الرؤية السياسية عند الإمام علي علیه السلام قراءة في عهده إلى مالك الأشتر رضي الله عنه

هوية الکتاب

الرؤية السياسية عند الإمام علي علیه السلام قراءة في عهده إلى مالك الأشتر رضي الله عنه

- رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 8993358205 و 1729 لسنة 2017 م مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda.

ISBN 978-9953-55 - 05

رقم تصنيف BP 38. 09. S2 K3 2017 :LC المؤلف الشخصي: كاظم، شاكر مجيد. العنوان: الرؤية السياسية عند الإمام علي (علیه السلام) / قراءة في عهده إلى مالك الأشتر (رضي الله عنه).

بیان المسؤولية: تأليف الأستاذ الدكتور شاكر مجيد كاظم، تقديم السيد نبيل قدوري الحسني.

بيانات الطبعة: الطبعة الأولى.

بيانات النشر:

کربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

1438 ه = 2017 م.

الوصف المادي : 135 صفحة.

سلسلة النشر: دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه)- وحدة العلوم السياسية، 2 - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

ص: 1

اشارة

ISBN 978-9953-55 - 05 - رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 8993358205 و 1729 لسنة 2017 م مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda.

رقم تصنيف BP 38. 09. S2 K3 2017 :LC المؤلف الشخصي: كاظم، شاكر مجيد. العنوان: الرؤية السياسية عند الإمام علي (علیه السلام) / قراءة في عهده إلى مالك الأشتر (رضي الله عنه).

بیان المسؤولية: تأليف الأستاذ الدكتور شاكر مجيد كاظم، تقديم السيد نبيل قدوري الحسني.

بيانات الطبعة: الطبعة الأولى.

بيانات النشر:

کربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

1438 ه = 2017 م.

الوصف المادي : 135 صفحة.

سلسلة النشر: دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه)- وحدة العلوم السياسية، 2 - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

تبصرة عامة: يتضمن ملاحق تبصرة ببيلوغرافية: يتضمن هوامش - لائحة مصادر والمراجع (الصفحات 121 - 133).

تبصرة محتويات:

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين بن موسی، 359 - 406 هجرياً - نهج البلاغة، عهد مالك الأشتر.

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجرياً – أحاديث.

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریاً - رسائل موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجرياً - سياسته وحكومته. مصطلح موضوعي: الإسلام والدولة. مصطلح موضوعي: الشيعة الدولة. مصطلح موضوعي: نظام الحكم في الإسلام - جوانب سياسية.

مؤلف إضافي: الحسني، نبيل قدوري، 1995 م، مقدم.

مؤلف إضافي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين بن موسی، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. عهد مالك الأشتر. عنوان إضافي: نهج البلاغة. عهد مالك الأشتر.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة سلطان

ص: 2

سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر(رضي الله عنه) (2) وحدة العلوم السياسية الرؤية السياسية عند الإمام علي علیه السلام قراءة في عهده إلى مالك الأشتر رضي الله عنه تأليف أ. د. شاكر مجيد كاظم

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة العتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1438 ه - 2017 م العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع الألكتروني:

www.inahj.org الإيميل:

Info@lnahj.org تنویه: إن الأفکار والآراء المذکور في هذا الکتاب تعبر عن وجهة نظر کاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بها ألهم والثناء بیا قدم من عموم نعمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:

فإن من أبرز الحقائق التي ارتبطت بالعترة النبوية هي حقيقة الملازمة بين النص القرآني والنص النبوي ونصوص الأئمة المعصومين (عليهم السلام أجمعين).

وإنّ خير ما يُرجع إليه في المصادیق لحَديث الثقلين «كتاب الله وعترتي أهل بيتي» هو صلاحية النص القرآني لكل الأزمنة متلازماً مع صلاحيّة النصوص الشريفة للعترة النبوية لكل الأزمنة.

وما كتاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) لمالك الأشتر (عليه الرحمة والرضوان) إلا أنموذجاً واحداً من بين المئات التي زخرت بها المكتبة الإسلامية والتي اكتنزت في متونها الكثير من الحقول

ص: 5

المعرفية مظهرة بذلك احتياج الإنسان إلى نصوص الثقلين في كل الأزمنة.

من هنا:

ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تخصص حقلاً معرفياً ضمن نتاجها المعرفي التخصصي في حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفكره، متّخذة من عهده الشريف إلى مالك الأشتر (رحمه الله) مادة خصبة للعلوم الإنسانية التي هي أشرف العلوم ومدار بناء الإنسان وإصلاح متعلقاته الحياتية وذلك ضمن سلسلة بحثية علمية والموسومة ب(سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله)، التي ستصدر بإذن الله تباعاً، حرصاً منها على إثراء المكتبة الإسلامية والمكتبة الإنسانية بتلك الدراسات العلمية والتي تهدف إلى بيان أثر هذه النصوص في بناء الإنسان والمجتمع والدولة متلازمة مع هدف القرآن الكريم في إقامة نظام الحياة الآمنة والمفعمة بالخير والعطاء والعيش بحرية وكرامة.

وكان البحث الموسوم ب(الرؤية السياسية للإمام علي (عليه السلام) قراءة في عهده المالك الأشتر (رضوان الله عليه)) قد تناول جملة من المفاهيم والمرتكزات السياسية التي قدمها الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى مالك الأشتر لتكون له الدستور والمرجع في سياسته.

فجزى الله الباحث كل خير فقد بذل جهده وعلى الله أجره.

والحمد لله رب العالمين.

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 6

مقدمة

تتناول الدراسة الدستور الذي وضعه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لإدارة الدولة الاسلامية وذلك من خلال العهد، الذي كتبه إلى مالك بن الحارث الأشتر، عندما ولاّه على مصر سنة 38 هجرية / 658 ميلادية، وهو أطول عهد کتبه الإمام علي عليه السلام وأجمعه للمحاسن، وقد ضمَّ ما بين دفتيه جميع ما تحتاج إليه السلطة أياً كان مسمّاها؛ (والٍ، عامل، أمير، حاکم، رئيس الدولة)، في إدارة الحكم في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية والعسكرية..، إذ انه يُعد دستوراً مثالياً لإدارة الدولة الاسلامية من خلال نعته المفصل لواجبات الحاكم وحقوقه، وتشير الدراسة إلى أن الإمام علي (عليه السلام) يُعدْ أول من دعا إلى الفصل ما بين السلطات الثلاث التنفيذية،

ص: 7

والتشريعية، والقضائية، وإقرار حقوق الإنسان، علاوةً على ذلك فثمة قضية مهمة أشار إليها عهد (دستور) أمير المؤمنين علي عليه السلام تناولتها الدراسة ألا وهي أنه وضع القواعد الدستورية العامة في التعامل مع جميع أبناء المجتمع على حدٍ سواء قوامها الرحمة والشفقة، ووفق مبدأ العدل والمساواة، وعلى اساس الحقوق والواجبات، وليس على اساس الدين أو المعتقد او العرق او الجنس، بمعنى أن يكون التعامل معهم وفق ما يعرف اليوم (حسب المفهوم السياسي) ب(حق المواطنة)، حيث يقول في عهده لمالك واعلم بأن الناس «صنفان إما أخ لك في الدين، وإما نظير لك في الخَلقْ»، في حين كانت اول اشارة لتلك السلطات الثلاث في العصر الحديث قد وردت في الدستور الفرنسي الذي صدر في 4 أيلول 1791 م، وما صدر بعد ذلك من الجمعية العامة للأمم المتحدة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبنود العهد الدولي، والبروتوكولات، واللوائح والاتفاقيات الدولية التي أكدت على حقوق الانسان، وبذلك فإن الامام عليَّا عليه السلام كان له قصب السبق على منظري السياسة والقانون والادارة كافة، في الدعوة إلى تلك المبادئ والقيم.

كما توضح الدراسة ما دعا إليه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر من تشکیل وزارة من ذوي الاختصاص؛

ص: 8

وزراء مهنيون، و حكومة كفاءات، أي تشكيل حكومة تكنوقراط حسب المفهوم السياسي اليوم، ومنحه صلاحية تحديد عدد اعضائها وذلك على قدر الحاجة التي تدعو إليها المصلحة العامة، وقد أشار إلى هؤلاء الوزراء بلفظ الكاتب لكونه الاصطلاح العرفي الذي كانوا يُعرفون به آنذاك، ويُشرف عليهم (كاتب الكتاب) ويُسمونه (الكاتب المطلق) اي رئيس الوزراء حسب المصطلح السياسي اليوم وكذلك تناولنا وما ورد بالعهد بشأن السياسة الإدارية للدولة حسب الفكر الإداري للإمام علي (عليه السلام) وذلك باختيار الموظفين الذين يتميزون بالكفاءة، والمهنية، والعفة، وحسن السلوك، على أن يجرى لهم اختبار لمعرفة مدى صلاحيتهم والتعرف على مؤهلاتهم الشخصية وعلى ضوء ذلك يتم تعيينهم في الوظائف الحكومية وليس على أساس القرابة وصلة الدم والقبلية، او الصداقة والمحسوبية، ودعا كذلك إلى ابعاد المتملقين الذين يؤثِرون مصالحهم الذاتية على المصلحة العامة لأن هذا يُمثل فساداً ادارياً.

وكذلك فإن الإمام عليه السلام قد شرع قانون توفير فرص العمل لجميع المواطنين، ومحاربة الفقر (وهو القائل لو كان الفقر رجلاً لقتلته) ومساعدة المحتاجين والمساكين والاهتمام بذوي الحاجات الخاصة من خلال توفير راتب لهم من الدولة وهو ما يُعرف في الوقت الحاضر

ص: 9

بالرعاية الاجتماعية. فضلا عن الإمام (عليه السلام) في عهده لمالك طلب منه أن تكون لديه قاعدة بيانات عن هؤلاء يتم تجميعها من خلال تشكيل لجان مختصة تقوم بجمع المعلومات عنهم وفرز وتشخيص الحالات ووضع السبل الناجعة لمعالجتها وحل مشكلاتهم...

وکان للإمام علي عليه السلام الوسائل التي من خلالها يتمكن من التعرف على حوائج الناس والتعرف على ما يعاني منه المجتمع من مشکلات فأوجد بعبقريته الفذة بيتاً سمّاه (بيت القصص) فأصبح بإمكان أي مواطن أن يكتب قصاصة، او عريضة، او شكوى، يعرض فيها مشكلته فتصل إلى الإمام علي عليه السلام، فيتم معالجتها وبذلك أوجد عليٌ ما يعرف اليوم ب(صندوق الشكاوی)، وقد تأثر بهذه الطريقة الخليفة العباسي الواثق. علماً بأن هذه الفكرة لازال معمولا بها إلى الوقت الحاضر، فصناديق الشكاوي منتشرة في العديد من دوائر ومؤسسات بعض الدول للتعرف على المشكلات والمعوقات التي فيها ومنها العراق.

وتستعرض الدراسة النظرية الإقتصادية للإمام علي عليه السلام، التي أوضحها في عهده إلى مالك الأشتر والتي تؤكد على أن الثروات الوطنية ملكٌ عامٌ لجميع ابناء المجتمع والشعب، ولا يجوز أن تستأثر به جماعة دون أخرى، وقد تأثرت العديد من الدول بهذا المبدأ الاقتصادي

ص: 10

السياسي السيادي وأقرته في دساتيرها ومنها العراق وذلك حسب ما جاء في المادة (111) من الدستور العراقي الصادر في عام 2005. وبذلك فإن الفكر الثاقب لأمير المؤمنين علي عليه السلام قد سبق الزمن الذي ظهر فيه، مثلما كان سابقاً للافكار والمفاهيم الحديثة والمعاصرة في إدارة الدولة.

وتتعرض الدراسة إلى ذكر الطبقات والفئات الاجتماعية التي وردت في العهد وتوصيفها، وان كلمة الطبقات يُقصد بها الفئات الاجتماعية، وليس الطبقات حسب المفهوم الذي شاع استعماله في الحياة الاجتماعية والسياسية في العصور الوسطى، وقد اعترف الاسلام واعترف الامام علي (عليه السلام) بالطبقات اي الفئات على اساس اقتصادي او مهني او عليهما معا، وذلك لأن وجودها ضرورة لا غنى عنها، فلابد من وجود تصنيف مهني يسد حاجات المجتمع المتجدد. وقد ذكر العهد طبقات عديدة ومنها طبقة القضاة وتأكيده على الاهتمام الكبير بهم، وضرورة رعاية القضاة، وإبراز دورهم الاجتماعي، وأن یکون دخلهم بما يكفي حاجاتهم، ويسد مستلزمات حياتهم، ليقطع دابر الرشوة من الوصول اليهم، وذلك لضمان إقسام قراراتهم بالنزاهة والشفافية. علاوةً على ذكره الطبقات والفئات الأخری کالموظفين والفلاحين والصناعيين والحرفيين وغيرهم وإبراز حقوقهم وواجباتهم، وتمَّ أيضاً الحديث

ص: 11

بخصوص ما ورد بالعهد عمن محاربة الفساد والجشع بمختلف صوره وايقاع العقوبات الجزائية بحق كل موظف تثبت إدانته بسوء استخدامه للمال العام، وكذلك تحذيره للحاكم من فرض الضرائب الباهظة على ابناء المجتمع فيقول له «ولا تكونن عليهم سَبُعاً ضارياً تغتنم أُكْلَهُمْ» لأنها ستثقل كاهل المواطنين بتسديدها وأن تكون تلك الضرائب مقبولة ومعتدلة حتى تشجعهم على العمل وزيادة الانتاج والاستثمار ومن ثمَّ فاإن ذلك النشاط الاقتصادي ومردوداته جميعها سيكون لصالح الدولة.

ويؤكد العهد على دور المبادئ الروحية في تشكيل القيم الأخلاقية، والعهد يفيض بین جوانبه بالحكمة والموعظة وفيه ارشادات للحاکم بمعالجة القضايا بمنطق العقل، والنهي عن الإعجاب بالنفس، وسفك الدماء إلا بالحق.

ان النظرية السياسية التي شرعها الإمام علي عليه السلام في الحكم قائمةٌ على العدل والمساواة والاخلاص بالعمل لذلك عُدت من أعظم التشريعات والتعليمات والوصايا والعهود في تاريخ البشرية. ونظراً لأهمية العهد فقد تمت ترجمته إلى العديد من لغات العالم،، فضلا عن إيراد العديد من دساتير الدول نصوصاً من العهد ونسجها على منواله، کما حظي عهد الامام علي بن أبي طالب عليه السلام باهتماماً كبيرِ من قِبل المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، حيث وردت في تقرير التنمية

ص: 12

البشرية العربية لعام 2002، برنامج تطوير الأمم المتحدة، الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، (وهي منظمة تابعة للمكتب الاقليمي العربي للامم المتحدة)، نصوص وفقرات من اقوال و حِکَم الإمام علي ومن العهد، فهذا يوضح أن الدستور الذي وضعه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أصبح له بُعد عالمي لأنهم وجدوا فيه ما يحقق اهدافهم ومطالبهم بالعدل والمساواة وحقوق الانسان.

ص: 13

تمهيد:

التعريف بالعهد: -

في سنة (38 ه - 658 م) أسند الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ولاية مصر إلى مالك بن الحارث بن يغوث النخعي(1) المشهور ب(مالك الاشتر)(2) والشتر: - انشقاق جفن العين وبه سمي الأشتر النخعي(3) وقال ابن الكلبي أن الذي ضربه هو أبو مسيكة بن ربیل بن عمرو بن الطمثان من بني أياد بن نزار على عينه في معركة اليرموك(4) وقيل سمي بالأشتر لأنه يلتقط الرجال في الحرب کا يلتقط الديك الحبوب(5)

ص: 14


1- ابن الكلبي، نسب معد و اليمن الكبير 1 / 289؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 135، محمد بن جرير الطبري، تاريخ الطبري، 5 / 99؛ البلاذري، أنساب الأشراف، 2 / 398؛ ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، أخبار مصر والقاهرة / 7 / 326 - 327
2- المرزباني، معجم الشعراء، ص 310
3- ابن درید، الاشتقاق، ص 297
4- ابن الكلبي، نسب معد و اليمن الكبير 1 / 57
5- السيد حسني، أعلام نهج البلاغة، ص 265

والرأي الأول أثبت.

وكان زعيم قومه وأحد أبطال الإسلام وكان خطيباً بليغاً فارساً(1) ومن أبرز المقاتلين إلى جانب أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في الجمل وصفين والنهروان(2)، وكانت له منزلة عظيمة عند الإمام علي وله حظوة كبيرة لديه، وقد تحدث الإمام عن تلك المنزلة حيث وصفها بقوله:

«فلقد كان لي كما كنتُ لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)»(3).

وعندما وصل خبر وفاة مالك الأشتر حزن عليه أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، حزناً شديداً ونعاه للأمة قائلاً:

«ألا إن مالك بن الحارث قضى وأوفى بعهده، ولقي ربه، فرحم الله مالكاً ولو كان جبلاً لكان قداً، ولو كان حجراً لكان صلداً»(4) فعلى «مثل مالك فلتبك البواكي»(5).

ص: 15


1- الذهبي، تاريخ الإسلام، 2 / 211، ابن تغري بردي، النجوم الزاهره، 1 / 138
2- نصر بن مزاحم / وقعة صفين، 54، 171، 170، 250، 506، 554؛ ابن دحية الكلبي، أعلام النصر المبين، ص 96؛ الزركلي، الأعلام، 5 / 209
3- العلامة الحلي، خلاصة الأقوال، ص 277؛ محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، 42 / 176، عبد الحسين الأميني، الغدير 9 / 61
4- الطريحي، مجمع البحرین، 2 / 481
5- الشيخ المفيد، الأمالي، ص 83.؛ الذهبي، تاريخ الإسلام ، 2 / 211

إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، كان يُعني باختيار عماله من أهل القدرة والصلاح والتقوى ويزودهم بعهود مكتوبة إلى أهل ولاياتهم، ثم يتعاهدهم بكتبه موجهًا وناصحًا ومرشدًا(1).

ولقد زود أمير المؤمنين علي (عليه السلام) مالك الأشتر عندما ولاه مصر بتوجيهات وتعليمات مفصلة ومودعه في كتاب عهده اليه، والذي يُعد أول عهد جامع شامل في مطاليبه ومضامينه في التاريخ الإسلامي(2). باعتباره النموذج المثالي في ادارة الدولة.

ويبدو لي أن هذا العهد لیس بنصه الكامل، وإنما هو عبارة عن فقرات اختارها الشريف الرضي وبثها في نهج البلاغة الذي (أودع فيه ما اختاره من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام))(3) وقد أشار الشريف الرضي إلى منهجه هذا حيث قال: (فأجمعت بتوفيق الله تعالى على الابتداء باختيار محاسن الخطب ثم محاسن الكتب، ثم محاسن الحكم والأدب)(4).

ويضم العهد القواعد والمباني الفكرية الإسلامية في نظرية الحكم في جميع الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقضائية والعسكرية

ص: 16


1- محمد بكر إسماعيل، فقیه الأمة، ص 333
2- أحمد محمد التميمي، مالك بن الحارث الأشتر ودوره في الأحداث السياسية في القرن الأول الهجري، ص 162
3- محمد حسن آل یاسین، نهج البلاغة لمن ص 11
4- الشريف الرضي، نهج البلاغة، ص 12

وتنظيم العلاقات بين الحاكم والمحكوم على أساس العدل والحق والمساواة، وهو خير نتاج أنتجته العبقرية الإسلامية بل الإنسانية في مختلف الأدوار التاريخية. وإن القواعد التشريعية السياسية، والإدارية، والقضائية، والمالية والنظريات الدستورية التي قررها الإمام علي (عليه السلام) في عهده المالك الأشتر، تُعد مثالاً من أروع الأمثلة للحكم الديمقراطي في الإسلام(1).

وهذا العهد من جملة مآثر أمير المؤمنين (عليه السلام)، التي لا تحصى ولا تستقصى وهو من أطول عهوده وأعظمها شأناً لأنه (يحتوي على أهم القواعد والأصول التي تتعلق بالقضاء والقضاة، وإدارة الحكم في الإسلام، وقرر فيه قواعد مهمة في التضامن الاجتماعي بل التعاون الإنساني لإقامته العدل وحسن الإدارة والسياسة، وبيان الهيئة الاجتماعية وبيان الخراج وأهميته، وكيف يجب أن تكون المعاملة فيه والنظر في عمارة الأرض وما يتعلق بذلك من أصول العمران ومافيه صلاح البلاد و منابع ثروته وما للتجارة والصناعة من الأثر في حياة الأمة إلى غير ذلك من القواعد العامة التي تهدف إلى أسمى هدف في العدل الإسلامي، حتى أصبح موضع العناية من رجال الفكر وأعطوه كبير العناية بالشرح والإضافة، واعتنی به علماء القانون وساسة الأمم، فهو

ص: 17


1- توفيق الفكيكي، الراعي والرعية، ص 8

أثر خالد ومفخرة الإسلام على مر الدهور)(1).

ويعدّ عهد الإمام علي (عليه السلام) إلى واليه على مصر، مالك الاشتر، دستوراً كاملاً للدولة الإسلامية فيه نظريات الإسلام في الحكم والحكومة، ومناهج الدين في الاقتصاد، والاجتماع، والسياسة، والحرب، والإدارة، والأمور العبادية والقضائية(2).

وتتضح السياسة الشمولية للعهد من المقدمة التي قدم بها الإمام له كذلك من بنود العهد ومحتوياته الأخرى، ففي صدر هذا العهد أجمل حقوق الرعية إجمالاً ثم فصلها بعد ذلك تفصيلاً، فقال:

«هذا ما أمر به عبد الله، علي أمير المؤمنين، مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولاه مصر، جباية خراجها، وجهاد عدوها، واستصلاح أهلها، وعارة بلادها»(3).

فهذه المقدمة تتضمن أربعة أهداف سياسية، رئيسة، يجب أن يسعی إليها الحاكم ويعمل على تحقيقها لرعيته وأن يضعها نصب عينيه لغرض إنجازها وهي: - الأول: يتعلق بجباية الخراج، وما يتعلق بأموال الدولة التي يجب أن

ص: 18


1- أسد حيدر، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، 1 / 570
2- نجاح الطائي، سيرة الإمام علي بن أبي طالب، 6 / 76
3- نجاح الطائي، سيرة الإمام علي بن أبي طالب، 6 / 76

تنفق على مختلف القطاعات وتنمية المجتمع.

الثاني: جهاد العدو، وما يستلزم ذلك من تأسيس جيش قوي له القدرة على حماية البلد والدفاع عنه وبناء مؤسسات عسكرية وأمنية محكمة.

الثالث: يقوم على الإصلاح الاجتماعي ويقصد بها بناء الإنسان القادر على تطوير بلده و مجتمعه، ورفع مستواه في مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية، والاقتصادية والثقافية، وفي مختلف الأمور الأخرى.

الرابع: التنمية الاقتصادية والعمرانية، التي تهدف إلى بناء مختلف المؤسسات في الدولة لأجل تطوير البلد اقتصادياً، ورفع المستوى المعاشي للمواطنين وإقامة المشاريع المختلفة في البلد.

ومما يؤسف له حقا إن أغلبية الدول في منظورها السياسي تقتصر على السعي من أجل تحقيق الهدفين الأول والثاني، فتستحصل الضرائب من المواطنين بمختلف الطرق والوسائل والذرائع وتقيم جيشاً قوياً ومؤسسات أمنية ذات سطوة على الناس وفي المقابل فإنها تهمل الهدفين الآخرين وهما إصلاح المجتمع وتحقيق التنمية.

ونلاحظ أن الإمام عليًّا (عليه السلام) في عهده هذا، قد أوضح الرؤية السياسية التي يتبناها الإسلام في إدارة الدولة، والسبل السياسية التي ينتهجها الاسلام في معالجة الأحداث، كما أوضح في العهد الموارد

ص: 19

التي على مالك أن يستمد منها القوانين والتشريعات والأنظمة التي يصدرها في إدارة شؤون البلاد، وقد حددها له بالقرآن الكريم، والسنّة النبوية الشريفة، ومن التجارب الخاصة بأمير المؤمنين (عليه السلام) في الحياة العامة وفي الشؤون السياسية التي كان مالكٌ شاهداً وحاضراً فيها بحكم طول صحبته لأمير المؤمنين. ومن خلال قراءتنا للعهد اتضح أن الإمام (عليه السلام) أعطى له حرية الاجتهاد بغية تنفيذ مضامین العهد، أو قد تكون حالات معينة يمكن معالجتها من خلال الاستفادة من تجارب وخبرات الأمم السابقة والسنن الفاضلة التي كان الناس يعملون بها في شؤون حياتهم وتعاملهم اليومي كالعادات والتقاليد والأحكام والأعراف والقيم التي تتفق مع قيم وروح وجوهر الإسلام، لأن شرع من سبقنا شرع لنا ما لم ينسخ، فقال له:

«والواجب عليك أن تتذكر ما مضى لمن تقدمك من حكومة عادلة أو سنة فاضلة أو أثر عن نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - أو فريضة في كتاب الله فتقتدي بما شاهدت مما عملنا به فيها وتجتهد لنفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي هذا واستوثقت به من الحجة»(1).

لقد دأب الإمام علي (عليه السلام) على كتابة أوامره إلى عماله وولاته على شكل نصائح عامة تبين لهم وللرعية طريق العمل الصحيح، وفق كتاب الله وسنة نبيه المصطفی (صلی الله عليه وآله وسلم)، وكُتُب علي

ص: 20


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 88

(عليه السلام) كانت تتميز بالفصاحة والوضوح، والتقنين الجامع في إيجاز یكاد يكون معجزًا تتلقاه القلوب، وكل من يقرأ هذا العهد بعناية يجده قد أحاط بأصول الحكم كلها إجمالاً في أسلوب مشرق أخاذ، فعلي كان يأخذ المواثيق من عياله في كتب يبعث بها اليهم ليعلم كل ذي حق حقه وواجبه(1).

المصادر التي ورد فيها العهد:

اهتم العلماء والمؤرخون ورجال الفكر والسياسة بهذا العهد، وعنوا به عناية فائقة، وأوسعوه شرحاً و تحليلاً وتعليقاً، وسندرج أدناه بعض المصادر الأولية التي أوردت العهد وبحسب قِدَم وفاة مؤلفيها وهي: - 1 - أبو محمد الحسن بن شعبة الحراني (ت 332 ه)، في كتابه تحف العقول عن آل الرسول وذكر العهد بزيادة بعض الفقرات واختلاف في بعض الألفاظ مما يدل على أن الشريف الرضي في نهج البلاغة نقل ما اختاره من هذا العهد من غير هذا الكتاب(2).

2 - القاضي النعمان بن محمد بن منصور المغربي (ت 363 ه)، في كتابه دعائم الإسلام(3).

ص: 21


1- محمد بكر إسماعيل، فقيه الأمة، ص 321 - 323
2- ص 126 - 149؛ وانظر كذلك محمد بكر إسماعيل، فقيه الأمة ص 176
3- 1 / 354 وما بعدها

وهذان المصدران هما أقدم عهداً من زمن الشريف الرضي، فالعهد ورد في مصادر سابقة ومتقدمة على الشريف الرضي، الذي أورد العهد في نهج البلاغة.

3 - الشريف الرضي (ت 406 ه) في كتابه نهج البلاغة، وقال إنه (أطول عهد كتبه وأجمعه للمحاسن)(1).

4 - الشيخ الطوسي (ت 460 ه) في كتابه الفهرست(2).

5 - ابن حمدون (ت 592 ه) في كتابه التذكرة الحمدونية، إذ قال عن العهد إنه: (جمع فيه بين حاشيتي التقوى والسياسة على بعد أقطارها، وجدته يغني عن كثير من كلام الحكماء والقدماء، وهو مع فرط الإطالة مأمون الملالة لجمع بين البلاغة البارعة والمعاني الرائعة، ولولا رغبة الناس لكلام وميل النفوس إلى التنقل في الألفاظ لأكتفين بإيراد هذا العهد عن غيره، إذ كان حاويا لأشتات الأدب والسياسات، جامعا للأسباب التي تلزم الملوك والولاة) ثم أورد نص العهد بطوله(3).

6 - ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 656 ه) في كتابه شرح نهج البلاغة، حيث قال في هذا العهد (إنه نسيج وحده، ومنه تعلم الناس الآداب

ص: 22


1- محمد عبده، نهج البلاغة 3 / 571
2- ص 85
3- 1 / 78 - 79

والقضايا والأحكام والسياسة)(1).

7 - النويري (ت 732 ه) في كتابه نهاية الأرب، حيث نعته بقوله: (ولم أر فيها طالعته من هذا المعنى - أي في وصايا الملوك إلى الحكام - أجمع للوصایا، ولا أشمل من عهد كتبه علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى مالك بن الحارث الأشتر، حيث ولاه مصر، فأحببت أن أورده على طوله، وآتي على جملته وتفصيله لأن مثل هذا العهد لا يُهمل وسبيل فضله لا يُجهل) ثم ذكر العهد(2).

8 - القلقشندي (ت 821 ه) في كتابه صبح الأعشى، فقد قال فيه: (إنه من العهود البليغة جمع فيه بين معالم التقوى وسياسة الملك)(3)، وذكره أيضًا في كتابه الآخر مآثر الإنافة(4).

9 - المجلسي (ت 1111 ه) في كتابه بحار الأنوار(5).

ولهذا العهد شروح عديدة منها:

1 - ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة(6).

ص: 23


1- 6 / 58
2- 6 / 21 - 30
3- 10 / 12
4- 3 / 6
5- 33 / 599 - 612
6- 17 / 30 وما بعدها

2 - قطب الدين البيهقي، حدائق الحقائق(1).

3 - السرخسي، أعلام نهج البلاغة(2).

4 - ميثم البحراني، شرح نهج البلاغة(3).

5 - شراح نهج البلاغة الذين يزيد عددهم على المائة(4).

6 - شرح الشيخ محمد عبده، مفتي الديار المصرية(5).

7 - شرح الشيخ محمد باقر الكجوري والموسوم (أساس السياسة في تأسيس الرياسة)(6).

8 - شرح العلامة هادي بن محمد حسين البيرجندي.

9 - شرح الحسين الهمداني، والموسوم (هدية الحسام هداية الأحكام)(7).

10 - شرح الشيخ عبد الواحد المظفر والموسوم (السياسة العلوية)

ص: 24


1- 2 / 539 - 547
2- 4 / 137 - 187
3- 5 / 134 - 187
4- أسد رستم، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 1 / 571
5- نهج البلاغة 3 / 571 - 596
6- أسد رستم، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 1 / 571
7- أسد رستم، المصدر نفسه 1 / 571

وهو مخطوط يقع في ثلاثة أجزاء(1).

11 - شرح الأستاذ توفيق الفكيكي والموسوم (الراعي والرعية)(2).

12 - وغيرها من الشروح وقد ذكر العديد منها الشيخ آغا بزرك الطهراني(3).

لقد كان عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر، موضوع العناية منذ أقدم العصور إلى يوم الناس هذا عند كثير من رجال العلم(4)، وأعلام الأدب(5)، وأساتذة القانون(6)، وعلاء السياسة، والإدارة، والمالية الاقتصاد، وكبار الفلاسفة وقادة الجيوش وأمراء الحرب في مختلف البلدان(7).

وماهو جدير بالذكر، أن العهد قد تعرض له عامة شراح نهج البلاغة بشرح مبسط ومختصر، وكل بحسب طريقته في شرح نهج البلاغة(8)، ولو

ص: 25


1- أسد رستم، م، ن، 1 / 571 ؛ وأنظر كذلك عبد الواحد المظفر، قائد القوات العلوية، ص 60 هامش رقم (1)
2- ص 38 وما بعدها
3- الذريعة، 13 / 373 - 375
4- رشید عبد الحميد الصفار، مالك الأشتر بطل صفین، ص 32
5- للتفاصيل راجع عبد الزهره الكعبي، مصادر نهج البلاغة، 3 / 426 - 430
6- توفيق الفكیكي، الراعي والرعية، ص 38 وما بعدها
7- للتفاصيل راجع / توفيق الفكیكي، المصدر نفسه / ص 9
8- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 17 / 24 -91 ؛ میثم البحراني / 1 / 89 وما بعدها، محمد عبده / نهج البلاغة، 3 / 571 - 596

أنها انتزعت من تلك الشروح لكانت عدة مجلدات.

وقد قام السيد (احمد محمد) كاتب مكتبة الأزهر بانتزاع العهد من شرح الشيخ محمد عبده لنهج البلاغة وطبعه على حده وسماه (مقتبس السياسة وسياج الرياسة)، وقال في تقديمه له: (إنه جمع أمهات السياسة وأصول الإدارة في قواعد حدت من فصاحة الكلم وبلاغة الكلام وحسن الأسلوب ما لا يمكن لعاجز مثلي أن يصفه فدهشت جداً لمّالم أجد لهذا الكتاب تداولاً على ألسنة المتكلمين بالعربية خصوصّا المشتغلين بتعلمها من طلبة الأزهر والمدارس الأخرى مع أنه كان من الواجب أن مثل هذا الكتاب يحفظ في الصدور لا في السطور)(1).

ومما يدل على أهمية عهد علي (عليه السلام) لمالك اهتمام العلماء بترجمته لمختلف اللغات العالمية وشرحه ودراسته(2)، بهدف الاستفادة منه(3).

ص: 26


1- أحمد محمد، ص (2 - 3)
2- توفيق الفكیكي، الراعي والرعية، ص 9
3- آغا بزرك الطهراني، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، 13 / 373؛ عبد الزهراء الخطيب، مصادر نهج البلاغة 3 / 427 - 428.؛ رسالة علي بن أبي طالب إلى مالك الأشتر، مقال بالنت نشر موقع ويكبيديا

الفصل ما بين السلطات الثلاث

إن للإمام علي (عليه السلام) آراء ومفاهيم إدارية قيّمة في إدارة الحكم والسياسة ضمنها في (دستور) عهده المالك الأشتر، ومن أبرز تلك السياسات هي الفصل ما بين السلطات الثلاث؛ التشريعية والتنفيذية والقضائية، وبذلك فإن للإمام علي (عليه السلام) قصب السبق على رجال السياسة والإدارة والقانون الذين جاءوا من بعده كافة ونهلوا من مورده، فأقر مبدأ الفصل ما بين السلطات الثلاث(1) وكان أول من أشار إليها في الدساتير الحديثة الدستور الفرنسي الذي صدر في (4 أيلول عام 1791)، حيث يعد دستور فرنسا الذي وضع عقب ثورتها 1789 م أول من أقر الفصل ما بين السلطات، وأقر حقوق الإنسان(2) تتصدره العبارة الذائعة الصيت (يولد الناس أحراراً ومتساوين في الحقوق) علما بأن فكرة إعلان (حقوق الإنسان) قد تبلورت خلال الثورة الأمريكية

ص: 27


1- توفيق الفكیكي، الراعي والرعية، ص 158
2- ماهر صالح الجبوري وآخرون، حقوق الإنسان والطفل، ص 62

على بريطانيا، وقد نص إعلان استقلال الولايات المتحدة الأمريكية في (6 تموز سنة 1776 م) على (أن كل الرجال قد ولدتهم أمهاتهم سواسية) وتضمن الإعلان في ديباجته ذکر حقوق الإنسان في المساواة والحرية والسعادة وتغيير الحكومات التي لا ترعى تلك الحقوق، ثم صدر الإعلان الذي سبق دستور (24 يوليو سنة 1793 م) وقد ركز بصورة خاصة على المساواة وأشار إلى الواجبات، كما أشار إلى حق الجميع في التعليم وفي المساعدات العامة، ثم صدر إعلان آخر لحقوق الإنسان في (22 أغسطس سنة 1795 م)، وقد سادت مبادئ الإعلان الفرنسي الصادر سنة 1789 م الدساتير الفرنسية التالية وكثيرًا من دساتیر دول أوربا الغربية الصادرة خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين الميلاديين(1).

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية صدرت العديد من الوثائق الدولية التي تخص حقوق الإنسان ومنها: - 1 - الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وذلك بتاريخ 10 / 9 / 1948 حيث ضم الإعلان ثلاثين مادة تناولت حقوق الإنسان كحق الحياة، وحرية المعتقدات الدينية، والتمتع بالحقوق والمساواة بين المواطنين دون أي تمييز بينهم على أساس الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو العنصر، وهم جميعًا متساوون أمام

ص: 28


1- محمد فتحي عثمان، حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والفكر القانوني الغربي، ص 13

القانون، ولكل فرد حق في حرية الفكر، وحرية التعبير والرأي وغيرها(1) كما أنه يمثل التطور البارز في صياغة حقوق الإنسان في عالمنا المعاصر(2).

2 - العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 16 كانون الأول 1966 م، أي في نفس تاریخ صدر العهد الدولي السابق ويتألف من ثلاث وخمسين مادة، تخص حقوق الإنسان(3).

3 - البروتوكول الاختياري الأول الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وقد صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 16 كانون الأول 1966 م، ويضم (14) مادة(4).

4 - البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي بالحقوق المدنية والسياسية بهدف العمل على إلغاء عقوبة الإعدام، وصدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 15 كانون الأول عام 1989، ویشمل إحدى عشرة مادة(5).

ص: 29


1- للمزيد من المعلومات عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبنوده الثلاثين راجع، بهي الدين حسن وآخرون، حقوقنا الآن وليس غدٌا المواثيق الأساسية لحقوق الإنسان، ص 39 - 45
2- محمد فتحي عثمان، حقوق الإنسان، ص 14
3- بهي الدين حسن، المصدر السابق، ص 47 - 69
4- بهي الدين حسن، المصدر السابق، ص 71 - 76
5- بهي الدين حسن، المصدر السابق، ص 77 - 82

5 - اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة، وقد صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10 كانون الأول عام 1984، وتشمل ثلاثًا وثلاثين مادة(1).

6 - البرتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهنية، والصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، والصادر بتاريخ 22 نیسان عام 2002، ويتضمن سبعًا وثلاثين مادة(2).

7 - إعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري والصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 18 كانون الأول عام 1992، ويشمل واحداً وعشرين مادة(3).

8 - إعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد، وقد صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاریخ 25 تشرين الثاني عام 1981، ويتضمن ثاني مواد(4).

9 - العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،

ص: 30


1- بهي الدين حسن، حقوقنا الآن وليس غدا، ص 83 - 100
2- بهي الدين حسن، المصدر نفسه، ص 101 - 118
3- بهي الدين حسن، المصدر نفسه، ص 119 - 129
4- بهي الدين حسن، المصدر نفسه، ص 131 - 136

الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 16 كانون الأول عام 1966، ويشمل واحدة وثلاثين مادة(1).

10 - إعلان الحق في التنمية، وقد صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 4 كانون الأول عام 1986، ويحتوي على عشر مواد(2).

11 - اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 18 كانون الأول عام 1979 وتتضمن ثلاثين مادة(3).

12 - البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وقد صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 9 تشرين الأول عام 1999 وضم واحدا وعشرين مادة(4).

13 - اتفاقية حقوق الطفل حيث صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 20 تشرين الثاني عام 1989 وتشمل أربعًا وخمسين مادة(5).

14 - الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري

ص: 31


1- بهي الدين حسن، المصدر نفسه، ص 137 - 150
2- بهي الدين حسن، المصدر نفسه، ص 151 - 158
3- بهي الدين حسن، المصدر نفسه، ص 159 - 174
4- بهي الدين حسن، حقوقنا الآن وليس غدا، ص 175 - 183
5- بهي الدين حسن، المصدر نفسه، ص 185 - 210

والصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 21 كانون الأول عام 1965 وتضم خمسًا وعشرين مادة(1).

15 - إعلان بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قوميه إثنية والى أقليات دينية ولغوية، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول عام 1992، وضم بين دفّتيه تسع مواد(2).

16 - اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 9 كانون الأول عام 1948، وتشمل تسع عشرة مادة(3).

17 - نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 17 تموز عام 1998 ويتألف من مائة وثان وعشرين مادة(4).

18 - الإعلان المتعلق بحق مسؤولية الأفراد والجماعات وهيئات المجتمع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها عالمياً والصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها المرقم 144/ 53 والصادر بتاريخ 9 كانون الأول عام 1998، ويتضمن

ص: 32


1- بهي الدين حسن، المصدر نفسه، ص 211 - 227
2- بهي الدين حسن، المصدر نفسه، ص 229 - 234
3- بهي الدين حسن، المصدر نفسه، ص 235 - 241
4- بهي الدين حسن، المصدر نفسه، ص 243 - 334

عشرون مادة(1).

فالذي يقرأ هذه الإشارات للوهلة الأولى يظن أن ذلك من نتاج أفكار رجال العصر الحديث، ومن ثم أصبحت قاعدة دستورية أخذت بها دساتير الدول في القرن العشرين، في حين أن أول من وضع مبدأ الفصل ما بين السلطات الثلاث وأقر حقوق الإنسان هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد نص على ذلك بشكل رسمي ومدون وذلك في العهد الذي كتبه إلى مالك الاشتر(2) وهي من أللفتات الأصيلة والمتميزة للفكر الثاقب لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) في الإدارة السياسية للدولة.

1. السلطة التشريعية:

السلطة التشريعية عند الإمام علي (عليه السلام)، هي القرآن الكريم والسنة النبوية وهما يمثلان الدستور الإسلامي، حيث قال في عهده المالك: (واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك - يمنعك - من الخطوب، ويشتبه عليك من الأمور فقد قال تعالى لقوم أحب إرشادهم:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ»(3).

ص: 33


1- بهي الدين حسن، المصدر نفسه، ص 335 - 345
2- توفيق الفكيكي، الراعي والرعية، ص 158
3- النساء، 59

فالرد إلى الله الأخذ بمحكم كتابه - النص الصريح - والردُّ إلى الرسول الأخذ بسّنته الجامعة غير المفرقة)(1).

وورد في موضع آخر من العهد المباني الأخرى للسلطة التشريعية وذلك في قوله (عليه السلام) لمالك:

«والواجب عليك أن تتذكر ما مضى لمن تقدمك من حكومة عادلة أو سنة فاضلة، أو أثر عن نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - أو فريضة في كتاب الله»(2).

وكذلك يضم الدستور الإسلامي في جنباته - کما جاء في العهد - (سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة واجتمعت بها الألفة، وصلحت عليها الرعية)(3).

فضلا عن أن العاملين بالهيئة التشريعية يعملون في تفسير المواد القانونية، وتشريع لوائح قانونية لمايستجد في مجالات التشريع غير المشرع لها، وللهيئة التشريعية أن تقوم باستعراض ما تشابه من مصادر التشريع وتحديد المبادئ الأساسية للدستور الإسلامي(4).

ص: 34


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 17 / 40
2- ابن أبي الحديد، المصدر نفسه 17 / 141
3- ابن أبي الحديد، المصدر السابق 17 / 46
4- محمد مهدي شمس الدين، دراسات في نهج البلاغة، ص 75

2. السلطة التنفيذية:

أما السلطة التنفيذية، فهي السلطة الثانية في إدارة الدولة ويمثلها كثير من المسمّيات منن قبیل (والي، عامل، أمير، رئيس دولة) ودورها أن تعمل على توفير مستلزمات العيش للمواطنين وتوفير الأمن، وإتاحة فرص العمل لأبناء الوطن وتنظيم حياتهم الاجتماعية وحماية الدولة من خلال إعداد الجيش القوي القادر على الدفاع عنها، وصد هجمات الأعداء، وقد أشار الإمام علي (عليه السلام) إلى ذلك بقوله:

«وأنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السُبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح بر، ویستراح من فاجر»(1).

وتحدث الإمام علي (عليه السلام)، عن الشروط الضرورية الواجب توفرها في القائد الإداري حيث أوجزها في خطبة له بقوله:

«إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه، وأعلمهم بكتاب الله»(2).

فيلاحظ أن الإمام (عليه السلام) وضع شرطين أساسين هما القوة، والعلم، والقوة لا يقصد بها فقط القوة الجسدية بل تشمل الجوانب الفكرية والمؤهلات العلمية والذهنية، والمتمثلة من الاطلاع الواسع

ص: 35


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 327
2- ابن أبي الحديد، المصدر السابق، 9 / 328

بأمور الإدارة والحكم وله القدرة على التخطيط الإداري، وما يتمتع به من فن الإدارة.

وأما العلم فهي المعرفة بالدستور الإسلامي، القرآن الكريم والسنة النبوية وتحصيله للعلوم المساعدة الآخرى بما يؤهله للقيام بمهامه كزعيم للدولة، وعلاوة على ذلك ذكر الإمام علي (عليه السلام) شروطاً أخرى واجب توفرها في الحاكم، أو الوالي، أو القائد، وقد حددها ب(6) ستة شروط، مع بيانه لعلة كل واحدة منها، فاشترط:

1. أن یکون کریم النفس لئلا يدفعه الطمع وشدة الحرص إلى العدوان على أموال المسلمين.

2. وأن يكون عالمًا، لأنه قائد المسلمين فيجب أن يهديهم، ولو كان جاهلاً لأضلهم.

3. وأن يكون لين العريكة، رحب الصدر.

4. وأن يكون عادلًا في إعطاء الأموال فيساوي بين الناس في العطاء ولا يفضل قومًا على حساب آخرین استجابة لشهوات نفسه، وميول قلبه.

5. وأن يكون نزيهًا في القضاء فلا يرتشي، لأن ذلك مؤذن بذهاب العدل في الأحكام.

ص: 36

6. وأن يكون عاملًا بالسنة فيجري الحدود ولو على أقرب الناس إ ليه، ويعطي الحق من نفسه كما يطلب من غيره(1).

وذلك عندما قال:

«لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل فتكون في أموالهم - حرصه المفرط في أخذها - ولا الجاهل فيضلّهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدولة(2) فيتخذ قومًا دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق، ويقف بها دون المقاطع - الحدود التي حدها الله - ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة»(3).

ويلاحظ أن فلسفة الحكم عند الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، تتلخص في أن الحكم هو ضرورة اجتماعية أقيم لصالح المجتمع.

3. السلطة القضائية:

وقد أشار إليها الإمام علي (عليه السلام) بوصفها ضرورة اجتماعية،

ص: 37


1- محمد مهدي شمس الدين، دراسات في نهج البلاغة، ص 160
2- والدول: جمع دولة بالضم، وهي أسم المال المتداول به يقال هذا الفيء دولة بينهم يتداولونه، والمعنى يجب أن يكون الإمام يقسم بالسوية، ولا يخص قوماً دون قوم على وجه العصبية لقبيلة دون أخرى، أو لإنسان من المسلمين دون غيره فيتخذ بذلك بطانة، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 8 / 266
3- ابن أبي الحديد / شرح نهج البلاغة، 8/ 204

لأن الإنسان مجبول على المخاصمة والنزاع مع غيره بفعل حب ذاته وحب التملك، وتُعد السلطة القضائية من أعظم سلطات الدولة، بها يفرق بين الحق والباطل وبها ينتصف للمظلوم من الظالم، وقد رسم الإمام علي (عليه السلام) في عهده إلى مالك الأشتر ثلاثة أمور ينبغي أن تتبع في انتقاء أفراد هذه الطبقة ومعاملتهم، علمًا بأن منصب القاضي يتطلب من شاغله إلى جانب علمه بالشريعة صفات أخرى فصّلها الإمام في عهده وأناط اختيار طبقة القضاة بتوفرها، وهذا يعني أن فاقدها ليس جديرًا بهذا المنصب الخطير(1) وهذه الصفات هي:

1. يجب أن يكون واسع الصدر، کریم الخلق، وذلك لأن منصبه يقتضي منه أن يخالط صنوفًا من الناس، وألوانًا من الخلق.

2. يجب أن يكون متصفاً بالورع، وثبات الدين وتأصل العقيدة، والواعي لخطورة مهمته بحيث يرجع عن الباطل إذا تبين له أنه حاد عن شريعة العدل في حكمه ولم يصبها اجتهاده، فلا يمضي حکمًا تبين له خطأه؛ لأن الرجوع إلى الحق خير من التادي بالباطل.

3. يجب أن يكون من شرف النفس، ونقاء الجيب، وطهر الضمير بمكان، بحيث لا تشرف نفسه على طمع.

ص: 38


1- محمد مهدي شمس الدين / دراسات في نهج البلاغة، ص 75، 78

4. يجب أن يكون واعيًا لمهمته، بحيث لا يعجل في الحكم، ولا يُسرع في إبرامه وإنما عليه أن يمضي في دراسة القضية ويستعرض وجوهها المختلفة، فإن ذلك أحرى أن يهديه إلى وجه الحق و سنة الصواب، فإذا ما استصعب الأمر واشتبه عليه، فلا يجوز له أن يصدر للقضية حكمًا من عند نفسه، وإنما عليه أن يقف حتی ينكشف له ماغمض عنه وينجلي له ما اشتبه عليه(1)، فهذه الصفات يجب أن تتوفر في القاضي، وبذلك يضمن الوالي ألا يشغل منصب القضاء إلا الأكّفاء في عملهم ودينهم، فقال الإمام علي عليه السلام لمالك في عهده: (ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك، ممن لا تضيق به الأمور ولا تحكمه الخصوم، ولا يتمادى في الزلة، ولا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع ولا يكتفي بأذى منهم دون أقصاه، أوقفهم في الشبهات واخذهم في الجمع، وأقلهم تبرماً بمراجعة الخصم، و أصبرهم على تكشف الأمور، وأضرمهم عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستميله إغراء، أولئك قليل)(2).

ولم يكن الموضوع الاقتصادي للقاضي غائبًا عن ذهن أمير المؤمنين

ص: 39


1- محمد مهدي شمس الدين، المصدر نفسه، ص 79 - 80
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 58 - 59

(عليه السلام)، في هذا العهد، لأن القاضي بصفته إنسانًا قد يجوز عليه الطمع أو أخذ الرشوة، لا سيما إذا لم يكن مكتفيًا اقتصاديًا عند ذلك تصبح حقوق الإنسان في خطر وتضيع حقوق الضعفاء والمظلومين في بحر الفساد المالي للأغنياء والأقوياء.

وقد أدرك أمير المؤمنين (عليه السلام) خطورة ذلك وأثره على المجتمع، فوضع الضمانات لتلافيها ومنها: - 1 - مراقبة الحاكم لأحكام القاضي:

وهو أن يكون الوالي أو الحاكم، الرقيب على الأحكام التي يصدرها القاضي، ويقوم بمراجعة تلك الأحكام وتدقيقها حتى يكون الحكم القضائي يطابق الجرم المقترف وبذلك يكون الحاكم بمثابة محكمة التمييز في الوقت الحاضر، التي تميز الأحكام، حتى يكون الحكم متكيفاً مع القوانين والعقوبات المنصوص عليها بشأن القضية، إضافة إلى أنها تكشف الحكم الجائر. وبذلك يكون الإمام علي (عليه السلام) أول من وضع فكرة محكمة التمييز وهذا نستشفه في قوله «ثم أكثرْ تعاهدَ قضائه» فعلي (عليه السلام)، لم يكتفِ بأن يقوم الحاكم بمراجعة الأحكام القضائية التي تصدر من القاضي، بل يطلب من الوالي أن يكثر من تلك المراجعات لأحكامه، وليس فقط مراجعتها لمرة واحدة أو مراجعته لها بشكل روتيني أو أن يكون على عجلة من أمره بمراجعة

ص: 40

أحكامه، بل طلب منه أن يطيل النظر ومراجعها مرة بعد مرة، ولا يكتفي بمراجعة قضية واحدة ثم يترك مراجعة باقي القضايا، بحجة أن القاضي قد أصاب بتلك القضية، بل عليه مراجعة جميع الأحكام التي يصدرها القاضي ولذلك يقول له: «أكثر تعاهد قضائه» أي استمر في مراقبة القاضي وتدقيق جميع أحكامه القضائية حتى لا يظلم إنسان منه جراء تلك الأحكام.

2 - منح القاضي راتبًا مجزيًا:

إن حصول القاضي على مرتب يسد نفقاته ويوفر مستلزمات معیشته له الأثر الكبير في نزاهته وشفافية أحكامه التي يصدرها، لأنها ستكون بعيدة عن الأهواء والتأثيرات الأخری کالرشوة، ومن ثمَ بعيدة عن الجور والظلم، أما إذا تفشي الفساد في مؤسسة القضاء، وأخذ القاضي باستلام أموال الرشوة، فعندها يجلس على دكة الحكم ويصدر الأحكام الجائرة لأنها مغلفة بالمال الفاسد، فيقول الإمام في عهده لمالك بشأن القاضي:

«وافسح له في البذل ما يزيل علته وتقل معه حاجته إلى الناس»(1).

3 - ضمان حقوق القاضي:

إن طبيعة عمل القاضي ومكانته الاجتماعية، دفع بالإمام علي (عليه

ص: 41


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 59

السلام) في عهده المالك الأشتر، أن ينص على ضمان حقوقه والحفاظ على کرامته وضمان حياته، وماله، وأسرته خشية تعرضه للاعتداء من قبل الذين أصدر بحقهم عقوبات، أو ذويهم، فإذا لم يشعر القاضي بأن له تلك الضمانات، فإن ذلك سوف ينسحب على قراراته القضائية، فيبتعد عن تطبيق القانون، وتدخل المحسوبية والمساومات والشفاعات، خاصة مع أولئك الذين لهم مكانة اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية في البلد، فضلا عن أن منصب القاضي يصبح عرضة للعزل والتغيير، فيسلب مركزه ومكانته، فحينئذ يطبق القانون على طرف واحد وهم الفقراء والضعفاء ومن ليس لهم حول ولا قوة في المجتمع.

هذه الناحية وعاها الإمام علي (عليه السلام)، وأعد لها علاجها فلكي يأمن ذلك كله، يجب أن يكون القاضي من الحاكم بمنزلة لا يطمع فيها أحد غيره، ولا تتاح لأحد سواه وبذلك يأمن دس الرجال له عند الحاكم ويثق بمركزه وبنفسه وتكسب منزلته هذه رهبة في قلوب الأشرار، يقوي بها على حملهم على الحق وردهم اليه حين ينحرفون عنه ويتمردون عليه(1) فقد ورد في دستور علي المالك الأشتر في حقوق القاضي:

«واعطِهِ من المنزلة لديك مالا يطمع فيه غيره من خاصتك، ليأمن

ص: 42


1- محمد مهدي شمس الدين، دراسات في نهج البلاغة، ص 82

بذلك اغتيال الرجال له عندك فانظر في ذلك نظرًا بليغًا»(1).

أن اهتمام الإمام علي (عليه السلام) بالقضاء وحرصه على نزاهته أو تطبيقه على جميع أبناء المجتمع، وأنه لا يوجد أحد فوق القانون، هذه المبادئ الإنسانية السامية، طبقها الإمام علي (عليه السلام) على نفسه بشكل عملي حتی یکون القدوة للآخرين، فعلي (عليه السلام) وهو بمنصب الخليفة يقف مع خصم له وكان يهوديًا، ادّعى ضده دعوة باطلة - كيدية - وقف معه سواسية أمام القاضي شريح، وهو الذي عينه الخليفة علي ليكون قاضيًا على الكوفة، فلم يأنف الإمام من ذلك ولم يرفض طلب القاضي للمثول أمامه في ساحة القضاء، ولم يقل أنه خليفة فلا يحضر أمام القاضي، أو تتحول جلسة القضاء من مجلس القضاء إلى مجلس الخليفة، أو يرفض الحضور أمام خصمه، وهو من أهل الذمة ولم يكن مسلماً أصلاً، فهو من الأقليات الدينية، كان بإمكان الإمام أن يستغل منصبه ويرفض الحضور ولكنه لم يفعل، لأن دين علي وأخلاقه الإسلامية - الإنسانية - تأنف ذلك، وخلقه الإنساني يرفض ذلك، فحضر شأنه شأن أي شخص عادي في الدولة ووقف بين يدي القاضي وعندما کناه القاضي وقال له يا أبا الحسن، رد عليه الإمام علي (عليه السلام)، قائلاً له إنك لم تنصف خصمي لأنك لم تكنّه كما فعلت معي فيجب أن تكون المعاملة سواسية بين الخصوم ولا يميز بين شخص وآخر، ولو

ص: 43


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 59

بالألفاظ والكليات، ثم جاء قرار القاضي ضد علي، ولصالح خصمه اليهودي، الذي ادّعى زورًا بأن الدرع الذي مع علي هو له، فأعطاه علي حسب قرار القاضي، هنا انبهر اليهودي ووقف متعجباً من علي وحكومته وسياسته، فعندها اعترف للإمام بأن دعوته کانت باطلة، وأن ادعائه كان زورًا، وأن الدرع هو للإمام علي حقاً(1).

ولذلك فإن مفهوم العدل في تراث الإمام علي (عليه السلام) يتجسد في مجالين: - الأول: إن الإمام نفسه كان مثالًا للعدل، وبالتالي فإنه مجسد حي له ولغيره من الفضائل الأساسية، فنلاحظ أنه كان في حياته مثال التمسك غير المتخاذل بهذه الفضيلة الكبيرة(2).

الثاني: إن أقوال وأحاديث ورسائل الإمام علي (عليه السلام)، تعد مصادر غنية لمفهوم العدل والفضيلة(3).

4 - مفهوم العدل في فكر الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام): - العدل لغة: - العدل ضد الجور(4) يقال عدل عليه في القضية فهو

ص: 44


1- أبو يعلى، الأحكام السلطانية، 1 / 66
2- رضا شاہ کاظمي / العدل والذكر، ص 59
3- للتفصيل أكثر ينظر: ابن شعبه الحرائي، تحف العقول، ص 171 - 180؛ البيهقي، حدائق الحقائق 2 / 30؛ نجاح الطائي، سيرة الإمام علي بن أبي طالب، 6 / 102 - 106
4- ابن درید، الاشتقاق، ص 345

عادل، وتعديل الشيء تقويمه، يقال عدلته فاعتدل أي عدلته فاستقام(1) فهي تدل على الاستواء والاعتدال، أما اصطلاحًا فهي تدل على الاستقامة على طريق الحق واستعمال الأمور في مواضعها، وأوقاتها، ووجوهها ومقاديرها، من غير سرف ولا تقصير ولا تقديم ولا تأخير(2)، کما قيل بأنها عبارة عن الاستقامة على طريق الحق بالاجتناب عما هو محظور دیناً(3).

وبذلك فإنها تكون صفة راسخة في النفس تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة، أما علماء القانون فيقولون (إن العدالة هي الرغبة الدائمية في منح كل شخص ماله، فإيقاف الإنسان عند حده وإعطاء كل ماله بمقتضى القواعد التي رسمها القانون هي إقامة العدل وقواعد الأخلاق، تساعد في كثير من المسائل على بقاء الحدود في يد أصحابها والمحافظة عليها من الاعتداء، والطريقة الفعالة في تحقيق المساواة والحرية، أي في تحقيق العدل هي توحيد القانون أي يكون كل أفراد الهيئة الاجتماعية ملزمين به)(4).

وهذا التعريف مطابقٌ تمام المطابقة ومتوافقٌ أشد الموافقة لكلام أبي

ص: 45


1- ابن فارس، معجم مقاییس اللغة، ص 718
2- الجاحظ، تهذيب الأخلاق، ص 28
3- الجرجاني، التعريفات، ص 47
4- توفيق الفكيكي، الراعي والرعية، ص 67

الحسن (عليه السلام) (وإنما يستدل على الصالحين بما يجري الله على ألسن عباده، فليكن أحب الذخائر اليك ذخيرة العمل الصالح فاملك هواك وشحَّ بنفسك عما لا يحل لك، فإن الشحَّ بالنفس الإنصاف منها فيما أحبت أو كرهت)(1) فمن العمل الصالح الرغبة الدائمة في منح كل شخص ماله وإيقاف الإنسان عند حده وإعطاء كل ماله، بمقتضى القواعد التي رسمها القانون وذلك هو إقامة العدل(2).

لقد عمل الإمام علي (عليه السلام) جهده في إحقاق الحق وإبطال الباطل، وإقامة العدل وإرساء دعائمه وتثبت قواعده، حتى أحس كل فرد في الدولة في عصر خلافته أن موازين العدل لا تفرق بين شخص وآخر، ولا بين حاکم و محکوم وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) القدوة العملية التي ضربها مثلاً يحتذى في تقويم الفرد وإصلاح المجتمع(3).

إن تطبيق العدل الإلهي في الخلق والأحكام هو تعبير عن العدل المطلق، وإذا ما طبق مفهوم العدل على الدولة والمجتمع فإن من الضروري توفر التقوى والاستقامة من جانب الحاكم لأنه لا غنى عنها في أي حديث عن الإدارة والسلطة الصالحة في الإسلام، وإنه لا يمكن أن يصلح شيء من أمور الدولة إلا إذا وجد جو صالح للعمل ويتحقق هذا إذا

ص: 46


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 31
2- توفيق الفكیكي، الراعي والرعية، ص 69 - 70
3- محمد بكر إسماعيل، فقيه الأمة، ص 334

أوجدت الرغبة المشتركة بين الحاكم والمحكومين في إصلاح ما يفتقر إلى الإصلاح و تقویم ما يحتاج إلى التقويم من شؤون الناس وشؤون البلاد، الذي يعبر عن هذه الرغبة المشتركة هو تعاون الوالي مع الرعية على القيام بذلك كله ويتحقق ذلك بأن يقوم كل منهما بما عليه من حقوق وواجبات، فعلى الرعية أن تعطي الوالي ماله عليها من حقوق، فتطيعه إذا أمر وتجيبه إذا دعا وتنصحه إذا كان في حاجة إلى ذلك، وعلى الوالي إذا حصل على ذلك أن يستغله في إصلاح شؤون رعيته، أما حين لا تبذل الرعية للوالي طاعتها ولا تمحضه نصيحتها ولا تلبي دعوته إذا دعا، وأما حين تفعل ذلك كله، فإن الوالي يستغله في رعاية مصالح نفسه ويهمل مصالح رعيته فإن ذلك مؤذن بشيوع الظلم وسيطرة الظلمة وفساد الدولة(1). وإلى ذلك يشير الإمام علي (عليه السلام) بقوله:

«فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية، فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه وأدى الوالي إليها حقها، عزَّ الحق بينهم وقامت مناهج الدين واعتدلت معالم العدل، وجرت على إذلالها السنن، فصلح الزمان وطمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء، وإذا غلبت الرعية واليها أو أجحف الوالي برعيته، اختلفت هنالك الكلمة وظهرت معالم الجور وكثر الإدغال في الدين - أي إفساده - وتركت محاج السنن - انحراف الناس عن أحكام الله -، فعمل بالهوى

ص: 47


1- محمد مهدي شمس الدين، دراسات في نهج البلاغة، ص 183 - 184

وعطلت الأحكام و كثرت علل النفوس، فلا يستوحش العظيم حق عطل - لا يستغرب الناس من تعطيل الحق وفعل الباطل - ولعظیم باطل فعل، فهنالك تذل الأبرار وتعز الأشرار وتعظم تبعات الله عند العباد، فعليكم بالتناصح في ذلك وحسن التعاون عليه»(1).

فالإمام علي (عليه السلام) اشترط في الحاكم السياسي أن يكون عادلاً في اعطاء الأموال فيسوي بين الناس، وأن يكون نزيهًا فلا يرتشي، لأن ذلك مؤذن بذهاب العدل في الأحكام(2).

ولقد كان هم الإمام علي (عليه السلام) کحاكم إسلامي تطبيق الصيغة الإسلامية الصحيحة للحياة الإنسانية في المجتمع الإسلامي، لذا فقد كانت مشاكل السياسة والاقتصاد والإدارة والحرب هي شاغله الأول وهي ميدانه الحقيقي كرئيس للدولة ويعمل على تطبيق الشريعة الإسلامية كمسؤول قيادي للأمة الإسلامية في جميع شؤونها الحياتية.

وقد طبّقَ (عليه السلام) الإدارة الإسلامية عملياً في إدارة شؤون الدولة، فعلي (عليه السلام) کحاکم عادل أهتم بالمجتمع الذي يحكمه وفكر في أفضل الطرق والوسائل التي تنمي حياته الاجتماعية وترفع بها إلى الذروة من الرفاهية والقوة والأمن مع ملاحظة أنها تدين بالإسلام وأن شؤون اقتصادها وحربها وسلمها وعلاقاتها الاجتماعية تخضع

ص: 48


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 11 / 91
2- محمد مهدي شمس الدين، دراسات في نهج البلاغة، ص 160

لقوانين الإسلام وأنها يجب أن تأخذ سبيلها إلى النمو في إطار إسلامي بحت(1).

لقد كان هدف الحكام والولاة هو الرغبة في التسلط والطغيان، وفي التاريخ الإسلامي أمثلة عديدة، وشواهد حية وذلك منذ أن تم تحويل الخلافة إلى نظام ملكي، فتسلط هؤلاء على رقاب الأمة، وأزهقوا أرواحهم من أجل تحقيق مآربهم الشخصية والاستحواذ على السلطة والتسلط على رقاب المسلمين.

وقد وردت تحذيرات في عهد الإمام علي (عليه السلام) إلى مالك الأشتر بخصوص الظلم والقمع وهي بالحقيقة خطاب عام لكل حاکم ظالم وتنطبق على كل أولئك الذين يضعفون أمام إغراءات السلطة السياسية بالرغم من كونهم يخضعون شكلياً للإسلام وتشريعاته، فيخاطب الإمام علي (عليه السلام) عامله على مصر، مالك الأشتر قائلاً:

«اياك والاستئثار - أي تفضيل نفسك على الآخرين - بها الناس فيه أسوة - متساوون - والتغابي - التغافل - عما تعنی به مما قد وضح للعيون، فإنه مأخوذ منك لغيرك، وعما قليل تنكشف عنك أغطية الأمور وينتصف منك المظلوم»(2).

ص: 49


1- حسن محمد الشيخ، ملامح الفكر والإداري عند الإمام علي، ص 36 - 37
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 112 - 113؛ البيهقي، حدائق الحقائق، 2 / 537

وحسب نظرية الإمام علي (عليه السلام) في السياسة فإن السلطة الممنوحة للحاكم ليست امتیازاً له على رعاياه يحصل عليها بسبب الحكم، وذلك لأن الحكم لا يعطي للحاكم أي امتیاز شخصي، وإنما هو بمثابة اختبار من الله له، فهي تعبر بوضوح عن موقف الإمام (عليه السلام) الخاص من نظرية الحكم الإسلامي وهذه المبادئ الأساسية في الفكر السياسي لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) كتبها في عهده المالك الأشتر إذ قال:

«فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولّاك وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم..»(1).

ويتطرق الإمام في عهده لمالك إلى بعض الجوانب النفسية التي تخالج جنبات الحاكم الظالم ومنها سعيه إلى تمجيد الذات، وبناء صرح العظمة له، وفرض هيبته وسطوته على أبناء أمته بكل الوسائل وشتى الطرق، رغبة منه في إشباع غريزة التملك وإذلال رقاب رعيته والطاعة العمياء له، وعدم الرد على قراراته و سیاسته، والإنفراد بالسلطة وعدم فسح المجال أمام الرعية في الرد أو إبداء وجهات نظرهم حيال الأمور التي تهمهم وتعالج قضاياهم ومشكلاتهم ولذلك فإنه يطلب منهم وجوب طاعته وتنفيذ أوامره وعدم معصية قراراته وإجراءاته حتى وإن كانت تتعارض مع الشرع ومع المصلحة العامة لهم، وهذا ما أشار إليه الإمام

ص: 50


1- ابن أبي الحديد، المصدر نفسه 17 / 32؛ البيهقي، المصدر نفسه 2 / 520

علي (عليه السلام) حيث يقول لمالك:

«لا تقولن إني مؤمر - أي أمير ووالٍ - آمر فأطاع، فإن ذلك إدغال - الإفساد(1) - في القلب ومنهكة - ضعف -(2) للدين وتقرب من الغير»(3).

فالحاكم يجب عليه أن يكون متواضعًا والخير ينساب من قلبه ولذلك كان الإمام (عليه السلام) يحذر الحاكم أن ينتهج طريق الظلم والجور للرعية حيث قال له:

«إياك ومساماة الله في عظمته والتشبه به في جبروته فإن الله ينِلّ كل جبار ويهين كل مختال»(4).

وقد حذر الإمام علي (عليه السلام) في عهده المالك الحاكم الجائر الظالم، إذ يقول له:

«لا تنصبن نفسك لحرب الله»(5).

أي (لا تنازعن الله في سلطانه بمخالفته وعصيانه والحكم على الخلق بغير الحق)(6)، وتأخذ جملة الحرب ضد الله مصادیق شتى مثل المعاصي

ص: 51


1- السرخسي، أعلام نهج البلاغة، ص 265
2- السرخسي، المصدر نفسه، ص 265
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 26؛ البيهقي، حدائق الحقائق، 2 / 521
4- ابن أبي الحديد، المصدر نفسه، 17 / 33
5- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 32
6- البيهقي، المصدر السابق، 2 / 541

وارتكاب الكبائر، وظلم الرعية، والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف وإبطال حدود الله، وعدم العمل بشريعة الله، والترفع عن الرعية والتكبر عليهم، فالإمام يدعو إلى التواضع ونبذ التكبر ولأن صفة المتكبر هي لله وحده لا شريك له وهي من أسمائه الحسنى، فلذلك فإن الحاكم المتكبر يجعل نفسه صنوًا لله عز وجل وقد خاب من جعل الله له عدوًا.

ويتابع الإمام علي (عليه السلام) أقواله وحكمه ووصاياه إلى مالك الأشتر في دستوره لإدارة حكم الدولة الاسلامية فيقول له:

«وإذا ما أحدث لك ما أنت من سلطانك أجهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله فوقك وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك، فإن ذلك يطامن اليك من طاحك، ويكف عنك من غرَّبك، ويفيء اليك بما عَزَبَ عنك من عقلك»(1).

فشعور الحاكم بالأبهة والمخيلة هو تحدٍ لقدرة الله سبحانه وتعالى المطلقة والوقوع بالوهم فالتكبر هو صورة من الخداع الذاتي النابع من قصور فكري(2).

عهدُ الإمام علي وحقوق الإنسان، وموقف الأمم المتحدة منه

إن ما تضمنه عهد الإمام علي (عليه السلام) من مبادئ وقيم

ص: 52


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 33
2- رضا شاہ کاظمي، العدل والذكر، ص 123

إنسانية وعدل و مساواة بين جميع أبناء المجتمع، حيث ضمن لهم حق العيش والتعبير عن الرأي وضمان كرامتهم، فهو بذلك سبق وثيقة حقوق الإنسان، ولذا فإنه (يصعب على المرء أن يجد اختلافاً بين العهد العلوي والوثيقة الدولية لحقوق الإنسان، فليس من أساس بوثيقة حقوق الإنسان، إلا تجد له مثيلًا في دستور ابن أبي طالب، هذا إلى إطار من الحنان الإنساني العميق يحيط به الإمام دستوره في المجتمع ولا تحيط الأمم المتحدة وثيقتها بمثله)(1).

ولذلك أخذ رجال القانون والسياسة والإدارة في مختلف دول العالم بدراسة عهد الإمام علي وتفسيره، فانبهروا بما وجدوا فيه من مبادئ وتشريعات ووقفوا منه موقف الإكبار والإعجاب والتعظيم، بل درست على ضوء بعض القوانين والنظم الأوربية الحديثة وتمَّ مقارنتها بالعهد فظهرت میز ته وأفضليته وهذا ما دفع بالعديد من دول العالم أن تأخذ من مواد العهد وتضمنها في دساتيرها(2).

وبذلك أصبح هذا العهد (مصدر إلهام عبر القرون حيث كان يقرأ کدستور مثالي للإدارة الإسلامية من خلال وصفه المفصل لواجبات الحاكم وحقوق وواجبات معظم موظفي الدولة وطبقات المجتمع

ص: 53


1- عبد الزهراء الخطيب، مصادر نهج البلاغة، 3 / 425
2- آغا بزرك الطهراني، الذريعة، 13 / 373

الرئيسية)(1) وأما ما ذهب إليه الشيخ محمد السند من اهتمام الأمم المتحدة بعهد الإمام علي (عليه السلام) وأمينها العام السید کوفي عنان، ومنظمة حقوق الانسان وتأثره بأقوال الإمام علي التي وردت بالعهد مثل: وأشعر قلبك الرحمة، ولا تكن عليهم سَبُعاً ضارياً، واعلم بأن الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، ودعوة كوفي عنان للمؤسسات القانونية لدراسة العهد والأخذ منه وإصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا في عام 2002 م باعتبار العهد أحد مصادر التشريع الدولية(2) حسب قوله.

وذكر أحد الباحثين أنه قد صوتت على القرار أكثر من 200 دولة، وهذا اعتراف صریح من دول العالم بعبقرية الإمام علي (عليه السلام) وإنسانيته ومراعاته لجميع فئات المجتمع لأنه من أروع القوانين والأنظمة، التي يحتاج العالم إلى تطبيقها لأن الناس اليوم بأمس الحاجة إلى العدالة وألا يكون الحاكم كالسبع على أبناء مجتمعه(3)، ما أشار إليه كذلك الدكتور رضا العطار بشأن القرار الأممي وأستناده إلى وثائق شملت 160 صفحة باللغة الانكليزية(4). ولكن هنالك من ينفي وجود

ص: 54


1- رضا شاہ کاظمي، العدل والذر، ص 106
2- بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص 364 - 365
3- صباح الموسى، النقيب وصية الإمام علي إلى مالك الأشتر، مقال منشور في مجلة النهار اللبنانية، عدد 822 بتاریخ 22 / 12 / 2009
4- رضا العطار، مفهوم الخلافة في دولة الإمام علي (عليه السلام)، مقال بالنت نشر موقع كتابات بتاریخ 20 / 9 / 2008

هذا القرار(1).

ولغرض توثيق ذلك ارتأينا البحث عن رقم القرار ونصه الصادر عام 2002 سواءً عن الجمعية العامة للامم المتحدة او عن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وذلك من خلال مراجعتنا للكتاب السنوي الصادر عن الأمم المتحدة(2).

ويبدو لي أن هنالك لبسًا قد وقع بشأن علاقة الأمم المتحدة بعهد الامام علي بن أبي طالب عليه السلام، فمن خلال دراستي للموضوع وجدت أن بعض المواقع الالكترونية أشارت إلى قيام السيد كوفي عنان بتوجيه نصيحة إلى الدول العربية باتخاذ الامام علي بن أبي طالب مثالاً وقدوةً لها والسير على منواله في تأسيس نظام الحكم في بلدانهم لانه يمثل رمز العدل والديمقراطية والمساواة في حكمه وسعيه في بناء المجتمع

ص: 55


1- رشيد السراي، مقال بالنت عن موضوع أعدل حاکم، شبكة اخبار الناصرية، بتاریخ 22 / 10 / 2011
2- انظر الملحق شكل رقم (1) والذي يوثق جميع نشاطات المنظمة الدولية، والقرارات الصادرة منها، سواء التي تخص مجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأمم المتحدة، والمنظمات الدولية الأخرى المرتبطة بهيئة الأمم المتحدة ومنها لجنة حقوق الإنسان التي وثقت نشاطاتها في هذا الكتاب في الجزء الثاني من المجلد 56 والصادر في عام 2004، ولكن للأسف الشديد لم نعثر على ذلك القرار الخاص (4) the year book, vol 2002 United Nation. printed in 56 (2004) 812 - 611 the united states of America, part Two, p

وتطويره وتشجيعه للعلم والمعرفة(1) انظر الملحق شكل رقم (2)، ان مثل هذه النصيحة او التوجيهات وربما قد تكون رسالة قام بتوجيهها السيد كوفي عنان للدول العربية في سبيل الاخذ بيدها نحو الحكم الديمقراطي لابنائها فذلك اقرب ما يكون للواقع من كونها قراراً صادراً من المنظمة الدولية، ومثل هذه الارشادات والنصائح لا يُستبعد صدورها من الامين العام للامم المتحدة كما انه ليس هنالك سبيل للطعن بها والتشكيك بصدورها لانه لو كان هذا الأمر غير صحيح ومفتعل کما يذهب اليه بعض المتشككين لكان الاجدر بالامانة العامة للامم المتحدة اصدار بيان توضح موقفها من ذلك كما تفعله مع باقي القضايا الأخرى ولصرحت بتفنيده وعدم صحته، ولكنها لم تصدر اي نفي له وهذا يؤكد ويعزز القول بصحة صدور تلك النصيحة والارشادات من السيد كوفي عنان للبلدان العربية للاقتداء بالامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وبمنهجه في الحكم الذي يمثل الحكم الديمقراطي العادل، وما اوجده من قواعد و تعلیمات ورسم الخطوط العامة في ادارة الحكم في الدولة، والتعامل مع المواطنين وفق مبدأ حقوق الانسان، وبناءً على تلك النصيحة فإن المنظمة الدولية التي ورد فيها ذكر اسم الإمام علي (عليه السلام) وأقتبست بعض من حِكَمِهِ وأقواله وبعض النصوص من

ص: 56


1- www.human - rights - in - islam.co .uk/index.php?option=com _ content. United Nations on Imam Ali Talib - Human Rights In Islam

عهده الذي كتبه إلى مالك الأشتر فأن ذلك قد ورد في (تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2002، ARAB Human Development Report 2002) بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والذي يقع في 168 صفحة باللغة الأنكليزية ن انظر الملحق شكل رقم (3) وقد وجدت أنه ورد ذكر اسم الامام علي عليه السلام في هذا التقرير مرتين وذلك في صفحة رقم 82، وصفحة رقم 107 وتم فيهما الأستشهاد ببعض أقواله وحِكَمِهِ وآراءه في مختلف المجالات كالتربية والتعليم وحقوق الأنسان والسياسة والحُكم والعدالة، وفي صفحة 107 وردت فيها ترجمة إلى بعض الفقرات مما ورد في عهد الإمام علي (عليه السلام) إلى مالك الأشتر كقوله:

«ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك، ممن لا تضيق به الأمور ولا تحكمه الخصوم، ولا يتمادى في الزلة، ولا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع ولا يكتفي بأذى منهم دون أقصاه، أوقفهم في الشبهات وأخذهم في الجمع، وأقلهم تبرما بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشف الأمور، وأضرمهم عند اتضاح الحكم من لا يزدهيه إطراء ولا يستميله إغراء، أولئك قليل».

حيث ترجمت إلى:

Choose the best among your people to administer)

ص: 57

justice among them. Choose someone who does not easily give up, who is unruffled by enmities, someone who will not persist in wrongdoing , who will not hesitate to pursue right once who will not hesitate to pursue right once he knows it, someone whose heart knows no greed, who will not be satisfied with a minimum of explanation without seeking the maximum of understanding, who will be the most steadfast when doubt is cast who will be the least impatient in correcting the opponent, the most patient in pursuing the truth, the most stern in meting out judgment; someone who is unaffected by flattery and not swayed by temptation (.and these are but few ومن خلال اطلاعنا على ما ورد في تقرير التنمية البشرية العربية العام 2002، فاننا لدينا بعض الملاحظات بشانه وهي: -- 1 - وقد وضعت تلك الأقتباسات في داخل إطار مربع - بمثابة بوسترات - ضمن النص الأصلي في كلا الصفحتين ولكن دون التنويه او الإشارة في متنها بان تلك الاقتباسات قد اخذت من عهد الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي كتبه إلى واليه على مصر مالك الأشتر،

ص: 58

وإنما أشار التقرير إلى المصدر الرئيسي الجامع لأقوال وكتب الامام علي (عليه السلام) ألا وهو كتاب نهج البلاغة، وتم الإشارة اليه كمصدر في اسفل البوستر او المربع (نهج البلاغة، شرح الشيخ محمد عبده، الجزء الأول، الطبعة الثانية، دار البلاغة، بیروت، 1985) أنظر الملحق شکل رقم (4) ورقم (5) وان اتباع التقرير لهذه الطريقة كانها عملية تورية مقصودة من قِبل الجهات المسوؤلة عن اعداده من اجل اخفاء وعدم ذكر عهد او دستور الامام علي للاشتر فيه، حتى أن التقرير لم يعمل على شرح وبيان وتوضيح تلك الاقتباسات ليطلع عليها سواءً العرب ام غيرهم عند قراءتهم للتقرير. ولكن على الرغم من ذلك فان الشمس لا يمكن أن تغطى بغربال.

2 - عدم ذكر التقرير النصيحة السيد كوفي عنان الامين العام للامم المتحدة سواءً نصاً او تلميحاً والتي وجهها للدول العربية في اتخاذ الامام علي بن أبي طالب عليه السلام كنموذج للحاكم العادل والاقتداء به والسير على منواله. فلم يرد لها اي ذكر في التقرير وتم تجاهلها.

3 - عدم اخذ التقرير اصلاً بنصيحة الامين العام للامم المتحدة ولذلك لم يقم بدوره بدعوة الدول العربية للاخذ بمنهج الامام علي عليه السلام في ادارة الدولة والسير على هداه في حكم رعاياهم، واعتباره النموذج الحي والمثالي للحكم العادل.

ص: 59

4 - تجاهل تقرير التنمية العربية لعام 2002 عهد الامام علي عليه السلام الذي كتبه لمالك الأشتر ولم يشير اليه في متنه او في البوسترات التي طرز بها صفحاته جملةً وتفصيلا. وكل ما جاء في التقرير هو اشارة فقط إلى بعض من اقوال الامام علي عليه السلام التي تخص نظريته وفلسفته في الحكم ورؤيته السياسية في ادارة الدولة والتي وردت على شکل بوسترات واقوال جانبية فيه، لانه لم يذكرها في متن التقریر کما اوضحناه اعلاه.

وكان الأجدر بتقرير التنمية البشرية العربية أن يناقش تلك النصيحة ويحلل أبعادها بمنتهى الدقة والموضوعية والأخذ بها باوصفها الوسيلة الناجعة لحل المشكلات التي تعاني منها البلاد العربية من خلال اتباع فلسفة الإمام علي عليه السلام في الحكم القائم على العدل والديمقراطية وتطوير البلدان، والاهتمام بتنمية الموارد البشرية بوصف الإنسان أغلى واثمن ما في الوجود واشاعة روح المعرفة والبحث العلمي. ولم يُشر في متنها کلاهما إلى الإمام علي او التنويه إلى تلك الأقتباسات من أقواله، فلم يتطرق التقرير للحديث عنها أو شرح مضمونها او الاشارة اليها أو الدعوة اليها، وفي اسفل ذلك المربع وردت اشارة إلى مصدر تلك الأقوال وهو كتاب نهج البلاغة شرح الشيخ محمد عبده، الجزء الاول الطبعة الثانية، دار البلاغة، بیروت، (1)1985 أنظر الملحق شكل رقم

ص: 60


1- 107 82 .p, 2002 ARAB Human Development Report

(3) و (4) و(5).

ورب سائل يسأل لماذا تم اختيار الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام والإقتباس من أقواله وحكَمه التي طرزت صفحات التقرير؟ لعل ذلك يعود لأنها دعوة للساسة، وأصحاب الحل والعقد للأخذ بمنهجه الإنساني السليم في الحُكمُ المتصف بروح العدالة الاجتماعية والسلام، والحث والنصح على اتخاذ الإمام علي عليه السلام كمثال في تأسیس نظام يقوم على الديمقراطية والمعرفة لكون علي المجُسِد الحقيقي لتعاليم الاسلام ومبادئه وقيمه، وان لم يصرح التقرير بذلك علناً ولكن يفهم ذلك منه ضمنا، لان الحق ابلج واللبيب بالإشارة يفهم...

القيم أو المبادئ المستوحاة من العهد

إن أول وصية افتتح بها علي (عليه السلام) عهده إلى مالك الأشتر هي وصيته إليه بتقوى الله والتزامه بواجباته الدينية وإيثار طاعته على كل شيء (أمره بتقوى الله وإيثار طاعته واتباع ما أمر به في كتابه من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحد الا باتباعها ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها)(1).

فالمقدمة هي تمهيد بوجوب طاعة الله سبحانه وتعالى، إلا أنها ليست واجبًا تقضيه وكفى، فطاعة الأمر الآلهي لا ينظر إليها كشيء ملزم شرعيًا

ص: 61


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 30

فحسب، بل كتحریر روحاني أيضًا، وتقوم الطاعة بدور حاسم في تحرير المرء من جور النفس الأمارة بالسوء(1)، التي يشير إليها الإمام بعد دعوة مالك للطاعة مباشرة (فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله)(2).

العلاقة بين الحاكم والرعية: -

من القضايا التي أولاها الإمام علي (عليه السلام) اهتمامًا كبيرًا هي طبيعة العلاقات ما بين الحاكم والرعية، فمن ضرورات الحكم العادل أن يتعرف الحاكم على آمال والآم رعيته وأن يعي حاجاتهم ومخاوفهم فيعمل لخيرهم ويشعرهم برعايته لهم فيدعمون حكمه بحبهم وإيثارهم له ويؤازرونه في السراء والضراء(3). وفي العهد حدد الإمام علي (عليه السلام) واجبات ومهام الحاكم من العدالة النفسية في الرعية وما لها من حقوق وذلك لكي يتمكن من العمل بعدل و انصاف فيقول: (وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم، واللطف بهم ولا تكونن عليهم سَبُعًا ضاريًا تغتنم أُكلَهُمْ فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل ويؤتي على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك

ص: 62


1- رضا شاه کاظمي، العدل والذكر، ص 113
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 30
3- محمد مهدي شمس الدين، دراسات في نهج البلاغة، ص 164 - 165

الله من عفوه و صفحه)(1).

إن قول الإمام علي (عليه السلام) «أشعر قلبك الرحمة»، أي اجعلها کالشعار له وهو الثوب الملاصق للجسد(2). وذلك للدلالة على الصلة القوية والحميمة التي تربط بين الحاكم والرعية.

لقد أوضح الإمام علي (عليه السلام) قاعدة رصينة لتوثيق العلاقة بين الحاكم ورعيته - شعبه - أساسها المحبة والخير والرفق، لأنه أبٌ روحيٌ لجميع أبناء أمته ومتى ما تحلى الحاكم بتلك الصفات والخلال وشعوره بالمسؤولية التامة إزاءهم وما يحتاجه المجتمع من خدمات و مشاريع عندها يصبح جزءًا لا يتجزأ منهم وملاصق لأحاسيسهم وقلوبهم كالتصاق القميص بالجسد وهو ما عبر عنه في بداية حديثه بقوله «وأشعر قلبك الرحمة». ثم ينتقل الإمام إلى خطوة أخرى في عهده لمالك وهو تحذيره إياه أن يكون حاکمًا طاغيًا جشعًا متسلطًا على الرعية ومقدراتهم وثرواتهم وتسخيرها لأهوائه وابتزازهم لإشباع نوازعه وغرائزه اللامتناهية، لا يهمه سوى نهب وسلب خيرات وثروات مجتمعه وبشتى الأساليب والطرق فيتحول إلى وحشٍ ضارٍ هدفه اغتنام الفرص للانقضاض على خيراتهم وما بأيديهم. ولذلك يحذر الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

ص: 63


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 20
2- ابن أبي الحديد، المصدر نفسه، ص 17 - 26

كل حاكم أو والٍ او زعيم من الإفراط والمبالغة في فرض الضرائب على العامة - الشعب - لأنها ستكون مضرة عليهم وتُثقل كاهلهم، وتُنهك قِواهم الإقتصادية ومن ثم تؤدي إلى تكاسلهم وتململهم وقلة نتاجهم الامر الذي سينعكس سلبًا على النشاط الاقتصادي في البلد ويؤدي إلى کساده ولذلك يخاطبه بقوله:

«ولا تكُونَنَّ عليهم سَبُعًا ضاریًا تغتنم أُكْلَهُمْ»(1).

وإنما يجب أن تكون الضرائب المفروضة معتدلة ومقبولة، حتی تشجعهم على العمل والاستثمار، ودعاه إلى التخفيف عنهم ومراعاتهم والتلطف معهم لأن ذلك أنفع وستكون له مردودات إيجابية لأنه سيدفعهم نحو العمل بكل نشاط وحيوية، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة الإنتاج مما سينعكس ايجابًا على اقتصاد الدولة ومن ثم قوة دخلها القومي.

ويضع أمير المؤمنين (عليه السلام) قاعدة عالمية إنسانية لا تنحصر بالحاكم المسلم فقط بل تشمل جميع المجتمعات الإنسانية وهي طبيعة العلاقة ما بين الحاكم ومجتمعه، وكذلك طبيعة العلاقة ما بين أبناء المجتمع ليس بين المسلمين فحسب، بل يَسع نطاق تلك العلاقات المجتمع الإنساني بصورة عامة، بغض النظر عن دينهم وقوميتهم

ص: 64


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 33

وانتماءاتهم وتوجهاتهم، ولذلك فإن الإمام عليا (عليه السلام) يخاطب الحاكم بأن أبناء شعبه صنفان، أما أخوة له في الدين أو أخوة له في الإنسانية، وكلاهما جدير بالعدل والرحمة وعدم التفريق بينهما وإعطاء كل ذي حق حقه بصفته مواطنًا في البلد بما يضمن له حق العيش بكرامة وتوفير الفرص المتكافئة بالتعلم والعمل وفي مختلف مجالات الحياة، فهي قاعدة تنظم طبيعة الحكم، وتنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم والاعتراف بحقوق الإنسان وبذلك فإن عليًا (عليه السلام) يُعدُ أول من نظم لائحة حقوق الإنسان قبل أن تظهر في العصر الحديث(1).

ويوضح الإمام علي (عليه السلام) قضية جوهرية للحاكم وهي أن رعيته - شعبه - الذي يشاركه الدين أو الإنسانية هم بشر، فهم ليسوا معصومين من الخطأ والزلل.

إن القصاص أمر مشروع ويجب أن يطبق للحفاظ على حقوق الناس وأرواحهم وممتلكاتهم حتى لا يشعرون بأنهم يعيشون في مجتمع الغاب، قال تعالى:

«وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»(2).

إن الاعتراف بالذنب والتوبة منه وعدم العودة إلى اقترافه مرة أخرى

ص: 65


1- للمزيد من المعلومات عن المواثيق والعهود والبروتوكولات العالمية الخاصة بحقوق الإنسان راجع بهي الدين حسن وآخرون، حقوقنا الآن وليس غداً، ص 27 وما بعدها
2- البقرة، 179

أمر مندوح، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (كل ابن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون)(1).

وإن الرحمة والعفو مطلوبان وعلى الحاكم أن لا يتوانى عن دفع العقوبة بالعفوما وجد إلى ذلك سبيلا، ويضيف الإمام علي (عليه السلام) قائلًا:

«ولا تندمَنَّ على عفو ولا تبجحَنَّ - الفرح به - بعقوبة ولا تسرعَنَّ إلى بادرة - ما يظهر من حدة وغضب - وجدت منها مندوحة»(2).

إن أمير المؤمنين (عليه السلام) يعرض على مالك فكرة تربوية وهي مبادرة العفو التي تصدر عن الحاكم الذي بيده القوة، وهو قادر على إنزال العقوبة، إلا أنه يجنح إلى العفو، والعرب تقول العفو عند المقدرة، فعندما تهدأ الناس وتميل النفوس صوب الحاكم فتزيد محبته في قلوبهم وتزداد الألفة بين أبناء الرعية وبذلك فإنه يحقق نتائج ايجابية يعم خيرها المجتمع ممالو طبق العقوبة.

وبذلك نجد الإمام (عليه السلام) يعطي أكبر الدروس في التربية السياسية، وهذا الفكر المتميز وهذا الحس الإنساني المرهف كان علي یمارسه عمليًا وواقعيًا في الوقت الذي كانت فيه المجتمعات الإنسانية

ص: 66


1- أحمد بن حنبل، المسند، 26 / 123؛ الترمذي، السنن، 9 / 39
2- ابن أبي الحديد / شرح نهج البلاغة، 17 / 32

تعيش في ظل الحكومات الطاغية الظالمة التي حكمت رعيتها بالنار والحديد، فشتان ما بين هذا وذاك، وبذلك فإن عليّا (عليه السلام) كان نسخة منفردة تعجز الإنسانية أن تكرر شخصيته.

حَلَفَ الزَمانُ ليأتَّينَ بمثلِهِ حنثت يمينُكَ يا زمانُ فكَفِّرِ(1) ويلاحظ أن الحكام المستبدين يلجأون إلى أسلوب تنفيذ العقوبات بأقسى الأساليب، بل أن بعضهم يزداد قسوة ورهبة على أبناء رعيته فلا يحاسب المذنب فقط بل تمتد العقوبة إلى أهل بيته ويحاول زرع الخوف في نفوس الناس من خلال عدم الاكتفاء بعقوبة المسيء، بل يأخذ البريء بعقوبة المذنب(2)، وبهذا يمكننا القول بأن لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) القدح المعلى بإقرار مبادئ حقوق الإنسان.

وأوصى (عليه السلام) مالك الأشتر بالتواضع والتعامل برحمة وعدالة مع الناس ومراعاة مصالح العامة من الرعية وتلبية حاجاتهم وعدم الانصياع وراء تنفيذ مطالب فئة المترفين الخاصة، لأن رضا العامة هو المقياس الحقيقي لنجاح عمل الوالي في إدارته للولاية. ولذا فإنه لا قيمة لسخط خاصة الأمير مع رضا العامة التي لوسخطت لم ينفعه

ص: 67


1- ابن خلکان، وفيات الأعيان 2 / 441
2- وهذا ما فعله الحكام المستبدون أمثال زیاد بن أبیه راجع خطبته البتراء، وأيضًا الحجاج بن يوسف الثقفي، ينظر عنهم: - ابن قتيبة، عيون الأخبار 1 / 225؛ الطبري، تاریخ 3 / 181؛ المسعودی، مروج الذهب 1 / 404؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ 2 / 123، 280 (جميع هذه المصادر نسخ الكترونية نشر موقع الوراق. http://www.Alwarraq.com

رضا الخاصة وهم (من حواشي الوالي وأرباب الشفاعات والقربات عنده لا يغنون عنه - الوالي - شيئًا عند تنكّر العامة له، وكذا لا يضرّ سخط هؤلاء إذا رضيت العامة وذلك لأن هؤلاء عنهم غنی ولهم بدل، والعامة لا غنى عنهم ولا بدل بهم، ولأنهم إذا سخطوا عليه كانوا كالبحر اذا هاج واضطرب، فلا يقاومه أحد وليس الخاصة كذلك، وليس شيء أقل نفعًا ولا أكثر ضررًا على الوالي من خواصه أيام الولاية لأنهم يثقلون عليه بالحاجات والمسائل والشفاعات فإذا عزل هجروه)(1).

فعلي (عليه السلام) يحذر الحاكم الوالي، القائد، الأمير، من عدم تنفيذ مطالب العامة لأنهم قد يلجأون إلى أعمال الشغب والإضرابات مما يؤدي إلى توقف مصالح الأمة والإضرار بالممتلكات العامة ناهيك عن أن حاشية الأمير الخاصة يشكلون عبئاً ثقيلاً عليه فهم أقل نفعاً وأكثر ضرراً ويثقلون عليه بالحاجات بمطالبهم بالحصول على المناصب والوظائف وتدخلهم في شؤون الحكم، فإذا عُزل الوالي، فإن الخاصة يتنكرون ويبتعدون عنه ويأخذون بالتقرب إلى الوالي الجديد.

ولغرض أن تكون علاقة وجدانية بين الحاكم والرعية وأن یکون على اطلاع بالمشكلات التي يعانون منها فيستلزم من الحاكم أن تكون هناك خطوط اتصال مباشرة بينه وبين رعيته، أما إذا أوصد بابه وأوقف عليها حجابه حينذاك لا يعرف شيئاً من أمورهم فيكون هو في واد و أبناء

ص: 68


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ص 17 / 18

رعيته في واد آخر، وهذا يؤدي بالنتيجة إلى نزع مودته من قلوب رعيته وزيادة بغضهم له في نفوسهم، حيث نص الإمام علي (عليه السلام) في دستوره قائلاً:

«فلا تطّولنَّ احتجابك عن رعيتك فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبه من الضيق، وقلة علمٍ بالأمور، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجوا دونه، فيصغر عندهم الكبير ويعظم الصغير ويقبح الحسن ويحسن القبيح ويشاب الحق بالباطل»(1).

فمن الصفات الإنسانية للحاكم الإسلامي أن يكون متواصلا مع شعبه ورعيته، واقفًا على حوائجهم سواءً في حدود موقعه، أو عند من تبعه من في دائرته، أو رقعته الجغرافية، وهذه صفات القيادي الناجح القريب من شعبه(2)، ومن الله سبحانه وتعالى، لأن من صفات النجاح في إدارة الحاكم، القائد، المدير، المسؤول الاداري أن يكون متصلاً مع شعبه ورعيته، أو موظفي دائرته، ونزوله إلى الميدان ومن الأفضل أن یمارس مهامه من موقع أدنى، ليكون على اطلاع تام بمشاكلهم وهمومهم، ويتعرف على معوقات العمل، وليس إدارة السلطة، او المسؤولية من خلال المكاتب فحسب لأنها إدارة عقيمة، وبذلك فإن الإمام (عليه السلام) يوجه الأنظار إلى الأسلوب الاداري السليم في إدارة المسؤوليات.

ص: 69


1- ابن أبي الحديد / شرح نهج البلاغة، 17 / 90
2- علي سعد عدوة، أسس بناء الدولة الإسلامية، ص 208

فيقول (أيمّا والٍ احتجب عن حوائج الناس احتجب الله يوم القيامة عن حوائجه)(1) ثم يذكّر الإمام علي (عليه السلام) الحاكم، الوالي، ويحذره من نفسه حيث ورد ذلك في قوله (وإياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الإطراء فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه)(2)، وبذلك فإن الإمام عليًا (عليه السلام) قد وضع أسسًا متينة للنظام الإداري في الإسلام.

الكُتّاب (الوزراء):

لم يكتفِ الإمام علي (عليه السلام) بذكر مميزات وصفات الحاكم للرعية فحسب، وإنما ذكر في عهده أيضًا صفات بطانة هذا الحاكم ومن يتخذهم أعوانًا له في حكمه ومشورته، ومنهم الكتاب، إن المقصود من لفظ الكُتاب في الأدب الإداري الإسلامي خلال القرن الأول الهجري وحتى العصور الإسلامية المتأخرة هم الوزراء وهذا ما أوضحه ابن أبي الحديد عندما قال: (إن الكاتب الذي يشير اليه أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الذي يسمى الآن في الاصطلاح العرفي وزيرًا لأنه صاحب تدبير حضرة الأمير والنائب عنه في أموره، وإليه تصل مکتوبات العمال، وعنه تصدر الأجوبة، و إليه العرض على الأمير، وهو المستدرك على العمال، والمهيمن عليهم، وهو على الحقيقة كاتب الكتاب، وبهذا

ص: 70


1- الآشتياني، كتاب القضاء، ص 39
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 113 - 114

يسمونه الكاتب المُطْلَق)(1) ويدخل ضمن أعوان الكُتاب الجهاز الإداري الذي ينظم شؤون الدولة كالموظفين والنساخين، والذين يتولون حفظ الرسائل والبريد وتصنيفها حسب المواضيع وغيرهم فلهم الأثر الكبير في تسيير و إدارة أعمالها.

إن ما يبذله الحاكم من جهد جهيد في اختيار الكتاب - الوزراء - وتحري الصدق والأمانة فيهم وإجراء المفاضلة بين المرشحين وما يستلزم ذلك وبذل الجهد والتدقيق في سيرتهم، فإن الإمام (عليه السلام) يقول لمالك إن ذلك (دليل على نصيحتك لله)، ولذا فأن الإمام علیًّا (عليه السلام) يجعل عمل الإنسان وما يبذله من جهد ليس من أجل الحصول على فائدة أو مکاسب دنيوية بل يجب أن يكون عمله كله الله سبحانه وتعالى، وعلى رأس هؤلاء الوزراء جميعًا (كاتب الكُتابْ)(2)، أي رئيس الوزراء أو رئيس الحكومة(3) والذي يتصف بأن یکون خيّرًا ورعًا تقيًا ذا خلق رفيع، فضلا عن تمييزه بخبرة ودراية أكثر من باقي الوزراء في مختلف شؤون الدولة، وأن تكون لديه خبرة وقدرة على التفاوض مع الآخرين وأن يكون شديد الحرص على المحافظة على مصالح رعيته وعدم إظهار الحاكم أمام الحكومات والشعوب الأخرى

ص: 71


1- شرح نهج البلاغة، 17 / 11
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 67
3- توفيق الفكيكي، الراعي والرعية، ص 147

بالضعف والهوان، والدفاع عن مصالح رعيته وهو ما تضمنه العهد في قول الإمام (عليه السلام):

«ولا يضعف عقدًا اعتقده لك ولا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك»(1).

ومعروف ما للوزراء من أثر كبير في تسيير شؤون الدولة، والقدرة على مواجهة المشكلات التي تعترض عملهم، وإيجاد الوسائل الناجحة لها وهذه تأتي من المحصلة النهائية لمجمل خبراتهم المهنية المتراكمة وإلمامهم بشؤون الوزارة المكلف بها، ويتم اختيار هؤلاء الوزراء ليس على مبدأ الظن والحدس، والاعتقاد بل يكون مبنيًا على أسس وقواعد سليمة، ممن يتصف بالعلم والورع والمعرفة ومن المشهود بمقدرتهم وكفائتهم، ولعظمة مسؤولية الكاتب وضع الإمام علي (عليه السلام) شروطًا معينة لاختيار من يتسنم هذه المسؤولية، وتجلت هذه الشروط في عهده إلى مالك الأشتر بقوله (ثم أنظر في حال كُتّابكِ فَوَلِّ على أمورك خيرهم، واخصص رسائلك التي تدخل فيها مكايدك و أسرارك بأجمعهم لوجود صالح الأخلاق ممن لا تبطره الكرامة فيجترئ بها عليك في خلافٍ لك بحضرة ملأ، ولا تقصر به الغفلة عن إيراد مکاتبات عمالك عليك، وإصدار جواباتها على الصواب عنك، وفيما يأخذلك ويعطي عنك، ولا يضعف عقدًا اعتقده لك، ولا يعجز عن إطلاق ما عقد

ص: 72


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 58

عليك، ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور، فإن الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل)(1).

فهو يطلب من الحاكم أن يطَّلع على سِيَرتهم الذاتية ليتعرف على الوظائف والمهام التي عملوا بها سابقاً وهل كانوا أكفاء في إدارة وانجاز ما تم تكليفهم به، كما يؤخذ بنظر الاعتبار مدى مقبوليتهم من قبل الرعية والانطباع الذي تركوه فيهم، فتكون في نفوسهم محبة لهم جراء ما قدموا إليهم من خدمات، ثم ينتقل الإمام بعهده إلى مالك الأشتر بعدم تعيين من يتملق ويقترب زلفى إلى الحاكم بهدف الحصول على رضاه والتصنع له، وأمره بإبعادهم والقضاء على نفوذ هؤلاء من الوصوليين والمتملقين الذين يكونون من حاشية وبطانة الوالي ويبذلون أقصى ما في وسعهم ليكونوا من أقرب المقربين له وضمن الدائرة الضيقة التي تحيط به لأنهم يرغبون بالاستئثار بالوظيفة دون مراعاة المصالح العامة حيث يقول الإمام علي (عليه السلام):

«ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك واستنامتك وحسن الظن منك، فإن الرجال يتعرضون لفراسات الولاة بتصنّعهم وحسن حديثهم، وليس وراء ذلك من النصيحة والأمانة شيء، ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك، فاعمد لأحسنهم كان في العامة أثرًا، وأعرفهم بالأمانة

ص: 73


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 75

وجهًا فإن ذلك دليل على نصيحتك لله ولمن وليت أمره»(1).

فمن الضروري أن يتصفوا بالعفة والفطنة والحكمة وحسن الإدارة والتدبير فإذا عقدوا عقدًا للوالي أحكموه، وإذا عُقد عليه عقدًا اجتهدوا في نفضه وحله.

ولما كان من الدعائم التي يستند إليها الحاكم هم الوزراء والأعوان والمستشارون، فقد أولى الإمام علي (عليه السلام) في فكره الإداري هذه الناحية أهمية كبيرة وأدرجها ضمن فقرات دستوره الشامل لعامة الحكام والولاة وليس لمالك الأشتر في عهده فحسب، فأوصى باختيار هؤلاء الوزراء والأعوان والمستشارين بمواصفات غاية في الدقة ولاسيما ممن لم تكن لهم سوابق ومؤشرات مشينة في العهود التي سبقت، فيكونون ممن حسنت سيرتهم وسلوكهم(2) فوصيته (عليه السلام):

«إن شر وزرائك من كان قَبْلَكَ للأشرار وزيرًا، ومن شَرَكهُم في الآثام، فلا يكونن لك بطانة فإنهم أعوان الآثمة، وأخوان الظلمة»(3).

وكان الإمام علي (عليه السلام) قد سبق عماله وولاته على الأمصار في التطبيق العملي في اتخاذه الوزراء والمستشارين والأعوان من (أهل البصائر واليقين من المهاجرين والأنصار مثل ابن عباس، والمقداد، وأبي أيوب

ص: 74


1- ابن أبي الحديد، المصدر نفسه، 17 / 58
2- علي سعد عدوة، أسس بناء الدولة الإسلامية، ص 204
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 42

الأنصاري، وخزيمة بن ثابت و أبي الهيثم بن التيهان و قیس بن سعد بن عبادة الأنصاري، ومن أشبه هؤلاء من أهل البصيرة والمعرفة)(1).

الإمام علي علیه السلام والدعوة إلى اتباع النظام اللامركزي في إدارة الدولة:

منح الإمام علي (عليه السلام) في عهده المالك الأشتر صلاحية تشكيل حكومة محلية تحديد عدد أعضائها على قدر الحاجة التي تدعو اليها المصلحة العامة(2). وذلك حسب اختصاص كل وزير وهذا ينسجم تماماً مع مبدأ التخصص بالعمل وتقسيمه وتحديد المسؤولية فقال له مخاطباً:

«أن يكون أحدهم للرسائل إلى الأطراف والأعداء، والآخر لأجوبة عمال السواد، والآخر بحضرة الأمير في خاصته وداره، وحاشيته وثُقاته»(3).

وحسب فهمنا لهذه التعليمات فإن الإمام (عليه السلام) قد شرع في الدولة الاسلامية نظام الاقاليم او الولايات او الحكم اللامركزي، وذلك بأن يكون لكل ولاية حكومتها المحلية التي تدير شوؤنها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك لتوفير المستلزمات والخدمات المواطني الولاية، ومما لاشك فيه إن نظام الولايات سيترتب عليه ايضاً فسح المجال أمام الحكومة المحلية لمعالجة القضايا ذات الطبيعة الخاصة

ص: 75


1- أبو جعفر الإسكاني، المعيار والموازنة، ص 98
2- توفيق الفكيكي، الراعي والرعية، ص 156
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 79

التي قد تنفرد بها عن باقي الولايات الأخرى فيتم معالجتها وفق الصيغ المحلية المعمول بها والتي أقرها المجتمع بشرط عدم تعارضها وتقاطعها مع قيم الاسلام وتعاليمه، وبذلك يكون الامام علي عليه السلام أول المشرعين إلى اتباع النظام اللامركزي في إدارة الدولة الاسلامية، وهذه من نوادر فكره السياسي الثاقب ومما لاشك فيه أن هذا النظام آثاره الإيجابية، وفوائده الجمة، ولذلك نجد الآن العديد من دول العالم تتبع ذلك النظام في إدارة دولها.

وهذا يسهل من الناحية التنظيمية والإدارية المعاصرة جعل الأعمال الموكولة للأفراد على شكل دوائر متشابهة ولجميع الأعمال المتماثلة بدائرة واحدة، ولكل عمل يُحددّ له رئيس من الكتاب بقسم ذلك التقسيم بالقدرة على ضبط الأعمال الموكولة بحيث لا تكون كبيرة يتعذر على الرئيس إدارتها ولا تخرج عن قدرته بتشتتها(1) وهذا خير دليل على أن الإمام علي (عليه السلام) كان من أوائل السياسيين الذين دعوا إلى تكليف الوزراء المهنيين في المناصب الوزارية، أي تشكيل حكومة تكنوقراط حسب المصطلح السياسي اليوم، إن الفكر الثاقب الأمير المؤمنين علي (عليه السلام) أشار بوضوح إلى قضية في غاية الأهمية ألا وهي التخصص المهني والتأكيد على احترامه، وفسح المجال أمامه ليأخذ دوره في العمل وفي الوظيفة التي تعهد إدارتها اليه، وهذه الصفة المهنية في

ص: 76


1- علي سعد عدوة، أسس بناء الدولة الإسلامية، ص 214

الإدارة مهمة جدًا لأنها تُهيئ الكادر الوظيفي المناسب في إدارة المؤسسات، علاوة على أن صاحب الاختصاص له القدرة في إدارة الوظيفة بشكل سليم، وفي تشخيص السلبيات ومعالجتها، وفي تدعيم الحالات الايجابية ورفدها، وبالتالي فإن المحصلة النهائية تكون في صالح العمل وتطويره وتحسين إنتاجه، وهذا ما دعا إليه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قبل 1400 سنة، فكانت آراؤه سابقة لعصره، وذلك عندما خاطب مالك الأشتر بقوله:

«واجعل لرأس كل أمر من أمورك رأسًا منهم»(1).

ويمكن تحليل هذا النص بالشكل التالي: واجعل لرأس = الرأس هو الوزير لكل أمر = الوزارات من أمورك = من وزاراتك رأسا منهم = وزیراً فعلي (عليه السلام) منذ القدم دعا إلى تشكيل حكومات محلية في الأقاليم وزراؤها من أصحاب الاختصاص الدقيق، أما عدد أعضائها فهذا الأمر متروك للحاكم وذلك على قدر الحاجة وبذلك بلور الإمام علي (عليه السلام) الكثير من المفاهيم الإدارية الإسلامية في عهده إلى

ص: 77


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 76

مالك الأشتر والتي يمكن توضيحها وفق ما يأتي:

1. التعامل مع الوظائف الإدارية بوصفها عملية ذات طبيعة متحركة وليس بوصفها وظيفة محدده باختصاصها.

2. تجد الإنسان الأساس الذي تستند عليه العملية الإدارية، فهو أساس التفاعل بين الوظائف.

3. تتوجه الوظائف الإدارية نحو البناء القيمي والسلوكي لشخصية الفرد المستقلة وشخصيته من خلال الجماعة بما يحقق وحدة السلوك التنظيمي والانسجام والتعاون والتفاعل بين الأفراد والجماعات.

4. تُشکل مبادئ الإيمان والتقوى والإحسان والعدالة والاستقامة الضوابط التي تحكم العملية الإدارية وتوحد فيما بينها.

5. يُشكل القائد ودوره العامل الرئيسي في تحقيق الانتظام والتفاعل بين الوظائف الإدارية ويخضع التدرج القيادي إلى مدى الاقتراب من المواصفات القيادية للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، بمعنى آخر؛ أي مستوى قيادي ينبغي أن يكون أكثر تمثيلًا لخصائص القيادة في الإسلام مقارنة بالمستوى الأدنى منه وهذا يحقق قناعة الرعية ورضاهم عن القائد(1).

ص: 78


1- مزهر عبد السادة حنين العلياوي، صياغة مبادئ إدارة الأعمال، ص 51

طبقات المجتمع: -

وردت كلمة (الطبقات) في عهد الإمام علي (عليه السلام)، ويقصد بها الفئات الاجتماعية وليس الطبقات بالمعنى الذي شاع استعماله في الحياة الاجتماعية والسياسية في العصور الوسطى(1)، وقد نظم الإمام علي (عليه السلام)، بالطبقات الاجتماعية اي (الفئات) القائمة على أساس اقتصادي أو مهني أو عليهما معًا، وذلك لأن وجود هذه الطبقات (الفئات) ضرورة لا غنى عنها ولا مفر منها في المجتمع، فلا بد أن يوجد تصنيف مهني يسد حاجات المجتمع المتجدد، وإذا اختلفت المهن وتفاوتت الثروات فلا بد أن يختلف مستوى المعيشة ويتفاوت طراز الحياة المادي والنفسي، حينئذ توجد الطبقات(2).

يقدم الإمام علي (عليه السلام) وصفات الطبقات الناس المختلفة داخل الدولة والمجتمع وقد قسمها إلى تسع طبقات (فئات) وهي:

1. الجنود.

2. الكتّاب.

3. القضاة.

4. العيال.

ص: 79


1- کارل مارکس، رأس المال، 2 / 131 ؉ 143؛ أحمد محمود صبحي، في فلسفة التاريخ، ص 231 ؉ 242
2- محمد مهدي شمس الدين، دراسات في تاريخ البلاغة، ص 35 ؉ 36

5. أرباب الجزية.

6. أرباب الخراج.

7. التجار.

8. أرباب الصناعات.

9. الطبقة السفلى (ذوي الحاجات الخاصة)(1).

ولكل طبقة منها حقوقها وعليها واجباتها.

إن تقسيم الإمام علي (عليه السلام) المجتمع إلى طبقات (فئات) لا يعني أن كل طبقة تعمل بصورة منفردة وكأنها وحدة قائمة بذاتها ليس لها أي علاقة بالطبقة الأخرى ومن ثم فهي في معزل عن سواها، بل كان يريد القول أن هذه الطبقات تعمل جميعًا في بوتقة واحدة وهي المجتمع ولا تنفصل واحدة عن الأخرى لأن لكل منها دور تؤديه يصب في خدمة المجتمع، فضلا عن أنها تؤدي خدمة للطبقة الأخرى في الوقت نفسه وتلبي حاجاتها، لأن كل طبقة من طبقات المجتمع لا تستطيع أن تكون في اكتفاء ذاتي بل يجب التعاون فيما بينها، وهي ترتبط مع بعضها البعض بصلات وعلاقات وشيجة، ولذا فإن كل واحدة منها تؤدي دورًا معينًا ومجموع الأدوار لهذه الطبقات يصب في خدمة المجتمع، وهذه المعاني هي التي أشار إليها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في

ص: 80


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 39

بداية حديثه وقبل أن يذكر أصناف تلك الطبقات حيث جاء في ديباجة حديثة مخاطبًا مالك الأشتر عن هذه الطبقات:

«واعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنی ببعضها عن بعض»(1).

وهنا أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يشير إلى أن الإنسان اجتماعي بطبعه، وهو ما أشار اليه ابن خلدون بعد ذلك أي بعد مرور ثمانمئة سنة من عهد علي (عليه السلام) عندما قال: إن (الإنسان مدني بالطبع)(2)، وهو ما أكد عليه علماء النفس والتربية والاجتماع في العصر الحديث(3)، فهو لا يستطيع أن يعيش منعزلا عن الآخرين وعدم التفاعل معهم لأنه غير قادر على توفير جميع مستلزمات حياته وحاجاته بنفسه بل لا بد من مساهمة ومشاركة الآخرين بتوفيرها.

الناسُ بالناسِ من حضرٍ وباديةٍ بعضٌ لبعضٍ وإنْ لم يشعروا خَدمُ(4) وبذلك فإن الإمام عليَّا (عليه السلام) سبق من جاء بعده من العلماء والمفكرين وأساتذة الاجتماع بشأن كون الإنسان اجتماعیَّا بطبعه.

ص: 81


1- ابن أبي الحديد، المصدر نفسه، 17 / 37
2- ابن خلدون، تاریخ ابن خلدون (المقدمة)، 1 / 41
3- عبد الرحمن النحلاوي، التربية الاجتماعية في الإسلام، ص 19 - 24
4- أبو العلاء المعري، ديوانه، 2 / 277

طبقة الجنود (الجيش): -

وأوضح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في عهده أهمية الجيش ودورة الفعال في حماية البلاد والدفاع عن المواطنين، ونظرًا لما لقيادة الجيش من أهمية بالغة ودور فعال، فقد حدّد له الشروط الواجب توفرها لمن يتولى قيادة الجيش بأن يكون (أنصحهم لله ولرسوله ولإمامك وأنقاهم جيبا، وأفضلهم حلهما، ممن يبطئ عند الغضب، ويستريح إلى العذر، ويرأف بالضعفاء وينبو على الأقوياء، وممن لا يثير العنف، ولا يقعد به الضعف)(1).

فاختيار قائد الجيش يكون وفق معايير وضوابط بأن يكون مؤمنا صادق الظن عفيفًا وأمينًا ونزيهًا، وقد عبّر (عليه السلام) عن ذلك بجملة (وأطهرهم جيبّا)، أي أن ما يحصل عليه ليس فيه مال حرام، فالإمام يؤكد على مبدأ النزاهة والسلوك الحسن لأنه يمثل القائد للجند والمثال الحي الذي يقتدون به ويسيرون على منواله ويخطون الخطى على أثره، لذلك يجب عليه أن يتحلى بمكارم الأخلاق والصفات النبيلة، لأنه إذا كان مرتشيًا وذا سلوك غير مقبول فإن هذا الأمر سيشجع الجنود على عدم إطاعة أوامره أو التساهل في تنفيذها لكونه يمثل النموذج السيئ، فضلا عن من صفات القائد قبوله العذر من الآخرين ولا يحمل

ص: 82


1- البيهقی، حقائق الحدائق، 2/ 525

الضغينة في قلبه عليهم ولا يظلم أحدًا(1).

ومن نافلة القول أن هذا الوصف للقائد المثالي يعكس شخصية الإمام نفسه، ومما تجدر الإشارة اليه هو الأهمية الموضوعية على الرأفة واللطف والحلم وهي صفات لا تلصق عادة بالناس المحاربين(2). ولكن عليّا (عليه السلام) لا تغيب عن مخيلته حقوق الانسان والتأكيد عليها، فهي حاضرة في كل وقت عند التعامل مع الآخرين.

طبقة الإداريين: -

أما بالنسبة للإداريين فقد طلب الإمام علي (عليه السلام) من مالك في عهده أن يختبرهم وهذا يتفق مع القوانين الإدارية المعاصرة التي تفرض خضوع الموظف الجديد في التعيين لفترة اختبار وهو ما يطبق الآن في الأنظمة الإدارية الحديثة(3)، وبذلك فإن الإمام عليّا (عليه السلام) أدرك ذلك وأوجده في إدارته للدولة الإسلامية قبل أن يعرفه النظام الإداري الحديث.

كما حذر الإمام علي (عليه السلام) في العهد من عوامل الانحياز والمحاباة عند تعيين الموظفين وإنما يجب أن يكون تعيينهم حسب الكفاءة والمهارات بعيدًا عن الوساطة والمحسوبية والقرابة وقد يكون هؤلاء

ص: 83


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 41
2- شاه رضا کاظمي، العدل والذكر، ص 140
3- توفيق الفكيكي، الراعي والرعية، ص 138

الأقارب المعيّنون ممن ليس لديهم الكفاءة في إدارة الأعمال، فعندها ينخفض مستوى الأداء للدائرة والمؤسسة التي يعملون فيها، فالإمام علي (عليه السلام) يضع قاعدة إدارية رصينة في إدارة الحكم في الدولة الراشدة عند تعيين الموظفين فيها، وذلك اعتمادًا على الكفاءة وما يمتلكه الفرد من مؤهلات علمية شخصية تساعده في التوظيف في تلك المهنة، وليس على أساس القرابة أو الصلة القبلية، أو على أساس الصداقة والمحسوبية أو بتأثير الانتماءات العقائدية أو الاتجاهات السياسية فهو (عليه السلام) رفض مثل تلك التعيينات في إدارة الدولة وأكد على قاعدة (الرجل المناسب في المكان المناسب)، علاوة على ضرورة مراقبة الموظفين والعمال للإطلاع على سير العمل ومعرفة مقدار كفائتهم وكشف درجة الأمانة التي يتحلون بها، فقال الإمام: (ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارًا ولا تولهم محاباةً فأنهما جماع من شُعَب الجور والخيانة)(1).

وأشار أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إلى ضرورة أن يتحلى الحاكم الوالي بالصبر والأناة لأن من سمة الرئاسة سعة الصدر، وعدم التسرع في إصدار القرارات واتخاذ الإجراءات إلا بعد التأكد والتحقق منها، کما قد تسبب القرارات الارتجالية ضررًا على أبناء المجتمع والدولة بصورة عامة، ولذا وضح (عليه السلام) الأسس السليمة في إدارة الدولة بأن

ص: 84


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 18

يكون الحاكم، الوالي، العامل، المسؤول الإداري على قدر كبير من التأني والحيطة والتروي في اتخاذ القرارات ويجب عليه دراستها بإمعان، والنظر إليها بصورة شاملة، لأن ذلك يصب في خدمة المجتمع والدولة حيث يقول له (وإياك والعجلة بالأمور قبل أوانها، او التساقط فيها عند إمكانها، أو اللجاجة فيها اذا تنكرت أو الوهن عنها إذا استوضحت، فضع كل أمر موضعه، وأوقع كل عمل موقعه)(1).

النزاهة في إدارة الدولة: -

اشترط الإمام علي (عليه السلام) أن تكون النزاهة من الشروط الرئيسية الواجب توافرها عند تعيين ذوي المناصب العامة كالعمال أو الولاة أو الحكام في إدارة الدولة وكذلك موظفوها وحدد الإمام علي (عليه السلام) الشخص النزيه بأن (یکسر نفسه عن الشهوات وينزعها عن الجمحات فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي)(2) فيكون مرتفعا عن كل النزوات النفسية المعنوية مثل بهرجة الحكم أو أبهته أو النزوات المادية بالتصرف بأموال الأمة التي قيد أوامره، وعليه أن يحترم ذمم الرعية وبذلك فإن الإمام (عليه السلام) يشير إلى حالة خطيرة في الجهاز الإداري للدولة بكسر النفس عن الشهوات، التي هي التعفف في الموظف الإداري لأن العفة والاسترسال بالشهوات على طرفي نقيض،

ص: 85


1- ابن أبي الحديد، المصدر نفسه 17 / 18
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغقا 17 / 30

وذلك أن الأخيرة تؤدي إلى انقياده إلى نفسه الأمارة بالسوء، ويحذر الإمام علي (عليه السلام) من أحد أمراض الفساد الإداري وهي قبول الموظف الهدية أو أخذ الرشوة(1) فيقول:

«وإن أَخَذَ هدية كان غلولًا، وإن أَخَذَ رشوة فهو كافر»(2).

ومن الأمور المهمة التي وجه الإمام علي (عليه السلام) مالك الأشتر إليها هي إيقاع العقوبات الجزائية على كل موظف تثبت إدانته بإساءة استخدام الأموال العامة ثم التشهير به، وعزله عن الوظيفة بتهمة الخيانة، حيث يقول له (فإن أحدٌ منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك، اكتفيت بذلك شاهدًا، فبسطت عليه العقوبة في بدنه وأخذته بما أصاب من عمله، ثم نصبته بمقام المذلة، ووسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة)(3).

إن الشيء المهم الذي يسترعي النظر ويبهر العقل هو أننا نجد أثر هذه التعليمات بعد أن مر على وضعها أربعة عشر قرنًا ملموسًا وواضحًا غاية الوضوح في قانون انضباط موظفي الدولة وقانون الخدمة المدنية في العراق في العصر الحديث(4).

ص: 86


1- علي سعد عدوة، أسس بناء الدولة الإسلامية، ص 208
2- «المجلسي، بحار الأنوارا 72 / 13
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 17 / 53
4- توفيق الفكيكي، الراعي والرعية، ص 142

ثم يوصي الإمام مالك بزيادة رواتب الموظفين للاكتفاء الذاتي حتى لا تمد أيديهم إلى اختلاس أموال الدولة أو استلامهم للرشوة وبذلك يكونون قد خانوا مصلحة الأمة، إذ قال الإمام علي (عليه السلام: (ثم أسبغ عليهم الأرزاق، فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم وغنی لهم عن تناول ما تحت أيديهم)(1).

ولعل هناك إشارة واضحة إلى مبدأ الثواب والعقاب في فكر الإمام علي (عليه السلام) في سياسته الإدارية وذلك بمنح الموظفين المتميزين في أعمالهم بتكريمهم، تشجيعًا على تفانيهم ومثابرتهم في أداء الواجب ولنزاهتهم وعفتهم وليكونوا قدوة يحتذى بها من قبل الآخرين، فقد وجه الإمام علي (عليه السلام) کتاب ثناء و تقدير إلى سعد بن مسعود الثقفي عامله على المدائن وجوخا، قائلًا له: (أما بعد فقد وفرت على المسلمين فيئهم، وأطعت ربك ونصحت إمامك، فعل المتنزه العفيف، فقد حمدت أمرك، ورضيت هديتك، وأبنت رشدك، غفر الله لك، والسلام)(2) وكذلك وجه الإمام علي (عليه السلام) کتاب ثناء وتقدير إلى أحد عماله لمثابرته في عمله وحسن أدائه ونزاهته مخاطبًا أياه (أما بعد فإنك قد أديت خراجك و أطعت ربك، وأرضيت إمامك، فعل البر

ص: 87


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة ، 17 / 53
2- الثقفي، الغارات، 1 / 53

التقي النجيب، فغفر الله ذنبك، وتقبل سعيك، وحسّن مآبك)(1).

وفي المقابل كانت هنالك سياسة الإمام علي (عليه السلام) المعتمدة على العقاب والتوبيخ لمن يسيء في عمله أو يستغل منصبه لتحقيق المنافع الشخصية، وقد وضع قاعدة تشريعية إدارية يعمل بها لمن يأتي من بعده والتي يُعمل بها اليوم ألا وهي تقييم أداء العمل، فجميع الولاة والعمال في نظر الإمام علي (عليه السلام) ابتداءً متساوون كأسنان المشط ويتعامل معهم على حد سواء، وهذا نفهمه من قوله لهم (وأن تكونوا عندي في الحق سواء فإذا فعلت ذلك وجبت لي عليكم البيعة، ولزمتكم الطاعة، وأن لا تنكصوا عن دعوة، ولا تفرطوا في صلاح، وأن تخوضوا الغمرات إلى الحق فأن أنتم لم تسمعوا لي على ذلك لم يكن أحد أهون علي ممن خالفني فيه، ثم أحل لكم فيه عقوبة، ولا تجدوا عندي فيها رخصة، فخذوا هذا من أمرائكم، وأعطوا من أنفسكم ما يصلح الله به، والسلام)(2). وقد وبخ الإمام علي (عليه السلام) عثمان بن حنیف الأنصاري عامله على البصرة لأنه استجاب لدعوة حضور وليمة، فهو لم يرتكب جرمًا أو انحرافًا أو تجاوزًا على حقوق المسلمين أو المال العام ولكن الإمام عليّاً (عليه السلام) ببصيرته الثاقبة رأى أن تلك الدعوة ليس موجهة لعثمان ابن حنيف لذاته بل لمنصبه في الدولة حيث كتب

ص: 88


1- الغارات، 1 / 53
2- المجلسي، 33 / 76

إليه قائلًا (یا ابن حنيف فقد بلغني أن رجلًا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت اليها، تستطاب لك الألوان، وتنقل إليك الجفان، وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو، وغنيهم مدعو، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجهه فنل منه، ألا وإن لكل مأموم إمامًا يقتدى به، ويستضيء بنور علمه، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، الا وأنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع و اجتهاد، وعفة وسداد، فو الله ما كنزت من دنیاکم تبرًا، ولا ادخرت من غنائمها وفرًا، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرًا، ولا حَزْتُ من أرضها شبرًا، ولا أخذت منه إلا كقوت أتان دبرة، ولهي في عيني أوهی من عفصة مقرة)(1). فكان كتاب التوبيخ هذا أشد وطأة على عثمان بن حنيف من عزله عن ولاية البصرة، كما انه دعاه (وكذلك كان الخطاب موجهاً إلى كافة الحكام والمسؤولين) إلى الاقتداء به، وبحياة التقشف والزهد التي كان يعيشها وإن كان ذلك صعباً عليهم ولا يطيقون تطبيقه بحذافيره ولكنه طلب منهم أن يكونوا من أهل العفة والنزاهة والعلم ليكونوا أسوة لأبناء مجتمعهم وفي مقدمتهم الفقراء والمساكين.

لقد كان الإمام علي (عليه السلام) لا يتهاون مع أي انحراف عن المنهج القويم الذي يجب على ولاته وعماله السير عليه، فقد أرسل

ص: 89


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 16 / 205

کتاب توبيخ إلى عامله المنذر بن الجارود العبدي على إصطخر(1) بعد أن خان الأمانة في بعض ما ولاه من أعماله حيث قال له:

«أما بعد فإن صلاح أبيك غرني منك وظننت أنك تتبع هَدْیه، وتسلك سبيله، فإذا أنت فيا رقي إلي عنك لا تدع هواك انقيادًا ولا تبقي الآخرتك عتادًا، تُعمر دنياك بخراب آخرتك، وتصل عشيرتك بقطيعة دينك، ولئن كان ما بلغني عنك حقًا لجمل أهلك، و شسع نعلك خير منك ومن كان بصفتك فليس بأهل أن يسد به ثغر، أو ينفذ به أمر، أو يعلى له قدر، أو يشرك في أمانة، أو يؤمن على جباية، فأقبِلْ إليّ حين يصلك كتابي هذا»(2).

فلما قدم عليه وتحقق من فعله فأمر بعزله وتغريمه ثلاثين ألف(3)، اي استرداد الأموال التي استحوذ عليها وسرقها من الدولة.

علماً بأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) كانت مواقفه من عماله وولاته على الأمصار والمدن، واضحة للعيان، حيث قام بإرسال العديد من الكتب والرسائل اليهم لتقويم مسيرتهم أو تعزيز

ص: 90


1- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 141
2- الثقفي، الغارات، 2 / 898؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 8 / 54؛ المحمودي، نهج السعادة، 5 / 24
3- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 142

أعمالهم أو نصحهم وإرشادهم أو عزلهم عن مناصبهم(1).

وضمن حلقات السياسة الإدارية للإمام علي (عليه السلام) في إدارة الحكم الراشد كانت حلقة التفتيش والمراقبة، لما لهذا الأسلوب من أثر إيجابي على سير الأعمال الإدارية في زمن لم تكن الإدارة في الإسلام قد بلغت هذا المستوى من التطور وكانت سياسته في هذا الجانب سیاسة دقيقة يحاول فيها أن لا يسمح لأي انحراف يضر بالمنفعة العامة للمسلمين(2) ويتوضح ذلك في كتاب لأحد عماله فيقول:

«بلغني أنك تقسم فيیٴ المسلمين في قومك ومن اعتراك من المسألة والأحزاب، وأهل الكذب من الشعراء، كما تقسم الجوز، فو الذي خلق الحبة وبرأ النسمة، لافتشنَّ عن ذلك تفتیشًا شافيًا، وان وجدته حقًا التجدن بنفسك علي هوانًا، فلا تكونَنَّ من الخاسرين أعمالًا، الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً»(3).

وقد اتبع أمير المؤمنين (عليه السلام) أسلوب التفتيش الإداري بطريقتين:

1. التفتيش العلني:

وهو بإرسال مفتشين - أي التفتيش الميداني وهو يقابل ما يطلق عليه

ص: 91


1- للتفصيل عن ذلك راجع ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 19 / 100، 111 ؉ 188
2- علي سعدون عدوة، أسس الدولة الإسلامية، ص 213
3- محمد باقر المحمودي، نهج السعادة، 5 / 157

الآن ب (اللجان التفتيشية) - إلى أماكن العمل الإداري، ومن ذلك إرسال الإمام علي (عليه السلام) لجنة تفتيشية برئاسة عامله کعب بن مالك تضم مجموعة من الأشخاص المهنيين في شؤون الاقتصاد والزراعة، والتوجه إلى ارض السواد والإطلاع بصورة ميدانية على مجرى الأمور ومعاينة الحالة على أرض الواقع، فكتب اليه قائلًا ((أما بعد فاستخلف على عملك واخرج في طائفة من أصحابك حتى تمر بأرض السواد كورة كورة، فتسألهم عن عالهم، وتنظر في سيرتهم)(1) فالإمام (عليه السلام) يوجّه بالتحري والتدقيق عن حال الناس و أوضاعهم وكيف تعامل عمال الخراج معهم والإطلاع على سيرتهم، خشية أن يحمّلوا الناس أكثر من طاقتهم أو يبتزونهم بأخذ الأموال منهم، وأيضًا فإن من خلال تلك اللجان التفتيشية يكشف مدى نزاهة أولئك العمال وأدائهم الأمانات التي يحملونها إلى الخزينة العامة للدولة باعتبارها ملکًا عامًا لجميع أبناء الشعب توزع عليهم بمختلف فئاتهم، كما أن تلك اللجان ستكشف ما إذا كان عمال الخراج قد امتدت أيديهم إلى الأموال التي قبضوها وأخذوا منها شيئًا لمصلحتهم الشخصية.

2. التفتيش السري:

الأسلوب الإداري الآخر الذي اتبعه الإمام علي (عليه السلام) هو التفتيش السري لمراقبة السياسة التي ينتهجها الولاة أو العمال أو

ص: 92


1- المحمودي، نهج السعادة، 4 / 137

الموظفون وطريقة تعاملهم مع الناس ومدی محافظتهم على المال العام للدولة وعدم التفريط به والكشف عن حالات الفساد، وهذا ما جسده في عهده إلى مالك الأشتر حيث يقول له: - (ثم تفقد أعمالهم، وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإن تعاهُدَك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة، والرفق بالرعية، وتحفظ من الأعوان)(1) يلاحظ أن الإمام (عليه السلام) في سياسته الإدارية يؤكد بشكل كبير على اختيار أعضاء اللجان التفتيشية بأن يكونوا من أهل الخبرة والاختصاص المهني، الذين يتصفون بالورع والدين لأنهم سيكتبون للوالي أو الحاكم عما رأوه بأم أعينهم وما سمعوه من أقوال الناس والشهود، ويجب عليهم التأكد من صحة تلك الأقوال أي (اجعل عليهم طرفًا أو ناظرًا يحفظهم ويخبرك بأحوالهم وأفعالهم)(2) لأن ما سيرفعونه من أخبار للحاكم يجب أن تتسم بالصدق والشفافية والخلو من أي وازع ذاتي إزاء الأفراد الذين كتبت عنهم تلك التقارير لأنها سيترتب عليها (مصير الموظف في حالتي الثواب والعقاب، والغاية من مراقبة الموظفين هي أن تقدم تقارير سرية وهم على حقيقتهم غير متظاهرين أو مغالطين)(3)، فقد تتخذ إجراءات قانونية بحقهم كطردهم من الوظيفة ومحاسبتهم قضائيًا.

ص: 93


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 69
2- البيهقي، حدائق الحقائق، 2 / 545
3- علي سعدون عدوة، أسس بناء الدولة، ص 213 - 214

طبقة الفلاحين:

أما الطبقة الأخرى من طبقات المجتمع فهي طبقة الفلاحين، ولها أهمية قصوى في الحياة الاقتصادية لأنها تمثل أكبر طبقة وأوسعها في الدولة الإسلامية، فضلا عن أنها بمثابة العمود الفقري في اقتصادها، وإن الحراك الاقتصادي في الدولة يعتمد اعتمادًا كبيرا على الزراعة آنذاك، ولذلك نجد أن الإمام (عليه السلام) يوليها عناية خاصة ويؤكد عليها و بشكل كبير في عهده لمالك الأشتر ويوجه بأهمية رعاية الأرض والاهتمام بالفلاحين من خلال فتح الأنهر وقنوات الري، وتقديم الخدمات وكافة المستلزمات التي يحتاجها الفلاحون، ولا يجعل همه جمع الضرائب فقط، وإن إثقال كاهل الفلاحين بها سيؤثر سلبًا على إنتاجهم الزراعي وهذا بالنتيجة ستكون له مردودات سلبية على اقتصاد الدولة أكثر من المردودات الإيجابية التي تتوقعها، ولذا فإن الإمام (عليه السلام) أمر مالك الأشتر في هذا العهد بالاهتمام بالزراعة ومعالجة أمورها وتحسين ظروف الفلاح الزراعية أكثر من اهتمامه بجمع ضريبة الخراج حيث يقول (عليه السلام):

«وتفقّد أمر الخراج بما يصلح أهله فإنّ في صلاحهم صلاحًا لمن سواهم ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم، لأن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله، ولیکن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب

ص: 94

الخراج»(1).

وكذلك وجه الإمام علي (عليه السلام) بضرورة تقديم المساعدات للفلاحين في وقت الأزمات کانتشار الأوبئة والأمراض الزراعية، التي عبر عنها بلفظ (علة)، وعند شحة مناسيب المياه في الترع والأنهار، والتي عبر عنها بلفظ (انقطاع شرب) أو قلة سقوط الأمطار، التي أشار اليها بلفظ (بالة)، أو بسبب الفيضانات التي تؤدي إلى غمر الأراضي الزراعية بالمياه وتدمير محاصيلهم ومزروعاتهم، فقال (عليه السلام):

«فإن شكوا - الفلاحون - ثقلًا أو علة، أو انقطاع شرب أو بالة أو إحالة أرض إعتمرها غرق أو أجحف بها عطش خففت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم ولا يثقلنَّ عليك شيء خففت به المؤونة عنهم، فإنه ذکر یعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك مع استجلاب حسن ثنائهم»(2).

فالإمام علي يوضح للحاكم أن ما يقدمه من خدمات و تسهیلات ومعونات إلى الفلاحين للتخفيف عن كاهلهم ستكون له آثار إيجابية في خدمة البلد وتطويره وعمرانه فضلا عن الذكر الطيب والثناء الجميل الذي سيتركه في قلوب رعاياه. أما الخراب الذي يصيب الأراضي الزراعية وعزوف الفلاحين عن زراعتها واستثمارها فمن العوامل التي

ص: 95


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 55
2- ابن أبي الحديد، المصدر نفسه، 17 / 55

تسهم في ذلك قيام الحكام بجمع الضرائب بإجحاف من الفلاحين وتكديسها بسبب جشعهم والطمع الذي يسيطر على نفوسهم فتعمی قلوبهم عن فعل الخير.

طبقة التجار والصناع:

أشار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في دستوره إلى فئة التجار وإلى أصحاب الحرف الصناعية وصنَّفَ التجار على صنفين: - صنف المقيم والمستقر الذي يمارس التجارة في بلده، والصنف الثاني المتجول وهو المضطرب بماله والذي يقوم بنقل التجارة من بلد إلى بلد آخر، فيساهمون بحصول الناس على مختلف البضائع وضروب الحرف الصناعية، وقد أوصى الإمام علي (عليه السلام) مالك الأشتر فيهم خيرًا وباتخاذ إجراءات عدة لصالحهم کتسهیل انتقال بضائعهم التجارية من مكان إلى آخر بیسر وآمان و تخفيف الضرائب المفروضة عليهم، وأشار الإمام (عليه السلام) إلى قضية مهمة جدًا في حياة المجتمع ألا وهي احتكار البضائع ثم بيعها بأسعار فاحشة في وقت الأزمات، وهذا الأمر لا يقوم به إلا أصحاب النفوس الضعيفة، مما يؤدي إلى خلق أزمة اقتصادية في البلد، كما وَجّه الإمام علي (عليه السلام) ضرورة ضبط المكاييل والأوزان وعدم التطفيف حتى لا يبخس الناس أشياءهم، حيث قال الإمام علي (عليه السلام):

ص: 96

«ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات وأوص بهم خيرًا، المقيم منهم، والمضطرب بماله»(1).

طبقة ذوي الحاجات الخاصة:

كان للفئة العامة والعاجزين عن العمل وأصحاب العاهات التي تمنعهم من أكتساب رزقهم حضوراً في عهد الإمام علي (عليه السلام) إلى مالك الأشتر، فمن المعلوم أن المجتمع فيه مراتب مختلفة من المستوى الاقتصادي الذي يعيش فيه الناس، فهناك الأغنياء وبجانبهم الفقراء، فعلي (عليه السلام) بفكره الإنساني لم ينسَ هؤلاء المحتاجين والمعدومين فإنه بدأ بالتشديد والتعظيم بوصيته لمالك فيهم بقوله:

«ثُمَّ اللهَ اللهَ في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم، والمساكين والمحتاجين، وأهل البؤسي والزمني، فإن في هذه الطبقة قانعًاً ومعترًا، واحفظ الله ما استحفظك من حقه فيهم، واجعل لهم قسمًا من بين مالِك وقسًما من غلات صوافي الإسلام في كل بلد، فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى وكل قد استرعیت حقه»(2).

فقد أشار الإمام علي (عليه السلام) إلى فئة رئيسة من فئات المجتمع الا وهي فئة أو طبقة العال ومن الذين لا يستطيعون العمل إما بسبب

ص: 97


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 64
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 65

عاهة تمنعهم من ذلك والتي وصفهم بأهل الزمني، وهو الشخص المصاب بعاهة لأن الزمانة هي العاهة(1)، أو بسبب صغر سنهم، أو بسبب كبر سنهم، وهم الذين قصدهم بقوله (وذوي الرقة في السن)(2)، أو بسبب المرض الذي يحول بينهم وبين العمل.

وكذلك أشار الإمام علي (عليه السلام) إلى أن في هذه الطبقة المساكين وهم الفقراء والمحتاجون و أيضًا القانع والمعتر (فإن في هذا الطبقة قانعًاً ومعترًا، فالقانع هو السائل، والمعتر الذي يعترض للعطاء ولا يسأل(3)، فيمنعه الحياء وعزة النفس أن يظهر بأنه فقير، فتحسبه غنيًا من شدة التعفف، وهما من ألفاظ القرآن الكريم وهو قوله تعالى:

«فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ»(4).

ثم أشار الإمام علي (عليه السلام) إلى فئة أخرى ضمن هذه الطبقة ألا وهم اليتامی، حيث أمره أن يتولى رعايتهم بقوله (وتعهد أهل اليتم) فالحاكم مسؤول عن توفير مستلزمات عيشهم بما يكفل لهم معونتهم حتى يقوى عودهم ويشتد عظمهم لأن هؤلاء والفقراء والمعوزين إذا لم توفر لهم الدولة وسائل العيش وفرص العمل فإنه لا يستبعد أن ينحرفوا

ص: 98


1- ابن منظور، لسان العرب، 13 / 199
2- البيهقي، حدائق الحقائق، 2 / 546
3- البيهقي، حدائق الحقائق، 2 / 546؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 66
4- سورة الحج، أيه 36

وأن ينتهجوا طريق الإجرام لأنهم لم يجدوا من يرعاهم ويهتم بهم ويُقوم سلوكهم فأصبحوا عرضة لكل طارق ولكل مسيء أن يؤثر عليهم وينجروا وراء تحقيق رغباتهم بالوسائل غير الشرعية، عندها يصبحوا عالة على المجتمع وخطرًا يهدد كافة فئاته.

فضلا عن أن شعور الناس بالظلم وعدم المساواة الاجتماعية وعدم حصولهم على حقوقهم والتباين الكبير بين طبقات المجتمع يولد شرارة التمرد والثورة على الفئة الحاكمة، وفي التاريخ العديد من الشواهد والأدلة التي تدعم ذلك(1).

وقد أوضح الإمام علي (عليه السلام) في عهده لمالك وسائل رعاية هؤلاء ومصادر الإنفاق عليهم بوصفهم مواطنين في الدولة ولهم حق العيش وعليها توفير مستلزمات معيشتهم بقوله: (واجعل لهم قسمًا من بيت مالك، وقسماً من غلات المحاصيل الزراعية وصوافي(2) الإسلام في كل بلد، فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى وكل قد استرعیت

ص: 99


1- للتفصيل عن أسباب قيام ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وثورة زيد بن علي، راجع محمد بحر العلوم، لمحات من التاريخ السياسي، 2 / 55، 231؛ وعن الثورة الفرنسية، عام 1789، راجع البير سوبول، تاريخ الثورة الفرنسية ص 18 وما بعدها
2- أراضي الصوافي وهي الأراضي التي فتحت عنوة بحد السيف وكانت ملكاً لأفراد الأسر الحاكمة لآل كسرى، والروم، أو الأراضي التي قتل أصحابها في معارك الفتح الإسلامي، أو هربوا منها وهذه الأراضي تعد ملكاً لبيت مال المسلمين، ويمكن أن يعطي جزء منها لمن هو بحاجة إليها من المسلمين ويدفع عنها العشر، للتفصيل راجع أبو يوسف، الخراج، ص 57 - 58؛ قدامة بن جعفر، الخراج، ص 217 - 218

حقه)(1) فإن الإمام علي (عليه السلام) جعل الدولة ضامنة وكافلة بتوفير مستلزمات العيش لرعاياها وذلك بالإنفاق عليهم من خزينة الدولة وهو بیت المال لأنهم من الأصناف المذكورين في قوله تعالى:

«أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ»(2).

وكذلك يحصلون على المعونات من الدولة من خلال المحاصيل الزراعية التي ترد من أراضي الصوافي التي فتحها المسلمون بالقوة وأصبحت ملکًا لهم لكونهم يدفعون عنها ضريبة العشر لخزينة الدولة فإن خيرها يعود لجميع المسلمين، وهنا يشير الإمام علي (عليه السلام) إلى موضوع من الأهمية بمكان في عالم السياسة والاقتصاد ألا وهو موضوع الثروات الوطنية بوصفها ملکًا عامًا للجميع ولا يستأثر به أحدٌ دون الآخرين، لأنها ثروة عامة ولكل فرد من الأفراد حق ونصيب فيها، ولا يجوز التصرف بها أو حيازتها وملكيتها لأحد، بل هي ملك عام لجميع أبناء الأمة، وهذا ما أشار اليه الإمام علي (عليه السلام) بأن الثروات التي يتم الحصول عليها كالضرائب المفروضة على المحاصيل الزراعية فإنها لا توزع حكرًا على المحتاجين من سكان ذلك الإقليم فقط بل توزع على جميع المحتاجين والمعوزين من أبناء الأمة، وذلك عندما

ص: 100


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 17 / 65
2- الأنفال آية، 41

جعل لهم حقًا في غلات صوافي الإسلام في كل بلد (فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى وكل قد استرعیت حقه)(1). ونستطيع أن نعزز رأينا وندعمه بما ذكره ابن أبي الحديد في شرحه للعهد، حيث قال أنه (یرید به لا تصرف غلات ما كان من الصوافي في بعض البلاد إلى مساكين ذلك البلد خاصة فإن حق البعيد عن ذلك البلد فيها كمثل حق المقيم في ذلك البلد)(2).

وبذلك فإن الإمام (عليه السلام) قد سبق جميع الأفكار والآراء التي توصلت إليها الدول الحديثة عندما جعلت الثروات الوطنية ملکًا لجميع أبناء الوطن وقد نصت عليها في دساتيرها، وقد أخذت الدساتير الحديثة بهذا المبدأ أيضًا ومنها الدستور العراقي(3)، فهذه الأفكار مستمدة ومستوحاة من فكر الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ففكره سبق عصره الذي عاش فيه بل وسبق العصور التي أتت من بعده لأن مثل تلك الأفكار لم يتوصل سواء اليها. فالنظرية الإسلامية السياسية تؤكد على أن الثروة الوطنية يتم توزيعها على جميع أبناء الأمة(4)، لكونها ملك للجميع.

ص: 101


1- البيهقي، حدائق الحقائق 2 / 531
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 66 - 67
3- المادة (111) من الدستور العراقي الصادر في عام 2005
4- زهير الأعرجي، العدالة الاجتماعية / ص 13

ولغرض تنفيذ تلك التوجهات فإنه (عليه السلام) أمر الحاكم بأن يتفقد الفقراء والمساكين وأصحاب العاهات واليتامى وأن تكون لديه قاعدة من المعلومات ویوکل بهم من يتفقدهم ويتعرف عليهم ويشخص حالاتهم والمشكلات التي يعانون منها وإيصالها إلى الحاكم، حتى يصرف لهم تلك المعونات والمساعدات حيث قال له: (ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع فليرفع إليك أمورهم)(1)، فعلي (عليه السلام) يأمر بتشكيل لجان من ذوي السلوك الحسن وممن عرفوا بالتقوى لفرز وتشخيص حالات الفقر والعوز لغرض معالجتها وإيجاد السبل الناجحة لها.

وقد كان الإمام علي (عليه السلام) هو القدوة الصالحة والمثل الأعلى في حل قضايا المجتمع وقد يكون هنالك من لديه حاجة ولكن الحياء قد يمنعه من مفاتحة الإمام علي (عليه السلام) بها بصورة مباشرة لذلك أوجد لهم بما يعرف اليوم ب (صندوق الشكاوی) یرمي به كل ذي حاجة ما يريد أن يوصله إلى الإمام (عليه السلام) دون أن يتعرف عليه، وهذا ما نفهمه مما روي بأنه (كان الأمير المؤمنين (عليه السلام) بيتًا سماه بیت القصص، يلقي الناس فيه رقاعهم)(2). وهذا من أروع صور التكافل

ص: 102


1- البيهقي، حدائق الحقائق 2 / 532
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 67

الاجتماعي، وقد تأثر بهذه الطريقة الخليفة العباسي الواثق(1). وإلى يوم الناس هذا فإن (صناديق الشكاوی) منتشرة في العديد من دوائر ومؤسسات بعض الدول للتعرف على المشكلات والمعوقات فيها ومنها العراق.

مميزات عهد الإمام علي (عليه السلام):

وختامًا وبعد هذه الجولة في هذا السفر الخالد يمكن إدراج الملاحظات الآتية بشأنه:

1. يعد عهد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى مالك الأشتر واحدًا من أهم الوثائق التاريخية وهو بمثابة ثورة إصلاحية ترشد القادة والولاة لكيفية التعامل مع شعوبهم على منواله، ولرسم الطريق وتجديد العلاقة بينهم، وكان من الأهمية القصوى أن يوضع أمام مسيرة البشرية وتمكين الأجيال من تدارسه والانتفاع بمضامينه ليؤدي دوره في مجال البناء والتوجيه(2).

2. إن هذا العهد يعدّ من أهم الوثائق التي تطرقت للنظام السياسي الإسلامي بتفصيل وشمول لا نجده في غيره من النصوص التي

ص: 103


1- أبن أبي الحديد، المصدر نفسه، 17 / 67
2- عبد الزهراء الخطيب، مصادر نهج البلاغة، 3 / 429

وصلت إلينا من تلك الحقبة(1).

3. سبقه الزمني وكونه نتاجًا للتزواج بين الجانب النظري والجانب العملي في السياسة والحكم والإدارة للدولة الاسلامية.

4. إن ما ورد في العهد من مبادئ وقيم وأفكار وقواعد في الحكم وما تضمن من مباني سیاسية تتجاوز حدود سياقها التاريخي.

5. إن النصائح الواردة في العهد هي نص أخلاقي بمقدار ما هي نص سیاسي ولكنها ليست نظامًا متنوع الأساليب والأغراض أو نظرية في الأخلاق، بل تعبير ملهم في الحقيقة عن فضائل روحانية جسدها الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) و شعت عنه طبائع فاضت مباشرة من مصادر الوحي الإسلامي وتكشف بالتالي عن جذور الفضيلة والأخلاق في مناخ محکوم بمبدأ الوحي الشامل لكل شيء، فهي تفوق كثيرًا المقاييس الموضوعة تقلیدیًا بالنصوص السياسية أو القانونية الخاصة بالإدارة والحكم، وبغض النظر عن كونها تخاطب لأول وهلة الحاكم أو الوالي في الدولة، فإن القسم الأعظم من النصيحة ينتمي في الحقيقة إلى المبادئ الأخلاقية المطبقة عالميًا ومن ثمَّ فإن صلتها بالمحكومين

ص: 104


1- محمد حمید الله، مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، ص 43 - 757

تماثل صلتها بالحاكم(1).

6. إن عهد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى واليه على مصر مالك الأشتر کشف عن دور المبادئ الروحية في تشكيل القيم الأخلاقية وتقرير نوعية الممارسة السياسية.

ص: 105


1- رضا شاه کاظمي، العدل والذكر، ص 106 - 107

ص: 106

التوصيات

ندرج أدناه بعض التوصيات الخاصة بعهد او دستور الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام الذي كتبه إلى مالك الأشتر: - 1. تدریس عهد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في الكليات والمعاهد وذلك ضمن مادة الديمقراطية وحقوق الإنسان ورفع توصية بذلك إلى لجنة المناهج في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لإضافته إلى مفردات المنهج.

2. توجيه معلمي المدارس ومدرسي الثانويات للتنويه بما جاء بالعهد من أفكار وآراء وقيم ومبادئ التوعية الطلبة وتدعيم روح المواطنة فيهم.

3. ضرورة تضمين الدستور العراقي لفقرات ونصوص من العهد لما لها من أهمية في ترسيخ مبادئ حقوق الانسان والمواطنة، والعدل والمساواة ورفع توصية بذلك إلى اللجنة القانونية في

ص: 107

مجلس النواب العراقي.

4. ضرورة إطلاع المؤسسات الإدارية على العهد، والتعرف على ما ورد فيه من أفكار إدارية واجتماعية، وأخلاقية وانضباطية والالتزام بها.

5. كتابة وطباعة لوحات تعريفية، وبوسترات تتضمن فقرات من العهد وتُعلق عند مداخل الجامعات والكليات والمراكز العلمية والمؤسسات ودوائر الدولة المختلفة والمدارس، لغرض التعريف بما ورد بالعهد وحث المواطنين على السير على منوالها لكونها المثال الأعلى للاقتداء به والتي تُعزز قوة التماسك بين جميع ابناء المجتمع العراقي.

6. كتابة مقالات في الصحف والمجلات تتناول موضوع العهد وما يهدف إليه وبيان أبعاده و مضامینه وحث الناس على السير على منوالها.

7. إقامة ندوات تربوية في وسائل الاعلام المختلفة وكذلك في الكليات والمؤسسات التعليمية ودوائر الدولة يشترك فيها عدد من الاساتذة الجامعيين في مختلف الاختصاصات (التاريخية، والاجتماعية والاقتصادية) للتعريف بالعهد وتوضيح مضامینه وما ورد فيه من المبادئ والقيم والحقوق والواجبات، لما له من

ص: 108

أثر إيجابي في ترسيخ الوحدة الوطنية.

8. توجيه طلبة الدراسات العليا في الكليات ذات الاختصاص بكتابة رسائل وأطاريح جامعية عن مضامين عهد الإمام علي عليه السلام إلى مالك الأشتر في مختلف المجالات.

9. التوصية بقيام الجهات الحكومية العراقية المختصة بمفاتحة المنظمات الدولية كمنظمة الأمم المتحدة، واليونسيف ومنظمة حقوق الإنسان بإدراج عهد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ضمن 109 برامجها التثقيفية.

ص: 109

ص: 110

الخاتمة:

من خلال دراستنا لموضوع العهد او الدستور الذي كتبه علي بن أبي طالب عليه السلام لواليه على مصر مالك بن الحارث الأشتر سنة 38 ه / 658 م. تبين لنا أن هذا العهد يعد من أطول العهود السياسية التي حفلت بها الثقافة الاسلامية فيما يخص الحياة السياسية ليس في العصر الراشدي فحسب، بل على طول التاريخ الاسلامي.

فضلا عن أن العهد يُمثل أفضل النظريات السياسية في إدارة الدولة الراشدة والمثال الحسن الذي يُقتدى به.

واتضح لنا أن ما جاء في هذا العهد من أفكار وآراء و نظريات في إدارة الدولة الاسلامية قد سبقت المرحلة التاريخية التي ظهر فيها كدعوته إلى تشكيل حكومة وطنية، تكنوقراط، والفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية وأن يكون التعامل مع جميع أبناء المجتمع على حد سواء دون التمييز او التفرقة بينهم، وأن يكون التعامل معهم

ص: 111

وفق مبدأ المواطنة، فضلا عن أن العهد قد أقر مبدأ حقوق الإنسان، وبذلك فإن أفكار وآراء الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في تلك المجالات كان لها قصب السبق.

کما توصلنا إلى أن العهد الذي كتبه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام كان من اوائل الداعين إلى اعتبار الثروات الوطنية ملکًا عامًا لجميع أبناء المجتمع ولا يجوز أن تستأثر به جماعة دون أخرى.

کما شخص البحث العديد من المفاهيم الإدارية، والأساليب التي يجب أن تُتبع في إدارة الدولة وفي تعيين المواطنين ومراقبة الجميع ومحاسبتهم وإنزال العقوبات الرادعة بحق كل من يسيء إلى المال العام لأنه لا أحد فوق القانون. ونظرًا لأهمية هذا العهد وما تضمنه من أفكار ومبادئ وقيم إنسانية فقد لاقى اهتماما كبيرًا من خلال ترجمته إلى العديد من اللغات العالمية واقتباس بعض من فقراته وتضمينها في دساتير بعض من الدول أو السير على منواله، فضلا عن أن المنظمات الدولية لم تكن بعيدة عن العهد وأفكاره وآراءه وحِكَمِهِ، بل كانت حاضرة ومتفاعلة معه بشكل إيجابي.

ص: 112

الملاحق

ص: 113

شكل رقم (1) الكتاب السنوي للأمم المتحدة لعام 2002 Yearbook of the United Nations 2002

ص: 114

شكل رقم (2) نص نصيحة السيد كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة للأقطار العربية سابقاً للاقتداء بحكم الإمام علي (عليه السلام) The United Nations has advised Arab countries to take Imam Ali bin Abi Talib (AS) as an example in establishing a regime .based on justice and democracy and encouraging knowledge The UNDP in its 2002 Arab Human Development Report, distributed around the world, listed six sayings of Imam Ali .(AS) about ideal governance They include consultation between the ruler and the ruled, speaking out against corruption and other wrong doings, .ensuring justice to all, and achieving domestic development The UNDP said most regional countries are still far behind other nations in democracy, wide political representation, women's participation, development and knowledge Imam Ali bin Abi Talib (AS)'s sayings The UNDP quoted the following sayings of Imam Ali (AS) in its 2002 Arab Human:

Development Report

ص: 115

1 - He who has appointed himself an Imam (ruler) of the” people must begin by teaching himself before teaching others. His teaching of others must be first by setting an example rather than with his words, for he who begins by teaching and educating himself is more worthy of respect than he who “teaches and educates others 2 - Your concern with developing the land should be greater” than your concern for collecting taxes, for the latter can only be obtained by developing; whereas he who seeks revenue ” without development destroys the country and the people 3 - Seek the company of the learned and the wise in search of” solving the problems of your country and the righteousness of ."your people 4 - No good can come out in keeping silent to the government” .or in speaking out of ignorance 5 - The righteous are men of virtue, whose logic is straightforward, whose dress is unostentatious, whose path is modest, whose actions are many and who are undeterred by difficulties.

6 - Choose the best among your people to administer ”justice

ص: 116

among them. Choose someone who does not easily give up, who is unruffled by enmities, someone who will not persist in wrong doings, who will not hesitate to pursue right once he knows it, someone whose heart knows no greed, who will not be satisfied with a minimum of explanation without seeking the maximum of understanding, who will be the most steadfast when doubt is cast, who will be the least impatient in correcting the opponent, the most patient in pursuing the truth, the most stern in meting out judgment, someone who is unaffected by flattery and not swayed by temptation ”and these are but few.

www.Human - Rights - In - Islam.co.uk

ص: 117

شكل رقم (3) صورة غلاف تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2002 ARAB HUMAN DEVELOPMENT REPORT 2002 UNITED NATIONS DEVELOPMENT PROGRAMME ARAB FUND POR ECONOMICAND SOCIAL DEVELOPMENT ARAB HUMAN DEVELOPMENT REPORT 2002 Creating Opportunities for Future Generations 2002

ص: 118

شکل رقم (4) صورة صفحة رقم 82 من تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2002 ARAB HUMAN. DEVELOPMENT REPORT 2002 , p 82 Efforts should be made to decko Arabic language stvare for general education, adult training and peading of peolesond skik. Programme for adult training should be Inked with the actual meds of the labour mar kes and should be condinated with the intro dedico ICT in the workplace The Intenet hold be used to the mai Sm extes poble in the training of vomen in order to trac Anh 200 putapete in the devdopment process. E-pheas shod beplad on the social and development sido en information industry. Low shold be passed to protect tutional archives, induding undassified docufictits produced by national and pan-Arab institutions. Heritage assis, in duding text, pictures, fils, sudc and radio and TV recordings should be dgitised Developen anden shodd be informed of the rulable Arab w as of content nd the isporunce of these source is providing at tady ndo nada phodi denaA model that might inpite this effort is the NFO2000 programme of the European Thember of technological support en tre should be increaed The Egyptian ape rende di credit usap sd nine in he provinces, with UNDP funding is used in this roard The Tedinology Accs Communication Centre (TACC) is providing tiring in dectronic trade, affia = anare Sent, and other skills to Egypcions with 1m ited Bandit, and m ind RD for LT. Priority should be given to research that addresses the ICT trends ds.

a carlier in this dager and the d. a s the computation of the Arabic language A retork of specialized research instituts should be created to tadle the pro Song of the Arabic l ife and the ha branches of ICT. These arts odd be boeted is disting Arboard institution Opportuts for coopetuo vich the European Union in ICT recunch should be exploited, especially with regard to butomatic Developers and implementars should realize the importance of innovation in the age of information.

The calls of pod innanboo should be foetered Dedope and implementen should realize the imporina of innovation in ke ve o formaba and encouve the pend to adapt technoloty pplications to bal bed blorab nae an be pread through the medinis subde approach hat linis KCT with day to day life The cement of armont Content bod be considered a major component in the mod itage This chapter has discussed using hoa apbities in Arab countries in order to move towards knowledge society. keydone of hean devdogoent Chapter 6 moins the f og the sofnan apabiläs in three Imam Ali bin abi Taleb: (556619 A.D.) knowledge and work LEAR HUMAN DEVELOPMENT ECHT 33

ص: 119

شكل رقم (5) صورة صفحة رقم 107 من تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2002 ARAB HUMAN DEVELOPMENT REPORT 2002 , P 107 GOODONTENANCE AND POLIT PILATION are lifted and that the sector's capacity t o tribute effecively to poveriy cradication is de vdoped and stengthened.

Gorenince diminology in the Arabic language The duration d vont nieing to on-borejst ). em a the Arab E o che ne dertion in the C ottbots are denied in the 10 Ar ne brilly MYE Tina modification lead to Omalt pood x ed to jud ca propis". The 2.

It is nie diep in wide thep Gual, di pes pave the way forcinia codorations in lyny sterns for sal.

Imam Ali bin Abi Taleb. On povernice Poverty, in the broad sense used in this Report-deprivation of haan apabilities is the antithesis of been declament By cootras, good govemande is fundascually about liberuëng human capabūties As Kofi Afinan, the UN Sectetary Generd said, "Good governance is perhaps the single post important factor in eradicating poverty and promoting de dopment". The restitutions of governance in the three domains (state, divl oddy and the private ador) Bust be de sägned to contribute to sustainable hende dopment by estabashing the posal, lq, cincicadde arousiness for heret ing human capabūties in order to promote hea vdfare through, ie, porty redus bino, job creation, cvironmental protetica and the advance to con In Ene with this concept of liberubon, today's desess is at the most effective Why to cradicate poverty, ie, to build human development, is to empover the poor to Eft thetruselys out of poverty. However, the poor have no capital except thar hbour pove and creative capabilitis, which poverty Sup press. Empowering the poor, therefore, te Quins the state, the guardimaaf the interests of allations, to adopt polides end progresse that equip them with a range of apabilities and that give the sy in dl decisions alloc ing the As noted in dapter 6 building h as capabilbiss through education, train ing and bealth care is critical for overcoming h an poverty while financial capital besch tial to give serial expresszon to poole's a pabilities. That the state has the se responsibly for empowering the poor dos bot sean that the site a s the role of di. feci provider of cocconic goods and senios This approach has failed the requirement is that the state Juarantee the provision of differ ent focs of capital to the poor through dis tributive Seasutus, in fact, dstributive juice is an esentid deset of the poet structure matute market consomnis.

In addition to pretimnent, civil society can be a critical social foce for cmpcr cring the poor, provide the contents oforming dvil soocty institutions and on thar activitis weuple rather than with wond, fore he d idnniskor justic nong the who berns by heching and educatie Choco bs who desbot By AYE who ischis indas . .

• You cutcm vi dewelping the stovi netheiate bo p reto lad should be no han utao bechoras. A b hent lado with addin ans, for he ha ce d , who will not be stiliad within he who was tee the develop the metho deninding to moet destys the country and the poo be the sot seadist uten debt is cert, • Sort the amp the learned and the the opponent, the ES DETE A of your Wuntry and the name s 2 Out judettet; who is laded by Mattery and not ayod by • No podce p i ikai Elettond thout but Innen Monna Abd., Purt L. Dur 21 • The rehemu D D of vinted. Hot and caution, fut 1965. whose ci siashorward, who LIBERATING HUMAN CAPABILITIES. COVERNANCE HUMAN DEVELOPMENT AND THE ARAB WORLD

ص: 120

قائمة المصادر والمراجع

القرآن الكريم ابن الأثير، مجد الدين المبارك بن محمد (ت 606 ه / 1209 م) (1) - الكامل في التاريخ، ط 1، دار صادر، بیروت 1969. الاسكافي، أبو جعفر محمد بن عبد الله المعتزلي (ت 220 ه / 835 م) (2) - المعيار والموازنة، تحقيق محمد باقر المحمودي، ط 1، نشر مؤسسة المحمودي، بيروت، 1981.

اسماعيل، محمد بكر (3) - فقيه الامة ومرجع الأئمة علي بن أبي طالب، ط 1، مطبعة گلها، قم، 2006.

الأشتياني، محمد حسن (4) - كتاب القضاء، منشورات دار الهجرة، قم، 1404 ه.

الأعرجي، زهير (5) - العدالة الاجتماعية، ط 1، مؤسسة محراب الفكر، قم، 1994.

الأميني، عبد الحسين (6) - الغدير، ط 4، دار الكتاب العربي، بیروت، 1997.

ص: 121

بحر العلوم، محمد (7) - لمحات من الصراع السياسي في الاسلام، ط 1، زيد للنشر، بغداد، 2007.

البلاذري، أبو الحسن احمد بن يحيى بن جابر (ت 279 ه / 901 م) (8) - انساب الاشراف، ط 1، تحقيق سهيل زكار، ورياض زركلي، دار الفكر، بیروت، 1996.

البيهقي، قطب الدين الكيذري (من اعلام القرن السادس الهجري) (9) - حدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة، تحقيق عزيز الله العطاردي، ط 1، مطبعة اعتماد، قم، 1416 ه ابن تغري بردي، جمال الدين أبي المحاسن يوسف (ت 874 ه / 1469 م) (10) - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، قدم له وعلق عليه محمد حسین شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت (ب. ت).

الترمذي، محمد بن عيسى (ت 279 ه / 892 م) (11) - سنن الترمذي، نسخة الكترونية نشر موقع الاسلام http://www.al-islam. Com التميمي، احمد محمد جودي (12) - مالك بن الحارث الأشتر ودوره في الأحداث السياسية في القرن الأول الهجري، رسالة ماجستير، الجامعة المستنصرية، بغداد، 2005.

ص: 122

الجاحظ، أبو عثمان عمر بن بحر (ت 255 ه / 839 م) (13) - تهذیب الاخلاق، تحقیق ابراهيم بن محمد، ط 1، دار الصحابة للتراث، مصر، 1989.

الجبوري، ماهر صالح علاوي وآخرون (14) - حقوق الإنسان والطفل والديمقراطية، الموصل، 2009. الجرجاني، عبد القاهر (ت 471 ه / 1078 م) (15) - التعريفات، نسخة الكترونية نشر موقع الوراق http: // www. alwarraq. Com ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله (ت 655 ه / 1257 م) (16) - شرح نهج البلاغة، تحقيق محمد أبو الفضل ابراهیم، ط 1، دار احياء الكتب العربية، القاهرة، 1959 الحراني، ابن شعبه (ت في القرن الرابع الهجري) (17) - تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليهم، تحقیق علي اكبر الغفاري، ط 2، مؤسسة النشر الاسلامي لجماعة المدرسين، قم، 1404 ه.

حسن، بهي الدين، ومحمد السيد سعيد (18) - حقوقنا الآن وليس غداً، المواثيق السياسية لحقوق الانسان، نشر مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان، سلسلة رقم (8)، (ب. ت).

العلامة الحلي، الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر (ت 726 ه /

ص: 123

1325 م) (19) - خلاصة الأقوال، ط 2، المطبعة الحيدرية، النجف الاشرف، 1381 ه. ابن حمدون، محمد بن الحسن بن محمد بن علي (ت 562 ه / 1166 م) (20) - التذكرة الحمدونية، نسخة الكترونية نشر موقع الوراق http: // www. alwarraq. Com حمید الله، محمد 21) - مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، ط (6، دار النفائس، بیروت، 1987 ابن حنبل، احمد بن حنبل بن هلال الشيباني (ت 241 ه / 1855 م) (22) - مسند احمد، نسخة الكترونية نشر موقع الاسلام http: // www. Al – islam. Com.

حیدر، اسد (23) - الامام الصادق والمذاهب الأربعة، ط 3، توزیع، مكتبة الصدر، قم (ب. ت) الخطيب، عبد الزهراء الحسيني (24) - مصادر نهج البلاغة واسانیده، ط 3، دار الأضواء، بیروت، 1985.

ص: 124

ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد (ت 808 ه / 1405 م) (25) - تاریخ ابن خلدون، المسمى كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر، دار الكتاب العربي، بیروت، 1957.

ابن خلكان، أبو بكر احمد بن محمد بن ابراهيم (ت 681 ه / 1282 م) (29) - وفیات الاعیان، تحقيق أحسان عباس، دار صادر، بیروت، 1969.

ابن دحية الكلبي، أبو الخطار عمر بن الحسن (ت 633 ه / 1230 م) (27) - أعلام النصر المبين في المفاضلة بين اهلي صفین، تحقيق محمد أمحزون، دار الغرب الاسلامي، بيروت، 1998.

ابن دريد، أبو بكر محمد بن الحسن (ت 321 ه / 942 م) (28) - الأشتقاق، تحقيق عبد السلام محمد هارون، ط 2، دار المسيرة، بیروت، 1979.

الدستور العراقي (29) - الصادر في عام 2005. الذهبي، أبو عبد الله شمس الدين محمد (ت 748 ه / 1347 م) (30) - تاريخ الاسلام، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 2005.

رسالة علي بن أبي طالب إلى مالك الأشتر

ص: 125

(31) - مقالة في الموسوعة الحرة الويكيبيديا http: // ar.Wikipedia.Org الزركلي، خير الدين (32) - الأعلام، قاموس تراجم، ط 8، دار العلم للملايين، بيروت، 1989.

السرخسي، علي بن ناصر (من أعلام القرن السادس الهجري) (33) - اعلام نهج البلاغة، تحقيق الشيخ عزیز الله العطاردي، ط 1، مؤسسة الطباعة والنشر، طهران، 1415 ه.

السند، الشيخ محمد (34) - بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ط 1، نشر مركز الأبحاث العقائدية، مطبعة ستارة، قم، 1428 ه سوبول، البير (35) - تاريخ الثورة الفرنسية، ترجمة جورج كوسي، ط 4، منشورات بحر متوسط، بیروت، 1989.

السراي، رشید (36) - موضوع اعدل حاکم، مقال بالنت، شبكة اخبار الناصرية بتاریخ 22 / 10 / 2011.

الشريف الرضي، محمد بن الحسين بن موسی (ت 406 ه / 1015 م) (37) - نهج البلاغة، دار احياء التراث العربي، بيروت (ب. ت).

ص: 126

شمس الدين، محمد مهدي (38) - دراسات في نهج البلاغة، ط 3، الدار الاسلامية للطباعة بیروت، 1981. الشيخ، حسن محمد (39) - ملامح من الفكر الاداري عند الامام علي عليه السلام، ط 1، دار البيان العربي، بيروت، 1993.

صبحي، احمد محمود (40) - في فلسفة التاريخ، مؤسسة الثقافة الجامعية، الإسكندرية (ب. ت) الصفار، رشید عبد الحميد (41) - مالك الأشتر بطل صفين، مطبعة أونسيت الميناء، بغداد، 1977.

الطائي، نجاح (42) - سيرة الامام علي بن أبي طالب، ط 1، دار الهدى لأحياء التراث، بیروت، 2003.

الطبري، أبو جعفر محمد بن جریر (310 ه / 922 م) (43) - تاريخ الطبري، تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم، دار المعارف، القاهرة، 1969.

الطريحي، فخر الدين (ت 1075 ه / 1674 م)

ص: 127

(44) - مجمع البحرین، تحقيق السيد احمد الحسيني، ط 2، مكتب نشر الثقافة الاسلامية، قم، 1408ه.

الطهراني، آغا بزرك (45) - الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ط 2، دار الأضواء، بیروت، 1378 ه. الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن (ت 460 ه / 1067 م) (46) - الأمالي، تحقيق، بهراد الجعفري، وعلي اكبر الغفاري، نشر دار الكتب الإسلامية، طهران، 1380 ه (47) - الفهرست، تحقيق الشيخ جواد القيومي، مطبعة باقري، قم، 1422 ه.

عبده، الشيخ محمد (48) - نهج البلاغة، ط 1، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بیروت، 1993.

عثمان، محمد فتحي (49) - حقوق الانسان بين الشريعة الاسلامية والفكر القانوني الغربي، ط 1، دار الشروق، القاهرة، 1983.

عدوه، علي سعد تومان (50) - أسس بناء الدولة الاسلامية في فكر الامام علي عليه السلام، ط 1، العتبة العلوية المقدسة، النجف الاشرف، 2011.

العطار، رضا

ص: 128

(51) - مفهوم الخلافة في دولة الامام علي عليه السلام، مقال بالنت نشر موقع كتابات، بتاريخ 20 / 9 / 2008.

العلياوي، مزهر عبد السادة حنين (52) - صياغة مبادئ ادارة الأعمال وفق المنظور الأسلامي، دراسة استطلاعية، اطروحة دكتوراه، كلية الادارة والاقتصاد، جامعة البصرة، 2007.

ابن فارس، أبو الحسين فارس بن زكريا (ت 395 ه / 1004 م) (53) - معجم مقاييس اللغة، اعتنى به محمد عوض مرعب، والانسة فاطمة محمد اصلان، ط 1، دار احياء التراث العربي، بيروت، 2001.

الفكيكي، توفيق (54) - الراعي والرعية، ط 1، مطبعة شريعت، قم، 2004.

القاضي النعمان، أبو حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي (ت 363 ه / 973 م) (55) دعائم الاسلام، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي، دار المعارف، القاهرة، 1963 ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم (ت 276 ه / 889 م) (56) - عيون الأخبار، نسخة الكترونية نشر موقع الوراق http:// www. alwarraq. Com قدامة بن جعفر، أبو الفرج (ت 337 ه / 938 م)

ص: 129

(57) - الخراج وصناعة الكتابة، تحقيق محمد حسين الزبيدي، دار الرشید، بغداد، 1981 القلقشندي، أبو العباس احمد بن علي بن احمد (ت 821 ه / 1918 م) (58) - صبح الأعشى في كتابة الإنشا، المطبعة المصرية، القاهرة، 1931.

كاظمي، رضا شاه (59) - العدل والذكر تعريف بروحانية الامام علي، ترجمة سيف الدين القصير، ط 1، دار الساقي، بیروت، 2009.

ابن الكلبي، أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب (ت 4 20 ه / 817 م) (60) - نسب معد واليمن الكبير، تحقيق ناجي حسن، ط 1، عالم الكتب، بیروت، 2004.

مارکس، کارل (61) - رأس المال، ترجمة راشد البراوي، مطبعة الشبكشي، القاهرة، 1947.

المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي (ت 111 ه / 1699 م) (92) - بحار الانوار، ط 2، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1983.

محمد، احمد (63) - مقتبس السياسة وسياج الرياسة، المطبعة الأدبية، مصر، 1317 ه.

ص: 130

المحمودي، محمد باقر (64) - نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، ط 1، مطبعة النعمان، النجف الاشرف، 1386 ه.

المرزباني، أبو عبد الله محمد بن عمران بن موسی (ت 384 ه / 994 م) (65) - معجم الشعراء، تحقيق فاروق اسلم، ط 1، دار صادر، بیروت، 2005.

ابن مزاحم، نصر المنقري (ت 212 ه / 827 م) (66) - وقعة صفين، تحقيق عبد السلام محمد هارون، ط 2، المؤسسة العربية للطباعة، بیروت، 1382 ه.

المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين بن علي (ت 347 ه / 957 م) (67) - مروج الذهب ومعادن الجوهر، نسخة الكترونية نشر موقع الوراق http: // www. alwarraq. Com المظفر، عبد الواحد (68) - قائد القوات العلوية مالك الأشتر النخعي، ط 1، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بیروت، 2008.

المعري، أبو العلاء احمد بن عبد الله (ت 449 ه / 1057 م) (69) - ديوان شعره، تحقيق امين عبد العزيز الخانجي، مكتبة الهلال، بیروت، 1924.

ص: 131

المفيد، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري (ت 413 ه / 1022 م) (70) - الامالي، دار التيار الجديد (ب. ت) ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم (ت 711 ه / 1131 م) (71) - لسان العرب، ط 1، دار صادر، بیروت، (ب. ت) الموسي، صباح (72) - النقيب وصية الامام علي إلى مالك الأشتر (مقال منشور في جريدة النهار اللبنانية)، العدد 882 بتاریخ 22 / 12 / 2009.

میثم البحراني، كمال الدين بن علي بن میثم البحراني (ت 679 ه / 1280 م) (73) - شرح نهج البلاغة، ط 2، مطبعة خدمات، ایران، 1404 ه.

النحلاوي، عبد الرحمن (74) - التربية الاجتماعية في الاسلام، ط 1، دار الفكر، دمشق، 2006. النويري، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب (ت 733 ه / 1332 م) (75) - نهاية الأرب في فنون الأدب، تحقیق مفید قميحه، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 2004.

آل یاسین، محمد حسن (76) - نهج البلاغة لِمَنْ، ط 3، مطبعة المعارف، بغداد، 1975.

ص: 132

اليعقوبي، احمد بن اسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح (ت 292 ه / 904 م) (77) - تاريخ اليعقوبي، علق عليه خليل المنصور، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1999.

ابو يعلي محمد بن الحسين الفراء (ت 458 ه / 1065 م) (78) - الأحكام السلطانية، صححه وعلق عليه محمد حامد الفقي، ط 2، مطابع مكتب الاعلام الاسلامي، ایران، 1406 ه.

ابو يوسف، يعقوب بن ابراهيم (ت 181 ه / 797 م) (79) - كتاب الخراج (ضمن كتاب موسوعة الخراج)، دار المعرفة، بیروت، (ب. ت).

80 - Arab Human Development Report , 2002:Crating opportunities for future generations. New york , 2002. Cited in: http://www.undp. org/rbs 81- United Nation , The Year book 2002. vol. 56, printed in the United States of America , part Two, (2004). Cited in: https://unyearbook. un.org (the Yearbook 2002). 82 - www.human-rights-in-islam.co.uk/index.. php?option=com_conten United Nations on Imam ((Ali Ibn Abi Talib - Human Rights In Islam

ص: 133

المحتويات مقدمة المؤسسة...5

مقدمة...7

تمهيد:...14

التعريف بالعهد: -...14

المصادر التي ورد فيها العهد:...21

الفصل ما بين السلطات الثلاث...27

1. السلطة التشريعية:...33

2. السلطة التنفيذية:...35

3. السلطة القضائية...37

عهدُ الإمام علي وحقوق الإنسان، وموقف الأمم المتحدة منه...52

القيم أو المبادئ المستوحاة من العهد...61

العلاقة بين الحاكم والرعية: -...62

الكتاب (الوزراء):...70

الإمام علي عليه السلام والدعوة إلى اتباع النظام اللامركزي في إدارة الدولة:...75

ص: 134

طبقات المجتمع: -...79

طبقة الجنود (الجيش): -...82

طبقة الإداريين: -...83

النزاهة في إدارة الدولة: -...85

طبقة الفلاحين:...94

طبقة التجار والصناع:...96

طبقة ذوي الحاجات الخاصة:...97

مميزات عهد الإمام علي (عليه السلام):...103

التوصيات...107

الخاتمة:...111

الملاحق...113

قائمة المصادر والمراجع...121

ص: 135

ص: 136

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.