّ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ هَذَا كُلَّهُ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ أَهْلُهُ عَلَى رَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ»(3)، إلى غير ذلك من الأخبار الّتي دلّت عليها بالصّراحة(4).

ثمّ إنّ الظاهر كما يظهر من بعض ما تقدّم من الرّوايات - كصحيحة الاُولىالّتي رواها حفص بن البختريّ عن الصادق علیه السلام(5) - وهكذا ما يصرّح أو يظهر من كلمات الفريقين في المقام أنّ الحكم غير مقيّد بخصوص الأراضي بل يعمّ كلّ ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب من الأموال المنقولة أيضاً، استظهر تعميمه في «الجواهر» حيث قال:

ص: 716


1- « الإسراء»: 26.
2- دومة الجندل: حصن وقری بين الشام والمدينة. «معجم البلدان» ج2/487.
3- « الكافي» ج1/456، الحديث 5، و«وسائل الشيعة» ج9/525، الحديث 12629.
4- راجع: «وسائل الشيعة» ج9/532 - 534، أحاديث 12646، 12647، 12648، 12650، 12651، 12652، 12653، 12656، و«المستدرك الوسائل» ج7/295 - 298، أحاديث 8249، 8251، 8253، 8255، 8256، 8257، 8258، و... .
5- «الكافي» ج1/453، الحديث 3، و«وسائل الشيعة» ج9/523، الحديث 12625.

بل ظاهر بعضها (الأخبار) كالصحيح المتقدّم أنّ كلّ ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب من الأنفال لا خصوص الأرض منه كما هو ظاهر المصنف وغيره من الأصحاب(1).

ص: 717


1- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/117.

وهكذا المحقّق الخوئي رحمه الله حيث رجّح القول بالتعميم بقوله:

إنّما الكلام في أنّ ذلك هل يختصّ بالأراضي أو يعمّ كلّ ما يغنمه المسلمون من الكفار ولو كان غير الأراضي كالفرش والأواني ونحوها من المنقولات، فهل تعدّ هذه أيضاً من الأنفال أو أنّها من الغنائم ويجب خمسها؟ لعلّ المشهور بين الفقهاء هو الاختصاص، حيث قيّد الموضوع في كلماتهم بالأراضي، ولكنّ التعميم غير بعيد لإمكان استفادته من بعض الأخبار(1).

و صرّح تعميمه شيخنا الاُستاذ (أدام الله ظّله) حيث قال:

الحقّ عدم الفرق بين الأموال المنقولة وغيرها، ويؤيّده الاعتبار فإنّ المسلمين إذا لم يوجفوا على شيء بخيل ولا ركاب وصالحهم الكفار على ألف من الدارهم أو الدنانير لا وجه لشركتهم في هذا المال كما هو ظاهر، فإنّ الغنيمة في الواقع جابرة لشيء من مشاق القتال(2).

لكنّه صرّح بعدمه السيّد الحكيم رحمه الله بقوله:

وإطلاق بعضها كالمصحّح وإن كان يشمل الأرض وغيرها، لكنّه مقيّد بما هو مقيّد بها الوارد في مقام الحصر والتحديد، فإنّ وروده كذلك يستوجب ثبوت المفهوم له وهو النفي عن غير الأرض، فيحمل المطلق في الإثبات عليه(3).

ص: 718


1- «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/359، «مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص354.
2- «أنوار الفقاهة في أحكام العترة الطاهرة، كتاب الخمس» ص476.
3- «مستمسك العروة الوثقی» ج9/597.

وحكى الجصّاص من العامّة رواية عن عطاء بأنّها مطلق ما يصل إلى المسلمين عن المشركين بغير قتال حيث قال:

قال أبو بكر:

قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وعكرمة وعطاء: الأنفال الغنائم، وروی عن ابن عباس رواية اُخرى عن عطاء أنّ الأنفال ما يصل إلى المسلمين عن المشركين بغير قتال، من دابّة، أو عبد، أو متاع فذلك للنّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم يضعه حيث يشاء، وروى عن مجاهد أنّ الأنفال الخمس الّذي جعله الله لأهل الخمس، وقال الحسن: كانت الأنفال من السرايا الّتي تتقدّم أمام الجيش الأعظم(1).

وكذا البيهقي حيث حكى في سننه عن مالك بن أنس عن عمر فإنّه قال:

كانت أموال بني نضير ممّا أفاء الله على رسوله ممّا لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم خالصاً دون المسلمين، وكان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ينفق منها على أهله نفقة سنة، فما فضل جعله في الكراع والسلاح عدّة في سبيل الله(2).

أقول: التحقيق كما صرّح به شيخنا الاُستاذ يقتضي الترجيح القول بالتعميم، وذلك لأنّ المسلمين إذا لم يوجفوا على شيء بخيل ولا ركاب وصالحهم الكفار على بذل مال من غير الأراضي لترك المخاصمة والقتال، فلا وجه لكونهم يشار كون الإمام علیه السلام فيه أيضاً، لعدم مشاركتهم في قتال حتی تكون الغنيمة عوضاً لهم عن شدائدها، وتعليل الأخبار لكون تلك الأراضي من الأنفال بأنّها ممّا لم

ص: 719


1- «أحكام القرآن (للجصّاص)» ج4/222.
2- «السنن الكبری (للبيهقي)» ج6/296، وقريب منه ما ذكره الشافعي في كتاب الأمّ، راجع: «الأمّ» ج4/146.

يوجفعليها بخيل ولا ركاب أظهر شاهد على أنّ الموضوع لعدّ شيء من أموالهم من الأنفال هو عدم المقاتلة والمحاربة لتحصيله لا لكونه أرضاً.

الثاني: الأراضي الموات.

الثاني من الأنفال الأراضي الموات، وهي كلّ أرض معطّلة لا يمكن الانتفاع بها لعطلتها بانقطاع الماء عنها أو لغير ذلك من موانع الانتفاع إلّا بعمارتها وإصلاحها، سواء مُلكت ثمّ باد أهلها وهم غير معروف في الحال، أو لم يجر عليها يد مالك أصلاً كالبوادي والبراري، قد عبّروا عن هذا القسم تارة بالمفاوز، واُخرى بسيف البحار أي ساحلها، وثالثة ببطون الأودية ومحل جريان السيول، ورابعة برؤوس الجبال، وادّعى على كونها من الأنفال بالإجماع والأخبار الكثيرة، قال الشيخ الطائفة رحمه الله :

الأرضون الموات للإمام خاصّة، لا يملكها أحد بالإحياء إلّا أن يأذن له الإمام، وقال الشافعي: من أحياها ملكها، أذن له الإمام أو لم يأذن، وقال أبوحنيفة: لا يملك إلّا بإذن، وهو قول مالك...، دلينا إجماع الفرقة وأخبارهم وهي كثيرة(1).

وقال المحقّق النراقي رحمه الله :

الأراضي الميتة، سواء لم يعلم سبق إحياء وملك عليها - ككثير من المفاوز والبوادي - أو علم إحياؤها في زمان وطريان الموتان عليها، وكونها من الأنفال ممّا لا خلاف فيه في القسم الأوّل والثاني إذا لم يكن

ص: 720


1- «الخلاف» ج3/525 - 526، المسألة الرقم 3 من مسائل كتاب إحياء الموات.

له مالك معروف، بل في التنقيح والمسالك والمفاتيح وشرحه وغيرها الإجماع عليه(1).

واستدلّ على كونها من الأنفال مضافاً إلى ذلك بروايات متعدّدة، كصحيحة حفص بن البختريّ عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: «...، وَكُلُّ أَرْضٍ خَرِبَةٍ، وَبُطُونُ الْأَوْدِيَةِ، فَهُوَ لِرَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم وَهُوَ لِلْإِمَامِ مِنْ بَعْدِهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ»(2).

وصحيحة إسحاق بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عَنِ الْأَنْفَالِ؟ فَقَالَ: «هِيَ الْقُرَى الّتي قَدْ خَرِبَتْ وَانْجَلَى أَهْلُهَا فهي لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ، وَمَا كَانَ لِلْمُلُوكِ فَهُوَ لِلْإِمَامِ، وَمَا كَانَ مِنَ الْأَرْضِ الْخَرِبَةِ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَكُلُّ أَرْضٍ لَا رَبَّ لَهَا، وَالْمَعَادِنُ مِنْهَا، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ مَوْلًى فَمَالُهُ مِنَ الْأَنْفَالِ»(3).

وموثقة محمّد بن مسلم عن أبي عبداللّه علیه السلام أنّه سمعه يقول: «إِنَّ الْأَنْفَالَ مَا كَانَ مِنْ أَرْضٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا هِرَاقَةُ دَمٍ أَوْ قَوْمٌ صُولِحُوا وأَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ، وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضٍ خَرِبَةٍ، أَوْ بُطُونِ أَوْدِيَةٍ فَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الْفَيْ ءِ، وَالْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ، فَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ لِلرَّسُولِ يَضَعُهُ حَيْثُ يُحِبُّ»(4).

ص: 721


1- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/145.
2- «الكافي» ج1/453، الحديث 3، و«وسائل الشيعة» ج9/523، الحديث 12625.
3- «تفسير القمّي» ج1/254، و«وسائل الشيعة» ج9/531، الحديث 12644.
4- «التهذيب» ج4/133، الحديث 370، و«وسائل الشيعة» ج9/527، الحديث 12634.

وموثقة سماعة بن مهران قال: سَأَلْتُهُ عَنِ الْأَنْفَالِ؟ فَقَالَ: «كُلُّ أَرْضٍ خَرِبَةٍ، أَوْ شيء يَكُونُ لِلْمُلُوكِ فَهُوَ خَالِصٌ لِلْإِمَامِ، وَلَيْسَ لِلنَّاسِ فِيهَا سَهْمٌ، قَالَ: وَمِنْهَا الْبَحْرَيْنُ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ»(1).

ومرسلة حمّاد بن عيسى عن العبد الصالح علیه السلام في حديث قال: «...، وَالْأَنْفَالُ كُلُّ أَرْضٍ خَرِبَةٍ قَدْ بَادَ أَهْلُهَا، وَكُلُّ أَرْضٍ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنْ صَالَحُوا صُلْحاً وَأَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ عَلَى غَيْرِ قِتَالٍ، وَلَهُ رُؤُوسُ الْجِبَالِ، وَبُطُونُ الْأَوْدِيَةِ وَالْآجَامُ، وَكُلُّ أَرْضٍ مَيْتَةٍ لَا رَبَّ لَهَا، وَلَهُ صَوَافِي الْمُلُوكِ مَا كَانَ في أَيْدِيهِمْ مِنْ غَيْرِ وَجْهِ الْغَصْبِ لِأَنَّ الْغَصْبَ كُلَّهُ مَرْدُودٌ، وَهُوَ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَه»، الحديث(2).

ومرفوعة محمّد بن مسلم قال: سَمِعْتُ أَبَا جعفر علیه السلام يَقُولُ: «الْأَنْفَالُ هُوَ النَّفَلُ، وفي سُورَةِ الْأَنْفَالِ جَدْعُ الْأَنْفِ، قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنِ الْأَنْفَالِ؟ فَقَالَ: كُلُّ أَرْضٍ خَرِبَةٍ، أَوْ شيء كَانَ يَكُونُ لِلْمُلُوكِ، وَبُطُونُ الْأَوْدِيَةِ، وَرُؤُوسُ الْجِبَالِ، وَمَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكُلُّ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ خَالِصاً»(3)، إلی غير ذلك من الأخبار الّتي وردت في المقام(4).

ص: 722


1- «التهذيب» ج4/133، الحديث 373، و«وسائل الشيعة» ج9/526، الحديث 12632.
2- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/524، الحديث 12628.
3- «المقنعة» ص47، و«وسائل الشيعة» ج9/532، الحديث 12646.
4- راجع: «وسائل الشيعة» ج9/529 - 534، أحاديث 12641، 12648، 12651، 12656، و«مستدرك الوسائل» ج7/295 - 298، أحاديث 8251، 8253، 8256، 8257، و....

هل هناك فرق بين ما إذا كان لها مالك معروف، أو لم يكن كذلك؟

قد عرفت أنّ الموات قد لم يجر عليها يد مالك أصلاً كالبراري والمفاوز الّذي هو القدر المتيقّن منها، وقد تكون مملوكة لكنّه باد أهلها عنها فخربت، والأخير إمّا لها مالك معروف، وقد لا يكون معروفاً، فهل كان هناك فرق بينهما أم لا؟

أمّا إن كان لها مالك معروف ففصّل في «مصباح الفقيه» بأنّه إن ملكها بغير الإحياء كالإرث وشبهه فخربت، هي كانت لمالكها بلا خلاف، ثمّ تعرّض لما إذا ملكها بالإحياء، فقال: ففي زوال ملكيّتها بعروض الخراب لها ورجوعها إلى ملك الإمام كما كان قبل الإحياء، وعدمه قولان، ثمّ قوّى عدم زوالها بذلك(1).

والظاهر أنّها على كلا الفرضين كانت لمالكهما، لعدم الفرق بعد ثبوت الملك بين أنواع أسبابها ما لم يدلّ دليل على زوالها بالخصوص، أو قامت قرينة على إعراض مالكها عنها.

ثمّ إنّه قد عدّ في «الكافي» من الأنفال كلّ أرض عطّلها مالكها ثلاث سنين والظاهر أنّه استند في رأيه بما وردت من أنّ من عطّل أرضاً ثلاث سنين متوالية لغير علّة أخذت منه(2)، حيث قال:

فرض الأنفال مختصّ بكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، وقطائع الملوك، والأرضون الموات، وكلّ أرض عطلّها مالكها ثلاث

ص: 723


1- «مصباح الفقيه» ج19/396 .
2- راجع: «وسائل الشيعة» ج25/434، الباب 17 من أبواب كتاب إحياء الموات.

سنين، ورؤوس الجبال وبطون الأودية من كلّ أرض، والبحار، والآجام، وتركات من لا وارث له من الأموال، وغيرها(1).

والتحقيق أنّها على فرض تسليم سندها وما أورد عليها في محلّه موهونة بإعراض الأصحاب عنها.

وأمّا إذا لم يكن لها مالك معروف فهي للإمام علیه السلام، لاندراجها تحت عنوان أنّ الإمام هو وارث لمن لا وارث له(2)، أو لتفسير الميتة بالأرض الّتي لا ربّ لها، وقد صرّحت بهما في المرسلة حمّاد بن عيسى المتقدمة(3).

الثالث: صفايا الملوك وقطائهم.

والرابع: ما يصطفيه الإمام علیه السلام من الغنيمة.

والخامس: ما يغنمه المقاتلون بغير إذنه علیه السلام.

قد تقدّم البحث عن هذه المصاديق الثلاثة مفصّلاً ذيل عنوان «ما يستشنى من الغنيمة قبل التخميس» في الفصل الأوّل من مباحث هذا الكتاب، وقد نصرّح هنا بأنّها من مصاديق باب الأنفال، فراجع.

ص: 724


1- «الكافي في الفقه» ص170، «سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج5/107.
2- راجع: «وسائل الشيعة» ج26/246 - 251، باب من مات ولا وارث له من قرابته ولا زوج ولا معتق ولا ضامن جريرة فميراثه للإمام علیه السلام.
3- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/524، الحديث 12628.

السادس: ميراث من لا وارث له.

المشهور بين الأصحاب أنّ الإمام علیه السلام وارث لمن لا وارث له بعنوان كونه من الأنفال، بل ادّعي عليه الإجماع، خلافاً للعامّة حيث جعلوه لبيت مال المسلمين، قال الشيخ رحمه الله في «الخلاف»:

ميراث من لا وارث له ولا مولى نعمة لإمام المسلمين سواء كان مسلماً أو ذمّياً، وقال جميع الفقهاء: إنّ ميراثه لبيت المال وهو لجميع المسلمين، دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم(1).

وقال العلّامة رحمه الله في «المنتهى»:

ومن الأنفال ميراث من لا وارث له، ذهب علماؤنا أجمع إلى أنّه يكون للإمام خاصّة ينقل إلى بيت ماله، وخالف فيه الجمهور كافّة وقالوا: أنّه للمسلمين أجمع(2).

وقال المحقّق الهمداني رحمه الله ، وفيه إشارة إلى ترك بعض لذكر هذا العنوان هنا حيث قال:

ثمّ إنّه كان على المصنف رحمه الله ذكر ميراث من لا وارث له غير الإمام هنا من الأنفال، إذ هو كذلك عند علمائنا أجمع كما عن المنتهى...، ولعلّ ترك تعرّض المصنف رحمه الله له هاهنا اكتفاء بما ذكروه في طبقات الإرث(3).

وكيف كان قد استدلّ زائداً على ذلك بروايات كثيرة، أكثرها صحاح، منها صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام أنّه قال: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ مِنْ

ص: 725


1- «الخلاف» ج4/5، المسألة الرقم 1 من مسائل كتاب الفرائض.
2- «منتهی المطلب في تحقيق المذهب» ج8/575.
3- «مصباح الفقيه» ج19/409 - 410.

قَرَابَتِهِ، وَلَا مَوْلَى عَتَاقِهِ قَدْ ضَمِنَ جَرِيرَتَهُ فَمَالُهُ مِنَ الْأَنْفَالِ»(1).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبداللّه علیه السلام في قول الله تعالى: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ)، قال: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ مَوْلًى فَمَالُهُ مِنَ الْأَنْفَالِ»(2).

وصحيحة اُخری عنه عن أبي عبداللّه علیه السلام أنّه قال: «مَنْ مَاتَ وَتَرَكَ دَيْناً فَعَلَيْنَا دَيْنُهُ وَإِلَيْنَا عِيَالُهُ، وَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ مَوَالِي فَمَالُهُ مِنَ الْأَنْفَالِ»(3).

وصحيحة الحسن بن محبوب وعمّار بن أبي الأحوص قال: سَأَلْتُ أَبَا جعفر علیه السلام عَنِ السَّائِبَةِ؟ فَقَالَ: «انْظُرُوا في الْقُرْآنِ فَمَا كَانَ فِيهِ (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)، فَتِلْكَ يَا عَمَّارُ السَّائِبَةُ الّتي لَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا إِلَّا اللَّهُ، فَمَا كَانَ وَلَاؤُهُ لِلَّهِ فَهُوَ لِرَسُولِهِ، وَمَا كَانَ وَلَاؤُهُ لِرَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم فَإِنَّ وَلَاءَهُ لِلْإِمَامِ، وَجِنَايَتَهُ عَلَى الْإِمَامِ وَمِيرَاثَهُ لَهُ»(4).

وصحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: «قَضَى أَمِيرُ المؤمنين علیه السلام فِيمَنْ أَعْتَقَ عَبْداً سَائِبَةً أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لِمَوَالِيهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ شَاءَ تَوَالَى إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَشْهَدْ أَنَّهُ يَضْمَنُ جَرِيرَتَهُ وَكُلَّ حَدَثٍ يَلْزَمُهُ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ يَرِثُهُ،وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَانَ مِيرَاثُهُ يُرَدُّ عَلَى إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ»(5).

ص: 726


1- «الكافي» ج7/169، الحديث 2، و«وسائل الشيعة» ج26/246، الحديث 32930.
2- «الكافي» ج7/169، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج26/247، الحديث 32932.
3- «الكافي» ج7/168، الحديث 1، و«وسائل الشيعة» ج26/248، الحديث 32933.
4- «الكافي» ج7/171، الحديث 2، و«وسائل الشيعة» ج26/248، الحديث 32935.
5- «التهذيب» ج9/364، الحديث 1407، و«وسائل الشيعة» ج26/250، الحديث 32941.

وموثقة أبان بن تغلب قال: قال أبو عبداللّه علیه السلام: «مَنْ مَاتَ لَا مَوْلَى لَهُ وَلَا وَرَثَةَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْآيَةِ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ)»(1).

ومرسلة حمّاد بن عيسی عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الأوّل علیه السلام قال: «الْإِمَامُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ»(2).

وما رواه حمزة بن حُمران قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ سَارِقٍ عَدَا عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَعَقَرَهُ وَغَصَبَ مَالَهُ، ثُمَّ إِنَّ السَّارِقَ بَعْدُ تَابَ فَنَظَرَ إِلَى مِثْلِ الْمَالِ الّذي كَانَ غَصَبَهُ الرَّجُلُ فَحَمَلَهُ إِلَيْهِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَيْهِ وَيَتَحَلَّلَ مِنْهُ مِمَّا صَنَعَ بِهِ، فَوَجَدَ الرَّجُلَ قَدْ مَاتَ، فَسَأَلَ مَعَارِفَهُ هَلْ تَرَكَ وَارِثاً؟ وَقَدْ سَأَلَنِي (عَنْ ذَلِكَ) أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ ذَلِكَ حتی يَنْتَهِيَ إِلَى قَوْلِكَ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «إِنْ كَانَ الرَّجُلُ الْمَيِّتُ تَوَالَى إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَضَمِنَ جَرِيرَتَهُ وَحَدَثَهُ وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّ مِيرَاثَ الْمَيِّتِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ لَمْ يَتَوَالَ إِلَى أَحَدٍ حتی مَاتَ فَإِنَّ مِيرَاثَهُ لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ، فَقُلْتُ لَهُ: فَمَا حَالُ الْغَاصِبِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؟ فَقَالَ: إِذَا هُوَ أَوْصَلَ الْمَالَ إِلَى إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ سَلِمَ، وَأَمَّا الْجِرَاحَةُ فَإِنَّ الْجُرُوحَ تُقْتَصُّمِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(3).

إن قلت: قد يعارض ذلك بما دلّت على أنّ ميراثه لأهل بلده وهمشاريجه

ص: 727


1- «التهذيب» ج9/386، الحديث 1380، و«الاستبصار» ج4/195، الحديث 733، و«وسائل الشيعة» ج26/249، الحديث 32937.
2- «الكافي» ج7/169، الحديث 3، و«وسائل الشيعة» ج26/248، الحديث 32934.
3- «التهذيب» ج10/130، الحديث 522، و«وسائل الشيعة» ج26/250، الحديث 32940.

معرّب «همشهريه» كصحيحة خلاد السِّندي عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: «كَانَ عليّ علیه السلام يَقُولُ في الرَّجُلِ يَمُوتُ وَيَتْرُكُ مَالاً وَلَيْسَ لَهُ أَحَدٌ: أَعْطِ الْمَالَ هَمْشَارِيجَهُ»(1)، بتقريب دلالة فعل «كان» علی الدوام والاستمرار.

مؤيّدة بما رواه بن بابويه رحمه الله حيث قال: رُوي في خبر آخر: «أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ، فَمِيرَاثُهُ لِهَمْشَارِيجِهِ، يَعْنِي أَهْلَ بَلَدِهِ»(2).

قلنا: بعد فرض تسليم وقوع التعارض بين مفهوم الرّوايات في الطائفة الاُولى والرّوايات في الطائفة الثانية، فحيث كانت الأولى منهما أصحّ سنداً وأكثر عدداً وموافقاً لفتوى المشهور بل لاتفاق الجميع، فنقدّمها على الرّوايات في الطائفة الأخيرة.

السابع: البحار.

صرّح غير واحد من الأصحاب بأنّ البحار من الأنفال، وفي «المستند» كونها علی الأظهر، وحكى في «المستمسك» عن غير واحد الاعتراف بعدمالدليل عليه(3)، فمن المصرّحين المحدث الكليني رحمه الله حيث قال:

وأمّا الأنفال، فليس هذه سبيلها (بأن تقسم على ستة أسهم) كانت للرّسول صلی الله علیه و آله و سلم خاصّة، وكانت فدك لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم خاصّة، لأنّه صلی الله علیه و آله و سلم فتحها وأمير المؤمنين علیه السلام، لم يكن معهما أحد فزال عنها اسم الفيء

ص: 728


1- «الكافي» ج7/169، الحديث 2، و«وسائل الشيعة» ج26/252، الحديث 32944.
2- «من لا يحضره الفقيه» ج4/242، الحديث 774، و«وسائل الشيعة» ج26/253، الحديث 32947.
3- «مستمسك العروة الوثقی» ج9/604.

ولزمها اسم الأنفال، وكذلك الآجام(1)، والمعادن والبحار، والمفاوز(2) هي للإمام خاصّة، فإن عمل فيها قوم بإذن الإمام. فلهم أربعة أخماس، وللإمام خمس، والّذي للإمام يجري مجرى الخمس، ومن عمل فيها بغير إذن الإمام فالإمام يأخذه كلّه، ليس لأحد فيه شيء، وكذلك من عمَّر شيئاً، أو أجرى قناة، أو عمل في أرض خراب بغير إذن صاحب الأرض، فليس له ذلك، فإن شاء أخذها منه كلّها، وإن شاء تركها في يده(3).

والمفيد رحمه الله في «المقنعة» حيث قال:

والأنفال كلّ أرض فتحت من غير أن يوجف عليها بخيل ولا ركاب، والأرضون الموات، وتركات من لا وارث له من الأهل والقربات، والآجام، والبحار، والمفاوز، والمعادن وقطائع الملوك(4).والحلبي رحمه الله في «الكافى» فإنّه قال:

فرض الأنفال مختصّ بكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، وقطائع الملوك، والأرضون الموات، وكلّ أرض عطّلها مالكها ثلاث

ص: 729


1- «الآجام»: جمع الجمع لأجَمَة، وهي شجر المُلتَفّ. «المصباح المنير» ص6، (أجم).
2- «المفازة»: البَريّة القفر، وهي الخلأ من الأرض، لا ماء فيه ولا ناس ولا كلأ. قال ابن الأعرابي: سُمّيت بذلك لأنّها مهلكة من فوّز، أي هلك. وقال الأصمعي: سُمّيت بذلك تفاؤلاً بالسلامة والفوز. «الصحاح» ج3/890، و«النهاية» ج3/478 (فوز).
3- راجع: «الكافي» ج2/714 - 715.
4- «المقنعة» ص278، و«سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج5/54.

سنين، ورؤوس الجبال وبطون الأودية من كلّ أرض، والبحار، والآجام، وتركات من لا وارث له من الأموال، وغيرها(1).

والمحقّق النراقي رحمه الله في «المستند» حيث قال:

البحار، وهى على الأظهر من الأنفال وفاقاً لصريح الكليني وظاهر ابن أبي عمير، والمحكيّ عن المفيد بل الديلمي، للعمومات المتقدّمة(2).

وكيف كان يمكن أن يستدلّ على ذلك بوجوه، منها: إنّ المستفاد من أخبارِ الأنفال أنّ كلّ ما لم يكن له مالك خاصّ فأمره إلى لإمام علیه السلام وبيده، فهي مندرجة تحت عموم «كلّ أرض لا ربّ لها»، أو «أنّ الأرض كلّها للإمام علیه السلام »، اللّتان صرّحتا بهما في صحيحة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عَنِ الْأَنْفَالِ؟ فَقَالَ: «هِيَ الْقُرَى الّتي قَدْ خَرِبَتْ وَانْجَلَى أَهْلُهَا فهي لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ، وَمَا كَانَ لِلْمُلُوكِ فَهُوَ لِلْإِمَامِ، وَمَا كَانَ مِنَ الْأَرْضِ الْخَرِبَةِ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَكُلُّ أَرْضٍ لَا رَبَّ لَهَا، وَالْمَعَادِنُ مِنْهَا، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ مَوْلًى فَمَالُهُ مِنَ الْأَنْفَالِ»(3).

وفي صحيحة أبي سيّار مسمع بن عبدالملك وفيها: «يَا أَبَا سَيَّارٍ الْأَرْضُ كُلُّهَالَنَا، فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهَا مِنْ شيء فَهُوَ لَنَا»، الحديث(4).

نعم قد خرج عن العموم ما دلّت السيرة القطعيّة على المعاملة معها معاملة

ص: 730


1- «الكافي في الفقه» ص170، و«سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج5/107.
2- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/164.
3- «تفسير القمّي» ج1/254، و«وسائل الشيعة» ج9/531، الحديث 12644.
4- «الكافي» ج1/337، الحديث 3، و«التهذيب» ج4/144، الحديث 403، و«وسائل الشيعة» ج9/548، الحديث 12686.

المباحات الأصليّة الّتي يجوز تملّكها لكلّ أحد بمجرد الحيازة والاستيلاء.

ومنها: ما دلّت بالخصوص على أنّ الأنهار الثمانية أو الخمسة والبحر المطيف بالدنيا فهي لهم: كصحيحة حفص بن البختريّ عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: «إِنَّ

جَبْرَئِيلَ علیه السلام كَرَى بِرِجْلِهِ خَمْسَةَ أَنْهَارٍ وَلِسَانُ الْمَاءِ يَتْبَعُهُ الْفُرَاتَ، وَدِجْلَةَ، وَنِيلَ مِصْرَ، وَمِهْرَانَ، وَنَهَرَ بَلْخٍ، فَمَا سَقَتْ أَوْ سُقِيَ مِنْهَا فَلِلْإِمَامِ، وَالْبَحْرُ الْمُطِيفُ بِالدُّنْيَا»(1).

وما رواه يونس بن ظبيان أو المعلّى بن خُنيس قال: قلت لأبي عبداللّه علیه السلام: مَا لَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ؟ فَتَبَسَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ جَبْرَئِيلَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرِقَ بِإِبْهَامِهِ ثَمَانِيَةَ أَنْهَارٍ في الْأَرْضِ: مِنْهَا سَيْحَانُ، وَجَيْحَانُ وَهُوَ نَهَرُ بَلْخٍ، وَالْخشوعُ وَهُوَ نَهَرُ الشَّاشِ، وَمِهْرَانُ وَهُوَ نَهَرُ الْهِنْدِ، وَنِيلُ مِصْرَ، وَدِجْلَةُ، وَالْفُرَاتُ، فَمَا سَقَتْ أَوْ أَسْقَتْ فَهُوَ لَنَا، وَمَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِشِيعَتِنَا وَلَيْسَ لِعَدُوِّنَا مِنْهُ شيء إِلَّا مَا غَصَبَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ وَلِيَّنَا لَفِي أَوْسَعَ فِيمَا بَيْنَ ذِهْ إِلَى ذِهْ، يَعْنِي بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا في الْحَياةِ الدُّنْيا)، الْمَغْصُوبِينَ عَلَيْهَا (خالِصَةً) لَهُمْ(يَوْمَ

الْقِيامَةِ) بِلَا غَصْبٍ»(2).

ص: 731


1- «الكافي» ج1/338، الحديث 8، و«من لا يحضره الفقيه» ج2/24، الحديث 91، و«وسائل الشيعة» ج9/530، الحديث 12642.
2- «الأعراف»: 32. «الكافي» ج1/337، الحديث 5، و«وسائل الشيعة» ج9/550، الحديث 12691.

الثامن: المعادن.

اختلف الأصحاب في أنّ المعادن هل هي من الأنفال، أو هي من المشتركات والمباحات، أم فيها تفصيل بين ما وقعت منها في الأرض المختصّة بالإمام علیه السلام فكانت من الأنفال، وبين ما وقعت في غيرها فكانت تابعة لمالك أرضها؟

ذهب جماعة من أعيان القدماء كالكليني(1) وشيخه عليّ بن إبراهيم(2) والمفيد(3) والشيخ(4) والديلمي(5) والقاضي(6) والعلّامة(7) وصاحب «الحدائق»(8) (رضوان الله تعالى عليهم) إلى أنّها من الأنفال، وفي «الجواهر» بعد ما نسب القول بكونها من الأنفال إلى المشهور نقلاً وتحصيلاً، اختار كونها من المشتركات الّتي يكون الناس فيها شرع سواء، وفصّل المحقّق الهمداني رحمه الله وكذلك صاحب «الجواهر» في رسالته المسمّى ب- «نجاة العباد» بأنّها تابعة للأرض الّتي وقعت هي فيها، فإن كانت في ملك خاصّ للإمام علیه السلام فهي من

ص: 732


1- راجع: «الكافي» ج2/714 - 715.
2- «تفسير القمّي» ج1/254.
3- «المقنعة» ص278، و«سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج5/54.
4- «التهذيب» ج4/132.
5- «المراسم العلويّة والأحكام النبويّة» ص140.
6- «المهذّب (لابن البراج)» ج1/186.
7- «تحرير الأحكام الشرعيّة علی مذهب الإماميّة (ط - القديمة)» ج1/74.
8- «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ج12/479.

الأنفال، وإن كانت في غيره فهي أيضاً تابعة لها، قال المحقّق النراقي رحمه الله :

المعادن وهي من الأنفال على الأظهر، وفاقاً لجماعة من أعيان القدماء كالكليني والقمّي والشيخين والقاضي والديلمي والفاضل في خُمس التحرير، واختاره صاحب الحدائق وهو مذهب ابن أبي عمير(1).

وقال في «الجواهر»:

إنّ المشهور نقلاً وتحصيلاً على أنّ الناس فيها (معادن) شرع سواء، بل قيل: قد يلوح من محكي المبسوط والسرائر نفي الخلاف فيه، مضافاً إلى السيرة المستمرة في سائر الأعصار والأمصار في زمن تسلّطهم وغيره على الأخذ منها بلا إذن، حتی ما كان في الموات الّذي قد عرفت أنّه لهم منها، أو في المفتوحة عنوة الّتي هي للمسلمين، فإنّه وإن كان ينبغي أن يتبعهما، فيكون ملكاً للإمام علیه السلام في الأوّل وللمسلمين في الثاني - لكونه من أجزاء الأرض المفروض كونها ملكاً لهما، بل لو تجدّد فيهما فكذلك أيضاً إلّا أنّ السيرة المزبورة العاضدة للشهرة المذكورة ولقوله تعالى: (خَلَقَ لَكُمْ ما في الْأَرْضِ جَميعاً)(2) ولشدّة حاجة الناس إلى بعضها على وجه يتوقّف عليه معاشهم نحو الماء والنار والكلأ، وفي خبر أبي البختريّ عن جعفر عن أبيه عن عليّ علیه السلام: «لا يحلّ منع الملح والنّار» وغير ذلك ممّا لا يخفى على السارد لأخبارهم، يوجب الخروج

ص: 733


1- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/162.
2- «البقرة»: 29.

عن ذلك، فما عن بعضهم من التفصيل فيها بين ما كان في مواته علیه السلام وبين غيره واضح الضعف(1).

وقال في كتاب «نجاة العباد» عند إعداد الأنفال:

ومنها المعادن الّتي لم تكن لمالك خاصّ تبعاً للأرض أو بالإحياء(2).

وقال في «المصباح»:

الظاهر خروج ما كان في ملك خاصّ عدا الإمام من حيث إمامته عن محلّ الكلام، إذ لا يظنّ بأحدٍ الالتزام بكون النّاس شرعاً سواء في المعدن الواقع في دار زيد مثلا،ً خصوصاً إذ لم يكن ملكها في الأصل بسبب الإحياء(3).

ورجّح هذا التفصيل السيّد الخوئي رحمه الله حيث قال:

وهذا التفصيل غير بعيد، وإن لم يكن لهذا البحث أثر عملي لوجوب التخميس بعد الاستخراج على كلّ حال، والبحث علمي محض، وإن تملك الأربعة أخماس هل هو بتحليل من الله تعالى أو بإذن من الإمام علیه السلام(4)؟

فمحصّل الأقوال إلی هنا ثلاثة؛ أحدها: أنّها تكون من الأنفال مطلقاً، من دون فرق بين كونها واقعة في أيّ أرض.

ص: 734


1- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج38/108 - 109.
2- «نجاة العباد» ص94.
3- «مصباح الفقيه» ج19/411.
4- «موسوعة الإمام الخوئي» ج25/370، و«مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس» ص363.

ثانيهما: أنّها ليست منها مطلقاً.

ثالثها: التفصيل بين المعادن الواقعة في أرض كانت من الأنفال فتكون منها، وبين ما كانت من غيرها فكانت لمن كان مالكاً لأرضها.

ثمّ إنّه قد استدلّ على كونها من الأنفال مطلقاً بروايات، منها صحيحة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عَنِ الْأَنْفَالِ؟ فَقَالَ: «هِيَ الْقُرَى الّتي قَدْ خَرِبَتْ وَانْجَلَى أَهْلُهَا فهي لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ، وَمَا كَانَ لِلْمُلُوكِ فَهُوَ لِلْإِمَامِ، وَمَا كَانَ مِنَ الْأَرْضِ الْخَرِبَةِ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَكُلُّ أَرْضٍ لَا رَبَّ لَهَا، وَالْمَعَادِنُ مِنْهَا، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ مَوْلًى فَمَالُهُ مِنَ الْأَنْفَالِ»(1).

ومرفوعة أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام قال: «لَنَا الْأَنْفَالُ، قُلْتُ: وَمَا الْأَنْفَالُ؟ قَالَ: مِنْهَا الْمَعَادِنُ وَالْآجَامُ وَكُلُّ أَرْضٍ لَا رَبَّ لَهَا وَكُلُّ أَرْضٍ بَادَ أَهْلُهَا فَهُوَ لَنَا»(2).

ومرفوعة داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه علیه السلام في حديث قال: قُلْتُ: وَمَا الْأَنْفَالُ؟ قَالَ: «بُطُونُ الْأَوْدِيَةِ، وَرُؤُوسُ الْجِبَالِ، وَالْآجَامُ، وَالْمَعَادِنُ، وَكُلُّ أَرْضٍ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَكُلُّ أَرْضٍ مَيْتَةٍ قَدْ جَلَا أَهْلُهَا، وَقَطَائِعُ الْمُلُوكِ»(3).

أقول: أمّا الرويتان الأخيرتان وإن كانتا تدلّان على أنّ المعادن مطلقاً من الأنفال، إلّا أنّهما ضعيفتان سنداً لحذف أسناد الرّوايات في تفسير العيّاشي فهما

ص: 735


1- «تفسير القمّي» ج1/254، و«وسائل الشيعة» ج9/531، الحديث 12644.
2- «تفسير العيّاشي» ج2/48، الحديث 11، و«وسائل الشيعة» ج9/533، الحديث 12652.
3- «تفسير العيّاشي» ج2/49، الحديث 21، و«وسائل الشيعة» ج9/534، الحديث 12656.

غير قابلتان للاعتماد عليهما، أمّا الصحيحة فتقريب الاستدلال بها مبنيّ على كون الضمير في «منها» في قوله: «وَالْمَعَادِنُ مِنْهَا» راجعاً إلى الأنفال في صدر الحديث، فيكون قوله: «منها» خبراً للمعادن أي أنّ المعادن من الأنفال، ثمّ نستدلّ بإطلاقها على شمولها لجميع أنواعها، إلّا أنّ قرب المرجع في قوله: «كُلُّ أَرْضٍ لَا رَبَّ لَهَا» يمنعنا من أن نرجع الضمير إلى الأنفال فيكون حينئذٍ دليلاً على التفصيل، زائداً على أنّ التمسك بإطلاق الأخبار كما مرّ غير مرّة متفرّع على مقدمات الحكمة الّتي عُدّ منها انتفاء القدر المتيقّن في مقام التخاطب، والمتيقّن من النصّ والفتوى هو تبعيّة كلّ فرع لأصله، فعليه لا تكون المعادن بنحو الإطلاق مندرجة تحت عموم «كُلُّ أَرْضٍ لَا رَبَّ لَهَا» بل الّتي لا يكون لها مالك خاصّ فهي تعدّ من الأنفال.

ثمّ إنّ ما ادّعى في «الجواهر» من الشهرة على عدم كون المعادن من الأنفال مطلقاً بل هي من المشتركات مع ذهاب جماعة كثيرة من أعيان القدماء إلى ذلك قابلة للمنع، والاستدلال لذلك بقوله تعالى: (خَلَقَ لَكُمْ ما في الْأَرْضِ جَميعاً)(1)، ففيه أنّه كيف يمكن أن نتمسك بهذه الكريمة لتملّك ما في ملك غيرنا؟! فالأقوى عندي هو ترجيح القول بالتفصيل.

وكيف كان سواء قلنا بأنّها تعدّ من الأنفال، أو من المشتركات الّتي يكون النّاس فيها شرع سواء، أو تابعة للأرض الّتي وقعت هي فيها، فلا ريب في وجوب تخميسها على كلّ حال، لما مرّ في الفصل الأوّل من أنّ المعادن هي من

ص: 736


1- «البقرة»: 29.

المصاديق الّتي يجب فيها الخمس بخصوصها وعنوانها، لا بعنوان مطلق الفائدة وأرباح المكاسب حتی تلاحظ فيها الزيادة على المؤونة، فهي إمّا أنفال أو من المباحات الأصليّة أو من توابع ملك المالك يجوز التصرّف فيها بشرط التخميس.

نعم هناك فرق بين القول بكونها من الأنفال، وبين كونها من المشتركات، فعلى الأوّل لو كان الحكومة الإسلاميّة قائمة وكان الأمر بيد الفقيه فجواز التصرّف فيها منوط بإذنه، بخلاف ما إذا كانت من المشتركات فلا يحتاج التصرّف فيها حينئذٍ إلى إذن الحكومة بالعنوان الأوّلي، فما ذكره السيّد الخوئي رحمه الله من أنّ البحث هنا علميّ محض وليس له أثر عمليّ، غير وجيه بإطلاقه.

ومن هنا يظهر أنّه لو شك في كون شيء أنفالاً أو من المشتركات، فالأصل أن يكون من المباحات الأصليّة الّتي يباح لكلّ شخص حيازته وتملّكه بعنوانه الأوّلي ما لم يدلّ دليل على كونه أنفالاً بخصوصه.

إلى هنا تمّ الكلام في عدد الأنفال ومصاديقها، ثمّ نتعرّض لحكمها في كلّ من عصري الظهور والغيبة، فنقول:

ص: 737

حكم الأنفال في عصري الظهور والغيبة.

لا شك إجمالاً في أنّ الأنفال ملك للنّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم كما دلّ عليه الكتاب والسنة والإجماع، ثمّ لمن كان قائماً مقامه من الأئمة المعصومين:، قال الشيخ رحمه الله في «المبسوط»:

فجميع ما ذكرناه (من الأنفال) كان للنّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم خاصّة، وهي لمن قام مقامه من الأئمة في كلّ عصر، فلا يجوز التصرّف في شيء من ذلك إلّا بإذنه، فمن تصرّف في شيء من ذلك بغير إذنه كان عاصياً، وما يحصل فيه من الفوائد والنماء للإمام دون غيره(1).

وقال في «الجواهر»:

إنّه لا كلام في كون الأنفال ملكاً للنّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم كما يدلّ عليه الكتاب والسنة والإجماع، ثمّ من بعده للقائم مقامه...، فلا يجوز التصرّف بشيء منها حينئذٍ بدون إذنه في زمن الحضور والغيبة...، عقلاً وشرعاً بل الضرورة من الدّين كغيره من الأملاك(2).

وقال المحقّق النراقي رحمه الله :

ليس علينا بيان حكم الأنفال في حال حضور الإمام علیه السلام فإنّه المرجع في جميع الأحكام، وأمّا في زمان الغيبة فالمشهور بين الأصحاب كما في الروضة إباحتها للشيعة، ومنهم من ذكر إباحة بعضها كالمناكح والمساكن والمتاجر، وعن الحلبي والإسكافي عدم إباحة شيء منها(3).

ص: 738


1- «المبسوط في فقه الإماميّة» ج1/263.
2- «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» ج16/133 - 134.
3- «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» ج10/165.

قد استدلّ على ذلك تارة بالإجماع، واُخرى بالكتاب، وثالثة بما دلّت عليه من الأخبار. أمّا الإجماع فقد مرّ ادّعاءه عن «الجواهر» إجمالاً، وعند التعرّض لحكم مصاديق الأنفال مفصّلاً، وأمّا الكتاب فقال الله تبارك وتعالى: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ)(1)، فبعد كون حقّ الله تبارك وتعالى للنّبيّ صلی الله علیه و آله و سلم فكانت الأنفال كلّها ملكاً له في حياته من دون إشكال، ثمّ بمقتضى إنضماها إلى سائر الأدلّة فلمَن يكون قائماً مقامه من بعده.

وأمّا الأخبار فهناك روايات كثيرة واردة في أبواب الأنفال الّتي كانت بمنزلة التفسير للآية الكريمة كصحيحة حفص بن البختريّ عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال: «الْأَنْفَالُ مَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، أَوْ قَوْمٌ صَالَحُوا، أَوْ قَوْمٌ أَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ، وَكُلُّ أَرْضٍ خَرِبَةٍ، وَبُطُونُ الْأَوْدِيَةِ، فَهُوَ لِرَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم وَهُوَ لِلْإِمَامِ مِنْ بَعْدِهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ»(2).

وصحيحة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عَنِ الْأَنْفَالِ؟ فَقَالَ: «هِيَ الْقُرَى الّتي قَدْ خَرِبَتْ وَانْجَلَى أَهْلُهَا فهي لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ، وَمَا كَانَ لِلْمُلُوكِ فَهُوَ لِلْإِمَامِ، وَمَا كَانَ مِنَ الْأَرْضِ الْخَرِبَةِ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَكُلُّ أَرْضٍ لَا رَبَّ لَهَا، وَالْمَعَادِنُ مِنْهَا، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ مَوْلًى فَمَالُهُ مِنَ الْأَنْفَالِ»(3).

وموثقة زرارة عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: قلت له: مَا يَقُولُ اللَّهُ: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ

ص: 739


1- «الأنفال»: 1.
2- «الكافي» ج1/453، الحديث 3، و«وسائل الشيعة» ج9/523، الحديث 12625.
3- «تفسير القمّي» ج1/254، و«وسائل الشيعة» ج9/531، الحديث 12644.

الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ)؟ «وَهِيَ كُلُّ أَرْضٍ جَلَا أَهْلُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِجَالٍ وَلَا رِكَابٍ، فهي نَفَلٌ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ»(1).

وموثقة محمّد بن مسلم عن أبي عبداللّه علیه السلام أنّه سمعه يقول: «إِنَّ الْأَنْفَالَ مَا كَانَ مِنْ أَرْضٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا هِرَاقَةُ دَمٍ أَوْ قَوْمٌ صُولِحُوا وَأَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ، وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضٍ خَرِبَةٍ، أَوْ بُطُونِ أَوْدِيَةٍ فَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الْفَيْ ءِ، وَالْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ، فَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ لِلرَّسُولِ يَضَعُهُ حَيْثُ يُحِبُّ»(2).

وموثقة سماعة بن مهران قال: سَأَلْتُهُ عَنِ الْأَنْفَالِ؟ فَقَالَ: «كُلُّ أَرْضٍ خَرِبَةٍ، أَوْ شيء يَكُونُ لِلْمُلُوكِ فَهُوَ خَالِصٌ لِلْإِمَامِ، وَلَيْسَ لِلنَّاسِ فِيهَا سَهْمٌ، قَالَ: وَمِنْهَا الْبَحْرَيْنُ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ»(3).

وموثقة الحارث بن المغيرة النصريّ قال: دَخَلْتُ عَلَى أبي جعفر علیه السلام فَجَلَسْتُ عِنْدَهُ، فَإِذَا نَجِيَّةُ قَدِ استأذنَ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنِّی أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، وَاللَّهِ مَا أُرِيدُ بِهَا إِلَّا فَكَاكَ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ، فَكَأَنَّهُ رَقَّ لَهُ فَاسْتَوَى جَالِساً فَقَالَ: «يَا نَجِيَّةُ سَلْنِي فَلَا تَسْأَلُنِي عَنْ شيء إِلَّا أَخْبَرْتُكَبِهِ، قَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا تَقُولُ في فُلَانٍ وَفُلَانٍ؟ قَالَ: يَا نَجِيَّةُ إِنَّ لَنَا الْخُمُسَ في كِتَابِ اللَّهِ، وَلَنَا الْأَنْفَالَ، وَلَنَا صَفْوَ الْمَالِ، وَهُمَا وَاللَّهِ أَوَّلُ مَنْ ظَلَمَنَا

ص: 740


1- «التهذيب» ج4/132، الحديث 368، و«وسائل الشيعة» ج9/526، الحديث 12633.
2- «التهذيب» ج4/133، الحديث 370، و«وسائل الشيعة» ج9/527، الحديث 12634.
3- «التهذيب» ج4/133، الحديث 373، و«وسائل الشيعة» ج9/526، الحديث 12632.

حَقَّنَا في كِتَابِ اللَّه»، الحديث(1).

ومرسلة حمّاد بن عيسى عن عبد الصالح علیه السلام في حديث: «وَلَهُ بَعْدَ الْخُمُسِ الْأَنْفَالُ، وَالْأَنْفَالُ كُلُّ أَرْضٍ خَرِبَةٍ قَدْ بَادَ أَهْلُهَا، وَكُلُّ أَرْضٍ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنْ صَالَحُوا صُلْحاً وَأَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ عَلَى غَيْرِ قِتَالٍ، وَلَهُ رُؤُوسُ الْجِبَالِ، وَبُطُونُ الْأَوْدِيَةِ وَالآجَامُ، وَكُلُّ أَرْضٍ مَيْتَةٍ لَا رَبَّ لَهَا، وَلَهُ صَوَافِي الْمُلُوكِ مَا كَانَ في أَيْدِيهِمْ مِنْ غَيْرِ وَجْهِ الْغَصْبِ لِأَنَّ الْغَصْبَ كُلَّهُ مَرْدُودٌ، وَهُوَ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَه»، الحديث(2).

وما رواه عبدالله بن سنان عن أبي عبداللّه علیه السلام في الغنيمة، قال: «يُخْرَجُ مِنْهُ الْخُمُسُ وَيُقْسَمُ مَا بَقِيَ بَيْنَ مَنْ قَاتَلَ عَلَيْهِ وَوَلِيَ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْفَيْ ءُ وَالْأَنْفَالُ فَهُوَ خَالِصٌ لِرَسُولِ الله صلی الله علیه و آله و سلم»(3).

ومرفوعة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال: سمعته يقول: «إِنَّ الْفَيْ ءَ وَالْأَنْفَالَ مَا كَانَ مِنْ أَرْضٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا هِرَاقَةُ دَمٍ، أَوْ قَوْمٌ صَالَحُوا، أَوْ قَوْمٌ أَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ، وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضٍ خَرِبَةٍ، أَوْ بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ، فَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الْفَيْ ءِ فَهَذَا لِلَّهِوَلِلرَّسُولِ، فَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ لِرَسُولِهِ يَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ، وَهُوَ لِلْإِمَامِ مِنْ بَعْدِ الرَّسُولِ»(4).

ص: 741


1- «التهذيب» ج4/145، الحديث 405، و«وسائل الشيعة» ج9/549، الحديث 12688.
2- «الكافي» ج1/453، الحديث 4، و«وسائل الشيعة» ج9/524، الحديث 12628.
3- «التهذيب» ج4/132، الحديث 369، و«وسائل الشيعة» ج9/536، الحديث 12660.
4- «تفسير العيّاشي» ج2/47، الحديث 7، و«مستدرك الوسائل» ج7/296، الحديث 8251.

ومرفوعة أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام قال: «لَنَا الْأَنْفَالُ، قُلْتُ: وَمَا الْأَنْفَالُ؟ قَالَ: مِنْهَا الْمَعَادِنُ وَالآجَامُ وَكُلُّ أَرْضٍ لَا رَبَّ لَهَا وَكُلُّ أَرْضٍ بَادَ أَهْلُهَا فَهُوَ لَنَا»(1).

ومرفوعة داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه علیه السلام في حديث قال: قُلْتُ: وَمَا الْأَنْفَالُ؟ قَالَ: «بُطُونُ الْأَوْدِيَةِ، وَرُؤُوسُ الْجِبَالِ، وَالْآجَامُ، وَالْمَعَادِنُ، وَكُلُّ أَرْضٍ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَكُلُّ أَرْضٍ مَيْتَةٍ قَدْ جَلَا أَهْلُهَا، وَقَطَائِعُ الْمُلُوكِ»(2)، إلى غير ذلك من الأخبار الّتي دلّت عليها بالصّراحة(3).

هذا حكم الأنفال بالنسبة إلى عصر الحضور، وأمّا حكمها بالنسبة إلى عصر الغيبة، فقد وقع الخلاف فيه كما وقع الخلاف في حكم الخمس بالنسبة إلى ذلك الزمان، فقد قال فيها بعض بإباحتها للشيعة مطلقاً، وقال قوم بإباحتها بالنسبة إلى خصوص المناكح والمساكن والمتاجر، وقال ثالث بعدم إباحتهامطلقاً، قد أشار إليه المحقّق الهمداني رحمه الله حيث قال:

وقع الخلاف بين الأصحاب في الأنفال، بل في مطلق ما يستحقّه الإمام علیه السلام ولو من الخمس في أنّه هل أبيح ذلك للشيعة مطلقاً، أو في الجملة في زمان الغيبة، أو مطلقاً؟ على وجوه: فعن الشهيدين وجماعة

ص: 742


1- «تفسير العيّاشي» ج2/48، الحديث 11، و«وسائل الشيعة» ج9/533، الحديث 12652.
2- «تفسير العياشي» ج2/49، الحديث 21، و«وسائل الشيعة» ج9/534، الحديث 12656.
3- راجع: «مستدرك الوسائل» ج7/295 - 300، أبواب 1 و2 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام علیه السلام، و....

التصريح بإباحة الأنفال جميعها للشيعة في زمان الغيبة بل نسبه في الروضة والمسالك والذخيرة إلى المشهور استناداً إلى أخبار التحليل...، وعن كثير من الأصحاب قصر الإباحة والتحليل على المناكح والمساكن والمتاجر، بل عن الحدائق نسبته إلى ظاهر المشهور...، وحكى عن المفيد قصر التحليل على المناكح...، وعن أبي الصلاح في المختلف ما يظهر منه تحريم الثلاثة أيضاً، قال في ما حكي عنه: ويلزم مَن تعيّن عليه شيء من أموال الأنفال أن يصنع فيه ما بيّنّاه من تشطير الخُمس، لكونه جميعاً حقاً للإمام، فإن أخلّ المكلّف بما يجب عليه من الخمس وحقّ الأنفال كان عاصياً لله سبحانه، ومستحقّاً لعاجل اللعن المتوجه عليه من كلّ مسلم إلى ظالمي آل محمّد صلی الله علیه و آله و سلم وآجل العقاب لكونه مخلّاً بالواجب عليه لأفضل مستحقّ(1).

وقال صاحب «الجواهر» في نجاة العباد:

الظاهر إباحة جميع الأنفال للشيعة في زمن الغيبة على وجه يجري عليها حكم الملك من غير فرق بين الغنيّ منهم والفقير، نعم الأحوط إن لم يكن أقوى اعتبار الفقر في إرث من لا وارث له، بل الأحوط تقسيمهفي فقراء بلده، والأحوط من ذلك إن لم يكن أقوى إيصاله إلى نائب الغيبة(2).

ص: 743


1- «مصباح الفقيه» ج19/414 - 415.
2- «نجاة العباد» ص94.

وقال الشيخ رحمه الله في «النهاية»:

وليس لأحد أن يتصرّف فيما يستحقّه الإمام من الأخماس والأنفال إلّا بإذنه...، هذا في حال ظهور الإمام، فأمّا في حال الغيبة فقد رخّصوا لشيعتهم التصرّف في حقوقهم ممّا يتعلّق بالأخماس وغيرها فيما لابدّ لهم منه من المناكح والمتاجر والمساكن، فأمّا ما عدا ذلك فلا يجوز له التصرّف فيه على حال(1).

وقال أبو الصلاح الحلبي رحمه الله :

فإن أخلّ المكلّف بما يجب عليه من الخمس والأنفال كان عاصياً لله سبحانه ومستحقّاً لعاجل اللعن وآجل العقاب، ولا رخصة في ذلك بما ورد من الحديث فيها لأنّ فرض الخمس والأنفال ثابت بنصّ القرآن والإجماع من الاُمّة، ولإجماع آل محمّد: على ثبوته وكيفية استحقاقهم وحمله إليهم وقبضهم إيّاه ومدح مؤدّيه وذمّ المخلّ به، ولا يجوز الرجوع عن هذا بشاذّ الأخبار(2).

أقول: إنّ الكلام في حكم الأنفال حال الغيبة، كحكم الخمس حالتها الّذي مرّ البحث حوله بالتفصيل هناك، ومحصّل القول أنّه لا شك في أنّ مقدار الأنفال وكذا سهم الإمام علیه السلام من الأخماس خطيرة جدّاً لم توضعا لمصارف شخص الإمام علیه السلام ونفسه حتی يجب علينا أن نعامل معهما معاملة المال الشخصى المجهول مالكه، أو القول بدفن أمواله أو الإيصاء بها وإيتائها إلى ثقة بعد ثقة، أو

ص: 744


1- «النهاية في مجرّد الفقه والفتاوی» ص200.
2- «الكافي في الفقه» ص174، و«سلسلة الينابيع الفقهيّة» ج5/108 - 109، بتصرف منّا في نقل عبارته.

القول بتحليله بمقتضى أخبار التحليل مطلقاً لا سيّما بعد كون وكلائه العامّة حاضرون، ومصارفه الّتي مربوطة بمنصبه بما هو إمام المسلمين وزعيمهم أيضاً موجودة، فإنّهأ في هذا الزّمان ولو كان غائباً عن الأنظار لكن كانت وظائفه باقية على حالها، فيجب على وكلائه أن يصرف أمواله فيما يحرزون رضايته علیه السلام به من إقامة الشعائر ونشر الإسلام وحفظ الحوزات العلمية وثغور المسلمين والصرف في الفقراء والمحاويج من المؤمنين مع رعايتهم الأهمّ فالأهمّ، خرج منه بمقتضى أخبار التحليل كما مرّ خصوص المناكح بالمعنی المتقدّم فقط وما يحلّلون: الأخماس أو الأنفال لمقطع خاصّ أو لأشخاص خاصّ من مواليهم وشيعتهم ولايةً.

وفي خصوص المقام فقد دلّت أيضاً نصوص علی أنّه لو كانت الأنفال من قبيل الأراضي الميتة فإنّه يملكها كلّ من أحياها وإن لم يكن المحييّ من شيعتهم ومواليهم، منها صحيحة محمّد بن مسلم حيث قال: سَأَلْتُهُ (أي الصّادق علیه السلام) عَنِ الشِّرَاءِ مِنْ أَرْضِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، إلى أن قال: وَأَيُّمَا قَوْمٍ أَحْيَوْا شَيْئاً مِنَ الْأَرْضِ أَوْ عَمِلُوهُ فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا وَهِيَ لَهُمْ»(1).

وصحيحة اُخری عنه عن أبي جعفر علیه السلام قال: «أَيُّمَا قَوْمٍ أَحْيَوْا شَيْئاً مِنَ الْأَرْضِ أو َعَمَرُوهَا، فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا»(2).

ص: 745


1- «التهذيب» ج7/148، الحديث 655، و«الاستبصار» ج3/110، الحديث 390، و«وسائل الشيعة» ج25/411، الحديث 32236.
2- «التهذيب» ج7/149، الحديث 659، و«وسائل الشيعة» ج25/412، الحديث 32238.

وكذا صحيحة ثالثة عنه قال سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: «أَيُّمَا

قَوْمٍ أَحْيَوْا شَيْئاً مِنَ الْأَرْضِ وَعَمَرُوهَا فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا وَهِيَ لَهُمْ»(1).

وما رواها جماعة من الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله صلی الله علیه و آله و سلم قالا: «قَالَ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله و سلم: مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَوَاتاً فهي لَهُ»(2).

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام قال: «قَالَ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله و سلم مَنْ أَحْيَا مَوَاتاً فَهُوَ لَهُ»(3).

وصحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: سُئِلَ وَأَنَا حَاضِرٌ عَنْ رَجُلٍ أَحْيَا أَرْضاً مَوَاتاً، فَكَرَى فِيهَا نَهَراً، وَبَنَى فِيهَا بُيُوتاً، وَغَرَسَ نَخْلاً وَشَجَراً؟ فَقَالَ: «هِيَ لَهُ، وَلَهُ أَجْرُ بُيُوتِهَا، وَعَلَيْهِ فِيهَا الْعُشْرُ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ، أَوْ سَيْلُ وَادٍ أَوْ عَيْنٌ، وَعَلَيْهِ فِيمَا سَقَتِ الدَّوَالِي وَالْغَرْبُ نِصْفُ الْعُشْرِ»(4).

ثمّ لا يخفى أنّ المراد بالإباحة في هذه المصاديق ليست من قبيل ما يبيح للضيف من الطعام وغيره حتی لا يجوز له أن يتصرّف فيه معاملة التصرّفاتالمنتقلة من بيع وشراء ووقف وغيرها، بل معناها إعراضهم وهبتهم: لما أباحوها

ص: 746


1- «التهذيب» ج7/152، الحديث 671، و«الاستبصار» ج3/107، الحديث 380، و«وسائل الشيعة» ج25/412، الحديث 32239.
2- «الكافي» ج5/279، الحديث 4، «التهذيب» ج7/152، الحديث 673، و«الاستبصار» ج3/108، الحديث 382، و«وسائل الشيعة» ج25/412، الحديث 32240.
3- «الكافي» ج5/279، الحديث 3، و«وسائل الشيعة» ج25/412، الحديث 32241.
4- «من لا يحضره الفقيه» ج3/152، الحديث 668، و«وسائل الشيعة» ج25/413، الحديث 32243.

لشيعتهم وتمليكهم إيّاهم، فيجوز لهم حينئذٍ المعاملة معها معاملة سائر الأموالهم الشخصيّة كما جرت عليه سيرة العرف من المتشرعين وصرّحت به أيضاً بعض الأخبار الواردة في المقام مثل ما ورد صحيحاً عن الإمام العسكري علیه السلام عن آبائه: عن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قال لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «قَدْ عَلِمْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدَكَ مُلْكٌ عَضُوضٌ وَجَبْرٌ فَيُسْتَوْلَى عَلَى خُمُسِي (مِنَ السَّبْيِ) وَالْغَنَائِمِ، وَيَبِيعُونَهُ فَلَا يَحِلُّ لِمُشْتَرِيهِ لِأَنَّ نَصِيبِي فِيهِ، فَقَدْ وَهَبْتُ نَصِيبِي مِنْهُ لِكُلِّ مَنْ مَلَكَ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ مِنْ شِيعَتِي لِتَحِلَّ لَهُمْ مَنَافِعُهُمْ مِنْ مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ، وَلِتَطِيبَ مَوَالِيدُهُمْ وَلَا يَكُونَ أَوْلَادُهُمْ أَوْلَادَ حَرَامٍ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله و سلم: مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْ صَدَقَتِكَ، وَقَدْ تَبِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ في فِعْلِكَ أَحَلَّ الشِّيعَةَ كُلَّ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ غَنِيمَةٍ وبَيْعٍ مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ شِيعَتِي وَلَا أُحِلُّهَا أَنَا وَلَا أَنْتَ لِغَيْرِهِمْ»(1).

إلى هنا تمّ بحمدلله ومنّته ما أردنا أن نبحث عنه حول مبحثي الخمس والأنفال، ليلة الثالثة والعشرين من شهر ذي حجة الحرام من شهور عام 1441 من الهجرة النّبويّة صلی الله علیه و آله و سلم في بلدة قم المقدسة صانها الله تعالى عن الآفات والمحن، وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا محمّد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين لا سيّما إمام العصر أرواحنا له الفداء وعجّل الله تعالى فرجه الشريف.

ص: 747


1- «تفسير الإمام العسكري علیه السلام » ص86 - 87، و«وسائل الشيعة» ج9/552، الحديث 12694.

فهرس مصادر التحقیق

1 - القرآن الكريم.

2 - الاحتجاج على أهل اللجاج، أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي(م 548 ه-)، نشر مرتضى، مشهد - ايران، الطبعة الاُولى، 1403 ه- .

3 - أحكام القرآن، أحمد بن عليّ الجصّاص،(م 370 ه-)، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة الاُولی، 1405 ه- .

4 - إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان، الحسن بن يوسف بن المطهّر العلّامة الحلّي(648 - 726 ه-)، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاُولى، 1410 ه- .

5 - الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري الملقب بالشيخ المفيد(م 413 ه-)، دار المفيد، قم، الطبعة الاُولى، 1414 ه- .

6 - الاستبصار، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي(385 - 460 ه-)، دار الكتب الإسلامية، طهران - ايران، الطبعة الاُولى، 1390 ه- .

7 - إصباح الشيعة بمصباح الشريعة، قطب الدّين الكيدري(حي إلى 610 ه-)، مؤسسة الإمام الصادق علیه السلام، قم، الطبعة الاُولى، 1416 ه- .

8 - أصل الشيعة واُصولها، محمّد حسين الكاشف الغطاء(م 1373 ه-)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان، الطبعة الرابعة، 1416 ه-

ص: 748

9 - اُصول الفقه، للعلّامة محمّدرضا المظفر(م 1392 ه-)، مركز الطباعة والنشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، قم، الطبعة السابعة، 1389 ش.

10 - الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد، أبوجعفر محمّد بن الحسن الطوسي(385 - 460 ه-)، مكتبة چهلستون، طهران، الطبعة الاُولی، 1400ه- .

11 - الأم، محمّد بن إدريس الشافعي(150 - 204 ه-)، دار الفكر، بيروت - لبنان، الطبعة الاُولی، 1403 ه- .

12 - الإمامة والسياسة، ابن قتيبة الدينوري(276 ه-)، مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع.

13 - الانتصار في انفرادات الإماميّة، السيّد الشريف المرتضى(م 436 ه-)، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاُولى، 1415 ه- .

14 - أنوار الفقامة في أحكام العترة الطاهرة، كتاب الخمس، آية العظمى مكارم الشيرازي، مدرسة الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام، قم، الطبعة الاُولى، 1428 ه- .

15 - إيضاح الفوائد في شرح مشكلات القواعد، فخرالمحقّقين الحلّي(م 771 ه-)، مؤسسة إسماعيليان، قم، الطبعة الاُولى، 1387 ه- .

16 - بحارالأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار:، محمّد باقر المجلسي (1037 - 1110ه-)، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1403 ه- .

17 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ابن رشد الحفيد الأندلسي(520 - 595 ه-)، دارالفكر، بيروت - لبنان، 1415 ه- 1995 م.

18 - البرهان في تفسيرالقرآن، السيّد هاشم بن سليمان البحراني (م107 ه-)، مؤسسة البعثة، قم، الطبعة الاُولى، 1415 ه-

ص: 749

19 - البيان، محمّد بن جمال الدّين المكيّ العاملي الشهيد الأوّل (734 - 786ه-)، مجمع الذخائر الإسلاميّة، قم.

20 - تاج العروس من جواهر القاموس، محبّ الدّين أبي فيض السيّد محمّد مرتضى الحسيني الزبيدي الواسطي الحنفي، (م 1205 ه-)، دارالفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، الطبعة الاُولى، 1414 ه- .

21 - تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإماميّة (ط - القديمة)، الحسن بن يوسف بن المطهّر العلّامة الحلّي (648 - 726ه-)، مؤسسة آل البيت: لإحياء التراث، مشهد - ايران، الطبعة الاُولى.

22 - تحريرالأحكام الشرعية على مذمب الإمامية (ط – الحديثة)، الحسن بن يوسف بن المطهّر العلّامة الحلّي(648 - 726ه-)، مؤسسة الإمام الصّادق علیه السلام، قم المقدسة، الطبعة الاُولى، 1420 ه- .

23 - تحريرالوسيلة، الإمام الخميني (1320 - 1409ه-)، دارالعلم، قم المقدسة، الطبعة التاسعة، 1380 ش.

24 - تحف العقول، حسن بن عليّ بن شعبة البحراني(م قرن 4)، مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدسة، الطبعة الثانية، 1404ه- .

25 - التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي(م 1426ه-)، دار الكتب العلميّة، بيروت - لبنان، الطبعة الثالثة، 1430ه- -

2009 م.

26 - تذكرة الفقهاء ط - الحديثة، الحسن بن يوسف بن المطهّر العلّامة الحلّي (648 - 726 ه-)، مؤسسة آل البيت: لإحياء التراث، قم المقدسة، الطبعة الاُولى، جمادى الآخرة 1417 ه- .

ص: 750

27 - تفسير الصافي، الفيض الكاشاني(م 1091 ها، مكتبة الصدر، تهران، الطبعة الثانية، 1415ه- .

28 - تفسيرالعيّاشي، محمّد بن مسعود بن محمّد بن العيّاشي السمرقندي(م 320 ه-)، النشر العلميّه، طهران، 1380ه- .

29 - تفسير القمّي، عليّ بن إبراهيم القمّي(م بعد 307 ه-)، دار الكتاب، قم، الطبعة الثالثة، 1404 ه- .

30 - التفسير الكبير - مفاتيح الغيب، الفخر الرازي( م 606 ه-)، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة الثالثة، 1420ه- .

31 - تفسير مقاتل بن سليمان، مقاتل بن سليمان (م 150 ه-)، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة الاُولى، 1423 ه- .

32 - تمهيد القواعد الاُصوليّة والعربيّة، زين الدّين عليّ الجبل عاملي الملقّب بالشهيد الثاني( م 966 ه-)، مركز الطباعة والنشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، قم، الطبعة الاُولى، 1416 ه- .

33 - التتقيح الرائع لمختصر الشرائع، مقداد بن عبدالله السيوريّ الحلّي(م 826 ه-)، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم، الطبعة الاُولى، 1303 ه- .

34 - توضيح المسائل لآية الله العظمى مكارم الشيرازي، مدرسة الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام، قم المقدسة، الطبعة الثانية، 1323ه-..

35 - تهذيب الأحكام، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي( 385 - 460 ه-)، دار الكتب الإسلامية، طهران - ايران، الطبعة الرابعة، 1407ه- .

36 - تهذيب اللغة، أبومنصور محمّد بن أحمد الأزهري(م 370 ه-)، دار

ص: 751

إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة الاُولى، 1421ه- 2001 م.

37 - تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال للشيخ الجليل أحمد بن عليّ النجاشي، السيّد محمّد عليّ الموحد الأبطحي الإصفهاني ( م 1424 ه-)، المطبعة الحيدريّة، النجف الأشرف، الطبعة الاُولى، 1389 ه- .

38 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، الشيخ الصدوق(م 381 ه-)، دار الشريف الرضي، قم، الطبعة الثانية، 1406 ه-..

39 - جامع أحاديث الشيعة، آقا حسين البروجردي(م 1380 ه-)، انتشارات فرهنگ سبز، تهران، الطبعة الاُولى، 1386ش.

40 - جامع البيان في تفسيرالقرآن (التفسير الطبري)، محمّد بن جرير الطبري (م 310 ه-)، دار المعرفة، بيروت - لبنان، الطبعة الاُولى،1412ه- .

41 - الجامع للشرائع، يحيى بن سعيد الحلّي( 601 - 689 ه-)، مؤسسة سيّد الشهداء علیه السلام، قم، محرم، 1405ه- .

42 - الجمل والعقود في العبادات، أبوجعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه-)، مؤسسة نشر دانشگاه فردوسي، مشهد، الطبعة الاُولى، 1387 ش.

43 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، الشيخ محمّد حسن النجفي(م 1266 ه-)، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة السابعة.

44 - الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، الشيخ يوسف البحراني( م 1186 ه-)، مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدسة.

45 - الخراج والجرائح، قطب الدّين الراوندي (م 573 ه-)، مؤسسة الإمام المهديأ، قم، الطبعة الاُولى، 1409ه- .

ص: 752

46 - الخصال، الشيخ الصدوق(م 381 ه-)، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ذي القعدة 1403ه- .

47 - الخمس في الشريعة الإسلاميّة الغرّاء، آية الله العظمى جعفر السبحاني، مؤسسة الإمام الصّادق علیه السلام، قم، الطبعة الاُولى، 1420 ه- .

48 - الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة، شمس الدّين محمّد بن مكيّ العامليّ الشهيد الأوّل (734 - 786 ه-)، مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدسة، صفر المظفر 1414 ه- .

49 - دعائم الإسلام، نعمان بن محمّد المغربي المعروف بابن حيّون (م363 ه-)، مؤسسة آل البيت: لإحياء التراث، قم، الطبعة الثانية، 1385 ه- .

50 - ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد، المحقّق السبزواري محمّد باقر محمّد المؤمن(م 1090 ه-)، مؤسسة آل البيت: لإحياء التراث، قم، الطبعة الاُولى، 1247 ه- .

51 - رجال ابن داود، الحسن بن عليّ بن داود الحلّي (647 - حيّ إلى 707 ه-)، المطبعة الحيدريّة، النجف الأشرف، 1392 ه- .

52 - رجال ابن الغضائري، أحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري (م قرن ه ه-)، دار الحديث، قم المقدسة، 1423ه- .

53 - رجال العلّامة (خلاصة الأقوال)، الحسن بن يوسف بن المطهّر العلّامة الحلّي (648 - 726 ه-)، منشورات المطبعة الحيدريّة، النجف الأشرف، الطبعة الثانية، 1381 ه- .

54 - رجال الكشي (اختيار معرفة الرجال)، أبو عمرو محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشي (م القرن الرابع)، مؤسسة نشر دانشگاه مشهد، مشهد،

ص: 753

1390 ه- .

55 - رجال النجاشي، أبوالحسن أحمد بن عليّ بن أحمد النجاشي (م 450 ه-)، مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدسة، الطبعة الاُولى، 1407 ه- .

56 - رسائل الشريف المرتضى، السيّد الشريف المرتضى(م 436 ه-)، دارالقرآن الكريم، قم المقدسة، الطبعة الاُولى، 1405 ه- .

57 - الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة (المحشى - كلانتر)، زين الدّين بن عليّ العاملي الشهيد الثاني(م 966 ه-)، مكتبة الداوري، قم، الطبعة الاُولی، 1410 ه- .

58 - روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، المجلسي الأوّل (م 1070ه-)، مؤسسة الثقافي الدينيّة كوشانبور، قم - ايران، الطبعة الثانية، 1406ه-.

59 - رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل، السيّد عليّ الطباطبائي(م 1231 ه-)، مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدسة، الطبعة الاُولى، 1415 ه- .

60 - زاد المعاد - مفتاح الجنان، محمّد باقر المجلسي (1037 - 1110ه-)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، الطبعة الاُولى، 1423 ه- .

61 - زبدة البيان في أحكام القرآن، أحمد بن محمّد الأردبيلي (م 993 ه-)، المكتبة الجعفريّة لإحياء الآثار الجعفريّة، طهران، الطبعة الاُولى.

62 - زبدة المقال في خمس الرسول والآل:، آقا حسين البروجردي (م 1380 ه-)، النشر العلميّة، قم، الطبعة الاُولى، 1380 ه- .

63 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوى، محمّد بن منصور ابن إدريس

ص: 754

الحلّي (558 - 598 ه-)، مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدسة، الطبعة الاُولى، 1410ه- .

64 - سلسلة الينابيع الفقهيّة، عليّ أصغر مرواريد، مؤسسة فقه الشيعة، بيروت لبنان، الطبعة الاُولى، 1410ه- .

65 - سنن ابن ماجة القزويني، محمّد بن يزيد القزويني(م 273 ه-)، دارالفكر، بيروت - لبنان .

66 - سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث السجستاني(م 375ه )، دارالفكر، بيروت - لبنان، 1410 ه- .

67 - سنن الترمذي، محمّد بن عيسى الترمذي (209 - 279 ه-)، دارالفكر،

بيروت _ لبنان،1403 ه- .

68 - السنن الكبرى، أحمد بن الحسين البيهقي (م 458 ه-)، دارالفكر، بيروت - لبنان .

69 - شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، نجم الدّين جعفر بن الحسن المحقّق الحلّي(م 676 ه-)، مؤسسة إسماعيليان، قم - ايران، الطبعة الثانية، 1408ه- .

70 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله ابن أبي الحديد(م 656 ه-)، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم، الطبعة الاُولى، 1403 ه- .

71 - صحاح اللغة، إسماعيل بن حمّاد الجوهري(م 393 ه-)، دار العلم للملايين، بيروت - لبنان، الطبعة الثالثة، 1404ه- .

72 - صحيح البخاري، أبو عبدالله محمّد بن إسماعيل البخاري(م 256

ص: 755

ها، لجنة إحياء كتب السنّة بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلاميّة، وزراة الأوقاف جمهوريّة مصر العربيّة، الطبعة الثانية، 1410 ه- 1990 م .

73 - صحيح مسلم، مسلم بن الحجّاج النيشابوري(م 261ه-)، دارالفكر، بيروت - لبنان.

74 - العروة الوثقى، السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي(1247 . 1338ه-)، مؤسسة الأعلمى للمطبوعات، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية، 1409 ه- .

75 - العروة الوثقى، السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (1247 - 1338ه-)، مع تعليقات آية الله العظمى مكارم الشيرازي وعدّة من الفقهاء العظام، دار نشر الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام، قم، الطبعة الثانية، 1430ه- .

76 - علل الشرائع، الشيخ الصدوق (م 381 ه-)، كتابفروشي داوري، قم، الطبعة الاُولى، 1386 ه- .

77 - عوالم العلوم والمعارف والأقوال من الآيات والأخبار والأقوال، عبدالله بن نورالله البحراني الإصفهاني (م قرن 12 ه-)، موسسة الإمام المهديأ، قم، الطبعة الاُولى، 1429 ه- .

78 - عوالي اللئالي العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة، ابن أبي جمهور الإحسائي(حيّ إلى 901 ه-)، دار سيّد الشهداء علیه السلام للنشر، قم، الطبعة الاُولى، 1405 ه- .

79 - عيون أخبار الرّضا علیه السلام، محمّد بن عليّ ابن بابويه القمي(م 381 ه-)، نشر جهان، طهران، الطبعة الاُولى، 1378ه- .

80 - غاية المراد في شرح نكت الإرشاد، شمس الدّين محمّد بن مكي

ص: 756

العاملي الشهيد الأوّل (734 - 786 ه-)، مركز الطباعة والنشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، قم، الطبعة الاُولى، 1414 ه- .

81 - غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام، الميرزا أبوالقاسم القمّي (م 1232 ه-)، مركز الطباعة والنشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، قم، الطبعة الاُولى، 1417 ه- .

82 - غنية النزوع إلى علمي الاُصول والفروع، سيّد بن زهرة الحلبي (م 585 ه-)، مؤسسة الإمام الصّادق علیه السلام، قم، الطبعة الاُولى، 1417 ه- .

83 - فقه الرّضا علیه السلام، المنسوب إلى عليّ بن موسى الرّضا علیه السلام

(م 203 ه-)، مؤسسة آل البيت: لإحياء التراث، مشهد، الطبعة الاُولى، 1406 ه- .

84 - فقه الشيعة - كتاب الخمس والأنفال، السيد محمّد مهدي الموسوي الخلخالي(م 1441 ه-)، دار البشير، قم، الطبعة الاُولى، 1427 ه- .

85 - الفقه على المذاهب الأربعة، عبد الرّحمن الجزيري(م 1360 ه-)، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت - لبنان، الطبعة السابعة، 1406 ه- - 1986 م.

86 - فوائد الاُصول، الشيخ محمّد عليّ الكاظمي الخراساني (م 1365 ه-)، تقريرات أبحاث المحقّق النائيني (م 1355ه-)، مؤسسة النّشر الإسلامي، قم المقدسة، الطبعة الاُولى، 1404ه- .

87 - فوائد القواعد، زين الدّين بن عليّ العاملي الشهيد الثاني (م 966 ه-)، مركز الطباعة والنشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامى، قم، الطبعة الاُولى، 1419 ه- .

88 - الفهرست، شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي (م 460 ه-)،

ص: 757

مؤسسة نشر الفقاهة، قم، الطبعة الاُولى، 1419ه- .

89 - قاموس المحيط، محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي(م 817 ه-)، دار العلم للجميع، بيروت - لبنان .

90 - قرب الإسناد، عبدالله بن جعفر الحميري(قرن 3 ه-)، مؤسسة آل البيت: لإحياء التراث، قم المقدسة، الطبعة الاُولى، 1413 ه- .

91 - قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام، العلّامة الحلّي (648 - 726 ه-)، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاُولى، 1413 ه-.

92 - القواعد الفقهيّة، آية الله العظمى مكارم الشيرازي، دارالنشر الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام، قم، الطبعة الخامسة، 1435ه- .

93 - الكافي، أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني(م 329 ه-)، دار الكتب الإسلاميّة، طهران - ايران، الطبعة الرابعة، 1407 ه- .

94 - الكافي في الفقه، أبوالصلاح الحلبيّ (م 447 ه-)، مكتبة الإمام أميرالمؤمنين عليّ علیه السلام، اصفهان، الطبعة الاُولى، 1403 ه- .

95 - كامل الزيارات، جعفر بن محمّد بن قولويه (م 367 ه-)، دار المرتضويّة، النجف الأشرف، الطبعة الاُولى، 1356 ش.

96 - كتاب الخلاف، أبوجعفر محمّد بن الحسن الطوسي( 385 - 460 ه-)، مؤسسة النّشر الإسلامي، قم المقدسة، الطبعة الثانية، 1414 ه- .

97 - كتاب الخمس، حسين النورى الهمداني، مؤسسة مهدى الموعود(عج)، قم، الطبعة الاُولى، 1418 ه- .

98 - كتاب الخمس للشيخ الأنصاري، الشيخ مرتضى الأنصاري( م 1281 ه-)، المؤتمر العالمي لتراث الشيخ الأعظم، قم، الطبعة الاُولى، 1415

ص: 758

ه-.

99 - كتاب الزكاة للمنتظري، حسين عليّ المنتظري (م 1431 ه-)، مركز جهاني مطالعات اسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1409ه- .

100 - كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي (م 175 ه-)، مؤسسة دار الهجرة، ايران، 1409 ه- .

101 - كتاب الغيبة للحجّة، أبوجعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه-)، دار المعارف الإسلاميّة، قم، الطبعة الاُولى، 1411 ه- .

102 - كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء (ط - القديمة)، كاشف الغطاء (1228 ه-)، انتشارات مهدوي، اصفهان - ايران، الطبعة الاُولى .

103 - كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء (ط - الحديثة)،كاشف الغطاء (م 1228 ه-)، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، الطبعة الاُولى، 1422 ه- .

104 - كفاية الأحكام، المحقّق السبزواري محمّد باقر بن محمّد المؤمن (م 1090 ه-)، دار النشر الإسلامي التابع لجماعة المدرسين في الحوزة العلميّة، قم المقدسة، الطبعة الاُولى، 1423 ه- .

105 - كفاية الاُصول، الآخوند الشيخ محمّد كاظم الخراساني (1255 - 1329 ه-)، مؤسسة آل البيت:، بيروت - لبنان، الطبعة الاُولى، 1411ه- -

1990 م.

106 - كمال الدّين وتمام النّعمة، محمّد بن عليّ بن بابويه (م 381 ه-)، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، 1395 ه- .

107 - كنزالعمّال في سنن الأقوال والأفعال، علاء الدّين عليّ المتّقي

ص: 759

حسام الدّين الهندي (م 975 ه-)، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان، الطبعة الخامسة، 1405 ه- - 1985 م.

108 - كنز العرفان في فقه القرآن، فاضل مقداد (م 826 ه-)، مرتضوي، تهران، الطبعة الاُولى، 1373 ه- .

109 - لسان العرب، محمّد بن مكرم بن منظور المصري، نشر أدب الحوزة، قم، 1405 ه- .

110 - اللمعة الدمشقيّة في فقه الإماميّة، شمس الدّين محمّد بن مكيّ العامليّ الشهيد الأوّل (734 - 786 ه-)، دار التراث الإسلاميّة، بيروت - لبنان، الطبعة الاُولى، 1410 ه-.

111 - المبسوط في فقه الإماميّة، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي(385 - 460 ه-)، المكتبة المرتضويّة لإحياء التراث الجعفريّة، طهران، الطبعة الثالثة، 1387ه- .

112 - المحيط في اللغة، صاحب بن عبّاد (م 385 ه-)، عالم الكتاب، الطبعة الاُولى، بيروت - لبنان، 1414 ه- .

113 - مجمع البحرين، فخرالدّين الطريحي (979 - 1087 ه-)، مكتب نشر فرهنگ اسلامى، طهران، الطبعة الثانية، 1408ه- - 1367 ش.

114 - مجمع البيان في تفسير القرآن، فضل بن الحسن الطبرسي (م 548 ه-) ناصر خسرو، تهران، الطبعة الثالثة، 1372ه- .

115 - مجمع الفائدة والبرهان في شرح الإرشاد، أحمد بن محمّد المقدس الأردبيلي(م 993 ه-)، مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدسة، الطبعة الاُولى، 1403 ه-

ص: 760

116 - المختصر النافع في فقه الإماميّة، نجم الدّين جعفر بن الحسن المحقّق الحليّ(م 676 ه-)، المصطفوي، قم المقدسة.

117 - مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، العلّامة الحلّي (648 - 726 ه-)، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، رمضان المبارك 1413ه- .

118 - مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الاسلام، محمّد بن علىّ الموسويّ العامليّ (م 1009ه-) مؤسسه آل البيت:، بيروت - لبنان، الطبعة الاُولى، 1411ه- .

119 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرّسول صلی الله علیه و آله و سلم، محمّد باقر المجلسي (1037 - 1110 ه-) دار الكتب الإسلاميّة، ايران، الطبعة الثانية، 1404ه- .

120 - المراسم العلويّة في الأحكام النبويّة، سلّار بن عبد العزيز (م قرن 5 ه- )، مطبعة الأمير، قم، 1414ه- .

121 - مسائل عليّ بن جعفر ومستدركاتها، عليّ بن جعفر العريضي(م 220 ه-)، مؤسسة آل البيت: لإحياء التراث، قم، الطبعة الاُولى، 1409 ه-.

122 - مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الاسلام، زين الدّين بن عليّ العاملي الشهيد الثاني(م 966 ه-)، مؤسسة المعارف الإسلاميّة، قم المقدسة، الطبعة الاُولى، 1413 ه-.

123 - المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري (م 405 ه-)، دارالمعرفة، بيروت - لبنان، الطبعة الاُولى، 1418 ه- .

124 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، حسين النوري الطبرسي(1254 - 1320 ه-)، مؤسسة آل البيت: لإحياء التراث، بيروت - لبنان، الطبعة الثالثة، 1408ه- .

ص: 761

125 - مستمسك العروة الوثقى، السيّد محسن الطباطبائي الحكيم (م 1390 ه-)، مؤسسة دار التفسير، قم، الطبعة الاُولى، 1416ه- .

126 - مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المولى أحمد النراقي(1245 ه-)، مؤسسة آل البيت: لإحياء التراث، بيروت - لبنان، الطبعة الاُولى، 1429 ه- 2008 م.

127 - مستند العروة الوثقی، كتاب الخمس، السيّد أبوالقاسم الموسوي الخوئي (م 1413 ه-)، المطبعة العلميّه، قم، الطبعة الاُولى، 1364ش.

128 - مسند أبي يعلي، أحمد بن عليّ (م 307 ه-)، دار المأمون للتراث، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية، 1410 ه-.

129 - مسند أحمد، أحمد بن محمّد بن حنبل(م 241 ه-)، دار الرسالة، بيروت - لبنان، الطبعة الاُولی، 1416 ه- .

130 - مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، عليّ بن الحسن الطبرسي(م 600 ه-)، المكتبة الحيدريّة، النجف الأشرف، الطبعة الثانية، 1385ه- .

131 - مصابيح الظلام، محمّد باقر بن الأكمل البهبهاني(م 1205 ه-)، مؤسسة العلّامة الوحيد البهبهاني، قم، الطبعة الاُولى، 1424 ه- .

132 - مصباح الفقيه، الحاج آقا رضا همداني(م 1322 ه-)، المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث، قم المقدسة، الطبعة الاُولى، 1436 ه- .

133 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، أحمد بن محمّد الفيّومي(م 770 ه-)، مؤسسة دار الهجرة، قم، الطبعة الثانية،1414 ه- .

134 - المعتبر في شرح المختصر، المحقّق الحلّي( م 676ه-) مؤسسة سيّد الشهداء علیه السلام، قم، الطبعة الاُولى، 1407ه-

ص: 762

135 - معجم البلدان في معرفة البُدن والقُرى، شهاب الدّين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الحموي ( 574 - 626 ه-)، دار صادر، بيروت - لبنان، الطبعة الاُولى.

136 - معجم مقائيس اللغة، أحمد بن فارس بن زكريا (م 395ه-)، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، الطبعة الاُولى، جمادي الآخرة 1404 ه- .

137 - المغني لابن قدامة، أبي محمّد عبدالله بن قدامة (م 620 ه-)، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

138 - مفاتيح الشرائع، ملا محمّد محسن الفيض الكاشاني(م 1091 ه-)، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم، الطبعة الاُولى، 1408ه- .

139 - مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الإصفهاني(م 425 ه-)، دار القلم، دمشق، الطبعة الاُولى، 1412 ه- - 1992 م.

140 - المقنع، الشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي(م 381 ه-)، مؤسسة الإمام الهادي علیه السلام، قم، الطبعة الاُولى، 1415 ه- .

141 - المقنعة، محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري الملقّب بالشيخ المفيد(م 413 ه-)، مركز الطباعة والنشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، قم، الطبعة الرابعة، 1417 ه- .

142 - مكارم الأخلاق، الحسن بن فضل الطبرسي (م قرن 6 ه-)، الشريف الرضي، قم، الطبعة الرابعة، 1412 ه- .

143 - المناقب، ابن شهرآشوب (م 588 ه- )، دار الأضواء، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية، 1412ه- .

144 - منتقد المنافع في شرح مختصر النافع، كتاب الخمس، ملا

ص: 763

حبيب الله الكاشاني(م 1340 ه-)، مركز تحقيقات علوم كامپيوتري علوم إسلامى، قم، الطبعة الاُولى، 1423 ه- .

145 - منتهى المطلب في تحقيق المذهب، العلّامة الحلّي (648 - 726 ه-)، مجمع البحوث الإسلاميّة، مشهد - ايران، الطبعة الاُولى،1412 ه- .

146 - من لا يحضره الفقيه، محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي الشيخ الصدوق(م 381 ه-)، مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدسة، الطبعة الثانية، 1413 ه- .

147 - منهاج الصاحين للخوئي، السيّد أبوالقاسم الموسوى الخوئي(م 1413 ه-)، نشر مدينة العلم، قم، الطبعة الثمانية والعشرين، 1410 ه- .

148 - موسوعة الإمام الخوئي، السيّد أبوالقاسم الموسوى الخوئي(م 1413 ه-)، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي، قم، الطبعة الاُولى، 1418 ه- .

149 - الموسوعة الفقهيّة الكويتيّة، إصدار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميّة، الكويت، الطبعة الثانية، 1404 ه- . 150 - المهذب لابن البراج، القاضي عبد العزيز ابن البراج الطرابلسي (م 481 ه-)، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاُولى، 1406 ه- .

151 - الميزان في تفسير القرآن، محمّد حسين الطباطبائي(م 1403 ه-)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية، 1390ه- .

152 - نجاة العباد (المحشّی لصاحب الجواهر)، الشيخ محمّد حسن النجفي (م 1266 ه-)، الطبعة الاُولى، 1318 ه- .

153 - نكت النهاية، نجم الدّين جعفر بن الحسن المحقّق الحلّي (م 676 ه-)، مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدسة، الطبعة الاُولى،1412 ه- .

ص: 764

154 - النهاية في غريب الحديث والآثار، ابن الأثير الجوزي (544 - 606 ه-)، مؤسسة إسماعيليان، قم المقدسة، 1364 ش.

155 - النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه-)، دار الكتب العربيّة، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية، 1400 ه- .

156 - الوافي، المولى محسن الفيض الكاشاني (م 1091 ه-)، مكتبة الإمام أميرالمؤمنين عليّ علیه السلام، اصفهان، الطبعة الاُولى، 1406 ه- .

157 - وسائل الشيعة، الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (م 1104ه-)، مؤسسة آل البيت: لإحياء التراث،

قم المقدسة، الطبعة الاُولى، 1412 ه- .

158 - الوسيلة إلى نيل الفضيلة، محمّد بن عليّ بن حمزة الطوسي (حي إلى 566 ه-)، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم، الطبعة الاُولى، 1408ه- .

159 - ينابيع المودّة لذي القربى، الحافظ سليمان بن إبراهيم بن القندوزي (م 1294 ه-)، دار الاُسوة للطباعة والنشر، قم، الطبعة الثانية، 1422 ه- .

❊ ❊ ❊

ص: 765

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.