المرأة المسلمة، أدوارها الدينية والاجتماعية

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: الحسیني الشیرازي، السیدمحمد، 1307 - 1380.

عنوان واسم المؤلف: المراة المسلمة، ادوارهاالدینیة والاجتماعیة/ السیدمحمد الحسیني الشیرازي؛ [برای] موسسةالشجرةالطیبة.

تفاصيل المنشور: قم : انتشارات دارالعلم، 1442 ق.= 1399.

مواصفات المظهر: 312 ص.؛ 5/14×5/21 س م.

ISBN : 978-964-204-590-7

حالة الاستماع: فاپا( چاپ دوم)

لسان : العربية.

ملحوظة : الطبعة الثانية.

ملحوظة : ببليوغرافيا مع ترجمة.

موضوع : المرأة في الإسلام

Women in Islam

امرأه مسلمه

Muslim women

امرأه مسلمه -- الحالة الاجتماعية

Muslim women -- Social conditions

المعرف المضاف: موسسة شجرة طیبة(قم)

ترتيب الكونجرس: BP230/172

تصنيف ديوي: 297/4831

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 7515328

معلومات التسجيلة الببليوغرافية: فاپا

ص: 1

اشارة

المرأة المسلمة، أدوارها الدينية والاجتماعية

آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي علی الله دراجاته

الناشر: دارالعلم

المطبوع: 5000

المطبعة: احسان

الطبعة الثانية 1442ه ق

إخراج: نهضة الله عظيمي

----------------

شابك 978-964-204-590-7

----------------

النجف الأشرف: مكتبة الإمام الحسن المجتبى(علیه السلام)

للطلب 07826265250

كربلاء المقدسة: شارع الإمام علي(علیه السلام)، مكتبة الإمام الحسين(علیه السلام) التخصصية

مشهد المقدسة: مدرسة الإمام الرضا(علیه السلام)، جهارراه شهدا، شارع بهجت، فرع 5

طهران: شارع انقلاب، شارع 12 فروردين، مجتمع ناشران، الطابق الأرضي، الرقم 16 و 18، دار العلم

قم المقدسة: شارع معلم، دوار روح الله، أول فرع 19، دار العلم

قم المقدسة: شارع معلم، مجتمع ناشران، الطابق الأرضي، الرقم 7، دار العلم

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

ص: 3

ص: 4

المرأة المسلمة والوصايا الأخيرة

1- التقوى والخوف من اللّه

اشارة

الموضوع الأول هو التقوى.

كان الرسول الأعظم(صلی الله علیه و آله) على عظمته يخاف الله عزّ وجلّ دائماً، وكان أمير المؤمنين(علیه السلام) يغمى عليه من شدة الخوف من الله سبحانه وتعالى.

فهل رأيتم شخصاً يغمى عليه من الخوف.

الأنبياء(علیهم السلام)، الأئمة الأطهار(علیهم السلام) وأولياء الله الصالحون، كانوا يخافون الله أشد الخوف ومن شدة الخوف كان يغمى عليهم.

في السنة الثالثة من البعثة اُسري بالنبي(صلی الله علیه و آله) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ومن ثم عرج به إلى السماوات العلى، يقول الله تعالى في القرآن الكريم: «سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ»(1)،والمسجد الأقصى هو بيت المقدس الذي احتلته اليهود بالقهر والطغيان، ففي ليلة المعراج ذهب النبي(صلی الله علیه و آله) إلى هناك ثم عرج إلى السماوات، فشاهد الجنة والنار بكل تفاصيلها وبكافة خصائصها وجزئياتها، كما ورد في الروايات.

ص: 5


1- سورة الإسراء، الآية: 1.

فلما عاد النبي(صلی الله علیه و آله) إلى الأرض من رحلة المعراج، عاش عشرون عاماً بعد رجوعه، وقد ذكر المؤرخون أنه لم ير ضاحكاً بعد ذلك أبداً. نعم كان النبي(صلی الله علیه و آله) يبتسم، ولكن لا يضحك لشدة خوفه من الله عزّ وجلّ ولما رآه من نار جهنم وعذابها.

وللمثال نذكر إنه لو فقد شخص عزيزاً له - لا سمح الله ولا قدر - عندما يسمع هذا المصاب بشيء مفرح قد ترتسم البسمة على شفتيه، من دون أن تكون صادرة من قلبه وأعماقه، هكذا كان نبي الإسلام(صلی الله علیه و آله) بعد قصة الإسراء والمعراج.

يقول الله تعالى في القرآن المجيد: «لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ»(1). فلما عاين(صلی الله علیه و آله) جهنم لم يضحك بالرغم من أن الله تعالى بشره بأنه مبعد عنها كل البعد، ولكنّ رؤية عذاب الله والأفراد المعذبين في جهنم تذهب بالضحكة من شفاه الإنسان.مثلاً إذا كان الإنسان في بيته ويسمع صوت تعذيب شخص من البيت المجاور، فيتأثر ويتألم بالرغم من أنه لم يعذب شخصياً، ولكنّ روحه تتألم.

نعم، جهنم صعبة جداً وغير قابلة التحمل أصلاً. لذا يلزم على الإنسان أن يخشى الله ويتقيه.

معنى التقوى

التقوى تعني أن الإنسان يخشى الله ويخافه دائماً، وأن تكون أعضائه

ص: 6


1- سورة الإسراء، الآية: 1.

وجوارحه كلها خاشعة ومطيعة لله تعالى، هذه هي التقوى.

أما الأشخاص الذين يسمعون الأغاني فإنهم لا يخافون الله.

وأولئك الذين يُقدمون على الحرام ويرتكبون المعاصي لا يخافون الله.

والشخص الذي يكذب لا يخاف الله.

والمرأة السافرة أو التي لا تعتني بحجابها لا تخاف الله.

إن على الإنسان أن يتذكر التقوى دائماً وأن لا ينسى ذكر الله أبداً.

فإن التقوى باعثة للسمو والرفعة في الدنيا والآخرة.

التقوى لا ترتبط بالآخرة فقط، بل خيرها يشمل الدنيا أيضاً. فإن الإنسان لا يستأجر شخصاً خائناً، والسارق لا يقبله صاحب أي محل ولا يتعامل معه، أما الشخص المتقي فإنه معزز ومكرم في الدنيا منقبل الجميع، وهكذا في الآخرة فإن «ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيۡر لِّمَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحاۚ»(1).

لذا يلزم رعاية التقوى في جميع الأحوال، ويجب على الإنسان أن يجعل رجله وعينه وأذنه وكافة أعضائه وجوارحه منقادة لأمر الله، وأن يرى نفسه وأعماله تحت نظر الله دائماً وأن لا يغفل عن الله أبداً.

الشاب الذي أسلم تواً

جاء في التاريخ(2): إن شاباً من الأعراب جاء إلى نبي الإسلام(صلی الله علیه و آله)، وكان من أطراف المدينة، قال: ما الإسلام؟

ص: 7


1- سورة القصص، الآية: 80.
2- انظر: بحار الأنوار 89: 107.

فقال له النبي(صلی الله علیه و آله): الإسلام أن تشهد الشهادتين: «لا إله إلّا الله، محمّد رسول الله»، الشهادة التي يتشهد بها كافة المسلمين.

أسلم ذلك الشاب، وسأل: ثمّ ماذا؟

فقال له النبي(صلی الله علیه و آله): عليك أن تتعلم القرآن.

ثمّ التفت(صلی الله علیه و آله) إلى أحد المسلمين في المسجد وقال: علمه القرآن، فعلمه هذه السورة:

«بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ * إِذَا زُلۡزِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ زِلۡزَالَهَا * وَأَخۡرَجَتِ ٱلۡأَرۡضُأَثۡقَالَهَا * وَقَالَ ٱلۡإِنسَٰنُ مَا لَهَا * يَوۡمَئِذٖ تُحَدِّثُ أَخۡبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوۡحَىٰ لَهَا * يَوۡمَئِذٖ يَصۡدُرُ ٱلنَّاسُ أَشۡتَاتا لِّيُرَوۡاْ أَعۡمَٰلَهُمۡ * فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرا يَرَهُۥ * وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّا يَرَهُۥ»(1).

فلما تعلم الشاب هذه السورة القصيرة قام ليرجع إلى قريته، فقال له معلم القرآن: إن القرآن كتاب مفصل وفيه سور كثيرة، وقد علمتك سورة واحدة فقط.

فقال الشاب: لهذه السورة معان كبيرة وقد تعلمت منها الكثير، ويكفيني منها قوله تعالى: «فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرا يَرَهُۥ * وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّا يَرَهُۥ».

ماذا تعني الذرة؟

إذا نفذ شعاع الشمس من خلال ثقب صغير في غرفة مظلمة، فإن الإنسان سوف يشاهد فيها الكثير من الذرات الصغيرة جداً التي تسبح في

ص: 8


1- سورة الزلزلة، الآية: 1-8.

الفضاء، فكل واحدة منها تسمى ذرة.

إن الله تعالى يبين في هذه الآية الشريفة، أن المعيار في ثواب الأعمال وعقابها هو وزن هذه الذرة، يعني: إذا عمل الإنسان بمقدار وزن ذرة خيراً، فسيشاهد نتيجة عمله الخير، وإذا عمل بنفس المقدار شراً، فسيشاهد نتيجة عمله الشر أيضاً، نعم أيّ عمل يعمله الإنسان من خير وشر فسيرى نتيجة عمله في الدنيا قبل الآخرة.وكيف كان، فإن التقوى هو أن يراقب الإنسان دائماً، يده، عينه، أذنه وكافة أعضائه وجوارحه ويسيطر عليها، لأن الله مطلع على كل الأشياء ويرى أعماله ويحاسبه عليها، فإذا تكلم الإنسان قليلاً أو كثيراً، أفحش لا سمح الله في كلامه، أو أكل مال الناس، أو استمع الأغاني، أو نظر إلى الحرام، فكل هذه تحصى عليه وتكتب في سجل عمل الإنسان وسيؤاخذ عليها.

إن من صفات الله تعالى السميع والبصير، يعني: يسمع كل صوت ويرى كل شيء، ومن صفاته أيضاً «إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ»(1)، يعني: كل ما يخطر بقلب الإنسان فإن الله به عليم وعليه يترتب الجزاء.

إن في يوم القيامة يؤتى بشخص وقد كتب في صحيفة أعماله: ثواب بناء (مسجد جوهر شاد)(2)، فيقول: يا رب إن الملائكة قد اشتبهت فأنا لم أبن مسجد جوهر شاد.

فيقول الله تعالى: لم تشتبه الملائكة، بل إنك قد مررت في أحد الأيام

ص: 9


1- سورة الأنفال، الآية: 43.
2- مسجد جوهر شاد: مسجد معروف بجوار مرقد الإمام الرضا(علیه السلام) في مدينة مشهد المقدسة.

من أمام باب مسجد جوهر شاد، فقلت في نفسك: لو كان عندي مال لبنيت به مثل هذا المسجد، فكتبنا لك ثوابه.

أو إن أحد الأشخاص ولا سمح الله يمر من أمام نادي من نوادي الحرام فيقول لو بنيت مثل هذا، فتكتب هذه الفكرة في سجلأعماله(1)، أو يسمع بمظلوم قد ظلمه ظالم، فلم ينتصر له ويسكت عنه ويرضى بظلمه، فيكتب له الوزر.

ولقد أشار الله تعالى إلى هذا المعنى في القرآن الكريم.

لذا يجب مراقبة النفس دائماً والمراقبة والخوف من الله هو التقوى، فالتقوى يعني: أن يراقب الإنسان نفسه دائماً.

من كرامات الحمّال التبريزي

في إحدى أزقة مدينة تبريز أشرف طفل على الوقوع من فوق السطح، وقد وقف مجموعة من الناس خائفين لا يعلمون ماذا يفعلون، وفي هذه الأثناء مر حمّال بسيط يحمل حملاً فوق رأسه، فلما وقع نظره على الطفل وكان يهوي من السطح إلى الأرض أشار بيده المرتعشة إلى الطفل، وفجأة تعلق الطفل بين السماء والأرض، فمد الرجل يده إلى الطفل وأخذه بلطف وجعله على الأرض.

وهنا التف الناس حوله وجعلوا يسألونه، فقال أحدهم: هل أنت الإمام المهدي(علیه السلام)؟

وقال آخر: هل أنت الخضر(علیه السلام)؟

ص: 10


1- فإن نية السيئة تسجل ويعاتب عليها الإنسان في يوم القيامة، ولكن لا يعاقبه الله عليها، أما نية الخير فتسجل ويثاب الإنسان عليها.

وقال ثالث: هل أنت ولي من أولياء الله؟

في كل ذلك يجيب الحمّال قائلاً: كلا، لم أكن الإمام المهديولا الخضر ولا ولياً من أولياء الله، بل أنا عبد من عباد الله، وقد سمعت كلام الله أكثر من سبعين سنة، والآن قد سمع الله كلامي.

يقال إن قبر هذا الرجل المؤمن موجود الآن في مدينة تبريز وله ضريح، ويذهب الناس لزيارته ويتوسلون إلى الله عند قبره فيستجاب دعاؤهم.

نعم، من يسمع كلام الله، يسمع الله كلامه.

الإنسان عادة مبتلى في هذه الدنيا. يحزن، يفتقر، يمرض طفله، تحصل له مشكلة، إن البشر عموماً هكذا، فإذا ما أطاع الله فإن الله يستجيب له دعاءه، هذه سنة إلهية وقد أشار الله تعالى إليها في القرآن بقوله: «أَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ»(1).

نعم، كل هذه الأمور تشكل التقوى.

إن الأنبياء(علیهم السلام) جميعاً أوصوا بالتقوى، وكذلك الأئمة(علیهم السلام) أكدوا على التقوى، وقد أمرت كافة الكتب السماوية بالتقوى أيضاً.

التقوى: تعني أن يعلم الإنسان بأن الله حاضر عنده وناظر إليه دائماً.

الأعمى الذي ارتد بصيراً

يقال: إن رجلاً أعمى كان يقف إلى جانب قبر الإمام الرضا(علیهالسلام) في

ص: 11


1- سورة البقرة، الآية: 40.

الحرم الشريف ويسترحم الناس. وفي أحد الأيام ارتفعت الأصوات في الحرم بشدة حتى ملأت كل مكان. وفي هذه الأثناء اقترب شخص من الأعمى وقال له: يا عم منذ متى وأنت أعمى؟

قال الأعمى وهو لا يعرف الرجل الذي يكلّمه: أربعون عاماً.

قال له: كم عاماً لك وأنت تسترحم الناس في حرم الإمام الرضا(علیه السلام)؟

قال: عشرون عاماً.

قال: وأين كنت في العشرين عاماً الأخرى؟

قال: في مدينتي.

قال: عشرون عاماً في صحن الإمام الرضا(علیه السلام)؟

قال: نعم.

قال: فلماذا لم تطلب من الإمام الرضا(علیه السلام) في هذه المدة الطويلة شفاء عينيك؟

ثمّ قال له بشدة: هل تعرفني؟

قال الأعمى: كلا.

قال له: أنا نادر شاه(1).وكان نادر شاه حاكماً مستبداً ولا يبالي بإراقة الدماء، فارتعدت فرائص الرجل الأعمى حين طرق سمعه اسم الملك نادر شاه.

ثمّ قال نادر شاه لمرافقيه: امسكوا به، حتى أكمل الزيارة وأعود، فإذا ما بقي هذا الرجل أعمى فاضربوا عنقه.

ص: 12


1- نادر شاه الأفشار (1688-1747): حاكمٌ إيراني.

فخاف ذلك الشخص الأعمى كثيراً، ولشدة خوفه سقط على الأرض مرتعشاً، وانقطع بكله إلى الله، وتوجه بقلبه إلى الإمام الرضا(علیه السلام) وقال: يا سيدي يا علي بن موسى الرضا، إن نادر شاه إنسان قاتل، فإذا رجع ولم يرني مبصراً قتلني، كان يقول ذلك بقلب منكسر، ويتوسل بالإمام(علیه السلام) في أن يشفع له إلى الله تعالى في شفائه وإبصاره، فشافاه الله تعالى بشفاعة الإمام الرضا(علیه السلام) وأبصرت عيناه.

عاد نادر شاه وإذا به يرى الأعمى وقد أبصر، فقال له: ماذا حدث؟

فال: أبصرت ببركة الإمام الرضا(علیه السلام).

قال له نادر شاه: كيف أبصرت في لحظات، ولم تبصر مدة عشرين عاماً؟

قال: الآن دعوت صادقاً من أعماق قلبي وأقسمت الله بحق الإمام الرضا(علیه السلام) بكل وجودي، وذلك لشدة الخوف على نفسي الذي اعتراني من تهديدك إياي بالقتل، وبالفعل لم يخيب الإمام(علیهالسلام) رجائي.

قال له نادر شاه: صدقت، ثم خرج من الحرم الرضوي الشريف، بعد أن أمر بإعطائه مبلغاً جيداً من المال، ويقال إن قبر هذا الشخص في مشهد موجود إلى الآن.

نعم، إذا انقطع الإنسان إلى الله عزّ وجلّ، ووسط عنده المعصوم(علیه السلام) بقلب منكسر ونية صافية، فإن حوائجه تقضى إن شاء الله تعالى.

تهيأ البيت المناسب

قال أحد أصدقائنا من الكربلائيين: عندما أخرجنا من العراق وجئنا إلى إيران وسكنا مدينة قم المقدسة، سعيت كثيراً لأجل شراء بيت حتى

ص: 13

مللت. كان المال موجوداً أما لم أجد البيت المناسب الذي أطلبه. أردت أن أستأجر بيتاً ولكن لم أجد المكان المناسب. وفي أحد الأيام حزنت كثيراً فذهبت إلى مرقد السيدة فاطمة المعصومة(علیها السلام) وقلت لها بقلب منكسر: سيدتي ومولاتي أنا ضيفك وقد نزلت بجوارك، فهل هكذا تحمين النازلين، وتضيّفين الداخلين عليك؟

قلت ذلك بحرقة قلب ثمّ خرجت من المرقد المبارك نحو الصحن، وإذا بي أرى في الصحن الشريف واحداً من المعارف قد قصدني وقال: منذ مدة وأنت تبحث عن بيت فهل وجدت شيئا؟قلت: كلا.

قال: تعال معي فإن هناك بيتاً مناسباً.

فذهبت معه فأراني بيتاً، فأعجبني حيث لاحظت أنه هو نفس البيت الذي كنت أبحث عنه، فاشتريته وإلى الآن أسكن فيه.

نعم يبدو أن هذا الرجل عندما كان يذهب إلى المرقد الشريف لم يدعُ من أعماق قلبه وإنما كان الدعاء يجري على لسانه دون قلبه، والحال إن الله تعالى يريد قلب الإنسان، فالقرآن يصرح: «إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبٖ سَلِيمٖ»(1)، يعني: في يوم القيامة لا ينفع الإنسان شيء من المال والبنين ولا يفلح أحد قط إلّا من جاء بقلب سليم.

فإذا كان قلب الإنسان - لا سمح الله ولا قدر - غير سليم فإنه سيكون من الأشقياء والعياذ بالله.

ص: 14


1- سورة الشعراء، الآية: 89.

وفي آية أخرى قال تعالى: «ءَاثِم قَلۡبُهُۥۗ»(1) فالقلب قد يكون عاصياً آثماً.

لذا يجب علينا دائماً أن لا ننسى التقوى. وأن نخاف الله في كل صغيرة وكبيرة، فإن الذي يخاف الله خافه كل شيء، ومن كان مع الله كان الله معه، يعينه وينجيه من المشاكل، قال تعالى: «وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجا * وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ»(2).

فالتقوى إذن موضوع بحثنا الأول.

إنه يجب على الجميع أن يكونوا متقين.

الرجل يجب أن يكون متقياً.

المرأة يجب أن تكون متقية.

الشاب يجب أن تكون له تقوى.

الفتاة يجب أن تكون لها تقوى.

إن الذي لا يملك التقوى يضر نفسه قبل غيره، فالله تعالى لا يستجيب دعاءه ولا يقضي له حوائجه.

امرأة من زنجان

وفدت عليّ قبل شهر أو أكثر امرأة من مدينة زنجان وقالت: إن لي مشكلة.

قلت: وما هي مشكلتك؟

قالت: لي بنت وقد حان وقت زواجها ولكن لم يتقدم أحد لخطبتها.

فقلت لها: من أي مدينة أنت؟

ص: 15


1- سورة البقرة، الآية: 283.
2- سورة الطلاق، الآية: 2-3.

قالت: من زنجان.

قلت: استغفري الله يومياً مائة مرة (أستغفر الله وأتوب إليه) واقرأي كل يوم الدعاء المروي عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين(علیهالسلام): (يا من تحل به عقد المكاره) المذكور في أوائل كتاب مفاتيح الجنان(1)، يسهل الله عليك إن شاء الله تعالى.

ذهبت المرأة ثمّ جاءت بعد مدة وقالت: التزمت بالاستغفار والدعاء، وقد تزوجت ابنتي بحمد الله تعالى.

إن هذه المرأة انقطعت بقلبها إلى الله، واستغفرته ودعته من أعماق قلبها وبنية صادقة، فاستجاب الله لها دعاءها.

كونوا مع الله يكون الله معكم، قال الله تعالى في القرآن المجيد: «أَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ»(2)، أي أسمعوا كلامي لأسمع كلامكم.

وفي آية أخرى عبّر عن ذلك بالبيع، فكما إن الإنسان يدفع المال ليأخذ في مقابله الخبز مثلاً، فكذلك الله تعالى يقول لعباده بيني وبينكم تتم معاملة بيع،«فَٱسۡتَبۡشِرُواْ بِبَيۡعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعۡتُم بِهِۦۚ»(3).

هذا هو الموضوع الأول وهو التقوى.

2- حسن الأخلاق

وأما الموضوع الثاني والذي يلزم أن يكون في أذهاننا دائماً ونلتزم به في جميع الأحوال، هو: حسن الخلق.

ص: 16


1- أورده المرحوم الشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان: وكذا الكفعمي في المصباح: 233.
2- سورة البقرة، الآية: 40.
3- سورة التوبة، الآية: 111.

إن عاقبة الخلق الحسن الجنة وعاقبة الخلق السيئ النار، كماورد في الحديث الشريف عن رسول الله(صلی الله علیه و آله): «عليكم بحسن الخلق فإن حسن الخلق في الجنة لا محالة، وإياكم وسوء الخلق فإن سوء الخلق في النار لا محالة»(1).

وفدت عليّ قبل مدة في هذا المكان مجموعة من النسوة المؤمنات من مدينة يزد وكن حوالي 500 امرأة. فقلت لهن: إن الآيات والروايات تقول إن مَثَل جهنم مَثَل بيت مملوء بالنار ثم تكبّل يدا الإنسان ورجلاه ثمّ يلقى في النار فيعذب من دون أن يستطيع القيام بأي عمل.

يقول الله تعالى في القرآن: إذا عمل الإنسان عملاً سيئاً، أو ساءت أخلاقه، أو اقترف ذنباً، فستكبل يداه ورجلاه ويلقى في جهنم، «ثُمَّ فِي سِلۡسِلَةٖ ذَرۡعُهَا سَبۡعُونَ ذِرَاعا فَٱسۡلُكُوهُ»(2)، أي: قيدوه في سلسلة من نار طولها سبعون ذراعاً - يعني: مائة وأربعين شبراً، إذ الذراع هو مقدار ما بين رؤوس الأصابع إلى المرفق - فإن العاصي يقيد في هذه السلسلة النارية ويسحب إلى جهنم نعوذ بالله.

والمقيّد بهكذا سلسلة لا يستطيع أن يدفع عن نفسه شيئاً، بل لا يستطيع أن يتحرك أصلاً.

فإذا وقع لا سمح الله ولا قدر مثل هذا البلاء على الإنسان فماذايكون مصيره؟

بحمد الله أنتن مثقفات وتدركنَ هذه المعاني، أنتن متعلمات وقد

ص: 17


1- عيون أخبار الرضا(علیه السلام) 2: 31.
2- سورة الحاقة، الآية: 32.

درستن وطالعتن الكتب، وتحضرنَ المجالس الدينية والحسينية وتسمعنَ هذا الخطاب، لذا يجب أن تكنَ حسنات الأخلاق دائماً.

قال الله تعالى لموسى(علیه السلام) قبل أربعة آلاف سنة - على ما جاء في التوراة - : «كما تدين تدان»(1)،

يعني: كيفما تتعامل مع الآخرين يتعامل الناس معك أيضاً، فإذا ساءت أخلاقك مع الناس ساءت أخلاقهم معك، وإذا حسنت أخلاقك مع الناس حسنت أخلاقهم معك، وإذا عاملتهم بسوء عاملوك بسوء، وإذا عاملتهم بلطف عاملوك بلطف أيضاً، وهكذا.

لذا يجب عليكن أن تكنَ حسنات الأخلاق دائماً. فإذا كان الإنسان سيئ الأخلاق في وقت ما فسينال جزاءه في الدنيا، ويتعرض هو أيضاً لمعاملة سيئة، فقد يكون ابنه لا سمح الله سيئ الأخلاق مثلاً، أو يكون أخوه أو أخته لا سمح الله ولا قدر سيئي الأخلاق.

نعم، إنه «كما تدين تدان»، يعني: كل ما تعمل سوف تجزى بمثله. فإذا أحسنت فسترى الإحسان وإذا أسأت فسترى ما يسوءك.

إن الإنسان يجب عليه أن يكون دائماً وفي كل الأحوال حسنالأخلاق، وأن لا يكون سيئ الأخلاق حتى إذا أساء إليه شخص آخر، فالمرأة لا سمح الله ولا قدر إذا أساء إليها زوجها، أو أبوها، أو أخوها، أو أختها، أو ابنها، أو جارتها، فيجب عليها في مقابل ذلك أن تكون حسنة الأخلاق.

ص: 18


1- الكافي 2: 138.

إذن لا تنسين إن شاء الله ما قلناه:

أولاً: التقوى دائماً وفي كل حال.

ثانياً: الأخلاق الحسنة دائماً وفي كل حال.

يقول النبي عيسى(علیه السلام) في هذا المعنى، وهو من الأنبياء العظام: «إن لطم خدك الأيمن فأعطه الأيسر وتقرب إليه بالمودة جهدك وأعرض عن الجاهلين»(1).

3- القدرة على الكتابة والتأليف

الموضوع الثالث: القدرة على الكتابة والتأليف.

يلزم على كل واحدة منكن أن تسعى لتنمية قدراتها على الكتابة والتأليف. فبحمد الله تعالى أنتن متعلمات وقد درستن بعض العلوم الدينية، لذا يلزم أن تكتبن الكتب النافعة والمفيدة للمجتمع وخاصة النسوي منه، لزميلاتكن ومثيلاتكن من البنات والنساء.

إن المسيحيين واليهود، مع قلة معنوياتهم فإن نساءهم أيضاً يؤلفنالكتب، أما نحن الشيعة مع كثرة معنوياتنا فإن نساءنا وبصورة خاصة لا يؤلفن الكتب، مع العلم أن أول سيدة ألفت كتاباً في الإسلام هي الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء(علیها السلام).

إن فاطمة الزهراء(علیها السلام) وهي القدوة والأسوة كانت بنت تسع سنين حيث تزوجت من الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام).

ثم قضت تسع سنين أخرى في بيت أمير المؤمنين(علیه السلام) ثمّ استشهدت.

ص: 19


1- الكافي 8: 138.

إنها(علیها السلام) خلال هذه المدة القصيرة أنجبت خمسة أو ستة من الأولاد الكرام، إضافة إلى أنها(علیه السلام) كانت تكنس البيت، وتغسل الملابس وتخيطها، وتستقي الماء من البئر، لأن الماء سابقاً لم يوصل بالأنابيب. وكانت(علیها السلام) تطحن بالرحى وتخبز الخبز أيضاً لأن في ذلك الوقت لم توجد المطاحن كما لم توجد المخابز المتعارفة في يومنا هذا، فكان كل واحد يطحن لنفسه ويخبز الخبز في بيته.

إن السيدة فاطمة الزهراء(علیها السلام) على عظمتها وفضلها وعلى ما كانت عليه من هذه الأعمال المتعبة، كانت(علیها السلام) تؤلف الكتب أيضاً، وكتابها هو (مصحف فاطمة) حيث جاء فيه كل ما سمعته عن أبيها رسول الله(صلی الله علیه و آله) مضافاً إلى علوم أخرى مما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة، وقد توارثه أولادهاالطاهرون(علیهم السلام) وهو اليوم عند ولدها الإمام المهدي(علیه السلام).

وفي الخبر: جاءت فاطمة الزهراء(علیها السلام) إلى أبيها رسول الله(صلی الله علیه و آله) يوماً وطلبت منه خادماً يعينها في أعمال بيتها، فقال لها النبي(صلی الله علیه و آله): هل أعلمك شيئاً هو خير لك من الخادم(1).

قالت: بلى يا رسول الله.

فعلمها رسول الله(صلی الله علیه و آله) التسبيح المعروف باسم (تسبيح الزهراء(علیها السلام))، والذي نسبح به عقب كل صلاة على الصورة التالية: أربع وثلاثون مرة (الله أكبر)، وثلاث وثلاثون مرة (الحمد لله) وثلاث وثلاثون مرة

ص: 20


1- انظر: من لا يحضره الفقيه 1: 320.

(سبحان الله).

نعم إن فاطمة الزهراء(علیها السلام) مع كل هذه الصعوبات والمشكلات، والأعمال البيتية وتربية الأولاد، كانت تؤلف الكتب أيضاً.

أما نساؤنا اليوم فلا يؤلفن. في الوقت الذي أعداؤنا يؤلفون الكتب، ونساء المسيح واليهود يؤلفن الكتب.

هناك سيدة مسيحية في الغرب تدعى (أغاثا كريستي)(1) ألفتمائة وأربعة عشر كتاباً، وأنا شخصياً قرأت قسماً من كتبها، وقد تُرجمت كتبها إلى لغات عديدة وطبعت منها ملايين النسخ وبشكل جذاب.

ما الشيء الذي ينقصنا عنها؟

إنه لا ينقصنا عنها شيء سوى عدم توجهنا إلى ما للكتاب من أثر كبير في التهذيب والتثقيف، لذا يلزم على السيدات أن يكتبن ويؤلفن الكتب، وهذا الأمر سهل جداً، ولكن يحتاج إلى قليل من الهمة.

4- المنبر والخطابة

الموضوع الرابع: المنبر والخطابة.

كل واحدة منكن يلزم أن تكون واعظة وترتقي المنبر، وهذا الأمر بسيط جداً.

يلزمكن ارتقاء المنبر والوعظ وهداية بقية النساء، فإن كثيراً من السيدات لا يعرفن المسائل الشرعية، وفي كل يوم تأتي مجموعة من النساء إليَّ، وقسم منهن لا يعرفن حتى أبسط المسائل بالرغم من

ص: 21


1- أغاثا كريستي (1891-1976): روائية إنجليزية.

تواجدهن في قم، وهذا تقصيرنا نحن حيث لم نعلّم هؤلاء النسوة مسائلهن الشرعية.

على هذا يلزمكن ارتقاء المنبر وتعليم النساء المسائل الدينية.لا تقولن: لا نستطيع، لا يمكن ذلك، إنه صعب، إنه مشكل. كلا ليس كذلك فإن كل إنسان يريد عمل الخير يمده الله تعالى ويساعده، وفي القرآن المجيد: «وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ»(1)، يعني: إن الأفراد الذين يجاهدون من أجلنا، ويعملون من أجلنا، فإنا نهديهم الصراط المستقيم، وهذه من السنن الإلهية.

إن شاء الله تعالى لا يذهب عن بالكن المنبر، فإنه موضوع مهم جداً.

5- المحراب

الموضوع الخامس وهو - للأسف - قليل جداً في مجتمعاتنا: مسألة المحراب وإمامة الجماعة.

يلزم أن يكون للنساء محراب. وأن تكون لهن إمامة جماعة، وهذا الأمر بسيط جداً.

ففي الحسينية أو المسجد القريب من بيتكن تقام صلاة الجماعة، وواحدة من المؤمنات تؤم الباقين، فلصلاة الجماعة أجر كثير.

وقد جاء في الروايات بأن الله تعالى يعطي إمام الجماعة من الثواب بقدر ما يعطي كل المأمومين دون أن ينقص منهم شيئاً من الثواب.وقد عيّن نبي الإسلام(صلی الله علیه و آله) امرأة للنساء تصلي بهن جماعة، على

ص: 22


1- سورة العنكبوت، الآية: 69.

الرغم من أن صلاة الجماعة كانت تقام بإمامته(صلی الله علیه و آله) في المسجد، وكان الرجال والنساء يشتركون فيها، فعلى الرغم من كل ذلك فإن النبي(صلی الله علیه و آله) كان قد دعا سيدة تسمى (أم ورقة)(1) وأمرها بأن تصلي بالنساء جماعة(2).

وكانت النساء اللواتي ترغب بالصلاة مع النبي(صلی الله علیه و آله) يذهبن إلى مسجد النبي(صلی الله علیه و آله). وأما النساء اللواتي يرغبن بالصلاة مع أم ورقة يذهبن إلى ذلك المسجد ويصلين معها.

نعم يلزم على النساء أن يكون لهن المحراب، ويرتقين المنبر، ويكتبن ويؤلفن الكتب.

6- الزواج

اشارة

الموضوع السادس: هو الزواج، وهو موضوع مهم جداً حيث يلزم الإسراع في تزويج الشباب من الفتيان والفتيات.

قبل قليل أشرنا إلى أن النبي(صلی الله علیه و آله) قد زوّج ابنته فاطمة الزهراء(علیها السلام) وكان لها من العمر آنذاك تسع سنوات. مع أن البنات ذات التسع سنوات هن بنات صغيرات عادة، لكن النبي(صلی الله علیه و آله) فعل ذلك كي يعلم الناس جميعاً الإسراع في مسألةتزويج بناتهم.

ومن جهة أخرى جعل النبي(صلی الله علیه و آله) مهر زواج ابنته قليلاً جداً، وحكمة هذا العمل هو التسهيل في أمر الزواج، حتى يتمكن الشباب في

ص: 23


1- الصحابية الأنصارية أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث بن عويمر.
2- انظر: تذكرة الفقهاء 4: 237.

أول شبابهم أن يتزوجوا ولا يبقوا في المجتمع من دون زوجات.

أما الآن وفي كافة الدول يوجد كثير من الشباب وليس لهم زوجات، وهناك الكثير من البنات وليس لهن أزواج، وهذه المسألة سببت كثيراً من المشاكل والمفاسد.

ما أكثر النساء في العراق اللواتي من دون أزواج، وما أكثرهن في إيران، وما أكثرهن في سوريا ولبنان وبقية الدول الأخرى.

لماذا حدث هذا؟

هل فكرنا في سببه؟

إن السبب هو ابتعادنا عن القوانين الإسلامية.

طبعاً توجد هنالك وإلى الآن عوائل مؤمنة تلتزم بالتسهيل في أمر الزواج وعدم تشديده، لكنهم قليلون، بينما يجب أن نكون جميعاً كذلك، فلقد جاءني شخص من سوريا وقال لي: ذهبت إلى مدينة حلب السورية وقلت: أريد الزواج، فعرفوا لي رجلاً مؤمناً وقالوا: إن عنده بناتاً مؤمنات. فذهبت إليه خاطباً، فاحترمني وأخذني إلى بيته وجلب لي الشاي، ثمّ قال: عندي من البنات أربعة فأحضرهن جميعاًوكن كلهن متدرجات في العمر، ومبكرات في السن، وقال: أي واحدة شئت لتتزوج بها فانتخبها.

وقد تزوج بإحداهن وأصبح بها سعيداً، وصارت له منها أولاد.

هذه هي طريقة الدين الإسلامي المبين.

نعم، يستفاد من طريقة النبي(صلی الله علیه و آله) وأهل البيت(علیهم السلام) في أمر الزواج هو عدم التشديد والتضييق، وعدم خلق المشكلات والمعضلات من دون

ص: 24

سبب.

فإذا يسر الإنسان فإن الله ييسر له.

وفي القرآن الحكيم: «يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ»(1).

يعني: إن الله تعالى يريد أن نكون سهلي التعامل في كل شيء، وخاصة في أمر الزواج، إن الله تعالى لا يريد بأحد منا العسر بل يريد بنا اليسر، فيلزم علينا التسهيل في جميع الأمور. وإذا سهلنا في الأعمال فإن الأمور سوف تسهل وتسير نحو الأحسن ونتخلص من المشاكل.

نعم عليكن أنتن أيتها النساء المحترمات أن تربين أولادكن تربية جيدة، فإن تربية الأولاد مهمة جداً، ومن ناحية أخرى عليكن ببناتكن فزوجوهن من الشباب المؤمنين سريعاً.

سلمان الفارسي في المدائن

يبعد مرقد سلمان الفارسي(رحمة الله) عن مدينة بغداد بحوالي ستة فراسخ، وقد ذهبت إلى زيارته في منطقة تسمى ب-(سلمان باك) قرب طاق كسرى المعروف، وذلك عندما كنا في العراق.

لقد أصبح سلمان حاكم إيران في وقته وكانت عاصمة إيران آنذاك المدائن، وتوجد إلى الآن بقية من آثارها بالقرب من مدينة بغداد.

وروي عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «تزوج سلمان امرأة من كندة فدخل عليها فإذا لها خادمة و على بابها عباءة فقال: سلمان إن في بيتكم هذا لمريضاً أو قد تحولت الكعبة فيه فقيل: إن المرأة أرادت أن تستر

ص: 25


1- سورة البقرة، الآية: 185.

على نفسها فيه قال: فما هذه الجارية قالوا كان لها شيء فأرادت أن تخدم قال: إني سمعت رسول الله(صلی الله علیه و آله) يقول: أيما رجل كانت عنده جارية فلم يأتها أو لم يزوجها من يأتيها ثم فجرت كان عليه وزر مثلها»(1).

هذا بالنسبة إلى البنات الشابات حيث يلزم أن يُزوجن سريعاً.

وكذلك بالنسبة إلى الشباب فإنه يجب السعي والإسراع في تزويجهم.

فإذا كان عندنا شاب وشابة، وما أكثرهم اليوم، فإنه يلزم علينا أن نسرع في الزواج بينهما، فإن الزواج كما في الحديث أفضل عملوأفضل بناء في الإسلام بعد الإيمان بالله ورسوله والأئمة الطاهرين(علیهم السلام).

إن كثيراً من الشباب يأتون إلى زيارتي، وعندما أوصيهم في الإسراع بالزواج، يقول بعضهم: بأن والديه لا يرغبان بأن يتزوج سريعاً، وهذا غير صحيح.

لقد جاء شاب إلى الرسول الأعظم(صلی الله علیه و آله)، فقال له النبي(صلی الله علیه و آله): أ لك زوجة؟

قال الشاب: لا يا رسول الله.

قال النبي(صلی الله علیه و آله): هل أنت مريض، أو بك علة؟

قال: لا.

قال النبي(صلی الله علیه و آله): إذن أنت من إخوان الشياطين ورهبان النصارى(2).

ص: 26


1- بحار الأنوار 22: 383.
2- انظر: مستدرك الوسائل 14: 155.

يعني: إذا لم يتزوج الشاب كان أخ الشيطان وكان معدوداً من رهبان المسحيين، ولا يحسب في طريقته هذه على المسلمين.

إن النبي(صلی الله علیه و آله) كان في غاية الأدب ويتكلم مع الآخرين بأدب كبير، ولكن من أجل أهمية الموضوع تكلم معه هكذا.وعليه: فإذا كان لديكم شاب فزوجوه سريعاً.

7- العمل

الموضوع السابع الذي أريد الحديث عنه هو العمل.

يلزم على النساء أن يقمن بالأعمال المناسبة في البيت، مثل حياكة السجاد، التطريز، الخياطة وما أشبه، فإن فيه ثلاث فوائد:

1- يوجب النشاط في روح الإنسان، وقد ثبت هذا الأمر بالتجربة.

2- يوجب سلامة البدن لأن الحركة تبعث على السلامة.

3- يوجب تقوية الإنسان من الناحية الاقتصادية.

فيمكن لكل امرأة أن تمارس عملاً مناسباً لشأنها في البيت كالخياطة، والتطريز، والتحبيك وحياكة السجاد وما أشبه ذلك.

وفي الخبر: إنه جاء شخص إلى النبي(صلی الله علیه و آله) فقال له: هل تعمل؟

قال: لا، إني عاطل.

فقال النبي(صلی الله علیه و آله): «سقط من عيني»(1).

وفي القرآن الكريم قال تعالى: «وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ»(2).

ص: 27


1- انظر: جامع الأخبار: 139.
2- سورة التوبة، الآية: 105.

8- مجالس عزاء الإمام الحسين(علیه السلام)

اشارة

وفي الختام أوصيكن بالموضوع الثامن وهو إقامة مجالس عزاء الإمام الحسين(علیه السلام) في البيت.

لقد كنا حتى هذا اليوم ضيوفاً على الله بمناسبة شهر رمضان المبارك وكان يقام في كل ليلة منه مجلساً دينياً وحسينياً، فإنه يلزم أن تستمر هذه المجالس طيلة السنة، فإن هذه المجالس الحسينية مفيدة جداً، وتبعث بالبركة وتوجب خير الدنيا والآخرة، حيث يذكر فيها مصيبة سيد الشهداء(علیه السلام)، وتبين المسائل الشرعية، وتشتمل على الوعظ والإرشاد، والوصية بالأخلاق والآداب، ويوجب الذهاب والإياب من قبل المؤمنين وكل هذه تبعث بالبركة وترفع المشاكل.

إنني عندما كنت في الكويت، أصررت كثيراً على الشيعة هناك بأن يقيموا مجالس عزاء الإمام الحسين(علیه

السلام) في البيوت، إلى أن تحقق ذلك بحمد الله تعالى، وأخذت المجالس في بعض المناسبات تتراوح بين مائتين وثلاثمائة.

نعم، يلزم على كل شخص أن يقيم مجلساً حسينياً في بيته، وهذا العمل بسيط جداً، فأقمن مجالس العزاء في بيوتكن، علماً بأنه يمكن للمرأة أن ترتقي المنبر للنساء، وتقرأ التعزية، وتبين الأحكام الشرعية، وتتكلم عن الأخلاق، وترشد الآخرين إلى تعاليم الإسلام، فإن هذه الأعمال سهلة جداً.

لقد جاء في الروايات والآيات القرآنية: إن الإنسان عند ما يموتويوضع في قبره - ونحن أيضاً نموت، فاليوم أحدنا يموت، وغداً شخص آخر يموت وهكذا - نعم عند ما يموت الإنسان، ينتبه من غفلته فيبكي

ص: 28

كثيراً على ما فاته من العمر المفيد ولم يستفد منه جيداً، حيث بالموت ينتهي كل ما كان بوسعه ولم يبق في اليد من وسيلة، فيقول كما في القرآن الكريم: «رَبِّ ٱرۡجِعُونِ»، ولكن يأتي الجواب: «كَلَّآۚ».

يقول: «رَبِّ ٱرۡجِعُونِ * لَعَلِّيٓ أَعۡمَلُ صَٰلِحا فِيمَا تَرَكۡتُۚ كَلَّآۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَاۖ»(1).

كن وصيّ نفسك

كان لي صديق في طهران، وكان مؤمناً ملتزماً، فجاءني يوماً إلى هنا وقال: أريد أن أكتب وصية حتى إذا توفيت يعملوا لي الخيرات والأعمال الصالحة من بعدي.

قلت له: لا توص.

قال: لماذا؟

قلت: يقول الإمام الصادق(علیه السلام): «كن وصي نفسك»(2)،

فكل وصية تريد أن توصي بها أنجزها أنت بنفسك في حياتك، فإن كنت تريد أن تعطي في سبيل الله سجاداً، أو مالاً، أو تبني مسجداً، أوكل عمل بر وإحسان تريده، فأنجزه أنت.

لم يقبل مني ذلك، وأوصى بما أراد، وبعد مدة توفي إلى رحمة الله، وكان لديه أربعة أولاد وقد ترك مبلغاً من المال يقرب من خمسة مليارات تومان، فبالرغم من أنه كان إنساناً مؤمناً ولكن أبناءه تنازعوا من بعده

ص: 29


1- سورة المؤمنون، الآية: 99-100.
2- الكافي 7: 65.

على الإرث وراحت الأموال ووصل بهم الأمر إلى المحاكم والسجون وأحدهم لحد الآن في السجن.

إذا أراد الإنسان أن يعمل خيراً يلزم أن يعمله بنفسه، كما قال الإمام الصادق(علیه السلام): «كن وصي نفسك».

كثير من الناس، عندما كنا في العراق أو الكويت أو إيران، يوصون بأعمال الخير من بعدهم ولكن لا يقومون بها بأنفسهم وعندما يموتون ينتهي كل شيء ولا يعمل الآخرون لهم أي عمل خيري.

اسأل الله أن يوفقكن جميعاً ويؤيدكن لما فيه رضاه.

وفي الختام أكرر وصيتي بعدم الغفلة عن إقامة مجالس الإمام الحسين(علیه السلام) الأسبوعية وما أشبه، حتى ولو لم يحضر إلّا خمسة أشخاص أو عشرة، فإن هذه المجالس تدفع البلاء، وتحل المشاكل وتزيد في الرزق.

وعند ما كنا في الكويت جاءني شخص وقال: لدي أربع بنات لم يتزوجن، ولم يتقدم أحد لخطبتهن فماذا أعمل؟

قلت له: هل تعمل بما أقوله لك؟قال: نعم.

قلت: في أي منطقة تسكن؟

قال: في منطقة الصلبيخات، (وكانت تبعد عن بيتنا 40 كيلو متراً تقريباً).

قلت له: أقم مجلس عزاء الإمام الحسين(علیه السلام) أسبوعياً في بيتك.

قال: وما ربط مجلس العزاء الأسبوعي بتزويجي بناتي؟

ص: 30

قلت: عندما تأتي النساء إلى منزلكم لمجلس العزاء، سوف يشاهدن بناتكم ويتعرفن عليهن ويعجبن بهن فيتقدمن لخطبتهن لشبابهن.

فقبل ذلك وبعد مضي سنة جاءني وقال: زوجت كل بناتي ببركة هذه المجالس المقدسة.

نعم يلزم عليكن جميعاً التقوى والخوف من الله، وحسن الأخلاق، ورعاية الآداب، والتأليف والتصنيف وارتقاء المنبر والمحراب، والتسريع في تزويج الشباب والشابات، وإقامة المجالس الحسينية الأسبوعية في بيوتكن.

نسأل من الله أن يتقبل أعمال الجميع ويؤيد الجميع، للعملالصالح، وصلى الله على محمّد وآله الطاهرين(1).

من هدي القرآن الكريم

التقوى والأخلاق الحسنة

قال تعالى: «وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ»(2).

وقال سبحانه في وصف عباده المؤمنين: «وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰما * وَٱلَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمۡ سُجَّدا وَقِيَٰما * وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصۡرِفۡ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَآءَتۡ مُسۡتَقَرّا وَمُقَاما * وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمۡ يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَاما * وَٱلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَا يَزۡنُونَۚ وَمَن يَفۡعَلۡ

ص: 31


1- ألقيت المحاضرة في ليلة عيد الفطر سنة (1422 ه).
2- سورة القلم، الآية: 4.

ذَٰلِكَ يَلۡقَ أَثَاما * يُضَٰعَفۡ لَهُ ٱلۡعَذَابُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَيَخۡلُدۡ فِيهِۦ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَٰلِحا فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَئَِّاتِهِمۡ حَسَنَٰتٖۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورا رَّحِيما * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَٰلِحا فَإِنَّهُۥ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتَابا * وَٱلَّذِينَ لَا يَشۡهَدُونَ ٱلزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِٱللَّغۡوِ مَرُّواْ كِرَاما * وَٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بَِٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ لَمۡ يَخِرُّواْ عَلَيۡهَا صُمّا وَعُمۡيَانا * وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُوْلَٰٓئِكَ يُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوۡنَ فِيهَا تَحِيَّة وَسَلَٰمًا * خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ حَسُنَتۡ مُسۡتَقَرّا وَمُقَاما * قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا»(1).وقال عزّ وجلّ: «الٓمٓ * ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدى لِّلۡمُتَّقِينَ * ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ * وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ * أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ»(2).

وقال جلّ اسمه: «قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن ذَٰلِكُمۡۖ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّٰت تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰج مُّطَهَّرَة وَرِضۡوَٰن مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ * ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ* ٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡمُنفِقِينَ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِينَ بِٱلۡأَسۡحَارِ»(3).

ص: 32


1- سورة الفرقان، الآية: 63-77.
2- سورة البقرة، الآية: 1-5.
3- سورة آل عمران، الآية: 15-17.

الأخلاق السيئة وعدم التقوى

فال تعالى: «قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَن فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ»(1).

وقال عزّ وجلّ: «لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّا وَلَا نَصِيرا»(2).

وقال جلّ اسمه: «قُل لَّا يَسۡتَوِي ٱلۡخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ كَثۡرَةُ ٱلۡخَبِيثِۚ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ»(3).

وقال تعالى: «قُلۡ يَٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّي عَامِلۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَمَن تَكُونُ لَهُۥ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ»(4).

وقال عزّ وجلّ: «وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّئَِّاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةِۢ بِمِثۡلِهَا وَتَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةۖ مَّا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِنۡ عَاصِمٖۖ كَأَنَّمَآ أُغۡشِيَتۡ وُجُوهُهُمۡ قِطَعا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مُظۡلِمًاۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ»(5).

من هدي السنّة المطهّرة

التقوى

عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «خطب رسول الله(صلی الله علیه و آله) في حجة الوداع فقال: يا أيها الناس والله ما من شيء يقربكم من الجنة ويباعدكم من

ص: 33


1- سورة آل عمران، الآية: 137.
2- سورة النساء، الآية: 123.
3- سورة المائدة، الآية: 100.
4- سورة الأنعام، الآية: 135.
5- سورة يونس، الآية: 27.

النار إلّا وقد أمرتكم به، وما من شيء يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة إلّا وقد نهيتكم عنه، ألّا وإن الروح الأمين نفث في روعي(1) أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحمل أحدكم استبطاء شيء من الرزق أن يطلبه بغير حله فإنه لا يدرك ما عند الله إلّا بطاعته»(2).

وروي عن النبي(صلی الله علیه و آله) أنه قال: «لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر والتقوى، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات وسلط بعضهم على بعض ولم يكنلهم ناصر في الأرض ولا في السماء»(3).

وعن الوشاء عن أبي الحسن(علیه السلام) قال: سمعته يقول:«الإيمان فوق الإسلام بدرجة، والتقوى فوق الإيمان بدرجة، واليقين فوق التقوى بدرجة، وما قسم في الناس شيء أقل من اليقين»(4).

الخوف من اللّه

عن حمزة بن حمران قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: «إن مما حفظ من خطب رسول الله(صلی الله علیه و آله) أنه قال: أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهايةً فانتهوا إلى نهايتكم، ألّا إن المؤمن يعمل بين مخافتين: بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه، وبين

ص: 34


1- الرُوع: العقل والقلب.
2- الكافي 2: 74.
3- تهذيب الأحكام 6: 181.
4- الكافي 2: 51.

أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه، فليأخذ العبد المؤمن من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، وفي الشبيبة قبل الكبر، وفي الحياة قبل الممات، فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من مستعتب وما بعدها من دار إلّا الجنة أو النار»(1).

وعنه(علیه السلام) قال: «من عرف الله خاف الله ومن خاف اللهسخت نفسه عن الدنيا»(2).

وعنه(علیه السلام) قال: «خف الله كأنك تراه، وإن لم تكن تراه فإنه يراك»(3).

وقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «رأس الحكمة مخافة الله»(4).

حسن الخلق

عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً»(5).

وعن عمار بن مروان الكلبي قال: أوصاني أبو عبد الله(علیه السلام) فقال: «أوصيك بتقوى الله وأداء الأمانة وصدق الحديث وحسن الصِّحابة لمن صحبت ولا قوة إلّا بالله»(6).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «أربع من كن فيه كمل إيمانه وإن كان من قرنه إلى قدمه ذنوباً لم ينقصه ذلك، قال: وهو الصدق وأداء الأمانة

ص: 35


1- الكافي 2: 70.
2- الكافي 2: 68.
3- الكافي 2: 68.
4- الاختصاص: 343.
5- الكافي 2: 99.
6- الكافي 2: 669.

والحياء وحسن الخلق»(1).

وعن علي بن أبي طالب(علیه السلام) قال: «قيل يا رسول الله: ما أفضل حال أعطي للرجل؟ قال:(صلی الله علیه و آله): الخلق الحسن، إن أدناكم مني وأوجبكم علي شفاعةً أصدقكم حديثاً وأعظمكم أمانةًوأحسنكم خلقاً وأقربكم من الناس»(2).

ورد في شأن نزول قول الله تعالى لنبيه(صلی الله علیه و آله): «وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ»(3) أنه قد كان(صلی الله علیه و آله) قد لبس برداً نجرانياً ذا حاشية قوية فبينما هو يمشي إذ جذبه أعرابي من خلفه فجرت في عنقه فقال: له أعطني عطائي يا محمد، فالتفت(صلی الله علیه و آله) إليه مبتسماً وأمر له بعطائه، فنزل قوله تعالى: «وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ» فمدحه الله بهذه مدحة لم يمدح بها أحد من خلقه(4).

وعن علي بن الحسين‘ قال: «قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة أفضل من حسن الخلق»(5).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «البر وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار»(6).

وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه(علیهم السلام) قال: «أتي النبي(صلی الله علیه و آله)

ص: 36


1- الكافي 2: 99.
2- مستدرك الوسائل 8: 442.
3- سورة القلم، الآية: 4.
4- إرشاد القلوب 1: 133.
5- الكافي 2: 99.
6- الكافي 2: 100.

بسبعة أسارى فقال لي يا علي: قم فاضرب أعناقهم قال: فهبط جبرئيل(علیه السلام) في طرف العين فقال: يا محمد اضرب أعناق هؤلاء الستة وخل عن هذا، فقال له رسول الله(صلی الله علیه و آله): يا جبرئيل ما بال هذا من بينهم؟ فقال: لأنهكان حسن الخلق سخياً على الطعام سخي الكف، قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): فقلت: يا جبرئيل عنك أو عن ربك، فقال: لا بل عن ربك عزّ وجلّ يا محمد»(1).

وقال(صلی الله علیه و آله): «إن حسن الخلق يثبت المودة وحسن البشر يذهب بالسخيمة ومن أيقن بالخلف سخت نفسه بالنفقة فاستنزلوا الرزق بالصدقة وإياكم أن يمنع أحدكم من ذي حق حقه فينفق مثله في معصيته»(2).

التأليف والكتابة

عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: «اكتبوا فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا»(3).

وعن المفضل بن عمر قال: قال لي أبو عبد الله(علیه السلام): «اكتب وبث علمك في إخوانك، فإن مت فأورث كتبك بنيك، فإنه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلّا بكتبهم»(4).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «القلب يتكل على الكتابة»(5).

ص: 37


1- مستدرك الوسائل 8: 442.
2- إرشاد القلوب 1: 133.
3- الكافي 1: 52.
4- الكافي 1: 52.
5- الكافي 1: 52.

المنبر

عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «كان أمير المؤمنين(علیه السلام)إذا صعد المنبر قال: ينبغي للمسلم أن يتجنب مواخاة ثلاثة الماجن(1)والأحمق والكذاب»(2)الحديث.

وعن أمير المؤمنين علي(علیه السلام) قال: «من السنة إذا صعد الإمام المنبر أن يسلم إذا استقبل الناس»(3).

وعن الإمام الصادق(علیه السلام) عن أبيه(علیه السلام) قال: «كان رسول الله(صلی الله علیه و آله) إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذنون»(4).

صلاة الجماعة

عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «الصلاة في جماعة تفضل على كل صلاة الفرد بأربع وعشرين درجةً تكون خمساً وعشرين صلاةً»(5).

وعن زرارة والفضيل قالا: قلنا له(علیه السلام): الصلوات في جماعة فريضة هي؟ فقال: «الصلوات فريضة وليس الاجتماع بمفروض في الصلاة كلها، ولكنها سنة ومن تركها رغبةً عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علة فلا صلاة له»(6).

وقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «إن صفوف أمتي كصفوفالملائكة في

ص: 38


1- الماجن: مَن لا يبالي قولاً وفعلاً.
2- الكافي 2: 376.
3- تهذيب الأحكام 3: 244.
4- تهذيب الأحكام 3: 244.
5- تهذيب الأحكام 3: 25.
6- الكافي 3: 372.

السماء والركعة في الجماعة أربع وعشرون ركعة كل ركعة أحب إلى الله تعالى عن عبادة أربعين سنة»(1).

العمل

عن ابن عباس أنه قال: كان رسول الله(صلی الله علیه و آله) إذا نظر إلى الرجل فأعجبه قال: «هل له حرفة؟» فإن قالوا: لا، قال: «سقط من عيني» قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: «لأن المؤمن إذا لم يكن له حرفة يعيش بدينه؟»(2).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «إن محمد بن المنكدر كان يقول: ما كنت أرى أن مثل علي بن الحسين‘ يدع خلفاً لفضل علي بن الحسين‘ حتى رأيت ابنه محمد بن علي‘ فأردت أن أعظه فوعظني، فقال له أصحابه: بأي شيء وعظك؟ قال: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيت محمد بن علي‘ وكان رجلاً بديناً وهو متكئ على غلامين له أسودين أو موليين له فقلت في نفسي: شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا والله لأعظنه، فدنوت منه فسلمت عليه فسلم علي بِبُهْرٍ(3)وقد تصبب عرقاً فقلت: أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على مثل هذه الحال في طلب الدنيا لو جاءك الموت وأنت على هذه الحال،قال: فخلى عن الغلامين من يده ثم تساند وقال: لو جاءني والله الموت وأنا في هذه الحال جاءني

ص: 39


1- روضة الواعظين 2: 335.
2- جامع الأخبار: 139.
3- البُهْر: تتابع النفس.

وأنا في طاعة من طاعات الله أكف بها نفسي عنك وعن الناس وإنما كنت أخاف الموت لو جاءني وأنا على معصية من معاصي الله، فقلت: يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني»(1).

الزواج

عن الإمام الصادق(علیه السلام): «ركعتان يصليهما المتزوج أفضل من سبعين ركعةً يصليها أعزب»(2).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «من تزوج أحرز نصف دينه» وفي حديث آخر «فليتق الله في النصف الآخر أو الباقي»(3).

وعن محمد بن مسلم أن أبا عبد الله(علیه السلام) قال: «إن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال: تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم غداً في القيامة حتى إن السقط ليجيء محبنطئاً على باب الجنة فيقال له ادخل الجنة فيقول لا حتى يدخل أبواي الجنة قبلي»(4).

المجالس الحسينية

عن علي بن الحسن بن فضال عن أبيه قال: قال الرضا(علیه السلام): «من تذكر مصابنا وبكى لما ارتكب منا كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذُكِّر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس

ص: 40


1- الارشاد 2: 161.
2- الكافي 5: 328.
3- الكافي 5: 329.
4- من لا يحضره الفقيه 3: 383.

مجلساً يحيا فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب»(1).

وروي عن النبي(صلی الله علیه و آله) أنه قال: «إذا كان يوم القيامة نصب لفاطمة(علیها السلام) قبة من نور ويقبل الحسين(علیه السلام) ورأسه في يده فإذا رأته شهقت شهقة فلا يبقى في الموقف ملك ولا نبي إلّا بكى لبكائها، فيمثله الله عزّ وجلّ في أحسن الصورة فيخاصم قتلته بلا رأس فيجمع الله لي قتلته والمجهرين عليه ومن شرك في دمه...»(2).

قال الصادق(علیه السلام): «رحم الله شيعتنا، شيعتنا والله المؤمنين فقد شركونا في المصيبة بطول الحزن والحسرة»(3).

وعن النبي(صلی الله علیه و آله) أنه قال: «إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة(علیها السلام) في لمة أي جماعة من نسائها، فيقال لها: ادخلي الجنة، فتقول: لا أدخل حتى أعلم ما صنع بولدي منبعدي، فيقال لها: انظري في قلب القيامة فتنظر إلى الحسين(علیه السلام) قائماً وليس عليه رأس فتصرخ صرخة وأصرخ لصراخها وتصرخ الملائكة لصراخها فيغضب الله عزّ وجلّ لنا عند ذلك فيأمر ناراً يقال لها هبهب قد أوقد عليها ألف عام حتى اسودت لا يدخلها رَوح أبداً ولا يخرج منها غم أبداً فيقال التقطي قتلة الحسين وحملة القرآن فتلتقطهم فإذا صاروا في حوصلتها صهلت وصهلوا بها وشهقت وشهقوا بها وزفرت وزفروا بها

ص: 41


1- الأمالي للشيخ الصدوق: 73.
2- مثير الأحزان: 81.
3- مثير الأحزان: 81.

فينطقون بألسن ذلقة طلقة: يا ربنا في ما أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان، فيأتيهم الجواب عن الله تعالى أن من علم ليس كمن لا يعلم»(1).

ص: 42


1- ثواب الأعمال: 217.

المرأة في ظل الإسلام

حقوق المرأة

اشارة

قال تعالى: «وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ»(1).

وقال سبحانه: «مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ»(2).

وقال عزّ وجلّ: «يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالا كَثِيرا وَنِسَآءۚ»(3).

وقال تعالى: «يَٰٓٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا»(4).

إلى غيرها من الآيات الشريفة، مضافاً إلى الكثير من الروايات الدالة على حقوق المرأة ولزوم احترامها وحفظ كرامتها.

دعاة المساواة

غالب الكلام في موضوع (الحرية والمساواة) في عالم اليوم يدور حول حرية المرأة وحقوقها، والمساواة بينها وبين الرجل... ودعاة المساواة وحقوق المرأة الغربيون هم أول من ظلمها حقّها،ولتعاسة

ص: 43


1- سورة البقرة، الآية: 228.
2- سورة الملك، الآية: 3.
3- سورة النساء، الآية: 1.
4- سورة البقرة، الآية: 35.

أغلب النساء في عالم اليوم تراهن يتمنين لو أنهن لو يسمعن بهذه الدعاوى ولم يستمعن إليها.

نعم، هناك من انتفع من هذه الدعاوى من النساء لكن ذلك اقتصر على شريحة معينة منهن، ويمكن أن نقول: إن الطبقة التي انتفعت من هذه الدعاوى هي بعض الطبقة (المترفة) أو قسم من الطبقة الغنية، أما الطبقات المسحوقة فكان نصيبها منها السحق والاضطهاد.

فإن دعاة المساواة وحقوق المرأة لمّا دعوا إلى نزول المرأة إلى ميدان العمل لمشاركة أخيها الرجل - كما يدّعون - بحجة المشاركة في البناء، لم يحددوا نوع العمل الذي يجب أن يسند إليها ليتلائم مع طبيعتها النسوية، مما دعا إلى ظهور اشكالات أخرى، فعندما تخرج المرأة للعمل وغالباً ما يكون عملها في الميادين التي لا يمكنها اصطحاب أولادها، فإنها تترك وراءها بيتاً فيه أطفال صغار بحاجة إلى خدمة ورعاية وليس هناك من يخدمهم ويرعاهم؛ لأن الأب هو الآخر يخرج كزوجته للعمل، فمن سيقوم برعاية هؤلاء الصغار إذن؟ ومن سيسد فراغ الأم؟!

هنا يبرز الرّق مرة أخرى، لأن الذي سيقوم بخدمة ورعاية الأطفال بالإضافة إلى بقية الأشغال المنزلية هو أيضاً من نفس الجنس، أي أن من يسد مسدّ المرأة هي المرأة وبذلك ستبتلي امرأة أخرى باسم ال(خادمة) أو ما أشبه، وستتنعم أخرى باسم ال(سيدة)، إذن ما الذيفعله دعاة حقوق المرأة، أو هل أن الدعاوى تختص (بالسيدات) دون (الخادمات)؟!

فإذا كان هدف الدعاة هو التحرر والخروج للعمل فلماذا تخرج

ص: 44

واحدة، لتخنق واحدة أخرى أو أكثر؟!

هذا من جانب، أما الجانب الآخر فهو ما يختص بالعمل نفسه، فلماذا تختص وتقتصر الميادين السهلة على شريحة معينة من (المترفات)، في حين أن الميادين الشاقة تكتظّ بالطبقات العامة من (المسحوقات)؟

فهل تتناسب هذه الأعمال الشاقة مع طبيعة المرأة؟ فإذا كان الجواب: نعم، فلماذا تستنكرون الأعمال التي تقوم بأدائها المرأة الريفية في بلادنا من حراثة ورعي وجمع حطب، وما يتطلبه ظرف الريف، وتدعون بأن المرأة الشرقية مضطهدة من قبل الرجل؟ وأن وظيفتها شاقة ومرهقة؛ ولذلك تزعمون أنكم تطالبون بتحررها؟ فهل تحررها في نظركم هو جلوسها في البيت دون مشاركتها الرجل في العمل خارج البيت، أم تحررها في خروجها إلى الحقل للمشاركة في العمل الشاق الذي يشابه الأعمال الشاقة التي تؤديها نساء الطبقات (المسحوقة) في بلدان تدعي (تحرر المرأة)؟!

هذا إذا كان الجواب: نعم، أي إذا كانت تلك الأعمال الشاقة تتناسب مع طبيعة المرأة.أما إذا كان الجواب (لا)، أي أن الأعمال الشاقة لا تتناسب مع طبيعة المرأة، فلماذا تكلفون المرأة بما لا تطيق بدعاواكم هذه؟ وتدعون أنكم تريدون إنصاف المرأة؟ كما وتدعون المطالبة بحقوقها، فهل من الإنصاف أن تطالبوا برفع الحيف عنها بتكليفها بما لا يطاق لتصبح كالمستجير من الرمضاء بالنار؟

أم إن هناك شيئاً آخر دفعكم لمثل هذه الدعاوى؟!

ص: 45

شعار تحرر المرأة ماركة تجارية

مما سبق نعرف أن دوافع اطلاق مثل هذه الشعارات المزيفة كثيرة، منها ما خفي ومنها ما ظهر.

لكن الدافع الأقوى كان دافعاً اقتصادياً بحتاً حيث إن إطلاق مثل هذه الدعاوى برز على إثر الثورة الصناعية في الغرب، وما نجم عنها من توسع في الدوائر الإنتاجية ووسائلها، وتزايد رؤوس الأموال ونفوذ أصحابها في مراكز القرار ومواطن الدعاية والإعلام، والشيء الذي جعلهم يروّجون لمثل هذه الدعاوى واضح، حيث إن مؤسساتهم الإنتاجية الواسعة بحاجة إلى أيدي عاملة وبأجور منخفضة، حيث إن العمل في مؤسساتهم كان مقتصراً على الرجال، فبهذه الدعاوى حصلوا على كم هائل من الأيدي العاملة الرخيصة لديمومة إنتاجهم وزيادته بكلفة أقل وذلك عن طريق استخدام النساء كأيدي عاملة رخيصة لتشغيل مؤسساتهم من وراء دعاواهم تلك.مضافاً إلى أنهم لترويج بضاعتهم والدعاية لها جعلوا من المرأة آلة رخيصة للإعلان وهتكوا عزها وسترها بذلك، كما جرّوها إلى الفساد والدعارة ليحصلوا عن طريقها على الأرباح الهائلة، فكان الهدف من هذه الشعارات الاستثمار الاقتصادي عبر المرأة المسكينة!

أي المجتمعين أفضل للمرأة؟

لو خيرنا المرأة العاقلة بين العيش في ظل المجتمع الغربي وبين العيش في ظل المجتمع الإسلامي فماذا ستختار بعد أن تطلّع على كل مالها وما عليها من المجتمعين؟

ص: 46

فهي بين أمرين أما أن تختار: الحشمة، والوقار، والعفة، والكرامة، والفضيلة، والعزة، والأخلاق، والتقدم، وكل الصفات الحسنة التي تزيدها فخراً وشموخاً.

وإما أن تختار: الفساد، والانحلال، والانهيار، والوقاحة، والهوان، والرذيلة، والذل، والخداع، والغش، وكل الصفات السيئة التي تحط من قدرها، وتجعلها لعبة دنيئة يعبث بها من أراد ثم ينبذها بعد أن يملّها.

وقطعاً إن المرأة العاقلة ستختار الفضيلة، أما غيرها فستفضل الرذيلة وتنغمس فيها دون الالتفات للهوان الذي ينزل بها، فيسهل عليها الهوان، كما قال الشاعر:

من يَهن يسهل الهوان عليه *** ما لجرحٍ بميتٍ إيلام

فهل أن العيش أفضل في ظل مجتمع يجعلها سائبة تبحث وراء لقمة العيش، وتلاقي ما تلاقية من تعب ونصب وإهانة وازدراء، وهدر للكرامة وتعرض للآلام وانغماس في المزالق؟

أم العيش أفضل في ظل مجتمع يكفل لها عيشها، ويضمن لها حريتها، ويصون كرامتها، ويدعها تعيش في بحبوحة من الرفاه والعيش الرغيد بفخر واعتزاز؟

وهل أن العيش خير لها في مجتمع يحرمها من حقها الطبيعي في الحياة وهو الأمومة - وهو حلم كل فتاة - ليجعلها سلعة تعرض في سوق المستهلكين، أو ليجعلها كرة يتلقفها الصولجان ليرميها إلى آخر؟

أم أن العيش خير لها في مجتمع يمنحها دستوره الكريم كل شيء،

ص: 47

فيقول الله تعالى: «هُنَّ لِبَاس لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاس لَّهُنَّۗ»(1).

أين هي المساواة؟

كثيراً ما أطلق شعار المساواة بين المرأة والرجل من قبل التقدميين حسب ادعائهم، حتى بلغ ذلك درجة الضجيج، فهل المساواة هي في تشبّه المرأة بالرجل والرجل بالمرأة، والاختلاط المبتذل؟ وأين هذه المساواة التي أصبحت علامة تجارية في الغرب من المساواة التي يصرح بها القرآن الكريم: «يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖوَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالا كَثِيرا وَنِسَآءۚ»(2)؟

وأين هي من قوله تعالى: «يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبا وَقَبَآئِلَ»(3).

وكذلك قوله تبارك وتعالى: «إِنَّ ٱلۡمُسۡلِمِينَ وَٱلۡمُسۡلِمَٰتِ وَٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡقَٰنِتَٰتِ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلصَّٰدِقَٰتِ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰبِرَٰتِ وَٱلۡخَٰشِعِينَ وَٱلۡخَٰشِعَٰتِ وَٱلۡمُتَصَدِّقِينَ وَٱلۡمُتَصَدِّقَٰتِ وَٱلصَّٰٓئِمِينَ وَٱلصَّٰٓئِمَٰتِ وَٱلۡحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمۡ وَٱلۡحَٰفِظَٰتِ وَٱلذَّٰكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرا وَٱلذَّٰكِرَٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغۡفِرَة وَأَجۡرًا عَظِيما»(4).

فالمرأة إلى الآن لم تحصل على أقل حقوقها في الغرب وكل ما حصلت عليه من المساواة هو ابتذالها وجعلها في متناول الأيدي بغية

ص: 48


1- سورة البقرة، الآية: 187.
2- سورة النساء، الآية: 1.
3- سورة الحجرات، الآية: 13.
4- سورة الأحزاب، الآية: 35.

الحصول عليها بسهولة لمن أراد ذلك، حالها حال بقية المعروضات، بل قد تفضلُها بعض تلك المعروضات، لما تجده من صيانة واضحة أثناء العرض، أو ما توسم به من ثمن باهظ!!

وغاية ما حصلت عليه هو إهانتها، فتارة تستخدم (كعارضة أزياء) وتارة للدعاية التجارية الرخيصة، كاستخدام صورتها على أغلفة الصابون، وأخرى للترويج، كتوظيفها في المحلات التجارية (كبائعة أو خادمة في المطعم) وإلى كثير من هذه الحالات التي تحط منقدر المرأة وتجعلها سلعة تباع وتشترى... بغض النظر عن الأشغال الشاقة التي تقوم بأدائها المرأة وهي خارجة عن طاقتها وغير مناسبة للطافتها، فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة(1)، كما ورد في الحديث الشريف كما ذكرنا سابقاً.إذن: فأين هي المساواة؟!

التشبه بالرجال يعني الاسترجال

إذا كانت المساواة تعني التشبه كما يرى البعض، فهذا يعني أن المراد من ذلك هو أن تتخلى المرأة عن انوثتها للتحوَّل إلى ذكر، وهذا ما يأباه العقل، وترفضه الأنثى، حيث يعني ذلك إن المرأة ستترك دورها لتؤدي دور الرجل.

وهنا ستختل الموازين الطبيعية، ويحل الخراب، وعلى تعبير بعض الحكماء: إن البيت الذي تمارس فيه الدجاجة دور الديك مصيره إلى الخراب.وهذا الحال يشمل الرجال أيضاً لو تشبهوا بالمرأة.

ص: 49


1- انظر: نهج البلاغة، الكتب الرقم: 31، من وصية له(علیه السلام) يوصي بها الإمام الحسن(علیه السلام)، وفيه عن أمير المؤمنين(علیه السلام): «لا تملّك المرأة ما جاوز نفسها فان المرأة ريحانة وليست بقهرمانة».

وكلامنا هنا حول (التشبّه) بكل الجنسين فهو منبوذ ومرفوض لما له من أثر سلبي على سير الحياة الطبيعية ومخالفته للنواميس الطبيعية، وقد نهى رسول الله(صلی الله علیه و آله) عن تشبّه الرجال بالنساء وتشبّه النساء بالرجال، فقد ورد عن أمير المؤمنين(علیهالسلام) أنه رأى رجلاً به تأنيث في مسجد رسول الله(صلی الله علیه و آله)، فقال له: «أخرج من مسجد رسول الله يا من لعنه رسول الله». ثم قال علي(علیه السلام): «سمعت رسول الله(صلی الله علیه و آله) يقول: لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال»(1).

إذن تشبّه النساء هو غير مساواتهن لهم، فأن تكون المرأة مسترجلة هو شيء مستهجن، وعلى النساء أن يرفضنّه حتى لو فرض عليهن فرضاً؛ لأن ذلك يعني أن نفرض على المرأة ما لا يناسبها ولا ينسجم مع عواطفها وخلقتها، ونفصلها عن شخصيتها التي تعتز بها، وتتقمص شخصية أخرى لا تلائمها ولا تحقق لها رغباتها، فهي تجد سعادتها مثلاً في شعورها بأنها في أسرة محترمة تقوم بدورها كأم وكزوجة، ويحميها رجل قوي وهو شيء طبيعي لدى المرأة السوية. لكن هذا الشعور لا يتوافق مع شخصيتها الجديدة المتقمّصة.

كذلك نجد أن الأدوار التي ستمارسها عند تقمصها لشخصية الرجل لا تنسجم مع ما يبحث عنه الجنس الآخر، فكل جنس يميل إلى المخالف لجنسه. أما أن تأتي المرأة لتتشبه بالخشونة والبطولة وما شابه، فهذا يعني أنها أصبحت محل اشمئزاز ونفور، وهذا ليس ثوبها.

ص: 50


1- علل الشرائع 2: 602.

أما رأي الإسلام فيها فهو الصواب التي يتضمن سعادتها فيالدارين، وقد قال الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام): «المرأة ريحانة وليست بقهرمانة»(1).

فهذه هي شخصية المرأة التي لا بد لها أن تحافظ عليها؛ لذلك ينهى الإسلام عن تشبهها بالرجال لأنها ستفقد أعزّ خاصية إلى نفسها، وهي أن ترى نفسها أنثى مرغوباً فيها من قبل زوجها كما أراد الله تعالى ذلك.

مكانة المرأة

إذا كان الرجل يمثل العين أو اليد اليمنى للمجتمع فالمرأة بمثابة العين أو اليد اليسرى له، وقد كان البعض يقول:

ان كان الرجل يمثل النهار بما فيه من عمل وطلب للفضل فان المرأة تمثل الليل بما فيه من سكن وسكينة.

وقد قال تعالى: «جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسۡكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ»(2).

من هذه الآية الكريمة نعرف أن السكن والسكينة والاستقرار والراحة بعد التعب أو قل ما شئت بخصوص ذلك كله يعود إلى الليل.

وقال تعالى في آية أخرى: «وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡأَزۡوَٰجا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّة

وَرَحۡمَةًۚ»(3).

أما العمل وطلب الفضل والمعاش فكله يعود إلى النهار... ويوضح

ص: 51


1- نهج البلاغة، الكتب الرقم: 31، من وصية له(علیه السلام) إلى ولده الإمام الحسن(علیه السلام).
2- سورة القصص، الآية: 73.
3- سورة الروم، الآية: 21.

ذلك قوله تعالى: «وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِبَاسا * وَجَعَلۡنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشا»(1).

ولا يمكننا أن نفضّل الليل على النهار ولا النهار على الليل، فالحياة بحاجة إلى النهار وضيائه والليل وسكونه.

أي بحاجة للمرأة والسكون إليها والرجل وما يقدمه من عمل، هذا خلاصة تمثيل ذكره البعض، ومن الواضح أن المقصود ليس المعنى الحرفي للمثال، وإلّا فالمرأة لها دورها المشروع في المجتمع وهي أيضاً بإمكانها أن تقدم أعمالاً كثيرة تناسب شأنها وكرامتها.

التساوي في الشرع الإسلامي

قال تعالى: «وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ»(2) إن المرأة لها مكانة في الإسلام مساوية لمكانة الرجل في جميع الحقوق والواجبات والأصل هو التساوي في ذلك، إلّا بعض المستثنيات التي هي في مصلحة الرجل والمرأة كليهما فالرجل هو الأب والمرأة هي الأم وهذا لا يعني الظلم بحق أحدهما، بل هو المناسب لخلقتهما وعواطفهما وكذلك في درجة القوامة حيث قال تعالى: «وَلِلرِّجَالِ عَلَيۡهِنَّدَرَجَةۗ»(3).

فإن: «ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡۚ»(4) ودرجة القوامة هذه ليست نقصاً في المرأة مطلقاً بل القوامة أو (القيادة أو الإمارة) شيء لا بد منه لتسيير الحياة

ص: 52


1- سورة النبأ، الآية: 10-11.
2- سورة البقرة، الآية: 228.
3- سورة البقرة، الآية: 228.
4- سورة النساء، الآية: 34.

بصورة منظمة و«... إنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر»(1) أي أن القوامة مفروضة حتى على الرجل نفسه، فهل أن الرجال يرفضون تنصيب قائد عليهم؟

والمفروض أن مجموعة من الرجال إذا سافروا فعليهم أن يرشحوا أحدهم للإمارة، فكيف إذا كان ذلك في بيت واحد يحتوي على ذكر وأنثى وأولاد وبنات... وكان ذلك في الغالب مدى الحياة، أفلا يرشح أحدهما للإمارة أو القوامة؟ وكل القوانين الطبيعية ترشح الذكر، وليس الحال هذا خاصاً بالإنسان وحده، بل إن ذلك لدى الحيوانات والطيور أيضاً.

فنرى أن الذكر هو المتقدم على الأنثى في السير، أو أن الذكر هو الذي يسعى للحصول على الطعام والحماية، في حين أن الأنثى وظيفتها الحضانة والرعاية، ولعل ذلك سنة الله عزّ وجلّ في مخلوقاتهجميعاً.

ولها دور العالِم

قال تعالى: «لِّلرِّجَالِ نَصِيب مِّمَّا ٱكۡتَسَبُواْۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيب مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ»(2).

إن الرجل هو المسؤول الأول عن توفير الحماية للبيت، وتوفير كل مستلزمات العيش والسكن... ولنقل: إن المرأة (مدللة) في ظل الرجل وهذا لا يعني أن المرأة معطلة بلا عمل؟ وأن وظيفتها فقط توفير الجو البيتي الملائم للرجل؟ بل إن لديها عملاً أعظم من هذا؟ ومن أعظم مهامها هو تربية الأجيال التي ستمسك بأزمة المجتمع... فإن الكثير ممن

ص: 53


1- نهج البلاغة، الخطب الرقم: 40، من كلام له(علیه السلام) للخوارج.
2- سورة النساء، الآية: 32.

يدعي (التقدم) يقول: إن المرأة في الإسلام سجينة أربعة جدران، وهي معطلة عن العمل، وإن النصف الثاني من المجتمع مشلول! وإن المرأة غير منتجة بل مستهلكة!

لكن أيها المدعي لماذا لا تجر إشكالك هذا إلى العلماء والفلاسفة والكتّاب والمفكرين الكبار والشعراء وغيرهم، الذين يجلسون في غرفهم الخاصة ويسجنون بين أربعة جدران! فهم ممن يقدمون أكبر الخدمات للمجتمع مع كونهم جالسين في بيوتهم.

أليست المرأة كالعالِم والفيلسوف... فلو قارنا بينه وبينها في العمل لكانت خدمتها للمجتمع لا تقل درجة عن خدمة العالم له،فالعالم وظيفته إعداد الجيل...! والمرأة وظيفتها اعداد الجيل أيضاً، وهي أشرف وظيفة وأقدس عمل، ولذلك يقول الشاعر:

الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعباً طيب الأعراق

وكذا الحال بالنسبة للأدباء والمفكرين وغيرهم، فان وظيفتهم بناء الجيل وتربيته ومن وراء أربعة جدران أيضاً، حيث أن عملهم يتطلب التأمل والتفكّر، ولا يتم لهم ذلك إلّا في الجلوس بين هذه الجدران... كما أن عملهم هذا ليس إنتاجياً بل خدمة كبيرة للمجتمع، فلماذا هذا التمييز بين المرأة وهؤلاء؟!

فالمرأة مثلها مثلهم، واجبها ووظيفتها أن تربي الأجيال، وتعدهم إعداداً كاملاً للمستقبل؛ ليكونوا رجاله العظام.

أي أن المرأة (مصنع الرجال العظماء) فهل هناك فخر، أكبر من هذا.

فتلك سيدتنا فاطمة الزهراء(علیها السلام) انظر ماذا أعدت وقدمت.

ص: 54

وتلك أم البنين(علیها السلام) فانظر إلى ما أعدت أيضاً وقدمت.

وبعد هذا الإعداد والإنتاج العظيم فما ينبغي على المرأة أن تنتج؟!

وما نوع الإنتاج المطلوب؟!

إذن يمكننا أن نقول: إن الإعداد والتربية من باب (الفريضة) على المرأة، أما عمل المرأة في المجالات الأخرى المناسبة لها خارجالبيت فهو من باب (النافلة).

وقد وزع الرسول الأعظم(صلی الله علیه و آله) الأدوار بين الإمام أمير المؤمنين علي وفاطمة‘، وجعل(صلی الله علیه و آله) باب الدار حداً فاصلاً بين عمل الإمام(علیه السلام) وعمل فاطمة(علیها السلام)، حيث إن الباب وما دونه داخل البيت هو من واجبات فاطمة(علیها السلام)، والباب وما وراءه خارج البيت هو من واجبات أمير المؤمنين(علیه السلام)(1).

المعززة المكرمة

المرأة في ظل الإسلام معززة ومكرمة بشكل لم ير التاريخ لها عزاً وكرامة إلّا في تعاليم الرسول(صلی الله علیه و آله) وأهل بيته(علیهم السلام).

قال الرسول الأعظم(صلی الله علیه و آله): «إذا جاء أحدكم بشيء لأولاده فليبدأ بالإناث قبل الذكور»(2).

ص: 55


1- انظر: قرب الإسناد: 52، وفيه عن أبي عبد الله(علیه السلام) عن أبيه(علیه السلام) قال: «تقاضى علي وفاطمة إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله) في الخدمة، فقضى على فاطمة بخدمته ما دون الباب، وقضى على علي ما خلفه، قال: فقالت فاطمة: فلا يعلم ما داخلني من السرور إلّا الله، باكفائي رسول الله(صلی الله علیه و آله) تحمل رقاب الرجال».
2- انظر: الأمالي للشيخ الصدوق: 577 وفيه قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج وليبدأ بالإناث قبل الذكور...» الحديث.

وقال(صلی الله علیه و آله): «خير أولادكم البنات»(1).

وقال(صلی الله علیه و آله): «ومن فرّح ابنته فكأنما اعتق رقبة ولد إسماعيل»(2).

وقال الإمام الصادق(علیه السلام): «البنات حسنات والبنون نعمة، فالحسنات يثاب عليها والنعمة يسأل عنها»(3).

وقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «من عال بنتاً من المسلمين فله الجنة»(4).

وقال الإمام الصادق(علیه السلام): «إن إبراهيم(علیه السلام) سأل ربه أن يرزقه ابنة تبكيه وتندبه بعد موته»(5).

وقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «نعم الولد البنات، ملطفات مجهزات، مونسات، مباركات مفليات»(6).

والآن بعد هذه المأثورات الشريفة، ألّا يحق للبنت أن ترفع رأسها شموخاً في ظل الإسلام؟ فهل هناك حيف واقع عليها؟! ألّا يفهم من هذا أن البنت معززة مكرمة في ظل الإسلام؟ بل هي المفضلة في كل هذه الأحاديث الشريفة؟ ثم ألّا يجدر بالولد أن يطالب بالمساواة معها؟!فهل هنالك مجتمع غير الإسلام يمنحها هذا الشرف وهذا التكريم الذي لا يعرف الحدود؟ كل هذا لأجل عيني البنت، فماذا تبتغي البنت أكثر من هذا؟!

وقد كان الرسول الأعظم(صلی الله علیه و آله) يحب ابنته فاطمة(علیها السلام) ويجلّها ويكنّيها

ص: 56


1- مكارم الأخلاق: 219.
2- روضة الواعظين 2: 429.
3- من لا يحضره الفقيه 3: 481.
4- عوالي اللئالي 3: 294.
5- الكافي 6: 5.
6- عدة الداعي: ص89.

ب(أم أبيها)(1).

أما الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام) فقد عامل بناته (عليهن السلام) بنفس أسلوب الرسول الأعظم(صلی الله علیه و آله)، أما الإمام الحسين(علیه السلام) فمواقفه مع ابنته سكينة(علیها السلام) معروفة... فقد كان(علیه السلام) يصفها بأنها غالب عليها الاستغراق في ذات الله، وكان يلقبها بخيرة النساء(2)، وقد كان يحبها حباً جماً، وقد استشهد على ذلك بشعر منسوب، يبرز فيه مدى حب الإمام(علیه السلام) لأبنته سكينة وزوجته الرباب وهو:

لعمرك أنني لأحب داراً *** تحل بها سكينة والرباب(3)

الأخت

هذا عن تكريم البنات، أما عن تكريم الأخوات فلا يقل شأناً عن تكريم البنات، ونبدأ من تكريم الرسول(صلی الله علیه و آله) لها فقد ورد أنه(صلی الله علیه و آله) كان جالساً المجلس، وقد دخلت عليه امرأة فقام إجلالاً لها، وعظّمها، وافترش لها رداءه، فجلست وراح يحدثها، ويصغي لكلامها، وهو مقبل عليها بكله، حتى إذا فرغت من الكلام، وقامت منصرفة، ودّعها النبي(صلی الله علیه و آله)، وسار خطوات معها، تقدم أحد الأصحاب يسأله عن هذه المرأة التي استحقت كل هذا التكريم منه، فقال(صلی الله علیه و آله): إنها أختي من

ص: 57


1- انظر: بحار الأنوار 43: 19.
2- انظر: مناقب آل أبي طالب(علیهم السلام) 4: 109، وفيه: ... ثم ودع النساء وكانت سكينة تصيح فضمها إلى صدره وقال: سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي *** منك البكاء إذا الحمام دهاني لاتحرقي قلبي بدمعك حسرة *** مادام مني الروح في جثماني وإذا قتلت فأنت أولى بالذي *** تأتينه يا خيرة النسوان
3- شرح الأخبار 3: 177.

الرضاعة، انها شيماء بنت حليمة السعدية(1)!

أما مواقف الإمام الحسين(علیه السلام) مع أخته السيدة زينب(علیها السلام) فقد تجلّت لنا في واقعة الطف وقد أعدّها لما بعد واقعة الطف وعوّل عليها في اكمال دوره في ثورته... وقد كان يجلّها ويحترمها إلى أبعد الحدود، وقد كان يحاورها كعالمة وحليمة، فقوله لها قبل بدء المعركة: «يا أختاه لا يذهبن بحلمك الشيطان»(2)دليل واضح واعتراف صريح من إمام معصوم ب(حلم) سيدتنا زينب(علیها السلام)وكان تعامله معها دائماً على هذا الأساس.

ونكتفي بهذا القدر من الشواهد على تكريم الأخت فهي كثيرة جداً.

الزوجة

أما تكريم الزوجات فهذا ما غصت به كتب الروايات الشريفة، وقد رحل رسول الله(صلی الله علیه و آله) وكان يوصي بالمرأة خيراً. والإسلام منح الزوجة حقوقاً ساوت حقوق الزوج إن لم نقل فاقت عليها في بعض الأحيان، فقد حذر الإسلام من الاعتداء والتجاوز عليها وعلى حقوقها.

وكان التحذير شديد اللّهجة، فيقول الرسول الأعظم(صلی الله علیه و آله): «اتقوا الله في الضعيفين: اليتيم والمرأة، فإن خياركم خياركم لأهله»(3).

وعنه أيضاً(صلی الله علیه و آله) أنه قال: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»(4).

ص: 58


1- انظر: قصص الأنبياء(علیهم السلام) للراوندي: 351.
2- اللّهوف: 83.
3- قرب الإسناد: 92.
4- من لا يحضره الفقيه 3: 555.

هكذا يتعامل الإسلام مع المرأة (الزوجة) بالمعروف أولاً وآخراً، فقد قال تعالى: «وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ»(1) كما يقول تعالى:«وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ»(2).

وقد كان الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام) يشارك فاطمة(علیها السلام) في كثير من الأعمال المنزلية فقد كان يتناوب معها على (الرحى) لطحن الحبوب، وإن الرجل الذي يشارك امرأته في مثل هذه الأعمال يعد من السعداء وأهل المعروف، فعلى الزوج أن يكون رفيقاً بزوجته ورفيقاً لها.

قال الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام): «دخل علينا رسول الله(صلی الله علیه و آله) وفاطمة جالسة عند القدر، وأنا أنقي العدس، قال: يا أبا الحسن، قلت: لبيك يا رسول الله.

قال اسمع مني، وما أقول إلّا من أمر ربي، ما من رجل يعين إمرأته في بيتها إلّا كان له بكل شعرة على بدنه عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها، وأعطاه الله تعالى من الثواب مثل ما أعطاه الله الصابرين وداود النبي ويعقوب وعيسى(علیهم السلام).

يا علي، من كان في خدمة العيال في البيت ولم يأنف، كتب الله تعالى اسمه في ديوان الشهداء وكتب الله له بكل يوم وليلة ثواب ألف شهيد، وكتب له بكل قدم ثواب حجة وعمرة وأعطاه الله تعالى بكل عرق في جسده مدينة في الجنة.

يا علي، ساعة في خدمة العيال خير من عبادة ألف سنة وألفحج

ص: 59


1- سورة النساء، الآية: 19.
2- سورة البقرة، الآية: 228.

وألف عمرة، وخير من عتق ألف رقبة وألف غزوة وألف عيادة مريض، وألف جمعة وألف جنازة، وألف جائع يشبعهم وألف عار يكسوهم، وألف فرس يوجهها في سبيل الله، وخير له من ألف دينار يتصدق على المساكين، وخير له من أن يقرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، ومن ألف أسير أسر فأعتقها وخير له من ألف بدنة يعطي للمساكين، ولا يخرج من الدنيا حتى يرى مكانه من الجنة.

يا علي، من لم يأنف من خدمة العيال دخل الجنة بغير حساب، يا علي خدمة العيال كفارة للكبائر ويطفئ غضب الرب، ومهور حور العين، ويزيد في الحسنات والدرجات.

يا علي، لا يخدم العيال إلّا صدّيق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة»(1).

كما عليها أن تكون هي كذلك فإن «جهاد المرأة حسن التبعل»(2) أي أن للمرأة أجر المجاهد دون أن تشترك في المعركة، وذلك بمجرد حسن تبعّلها.

وقد قال الرسول الأكرم(صلی الله علیه و آله): «أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة»(3).فانظر كيف يمهد الإسلام سبل السعادة الزوجية ويشد الزوجين إلى بعضهما ويبني حولهما سوراً منيعاً للعيش بداخله في بحبوحة الهدوء

ص: 60


1- جامع الأخبار: 102.
2- الكافي 5: 9.
3- نهج الفصاحة: 359.

والطمأنينة والسلامة والاستقرار.

أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك!

وأما الأمهات فقد وضعت الجنة تحت أقدامهن قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «الجنة تحت أقدام الأمهات»(1)وجاء رضاهن بعد رضا الله تعالى والإحسان اليهنّ جاء بعد عبادة الله سبحانه: «وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ»(2).

وورد أن عقوق الأم من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله «وليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة، [و قال(صلی الله علیه و آله):] أكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين»(3)والبر للأم يتقدم على البر للأب بثلاث مراتب!

يقول الإمام الصادق(علیه السلام): «جاء رجل إلى النبي(صلی الله علیه و آله) فقال: يا رسول الله من أبر؟

قال(صلی الله علیه و آله): أمك.

قال: ثم من؟

قال(صلی الله علیه و آله): أمك.قال: ثم من؟

قال(صلی الله علیه و آله): أمك.

قال: ثم من؟

ص: 61


1- مستدرك الوسائل 15: 180.
2- سورة الإسراء، الآية: 23.
3- مستدرك الوسائل 15: 193.

قال(صلی الله علیه و آله): أباك»(1).

وهكذا إلى كثير من الشواهد التي تؤكد على منزلة الأم لدى الإسلام.

إلى جانب العظام

قالوا: إلى جانب كل رجل عظيم امرأة!

ولنبدأ بأعظم خلق الله محمد(صلی الله علیه و آله).

فهناك نساء عدة في حياته فمن هي المرأة العظيمة التي وقفت إلى جانبه؟!

فمن هي المرأة التي شدّت على ساعده ومن هي المرأة التي صدّقته حين كذّبه الناس وآمنت به إذ كفر الناس؟

تلك هي خديجة الكبرى (رضوان الله عليها).

وقد ورد عن أمير المؤمنين الإمام علي(علیه السلام) قال: «ذكر النبي(صلی الله علیه و آله) خديجة يوماً وهو عند نسائه فبكى، فقالت عائشة: ما يبكيك على عجوز حمراء من عجائز بني أسد؟فقال(صلی الله علیه و آله): صدقتني إذ كذبتم، وآمنت بي إذ كفرتم، وولدت لي إذ عقمتم»(2).

لقد كانت خديجة هذه المرأة العظيمة من أوسط قريش نسباً وأعظمهم شرفاً، وأكثرهم مالاً وكل قومها قد كان حريصاً على الاقتران بها لو

ص: 62


1- الكافي 2: 159.
2- كشف الغمة 1: 508.

يقدر عليه. إلّا أنها فضلّت رسول الله(صلی الله علیه و آله) قبل بعثته على كل الأشراف من قومها... على الرغم من كونه مقلاً في المال. وذكر المحققون أن خديجة(علیها السلام) كانت من النساء أول من آمنت بالله ورسوله وصدّقت بما جاء من عند الله، ووازرته على أمره، فخفف الله بذلك عن رسول الله(صلی الله علیه و آله)، وكان لا يسمع شيئاً يكرهه من ردٍ عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلّا فرج الله ذلك عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) بها، فإذا رجع إليها تخفف عنه، وتهون عليه أمر الناس حتى ماتت رحمها الله(1).

نعم لقد كانت تصبّره فطالما قالت له: «يا بن عم اثبت وابشر»(2).

وقد أنفقت كل أموالها في سبيل نشر الدعوة الإسلامية، وعانت معاناة في حياتها تفوق التصور من أجل مساندة دعوة زوجها رسول الله(صلی الله علیه و آله) إلى أن ماتت بعد الحصار الذي فرضهالمشركون على بني هاشم في شعب أبي طالب، بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيام، وسمّي ذلك العام ب(عام الحزن) تأبيناً لتلك المرأة العظيمة واعتزازاً بها.

نموذج آخر

وبعد ما ذكرنا من تضحية السيدة خديجة ومكانتها عند رسول الله(صلی الله علیه و آله) ننتقل الكلام إلى ابنة هذه المرأة العظيمة(علیها السلام)، فهي سيدة نساء العالمين، وقد وقفت إلى جانب زوجها(علیه السلام) نعم، إن فاطمة الزهراء(علیها السلام) وقفت إلى جانب زوجها أمير المؤمنين الإمام علي(علیه السلام)، كما وقفت أمها

ص: 63


1- انظر: بحار الأنوار 16: 10.
2- كشف الغمة 1: 511.

إلى جانب الرسول الأعظم(صلی الله علیه و آله). وقد زادت عليها بأنها وقفت إلى جانب أبيها(صلی الله علیه و آله) بالإضافة إلى وقوفها إلى جانب زوجها(علیه السلام)، ومواقفها مشهودة ومشرفة والأمثلة كثيرة على ذلك، مضافاً إلى كونها أفضل أم حيث ربّت الحسن والحسين والسيدة زينب وأم كلثوم(علیهم السلام).

أما باقي النساء اللاتي وقفن إلى جانب الرجال العظماء فأمثالهن كثيرة أيضاً ومن أعظمهن زينب(علیها السلام) حيث وقفت بجانب أخيها الإمام الحسين(علیه السلام) في مواقف مشرفة خلدها التاريخ.

ومن تلك النساء أيضاً:

هاجر التي وقفت إلى جانب النبي إبراهيم(علیه السلام).وامرأة أيوب التي وقفت إلى جاب النبي أيوب(علیه السلام) في شدّته.

والرباب زوجة الإمام الحسين(علیه السلام).

وزوجة وهب (رضوان الله عليه) في معركة الطف التي وقفت إلى جانبه دفاعاً عن الحسين(علیه السلام)(1) حتى استشهدت(2).

وزوجة الإمام جعفر الصادق(علیه السلام) حميدة.

وزوجة الإمام العسكري(علیه السلام) نرجس(علیها السلام) والدة الإمام المهدي(علیه السلام) وهي امرأة في غاية الإيمان والفضيلة ومرقدها عند ضريح الإمام الهادي(علیه السلام) في سامراء ولها زيارة خاصة كزيارة الإمام الهادي(علیه السلام).

ومن الأمهات أيضاً:

ص: 64


1- انظر: اللّهوف: 105.
2- انظر: بحار الأنوار 45: 17.

أم عيسى(علیه السلام) مريم بنت عمران(علیها السلام).

وأم موسى(علیه السلام) قال تعالى: «وَأَوۡحَيۡنَآ

إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَرۡضِعِيهِۖ»(1).

وأم إسماعيل(علیه السلام) هاجر.

وأم عمار ابن ياسر (سميّة).وأم وهب في معركة الطف أيضاً.

وأم القاسم(علیها السلام) رملة.

والمرأة العظيمة التي ضحت بأربعة رجال عظماء وهي أم البنين(علیها السلام).

وأما الأخوات فمنهن كلثم أخت موسى(علیه السلام) والحوراء زينب(علیها السلام) وأختها أم كلثوم، وشيماء أخت الرسول الأعظم(صلی الله علیه و آله) من الرضاعة.

ومن البنات إضافة إلى فاطمة(علیها السلام) بنت الرسول الأعظم(صلی الله علیه و آله) وزينب بنت أمير المؤمنين الإمام علي(علیه السلام)، نجد سكينة بنت الحسين(علیه السلام) وبنتي النبي شعيب(علیه السلام)... إلى شخصيات نسائية أخرى كثيرة.

ولا ننسى بعد هذا المورد أن نذكر امرأة عظيمة الشأن لكنها تحت إمرة رجل كافر وهي زوجة فرعون آسيا بنت مزاحم، فقد قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «أفضل نساء أهل الجنة أربع: خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسيا بنت مزاحم امرأة فرعون»(2).

مهمات ووظائف

هناك مهمات عديدة ملقاة على الجميع وعلى عاتق النساء على وجه

ص: 65


1- سورة القصص، الآية: 7.
2- الخصال 1: 205.

الخصوص نشير إلى بعضها:

1- يجب تربية الفتيات الصغيرات تربية إسلامية صحيحة من خلال تعليمهن القرآن وتفسيره، وسيرة النبي(صلی الله علیه و آله) وتاريخ الأئمة الأطهار(علیهم السلام)، وتفسير نهج البلاغة، وبقية الآداب الإسلامية كالصلاة، والصوم، وغير ذلك من العبادات.

2- تعليم الفتيات كيفية إدارة بيت الزوجية في المستقبل لكونهن زوجات وأمهات في المستقبل وهذا فن لا بد من تعلمه جيداً.

3- لا بد من تعليمهن الصناعات اليدوية من حياكة السجاد، والخياطة، والتطريز، وشغل فراغهن بما ينفعهن وينفع أسرهن.

4- دعوة البنات إلى القيام بكافة الأعمال المنزلية منذ الصغر لإتقان ذلك والاستئناس به عند الكبر.

5- تحفيظهن القرآن الكريم، فنحن عندما كنا في كربلاء المقدسة أسسنا مدارس متعددة لحفظ القرآن للأولاد بنين وبنات، وكان عدد الحافظات ما يقارب (1500) بنت، كن يحفظن القرآن بالإضافة إلى أعمالهن المنزلية وتعلم الخياطة، والتطريز. فان تعلم مثل هذه الأمور مفيد في المستقبل؛ إذ يمكن لهن أن يساهمن في إدارة احتياجات المنزل مع الرجل، إذ تذكر الروايات أن فاطمة الزهراء(علیها السلام) كانت تعمل بعض الأعمال في المنزل؛ لتعين الإمام أميرالمؤمنين علي(علیه السلام) في خارج البيت، في الوقت الذي كانت إدارة البيت آنذاك صعبة بكثير مما هي عليه اليوم، حيث إنه كثرت الوسائل وأعمال المنزل تدار عبر الأجهزة الكهربائية الحديثة، وأما قديماً فقد كانت النساء يطحنَّ الشعير ويصنعن الخبز، إلى

ص: 66

غير ذلك من الأمور التي قلما نراها في حياتنا الحاضرة.

6- لا بد على النساء من أن يضعن صناديق خيرية لجمع التبرعات والمساعدات في سبيل ثقافة المرأة المسلمة فهناك الكثير من العوائل التي لها بنات صغيرات يردن الذهاب إلى المدرسة ولكن لا يمتلكن المال لشراء الملابس والقرطاسية وما أشبه ذلك.

فقد ورد عن الرسول الأعظم(صلی الله علیه و آله) أنه إذا أردت أن تنظر إلى أحسن الناس فانظر إلى من هو أكثر نفعاً للآخرين، حيث قال(صلی الله علیه و آله): «خير الناس من انتفع به الناس»(1) فليس الذي يكثر من الصلاة فقط والذي يكثر من الذهاب إلى الحج، ويؤدي عباداته فقط من دون أن يسعى لخدمة الآخرين وهو أفضل.

فإن كثيراً من الناس بحاجة إلى المساعدة في كل المناطق والمدن، فلا بد للإسراع في فتح مثل هذه الصناديق؛ لمساعدة العوائل التي لم يدخل في بيتها الطعام المناسب، أو البيت الذي لايملك الوقود لدفع البرد، أو المكيفة لتبريد الهواء والاحتياجات الأخرى التي تسد الحاجة.

7- تأسيس صناديق التبرع لتسهيل أمور الزواج، فعلى الأخوات اللاتي يجتمعن في مثل هذه الحوزات والهيئات أن يسعين في تأسيس مؤسسات لدعم الزواج المبكر وصناديق لجمع الأموال والتبرعات، ثم صرفها لهذا الغرض. فقد كان النبي(صلی الله علیه و آله) إذا رأى الشاب يقول له: هل لك زوجة؟ فإذا قال لا، عندها يتوجه إلى بعض المؤمنين أصحاب الخير

ص: 67


1- الأمالي للشيخ الصدوق: 21.

والمال فيقول لهم: زوجوا هذا الشاب!(1)فإن الإسلام يهتم بشؤون الفرد الدنيوية والأخروية، وعندما كنا في كربلاء المقدسة كانت لبعض الأخوة مؤسسة باسم لجنة الزواج الخيرية، وكانت هذه اللجنة تختص في أمر تزويج الشباب، فكانوا يعطون للذي يريد الزواج قرضاً، فإذا كان الشاب يستطيع أن يرد القرض يؤخذ منه على شكل أقسام بسيطة وبعيدة الأمد، وأما إذا كان غير قادر على تسديد القرض فيجعلونه هبة له، بالإضافة إلى وجود المحسنين الذين يتبرعون بالمدافئ والأفرشة والأغطية، وغير ذلك من الحاجات اللازمة، وقد روي عن النبي(صلی الله علیه و آله) أن من سعى في أمر تزويج الشاب سواء كان شاباً أو شابة فإن له حسنة في كلخطوة يخطوها(2)، وفي بعض الروايات أن الحسنة الواحدة أكبر من جبل أحد، ويعطي له هذا الثواب سواء وفق في سعيه أو لم يوفق.

8- تشكيل الهيئات الحسينية في وسط النساء في كل المناطق.

9- على النساء اللاتي يمتلكن الوقت الكافي أن يشتغلن في الأعمال الاجتماعية العامة التي هي عادة خارج المنزل ولكن مع حفظ الموازين الشرعية، فهناك الكثير من مدارس البنات الابتدائية وغيرها تفتقد المعلمات، وهناك الكثير من المستشفيات التي تفتقر إلى العدد الكافي من الممرضات، ولكون المرأة نصف المجتمع فعليها أن تدير بعض الدوائر الاجتماعية أيضاً - كل ذلك بشرط أن تصون عفتها وكرامتها، ولا

ص: 68


1- انظر: الكافي 5: 347.
2- انظر: ثواب الأعمال: 288.

يتعارض عملها مع أحكام الإسلام - فالمرأة لها حقوق كاملة كما للرجل، فإنكم إذا ذهبتم إلى الحج ترون النساء يؤدين مناسك الحج كالرجال، وهكذا قال الإمام الرضا(علیه السلام) ترون النساء يزرن كما يزور الرجال، والحال هذا في المساجد وغيرها.

التأكيد على الزواج

ومن أهم النقاط التي لا بد أن أكررها عليكم أن تسهلوا أمر الزواج، فلا تضعوا العراقيل والحواجز أمام هذا الأمر الإلهي، فإن الشرط الذي يجب توفره في الرجل هو سلامة الدين والأخلاق، كماجاء ذلك في الروايات الواردة عن المعصومين(علیهم السلام) فقد كتب علي بن أسباط إلى أبي جعفر(علیه السلام) في أمر بناته وأنه لا يجد أحداً مثله، فكتب إليه أبو جعفر(علیه السلام): «فهمت ما ذكرت من أمر بناتك وإنك لا تجد أحداً مثلك، فلا تنظر في ذلك رحمك الله فإن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلّا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»(1). وليس الملاك هو نوع عمله وكسبه، فإذا كان يوفر رزقه عن طريق حلال فهذا يكفي، ولا تصرّوا على إمتلاكه رصيداً في البنك... وغير ذلك من القيود التي لم يجعلها الله عزّ وجلّ معياراً في الشرع.

والآن بعد أن عرفنا وعرفت المرأة بعض ما لها وما عليها يمكننا أن نقول: إن المرأة لن تسعد ولن تهنأ، ولن تحقق ذاتها، ولن تشعر بعزتها

ص: 69


1- الكافي 5: 347.

وكرامتها، إلّا في ظل الإسلام، كما ونقول: (لا منفعة ترتجيها إلّا في ظل الإسلام).

نسأل الله تعالى أن يوفقنا لرضاه ولخدمة الآخرين وما فيه خير الإسلام والمسلمين، ونسأله تعالى أن يتفضل على مشايخنا بالوقار والسكينة، وعلى الشباب بالإنابة والتوبة، وعلى النساء بالحياء والعفة، وعلى الأغنياء بالتواضع والسعة، وعلى الفقراء بالصبر والقناعة إنهسميع مجيب.

من هدي القرآن الحكيم

المثل الأعلى لنساء العالم

قال تعالى: «إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصۡطَفَىٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلۡعَٰلَمِينَ»(1).

وقال سبحانه: «فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ»(2).

وقال عزّ وجلّ: «وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱمۡرَأَتَ فِرۡعَوۡنَ...»(3).

المرأة والعمل الصالح

قال تعالى: «وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِن

ص: 70


1- سورة آل عمران، الآية: 42.
2- سورة آل عمران، الآية: 61.
3- سورة التحريم، الآية: 11.

فَأُوْلَٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ»(1).

وقال سبحانه: «يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ»(2).

لا تفاوت بين الرجل والمرأة

قال تعالى: «مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ»(3).

وقال سبحانه: «وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّا وَهُوَ كَظِيم * يَتَوَٰرَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ مِن سُوٓءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦٓۚ أَيُمۡسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمۡ يَدُسُّهُۥ فِي ٱلتُّرَابِۗأَلَا سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ»(4).

وقال عزّ وجلّ: «يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالا

كَثِيرا وَنِسَآءۚ»(5).

من هدي السنّة المطهّرة

المرأة في ظل الإسلام

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «إن الله تعالى يوصيكم بالنساء خيراً فإنهن أمهاتكم وبناتكم وخالاتكم»(6).

وقال مقاتل بن حيان: لما رجعت أسماء بنت عميس من الحبشة مع

ص: 71


1- سورة النساء، الآية: 124.
2- سورة الأحزاب، الآية: 59.
3- سورة الملك، الآية: 3.
4- سورة النحل، الآية: 58-59.
5- سورة النساء، الآية: 1.
6- نهج الفصاحة: 313.

زوجها جعفر بن أبي طالب(علیه السلام)، دخلت على نساء رسول الله(صلی الله علیه و آله) فقالت: هل نزل فينا شيء من القرآن؟ قلن: لا، فأتت رسول الله(صلی الله علیه و آله) فقالت: يا رسول الله، إن النساء لفي خيبة وخسار! فقال(صلی الله علیه و آله): «ومم ذلك؟» قالت: لأنهن لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال، فأنزل الله تعالى هذه الآية: «إِنَّ ٱلۡمُسۡلِمِينَ وَٱلۡمُسۡلِمَٰتِ» أي المخلصين الطاعة لله والمخلصات(1).

وعن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال: «إن الله تبارك وتعالى على الإناث أرأف منه على الذكور، وما من رجل يدخل فرحة على امرأةبينه وبينها حرمة إلّا فرحه الله تعالى يوم القيامة»(2).

أقسام النساء

1- الأمهات

عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «قال موسى بن عمران(علیه السلام) يا رب أوصني قال: أوصيك بي، فقال: يا رب أوصني، قال: أوصيك بي، ثلاثاً، قال يا رب أوصني قال: أوصيك بأمك، قال: يا رب أوصني، قال: أوصيك بأمك، قال: يا رب أوصني، قال: أوصيك بأبيك، قال فكان يقال لأجل ذلك أن للأم ثلثي البر وللأب الثلث»(3).

وعن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال: «إن الله تعالى يوصيكم بأمهاتكم ثلاثاً، إن الله تعالى يوصيكم بآبائك مرتين، إن الله تعالى يوصيكم بالأقرب

ص: 72


1- تفسير مجمع البيان 8: 158.
2- الكافي 6: 6.
3- الأمالي للشيخ الصدوق: 511.

فالأقرب»(1).

وعن الإمام السجاد(علیه السلام) قال: «أما حق أمك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحداً، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحداً، ووَقَتْكَ بجميع جوارحها، ولن تبال أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك، وتظلك وتضحى، وتهجر النوم لأجلك، ووَقَتْك الحر والبرد لتكون لها، وإنك لا تطيق شكرها إلّا بعون الله وتوفيقه»(2).

2- الزوجة

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «أيما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع تريد به صلاحاً إلّا نظر الله عزّ وجلّ إليها، ومن نظر الله إليه لم يعذّبه»(3).

وجاء رجل إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله) فقال: «إن لي زوجة إذا دخلت تلقتني، وإذا خرجت شيعتني، وإذا رأتني مهموماً قالت: ما يهمك إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفل به غيرك، وإن كنت تهتم بأمر آخرتك فزادك الله هماً، فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): إن لله عمالاً وهذه من عمّاله لها نصف أجر الشهيد»(4).

وعن الإمام الباقر(علیه السلام) قال: «ما أفاد عبد فائدة خيراً من زوجة

ص: 73


1- نهج الفصاحة: 312.
2- الأمالي للشيخ الصدوق: 371.
3- الأمالي للشيخ الصدوق: 411.
4- من لا يحضره الفقيه 3: 389.

صالحة: إذا رآها سرّته، واذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله»(1).

3- البنات

عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال: «من عال ثلاث بنات فأدبهن وزوجهن وأحسن إليهن فله الجنة»(2).

وعن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال: «نعم الولد البنات المخدّرات من كانت عنده واحدة جعلها الله له ستراً من النار ومنكانت عنده ابنتان أدخله الله بهما الجنة ومن كن ثلاثاً أو مثلهن من الأخوات وضع عنه الجهاد والصدقة»(3).

وعن الجارود بن المنذر قال: قال لي أبو عبد الله(علیه السلام): «بلغني أنه ولد لك ابنة فتسخطها! وما عليك منها، ريحانة تشمها وقد كفيت رزقها، وقد كان رسول الله(صلی الله علیه و آله) أبا بنات»(4).

4- الأخوات

عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة، فقيل يا رسول الله واثنتين؟ فقال: واثنتين، فقيل: يا رسول الله وواحدة؟ فقال: وواحدة»(5).

وقال الإمام الصادق(علیه السلام): «من عال ابنتين أو أختين أو عمتين أو

ص: 74


1- قرب الأسناد: 20.
2- نهج الفصاحة: 752.
3- روضة الواعظين 2: 369.
4- الكافي 6: 6.
5- الكافي 6: 6.

خالتين حجبتاه من النار»(1).

يوصيكم اللّه تعالى بالنساء خيراً

عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال: «من أبتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار»(2).

وعن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال: «خيركم خيركم لنسائهولبناته»(3).

وعن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال: «من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج وليبدأ بالإناث قبل الذكور...»(4).

خير النساء

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله) في خير النساء:

1- «أفضل نساء أمتي أصبحهن وجهاً وأقلهن مهراً»(5).

2- «خير نسائكم العفيفة الغلمة»(6).

3- «خير نسائكم الولود الودود العفيفة، العزيزة في أهلها الذليلة مع بعلها...»(7).

4- قال الإمام الصادق(علیه السلام): «أكثروا الخير بالنساء»(8).

ص: 75


1- من لا يحضره الفقيه 3: 482.
2- نهج الفصاحة: 722.
3- نهج الفصاحة: 472.
4- الأمالي للشيخ الصدوق: 577.
5- الكافي 5: 324.
6- الكافي 5: 324.
7- الكافي 5: 324.
8- مكارم الأخلاق: 197.

الحث على الزواج

عن الصادق(علیه السلام) قال: «تزوجوا ولا تطلقوا فإن الله لا يحب الذواقين والذواقات»(1).

من أخلاق الأنبياءوعنه(علیه السلام)

قال: «من أخلاق الأنبياء صلى الله عليهم حب النساء»(2).

فما للنساء؟

وفي حديث سئل(صلی الله علیه و آله) فما للنساء؟ قال(صلی الله علیه و آله): «إذا هي حملت كتب الله لها أجر الصائم القائم، فإذا أخذها الطلق لم يدر ما لها من الأجر إلّا الله الواحد القهار، فإذا وضعت كتب الله لها بكل مصة - يعني من الرضاع - حسنة ومحى عنها سيئة، وقال(صلی الله علیه و آله): النفساء إذا ماتت من النفاس جاءت يوم القيامة بغير حساب؛ لأنها تموت بغمها»(3).

ص: 76


1- مكارم الأخلاق 197.
2- الكافي 5: 320.
3- عوالي اللئالي 2: 292.

المرأة في المنظار الإسلامي

كمال الخلقة

اشارة

قال الله تبارك وتعالى: «وَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡزُونٖ»(1).

الآية الكريمة تدل على أن الله عزّ وجلّ خلق الأشياء في أحسن صورة وأكملها «فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ٱلۡخَٰلِقِينَ»(2)، وخاصة بالنسبة إلى الإنسان حيث يقول: «وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ»(3)، وهذه الآيات تشمل المرأة كما تشمل الرجل، من هنا يتضح أن المرأة في المنظار الإسلامي مخلوقة بأحسن الصور وأكملها ولا نقص فيها.

فإن قوله تعالى: «وَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا» أي: في الأرض «مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡزُونٖ» أي: في دقة وإحكام وتقدير، فالنبات ليس اعتباطاً في مقدار حجمه وشكله ولونه وسائر مزاياه، بل كل ذلك بالوزن والتقدير، وليس المراد بالوزن - معناه الخارجي - بل تشبيه بالموزون الذي ليس فيه زيادة ونقصان، يقال: فلان شخص موزون، أي دقيق الصفات متساويالجهات، لا زيادة في حركاته وسكناته ولا نقصان(4). والإنبات في

ص: 77


1- سورة الحجر، الآية: 19.
2- سورة المؤمنون، الآية: 14.
3- سورة الإسراء، الآية: 70.
4- تفسير تقريب القرآن 3: 162.

هذه الآية الكريمة يشمل الإنسان أيضاً؛ لأن النبات هو الخارج بالنمو حالاً بعد حال، كما هو واضح في الآية الأخرى التي تقول: «وَٱللَّهُ أَنۢبَتَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ نَبَاتا»(1).

إن جميع المخلوقات قد دبرت على أكمل وجه وفي غاية الدقة والكمال(2). فإنه تبارك وتعالى يقول: «إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ»(3)، أي أنه تعالى خلق كل شيء مقدراً بمقدار توجبه الحكمة، ولم يخلقه جزافاً ولا ناقصاً، سواء في المخلوقات الصغيرة كالنملة - مثلاً - أو في المخلوقات الكبيرة من الحيوانات كالفيل مثلاً، فكل ما يحتاج إليه المخلوق فقد حباه الله تعالى به ووهبه له؛ لأن الله تعالى ليس بخيلاً؛ بل هو فياض مطلق قد أعطى كل شيء قدره وبحسب قابليته: «فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ٱلۡخَٰلِقِينَ»(4). وهناك أيضاً أدلة علمية أخرى تدل على أن مخلوقات الله تعالى قد خلقت بميزان دقيق(5).

لا تفاوت في خلق اللّه

إذن، الباري تعالى خلق المخلوقات جميعاً على أتم وجه وعلى ماتقتضيه الحكمة، وكذلك هو خَلَق الرجل والمرأة على أحسن تقويم، فإن المرأة من ناحية الخلقة لا يشوبها أي نقص - كما قد يتوهمه البعض -

ص: 78


1- سورة نوح، الآية: 17.
2- انظر: تفسير مجمع البيان 9: 324.
3- سورة القمر، الآية: 49.
4- سورة المؤمنون، الآية: 14.
5- انظر: تفسير مجمع البيان 10: 69.

وفي كل شؤونها خلقت كاملة.

وفي الآية الشريفة: «مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ * ثُمَّ ٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ كَرَّتَيۡنِ يَنقَلِبۡ إِلَيۡكَ ٱلۡبَصَرُ خَاسِئا وَهُوَ حَسِير»(1).

ومعناه: «مَّا تَرَىٰ» أيها الرائي «فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ» واختلاف، من جهة أن الجميع مخلوقة بدقة وإتقان وكمال لائق به «فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ» أي: ردّه إلى الكون، بعد أن كان سابقاً إليه، وكأنه كان ناظراً بلا التفات إلى هذه الجهة، فقيل له: رد بصرك بقصد التفحص والبحث «هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ»؟ أي: شقوق وفتوق كالبناء الذي ينفطر لخلل فيه، فهل في الكون خلل يدل على الوهن والضعف، أم أن كل شيء وضع في محله اللائق به حسب الحكمة والصلاح؟ «ثُمَّ ٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ كَرَّتَيۡنِ» أي: كرة بعد كرة، والمراد مكرراً إذ لعل البصر اشتبه في المرة الأولى، فلم يرَ فتقاً - فإن الإنسان إذا كرر النظر إلى شيء أدرك خلله - فانظر إلى الكون مرة أخرى فاحصاً عن الخلل، لكنه لا تجده بل «يَنقَلِبۡ» أي: يرجع «إِلَيۡكَ» أيها الإنسان «ٱلۡبَصَرُ» الذي سرحته في الكون«خَاسِئا» قد خسئ وطرد وعجز عمّا طلبه - من الفتق - «وَهُوَ حَسِير» قد حسر، أي: كلَّ وعَيَّ ولم يجد خللاً ووهناً، وما يوجد من الأمراض وما أشبه، إنما هو للامتحان والعبرة، لا لنقص في الخلق(2).

ص: 79


1- سورة الملك، الآية: 3-4.
2- تفسير تقريب القرآن 5: 466.

ولا يخفى أنه ليس المقصود من هذه الآية الشريفة الرجال فقط، بل هي شاملة لكل خلق الله تبارك وتعالى ومنهم الرجال والنساء. أما الفروق الموجودة في ما بين الرجل والمرأة إنما هي فروق بسيطة وجسدية ونفسية، كلٌ خلق بمقتضى حكمته جلّ وعلا، ولما أعد له، ولو لا وجود الاختلاف والفرق في الخلقة بينهما لكان نقصاً في الصنع والتدبير الإلهي، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

إذن الاختلافات التكوينية بين الرجل والمرأة لا تُعد كمالاً في الرجل ونقصاً في المرأة؛ بل لكل كماله وبحسبه، فإن المرأة قد خلقت كاملة من جهة كونها إنساناً، ومن حيث مكانتها في المجتمع البشري، فلها كل الحق في أن تتمتع بكامل حقوقها كإنسان، لكن المرأة خلقت بكيفية خاصة بها كما خلق الرجل بكيفية خاصة به، فالمرأة مثلت جانب اللين والنعومة، والرجل يمثل جانب الصلابة والشدة والخشونة، ولو كان كلاهما غليظين أو ناعمين لكان نقصاً في الخلقة، وهذا الاختلاف ناتج من تقدير العليم الخبير ليكملبعضهما البعض ويسد كل منهما حاجة الآخر، ويكوّنا معاً الأسرة والمجتمع الكاملين؛ لأن الحياة الإنسانية تحتاج لكلا الجنسين، فالاختلاف وظيفي وليس اختلافاً في إنسانية أحدهما عن الآخر.

الثواب والعقاب للمرأة والرجل

اشارة

قال تعالى: «أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم

ص: 80

مِّنۢ بَعۡضٖۖ»(1)، وهذا تصريح من الآية الكريمة بأن الله ينظر إلى الرجل والمرأة من حيث قانون الثواب والعقاب نظرة واحدة ولا يضيع أجر أحد.

إن الإسلام ينظر إلى النوع الإنساني... إلى المرأة والرجل على حد سواء، دون فرق في الإنسانية، وهما وليدا عمل تناسلي مشترك، والفرق في الخلق لأن كلاً منهما يتطلب مزايا خلقية خاصة تختلف عن الآخر فسجلته فيه، كما خلق النبات والحيوان والإنسان ليكمل بعضهم البعض الآخر، فالنبات خلق بشكل يختلف عن الحيوان، وكل واحد يكمل الآخر؛ فلا بد من الاختلاف لضرورته.

لذا فالمرأة في حد ذاتها ومن حيث الخلقة كاملة لا يشوبها أي نقص، وأسلوب المرأة وطريقتها طريقة كاملة، وقد خلق الله تعالى المرأة منذ أول خلقتها، وهي ملازمة للرجل وفي جانبه.

رجال عظماء ونساء معظمات

عند قراءة سيرة العظماء وتاريخهم، نرى كم هو جميل أن يكون إلى جانب الرجال البارزين العظماء أصحاب الإنجازات الكبيرة والمؤثرة في تأريخ البشرية، نجد إلى جانبهم نساء بارزات عظيمات كانت لهن أدوار ومهام مصيرية في سيرة هؤلاء الرجال، بل وكان لهن التأثير المصيري في التأريخ الإنساني، ولعل بعض الرجال لم يكن ليصل إلى ما وصل إليه لو لا مساندة هذه المرأة، أو تلك التي وقفت إلى جانبه.

فمثلاً، كانت أمنا حواء في جوار آدم‘.

ص: 81


1- سورة آل عمران، الآية: 195.

وكذلك كانت هاجر في جوار إبراهيم خليل الرحمن‘.

وأخت موسى(علیها السلام) كانت إلى جواره(علیه السلام).

ومريم(علیها السلام) إلى جانب عيسى(علیه السلام).

والسيدة خديجة(علیها السلام) إلى جانب الرسول(صلی الله علیه و آله).

والصديقة فاطمة الزهراء(علیها السلام) بجانب مولانا أمير المؤمنين(علیه السلام).

والسيدة زينب(علیها السلام) بجانب الإمام الحسين(علیه السلام)، وهكذا.

كل واحدة من هؤلاء النسوة الكريمات كانت لهن أدوار ومهام مصيرية في حياة الرجال العظماء ممن عاصروهن.

السيدة خديجة الكبرى(علیها السلام)

إن من أوائل النساء اللواتي تحملن المسؤوليات الجمة، والصعاب التي تنوء بحملها الجبال الرواسي، هي أم المؤمنين والمؤمنات السيدة العظيمة خديجة الكبرى(علیها السلام)، فقد كانت لها مواقف مشهودة إلى جوار نبينا الأكرم(صلی الله علیه و آله).

ولهذه المرأة منزلة خاصة عند الله وعند رسوله(صلی الله علیه و آله)، إلى درجة أن الله تعالى كان يبعث لها سلاماً خاصاً، وقد ورد في بيان مكانتها ومنزلتها روايات عديدة، بشأن مساندتها ودعمها لرسول الله(صلی الله علیه و آله)، وفي سبيل الدين الحق وذلك بأموالها الكثيرة التي أنفقتها في سبيل الله، حتى قال رسول الله(صلی الله علیه و آله) في رواية: «ما قام ولا استقام ديني إلّا بشيئين مال خديجة وسيف علي بن أبي طالب»(1).

ص: 82


1- شجرة طوبى 2: 233.

وعنها قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «أفضل نساء الجنة أربع: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون»(1).

وعن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «حدث أبو سعيد الخدري: إن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال: إن جبرئيل(علیه السلام) قال لي ليلةأسري بي وحين رجعت، فقلت: يا جبرئيل، هل لك من حاجة؟ فقال: حاجتي أن تقرأ على خديجة من الله ومني السلام، - وحدثنا عند ذلك - أنها قالت حين لقاها نبي الله عليه وآله السلام فقال لها الذي قال جبرئيل، قالت: إن الله هو السلام، ومنه السلام، وإليه السلام، وعلى جبرئيل السلام»(2).

وقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «أمرت أن أبشر خديجة ببيت من قصب، لا صخب فيه ولا نصب»(3).

وعن أمير المؤمنين(علیه السلام) قال: «ذكر النبي(صلی الله علیه و آله) خديجة يوماً وهو عند نسائه فبكى، فقالت عائشة: ما يبكيك على عجوز حمراء من عجائز بني أسد؟ فقال: صدقتني إذ كذبتم، وآمنت بي إذ كفرتم، وولدت لي إذ عقمتم. قالت عائشة: فما زلت أتقرب إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله) بذكرها»(4).

وقال العلامة المجلسي(رحمة الله) في بحار الأنوار: نقلت من كتاب (معالم

ص: 83


1- الخصال 1: 205.
2- تفسير العياشي 2: 279.
3- كشف الغمة 1: 507.
4- كشف الغمة 1: 508.

العترة النبوية)... عن محمد بن إسحاق قال: كانت خديجة بنت خويلد(علیها السلام) امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه، وكانتقريش قوماً تجاراً، فلما بلغها عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) من صدق حديثه، وعظيم أمانته، وكرم أخلاقه، بعثت إليه وعرضت عليه أن يخرج في مالها تاجراً إلى الشام، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له: ميسرة، فقبله منها رسول الله(صلی الله علیه و آله)...

وكانت خديجة(علیها السلام) امرأة حازمة لبيبة، وهي يومئذ أوسط قريش نسباً، وأعظمهم شرفاً، وأكثرهم مالاً، وكل قومها قد كان حريصاً على ذلك - على الزواج منها - لو يقدر عليه.

وفي الحديث: «كانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله، وصدقت بما جاء من الله، ووازرته على أمره، فخفف الله بذلك عن رسول الله(صلی الله علیه و آله)، وكان لا يسمع شيئاً يكرهه من رد عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك، إلّا فرج الله ذلك عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) بها، إذا رجع إليها تثبته وتخفف عنه وتهون عليه أمر الناس حتى ماتت رحمها الله»(1).

وعن ابن إسحاق قال: ... وكانت خديجة وزيرة صدق على الإسلام، وكان رسول الله(صلی الله علیه و آله) يسكن إليها(2).

نعم، كانت السيدة خديجة(علیها السلام) عزيزة عند النبي(صلی اللهعلیه و آله)، وتتمتع بمكانة

ص: 84


1- كشف الغمة 1: 511.
2- بحار الأنوار 16: 8.

خاصة في قلبه، فكان يحبها حباً جماً، ويعتز بها ويقدر مواقفها الشريفة، والشواهد على ذلك عديدة. ويكفي دليلاً على عظمتها ومكانتها، أنها كانت تخفف عن النبي(صلی الله علیه و آله) وتسلي خاطره من كل ما كان يلاقيه من إيذاء وهوان من قبل مشركي قريش، ولم تسبب له أي أذى أو مشكلة أبداً.

ولم تطلب خديجة(علیها السلام) من النبي(صلی الله علیه و آله) شيئاً أبداً إلّا حاجة واحدة فقط، وهذه كانت عبر ابنتها الصديقة فاطمة الزهراء(علیها السلام)، حيث إنها سمعت من النبي(صلی الله علیه و آله) عن أهوال القبر وما يلاقي الميت فيه، على الرغم من إيمانها العظيم وسابقتها ودرجتها عند الله، إلّا أنها كانت تخاف القبر فطلبت من النبي(صلی الله علیه و آله) أن يكفنها بعباءته الشريفة التي كان يصلي فيها، لكي تشملها الرحمة الإلهية، ببركة رسول الله(صلی الله علیه و آله) ويرتفع عنها العذاب(1).

الزهراء(علیها السلام) أعظم أسوة للنساء

أما الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء(علیها السلام) فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي صاحبة المواقف العظيمة مع أبيها وبعلها وبنيها(علیهم السلام) في أداء رسالة السماء والدفاع عنالحق وفضح الظالمين.

إن السيدة فاطمة الزهراء(علیها السلام) قدوة لنساء العالمين إلى يوم يبعثون؛ وذلك في مختلف مجالات الحياة، فهي أسوة في الأسرة وتربية الأولاد واتخاذ المواقف الحرجة تجاه الظالمين إذ أنها لما رأت أن القوم راحوا

ص: 85


1- انظر: شجرة طوبى 2: 235.

يبتعدون عمّا أمر به الرسول(صلی الله علیه و آله) في أمر الخلافة، انبرت لهم واتخذت موقفها السياسي الحكيم، فخطبت خطبتها المفصلة المشهورة، وأخذت تدافع عن الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام) وعن الإسلام والقرآن في قصص عديدة ومواقف مشهودة.

وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة جداً، عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) وعن الأئمة المعصومين(علیهم السلام).

قال أبو عبد الله الصادق(علیه السلام): «إنما سميت فاطمة(علیها السلام) محدثة؛ لأن الملائكة كانت تهبط من السماء، فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران، فتقول: يا فاطمة، الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين. يا فاطمة، اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين، فتحدثهم ويحدثونها. فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران، فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها، وإن الله عزّ وجلّ جعلك سيدة نساءعالمك وعالمها، وسيدة نساء الأولين والآخرين»(1).

وقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «إن الله تعالى إذا بعث الخلائق من الأولين والآخرين نادى منادي ربنا من تحت عرشه: يا معشر الخلائق، غضّوا أبصاركم لتجوز فاطمة بنت محمد سيدة نساء العالمين على الصراط. فيغض الخلائق كلهم أبصارهم، فتجوز فاطمة على الصراط، لا يبقى أحد في القيامة إلّا غض بصره عنها، إلّا محمد وعلي والحسن والحسين

ص: 86


1- علل الشرائع 1: 182.

والطاهرون من أولادهم؛ فإنهم محارمها، فإذا دخلت الجنة بقي مرطها(1) ممدوداً على الصراط، طرف منه بيدها وهي في الجنة، وطرف في عرصات القيامة. فينادي منادي ربنا: يا أيها المحبون لفاطمة تعلقوا بأهداب مرط فاطمة سيدة نساء العالمين. فلا يبقى محب لفاطمة إلّا تعلق بهدبة من أهداب مرطها، حتى يتعلق بها أكثر من ألف فئام وألف فئام وألف فئام».

قالوا: وكم فئام واحد يا رسول الله؟

قال: «ألف ألف من الناس»(2).

وقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «فاطمة بضعة مني فمنأغضبها أغضبني»(3).

وقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «رائحة الأنبياء رائحة السفرجل، ورائحة الحور العين رائحة الآس، ورائحة الملائكة رائحة الورد، ورائحة ابنتي فاطمة الزهراء رائحة السفرجل والآس والورد»(4).

وعن عائشة قالت: (ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً من فاطمة برسول الله(صلی الله علیه و آله)، وكانت إذا دخلت عليه رحّب بها وقام إليها، فأخذ بيدها وقبّل يدها وأجلسها في مجلسه، وكان رسول الله(صلی الله علیه و آله) إذا دخل عليها رحبت به وقامت إليه، وأخذت بيده فقبّلتها)(5).

ص: 87


1- المِرط: كساء من صوف ونحوه يئتزر به.
2- التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري(علیه السلام): 434.
3- الطرائف 1: 262.
4- بحار الأنوار 63: 177.
5- بشارة المصطفى(صلی الله علیه و آله): 253.

وقال النبي(صلی الله علیه و آله): «... ففاطمة حوراء إنسية، فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة»(1).

وقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «... وأما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني وهي نور عيني وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي، وهي الحوراء الإنسية متى قامت في محرابها بين يدي ربها جلّ جلاله ظهر نورها لملائكة السماء، كما يظهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول اللهعزّ وجلّ لملائكته: يا ملائكتي، انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي، قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي أشهدكم أني قد آمنت شيعتها من النار...»(2).

بطلة كربلاء

أما السيدة الحوراء زينب(علیها السلام) بنت أمير المؤمنين(علیه السلام) عقيلة بني هاشم، فهي صاحبة الشرف الرفيع، والمجد الأصيل، فهي بنت علي وفاطمة‘ وجدها رسول الله(صلی الله علیه و آله) الذي قال: «إن الله عزّ وجلّ جعل ذرية كل نبي من صلبه خاصة، وجعل ذريتي من صلبي ومن صلب علي بن أبي طالب، إن كل بني بنت ينسبون إلى أبيهم إلّا أولاد فاطمة فإني أنا أبوهم»(3).

وهي شقيقة سيدي شباب أهل الجنة الإمامين الهمامين الحسن

ص: 88


1- الأمالي للشيخ الصدوق: 461.
2- الأمالي للشيخ الصدوق: 113.
3- مناقب آل أبي طالب(علیهم السلام) 2: 387.

والحسين‘ ريحانتي رسول الله(صلی الله علیه و آله).

لها من الشرف الرفيع، والعلم والغزير، والفضل والتقوى، والكمال والزهد، والورع وكثرة العبادة ومعرفة الله، ما لم يعرف لأحد من النساء إلّا لأمها الصديقة الكبرى(علیها السلام). وقد كان بارزاً وواضحاً لكل الناس حب الخمسة الأطهار من أهل العباء(علیهم السلام) لها، ورعايتهم إياها أشد الرعاية والعطف والاهتمام.تكنى: أم كلثوم، وأم الحسن، وتلقب: الصديقة الصغرى، والعقيلة، وعقيلة بني هاشم، وعقيلة الطالبيين، والموثقة، والعارفة، والعالمة غير المعلمة، والكاملة، وعابدة آل علي، وغير ذلك من الصفات العالية والنعوت الراقية.

ومما يذكر في أحوالها، أنه حدّث يحيى المازني قال: كنت في جوار أمير المؤمنين(علیه السلام) في المدينة مدة مديدة، وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب(علیها السلام) ابنته، فلا والله ما رأيت لها شخصاً ولا سمعت لها صوتاً، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدها رسول الله(صلی الله علیه و آله) تخرج ليلاً والحسن(علیه السلام) عن يمينها والحسين(علیه السلام) عن شمالها وأمير المؤمنين(علیه السلام) أمامها، فإذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين(علیه السلام) فأخمد ضوء القناديل، فسأله الحسن(علیه السلام) مرة عن ذلك؟ فقال(علیه السلام): «أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك زينب»(1).

ولعظم منزلتها ذكر: أن الإمام الحسين(علیه السلام) كان إذا زارته السيدة

ص: 89


1- عوالم العلوم 11: 955.

زينب(علیها السلام) يقوم إجلالاً لها، وكان يجلسها في مكانه (صلوات الله عليهما).

ومما ورد عن معرفتها وعلمها، قول الإمام زين العابدين(علیهالسلام): «أنتِ بحمد الله عالمة غير معلَّمة، وفهِمة غير مفهَّمة»(1).

وكانت زينب(علیها السلام) تجلس في بيتها أيام إقامة أبيها(علیه السلام) في الكوفة، وكانت تفسر القرآن للنساء، وتعلّمهم الأحكام الشرعية والآداب الإسلامية.

وذكر في أحوالها أنها(علیها السلام) ما تركت تهجدها لله تعالى طول دهرها، فلم تترك صلاة الليل أبداً، حتى ليلة الحادي عشر من المحرم. حيث روي عن زين العابدين(علیه السلام) أنه قال: «رأيتها تلك الليلة تصلي من جلوس».

وعنه(علیه السلام) أيضا قال: «إن عمتي زينب مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقنا إلى الشام ما تركت نوافلها الليلية».

وأن الإمام الحسين(علیه السلام) لما ودّع أخته السيدة زينب(علیها السلام) وداعه الأخير قال لها: «يا أختاه، لا تنسيني في نافلة الليل»(2).

وكانت لزينب(علیها السلام) نيابة خاصة عن الإمام الحسين(علیه السلام)، وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام، حتى برئ زين العابدين(علیه السلام) من مرضه.

ص: 90


1- الاحتجاج 2: 305.
2- انظر: عوالم العلوم 11: 954.

ومن الشرف العظيم لزينب(علیها السلام): أن الإمام الحسين(علیه السلام) ائتمنها على أسرار الإمامة، فقد ورد عن أحمد بنإبراهيم قال: دخلت على حكيمة بنت محمد بن علي الرضا‘، أخت أبي الحسن صاحب العسكر(علیه السلام) في سنة اثنتين وستين ومائتين، فكلمتها من وراء حجاب، وسألتها عن دينها فسمّت لي من تأتم بهم، ثم قالت: والحجة بن الحسن بن علي(علیهم السلام)، فسمّته.

فقلت لها: جعلني الله فداك، معاينة أو خبراً؟

فقالت: خبراً عن أبي محمد(علیه السلام)، كتب به إلى أمه.

فقلت لها: فأين الولد؟

فقالت: مستور.

فقلت: إلى من تفزع الشيعة؟

فقالت لي: إلى الجدة أم أبي محمد(علیه السلام).

فقلت لها: اقتدي بمن وصيته إلى امرأة؟

فقالت: اقتداء بالحسين بن علي‘، والحسين بن علي أوصى إلى أخته زينب بنت علي(علیها السلام) في الظاهر، وكان ما يخرج عن علي بن الحسين‘ من علم ينسب إلى زينب(علیها السلام) ستراً على علي بن الحسين‘ - ثم قالت - : إنكم قوم أصحاب أخبار، أما رويتم أن التاسع من ولد الحسين بن علي‘ يقسّم ميراثه وهو في الحياة(1).

وقال الطبرسي: إن زينب(علیها السلام) روت أخباراً كثيرة عن أمها

ص: 91


1- كمال الدين 2: 507.

الزهراء(علیها السلام). وروي: أنها(علیها السلام) كانت تروي عن أمها وأبيها وأخويها(علیهم السلام)، وعن أم سلمة وأم هانيء وغيرهما من النساء. وممن روى عنها ابن عباس، وعلي بن الحسين‘، وعبد الله بن جعفر، وفاطمة بنت الحسين الصغرى، وغيرهم. وقال أبو الفرج: زينب العقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة(علیها السلام) في فدك فقال: حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي‘(1).

وروي: أنها في طفولتها كانت جالسة في حِجر أبيها - وهو(علیه السلام) يلاطفها بالكلام - فقال لها: «يا بنية قولي: واحد».

فقالت: «واحد».

فقال لها: «قولي: اثنين».

فسكتت.

فقال لها: «تكلمي يا قرة عيني».

فقالت(علیها السلام): «يا أبتاه ما أطيق أن أقول اثنين بلسان أجريته بالواحد».

فضمها (صلوات الله عليه) إلى صدره وقبّلها بين عينيها.

السيدة زينب(علیها السلام) والطف

لقد شاركت العقيلة الحوراء السيدة زينب(علیها السلام) أخاها الإمامالحسين(علیه السلام) في كل ما جرى عليه في كربلاء يوم عاشوراء، فكانت حقاً خير شريك ومعين في تلك الأهوال والشدائد.

وكان جلدها وصبرها في تلك الظروف الأمثولة الكبرى للتضحية في

ص: 92


1- انظر: عوالم العلوم 11: 957.

سبيل الله، فهي(علیها السلام) لما وقفت على جسد أخيها الحسين(علیه السلام) بعد أن استشهد واحتز اللعناء رأسه الشريف، رفعت الجسد الطاهر لأبي الأحرار، وهي ترنو ببصرها إلى السماء وتقول: «اللّهم تقبل منها هذا القربان».

ولما وصلت(علیها السلام) مع السبايا من آل بيت النبي(صلی الله علیه و آله) إلى الكوفة ألقت خطبتها على أهل الكوفة، تلك الخطبة البليغة التي مازالت تتردد على طول الزمان، فقد قال بشير بن خزيم الأسدي: ونظرت إلى زينب بنت علي‘ يومئذ ولم أر والله، خفرة قط أنطق منها، كأنما تفرع عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(علیه السلام)، وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا، فارتدت الأنفاس، وسكنت الأجراس، ثم قالت:

«الحمد لله، والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار، أما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختل(1)والغدر، أتبكون! فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنة، إنما مثلكم كمثل التي «نَقَضَتۡ غَزۡلَهَا مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٍأَنكَٰثا تَتَّخِذُونَ أَيۡمَٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَيۡنَكُمۡ»(2)، ألّا وهل فيكم إلّا الصلف(3)والنطف، وملق الإماء، وغمز الأعداء، أو كمرعى على دمنة، أو كفضة على ملحودة(4)،

ألّا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم، وفي العذاب أنتم خالدون.

ص: 93


1- الختل: الخداع.
2- سورة النحل، الآية: 92.
3- الصلف: الذي يمتدح بما ليس عنده.
4- الفضة: الجص، والملحودة: القبر.

أتبكون وتنتحبون؟! إي والله، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنآنها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم الأنبياء، وسيد شباب أهل الجنة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار حجتكم، ومدرة(1) سنتكم، ألّا ساء ما تزرون وبعداً لكم وسحقاً، فلقد خاب السعي، وتبت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة.

ويلكم يا أهل الكوفة، أي كبد لرسول الله(صلی الله علیه و آله) فريتم، وأي كريمة له أبرزتم، وأي دم له سفكتم، وأي حرمة له انتهكتم، لقد جئتم بهم صلعاء عنقاء، سواء فقماء(2)، كطلاعالأرض(3)،

وملاء السماء، أفعجبتم أن قطرت السماء دماً، ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لاتنصرون. فلا يستخفنكم المهل؛ فإنه لا تحفزه(4) البدار، ولا يخاف فوت الثأر، وإن ربكم لبالمرصاد».

قال: فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم، ورأيت شيخاً واقفاً إلى جنبي يبكي حتى أخضلت لحيته، وهو يقول: بأبي أنتم وأمي، كهولكم خير الكهول، وشبابكم خير الشباب، ونساؤكم خير النساء، ونسلكم خير نسل، لا يخزى ولا

ص: 94


1- المدرة: زعيم القوم ولسانهم المتكلم عنهم.
2- الفقماء: إذا كانت ثناياها العليا إلى الخارج فلا تقع على السفلى.
3- طلاع الأرض: ملئوها.
4- يحفزه: يدفعه.

يبزى(1).

وروي: أنه لما جلس ابن زياد في القصر للناس، وأذن إذناً عاماً، وجيء برأس الحسين(علیه السلام) فوضع بين يديه، وأدخل نساء الحسين(علیه السلام) وصبيانه إليه، فجلست زينب بنت علي(علیها السلام) متنكرة، فسأل عنها، فقيل: هذه زينب بنت علي، فأقبل عليها فقال: الحمد لله الذي فضحكم قتلكم، وأكذب أحدوثتكم!

فقالت زينب(علیها السلام): «الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد(صلی الله علیه و آله) وطهرنا من الرجس تطهيراً، وإنما يفتضح الفاسق، ويكذب الفاجر، وهو غيرنا».

فقال ابن زياد: كيف رأيتِ فعل الله بأهل بيتك؟قالت: «كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجون إليه وتختصمون عنده».

فغضب ابن زياد واستشاط.

فقال عمرو بن حريث: أيها الأمير إنها امرأة، والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها ولا تذم على خطابها.

فقال لها ابن زياد: لقد شفى الله نفسي من طاغيتك، والعصاة من أهل بيتك!

فزقت(2) زينب وبكت وقالت له: «لعمري، لقد قتلت كهلي، ... وقطعت فرعي، واجتثثت أصلي، فإن يشفك هذا فقد اشتفيت».

فقال ابن زياد: هذه سجاعة، ولعمري لقد كان أبوها سجاعاً

ص: 95


1- بحار الأنوار 45: 108.
2- فرقت: أي صاحت.

شاعراً.

فقالت: «ما للمرأة والسجاعة...».

ثم التفت ابن زياد إلى علي بن الحسين(علیه السلام)، فقال له: من أنت؟

فقال(علیه السلام): «أنا علي بن الحسين».

فقال: أليس قد قتل الله علي بن الحسين؟!

فقال له علي(علیه السلام): «قد كان لي أخ يسمى علياً قتله الناس».فقال له ابن زياد: بل الله قتله.

فقال علي بن الحسين‘: «الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها».

فقال ابن زياد: وبك جرأة لجوابي! ... اذهبوا به فاضربوا عنقه.

فتعلقت به زينب(علیها السلام) عمته، وقالت: «يا ابن زياد، حسبك من دمائنا» واعتنقته وقالت: «والله، لا أفارقه، فإن قتلته فاقتلني معه».

فنظر ابن زياد إليها وإليه ساعة، ثم قال: عجباً للرحم! والله إني لأظنها ودّت أني قتلتها معه، دعوه فإني أراه لما به.

فقال علي(علیه السلام) لعمته: «اسكتي يا عمة حتى أكلمه»، ثم أقبل(علیه السلام) فقال: «أبالقتل تهددني يا ابن زياد؟! أما علمت أن القتل لنا عادة، وكرامتنا الشهادة».

ثم أمر ابن زياد بعلي بن الحسين‘ وأهله فحملوا إلى دار إلى جنب المسجد الأعظم، فقالت زينب بنت علي(علیها السلام):

«لايدخلن علينا عربية إلّا أم ولد أو مملوكة؛ فإنهن سبين كما

ص: 96

سبينا»(1).

أما خطبتها التي ألقتها في بلاط يزيد اللعين، فكانت حينما رأت يزيد اللعين يضرب بقضيبه ثنايا أبي عبد الله الحسين(علیه السلام)فقامت(علیها السلام) وقالت:

«الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله وآله أجمعين، صدق الله كذلك يقول: «ثُمَّ كَانَ عَٰقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَٰٓ-ُٔواْ ٱلسُّوٓأَىٰٓ أَن كَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسۡتَهۡزِءُونَ»(2)، أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نُساق كما تُساق الأسارى، أن بنا على الله هواناً وبك عليه كرامة، وأن ذلك لعظم خطرك عنده، فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك، جذلان مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة والأمور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا؟!

مهلاً مهلاً، أنسيت قول الله تعالى: «وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّمَا نُمۡلِي لَهُمۡ خَيۡر لِّأَنفُسِهِمۡۚ إِنَّمَا نُمۡلِي لَهُمۡ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِثۡماۖ

وَلَهُمۡ عَذَاب مُّهِين»(3).

أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بنات رسول الله(صلی الله علیه و آله) سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف، ليس معهن من رجالهن وليّ، ولا من حماتهن حمي، وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء، ونبت لحمه بدماءالشهداء، وكيف يستبطئ في

ص: 97


1- انظر: الارشاد 2: 115، واللّهوف: 162.
2- سورة الروم، الآية: 10.
3- سورة آل عمران، الآية: 178.

بغضنا أهل البيت، من نظر إلينا بالشنف والشنآن، والإحن والأضغان، ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم:

و أهلوا واستهلوا فرحاً *** ثم قالوا: يا يزيد لا تشل

منتحياً على ثنايا أبي عبد الله(علیه السلام)، سيد شباب أهل الجنة، تنكتها بمخصرتك، وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشأفة، بإراقتك دماء ذرية محمد(صلی الله علیه و آله)، ونجوم الأرض من آل عبد المطلب، وتهتف بأشياخك، زعمت أنك تناديهم، فلتردن وشيكاً موردهم، ولتودّن أنك شللت وبكمت، ولم يكن قلت ما قلت، وفعلت ما فعلت. اللّهم خذ بحقنا، وانتقم من ظالمنا، واحلل غضبك بمن سفك دماءنا، وقتل حماتنا، فوالله ما فريت إلّا جلدك، ولا جززت إلّا لحمك، ولتردن على رسول الله(صلی

الله علیه و آله) بما تحملت من سفك دماء ذريته، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته، حيث يجمع الله شملهم، ويلم شعثهم، ويأخذ بحقهم، «وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ»(1) حسبك بالله حاكماً، وبمحمد(صلی الله علیه و آله) خصيماً، وبجبرئيل ظهيراً، وسيعلم من سوّى لك، ومكنك من رقاب المسلمين، «بِئۡسَ لِلظَّٰلِمِينَ بَدَلا»(2)، وأيكم «شَرّ مَّكَانا

وَأَضۡعَفُ جُندا»(3).ولئن جرت عليّ الدواهي مخاطبتك، إني لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، وأستكبر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حرى، ألّا

ص: 98


1- سورة آل عمران، الآية: 169.
2- سورة الكهف، الآية: 50.
3- سورة مريم، الآية: 75.

فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا، والأفواه تتحلب من لحومنا، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل، وتعفوها أمهات الفراعل، ولئن اتخذتنا مغنماً، لتجدنا وشيكاً مغرماً، حين لا تجد إلّا ما قدمت «وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ»(1)، فإلى الله المشتكى وعليه المعوّل، فكِد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله

لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها، وهل رأيك إلّا فند، وأيامك إلّا عدد، وجمعك إلّا بدد، يوم يناد المناد: «أَلَا لَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّٰلِمِينَ»(2).

فالحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة، إنه رحيم ودود «حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ»»(3)(4).

نعم، قاربت السيدة زينب(علیها السلام) أمها الصديقة الزهراء(علیها السلام) في الكرامات، والصبر في النائبات، بحيث خرقت العاداتولحقت بالمعجزات(5).

وهذه نماذج من كرامة المرأة وعلو شأنها في الإسلام.

زوجات وأمهات الأئمة(علیهم السلام)

كذلك وقفت النساء الكريمات الطاهرات من الأمهات والزوجات مع

ص: 99


1- سورة فصلت، الآية: 46.
2- سورة هود، الآية: 18.
3- سورة آل عمران، الآية: 173.
4- بحار الأنوار 45: 133.
5- للمزيد انظر كتاب (زينب الكبرى(علیها السلام)) للشيخ جعفر النقدي، وكتاب (زينب الكبرى من المهد إلى اللحد) للسيد محمد كاظم القزويني.

الأئمة الأطهار(علیهم السلام) مواقف مشرفة وجليلة، وأنيطت بهن مهام رسالية وتبليغية كبيرة. ومنهن:

السيدة حميدة المصفاة

السيدة حميدة(1) أم الإمام الكاظم(علیه السلام) التي وقفت إلى جانب الإمام الصادق(علیه السلام)، وقد قال(علیه السلام) فيها: «حميدة مصفاةٌ من الأدناس كسبيكة الذهب، ما زالت الأملاك تحرسها حتى أديت إليَّ كرامةً من الله لي والحجة من بعدي»(2).

ومما يدل على فضلها وعلمها: أن جماعة في الحج سألوا الإمامالصادق(علیه السلام) فقالوا: إن معنا صبياً مولوداً فكيف نصنع به؟ فقال: «مر أمه تلقى حميدة فتسألها كيف تصنع بصبيانها». فأتتها فسألتها كيف تصنع، فقالت: إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه، وجردوه وغسلوه، كما يجرد المحرم، وقِفوا به المواقف، فإذا كان يوم النحر، فارموا عنه واحلقوا عنه رأسه، ومري الجارية أن تطوف به بين الصفا والمروة(3).

وقصة زواج السيدة حميدة بالإمام الصادق(علیه السلام) تتضمن كرامات عديدة، فقد روي: أن ابن عكاشة بن محصن الأسدي دخل على أبي جعفر(علیه السلام)، وكان أبو عبد الله(علیه السلام) قائماً عنده، فقدم إليه عنباً، فقال:

ص: 100


1- هي السيدة حميدة المغربية (البربرية) بنت صاعد البربري. وكانت من أشراف العجم. وقيل: أندلسية. لقبها: لؤلؤة. وقد دعاها الإمام الباقر(علیه السلام) بالمحمودة، ولقبها الإمام الصادق(علیه السلام) بالمصفاة من الأدناس. كانت من المتقيات الثقاة، وكانت الملائكة تحرسها - كما في الحديث الشريف - وكان الإمام الصادق(علیه السلام) يرسلها مع اُم فروة لقضاء حقوق أهل المدينة.
2- الكافي 1: 477.
3- الكافي 4: 301.

«حبة حبة، يأكله الشيخ الكبير والصبي الصغير، وثلاثة وأربعة يأكله من يظن أنه لا يشبع، وكله حبتين حبتين، فإنه يستحب».

فقال لأبي جعفر(علیه السلام): لأي شيء لا تزوج أبا عبد الله(علیه السلام)! فقد أدرك التزويج؟ قال: وبين يديه صرة مختومة. فقال: «أما إنه سيجيء نخاس من أهل بربر، فينزل دار ميمون، فنشتري له بهذه الصرة جارية». قال: فأتى لذلك ما أتى.

فدخلنا يوماً على أبي جعفر(علیه السلام)، فقال: «ألّا أخبركم عن النخاس الذي ذكرته لكم قد قدم، فاذهبوا فاشتروا بهذه الصرة منهجارية».

قال: فأتينا النخاس، فقال: قد بعت ما كان عندي، إلّا جاريتين مريضتين إحداهما أمثل من الأخرى.

قلنا: فأخرجهما حتى ننظر إليهما، فأخرجهما.

فقلنا: بكم تبيعنا هذه الجارية المتماثلة؟

قال: بسبعين ديناراً.

قلنا: أحسن.

قال: لا أنقص من سبعين ديناراً.

قلنا له: نشتريها منك بهذه الصرة ما بلغت ولا ندري ما فيها، وكان عنده رجل أبيض الرأس واللحية، قال: فكوا وزنوا.

فقال: النخاس: لا تفكوا فإنها إن نقصت حبة من سبعين ديناراً لم أُبايعكم.

فقال الشيخ: ادنوا. فدنونا وفككنا الخاتم ووزنا الدنانير، فإذا هي سبعون ديناراً لا تزيد ولا تنقص. فأخذنا الجارية فأدخلناها على أبي

ص: 101

جعفر(علیه السلام) وجعفر(علیه السلام) قائم عنده، فأخبرنا أبا جعفر(علیه السلام) بما كان. فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال لها: «ما أسمكِ؟».

قالت: حميدة.

فقال: «حميدة في الدنيا، محمودة في الآخرة، أخبريني عنكِ، أبكر أنتِ أم ثيب؟».

قالت: بكر.

قال: «وكيف ولا يقع في أيدي النخاسين شيء إلّا أفسدوه؟».

فقالت: قد كان يجيئني، فيقعد مني مقعد الرجل من المرأة، فيسلط الله عليه رجلاً أبيض الرأس واللحية، فلا يزال يلطمه حتى يقوم عني، ففعل بي مراراً، وفعل الشيخ به مراراً.

فقال(علیه السلام): «يا جعفر، خذها إليك». فولدت خير أهل الأرض موسى بن جعفر‘(1).

وفي ولادة الإمام الكاظم(علیه السلام) المباركة جاء عن أبي بصير أنه قال: كنت مع أبي عبد الله(علیه السلام) في السنة التي وُلد فيها ابنه موسى(علیه السلام)، فلما نزلنا الأبواء، وضع لنا أبو عبد الله(علیه السلام) الغداء ولأصحابه، وأكثره وأطابه، فبينا نحن نتغدى إذ أتاه رسول حميدة: أن الطلق قد ضربني، وقد أمرتني أن لا أسبقك بابنك هذا.

فقام أبو عبد الله(علیه السلام) فرحاً مسروراً، فلم يلبث أن عاد إلينا حاسراً عن ذراعيه، ضاحكاً سنه. فقلنا: أضحك الله سنك، وأقر عينك ما

ص: 102


1- الكافي 1: 476.

صنعت حميدة؟

فقال: «وهب الله لي غلاماً، وهو خير مَن برأ الله، ولقد خبرتنيبأمر كنت أعلم به منها!».

قلت: جعلت فداك، وما خبرتك عنه حميدة؟

قال: «ذكرت أنه لما وقع من بطنها، وقع واضعاً يديه على الأرض، رافعاً رأسه إلى السماء، فأخبرتها أن تلك أمارة رسول الله(صلی الله علیه و آله)، وأمارة الإمام(علیه السلام) من بعده»(1).

ولما وُلد موسى بن جعفر(علیه السلام)، دخل أبو عبد الله(علیه السلام) على حميدة البربرية أم موسى(علیه السلام)، فقال لها: «يا حميدة، بخ بخ حل الملك في بيتك»(2).

وقد وُلدت للإمام الصادق(علیه السلام) غير الإمام موسى بن جعفر(علیه السلام): إسحاق ومحمد وفاطمة(3).

وكانت السيدة حميدة ذات مكانة عالية عند أهل البيت(علیهم السلام)، وقد اهتمت بأمر تزويج ولدها الإمام موسى الكاظم(علیه السلام)، وهي التي اشترت السيدة نجمة (تكتم) والدة الإمام الرضا(علیه السلام) لولدها، وزوّجته منها بأمر الإمام الصادق(علیه السلام)، بل بأمر رسول الله(صلی الله علیه و آله) أيضاً.

فعن علي بن ميثم، عن أبيه، قال: لما اشترت الحميدة، أم موسى بن جعفر‘ أم الرضا(علیه السلام) نجمة، ذكرت حميدة أنها رأت فيالمنام رسول

ص: 103


1- بصائر الدرجات 1: 440.
2- الفصول المختارة: 313.
3- كشف الغمة 2: 161.

الله(صلی الله علیه و آله) يقول لها: «يا حميدة، هبي نجمة لابنك موسى، فإنه سيولد له منها خير أهل الأرض». فوهبتها له، فلما ولدت له الرضا(علیه السلام) سماها الطاهرة، وكانت لها أسماء منها: نجمة وأروى وسكن وسمان وتكتم وهو آخر أساميها(1).

وكذلك كانت أم الإمام الرضا(علیه السلام) أيضاً من النساء الكريمات اللواتي خلد التاريخ ذكرهن.

وكذلك السيدة حكيمة(علیها السلام) التي وقفت إلى جانب الإمام الحسن العسكري(علیه السلام)(2).

أم الإمام المنتظر(علیه السلام)

أما السيدة نرجس(علیها السلام)(3) فقد كانت جليلة القدر،عظيمةالمنزلة، لما ستتحمل من مسؤولية عظيمة، ألّا وهي أنها ستكون أم خاتم الأوصياء المهدي المنتظر صاحب العصر والزمان الحجة ابن الحسن‘.

نعم، هي متميزة بمكانة عالية عند الله عزّ وجلّ، فهي صديقة طاهرة، تقية نقية، رضية مرضية، وقد وردت لها زيارة خاصة بها

ص: 104


1- عيون أخبار الرضا(علیه السلام)1: 16.
2- وهي النجيبة الكريمة العالمة والفاضلة التقية حكيمة بنت أبي جعفر الجواد بن الإمام الرضا بن الإمام موسى بن جعفر(علیهم السلام)، كانت مخصوصة بالأئمة(علیهم السلام) ومودعة أسرارهم، وكانت أم الإمام الحجة(علیه السلام) عندها، وكانت حاضرة عند ولادتها، وكانت تراه حيناً بعد حين في حياة الإمام العسكري(علیه السلام) وكانت من السفراء والأبواب بعد وفاة الإمام العسكري(علیه السلام).
3- هي السيدة نرجس بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، واُمها من ولد الحواريين تنسب إلى شمعون وصي المسيح(علیه السلام). من أسمائها أيضاً: مليكة وصقيل وسوسن وريحانة ومريم. وقيل: حكيمة، وقيل: خمط. ولكن أشهر أسمائها: نرجس. وكنيتها: اُم محمد.

يستدل بها على علو شأنها حيث ورد فيها:

«السلام على رسول الله(صلی الله علیه و آله) الصادق الأمين. السلام على مولانا أمير المؤمنين. السلام على الأئمة الطاهرين الحجج الميامين. السلام على والدة الإمام، والمودعة أسرار الملك العلام، الحاملة لأشرف الأنام. السلام عليكِ أيتها الصديقة المرضية. السلام عليكِ يا شبيهة أم موسى، وابنة حواري عيسى. السلام عليكِ أيتها التقية النقية. السلام عليكِ أيتها الرضية المرضية. السلام عليكِ أيتها المنعوتة في الإنجيل، المخطوبة من روح الله الأمين، ومن رغب في وصلتها محمد سيد المرسلين، والمستودعة أسرار رب العالمين. السلام عليكِ وعلى آبائكِ الحواريين. السلام عليكِ وعلى بعلكِ وولدكِ. السلام عليكِ وعلى روحكِ وبدنكِ الطاهر. أشهد أنكِ أحسنتِ الكفالة، وأديتِ الأمانة، واجتهدتِ في مرضاة الله، وصبرتِ في ذات الله، وحفظتِ سر الله، وحملتِ ولي الله، وبالغتِ في حفظ حجة الله، ورغبتِ في وصلة أبناء رسول الله، عارفة بحقهم، مؤمنة بصدقهم،معترفة بمنزلتهم، مستبصرة بأمرهم، مشفقة عليهم، مؤثرة هواهم. وأشهد أنكِ مضيتِ على بصيرة من أمركِ، مقتدية بالصالحين، راضية مرضية، تقية نقية زكية، فرضي الله عنكِ وأرضاكِ، وجعل الجنة منزلكِ ومأواكِ، فلقد أولاكِ من الخيراتِ ما أولاكِ، وأعطاكِ من الشرف ما به أغناكِ، فهناكِ الله بما منحكِ من الكرامة وأمراكِ»(1).

ومن الشواهد الدالة على عظم مكانتها، أنها ممن تُرجى شفاعتها،

ص: 105


1- زاد المعاد: 539.

لما وصلت إليه من المراتب العالية، ففي الدعاء بعد زيارتها نقرأ:

«اللّهم إياك اعتمدت، ورضاك طلبت، وبأوليائك إليك توسلت، وعلى غفرانك وحلمك اتكلت، وبك اعتصمت، وبقبر أم وليك لذت، فصل على محمد وآل محمد، وانفعني بزيارتها، وثبتني على محبتها، ولا تحرمني شفاعتها، وشفاعة ولدها عجل الله فرجه، وارزقني مرافقتها، واحشرني معها ومع ولدها صلى الله عليه، كما وفقتني لزيارة ولدها وزيارتها. اللّهم إني أتوجه إليك بالأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم، وأتوسل إليك بالحجج الميامين، من آل طه ويس، أن تصلي على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين، وأن تجعلني من المطمئنين الفائزين، الفرحين المستبشرين، الذين لاخوف عليهم ولا هم يحزنون، واجعلني ممن قبلت سعيه، ويسرت أمره، وكشفت ضره، وآمنت خوفه. اللّهم بحق محمد وآل محمد، صل على محمد وآل محمد، ولا تجعله آخر العهد من زيارتي إياها، وارزقني العود إليها، أبداً ما أبقيتني، وإذا توفيتني فاحشرني في زمرتها، وأدخلني في شفاعة ولدها وشفاعتها، واغفر لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات، وآتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا برحمتك عذاب النار، والسلام عليكم يا ساداتي ورحمة الله وبركاته»(1).

ببركتها زال البلاء

إن أهل البيت(علیهم السلام) أبواب الله، والحجج على العالمين بعد الأنبياء(علیهم السلام)،

ص: 106


1- زاد المعاد: 540.

ولهم من الكرامات والمعاجز ما يعجز عن عدها وحصرها العادون. وإن السيدة نرجس(علیها السلام) هي - أيضاً - باب من أبواب الله تعالى، يقصده المحتاجون والمنكوبون، فلا يعودون إلّا بحوائج مقضية، وهموم مكشوفة بإذن الله تعالى.

ومن الشواهد الكثيرة على ذلك، ما نقل في أحوال العلامة الميرزا محمد تقي الشيرازي(رحمة الله) أنه قد أصاب مدينة سامراء مرض الطاعون، وأخذ من أهلها مأخذاً عظيماً، بحيث إن أهالي الموتى عجزوا عن دفن موتاهم، فأصبحوا يأتون بهم ويتركونهم في الشوارع آنذاك. وفي شدة المحنة جاء الميرزا محمد تقي الشيرازي(رحمة الله) إلى منزل السيدمحمد الفشاركي(رحمة الله) الذي كان في منزله مع كوكبة من العلماء، فدار البحث حول الوباء الذي يهدد حياة الجميع، وبينما هم على ذلك وإذا بالميرزا الشيرازي يلتفت إليهم قائلاً: إذا أصدرت حكماً فهل هو نافذ أم لا؟

فرد الجميع: نعم إنه نافذ ويجب إجراؤه.

فقال الميرزا: إني أصدرت حكماً على جميع الشيعة القاطنين في سامراء أن يقرؤوا زيارة عاشوراء من اليوم إلى عشرة أيام، ويهدوا ثوابها إلى روح السيدة نرجس(علیها السلام) والدة الإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف ، ليبتعد عنهم البلاء.

فأبلغ الحاضرون حكمه ذاك لجميع الشيعة، فشرع الموالون بقراءة الزيارة، وإذا بالطاعون يرتفع عنهم منذ قراءتهم للزيارة، بينما بقي غيرهم يموتون كالعادة حتى انجلى الأمر عن الجميع.

وقد سأل بعض أتباع المذاهب الأخرى أبناء الشيعة في سامراء عن

ص: 107

سبب ارتفاع الطاعون عنهم فأخبروهم بالحال، فشرعوا أيضا بقراءة الزيارة وإهدائها إلى السيدة نرجس(علیها السلام)، فدفع البلاء عن الجميع.

نعم، فكما أن هناك من الرجال الأفذاذ العظماء يذكرهم التأريخ بكل إجلال وتبجيل، كذلك هناك الكثير من النساء اللواتي يقترن ذكرهن بالفضائل والكرامات والمعاني الإنسانية الرفيعة.إذ لا يخفى، أن النساء على طول التاريخ يشكلن نصف خلق الله تعالى من الآدميين(1)، وهذا النصف يتوقف عليه تكامل الحياة الإنسانية واستمراريتها.

اختلاف الوظائف

يستفاد من النصوص الشرعية أحكام تستثني المرأة عن تولي بعض الوظائف والمهام؛ فلا يناط بها أمر القضاء(2)، ولا تتولى القتال في باب الجهاد، نعم قد تشارك في ميادين الحرب لا لأجل القتال بل لمداواة الجرحى وتقديم بعض المساعدات، وهذه الأحكام ليست نقصاً لها بل رعاية لمشاعرها، لأن تكوين المرأة النفسي والعاطفي لا يسمح بذلك.

حيث قد تتعارض عاطفتها مع عقلها، وربما تكون الغلبة والنصر للعاطفة... وهذه القضايا تقتضي في أغلب الموارد الجدية، والوقوف الحاسم الحازم؛ لذلك فهي لا تنسجم مع كيان المرأة العاطفي.

ولو حمَّلنا النساء هذه القضايا، نكون كمن وضع حمل الحديد

ص: 108


1- المراد من النصف: العرفي لا الهندسي والعددي.
2- انظر: جواهر الكلام 40: 14.

الذي يزن عدة أطنان، الخاص بالشاحنات والسيارات الضخمة على السيارة الصغيرة التي لا تتحمل إلّا أربعة أو خمسة أشخاصفقط، فالسيارة الصغيرة كاملة ومتكاملة من كل جهاتها الخاصة بها، ولكنها لا تنسجم مع حمل الحديد ولا يسعها ذلك، وهذه لا تعتبر نقصاً في السيارة الصغيرة، وكذلك بالنسبة للمرأة، وقد أثبتت التجربة بأن المرأة بفطرتها وخلقتها لا تنسجم مع هذه المناصب، وأحدهما غريب على الآخر.

إن ذلك لا يعني انتقاصاً من مكانة المرأة، بل لتخصصها وإعدادها لشؤون أخرى تقتضي مواصفاتها الجسمية والنفسية، كالتربية والتعليم، وتنشئة الجيل الصالح الذي يقود المجتمع في المستقبل. كما قال الشاعر:

الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعباً طيب الأعراق

الأم روض إن تعهّده الحيا *** بالري أورق أيّما إيراق

الأم أستاذ الأساتذة الألى *** شغلت مآثرهم مدى الآفاق(1)أو ذلك الشاعر الذي يقول:

هي الأخلاق تنبت كالنبات *** إذا سقيت بماء المكرمات

تقوم إذا تعهدها المربي *** على ساق الفضيلة مثمرات

وتسمو للمكارم باتساق *** كما اتسقت أنابيب القناة

وتنعش من صميم المجد روحاً *** بأزهار لها متضوعات

ولم أر للخلائق من محل *** يهذبها كحضن الأمهات

ص: 109


1- الأبيات للشاعر حافظ إبراهيم الملقَّب بشاعر النيل.

فحضن الأم مدرسة تسامت *** بتربية البنين أو البنات

وأخلاق الوليد تقاس حسناً *** بأخلاق النساء الوالدات

وليس ربيب عالية المزايا *** كمثل ربيب سافلة الصفات

وليس النبت ينبت في جنان *** كمثل النبت ينبت في الفلاة(1)

المساواة بين الرجل والمرأة

لقد قام أدعياء التقدم والتطور في الشرق والغرب بظلم المرأة حيث جروها إلى الابتذال والفساد وكلّفوها فوق طاقاتها، وذلك برفعهم شعار: (المطالبة بمساواة المرأة مع الرجل في جميع الحقوق والواجبات وفي جميع مجالات الحياة)، ويقصدون من المساواة التشابه والتماثل في كل شيء؛ وهذا يستلزم أن يكونا متماثلين في التكوين الجسدي والنفسي أيضاً، مع أن الواقع لا يساعد على ذلك.

نعم، إن الأصل في الإسلام هو المساواة بين الرجل والمرأة في كل الأمور إلّا ما خرج بالدليل وهو قليل جداً، ولذا فإن الإسلام قدأعطى المرأة كامل حقوقها، وضمن لها كرامتها وشرفها، وأبعدها عما يضرّ بها.

هذا والواقع الخارجي يدل على عدم تمكن المرأة من التصدي لكثير من تلك المناصب والمشاغل الصعبة، فلو أننا سألنا الغربيين أو الشرقيين كم هناك في بريطانيا - مثلاً - من النساء من حازت على منصب القضاء؟ وكم هناك في أمريكا من النساء من نالت منصب الوزارة أو رئاسة

ص: 110


1- من قصيدة للشاعر معروف الرصافي.

الحكومة؟ لكان جوابهم أنه قليل جداً(1).

إذن، هم أنفسهم عندما يطالبون بالمساواة لا يلتزمون بالمساواة في كل الأمور، مضافاً إلى أن المرأة ليست لها قدرة على التساوي مع الرجل في كل شيء، لأنها تتمتع بخصائص تكوينية تختلف عمّا عند الرجل؛ ولذلك فإن من الحكمة أن نعمل على صرف طاقات المرأة في المجالات التي تنسجم مع خصائصها الأنثوية، وتوجيه طاقات الرجل في المجالات الأخرى التي تناسب إمكاناته الرجولية أيضاً. والحكمة ليست إلّا وضع الشيء المناسب في مكانه المناسب كما أوضحه الإسلام، وإلّا لكان فوضى واختلالاً في النظام وأمور الحياة كما فعل الغرب بدعوته إلى المساواة.

تعدد الزوجات

أما ما يقال من أنه: لماذا يجوز تعدد الزوجات للرجل، ولا يجوز تعدد الأزواج للمرأة؟

فقد قال تبارك وتعالى: «فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً»(2).

وعن محمد بن سنان، قال: إن الرضا(علیه السلام) كتب إليه في ما كتب من جواب مسائله علة تزويج الرجل أربع نسوة، فقال(علیه السلام): «وتحرم أن تتزوج المرأة أكثر من واحد؛ لأن الرجل إذا تزوج أربع نسوة كان الولد

ص: 111


1- خاصة لو لاحظنا النسبة العددية للنساء أمام الرجال، وتشدقهم الدائم بادعاء المساواة بين الرجل والمرأة.
2- سورة النساء، الآية: 3.

منسوباً إليه، والمرأة لو كان لها زوجان أو أكثر من ذلك لم يعرف الولد لمن هو؛ إذ هم المشتركون في نكاحها، وفي ذلك فساد الأنساب والمواريث والمعارف»(1)، وهذا من الحكمة في ذلك.

ثم إن الرجال هم أكثر عرضة للموت والمخاطر من النساء كما في الحروب، مضافاً إلى مخاطر الأعمال الشاقة والسفر الخطر في التجارة والتكسب وما أشبه، فتبقى الكثيرات بلا أزواج، فإن الإسلام قد حل هذه المسألة حيث أجاز للرجال الزواج بأكثر من واحدة، بشرط العدالة.

ولا يخفى أن من أسباب تشويه سمعة هذا القانون عند البعض -طبعاً - إنما هو نابع من سوء سلوك بعض الرجال، وعدم عدالتهم في ما بين زوجاتهم، ولو كان الرجال الذين لهم عدة زوجات يراعون العدالة بين زوجاتهم، لما اصطبغ هذا القانون بصبغة سيئة عند البعض، فإنه باستطاعة الزوجتين أن تعيشا معاً وبلا مشاكل، وهذا مما لا يرفضه العقل ولا الفطرة.

ونحن نسأل: أيهما أفضل أن تعيش المرأة إلى آخر عمرها بدون زوج، أم أن تعيش في كنف رجل متزوج يراعي العدالة بينها بين الأخرى؟

حسن معاشرة النبي(صلی الله علیه و آله) مع زوجاته

رغم أن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قد توفي عن تسع نساء، وأنه(صلی الله علیه و آله) كان قد تزوج من خمسة عشر امرأة، إلّا أنه لم يروَ أي خبر عن سوء خلق أو

ص: 112


1- علل الشرائع 2: 504.

عدم عدالة في ما بينهن، بل العكس من ذلك، فقد كان(صلی الله علیه و آله) يتحمل سوء معاملة بعضهن وإيذائهن له، حتى هدّدهن الباري تعالى في القرآن.

فقد ذكر أبو عبد الله(علیه السلام): «أن زينب قالت لرسول الله(صلی الله علیه و آله): لا تعدل وأنت رسول الله! وقالت حفصة: إن طلقنا وجدنا أكفاءنا في قومنا. فاحتبس الوحي عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) عشرين يوماً - قال - فأنف الله عزّ وجلّ لرسوله فأنزل: «يَٰٓأَيُّهَاٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدۡنَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيۡنَ أُمَتِّعۡكُنَّ وَأُسَرِّحۡكُنَّ سَرَاحا

جَمِيلا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡمُحۡسِنَٰتِ مِنكُنَّ أَجۡرًا عَظِيما»(1) - قال: - فاخترن الله ورسوله(صلی الله علیه و آله)، ولو اخترن أنفسهن لَبِنَّ، وإن اخترن الله ورسوله فليس بشيء»(2).

ومما يروى عن عدالة النبي(صلی الله علیه و آله) بين زوجاته وأخلاقه الكريمة، أنه(صلی الله علیه و آله) كان يجمع نساءه في كل ليلة ليسلّم عليهن ويسلّمن عليه، ويطلع على أحوالهن، ثم يطلب منهن أن تذهب كل واحدة إلى حجرتها. فقد روي أن رسول الله(صلی الله علیه و آله) كان يقسم بين أزواجه ويقول: «اللّهم هذا قسمي في ما أملك، فلا تؤاخذني في ما تملك ولا أملك»(3).

وقال الإمام الصادق(علیه السلام): «إن النبي(صلی الله علیه و آله) كان يقسم بين نسائه في مرضه فيطاف به بينهن»(4).

ص: 113


1- سورة الأحزاب، الآية: 28-29.
2- الكافي 6: 138.
3- عوالي اللئالي 2: 134.
4- تفسير مجمع البيان 3: 208.

وكان رسول الله(صلی الله علیه و آله) إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج أسمها أخرجها(1).

وروي: أن علياً(علیه السلام) كان له امرأتان فكان إذا كان يوم واحدةلا يتوضأ في بيت الأخرى(2).

ولو تصرف كل من تزوج بعدة نساء مع نسائه كما فعل رسول الله(صلی الله علیه و آله)، وسعى لتوفير العدالة في ما بينهن، لزال ذلك الانطباع السيئ عن ذهن المجتمع حول تعدد الزوجات.

إذن، فإن قانون تعدد الزوجات إنما هو حل معقول لمشكلة كثير من النساء في المجتمع، مع العلم أن موضوع تعدد الزوجات لم يبتدئه الإسلام ابتداءً وإنما كان موجوداً فأقره الإسلام، ولكن الإسلام حدده ووضع له قيوداً وشروطاً خاصة.

وبنفس المنطق الغربي الذي يتشدق به دعاة المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق يمكن أن نسألهم: أليس حق الزواج من أهم حقوق الإنسان في المجتمع؟ وإن العمل بقانون الزوجة الواحدة يحرم شريحة كبيرة من النساء المؤهلات للزواج من هذا الحق، باعتبار زيادة عدد الإناث على الذكور؟!

وهذه الزيادة جلية وواضحة في الإحصاءات المأخوذة في غالبية بلدان العالم، ويكفي أن نعلم أن ألمانيا وعلى أثر الحروب التي نشبت بينها وبين الدول حرمت أعداداً كبيرة من النساء من الزواج، مما حدا بهن لمطالبة

ص: 114


1- انظر: مسالك الأفهام 8: 334.
2- وسائل الشيعة 21: 343.

الحكومة بإلغاء قانون الزوجة الواحدة، وطلبت الحكومة الألمانية - على ما ذكر - من الجامع الأزهر تزويدهابالتوجيهات التي تخص موضوع تعدد الزوجات، ولكن الأمر لم يتم لاعتراض الكنيسة آنذاك، إذ فضلت شيوع الفاحشة على تبني الحكم الإسلامي القائل بتعدد الزوجات.

ثم إن مسألة تعدد الزوجات ليست واجبة، وإنما أباحها الإسلام مقابل شروط وحسابات هي فوق اعتبارات الغريزة؛ لحماية المجتمع الإنساني من الفقر وسد النقص، ولذلك لم نجد حالة من الهرج والمرج جراء إباحة تعدد الزوجات، بل العكس فما نراه اليوم من تفكك الأسر، وفساد العلاقات الإنسانية، وشيوع الأمراض الجنسية، ما هو إلّا بسبب الإباحية، والتخبط في العلاقة بين الرجل والمرأة.

المرأة ظُلمت مرتين

اشارة

لقد ظلم الغربيون المرأة في شخصيتها الاجتماعية والعائلية، من خلال أساليب وممارسات مغلوطة؛ إذ أنهم في الواقع أرادوا استخدامها كوسيلة للكسب المادي الرخيص، عندما جعلوها سلعة سهلة رخيصة في متناول الجميع، وأداة إمتاع لإرضاء وإشباع الغرائز والشهوات المنحرفة والمحرمة، ودفعوها إلى الوقوع في المحذورات، فأبعدوها عن دورها التربوي الإنساني العظيم والمحتشم، فكانوا بذلك قد انتهكوا إنسانيتها وحقوقها الاجتماعية وعفتها، ولكنهم غلّفوا جميع هذه الانتهاكات - لمكانة وشخصية المرأة المسكينة - بطابع المطالبة بحرية المرأة والمساواة مع الرجل.ومن جانب آخر نجد بعض المسلمين يضع المرأة في زاوية ضيقة،

ص: 115

ويمنعها من حقوقها المادية والإنسانية، ومن أداء دورها في الأسرة وفي المجتمع بشكل مشروع، وهي جاهلية جديدة، ومورثات وتقاليد اجتماعية ليست من الدين في شيء. وكانت النتيجة أن ظُلمت المرأة تارة بيد الغربيين والشرقيين من غير المسلمين، وأخرى بيد بعض المسلمين.

وبإلقاء نظرة سريعة على معاملة النبي(صلی الله علیه و آله) والأئمة الهداة(علیهم السلام) للمرأة، يتضح لنا كيف أنه(صلی الله علیه و آله) حفظ للمرأة كافة حقوقها، وأشركها في الميادين الاجتماعية والحيوية، وذلك مع مراعاة العفة وخصوصيات المرأة التكوينية.

فقد روي - كما سبق - عن عائشة: (أن فاطمة(علیها السلام) كانت إذا دخلت على رسول الله(صلی الله علیه و آله) قام لها من مجلسه وقبّل رأسها وأجلسها مجلسه، وإذا جاء إليها لقيته وقبَّل كل واحد منهما صاحبه وجلسا معاً).

وروي: (كان النبي(صلی الله علیه و آله) إذا أراد سفراً كان آخر الناس عهداً بفاطمة، وإذا قدم كان أول الناس عهداً بفاطمة(علیها السلام)).

ولو لم يكن لها(علیها السلام) عند الله تعالى فضل عظيم لم يكن رسول الله(صلی الله علیه و آله) يفعل معها ذلك.

وعن عبد الله بن الحسن قال: دخل رسول الله(صلی الله علیه و آله)على فاطمة فقدمت إليه كسرة يابسة من خبز شعير فأفطر عليها، ثم قال: «يا بنية، هذا أول خبز أكل أبوكِ منذ ثلاثة أيام». فجعلت فاطمة تبكي ورسول الله(صلی الله علیه و آله) يمسح وجهها بيده(1).

ص: 116


1- مناقب آل أبي طالب(علیهم السلام) 3: 333.

وحتى مشاركة المرأة للرجل في الأمور السياسية في عصر النبي(صلی الله علیه و آله) كانت واضحة من خلال بيعة النساء للنبي(صلی الله علیه و آله) يوم فتح مكة، فعند ما فرغ(صلی الله علیه و آله) من بيعة الرجال جاءت النساء إليه يبايعنه، فنزلت الآية الكريمة: «يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ يُبَايِعۡنَكَ عَلَىٰٓ أَن لَّا يُشۡرِكۡنَ بِٱللَّهِ شَيۡٔا وَلَا يَسۡرِقۡنَ وَلَا يَزۡنِينَ وَلَا يَقۡتُلۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ وَلَا يَأۡتِينَ بِبُهۡتَٰنٖ يَفۡتَرِينَهُۥ بَيۡنَ أَيۡدِيهِنَّ وَأَرۡجُلِهِنَّ وَلَا يَعۡصِينَكَ فِي مَعۡرُوفٖ فَبَايِعۡهُنَّ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُنَّ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُور رَّحِيم»(1).

فإنها نزلت يوم فتح مكة، وذلك أن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قعد في المسجد يبايع الرجال إلى صلاة الظهر والعصر، ثم قعد لبيعة النساء وأخذ قدحاً من ماء، فأدخل يده فيه، ثم قال للنساء:

«من أرادت أن تبايع فلتدخل يدها في القدح؛ فإني لا أصافح النساء».

ثم قرأ(صلی الله علیه و آله) عليهن ما أنزل الله من شروط البيعة عليهن، فقال: ««عَلَىٰٓ أَن لَّا يُشۡرِكۡنَ بِٱللَّهِ شَيۡٔا وَلَا يَسۡرِقۡنَ وَلَا يَزۡنِينَ وَلَا يَقۡتُلۡنَأَوۡلَٰدَهُنَّ

وَلَا يَأۡتِينَ بِبُهۡتَٰنٖ يَفۡتَرِينَهُۥ بَيۡنَ أَيۡدِيهِنَّ وَأَرۡجُلِهِنَّ وَلَا يَعۡصِينَكَ فِي مَعۡرُوفٖ فَبَايِعۡهُنَّ»(2)»(3).

ولعل الوجه في بيعة النساء مع أنهن لسن من أهل النصرة بالمحاربة، هو أخذ العهد عليهن بما يصلح من شأنهن في الدين والأنفس والأزواج.

ص: 117


1- سورة الممتحنة، الآية: 12.
2- سورة الممتحنة، الآية: 12.
3- تفسير القمي 2: 364.

بطولة المرأة

كان للنساء المسلمات أدوار عديدة ومهمة في التاريخ الإسلامي، كما في صدر الإسلام وخاصة في الحالات الضرورية، وقد استفاد النبي(صلی الله علیه و آله) من طاقات المرأة حتى في الحروب لكن بشكل يتناسب مع شأن المرأة كمداواة الجرحى، وربما كانت ترى المرأة ضرورة الخوض في المعركة، وذلك في الحالات الاضطرارية جداً للدفاع عن حريم الإسلام وشخص رسول الله(صلی الله علیه و آله).

ففي غزوة أحد قامت أم عمارة (نسيبة بنت كعب) بالدفاع عن النبي(صلی الله علیه و آله) في أحرج المواقف التي مرت خلال هذه الحرب، وكانت تصول وتجول بين يدي الرسول الأعظم(صلی الله علیه و آله) حتى قال عنها(صلی الله علیه و آله): «ما التفت يميناً وشمالاً إلّا وأنا أراها تقاتل دوني»(1). وحينما جرح ابنها عمارة في ذراعه ضمدتهاودفعته للقتال مرة أخرى، وهي تقول له: قم يا بني، فضارب القوم وجاهد في سبيل الله، فيلتفت إليها الرسول(صلی الله علیه و آله) قائلاً: «ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟»(2).

روي أنه: في معركة أحد لم يبق مع رسول الله(صلی الله علیه و آله) إلّا أبو دجانة سماك بن خرشة، وأمير المؤمنين(علیه السلام)، وكلما حملت طائفة على رسول الله(صلی الله علیه و آله) استقبلهم أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، فيدفعهم عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) ويقتلهم حتى انقطع سيفه، وبقيت مع رسول الله(صلی الله علیه و آله) نسيبة بنت كعب المازنية، وكانت تخرج مع رسول الله(صلی الله علیه و آله) في غزواته

ص: 118


1- شرح نهج البلاغة 14: 268.
2- شرح نهج البلاغة 14: 267.

تداوي الجرحى، وكان ابنها معها فأراد أن ينهزم ويتراجع فحملت عليه، فقالت: يا بني، إلى أين تفر عن الله وعن رسوله؟ فردته فحمل عليه رجل فقتله، فأخذت سيف ابنها، فحملت على الرجل فضربته على فخذه فقتلته، فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «بارك الله عليك يا نسيبة»(1).

وكانت تقي رسول الله(صلی الله علیه و آله) بصدرها وثدييها ويديها حتى أصابتها جراحات كثيرة(2).

ونظر رسول الله(صلی الله علیه و آله) إلى رجل من المهاجرين قدألقى ترسه خلف ظهره وهو في الهزيمة، فناداه: «يا صاحب الترس، ألق ترسك ومر إلى النار». فرمى بترسه، فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «يا نسيبة، خذي الترس». فأخذت الترس وكانت تقاتل المشركين، فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «لمقام نسيبة أفضل من مقام فلان وفلان وفلان»(3).

وفي شرح النهج: وكانت أم سعد بنت سعد بن الربيع تحدث، فتقول: دخلت عليها فقالت لها: يا خالة حدثيني خبرك؟ فقالت: خرجت أول النهار إلى اُحد، وأنا أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله) وهو في الصحابة والدولة والريح للمسلمين. فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله)، فجعلت أباشر القتال، وأذب عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) بالسيف، وأرمي بالقوس حتى

ص: 119


1- تفسير القمي 1: 115.
2- تفسير القمي 1: 115.
3- تفسير القمي 1: 115.

خلصت إليَّ الجراح، فرأيت على عاتقها جرحاً أجوف له غور. فقلت: يا أم عمارة، مَن أصابك بهذا؟ قالت: أقبل ابن قميئة - وقد ولى الناس عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) - يصيح: دلوني على محمد، لا نجوت إن نجا. فاعترض له مصعب بن عمير وناس معه، فكنت فيهم فضربني هذه الضربة. ولقد ضربته على ذلك ضربات، ولكن عدو الله كان عليه درعان. فقالت لها: يدك ما أصابها؟ قالت: أصيبت يوماليمامة، لما جعلت الأعراب تنهزم بالناس، نادت الأنصار: أخلصونا فأخلصت الأنصار، فكنت معهم حتى انتهينا إلى حديقة الموت، فاقتتلنا عليها ساعة حتى قتل أبو دجانة على باب الحديقة، ودخلتها وأنا أريد عدو الله مسيلمة، فيعرض لي رجل فضرب يدي فقطعها، فو الله، ما كانت ناهية ولا عرجت عليها حتى وقفت على الخبيث مقتولاً، وابني عبد الله بن يزيد المازني يمسح سيفه بثيابه. فقلت: أقتلته؟ قال: نعم. فسجدت شكرا لله عزّ وجلّ وانصرفت.

وقال الواقدي: وكان ضمرة بن سعيد يحدث عن جدته، وكانت قد شهدت أحداً تسقي الماء، قال: سمعت رسول الله(صلی الله علیه و آله) يقول يومئذ: «لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان». وكان يراها يومئذٍ تقاتل أشد القتال، وإنها لحاجزة ثوبها على وسطها حتى جرحت ثلاثة عشر جرحاً.

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: ليت الراوي لم يكنِ هذه الكناية وكان يذكرهما باسمهما، حتى لا تترامى الظنون إلى أمور مشتبهة، ومن أمانة المحدث أن يذكر الحديث على وجهه، ولا يكتم منه شيئاً، فما

ص: 120

باله كتم اسم هذين الرجلين(1).

أما العلامة المجلسي(رحمة الله) فقد علق على كلام ابن أبي الحديد فقال:

أقول: إن الراوي لعله كان معذوراً في التكنية باسم الرجلين تقية،وكيف كان يمكنه التصريح باسم صنمي قريش وشيخي المخالفين، الذين كانوا يقدمونهما على أمير المؤمنين(علیه السلام)، مع أن كنايته أبلغ من الصريح؛ إذ الظاهر أن الناس كانوا لا يبالون بذكر أحد من الصحابة بما كان واقعاً إلّا بذكرهما وذكر ثالثهما. وأما سائر بني أمية وأجداد سائر خلفاء الجور فلم يكونوا حاضرين في هذا المشهد في عسكر المسلمين، حتى يكنى بذكرهم تقية من أولادهم وأتباعهم، وقد تقدم في رواية علي بن إبراهيم ذكر الثالث أيضا معهما، وذكره كان أولى لأن فراره كان أعرض، وسيأتي القول في ذلك. انتهى كلام المجلسي(رحمة الله)(2).

إلى أن قال الواقدي: فلما حضرت نسيبة الوفاة كنت في من غسلها، فعددت جراحها جرحاً جرحاً فوجدتها ثلاثة عشر، وكانت تقول: إني لأنظر إلى ابن قميئة وهو يضربها على عاتقها، وكان أعظم جراحها لقد داوته سنة، ثم نادى منادي النبي(صلی الله علیه و آله) بعد انقضاء أحد إلى حمراء الأسد، فشدت عليها ثيابها فما استطاعت من نزف الدم، ولقد مكثنا ليلتنا نكمد الجراح حتى أصبحنا، فلما رجع رسول الله(صلی الله علیه و آله) من حمراء الأسد لم يصل إلى بيته، حتى أرسل إليها عبد الله بن كعب المازني يسأل عنها، فرجع إليه فأخبره بسلامتها فسر بذلك.

ص: 121


1- شرح نهج البلاغة 14: 265.
2- بحار الأنوار 20: 133.

قال الواقدي: وحدثني عبد الجبار بن عمارة بن غزية، قال: قالت أم عمارة: لقد رأيتني وانكشف الناس عن رسول الله(صلی الله علیه و آله)، فما بقي إلّا نفير ما يتمون عشرة، وأنا وأبنائي وزوجي بين يديه نذب عنه، والناس يمرون عنه منهزمين، فرآني ولا ترس معي ورأى رجلاً مولياً معه ترس، فقال: «يا صاحب الترس، ألق ترسك إلى من يقاتل». فألقى ترسه فأخذته، فجعلت أترس به على النبي(صلی الله علیه و آله)، وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل، ولو كانوا رجالة مثلنا أصبناهم، فيقبل رجل على فرس فضربني وترست له، فلم يصنع سيفه شيئاً وولى، وأضرب عرقوب فرسه فوقع على ظهره، فجعل النبي(صلی الله علیه و آله) يصيح: «يا ابن عمارة، أمك أمك». قالت: فعاونني عليه حتى أوردته شعوب.

قال الواقدي: وحدثني ابن أبي سبرة، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد المازني، قال: جرحت جرحاً في عضدي اليسرى، ضربني رجل كأنه الرقل، ولم يعرج عليَّ ومضى عني، وجعل الدم لا يرقأ، فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «اعصب جرحك». فتقبل أمي إليَّ ومعها عصائب في حقويها قد أعدتها للجراح، فربطت جرحي والنبي(صلی الله علیه و آله) واقف ينظر، ثم قالت: انهض يا بني فضارب القوم، فجعل رسول الله(صلی الله علیه و آله) يقول: «ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟». قالت: وأقبل الرجلالذي ضربني، فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «هذا ضارب ابنكِ». فاعترضت أمي له فضربت ساقه فبرك، فرأيت النبي(صلی الله علیه و آله) تبسم حتى بدت نواجذه، ثم قال: «استقدتِ يا أم عمارة». ثم أقبلنا نعلوه بالسلاح حتى أتينا على نفسه، فقال النبي(صلی الله علیه و آله): «الحمد

ص: 122

لله الذي ظفركِ، وأقر عينكِ من عدوكِ، وأراكِ ثأركِ بعينكِ»(1).

وفي رواية أخرى قال: والنبي(صلی الله علیه و آله) ينظر إليَّ ويتبسم، فنظر إلى جرح بأمي على عاتقها، فقال: «أمك أمك، اعصب جرحها، بارك الله عليكم من أهل بيت، لمقام أمك خير من مقام فلان وفلان، ومقام ربيبك - يعني زوج أمه - خير من مقام فلان، رحمكم الله من أهل بيت». فقالت أمي: ادع لنا الله يا رسول الله أن نرافقك في الجنة؟ فقال: «اللّهم اجعلهم رفقائي في الجنة». قالت: فما أبالي ما أصابني من الدنيا(2).

وقال الواقدي: وخرجت فاطمة(علیها السلام) في نساء وقد رأت الذي بوجه أبيها(صلی الله علیه و آله) فاعتنقته، وجعلت تمسح الدم عن وجهه، ورسول الله(صلی الله علیه و آله) يقول: «اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسوله»(3).وروى محمد بن إسحاق: أن علياً(علیه السلام) قال لفاطمة بيتي شعر، وهما:

أفاطم هاكِ السيف غير ذميم *** فلست برعديد ولا بلئيم

لعمري لقد جاهدت في نصر أحمد *** وطاعة رب بالعباد رحيم

وقال الواقدي: فلما أحضر علي(علیه السلام) الماء أراد رسول الله(صلی الله علیه و آله) أن يشرب منه فلم يستطع وقد كان عطشاً، ووجد ريحاً من الماء كرهها،

ص: 123


1- شرح نهج البلاغة 14: 266.
2- شرح نهج البلاغة 14: 269.
3- شرح نهج البلاغة 15: 35.

فقال: «هذا ماء آجن». فتمضمض منه للدم الذي كان بفيه ثم مجه. وغسلت فاطمة به الدم عن أبيها(صلی الله علیه و آله).

فخرج محمد بن مسلمة يطب مع النساء، وكن أربع عشرة امرأة قد جئن من المدينة يتلقين الناس، منهن فاطمة(علیها السلام) يحملن الطعام والشراب على ظهورهن، ويسقين الجرحى ويداوينهم.

قال الواقدي: قال كعب بن مالك: رأيت عائشة وأم سليم على ظهورهما القرب تحملانها يوم أحد، وكانت حمنة بنت جحش تسقي العطشى وتداوي الجرحى، فلم يجد محمد بن مسلمة عندهن ماء، ورسول الله(صلی الله علیه و آله) قد اشتد عطشه، فذهب محمد بنمسلمة إلى قناة ومعه سقاؤه حتى استقى من حسى قناة عند قصور التميميين اليوم، فجاء بماء عذب فشرب منه رسول الله(صلی الله علیه و آله) ودعا له بخير، وجعل الدم لا ينقطع من وجهه(صلی الله علیه و آله) وهو يقول: «لن ينالوا منا مثلها حتى نستلم الركن». فلما رأت فاطمة(علیها السلام) الدم لايرقأ وهي تغسل جراحه، وعلي(علیه السلام) يصب الماء عليها بالمجن، أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رماداً، ثم ألصقته بالجرح فاستمسك الدم، ويقال: إنها داوته بصوفة محرقة. وكان رسول الله(صلی الله علیه و آله) بعد يداوي الجراح الذي في وجهه بعظم بال حتى ذهب أثره، ولقد مكث يجد وهن ضربة ابن قميئة على عاتقه شهراً أو أكثر من شهر، ويداوي الأثر الذي في وجهه بعظم(1).

قال الواقدي: وخرجت السمداء بنت قيس إحدى نساء بني دينار،

ص: 124


1- شرح نهج البلاغة 15: 35.

وقد أصيب ابناها مع النبي(صلی الله علیه و آله) بأحد: النعمان بن عبد عمر، وسليم بن الحارث، فلما نعيا لها قالت: فما فعل رسول الله(صلی الله علیه و آله)؟

قالوا: بخير، هو بحمد الله صالح على ما تحبين.

فقالت: أرونيه أنظر إليه.فأشاروا لها إليه.

فقالت: كل مصيبة بعدك يا رسول الله جلل.

وخرجت تسوق بابنيها بعيراً تردهما إلى المدينة، فلقيتها عائشة.

فقالت: ما وراءكِ؟ فأخبرتها.

قالت: فمن هؤلاء معكِ؟

قالت: ابناي، حل حل(1) تحملهما إلى القبر(2).

الإمامة في الصلاة

ومما يدل على مكانة المرأة في الإسلام، أن رسول الله(صلی الله علیه و آله) جعلها إماماً لجماعة النساء في الصلاة، وكانت أول امرأة انتخبت لهذا المنصب المهم هي أم ورقة(3).

ص: 125


1- حل حل: كلمة زجر للبعير كي يتحرك.
2- شرح نهج البلاغة 15: 37.
3- انظر: تذكرة الفقهاء 4: 336، ووسائل الشيعة 8: 336 أم ورقة: هي بنت عبد الله بن الحارث بن عمير بن نوفل الأنصارية: ويقال لها بنت نوفل، فنسبت إلى جدها الأعلى، وهي التي استأذنت النبي(صلی الله علیه و آله) في الخروج إلى بدر وقالت: لعل الله يرزقني الشهادة، فقال له النبي(صلی الله علیه و آله): «اقعدي في بيتك، فإن الله سيهدي اليك الشهادة في بيتك» وكان رسول الله(صلی الله علیه و آله) يزورها ويسميها الشهيدة، وقد أمرها أن تؤم أهل دارها وأن تتخذ في دارها مؤذناً.

الحضور في ميادين العلم

وهناك الكثير من الشواهد التي تبين اهتمام الرسول(صلی الله علیه وآله) والأئمة الأطهار(علیهم السلام) بمكانة المرأة والتعامل معها كعنصر فعال في المجتمع، ومن ذلك وجوب طلب العلم عليها، حيث قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، فاطلبوه في مظانه، واقتبسوه من أهله؛ فإن تعليمه لله حسنة، وطلبه عبادة، والمذاكرة به تسبيح، والعمل به جهاد، وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة إلى الله تعالى»(1).

اتقوا اللّه في النساء

اشارة

وفي حديث الحولاء أنها قالت: يا رسول الله، صلى الله عليك، هذا كله للرجل؟!

قال: «نعم».

قالت: فما للنساء على الرجال؟

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «أخبرني أخي جبرئيل ولم يزل يوصيني بالنساء حتى ظننت أن لا يحل لزوجها أن يقول لها: أف.

يا محمد، اتقوا الله عزّ وجلّ في النساء؛ فإنهن عوان بين أيديكم، أخذتموهن على أمانات الله عزّ وجلّ ما استحللتم من فروجهن بكلمة الله وكتابه، من فريضة وسنة وشريعة محمد بن عبد الله، فإن لهن عليكم حقاً واجباً لما استحللتم من أجسامهن، وبما واصلتم منأبدانهن،

ص: 126


1- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر 2: 176.

ويحملن أولادكم في أحشائهن حتى أخذهن الطلق من ذلك. فأشفقوا عليهن، وطيبوا قلوبهن حتى يقفن معكم، ولا تكرهوا النساء، ولا تسخطوا بهن، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلّا برضاهن وإذنهن»(1).

وقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «أحسن الناس إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله، وأنا ألطفكم بأهلي»(2).

وقال(صلی الله علیه و آله): «فأي رجل لطم امرأته لطمة، أمر الله عزّ وجلّ مالكاً خازن النيران فيلطمه على حر وجهه سبعين لطمة في نار جهنم، وأي رجل منكم وضع يده على شعر امرأة مسلمة سمّر كفه بمسامير من نار»(3).

العلوية المزمنة

وهناك قصص عديدة تدل على مكانة المرأة المسلمة عند الله عزّ وجلّ، نشير إلى بعضها:

يذكر أنه: كانت في شارع دار الرقيق ببغداد جارية علوية، أقامت مزمنة نحو خمس عشرة سنة، وكان رجل يتفقدها ويبرها، وكانت مسجّاة لا تنقلب من جنب إلى جنب حتى تُقلب، ولا تقعد حتى تُقعد، وكان لها من يخدمها في ذلك، وكانت فقيرة لا قوت لها هيوخادمتها إلّا مما تبرها الناس. فلما مات الرجل اختل أمرها، فبلغ جارية الوزير المهلبي خبرها فكانت تقوم بأمرها، وأجرت عليها جراية في كل شهر،

ص: 127


1- مستدرك الوسائل 14: 252.
2- عيون أخبار الرضا(علیه السلام) 2: 38.
3- مستدرك الوسائل 14: 250.

وكسوة في كل سنة.

قال: فباتت ليلة من الليالي على حالها تلك، ثم أصبحت من غد وقد بُرئت ومشت، وقامت وقعدت. فقالت: إني ضجرت من نفسي ضجراً شديداً، فدعوت الله عزّ وجلّ طويلاً بالفرج مما أنا فيه أو بالموت، وبكيت بكاء متصلاً، وبت وأنا قلقلة متألمة ضجرة، وكان سبب ذلك: أن الخادمة تضجرت وخاطبتني بما ضاق منه صدري، فلما استثقلت في نومي دخل عليَّ رجل فارتعدت منه، وقلت: يا هذا، كيف تستحل أن تراني؟

فقال: «أنا أبوك». فظننته أمير المؤمنين(علیه السلام).

فقلت: يا أمير المؤمنين، ما ترى ما أنا فيه؟

فقال: «أنا أبوك محمد رسول الله».

فبكيت، وقلت: يا رسول الله، ادع لي بالعافية. قالت: فحرك(صلی الله علیه و آله) شفتيه بشيء لم أفهمه، ثم قال(صلی الله علیه و آله): «هاتي يديكِ». فأعطيته يدي، فأخذها وجذبني بهما فقمت.

فقال(صلی الله علیه و آله) لي: «امشي على اسم الله تعالى».

فقلت: كيف أمشي؟

فقال(صلی الله علیه و آله): «يديكِ»، فأخذهما وما زال يمشي وهمافي يديه ساعة. ثم أجلسني حتى فعل بي ذلك ثلاث مرات، ثم قال(صلی الله علیه و آله): «قد وهب الله عزّ وجلّ لك العافية فاحمديه واتقيه»، وتركني ومضى.

فانتبهت وأنا لا أشك أنه واقف لسرعة المنام، فصحت فظنت الجارية أني أريد قضاء الحاجة فتثاقلت.

ص: 128

فقلت: ويحكِ أسرجي السراج، فإني رأيت النبي(صلی الله علیه و آله). فانتبهت المرأة فوجدتني مسجاة فشرحت لها المنام.

فقالت: أرجو أن يكون الله عزّ وجلّ قد وهب لك العافية، هاتي يديكِ فأعطيتها يدي فأجلستني - ثم قالت لي - قومي. فقمت معها ومشيت متوكئة عليها، ثم جلست وفعلت ذلك ثلاث مرات، الأخيرة منهن مشيت وحدي، فصاحت الخادمة سروراً بالحال وإعظاماً لها، فقدّر الجيران أني قد متّ، فجاءوني فقمت ومشيت معهم.

قالوا: وما زالت قوتها تزيد وكانت من أصلح النساء وأورعهن في أهل زمانها، وقد زوجت من رجل علوي موسر، وصلحت حالها ولا تعرف إلّا بالعلوية المزمنة(1).

في مواجهة الطغاة

استأذنت سودة بنت عمارة بن الأسك الهمدانية على معاوية ابنأبي سفيان فأذن لها، فلما دخلت عليه.

قال: هيه يا بنت الأسك، أ لستِ القائلة يوم صفين:

شمر كفعل أبيك يا ابن عمارة *** يوم الطعان وملتقى الأقران

وانصر علياً والحسين ورهطه *** واقصد لهند وابنها بهوان

إن الإمام أخو النبي محمد *** علم الهدى ومنارة الإيمان

فَقِهِ الحتوف وسر أمام لواءه *** قدماً بأبيض صارم وسنان

قالت: أي والله، ما مثلي من رغب عن الحق أو اعتذر بالكذب.

ص: 129


1- الفرج بعد الشدة 1: 181-183.

قال لها: فما حملكِ على ذلك؟

قالت: حب علي(علیه السلام) وإتباع الحق... .

ثم قالت: إنك أصبحتَ للناس سيداً، ولأمرهم متقلداً، والله سائلك من أمرنا، وما افترض عليك من حقنا، ولا يزال يقدم علينا من ينوء(1) بعزك، ويبطش بسلطانك، فيحصدنا حصد السنبل، ويدوسنا دوس البقر، ويسومنا الخسيسة، ويسلبنا الجليلة، هذا بسر بن أرطاة قدم علينا من قبلك، فقتل رجالي، وأخذ مالي، يقول لي: فوهي بما استعصم الله منه والجأ إليه فيه، ولو لا الطاعة لكان فينا عزّ ومنعة، فأما عزلته عنا فشكرناك، وأما لا فعرفناك.فقال معاوية: أ تهدديني بقومك، لقد هممت أن أحملكِ على قتب أشرس، فأردكِ إليه ينفذ فيكِ حكمه.

فأطرقت تبكي ثم أنشأت تقول:

صلى الإله على جسم تضمنه *** قبر فأصبح فيه العدل مدفونا

قد حالف الحق لا يبغي به بدلاً *** فصار بالحق والإيمان مقرونا

قال لها: ومن ذلك؟

قالت: علي بن أبي طالب(علیه السلام).

قال: وما صنع بكِ حتى صار عندكِ كذلك؟

ص: 130


1- ينوء: أي ينهض.

قالت: قدمتُ عليه في رجل ولاه صدقتنا قدم علينا من قبله، فكان بيني وبينه ما بين الغث والسمين، فأتيت علياً(علیه السلام) لأشكو إليه ما صنع فوجدته قائماً يصلي، فلما نظر إليَّ انفتل من صلاته، ثم قال لي برأفة وتعطف: «أ لكِ حاجة؟».

فأخبرته الخبر، فبكى ثم قال: «اللّهم إنك أنت الشاهد عليَّ وعليهم، أني لم آمرهم بظلم خلقك، ولا بترك حقك». ثم أخرج من جيبه قطعة جلد كهيئة طرف الجواب، فكتب فيها: «بِسۡمِ

ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ * قَدۡ جَآءَتۡكُم بَيِّنَة مِّن رَّبِّكُمۡۖ فَأَوۡفُواْ ٱلۡكَيۡلَ وَٱلۡمِيزَانَ وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَأَشۡيَآءَهُمۡ»(1) «وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ * بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيۡر لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَۚ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِحَفِيظٖ»(2) إذا قرأت كتابي فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك، والسلام».

فأخذته منه، والله ما ختمه بطين، ولا خزمه بخزام، فقرأته.

فقال لها معاوية: لقد لمظكم ابن أبي طالب الجرأة على السلطان، فبطيئاً ما تفطمون - ثم قال - اكتبوا لها برد مالها، والعدل عليها.

قالت: أ لي خاص أم لقومي عام؟

قال: ما أنت وقومكِ؟

قالت: هي والله إذن الفحشاء واللؤم، إن لم يكن عدلاً شاملاً وإلّا فأنا كسائر قومي.

ص: 131


1- سورة الأعراف، الآية: 85.
2- سورة هود، الآية: 85-86.

قال: اكتبوا لها ولقومها(1).

معاوية وسجن النساء

لما قُتل علي بن أبي طالب(علیه السلام)، بعث معاوية في طلب شيعته، فكان في من طلب عمرو بن الحمق الخزاعي، فراغ منه فأرسل إلى امرأته آمنة بنت الشريد، فحبسها في سجن دمشق سنتين، ثم إن عبد الرحمن بن الحكم ظفر بعمرو بن الحمق في بعض الجزيرة فقتله، وبعث برأسه إلى معاوية، وهو أول رأس حمل فيالإسلام، فلما أتى معاوية الرسول بالرأس بعث به إلى آمنة في السجن، وقال للحرسي: احفظ ما تتكلم به حتى تؤديه إليَّ، واطرح الرأس في حجرها.

ففعل هذا، فارتاعت له ساعة، ثم وضعت يدها على رأسها، وقالت: وا حزنا لصغره في دار هوان، وضيق من ضيمه سلطان، نفيتموه عني طويلاً وأهديتموه إليَّ قتيلاً، فأهلاً وسهلاً بمن كنت له غير قالية، وأنا له اليوم غير ناسية. ارجع به أيها الرسول إلى معاوية فقل له - ولا تطوه دونه - : أيتم الله ولدك، وأوحش منك أهلك، ولا غفر لك ذنبك.

فرجع الرسول إلى معاوية فاخبره بما قالت، فأرسل إليها فأتته وعنده نفر فيهم أياس بن حسل، أخو مالك بن حسل، وكان في شدقيه نتوء(2)عن فيه، لعظم كان في لسانه، وثقل إذا تكلم.

فقال لها معاوية: أأنتِ يا عدوة الله صاحبة الكلام الذي بلغني؟!

قالت: نعم، غير نازعة عنه، ولا معتذرة منه، ولا منكرة له،

ص: 132


1- بلاغات النساء: 47.
2- نتوء: انتفاخ.

فلعمري لقد اجتهدت في الدعاء إن نفع الاجتهاد، وأن الحق لمن وراء العباد، وما بلغت شيئاً من جزائك، وأن الله بالنقمة من ورائك. فأعرض عنها معاوية.

فقال أياس: أقتل هذه يا أمير...، فو الله ما كان زوجها أحق بالقتل منها.فالتفتت إليه، فلما رأته ناتئ الشدقين، ثقيل اللسان، قالت: تباً لك، ويلك بين لحيتيك كجثمان الضفدع، ثم أنت تدعوه إلى قتلي كما قتل زوجي بالأمس، «إِن تُرِيدُ إِلَّآ أَن تَكُونَ جَبَّارا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِينَ»(1).

فضحك معاوية، ثم قال: لله دركِ أُخرجي، ثم لا أسمع بكِ شيء من الشام.

قالت: وأبي لأخرجن، ثم لا تسمع لي في شيء من الشام، فما الشام لي بحبيب، ولا أُعرج فيها على حميم، وما هي لي بوطن، ولا أحن فيها إلى سكن، ولقد عظم فيها ديتي، وما قرت فيها عيني، وما أنا فيها إليك بعائدة، ولا حيث كنت بحامدة.

فأشار إليها ببنانه أُخرجي، فخرجت وهي تقول: وا عجبي لمعاوية، يكف عني لسانه، ويشير إليَّ الخروج ببنانه، أما والله ليعارضنه عمرو بكلام مؤيد سديد، أوجع من نوافذ الحديد، أو ما أنا بابنة الشريد(2).

ص: 133


1- سورة القصص، الآية: 19.
2- بلاغات النساء: 87.

ماذا تقول لربك يا معاوية؟

يذكر أن امرأة دخلت على معاوية كأنها قلعة ومعها جاريتان لها، ... ثم قالت: الحمد لله يا معاوية الذي خلق اللسان، فجعل فيه البيان، ودل به على النعم، وأُجري به القلم، في ما أُبرم وحتم، ودرأوبرأ، وحكم وقضا، صرف الكلام باللغات المختلفة على المعاني المتفرقة، ألفها بالتقديم والتأخير، والأشباه والمناكر، والموافقة والتزايد، فأدته الآذان إلى القلوب، وأدته القلوب إلى الألسن، بالبيان استدل به على العلم، وعُبد به الرب، وأُبرم به الأمر، وعُرفت به الأقدار، وتمت به النعم، فكان من قضاء الله وقدره أن قربت زياداً، وجعلت له بين آل سفيان نسباً، ثم وليته أحكام العباد، يسفك الدماء بغير حلها ولا حقها، ويهتك الحرم بلا مراقبة الله فيها، خؤون غشوم، كافر ظلوم، يتخير من المعاصي أعظمها، لا يرى لله وقاراً، ولا يظن أن له معاداً، وغداً يعرض عمله في صحيفتك، وتوقف على ما اجترم بين يدي ربك، ولك برسول الله(صلی الله علیه و آله) أسوة، وبينك وبينه صهر، فلا الماضين من أئمة الهدى اتبعت، ولا طريقتهم سلكت، جعلت عبد ثقيف على رقاب أمة محمد(صلی الله علیه و آله) يدبر أمورهم، ويسفك دماءهم، فماذا تقول لربك يا معاوية، وقد مضى من أجلك أكثره، وذهب خيره، وبقي وزره.

إني امرأة من بني ذكوان، وثب زياد المدعى إلى أبي سفيان، على ضيعتي التي ورثتها عن أبي وأمي، فغصبنيها وحال بيني وبينها، وقتل من نازعه فيها من رجالي، فأتيتك مستصرخة، فإن أنصفت وعدلت، وإلّا وكلتك وزياد إلى الله عزّ وجلّ، فإن تبطل ظلامتي عندك ولا

ص: 134

عنده، والمنصف لي منكما حكم عدل.فبهت معاوية ينظر إليها متعجباً من كلامها، ثم قال: ما لزياد لعن الله زياداً، فإنه لا يزال يبعث على مثالبه من ينشرها، وعلى مساويه من يثيرها. ثم أمر كاتبه بالكتاب إلى زياد يأمره بالخروج إليها من حقها(1).

الإسلام رفع شأن المرأة

والخلاصة: إن الإسلام بكتابه الكريم وسنة نبيه(صلی الله علیه و آله)وسيرة أهل بيته الطاهرين(علیهم السلام) أجلَّ شأن المرأة وبيّن مسؤولياتها، وضمن لها مكانتها العالية ودورها السامي في المجتمع التي حباها الله تعالى بها، وأراد لها العزة والرفعة، وعمل على استنقاذها من الظلم والحيف الذي وقع عليها سابقاً وسيقع لاحقاً. ومنع استغلالها كوسيلة لإشباع الشهوات والرغبات، وسعى في وضعها في مكانتها اللائقة الكريمة التي أكرمها الله بها، من حيث إنها تتساوى في الإنسانية مع الرجل، كما قال الله تعالى: «يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ»(2).

وفي الدعاء:

«اللّهم ارزقنا توفيق الطاعة، وبُعد المعصية، وصدق النية، وعرفانالحرمة، وأكرمنا بالهدى والاستقامة، وسدد ألسنتنا بالصواب والحكمة، واملأ قلوبنا بالعلم والمعرفة... واغضض أبصارنا عن الفجور

ص: 135


1- بلاغات النساء: 90.
2- سورة الحجرات، الآية: 13.

والخيانة، واسدد أسماعنا عن اللغو والغيبة، وتفضل على علمائنا بالزهد والنصيحة، وعلى المتعلمين بالجهد والرغبة، وعلى المستمعين بالاتباع والموعظة، وعلى مرضى المسلمين بالشفاء والراحة، وعلى موتاهم بالرأفة والرحمة، وعلى مشايخنا بالوقار والسكينة، وعلى الشباب بالإنابة والتوبة، وعلى النساء بالحياء والعفة، وعلى الأغنياء بالتواضع والسعة، وعلى الفقراء بالصبر والقناعة...»(1).

من هدي القرآن الحكيم

نساء صالحات

قال سبحانه: «إِذۡ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ عِمۡرَٰنَ رَبِّ إِنِّي نَذَرۡتُ لَكَ مَا فِي بَطۡنِي مُحَرَّرا فَتَقَبَّلۡ مِنِّيٓۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ»(2).

وقال عزّ وجلّ: «وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱمۡرَأَتَ فِرۡعَوۡنَ إِذۡ قَالَتۡ رَبِّ ٱبۡنِ لِي عِندَكَ بَيۡتا فِي ٱلۡجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرۡعَوۡنَ وَعَمَلِهِۦ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ»(3).

وقال تعالى: «وَٱمۡرَأَتُهُۥ قَآئِمَة فَضَحِكَتۡ فَبَشَّرۡنَٰهَا بِإِسۡحَٰقَ وَمِنوَرَآءِ إِسۡحَٰقَ يَعۡقُوبَ»(4).

وقال سبحانه: «وَٱمۡرَأَة مُّؤۡمِنَةً إِن وَهَبَتۡ نَفۡسَهَا لِلنَّبِيِّ»(5).

ص: 136


1- المصباح للكفعمي: 280.
2- سورة آل عمران، الآية: 35.
3- سورة التحريم، الآية: 11.
4- سورة هود، الآية: 71.
5- سورة الأحزاب، الآية: 50.

نساء غير صالحات

قال عزّ وجلّ: «ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمۡرَأَتَ نُوحٖ وَٱمۡرَأَتَ لُوطٖۖ كَانَتَا تَحۡتَ عَبۡدَيۡنِ مِنۡ عِبَادِنَا صَٰلِحَيۡنِ»(1).

وقال جلّ وعلا: «وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبۡل مِّن مَّسَدِۢ»(2).

المرأة والزواج

قال الله تعالى: «وَأَنكِحُواْ ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰلِحِينَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وَإِمَآئِكُمۡۚ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغۡنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيم»(3).

وقال سبحانه: «وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّة

وَرَحۡمَةًۚ»(4).

وقال عزّ وجلّ: «وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلا مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَٰجا وَذُرِّيَّةۚ»(5).

وقال جلّ وعلا: «وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةۚ»(6).وقال الله تعالى: «ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡۚ»(7).

ص: 137


1- سورة التحريم، الآية: 10.
2- سورة المسد، الآية: 4-5.
3- سورة النور، الآية: 32.
4- سورة الروم، الآية: 21.
5- سورة الرعد، الآية: 38.
6- سورة النساء، الآية: 4.
7- سورة النساء، الآية: 34.

تعدد الزوجات والعدالة

قال سبحانه: «وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِي ٱلۡيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً»(1).

الحجاب واجب للمرأة المسلمة

وقال عزّ وجلّ: «يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يُعۡرَفۡنَ فَلَا يُؤۡذَيۡنَۗ»(2).

من هدي السنّة المطهّرة

في فضل المرأة

قال أمير المؤمنين(علیه السلام): «يا بني...، ولا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها؛ فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة»(3).

وقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «إن من خير نسائكم الولود الودود، الستيرة العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرجة مع زوجها... التي تسمع قوله وتطيع أمره»(4).

وقال(صلی الله علیه و آله): «لا تحملوا النساء أثقالكم واستغنوا عنهنما استطعتم...»(5).

وقال أمير المؤمنين(علیه السلام): «جهاد المرأة حسن التبعل»(6).

ص: 138


1- سورة النساء، الآية: 3.
2- سورة الأحزاب، الآية: 59.
3- نهج البلاغة، الكتب الرقم: 31، من وصية له(علیه السلام) يوصي بها الإمام الحسن(علیه السلام).
4- من لا يحضره الفقيه 3: 389.
5- غرر الحكم ودرر الكلم: 764.
6- الكافي 5: 9.

وقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «أفضل نساء أمتي أصبحهن وجهاً وأقلهن مهراً»(1).

نساء صالحات

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلّا أربع: آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد»(2).

وقال(صلی الله علیه و آله): «إن الله تبارك تعالى... اختار من النساء أربعاً: مريم وآسية وخديجة وفاطمة»(3).

المرأة والزواج

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «الدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة»(4).

وقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة ولو بالسقط»(5).وقال أمير المؤمنين(علیه السلام): «تزوجوا فإن رسول الله(صلی الله علیه و آله) كثيراً ما كان يقول: من كان يحب أن يتبع سنتي فليتزوج فإن من سنتي التزويج»(6).

وقال الإمام الرضا(علیه السلام): «ولو لم يكن في المناكحة والمصاهرة آية

ص: 139


1- الكافي 5: 324.
2- تفسير مجمع البيان 10: 65.
3- الخصال 1: 225.
4- النوادر للراوندي: 35.
5- بحار الأنوار 100: 220.
6- الخصال 2: 614.

محكمة ولا سنة متبعة ولا أثر مستفيض، لكان في ما جعل الله من بر القريب، وتأليف القلوب، ... ما يرغب في دونه العاقل اللبيب، ويسارع إليه الموفق المصيب...»(1).

المرأة في الإسلام

قال الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام): «خير نسائكم الخمس». قيل: يا أمير المؤمنين وما الخمس؟ قال: «الهينة اللينة المواتية، التي إذا غضب زوجها لم تكتحل بغمض حتى يرضى، والتي إذا غاب زوجها حفظته في غيبته، فتلك عامل من عمال الله...»(2).

وقال الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام): «كنت قاعداً في البقيع مع رسول الله(صلی الله علیه و آله) في يوم دجن ومطر، إذ مرت امرأة على حمار فهوت يد الحمار في وهدة فسقطت المرأة، فأعرض النبي(صلی الله علیه و آله) بوجهه، قالوا: يا رسول الله، إنها متسرولة؟ قال: اللّهم اغفر للمتسرولات - ثلاثاً - يا أيها الناس، اتخذوا السراويلات فإنها منأستر ثيابكم، وحصنوا بها نساءكم إذا خرجن»(3).

وقال(علیه السلام): «صيانة المرأة أنعم لحالها وأدوم لجمالها»(4).

ص: 140


1- الكافي 5: 373.
2- الكافي 5: 325.
3- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر 2: 78.
4- غرر الحكم ودرر الكلم: 418.

المرأة في المجتمع المعاصر

مريم البتول(علیها السلام)

اشارة

قال الله تبارك وتعالى: «وَٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلۡنَٰهَا وَٱبۡنَهَآ ءَايَة لِّلۡعَٰلَمِينَ»(1).

لقد جاءت هذه الآية الكريمة المباركة في سياق ذكر الأنبياء والصديقين(علیهم السلام)(2)، والتي خصت بمحتواها نبأ السيدة مريم(علیها السلام) وهي ابنة عمران أم المسيح(علیه السلام)، وكفاها فخراً أن يدخل ذكرها في ذكر الأنبياء(علیهم السلام) في كلامه تعالى وهي ليست منهم.

نعم، تعتبر السيدة مريم(علیها السلام) نموذجاً ومُثلاً عظيماً من النساء خلد ذكرها القرآن الكريم، وذلك لما تمتعت به من صفات مباركة وسيرة صالحة، وقد عانت الكثير حين ولدت نبي الله السيدالمسيح (على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام) بطريقة إعجازية غير ما جرت به القوانين المتعارفة والسنن الكونية المألوفة.

وكان من أشهر ألقابها: البتول، وهي المنقطعة عن الرجال والنكاح

ص: 141


1- سورة الأنبياء، الآية: 91.
2- حيث ورد في سياق السورة المباركة ذكر الأنبياء: داود وسليمان وأيوب وإسماعيل وإدريس وذو الكفل وذو النون وزكريا ويحيى وعيسى (على نبينا وآله وعليهم السلام).

والتزويج، أو هي المنقطعة إلى الله بالعبادة(1).

معجزة مريم وابنها‘

ولتوضيح الآية الشريفة نقول - بإيجاز - : «وَ» أي: اذكر يا رسول الله(صلی الله علیه و آله) المرأة «ٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا» أي: حفظت نفسهاعن الفساد، وهذا لرد اليهود الذين قالوا فيها شراً. والفرج في اللغة العربية بمعنى مقدم الثوب؛ فإن الناس رجالاً ونساءً كانوا يجعلون في أطراف ثيابهم فرجاً، وهو ما تعورف عليه عند أهل البادية، حيث يجعلون تحت اليدين فرجة من اليمين وفرجة من اليسار؛ ولذا سمي مقدم الثوب فرجاً (من الانفراج). فيا رسول الله اذكر - في هذا الكتاب - مريم الصديقة(علیها السلام) أم عيسى التي أحصنت فرجها، يعني حفظت ثوبها، وهذا كناية عن العفة؛ لأنها حفظت ثوبها من الزنا، وهذا مدح لها بالعفة والصيانة، وردّ لما أتهمها به اليهود.

وهنا لا بد أن نذكر أن على النساء الإقتداء بالسيدة مريم(علیها السلام) في كيفية

ص: 142


1- قال العلامة فخر الدين الطريحي في (مجمع البحرين): قوله تعالى: «وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلا» - سورة المزمل، الآية: 8 - أي: انقطع إلى الله تعالى وانفرد. والتبتل: الانقطاع إلى الله تعالى وإخلاص النية. وأصل ذلك من البتل وهو القطع، كأنه قطع نفسه عن الدنيا. يقال: بتلت الشيء أبتِله بالكسر، إذا قطعته وأبنته من غيره. وفي الخبر: «لا رهبانية ولا تبتل في الإسلام». أراد بالتبتل: الانقطاع عن الدنيا وترك النكاح. والبتول كرسول: العذراء المنقطعة عن الأزواج. ويقال: هي المنقطعة عن الدنيا. والبتول: فاطمة الزهراء بنت رسول الله(صلی الله علیه و آله). قيل: سميت بذلك لانقطاعها إلى الله، وعن نساء زمانها ونساء الأمة فعلاً وحسباً وديناً. وفي الرواية وقد سئل(صلی الله علیه و آله): إنا سمعناك يا رسول الله تقول: «إن مريم بتول، وإن فاطمة بتول» ما البتول؟ فقال: «البتول التي لم تر حمرة قط». وبجميع ما ذكرناه وردت الرواية عنهم(علیهم السلام). انظر: مجمع البحرين 5: 316 مادة (بتل).

وطريقة الحجاب التي أمر الله بها، وهكذا الإقتداء بالنساء الطاهرات من أهل البيت(علیهم السلام) كالصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء(علیها السلام)، والسيدة زينب(علیها السلام)، وسائر أمهات المعصومين(علیهم السلام) وبناتهم وأخواتهم ومن أشبه، حيث يلزم عليهن الاحتياط والدقة في الحجاب والتحفظ، بأن لا يرى الرجل يدها ولا شعرها ولا قدميها، وهذا التحفظ من لوازم العفة - والحمد لله ما أكثر النساء المؤمنات العفيفات اللواتي يحتطن في هذا الأمر - .

كما عليهن أن ينصحن الأخريات في الالتزام بما قد يغفلن عنه، أو لا يشعرن بما يصدر منهن من تصرفات تنافي عفة المرأة وكرامتها. والسيدة مريم(علیها السلام) كانت قد أحصنت فرجها، يعني أنها كانتمنذ صغرها متحفظة، ومحافظة على نفسها وعلى ثوبها وعلى وجهها وعلى شعرها وعلى يدها وعلى رجلها.

وفي الآية الكريمة إشارة - أيضاً - إلى مسؤولية الفتيات المؤمنات بوجوب مراعاة الحجاب من أجل حماية الدين والمجتمع.

أما قوله تعالى: «فَنَفَخۡنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا» فإن النافخ كان جبرائيل(علیه السلام)، لكنه حيث كان بأمر الله تعالى، نُسب النفخ إليه تعالى، والروح أضيف إليه سبحانه تشريفاً(1)، كإضافة البيت إليه، وقد كان النفخ في جيب ثوبها، وتكوّن من ذلك النفخ السيد المسيح(علیه السلام)، والضمير هنا وهو (الهاء) يعود إلى البتول مريم(علیها السلام)، والنفخ فيها من الروح كناية ودلالة واضحة على عدم استناد ولادة عيسى(علیه السلام) إلى العادة

ص: 143


1- أي: روح خلقها الله عزّ وجلّ وتشرفت بخلقه لها.

الجارية والمتعارفة عند البشر في حالة الإنجاب، من تطور النطفة أولاً ثم نفخ الروح فيها، فإذا لم يكن هناك نطفة لم يبق سوى نفخ الروح فيها، وهي الكلمة الإلهية كما قال الله تعالى: «إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٖ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ»(1) أي كلاهما - آدم وعيسى‘ - استغنيا عن النطفة المتعارفة عند البشر.وقوله «مِن رُّوحِنَا» من قبيل (الإضافة التشريفية) فيقال: بيت الله يعنى مكة المكرمة، فلا يقصد منه أن الله يسكن في هذا البيت، بل: إضافة البيت إلى الله إضافة تشريفية، وكذلك حينما نقول: (علي ولي الله)، فإضافة علي(علیه السلام) إلى الله تعالى تشريف لعلي(علیه السلام)(2)، أو في الآية الكريمة: «نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقۡيَٰهَا»(3)، فإن كل النوق هي من خلق الله وهي ملك الله، فلا خالق ولا مالك حقيقي في هذا الكون غير الله، لكن الإضافة هنا أيضاً تشريفية. كذلك عندما نقول: (أشهد أن محمداً عبده ورسوله) فإن أكبر مقامات التشريف وأعظمها درجة عند الله تعالى هي العبودية الحقة، وإن كمال العبودية وتمامها درجة لا ينالها إلّا المصطفون من الأنبياء والرسل(علیهم السلام) وعلى رأسهم نبينا محمد(صلی الله علیه و آله)، وإلّا فكلنا عباد الله حتى الشيطان والكافر والفاسق فكلهم عباد الله وإن لم يلتزموا بمقتضيات العبودية ولم يرعوا حق المولوية.

على هذا الأساس لما أراد الله أن يشرف عيسى ومريم‘ ذكرهما في

ص: 144


1- سورة آل عمران، الآية: 59.
2- أي أنه ولي من الله عزّ وجلّ.
3- سورة الشمس، الآية: 13.

هذه الآية المباركة: «فَنَفَخۡنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا» وقد ورد في معنى النفخ قولان:

الأول: إن الله تعالى أجرى روح المسيح بن مريم(علیه السلام) كمايجري الهواء بالنفخ، فتكون إضافة الروح إلى الباري عزّ وجلّ إضافة تشريفية لإظهار منزلة عيسى(علیه السلام) ومقامه عند الله.

الثاني: إن الله تعالى أمر جبرائيل(علیه السلام) فنفخ في جيب مريم(علیها السلام) بإذن الله تعالى فصار المسيح(علیه السلام) في رحمها.

«وَجَعَلۡنَٰهَا» أي: جعلنا مريم «وَٱبۡنَهَآ» المسيح «ءَايَة لِّلۡعَٰلَمِينَ» أي: دلالة على وجود الله وقدرته، والمراد ب-«ءَايَة» الجنس، فلا يقال: أنهما آيتان، يعني: جعلنا مريم(علیها السلام) وجعلنا عيسى(علیه السلام) آية ومعجزة وعلامة لكل أهل الأرض؛ لأن العالم ما شهد ولا رأى قبل عيسى(علیه السلام) إنساناً يولد من امرأة بكر لم يمسها بشر، فهو خلق من الأم فقط بدون أن يكون هناك أب(1).

نعم، هذه معجزة؛ لأن الناس ومنذ أن خلق آدم وحواء إلى عيسى لم يسمعوا بأن أحداً خلق من غير أب سوى آدم وحواء، فإن الله تعالى خلقهما من غير أبوين.

وهذه المعجزة التي يذكرها القرآن الحكيم ويمدح السيدة مريم(علیها السلام) ويبين مكانتها في المجتمع وأنها (آية) إلى الله عزّ وجلّ ودلالة عليه، تعطي دوراً مهماً للمرأة وتنسب إليها مهام ومسؤوليات في سبيل الخير

ص: 145


1- انظر: تفسير مجمع البيان 7: 111، وتفسير تقريب القرآن 3: 568.

والفضيلة والدلالة على الله سبحانه؛لأن الإسلام لا يجعل من المرأة آلة أو أداة لإشباع الغريزة وتقديم الخدمة، بل منحها وقلدها دوراً مهماً في الحياة، من أجل إيجاد مجتمع تربوي صالح، ومن هذا المنطق نبحث في موضوع المرأة في الرؤية الإسلامية بإيجاز.

لمحة عن حياة المرأة عبر التاريخ

نبتدئ بلمحة مختصرة عما جرى على المرأة عبر التاريخ وقبل بزوغ شمس الإسلام...

مروراً بالأمم غير المتمدنة...

ثم حياة المرأة في الأمم المتمدنة قبل الإسلام...

ثم المرحلة الذهبية التي طرأ عليها من تغير وتطور وعزّ واحترام وضمان لجميع الحقوق في فجر الإسلام...

ثم حياة المرأة من خلال ما يسمى بالمدنية والحضارة الغربية، ولو مروراً سريعاً، حتى تتبلور لدينا فكرة واضحة عن دور الإسلام العميق الذي أعطى للمرأة مكانتها ومنزلتها، تلك المنزلة السامية، والدرجة الرفيعة والمكانة المرموقة في داخل المجتمع، وأعطاها كامل حقوقها الإنسانية وحافظ على شخصيتها وشرفها.

فعند ملاحظة حياة المرأة في الأمم غير المتمدنة، كالأمم التي كانت قاطنة في بعض مناطق أفريقيا، واستراليا، والجزائر البعيدة،وأمريكا القديمة وغيرها، نجد أن حياة النساء في هذه الأمم بالنسبة إلى حياة الرجال كانت كحياة الحيوانات الداجنة التي تربى في الحقول والمزارع والبيوت؛ إذ كان الرجل يتصرف بها كما يتصرف الإنسان بالحيوان

ص: 146

وكيف ما يشاء، فكما يستفاد من الحيوانات من شعرها ووبرها ولحمها وعظمها ودمها وجلدها وحليبها وحراستها وفي حمل الأثقال وفي الحرث وفي الصيد، إلى غير ذلك من احتياجات الإنسان الحياتية والمعيشية الكثيرة، كذلك كانت نفس النظرة بالنسبة للمرأة! حيث كانت موضعاً لقضاء حاجاته ورغباته وآلة بيده ليس إلّا، دون ملاحظة إنسانيتها ومشاعرها وآمالها وآلامها ورغباتها.

فكان للرجل المتسلط عليها كالأب أو الزوج أو الأخ الأقوى أن يبيعها، أو يهبها، أو يقرضها للخدمة أو الفراش أو الإستيلاد، أو لأي غرض من أغراض الإقراض. بل كان له الحق في أن يقتلها، أو يتركها تموت من الجوع، أو حتى يأكلها، إن رغب أو اضطر لذلك.

وما كان على المرأة في هذه المجتمعات إلّا أن تطيع وتنفذ الأوامر، فهي لم تكن تخدم في البيت وتربي الأولاد وما أشبه من احتياجات الأسرة فقط، بل كانت تكلف وتجبر على القيام بأعمال شاقة فوق قدرتها وطاقتها، كإعداد الطين للبناء وغير ذلك من الحرف والصناعات التي تشق على الرجال فكيف بالنساء.أما حياتها في الأمم المتمدنة التي كانت قبل الإسلام فلم تكن بأحسن كثيراً منها في الأمم السابقة؛ فهي ليست ذات استقلال وحرية، لا في إرادتها ولا في أعمالها، وتعاني من عدم احترامها كزوجة لها شخصيتها ومكانتها وإنسانيتها؛ إذ ليس لها استقلالية وحرية في قرار يختص بها فضلاً عن غيرها.

وبالمقابل كان عليها أن تتحمل المعاناة والمصاعب في جميع مرافق

ص: 147

الحياة من كسب وكدٍّ وأعمال قاسية وصعبة - خاصة من ناحية بنيتها الجسمية - وغير ذلك، فلم يكن عليها أن تختص بأمور البيت والأولاد، بل كان عليها أن تطيع الرجل في جميع ما يأمرها ويريد منها، حتى إذا لم ترغب بذلك وكان فوق طاقتها.

وكان يمكن لعدة رجال أن يتزوجوا امرأة واحدة يشتركون في التمتع بها، ويلحق أولادها بأقواهم.

أما في أيام حيضها ودورتها الشهرية كان عليها أن تتحمل كل أنواع الازدراء والنفور، حيث يجب عليها أن تنفرد عن عائلتها بأكلها وشربها؛ فهي نجسة خبيثة في نظرهم.

ومما يذكر عن حال المرأة تحت ظل ما عرف بشريعة حمورابي(1):إن المرأة كانت تابعة للرجل بكافة أمورها دون أي استقلال؛ إذ أن الزوجة التي لم تُطع زوجها، أو استقلت بعمل معين دون موافقته، كان يحق للرجل أن يطردها من بيته، أو يتزوج عليها زوجة أخرى، وتعامل الأولى كملك يمين، بل كان لزوجها الحق في قتلها إن أخطأت في بعض

ص: 148


1- حمورابي: ملك البابليين عام (1792-1750 ق.م) صاحب الشريعة البابلية الشهيرة، بلغت المملكة البابلية أوج عظمتها في عهده، بعد حروب عدة نجح في إخضاع دويلات ما بين النهرين، اشتهر حمورابي بالحكمة وكان يلتجأ إليه في المظالم. يعتبر البعض شريعة حمورابي أول شريعة حاولت تحديد المسؤولية الجنائية في عالم كانت تتحكم فيه شريعة الغاب أو مزاجية الحاكم واستبداده، لذا اعتبروا تشريعاته أول قانون جنائي في تاريخ الإنسانية. كتب حمورابي كتباً كثيرة تخص المعابد وإدارة شؤونها، وأعظم ما خلده التاريخ وأذاع شهرته المسلة القانونية المعروفة بمسلة حمورابي، التي يبلغ سمكها ثمانية أقدام وهي من الحجر الأسود، وقد نقش عليها بالخط المسماري الشرائع السومرية القديمة.

شؤون المنزل بإغراقها في الماء. لذا كان للرجل أن يمسكها متى أراد، ويتركها متى شاء، وما عليها إلّا تنفيذ أوامر الرجل.

وكذلك هو حال المرأة السومرية(1)شأنها كسابقتها من ناحية المعاملة الفَظة والغليظة، والتعامل على أساس أنها تابعة للرجل في كلشيء، وما خلقت إلّا لإسعاده.

أما المرأة في بلاد الروم، فهي الأخرى لم تكن بأفضل حال، وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن الروم من أقدم الأمم وضعاً للقوانين المدنية، نلاحظ أنها وضعت بعض القوانين التي تخص البيت والأسرة. وجعلت لرب البيت - الزوج أو الأب - نوع ربوبية وسلطة شبه مطلقة على ذويه، فقد كان يعبده أهل بيته، وله الاختيار التام والمشيئة النافذة في جميع أمور العائلة من زوجة وأولاد حتى القتل لو رأى أن الصلاح فيه، ولا يعارضه في ذلك معارض. وكانت تعتبر النساء أدنى مرتبة من كل الرجال في العائلة حتى من الأبناء التابعين، فلا تسمع لهن شكوى، ولا تنفذ لهن معاملة. ولم تكن المرأة تعتبر جزءاً أصيلاً في البيت، بل هي تبع، والقرابة الرسمية المعتبرة في التوارث ونحوه مختصة بما بين الرجال من علاقة، وأما النساء فلا. وكان بيد الرجل زمام حياتها يفعل بها ما يشاء، فربما باعها أو وهبها، أو ربما أقرضها للتمتع، وربما أعطاها في سداد دَين عليه أو خراج ونحوهما، وربما ساسها بقتل أو ضرب أو

ص: 149


1- قامت حضارة سومر القديمة على مجرى نهري دجلة والفرات وتأسست فيها المدن السومرية القديمة، وهي من أولى الحضارات التي عرفها التاريخ ذا سعة شاملة، وهي من أعظمها ابداعاً وإنشاءً.

غيرهما.

ومما يدل على امتهان كرامة المرأة ما ظهر - بشكل واضح - في مجتمع الروم من مظاهر الفسق والفجور، جعل المرأة ألعوبة بيد الرجل يقضي منها حاجته، فكثرت الدعارة والفحشاء، وزينت البيوت بصور ورسوم كلها دعوة سافرة إلى الفجور، وأصبحت المسارحمظاهر للخلاعة والتبرج الممقوت.

والمرأة اليونانية، أيضاً وضعها كان قريباً من وضع المرأة عند الروم.

أما المرأة الصينية، فاعتبرها القانون الصيني تابعة للرجل، تنفذ أوامره وتقضي حاجته، ولا ميراث لها. وزواج المرأة كان نوعاً من استعبادها، وكانت لا تشارك زوجها ولا أبناءها الغذاء، بل عليها أن تجلس جانباً لوحدها، كما يحق لمجموعة من الرجال أن يتزوجوا امرأة واحدة يشتركون في التمتع بها والاستفادة من أعمالها.

وكان قدماء المصريين يعاملون المرأة معاملة حقيرة شأنها شأن الخدم، وللرجل أن يتزوج بأخته، ولا يدعوها تخرج من البيت إلّا لعبادة الآلهة، بل إنهم كانوا يقدمون أجمل فتاة عندهم قربان وترضية وسكناً لغضب النيل وفيضانه بعدما يزينوها بأبهى حلة لكي يرضى بها، فيلقونها في نهر النيل في مراسم خاصة لئلا يفيض عليهم.

ولم تكن المرأة الفارسية أوفر حظاً من صويحباتها الهنديات والمصريات، فالمجتمع الفارسي القديم كان ينظر إلى المرأة نظرة احتقار وازدراء، وهو يعاقبها أشد المعاقبة وأقساها لأي إساءة أو تقصير في حق زوجها.

ص: 150

أما المرأة الهندية، فبالرغم من أن بلاد الهند آنذاك كانت تعتبر ذات حضارة نسبية تتصف بالعلم والتمدن والثقافة، إلّا أنهمكانوا يعاملون المرأة معاملة قاسية لا رحمة فيها. فالمرأة عندهم مملوكة للرجل في العائلة كالأب أو الزوج أو ولدها الكبير، محرومة من التملك حتى بالإرث، وعليها أن ترضى بأي رجل يقبل به أبوها أو أخوها، وهي مجبرة على العيش معه إلى آخر حياته، وليس لها حق المطالبة بالطلاق لأي سبب من الأسباب، وفي أيام حيضها عليها أن تنفرد بمأكلها ومشربها، لأنها نجسة خبيثة - باعتقادهم - .

والأدهى من ذلك كله أنها كانت تحرق مع زوجها إذا مات، فإذا مات الرجل منهم يحرقونه بالنار، ويأتون بزوجته المسكينة ويلبسونها أفخر ثيابها وحليها ويلقونها على جثة زوجها المحترقة لتأكلها النيران معه. والمرأة عندهم هي مصدر الشر والإثم والانحطاط الروحي والخلقي.

وفي بعض التقارير: إن نظام (ساتي) في الهند كان يحتم على المرأة التي يتوفى عنها زوجها أن تلحق به من خلال حرق نفسها لتكون قريبة منه بحياته ومماته.

وكلمة (ساتي) تعني المرأة الطاهرة أو المقدسة التي تحرق نفسها لأجل زوجها، أو وفقاً لفلسفة طبقة الراجبوت فإن ساتي تعني المرأة الصالحة التي أصبحت قادرة على تقديم نفسها كهبة حيث كان يعتقد أنه بفعلها هذا ستخلص نفسها وأفراد أسرتها وذويها من هم البعث من جديد أو التجسيد وهو (تحول روح الميت إلى حيوان أوطائر) حسب

ص: 151

المعتقد الهندوسي!

وكانت النساء في تلك الحقبة التاريخية يؤدين هذه العادة - باختيار أو بإكراه - تعبيراً عن الإخلاص والتودد لأزواجهن وللحفاظ على شرفهن من أن يدنس.

تذكر كتب الفيشنو الهندوسية المقدسة أن عادة الساتي كانت تمارس ما بين القرن الأول والثاني للميلاد.

وعلى الرغم من استنكار جميع الأوساط لهذا النظام غير الإنساني فإن قصص المهابراتا تروي أن امرأة تدعى المادري أحرقت نفسها في موكب إحراق زوجها وذلك في القرن السادس للميلاد.

وكان نظام الساتي يمارس في ولايات الهند الشمالية والجنوبية إضافة إلى أنه كان يمارس حتى في عهد المغول وإبان أيام حكم الإسكندر الأكبر الذي بذل جهوداً كبيرة للقضاء على هذه العادات إلّا أن جميع الجهود ذهبت أدراج الرياح أمام التعصب القبلي الأعمى لهذا النظام الذي كان مترسخاً لاسيما في أذهان النساء.

وطريقة ممارسة هذا النظام كانت تتم عند موت الزوج حيث تؤخذ جثته إلى المحرقة وتؤمر زوجته فتتزين بأحسن ما عندها من ثياب وتتعطر بأحسن عطر ثم تتبع الجنازة برفقة ذويها وأهلها إلى أن تصل إلى المحرقة.

وكانت المحرقة تشعل عند قدومهم ثم تؤمر الزوجة فتجلس عندجنازة الزوج المتوفى ثم تبدأ بالنواح على رحيله عنها حتى تصل إلى درجة تفقد صوابها وبعدها يقوم عدد من الرجال بربطها فوق جثة زوجها ويصبون فوقهما سائلاً سريع الاشتعال ثم تضرم فيهما النار

ص: 152

حتى تصبح جثتاهما رماداً.

ولم يستثن من هذه العادة الظالمة تلك الفتيات الصغيرات اللائي تزوجن في سن مبكرة جداً وأغلبهن في العاشرة من أعمارهن فكان عليهن إحراق أنفسهن بحجة المحافظة على شرفهن من أن لا يدنسه أحد بعد أزواجهن وحسب التقاليد والأعراف الهندوسية فإن الأرامل لا يحق لهن الزواج مرة أخرى إذا توفي عنهن أزواجهن.

أما اللائي كن يمتنعن عن القيام بهذا العرف فكان جزاؤهن أن يقذفن بالقوة داخل النار، وإن حاولن الهرب كن يحضرن مرة أخرى ويرمين في النار لأنهن حسب زعمهم يردن تدنيس شرفهن وشرف القبيلة ثم يصب فوقهن حديد مصهور ليمتن طاهرات غير مدنسات!

المرأة في الجاهلية

اشارة

أما حالة المرأة عند العرب الجاهليين الذين كانوا قاطنين في شبه الجزيرة، فإنها إن لم تكن أسوأ من غيرها في الأمم الأخرى لم تكن بأفضل؛ إذ كانوا لا يرون للمرأة استقلالاً في الحياة ولا حرمة ولا شرافة، وكانت النساء لا تورث، وكانت تلك القبائل من العرب يئدون البنات، حيث ابتدأ في ذلك بنو تميم لواقعة كانت لهم مع النعمان بنالمنذر(1)أسرت فيها عدة من بناتهم فأغضبهم ذلك فابتدروا بالوأد قضاءً على المرأة، ثم سرت العادة في غيرهم من القبائل.

وخير وصف لذلك ما جاء عن أمير المؤمنين(علیه السلام) في إحدى خطبه

ص: 153


1- النعمان بن المنذر أبو قابوس ملك الحيرة في العراق.

الشريفة وقد وصف حال العرب قبل الإسلام فقال:

«فالأحوال مضطربةٌ، والأيدي مختلفةٌ، والكثرة متفرّقةٌ، في بلاء أزلٍ(1)، وأطباق جهلٍ، من بناتٍ موءودةٍ(2)، وأصنامٍ معبودةٍ، وأرحامٍ مقطوعةٍ، وغاراتٍ مشنونةٍ»(3).

وذُكر في قصة وأد البنات أنه: كان قوم من العرب يئدون البنات، قيل: إنهم بنو تميم خاصة، وإنه استفاض منهم في جيرانهم، وقيل: بل كان ذلك في تميم وقيس وأسد وهذيل وبكر بن وائل، وقال قوم: بل وأدوا البنات أنفة، وزعموا أن تميماً منعت النعمان الإتاوة سنة من السنين، فوجه إليهم أخاه الريان بن المنذر، وجل من معه من بكر بن وائل، فاستاق النعم وسبى الذراري، فوفدت بنو تميم إلى النعمانواستعطفوه، فرق عليهم وأعاد عليهم السبي، وقال: كل امرأة اختارت أباها ردت إليه، وإن اختارت صاحبها تركت عليه، فكلهن اخترن آباءهن إلّا ابنة قيس بن عاصم فإنها اختارت مَن سباها وهو عمرو بن المشمرخ اليشكري، فنذر قيس بن عاصم المنقري التميمي أن لا يولد له بنت إلّا وأدها، والوأد أن يخنقها في التراب ويثقل وجهها به حتى تموت، ثم اقتدى به كثير من بني تميم، قال سبحانه: «وَإِذَا

ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ * بِأَيِّ ذَنۢبٖ قُتِلَتۡ»(4)، أي: على طريق التبكيت والتوبيخ لمن

ص: 154


1- الأَزل: الشدة.
2- مَوْؤودة من وَأَدَ بنته - كوعد - : أي دفنها وهي حية.
3- نهج البلاغة، الخطب الرقم: 192 من خطبة له(علیه السلام) تسمى القاصعة.
4- سورة التكوير، الآية: 8-9.

فعل ذلك أو أجازه.

روى الزبير في (الموفقيات): إن أبا بكر قال في الجاهلية لقيس بن عاصم المنقري: ما حملك على أن وأدت؟ قال: مخافة أن يخلف عليهن مثلك(1).

وقال ابن عباس: كانت المرأة - في الجاهلية - إذا حان وقت ولادتها حفرت حفرة، وقعدت على رأسها، فإن ولدت بنتاً رمت بها في الحفرة، وإن ولدت غلاماً حبسته(2).

وكان الرجل من ربيعة أو مضر يشترط على امرأته، أن تستحيي جارية وتئد أخرى، فإذا كانت الجارية التي توأد غدا الرجل أو راحمن عند امرأته، وقال لها: (أنتِ عليَّ كظهر أمي إن رجعت إليكِ ولم تئديها)، فتتخذ لها في الأرض خداً، وترسل إلى نسائها فيجتمعن عندها ثم يتداولنها حتى إذا أبصرته راجعاً دستها في حفرتها ثم سوت عليها التراب.

وقيل: كانت الجاهلية يقتل أحدهم ابنته ويغذو كلبه، فعاتبهم الله على ذلك، وتوعدهم بقوله: «وَإِذَا

ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ * بِأَيِّ ذَنۢبٖ قُتِلَتۡ»(3).

وروي في قصة تبين مدى القساوة والظلم الذي كان يلحق المرأة والبنت في الجاهلية، أن رجلاً من أصحاب النبي(صلی الله علیه و آله) كان لايزال مغتماً

ص: 155


1- انظر: شرح نهج البلاغة 13: 177.
2- بحار الأنوار 7: 93.
3- سورة التكوير، الآية: 8-9.

بين يدي رسول الله(صلی الله علیه و آله).

فقال له رسول الله(صلی الله علیه و آله): «ما لك تكون محزوناً؟».

فقال: يا رسول الله، إني أذنبت ذنباً في الجاهلية، فأخاف أن لا يغفره الله لي وإن أسلمت!

فقال له: «أخبرني عن ذنبك؟».

فقال: يا رسول الله، إني كنت من الذين يقتلون بناتهم، فولدت لي بنت فتشفعت إليَّ امرأتي أن أتركها، فتركتها حتى كبرت وأدركت، وصارت من أجمل النساء فخطبوها، فدخلتني الحمية ولم يحتمل قلبي أن أزوجها أو أتركها في البيت بغير زوج، فقلت للمرأة: إني أريد أن أذهب إلى قبيلة كذا وكذا في زيارة أقربائي فابعثيها معي.فسرّت بذلك وزينتها بالثياب والحلي، وأخذت عليَّ المواثيق بأن لا أخونها، فذهبت بها إلى رأس بئر فنظرت في البئر، ففطنت الجارية أني أريد أن ألقيها في البئر، فالتزمتني وجعلت تبكي، وتقول: يا أبتِ، أيش تريد أن تفعل بي!

فرحمتها، ثم نظرت في البئر فدخلت عليَّ الحمية، ثم التزمتني وجعلت تقول: يا أبتِ لا تضيع أمانة أمي.

فجعلت مرة أنظر في البئر ومرة أنظر إليها فأرحمها، حتى غلبني الشيطان فأخذتها وألقيتها في البئر منكوسة، وهي تنادي في البئر: يا أبتِ، قتلتني.

فمكثت هناك حتى انقطع صوتها فرجعت.

فبكى رسول الله(صلی الله علیه و آله) وأصحابه، وقال: «لو أمرت أن أعاقب أحداً

ص: 156

بما فعل في الجاهلية لعاقبتك»(1).

وهكذا كانت تُظلم المرأة بكل قسوة، ولم تكن تحظى بنظرة التقدير والاحترام في المجتمع الجاهلي والقبلي قبل الإسلام، فهي تابعة لأبيها أو لزوجها، لا يحق لها التصرف بأي شيء لأنها وما تملك لوليها.

وقد كان من حق الولد أن يمنع أرملة أبيه من الزواج، بمجرد أن يضع عليها ثوبه فيرثها، بل كان له أن يتزوجها وبغير مهر إن شاء، أويزوجها لمن يشاء ويأخذ مهرها.

وكانت هذه العادة سائدة حتى بُعث نبي الرحمة والإنسانية الرسول العظيم(صلی الله علیه و آله)، فأبلغهم نزول التحريم من الله لهذا النوع من الزواج.

فقد ذكر في قصة كبشة بنت معن بن عاصم، أنها لما مات زوجها أبو قيس بن الأسلت انطلقت إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله) وقالت: يا نبي الله، لا أنا ورثت زوجي ولا أنا تركت فأنكح، فنزل قوله تعالى: «وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَة وَمَقۡتا وَسَآءَ سَبِيلًا»(2)، فهي أول امرأة حرمت على ابن زوجها.

وروي عن ابن عباس أنه قال: إذا مات الرجل وترك جارية، ألقى عليها حميمه ثوبه فيمنعها من الناس، فإن كانت جميلة تزوجها، وإن كانت قبيحة حبسها حتى تموت. وظل هذا شأنهم إلى أن نزل الوحي بتحريم ذلك(3).

ص: 157


1- تفسير القرطبي 7: 97.
2- سورة النساء، الآية: 22.
3- انظر: الدر المنثور 2: 131.

وكانت العرب تتشاءم إذا ولدت لأي أحد منهم بنت، فإن الرجل منهم يعتبرها عاراً على نفسه، كما جاء في قوله تبارك وتعالى: «وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّا وَهُوَ كَظِيم * يَتَوَٰرَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ مِن سُوٓءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦٓۚ أَيُمۡسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمۡ يَدُسُّهُۥ فِي ٱلتُّرَابِۗ أَلَا سَآءَ مَايَحۡكُمُونَ»(1) لكن يسره الابن مهما كثر ولو بالإدعاء والإتحاف، حتى أنهم كانوا يتبنون أولاد الزنا، وربما تنازع رجال من صناديدهم وأولي الطول منهم في ولد ادعاه كل لنفسه.

العزة في الإسلام

أما الإسلام فإنه أبدع في حق المرأة أمراً ما كانت تعرفه الدنيا منذ عصور طويلة؛ فإنه خالف تلك العادات الظالمة بأجمعها، حيث بين أن المرأة كالرجل في الإنسانية يتساويان، وكل إنسان ذكراً كان أم أنثى فإنه يشترك في حقيقة واحدة، وهي أنه لا فضل لأحد على أحد إلّا بالتقوى، وبهذا صدح القرآن الكريم حينما قال سبحانه وتعالى: «يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ»(2).

ثم قال سبحانه وتعالى: «أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۖ»(3).

وقال جلّ شأنه: «لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ

ص: 158


1- سورة النحل، الآية: 58-59.
2- سورة الحجرات، الآية: 13.
3- سورة آل عمران، الآية: 195.

سُوٓءا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّا وَلَا نَصِيرا * وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِن فَأُوْلَٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ نَقِيرا»(1).وقال عزّ وجلّ: «مَنۡ

عَمِلَ صَٰلِحا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِن فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰة طَيِّبَةۖ

وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ»(2).

وقال تبارك وتعالى: «مَنۡ عَمِلَ سَيِّئَة فَلَا يُجۡزَىٰٓ إِلَّا مِثۡلَهَاۖ وَمَنۡ عَمِلَ صَٰلِحا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِن فَأُوْلَٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ يُرۡزَقُونَ فِيهَا بِغَيۡرِ حِسَابٖ»(3).

فصرح تبارك وتعالى أن الساعي - ذكراً كان أم أنثى - غير خائب، وإن العمل غير مضيع عند الله، وأكد الله سبحانه وتعالى على أن لا تمايز إلّا بالتقوى، ومن التقوى الأخلاق الفاضلة كالإيمان، والعلم النافع، والعقل الرزين، والخلق الحسن، والصبر، والحلم.

فالمرأة المؤمنة السالكة بدرجات الإيمان، أو المليئة علماً، أو الرزينة عقلاً، أو الحسنة خلقاً، أكرم ذاتاً وأسمى درجة ممن لا يعادلها في ذلك من الرجال، وهذا هو الميزان في الإسلام، فلا كرامة إلّا للتقوى والفضيلة.

ولا إشكال ولا ريب أن الإسلام له الفضل في التقدم الباهر الذي رافق المرأة في إطلاقها من قيد الأسر والعبودية، فأعطاها الاستقلال في الإرادة والعمل مع الحفاظ على شخصيتها وكرامتها، وأن أمم الغرب في

ص: 159


1- سورة النساء، الآية: 123-124.
2- سورة النحل، الآية: 97.
3- سورة غافر، الآية: 40.

ما صنعوا من أمرها جمعوا بين الخير والشر لها، أماالخير فقلدوا فيه الإسلام وإن أساءوا التقليد والمحاكاة.

وبشكل إجمالي إن الغرب أساء إلى المرأة حيث كلفها فوق طاقاتها وجعل منها ضحية للشهوات فعمل على المساواة غير العادلة بين الرجل والمرأة.

المرأة بين الإفراط والتفريط

بلغ التقدم الحضاري والتقني في هذا العصر أوج تطوره وأعلى مراتبه وبصورة مذهلة، ولكن ازداد وضع المرأة سوءاً، حيث أصبحت على قائمة ضحايا هذه الثورة التقنية، يتقاذفها التيار شرقاً وغرباً.

ولقد ظُلمت المرأة من قبل البعض - جهلاً وعصبية - من خلال تحجيمها وحرمانها من حقوقها التي منحها الإسلام، كحق التعليم والعمل - الواقع ضمن الضوابط الشرعية - أو حق إبداء الرأي والشورى وغيرها من الحقوق الكثيرة التي ضمنها الإسلام للمرأة، فوقعت المرأة ضحية بين إفراط وتفريط، إفراط الغرب وتفريط بعض المجتمعات في الشرق.

نعم، المرأة في هذا العالم - أي عالمنا اليوم - سواء كانت في الغرب أم الشرق، فقد وقعت في إفراط أو تفريط، ولا يقصد في هذا البحث فرد أو مجموعة خاصة من الأفراد، بل البحث عن المجتمعات بشكل عام، وما وصلت إليه المرأة عموماً:

المرأة والمجتمع المعاصر

إن ما وصل إليه حال المرأة في الدول المتقدمة لا يليق بشأنها

ص: 160

ومكانتها، كمخلوق أراد له الباري عزّ وجلّ أن يعيش عفيفاً، محترماً حرّاً... لا أن تستخدم للدعاية الرخيصة والعروض الفاضحة والتصدير(1)،

حتى صارت صورها تلصق على علب السجائر وعلب المأكولات. ووصلت بهم الحال أنهم جعلوها واجهة رخيصة لدور السينما والتلفزيون بأشكال شتى. في حين أن دور المرأة ووجودها في الحياة أشرف من هذا كله، حيث إنها تمثل نصف المجتمع، ولا يخفى أنه ليس المقصود بالنصف هنا نسبة (50%) فقط على أساس التعداد السكاني للعالم، وإنما على أساس الدور والوظيفة الحيوية في المجتمع؛ وذلك لأن نسبة المرأة العددية غالباً ما تشكل نسبة أكبر، إذ غالباً ما يكون تعداد النساء أكثر من الرجال، فالمقصود بالنصف هو النصف الوظيفي، فالمرأة هي نصف المجتمع فهي والرجل جزءان أحدهما يكمل الآخر؛ لذا فليس من كرامة المرأة أن تكون وسيلة للدعاية والإعلانات الرخيصة والمبتذلة التي تحط من كرامتها وتوهن دورها الكبير في الحياة.

وقد أكد القرآن في آيات عديدة أن خلق النساء لا يختلف عن خلق الرجال في الطينة، فإن للمرأة ثقل في المجتمع كما للرجلذلك، قال تعالى: «يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالا كَثِيرا وَنِسَآءۚ»(2). ويعني بالنفس الواحدة نفس آدم(علیه السلام)، لذا لا توجد في الإسلام نظرة احتقار تجاه المرأة في طبيعة خلقها وأصل تكوينها.

ص: 161


1- تصدير المرأة عبر ما يسمى بتجارة الرقيق الأبيض.
2- سورة النساء، الآية: 1.

الإسلام والعظيمات من النساء

في التاريخ الإسلامي يلاحظ الكثير من النساء اللاتي بلغن درجات رفيعة ومراتب عالية لم يبلغها إلّا القليل من الرجال.

كالمرتبة التي بلغتها أم المؤمنين السيدة خديجة الكبرى(علیها السلام). فقد كان رسول الله(صلی الله علیه و آله) شديد الحب لها، روي: أن عجوزاً دخلت على النبي(صلی الله علیه و آله) فألطفها فلما خرجت، سألته عنها عائشة؟ فقال: «إنها كانت تأتينا زمن خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان»(1).

وعن أمير المؤمنين(علیه السلام) قال: «ذكر النبي(صلی الله علیه و آله) خديجة(علیها السلام) يوماً وهو عند نسائه فبكى، فقالت عائشة: ما يبكيك على عجوز حمراء من عجائز بني أسد؟! فقال(صلی الله علیه و آله): صدَّقَتني إذ كذبتم، وآمنَتْ بي إذ كفرتم، وولدَت لي إذ عقمتم. قالت عائشة: فما زلت أتقرب إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله)بذكرها»(2).

أما فاطمة الزهراء(علیها السلام) فهي التي لم يبلغ درجتها(علیها السلام) رجل غير الرسول(صلی الله علیه و آله) والإمام أمير المؤمنين(علیه السلام).

كما قال فيها رسول الله(صلی الله علیه و آله): «فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذاني، يرضى الله لرضاها، ويغضب لغضبها، وهي سيدة نساء العالمين»(3).

وقال(صلی الله علیه و آله): «وأما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي

ص: 162


1- كشف الغمة 1: 508.
2- كشف الغمة 1: 508.
3- إرشاد القلوب 2: 232.

روحي التي بين جنبي، وهي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جلّ جلاله ظهر نورها لملائكة السماء، كما يظهر نور الكواكب لأهل الأرض»(1).

وروي في كرامتها عند الله سبحانه وتعالى أنها(علیها السلام) كانت تحدّث أمها وهي في بطنها. فعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «إن خديجة لما تزوج بها رسول الله(صلی الله علیه و آله) هجرها نسوة قريش، فكن لا يدخلن عليها، ولا يسلمن عليها، ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة لذلك، وكان جزعها وغمها حذراً عليه، فلما حملت بفاطمة(علیها السلام) كانت فاطمة تحدثها من بطنهاوتصبرها، وكانت تكتم ذلك من رسول الله(صلی الله علیه و آله)، فدخل(صلی الله علیه و آله) عليها يوماً فسمع خديجة تحدث فاطمة، فقال لها: يا خديجة، من تحدثين؟

قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني.

قال: يا خديجة، هذا جبرائيل يبشرني بأنها أنثى، وأنها النسل الطاهرة الميمونة، وأن الله سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمة ويجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه...»(2).

وقال ابن عباس: خطب جماعة من الأكابر والأشراف فاطمة(علیها السلام) فكان لا يذكرها أحد عند رسول الله(صلی الله علیه و آله) إلّا أعرض عنه؛ فقال: «أتوقع الأمر من السماء فإن أمرها إلى الله تعالى»(3).

ص: 163


1- الأمالي للشيخ الصدوق: 113.
2- الخرائج والجرائح 2: 524.
3- إرشاد القلوب 2: 232.

قال سعد بن معاذ الأنصاري لعلي(علیه السلام): خاطب النبي(صلی الله علیه و آله) في أمر فاطمة(علیها السلام)، فو الله، إني ما أرى أن النبي يريد لها غيرك، فجاء أمير المؤمنين(علیه السلام) إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله) فتعرض لذلك، فقال له النبي(صلی الله علیه و آله): «كأن لك حاجة يا علي؟».

فقال: «أجل يا رسول الله».قال:«هات».

قال:«جئت خاطباً إلى الله وإلى رسول الله فاطمة بنت محمد».

فقال النبي(صلی الله علیه و آله): «مرحباً وحباً». وزوّجه بها، فلما دخل البيت دعا فاطمة(علیها السلام) وقال لها: «قد زوّجتكِ يا فاطمة سيداً في الدنيا، وأنه في الآخرة من الصالحين، ابن عمك علي بن أبي طالب».

فبكت فاطمة(علیها السلام) حياء، ولفراق رسول الله(صلی الله علیه و آله). فقال لها النبي: «ما زوجتكِ من نفسي؛ بل الله تعالى تولى تزويجكِ في السماء». وكان جبرائيل(علیه السلام) الخاطب، والله تعالى الولي، وأمر شجرة طوبى فنثرت الدر والياقوت والحلي والحلل، وأمر الحور العين فاجتمعن فلقطن، فهن يتهادينه إلى يوم القيامة، ويقلن: هذا نثار فاطمة، فلما كان ليلة زفافها إلى علي(علیه السلام) كان النبي(صلی الله علیه و آله) قدامها، وجبرائيل عن يمينها، وميكائيل عن شمالها، وسبعون ألف ملك خلفها، يسبحون الله تعالى ويقدسونه إلى طلوع الفجر(1).

وروي أنها(علیها السلام) يوم القيامة تلتقط شيعتها ومحبيها من هول يوم

ص: 164


1- إرشاد القلوب 2: 232.

القيامة، كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء.فقد قال الإمام الباقر(علیه السلام): «والله يا جابر، إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الردي ء...»(1).

المساواة في الإنسانية

إن الإسلام لا يرى فرقاً في الإنسانية بين الرجل والمرأة، إذ يضع القرآن الكريم إلى جانب كل رجل عظيم امرأة عظيمة ومقدسة. فيذكر بكل تقدير زوجات آدم وإبراهيم وأم عيسى وموسى(علیهم السلام)، وما ذلك إلّا لعناية فائقة بالمرأة واعتراف بدورها العظيم في دفع الحياة البشرية نحو المحبة والإيمان والعفة.

مساواة أم ظلم؟

إن مدعي المساواة بين الرجل والمرأة في جميع المجالات ومن دون ملاحظة خصوصيات المرأة النفسية والجسدية وما أشبه، قاموا بدفع المرأة لمزاولة الأعمال الصعبة والثقيلة التي هي فوق طاقتها وغير مناسبة لتكوينها النفسي والجسدي، حيث ملئوا المعامل والمصانع بالنساء، حتى أوصلوا المرأة إلى مناجم الفحم وصناعة الصلب والحديد. وقد تسبب من جراء ذلك تنافس وأنانية بين الرجل والمرأة وسبب البطالة للرجال والخلل في توازن المجتمع، بحيث لو أن الرجل يعمل شهرياً بأجر مقداره مائة صارت المرأة تنافسه وتعمل بسبعين.وبهذا تكون المرأة قد تخلت أو تركت ما كان عليها في الحياة الموافق لتكوينها النفسي والجسدي، وهو

ص: 165


1- تفسير فرات الكوفي: 299.

بناء البيت العائلي السعيد وتربية الأطفال تربية روحية وجسدية وإعدادهم كجيل سليم للمستقبل، فهي قد عُزلت عن البيت وعن تدبير شؤونها المنزلية، وقد سبب ذلك صعوبة إيفاء الرجل بالتزاماته المادية تجاه العائلة، فأضاعت نفسها وبيتها وأطفالها وغالباً زوجها.

يذكر البعض من الذين سافروا إلى أوروبا - لغرض الدراسة أو التجارة أو ما أشبه - إن المرأة في بلاد الغرب وحتى في بعض البلدان الشرقية التي تسير على النهج الغربي، تقوم بأعمال وأدوار لا تليق بها، فهي تقوم بتنظيف الشوارع كموظفة في البلدية، وفي بلدان أخرى جعلوا من المرأة شرطية مرور وشرطية مكافحة الجرائم ومجندة حرب وما شابه.

فهل دفع المرأة إلى هذه الأعمال الثقيلة أو الخشنة المرهقة من الإنصاف بالمرأة والعدالة؟!

وهل هو اهتمام بشؤون المرأة؟! كلا، وإنما هم أرادوا أن يستغلوا المرأة لشهواتهم المادية أبشع استغلال وبكل شراهة وجشع، فجعلوها كوسيلة رخيصة تدر عليهم المال.

في حين أن المرأة خلقت للأعمال غير الشاقة، نظراً للبنية الجسديةوالروحية التي وهبها الله لها، حيث إن المرأة خلقت بلطف وقد جعلها الله سكناً يسكن إليها الرجل، تسره إذا نظر إليها، وتقوم بتربية أجيال صالحة، قال تعالى: «وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّة

وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ»(1).

ص: 166


1- سورة الروم، الآية: 21.

وهذه الآية لها دلالة واضحة على أن الله سبحانه وتعالى جعل لكم من شكل أنفسكم ومن جنسكم أزواجاً لتطمئنوا بها وتألفوا بها، فيستأنس بعضكم ببعض، لا أن تكلف وتلقى في أتون الأعمال الخشنة والمرهقة.

قال أمير المؤمنين(علیه السلام): «المرأة ريحانة وليست بقهرمانة»(1).

الغرب وموقفه من قضية الزواج

اشارة

دأبت الثقافات الحديثة الغربية منها والشرقية على التشجيع على عدم الزواج، أو على الأقل التأخر في الزواج، بحجج وأعذار واهية. فمرة بأن يكوّن الشاب نفسه مادياً، وأخرى بأن تنضج الفتاة فكرياً وجسدياً، وأخرى بتطويل - ما أبدعوه - لفترة الخطوبة حتى يفهم الطرفان بعضهما بعضاً... .

فملئوا بسبب ذلك البيوت بالعوانس من الرجال والنساء، حتىأصبح عدد النساء الراغبات عن الزواج، أو اللاتي فاتهن قطار الزواج، يشكلن نسبة كبيرة في المجتمع، هذا إضافة إلى أعداد الأرامل اللواتي فقدن أزواجهن في أتون الحروب أو غيبوا في السجون أو طلّقوا(2).

ونحن نتذكر جيداً أنه في السابق ما كنا نرى أن المرأة الباكر تبقى بدون زواج إلى عمر متأخر، وإن وجدت هذه الحالة فهي نسبة ضئيلة جداً لا

ص: 167


1- الكافي 5: 510.
2- كما هو الحال في العراق، حيث ذكرت بعض الإحصائيات أن عدد الأرامل في العراق وحده هو ما يزيد على المليون ونصف إمرأة، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن أعمارهن بين السابعة والعشرين والأربعين.

تتعدى الواحدة أو الاثنتين من العوانس.

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «ما من شاب تزوج في حداثة سنه إلّا عجّ شيطانه: يا ويله، يا ويله؛ عصم مني ثلثي دينه، فليتق الله العبد في الثلث الباقي»(1).

ولكن بما أن الغرب قام بتصدير أفكاره المنحرفة إلى بلداننا أصبحنا نشاهد حالة العزوبة وبكثرة.

لماذا الزواج؟

ولرب سائل يسأل لماذا الزواج؟

نعم، إن الإنسان بتكوينه مجبول على حب الاقتران مع جنسه الآخر، وإشباع رغباته وشهواته المودعة في داخله، مضافاً إلى أن الزواج أساس للأسرة وهي سنة كونية لا تختص بالإنسان، بل إنالطبيعة قائمة على أساس مبدأ الزوجية العامة، كما أثبت العلم أن كل ما في الكون من الكائنات يخضع لقانون الزوجية... وهذه الحقيقة كشفها القرآن قبل أربعة عشر قرناً، حيث قال الله سبحانه وتعالى: «سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَزۡوَٰجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ وَمِنۡ أَنفُسِهِمۡ وَمِمَّا لَا يَعۡلَمُونَ»(2).

أي أن الزوجية تجري في النبات كما تجري في الحيوان وفي الإنسان.

وفي آية أخرى قال تعالى: «وَمِن كُلِّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَا زَوۡجَيۡنِ»(3)، وهكذا بقية الآيات المباركة التي تتناول موضوع الزوجية.

ص: 168


1- النوادر للراوندي: 12.
2- سورة يس، الآية: 36.
3- سورة الذاريات، الآية: 49.

إذن، فكل شيء خاضع لقانون الزوجية في الحياة، والإنسان أيضاً خاضع لهذا القانون فلا مفر له من الزواج. وإلّا فالمأساة تكبر أمامه شيئاً فشيئاً حتى تصل به إلى محطة الجنون، كما يقول علماء النفس. وهذا ما وقع في الغرب... حيث امتدت فيه الإباحية الجنسية إلى أسفل درك، وامتدت واتسعت حالات الشذوذ حتى أهلكت الحرث والنسل. فلم تقف عند الزنا واللواط، وإنما بلغت من الانحراف الجنسي حداً لا يطاق. فضاعت المرأة الغربية في هذا الوادي من الفساد، وضاعت بضياعها العفة والحياة وفضائل الأسرةوكرامتها.

من أجل ذلك أكدت الشريعة الإسلامية على الزواج المبكر، واعتبرته الحل الناجح السريع للمشكلة، فقد وردت الروايات الكثيرة وجاءت الأخبار العديدة التي تدفع الشباب نحو الزواج وتحذر المجتمع من خطر الشاب الأعزب ومن خطر العزوبية.

كان النبي الأعظم(صلی الله علیه و آله) يقول: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباه فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فليصم، فإن الصوم له وجاء»(1). والباه تعني: القدرة على النكاح(2).

وقال(صلی الله علیه و آله) - في حديث طويل - : «ليس شيء مباح أحب إلى الله من النكاح؛ فإذا اغتسل المؤمن من حلاله بكى إبليس، وقال: يا ويلتاه، هذا العبد أطاع ربه وغفر له ذنبه»(3).

ص: 169


1- مستدرك الوسائل 14: 153.
2- الباه والباهة: النكاح، وقيل الباه: الحظّ من النكاح، لسان العرب 13: 480 مادة (بوه).
3- مستدرك الوسائل 14: 154.

وقال أبو عبد الله(علیه السلام): «جاءت امرأة عثمان بن مظعون إلى النبي(صلی الله علیه و آله)، فقالت: يا رسول الله، إن عثمان يصوم النهار ويقوم الليل؟!

فخرج رسول الله(صلی الله علیه و آله) مغضباً يحمل نعليه حتى جاءإلى عثمان فوجده يصلي، فانصرف عثمان حين رأى رسول الله(صلی الله علیه و آله) فقال له: يا عثمان، لم يرسلني الله تعالى بالرهبانية، ولكن بعثني بالحنيفية السهلة السمحة، أصوم وأصلي وألمس أهلي، فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي، ومن سنتي النكاح»(1).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) أيضاً قال: «إن ثلاث نسوة أتين رسول الله(صلی الله علیه و آله) فقالت إحداهن: إن زوجي لا يأكل اللحم، وقالت الأخرى: إن زوجي لا يشم الطيب، وقالت الأخرى: إن زوجي لا يقرب النساء.

فخرج رسول الله(صلی الله علیه و آله) يجر رداءه حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما بال أقوام من أصحابي لا يأكلون اللحم، ولا يشمون الطيب، ولا يأتون النساء، أما إني آكل اللحم، وأشم الطيب، وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني»(2).

وقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «شرار موتاكم العزاب»(3).

وفي الحديث: «من تزوج فقد أحرز نصف دينه، فليتق الله في النصف الباقي»(4).

ص: 170


1- الكافي 5: 494.
2- الكافي 5: 496.
3- المقنعة: 497.
4- الأمالي للشيخ الطوسي: 518.

لذا فإن الزواج هو الموافق للفطرة البشرية السليمة، وهوالطريق الصحيح لإرواء الظمأ الجنسي.

الطلاق يهتز منه عرش الرحمن

من المشاكل التي تعاني منها المرأة في المجتمع المعاصر إشاعة حالة الطلاق وهجر الأسرة، ولا يخفى أن المجتمع سابقاً كان يلوم الرجل كثيراً إذا طلق زوجته، حتى أن أهله وأصدقاءه ينظرون إليه بازدراء، وذلك لأن حالة الطلاق كانت حالة نادرة شاذة، وقد ارتفعت هذه النسبة وأصبحت المرأة اليوم تعاني من ضياع المصير وفقدان المستقبل. مع أن الإسلام لم يرتض بالطلاق وجعله حلاً أخيراً، وفي حالات الضرورة فقط من باب آخر الدواء الكي(1).ففي الحديث الشريف عن الإمام الصادق(علیه السلام) قال: «ما من شي ء مما

ص: 171


1- إذ أن الشروط في عقد النكاح بسيطة حيث يلزم قراءة الصيغة وهي عبارة عن الإيجاب والقبول، فالإيجاب مثل: (زوجتك نفسي)، أو قول الأب - الولي للبنت ووكيلها - : (زوجتك ابنتي)، أو قول الوكيل: (زوجتك موكلتي)، والقبول مثل: (قبلت الزواج)، أو (النكاح)، ويتراضا الطرفان على مهر لايجحف بهما، وللزوجة إسقاط المهر، وليس من شروط عقد النكاح الشهود، ولكن يستحب الإشهاد. أما شروط الطلاق، فقد شدد الإسلام في عملية الطلاق لما فيه من خراب الأسرة، ولقد اشترط الشرع الإسلامي فيه عدة شروط: 1- أن تكون الزوجة طاهرة من الحيض غير مدخول بها، مع الصيغة المعروفة مثلاً: (أنتِ طالق)، أو (زوجتي طالق). 2- أن يكون الطلاق مع إحضار الشهود وبغير الشهود يبطل الطلاق. 3- وأن يكون الطلاق من الزوج أو ممن يوكله الزوج. إلى غير ذلك مما ذكر في الفقه.

أحله الله عزّ وجلّ أبغض إليه من الطلاق، وإن الله يبغض المطلاق الذواق»(1).

حتى أن علماءنا ما كانوا يمارسون إجراءات الطلاق بين الزوجين، إلّا بعد استنفاد كل سبل الإصلاح، حيث كانوا - ولا زالوا - يحاولون دائماً إتباع سبيل الإصلاح بين الزوجين المتخاصمين، فتراهم يتكلمون مرة مع الزوج، وأخرى مع الزوجة، وأحياناً أخرى مع أهليهما، ويحاولون التريث والتأجيل آملين الإصلاح في ما بعد، فإذا لم تنفع كل تلك الأساليب كانوا يجعلون آخر العلاج الطلاق.

بينما تشير بعض الإحصائيات أن نسبة الطلاق في بعض البلاد وصلت في سنة (1970م) إلى (15%)، وفي سنة (1972م) إلى (20%) حتى وصلت نسبة الطلاق في سنة (1978م) إلى (40%)، وهكذا أخذت الأسر تتهدم وتتفكك. ولا ينحصر هذا الأمر بالشرق ولا بالغرب، بل أن نسبة الطلاق ازدادت كذلك في بعض البلدان الإسلامية التي تقلد الغرب أيضاً، وأصبحت المرأة مظلومة في أغلب الميادين، في المجال الاجتماعي وفي المجال الفكري وفي المجالين السياسي والثقافي وغيرهما.وما أكثر النساء اللاتي تعرضن للسقوط بسبب ظلم المجتمع الذي يعشنَ في وسطه، وقد تضطر بعضهم إلى القيام بأعمال غير مشروعة من أجل لقمة العيش، وتنزلق إلى مهالك ممارسة رذيلة البغاء، وهذا هو أبعد حد للاستهانة بكرامة المرأة وعفتها، وإن أمثال هذه الحالات كثيرة

ص: 172


1- الكافي 6: 54.

جداً في المجتمعات الأوروبية، وهناك أقل منها في البلاد الإسلامية.

أذكر عندما كنا في العراق أني قرأت في صحيفة لإحدى الدول الإسلامية: إن أحد النواب طلب من الحكومة إجازة فتح المبغى، فأبرق في حينها بعض الأصدقاء ببرقية إلى زعيم تلك الدولة واستنكروا فيها هذا الطلب، واظهروا تعجبهم من نائب مجلس الأمة بطلب هذا الشيء لإفساد شعبه وبلده؟! فأجابهم حينها بأننا لا نقدم على مثل هذا الأمر، ومن المستحيل أن نسمح بهذا الأمر في هذا البلد. وإلى الآن لم يسمح بوجود مبغى في البلد، وهذه نعمة كبيرة مَنّ الله بها على هذا البلد، حيث أنجى أهله من دور البغاء والتظاهر بالفساد الأخلاقي.

وعلينا نحن المسلمين أن لا ننخدع أبداً بنظام شرقي أو غربي؛ فإن الإسلام وحده هو الذي يحترم المرأة بكامل احترامها، ويحترم الأم ويحترم البنت والأخت وكذلك العمة والخالة والجدة.

وأي نظام آخر غير الإسلام لا يكن للمرأة هذا الاحترام أوالقداسة، بمقدار ما في الإسلام من احترام ومحبة ومودة لها.

مكانة المرأة في الإسلام

اشارة

لقد كان الرسول الأعظم(صلی الله علیه و آله) يقوم لفاطمة الزهراء(علیها السلام) وعمره الشريف ستون سنة، في حين كان عمر فاطمة(علیها

السلام) لايتعدى خمس عشرة سنة، ثم كان يأخذ بيدها ويقبّلها ويجلسها في مكانه. ويقول(صلی الله علیه و آله): «هي روحي التي بين جنبيّ»(1)،

وكانت تكنى كما في

ص: 173


1- بحار الأنوار 27: 62.

الحديث ب-«أم أبيها»(1).

فهو(صلی الله علیه و آله) أراد بذلك أن يعلمنا قدر المرأة في الإسلام ومكانتها في المجتمع من جانب، كما أراد أن يظهر فضل فاطمة الزهراء(علیها السلام) من جانب آخر.

هذا هو احترام الإسلام للمرأة البنت، وكذلك كان(صلی الله علیه و آله) يظهر ويبين دائماً احترام الإسلام للمرأة الأخت.

الشيماء بنت حليمة السعدية

ذكر جماعة من أصحاب الرسول(صلی الله علیه و آله)، قالوا: بينما كنا جالسين إلى جانب الرسول الأعظم(صلی الله علیه و آله) في المسجد دخلت فتاة بدوية يظهر أنها من صحراء الحجاز، لأن نساء الحجازآنذاك يتميزن بالسمرة والضعف والملابس البسيطة، فقام لها الرسول الأعظم(صلی الله علیه و آله) احتراماً وفرش لها عباءته وأجلسها في جانب من المسجد، وأخذ يكلمها ويبتسم في وجهها باحترام، وأكرمها، ولبى حاجتها. وعندما سُئل عنها أجاب(صلی الله علیه و آله) بأنها شيماء أخته من الرضاعة.

وفي التاريخ أنه بعد معركة حنين التي انتصر فيها المسلمون انتصاراً باهراً، جاءت الشيماء بنت حليمة أخت رسول الله(صلی الله علیه و آله) من الرضاعة إلى الرسول(صلی الله علیه و آله) فحباها وأكرمها وبسط لها رداءه، وكلمته في السبايا، وقالت: إنما هن خالاتك وأخواتك. فقال(صلی الله علیه و آله): «ما كان لي ولبني هاشم فقد وهبته لكِ»، فوهب المسلمون ما كان في أيديهم من السبايا

ص: 174


1- بحار الأنوار 43: 19.

كما فعل رسول الله(صلی الله علیه و آله)، وكلمته في مالك بن عوف النضري رئيس جيش هوازن، وآمنه، فجاء وأسلم، ووجهه رسول الله(صلی الله علیه و آله) لحصار الطائف(1).

الزوجات

كذلك كان رسول الله(صلی الله علیه و آله) يظهر خُلُقه العظيم وتعامله الطيب جلياً باحترام أزواجه احتراماً كبيراً، فقد قال الإمامالصادق(علیه السلام): «تزوج رسول الله(صلی الله علیه و آله) بخمس عشرة امرأة، فماتت منهن اثنتان، ودخل بثلاث عشرة منهن، وقبض عن تسع، فأما التي لم يدخل بهما فعمرة والشنباء، وأما الثلاث عشرة اللاتي دخل بهن: فأولهن خديجة بنت خويلد، ثم سودة بنت زمعة، ثم أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية، ثم أم عبد الله عائشة بنت أبي بكر، ثم حفصة بنت عمر، ثم زينب بنت خزيمة بن الحارث أم المساكين، ثم زينب بنت جحش، ثم أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، ثم ميمونة بنت الحارث، ثم زينب بنت عميس، ثم جويرية بنت الحارث، ثم صفية بنت حيي بن أخطب، والتي وهبت نفسها للنبي(صلی الله علیه و آله) خولة بنت حكيم السلمي، وكان له سريتان يقسم لهما مع أزواجه: مارية القبطية وريحانة الخندفية، والتسع اللاتي قبض عنهن: عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب بنت جحش وميمونة بنت الحارث وأم حبيبة بنت أبي سفيان وصفية بنت حيي بن أخطب وجويرية بنت الحارث وسودة بنت زمعة.

ص: 175


1- تاريخ اليعقوبي 2: 63، وقريب منه في بحار الأنوار 21: 172.

وأفضلهن خديجة بنت خويلد(علیها السلام) ثم أم سلمة بنت أبي أمية، ثم ميمونة بنت الحارث»(1).

وعلى الرغم من انشغاله(صلی الله علیه و آله) بشؤون الإسلاموالمسلمين؛ إذ كان هو القائد، وهو القاضي، وهو إمام الجماعة، وهو المتصدي للشؤون الخارجية والداخلية في البلاد الإسلامية، ومع كل هذا كان إذا خرج يودع نساءه الواحدة بعد الأخرى، وإذا دخل عليهن جاء وسلم عليهن واحدة واحدة. وقد ذكر في سيرته(صلی الله علیه و آله) العطرة مع نسائه ومسامحته لهن ورحمته بهن وعطفه عليهن الكثير.

الإسلام وحجاب المرأة

إن المجتمع إذا تمسك بالإسلام فلن يرى إلّا الخير والفضيلة والتقدم والازدهار للرجل والمرأة، وحينذاك لا يُرى السفور ولا الخلاعة ولا التبرج ولا الاختلاط المحرم، وكذلك تكون المرأة في غنى عن زجها في ساحة الأعمال الثقيلة المرهقة وتحفظ لها كرامتها وشرفها.

نعم، الإسلام غني بأحكامه عمّا يستورد من الغرب والشرق من الأفكار والتقاليد والعادات... .

وأكثر من ذلك فقد جعل القرآن من النساء مَن هي في عداد المعصومين(علیهم السلام)، وفي مصاف الأولياء والصديقين، وجعلها آية للعالمين، وآية في الشرف والعفة، وآية في الإيمان والحرية، ومن أظهر مصاديق ذلك: الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء(علیها السلام)، ومن بعدها السيدة مريم العذراء(علیها السلام)،

ص: 176


1- وسائل الشيعة 20: 244.

وغيرها من بنات الرسالة من أهلالبيت(علیهم السلام) كالعقيلة زينب(علیها السلام).

ولكن - وللأسف - أصبح الإسلام في واد، والمسلمون في واد آخر، فإن الإسلام أراد للمرأة أن تقتدي بمريم(علیها السلام) في العفة والحجاب، وتربية الأبناء تربية صالحة، حتى قال عنها القرآن: «وَٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلۡنَٰهَا وَٱبۡنَهَآ ءَايَة لِّلۡعَٰلَمِينَ»(1).

وفي آية أخرى قال تبارك وتعالى: «وَمَرۡيَمَ ٱبۡنَتَ عِمۡرَٰنَ ٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتۡ بِكَلِمَٰتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِۦ وَكَانَتۡ مِنَ ٱلۡقَٰنِتِينَ»(2).

نرجو من الله أن يهدي نساءنا إلى سعادة الدنيا والآخرة، وأن يأخذ بأيديهن للاقتداء بسيرة سيدة نساء عصرها مريم بنت عمران(علیها السلام) وسيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها أفضل صلوات المصلين).

«اللّهم رزقنا توفيق الطاعة، وبُعد المعصية، وصدق النية، وعرفان الحرمة، وأكرمنا بالهدى والاستقامة، وسدد ألسنتنا بالصواب والحكمة... وتفضل على علمائنا بالزهد والنصيحة، وعلى المتعلمين بالجهد والرغبة، وعلى المستمعين بالاتباع والموعظة... وعلىمشايخنا بالوقار والسكينة، وعلى الشباب بالإنابة والتوبة، وعلى النساء بالحياء والعفة»(3).

ص: 177


1- سورة الأنبياء، الآية: 91.
2- سورة التحريم، الآية: 12.
3- المصباح للكفعمي: 280.

تقارير وإحصاءات عن المرأة في المجتمع المعاصر

اشارة

تقارير وإحصاءات عن المرأة في المجتمع المعاصر(1)

ص: 178


1- التمييز ضد النساء في بريطانيا أخذت ظاهرة (التمييز ضد النساء) تتفاقم على المستوى الرسمي في بريطانيا. ففي أحدث دراسة أنجزتها المؤسسة الملكية البريطانية أشارت فيها للمطالبة بضرورة إنشاء مؤسسة وطنية تهتم بمشكلات المرأة الباحثة هناك، وتعمل مع جهات حكومية محددة في بريطانيا لإنصاف النساء الباحثات وضمان تعيينهن في مناصب مرموقة أسوة بالباحثين الرجال. جاء ذلك تعقيباً على احتجاج خمسين ألف باحثة بريطانية تركن أعمالهن وعدن إلى منازلهن في السنوات الأخيرة إثر فقدانهن الأمل في إنصافهن وتعيينهن في وظائف تليق بمستوى شهاداتهن الجامعية بالمقارنة مع الرجال المفضلين عليهن لكونهن إناث! وأكدت الدراسة تراجع نسبة تعيين النساء في المناصب المرموقة حيث بلغت نسبتهن في الجمعية الملكية (7/3%) وفي الأكاديمية الملكية للهندسة (1%) وفي معهد علم الأحياء (6%) من إجمالي العاملين، بالإضافة إلى تجاهل إشراكهن في اللجان الحكومية المسئولة عن تطور العمل والعلوم وتعرضهن للشائعات المغرضة والتهكم والتحرش والاستفزاز من جانب الرجال. وبهذا الصدد صرحت مديرة المؤسسة الملكية البريطانية وأستاذة علم الصيدلة في جامعة أوكسفورد قائلة: إننا نبحث عن جيل جديد من العقول الباحثة للشابات اللائي يحتل البحث العلمي مكاناً مميزاً في حياتهن... ونطالب بتخصيص جزء من الزمالة العلمية للباحثات لتشجيعهن على العودة لممارسة العمل البحثي وإخراجهن من دائرة الإحباط. وفي المنازل البريطانية التي اتخذن هؤلاء النساء الباحثات منها مقرات دائمة بعد تركهن للوظائف لا شيء يمكن أن تقدمه المنازل لهن بصورة عامة إذ إن هناك نوعاً آخر من المآسي التي تحدث في المنازل، فقد أعلنت الحكومة البريطانية أنها ستصدر ورقة تشاورية بهدف استنباط وجهات نظر علمية حول سبل التصدي لجرائم العنف المنزلي الآخذة بالانتشار في بريطانيا. وبهذا الصدد تقول إحصائية حكومية بريطانية إن (25%) من المجموع الكلي لجرائم العنف المختلفة في عموم بريطانيا مردّه العنف المنزلي، ويودي بحياة امرأتين أسبوعياً، كما أن (50%) من معدلات الجرائم التي تطال النساء ينفذها أزواج أو أصحاب حاليون أو سابقون ضد زوجاتهم أو صديقاتهم. وعقب وزير الداخلية البريطاني على معاناة النساء البريطانيات جراء جرائم المنازل قائلاً: إن الحكومة ستفي بالتزاماتها في التصدي لظاهرة العنف المنزلي بكافة مستوياتها، وهذه جريمة يتعين بذل قصارى الجهود لمواجهتها، وضمان حصول ضحاياها على أعلى مستوى من الحماية والدعم. كما أكدت الحكومة البريطانية في بيان أصدرته بهذا الشأن بأنها: تنوي تشديد قوانين العنف المنزلي، وإدخال تحسينات على الحلول والإجراءات المدنية والجزائية المتوفرة حالياً، لإفساح المجال أمام ضحايا هذه الظاهرة لطلب الحماية التي يستحقونها. وفي جانب معتم ثان من اقتراف الجريمة ضد النساء في بريطانيا فقد أثارت حادثة مقتل شقيقتين الكبرى 12 سنة والصغرى 8 سنوات، في ليلة رأس السنة الميلادية جراء إطلاق النار عليهن في لندن، من قبل رجل حكم عليه بالسجن المؤبد على خلفية اعتقاد بوجود علاقة جنسية كانت تربطه بالفتاة الكبرى التي لم تتجاوز الثانية عشرة، وكانت أختها 8 سنوات قد لقيت حتفها ضمن الحادث لسبب لم يعرف، بسبب التكتم الذي أحيطت به هذه القضية المأساوية، حيث أصبح الاعتداء على الأطفال الإناث في بريطانيا شائعاً، والجهات الرسمية هناك لا تتدخل إلّا بعد نهاية حادثة مقتل، أو اغتصاب للنساء بغض النظر عن مقدار أعمارهن، فالمهم في جرائم أولئك الرجال أن تكون ضحاياهم من الإناث. معاناة المرأة في الهند أكدت أحدث الإحصائيات في الهند: تضاؤل أعداد الإناث مقارنة بعدد الذكور هناك، وأن تناقص عدد الإناث وعنوسة الرجال أدت إلى غلاء المهور، وصار الزواج هناك مسألة عرض وطلب تماماً مثل التجارة. وقد أشار التعداد العام للسكان في الهند إلي أن نسبة الفتيات بلغت 820 أنثى مقابل كل ألف ذكر في الشريحة العمرية لأقل من 6 سنوات، وكانت هذه النسبة 879 أنثى مقابل ألف ذكر عام 1991. وأرجعت الدراسات السبب في تناقص عدد الإناث في الهند إلى انتشار ظاهرة وأد البنات في السنوات الأخيرة، فقد أتاحت الرسائل المتطورة في مجال التكنولوجيا الخاصة بالطب معرفة نوع الجنين في رحم الأم مسبقاً وعندما يعلم الزوجان أن الطفل القادم هو أنثى، يسارعون بإجهاضه على الفور، كما أسفر عن تناقص أعداد الإناث في الهند، وتفاقم مشكلة عنوسة الرجال، وصعوبة العثور على عروسة، مما أدى أيضاً إلى ظهور نظام جديد هناك عرف باسم: ثمن العروسة، وهو نظام يجعل العريس يدفع مبلغاً كبيراً من المال لأهل العروس حتى يوافقوا على إتمام الزيجة. وكانت التقاليد الهندية في ما مضي تقضي بأن تدفع العروسة المهر لعريسها، وأدى تفاقم هذه المشكلة إلى تدخل القانون الهندي بنص يمنع الفحوص الطبية التي تكشف عن نوع الجنين قبل ولادته، بل من حق الشرطة هناك أن تشن حملات اعتقال للأطباء الذين يمارسون هذه الفحوصات. وظاهرة وأد البنات في الهند بلغت درجة بالغة القسوة، حيث أن الآباء يلجأون إلى قتل بناتهم حديثات الولادة، إما بتجويعهن حتى الموت، أو دس السم لهن في الطعام. وعلقت مديرة الشعبة لدراسات المرأة بجامعة كوركستيرا في الهند على هذا الأمر بقولها: إن انخفاض عدد الإناث في الهند صار صدمة. إن طقوس الزواج في المجتمع الهندي تختلف من القرى إلى المدن والولايات، وحسب العادات والتقاليد والأعراف والديانات والفكر والطبقات، فلكل منهم طقوسه المعينة في الزواج، إلّا أنهم يجمعون على شيء واحد، وهو دفع المرأة لمهر عريسها، وهو ما يعرف باسم: دوري. فالمرأة الهندية ملزمة بدفع كامل مهرها، إلّا أن هناك بعض العائلات توافق على تأجيل باقي المهر، وأن يتم تسديده في وقت لاحق، ولكن يجب أن يسدد حتى وإن استمر الزواج لسنوات، فعليها أن تدفع جميع المستحقات المترتبة للزوج، وإلّا فالويل كل الويل لها إذا لم تلتزم بدفعها في ما بعد. ومن الممكن أن تتزوج في الهند وأنت في سن الخامسة، وربما لا تستطيع ذلك وأنت في ريعان الشباب، والأغرب من ذلك أن هناك عائلات تحجز الصبي منذ ولادته لتزويجه من ابنتها حيث تقوم بالتكفل بجميع نفقاته حتى إكمال دراسته وتأمين مستقبله فقط لكي يتزوج من ابنتهم. وقالت أستاذة الاجتماع بجامعة دلهي: إن الزواج في الهند يمر بعدة مراحل أهمها الاتفاق على المهر، وفي حال تم الاتفاق فإن باقي الأمور تكون ثانوية - وأضافت - أن هنالك الكثير من الزيجات لم يكتب لها النجاح بسبب عدم اتفاق العائلات على المهر (دوري)، حيث تبالغ بعضها بطلب مهور مرتفعة جداً من الزوجة التي تكون هي أو عائلتها غير قادرين على توفيرها. وقالت: إن الزواج يعرف في الهند بأنه (مهرجان الأعين) حيث ترى العين ما لا تراه يومياً من زينة وألوان، في الوقت الذي يرتدي فيه العروسان والضيوف أبهى الملابس الملونة وهي من الحرير، ومصنوعة خصيصاً لتك المناسبات - وأضافت - أن احتفالات الأعراس في الهند تستمر ليوم ونصف اليوم، كما أنها تعتبر قبل كل شيء مناسبة دينية يحضرها الأقارب والأصدقاء، وعلى أهل الزوجة التكفل بجميع نفقاتها. وقالت عن الكيفية التي تحدث فيها الخطبة والاتفاق على الزواج: إن الفتاة الراغبة بالزواج من شخص ما تقوم بزيارته في منزله، فإن حدث وأعجب بها فإنه يعلن عن موافقته عليها، في الوقت الذي قد تجيب فيه الفتاة وعائلتها بالرفض أو القبول - وأضافت - أنه إذا اتفق الطرفان على الزواج فإن العائلتين تجتمعان لمناقشة التفاصيل، حيث يفرض على الفتاة التكفل بجميع متطلباته، بدءاً بالمهر وتحديد الوقت المناسب للاحتفال، وتوفير صالة الاحتفال والمصروفات الأخرى. وذكرت أن السن التي يتم فيها الزواج تختلف من منطقة إلى أخرى مضيفة أن هناك بعض القبائل الصغيرة في ولاية راجستان شمال الهند تعتبر سن الخامسة هو العمر المناسب لزواج أبنائها. وقالت: إنه في الوقت الذي توجد فيه عائلات تزوج أبناءها في سن صغيرة، هناك عائلات أخرى ترفض هذا النوع من الزواج - وبينت - أن المجتمع الهندي منقسم إلى جزأين شمالي وجنوبي، حيث تختلف العادات والتقاليد بين هذه المجتمعات، مضيفة أن الأسر الشمالية تفضل أن يكون الزوج من خارج الأسرة، أما في المناطق الجنوبية فأن الأسر تفضل زواج تربطه صلة الدم والقرابة. وأضافت أن هناك ظاهرة أخرى متفشية في مناطق وسط الهند بولاية ماديا براديش، وهي ظاهرة التبادل بحيث يزوج كل شخص أخته للشخص الآخر. أما في جنوب الهند فإن الوضع مختلف تماماً فقد يسمح للعم والخال أن يتزوج من ابنة أخيه أو أخته وبخاصة الإبنة الكبرى، حيث تؤمن تلك العائلات بمبدأ أن الفتاة لن تحمل اسماً غير اسم عائلتها التي ولدت بها. وقالت: إن ظواهر أخرى تفشت في الهند مثل زواج الحب، إلّا أنه اصطدم كذلك بعقبة المهر، مضيفة أن هناك ظاهرة بدأت بالانتشار منذ مطلع عام 1990م، وهي الزواج عن طريق الصور أو ما يعرف بالخاطبات، حيث تقوم الأسرة بتوزيع صورة ابنتها على العائلات عن طريق جيرانها أو أصدقائها على الأسر التي بها شباب. وذكرت أن العادات والتقاليد فرضت على أسرة الفتاة بمختلف ولايات ومناطق الهند أن تدفع المهر لزوجها، ويكون في أغلب الأحيان أموالاً سائلة تسلم لعائلة العريس، إضافة إلى الهدايا كالذهب والأدوات المنزلية - وأضافت - أنه في بدايات القرن العشرين كان المهر الذي تفرضه عائلة الزوج على الزوجة مرتفعاً جداً، وفي بعض الأحيان يصر أهل الزوج على الحصول كذلك على تعويضات لابنهم لإكمال دراساته العليا، وتأمين ما يضمن مستقبله وشراء سيارة أو دراجة بخارية للزوج. حرق الزوجة مع جثمان زوجها قال رئيس وزراء ولاية مهاديا براديشديش: إن المرأة التي أحرقت نفسها مع زوجها بإحدى قرى الولاية، كانت قد أُجبرت على ذلك من قبل رجال المنطقة. وقالت صحيفة (تايمز أوف انديا) من موقعها على الإنترنت: إن رئيس الوزراء أكد في برلمان الولاية على أن المرأة كانت قد أُجبرت على حرق نفسها مع زوجها المتوفى، بتحريض من رجال المدينة - وأضاف - أنه لم تكن للمرأة علاقة حميمة مع زوجها، وأنها منفصلة عنه منذ فترة طويلة - مؤكداً - أن السلطات الأمنية بالولاية اعتقلت 15شخصاً، ووجهت لهم تهمة التحريض على القتل. وذكر أن شهود عيان كانوا يحضرون مراسم الحرق للزوج المتوفى، أكدوا على أن مجموعة من القرويين بالمنطقة أحضروا زوجة المتوفى، وأرغموها على القفز داخل المحرقة التي تنصب عادة للمتوفين الهندوس. إن إرغام المرأة التي تدعى: (كوتوبي) على تنفيذ مطالب القرويين، أعاد إلى الأذهان طقوساً هندوسية قديمة يطلق عليها اسم: (ساتي)، تجبر المرأة على حرق نفسها مع زوجها المتوفى؛ لأنها تعتبر أنه لا حياة لها من دون زوجها. الإيدز يهدد عجلة التنمية في الهند تتعرض النساء في الهند لخطر الإصابة بفيروس مرض الإيدز، حتى عن طريق الزواج وليس العلاقات الجنسية غير الشرعية فحسب، وهذا المشهد أخذ يتكرر في كل أنحاء الهند. يقول أحد الأطباء المختصون بمرض الإيدز في المستشفى الحكومي في ولاية بوني في الهند: إنه لتصريح جريء، ولكنه صحيح للأسف. ويقدر هذا الطبيب وآخرون أن أكثر من مليون امرأة في الهند ستتعرض للإصابة بفيروس الإيدز، وستأتي العدوى ل- (60%) منهن من أزواجهن بعضهن سيكن في عمر السادسة عشرة فقط، والكثيرات منهن سيتلقين هذه الأنباء المدمرة لدى خضوعهن لفحص اعتيادي لمرض الإيدز أثناء حملهن الأول، ويبدو أن التقاليد التي تمنح المرأة دوراً ثانوياً في المجتمع هي المسئولة عن ذلك. إن هذا يؤكد على وجه مرعب للأزمة التي تواجه الهند، فوباء الإيدز المتنامي في البلاد يتحدى التقاليد الراسخة حول مكانة المرأة، ويهدد القيم الأخلاقية والثقافية الأخرى المتعارف عليها، وذلك من خلال تعرية الجانب الأسوأ من البلاد، وهو يضع مسألة التمييز ضد قطاعات المجتمع المهمشة تحت المجهر، ويثير أسئلة غير مريحة عن حقوق الإنسان والرعاية الصحية. وفي الإحصاء الأخير، قدرت الحكومة الهندية عدد السكان المصابين بفيروس الإيدز في البلاد بحوالي 4 ملايين نسمة، وزعمت بأن الوباء آخذ بالاستقرار، ولكن الآخرين من أمثال الأطباء والعاملين الاجتماعيين والناشطين يقولون: إن الأعداد في ارتفاع مستمر، مما قد يجعل الهند أكبر ساحة لحالات العدوى بفيروس الإيدز في العالم. ويقول الطبيب المختص بمرض الإيدز في المستشفى الحكومي في ولاية بوني في الهند: ترتبط الهندوسية في الهند بالشوفينية الذكورية، وسيميز دين كهذا متحيز لأحد الجنسين ضد النساء على الدوام، وبالتالي فإنهن سيكن أكثر تعرضاً للخطر في ما يتعلق بفيروس الإيدز. وإن الكثير من النساء لا يعرفن سوى القليل عن أزواجهن في علاقات الزواج المرتبة، ويفتقدن للسيطرة في علاقاتهن الزوجية، وفي حين تصر معظم النساء العاملات في مجال الدعارة الآن على استخدام زبائنهن للواقي، فإن معظم الزوجات لا يستطعن أن يطلبن من أزواجهن مثل هذا الطلب. وذكرت المنظمة الوطنية للسيطرة على الإيدز ومقرها نيودلهي: إن عدد الأشخاص المصابين بفيروس الإيدز حتى عام 2001م بلغ 97ر3 ملايين شخص. أما التقديرات غير الرسمية، فتضع عدد الحاملين لفيروس المرض بين 4-10 ملايين شخص، وترى أن عدد الإصابات سيتضاعف كل ثلاثة إلى أربعة أعوام، ويقدر تقرير حديث لمجلس الاستخبارات الوطني الأميركي: إن ما بين 20 و25 مليون هندي سيصابون بالمرض بحلول عام 2010م، إذا لم يتم فعل أي شيء لاقتلاع المرض، وسيشكل هذا العدد حوالي (2%) من عدد السكان - مقارنة بأكثر من (20%) بالنسبة لبعض الدول الأفريقية - ولكن الرقم بحد ذاته قد يشل عجلة التطور والتنمية في الهند. المرأة والتعري في إيطاليا أصبح التعري في إيطاليا إحدى الطرق السهلة للوصول إلى مواقع التأثير السياسي في البلاد، فإحدى الممثلات استطاعت الوصول إلى مقعد في البرلمان بعدما كانت تجوب الشوارع وهي عارية الصدر. أما إحدى الممثلات التي كانت مشهورة بأفلام التعري، فقد وصل زوجها إلى منصب رئيس وزراء، مما يشير إلى مدى النفوذ الذي وصل إليه دعاة التعري في إيطاليا. إن الأمر لا يقف عند الشواطئ وانتشار الدعارة أو الأفلام، بل أن التعري يتخذ وسيلة أيضاً للاحتجاج السياسي في إيطاليا، وأبرز مثال على ذلك هو ما حدث في ميدان (مونت سيتوريو) في العاصمة روما، حيث يقع مقر البرلمان الإيطالي، حيث قامت مظاهرة كبيرة شاركت فيها المئات من الممثلات الإيطاليات في شهر أيلول (سبتمبر) عام 1996م، احتجاجاً على الدعوات التي أعلنها رئيس رابطة الشمال الإيطالية، والتي دعا فيها إلى انفصال شمال إيطاليا الغني عن جنوبه الفقير، فخرجن الممثلات يعبرن عن رفضهن للإسفاف الذي دعا إليه رئيس الرابطة، فرفعن لافتة كبيرة كتبن عليها: لا إسفاف أكثر من الاستخفاف بالوحدة. وفجأة خلعن جميعاً ثيابهن، ووقفن عرايا في الميدان تحت حماية الشرطة التي كانت تحمي العري أمام البرلمان! ومن الجدير بالذكر هو أن بلاء سرطان الجلد يعصف بالإيطاليين بشكل كبير، نتيجة المبالغة في التعري دون غيرهم، فقد ارتفعت نسبته بينهم إلى (300%)، وحسب إحصاءات وزارة الصحة الإيطالية فقد رصدت الحكومة في عام واحد هو العام 1996م أكثر من أربعمائة مليار ليرة لمكافحة هذا المرض، دون أن تكون هناك أي نتائج ملموسة. إحصاءات من الأمم المتحدة ذكرت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة في خطاب لها في الاحتفال الذي أقامته الأمم المتحدة بمقرها: أن هناك (500) مليون امرأة في العالم لا يعرفن القراءة والكتابة، أي ثلثي الأميين في العالم. وناشدت النساء أيضاً لأداء دورهن المأمول في الحملة الدولية لمكافحة مرض الإيدز؛ لأن نصف الناس الذين يصابون به هم من النساء. وحددت أن (58%) ممن يحملون فيروس الإيدز بأفريقيا من النساء.

ص: 179

ص: 180

ص: 181

ص: 182

أوروبا تدعو إلى تشريع وإباحة الدعارة

يعتزم أعضاء في البرلمان البلجيكي التقدم بمشروع قانون يبيح الدعارة

ص: 183

للحد من تجارة الرقيق الأبيض، وحسم الوضع القانوني والاجتماعي لواحدة من أقدم المهن في العالم. ويمكن للقانون في حالة صدوره أن يوفر للحكومة بعض العائدات الضريبية التي تعوزها، إذ ستخضع بائعات الهوى لضريبة الدخل مما قد يدر ما يزيد على 50 مليون يورو في العام.

وقال النواب الاشتراكيون والليبراليون في البرلمان: إن مشروع القانون يهدف إلى محاربة الرقيق الأبيض، والحفاظ على الصحة العامة، وتوفير عقود عمل للمشتغلات بمهنة الدعارة.

وقال نائب ليبرالي: سننتشل أقدم مهنة في التاريخ من غياهب عدم الشرعية والظلام.

وقال سناتور اشتراكي: إن الدعارة ظلت في بلجيكا أسيرة منطقة رمادية من الناحية القانونية.

وقالت عضوة حزب الخضر والوفد البلجيكي في البرلمان الأوروبي - والتي عرفت بتبنيها لهذه القضية - : إن إباحة الدعارة قد تدر عائداً للحكومة يصل إلى 50 مليون يورو من ضرائب الدخل سنوياً.

ودعا حاكم منطقة روسية النواب إلى تشريع الدعارة مشيراً إلى أنتنظيم هذا القطاع الذي يشهد ازدهاراً كبيراً سيسمح بمكافحة الجنوح، وانتشار الأمراض التي تنتقل عن طريق العلاقات الجنسية.

وبدؤوا بتشريع الدعارة في منطقته ساراتوف. وقال المكلف بحقوق الإنسان: إنه يعتزم تنظيم هذا المجال بحيث يتمكن من مكافحة الأمراض التي تنتقل عن طريق العلاقات الجنسية والسل - وقال متوجهاً إلى

ص: 184

الصحافيين - : إن الأمر يتعلق بصحة الأمة.

وفي ألمانيا فإن بعض مدنها تفرض (ضريبة) على بيوت الدعارة، فبعد أن أصبح اقتصاد البلاد على حافة الركود، لجأت مدن ألمانية تواجه أزمات مالية إلى فرض (ضريبة) على بيوت الدعارة من أجل الحصول على مبالغ مالية لتعويض ما تعانيه من عجز في ميزانياتها.

وقالت برلين وكولونيا: إنهما ربما توسعان دائرة (الضريبة) الحالية المفروضة على أندية القمار والمناسبات العامة لتشمل بيوت الدعارة ومعارض بيع الأدوات الجنسية.

وقامت مدينتا جلسنكيرشن ودورستن الألمانيتان بالفعل بهذه الخطوة إلّا أنهما لم تحققا سوى نجاح محدود، إذ لم يسدد الضرائب سوى (10%) فقط من بيوت الدعارة منذ فرض هذه الضريبة.

ويفتش مسئولو الضرائب عن أماكن تقديم العاهرات اللائي تعملن في بيوتهن لبحث إمكانية إخضاعهن للضريبة التي تصل إلى (6/5) يورو يومياً عن كل عشرة أمتار مربعة من مساحة مكان العمل. أما أيمنشأة أصغر من ذلك فهي معفاة من هذه الضريبة.

ويقول الناطق باسم مدينة جلسنكيرشن الألمانية: إن مفتشو الضرائب التابعون لنا يمشطون الإعلانات الجنسية في الصحف ثم يقومون بزيارة هذه الأماكن ومعهم أدوات القياس.

وقالت مجموعة ترعى حقوق العاهرات وتدعى (هيدرا) في بيان لها: إن هذه الضريبة عبثية تماماً، وهل ستحدد الضرائب بناء على مساحة بيت الدعارة، وإذا كان الأمر كذلك فإن زبائن برلين سيتعين عليهم

ص: 185

إشباع احتياجاتهم في حجيرات مكتظة أو وقوفاً.

أما في أسبانيا فإن أحد سياسيها عرض على الشبان في جنوب البلاد تسهيلات تجعلهم يمارسون الحب بنصف الثمن مع وعد انتخابي بتقديم دعم مالي لخفض أسعار الغرف الفندقية للشبان الصغار.

وقال مرشح حزب الخضر لمنصب رئيس بلدية غرناطة: إن مجلس المدينة سيعطي الشبان حتى سن الخامسة والعشرين (قسيمة لممارسة الحب) ستسمح لهم بالنزول في الفنادق المحلية بنصف الثمن إذا فاز في الانتخابات المحلية.

ويميل الشبان في أسبانيا التي يدين غالبية سكانها بالكاثوليكية إلى العيش في المنازل لفترة أطول من أقرانهم في دول شمال أوروبا وهو ما دعا المرشح إلى القول بأن السماح للشبان بممارسة الحب فيالفنادق بدلاً من المتنزهات العامة حرية شخصية مهمة.

ويقول مفوض مجلس أوروبا لحقوق الإنسان حول الاتجار بالبشر وتجارة الدعارة: إن بعض الأرقام مذهلة ويجب قطعاً أخذها في الاعتبار، ملمحاً إلى أن عدد المضيفات الأجانب اللواتي يعملن في الحانات والملاهي الليلية مرتفع جداً قياساً إلى التعداد السكاني لهذا البلد.

وتفيد الأرقام الرسمية أن جزيرة قبرص التي تضم نحو (700) ألف نسمة، تضم (78) من الحانات، و(38) من الملاهي الليلية تستخدم (1270) فنانة.

وقد كشف تحقيق برلماني مؤخراً أن بين (3000) و(3500) امرأة يتحدر معظمهن من أوروبا الشرقية تصلن كل عام إلى الجزيرة للعمل في

ص: 186

حانات أو ملاه ليلية، لكنهن يقعن في حالات كثيرة في شبكات البغاء.

وفي واشنطن اتهمت وزارة الخارجية الأمريكية (15) دولة، من بينها السودان وتركيا واليونان، بعدم بذل الجهد الكافي لمنع الاتجار في الرق والجنس. وقال وزير الخارجية الأمريكية كولن باول: إنه أمر مروع وغير مقبول أخلاقياً أن يستغل مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال ويحولهم متربحون من البؤس الإنساني إلى رقيق.

ومن الأخبار الغريبة في هذا الباب هو ما أعلنه بيت دعارة أمريكيبأنه يقدم الجنس مجاناً للجنود العائدين من الحرب.

وقال أحد أصحاب البيوت المرخصة للدعارة في نيفادا لرويترز: إنه سيقدم أيضاً خفضاً قدره (50%) للعسكريين الذين سيستفيدون من خدماته في الأسابيع القليلة القادمة.

إلى غير ذلك من المآسي والويلات التي أخذت بالمرأة إلى المجهول وكلها من جراء ترك القوانين الإسلامية التي ضمنت للمرأة حريتها وتطورها وكرامتها وشرفها، وبكلمة واحدة سعادتها في الدنيا والآخرة.

تفاقم ظاهرة الطلاق في إيران

في حديثه لمراسل وكالة (إيسنا) الإيرانية، قال مسئول قسم التوجيه والتعاون القضائي في المجمع الأسري بمحافظة تبريز: إن معضلة الطلاق في مجتمعنا ستتحول في السنوات القادمة إلى أزمة حقيقية.

وأضاف: إن الطلاق المتسرع وغير المستند إلى خبرة ووعي كاف، والذي يشكل النسبة الغالبة، أضحى يثقل كاهل المجتمع، ويتسبب في تصدعات اجتماعية خطيرة.

ص: 187

وذكر هذا المسئول: بأن نسبة الطلاق الناشئ عن: إدمان المخدرات هي (87/9%)، وعن تدخل الآخرين من طرفي الزوج والزوجة (55/9%)، وعن عدم الانسجام والتفاهم (91/8%)، وعن البطالة (55/8%)، وعن سوء الظن (7%)، وعن فقدان العاطفة بينالزوجين (73/5%)، وعن الزواج الإجباري (5/5%).

وقال: بما أن المشكلة الأصلية التي يعاني منها المدمنون تتمثل في البطالة، والحاجة إلى العطف، فلهذا ندعو المسئولين إلى المتابعة والمزيد من الاهتمام بهذا الصدد.

ومضى يقول: نسبة الطلاق في أوساط المتعلمين أقل، ولكن في حالة حصول طلاق لدى هؤلاء الأفراد، فإنهم قليلاً ما يقومون بمراجعة المراكز المتخصصة.

وعد هذا المسئول ضغوط المعيشة ومشكلة السكن، السبب الرئيسي للجوء النساء إلى الطلاق، وفي المقابل اعتبر قلة الحنان والبرود لدى النساء، سبباً أساسياً وراء نزوع الرجال إلى تطليق زوجاتهم.

الإجهاض في العالم

تدل الإحصائيات على مستوى العالم بأن (50) مليون عملية إجهاض تجري سنوياً في العالم بينها (20) مليون في ظروف غير صحية، ويجدر العلم بأن (13%) من جميع وفيات الأمومة عالمياً سببه الإجهاض غير المأمون.

الاغتصاب

إن غالبية المراهقين في الولايات المتحدة الأمريكية يفقدون عذريتهم

ص: 188

خلال شهر ديسمبر / كانون الأول وهو موسم أعياد الميلاد ونهاية السنة، ويرى المختصون التربويون أن الأعياد ومايحيطها من أجواء لها تأثير كبير على هذه الظاهرة، وأن العديد من المراهقات والمراهقين الذين يتواعدون بشكل جدي يختارون شهر ديسمبر / كانون الأول لممارسة الجنس لأول مرة، وكذلك فإن المراهقين الرومانسيين معرضين لممارسة الجنس أكثر ب-(3) مرات من الذين لا يرتبطون بعلاقات حميمة، وشملت الدراسة إجابات وثقت زهاء ما أوضحه (21) ألف مراهق ومراهقة ابتداء من عمر الثانية عشرة هذا وكان عدد من الباحثين من جامعة ميسسبي قد كُلفوا إنجاز الدراسة المتقدمة التي بان من خلالها أن الشهر الأخير من كل سنة قد جعلوه مناسبة للفساد في الغرب بدلاً من أن يجعلوه مناسبة للاحتفال بزواج شرعي حميم.

ولعل عدم وجود رادع أو أخلاقيات تؤخذ بالحساب أمام الملأ قد شجع على استسهال عمل اقتراف الخطيئة على كونه مندرجاً تحت عنوان ممارسة الحرية الشخصية التي عادة ما تدفع ثمنها الفتاة في أهم جانب من مستقبلها العاطفي إذ إن غالبية الفتيات الغربيات ممن لم يبلغن أكثر من (24) سنة يبدأ لديهن الشعور باليأس من الحصول على زوج نتيجة لإمكانية استحصال الفتاة من علاقة عاطفية خالية من رابطة الزواج المقدس حتى في الدين المسيحي.

الاكتئاب يصيب المرأة أكثر من الرجل

حذرت دراسة طبية من ارتفاع معدل الإصابة بالكآبة بينالسيدات. وأكدت الدراسة أنه رغم التطور الملحوظ في دراسة هذه الظاهرة من

ص: 189

جوانبها المختلفة فإن الكثير من الحالات لا يتم تشخيصها بدقة الأمر الذي يؤدي إلى إصابة المرضى بمضا وقال المختصون إن وجود (48) نوعاً من أمراض الاكتئاب التي تصيب الإنسان يشكل صعوبة في التشخيص لدى بعض الأطباء خاصة أن أعراض المرض تتشابه في معظمها، ورأوا أن الاكتئاب النفسي هو السبب المباشر لمعظم الأمراض التي تتعلق بالمناعة الذاتية للجسم كالأورام والسرطان والسكر وضغط الدم وأمراض الكبد والإعاقة الذهنية، والاكتئاب عادة يصيب الإنسان عندما يفقد الأمل في المستقبل أو يتعرض للبطالة والفقر الشديد والعجز والحرمان.

وتشير بعض الدراسات إلى ارتفاع نسبة الإصابة بالاكتئاب بين سكان المدن عن القرى نظراً لضوضاء والزحام والانطواء وتكالب الناس على المادة، وأشار الأخصائيون إلى أن هناك نوعين من الاكتئاب الأول يتميز بتخيل الهلاوس والأوهام ويرتبط بالحالة المزاجية والآخر النوع الموسمي مثل الاكتئاب الذي يصيب البعض مع بداية فصل الشتاء مشيرين إلى أن هذا المرض يصيب المرأة ثلاثة أضعاف الرجل.

المرأة الأفريقية والإيدز

أكد خبراء أفارقة في اليوم الأخير من (المؤتمر الإفريقي السابعحول المرأة والإيدز) الذي عقد في دكار أن (13) مليون امرأة مصابة بالإيدز في البلدان الواقعة جنوب الصحراء.

وقدرت دراسات عرضت في مؤتمر دكار نسبة الإصابات الجديدة بالإيدز عند النساء الشابات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين (15)

ص: 190

و(24) عاماً، ب-(60%)، وأوضحت البروفسورة مديرة الاستراتيجيات والأبحاث في المنظمة الدولية لمكافحة الإيدز: أن ذلك يعود إلى (البلوغ الجنسي المبكر) لدى تلك الشابات.

العنف ضد النساء

- غالبية دول أميركا اللاتينية والوسطى سنَّت قوانين تعاقب كل مرتكبي العنف ضد النساء في هذه الدول.

- أكد مركز الأبحاث الإسباني أن سيدة من كل ثلاث في العالم تتعرض أو تعرضت للعنف الزوجي.

- تجارة الرقيق هي ثالث تجارة غير مشروعة من حيث الدخل الذي تدره على أميركا.

- أصاب مرض الإيدز (14) مليون امرأة في العالم.

- (4) ملايين امرأة يرغمن كل عام على ممارسة الدعارة، منهن (500) ألف امرأة في دول الاتحاد الأوروبي وحده.

- (60) مليون أنثى لا تولد (إجهاض انتقائي) أو يقتلن بعيد ولادتهن لمجرد كونهن إناثاً (وأد البنات)!- منظمة (أكبات) لمكافحة السياحة الجنسية أكدت بأن فتيات في سن السابعة من النيبال وبنغلادش، يتدربن في كبرى مراكز البغاء بالهند.

- سجل (مركز حوادث الاغتصاب) في بانكوك أن (10%) من المترددات عليه قد اصابهن مرض نقص المناعة (الإيدز) بسبب الاغتصاب.

- توجد في أمريكا (400) منظمة مختصة بمكافحة العنف ضد النساء.

ص: 191

- عدد المدخنات في العالم بلغ (200) مليون امرأة، بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية.

- النساء المدخنات أكثر تعرضاً للإصابة بمرض العقم، كما ثبت أن هناك صلة بين التدخين والعقم عند الرجال.

- (2/1) مليون امرأة وفتاة دون سن ال (18) سنة على نطاق العالم يجري الاتجار بهن كل عام لأغراض البغاء.

- (3) ملايين امرأة وفتاة عربية يعشن في أوروبا.

- (6) ملايين امرأة بدون بعل في مصر عام (97).

- (25%) نسبة النساء العاملات في العالم العربي.

- (39%) نسبة النساء العاملات في الدول النامية.- (600) ألف امرأة إسبانية ضحية سوء المعاملة الزوجية سنوياً.

- (200) ألف حالة انتحار تحصل في الصين سنوياً أغلبها بين النساء.

- (4%) من الإيطاليات بين سن ال(14-59) عاماً ضحايا الاغتصاب الجنسي.

- (1740) جريمة اغتصاب وعنف جنسي شهدتها نساء لندن عام (1997).

نسبة التحرش الجنسي بالنساء العاملات

- (20%) في فرنسا

- (6/16%) في الأرجنتين

- (8/10%) في رومانيا

ص: 192

- (7/9%) في كندا

- (6/8%) في بريطانيا

النساء الداعرات

- (5/1%) من مجموع النساء في إندونيسيا وماليزيا والفلبين وتايلاند منغمسات في أعمال الدعارة.

- (300) ألف في تايلاند.

- (230) ألف في إندونيسيا.

- (142) ألف في ماليزيا.- (500) ألف في الفلبين.

- (4000) بيت دعارة في موسكو.

- (000 50) عاهرة في موسكو يعرضن خدماتهن في الشوارع.

- (4) مليارات دولار سنوياً تدر على إسرائيل من صناعة الدعارة والجنس.

إلى غير ذلك من الإحصاءات والتقارير الكثيرة في هذا الباب.

من هدي القرآن الحكيم

المرأة في الإسلام

قال الله تعالى: «إِنَّ ٱلۡمُسۡلِمِينَ وَٱلۡمُسۡلِمَٰتِ وَٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡقَٰنِتَٰتِ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلصَّٰدِقَٰتِ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰبِرَٰتِ وَٱلۡخَٰشِعِينَ وَٱلۡخَٰشِعَٰتِ وَٱلۡمُتَصَدِّقِينَ وَٱلۡمُتَصَدِّقَٰتِ وَٱلصَّٰٓئِمِينَ وَٱلصَّٰٓئِمَٰتِ وَٱلۡحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمۡ وَٱلۡحَٰفِظَٰتِ وَٱلذَّٰكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرا وَٱلذَّٰكِرَٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ

ص: 193

لَهُم مَّغۡفِرَة وَأَجۡرًا عَظِيما»(1).

المرأة الصالحة

قال عزّ وجلّ: «وَٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلۡنَٰهَا وَٱبۡنَهَآ ءَايَة لِّلۡعَٰلَمِينَ»(2).

وقال جلّ وعلا: «فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰت لِّلۡغَيۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ»(3).

الزواج في الإسلام

قال الله تعالى: «وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡأَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَة وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ»(4).

وقال سبحانه: «وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا»(5).

وقال عزّ وجلّ: «وَأَنكِحُواْ ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰلِحِينَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وَإِمَآئِكُمۡۚ»(6).

من هدي السنّة المطهّرة

سيدة نساء العالمين

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «إن الله تعالى أختار من النساء أربع: مريم،

ص: 194


1- سورة الأحزاب، الآية: 35.
2- سورة الأنبياء، الآية: 91
3- سورة النساء، الآية: 34.
4- سورة النحل، الآية: 72.
5- سورة الفرقان، الآية: 74.
6- سورة النور، الآية: 32.

وآسية، وخديجة، وفاطمة»(1).

وقال(صلی الله علیه و آله): «أما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين»(2).

وقال(صلی الله علیه و آله): «الحسن والحسين خير أهل الأرض بعدي وبعد أبيهما، وأمهما أفضل نساء أهل الأرض»(3).

حق المرأة الأم

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «الجنة تحت أقدام الأمهات»(4).وقال(صلی الله علیه و آله): «تحت أقدام الأمهات روضة من رياض الجنة»(5).

وقال الإمام الرضا(علیه السلام): «واعلم، أن حق الأم ألزم الحقوق وأوجب؛ لأنها حملت حيث لا يحمل أحد أحداً، وَوَقَتْ بالسمع والبصر وجميع الجوارح مسرورة مستبشرة بذلك، فحملته بما فيه من المكروه الذي لا يصبر عليه أحد، ورضيت بأن تجوع ويشبع، وتظمأ ويروى، وتعرى ويكتسي، وتظله وتضحى، فليكن الشكر لها والبر والرفق بها على قدر ذلك، وإن كنتم لا تطيقون بأدنى حقها إلّا بعون الله»(6).

وقال رجل لرسول الله(صلی الله علیه و آله): إن والدتي بلغها الكبر، وهي عندي الآن أحملها على ظهري، وأطعمها من كسبي، وأميط عنها الأذى بيدي،

ص: 195


1- بحار الأنوار 43: 19.
2- الأمالي للشيخ الصدوق: 113.
3- عيون أخبار الرضا(علیه السلام) 2: 62.
4- مستدرك الوسائل 15: 180.
5- مستدرك الوسائل 15: 181.
6- بحار الأنوار 71: 77.

وأصرف عنها مع ذلك وجهي استحياءً منها وإعظاماً لها، فهل كافأتها؟

قال: «لا؛ لأن بطنها كان لك وعاءً، وثديها كان لك سقاءً، وقدمها لك حذاءً، ويدها لك وقاءً، وحجرها لك حواءً، وكانت تصنع ذلك لك وهي تمنى حياتك، وأنت تصنع هذا بها وتحب مماتها»(1).

وقيل: يا رسول الله، ما حق الوالد؟

قال: «أن تطيعه ما عاش».فقيل: وما حق الوالدة؟

فقال: «هيهات هيهات، لو أنه عدد رمل عالج، وقطر المطر أيام الدنيا، قام بين يديها، ما عدل ذلك يوم حملته في بطنها»(2).

وقيل للإمام زين العابدين(علیه السلام): أنت أبر الناس بأمك، ولا نراك تأكل معها؟!

قال: «أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت عينها إليه، فأكون قد عققتها»(3).

وقال الإمام الباقر(علیه السلام): «قال موسى بن عمران: يا رب، أوصني؟ قال: أوصيك بي. فقال: يا رب أوصني؟ قال: أوصيك بي - ثلاثاً - . قال: يا رب، أوصني؟ قال: أوصيك بأمك. قال: يا رب، أوصني؟ قال: أوصيك بأمك. قال: أوصني؟ قال: أوصيك بأبيك...»(4).

ص: 196


1- مستدرك الوسائل 15: 180.
2- عوالي اللئالي 1: 269.
3- مكارم الأخلاق: 221.
4- الأمالي للشيخ الصدوق: 511.

وقال الإمام السجاد(علیه السلام): «أما حق أمك، فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحداً، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحداً. ووَقَتْكَ بجميع جوارحها، ولم تبال أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك، وتضحىوتظلك...»(1).

حب النساء

حب النساء(2)

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «كلما ازداد العبد إيماناً أزداد حباً للنساء»(3).

وقال الإمام الصادق(علیه السلام): «من أخلاق الأنبياء صلى الله عليهم حب النساء»(4).

وقال(علیه السلام): «كل من اشتد لنا حباً أشتد للنساء حباً وللحلواء»(5).

الزوجة الصالحة

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «من سعادة المرء الزوجة الصالحة»(6).

وقال الإمام الرضا(علیه السلام): «ما أفاد عبد فائدة خيراً من زوجة صالحة، إذا رآها سرته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله»(7).

المرأة وخدمة الزوج

قال الإمام الصادق(علیه السلام): «سألت أم سلمة رسول الله(صلیالله علیه و آله) عن فضل

ص: 197


1- من لا يحضره الفقيه 2: 621.
2- إن الإسلام أكد على حب المرأة من الزوجة والأم والبنت والأخت ومن أشبه في مقابل أولئك الذين يبغضون المرأة وتسود وجوههم وهم كاظمين من الأنثى.
3- النوادر للراوندي: 12.
4- الكافي 5: 320.
5- السرائر 3: 636.
6- الكافي 5: 327.
7- الكافي 5: 327.

النساء في خدمة أزواجهن؟ فقال: ما من امرأة رفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع تريد به صلاحاً نظر الله إليها ومن نظر الله إليه لم يعذبه»(1).

وقال أمير المؤمنين(علیه السلام): «جهاد المرأة حسن التبعل»(2).

أبغض الحلال عند اللّه الطلاق

قال الإمام الباقر(علیه السلام): «إن الله عزّ وجلّ يبغض كل مطلاق ذواق»(3).

وقال رسول(صلی الله علیه و آله): «ما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجلّ من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة...»(4). يعني الطلاق.

وقال الإمام الصادق(علیه السلام): «إن الله عزّ وجلّ يحب البيت الذي فيه العرس، ويبغض البيت الذي فيه الطلاق، وما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجلّ من الطلاق»(5).

ص: 198


1- الأمالي للشيخ الطوسي: 618.
2- الكافي 5: 9.
3- الكافي 6: 55.
4- الكافي 5: 328.
5- الكافي 6: 54.

الحجاب الدرع الواقي

الحجاب في القرآن

وردت في القرآن الكريم آيات عديدة حول الحجاب، منها قوله تعالى: «وَإِذَا سَأَلۡتُمُوهُنَّ مَتَٰعا فَسَۡٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٖۚ ذَٰلِكُمۡ أَطۡهَرُ لِقُلُوبِكُمۡ وَقُلُوبِهِنَّۚ»(1).

ومنها قوله سبحانه: «وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِنَّ وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَاۖ وَلۡيَضۡرِبۡنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّۖ»(2). والخمار: هو الغطاء الذي يوضع على الرأس فيغطي الأذن والصدر والرقبة(3).

ومنها قوله عزّ وجلّ: «وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِٱلۡأُولَىٰۖ»(4).

ص: 199


1- سورة الأحزاب، الآية: 53.
2- سورة النور، الآية: 31.
3- الخمر بضمتين: جمع خمار وهو ما تغطي به المرأة رأسها وينسدل على صدرها، والمراد بالجيوب: الصدور، والمعنى: وليلقين بأطراف مقانعهن على صدورهن ليسترنها بها. وفي (مجمع البحرين) مادة (خمر): أي مقانعهن، جمع خمار وهي المقنعة.
4- سورة الأحزاب، الآية: 33.

لماذا الحجاب؟

اشارة

ولكن: لماذا الحجاب؟ هكذا يتساءل الكثير من الشبان والشابات... أليس الحجاب تقييداً لحرية المرأة؟ وأساساً ما هي العوامل التي جعلت الإسلام يشرّع الحجاب؟

والجواب يتلخص في حفظ الإنسان والمجتمع عن الرذيلة والفساد، والحفاظ على كرامة المرأة وعفتها وشرفها، مضافاً إلى أمور أخرى، نشير إلى بعضها:

أولاً: بقاء المحبة الزوجية

ينوّه (علم النفس) أن المتزوجة المحجبة تستقطب حب الزوج واهتمامه اكثر من غيرها، لماذا؟

ذلك لأن (الإنسان حريص على ما منع) فالمرأة المحجبة - عادة - أقرب إلى قلب الزوج من المرأة المتبرجة... إذ المرأة بلا عباءة التي يراها الرجل من الرأس إلى القدم يومياً عشرات المرات... تفقد إغراءها الخاص، ولا يراها زوجها أنها مختصة به. عكس المرأة المحجبة التي تظل مجهولة، ومثيرة... بالنسبة إلى الزوج، ومصونة في قبال الآخرين.

وهكذا المرأة الريفية المحجبة ببساطتها تكون أقرب إلى قلبزوجها من المرأة العادية غير المحجبة، إن المرأة في الريف تتعاون مع زوجها... تذهب في الصباح إلى الحقل لتزرع... وتطحن وتخبز... وتغسل... وتقوم بسائر المهام الملقاة على عاتقها بالمحبة والعطوفة وهي بحجابها ومن دون أن تختلط بالأجانب... وعندما تعود في الليل إلى الكوخ... إذا بالزوج ينظر إليها كملاك أو حورية، ويبدي حبه تجاهها... لماذا؟ لأنه

ص: 200

بقي في هذه المرأة الإغراء والاختصاص.

وقد ورد أنه من المكروهات في الإسلام: ذهاب الزوجين إلى الفراش عاريين(1)...

إذ في هذه الحالة قد لا تبقى في جسد الزوجة مناطق إغراء مجهولة نهائيا.

نعم إن الرجل يشعر بأن الزوجة المحجبة تخصه دون سائر الرجال، عكس المرأة غير المحجبة فإنها لاتختص بزوجها بل يراها الجميع... .

وهذا مما يؤثر في تماسك الأسرة وعدم تلاشيها، ولهذا السبب كان الطلاق قليلاً في المجتمعات الإسلامية، على عكس ما نراهاليوم من كثرته، فكان آباؤنا يتزوجون ويعيشون سنين طويلة دون أن تجري على شفاههم كلمة (الطلاق)... فإنهم كانوا يجدون في زوجاتهم - اللاتي كن يرتدين الحجاب - الإغراء والجاذبية والحنان.

ثانياً: الحفاظ على الحياة الزوجية

عندما تكون المرأة محجبة، تستمر الحياة الزوجية... إذ في هذه الحالة لا يرى الزوج غير زوجته عادة، ولذلك فهو قانع بها، ولا ترى الزوجة غير زوجها ولذلك فهي قانعة به.

لكن: عندما تكون النساء سافرات، وعندما يكون هناك اختلاط، فمن الطبيعي أن يرى الزوج نساءً أجمل من زوجته... وأن ترى الزوجة رجالا أجمل من زوجها... وهذا ما يؤدي كثيراً إلى تردّي العلاقات

ص: 201


1- راجع موسوعة الفقه 62: 121-122، كتاب النكاح في مكروهات المقاربة وفيه: ويكره الجماع وهو عريان... وفي الحديث عن الصادق(علیه السلام) عن آبائه(علیهم السلام) عن النبي(صلی الله علیه و آله) قال: «إذا تجامع الرجل والمرأة فلا يتعريان» الحديث. وسائل الشيعة 20: 120.

الزوجية... وفي النهاية: إلى الطلاق!

مثلاً: في أميركا وحدها يوجد 7 ملايين طلب طلاق، كما جاء في بعض الصحف.

وفي الاتحاد السوفيتي يقول تقرير نشرته إحدى الصحف الرسمية(1): إن حالة واحدة من كل تسع حالات زواج تنتهي بالطلاقفي الاتحاد السوفيتي!

لماذا تصل نسبة الطلاق في هذه البلدان هذا الحد؟

ببساطة: لأن الرجل رأى امرأة أجمل من زوجته في السينما، أو الجامعة، أو الشارع، أو في أي مكان آخر، فعاد إلى البيت ولم يكتف بزوجته... فأثر على سلوكه وسلوكها... فطلق زوجته لكي يتزوج غيرها.

ثالثاً: توقي الانحرافات الجنسية

كم من الانحرافات والاتصالات الجنسية غير المشروعة تحدث في المجتمع في الوقت الحاضر!

ألا يلعب السفور والتبرج دورا أساسياً في ذلك؟

ألا تسيل المرأة المتبرجة لعاب الرجال لكي يركضوا خلفها ويحاولوا الحصول منها على المتع المحرمة؟

ص: 202


1- صحيفة البراقدا. هذه الإحصائية قديمة نوعاً ما، أما الجديدة منها فانه في سنة (2011م) نسبة الطلاق إلى الزواج هي 51% وهكذا الحال في باقي البلدان والدول العربية والإسلامية أيضاً بشكل ملحوظ.

وأليس الحجاب هو الأفضل لتوقي هذه الانحرافات؟

وهل من الصحيح أن يرمي الصائغ ذهبه ومجوهراته في الطريق؟ ألا يعني ذلك تعرضها للسرقة من اللصوص؟

وكذلك المرأة المتبرجة كثيراً ما تكون عرضة ل-(سراق الأعراض).

ولنلقي هنا نظرة سريعة على واقع المجتمعات الغربية:

يقول أحد القضاة في أميركا(1):

إن 45% من فتيات المدارسالمختلطة يدنسن أعراضهن قبل خروجهن منها، وترتفع هذه النسبة كثيراً في مراحل التعليم التالية.

كما دلت الإحصاءات التي أجريت على حقائب طالبات المدارس في بريطانيا: أن 80% منهن يحملن معهن الأقراص المانعة من الحمل، وهذا يكشف عن إنهن مهيئات نفسياً لممارسة الدعارة والفجور في أول لحظة، مهيئات للاستجابة لأول طلب، وإنهن يقدمن على حمل هذه الأقراص هروباً من التبعات الثقيلة(2).

وأخيراً فإن للتبرج والسفور دوراً كبيرا في حوادث الاغتصاب والقتل، وما أشبه ذلك(3).

ص: 203


1- هو القاضي (لندسي).
2- هذا بالإضافة إلى ما يجري من الفضائح في النوادي الليلية ونوادي العراة، راجع للتفصيل كتاب (تجارة النساء في أوروبا) تأليف كريس دي ستووب.
3- كانتشار بعض الأمراض الخطيرة القاتلة من أمثال الإيدز... فقد نقلت (المجلة) في ملحق عددها 905 أن: 8500 شخص جديد يصابون كل يوم بالإيدز، بينهم ألف طفل تحت سن 15 عاماً، وأكثر من 8 ملايين طفل فقدوا أمهاتهم بسبب الإصابة بالإيدز، وحوالي 8 ملايين شخص أصيبوا منذ بداية انتشار المرض وتوفي 6 ملايين آخرين.

فقد نشرت بعض الصحف الغربية(1):

أن تقارير البوليس الأميركي تشير إلى ارتفاع نسبة جرائم الاغتصاب عاماً بعد عام، ففيواشنطن فقط تقع جريمة اغتصاب كل (15) دقيقة.

والواقع: أن مظاهر الميوعة التي تنتشر في أميركا وغيرها من بلاد الغرب ذات أثر بالغ في ازدياد حالات الاغتصاب... وفي كثير من الأحيان تحدث حالات قتل بسبب امتناع الفتاة من تسليم نفسها أو ما أشبه(2).

أمثلة من الواقع

اشارة

وهنا لا بد أن نذكر بعض الأمثلة من الواقع عن الحجاب والتبرج... إكمالاً للفائدة وإتماماً للغرض.

نظرة السوء

1- جاء في التفاسير: إن شاباً من الأنصار استقبل في طريقه امرأة حسناء متسامحة في حجابها، مظهرة محاسنها، فاستهوت فؤاده... فاتبعها

ص: 204


1- صحيفة الغارديان البريطانية.
2- نقلت مجلة (النبأ) الصادرة عن المستقبل للثقافة والإعلام، بيروت في عددها 17-18 رجب وشعبان 1418ه ص37 تحت عنوان (المرأة البريطانية إذا حكت): في استفتاء شمل 500 امرأة بريطانية تبيّن أن نصف البريطانيات اعترفن بعلاقات مع الرجال خارج حياتهن الزوجية، وغالبيتهن كشفن أنهن غير نادمات على ذلك!، الاستفتاء الذي أعلن عنه في حفلة توزيع جوائز (امرأة العالم) في لندن شمل نساء يمارسن السياسة والصحافة والرياضة والتجارة والإدارة والطب والمحاماة والمقاولة والجمعيات الخيرية، وكشف الاستفتاء أن 42% اعترفن بالزنا وأعمارهن بين 51 و64 سنة، و39% مطلقات، و60% لديهن أولاد، الثلثان منهن اعترفن بأنهن لسن أمهات جيدات لأسباب عدة منها: غياب الوقت الكافي للجلوس مع العائلة، والأنانية، والتعب في العمل الذي ينعكس سلباً على البيت، وفقدان الوقت لبحث قضايا مهمة مع الأزواج.

النظر ومشى خلفها بصورة لاشعورية... فكلما سلكت طريقاً سلكه، حتى دخلت في زقاق وهو خلفها، فاعترضت وجهه زجاجة أو ما شابه، مثبتة في الحائط، فشقت وجهه وهو لا يشعر، فسالت الدماء على صدره، ولم يشعر بما أصابه إلّا بعد أن توارت المرأة في بيتها... فجاء إلى النبي(صلی الله علیه و آله) وشكا له أمر الفتاة، وحكى القصة، فنزلت قوله تعالى:

«قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ * وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِنَّ وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَاۖ وَلۡيَضۡرِبۡنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّۖ وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوۡ ءَابَآئِهِنَّ أَوۡ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ أَبۡنَآئِهِنَّ أَوۡ أَبۡنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ إِخۡوَٰنِهِنَّ أَوۡ بَنِيٓ إِخۡوَٰنِهِنَّ أَوۡ بَنِيٓ أَخَوَٰتِهِنَّ أَوۡ نِسَآئِهِنَّ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُنَّ أَوِ ٱلتَّٰبِعِينَ غَيۡرِ أُوْلِي ٱلۡإِرۡبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفۡلِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يَظۡهَرُواْ عَلَىٰ عَوۡرَٰتِ ٱلنِّسَآءِۖ وَلَا يَضۡرِبۡنَ بِأَرۡجُلِهِنَّ لِيُعۡلَمَ مَا يُخۡفِينَ مِن زِينَتِهِنَّۚ وَتُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ»(1)(2).

أحبلني ميكائيل!!

2- حدث مرة أن فتاة حملت، فظن أهلها أن سبب ذلك هو تكوّن غازات أو ما أشبه في بطنها، فذهبوا بها إلى الطبيب ليكشف عليها، وبعد الفحص قال الطبيب: إن الفتاة حامل!!

ص: 205


1- سورة النور: 30-31.
2- الكافي 5: 521، تفسير الصافي 3: 429.

ففوجئ الأهل بذلك، كيف حملت وهي لم تتزوج بعد؟!! وعندما طرحوا عليها هذا السؤال...

أجابت الفتاة: أحبلني ملك الله ميكائيل!!

وعندما واجهت استنكار العائلة، قالت في إصرار: هل ذلك أمر عجيب، ألم يحبل جبرائيل مريم ابنة عمران؟؟

وبعد الفحص والبحث تبين أن صاحب دكان في الحي نفسه هو الذي مارس معها الجنس، بعد أن أعجب بجمالها السافر، وبعد أن أغراها، وذلك لعدم حجابها بشكل جيد.

قال الشاعر:

نظرة فابتسامة فسلام *** فكلام فموعد فلقاء

من آثار عدم الحجاب

3- في إحدى البلاد كانت تعيش امرأة وكان لها زوج، ولها منه أربعة أولاد وكانا يعيشان بانسجام كامل، رغم أن الزوج كان يكبر زوجته بسنوات عديدة. وكان على قرب بيتهما كاسب خبيث... وكان يرى جمال هذه المرأة التي كانت شبه سافرة ولم تحفظ حجابها بشكل جيد، فطمع فيها... فأخذ يغريها ويقول لها: أنت فتاةجميلة وصغيرة فكيف ترضين بالعيش مع هذا الرجل الكبير السن؟

وما زال بها كذلك... حتى غّيرت الزوجة سلوكها مع زوجها واضطر الزوج تحت ضغط زوجته المخدوعة أن يطلقها حتى تتزوج من ذلك الشاب الخبيث!... وهكذا هدم السفور بيت الزوجية وفرّق بين الزوجين وضيّع الأطفال.

ص: 206

برصيصا العابد

4- كان عابد في بني إسرائيل اسمه برصيصا، ومن شدة عبادته لله أصبح مستجاب الدعوة.

وذات يوم جاءه إخوان أربعة كانت لديهم أخت خرساء جميلة، حتى يدعو الله لكي يحل عقدة لسانها. بيد أن العابد كان مشغولا بالتعبد داخل الصومعة، فقد ترك الإخوان الأربعة أختهم الخرساء عند الباب لكي يدعو لها العابد.

وفي الصباح فتح العابد الباب ليفاجأ بهذه الفتاة الجميلة الرائعة غير المحجبة، فسحره جمالها، وبيت في نفسه أمراً، بعد طرح عنيف بين شهواته وعقله.

فأخذ الفتاة إلى الداخل وزنى بها، إلّا أنه خاف من الفضيحة، فوسوت له نفسه لكي يقتلها، وفعلاً قتلها ودفنها!

وعندما جاء الإخوان الأربعة لأخذ أختهم لم يجدوها فسألوا عنها فأنكر العابد علمه بها.فأخذ الإخوان الأربعة بالبحث عن أختهم حتى عثروا في نهاية المطاف على بقعة من الأرض مبعثرة فحفروها وإذا بهم يجدون في داخلها جثة أختهم، وأخذوا العابد إلى البلد فاعترف بجريمته البشعة، وعندما التف حبل المشنقة حول عنقه، تمثل له الشيطان قائلا: إنني أنا الذي أوصلتك إلى هذه الحالة وإنني أستطيع أن أنجيك ولكن بشرط!

فقال العابد في لهفة: ما هو الشرط؟

أجاب الشيطان: أن تسجد لي.

ص: 207

فقال العابد: لا أستطيع السجود وأنا بهذه الحالة.

فقال الشيطان: اسجد لي بعينك.

وفعلاً: أومأ العابد بعينيه كرمز للسجود للشيطان

وإذا بالحبل يلتف حول عنقه وينتقل إلى نار جهنم: زانياً قاتلاً كافراً!(1).

إن في هذه القصص التي ذكرناها - وهي قليل من كثير - دلائل واضحة على العواقب الوخيمة التي يؤدي إليها السفور والتبرج. فهل هناك من يعتبر؟!!

خاتمة

اشارة

وهناك أمور يلزم التذكير بها:

المرأة وطلب العلم

1- إن الإسلام لا يمنع من العلم ولا من تعلم المرأة(2)،

ولا يمنع من عمل المرأة أعمالاً تناسب شرفها وعفافها، وإنما الذي يمنع عنه الإسلام هو الاختلاط والسفور وحضور الفتيان والفتيات المحلات المريبة.

الزواج المبكر

2- إن الإسلام يحرض على الزواج المبكر، فالفتاة ذات العشر سنوات الرشيدة يستحب تزويجها، قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «من سعادة الرجل أن لا تحيض ابنته في بيته»(3).

ص: 208


1- تفسير مجمع البيان 9: 438.
2- بل يؤكد على ذلك ويعتبره فريضة، كما قال(صلی الله علیه و آله): «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة» كنز الفوائد 2: 107.
3- من لا يحضره الفقيه 3: 472.

كما أن الولد إذا بلغ (وبلوغه غالباً بين الثالثة عشرة والسادسة عشرة) يستحب زواجه.

ومن المستحب الأكيد: تقليل المهر وتسهيل رسوم الزواج، فقد قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «أفضل نساء أمتي... أقلهن مهراً»(1).

وفي الحديث عن الإمام الرضا(علیه السلام) قال: «نزل جبرئيل على النبي(صلی الله علیه و آله) فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول: إن الأبكار من النساء بمنزلة الثمر على الشجر، فإذا أينع الثمر فلا دواءله إلّا اجتناؤه، وإلّا أفسدته الشمس وغيرته الريح، وإن الأبكار إذا أدركن ما تدرك النساء فلا دواء لهن إلّا البعول، وإلّا لم يؤمن عليهن الفتنة. فصعد رسول الله(صلی الله علیه و آله) المنبر فخطب الناس ثم أعلمهم ما أمرهم الله به.

فقالوا ممن يا رسول الله؟ فقال: من الأكفاء.

فقالوا: ومن الأكفاء؟ فقال: المؤمنون بعضهم أكفاء بعض، ثم لم ينزل حتى زوَّج ضباعة بنت زبير بن عبد المطلب لمقداد بن الأسود، ثم قال: أيها الناس إنما زوجت ابنة عمي المقداد ليتضع النكاح»(2).

المرأة كاملة لا نقص فيها

3- ما يظهر من بعض الفوارق الجزئية بين الرجل والمرأة في الخلقة والإحساسات لا يكون نقصاً في أحدهما.

بل إن مثل المرأة والرجل مثل السيارة الصغيرة المعدة لحمل

ص: 209


1- الكافي 5: 324.
2- عيون أخبار الرضا 1: 289.

المسافرين، والسيارة الكبيرة المعدة لحمل الحديد والأحجار - إن صح التعبير - فقد جُعلت كل واحدة منهما لشأن، فلا نقص في أحدهما، وإنما اختلافهما هو لمصلحة.

فإن المرأة خُلقت عاطفية أكثر من الرجل لدورها في تربية الأطفال، والرجل خُلق عقلانياً أكثر، وذلك لاحتياج الاجتماع إلىكلا الأمرين، فجعل التساوي المطلق بينهما خلاف تركيب خلقهما. فلو ألقي عمل الرجل على المرأة، أو عمل المرأة على الرجل، كان ذلك كما إذا حملت السيارة الصغيرة الحديد والحجارة، أو حملت السيارة الكبيرة الركاب، ففي الأول عطب السيارة، وفي الثاني عطب المسافرين.

مشروع الزواج

4- ينبغي أن يكون في كل بلد (صندوق الزواج) ليعين على تزويج العزاب والعازبات، ومساعدتهم في تكوين عش الزوجية، قال تعالى: «وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ»(1).

ونرى أن رسول الله(صلی الله علیه و آله) كان يهتم لتزويج من لم يكن متزوجاً، وكذلك الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام)، وسائر الأئمة الطاهرين(علیهم السلام). فقد روي عن الصادق(علیه السلام): «إن رسول الله(صلی الله علیه و آله) زوّج المقداد بن الأسود الكندي ضباعة ابنة الزبير بن عبد المطلب، وإنما زوجه لتتضع المناكح، وليتأسوا برسول الله(صلی الله علیه و آله) وليعلموا أن أكرمهم عند الله أتقاهم»(2).

ص: 210


1- سورة المائدة، الآية: 2.
2- تهذيب الأحكام 7: 395.

كما أمر(صلی الله علیه و آله) بتزويج جويبر في قصة مفصلة، حيث ورد عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت عند أبي جعفر(علیهالسلام) إذ استأذن عليه رجل فأذن له فدخل عليه فسلّم، فرحب به أبو جعفر(علیه السلام) وأدناه وساءله.

فقال الرجل: جعلت فداك إني خطبت إلى مولاك فلان بن أبي رافع ابنته فلانة فردني ورغب عني وازدرأني لدمامتي وحاجتي وغربتي، وقد دخلني من ذلك غضاضة هجمة غض لها قلبي تمنيت عندها الموت.

فقال أبو جعفر(علیه السلام): «اذهب فأنت رسولي إليه، وقل له: يقول لك محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(علیهم السلام): زوّج منجح ابن رباح مولاي ابنتك فلانة ولا ترده».

قال أبو حمزة: فوثب الرجل فرحاً مسرعاً برسالة أبي جعفر(علیه السلام)، فلما أن توارى الرجل قال أبو جعفر(علیه السلام): «إن رجلاً كان من أهل اليمامة يقال له: جويبر أتى رسول الله(صلی الله علیه و آله) منتجعاً للإسلام فأسلم وحسن إسلامه، وكان رجلاً قصيراً دميماً محتاجاً عارياً، وكان من قباح السودان، فضمه رسول الله(صلی الله علیه و آله) لحال غربته وعراه، وكان يجري عليه طعامه صاعاً من تمر بالصاع الأول، وكساه شملتين، وأمره أن يلزم المسجد ويرقد فيه بالليل، فمكث بذلك ما شاء الله حتى كثر الغرباء ممن يدخل في الإسلام من أهل الحاجة بالمدينة وضاق بهم المسجد، فأوحى الله عزّ وجلّ إلى نبيه(صلی الله علیه و آله): أن طهر مسجدك، وأخرج منالمسجد من يرقد فيه بالليل، ومر بسد أبواب من كان له في مسجدك باب إلّا باب علي(علیه السلام) ومسكن فاطمة(علیها السلام)، ولايمرن فيه جنب، ولا يرقد فيه غريب.

قال: فأمر رسول الله(صلی الله علیه و آله) بسد أبوابهم إلّا باب علي(علیه السلام) وأقر مسكن

ص: 211

فاطمة(علیها السلام) على حاله. قال: ثم إن رسول الله(صلی الله علیه و آله) أمر أن يتخذ للمسلمين سقيفة، فعملت لهم وهي الصُفة، ثم أمر الغرباء والمساكين أن يظلوا فيها نهارهم وليلهم، فنزلوها واجتمعوا فيها، فكان رسول الله(صلی الله علیه و آله) يتعاهدهم بالبر والتمر والشعير والزبيب إذا كان عنده، وكان المسلمون يتعاهدونهم ويرقون عليهم لرقة رسول الله(صلی الله علیه و آله) ويصرفون صدقاتهم إليهم.

فإن رسول الله(صلی الله علیه و آله) نظر إلى جويبر ذات يوم برحمة منه له ورقّة عليه، فقال: يا جويبر لو تزوجت امرأة فعففت بها فرجك وأعانتك على دنياك وآخرتك.

فقال له جويبر: يا رسول الله بأبي أنت وأمي من يرغب في؟ فو الله ما من حسب ولا نسب ولا مال ولا جمال، فأية امرأة ترغب في؟

فقال له رسول الله(صلی الله علیه و آله): يا جويبر إن الله قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية شريفاً، وشرّف بالإسلام من كان في الجاهلية وضيعاً، وأعز بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلاً، وأذهببالإسلام ما كان من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها، فالناس اليوم كلهم أبيضهم وأسودهم وقرشيهم وعربيهم وعجميهم من آدم، وإن آدم(علیه السلام) خلقه الله من طين، وإن أحب الناس إلى الله عزّ وجلّ يوم القيامة أطوعهم له وأتقاهم، وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين عليك اليوم فضلاً إلّا لمن كان أتقى لله منك وأطوع، ثم قال له: انطلق يا جويبر إلى زياد بن لبيد، فإنه من أشرف بني بياضة حسباً فيهم، فقل له: إني رسولُ رسولِ الله إليك وهو يقول لك: زوّج جويبر ابنتك الذلفاء.

ص: 212

قال: فانطلق جويبر برسالة رسول الله(صلی الله علیه و آله) إلى زياد بن لبيد وهو في منزله وجماعة من قومه عنده، فاستأذن، فأعلم، فأذن له فدخل وسلّم عليه، ثم قال: يا زياد بن لبيد: إني رسولُ رسولِ الله(صلی الله علیه و آله) إليك في حاجة لي فأبوح بها أم أسرها إليك؟

فقال له زياد: بل بح بها فإن ذلك شرف لي وفخر.

فقال له جويبر: إن رسول الله(صلی الله علیه و آله) يقول لك: زوج جويبراً ابنتك الذلفاء.

فقال له زياد: أرسول الله أرسلك إليّ بهذا؟

فقال له: نعم ما كنت لأكذب على رسول الله(صلی الله علیه و آله)؟

فقال له زياد: إنا لا نزوج فتياتنا إلّا أكفاءنا من الأنصار، فانصرف يا جويبر حتى ألقى رسول الله(صلی الله علیه و آله) فاخبره بعذري.فانصرف جويبر وهو يقول: والله ما بهذا نزل القرآن ولا بهذا ظهرت نبوة محمد(صلی الله علیه و آله).

فسمعت مقالته الذلفاء بنت زياد وهي في خدرها، فأرسلت إلى أبيها: أدخل إلي، فدخل إليها، فقالت له: ما هذا الكلام الذي سمعته منك تحاور به جويبراً؟

فقال لها: ذكر لي أن رسول الله(صلی الله علیه و آله) أرسله، وقال: يقول لك رسول الله(صلی الله علیه و آله): زوج جويبراً ابنتك الذلفاء.

فقالت له: والله ما كان جويبر ليكذب على رسول الله(صلی الله علیه و آله) بحضرته فابعث الآن رسولاً يرد عليك جويبراً.

فبعث زياد رسولاً فلحق جويبراً، فقال له زياد: يا جويبر مرحباً

ص: 213

بك، اطمئن حتى أعود إليك، ثم انطلق زياد إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله) فقال له: بأبي أنت وأمي إن جويبراً أتاني برسالتك وقال: إن رسول الله(صلی الله علیه و آله) يقول لك: زوج جويبراً ابنتك الذلفاء، فلم ألن له في القول، ورأيت لقاءك، ونحن لا نزوج إلّا أكفاءنا من الأنصار.

فقال له رسول الله(صلی الله علیه و آله): يا زياد جويبر مؤمن، والمؤمن كفو للمؤمنة، والمسلم كفو للمسلمة، فزوجه يا زياد ولا ترغب عنه. قال: فرجع زياد إلى منزله ودخل على ابنته، فقال لها ما سمعه من رسول الله(صلی الله علیه و آله).فقالت له: إنك إن عصيت رسول الله(صلی الله علیه و آله) كفرت، فزوج جويبراً.

فخرج زياد فأخذ بيد جويبر، ثم أخرجه إلى قومه، فزوجه على سنة الله وسنة رسوله(صلی الله علیه و آله) وضمن صداقه. قال: فجهزها زياد وهيئوها ثم أرسلوا إلى جويبر فقالوا له: ألك منزل فنسوقها إليك؟

فقال: والله مالي من منزل. قال: فهيؤوها وهيؤوا لها منزلاً وهيؤوا فيه فراشاً ومتاعاً وكَسَوْا جويبراً ثوبين، وأدخلت الذلفاء في بيتها وأدخل جويبر عليها معتماً، فلما رآها نظر إلى بيت ومتاع وريح طيبة قام إلى زاوية البيت فلم يزل تالياً للقرآن راكعاً وساجداً حتى طلع الفجر، فلما سمع النداء خرج وخرجت زوجته إلى الصلاة فتوضأت وصلت الصبح، فسُئلت: هل مسّكِ؟

فقالت: مازال تالياً للقرآن وراكعاً وساجداً حتى سمع النداء فخرج.

فلما كانت الليلة الثانية فعل مثل ذلك، وأخفوا ذلك من زياد، فلما كان اليوم الثالث فعل مثل ذلك، فاُخبر بذلك أبوها، فانطلق إلى رسول

ص: 214

الله(صلی الله علیه و آله) فقال له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله(صلی الله علیه و آله) أمرتني بتزويج جويبر، ولا والله ما كان من مناكحنا، ولكن طاعتك أوجبت عليّ تزويجه.

فقال له النبي(صلی الله علیه و آله): فما الذي أنكرتم منه؟قال: إنا هيأنا له بيتاً ومتاعاً، وأدخلت ابنتي البيت وأدخل معها معتماً، فما كلمها ولا نظر إليها ولا دنا منها، بل قام إلى زاوية البيت فلم يزل تالياً للقرآن راكعاً وساجداً حتى سمع النداء فخرج، ثم فعل مثل ذلك في الليلة الثانية ومثل ذلك في الثالثة ولم يدن منها ولم يكلمها إلى أن جئتك، وما نراه يريد النساء، فانظر في أمرنا؟ فانصرف زياد وبعث رسول الله(صلی الله علیه و آله) إلى جويبر فقال له: أما تقرب النساء؟

فقال له جويبر: أو ما أنا بفحل؟ بلى يا رسول الله إني لشبق نهم إلى النساء.

فقال له رسول الله(صلی الله علیه و آله): قد خُبرت بخلاف ما وصفت به نفسك، قد ذكر لي أنهم هيؤوا لك بيتاً وفراشاً ومتاعاً وأدخلت عليك فتاة حسناء عطرة، وأتيت معتماً فلم تنظر إليها ولم تكلمها ولم تدن منها، فما دهاك إذن؟

فقال له جويبر: يا رسول الله دخلت بيتاً واسعاً، ورأيت فراشاً ومتاعاً وفتاة حسناء عطرة، وذكرت حالي التي كنت عليها، وغربتي وحاجتي وضيعتي وكسوتى مع الغرباء والمساكين، فأحببت إذ أولاني الله ذلك أن أشكره على ما أعطاني، وأتقرب إليه بحقيقة الشكر، فنهضت إلى جانب البيت فلم أزل في صلاتي تالياً للقرآن راكعاً وساجداً

ص: 215

أشكر الله حتى سمعت النداء فخرجت، فلما أصبحترأيت أن أصوم ذلك اليوم، ففعلت ذلك ثلاثة أيام ولياليها، ورأيت ذلك في جنب ما أعطاني الله يسيراً، ولكني سأرضيها وأرضيهم الليلة إن شاء الله.

فأرسل رسول الله(صلی الله علیه و آله) إلى زياد فأتاه وأعلمه ما قال جويبر فطابت أنفسهم. قال: وفى لهم جويبر بما قال، ثم إن رسول الله(صلی الله علیه و آله) خرج في غزوة له ومعه جويبر فاستشهد رحمه الله تعالى، فما كان في الأنصار أيِّم أنفق(1) منها بعد جويبر(2)».

وهكذا كان أمير المؤمنين علي(علیه السلام) فقد زوّج من بيت المال الشاب الأعزب الذي استمنى(3).

وفي الحديث عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «جاء رجل إلى أبي(علیه السلام)، فقال له: هل لك من زوجة؟ فقال: لا.

فقال إني ما أحب أن لي الدنيا وما فيها، وإني بت ليلة وليست لي زوجة.ثم قال(علیه السلام): الركعتان يصليهما رجل متزوج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره، ثم أعطاه أبي سبعة دنانير، قال له: تزوج بهذه. ثم قال أبي(علیه السلام): قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): اتخذوا الأهل فإنه أرزق

ص: 216


1- الأيِّم: الحرة، والذي لا زوج له، وأَنفق: من النَّفَاقْ وهو ضد الكساد، أي كان الناس يرغبون في تزويجها ويبدون الأموال العظيمة لمهرها، وليس من الإنفاق كما توهم.
2- الكافي 5: 339.
3- فعن الإمام الصادق(علیه السلام) قال: «إن أمير المؤمنين أتي برجل عبث بذكره فضرب يده حتى احمرت ثم زوجه من بيت المال» الكافي 7: 265.

لكم»(1).

الزواج ومواصلة الدراسة

5- يلزم إلغاء العادة الغربية القاضية بعدم زواج الطلاب والطالبات إلى حين التخرج، وكذلك القاضية بعدم زواج الجندي إلى حين إتمامه دورة التدرب... فإن معنى ذلك فتح دور الدعارة وفساد الشباب والفتيات وتعميم العادة السرية الضارة بالصحة وإعطاء الفرصة للبغاء والانحراف الجنسي.

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «إذا جاءكم من ترضون خُلُقه ودينه فزوجوه، إلّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»(2).

وقال(صلی الله علیه و آله): «إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، فإن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»(3).

ثم إن المتزوج أقدر على الدراسة والخدمة من الأعزب، إذ اشتغال الفكر بقضايا الجنس يمنع الإنسان عن التركيز في الدراسة أوالخدمة... .

قال تعالى: «وَأَنكِحُواْ

ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰلِحِينَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وَإِمَآئِكُمۡۚ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغۡنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيم»(4).

وقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس

ص: 217


1- تهذيب الأحكام 7: 239.
2- الكافي 5: 347.
3- النوادر للراوندي: 12.
4- سورة النور، الآية: 32.

مني»(1).

وقال الإمام الباقر(علیه السلام): «ركعتان يصليهما متزوج أفضل من سبعين ركعة يصليهما أعزب»(2).

وعن الصادق(علیه السلام) عن أمير المؤمنين(علیه السلام) أنه قال: «تزوجوا، فإن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال: من أحب أن يتبع سنتي فإن من سنتي التزويج»(3).

وعنه(صلی الله علیه و آله): «ما بني بناء في الإسلام أحب إلى الله تعالى من التزويج»(4).

وعنه(صلی الله علیه و آله): «من تزوج أحرز نصف دينه فليتق الله في النصف الآخر»(5).وعنه(صلی الله علیه و آله): «المتزوج النائم أفضل عند الله من الصائم القائم العزب»(6).

وفي قبال ذلك قال النبي(صلی الله علیه و آله): «رذال موتاكم العزاب»(7).

وقال(صلی الله علیه و آله): «أكثر أهل النار العزاب»(8).

ص: 218


1- جامع الأخبار: 101.
2- من لا يحضره الفقيه 3: 384.
3- الكافي 5: 329.
4- من لا يحضرة الفقيه 3: 383.
5- الكافي 5: 328-329.
6- جامع الأخبار: 101.
7- الكافي 5: 329.
8- من لا يحضره الفقيه 3: 384.

المرأة في المجتمع الغربي

المرأة في المجتمع الغربي(1)المرأة موضوع كثر الكلام حوله وغالب الكتّاب الإسلاميين - الداعين إلى الفضيلة والعفاف - يقارنون بين حال المرأة قبل الإسلام وحال المرأة في ظل الإسلام، وهي مقارنة صحيحة، لكن الكلام لا ينتهي عند هذا الحد، وإننا بحاجة إلى الفرق بين المرأة في المجتمع الإسلامي وبين المرأة في المجتمع الغربي.

ولا نريد الإسهاب في هذا الموضوع، وإنما نريد عرض طرف من أحوال المرأة في المجتمعين، لنرى هل تتوفر راحة المرأة جسديا وفكريا، وصحتها وثقافتها، ونظافة سمعتها، وإشباع غرائزها، وطهارة المجتمع الذي تعيش فيه... في ظل الإسلام أم في ظل الكفر؟تعيش المرأة في ظل الإسلام ولها من الحقوق والواجبات مثل ما للرجل من الحقوق والواجبات، فهي شق له في كل شيء... إلّا بعض الأمور التي استثنيت من جهة عدم المقتضي أو وجود المانع، فهي تشارك الرجل في:

الصلاة، والصيام، والخمس، والزكاة، والحج... ولكن حيث إن لها وظائف بيتية، بالإضافة إلى خشونة الجهاد التي لايناسب ضعفها ودقة جهازها ووفرة مشاعرها الرقيقة، لايحملها الإسلام الجهاد على الإطلاق، بل في ضرورة الضرورة فقط، كما هو مشروح في كتب الفقه(2).

ص: 219


1- نقلنا هذا المبحث عن كتاب (المرأة في ظل الإسلام) للإمام الشيرازي(رحمة الله).
2- راجع موسوعة الفقه المجلد 47-48 كتاب الجهاد للإمام الشيرازي(رحمة الله).

كما تشاركه في: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وولاية الصالحين، والبراءة من المجرمين، هذا بالنسبة إلى العبادة.

أما المعاملة بمعناها الوسيع، فلها: التجارة، والرهن، والضمان، والوديعة، والمزارعة، والمساقاة، والمضاربة، والشركة، والصلح، والعارية، والإجارة، والوكالة، والوقف، والهبة، والوصية، كما يجري عليها الحجر والفلس.

ولها النكاح، والطلاق - إذا اشترطت - ، والنذر، والحلف، والعهد، والعتق، والتدبير، والمكاتبة، والإقرار، والجعالة، والصيد، والذباحة، والشفعة، وإحياء الموات، واللقطة، والشهادة، والديات، والقصاص،والإرث... كما أن الطعام والشراب بالنسبة إليها، كسائر الرجال. وغير ذلك. نعم لها بعض الأحكام الخاصة، في بعض هذه الأبواب لأمور خارجة.

مثلاً: في الإرث لها أقل من حق الرجل، لأن الرجل هو القائم بالنفقة وعليه تبعة المسكن والملبس، وليس الطلاق بيدها لأن حق القيمومة للرجل، وذلك لأن إدارة البيت لا بد وأن توكل إلى واحد، وحزم الرجل أكثر من المرأة، ولذا جعلت إليه، وفي قبال هذا الواجب جعل حق الطلاق لتكافئ الحقوق والواجبات. وهكذا... وهكذا...

قد كانت المرأة في ظل الإسلام تعيش آمنة سعيدة مرفهة، لها حقوقها، وعليها واجباتها، حتى جاء الغرب فرآها محرومة من حقوقها!! فدافع بكل ما أوتي من حول وطول لإرجاع الحقوق إليها!! وجنّد لذلك كل عميل وذنب بإمكانياته المنتفخة، فشوقها للذهاب

ص: 220

والإياب إلى المراقص والملاهي ودور السينما والمسابح والمدارس المختلطة، كما جعل من حقها التبرج والسفور واتخاذ الأخدان، والحضور في الحفلات الساهرة، وتعاطي اللذة البريئة: النظر والكلام المتكسر والملامسة والأمر الأخير!! واعتبر كل دعوة إلى الحشمة والوقار، والحياء والعفاف والفضيلة والأخلاق... دعوة رجعية تنافي الحرية!

فالمرأة إلى أين وصلت حالتها في ظل النُظُم الغربية، بعدما كانلها كل تجلة واحترام في ظل النظم الإسلامية، لنرى كيف انهارت المرأة وانهارت معها الحياة العائلية، من جراء الدساتير الكافرة التي لا تدين بالله واليوم الآخر.

وبعد هذا نسأل حماة الغرب: هل المرأة في ظل أنظمتكم أرفه حالاً وأهنأ عيشاً وأكثر سعادة، أم في ظل الإسلام؟

ولقد شهد المنصفون من الأجانب بما للإسلام من فضل على المرأة:

يقول (سيديو): والقرآن - وهو دستور المسلمين - رفع شأن المرأة بدلاً من خفضها، فقد جعل محمد(صلی الله علیه و آله) حصة البنت في الميراث تعدل نصف حصة أخيها، مع أن البنات كن لا يرثن في زمن الجاهلية، ومحمد - وإن جعل الرجال قوامين على النساء - بين أن للمرأة حق الرعاية والحماية على زوجها(1).

ويقول (غوستاف لوبون): والإسلام قد رفع حال المرأة الاجتماعي

ص: 221


1- انظر: الإسلام بين الإنصاف والجحود.

وشأنها رفعاً عظيماً، بدلاً من خفضها، خلافاً للمزاعم المكررة على غير هدى، والقرآن قد منح المرأة حقوقاً إرثية أحسن مما في أكثر قوانيننا الأوروبية.

ويقول: هنا نستطيع أن نكرر إذن قولنا: إن الإسلام الذي رفعالمرأة كثيراً، بعيد من خفضها، ولم يقتصر فضل الإسلام على رفع شأن المرأة، بل نضيف إلى هذا: أنه أول دين فعل مثل ذلك، ويسهل إثبات هذا ببياننا: أن جميع أديان الأمم التي جاءت قبل العرب أساءت إلى المرأة(1).

وهنا مقتطفات من كتاب (الحجاب) للمودودي، للبرهنة على مدى انحطاط المرأة في ظل الكفر وما يسمى بالديمقراطية، ونكتفي هنا بالنقل من دون ذكر المصادر التي نقلها الكتاب عنها... وإليك النصوص:

(وجاء قوم، فمهدوا الأسباب لإكراه النساء، وتقدموا بحرفة البغاء، إلى أن أصبحت تجارة دولية منظمة). (أمر الإجهاض... ليس هناك قطر من الأقطار إلّا وتقترف فيه هذه الشنيعة علناً وعلى نطاق واسع، فهذه إنكلترا يسقط فيها تسعون ألف حمل في كل سنة على أقل تقدير، وتكون في كل مائة من المتزوجات فيها خمس وعشرون - على الأقل - إما يباشرن الإسقاط بأيديهن أو يستعنّ عليه بالمتخصصين، وترتفع هذه النسبة فوق هذا في غير المتزوجات، فقد أنشئت في بعض المدن هناك نواد منظمة للإسقاط... ويكثر في لندن عدد دور التمريض التي تكون معظم

ص: 222


1- الإسلام بين الإنصاف والجحود.

المريضات فيها منالمسقطات). (وفي فرنسا: نشر قائد لبعض الفرق العسكرية إعلاناً للجنود التابعة له، جاء فيه: قد بلغنا أن عامة الرجالة والخيالة يشتكون من تزاحم رجال البنادق على دور بغاء الجندية... وأن مكتب القيادة لا يزال يسعى لزيادة عدد النساء، حتى يكفين لجميع الجنود، ولكن قبل أن يتم ذلك نوصي رجال البنادق أن لا يطيلوا مكثهم داخل تلك الدور ويتعجلوا بقضاء شهواتهم ما استطاعوا). (وفي فرنسا: ليس على من كان يريد الاتصال بآنسة من الآنسات إلّا أن يعلم الوكالة - الوكالة البغائية - بعنوان تلك الآنسة، وعلى الوكالة بعد ذلك أن تراود الآنسة على الأمر، ودلت سجلات هذه الوكالة على أنه لم تكن طبقة من طبقات المجتمع الفرنسي إلّا وعامل كثير من أناسها هذه الوكالة وتمتعوا بخدماتها). (لم يعد الآن من الغريب الشاذ وجود العلاقات الجنسية بين الأقارب في النسب: كالأب والبنت، والأخ والأخت، في بعض الأقاليم الفرنسية).

(ولقد كان عدد النساء اللواتي كنّ يحترفن البغاء قبل الحرب العالمية الأولى: نصف مليون). وصرح (مسيو فردينان دريفوس) أحد أعضاء المجلس الفرنسي منذ بضع سنوات: أن حرفة البغاء لم تعد الآن عملاً شخصياً بل قد أصبحت تجارة رئيسية، وحرفة منظمة، بفضل ما تجلب وكالاتها من الأرباح الغزيرة، فلها في هذه الأيام وكلاء يهيئون (المواد الخام) وآخرون يتجولون في البلاد، ولها الآنأسواق منظمة تستورد فيها وتصدر منها الفتيات والصبايا كالأموال التجارية، وأكثر ما يطلب في هذه الأسواق من الأموال هو بنات دون العاشرة.

ص: 223

وربما تبلغ البهيمية في القائمين بها أقصى حدود الظلم والقساوة، فيقال: إن محافظ بلدية في شرقي فرنسا اضطر إلى التدخل في هذا الأمر، لنجدة فتاة كانت قد فرغت في يومها من سبعة وأربعين وارداً، وكان عدد منهم بعدُ بالباب يترقبون!

وجاءت الحرب العالمية الأولى، فابتدعت بدعة (البغاء المتطوع) علاوة على (البغاء التجاري)... فجعلت هؤلاء النساء يتعاطين بصورة منظمة، وأصبح تشجيعهن وإعانتهن فضيلة خلقية، عند أولي الدعارة والفجور، وعنيت الجرائد اليومية الكبرى عناية بالغة باستمالة رجال العمل إليهن... وقد نشرت جريدة واحدة في عدد واحد (199) إعلاناً عن أمرهن.

يقول بول بيورو: إن جميع الأزواج المتزوجون في مجتمعاتنا قوم خونة متجردون من الوفاء اللازم للعشرة الزوجية. وقد نجم عن هذه الموبقات الأمراض السرية الفتاكة، فقد أعفت الحكومة الفرنسية في السنتين الأوليين من سني الحرب العالمية الأولى خمسة وسبعين ألفا، لكونهم مصابين بمرض الزهري، وابتلي بهذا المرض وحده 242 جنديا في آن واحد في ثكنة متوسطة.ويقول الدكتور الفرنسي (ليريد): إنه يموت في فرنسا ثلاثون ألف نسمة بالزهري وما يتبعها من الأمراض الكثيرة في كل سنة. ولهذه الأمور رغبت الرجال عن النكاح، فبقت النساء والرجال - على حد سواء - يتعاطون البغاء، وفسد النظام العائلي. فسبعة أو ثمانية في الألف هو معدل الرجال والنساء الذين يتزوجون في فرنسا اليوم. وكثر الطلاق

ص: 224

كثرة مدهشة حتى أن محكمة الحقوق بمدينة (سين) فسخت 294 نكاحاً في يوم واحد(1).

إلى كثير وكثير... من أمثال هذه المآسي التي حلت على البشرية من جراء إعطاء المرأة هذه الحرية!!

فهل في ذلك خدمة للمرأة؟ أو للرجل؟ أو للمجتمع؟

كلا! فالمرأة سائبة، لاتجد لقمة الخبز إلّا بالبغاء - كثيراً ما - وهي مع ذلك تتعب وتنصب، وتهان وتزدري، وتهدر لها كل كرامة وحق. والرجل لا يجد القلب الحنون، والشق الرؤوف، كما لايجد الأم رؤم لأولادها. والمجتمع لايجد الفتيان والفتيات الصالحين والصالحات، بل يخيم في طول البلاد وعرضها الأمراض الفتاكة والأجسام العليلة والأخلاق السيئة.

وهكذا الحال في كل مجتمع أعطى للمرأة (الحرية المزعومة) منغير فرق بين فرنسا وأميركا وروسيا وإنكلترا والسويد وألمانيا... كما تشهد بذلك الوثائق الكثيرة... ولم تنج من هذه المفاسد إلّا البلاد الإسلامية، ولكن على قدر ما رفضت الأنظمة الكافرة، ولم تخنع بالحريات المزعومة... أما البعض الآخر فحاله حال البلاد الكافرة في الفساد الخلقي والأمراض والانهيار.

فهل المرأة في ظل الإسلام أكثر كرامة وأحسن حالاً وأحفظ حقاً وحرية أم في ظل الكفر الذي أخذ اليوم بزمام العالم؟

ص: 225


1- الحجاب: 70-95.

ولا نجاة للمرأة ولا للمجتمع من هذه الويلات، إلّا بالتمسك بتعاليم الإسلام، والله الموفق المستعان.

ملحق: روايات في النظر والاختلاط

من سهام إبليس

عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال:«النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة»(1).

من ترك النظر

قال الصادق(علیه السلام):«النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، من تركها لله عزّ وجلّ لا لغيره،أعقبه الله إيماناً يجد طعمه»(2).

النظرة بعد النظرة

قال أبو عبد الله(علیه السلام): «النظرة بعد النظرة تزرع في القلبالشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة»(3).

النظرة المهلكة

وقال(علیه السلام): «أول نظرة لك، والثانية عليك ولا لك، والثالثة فيها الهلاك»(4).

ثواب غض البصر

قال الصادق(علیه السلام): «من نظر إلى امرأة فرفع بصره إلى السماء أو

ص: 226


1- وسائل الشيعة 20: 190.
2- من لا يحضره الفقيه 4: 18.
3- من لا يحضره الفقيه 4: 18.
4- وسائل الشيعة 20: 193.

غمض بصره، لم يرتد إليه بصره حتى يزوَجه الله من الحور العين»(1).

وفي خبر آخر: «لم يرتد إليه طرفه حتى يعقبه الله إيماناً يجد طعمه»(2).

لماذا الحجاب؟

عن الإمام الرضا(علیه السلام) فيما كتبه إلى محمد بن سنان من جواب مسائله: «وحرم النظر إلى شعور النساء المحجوبات بالأزواج وإلى غيرهن من النساء، لما فيه من تهييج الرجال وما يدعو التهييج إليه من الفساد والدخول فيما لا يحل ولا يجمل، وكذلك ما أشبه الشعور إلّا الذي قال الله تعالى: «وَٱلۡقَوَٰعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّٰتِي لَا يَرۡجُونَ نِكَاحا فَلَيۡسَ عَلَيۡهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعۡنَ ثِيَابَهُنَّ غَيۡرَ مُتَبَرِّجَٰتِۢ بِزِينَةٖۖ»(3) أي غيرالجلباب، فلا بأس بالنظر إلى شعور مثلهن»(4).

لا تتبع النظرة بالنظرة

عن علي بن أبي طالب(علیه السلام) أن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال له: «يا علي، لك كنز في الجنة وأنت ذو قرنيها، فلا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الأخيرة»(5).

النظرة توجب الفتنة

عن علي(علیه السلام) في حديث الأربعمائة قال: «لكم أول نظرة إلى المرأة،

ص: 227


1- مكارم الأخلاق: 236.
2- من لا يحضره الفقيه 3: 474.
3- سورة النور، الآية:60.
4- عيون أخبار الرضا 2: 97.
5- وسائل الشيعة 20: 194.

فلا تتبعوها نظرة أخرى، واحذروا الفتنة...»(1).

من ملأ عينيه حراماً

عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال:«من اطلع في بيت جاره، فنظر إلى عورة رجل، أو شعر امرأة أو شي ء من جسدها، كان حقاً على الله أن يدخله النار مع المنافقين الذين كانوا يتبعون عورات النساء في الدنيا، ولا يخرج من الدنيا حتى يفضحه الله ويبدي للناس عورته في الآخرة، ومن ملأ عينيه من امرأة حراماً، حشاهما الله يوم القيامة بمسامير من نار، وحشاهما ناراً حتى يقضي بين الناس، ثم يؤمر به إلى النار»(2). وفي حديث المناهي عن الرسول(صلی الله علیه و آله) قال:«ومن ملأ عينيه من حرام ملأ الله عينيه يوم القيامة من النارإلّا أن يتوب ويرجع»(3).

من صافح امرأة أجنبية

قال(علیه السلام): «ومن صافح امرأة تحرم عليه فقد باء بسخط من الله عزّ وجلّ، ومن التزم امرأة حراماً قرن في سلسلة من نار مع شيطان فيقذفان في النار»(4).

لا تكلم الأجنبية

عن الإمام الصادق عن آبائه(علیهم السلام) عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) في حديث

ص: 228


1- الخصال 2: 632.
2- وسائل الشيعة 20: 194.
3- من لا يحضره الفقيه 4: 14.
4- من لا يحضره الفقيه 4: 14.

المناهي قال: «ونهى أن تتكلم المرأة عند غير زوجها وغير ذي محرم منها أكثر من خمس كلمات مما لا بد لها منه»(1).

من فاكه امرأة

عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال: «ومن صافح امرأة حراماً جاء يوم القيامة مغلولاً ثم يؤمر به إلى النار، ومن فاكه امرأة لا يملكها حبس بكل كلمة كلمها في الدنيا ألف عام»(2).

ما يميت القلب

عن جعفر بن محمد عن أبيه‘ قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «أربع يمتن القلب: الذنب على الذنب، وكثرة مناقشة النساءيعني محادثتهن، ومماراة الأحمق تقول ويقول ولا يرجع إلى خير أبداً، ومجالسة الموتى، فقيل له يا رسول الله، وما الموتى؟ قال: كل غني مترف»(3).

لا تعودن إليها

عن أبي بصير قال: كنت اُقرئ امرأة، كنت أعلمها القرآن فمازحتها بشيء، فقدمت على أبي جعفر(علیه السلام) فقال لي: «أي شي ء قلت للمرأة؟»، فغطيت وجهي، فقال: «لا تعودن إليها»(4).

أخت الزوجة والغريبة

عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الإمام الرضا(علیه السلام) قال: سألته عن

ص: 229


1- الأمالي للشيخ الصدوق: 423.
2- أعلام الدين: 414.
3- الخصال 1: 228.
4- وسائل الشيعة 20: 198.

الرجل، يحل له أن ينظر إلى شعر أخت امرأته؟ فقال: «لا، إلّا أن تكون من القواعد» قلت له: أخت امرأته والغريبة سواء؟ قال: «نعم»(1).

لا تنظر في أدبار النساء

عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال:«ما يأمن الذين ينظرون في أدبار النساء أن يبتلوا بذلك في نسائهم»(2).

ارض للناس ما ترضاه لنفسك

عن أبي بصير أنه قال للصادق(علیه السلام): الرجل تمر به المرأةفينظر إلى خلفها؟ قال: «أ يسر أحدكم أن ينظر إلى أهله وذات قرابته؟» قلت: لا، قال: «فارض للناس ما ترضاه لنفسك»(3).

مسامير من نار

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «من ملأ عينه حراماً يحشوها الله يوم القيامة مسامير من نار، ثم حشاهما ناراً إلى أن تقوم الناس، ثم يؤمر به إلى النار»(4).

لا تطلق ناظرك

عن أمير المؤمنين(علیه السلام) أنه قال: «من أطلق ناظره أتعب خاطره»(5).

ص: 230


1- وسائل الشيعة 20: 199.
2- من لا يحضره الفقيه 4: 19.
3- من لا يحضره الفقيه 4: 19.
4- مستدرك الوسائل 14: 268.
5- جامع الأخبار: 93.

دوام الحسرة

عن أمير المؤمنين(علیه السلام) أنه قال: «من تتابعت لحظاته دامت حسراته»(1).

زنا العين

وقال(صلی الله علیه و آله): «لكل عضو من ابن آدم حظ من الزنا: فالعين زناه النظر، واللسان زناه الكلام، والأذنان زناهما السمع، واليدان زناهما البطش، والرجلان زناهما المشي، والفرج يصدق ذلكويكذبه»(2).

ثواب الحج والعمرة

عن الإمام الباقر(علیه السلام): «أن رسول الله(صلی الله علیه و آله) أردف أسامة بن زيد في مصعده إلى عرفات، فلما أفاض أردف الفضل بن العباس وكان فتى حسن اللمة، فاستقبل رسول الله(صلی الله علیه و آله) أعرابي وعنده أخت له أجمل ما يكون من النساء، فجعل الأعرابي يسأل النبي(صلی الله علیه و آله) وجعل الفضل ينظر إلى أخت الأعرابي، وجعل رسول الله(صلی الله علیه و آله) يضع يده على وجه الفضل يستره من النظر، فإذا هو ستره من الجانب نظر من الجانب الآخر، حتى إذا فرغ رسول الله(صلی الله علیه و آله) من حاجة الأعرابي التفت إليه وأخذ بمنكبه ثم قال: أما علمت أنها الأيام المعدودات والمعلومات: لا يكف رجل فيهن بصره، ولا يكف لسانه ويده، إلّا كتب الله له مثل حج قابل»(3).

ص: 231


1- بحار الأنوار 101: 38.
2- بحار الأنوار 101: 38.
3- بحار الأنوار 96: 351.

أفضل الغنائم

قال الصادق(علیه السلام): «ما اغتنم أحد بمثل ما اغتنم بغض البصر، لأن البصر لا يغض عن محارم الله تعالى إلّا وقد سبق إلى قلبه مشاهدة العظمة والجلال»(1).

غضوا أبصاركم

قال النبي(صلی الله علیه و آله):«غضوا أبصاركم ترون العجائب»(2).

إياكم والنظر

وقال عيسى بن مريم(علیه السلام) للحواريين: «إياكم والنظر إلى المحذورات فإنها بذر الشهوات ونبات الفسق»(3).

الموت ولا النظر

وقال يحيى بن زكريا(علیه السلام): «الموت أحب إليّ من نظرة بغير واجب»(4).

لو ذهبت عيناك

قال عبد الله بن مسعود لرجل نظر إلى امرأة قد عادها في مرضها: لو ذهبت عيناك لكان خيراً لك من عيادة مريضك ولا تتوفر عين نصيبها من نظر إلى محذور إلّا وقد انعقد عقدة على قلبه من المنية، ولا تنحل إلّا بإحدى الحالتين إما ببكاء الحسرة والندامة بتوبة صادقة، وإما بأخذ

ص: 232


1- مصباح الشريعة: 9.
2- بحار الأنوار 101: 41.
3- بحار الأنوار 101: 42.
4- مصباح الشريعة: 10.

نصيبه مما تمنى ونظر إليه، فأخذ الحظ من غير توبة مصيره إلى النار وأما التائب الباكي بالحسرة والندامة عن ذلك فمأواه الجنة ومنقلبه الرضوان»(1).

إنها الفتنة

عن ابن سنان قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: «كان المسيح(علیه السلام) يقول لأصحابه» إلى أن قال: «وإياكم والنظرة! فإنها تزرع في قلب صاحبها الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة»(2).

مصائد الشيطان

وقال الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام): «العيون مصائد الشيطان»(3).

من أصاب امرأة نظرة

عن النبي(صلی الله علیه و آله) أنه قال: «من أصاب من امرأة نظرة حراماً ملأ الله عينه ناراً»(4).

من ترك النظر

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «النظر إلى محاسن النساء سهم من سهام إبليس، فمن تركه أذاقه الله طعم عبادة تسره»(5).

ص: 233


1- مصباح الشريعة: 10.
2- الأمالي للشيخ المفيد: 208.
3- غرر الحكم درر الكلم: 52.
4- مستدرك الوسائل 14: 270.
5- مستدرك الوسائل 14: 270.

لعنهما اللّه

وعن علي(علیه السلام) أنه قال: «لعن الله الناظر والمنظور إليه»(1)(2).

رائد الفتن

وقال(علیه السلام): «اللحظ رائد الفتن»(3).

ذهاب النظر خير

وقال(علیه السلام): «ذهاب النظر خير من النظر إلى ما يوجب الفتنة»(4).

النظرة والحسرة

وقال(علیه السلام): «كم من نظرة جلبت حسرة»(5).

راحة القلب

وقال(علیه السلام): «من غض طرفه أراح قلبه»(6).

من أطلق طرفه

وقال(علیه السلام): «من أطلق طرفه اجتلب حتفه»(7).

من شروط البيعة

عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) أنه: «كان مما يأخذ على النساء في البيعة أن لا

ص: 234


1- مستدرك الوسائل 14: 271.
2- المعنى واضح أما الناظر فإنه ينظر إلى ما لا يحل له النظر إليه، وأما المنظور إليه فإنه الذي لا يتستر عن أعين الناس كمن لا يستر عورته عمن يحرم عليه النظر إليها و... .
3- غرر الحكم ودرر الكلم: 56.
4- غرر الحكم ودرر الكلم: 370.
5- غرر الحكم ودرر الكلم: 513.
6- غرر الحكم ودرر الكلم: 663.
7- عيون الحكم والمواعظ: 453.

يُحَدِّثن من الرجال إلّا ذا محرم»(1).

من غض طرفه

وقال(علیه السلام): «من غض طرفه قل أسفه وأمن تلفه»(2).

محادثة النساء

وعن علي(علیه السلام) أنه: «كان نهى عن محادثة النساء»(3).

لا تحادث النساء

وعن جعفر بن محمد‘ أنه قال: «محادثة النساء من مصائد الشيطان»(4).

لا تمازح الفتيات

عن علي(علیه السلام) أنه قال: «إن خمسة أشياء تقع بخمسة أشياء، ولا بد لتلك الخمسة من النار» إلى أن قال: «ومن مازح الجواري والغلمان فلا بد له من الزنى، ولا بد للزاني من النار»(5).

أقلل من محادثة النساء

عن أمير المؤمنين(علیه السلام) أنه قال: «وأقلل محادثة النساء يكمل لك الثناء»(6).

ص: 235


1- دعائم الإسلام 2: 214.
2- غرر الحكم ودرر الكلم: 663.
3- مستدرك الوسائل 14: 273.
4- مستدرك الوسائل 14: 273.
5- مستدرك الوسائل 14: 273.
6- مستدرك الوسائل 14: 273.

لا تمش خلف المرأة

قال داود(علیه السلام) لابنه: «امش خلف الأسد والأسود ولا تمش خلف المرأة»(1).

النظر إلى العورة

قال أمير المؤمنين(علیه السلام): «نهى رسول الله(صلی الله علیه و آله) ... ونهى أن ينظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم وقال: من تأمل عورة أخيه المسلم لعنه سبعون ألف ملك ونهى المرأة أن تنظر إلى عورة المرأة... ونهى أن يطلع الرجل في بيت جاره وقال: من نظر إلى عورة أخيه المسلم أو عورة غير أهله متعمداً أدخله الله مع المنافقين الذين كانوا يبحثون عن عورات الناس ولم يخرج من الدنيا حتى يفضحه الله إلّا أن يتوب»(2).

من صافح أجنبية

وقال(صلی الله علیه و آله): «من صافح امرأة تحرم عليه فقد باء بسخط من الله عزّ وجلّ ومن التزم امرأة حراماً قرن في سلسلة من نار مع شيطان فيقذفان في النار»(3).

الحجاب أمان من الإيذاء

في تفسير القمي: إن النساء كن يخرجن إلى المسجد ويصلين خلف رسول الله(صلی الله علیه و آله) وإذا كان بالليل وخرجن إلى صلاة المغرب والعشاء الآخرة والغداة يقعد الشبان لهن في طريقهن فيؤذونهن ويتعرضون لهن

ص: 236


1- مستدرك الوسائل 14: 275.
2- من لا يحضره الفقيه 4: 9.
3- من لا يحضره الفقيه 4: 14.

فأنزل الله: «يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يُعۡرَفۡنَ فَلَايُؤۡذَيۡنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورا رَّحِيما»(1)(2).

عين غضت عن محارم اللّه

عن الإمام الصادق عن أبيه‘ قال: «قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): كل عين باكية يوم القيامة إلّا ثلاث أعين: عين بكت من خشية الله، وعين غضت عن محارم الله، وعين باتت ساهرة في سبيل الله»(3).

خير النساء

عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «قال رسول الله(صلی الله علیه و آله) في الحديث الذي قالت فاطمة(علیها السلام): خير للنساء ألا يرين الرجال، ولا يراهن الرجال، فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «إنها مني»(4).

ألستما تبصرانه

عن أم سلمة قالت: كنت عند النبي(صلی الله علیه و آله) وعنده ميمونة، فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أن أمر بالحجاب، فقال: «احتجبا» فقلنا: يا رسول الله، أ ليس أعمى لا يبصرنا؟ قال: «أ فعمياوان أنتما، ألستما تبصرانه»(5).

ص: 237


1- سورة الأحزاب، الآية: 59.
2- تفسير القمي 2: 196.
3- الخصال 1: 98.
4- بحار الأنوار 101: 36.
5- مكارم الأخلاق: 233.

لا تسلم على الشابات

عن أبي عبد الله الصادق(علیه السلام): «كان أمير المؤمنين(علیه السلام) يسلم على النساء، وكان يكره أن يسلم على الشابة منهن، ويقول: أتخوف أن يعجبني صوتها، فيدخل من الإثم عليَّ أكثر مما أطلب من الأجر»(1).

الحجاب حتى من الأعمى

قال علي(علیه السلام): «استأذن أعمى على فاطمة(علیها السلام) فحجبته، فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله) لها: لم حجبته وهو لا يراك؟ فقالت(علیها السلام): إن لم يكن يراني فأنا أراه وهو يشم الريح، فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله) أشهد أنك بضعة مني»(2).

تقبيل المحارم

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «إذا قبّل أحدكم ذات محرم قد حاضت، أخته، أو عمته، أو خالته، فليقبل بين عينيها ورأسها وليكف عن خدها وعن فيها»(3).

اشتد غضب اللّه

قال النبي(صلی الله علیه و آله): «اشتد غضب الله على امرأة ذات بعل ملأت عينها من غير زوجها»(4).

من قبل غلاماً بشهوة

عن الرضا(علیه السلام): «إذا قبل الرجل غلاماً بشهوة لعنته ملائكة السماء،

ص: 238


1- الكافي 2: 648.
2- النوادر للراوندي: 13.
3- النوادر للراوندي: 19.
4- أعلام الدين: 418.

وملائكة الأرض، وملائكة الرحمة، وملائكة الغضب، وأعد له جهنم وساءت مصيراً»(1).

لجام من النار

وفي خبر آخر: «من قبل غلاماً بشهوة: ألجمه الله بلجام من نار»(2).

لا تحب الزنا

عن أمير المؤمنين(علیه السلام) قال: «كذب من زعم أنه ولد من حلال وهو يحب الزناء، وكذب من زعم أنه يعرف الله عزّ وجلّ وهو مجترئ على معاصي الله كل يوم وليلة»(3).

عفّوا عن نساء الناس

عن الإمام الصادق(علیه السلام) قال: «بروا آباءكم يبركم أبناؤكم، وعفّوا عن نساء الناس تعف نساؤكم»(4).

من علائم ولد الزنا

عن الإمام الصادق(علیه السلام) قال: «علامات ولد الزنا ثلاث:سوء المحضر، والحنين إلى الزنا، وبغضنا أهل البيت»(5).

خراب البيت

عن الإمام الصادق(علیه السلام) عن آبائه(علیهم السلام) قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله):

ص: 239


1- الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا(علیه السلام): 278.
2- الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا(علیه السلام): 278.
3- الأمالي للشيخ الصدوق: 209.
4- الكافي 5: 554.
5- وسائل الشيعة 12: 283.

«أربع لا تدخل بيتاً واحدة منهن إلّا خرب ولم يعمر بالبركة: الخيانة، والسرقة، وشرب الخمر، والزناء»(1).

النار بلا حساب

عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «ثلاثة يدخلهم الله النار بغير حساب: ... إمام جائر، وتاجر كذوب، وشيخ زان»(2).

أعظم المحرمات

عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «قال النبي(صلی الله علیه و آله): لن يعمل ابن آدم عملاً أعظم عند الله تبارك وتعالى من: رجل قتل نبياً، أو إماماً، أو هدم الكعبة التي جعلها الله عزّ وجلّ قبلة لعباده، أو أفرغ ماءه في امرأة حراماً»(3).

لا تهم بزنا

قال أبو عبد الله(علیه السلام): «ثلاثة في حرز الله عزّ وجلّ إلى أن يفرغ الله من الحساب: رجل لم يهم بزنا قط، ورجل لم يشب مالهبربا قط، ورجل لم يسع فيهما قط»(4).

ظهور الزلازل

عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «إذا فشت أربعة ظهرت أربعة: إذا فشا

ص: 240


1- الأمالي للشيخ الصدوق: 398.
2- الخصال: 80.
3- الخصال 1: 120.
4- الخصال 1: 101.

الزنا ظهرت الزلازل...»(1).

الفقر والمسكنة

عن أمير المؤمنين(علیه السلام) قال: «الزنا يورث الفقر»(2).

حبس الرزق

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «الذنوب التي تحبس الرزق: الزناء...»(3).

تبعات الزنا

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «يا معشر المسلمين، إياكم والزنا فإن فيه ست خصال، ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة، فأما التي في الدنيا: فإنه يذهب بالبهاء، ويورث الفقر، وينقص العمر. وأما التي في الآخرة: فإنه يوجب سخط الرب، وسوء الحساب، والخلود في النار»(4).

ص: 241


1- من لا يحضره الفقيه 1: 524.
2- الخصال 2: 504.
3- الاختصاص: 238.
4- الخصال 1: 320.

إعداد الأجيال

التربية وأدواتها

قال تعالى: «وَٱللَّهُ أَخۡرَجَكُم مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ شَيۡٔا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفۡٔئدَةَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ»(1).

يعدد الباري تبارك وتعالى في هذه الآية الشريفة جملة من نعمه عزّ وجلّ على الإنسان، فإن قوله تعالى: «وَٱللَّهُ أَخۡرَجَكُم» يعني: أيها البشر «مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ» فمن يا ترى يقدر على هذا الإخراج بالأجهزة واللوازم الطبيعية التي جعلها في داخل الرحم إلى فم المخرج «لَا تَعۡلَمُونَ شَيۡٔا» فإن الإنسان جاهل محض عند الولادة «وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفۡٔئدَةَ» (السمع) يراد به الجنس، والاختلاف بين الألفاظ بالجمع والمفرد للتفنن، و(الأفئدة) جمع فؤاد وهو القلب، أي: إنه تفضل عليكم بالحواس لتستقوا بها المعلومات وبالقلب لتعوا به الأشياء، «لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ» أي: لكي تشكروا نعمه سبحانه(2).

وهذه الآية تبين للإنسان ما أنعم الله عليه من آلات تحصيل العلم بعد أن لم يكن يعلم شيئا، فرزقه الله السمع والبصر والفؤاد ولولاها لما

ص: 242


1- سورة النحل، الآية: 78.
2- تفسير تقريب القرآن 3: 245.

تمكن الإنسان من تحصيل العلم أبداً، كما هو واضح.

التربية والتعليم في الإسلام

إن الأمم إذا أرادت أن تتقدم وتزدهر وتبلغ أهدافها في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، فلا بدّ لها أن تهتم بالأجيال القادمة، فتقوم بتربية وتنشئة جيل صحيح قوي، مهيأ لتحمل مسؤلية قيادة الأمة وتسلمها من الآباء، فعلى الوالدين وغيرهم - من المسؤولين، من العلماء والحكام - أن يوفروا لأبنائهم مناهج التربية الصحيحة، ويهيّؤوا لهم وسائل تقدمهم وبناء شخصيتهم ومستقبلهم، أما الأمم التي لا تهتم بتربية وتنشئة أجيالها فلا توفر لأبنائها مثل هذه الأجواء الصحيحة والهادفة، فليس لها إلّا أن تتخلف عن مواكبة الأمم المتقدمة.

الآية الكريمة تشير إلى أن العلم والأدب من الأمور الكسبية التي يمكن أن يحصل عليها الإنسان في حياته عن طريق السمع والبصر والفؤاد.

فإن ما يحصل عليه الإنسان من أدب وحكمة، وعلم وحلم، إنما هو عبر ما يتعلمه ويتلقاه عن طريق سمعه وبصره وفؤاده؛ وعبر التعليم والتجربة وما أشبه، فتكوين الشخصية الاجتماعية والنفسية - في الغالب - ليس إرثاً ينتقل من الآباء إلى الأبناء، وإنما هو ناشيء عن طريق التعليم والتربية، وإن كان لعامل الوراثة التأثير المهم أيضاً.ومن هنا يعلم ضرورة التربية للفرد، كما هي ضرورية للمجتمع، إذ أن تربية الأبناء تبدأ من خلال الأسرة، وتستمر في أجواء المجمتع - في المدرسة والسوق والتجمعات الاجتماعية وما أشبه - مما يعلم أن لكل من

ص: 243

الأسرة والمجتمع الأثر العميق على المدى القريب والبعيد في تحديد ملامح شخصية الإنسان، لأن الإنسان يستند إليها في سنه المبكر ويعتمد عليها في شبابه وكبره، مضافاً إلى ما قد تلقاه من تعليم في صغره، وما سوف يحصل عليه من تجارب وعلوم في مستقبله.

الاهتمام بالتربية

إن من أبرز المسائل التي حازت على أهمية خاصة في الدين الإسلامي هي التربية الصحيحة في كل جوانبها والاهتمام بها؛ وذلك لما لها من أثر عميق في صقل النفس الإنسانية ورفع مستواها المعنوي، وانقاذها من مزالق الشيطان ومرديات الهوى، وكذلك في إصلاح المجتمع وسوقها نحو الخير والفضيلة والمحبة والإنسانية. فالنفس متى ما تقدمت ونمت بالإتجاه الصحيح، فلن يجد الشيطان سبيلاً للتسلل إليها؛ وإذا قال الإنسان المسلم: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) فإن كلامه هذا إنما يفيده فائدة تامة إذا كان قد ربى نفسه من جهة على مقاومة إغواء الشيطان ومجانبة تسويل النفس ومخالفة وساوس الهوى، ومن جهة ثانية على إطاعة الله وإطاعة رسول الله(صلی الله علیه و آله)وأهل بيته المعصومين(علیهم السلام).

يقول تعالى في القرآن الكريم: «إِنَّهُۥ لَيۡسَ لَهُۥ سُلۡطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلۡطَٰنُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوۡنَهُۥ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِۦ مُشۡرِكُونَ»(1)، فالله تبارك وتعالى أمر عباده بتهذيب أنفسهم، والتوكل على ربهم، وأن يتحصنوا من كيد الشيطان بصدق النية، والتوجه

ص: 244


1- سورة النحل، الآية: 99-100.

الصحيح إلى الله تعالى، وإلى رسوله الكريم(صلی الله علیه و آله)، وإلى الأئمة المعصومين(علیهم السلام)، حتى لا يجعلوا مدخلاً للشيطان إلى أنفسهم.

ولا يكون هذا إلّا بالتربية الصحيحة، من هنا إذا أردنا مجتمعاً صالحاً علينا أن نقوم بإعداد الأجيال وتربيتها تربية شرعية صحيحة.

هذا ولا يخفى، أن تأثير التربية على سلوك الإنسان يشبه إلى حد كبير توفير التربة الصالحة والظروف الملائمة لنمو النبات ورشده، وثمره وينعه. وعليه: فالاهتمام بالتربية، يعني: توفير مستلزمات التوجه الصحيح، وتهيئة البيئة الصالحة لنشوء الأفراد الصادقين والصالحين.

التربية وأبعادها الثلاثة

لقد رسم القرآن الحكيم للتربية ثلاثة أبعاد:

1- البعد الفردي. 2- البعد الأُسري. 3- البعد الاجتماعي.

يعني: إنه لم يحصر وجوب التربية على تربية الفرد لنفسه وتهذيبهافقط، وإنما أوجب عليه أن يقوم أيضا بتربية أسرته، وبتربية مجتمعه بل سائر المجتمعات بحسب الإمكان، على ما ذكره الفقهاء في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويمكن أن نلمس ذلك بوضوح من خلال الآيات الكريمة التالية:

البعد الأول

بالنسبة إلى البعد الأول فقد قال الله تبارك وتعالى: «يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ»(1) وهذه الآية الكريمة توجب على الإنسان

ص: 245


1- سورة المائدة، الآية: 105.

تربية نفسه، فإن (عليك) اسم فعل بمعنى: الزم واحفظ، أي: احفظوا «أَنفُسَكُمۡۖ» عن الضلال والانحراف.

رُوي أن ثعلبة الخشني سأل رسول الله(صلی الله علیه و آله) عن هذه الآية: «يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡۚ»(1) فقال(صلی الله علیه و آله): وأمر بالمعروف وانهَ عن المنكر، واصبر على ما أصابك، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودع أمر العامة»(2).

البعد الثاني

أما بالنسبة إلى البعد الثاني (تربية الأسرة) فقد قال الله سبحانه: «يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَامَلَٰٓئِكَةٌ

غِلَاظ شِدَاد لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ»(3) حيث توجب هذه الآية الكريمة على الإنسان بَعد تربية نفسه أن يربي أسرته.

فإن قوله تعالى: «قُوٓاْ» أمر للجمع المذكر، من (وقى) بمعنى: حفظ، أي احفظوا «أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ» وهم عائلة الإنسان من أولاده وزوجته وإخوته ومن شابههم «نَارا» عن نار جهنم التي هي بهذه الصفة: «وَقُودُهَا» أي حطبها الموجب لإيقادها وإشعالها «ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ» وهما يزيدان في قوة النار لدسومة الأول وصلابة الثاني

ص: 246


1- سورة المائدة، الآية: 105.
2- بحار الأنوار 97: 83.
3- سورة التحريم، الآية: 6.

«عَلَيۡهَا» أي: المأمورون على تلك النار «مَلَٰٓئِكَةٌ» جمع ملك، وأصله من الألوكة، بمعنى الرسالة؛ لأن الملائكة رسل من قبله سبحانه إلى الأنبياء(علیهم السلام) «غِلَاظ» جمع غليظ، وكأن المراد غليظ القلب فلا يرحم أحداً «شِدَاد» جمع شديد، وكأن المراد شديد البنية والقوة، فما أراد تمكن منه «لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ» من عذاب أهل النار، فلا يرتشون ولايميلون نحو الكفار مخالفة لله سبحانه «وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ» من قبل الله سبحانه، وهذا تأكيد لما سبق بأنهم لا يعصون(1).

من أحكام البُعد الثاني

ثم إن تربية الأسرة لا يعني جبرهم على شيء، بل أن يقوم بالأمربالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، ويهيأ لهم مقدمات ومقومات الهداية والتربية الصالحة.

قال الإمام أبو عبد الله الصادق(علیه السلام): «لما نزلت هذه الآية: «يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارا» جلس رجل من المسلمين يبكي، وقال: أنا قد عجزت عن نفسي؛ كُلّفت أهلي! فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك، وتنهاهم عما تنهى عنه نفسك»(2).

وعن أمير المؤمنين الإمام علي(علیه السلام) قال: «قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): أيما رجل رأى في منزله شيئاً من الفجور فلم يغيّر، بعث الله تعالى طيراً أبيض، تظلّ عليه أربعين صباحاً، فيقول كل ما دخل وخرج: غيّره

ص: 247


1- تفسير تقريب القرآن 5: 456.
2- الكافي 5: 62.

غيّره، فإن غيّر، وإلّا مسح رأسه بجناحه على عينيه، وإن رأى حسناً لم يره حسناً، وإن رأى قبيحاً لم ينكره»(1).

وعن أبي بصير في قول الله عزّ وجلّ: «قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارا» قال: قلت - للإمام الصادق(علیه السلام) - : كيف أقيهم؟

قال: «تأمرهم بما أمر الله، وتنهاهم عما نهاهم الله، فإن أطاعوككنت قد وقيتهم، وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك»(2).

وسُئل الإمام الصادق(علیه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: «قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارا» كيف نقيهن؟ قال: «تأمرونهن وتنهونهن» قيل له: إنا نأمرهن وننهاهن، فلا يقبلن؟ قال: «إذا أمرتموهن ونهيتموهن فقد قضيتم ما عليكم»(3).

وعنه(علیه السلام) قال: «لا يزال العبد المؤمن يورث أهل بيته العلم والأدب الصالح، حتى يدخلهم الجنة جميعاً، حتى لا يفقد فيها منهم صغيراً ولا كبيراً ولا خادماً ولا جاراً، ولا يزال العبد العاصي يورث أهل بيته الأدب السيء حتى يدخلهم النار جميعاً، حتى لايفقد فيها من أهل بيته صغيراً ولا كبيراً، ولا خادماً ولا جاراً»(4).

وعن الإمام الصادق(علیه السلام) قال: «لما نزلت: «يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارا» قال الناس: كيف نقي أنفسنا وأهلينا؟ قال:

ص: 248


1- النوادر للراوندي: 47.
2- الكافي 5: 62.
3- من لا يحضره الفقيه 3: 442.
4- دعائم الإسلام 1: 82.

اعملوا الخير، وذكّروا به أهليكم، وأدّبوهم على طاعة الله». ثم قال أبو عبد الله(علیه

السلام): «إن الله تعالى يقول لنبيه(صلی الله علیه و آله): «وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَيۡهَاۖ»(1) وقال: «وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ إِسۡمَٰعِيلَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صَادِقَ ٱلۡوَعۡدِ وَكَانَ رَسُولا نَّبِيّا * وَكَانَ يَأۡمُرُ أَهۡلَهُۥ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِۦمَرۡضِيّا»»(2)(3).

البعد الثالث

قال الله عزّ وجلّ بالنسبة إلى البعد الثالث وهو تربية المجتمع:

«وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّة يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ»(4).

حيث توجب هذه الآية الكريمة على الإنسان مسؤولية هداية الآخرين وتربية المجتمع تربية صالحة.

فإن الله تبارك وتعالى بما أنعم على المسلمين من نعمة الهداية إلى الإسلام وشرّفهم بالإيمان به، والنعمة يجب شكرها، ومن شكر هذه النعمة هو الاهتمام بهداية سائر الناس إلى الإسلام والإيمان، فإن قوله تبارك وتعالى: «وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّة» أي: يجب أن يكون منكم جماعة «يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ» كل خير: من الإسلام والدين والأحكام وغيرها «وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ» والمعروف كل فعل استحسنه الشرع أو العقل سواء وصل إلى حد الوجوب أم إلى حد الندب، وإنما سمي معروفاً لأن الناس

ص: 249


1- سورة طه، الآية: 132.
2- سورة مريم، الآية: 54-55.
3- البرهان في تفسير القرآن 3: 741.
4- سورة آل عمران، الآية: 104.

يعرفونه «وَيَنۡهَوۡنَ

عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ» وهو بعكس المعروف، كل ما استقبحه الشرع أو العقل، وسمي منكراً لأن الناس ينكرونه «وَأُوْلَٰٓئِكَ» الذين يتصفون بهذه الصفات الثلاث «هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ» أي: الفائزونالناجون(1).

فإذا أراد الفرد النجاح، وكذلك إذا أرادت الأمة الفوز، فعليه وعليها بإعداد الأجيال وتربيتها تربية صالحة.

واجبات في التربية

تحصل مما سبق أنه تتعلق بالإنسان في مجال التربية ثلاثة واجبات وهي عبارة عمّا يلي:

أولاً: تربيته لنفسه وتهذيبها من رذائل الأخلاق وتحليتها بالفضائل والمحاسن.

ثانياً: تربيته لأسرته وتوفير الأجواء الصالحة والمناخ المناسب داخل العائلة، ليكون نشاط أفرادها وفق الموازين الإسلامية.

ثالثاً: مسؤوليته التربوية تجاه مجتمعه، وما يصاحب ذلك من إشاعة الفضائل وتهيئة الأجواء الإسلامية، حتى يمكن للجميع الارتقاء بأنفسهم إلى سماء المكارم، ويتسنّى لهم الوصول إلى مستوى السعادة المنشودة والكمال المطلوب، ويتجنبوا من الرذائل والموبقات.

هذا ولا يخفى، أن حدوث أي خلل أو نقص في أيٍ من هذه الأبعاد التربوية الثلاثة، موجب لتعثر المسيرة الأخلاقية في المجتمع، وهبوطالمستوى الأخلاقي فيه، وعندئذ علينا أن نتوقع عواقب سيئة ونتائج وخيمة، ونشوء

ص: 250


1- تفسير تقريب القرآن 1: 376.

جيل غير متماسك بالقيم والأخلاق، وذلك حسب الموازين الطبيعية. حيث إن من سنن الله في الكون أن يحصد الإنسان ما زرعه.

قال أبو عبد الله(علیه السلام): «من زرع العداوة حصد ما بذر»(1).

وفي غرر الحكم عن مولانا أمير المؤمنين(علیه السلام) قال: «من زرع شيئاً حصده»(2).

وقال(علیه السلام): «من زرع خيراً حصد أجراً»(3).

وقال(علیه السلام): «من زرع الإحن حصد المحن»(4).

وقال(علیه السلام): «من زرع العدوان حصد الخسران»(5).

وقال(علیه السلام): «كما تزرع تحصد»(6).

القرآن الحكيم ومراتب التربية

ثم إن فريضة التربية والبلاغ من النفس إلى عموم الناس - حسب الإمكان وحسب شرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - تتدرج في خمس مراحل، كما ورد ذلك في آيات القرآن الحكيم، وهي:1: النفس أولاً، بقوله تبارك وتعالى: «عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡۚ»(7).

ص: 251


1- الكافي 2: 302.
2- غرر الحكم ودرر الكلم: 668.
3- غرر الحكم ودرر الكلم: 610.
4- غرر الحكم ودرر الكلم: 665.
5- غرر الحكم ودرر الكلم: 592.
6- نهج البلاغة: الخطب الرقم 153.
7- سورة المائدة، الآية: 105.

2: والأهل ثانياً، بقوله عزّ وجلّ: «قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارا»(1).

3: والعشيرة ثالثاً بقوله تبارك اسمه: «وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ»(2).

4: وأهل البلدة رابعاً، بقوله جلّ وعلا: «وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ»(3).

5: وأهل العالم أجمع خامساً بقوله الكريم: «وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّة لِّلنَّاسِ»(4)، والرسول(صلی الله علیه و آله) أسوة، وبقوله سبحانه وتعالى: «وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّة يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ»(5).

التربية وعوامل التأثير

اشارة

ثم إن هناك ثلاثة عوامل رئيسية لها تاثير مباشر وكبير على تربية الإنسان، وقد أشار إلى ذلك القرآن الحكيم والروايات الشريفة. والعوامل الثلاثة هي عبارة عمّا يلي:

1- الوراثة
اشارة

العامل الأول في التربية: الوراثة، قال الله سبحانه وتعالى في كتابهالحكيم على لسان نبيه نوح(علیه السلام): «وَقَالَ نُوح رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرۡهُمۡ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوٓاْ إِلَّا فَاجِرا كَفَّارا»(6).

ص: 252


1- سورة التحريم، الآية: 6.
2- سورة الشعراء، الآية: 214.
3- سورة التوبة، الآية: 122.
4- سورة سبأ، الآية: 28.
5- سورة آل عمران، الآية: 104.
6- سورة نوح، الآية: 26-27.

أي: «وَقَالَ نُوح» في دعائه على قومه قبل أن يغرقوا، يا «رَّبِّ لَا تَذَرۡ» أي: لا تدع ولا تبق سالماً «عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا» أي: أحداً يعمر الديار، أو ينزل الدار، بل عمم عقابك على جميعهم. ثم بيّن(علیه السلام) علة هذا الدعاء بقوله: «إِنَّكَ إِن تَذَرۡهُمۡ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ» من نسل المؤمنين «وَلَا يَلِدُوٓاْ» هم بأنفسهم «إِلَّا فَاجِرا» يفجر ويعصي «كَفَّارا» كثير الكفر، يعني: أن أولادهم فاسدو العقيدة والعمل، فلا خير فيهم، وقد علم نوح(علیه السلام) ذلك من طريق الوحي(1).

فالآية الكريمة تكشف عن انتقال خصال الكفار الرذيلة، وصفاتهم الذميمة إلى أبنائهم، وذلك بحسب عامل التربية، والقرآن الكريم أشار في هذه الآية إلى العامل الوراثي قبل أن يصل إليه (مندل)(2)وغيرهمن

ص: 253


1- تفسير تقريب القرآن 5: 523.
2- جريجور يوهان مندل (1822-1884م) أعتبر أبو علم الوراثة الحديث، عالم نبات وراهب نمساوي، نسب إليه اكتشاف الكثير من التجارب والقوانين الأساسية للوراثة، وأدت تجاربه في تكاثر نبات البازلاء إلى تطور علم الوراثة، وكانت تجاربه هي الأساس لعلم الوراثة الذي يشهد تقدماً في عالم اليوم. كان والداه مزارعين فقيرين، وكان مندل طالباً مجداً، وقرر أن يصبح مدرساً. دخل مندل دير القديس توماس في برون بالنمسا وعمره (21 عاماً)، وأصبح قسيساً في سلك الدير عام (1847م). ثم درس العلوم والرياضيات في جامعة فيينا، وعاد إلى الدير ودرّس علم الأحياء والفيزياء في مدرسة محلية لمدة (14سنة). جاءت شهرة مندل العالمية من بحوثه الصغيرة في حديقة الدير على نباتات البازلاء وزهورها وبذورها. قام مندل بتهجين آلاف النباتات وملاحظة خاصيات كل جيل لاحق من النباتات، استنتج أن السمات المميزة تنتقل خلال عناصر وراثية في الأمشاج، وتسمى هذه العناصر اليوم الجينات، واستنتج نتيجة تجاربه، أنه إذا ورثت نبتة جينين مختلفين لسمة ما، فسيكون أحد الجينين سائداً، بينما يكون الثاني متنحِّياً. وتظهر سمة الجين السائد في النبتة. فمثلاً، إذا كان جين البذور المستديرة سائداً وجين البذور المتجعدة متنحِّياً، فإن النبتة التي ترث كلا الجينين ستكون لها بذور مستديرة. كما اعتقد أن النبتة ترث كلاّ من سماتها مستقلة عن السمات الأخرى. ويُعرف هذان الاستنتاجان بقانون الفصل وقانون الاتساق المستقل. نشرت نتائج بحوث مندل وخلاصة تجاربه في علوم الوراثة عام (1866م) إلّا أن أحدا لم يتنبه إليها في حينها إلى أن عثر العلماء على بحوثه عام (1900م) فعرفت واشتهرت في علم الوراثة.

علماء النفس والاجتماع، وأكدّ على أن لعامل الوراثة دوراً في انتقال التربية والأخلاق من الآباء إلى الأبناء، وأنه أول العوامل الرئيسية الثلاثة في حقل التربية، وهذا العامل أشير إليه في الكثير منأحاديث الرسول الأكرم(صلی الله علیه و آله) وأهل بيته المعصومين(علیهم السلام) أيضاً.

عامل الوراثة في الروايات

ومن هذا المنطلق، نرى أن الإسلام يوصي الشابّ الذي يريد الزواج بالتعرّف على أسرة البنت التي يريد الزواج منها، والتحقيق عن أصالتها وعراقتها، ومكانتها وأخلاقها، لئلا تكون مصابة ببعض العاهات الروحية والأمراض النفسية، فتنتقل منها إلى الأبناء، ففي الخبر: أن الرسول الأكرم(صلی الله علیه و آله) قام خطيباً بين أصحابه وقال: «إياكم وخضراء الدمن»(1)، قيل: يا رسول الله، وما خضراءالدمن؟ قال(صلی الله علیه و آله): «المرأة

ص: 254


1- قال في مجمع البحرين: الدمنة، هي المنزل الذي ينزل فيه أخيار العرب، ويحصل فيه بسبب نزولهم تغير في الأرض بسبب الأحداث الواقعة منهم ومن مواشيهم، فإذا أمطرت أنبتت نبتا حسنا شديد الخضرة والطراوة، لكنه مرعى وبي ء للإبل مضر بها، فشبه النبي(صلی الله علیه و آله) المرأة الجميلة إذا كانت من أصل ردي ء بنبت هذه الدمنة في الضر والفساد، والنهي للتنزيه. وفلان يدمن كذا أي يديمه. والدمن كحمل: ما يتلبد من السرجين، والجمع دمن كسدرة و سدر. مجمع البحرين 6: 247 مادة (دمن). ويقال: الماء متدمن إذا سقطت فيه أبعار الإبل والغنم. والدمنة، بهاء: آثار الدار والناس. وأيضا: ما سودوا وأثروا فيه بالدمن؛ ويقال: وقعوا على دمنة الدار، وهي البقعة التي سودها أهلها وبالت فيه وبعرت ماشيتهم. ومن المجاز: الدمنة: الحقد القديم الثابت المدمن للصدر. وقيل: لا يكون الحقد دمنة حتى يأتي عليه الدهر؛ ولذا وصفوه بالقديم. وقد دمن عليه، كفرح؛ ودمنت قلوبهم: أي ضغنت. وفي الحديث: شبه رسول الله(صلی الله علیه و آله) المرأة بما ينبت في الدمن من الكلأ يرى له غضارة وهو وبيء المرعى منتن الأصل؛ قال شاعر: وقد ينبت المرعى على دمن الثرى *** وتبقى حزازات النفوس كما هيا راجع تاج العروس 18: 201 مادة (دمن).

الحسناء في منبت السوء»(1).

وعن النبي(صلی الله علیه و آله) قال: «توقوا على أولادكم من لبن البغية والمجنونة؛ فإن اللبن يُعدي»(2).

ويقول(صلی الله علیه و آله) أيضاً: «تخيروا لنطفكم، فإن العرق دسّاس»(3).

وقال الإمام الصادق(علیه السلام): «تزوجوا في الحجز الصالح، فإن العرق دساس»(4).

وقد أهتم الأئمة المعصومون(علیهم السلام) من أهل بيت رسول الله(صلی الله علیه و آله) كجدّهم الرسول(صلی الله علیه و آله) اهتماماً كبيراًفي بيان ما لعامل الوراثة من أثر كبير على تنشئة الأبناء وتربيتهم، حتى روي عن الإمام الصادق(علیه السلام) عن

ص: 255


1- الكافي 5: 332.
2- مكارم الأخلاق: 223.
3- السرائر 2: 559.
4- مكارم الأخلاق: 197.

جده أمير المؤمنين(علیه السلام) أنه قال: «إياكم وتزويج الحمقاء؛ فإن صحبتها بلاء، وولدها ضياع»(1).

والإمام الصادق(علیه السلام) حينما استشاره أحد أصحابه في الزواج فقال(علیه السلام) له: «انظر أين تضع نفسك، ومن تُشركه في مالك، وتطلعه على دينك وسرّك، فإن كنت لا بدّ فاعلاً، فبكراً تُنسب إلى الخير، وإلى حسن الخلق»(2).

من شواهد تأثير الوراثة

كما روي أن الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام) قال لأخيه عقيل(علیه السلام) - وكان نسابة عالماً بأنساب العرب وأخبارهم - : «أنظر إلى امرأة قد ولّدتها الفحولة من العرب؛ لأتزوّجها فتلد لي غلاما فارسا».

فقال له: تزوج أم البنين الكلابية، فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها. فتزوجها(علیه السلام)(3).

ص: 256


1- الكافي 5: 353.
2- الكافي 5: 323.
3- عمدة الطالب لابن عنبة: 357. وورد في هامش مقتل أبي مخنف: إن أمير المؤمنين(علیه السلام) قال لأخيه عقيل وكان نسابة عالماً بأخبار العرب وأنسابها: «ابغني أمرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها؛ فتلد لي غلاماً فارساً». فقال له: أين أنت عن فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابية(علیها السلام)، فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس، وفي آبائها يقول لبيد للنعمان بن المنذر ملك الحيرة: نحن بنو أم البنين الأربعة *** ونحن خير عامر بن صعصعة الضاربون الهام وسط المجمعة فلا ينكر عليه أحد من العرب، ومن قومها ملاعب الأسنة أبو براء، الذي لم يعرف في العرب مثله في الشجاعة، والطفيل فارس قرزل، وابنه عمر فارس المزتوق، فتزوجها أمير المؤمنين(علیه السلام)، فولدت له وأنجبت. وأول ما ولدت العباس(علیه السلام) يلقب في زمنه: قمر بني هاشم، ويكنى أبا الفضل، وبعده عبد الله، وبعده جعفراً، وبعده عثمان، وعاش العباس مع أبيه أربع عشرة سنة، حضر بعض الحروب فلم يأذن له أبوه بالنزال، ومع أخيه الحسن(علیه السلام) أربعاً وعشرين سنة، ومع أخيه الحسين(علیه السلام) أربعاً وثلاثين سنة، وذلك مدة عمره، وكان(علیه السلام) أيداً شجاعاً فارساً وسيماً جسيماً، يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطان في الأرض. مقتل أبي مخنف: 175.

وهكذا نرى الإسلام يولي اهتماماً كبيراً بعامل الوراثة، ويؤكّد على تأثيره في تربية الأبناء وتنشئتهم، وذلك من أجل حماية الأسرة والمجتمع من عوامل الانحطاط الخلقي والنزعات النفسية الشريرة.

قال النبي الأعظم(صلی الله علیه و آله): «من نعمة الله على الرجل أنيشبهه ولده»(1).

وقال بعض أصحاب النبي(صلی الله علیه و آله): يا رسول الله ما بالنا نجد بأولادنا ما لا يجدون بنا؟! قال: «لأنهم منكم ولستم منهم»(2).

وعن الإمام الصادق(علیه السلام) قال: «إن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يخلق خلقاً جمع كل صورة بينه وبين آدم، ثم خلقه على صورة إحداهن، فلا يقولن أحد لولده: هذا لا يشبهني، ولا يشبه شيئاً من آبائي»(3).

وقال(علیه السلام) أيضاً: «من سعادة الرجل أن يكون الولد يعرف بشبهه وخلقه وخلقه وشمائله»(4).

ص: 257


1- الكافي 6: 4.
2- من لا يحضرة الفقيه 3: 559.
3- من لا يحضره الفقيه 3: 484.
4- مكارم الأخلاق: 222.

وعن أبي إبراهيم الكاظم(علیه السلام) قال: «إن جعفراً(علیه السلام) كان يقول: سعد من لم يمت حتى يرى خلفه من نفسه».

ثم أومأ بيده إلى ابنه علي فقال(علیه السلام): «وقد أراني الله خلفي من نفسي»(1).

2- الأسرة
اشارة

العامل الثاني من عوامل التربية: الأسرة، قال الله تبارك وتعالى في كتابه الحكيم وخطابه العظيم: «إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰٓ ءَادَمَ وَنُوحا وَءَالَ إِبۡرَٰهِيمَوَءَالَ عِمۡرَٰنَ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ * ذُرِّيَّةَۢ بَعۡضُهَا مِنۢ بَعۡضٖۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(2).

وقال عزّ وجلّ: «وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا»(3).

وقال جلّ وعلا: «وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ»(4).

الأسرة وآية الاصطفاء

قال الله سبحانه: «إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰٓ» أي اختار لرسالته ووحيه، وجعلهم أنبياء مرشدين «ءَادَمَ وَنُوحا وَءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ» وهم الأنبياء الذين من نسله: إسماعيل واسحاق ويعقوب ويوسف وعيسى ومحمد(علیهم السلام) «وَءَالَ عِمۡرَٰنَ» موسى وهارون‘ «عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ» وإنما خصّص بذلك

ص: 258


1- كفاية الأثر: 273.
2- سورة آل عمران، الآية: 33-34.
3- سورة الفرقان، الآية: 74.
4- سورة الطور، الآية: 21.

هؤلاء الأنبياء، لكون آدم(علیه السلام) أبو البشر، ونوح وآل إبراهيم بما فيهم إبراهيم(علیهم السلام) - فإنه يقال آل فلان للأعم منه ومن آله - وآل عمران الذين فيهم الأنبياء(علیهم السلام)، هم مدار الرسالات العالمية، حال كون نوح وآل إبراهيم وآل عمران(علیهم السلام) «ذُرِّيَّةَۢ بَعۡضُهَا مِنۢ بَعۡضٖۗ» في أداء الرسالة ومناصرة الدين وإرشاد الناس، فإن من خرج عن دين آبائه فهو ليس منهم، كما قال سبحانه:«إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ»(1) بخلاف من اتبع آباءه «وَٱللَّهُ سَمِيعٌ» لما تقوله الذرية «عَلِيمٌ» بضمائرهم وأعمالهم؛ ولذا فضّلهم على من سواهم، إن هؤلاء الأنبياء كلهم، ذووا خصائص واحدة موروثة من جدهم آدم(علیه السلام) مما تؤهلهم لحمل الرسالة الواحدة التي هي الإسلام(2).

وعليه: فآية الاصطفاء الكريمة، وآيات أخرى في هذا المجال، تؤكد على أن للأسرة التأثير المباشر والكبير على تربية الإنسان، وأنه ثاني العوامل الرئيسية في حقل التربية، كما يقوله علماء النفس والاجتماع.

دعائم الأسرة

ثم إن دعائم الأسرة ثلاث: الأب، والأم، والأولاد، ولكل واحد من الأب والأم والأولاد حقوق وواجبات، ينبغي ذكر كل منها على حدة.

الأسرة وواجبات الوالدين

لا شك أن للأسرة - وخاصة الوالدين - الأثر البالغ في بناء شخصية

ص: 259


1- سورة هود، الآية: 46.
2- تفسير تقريب القرآن 1: 333.

الأبناء، وحملهم على العادات الطيبة، والتقاليد الجميلة، والقيم الرفيعة، والاتجاهات الحسنة، التي ينبغي لهم ملازمتها طوال حياتهم، وتطبيقها في سلوكهم الفردي والاجتماعي،كما أن لها - بالنتيجة - الدور الكبير في بناء المجتمع، وتشييد الحضارة الإنسانية، وإقامة العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع، فالأسرة هي التي تربّي الأبناء وتعدهم للمشاركة في الحياة؛ لذا فهي مسؤولة عن تنشئة أطفالها تنشئة سليمة متسمة بالاتزان والاستقامة، والبعد عن الإنحراف والتطرف، وهذا بحاجة إلى تمهيد ممهدّات وتقديم مقدمات، منها:

أن تهيّئ جواً من الإستقرار والود والطمأنينة، والرفق والمحبة داخل البيت، وأن تبعد عنهم مظاهر العنف والخرُق، والكراهية والبغض، وأن تدرّبهم على تحمل المشاق والصعوبات؛ لأن ذلك له دور كبير في تكوينهم تكويناً سليماً بعيداً عن الأمراض الروحية، والعُقد النفسية، التي قد تسبب لهم الكثير من المشاكل في حياتهم المستقبلية، فمتى ما قام الأبوان بواجبهما تجاه أبنائهم، وأدّت الأسرة وظيفتها أمام أبنائها، وذلك من خلال التعامل معهم بحسن ولين، ورفق ومحبة، واحترام وإكرام، وتوقير وتبجيل، كان الجيل الناشيء جيلاً صالحاً وسعيداً، ويكون فخراً للآباء والأسلاف وشرفاً لهم، بينما لو لم تؤدّ الأسرة وظيفتها وانشغل الآباء عن أبنائهم، ولم يهتموا بهم وبتنشئتهم، ولا بتربيتهم وتأديبهم، فسوف يكون الجيل الصاعد جيلاً لا يحمل - على الأقل - سمات الصالحين، ولايكون مفخرة للأسلاف، وتكون النتائج سلبية وتنعكس على مستقبل الأبناءومصيرهم.

ص: 260

اليتيم: يتيم الأدب والعلم

يقول أحد الشعراء:

وإذا النساء نشأن في أمِّية *** رضع الرجال جهالة وخمولاً

ليس اليتيم من انتهى أبواه من *** همّ الحياة وخلفاه ذليلاً

فأصاب بالدنيا الحكيمة منهما *** وبحسن تربية الزمان بديلاً

إن اليتيم هو الذي تلقى له *** أماً تخلت أو أباً مشغولاً(1)

الجمال: جمال العلم والأدب

ونقل عن الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام) قوله:

ليس البلية في أيامنا عجباً *** بل السلامة فيها أعجب العجب

ليس الجمال بأثواب تزينها *** إن الجمال جمال العلم والأدب

ليس اليتيم الذي قد مات والده *** إن اليتيم يتيم العقل والحسب(2)

إيجاز عامل الأسرة

والخلاصة: إنه ينبغي للأسرة المؤمنة وخاصة الوالدين جميعاً، أن يخصصوا جزءً من وقتهم لأبنائهم، وأن يتفقوا على برنامج معين للتربية الصالحة، وأن تكون معايير السلوك لكل من الأم والأب بالنسبة للأطفال منسقة، فلا يصح أن يرى الأب - مثلاً - أسلوباً خاصاً من التعامل مع ابنه، أو تصرفاً معيناً لابنه غير مقبول، وترى الأم بأن هذا السلوك والأسلوب هو عين الصحة!

ص: 261


1- الأبيات للشاعر أحمد شوقي.
2- ديوان أمير المؤمنين(علیه السلام): 66.

كما أنه ينبغي للوالدين جميعاً أن يعلموا، أن الأبناء بحاجة إلى رعاية مستمرة من الوالدين لهم، وأن تكون تصرّفاتهم أمام أبنائهم منتظمة ومتوازنة، لتكون نموذجاً للإقتداء بها، فالأب - مثلاً - عندما يكون في تعامله متصلباً وفي أسلوبه خشناً مع ولده ولا يُظهر حبّه له وشفقته عليه، فإنه يدفع ابنه بطريق غير مباشر للارتماء في أحضان أمه والنفور من الأب، وبالتالي إلى التأثر بها وتقليد أساليبها النسائية. فالولد يحتاج إلى أب ذي رجولة وقوة، على أن يكون في ذات الوقت عطوفاً يحيطه بالحنان والرعاية. أما البنت الصغيرة فتحتاج إلى أن تحس بأنها أنثى، وتشعر بأن من الأفضل لها أن تكون امرأة تتمتع بالعفاف والاستقامة، لا أن تعامل معاملة الولد لتكتسب صفات الرجولة في مستقبلها، وتبتعد عن وظائفها الأنثوية.

إذن: فإن حقوق الأولاد والأبناء على الآباء والأمهات ليستمحصورة في تهيئة الخبز، وتوفير الطعام، وإعداد الغداء والعشاء، وتقديم الإحتياجات المادية لهم فحسب، بل هناك لهم حقوق كبرى في ذمة الوالدين تتعلق بتربيتهم وتنشئتهم، وتهذيبهم وتأديبهم، وتوجيههم الوجهة الصالحة، وتعويدهم على الخير والإحسان، والمحبة والإكرام، وعلى كل العادات الطيبة، وتحذيرهم من الشر والعدوان، والبغض والاستهزاء، ومن كل العادات السيئة.

الأسرة في الحديث الشريف

لقد جاء في رسالة الحقوق للإمام السجاد علي بن الحسين زين العابدين‘ في حقوق الأولاد على الوالدين ما هو في منتهى الدقة

ص: 262

والروعة، حيث قال(علیه السلام):

«وأما حق ولدك، فتعلم أنه منك، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وأنك مسؤول عمّا وليته من حسن الأدب، والدلالة على ربّه، والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه، فمثاب على ذلك ومعاقب، فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا، المعذر إلى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه، والأخذ له منه ولا قوة إلّا بالله»(1).

وعن الإمام الصادق(علیه السلام) عن آبائه(علیهم السلام) قال: «فيوصية النبي(صلی الله علیه و آله) لعلي(علیه السلام) قال: يا علي، حق الولد على والده، أن يحسّن اسمه وأدبه، ويضعه موضعاً صالحاً. وحق الوالد على ولده، أن لا يسميه باسمه، ولا يمشي بين يديه، ولا يجلس أمامه، ولا يدخل معه الحمام... . يا علي، لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما. يا علي، يلزم الوالدين من عقوق ولدهما ما يلزم الولد لهما من عقوقهما. يا علي، رحم الله والدين حملا ولدهما على برّهما. يا علي من أحزن والديه فقد عقّهما»(2).

وعن يونس بن رباط عن الإمام أبي عبد الله الصادق(علیه السلام) قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «رحم الله من أعان ولده على برّه»، قال: قلت: كيف يعينه على برّه؟ قال: «يقبل ميسوره، ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه ولا يخرق به، فليس بينه وبين أن يصير في حد من حدود الكفر إلّا أن يدخل في عقوق، أو قطيعة رحم»، ثم قال(علیه السلام): «قال رسول الله(صلی

الله علیه و آله):

ص: 263


1- تحف العقول: ص263 ما روي عن الإمام زين العابدين(علیه السلام) في طوال هذه المعاني.
2- من لا يحضره الفقيه 4: 372.

الجنّة طيّبة، طيّبها الله وطيّب ريحها، يوجد ريحها من مسيرة ألفي عام، ولا يجد ريح الجنة عاق، ولا قاطع رحم، ولا مرخي إزاره خيلاء»(1).

وقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «من حق الولد على والدهثلاثة: يحسّن اسمه، ويعلّمه الكتابة، ويزوّجه إذا بلغ»(2).

وعليه: فعلى الأسرة المؤمنة وخاصة الأب أن يعتني بأبنائه أشد العناية، ويحيطهم بالعطف والحنان، ويقتدي بسيرة الرسول الأكرم(صلی الله علیه و آله) والأئمة المعصومين(علیهم السلام) في ذلك.

الأسرة في سيرة الرسول(صلی الله علیه و آله)

لقد كان الرسول الكريم(صلی الله علیه و آله) كثير التعلق بسبطيه الحسن والحسين‘ وكان يقول لفاطمة الزهراء(علیها السلام): «ادعي إلي أبنيّ»، فتأتي بهما إليه، فيشمهما ويضمها إليه(3).

وروي في هذا المجال: أن الأقرع بن حابس لما رأى شدة إقبال النبي(صلی الله علیه و آله) على الحسنين‘ قال له: إن لي عشرة من الأولاد، ما قبّلت واحداً منهم، فقال(صلی الله علیه و آله): «ما علي إن نزع الله الرحمة منك!»(4).

وجاء رجل إلى النبي(صلی الله علیه و آله) فقال له: ما قبّلت صبياً قط، فلما ولّى قال النبي(صلی الله علیه و آله): «هذا رجل عندي أنه من أهل النار»(5).

ص: 264


1- الكافي 6: 50. والخيلاء بالضم والكسر بمعنى التكبر أي من جر ثيابه على الأرض تكبراً.
2- روضة الواعظين 2: 369.
3- كشف الغمة في معرفة الأئمة 1: 520.
4- مكارم الأخلاق: 220.
5- الكافي 6: 50.

وقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «أحبوا الصبيانوارحموهم، وإذا وعدتموهم شيئاً ففوا لهم، فإنهم لا يرون إلّا إنكم ترزقونهم»(1).

ونظر رسول الله(صلی الله علیه و آله) إلى رجل له ابنان، فقبَّل أحدهما وترك الآخر، فقال له النبي(صلی الله علیه و آله): «فهلا واسيت بينهما»(2).

وقال(صلی الله علیه و آله) أيضاً: «اعدلوا بين أولادكم كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف»(3).

وعن النبي(صلی الله علیه و آله) قال: «سموا أولادكم أسماء الأنبياء، وأحسن الأسماء: عبد الله، وعبد الرحمن»(4).

وقال النبي(صلی الله علیه و آله) أيضاً: «من عال ثلاث بنات، ومثلهن من الأخوات، وصبر على إيوائهن، حتى يبنَّ(5) إلى أزواجهن، أو يمتن

ص: 265


1- الكافي 6: 49.
2- من لا يحضره الفقيه 3: 483.
3- بحار الأنوار 101: 92.
4- مكارم الأخلاق: 220.
5- البَيْنُ على وجْهَين: يكون البَينُ الفُرْقةَ، ويكون الوَصْلَ، بانَ يَبِينُ بَيْناً وبَيْنُونةً، وهو من الأَضداد، والمُبايَنة: المُفارَقَة. وتَبايَنَ القومُ: تَهاجَرُوا. وتقول: ضربَه فأَبانَ رأسَه من جسدِه وفَصَلَه، فهو مُبِينٌ. وفي حديث الشُّرْب: «أَبِنِ القَدَحَ عن فيك» أَي: افْصِلْه عنه عند التنفُّس لئلا يَسْقُط فيه شي ءٌ من الرِّيق، والبَينِ البُعْد والفِراق. وتبَايَنَ الرجُلانِ: بانَ كلُّ واحد منهما عن صاحبه، وكذلك في الشركة إذا انفصلا. وبانَت المرأةُ عن الرجل، وهي بائن: انفصلت عنه بطلاق. والطَّلاقُ البائِنُ: هو الذي لا يَمْلِك الزوجُ فيه استِرْجاعَ المرأَةِ إلّا بعَقْدٍ جديدٍ، وقد تكرر ذكرها في الحديث. وبَيَّن فلانٌ بِنْتَه وأَبانَها إذا زوَّجَها وصارت إلى زوجها، وبانَت هي إذا تزوجت، وفي الحديث: «مَنْ عالَ ثلاثَ بناتٍ حتى يَبِنَّ أَو يَمُتْنَ» ويَبِنَّ بفتح الياء: أَي يتزوَّجْنَ. لسان العرب 13: 62 مادة (بين).

فيصرن إلى القبور، كنت أنا وهو في الجنة كهاتين» وأشار بالسبابة والوسطى. فقيل: يا رسول الله، واثنتين؟ قال: «واثنتين» قيل: وواحدة؟ قال: «وواحدة»(1).

وقال(صلی الله علیه و آله): «قبلوا أولادكم، فإن لكم بكل قبلة درجة في الجنة، ما بين كل درجتين خمسمائة عام»(2).

وعن ابن عباس قال: قال النبي(صلی الله علیه و آله): «من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور، فإنه من فرّح أنثى فكأنما أعتق رقبة من ولد إسماعيل(علیه السلام)، ومن أقرّ بعين ابن فكأنما بكى من خشية الله، ومن بكى من خشية الله أدخله جنات النعيم»(3).

عامل الأسرة وكيفية تطبيقه

روى عبد الله بن فضالة عن أبي عبد الله(علیه

السلام) أو أبيجعفر(علیه السلام) فقال: سمعته يقول: «إذا بلغ الغلام ثلاث سنين يقال له سبع مرات: قل: لا إله إلّا الله، ثم يُترك حتى يتم له ثلاث سنين وسبعة أشهر وعشرون يوماً، فيقال له: فقل: محمدٌ رسول الله(صلی الله علیه و آله) سبع مرات، ويترك حتى يتم له أربع سنين، ثم يقال له: قل: سبع مرات قل صلى الله على محمد وآله ثم يترك حتى يتم له خمس سنين، ثم يقال له: أيهما يمينك وأيهما شمالك؟

ص: 266


1- عدة الداعي: 90.
2- مكارم الأخلاق: 220.
3- ثواب الأعمال: 201.

فإذا عرف ذلك حوّل وجهه إلى القبلة، ويقال له: اسجد، ثم يترك حتى يتم له ست سنين، فإذا تم له ست سنين وعُلّم الركوع والسجود، حتى يتم له سبع سنين، فإذا تم له سبع سنين قيل له: اغسل وجهك وكفيك، فإذا غسلهما قيل له: صلّ، ثم يترك حتى يتم له تسع سنين، فإذا تمت له عُلّم الوضوء وضرب عليه، وأُمر بالصلاة وضرب عليها، فإذا تعلم الوضوء والصلاة غفر الله لوالديه، إن شاء الله تعالى»(1).

من تطبيقات عامل الأسرة

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين واضربوهم على تركها إذا بلغوا تسعاً، وفرقوا بينهم في المضاجع، إذا بلغوا عشراً»(2).

وقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهميُغفر لكم»(3).

وقال(صلی الله علیه و آله) أيضاً: «الولد سيد سبع سنين، وعبد سبع سنين، ووزير سبع سنين، فإن رضيت أخلاقه لإحدى وعشرين، وإلّا فاضرب على جنبه، فقد أعذرت إلى الله تعالى»(4).

وعنه(صلی الله علیه و آله) أنه قال: «لأن يؤدب أحدكم ولداً خير له من أن يتصدق بنصف صاع كل يوم»(5).

ص: 267


1- الأمالي للشيخ الصدوق: 391.
2- دعائم الإسلام 1: 194.
3- مكارم الأخلاق: 222.
4- مكارم الأخلاق: 222.
5- بحار الأنوار 101: 95.

وعن الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام) قال: «يرخى الصبي سبعاً، ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، وينتهي طوله في ثلاث وعشرين وعقله في خمسة وثلاثين، وما كان بعد ذلك فبالتجارب»(1).

وعن الإمام الصادق(علیه السلام) قال: «يفرق بين الغلمان والنساء في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين»(2).

وقال الإمام الصادق(علیه السلام): «دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدَّب سبع سنين، وألزمه نفسك سبع سنين، فإن أفلح وإلّا فإنه ممن لا خير فيه»(3).

وعنه(علیه السلام) عن آبائه(علیهم السلام) قال: «قال رسول الله(صلیالله علیه و آله): الصبي والصبي، والصبي والصبية، والصبية والصبية، يفرق بينهم في المضاجع لعشر سنين»(4).

وعنه(علیه السلام) أيضاً: «إذا بلغت الجارية ست سنين فلا تقبلها، والغلام لا تقبله المرأة إذا جاوز سبع سنين»(5).

وعنه(علیه السلام) قال: «احمل صبيك تأتي عليه ست سنين، ثم أدّبه في الكتاب ست سنين، ثم ضمّه إليك سبع سنين فأدّبه بأدبك، فإن قبل وصلح، وإلّا فخّل عنه»(6).

ص: 268


1- مكارم الأخلاق: 223.
2- الكافي 6: 47.
3- من لا يحضره الفقيه 3: 492.
4- من لا يحضره الفقيه 3: 436.
5- مكارم الأخلاق: 223.
6- مكارم الأخلاق: 222.

وعن الإمام الرضا(علیه السلام) أنه قال: «قال النبي(صلی الله علیه و آله): اغسلوا صبيانكم من الغَمَر(1)، فإن الشيطان يشم الغمر فيفزع الصبي في رقاده، ويتأذى بها الكاتبان»(2).

الأسرة وبعض آدابها

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «أولادنا أكبادنا، صغراؤهم أمراؤنا، وكبراؤهم أعداؤنا، فإن عاشوا فتنونا، وإن ماتوا أحزنونا»(3).

وقال النبي الكريم(صلی الله علیه و آله) أيضاً: «خمسة في قبورهموثوابهم يجري إلى ديوانهم: من غرس نخلاً، ومن حفر بئراً، ومن بنى لله مسجداً، ومن كتب مصحفاً، ومن خلف ابناً صالحاً»(4).

وعن أمير المؤمنين(علیه السلام) قال: «ما سألت ربي أولاداً نضر الوجه، ولا سألته ولداً حسن القامة؛ ولكن سألت ربي أولاداً مطيعين لله وجلين منه، حتى إذا نظرت إليه وهو مطيع لله قرت عيني»(5).

وقال الإمام الصادق(علیه السلام): «قال موسى(علیه السلام): يا رب، أي الأعمال أفضل عندك؟ فقال: حب الأطفال، فإني فطرتهم على توحيدي، فإن أمتهم أدخلتهم برحمتي جنتي»(6).

ص: 269


1- الغمر، بالتحريك: السهك وريح اللحم وما يعلق باليد من دسمه.
2- عيون أخبار الرضا(علیه السلام) 2: 69.
3- بحار الأنوار 101: 97.
4- جامع الأخبار: 105.
5- بحار الأنوار 101: 98.
6- المحاسن 1: 293.
الأسرة وسيرة أهل البيت(علیهم السلام)

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «الولد للوالد ريحانة من الله قسمها، وإن ريحانتي الحسن والحسين‘ سميتهما باسم سبطي بني إسرائيل: شبراً وشبيراً»(1).

وقال(صلی الله علیه و آله) أيضاً: «رحم الله من أعان ولده على برّه؛ وهو أن يعفو عن سيئته، ويدعو له فيما بينه وبين الله»(2).

وقال الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام): «من قبّل ولده كتب الله عزّوجلّ له حسنة، ومن فرّحه فرّحه الله يوم القيامة، ومن علّمه القرآن دُعي بالأبوين فيُكسيان حُلتين، يضي ء من نورهما وجوه أهل الجنة»(3).

وقال رجل من الأنصار لأبي عبد الله الصادق(علیه السلام): من أبر؟ قال: «والديك» قال: قد مضيا. قال: «برّ ولدك»(4).

وقال الإمام الصادق(علیه السلام): «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلّا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته، فهي تجري بعد موته، وسنة سنها هدىً فهي تعمل بها بعد موته، وولد صالح يستغفر له»(5).

الأسرة والتعليمات التربوية

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «لا تضربوا أطفالكم على بكائهم؛ فإن

ص: 270


1- عدة الداعي: 86.
2- بحار الأنوار 101: 98.
3- الكافي 6: 49.
4- الكافي 6: 49.
5- الأمالي للشيخ الصدوق: 35.

بكاءهم أربعة أشهر شهادة أن لا إله إلّا الله، وأربعة أشهر الصلاة على النبي وآله، وأربعة أشهر الدعاء لوالديه»(1).

وقال أبو عبد الله(علیه السلام): «اسقوا صبيانكم السويق في صغرهم، فإن ذلك ينبت اللحم ويشد العظم»، وقال(علیه السلام): «من شرب سويقاً أربعين صباحاً امتلأت كتفاه قوة»(2).وقال بعضهم: شكوت إلى أبي الحسن موسى(علیه السلام) ابناً لي فقال: «لا تضربه؛ واهجره ولا تطل»(3).

الأسرة ومنزلة الأم

لقد اهتم الإسلام بالأسرة اهتماماً كبيراً، وخاصة فيما يتعلق بالروابط بين أعضاء الأسرة وعلى الخصوص الأم من بينها، ولذلك شرّع آداباً مشتركة بين أعضاء الأسرة الواحدة، وجعل لكل فرد من أفرادها واجبات متعلقة به، تهدف إلى زيادة تماسك الروابط الأسرية، فقد اهتم بالبيت بوصفه المنبع الطبيعي للحياة الهادئة المطمئنة، وأوصى - مؤكداً - بأن تكون أجواء المحبة والتعاون هي السائدة فيه، وأمر - مشدداً - باجتناب كل ما يعكّر صفو الأجواء الداخلية ويهم سكونها وقرارها، وذلك لما فيها من عظيم الأثر على حياة الطفل وتكوينه النفسي. وتقع المسؤولية في توفير الأجواء الهادئة والمناسبة داخل البيت على الأم بالدرجة الأولى.

ص: 271


1- التوحيد: 331.
2- المحاسن 2: 489.
3- عدة الداعي: 89.
الأم مدرسة الأجيال

وإلى هذا المعنى أشار الشاعر وهو يقول:

الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعباً طيب الأعراق

الأم روض إن تعهَّده الحيا *** بالري أورق أيّما إيراق

الأم أستاذ الأساتذة الألى *** شغلت مآثرهم مدى الآفاق(1)

أحضان الأمّهات مدارس

وأشار الشاعر الآخر إلى (الأم) أيضاً وهو يقول:

ولم أر للخلائق من محل *** يهذبها كحضن الأمهات

فحضن الأم مدرسة تسامت *** بتربية البنين أو البنات

وأخلاق الوليد تقاس حسناً *** بأخلاق النساء الوالدات

وليس ربيب عالية المزايا *** كمثل ربيب سافلة الصفات(2)

الزوجة الصالحة هي: أم صالحة

روي عن الرسول الأكرم(صلی الله علیه و آله): أن شخصاً جاءه قائلاً له: إن لي زوجة إذا دخلت تلقتني، وإذا خرجت شيعتني، وإذا رأتني مهموماً قالت: ما يهمك؛ إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفل به غيرك، وإن كنت تهتم بأمر آخرتك فزادك الله هماً!

فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «بشرها بالجنة وقل لها: إنك عاملة من عمال الله، ولكِ في كل يوم أجر سبعين شهيداً»(3).

ص: 272


1- الأبيات للشاعر حافظ إبراهيم، الملقب بشاعر النيل.
2- الأبيات للشاعر معروف الرصافي.
3- مكارم الأخلاق: ص200 ب 8 ف2 في أصناف النساء.

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: كنا جلوساً مع رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال: فتذاكرنا النساء وفضل بعضهن على بعض، فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «ألا أخبركم بخير نسائكم؟».

قالوا: بلى يا رسول الله فأخبرنا؟

قال: «إن من خير نسائكم: الولود الودود، الستيرة العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرجة مع زوجها، الحصان مع غيره، التي تسمع قوله وتطيع أمره، وإذا خلا بها بذلت له ما أراد منها، ولم تبذل له تبذل الرجل»(1).

وقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة، تسرّه إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله»(2).

وقال أبو عبد الله الصادق(علیه السلام): «خير نساءكم الطيبة الريح، الطيبة الطبيخ، التي إن انفقت أنفقت بمعروف، وإن أمسكت أمسكت بمعروف، فتلك عامل من عمال الله، وعامل الله لايخيب، ولا يندم»(3).

من حقوق الأم

قال الإمام زين العابدين(علیه السلام): «أما حق امك، فأن تعلم أنهاحملتك حيث لا يحتمل أحد أحداً، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لايعطي أحد أحداً، ووَقَتْك بجميع جوارحها، ولم تبال أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك،

ص: 273


1- من لا يحضره الفقيه 3: 389.
2- الكافي 5: 327.
3- الكافي 5: 325.

وتعرى وتكسوك، وتضحى وتظلك، وتهجر النوم لأجلك، ووَقَتْك الحر والبرد، لتكون لها، فإنك لاتطيق شكرها إلّا بعون الله وتوفيقه»(1).

وقال الإمام الصادق(علیه السلام): «جاء رجل إلى النبي(صلی الله علیه و آله) فقال: يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أباك»(2).

الأم: الحجر الأساس في التربية

إذن فأحضان الأم هي المدرسة الأولى في التربية، وتُعرف بأنها الحجر الأساس الأول في بناء شخصية الطفل وتحديد اتجاهاته وميوله، فالأم أكثر صبراً وتحمّلاً على تربية أبنائها، وأكبر دراية وبراعة في تنشئتهم، وذلك لما أودعه الله تعالى فيها من دافع فطري نحو أطفالها، ولأنها - بسبب تواجدها الدائم بالقرب منهم، تكون أعرف بطبيعتهم وصفاتهم، وميولهم ونفسياتهم، وأبصر بالوسائل التي تنفع في توجيههم وإرشادهم وهدايتهم وإصلاحهم.

ومن هذا المنطلق تكون مسؤولية الأم كبيرة، ووظيفتها ثقيلة؛تستدعيها الاهتمام الدائم بكل الأمور التي تخص أبناءها وتتطلب منها الاعتناء المستمر بجميع ما يرتبط بهم من معاملتهم بصورة متساوية، وبالشكل المناسب، وتوجيههم الوجهة الصحيحة، وبالصورة اللائقة، ومن تربيتهم على احترام الكبار وإكرامهم، وإيقافهم على معرفة مقام

ص: 274


1- من لا يحضره الفقيه 2: 621.
2- الكافي 2: 159.

أبيهم ولزوم احترامه.

كما أنه ينبغي لها أن تربي بناتها على العفة والطهارة، وعلى ارتداء الحجاب والستر، وعلى الالتزام بأوامر الإسلام وأحكامه.

والأم التي تقوم بتأدية هذه الوظائف والواجبات بالصورة الصحيحة، وبالشكل اللائق، هي التي يكرمها الإسلام ويعزّها، ويرفعها إلى أعلى الدرجات، وأرقى المستويات، ولذا ورد في الحديث الشريف عن النبي الكريم(صلی الله علیه و آله): «الجنة تحت أقدام الأمهات»(1). فالجنة قريبة من الأمهات اللاتي يؤدين دورهن بالشكل الأحسن، ويقمن بواجبهن على الوجه الأتم، تجاه البيت والأبناء، لنيل رضا الله سبحانه وتعالى.

التأدّب مع الأم

ومن أجل ذلك نرى أن الله سبحانه وتعالى جعل للأمهات على الأبناء حقوقاً أكثر... في مقابل ما جعله على الأبناء تجاه الآباء؛وذلك لما تعانيه الأمهات في طريق ما تقدمه من خدمات للأبناء.

يقول إبراهيم بن مهزم: خرجت من عند أبي عبد الله(علیه السلام) ليلة ممسياً فأتيت منزلي بالمدينة، وكانت أمي معي، فوقع بيني وبينها كلام، فأغلظت لها، فلما أن كان من الغد صليت الغداة، وأتيت أبا عبد الله(علیه السلام) فلما دخلت عليه فقال لي مبتدئاً:

«يا أبا مهزم! مالك وللوالدة: أغلظت في كلامها البارحة، أما علمت أن بطنها منزل قد سكنته، وأن حجرها مهد قد غمزته، وثديها

ص: 275


1- مستدرك الوسائل 15: 180.

وعاء قد شربته»!

قال: قلت: بلى.

قال: «فلا تغلظ لها»(1).

الأسرة وواجبات الأولاد

سبق أن أشرنا - بصورة مختصرة - إلى بعض ما يتعلق بالآباء والأمهات من واجبات ووظائف تجاه أبنائهم وأولادهم، وينبغي لنا الآن أن نقف وقفة سريعة أيضاً عند وظائف وواجبات الأبناء تجاه الوالدين.

توصية القرآن بالوالدين

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم وخطابه العظيم: «وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡكِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلا كَرِيما * وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرا»(2).

قبس من الآيتين الكريمتين

في الآيتين الكريمتين نهى الله عزّ وجلّ عن الشرك في العبادة كما نهى الله سبحانه وتعالى عن الشرك في العقيدة حيث قال: «وَقَضَىٰ رَبُّكَ» أي: أَمَرَ أَمْرَ إلزام وفرض «أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ» أيها البشر - أصله (أن لا) أدغمت النون في اللام، لقاعدة (يرملون)(3) «إِلَّآ إِيَّاهُ» فالعبادة خاصة برب

ص: 276


1- بصائر الدرجات 1: 243.
2- سورة الإسراء، الآية: 23-24.
3- قاعدة في علم التجويد: وهي كل ما جاء النون والتنوين مع حروف الياء والراء والميم واللام والواو والنون (حروف يرملون) فإنهما يدغمان ويصيران حرف واحداً مشدداً.

العالمين، وهي مشتقة من (عَبَد) أي الإتيان برسوم العبودية فإن عزّ الإنسان أن يكون لله عبداً(1) «وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ» أي: قضى ربك أن تحسنوا إلى الوالدين، وهما الأب والأم، والإحسان فوق العدل، ثم بيّن سبحانه لزوم الإحسان في حال كبرهما، لأن الإنسان - عادة - إذا كبر يسيئُ خلقه، ويكثر طلبه، ومن طرف ثان: إن الولد - كما هوعادة كل إنسان - إذا كبر ورشد، رأى نفسه في غنى عنهما، فكان مقتضى عدم الإحسان إليهما موجوداً عنده من جهتين؛ ولذا يخص سبحانه هذه الحال بالذكر، وقد قال بعض العارفين: إن أباك وأمك أحسنا إليك، وهما يريدان بقاءك ويهفو قلبهما إليك، وأنت تحسن إليهما - إن تحسن - وأنت ترى استغناك عنهما، فلا يبلغ إحسانك إحسانهما مهما أحسنت. وليعلم الولد، أن الدار دار مكافات، فمن أحسن إلى أبويه أحسن أولاده إليه، ومن أساء إليهما اساؤوا إليه، «إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ» أيها الولد، و(إمّا) أصله (إن ما) دخلت ما الزائدة على إن الشرطية للتزيين «ٱلۡكِبَرَ» الشيخوخة والكثرة في السن «أَحَدُهُمَآ» أي: أحد الأبوين، وهو فاعل «يَبۡلُغَنَّ» والكبر مفعوله، أي: إن عاش أحدهما «أَوۡ كِلَاهُمَا» عندك حتى كبرا، وبلغا مبلغاً كبيراً من العمر «فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ» وهي كلمة تستعمل عند الضجر، فقول مثل هذه اللفظة البسيطة، منهي عنه في الشريعة، وقد قال الإمام الصادق(علیه السلام): «لو علم الله لفظة

ص: 277


1- إشارة إلى قول الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام) في دعاءه حيث قال: «إلهي كفى لي عزاً أن أكون لك عبداً، وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً، أنت كما أحب فاجعلني كما تحب» الخصال 2: 420.

أوْجَز في ترك عقوق الوالدين من أف لأتى بها»(1). «وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا» النهر هو الزجر بإغلاظ وصياح، أي: لاتزجرهما، وإن أرادا منك شيئا لا تطردهما، كما قال سبحانه: «وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلَا تَنۡهَرۡ»(2) «وَقُل لَّهُمَا قَوۡلا كَرِيما» أي: خاطبهما، وتكلممعهما بكلام لطيف حسن جميل. «وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ» فكما أن فرخ الطائر يخفض جناحه لأبويه، تذللا وخضوعاً، فافعل أنت ذلك بأبويك «مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ» أي: اعمل هذا العمل من جهة الرحمة، والعطف بهما، لا كالطائر الذي يفعل ذلك من جهة طلب الغذاء؛ فإن الإنسان قد يتواضع رحمة، وقد يتواضع طمعاً أو طلباً أو ما أشبه «وَقُل» داعياً لهما «رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا» تفضّل عليهما باللطف والكرامة «كَمَا رَبَّيَانِي» أي: جزاء تربيتهما لي في حال كوني «صَغِيرا» فإنك يا رب أجزهما على أتعابهما، فإني لا أقدر على جزائهما، وفي الآثار الواردة عن النبي(صلی الله علیه و آله) والأئمة الطاهرين(علیهم السلام) كثرة مدهشة من التأكيدات العجيبة حول الوالدين وخصوصا الأم(3).

عامل الأسرة ملخصاً

إن الله تبارك وتعالى، قد قرن وجوب طاعة الوالدين بطاعته جلّ وعلا، وأوصى الأبناء بالوالدين إحساناً، وأمرهم بالعمل بما يُرضي الوالدين، ويُرسخ الرضا في نفوسهم، وأن يقوموا بخدمتهم وإكرامهم،

ص: 278


1- بحار الأنوار 71: 42.
2- سورة الضحى، الآية: 10.
3- تفسير تقريب القرآن 3: 299.

وشكرهم واحترامهم، وذلك بكل ألوان التكريم والخدمة، والاحترام والرعاية، مما يدل على أن رعاية احترام الوالدين وطاعتهم، والقيام بخدمتهم وإكرامهم، وخاصة بالنسبة إلى الأم، تمثل العناصرالأساسية في التربية الإسلامية والتنشئة الإيمانية، تلك التربية الهادفة إلى تماسك المجتمع وشدّ أواصره، وذلك على أساس من المودة والرحمة المتقابلة، والصفاء والاحترام المتبادل، فالأولاد إذن مسؤولون شرعاً وأخلاقاً عن رعاية حقوق الوالدين وخاصة الأم جزاءً لأتعابها الكبيرة، وعنائها العظيم، الذي تحملته في سبيل تربية الأولاد وتنشئتهم.

الحديث الشريف والبر المتقابل

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «إنما سمي الأبرار أبراراً لأنهم برّوا الآباء والأبناء والإخوان»(1).

وقال الإمام الصادق(علیه السلام): «كان أبي(علیه السلام) يقول: خمس دعوات لا يحجبن عن الرب تبارك وتعالى: دعوة الإمام المقسط، ودعوة المظلوم، يقول الله عزّ وجلّ: لأنتقمن لك ولو بعد حين، ودعوة الولد الصالح لوالديه، ودعوة الوالد الصالح لولده، ودعوة المؤمن لأخيه بظهر الغيب فيقول: ولك مثله»(2).

وعن جابر قال: سمعت رجلاً يقول لأبي عبد الله الإمام الصادق(علیه السلام): إن لي أبوين مخالفين. فقال: «برهما كما تبرالمسلمين ممن

ص: 279


1- وسائل الشيعة 16: 296.
2- الكافي 2: 509.

يتولانا»(1).

وقال(علیه السلام) أيضاً: «بروا آباءكم يبركم أبناؤكم، وعفّوا عن نساء الناس تعفّ نساؤكم»(2).

وعن معمر بن خلاد قال: قلت لأبي الحسن الرضا(علیه السلام): أدعو لوالدي إذا كانا لا يعرفان الحق(3)؟

قال: «ادع لهما، وتصدق عنهما، وإن كانا حيّين لا يعرفان الحق فدارهما؛ فإن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال: إن الله بعثني بالرحمة لا بالعقوق»(4).

الأم في الحديث الشريف

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «تحت أقدام الأمهات روضة من رياض الجنة»(5).

وقال(صلی الله علیه و آله) أيضاً: «إذا كنت في صلاة التطوع فإن دعاك والدك فلا تقطعها، وإن دعتك والدتك فاقطعها»(6).

وروي أن رجلاً قال للنبي(صلی الله علیه و آله): يا رسول الله، أيّ الوالدين أعظم؟ قال: «التي حملته بين الجنبين، وأرضعته بين الثديين، وحضنته على الفخذين، وفدته بالوالدين»(7).وقيل: يا رسول الله، ما حق الوالد؟ قال: «أن تطيعه ما عاش»

ص: 280


1- الكافي 2: 162.
2- الكافي 5: 554.
3- أي كانا مخالفين.
4- الكافي 2: 159.
5- مستدرك الوسائل 15: 181.
6- مستدرك الوسائل 15: 181.
7- مستدرك الوسائل 15: 182.

قيل: وما حق الوالدة؟ فقال(صلی الله علیه و آله): «هيهات هيهات، لو أنه عدد رمل عالج وقطر المطر أيام الدنيا، قام بين يديها، ما عدل ذلك يوم حملته في بطنها»(1).

وقال رجل لرسول الله(صلی الله علیه و آله): «إن والدتي بلغها الكبر، وهي عندي الآن، أحملها على ظهري، وأطعمها من كسبي، وأميط عنها الأذى بيدي، وأصرف عنها مع ذلك وجهي، استحياءً منها، وإعظاماً لها، فهل كافأتها؟ قال: «لا؛ لأن بطنها كان لك وعاءً، وثديها كان لك سقاءً، وقدمها لك حذاءً، ويدها لك وقاءً، وحِجرها لك حواءً، وكانت تصنع ذلك لك وهي تمنى حياتك، وأنت تصنع هذا بها وتحب مماتها»(2).

وقيل للإمام زين العابدين(علیه السلام): أنت أبر الناس، ولا نراك تؤاكل أمك! قال: «أخاف أن أمد يدي إلى شي ءٍ وقد سبقت عينها عليه، فأكون قد عققتها»(3).

وقال الإمام الرضا(علیه السلام): «واعلم، أن حق الأم ألزم الحقوق وأوجبها؛ لأنها حملت حيث لا يحمل أحد أحداً، ووقت بالسمع والبصر وجميع الجوارح، مسرورةً مستبشرةً بذلك، فحملته بما فيه منالمكروه والذي لا يصبر عليه أحد، ورضيت بأن تجوع ويشبع ولدها، وتظمأ ويروى، وتعرى ويكتسي، ويظلّ وتضحى، فليكن الشكر لها،

ص: 281


1- عوالي اللئالي 1: 269.
2- مستدرك الوسائل 15: 180.
3- مستدرك الوسائل 15: 182.

والبر والرفق بها على قدر ذلك، وإن كنتم لا تطيقون بأدنى حقها إلّا بعون الله، وقد قرن الله عزّ وجلّ حقها بحقه، فقال: «ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ»»(1)(2).

3- البيئة الاجتماعية
اشارة

العامل الثالث من عوامل التربية: البيئة الاجتماعية، قال الله تعالى في كتابه الكريم عن لسان خليله إبراهيم(علیه السلام): «وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا ٱلۡبَلَدَ ءَامِنا»(3).

وقال عزّ وجلّ: «ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ»(4).

وقال سبحانه: «تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فَسَاداۚ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ»(5).

البيئة وآية الأمان

قوله تعالى: «وَ» أي اذكر يا رسول الله «إِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ» في دعائه للهتعالى: «رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا» البلد وهو مكة التي بني فيها البيت «ٱلۡبَلَدَ ءَامِنا» عن الأخطار، أو محكوماً بحكم الأمن حكماً شرعياً(6).

ص: 282


1- سورة لقمان، الآية: 14.
2- الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا(علیه السلام): 334.
3- سورة إبراهيم، الآية: 35.
4- سورة الحج، الآية: 41.
5- سورة القصص، الآية: 83.
6- انظر: تفسير تقريب القرآن 3: 134.
البيئة وآية المُكنة

في هذه الآية الكريمة يمدح الله تعالى الذين إن كانت لهم سُلطة في الأرض مهدّوها لإصلاح الناس وإسعادهم، فجعلوا فيها البيئة الصالحة، وذلك بإقامة ما أمر الله به عليها.

قال الله سبحانه: «ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ» بأن كانت لهم المكنة والسلطة «أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ» أي: أدّوها بحقوقها وآدابها وشرائطها «وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ» أعطوها إلى من يستحق حسب موازينها الشرعية «وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ» وهو كل شيء أمر به الشرع أو العقل إيجاباً أو ندباً «وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ» وهو كل شيء نهى عنه الشرع أو العقل تحريماً أو تنزيهاً... «وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ» أي: إن الله يرث الأشياء، فالعاقبة والخاتمة له، وهذا وعد للمؤمنين وإيجاد أمل فيهم(1).

البيئة وآية المصلحين

قال في (مجمع البيان) عند تفسير الآية الكريمة: «تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ...» روى زاذان عن أمير المؤمنين(علیه السلام): أنه كان يمشي في الأسواق وحده وهو دال، يرشد الضال، ويعين الضعيف، ويمرّبالبياع والبقال فيفتح عليه القرآن ويقرأ «تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فَسَاداۚ» ويقول: نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل القدرة من سائر الناس(2).

ص: 283


1- تفسير تقريب القرآن 3: 608.
2- تفسير مجمع البيان 7: 464.

إذن: فالآيات الكريمات في هذا المجال تؤكد على أن للبيئة التأثير المباشر والكبير على تربية الإنسان، وأنه - بحسب ما قاله علماء النفس والاجتماع - ثالث العوامل الرئيسية في حقل التربية.

إن الأنبياء(علیهم السلام) والسائرين على نهجهم يحاولون خلق الأجواء المناسبة والمناخ الصالح في البيئة، لحمل الذين يعيشون في تلك البيئة على الصلاح والفلاح، وعلى الفوز والنجاح. كما هو واضح لمن راجع سيرتهم الطاهرة.

المراد من عامل البيئة

ونعني بالبيئة هنا الأجواء الاجتماعية، والمناخ السائد من حيث علاقة أفراد المجتمع وجماعاته بعضهم مع بعض، في شتى المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية وما إلى ذلك.

إن استقرار البيئة الاجتماعية على الخير والبرّ، وعلى الأخلاق والآداب الإسلامية، لها دخل كبير في استقامة سلوك الأبناء؛ فالبيئة الاجتماعية والمناخ الاجتماعي، تتحمل في الدرجة الثالثة بعد عامل الوراثة وعامل الأسرة، مسؤولية أيّ انحطاط أو تأخر تربوي يصيبأبناءها، فاستقرارها على البرّ والخير، وعلى الاحترام والإكرام من أهم الأسباب والعوامل المؤثرة في تماسك وبناء شخصية الأجيال، وإبعادها عن جميع أشكال الشقاء والدمار، ومن كل أنواع البؤس والحرمان، ممّا تجعل الجيل يشعر أنه يعيش في عالم مرتبك ومتناقض، مليء بالغش والخداع، وبالتوتر والشقاء، وهو يرى نفسه أنه مخلوق ضعيف، لا حول له ولا قوة تجاه وضعه الاجتماعي المتوتر والمضطرب.

ص: 284

اهتمام الإسلام بالبيئة الاجتماعية

لقد اهتم الإسلام كثيراً في أمر البيئة الاجتماعية وإصلاحها، فكان يهدف لأن تسود فيها القيم الإنسانية الراقية من العدل والإنصاف، والحق والمساواة، وأن تنعدم منها مظاهر الفساد والعنف، والظلم والأنانية، وأن تكون مستقرة خالية من الفتن والإضطرابات، لأن لهذا الجانب تأثيراً مهماً مباشراً على اكتساب الفرد العادات الطيبة، والأخلاق الحسنة من خلال العلاقات والصداقات، وهي من العوامل المؤثرة شديداً، والتي تنقل بسرعة فائقة عادات الأفراد واتجاهاتهم، وميولهم وطباعهم إلى الآخرين.

وبهذا الخصوص حثّ الإسلام على ضرورة إصلاح البيئة ووعد عليه الأجر والثواب، وحذّر في المقابل من إفساد البيئة وتوعد عليهالعذاب والنيران. قال الله تعالى: «وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَا»(1).

كما وأكدّ الإسلام على مجانبة الأشرار والمفسدين من جهة، وحرّض من جهة ثانية على مصاحبة الأخيار والمتدينين ومرافقة ذوي الشرف والاستقامة؛ حتى يكسب الفرد منهم حسن السلوك ومكارم الأخلاق.

البيئة الاجتماعية في الروايات

قال الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام): «من أحسن مصاحبة الإخوان استدام منه الوصلة»(2).

وقال أمير المؤمنين(علیه السلام) أيضاً: «خير الأصحاب أعونهم على الخير،

ص: 285


1- سورة الأعراف، الآية: 56.
2- غرر الحكم ودرر الكلم: 632.

وأعملهم بالبر، وأرفقهم بالمصاحب»(1).

ويقول الإمام الحسن المجتبى(علیه السلام) في وصيته لجنادة: «... وإذا نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة، فاصحب من إذا صحبته زانك، وإذا خدمته صانك، وإذا أردت منه معونة أعانك. وإن قلت صدّق قولك، وإن صُلت شدّ صولك، وإن مددت يدك بفضل مدّها، وإن بدت عنك ثلمة سدّها، وإن رأى منك حسنة عدّها، وإن سألته أعطاك، وإن سكت عنه ابتدأك»(2).وعن الإمام الصادق(علیه السلام) قال: «استرعوا دين الله بالرغبة في مصاحبة العلم وأهله قبل انتقاض عراه». قال عبد الرحمن بن الحجاج: كيف ينتقض عراه يا ابن رسول الله؟ قال: «إذا مات العالم انتقض عراه، وبقي الناس كالغنم لا راعي لها فضل مرعاها، ولا تهتدي مأواها»(3).

وروي أن لقمان الحكيم قال لابنه: «يا بني، إياك ومصاحبة الفساق، هم كالكلاب، إن وجدوا عندك شيئا أكلوه، وإلّا ذموك وفضحوك، وإنما حبهم بينهم ساعة. يا بني، معاداة المؤمن خير من مصادقة الفاسق(4).

يا بني، المؤمن تظلمه ولا يظلمك، وتطلب عليه

ص: 286


1- غرر الحكم ودرر الكلم: 365.
2- كفاية الأثر: 228.
3- الدعوات: 220.
4- يريد بيان تشديد الحذر من مصادقة الفاسق، فإن معاداة المؤمن مع شدة حرمته هو أهون خطراً على الإنسان من مصادقة الفاسق؛ إذ مصادقة الفاسق تذهب بدنيا الإنسان وآخرته معاً.

ويرضى عنك، والفاسق لا يراقب الله فكيف يراقبك؟!»(1).

وقال نبي الله سليمان(علیه السلام): «لا تحكموا على رجل بشي ء حتى تنظروا من يصاحب، فإنما يعرف الرجل بأشكاله وأقرانه، وينسب إلى أصحابه وإخوانه»(2).

تلخيص عامل البيئة

وعليه: فإنه ينبغي للمؤمنين أن يسعوا جميعاً لتوفير البيئة السالمة والمستقرة، وأن يختاروا أصدقاءهم وجلساءهم ممن يتسمون بالأخلاق الحسنة والصفات الحميدة، والذين تتوفر فيهم الصفات التي أشار إليها الإمام الحسن المجتبى(علیه السلام)، وينبغي لهم أن يكونوا حذرين من مصاحبة المنحرفين في أخلاقهم وسلوكهم؛ لأنهم سيشكلون عامل انحراف يدفع باتجاه الأثم والفساد، وعلى المؤمنين أن يراعوا هذه المواصفات في رسم وتحديد علاقات أبنائهم وأفراد أسرتهم في المجتمع؛ ليكسبوا الأخلاق الحميدة والعادات الحسنة، ويتجنبوا مزالق الانحراف ومهاوي الفساد.

التأكيد على مصاحبة الأخيار

وفي ما يخص صحبة الأخيار يقول الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام): «ليس شيء أدعى لخير وأنجى من شر، من صحبة الأبرار»(3).

ويقول(علیه السلام) أيضاً: «صحبة الولي اللبيب حياة الروح»(4).

ص: 287


1- الإختصاص: 338.
2- كنز الفوائد 1: 98.
3- عيون الحكم والمواعظ: 411.
4- غرر الحكم ودرر الكلم: 420.

وفيما يخص صحبة الأشرار ينهى الإمام(علیه السلام) عنها، لما لها من عواقب وخيمة فيقول: «صحبة الأشرار تكسب الشر، كالريح إذا مرت بالنتن حملت نتناً»(1).ويقول(علیها السلام): «مصاحب الأشرار كراكب البحر، إن سلم من الغرق لم يسلم من الفرق»(2).

وقال(علیه السلام) أيضاً: «جُمع خير الدنيا والآخرة في: كتمان السر، ومصادقة الأخيار. وجُمع الشر في: الإذاعة، ومؤاخاة الأشرار»(3).

وقال الإمام الباقر(علیه السلام): «وأوحى الله عزّ وجلّ إلى شعيب النبي(صلی الله علیه و آله): أني معذب من قومك مائة ألف: أربعين ألفاً من شرارهم، وستين ألفا من خيارهم. فقال(علیه السلام): يا رب، هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟! فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي»(4).

وقال الإمام الهادي(علیه السلام): «مخالطة الأشرار تدل على شرار من يخالطهم»(5).

التربية: مسؤولية الجميع

ظهر من هذه اللمحة المختصرة من الكلام، ما للتربية من أثر كبير في تنشئة الجيل الصالح، مضافاً إلى عامل البيئة الصالحة، مما يكشف أن

ص: 288


1- غرر الحكم ودرر الكلم: 420.
2- غرر الحكم ودرر الكلم: 709.
3- الإختصاص: 218.
4- الكافي 5: 56.
5- نزهة الناظر: 140.

مسؤولية تربية الأجيال أمانة في أعناق الجميع، بدءًمن الأب والأم في محيط الأسرة الصغير، وانتهاءً بالمجتمع بصورة عامة، فجميعهم مسؤولون مسؤولية مشتركة عن رعاية الأجيال، وتوفير الأجواء المناسبة وإعداد مستلزمات التربية الصالحة لهم، وإبعادهم عن مزالق الرذيلة ومهاوي الجريمة.

يقول الرسول الأكرم(صلی الله علیه و آله): «إن الله تعالى سائل كل راع عمّا استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيّعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته»(1).

ويقول(صلی الله علیه و آله) أيضاً: «ألاكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على أهل بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته»(2).

ويقول الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام): «كل امرئ مسئول عمّا ملكت يمينه وعياله»(3).

ويقول الإمام زين العابدين(علیه السلام) في دعائه لبنيه ضمن أدعية الصحيفة السجادية: «اللّهم ومُنّ عليّ ببقاء ولدي، وبإصلاحهم لي وبإمتاعي بهم، إلهي امدد لي في أعمارهم، وزد لي في آجالهم، وربِّلي صغيرهم،وقوّ لي ضعيفهم، وأصح لي أبدانهم وأديانهم وأخلاقهم،

ص: 289


1- نهج الفصاحة: 296.
2- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر.
3- غرر الحكم ودرر الكلم: 539.

وعافهم في أنفسهم، وفي جوارحهم، وفي كل ما عنيت به من أمرهم، وأدرر لي وعلى يدي أرزاقهم، واجعلهم أبراراً أتقياء بصراء سامعين مطيعين لك ولأوليائك، محبين مناصحين، ولجميع أعدائك معاندين ومبغضين، آمين. اللّهم اشدد بهم عضدي، وأقم بهم أودي، وكثِّر بهم عددي، وزين بهم محضري، وأحي بهم ذكري... وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم...»(1).

خلاصة البحث

والخلاصة: إن الآيات الكريمة وكذلك الروايات الشريفة، تثبت أن المسؤولية في إعداد الأجيال الصالحة تشمل الجميع، وفي عاتق الجميع، وذلك كلاً حسب اختصاصه وموقعه.

فينبغي لكل فرد منا أن يمارس دوره في العملية التربوية داخل أسرته ومجتمعه، وأن يجعل الآخرين يتحسسون بواجباتهم ومسئولياتهم تجاه أبنائهم ومجتمعهم؛ فإن فساد أسرة واحدة، بل شخص واحد، له تأثير سلبي ولو بنسبة معينة على المجتمع كله الذي يضم الأسر الأخرى والأفراد الآخرين، وله تأثير غير محمود على معايير المجتمع السلوكية والأخلاقية التي تربط أفراده بعضهم ببعض،وقد أوضحنا أن لكل من الفرد والأسرة والمجتمع تأثيراً على سلوك الأولاد والأبناء وتوجهاتهم المستقبلية، وهذا ما يحتّم علينا أن نسعى في إصلاح أنفسنا وإصلاح مجتمعنا حتى نتمكن من إعداد جيل مؤمن ومن إسعاف الأمة الإسلامية

ص: 290


1- الصحيفة السجادية، من دعائه(علیه السلام) لولده.

بالأجيال الصالحة المستقيمة التي تضمن تقدمها وازدهارها، وتقضي على عوامل التخلف والتأخر في كل المجالات المادية والمعنوية.

«اللّهم، ارزقنا توفيق الطاعة، وبُعد المعصية، وصدق النية، وعرفان الحرمة، وأكرمنا بالهدى والاستقامة، وسدّد ألسنتنا بالصواب والحكمة، واملأ قلوبنا بالعلم والمعرفة... وتفضل على علمائنا بالزهد والنصيحة، وعلى المتعلمين بالجهد والرغبة، وعلى المستمعين بالاتباع والموعظة، وعلى مرضى المسلمين بالشفاء والراحة، وعلى موتاهم بالرأفة والرحمة، وعلى مشايخنا بالوقار والسكينة، وعلى الشباب بالإنابة والتوبة، وعلى النساء بالحياء والعفة... بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين»(1).

من هدي القرآن الحكيم
التربية الإيمانية

قال الله تعالى: «وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡوَمَآ أَلَتۡنَٰهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَيۡءٖۚ كُلُّ ٱمۡرِيِٕۢ بِمَا كَسَبَ رَهِين»(2).

وقال سبحانه: «فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ»(3).

ص: 291


1- البلد الأمين: 349.
2- سورة الطور، الآية: 21.
3- سورة آل عمران، الآية: 159.

وقال عزّ وجلّ: «يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ»(1).

التربية والبيئة الصالحة

قال تبارك وتعالى: «وَيَوۡمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيۡهِ يَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي ٱتَّخَذۡتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلا * يَٰوَيۡلَتَىٰ لَيۡتَنِي لَمۡ أَتَّخِذۡ فُلَانًا خَلِيلا * لَّقَدۡ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكۡرِ بَعۡدَ إِذۡ جَآءَنِيۗ وَكَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لِلۡإِنسَٰنِ خَذُولا»(2).

وقال سبحانه: «قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰ هَلۡ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمۡتَ رُشۡدا»(3).

وقال جلّ وعلا: «وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ إِبۡرَٰهِيمَ * إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوۡمِهِۦ مَا تَعۡبُدُونَ * قَالُواْ نَعۡبُدُ أَصۡنَاما فَنَظَلُّ لَهَا عَٰكِفِينَ * قَالَ هَلۡ يَسۡمَعُونَكُمۡ إِذۡ تَدۡعُونَ * أَوۡ يَنفَعُونَكُمۡ أَوۡ يَضُرُّونَ * قَالُواْ بَلۡ وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا كَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ»(4).وقال عزّ وجلّ: «وَقَدۡ نَزَّلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أَنۡ إِذَا سَمِعۡتُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ يُكۡفَرُ بِهَا وَيُسۡتَهۡزَأُ بِهَا فَلَا تَقۡعُدُواْ مَعَهُمۡ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيۡرِهِۦٓ إِنَّكُمۡ إِذا مِّثۡلُهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا»(5).

ص: 292


1- سورة آل عمران، الآية: 200.
2- سورة الفرقان، الآية: 27-29.
3- سورة الكهف، الآية: 66.
4- سورة الشعراء، الآية: 69-74.
5- سورة النساء، الآية: 140.
تزكية النفس

قال تعالى: «وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ»(1).

وقال سبحانه: «خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَة تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَن لَّهُمۡۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(2).

وقال عزّ وجلّ: «فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ»(3).

وقال سبحانه: «وَمَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا أَوۡ يَظۡلِمۡ نَفۡسَهُۥ ثُمَّ يَسۡتَغۡفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُورا رَّحِيما»(4).

المجتمع والمسؤولية التربوية

قال عزّ من قائل: «وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّة يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ»(5).

وقال سبحانه: «وَعَلَى ٱلثَّلَٰثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَرۡضُبِمَا رَحُبَتۡ وَضَاقَتۡ عَلَيۡهِمۡ أَنفُسُهُمۡ وَظَنُّوٓاْ أَن لَّا مَلۡجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلَّآ إِلَيۡهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡ لِيَتُوبُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ»(6).

وقال تعالى: «وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ

ص: 293


1- سورة النازعات، الآية: 40.
2- سورة التوبة، الآية: 103.
3- سورة التغابن، الآية: 16.
4- سورة النساء، الآية: 110.
5- سورة آل عمران، الآية: 104.
6- سورة التوبة، الآية: 118.

وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ»(1).

وقال عزّ وجلّ: «إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَة فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ»(2).

من هدي السنّة المطهّرة
تزكية النفس

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «جاهدوا أهواءكم تملكوا أنفسكم»(3).

وقال الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام): «أيها الناس، تولوا من أنفسكم تأديبها، واعدلوا بها عن ضراوة عاداتها»(4).

وقال أمير المؤمنين(علیه السلام): «صلاح النفس قلة الطمع»(5).

وقال(علیه السلام) أيضاً: «إن أسلمت نفسك لله سَلِمَتْ نفسك»(6).وقال(علیه السلام): «أرجى الناس صلاحاً من إذا وقف على مساويه سارع إلى التحول عنها»(7).

وجاء في الدعاء عن الإمام زين العابدين(علیه السلام): «اللّهم صل على محمد وآله، وادرأ عني بلطفك، واغذني بنعمتك، وأصلحني

ص: 294


1- سورة المائدة، الآية: 2.
2- سورة الحجرات، الآية: 10.
3- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر 2: 122.
4- نهج البلاغة، قصار الحكم: الرقم 359.
5- غرر الحكم ودرر الكلم: 416.
6- غرر الحكم ودرر الكلم: 258.
7- غرر الحكم ودرر الكلم: 215.

بكرمك»(1).

تأثير الوراثة في سلوك الفرد

قال أمير المؤمنين(علیه السلام): «حسن الأخلاق برهان كرم الأعراق»(2).

وقال أبو جعفر(علیه السلام) قال: «قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): لاتسترضعوا الحمقاء، فإن اللبن يعدي، وإن الغلام ينزع(3).

إلى اللبن، يعني إلى الظئر، في الرعونة والحمق»(4).

وقال أبو جعفر(علیه السلام): «استرضع لولدك بلبن الحسان، وإياك والقباح فإن اللبن قد يعدي»(5).

وقال الإمام أبو عبد الله الصادق(علیه السلام): «لا تسترضع للصبيالمجوسية... ولا يشربن الخمر، ويمُنعن من ذلك»(6).

تأثير البيئة على الفرد

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «أولى الناس بالتهمة من جالس أهل التهمة»(7).

وقال الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام) فيما كتب إلى الحارث الهمداني: «واحذر

ص: 295


1- الصحيفة السجادية: من دعائه(علیه السلام) في مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال.
2- غرر الحكم ودرر الكلم: 346.
3- نزع إليه: أشبهه، والرعونة: الحمق والاسترخاء.
4- الكافي 6: 43.
5- الكافي 6: 44.
6- الكافي 6: 44.
7- من لا يحضرة الفقيه 4: 395.

صحابة من يفيل(1). رأيه وينكر عمله، فإن الصاحب معتبر بصاحبه»(2).

وقال الإمام أبو عبد الله الصادق(علیه السلام): «لا تصحبوا أهل البدع، ولا تجالسوهم؛ فتصيروا عند الناس كواحد منهم، قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): المرء على دين خليله وقرينه»(3).

وعن الإمام جعفر الصادق(علیه السلام) عن آبائه(علیهم السلام) قال: «قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): سائلوا العلماء وخالطوا الحكماء، وجالسوا الفقراء»(4).

مسؤولية الآباء تجاه الأبناء

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «من حق الولد على والده ثلاثة: يحُسّن اسمه، ويعلّمه الكتابة، ويزوّجه إذا بلغ»(5).

وقال رجل: يا رسول الله(صلی الله علیه و آله) ما حق ابني هذا؟ قال(صلی الله علیه و آله): «تحسّن اسمه وأدبه، وضعه موضعاً حسناً»(6).

وقال الإمام أبو عبد الله الصادق(علیه السلام): «قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): أحبوا الصبيان وارحموهم، وإذا وعدتموهم شيئاً ففوا لهم؛ فإنهم لا يدرون إلّا أنكم ترزقونهم»(7).

ص: 296


1- فال الرأي، يفيل: أي ضعف.
2- نهج البلاغة، الكتب: الرقم 69 من كتاب له(علیه السلام) إلى الحارث الهمذاني.
3- الكافي 2: 375.
4- النوادر للراوندي: 26.
5- روضة الواعظين 2: 369.
6- الكافي 6: 48.
7- الكافي 6: 49.

وقال(علیه السلام) أيضاً: «قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): حق الولد على والده إذا كان ذكراً أن يستفره أمه، ويستحسن اسمه، ويعلّمه كتاب الله، ويطهره، ويعلمه السباحة، وإذا كانت أنثى أن يستفره أمها ويستحسن اسمها، ويعلمها سورة النور، ولا يعلمها سورة يوسف، ولا ينزلها الغرف، ويعجل سراحها إلى بيت زوجها»(1).

ص: 297


1- الكافي 6: 48.

ص: 298

فهرس المحتويات

المرأة لمسلمة والوصايا الأخيرة

1- التقوى والخوف من الله... 5

معنى التقوى... 6

الشاب الذي أسلم تواً... 7

ماذا تعني الذرة؟... 8

من كرامات الحمّال التبريزي... 10

الأعمى الذي ارتد بصيراً... 11

تهيأ البيت المناسب... 13

امرأة من زنجان..... 15

2- حسن الأخلاق... 16

3- القدرة على الكتابة والتأليف... 19

4- المنبر والخطابة... 21

5- المحراب... 22

6- الزواج... 23

سلمان الفارسي في المدائن... 25

7- العمل... 27

8- مجالس عزاء الإمام الحسين(علیه السلام)... 28

ص: 299

كن وصيّ نفسك... 29

من هدي القرآن الكريم... 31

التقوى والأخلاق الحسنة... 31

الأخلاق السيئة وعدم التقوى... 33

من هدي السنّة المطهّرة... 33

التقوى... 33

الخوف من الله... 34

حسن الخلق... 35

التأليف والكتابة... 37

المنبر... 38

صلاة الجماعة... 38

العمل... 39

الزواج... 40

المجالس الحسينية... 40

المرأة في ظل الإسلام

حقوق المرأة... 43

دعاة المساواة... 43

شعار تحرر المرأة ماركة تجارية... 46

أي المجتمعين أفضل للمرأة؟... 46

أين هي المساواة؟... 48

التشبه بالرجال يعني الاسترجال... 49

ص: 300

مكانة المرأة... 51

التساوي في الشرع الإسلامي... 52

ولها دور العالِم... 53

المعززة المكرمة... 55

الأخت... 57

الزوجة... 58

أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك!... 61

إلى جانب العظام... 62

نموذج آخر... 63

مهمات ووظائف... 65

التأكيد على الزواج... 69

من هدي القرآن الحكيم... 70

المثل الأعلى لنساء العالم... 70

المرأة والعمل الصالح... 70

لاتفاوت بين الرجل والمرأة... 71

من هدي السنّة المطهّرة... 71

المرأة في ظل الإسلام... 71

أقسام النساء... 72

1- الأمهات... 72

2- الزوجة... 73

3- البنات... 74

4- الأخوات... 74

ص: 301

يوصيكم الله تعالى بالنساء خيراً... 75

خير النساء... 75

الحث على الزواج... 76

من أخلاق الأنبياء... 76

فما للنساء؟... 76

المرأة في المنظار الإسلامي

كمال الخلقة... 77

لاتفاوت في خلق الله... 78

الثواب والعقاب للمرأة والرجل... 80

رجال عظماء ونساء معظمات... 81

السيدة خديجة الكبرى(علیها السلام)... 82

الزهراء(علیها السلام) أعظم أسوة للنساء... 85

بطلة كربلاء... 88

السيدة زينب(علیها السلام) والطف... 92

زوجات وأمهات الأئمة(علیهم السلام)... 99

السيدة حميدة المصفاة... 100

أم الإمام المنتظر(علیه السلام)... 104

ببركتها زال البلاء... 106

اختلاف الوظائف... 108

المساواة بين الرجل والمرأة... 110

تعدد الزوجات... 111

ص: 302

حسن معاشرة النبي(صلی الله علیه و آله) مع زوجاته... 112

المرأة ظُلمت مرتين... 115

بطولة المرأة... 118

الإمامة في الصلاة... 125

الحضور في ميادين العلم... 126

اتقوا الله في النساء... 126

العلوية المزمنة... 127

في مواجهة الطغاة... 129

معاوية وسجن النساء... 132

ماذا تقول لربك يا معاوية؟... 134

الإسلام رفع شأن المرأة... 135

من هدي القرآن الحكيم... 136

نساء صالحات... 136

نساء غير صالحات... 137

المرأة والزواج... 137

تعدد الزوجات والعدالة... 138

الحجاب واجب للمرأة المسلمة... 138

من هدي السنّة المطهّرة... 138

في فضل المرأة... 138

نساء صالحات... 139

المرأة والزواج... 139

المرأة في الإسلام... 140

ص: 303

المرأة في المجتمع المعاصر

مريم البتول (علیها السلام)... 141

معجزة مريم وابنها‘... 142

لمحة عن حياة المرأة عبر التاريخ... 146

المرأة في الجاهلية... 153

العزة في الإسلام... 158

المرأة بين الإفراط والتفريط... 160

المرأة والمجتمع المعاصر... 160

الإسلام والعظيمات من النساء... 162

المساواة في الإنسانية... 165

مساواة أم ظلم؟... 165

الغرب وموقفه من قضية الزواج... 167

لماذا الزواج؟... 168

الطلاق يهتز منه عرش الرحمن... 171

مكانة المرأة في الإسلام... 173

الشيماء بنت حليمة السعدية... 174

الزوجات... 175

الإسلام وحجاب المرأة... 176

تقارير وإحصاءات عن المرأة في المجتمع المعاصر()... 178

أوروبا تدعو إلى تشريع وإباحة الدعارة... 183

تفاقم ظاهرة الطلاق في إيران... 187

الإجهاض في العالم... 188

ص: 304

الاغتصاب... 188

الاكتئاب يصيب المرأة أكثر من الرجل... 189

المرأة الأفريقية والإيدز... 190

العنف ضد النساء... 191

نسبة التحرش الجنسي بالنساء العاملات... 192

النساء الداعرات... 193

من هدي القرآن الحكيم... 193

المرأة في الإسلام... 193

المرأة الصالحة... 194

الزواج في الإسلام... 194

من هدي السنّة المطهّرة... 194

سيدة نساء العالمين... 194

حق المرأة الأم... 195

حب النساء()... 197

الزوجة الصالحة... 197

المرأة وخدمة الزوج... 197

أبغض الحلال عند الله الطلاق... 198

الحجاب الدرع الواقي الحجاب في القرآن... 199

لماذا الحجاب؟... 200

أولاً: بقاء المحبة الزوجية... 200

ص: 305

ثانياً: الحفاظ على الحياة الزوجية... 201

ثالثاً: توقي الانحرافات الجنسية... 202

أمثلة من الواقع... 204

نظرة السوء... 204

أحبلني ميكائيل!!... 205

من آثار عدم الحجاب... 206

برصيصا العابد... 207

خاتمة... 208

المرأة وطلب العلم... 208

الزواج المبكر... 208

المرأة كاملة لا نقص فيها... 209

مشروع الزواج... 210

الزواج ومواصلة الدراسة... 217

المرأة في المجتمع الغربي... 219

ملحق: روايات في النظر والاختلاط... 226

من سهام إبليس... 226

من ترك النظر... 226

النظرة بعد النظرة... 226

النظرة المهلكة... 226

ثواب غض البصر... 226

لماذا الحجاب؟... 227

لاتتبع النظرة بالنظرة... 227

ص: 306

النظرة توجب الفتنة... 227

من ملأ عينيه حراماً... 228

من صافح امرأة أجنبية... 228

لاتكلم الأجنبية... 228

من فاكه امرأة... 229

مايميت القلب... 229

لاتعودن إليها... 229

أخت الزوجة والغريبة... 229

لاتنظر في أدبار النساء... 230

ارض للناس ما ترضاه لنفسك... 230

مسامير من نار... 230

لا تطلق ناظرك... 230

دوام الحسرة... 231

زنا العين... 231

ثواب الحج والعمرة... 231

أفضل الغنائم... 232

غضوا أبصاركم... 232

إياكم والنظر... 232

الموت ولا النظر... 232

لوذهبت عيناك... 232

إنها الفتنة... 233

مصائد الشيطان... 233

ص: 307

من أصاب امرأة نظرة... 233

من ترك النظر... 233

لعنهما الله... 234

رائد الفتن... 234

ذهاب النظر خير... 234

النظرة والحسرة... 234

راحة القلب... 234

من أطلق طرفه... 234

من شروط البيعة... 234

من غض طرفه... 235

محادثة النساء... 235

لاتحادث النساء... 235

لاتمازح الفتيات... 235

أقلل من محادثة النساء... 235

لاتمش خلف المرأة... 236

النظر إلى العورة... 236

من صافح أجنبية... 236

الحجاب أمان من الإيذاء... 236

عين غضت عن محارم الله... 237

خير النساء... 237

ألستما تبصرانه... 237

لاتسلم على الشابات... 238

ص: 308

الحجاب حتى من الأعمى... 238

تقبيل المحارم... 238

اشتد غضب الله... 238

من قبل غلاماً بشهوة... 238

لجام من النار... 239

لاتحب الزنا... 239

عفّوا عن نساء الناس... 239

من علائم ولد الزنا... 239

خراب البيت... 239

النار بلا حساب... 240

أعظم المحرمات... 240

لاتهم بزنا... 240

ظهور الزلازل... 240

الفقر والمسكنة... 241

حبس الرزق... 241

تبعات الزنا... 241

إعداد الأجيال التربية وأدواتها... 242

التربية والتعليم في الإسلام... 243

الاهتمام بالتربية... 244

التربية وأبعادها الثلاثة... 245

ص: 309

البعد الأول... 245

البعد الثاني... 246

من أحكام البُعد الثاني... 247

البعد الثالث... 249

واجبات في التربية... 250

القرآن الحكيم ومراتب التربية... 251

التربية وعوامل التأثير... 252

1- الوراثة... 252

عامل الوراثة في الروايات... 254

من شواهد تأثير الوراثة... 256

2- الأسرة... 258

الأسرة وآية الاصطفاء... 258

دعائم الأسرة... 259

الأسرة وواجبات الوالدين... 259

اليتيم: يتيم الأدب والعلم... 261

الجمال: جمال العلم والأدب... 261

إيجاز عامل الأسرة... 261

الأسرة في الحديث الشريف... 262

الأسرة في سيرة الرسول(صلی الله علیه و آله)... 264

عامل الأسرة وكيفية تطبيقه... 266

من تطبيقات عامل الأسرة... 267

الأسرة وبعض آدابها... 269

الأسرة وسيرة أهل البيت(علیهم السلام)... 270

الأسرة والتعليمات التربوية... 270

ص: 310

الأسرة ومنزلة الأم... 271

الأم مدرسة الأجيال... 272

أحضان الأمّهات مدارس... 272

الزوجة الصالحة هي: أم صالحة... 272

من حقوق الأم... 273

الأم: الحجر الأساس في التربية... 274

التأدّب مع الأم... 275

الأسرة وواجبات الأولاد... 276

توصية القرآن بالوالدين... 276

قبس من الآيتين الكريمتين... 276

عامل الأسرة ملخصاً... 278

الحديث الشريف والبر المتقابل... 279

الأم في الحديث الشريف... 280

3- البيئة الاجتماعية... 282

البيئة وآية الأمان... 282

البيئة وآية المُكنة... 283

البيئة وآية المصلحين... 283

المراد من عامل البيئة... 284

اهتمام الإسلام بالبيئة الاجتماعية... 285

البيئة الاجتماعية في الروايات... 285

تلخيص عامل البيئة... 287

التأكيد على مصاحبة الأخيار... 287

التربية: مسؤولية الجميع... 288

خلاصة البحث... 290

ص: 311

من هدي القرآن الحكيم... 291

التربية الإيمانية... 291

التربية والبيئة الصالحة... 292

تزكية النفس... 293

المجتمع والمسؤولية التربوية... 293

من هدي السنّة المطهّرة... 294

تزكية النفس... 294

تأثير الوراثة في سلوك الفرد... 295

تأثير البيئة على الفرد... 295

مسؤولية الآباء تجاه الأبناء... 296

فهرس المحتويات... 299

ص: 312

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.