تَحریرُ مَبَاني الأَحکام المجلد 1

هویة الکتاب

تَحریرُ مَبَاني الأَحکام

تقریر لابحاث آیه الله العظمی المرجع الدینی الشیخ شمس الدین الواعظی (دام ظله)

القضاء - الشهادات

مؤلف: السید عبدالستار کامل موسوي

المجلدات: 4

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريته خاتم الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم اجمعين إلى يوم الدين.

ونحن أن لاحظنا هذه المحاضرات التي كتبها فضيلة العلامة المحقق الحجة الورع السيد عبد الستار الموسوي وفقه الله لأبحاثنا الفقهية القضائية فوجدناها في غاية الجودة والاتقان والضبط والبيان ، يكشف عن دقائق البحث ومحافظاً علىمزاياه مع حسن الأداء وجودة التقرير ، واضحة جلية وهو حفظه الله ممن ينعقد عليه الآمال في المستقبل مع دوام دراسته العلمية على حضور ابحاثنا الفقهية والأصولية والاستفادة منها أكثر فأكثر ونسأله تعالى أن يجعله قدوة حسنة في النشاط العلمي ، وهو حفظه الله أحد المتقدمين في طبع تقرير ابحاثنا في الفقه ، وعمله خدمة للحوزة العلمية والرجاء من بقية الطلبة الاقتداء به ، وهو قد استجازنا فيما كتبه من المجلدات لطبعها فأجزناه داعياً له بدوام التوفيق والتسديد من الله جل وعلا إنّه نعم المولى ونعم النصير .

غرة رجب الأصب سنة1440 ه-

شمس الدين الواعظي

ص: 3

الصورة

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الغر الميامين الكرام المنتجبين ، لاسيما بقية الله في ارضه الإمام الثاني عشر الحجة ابن الحسن العسكري ، روحي وارواح العالمين لتراب مقدمه الفداء ، واللعنة الدائمة على معاديهم ومعانديهم ومنكري فضائلهم إلى يوم القيامة .اللهم انا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام واهله وتذل بها النفاق واهله ، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والأخرة .

أما بعد :

فمن الطبيعي أن الله تعالى عندما خلق الخلائق من العدم لم يتركهم سدىً ، بل وضع لهم قوانين تحفظ حالة التوازن في هذا العالم والعوالم الأخرى بنظام دقيق متقن غاية الإتقان ، يسير عليه بنو البشر ولا يحيدون عنه قال تعالى : «صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ

ص: 5

بِمَا تَفْعَلُونَ»(1)، وهذا ما يراه الإنسان رأي العين ، وما هذه إلا من السنن الالهية الثابتة التي تخضع لهاالكائنات باسرها التي لا تبديل لها قال تعالى : «سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً»(2)، ولم يكن الإنسان الذي خلقه الله تعالى وكرمه وفضله على كثير ممن خلق بدعاً من سائر المخلوقات في هذه الناحية ، بل أن الإنسان احق واولى من غيره ، بأن يكون له نظام حياتي يحفظه وما حوله لأن المخلوقات الاخرى خلقت لأجله وقد سخرها الله تعالى له لتكون تحت سلطته لتعينه على السير في هذه الدنيا على امر اريد له من اجل الغاية المنشودة التي خلق من اجلها ، وهذا النظام الحياتي وعلى كافة المستويات يحدد للإنسان تصرفاته في مختلف الشؤون خاصة كانت أم عامة ، ولابد وأن يتناسبمع أوضاعه واحواله وازمانه ، وهذا النظام هو المعبر عنه بالدين ويعرف بأنه تشريع الله لعباده على لسان أنبياءه ورسله حتى أن بعث الله تعالى بحبيبه المصطفى (صلی الله علیه و آله وسلم) ليكون خاتماً للأنبياء ورسالته خاتمة الرسالات السماوية ، فما جاء به هو النظام الأمثل والاتم والجامع المانع لكل الناس وعلى مر الدهور حتى قيام الساعة ، ولذا جعل الله تعالى هذا الدين خاتمة الأديان .

فالدين الإسلامي هو النظام الوحيد الذي يستجيب لنداء الإنسان متلائماً مع فطرته التي خلقه الله عليها متكفلاً له بالسعادة في الدارين

ص: 6


1- سورة النمل الآية / 88 .
2- سورة الفتح الآية / 23 .

ورقيه إلى أعلى درجات الكمال ويصل به إلى ما فيه خيره في العاجل والآجل.ولقد اهتم الدين الإسلامي بجميع مفاصل الحياة الإنسانية مالها وما عليها ولذا نراه قد بذل جهداً خاصاً واضح اللمسات لصيانة حقوق الإنسان وحفظ النظام العام بأهمية بالغة ، فشرّع القوانين الحقوقية الثابتة ، وحدود العلاقات العامة والخاصة للإنسان بالإنسان وما له وما عليه ، وكيفية مواصلة الحياة فرداً كان أو مع المجتمع وحدد المسؤولية التي تناط إليه ، ولهذا تقول صريح الآية الشريفة «لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ»(1)، إلى طريق الحق من خلال الآيات البينات والبراهين الساطعات لمعالجة المشاكل التي تعرض للإنسان والمجتمع بصورة عامة في هذا المقام ، اذاً فهذا الدين يسعىجاداً بإيصال الإنسان وباختياره إلى الكمال المعنوي والفوز برضى الله تعالى والقرب منه عز اسمه ، وذلك لا يتحقق إلا بتنمية الروح الإنسانية المودعة فيه حسب فطرته السليمة التي خلق الله عليها وخلق حالة التوازن للغرائز المختلفة الكائنة فيه ، فأرسل الله تعالى رسله وانبيائه ومعهم الكتاب والحكم والميزان ليتحقق الغرض ، وقد ختمت هذه النبوة بمحمد (صلی الله علیه و آله وسلم) حبيب الله وخيرته من خلقه ، حيث أنه جاء بتعاليم اخلاقية سامية ، عالية المضامين من خلال ما يعلمه به من الكتاب والحكمة، ودعا إلى تهذيب النفوس، وامر بالعدل والاحسان، وايتاء ذي القربى ونهى عن الفحشاء و المنكر والبغي ، وقد نجح إلى حد بعيد في هذا المجال ، فكان في نفس كل إنسان مسلم - ليتأدببآدابه

ص: 7


1- سورة الحديد الآية / 25 .

ويتخلق بأخلاقه - واعزاً داخلياً يمنعه من التعدي على حقوق الاخرين .

والقضاء يمثل السد المنيع امام انتشار الجريمة وغصب الحقوق ، ومرجعاً للناس في فصل الخصومات وقطع المنازعات ، واستئصال جذور الفساد وعناصر البغي بالحد والتعزير ، ومن امكنه الوقوف على جزيئات تلك التشريعات في الفقه الجعفري عرف مدى الدقة المبذولة فيها ، وفي كيفية ملائمتها للفطرة الإنسانية ، ولا غرابة في ذلك وهي مستمدة من ائمة اهل البيت (علیهم السلام) عن جدهم عن الله تبارك وتعالى ، وحينئذٍ تسقط عن الاعتياد والاعتماد سائر التشريعات المنسوبة إلى السماء ، فكيف بالقوانين الوضعيةالحديثة التي كتبت مع الأهواء والمصالح الدنيوية .

فشكر الله تعالى سعي علمائنا الأبرار الذين حققوا ونقحوا هذه المسائل وزادوا في تفريعاتها بحسب ما تقتضيه الحاجة من خلال الاخبار والرواية التي وردت في هذا الباب ، وقد كتبوا في هذه البحوث العلمية العالية المضامين إلى يومنا الحاضر .

وبعد التغيرات التي حصلت في العراق وطرحت اراء الديمقراطية منها تعين قضاة من رجال الدين في المحكمة الرسمية ، انبرئ شيخنا الأستاذ الأكبر آية الله العظمى المرجع الديني الكبير الحاج الشيخ شمس الدين الواعظي (دامظله الوارف) بتدريس كتاب القضاء والشهادات ، وكذا الحدود والديات لاعداد ثلة من الفضلاء للتأهل بتولي منصب القضاء ، والحق إنها بادرة منه لم يلتفت إليها احد في هذه الفترة ، فشكر الله سعيه وزاد في اجره لأن القضاة إذا صلحوا وساروا حسب

ص: 8

النهج العلمي والعملي الصحيح الذي امرت به الشريعة ، وحكموا بالحق وهم يعلمون واقاموا العدل وحكموا بالقسط صلح المجتمع وساده الامن وانتشر فيه الصلاح والاصلاح .

هذا واشكر الله تعالى ربي لتوفيقاته وعنايته لتدوين ما كان يلقيه شيخنا الاستاذ الاكبر اطال الله بقاءه ، وقد عرضته على شخصه الكريم فلاحظهواقره واجاز في نشره ، وأنا باسمي اقدم هذا المجهود إلى المكتبة الشيعية ليكون مرجعاً من مراجع الشيعة في هذا المجال .

وفي الختام اسأل الله أن يحفظ شيخنا الاستاذ الاكبر للاستفادة منه اكثر واثراء المكتبة الشيعية بما بقي من المؤلفات ، وقد وفقت لنظم هذه الابيات مادحاً بها إياه حفظه الله تعالى واطال في عمره الشريف خدمة للدين الحنيف وذلك من باب الوفاء ورد الجميل على ما اخذنا عنه حفظه الله فأقول :

قد فاق شَمسُ العِلمِ اقرانا اتتْ *** بالعِلمِ والتدريس والاصلاحِ

وه-و الم-وفقُ في ذوي-ه واهله *** والطالبين لعل-مه بنجاحِ

يا شمس أن الشمس من عاداتها *** تعطي الجميع لنهضة وصلاحِ

دم في عطائك واحذرن من عاذلٍ *** لا يرجو غير اثارة إلا تراحِ

الشمس انت وكل شمس قبلها *** سادَ الظلام فشع بالإصباحِوفي الختام دعائي لسماحته بالصحة والعافية ولجميع طلبة العلم بالتقدم العلمي خدمة للدين الحنيف أنه سميع الدعاء .

عبد الستارالموسوي

ص: 9

ص: 10

كتاب القضاء

اشارة

ص: 11

ص: 12

بسم الله الرحمن الرحیم

المقدمة

كتاب القضاء

القضاء: هو فصل الخصومة بين المتخاصمين والحكم بثبوت دعوى المدعي أو بعدم حق له على المدعى عليه(1).

----------------------------------------

(1) إنّه شرع من قبل السماء ، إذ شرعه الباري جل وعلا لفصل الخصومات التي تقع بين الخلق ، وحفظاً للهيئة الاجتماعية بعد ما كان من ديدن هذاالنوع اختيار البقاء، هذا غالباً يؤدي إلى الحرص والإثرة والتشاجر والتنازع بين أفرادها وإنّه جلّ وعلا من باب اللطف شرّع لهم قوانين لحسم تلك المنازعات والمشاجرات، وعلى هذا فلابد للمتصدي لهذا الأمر أنّ تكون لديه القدرة والسلطة والعلم في تطبيق كليات مسائل هذا الباب على مصاديقها فالقوانين هي الأحكام الشرعية المجعولة من قبل الله ، فالمسيطر والمطبق لهذه الكليات على جزئياتها هو القاضي الذي يُعيّن لهذه الوظيفة ، فهو خليفة الله في أرضه كما كان نبي الله داوود (علیه السلام) قال تعالى : «يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ»(1)، إذاً هو خليفة الله كما كان نبي الله داوود (علیهالسلام) لا كما ذكر في «المجلة»(2) أنّه وكيلاً من قبل السلطان لإجراء

ص: 13


1- سورة ص الآية / 26.
2- هي مجلة صدرت في زمن الحكومة العثمانية وقد ناقش متنها زعيم الشيعة المغفور له سماحة الامام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (قدس سره) فسميت بعد ذلك بتحرير المجلة .

..........................

المحاكمة وإصدار الحكم وفق نظره ولو لم يكن عادلاً ، والحق كما ذكرنا بأنّه منصب إلهي ينصبه الإمام العدل وبعبارة أخرى إنّه منصب مجعول من قبل الإمام (علیه السلام) لمن له الأهلية في ذلك وفي عرض المنصب المجعول للنبي أو الإمام صلوات الله عليهما ، والفرق يكون بالشدة والضعف ، أو في طول المنصب المجعول للإمامكالطهارة الترابية المجعولة في طول الطهارة المائية ، فلابد أن يتصف القاضي بصفات ، منها : العقل والعدالة ، والاجتهاد ، كما سيأتي شرحها مفصلاً .

فينصّب من قبل الإمام (علیه السلام) ، وهذا غير مقيد بزمان أو مكان فله أنّ يحكم في الناس طبقاً للقواعد الشرعية ، وحكمه نافذ ، أيّ وإنّ كان مخالفاً لفتوى من يرجع إليه المحكوم عليه ، ولا يرد إلا إذا ثبت عدم قابليته على الحكم فينعزل بزوال بعض الصفات التي لابد له أنّ يتصف بها ، أو في ما إذا أنكشف عدم مطابقة حكمه للواقع ، وإن القضاء مستحب بل قد يجب وعلى هذا فالكلام يقع في المعنيين اللغويوالاصطلاحي:

الأول: في المعنى اللغوي للقضاء، لا يخفى بأنّ القضاء استعمل لغة في أمور متعددة ، راجع الصحاح ، وتاج العروس ، والقاموس ، وغيرها من كتب اللغة ، وقال في الجواهر : أنتهت إلى عشرة ، منها الحكم والعلم والاعلام وعبر بعضهم بالإنهاء ، والقول ، والحتم ، والأمر ، والخلق ، والفعل والإتمام ، والفراغ(1).

الثاني : في المعنى الاصطلاحي ويأتي لمعانٍ :

الأول : فعل العبادة المحددة في الوقت وخارج الوقت .

الثاني : قال الراغب الاصفهاني : القضاء فصلالأمر قولاً كان ذلك أو فعلاً(2).

ص: 14


1- جواهر الكلام /40 / 7 .
2- المفردات للراغب الأصفهاني / مادة قضى .

..........................

الثالث : قال الفيروز آبادي - ويقصد - الحكم قضى عليه يقضي قضيّاً وقضاءاً وقضية وهي الأسم أيضاً ، والحتم والبيان ، والقاضي الموت كالقضيّ كغني ، ومن الإبل ، ما يكون جائزاً في الدية وفريضة الصدقة ، وقضى مات وعليه قتله ، ووطره أتمه وأدامه ، وعليه عهداً وصاه وأنفذه ، وإليه نهاه وغريمه دَينَه أداه(1).

الرابع : أنّ يأتي بالعبادة في الوقت أعادة لما أخل في بعض الأجزاء والشرائط ، أو يكونمخالفاً للأوضاع المعتبرة .

الخامس : الإتيان بالشيء والفراغ منه ، وقد نقلت هذه المعاني في كتب فقهائنا ، ويمكن إرجاع بعضها إلى البعض كما قال الزهري : وأشهر تلك المعاني وأنسبها للمقام هو الحكم وفصل الأمر(2).

السادس : الحكم الذي هو محل الكلام ، قال آغا ضياء الدين العراقي : عرفوه بالولاية على الحكم نظراً إلى ظهور تعلق الجعل به في كونه من الأمور الجعلية مضافاً إلى كفاية هذا المقدار في صدق القاضي ولو لم يتلبس بالقضاء أصلاً(3)، وفي الدروس : هو ولاية شرعية على الحكم فيالمصالح العامة من قبل الإمام(4)، وفي المسالك : إنّه ولاية الحكم شرعاً لمن له أهلية الفتوى بجزئيات القوانين الشرعية على أشخاص معينة من البرية بإثبات الحقوق واستيفائها للمستحق(5) .

ولكن الحق إن تعريف الدروس أولى لإنّه عام يشمل حتى الحكم بثبوت

ص: 15


1- القاموس المحيط للفيروز آبادي / مادة قضى .
2- النهاية لأبن الاثير / مادة قضى .
3- شرح تبصرة المتعلمين /3 كتاب القضاء .
4- الدروس الشرعية / 2 / 79 .
5- مسالك الافهام /13 / 325 .

..........................

الهلال ، خلاف لمن قال بعدم ثبوت الهلال بحكم الحاكم ، كما أنّه يظهر من كلام المسالك أن القاضي لابد أن يكون مجتهداً .والمراد بالعالم هنا الفقيه المجتهد في الأحكام الشرعية ، وعلى اشتراط ذلك في القاضي إجماع علمائنا ولا فرق بين حالة الاختيار والاضطرار ، ولا فرق في من نقص عن مرتبته بين المطلّع على فتوى الفقهاء وغيره .

وقد عرف القضاء أي الحكم بين الناس(1)، أو الحكم بين الناس لرفع التنازع بينهم بالشرائط الاتية(2)، أو فصل الخصومة بين المتخاصمين والحكم بثبوت دعوى المدعي ، أو بعدم حق له على المدعى عليه(3)، وقد رجح صاحب الجواهر قول الدروس : ولاية شرعية على الحكموالمصالح العامة من قبل الإمام (علیه السلام) ولعله أولى من الأول ضرورة اعميت مورده من خصوص إثبات الحقوق كالحكم بالهلال ونحوه وعموم المصالح(4).

ص: 16


1- الروضة البهية /3 / 61.
2- تحرير الوسيلة / 2 / 364 .
3- مباني تكملة المنهاج /1 /5 .
4- جواهر الكلام /40/ 9 .

الفرق بينه وبين الفتوى

إنّ الفتوى عبارة عن بيان الأحكام الكلية من دون نظر إلى تطبيقها على مواردها وهي - أيّ الفتوى - لا تكون حجة إلا على من يجب عليه تقليد المفتي بها ، والعبرة في التطبيق إنما هي بنظره دون نظر المفتي ، وأمّا القضاء فهو الحكم بالقضايا الشخصية التي هي مورد الترافع والتشاجر ، فيحكم القاضي بأنّ المال الفلاني لزيد أو أنّ المرأة الفلانية زوجة فلان وما شاكل ذلك، وهو نافذ على كل أحد ، حتى إذا كان أحد المتخاصمين أو كلاهما مجتهداً ، نعم قد يكون منشأ الترافع الاختلاف في الفتوى ، كما إذا تنازع الورثة في الأراضي ، فادعت الزوجة ذات الولدالإرث منها ، وأدعى الباقي حرمانها فتحاكما لدى القاضي فإنّ حكمه يكون نافذاً عليهما وإن كان مخالفاً لفتوى من يرجع إليه المحكوم عليه(1).

----------------------------------------

(1) إن الفرق بينهما :

الأول : عبارة عن تطبيق الحكم على موارده الشخصية وهو الذي يصدر من القاضي بعنوان الولاية والسلطنة الشرعية .

الثاني : الفتوى فهي بمعنى بيان الأحكام الكلية، وليس للمفتي نظر إلى تطبيقها .

ومن الآثار الشرعية لحكم الحاكم ، إنّه نافذ حتى بالنسبة إلى غير مقلديه والفتوى مختصة بالمقلدين ، بل حكم الحاكم نافذ بالنسبة إلى المجتهد الآخر إلا إذا حصل لذلك المجتهدالتشكيك بالنسبة إلى مقدمات حكمه .

والمجتهد يسمى قاضياً وحاكماً باعتبار قضائه وحكمه ، ومفتياً باعتبار

ص: 17

مسألة 1 : القضاء واجب كفائي(1).

وجوب القضاء .

----------------------------------------

إخباره عن الحكم الشرعي ، وإنّ حكم الحاكم الزامي دون الفتوى وقد يكون حكماً بالنسبة إلى الموضوعات كالشخص الفلاني رشيد دون الفتوى . لفصل الخصومات بقوانين تنظم أمورهم وتبني سلامة المجتمع ، ويحتاج أيضاً إلى من ينفذ القوانين، وهو الحاكم العالم العادل الجامع للشرائط ، إذاً يجب على المجتمع إطاعة الحاكم، هذا كله بحكم العقل وبما إن الشرع المقدس هو رئيس العقلاء الذي يحث على إصلاح ذات البين ، والذي هو أفضل من عامة الصلاة والصيام فيكونإرشاد إلى ذلك.

رابعاً : الإجماع فقد أدعاه الكثير من الفقهاء ، بل يمكن أن يقال بأنّه مسألة ضرورية ، ومع ذلك فإن الإجماعات في مثل هذه المسألة لا يعتنى بها لكونها مدركية ولا حاجة لنا بهذه الإجماعات .

(1) وهو مما لا اشكال فيه عندهم ، ومع تعدد القضاة أمكن أن يقوم به أحدهم ، وأمّا مع عدم التعدد فيجب عليه عينياً ، ووجوبه بعد إن كان من الأمور النظامية ، وإن النظام يختل بدونه ويصبح الهرج والمرج ، قال الاستاذ الاعظم (قدس سره) : لتوقف حفظ النظام المادي والمعنوي عليه ، ولا فرق في ذلك بين قاضي المنصوب وقاضي التحكيم(1)، وبعد إنْ كان الغرض حفظ النظام فيكون الواجب كفائياً ، فإذا قام به أحد سقط عن البقية الوجوب ، وإلا فالكل معاقبون بتركه ، كما هو كذلك بالنسبة إلى كل واجب كفائي ، وعليه فقد استدلوا على الوجوب بالأدلة الأربعة الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والعقل .

ص: 18


1- المباني / 1 / 6 .

..........................

أولاً: الكتاب قوله تعالى : «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ»(1)، وقوله عز من قائل لداوود(علیه السلام): «يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى»(2)، وقوله عز وجل : «إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ»(3)، وقوله جل وعلا : «فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ»(4).

ثانياً : السنة ، الروايات في هذا الباب كثيرة بلغت حد التواتر .

منها : حديث أبي خديجة ، قال الصادق (علیه السلام)«إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ، ولكن انظروا إلى رجل منكم ، يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم قاضياً ، فإنيقد جعلته قاضياً ، فتحاكموا إليه»(5).

ومنها : عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : قال أمير المؤمنين (علیه السلام) لشريح يا شريح قد جلست مجلساً لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي»(6) .

ومنها : عن أحمد عن أبيه عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: القضاة أربعة ثلاثة في النار وواحد في الجنة ، رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم فهو في النار ورجل قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنة»(7)، وقال (علیه السلام) : «الحكم حكمانحكم الله وحكم أهل

ص: 19


1- سورة النساء الآية / 58 .
2- سورة ص الآية / 26 .
3- سورة النساء الآية / 105 .
4- النساء الآية / 59 .
5- الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح5 .
6- الوسائل باب 3 من أبواب صفات القاضي ح2 .
7- الوسائل باب 4 من أبواب صفات القاضي ح 6 .

..........................

الجاهلية ، فمن اخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهلية»(1) وغيرها من الروايات الأخرى في هذا الباب .

ثالثاً : العقل فهو يحكم بوجوبه بعد ما قلنا بوجوب حفظ النظام وعدم جواز الاختلال ، بل يجب على الله - من باب اللطف - تعيين رجل قادر على قطع مادة الخصومة والنزاع ، لكي لا يقع الهرج والمرج ، وأخذ حق المظلوم من الظالمويكون للمظلوم عوناً وللظالم خصماً ، وهذا أمر فطري جُبل عليه الإنسان ، والحكومة كانت تمارس حتى قبل الإسلام ، ولذا ذكروا هذا الشرط بعنوان كمال العقل ، والكمال هو أعلى مراتب العقل ، لإن به الإنسان يدرك الخير والشر وغير ذلك ، بل لابد من أن يصل إلى أعلى مراتب العقل التي هي من الكمالات التي تليق به ، وشأن هذا المنصب الذي ورد إنّه منصب نبي أو وصي نبي ، أمر مفروغ منه ، وبعبارة أخرى إن الأصل عدم نفوذ حكم أحد على الآخر ، بعد إنْ كان الناس بالفطرة لهم سلطة على أنفسهم وأموالهم والتصرف من قبل الآخرين بهذه الأمور ظلم ، وبما إن الإنسان مدني بالطبع لا تحصل لهالمعيشة الدائمية إلا في ظل الاجتماع ، وفي الغالب تحصل له نزاعات وصراعات ويحب الجاه والسلطنة ، والطمع في أموال الناس ، ويسبب هذا القتل والدمار وإتلاف الأموال والأنفس ، لذا يحتاج البشر لفصل الخصومات بقوانين تنظم أمورهم وتبني سلامة المجتمع ، ويحتاج أيضاً إلى من ينفذ القوانين ، وهو الحاكم العالم العادل الجامع للشرائط ، إذاً يجب على المجتمع إطاعة الحاكم ، هذا كله بحكم العقل وبما إن الشرع المقدس هو رئيس العقلاء الذي يحث على إصلاح ذات البين، والذي هو أفضل من عامة الصلاة والصيام فيكون إرشاد إلى ذلك.

ص: 20


1- الوسائل باب 4 من أبواب صفات القاضي ح 7 .

مسألة 2 : هل يجوز أخذ الأجرة على القضاءمن المتخاصمين ، أو غيرهما ؟ فيه إشكال ، والأظهر الجواز(1).

----------------------------------------

رابعاً : الإجماع فقد أدعاه الكثير من الفقهاء ، بل يمكن أن يقال بأنّه مسألة ضرورية ، ومع ذلك فإن الإجماعات في مثل هذه المسألة لا يعتنى بها لكونها مدركية ولا حاجة لنا بهذه الإجماعات .

(1) لا يخفى إن القضاء تارة يكون واجباً على القاضي عيناً ، وتارة أخرى كفائياً ، وثالثة يكون محتاجاً إلى أخذ الأجرة ، ورابعة يكون غنياً غير محتاج إلى الأخذ ، وخامسة نتكلم من حيث ارتزاقه من بيت المال ، وسادسة أخذه الأجرة من المتخاصمين أو غيرهما كالمتبرع ، وقبل الدخولفي محل البحث لابد من بيان المراد من بيت المال ، يقول المحقق الاشتياني - ونعم ما قال - : إن المراد منه حسبما يظهر منهم بيت يجمع فيه ما يصرف في مصالح المسلمين ، كبناء المسجد والقنطرة ، والخان وشق الانهار وغيرها مثل الجزية ، وخراج المقاسمة ، وما أوصى في صرفه في وجوه البر وما يصرف من الزكاة في سبيل الله ، إلى غير ذلك مما يشترك فيه جميع المسلمين.

وأمّا ما يجمع فيه الزكاة والخمس ، والصدقات ووجوه المظالم ، وغيرها مما يكون مختصاً بالفقراء ، فلا يكون من بيت المال في شيء ، ولا يجوز صرفه في ما يجمع فيه في مصالح المسلمين بل لابد أن يعطى لمستحقيه منالفقراء(1).

أمّا في صورة أن يكون الوجوب عينياً والقاضي يكون محتاجاً ، فلا إشكال في جواز أخذه الأجرة من بيت المال ، لإنّ ما يصرف من بيت المال لابد أن يكون في مصالح المسلمين ، والقضاء يكون من جملة تلك المصالح لإنّه يكون سبباً

ص: 21


1- كتاب القضاء للأشتياني /25 .

..........................

لاستنقاذ حقوقهم ، ودفع الظلم عنهم ، وإن كان غنياً يجوز له الأخذ ، وكذا في صورة ما إذا كانكفائياً أيضاً يجوز الأخذ - هذا إذا لم يكن هناك متبرعاً فجواز أخذ الاجرة منوط بإنّه هل يجوز الأخذ على الواجبات أو لا ؟ والظاهر من هذا هو الجواز ، يقول المحقق الاشتياني : وإنما الإشكال فيما إذا كان هناك متبرع بالقضاء فهل يجوز له اعطاء الرزق حينئذٍ أو لا ؟ وجهان مبنيان على أن بيت المال هل هو معد لتحصيل مصالح المسلمين ، فلا يجوز صرفه إلا فيما إذا توقف تحصيل المصلحة على صرفه فيحرم بدونه ، أو معد لصرفه على من يقوم بمصالح المسلمين ، وإن لم يتوقف تحصيل المصلحة بقيامه ، أوجههما الثاني نظراً إلى كون تحصيل المصلحة حكمة لجعلبيت المال لا علة يدور الحكم مداره(1).

والحق إن أخذ الأجرة من بيت المال جائز مطلقاً ، أيّ في صورة الكفاية وعدم الاحتياج ، أو إذا لم يحصل متبرع فيصبح من باب الأجرة على الواجب فإنّه جائز خصوصاً إذا كان الواجب توصلياً ، إذا قلنا بإنّ القضاء لم يكن عبادياً وأمّا لو قلنا بأنّه عبادي ، فيجوز أخذ الأجرة ، لإنّه يكون من باب الداعي إلى الداعي ، فلا يكون أخذ الأجرة منافٍ للتقرب بعد ما كان الداعي إلى الفعل ليس إلا التقرب ، والداعي إلى التقرب بالفعل ، وإتيانه بهذا الداعي - أيّ أخذ العوض - لا ينافي قصد القربة ، وإلا لو كان هناك تناف فلايجوز أخذ الأجرة في العبادات ، كالحج ، والصلاة والصوم ، الاستيجارية والحال أن أخذ الأجرة فيها جائز بالاتفاق ، فيجوز هنا سواء كان من متخاصمين أو من متبرع محتاجاً كان أو غنياً ، وسواء كان عينيّاً أو كفائياً نعم في الواجبات على الإطلاق إذا جاء دليل على المنع فنأخذ به ، وأمّا مع عدم المنع كما في المقام فلا بأس بالأخذ .

ص: 22


1- كتاب القضاء للأشتياني / 26 .

مسألة 3 : بناءً على عدم جواز أخذ الأجرة على القضاء ، هل يجوز أخذ الأجرة على الكتابة ؟ الظاهر ذلك(1).

----------------------------------------

(1) بعد ما كانت الكتابة من الاعمال المحترمة ولم يدل دليل على المنع من أخذ الأجرة ، فيجوز أخذ الأجرة عليها ، كما يجوز أخذ الأجرة على المسير إلى المكان الفلاني ، لإنّه في الحقيقة هما خارجان عن حرمة أخذ الأجرة على الواجب ، كما إن الدفان مثلاً يأخذ الأجرة لأجل استعمال معوله ، أو المسحاة أو غير ذلك مما يستعمل للحفر ، أو يقول إني آخذ الأجرة لأجل الذهاب إلى المكان الكذائي الذي تختارهأنت .

وقال بعض المعاصرين : أمّا أخذ الجعل من المتخاصمين أو أحدهما فالاحوط الترك حتى مع عدم التعيين عليه ، ولو كان محتاجاً بأخذ الجعل أو الأجرة على بعض المقدمات ، وفي مستند تحرير الوسيلة لعدم القائل بالمنع أو ضعف القول بالمنع فيها ، مع أن مقتضى القاعدة الصحة لأنّها أعمال محترمة لا مانع من أخذه الأجرة عليها(1).

ص: 23


1- تحرير الوسيلة /2 / 18- 19 .

مسألة 4 : تحرم الرشوة على القضاء ولافرق بين الآخذ والباذل(1).

----------------------------------------

(1) لا يخفى بأنّ هذه اللفظة وردت في موضعين من الفقه في المكاسب المحرمة والقضاء ، وقد عُرّفت بتعاريف عدّة ، منها ما قاله الفيروز آبادي الرشوة : الجعل(1)، وذهب إليه الارشاد(2)، وجامع المقاصد(3)، وابن إدريس(4) وقال الزمخشري: الرشوة بضم الراء وفتحها الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة من الرشاء(5) ، وقال ابن منظور : الرشوة مأخوذة من رشا الفرخ إذا مدّ رأسه إلىأمه لتزقه(6).

وقال صاحب المصباح : الرشوة بالكسر ما يعطيه للحاكم وغيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد(7)، وقد وردت في هذا روايات كثيرة ، ومن هنا يتضح أن المراد من الرشوة حسب النظر الدقيق في كلمات الأصحاب واللغويين : هي أن يدفع المال مقابل ما يحكم له ولو لم يكن باطلاً ، وإن كان يظهر من كلام البعض بأنّه يعطى لكي يتوصل به إلى ابطال الحق ، أو تمشية الباطل ، ففي المصباح هي ما يعطيه الشخص للحاكم أو غيره ليحكم له ، أو يحمله على ما يريد ، فمما يظهر من كلماتهم أن لا عمومية لها كي يشملالجعل والأجرة من قبل المتحاكمين ، نعم في ما إذا لم يمكن ذلك في انقاذ حقه وتحصيل الحق إلا بإعطاء المال «الرشوة» فإنّه جائز بالنسبة إلى المعطي «الراشي» إعطاء المال «الرشوة» وإن حرُم على المرتشي أخذه ، فما نسب إلى بعض الفقهاء من حرمتها مطلقاً ولو مع توقف تحصيل الحق عليها في

ص: 24


1- القاموس المحيط / 4 / 334 .
2- كتاب الارشاد .
3- جامع المقاصد /4 /36 - 37 .
4- السرائر/2 /166 .
5- نقلاً عن المصباح المنير /1 /228 .
6- لسان العرب /14 /322 .
7- المصباح المنير/1/ 228.

..........................

غير محله ، وعلى أيّ حال الرشوة محرمة على الراشي والمرتشي , ويدل عليه مضافاً إلى الإجماع بين المسلمين الآية والروايات .فأمّا الآية قوله تعالى : «وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(1).

وأمّا الروايات فقد وردت الأخبار الكثيرة على حرمتها .

منها : صحيحة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «أمّا الرشا في الاحكام فإن ذلك كفر بالله»(2).

ومنها : معتبرة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «عن البخس ، فقال : هو الرشا في الحكم»(3).

ومنها : حديث يوسف بن جابر قال «قال أبوجعفر (علیه السلام) : لعن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) من نظر إلى فرج امرأة لا تحل له ، ورجلاً خان أخاه في امرأته ، ورجلاً احتاج إليه الناس لتفقهه فسأل الرشوة»(4)، وهناك روايات أخرى كثيرة جداً في هذا الباب نكتفي منها بهذا القدر .

وأمّا العقل : فهو من أوضح الواضحات فالرشوة مصداق من مصاديق الظلم والعقل يقبح كل ظلم .

وأمّا الإجماع : قال صاحب الجواهر الإجماع بقسميه(5)، وفي المسالك اتفاق

ص: 25


1- سورة البقرة الآية / 188 .
2- الوسائل باب 8 من أبواب آداب القاضي ح8.
3- الوسائل الباب 8 من أبواب آداب القاضي ح4.
4- الوسائل باب 8 من أبواب آداب القاضي ج5.
5- جواهر الكلام /40 /131.

..........................

المسلمين على تحريم الرشوة على القاضي والعامل(1). وكما أن الرشوة حرام على المرتشي أخذها فهو حرام على الراشي أيضاً ، للنهي الوارد في الآية ، ولإنّه إعانة على الإثم ، فلو أخذها لابد من ردّها إلى صاحبها ، ولو تلفت عنده لابد من رد مثلها ، أو قيمتها بعد ما لم يقصد المعطي الاعطاء مجاناً ، بل مقابلاً للحكم له .نعم في صورة ما إذا دفعها إليه مجاناً ولو كان الداعي منه الحكم فلا يكون المرتشي ضامناً لو تلف ، لأنّها هبة فاسدة وتشملها قاعدة ما لا يضمن بصحيحهلا يضمن بفاسده . وهذه القاعدة من الأمور المسلمة عندهم إثباتاً ونفياً ومدركها الإجماع وسيرة العقلاء ، وقاعدة اليد ، ولا ضرر ، وهي تجري في كثير من موارد الفقه وقد ذكروا ، أنّها تأتي في كتاب التجارة ، والإجارة ، والعارية ، والوكالة والشركة ، والرهن وغيرها وتفصيل هذه القاعدة في مضانها .

ص: 26


1- مسالك الافهام / 13 / 419 .

المسألة 5 : القاضي على نوعين ، القاضي المنصوب ، وقاضي التحكيم(1).

----------------------------------------

(1) مقتضى الأصل وضعاً عدم نفوذ حكم أحد على غيره كما مرّ , إن مقتضى القاعدة حرمة الحكم من غير النبي ووصيه ، ففي صحيحة سليمان ابن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «اتقوا الحكومة فإنّ الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبي أو وصي النبي»(1)، ولا يمكن الخروج عن هذا الأصل والقاعدة إلا بالدليل ، كما إذا كان القاضي منصوباً من قبلهم (علیهم السلام) نصباً خاصاً أو عاماً ، فالقاضي أو الحاكم يكون على أقسام ثلاثةقاضي المنصوب بالنصب الخاص ، وقاضي المنصوب بالنصب العام ، وقاضي التحكيم .

أمّا الأول : فهو مختص بزمان الحضور ، ولا وجود له في عصر الغيبة لأنّه مختص بإذنٍ خاص منهم (علیهم السلام) لشخص خاص كما نصب أمير المؤمنين (علیه السلام) شريح ومالك الاشتر .

والثاني : هو أنّ يكون النصب بشكلٍ عام منهم (علیهم السلام) لكل من له مواصفات خاصة ومعينة.

والثالث : هو قاضي التحكيم ويقال أنّه لا يحتاج إلى النصب من قبلهم (علیهم السلام) .

أمّا في القسمين الاوليين فلا إشكال في نفوذحكمهما بعد أن نصبهما المعصوم (علیه السلام) نصباً عاماً أو خاصاً .

وأمّا قاضي التحكيم فنفوذ حكمه يحتاج إلى دليل بعد ما قلنا بأنّ الحكم يكون لله ورسوله وللائمة ولمن نصبوه ، وغير خفي بأنّ القاضي المنصوب بالنصب العام لابد أن تكون مواصفاته عين مواصفات قاضي المنصوب بالنصب الخاص ، فالكلام في مَنْ يصح نصبه لهذا الأمر ومن يكون حكمه نافذاً ولو لم يكن منصوباً بالخصوص ، وما هي صفاته .

ص: 27


1- الوسائل باب 3 من أبواب صفات القاضي ح3.

..........................

وبعبارة أخرى بعد أنّ لم يكن حكم أحد نافذاًبالنسبة للآخرين كما مرّ وإنّ الحكم بالأصل لله تبارك وتعالى ولرسوله (علیهم السلام) وأوصيائه (علیهم السلام) حيث جعل الله لهم هذا النصب، وقد أذن لهم التنصيب من قبلهم (علیهم السلام) للتصدي لهذا المنصب وعلى العوام الرجوع إلى القاضي المنصوب من قبلهم ، أمّا غير ذلك فقد نهي الرجوع إليهم للآية والرواية .

أمّا الآية فقوله تعالى : «يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ»(1) .

وأمّا الروايات التي دلت على التنصيب .

منها : محمد بن عثمان العمري قال في : التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (علیه السلام) «أمّا ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك إلى أن قال :وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة احاديثنا ، فإنّهم حجتي عليكم وأنا حجة الله»(2).

ومنها : مقبولة عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبد الله (علیه السلام) : «عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحل ذلك ؟ قال : من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت ، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً ، وإن كان حقاً ثابتاً له ، لأنّه أخذه بحكم الطاغوت وما أمر الله أن يكفر به، قال تعالى : «يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ» ، قلت كيف يصنعان ، قال : ينظران من كان منكمممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا ، فليرضوا به حكماً ، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما

ص: 28


1- سورة النساء الآية / 60 .
2- الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي ح9.

..........................

استخف بحكم الله ، وعلينا ردّ والراد علينا الراد على الله ، وهو على حد الشرك بالله»(1).

وهاتان الروايتان ردهما الاستاذ الاعظم (قدس سره)بالضعف في السند وإنّ كانتا تامتين فيالدلالة(2) .

أمّا ضعف السند فبإسحاق بن عمار لعدم ثبوت وثاقته ، وأمّا الثانية فهي ضعيفة بعمر بن حنظلة ولو أن سند هذه الرواية ضعيف أيضاً ولكنها مشهورة والأصحاب أخذوها بالقبول ، فيحصل الاطمئنان بقولهم بصحة الرواية .

وقد يستدل على ذلك بمعتبرة أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال قال «قال : أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم فإنّي قد جعلته قاضياً فتحاكمواإليه»(3)، فالرواية من جهة السند تامة .

وأمّا من جهة الدلالة ، فيمكن أن يقال بأنّ الرواية كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سره) : لا تدل على نصب القاضي ابتداءً لإنّ قوله (علیه السلام) «قد جعلته قاضياً» متفرع على قوله «فاجعلوه بينكم» وهو القاضي المجعول من قبل المتخاصمين ، إذاً هذه الرواية لا تدل على جواز المراجعة إلى قاضي التحكيم(4).

وقد استدلوا على نفوذ حكم حاكم التحكيم بالآيات :

منها : قوله تعالى : «وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ»(5)، وقوله : «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ

ص: 29


1- الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي ح1 .
2- مباني تكملة المنهاج /1/10 .
3- الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح5 .
4- المباني / 1 / 8 .
5- سورة النساء اية / 58 .

..........................

بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»(1)، وقد استدلوا على ذلك بهاتين الآيتين في نفوذ حكم حاكم التحكيم ، بأن يحكم بالعدل .

ولكن الحق أن الآيتين ليستا بصدد بيان شرائط القاضي ، بل بصدد بيان إن الحكم من القاضي لابد أن يكون بالحق أيّ بما أنزل الله تعالى لا بالجور ، مضافاً إلى ادعاء الإجماع .

وفيه إنّه محتمل المدركية ، وغير ثابت مع أنّ الخلاف والإشكال وردا في المسألة - أي مسألةالإجماع - حتى بالنسبة إلى العامة الذين هم الأصل في هذه المسألة كما قال الشيخ المظفر : هم الأصل له وهو الأصل لهم ، وكذا التمسك بخبر أحمد بن الفضل الكناسي قال : «قال لي أبو عبد الله (علیه السلام) أي شيء بلغني عنكم ؟ قلت ما هو ، قال : بلغني أنكم اقعدتم قاضياً بالكناسة قال : قلت : نعم جعلت فداك رجل يقال له عروة القتات ، وهو رجل له حظ من عقل نجتمع عنده فنتكلم ونتسائل ثم يرد ذلك إليكم قال لا بأس به»(2) فهو ضعيف من جهة السند ، لأن أحمد بن منصور إن كان هو الخزاعي فإنّ الواسطة ساقطة بينه وبين العياشي بعد إن كانالعياشي من أصحاب الهادي والعسكري (علیهما السلام)، وأحمد من أصحاب الرضا (علیه السلام) ، وإن كان أحمد بن منصور غيره فلم يوثق ، إذاً لا دليل على وثاقته .

وأمّا من جهة الدلالة فإن ظاهر الصدر «اقعدتم قاضياً بالكناسة» وإن كان ظاهراً في القاضي بالمعنى المقصود ، ولكن ذيل الرواية لا تدل على ذلك لإن قوله نجتمع عنده فنتكلم ونتسائل ، ثم يرد ذلك إليكم ، فإنّه صريح في البحث الفقهي ، فلو كان فيه شروط القاضي المنصوب فهو داخل فيه ، وإلا فهذه الرواية غير كافية ،

ص: 30


1- المائدة اية / 44 .
2- الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي ج31.

مسألة 6 : هل يكون تعيين القاضي بيد المدعي أو بيده و المدعى عليه معاً(1)، فيه تفصيل .

----------------------------------------

وتكفينا معتبرة أبي خديجة ، وصحيحة الحلبي «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) ربما كان بين رجلين من أصحابنا المنازعة في الشيء فيتراضيان برجل منا ، فقال : ليس هو ذاك إنما هو الذي يجبر الناس على حكمه بالسيف والسوط»(1)، فهي من جهة السند تامة وكذا من جهة الدلالة لإن معنى الرواية من يجبر الناس بالسيف والسوط فحكمه حرام ولا ينفذ أمّا من تراضى به المترافعان وكان شيعياً فحكمه نافذ .(1) لابد أولاً من بيان معرفة المدعي والمدعى عليه المنكر ، وتمييز أحدهما عن الآخر ، عن بريد بن معاوية عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه»(2)، وورد عن جميل وهشام في الصحيح قالا : «قال أبو عبد الله ، قال : رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) البينة على المدعي واليمين على من ادعي عليه»(3)، وغيرهما ، وقد اختلفت كلمات الفقهاء في تعريفهما .

الأول : إن المدعي هو من يخالف قوله الأصل ، والمنكر من يوافق قوله الأصل .

الثاني : المدعي من يخالف قوله الظاهر ،والمنكر من يوافقه .

الثالث : المدعي هو الذي لو ترك يترك ، والمنكر هو الذي لا يترك لو ترك أي إن المدعي من شأنه ابداء الالزام على غيره ، وفي قباله المنكر هو الذي من شأنه نفي الزام الغير عن نفسه .

الرابع : المدعي من لا يلزمه شيء بإقراره ، والمنكر مَنْ يلزمه لو أقرّ .

ص: 31


1- الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح8 .
2- الوسائل باب 3 من أبواب كيفية الحكم ح2 .
3- الكافي /7 /415 .

..........................

والظاهر أن كل هذه التعاريف الأربعة ترجع إلى معنى واحد ، بل قد تجتمع في مصداق واحد فلو ادعى زيد على عمرو - حيث لا صلة بينهماأصلاً - بدين مالي فانكره، فزيد مدعي لأنّه يخالف قوله الأصل ويخالف قوله الظاهر خصوصاً إذا كان المال بيد المدعى عليه ، وهو الذي لو ترك يُترك والذي يلزمه شيء بإقراره ، والمنكر يكون على العكس .

ولذا قال صاحب الجواهر : والذي يظهر أن المدعي والمدعى عليه معنى واحد وليس هذا اختلافاً في معناهما على وجه يوجب اختلاف الأحكام وإنما ذكروا تعريفه ببعض الخواص لإرادة التمييز في الجملة ، وإلا فمن المقطوع إنّه ليست بشيء ، منها معنى المدعي وخصوصاً المراد به هنا ، وهو الذي من التداعي بمعنى صحة إلى أن يقول وكيف كان فالرجوع إلى العرف فيمصداقهما أولى من ذلك كله ، ولعله لا اشتباه فيه بعد امتياز خصوص الدعوى بين المتخاصمين .

نعم قد يقدّم قول المدعي بيمينه في مقامات كثيرة للأدلة الخاصة ، وذلك لا يخرجه عن كونه مدعياً ، وإنما يخرج عن الحكم بإن عليه البينة ، وليس كل من قدم قوله بيمينه منكراً ، وكل من طلب منه بينة مدعياً ، ومن ذلك دعوى الودعي ردّ الوديعة ودعوى الأمين تلف المال وغير ذلك ، بل لعل منه تقدم قول مدعي الصحة ، فإنّه مدعٍ ولكن قدم قوله بيمينه فتأمل ، وبما ذكرنا يظهر لك النظر في كلمات كثيرة في المقام(1).

ص: 32


1- الجواهر/ 40 / 375 .

فإنّ كان القاضي قاضي التحكيم فالتعيين بيدهما معاً ، وإنّ كان قاضياً منصوباً فالتعيين بيد المدعي ، وأمّا إذا تداعيا فالمرجع في تعيين القاضي عند الاختلاف هو القرعة(1).

مسألة 7 : يعتبر في القاضي أمور : الأول : البلوغ ، الثاني العقل الثالث الذكورة ، الرابع الإيمان ، الخامس طهارة المولد ، السادس العدالة السابع الرشد ، الثامن الاجتهاد(2).

----------------------------------------

(1) أمّا لو كان قاضي التحكيم فمعلوم ، لإنّ أصل ثبوت نفوذ حكمه يكون برضاهما .

وأمّا إذا كان القاضي المنصوب مضافاً إلى ورود الإجماع وبما إنّه هو المدعي والمدعي لابدأن يثبت دعواه بأيّ وسيلة كانت وليس للمدعى عليه منعه عن اثبات دعواه ، فالتعيين يكون بيد المدعي رضي المدعى عليه أم لا وتشير إلى ذلك عدة من الآيات الشريفة .

فما نسبه إلى بعض المحققين المعاصرين بإنّه ليس كلاً منهما صاحب حق ففي غير محله ، لأنّه هو صاحب الحق ظاهراً ، فالتعيين بيده وليس للمدعي عليه حق على المدعي ظاهراً لكي يعين القاضي هو .

إذاً قوله واختياره يكون مقدّم فلا نحتاج إلى القرعة ، نعم في صورة التداعي يكون التعيين بالقرعة ، لأنّ كلا منهما مدعي وله أن يعيين الطريق لإثبات مدعاه ومع عدم إمكان هذا فلابدمن القرعة لكون القرعة تكون لكل أمر مشكل .

(2) لابد من الإشارة إلى أنّ هذا الشرط - والذي يليه وهو العقل - هما من الأمور البديهية لعظمة مقام القضاء ، حيث وصفته الروايات بإنّه منصب نبي أو وصي نبي ، لذا قد استدلوا عليه بالإجماع بلا فرق بين أن يكون مراهقاً أم لا ،

ص: 33

..........................

لصحيحة أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال قال : «قال : أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهلالجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه»(1).

وأمّا ما استدلوا به على اشتراط البلوغ بإن الصبي مسلوب العبارة ومولى عليه ، فلا يصلح في هذا المقام والمرتبة ، ومن يكون محجوراً عليه في ماله كيف لا يكون محجوراً عن القضاء ؟ فلا يمكن التمسك بإطلاق دليل القضاء ، فإذا كان محجوراً عليه وممنوعاً من التصرف مطلقاً فكيف ينفذ بالنسبة إلى الغير ، فيه كلام والعمدة إن المسألة اتفاقية ، كما في الجواهر : بلا خلاف أجده في شيء منها(2).وأمّا البلوغ والعقل الفاقد لهما في الشرع مرفوع عنه القلم وغير مكلف فكيف يعتلي منصب القضاء ، وكذلك بالأدلة القطعية لإنّ افعاله وأقواله لا تنفذ في حقه فكيف تنفذ في حق الغير ؟

وزيادة على ذلك إن بناء العقلاء في ذلك واضح ، ولإنصراف الأخبار وللأصل أيضاً ، وفي المسالك : هذه الشرائط عندنا موضع وفاق ، أمّا الأولان فلأن الصبي والمجنون لا ولاية لهما على أنفسهما فانتفاؤها عن غيرهما أولى ولا ينفذ قولهما على انفسهما ، فأولى أنّ لا ينفذ على غيرهما .

وأمّا الإيمان فإنّ أريد به الإسلام ، أو ما في معناه فاشتراطه واضح ، لأنّ الكافر ليس من أهلالتقليد على المسلم ولا على غيره مثله ، وإن أريد به الخاص

ص: 34


1- الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح5 .
2- الجواهر /40 /12.

..........................

المتعارف عندنا كما هو الظاهر فلمشاركة غيره للكافر في عدم أهلية التقليد واختلاف الأصول المعتبرة فيه عند الفريقين .

وجوّز بعض العامة تقليد الكافر القضاء على أهل دينه ، وهو شاذ وكذا القول في الفاسق لإنّه لا يصلح للشهادة فللقضاء أولى .

وأمّا طهارة المولد فلقصور ولد الزنا عن تولي هذه المرتبة حتى أن إمامته وشهادته ممنوعتان ،فالقضاء أولى .

وأمّا العلم فللنهي على القول على الله تعالى بدونه وقد قال النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) «القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار ، فالذي في الجنة رجل عرف الحق فقضى به ، واللذان في النار رجل عرف الحق فجار في الحكم ، ورجل قضى للناس على جهل»(1).

وأمّا اشتراط الذكورة فلعدم أهلية المرأة لهذا المنصب لإنه لا يليق بحالها مجالسة الرجال ورفع الصوت بينهم ولابد للقاضي من ذلك ، وقد قال (صلی الله علیه و آله وسلم) «لن يفلح قوم وليتهم امرأة»(2)، وفي الحديث عن علي (علیهالسلام) «إن القلم يرفع عن ثلاثة ، عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ»(3).

وللأصل والإجماع ولصحيحة الجمال قال ، «قال : أبو عبد الله جعفر ابن محمد الصادق (علیه السلام) إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه»(4)، والمؤيدة بالنبوي «لا يفلح قوم وليتهم امرأة»، وفي أخرى

ص: 35


1- عوالي الئلالي /2 /342 .
2- مسند أحمد / 5/ 47 - 50 .
3- الوسائل باب 1من أبواب مقدمة العبادات ح11 .
4- الوسائل باب1من أبواب صفات القاضي ح5 .

..........................

«لا تتولى القضاء»(1)، وفي وصية النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) لعلي (علیه السلام) : «قال يا علي ليس على المرأة جمعة إلى أن قال ، ولا تولى القضاء»(2)، وقوله (صلی الله علیه و آله وسلم) «لن يفلح قوم وليتهم امرأة»(3) .

والإجماع غير ثابت كما ادعى عليه الاردبيلي، بقوله: أمّا اشتراط الذكورة فذلك ظاهر فيما لم يجز للمرأة فيه أمر ، وأمّا في غير ذلك فلا نعلم له دليلاً واضحاً، نعم ذلك هو المشهور ، فلو كان إجماعاً ، فلا بحث ، وإلا فالمنع بالكلية محلبحث، إذ لا محذور في حكمها بشهادة النساء مع سماع شهادتهن بين المرأتين مثلاً بشيء مع اتصافها بشرائط الحكم»(4) .

مضافاً إلى أن الإجماع المذكور محتمل المدركية، والروايات ضعيفة وصحيحة أبي خديجة لا تنفي عدم جواز تولي المرأة القضاء، والعمدة حصول الاطمئنان من هذه الأدلة كلها وعدم وجود الدليل لجواز تصديها بعد إن قلنا الأصل عدم نفوذ حكم احد على غيره.

أمّا بالنسبة إلى القاضي إذا كان رجلاً ثبت بالدليل في نفوذ حكمه وأمّا المرأة فلا، فتدخل في الأصل، وقد ادعي الإجماع ، ويمكن التمسك بعدم نفوذ حكمها بما دل على المنع من الجمعةوالجماعة .

وأمّا

شرط الإيمان اتفاقي ففي الجواهر: أنّه من ضروريات مذهبنا(5) فإن كان الإيمان مقابل الكفر فهو مسلم لقوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ

ص: 36


1- الوسائل باب2 من أبواب صفات القاضي ح1 .
2- الوسائل باب 2 من أبواب صفات القاضي ح1 .
3- مسند أحمد /5/ 47 ، وسنن البيهقي /1/117 .
4- مجمع الفائدة والبرهان /12 /15.
5- الجواهر /40 / 13 .

..........................

يَكْفُرُوا بِهِ»(1)، مضافاً إلى الاتفاق .

أمّا إذا أريد من الإيمان المعنى الأخص أيلابد أن يكون إماميّاً اثنا عشرياً فالإيمان شرط ، لقوله (علیه السلام) في صحيحة أبي خديجة «فانظروا إلى رجل منكم» كما تقدم وغيرها من الروايات المتواترة والتي منها ، ما عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إيّما مؤمن قدم مؤمناً في الخصومة إلى قاض أو سلطان جائر ، فقضى عليه بغير حكم الله ، فقد شركه في الإثم»(2) وعنه أيضاً ما عن أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال قال : «قال : أبو عبد الله جعفر ابن محمد الصادق (علیه السلام) إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ، ولكن أنظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم ،فإني قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه»(3) وما عن عمر بن حنظلة قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحل ذلك ؟ قال : من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكما إلى الطاغوت وما يحكم له إنما يأخذ سحتاً وإن كان حقاً ثابتاً له لإنه أخذه بحكم الطاغوت إلى أن قال ينظران من كان منكم ممن روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فليرضو به حكماً ، فإني قد جعلته عليكم حاكماً»(4).

ويفهم من هذه المقبولة ورواية أبي خديجةالتي سبقتها في الجملتين منهما وهي «أنظرا إلى رجل منكم» و «ينظران من كان منكم» حيث أنّهما تدلان على شرطية الإيمان أي إن الإيمان له مدخلية في نفوذ الحكم .

ص: 37


1- سورة النساء الآية / 6 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح1 .
3- الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح5 .
4- الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي ح1.

..........................

أمّا صدر رواية أبي خديجة ، فلا يدل على الحكم الوضعي ، بل تدل على الحكم التكليفي ، وأمّا صدر رواية ابن حنظلة فهي تدل على الحكم الوضعي وقد دلتا بالصراحة في إطلاق كلمة الطاغوت شيعياً كان أم غيره فلا ينفذ حكمهمااضافة إلى الحرمة .

أمّا في صورة استنقاذ الحق خصوصاً إذا لم يوجد الحاكم العادل أو لا يمكنه أخذ حقه لو مع وجوده إلا بمراجعة حاكم الجور ، ففي هذه الصور يجوز ويكفينا قاعدة نفي الحرج وقاعدة نفي الضرر .

وأمّا شرط طهارة الولادة فلا خلاف فيه ، وفي الجواهر كما هو واضح بناءً على كفره ، أمّا على غيره فالعمدة الإجماع المحكي ، وفحوى ما دل على المنع من إمامته وشهادته ، إن كان وقلنا به مؤيداً بنفر طباع الناس منه وإلا فمقتضى العمومات دخوله(1)، وجواز حكمه حسب القاعدة، لولا اتفاقية المسألة لقلنا بما قاله في الجواهر بدخوله في العمومات ، وما استدل به الاستاذ الاعظم (قدس سره) مضافاً إلى قوله (علیه السلام) في صحيحة الجمال المتقدمة «ولكن انظروا إلى رجل منكم» ينصرف إلى غير ولد الزنا جزماً(2)، أي من الشيعة بأنّها منصرفة عن طهارة المولد ، ولكن يمكن أن يقال بإن الإنصراف بدوي .

وأمّا شرط عدالة القاضي للاتفاق على ذلك ، والأدلة قاصرة عن شمولها للفاسق ، وللأصل ، ولقوله تعالى : «وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَتُنْصَرُونَ»(3)، وكما جاء في صحيحة

ص: 38


1- الجواهر / 40 / 13 .
2- مباني تكملة المنهاج / 1/ 14 .
3- سورة هود الآية / الآية 113 .

..........................

سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : اتقوا الحكومة ، فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبي أو وصي نبي»(1)

وما نسب إلى المحقق الخونساري فيه نظر ، فإن الرجوع إلى حكم غير العادل مع وثاقته ليس ركوناً إلى الظالم ألا ترى إن الفقهاء يأخذون بالخبر من غير العادل مع الوثاقة و لا يعدهذا ركوناً .

ولكن لا يخفى أن هناك فرقاً بين الرجوعيين ، فإن الرجوع إلى الظالم والفاسق الموثق والأخذ بقوله - أي الظالم لنفسه وهو الفاسق - فإن الأخذ بقوله لا يكون ركوناً إليه ، فيأخذ منه إذا كان موثقاً وهذا بخلاف الرجوع إلى الحاكم فإنّه يستوجب الميل إليه واطاعته والاعتماد عليه ركوناً إليه ، بل الاطمئنان إلى قوله والسكون إلى حكمه وإظهار الرضا بفعله ، ويمكن الاستدلال بآية أخرى وهي قوله تعالى : «وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً»(2)، فالآية دالة على أن الحاكم المنصوب بغير الطريقالشرعي الصحيح فهو مغفول قلبه وتابع لهواه بتركه الإيمان والعمل بما أمره الله وكان أمره افراطاً وتجاوزاً عن الحدود ، والرجوع إليهم في الحكم يكون متابعة لهم وهو منهي عنه .

وأمّا قوله تعالى : «لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»(3) ، أي الذي يقوم بتدبير الأمة وتنظيم أمورها وتأديب جناتها واقامة الحدود على مستحقيها ، وهو مجعول من قبل الطغاة لا يكون لائقاً للقضاء ، حيث كان ظالماً فلا يجوز له أن يرشح نفسه للحكومة أيضاً بعد إن كانت الحكومة منصب عام وهو مختص بالنبي ، أو

ص: 39


1- الوسائل باب 3 من أبواب صفات القاضي ح3.
2- سورة الكهف الآية / الآية 28.
3- سورة البقرة الآية / 124 .

..........................

وصي النبي ، أو مَنْ اختاروه ، بل إذا حكم بما أنه ظالم وفاسق فحكمه غير نافذ وكما ورد في الروايات .

منها : مقبولة عمر بن حنظلة «قال سألت أبا عبد الله ... فقال الحكم ما حكم أعدلهما»(1)، فمن هذه الرواية تظهر بإن العدالة شرطيتها مفروغ عنها وإلا كان يقول خذ بالعادل منهم .

ومنها : ما ورد في صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله قال «اتقوا الحكومة، فإن الحكومةإنما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبي أو وصي نبي»(2) ، حيث حصر الحكومة لمن يكون عادلاً .

ومنها : رواية أبي خديجة «إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شيء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد هؤلاء الفساق»(3)، فإنها صريحة على إن الفسقة غير قابلين لجلوسهم على دكة القضاء وهم غير منصوبين من قبلهم D فلا يجوز التحاكم عندهم ، ولو حكموا بالحق فحكمهم غير نافذ لإن الفاسق ليس له الولاية على المجانين والصغار فكيف يمكنه أن يتولى القضاء وغير ذلك .وأمّا الاستدلال بعدم الصلاة خلف من لا يكون عادلاً ، فللروايات الواردة فيها والتي تدل على عدم جواز الصلاة خلف الفاسق .

وأمّا اشتراط العدالة فلا ، خصوصاً بناءّ على جواز الواسطة بين الفاسق والعادل ، وهو في ما إذا كان أول بلوغه ولم يرتكب ذنباً ، فإنه ليس بفاسق ولا عادل ، أمّا كونه ليس بفاسق لإنه لم يرتكب ذنباً ، وأمّا إنه ليس بعادل لإنه لم

ص: 40


1- الوسائل باب 9 من أبواب صفات القاضي ح1 .
2- الوسائل باب 3 من أبواب صفات القاضي ح3.
3- الوسائل باب 11من أبواب صفات القاضي ح6 .

الشرط الثامن الاجتهاد(1).

----------------------------------------

يحصل على ملكة العدالة بناءّ على اشتراط العدالة وهي تكون بحصول الملكة والروايات التي تدل على شرطية العدالة ضعيفة من جهة السند .

وقد يستدل بعدالة الشاهد بالتعدي إلى القاضي وروايات باب الشهادة تامة سنداً ودلالة فيمكن أن يتعدى إلى القاضي ونقول بعدم نفوذ حكمه إذا لم يكن عادلاً فبطريق أولى .

أمّا الشرط السابع وهو الرشد فهو من المسائل المسلمة وقد نقل عن الشيخ والكثير من الفقهاء بإنهم لم يتعرضوا لهذه المسألة ، ويكفي فيها دليلالعقل ، وممن لم يتعرض لهذه المسألة أيضاً صاحب الرياض، والمستند

والمسالك والدروس وغيرهم.

(1) الكلام يقع في شرطية الاجتهاد أو بجواز الحكم ولو كان مقلداً وعلى فرض وجوب الاجتهاد ، هل لابد أن يكون مجتهداً مطلقاً ، أو يكفي التجزي ؟ قال المحقق : ويشترط فيه العلم ولذا لا ينعقد لغير العالم المستقل بأهلية الفتوى ولا يكفي فتوى العلماء ولابد أن يكون عالماً بجميع ماوليه(1).

أمّا الكلام في المقام الأول ، فنقول كما مرّ بإن نفوذ حكم شخص على آخر لابد من وجوددليل عليه والأصل عدم ترتب الأثر على حكمه .

لا يخفى بإن أصل العلم شرط وهو بديهي من بديهيات العقل لإنه لا يمكن أن يحكم بما أنزل الله إلا مع العلم وكذا الحكم بالعدل ، كما إنه لابد أن يكون الحكم صادراً ويكون مطابقاً للشريعة ، فما يصدر من الرأي ، أو القياس أو الاستحسان فلا يكون نافذاً .

ويدل عليه مضافاً إلى الإجماع ، ما ورد من الروايات .

ص: 41


1- الشرائع /4 /76 .

..........................

منها : المرفوعة عن أبي عبد الله : «قال القضاة أربعة ثلاثة في النار وواحد في الجنة ، رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم فهو في النار ورجل قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنة»(1).

ومنها : صحيح هشام بن سالم قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) ما حق الله على خلقه ، قال : أن يقولوا ما يعلمون ويكفوا عمّا لا يعلمون ، فإذا فعلوا ذلك فقد ادوا إلى الله حقه»(2) .

ومنها : صحيحة أبو عبيدة قال : «قال أبوجعفر (علیه السلام) من افتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتياه»(3)، ولذا ورد النهي عن القضاء كما عن محمد بن محمد المفيد عن النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) «قال من جعل قاضياً فقد ذبح بغير سكين»(4) وفي رواية عن أنس بن مالك عن النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) «لسان القاضي بين جمرتين من نار حتى يقضي بين الناس ، فإما إلى الجنة وإما إلى النار»(5) .

وإن وردت هذه الروايات في ذم الجلوس على دكة القضاء ، ولكن بما إن أمر القضاء يكون عظيماً عند الله لأجل أخذ حق المظلوم من الظالموتنظيم أمور المسلمين فمن راعى جانب الدقة والاحتياط في الحكم فأجره يكون عظيماً عند الله ، بل لا يجوز ترك القضاء وجعله مهملاً إلا مع وجود من يقوم به لعدم

ص: 42


1- الوسائل باب 4 من أبواب صفات القاضي ح6 .
2- الوسائل باب 4 من أبواب صفات القاضي ح10 .
3- الوسائل باب 4 من أبواب صفات القاضي ح1 .
4- المقنعة /721 ، الوسائل باب3 من أبواب صفات القاضي ح8 .
5- الوسائل باب 2 من أبواب آداب القاضي ح3 .

..........................

جواز تعطيل حقوق الله .

والروايات الناهية تحمل أمّا على من حكم بغير العلم أو بغير الحق وهل هذا العلم لابد أن يكون عن اجتهاد أو يكفي أن يكون عن تقليد ؟ وعلى فرض الأول هل لابد أن يكون مجتهداً مطلقاً أو يكفي التجزيء ؟وبعد ما قلنا بإنه يشترط العلم في نفوذ الحكم فلا ينعقد القضاء للجاهل ولا ينفذ حكمه .

قالوا بإن هذا العلم لابد أن يكون مستقلاً بأهلية الفتوى ، ومستنبطاً من الأدلة الأربعة ، فلابد من سبب خاص لإنصراف الأدلة عن العلم الحاصل من أي سبب كان ، ويدل عليه الإجماع والروايات .

منها : مقبولة عمر بن حنظلة قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجلين من اصحابنا بينهما منازعة إلى أن قال ينظران من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا»(1)، فيفهم منها السائل بل العرف المراد هوالاجتهاد .

ومنها : التوقيع الشريف قال : «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم»(2)، أي حملة الأحاديث العارفون بصحتها وسقمها ، والعارفون بإرجاع العام إلى الخاص والمطلق إلى المقيد ، وكيفية الجمع بين المتعارضين وهو ما يطلق على المجتهد لا من يحمل الحديث فقط .

ثم لو قلنا بإن القاضي أن يكون مجتهداً ، فهل لابد أن يكون مجتهداً مطلقاً أم لا ؟

قال في شرح القواعد : لا فرق في المجتهد بين المطلق والمتجزيء ، كما عليه

ص: 43


1- الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي ح1.
2- الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي ح9.

المصنففي القواعد ، ويشترط أن يكون ذا قوة يتمكن من استخراج الفروع من الاصول ولا يكفي فقط ذلك كله من دون قوة الاستخراج ... وفي تجزي الاجتهاد إشكال الأقرب الجواز(1)، وكذا في التحرير : وهل يتجزأ الاجتهاد أم لا ؟ الأقرب نعم لما ورد عن الصادق (علیه السلام) إنه قال «إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ولكن أنظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه»(2) ، نعم يشترط أن يكون عارفاً بجميع ما وليه ولا يكفيه فتوى العلماء(3)،

وكذلك الشهيدان في الدروس : ويتجزأ الاجتهاد علىالأصح(4)،

والمحقق السبزواري في الكفاية : ولا يبعد القول بالاكتفاء بالتجزيء عند فُقْد المجتهد المطلق(5) وغيرهم ولإن الظاهر بل المقطوع إن المنصوبين في زمن النبي والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما والهما ، لم يكن لبعضهم قدرة استنباط جميع المسائل فتأمل .

وقد يدل على كفاية المتجزيء مرفوعة أبي خديجة «...ولكن أنظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا»(6)

، فإنها ظاهرة في أن المجتهد إذا كان عالماً بالمسائل المحتاج إليها في باب القضاء ولو لم يعرف بقية الأحكام يجوز الرجوع إليه إلا إذا قلنا بأن المراد من هذه الرواية هو المجتهدالمطلق أيضاً لإن لفظ النكرة لوحظ بالنسبة إلى علومهم (علیهم السلام) فالمجتهد مهما وصل علمه فإنه يكون قطرة بالنسبة إلى البحر من علومهم (علیهم السلام) .

ص: 44


1- القواعد / 3 / 423 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح5.
3- تحرير الاحكام /5 /111.
4- الدروس /2 /80 .
5- كفاية الفقه /2 /662.
6- الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي /ح5 .

..........................

ثم إن أصل المسألة تأتي بناءً على إمكان التجزيء ، فقد يقال باستحالة التجزي في الاجتهاد نظراً إلى أنه ملكة كملكة الشجاعة والسخاوة وغيرهما من الملكات ، والملكة أمر بسيط غير قابل للتجزئة والتقسيم من التنصيف والتثليث أوغيرهما ، ومقابل ذلك هو الكم دائماً يدور أمر الملكة بين الوجود والعدم ، ولا يعقل أن تتحقق متبعضة، بأن يقال إن لفلان نصف ملكة الشجاعة ، أو نصف ملكة الاجتهاد فالمتصدي للاستنباط إمّا أن يكون مجتهداً مطلقاً ، وإمّا لا يتصف بالاجتهاد أصلاً ، فالتجزيء في الاجتهاد أمر غير معقول .

ولكن هذه المغالطة في الدعوى بينة لوضوح إن مدعي إمكان التجزيء لا يريد به ذلك من أن ملكة الاجتهاد قابلة للتجزئة وإن للمتجزيء نصف الملكة أو ثلثها ، فإنه كما مرّ غير معقول نظير دعوى أن زيداً له نصف ملكة الشجاعة مثلاً ، بل مراده إن متعلق القدرة في التجزيء اضيق دائرة من متعلقها في المجتهد المطلق لإنها فيه أوسع .وتوضيحه إن القدرة تتعدد بتعدد متعلقاتها فإن القدرة على استنباط حكم مغاير للقدرة على استنباط حكم آخر وهما مغايران للقدرة على استنباط حكم ثالث نظير القدرة على بقية الاعمال الخارجية ، فإن القدرة على الأكل غير القدرة على القيام وهما غير القدرة على التكلم ، وهكذا في استنباط الأحكام تختلف بحسب سهولة المدرك والاستنباط وصعوبتها فرُب حكم يختلف فيه الأقوال وتضاربت ادلته واخباره ، وحكم مدركه رواية واحدة ظاهرة الدلالة وتامة السند ، ومن البديهي الاستنباط في الأول أصعب وفي الثاني أسهل فعلى أي حال ، فقد استدلوا على الاجتهاد المطلق بمقبولة عمر بن حنظلة بقوله «نظر فيحلالنا وحرامنا وعرف احكامنا» لإفادة الجمع المضاف للعموم .

ص: 45

..........................

ولكن لو قلنا بإن المرفوعة تدل على كفاية التجزيء وما يفهم منها بمناسبة الحكم والموضوع هو احكام القضاء إذ لا تعارض بينها وبين مرفوعة أبي خديجة ولو فرض إجمال المقبولة يكفي التمسك بإطلاق مرفوعة أبي خديجة .

يقول الشيخ الانصاري : ومما ذكرنا يعلم أن الأقوى جواز القضاء للتجزيء أعني من له ملكةاستنباط بعض المسائل دون بعض ، ووجه الجواز حينئذٍ ما مرّ من الأدلة العامة والخاصة عدا ما يتوهم من مقبولة عمر بن حنظلة من اعتبار المعرفة بكل الأحكام بناءً على حمل الجمع المضاف على العموم فيخصص به من حيث المفهوم المستفاد من كون المقام تعين المرجع في القضاء وتحديده بعموم رواية أبي خديجة والتوقيع الشريف(1).

والحق كما ذهب إليه بعض الفطاحل بعد إنْ قلنا بإمكان التجزيء بل إمكان وقوعه ، وإن الاجتهاد قابل للمراتب من حيث يكون قادراً في بعضها على الاستنباط من كتاب الصلاة أو باب القضاء ، وبناءً على ما برهنوا في محله من محاليةالطفرة يكفي التجزيء أي بناءً على القدرة في استنباط جملة من المسائل المعتد بها لا جميع المسائل .

وقالوا لابد من التجزيء لمحالية الطفرة لإنه أولاً يحصل التجزيء ثم يترقى إلى استنباط كل الأحكام ، ولذا قال صاحب الكفاية : بإنه بل يستحيل حصول اجتهاد مطلق عادة غير مسبوق بالتجزيء ، نعم ليس ذلك من المستحيلات العقلية نظير اجتماع الضدين أو النقيضين ، وذلك فإن المسائل الفقهية في عرض واحد ولا تقدم لبعضها على الآخر زماناً أو رتبة حتى يكون التمكن من استنباط بعضها مقدمة للقدرة على استنباط بعضها الآخر لكي يتوهم بأن المتأخر

ص: 46


1- كتاب القضاء للشيخ الانصاري / 232.

..........................

يستحيل أن يتحقق قبل حصول المتقدم حيث أن تقدم ذي المقدمة من دون مقدمته في المقام يستلزم الطفرة المحال ، فأيّ مانع لدى العقل من أن تحصل ملكة الاجتهاد المطلق دفعة واحدة ولو بالإعجاز والافاضة من الله جلت عظمته هذا في امكان التجزيء ووقوعه(1).

وما ذكره تام لإن الدليل العقلي غير قابل للتخصيص ، وأمّا الاقتدار على استنباط مسألة أو مسألتين لو صدق عليه شيء فهو منصرف عنهفلابد من عدم الأخذ بإطلاق المقبولة ، وتحمل على ما يراد به مرفوعة أبي خديجة المعرفة بأحكام باب يصدق عليه إنه عرف احكامهم .

قد يقال بإن المقبولة مختصة بالشبهة الحكمية فلا تشمل الأعم .

قلنا الحق إن مورد السؤال غير مختص بالشبهة الحكمية ، بل يظهر من قول السائل «بينهما منازعة في دين أو ميراث» أعم من أن يكون في الحكم أو الموضوع أيضاً .

ثم إنه لابد من الكلام في بيان جواز تفويض القضاء للمقلد أم لا ؟ وهنا أمور ثلاثة :

الأول : جواز تفويض أمر القضاء إلى المقلد على أن يحكم وفق فتوى من يقلده .الثاني : أن يوكل المجتهد من يحكم من قبله طبقاً لإرائه .

الثالث : أن يستخلف المقلد بحيث يكون له ولاية من قبل المجتهد في الفحص عن القضايا وتشخيص مواضعها ، ثم يبين رأي الفقيه الذي ولاه .

أمّا الأمر الأول : فلا إشكال في عدم جوازه بعد إن قلنا لابد من نفوذ

ص: 47


1- كفاية الاصول / 523 طبعة جماعة المدرسين ، وانظر شمس الأصول /5/ 426 لسماحة الأستاذ .

..........................

القضاء بالاجتهاد واعتبار العلم للقاضي وعدمكفاية القضاء عن تقليد وادعي عليه إجماع المسلمين ، لإن العامة يشترطون في القاضي الاجتهاد ، وما نقل عن المناهل بل هذا إجماع المسلمين قاطبة ، فإن العامة أيضاً يشترطون في القاضي الاجتهاد وإنما يجوزون قضاء غيره بشرط أن يوليه ذو الشوكة وهو السلطان المتغلب وجعلوا ذلك ضرورة ، فالقول بجواز القضاء لمن قصر عن الدرجة من غير تولية ذي الشوكة كما هو الواقع مخالف لإجماع المسلمين انتهى .

وكذا ما نقل من دعوى صاحب المفاتيح ، مضافاً إلى الروايات الواردة منها عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «فاتقوا الحكومة فإن الحكومة إنما هي للإمام العالمبالقضاء العادل في المسلمين لنبي أو وصي نبي» والتوقيع الشريف ، ومقبولة ابن حنظلة ، ومشهورة أبي خديجة ، وقد مرّ ذكر ذلك .

وأمّا الثاني : إنه لو فرض أنه يجوز للمقلد الاستقلال بالقضاء ولكن هل للمجتهد أن يأذن له فيه ويوكله في القضاء فيقضي غير المجتهد وكالة عن المجتهد ؟ يقول آغا ضياء الدين العراقي : ولعل هذا أردء من الوجه الأول ، إذ مضافاً إلى ورود النقوض المذكورة عليه ، يرد عليه إن جواز القضاء كجواز الافتاء حكم شرعي ووضعي مترتب على موضوعه الخاص شرعاً ، فكما لا يجوز التوكيل في الافتاء كذلك لا يجوز التوكيل في القضاء ، نعم كما يجوز بيان فتوى الغير كذلك يجوز بيان رأى الغير في القضية من غير أنيكون قضاء شرعياً ، الأمر الذي ينطبق على الوجه التالي(1)، ولكن إذا قلنا بإن للمجتهد والفقيه الولاية كالإمام (علیه السلام) يجوز له أن ينصبه للحكومة ، وأمّا إذا لم تكن له تلك الولاية فلا ، لعدم الدليل لإن الدليل أثبت أن الحكومة للنبي (صلی الله علیه و آله وسلم) أو للإمام (علیه السلام) ومن ينصبانه ، وعدم الدليل كافٍ في

ص: 48


1- كتاب القضاء للعراقي / 15.

..........................

عدم الجواز .وأمّا الثالث : الاستخلاف بأن يولي المجتهد من يفحص عن القضايا ويشخص مواضيعها وبعد ذلك يبين رأي المجتهد في كل قضية فحصها .

ولكن هذا خارج عن القضاء الشرعي ولا يصدق عليه القضاء بالمعنى المتعارف ، بل بمعنى تشخيص الموضوع وبيان رأي المجتهد فيه ، فلابد أن يكون القاضي مجتهداً .

نعم نسب إلى أبي حنيفة وأصحابه الجواز ، قال في المبسوط : القضاء لا ينعقد لأحد إلا بثلاثة شرائط : أن يكون من أهل العلم والعدالة والكمال وعند قوم بدل كونه عالماً أن يكون من أهل الاجتهاد ولا يكون عالماً حتى يكون عارفاً بالكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والاختلاف ،ولسان العرب وعندهم القياس .

وأمّا الكتاب فيحتاج أن يعرف من علومه خمسة اصناف ، العام والخاص والمحكم والمتشابه ، والمجمل والمفسر ، والمطلق والمقيد ، والناسخ والمنسوخ ...

وأمّا السنة فيحتاج أيضاً أن يعرف فيها خمسة أصناف : المتواتر ، والآحاد والمرسل ، والمتصل ، والمسند ، والمنقطع ، والعام والخاص ، والناسخ والمنسوخ ... وفي الناس من أجاز أن يكون القاضي عاميّاً ويستفتي العلماء ويقضي به والأول هو الصحيح عندنا(1)، هذا في صورة عدم الاضطرار ، وأمّا في حال الاضطرار وهو عدم وجود مجتهد في البلاد وتعسر وتعذر الترافع إليهفالعقل يحكم بالجواز لإن ذلك يستوجب بقاء النظام ورفع التشاجر والتنازع ، فغير المجتهد بعد عمله بفتوى مقلده يحكم بالحق ، فالعقل يحكم بنفوذ حكمه ، وذكر صاحب المستند : إذا فُقد الجامع للشرائط ، أو تعسر الوصول إليه ، أو لم ينفذ قضاءه مطلقاً ، أو على

ص: 49


1- المبسوط / 5 / 451 .

..........................

خصوص المدعى عليه ، أو لم يمكن إثبات الحق عنده فهل يجوز الترافع إلى غيره ؟ ظاهر الأكثر العدم ، وفي الروضة الإجماع عليه(1).ونقل الاردبيلي قولاً منسوباً إلى ابن فهد الحلي بجوازه في الصورة الأولى قال : إنه وجده في حاشية الدروس منقول عن الشيخ حسين بن حسام ، ووجدت أنا أيضاً في حاشية نسخة منه منسوبة إلى مسائل ابن طبي ونسبة هذا القول إلى ابن فهد وإلى الشهيد في الحواشي واختاره نفسه واستقر به بعض المعاصرين(2)،

وجوزه الشهيد الثاني في المسالك(3)، ووالدي في معتمد الشيعة لو توقف حصول الحق عليه ، وظاهرهما الشمول للصور الأربعة ، واستدلوا على الجواز بلزوم تعطيل الأحكام لولاه ينفي العسر والحرج(4).

لا يخفى إن رفع المنازعات من المستقلاتالعقلية التي يحكم بها العقل مستقلاً بوجوب بقاء النظام ، ويمكن الاستفادة من الآية : «يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ»(5)، أن يكون المتفرع على الخلافة القيد أعني كون الحكم على نحو الحق بأن تكون شرعية أصل الحكم له معلومة بالعقل المستقل، ويكون الغرض من التفريع تأكيد الحكم بالحق في حق الخلفاء.

ولكن ذلك الحكم من العقل على وجه الإيجاب الجزمي بمعنى حكمه بوجوب وجود القاضي والفاصل في الجملة ، وأمّا حكمه بوجوب القضاء على الجميع

ص: 50


1- مستند الشيعة / 17 / 38 / الروضة / 3 / 68.
2- المحقق القمي في رسالة القضاء ، غنائم الايام /674.
3- المسالك / 2 /352.
4- مسند الشيعة /17/ 38 - 39.
5- سورة ص الآية / 26.

..........................

أو على البعض المعين فلا .

ولا يرد عليه أن الإجمال في حكم العقل غير معقول .

فالإجمال ليس في موضوع الحكم ولا في محموله ، بل في مصاديق الموضوع نظير استقلاله بقبح تناول المضر ، فإنه لا ينافي شكه في قبح بتناول شيء باعتبار الشك في أندراجه تحت مفهوم المضر .

والذي يقضي به العقل أن يكون الشخص قاضياً بين الناس مع عدم ترتيب المفسدة علىقضاوته ، ولما لم يشخص عند هذا الشخص ولا يدرك مصاديقه فتعيينه موكول إلى الشارع العالم بخفيات الأمور ، فتعيين الشارع شخصاً للقضاء تشخيص لموضوع حكم العقل ، كما أن حكم الشارع بأصل القضاء تأكيد لحكم العقل ، فإن تعيين القاضي من قبل الشارع فهو المتبع وإلا فإن كان في المكلفين شخص متفق عليه فالقدر المتيقن وجوب الاقتصار عليه لإن الضرورات تقدر بقدرها وإلا وجب على المكلفين جميعاً وجوباً عقلياً كفائياً لاستحالة التعيين المستلزم للترجح بلا مرجح .

وهذا أصل عقلي مطرد في جميع الأمور الحسبية للقاضي التي يحكم بها العقل المستقلكإغاثة الملهوف ، ومحافظة على النفوس ، والأموال الضائعة ونحوها من الأمور الحسبية ، فإن الضابط فيها ما ذكرنا من إتباع التعيين الشرعي للمقيم بها ، ومع عدم التعيين الشرعي والاقتصار على الشخص المتفق عليه وهو القدر المتيقن ومع التساوي فالوجوب كفائي .

ص: 51

بل الضبط على وجه(1). ولا تعتبر فيه الحرية(2).

----------------------------------------

(1) أمّا الضبط ففي مفتاح الكرامة قوله : كما في الإرشاد ، والتبصرة والشرائع ، والنافع ، والدروس ، والروضة ، وتعليق النافع للمحقق الثاني وقد فسر في الشرائع والنافع والتعليق المذكور بإن لا يغلب عليه النسيان(1).

ولكن المسألة محل كلام وإن ادعى بعض المحققين عدم الخلاف فيها وقد نسب إلى مفتاح الكرامة : قد خلا من هذا الشرط كثير من كتب الأصحاب كالتحرير وظاهر غيره ، لكنه يفهم من مطاوي كلامهم ولاسيما عند التعرض للكتابة ، وقد أجمعوا على اعتباره في الراوي(2)، ولكن فيالواقع أصل الضبط في الواقعة التي هي محل الابتلاء كافٍ ولو لم يكن ضابطاً في المسائل الأخرى لإنصراف الأدلة عمّا لا يكون له ضبط أصلا .

(2) قد يقال باعتبارها ونسب إلى الأكثر ، وعن الروضة بقوله : وفي الغيبة ينفذ قضاء الفقيه الجامع لشرائط الافتاء ، وهي البلوغ والعقل والذكورة والإيمان والعدالة وطهارة المولد اجماعاً والكتابة والحرية ، ثم قال : أيضاً ولابد في القاضي المنصوب من الإمام من الكمال إلى أن قال وانتفاء الخرس والحرية(3).

وقال المحقق : وهل يشترط الحرية قال في المبسوط نعم والأقرب أنّه ليس شرطاً ، وفيالروضة أنه نسب الحرية إلى الأشهر(4)، وشرحه كما في المسالك حيث قال : اشتراط الحرية في القاضي مذهب الأكثر منهم الشيخ واتباعه لإن القضاء ولاية والعبد ليس محلاً لها لاشتغاله عنها باستغراق وقته بحقوق المولى ، ولإنه من

ص: 52


1- مفتاح الكرامة / 25 /25.
2- نفس المصدر .
3- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية / 3 /62 - 67.
4- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية / 3/ 62 .

..........................

المناصب الجليلة التي لا تليق بحال العبد ، واستقرب المصنف عدم اشتراطها للأصل، ولإن المناط العلم وهو حاصل وعموم قول الصادق (علیه السلام) «أنظروا إلى رجل منكم يعلموا شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم قاضياً فإني قدجعلته قاضيا» ويمنع من عدم أهليته للولاية مع إذن السيد وعدم تأهله لهذا المنصب مجرد دعوى(1).

وقد استدل للقول الأول : من كان لغيره ولاية عليه لا يكون له الولاية على غيره .

الثاني : إن القضاء منصب عظيم والعبد قاصر عن نيل هذا المنصب .

وقد اجيب عنه أولاً : إذا فرض إن شرائط القضاء مجتمعة فيه فلا مانع من تصديه .

وثانياً : بإن مقتضى الإطلاقات جوازه .

وقد يستدل لعدم الجواز بالآية : «عَبْداً مَمْلُوكاً لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ»(2) كما ذكره صاحبالرياض : وفي الأدلة من الطرفين نظر .

فالأول : من الأول بالمنع من عدم أهليته للولاية مطلقاً ، بمجدر ما ذكروه من التعليل بالاشتغال بحقوق المولى المانع من القضاء إذ غايته عدم الأهلية مع عدم ، إذن المولى لا مطلقاً وهو اخص من المدعى .

والثاني : بإنه مجرد دعوى بل ومصادرة أعادة المدعى(3).

خصوصاً لو كان المملوك أوقاته مستغرقة للمولى ، وفيه إنه يجوز له مع إذن المولى ، وما ذكر بإن الأصل عدم الجواز لأن الأذن في العبد غير متيقن وفيه إن

ص: 53


1- المسالك / 13 /330.
2- سورة النحل الآية / 75 .
3- رياض المسائل / 15 / 17.

كما لا تعتبر فيه الكتابة ولا البصر ، فإن العبرة بالبصيرة(1).

----------------------------------------

الإطلاقات حاكمة على الاصل مع إنها غير معارضة بشيء

فالحق هو الجواز تبعاً للمحقق ومن تبعه على ذلك .

قال بعض المعاصرين : بإنه نحن لا نبحث عنها لعدم الابتلاء بها في هذه العصور ، وما ذكره غير تام لإن مثل هذه المسائل لا تخلو من الفائدة العلمية .(1) قال المحقق : والأقرب اشتراط ذلك لما يضطره إليه من الأمور التي لا تتيسر لغير النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) بدون الكتابة(1)، وعن صاحب القواعد : وفي اشتراط علمه بالكتابة إشكال وكذا البصر والأقرب اشتراطهما(2)،

والشهيدين بقولهما : والذكورة والكتابة بعسر الضبط بدونها لغير النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) والبصر لافتقاره إلى التمييز بين الخصوم وتعتذر ذلك مع العمى في حق غير النبي (صلی الله علیه و آله وسلم)(3)،

وذكر صاحب مستند الشيعة : شرطه الشيخ والحلي ونسبه في المسالك والروضة وغيرهما إلى الأكثر، وجعله في السرائر من مقتضيات المذهب وقيل إنه مذهب عامة المتأخرين(4)، وإنّهم استدلوا أولاً : بالأصل وبعدم انضباط الوقائع بدون الكتابة أمّا الأصل فيرفع بالإطلاق ، وأمّا الحاجة إلى الانضباط تندفع بإمكان اختيار ثقات يضبطون الوقائع ، والأقوى هو عدم الاشتراط ، وكذا نرى كثيراً من الفقهاء لم يذكروا هذا الشرط كالأستاذ الاعظم (قدس سره) كما إنه لا يشترط البصر خلافاً للمسالك : إنه لا ينعقد لافتقاره إلى التمييز بين الخصوم وتعذر ذلك مع العمى إلا فيما يقل ، كما

ص: 54


1- شرائع الإسلام /4 / 67 .
2- قواعد الاحكام /3 /421 .
3- اللمعة الدمشقية /3 /67 .
4- مستند الشيعة /17 /36 .

مسألة 8: كما أن للحاكم أن يحكم بين المتخاصمين بالبينة والإقرار وباليمين، كذلك له أن يحكم بينهما بعلمه ولا فرق في ذلك بين حق الله وحق الناس، نعم لا يجوز إقامة الحد قبل مطالبة صاحب الحق، وإن كان قد علم الحاكم بموجبه على ما يأتي(1).

----------------------------------------

نقل في الجواهر(1).

ولكن يمكن أن يجاب عن هذا باختيار مميز ثقة أو بطرق أخرى ويكفي الدليل في الجواز الإطلاقات كما قلنا ، فالحق أن يقال تمييز الحق من الباطل إنْ توقف على ذلك فبها وإلا لا دليلعلى اشتراطها ، وكذا شرطية البصر .

(1) أمّا إذا قلنا بإن الإمام لا يقضي بعلمه فبطريق أولى لا يجوز للحاكم أن يقضي به .

وأمّا إذا قلنا إن الإمام يقضي بعلمه ، فهل لحاكم الشرع أن يكون كذلك أو لا يجوز له أن يحكم بعلمه على الإطلاق أو هناك تفصيل بين حق الله وحق الناس فلا يجوز في الأول دون الثاني ؟ وهنا مسائل :

الأولى : إن الإمام (علیه السلام) يقضي بعلمه مطلقاً وغيره من القضاة يقضي بعلمه في حقوق الناس وفي حقوق الله سبحانه على قولين أصحهما القضاء(2)

ويجوز أن يحكم في ذلك كله، وفي الانتصار : ومما ظن أنفراد الإمامية به وأهل الظاهر يوافقهما في القول ، بإن للإمام والحكام من قبله أن يحكموا بعلمهم في جميع الحقوق والحدود من غير استثناء وسواء علم الحاكم ما علمه وهو حاكم أو علمه قبل

ص: 55


1- الجواهر/40 /21.
2- شرائع الإسلام /4 /75 .

..........................

ذلك وقد حكي أنه مذهب لابي ثور(1).

وقال في الغنية : ومحكي الخلاف للحاكم أن يحكم بعلمه في جميع الأحكام من الأموال والحدود والقصاص وغير ذلك سواء كان من حقوق الله تعالى أو من حقوق الآدميين فالحكمفيه سواء ، ولا فرق بين أن يعلم ذلك بعد التولية في موضع ولايته أو قبل التولية أو بعدها قبل عزله وفي غير ولايته الباب واحد(2)، وفي نهج الحق : ذهبت الإمامية إلى أن للقاضي أن يحكم بعلمه ، وقال الفقهاء الأربعة لا يقضي بعلمه إلا أن أبا حنيفة قال : إن علم بذلك في موضع ولايته قبل التولية أو بعدها حكم وإن علم في غير موضع ولايته قبل التولية أو بعدها لم يقضي(3)،

وظاهر الغنية يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه في جميع الأشياء من الأموال والحدود والقصاص وغير ذلك وسواء في ذلك ما علمه في حال الولاية أو قبلها بدليل إجماع الطائفة(4)،

وقال في الجواهر : لاخلاف بيننا معتداً به في أن الإمام يقضي بعلمه مطلقاً في حق الله وحق الناس(5)،

ولقوله تعالى : «يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ»(6)، وقال تعالى : «أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ »(7)، وقوله تعالى : «وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ»(8) وحكمه

ص: 56


1- الانتصار / 486 .
2- الخلاف /6 /242 .
3- نهج الحق / 563 .
4- الغنية /1 /436 .
5- الجواهر/ 40 / 86 .
6- سورة ص الآية / 26.
7- سورة النساء الآية / 58 .
8- سورة المائدة / 42 .

..........................

بعلمه حكم بالعدل والقسط ، وقد استدلوا بالإجماع ، وفيه ما عرفت حال امثال هذه الإجماعات والأخبار .

منها : ما عن الكليني بسنده إلى الحسين بنخالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال سمعته : «يقول الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحد ، ولا يحتاج إلى بينة مع نظره لإنه أمين الله في خلقه ، وإذا نظر الإمام إلى رجل يسرق ، أن يزبره وينهاه ويمضي ويدعه ، قلت : وكيف ذلك ؟ قال : لإن الحق إذا كان لله تعالى فالواجب على الإمام إقامته وإذا كان للناس فهو للناس»(1).

ومنها : ما رواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (علیه السلام) وقد وصفوه بالشهرة قال : «جاء اعرابي إلى النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) فادعى عليه سبعين درهماً ثمن ناقة باعها منه ، فقال (صلی الله علیه و آله وسلم) : قدأوفيتك ، فقال : أجعل بيني وبينك رجلاً يحكم بيننا ، فأقبل رجل من قريش ، فقال (صلی الله علیه و آله وسلم) احكم بيننا ، فقال : للاعرابي ما تدعي على رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) فقال : سبعين درهماً ثمن ناقة بعتها منه ، فقال : ما تقول يا رسول الله ، فقال (صلی الله علیه و آله وسلم) قد أوفيته ، فقال للاعرابي ما تقول ، فقال : لم يوفني ، فقال لرسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) الك بينة أنك قد أوفيته ، قال (صلی الله علیه و آله وسلم) لا ، فقال للاعرابي اتحلف إنك لم تستوف حقك وتأخذه ، فقال : نعم ، فقال رسول الله لا تحاكمن مع هذا إلى رجل يحكم بيننا بحكم الله ، فأتى علي بنأبي طالب (علیه السلام) ومعه الاعرابي ، فقال : علي (علیه السلام) ما لك يا رسول الله ، قال يا أبا الحسن احكم بيني وبين هذا الاعرابي فقال : علي (علیه السلام) يا اعرابي ما تدعي على رسول الله ، قال : سبعين درهماً ثمن ناقة بعتها منه ، فقال : ما تقول يا رسول الله قال قد أوفيته ثمنها ، فقال (علیه السلام) : يا اعرابي أصدق رسول الله فيما قال ، قال : الاعرابي لا ما أوفاني شيئاً ، فأخرج علي (علیه السلام) سيفه فضرب عنقه ،

ص: 57


1- الوسائل باب 32 من أبواب مقدمات الحدود ح3 .

..........................

فقال رسول الله لما فعلت يا علي ذلك ، فقال يارسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) نحن نصدقك على أمر الله ونهيه ، وعلى أمر الجنة والنار والثواب والعقاب ووحي الله عز وجل ولا نصدقك على ثمن ناقة الاعرابي ، وإني قتلته لإنه كذبك لمّا قلت له اصدق رسول الله ، فقال : لا ما أوفاني شيئاً ، فقال رسول الله أصبت يا علي فلا تعد إلى مثلها ، ثم التفت إلى القرشي وكان قد تبعه ، فقال هذا حكم الله لا ما حكمت به»(1).

ومنها : ما رواه الصدوق بإسناده عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عمه : «إن النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) أبتاع فرساً من اعرابي فأسرع ليقضيه ثمن فرسه قابضاً الاعرابي ، فطفق رجال يعترضون الاعرابي فيساومونه بالفرس ولايشعرون بإن النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) ابتاعها حتى زاد بعضهم الاعرابي في السوم فنادى الاعرابي فقال إن كنت مبتاعاً لهذا الفرس فابتعه وإلا بعته ، فقام النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) حين سمع الاعرابي فقال ، أوليس قد ابتعته منك فطفق الناس يلوذون بالنبي (صلی الله علیه و آله وسلم) وبالاعرابي وهما يتشاجران ، فقال : الاعرابي هلم شهيداً يشهد إني قد بايعتك ومن جاء من المسلمين قال : للاعرابي إن النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) لم يكن يقول إلا حقاً حتى جاء خزيمة بن ثابت فاستمع لمراجعة النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) للاعرابي ، فقال خزيمة ، إني أنا اشهد إنك قد بايعته ، فاقبل النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) على خزيمة ،فقال : بما تشهد قال : بتصديقك يا رسول الله فجعل رسول الله شهادة خزيمة بن ثابت شهادتين وسماه ذا الشهادتين»(2) وقد ذكر العلامة في التحرير إن الإمام يقضي بعلمه مطلقاً ، وأمّا غيره من القضاة فإنه كذلك في حقوق الناس والأقوى القضاء بالعلم أيضاً في حق الله تعالى ، ولا يجوز أن يحكم بالظن الذي لا يستند إلى بينة»(3).

ص: 58


1- الوسائل باب 18 من أبواب كيفية الحكم ح3.
2- الوسائل باب 32 من أبواب مقدمات الحدود ح3 .
3- تحرير الاحكام /5 /130.

..........................

لا يخفى بإن الإمام (علیه السلام) هل يعمل بعلمه أم لا ؟ ولكن بما أن هذا البحث ليس من واجبنا وبما إن الفقهاء بحثوها ، فقد حذونا حذوهم والمسألة لا تخلوا من الفائدة ، فنقول إذالم يعمل هو بعلمه ففي القاضي بطريق أولى لا يجوز العمل بعلمه ، ولكن بعد ما علم بإنه قد يعمل بعلمه فنتكلم بإنه هل يجوز لغيره العمل بعلمه أم لا ؟ وبعد ما عرفت بإن المسألة محل خلاف كما في السرائر فإذا ثبت ذلك فعلم الحاكم بما يقتضي تنفيذ الحكم كافٍ في صحته ومغنٍ عن إقرار وبينة ويمين سواء علم ذلك في حال تقلد الحكم أو قبلها لسكون نفس العالم إلى ما علم في حال حكمه بمقتضاه سواء كان علمه حادثاً في الحال أو باقياً إليها أو متولداً عن أمثاله المعلومة المسطورة(1).

يقول في الجواهر: وذلك لإنه إذا طلق الرجل زوجته ثلاثاً مثلاً بحضرته ثم جحد كان القولقوله مع يمينه ، فإن حكم بغير علمه وهو استحلافه وتسليمها إليه لزم فسقه ، وإلا لزم إيقاف الحكم لا لموجب(2)،

والمحكي عن الإسكافي حيث منع عن عمله بعلمه في شيء من الحقوق والحدود ، وقال المحقق الاشتياني : ونقول إنه بعدما ثبت احكام مختلفة للموضوعات الواقعية بالخطابات التفصيلية قد خوطب بها الحكام على ما هو المفروض كقوله تعالى : «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ»(3)، إلى غير ذلك وفرض علمهم بتحقق تلك الموضوعات على ما هو المفروض يجب عليهم ترتيب آثار تلك الموضوعات وإلا لم تكنالآثار آثار لتلك الموضوعات وهذا خُلف .

ص: 59


1- السرائر/ 3 /583.
2- الجواهر /40 /88 .
3- سورة النور الآية / 3 .

مسألة 9 : يعتبر في سماع الدعوى أن تكون على نحو الجزم ، ولا تسمع إذا كانت على نحو الظن أو الاحتمال(1).

----------------------------------------

وأمّا قيام البينة مثلاً على عدم كون من علم بكونه شارب الخمر شارباً للخمر فلا يوجب خروجه عن ذلك الوصف العنواني ، لإن البينة لا تأثير لها في الموضوعات الواقعية ، غاية الأمر وجوب ترتيب آثار الواقع عليها ما لم يعلم خطائها أو كذبها كسائر الطرق الشرعية المقررة في الموضوعات والمجعولة في الأحكام ، لإنغير العلم لا يعقل أن يجعل في مقابل العلم(1)

فعلى أي حال فقد دل عليه الإجماع والمسألة كأنها شبه اتفاق .

(1) على المشهور وقد خالفهم في ذلك جماعة فأجازوا سماع الدعوى الاحتمالية فضلاً عن الظنية ، وآخرون قالوا بالتفصيل بين ما يعسر الإطلاع عليه كالقتل والسرقة ونحوهما ، وبين ما لا يعسر ، وعن بعض تخصيص السماع بصورة احتمال الإقرار أو وجود البينة إذا أدعى المدعي أحدهما أو من قبيل إقرار المدعى عليه والتدافع بينهم أولا .

نقول لابد من بيان معنى الجزم ثم نشرع بإنه هل الجزم شرط أم لا ؟ فنقول المراد من الجزم أيإبراز المراد بالقطع واليقين في مجلس المحاكمة على نحو لا يشوبه أدنا شك حتى يترتب عليه أثر ملزم ، فلا يسمع لو قال أظن أو أتوهم وقد فسر صاحب الجواهر (قدس سره) كلام المحقق : التي يستدل بها على جزم المدعي بما يدعيه كما عن الكافي والغنية والكيدري وظاهر الوسيلة ، بل في الكفاية نسبته إلى الشهرة ، وحينئذٍ فلو قال أظن أو أتوهم لم تسمع ، لإن من لوازم الدعوى الصحيحة إمكان ردّ اليمين على المدعي وهو منتفٍ وللقضاء بالنكول فيها مع يمين المدعي ، أو عدمه

ص: 60


1- كتاب القضاء للآشياني /52.

..........................

وهو منتف هنا أيضاً(1)،

فعلى أي حال لو أورد الدعوى بصورة الجزم ، فإمّا أن يكون الحاكم عالماً بكونه جازماً أو عالماً بكونه غير جازم، أو يكون شاكاً.

أمّا إذا كان عالماً بجزمه فلا ريب في أنه يجب عليه السماع ، وأمّا إذا كان عالماً بعدم جزمه ، فإن علم الحاكم بإنه لم يستند على دليل شرعي ، فلا إشكال حينئذٍ في عدم وجوب السماع ، وأمًا إن كان عالماً بإنه أستند إلى طريق شرعي كالإقرار من المدعى عليه ، فإنه يجب عليه السماع حينئذٍ ، وأمّا إذا كان الحاكم شاكاً فيهما فيؤخذ حينئذٍ بظاهر اللفظ ويحكم بكونه جازماً ووجب عليه السماع ، وأمّا إذا أورده على صورةغير الجزم ، فتارة يعلم الحاكم استناد المدعي إلى دليل شرعي من أصلٍ أو إقرار أو بينة ، وأخرى فيما إذا لم يعلم بلا فرق بين عدم استناده إلى شيء أو جهل الحال .

أمّا بالنسبة إلى الصورة الأولى فلا إشكال في وجوب السماع بعد اجتماع شرائط الحكم وفُقدَ موانعه لإنه إنْ كان المدعي جازماً جاز له أخذ المال شرعاً فيمكن ألزام المدعى عليه بعد ما لم يكن هناك مانع شرعاً ولا عقلاً بعد إنْ كان جائز له التصرف في المدعي به .

وأمّا في الصورة الثانية أي في ما لم يعلم ذلك بلا فرق بين علمه بعدم الاستناد أو جهل الأمر ، فبعد إن لم يتمكن من ألزام المدعى عليهبالحكم الشرعي لعدم جزمه وعدم إمكانه في المدعي به شرعاً ولا يمكنه ألزام المدعى عليه برفع اليد عن المدعي به ، فالمانع ولو لم يكن موجوداً عقلاً ولكنه موجوداً شرعاً ، والمانع شرعاً كالمانع عقلاً فلا يجوز الحكم ، فإذا فرض عدم جواز الحكم فلا يجوز السماع لإنه يكون مقدمة للحكم بعد ما كان المعهود عدم صدق الدعوى بدون الجزم.

ص: 61


1- الجواهر/40 /153.

مسألة 10 : إذا أدعى شخص مالاً على آخر ، فالآخر لا يخلو من أن يعترف له أو ينكر عليه أو يسكت ، بمعنى إنه لا يعترف ولا ينكر فهنا صور ثلاث : الأولى اعتراف المدعى عليه فيحكم الحاكم على طبقه ويؤخذ به(1).

----------------------------------------

(1) لا يخفى بعد إن كانت الدعوى جامعة للشرائط ، فهل للحاكم سماعه أم لا ؟ وهل يطلب الحاكم من المدعى عليه الجواب أم لا ؟

قد يقال أن الجواب حق للمدعي فليس للحاكم حق مطالبة المدعى عليه به إلا بعد مطالبة المستحق ، وقال الشيخ الاعظم الانصاري : فالتحقيق إن مطالبة الحاكم للمدعى عليه ، الجواب ليس لأدلة قطع الخصومات لإن الخصومة لا تحصل إلا بعد الجواب، بل هي لأدلة إحقاق الحقوق ونظير وجوب إحضار المدعى عليه عند استدعاء المدعى عليه في كونها من مقدمات إحقاق الحقوق الواقعية لمستحقها الواقعي ، فحينئذٍ لا يعقل كونه حقاً للحاكم بل هو واجب عليه لحقالمدعي .

نعم ما ذكره الجماعة من حصول المطالبة شاهد الحال حسن لو فرض بشهادتها بسؤال مطالبة الجواب فوراً عقيب تحرير الدعوى إلى أن قال وفيه أن يحتمل أن يكون على وجه الاستفهام من دون مطالبة والزام بالجواب فإن الظاهر جواز ذلك من الحاكم ومن الأجنبي(1).

وأمّا من يقول بإنه لابد للحاكم المطالبة بالجواب من المدعى عليه لإن حضور الخصم المجلس وإحضار المدعى عليه شاهد حال على أن المدعي مطالب بالجواب من المدعى عليه ، لإنه متوقف عليه لرفع الخصومة وإحقاق الحق ، بل يكون هو مقتضى الدعوى فهو غير تام .

ص: 62


1- كتاب القضاء للشيخ الانصاري / 186- 187.

..........................

يقول الشيخ الأنصاري: وكأن الجميع متفقون على أن الجواب حق للمدعي لا يطالب المدعى عليه به إلا بعد مطالبة المستحق ، إلا أن الآخرين يكتفون كما عن المبسوط والتحرير والدروس والمسالك ، بإن شاهد الحال يدل على سؤال المدعي المطالبة ، بالجواب للعلم العادي بإن الإنسان لا يحضر خصمه مجلس الحكم وينصرف من غير جواب(1)، كما عن المبسوط : كل موضع تحررت الدعوى هل للحاكم مطالبة المدعى عليه بالجواب من غير مسألة المدعي أم لا ؟ قال قوم لا يطالبه بالجواب بغير مسألة المدعي لإنالجواب حق المدعي فليس للحاكم المطالبة به من غير مسألة كنفس الحق وهو الصحيح عندنا(2)، إذا حرر المدعي دعواه فللحاكم أن يسأل خصمه عن الجواب ويحتمل توقف ذلك على التماس المدعي لإنه حقه فيتوقف على المطالبة والأول أقرب(3)،

يطالب المدعى عليه بعد التحرير والتماس المدعي مطالبته بالجواب .

وصحح الشيخ إنه لا يطالبه من دون التماس لإن الجواب حق المدعي ثم قوى جوازه مراعاة للعرف(4)، إذا تمت الدعوى ، القولان للشيخ في المبسوط وجه التوقف ما أشار إليه من أن الجواب حق للمدعي فيقف على طلبه ، ووجهالعدم دلالة شاهد الحال على الطلب(5).

ولكن الحق لا يمكنه أن يطالب إلا بالسؤال والمطالبة بعد ما لم يكن له

ص: 63


1- كتاب القضاء للشيخ الانصاري / 185.
2- المبسوط / 5 /515 .
3- التحرير /5 /142.
4- الدروس /2 /104.
5- المسالك / 13 /440 .

..........................

حق المطالبة ، بل هو حق للمدعي ، فلا يمكنه إلا بسؤاله والمطالبة من المدعي إلا أن يقال بإن أخبار الباب مطلقة وهي تدل على مطالبة القاضي للمدعى عليه بالجواب وليس فيها المطالبة ، بل هي خالية عن توقف مطالبة الحاكم بالجواب على التماس المدعي ثم يطالب المدعى عليه بالجواب .

وجوابه لا يخلو من ثلاث ، أمّا الإقرار أيالاعتراف بثبوت المدعى عليه بقوله نعم ، أو إنكار بقوله لا ، أو سكوت ، وظاهر هذا الكلام هو الحصر عندهم ، وهو استقرائي لا عقلي .

وذكر المحقق الاشتياني جواباً آخراً : وإنما الإشكال فيما ذكره شيخنا الاستاذ دام ظله وفاقاً لجمع من متأخري الأصحاب من أن هناك جواباً آخر للمدعى عليه لم يتعرض له الأصحاب بل ظاهرهم الحصر في المذكورات وهو قوله لا أدري ، فهل أدخلوه وأدرجوه في المذكورات أو غفلوا عنه وأدراجه في المذكورات مشكل ونسبة الغفلة إليهم أشكل .

ويمكن أدراجه في السكوت بأن يجعل المراد منه السكوت عن الإقرار والإنكار سواء تكلمبشيء آخر غيرهما كلا أدري ، أم لم يتكلم أصلا .

وهذا كما ترى خلاف ظاهر كلماتهم بل صريح بعضها ، وقد ذكر الاستاذ دام ظله كونه داخلاً في الإنكار عندهم وإن لم يترتب عليه بعض أحكامه من توجيه اليمين وغيره ، فإن المجيب بلا أدري بحسب الواقع ينكر ثبوت الحق ظاهراً ويبني على عدمه في الظاهر ويمتنع عن أدائه إلى المدعي(1).

والحق ما أدرجناه في الثلاث فبها ، وإلا قوله محل تأمل .

ص: 64


1- كتاب القضاء للاشتياني /90.

الأولى: اعتراف المدعى عليه، فيحكم الحاكم على طبقه ويؤخذ به(1).

----------------------------------------

(1) أمّا الإعتراف إذا كان جامعاً للشرائط وقبوله الإعتراف بإن كان كاملاً مختاراً ثبت عليه في ظاهر الشرع ما اعترف به من دون فرق بين المال أو العين وهل يحتاج إلى حكم الحاكم ؟ الظاهر لا ، بعد ما كان إقرار العقلاء على أنفسهم جائز وبدون احتياج إلى حكم الحاكم وعليه سيرة المسلمين فيلزم المقرّ بمقتضى إقراره ويحكم باشتغال ذمته للمقرّ له .

نعم هناك فرق بين الإقرار والبينة ، فإن الإقرار موجب لإلزامه بما أقرّ سواء حكم الحاكم به أم لا ، بخلاف البينة فإنّها لا تثبت الحق بمجرد إقامتها بل بعد الإقامة لابد من حكم الحاكم لكي يثبتالحق ، وقد علّل البعض بإن البينة تكون منوطة باجتهاد الحاكم في قبولها مع جامعيتها للشرائط ، وردها مع فاقديتها بخلاف الإقرار كما يأتي .

قال المحقق : أمّا الإقرار فيلزم إذا كان جائز التصرف ، وهل يحكم به عليه من دون مسألة المدعي ؟ قيل لا لإنه حق له فلا يستوفي إلا بمساءلته وصورة الحكم أن يقول الزمتك أو قضيت عليك أو ادفع إليه ماله(1)،

بل قال الشهيد الثاني : لكن متى تحقق الإقرار وكان المقرّ جامعاً لشرائطه المقررة في بابه لزمه ما أقرّ به سواء حكم به الحاكم أم لا ، بخلاف ما إذا أقام المدعي بينة فإنه لا يثبت بمجرد إقامتها ، بل لابد معه من حكم الحاكم ، والفرق إن البينة منوطة باجتهادالحاكم في قبولها وردها وهو غير معلوم بخلاف الإقرار(2).

ص: 65


1- شرائع الإسلام /4 / 83 .
2- المسالك / 13 /442 .

الثانية: إنكار المدعى عليه فيطالب المدعي بالبينة ، فإن أقامها حكم على طبقها وإلا حلف المنكر ، فإن حلف سقطت الدعوى ولا يحل للمدعي بعد حكم الحاكم التقاص من مال الحالف(1).

----------------------------------------

(1) أمّا مع جحود المدعى عليه ، قال المحقق : وأمّا الإنكار فإذا قال لا حق له عليّ فإن كان المدعي يعلم أنه موضع المطالبة بالبينة ، فالحاكم بالخيار إن شاء قال للمدعي ألك بينة وإن شاء سكت ، أمّا إذا كان المدعي لا يعلم أنّهموضع المطالبة بالبينة ، وجب أن يقول الحاكم ذلك أو معناه ، فإن لم تكن له بينة عرّفه الحاكم إن له اليمين ، ولا يحلف المدعى عليه إلا بعد سؤال المدعي لإنه حق له فيتوقف استيفائه على المطالبة ، ولو تبرع هو أو تبرع الحاكم بإحلافه لم يعتد بتلك اليمين وأعادها الحاكم إن التمس المدعي(1)، وقد ذكر المحقق الاردبيلي (قدس سره) : وإن أنكر وكان جواب المدعى عليه هو الإنكار طولب المدعي بالبينة لقوله (علیه السلام) «البينة على المدعي» فإن حصلت البينة الشرعية بحيث يحكم بها عليه ، يحكم عليه بعد سؤاله ، ولا يثبت الحق عندهم إلا بالحكم ، فإن مجرد البينة لا يكفي فإن لاجتهاده ونظره دخلاً فيالإثبات فلابد من انضمامه فكأنها ليست بحجة شرعية مطلقاً كالإقرار ، بل للحاكم دفع الحكم لغيره أيضاً وإن لم تحصل ، وقال لا بينة ليّ فإن خلى المدعي سبيله فهو الأولى ، وإن طلب احلاف المنكر له ذلك ، ويجاب إليه ، فإن حلف بغير سؤال المدعي تقع اليمين لاغية فوجودها كعدمها فله طلبها بعد وإن حلف بحكم الحاكم لإنه حقه لعله إجماعي(2)،

أمّا أصل المطالبة فللروايات .

ص: 66


1- شرائع الإسلام /4 /84.
2- مجمع الفائدة والبرهان /12 /136- 137.

..........................

منها : صحيحة بريد بن معاوية عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن القسامة ؟فقال : الحقوق كلها ، البينة على المدعى واليمين على المدعي عليه إلا في الدم خاصة»(1).

ومنها : معتبرة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «إذا رضى صاحب الحق بيمين المنكر لحقه فاستحلفه فحلف أن لا حق له قبله ذهبت اليمين بحق المدعي ، فلا دعوى له ، قلت وإن كانت عليه بينة عادلة ، قال : نعم وإن أقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له وكانت اليمين قد ابطلت كل ما أدعاه قبله مما قد استحلفه عليه»(2).

وأمّا في صورة عدم علم المدعي فللحاكم إرشاده بأن لك الحق في طلب البينة ، وأمّا مععلمه فلا يجب على الحاكم طلب البينة ، لإنه هو حق للمدعي وكذا إذا لم يكن له بينة فيعلمه الحاكم من باب الإرشاد بأن لك حق في استحلافه أي المدعى عليه المنكر لدعواه لعموم اليمين على من أنكر فإذا حلف المنكر بدون الاستحلاف فلا أثر لحلفه بعد إن كان ترتب الأثر على يمين المدعى عليه بعد استحلافه ، وكذا لو استحلفه المدعي وحلف لا أثر لهذا الحلف لإن الاحلاف يكون من وظيفة الحاكم بعد استحلاف المدعي كما مرّ ذكره ، فإذا التمس المدعي اليمين احلف الحاكم المنكر ، وقلنا ليس للحاكم احلافه ابتداء بدون التماس المدعي ولا يفيد حلف المدعى عليه بلا إشكال بينهم فتوىً ونصاً وبعد استحلافهوحلف ليس له المطالبة .

قال المحقق : فإن حلف سقطت الدعوى ولو ظفر المدعي بعد ذلك بمال

ص: 67


1- الوسائل باب 3 من أبواب كيفية الحكم ح2.
2- الوسائل باب 9 من أبواب كيفية الحكم ح1.

..........................

الغريم لم تحل له مقاصته ، ولو عاود المطالبة أثم ، ولم تسمع دعواه ولو أقام بينة بما حلف عليه المنكر لم تسمع(1)،

كما ورد في حسنة خضر النخعي عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في الرجل يكون له على الرجل المال فيجحده ، قال : إن استحلفه فليس له أن يأخذ شيئاً وإن تركه ولم يستحلفه فهو على حقه»(2)

أيضاً ما عن عبد الله بنوضاح ، قال : كانت بيني وبين رجل من اليهود معاملة فخانني بألف درهم فقدمته إلى الوالي فاحلفته فحلف ، وقد علمت إنه حلف يميناً فاجرة ، فوقع له بعد ذلك عندي أرباح ودراهم كثيرة فاردت إن اقتص الالف درهم التي كانت لي عنده واحلف عليها ، فكتبت إلى أبي الحسن (علیه السلام) فأخبرته إني قد احلفته فحلف، وقد وقع له عندي مال فإن أمرتني إن آخذ منه الألف درهم التي حلف عليها فعلت «فكتب لا تأخذ منه شيئاً إن كان ظلمك فلا تظلمه ، ولولا إنك رضيت بيمينه فاحلفته لأمرتك أن تأخذ من تحت يدك ولكنك رضيت بيمينه وقد ذهبت اليمين بما فيها ، فلم آخذ منه شيئاً وانتهيت إلىكتاب أبي الحسن»(3).

وإن حلف فيسقط حق المدعي بعد ذلك وليس له بعد ذلك التقاص كما عليه المحقق قال : فإن حلف سقطت الدعوى ولو ظفر المدعي بعد ذلك بمال الغريم لم يحل مقاصته»(4) للروايات .

منها : معتبرة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه ، فاستحلفه فحلف أن لا حق له قبله ذهبت اليمين بحق

ص: 68


1- شرائع الإسلام /4 /84 .
2- الوسائل باب 10 من أبواب كيفية الحكم ح1.
3- الوسائل باب 10 من أبواب كيفية الحكم ح2 .
4- شرائع الإسلام /4 /84 .

..........................

المدعي ، فلا دعوى له»(1)

.ومنها : صحيحة سليمان بن خالد قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل وقع لي عنده مال فكابرني عليه وحلف ثم وقع له عندي مال آخذه لمكان مالي الذي أخذه واجحده وأحلف عليه كما صنع ، قال : إن خانك فلا تخنه ولا تدخل فيما عبته عليه»(2) .

نعم هناك رواية عن أبي بكر «قال : قلت له رجل ليّ عليه دراهم فجحدني وحلف عليها أيجوز لي إن وقع له قبلي دراهم أن آخذ منه بقدر حقي ؟ قال فقال : نعم»(3)،

ولكنها مضمرة .

ولكن يمكن حملها على من حلف ابتداءً بدون استحلاف ، وإن نكل المنكر عن اليمين ردتّ اليمين على المدعي وحلف المدعي إن أرادإثبات حقه ولا يحكم له بمجرد النكول ، والرد إلى المدعي خلافاً لجماعة ، منهم المحقق في الشرائع حيث قال : وإن رُدّ اليمين على المدعي لزمه الحلف ، ولو نكل سقطت دعواه(4)،

وهذا مما لا خلاف فيه ، وقد ورد بذلك روايات .

منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (علیهما السلام) «في الرجل يدعي ولا بينة له ، قال : يستحلفه فإن رُدّ اليمين على صاحب الحق فلم يحلف ، فلا حق له»(5) .

ومنها : ورواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في الرجل يدعى عليه الحق ولا بينة للمدعي ، قال : يستحلف أو يَرد اليمين على صاحب الحق فإن لم

ص: 69


1- الوسائل باب 9 من أبواب كيفية الحكم ح1.
2- الوسائل باب 83 من أبواب ما يكتب به ح7.
3- الوسائل باب 83 من أبواب ما يكتب به ح4.
4- شرائع الإسلام /4 / 84 .
5- الوسائل باب 7 من أبواب كيفية الحكم ح1.

نعم لو كذب الحالف نفسه جاز للمدعي مطالبته بالمال فإن امتنع حلت له المقاصة من أمواله(1).

----------------------------------------

يفعل فلا حق له»(1).

ومنها : وحسنة هشام عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «تُردّ اليمين على المدعي»(2)،

وغيرها من الروايات .

(1) لإن الإقرار يبطل اليمين بلا خلاف ، وقد ادعوا عليه الإجماع وليس إقراره بالكذب كالبينةالتي يقيمها المدعي بعد يمين المنكر في عدم التأثير ، بل يؤثر هذا الإقرار بعد ما كان دليل حجية الإقرار مطلقاً .

فإن قيل بإن دليل حجية الحلف وذهابه بحق المدعي أيضاً مطلقاً ، فهو يذهب بحق المدعي سواء أكذب المدعى عليه نفسه أم لا ، بعد ما كانت النسبة بين الدليلين عموم من وجه .

يقال عند التعارض يُقدّم دليل اليمين لحكومته وذهاب اليمين بالحق فيكون حاكماً على دليل الإقرار .

ولكن الحق إن دليل الإقرار مُقدّم لإن أدلة اليمين منصرفة عن صورة تكذيب الحالف نفسه ، فلا إطلاق لأدلة اليمين وادعي عليه الإجماع كماعليه بعض المحققين ففي الجواهر : أمّا لو أكذب الحالف نفسه بالإقرار جاز مطالبته بالحق وحل مقاصته مما يجده له مع امتناعه من التسليم بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد بل عن المهذب والصيمري الإجماع عليه لعموم إقرار العقلاء المقتضي كون ذلك سبباً مثبتاً جديداً لاستحقاق غير ما سقط باليمين والمرجح على

ص: 70


1- الوسائل باب 7 من أبواب كيفية الحكم ح2.
2- الوسائل باب 7 من أبواب كيفية الحكم ح3.

..........................

تلك النصوص بعد فرض تسليم أندراج الفرض فيها ، ضرورة كون التعارض بينمها من وجه بما سمعت من الإجماع المعتضد بنفي الخلافوبخصوص المعتبر إلى أن يقول فلو أقرّ وأكذب نفسه بينه وبين المدعي ثم امتنع عن التسليم حل له المقاصة باطناً(1)،

فلا يجوز للمدعي التصرف فيه إذا وقع في يده وإن حلف المدعى عليه كاذباً .

وكذا لا يجوز للمدعى عليه التصرف فيه ولو بعد حلفه كاذباً وحكم الحاكم له ، لإن الحلف لا يغير الواقع عمّا هو عليه ، بل لابد من أرجاع المال على المدعى عليه كما في الرواية بإنه «تائب والله يحب التوابين» ولو فرض بحكم الحاكم اصبح المال له حقيقة لا ظاهراً فلا معنى لتقدم الإقرار .

نعم المال له ظاهر أي يجوز الشراء منه ،وتدل على ذلك رواية مسمع أبي سيار قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) إني كنت استودعت رجلاً مالاً فجحدنيه وحلف ليّ عليه ، ثم إنه جائني بعد ذلك بسنتين بالمال الذي أودعته إيّاه ، فقال : هذا مالك فخذه وهذه أربعة الآف درهم ربحتها فهي لك مع مالك واجعلني في حل فأخذت منه المال وأبيت أن آخذ الربح منه ورفعت المال الذي كنت استودعته وأبيت آخذه حتى استطلع رأيك فما ترى ، فقال : خذ نصف الربح واعطه النصف وحلّله ، فإن هذا الرجل تائب والله يحب التوابين»(2).

ص: 71


1- الجواهر /4 /173 وما بعدها .
2- الوسائل كتاب الإيمان باب 48 من أبواب إن كان له على غيره مال فأنكره ح3 .

الثالثة : سكوت المدعى عليه فيطالب المدعي بالبينة ، فإن لم يقمها ألزم الحاكم المدعى عليه بالحلف إذا رضى به المدعي وطلبه، فإن حلف فهو وإلا فيرد الحاكم الحلف على المدعي(1).

----------------------------------------

(1) قال المحقق : وأمّا السكوت فإن أعتمده أُلزم الجواب فإن عاند حبس حتى يبين ، وقيل يجبر حتى يجيب ، وقيل يقول الحاكم أمّا أجبت وإلا جعلتك ناكلاً ورددت اليمين على المدعي ، فإن أصرّ رُد الحاكم اليمين على المدعي والأول مروي والأخير بناءً على عدم القضاء بالنكول(1).

لا يخفى إن السكوت إذا كان لا عن عنادٍ بل هو من جهة خوف وأمثال ذلك فيصبر الحاكمحتى يزول خوفه ، وأمّا إنْ كان سكوته عن عنادٍ ، ففي المسألة أقوال :

الأول : الحبس حتى يبين ونسب هذا إلى الشيخين والديلمي وابني حمزة وسعيد والفاضل وولده ، وقال في المسالك وإن كان سكوته عناداً ففيه أقوال :

أحدها قول الشيخ في النهاية(2)، والخلاف(3)،

وقَبَلهٌ المفيد(4)، وسلار(5)

واختاره المصنف والمتأخرون(6)، إنه يُلزم بالجواب ، فإن اصرّ حُبس حتى يبين لإن الجواب حق عليه فيجوز حبسه لاستيفائه منه(7).

ص: 72


1- شرائع الإسلام /4 /85 .
2- النهاية /342 .
3- الخلاف /6 /238 .
4- المقنعة /725 .
5- المراسيم /231 .
6- المختلف / 8 /442 .
7- المسالك /13 /466 .

..........................

الثاني : يجبر بالضرب ونحوه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى يجيب ، وليس له قائل يعرف على ما في الجواهر .

وأمّا السكوت فإن اعتمده الزم بالجواب ، لإنّه نفسه ليس جواباً والفرض تعلق حق الدعوى بجوابه ، فإن عاند حبس حتى يبين الجواب إلى أن قال ، قلت ومقتضاه إنّه على الثاني يضرب حتى يجيب أو يموت وليس هو قول لاحد(1).

وقال صاحب المسالك : الثاني ما نقله المصنف (قدس سره) من أنه يجبر حتى يجيب من غير حبس ، بل يضرب ويبالغ معه في الإهانةإلى أن يجيب(2).

الثالث : وهو المنسوب إلى الشيخ في المبسوط ، والحلي في السرائر والفاضل ، والقاضي : أن الحاكم يقول له إمّا أجبت وإمّا جعلتك ناكلاً ورددت اليمين إلى المدعي ، فإن أصرّ رُدّ اليمين على المدعي ، يقول في الجواهر : وقضي له ، بل في الأول إنّه الذي يقتضيه مذهبنا ، والثاني يعني الحبس قوي أيضاً وفي الثاني إنّه الصحيح من مذهبنا وأقوال أصحابنا وما يقتضيه المذهب ، وفي الأخير إنه ظاهر مذهبنا ولا بأس بالعمل بالحبس(3).

والحق إنه مع السكوت يطالب المدعي بالبينةفإن إقامها يحكم الحاكم له وإن لم يقمها ألزم الحاكم المدعى عليه بالحلف مع رضى المدعي لإنّه من حقه فحينئذٍ إن حلف المدعى عليه فهو وتسقط الدعوى ، وإلا فيرد الحاكم الحلف على المدعي إن لم نقل بإنّه بمجرد نكول المدعى عليه يحكم عليه .

ولكن قد ادعي الإجماع برد اليمين على المدعي ، وهناك عدة روايات منها

ص: 73


1- الجواهر /40 / 207 .
2- المسالك /13 /466 .
3- جواهر الكلام /40 / 207.

وأمّا إذا ادعى المدعى عليه الجهل بالحال ، فإن لم يكذبه المدعي فليس له إحلافه و إلا أحلفه على عدم العلم(1).

----------------------------------------

ما تدل على مجرد الحكم بالنكول ، وقسم آخر تدل لابد من لزوم الرد إلى المدعي وبعد حلفه يحكم الحاكم له ، فما استدل بها على الأول صحيحة محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الأخرس كيف يحلف إذا ادعي عليه دين وانكره ولم يكن للمدعي بينة ، فقال : إن أمير المؤمنين (علیه السلام) أتي بأخرس إلى أن قال ثم كتب أمير المؤمنين (علیه السلام) والله الذي لا اله إلا هو إلى أن قال ثم غسله وأمر الأخرس أن يشربه فامتنع فالزمه الدين»(1).

وعلى الثاني بصحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في الرجل يدعى عليهالحق ولا بينة للمدعي ، قال : يستحلف أو يرد اليمين على صاحب الحق ، فإن لم يفعل فلا حق له»(2).

وقد يظهر التعارض بين هاتين الروايتين ، وأمّا صحيحة هشام عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «ترد اليمين على المدعي»(3) ، فإنها تدل على ردّ اليمين أيضاً ومع التعارض والتساقط نرجع إلى الأدلة الدالة بإن القضاء لابد أن يكون بالإيمان والبينات بعد ما كان الحكم بمجرد النكول يكون مخالفاً للأصل .

(1) لا يخفى إن المدعى عليه تارة يدعي الجهل ويصدقه المدعي ، وأخرى لا يصدقه ولا يكذبه ، وثالثة يكذبه ، أمّا في الصورة الأولىفأحلاف المدعى عليه غير ممكن ، لا واقعاً ، لإن المدعى عليه مدعي لعدم العلم والجهل ، ولا ظاهراً مع ادعائه عدم العلم بعد إن صدّقه المدعي ، وكذا لا يمكن احلافه في فرض عدم

ص: 74


1- الوسائل باب33 من أبواب كيفية الحكم ح1.
2- الوسائل باب 7 من أبواب كيفية الحكم ح2.
3- الوسائل باب 7 من أبواب كيفية الحكم ح3.

المسألة 11 : لا تسمع بينة المدعي على دعواه بعد حلف المنكر وحكم الحاكم له(1).

----------------------------------------

تصديقه وتكذيبه بعد أن لا يكون المدعي جازماً لإنه لا يقبل الدعوى إلا مع الجزم كما مرّ، نعم في صورة تكذيبه وادعائه علم المدعى عليه بالحال فله تحليفه.وبعبارة أخرى في صورة تصديقه للمدعى عليه فإن كان له بينة وأقام دعواه ثبت حقه ، وإن لم يكن له بينة فليس له احلافه كما مرّ .

قال في جامع المدارك : وإذا اجاب المدعى عليه بعدم العلم ، فقد يقال مع تصديق المدعي له ، فإمّا أن يكون له بينة فهو ، ومع عدمها لا حق له لعدم كون المدعى عليه مكلفاً بالإداء في الظاهر والمدعي معترف بذلك ، فلا يجوز مطالبته ومعه ليست الدعوى مسموعة حتى يقال يصدق عليه المدعي وكل دعوى مسموعة يكون الفصل فيها بالبينة واليمين ، وذلك لعدم البينة وعدم إمكان الحلف على الواقع لعدم العلم به ولا على الظاهرلتصديقه له في براءته بحسب الظاهر(1).

(1) هذا مذهب المشهور وادعي عليه الإجماع ، قال المحقق : لو عاود المطالبة أثم ولم تسمع دعواه(2)،

أي لا يسمع دعوى المدعي مرة ثانية واستماع شهادته ببينة المدعي على أنّه ملك له أي المتنازع عليه ، لإن القضاء جعل حسماً لمادة النزاع لصحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه فاستحلفه فحلف أن لا حق له قبله ذهبت اليمين بحق المدعي ، فلا دعوى له ، قلت : له وإن كانت عليه بينة عادلة قال : نعم وإن أقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة ، ما كانله وكانت اليمين قد ابطلت كل ما

ص: 75


1- جامع المدارك ج/ / 41 ، للسيد احمد الخونساري .
2- شرائع الإسلام /4 / 84.

مسألة 12 : إذا امتنع المنكر عن الحلف ورده على المدعي ، فإن حلف المدعي ثبت له مدعاه ، وإن نكل سقطت دعواه(1).

----------------------------------------

ادعاه قبله مما قد استحلفه عليه»(1).

وعنه أيضاً مثله وزاد «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) من حلف لكم على فصدقوه ومَنْ سألكم بالله فأعطوه ذهبت اليمين بدعوى المدعي ولا دعوى له»(2).

وأمّا إن هذا اليمين إذا كان للمدعى عليه المال ظاهراً وواقعاً كان صادقاً وظاهراً إن كانكاذباً ، فيجوز له التصرف فيه كما كان كذلك قبل حلفه .

وأمّا بالنسبة إلى المدعي فلا تجوز له مطالبة المدعى عليه ولا تقاص من ماله، إذا كان له مال عند المدعي ، وأمّا غيره فلا يجوز له التصرف في هذا المال إلا مع الاذن من المدعى عليه ، وأمّا الاثر بالنسبة إلى الحاكم فإن عليه الحكم للمنكر بما ادعاه .

(1) وقد مرّ في السكوت وتدل زائداً على ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (علیهما السلام) «في الرجل يدعي ولا بينة له ، قال : يستحلفه ، فإن ردّ اليمين على صاحب الحق فلم يحلف فلا حق له»(3)،

وعن عبيدة بن زرارةعن أبي عبد الله (علیه السلام) «في الرجل يدعى عليه الحق ولا بينة للمدعي ، قال : يستحلف أو يرد اليمين على صاحب الحق فإن لم يفعل فلا حق له»(4)،

وعن جميل عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «إذا أقام المدعي البينة ، فليس عليه يمين وإن لم يقم البينة فرد عليه الذي ادعى عليه اليمين فأبى ، فلا حق له»(5).

ص: 76


1- الوسائل باب 9 من أبواب كيفية الحكم ح1.
2- الوسائل باب 9 من أبواب كيفية الحكم ح2.
3- الوسائل باب 7 من أبواب كيفية الحكم ح1 .
4- الوسائل باب 7 من أبواب كيفية الحكم ح2 .
5- الوسائل باب 7 من أبواب كيفية الحكم ح6 .

المسألة 13 : لو نكل المنكر بمعنى أنه لم يحلف ولم يرد الحلف فالحاكم يرد الحلف على المدعي فإن حلف حكم له(1).

المسألة 14 : ليس للحاكم احلاف المدعي بعد إقامة البينة إلا إذا كانت دعواه على الميت ، فعندئذ للحاكم مطالبته باليمين على بقاء حقه فيذمته زائداً على بينته(2) .

----------------------------------------

(1) قد مرّ بيان وجهه .

(2) لا يخفى حلف المدعي يكون مخالفاً للقاعدة وحصر الميزان بإن البينة على المدعي مضافاً إلى ما ورد من روايات كثيرة ، منها صحيحة محمد بن مسلم «قال : سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن الرجل يقيم البينة على حقه هل عليه أن يستحلف قال لا»(1).

قال المحقق : ولا يستحلف المدعي مع البينة إلا أن تكون الشهادة على ميت فيستحلف على بقاء الحق في ذمته استظهاراً(2).وادعى في الجواهر : لازماً في الإثبات بالبينة بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له كما اعترف به غير واحد ، بل في الروضة هو موضع وفاق ، وفي المسالك تارة بنسبة إلى الشهرة من غير ظهور مخالف وأخرى إلى الاتفاق(3).

ولكن العمدة في الدليل الروايات الواردة ، منها صحيحة محمد بن يحيى قال كتب محمد بن الحسن - يعني الصفار - إلى أبي محمد (علیه السلام) : «هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل ، فوقع (علیه السلام) إذا شهد معه آخر عدل

ص: 77


1- الوسائل باب 8 من أبواب كيفية الحكم ح1.
2- شرائع الإسلام /4 / 85 .
3- الجواهر/40 / 194.

..........................

فعلى المدعي اليمين إلى أن قال أو تقبل شهادة الوصي على الميت مع شاهد آخر عدل، فوقع (علیه السلام) نعم من بعد يمين»(1).

ولا تعارضها صحيحة صفار الثانية ، حيث قال : «كتبت إلى أبي محمد (علیه السلام) رجل أوصى إلى ولده وفيهم كبار قد أدركوا وفيهم صغار ، أيجوز للكبار أن ينفذوا وصيته ، ويقضوا دينه ، لمن صح على الميت بشهود عدول قبل أن يدرك الأوصياء الصغار ؟ فوقع (علیه السلام) نعم على الاكابر من الولد يقضوا دين أبيهم ولا يحبسوه بذلك»(2)،

فإنها مطلقة تقيد بصحيحته(3).

زيادة عن ذلك اعراض الأصحاب عنها ،فظهر مما ذكرنا إن المدعى عليه لو كان حياً يلزم في إثبات الدعوى إقامة البينة سواء كان المدعي حياً أم ميتاً صغيراً أم كبيراً ، عاقلاً أو مجنوناً .

وأمّا إذا كان المدعى عليه ميتاً فيلزم في إثبات الدعوى مع إقامة البينة حلف المدعي ، وفي صورة ما إذا كان الحلف منه صحيحاً وممكناً كأن يكون المدعي حياً عاقلاً وكبيراً ، أمّا إذا لم يكن فلا يجب ، لإنصراف الرواية عن هذا المورد .

ص: 78


1- الوسائل باب 28 من أبواب الشهادات ح1.
2- الوسائل باب 50 من أبواب احكام الوصايا ح1.
3- مباني تكملة المنهاج / 1/ 22 .

المسألة 15 : الظاهر اختصاص الحكم المذكور بالديّن ، فلو أدّعى عيناً كانت بيد الميت وأقام بينة على ذلك قبلت منه بلا حاجة إلى ضم يمين(1) .

----------------------------------------

(1) وذلك لإن التقيد على خلاف الأصل الذي يحتاج إلى دليل والدليل جاء بالنسبة إلى الدين ، إذاً بمقتضى الإطلاقات يحكم بكفاية البينة والتعدي من الدين إلى العين لابد من القطع بالملاك ، وقد ذكرنا مراراً بإنا لا نعرف الملاك إلا من جهة الدليل ، أو كما إذا كانت العلة موجودة كما يقال لا تشرب الخمر لإنه مسكر ، فيمكن التعدي منه إلى كل مسكر أي في كل مورد وجد فيه الاسكار .وإن استشكل عليه بعض الفقهاء بإنه قد يكون لمسكرية الخمر خصوصية خاصة لم تكن تلك الخصوصية الخاصة في غيره .

فيجاب عليه بإنه هناك فرق بين أن يقال لا تشرب الخمر المسكر ، ولا تشرب الخمر لأنّه مسكر ، فبالنسبة إلى الأول كلامه صحيح ، وأمّا الثاني فالعرف يرى بإن الحرمة دارت مدار الإسكار فيمكن التعدي إلى الفقاع وماء الشعير المسكر والكحول - الاسبرتو - المسكر فتأمل ، فعلى أي حال فالتعدي يحتاج إلى دليل ، وبمجرد إقامة البينة يحكم له حياً كان أو ميتاً .

ص: 79

المسألة 16 : لا فرق في الدعوى على الميت بين أن يدعيّ المُدعي ديناً على الميت لنفسه أو لموكله أو لمن هو ولي عليه ، ففي جميع ذلك لابد في ثبوت الدعوى من ضم اليمين إلى البينة ، كما إنّه لا فرق بين كون المدعي وارثاً أو وصياً أو أجنبياً(1).

----------------------------------------

(1) قد يقال بأنّه لا يمكن التعدي إلى الموكل أو الولي لأن حكمهما حكم التعدي من الدين إلى العين حيث ، قلنا بأنه يحتاج إلى الدليل ، ولكن الدليل هنا موجود وهو إطلاق الصحيحة ، وهي عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال ، قلت للشيخ (علیه السلام) : «أخبرني عنالرجل يدعي قبل الرجل الحق فلم تكن له بينة بما له ، قال : فيمين المدعى عليه ، فإن حلف فلا حق له وإن رُدّ اليمين على المدعي فلم يحلف ، فلا حق له ، وإن لم يحلف فعليه ، وإن كان المطلوب بالحق قد مات ، فأقيمت عليه البينة ، فعلى المدعي اليمين بالله الذي لا إله إلا هو لقد مات فلان وإن حقه لعليه ، فإن حلف وإلا فلا حق له لإنا لا ندري لعله قد أوفاه ببينة لا نعلم موضعها ، أو غير بينة قبل الموت»(1).

إذاً الدعوى من الشخص على الميت لم يفرق بإن يكون لنفسه ، أو لمن هو ولي عليه ، أو وصيه كما أنّه لا فرق بين أن يكون المدعي وارثاً أو وصياً أو أجنبياً للإطلاق ، لإنّه في الكل يكوندعوى على الميت لإن الوكيل نفس الموكل والولي نزل منزلة المولى عليه .

ص: 80


1- الوسائل باب 4 من أبواب كيفية الحكم ح1.

المسألة 17 : لو ثبت دين الميت بغير بينة ، كما إذا اعترف الورثة بذلك أو ثبت ذلك بعلم الحاكم أو بشياع مفيد للعلم ، واحتمل إن الميت قد أوفى دينه ، فهل يحتاج في مثل ذلك إلى ضم اليمين أم لا ؟ وجهان الأقرب هو الثاني(1) .

----------------------------------------

(1) لو ادعي على الميت دين واعترف الورثة ، أو كان الحاكم عالماً بذلك أو كان ثبوته بالشياع المفيد للعلم ، فهل يحتاج في إثبات بقاء الدينوعدم وفاء الميت إلى اليمين أم لا ؟

قد يقال بالإلحاق لعموم العلة المنصوصة وهو احتمال الوفاء من الميت وقد يقال لا ، لإن الخبرين مختصين بالبينة والحكم بالحلف يكون على خلاف القاعدة ، قال في الشرائع : إلا أن تكون الشهادة على ميت فيستحلف على بقاء الحق في ذمته استظهاراً(1).

لكن لو كنا نحن والأصل - وهو الاستصحاب - فلا يحتاج إلى الحلف وفي المسالك : وإن كانت الدعوى على ميت فالمشهور بين الأصحاب - لا يظهر فيه مخالف - أن المدعي يستحلف مع قيام بينته على بقاء الحق في ذمة الميت(2)،وادعاء عدم المخالفة غير ثابت مع إنّه كما في الجواهر : قد خلت عنه كثير من كتب القدماء إلى أن يقول بل قيل لم يصرح به أحد قبل المصنف أي صاحب الشرائع(3).

نعم قالوا أن العمدة في الاستدلال النصوص ، فإذا ثبت النص فهو مقدّم على

ص: 81


1- شرائع الإسلام /4/ 85 .
2- المسالك / 13 / 461 .
3- الجواهر / 40 / 194 .

..........................

الأصل ولابد من الاستحلاف لرواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله «قال : قلت للشيخ (علیه السلام) - أعني موسى بن جعفر - أخبرني عن الرجل يدعي قبَلَ الرجل الحق فلم تكن له بينة بما له ، قال : فيمين المدعى عليه فإن حلف فلا حق لهوإن رُدّّ اليمين على المدعي فلم يحلف فلا حق له ، وإن لم يحلف فعليه ، وإن كان المطلوب بالحق قد مات فأقيمت عليه البينة ، فعلى المدعي اليمين بالله الذي لا إله إلا هو لقد مات فلان وإن حقه لعليه ، فإن حلف وإلا فلا حق له لإنا لا ندري لعله قد أوفاه ببينة لا نعلم موضعها أو غير بينة قبل الموت ، فمن ثم صارت عليه اليمين مع البينة ، فان أدعى بلا بينة فلا حق له لإن المدعى عليه ليس بحي ولو كان حياً للزم اليمين أو الحق أو يرد اليمين عليه فمن ثم لم يثبت الحق»(1).

والرواية ضعيفة من جهة السند ، ولم يرد هناك اتفاق في المسألة فالاستصحاب باقٍ على حاله ، فلا حاجة إلى الحلف بعد إن كان علىخلاف الأصل .

ص: 82


1- الوسائل 4 من أبواب كيفية الحكم ح1 .

المسألة 18 : لو أقام المدعي على الميت شاهداً واحداً وحلف فالمعروف ثبوت الدين بذلك ، وهل يحتاج إلى يمين آخر ؟ فيه خلاف قيل بعدم الحاجة وقيل بلزومها ، ولكن في ثبوت الحق على الميت بشاهد ويمين إشكال بل منع(1) .

----------------------------------------

(1) أمّا عدم الثبوت لإن اليمين الثاني يكون لأجل إثبات بقائه إذ لعله قد أدى الميت ما عليه من الدين كما هو مقتضى رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله الآنفة الذكر ، فالتعدد يكون من أجل تعدد الموجب ، والأصل عدم التداخل .

وقد أجيب عن هذا الأصل بإنّه إذا علم كونالمطلوب من الأسباب شيء يحصل بفعل واحد يحكم بالتداخل والاكتفاء بالفعل الواحد كما في باب الوضوء للغايات المتعددة المطلوب فيها التطهير الحاصل بوضوء واحد .

ولكن الحق أن أصل التعدد غير حاصل حتى نقول بعدم التداخل واستصحاب بقاء الدين كافٍ بعد ما عرفت بإن الرواية ضعيفة ، فيكفي الشاهد الواحد مع اليمين بلا ضم شاهد آخر بعد ما كان اليمين بمنزلة شاهد فتكون بمنزلة البينة كما هو كذلك في إثبات الدعوى بشهادة رجل وامرأتين لإن شهادتهما بمنزلة شهادة رجل واحد ، إذاً إن كان للمدعي شاهد واحد وحلف تثبت الدعوى .

ص: 83

المسألة 19 : لو قامت البينة بدين على صبي أو مجنون أو غائب فهل يحتاج إلى ضم اليمين ؟ فيه تردد وخلاف ، والأظهر عدم الحاجة إليه(1).

----------------------------------------

(1) قال المحقق : ولو شهدت على صبي أو مجنون أو غائب ، ففي ضم اليمين إلى البينة تردد اشبهه إنّه لا يمين ، ويدفع الحاكم من مال الميت قدر الحق بعد تكليف القابض بالمال(1)، وهناك قولان في المسألة .

الأول : إلحاق اليمين إلى البينة ونسب إلى المسالك(2).

والثاني : عدم الإلحاق وعليه أكثر المتأخرين .وأمّا مستند القول الأول يقال إن الموتى ليس لهم القدرة على النطق و الجواب فحكمهم حكم الميت ، وأمّا مستند القول الثاني ، عدم الاحتياج إلى ضم اليمين لإنّه خلاف الأصل وعموم القاعدة ، واليمين يكون خلاف القاعدة والرواية الواردة في لزوم ضم اليمين هي مختصة بالميت ولا يمكن قياس الثلاثة عليه ، وقد ذكر البعض الإلحاق لعموم العلة ((لا ندري لعله أوفاه» ، وفيه إن عموم العلة لا يشمل المورد لإنّه بالنسبة إلى الصبي والمجنون بعد ما كان الخطاب متوجه إلى وليهما - ولو فرض الوفاء - فإنه لا أثر للوفاء منهما والغائب ليس مستتراً بالمرة كالميت لإنّه متى ما رجع يمكن المراجعة والدفاع عن نفسه ،فعموم العلة لا تشملهم .

ص: 84


1- شرائع الإسلام /4 /85 .
2- المسالك /13 /470 .

المسألة 20 : لا يجوز الترافع إلى حاكم آخر بعد حكم الحاكم الأول ولا يجوز للآخر نقض حكم الأول إلا إذا لم يكن الحاكم الأول واجداً للشرائط ، أو كان حكمه مخالفاً لما ثبت قطعاً من الكتاب والسنة(1).

----------------------------------------

(1) يدل على حرمة نقض حكم الحاكم الأول الآيات كقوله تعالى : «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِيناً»(1)، فما حكم به الله ورسوله فهو المتبع وليس لهما - أي المؤمن والمؤمنة - الاختيار بعد حكمهما لإنّه قضاء تشريعي لاتكويني ، ولإن الثاني ليس لهم الاختيار فيه أصلاً بخلاف الأول فإنهم يتمكنون إن يختاروا غير ما اختار الله عقلاً .

ولكن لا يتمكنون شرعاً فقضائهما نافذ ولا يجوز ردّه بلا فرق بين أن يكون في الأحكام الكلية أو الجزئية فيشمل القضاء المصطلح .

وهذه وغيرها من الآيات وإن كانت مختصة بالرسول (صلی الله علیه و آله وسلم) فإنّها تشمل من كان نائباً عنه (صلی الله علیه و آله وسلم) وتشير إلى ذلك مقبولة عمر بن حنظلة قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحل ذلك إلىأن قال : فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله والراد علينا راد على الله ، وهو على حد الشرك بالله»(2)، وقد مرت هذه الرواية فيما تقدم .

وكذا يدل عقلاً بعد إن وضع القضاء في المجتمع لأجل حفظ النظام ودفع

ص: 85


1- سورة الاحزاب الآية / 36.
2- الوسائل باب 11من أبواب صفات القاضي ح1.

..........................

مادة النزاع والتشاجر ، فلابد أن يكون حكم الحاكم متبعاً وإلا أختل النظام وتبقى الخصومات وإن حرمة النقض لا تحتاج في إثباتها إلى دليل آخر كحرمة الرد وأمثالها فنفس الدليل الذي يلزمنابالرضا وقبول حكم القاضي ويتضح مفاده هنا مع الالتفات إلى حقيقة الحكم وحقيقة النقض لإن الحكم عبارة عن فصل الخصومة ، وما الفصل بعد الفصل إلا كفتل الحبل بعد فتله فكما لا يمكن هناك لا يمكن هنا ، فإذا جعل دليل صحة القضاء حكم الفصل معتبراً فلا معنى لفصل آخر .

قال المحقق الاشتياني : إنّه بمجرد حكم الحاكم بعد فرض الدليل على جوازه لا يبقى موضوع الخصومة حتى يترتب عليها احكامها ، وهذا أمر ظاهر(1)،

فإذا عرفت هذا يكون حكم الحاكم بالنسبة إلى المحكوم عليه نافذٌ فلا يجوز له أن يأبى عن قبوله وليس له بعد الحكم المطالبة بتجديد المرافعة عنده أو عند حاكم آخر لإنّهيكون مع عدم قبوله مشمولاً بقوله (علیه السلام) «والراد علينا الراد على الله» وليس هناك ألزام للمحكوم له بالحضور عند حاكم ثانٍ بل لا يجوز الزامه بعد ما لم يكن هناك أثر لرضا المحكوم له ، بل لا يجوز للحاكم الثاني النظر مرة اخرى لصدق الرد عليه أيضاً ، فإن حكم الحاكم الأول نافذاً بالنسبة إلى الجميع بلا فرق بين الحاكم وغيره حتى لو فرض رضا المتخاصمين مع ذلك لا يجوز النظر لصدق الرد .

نعم يجوز النظر في صورة دعوى المحكوم عليه بإن حكم الحاكم الأول مخالفاً للقواعد والأحكام المقررة للقضاء أي يكون حكمه مخالفاً لما هو القطع من الكتاب والسنة أو لم يكن حكمالأول واجداً للشرائط .

ص: 86


1- كتاب القضاء للمحقق الاشتياني / 54 .

المسألة 21 : إذا طالب المدعي حقه وكان المدعى عليه غائباً ولم يمكن احضاره فعلاً ، فعندئذٍ إن أقام البينة على مدعاه حكم الحاكم له بالبينة وأخذ حقه من أموال المدعى عليه ودفعه له وأخذ منه كفيلاً بالمال والغائب إذا قدم فهو على حجته ، فإن أثبت عدم استحقاق المدعي شيئاً عليه استرجع الحاكم ما دفعه للمدعي ودفعه للمدعى عليه(1) .

----------------------------------------

(1) لا يخفى أنّه يشترط في سماع الدعوى حضور المدعى عليه ، وأمّا إذا لم يكن حاضراً فلا تحسم الدعوى بالحكم على نحو البت ، ولكن لو كان المدعى عليه غائباً في السفر أو غيره قريباًكان أو بعيداً ولا يمكن احضاره وأقام المدعي البينة على مدعاه يحكم الحاكم بموجبها ولكن ليس بالحكم القطعي بل يبقى الغائب على حجته إذا حضر ، وفي المجلة العدلية يشترط حضور الخصم حين الدعوى(1)، قال المحقق : إذا التمس الخصم احضار خصمه مجلس الحكم احضره إذا كان حاضراً(2)، وادعى في الجواهر عدم الخلاف(3)، في حضور المدعى عليه وللروايات الواردة في المقام .

منها : صحيحة جميل عن جماعة من أصحابنا عنهما (علیهما السلام) «قالا : الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البينة ويباع ماله ويقضى عنه دينهوهو غائب ويكون الغائب على حجته إذا قدم ، قال : ولا يدفع المال إلى الذي اقام البينة إلا بكفلاء»(4).

ص: 87


1- تحرير المجلة / 4 / 87 مادة / 1618 .
2- شرائع الإسلام /4/ 78.
3- الجواهر/40/ 134.
4- الوسائل باب 26 من أبواب كيفية الحكم ح1.

..........................

ومنها : ما عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) وزاد : «إذا لم يكن ملياً»(1)

, وهل يمكن الدفع قبل تكفيل القابض أم لا ؟ ظاهر صاحب المسالك أن مَنْ قال بلزوم اليمين لم يقل بلزوم الكفيل وبالعكس فيكون احدهما بدلاً عن الآخر .وملخص كلامه - أي بعد إقامة المدعي كفيلاً له بالمال الذي دفع إليه من مال الغائب - إنما أعتبر المصنف الكفيل ، لإنّه لم يوجب عليه اليمين مع البينة فجعل الكفيل عوضاً عنها لإحتمال براءة الغائب من الحق على وجه لا نعلم البينة .

ومَنْ أوجب عليه اليمين لم يعتبر الكفيل إلا على تقدير تعذر اليمين كما لو كان المدعي على الغائب وكيل المستحق فإنه لا يجوز احلافه فيستظهر بالكفيل ولا شك في إن الكفالة واليمين احتياط واستظهار ، إلا أن ثبوتهما يحتاج إلى دليل(2).

ولكن الحق إن ما ذكره مجرد ادعاء كما في القواعد على ما نسب إليه لإن من الفقهاء منأوجب اليمين مع التزامه بالكفيل ، وأمّا ما ذكر بقوله ولا شك.... الخ فلا دليل عليه إذ لعل أن يكون اعتبار الكفيل من جهة خوف تعذر استيفاء المدعي الحق بموته أو فقره كما تشير إليه الرواية «إلا إذا كان ملياً» وما ذكره (قدس سره) تام إلا إن ثبوتهما يحتاج إلى دليل قد عرفت إن الدليل قام على الثبوت لكل منهما .

وذكر المحقق الاردبيلي : إذا ادعى وكيل شخص في إثبات الحق على غائب وقبضه منه فادعى واقام البينة واثبت الحق عليه ، يجب على الحاكم أو وكيله أن يسلم المال المدعى به إليه من مال الغائب ولا يحلف الوكيل على بقاء الحق إلى الآن ، وإن قيل بالحلف في الدعوى علىالغائب إذ لا يمين على مال الغير كما مرّ ، نعم

ص: 88


1- الوسائل باب 26 من أبواب كيفية الحكم في ذيل ح1 .
2- المسالك /13/ 464.

المسألة 22 : إذا كان الموكل غائباً ، وطالب وكيله الغريم بأداء ما عليه من حق ، وادعى الغريم التسليم إلى الموكل أو الابراء ، فإن أقام البينة على ذلك فهو ، وإلا فعليه أن يدفعه إلى الوكيل(1) .

----------------------------------------

يمكن القول إنه لا يُسلّم إليه المال إلا بكفيل ملّي عوضاً عن اليمين لو كان المدعي هو الموكل حتى إذ أثبت عدم استحقاق المال له رجع إليه بغير نقص وضرر ، ولا يخفى إن التكفيل علىالقول بوجوب اليمين اظهر(1).

قد يقال بإن الكفالة هل كفالة الدين أو العين وهو المال على تقدير استحقاق المدعى عليه به ؟ فلو كان الأول فيكون من قبيل ضمان ما لم يجب والذي حكم به العقل بإنه محال دون الثاني لإنه بمعنى ضمان ما لم يعلم ثبوته ولو فرض ثبوته في الواقع حيث إن الضمان ضمان الاعيان وعلى فرض هذا الفرد يكون مخالفاً للقاعدة ومع ذلك لا ضير بالالتزام به مع ورود الدليل وهو النص عليه .

(1) قال المحقق : لو كان صاحب الحق غائباً فطالب الوكيل فادعى الغريم التسليم إلى الموكل ولا بينة ، ففي الإلزام تردد بين الوقوف في الحكم لإحتمال الاداء ، وبين الحكم والغاءدعواه لإن التوقف يؤدي إلى تعذر طلب الحقوق بالوكلاء والأول اشبه(2).

ولا يخفى حينما كان وكيلاً في المطالبة بالحق يطالب الغريم في أداء الحق فإن ادعى الغريم التسليم إلى الموكل ، أو ادعى الإبراء فيطالبه بإقامة البينة على دعواه ، فإن أقام البينة حكم الحاكم للغريم ، وإذا لم تكن له بينة فليس له احلاف الوكيل بعدم التسليم أو البراءة بعد إنْ لم يكن لليمين أثر فحينئذٍ تسقط دعواه ويلزم دفع الحق .

ص: 89


1- مجمع الفائدة والبرهان/12 /207.
2- شرائع الإسلام / 4 / 86 .

المسألة 23 : إذا حكم الحاكم بثبوت دين على شخص وأمتنع المحكوم عليه عن الوفاء جاز للحاكم حبسه واجباره على الأداء ، نعم إذا كانالمحكوم عليه معسراً لم يجز حبسه ، بل ينظره الحاكم حتى يتمكن من الأداء(1) .

----------------------------------------

نعم في صورة ما إذا ادعى علم الوكيل بالتسليم أو البراءة جاز له احلافه ، وما ذكره المحقق بإن التوقف قد يؤدي إلى تعذر طلب الحقوق ، إنما يتم هذا لو لم يمكن إثبات الحقوق بطريق آخر ، فالحق دفعه إلى الوكيل لإن الأصل هو عدم أداء الحق والبراءة .

(1) بعد ما حكم الحاكم وامتنع المحكوم عليه عن اداء الحق فهل يجوز للحاكم حبسه أو لابد من حبسه إذا التمس خصمه ؟

أمّا إنّه لابد من التماس الخصم لإن الحكمبالحبس يرجع إليه لاستيفاء حقه ويكون من مقدمات الاستيفاء ، ولا أقلّ من الشك في استقلال الحاكم في سلطنته على الحبس من دون التماس الخصم ، وإنما يحبسه فيما إذا أحرز بكونه واجداً ولو بالأصل ، كما إذا علم بكونه سابقاً كان واجداً ، والأصل كونه واجداً ، وإنما قلنا ذلك لكي يدخل تحت عموم ما ورد عن الرضا (علیه السلام) عن آبائه (علیهم السلام) «قال : قال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) الواجد بالدين يحل عرضه وعقوبته ما لم يكن دينه فيما يكره الله عز وجل»(1).

أمّا لو ادعى الاعسار فيقبل كما في الآية الشريفة : «وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىمَيْسَرَةٍ»(2) ، أمّا أصل جواز الحبس للروايات .

ص: 90


1- الوسائل باب 8 من أبواب الدين والقرض ح4 .
2- البقرة الآية /280 .

..........................

منها : معتبرة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه «إن علياً (علیه السلام) كان يحبس في الدين فإذا تبين له حاجة وافلاس خلى سبيله حتى يستفيد مالاً»(1).

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : كان علي (علیه السلام) لا يحبس في الدين إلا ثلاثة : الغاصب ، ومَن أكل مال اليتيم ظلماً ، ومَن ائتمن على امانة فذهب بها ،وإن وجد له شيئاً باعه ، غائباً كان أو شاهداً»(2).

ومنها : معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه «إن علياً (علیه السلام) كان يحبس في الدين ثم ينظر ، فإن كان له مال اعطى الغرماء ، وإن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء ، فيقول لهم اصنعوا به ما شئتم ، إن شئتم اجروه وإن شئتم استعملوه»(3) .

ولكن في صورة ثبوت الاعسار فهل ينظر كما هو إطلاق الآية ومعتبرة غياث ، أو يدفع إلى الغرماء ، كما في معتبرة السكوني ؟ قال في الجواهر : اشهرهما عملاً وأصحهما سنداً وأكثرهما عدداً وأوفقهما بالأصل والكتاب كماعرفت رواية الأنظار(4)،

يعني معتبرة السكوني المتقدمة ، وعن أبي حمزة التفصيل بين ما إذا كان متمكناً من العمل فيستعمل ، وما إذا كان عاجزاً عن العمل فينظر حتى حصول الميسرة .

قد يقال بإن رواية السكوني غير مخالفة للكتاب لإنه ما دام متمكناً من العمل لا يُعدّ معسراً كما صرح به العلامة في المختلف بنقله لقول ابن حمزة حيث قال : ليس بعيداً من الصواب ، لإنه متمكن من أداء ما وجب عليه وايفاء صاحب الدين حقه فيجب عليه ، أمّا الكبرى فظاهرة ، وأمّا الصغرى فلأن

ص: 91


1- الوسائل باب 7 من أبواب الحجر ح1.
2- الوسائل باب 11 من أبواب كيفية الحكم ح2.
3- الوسائل باب 7 من أبواب كتاب الحجر ح3.
4- الجواهر/40 / 165.

..........................

الفرض إنه متمكن من الكسب والتحصيل وكما يجب السعي في المؤونة كذا يجب في أداء الدين ، ونمنع اعساره ، لإنّه متمكن .

ولا فرق بين القدرة على المال وعلى تحصيله ولهذا منعنا القادر على التكسب بالصنعة والحرفة من أخذ الزكاة باعتبار الحاقه بالغني القادر على المال وأي منافاة في هذا لأصول المذهب ، بل المنافي لها منع القادر من دفع الحق الذي عليه لغيره مع المطالبة به ، والآية متأولة بالعاجز عن التكسب والتحصيل وكذا ما ورد من الاخبار في هذا الباب(1).

ص: 92


1- مختلف الشيعة / 8 / 453 .

أحكام اليمين

المسألة 24 : لا يصح الحلف إلا بالله وبأسمائه تعالى(1)، ولا يعتبر فيه أن يكون بلفظ عربي بل يصح بكل ما يكون ترجمة لأسمائه سبحانه .

----------------------------------------

(1) تارة نتكلم عن الحكم التكليفي ، وأخرى عن الحكم الوضعي وقبل الدخول في البحث نذكر جملة من الأخبار الواردة عنهم (علیهم السلام) .

منها : حسنة محمد بن مسلم « قال : قلتلأبي جعفر (علیه السلام) قول الله عز وجل: «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى»(1)«وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى»(2)، وما أشبه ذلك .

فقال : إن لله عز وجل أن يقسم من خلقه بما شاء وليس لخلقه أن يقسموا إلا به»(3) .

ومنها : صحيحة علي بن مهزيار «قال : كتب رجل إلى أبي جعفر (علیه السلام) يحكي له شيئاً ، فكتب (علیه السلام) إليه والله ما كان ذلك وإني لأكره أن أقول والله على حال من الأحوال ولكنه غمني أن يقال ما لم يكن»(4).

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «لا أرى للرجل أن يحلف إلابالله»(5).

ص: 93


1- سورة الليل / الآية / 1 .
2- سورة النجم الآية / 1 .
3- الوسائل باب 30 من أبواب كتاب الأيمان ح3.
4- الوسائل باب 1 من أبواب كتاب الأيمان كراهة اليمين الصادقة ح1.
5- الوسائل باب 30 من أبواب كتاب الأيمان ح4.

..........................

ومنها : صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : لا يحلف اليهودي ولا النصراني ولا المجوسي بغير الله» .

ومنها : عن صفوان الجمال عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن المنصور قال له رفع اليّ إن مولاك المعلى بن خنيس يدعو إليك ويجمع لك الأموال ، فقال والله ما كان ، فقال لا أرضى منك إلا بالطلاق والعتاق والهدي والمشي ، فقال ابالانداد من دون الله تأمرني أن أحلف ، إنّه من لم يرضى بالله فليس من الله في شيء»(1).وعليه فلا يصح الحلف إلا بالله سبحانه أي لا يترتب الأثر المقصود من الحلف إلا إذا كان به بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في كتاب الأيمان عن الشيخين في المقنعة ، والنهاية ، والغنية ، والمقداد ، والسيد في شرح النافع ونسبه في الكفاية إلى ظاهر الأصحاب ، بل لعله إجماع محقق وهو الدليل عليه مضافاً إلى الأصل والنصوص المستفيضة(2).

أمّا الحكم التكليفي فقد ادعى البعض على عدم جواز الحلف بغير الله على الإطلاق ، قال الشيخ الطوسي : استحلفه بالله تعالى لا غير أو بشيء من أسمائه ولا يجوز أن يحلف بغير أسماء الله بشيء من جميع الموجودات لا بالكتب المنزلةولا المواضع المشرفة ولا الرسل المعظمة ولا الائمة المنتجبة فإن اليمين بجميع ذلك بدعة في شريعة الإسلام ولا يحلف بالبرائة من الله ولا من رسله ولا من الائمة ولا من الكتب ولا بالكفر ولا بالعتق ولا بالطلاق فإن ذلك كله غير جائز ، ويجوز أيضاً أن يحلفوا بما يرون هم الاستحلاف به ويكون الأمر في ذلك إلى الحاكم وما يراه إنّه ردع لهم(3).

ص: 94


1- الوسائل باب 14 من أبواب كتاب الأيمان ح3.
2- مستند الشيعة /17 /464.
3- النهاية 346.

..........................

وقال المحقق : ولا يستحلف احد إلا بالله ، ولو كان كافراً(1)،

ويقول في الجواهر : بإنكارأصل واجب الوجود نعوذ بالله فضلاً عن غيره ، بلا خلاف اجده في ذلك نصاً وفتوى(2).

وعليه اتفاق العامة وإجماعهم ، إذاً اتفق الفريقان بإن الحلف لابد أن يكون بالله جل وعلا هذا ما جاء في كتب العامة(3)، بلا فرق بين أن يكون في الدعاوى أم غيرها ، كما دلت عليه الروايات المتقدمة بل في بعضها إن غير المسلمين أيضاً لابد أن يكون حلفهم بالله لصحيحة(4) سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال لا يحلف اليهودي ولا النصراني ولا المجوسي بغير الله إن الله عز وجل يقول : «وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ»(5)

، وما رواه أبو جريرالقمي بسند صحيح «قال ، قلت : لأبي الحسن (علیه السلام) جعلت فداك قد عرفت انقطاعي إلى أبيك ثم إليك ثم حلفت له وحق رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) وحق فلان وفلان حتى انتهيت إليه إنه لا يخرج ما تخبرني به إلى أحد من الناس وسألته عن أبيه أحي هو أم ميت ؟ قال : قد والله مات إلى أن قال : قلت فأنت الإمام ؟ قال نعم»(6)، وما عن علي بن مهزيار بسند تامٍ «قال : قرأت في كتاب لأبي جعفر (علیه السلام) إلى داود بن القاسم : إني قد جئت وحياتك»(7)، وقد عمل البعض بالجمع بين ما تنهى الحلف إلا بغير الله سبحانه

ص: 95


1- شرائع الإسلام /87.
2- الجواهر /40 /225.
3- السنن الكبرى /1 /28.
4- الوسائل باب 32 من أبواب كتاب الأيمان ح1.
5- سورة المائدة الآية / 49 .
6- الوسائل باب 30 من أبواب كتاب الأيمان ح6.
7- الوسائل باب 30 من أبواب كتاب الايمان ح14.

..........................

وبين ما كان غير ذلك بأن تحمل الثانية على الكراهة ، ولكن الحق أن بعض الروايات الناهية تأبى عن الحمل على الكراهة ، منها ما عن النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) «من حلف بغير الله فقد كفر و اشرك»(1)، ومنها ما عن أبي عبدالله (علیه السلام) «أمّا أنه قد كفر»(2)،

والروايتان ضعيفتان من جهة السند .

وأمّا استدلالهم على الجواز بالسيرة فغير تام لإن السيرة إنما تكون كاشفة عن تقرير الحجة إذالم يرد منهم ردع وقد عرفت الردع منهم صلوات الله عليهم ثم يأتي إشكال آخر كما ذكره المحقق الاشتياني وحاصله : بإنّه لا يقال كيف تحمل تلك الأخبار على الكراهة مع حلف الإمام (علیه السلام) بغير الله كما ورد في بعض الأخبار مع أن من مذهبنا عدم صدور فعل المكروه عن الإمام ، لأنا نقول يحمل فعل الإمام (علیه السلام) على أحد الشيئين ، أمّا على بيان الجواز والتشريع على أبعد الاحتمالين ، أو على مصلحة أخرى لا نعلمها(3).

أقول : الثاني هو الصحيح كما في بعض الموارد كان حلفه خوفاً من القتل كما جاء في الرواية عن داود بن الحصين عن رجل منأصحابه عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إنّه قال : وهو بالحيرة في زمان أبي العباس إني دخلت عليه وقد شك الناس في الصوم إلى أن قال فقال : الرجل لأبي عبد الله (علیه السلام) تفطر يوماً من شهر رمضان ، قال : أي والله أفطر يوماً من شهر رمضان أحب الي من أن يضرب عنقي»(4)، فكان الحلف منه (علیه السلام) لمصلحة لا نعلمها فيمكن الجمع على الكراهة ، ولا يخفى بإن الحلف بأسمائه تعالى خاصة كالرحمن والرحيم والقديم والأول الذي ليس قبله

ص: 96


1- مستدرك الوسائل باب 24 من أبواب كتاب الأيمان ح3.
2- مستدرك الوسائل باب 24 من أبواب الايمان ح12.
3- كتاب القضاء للمحقق الأشتياني /169.
4- الوسائل باب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح4.

المسألة 25 : يجوز للحاكم أن يُحلّف أهل الكتاب بما يعتقدون به ولا يجب الزامهم بالحلف بأسمائه تعالى الخاصة(1).

----------------------------------------

شيء وهكذا أوصافه المشتركة المنصرفة إليه كالخالق والرزاق ، فحكمها حكم الحلف بالله ، أمّا بالنسبة إلى الحكم الوضعي أي الآثار المترتبة على الحلف لقطع الخصومة أو بالنسبة إلى الكفارة وغيرها من الآثار لابد أن الحلف يكون بالله وإذا كان بغير الله فلا يترتب عليه الأثر سواء كان في باب الخصومة أو الكفارة ، إذاً مَنْ حلف بغير الله ولو كان جائزاً إلا إنه لا تتريب عليه الكفارة بمخالفته ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين أن يكون رجلاً أو خنثي أو أنثى حراً أو عبداًمسلماً أو كافراً ملحداً أو مرتداً ، ولا يترتب على هذا الحلف الأثر لو كان الحلف بالمقدسات المحترمة كالأنبياء والائمة والكعبة والقران بل بقية الكتب المنزلة من السماء ، وقد استدلوا على ذلك بالإجماع ، وعرفت حال هذه الإجماعات لإنّها مظنونة المدركية والمدرك تلك الروايات الكثيرة التي مرّ بعضها ويأتي بعضها الآخر.

(1) قال الشيخ الطوسي : استحلفه بالله تعالى لا غير أو بشيء من أسمائه ولا يجوز أن يحلف بغير أسماء الله تعالى بشيء من جميع الموجودات لا بالكتب المنزلة ولا المواضع المشرفة ولا الرسل المعظمة ولا الائمة المنتجبة إلى أن يقول استحلاف أهل الكتاب أيضاً بالله أو بشيء من أسمائه ويجوز أيضاً أن يحلَّفوا بما يرون همالاستحلاف به ويكون الأمر في ذلك إلى الحاكم وما يراه أنّه أردع لهم واعظم عليهم(1).

وهناك طائفتان من الروايات فبعضها تدل على عدم جواز الحلف بغير الله والطائفة الثانية تدل على الجواز فلابد أن نرى كيف يمكن الجمع بين الطائفتين أمّا الطائفة الأولى .

ص: 97


1- النهاية / 346 .

..........................

منها : صحيحتي محمد بن مسلم وعلي بن مهزيار المتقدمتان ، وكذا صحيحتي الحلبي وسليمان بن خالد .

ومنها : معتبرة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : سألته هل يصلح لأحد أن يُحلّفأحداً من اليهود والنصارى والمجوس بالهتهم ، قال : لا يصح لأحد أن يُحلّف أحداً إلا بالله»(1).

وأمّا الطائفة الثانية ما عن السكوني بسند تامٍ عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن أمير المؤمنين (علیه السلام) استحلف يهودياً بالتوراة التي أنزلت على موسى»(2).

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (علیهما السلام) «قال : سألته عن الأحكام ، فقال : في كل دين ما يستحلفون به»(3)، وصحيحته الثانية ما عن محمد بن مسلم «قال : سألته عن الأحكام ، فقال : تجوز على كل دين بما يستحلفون»(4).ومنها : ما عن محمد بن قيس «قال سمعت أبا جعفر (علیه السلام) يقول : قضى علي (علیه السلام) فيمن استحلف أهل الكتاب بيمين صبر أن يستحلف بكتابه وملته»(5).

قيل المشهور على عدم جواز احلاف اليهود والنصارى بغير الله للروايات الناهية ، وقالوا بضعف سند خبر السكوني كما عن المحقق الاشتياني بقوله : مع ضعفه كما ترى واحتمال اختصاصه بالإمام (علیه السلام) كما عن الشيخ في التهذيب أو واقعة خاصة أو الحلف بمن أنزلها عليه لا يصلح للمعارضة مع ما عرفت من النصوص الصريحة في خلافها(6).

ص: 98


1- الوسائل باب 32 من أبواب كتاب الأيمان ح5 .
2- الوسائل باب 32 من أبواب كتاب الأيمان ح4 .
3- الوسائل باب 32 من أبواب كتاب الأيمان ح7 .
4- الوسائل باب 32 من أبواب كتاب الأيمان ح9 .
5- الوسائل باب 32 من أبواب كتاب الأيمان ح8 .
6- كتاب القضاء للمحقق الأشتياني / 170 .

..........................

وما عن آقا ضياء الدين العراقي : ثم إن ظاهر الإطلاقات عدم جواز الحلف بغير الله حتى من الذمي ولو كان ذلك أردع لهم ، ولكن المحقق في شرائعه التزم بجوازه لخبر السكوني إن أمير المؤمنين (علیه السلام) استحلف يهودياً بالتوارة التي أنزلت على موسى ، وظاهر هذا التعبير كونها المحلوف بها لا غيرها كما احتمله في الجواهر(1).

وما عن صاحب مفتاح الكرامة في شرحه للقواعد : كان يحلفه بالتوارة والانجيل وموسى وعيسى ونحو ذلك قيل في احلاف اليهود أن يقول أقسمت بالله وبرئت من دين اليهود ودخلت في دين النصارى وكلت يوم الفطر خبز الخمر(الجمرخ) بلحم الخنزير وقطعت سبعة أخياط من جبة داود وكفرت بسبع آيات التي نزلت على موسى وبجانب الطور وزنيت بآمنة بنت سليمان وفسقت في بيت المقدس إن كنت فعلت كذا(2)،

وكذا بقية الأخبار الأخرى.

وقالوا إن صحيح محمد بن مسلم مجرد الأخبار عن شرائعهم ، ولكن عن المحقق في الشرائع بقوله : ولو رأى الحاكم احلاف الذمي بما يقتضيه دينه أردع جاز(3)،

ومن قال بالجواز مستنده خبر السكوني ، وقد أٌشكل من حيث ضعف السند ، والظاهر إنه تام ، وما عن الرياض بقوله : ولكن ذكر الماتن وقبله الشيخ في النهاية وجماعة أنه إن رأى الحاكم احلاف الذمي ، بلمطلق الكافر كما قيل بما يقتضيه دينه كونه أردع وأكثر منعاً له عن الباطل إلى الحق من الحلف بالله عز وجل جاز له احلافه به(4).

ص: 99


1- كتاب القضاء لاقا ضياء الدين العراقي /107.
2- مفتاح الكرامة / 25/260 .
3- شرائع الإسلام / 87 .
4- الرياض / 15/ 104 .

..........................

وأمّا أستاذنا الاعظم (قدس سره) بعد إن نفى المعارضة بين الطائفتين بقوله : ولكنه يندفع بعدم المعارضة بين الطائفتين من الروايات فإن النسبة بينهما نسبة المطلق والتقييد فإن المنع عن الحلف بغير الله يعم الحلف بما يستحلفون به في دينهم وغيره فيرفع اليد عن الإطلاق بقرينة المقيد ، فالنتيجة هي جواز الحلف بغير الله في كل دين بما يستحلفون به ولا يجوز بغير ذلك على إنه لوسلّمت المعارضة فهي من قبيل المعارضة بين النص والظاهر فيرفع اليد عن ظهور الظاهر بقرينة النص فيحمل النهي على الكراهة ، بمعنى إن القاضي يكره له أن يحلفهم بغير الله ، أضف إلى ذلك أننا لو سلمنا المعارضة بينهما فلا ترجيح للطائفة الثانية بل يتساقطان فالمرجع هو إطلاقات أدلة القضاء بالأيمان(1).

ولكن ما ذكره (قدس سره) من الجمع لا يناسب التعليل في معتبرة سماعة وصحيحة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «لا يصلح لأحد أن يُحلّف أحد إلا بالله»(2)،

وكذا جمعه الثاني بالحمل على الكراهة ، وقوله مع التعارض تسقطالطائفتان لعدم الترجيح .

ولكن نقول يكفي الترجيح للشهرة والإجماع فلا تصل النوبة إلى التساقط ولابد أن يكون الحلف مختصاً بالله ومع الشك في إثبات الحكم الوضعي يكون الأخذ بالقدر المتيقن وهو الحلف بالله .

ص: 100


1- تكملة مباني المنهاج /26.
2- الوسائل باب 32 من أبواب الايمان ح5.

المسألة 26 : هل يعتبر في الحلف المباشرة أو يجوز فيه التوكيل فيحلف الوكيل نيابة عن الموكل ، الظاهر هو اعتبار المباشرة(1).

----------------------------------------

(1) الحق هو المباشرة ولا يكفي التوكيل في الإثبات بأن يحلف الوكيل وذلك لإن الأدلة قد دلت على حلف الموكل لأنّه هو المنكر وتحليف المنكر شرط في ثبوت الدعوى ، فلا يكون للحلف الصادر من غيره أي أثر لعدم استناده إليه حقيقة .

نعم في بعض الموارد يكون فعل الوكيلمستنداً إلى الموكل حقيقة أو ادعاء ففي الأمور الاعتبارية كالعقود والإيقاعات يكون فعل الوكيل مستنداً إلى الموكل حقيقة ، وفي الأمور التكوينية كالقبض والإقباض يكون قبض الوكيل أو إقباضه ادعاء ، وقد جرت عليها السيرة العقلائية .

وأمّا بالنسبة إلى الحلف فلم يدل دليل على قيام الحلف لشخص آخر مقام المنكر كالوكيل وعدم وجود السيرة وإن وجدت في غير هذا المقام والروايات خصت الحلف بالمنكر كما جاء عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن جميل وهاشم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال قال : رسول لله (صلی الله علیه و آله وسلم) البينة على من ادعى ، واليمين على من ادعيعليه»(1).

ص: 101


1- الوسائل باب 3 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ح1.

المسألة 27 : إذا علم إن الحالف قد ورّى في حلفه وقصد به شيء آخر ففي كفايته وعدمها خلاف والأظهر عدم الكفاية(1).

----------------------------------------

(1) أن الإظهار بصيغة الواقع من المنكر في الحلف على نفي ما يدعيه المدعي أو عدم العلم هو الذي يراد من المنكر ، أمّا لو فرض أنّه ورّى وعلم الحاكم به فلا قيمة لهذا الحلف ، لإنّه في الواقع لم يحلف على الأمر المتنازع فيه .

قال استاذنا الاعظم (قدس سره) : وتدل على ذلك مضافاً إلى ما ذكرناه صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) «قال : سألته عن رجل حلف وضميرهعلى غير ما حلف ، قال : اليمين على الضمير»(1)،

ورواها الصدوق بإسناده عن إسماعيل بن سعد ، وزاد يعني على ضمير المظلوم(2).

ثم قال (قدس سره) أقول : الظاهر إن الجملة الأخيرة من كلام الصدوق لا حجية فيها على أن طريق الصدوق إلى إسماعيل بن سعد مجهول فلا تكون الرواية على طريقه معتبرة ، وتدل على ما ذكرناه صحيحة صفوان بن يحيى أيضاً «قال : سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن الرجل يحلف وضميره على غير ما حلف عليه ، قال : اليمين على الضمير»(3).

ولكن الحق أن الروايتين أجنبيتان عن محلالبحث حيث مضمونهما إن الحالف لو حلف خطأ على غير ما قصده فالحلف ينعقد على ما قصد لا على ما يحلف ، فالروايتان ليستا في فرض المرافعة ، ويكفي في إثبات عدم الكفاية في صورة التورية بما إنّه لم يحلف على ما هو المتنازع فحلفه هذا ليس بشيء ، فلا يمكن للحاكم أن يحكم به بعد عدم حلفه بالمتنازع فيه .

ص: 102


1- الوسائل باب 21 من ابواب كتاب الأيمان ح1.
2- من لا يحضره الفقيه /3 /233 ح1099.
3- المباني /1 /33.

المسألة 28 : لو كان الكافر غير الكتابي المحترم ماله كالكافر الحربي أو المشرك أو الملحد ونحو ذلك ، فقد ذكر بعض أنهم يستحلفون بالله وذكر بعض أنّهم يستحلفون بما يعتقدون به على الخلاف المتقدم ولكن الظاهر أنّهم لا يستحلفون بشيء ولا تجري عليهم أحكام القضاء(1).

المسألة 29 : المشهور عدم جواز احلاف الحاكم أحداً إلا في مجلس قضائه ، ولكن لا دليل عليه فالأظهر الجواز(2).

----------------------------------------

(1) أمّا احلاف الذمي حيث إن ماله يكون محترماً فيجوز احلافه بالله لإيجاب حق أو اسقاطهأو بما يعتقدوه .

وأمّا الحربي بما إن ماله كدمه ليس بمحترم فليس له حق الدعوى على أحد بعد إن كان مهدوراً دمه وماله ويجوز لأي مسلم أخذ ماله وقتله إذ ليس هناك محل للقضاء أصلاً ، بل يجوز أن يحلف ويورّي بأن يقول مالي إذا أراد أخذ مال غير الكتابي ولم يمكن أخذه إلا بالحلف ، كما إذا لم يمكن للمدعي أخذ ماله إلا بالاستحلاف جاز له استحلافه بكل ما يعتقده مقدمة للتوصل إلى الحصول على ماله .

(2) فهل لابد أن يكون الاستحلاف في مجلس القضاء حتى ينفذ الحكم أم لا ؟ عن المحقق : إنّه لا يستحلف الحاكم أحداً إلا في مجلس قضائه إلا مع العذر كالمرض المانع وشبهه، فحينئذٍ يستنيب الحاكم من يحلفه في منزله

وكذا المرأة التي لا عادة لها بالبروز إلى مجمع الرجال أو الممنوعة بأحد الاعذار(1)،

وكذا في الجواهر : بلا خلاف أجده كما أعترف به في الرياض بل في ظاهرهم الإجماع كما

ص: 103


1- شرائع الإسلام /88 .

..........................

يستفاد من كثير منهم كالمقدس الأردبيلي(1)،

وفي شرح الإرشاد : وقد استثني عنها الممنوع بالعذر مثل المريض والزمن الذي لا يمكنه أو يشق عليه الحضور إلى مجلس الحاكم أو الخائف من العدو ونحو ذلك وكذا المرأة الغير البرزة أي التي ليستمن عادتها وشأنها البروز والتردد إلى مجمع الرجال والأحكام ويكون ذلك نقضاً في حقها وعيباً عليها(2) وصاحب الكفاية قال : ولا يستحلف الحاكم أحداً إلا في مجلسه إلا مع العذر فليستخلف الحاكم من يحلفه وكذا المرأة التي لا عادة لها بالبروز إلى مجمع الرجال(3).

وهو الحجة بإن الاستحلاف لابد أن يكون في مجلس القضاء أي كونهما في مجلس واحد من شرائط نفوذ الحكم ، فلو انفذ الحكم في غير مجلس القضاء لا ينفذ .

وهناك قول نسب إلى المسالك بحمله عبارة المحقق على الكراهة فإنه قال : قد تقدم إن مكانالتغليظ المستحب للحاكم المسجد ونحوه ، وحينئذٍ فالنهي عن الاستحلاف في غير مجلس القضاء المراد به منه الكراهة إنما يتم على تقدير كون مجلس القضاء من أمكنة التغليظ وإلا لم يتم النفي والنهي مطلقاً أو يحمل على يمين لا تغليظ فيها(4)،

وفي السرائر بقوله : وينبغي للحاكم أن لا يُحلّف أحداً إلا في مجلس الحكم بالقول فإن كان هناك من توجه عليه اليمين ومنعه من حضور المجلس مانع من مرض أو عجز أو غير ذلك جاز للحاكم أن يستخلف من ينوب عنه في المضي إليه واستحلافه على ما تقتضيه شريعة الإسلام ، والمرأة إذا

ص: 104


1- الجواهر/40 /240 ، الرياض/ 15 /110.
2- مجمع الفائدة والبرهان / 12 /188.
3- الكفاية / 2 /702 .
4- المسالك /13/ 481 .

المسألة 30 : لو حلف شخص على أن لا يحلف أبداً ولكن اتفق توقف إثبات حقه على الحلف جاز له ذلك(1) .

----------------------------------------

وجبت عليها اليمين استحلفها الحاكم في مجلس الحكم وعٌظّم عليها الأيمان ، فإن كانت المرأة لم تجر لها عادة بالخروج من منزلها إلى مجمع الرجال أو كانت مريضة أو بها علة تمنعها من الخروج إلى مجلس القضاء أنفذ الحاكم إليها من ينظر بينها وبين خصمها من ثقاته ويحدد له وأهل العلم والفقه عنده ، فإن توجهت عليها اليمين استحلفها في منزلها ... وإن توجه عليها الحق الزمها الخروج منه على ما يقتضيه شرع الإسلاموعدله(1)،

ويقول صاحب الجواهر : نعم لا بأس بوقوف الدعوى حتى يرتفع العذر(2)،

ولكن الحق إنّه لا دليل على ما ذهب إليه المشهور والإجماع غير منعقد بعد ما عرفت من القول بالكراهة أو الاستحباب فيكون المرجح البراءة من هذا القيد ، اضافة إلى إطلاق الدليل كما عليه الاستاذ الاعظم (قدس سره) بقوله : وذلك لإطلاق الدليل وعدم الدليل على التقييد(3)، فيكون الحكم نافذاً ولو لم يكن في مجلس الحكم .

(1) قد يقال بعدم إمكان ترتب الأثر لإنّه هو الذي أوجب الضرر على نفسه ، فلا تشمله قاعدة نفي الضرر ، ولكن الحق كما قال الاستاذ الاعظم(قدس سره) : إن الحالف لم يقدم على الضرر والضرر إنما نشأ من الزام الشارع بعدم الحلف والمفروض إنه منفي بقاعدة نفي الضرر(4)، فيمكنه الحلف بعد انحلال اليمين السابق ، وهكذا في النذور بلا محذور فيحلف لإثبات حقه لأن عدم الحلف موجب للضرر وهو مرفوع بقاعدة لا ضرر .

ص: 105


1- السرائر / 2 / 186 .
2- الجواهر/40 / 241.
3- المباني / 34 .
4- المباني /1/34.

المسألة 31 : إذا أدّعى شخص مالاً على ميت ، فإن أدّعى علم الوارث به والوارث ينكره فله احلافه بعدم العلم ، وإلا فلا يتوجه الحلف على الوارث(1) .

----------------------------------------

(1) أمّا جواز احلاف الوارث لإنّه منكرفتشمله قاعدة البينة «البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه»(1).

ولكن اليمين إنما يتوجه إليه في صورة ما إذا أدعى المدعي علم الوارث بذلك ، قال المحقق الأشتياني : الثامن هل يكفي اليمين على نفي العلم في الدعوى على فعل الغير إذا كان المنكر مجيباً بالنفي واقعاً عالماً به كما أجاب بنفي العلم أو لا يكتفي منه بذلك بل وظيفته حينئذٍ اليمين على البت وجهان ؟ ظاهر الأصحاب بل صريح جماعة منهم الشيخ والعلامة والشهيدان والمحققان قدس الله ارواحهم هو الأول حسب ما عرفت من إن الوظيفة عندهم في اليمين على نفي فعل الغير هي اليمين على نفي العلم من جهةتعذر الحلف على البت فيه نوعاً ، فقد جعل الشارع في الدعوى على فعل الغير اليمين الفاصلة هي اليمين على نفي العلم توسعاً على المدعى عليه(2).

ولكن قول الشيخ بجواز حلف الوارث على نفي العلم مع عدم ادعاء المدعى عليه غير تام ، لإن الاستحلاف إنما يكون بعد توجه ادعاء المدعي وإلا فلا يجب للوارث الحلف لإنّه يكون أجنبياً ، ولذا قال المحقق : لم تتوجه اليمين ما لم يدعِّ عليه العلم فيكفيه الحلف أنّه لا يعلم(3).

ص: 106


1- الوسائل باب 3 من ابواب كيفية الحكم ح5.
2- كتاب القضاء للمحقق الأشتياني / 201.
3- شرائع الإسلام / 4 / 89 .

المسألة 32 : لو علم أن لزيد حقاً على شخص وادعى علم الورثة بموته وإنه ترك مالاً عندهم ، فإن اعترف الورثة بذلك ألزمهم الوفاء وإلا فعليهم الحلف(1)، أمّا على نفي العلم بالموت أو نفي وجود مال للميت عندهم(2).

----------------------------------------

ويظهر من هذه العبارة إن شرط الاستحلاف هو دعوى علمه به فحينئذٍ حينما يدعي الحق على الميت فإن كان له بينة فيثبت حقه ، وإلا فإن ادعى علم الوارث به فلابد من استحلافهم ، فإن حلفوا على نفي العلم تنفصل الخصومة والنزاع ، وإلا لم يحلف الوارث لإنه يكون على فعل الغير بعد إن كان الحلف على نفي العلم يسد الطريق على المدعي ، فلا يتمكن حينئذٍ من أن يلزمالوارث على دفع ما يدعيه أنّه حقه .

(1) لإنّه بعد إقرار الورثة لا يثبت الحق إذا لم يكن للميت مال .

(2) لا يخفى بعد ما علم أنّه لا يجب للوارث أداء دين المورث إلا من أمواله التي تركها بعد الموت ، فإن اعترف الورثة فيثبت الحق وإلا لابد من اليمين ، وقال المحقق : لا يتوجه اليمين على الوارث ما لم يدعِّ عليه العلم بموت المورث ، والعلم بالحق وإنه ترك في يده مالاً(1).

وقال في الجواهر : بلا خلاف أجده بين من تعرض لذلك من المصنف ومن تأخر عنه(2)، فلابد من وجود هذه الأمور الثلاثة ومتى انتفى أحد هذه الأمور الثلاثة فلم تتوجه عليه الدعوىولا يميناً بعد ما عرفت ، بإن ثبوت الحق على الميت إنما هو مشروط بثبوت هذه الثلاثة ، فلو ادعي عليه أي على الوارث العلم بموته أو بالحق على الميت يكفي أن يحلف الوارث بعدم العلم لإن الدعوى

ص: 107


1- شرائع الإسلام / 4 /90.
2- الجواهر / 40 /250 .

المسألة 33 : إذا ادعى شخص على مملوك فالغريم مولاه ولا أثر لإقرار المملوك في ثبوت الدعوى بلا فرق في ذلك بين دعوى المال والجناية(1) .

----------------------------------------

لا تكون راجعة إليه .

نعم بالنسبة إلى الأمر الثالث المال بيد الوارث فلا يكفي الحلف بعدم العلم بل لابد أن يحلفعلى عدم الوجود لا نفي العلم ، لإن الدعوى تكون متوجهة بأمر راجع إليه ، ولذا قال الاستاذ الاعظم (قدس سره) : فإن ثبوت الحق المدعى يتوقف على أمرين : علم الوارث بالموت ووجود مال للميت عنده فإذا احلف الورثة على نفي العلم بالموت أو نفي مال له عندهم لم يثبت له حق(1).

(1) قال المحقق : إذا ادعى على المملوك فالغريم مولاه ويستوي في ذلك دعوى المال والجناية(2)، ونسب ذلك إلى القواعد بقوله : إذا ادعى على المملوك فالغريم مولاه سواء كانت الدعوى مالاً أو جناية والاقرب عندي توجهاليمين عليه ، فإن نكل رُدّت على المدعي وتثبت الدعوى في ذمة العبد يتبع بها بعد العتق(3)، وفي الارشاد : ولو ادعى على المملوك فالغريم مولاه على المال والجناية ، يعني إذا ادعى شخص استحق على مملوك مالاً أو جناية موجبة لمال أو قصاص طرف أو نفس فالخصم المدعى عليه هو مولى ذلك المملوك بمعنى إنه لو أقرّ المملوك بذلك لا يسمع ولا يترتب عليه أثر ، بل إنما يترتب الاثر على إقرار مولاه ، فيؤخذ بإقراره المال المدعى على المملوك اصالة أو بواسطة الجناية خطاء(4)،

والدروس بقوله:

ص: 108


1- المباني / 1 /35 .
2- شرائع الإسلام / 4 /90.
3- القواعد / 3 / 445 .
4- مجمع الفائدة والبرهان /12 /196.

نعم إذا كانت الدعوى اجنبية عن المولى كما إذا ادعى على العبد إتلاف مال واعترف العبد به ثبت ذلك ويتبع به بعد العتق(1) .

----------------------------------------

ولو ادعى على العبد فالغريم المولى وإن كانت الدعوى بمال ، ولو إقرّ العبد تبع به ولو كان بجناية وأقر العبد بذلك(1)، لإن المدعى عليه في الحقيقة هو المولى لإنه عبد مملوك لا يقدر على شيء .

ولكن هذا الكلام على الاطلاق غير تام ، ففي الموارد التي ترجع الدعوى إلى بدنه أو ما في يده بما أن كلاهما يكونان للمولى ، ففي الحقيقة المدعى عليه هو المولى فيكون العبرة بإقراره لاإقرار العبد .

(1) أمّا إذا كانت الدعوى عليه وليس للمولى دخل في ذلك ، بل إذا ثبت عليه يتبع به بعد العتق ، كما إذا جنى جناية وقلنا بإن الدية تكون على العبد نفسه ويتبع بها بعد العتق لا على المولى ، وفي هذه الحالة العبرة بإقراره لا إقرار المولى .

أمّا إذا كان هناك مدعٍ في المال الذي بيد العبد إنّه له ، كان المدعى عليه هو المولى ، فإن أقرّ به دفعه إليه ولو أنكر العبد ، وإن أنكره حلف هو لا العبد وبقي المال له ، وإن أنكره العبد فإقرار العبد وأنكاره لا شيء ، والعبرة بإقرار المولى وأنكاره إذا كان المدعى به المال ، كما لوادعى على العبد إنه جنى خطأ حيث يستحق المجني عليه استرقاقه أو فكه ، وبما أن العبد ملك للمولى كان المدعى عليه هو المولى ، بعد إن كان العبد مالاً للمولى فتتعلق الدعوى بمال المولى فإن أقرّ بذلك دفعه إليه أو اعطي الفدية ، وإن أنكر يجب عليه الحلف ، فإن حلف سقطت الدعوى باستحقاق العبد وإن أقرّ العبد بذلك كما مرّ .

ص: 109


1- الدروس /2 /103.

وبذلك يظهر حكم ما إذا كانت الدعوى مشتركة بين العبد ومولاه كما إذا أدعى على العبد القتل عمداً أو خطأ واعترف العبد به فإنه لا أثر له بالنسبة إلى المولى ولكنه يتبع به بعد العتق(1) .

----------------------------------------

(1) وأمّا إذا كانت الدعوى مشتركة بين العبد ومولاه ، كما إذا كانت الجناية توجب قتله ، فهل المنكر هو المولى ويعتبر إقراره أو إنكاره لإنّه هو الغريم أو العبد فيعتبر إقراره أو إنكاره ؟ وجهان فإن قلنا اعتبار إقرار المولى وإنكاره فلا يمكن للمولى أن يقرّ بالجناية لأنه وإن ملك نفس العبد ولكن لا يملك جنايته ، والقاعدة الواردة من ملك شيئاً ملك الإقرار به(1) فلا تجري هنا.أمّا لو قلنا الاعتبار بإقرار العبد وإنكاره ، فإن إقرار العبد موجب للضرر على المولى لتلف ماله وهو نفس العبد .

فإن قلت : يشمله دليل إقرار العقلاء على أنفسهم جائز .

قلنا : إن هذه القاعدة إنما تجري فيما إذا لم يستلزم ضرر على الغير فالقاعدة لا تجري على إطلاقها ، ويمكن أن يقال وإن كانت الجناية عمداً وموجبة لإستحقاق استرقاق العبد ، وقلنا بالتخيير بين الاسترقاق ، وبين القصاص فالخصم المولى أيضاً ، قلنا لو أقّر به دفع المولى العبد للاسترقاق ولو أنكر وحلف سقطت الدعوى ، وبإقراره لا يثبت القصاص بعد إن كان المولى لا يملك إزهاق النفس ، فإقراره لا يفيد ، لذا لو نكَّل بالعبدفنكوله يكون سبباً في عتقه ، نعم لو أقرا معاً يستحق العبد القصاص لإن الحق منحصر بهما .

ولكن نسب إلى المبسوط حسب ما ذكره صاحب المسالك : إذا كان على العبد حق فإنّه ينظر فإن كان حقاً يتعلق ببدنه كالقصاص وغيره فالحكم فيه مع العبد دون السيد ، فإن أقرّ به لزمه عند المخالف ، وعندنا لا يقبل إقراره ولا

ص: 110


1- القواعد الفقهية للأستاذ المحقق البجنوردي /1 /5.

المسألة 34 : لا تثبت الدعوى في الحدود إلا بالبينة أو الإقرار ولا يتوجه اليمين فيها على المنكر(1) .

----------------------------------------

يقتص منه ما دام مملوكاً ، فإن اعتق لزمه ذلك ، فإما إن أنكر فالقول قوله ، فإن حلف سقطتالدعوى وإن نكّل رُدّت اليمين على المدعي فيحلف ويحكم بالحق وإن كان حقاً يتعلق بمال كجناية الخطأ وغير ذلك فالخصم فيه السيد ، فإن أقرّ به لزمه وإن أنكر فالقول قوله فإن حلف سقطت الدعوى وإن نكل رُدّت اليمين على المدعي فيحلف ويحكم له بالحق(1).

فعلى أيّ حال إقرار المولى وحده الذي يسبب القتل غير مفيد لعدم تسلطه على النفس ، وإقرار العبد أيضاً وحده غير مفيد ، للضرر على المولى نعم لو أقرا معاً ثبت الحق والقصاص فتأمل .

(1) خلافاً لما في المبسوط ومن هذه الحقوق حق الآدمي ، فإنّه يسمع الدعوى فيهويستحلف عليه مثل أن يقذف رجلاً بالزنا فيلزمه الحد وإنما يسقط بتحقيق زنا المقذوف ، فإن ادعى عليه إنه زنا لزمه الاجابة عن دعواه ويستحلف على ذلك، فإن حلف سقطت الدعوى ويلزم القاذف الحد(2).

وقال في الجواهر : بأن قال له يا زاني ثم لما اريد قيام حد القذف عليه ادعى الزنا على المقذوف ولكن لا بينة له على ذلك ، جاز أن يحلف المقذوف على عدم الزنا ليثبت الحد على القاذف(3).

وأمّا اجازته بالحلف لثبوت الحد أولاً لذا قال جاز أن يحلف فيثبت الحد على القاذف ، وفيهإشكال واضح ، إذ لا يمين في حد ، ففي حق الله لا يُثبت اليمين

ص: 111


1- المسالك / 13 / 494 .
2- المبسوط / 5 / 578 .
3- الجواهر/40/257.

المسألة 35 : يُحلّف المنكر للسرقة مع عدم البينة ، فإن حلف سقط عنه الغرم(1)، ولو أقام المدعي شاهداً وحلف غرم المنكر ،

----------------------------------------

الحد ، حتى ولو كان مشتركاً بين حق الله وحق الناس ، وذلك كالقذف للنصوص الواردة في الحق المشترك .

منها : معتبرة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن أمير المؤمنين (علیه السلام) في حديثقال : «لا يُستحلف صاحب الحد»(1).

ومنها : معتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد عن أبيه (علیهما السلام) «إن رجلاً استعدى علياً (علیه السلام) عن رجل فقال : إنه افترى عليّ ، فقال : علي (علیه السلام) للرجل فعلت ما فعلت ، فقال : لا ثم ، قال علي (علیه السلام) للمستعدي ألك بينة ؟ قال : فقال مالي بينة، فأحلفه ليّ ، قال علي (علیه السلام) ما عليه يمين»(2).

ومنها : رواية محمد بن أبي منصور عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : أتى رجل أمير المؤمنين برجل ، فقال هذا قذفني ولم تكن له بينة ، فقال : يا أمير المؤمنين استحلفه، فقال : لا يمين في حد ولا قصاص في عظم»(3)، فمن هذا يتبين إنه لا تثبت الدعوى في الحدود بالحلف .

(1) الحق حقان ، الأول حق الله تعالى وهو الحد ، والثاني وهو حق الناس ، ولا ربط لثبوت أحدهما بالآخر إثباتاً ونفياً ، حيث لا ملازمة بينهما فيمكن إثبات أحدهما دون الآخر ، فمنكر السرقة يتوجه عليه اليمين لإسقاط الغرم ، ولو نكّل لزمه المال دون القطع بناءً على القضاء بالنكول وهو الأظهر وإلا حلف المدعي ولا يثبت الحد على القولين ، وكذا لو اقام شاهد وحلف(4).

ص: 112


1- الوسائل باب 24 من أبواب مقدمات الحدود ح2.
2- الوسائل باب 24 من أبواب مقدمات الحدود ح3.
3- الوسائل باب 24 من أبواب مقدمات الحدود ح1.
4- شرائع الإسلام /4/91.

وأمّا الحد فلا يثبت إلا بالبينة أو الإقرار ولا يسقط بالحلف ، فإذا قامت البينة بعد الحلفجرى عليه الحد(1).

المسألة 36 : إذا كان على الميت دين ، وادعى الدائن أن له في ذمة شخص آخر ديناً ، فإن كان الدين مستغرقاً رجع الدائن إلى المدعى عليه وطالبه بالدين ، فإن اقام البينة على ذلك فهو ، وإلا حلف المدعى عليه وإن لم يكن مستغرقاً(2).

----------------------------------------

(1) أمّا بالنسبة إلى الحد فلا يثبت بالشاهد الواحد ولا بالحلف ، بل بالبينة والإقرار ، وسيأتي في محله ، ولذا لو حلف المنكر سقط حق المدعي أمّا لو أتى المدعي بعد ذلك بالبينة ولو بعد الحلف جرى عليه الحد لعدم ارتباط أحدهما- أي الحق والحد - بالآخر .

(2) إذا كان الدين مستغرقاً لم يبق موضوع للإرث ، قال المحقق : لو مات وعليه دين يحيط بالتركة لم ينتقل إلى الوارث ، وكانت في حكم مال الميت وإن لم يحط انتقل إليه ما فضل عن الدين ، وفي الحالين للوارث المحاكمة على ما يدعيه لمورثه ، لإنّه قائم مقامه(1).

وقال صاحب الجواهر : وفي الحلف دون الغريم وإن تعلق به حقه وحينئذٍ فلو أقام شاهداً حلف هو معه دون الديان(2).

ونسب إلى العلامة الحلي : ولو أحاط الدين بالتركة ، فالمحاكمة إلى الوارث فيما يدعيهللميت(3).

ص: 113


1- شرائع الإسلام / 4 / 92 .
2- الجواهر /40 / 267 .
3- رشاد الاذهان/2 /144.

..........................

ثم إن الثمرة بين القولين تظهر في النماء ، فلو قلنا بالانتقال فينتقل إلى الوارث ولا يتعلق به حق الغرماء أصلاً ، وأن قلنا بعدم الانتقال يتعلق به حق الغرماء كما يتعلق بأصله .

والحق إنه لم ينتقل بل هو بحكم مال الميت وإن لم يحط انتقل إليه ما فضل عن الدين ، وذلك لقوله تعالى : «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ»(1) فلو استوعب الدين واحاط بالتركة يصبح الوارث أجنبياً ، والدين الذي يطلبه الميت يكونبمنزلة مال الميت فينتقل إلى الدائن ، لو ثبت ذلك الدين على الميت إذاً في صورة الاستغراق يكون المطالب بالدين هو المدعي فيطالب المدعى عليه بذلك ، فإن أقام البينة ثبت حقه على المدعى عليه وطالبه بالدين ، وإن لم يكن له بينة حلف المدعى عليه وسقط حق المدعي .

وأمّا إذا لم يكن الدين مستغرقاً ، فإذا فرض أن هناك مالاً للميت غير المال المدعى به للميت الذي في ذمة الغير ، فبما إن المال ينتقل إلى الورثة والمطالب هم الورثة فيرجع الدائن إليهم لاستلام حقه منهم .

ص: 114


1- سورة النساء الآية / 12 .

فإن كان عند الورثة مال للميت غير المال المدعى به في ذمة غيره رجع الدائن إلى الورثة وطالبهم بالدين ، وإن لم يكن له مال عندهم فتارة يدعي الورثة عدم العلم بالدين للميت على ذمة آخر ، وأخرى يعترفون به ، فعلى الأول يرجع الدائن إلى المدعى عليه ، فإن أقام البينة على ذلك فهو وإلا حلف المدعى عليه ، وعلى الثاني يرجع إلى الورثة وهم يرجعون إلى المدعى عليه و يطالبونه بدين الميت ، فإن أقاموا البينة على ذلك حكم بها لهم وإلا فعلى المدعى عليه الحلف ، نعم لو أمتنع الورثة من الرجوع إليه فللدائن أن يرجع إليه ويطالبه بالدين على ما عرفت(1) .

----------------------------------------

(1) إذا لم يكن للميت مال عند الورثة ، فتارة لا يعترف الورثة إن في ذمة الميت مال ، فلا يرجع المدعي إلى الورثة لعدم اعترافهم بإن للميت مال للغير ، فالدائن يرجع إلى ذلك الغير ويطالب بالمال الذي للميت بذمة الغير فيطالب ذلك الغير بأداء ما عليه ، وتارة أخرى يعترفون فيرجع المدعي إلى الورثة بعد إن ثبت المال .

فنقول : ينتقل إلى الورثة ويكون بنحو ملك الغير المستقر لإن استقرار الملك يكون بعد الوصية والدين والمطالب يكون هم الورثة ، فإن اقاموا البينة على ذلك حكم لهم ، وإلا لو حلف المدعى عليه يسقط الحق .

أمّا لو أمتنع الورثة من المطالبة فالدائن هويرجع إلى الغير ويطالبه بالدين بعد ما لم يكن للدائن اجبار الورثة بالمطالبة فله حينئذٍ استيفاء حقه من الميت والمال المديون هو للميت ، فالدائن عندما يطالب بالدين الذي على الغير فهو يطلب حقه من ذلك المال .

ص: 115

حكم اليمين مع الشاهد الواحد

المسألة 37 : تثبت الدعوى في الأموال بشهادة عدل واحد ويمين المدعي والمشهور على أنّه يعتبر في ذلك تقديم الشهادة على اليمين(1).

----------------------------------------

(1) سواء كان شهادة العدل الواحد واليمين تثبتا الدعوى في حق الناس ديناً كان أم غيره ، أو تثبتا بهما مطلق الحق كان للناس أو لله سبحانه .

أمّا الأخير فلم يرد بذلك دليل بل جاء الدليل على العكس كما في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : لو كان الأمر إلينااجزنا شهادة الرجل الواحد إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس ، فأمّا ما كان من حقوق الله عز وجل أو رؤية الهلال فلا»(1)فيظهر من هذه الرواية أمران :

الأول : عدم ثبوت حق الله بشاهد ويمين .

الثاني : ثبوته لمطلق حق الناس ، ووردت روايات يثبت بهما مطلق حقوق الناس .

منها : صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : كان رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) يقضي بشاهد واحد مع يمين صاحب الحق»(2).

ومنها : رواية حماد بن عثمان «قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : كان علي(علیه السلام) يجيز في الدين شهادة رجل ويمين المدعي»(3).

ص: 116


1- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح12.
2- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح2 .
3- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح3 .

..........................

ومنها : حسنة حماد بن عيسى «قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : حدثني أبي (علیه السلام) إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) قضى بشاهد ويمين»(1).

ومنها : صحيح أبي بصير «قال : سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يكون له عند الرجل الحق وله شاهد واحد ، قال : فقال : كان رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) يقضيبشاهد واحد ويمين صاحب الحق وذلك في الدين»(2)،

وغيرها من الروايات ، لا يخفى أنه وإن ورد في الحديث إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) قضى باليمين مع الشاهد الواحد(3)، إلا أن في بعض الموارد كموردنا هذا الذي خرج بالتخصيص للأدلة المعتبرة ، فيظهر من الرواية أنه يثبت بهما مطلق الحق لا أنه مختص بالديون ، نعم حق الله لا يثبت إلا بهما أي بشاهدين .

ص: 117


1- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح4 .
2- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح5 .
3- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح15- ح18.

فلو عكس لم تثبت(1)، وفيه إشكال وإن كان لا يخلو من وجه، هذا كله في الدعوى على غير الميت، وأمّا الدعوى عليه فقد تقدم الكلام فيها.

----------------------------------------

(1) هل لابد من تقديم الشهادة على اليمين أم يكفي العكس ؟ قد يقال لابد من تقديم الشهادة لأنّها القدر المتيقن في نفوذ الحكم ، وأمّا إذا تقدم اليمين على الشهادة فالأصل عدم النفوذ ، ونسب إلى الشيخ : عندنا يجوز القضاء بالشاهد الواحد مع يمين المدعي ، وبه قال جماعة ، واباه آخرون وقال بعضهم الترتيب ليس شرطاً ، بل هو بالخيار إن شاء حلف قبل شاهده وإن شاء بعده ، كالشاهدين من شاء شهد قبل صاحبه ، والصحيحأنه على الترتيب يشهد له شاهده ثم يحلف(1).

وقال المحقق : يشترط شهادة الشاهد أولاً وثبوت عدالته ثم اليمين ولو بدأ باليمين وقعت لاغية وافتقر إلى اعادتها بعد الإقامة ويثبت الحكم بذلك(2).

لكن الإنصاف عدم الدليل الواضح على تقديم الشهادة على اليمين غير أصالة عدم ثبوت الحق بدون ذلك بعد الشك في أرادة غيره من الإطلاق قلنا يكفي في ثبوت الحق وعدم وجوب التقديم إطلاق الروايات ولم يرد لابدية تقديم الشهادة ، نعم التقديم اللفظي الذي لا يقتضي تقديم الشهادة عند المحاكمة ، وهي لا تكون لها صلاحية القرينةحتى لا يمكن التمسك بالإطلاق ، فالروايات تثبت بأنّه يكفي في إثبات الدعوى الشاهد واليمين .

أمّا كيفية تقديم أحدهما على الآخر فلم يرد في الرواية ، فلو قدم اليمين على الشهادة

أيضاً كافٍ ، ولكن بما أن المشهور عندهم تقديم الشهادة على اليمين ، بل ادعى في الجواهر عدم الخلاف ، وفي كشف اللثام نسبه إلى قطع الأصحاب(3) فالاحتياط لا يترك.

ص: 118


1- المبسوط /5/ 550.
2- شرائع الإسلام / 4 / 92 .
3- الجواهر /40 /270.

المسألة 38 : الظاهر ثبوت المال المدعى به بهما مطلقاً ، عيناً كان أو ديناً وأمّا ثبوت غير المال من الحقوق الآخر بهما ففيه إشكال والثبوت أقرب(1).

----------------------------------------

(1) في المسألة ثلاثة أقوال .

الأول : اختصاصهما بالدين .

الثاني : يثبت بهما مطلق ما كان مالاً أو ديناً .

الثالث : ما يثبت بهما مطلق الحقوق ولو لم يكن مالاً ، أي حقوق الناس أمّا حقوق الله ، فقد مرّ أنّه لا يثبت بهما ولو كان هناك دعوا فيها حقوق الناس وحقوق الله ، يثبت بهما الأول دون الثاني ، والمشهور على الثاني وادعي عليه الإجماع .أمّا القول الأول نسب إلى جماعة من القدماء ففي الغنية دعوى الإجماع عليه(1).

وأمّا القول الثالث وهو مطلق حقوق الناس ولو لم يكن مالاً فسيأتي بيانه .

فعلى الأول قد وردت به الروايات الدالة على الاختصاص بالدين كمعتبرة أبي بصير ، «قال سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يكون له عند الرجل الحق وله شاهد واحد ، قال ، فقال : كان رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) يقضي بشاهد واحد ويمين صاحب الحق وذلك في الدين»(2).

ومنها : معتبرة حماد بن عثمان عن أبي عبدالله (علیه السلام) إلى أن يقول «كان علي يجيز في الدين شهادة رجل ويمين المدعي»(3) .

ص: 119


1- الغنية / 1/ 442 .
2- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح5 .
3- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح3 .

..........................

ومنها : معتبرة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : كان رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) يجيز في الدين شهادة رجل واحد ويمين صاحب الدين ولم يجز في الهلال إلا شاهدي عدل»(1)وغيرها

من الروايات .

وأمّا مطلق الحقوق وهو القول الثالث لصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال لو كان الأمر إلينا اجزنا بشهادةالرجل الواحد إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس»(2).

ومنها : صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) قضى بشاهد واحد مع يمين صاحب الحق»(3).

ومنها : صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : كان رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) يقضي بشاهد واحد مع يمين صاحب الحق»(4).

ومنها : ما رواه أبو مريم في الصحيح عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : أجاز رسول الله(علیه السلام) شهادة شاهد مع يمين طالب الحق إذا حلف أنّه الحق»(5) وغيرها من الروايات ولم ترد رواية تدل على القول الثاني .

بقي القول الأول والثالث فهل هناك معارضة بينهما حتى يحمل المطلق على المقيد ، قال في الجواهر : نعم قد يقال إن حمل المطلق على المقيد إنما يصح بعد فرض التقييد وعدم قوة المطلق من حيث كونه مطلقاً وهما معاً ممنوعان لإمكان عدم أرادة التقييد في النصوص السابقة ، ضرورة أن القضاء بهما في الدين أو جوازه

ص: 120


1- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح1 .
2- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح12 .
3- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح2 .
4- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح8 .
5- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح9 .

المسألة 39 : إذا أدعى جماعة مالاً لمورثهم ، وأقاموا شاهداً واحداً فإن حلفوا جميعاً قسمالمال بينهم بالنسبة وإن حلف بعضهم وأمتنع الآخرون ، ثبت حق الحالف دون الممتنع ، فإن كان المدعى به ديناً أخذ الحالف حصته ولا يشاركه فيها غيره وإن كان عيناً شاركه فيها غيره وكذلك الحال في دعوى الوصية بالمال لجماعة ، فإنّهم إذا أقاموا شاهداً واحداً ثبت حق الحالف منهم دون الممتنع(1) .

----------------------------------------

لا يقتضي عدم القضاء ولا عدم جوازه بغيره(1).

فلا يحمل المطلق على المقيد إلا في صورة المعارضة والروايات المذكورة في الدين حاكية عن حكم رسول الله (علیه السلام) وليس فيها أي مفهوم ، أو وردت في موارد خاصة تدل على أنالحكم في الدين بشاهد ويمين ، ولا تدل على أنّهما مختصان بالدين مع إن صحيحة محمد بن مسلم صريحة في ثبوت حقوق الناس بهما ، إذاً يصح القول بثبوت الدين وحقوق الناس .

(1) قال المحقق : ولا يثبت دعوى الجماعة مع الشاهد إلا مع حلف كل واحد منهم ولو أمتنع البعض ثبت نصيب من حلف دون الممتنع(2)،

وفي الجواهر : لإنّها تنحل إلى دعاوى متعددة وإن كانت هي واحدة بالظاهر(3).

أمّا ثبوت حق الحالف بعد حلفه لإن مقتضى الأدلة التي ذكرناها هي ثبوت الحق في الدعوى المالية تثبت بشاهد ويمين ، وبما إن الدعوىبمنزلة الدعاوى المتعددة فبعد قيام الشاهد ثبت حق كل من حلف ، ومن أمتنع لم يثبت حقه ، فإن

ص: 121


1- الجواهر/ 40 / 273 .
2- شرائع الإسلام /4/ 93.
3- الجواهر/40 / 279.

..........................

مجرد وجود الشاهد لا يثبت الدعوى إلا مع ضم اليمين إليه وبما إنّها بمنزلة الدعاوى المتعددة فيمين واحد لا يكفي في ثبوت حصة الجميع فلو كان المدعى به ديناً أخذ المدعي الحالف حقه ولا يشاركه أحد ، لإن الدين يكون على النحو الكلي في الذمة ، فكل واحد من الورثة يستحق مقداراً منه .

أمّا لو كان عيناً بما أنّه شيء واحد فما يأخذهالحالف هو مال مشترك بينه وبين غيره بمقتضى إقراره فعليه إعطاء حصة الآخرين وله بعد إثبات حصته على نحو الشركة ليس له أن يبيعه لكي لا يشارك مع غيره .

قال المحقق : ولو ادعى الجماعة مالاً لمورثهم ، وحلفوا مع شاهدهم تثبت الدعوى وقسم بينهم على الفريضة(1)، وهو مقتضى القاعدة فيما إذا كان المدعى به ديناً ، وأمّا لو كان عيناً فيكون الممتنع منهم شريكاً معهم فيما أخذه لإن المال يكون مشتركاً بينهم ، وعليه فلا تصح إقامة الشهادة ، وكذا الحلف من أحدهم موجباً للقسمة وكذا استيفاء المدعي نصيبه من المال لا يوجب القسمة ، فلا يجوز له حينئذٍ التصرف في الجميع.

ص: 122


1- شرائع الإسلام /4 / 93.

المسألة 40 : لو كان بين الجماعة المدعين مال لمورثهم صغير فالمشهور أنه ليس لوليه الحلف لإثبات حقه ، بل تبقى حصته إلى أن يبلغ(1)، وفيه اشكال والاقرب أن لوليه الحلف فإن لم يحلف ومات الصبي قبل بلوغه قام وارثه مقامه ، فإن حلف فهو وإلا فلا حق له(2).

----------------------------------------

(1) فإنّه لم يحلف وليه لكون المال لغيره(1)،

ولذا قال المحقق : أيضاً لو كان في الجملة مولى عليه يوقف نصيبه فإن كمل ورشد حلف واستحق ، وإن أمتنع لم يحكم له(2)، فما ذكره استاذنا الاعظم(قدس سره) بإن جملة من الروايات مطلقةوهي تدل على ثبوت المدعى به بشاهد واحد ويمين المدعي ولا موجب لتقييدها ، بإن يكون المدعي صاحب الحق لعدم ثبوت المفهوم في الروايات(3).

وفيه إن الروايات منصرفة عن غير صاحب الحق مضافاً إلى أن المسألة غير خلافية ولم يرد دليل على قيام حلف المولى مقام حلف صاحب الحق أو صاحب الدين فحلفه غير مفيد .

(2) قال المحقق : وإن مات قبل ذلك كان لوارثه الحلف واستيفاء نصيبه فإن حلف اخذ حقه وإلا فلا حق له ، ويكفي الشاهد الأول ولا يحتاج إلى اعادة الشهادة لإطلاق الادلة ولإنها دعوى واحدة لا دعوى متجددة بالفعل وإن لم يحلفوا فلاحق لهم .

ص: 123


1- الجواهر/40 /288.
2- شرائع الإسلام /4/ 93.
3- المباني /1 /44 .

المسألة 41 : إذا ادعى بعض الورثة إن الميت قد أوقف عليهم داره مثلاً نسلاً بعد نسل وأنكره الآخرون ، فإن أقام المدعون البينة ثبتت الوقفية ، وكذلك إذا كان لهم شاهد واحد وحلفوا جميعاً(1)، وإن أمتنع الجميع لم تثبت الوقفية وقسم المدعى به بين الورثة بعد اخراج الديون والوصايا إن كان على الميت دين أو كانت له وصية وبعد ذلك يحكم بوقفية حصة المدعي للوقفية اخذاً بإقراره(2) .

ولو

حلف بعض المدعين دون بعض ثبتت الوقفية في حصة الحالف، فلو كانت للميت وصية أو كان عليه دين اخرج من الباقي ثم قسم بين سائر الورثة(3) .

----------------------------------------

(1) حتى وإن ادعى جماعة آخرون غير الورثة ، فإن أتوا بالبينة تثبت الوقفية وكذا لو أتوا بشاهد واحد وحلفوا جميعاً تثبت الوقفية أي لا فرق بين من يدعي وقفية الدار أن يكون وارثاً أو أجنبياً وبعد الحلف يقضى لهم بالوقفية وتصبح تلك الدار خارجة عن التركة للميت فلا يتعلق بها دين إن فرض استيعابه ولا الوصية ، كما إنّه لا تقسم بين الورثة غير المدعين للوقفية .

(2) وأمّا مع امتناعهم أجمع تبقى الدار ميراثاً تقسم بين بقية الورثة حسب ما يستحقون من حصصهم بعد إخراج الدين والوصية ، وأمّا حصة المدعين للوقفية تبقى على وقفيتها لإن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز .

(3) أمّا لو حلف بعض الورثة يبقى نصيبهوقفاً ، وأمّا الباقي يبقى ميراثاً فبعد أداء دينه إذا كان عليه دين أو أداء ما أوصى به إن كان له وصية فيقسم الباقي بين سائر الورثة ، يقول المحقق : لو ادعى بعض الورثة إن الميت وقف عليهم داراً وعلى نسلهم ، فإن حلف المدعون مع شاهدهم قضي لهم وإن امتنعوا حكم بها ميراثاً إلى أن قال وما يحصل من الفاضل للمدعين يكون وقفاً(1).

ص: 124


1- شرائع الإسلام /4 /93.

المسألة 42 : إذا أمتنع بعض الورثة عن الحلف ثم مات قبل حكم الحاكم قام وارثه مقامه ، فإن حلف ثبت الوقف في حصته وإلا فلا(1).

----------------------------------------

(1) لإن امتناع الورثة عن الحلف لا يمنع الطبقة التي تأتي بعدهم عن الحلف ، بل لهم أن يحلفوا وتثبت الوقفية في حصتهم ، وإذا كان فيهم أناثاً وحلفن يستحقن من الوقفية بالسوية مع الذكور ، وإذا امتنعن فيأخذن بمقدار حقهن من الإرث أي نصف الذكر ، قال المحقق : ولو انقرض الممتنع كان للبطن التي تأخذ بعده الحلف مع الشاهد ولا يبطل حقهم بامتناع الأول(1).

وقال صاحب المسالك : ثم إذا انقرضالمدعون معاً أو على التعاقب فهل يأخذ البطن الثاني الدار بغير يمين أم يتوقف حقهم على اليمين ؟ فيه وجهان مبنيان على أن البطن الثاني يتلقون الوقف من البطن الأول أو من الواقف ، فإن قلنا بالأول وهو الأشهر فلا حاجة إلى اليمين ... إلى أن يقول وإن قلنا بالثاني لم يأخذ إلا باليمين كالبطن الأول(2)،

ولا منافاة بين امتناع الأول وثبوت الحق لورثتهم لذا لو حلف البطن التي تلي كافٍ لهم أخذ حقهم بعد الحلف مع الشاهد .

ص: 125


1- شرائع الإسلام /4 /94.
2- المسالك /13 /522.

فصل في القسمة

المسألة 43 : تجري القسمة في الأعيان المشتركة المتساوية الأجزاء وللشريك أن يطالب شريكه بقسمة العين ، فإن أمتنع أُجبر عليها(1) .

----------------------------------------

(1) يقع الكلام أولاً في مشروعية القسمة .

لا يخفى بإنّها ثابتة في الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والعقل .

أمّا الكتاب قوله تعالى : «وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْمِنْهُ»(1)، أي إذا حضر القسمة هذه الأصناف التي ذكرتها الآية فشهدوا عند تقسيم التركة وتمييز الحصص بعضها من بعض بالقسمة ، فالآية تدل صريحاً على جواز القسمة .

وقد استدلوا بالجواز وتشريع القسمة بآيةٍ أخرى وهي قوله تعالى : «وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ»(2) .

ولكن الحق إن الماء للجميع لا أنّه كان مشتركاً فأمر الله تعالى بجعل ذلك يوم للناقة ويوماً لهم ، فمعنى الآية أي أخبرهم إن الماء للجميع بينهم وبين الناقة «كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ» أي كل يوم خاص لأهله فلا يحق لهم ورود اليومالذي مختص بالناقة ، فالآية أجنبية عن القسمة التي هي محل الكلام ، لإن القسمة إنما تقع في الأموال المشتركة بين الشركاء ، وشرعت لإفراز حصصهم بعضها من بعض لحسم

ص: 126


1- سورة النساء الآية / 8 .
2- سورة القمر الآية / 28 .

..........................

مادة الخصومة .

وأمّا السنة وهي كما روي إنه كان لعلي (علیه السلام) قاسم يقال له عبدالله بن يحيى وكان رزقه من بيت المال(1)، وقسم رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) خيبر ثمانية عشر سهماً «وقال (صلی الله علیه و آله وسلم) الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وعرفت الطرقفلا شفعة»(2)، وروي أيضاً إنّه (صلی الله علیه و آله وسلم) قسمها ستة وثلاثين سهماً(3).

يقول في المبسوط : لا تناقض فيه لإن النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) فتح نصف خيبر عنوة ونصفها صلحاً فما فتحه عنوة فخمسه لأهل الخمس وأربعة أخماسه للغانمين عندهم وعندنا لجميع المسلمين وما فتحه صلحاً فعندنا هو لرسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) خاصة وعندهم هو فيء يكون لرسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) ينفق منه على نفسه وعياله ، وهذا مثل ما عندنا فمن روى قسمها على ثمانية عشر سهماً أراد ما فتحه عنوة ، ومن روى علىستة وثلاثين سهماً أراد الكل نصفها فيء وإن نصفها غنيمة(4).

وأمّا الإجماع فقد أدعى صاحب الجواهر الإجماع بقسميه بقوله : إجماعاً بقسميه بل ضرورة(5)، وقد عرفت حال هذه الإجماعات .

وأمّا العقل بما إن حفظ النظام احياناً يتوقف على القسمة لإنّه قد لا يرضى الشركاء أو يرضى بعضهم بالشركة ، وقد يكون بقاء الشركة موجباً للنزاع والتخاصم ، ولذا حكم العقل بتشريعها لأجل قطع مادة النزاع ، ومعنى التعيين والتمييز إن المال كان معيناً من الأول خاصة في الواقع ، بل يكون أعم ولو ظاهراً ،

ص: 127


1- المبسوط / 5 / 487 .
2- سنن ابي داود /3 /160 ح3015 .
3- سنن ابي داود /3 /159.
4- المبسوط /5 /487 .
5- الجواهر /40 /326.

..........................

فالتمييز يشير على هذا المعنى ، كما عبر المحقق بقوله : لإن القسمة هي تميز حق لا بيع(1)، كي يلحقها أحكامه إنّها ليست معاوضة وإنما هي تمييز حق استخرج بالقرعة حتى في قسمة الرد .

ومن ذلك يظهر لك المناقشة ما في المسالك وغيرها ، ونبه بقوله : يقسم كيلاً ووزناً ... لإن القسمة تمييز حق لا بيع على خلاف بعض العامة حيث زعم أنّها بيع مطلقاً(2)، وفي الجواهر : كي يلحقها أحكامه ...إنّها ليست معاوضة وإنما هي تمييز حق ، استخرج بالقرعة وحتى في قسمةالرد(3).

وقيل المناسب تعريفها : بإن يقال القسمة هي نقل سهم كل شريك من الحصة بيد شريكه بإزاء سهم شريكه من الحصة التي بيده فتأمل .

ثم إنه بعد القسمة يملك كل من أصحاب الحصص حصته مستقلاً ولا علاقة بين الحصتين ، فلكل واحد منهما أن يتصرف في حصته كيف شاء ولا اعتراض للآخر عليه ، بل احياناً هي جعل التعيين بعد إن لم يكن معيناً واقعاً لإن كل جزء من الأصل مشترك بين الشريكين ، ولم يكن نصيب كل واحد وحصته متميزاً في الواقع بل إنما يتميز بالقسمة ، فهي مميزة جعلية عرفية وقد امضاها الشارع ، فهي نظير القرعة فيما إذا قلنابإنها تشمل ما ليس هو معلوماً واقعاً أو ظاهراً ، فإنّها حينئذٍ تكون موجبة للتعيين ومحدثة له ، لا إنّها تكون كاشفة عن كون ما تعلقت به هو المعين واقعاً كما في صورة ما إذا كان معلوماً واقعاً ومشكلاً ظاهراً ، ومقامنا كالقرعة فلا واقع لها إلا بالإفراز .

ص: 128


1- شرائع الإسلام /2 /132.
2- المسالك /14 /31.
3- الجواهر /40 /337 .

المسألة 44 : تتصور القسمة في الأعيان المشتركة غير المتساوية الأجزاء على صور ، الأولى أن يتضرر الكل بها ، الثانية أن يتضرر البعض دون بعض ، الثالثة أن لا يتضرر الكل ، فعلى الأولى لا تجوز القسمة بالإجبار وتجوز بالتراضي ، وعلى الثانية فإن رضى المتضرر بالقسمة فهو ، وإلا فلا يجوز إجباره عليها ، وعلى الثالثة يجوز إجبار الممتنع عليها(1) .

----------------------------------------

وما قيل بإنّها أي القسمة بيع غير تامٍ ، لإنّه مع عدم الخلاف بإنّها ليست داخلة في البيع وكذا ليست من المعاوضة والمبادلة كما نسب إلى الشهيد الثاني في المسالك حيث قال : علىخلاف بعض العامة حيث زعم إنّها بيع مطلقاً ومنهم مَنْ جعل قسمة الرد بيعاً دون غيرها ، ومنهم من جعل قسمة التراضي بيعاً دون غيرها ووافقنا جماعة على إنّها تمييز حق لا بيع مطلقاً(1).

وهل هناك ثمرة في إثبات إنّها بيعاً أو معاوضة مستقلة ، الظاهر ذلك لأنّه بناءً على كونها بيعاً يجري حكم الربا فيه .

وأمّا إذا كانت معاوضة مستقلة فيه قولان ، جريان الربا وعدمه .

وأمّا إذا كانت بمعنى تفريق الحق وتمييزه فلا يجري الربا كما هو الحق .

(1) لا يخفى بإن القسمة تارة تحصل بالمراضاة بين الطرفين وكلاهما طالبين، وأخرىإن كانا طالبين ، ولكن لم يحصل التراضي بأخذ الحصة ، فهنا لابد من القرعة بعد إن كانت لكل امر مشكل ، وقد ذكر المحقق الأشتياني قول الشهيدين : وقال في اللمعة في كتاب القضاء وإذا عدلت السهام واتفقا على اختصاص كل واحد لزم ، وإلا أُقرع ، قال في الروضة البهية في شرح عبارة اللمعة الدمشقية لزم من غير قرعة لصدق القسمة مع التراضي الموجب لتميز الحق ، ولا فرق بين قسمة

ص: 129


1- المسالك /14 /31.

..........................

الرد وغيرها ، وإلا يتفقا على الاختصاص أُقرع(1).

وأمّا إذا لم يكن الشريكان طالبين للقسمة بلأحدهما فتسمى بالقسمة الإجبارية ، وبعد إن كان المالك له السلطة على ماله لقاعدة الناس مسلطون على أموالهم ويرى أن البقاء على الشركة موجباً للخسارة أو أنّه لا يريد الشركة فله حق الإفراز وليس للطرف الآخر الأمتناع ، فإن أمتنع أجبره الحاكم أو وكيله وإن لم يمكن قسمه الحاكم والمسألة غير خلافية .

ولا يخفى إن المقسوم تارة يتصور متساوي الأجزاء كالحبوب والأدهان وأخرى غير متساوية الأجزاء ، أمّا من جهة القيمة أو من جهة الوصف .

أمّا الأولى في صورة الضرر للكل ، فلا يجوز القسمة بالإجبار لما ورد في نفي الضرر والضرار في الشريعة ، قد يقال بأنّه تعارضه قاعدة الناسمسلطون على أموالهم ، وذلك لحكومة دليل الضرر كما ذكر في محله .

وأمّا إذا ورد الضرر على الممتنع فلا إشكال في عدم جواز القسمة لحصول الضرر عليه .

وأمّا الصورة الثانية إذا ورد الضرر على الطالب ، فإنّه لا إشكال في جواز اجبار الممتنع على القسمة لعدم المانع هنا ، فتجري قاعدة الناس مسلطون على أموالهم .

إن قلت ءإذا توجب القسمة ضرر على الطالب فلا يجوز إجبار الممتنع لأنّه سفه .

قلت قد يكون إقدام الطالب لدفع الاضرار أو يقدم وهو العاقل الرشيد لغرض عقلائي آخر ، إذاً فلا يكون سفهاً .

ص: 130


1- كتاب القضاء للمحقق الاشتياني / 299.

..........................

وأمّا الثالثة يجوز إجبار الممتنع حيث لا ضرر عليه وهنا أيضاً تجري قاعدة الناس مسلطون على أموالهم ، ولابأس في التكلم في معنى الضرر المانع من القسمة إذ أن هناك اختلاف بين الفقهاء .

ذكر صاحب الجواهر قولاً للمحقق : وأمّا الثاني وهو المتفاوتة أجزاؤه فأمّا أن يستضر الكل بقسمته أو البعض أو لا يستضر أحدهم ، ففي الأول لا يجبر الممتنع عن القسمة كالجواهر والعضائد الضيقة إلى أن قال وفي الثاني إن التمس المستضر لقلة نصيبه مثلاً على القسمة أُجبرمن لا يتضرر وإن أمتنع المتضرر لم يجبر(1).

قال المحقق الاشتياني : ثم إن المراد من الضرر المانع من القسمة هل هو عدم الإنتفاع بالنصيب أصلاً ، أو نقصان قيمته ، أو عدم الإنتفاع به منفرداً بما كان ينتفع به مع الشركة ، أو نقصان القيمة نقصاً فاحشاً ؟ وجوه بل أقوال والأولان للشيخ في موضعين من المبسوط ، وللعلامة ، والثاني للشيخ في الخلاف ، وللمصنف في المتن ، والأخير للشهيد في المسالك ، ودليل الكل على نفي الضرر في الإسلام ، وإنما الاختلاف في الصغرى(2).

وفي المبسوط وأمّا إن كان فيها الضرر علىالكل ، وهذا إنما يكون في الدور والعقار والدكاكين الضيقة ونحو هذا ، فإن القسمة فيها ضرر والضرر عند قوم أن لا ينتفع بما إفرز له ولا يراعى نقصان قيمته ، قول الأكثر ، وهو الأقوى عندي ، وقال بعض المتأخرين إن الضرر نقصان قيمة سهمه بالقسمة فمتى أنقص بالقسمة فهو ضرر وهو قوي أيضاً(3) .

ص: 131


1- الجواهر /40 / 338 .
2- كتاب القضاء للآشتياني / 319.
3- المبسوط / 5/490.

..........................

وفي الخلاف كل قسمة كان فيها ضرر على الكل مثل الدور والعقارات والدكاكين الضيقة لم يجبر الممتنع على القسمة والضرر لإن هذا لايمكنه الإنتفاع بما يفرد له ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي ، وقال أبو حامد الضرر يكون بذلك ونقصان القيمة فإذا قسم ينقص من قيمته لم يجبر على القسمة وقال مالك يجبر على ذلك ، دليلنا قوله J «لا ضرر ولا ضرار» وذلك عام(1).

فالحق الرجوع في معنى الضرر إلى العرف ولا إشكال في صدقه عندهم على نقصان المال نقصاناً معتداً به بحسب قيمة النصيب قلّة وكثرة ، فالمراد من الضرر فيما نحن فيه هو المراد منه في باب الغبن وغيره من المقامات من ورود نقص على المستضر ضرراً معتداً به بحسب مالية المال وهذا مما لا إشكال فيه(2).والظاهر عندهم إذا يراجع الإنسان غير هذا الباب كباب الغبن وغيره يرى بإن معنى الضرر ليس بمعنى عدم الإنتفاع بل هو ورود نقص على المتضرر ضرراً معتداً به بحسب مالية المال .

ص: 132


1- الخلاف / 6 / 229.
2- كتاب القضاء للمحقق الأشتياني / 320 .

المسألة 45 : إذا طلب أحد الشريكين القسمة لزمت اجابته سواء أكانت القسمة قسمت إفراز أم كانت قسمة تعديل ، والأول كما إذا كانت العين المشتركة متساوية الأجزاء من حيث القيمة ، كالحبوب والأدهان والنقود وما شاكل ذلك ، والثاني كما إذا كانت العين المشتركة غير متساوية الأجزاء من جهة القيمة ، كالثياب والدور والدكاكين والبساتين والحيوانات وما شاكلها ، ففي مثل ذلك لابد أولاً من تعديل السهام من حيث القيمة كأن كان ثوب يساوي ديناراً وثوبان يساوي كل واحد نصف دينار فيجعل الأول سهماً والآخران سهماً ، ثم تقسم بين الشريكين ، وأمّا إذا لم يمكن القسمة إلا بالرد كما إذا كان المال المشترك بينهما سيارتين تساوي أحدهما ألفدينار

مثلاً والأخرى ألفاً وخمسمائة دينار ، ففي مثل ذلك لا يمكن التقسيم إلا بالرد بأن يرد من يأخذ الأغلى منهما إلى الآخر مائتين وخمسين ديناراً ، فإن تراضيا بذلك فهو ، وإلا بأن طلب كل منهما الأغلى منهما - مثلاً - عيّنت حصة كل منهما بالقرعة(1).

----------------------------------------

(1) أمّا في الصورة الأولى فلا إشكال في جواز الإفراز إذا لم يكن هناك اضرار، كما مرّ وإن حصل الضرر إذا كان من جهة عدم حصول الفرض فإنّه قد يُعدّ عرفاً ضرراً أو ورد نقص من قيمة نصيبه بعد القسمة فحينئذٍ لا يجوز إجبار الممتنع .

وأمّا في الصورة الثانية وهي صورة تعديل السهام، فإن كان تعديل السهام في القسمة التي تكون تارة قسمة تعديل ، وأخرى بالرد ، أمّا في الصورة الأولى فلا إشكال في جواز الإفراز إذا لم يكن هناك ضرر أجبر كما مرّ وأمّا إذا كان هناك ضرر كما لو كان من جهة عدم حصول النفع فإنه قد يُعد عرفاً ضرراً أو ورود نقص من قيمة نصيبه بعد القسمة فحينئذٍ لا يجوز إجبار الممتنع .

ص: 133

..........................

وأمّا الصورة الثانية وهي تعديل السهام عند القسمة لإنّها كانت قسمة تعديل وأخرى بالرد ، أمّا في الأولى لابد أولاً من تعديل السهام كما ذكر في المتن كأن كان هناك ثوب يساوي دينار وثوبان آخران كل واحد منهما يساوي نصفدينار ، فيجعل الأول منهما سهماً والآخران سهماً فإن تراضيا بأن يأخذ واحد ثوباً والآخر ثوبان فبها ، وإلا لابد من القرعة ، وأمّا إذا كانت القسمة قسمة ردّ فلا خلاف في عدم إجباره على القسمة بل تصح القسمة إذا كان التراضي بينهما ولم يدل دليل على الإجبار بالنسبة لهذا النوع من القسمة لإن الدليل الدال على جواز القسمة بالإجبار إنما هو إذا كان الموضوع موجوداً ، فلا يدل هذا الدليل على احداث موضوع القسمة وما هو المتوقف عليه بعد إن لم يكن إفراز المال في هذه الصورة فلا يأتي دليل السلطنة بعد إن كانت القسمة في هذه الصورة وقعت على المعاوضة فلابد من التراضي بين الطرفين بلا فرق بين أن يكون مجموع المنظم والمنظم إليه في مقابلالسهم الآخر أو يكون خصوص المنظم إليه يكون مقابل السهم الآخر والمنظم يكون مقابل الزائد فيكون هناك قسمة التي تضمنت للمعاوضة ، فإن تراضيا بالأخذ بأن يأخذ أحدهما السيارة التي قيمتها ألفاً والآخر السيارة التي قيمتها ألفاً وخمسمائة ، بعد ردّ مائتين وخمسين دينار فيها ، وإلا لو طلب كل منهما الأعلى أو الأدنى فلابد من تعيين الحصة بالقرعة .

ومن هنا ظهر ما ذكر في المجلة فإن القسمة إذا كانت تضر بعض الشركاء وتنفع بعضهم لا يمكن للحاكم أن يجبرهم على القسمة بصورة مطلقة كما يظهر من هذه المادة بل لابد من تدارك ضرر الشريك بالرد والجبران وإلا يكونمن القسم الذي لا يمكن قسمته كما في المادة(1)، وقد عرفت أنّه لا يمكن القسمة وإن حصل الجبران .

ص: 134


1- تحرير المجلة ج2 /231 / مادة 1140.

المسألة 46 : لو كان المال المشترك بين شخصين غير قابل للقسمة خارجاً(1)، وطلب أحدهما القسمة ولم يتراضيا على أن يتقبله أحدهما ويعطي الآخر حصته من القيمة ، اُجبر على البيع وقُسم الثمن بينهما .

----------------------------------------

(1) الكلام يأتي فيما إذا كان المال المشترك بينهما كالجواهر والعضائد الضيقة على ما مرّ ، فبما إنّهما غير قابلين للقسمة للضرر على الطالب للقسمة وغير الطالب فإذا طلب أحدهما القسمة وكان بقاء الإشتراك ضرراً أو لم يكن ضرراً لقاعدة لا ضرر وكذا قاعدة السلطنة فإن قبل الطرف المقابل أو الطالب أن يعطي حصته فبها ، وإلا إذا لم يقبل ذلك فلابد من بيعه واعطاء كل واحد منهماحسب

الحصة التي له من المباع .

قال صاحب المجلة في مسألة (1124) : لا تصح القسمة إلا بإفراز الحصص وتمييزها، فلو قال أحد أصحاب الصبرة المشتركة من الحنطة خذ أنت ذاك الطرف، وهذا الطرف ليّ لا يكون قسمة حق ، هذا أن يقال أن شرط صحة القسمة معلومية الحصص ، فلو كانت مجهولة بطلت وتختلف الجهالة والمعلومية باختلاف الاجناس ، فمعلومية المكيل والموزون بكيله ووزنه ، ومعلومية الأرضين بمساحتها وذرعها وهكذا ، وقد تكفي المشاهدة في جملة الأشياء كما تكفي في البيع وجمهرة شروط صحة القسمة أمور :

الأول: الملكية أي ملكية كل واحد من الشركاء، فلو ظهر كون المقسوم كلاً أو بعضاًمستحقا للغير ، بطلت في جملة من الصور كما سيأتي قريباً ، وكذا لو ظهر وقفاً فإن الوقف لا يقسم ، نعم يقسم ويفرز عن الملك الطلق لو كان مشتركاً معه .

الثاني : المعلومية في الحصص ، فلو كانت مجهولة أو بعضها بطلت .

الثالث : تعديل الحصص التساوي وعدم الغبن ، فلو تبين الغبن فيها على بعض الشركاء بطلت .

الرابع : الرضا من الشركاء أو من حكم الحاكم أو الوصي أو الولي .

ص: 135

المسألة 47 : إذا كان المال غير قابل للقسمة بالإفراز أو التعديل وطلب أحد الشريكين القسمة بالرد وأمتنع الآخر عنها اُجبر الممتنع عليها(1) فإنلم يمكن جبره عليها ، أُجبر على البيع وقسم ثمنه بينهما وإن لم يمكن ذلك أيضاً باعه الحاكم الشرعي أو وكيله وقسم ثمنه بينهما.

المسألة 48 : القسمة عقد لازم فلا يجوز لأحد الشريكين فسخه ولو أدعى وقوع الغلط والاشتباه فيها ، فإن أثبت ذلك بالبينة فهو ، وإلا فلا تسمع دعواه(2) .

----------------------------------------

الخامس : الطلب في قسمة القضاء من بعض الشركاء .

السادس : قابلية المال المشترك للقسمة بحيث لا تفوت المنفعة المهمة من كل واحد من الحصص بذاته بعد القسمة .السابع : كون المقسوم عيناً خارجية لا ديناً ولا حقاً(1).

(1) وذلك لإن بعد الرد ليس هناك ضرر على الممتنع ، فيأتي دور قاعدة السلطنة فيجبر على القسمة ، وإن لم يمكن ذلك أُجبر على البيع ، لأن البقاء كما مر موجب للضرر على الطالب ، فحينئذٍ بعد البيع قسم ثمنه بينهما حسب حصصهما ، فإن لم يكن ذلك باعه الحاكم أو وكيله بعد المراجعة ويقسم ثمنه بينهما لإن هذا نوع نزاع ولا يحل ذلك إلا بيد الحاكم الشرعي .

(2) من المعلوم أن الأصل في العقد هو اللزوم والقسمة عقد خاص فتدخل تحت هذا العموم ففسخها يحتاج إلى دليل فإن لم يكنهناك دليل يحكم بلزومها ولذا قال المحقق : إذا أدعى بعد القسمة الغلط عليه لم تسمع دعواه فإن أقام بينة سمعت وحكم ببطلان القسمة لإن فائدتها تمييز الحق ولم يحصل ولو

ص: 136


1- تحرير المجلة /2 /226 - 227.

نعم لو أدّعى علم شريكه بوقوع الغلط فله احلافه على عدم العلم(1).

----------------------------------------

عدمها فالتمس اليمين كان له ، إن ادعى على شريكه العلم بالغلط(1).

وهنا لابد أولاً من بيان معنى الغلط ، قال المحقق الاشتياني : ادعاء أحد الشريكين الغلط في القسمة لا يخلو ، إمّا أن يكون على الشريكسواء كان من جهة وقوع الغلط في التعديل أو في القسمة ، وسواء كان المعدّل والقاسم أنفسهما أو غيرهما ، أو على المعدل ، أو على القاسم فيما إذا كانا غير الشريكين وكان المعدل غير القاسم ، وعلى تقدير الدعوى على القاسم لا يخلو إمّا أن يكون هو المنصوب من جانب الإمام (علیه السلام) أو حاكم الشرع أو غيرهما ممن تراضيا على كونه قاسماً ، فقد أدعى في جميع هذه الصور أن الأصل مع منكر وقوع الغلط لأصالة الصحة في القسمة من حيث كونها الأصل في الأفعال الصادرة من المسلم هنا(2).

(1) أمّا إذا لو أتى المدعي بالبينة فقبلت دعواه ويحكم بفساد القسمة لإن فائدتها تمييزالحق وهو لم يحصل كما مرّ في كلام المحقق .

وأمّا إذا لم يكن له بينة فهل له احلاف شريكه أم لا ؟ الظاهر أنّه لا تقبل دعواه مطلقاً ، لإن الأصل في العقد هو اللزوم والصحة ما لم يثبت فساده بل تقبل فيما إذا أدّعى علم شريكه به ، فحينئذٍ لو أدّعى علمه به فيستحلفه وإلا فلا يتوجه اليمين عليه بأن يقول له علمت بالغلط فإن أقرّ الشريك فيثبت المدعى .

وأمّا

إن أنكر فحلفه الحاكم ، لإنّه منكر ووظيفة المنكر الحلف طبقاً للقاعدة فإن حلف على نفي العلم سقطت الدعوى وإن نكل ثبتت ، إن قلنا بأن الدعوى تثبت بالنكول .

وأمّا مع القول لعدم كفاية النكول فيرد اليمين على المدعي ، فإن حلف ثبت حقه وإلا سقط.

ص: 137


1- شرائع الإسلام /4/ 105 في اللواحق .
2- كتاب القضاء للمحقق الأشتياني /326 .

المسألة 49 : إذا ظهر بعض المال مستحقاً للغير بعد القسمة(1)، فإن كان في حصة أحدهما دون الاخر بطلت القسمة ، وإن كان في حصتهما معاً ، فإن كانت النسبة متساوية صحت القسمة ووجب على كل منهما ردّ ما أخذه من مال الغير إلى صاحبه(2) ، وإن لم تكن النسبة متساوية ، كما إذا كان ثلثان منه في حصة أحدهما .

----------------------------------------

(1) قال المحقق : إذا اقتسما ثم ظهر البعض مستحقاً ، فإن كان معيناً في أحدهما بطلت القسمة لبقاء الشركة في النصيب الأخر ، ولو كان فيهما بالسوية لم تبطل لإن فائدة القسمة باقية وهي أفراد كل واحد من الحقين ولو كان فيهما لابالسوية بطلت لتحقق الشركة(1).

فنقول بعد إن اقتسم المتقاسمان المال بينهما ثم ظهر بأن بعض المال يكون مستحقاً للغير فإن كان المستحق أحدهما دون الآخر فلا إشكال في بطلان القسمة لإن المال لم ينقسم على نحو الإطلاق والشركة باقية بعد ما كان الغرض هو إفراز كل من الحقين عن الآخر وزوال الشركة ، وهنا الشركة تكون باقية في نصيب الآخر.

(2) أمّا إذا كان المال المستحق في حصتهما على نحو السوية فهنا القسمة لا تبطل بعد إن دفعت حصة كل منهما إليه فما حصل لكل منهما مفرز أي الإفراز حاصل ولم تبق الشركة فالقسمة صحيحة ولا نحتاج إلى أعادتها .والحق كما جاء في الجواهر : نعم ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يحدث نقصاً في حصة أحدهما خاصة بأخذه ولم يظهر به تفاوت بين الحصتين مثل أن يسد طريقه أو مجرى مائه أو ضوئه فإن القسمة حينئذٍ باطلة لبطلان التعديل(2).

ص: 138


1- شرائع الإسلام /4 /105 .
2- الجواهر/40/366.

وثلث منه في حصة الآخر بطلت القسمة أيضاً(1).

----------------------------------------

(1) أمّا إذا لم تكن النسب متساوية فإن الغير يكون شريكاً مع كل واحد منهما ولم يفرز حصة أحدهما عن الآخر فتبطل القسمة ، هذا إذا كان المال المستحق معيناً .

أمّا إذا كان مشاعاً فهل تبطل القسمة أم لا ؟ قال المحقق : وإن كان المستحق مشاعاً معهما ، فللشيخ قولان أحدهما لا تبطل فيما زاد عن المستحق والثاني تبطل لإنّها وقعت من دون أذن الشريك وهو الأشبه(1).

والحق البطلان لإن كل ما في حصته منالمقسوم فيه حصة للغير ، فقد يكون تفريق حقه عن الحصص ضرر عليه كما لو كان مستحقاً لحصة غير معينة من الحصص أو جزء مشاع فتبطل ، ويمكن أن يقال إن لصاحب الحصة التي فيها الجزء المشاع فسخ القسمة وأعادتها ، وبين البقاء على الشركة مع المستحق الجديد وأخذ النقصان من الشركاء .

أمّا إذا كان مستحق لجزء المعين في كلا الحصتين أو الحصص مع تساوي ما يستحقه في كل حصة فالقسمة تكون صحيحة ويأخذ المستحق حصصه من الجميع ، وأمّا مع عدم تساوي الحصتين أو الحصص ، يمكن أن يقال بعدم البطلان ويتخير أرباب الحصص بين فسخالقسمة وأعادتها من البداية وبين ابقائها فيأخذ صاحب الحصة الناقصة من شريكه ذي الحصة الزائدة ما يستحقه .

ص: 139


1- شرائع الإسلام /4 /105.

المسألة 50 : إذا قسم الورثة تركة الميت بينهم ، ثم ظهر دين على الميت فإن أدى الورثة دينه أو أبرء الدائن ذمته أو تبرع به متبرع صحة القسمة وإلا بطلت(1)فلابد أولاً من أداء دينه منها ثم تقسيم الباقي بينهم.

----------------------------------------

(1) الكلام يقع تارة في الدين المستغرق ، وأخرى في غيره ثم نتكلم بانتقال المال إلى الورثة .

أمّا الصورة الأولى ذكرها المحقق : لو قسم الورثة التركة ثم ظهر على الميت دين فإن قام الورثة بالدين لم تبطل القسمة وإن امتنعوا نقضت وقضي منها الدين(1)،

وفي الجواهر : فلا ريب فيصحة القسمة وإن كان الدين مستوعباً بل مع العلم بوجود الدين بناءً على المختار من كونها ملكاً لهم معه وتعلق حق الدين بها لا ينافي صحة القسمة وإن بيع نصيب الممتنع منهم من وفائه(2) ويظهر من كلام المحقق : إن التركة تبقي على حكم مال الميت أي لم تنتقل فإن أدى الورثة الدين كان لهم المال ، وإلا كان للديان حق مقابل حقهم ، وبعبارة اخرى إن حق الورثة يكون طولياً أي إن حقهم من الإرث يكون بعد أداء الدين وفي التحرير : إذا اقتسم الورثة التركة ثم ظهر دين على الميت لا وفاء له إلا فيما اقتسموه لم تبطل القسمة ، لكن إن أقام الورثة بالدين فالقسمة بحالها وإن امتنعوا نقضت القسمة وبيعت التركةفي الدين ولو أجاب أحدهم وأمتنع الآخر بيع نصيب الممتنع خاصة وبقي نصيب المجيب بحاله(3)،

ويظهر من كلامه بأن الورثة تملك ولكن ملكيتها متزلزلة فإن أدوا الدين ورثوا وإلا يأخذ الديان التركة ، وأمّا إذا قلنا بإن التركة

ص: 140


1- شرائع الإسلام /4 /105.
2- الجواهر / 40 / 367
3- تحرير الاحكام / 5 / 227 .

..........................

لا تنتقل إلى الورثة ، فهل تبطل القسمة ؟ يمكن إن نقول بعدم بطلان القسمة وإن لم نقل بالانتقال إلى الورثة مع وجود الدين ولكن للورثة أن يتصرفوا في المال في صورة ما إذا لم ينافي حق الديان بعد إن كانوا هم أولى بالميت ، فيمكنالجمع بينها وبين ما دل على مراعاة حق الديان فتأمل ، فما ذكره الأشتياني من الإشكال على صاحب المسالك : من أن القول منه بصحة القسمة في الفرض ينافي ما ذهب إليه من عدم انتقال التركة إلى الوارث وبقائها على حكم مال الميت هذا(1)،

هو الصحيح ، وما قيل في صورة القول بصحة القسمة فلا معنى للقول بفسادها سواء إن لم يؤدوا الدين كل الورثة أو بعضهم ، بل القسمة باقية على صحتها غاية الأمر يبقى وجوب أداء الدين من التركة , فما قيل غير تام وليس لهم التسلط التام بعد إن لم يصل إليهم من مال ، بل يباع ويخرج حق الديان أولاً ثم ينتقل إليهم ، نعم لو قلنا بالانتقال فالقسمة باقية علىصحتها فيجب عليهم أداء الدين وليس لهم التسلط التام مما وصل إليهم من مال بل يباع عليهم ، إن كان الجميع ممتنعين أو البعض منهم ، إذاً ما قالوا بأن هذه التركة تكون كالمال المرهون بحيث لا يجوز للمرتهن التصرف إلا مع أذن الراهن في محله .

ص: 141


1- كتاب القضاء للمحقق الأشتياني / 329.

فصل في أحكام الدعاوى

المسألة 51 : المدعي هو الذي يدعي شيئاً على آخر ويكون ملزماً بإثباته عند العقلاء كأن يدعي عليه شيئاً من مال ، أو حق ، أو غيرهما أو يدعى وفاء دين ، أو أداء عين كان واجباً عليه ونحو ذلك(1)، ويعتبر فيه البلوغ والعقل ، وقيل يعتبر فيه الرشد أيضاً ولكن الاظهر عدم اعتباره(2).

----------------------------------------

(1) قد ذكرنا مفصلاً بيان الفرق بينه وبين المنكر .

(2) أمّا الشروط تارة تكون شروط الدعوى ،وأخرى شروط المدعي .

أمّا شروط الدعوى فهي أن تكون جزمية فلا تفيد الظنية أو الاحتمالية وإن تكون معلومة لا مجهولة .

أمّا شروط المدعي هي أن يكون بالغاً عاقلاً رشيداً وفي الأخير محل كلام وهل البلوغ شرط على الإطلاق بلا فرق بين المميز وغير المميز ، أو شرط فيما يوجب التصرف في المال أو غيره ؟

أمّا أصل شرطية البلوغ لا من جهة سلب عبارته بل من جهة إن الصبي بعد إن لم يكن له السلطنة على المطالبة في بعض الأمور ، فكيف تكون له السلطنة على شؤونه ، إذا عرفت هذا فإن الطفل إن لم يكن مميزاً فلا تقبل دعواه علىالإطلاق ، أمّا إذا كان مميزاً تسمع دعواه في الجملة لا على الإطلاق بل لا يقبل قوله فيما إذا كان المدعى به مالاً بعد ما لم يكن له السلطنة عليه فلا يكون له

ص: 142

..........................

السلطنة على شؤونه ، وأمّا إذا كان غير المال فيقبل قوله بعد ما إن جعل القضاء لحفظ الحقوق وهذا حق من الحقوق والله لا يرضى بضياع حقه فلو أدعى بأن فلاناً ضربه وأقام بينة فيقبل قوله ، نعم لو لم تكن له بينة والدعوى احتاجت إلى يمين فلا ، لعدم قبول حلفه .وبعبارة أخرى كما صرح به بعض المحققين المعاصرين البلوغ ليس بشرط في أصل الدعوى ، بل إن الدعوى تسمع لا على الإطلاق لإن أحكام فصل الخصومة وموازين القضاء يشترط في بعضها البلوغ كالحلف والإقرار فلا يَحلف ولا يٌحلّف ولا يترتب الأثر على إقراره فبعض الأمور المترتبة كما مرّ تحتاج إلى البلوغ ، وأمّا صورة البينة وأقامتها فلا دليل على عدم قبولها .

وأمّا العقل فاشتراطه محل وفاق نعم أيضاً عدم قبول دعوى المجنون ليس على الإطلاق ، فإذا أدعى الجناية من جانٍ عليه تقبل بعد إقامة البينة ، نعم لو استوجبت الدعوى الحلف ، فلم تقبل لإنّه كلا حلف حتى لو أدعى ملكية شيء وأقام البينة تقبل فإن إثبات الملكية غير التصرفحتى

يقال بإنّه لا يجوز التصرف.

وأمّا بالنسبة إلى الرشد يقول المحقق الاردبيلي : ثم أن الظاهر لا خلاف في اشتراط البلوغ في المدعي ، بل رشده أيضاً فيصح أنكاره وإقراره والفصل معه(1) وادعى في المعتمد عليه الإجماع .

ويقول الاستاذ الاعظم (قدس سره) رداً على المحقق الاردبيلي : ولكن الظاهر عدم اعتباره فإن الدليل قد دل على حجر السفيه في تصرفاته المالية ، فإن كان مورد الدعوى هو التصرف المالي فلا شك في اعتبار الرشد في المدعي فإن السفيه ممنوع من التصرف فلا أثر لدعواه ، وأمّا إذا كان متعلق الدعوى أمراً آخر غير مربوطبالتصرف المالي كدعوى القتل أو الجرح أو الغصب وما شاكل ذلك ، فلا دليل على

ص: 143


1- مجمع الفائدة والبرهان / 12 /116.

المسألة 52 : يعتبر في سماع دعوى المدعي أن تكون دعواه لنفسه أو لمن له ولاية الدعوى عنه ، فلا تسمع دعواه مالاً لغيره إلا أن يكون وليه أو وكيله أو وصيه(1)، كما يعتبر في سماع الدعوى أن يكون متعلقها أمراً سائغاً ومشروعاً فلا تسمع دعوى المسلم على آخر في ذمته خمراً أو خنزيراً أو ما شاكلهما(2) .

----------------------------------------

اعتبار الرشد في مدعيها فتسمع الدعوى من السفيه كما تسمع من غيره(1).(1) الدعوى قد تكون للمدعي لنفسه وأخرى لمن له الولاية فله حق المطالبة بالدعوى عنه ، فلا تسمع الدعوى لغيره إذا كان المدعي به مالاً لغيره نعم تقبل دعوى الولي والوكيل أو الوصي ، أمّا إذا كان للأجنبي حيث لا سلطنة له عليه بوجه فلا تسمع ، لإنّه ليس من شأنه حينئذٍ تحرير الخصومة وإنما تقبل دعوى الولي والوكيل والوصي وغيرهم لقيامهم مقام صاحب المال ، قد يقال لا يجوز لهم احلاف المدعى عليه ، قلنا لهم احلافه لعمومات أدلة الولاية والوكالة والوصاية ، وقد نسب ذلك إلى المشهور أيضاً .

(2) لإنّهما غير قابلين للملكية فلا يصح تملكهما ، ولكن يمكن ذلك بإن المسلم قبلإسلامه قد اعطى للكافر مثله خمراً وبما أنّه كان يملكه في ذلك الوقت فله المطالبة بثمنها ، وكما ذكرنا ليس عدم سماع دعواه على الإطلاق بل ولو لم يكن لهما الملكية ولكن حق الاختصاص موجود كما إذا كان هناك خمر قابل لإن يكون خلاً ، فهنا حق الاختصاص موجود فيسمع دعواه وكذلك بالنسبة إلى الخنزير إذا أمكن أن يجعل لحمه لكلاب الحراسة فحق الاختصاص موجود .

ص: 144


1- مباني تكملة المنهاج /1 /52.

وأيضاً يعتبر في ذلك أن يكون متعلق دعواه ذا أثر شرعي فلا تسمع دعوى الهبة أو الوقف من دون اقباض(1).

المسألة 53 : إذا كان المدعي غير من له الحق كالولي أو الوصي أو الوكيل المفوض ، فإن تمكن من إثبات مدعاه بإقامة البينة فهو ، وإلا فله احلاف المنكر ، فإن حلف سقطت الدعوى وإن ردّ المنكر الحلف على المدعي فإن حلف ثبت الحق ، وإن لم يحلف سقطت الدعوى من قبله فحسب ولصاحب الحق تجديد الدعوى بعد ذلك(2).

----------------------------------------

(1) لا يخفى إن الهبة والوقف وهكذا الرهنغير ملزمة إلا بالإقباض فلو أدّعى المدعي بإنّها هبة أو وقف أو رهن بناءً على إن الإقباض موجباً للزومه فادعائه هبة أو وقفاً أو رهناً قبل القبض غير صحيح لعدم الأثر في ذلك ، فلا يصبح ملكاً للمدعي إلا بعد الإقباض ، فالمدعى عليه والواهب أو الواقف أو الراهن يمكنه أن يرجع ولو لم يرض الموهوب له ، قال المحقق : ولابد من كون الدعوى صحيحة لازمة ، فلو ادعى هبة لم تسمع حتى يدعي الاقباض ، وكذا لو ادعى رهناً(1)

، لإن الهبة بلا قبض أو الرهن كذلك ليس له أثر يلزم به لو ثبت .

(2) حتى في إقامة الدعوى فلهم إقامة البينة ، فإن أقاموها فلهم الحق في أخذ ما ادعوا وإن لميقيموا لهم احلاف المنكر فإن حلف سقطت الدعوى وإن رُدّ المنكر الحلف على المدعي ، فإن حلف ثبت الحق وإن لم يحلف سقطت الدعوى لكن لا مطلقاً ، بل إذا أراد المولى والموصى والموكل لهم إقامة الدعوى وتجديدها لهم ذلك بعد إن لم يكن هناك دليل يدل على أن حلف الولي والوصي والوكيل يكون موجباً لسقوط الدعوى ولهم أيضاً إقامة الدعوى مجدداً .

ص: 145


1- شرائع الإسلام / 4 / 106.

المسألة 54 : إذا كان مال شخص في يد غيره جاز له أخذه منه بدون أذنه(1).

----------------------------------------

(1) لا يخفى إن الحق تارة يكون عيناً وأخرى يكون ديناً ، أمّا إذا كان عيناً فإنه بعد إناعترف المدعى عليه أو اثبت بالبينة فله انتزاعه ولو بالقهر بمساعدة آخر ولو كان ظالماً ما لم يتمكن من استنقاذ العين بنفسه أو بمساعدة غير الظالم .

قد يقال المساعدة من الظالم تكون سبباً للإعانة .

وفيه عدم جواز الإعانة إنما هو فيما إذا كانت أعانة على ظلمه ، ففي صورة الانحصار بالاستعانة منه يجوز ، وتجوز الاستعانة أيضاً ولو تسبب ضرراً كما في الجواهر : فله انتزاعه منه ولو قهراً بمساعدة ظالم أو بنفسه وإن استلزم ضرراً بتمزيق ثوب أو كسر قفل أو نحو ذلك ، ما لم تثر فتنة ، بل وإن أثارت ما لم تصل إلى حد وجوب الكفعن الحق له لترتب تلف الأنفس والأموال وغيره من الفساد الذي يمكن دعوى العلم من مذاق الشرع بعدم جواز فعل ما يترتب عليه ذلك ، وإن كان مباحاً في نفسه أو مستحباً ، بل أو واجباً ، وإن لم يكن الترتيب ترتيب سببية أو عليّة كما اشار (علیه السلام) إليه بقوله «في بيع الوقف...» إنه ربما حصل من الاختلاف تلف الأنفس والأموال ، بل ربما اشير إليه بقوله تعالى «إِلاَ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ »(1)، وغير ذلك بل قد يستفاد من الأول كون المدار على مظنته ، بل احتمالاً معتداً به فضلاً عن العلم(2).

ص: 146


1- سورة الانفال الآية / 73 .
2- الجواهر/ 40 / 387.

وأمّا إن كان ديناً في ذمته فإن كان المدعى عليه معترفاً بذلك وباذلاً له فلا يجوز له أخذه من ماله بدون أذنه ، وكذلك الحال إذا أمتنع وكان امتناعه عن حق كما إذا لم يعلم بثبوت مال له في ذمته ، فعندئذٍ يترافعان عند الحاكم(1)، وأمّا إذا كان امتناعه عن ظلم سواء كان معترفاً به أم جاحداً جاز لمن له حق المقاصة من أمواله ، والظاهر أنّه لا يتوقف على أذن الحاكم الشرعي أو وكيله وإن كان تحصيل الأذن احوط، واحوط منه التوصل في أخذ حقه إلى حكم الحاكم بالترافع عنده وكذا تجوز المقاصة من أمواله عوضاً عن ماله الشخصي إن لم يتمكن من أخذه منه(2).

----------------------------------------

(1) أمّا في صورة جهله فإن طلب منه ودفع إليه المال فهو ، وأمّا مع عدم قبول قوله فله أن يأخذ منه قهراً لقاعدة السلطنة ولا حاجة إلى مراجعة الحاكم إلا مع عدم تمكنه منه إلا بالرجوع إليه ، وأمّا إذا كان المال ديناً وكان الغريم مقراً وباذلاً فلابد للمدعي أخذ ما عيّنه ، لإنّه بعد ما كان في ذمة الغريم المال الكلي يكون تعيينه بيده فليس للمدعي أخذه من ماله من دون تعيينه فالاختيار يكون بيد الغريم ، وقال في الجواهر : بلا خلاف أجده(1).

(2) أمّا إذا كان الغريم يمتنع من البذل هل يجوز له التقاص أو لابد من أذن الحاكم الشرعي لإنه ولي الممتنع كما في صورة ما إذا كان جاحداًللحق وامكن إثباته لدى الحاكم الشرعي حتى يأذن له بالتقاص فلابد من إثبات دعواه عند الحاكم حتى يأذن له ، نعم لو لم يتمكن من إثبات دعواه فله أن يستقل في التقاص ، هذا حسب القاعدة بعد ما قلنا بإن المدعي لو أمكنه من الرجوع إلى

ص: 147


1- نفس المصدر .

..........................

الحاكم لإنّه الولي فلابد من الرجوع وليس له الاستقلال بالتقاص بدون المراجعة لكي يأذن له ، وإلا يظهر من بعض الأخبار الجواز مطلقاً .

منها : عن جميل بن دراج «قال سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يكون له على رجلالدين فيجحده فيظفر من ماله بقدر الذي جحده أيأخذه وإن لم يعلم الجاحد بذلك ؟ قال : نعم»(1).

ومنها : صحيحة داود بن رزين أو داود بن زربي «قال : قلت لأبي الحسن موسى (علیه السلام) إني اخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها والدابة الفارهة فيبعثون فيأخذونها ثم يقع لهم عندي المال فلي أن آخذه ؟ قال : خذ مثل ذلك ولا تزد عليه»(2).

كما هو الظاهر .

ومنها : صحيحة أبي بكر «قال : قلت له رجل لي عليه دراهم فجحدني وحلف عليها أيجوز لي إن وقع له قبلي دراهم أن آخذ منه بقدر حقي قال، فقال : نعم»(3)،

فيظهر من إطلاق هذه الروايات إنّه يجوز استقلاله بالتقاص ولو في فرض تمكنه من الاستيذان أو يمكنه من إثبات حقه لديه بلا فرق بين أن يكون ما في يد الغريم العين الموجودة أو غير موجودة كما هو ظاهر صحيحة داوود وكذا صحيحة أبي عباس البقباق «إن شهابا مارأه في رجل ذهب له بألف درهم واستودعه بعد ذلك ألف درهم ، قال أبو العباس فقلت له خذها مكان الألف التي أخذ منك فأبى شهاب ، قال فدخل شهاب على أبي عبد الله (علیه السلام) فذكر له ذلك ، فقال : أمّا أنا فاحب أن تأخذ وتحلف»(4)، وأمّا الاحتياط فمن جهة مخالفة بعض الفقهاء .

ص: 148


1- الوسائل باب 83 من أبواب ما يكتسب به ح10.
2- الوسائل باب 83 من أبواب ما يكتسب به ح1.
3- الوسائل باب 83 من أبواب ما يكتسب به ح4.
4- الوسائل باب 83 من أبواب ما يكتسب به ح2.

المسألة 55 : تجوز المقاصة من غير جنس المال الثابت في ذمته ولكن مع تعديل القيمة ، فلا يجوز أخذ الزائد(1).

المسألة 56 : الأظهر جواز المقاصة من الوديعة على كراهة(2).

----------------------------------------

(1) تقدم ذكره .

(2) كما عليه المحقق : نعم لو كان المال وديعة عنده ، ففي جواز الاقتصاص تردد ، أشبهه الكراهة(1)، ونسب ذلك إلى الأكثر .

ومقابل هذا القول بعدم الجواز ونسب إلى النهاية والغنية والكيدري والقاضي كما ذكر في الجواهر : بل عن الغنية الإجماع عليه واضحالضعف(2) وهذا الاختلاف يكون في جواز الاقتصاص وعدمه من جهة اختلاف الروايات ودل على الجواز خبر أبي العباس إلى أن يقول (علیه السلام) «أمّا أنا فاحب أن يأخذ ويحلف» وقد مرّ الحديث ، فتدل على الجواز من غير دلالته على الكراهة ومقابل هذه وغيرها ما يدل على عدم الجواز عمومات النهي عن التصرف في مطلق الأمانة ، وعدم جواز التصرف في مال الغير إلا بأذنه مضافاً إلى صحيحة سليمان بن خالد «قال : سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل وقع لي عنده مال فكابرني عليه وحلف ثم وقع له عندي مال آخذه لمكان مالي الذي أخذه واجحده واحلف عليه كما صنع ، قال : إن خانك فلا تخنه، ولا تدخل فيما عبته عليه»(3).

وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : قلت له الرجل يكون لي

عليه حق فيجحدنيه ثم يستودعني مالاً إليّ إن آخذ مالي عنده ، قال: هذه الخيانة»(4).

ص: 149


1- شرائع الإسلام /40/ 109.
2- الجواهر /40/393.
3- الوسائل باب 83 من أبواب ما يكتسب به ح7.
4- الوسائل باب 83 من أبواب ما يكتسب به ح11.

المسألة 57 : لا يختص جواز المقاصة بمباشرة من له الحق فيجوز له أن يوكل غيره فيها(1)، بل يجوز ذلك للولي أيضاً فلو كان للصغير أو المجنون مال عند آخر فجحده جاز لوليهما المقاصة منه(2)، وعلى ذلك يجوز للحاكم الشرعي أن يقتص من أموال من يمتنع عن أداء الحقوق الشرعية من خمس أو زكاة(3).

----------------------------------------

ثم إن الروايات التي دلت على عدم الجواز لابد من حملها على الكراهة لصريحة البقباق في الجواز ومع التعارض والتساقط تكون النتيجة هي إطلاقات جواز المقاصة .

(1) لإن في الحقيقة هو وصوله إلى الحق وما يدعي فلا فرق بين إن المقاص صاحب المال المدعي أو وكيله ففي الحقيقة حينما يفعل الوكيل ففعله هو فعل الموكل بل هو نفسه .

(2) أمّا جواز مقاصة الولي إذا كان للمولى عليه مالاً عند شخص وجحده فهنا بعد إن كان الولي هو القائم بشؤون الصغير أو المجنون وإن المولى عليه بما أنّه صغير أو مجنون لا يتمكن من المقاصة ، فعلى الولي القيام بذلك .(3) بعد إن كان هو ولي الممتنع بل ولي الممتنع والمستحق كليهما للحاكم الشرعي أخذ الزكاة والخمس من الممتنع كرهاً ويجوز التقاص أيضاً ولذا بما إنّه وليّ الممتنع والمستحق فيجوز أن ينوي هو القربة .

ص: 150

فصل في دعوى الأملاك

اشارة

المسألة 58 : لو أدّعى شخص مالاً لا يد لأحد عليه حكم به له فلو كان كيس بين جماعة وادّعاه واحد منهم دون الباقين قضي له(1).

----------------------------------------

(1) هل الحكم مختص بمورده أم لا ، أو يكون بعنوان الكلية وإنّه غير مختص بالمال ، بل يشمل سواء أكان مالاً أم غير مال من الحقوق ؟

الظاهر استفادة الكلية منه ، قال الشيخ ضياء الدين العراقي : ولو أدّعى مالاً لا يد لأحد عليه قضي له به مع عدم المنازع ، بمعنى ترتيب آثارالاختصاص عليه لا القضاء ، بمعنى فصل الخصومة ولو كانت متوهمة الذي لازمه عدم سماع دعوى غيره عليه ، بل مثل هذه الدعوى لا تثمر في جعل مثله منكر بعد وجود المعارض له لإن حجيتها مادام يصدق عليها أنّها بلا معارض(1)، لإنّه مع وجود المنازع فمعناه وجود الخصم ، ولذا قال في المسالك : ولإنّه مع عدم المنازع لا وجه لمنع المدعي منه ولا لطلب البينة منه ولا لإحلافه إذ لا خصم له حتى يترتب عليه ذلك(2).

ولكن الحق إن جواز القضاء لابد له من دليل يدل عليه فإذا لم يكن مانع يمنع المدعي عن التصرف فيما يدعيه ، وهكذا عدم مطالبته بالبينة لايقتضيان جواز القضاء ، واستدل على الجواز صاحب الجواهر بإصالة صحة قول

ص: 151


1- القضاء في شرح تبصرة المتعلمين للعراقي / 167 .
2- مسالك الأفهام / 14 /76

..........................

المسلم وفعله(1)، وفيه إنه لا دليل على حجية هذا الأصل ولذا استشكل صاحب الرياض وهو بعد تسليم قيام دليل عليه سوى الإجماع اخص من المدعى(2)،

إذ لا خصوصية لسماع دعوى المسلم إذا لم يكن معارض ، بل يشمل الكافر أيضاً .

أمّا ما ذكروه من الإجماع ففيه إنّه منقول و مدركي ، ويحتمل أن مدركهم الرواية التي وردت عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (علیهالسلام) «قال : قلت عشرة كانوا جلوساً ووسطهم كيس فيه ألف درهم ، فسأل بعضهم بعضاً ألكم هذا الكيس ؟ فقالوا كلهم لا وقال واحد منهم هو ليّ ، فلمن هو قال : للذي ادعاه»(3)، وقد ذكر صاحب المستند الشيخ النراقي المسألة : لو ادعى أحد مالاً لا يد لأحد عليه ليس لأحد منعه من التصرف فيه ، ولا طلب البينة منه ، ولا احلافه ، للأصل والإجماع ، بل الضرورة كما قيل وموثقة منصور بل صحيحته عشرة كانوا جلوساً ووسطهم كيس فيه ألف درهم فسأل بعضهم بعضاً ألكم هذا الكيس ، فقال : كلهم لا ، فقال : واحد منهم هو لي فلمن هو ؟ قال : هو للذي ادعاه ، ومقتضى قوله «هو للذي ادعاه» إنه يحكم به له وإنه يجوزابتياعه منه والتصرف فيه بأذنه ، ونفي عنه الخلاف أيضاً ، وقد يستدل له بصحيحة البزنطي أيضاً «عن الرجل يصيد الطير الذي يسوي دراهم كثيرة وهو مستوي الجناحين وهو يعرف صاحبه أيحل له امساكه ؟ قال : إذا عرف صاحبه ردّه عليه وإن لم يكن يعرفه وملك جناحه فهو له وإن جاء طالب لا تتهمه رده عليه»(4)، إذاً لو كان كذلك فالحكم يكون طبقاً للقاعدة وبما إن الكيس كان في وسط الجماعة فكلهم

ص: 152


1- الجواهر/40 /398.
2- الرياض /15 /164.
3- الوسائل باب 17 من أبواب كيفية الحكم ح1.
4- مستند الشيعة / 17 / 358 .

المسألة 59 : إذا تنازع شخصان في مال ، ففيه صور ، الأولى : أن يكون المال في يد أحدهما ، الثانية : أن يكون في يد كليهما ، الثالثة : أن يكونفي يد ثالث ، الرابعة : أن لا تكون عليه يد .

أمّا الصورة الأولى فتارة تكون لكل منهما البينة على إن المال له وأخرى تكون لاحدهما دون الآخر وثالثة لا تكون بينة أصلاً ، فعلى الأول إن كان ذو اليد منكراً لما ادعاه الآخر حكم بأن المال له مع حلفه، وأمّا إذا لم يكن منكراً بل أدّعى الجهل بالحال ، وإن المال أنتقل إليه من غيره بإرث أو نحوه فعندئذٍ يتوجه الحلف إلى من كانت بينته أكثر عدداً فإذا حلف حكم بإن المال له وإذا تساوت البينتان في العدد أُقرع بينهما فمَنْ أصابته القرعة حلف وأخذ المال .

نعم إذا صدّق المدعي صاحب اليد في دعواه الجهل بالحال ولكنه أدّعى أن من أنتقل منه المالإليه قد غصبه أو كان المال عارية عنده أو نحو ذلك ، فعندئذٍ إن أقام البينة على ذلك حكم بها له وإلا فهو لذي اليد وعلى الثاني فإن كانت البينة للمدعي حكم بها له ، وإن كانت لذي اليد حكم له مع حلفه.

----------------------------------------

صاحب يد فيحكم كونه لهم لكونهم أصحاب يد ليدهم عليه .

ولكن الحق الرواية لا تدل على إن الحكم كان من جهة اليد ، بل من جهة إن الكيس عندما كان في وسطهم فلا يحكم بكونه مختصاً بواحد منهم للترجيح بلا مرجح بل بمعنى أن هناك سلطنة واحدة قائمة بالمجموع لتسويتهم فيه فالحكم منجهة الادعاء وليس هناك منازع من جهة اليد .

ص: 153

وأمّا الحكم له بدون حلفه ففيه إشكال ، والأظهر العدم ، وعلى الثالث ، كان على ذي اليد الحلف فإن حلف حكم له وإن نكل ورُدّ الحلف على المدعي فإن حلف حكم له إلا فالمال لذي اليد .

وأمّا الصورة الثانية ، ففيها أيضاً قد تكون لكل منهما البينة وأخرى تكون لأحدهما دون الآخر ، وثالثة لا ببينة له أصلاً فعلى الأول إن حلف كلاهما أو لم يحلفا معاً قسم المال بينهما بالسوية وإن حلف أحدهما دون الآخر حكم بإن المال له ، وعلى الثاني كان المال لمن عنده بينة مع يمينهوفي جواز الاكتفاء بالبينة وحدها إشكال والأظهر عدمه ، وعلى الثالث حُلّفا فإن حَلَفا حكم بتنصيف المال بينهما وكذلك الحال فيما إذا لم يحلفا جميعاً ، وإن حلف أحدهما دون الآخر حكم له .

وأمّا الصورة الثالثة فإن صدّق من بيده المال أحدهما دون الآخر فتدخل في الصورة الأولى وتجري عليها أحكامها بجميع شقوقها ، وإن اعترف ذو اليد بإن المال لهما معاً جرى عليها أحكام الصورة الثانية ، وإن لم يعترف بإنّه لهما كان حكمهما حكم الصورة الرابعة .

وأمّا الصورة الرابعة ، ففيها أيضاً قد تكون لكل منهما بينة على أن المال له ، وأخرى تكونلأحدهما وثالثة لا تكون بينة أصلاً فعلى الأول إن حلفا جميعاً أو نكلا جميعاً كان المال بينهما نصفين ، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان المال للحالف ، وعلى الثاني فالمال لمن كانت عنده البينة وعلى الثالث فإن حلف أحدهما دون الآخر فالمال له

ص: 154

وإن حلفا معاً كان المال بينهما نصفين ، وإن لم يحلفا كذلك أُقرع بينهما ثم إن المراد بالبينة في هذه المسألة هو شهادة رجلين عدلين أو رجل وامرأتين ، أمّا شهادة رجل واحد ويمين المدعي فهي لا تكون بينة وإن كانت يثبت بها الحق على ما تقدم(1) .

----------------------------------------

(1) أي لو تنازعا على عين ، فإما أن تكونفي يد أحدهما أو في يد كليهما أو لا يد لهما عليها ، فعلى كل التقادير ، أمّا أن يكون لكل منهما بينة على ما يدعيه ، أو لا بينة لأحدهما ، أو يكون لأحدهما دون الآخر .

أمّا في الصورة الأولى أي إذا لم يكن هناك بينة ، فالعين تكون لمن في يده مع حلفه ، ومع عدم حلفه يدخل في مسألة ما لو قلنا بإنّه هل يكفي الحكم بالنكول أو لا ؟

أمّا لو كان لمن لم يكن في يده البينة فيحكم له لقاعدة البينة على المدعي واليمين على من أنكر ، وهو المدعى عليه الذي هو صاحب اليد والآخر هو المدعي ، وهنا الحكم نفس الحكم ولو كان لصاحب اليد أيضاً بينة لإنّه بعد ما قلنا إنّه منكر فبينة المدعى عليه غير مفيدة .أمّا إذا كانت في يدهما وليس لأحدهما بينة قضي بينهما نصفين ، هذا إذا لم يكن تداعيهما على نحو التعاقب بل على الدفعة العرفية فالحكم بالتنصيف أولى من الحكم بالتعارض والتساقط لإن الأخذ بهما اولى من طرحهما .

وأمّا إذا كان تداعيهما على وجه التعاقب فيسمع دعوى السابق لإنّه لا تكون لهذه الدعوى معارض في ظرفه ، إذاً يحكم له بناءً على سماع كل دعوى لا معارض لها .

وأمّا دعوى الثاني بعد الأول فلابد لمدعيها من اقامة البينة بعد ما كان القول قول السابق .

ص: 155

..........................

وإمّا الثالث وهو ما إذا لم يكن لأحدهما يد عليه ولم يكن في يد ثالث فهنا بما إن كلتا اليدين خارجتين ، قيل لم يكن هناك مدعي ومنكر ، بل كل منهما مدعٍ فيكون من التداعي لا بصورة المدعي والمنكر فلا يشمل المقام القاعدة ولكن تدل عليه معتبرة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) في دابة في أيديهما وأقام كل واحد منهما البينة إنّها نتجت عنده فأحلفهما علي (علیه السلام) فحلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف فقضى بها للحالف ، فقيل له فلو لم تكن في يد واحد منهما واقاما البينة ، فقال : احلفهما فإيهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالففإن حلفا جميعاً جعلتها بينهما نصفين ، قيل فإن كانت في يد أحدهما واقاما جميعاً البينة ، قال : أقضي بها للحالف الذي هي في يده»(1)، فإنّها تدل على أن يحلفهم جميعاً فإيهما حلف جعلت له ولو حلفا جميعاً يكون بينهما نصفين أمّا إذا كانت بيد ثالث ، فتارة يصدّق احدهما المعين واخرى يصدّقهما معاً وثالثة يكذبهما ، فهنا يحكم للمقر له بعد حلفه لإنّه اصبح ذو اليد مقراً ويكون الإقرار من ذي اليد موجباً لجعله مدعى عليه فإقراره له يجعل المقرّ به ملكاً للمقرّ له .

أمّا إذا نكل من الحلف حكم للآخر إن قلنا يكفي النكول أو يرد الحلف له بناءً على عدم كفاية النكول .أمّا لو صدقهما ، فتارة يحلفان واخرى ينكلان ، ففي كلتا الصورتين يحكم بالتنصيف بينهما ، وأمّا إذا حلف أحدهما دون الآخر فيقضى له .

أمّا في صورة التنصيف لكل منهما دعوى النصف وعلى الثالث ، فإن حلف فهو وإلا يغرم لكل منهما النصف ، أمّا إذا لم يصدقهما فتارة يكذبهما ويقول ليّ ،

وتارة يقول بإنّها ليست ليّ ولا لكم من دون أن يثبتها لأحد وثالثة أن يقول لا

ص: 156


1- الوسائل باب 12 من ابواب كيفية الحكم ح2.

..........................

اعرف صاحبها وليست ليّ ورابعة أن يقول إنّها لأحدكما .أمّا في الصورة الأولى فإن حلف فهي له ، وإن لم يحلف وقضينا بالنكول أو رُدّ اليمين ثم حلفا على ما يدعيانه فحكمهما حكم من لا يد لأحدهما وأمّا إذا حلف أحدهما دون الآخر فيحكم له ، وأمّا إن نكلا فيكون لمن في يده لإنّه صاحب اليد .

وأمّا الصورة الثالثة حكمها حكم الصورة الثانية وحكمهما حكم من لم يكن في يد احد فيرجعان إلى التداعي .

وأمّا الصورة الرابعة يرجع إلى التنصيف كما هو المختار .

وقيل كما هو في القواعد : ولو كان في يد ثالث قضي بأكثرهما عدالة فإن تساويا فأكثرهماعدداً ، فإن تساويا أُقرع فمن خرج اسمه أُحلف وقضي له فإن نكل أُحلف الاخر وقضي له ، وإن نكلا قسمت بينهما بالسوية(1).

وقال صاحب السرائر : إذا قال إنسان أول مملوك املكه فهو حر وجعل ذلك نذراً ، ثم ملك جماعة في وقت واحد أقرع بينهم وأعتق من خرج اسمه(2).

البينة لغة واصطلاحا

لا يخفى إن البينة في معناها اللغوي بمعنى الأمر البيِّن وجمعها بينات مؤنث البيِّن : الدليل والحجة(3)، وأيضاً عرفوها بإنّها مأخوذة من ، بآن ، يبين بياناً ، تبياناً ، أي الدلالة الواضحة ، عقليةكانت أو محسوسة(4)، كما وردت في الآيات الشريفة

ص: 157


1- القواعد / 3 / 487 .
2- السرائر / 2 / 174 .
3- المنجد مادة بين .
4- المفردات للراغب الأصفهاني في مادة (بيِّن).

الكثيرة ، منها : قوله تعالى : «لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ»(1) ، وقوله تعالى : «هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ»(2)، وقوله تعالى : «وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ»(3).

وأمّا في اصطلاح الفقهاء هي بمعنى الشاهدين أو أكثر ، وقالوا في تعريفها الحجة القوية ، ولكن هذا التعريف غير تام لإنّه تعريف باللازم الأعم ولإن الشياع حجة قوية والتواتر حجة قوية أيضاً ، بل قيل ما دون البينة وهو العدل الواحد بناءً على حجيته في الجملة أيضاً حجة قوية ، فبأيشيء يمكن امتيازها عن الباقين .

والأصح في تعريفها : أن يقال الشاهدان العادلان أو شاهد وامرأتان في بعض الموارد على أمرٍ يترتب عليه حكم شرعي ، ولم ترد في اللغة أو القران الكريم بالمعنى المصطلح ، وأتت بالقران الكريم بصورة المفرد كقوله تعالى : «قَدْ جَاءتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ»(4)، ولهذا وقع بينهم الخلاف هل لها حقيقة شرعية في شهادة العدلين ، وفي أي زمان ظهرت ؟ و حينما نرى أنه يتبادر هذا المعنى في لسان الشرع ففي تحقيق الدلائل بإن اختصاص عنوان البينة في الشريعة عند الإطلاق على ما فوق الواحد من الواضحات بأدنى رجوع إلى كلماتهم وكذا الأخبار ، بعد اشتهارقوله (علیه السلام) «البينة على المدعي» وجعلت شهادة خزيمة بن ثابت شهادتين وسمي بها حتى اشتهر بذي الشهادتين وبه اتفقت الأخبار الحاكية لقضاياهم (علیهم السلام) على شهادة اثنين كما نسب إلى كتاب تحقيق الدلائل(5)،

وقال النراقي في العوائد : إن

ص: 158


1- سورة البينة الآية /1 .
2- سورة الحديد الآية / 9.
3- سورة المجادلة الآية / 5 .
4- الأعراف الآية / 85 .
5- تحقيق الدلائل /59 .

المسألة 60 : إذا ادعى شخص مالاً في يد آخر وهو يعترف بإن المال لغيره وليس له ارتفعت عنه المخاصمة فعندئذٍ إن أقام المدعي البينة على إن المال له حكم بها له ولكن بكفالة الغير على ما مرّ في الدعوى على الغائب(1) .

----------------------------------------

معناها المصطلح في الأخبار هو الشاهد المتعدد ويدل عليه توصيفها في رواية منصور عن الصادق (علیه السلام) بلفظ الجمع قال «فأقام بينة العدول»(1).

وهذا لا يفرق بعد إن قلنا يشترط في صدق البينة التعدد بين أن يكون رجلان أو رجل وامرأتان ، أو الشاهد الواحد واليمين ، وأمّا الشاهد الواحد بلا يمين فلا يصدق عليه البينة وإن ثبت به الحق ، كما في مرسلة يونس «قال : استخراج الحقوق بأربعة وجوه بشهادة رجلين عدلين ، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ، وإن لم تكن امرأتان فرجل ويمين المدعي فإن لميكن شاهد فاليمين على المدعى عليه»(2)،

وغيرها من الروايات .

(1) تارة يقول الذي يكون المال بيده أنّه ليّ فيكون حكمه حكم المنكر فلابد للمدعي من البينة ، وتارة ينفيه عن نفسه فحينئذٍ أمّا أن يقتصر عليه أي يقول ليس ليّ ، وآخرى يقول هو لشخص لا اسمي مالكه ولا اعرفه ، أو يضيفه إلى شخص معلوم كأن يقول هو لزيد وحينما ينفي المال عن نفسه تصرف عنه الخصومة لإن بنفيه المال عن نفسه يخرج عن كونه مدعى عليه فتنصرف عنه الدعوى ، قال في المسالك : فإن اقتصر عليه أو اضافه إلى مجهول بأن قال هو لرجل لا اعرفه أو لا اسميه ، ففي انصرافالخصومة عنه وانتزاع المال من يده وجهان

ص: 159


1- الوسائل باب 12 من أبواب كيفية الحكم ح14 .
2- الوسائل باب 7 من أبواب كيفية الحكم ح4 .

..........................

اصحهما - وهو الذي لم يذكر المصنف غيره - إنّها لا تنصرف ولا ينتزع المال من يده لإن الظاهر إن ما في يده ملكه وما صدر عنه ليس بمزيل ولم يظهر لغيره استحقاقاً ، وعلى هذا فإن أقرّ بعد ذلك لمعين قُبلّ وانصرفت الخصومة إلى ذلك المعين وإلا فيقيم المدعي البينة عليه أو يحلفه(1).

ولكن الحق إن إنكاره المال له بقوله ليس ليّ موجب لإزالة ملكيته يقيناً لإنّه بعد إقراره تسقط يده عن كونه أمارة للملكية ، نعم هذا الإقرار لايكون موجباً لإزالة يده فلا ينتزع من يده ، بل تكون يده يد أمانة كالوكيل والأمين والمستعير وغيرهم ، لا يد عدوانية ، نعم المدعي لا يوجه إليه الحلف لانصراف الدعوى عنه لإنّه يكون حلفه لمال غيره فما ذكره في المسالك : بإن الانتزاع وعدمه متفرعان على القول بصرف الخصومة وعدمها فعلى الأول ينتزع وعلى الثاني لا ينتزع غير تام بعد ما ذكرنا عدم الملازمة بين صرف الخصومة وازالة اليد ، وبعد ما قلنا بعدم انتزاع المال من يده فإن اقام المدعي البينة فيدفع له لإنّه لا تتوقف اقامة البينة على تمكن المدعى عليه من الحلف وأمّا إذا لم يقم فيبقى المال في يده لإن الإقرار إلى المجهول كلا إقرار .وأمّا لو أقرّ للمعلوم ويمكن المخاصمة معه فحينئذٍ النزاع يكون بينه وبينه فالمقر له أصبح مالكاً ومنكراً فتأتي قاعدة المدعي والمنكر ولو كان غائباً وإن أتى المدعي البينة فيدفع إليه المال مع الكفالة كما مرّ ، وكذا إذا لم يمكن المخاصمة معه فالمخاصم يكون وليه كما إذا أقرّ للطفل .

ص: 160


1- المسالك / 14 /96.

المسألة 61 : إذا ادعى شخص مالاً على آخر وهو في يده فعلاً ، فإن أقام البينة على أنّه كان في يده سابقاً أو كان ملكاً له كذلك فلا أثر لها ولا تثبت بها ملكيته فعلاً ، بل مقتضى اليد إن المال ملك لصاحب اليد(1).

----------------------------------------

(1) قال المحقق : لو ادعى داراً في يد إنسان وأقام بينة إنّها كانت في يده امس أو منذ شهر ، قيل لا تسمع هذه البينة وكذا لو شهدت له بالملك امس لإظاهر اليد الآن الملك فلا يدفع بالمحتمل ، وفيه إشكال ، ولعل الأقرب القبول(1).

ولكن الحق عدم القبول بعد إن كانت اليد أمارة على الملكية الفعلية وبينة المدعي لا تثبت إلا اليد والملك السابق ، والامارة الفعلية تكون مقدمة على الامارة القائمة بل مقتضى اليد إن المال ملك لصاحب اليد وتتقدم الامارة الفعلية التي تشهدها بالعيان على الامارة الاحتمالية ولا تعارض لاحتمال الظهور ولا يدفعه .

قد يقال بإن اليد الفعلية وإن كانت دليلالملك الفعلي ولكن اليد السابقة المستصحبة والملك السابق أولى لمشاركة تلك اليد لهذه في الدلالة على الملكية الفعلية وانفرادهما بالزمن السابق بلا معارض فتكونان ، أرجح من هذه اليد ، إلا أن تقوم الحجة الشرعية على انتقال العين إليه بطريق شرعي .

قلنا إن الأمارة هي حجة شرعية على أن له بالفعل وملكه وهذا موجب لزوال الملكية المحتملة السابقة والاستصحاب يكون في طول الامارة لا في عرضها فلا يعارض اليد الفعلية ولذا قال استاذنا الاعظم (قدس سره) : والاستصحاب لا يكون حجة مع اليد الفعيلة(2)، لإن الاصل لا يعارض الدليل ولا يكون مرجحاً فإقامة البينة لاتثبت الملكية الفعلية للمدعي ، فمع وجود إنه بيده ولا اثر لهذه البينة .

ص: 161


1- شرائع الإسلام /4 / 112 .
2- المباني /1 /68.

نعم للمدعي أن يطالبه بالحلف(1)، وإن أقام البينة على أن يد صاحب اليد على هذا المال يد أمانة له أو إجارة منه أو غصب عنه حكم بها له وسقطت اليد الفعلية عن الاعتبار(2).

----------------------------------------

(1) وهو أن يكون طبقاً لقاعدة المدعي والمنكر .

(2) قال المحقق : أمّا لو شهدت بينة المدعي إن صاحب اليد غصبها واستأجرها منه حكم بها لإنّها شهدت بالملك وسبب يد الثاني ، ولو قال غصبني إيّاها وقال الآخر بل أقرّ ليّ بها وأقاماالبينة قضي للمغصوب منه ولم يضمن المقرّ لإن الحيلولة لم تحصل بإقراره بل بالبينة(1)، خصوصاً إذا أدعى أن صاحب اليد قد غصب العين فإنّه يكون موجباً للشك في أن هذه اليد بالفعل يد شرعية وامارية اليد فيما كانت اليد شرعية لا على الإطلاق والبينة أثبتت عدوانية اليد وكذا بالنسبة لو شهدت بإنّها يد امانة ، أو الاجارة ، فاليد إنما تكون حجة فيما إذا لم يعلم حالها ، أمّا إذا علمت ولو بواسطة البينة فلا تكون حجة ، فإذا أقام المدعي البينة حكم له وتسقطت يد الفعلية عن الاعتبار .

ص: 162


1- شرائع الإسلام /4 /113 .

نعم إذا أقام ذو اليد أيضاً البينة على إن المال له فعلاً حكم له مع يمينه(1)، ولو أقرّ ذو اليد بإن المال كان سابقاً ملكاً للمدعي وادعى انتقاله إليه ببيع أو نحوه ، فإن أقام البينة على مدعاه فهو وإلا فالقول قول ذي اليد السابقة مع يمينه(2) .

----------------------------------------

(1) إذا قلنا بإن البينة تكون حجة مع يمينه .

(2) حينما يدعي بالملك للغير سابقاً ويدعي انتقاله إليه فهو يكون مدعياً فإن أقام بينة على ذلك فيحكم له ويبقى في يده وإن لم يقم فإن حلف ذو اليد السابقة لإنّه منكر فينتزع منه ويعطى لذي اليد السابقة .

ص: 163

فصل في الاختلاف في العقود

المسألة 62 : إذا اختلف الزوج والزوجة في العقد بإن ادعى الزوج الانقطاع وادعت الزوجة الدوام أو بالعكس ، فالظاهر أن القول قول مدعي الانقطاع وعلى مدعي الدوام إقامة البينة على مدعاه فإن لم يمكن حكم بالانقطاع مع يمين مدعيّه وكذلك الحال إذا وقع الاختلاف بين ورثة الزوج والزوجة(1) .

----------------------------------------

(1) يقول صاحب الحدائق : لو اختلف الزوجان بعد اتفاقهما على وقوع العقد فادعىأحدهما أنّه متعة وادعى الآخر الدوام ، فإن قلنا بإن اهمال الأجل مطلقاً يقتضي الدوام كان القول قول مدعي الدوام لإن الآخر يدعي الزيادة وهي الأجل والقول قول منكرها ، وإن قلنا إن الاهمال يقتضي الإبطال ما لم يقصد الدوام كما هو القول الآخر فالوجه إنّهما يتحالفان وينفسخ النكاح لإن كلاً منهما مدعٍ ومنكر(1)

، والحق إنه لا دليل على الإنقلاب وإن اهمال الأجل لا يوجب الإنقلاب إلى الدوام بل يحكم بعدم إثبات وقوع العقد لا متعة ولا دواماً ، فالقدر المتيقن بعد اتفاقهما على العقد هو وقوع العقد ، أمّا الدوامية فمشكوك فيها فالأصل عدمه ، فمن يقول منهما بالدوامية فلابد من إقامة البينة بعد إن كان

ص: 164


1- الحدائق النظرة / 24 /146 .

المسألة 63 : إذا ثبتت الزوجية باعتراف كل من الرجل والمرأة وادعى شخص آخر زوجيتها له ، فإن أقام البينة على ذلك فهو ، وإلا فله احلاف إيّهما شاء(1).

----------------------------------------

هو المدعي وحيث لا بينة لأحدهما فالأصل عدمها ، ولو قلنا باستصحاب ثبوت الزوجية الدائمة فإنّه معارض بأصالة عدم اعتبار الزوجية الدائمية فيتعارضان ويتساقطان فترجع النتيجة إلى القدر المتيقن ولمدعي الدوام إثبات الزائد عن القدر المتيقن وهو الدوامية ، نعم لو قلنا بإن اهمال الأجل يقتضي الدوام كان القول قول مدعيالدوام كما قال صاحب الحدائق ، وقال في المختلف : قال ابن البراج إذا اختلف الزوجان بعد اتفاقهما على العقد فادعى أحدهما إنّه متعة كان على مدعي المتعة البينة وعلى المنكر اليمين ، لإن الزوج إن ادعى المتعة كان مدعياً لما يسقط عنه حقوقاً من نفقة أو ميراث وغير ذلك ، وإن ادعت المرأة ذلك كانت مدعية لما تملك نفسها معه بغير الطلاق أو ما اشبه ، والمعتمد أن نقول إن كان اهمال الأجل يقتضي الدوام فالقول قول مدعي الدوام لإن الآخر يدعي الزيادة فالقول قول من ينكرها ، وإن كان الاهمال يقتضي الابطال - كما اخترناه نحن - فالوجه إنّهما يتحالفان وينفسخ النكاح لإن كلاً منهما مدعي ، فالقولقول المنكر مع يمينه(1)، وقد عرفت إن أصل العقد ثابت في نظر كليهما فلا معنى للفسخ والنزاع في الأمر الزائد وهو الدوام فيكون القول قول مدعي الانقطاع إيّما كان رجلاً أو امرأة .

(1) لإن بينته اصبحت بلا معارض وتكون حجة ، أمّا كفاية حلف إيّهما شاء لإن كلاً منهما يصبح منكراً فأي منهما حلف تسقط الدعوى .

ص: 165


1- المختلف /7 /243 .

المسألة 64 : إذا أدّعى رجل زوجية امرأة وهي غير معترفة بها ولو لجهلها بالحال وادعى رجل آخر زوجيتها كذلك(1)وأقام كل منهما البينة على مدعاه حلّف أكثرهما عدداً في الشهود فإن تساويا أُقرع بينهما فإيّهما اصابته القرعة كان الحلف له وإذا لم يحلف أكثرهما عدداً أو من اصابته القرعة لم تثبت الزوجية لسقوط البينتين بالتعارض(2) .

----------------------------------------

(1) لما ورد في معتبرة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: كان علي (علیه السلام) إذا أتاه رجلان يختصمان بشهود عدلهم سواء وعددهم أُقرع بينهم علىإيّهما تصير اليمين ، وكان يقول اللهم رب السماوات السبع إيّهم كان له الحق فاده إليه ، ثم يجعل الحق للذي يصير عليه اليمين إذا حلف»(1).

(2) فأما القرعة فلإنّها لكل أمر مشكل هذا إذا لم يكن أحدهما أكثر شهوداً فالقول قوله مع يمينه لإن اليمين يكون سبباً لزوال مادة النزاع ، وأمّا إذا كانا متساويين في العدد اقرعت القرعة فلابد على من وقعت باسمه القرعة حلف وتكون حينئذٍ الزوجة زوجته ، وأمّا إذا لم يحلف من وقعت عليه القرعة أو أكثر عدد فتسقط دعوتهما للتعارض .

ص: 166


1- الوسائل باب 12 من أبواب كيفية الحكم ح5.

المسألة 65 : إذا اختلفا في عقد فكان الناقل للمال مدعياً البيع وكان المنقول إليه المال مدعياً الهبة ، فالقول قول مدعي الهبة وعلى مدعي البيع الإثبات(1)، وأمّا إذا انعكس الأمر فادعى الناقل الهبة وادعى المنقول إليه البيع فالقول قول مدعي البيع وعلى مدعي الهبة الإثبات(2).

----------------------------------------

(1) تارة تكون الهبة بالنسبة إلى الأرحام حيث ليس للواهب الرجوع وأخرى له الرجوع لإنّه لغير ذوي الأرحام ، أمّا في الصورة الثانية أي العين كانت موجودة والموهوب إليه لم يكن من ذوي الرحم لا معنى لهذ النزاع لإنّه يمكنه ارجاع المال بدون المخاصمة ، وأمّا في الصورة الأولىيكون القول قول مدعي الهبة لإصالة عدم اشتغال ذمة المنقول إليه بالعوض إذا كانت الهبة غير معوّضة فحينئذٍ لابد من ثبوت العوض من البينة ، لإن المالك هو المدعي والموهوب إليه هو المنكر ، فإذا لم تكن له البينة فالقول قول من يدعي الهبة مع يمينه ، وإذا كانت الهبة معوّضة فكل منهما يدعي العوض غاية الأمر الناقل يدعي عوض البيع والمنقول إليه يدعي عوض الهبة .

(2) وأمّا في صورة ما إذا أدّعى الناقل الهبة والمنقول إليه البيع فالقول قول من يدعي البيع لإنّه حينما يدعي الناقل الهبة فمعناه أنّه يتمكن من الرجوع وازالة ملكية المنقول إليه فهو في هذه الحالة مدعٍ والمنقول إليه منكر فلابد من إثباتمدعاه ، فإن أتى بالبينة رجع فيأخذ العين وإلا يكون المال للموهب إليه مع يمينه .

ص: 167

المسألة 66 : إذا أدّعى المالك الإجارة وادعى الآخر العارية فالقول قول مدعي العارية(1)، ولو انعكس الأمر كان القول قول المالك .

المسألة 67 : إذا اختلفا فادعى المالك إن المال التالف كان قرضاً وأدّعى القابض إنّه كان وديعة فالقول قول المالك مع يمينه(2)، وأمّا إذا كان المال موجوداً وكان قيمياً فالقول قول من يدعي الوديعة .

----------------------------------------

(1) هذا ليس من باب تقديم قول ذي اليد لإن حكم ذي اليد بعد إن اعترف صاحب اليد أن العين تكون للغير ، ولكن أدّعى هو ما يخالف دعوى المالك ، بل من جهة الأصل براءة ذمته منمال الإجارة فلو لم يكن للمالك بينة فيحكم لذي اليد ، وأمّا إذا كان مدعي الإجارة ذو اليد ومدعي العارية المالك فالقول قول المالك لأصالة عدم ملكية المنفعة له أي لذي اليد والأصل عدم وجوب ابقائه إلى المدة .

(2) تارة نتكلم حسب القاعدة ، وأخرى حسب الدليل ، أمّا بحسب القاعدة يكون القول قول القابض لإنه المنكر والمالك مدعِ حيث يدعي الضمان واشتغال ذمة القابض فلابد من إثباته بالبينة ، فإذا لم يكن له بينة فالقول قول القابض مع يمينه ، ولكن حسب الدليل يكون القول قول المالك كما دلت عليه معتبرة إسحاق بن عمار «قال : سألت أبا الحسن (علیه السلام)عن رجل استودع رجلاً ألف درهم فضاعت ، فقال الرجل كانت عندي وديعة وقال الآخر إنما كانت لي عليك قرضاً ، فقال : المال لازم له إلا أن يقيم البينة إنّها كانت وديعة»(1).

ومعتبرته الثانية عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل قال لرجل ليّ عليك ألف درهم ، فقال الرجل لا ولكنها وديعة ، فقال : أبو عبد الله القول قول صاحب المال

ص: 168


1- الوسائل باب 7 من أبواب احكام الوديعة ح1.

المسألة 68 : إذا اختلفا فأدّعى المالك إن المال كان وديعة وأدّعى القابض إنّه كان رهناً فإن كان الدين ثابتاً فالقول قول القابض مع يمينه وإلا فالقول قول المالك(1).

----------------------------------------

مع يمينه»(1) .

قال الاستاذ الاعظم (قدس سره) ونعم ما قال : بإنّه لابد من حملها على موارد تلف المال حيث إن الدرهم مثلي فلو كانت الدراهم موجودة لم يكن أثر يترتب على الدعوى(2)، لإنه للمالك أن يطلب المال وهو المختار .

(1) فبحسب القاعدة يكون القول قول من يدعي الوديعة إذا لم يكن هناك دين ثابت لعدم الضمان بالأصل وللقابض أن يأتي بالبينة ، ولا دليل على ثبوت قول القابض كما هو كذلك بالنسبة إلى القرض ولإن الرهينة لا تثبت إلا إذاثبت بإن هناك دين أو شيء آخر مما يصح الرهن به لإنّه إذا لم يثبت لا معنى لمدعي الرهن لإنّه يدعي الرهن على دين لم يثبت ولذا يكون القول قول مدعي الوديعة ، فمن يدعي الرهينة لابد له من الإثبات ، أمّا إذا كان الدين ثابتاً فالقول قول القابض، ويدل عليه روايات .

منها : معتبرة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال في حديث : «فإن كان الرهن أقلّ مما رهن به أو أكثر واختلفا فقال أحدهما هو رهن وقال الآخر هو وديعة ، قال : على صاحب الوديعة البينة فإن لم يكن بينة حلف صاحب الرهن»(3) .

ومنها : ومعتبرة عباد بن صهيب «قال : سألتأبا عبد الله (علیه السلام) عن متاعٍ في يد رجلين احدهما يقول استودعتكاه والآخر يقول هو رهن ، قال ، فقال: القول

ص: 169


1- الوسائل باب 18 من أبواب احكام الرهن ح1.
2- مباني تكملة المنهاج /1/ 75 .
3- الوسائل باب 16 من أبواب احكام الرهن ح2.

المسألة 69 : إذا اتفقا في الرهن وادعى المرتهن إنه رهن بألف درهم مثلاً وأدّعى الراهن إنّه رهن بمائة درهم ، فالقول قول الراهن مع يمينه(1).

----------------------------------------

قول الذي يقول إنّه رهن إلا أن يأتي الذي أدّعى إنّه أودعه بشهود»(1)

فتحمل هذه الرواية على ثبوت الدين ، أمّا صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «إنّه قال : في رجلرهن عند صاحبه رهناً ، فقال الذي عنده الرهن ارتهنته عندي بكذا وكذا ، وقال الآخر إنما هو عندك وديعة ، فقال : البينة على الذي عنده الرهن إنّه بكذا وكذا فإن لم يكن له بينة فعلى الذي له الرهن اليمين»(2)

، تحمل على صورة عدم إثبات الدين لإنّها مطلقة فتحمل على ذلك بمعتبرة ابن أبي يعفور .

(1) وذلك للأصل فإن أثبت المرتهن دعواه بالبينة فبها وإلا فالقول قول المالك ، وتدل عليه جملة من الأخبار .

منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «في رجل يرهن عند صاحبه رهناً لا بينة بينهما فيه فأدّعى الذي عنده الرهن إنّهبألف ، فقال صاحب الرهن أنه بمائة ، قال : (علیه السلام) البينة على الذي عنده الرهن إنّه بألف وإن لم يكن له بينة فعلى الراهن اليمين»(3).

ومنها : خبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : إذا اختلفا في الرهن، فقال أحدهما رهنته بألف وقال الآخر بمائة درهم ، فقال : يسأل صاحب الألف البينة فإن لم يكن بينة حلف صاحب المائة»(4).

ص: 170


1- الوسائل باب 16 من أبواب احكام الرهن ح3.
2- الوسائل باب 16 من أبواب أحكام الرهن ح1.
3- الوسائل باب 17 من أبواب أحكام الرهن ح1.
4- الوسائل باب 17 من أبواب أحكام الرهن ح2.

المسألة 70 : إذا اختلفا في البيع والإجارة ، فأدّعى القابض البيع والمالك الإجارة ، فالظاهر أن القول قول مدعيّ الإجارة وعلى مدعي البيع إثبات مدّعاه هذا إذا اتفقا في مقدار العوض أو كان الثمنعلى تقدير البيع أكثر وإلا كان المورد من موارد التداعي ، فيحكم بالانفساخ مع التحالف(1) .

----------------------------------------

ومنها : ما عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل رهن عند صاحبه رهناً لا بينة بينهما فأدّعى الذي عنده الرهن إنّه بألف وقال صاحب الرهن هو بمائة ، فقال : البينة على الذي عنده الرهن إنّه بألف فإن لم يكن له بينة فعلى الذي له الرهن اليمين إنّه بمائة»(1).

(1) لاتفاقهما في المنفعة وإنما الكلام يقع في إن المال هل هو للمالك أو القابض وهو بيد القابض وهو مدعيّ والمالك منكر ولابد للقابض من أقامة البينة ، وإلا يكون القول قول المالك معيمينه ، ولاستصحاب بقاء الملك على ملك مالكه لو كان الثمن مجهولاً ؟ فهنا يرجع إلى التنازع كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سره) : فإن ملكية المنفعة لمدعي البيع وإن كان متفق عليها إلا أن ما يملكه مدعي الإجارة على مدعي البيع مجهول فكل منهما يدعي على الآخر شيئاً وهو ينكره فإن مدعي البيع يدعي ملكية العين والآخر ينكرها ومدعي الإجارة يدعي الأجرة على مدعيّ البيع وهو ينكرها ، فإن لم يثبت شيء من الدعويين ببينة أو حلف حكم بالانفساخ(2).

وبعبارة أخرى تدخل المسألة في التنازع فإن جاء أحدهما بالبينة فيحكم له أو حلف أحدهما دون الآخر وإلا لو لم يكن هناك بينة أو لم يحلفأحدهما فيحكم بالانفساخ .

ص: 171


1- الوسائل باب 17 من أبواب أحكام الرهن ح3.
2- مباني تكملة المنهاج / 1 / 77 .

المسألة 71 : إذا اختلف البائع والمشتري في الثمن زيادة ونقيصة فإن كان المبيع تالفاً ، فالقول قول المشتري مع يمينه ، وإن كان المبيع باقيّاً لم يبعد تقديم قول البائع مع يمينه كما هو المشهور(1) .

----------------------------------------

(1) فهنا أي في صورة التلف يكون البائع هو المدعي لإنّه مدعيّ الزيادة فلا بد له أن يأتي بالبينة فإن لم يكن له بينة فالقول قول المشتري لإنّه ينكر الزيادة والأصل عدم الزيادة عما يعترف به المشتري إلا أن يكون للبائع حجة شرعية لما بيناه .

وأمّا إذا كان المبيع باقياً يكون القول قولالبائع وقد أدعيّ عليه الإجماع ولكن عرفت مراراً حال هذه الإجماعات فالعمدة النص ، وقد استدلوا بخبر أحمد ابن محمد بن أبي نصر عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (علیه السلام) «في الرجل يبيع الشيء فيقول المشتري هو بكذا وكذا بأقلّ مما قال البائع ، فقال : القول قول البائع مع يمينه إذا كان الشيء قائما بعينه»(1)، وقال استاذنا الأعظم (قدس سره) الاستدلال بهذه الرواية مبني على أحد أمرين :

الأول : دعوى إن البزنطي لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة .

الثاني : إن الرواية الضعيفة تنجبر بعمل المشهور ، ولكن كلا من الدعويين لم تثبت علىما أوضحناه في محله(2)،

وما ذكره الاستاذ (قدس سره) هو الحق وتكفينا معتبرة عمر بن يزيد عن أبيه عن أبي عبد الله (علیه السلام) « قال ، قال : رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) إذا التاجران صدقا بورك لهما ، فإذا كذبا وخانا لم يبارك لهما وهما بالخيار ما لم يفترقا ، فإن اختلفا فالقول قول رب السلعة أو يتتاركا»(3) ، ولابد من حمل الرواية على

ص: 172


1- الوسائل باب 11 من أبواب أحكام العقود ح1.
2- مباني تكملة المنهاج/ ج1/ 79.
3- الوسائل باب 11 من أبواب أحكام العقود ح2.

المسألة 72 : إذا أدّعى المشتري على البائع شرطاً كتأجيل الثمن أو اشترط الرهن على الدرك أو غير ذلك كان القول قول البائع مع يمينه وكذلك إذا اختلفا في مقدار الأجل وادعىالمشتري الزيادة(1) .

المسألة 73 : إذا اختلفا في مقدار المبيع مع الاتفاق على مقدار الثمن فأدعى المشتري إن المبيع ثوبان مثلاً وقال البائع إنّه ثوب واحد فالقول قول البائع مع يمينه ، وإذا اختلفا في جنس المبيع أو جنس الثمن كان من موارد التداعي(2) .

----------------------------------------

صورة أن تكون العين باقية بعد ما عرفت أن في صورة التلف يكون القول قول المشتري .

(1) لإن المشتري هو المدعي في كلا الموردين فلابد له من إثبات دعواه بحجة معتبرة ، وهكذا في صورة الاختلاف في زيادة الأجل فبما إن البائع يكون هو المنكر لذا يكون معه الأصللإن الأصل عدم وقوع البيع على الأكثر .

(2) لإن الأصل عدم الزيادة حيث يدعي المشتري الزيادة ويكون البائع منكراً فلابد للمدعي إثباته فإن لم تكن له البينة فيكون القول قول البائع مع يمينه .

أمّا إذا كان الاختلاف في جنس المبيع بإن كان كلاً منهما يدعي خلاف ما يدعيه الآخر من جهة الجنس ويدعي أحدهما كون المبيع فرساً وقال الآخر ثوباً أو أدعى أحدهما إن الثمن ذهباً وقال الآخر فضة وحيث إنّه يدعي أحدهما خلاف ما يدعيه الآخر فلابد لكل منهما إثبات مدعاه بالبينة أو الحلف ، فإن لم يثبت كلاً مدعاه يحكم بالانفساخ .

ص: 173

المسألة 74 : إذا اتفقا في الإجارة واختلفا في الاجرة زيادة ونقيصة فالقول قول مدعي النقيصة وعلى مدعي الزيادة الإثبات ، وكذلك الحال فيما إذا كان الاختلاف في العين المستأجرة زيادة ونقيصة مع الاتفاق في الأجرة أو كان الاختلاف في المدة زيادة ونقيصة مع الاتفاق في العين ومقدار الأجرة(1) .

المسألة 75 : إذا اختلفا في مال معين فأدعى كل منهما إنه اشتراه من زيد واقبضه الثمن ، فإن اعترف البائع لأحدهما دون الآخر فالمال للمقر له(2).

----------------------------------------

(1) كل ذلك لإن مدعيّ النقيصة هو المنكر بلا فرق بين أن يكون الاختلاف في الاجرة أو العين المستأجرة أو المدة ومدعي الزيادة هو المدعي فلابد من إثبات مدعاه بالبينة كما مرّ ، فإن لم يكن له البينة فالقول قول مدعي النقيصة .

(2) فتارة لا بينة لأحدهما وتكون يديهما خارجتين ويكون المال في يد صاحبه الأصلي ، فإن صدّق من في يده أحدهما احلف وقضي له لإن المال يكون لصاحبه والإقرار به نافذ ما لم يكن له بينة .

وأمّا إذا كانت البينتان متعارضتان ويكون مَنْ في يده هو الحجة ، أمّا إذا أقام غير من أقرت له البينة على مدعاه فاعتراف البائع سقط عن الاعتباروالبائع يكون ضامناً لمن جاء بالبينة وله أن يرد إلى المقرّ له ما أخذه باعترافه على الخلاف فبما إن زيداً الذي هو صاحب المال منكر ومدعى عليه والذي لم يقر له مدعي فلابد للمدعي من إثبات دعواه بالبينة وحيث ليس له بينة يكون القول قول صاحب اليد مع يمينه ، وهكذا لو كانت لهما بينتان فبعد اعتراف البائع لاحدهما

ص: 174

..........................

وصيرورته ذي اليد بإقراره له فيقبل قوله شرعاً وعرفاً .

ولكن قد يستشكل بإنه هل بعد أن أقام البينةكلاهما هل يكون اعترافه مفيداً أم لا ؟ قال صاحب قواعد الأحكام : ولو أقام كل منهما بينة على الشراء وتساويا عدالة وعدداً وتاريخاً حكم لمن تخرجه القرعة مع يمينه ولا يقبل قول البائع لأحدهما(1)، وقال صاحب التحرير : وإن أقرّ لكل واحد منهما بنصفها سلمت إليهما وحلف لكل واحد منهما على نصفها(2)،

وقال صاحب الجواهر في شرح كلام المحقق : لإنه صار بالإقرار له كذي اليد في قيام الشاهد فعلاً على ملكه فيكون الثاني بالنسبة إليه مدعياً وهو مدعى عليه(3)

، والحق ما ذكره صاحب الجواهر .

ولكن قد استشكل البعض بإن قيام البينتينليس مثل عدم قيامهم لها لإنّه بعد اقامة البينتين يكون كاشفاً من أن يد المقر مستحقة للإزالة وإقراره ليس بشيء لإنّه كإقرار الأجنبي ، وهذا أول الكلام لأن عدم سماع إقراره إنما هو إذا كان بعد الحكم بمقتضى القرعة بعد انتزاعه منه ، أما إذا كان قبل ذلك فيكون الإقرار مسموعاً لأنّه في يده وهو المالك .

وللآخر احلاف البائع على ما يأتي ، سواء أقام كل منهما البينة على مدعاه أو لم يقيما جميعا ، نعم إذا أقام غير المقرّ له البينة على مدعاه سقط اعتراف البائع عن الاعتبار وحكم له بالمال ، وعلى البائع حينئذٍ أن يرد إلى المقرّ له ما قبضه منه باعترافه ، وإن لم يعترف البائع اصلاً .

ثم لو أقام أحدهما البينة أي غير المقرّ لهفيكون اعتراف البائع ساقطاً

ص: 175


1- قواعد الأحكام /3/ 478 .
2- تحرير الاحكام /5/199 .
3- الجواهر/40 /407 .

فإن أقام أحدهما البينة على مدعاه حكم له وللآخر احلاف البائع فإن حلف سقط حقه وإن رُدّ الحلف إليه ، فإن نكل سقط حقه أيضاً وإن حلف ثبت حقه في أخذ الثمن منه ، وإن أقام كل منهما البينة على مدعاه أو لم يقيما جميعاً توجه الحلف إلى البائع فإن حلف على عدم البيع من كل منهما سقط حقهما وإن حلف على عدم البيع من أحدهما سقط حقه خاصة ، وإن نكل ورد الحلف إليهما ، فإن حلفا معاً قسم المال بينهما نصفين ، وإن لم يحلفا جميعاً سقط حقهما ، وإن حلف أحدهما دون الآخر كان المال للحالف وإناعترف البائع بالبيع من أحدهما لا على التعيين جرى عليه حكم دعويين على مال لا يد لاحد عليه(1) .

----------------------------------------

ويكون بمنزلة المنكر ويحكم له أي للغير بالمال ، ثم لابد للبائع أن يخسر للمقرّ له لإنّه أقرّ له باعترافه .

أمّا إذا لم يقر أحدهما ففي هذا الفرض تجري قاعدة المدعي والمنكر ، فإن أقام أحدهما البينة على مدعاه حكم له وللآخر احلاف البائع ويكفي حلفه بإنه لا يعلم .

وأمّا إذا أقام كل منهما البينة أو لم يقيما البينة جميعاً ، فإما في الصورة الأولى فيقع البائع بحكمالمنكر بعد تعارض البينتين وسقوطهما ، وأمّا في الصورة الثانية فهو أيضاً منكر فلابد له الحلف بعدم وقوع البيع ، فإن حلف سقط حقهما وإن لم يحلف فيرد الحلف على المدعيين ، فإن حلف أحدهما يكون المال له ولو حلفا يكون المال لهما بالتنصيف .

ص: 176

المسألة 76 : إذا ادعى أحد رقية الطفل المجهول النسب في يده حكم بها له ، وإذا أدّعى الحرية بعد البلوغ لم تسمع إلا إذا أقام البينة عليها وكذلك الحال في البالغ المملوك في يد أحد إذا أدعى الحرية(2) .

----------------------------------------

(1) أمّا لو كان مقرّاً بالبيع فالمال يكون خارجاً بإقراره ويكون الحكم في هذه الصورة بمنزلة الحكم في العين التي لا يد لإحدهما عليها فيصبح كل منهما مدعٍ ومنكراً ، فمع حلفهما أو نكولهما تقسم بينهما ومع حلف أحدهما ونكول الآخر يكون المال للحالف ، وكذا لو أقام أحدهما البينة فيكون المال لهما بالتنصيف في الصورة الأولى ولمن أقام البينة في الصورة الثانية .(2) أمّا قبول دعوى المدعي فلأنّه يمكن أن يكون المدعى عليه في الواقع رقاً وقد أدعى رقيته ولا معارض له في دعواه مع أنّه ذو اليد فيقضى له وقد أدعى في الجواهر عدم الخلاف(1).

وقال المحقق الاشتياني : أقول هذا الحكم مما لم يوجد فيه مخالف بل ولم ينقل فيه خلاف أيضاً في الجملة ، وإن اختلفت كلمتهم فيه من حيث الافتقار إلى انضمام اليمين كما ذهب إليه الشيخ في أحد قوليه(2)، ولكن يأتي الإشكال فيما إذا ادعى الحرية بعد البلوغ ، فهل تسمع دعواه أم لا ؟ هناك أقوال :

الأول : إنه لا يسمع قول الصبي ودعواهالحرية بعد البلوغ ولو مع البينة ونسب ذلك إلى الشهيد الثاني في المسالك حيث قال بعد الجزم بثبوت الحكم في المسألة ما هذا لفظه : وحيث تثبت الرقية لا يلتفت إلى إنكار الصغير بعد بلوغه لسبق الحكم برقيته(3)،

وظاهره عدم سماع قول الصبي حتى ولو أقام البينة .

ص: 177


1- الجواهر /40 / 476 .
2- كتاب القضاء للمحقق الأشتياني / 455 .
3- مسالك الافهام /14 /118.

..........................

الثاني : قول الشيخ إن القول بعدم السماع حتى مع إقامة البينة غير موجود وإن المقصود من عدم الالتفات إلى انكاره إنما هو من حيث عدم تأثيره في توجه الحلف على ذي اليد لا سقوطقوله ولو مع البينة(1)، أي لا يلتفت إلى انكاره لإنّه لا تسمع دعوى الطفل حتى مع البينة .

الثالث : السماع ظاهراً من دون ضميمة الحلف أو معه كما نسب إلى الشيخ والعلامة في التذكرة من غير فرق بين المميز وغيره .

الرابع : السماع في المميز وعدمه في غير المميز إلا بضميمة البينة ، ولكن الحق هو السماع مطلقاً مميزاً كان أو غيره لإنه ذو اليد ودعواه بلا معارض ولا يحتاج إلى الحلف ، بل حتى ولو لم يدعي المدعي رقية العبد ، بل عامل معه معاملة الرقية وتصرف فيها تصرف الملاك في املاكهم كما إذا عرضه معرضاً للبيع ، فيكون قول ذي اليد حجة بعد ادعاءه بالرقية قولاً أو فعلاً ، كما وردفي صحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : سألته عن مملوك أدعى إنه حر ولم يأت ببينة على ذلك اشتريه ، قال نعم»(2)

وكما في رواية حمزة ابن حمران «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) أدخل السوق وأريد أن اشتري جارية فتقول إني حرة ، فقال : اشترها إلا أن يكون لها بينة»(3).

ص: 178


1- كتاب القضاء للمحقق الاشياني 455.
2- الوسائل باب 5 من أبواب بيع الحيوان ح1.
3- الوسائل باب 5 من أبواب بيع الحيوان ح2.

نعم لو أدّعى أحد إنه مملوك له وليس بيده وأنكره المدعى عليه لم تسمع دعوى المدعي إلا ببينة(1) .

----------------------------------------

(1) وهل تقبل دعوى مملوكية الصغير الذي لا يد له عليه ولم يكن هناك معارض لما يدعيه أم لا ؟ قد يقال بسماع الدعوى التي لا معارض لها على الإطلاق ومن القدر المتيقن إنما يسمع دعواه إذا كان في يده وهو دليل على سماع دعواه على نحو الكلية .

والحق عدم قبول دعواه إلا إذا أقام المدعي البينة كما تدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان «قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقولكان علي بن أبي طالب (علیه السلام) يقول : الناس كلهم احرار إلا من أقرّ على نفسه بالعبودية وهو مدرك من عبد أو أمة ومَنْ شهد عليه بالرق صغيراً كان أو كبيراً»(1) .

ورواية حمران بن اعين «قال : سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن جارية لن تدرك بنت سبع سنين مع رجل وامرأة أدعى الرجل إنّها مملوكة له ، وأدعت المرأة أنّها بنتها، فقال : قد قضى في هذا علي (علیه السلام) قلت وما قضى في هذا ؟ قال : كان يقول الناس كلهم احرار إلا مَنْ أقرّ على نفسه بالرق وهو مدرك ومن أقام بينة على من عبد أو أمة فإنه يُدفع إليه ويكون له رقاً، قلت : فما ترى أنت ؟ قال : أرى أن اسأل الذي أدّعىإنّها مملوكة له بينة على ما أدّعى فإن احضر شهوداً يشهدون إنّها مملوكة لا يعلمون باع ولا وهب دفعت الجارية إليه حتى تقيم المرأة من يشهد لها إن الجارية ابنتها حرة مثلها فلتدفع إليها وتخرج من يد الرجل قلت : فإن لم يقم الرجل شهوداً إنّها مملوكة له ؟ قال: تخرج من يده فإن أقامت المرأة البينة على إنّها ابتها دفعت إليها فإن لم يقم الرجل البينة على ما أدّعى ولم تقم المرأة البينة على ما أدعت خلي سبيل الجارية تذهب حيت تشاء»(2).

ص: 179


1- الوسائل باب 29 من أبواب العتق ح1.
2- الوسائل باب 12 من كيفية الحكم ح9 .

المسألة 77 : إذا تداعى شخصان على طفل فأدّعى أحدهما إنّه مملوك له وأدعى الآخر إنّه ولده ، فإن أقام مدعيّ الملكية البينة على ما ادعاه ولم تكن للآخر بينة حكم بملكيته له(1)، وإن كانت للآخر بينة على إنّه ولده حكم به له سواء أكانت للأول بينة أم لم تكن ، وإن لم تكن لهما بينة خلى سبيل الطفل يذهب حيث شاء .

المسألة 78: لو ادعى كل من شخصين مالاً في يد الآخر وأقام كل منهما البينة على أن كلا المالين له حكم بملكية كل منهما ما في يده مع يمينه(2) .

----------------------------------------

(1) لإنّه مدعٍ فلابد من إثبات دعواه من اقامة البينة حتى يدفع إليه كما لو كانت للآخر بينةعلى أنّه ولده حكم به له بلا فرق بين أن يكون للآخر بينة أم لا ، لإن قوله يكون مطابقاً للأصل حيث إن الأصل في الإنسان الحرية .

وأمّا إذا لم تكن لأحدهما بينة لم تثبت دعوى كل منهما وخلى سبيله ويدل على ذلك كله صحيحة حمران بن اعين المتقدمة .

(2) وذلك لإنّه بعد تعارض البينتين بتساقطهما فكل من بيده المال ظاهره إنه مالك له فيكون القول قوله لإنه منكر ولما ورد في ذيل صحيحة إسحاق بن عمار «... المال لازم له إلا أن يقيم البينة إنّها كانت وديعة»(1).

ومعتبرته الأخرى «في رجل قال لرجل ليّ عليك ألف درهم ، فقال الرجل لا، ولكنها وديعة ،فقال : أبو عبد الله (علیه السلام) القول قول صاحب المال مع يمينه»(2)،

فكل منهما مالك لما في يده ويكون القول قوله ، والآخر حينما يدعي إنّه له فهو مدعٍ فلابد من الاتيان بالبينة .

ص: 180


1- الوسائل باب 7 من أبواب الوديعة ح1.
2- الوسائل باب 18 من أبواب الرهن ح1.

المسألة 79 : إذا اختلف الزوج والزوجة في ملكية شيء فما كان من مختصات أحدهما فهو له وعلى الآخر الإثبات ، وما كان مشتركاً بينهما كأمتعة البيت وآثاثه فإن علم أو قامت البينة على أن المرأة جاءت بها فهي لها وعلى الزوج إثبات مدّعاه من الزيادة فإن أقام البينة على ذلك فهو وإلا فله احلاف الزوجة ، وإن لم يعلم ذلك قسم المال بينهما وكذلك الحال فيما إذا كان الاختلاف بين ورثة أحدهما مع الآخر أو بين ورثة كليهما(1).

----------------------------------------

(1) قال المحقق : إذا تداعى الزوجان متاع البيت قضي لمن قامت له البينة ولو لم تكن بينة في يد كل واحد منهما على نصفه(1).

وقال في المبسوط : يحلف كل واحد منهما لصاحبه ويكون بينهما نصفين سواء كانت يدهما من حيث المشاهدة أو من حيث الحكم سواء كان مما يصلح للرجال دون النساء كالعمائم والطبالسة والدراريع والسلاح ، أو يصلح للنساء دون الرجال كالحلي والمقانع وقمص النساء ، أو يصلح لكل واحد منهما كالفراش والأواني ، وسواء كانت الدار لهما أو لأحدهما أو لغيرهما ، وسواء كانت الزوجية باقية بينهما أو بعد الزوجيةوسواء كانت التنازع بينهما أو بين ورثتهما أو بين أحدهما وورثة الآخر ، وفيها خلاف(2).

وقال في التهذيب : ما يصلح للرجال للرجل وما يصلح للنساء فللمرأة وما يصلح لهما يجعل بينهما ، وفي بعض الروايات إن الكل للمرأة(3)،

وقال في الخلاف :

ص: 181


1- شرائع الإسلام /2 /119.
2- المبسوط /5 /680 .
3- التهذيب / 6 / 294 .

..........................

إذا اختلف الزوجان في متاع البيت فقال كل واحد منهما كله ليّ ولم يكن مع أحدهما بينة نظر فيه فما يصلح للرجال ، القول قوله مع يمينه وما يصلح للنساء فالقول قولها مع يمينها ، وما يصلح لهما كان بينهما ، وقد روي أيضاً إن القول فيجميع ذلك قول المرأة مع يمينها والأول احوط(1).

فعلى أي حال لو تداعيا الزوجان متاع البيت وكل منهما يدعي إن المتاع ملك له وقد تكون لكل واحد بينة واخرى لا أو تكن لأحدهما بينة دون الآخر فالأقوال في المسألة ثلاثة :

الأول : ما عن المشهور كما حكى في الرياض إذا تداعا الزوجان أو ورثتهما أو أحدهما مع ورثة الآخر متاع البيت الذي في يدهما قضي لمن له البينة مطلقاً بلا خلاف(2)، أي لو كانت لأحدهما بينة قضى له بها وإن كانت لكل منهما بينة يدخل في باب تعارض البينات إذا كانت العين في يدهما وإن لم يكن لهما بينة اصلاً فيقضى بينهما بالتنصيف بعد حلف كل منهمالصاحبه بلا فرق بين ما يختص بالرجال كالعمائم وبالنساء كالحلي والمقانع وبين أن يكون الدار لهما أو لأحدهما سواء كانت الزوجية باقية أو زائلة .

الثاني : ما حكي عن الشيخ بقوله : إن ما يصلح للرجال للرجل ، وما يصلح للنساء فللمرأة ، وما يصلح لهما جعل بينهما(3)،

ونسبه في المسالك إلى الخلاف، وقبله ابن الجنيد وتبعهما ابن إدريس والمصنف رحمه الله والعلامة في التحرير والأكثر(4)، وعن نكت النهاية نسبته إلى المشهور وعن الخلاف(5)

ص: 182


1- الخلاف / 6 / 352 .
2- الرياض /15 /189 .
3- المبسوط /5 /680.
4- مسالك الافهام /14 /139 .
5- نفس المصدر السابق.

..........................

والسرائر(1) الإجماع عليه.

الثالث : إنه للمرأة وبه أفتى الشيخ كما مرّ ، ولكل منهم دليل على مدّعاه .

ولكن العمدة الروايات كما نذكره ، أمّا ما كان من مختصات النساء للمرأة ومختصات الرجال للرجل وما يصلح لهما يقسم بالنصف ، فقد ادعوا نسبته إلى الأكثر بل الإجماع عليه والدليل على ذلك صحيح رفاعة النخاس عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : إذا طلق الرجل امرأته وفي بيتها متاع فلها ما يكون للنساء وما يكون للرجال والنساء قسم بينهما قال : وإذا طلق الرجل المرأة فأدعت إن المتاع لها وأدّعى الرجل إن المتاع له كان له ما للرجال ولها ما يكونللنساء وما يكون للرجال والنساء قسم بينهما»(2).

فهذه الرواية وإن وردت في الطلاق ولكن كانت من باب التمثيل ولإنّها غير مختصة في باب الطلاق ، لإن المورد لا يخصص لأننا لا نرى فرقاً بين المرأة المطلقة والباقية ما كان من مختصات الرجل فهو للرجل فعلى الآخر إثبات ذلك بالبينة ، وكذا ما كان من مختصات النساء فهو لها وعلى الآخر إثبات ذلك ، وما كان مشتركاً يقسم بينهما كما هو ظاهر الرواية ، وكما ورد في معتبرة يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في امرأة تموت قبل الرجل أو الرجل قبل المرأة قال : ما كان من متاع النساء فهو للمرأة وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما ومن استولى علىشيء منه فهو له»(3)

لإنه بيده خاصة واليد علامة الملكية لا أن تكون يده مالكة كما في اثاث المطبخ الذي يقال بإن المرأة ذو اليد وأمّا البقية فما كان من مختصات الرجال للرجال ومختصات النساء للنساء والبقية تقسم بينهما .

ص: 183


1- السرائر /2 /196.
2- الوسائل باب 8 من ابواب ميراث الأزواج ح4.
3- الوسائل باب 8 من أبواب ميراث الازواج ح3

المسألة 80 : إذا ماتت المرأة وادعى أبوها أن بعض ما عندها من الأموال عارية فالأظهر قبول دعواه ، وأمّا إذا كان المدعي غيره فعليه الإثبات بالبينة وإلا فهي لوارث المرأة مع اليمين(1) .

----------------------------------------

(1) قال المحقق : ولو ادعى أبو الميتة إنّه اعارها بعض ما في يدها من متاع أو غيره كلف البينة كغيره من الأنساب ، وفيه رواية بالفرق بينالأب و غيره ضعيفة(1)،

وهذا واضح للقاعدة بإن البينة على المدعي .

ولكن هناك رواية وردت على خلاف القاعدة وهي معتبرة جعفر بن عيسى «قال : كتبت إلى أبي الحسن يعني علي بن محمد (علیهما السلام) المرأة تموت فيدعي أبوها إنه كان اعارها بعض ما كان عندها من متاع وخدم اتقبل دعواه بلا بينة أم لا تقبل دعواه بلا نية ؟ فكتب إليه - يعني علي بن محمد (علیه السلام) - يجوز بلا بينة قال : وكتبت إليه إن أدّعى زوج المرأة الميتة أو أبو زوجها أو أم زوجها في متاعها وخدمها مثل الذي أدّعى أبوها من عارية بعض المتاع والخدم أيكون في ذلك بمنزلة الأب في الدعوى ؟ فكتب لا»(2)،فإن الرواية وإن كانت واضحة الدلالة ولكن ضعفها المحقق .

يقول استاذنا الاعظم (قدس سره) : وذكر المحقق في الشرائع إن الرواية ضعيفة ولكن الأمر ليس كذلك فإن توهم ضعف الرواية إن كان من جهة محمد بن جعفر الكوفي الأسدي الواقع في طريق الكليني فيدفعه إنه هو محمد بن جعفر ابن محمد بن عون الأسدي وهو ثقة على أنه غير موجود في طريق الصدوق (قدس سره) وإن كان من جهة محمد بن عيسى الواقع في طريق الصدوق فالصحيح إنه ثقة وإن توقف فيه ابن الوليد كما نبّه عليه غير واحد من علماء الرجال وإن كان من جهة جعفر بن عيسى الواقع في كلا الطريقين فهو ممدوح مدحاً لا يقل عن التوثيقعلى

ص: 184


1- شرائع الإسلام /4 /120.
2- الوسائل باب 23 من أبواب كيفية الحكم ح1.

..........................

أنه وارد في اسناد كامل الزيارات(1).

ولكن قد عرفت حال هذا الكتاب وأن ما ذكره الاستاذ (قدس سره) بإنه لا يروي إلا عن ثقة فقد كشف إنّه يروي عن غير الثقة ، والحق إن محمد بن إسماعيل البرمكي هو ثقة أيضاً كما عن النجاشي ، وإن كان من جهة جعفر بن محمد بن عيسى فهو أيضاً ثقة ، وأمّا بالنسبة إلى اصل العمل بهذا الخبر فقد ذكر صاحب الجواهر : وقد اطنب ابن إدريس في ردّها بإنّها كتابة ولا يجوز للمستفتي أن يرجع لا إلى قول المفتي دون مايجده بخطه بغير خلاف من محصل ضابط لأصول الفقه إلى أن قال ولقد شاهدت جماعة من متفقهة أصحابنا المقلدين لشواذ الكُتّاب يطلقون بذلك وإن أبا الميتة لو أدّعى كل المتاع وجميع المال كان قوله مقبولاً بغير بينة ، وهذا خطأ عظيم في هذا الأمر الجسيم ، لإنّهم إن كانوا عاملين بهذا الحديث فقد اخطأوا من وجوه :

الأول : إنه لا يجوز العمل بأخبار الآحاد عند محصلي أصحابنا على ما كررنا القول فيه واطلقناه .

الثاني : أن من يعمل بأخبار الآحاد ولا يقول بذلك ولا يعمل به ِإلا إذا سمعه من الراوي من الشارع .الثالث : إن الحديث ما فيه إنه ادعى أبوها جميع متاعها وخدمها وإنما قال البعض ما كان عندها ولم يقل جميع ما كان عندها ، ثم إنه مخالف لأصول المذهب ولما عليه إجماع المسلمين ، إن المدعي لا يعطى بمجرد دعواه إلى أن قال ثم لم يورد هذا الحديث إلا القليل من أصحابنا ، ومن أورده في كتابه لا يورده إلا في باب النوادر وشيخنا المفيد وسيدنا المرتضى لم يتعرضا له ولا أوراده في كتبهما وكذلك

ص: 185


1- مباني تكملة المنهاج /1 /86 .

..........................

غيرهما من محققي أصحابنا وشيخنا أبو جعفر ما أورده في كتبه بل في كتابين منها فحسب ايراداً لااعتقاداً كما أورد امثاله من غير اعتقاد لصحته ، ثم قال صاحب الجواهر عن كشف اللثام : إن الذي رأيناه في حائريات الشيخ إنه سأل عن الرجل إذا أدّعى بعد وفاة ابنته إذا هلكت عند زوجها إنه قد اعارها جميع متاعها هل يقبل قوله في ذلك كما يقبل في بعضه وإن أدّعى عليها في حياتها ما أدّعاه بعد وفاتها من اعارتها بعض المتاع أو كله فما الحكم في ذلك فأجاب الشيخ القول قول ابيها في الحالين مع يمينه إنه كان اعارها ولم يهبه لها ولا استحقه على وجه ، ثم قال في الكشف أيضاً وعندي لا إشكال ولا مخالفة فيه للأصول وإن المراد أدعاء الأب فيما جهزها به وعلم إنه نقلها من بيت أبيها وإنه الذي اعطاها ، فحينئذٍ إذا أدّعىإنه اعارها فالقول قوله لإن الأصل عدم انتقال الملك والفرق بينه وبين الزوج وأبيه وأمه ظاهر لجريان العادة بنقل المتاع والخدم من بيت الأب ، ثم قال وقريب منه ما في التحرير من الحمل على الظاهر من أن المرأة تأتي بالمتاع من بيت أهلها(1).

إذاً الرواية تكون طبقاً للقاعدة لإنّه بعد ما ثبت نقل المتاع من بيت الأب فيقع النزاع بين الأب وبين الوارث في إنه عارية ويدعي الوارث الملك فيكون القول قول الأب لإنه منكر ويكون طبقاً للقاعدة .

أمّا إذا كان المدعي غير الأب كالزوج مثلاً فلابد من إثباته بالبينة وإلا فالمال يكون للوارثلإنّه منكر مع يمينه .

ص: 186


1- الجواهر / 40 /502 - 503.

نعم إذا اعترف الوارث بإن المال كان للمدعي وأدّعى إنّه وهبه للمرأة المتوفاة انقلبت الدعوى ، فعلى الوارث إثبات ما يدعيه بالبينة أو استحلاف منكر الهبة(1) .

----------------------------------------

(1) نعم في صورة ما إذا كان الوارث معترفاً بإن المال كان للمدعي وأدّعى إنه وهبه للمرأة المتوفاة فلابد من إثبات دعواه بالبينة أو يستحلف منكر الهبة فإذا حلف فينتزع ويدفع المال إلى المالك الأصلي .

ص: 187

فصل في دعوى المواريث

المسألة 81 : إذا مات المسلم عن ولدين مسبوقين بالكفر واتفقا على تقدم إسلام أحدهما على موت الأب واختلفا في الآخر ، فعلى مدعيّ التقدم الإثبات وإلا كان القول قول أخيه مع حلفه إذا كان منكراً للتقدم وأمّا إذا أدّعى الجهل بالحال فلمدعي التقدم احلافه على عدم العلم بتقدم إسلامه على موت أبيه إن أدّعى عليه علمه به(1) .

----------------------------------------

(1) تارة لا يعلم تاريخ إسلام أحدهما ، وأخرى يعلم تاريخ موت الأب دون الآخر ، ففيهاتين الصورتين يكون الوارث فقط المتفق عليه إسلامه دون الآخر لإن كلتا الصورتين بما أن إسلامه مسبوق بالكفر فاستصحاب بقاء كفره إلى زمان موت أبيه موجب لعدم استحقاقه ، وأمّا استصحاب عدم موت أبيه قبل إسلامه فلا يكون موجباً لتأخر موت الأب عن إسلام الأبن إلا بناءً على الأصل المثبت .

وأمّا الصورة الثالثة هو أن يكون تاريخ إسلام الأبن معلوماً وتاريخ موت الأب مجهولاً ، قال المحقق : لو اتفقا إن أحدهما اسلم في شعبان والآخر في غرة رمضان ثم قال المتقدم مات الأب قبل شهر رمضان ، وقال المتأخر مات بعد دخول شهر رمضان ، كان الأصل بقاء الحياة والتركةبينهما نصفين(1) فالمشهور هو

ص: 188


1- شرائع الإسلام /4 /120 .

المسألة 82 : لو كان للميت ولد كافر ووارث مسلم فمات الأب واسلم الولد وأدّعى الإسلام قبل موت والده وأنكره الوارث المسلم فعلى الولد إثبات تقدم إسلامه على موت والده فإن لم يثبت لم يرث(1).

----------------------------------------

قول الآخر ويكون الأخوان مشتركين في التركة فالمحقق استدل بالاستصحاب حيث قال : الأصل بقاء الحياة(1)، وحيث لا يجري الاستصحاب في معلومالتاريخ .

والحق إن استصحاب بقاء حياة المورث إلى زمان إسلام الآخر لا يترتب عليه الأثر المطلوب ، فإنّه لا يثبت موت المورث في حال كون الوارث مسلماً إلا بناءً على الأصل المثبت ، ففي هذا أيضاً يكون القول قول المنكر مع يمينه لعدم علمه بتقدم إسلام أخيه على موت أبيه لو ادعى عليه أخيه بعلمه به .

(1) فالقول قول وارث المسلم لإنّه منكر ولابد للذي يدّعي إسلامه قبل موت أبيه من البينة ، فإن لم يثبت فالمال يكون كله للوارث المسلم إلا إذا أدّعى علم الوارث المسلم فلابد من احلافه أواحلافهم على عدم علمه أو علمهم .

ص: 189


1- نفس المصدر .

المسالة 83 : إذا كان مال في يد شخص وأدّعى آخر إن المال لمورثه الميت فإن أقام البينة على ذلك وأنه الوارث له دفع تمام المال له(1)وإن علم إنه له وارثاً غيره دفعت له حصته وتحفظ على حصة الغائب وبحث عنه فإن وجد دفعت له وإلا عوملت معاملة مجهول المالك إن كان مجهولاً أو معلوماً لا يمكن ايصال المال إليه ، وإلا عومل معاملة المال المفقود خبره .

----------------------------------------

(1) إذا أقام البينة على ذلك وإنه هو الوارث وليس هناك وارث سواه دفع إليه المال بتمامه ، وإن علم إنّه هناك أخ له ولا وارث سواهما دفع إليه نصف المال والباقي يبقى لأخيه ، وهل يبقىفي يد من كان المال في يده حتى يأتي الغائب ويدفع إليه ؟ قال في المبسوط : وقال قوم يؤخذ من المدعى عليه نصيب الحاضر ويقر الباقي في يدي من هو في يده حتى يحضر الغائب وهو الأقوى عندي(1)، وذلك لعدم ثبوتها له قبل دعواه بها إذ البينة حجة للمدعي بها لا غيره ، أو ينتزع من يده كما في الخلاف والباقي يجعل في يد أمين حتى يعود الغائب(2)، لإن البينة حجة شرعية كما هو مقتضى إطلاق دليلها إلا إذا ردّها ذو الحق أو رفع يداً عن حقه والحاكم ولي الغائب ولإنّه بإنكاره سقطت الامانة فالأقوى هو الثاني فبعد ما حفظ حصة الغائب فإن وجد دفع إليه وإنلم يوجد ولم يعرف فيكون حكمه أي المال حكم المال المجهول المالك ، وأمّا إذا علم ولم يعلم المال صاحبه فيعامل مع المال معاملة المال المفقود خبره .

ص: 190


1- المبسوط / 5 /643 .
2- الخلاف / 6 /340.

المسألة 84 : إذا كان لامرأة ولد واحد وماتت المرأة وولدها وأدّعى أخ المرأة إن الولد مات قبل المرأة(1)، وأدّعى زوجها إن المرأة ماتت أولاً ثم ولدها فالنزاع بين الأخ والزوج إنما يكون في نصف مال المرأة وسدس مال الولد(2)، وأمّا النصف الآخر من مال المرأة وخمسة اسداس مال الولد فللزوج على كلا التقديرين ، فعندئذٍ إن أقام كل منهما البينة على مدعاه حكم بالتنصيف بينهمامع حلفهما وكذا الحال إذا لم تكن بينة وقد حلفا معاً وإن أقام أحدهما البينة دون الآخر فالمال له ، وكذلك إن حلف أحدهما دون الآخر ، وإن لم يحلفا جميعاً أُقرع بينهما(3) .

----------------------------------------

(1) ولم يعلم سابقية أحدهما ولا الإقتران فيدعي الأخ إن الولد مات أولاً ثم المرأة فله استحقاق الإرث فما لها يكون بينه وبين زوجها بالتنصيف .

(2) وأدّعى الزوج بإن المرأة ماتت أولاً فإرثها ليّ ولولدها وبالنتيجة يكون المال كله للزوج ، فالنزاع يقع بين الأخ والزوج ، ولكن هذا النزاع يكون في نصف مال المرأة .(3) أمّا نصفه الآخر يكون لا محالة للزوج وخمسة اسداس الولد ونصف ما انتقل إليها من مال ولدها وهو السدس إن كان موتها بعد موت ولدها فحينئذٍ المقدار المتنازع فيه بين الأخ والزوج ، فإن أقام أحدهما البينة دون الآخر يعطى المال له ، وهكذا لو حلف أحدهما وإن أقام كل واحد منهما يحكم البينة بالتنصيف ، وأمّا إذا لم يحلف أحدهما ولا بينة أُقرع بينهما فمن وقعت القرعة باسمه يعطى له لإن القرعة لكل أمر مشكل .

ص: 191

المسألة 85 : حكم الحاكم إنما يؤثر في رفع النزاع ولزوم ترتيب الآثار عليه ظاهراً ، وأمّا بالنسبة إلى الواقع فلا أثر له أصلاً ، فلو علم المدعي إنه لا يستحق على المدعى عليه شيئاً ومع ذلك أخذه بحكم الحاكم لم يجز له التصرف فيه ، بل يجب ردّه إلى مالكه ، وكذلك إذا علم الوارث إن مورثه أخذ المال من المدعى عليه بغير حق(1) .

----------------------------------------

(1) لا يخفى بإن حكم الحاكم يجب اتباعه وترتيب الأثر عليه لإن هذا الحكم إنما يكون لرفع مادة النزاع وقطع الخصام ويجوز لكل واحد أن يرتب عليه آثار الواقع ، هذا إذا كان جاهلاًبالواقع وغير عالم ببطلان الحكم وذلك لإطلاق الأدلة ولكن مع علمه ببطلان الحكم يكون الحكم مخالفاً للواقع .

أمّا من جهة علمه بإن المال ليس لزيد كما إذا علم المدعي أو غيره بإنه لا يستحق على المدعى عليه شيء ومع ذلك أخذه بحكم الحاكم ، أو إذا علم أن البينة كانت فاسقة فالواقع يبقى على حاله ، والعلم بالواقع لا يصادمه الحكم ولا يجوز للمدعي أو غيره التصرف فيه إلا بإذن مالكه الأصلي ، فإذا علم بفسق شاهدي الطلاق فلا يجوز أن يتزوج بتلك المرأة ، كما إنّه لو أدّعى زوجية امرأة وهو يعلم أنّها ليست بزوجته فبحكم الحاكم له لا يجوز مناكحتها وإذا ماتت لا يرثهاكما إن للمرأة إذا علمت بالواقع وبطلان الحكم لا يجوز لها تمكين نفسها كما في صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال ، قال : رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) إنما اقضي بينكم بالبينات والأيمان وبعضكم الحن بحجته من بعض ، فإيما رجل قطعت له من مال اخيه شيئاً فإنما قطعت له به قطعة من النار»(1).

ص: 192


1- الوسائل باب 2 من أبواب كيفية الحكم ح5.

كتاب الشهادات

ص: 193

ص: 194

كتاب الشهادات(1).

اشارة

----------------------------------------

(1) يقع الكلام أولاً في معنى الشهادة ، وهي لغة تكون بمعنى الحضور كما في قوله تعالى : «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ»(1)، وقوله تعالى : «نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ»(2)، وقوله تعالى : «وَمَا شَهِدْنَا إِلاَ بِمَا عَلِمْنَا»(3).

وفي قول الرسول (صلی الله علیه و آله وسلم) وقد سئل عن الشهادة «فقال : هل ترىالشمس ؟ على مثلها فاشهد أو دع»(4)، وروي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «لا تشهدن بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفك»(5).

ولا يخفى بأنّه لم تثبت حقيقة شرعية أو متشرعة لهذا اللفظ ، فما في الآيات المباركة ، وما ورد عن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) والأئمة الأطهار (علیهم السلام) فلابد أن يحمل على المعنى العرفي .

ص: 195


1- سورة البقرة الآية / 185 .
2- سورة المنافقون الآية / 1 .
3- سورة يوسف الآية / 81 .
4- الوسائل باب 20 من أبواب الشهادات ح3.
5- الوسائل باب 20 من أبواب الشهادات ح1 .

فصل في شرائط الشهادة

الأول : البلوغ فلا تقبل شهادة الصبيان(1).

----------------------------------------

(1) الصبي تارة يكون غير مميز وأخرى يكون مميزاً ، أمّا في الصورة الأولى فلا إشكال في عدم نفوذ شهادة الصبي غير المميز ، وأمّا الثانية ، فهل تكون شهادته نافذة أو لا ؟ الظاهر عدم نفوذها أيضاً ، كما قال صاحب الجواهر : بلا خلاف إجماعاً بقسميه(1)، إلا أنّ عدم الخلاف فيقبول شهادته في الجملة ، فما يتمسك بإطلاق بعض الآيات والروايات ينصرف إلى البالغ كما في قوله تعالى: «فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً»(2)

وقوله (صلی الله علیه و آله وسلم) «إنما اقضي بينكم بالبينات والأيمان»(3)،

ويؤيد ذلك ما ورد من الاحاديث .

منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (علیهما السلام) قال «في الصبي يشهد على الشهادة ، فقال : إن عقله حين يدرك أنّه حق جازت شهادته»(4).ومنها : معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (علیه السلام):

ص: 196


1- الجواهر / 41 / 4 .
2- سورة النساء الآية / 6.
3- الوسائل باب 2 من أبواب كيفية الحكم ح1 .
4- الوسائل باب 21 من أبواب الشهادات ح1.

..........................

إن شهادة الصبيان إذا أشهدوهم وهم صغار جازت إذا كبروا ما لم ينسوها»(1).

قلنا لا تقبل في الجملة ، لأنّه تقبل شهادته في القتل كصحيحة محمد ابن حمران قال «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن شهادة الصبي قال ، فقال : لا إلا في القتل يؤخذ بأول كلامه ، ولا يؤخذ بالثاني»(2).وبإزاء هذه الروايات روايات تدل على قبول شهادة الصبي .

منها : عن إسماعيل بن جعفر «متى تجوز شهادة الغلام ، فقال : إذا بلغ عشر سنين»(3)، ولكن لا يمكن الاستناد إليها لأنّها غير مسندة إلى المعصوم (علیه السلام) ولا يمكن الأخذ بإطلاقها .

ومنها : معتبرة عبيد بن زرارة ، قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن شهادة الصبي والمملوك ، فقال : على قدرها يوم اشهد تجوز في الأمر الدون ولا تجوز في الأمر الكبير»(4).

وقد أورد استاذنا الاعظم (قدس سره)علىهذه الرواية بأنّها رواية شاذة مهجورة ، ومشتملة على ما هو مقطوع البطلان من عدم جواز شهادة المملوك في الكبير ، فلا بعد في ورودها مورد التقية ، على أنّ متنها مجمل فإن الكبر والصغر امران متضايفان وليس لهما واقع معلوم ، فالشيء الواحد كبير بالإضافة إلى شيء وصغير بالإضافة إلى شيء أخر(5)،

ولكن لا يخفى أنّ الرواية ولو فرض مهجوريتها وعدم عمل الأصحاب بها ، فلا يكون اعراض المشهور عنده موجباً لضعف الرواية .

ص: 197


1- الوسائل باب 21 من أبواب الشهادات ح2.
2- الوسائل باب 22 من أبواب الشهادات ح2.
3- الوسائل باب 22 من أبواب الشهادات ح3.
4- الوسائل باب 22 من أبواب الشهادات ح5.
5- مباني تكملة المنهاج / 1/95.

..........................

وأمّا ما قال بأن الرواية على ما هو مقطوعةالبطلان وهو عدم شهادة المملوك.

وفيه إن الرواية بمنزلة روايتين ، فإذا فرض بطلان جملة منها ، فهذا لا يضر بالنسبة للجملة الأخرى أي بحجيتها بالنسبة إلى الصبي ، وهكذا لو فرض حمل تلك الجملة على التقية فلا تضر في العمل بالجملة الأخرى .

وأمّا ما قال في إجمال المتن بالنسبة إلى الصغير والكبير ، فإنه ولو فرض فيه إجمال ، يرجع إلى العرف ، فالعرف بعد ما علم من سن الطفل المميز ذكائه يمكن أن يقبل منه في مورد وقد لا يقبل في غيره ، كما لو كان ذكائه أقلّ أو سنه أقلّ .

ويمكن أن يقال بأن هجرانه موجب للقطعبعدم الجواز ، بعد ما ورد الإجماع بقسميه على عدم الجواز وبعد ما كان المورد محل ابتلاء للعموم ولو كان جائزاً لأصبح شائعاً .

ومنها : معتبرة طلحة بن زيد عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (علیهم السلام) عن علي (علیه السلام) قال «قال : شهادة الصبيان جائزة بينهم ما لم يتفرقوا أو يرجعوا إلى أهلهم»(1).

وفيه إن الحديث دل على اعتبار الشهادة بينهم ، فلا يدل على اعتبار شهادة الصبيان بالنسبة إلى الغير .

قد يقال بأنّ الرواية مخدوشة بطلحة لأنّه لم يوثق ، وأنّه عامي المذهب كما عن الشيخ فيالفهرس وله كتاب ، إلا أنّ كتابه معتمد ، وروى عنه البجلي ، وهو لا يروي إلا عن ثقة ، إذاً هو كما ذكره الاستاذ الاعظم (علیه السلام) من أن الرواية معتبرة .

ص: 198


1- الوسائل باب 22 من أبواب الشهادات ح6.

نعم تقبل شهادتهم في القتل(1)، إذا كانت واجدة لشرائطها ويؤخذ بأول كلامهم ، وفي قبول شهادتهم في الجرح إشكال .

----------------------------------------

(1) أمّا شهادتهم في القتل ، فتدل عليها شهرة عظيمة كما في كلام استاذنا الاعظم(1)، مضافاً إلى ذلك صحيحة محمد بن حمران «لا إلا في القتل» المتقدمة الذكر ، وصحيحة جميل قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) تجوز شهادة الصبيان، قال : نعم في القتل يؤخذ بأول كلامه ولا يؤخذ بالثاني منهم»(2).

وأمّا اشتراط بلوغه عشر سنين في قبول شهادته فلم يرد عليه دليل إلا رواية أبي أيوب الخزاز ، قال : «سألت إسماعيل بن جعفر متى تجوز شهادة الغلام ، فقال : إذا بلغ عشر سنين»(3)، وقد عرفت أنّها غير حجة لعدم استنادها إلى المعصوم ، وهل تقبل شهادتهم مطلقاً إذا لم يتفرقوا ؟ قد يقال بأنّها تقبل إذا لم يتفرقوا ، ومستندهم في ذلك معتبرة طلحة بن زيد عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن علي (علیهم السلام) «شهادة الصبيان جائزة بينهمما لم يتفرقوا أو يرجعوا إلى أهلهم»(4)، وقد عرفت أن موردها شهادة الصبيان فيما بينهم لا مطلقاً ، فلا تقبل شهادتهم على الاطلاق ونسب إلى النهاية في قبول شهادتهم أن يكون اجتماعهم على أمر مباح(5).

والحق كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سره) بقوله : ولم يعرف له أي وجه فإن الصبي قد رفع عنه القلم فلا فرق بين أن يكون اجتماعهم على امر مباح أو على

ص: 199


1- المباني /1 /95.
2- الوسائل باب 22 من أبواب الشهادات ح1 .
3- الوسائل باب 22 من أبواب الشهادات ح3 .
4- الوسائل باب 22 من أبواب الشهادات ح6.
5- النهاية 96.

الثاني : العقل(1)، فلا عبرة بشهادة المجنون حال جنونه ، وتقبل حال إفاقته .

----------------------------------------

غيره(1).

وأمّا ما ذكر المحقق بالحديث والأخذ به بالنسبة إلى القتل بأن التهجم على الدماء بخبر الواحد خطر(2)، وفيه أن تعطيل الحدود وهدر دم المسلم أيضاً مشكل ، وما ذكره (قدس سره) غير تام بعد ورود الرواية المعتبرة كما هو المفروض .

وأمّا بالنسبة إلى الجرح فالالتزام به مشكل لعدم ورود الدليل ، فالدليل إنما ورد في القتل فلا يمكن التعدي ، نعم لو كان هناك إجماع قطعي كاشف عن قول المعصوم (علیه السلام) يؤخذ به ، وأمّا هنا فأصل الإجماع غير تام لمخالفة فخر المحققين على ما نسب إليه ، ونسب الاردبيلي فيمجمع الفائدة والبرهان بقوله : ثم اعلم إن النصوص ليست بصحيحة ولا صريحة في قبول شهادة غير البالغ ، فالفتوى بقبول شهادتهم في القتل الذي يجب الاحتياط فيه أكثر بمجرد هذه الاخبار مشكل ، لعدم الصحة والصراحة على ما رأيت مع ما مرّ من الأدلة الدالة على المنع ، وأشكل منه الفتوى فيه وفي غيره ، وأشكل منهما الفتوى في الجرح ونحوه دون القتل وهو ظاهر(3).

(1) فالمجنون تارة يكون مطبقاً وأخرى أدوارياً ، أمّا بالنسبة إلى الأول فمما لا خلاف فيه بين المسلمين ، وعليه السيرة العقلائية ، وفي الجواهر : إجماعاً بقسميه بل ضرورة من المذهب أو الدين على وجه لا يحسن من الفقيه ذكر ما دلعلى ذلك من الكتاب والسنة ، أمّا من يناله الجنون ادواراً هو كالمطبق حال جنونه ،

ص: 200


1- المباني /1 /96 .
2- شرائع الإسلام /4 /125.
3- مجمع الفائدة والبرهان /12 / 296.

الثالث : الإيمان فلا تقبل شهادة غير المؤمن ، وأمّا المؤمن فتقبل شهادته وإن كان مخالفاً في الفروع ، وتقبل شهادة المسلم على غير المسلم ولا تقبل شهادة غير المسلم على المسلم(1).

----------------------------------------

نعم لا بأس حال إفاقته فحكمه بشهادته في الأدلة حينئذٍ كتاباً وسنة(1)،

قال المحقق : أمّا من يناله الجنون ادواراً فلا بأس بشهادته حال افاقته ، لكن بعد استظهار الحاكم بما يتيقن معه حضور ذهنهواستكمال فطنته(2)، وما ذكره تام ومما لا خلاف فيه ، يقول في الجواهر : وإلا طرح شهادته بلا خلاف أجده في شيء من ذلك ، بل ولا إشكال(3).

(1) المراد بالإيمان بالمعنى الأخص أي المقرّ بإمامة الأئمة الاثني عشر (علیهم السلام) والمسألة غير خلافية ، وقد ورد الاجماع عن لسان غير واحد ، وفي الجواهر قوله : بلا خلاف اجده فيه ، بل عن جماعة الإجماع عليه ، بل لعله من ضروري المذهب في هذا الزمان ، للأصل بعد اختصاص اطلاقات الكتاب والسنة ، ولو للتبادر وغيره بالمؤمن خصوصاً نحو «رِجَالِكُمْ» وممنترضون وبناءً على المعلوم من مذهب الإمامية من اختصاص الخطاب بالمشافهين دون غيرهم ، وليس المخالف بموجود في زمان الخطاب ، ولو سلم العموم فقد عرفت الخبر المفسر لقوله تعالى : «تَرْضَوْنَ» برضا دينه ولاريب في كونه غير مرضي الدين(4)، كما في قوله تعالى : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي

ص: 201


1- الجواهر /41/15.
2- شرائع الإسلام /4 /126.
3- الجواهر/41 /15.
4- الجواهر /41 / 16.

..........................

عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْكَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء»(1)، ثم إن استاذنا الاعظم (قدس سره) قال : فإن غير المؤمن إذا كان مقصراً فيما اختاره من المذهب فلا إشكال في أنّه فاسق أشد الفسق وتارك لأهم الواجبات الالهية بغير عذر ، فلا يكون خيّراً ومرضياً وعادلاً كي تقبل شهادته ، بل هو مخزي في دينه(2)،

ويقول المحقق : فلا تقبل شهادة غير المؤمن وإن اتصف بالإسلام لا على مؤمن ولا على غيره ، لاتصافه بالفسق والظلم المانع من قبول الشهادة(3) .واستدل الأستاذ الأعظم (قدس سره) بمعتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إن أمير المؤمنين (علیه السلام) كان لا يقبل شهادة فحاش ولا ذي مخزية في الدين»(4)، ثم قال: وأمّا إذا كان قاصراً كما إذا كان مستضعفاً فمقتضى اطلاقات عدة من الروايات قبول شهادته(5)، ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس»(6) .

قد يقال بأنه لا يمكن العمل بالرواية الأولى وذلك :

أولاً: لو أخذنا بظاهر الرواية هو كفاية فعلواحد

منه وصف بالخير ولو كانت بقية أفعاله اجمع شرّاً ، ولكن الحق أنّ ظهور الرواية والمتبادر منها معنى أنه علم منه خيراً بالمعاشرة معنا ، ويكون خيّراً في أفعاله لا معنى أنّه يعمل عملاً واحداً خيراً .

ص: 202


1- سورة البقرة الآية / 282.
2- مباني تكملة المنهاج /1/97 - 98 .
3- شرائع الإسلام /4/126.
4- الوسائل باب 32 من أبواب الشهادات ح1.
5- المباني /1/98.
6- الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح8.

..........................

وثانياً : بأنّه لو أخذ بإطلاق الرجل فمعناه أنّه يمكن الأخذ من الكافر أي كون الرجل كافراً ، أنّه لو فرض إطلاق الرواية ، ولم تكن منصرفة إلى المسلم ، إلا أنّها تقيد بما ورد من الأدلة الدالة على عدم قبول قول الكافر .

وقد استدل (علیه السلام) بصحيحة محمدبن مسلم قال : «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن الذمي والعبد يشهدان على شهادة ، ثم يسلم الذمي ويعتق العبد أتجوز شهادتهما على ما كانا اشهدا عليه ، قال : نعم إذا علم منهما بعد ذلك خير جازت شهادتهما»(1).

وأمّا ما أشكل به على الرواية فعين الاشكال في تلك الرواية والجواب عين الجواب ، فاذا تم الإجماع فبه ، وإلا فمقتضى الروايات هو قبول شهادة القاصر ، ولكن مقتضى حديث ابن أبي يعفور هو عدم قبول شهادة غير المؤمن على الإطلاق مقصراً كان أم قاصراً ، وإليك نص الرواية قال عبد الله ابن أبي يعفور «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) بم تعرف عدالة الرجل بينالمسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم ؟ فقال : أن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان ، ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك ، والدلالة على ذلك كله أن يكون ساتراً لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك ، ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس ، ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واضب عليهن وحفظ مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين ، وأن لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم إلا من علة ، فإذا كان كذلك لازماً لمصلاه عند حضورالصلوات الخمس ، فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلته قالوا ما راينا منه إلا خيراً ، مواظباً على الصلاة متعاهداً لأوقاتها في مصلاه ، فإن ذلك يجيز

ص: 203


1- الوسائل باب 39 من أبواب الشهادات ح1.

..........................

شهادته وعدالته بين المسلمين ، وذلك أن الصلاة ستر وكفارة للذنوب ، وليس يمكن الشهادة على الرجل بأنّه يصلي إذا كان لا يحضر مصلاه ويتعاهد جماعة المسلمين ، وإنما جعل الجماعة والاجتماع إلى الصلاة لكي يعرف من يصلي ممن لا يصلي ، ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممن يضيع ، ولو لا ذلك لم يمكن أحد أن يشهد على آخر بصلاح ، لأن من لا يصلي لا صلاح له بينالمسلمين ، فإن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) هم بأن يحرق قوماً في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة المسلمين ، وقد كان فيهم من يصلي في بيته فلم يقبل منه ذلك ، وكيف يقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممن جرى الحكم من الله عز وجل ومن رسوله (صلی الله علیه و آله وسلم) فيه الحرق في جوف بيته بالنار ، وقد كان يقول لا صلاة لمن لا يصلي في المسجد مع المسلمين إلا من علة»(1).

إذاً لابد أن يكون الشاهد عادلاً ، والمخالف ليس بعادل ويكفي في عدم القبول شرطية العدالة وأنها تقيد تلك الاطلاقات .

وأمّا شهادة المسلم وقبولها على غير المسلمفمما لا خلاف ولا إشكال فيه للآية المباركة : «كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً»(2)، ولصحيحة أبي عبيدة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : تجوز شهادة المسلمين على جميع أهل الملل ، ولا تجوز شهادة أهل الذمة على المسلمين»(3)، وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : تجوز شهادة المملوك من أهل القبلة على أهل الكتاب»(4)

ويؤيد ذلك أيضاً قول النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) «لا تقبل شهادة أهل دين على غير أهل دينهم ، إلا المسلمين فإنّهم عدول عليهم وعلى غيرهم»(5).

ص: 204


1- الوسائل باب 41 من ابواب الشهادة ح1.
2- سورة البقرة الآية / 143.
3- الوسائل باب 38 من أبواب الشهادات ح1.
4- الوسائل باب 38 من أبواب الشهادات ح3.
5- مستدرك الوسائل باب 32 من باب قبول شهادة علم على الكافر ح4 .

نعم تقبل شهادة الذمي على المسلم في الوصية إذا لم يوجد شاهدان عادلان من المسلمين(1)، وقد تقدم ذلك في كتاب الوصية ، ولا يبعد قبول شهادة أهل كل ملة على ملتهم .

----------------------------------------

(1) وأمّا في الوصية فهل تقبل شهادة الذمي فقط أو مطلق الكافر ؟ نعم تقبل شهادتهما وإن كانت في الجملة محل وفاق إذا لم يكن هناك مسلم وهل الشهادة مختصة بالمال أو مطلق الوصية كما لو أوصى بتعيين الوصي على أولاده الصغار غير البالغين .

لا يخفى أنّه بعد إن كان من شروط قبول الشاهدة بأن يكون الشاهد مسلماً استثنوا من ذلكما إذا كان الشاهد ذمياً فإنّها تقبل شهادته في الوصية على المسلم ، وأمّا بالنسبة إلى الذمي فمما لا خلاف فيه من قبول شهادته على المسلم ، ويدل عليه الآية الشريفة : «آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ»(1)، ففي صحيح أحمد بن عمر قال : «سالته عن قول الله عز وجل «ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ» قال : اللذان منكم مسلمان ، واللذان من غيركم من أهل الكتاب فإن لم يجد من أهل الكتاب فمن المجوس لأن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) قال : سنّّوا بهم سنة أهل الكتاب ، وذلك إذا مات الرجل بأرض غربة فلم يجد مسلمين يشهدهما فرجلان من أهل الكتاب»(2)،

وهل يختص بكونه ذمياً ؟ الظاهر لا لأطلاق الآيةوصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في قوله عز وجل «أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ» قال : إذا كان الرجل في أرض غربة لا يوجد فيها مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم في الوصية»(3)، وفي حديث آخر ورد على تخصيص الحكم بالكتابي ، كما في حديث أحمد بن عمر الذي مرّ ذكره ، ففي هذا الحديث ذكر شيئان ، الأول قبول شهادة المجوسي ، والثاني قبوله

ص: 205


1- سورة المائدة الآية / 106.
2- الوسائل باب40 من أبواب الشهادات ح2.
3- الوسائل باب 40 من أبواب الشهادات ح3.

..........................

إذا لم يكن هناك كتابياً .والكلام هنا يقع أولاً في أن المجوسي هل يعتبر من أهل الكتاب أو لا قد يقال : أنّهم ليسوا من أهل الكتاب ، فلو قلنا بذلك فقبول شهادتهم إنما هو استثناء لعدم قبول قول الكافر ، ولكن ورد في بعض الروايات بأن لهم كتاب يقال له جاماس عن محمد بن علي بن الحسين (علیهم السلام) «قال : المجوس تؤخذ منهم الجزية لإن النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) قال : سنوا بهم سنة أهل الكتاب ، وكان لهم نبي اسمه داماس فقتلوه ، وكتاب يقال له جاماست كان يقع في اثني عشر الف جلد ثور فحرقوه»(1)،

وما عن سفينة البحار وأيضاً عن الكافي عن بعض أصحابنا قال : «سئل أبو عبد الله (علیه السلام) عنالمجوس أكان لهم نبياً ؟ فقال : نعم أما بلغك كتاب رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) إلى أهل مكة إن اسلموا وإلا نابذتكم بحرب فكتبوا إلى النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) أن خُذ منّا الجزية ودعنا على عبادة الأوثان ، فكتب إليهم النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) أني لست آخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، فكتبوا إليه - يريدون بذلك تكذيبه - زعمت أنك لا تأخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، ثم أخذت الجزية من مجوس هجر ، فكتب إليهم النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) إن المجوس كان لهم نبي فقتلوه وكتاب أحرقوه ، أتاهم نبيهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور»(2).ومنها : أيضاً عن ابن فضال عن أبي بكير عن زرارة ، «قال : سألته عن المجوس ما حدهم ؟ فقال : هم من أهل الكتاب ، ومجراهم مجرى اليهود والنصارى في الحدود والديات»(3)، وموثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : بعث النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) خالد بن الوليد إلى البحرين ، فأصاب بها دماء قوم من اليهود والنصارى

ص: 206


1- الوسائل باب 49 من أبواب جهاد العدو ح5.
2- سفينة البحار /8 /29 باب الميم بعده الجيم.
3- الوسائل باب 13 من أبواب ديات النفس ح11.

..........................

والمجوس ، فكتب إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) : إني أصبت دماء قوم من اليهود والنصارى فوديتهم بثمانمائة ثمانمائة ،وأصبت دماء قوم من المجوس ولم تكن عهدت إليّ فيهم عهداً ، فكتب إليه رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) : أنِّ ديتهم مثل دية اليهود والنصارى ، وقال : أنهم أهل كتاب»(1)، فتدل هذه الروايات على أنّهم من أهل الكتاب ، وورد في حديث صحيح عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي «قال كنت قاعداً عند أبي عبد الله (علیه السلام) بمكة إذ دخل عليه أُناس من المعتزلة فيهم عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وحفص بن سالم مولى ابن هبيرة وناس من رؤسائهم ، وذلك حدثان قتل الوليد إلى أن قال يا عمرو ارأيت لو بايعت صاحبك الذي تدعوني إلى بيعته ثم اجتمعت لكم الأمة فلم يختلف عليكم رجلان فيها فأفضيتم إلىالمشركين الذين لا يسلمون ولا يؤدون الجزية أكان عندكم وعند صاحبكم من العلم ما تسيرون فيه بسيرة رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) في المشركين في حروبه ؟ قال : نعم ، قال : فتصنع ماذا ؟ قال : ندعوهم إلى الإسلام ، فإن أبوا دعوناهم إلى الجزية ، قال : وإن كانوا مجوساً ليسوا بأهل الكتاب ؟ قال : سواء ، قال : وإن كانوا مشركي العرب وعبدة الاوثان ؟ قال : سواء ، قال : اخبرني عن القران تقرؤه ؟ قال : نعم ، قال اقراء «قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآَخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ»(2)، فاستثناءالله تعالى واشتراطه من أهل الكتاب فهم والذين لم يؤتوا الكتاب سواء ؟ قال : نعم ، قال : عمن أخذت ذا ؟ قال : سمعت الناس يقولون ، قال : فدع ذا»(3)، فيحمل على أنّهم بالفعل ليسوا من أهل الكتاب لما ورد بأنّهم

ص: 207


1- الوسائل باب 13 من أبواب ديات النفس ح7 .
2- سورة التوبة الآية / 29 .
3- الوسائل باب 9 من أبواب من يجوز له جمع العساكر والخروج إلى الجهاد / 19950.

..........................

قتلوا نبيهم وحرقوا كتابهم ، فالمجوسي ليس حكمه حكم الكتابي .

وأمّا ما ذكر بأن بعض الفقهاء كالشهيد في المسالك حيث قال : والحكم مختص بوصية المال ، فلا تثبت الوصية بالولاية المعبّر عنها بالوصايا ، وقوفاً فيما خالف الأصل علىمورده»(1)، فما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سره) بقوله الصحيح إن الحكم يعم الوصاية أيضاً لأطلاق الأدلة ولم نظفر برواية مشعرة بالاختصاص ، ولعل الاردبيلي (قدس سره)أراد بها ما في بعض الروايات كموثقة سماعة من تعليل الحكم بأنه لا يصلح ذهاب حق احد ، ولكن من الظاهر أن حق الوصايا من حقوق الميت فلا يصلح ذهابه ثم قال الاستاذ (قدس سره) الثاني : إن المذكور في كلمات غير واحد من الفقهاء اعتبار كون الشاهد ذمياً بل ادعي عليه الاجماع(2)،

ولم نعرف له وجهاً ظاهراً ، فإن الإجماع لم يتحقق ، وعنوان الذمي لم يذكر إلا في روايتين ، أحدهما صحيحة الحلبي ، قال :«سألت أبا عبد الله (علیه السلام) هل تجوز شهادة أهل الذمة على غير أهل ملتهم ؟ قال : نعم إذا لم يوجد من أهل ملتهم جازت شهادة غيرهم أنه لا يصلح ذهاب حق أحد»(3)، ورواية ابن حمران عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال سألته عن قوله عز وجل : «ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ» فقال : اللذان منكم مسلمان ، واللذان من غيركم من أهل الكتاب ، فقال : إذا مات الرجل المسلم بأرض غربة فطلب رجلين مسلمين يشهدهما على وصيته ، فلم يجد مسلمين ، فليشهد على وصيته رجلين ذميين من أهل الكتاب مرضيين عند أصحابهما»(4)،

قال : وكلاهما لا تدلان على اعتبار كون الشاهد لابد أنيكون

ص: 208


1- المسالك /14/163.
2- المباني /1/ 100 - 101.
3- الوسائل باب 40 من أبواب الشهادات ح1.
4- الوسائل باب 20 من أبواب الوصايا ح7 .

..........................

ذمياً ، أمّا الاولى فمخدوشة من حيث الدلالة في نظره ، والثانية من حيث السند ، ويمكن أن يستدل بإطلاق الآية الشريفة : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الآَثِمِينَ»(1)، فإن كلمة وآخران من غيركم ، بأطلاقها تشمل الذمي وغيره وهل يشترطأن يكون بأرض غربة ؟ الظاهر لا كما قال المحقق ، ولا يشترط كون الموصي في غربة ، وباشتراطه رواية مطروحة(2)، وفي نظره الشريف المراد من الرواية المطروحة هي رواية حمزة ، وهي ضعيفة من حيث السند ، لأن العلة هي عدم ضياع حق الموصي ، إذاً لو لم يكن في أرض غربة ولم يوجد هناك إلا الذمي كما إذا كان مسجوناً في بلده وكان الموكل عليه في سجنه هو الذمي فيجوز الوصية للذمي حينئذٍ ، وهل تقبل شهادة مسلم واحد عدلاً منضماً إلى واحد عدل من أهل الكتاب عندهم ؟ قد أجاب الاستاذ الأعظم (قدس سره) نقلاً عن المستند عدم القبول بدعوى الاقتصار فيما خالف الأصل على مورد النصودعوى الاولوية ممنوعة لعدم العلم بالعلة(3)، واختار هو القبول بالأولوية القطعية ، وهل يكفي وجود أربع ذميات ؟ الظاهر لا اقتصاراً فيما خالف الأصل على موضع النص ، قال المحقق : وهل تقبل شهادة الذمي على الذمي ؟ قيل لا وكذا لا تقبل على غير الذمي ، وقيل تقبل شهادة كل ملة على ملتهم وهو استناد إلى «رواية سماعة والمنع اشبه»(4) المشهور على

ص: 209


1- سورة المائدة الآية / 106 .
2- شرائع الاسلام /4 /126.
3- المباني /1 /104.
4- شرائع الإسلام /4 /126.

..........................

عدم القبول ، وعن الشيخ في النهاية تقبل شهادةكل ملة على ملتهم وعليهم(1)

وقد استدل بموثقة سماعة قال «سألت أبا عبد الله عن شهادة أهل الملة قال ، فقال : لا تجوز إلا على أهل ملتهم ، فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم على الوصية لأنّه لا يصلح ذهاب حق أحد»(2)،

وقد ضعفت الرواية بيونس بن ضبيان ، كما في رجال النجاشي بقوله : ضعيف جداً لا يلتفت الى ما رواه كل كتبه تخليط(3) .

أمّا صاحب المقال ربما لم يقبل رواية الكشي الذي اعتمد عليها الأصحاب الواردة في لعن يونس بن ضبيان ، أو ربما أنّه اعتمد أيضاً على ما في تفسير القمي الذي اخرج له عدة روايات من الأصحاب الذين رووا عنه بعضهم ثقات فيكونحال هذا الرجل بحسب ما يعتمد عليه من البناء والحال أن الشيخ حفظه الله لم يقبل هذا المبنى ظاهراً هذا ما طرء في البال ومنه التوفيق فتأمل .

وما نسب إليه من الطعن فإنّه غير تام راجع تنقيح المقال(4)، وعلى أي حال يكفينا ما رواه الحلبي في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) هل تجوز شهادة أهل الذمة على غير أهل ملتهم ، قال : نعم إن لم يوجد من أهل ملتهم جازت شهادة غيرهم ، أنه لا يصلح ذهاب حق أحد»(5).

ورواية محمد بن مسلم قال : «سألته هل تجوز شهادة أهل ملة من غير أهل ملتهم ، قال : نعم إذا لم يوجد من أهل ملتهم جازت شهادةغيرهم ، أنّه لا يصلح ذهاب حق أحد»(6).

ص: 210


1- النهاية 334.
2- الوسائل باب 40 من أبواب الشهادات ح4 .
3- رجال النجاشي رقم / 1210 .
4- تنقيح المقال في يونس بن ضبيان .
5- الوسائل باب 40 من أبواب الشهادات ح1 .
6- الوسائل باب الوصايا ح3 .

الرابع : العدالة فلا تقبل شهادة غير العادل(1).

----------------------------------------

(1) قال في الجواهر : كتاباً وسنة مستفيضة ، أو متواترة ، وإجماعاً بقسميه(1)،

يقول المحقق : الرابع العدالة إذ لا طمأنينة مع التظاهر بالفسق ولاريب في زوالها بمواقعة الكبائر كالقتل ، والزنا ، واللواط ، وغصب الأموال المعصومة ، وكذا بمواقعة الصغائر مع الإصرار ، أو في الأغلب(2)، فما ذكره غير تام ، لأن الكلام في اشتراط العدالة إنما هو بالنسبة إلى الواقع ، لأن التظاهر بالفسق وعدمه مربوط بمقام الإثبات ، اللهم إلا أن يقالبأن كفاية من أظهر الإسلام وعدم ظهور الفسق ليس هو العدالة ، بل مراده ومراد غيره ممن تفوه بهذا الكلام إنما هو من طرق ما يعرف به العدالة ومعرفتها ولذا تراهم يستدلون بأصالة عدم الفسق وأصالة الصحة في أقوال المسلمين وافعالهم وغيرها من الاستدلالات كدعوى أن الإسلام مختص لفعل الواجبات وترك المحرمات ، والسبب للفسق يكون لمانع ، فإذا شك في وجود المانع يبني على عدمه ببركة الأصل ، وكذا تراهم يقولون إذا لم يقبل قول من أظهر الإسلام وعدم ظهور الفسق منه لم يتمكن الحكام من تنظيم أمورهم ، فظهر مما ذكرنا أن معنى عدم التظاهر ليس بمعنى العدالة ، وعلى أي حال فاشتراطالعدالة في الشاهد مما لا خلاف فيه ، وفي المستند قال البحث الاول : في بيان اشتراطها في الشاهد وهو مما لا خلاف فيه بين الأصحاب كما في الكفاية بل هو مجمع عليه وصرح بالإجماع أيضاً جماعة منهم المحقق الاردبيلي ، والشهيد الثاني ، وصاحب المفاتيح ، وشارحه ، بل أدعى الاخيران وبعض مشايخنا المعاصرين الضرورة الدينية عليه(3).

ص: 211


1- الجواهر /41/25.
2- شرائع الإسلام ج4/26 .
3- المستند / 18 /51 .

..........................

وقد استدل بالآيات والعمدة منها آية الوصية : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْأَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الآثِمِينَ»(1)، قد يقال بأنّها مختصة بباب الوصية ولا يمكن استفادة القاعدة الكلية منها ، ذكر استاذنا الاعظم (قدس سره) جواباً على ذلك ، بأن اعتبار العدالة في الشاهد على الوصية المبني أمرها على التوسعة ، فتقبل فيها شهادة المرأة وشهادة غير المسلم إذا لم يوجد المسلم يقتضي اعتبارها في غير الوصية جزماً وكيف يمكن الالتزام بعدم ثبوت الوصية بشهادة رجلين غير عدلين وثبوت الزواج والقتل ودعوى المال وماشاكل ذلك بشهادتهما(2).

وأمّا بقية الآيات كآية الطلاق : «فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ»(3)، وآية الصيد : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ»(4).

فلا يمكن الاستدلال بهما ، وذلك :

ص: 212


1- سورة المائدة الآية / 106 .
2- المباني / 2 / 106.
3- سورة الطلاق الآية / 2 .
4- سورة المائدة الآية / 95 .

..........................

أولاً : لاختصاصها في الطلاق ، فلا يمكن استفادة القاعدة العامة منها .

ثانياً : ولأنها كما ورد في التفسير أنّ المراد بالمماثلة في الخلقة لا القيمة أي في النعامة بدنه ، وفي حمار الوحش وشبهه بقرة ، وفي الظبي والأرنب شاة وهو المروي عن أهل البيت (علیهم السلام) فالمقصود هو النبي ، أو الإمام ، وهم الذين يعينون هذه الكفارة ، فالآية خارجة عن محل البحث ، وقد ورد بذلك صحيح زرارة عن أبي جعفر في قوله عز وجل : «يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ» فالعدل رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) والإمام من بعده يحكم به وهو ذوعدل ، فإذا علمت ما حكم به رسول الله والإمام فحسبك ، فلا تسأل عنه»(1).

أمّا آية : «مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ»(2) فيمكن أن تكون دليلاً على أن العدالة شرط في الشهود ، يقول صاحب مجمع البيان : ويدل أيضاً على أنا لم نتعبد بإشهاد مرضيين على الاطلاق ، لقوله : «مِمَّنْ تَرْضَوْنَ» ولم يقل من المرضيين ، لأنّه لا طريق لنا إلى معرفة من هو المرضي عند الله تعالى ، وإنما تعبدنا بإشهاد من هو مرضي عندنا في الظاهر وهو من نرضى دينه ، وامانته ونعرفه بالستر ، والصلاح(3)،

فالإشكال أن المرضي أعمّ من العادل ، لأنّه قد يكون مرضياًولم يكن عادلاً ، بل يكون ثقة في غير محله ، وأمّا الروايات .

منها : صحيحة عبد الله بن أبي يعفور قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم»(4).

ومنها : معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : لا بأس بشهادة

ص: 213


1- الوسائل باب 7 من أبواب صفات القاضي ح26 .
2- سورة البقرة الآية / 282 .
3- مجمع البيان / 1/ 513 .
4- الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح1 .

..........................

الضيف إذا كان عفيفاً صائناً»(1).

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبيجعفر «قال : لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل ، إذا عُلم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس»(2).

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) ما يرد من الشهود قال ، فقال : الظنين والمتهم ، قال : قلت فالفاسق والخائن ، قال : ذلك يدخل في الظنين»(3).

ومنها : صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : كان علي (علیه السلام) إذا أتاه رجلان بشهود عدلهم سواء وعددهم أقرع بينهم على إيّهما تصير اليمين»(4).ومنها : صحيحة عبد الرحمن الحجاج عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال «قال : أمير المؤمنين لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلاً»(5).

وأمّا الإشكال بأن هذه الرواية معارضة بالروايات التي دلت على الحرية فتسقط عن إمكان الاستدلال بها .

فنقول ولو أنّها بالنسبة إلى المملوك مشكل ، ولكن بالنسبة إلى أصل العدالة يمكن الاستدلال بها بعد ما قلنا بإمكان التجزئة ، وتكون كالروايتين.

ومنها : معتبرة علاء بن سيّابة عن أبي عبد الله (علیه السلام) أن أبا جعفر «قال : لا تقبل شهادة سابق الحاج ، لأنّه قتل راحلته ، وافنى زاده ،واتعب نفسه واستخف

ص: 214


1- الوسائل باب 29 من أبواب الشهادات ح3 .
2- الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح8 .
3- الوسائل باب 30 من أبواب الشهادات ح1 .
4- الوسائل باب 12 من أبواب الشهادات ح5 .
5- الوسائل باب 23 من أبواب الشهادات ح1 .

ولا بأس بقبول شهادة أرباب الصنائع المكروهة والدنيئة(1).

الخامس : أن لا يكون الشاهد ممن له نصيب فيما يشهد به(2).

----------------------------------------

بصلاته ، قلت فالمكاري ، والجمال ، والملاح ، فقال : وما بأس بهم تقبل شهادتهم إذا كانوا صلحاء»(1)، وصحيحة أخرى لمحمد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن الذمي والعبد يشهدان على شهادة ، ثم يسلم الذمي ويعتق العبد أتجوز شهادتهما على ما كانا اشهداعليه ، قال: نعم إذا علم منهما بعد ذلك خير جازت شهادتهما»(2) .

والإشكال على هذه الرواية قد يقال بأنّه لا تدل على اشتراط العدالة قلنا إن كلمة خيراً ، أو صالحاً ، ولو لم تكونا بمعنى العدالة ، طريقان لمعرفة العدالة ككلمة ترضون ، وغير ذلك من الروايات .

(1) كبيع الأكفان والصرافة ، وبيع الطعام ، ومن كان كسبه في الذبح والنحر من المكاسب المكروهة ، وأمّا الدنيئة كالزبال ، والوقاد ، وذلك للإطلاقات ، لأنّ الميزان حسب الأدلة عدالته ، فلا يضرّ كسبه ولو كان مكروهاً ، أو دنيّئاً بعمله بعد ما كان الشخص متلبساً بالعدالة .(2) هل عدم قبول هذه الشهادة لأجل التهمة ؟ الحق أنّه ليس ذلك لأن مجرد التهمة إذا لم تكن منافية للعدالة لا تضر ، فالشخص العادل حينما يشهد للحق لا لجر النفع إلى نفسه وهو لا يجر النفع بغير الحق ، كما ورد في صحيحة ابان قال : «سئل أبو عبد الله (علیه السلام) عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه ، قال : تجوز شهادته إلا في شيء له فيه نصيب»(3)، ولا لما قيل بأنّ الشريك إن شهد لشريكه فيما هو شريك لا يخلو الحال من ثلاثة، أمّا أن تقبل شهادته بالنسبة إلى تمام المال المشترك،

ص: 215


1- الوسائل باب 34 من أبواب الشهادات ح1 .
2- الوسائل باب 39 من أبواب الشهادات ح1 .
3- الوسائل باب 27 من أبواب الشهادات ح3 .

..........................

أو بالنسبة إلى خصوص حق شريكه ، أو لا تقبل بالنسبة إليهما .

وأمّا قبول الشهادة بالنسبة إلى الأول فمعناه شهادة الإنسان لنفسه ، فإنّه غير مقبول قطعاً ، وأدلة قبول الشهادة منصرفة عن هذا المورد ، وقد ادعي الإجماع عليه ، وأمّا بالنسبة للثاني ، فإنّه يلزم التفكيك بالنسبة إلى عدم قبول الشهادة في حصته وقبولها بالنسبة إلى حصة الشريك ، يتعين حينئذٍ الثالث وهو عدم قبول الشهادة بالنسبة إلى تمام المال المشترك إذا شهد الشريك والأمر في عدم قبول هذه الأمور ليس من جهة التهمة في العدالة ، لأنّه أصبح داخلاً في شرط العدالة ، ولا بشرط جديد ، إذ لو لم يكن هنا دليل لقلنا بقبولشهادته ، فالوجه في عدم القبول هو ورود النصوص .

منها : معتبرة سماعة قال: «سألته عما يُرد من الشهود، قال: المريب والخصم والشريك ودافع مغرم والأجير، والعبد والتابع والمتهم، كل هؤلاء ترد شهادتهم»(1).

ومنها : وموثق عبد الرحمن ، قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن ثلاثة شركاء، شهد اثنان عن واحد ، قال : لا تجوز شهادتهما»(2)، قال الشيخ : وكل من يجر بشهادته نفعاً إلى نفسه أو يدفع ضرراً عنها ، فإنّ شهادته لا تقبل(3).

وأمّا ما ورد في الصحيحة الأخرى عن عبدالرحمن عن أبي عبد الله (علیه السلام) «عن ثلاثة شركاء ادعى واحد وشهد الاثنان قال يجوز»(4).

وهذه الرواية تكون ساقطة أو تحمل على أن شهادته تقبل على غير مال

ص: 216


1- الوسائل باب 32 من أبواب الشهادات ح3 .
2- الوسائل باب 27 من أبواب الشهادات ح1 .
3- المبسوط /5/581 .
4- الوسائل باب 27 من أبواب الشهادات ح4 .

فلا تقبل شهادة الشريك في المال المشترك ولا شهادة صاحب الدين إذا شهد للمحجور عليه بمال(1).

----------------------------------------

الشركة ، كما يظهر من الروايات بعدم قبول شهادة الشريك في مال الشركة ، ويدل عليه ماورد في الصحيح عن ابان قال : «سئل أبو عبد الله (علیه السلام) عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه ، قال : تجوز شهادته إلا في شيء له فيه نصيب» إذاً لا تقبل شهادة الشريك فيما هو شريك فيه ، أمّا بالنسبة إلى ما هو ملك لشريكه خاصة فهو جائز .

(1) أمّا شهادة صاحب الدين للمعسر المحجور عليه وهو مسلم به ، قال صاحب المستند : ومنها رد شهادة صاحب الدين للمعسر المحجور عليه بفلس إذ لو قلنا بانتقال المال إلى الغرماء ، فهو يكون شريكاً ، وإلا فيكون له حق التسلط على استيفاء نصيبه منه ، قال : المحقق الاردبيلي فيه وفي سابقه : لعله لا خلاف فيهما(1)،وذلك لأنّه بعد أن قبلت شهادته فيكون المدين صاحب المال فيتمكن من أخذ حقه منه وإن لم يكن هو المحجور عليه ، وقال استاذنا الاعظم (قدس سره) : يدل عليه ما دل من الروايات على عدم الاعتبار بشهادة الخصم(2)،

للاستدلال بالروايات كصحيحة الحلبي ، قال : «سئل أبو عبد الله (علیه السلام) عمّا يُردّ من الشهود ، قال : الظنين، والمتهم، والخصم، قال: قلت فالفاسق والخائن ؟ فقال: هذا يدخل بالظنين» ، وبموثقة سماعة قال «سألته عمّا يُردّ من الشهود ، قال : المريب والخصم والشريك ودافع مغرم والأجير والعبدوالتابع والمتهم كل هؤلاء تُردّ شهاداتهم»(3).

ص: 217


1- المستند /18/240 .
2- المباني / 1/ 111 .
3- الوسائل باب 30 من أبواب الشهادات ح5 .

ولا شهادة السيد لعبده المأذون(1)، ولا شهادة الوصي فيما هو وصي فيه(2).

----------------------------------------

والحق إن كلمة الخصم لا تشمل محل الكلام ، لأنّ الخصم بمعنى العدو ولا تقبل شهادة العدو لعدوه ، كما يأتي إذا لم تكن هذه العداوة موجبة لرفع العدالة ،

وإلا تدخل في شرط العدالة .

(1) أمّا شهادة السيد لعبده المأذون فلا تقبل ، لأنّه هو وماله لمولاه فشهادته بمنزلة الشهادة على نفسه ، وهو مردود بالاتفاق .(2) وكذا شهادة الوصي ، وفي الرياض : إلا أنّ الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا كما هو ظاهر جماعة(1)،

لأنّ شهادته تجرّ نفعاً إليه ، وقد استدل بمكاتبة الصفار إلى أبي محمد (علیه السلام) «هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل ؟ فوقع (علیه السلام) إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدعي اليمين ، وكتب : أيجوز للوصي أن يشهد لوارث الميت صغيراً أو كبيراً - وهو القابض للصغير - وليس للكبير بقابض ، فوقع (علیه السلام) : نعم»(2)،

وكما قال استاذنا الاعظم (قدس سره) فإنّها ظاهرة في عدم الاعتداد بشهادة الوصي وإلافلا حاجة إلى ضمّ اليمين إلى شهادة رجل أخر ، فالمتحصل من الرواية أن شهادة الوصي ساقطة ، وإنما يثبت حق الميت بشاهد ويمين(3).

ص: 218


1- الرياض /15/284 .
2- الوسائل باب 28 من أبواب الشهادات ح1 .
3- المباني /1/112 .

ولا شهادة من يريد دفع الضرر عن نفسه كشهادة أحد العاقلة بجرح شهود الجناية(1)، ولا شهادة الوكيل أو الوصي بجرح شهود المدعي على الموكل أو الموصي(2).

----------------------------------------

(1) أمّا عدم قبول شهادة أحد العاقلة فتكون من جهة من يدفع الضرر عن نفسه ، لأنّه حينما يجرح شهود الجناية ، فبجرحه هذا يكون موجباً لدفع الضرر ، إلا أن هذا لا يكون سبباً لعدم قبول شهادته بعد إن كان عادلاً ، ولذا ادخلها الماتن في شهادة الخصم ، وبمقتضى صحيحة عبد الله بن علي الحلبي ومعتبرة سماعة المتقدمة الذكر ، وعليه فلا تقبل شهادته ، لأنّه يُعد من الخصم حقيقة .ولكن يمكن أن يقال بقبول شهادته ، لأنّ معنى الخصم العداوة ، وهذا يوجب عدم بقاء العدالة ، وإلا لو فرض بقاء عدالته يقبل قوله .

(2) لا يخفى أن الوكيل أو الوصي تارة يكون الموصى به له ، وأخرى يكون لغيره وله حق التصرف .

أمّا في الصورة الاولى ، فلا اشكال في عدم قبول شهادته ، لأنّه موجب لجلب النفع إلى نفسه فيكون شاهداً لنفسه .

وأمّا الصورة الثانية ، فهي كسابقتها لأنّه موجب لجر النفع ، وهو التصرف ، وكما قال الاستاذ الاعظم (قدس سره) فهما بشهادتهما يثبتان لأنفسهما حقاً ، فيكون ذلك من شهادة الخصم التي لا تسمع بمقتضى الصحيحةالمذكورة(1)،

وقال في المستند : لا تقبل شهادة يدفع بها ضرر عن الشاهد كشاهدة العاقلة ، بجرح شهود قتل الخطأ ، وشهادة الوصي والوكيل بجرح شهود ردّ المال الذي للوكيل والوصي أخذه بلا خلاف فيه ، وإن وقع الخلاف في الأخيرين أنّه هل هو دفع ضرر أو لا ؟ والظاهرأن فيهما أيضاً دفع ضرر فترد شهادة الجميع لأنّها أيضاً شهادة للنفس عرفاً ويجر بها

ص: 219


1- المباني /1/112 .

ولا شهادة الشريك لبيع الشقص الذي فيه حق الشفعة(1)، وأمّا إذا شهد شاهدان لمن يرثانه فمات قبل حكم الحاكم فالمشهور عدم الاعتدادبشهادتهما ، ولكنه مشكل والاقرب القبول(2).

----------------------------------------

نفعاً لنفسه ، فلا تشملها عمومات القبول ، فتبقى تحت الأصل .

وتدل على ردّها مرسلة ابان من حيث أن فيه نصيباً للشاهد أيضاً وموثقة سماعة من حيث أن في الشهادة دفع مغرم عن نفسه ، ولا يعارضها العمومات لعدم شمولها ولا أقلّ من عدم العلم بشمولها لها(1)، فما استدل به من الرواية فهو غير تام لأنّها مرسلة ، وما ذكر من أنّه لا تعارضها العمومات ففيه ما دام الدليل موجوداً ، فإنّه لا يمكن التمسك بالإطلاقات والعمومات وإذا لم يكن موجوداً فالعمومات هي الدليل .(1) وأما عدم قبول شهادة الشريك لبيع الشقص الذي فيه حق الشفعة إنما هو لأجل أن شهادته تكون موجبة للنفع ، ويمكن إدخالها في الخصم أيضاً .

(2) قال في المستند : ومنها شهادة الوارث لجرح مورثه عند الجرح وإمكان السراية، فان الدية تجب له عند الموت(2)، وذكر في التحرير(3)

والقواعد(4)،

وشرح الارشاد(5)،

والدروس(6)،

والمسالك(7)،

وكفاية الاحكام(8)

ودليلهم في ردّها هو وجود التهمة ، وقد عرفت حالها ، ولا نصيب للشاهد حين الشهادة فلا تشمله سائر ادلة

ص: 220


1- المستند /18/243 .
2- المستند /18/242.
3- التحرير /2 /209.
4- القواعد /2 /237.
5- مجمع الفوائد /12 /386.
6- الدروس /2/128.
7- المسالك /14 /190.
8- كفاية الاحكام /281.

المسالة 86 : إذا تبين فسق الشهود ، أو ما يمنع من قبول شهادتهم بعد حكم الحاكم ، فإن كان ذلك حادثاً بعد الشهادة لم يضر بالحكم وإن علم أنّه كان موجوداً من قبل ، وقد خفي على الحاكم بطل حكمه(1).

----------------------------------------

المنع(1) ، والعجب إن أكثرهم صرحوا بقبول شهادة شخص لثبوت مال لمورثه لو كان ميتاً وكان وقت الشهادة مجروحاً أو مريضاً قبل شهادته ، بل زاد في شرح الارشاد للاردبيلي ، وإن كان تيقن بموته بعد شهادته واستندوا في القبول إلى أنّه إثبات مال لمورثه لا لنفسه وجرالنفع إليه غير معلوم لاحتمال أن يموت قبله ، ولا يخفى أنّه إن كان المناط التهمة ، فإن وجدت فيوجد فيهما ، وإن كان غيرها فلا يوجد فيهما واحتمال تقدم موت المورث فيهما متحقق ، وما ذكره في شرح الارشاد في وجه الفرق بأن الموجب لانتقال المال إلى الوارث في الأول الجراحة وهي تثبت بالشهادة فلا تقبل ، وفي الثاني الموت وهو غير ثابت بالشهادة فتقبل ، فهو غريب إلى أن يقول فالأقوى فيهما القبول(2).

(1) من المعلوم أنّ الحكم تارة يكون بالنسبة إلى حقوق الناس ، وأخرى بالنسبة إلى حقوق الله تعالى ، وأن الفسق تارة يكون طارئاً ، وأخرى قد علم بوجوده من قبل .أمّا في صورة ما إذا كان طارئاً ، فتارة يكون بعد الحكم ، فلا إشكال في صحة الحكم ، وقد ادعي عليه الاجماع ، وأمّا إذا كان الطروء قبل الحكم وكان من موارد حقوق الناس ، ففيه خلاف ونسب إلى الشيخ في المبسوط قوله : وإن بآن أنّهما فاسقان نظرت ، فإن كان الفسق بعد الحكم أو قامت البينة عنده بالجرح

ص: 221


1- مستند الشيعة / 1/ /242.
2- المستند /18/242.

..........................

مطلقة من غير تاريخ لم ينقض حكمه(1)، كذا في الخلاف : إذا شهد عنده شاهدان ظاهرهما العدالة ، فحكم بشاهدتهما ، ثم تبين أنّهما كانا فاسقينقبل الحكم نقض حمكه(2)، والحلي ، والمحقق بقوله : إذا حكم الحاكم ثم تبين في الشهود ما يمنع القبول فإن كان متجدداً بعد الحكم لم يقدح وإن كان حاصلاً قبل الإقامة وخفي عن الحاكم نقض الحكم إذا علم(3)،

والعلامة في التحرير بقوله : إذا حكم الحاكم ثم ظهر في الشهود ما يمنع القبول ، فإن كان متجدداً بعد الحكم لم يقدح ، وإن كان سابقاً على إقامة الشهادة وخفي على الحاكم نقض الحكم(4)،

والقواعد حيث قال : ولو شهدا ثم فسقا قبل الحكم حكم ، لأنّ المعتبر بالعدالة وقت الإقامة(5)،

خلافاً للشيخ في قول الآخر والفاضل في المختلف: إذا شهد عدلان عندالحاكم بحق ، ثم فسقا قبل أن يحكم بشهادتهما حكم بشاهدتهما ولم يردّه ، واستدل بأن الاعتبار بالعدالة حين الشهادة لا حين الحكم(6)،

وذكر صاحب المسالك : إذا حكم الحاكم بشهادة اثنين ثم بان له ما يمنع قبول الشهادة ، فإن كان المانع متجدداً بعد الحكم كالكفر والفسق لم ينقض الحكم مطلقاً لوقوعه بشهادة عدلين ، وإن كان حدوثه بعد الشهادة وقبل الحكم فسيأتي البحث فيه ، وإن كان حاصلاً قبل الإقامة وخفي على الحاكم كما لو تبين له أنّهما كانا كافرين أو صبيين أو عبدين على وجه لا تقبل فيه شهادتهما ، أو امرأتين ، أو

ص: 222


1- المبسوط /5 /615.
2- الخلاف /6 /288.
3- شرائع الإسلام /4 /132.
4- التحرير /5/270.
5- القواعد /3 /515.
6- المختلف /8 /534.

..........................

عدويّن للمشهود عليه ، أو أحدهما عدواً ، أو ولداً له على القول به ، نقض حكمه لأنّه تيقن الخطأ فيه، كما لو حكم باجتهاده ثم ظهر النص بخلافه(1).

والحق جواز الحكم وإن حكم الحاكم فيكون حكمه طبقاً للقاعدة لاستناده إلى حكم شاهدين عدلين ، وأنّهما يكونان عادلين حين الأداء وإن كانا فاسقين بالفسق الطارئ ، والمفروض عدالتهما في ذلك الحين ، وقيل لا ينفذ الحكم لكونهما فاسقين عند الحكم ، فإذا حكم الحاكم حينئذٍ يكون حكمه مستنداً إلى شهادة الفاسقين، ولكن قد عرفت بأن المدار في العدالة حينالأداء.

ويؤيد ما ذكرنا ما لو أصبح الشاهد مجنوناً بعد الأداء وقبل الحكم فلابد أن نقول بعدم قبول شهادته ، قد يقال بأن المورد يكون من قبيل رجوع الشاهد عن الشهادة قبل الحكم ، قيل هذا قياس مع الفارق ، لأنّه برجوعه يكون موجباً لبطلان الشهادة من الأول وتكون كالعدم ، وأمّا الفسق الطارئ لا يكون كذلك، ولا يكشف عن فسقه عند الأداء ، نعم لو علم أنّه كان فاسقاً من قبل وكان مستوراً في زمان الحكم بطل حكمه ، وقد يقال أيضاً إن ظهور الفسق موجباً لأن يصبح الظن بالعدالة ضعيفاً ، فلا أثر حينئذٍ لعدالته وفيه أنّه بعد إن ثبتت عدالته في وقته بالدليل الشرعي فعند ذلك لا تضر عدم قوة الظن بالعدالة ، نعم لوفرض بعد الفسق زوال الاطمئنان ويكون شكه سارياً ، فلا يجوز الحكم ، هذا بالنسبة إلى حقوق الادمي ، أمّا بالنسبة إلى حق الله ، فقال المحقق : ولو كان حقاً لله تعالى كحد الزنا لم يحكم ، لأنّه مبني على التخفيف ولأنّه نوع شبهة(2)، وقال في الجواهر : بلا خلاف أجده فيه(3).

ص: 223


1- المسالك /14/220.
2- الشرائع /4/ 142.
3- الجواهر /41 /70.

المسألة 87 : لا تمنع العداوة الدينية من قبول الشهادة ، فتقبل شهادة المسلم على الكافر(1)، وأمّا العداوة الدنيوية فهي تمنع عن قبول الشهادة ، فلا تسمع شهادة العدو على أخيه المسلم ، وإن لم توجب الفسق .

----------------------------------------

وقد يستشكل بأن الإجماع محتمل المدركية فهو غير حجة ، وما ذكر أنّه مبني على التحقيق وأنّها تدرأ بالشبهات وهذا أحد موارده .

وفيه أنّه بعد ثبوت الدليل فهذه الأمور غير مفيدة لرد الشهادة ، وأنّه ليس دليلاً لفظياً ، بل ولا حتى اتفاق ، ثم أنّه بما أن الشارع المقدس يهتم بالدماء والفروج فالحكم يكون محل تأمل ، وهناك فرق بين الشهادة التي طرأ عليها الفسق للشاهد ، وبين طروء الجنون ، لاتفاقهم على عدم سقوط الحكم هناك وسقوطه هنا .

(1) أمّا العداوة فتارة تكون دينية كما مثل لها الماتن وأخرى دنيوية ، أمّا في الصورة الأولى فتقبل شهادته ، قال في المسالك : والعداوةالدينية لا توجب ردّ الشهادة ، بل تقبل شهادة المسلم على الكافر والمحق على المبتدع وكذا من ابغض الفاسق لفسقه لم ترد شهادته عليه(1).

وأمّا العداوة الدنيوية قال في المسالك ، والعداوة التي تردّ بها الشهادة هي التي تبلغ حداً يتمنى هذا زوال نعمة ذاك ويفرح بمصيباته ويحزن بمسراته(2)،

قال المحقق : فإنّها تمنع سواء تضمنت فسقاً أو لم تتضمن(3)، وقال في الجواهر : بلا خلاف أجده فيه بل والاجماع بقسميه(4)، ونسب إلى المسالك من أسباب التهمة

ص: 224


1- المسالك /14/192.
2- المسالك /14/192.
3- الشرائع /4 /129.
4- الجواهر /14/70.

..........................

العداوة الدنيوية ، فلا تقبل شهادة العدو على عدوه عندنا وعند أكثر العامة(1)،

وهل إن العداوة في نفسها موجبة للمنع أو إذا تلبست ببعض الأمور ، كما قيل بأن العداوة من أسباب التهمة ، ولا تقبل شهادة المتهم .

وفيه : أنّه ليس هناك أيّ تهمة إذا كان بغضه له لأجل قتل ولده خطأ وكان الشاهد العدو في غاية العدالة ، فلا يصدق عليه التهمة ، قد يقال المنع يكون من جهة دخوله في الخصم ، قلنا إن الخصم بمعنى المنازع وليس بمعنى العدو - تخاصم القوم يعني تنازعوا وتجادلوا - وقد يكون بين الخصماء عداوة وقد لا يكون ، والنسبة بينهما أعم من وجه ، وقد تكون عداوة موجودةولا نزاع ، وقد يكون النزاع والمخاصمة كلاهما موجودين ، وقد يكون النزاع موجود بدون عداوة ، وقد يدخل المورد في شرطية العدالة كما في المسالك بقوله : والعداوة التي تردّ بها الشهادة هي التي تبلغ حداً يتمنى هذا زوال نعمة ذاك ويفرح بمصيباته ويحزن بمسراته ، وذلك قد يكون من الجانبين ، وقد يكون من أحدهما فيختص بردّ شهادته على الآخر ، فإن أفضت العداوة إلى ارتكاب ما يوجب الفسق فهو مردود الشهادة على الإطلاق ، وإن عاداه من يريد أن يشهد عليه وبالغ في خصومته فلم يجب وسكت ثم شهد عليه قبلت شهادته ، وإلا اتخذ الخصماء ذلك ذريعة الى إسقاط الشهادة(2)،

فهذا لا يكون شرطاً آخروراء شرط العدالة .

وفيه : إن العداوة بما أنّها من الأمور القلبية ، فلا يتوجه إليها النهي نعم اظهار العداوة موجبة للفسق كالغمز بمعنى الطعن فيه ، وما ينسب إليه ما ليس فيه واظهاره ما يوجب منقصة فيه وهو محرم فيكون هو الفسق .

ص: 225


1- المسالك /14/191.
2- المسالك /14/191.

المسألة 88 : لا تمنع القرابة من جهة النسب عن قبول الشهادة فتسمع شهادة الأب لولده وعلى ولده ، والولد لوالده ، والأخ لأخيه وعليه(1).

----------------------------------------

أمّا العداوة والبغض القلبي فلا يكون موجباً للفسق ، ومن هنا ظهر ما ذكره السيد في الرياض : العدو كما فسره الأصحاب هنا ودل عليه العرفواللغة أيضاً ، هو الذي يسر ويفرح بالمساءة والمكروهات الواردة على صاحبه ويساء ويغتم بالمسرة والنعم الحاصلة له وزاد جملة ، ومنهم هو في الكتاب المتقدم أن يبلغ حدّاً يتمنى زوال نعمه ، وهو حينئذٍ عين المبغض والحاسد كما يستفاد من تعريفه لهما في الكتاب المزبور حيث قال بعد قول الماتن : والحسد معصية وكذا بغض المؤمن والتظاهر بذلك قادح في العدالة ما لفظه : والمراد بالحسد كراهة النعمة عن المحسود وتمني زوالها عنه سواء وصلت إلى الحاسد أم لا ؟ وبغضه كراهته واستثقاله لا بسبب ديني(1)، وقد أوردنا المتن والشرح هنا ليتضح المطلب أكثر .

والحق أنّه لا دليل على ما تعنيه العداوةالدنيوية إذا لم توجب فسقاً بعد ما كان الشاهد عادلاً وتكون شهادته طبق القاعدة .

(1) قال المحقق : النسب وإن قرب لا يمنع من قبول الشهادة كالأب لولده وعليه ، والولد لوالده والأخ لأخيه وعليه(2)، وقال في الجواهر : بلا خلاف أجده في شيء من ذلك نصاً وفتوى ، بل الاجماع بقسميه عليه مضافاً إلى عموم الأدلة وإطلاقها المقتضيين عدم الفرق بين الضميمة وعدمها خلافاً للمحكي عن الشيخ في النهاية فاعتبرها ، ولا دليل عليه(3).

والمشهور كما في المسالك : ليس من أسباب التهمة عندنا البعضية فتقبل

ص: 226


1- الرياض / 15 /287.
2- الشرائع /4/130
3- الجواهر /41/74.

..........................

شهادة جميع الأقرباء لأقربائهم حتى الابن والأب للأصل(1)،

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : تجوز شهادة الولد لوالده والوالد لولده والأخ لأخيه»(2)، وعن الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : سألته عن شهادة الولد لوالده والوالد لولده والأخ لأخيه ، فقال : تجوز»(3).

ولا تشترط الضميمة في شهادة كل من الولد والوالد والأخ والزوجين للأخر خلافاً للشيخ في النهاية(4)، للأصل وعموم الاخبار(5)

، وغيرها منالروايات .

ولا يخفى إن موارد الروايات إنما هي الشهادة لهم ، وأمّا الشهادة عليهم فتجوز للإطلاقات والاتفاق وللأولوية القطعية ، وأمّا ما ورد في حسنة السكوني عن جعفر عن أبيه (علیه السلام) «إن شهادة الأخ لأخيه تجوز إذا كان مرضيّا ومعه شاهد آخر»(6)،

واستدل الشيخ في النهاية على قبول شهادة القريب للقريب باعتبار انضمام شاهد أجنبي إليه(7)،

وردّ هذا القول الاستاذ الاعظم (قدس سره) بقوله : لكن من الظاهر أن الرواية في مقام بيان أنّه لا اعتبار بشهادة الواحد ، بل لابد من أن ينظم إليه شاهد آخر ، وليس فيها دلالة ولاإشعار بأن الشاهد الآخر لابد أن يكون أجنبياً ، فلا موجب لتقييد المطلقات(8) فتأمل ، والحق أن الرواية شاذة مطروحة ولم يعمل بها أحد غير الشيخ .

ص: 227


1- المسالك /14/194.
2- الوسائل باب 26 من أبواب الشهادات ح1.
3- الكافي /7/ 393 ح1 .
4- النهاية / 330.
5- المسالك /14/194.
6- الوسائل باب 26 من أبواب الشهادات ح5.
7- النهاية 330
8- المباني /1/117.

وأمّا قبول شهادة الولد على الوالد ، ففيه خلاف ، والأظهر القبول(1).

----------------------------------------

(1) أمّا شهادة الولد على الوالد سواء كان مالاً أو حقاً ففيه خلاف ونسب إلى المشهور عدم القبول ، وقد ادعي الاجماع عليه ، واستدل بقول الصادق(قدس سره) «لا تقبل شهادة الولد على والده»(1)،

وقالوا ولو أنّها ضعيفة من جهة السند ،ولكنها منجبرة بعمل الأصحاب، وفيه كما ذكرنا في محله أن الانجبار لا يكون كاسراً ولا جابراً.

وبالآية الشريفة بقوله تعالى : «وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً»(2)، وشهادة الولد على الوالد تكون تكذيباً وهذا لا يُعد معروفاً ، بل يكون عقوقاً له والعقوق موجباً للفسق ، إذاً لا تقبل شهادته ، ورده في المسالك بقوله : ولا يخفى عليك ضعف هذه الحجة فإن قول الحق ، ورده عن الباطل وتخليص ذمته من الحق عين المعروف ، كما ينبه عليه قوله (صلی الله علیه و آله وسلم) «انصر أخاك ظالماً و مظلوماً ، فقيل : يا رسول الله كيف انصر ظالماً ؟ قال (صلی الله علیه و آله وسلم) :ترده عن ظلمه فذلك نصرك اياه»(3)، ولأن إطلاق النهي عن العصيان يستلزم وجوب طاعته عند أمره له بارتكاب الفواحش وترك الواجبات ، وهو معلوم البطلان(4) ومضافاً إلى أنّه لابد أن لا تقبل الشهادة على الوالدة أيضاً ، وهذا القول من أن الشهادة عليه تكون تكذيباً للأب فعلى اطلاقه لا يتم ، فلأنه قد يكون الوالد مشتبهاً ، ثم إذا قلنا بأن كتمان الشهادة حرام على الإطلاق فالولد حينما شهد على أبيه عمل بالواجب ، ولا طاعة للمخلوق في معصية الخالق وعن السيد وجماعة قبول شهادته عليه كما عن الدروس : وعاشرها انتفاء توهم العقوق ، فلو شهد الولد على والدهردت عند

ص: 228


1- الوسائل باب 26 من أبواب الشهادات ح6.
2- سورة لقمان الآية / 15 .
3- صحيح البخاري 9/28 - 29 ، مسند أحمد 3/99.
4- المسالك /14/195.

..........................

الأكثر(1)، ونقل الشيخ فيه الاجماع(2)«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً»(3).

واستدل أيضاً بخبر داود بن الحصين قال : «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول اقيمواالشهادة على الوالدين والولد ولا تقيموها على الأخ في الدين الضير ، قلت وما الضير ؟ قال : إذا تعدى فيه صاحب الحق الذي يدعيه قبله خلاف ما أمر الله به ورسوله»(4) ، وعن علي بن سويد عن أبي الحسن (علیه السلام) في حديث ، قال «كتب إليّ في رسالته إلي : وسألت عن الشهادات لهم ، فأقم الشهادة لله ولو على نفسك أو الوالدين والأقربين فيما بينك وبينهم فإن خفت على أخيك ضيماً فلا»(5) .

أما الآية فهو قوله تعالى : « كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ» قد يقال لو لم نقل بوجوب القبولفلزم العبث بشهادته المأمور بها ، قلنا أنّه لا تنحصر فائدة الإقامة بالقبول ، وقد تكون الفائدة لإقامة المشهود عليه عن غفلته وتنبيهه عن نسيانه ، وأيضاً لا ملازمة بين وجوب الإقامة من الولد على الوالد ، وحكم الحاكم بما شهد ، فلو فرض في نظره بشهادته هذه هو فاسق يجب عليه أن يقيمها ، ويجب على الحاكم أن لا يعمل بها ، فظهر مما ذكر قبول شهادة الولد بالنسبة إلى الوالد له أو عليه .

ص: 229


1- الدروس /2 / 154 .
2- الخلاف / 6 / 298 .
3- سورة النساء الآية / 135 .
4- الوسائل باب 19 من أبواب الشهادات ح3.
5- الوسائل باب 3 من أبواب الشهادات ح1.

المسألة 89 : تقبل شهادة الزوج لزوجته وعليها ، وأمّا شهادة الزوجة لزوجها أو عليه فتقبل إذا كان معها غيرها(1).

----------------------------------------

(1) هل هذه الشهادة تكون على طبق القاعدة ؟ قد يقال بأنّها تكون على طبق القاعدة بانضمام شاهد واحد إلى الزوجة ، إنما هو من جهة لا تقبل شهادة المرأة الواحدة ، وأمّا الرجل يكتفي بها مع ضم اليمين ، إلا أنّه لا إطلاق للقبول ، لكفاية الرجل الواحد في جميع الموارد ، والعمدة الدليل وادعيّ الإجماع كما في الجواهر(1)، وحال هذه الإجماعات بأنّها محتملة بل مظنونة المدرك ، فالعمدة حينئذٍ هي الروايات .

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبدالله (علیه السلام) «قال : تجوز شهادة الرجل لامرأته ، والمرأة لزوجها إذا كان معها غيرها»(2)،

وروايةعمار بن مروان ، قال «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) أو قال سأله بعض أصحابنا ، عن الرجل يشهد لامرأته قال (علیه السلام) : إذا كان خيراً جازت شهادته لامرأته»(3).

ومنها : موثق سماعة في حديث قال : «سألته عن شهادة الرجل لامرأته قال (علیه السلام) : نعم والمرأة لزوجها ، قال (علیه السلام) لا إلا أن يكون معها غيرها»(4) فظهر منها أنّ الضميمية كانت في شهادة الزوجة دون الزوج ، وما نسب إلى الشيخ في النهاية ، والقاضي ، وابن حمزة أنّه يعتبر في قبول شهادة الزوج والزوجة أن ينظم إلى شهادة كل منهما شهادة غيرهما من أهل الشهادة ،لا دليل له بعد ما كان الانضمام مختصاً بشهادة الزوجة ، وإسراء الحكم إلى شهادة الزوج قياس مع الفارق ، هذا بالنسبة

ص: 230


1- الجواهر /41/78.
2- الوسائل باب 25 من أبواب الشهادات ح1 .
3- الوسائل باب 25 من أبواب الشهادات ح2 .
4- الوسائل باب 25 من أبواب الشهادات ح3 .

وكذا تقبل شهادة الصديق لصديقه، وإن تأكدت بينهما الصداقة والصحبة(1).

المسألة 90: لا تسمع شهادة السائل بالكف، المتخذ ذلك حرفة له(2).

----------------------------------------

إلى شهادة كل منهما للآخر ، أمّا شهادتهما أي شهادة كل منهم على الآخر ، فجوازه يكون بالأولوية .

(1) يقول المحقق : وتقبل شهادة الصديقلصديقه ، وإن تأكدت بينهما الصحبة والملاطفة ، لأنّ العدالة تمنع التسامح(1)، وادعى في الجواهر الاجماع بقسميه(2)، خلافاً لما في المسالك ، فإنّه قال : إذا كان بينهما ملاطفة وهدية لا تقبل شهادته له ، وعموم الأدلة يمنعه ، والتهمة تندفع بالعدالة(3).

(2) هل المراد بهذا مطلق السائل بالكف ، أو المراد منه هو الذي اتخذ ذلك حرفة ، والمراد به من جعل السؤال ديدناً له ، ويسأل الخلق في أبواب الدور ، وفي الاسواق ، والدكاكين والحجرات ، لأنّه المتبادر وبحسب الفهم العرفي لا يصدق على من يسأل في بعض الأحيان لحاجةماسة .

أمّا أصل عدم القبول وعدم السماع ، فهو المشهور ، يقول في الجواهر : بلا خلاف أجده فيه ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه(4)، ويشهد على ذلك النصوص كصحيح علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (علیه السلام) قال «سألته عن السائل الذي يسأل بكفه هل تقبل شهادته ؟ فقال (علیه السلام) : كان أبي (علیه السلام) لا يقبل شهادته إذا سأل في كفه»(5)،

ص: 231


1- الشرائع /4 /130.
2- الجواهر/41/ 79 .
3- المسالك /14 / 199 .
4- الجواهر / 41 / 81 .
5- الوسائل باب 35 من أبواب الشهادات ح1.

المسألة 91 : إذا تحمّل الكافر والفاسق والصغير الشهادة وأقاموها بعد زوال المانعقبلت(1).

----------------------------------------

وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : ردّ رسول الله شهادة السائل الذي يسأل في كفه ، وقال : أبو جعفر (علیه السلام) لأنّه لا يؤمن على الشهادة ، وذلك لأنّه إن اعطي رضى وإن منع سخط»(1).

(1) كل ذلك لوجود المقتضى وعدم وجود المانع يقول في الجواهر : بلا خلاف أجده بل الإجماع بقسميه(2)،

مضافاً إلى ورود النصوص في بعض هذه الموارد .

منها : ما رواه محمد بن مسلم قال «سألت أباجعفر (علیه السلام) عن الذمي والعبد يشهدان على شهادة ثم يسلم الذمي ويعتق العبد ، أتجوز شهادتهما على ما كانا اشهدا عليه ؟ قال : نعم إذا علم منهما بعد ذلك خير جازت شهادتهما»(3)،

وصحيحة أخرى لمحمد بن مسلم عن أحدهما (علیهما السلام) قال : «سألته عن الصبي والعبد والنصراني يشهدون شهادة فيسلم النصراني أتجوز شهادته ، قال : نعم»(4).

ومنها : معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال «قال : أمير المؤمنين (علیه السلام) اليهودي والنصراني إذا أُشهدوا ، ثم اسلموا جازت شهادتهم»(5).ومنها : صحيح صفوان بن يحيى أنّه «سئل أبو الحسن (علیه السلام) عن رجل أشهد أجيره على شهادة ، ثم فارقه أتجوز شهادته بعد أن يفارقه ؟ قال : نعم قلت : فيهودي أُشهد على شهادة ثم اسلم ، أتجوز شهادته ؟ قال : نعم»(6).

ص: 232


1- الوسائل باب 35 من أبواب الشهادات ح2.
2- الجواهر /41 /86.
3- الوسائل باب 39 من أبواب الشهادات ح1 .
4- الوسائل باب 39 من أبواب الشهادات ح4 .
5- الوسائل باب 39 من أبواب الشهادات ح5.
6- الوسائل باب 39 من أبواب الشهادات ح2.

وأمّا إذا أقاموها قبل زوال المانع ردّت ، ولكن إذا أعادوها بعد زواله قبلت(1).

----------------------------------------

نعم هناك رواية أخرى تدل على عدم القبول كصحيحة جميل ، قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن نصراني أشهد على شهادة ثم اسلمبعد أتجوز شهادته ؟ قال : لا»(1)، وهذه الرواية مع صحة سندها لا يمكن أن تتعارض مع تلك الروايات ، لأنّه لم يرد في الرواية شهد بعد إسلامه ، نعم الشهادة السابقة منه غير مقبولة ، مع أنّه لا يمكن من تعارض تلك لمخالفتها الكتاب والسنة ، وللاتفاق وهكذا تقبل شهادة الفاسق والصغير بعد عود العدالة وبلوغ الصبي ، والعبرة بوقت الأداء ، قد يقال بعدم قبول شهادته ، لأنّه متهم بعد كونه مستتراً بفسقه ، وردّ الحاكم شهادته بجرح ، فبعد إن تاب يقع مورداً للتهمة ، إذ هذه التوبة لعلها من جهة حرصه على قبول شهادته ، إذ يقع حينئذٍ في مقام الاتهام ، وكما مرّ في شرح معنى التهمة ، فإنّها لا تشمل المورد لأنّها ليستبهذه السعة فالحق قبول شهادته لشمول الاطلاقات والعمومات لها .

(1) لأنّ هذه الشهادة تكون شهادة جديدة ، وهي في حال قبول شهادة الشاهد ، فرد تلك الشهادة لا يستلزم ردّ الشهادة الثانية بعد إن كانت مستجمعة لشرائط القبول .

ص: 233


1- الوسائل باب 39 من ابواب الشهادات ح7 .

المسألة 92 : تقبل شهادة الضيف وإن كان له ميل إلى المشهود له(1) وكذلك الأجير بعد مفارقته لصاحبه ، وأمّا شهادته لصاحبه قبل مفارقته ففي جوازها إشكال ، والأظهر عدم القبول(2).

----------------------------------------

(1) أمّا شهادة الضيف فقبولها يكون طبقاً للقاعدة وتشملها العمومات والإطلاقات ، مضافاً إلى ما ورد من الروايات كمعتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفاً صائناً»(1).

(2) وأمّا الأجير فهل تقبل شهادته مطلقاً ، أو تقبل إذا فارقه صاحبه ؟ الظاهر التفصيل ، وهوعدم جواز شهادته إلا بعد المفارقة ، كما ورد في صحيحة صفوان عن أبي الحسن (علیه السلام) قال : «سألته عن رجل أشهد أجيره على شهادة ثم فارقه، أتجوز شهادته له بعد إن يفارقه ؟ قال (علیه السلام) : نعم وكذلك العبد إذا اعتق جازت شهادته»(2)،

يظهر من هذه الرواية وتشبيهه الأجير بالعبد أنّه كما أن العبد لا تجوز شهادته إلا بعد العتق ، كذلك الأجير لا تقبل شهادته إلا بعد المفارقة ، وما ورد من الروايات من عدم القبول على الإطلاق كموثق سماعة «سألته عمّا يرد من الشهود ، قال (علیه السلام) : المريب والخصم والشريك ودافع مغرم والأجير والعبد والتابعوالمتهم ، كل هؤلاء ترد شهاداتهم»(3)،

تحمل على المفارقة بقرينة صحيحة صفوان ، ويؤيد ذلك موثق أبي بصير بناءً على أن الكراهة بمعناها اللغوي أي الحرمة ، فما نسب إلى المشهور بالجواز للعمومات لا معنى له بعد صراحة الروايات ، وهكذا موثق أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : ويكره شهادة الأجير لصاحبه ولا

ص: 234


1- الوسائل باب 29 من أبواب الشهادات ح3 .
2- الوسائل باب 29 من أبواب الشهادات ح1 .
3- الوسائل باب 32 من أبواب الشهادات ح3 .

المسألة 93 : تقبل شهادة المملوك لمولاه ولغيره وعلى غيره(1).

----------------------------------------

بأس بشهادته لغيره ، ولا بأس له بعد مفارقته»(1)،

وعليه تقبل شهادته لا على نحو الإطلاق إنما تقبل بعد المفارقة .

(1) قد يقال بأنّنا لا نتعرض لهذه المسألة لخروجها عن محل الابتلاء خصوصاً في زماننا هذا ، إلا أنّه أمكن التعرض لها لما فيها من ثمرة علمية لهذا بحثها أكثر الأعلام منهم الاستاذ الاعظم (قدس سره) مفصلاً وإليك اقوالهم فيها :

الأول : قد يقال بعدم قبول شهادة العبد لمولاه مطلقاً ، وهو مختار أبي عقيل وأكثر العامة(2).

الثاني : قال المحقق : قيل لا تقبل شهادةالمملوك أصلاً(3)، وقد تبعه في ذلك صاحب المسالك واستدل بروايات .

منها : صحيحة الحلبي عن الصادق (علیه السلام) قال : «سألته عن شهادة ولد الزنا ، فقال : لا ، ولا العبد»(4)،

ومعتبرة سماعة قال : «سألته عمّا يردّ من الشهود ، قال : المريب والخصم والشريك ودافع مغرم والأجير والعبد»(5).

ومنها : صحيحة أبي بصير قال : «سألته عن شهادة المكاتب كيف تقول فيها، قال : فقال : تجوز على قدر ما اعتق منه إن لم يكن اشترط عليه أنك إن عجزت رددناك ، فإن كان اشترط عليه ذلك لم تجزِ شهادته حتى يؤدي أو يستيقنأنّه عجز»(6).

ص: 235


1- الوسائل باب 29 من أبواب الشهادات ح3.
2- كما ذكره المباني /1 / 124 .
3- الشرائع /4/131 ، المسالك / 14 / 206 .
4- الوسائل باب 31 من أبواب الشهادات ح6 .
5- الوسائل باب 32 من أبواب الشهادات ح3 .
6- الوسائل باب 23 من أبواب الشهادات ح14 .

وأمّا شهادته على مولاه ففي قبولها إشكال ، والأظهر القبول(1).

----------------------------------------

(1) ولا إشكال أنّ هذه الروايات تدل بإطلاقها على عدم قبول شهادة العبد لمولاه أو لغيره أو عليهم أصلاً ، يقول صاحب الجواهر : على أن الشهادة من المناصب الجليلة التي لا تليق بحال العبد كالقضاء لاستغراق وقته بحقوق المولى على وجه يقصر عن أدائها وعن تحملها كما أومأ إليه رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) في المروي عنه في التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (علیه السلام) الذي هو أحدأدلة المسألة أيضاً قال «كنا عند رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) وهو يذاكرنا بقوله تعالى : «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ» قال : احراركم دون عبيدكم فإنّ الله تعالى شغل العبيد بخدمة مواليهم عن تحمل الشهادة وادائها»(1) .

وقد عرفت إذا كان عبد عادلاً فلا مانع من قبول شهادته ، وأن هذه الأمور لا تكون دليلاً على عدم القبول بعد ما كان الحديث ضعيفاً من جهة السند .

ومقابل هذه روايات فهناك أيضاً روايات تدل على الجواز مطلقاً ، منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : قال : أمير المؤمنين (علیه السلام) لا بأس فيشهادة المملوك إذا كان عدلا»(2)،

وصحيحته الأخرى قال : دخل الحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل على أبي جعفر (علیه السلام) فسألاه عن شاهد ويمين «فقال : قضى به رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) إلى أن قال : إن علياً (علیه السلام) كان قاعداً في مسجد الكوفة فمر به عبد الله بن قفل التميمي ومعه درع طلحة ، فقال له علي (علیه السلام) : هذه درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة ، فقال له عبد الله بن قفل : اجعل بيني وبينك قاضيك الذي رضيته للمسلمين فجعل بينه وبينه شريحاً ، فقال علي (علیه السلام) هذه درع طلحة اخذت غلولاً يوم البصرة ، فقال له شريح : هات على ما تقول بينة

ص: 236


1- الجواهر/41 /89 .
2- الوسائل باب 23 من أبواب الشهادات ح1.

..........................

إلى أن قال فدعا قنبراً فشهد أنّه درع طلحة اخذت غلولاً يوم البصرة ، فقال شريح : هذا مملوك ولا اقضي بشهادة المملوك ، قال : فغضب علي (علیه السلام) وقال خذها فإن هذا قضى بجور في ثلاث مرات إلى أن قال : ثم اتيتك بقنبر فشهد أنه درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة ، فقلت : هذا مملوك وما بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلاً»(1) وغيرها من الروايات .

وهناك قول اخر قد ذكره صاحب الجواهر : قيل والقائل ابن الجنيد تقبل على مثله وعلىالكافر دون الحر المسلم للجمع بين النصوص أيضاً(2)

وكذلك صاحب المستند بقوله الثالث : وهو عدم القبول على الحر المسلم والقبول على غيره وهو مذهب الإسكافي المحكي عنه في المختلف والإيضاح والمسالك ، وغيرها في جانبي الرد والقبول .

الرابع : القبول في الشهادة مطلقاً إلا على مولاه خاصة ، فلا تقبل وتقبل له أيضاً ، ذهب إليه الشيخان ، والسيدان ، والديليمي ، والقاضي وابن حمزة ، والحلي والفاضلان ، والفخر ، والصيمري وغيرهم .

الخامس : عدم القبول للمولى والقبول عليه وعلى غيره وله .السادس : القبول في غير المولى وعدمه فيه ، لا له ولا عليه .

السابع : القبول على المولى وعدم القبول له ولا لغيره أو عليه(3).

ولا يخفى أن هذه الأدلة إن تمت يمكن أن تكون صورة جمع بين ما دل على القبول وعدم القبول ، والحق هو القبول وذلك للإطلاقات وللقاعدة في هذا ، وأمّا ما قيل بالنسبة إلى شهادة العبد على مولاه بأن هذا شاهد جمع بين ما دل على

ص: 237


1- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح6.
2- الجواهر /41 /91.
3- المستند / 18 / 311 .

المسألة 94 : لا يبعد قبول شهادة المتبرع بها إذا كانت واجدة للشرائط ، بلا فرق في ذلك بينحقوق الله تعالى وحقوق الناس(1).

----------------------------------------

قبول شهادة العبد مطلقاً وعلى ما لا يجوز ، بحمل الطائفة الأولى على غير شهادته على المولى ، فلم يثبت شيء من هذه التفصيلات ، فيبقى التعارض باقٍ على حاله ، لأنّه لو فرض عدم ترجيح الأدلة التي تدل على القبول مطلقا والتي تقول بعدم القبول مطلقاً فيتساقطان ، ويرجع إلى اطلاق الأدلة بالجواز ، قال الاستاذ الاعظم (قدس سره) : إن ما دل على عدم قبول شهادة العبد محمول على التقية(1)،

والحمل يحتاج إلى دليل ولم يذكره (قدس سره).

(1) أمّا بالنسبة إلى حقوق الله فلا يمنع التبرعبالشهادة ، وأنّ المراد من المتبرع هو أن يشهد قبل طلب الحاكم سواء كان قبل دعوى المدعي أو بعدها وقبولها هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة أيضاً ، بل لم يعرف الخلاف في ذلك إلا ما حكي عن الشيخ في النهاية التي هي متون الأخبار ، بقوله : لا يجوز للشاهد أن يشهد قبل أن يسئل عن الشهادة ، كما لا يجوز كتمانها وقد دعي إلى إقامتها إلا أن تكون شهادة تبطل حقاً قد علمه فيما بينه وبين الله أو تؤدي إلى ضرر على المشهود عليه لا يستحقه ، فإنه لا يجوز له حينئذٍ اقامة الشهادة وإن دُعي إليها(2)، وذكر في القواعد : الحرص على الشهادة بالمبادرة قبل الاستدعاء ، فلو تبرع بإقامة الشهادة عند الحاكم قبل السؤاللم تقبل للتهمة ، وإن كان بعد الدعوى ولا يصير به مجروحاً(3).

أمّا بالنسبة إلى حقوق الناس فيمنع القبول كما في الجواهر بلا خلاف

ص: 238


1- المباني / 1 ، المستند /2 / 664 الطبعة القديمة / النهاية / 330 .
2- الشرائع /4 /131 .
3- القواعد / 3/497.

المسألة 95 : لا تقبل شهادة ولد الزنا مطلقاً ، إلا في الشيء اليسير على إشكال(1).

----------------------------------------

أجده(1)، وقد استدلوا بالتهمة - أي أنّ شهادته قبل طلب الحاكم معرضة للتهمة - على ما استدل الشيخ على مبناه في النهاية بعدة روايات ، منها :النبوي قوله (صلی الله علیه و آله وسلم) «ثم يجيء قوم يعطون الشهادة قبل أن يسالوها»(2)، وبنبوي آخر «ثم يفشوا الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد»(3) .

والحق إن تم الاتفاق فبه ، أمّا الإجماع فهو منقول وليس بحجة ، مضافاً إلى أنّه محتمل المدركية ، وأمّا ما قيل بالاتهام فهو على اطلاقه غير تام ، فلا تقبل شهادته إذا ثبتت عدالته ، فإن وجود العدالة مانع من تطرق التهمة والنبويان لا يمكن الاستناد إليهما ، لأنّهما ضعيفان من جهة السند ، مضافاً إلى معارضتهما بنبويًّ آخر أنّه «قال (صلی الله علیه و آله وسلم) : إلا أخبركمبخير شهود ، قالوا بلى يا رسول الله ، قال : أن يشهد الرجل قبل أن يستشهد»(4)، وما قيل بأن النبويين منجبران بعمل الأصحاب، فهو مخدوش صغرى وكبرى ، إذاً لو ثبت اتفاق على عدم القبول فهو ، وإلا فالأقوى قبوله للإطلاقات بعد ما كان عدلاً .

(1) كما في الجواهر : على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً ، بل هي كذلك في محكي الانتصار والخلاف والغنية والسرائر(5)

والظاهر أن عدم قبولها ليس بكونه كافراً ، بل لأجل الدليل والنصوص الواردة .

ص: 239


1- الجواهر /41/104.
2- مسند أحمد / 4 / 446 .
3- سنن ابن ماجة /2/791.
4- صحيح مسلم /3 /1344 .
5- الجواهر/41 /117 .

منها : معتبرة أبي بصير قال : «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن ولد الزنا أتجوز شهادته ؟ فقال : لا ، فقلت : إن الحكم بن عتيبة يزعم أنّها تجوز ، فقال اللهم لا تغفر ذنبه ما قال الله للحكم ، وأنّه لذكر لك ولقومك»(1) .

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم قال «قال : أبو عبد الله لا تجوز شهادة ولد الزنا»(2).

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن شهادة ولد الزنا ، فقال : لا ، ولا عبد»(3).

ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه قال «سألته عن ولد الزنا هل تجوز شهادته ؟ قال : نعمتجوز ولا يؤم»(4)،

وما ورد في هذه الصحيحة فهو محمول على التقية ، كما قال صاحب الوسائل بعدما ذكر هذه الرواية أنّها محمولة على التقية .

ومنها : صحيحة عبيد بن زرارة عن أبيه قال سمعت أبا جعفر (علیه السلام) «يقول : لو أن أربعة شهدوا عندي بالزنا على رجل وفيهم ولد زنا لحددتهم جميعاً ، لأنّه لا تجوز شهادته ، ولا يؤم الناس»(5)،

وقد ذكر الاستاذ الاعظم (قدس سره) أنّه نسب إلى الشيخ في النهاية وابن حمزة قبول شهادته في الشيء اليسير ، مستند ذلك(6) إلى رواية ابان عن عيسى بن عبد الله قال «سألت أبا عبد الله عن شهادة ولد الزنا ، فقال (علیهالسلام) : لا تجوز إلا في الشيء اليسير إذا رأيت منه صلاحاً»(7)،

وهذه الرواية

ص: 240


1- الوسائل باب 31 من أبواب الشهادات ح1 .
2- الوسائل باب 31 من أبواب الشهادات ح3 .
3- الوسائل باب 31 من أبواب الشهادات ح6 .
4- الوسائل باب 31 من أبواب الشهادات ح7 .
5- الوسائل باب 31 من أبواب الشهادات ح4 .
6- المباني / 1/ 135
7- التهذيب /6 /244.

وتقبل شهادة من لم يثبت كونه ولد زنا وإن ناله بعض الالسن(1).

----------------------------------------

لا تعارض تلك ، لإعراض الأصحاب عنها ، حتى أن الشيخ الذي هو الأصل في العمل بها رجع عنها في الخلاف والمشهور لم يفرقوا في عدم القبول بين الشيء الكثير واليسير ، وفي محكي المختلف والجواب : القول بالموجب شهادته في الشيء اليسير يعطي المنع عن قبول الكثير منحيث المفهوم ، ولا يسير إلا وهو كثير بالنسبة إلى ما دونه فإذاً لا تقبل شهادته إلا في أقلّ الأشياء الذي ليس بكثير بالنسبة إلى ما دونه إذ لا دون له ، ومثله لا يتملك(1)، وتبعه على ذلك الاستاذ الاعظم (قدس سره) بقوله : إنما الإشكال من جهة أن الشيء اليسير والكثير ليس لهما واقع محفوظ ، كما تقدم بل هما أمران إضافيان ، فالشيء الواحد يسير بالإضافة إلى شيء ، وكثير بالإضافة إلى آخر أو أنّه يسير بالإضافة إلى شخص ، وكثير بالإضافة إلى آخر ، وأنّه يسير في مكان أو زمان ، وكثير في مكان أو زمان آخر وعلى ذلك فلا يبقى للتفصيل في قبول شهادته في الشيء اليسير وعدمقبولها في الشيء الكثير الفائدة(2)، وما ذكره محل تأمل لأنّ اليسير والكثير معنيان عرفيان ، ففي كل ما يراه العرف كثيراً لا يقبل ، وفي كل ما يراه يسيراً يقبل .

(1) أمّا قبول شهادة من لم يثبت عليه أنّه ولد زنا فيكون طبقاً للقاعدة لأنّه بعد إن ثبتت عدالته فتشمله العمومات والاطلاقات ، لأنّ الذي يكون غير مقبول هو ولد الزنا ، وإذا شككنا في ذلك فنرفعه بالأصل .

ص: 241


1- المختلف /8 /490 .
2- المباني /1 /136 .

المسألة 96 : لا تجوز الشهادة إلا بالمشاهدة أو السماع أو ما شاكل ذلك ، وتتحقق المشاهدةفي مورد الغصب والسرقة والقتل والرضاع وما شاكل ذلك ، وتقبل في تلك الموارد شهادة الأصم ، ويتحقق السماع في موارد النسب والإقرار ، والشهادة على الشهادة ، والمعاملات من العقود والإيقاعات وما شاكل ذلك(1).

----------------------------------------

(1) لا يخفى أن الشهادة على قسمين :

الأولى : أن تكون بالعلم والقطع لأنّ الشاهد يخبر عن ثبوت المشهود به في الخارج .

الثانية : لا تجوز الشهادة مع عدم العلم والقطع في ثبوت المخبر به لديه ، وقد ورد بذلك آيات وروايات .

أمّا الآيات فقوله تعالى : «وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَلَكَ بِهِ عِلْمٌ»(1) وقوله تعالى : «إِلاَ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ»(2).

وأمّا الروايات كخبر غياث عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : لا تشهدن بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفك»(3)،

ومرسلة جعفر بن الحسن بن سعيد ذكرها المحقق في الشرائع عن النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) «وقد سئل عن الشهادة قال : هل ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أو دع»(4)،

وغيرها من الروايات .

فظهر مما ذكرنا إن الشهادة حيث كانت من الشهود وهو بمعنى الحضور والمشاهدة أي بمعنى المعاينة ، وبعد إن استعملت الشهادة بمعنىالحضور في عدة

ص: 242


1- سورة الاسرى الآية / 36 .
2- سورة الزخرف الآية / 86 .
3- الوسائل باب 20 من أبواب الشهادات ح1
4- الوسائل باب 20 من أبواب الشهادات ح3.

..........................

آيات ، منها قوله تعالى : «عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ»(1)، ومنها قوله : «وَكَفَى بِاللهِ شَهِيداً»(2)، وقوله تعالى : «وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»(3)، وغيرها من الآيات، فبما أن حجية إخبار المخبر لا تثبت إلا بالدليل، وهو لابد أن يكون عن حس دون الرأي والحدس، وهذا العلم الناشئ عن الحس يختلف بحسب الموارد،وهو قد يحصل بالبصر كالمبصرات وبالاستماع في المسموعات وبالذوق كالمذوقات، وبما أن الأمر بالشهادة يكون بالحس المربوط به، وحيث لا يمكن تحصيل الشهادة في كثير من الموارد، فلا تقبل الشهادة إلا بالعلم بالرؤيا أو السماع.

وأمّا في ما يختص العلم بالسماع ، فيكون في مورد النسب والإقرار والشهادة على الشهادة ، والمعاملات من العقود والإيقاعات وأمثالها ، وكذا تقبل الشهادة إذا كان ما يقرب من الحس كالشهادة بالتواتر والاستفاضة ففي الدروس : والضابط في تحمل الشهادة العلم بالسماع أو الرؤية أو بهما معاً فتكفي الاستفاضة في تسعة ، النسب ، والملك المطلق ، والوقف ، والنكاح والموت ، والولاية ، والولاء ، والعتق ، والرق ،والمراد بها اخبار جماعة يتاخم قولهم العلم(4)، ويدل على هذا بعد إن كانت حجية العلم والقطع تكون بنفسها فمن أي طريق حصلت فبها ، فما يقرب من الحس كالتواتر والاستفاضة يكون حجة ، ويؤيد ذلك صحيحة محمد بن الحسن يعني الصفار «أنّه كتب إلى أبي محمد (علیه السلام) في رجل باع ضيعته من رجل آخر وهي قطاع ارضين ولم يعرف الحدود في وقت ما اشهده ، وقال إذا اتوك بالحدود فاشهد بها هل يجوز له ذلك ، أو لا يجوز له أن يشهد ؟ فوقع : نعم يجوز والحمد لله إلى أن

ص: 243


1- سورة التوبة الآية / 94 .
2- سورة النساء الآية / 79 .
3- سورة النور الآية / 2 .
4- الوسائل باب 20 من أبواب الشهادات ح3.

وعلى هذا الضابط لا تقبل الشهادة بالملكالمطلق مستندة إلى اليد نعم تجوز الشهادة على أنّه في يده أو على أنّه ملكه ظاهراً(1).

----------------------------------------

قال : وكتب هل يجوز للشاهد الذي اشهده بجميع هذه القرية أن يشهد بحدود قطاع الأرض التي له فيها إذا تعرف حدود هذه القطاع بقوم من أهل هذه القرية إذا كانوا عدولاً ، قال فوقع (علیه السلام) : نعم يشهدون على شيء مفهوم معروف»(1).

(1) أمّا الكلام في الملك المطلق ، فهل تقبل الشهادة بالملك المطلق باليد أو يمكنه أن يشهد أنّه في يده أو ملك له ظاهراً ؟ أي هل يجوز الشهادة على الملكية الواقعية كما يجوز له أنيشهد بالملكية الظاهرية بعد إن كانت اليد امارة على الملكية .

وهذا مما لا خلاف فيه ، فإذا شهد بأن المال الذي كان في يد شخص ملك له، ولم يكن هناك منازع يقبل منه ، إنما الإشكال فيما إذا كانت الشهادة على الملكية الواقعية ، وهو في مقام الترافع ، فهل تقبل هذه الشهادة أو لا ؟ قد يقال بقبولها وذلك لمعتبرة حفص بن غياث عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال «قال : له رجل إذا رأيت شيئاً في يدي رجل يجوز لي أن اشهد أنّه له ؟ قال : نعم ، قال : الرجل اشهد أنّه في يده ، ولا اشهد أنّه له فلعله لغيره ؟ فقال : أبو عبد الله (علیه السلام) أفيحل الشراء منه ؟ قال : نعم ، فقال : أبو عبد الله (علیه السلام) فلعله لغيره فمن أين جازلك أن تشتريه ويصير ملكاً لك ، ثم تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك ، ثم قال : أبو عبد الله (علیه السلام) لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق»(2).

قالوا بأن ظاهر هذه الرواية جواز الشهادة على الملكية الواقعية حيث أنّه كما يجوز ترتيب الأثر الواقعي على مقتضى اليد في الملكية فكذلك تجوز الشهادة بالملكية الواقعية ، مع أنّه لا يمكن أن يحصل العلم بالملكية الواقعية إلا بالفرد

ص: 244


1- الوسائل باب 48 من أبواب الشهادات ح1 .
2- الوسائل باب 25 من أبواب كيفية الحكم ح2 .

..........................

النادر ، وما هو المبتلى بها عند عامة الناس الملكية الظاهرية .

ولكن إذا قلنا بأن المراد بالشهادة هنا هو جوازها حتى بالنسبة الواقعية أي جوازها على الاطلاق حتى في مقام الترافع ، فمعناه أنّه لم يرد هناك مورد لم يكن لصاحب اليد البينة ، فلو فرض أنّ المدعي أقام البينة فلا أثر لإقامته وفي الحقيقة إثبات الملك بالشهادة في اليد ينافي ما تقدم من أن المدعي إذا اقام بينة ولم تكن لصاحب اليد بينة حكم له ، فلابد من حمل الرواية على الملكية الظاهرية دون الواقعية ، ويؤيد ذلك ما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سره) بقوله : ويؤكد ما ذكرناه من حمل الرواية علىالأخبار لا على الشهادة في مقام الترافع ذيل المعتبرة ، وهو قوله (علیه السلام) «لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق» فإنّه ظاهر الدلالة على أن المراد أن يعامل ذو اليد معاملة المالك عملاً وقولاً(1).

ولكن هذا الكلام لا يصح أن يكون مؤيداً لما قيل إن البينة تكون من المدعي لا على المنكر ، فوجود البينة للمنكر بلا ثمرة ، لأنّه ليس له إقامة البينة ، فما قاله الاستاذ (قدس سره) لا يكون محذوراً ، فظاهر الرواية هو ثبوت الملكية الواقعية ولو بالإطلاق، ومما يسهل الأمر أن الرواية من جهة السند ضعيفة بالقاسم ابن يحيى، والقاسم بن محمد الاصفهاني لم يرد فيهما توثيق ووجود القاسم فياسانيد كامل الزيارات لا يوجب كونه ثقة كما عرفت حال الكتاب ، وأنّه ليس كل من فيه ثقة ، فالرواية من جهة السند ضعيفة بعد ما ثبت أن الشهادة لابد أن تكون عن علم ، فإن الشهادة بالملكية الظاهرية لا إشكال فيها لأنّه عالم بذلك قطعاً ، فلا يكون تخصيصاً للعلم ، إلا أنّ عدم جواز الشهادة الواقعية يكون طبقاً للقاعدة ، لأنّه لا علم له بها، ومقتضى عدم العلم عدم جوازها بعد اشتراط العلم في قبول الشهادة.

ص: 245


1- المباني /1 /140 .

المسألة 97 : لا تجوز الشهادة بمضمون ورقة لا يذكره بمجرد رؤية خطه فيها إذا احتمل التزوير في الخط ، أو احتمل التزوير في الورقة أو أن خطه لم يكن لأجل الشهادة ، بل كان بداعٍ آخر ،وأمّا إذا علم أن خطه كان بداعي الشهادة ولم يحتمل التزوير ، جازت له الشهادة، وإن كان لا يذكر مضمون الورقة فعلاً(1).

----------------------------------------

(1) قال صاحب المستند : لا تجوز الشهادة برؤية الشاهد خطه وخاتمه إذا لم يتذكر الواقعة وإن أمن التزوير ، بلا خلاف إذا لم يكن معه عدل آخر ولا المدعي ثقة ، للإجماع ، والأصل ، وعمومات اشتراط العلم ، وأدلة اعتبار الحس(1)،

وكذلك ما ذكره العلامة الحلي في التحرير : لا يجوز أن يشهد إلا مع الذكر وإن وجد خطه مكتوباً وعلم عدم التزوير عليه وإن كان محفوظاً عنده وسواء أقام غيره من العدول لشهادة أو لميقم ، خلافاً لبعض علمائنا حيث جوز إقامة الشهادة بما يجده بخطه مكتوباً إذا أقام غيره الشهادة(2)، وتدل عليه معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قال : رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) لا تشهد بشهادة لا تذكرها ، فإنّه من شاء كتب كتاباً ونقش خاتماً»(3)،

فيظهر من هذه المعتبرة أنّه لا تجوز الشهادة مع عدم العلم ووجود احتمال التزوير ، ومادام أنّه لا يتذكر لعله كتب لأجل شيء آخر لا للشهادة ، وذلك لمكاتبة جعفر بن عيسى «جعلت فداك جاءني جيران لنا بكتاب زعموا أنّهم أشهدوني على ما فيه ، وفي الكتاب اسمي بخطي قد عرفته ولست أذكر الشهادة ، وقد دعوني إليهافاشهدُ لهم على معرفتي أن اسمي في الكتاب ولست أذكر الشهادة ، أو لا تجب الشهادة عليّ حتى أذكرها كان اسمي في الكتاب ، أو لم يكن ،

ص: 246


1- المستند / 18/ 347.
2- تحرير الاحكام / 5 / 265 .
3- الوسائل باب 8 من أبواب الشهادات ح4 .

المسألة 98 : يثبت النسب بالاستفاضة المفيدة للعلم عادة(1) ويكفي فيها الاشتهار في البلد ، وتجوز الشهادة به مستندة إليها .

----------------------------------------

فكتب لا تشهد»(1)، وأمّا ما ذكر صاحب المستند بأنّه إذا لم يكن معه عدل آخر ولا المدعي ثقة ، للإجماع والأصل ، وعمومات اشتراط العلم ، وأدلة اعتبار الحسن كما مرت(2)، فيفهم منصحيحة عمر بن يزيد قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) الرجل يشهدني على الشهادة ، فأعرف خطي وخاتمي ، ولا أذكر من الباقي قليلاً ولا كثيراً ، قال ، فقال : لي إذا كان صاحبك ثقة ومعه رجل ثقة فاشهد له»(3).

ولكن الحق أنّه بعد إن كان عالماً وله معرفة بخطه ، فهو كافٍ في جواز الشهادة بعد إن كان العلم حجة ، ولو حصل من أي جهة ، فلا يحتاج إلى أن يكون المدعي ثقة ، وكما قال الاستاذ (قدس سره) فإنّه وإن لم يكن ذاكراً لمضمون الورقة فعلاً إلا أنّه عالم بصحته وموافقته للواقع مستنداً إلى حسه السابق فلا مانع من الشهادةعليه(4)، إذاً لو حصل له العلم بخطه فهو كافٍ في جواز الشهادة وإن لم يكن ذاكراً لمضمون الورقة .

(1) قلنا جواز الشهادة إذا كانت مستندة إلى العلم من أيّ سبب حصل فهو كافٍ ، ويؤيد ذلك صحيحة حريز المتضمنة لقصة إسماعيل ، وفيه إلى أن قال فقال : إسماعيل يا ابة إني لم اره يشرب الخمر ، وإنما سمعت الناس يقولون ... «قال (علیه السلام) : يا بني أن الله يقول في كتابه : «يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ»(5) يقول يصدق

ص: 247


1- الوسائل باب 8 من أبواب الشهادات ح2 .
2- المستند / 18 / 347 .
3- الوسائل باب 8 من أبواب الشهادات ح1.
4- المباني /1 /142.
5- سورة التوبة الآية / 61 .

وأمّا غير النسب كالوقف والنكاح والملك وغيرها فهي(1)، وإن كانت تثبت بالاستفاضة إلا أنّه لا تجوز الشهادة استناداً إليها وإنما تجوز الشهادة بالاستفاضة.

----------------------------------------

الله ، ويصدق للمؤمنين ، فإذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم ولا تأتمن شارب الخمر»(1)، فإن الحديث يدل على أنّه لابد من ترتيب اثار الواقع على مجرد الشيوع والاستفاضة ، أي إذا شاع عند الناس أنّه يشرب الخمر فلابد من اتباع قولهم ويحكم ، بأنّه شارب للخمر ، قد يقال أن المأمور به ليس هو ترتب اثار الواقع بأجمعها ، بل خصوص ما ينفع المخبر إليه ولا يضر المخبرعنه ، قلنا أنّه مطلق .

(1) أمّا الثبوت بالاستفاضة فلأنّه يكفي في ثبوت حصول العلم ولو من أي طريق حصل ، فالاستفاضة هنا هي علم عادي ويحصل منها الاطمئنان قال في الرياض : وأعلم أنّه قد اختلف الأصحاب في الاستفاضة التي هي مستند الشهادة هل يشترط ايرائها العلم القطعي أو يكفي الظن مطلقاً أو القوي منه المتاخم للعلم خاصة على أقوال ثلاثة أقواها عند الجماعة الأول : كالماتن في ظاهر الكتاب والشرائع ونحوه من الأصحاب ممن جعل ضابط الشهادة العلم من دون استثناء للاستفاضة المفيدة للمظنة ، وهو صريح الفاضل في جملة من كتبه وولده في الإيضاح والفاضل المقداد في شرح الكتاب وغيرهم .وأمّا أنّه لا تجوز الشهادة في غير النسب وإن كان يثبت بها ، والشهادة لا يمكن الاستناد إليها إلا إذا حصلت من العلم ، أو الاستفاضة التي هي العلم العادي إلى أن يقول والثاني خيرة الشيخ في الخلاف والمبسوط ...الثالث مختار الفاضل في الارشاد والشهيدين في الدروس والمسالك واللمعتين(2).

ص: 248


1- الوسائل باب 6من أبواب الوديعة ح1
2- رياض المسائل / 15 / 368 وما بعدها .

المسألة 99 : يثبت الزنا واللواط والسحق بشهادة أربعة رجال ويثبت الزنا خاصة بشهادة ثلاثة رجال وامرأتين أيضاً ، وكذلك يثبت بشهادة رجلين وأربع نساء ، إلا أنّه لا يثبت بها الرجم ، بل يثبت بها الجلد فحسب ولا يثبت شيء من ذلك بشهادة رجلين عدلين(1).

----------------------------------------

(1) الحقوق على قسمين وهما حق الله و حق الناس ، أمّا الثاني فيثبت بالبينة ، وأمّا الأول كالزنا واللواط والسحق يثبت بشهادة أربعة رجال ، ويدل على ذلك الكتاب والسنة .

أمّا الكتاب فللآية الشريفة : «وَاللاَتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً»(1) ، وأمّا السنة فالروايات كثيرة .

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : حد الرجم أن يشهد أربعة أنّهم رأوه يُدخل ويُخرج»(2).ومنها : صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «قال : أمير المؤمنين (علیه السلام) لا يرجم رجل ولا امرأة حتى يُشهد عليه أربعة شهود على الايلاج والاخراج»(3).

ومنها : عن الحلبي في صحيحة عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن شهادة النساء في الرجم ، فقال : إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان ، وإذا كان رجلان وأربع نسوة لم تجز في الرجم»(4).

ص: 249


1- سورة النساء الآية / 15.
2- الوسائل باب 12 من أبواب حد الزنا ح1.
3- الوسائل باب 12 من أبواب حد الزنا ح2
4- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح3.

..........................

ومنها : صحيحة الحلبي الأخرى عن أبي عبدالله (علیه السلام) «أنّه سئل عن رجل محصن فجر بامرأة ، فشهد عليه ثلاثة رجال وامرأتان ، وجب عليه الرجم وإن شهد عليه رجلان واربع نسوة ، فلا تجوز شهادتهم ولا يرجم ولكن يضرب حد الزاني»(1).

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان قال «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال ، ولا يجوز في الرجم شهادة رجلين واربع نسوة ويجوز في ذلك ثلاثة رجال وامرأتان»(2)،

كما ذكره الاستاذ(3)

الاعظم (قدس سره) عن الصدوقين والعلامة في المختلف إلى عدم ثبوت الحدّ بذلك أيضاً أي برجلينوأربع نسوة .

وقد استدلوا للأصل ، وفيه لا معنى للتمسك بالأصل ، مع وجود الدليل وكذلك بالملازمة ، وأمّا قول المختلف فهو ، فالوجه عندي المنع لأنّه لو ثبت الزنا بشهادتهم لثبت الرجم ، والتالي باطل للأخبار الدالة على عدم سماع رجل وأربع نسوة في الرجم ، وهي كثيرة فالمقدم مثله .

بيان الملازمة دلالة الإجماع على وجوب الرجم على المحصن الزاني فإن ثبت هذا الوصف ثبت الحكم وإلا فلا(4)،

أي لو ثبت الزنا بشهادتهن ثبت الرجم ، والملازمة ممنوعة خصوصاً بعد ما دل الدليل .

وأمّا بالنسبة لثبوت شهادة رجلين عدلين لمامر في صحيحة الحلبي ومحمد بن قيس المتقدمتين .

ص: 250


1- الوسائل باب 30 من أبواب حد الزنا ح1.
2- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح10.
3- المباني /1/145.
4- المختلف / 8 / 472 .

وهذا بخلاف غيرها من الجنايات الموجبة للحد كالسرقة وشرب الخمر ونحوهما ، ولا يثبت شيء من ذلك بشهادة عدل وامرأتين ولا بشاهد ويمين ، ولا بشهادة النساء منفردات(1).

----------------------------------------

(1) أمّا بقية الجنايات الموجبة للحد فتثبت بشاهدين ، لأنّه تشملها عمومات البينة ، مضافاً إلى ما ورد في بعضها نص خاص ، كصحيحة محمد أبن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل شهد عليه رجلان بأنّه سرق فقطع يده حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل اخر فقالا :هذا السارق وليس الذي قطعت يده إنما شبهنا ذلك بهذا ، فقضى عليهما أن غرمّهما نصف الدية»(1)،

وموثقة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیه السلام) «في رجلين شهدا على رجل أنّه سرق فقطعت يده»(2).

نعم تثبت بشاهد وامرأتين ، وشاهد ويمين الديون والأموال والغصب وعقود المعاوضات كالبيع والصرف والسلم والصلح والإجارات والمساقات والرهن والوصية له وغيرها من الموارد كما يأتي تفصيلها في مظانها .

أمّا شهادة النساء منفردات فلا تقبل وإن كثرن ، نعم تقبل شهادة المرأة الواحدة في ربع ميراث المستهل ، وهل أن اللواط والسحق يكونانملحقان بالزنا أو لا ؟ الظاهر ذلك وقد ادعى عليه الاجماع ، وقال استاذنا الاعظم (قدس سره) : أمّا اللواط والسحق ، فقد الحقهما الأصحاب بدون خلاف بالزنا والظاهر إن المسألة متسالم عليها ، فقد ادعي الإجماع في كلماتهم(3)، وقال الشهيد في المسالك : فمن حقوق الله تعالى الزنا وفي معناه اللواط والسحق عندنا(4).

ص: 251


1- الوسائل باب 14 من أبواب الشهادات ح1.
2- الوسائل باب 14 من أبواب الشهادات ح2.
3- المباني /1/ 147.
4- المسالك / 14 / 246.

..........................

ويدل عليه صحيحة مالك بن عطية عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : بينما أمير المؤمنين (علیه السلام) في ملاء من اصحابه إذ اتاه رجل، فقال يا أمير المؤمنين إني أوقبت على غلام فطهرني ، فقال له : يا هذا امض إلى منزلك لعل مراراً هاج بك ، فلما كان من غد عاد إليه ، فقال : يا أمير المؤمنين إني أوقبت على غلام فطهرني ، فقال : اذهب إلى منزلك لعل مراراً هاج بك حتى فعل ذلك ثلاثاً بعد مرته الأولى ، فلما كان في الرابعة ، فقال له : يا هذا إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) حكم في مثلك بثلاثة أحكام ، فاختر أيّهن شئت ، قال : وما هن يا أمير المؤمنين ، قال : ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت ، أو اهداب من جبل مشدود اليدين والرجلين ، أو إحراق بالنار ، قال : يا أمير المؤمنين أيهن أشد علي ، قال : الإحراق بالنار ، قال : فإني اخترتهايا أمير المؤمنين ، فقال : خذ لذلك اهبتك ، فقال : نعم قال : فصلى ركعتين ثم جلس في تشهده ، فقال : اللهم إني قد اتيت من الذنب ما قد علمته وإني تخوفت من ذلك فأتيت إلى وصي رسولك وابن عم نبيك فسألته أن يطهرني فخيرني ثلاثة اصناف من العذاب ، اللهم فإني قد اخترت أشدهن ، اللهم فإني اسألك أن تجعل ذلك كفارة لذنوبي وأن لا تحرقني بنارك في اخرتي ، ثم قام وهو باكٍ حتى دخل الحفيرة التي حفرها له أمير المؤمنين (علیه السلام) وهو يرى النار تتأجج حوله ، قال فبكى أمير المؤمنين (علیه السلام) وبكى أصحابه جميعاً ، فقال له أمير المؤمنين (علیه السلام) : قم يا هذا فقد ابكيت ملائكةالسماء وملائكة الأرض ، فإن الله قد تاب عليك فقم ولا تعاودن شيئاً مما فعلت»(1).

أمّا المساحقة هل هي ملحقة بالزنا أم لا ؟ يقول في الجواهر : نعم غير الزنا من اللواط والسحق باقٍ على مقتضى ما دل على اعتبار الأربعة رجال(2)،

إذاً لا تقبل

ص: 252


1- الوسائل باب 5 من أبواب حد اللواط ح1.
2- الجواهر /41/ 157.

..........................

في حقهما إلا بشهادة امرأتين وثلاثة رجال أو رجلين واربع نساء خلافاً للمحكي عن الوسيلةبقوله : إنما يثبت السحق بالبينة أو الإقرار على حد ثبوت الزاني واللواط بهما ، والحدّ فيه مثل الحدّ في الزنا ويعتبر فيه الاحصان(1)،

وخلافاً لما نسب إلى ابن الجنيد بأن اللواط والسحق مساويان بالزنا .

ويدل على ما ذكرنا أولاً : ما ذكروا من التخفيف والدرء في الحدود صحيحة مالك بن عطية عن أبي عبد الله (علیه السلام) المتقدمة ، وكما في حسنة عمران بن ميثم أو صالح بن ميثم عن أبيه في حديث طويل «إن امرأة أتت أمير المؤمنين (علیه السلام) فأقرت عنده بالزنا أربع مرات ، قال : فرفع رأسه إلى السماء ، فقالت : يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني طهرك الله ، فإنعذاب الدنيا ايسر من عذاب الاخرة الذي لا ينقطع، فقال : لها مما اطهرك ، فقالت إني زنيت ، فقال : لها وذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت أم غير ذلك ؟ قالت : بلى ذات بعل ، فقال : لها افحاضراً كان بعلك إذ فعلت ما فعلت أم غائباً كان عنك ؟ قالت : بل حاضراً ، فقال : لها انطلقي فضعي ما في بطنك ثم آتني اطهرك فلما ولت عنه المرأة فصارت حيث لا تسمع كلامه ، قال اللهم أنّها شهادة إلى أن يقول في اخر الحديث ، أبعد أربع شهادات بالله لتكفلنه وأنت صاغر الحديث وذكر أنّه رجمها»(2)،

فتكون النتيجة إن اللواط لا يثبت إلا بأربع شهادات ، فلا تقبل شهادة ثلاث رجال وامرأتين أو رجلين وأربعنسوة ، فإذا ثبت بأن السحق بمنزلة اللواط كما رواه الحسن الطبرسي في مكارم الاخلاق عن النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) «قال : السحق في النساء بمنزلة اللواط في الرجال ، فمن فعل من ذلك شيئاً فاقتلوهما ثم اقتلوهما»(3)والرواية ضعيفة والعمدة هو الاتفاق

ص: 253


1- الوسيلة / 414 .
2- الوسائل باب 16 من أبواب ثبوت الزنى بالإقرار ح1.
3- الوسائل باب 16 من أبواب حد السحق والقيادة ح3 .

المسألة 100: لا يثبت الطلاق والخلع والحدود والوصية إليه والنسب ورؤية الاهلّة والوكالة وما شاكل ذلك في غير ما يأتي إلا بشاهدين عدلين، ولا يثبت بشهادة النساء لا منضمات ولا منفردات(1).

----------------------------------------

بالنسبة إلى السحق واللواط جميعاً .

(1) أمّا ثبوت هذه الأمور ، فتارة يكون بشهادة الرجال ، وأخرى بشهادة النساء ، أمّا بشهادة الرجال أي بشاهدين عدلين يكون طبقاً للقاعدة ، لأنّه لو لم يرد دليل على التقييد كانت شهادتهما كافية ، وأمّا ثبوتها بغيرهما فيحتاج إلى دليل بعد إن انحصر دليل الإثبات بشاهدين عدلين ، فلا تجزي شهادة النساء منضمات فضلاً عن الانفراد ، وكذا لا يجزي الشاهد الواحد مع اليمين ، ويدل على ذلك جملة من النصوص .

منها : معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیه السلام) «أنّه كان يقول شهادة النساء لا تجوز في طلاق ولا نكاح ولا في حدود إلا فيالديون وما لا يستطيع الرجال النظر إليه»(1) .

ومنها : صحيحة العلاء عن أحدهما (علیهما السلام) «قال : لا تجوز شهادة النساء في الهلال ، وسألته هل تجوز شهادتهن وحدهن ؟ قال : نعم في العذرة والنفساء»(2).

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم قال : «سألته تجوز شهادة النساء وحدهن ، قال : نعم في العذرة والنفساء»(3)،

وصحيحته الأخرى قال «قال : لا تجوز شهادة النساء في الهلال ولا في الطلاق ، وقال سألته عن النساء تجوز شهادتهن ، قال :

ص: 254


1- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح42 .
2- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح18.
3- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح8 .

ولا بشاهد ويمين(1).

المسألة 101 : تثبت الديون والنكاح والدية بشهادة رجل وامرأتين وأمّا الغصب والوصية إليه والأموال والمعاوضات والرهن ، فالمشهور أنّها تثبت بها ، وكذلك الوقف والعتق على قول جماعة ، ولكن الجميع لا يخلو عن إشكال ، والأقرب عدم الثبوت(2) .

----------------------------------------

نعم في العذرة والنفساء»(1)،

ورواية السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : أتي أمير المؤمنين (علیه السلام) بامرأة بكر زعموا أنّها زنت ، فأمر النساء فنظرن إليها فقلن هي عذراء ،فقال : ما كنت لأضرب مَنْ عليها خاتم من الله ، وكان يجيز شهادة النساء في مثل هذا»(2).

ومنها : معتبرة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن المرأة يحضرها الموت وليس عندها إلا امرأة أتجوز شهادتها ؟ فقال : تجوز شهادة النساء في المنفوس والعذرة»(3).

(1) لأن ثبوت الدعوى مختص بالأموال على ما سيأتي .

(2) أمّا الديون فقد ادعي عليه عدم الخلاف ، وتدل على ذلك أولاً الآية الشريفة والرواية ، قال تعالى : «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْيَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ»(4)، وأما الروايات فصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) أجاز شهادة النساء في الدين وليس معهن رجل»(5)،

وفي

ص: 255


1- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح8 .
2- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح13 .
3- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح21.
4- سورة البقرة الآية / 282 .
5- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح20 .

..........................

صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «أنّه سئل عن شهادة النساء في النكاح ، فقال : تجوز إذا كان معهن رجل ، وكان علي (علیهالسلام) يقول لا اجيزها في الطلاق ، قلت: تجوز شهادة النساء مع الرجل في الدين ، قال نعم»(1)، ومعتبرة داود بن الحصين عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال «سألته عن شهادة النساء في النكاح بلا رجل معهن إذا كانت المرأة منكرة ، فقال : لا بأس به ، إلى أن قال : وكان أمير المؤمنين (علیه السلام) يجيز شهادة المرأتين في النكاح عند الإنكار ، ولا يجيز في الطلاق إلا شاهدين عدلين، فقلت: فأنى ذكر الله تعالى «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ» فقال ذلك في الدين إذا لم يكن رجلان فرجل وامرأتان»(2).أمّا النكاح ففي المستند : اختلفوا في قبول شهادتهن مع الرجال في النكاح فعن المفيد والخلاف والديلمي وابن حمزة والحلي وظاهر التحرير

المنع ، وعن الصيميري نسبته إلى المشهور لرواية السكوني المتقدمة ، وعن العماني والاسكافي والصدوقين والحلبي والتهذيب والمبسوط وابن زهرة والشرائع والإرشاد والقواعد والإيضاح والدروس وغيرهم من المتأخرين بل الأكثر كما عن المسالك القبول ، وعليه الإجماع عن الغنية ، وصرح جماعة بعدم القبول شهادة النساء لا منفردات ولا منضمات ، وذكر القول بالتفصيل بقوله : ما لا تشترط فيه الذكورة ، بل تقبل فيه شهادة النساء منضمات مع الرجل(3).وإمّا الاختلاف في الاقوال فإنما هو لأجل اختلاف الروايات ، وأما ما دل على القبول .

ص: 256


1- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح2 .
2- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح35 .
3- المستند / 18 / 289 وما بعدها .

..........................

منها : رواية زرارة قال «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن شهادة النساء تجوز في النكاح ، قال : نعم»(1)،

والرواية ضعيفة بابن نجران .

ومنها : عن إبراهيم الحارقي قال «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه ويشهدوا عليه ، وتجوز شهادتهن في النكاح ، ولا تجوز في الطلاق ، ولا في الدم ، وتجوز في حدّ الزنا إذاكان ثلاثة رجال وامرأتان ، ولا تجوز إذا كان رجلان وأربع نسوة ، ولا تجوز شهادتهن في الرجم»(2)، وهذه الرواية أيضاً ضعيفة بالحارقي لأنّه مجهول .

ومنها : رواية محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال «قال : علي (علیه السلام) شهادة النساء تجوز في النكاح ولا تجوز في الطلاق ، وقال : إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان جاز في الرجم وإذا كان رجلان واربع نسوة لم يجز ، وقال : تجوز شهادة النساء في الدم مع الرجال»(3)والرواية ضعيفة بمحمد بن الفضيل وغيرها من الروايات كلها ضعاف ، فلا تصل النوبة إلى الجمع بينها ،وبين ما دل على المنع مطلقاً ، كما جمعهما الاستاذ الاعظم (قدس سره) بقوله : وهذه الطائفة تكون شاهد جمع بين الطائفتين الأولتين على أن الطائفة الثانية غير قابلة للاعتماد عليها في نفسها واطلاق معتبرة السكوني يقيد بصحيح الحلبي(4)، وصاحب المسالك بقوله : وبالجملة فالأخبار مختلفة ليس فيها خبر نقي والأكثر ما دل على القبول ، ويمكن الجمع بينها بحمل اخبار المنع على ما إذا كان المدعي الزوج لأنّه لا يدعي مالاً ، واخبار القبول على ما إذا كان المدعي المرأة لأنّها دعواها

ص: 257


1- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح11.
2- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح5.
3- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح25.
4- المباني /1/154

..........................

تتضمن المال من المهر والنفقة ، وهذا متجه(1)، وفيه :

أولاً : قلنا لا تصل النوبة إلى الجمع بعد إن كانت أحاديث الجواز ضعيفة .

ثانياً : لأنّه تبرعي لا يكون هناك شاهد عليه .

بقي هناك روايات المنع كمعتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیه السلام) «أنّه كان يقول شهادة النساء لا تجوز في طلاق ولا نكاح ولا في حدود»(2)،

وأمّا التفصيل .

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیهالسلام) «أنّه سئل عن شهادة النساء في النكاح ، فقال : تجوز إذا كان معهن رجل»(3).

ومنها : صحيحة أبي بصير قال «سألته عن شهادة النساء ، فقال : تجوز شهادة النساء وحدهن على ما لا يستطيع الرجال النظر إليه ، وتجوز شهادة النساء في النكاح إذا كان معهن رجل»(4)،

فتحمل الروايات المطلقة على المقيدة ، فتكون النتيجة أنّه تقبل شهادتهن في النكاح إذا كان معهن رجل .

وأمّا الدية فقلنا حسب القاعدة أنّه تقتضي عدم اعتبار شهادتهن إلا فيما إذا قام الدليل على اعتبار شهادتهن ، والظاهر إن الدليل موجودبالأولوية حيث ثبت في القتل في حسنة محمد بن حمران عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قلنا أتجوز شهادة النساء في الحدود ، قال : في القتل وحده أن علياً (علیه السلام) كان يقول لا يبطل دم أمرئ مسلم»(5)

، فإذا كان القتل يثبت بشهادتهن حيث لا يبطل دم المسلم ولم يجز

ص: 258


1- المسالك /14 / 253.
2- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح42.
3- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح2.
4- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح4.
5- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح1.

المسألة 102 : تثبت الأموال من الديون والأعيان بشاهد ويمين وأمّا ثبوت غيرها من الحقوق بهما فمحل إشكال ، وإن كان الأقرب الثبوت كما تقدم في القضاء(1)، وكذلك تثبت الديون بشهادة امرأتين ويمين(2) وأمّا ثبوت مطلقالاموال بهما فمحل اشكال ، وعدم الثبوت اقرب(3).

----------------------------------------

القود ، فلا محالة لابد من ثبوت الدية لأجل عدم إبطال دم المقتول .

وأمّا عدم ثبوت الشهادة في هذه الموارد إنما يكون حسب القاعدة حيث لا دليل على اعتبار شهادة امرأتين مع رجل واحد ، وما دل من العمومات بأن شهادة المرأة غير مقبولة إلا في الموارد الخاصة كما في صحيحة أبي بصير المتقدمة قال : «سألته عن شهادة النساء ، فقال : تجوز شهادة النساء وحدهن على ما لا يستطيع الرجال النظر إليه» إذاً قبول شهادتهن في غير هذهالموارد يحتاج الى دليل .

وأمّا ما قيل بأنه يمكن الاستدلال بالآية الكريمة بأنّه يجوز قبول شهادة رجل وامرأتين في الدين كما في الآية «فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ» فيه أنّها واردة في الدين ولا يمكن التعدي إلى غيره مع عدم وجود الدليل كما مرّ بأنّه لا يجوز شهادتهن مطلقاً إلا فيما قام الدليل وغيرها من الأمور المستدل بها على الجواز حيث أنّها كلها غير تامة .

(1) قد مرّ البحث في مسألة (38) من مسائل القضاء .

(2) أمّا اصل قبول شهادتهن في الديون فكما في صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (علیهالسلام) «إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) اجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في الدين يحلف بالله أن حقه لحق»(1).

(3) قال في الجواهر في كتاب الشهادات : والثاني منها - أي حقوق الادمي -

ص: 259


1- الوسائل باب 15 من أبواب كيفية الحكم ح3.

المسألة 103 : تثبت العُذرة وعيوب النساء الباطنة ، وكل ما لا يجوز للرجال النظر إليه(1) .

----------------------------------------

ما يثبت بشاهدين وبشاهد وامرأتين ، وبشاهد ويمين وهو الديون والأموال كالقرض والقراض والغصب وعقود المعاوضات كالبيع والصرف والسلم والصلح والإجارة والمساقات والرهنوالوصية له ، والجناية التي توجب الدية كالخطأ وشبه العمد ، وقتل الحر العبد والأب الولد والمسلم الذمي والصبي والمجنون وغيرهما ، والمأمومة والجائفة وكسر العظام وغير ذلك مما كان متعلق الدعوى فيه مالاً أو المقصود منه المال ، فإن ذلك هو الضابط عندهم لهذا القسم(1)، وهو المشهور مضافاً إلى ما ورد من رواية منصور بن حازم إن أبا الحسن موسى بن جعفر (علیه السلام) «قال : إذا شهد لطالب الحق امرأتان ويمينه فهو جائز»(2)، قالوا إن هذه الرواية ضعيفة بماجيلويه والحق أن الرجل ثقة وذلك :

أولاً : لأن العلامة وثقه وعده الفاضلالجزائري في زمرة الثقات .

وثانياً : هو من مشايخ الصدوق فتأمل ، فالأقرب هو الثبوت وفاقاً للمشهور .

(1) أمّا قبول شهادتهن في العذرة فقول المحقق : الثالث ما يثبت بالرجال والنساء منفردات ومنضمات وهو الولادة والاستهلال وعيوب النساء الباطنة وفي قبول شهادة النساء منفردات في الرضاع خلاف أقربه الجواز(3)،

وفي الجواهر : كالقرن ونحوه لا ، الظاهرة كالعرج ونحوه(4)، ويدل على ذلك عدة روايات .

منها : موثقة ابن بكير عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : تجوز شهادة النساء في

ص: 260


1- الجواهر /41 / 165.
2- الوسائل باب 15 من أبواب كيفية الحكم ح1.
3- شرائع الإسلام /4 /137.
4- الجواهر/41 /170

والرضاع(1) .

----------------------------------------

العذرة وكل عيب لا يراه الرجل»(1) .

ومنها : صحيحة العلاء عن أحدهما (علیهما السلام) «قال : لا تجوز شهادة النساء في الهلال وسألته هل تجوز شهادتهن وحدهن قال : نعم في العذرة والنفساء»(2)، وصحيح عبد الله بن سنان (علیه السلام) «قال : سمعت أبا عبد الله : يقول لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال إلى أن يقول تجوز شهادة النساء وحدهن بلا رجال في كل ما لا يجوز للرجال النظر إليه ، وتجوز شهادةالقابلة وحدها في المنفوس»(3).

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم قال : «سألته تجوز شهادة النساء وحدهن ، قال : نعم في العذرة والنفساء»(4).

ومنها : معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیه السلام) «أنّه كان يقول : شهادة النساء لا تجوز في طلاق ولا نكاح ولا في حدود إلا في الديون وما لا يستطيع الرجال النظر إليه»(5)،

وغيرها من الروايات .

(1) وأمّا الرضاع فهل يثبت بشهادة النساء ؟ فيه خلاف بين الفقهاء وعبر صاحب المستند بقوله : اختلفوا في قبول شهادتهن في الرضاع المحرم فعن الخلاف وموضع من المبسوط والسرائروالجامع المنع ، وعن السرائر والتحرير والمسالك أنّه مذهب الأكثر ، وعن ظاهر المبسوط دعوى الإجماع عليه حيث قال : وشهادة النساء لا تقبل في الرضاع عندنا ، ونسبه فيه إلى روايات الأصحاب ، بل عن الخلاف دعوى الاجماع عليه صريحاً ، وعن العماني والاسكافي والمفيد والديلمي

ص: 261


1- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح9.
2- السوائل باب 24 من أبواب الشهادات ح18.
3- السوائل باب 24 من أبواب الشهادات ح10.
4- السوائل باب 24 من أبواب الشهادات ح10.
5- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح42.

..........................

وابن حمزة ، وموضع من المبسوط والفاضلين والشهيدين والفخر والصيمري وسائر المتأخرينالقبول ، وعن السيد الإجماع عليه(1).

وقد استدل الاستاذ الاعظم(2)،

بصحيحة عبد الله بن سنان «قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال إلى أن قال : تجوز شهادة النساء وحدهن بلا رجال في كل ما لا يجوز للرجال النظر إليه»(3) .

ومنها : معتبرة عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : تجوز شهادة النساء في العذرة وكل عيب لا يراه الرجل»(4) .

ومنها: معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیهم السلام) «أنّه كان يقول: شهادةالنساء لا تجوز في طلاق ولا نكاح ولا في حدود إلا في الديون وما لا يستطيع الرجال النظر إليه»(5)

كما في معتبرة السكوني .

وما ذكره (قدس سره) لا يمكن المساعدة عليه تبعاً للرياض لأنّه أمر لا يطلع عليه الرجال غالباً فمسّت الحاجة إلى قبول شهادتهن فيه كغيره من الأمور الخفية على الرجال من عيوب النساء وغيرها(6).

وقد اجيب بأن الروايات غير مقيدة بالرجال الأجانب ، مع أن الأقارب من الرجال يجوز لهم الاطلاع ، واستدلوا بالإجماع ، وفيه أنه ليس بتعبدي واستدل أيضاً برواية عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (علیه السلام) فيامرأة ارضعت غلاماً وجارية «قال : يعلم ذلك غيرها ؟ قال : لا ، قال فقال (علیه السلام) :

ص: 262


1- المستند / 18 / 286 / 287.
2- المباني /1 / 158 .
3- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح10
4- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح9
5- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح42 .
6- الرياض/ 15/ 338 .

بشهادة أربع نسوة منفردات(1) .

----------------------------------------

لا تصدق إن لم يكن غيرها»(1)

، فالاستدلال بها يكون عندهم بمفهوم الشرط أي أنّها تصدق إذا علم بذلك غيرها ، سواء كان ذلك الغير ذكراً أو انثى ، ولكن الرواية مرسلة ، فلا يمكن الاستدلال بها .

(1) فإذا ثبت قبول الشهادة في مثل هذه الأمور ، فلابد أن تكون أربع من النساء ، وهوالمشهور كما في الجواهر للأصل ، بل يمكن دعوى القطع به من الكتاب والسنة ، أن المرأتين يقومان مقام الرجل في الشهادة ، وهو ظاهر قوله تعالى: «أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى»(2)، قيل هو الحق وذلك لأن الأصل عدم قبول شهادتهن إلا ما قام الدليل عليه ، فيخرج عن هذا الأصل شهادة الأربع كما أن شهادة الأربعة خارجة بالاتفاق نصاً وفتوى ولأن ما دل على الجواز كالروايات التي ورد فيهن لفظ النساء ، وأقلّ الجمع ثلاثة وكل مَنْ قال بما زاد على الاثنين قال بالاربع .

هذه الأمور كما ذكر في محله مجرد استحسان لا يمكن الاستدلال بها مضافاً إلى ما ورد منالدليل على خلاف ذلك كما في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «تجوز شهادة الواحدة ، أوقال تجوز شهادة النساء في المنفوس والعذرة»(3)،

وخبر أبي بصير عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «قال : تجوز شهادة امرأتين في استهلال»(4)،

وقد مر ذكرهما ، وعليه يجوز شهادة امرأة واحدة إلا ما قام الدليل على شرطية أكثر من ذلك في قبول الشهادة .

ص: 263


1- الوسائل باب 12 من أبواب ما يحرم بالرضاع ح3.
2- سورة البقرة الآية / 282 ، وانظر الجواهر /41/ 176 وما بعدها .
3- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح2.
4- الوسائل باب 24من أبواب الشهادات ح41.

المسألة 104 : المرأة تصدق في دعواها أنّها خلية ، وإن عدتها قد انقضت(1)، ولكنها إذا أدعت ذلك وكانت دعواها مخالفة للعادة الجارية بين النساء ، كما إذا أدعت أنّها حاضت في شهرواحد ثلاث مرات فإنّها لا تصدق ، ولكن إذا شهدت النساء من بطانتها بأنّ عادتها كذلك قبلت(2).

المسألة 105: يثبت بشهادة المرأة الواحدة ربع الموصى به للموصى له(3).

----------------------------------------

(1) وذلك لأنّ هذه الشهادة تكون للأمور التي لا يمكن للرجال الاطلاع عليها لكي يشهدوا ، وإنما تعرف من قبلها ، مضافاً إلى ما ورد في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : العدة والحيض للنساء إذا ادعت صدّقت»(1).

(2) لأنّها موجبة لاحتمال كذبها وإن الأصل في شهادة المرأة عدم النفوذ إلا ما خرج بالدليل ، وهنا جاء الدليل على العكس ، وهو عدم القبولفي دعواها ويكون سبباً لعدم قبول دعواها ، ويؤيد ذلك معتبرة إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه (علیه السلام) أن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال : في امرأة ادعت أنّها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض ، فقال : كلفوا نسوة من بطانتها إن حيضها كان فيما مضى على ما ادعت ، فإن شهدت صدّقت وإلا فهي كاذبة»(2).

(3) أمّا شهادة امرأة واحدة في الربع وبشهادة امرأتين في النصف وبشهادة ثلاثة في ثلاثة ارباع ، والأربعة في الجميع بالنسبة إلى الوصية فمحل اتفاق ، ونسب إلى الحلي الإجماع ، وقد دلت على ذلك روايات .منها : صحيحة محمد بن قيس قال : «قال أبو جعفر (علیه السلام) : قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في وصية لم يشهدها إلا امرأة أن تجوز شهادة المرأة في ربع الوصية إذا

ص: 264


1- الوسائل باب 47 من أبواب الحيض ح1.
2- الوسائل باب 47 من أبواب الحيض ح3.

..........................

كانت مسلمة غير مريبة في دينها»(1).

ومنها : عن ربعي بسند تامٍ عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في شهادة امرأة حضرت رجل يوصي ليس معها رجل ، فقال : يجاز ربع ماأوصى بحساب شهادتها»(2) .

ومنها : ما عن ابان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «أنّه قال : في وصية لم يشهدها إلا امرأة ، فأجاز شهادتها في ربع من الوصية بحسب شهادتها»(3)وهي تدخل في الحسان ولذا عبر عنها الاستاذ الاعظم (قدس سره) بالمعتبرة .

وهناك روايات تدل على قبول شهادة النساء في الوصية .

منها : ما عن عبد الرحمن قال : «سألت أبا عبد الله عن المرأة يحضرها الموت وليس عندها إلا امرأة أتجوز شهادتها؟ قال: تجوز شهادة النساء في العذرة والمنفوس، وقال : تجوز شهادة النساءفي الحدود مع الرجل»(4).

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان قال «سألته عن امرأة حضرها الموت وليس عندها إلا امرأة اتجوز شهادتها ، فقال لا تجوز شهادتها إلا في المنفوس والعذرة»(5) .

ومنها : صحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع قال «سألت الرضا (علیه السلام) عن امرأة ادعى بعض أهلها أنّها أوصت عند موتها من ثلثها بعتق رقيق لها ايعتق ذلك وليس على ذلك شاهد إلا النساء ؟ قال : لا تجوز شهادة النساء في هذا»(6).

ص: 265


1- الوسائل باب 22 من أبواب الوصايا ح3.
2- الوسائل باب 22 من أبواب الوصايا ح1.
3- الوسائل باب 22 من أبواب الوصايا ح2.
4- الوسائل باب 22 من أبواب الوصايا ح6.
5- الوسائل باب 22 من أبواب الوصايا ح7.
6- الشرائع /4 /131.

كما يثبت ربع الميراث للولد بشهادة القابلةباستهلاله ، بل بشهادة مطلق المرأة وإن لم تكن قابلة ، وإذا شهدت اثنتان ثبت النصف وإذا شهدت ثلاثة نسوة ثبت ثلاثة أرباعه ، وإذا شهدت أربعة نسوة ثبت الجميع ، وفي ثبوت ربع الدية بشهادة المرأة الواحدة في القتل ونصفها بشهادة امرأتين ، وثلاثة أرباعها بشهادة ثلاثة إشكال ، وإن كان الأقرب الثبوت ، ولا يثبت بشهادة النساء غير ذلك(1).

----------------------------------------

والجمع بين هاتين الطائفتين يكون بأن روايات منع النفوذ مطلقة فتقيد بروايات النفوذ حيث إنّها بإطلاقها تشمل حتى النفوذ بالوصية التمليكية ويقال بالنفوذ بالوصية التمليكية بالمال ، أو تحملما دل على عدم النفوذ على التقية ، حيث إن العامة بعضهم يفتون بعدم قبول شهادة النساء في الوصية على الإطلاق والبعض الاخر يقول بالقبول إذا كان معهن رجل ، وعدم القبول إذا كن منفردات وبدون الرجال ، ولهذا تحمل ما دل على التفصيل كما عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال «كتب أحمد بن هلال إلى أبي الحسن (علیه السلام) امرأة شهدت على وصية رجل لم يشهدها غيرها وفي الورثة من يصدقها ومنهم من يتهمها ، فكتب (علیه السلام) : لا، إلا أن يكون رجل وامرأتان ، وليس بواجب أن تنفذ شهادتها»(1)، على التقية ، مضافاً إلى أن الرواية ضعيفة بإبراهيم ، لأنّه لم تثبت وثاقته كما قيل فتأمل ، لأنّه وكيلمن الناحية المقدسة مضافاً إلى توثيق البعض له .

(1) أمّا ثبوت الربع في القتل إذا كانت المرأة واحدة ، وثبوت النصف بشهادة امرأتين ، وثبوت ثلاثة أرباع بشهادة ثلاثة نسوة فبلا خلاف والمشهور قبول شهادتهن في القتل ، ووردت به روايات كثيرة ، منها : حسنة محمد بن حمران عن

ص: 266


1- الوسائل باب 22 من أبواب الوصايا ح8

..........................

أبي عبد الله (علیه السلام) قال «قلنا اتجوز شهادة النساء في الحدود ، فقال : في القتل وحده إنعلياً (علیه السلام) كان يقول لا يبطل دم أمرئ مسلم»(1)

، وغيرها من الروايات .

وأمّا بالنسبة إلى إثبات الربع ، فيمكن الاستفادة من صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في غلام شهدت عليه امرأة أنّه دفع غلاماً في بئر فقتله ، فأجاز شهادة المرأة بحساب شهادة المرأة»(2)، ورواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (علیه السلام) إلا أنّه اسقط قوله «بحساب شهادة المرأة» وهذا لا يضر لأنّه بعد إثبات أصل الشهادة وبعد ما علم بعدم إمكان إثبات تمام القتل ، فلابد من أن تحملالرواية على إثبات الربع ، ولعله اسقطت الجملة نسياناً ، ويؤيده ما رواه عبد الله بن الحكم قال «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن امرأة شهدت على رجل أنّه دفع صبياً في بئر فمات ، فقال : على الرجل ربع دية الصبي بشهادة المرأة»(3)

والرواية ضعيفة لأنّه ورد في سندها ابن أبي عمير ، وفي الفقيه ابن عمران لعله موسى الارمني ومحمد بن حسان الزيني فيه كلام ، وتكفي الرواية للتأييد .

ويمكن أن يقال بالثبوت ، بشهادة امرأة واحدة ربع الدية فتأمل ، لما مرّ بأنّ الأصل عدم قبول شهادة النساء إلا ما ورد فيه دليل خاص .

ص: 267


1- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح1.
2- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح26.
3- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح33.

المسألة 106 : لا يعتبر الإشهاد في شيء من العقود والإيقاعات إلا في الطلاق(1) والظهار(2).

----------------------------------------

(1) ومن شرائط صحة الطلاق الإشهاد أي إيقاعه بحضور شاهدين عدلين ذكرين يسمعان الإنشاء , ويدل على ذلك :

أولاً : الآية الشريفة : «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ»(1).

وثانياً : الروايات الصحيحة ، منها ما عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال «سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن رجل طلق امرأته بعد ما غشيها بشهادة عدلين ، قال : ليس هذا طلاقاً ،قلت : فكيف طلاق السنة ؟ قال : يطلقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشيها بشاهدين عدلين كما قال الله عز وجل في كتابه ، فإن خالف ذلك ردّ إلى كتاب الله ، قلت : فإن طلق على طهر من غير جماع بشاهد وامرأتين ، قال : لا تجوز شهادة النساء في الطلاق»(2)

وفي صحيح الفضلاء أو حسنتهم عن الصادقين (علیهما السلام) في حديث أنّه قال «وإن طلقها في استقبال عدتها طاهراً من غير جماع ولم يشهد على ذلك رجلين عدلين فليس طلاقه إيّاها بطلاق»(3).

وأمّا غير الطلاق من العقود والإيقاعات فلا يشترط ذلك لعدم الدليل والأدلة الواردة في هذهالأمور مطلقة .

(2) بلا خلاف وتدل على ذلك جملة من الروايات ، منها : صحيحة حمران في حديث قال : «قال : أبو جعفر (علیه السلام) لا يكون ظهار في يمين ، ولا في اضرار ، ولا في غصب ، ولا يكون ظهار إلا في طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين»(4)،

ص: 268


1- سورة الطلاق الآية / 2 .
2- الوسائل باب 10 من أبواب مقدمات الطلاق ح4.
3- الوسائل باب 10 من أبواب مقدمات الطلاق ح3.
4- الوسائل باب 2 من أبواب الطهارة ح1.

..........................

وفي صحيحته الأخرى عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : لا يكون ظهار إلا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين»(1).وإنما الإشكال ، بأنّه هل يكفي شهادة المسلم ، أو لابد أن يكون الشاهد عادلاً اختار في المسالك : من شرط قبول الشهادة إسلام الشاهد وهو بالنسبة إلى غير الذمي موضع وفاق وكذلك فيه في غير الوصية(2)، لإنّ الظاهر من الآية اعتبار أمر آخر مع الإسلام لقوله : «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» فإنّ الخطاب للمسلمين يستفاد منه اعتبار إسلام الشاهدين من قوله منكم ويبقى الوصف بالعدالة زائداً بالاكتفاء فيهما هنا بالإسلام كما عن الشيخ في النهاية وجماعة منهم القطب الراوندي ، ولكن ما ذكره (قدس سره) محل تأمل ، وهو خلاف المشهور ، ويؤيد قول المشهور مرسلة ابن فضال عمن أخبره عن أبي عبد الله (علیه السلام)«لا يكون الظهار إلا على موضع الطلاق»(3) ، فإنّ العدالة شرط في الطلاق فهي شرط في الظهار .

ويمكن الاستدلال بما ورد في الصحيح بأنّ قبول الشهادة على الإطلاق لابد أن يكون الشاهد عادلاً ، كما في صحيحة ابن أبي يعفور «قال : قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) بمَ تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم ، فقال : أن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان»(4)،

وذكرنا سابقاً بأنّه يظهر من الرواية مفروغية اعتبار العدالة فكانت مشروطية العدالة في قبول الشهادة مفروغ عند السائل عنها ، ولذا سأل عن معرفة العدالة ، وإذاقلنا أصل الإسلام لا يفيد ، بل لابد أن يكون مؤمناً عادلاً فالناصبي بطريق أولى

ص: 269


1- الوسائل باب 2 من أبواب الطهارة ح4.
2- المسالك /14 / 161 .
3- الوسائل باب 2 من أبواب الظهار ح3.
4- الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح1 .

نعم يستحب الإشهاد في النكاح(1).

----------------------------------------

شهادته لا تقبل ، مضافاً إلى أن الناصبي يحكم بكفره ونجاسته ، فما عن عبد الله بن المغيرة «قال : قلت لأبي الحسن الرضا (علیه السلام) رجل طلق امرأته وأشهد شاهدين ناصبيين ، قال كل من ولد على الفطرة وعرف بالصلاح من نفسه جازت شهادته»(1)، أنّها محمولة على التقية ، وهي مهجورة لم يعمل بها أحد وأنّهم كفار ، ولا تقبل شهادة الكفار بالاتفاق .(1) أمّا الإشهاد في النكاح فلا يكون شرطاً بلا كلام عندنا ، وخلافاً للعامة، وذلك للإطلاقات ، مضافاً إلى ورود روايات كثيرة .

منها : صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : إنما جعلت البينات للنسب والمواريث»(2).

ومنها : صحيحة زرارة بن اعين قال سئل أبو عبد الله (علیه السلام) «عن الرجل يتزوج المرأة بغير شهود ، فقال : لا بأس بتزويج البتة فيما بينه وبين الله ، إنما جعل الشهود في تزويج البتة ، من اجل الولد لو لا ذلك لم يكن به بأس»(3).

ومنها : صحيحة حفص البختري عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في الرجل يتزوج بغير بينةقال : لا بأس»(4).

ومنها : صحيحة زرارة قال : «قال : أبو جعفر (علیه السلام) إنما جعلت الشهادة في النكاح للميراث»(5)،

نعم هناك رواية استدل بها ابن أبي عقيل في العقد الدائم برواية مهلب الدلال أنّه كتب إلى أبي الحسن (علیه السلام) «إن امرأة كانت معي في الدار ثم

ص: 270


1- الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح5.
2- الوسائل باب 43 من أبواب مقدمات النكاح ج1.
3- الوسائل باب 43 من أبواب مقدمات النكاح ح3.
4- الوسائل باب 43 من أبواب مقدمات النكاح ح4.
5- الوسائل باب 43 من أبواب مقدمات النكاح ح8.

والمشهور أنّه يستحب في البيع والدين ونحو ذلك أيضاً(1).

----------------------------------------

إنها زوجتني نفسها واشهدت الله وملائكته علىذلك ، ثم إن أباها زوجها من رجل آخر فما تقول ؟ فكتب (علیه السلام) : التزويج الدائم لا يكون إلا بولي وشاهدين ، ولا يكون تزويج متعة ببكر ، استر على نفسك واكتم رحمك الله»(1) والرواية ضعيفة من جهة السند بالمدائني ومهلب الدلال وحملها الشيخ على التقية .

ومنها : معتبرة معلى بن خنيس «قال : قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) ما يجزي في المتعة من الشهود ، فقال : رجل وامرأتان يشهدهما ، قلت : ارأيت إن لم يجدوا واحداً ، قال : أنّه لا يعوزهم ، قلت : ارأيت إن اشفق أن يعلم بهم أحد ايجزيهم رجل واحد ؟ قال : نعم ، قال : قلت جعلت فداك كان المسلمون على عهدرسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) يتزوجون بغير بينة قال : لا»(2)

وهذه الرواية أيضاً لا تدل على لزوم الشهود ، وعلى الفرض لم تدل على الشهود في العقد الدائم ، وإنما وردت في المتعة وأنّها مهجورة لم يعمل بها أحد مضافاً إلى أنّها لا تتمكن من المعارضة مع الروايات الكثيرة المستفيضة .

(1) أمّا استحباب الإشهاد في النكاح فهو ما دلت عليه معتبرة داود بن الحصين عن أبي عبد الله (علیه السلام) «يقول : فسنّ رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) في ذلك الشاهدين تأديباً ونظراً لئلا ينكر الولد والميراث»(3)،

وأمّاالاستحباب في البيع والدين فقد اشتهر شهرة عظيمة ، إذ استدلوا بالآيات والروايات والحق عدم دلالتها على ذلك لأنّها وردت للإرشاد وليس هناك أمر مولوي قال سيدنا الأستاذ الأعظم (قدس سره) : على المشهور شهرة عظيمة ، واستدل على الاستحباب بالأمر بالإشهاد في المبايعة والدين

ص: 271


1- الوسائل باب 11 من أبواب المتعة ح11.
2- الوسائل باب 31 من أبواب المتعة ح3.
3- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح35.

المسألة 107 : لا خلاف في وجوب أداء الشهادة بعد تحملها مع الطلب إذا لم يكن فيه ضرر عليه(1).

----------------------------------------

في الآية الكريمة : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَاتَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ»(1)، وقوله تعالى «وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ»، مع قيام الضرورة والسيرة القطعية على جواز البيع والدين بغير إشهاد كما استدل عليه بما ورد في عدّة من الروايات من عدم استجابة دعاء من كان له على غيره مال بدين أو غيره ولم يشهد على ذلك(2).(1) يشترط في أداء الشهادة شيئان :

الأول : الطلب لذا من تحمل الشهادة باستدعاء صاحب الحق للتحمل فلا إشكال في وجوب أداء الشهادة ، وقد ادعي عليه الإجماع ، ويشهد له قوله تعالى : «وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ» (3)، وقوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ» (4).

وأمّا الروايات ، منها : صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (علیه السلام) في قوله عز وجل : «وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ » قال بعد الشهادة»(5)، ومنها صحيحة

ص: 272


1- سورة البقرة الآية / 282 .
2- المباني /1 / 169.
3- سورة البقرة الآية / 283 .
4- سورة النساء الآية / 135 .
5- الوسائل باب 2 من أبواب الشهادات ح1.

..........................

أبي جميلة عن جابر عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «قال : رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) من كتم شهادة ، أو شهد بها ليهدر بها دم أمرئ مسلم أو ليزوي بها مال أمرئ مسلم أتى يوم القيامة ولوجهه ظلمة مدّ البصر ، وفي وجهه كدوح - الخدوش - تعرفه الخلائق باسمه ، ونسبه ، ومَنْ شهد شهادة حق ليحيي بها حق أمرئ مسلم أتى يوم القيامة ولوجهه نور مد البصر تعرفه الخلائق باسمه ونسبه ، ثم قال أبو جعفر (علیه السلام) ألا ترى أن الله عز وجل يقول :«وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ للهِ»(1) وغيرها من الروايات ، أمّا إذا لم يكن باستدعائه ، فهل يجب الأداء بعد التحمل أو لا ؟ الظاهر لا .

الثاني : هو تحمل الشهادة ابتداء فالمشهور والمروي وجوبه أيضاً على الكفاية كالإداء لقوله تعالى «وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا»(2) الشامل بعمومه للأمرين(3)،

ونسب إلى جماعة من القدماء منهم الشيخ وابن جنيد وأبو الصلاح ، بل نسب إلى المشهور بينهم عدم الوجوب ، وأنّه يكون مخيراً بين أداء الشهادة وعدمها ومنشأ الاختلاف أنّه يفهم من إطلاق الآيات والروايات المتقدمة عدم الوجوب وحرمة الكتمان ، قال في المسالك: وإنّها أمانة حصلت عنده فوجب عليه الخروج منها كما أن الأمانات المالية ، تارة تحصل عنده بقبولها كالوديعة ، وتارة بغيره كتطير الريح ، وذهب جماعة منهم الشيخ وابن الجنيد وأبو الصلاح إلى عدم الوجوب إلا مع الاستدعاء لصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها إن شاء شهد ، وإن شاء سكت»(4)

وعن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : إذا سمع الرجل

ص: 273


1- سورة الطلاق الآية / 2 .
2- سورة البقرة الآية / 282 .
3- المسالك /14/ 266 .
4- المسالك /14/ 264 .

..........................

الشهادة ولم يشهد عليها ، فهو بالخيار إن شاء شهد ، وإن شاء سكت»(1)،

وغيرها من الروايات .

قال في الرياض : وبالجملة دلالة هذه النصوص بعد ضم بعضها إلى بعض على عدم الوجوب عيناً ، وكونه كفاية فيما إذا زاد عدد الشهود عن العدد المعتبر شرعاً واضحة ، ولا إشكال فيها من هذه الجهة ، بل الإشكال فيها إنما هو من حيث دلالتها على التفصيل بين صورتي الاستدعاء لتحمل الشهادة ، فتجب الإقامة - عيناً مطلقاً ولو زاد عددهم عن المعتبر شرعاً - وعدمه فتجب كفاية مع الزيادة ، وعيناً مع عدمها ، وهو مخالف لما عليه جمهور أصحابنا المتأخرين حيث حكموا بوجوب الإقامة كفاية مطلقاً ولو فيالصورة الأولى مع الزيادة وادّعوا إجماعاتهم المتقدمة على ذلك كذلك(2)،

نعم في صورة ما إذا كان الشاهد عالماً ، بأنّه لو لم يشهد يذهب الحق لسكوته يجب عليه الأداء ، كما ورد في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها ، فهو بالخيار إن شاء شهد ، وإن شاء سكت ، إلا إذا علم من الظالم فيشهد»(3)، ولذا ما نسب إلى ما حمله الصدوق ما تضمن التخيير على ما إذا كان على الحق غيره من الشهود ، فمتى علم إن صاحب الحق مظلوم ولا يحيى حقه إلا بشهادته وجب إقامتها ولم يحل له كتمانها ، ويؤيد ذلكمرسلة يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها ، فهو بالخيار إن شاء شهد وإن شاء سكت ، إلا إذا علم من الظالم فيشهد ، ولا يحل له أن لا يشهد»(4).

ص: 274


1- الوسائل باب 5 من أبواب الشهادات ح2.
2- الرياض /15 /377 .
3- الوسائل باب 5 من أبواب الشهادات ج4 .
4- الوسائل باب 5 من أبواب الشهادات ج10 .

..........................

والحق أن وجوب أداء الشهادة إذا لم يكن هناك ضرر ، أمّا إذا ترتب بسبب الشهادة ضرر على الشاهد أو المشهود عليه أو بعض المؤمنين ، فلا يجب ، وفي الجواهر : أي الشاهدين التخلف عن أداء الشهادة حيث تجب عليهما(1)

والرياضالاجماع ، بل قال الثاني بالحرمة ، ويدل على ذلك حديث «لا ضرر ولا ضرار»(2)،

وموثقة محمد بن القاسم بن فضيل عن أبي الحسن (علیه السلام) «قال سألته قلت : له رجل من مواليك عليه دين لرجل مخالف يريد أن يعسره ويحبسه ، وقد علم أنّه ليس عنده ولا يقدر عليه وليس لغريمه بينة هل يجوز له أن يحلف له ليدفعه عن نفسه حتى ييسر الله له ، وإن كان عليه الشهود من مواليك قد عرفوه أنّه لا يقدر ، هل يجوز أن يشهدوا عليه ؟ قال : (علیه السلام) لا يجوز أن يشهدوا عليه ولا ينوي ظلمه»(3)،

وغيرها من الروايات ، ثم إن الأداء لا يجب في صورة ما إذااستوجب العسر والحرج بمقتضى القاعدة مثلاً لو توقف أداء الشهادة بالسفر إلى بلد وهو يشق عليه ،

فلا يجب ، ويرفع الوجوب بقاعدة نفي العسر والحرج الثابتة بالكتاب بقوله تعالى : «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ »(4)، وقوله تعالى : «مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ»(5)، وقوله تعالى : « لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَ وُسْعَهَا»(6).

ص: 275


1- الجواهر/41 / 188.
2- الرياض /15 / 379.
3- الوسائل باب 19 من أبواب الشهادات ح1.
4- سورة الحج الآية / 78 .
5- سورة المائدة الآية / 6 .
6- سورة البقرة الآية / 286 .

المسألة 108 : الظاهر أن أداء الشهادة واجب عيني ، وليس للشاهد أن يكتم شهادته ، وإن علم أن المشهود له يتوصل إلى إثبات مدعاه بطريق آخر ، نعم إذا ثبت الحق بطريق شرعي سقط الوجوب(1).

----------------------------------------

(1) هل وجوب الشهادة يكون عينياً أو كفائياً ؟ فقد نسب إلى أكثر المتأخرين أنّه كفائي وعن جماعة من العلماء أنّه عيني ، واستدلوا للقول الأول بأنّه كما أنّ الإقامة يكون وجوبها كفائياً وكذلك الأداء ، وبالآية الشريفة : «وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا »أي لا يأب الرجلان أو الرجل وامرأتان من الإجابة ، فالخطاب ليسمتوجهاً إلى كل أحد ، بل على الرجلين أو الرجل وامرأتين على نحو الكفاية ، فإذا أقاما فلا معنى للإجابة ، كما هو شأن الواجب الكفائي ، ولكن الوجوب يكون عينياً ، وذلك بمقتضى إطلاق الآية والروايات .

منها : صحيح محمد بن الفضيل عن أبي الحسن(علیه السلام) «في قول الله عز وجل« وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا »قال (علیه السلام) إذا دعاك الرجل لتشهد له على دين أو حق لم ينبغِ لك أن تقاعس عنه»(1).

ومنها : موثقة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) في قول الله عز وجل :

«وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا »فقال : لا ينبغيلأحد إذا دعي إلى شهادة ليشهد عليها أن يقول لا أشهد لكم»(2)،

وغيرهما من الروايات ، نعم هذا الوجوب العيني مشروط بعدم الضرر أو العسر أو الحرج وبعدم أداء الشهادة من الغير كما مرّ ذكره.

ص: 276


1- الوسائل باب 1 من أبواب الشهادات ح7.
2- الوسائل باب 1 من أبواب الشهادات ح5.

المسألة 109 : يختص وجوب أداء الشهادة بما إذا أُشهد ، ومع عدم الإشهاد ، فهو بالخيار إن شاء شهد وإن شاء لم يشهد ، نعم إذا كان أحد طرفي الدعوى ظالماً للآخر وجب أداء الشهادة لدفع الظلم ، وإن لم يكن إشهاد(1).

المسألة 110 : إذا دعي من له أهلية التحمّل ، ففي وجوبه عليه خلاف ، والأقرب هو الوجوبمع عدم الضرر(2).

----------------------------------------

(1) لا إشكال في وجوب الأداء بما إذا شهد ، وأمّا إذا لم يشهد فهو بالخيار في أداء الشهادة وعدمها كما مرّ ، وأمّا إذا كان تركه للإشهاد يستوجب الظلم بالنسبة إلى المشهود عليه وضياع حقه ، فإنّه لابد أن يشهد سواء اُشهد أم لا ، كما في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها ، فهو بالخيار إن شاء شهد وإن شاء سكت إلا إذا علم مَنْ الظالم ، فيشهد ولا يحل له إلا أن يشهد»(1).

(2) قال صاحب المستند : المشهور كما فيالمسالك والكفاية وشرح الإرشاد للاردبيلي ، وغيرها وجوب تحمل الشهادة إذا دعي إليه ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، والمفيد ، والإسكافي ، والحلبي ، والقاضي ، والديلمي ، وابن زهرة ، والفاضلين ، والفخر ، والشهيدين ، والصيميري ، وغيرهم من المتأخرين ، والمروي وجوبه أيضاً على الكفاية كالأداء لقوله تعالى : «وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا »

الشامل بعمومه للأمرين أو لاختصاصه بهذه الحالة ، فإنّ الله تبارك وتعالى بعد إن سماهم شهداء نهاهم عن الإباء إذا ما دعوا ، ومعنى الآية ولا تمنعوا من أداء الشهادة وإقامتها أو تحمل الشهادة إذا طلب منهم ذلك أداء أو تحملاً ، فظاهرالآية

ص: 277


1- الوسائل باب 5 من أبواب الشهادات ح4.

..........................

من أن النهي للتحريم ، وتدل عليه روايات.

منها : صحيحة هشام عن أبي عبد الله (علیه السلام) في قوله تعالى : «وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا» قال : قبل الشهادة قوله :« وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ »(1) قال : بعد الشهادة»(2).

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قوله تعالى : «وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا »قال : لا ينبغي لأحد إذا دعي إلىشهادة ليشهد عليها أن يقول لا أشهد لكم عليها»(3).

ومنها : موثق سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) في قوله عز وجل : «وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا »قال : لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى شهادة ليشهد عليها أن يقول لا اشهد لكم»(4)،

فبمقتضى الآية والروايات وجوب التحمل إذا دعي وأمّا عدم الوجوب فيما إذا كان التحمل سبباً إلى الضرر فيكون بمقتضى أدلة نفي الضرر، وكذا إذا كان حرجياً وهو ما إذا طلبه للتحمل وهو مستوجب للعسر والمشقة ، فلا يجب لأدلة الحرج ، وبعد ما قلنا بأنّ وجوبه عيني بمقتضى إطلاق الآية والروايات، فيجب عليه القبول إذا دعي وإنكان هناك اشخاص يمكن إشهادهم ، نعم بعد أن فرض إشهاد جماعة تقبل شهادتهم لم يجب على الآخرين تحمل الشهادة إذا دعوا له ، حيث إن القبول يجب عند الطلب منذ الاستشهاد ، وهو مختص برجلين أو رجل وامرأتين ، وقد حصل كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سره) بقوله : بقي هنا شيء وهو أن ظاهر الروايات الواردة في تفسير الآية الكريمة هو أن وجوب تحمل الشهادة

ص: 278


1- سورة البقرة الآية / 283 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب الشهادات ح1، والمستند / 18 / 364 .
3- الوسائل باب 1 من أبواب الشهادات ح1
4- الوسائل باب 1 من أبواب الشهادات ح4

المسألة 111: تقبل الشهادة على الشهادة في حقوق الناس كالقصاص والطلاق والنسب والعتق والمعاملة والمال وما شابه ذلك ولا تقبل في الحدود سواء أكانت لله محضاً أم كانت مشتركةكحد القذف والسرقة ونحوهما(1).

----------------------------------------

عيني لا كفائي ، فمن دعي إلى الشهادة وجب عليه القبول وإن كان هناك من يمكن إشهاده ، نعم إذا تحقق تحمل الشهادة ممن تقبل شهادته لم يجب على الآخرين تحمل الشهادة إذا دعوا له فأن ظاهر الآية المباركة أن الواجب هو تحمل الشهادة عند الاستشهاد والاستشهاد المأمور به في الآية يختص باستشهاد رجلين أو رجل وامرأتين فحسب(1)،

وخلاصة البحث أن عدم الشهادة يكون لأمور :

الأول : أن لا تفيد شهادته عند الحاكم ، لأنّه بدون الطلب تكون شهادته تبرعية ، وإن كانعادلاً ، لأنّها موجبة للتهمة .

الثاني : عدم فائدة شهادته، كما إذا لم يكن هناك شاهد آخر ، ولا تفيد شهادته وحدها .

الثالث : أن يكون الشاهد امرأة ولا يثبت المورد بشهادتها .

الرابع : أن تكون شهادته فيها ضرر .

الخامس: أن تكون فيها حرج ، وإلا تجب الشهادة لأنّها أمانة أشهده المدعي أي سواء طلب منه الشهادة أم لا ، إلا إذا أمكن ثبوت الدعوى بطريق آخر.

(1) لا يخفى إنّ الشهادة على الشهادة تارة تكون في حقوق الناس وأخرى في حقوق الله ، وثالثة تكون مشتركة بين حقوق الله وحقوق الناس .أمّا الأولى كالديون والأموال من القرض والاقتراض وعقود المعاوضات وكذا الحقوق المتعلقة بالادمي سواء كانت عقوبة أو قصاصاً أوغيرها كالطلاق والنسب وعيوب النساء والولادة والاستهلال وما شاكل ذلك ، فتقبل بلا خلاف أجده كما

ص: 279


1- المباني / 1/ 172.

..........................

هو في الرياض بقوله : سواء كانت عقوبة كالقصاص أو غيرها كالطلاق والنسب والعتق وعيوب النساء والولادة والاستهلال والوكالة والوصية بفرديه ، بلا خلاف أجده ، وبه صرح في الكفاية بقوله : لا أعرف خلافاً بين الأصحابفي قبول الشهادة على الشهادة مرة واحدة في غير الحدود واتفاقهم على ذلك منقول في كلامهم(1)،

وذكر صاحب الرياض بقوله بل عليه الإجماع في كلام جماعة وهو الحجة(2)،

وادعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد من الأصحاب ، بل في الجواهر بقوله : بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع أيضاً بقسميه(3)، يمكن دعوى القطع به من مجموع النصوص المستفاد منها ذلك صريحاً وفحواً مضافاً إلى إطلاقات أدلة اعتبار الشهادة طائفة خاصة من النصوص .

منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «في الشهادة على شهادة الرجل وهو بالحضرة في البلد ، قال : نعم ، ولو كانخلف سارية يجوز ذلك إذا كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلة تمنعه عن أن يحضره ويقيمها ، فلا بأس بإقامة الشهادة على الشهادة»(4).

ومنها : معتبرة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه (علیهما السلام) «إن علياً (علیه السلام) كان لا يجيز شهادة رجل على شهادة رجل إلا شهادة رجلين على شهادة رجل»(5)،

ومعتبرته الأخرى «إن علياً (علیه السلام) قال : لا أقبل شهادة رجل على رجل حي وإن كان باليمن»(6).

ص: 280


1- الكفاية / 7 / 777 .
2- الرياض / 15 / 404 .
3- الجواهر/41/ 190.
4- الوسائل باب 44 من أبواب الشهادات ح1
5- الوسائل باب 44 من أبواب الشهادات ح4
6- الوسائل باب 44 من أبواب الشهادات ح3

..........................

ومنها : معتبرة طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عن أبيه (علیهما السلام) «إن علياً (علیه السلام) كان لا يجيز شهادة على شهادة في حد»(1) .

قلنا أنّه تقبل الشهادة على الشهادة بالاستهلال ، خلافاً للعلامة في التذكرة أنّه لا يثبت الهلال بالشهادة على الشهادة مستدلاً على ذلك بأصالة البراءة ، وباختصاص قبول الشهادة على الشهادة بالأموال وحقوق الادميين(2).

وفيه : أن قبول الشهادة على الشهادة يكون بمقتضى إطلاق الروايات وخرج منه فيما دل الدليل على عدم القبول كالحدود ، فمع وجود الدليل لا يمكن التمسك بالبرائة ، مضافاً إلى أنّهلا معنى للتمسك في اصالة البرائة في امثال المقام .

وأمّا الثاني قلنا فتارة يكون حقاً لله محضاً فلا تقبل الشهادة على الشهادة كالحدود ، وادعى في المسالك بقوله : أمّا الحدود فإن كانت مختصة بالله كحد الزنا لم تسمع إجماعا(3)، وفي الرياض قال : وما كان عقوبة لله تعالى إجماعاً في المختصة به سبحانه كحد الزنا واللواط ونحوهما على الظاهر المصرح به في الارشاد والايضاح والتنقيح(4)،

الإجماع عليه ويشهد له معتبرة طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عن أبيه (علیهما السلام) عن علي (علیه السلام) «أنّه كان لا يجيز شهادةعلى شهادة في حد»(5)، ومعتبرة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه (علیهما السلام) «قال : عن علي (علیه السلام) قال : لا تجوز شهادة على شهادة في حد ولا كفالة في حد»(6)

فالمشهور هو القبول .

ص: 281


1- الوسائل باب 45 من أبواب الشهادات ح1
2- التذكرة /6 /135 .
3- المسالك /14/ 270.
4- الرياض /15 / 407 .
5- الوسائل باب 45 من أبواب الشهادات ح1
6- الوسائل باب 45 من أبواب الشهادات ح2

المسألة 112 : في قبول الشهادة على الشهادة على الشهادة فصاعداً إشكال(1)والأظهر القبول .

----------------------------------------

وأمّا إذا كان الحد مشتركاً بينه وبين الله ففيه خلاف ، فقيل عدم القبول مختص بما إذا كان الحد لله محضاً ، كحد الزنا والسحق ، وقيل بعدم القبول وقال في الجواهر: خلافاً للمحكي عنالمبسوط وابن حمزة وفخر الإسلام والشهيد في النكت، واختاره في المسالك لعدم دليل صالح للتخصيص بعد ضعف الخبرين المزبورين(1).

والحق أنّه يعم ما كان مشتركاً أيضاً ، كما عليه المشهور ، لإطلاق الروايتين وخرج الحد بالدليل .

(1) لأنّ القبول يحتاج إلى دليل ، ولذا نسب إلى المشهور عدم القبول وادعي عليه الإجماع ، فإذا لم يكن هناك دليل يكون مقتضى الأصل عدم الحجية ، وتكون معتبرتا طلحة وغياث مختصتين بقبول الشهادة على الشهادة فلا تشملان المورد ، مضافاً إلى ما ورد من الدليل على عدم القبول ، كما في رواية عمرو بن جميع عن أبي عبد اللهعن أبيه (علیهما السلام) «قال : اشهد على شهادتك من ينصحك ، قالوا : كيف يزيد وينقص ؟ قال : ولكن من يحفظها عليك ، ولا تجوز شهادة على شهادة على شهادة»(2)،

والرواية ضعيفة بعمرو ابن جميع ، ولو فرض إن الرواية ضعيفة فلا دليل على الحجية ، والحق ما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سره) بقوله : أقول المناقشة في شمول معتبرتي طلحة بن زيد ، وغياث بن إبراهيم وإن كانت لا بأس بها ، إلا أن المناقشة في شمول الإطلاقات في غير محلها ، فإنّ دليل حجية البينة ، ودليل حجية خبر الواحد يثبتان الحكم على نحو القضية الحقيقية ، فلا مانع من ثبوت بينة

ص: 282


1- الجواهر /41 / 191.
2- الوسائل باب 44 من أبواب الشهادات ح6

المسألة 113 : لو شهد رجلان عادلان على شهادة عدول أربعة بالزنا لم يثبت الحدّ ، وفي ثبوت غيره من الأحكام ، كنشر الحرمة بالنسبة إلى ابن الزاني أو أبيه ، خلاف والأظهر هو الثبوت(1).

----------------------------------------

ببينة وهكذا كما يثبت خبر بخبر وهكذا على ما فصلنا الكلام فيه في مبحث حجية الخبر الواحد(1).

(1) ادعي عليه الإجماع ، وقد عرفت حال هذه الإجماعات ، لأنّ الحدود تدرأ بالشبهة ، وكما مرّ في معتبرة طلحة بن زيد عن أبي عبد اللهعن أبيه (علیهما السلام) «عن علي (علیه السلام) أنّه كان لا يجيز شهادة على شهادة في الحد»(2)، وهكذا معتبرة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن ابيه (علیهما السلام) قال «قال : علي (علیه السلام) لا تجوز الشهادة على شهادة في حد ، ولا كفالة في حد»(3)، أما في غيرهما من الأحكام فهل يثبت أو لا ؟ الظاهر هو الثبوت ، ففي السرقة التي فيها حقوق الله وحقوق الناس لا تقطع يد السارق أي لا يجري حكم الله ، ولكن يؤخذ المال منه لأنّه يشمله إطلاق أدلة قبول الشهادة على الشهادة ، ولا مانع من التفكيك بين الحكمين ، فتحرم أُم الملوط وأخته على اللائط ،وإن كان لا يثبت قتله .

ص: 283


1- المباني /1 /175.
2- الوسائل باب 45 من أبواب الشهادات ح1
3- الوسائل باب 45 من أبواب الشهادات ح2

المسألة 114 : تثبت الشهادة بشهادة رجلين عدلين ، ولا تثبت بشهادة رجل واحد ، ولا بشهادة رجل وامرأتين(1)، ولو شهد عادلان على شهادة رجل أو على شهادة امرأتين أو عليهما معاً تثبت(2).

ولو شهد رجل واحد على أمر وشهد أيضاً على شهادة رجل آخر عليه وشهد معه رجل آخر على شهادة ذلك الرجل تثبت الشهادة(3).

----------------------------------------

(1) أمّا ثبوتها بشاهدين عدلين ، فقد ادعي عليه الإجماع ، وقد عرفت مراراً حال هذه الإجماعات بعد إن كانت منقولة أو محتملة المدركية ، فلا يمكن الاستناد إليها ، والعمدةالنصوص التي دلت على القبول .

وأمّا عدم قبول شهادة الرجل فلعدم الدليل ، بل جاء الدليل على عدم القبول كما مرّ ، وكذا لا تقبل شهادة رجل وامرأتين لأنّ شهادة النساء لا تقبل إلا في الموارد الخاصة ، وقد مر حديثا طلحة وغياث ، وكذا شهادة رجل واحد وامرأتين مختص بالموارد الخاصة .

(2) لإطلاق الادلة ومعتبرة غياث بن إبراهيم «كان علياً (علیه السلام) لا يجيز شهادة رجل إلا شهادة رجلين على شهادة رجل»((1)، ويظهر من مفهوم هذه المعتبرة أنّه يجوز شهادة رجلين على شهادة رجل واحد لا على ما شهد به الرجل الواحد .(3) وذلك لإطلاق أدلة الشهادة ، وبضم الوجدان إلى البينة ، كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سره) بضم الوجدان إلى البينة ، فإنّ شهادة أحد الرجلين وجداني وشهادة الآخر تثبت بالبينة(2).

ص: 284


1- (1) الوسائل باب 45 من أبواب الشهادات ح2 .
2- المباني /1 / 176.

المسألة 115: لا تقبل شهادة الفرع الشهادة على الشهادة على المشهور إلا عند تعذر شهادة الأصل لمرض أو غيبة أو نحوهما ، ولكنه لا يخلو من إشكال ، والقبول أقرب(1).

----------------------------------------

(1) قال في التبصرة وإنما تقبل مع تعذر حضور شاهد الأصل ، ولو أنكر الأصل ردّتالشهادة مع عدم الحكم(1)، عند المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة ، وما عن الخلاف الظاهر من المذاهب أنّه لا تقبل شهادة الفرع مع تمكن حضور شاهد الأصل ، وإنما يجوز ذلك مع تعذره ، أما بالموت ، أو بالمرض المانع من الحضور أو الغيبة ، وبه قال الفقهاء(2) ، وبناء على قولهم لو تمكن من الحضور كما لو كان حاضراً في البلد ، أو في مكان يمكنه الحضور لا تقبل شهادة الفرع ، نعم لو فرض إمكانه من الحضور لكن مع المشقة الرافعة للتكليف ، فالظاهر قبول شهادة الفرع ، والدليل اختص بما تعذر ولكن بما إنّ مقتضى قاعدة نفي الحرج عدم وجوب الحضور علىالأصل فلابد من قبول شهادة الفرع ، لأنّ إبطال المشهود له باطل بالإجماع ، فيتعين قبول شهادته .

ولكن الأقوى قبول شهادة الفرع مع حضور الأصل ، قال الشيخ في الخلاف : وأيضاً روى أصحابنا أنّه إذا اجتمع شاهد الأصل وشاهد الفرع واختلفا فإنّه تقبل شهادة أعدلهما ، حتى إنّ في أصحابنا من قال تقبل شهادة الفرع وتسقط الأصل ، لأنّه يصير الأصل مدعاً عليه ، والفرع بينة المدعي للشهادة على الأصل(3)، أمّا ما قيل من عدم القبول فإنما مدركهم الإجماع ورواية محمد بن مسلم .

وفيه : إن الإجماع غير ثابت لوجود المخالف، وأنّه منقول ، وأمّا رواية محمد

ص: 285


1- تبصرة المتعلمين / 108 .
2- الخلاف / 6 / 314 .
3- الخلاف /6 / 315 .

المسألة 116 : إذا شهد الفرع فأنكر الأصل شهادته ، فإن كان بعد حكم الحاكم لم يلتفت إلى إنكار الأصل ، وأمّا إذا كان قبله ، فلا يلتفت إلى شهادة الفرع ، نعم إذا كان شاهد الفرع أعدل(1)، ففي عدم الالتفات إليه إشكال ، والأقرب هو الالتفات .

----------------------------------------

بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) في الشهادة على شهادة الرجل وهو بالحضرة في البلد قال «قال : نعم ولو كان خلف سارية يجوز ذلك إذا كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلة تمنعه عن أنيحضره ويقيمها ، فلا بأس بإقامة الشهادة على الشهادة»(1)، فلا يمكن الاستناد إليها لإنّها ضعيفة من جهة السند ، والانجبار لا يفيد كما ذكرنا في محله ، بأن الشهرة غير جابرة ولا كاسرة فلا دليل على عدم القبول ، والأصل القبول ، وما ذكره الماتن (قدس سره) الأقرب القبول هو الصحيح لعدم الدليل على المنع.

(1) لا يخفى إن الأصل تارة يقع بعد حكم الحاكم وأخرى قبله ، وهناك أقوال في المسألة ، قال صاحب الجواهر: وما عن الشيخ في النهاية والقاضي والصدوقين العمل بأعدلهما ، وإن تساويا أُطرح الفرع، وأيضاً نسب إلى ابن حمزة ،والماتن ، والمختلف عدم الالتفات إلى الإنكار إذا كان بعد الحكم وأمّا قبله فيطرح الفرع .

أمّا إذا وقع بعد الحكم فلم يلتفت إلى الإنكار للشهرة العظيمة ، وقد ادعي الإجماع وهو الصحيح بعد أن ثبتت الشهادة بالبينة الشرعية ، وإنما حكم الحاكم مبنيٌ عليها ، فلا معنى لنقض حكمه بإنكار الأصل ، لأنّ حكم الحاكم جاء لأجل حسم مادة النزاع ، وبعد الحكم لا يجوز نقضه(2)، وما ورد في

ص: 286


1- الوسائل باب 44 من أبواب الشهادات ح1 .
2- الجواهر /41 / 201 .

المسألة 117 : يعتبر في قبول شهادة الشاهدين تواردها على شيء واحد وإن كانا مختلفين بحسب اللفظ(1). ولا تقبل مع الاختلاففي المورد، فإذا شهد أحدهما بالبيع والآخر بالإقرار به لم يثبت البيع، وكذلك إذا اتفقا على أمر واختلفا في زمانه ، فقال أحدهما إنّه باعه في شهر كذا ،

----------------------------------------

الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل شهد على شهادة رجل فجاء الرجل ، فقال : إني لم اشهده ، قال (علیه السلام) : تجوز شهادة أعدلهما وإن كانت عدالتهما واحدة لم تجز شهادته»(1)،

وصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل شهد على شهادة رجل ، فجاء الرجل فقال : لم اشهده قال ، فقال : تجوز شهادةأعدلهما ولو كان أعدلهما واحداً لم تجز شهادته»(2)

فإنهّما محمولتان على ما قبل الحكم ، لأنّ التعبير بالجواز وعدمه يكون مختصاً بما هو قبل الحكم ، وأما إذا كان بعد الحكم ، فقد عرفت بأنّه يحكم طبقاً لأعدلهما ، وعليه لو كانت شهادة الفرع أعدل يلتفت إليه وذلك بعد ما عرفت بأنّه لا يشترط في قبول شهادة الفرع عدم حضور الأصل لصريح الروايات .

(1) وذلك لأنّ العبرة إنما هي بالاتفاق في المشهود به ، ولا عبرة باختلاف اللفظ ، كأن يقول أحدهما أن زيداً غصب مال عمرو ويقول الآخر أخذه قهراً أو عدواناً لاتحادهما معناً ومفهوماً ، ولا يشترط اعتبار الاتحاد في اللفظ ، لعدم الدليل ،أمّا لو اختلفا في المعنى والمورد لم تقبل ، كما إذا شهد أحدهما بالبيع والآخر بالإقرار ، لم يثبت البيع ولا الإقرار ، لعدم قيام البينة على شيء منهما ، ويظهر بذلك حال جميع ما ذكره الماتن في المسألة .

ص: 287


1- الوسائل باب 46 من أبواب الشهادات ج1
2- الوسائل باب 46 من أبواب الشهادات ح3.

وقال الآخر إنّه باعه في شهر آخر ، وكذلك إذا اختلفا في المتعلق ، كما إذا قال أحدهما إنّه سرق ديناراً ، وقال الآخر سرق درهماً ، وتثبت الدعوى في جميع ذلك بيمين المدعي منضمة إلى أحدى الشهادتين(1)، نعم لا يثبت في المثال الأخير إلا الغرم دون الحد ، وليس من هذا القبيل ما إذا شهد إنّه سرق ثوباً بعينه، ولكن قال أحدهما إن قيمته درهم ، وقال الآخر إن قيمته درهمان ، فإنّ السرقةتثبت بشهادتهما معاً(2).

والاختلاف إنما هو في قيمة ما سرق ، فالواجب عندئذٍ على السارق عند تلف العين ردّ درهم دون درهمين ، نعم إذا حلف المدعي على إن قيمته درهمان غرم درهمين(3).

----------------------------------------

(1) لما ثبت في محله من ثبوت الدعوى إذا كان بشاهد ويمين ، وهل يثبت ذلك على الإطلاق أو إذا لم يكن هناك تكاذب ؟ فعن المحقق والجواهر نعم لو حلف مع أحدهما ثبت ما شهد به تكاذباً أم لا ، وإن نسب الاجتزاء باليمين في صورة التكاذب في الدروس إلى القيل مشعراً بتمريضه ، لكنه في غير محله ، لأنّ التكاذبالمقتضي للتعارض الذي يفزع فيه للترجيح وغيره إنما يكون بين البينتين الكاملتين لا بين الشاهدين كما هو واضح(1).

(2) لأنّه لابد من ثبوته بالبينة ولا يثبت بشاهد ويمين .

(3) لأنّ أصل السرقة يكون ثابتاً ولا يضر الاختلاف في القيمة ، نعم لو تلفت العين ردّ درهماً لا درهمين ، لثبوت الدرهم فقط ، أمّا لو حلف المدعي بأن قيمته درهمان ثبت بشاهد ويمين .

ص: 288


1- الجواهر/41 /212.

المسألة 118 : إذا شهد شاهدان عادلان عند الحاكم ، ثم ماتا حكم بشهادتهما ، وكذلك لو شهدا ، ثم زكيا من حين الشهادة(1)، ولو شهدا ثمفسقا(2)

أو فسق أحدهما قبل الحكم ، فالمشهور عدم جواز الحكم بشهادتهما في حقوق الله ، وأمّا حقوق الناس ففيه خلاف ، والظاهر هو الحكم بشهادتهما مطلقاً ، لأنّ المعتبر إنما هو العدالة حال الشهادة .

----------------------------------------

(1) بلا خلاف ولا إشكال بينهم ، والدليل هو إطلاقات أدلة نفوذ الشهادة ، ولا تكون تلك الأدلة قاصرة لشمولها للمورد جزماً ، بلا فرق بين حقوق الله وبين حقوق الناس ، فلا يفرق حينئذٍ بين الحد وغيره ، وكذلك ما لو شهدا ثم زكيا بعد الموت، لأنّ الحكم لابد أن يكون مستنداً إلى شهادة شاهدين عدلين وقد حصل.

(2) أمّا إذا شهدا ثم فسقا ، فهل تقبلشهادتهما مطلقاً أو لا تقبل أو هناك تفصيل بين حق الله فلا تقبل وحقوق الناس فتقبل ؟ الحق أنّها تقبل شهادتهما مطلقاً سواء فسقا أو كفرا ، فتكون الشهادة بالنسبة إلى حقوق الله أو حقوق الناس خلافاً لما عليه المشهور في عدم جواز الحكم بشهادتهما ، أمّا جواز الحكم فحسب القاعدة الأولية ، حيث إنّهما كانا عادلين ، والفسق اللاحق لا يكشف عن عدم عدالتهما أو أحدهما حين الشهادة ، والمفروض تحقق عدالتهما حين الشهادة ، ومع ذلك استشكلوا على عدم القبول بوجوه :

الأول : أنّه لو حكم الحاكم على طبق شهادتهما يكون مرجعه إلى أنّ حكمه كان مستنداً إلى شهادة فاسقين وهو غير نافذ .وفيه إنّ فساد هذا القول واضح غاية الوضوح ، لأنّ المعتبر في نفوذ الشهادة هو عدالتهما حين الأداء ، والحاكم حينما يحكم إنما يحكم بشهادة العادلين لا الفاسقين ، وما قيل من أنّه لم يجز لو طرأ الفسق ، فلابد من أنّ يقول بعدم الجواز

ص: 289

..........................

لو صار الشاهد بعد شهادته مجنوناً .

الثاني : إن حكم طروء الفسق بعد الشهادة كحكم رجوعهما أو أحدهما عن الشهادة قبل الحكم ، وفيه :

أولاً : أنّه قياس ، ولا نقول به .ثانياً : إن الرجوع يوجب بطلان الشهادة ويجعلها كالعدم ، وأمّا الفسق الطارئ فبما أنّه كاشفٌ عن عدم العدالة بعد الشهادة ، فلا يوجب بطلان الشهادة، نعم يوجب فقد شرط قبول الشهادة بقاءً .

الثالث : إنّ ظهور الفسق وطروءه يستلزم ضعف ظن العدالة ، وفيه :

أولاً : هذا لا يكون دائماً .

ثانياً : ولو فرض أنّه استوجب ضعف الظن ، ولكن لا يشترط ذلك ولا اثر له بعد ما ثبتت عدالته حين الأداء ، نعم ، إن ظهور الفسق لو أصبح موجباً لتشكيك عدالته ويكون شكاً سارياً بحيث لا يمكن الحكم بثبوت عدالته في حينه ، كما إذا فرض ثبوت عدالتهما بالاطمئنانالشخصي ، وبعد ظهور الفسق زال الاطمئنان وحصل الشك حين الأداء في عدالتهما فيكون ذلك سبباً في زوال العدالة ، وقادحاً في قبول شهادتهما ، وإن قلنا بقبول شهادتهما ، لا يفرق في قبولها على الإطلاق ، بلا فرق بين حق الله ، وحق الناس .

وأمّا بالنسبة إلى حق الله إضافة إلى ما ذكروا من الوجوه المتقدمة بعدم جواز الحكم بشهادتهما ، فقد استدلوا عليه بالإجماع ، وفيه مجال للمناقشة في ثبوته صغروياً وكبروياً ، لأنّه على فرض ثبوته ، هو محتمل المدركية ، للوجوه المتقدمة وبدرء الحدود بالشبهة ، إذ لا شبهة بعدم وجود الدليل على عدم القبول ، والرد لا وجه له بعد وجود الدليل التام في الحكم بلا فرق بينطروء الفسق أو الكفر إلا بناءً على سريانهما ، فإنّه موجب للقدح في الحكم قطعاً .

ص: 290

المسألة 119 : لو رجع الشاهدان عن شهادتهما في حق مالي وأبرزا خطأهما فيها قبل الحكم لم يحكم(1).

----------------------------------------

(1) لا يخفى أن الرجوع تارة يكون قبل الحكم ، وأخرى بعد الحكم أمّا في الصورة الاولى ، أي لو كان رجوعهما قبل الحكم فلا يحكم بشهادتهما

وادعي عدم الخلاف ، فلو رجعا وقالا أخطانا أو أغلطنا ، لا اعتبار بشهادتهما لانصراف دليل اعتبار الشهادة عن صورة الانتقاض وقصور شموله ، وعدم جريان السيرة العقلائية ، على حجية خبر الثقة إذا رجعالمخبر عن إخباره ويؤيد المدعى مرسلة جميل بن دراج عمّن أخبره عن أحدهما (علیهما السلام) «قال : في الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم وقد قضي على الرجل ضمنوا ما شهدوا به وغرموا ، وإن لم يكن قضى طرحت شهادتهم ، ولم يغرموا الشهود شيئاً»(1)

وزيادة على ذلك أن رجوع الشاهد عن شهادته وإبراز خطأه في الشهادة الأولى شهادة منه على نفي المشهود به سابقاً ، وبذلك تسقط الشهادة الأولى للمعارضة ، كما أنّه كذلك لو صرّح بأنّه كذب عمداً ، ينكشف بإقراره أنّه كان فاسقاً حين الشهادة ، فكان من الأول فاقداً للعدالة ، وهي شرط في قبول الشهادة .إذاً تسقط الشهادة الأولى للمعارضة ، وقد يقال بأنّه لا اعتبار بالقول الثاني ، مستدلاً بصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : كان أمير المؤمنين (علیه السلام) لا يأخذ بأول الكلام دون اخره»(2)،

وهذه الصحيحة لا يمكن الأخذ بها ، بل لابد من حملها على الإنكار بعد الإقرار ، مع أنّها غير تامة بنفسها مع اختلاف العبارة ، لأنّها وإن كانت كما ذكر في التهذيب وفي الوافي ، ولكن ورد في النسخة الخطية الصحيحة ، وفي الوسائل هكذا «كان أمير المؤمنين (علیه السلام) لا يأخذ بأول الكلام

ص: 291


1- الوسائل باب 10 من أبواب الشهادات ح1.
2- الوسائل باب 4 من أبواب آداب القاضي ح3.

ولو رجعا بعده وبعد الاستيفاء وتلف المحكوم به لم ينقض الحكم وضمنا ما شهدا به ، وكذا الحكم قبل الاستيفاء أو قبل التلف على الأظهر(1).

----------------------------------------

دون اخره» فمع الاختلاف في متن الرواية لا يمكن التمسك بها ، وقد ذكر صاحب الوسائل ليس في المصدر (لا) .

(1) وفاقاً للمشهور ، وفي المبسوط قال : إذا شهد الشهود عند الحاكم بحق فعرف عدالتهم ثم رجعوا لم يخلوا من ثلاثة أحوال ، أمّا أن يرجعوا قبل الحكم ، أو بعده وقبل القبض ، أو بعد الحكم والقبض معاً ، فإن رجعوا قبل الحكم لم يحكم بلا خلاف ، إلا أبا ثور فإنّه قال يحكم به ، والأولأصح وإن رجعوا بعد الحكم وقبل القبض نظر ، فإن كان الحق حدّاً لله كالزنا والسرقة وشرب الخمر لم يحكم بها ، لأنّها حدود تدرأ بالشبهات ورجوعهم شبهة ، وإن كان حقاً لأدمي يسقط بالشبهة كالقصاص وحد القذف لم يستوف لمثل ذلك ، وأمّا إن رجعوا بعد الحكم وبعد الاستيفاء أيضاً لم ينقض حكمه بلا خلاف إلا سعيد بن المسيب والاوزاعي(1).

وتدل على ذلك إطلاقات أدلة عدم نقض الحكم ، ويؤيد ذلك مرسلة جميل«في الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم وقد قضي على الرجل ضمنوا ما شهدوا به وغرموا ، وإن لم يكن قضى طرحت شهادتهم ولم يغرموا الشهود شيئاً»(2)

فهيتشمل بإطلاقها حتى إذا كانت العين باقية ، ومعتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیه السلام) «إن النبي(صلی الله علیه و آله وسلم) قال : من شهد عندنا ثم غير أخذناه بالأول وطرحنا الأخير»(3)

أي يلزم الشاهد بشهادته الأولى ومؤاخذته والمراد بها ضمانه ، لأنّه

ص: 292


1- المبسوط /5 /611 .
2- الوسائل باب 10 من أبواب الشهادات ح1
3- الوسائل باب 11 من أبواب الشهادات ح4

المسألة 120 : إذا رجع الشاهدان أو أحدهما عن الشهادة في الحدود خطأ ، فإن كان قبل الحكم لم يحكم ، وإن كان بعد الحكم والاستيفاء ضمنا إن كان الراجع كليهما ، وإن كان أحدهما ضمن النصف(1)، وإن كان بعده وقبل الاستيفاء نقض الحكم على المشهور ولكنه لا يخلو عنإشكال ، والأقرب نفوذ الحكم .

----------------------------------------

بشهادتهما أصبح المال بحكم التلف .

قد يقال بأنّه إذا كانت العين باقية ردّت على صاحبها ، وذكر صاحب الجواهر: لكن في النهاية ومحكي الوسيلة والكافي والقاضي ترد العين على صاحبها ولا غرامة على الشهود ، لا لما ذكروه لهم من الوجوه الواضحة الفساد ، بل لما عن جامع المقاصد الرواية بذلك(1)، ولعل المراد ما عن صحيحة جميل عن أبي عبد الله (علیه السلام) في شاهد الزور «قال : إن كان الشيء قائماً بعينه ردّ على صاحبه ، وإن لم يكن قائماً ضمن بقدر ما اتلف من مال الرجل»(2)،

إلا أنهذه الرواية وردت أولاً في شاهد الزور ، والتعدي إلى مطلق الشاهد يحتاج إلى دليل ، فهي مختصة بموردها ، فمقتضى عدم جواز نقض حكم الحاكم وإطلاق أدلته فلابد من بقاء الحكم وضمانه ولو كان المال باقياً وفرض أن العين باقية ، ولكن بما أنّه خرج من ملك المشهود عليه إلى ملك المشهود له يكون بحكم التلف .

(1) أمّا قبل الحكم فلا يحكم كما مرّ ، وأمّا إذا كان بعد الحكم والاستيفاء فلم ينقض الحكم ، وقد ادعى في الجواهر بقوله : أمّا لو حكم وسلم المال للمحكوم له فرجعوا والعين قائمة فإنّه أولى بعدم النقض مما سمعت ، ولذا كان الأصح وفاقاً للمشهور لا ينقض ولا تستعاد العين ، بل قيل أن عليه عامة

ص: 293


1- الجواهر/ 41 /224.
2- الوسائل باب 11 من أبواب الشهادات ح2

..........................

المتأخرين ، بل والقدماء كما يفهم من المبسوط قال : وإن رجعوا بعد الحكم وبعد الاستيفاء لم ينقض حكمه بلا خلاف(1).

ويدل على ذلك أيضاً إطلاقات عدم جواز نقض الحكم ، ويؤيده مرسل جميل بن دراج عمّن أخبره عن احدهما (علیهما السلام) «قال في الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم وقد قضي على الرجل ضمنوا ما شهدوا به وغرموا ، وإن لم يكن قضى طرحت شهادتهم ولم يغرموا الشهود شيئاً»(2)، ومنها صحيحة محمد بن قيس عن أبيجعفر (علیه السلام) «قال : قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل شهد عليه رجلان بأنّه سرق فقطع يده حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر ، فقالا : هذا السارق وليس الذي قطعت يده ، إنما شبهنا ذلك بهذا ، فقضي عليهما أن غرمهما نصف الدية ، ولم يجز شهادتهما على الآخر»(3)،

ومن جملة الروايات أيضاً معتبرة السكوني عن أبي جعفر عن أبيه عن علي (علیهم السلام) «في رجلين شهدا على رجل أنّه سرق فقطعت يده ثم رجع أحدهما ، فقال : شّبه علينا غرما دية اليد من أموالهما خاصة»(4)، لا يخفى أنّ صدر الرواية وإن دل على غرامة تمام الدية إذا رجع شاهد واحد مع أنّه عليهنصف الدية ، ولكن المراد بالرجوع الرجوع الخارجي ، وإلا الرواية تشير إلى رجوع كليهما ، حيث قال الاخر شبه علينا ، وحيث رجعا معاً فغرمهما الدية الكاملة ، ولو فرض أنّ صدر الرواية فيه إطلاق ، ويقيد هذا الإطلاق بقرينة سائر الروايات وبقرينة ما دل في ذيل معتبرة السكوني المتقدمة على ما إذا رجع كلاهما فيحكم بنصف الدية ، ومعتبرته الأخرى وقال «في أربعة شهدوا على رجل أنّهم

ص: 294


1- الجواهر/41 / 223 .
2- الوسائل باب 10 من أبواب الشهادات ح1
3- الوسائل باب 14 من أبواب الشهادات ح3
4- الوسائل باب 14 من أبواب الشهادات ح2

المسألة 121 : لو أعاد الشاهدان شهادتهما بعد الرجوع عنها قبل حكم الحاكم ، فهل تقبل ؟ فيه وجهان الأقرب عدم القبول(1).

المسألة 122 : إذا رجع الشهود أو بعضهم عنالشهادة في الزنا خطأ جرى فيه ما تقدم ، ولكن إذا كان الراجع واحداً وكان رجوعه بعد الحكم والاستيفاء غرم ربع الدية ، وإذا كان الراجع اثنين غرما نصف الدية ، وإذا كان الراجع ثلاثة غرموا ثلاثة ارباع الدية ، وإذا كان الراجع جميعهم غرموا تمام الدية(2).

----------------------------------------

رأوه مع امرأة يجامعها وهم ينظرون ، فرجم ثم رجع واحد منهم ، قال : يغرم ربع الدية إذا قال شبه عليَّ ، وإذا رجع اثنان وقالا شبه علينا غرما نصف الدية ، وإن رجعوا كلهم وقالوا شبه علينا غرموا الدية ، فإن قالوا شهدنا بالزور قتلوا جميعاً»(1).(1) وذلك كما إن الرجوع معناه أن يشهدان على خلاف ما شهدا به أولاً ، ويبطلانه حيث بعد الرجوع وإبراز الخطأ ، تكون شهادتهما على خلاف ما شهدا به أولاً ، فتعارض الشهادة الأولى للثانية ، وكذلك تعارضان الشهادة الثالثة أيضاً ، فلا دليل على القبول ، وللشك في شمول اعتبار الشهادة لمثل ذلك .

(2) فتدل على ذلك معتبرة السكوني المتقدمة في المسألة السابقة ، نعم هناك روايتان إحداهما معتبرة كردين عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في اربعة شهدوا على رجل بالزنا فرجم ثم رجع أحدهم ، فقال : شككت في شهادتي قال : عليه الدية ، قال ، قلت : فإنه قال : شهدت عليه متعمداً، قال : يقتل»(2)، قال الاستاذ الأعظم (قدس سره) : فهي وإن كانت ظاهرة في لزوم تمام الدية على الراجع إلا أن ظهورها كان بالإطلاق

ص: 295


1- الوسائل باب 14 من أبواب الشهادات ح2
2- الوسائل باب 12 من أبواب الشهادات ح3

المسألة 123 : تحرم الشهادة بغير حق ، وهي من الكبائر(1).

----------------------------------------

فيرفع اليد عنه بمعتبرة السكوني فيقيد بالربع(1).

ولكن الحق أن الرواية لم تكن ناظرة للمقدار ، بل تدل على ثبوت أصل الدية أمّا ربعها أو نصفها أو تمامها فلا ، ولا نحتاج أن نجري قاعدة الإطلاق والتقييد كما فعل الاستاذ الأعظم ، وهكذاما ورد عن ابن محبوب عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (علیه السلام) «في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا ثم رجع أحدهم بعد ما قتل الرجل ، قال : إن قال الراجع أوهمت ، ضرب الحد وأغرم الدية، وإن قال تعمدت قتل»(2)،

وفيه :

أولاً : أنّها مرسلة .

ثانياً : كما ذكر لا نظر للرواية بالنسبة إلى المقدار ، بل نظرها إلى أصل غرم الدية ، فلا حاجة إلى جريان قاعدة الإطلاق والتقييد أيضاً كما مرّ .

(1) أولاً : هل يمكن تحديد الكبائر وتميزها عن الصغائر ، أو أنّه لا وجود للصغيرة وليس هناكذنب صغير بإزاء الكبير ، قالوا بأن ضابطة الكبير هو ما جاء في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) في قول الله عز وجل : «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً»(3)، قال : الكبائر التي أوجب الله عزّ وجل عليها النار»(4) أي إذا اجتنبتم الذنوب الكبيرة التي نهاكم سبحانه وتعالى عنها «نكفر سيئاتكم» أي نعفوا عن صغائر ذنوبكم ونموحوها عن صحائفكم و نتجاوز عنها لطفاً ورحمة وكرماً وأنتم في

ص: 296


1- المباني /1 / 188 .
2- الوسائل باب 12 من أبواب الشهادات ح1
3- سورة النساء الآية / 31 .
4- الوسائل باب 45 من أبواب اجتناب الكبائر ح2 .

..........................

الآخرة إلى مقام سام ، وفي صحيحة الحلبي قال «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن قول عز وجل : «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ» قال : الكبائر السبع الموجبات ، قتل النفس الحرام ، وعقوق الوالدين ، وأكل الربا ، والتعرب بعد الهجرة ، وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ، والفرار من الزحف»(1)

، وعن العياشي في تفسيره عن علقمة الحضرمي وأبي حسان العجلي وعبد الله بن عجلان عن أبي جعفر (علیه السلام) في حديث «قالوا ، قلنا : وما الكبائر ؟ قال : وهي في كتاب الله على سبع ، قلنا فعدها علينا جعلنا فداك ، قال : الشرك بالله العظيم ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا بعد البينة وعقوق الوالدين ،والفرار من الزحف ، وقتل المؤمن وقذف المحصنة»(2)

والمعروف بين أصحابنا الإمامية كما هو في مصنفاتهم ما ذكر في صحيحة الحلبي ، قد يقال : هذا التحديد غير تام ولا يكون مميزاً بين الصغيرة والكبيرة لأنّ جميع المعاصي قد أوعد الله عليها النار ، كما في قوله تعالى : «وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً»(3)

ويمكن أن المراد الاستمرار على الصغائر ، أو نقول أن المخالفة لله وإن كانت صغيرة توجب دخول النار بذاتها ، ولكن ترك الكبائر يكون كفارة عن الصغائر فمع إتيان الصغائر لا يستوجب التخليد ، وإن نسب إلى ابن عباس ، كل ما نهىعنه الله فهو كبيرة(4)،

أي في حد ذاتها لأنّها مخالفة ما هو عظيم شديد العقاب ، وقال المحقق الاردبيلي : قد اختلف في أن الذنوب هل هي تنقسم إليها وإلى الصغائر أو كلها كبائر قيل بالثاني فلا صغيرة ، بل الذنوب كلها كبيرة ، وإنما سميت صغيرة

ص: 297


1- الوسائل باب 46 من أبواب الشهادات ح32
2- مستدرك الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح1 .
3- سورة الجن الآية / 23 ،
4- مجمع البيان تفسير الآية 31 سورة النساء .

..........................

وكبيرة بالنسبة ، فإن القبلة صغيرة بالنسبة إلى الزنا وكبيرة بالنسبة إلى النظر(1)، وقد نسب إلى الصدوق رحمه الله الأخبار في الكبائر ليست مختلفة وإن كان بعضها ورد بأنها خمس ، وبعضها سبع ، وبعضها ثمان ، وبعضها أكثر ، لأنّكل ذنب بعد الشرك كبير بالنسبة إلى ما هو أصغر منه ، وكل كبير صغير بالنسبة إلى الشرك بالله(2)

، فالذنوب الكبيرة بالإضافة إلى ما هو أصغر منها ، وكل كبير صغير بالإضافة إلى الشرك بالله العظيم ، ولذا ورد في حديث أبي الصامت عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : أكبر الكبائر سبع ، الشرك بالله العظيم ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل أموال اليتامى ، وعقوق الوالدين ، وقذف المحصنات ، والفرار من الزحف ، وأنكار ما أنزل الله»(3).

وقد قيل أنّ عدد الكبائر خمسة كما في العلل والخصال عن محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال :وجدنا في كتاب علي (علیه السلام) الكبائر خمسة : الشرك ، وعقوق الوالدين ، وأكل الربا بعد البينة والفرار من الزحف ، والتعرب بعد الهجرة»(4)،

وقيل سبع كما في رواية أبي الصامت وغيرها ، وقيل تسع كما عن كنز الفوائد قال : «قال النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) : الكبائر تسعة اعظمهن الإشراك بالله عز وجل ، وقتل النفس المؤمنة ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ، والفرار من الزحف ، وعقوق الوالدين ، واستحلال البيت الحرام ، والسحر ، فمن لقي الله عزّ وجل وهو بريء منهن كان معي في الجنة مصاريعها الذهب»(5)، وقيل عشرة كما عن مسعدة بن صدقة قال : «سمعت أبا

ص: 298


1- مجمع الفائدة والبرهان /12 /315.
2- الوسائل باب 1 من أبواب الشهادات ح5 .
3- الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح20.
4- الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح27.
5- الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح37.

..........................

عبد الله (علیه السلام) يقول الكبائر القنوط من رحمة الله ، واليأس من روح الله ، والأمن مكر الله ، وقتل النفس التي حرم الله وعقوق الوالدين ، وأكل مال اليتيم ظلماً ، وأكل الربا بعد البينة والتعرب بعد الهجرة ، وقذف المحصنة ، والفرار بعد الزحف»(1)وقيل اثنتا عشرة ، وقيل عشرون كما عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال : «حدثني أبو جعفر الثاني (علیه السلام) قال : سمعت أبي يقول سمعت أبي موسى بن جعفر (علیه السلام) يقول دخل عمرو بن عبيد علىأبي عبد الله (علیه السلام) فلما سلم وجلس تلا هذه الآية : «وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ»(2) ثم أمسك ، فقال له أبو عبد الله : ما اسكتك ؟ قال : أحب أن أعرف الكبائر من كتاب الله عزّ وجل ، فقال : نعم يا عمرو أكبر الكبائر الشرك بالله يقول الله : «مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ»(3)، وبعده اليأس من روح الله ، لإنّ الله عزّ وجل يقول : «لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ»(4)، ثم الأمن من مكر الله لأنّ الله عزّ وجل يقول : «فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ»(5)، ومنها عقوق الوالدين لأن الله سبحانه جعل العاق جباراً شقياً وقتل النفس التيحرم الله إلا بالحق ، لأن الله عزّ وجل يقول : «فَجَزَاؤُهُ

جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا»(6) إلى آخر الآية وقذف المحصنة لأن الله عزّ وجل يقول : « لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ »(7) وأكل مال اليتيم لأنّ الله عزّ وجل يقول : «إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي

ص: 299


1- الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح13.
2- سورة الشورى الآية / 37 .
3- سورة المائدة الآية / 72 .
4- سورة يوسف الآية / 87 .
5- سورة الاعراف الآية / 99 .
6- سورة النساء الآية / 93 .
7- سورة النور الآية / 23 .

..........................

بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً»(1)، والفرار من الزحف لأنّ الله عزّ وجل يقول : «وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْبَاء بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ»(2) وأكل الربا لأن الله عزّ وجل يقول : «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ»(3)، والسحر لأنّ الله عزّ وجل يقول : «وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآَخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ»(4)، * والزنا لأن الله عز وجل يقول : «يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً»(5)، واليمين الغموس الفاجرة لأن الله عزّ وجل يقول : «إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ »(6)والغلول لأن الله عزّ وجل يقول : «وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(7) ومنعالزكاة المفروضة لأن الله عزّ وجل يقول : «فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ»(8)وشهادة الزور وكتمان الشهادة لأن الله عزّ وجل يقول : «وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ »(9)، وشرب الخمر لأنّ الله عز وجل نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان وترك الصلاة متعمداً أو اشياءً مما فرض الله عزّ وجل ، لأن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) قال : من ترك الصلاة متعمداً فقد بريء من ذمة الله ، وذمة رسوله ونقض

ص: 300


1- سورة النساء الآية / 10 .
2- سورة الانفال الآية / 16 .
3- سورة البقرة الآية / 275 .
4- سورة البقرة الآية / 102 .
5- سورة القرقان الآية / 68 - 69 .
6- سورة آل عمران الآية / 77 .
7- سورة آل عمران الآية / 161 .
8- سورة التوبة الآية / 35 .
9- سورة البقرة الآية / 283 .

..........................

العهد ، وقطيعة الرحم لأنّ الله عزّ وجل يقول : «لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ»(1) قال : فخرج عمرو وله صراخ من بكائه وهو يقول : هلك من قال برأيه ونازعكم في الفضل والعلم»(2)،

وقيل أربع وثلاثون ، وقيل أربعون ، كما نسب إلى السيد بحر العلوم في مصابيحه قال : يستفاد من مجموع الروايات الواردة في تعداد الكبائر والنصوص الواردة في بعض المعاصي على الخصوص بعد إسقاط المكررات منها ، أنّ الكبائر أربعون :

1_ الكفر بالله .

2_ إنكار ما انزل الله .

3_ اليأس من روح الله .

4_ الامن من مكر الله .

5_ الكذب على الله ورسوله وعلى الاوصياءأو مطلق الكذب .

6_ المحاربة لأولياء الله .

7_ قتل النفس المحترمة .

8_ معونة الظالمين والركون إليهم .

9_ الكبر .

10_ عقوق الوالدين.

11_ قطيعة الرحم .

12_ الفرار من الزحف .

13_ التعرب بعد الهجرة .

14_ السحر .

ص: 301


1- سورة الرعد الآية / 25 .
2- الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح2 .

..........................

15_ شهادة الزور .

16_ كتمان الشهادة .17_ اليمين الغموس .

18_ نقض العهد .

19_ الجنف في الوصية .

20_ أكل مال اليتيم ظلماً .

21_ أكل الربا بعد البينة .

22_ أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به .

23_ أكل السحت .

24_ الخيانة .

25_ الغلول أو مطلق السرقة .

26_ البخس في الميزان والمكيال .

27_ حبس الحقوق من غير عسر .

28_ الإسراف والتبذير .

29_ الاشتغال بالملاهي .30_ القمار .

31_ شرب الخمر.

32_ الغناء .

33_ الزنا .

34_ اللواط .

35_ قذف المحصنات .

36_ ترك الصلاة .

ص: 302

فإن شهد الشاهدان شهادة الزور(1).

----------------------------------------

37_ منع الزكاة .

38_ الاستخفاف بالحج .

39_ ترك شيء مما فرض الله .

40_ الإصرار على الذنوب .وقد ذكر صاحب الرياض بقوله : ووجه الجمع بين الأخبار السابقة وهذه الأخبار ونحوها المتوهم تعارضها لها ، من حيث تضمن هذه تعداد الكبائر وحصرها في عدد مخصوص من سبع كما في الأول ونحوه أو ما زاد كما في الباقي وهو مناف لما تضمنته تلك من أنّها أوجب الله تعالى عليها النار وهو يزيد عن الأفراد المعدودة في هذه النصوص وترتقي إلى سبعمائة كما عن ابن عباس(1)، وتبعه من الأصحاب جماعة(2)،

ما ذكره بعض الأصحاب من أنّه يجوز أن يكون مراتب الكبائر مختلفة ، بأن يكون السبع اكبر من الباقي(3)،

فعلى أي حال يكون الاختلاففي التعداد دليلاً على أن النسبة تكون بين الكبيرة إلى الأكبر لا الكبيرة والصغيرة .

(1) أمّا شهادة الزور التي عدّت من الكبائر ، فهي بمعنى أن الزور إنما يستحق بتعمد الكذب كما مرّ في تعدادها ، وأمّا نقض الحكم فيكون طبقاً للقاعدة ، لأنّه بعد أن ثبت كذبهما في انكشاف وقوع الحكم في غير محله .

وأمّا وجوب ردّ العين فلأنّه مال للغير ، فيجب شرعاً ردّه إلى صاحبه ، مضافاً إلى ورود صحيحة جميل عن أبي عبد الله (علیه السلام) في شاهد الزور قال : «إن كان

ص: 303


1- حكاه عن الطبري في جامع البيان /4/ 27.
2- منهم الفاضل المقداد في التنقيح /4 /291 ، والشهيد الثاني في الروضة /3/ 129 ، وصاحب الحدائق / 10/ 51 .
3- الحدائق /10/ 49.

..........................

الشيء قائماً بعينه ردّ على صاحبه ، وإن لم يكن قائماً ضمن بقدر ما أتلف»(1).

وأمّا لو تلف فإنّه يكون ضامناً ، لأنّ اتلاف مال الغير موجب للضمان وصحيحته الثانية ، أو حسنته ، عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في شهادة الزور إن كان قائماً وإلا ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل»(2)

وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (علیه السلام) في شاهد الزور ما توبته «قال : يؤدي من المال الذي شهد عليه بقدر ما ذهب من ماله ، إن كان النصف أو الثلث ، إن كان شهد هذا وآخر معه»(3) .

أمّا في صورة ما إذا كان المشهود له عالماًبالحال ، فإنّه لا حق له ، فمع ذلك أتلف ماله فتغريم الشهود محل إشكال ، لأنّ أخذه للمال يكون غصباً والتصرف فيه حراماً ، والمشهود له هو الغاصب ، فإذا أتلفه كان ضامناً ، فما دلّ من الحديث كحديث جميل بإطلاقه فهو منصرف إلى صورة جهل المشهود به ، وعلى أي حال إذا غرم الشاهدان فلهما الرجوع إلى المشهود له ، ولا عكس بعد إن كان الضمان مستقراً في ذمته ، لأنّه هو الذي أتلف مال الغير غصباً وكان هو المسبب للتلف .

وأمّا إذا كان المشهود له جاهلاً ولم يكن أخذه للعين عن غير الحق ظاهراً ولا يكون غاصباً وتلف ، فلا يكون ضامناً ، فيكون الضمان علىالشاهد لأنّه هو الذي أصبح سبباً للإتلاف ، ويدل عليه الروايات المتقدمة بقوله (علیه السلام) «يؤدي من المال بقدر ما تلف» .

ص: 304


1- الوسائل باب 11 من أبواب الشهادات ح2
2- الوسائل باب 11 من أبواب الشهادات ح3
3- الوسائل باب 11 من أبواب الشهادات ح1

وحكم الحاكم بشهادتهما ثم ثبت عنده إنّ شهادتهما كانت شهادة زور انتقض حكمه ، وعندئذٍ إن كان المحكوم به من الأموال ضمناه ووجب ردّ العين على صاحبها إن كانت باقية ، وإلا غرما ، وكذلك المشهود له إذا كان عالماً بالحال ، وأمّا إذا كان جاهلاً بالحال ، فالظاهر أنّه غير ضامن ، بل الغرامة على الشاهدين ، وإن كان المحكوم به من غير الأموال كقطع اليد والقتل والرجم ، وما شاكل ذلك ، اقتص من الشاهد(1).

----------------------------------------

(1) وقد استدلوا على ذلك :

أولاً : بالإجماع ، وفيه أنّه غير تعبدي بحيث يكون كاشفاً عن رأي المعصوم ، بل هو محتملأو مظنون المدركية ، ولعل مدركهم بناء العقلاء .

ثانياً : بقاعدة الإقرار ، وهذه القاعدة مما اتفق عليها العقلاء كافة من جميع الملل على نفوذ إقرار كل عاقل على نفسه عادلاً كان أو فاسقاً مسلماً كان أو كافراً ، يقول استاذنا المحقق (قدس سره) في كتابه القواعد الفقهية في قاعدة الإقرار قوله : اتفاق العقلاء من جميع الملل كافة على نفوذ إقرار كل عاقل على نفسه ، بمعنى أن إقرار العاقل على نفسه طريق مثبت لما أقر به عندهم جميعاً ولم ينكره أحد ، وذلك أن العاقل لا يقدم على إضرار نفسه إلا لبيان ما هو الواقع لوخز ضميره من الخلاف الذي صدر عنه ، سواء كان ذلك الخلاف هي السرقة أو جناية أو غصب أوقذف وما شابه ذلك ، أو يقر على نفسه ببيان الواقع حذراً من العذاب الآخروي ، مثلاً لو كان مال غيره في يده وتحت سيطرته وتصرفه ، فلا يعترف أنّه لذلك الغير إلا لما ذكرنا من الوجوه ، كما أنّه لو كان لنفسه ، فلا يعترف أنّه لغيره لعدم الداعي إلى ذلك في الغالب انتهى(1)، فلو أقرّ على نفسه فلا يسئل أحد في تصديقه وقبول قوله

ص: 305


1- القواعد الفقهية /3 /45 .

..........................

ويؤيد ذلك ما في مرسلة محمد بن الحسن العطار عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (علیه السلام) «المؤمن اصدق على نفسه من سبعينمؤمناً عليه»(1) وروى جماعة من علمائنا في كتب الاستدلال عن النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) أنّه قال : «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(2)،

وصدور هذا الحديث محل اطمئنان ، لأنّه مشهور بين الفريقين ، وقد عبر عنه بالمستفيض أو المتواتر ، فهو تام ويكون نافذاً ، والذي لابد أن يقوم عليه الدليل المعتبر هو تسبب القتل كالقاتل ، وقد استدلوا على ذلك بروايات .

منها : معتبرة السكوني الآنفة الذكر عن جعفر عن أبيه عن علي (علیه السلام) «في رجلين شهدا على رجل أنّه سرق فقطعت إلى أن قال ، وقال : في أربعة شهدوا على رجل أنّهم رأوه معامرأة يجامعها وهم ينظرون فرجم ، ثم رجع واحد منهم ، قال : يغرم ربع الدية إذا قال شبه علي ، وإذا رجع اثنان وقالا شبه علينا غرما نصف الدية ، وإن رجعوا كلهم وقالوا شبه علينا غرموا الدية فإنّ قالوا شهدنا بالزور قتلوا جميعاً»(3)

، ومعتبرة مسمع كردين التي مرّ ذكرها عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في أربعة شهدوا على رجل بالزنا فرجم ثم رجع أحدهم فقال شككت في شهادتي ، قال : عليه الدية ، قال : قلت : فإنّه قال شهدت عليه متعمداً قال (علیه السلام) يقتل»(4).

ومنها : صحيحة إبراهيم بن نعيم الأزدي قال : «سألت أبا عبد الله عن أربعة شهدوا ، على رجلبالزنا فلما قتل رجع أحدهم عن شهادته قال : فقال يقتل الرابع ويؤدي الثلاثة إلى أهله ثلاثة ارباع الدية»(5)، وتحمل على العمد كما ذكره

ص: 306


1- الوسائل باب 3 من أبواب الاقرار ح1.
2- الوسائل باب 3 من أبواب الاقرار ح2.
3- الوسائل باب 14 من أبواب الشهادات ح2 .
4- الوسائل باب 12 من أبواب الشهادات ح3 .
5- الوسائل باب 12 من أبواب الشهادات ح2 .

المسألة 124: إذا أنكر الزوج طلاق زوجته وهي مدعية له ، وشهد شاهدان بطلاقها ، فحكم الحاكم به، ثم رجعا وأظهرا خطأهما، فإن كان بعد الدخول لم يضمنا شيئاً ، وإن كان قبله ضمنا نصف المهر المسمى على المشهور، ولكنه لا يخلو من إشكال، بل الأظهر عدم الضمان(1).

----------------------------------------

الاستاذ الاعظم (قدس سره) فهذه الصحيحة وإنكانت مطلقة إلا أنّه لابد من تقييدها بصورة التعمد وإلا فليس عليه إلا الدية(1).

ومنها : عن الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن (علیه السلام) «في رجلين شهدا على رجل أنه سرق فقطع ثم رجع واحد منهما وقال : وهمت في هذا لكن كان غيره يلزم نصف دية اليد ولا تقبل شهادته على الآخر ، فإن رجعا جميعاً ، وقالا وهمنا بل كان السارق فلاناً الزما دية اليد ، ولا تقبل شهادتهما على الآخر ، وإن قالا إنا تعمدنا قطع يد أحدهما بيد المقطوع ويرد الذي لم يقطع ربع دية الرجل على اولياء المقطوع اليد ، فإن قال المقطوع الأول لا ارضى أو تقطع ايديهما معاً رد دية يد فتقسم بينهما و تقطع ايديهما(2)وغيرها من الروايات .

(1) أمّا عدم نقض حكم الحاكم فلأنّه يكون طبقاً لمقتضى القاعدة ولإطلاقات ما دل على عدم جواز نقض حكم الحاكم ، وأمّا إذا كان بعد الدخول وإن فوتا المنفعة على الزوج ولكن بشهادتهما فلا يفوتان عليه المال والمنفعة لا تضمن، والمسألة غير خلافية ، قد يقال إذا كان قبل الدخول ضمنا نصف المهر المسمى، حيث أنّه لا يضمنان إلا بمقدار ما عين المشهود عليه ولكن الحق أنّهما ليس عليهما شيء ، لأنّهما لم يتلفا شيئاً على الزوج لأنّ نصف المهر قد استقر بمجرد العقد ، سواء طلق أم لم يطلق ، دخل بها أم لم يدخل ، نعم يستقر نصفه

ص: 307


1- المباني /1/191.
2- الوسائل باب 18 من أبواب فصاص الاطراف ح1 .

المسألة 125 : إذا شهد شاهدان بطلاق امرأة زوراً فاعتدت المرأة وتزوجت زوجا آخر مستندة إلى شهادتهما ، فجاء الزوج وأنكر الطلاق فعندئذٍ يفرق بينهما ، وتعتد من الأخير ، ويضمن الشاهدان الصداق للزوج الثاني ويضربان الحدّ ، وكذلك إذا شهدا بموت الزوج فتزوجت المرأة ثم جاءها زوجها الأول(1) .

----------------------------------------

الآخر بالدخول ، ولذا حكى صاحب الجواهر : بلا خلاف أجده في شيء من ذلك إلا ما يحكى عن الشيخ في النهاية إن شهد رجلان على رجل بطلاق امرأته فاعتدت وتزوجت ودخل بها ثم رجعا وجب عليهما الحدّ وضمنا المهر للزوجالثاني(1).

(1) لا يخفى بأنّ المستند في هذا صحيحة إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في شاهدين شهدا على امرأة بأن زوجها طلقها فتزوجت ثم جاء زوجها فأنكر الطلاق ، قال : يضربان الحدّ و يضمنان الصداق للزوج ثم تعتد ثم ترجع إلى زوجها الأول»(2)، هذا كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سره) أقول : الشهادة في هذه الصحيحة وإن لم يصرح بإنّها شهادة زور إلا أنّه لابد من حملها عليها بقرينة ما ورد فيها من الحدّ حيث لا حدّ إلاّ على شاهد الزور بلا إشكال(3)، لأنّ شهادة الخطأ لا حد لها ، ثم أنّهاتعتد وبعد أتمام العدة ترجع إلى الزوج الأول ، ويضمن الشاهدان الصداق ، لأنّهما هما اللذان اصبحا سبباً وغرا الزوج الثاني ، بحسب الرواية ، وإلا لولا الغرور فالمهر يكون على الزوج بالدخول أي بمجرد العقد النصف من المهر ، وبعد الدخول تمام المهر ، وهكذا بالنسبة إلى الشاهدين الذين شهدا زوراً بموت الزوج أيضاً لصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في امرأة

ص: 308


1- الجواهر / 41/ 232.
2- الوسائل باب 13 من أبواب الشهادات ح1.
3- المباني /1/ 193.

المسألة 126 : إذا شهد شاهدان بطلاق امرأة ، فاعتدت المرأة فتزوجت رجلاً آخر، ثم جاء الزوج فأنكر الطلاق ، ورجع أحد الشاهدين وأبرز خطأه ، فعندئذٍ يفرق بينهما ، وترجع إلى زوجهاالأول وتعتد من الثاني ، ويؤخذ الصداق من الذي شهد ورجع(1).

----------------------------------------

شهد عندها شاهدان بأن زوجها مات فتزوجت ، ثم جاء زوجها الأول ، قال (علیه السلام) : لها المهر بما استحل من فرجها الأخير ، ويضرب الشاهدان الحدّ ويضمنان المهر لها بما غرا الرجل ، ثم تعتد وترجع إلى زوجها الأول»(1)، وقد تقدم بأنّ جريان الحد إنما هو إذا شهدا زوراً لا جهلاً .

(1) ويدل على ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «في رجلين شهدا على رجل غائب عن امرأته أنّه طلقها ، فاعتدت المرأة وتزوجت ، ثم إن الزوج الغائبقدم فزعم أنّه لم يطلقها وأكذب نفسه أحد الشاهدين ، فقال : لا سبيل للأخير عليها ويؤخذ الصداق من الذي شهد ورجع ، فيرد على الأخير ويفرق بينهما وتعتد من الأخير ، ولا يقربها الأول حتى تنقضي عدتها»(2)،

فالرواية وإن كانت مطلقة تشمل ما إذا كانت الشهادة زوراً فلابد أن تحمل على شهادة غير الزور، لأنّه لم يرد فيها ذكر الحدّ فرجوع الشاهد من جهة الخطأ والاشتباه ، وإطلاق ذكر المهر أي تمامه على الراجع ولابد من الالتزام به ولو فرض أن هناك إجماعاً على الخلاف .

ص: 309


1- الوسائل باب 13 من أبواب الشهادات ح2
2- الوسائل باب 11 من أبواب الشهادات ح2.

المسألة 127 : إذا حكم الحاكم بثبوت حق مالي مستنداً إلى شهادة رجلين عادلين فرجع أحدهما ضمن نصف المشهود به ، وإن رجع كلاهما ضمنا تمام المشهود به وإذا كان ثبوت الحق بشهادة رجل وامرأتين، فرجع الرجل عن شهادته دون المرأتين ضمن نصف المشهود به، وإذا رجعت أحدى المرأتين عن شهادتها ، ضمنت ربع المشهود به وإذا رجعتا مما ضمنتا تمام النصف ، وإذا كان ثبوت الحق بشهادة أربع نسوة كما في الوصية فرجعن جميعاً عن شهادتهن ضمنت كل واحدة منهن الربع ، وإذا رجع بعضهن ضمنت بالنسبة(1).

----------------------------------------

(1) ويدل على هذا ما ورد من صحيحة جميل عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في شاهد الزور ، قال : إن كان الشيء قائماً بعينه ردّ على صاحبه ، وإن لم يكن قائماً ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل»(1)،

والرواية ولو أنّها وردت في شهادة الزور ولكن لا نرى أي خصوصية ، بل يكون لأجل أصل الشهادة حيث إن سبب الإتلاف كان هو الشهادة فلا فرق بين أن تكون الشهادة زوراً أو لا تكون ، لأنّ الإتلاف هو موضوع الضمان ، وهو مشترك في الموردين .

ص: 310


1- الوسائل باب 11 من أبواب الشهادات ح2.

المسألة 128 : إذا كان الشهود أكثر مما تثبت به الدعوى ، كما إذا شهد ثلاثة من الرجال ، أو رجل وأربع نسوة ، فرجع شاهد واحد ، قيل أنّه يضمن بمقدار شهادته ، ولكن لا يبعد عدم الضمان ، ولو رجع اثنان منهم معاً فالظاهر أنّهما يضمنان النصف(1).

المسألة 129 : إذا ثبت الحق بشهادة واحد ويمين المدعي ، فإذا رجع الشاهد عن شهادته ضمن النصف ، وإذا كذّب الحالف نفسه اختص بالضمان ، سواء أرجع الشاهد عن شهادته أم لم يرجع(2).

----------------------------------------

(1) أمّا عدم الضمان فلأنّ الإتلاف لا يكونمستنداً إليه بعد إن تثبت شهادة الشاهدين ، إذاً وجود الأكثر وعدمه سواء ، أي شهادة الراجع وعدمه سواء ، وأمّا إذا رجع اثنان فبما أن الشهادة لا تثبت بالرجل الواحد الباقي بل لابد من شهادته منضماً إلى شهادة رجل آخر حتى تثبت البينة ، فحينئذٍ بما أن رجوعهما معاً يسبب الإتلاف فلا محالة أنّهما يضمنان النصف ، وهكذا لو رجعوا جميعاً ، فإنّ على الكل أي الثلاثة كل ، وكذا بالنسبة إلى الرجل واربع نسوة ، فلو رجع اثنان منهن فلا ضمان ، وأمّا لو رجع أربعة فالكل يكون ضامناً بالنصف أي تضمن كل واحدة منهن ربع النصف .

(2) أمّا ضمانه النصف فحيث إن ثبوتالحكم مستند إلى الشهادة واليمين والمدعى ثبت بها وباليمين ، فلابد من الانتصاف ، أمّا أن أصل الضمان وتمامه جاء من قبل دعواه ويمينه ، فيؤخذ به لأنّ إقراره يكون سبباً لإبطال أصل الدعوى ، فهو حجة عليه فيؤخذ به ولا تأثير بعد ذلك لرجوع الشاهد ، بل رجوعه وعدم رجوعه سواء .

ص: 311

المسألة 130 : إذا شهد شاهدان وحكم الحاكم بشهادتهما ، ثم انكشف فسقهما حال الشهادة ، ففي مثل ذلك تارة يكون المشهود به من الأموال ، وأخرى من غيرها ، فإنّ كان من الأموال ، استردت العين من المحكوم له إن كانتباقية ، وإلا ضمن مثلها أو قيمتها(1)، وإن كان من غير الأموال ، فلا إشكال في أنّه لا قصاص ولا قود على من له القصاص أو القود وإن كان هو المباشر(2).

----------------------------------------

(1) لأنّ ظهور الفسق يستوجب بطلان الحكم ، ومن شروط صحة الحكم هو عدالة الشهود ، فلو ظهر بطلان الحكم يكون المال باقٍ على ملك مالكه شرعاً ، فلا يمكن للمحكوم له التصرف فيه ، بل لابد من إرجاعه إلى مالكه ويكون تصرفه تصرفاً في ملك الغير ويُعد غصباً ، وإذا أتلف المال بما أنّه هو المتلف فعليه أن يرد مثله إذا كان مثلياً أو قيمته إذا كان قيمياً .(2) لأنّه بعد أن حكم الحاكم واقتص منه فلا قصاص ولا قود على الذي قام بالحد ، ولو فرض أن المحكوم له هو المباشر لأنّه لم يصدر منه ظلماً بل القصاص والقود إنما يثبت على القاتل إذا صدر منه ظلماً ، وبما أنّه صدر بحكم الحاكم ، فلا موجب لأنّ يقتص منه .

ص: 312

وأمّا الدية ، ففي ثبوتها عليه أو على الحاكم من بيت المال خلاف و الأقرب أنّها على من له الولاية على القصاص إذا كان هو المباشر وعلى بيت المال إذا كان المباشر من أذن له الحاكم(1).

----------------------------------------

(1) أمّا الدية فتارة يقوم الولي بالاقتصاص ويكون هو المباشر ، فمن صدر منه القتل يكون حكمه حكم شبيه العمد حيث هو الذي قام بالقصاص لكي يستوفي حقه من المحكوم عليه ، ولم يكن هذا الإقدام مرتبطاً بحكم الحاكم حتى يكون من بيت المال .

وأمّا إذا فرض أنّه باشر ولكن كانت مباشرته بأذن الحاكم ، فإنّه لو فرض بعد أن أذن له الحاكم وأقدم ، فهل تكون الدية على المباشر ، أو علىالحاكم فتخرج من بيت المال ؟ الظاهر أنّها على الحاكم وتخرج من بيت المال ويدل على ذلك معتبرة أبي مريم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) أن ما اخطأت به القضاة في دم أو قطع ، فعلى بيت مال المسلمين»(1)، ويؤيد ذلك رواية أصبغ بن نباتة قال : «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) أن ما اخطأت القضاة في دم أو قطع ، فهو على بيت مال المسلمين»(2).

قد

يقال بأنّ إطلاق الروايتين كون الدية من بيت المال ، ولو فرض أن المباشر من له الولاية على القصاص لأنّ المباشر إنما عمل بالعمل بعد حكم الحاكم .الحق أن يقال كما عليه الاستاذ الاعظم (قدس سره) : ولكنه يندفع بأنّهما منصرفتان إلى مورد تكون الدية فيه على القاضي ، أو على المباشر من قبله بطبيعة الحال وفي نفسه ، فجعلت الدية في بيت المال لأجل رفعها عنهما ، وأمّا إذا كان المكلف بالدية شخصاً آخر غير القاضي والمأذون من قبله ، فلا تشمله الروايتان،

ص: 313


1- الوسائل باب 7 من أبواب دعوى القتل ح1 .
2- الوسائل باب 10 من أبواب آداب القاضي ح1

المسألة 131 : إذا شهد شاهدان بوصية أحد لزيد بمال ، وشهد شاهدان من الورثة برجوعه عنها ووصيته لعمرو ، قيل تقبل شهادة الرجوع ، وقيل لا تقبل والأقرب أنّها لا تقبل فيما كان بيد الورثة أو كان مشاعاً ، وإلا فتقبل(1).

----------------------------------------

بل المرجع فيه ما تقتضيه القاعدة من ثبوت الدية على المباشر(1).

(1) هناك قولان في المسألة ، قول بعدم القبول ، وقول بالتفصيل كما عليه استاذنا الاعظم (قدس سره) بقوله : فإنّ الصحيح في المقام هو التفصيل بين ما إذا كان المال المتنازع فيه تحت يد الوارث أو كان مشاعاً ، وبين ما إذا كان المال المتنازع فيه عيناً خارجية ولم تكن تحت يد الوارث ، على الأول ، فالموصى له - بمقتضى قيام البينة على أن الميت قد أوصى له - مدعٍ للشركة مع الوارث في المقدار الموصى به ، أو مدعٍ للمال الموجود تحت يده ، وعلى كلا التقديرين يكون الوارث غريماً له ، ولا تقبلشهادة الغريم كما تقدم ، وعلى الثاني فبما أنّ الوارث ليس غريماً له فلا مانع من قبول شهادته(2)، لأنّ في الأول تكون من شهادة الشريك ولا تقبل شهادة الشريك لشريكه من جهة الاتهام وفي الثاني تكون بمنزلة البينة الداخلة ، وتكون مقدمة على البينة الخارجة .

ولكن الحق تقبل مطلقاً بعد ما ذكرنا بأنّ العمدة العدالة ، فتقبل شهادة الشريك لشريكه على الإطلاق ، وتفصيل الاستاذ (قدس سره) في غير محله .

ص: 314


1- المباني /1 / 198.
2- المباني /1 / 198.

المسألة 132: إذا شهد شاهدان لزيد بالوصية وشهد واحد بالرجوع عنها وأنّه أوصى لعمرو فعندئذٍ إن حلف عمرو ثبت الرجوع وإلا كان المال الموصى به لزيد(1).

----------------------------------------

(1) وذلك لثبوت المال ببينة المدعي مع الحلف ، وقد ذكر صاحب المسالك (قدس سره) بقوله : لما تقدم في باب القضاء أنّ الشاهد مع اليمين لا يعارض الشاهدين ، بل يقدم الشاهدان مع التعارض ، نبّه هنا على دفع توهم أنّه مع شهادة شاهدين بالوصية لزيد بعين ، وشهادة واحد بالرجوع عنها وأنّه أوصى بها لعمرو ، من ذلك القبيل، وأنّه يقدم الشاهدان ، فنبّه على ما بهيندفع الموهم ، وأنّه يحكم هنا بالشاهد واليمين، لأنّه لا تعارض بين الشاهدين وبينه ، لأنّ الشاهد يشهد بأمر آخر غير ما شهد به الشاهدان ويصدق الشاهدين على ما شهدا به ، ولكن يدعى الرجوع عما شهدا به وأنّه أوصى لغيره فيقدم، لعدم التعارض، ويعمل بكل منهما في مورده ويحكم ببطلان الوصية الأولى بالرجوع عنها(1)،

وإن لم يكن هناك حلف فالمرجع هو القرعة للتعارض ، وهي لكل أمر مشكل .

ص: 315


1- المسالك / 14 /318 .

المسألة 133 : إذا أوصي شخص بوصيتين منفردتين فشهد شاهدان بأنّه رجع عن أحدهما ، قيل : لا تقبل ، وهو ضعيف ، والظاهر هو القبول والرجوع إلى القرعة في التعيين(1).

----------------------------------------

(1) قد يقال بعدم القبول لأنّ المدعى به مجمل ، ولكن الحق أنّه لا يضر هذا الإجمال في القبول ، ولا يشترط في قبول المشهود به أن يكون معيناً خارجياً لإطلاق أدلة الشهادة وعموماتها ، كما إذا قامت البينة على نجاسة أحد الإنائين غير المعين ، فهل يجب هنا الاحتياط والاجتناب عنهما ، وبعد ما قلنا بالقبول يكون المشهود به أحد الأمرين في الواقع فيرجع في تعيينه إلىالقرعة لأنّها لكل أمر مشكل ، فلا معنى للاحتياط لإمكان معرفة الفرد الواقعي بالقرعة ، إلا إذا قلنا بعدم العمومية ، بل دليلها مختص بموارد خاصة ، فحينئذٍ إن أمكن المصالحة فبها، وإلا لابد من الرجوع إلى الحاكم الشرعي لأنّه ولي الممتنع .

ص: 316

المحتويات

كتاب القضاء

المقدمة...........5

كتاب القضاء ..........11

تعريف القضاء .........13

الفرق بينه وبين الفتوى .....17

هل القضاء واجب كفائي ..........18

هل يجوز أخذ الأجرة من المتخاصمين أو غيرهما ........21

جواز أخذ الأجرة على الكتابة ...23

تعريف الرشوة وحرمتها ............24

قاضي المنصوب وقاضي التحكيم واعتبار الاجتهاد في الأول ........27

هل يكون تعين القاضي بيد المدعي أو بيده أو المدعى عليه .......31

شرائط القاضي .........33

ص: 317

للحاكم أن يحكم بعلمه بين المتخاصمين .....55

اعتبار سماع الدعوى كونها على نحو الجزم .......60

لو أدعى شخص مالاً على آخر ............ 62

عدم سماع بينة المدعي على دعواه بعد حلف المنكر ............75

لو أمتنع المنكر عن الحلف ورده على المدعى ............76

ليس للحاكم احلاف المدعي بعد إقامة البينة ........77

لو ادعى عيناً بيد الميت وأقام البينة على ذلك .........79

عدم الفرق في الدعوى على الميت بين أن يدعي المدعي ديناً ......80

لو ثبت دين الميت بغير بينة .....81

لو أقام المدعي على الميت شاهداً واحداً وحلف ..........83

لو أقام المدعي على الميت شاهداً واحداً وحلف ..........83

هل يحتاج اليمين لو قامت البينة بدين على صبي أو مجنون ........84

عدم جواز الترافع إلى حاكم آخر بعد حكم الحاكم الأول ...........85

لو طالب المدعي حقه وكان المدى عليه غائباً .........87

حكم مطالبة وكيل الغائب الغريم بأداء ما عليه من حق ........89

لو حكم الحاكم بثبوت دين على شخص وامتنع المحكوم ............90

أحكام اليمين ..........93

عدم صحة الحلف إلا بالله وبأسمائه تعالى .......93

هل يجوز للحاكم أن يحلف أهل الكتاب بما يعتقدون به .....97

ص: 318

هل يعتبر في الحلف المباشرة أو يجوز فيه التوكيل ......101

لو علم أن الحالف قد ورّى في حلفه وقصد به شيئاً آخر ...........102

هل تجري أحكام القضاء على الكافر غير الكتابي ......103

هل يجوز للحاكم احلاف أحداً في مجلس غير مجلس القضاء ........103

لو حلف شخص على أن لا يحلف أبداً .........105

لو ادعى شخص مالاً على ميت ........... 106

لو علم أن لزيد حقاً على شخص وادعى علم الورثة بموته ......107

لو أدعى شخص على مملوك ...108

لا تثبت الدعوى في الحدود بالبينة أو الإقرار ......111

سقوط الغرم عن المنكر للسرقة مع عدم البينة بحلفه ......112

لو ادعى الدائن على الميت أن له في ذمة شخص دينا .......113

حكم اليمين مع الشاهد الواحد ........116

ثبوت الدعوى في الأموال بشهادة عدل واحد ويمين المدعي ........116

ثبوت الدعوى في الأموال بشهادة عدل واحد ويمين المدعي ........116

الأقوال في ثبوت غير المال في الحقوق الآخر بشاهد ويمين ..........119

حكم ما لو ادعى جماعة مالاً لمورثهم وأقاموا شاهداً واحداً ........121

لو كان بين الجماعة المدعين مالاً لمورثهم الصغير .......123

لو أدعى بعض الورثة أن الميت قد أوقف عليهم داره نسلاً .....124

لو أمتنع بعض الورثة عن الحلف ثم مات قبل حكم الحاكم .....125

ص: 319

فصل في القسمة ............126

جريان القسمة في الأعيان المشتركة المتساوية الأجزاء .....126

صور القسمة في الأعيان المشتركة غير المتساوية الأجزاء .....129

لو طلب أحد الشريكين القسمة ............ 133

لو كان المال المشترك بين شخصين غير قابل للقسمة خارجاً ..........135

لو كان المال غير قابل للقسمة بالإفراز أو التعديل ........136

هل أن القسمة عقد لازم وفسخه يحتاج إلى دليل ..........136

لو ظهر استحقاق بعض المال للغير بعد القسمة .....138

لو قسم الورثة تركة الميت بينهم ثم ظهر دين .........140

فصل في أحكام الدعاوى .......142

تعريف المدعي وما يعتبر فيه ....142

يعتبر في سماع دعوى المدعي أن تكون دعواه لنفسه .....144

لو كان المدعي غير من له الحق .......... 145

لو كان مال شخص في يد غيره ........... 146

هل تجوز المقاصة من غير جنس المال الثابت في ذمته .........149

جواز المقاصة من الوديعة على كراهة . 149

عدم اختصاص جواز المقاصة بمباشرة من له الحق ......150

عدم اختصاص جواز المقاصة بمباشرة من له الحق ......150

ص: 320

فصل في دعوى الأملاك ......... 151

لو أدّعى شخص مالاً لا يد لأحد عليه .... 151

صور تنازع شخصان في مال ....153

البينة لغة واصطلاحاً .........157

لو أدّعى شخص مالاً في يد آخر وهو يعترف بأن المال لغيره ......159

لو أدّعى شخص مالاً على آخر وهو في يده فعلاً ...........161

فصل في اختلاف العقود ........164

لو اختلف الزوج والزوجة في العقد ..... 164

لو ثبتت الزوجية باعتراف كل من الرجل والمرأة .....165

لو اختلف المتعاقدان في الهبة أو البيع . 167

لو أدّعى المالك الإجارة وأدّعى وأدّعى الآخر العارية أو العكس ............168

لو أدّعى المالك أن المال التالف كان قرضاً وأدّعى القابض ........168

لو اختلف المتعاقدان في أن المال كان وديعة أو رهناً ..........169

لو اتفقا في الرهن واختلفا في المقدار .. 170

لو اختلفا في البيع والإجارة ......171

لو اختلفا البائع والمشتري في مقدار الثمن .......172

إذا أدّعى البائع على المشتري شرطاً ..... 173

ص: 321

لو اختلفا في مقدار المبيع مع الاتفاق على مقدار الثمن ......173

لو اتفقا في الإجارة واختلفا في الاجرة ... 174

حكم اختلاف شخص في شراء مال معين واتيان ثمنه للبائع .....174

لو أدّعى شخص رقية الطفل المجهول النسب في يده .........177

حكم تداعي شخصين على طفل .......... 180

لو أدّعى كل من الشخصين مالاً في يد الآخر .......180

لو اختلف الزوج والزوجة في ملكية شيء ........181

لو ماتت المرأة وأدّعى أبوها أن بعض ما عندها من أموال عارية.....184

فصل في دعوى المواريث ......188

لو مات المسلم عن ولدين مسبوقين بالكفر ......188

لو كان للمرأة ولد واحد وماتت المرأة وولدها .....191

حكم الحاكم ظاهري لا واقعي ............. 192

كتاب الشهادات

كتاب الشهادات .....195

معنى الشهادة ...........195

فصل في شرائط الشهادة ...........196

البلوغ ......196

ص: 322

العقل .......200

الإيمان .....201

العدالة ......211

أن لا يكون الشاهد ممن له نصيب فيما يشهد به ...........215

لو تبين فسق الشهود بعد حكم الحاكم . 221

هل تمنع العداوة الدينية من قبول الشهادة ............224

عدم منع القرابة من جهة النسب عن قبول الشهادة ............226

قبول شهادة الزوج لزوجته أو عليه إذا كان معها غيرها ........230

قبول شهادة الزوج لزوجته أو عليه إذا كان معها غيرها ........230

هل تسمع شهادة السائل بالكف المحترف ..........231

إذا تحمل الكافر والفاسق والصغير الشهادة ............232

هل تقبل شهادة الضيف والاجير قبل وبعد مفارقته لصاحبه .......234

هل تقبل شهادة المملوك لمولاه وعليه ولغيره وعلى غيره ............235

حكم شهادة المتبرع بها إذا كانت واجدة للشرائط ...........238

عدم قبول شهادة ولد الزنا ........239

عدم جواز الشهادة إلا بالمشاهدة أو السماع .....242

عدم جواز الشهادة إلا بالمشاهدة أو السماع .....242

هل تجوز الشهادة بمضمون ورقة لا يذكره ......246

ثبوت النسب والوقف والنكاح والملك وغيرها بالاستفاضة ...........247

ما يثبت به الزنا واللواط والسحق وغيرها من الجنايات ............249

ما يثبت به الطلاق والخلع والحدود والوصية والنسب ......254

ص: 323

ثبوت الديون والنكاح والدية بشهادة رجل وامرأتين ..........255

ثبوت الأموال والديون والأعيان وغيرها من الحقوق بشاهد ويمين.........259

ثبوت العُذرة وعيوب النساء الباطنة بشاهد وأربع نسوة منفردات......260

تصدق المرأة في دعواها أنّها خلية وأن عدتها انقضت ..........264

ما يثبت بشهادة المرأة الواحدة للموصى له ............264

ما يثبت بشهادة اثنين أو ثلاثة أو أربع نسوة ........266

عدم اعتبار الشهادة في شيء من العقود والإيقاعات إلا في الطلاق ........268

وجوب أداء الشهادة بعد تحملها مع الطلب إذا لم يكن فيه ضرر ......272

هل أن أداء الشهادة واجب عيني ......... 276

اختصاص وجوب أداء الشهادة بما إذا أُشهد وإلا فهو بالخيار ......277

لو دعيّ إلى الشهادة من له أهلية التحمل ................277

موارد قبول الشهادة على الشهادة ......... 279

هل تقبل الشهادة على الشهادة فصاعداً ....282

لو شهد رجلان عادلان على شهادة عدول أربعة بالزنا .....283

لو شهد عادلان على شهادة رجل وامرأتين أو عليهما ...........284

هل تقبل شهادة الفرع على الشهادة عند تعذر شهادة الأصل ..........285

حكم ما لو شهد الفرع فأنكر الأصل الشهادة ............286

حكم ما لو شهد الفرع فأنكر الأصل الشهادة ............286

اعتبار قبول شهادة الشاهدين تواردها على شيء واحد .......287

لو شهد شاهدان عادلان عند الحاكم ثم ماتا أو زكيّا من حين الشهادة.....289

ص: 324

حكم ما لو رجع الشاهدان عن شهادتهما في حق مالي ............291

حكم ما لو رجع الشاهدان أو أحدهما عن الشهادة في الحدود ............293

لو اعاد الشاهدان شهادتهما بعد الرجوع عنهما قبل حكم الحاكم.....295

لو رجع الشهود أو بعضهم عن الشهادة في الزنا ............295

حرمة الشهادة بغير الحق وضمان الشاهد ................296

لو أنكر الزوج طلاق زوجته وهي مدعيّة له وشهد شاهدان .....307

لو شهد شاهدان بطلاق امرأة فتزوجت ثم جاء زوجها فأنكر الطلاق .....308

لو شهد شاهدان بطلاق امرأة وبعد العدة تزوجت وأنكر الزوج .......309

لو حكم الحاكم بثبوت حق مالي مستنداً إلى شهادة رجلين عادلين..........310

لو كان الشهود أكثر مما تثبت به الدعوى فرجع شاهد أو اثنان ....311

لو ثبت الحق بشهادة واحد ويمين المدعي فرجع الشاهد .......311

إذا شهد شاهدان وحكم الحاكم بشهادتهما ، ثم انكشف فسقهما ........... 312

لو شهد شاهدان بوصية أحد لشخص وشهد آخران من الورثة ............314

لو شهد شاهدان بالوصية وشهد واحد بالرجوع عنها ...........315

لو أوصى شخص بوصيتين منفردتين فشهد شاهدان بأنه رجع ...........316

المحتويات......317

ص: 325

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.