أثرُ القَوَائمِ في تَكشيفِ الدَّلالاتِ عهدُ الإمام عليّ (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) أنموذجاً (مقاربة تداولية)
رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 1731 لسنة 2017 م السنة مصدر الفهرسة:
IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda.
رقم تصنيف BP38.09.D3 S5 2017 :LC.
9789933585104 ISBN
المؤلف الشخصي: الشريفي، رحیم کریم علي. العنوان: أثر القوائم في تكشيف الدلالات: عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) أنموذجاً / مقاربة تداولية. بيان المسؤولية: تأليف الاستاذ المساعد الدكتور رحيم كريم علي الشريفي، الأستاذ المساعد الدكتور حسين علي حسين الفتلي، تقديم السيد نبيل الحسني الكربلائي. بيانات الطبعة: الطبعة الأولى. بيانات النشر: کربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.
1438 ه = 2017 م.
ص: 1
رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 1731 لسنة 2017 م السنة مصدر الفهرسة:
IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda.
رقم تصنيف BP38.09.D3 S5 2017 :LC.
9789933585104 ISBN
المؤلف الشخصي: الشريفي، رحیم کریم علي. العنوان: أثر القوائم في تكشيف الدلالات: عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) أنموذجاً / مقاربة تداولية. بيان المسؤولية: تأليف الاستاذ المساعد الدكتور رحيم كريم علي الشريفي، الأستاذ المساعد الدكتور حسين علي حسين الفتلي، تقديم السيد نبيل الحسني الكربلائي. بيانات الطبعة: الطبعة الأولى. بيانات النشر: کربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.
1438 ه = 2017 م.
الوصف المادي: 144 صفحة. سلسلة النشر: دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) - وحدة علوم اللغة العربية؛ 9 - مؤسسة علوم نهج البلاغة.
تبصرة ببيلوغرافية: يتضمن هوامش - لائحة المصادر (الصفحات 108-114). تبصرة محتويات: موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين بن موسی، 359 - 406 هجرياً - نهج البلاغة، عهد مالك الأشتر. موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجرياً - أحاديث. موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجرياً - رسائل. موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجرياً - نهج البلاغة - عهد مالك الأشتر - دراسة دلالية. مصطلح موضوعي: اللغة العربية - علم الدلالة. مصطلح موضوعي: فقه اللغة العربية. مصطلح موضوعی: اللغة العربية - مصطلحات. مؤلف إضافي: الفتلي، حسين علي حسين، مؤلف. مؤلف إضافي: الحسني، نبيل قدوري حسن، 1995 م، مقدم. مؤلف إضافي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين بن موسی، 309 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. عهد مالك الأشتر.
تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة
ص: 2
سلسلة دراسات في عهد الإمام على (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) (9) وحدة علوم اللغة العربية أثرُ القَوَائمِ في تَكشيفِ الدَّلالات عهدُ الإمام عليّ (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) أنموذجاً (مقاربةُ تداوليّةٌ) تأليف أ. م. د رحيم كريم عليّ الشَّريفيّ أ. م. د حسين علي حسين الفتليّ
ص: 3
جميع الحقوق محفوظة العتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1438 ه - 2017 م العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع الألكتروني: www.inahj.org الإيميل: Info@ Inahj.org
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.
أما بعد:
فإن من أبرز الحقائق التي ارتبطت بالعترة النبوية هي حقيقة الملازمة بين النص القرآني والنص النبوي ونصوص الأئمة المعصومين (عليهم
ص: 5
السلام أجمعين).
وإنّ خير ما يُرجع إليه في المصادیق لَحديث الثقلين «كتاب الله وعترتي أهل بيتي» هو صلاحية النص القرآني لكل الأزمنة متلازماً مع صلاحيّة النصوص الشريفة للعترة النبوية لكل الأزمنة.
وما كتاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) لمالك الأشتر (عليه الرحمة والرضوان) إلا أنموذجاً واحداً من بين المئات التي زخرت بها المكتبة الإسلامية والتي اكتنزت في متونها الكثير من الحقول المعرفية مظهرة بذلك احتياج الإنسان إلى نصوص الثقلين في كل الأزمنة.
من هنا:
ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تخصص حقلاً معرفياً ضمن نتاجها المعرفي التخصصي في حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
ص: 6
وفكره، متّخذة من عهده الشريف إلى مالك الأشتر (رحمه الله) مادة خصبة للعلوم الإنسانية التي هي أشرف العلوم ومدار بناء الإنسان وإصلاح متعلقاته الحياتية وذلك ضمن سلسلة بحثية علمية والموسومة ب (سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله)، التي ستصدر بإذن الله تباعاً، حرصاً منها على إثراء المكتبة الإسلامية والمكتبة الإنسانية بتلك الدراسات العلمية والتي تهدف إلى بيان أثر هذه النصوص في بناء الإنسان والمجتمع والدولة متلازمة مع هدف القرآن الكريم في إقامة نظام الحياة الآمنة والمفعمة بالخير والعطاء والعيش بحرية وكرامة.
والبحث الموسوم ب (أثر القوائم في تكشيف الدلالات عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضوان الله عليه) أنموذجاً / مقاربة تداولية) ضمن وحدة علوم اللغة العربية، إذ تركز جهد الباحثين
ص: 7
على حصر الألفاظ التي تنساق تحت مسمى يجمع دلالتها العامة، ثم رصد ما تفيض به هذه الألفاظ من دلالات تقرب المقاصد الكامنة في طياتها، وتطلعا الباحثين أيضاً إلى مناقشتها من منظور هما التداولي على وفق أهم المحاور التداولية وهي متضمنات القول والأفعال الكلامية بغية الوصول إلى فهم أدق وأوسع لكوامن العهد الإصلاحية.
فجزى الله الباحثين خير الجزاء فقد بذلا جهدهما وعلى الله أجرهما.
والحمد لله رب العالمين.
السيد نبيل الحسني الكربلائي رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة
ص: 8
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله الذي لاتُعدُّ قوائُم نَعْمائِهِ وآلائه، ولا تُقیَّد عناصرُ فَضْلهِ وإحسانهِ، وصَلّى اللهُ على محور التقوى والهُدي نبيّ الرحمة محمّدِ، وعلى آله تِبيانِ الدّلالات والرَّشاد، والأحكام.
أمّا بَعْدُ، فمِن أجلِ الوصول إلى نتائج مُعجِبة لَمنْهَج يُحْيي الدّلالاتِ، ويُشِيعُ ثقافة الفهم السريع، والتصوّر اللامتناهي للمفاهیم، نعتمد آلية منهجيّة لفهم خطاب الإمام عليّ (عليه السلام) عبر صنع منهجيّ منظّم، قائم على نَسْج قوائم وجداول
ص: 9
للمفاهيم، والكلمات المحوريّة التي تنتظم في سياق واحد من أجل حصرها مرّة، ومقاربتها دلالیًّا مرّة أخرى، وهي مسألةٌ - فيما نخالُ - لم تطرحْ من قبلُ، ممّا يجعل دراستنا جديدة في بابها، إذ لم نجدْ - بحسب اطّلاعنا - صنیعًا سُبقنا إليه على وَفْقِ ما نترسّمه إنْ تنظيرًا أو تطبيقًا(1).
وهذا ما سيتناوشُه البحثُ في ضوء مباحثتنا التي جعلت الخطاب العلوّي الإصلاحيّ - في ظلّ عهد الإمام عليّ (عليه السلام) لواليه مالك الأشتر (رضوان الله عليه) حينما ولّاه مصر- مادة بحثنا ومحط دراستنا إذ ألفينا كثرة القوائم فيه.
وفي ظلّ هذه المعاينة، والإلماحة المتبصرة في العهد المبارك، نرى أنْ يقوم البحثُ على ثلاثة
ص: 10
مطالبَ، هيّ:
المطلب الأول: أثر القوائم في صنع الثقافة إذ لا يخفى على المتبصّر أنّ القوائم والجداول تُعدّ أساسًا في ضبط البيانات، والحؤول دون تشظيّها وتناثرها، فضلًا عن أنّها تعد ركيزةً صلبةً في تكشيف الدلالات التي يرقبها القارئ، والمتدبّر في هذه البيانات (العناصر) التي تنتظم فيها المطلب الثاني: القوائم في رسالة الإمام (عليه السلام) لمالك الأشتر دراسةً تطبيقيةً.
سَنَفْلي في هذا المطلب القوائم التي ترشّحت في العهد المبارك، إذ يمثّل العنوانُ الرئيسُ للقائمة البؤرةَ المركزيّةَ، القادرة على استدعاء مجموعة من العناصر التي تنتظم فيه، عبر نَسْجِ شبكة من المسارات والتتابعات، والمجالات الدّلالية التي تُعدّ عناصر متضافرة في استجلاء مفهوم العنوان.
ص: 11
المطلب الثالث: المقاربات التداولية للقوائم في عهد الإمام (عليه السلام) لمالك الأشتر.
في هذا المطلب سنقارب تداولیًّا بين العناصر المنتظمة في القائمة الواحدة بمعاينة السياقات المصاحبة لهذه العناصر سواءٌ أكانت لفظيّةً أم مقاميّةً إذ يعملُ - بلا رَيْبَ - العنوانُ الرئيسُ على استدعائه، فالاقترانات اللفظّية المترشحة في هذه القوائم (العناصر)، أو (المصاحبات) لها أثرٌ في استظهار المعاني، وتكشيف الدّلالات.
والحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
ص: 12
ص: 13
ص: 14
في هذا المطلب سنكشف الخِمار عن أمرين مهمّين، نحسب أنّهما يعينانِ على الوصول إلى المقاربات الدّلالية التداوُليّة لمصطلح القوائم من جهة، وبيان أهميتها في الثقافة الاجتماعية التداولية من جهة أخرى.
1. في اللغة:
تبدّى ل (ابن فارس ت 395 ه) أصلانِ صحيحانِ لمادة (ق و م) (یَدُلُّ أَحَدَهُمَا عَلَی جَمَاعَةِ نَاسٍ، وَرُبَّمَا اسْتُعِیرَ فِی غَیْرِهِمْ. وَالْآخَرُ عَلَی انْتِصَابٍ
ص: 15
أَوْ عَزْم)(1).
ويتكشّف لنا في ضوء هذا النصّ أنَّ القائمة حاصلة في ضوء مجموعة من العناصر، وهذا ما عبّر عنه ابن فارس ب (جماعة ناسٍ)، وربّما استعير في غيرهم، زِدْ على ذلك أنَّ القائمة تدلُّ على الحَتْم والعَزْم والضَّبط؛ لمقتضى مجيئها لهذا الغرض.
وتتجلّى دلالة لفظة (القائمة) في الاستعمال الاجتماعيّ التداوليّ، بمجموع العناصر والمكونات فيها كقائمة السرير والدابة وقوائم الخوان، وصولاً إلى قائمة الكتاب، قال الزمخشري (538 ه): (وقامَت الدابةُ على قوائِمَها، وهذه قَائِمَةِ الجِوَانِ والسَّرِيرِ (...) وقامَت لعبةُ الشطرنج صارَت قائمَةٌ (...)، ورَفَعَ الکَرْمَ بالقَوَائِم والكَرْمةَ بالقائِمةَ)،(2)
ص: 16
قال الفيروز آبادي (ت 817 ه): (والقائمةُ واحدةُ قوائمِ الدابةِ، والورقةُ من الكتابِ، ومن السيفِ مقبضُهُ)(1).
ونَرْقُبُ هذا البيان تداولیًا عند مرتضى الزَّبيديّ (1205 ه)، قال: (القَائِمَةُ: الوَرَقَةُ من الكِتَابِ، وَقد تُطلَقُ على مَجْمُوع البَرنَامَج ... قَائِمَةِ الخِوَانِ والسَّرِيرِ والدَّابَّةِ.! وقَوِائِمُ الخِوَانٍ ونَحوُهَا)(2).
وتأسيساً على ذلك نَرْصدُ مقاربة تداولية لدلالة القائمة ألصق بمباحثتنا وهي الورقة التي تقيّد بها الأسماء، والأشياء في صنف قائم(3)، وفي صورة صفوة وأعمدة، وتكون على هيأة عناصر
ص: 17
زمرة، حَلْقة، أو بنية جبريّة(1)، باستحضار الانتظام، والتتابع، والاطّراد.
2. في الاصطلاح:
في ظلّ معاينة حدّ القائمة في الكتب التي وقفنا عليها، وجدنا أنّها. بوصفها مصطلحاً - لا تخرج عن الدلالة اللّغوية، التي رَصَدْناها في المعجمات العربية، وهي الورقةُ التي تقيّد بها الأسماء، والأشياء في صفٍّ قائم أو عموديّ رَغْبةً في اختصار الزمن، والمسافات، وتحصيل المعلومات بسرعة(2).
ومن هنا فالقائمة هي الوعاء، أو الظَّرْف الذي تنتظم فيه العناصر والأرقام وغيرها؛ من أجل
ص: 18
تحليلها والوصول في ضوئها إلى النتائج المرجوّة(1). وهي أيضاً مجموعة من العناصر التي تنتظم فيها، ونرغب في دراستها، رَغْبةً في الحصول على بعض النتائج حولها، ومن هنا فهي العتبة القصدية التي يجري البحث عنها، والتي تحقّق أغراض الدراسة(2).
لا يخفى على ذي نُهية أنّ العقل قائمٌ على التنظيم والترتيب، وحصر العناصر في قوائمَ وجداولَ خوفاً من تشظّيها وتناثرها، ويبدو أنّ مسايرة العقل الفعّال في هذا الصنيع يدلّ على أنّ الحياة تتطلب التعيين والتخصص، لا العبثية والفوضوية من أجل الوصول إلى المقاربات الحقيقية، والمحدّدات الواضحة للعلم المراد بیانه بَلْهَ الموضوعات والمطالب والمفردات
ص: 19
المرغوبُ تفضيلها واستظهارها، وتفصيلها، ومن هنا جاءت تلكمُ القوائمُ والجداول.
وتأسيساً هذا الفَهْم والتصور انبرى العقل إلى التفكير في تقييد العلم، وجَدْوَلته في استشرافه القضية المتحدث عنها، وهذا ما نلمحه، ونرصده في المنظومة الثقافية الإسلامية.
وقبل أن نستحضر ما یعنّ لنا من مُثُل بهذا الصدد، يجدر بنا أن نستحضر حقيقة مفادها أنّ القرآن الكريم بوصفة كتاب العربية الأكبر، والمدوّنة الإلهية العظمى الذي انطوى على المسائل العقدية والفقهية والثوابت الأخلاقية والاجتماعية والقضايا الكونية والعلمية، وغيرها، التي جاءت بأسلوب غاير أساليب العرب وفارق نظمهم في السموّ والعلوّ، فجاء نسيج وحده و فرید نظمه بَلْهَ أسره للقلوب، و أخذه بمجاميعها، ونستشعر الوجه التأثيري المتحصل لكتاب الله (عزّ وجلّ) في قلوب
ص: 20
سامعيه، إذ نجد الوجه الإعجازي للنصّ القرآني، بوصفه وجاً له سُهمة في وجوه إعجاز القرآن الكريم، قال أبو سليمان الخطّابيّ (388 ه): (قُلتُ في إعجاز القرآن وجهاً آخر ذهب عنه الناس فلا يكاد يعرفه إلا الشّاذ من آحادهم، وذلك صنيعه بالقلوب وتأثيره في النفوس، فإنّك لا تسمع كلاماً غير القرآن منظوماً ولا منثوراً إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللّذة والحلاوة في حال ومن الروعة والمهابة في أخرى ما يخلص منه إليه تستبشر به النفوس وتنشرح له الصدور)(1).
فالنصوص الإبداعية العالية البناء الفنية الأداء غزيرة الوجود إنتاجاً من العقلية البشرية، مهما بلغ مداها، لا تصل إلى مبلغ النص القرآني، أو تقترب منه على استحياء قطُّ، فعامل التأثير في النص القرآني ليس له نظير يشابهه، ولا يداني بنظير ألبتة، وهذا
ص: 21
تجلت سمة الاختراق بين ما هو كلام بشريّ، وما هو كلام إلهيّ، فتتحقق في الثاني قوة التأثير الخطابي، وعامل الإقناع النصیّ الذي يُغيّر حياة الإنسان كليّاً، وهذا ما لا يمكن أن يحقّقه أيّ نصّ آخر غير النصّ القرآني(1).
وعَوْدًا على بِدْء والعود أحمدُ، فإنّنا نرى أنّ القرآن الكريم إذا ما استثنينا المدوّنات التي سبقت کتاب الله (عزّ وجلّ) سواء أكانت کتباً سماوية أم كتباً فلسفية ومقالات أخلاقية وأدبية ندّت من لدن كبار فلاسفة اليونان والرومان والهنود، فإنَّنا نجزم قاطعين أنّ القرآن الكريم قد أسّس لتغطية القوائم والجداول في المجالات التداولية الثقافية الإسلامية التي تمثّل العتبات المختارة مادّتها، ودراستها.
ويبدو أنّ النص القرآني قد ألمح إلى هذا
ص: 22
التبويب والتفصيل المنظّم للقضايا والمسائل المختلفة التي عرضها، قال تعالى: «كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ»(1).
وقوله تعالى: «وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ»(2).
وقوله تعالى: «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً»(3).
وقوله تعالى: «وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ»(4).
فالتفصيل والبيان والتبيان والتنوير والنطق
ص: 23
بالحق والتصريف كلّها أمارات ودلائل على القوائم والجداول بوصفها آليّة من آليّات التفصيل والتبيان والبيان في كتاب الله (عزّ وجل).
وإذا ما رُحْنا إلى كتاب الله (جلّ جلاله) وجدنا هذه القوائم والجداول شاخصة أمامنا، ففي سورة الفاتحة بوصفها السورة الأولى في المصحف الشريف نجد هذه التقنية حاضرة، تأمّل معنا أوصاف لفظ الجلالة (الله) على هيأة قائمة مؤلّفة من أربعة عناصر الحمد لله : (ربّ العالمين)، (الرحمن)، (الرحيم)، (مالك يوم الدين)، هذه القائمة آيات عن صفات الله عزّ وجل، وإذا ما صرفنا وجهَنا تلقاء سورة الإخلاص التي تمثّل السورة ال (112) من سور القران ال (114) نجد هذه التقنية حاضرة في وصفِ اللهِ (عزّ وجلّ) أيضاً: (قل هو الله أحد - الله الصمد - لم يلد - ولم يولد - لم يكن له كفواً أحد) ونجد أنواع تكلّم الله (عزّ وجلّ) في الخطاب
ص: 24
القرآني بوصفها قوائم واضحة المعالم: «وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا»(1).
(وحيّا، مِنْ وراء حجاب، يرسل رسولاً) ويمكن القول: إنّ الأمثلة كثيرة جداً لا تُعدّ ولا تُحصى نخشى من الإطالة و الخروج عن الإيجاز الذي ننشده في هذا المطلب.
ويبدو أنّ هذا التأسيس القرآني قد أفاد منه علماء العربية، فنجدُ النحويين يركنون إلى هذا الصنيع من أجل التقييد والتبين والتفصيل قال ابن مالك (ت 672 ه):
كلامنا لفظٌ مفیدٌ کاستقم *** واسمٌ وفعلٌ ثم حرفٌ الكلم(2).
ص: 25
الكلمة ثلاثة أقسام اسم، فعل، حرف، والفعل ماض، مضارع، أمر، وغيرها...
وعند البلاغيين أقسام علم البلاغة علم المعاني، وعلم البيان، وعلم البديع(1)، وغيرها من التقسيمات في معارف العربية المختلفة.
ص: 26
ص: 27
ص: 28
لا جَرَمَ أنَّ كلام الإمام علي (عليه السلام) الذي انتظم في النهج المبارك، وغيرها من المدوّنات التي توافرت على نقل كلامه (عليه السلام)، دلیل على أنّها تنبع وتمتح من مصدر واحد، إذ إنّ جلاء النصوص ورصفها وتناسب موضوعاتها ومضامينها تدلّ على هذا النبع الخلّاق، والمتح العظيم، وأنّها تجري کالسلسبيل من مجرى واحد(1).
وهذا ما فطن إليه ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 656 ه) من قبل قال: (وأنت إذا تأملت نهج
ص: 29
البلاغة وجدته كلّه ماءً واحداً، ونفساً واحداً، وأسلوباً واحداً كالجسم البسيط الذي ليس بعض من أبعاضه مخالفاً لباقي الأبعاض في الماهية، وكالقرآن العزيز أوّله كأوسطه، وأوسطه كآخره، وكلّ سورة وكلّ آية مماثلة في المأخذ والمذهب والفنّ والطريق والنظم لباقي الآيات والسور، ولو كان بعض نهج البلاغة منحولاً وبعضه صحيحاً لم يكن ذلك كذلك، فقد ظهر لك هذا البرهان الواضح ضلال مَن زعم أنّ الكتاب أو بعضه منحولاً إلى أمير المؤمنين)(1).
وعندما نبصر عهده الشريف ل(مالك الأشتر) نجد النصّ المحكم والمتقن، وهي من أمارات صحة سنده؛ وذلك لما يمتاز به هذا المتن من سبك منقطع النظير في المعنى والمبنى، وإنّ الباحث الخبير
ص: 30
ليشعر أنّ روحاً نورانية تكمن وراء كلّ عبارة من عباراته، وأنّ هناك خيوطاً نسجت أفكاره، ومفاهيمه لا يدركها إلّا مَن توغّل في أعماقها، واكتشف الروح السامية والمعاني العالية من وراء الألفاظ التي تعبّر عنها، يقول الدكتور عباس علي الفحّام: (ومن الغرابة (...) أن يُطعَنَ في صحة نسبة الكلام في نهج البلاغة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بحجّة اشتماله على التقسيم العددي (...) وهذا مخالف لما أثبته الأسلوب القرآنيّ، وأكد استعماله وأكثر من الحديث النبويّ في تقسيماته الأخلاقية، أما الإمام علي (عليه السلام) فغير مستكثر عليه أسلوب الحصر والتقسيم العددي، لما عرف من ملكات لغوية هائلة وتنظيم فكري عجيب، يستطيع به التوليد على الأثر القرآني والنبويّ في مجالي الفنّ والموضوع الشائع فيهما هذا الاستعال)(1).
ص: 31
وآن الأوان أن نستكشف أهم القوائم التي انطوى عليها هذا العهد المبارك، الذي يعدّ من أهمّ النصوص وأغناها، وأجمعها لمحاسن الأخلاق، والقيم والمعارف في مجالات الحكم والسياسة وحقوق الإدارة والاجتماع والاقتصاد والتربية، وهو البرنامج العلمي الأمثل لإدارة الدولة وقيادة المجتمع(1)، في ظلّ استشراف العنوان الرئيس للقائمة الذي يمثل البؤرة المركزية القادرة على استدعاء مجموعة من العناصر والبيانات، والأرقام المنتظمة منها عبر تناسلها على سطح القائمة باسترفاد السياقات والتتابعات الكلامية.
وبدا لنا أنّ استغوار القوائم، واستنباشها من المتن العلويّ المبارك (العهد) يتطلّب خبرة وإحالة عميقة للفكرة، إذ هو ليس متیسّراً لكل أحد، إلا
ص: 32
لأولئك الذين امتلكوا زمام اللغة، وخبروا دقائقها وأسرارها، ولا سيّما المتكلّم الإمام علي (عليه السلام) الذي أعمل فكره في استظهار عناصر القضيّة المراد بيانها و تنفیلها، فضلاً عن ذلك مقدرته على لُملَمة الأفكار وتسييجها من أجل الإحاطة بها من أنحائها جمعاء(1).
1. جباية الخراج
2. جهاد العدو
3. استصلاح الأهل
4. عمارة البلاد.
قال الإمام علي (عليه السلام): «هذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُاللَّهِ عَلِیٌّ أَمِیْرُالْمُؤْمِنِینَ مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ
ص: 33
فِی عَهْدِهِ إِلَیْهِ حِیْنَ وَلَّاهُ مِصْرَ جِبَایَهَ خَرَاجِهَا وَ جِهَادَ عَدُوِّهَا وَ اسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا وَ عِمَارَةَ بِلادِهَا.»(1).
هذه الكلمات الأربع (الجباية، الجهاد، الاستصلاح، العمارة) تمثّل عناصر وأرقاماً وبيانات فهي مرتكزات رئيسة وأركان مهمة تقوم عليها الدولة.
فالعنصر الأول: يمثّل المدار الاقتصادي للدولة والثاني: يمثل المدار العسكري والأمني والثالث: يعني بالجانب الإداري والاجتماعي والأخلاقي والرابع: يتصل بالجانب العمراني الموصول بتنمية البلاد.
ويتجلّى لنا أنّ البؤرة الرئيسة للقائمة هي مسؤولية الحاكم اتجاه شعبة إذ تنحصر مهامه وترتكز في أربعة عناصر حدّدها الإمام (عليه السلام) باستشراف تنامي فكره الذي يستدعي
ص: 34
نوعاً من الرؤية في حصر الفكرة باسترفاد عناصر منتظمة مستوفية.
ومن الحقيق بالذكر أنّ الإمام علي (عليه السلام على الرغم من أنَّه قد قدم عنصر (جباية الخراج)، وآخر عنصر (عمارة البلاد) إلّا أنّه في مطاوي العهد الشريف نراه ينبّه مالكاً على تقديم عمارة الأرض على استجلاب الخراج عند التزاحم والعمل بالمرجوح دون الراجح(1).
قال (عليه السلام): «وَلْيَکُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الاَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ لاَنَّ ذَلِكَ لاَ يُدْرَكُ إِلاَّ بِالْعِمَارَةِ وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَة أَخْرَبَ الْبِلاَدَ وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِيلاً»(2).
ص: 35
1. تقوى الله (جلّ جلاله).
2. إيثار طاعة الله (جلّ جلاله).
3. اتّباع أحكام الله (جلّ جلاله) وفرائضه وسننه.
4. نصرة الله (عزّ وجلّ) بالقلب واليد واللسان.
5. کسر النفس عن الشهوات، ومنعها من المآرب غير الصالحة.
قال (عليه السلام): «أَمَرَهُ بِتَقْوَی اللَّهِ وَإِیثَارِ طَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِی کِتَابِهِ:مِنْ فَرَائِضِهِ وَ سُنَنِه الَّتِی لَا یسْعَدُ أَحَدٌ إِلَّا بِاتِّبَاعِهَا وَ لَا یشْقَی إِلَّا مَعَ جُحُودِهَا وَإِضَاعَتِهَا وَأَنْ ینْصُرَ اللَّهَ سُبْحانَهُ بِقَلْبِهِ وَیدِهِ وَلِسَانِهِ فَإِنَّهُ جَلَّ اسْمُهُ قَدْ تَکَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ وَإِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ وَ أَمَرَهُ أَنْ یکْسِرَ نَفْسَهُ مِنَ
ص: 36
الشَّهَوَاتِ وَ یزَعَهَا عِنْدَ الْجَمَحَاتِ فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، إِلَّا مَا رَحِمَ اللَّهُ»(1).
ذكر الإمام علي (عليه السلام) وصايا خمساً في إصلاح النفس وهي مقدمات لازمة في تحلي الولاة بها، قبل تولي إدارة البلاد، والقيام بأمر العمران، هذه الإشارات العلوية لا تختصّ بوالٍ دون آخر، ولا بلد من البلدان، إنّها تشمل الجميع من أجل تذوّق السعادة المنشودة، والمستقبل المأمول(2).
وبدا لنا أنّ الإمام (عليه السلام) وقد استثمر المعجم القرآني في سرد هذه العناصر المتصلة بالقائمة، هذا التثمير الماتع الناجع يمثل قرينة سياقيّة عظيمة الموضوع عالية البيان، قال تعالى: «وَاتَّقُونِ يَا أُولِي
ص: 37
الْأَلْبَابِ»(1).
وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ»(2).
وقوله تعالى: «مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ»(3).
1. العمل الصالح: (كبح جماح النفس، البخل في رغباتها).
2. التعامل مع الناس (الرحمة لهم، المحبة لهم، اللطف بهم، العفو والصفح).
ص: 38
3. الابتعاد عن عداوة الله (عزّ وجلّ)..
4. عدم الندم على العفو..
5. عدم التبجّح بالعقوبة.
6. عدم التسرع على عمل فيه سعة من العفو.
7. ترك الغرور بإقامة الحدّ.
قال الإمام علي (عليه السلام):
«فَلْیکُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَیكَ ذَخِیرَةُ الْعَمِلِ الصَّالِحِ فَامْلِكْ هَوَاكَ وَ شُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لَا یحِلُّ لَكَ فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الْإِنْصَافُ مِنْهَا فَیما أَحَبَّتْ أَوْ کَرِهَتْ وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِیةِ وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ وَاللُّطْفَ بِهِمْ (...) فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِی تُحِبُّ وَتَرْضَی أَنْ یُعْطِیَكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ وَوَآلِی الْأَمْرِ عَلَیْكَ فَوْقَكَ وَاللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ وَقَدِ اسْتَکْفَاكَ أَمْرَهُمْ وَابْتَلَاكَ بِهِمْ
ص: 39
وَلَا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا یَدَ لَكَ بِنِقْمَتِهِ وَلَا غِنَی بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ وَلَا تَنْدَمَنَّ عَلَی عَفْوٍ وَلَا تَبْجَحَنَّ بِعُقُوبَةٍ وَلَا تُسْرِعَنَّ إِلَی بَادِرَةٍ وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً»(1).
ممّا لا شكّ فيه أنّ خير ما يذخره الإنسان لدنياه وآخرته هو العمل الصالح؛ لأنّ المال إلى نفاد وزوال، قال تعالى: «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا»(2).
والباقيات الصالحات هي الرصيد الذي يختزنه الإنسان في كتاب لا يضلّ ربي ولا ينسى، وإنّ من أصدق مصاديق العمل الصالح أداء العبادات الشرعية الواجبة والمستحبّة، وقضاء حوائج الناس،
ص: 40
وعدم اتّباع الهوى والشهوات(1).
ونلمح الرحمة والمحبة للناس بوصفهما عنصرین أساسين من عناصر نجاح القائد، قال تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»(2).
1. أوسطها في الحق.
2. أعمّها في العدل.
3. أجمعها لرضى الرعية.
قال الإمام علي (عليه السلام): «وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الاْمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ وَ
ص: 41
أَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ»(1).
لا جرم أنّ الإمام (عليه السلام) قد ترسّم عناصر ثلاثة متظافرة في استظهار حب الأمور لدى الوالي، من أجل ضمان سعادة الناس وإحراز رضاهم، وقد استعمل الإمام (عليه السلام) صيغة أمرية مؤدّاة بالفعل المضارع المقترن ب (لام الطلب) قاصداً الوجوب زد على ذلك توخّي (عليه السلام) استعمال اسم التفضيل أربع مرّات، من أجل شدّ العناصر في القائمة مع البؤرة الرئيسة (عنوان القائمة) أحبّ الأمور، إذ جاءت العناصر الثلاثة مبتدئة باسم التفضيل (أوسطها، أعمّها، أجمعها).
ص: 42
1. البخيل.
2. الجبان.
3. الحريص.
4. وزير الأشرار.
5. الشريك في الآثام.
6. عون الأثمة.
7. أخو الظلمة.
قال الإمام (عليه السلام): «وَ لَا تُدخِلَنّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلًا يَعدِلُ بِكَ عَنِ الفَضلِ وَ يَعِدُكَ الفَقرَ وَ لَا جَبَاناً يُضعِفُكَ عَنِ الأُمُورِ وَ لَا حَرِيصاً يُزَيّنُ لَكَ الشّرَهَ بِالجَورِ فَإِنّ البُخلَ وَ الجُبنَ وَ الحِرصَ غَرَائِزُ شَتّي يَجمَعُهَا سُوءُ الظّنّ بِاللّهِ إِنّ شَرّ وُزَرَائِكَ
ص: 43
مَن كَانَ لِلأَشرَارِ قَبلَكَ وَزِيراً وَ مَن شَرِكَهُم فِي الآثَامِ فَلَا يَكُونَنّ لَكَ بِطَانَةً فَإِنّهُم أَعوَانُ الأَثَمَةِ وَ إِخوَانُ الظّلَمَةِ»(1).
ويتجلى لنا في تقسيمات الإمام (عليه السلام) الدقة، والتثبّت من سرد عناصر القائمة، فضلاً عن ذلك بيان صفة كلّ عنصر إتماماً للمعنی، و إزادة في الفكرة والمضمون، ولا يغيب عن الذهن تراتبية هذه العناصر بحسب قوّتها في السلب.
1. جنود الله.
2. کتاب العامّة والخاصّة.
3. قضاة العدل.
4. عمّال الإنصاف والرفق.
ص: 44
5. أهل الجزية والخراج.
6. مسلمة الناس.
7. التجار.
8. أهل الصناعات.
9. الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة.
قال الإمام (عليه السلام): «وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِیَّةَ طَبَقَاتٌ لَا یَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ وَلَا غِنَی بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ فَمِنْهَا جُنُودُ اللَّهِ وَمِنْهَا کُتَّابُ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ وَمِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ وَمِنْهَا عُمَّالُ الْأِنْصَافِ وَالرِّفْقِ وَمِنْهَا أَهْلُ الْجِزْیَةِ وَالْخَرَاجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُسْلِمَةِ النَّاسِ وَمِنْهَا التُّجَّارُ وَأَهْلُ الصِّنَاعَاتِ وَمِنْهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَی مِنْ ذَوِی الْحَاجَةِ وَالْمَسْکَنَةِ»(1).
ص: 45
في هذه اللوحة من كلام الإمام (عليه السلام) نجد تعمّقاً في الخطاب العلويّ حينها يقسّم الرعية طبقات، معطياً كلّ طبقة حقها ومستحقّها، وفاقاً لأثرها في المجتمع الإنساني، فهو (عليه السلام) يؤسّس للمدينة الفاضلة التي قوامها العدل والإنصاف، وأساسها التعاون والتحابب والتوادد(1).
إنّ هذا التقسيم الأنثروبولوجي الرائع للمجتمع من لدن الإمام (عليه السلام) يوحي بدراية طبقات المجتمع وتصوّره الحقيقي المدعوم بالأدلة على الفهم الكامل بالمنظومة المجتمعية كافّة.
ص: 46
1. حُصُون الرعية.
2. زَينُ الوُلاةِ
3. عِزُّ الدين.
4. سُبُل الأمن.
قال الإمام (عليه السلام): «فَالْجُنُودُ بِإِذْنِ اللهِ حُصُونُ الرَّعِيَّةِ وَ زَيْنُ الْوُلاَةِ وَعِزُّ الدِّينِ وَسُبُلُ الاَمْنِ وَلَيْسَ تَقُومُ الرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِهِمْ ثُمَّ لاَ قِوَامَ لِلْجُنُودِ إِلاَّ بِمَا يُخْرِجُ اللهُ لَهُمْ مِنَ الْخَرَاجِ الَّذِي يَقْوَوْنَ بِهِ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِمْ وَيَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ فِيمَا يُصْلِحُهُمْ وَيَکُونُ مِنْ وَرَاءِ حَاجَتِهِمْ»(1).
أبان الإمام (عليه السلام) بتقسیم محکم واجبات الجنود ومهامّهم، بعناصر أربعة أُدّيت بمركبات
ص: 47
إضافية ناقصة، ويلحظ أنّ الجامع لهذه التقسيمات الأربعة هو الغرض الأمني المتمثّل بحفظ البلاد والعباد، فأعظم به من غرض عظيم، ومن هنا نلمح أنّ الإمام قد سنّ لهم قانوناً لحفظ حقوقهم، وحقوق عوائلهم.
1. الناصح الله (جلّ جلاله)، ولرسول الله (صلّى الله عليه وآله) والإمام المعصوم (عليه السلام).
2. نقيّ الجيب.
3. الحليم.
4. بطيء الغضب.
5. قابلٌ للعذر.
6. رؤوف بالضعفاء.
ص: 48
7. قويّ.
8. صبور.
9. غير مستكين.
10. من أهل المروءة.
11. ذو حسب.
12. أصله کریم.
13. تاريخه مشرّف (حَسَن).
14. شجاع.
15. کریم.
16. سمح.
قال الإمام (عليه السلام): «فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِى نَفْسِكَ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِإِمَامِكَ وَ أَنْقَاهُمْ جَيْباً وَ أَفْضَلَهُمْ حِلْماً مِمَّنْ يُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ وَ
ص: 49
يَسْتَرِيحُ إِلَى الْعُذْرِ وَ يَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ وَ يَنْبُو عَلَى الْأَقْوِيَاءِ وَ مِمَّنْ لايُثِيرُهُ الْعُنْفُ وَ لايَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ
ثُمَّ الْصَقْ بِذَوِى الْمَرُوءَاتِ الْأَحْسَابِ وَ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَ السَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَالشَّجَاعَةِ وَالسَّخَاءِ وَالسَّمَاح»(1).
نقش الإمام (عليه السلام) مسرداً تفصيلياً بصفات القائد، مستغرقاً في ذكرها؛ فهي تمثّل حقلاً دلالياً، ويتبدّى لنا أنّ عظمة مهمّة القائد، وجلالة مسؤوليّته تتطلب صفات خاصّة أشار إليها الإمام (عليه السلام)، وهي صفات عظيمة المضمون، جليلة القدر.
ص: 50
1. أفضل الرعية.
2. لا تضيق به الأمور.
3. لا تمحّکه الخصوم.
4. لا يتمادى في الزلّة.
5. يتابع الحق إذا عرفه.
6. لا تشرف نفسه على طمع.
7. يتقصّى الفهم.
8. وَقوف بالشبهات.
9. أخوذ بالحجج.
10. قليل التبرّم بمراجعة الخصم.
11. صبور في تكشّف الأمور.
12. قويّ عند اتّضاح الأمور.
ص: 51
13. لا يزهو بالإطراء.
14. لا يُستمال للإغراء.
قال الإمام (عليه السلام): «ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُکْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ مِمَّنْ لاَ تَضِيقُ بِهِ الاُمُورُ وَلاَ تُمَحِّکُهُ الْخُصُومُ وَلاَ يَتَمَادَى فِي الزَّلَّةِ وَلاَ يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْءِ إِلَى الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ وَلاَ تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَع وَلاَ يَکْتَفِي بِأَدْنَى فَهْم دُونَ أَقْصَاهُ وَأَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ وَآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ وَأَصْبَرَهُمْ عَلَى تَکَشُّفِ الاُمُورِ وَأَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُکْمِ مِمَّنْ لاَ يَزْدَهِيهِ إِطْرَاءٌ وَلاَ يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاء»(1).
تبصر كثرة عناصر هذه القائمة التي حفلت بكلمات الإمام (عليه السلام) بخصوص القضاء،
ص: 52
وصفات القاضي؛ لأنه من المراكز الحسّاسة في الدولة الإسلامية، إذ اشترط الإمام (عليه السلام) في القضاة أن يكونوا أفضل أبناء الأمة تقوًي وورعاً وكمالاً ونزاهةً، إذ تُعدّ من العناصر المشرّفة والبيانات العظيمة(1)
1. تعاهد أحكامه الصادرة.
2. إكرامه وبذل العطاء له.
3. إنزاله منزلة رفيعة.
و قال الإمام علي (عليه السلام): «ثُمَّ أَکْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ وَافْسَحْ لَهُ فِي الْبَذْلِ مَا يُزِيلُ عِلَّتَهُ وَتَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَى النَّاس وَأَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لاَ يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ
ص: 53
اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ فَانْظُرْ فِي ذَلِكَ نَظَراً بَلِيغاً فَإِنَّ هَذَا الدِّينَ قَدْ کَانَ أَسِيراً فِي أَيْدِي الاَشْرَارِ يُعْمَلُ فِيهِ بِالْهَوَى وَتُطْلَبُ بِهِ الدُّنْيَا»(1).
حرص الإمام (عليه السلام) على إسباغ القاضي جملة من النعم الظاهرة المشجّعة، والحوافز السخيّة؛ من أجل صيانة القضاء والإبقاء على مهابته، لأنَّه بصلاح القاضي، وقوّته يصلح القضاء ويتّسم بالقوة والمهابة، ومن هنا جاءت عناصر هذه القائمة مؤكدة الثقة التامة بأحكام القاضي وتعاهدها، وإجزال العطاء المادي والمعنوي له، وإنزاله المنزلة الرفيعة، مهابة الناس من جهة، ولا يمدّ عينه إلى رشوة أو هبة أو عطية وإلى ذلك؛ لعلم الإمام (عليه السلام) أنّ القضاء أهمّ جهاز في الدولة وهذا ما ألفيناه في بیان علة هذه العناصر في الخطاب العلويّ.
ص: 54
1. الاختبار.
2. الابتعاد عن المحاباة في اختيارهم.
3. استعال أهل التجربة.
4. العفّة والحياء.
5. قدمة في الإسلام.
قال الإمام (عليه السلام): «ثُمَّ انْظُرْ فِی أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً وَلَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَأَثَرَةً فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِیَانَةِ وَتَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَالْحَیَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبُیُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَالْقَدَمِ فِی الْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهُمْ أَکْرَمُ أَخْلَاقاً وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً وَأَقَلُّ فِی الْمَطَامِعِ إِشْرَاقاً وَأَبْلَغُ فِی عَوَاقِبِ الْأُمُورِ نَظَراً»(1).
ص: 55
ترسّم الإمام (عليه السلام ) معايير وضوابط جليلة في اختبار العمّال باسترفاد تقنيّة التفصيل من أجل استيفاء الدلالات، والإحاطة بها، إذ کشف عن ماهية كلّ عنصر من هذه العناصر التي انتظمت في هذه القائمة، وهذا ما نستشرفه في النصّ المبارك، ولا يخفى استلماح ثيمة الأفضلية والأحسنية في النصّ بلحاظ کثرة أسماء التفضيل فيه من نحو: أكرم، أصحّ، أقلّ، أبلغ، زد على ذلك معاينة دلالات الكلمات، (اختباراً) توخّ منهم، من أهل البيوتات الصالحة والمتقدّمة؛ لأنّ الإمام (عليه السلام) في باب استظهار معايير التعيين الصائب، وضوابط الاختبار الموفّق.
ص: 56
1. استصفاء الخيّر والمحمود السيرة.
2. شاكر للنعمة.
3. فطن لا يعرف الغفلة.
4. مطيع.
5. يثق بنفسه.
6. قويّ في التصريح.
7. عالم بالأمور.
8. له منزلة وأثر في القوم.
9. أمين.
قال الإمام (عليه السلام): «ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ فَوَلِّ عَلَى أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ وَاخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَكَائِدَكَ وَأَسْرَارَكَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُوهِ
ص: 57
صَالِحِ الاَخْلاَقِ مِمَّنْ لاَ تُبْطِرُهُ الْكَرَامَةُ فَيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلاَف لَكَ بِحَضْرَةِ مَلاَ وَلاَ تَقْصُرُ بِهِ الْغَفْلَةُ عَنْ إِيرَادِ مُكَاتَبَاتِ عُمَّالِكَ عَلَيْكَ وَإِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَى الصَّوَابِ عَنْكَ فِيَما يَأْخُذُ لَكَ وَيُعْطِي مِنْكَ وَلاَ يُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَكَ وَلاَ يَعْجِزُ عَنْ إِطْلاَقِ مَا عُقِدَ عَلَيْكَ وَلاَ يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفْسِهِ فِي الاُمُورِ فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بِقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ ثُمَّ لاَ يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ وَاسْتِنَامَتِكَ وَحُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّضُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلاَةِ بِتَصَنُّعِهِمْ وَحُسْنِ خِدْمَتِهِمْ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَالاَمَانَةِ شَيْءٌ وَلكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُّوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ فَاعْمِدْ لاَحْسَنِهِمْ كَان فِي الْعَامَّةِ أَثَراً، وَ أَعْرَفِهِمْ بِالاَمَانَةِ وَجْهاً..»(1).
ص: 58
ويتجلى الأمن الثقافي في عناصر هذه القائمة المتّصلة بصفات الكتّاب، إذ حرص الإمام (عليه السلام) على سرد صفات الكاتب الذي يجدر بالوالي أن ينتبه عليها، ويحرص على وجودها فيه، فهو موضع سرّه، ويده اليمنى، والأمين على صناعة إنشاء الكتب، والدواوين والرسائل والوصايا التي تخرج من دار الولاية والإمارة.
1. المقيم منهم.
2. المضطرب بماله. (المتردّد به بين البلدان)
3. المترفّق ببدنه (المكتسب).
قال (عليه السلام): «ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَذَوِی الصِّنَاعَاتِ وَأَوْصِ بِهِمْ خَیْراً الْمُقِیمِ مِنْهُمْ وَ
ص: 59
الْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ وَالْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ»(1).
شخص الإمام (عليه السلام) أقسام التجار وذوي الصناعات في ثلاثة عناصر، إذ أُدّيت بأسماء الفاعلين: المقيم، المضطرب، المترفّق، لأنّ الثلاثة من جنس واحد، فناسب بينها.
1. موادّ المنافع (أصلها).
2. أسباب المرافق (ما ينتفع به من الأدوات والآنية)(2).
3. جُلّاب البضائع من الأماكن القريبة والبعيدة.
4. أمان من العوز والفقر.
ص: 60
5. اطمئنان و وثاقة بمعاملاتهم التجارية.
قال الإمام (عليه السلام): «فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ وَأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ وَجُلَّابُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَالْمَطَارِحِ فِی بَرِّكَ وَبَحْرِكَ وَسَهْلِكَ وَجَبَلِكَ وَحَیْثُ لَا یَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا وَلَا یَجْتَرِءُونَ عَلَیْهَا فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لَا تُخَافُ بَائِقَتُهُ وَصُلْحٌ لَا تُخْشَی غَائِلَتُهُ»(1).
فقد عدّ الإمام (عليه السلام) خمسة عناصر من قائمة أعمال التجّار الجيدة، إذ جاءت على هيأة خمس جمل مؤكّدة ب (إنّ) المشبهة بالفعل على نسق يكاد يكون متشابهاً.
1. الضيق الفاحش.
2. الشحيح القبيح.
ص: 61
3. المحتكر.
4. المتحكّم بالبِياعات.
قال الإمام (عليه السلام): «أَنَّ فِی کَثِیرٍ مِنْهُمْ ضِیقاً فَاحِشاً وَشُحّاً قَبِیحاً وَاحْتِکَاراً لِلْمَنَافِعِ وَتَحَکُّماً فِی الْبِیَاعَاتِ وَذَلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ وَعَیْبٌ عَلَی الْوُلَاةِ فَامْنَعْ مِنَ الِاحْتِکَارِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) مَنَعَ مِنْهُ وَلْیَکُنِ الْبَیْعُ بَیْعاً سَمْحاً بِمَوَازِینِ عَدْلٍ وَأَسْعَارٍ لَا تُجْحِفُ بِالْفَرِیقَیْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ فَمَنْ قَارَفَ حُکْرَةً بَعْدَ نَهْیِكَ إِیَّاهُ فَنَکِّلْ بِهِ وَعَاقِبْهُ فِی غَیْرِ إِسْرَافٍ»(1).
فالمتأمّل في النصّ يجد أنّ الإمام قَد أبانَ عن صفات التجّار السَّلبيّة من عسر المعاملة والبخل، وحَبس المطعوم، ونحوه عن الناس لا يسمحون به
ص: 62
إلَّا بأثمانٍ فاحشةٍ، وقد أطنَبَ الإمام (عليه السلام) بصفة الاحتكار، لما لها من مضرّة للعامة، ومذمّة على الولاة.
ونرصد في النص العلويّ المعايَن قائمة صغری البيع السَّمح) إذ انتظمت في عنصرين؛
الأول: الميزان العدل والآخر: الأسعار العادلة.
ويتبدّى لنا أنّ تداخل القوائم في النصّ العلويّ دليل على الرؤية العلوية الثاقبة، والإحاطة الوسيعة بأحوال المجتمع.
1. المساكين.
2. المحتاجين.
3. أهل البؤسی.
4. الزَّمنی.
ص: 63
قال الإمام (عليه السلام): «ثُمَّ اللهَ اللهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لاَ حِيلَةَ لَهُمْ مِنَ الْمَسَاکِينِ وَالْمُحْتَاجِينَ وَأَهْلِ الْبُؤْسَى وَ الزَّمْنَى»(1).
1. شعبة من الضيق.
2. قلّة علم بالأمور.
3. اشتباه الأمور وخلطها عند العامة.
4. تصغير الرعية للعظيم من الأمور.
6. تعظيم الرعية لصغار الأمور.
6. تحسين الرعية القبيح.
7. تقبيح الرعية الحسن.
8. خلط الرعية العمل الصالح بالعمل الطالح (الحق بالباطل).
ص: 64
قال الإمام (عليه السلام): «وَأَمَّا بَعْدُ فَلَا تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِیَّتِكَ فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلَاَِ عَنِ الرَّعِیَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّیقِ وَقِلَّةُ عِلْمٍ بِالْأُمُورِ وَالْإِحْتِجَابُ مِنْهُمْ یَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَهُ فَیَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْکَبِیرُ وَیَعْظُمُ الصَّغِیرُ وَیَقْبُحُ الْحَسَنَ وَیَحْسُنُ الْقَبِیحُ وَیُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ»(1).
أبان الإمام (عليه السلام) عن دراية واسعة بمساوي الاحتجاب عن الرعية، عارفاً بنتائجه ومآلاته ولا يخفى التسلسل الواعي لهذه العناصر التي تمثل بيانات واضحات للقائمة الرئيسة.
ص: 65
1. المنع من الاستئثار والتطاول وقلة الانصاف.
2. عدم المِنحةِ من الأرض.
3. التمسك بالحقِّ.
قال الإمام (عليه السلام): «ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وَبِطَانَةً فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَتَطَاوُلٌ وَقِلَّةُ إِنْصَاف فِي مُعَامَلَة فَاحْسِمْ مَادَّةَ أُولَئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ وَلاَ تُقْطِعَنَّ لاِأَحَد مِنْ حَاشِيَتِكَ وَحَامَّتِكَ قَطِيعَةً وَلاَ يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اعْتِقَادِ عُقْدَة تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ النَّاسِ فِي شِرْب أَوْ عَمَل مُشْتَرَك يَحْمِلُونَ مَؤُونَتَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ فَيَکُونَ مَهْنَأُ ذَلِكَ لَهُمْ دُونَكَ وَعَيْبُهُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ وَأَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَکُنْ فِي ذَلِكَ صَابِرا مُحْتَسِباً(1).
ص: 66
1. الدعة للجنود.
2. الراحة من الهموم.
3. أمن للبلاد.
قال الإمام (عليه السلام): «الْحَقِّ وَلاَ تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّ كَ لله فِيهِ رِضًا فإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ وَرَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ وأَمْناً لِبِلاَدِكَ»(1).
نلحظ أنّ الإمام (عليه السلام) قد استوفي أقسام فوائد الصلح، وهي أقسام جوهرية عامة، بكلمات قصار.
ص: 67
1. جَلبُ النّقمة.
2. سوء العاقبة.
3. زوال النعمة.
4. قِصَرُ العُمُر.
قال الإمام (عليه السلام): «إِيَّاكَ وَالدَّمَاءَ وَسَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى لِنِقْمَةٍ وَلاَ أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ وَلاَ أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ وَانْقِطَاعِ مُدَّةٍ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا»(1).
وعي الإمام (عليه السلام) مَعلَم حقن الدماء، وحفظها إذ إنّ شرافة الإنسان وقداسته هو أساس الوجود، ومن هنا فإنّ سفك دمه بغير وجه حقّ يوجب عواقب لا تُحمد، ونتائج لا تسرّ.
ص: 68
ولا بدّ من القول: إنّ هناك قوائم ندّت من هذا العهد المبارك دسسناها لقلّة عناصرها، واختلاط بعضها بالقوائم التي ذكرناها، وكذلك رغبة في الإيجاز والاختزال.
ص: 69
ص: 70
ص: 71
ص: 72
في هذا المطلب سَنَفلي أهم المقاربات التداوُليَّة التي نَحسَبُ أنّ العهد العلويّ المبارك قَدِ انطوى عليها، وسيكون الإيجاز والاختزال الطريق المُثلى تماشيًا مع سنن البحث العلميّ تارةً، ولكون البحث متّصِلاً بتكشيف القوائم والجداول التي انتظمت في العهد الشريف، وإنّ الاستغوار في تلكم المقاربات التداولية قد يُبعدنا عمّا يَمَمنا وقَصَدنا تارةً أخرى.
إنّ العناصر أو البيانات التي تحصّلت من القوائم التي سردناها من قبل في المطلب الثاني، - نقطع جازمين - من أنّها جاءت مطابقة للمجتمع الإسلاميّ آنذاك من جهة أنّها تلاطف المجال التداولي وتغازله، وأنّ العهد الشريف يمثّلُ - بلا
ص: 73
شكّ - مجتمع الدراسةِ.
ويَظهَر أنَّ المقاربات التداوُليّة أصبحت مَألوفة وسائدة في الدراسات اللسانيّة الحديثة، ولا سيّما في تحليل الخطاب سواءٌ أكانت التراثية أم المعاصرة، إذ لا تكتفي هذه المقاربات على القراءة، والرؤى من داخل النصّ، بل تستدعي القراءة الفاحصة والدقيقة قراءة الأفكار والمقاصد باستشراف الواقع المعيش فيه، ومعاينة الظروف والقرائن المختلفة سواء أكانت الحالية أم المقامية المحيطة بالنصّ، وكذلك التبصرة بالعوامل النفسية والاجتماعية والتاريخية المتصلة بالنصّ(1)
وهذا ما ألفيناه في عهد الإمام علي (عليه السلام) ل (مالك الأشتر)، فليس العهد نصّاً أدبياً سارحًا في الخيال، أو نظریات مثالية مجرّدة لا تمتُّ
ص: 74
إلى الواقع بلحمة ونَسب، إنَّما هو منهج واقعي، وتعاليم وقواعد وأسس حاضرة في المجتمع الإنساني جسّدها أمير المؤمنين (عليه السلام) في حکومته الراشدة على الأرض، وفي تجربته السياسية والإدارية المعقّدة في إدارة الدولة(1) (لقد جسّد الإمام عليّ (عليه السلام) خرائط القيم وسلالمها السياسية الإدارية والاجتماعية والأخلاقية والثقافية في أبهى صورة، وأجمل تمثيل، فتلمح القائد السياسي والإداري والإمام الإنساني المثاليّ، والمعلم التربويّ وغيرها)(2).
وتترسَّم المقاربات التداولية في العهد الشريف باستكشاف حقيقة: أنّ نصوص هذا العهد ودلالاته، ولا سيّما القوائم والجداول والعناصر التي انتظمت
ص: 75
فيها تزخر بالقيم والمبادئ والقوانين، وتشعُّ بالتعاليم الأخلاقية والإنسانية من نحو: معلم إصلاح المجتمع، والتعايش السلميّ، وحبّ الفقراء والإحسان إليهم، والعفو والصلح والعدل، وحقن الدماء، وغيرها،(1) وهي بطبيعتها لا ترتبط بالماضي أو تقف عند زمن الإمام علي (عليه السلام)، إنّما تلاطف الحاضر والمستقبل، ولا سيّما المجتمعات البشرية - اليومَ - أحوجُ ما تكون إليها خصوصاً في هذا الزمن الذي يشهدُ صراعًا حضاريًا في الفكر والإرادة والهُوِية، كما يشهد هيمنة الغرب، ونظام العولمة، وظلم الحكومات المستبدّة وتعسّفها(2).
ومن المقاربات التداولية التي نَرقُبُبها في العهد الشريف، ما يأتي:
ص: 76
استثمر الإمام (عليه السلام) في عهده المبارك المعجم القُرآنیّ والحديثي فنجد الذوبان والانصهار الكامل في كتاب العربية الأكبر (القرآن الكريم) إذ تمثل كتاب الله (جلّ جلاله) تمثيلاً عميقاً، فنجد الاستحضار والاستشراف الواعيين للنصّ القرآني، وكذلك السنّة النبوية المطهّرة، فقد انسربت نصوص قرآنية ومضامين ودلالات قرآنية وحديثية في النهج المبارك، ولا سيّما العهد الشريف(1)
ونستشرفُ هذا المتحَ الخلّاقَ من النبعِ الصافي القرآن الكريم، والموردِ العَذب (السنةِ المطهّرةِ) في ضوء حكم الإمام (عليه السلام) بالنصّ الجليّ، قال ابن طاووس الحليّ (ت 644 ه): (اللّهم صلّ وسَلّم وزد وبارك على السيد المطهّر والإمام المظفّر والشجاع الغضنفر أبي شُبّر وشُبير (...) وليّ الدين
ص: 77
الوالي الولي السيد الرضيّ الإمام الوصيّ الحاكم بالنصّ الجليّ المخلص الصفيّ (...) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه)(1)
ونرصد هذا التثمير الماتع في العهد المبارك في ظلّ الإشارات البيّنات لدى الإمام (عليه السلام) عند حديثه عن عناصر قائمة الطبقة السفلى من ذوي الحاجات والمسكنة، قال (عليه السلام): «وَمِنْهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَی مِنْ ذَوِی الْحَاجَةِ وَالْمَسْکَنَةِ وَ کُلٌّ قَدْ سَمَّی اللَّهُ لَهُ سَهْمَهُ وَوَضَعَ عَلَی حَدِّهِ فَرِیضَةً فِی کِتَابِهِ أَوْسُنَّةِ نَبِیهِ (صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَآلِهِ) عَهْداً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً»(2).
وقال (عليه السلام) في ضوء استحضار عناصر قائمة أعمال الوالي المرضية: «وَارْدُدْ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ
ص: 78
مَا يُضْلِعُكَ مِنَ الْخُطُوبِ وَيَشْتَبِهُ عَلَيْكَ مِنَ الاُمُورِ فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى لِقَوْم أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاَمْرِ مِنْکُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ فَالرَّدُّ إِلَى اللهِ الاَخْذُ بِمُحْکَمِ کِتَابِهِ وَالرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ الاَخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ»(1).
ويَستحضِرُ الإمام (عليه السلام) السياقات القُرآنية عند سَردِه عناصر قائمة (فوائد الصلح) قال (عليه السلام): «وَلَا تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّكَ وَلِلّهِ فِيهِ رِضىً، فإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ وَرَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ وَأَمْناً لِبِلَادِكَ»(2).
قال تعالى: «وَالصُّلْحُ خَيْرٌ»(3).
ص: 79
وقوله تعالى: «وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»(1).
أمّا فيما يتّصل بالمعجم الحديثي، فنجد المتحَ المثمرَ من النبع الصافي كلام المصطفی (صلّی الله عليه وآله وسلّم)، ونَرصُد هذا الأثر الحديثي في تعابير الإمّام علي (عليه السلام)، قال: «وَاجْعَلْ لِذَوِی الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِیهِ شَخْصَكَ وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً فَتَتَوَاضَعُ فِیهِ لِلَّهِ الَّذِی خَلَقَكَ وَتُقْعِدَ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَشُرَطِكَ حَتَّی یُکَلِّمَكَ مُتَکَلِّمُهُمْ غَیْرَ مُتَتَعْتِعٍ فَإِنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) یَقُولُ فِی غَیْرِ مَوْطِنٍ لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّهٌ لَا یُؤْخَذُ لِلضَّعِیفِ فِیهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِیِّ»(2).
ص: 80
وقال (عليه السلام) مبيّناً عناصر صلاة الوالي: «وَقَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اَللَّهِ (صَلَّی اَللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ) حِینَ وَجَّهَنِی إِلَی اَلْیَمَنِ کَیْفَ أُصَلِّی بِهِمْ فَقَالَ صَلِّ بِهِمْ صَلاَهَ أَضْعَفِهِمْ وَ کُنْ بِالْمُؤْمِنِینَ رَحِیماً»(1).
لا جَرَمَ أنّ الإحالة المرجعية لها أثر في فهم الخطاب، إذ تعطيه بعدًا حقيقيًا في الأداء، إذ إنّ تتمة الفائدة في الكلام تتوقّف على مدى مطابقة الخطاب للواقع، فكلّ وحدة لغوية تتوافر على الجوانب الاتية: الصيغة اللفظية، والدلالة، والمرجعيّة (الخارج)(2).
ومن هنا فإنّ استثمار المرجعيات هو عملية (استرجاع المدلولات ذكرت في مرحلة سابقة، أو عملية استقدام مدلولات يتوقع القارئُ مجيئها
ص: 81
بمرحلة لاحقة في الخطاب، وهذه العملية تتمّ عن طريق العنصر الإحالي الذي يتطابقُ في الخصائص الدلالية مع العنصر المحيل إليه).
وعَودٌ على بَدءٍ، فإنّ الإمام عليّاً (عليه السلام) كان على درجة كبيرة من الاستثمار الواعي لكلام المصطفى (صلى الله عليه وآله) فقد كان مخصوصاً من دون الصحابة بخلوات كان يخلو بها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) (لا يطلع أحد من الناس على ما يدور بينهما وكان كثير السؤال للنبي (صلى الله عليه وآله) عن معاني القرآن وعن معاني كلامه (صلى الله عليه وآله) وإذا لم يسال ابتداه النبي (صلى الله عليه وآله) بالتعليم والتثقيف ولم يكن أحد من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) كذلك بل كانوا أقساما فمنهم من يهابه أن يسأله وهم الذين يحبون
ص: 82
أن يجئ الأعرابي أو الطارئ فيسأله وهم يسمعون ومنهم من كان بليدا بعيد الفهم قليل الهمة في النظر والبحث ومنهم من كان مشغولا عن طلب العلم وفهم المعاني أما بعبادة أو دنيا ومنهم المقلد یری أن فرضه السكوت وترك السؤال ومنهم المبغض الشاني الذي ليس للدين عنده من الموقع ما يضيع وقته وزمانه بالسؤال عن دقائقه وغوامضه وانضاف إلى الامر الخاص بعلي (عليه السلام) ذكاؤه وفطنته وطهارة طينته وإشراق نفسه وضوءها وإذا كان المحل قابلا متهيئا كان الفاعل المؤثر موجودا والموانع مرتفعة حصل الأثر على أتم ما يمكن فلذلك كان علي (عليه السلام) - کما قال الحسن - البصري رباني هذه الأمة وذا فضلها ولذا تسميه الفلاسفة إمام الأئمة وحکیم العرب)(1).
وتتجلّى هذه المقاربة التداولية في استحضار قول
ص: 83
النبي (صلى الله عليه وآله) في قول الإمام (عليه السلام) في قائمة الصفات السلبية للتجار، قال: «ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ (...) فَامْنَعْ مِنَ الاِحْتِکَارِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) مَنَعَ مِنْهُ وَ لْیَکُنِ الْبَیْعُ بَیْعاً سَمْحاً بِمَوَازِینِ عَدْلٍ وَ أَسْعَارٍ لاَ تُجْحِفُ بِالْفَرِیقَیْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَ الْمُبْتَاعِ»(1).
ولا يخفى الاستشرافُ الثَّبتُ من كلام المصطفی (صلى الله عليه وآله) في أحاديثه: «لَا یَحْتَکِرُ إلاّ خَاطئٌ»(2).
وقوله (صلى الله عليه وآله): «مَنِ اِحْتَکَرَ عَلَی اَلْمُسْلِمِینَ طَعَاماً ضَرَبَهُ اَللَّهُ بِالْجُذَامِ وَ اَلْإِفْلاَسِ»(3).
أما فيما يتصل بالجنبة الثانية من نصّ الإمام
ص: 84
(عليه السلام) المؤدّاة بأسلوب الأمر بصيغة الفعل المضارع المقرون بلام الأمر (وليكن البيع سمحًا)، استشرافه حديث المصطفی (صلى الله عليه وآله): «رَحِمَ اللّه ُ رَجُلاً سَمَحاً اِذا بَاعَ، وَ اِذَا اشْتَرَی، وَ اِذَا اقْتَضَی»(1).
ولم يكتف الإمام (عليه السلام) بالاستثمار القرآنی والحديثي بوصفهما مجالين تداوليّين عظيمَين بل نراه يلاطف مجالات تداولية أخرى تنبع من البيئات الصالحة والسنن المحمودة قال (عليه السلام): «ولَا تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هَذِه الأُمَّةِ واجْتَمَعَتْ بِهَا الأُلْفَةُ وصَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ ولَا تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ فَيَكُونَ الأَجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا والْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا
ص: 85
نَقَضْتَ مِنْهَا»(1).
وقال (عليه السلام): «وَالْوَاجِبُ عَلَیكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا مَضَی لِمَنْ تَقَدَّمَكَ مِنْ حُكُومَةٍ عَادِلَةٍ أَوْ سُنَّةٍ فَاضِلَةٍ أَوْ أَثَرٍ عَنْ نَبِینَا (صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَآلِهِ) أَوْ فَرِیضَةٍ فِی كِتَابِ اللَّهِ فَتَقْتَدِی بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِهِ فِیهَا»(2).
أصبحت قواعدُ التخاطُب اللسانيّة من المسلّمات التحاوُريّة، وهي تعني مجموعة من المعايير والأسس التي يفترض أن يقفَ عندها كلُّ متكلّم في أثناء حديثه مع غيره، بمعنى أنّ الكفاءة التداوُلية تفرض نفسها في رسم خريطة التواصل والتحاوُر بين المتكلم والمخاطب، وهذا ما نبّه عليه (أوستن)
ص: 86
في مقالته (المنطق والتحاور)(1)، إذ وجّه بحثه نحو استخراج مجموعة من المبادئ المنظمة للتواصل المثالي، واهتمّ أيضاً بالمعاني الضمنية اهتماماً واضحاً، وهذا دليل على أنّ تجليات المعني لا تحكمها قواعد لغوية دلالية فحسب، بل تحكمها طريقة إنجاز الملفوظ داخل المقام، والمبادئ العامة للتواصل.
ومن هنا فإننا سنبصر قاعدتين من هذه القواعد التي تترشح من التخاطب اللساني القائم على الحوار، والتواصل المنظم، ولا سيما في عهد الإمام (عليه السلام) ل (مالك الأشتر).
1- الافتراض المسبق:
يبني المتكلِّم حدیثه على الافتراضات المسبقة اللازمة لنجاح كلّ تواصل کلاميّ، على أساس
ص: 87
ما يفترض - سلفاً - أنَّه معلوم له، وقد لوحظ أنّ الافتراض السابق يكون مرتبطاً ببعض العبارات اللغوية دون بعض، فإذا قال رجلٌ لآخر: أَغلق النافذة، فالمفترض - قبلاً - أنّ النافذة مفتوحة، وأنّ هناك مسوغًا يدعو إلى إغلاقه، وأنّ المخاطب قادر على الحركة، وأنّ المتكلم في منزلة الآمر، وكلّ ذلك موصول بسياق الحال وعلاقة المتكلم(1).
لا جَرَمَ أنّ الخطاب أصبح على وَفق مقولات التداولية الحامل اللغويّ لمقاصد المتكلم موجّهاً إلى المتلقيّ، وبما أنّ الخطاب يولد في سياق تخاطبي، وبلغة مشتركة فهو يقوم على افتراضات مسبقة، ومن هنا فالافتراض المسبق يتّسع ليشمل المعلومات العامّة، وسياق الحال والعرف الاجتماعي، والعهديين
ص: 88
المخاطبين الذي يجعل المتلقي يفهم مراد المتكلم(1)
ومن المواضع التي رصدناها في عهد الإمام (عليه السلام ) ل (مالك الأشتر)، قوله (عليه السلام) في بيان عناصر قائمة (صفات المستشار الإيجابية): «وَلاَ تُدْخِلَنَّ فِی مَشُورَتِكَ بِخِیلاً یَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ وَیَعِدُكَ الْفَقْرَ وَلاَ جَبَاناً یُضْعِفُكَ عَنِ الْأُمُورِ وَلاَ حَرِیصاً یُزَیِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ فَإِنَّ الْبُخْلَ وَالْجُبْنَ وَالْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّی یَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللّهِ»(2).
کلام شريف عالي يستقي من مورده الحكماء، فإنّ الجامع بين هؤلاء هو سوء الظنّ بالله (عزّ وجلّ) وقد ألمح ابن أبي الحديد المعتزلي إلى مقولات
ص: 89
الافتراض المسبق في الكلام العلويّ المعاين، فالجبان يقول في نفسه إن أقدمتُ قتلت، والبخيل يقول: إن سمحتُ وأنفقتُ افتقرت، والحريص يقول: إن لم أجدّ واجتهد وأدأب فاتني ما أروم، وكل هذه الأمور ترجع إلى سوء الظنّ بالله (جلّ جلاله)، ولو أحسن الظنّ الإنسان بالله، وكان يقينه صادقاً لعلم أنّ الأجل مقدّر وأنّ الرزق مقدّر، وأنّ الغني والفقر مقدّران وأنَّه لا يكون من ذلك إلّا ما قضى الله تعالى(1).
وقال (عليه السلام) في بيان وتنفيل عناصر قائمة صفات الوالي: «أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللهِ وَإِيثَارِ طَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ الَّتِي لاَ يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلاَّ بِاتِّبَاعِهَا وَلاَ يَشْقَى إِلاَّ مَعَ جُحُودِهَا وَإِضَاعَتِهَا»(2)
ص: 90
تبدّي لنا أنّ الإمام (عليه السلام) في بيان عناصر هذه القائمة (صفات الوالي) أنّه قد اعتمد على الافتراض المسبق، فقد وَعى فهم مالك للفرائض والسنن التي ذكرها الله (عزّ وجلّ) في كتابه، بمعنی أنّ الافتراض مسلّمٌ به من لدن المتكلم الإمام (عليه السلام) والطرف الآخر في الخطاب (المخاطَب) مالك الأشتر، ولا يخفى تلكم الفرائض والسنن، سواءٌ أكانت أصول الدين أم فروعه (التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد)، وكالصلاة والصيام والحج والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأداء الأمانة وقول الحقّ وغيرها، ولا بُدّ من القول: إنّ مواضع الافتراض المسبق في العهد المبارك كثيرة، بسبب المعرفة المشتركة بين المتخاطبَين الإمام (عليه السلام ) ومالك الأشتر (رضوان الله عليه) إذ إنّ المعرفة المشتركة بينها تعدّ الأرضية التي يتّكئ عليها طرف الخطاب في التواصل والتحاور.
ص: 91
2- القول المُضمَر:
هو القاعدة الأخرى من قواعد التخاطب اللّساني، ويرتبط بوضعية الخطاب ومقامه على عکس الافتراض المسبق الذي يحدد على أساس معطيات لغوية، ومن هنا فإنّ القول المضمر هو كتلة المعلومات التي يمكن للخطاب أن يحتويها، ولكن تحقيقها في الواقع يبقى رهن خواصّ سياق الحديث(1).
إنّ الكلام لا يعني دائماً التصريح، بل يعني أحياناً حمل المتلقي على التفكير في شيء غير مصرّح به، ومن هنا فالعبارات اللغوية تصنّف صنفين المعاني الصريحة، وتدلّ عليها الصيغة الحرفية للعبارة والمعاني الضمنية ونكشف عن قرائن الخطاب وسياقاته(2).
ص: 92
وقد تبدى لنا في ضوء استغوار العهد الشريف أنّ الإمام (عليه السلام) قد أكثر من القول المضمر، ومن ثمّ استتار المعاني الضمنية ويظهر أنّ اضطمام النصّ الشريف على القوائم المتعددة والمتنوّعة، وما تنتظم فيها من عناصر جعل من هذه القاعدة أن تحوز مساحة واسعة، زد على ذلك تقصّد الإمام (عليه السلام) إلى هذا الصنيع من الإضهار من أجل تحقيق مطابقة الكلام لمقتضى الحال.
تأمّل معنا قوله (عليه السلام): «ثُمَّ اعْلَمْ یَا مَالِكُ أَنِّی قَدْ وَجَّهْتُكَ إِلَی بِلاَدٍ قَدْ جَرَتْ عَلَیْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ مِنْ عَدْلٍ وَ جَوْرٍ وَ أَنَّ النَّاسَ یَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ فِی مِثْلِ مَا کُنْتَ تَنْظُرُ فِیهِ مِنْ أُمُورِ الْوُلاَةِ قَبْلَكَ وَ یَقُولُونَ فِیكَ مَا کُنْتَ تَقُولُ فِیهِمْ وَ إِنَّمَا یُسْتَدَلُّ عَلَی الصَّالِحِینَ بِمَا یُجْرِی اللَّهُ لَهُمْ عَلَی أَلْسُنِ
ص: 93
عِبَادِهِ»(1).
يتجلّى الإضمار القوليّ: من ذكر البلاد من دون التصريح بها، وهي (مصر) وذكر الدول التي سبقت حکم مالك، وهي الحكومات التي سبقته من زمن الخليفة عثمان بن عفّان، وما ابتليت به من جور وما نعمت من عدل.
وقوله (عليه اسلام): «فَقَالَ صَلِّ بِهِمْ کَصَلاَهِ أَضْعَفِهِمْ»(2).
فقوله (عليه السلام) كصلاة أضعفهم کناية استعملها الإمام عن المريض، والذي به عاهة وغير ذلك.
ص: 94
تعدّ الأفعال الكلامية إحدى الأسس التي قامت عليها نظرية أفعال الكلام فهي: (التي يتلفظ بها المرسل في خطابه، وهو يعني حرفيّاً ما يقول، وفي هذه الحالة فإنّ المرسل يقصد أن ينتج أثراً إنجازياً على المرسل إليه، ويقصد أن ينتج هذا الأثر في ضوء جعل المرسل إليه يدرك قصده في الإنتاج(1)
ويرى الدكتور محمود أحمد نحلة أنّ الأفعال الكلامية المباشرة تمثل قدراً ضئيلاً في اللغة، وينحصر في ما يسمى الأفعال المؤسّساتية أو التشريعية كالتوكيل والتفويض والوصية والتوريث والإجازة، ونحوها، أما الأفعال غير المباشرة، فتمثل القدر الأكبر في اللغة، ويكثر استعمالها في سياقات التأدّب
ص: 95
في الطلب(1).
ويتبدى لنا أنّ تقسيم الأفعال الكلامية إلى مباشرة وغير مباشرة بلحاظ القوة الإنجازية والتأثيرية المتحصلة من الجملة، ومن هنا قد قسّمت الأفعال الكلامية المباشرة بحسب تصنيف أوستن إلى خمسة أصناف، هي(2): الحكمیات، والتنفيذيات، والوعديات، والسلوكيات، والعرضيات (التبينيات).
وهذه الأصناف تظهر فيها القوة الإنجازية التأثيرية مباشرة، بمعنی تتجلى فيها الدلالات الحقيقية، أما في ما يخص الأفعال الكلامية غير المباشرة، إذ يتحصل التخالف للقوة الإنشائية للجملة بحسب مراد المتكلم وبمعاينة السياق المقامي والحاليّ، فيكون قوله غير مطابق لما يعنيه،
ص: 96
فلم يعد الإخبار والتخاطب هو القصد الوحيد عند المرسّل، وإنَّما عددناه واحداً من مقاصده، فالقصد الرئيس أصبح مختفياً، وظهر بدله قصد آخر، وهذا ما اصطلح عليه ب (المعنى المجازي)، والسياق الإنتاجي التوليدي(1).
وسنتناوش أولاً: الأفعال الكلامية المباشرة في العهد الشريف في ضوء القوائم التي رصدناها، والعناصر التي انتظمت فيها.
ففي قائمة ذخائر العمل الصالح والسعادات تتناسَل الأفعال الكلامية المباشرة فيها، باسترفاد الأفعال الأمرية المؤدّاة بصيغة الفعل المضارع المقرون باللام مرّة (فلیکن) وفعل الأمر المجرّد (املِك، شُحّ، أشعِر، أعطهم) الدلالة على الوجوب على
ص: 97
سبيل الحتم والإلزام، وهي القوة الإنجازية التأثيرية الرئيسة لفعل الأمر باسترفاد قرينة السياق اللفظية والمقاميّة(1) قال (عليه السلام): «فَلْیکُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَیكَ ذَخِیرَةُ الْعَمِلِ الصَّالِحِ فَامْلِكْ هَوَاكَ وَ شُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لَا یحِلُّ لَكَ فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الْإِنْصَافُ مِنْهَا فَیما أَحَبَّتْ أَوْ کَرِهَتْ وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِیةِ وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ وَاللُّطْفَ بِهِمْ (...) فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ»(2).
ونترسّم الأفعال الكلامية المباشرة في القائمة نفسها بلحاظ صيغة النهي باستحضار الفعل المضارع المؤكد بنون التوكيد الثقيلة المسبوق ب (لا) الناهية الطلبية (لا تكونَنَّ، لا تَنصبَنَّ، لا تندمنّ، لا تبجّحنَ، لا تسرعنّ) الدالة على الوجوب والحرمة
ص: 98
والنهي والمنع من إرادة الفعل على سبيل الحتم والإلزام، بمعاينة السياق اللفظي والمقامي،(1) قال (عليه السلام): «وَلَا تَکُونَنَّ عَلَیْهِمْ سَبُعاً ضَارِیاً تَغْتَنِمُ أَکْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِی الدِّینِ أَوْ نَظِیرٌ لَكَ فِی الْخَلْقِ یَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ وَیُؤْتَی عَلَی أَیْدِیهِمْ فِی الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِی تُحِبُّ وَتَرْضَی أَنْ یُعْطِیَكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ وَوَالِی الْأَمْرِ عَلَیْكَ فَوْقَكَ وَاللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ وَقَدِ اسْتَکْفَاكَ أَمْرَهُمْ وَابْتَلَاكَ بِهِمْ وَلَا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا یَدَ لَكَ بِنِقْمَتِهِ وَلَا غِنَی بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ وَلَا تَنْدَمَنَّ عَلَی عَفْوٍ وَلَا تَبْجَحَنَّ بِعُقُوبَةٍ وَلَا تُسْرِعَنَّ إِلَی
ص: 99
بَادِرَةٍ وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً»(1).
أما في ما يتصل بالأفعال الكلامية غير المباشرة التي نلمحها في العهد الشريف في ضوء القوائم التي وقفنا عليها، والعناصر التي انتظمت فيها.
نستشعر دلالة التحذير والإرشاد بوصفها قوة إنجازية للفعل المضارع المسبوق ب(لا) الناهية الطلبية قوله: (ولا تُدخلنّ) بهدي السياق الكلامي المقامي في القائمة، قال (عليه السلام):
«وَلاَ تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلاً يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ وَيَعِدُكَ الْفَقْرَ وَلاَ جَبَاناً يُضعِّفُكَ عَنِ الاْمُورِ وَلاَ حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ فَإِنَّ الْبُخْلَ وَالْجُبْنَ وَالْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللهِ إِنَّ شَرُّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلاْشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً وَمَنْ شَرِكَهُمْ فِي الاْثَامِ فَلاَ يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ
ص: 100
الاْثَمَةِ وَإِخْوَانُ الظَّلَمَةِ»(1).
ونقدح بدلالة (البيان والتوضيح) التي تمثل قوة إنجازية غير مباشرة، للفعل الأمري (اعْلَمْ) بلحاظ السياق المقامي، تأمل معنا قائمة (طبقات الرعيّة) قال (عليه السلام):
«وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِیَّةَ طَبَقَاتٌ لَایَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ وَ لَاغِنَی بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ فَمِنْهَا جُنُودُ اللَّهِ وَ مِنْهَا کُتَّابُ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ وَ مِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْل وَ مِنْهَا عُمَّالُ الْإِنْصَافِ وَ الرِّفْقِ وَ مِنْهَا أَهْلُ الْجِزْیَةِ وَ الْخَرَاجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَ مُسْلِمَةِ النَّاسِ وَ مِنْهَا التُّجَّارُ وَ أَهْلُ الصِّنَاعَاتِ وَ مِنْهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَی مِنْ ذَوِی الْحَاجَةِ وَالْمَسْکَنَةِ»(2).
ونترسم دلالة (التنبيه) والسياق الإنتاجي التي
ص: 101
تمثل قوة إنجازية غير مباشرة للفعل الأمري (ولِّ) بمعاينة السياق المقامي والحالي، قال:
«فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِى نَفْسِكَ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِإِمَامِكَ وَ أَنْقَاهُمْ جَيْباً وَ أَفْضَلَهُمْ حِلْماً مِمَّنْ يُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ وَ يَسْتَرِيحُ إِلَى الْعُذْرِ وَ يَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ وَ يَنْبُو عَلَى الْأَقْوِيَاءِ وَ مِمَّنْ لايُثِيرُهُ الْعُنْفُ وَ لايَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ ثُمَّ الْصَقْ بِذَوِى الْأَحْسَابِ وَ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَ السَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَالشَّجَاعَةِ وَالسَّخَاءِ وَالسَّمَاحَةِ»(1).
وهناك معانٍ مجازية أو سياقات إنتاجية وتوليدية أخرى تمثّل أفعالاً كلامية إنجازية غير مباشرة يمكن رصدها في العهد الشريف، وبدا لنا أنّ السياقات الإنتاجية التي تمثل قوى إنجازية (أفعال كلامية غير مباشرة) هي الأكثر حضوراً ووروداً في العهد المبارك.
ص: 102
ص: 103
ص: 104
حان الحين أن نستجلي أهمّ قطاف هذا البحث (أثر القوائم في تنشيف الدلالات) عهد الإمام (عليه السلام ) ل (مالك الأشتر) أنموذجاً.
أولاً: تبدّي لنا أنّ القوائم والجداول، وما تنطوي عليها من عناصر وبيانات لها أهمية في حصر المعلومات وتقييدها ومن ثمّ فهمها واقتناص دلالاتها بسرعة.
ثانياً: وظّف الإمام علي (عليه السلام) في عهده المبارك مجموعة كثيرة ومتنوّعة من القوائم والجداول وقد انتظمت فيها أرقام وعناصر متعددة، وهو أمر يدلّ على الإحاطة المعرفية الوسيعة للإمام علي (عليه السلام)، ودرايته بالمجالات التداولية الثقافية
ص: 105
السائدة آنذاك، زد على ذلك المنظور المستقبلي والاستشرافي الذي ترسمه (عليه السلام).
ثالثاً: استثمر الإمام علي (عليه السلام) في ظل معاينتنا للقوائم التي ترشحت من العهد الشريف القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وهذا ما ألفيناه في العهد المبارك في ضوء الإحالات المرجعية الماتعة عليها، تصريحاً وتلميحاً.
رابعاً: كشفت القوائم التي تحصلت في العهد المبارك أنّ الإمام (عليه السلام) قد رعى فطنة المتلقي مالك الأشتر من جهة، والباصر بالمجال التداولي (الواقع المعيش) لذا رأينا ظهور قاعدتي التخاطب اللساني (الافتراض المسبق)، و (القول المضمر) في تلكم القوائم.
خامساً: في ظلّ معاينة القوائم والجداول التي تحصلت من العهد الشريف وجدنا أنّ الأفعال
ص: 106
الكلامية غير المباشرة التي تمثل قوىً إنجازية وتأثيرية (سياقات إنتاجية وتوليدية) هي الأكثر وروداً وبزوغاً، بخلاف الأفعال الكلامية المباشرة.
والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.
****
ص: 107
* آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر، محمود أحمد نحلة، د. ط، دار المعرفة الجامعية، مصر، 2002 م.
* الأثر القرآنيّ في نهج البلاغة، الدكتور عباس علي الفحّام، مطبعة الرافدين، بيروت، ط 1، 2010 م.
* أساس البلاغة، جار الله أبو القاسم محمود الزمخشري (538 ه) تقديم الدكتور محمود فهمي حجازي، سلسلة الذخائر المؤسّسة العامة لقصور الثقافة، مصر، 2003 م.
* استراتيجيات الخطاب (مقارنة لغوية تداولية) د. عبد الهادي بن ظافر الشهري، ط 1، دار الكتاب الجديدة، 2004 م.
* الإيضاح في علوم البلاغة العربية، الخطيب القزويني (ت 739) القاهرة، د. ت.
* البرنامج الأمثل لإدارة الدولة وقيادة المجتمع في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر، السيد حسين بركة الشامي، ط 2، دار الإسلام، بغداد، 1429 ه، 2008 م.
ص: 108
* بلاغة النهج في نهج البلاغة، الدكتور عباس علي الفحام، د 1، دار الرضوان، الأردن، 2014 م، 1435 ه.
* بيان إعجاز القرآن، أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي (ت 88 ه)، مطبوع ضمن كتاب (ثلاث رسائل في إعجاز القرآن للخطابي والرماني و الجرجاني)، تحقيق: عبد الوهاب رشيد، ود. عصام فارس الحرستاني، ط 1، دار عمار، الأردن، 1434 ه - 2013 م.
* تاج العروس من جواهر القاموس، محمد بن محمد مرتضى الزبيدي (ت 1250 ه) منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، (د. ت).
* التداولية عند العلماء العرب، دراسة تداولية لظاهرة الأفعال الكلامية في التراث اللساني العربي، مسعود صحراوي، ط 1، دار الطليعة، بیروت، 2005 م.
* التداولية واستراتيجية التواصل، ذهبيّة حمو الحاج، ط 1، دار رؤبة، 2015 م.
* التمهيد في أصول الفقه، الدكتور صدر الدين فضل الله، ط 1، دار الهادي، بيروت، 1422 ه - 2002 م.
* الجداول الجامعة في العلوم النافعة، الدكتور جاسم
ص: 109
بن محمد بن مهلهل الياسين، ط 3، مؤسسة الريان، بیروت، 1431 ه - 2010 م.
* جمع البيانات وطرق المعاينة، د. حسين علوان مطلق، ط 1، العبيكان للنشر، الرياض 1431 ه - 2010 م.
* دروس في علم الأصول، السيد محمد باقر الصدر (1400 ه) مؤسسة النشر الإسلامي، طهران، د. ت.
* دليل الباحثين في المنهجية والترقيم والعدد والتوثيق، د. عبد الرحمن إبراهيم الشاعر، ود. محمود شاكر سعيد، ط 1، دار صفاء، الأردن، 2011 م - 1432 ه.
* شرح ابن عقیل: بهاء الدين عبد الله بن عقيل المصري (ت 769 ه) تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، ط 1، مطبعة منير، بغداد، 1986 م.
* شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المدائني المعتزلي (656 ه) تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء التراث العربي، القاهرة، 1969 م.
* صحیح مسلم للإمام أبي الحسن مسلم بن الحجاج (ت 261 ه)، اعتنى به أبو صهيب البكري، بيت
ص: 110
الأفكار الدولية، السعودية، 1998 م.
* فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري (ت 1281 ه) ، ط 1، المطبعة: باقري، قم، 1419 ه.
* قراءات لغوية في النص الديني (دراسة في النقد التفسيري) الدكتور سيروان عبد الزهرة الجنابي، ط 1، دار الأمير، النجف، 1437 ه - 2016 م.
* القاموس المحيط، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي (ت 817 ه)، دار الفكر، بیروت، 1403 ه - 1983 م.
* اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، الدكتور طه عبد الرحمن، ط 3، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، - 2012 م.
* اللسانيات التداولية في الخطاب القانوني (قراءة استكشافية للتفكير التداولي عند القانونيين) الدكتور مرتضی جبار كاظم، ط 1، مكتبة عدنان، بغداد، 1436 ه - 2015 م.
* المصباح المنير، أحمد بن محمد بن علي الفيومي (ت 770 ه) ط 1، مكتبة الإيمان، مصر، 2008 م.
* المعالم الحضارية في نهج البلاغة، الشيخ باقر
ص: 111
شريف القرشي، تحقيق مهدي باقر القريشي، ط 1، مطبعة ستارة - إيران، 1413 ه - 2012 م.
* معجم اللغة العربية، الدكتور أحمد مختار عمر (ت 1424 ه) ط 1، مصر، 1419 ه - 2008 م.
* المعجم الوسيط، د. إبراهيم مصطفى، وأحمد حسن الزيات وحامد عبد القادر ومحمد علي النجار، مؤسسة الصادق - طهران، د. ت.
* مقاييس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زکریا (ت 395 ه) رتّبه وصحّحه إبراهيم شمس الدين، ط 1، شركة الأعلمي، بيروت، 1433 ه - 2012 م.
* مهج الدعوات ومنهج العنايات، رضي الدين أبو القاسم علي بن موسی ابن طاووس الحلي (664 ه)، ط 1، منشورات الفجر، بيروت، 1433 ه - 2012 م.
* موسوعة المصطلح في التراث العربي الديني والعلمي والأدبي، الدكتور محمد الكناني، ط 1، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 2001 م.
* میثاق إدارة الدولة في عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) لمالك الأشتر، الشيخ زین العابدین قرباني، ط 1، قم المقدسة، 2011 م.
ص: 112
نظرية أفعال الكلام العامة كيف تنجز الأشياء بالكلام؟ جون أوستن، ترجمة عبد القادر قنیني، ط 1، أفريقيا الشرق، المغرب، 2008 م.
* نهج البلاغة، الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام )، ضبط نصه وابتكر فهارسه العلمية، الدكتور صبحي الصالح، الطبعة الأولى، بيروت، 1967 م.
* نهج البلاغة، تحقيق السيد هاشم الميلاني، ط 1، د. ط، إيران، 1436 ه - 2015 م.
الرسائل الجامعية
* رسائل ابن الأثير (دراسة في ضوء علم اللغة النصيّ) علي صبري علوان. (رسالة ماجستير)، كلية التربية، قسم اللغة العربية، الجامعة المستنصرية، 2015 م.
البحوث والدوريات:
* إسهام الحكومة العلوية المثالية في رمزية مدينة الكوفة، الدكتور رحيم كريم الشريفي، بحث مقدم إلى مسجد الكوفة / جائزة سيد الأوصياء (عليه السلام) العالمية للإبداع الفكري، والأدبي، مخطوط.
ص: 113
* السياقات الإنتاجية للخطاب الإنشائي في نهج البلاغة، (أسلوب النداء أنموذجاً) الدكتور رحیم کریم الشريفي، والدكتور حسين المحنى، مجلة دواة، المجلد الأول، العدد الثالث، قسم الإعلام، العتبة الحسينية المقدسة، كربلاء، 1436 ه - 2015 م.
* معالم إنسانية الإمام علي (عليه السلام) في عهده ل (مالك الأشتر) (دراسة تحليلية)، الدكتور رحیم کریم الشريفي، والدكتور حسن كاظم أسد، مقدم إلى مؤتمر الغدير العالمي الثالث، العتبة العلوية المقدسة، 2014 م - 1435 ه (مخطوط).
ص: 114
مقدمة المؤسسة...5
المقدمة...9
المطلب الأول أثرُ القوائم في الثقافة (مقاربة تداولية)
أولاً: القوائم مقاربة تأصيلية:...15
ثانياً: أهمية القوائم في الثقافة التداولية:...19
المطلب الثاني القوائم في عهد الإمام (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضوان الله عليه) دراسة تطبيقية
القائمة الأولى: أعمال الوالي ووظائفه:...33
القائمة الثانية: صفات الوالي والقائد الإيمانية:...36
القائمة الثالثة: قائمة ذخائر العمل الصالح:...38
القائمة الرابعة: معايير قبول الأعمال لدى الإنسان...41
ص: 115
القائمة الخامسة: صفات المُبعدين عن المشاورة....43
القائمة السادسة: طبقات الرعيّة:...44
القائمة السابعة: واجبات الجنود ومسؤولياتهم:...47
القائمة الثامنة: صفات القائد المثالي:...48
القائمة التاسعة: صفات القاضي:...51
القائمة العاشرة: واجبات الوالي تجاه القاضي:...53
القائمة الحادية عشرة: معايير اختيار العمّال:...55
القائمة الثانية عشرة: صفات كُتّاب الديوان:...57
القائمة الثالثة عشرة: أقسام التجّار وأهل الصناعات:...59
القائمة الرابعة عشرة: أعمال التجّار الإيجابية:...60
القائمة الخامسة عشر: صفات التجّار السلبية:...61
القائمة السادسة عشرة: أصناف الطبقة السفلى:...63
القائمة السابعة عشرة: مساويء احتجاب الوالي عن الرعيّة:...64
القائمة الثامنة عشرة: وصايا تعامل الوالي مع البطانة (الحاشية):...66
القائمة التاسعة عشرة: فوائد الصلح المحمود:...67
القائمة العشرون: عواقب سفك الدماء:...68
ص: 116
المطلب الثالث المقاربات التداولية في قوائم عهد الإمام (عليه السلام)
أولاً: المعجم القُرآنیّ والحديثي:...77
ثانياً: قواعد التخاطب اللساني:...86
ثالثاً: الأفعال الكلامية المباشرة وغير المباشرة:...95
خاتمة البحث ونتائجه...103
مصادر البحث و مراجعه...108
ص: 117