غنية الناسکين في احکام الحجاج و المعتمرین

هوية الکتاب

جمَمِيعُ الحُقُوقِ محَفُوظَة

الطَّبعَةُ الثَّانِيَة

مَزِيدَة ومُنقَّحَة

1424ه- / 2003م

النَّجف الأشرف

آيت الله العظمي السيد علاءالدين الموسوي الغريفي دامت برکاتة

ص: 1

اشارة

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ

[وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ اَلبَيتِ مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ] ( 97

) سورة آل عمران

[وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ] (27) سورة الحج

ص: 3

بِسْمِهِ تَعَاَلى شَأنُهُ وَلَهُ الحَمْد

لاَ بَأسَ بالعَمَلِ بِهَذِه الرِّسَالَةِ الشَّريفَةِ الجَّامِعَةِ لِمُهِمَّاتِ مَا يَحْتَاجُه الحُجَّاجِ الكِرَامِ المُسَمَّاةِ ب- (غُنْيَةُ النَّاسِكِينَ في أَحْكَامِ الحُجَّاجِ وَالمُعْتَمِرينَ) حَسَبَ طَلَبِ رَهْطٍ كَبِيٍر مِنَ المُؤْمِنِينَ (وَفَّقهم الله ) ممَّا أدَّى إلَيهِ نَظَرُنَا مَعَ المُحَافَظَةِ عَلَى جَانِبِ الاحتياط فَإنَّهُ مُجْزٍ وَمُبْرئٌ لِلذِّمَّةِ إِنْشَاءَ الله تَعَالى.

ص: 4

كَلِمَةُ النَّاشِر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ

الحمد لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على محمد وآله الطَّيبين الطَّاهرين وصحبه المنتجبين ، واللَّعنة الدَّائمة على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدِّين وبعد : -

فإنَّ مناسك الحجِّ والعمرة من الفرائض المهمَّة الَّتي فرضت وشرِّعت لغايات وعلل سامية تنتهي بمن يؤدِّيها إلى فوائد ومنافع كثيرة دنيويَّة وأخرويَّة كما قال تعالى عزَّ اسمه [ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ].

كما هي رحلة عباديَّة مقدَّسة توصل المكلَّف بها وتقرِّبه إلى الباري جل جلاله كلٌّ على قدر طاعته وامتثاله وأدائه وتطبيقه لفتاوى من يقلِّده من مراجعنا العظام (رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين).

لذا فمن دواعي سرور مؤسَّستنا (مؤسَّسة الشَّريف العلاَّمة الفقيه السيد حسين الغريفي الله الثَّقافيَّة) أن تقوم بنشر أحكام الحجِّ والعمرة لفتاوى سماحة سيِّدنا آية الله العظمى الفقيه الورع (السِّيد عَلاَءِ الدِّين المُوسَوي البحراني الغُرَيفِي) (( دامت بركاته )) باسم (غُنية

ص: 5

النَّاسكين في أحكام الحجَّاج والمعتمرين ) الطَّبعة الثَّانية المنقَّحة من قبل سماحته بعد نفاذ الطَّبعة الأولى ، تلبية لإلحاح المؤمنين في طلبهم من سماحته من خلال تعلُّقهم بأسلوبه ودقَّته واحتياطاته.

ونسأل الله العلِّي القدير أن يديم توفيقاتنا لإنجاز جميع ما يعطيه يَراعه الكريم ، وأن يديمه لنا ذخراً إنَّه سميع مجيب.

النَّاشر

ص: 6

مقدِّمة

مقدِّمة الطَّبعة الثَّانية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ

وبه نستعين

الحمد لله ربِّ العالمين وصلَّى الله على محمد وآله الطَّيبين الطَّاهرين وبعد:-

لكثرة الرَّغبة من قبل أكثر الطَّبقات المسلمة والمؤمنة وأهل الفضل والعلم بما أنجزناه من كتاب ( غُنية النَّاسكين في أحكام الحُجَّاج والمعتمرين ) من الطَّبعة الأولى - لحسن ظنِّهم بنا وبمجهودنا المتواضع أمام العلم وأهله في إبداء فقهيَّاتنا بما يؤنسهم في الآونة الأخيرة من حيث المطلب والأسلوب - بما قد تسبَّب منه نفوذها قد أحوجنا إلى طبعه ثانياً بعد إبداء نظراتنا وتأملاتنا ثانياً ممَّا قد أخرج هذا المطبوع ولله الحمد بصورة أدق وأصح من حيث الأخطاء المطبعيَّة وغيرها من الطبعة الأولى.

ومن الله نستمد التَّوفيق إنَّه سميع الدُّعاء.

ص: 7

بعض مصطلحات لابدَّ منها

مُقّدِّمَةُ الطَّبْعَةُ الأًوَلَى

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربِّ العالمين بارئ الخلائق أجمعين ، ومتحفهم بشرعه المبين ، على يد خاتم الأنبياء وسيَّد المرسلين ، ومَن خَلَفَه من بعده من آله الأئمَّة الغرِّ الميامين ،والصَّلاة والسَّلام عليه وعليهم أكتعين وعلى أصحابه المنتجبين ، واللَّعنة الدَّائمة على أعدائهم من الآن إلى يوم الدين.

وبعد فيقول العبد الفقير إلى الله الغني المغني (عَلاَءُ الدِّينِ المُوسَوي الغُرَيفِي) عُفي عنه نجل حجَّة الإسلام والمسلمين العلاَّمة الجليل السَّيد موسى الموسوي الغريفي (طاب ثراه).

إنَّ إلحاح الكثير من إخواننا وأبنائنا وبناتنا المؤمنين والمؤمنات ( وفقَّهم الله تعالى) لإنجاز ما يسدُّ حاجتهم الماسَّة من قبلنا من الفقهيَّات السَّهلة الميسَّرة الوافية والمبرئة للذمَّة لحسن ظنَّهم بنا واعتزازاً منهم بإحتياطاتنا المحتاجين إليها خصوصاً في الأيَّام الحاليَّة كما أفاضه علينا أساتذتنا العظام ( رضوان الله عليهم ) في إجازاتهم وتوصياتهم للاحتفاظ بها عمَّا أنجزته بعض إجتهادات معاصرة من هنا وهناك خالفت بعض النُّصوص المعتبرة والسِّيرة المستمرَّة لينتفع به أكبر عدد ممكن لأنَّ الاحتياط سبيل النَّجاة ، وأخصُّ من ذلك ما هو متعلِّق بالحجِّ لحلول

ص: 8

موسمه لبيان مناسكه وأحكامه المحتاج إليها في كل عام.

قد ألزمنا ذلك الإلحاح شرعاً لتلبية طلبهم هذا ووفاءاً منَّا بجميل تقديرهم لنا مع كثرة الأشغال وتبلور البال.

فلبَّينا لهم ذلك اعتزازاً منَّا بهم وبقدر المستطاع - إذ قمنا بتلخيص ما كتبناه في الحجِّ من الموسَّعات - وكمُكمِّل لما قام به جدُّنا الأعلى الفقيه ( السِّيد حسين الغريفي قدس سره) في كتابه (الغُنية) في العبادات تقريباً ، ولمحاولة أن يكون على نهجه الفقهي المقارن ولو في الجملة على ما سيظهر من التَّسنيد المفصَّل لذلك بإذن الله ، إضافة إلى ما يستقرُّ عليه رأينا منه ، لكون كتابه ( الغُنية ) هذا الَّذي كتبه في العبادات ما وصل منه إلينا إلاَّ ما كان مقتضباً للغاية عن أمور الحجِّ ( طبع البحرين) والَّتي ينبغي أن تكونمفصَّلة وعلى مستوى ما سبقه من المطالب، حيث ما ذُكرَ عنه قدس سره فيه إلاَّ سطران فقط كما سيأتي - وممَّا يبدو أنَّ سبب ذلك إمَّا ضياع الباقي أو كونه قدس سره وافاه الأجل إلى هذا الحد من المكتوب -.

وبإتمام كلامنا فيه مع تعليقاتنا على الغُنية (الأساس) وإضافاتنا تكون الدَّورة الفقهيَّة العباديَّة كاملة إلى الحج ولو لبعض الاعتبارات تقريباً وهي حالة الاستغناء عن ذكر الكتب الفقهيَّة الأخيرة المتعارف عليها اليوم وهي الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر والجهاد والتَّولِّي والتَّبرِّي ، وإن اختلف طريق الاستنباط في بعض الأمور لعدم اتِّضاح منهجيَّة استدلالاته في رسالته تماماً في بعضها من أنَّها هل هي مع

ص: 9

الأخبار الواضحة عنده مع الإجماعات فقط أم الأصول ولو إجمالاً مع الأخبار على ما يجمله عنوانها وهو (الغُنية في مهمَّات الدِّين عن اجتهاد المجتهدين) وإن ثبت على نهجنا نحن الأصولييِّن عدم لزوم أو رجحان بل بطلان الاجتهاد في بعض أو حتَّى كثير الأحوال كما في الضَّروريَّات أو اليقينيَّات أو القطعيَّات من الإجماعات المتقنة من الدِّين ونحو ذلك المرتبطة بزمانه الَّذي قد تتوفَّر فيه بعض الأمور الَّتي لم تتوفَّر عندنا الآن لكون بعض الأصول اليوم لابدَّ منها في مجالات الانسداد الصَّغير.

وسميِّناه ب- (غُنية النَّاسكين في أحكام الحجَّاج والمعتمرين) تيمُّناً باسم كتاب (الغُنية) له قدس سرهمع الإضافة الجزئيَّة والتَّبديل الجزئي للعنوان.

وهذان السَّطران عن هذا الفرض هما قوله قدس سره : -

(الإجماع على أنِّ الحجَّ واجب على كلِّ مستطيع في العمر مرَّة واحدة ، والمذهب أنَّه على الفور في عام الوجوب، وأن) انتهى.

ولذا فقد شرعنا بهذا الإكمال الخاص لدورة العبادات الأساس هذه بكتاب الحجِّ ، هذا الَّذي نرجو أن يكون وافياً بالغرض، وأعقبناه بمختصر زيارة النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ والزَّهراء عَلَيْها اَلسَّلاَمُ وأئمَّة البقيع عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ في المدينة المنوَّرة وجعلناه مع تسنيداته أيضاً جزءاً من أجزاء دورة رسالتنا العمليَّة المسمَّاة ب- (غُنية المتَّقين في أحكام الدِّين) ذات الأجزاء العديدة الشَّاملة لتفضيلات أو لإشارات من الأدلَّة وبعض منقولات العامَّة من

ص: 10

النصوص المطابقة لفقهنا وبعض التَّعليلات من حكم التَّشريع الميسورة.

فنسأل الله تعالى أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم مستفيدين من خبرة من سبقنا من أساتذتنا العِظام، مع ما توصَّلنا إليه نظريَّاً وتطبيقيَّاً ممَّا وفِّقنا إليه من ممارسة المناسك الشَّريفة في بقاع الحجِّ المنيفة لخمس مرَّاتمنها مرَّتان كانتا في عامين متعاقبتين أُولاها في حدود عام 1395ه- المصادف 1976م وثانيها في عام 1396 ه- المصادف 1977م كرئيس بعثة دينيَّة للإمام المقدَّس الشَّاهرودي الله ولسماحة آية الله العظمى نجله الأكبر أستاذنا (دام ظلُّه) آنذاك، والباقي في الأعوام الأخيرة لهذه السنين وآخرها في عام الطَّبعة الثَّانية لهذه المناسك من هذا العام لما دعتنا إليه مسؤوليَّتنا الشَّخصيَّة تجاه من يرجع إلينا، مع إضافة بعض الملاحظات والاحتياطات المهمَّة والممكنة لصالح العلمين الماضيين مع الفوائد المهمَّة المستعرضة تحت خط من صفحات الكتاب الَّتي تحتاج إلى ذلك.

ونسأله أيضاً أن يوفِّقنا لإنجازه وافياً بالغرض المهمِّ لطلاب الفقاهة والنَّاسكين ممَّن يرجع إلينا وغيرهم، ومسبِّباً قبول عمل الجميع ومصحوباً بدعوات مولانا صاحب العصر (عجَّل الله فرجه الشَّريف) للتَّسديد والتَّأييد، إنَّه سميع الدعاء.

ص: 11

بَعْضُ مُصْطَلَحَاتٍ لاَبُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا

إنَّ من المناسب قبل البدء بمواضيع الكتاب أن نذكر بعض شروح المصطلحات وبيان بعض التَّعاريف وهي: -

1 - الوجوب : في هذه الرِّسالة هو إلزام المكلَّف بفعل ما يحرم تركه شرعاً مع العقاب عليه إذا حصل التَّرك، للأوامر الإلهيَّة به.

2 - الحرمة: هي إلزام المكلَّف بترك ما يحرم فعله شرعاً مع العقاب عليه إذا ارتكب المحرَّم، للنَّواهي عنه.

3 - الاستحباب: هو ترجيح فعل الشَّيء على التَّرك شرعاً مع الإثابة على فعله لو كان، وتجويز تركه بلا إثم فيه، للأوامر الخفيفة.

4 - الكراهة: هي ترجيح ترك الشَّيء على فعله شرعاً مع الإثابة على التَّرك، وتجويز فعله بلا إثم فيه، للنَّواهي الخفيفة.

5 - الإباحة: هي التَّخيير بين فعل الشَّيء وعدمه بلا ترجيح شرعي، لأنَّهما سواء في نظر الشَّرع الشَّريف.

6 - الجواز : بمعنى الإباحة، ولا أقل من عدم الحرمة وإن كان مكروهاً لأنَّ كل مكروه جائز.

7 - الأقوى: فتوى يحرم ترك العمل بها.

8 - الأظهر: فتوى كذلك.

9 - الأحوط وجوباً: كالفتوى.

ص: 12

10 - الأحوط إستحباباً: كالمستحب.

11 - ابتداء المسألة بالاحتياط: دليل على الوجوب تقريباً.

12 - ذكر الاحتياط بعد الفتوى: دليل استحبابه.

13 - لا مانع، بمعنى الإباحة.

14 - يصح: بمعنى الإجزاء والاكتفاء بالعمل.

15 - يفسد: بمعنى الحاجة إلى الإعادة إذا كان الشَّيء واجب الأداء في وقته.

16 - الجاهل القاصر: هو الَّذي لم تمر عليه في حياته آية معلومة دينيَّة من أيَّة وسيلة من وسائل الإيضاح المفيدة كالبدوي القديم والمتوحِّش ونحوه من أشباه البهائم وإن وجب بذل الجهد في سبيل تعليمه مع الإمكان على الآخرين.17 - الجاهل المقصِّر: هو الَّذي تتوفَّر أمامه وسائل الإيضاح المعلِّمة دينيَّاً وهو يعلم إجمالاً بوجود شيء من ذلك وكان قادراً على الاستيضاح وتراه مع هذا يتقاعس عن التَّعرف عليها ليلتزم بوظائفه.

18 - المقصِّر الملتفت: هو المتفتِّح فكريَّاً أكثر من ذي قبل مع تلك الوسائل مع تقاعسه عن واجباته لكونه لا يعلم لأنَّه لم يتعلَّم.

19 - المقصِّر غير الملتفت: هو من لم يكن عنده ، أي انفتاح فكري مع تلك الوسائل كالأبكم، مع علمه إجمالاً لا تفصيلاً بإمكان إزالة هذه الحاجبيَّة عن عدم الانفتاح للعلم ولو بواسطة الغير.

20- كل عبادة فيما بين خطَّين في هذه الرِّسالة الشَّريفة هو حشو أو

ص: 13

جمل معترضة لا تخلو عن فائدة.

وهناك أمور أخرى استغنينا عن ذكرها الآن ، لأنَّها ذكرت في مواقع الكلام الآتي مع التَّوضيح المناسب لها في مضامين هذا الكتاب وغيره من الفقهيَّات، ومن الله التَّوفيق.

ص: 14

مَعْنَى الحَجِّ

معنى الحجِّ لغةً هو مطلق القصد.

وشرعاً هو قصد خاص لموقع خاص وهو بيت الله الحرام وملحقاته لأداء أعمال خاصَّة وهي أعمال الحجِّ بأقسامه الثَّلاثة والعمرتين، التَّي سوف تمرُّ تفاصيلها على المتفقِّه وطالب التَّفقُّه والحاجِّ الكريم من خلال بيان المناسك الكريمة.

وُجُوبِ الحجِّ

( مسألة 1) يجب الحجُّ على كلِّ مكلَّفٍ جامعٍ لشرائط التَّكليف الآتية بوجوبٍ ثابت في الكتاب والسنَّة القطعيَّة والإجماع العام، بل الضَّرورة الدِّينيَّة لكونه ركناً من أركان الدِّين الحنيف وجوباً وأداءاً والفوريَّة ثابتة فيه لبعض الأدلَّة، كأدلَّة المسارعة وحرمة التَّسويف وعدم ضمان تحقيقه في العام الآتي أو الَّذي بعده لو حصل الوجوب وعليها العمل مع الإمكان التَّام.

وتركه مع الاعتراف بثبوته معصيةٌ كبيرة وبه إثم وتعزير مع القدرة، وبتكراره كذلك ثانياً إثمٍ أشد، وتركه ثالثاً يوجب القتل مع القدرة أيضاً، ولكنَّ الأحوط هو التَّعزير كما في سابقيه مع ذلك الإثم الأشد الموجب للاستغفار في حينه وكون القتل في الرَّابعة حقناً للدِّماء جهد الإمكان لما ورد من الاحتياط فيها على أساس ما ذكرناه من

ص: 15

القتل مع بسط اليد.

وإنكار أصل الفريضة إن لم يكن مستنداً إلى شبهة توجب الحمل على الصحَّة كفر وارتداد - إن كان فطريَّاً - يوجب القتل فوراً بلا استتابة، وإن كان مليَّاً يستتاب إلى ثلاثة أيَّام وإن لم يتب الأخير يُقتل في نهايتها كذلك.

وإنَّما يعطَّل القتل لهذا الأخير لكونه أخفض من مستوى الفطري، لكون الملِّي هذا كان كافراً في أساسه والفطري أساسه مسلم ، والمسلم حسابه أشدُّ ممَّن أصله من أهل الكفر.

والمرأة المرتدَّة تُستتاب من دون قتل، بلا فرق بين الفطريَّة والمليَّة رأفةً بها، ولكنَّها تُحبس ويضيَّق عليها في المطعم والمشرب مع التَّركيز على توجيهها، وتضرب أوقات الفرائض إلى أن تدركها الهداية لما كانت عليه من الهداية أوَّلاً، قال تعالى : -

(وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنْ اِسْتَطَاعَ اِلَيهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَفَاِنَّ الله غَنِيٌ عَنِ العَالَمِينَ).

وروى الشَّيخ الكليني بطريق معتبر عن أبي عبد الله الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قال: -

(مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجْ حَجَّةَ الإسْلاَمِ وَلَمْ يَمْنَعُه مِنَ ذَلِكَ حُجَّةٌ تُجْحِفُ بِهِ أوْ مَرَضٍ لاَ يَطِيقُ مَعَهُ الحَجُّ أو سُلْطَانٍ يَمْنَعُهُ فَلْيَمُتْ يَهُودِّياً أو نَصْرَانِّياً).

بل إنَّ بعض الأدلَّة الَّتي منها ما ذكرناه من الآية والرِّواية ما يفيد بظاهره أنَّ مجرَّد التَّرك يوصل إلى الكفر وإن لم يكن مرتبطاً بارتداد،

ص: 16

لأهميَّة هذه الفريضة، ولذا حرم التَّسويف شديداً.

ولكن قد تحمل النِّسبة إلى الكفر في هذا المورد على كون الإثم الحاصل من التَّرك مع عقوبته هو نفس إثم وعقوبة الكفر أُخرويَّاً ، وإن لم يكن ذلك كفراً حقيقيَّاً يوجب النَّجاسة والقتل كما هو الظَّاهر.

( مسألة 2) الحجُّ إذا وجب على مكلَّف يجب عليه القيام به بنفسه مع استطاعته البدنيَّة ومقدرته الماليَّة وعدم وجود أي مانع آخر، ولا يجوز بل ولا يصح منه أن ينيب مكانه أحداً ليقوم به عنه إلاَّ إذا تعذَّر عليه القيام به فيجوز قيام غيره مقامه نيابة عنه كما سيجيء في باب النِّيابة.

عَلَى أيِّ نَحْوٍ مِنَ العَلْمِ يَجِبُ القَيَامُ بِالحَجِّ ؟

( مسألة 3) الحجُّ كبقيَّة الواجبات يجب أن يناط فهمه والتَّفقُّه بأحكامه وتطبيقه على طبق ما تريده الشَّريعة المقدَّسة من المكلَّف، وعلى ما أفتى به الفقهاء المجتهدون اجتهاداً بأحكامه أو تقليداً منه للمجتهد الجامع للشَّرائط أو احتياطاً على ما هو مفصَّل في رسائلنا العمليَّة في أوائل مطالبها الشَّرعيَّة أيَّام الغيبة الكبرى.

فلو تعرَّف المكلَّف سطحيَّاً على بعض الأمور ومن دون ارتباط بأحد الأمور الثَّلاثة المذكورة أعلاه، أو ذهب إلى بقاع الحجِّ المقدَّسة وعمل بما يراه من أعمال عامَّة المسلمين المختلفة في الفروع وعلى اختلاف المباني فيما بين مذاهبهم من دون ارتباط بأحد هذه الأمور

ص: 17

الثَّلاثة عامداً، فإنَّ عمله ذلك يكون باطلاً لا محالة إذا خالف الواقع، إلاَّ إذا رجع وركن إلى أحد تلك المعالم الثَّلاثة فكان مفيداً له حسب تكليفه الشَّرعي تجاه أحدها أو عرف أنَّ أعماله التَّي عملها هي قد كانت مطابقة للواقع الَّذي كان على طبق أحد تلك الثَّلاثة الذي تعيَّن عليه - مع إحراز كون نيَّة عمله الَّذي أجراه لأداء الأمرالواقعي الَّذي عليه وفي ذمَّته قربة إلى الله تعالى ومن غير أن يكون عناد في ترك وظيفته الشَّرعيَّة على نهج أحدها - فهو صحيح حينئذ.

مع الاحتياط استحباباً بالإعادة مع المقدرة ثانياً في العام الآتي الَّذي بعده أو ما بعده الآخر من الأعوام الأخرى.

حَجَّةِ الإسْلامِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا

والواجب منه في أصل الشَّرع على الرِّجال والنِّساء والخناثى بالشُّروط الآتية قريباً في العمر مرَّة واحدة وهي المسمَّاة بحجَّة الإسلام، ولا تتكرَّر إلاَّ إذا تضاءلت - في بعض الأعوام - نسبة الحجَّاج إلى حدٍّ يوجب الهتك الكمِّي في قلَّته احتراماً لحرمة هذه الفريضة الَّتي يجب فيها أن تعظَّم شعائر الله بها بالكثرة المناسبة بنحو الوجوب الكفائي.

هذا هو الأصل في الحجِّ وقد يكون من الواجب ما يجب بالعارض وهو أمور: -

1 - ما يجب بالنَّذر وشبهيه (العهد واليمين)، وسوف يأتي بيان صيغها ومسائلها في باب (الحجِّ الواجب بالنَّذر والعهد واليمين).

ص: 18

2- ما يجب بالإيجار بعد العقد إيجاباً وقبولاً وأخذ بدل الإيجار.

3- ما يجب بالإفساد - للواجب السَّابق - من الإعادة، وكذا المستحب بعد التَّلبُّس به وإفساده.

4- ما يجب قضاءاً عن الوالد من قبل الابن الأكبر، وأخصُّ منه حالة الإيصاء له مع تحمُّل الوصيَّة ، ويلحق بذلك الوالدة احتياطاً.

5 - ما يجب تنفيذه من الوصيَّة لغير الولد الأكبر الذَّكر بعد تحمُّل الوصيَّة من قبل الوصي، سواء كان من الأقارب أو الأباعد، على أن يحجَّ بنفسه إن كانت الوصيَّة في خصوص هذا الأمر وأن ينفِّذ هذا الأمر، ولو بأن يكلِّف شخصاً آخر إذا كانت الوصيَّة في عموم الأمر الأدائي بل حتَّى إذا خصَّ الوصي به لو تعذَّرت مباشرته.

6- ما يجب على من تعذَّر عليه بنفسه لمرض مثلاً وأناب غيره ثمَّ زال العذر واستطاع.

مَنَاسِكُ الحَجِّ لاَ جُموُدَ فيهَا

قد يتصوَّر البعض من غير المتديِّنين ومن المتقاعسين عن عبادة اللهتعالى والسَّطحيين من الملتزمين لشُبهٍ لا قيمة لها أنَّ أفعال الحجِّ تعد من الطُّقوس الجامدة والالتزامات الَّتي لا داعي لها.

بينما غيرهم من المتدينِّين وروَّاد عبادة المعبود جلَّ شأنه من أهل البصائر - شكراً لأنعمه - عرفوا ويزدادون معرفة - كلمَّا أحبُّوا التَّوسُّع في الاطِّلاع ببراءة وحسن نيَّة على ما كتب في هذا الباب من المعلومات

ص: 19

المنيفة وما ورد فيه من الكتاب الكريم من الذِّكر الحكيم والرُّوايات الشَّريفة عن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ والأئمَّة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ - بأنَّ من حسنت عقيدته في المعبود جلَّ شأنه لا يهمُّه عند إدراكه وجوب عبادته لشكر نعمته - وبالأخصِّ من ارتقى إلى درجات عالية - أمر تلك العبادة في إيجابه على نفسه التَّعبُّد بها، سواءاً ظهرت فيها علَّة تشريعيَّة أو لم تظهر إذا تأكَّد من نصوص تشريعها المعتبرة عنده الَّتي هي على مستوى ضبطه المهم لعقيدته الحقَّة وان كان ذلك بواسطة المجتهد الَّذي يقلِّده.

ومع ذلك فقد ورد الكثير من الحِكم التَّشريعيَّة لهذه الأمور أو بعضها الَّتي قد تصلح أن تكون مقنعة وان كانت على الأقل من مستوى العلل ، فلا يحق لأولئك الجهَّال بعد هذا أن يبنوا ما قالوه أو يقولونه على طبق جهالتهم أو تقاعسهم عن التَّفهم لذلك بما أوضحناه، لأنَّ ( النَّاس أعداء ما جهلوا ) وسوف لن يوفقوا مع وجود أهل البصائر إلى شيء من ذلك بإذن الله تعالى إن عاندوا الحق وأهله.

وقد تكون مثل هذه الإثارات من بعض أولئك المسلمين - لغرض عدم انتقاد النَّاس لهم ممَّا يجعلهم في وهم ِكونهم على حق فيما يتصوَّرون - حينما هم متموِّلون مستطيعون للحجِّ متخلِّفون عنه تهرُّباً عنه حتَّى لا يخسروا أموالاً في سبيل الحجِّ، مع كونهم عالمين بما ينفقونه في سبيل أسفار أخرى تافهة للاستجمام غير الضَّروري ونحوه، بل حتَّى أسفار محرمَّة والى بلدان مليئة بالبذخ ومنغمرة بالمنكرات والفسق والفجور وإلى مثل أوربَّا ونحوها من بعض البلدان الإسلاميَّة المتساهلة وللأسف.

ص: 20

وأين هذا من مطاوعة أمر الله لشكر نعمه وإن لم ينفع هذا كافراً

- لا دينيَّاً - لعناده أو مسلماً مستهتراً في ضروريَّات الدِّين ممَّن لم يدخل الإيمان في قلبه.

وعلى أيِّ حال فالحج لا شكَّ في أنَّه حُجَّة على المسلم الَّذي في ذهنه شيء من العقيدة فضلاً عن الكافر في بعض مصاديقه إذا فرض على نفسه شكر المنعم لو كان ممَّن يوحِّد الله في بعض حالاته وإن لم تكنإسلاميَّة، وأمَّا الأقل من هذا المستوى فهو المكلَّف في عقيدة الإسلام وعباداته بما فصَّلناه في كتابنا (غاية المسؤول التَّكليف بالفروع للكفَّار بالأصول).

ومن يحب أن يتعرَّف على هذه الحِكم الَّتي أشرنا إليها فليس بممنوع عنه، ولكن لا على أن تكون هي العلل لكون منصوص العلَّة نادراً.

ولانقراض بعض المصادر أو تبعثر رواياتها - من قبل أعداء الدِّين قديماً أو حديثاً ممَّا قد يفيد ذلك - واعتزازاً بالتَّعبُّد مع عدم العثور عليها - مع ضمان كون الحجِّ ضرورياً في جميع التزاماته ولا يختلف فيه اثنان من المسلمين في جميع مذاهبهم ، ممَّا يُعوِّض عن النُّصوص الفرعيَّة -.

تكون في بعض تلك الأعمال بامتثال أوامرها - من دون إلحاح في التَّعرف على عللها - فضيلة مهمَّة أكثر ، لأنَّ ذلك المظهر على ما هو عليه يمثِّل حالة من معاني العبوديَّة والشُّعور بها ، وبالأخصِّ لمن يحب الارتقاء إيمانيَّاً وعرفانيَّاً.

ففي المقام قد ذكرنا ما تيسَّر لنا بيانه في هذا الكتاب لئلاَّ يكون

ص: 21

عدمه تركاً لشيء يُحتاج إليه ممَّا يتعلق بأمر أسرار تشريع الحجِّ من حيث العموم ولو في الجملة.

ثمَّ قد نوَّفق لذكر حكم تشريع أعماله عند عرض مواضعها بما يناسب المقام المختصر كلٌّ بحسب موقعه إن شاء الله تعالى مع الإمكان.

فَوَائِدُ الحَجِّ

قد فرض الله الحجَّ لما فيه من المنافع المتعدِّدة كما في مضامين قوله تعالى [لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ] من آيات الحجِّ المتعدِّدة ، وهذه جملة من الفوائد ، وهي : -

1- امتثال أمر الله تعالى وتلبية نداء إبراهيم الخليل عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، وإطاعة نبيِّنا نبي الرَّحمة في هذه العبادة الَّتي يجب أن تكون مقرونة بأحسن قصد قربي، لا للانتفاع الدُّنيوي وقصد النُّزهة والتِّجارة ، وبذلك يخرج المرء من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه كما عن أبي عبد الله الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ حيث قال كان أبي يقول ( مَنْ أمَّ هَذَا البَيْتَ حَاجَّاً أو مُعْتَمِرَاً مُبَرَّئاً مِنَ الكِبْرِ رَجَعَ مِنْ ذُنوبِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوَمَ وَلَدَتْهُ أُمُّه ).

2- اختلاط المسلم بإخوانه المسلمين من كافَّة بقاع الأرض بأحسن ألوان المعاشرة الدِّينيَّة والأخلاقيَّة، من غير تفريق بين الأسود والأبيضوالطَّويل والقصير والعربي والأعجمي والرَّفيع والوضيع والرئيس والمرؤوس ولكافَّة المذاهب، وكأنَّ تلك الأيَّام أيَّام مؤتمر إسلامي حُر عام استصلاحي بل إصلاحي، يتبادل فيه المسلمون أفكار

ص: 22

المودَّة الجامعة لكافَّتهم، ولحل المشاكل النَّوعيَّة ولتذويب الفوارق العصبيَّة الَّتي لا تجر إلاَّ إلى التَّفرُّق أو إدامته ممَّا لا تخفى على أحد من غيارى المسلمين على هذا النَّوع البشري الإسلامي المظلوم من نفس أبنائه على اختلاف مذاهبه كما مرَّ، وعلى نهج موحَّد طالما سعى له النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وأهل بيته الطَّاهرون.

كما لو يشعر الجميع بحالة عدم الفرق بين كلٍّ منهم إلاَّ بالتَّقوى وحِسان الأعمال مع خالص النَّوايا ، وليشعر المسلم بما يحتاجه أخوه المسلم شعوراً جديَّاً كمحاولة إزاحة تخلفه ومنه جهله أو فقره وهكذا.

3- الشُّعور المستحضر لدى كلِّ حاجٍّ قاصد تلك البقاع من كلِّ مكان بعيد بتضرُّع خالص لله - لا كما كان للمارَّة المستطرقين فإنَّ إحرامهم وحجَّهم وإن كان قد يكون واجباً عليهم أو مستحبَّاً لهم وصحيحاً منهم في بعض وجوهه ولكنَّه ليس كالقاصد المتفرِّغ لقصده - وكأنَّ يوم الحجِّ يوم أكبر وبالأخص لو كان يوم الجمعة، وأشبه ما يكون بيوم القيامة يتذكَّر الإنسان فيه مع ذلك اللِّباس الأبيض وغير المخيط ذلك اليوم وهو الآتي لا محالة وهو يوم الحساب، والكلُّ أعناقهم مشرئبَّة إلى المولى الرَّحيم حيث دعاهم إلى رموز ذات مغازي تشريعيَّة سامية هو أعرف بدقائقها تدعوهم لعبادته بأرفع المعاني والحِكَم.

فلبُّوا ندائه تعبُّداً من دون رفض وإن عرف منها ما قد عرف فما هو إلاَّ خير إضافي على أصل القصد.

4- الإطِّلاع على دقائق الفرائض الشَّرعيِّة الِّتي طالما كانت تُستعلم

ص: 23

ولو مظهريَّاً بما هو غير صالح لأن يكون بلا تطبيق عملي كذلك فلا تظهر فوائدها إلاَّ بالتَّطبيق، وبالأخصِّ من قبل أهل العلم ومن وراءهم النَّاس ليعطوا من جرَّاء تفقُّهيِّاتهم وممارساتهم العمليَّة ما توصَّلوا إليه من التَّوجيهات النَّافعة كتدوين كتب المناسك وتوضيحات مسائلها للمؤمنين الآخرين ولو من غير أهل العلم المختصِّين لو تفقَّهوا حتَّى لا يضلُّوا الطَّريق والطَّريقة الشَّرعيَّة الَّتي أمرهم الشَّرع الشَّريف بها، كمواقع إجراء المناسك الأصليَّة ونحوها.

5- تسبيب ما قد يعيش به النَّاس في الأسفار نوعاً حيثما يعودالمسافرون إلى أوطانهم ، ومنها أسفار الحجِّ بالبيع والشِّراء وتأجير المنازل وشراء الأطعمة والملابس في الإحرام وأمثال ذلك بل ما قبله أيضاً ممَّا قد ينتفع منه الحجَّاج أنفسهم به كذلك، وممَّا قد لا يعدُّ مقصوداً غائيَّاً في الحجِّ، بل إنَّه استثمار تبعي.

فهو إذن موسم قد يسبِّب تعيُّش كثير من العوائل طوال السَّنة بذلك، وبعده تُعطَّل أعمال أولئك النَّاس إلى العام القابل حسبما عرفناه من بيانات بعضهم من السَّاكنين هناك وغيرهم.

6- انتفاع الفقراء والمبتلين بالمجاعات من أبناء العالم الإسلامي من أمثال الهدي الواجب والفداء والكفَّارات الَّتي سبَّبها الحجَّاج على أنفسهم في أثناء الحجِّ وإحرامه، وإن لم يكن ذلك مرغوباً لدى الشَّارع في بعض أسبابه ولكن من باب قوله تعالى ( وَعَسَى اَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُم ).

7 - الإنتفاعات المتنوَّعة من نفس نوع الأسفار الَّتي منها سفر

ص: 24

الحجِّ وحالة الخروج عن العزلة الإجتماعيَّة الخاصَّة والخانقة في البلد الواحد ،وهذا وإن كان بعيداً بعض الشَّيء عن عالم الشَّرعيَّات، ولكنَّه يمكن قلبُه بحسن النيَّة مع حسن السِّيرة إلى ما يرضي الشَّرع في المسيرة الجهاديَّة المثمرة ، وغير ذلك من الفوائد.

( مسألة 4) لا يجوز للإنسان الَّذي وجب عليه الحجُّ - بل ولا يصح منه - أن يذهب للتِّجارة ولو بالتَّشريك معه، لأنَّه يضرُّ في قصده الخالص المطلوب، ولأنَّ المنافع المرجوَّة منه إذا ذهب إليها لا تأتي إلاَّ بقصد مشوب أو لحج غير مقصود بالمرَّة.

أمَّا لو ذهب للحجِّ فقط وفَضَلَ عنده ما يشتري لأهله به أو لتحسين حاله، ليعود على كفاءة من بقايا الأموال بنحو التَّبع لا القصد الأساسي فلا مانع ، وإن كان الأحوط استحباب التَّنزُّه عن المتاجرة مطلقاً.

( مسألة 5) لا يجوز جلب الهدايا الَّتي يُتصرَّف بها بالحرام وما لا يحل، بل حتَّى بما يشكل حتَّى لو كانت مشتركة في عطائها واستخدامها احتياطاً.

الحَجُّ مِنَ الوَاجِبَاتِ المَشْرُوطَةِ وَلَيْسَ كَالصَّلاَةِ

( مسألة 6) الواجبات في الشَّريعة الإسلاميَّة وفروعها العشرة على قسمين: -

الأوَّل: ما هو واجب مطلق، وهو الصَّلاة فإنَّها (لا تسقط بحال)

ص: 25

كما تضمَّنه الخبر الشَّريف، لكونها تجب على الصَّحيح من المكلَّفين في بدنه، وعلى المريض أيضاً مهما كان مرضه حتَّى الجليس والمضطجع والمسجَّى، وإن كان الوجوب الأدائي بالنِّسبة إليه يختلف باختلاف حالتيه من الصَّحة والمرض ، كاختلاف حالتيهما في لزوم الطَّهارة المائيَّة أو التُّرابيَّة من حيث الطَّهارة.

الثَّاني: الواجب المشروط وهو بقيَّة الفروع الدِّينيَّة والواجبات المتوقِّفة في أصل وجوبها على شروط خاصَّة إن توفَّرت لدى المكلَّف كانت تلك الواجبات واجبة عليه، وإن لم تتوفَّر كانت ساقطة عنه، أو مؤجَّلة في أداءها وعن وجوبها الفعلي إلى وقت آخر كالحجِّ مثلاً.

فهو وإن اشترك مع الصَّلاة في الشُّروط العامَّة كالبلوغ والعقل من حيث القوة لا من حيث الفعل(1).

وكذلك الحائض والنَّفساء إذا استغرقت مدَّة الحدث فيهما في كامل أيَّام الحجِّ - وهي الأيَّام العشرة مثلاً - مع علم المرأة مسبقاً قبل الإحرام بذلك.

ولكنَّه - مثلاً - إذا فقد الصحَّة والمال (الاستطاعة) ونحوهما من

ص: 26


1- القوَّة : هي القدرة الكاملة على أداء مناسك الحجِّ تماماً ، فالصَّبي والمجنون غير قادرين قدرة كافية على ذلك كشأنهما في مسألة الصَّلاة إلاَّ تمريناً. والفعل : هو كونهما يصاحبهما شخص يحجِّجهما ، فإنَّ ذلك وإن كان بالإمكان ولكنَّه غير كاف عن حجَّة الإسلام حسب المستفاد من الأدلَّة الخاصَّة في الشَّرطيَّة له.

الشروط الخاصَّة فإنَّه لا يجب عليه شخصيَّاً، وإن وجب عليه أن ينيب عنه في بعض الحالات من يقوم به كما سيأتي في محلِّه.

شَرَائِطُ الوُجُوبِ

يعتبر في وجوب حجَّة الإسلام أمور:-

1- البلوغ فلا يجب على الصَّبي وهو (ما دون الخامسة عشر من الذُّكور)، والصَّبيَّة وهي (ما دون التَّاسعة من الإناث)، وما يلحق بأحدهما من الخناثى ، ولكنَّ الأحوط وجوباً في المشكل هو خصوص (ما دون التَّاسعة من العمر) في عدم الوجوب لا (ما دون الخامسة عشر) لاحتمال كونه أنثى وقد أكملت سن التَّاسعة أو الأزيد ممَّا دون الخامسة عشر.

وتصحُّ من المراهق وإن لم يجب عليه ولكن لا تجزئه عن حجَّة الإسلام وإن بلغ في الأثناء.

بل حتَّى الصَّبي غير المميِّز فللولي أن يتولَّى أمور تطبيق المناسك بالنَّسبة إليه فيحجِّجه، ولكن بشرط أن يكون مختوناً وأن يطوِّفه طواف النِّساء أو لا يحجِّجه.

وأمَّا إذا لم يرد أن يفعل ما ذكرناه إن أراد أن يحجِّجه فلا يمكن للطِّفل الزَّواج إذا بلغ إلى أن يعود للحجِّ ثانياً بعد اختتانه أو أن يحجَّج قبله مختوناً كذلك لو لم يكن مميِّزاً وكذلك يحج بنفسه إن قدر على أساس ختانه لو كان مميِّزاً.

ص: 27

وإذا بلغ قبل وصوله إلى الميقات وكان مستطيعاً بتوفُّر كافَّة الشروط الَّتي نذكرها الآن كانت واجبة عليه لا محالة وصحيحة منه كذلك.

وإذا أحرم فبلغ بعد إحرامه لم يجز له إتمام حجِّه ندباً مع القدرة ولا عدوله إلى حجَّة الإسلام كذلك، بل يجب عليه الرجوع إلى أحد المواقيت ممَّا يقرب من خط مسيره جوَّاً أو برَّاً أو بحراً للإحرام منه لحجَّة الإسلام، فإن لم يمكنه ذلك ففيه تفصيل يأتي بيانه في أحكام المواقيت إنشاء الله .

2- العقل: فلا يجب على المجنون وإن كان ادواريَّاً إذا كان وقت جنونه وقت الموسم، ويجب إذا صادف دور إفاقته فيه.

ولو كان قبيل الميقات وكان وافياً بتمام العمل ولم يمنعه مانع آخر فإنَّه واجب عليه وصحيح منه.

3- الحريَّة فلا تجب على العبد - على فرض وجوده في هذا الزَّمان - وإن كان مبعَّضاً ( حرَّاً في بعضه مملوكاً في بعضه الأخر ) إلاَّ من يُؤذن لهمن صاحبه أو أصحابه المالكين له مع تمام البذل.

ومنه المكاتب من قبل سيِّده - على فرض وجوده أيضاً - على أن يحجَّ عنه ليتحرَّر بعد ذلك كلُّه أو بعضُّه حسب الشَّرط المتَّفق عليه بين المالك والمملوك ، وكذا المدبَّر بعد وفاة سيِّده في أن يحجَّ عنه حتَّى يكون حرَّاً دبر وفاته ( بعدها ) ، أو من أجيز له من قبل سيِّده أو أسياده في النِّيابة عن شخص ما.

4- الاستطاعة البدنيَّة ، والمراد منها التَّمكُّن العرفي من الوصول

ص: 28

غالباً إلى تلك الأماكن المشرَّفة ذهاباً وإيَّاباً بسلامة على النَّفس والمال والعرض مع الاطمئنان على عمل المناسك صحيحاً من البداية إلى النِّهاية.

فلا يجب على الصَّبي والمجنون بنفسيهما لعدم قدرتهما على الاستقلال في أمور السَّفر إلى هناك مع ضمان الرجوع بسلام وإن أمكن مصاحبتهما من قبل الولي.

ولكن يصحُّ من الصَّبي المميِّز بنحو استحبابي ، ينال به الصَّبي توفيقات لمستقبله بسبب حسن التَّربيَّة ويثاب عليه به من قام بالمصاحبة له كما مرَّ ، ولكنَّها في البالغ يلزم كونها مع القدرة الماليَّة أيضاً ولو ببذل صاحبه حتَّى يكون مطابقاً للوجوب المقصود.

5 - الاستطاعة الماليَّة مع البدنيَّة ، بل وكذا مع عدم القدرة البدنيَّة فقط ، لما مرَّ ذكره في الشَّرط الماضي إذا لم تتوفَّر بدناً ، ففي الأخير أيضاً يجب على المستطيع بالمال فقط إنابة شخص - كامل مؤتمن عارف - مكانه ببذل المال له ذهاباً وإيَّاباً.

علماً بأنَّ معنى الاستطاعة الماليَّة هذه هي القدرة على بذل المال للحجِّ الواجب من البداية إلى النِّهاية ذهاباً وعودة سواء كانت النِّيابة بلديَّة أو ميقاتيَّة ، مع بذل المال لعيال النَّائب بمقدار ما يناسب معيشتهم مدة السَّفر.

وكذلك بقاء المنوب عنه على كفاءة معيشيَّة كاملة ولو بنحو الإستقراض فيما لو كان غنيَّاً مثلاً ولو قوَّة وفي أموال لم تكن منها سيولات نقديَّة عنده على أن يفي بالدَّين حين التَّمكُّن.

ص: 29

وهي تفتقر غالباً إلى أمور يمكن أن تدعى بشروط الاستطاعة أو محقِّقات الأداء ، وبتمامها تتحقَّق الاستطاعة المذكورة في النُّصوص الشَّريفة كتاباً وسُّنة ونحو ذلك.

شُروطُ الاسْتِطَاعَةِ وَمُحَقِّقَاتُ الأدَاءِ

وهذه الأمور منها الاستطاعة الماليَّة والبدنيَّة ، وقبل ذكرها لابدَّ من بيان شيء : -

وهو أنَّ الحجَّ معتبر من الواجبات المشروطة بتلك الأمور بحيث لو لم تكن موجودة في المكلَّف لم يجب ، وليس هو كالصَّلاة لكون الصَّلاة واجباً مطلقاً لا يسقط بحال كما مرَّ وعليه فهذه الأمور هي :-

1- القدرة الحاصلة من قبل البالغ والبالغة إمَّا وحدهما مع رشدهما ، أو بمصاحبة من يطمئنُّ به عليهما.

2- السَّلامة من المرض العائق دون ذلك وإن كان رشيداً.

3- تخلية السِّرب ، وهو التَّمكُّن من المسيرة بحيث لا يعرض عليه مانع خارجي في الطَّريق كقطَّاع الطُّرق ،والعراقيل ( الرُّوتينيَّة ) والوضعيَّة غير الشَّرعيَّة ، والحيوانات السَّائبة.

4- سعة الوقت الكَّافي للذِّهاب والإيَّاب مع أداء تمام المناسك حتَّى الوقوفين الاحتياطيَّين على الأحوط وجوباً ، أو أحدهما على الأقل لو لم يمكن كلاهما مع التَّيقُّن باختلاف العيد بين الخاصَّة والعامَّة مثلاً إن حصل كما سيأتي.

ص: 30

وأمَّا مع عدم الاختلاف فيه وعدم مانع شرعي آخر فلا يكفي وقوف الواحد الأساسي منهما إلا بأدائهما معاً ومع منع الآخر عن إضافته من بعض الجهات المختصَّة وبنحو يتعذُّر في الاختيار إيجاده فلابدَّ من مراجعة ممَّا سيجيء في ص258.

والسِّعة تختلف باختلاف القاصد ، فالحاجُّ بلدياً يجب أن يكون وقته أوسع من الحاجِّ الميقاتي الَّذي هو غالباً ما يكون من أهالي تلك البقاع المشرَّفة.

5- فعليَّة تمكُّنه من الزَّاد والرَّاحلة ذهاباً وإيّاباً وبما يناسب شأنه من حجٍّ اقتصادي أو متوسِّط أحسن أو بإنفاق كثير مع مؤونة عياله وأهله ذهاباً وإيَّاباً بكفاءة ، ولو لم يتمكَّن من كلِّ ذلك فليس هو بمستطيع.

ولا ينبغي أن يتوهَّم متوهِّم بأنَّ هناك إسرافاً محرَّماً - إذا كان الصَّرف معقولاً حتَّى يشعر الحاجُّ بعدم جواز الصَّرف حتَّى للشَّأنيَّة ، وإن كان ينبغي التَّزهُّد في الدُّنيا ، والابتعاد عن الانغماس في الملذَّات المباحة ، والبذل على المحتاجين لا على نفسه فقط مواساة لهم من جهة نوعيَّة بل حتَّى في تلك الأحوال ، فانَّه إن أكَلَ أحسن الطَّعام ، أو شرب ما لذَّ وطاب ، ولبس الملابس الجيَّدة حتَّى في غير حالة لبس ثوبي الإحرام ، والنَّوم في أحسن المواقع -.فهو ممَّا رُخِّص به الحاجُّ شرعاً ما دام قد أدَّى ما عليه من الحقوق الماليَّة الشَّرعيَّة على ما يجيء ص47.

بل حتَّى غير ذوي الشَّأنية لأنَّ الحجَّاج وفود الرَّحمن ، وفي ضيافته تعالى ، ومكرَّمون عنده في الأساس وبالأخص في مواقع

ص: 31

الطَّاعات ، فلا ضير أن يكون بأحسن حال ، ولأنَّه ورد ( لا اِسْرَافَ في الحَجِّ ).

6- الرجوع إلى الكفاية وهو أن يكون بحسب معاشه وزيِّه واجداً بالفعل أو القوَّة لما يكفيه ، عائداً لمؤونته ومؤونة عياله العاديَّة في قسم مناسب من أوَّل حياته الَّتي بعد العودة لا كلِّ حياته ، وبحيث لو رجع لم يكن عاجزاً عن ذلك ولو لم يتمكَّن من ذلك أصلاً فليس هو بمستطيع ، ككونه أخذ ما يغنيه لما بعد الرجوع وأضافه إلى مال وحجَّ به ، إلاَّ من استطاع وسوَّف فإنَّ عليه ذلك ولو متسكِّعاً وبلا رجوع إلى تلك الكفاءة كما هو في محلِّه في المبحث الآتي.

مَسَائِلٌ في الاسْتِطَاعَة

( مسألة 7) الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج على الحاجِّ إنَّما هي الاستطاعة من مكانه الفعلي لا من خصوص بلده ، فإذا ذهب المكلَّف من بلده النَّجف الأشرف - مثلاً - إلى المدينة المنوَّرة - مثلاً - للتِّجارة أو لغيرها وكان له هناك ما يمكن أن يحجَّ به من الزَّاد والرَّاحلة أو ثمنهما وجب عليه الحجُّ ،وإن لم يكن مستطيعاً من بلده.

( مسألة 8) لو كان المكلَّف يعلم بأنَّه إذا ذهب إلى الحجِّ الواجب يترك واجباً أهم من الحجِّ كحفظ عياله ونواميسه من التَّلف أو الضِّياع المخيف جدَّاً ، أو يصاحب الذِّهاب إلى الحجِّ ارتكاب محرَّم - كهدر أموال الغير أو اغتصاب حقوقهم - فلا يتنجَّز عليه الوجوب في ذلك

ص: 32

العام.

ولكنَّه إذا خالف هذا الحكم عاصياً جامعاً بين إطاعة الله ومعصيته - كالإتلاف والتَّبذير لأمواله - فحجُّه صحيح ، وعليه الاستغفار من ذنبه والإستبراء ممَّن قد تسبَّب له ذلك الإيذاء منه.

( مسألة 9) إذا كان عنده مال يحتاجه فعلاً لحاجة غير الحج لا يجب بيعه في سبيل الحجِّ لحاجته الماضية إليه ، ولكن إن استغنى عنه وجب عليه ذلك لأداء فريضة الحجِّ ، فمثلاً إذا كان للمرأة حلي تحتاج إليها ولابدَّ لها منها ثمَّ استغنت عنها لكبرها أو لأمر آخر وجب عليها بيعها لأداء هذهالفريضة.

( مسألة 10) إذا كانت له دار مملوكة وكانت هناك دار أخرى يمكنه السُّكنى فيها من دون حرج عليه - كما إذا كانت موقوفة وتنطبق عليه عموماً أو خصوصاً - وجب عليه بيع الدَّار المملوكة إذا كانت وافية بمصاريف الحجِّ ولو بضميمة ما عنده من المال ، ويجري ذلك أيضاً في الكتب العلميَّة وغيرها ممَّا لا يحتاج إليه.

( مسألة 11) إذا كان ما يملكه ديناً على ذمَّة شخص وكان الدَّين حالاًّ وجبت علية المطالبة ، فإن كان المدين مُماطلاً وجب إجباره على الأداء مع الإمكان.

وإن توقَّف تحصيله على الرجوع إلى المحاكم العرفيَّة مع ضمان تطبيقها للواقع المدافع عن الحقِّ وبلا ظلم زائد عليه - ولو باتِّفاق خارجي مع بعض الموظَّفين المتدينيِّن - لزم ذلك بعد الاستئذان من

ص: 33

الحاكم الشَّرعي.

كما تجب المطالبة فيما إذا كان الدَّين مؤجَّلاً ولكنَّ المدين يؤدِّيه لو طالبه الدَّائن.

وأمَّا إذا كان المدين معسراً أو مُماطلاً ولا يمكن إجباره ، أو كان الإجبار مستلزماً للحرج أو كان الدَّين مؤجَّلاً والمدين لا يسمح بأداء ذلك قبل الأجل ، ففي جميع ذلك إن أمكنه بيع الدَّين بما يفي بمصاريف الحجِّ ولو بضميمة ما عنده من المال ولم يكن في ذلك ضرر ولا حرج وإن بيع بما هو أنقص وجب البيع ، وإلاَّ لم يجب الحجُّ.

( مسألة 12) من كان يرتزق من الوجوه الشَّرعيَّة - كالخمس بالنِّسبة إلى السَّادات والزَّكاة بالنِّسبة إلى العوام وغيرهما - وكانت نفقاته بحسب العادة مضمونة من دون مشقَّة - كما في بعض أهل العلم - فإنَّه لا يبعد وجوب الحجِّ عليه فيما إذا ملك مقداراً من المال يفي بذهابه وإيَّابه ونفقة عائلته من ذلك ، ولكنَّ الأحوط وجوباً - إذا كان وارده من تلك الحقوق الشَّرعيَّة مثل سهم الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وردود المظالم ومجهول المالك والنُّذور المطلقة وسهم سبيل الله من الزَّكوات - أن يكون قائماً بوظيفته الشَّرعيَّة العلميَّة باستمرار.

ومن ذلك قيامه بتوجيه الحجَّاج قبيل الموسم وحينه بما يحتاجون إليه في الأداء الصَّحيح لكسب الحُجَّة الشَّرعيَّة في أمر استحقاقه لتلك الوجوه الماليَّة الشَّرعيَّة حتَّى يكون مستطيعاً تماماً وباستحقاق.

وكذلك يجب الحج على المكلَّف لو قام أحد بالإنفاق عليه طيلة

ص: 34

حياته وتوفَّر عنده ما يكفيه لذلك ، وكذلك كلُّ من لا يتفاوت حاله قبل الحجِّ وبعده من جهة المعيشة إن صرف ما عنده في سبيله.

( مسألة 13) إذا أقترض مقداراً من المال يفي بمصاريف الحجِّ وكان قادراً على وفائه بعد ذلك إمَّا من عمل مستمر يعمله له علاقة تجاريَّة بما مضى من أعماله بحيث يكون دينه الَّذي أخذه عبارة عن أموال استطاعته في أشهر الاستطاعة ، ومن ذلك الحوائج الَّتي يبيعها لكونه ممَّن تَقِل عنده السُّيولة وتكثر الحوائج العينيَّة الزَّائدة عنده في البيت أو المحل وجب عليه الحجِّ ، وكذا الأحوط وجوبه عليه لو اقترضه وان لم تكن تجارته موصولة بما مضى لو كانت عليه شبهة استطاعة ، بل وكذا لو لم تكن عليه شبهتها ولكن كان تمكنه من وفائه كاشفاً عن استطاعة ولو بالقوَّة.

( مسألة 14) إذا اعتقد أنَّه غير مستطيع فحجَّ ندباً ولو كان قاصداً امتثال الأمر الفعلي ، ثمَّ بان أنَّه كان مستطيعاً أجزأه ذلك بعد تبديل الاستحباب بالوجوب أو تعيين الوجوب وحده في امتثال الأمر الفعلي إن بقي من الأعمال ما يحتاج إلى ذلك ولا يجب عليه الحجُّ ثانياً مع الاحتياط الاستحبابي بالإعادة عند المقدرة ثانياً ، وان لم يبق شيء منها ممَّا يحتاج فيكمل عمله ثمَّ يأتي في القابل بما يبرئ ذمَّته يقيناً على أساس الوجوب إن حصل بيده ما يكفيه له وإلاَّ ففي القابل الآخر وهكذا.

( مسألة 15) لا يشترط إذن الزَّوج للزَّوجة في الحجِّ إذا كانت

ص: 35

مستطيعة ، كما لا يجوز للزَّوج منع زوجته عن الحجِّ الواجب عليها إذا كان معها من يحفظها في الطريق من المحارم ذهاباً وإيَّاباً.

نعم يجوز له منعها من الخروج في أوَّل الوقت مع سعة ذلك الوقت فإذا بقي منه ما لا يزيد عليه الأمر فعليها بالذَّهاب إليه ، والمطلَّقة الرَّجعيَّة كالزَّوجة ما دامت في العدة.

( مسألة 16) لا يشترط في وجوب الحجِّ على المرأة وجود المَحرَم لها إذا كانت مأمونة على نفسها ومن ذلك النِّساء الخشنات المدبِّرات الَّتي تشبه الرِّجال في بعض الأوصاف والَّتي لا يخطر على بالها قدرة أحد على الاعتداء عليها لقوَّتها أو صيانتها من الجهات الأخرى ومنهنَّ اللواتي لا يبغين نكاحاً ، ومع عدم الأمن لزمها استصحاب مَحرَم لها ولو بأجرة إذا تمكَّنت من ذلك وإلاَّ لم يجب الحجُّ عليها فعلاً وعليها الإنابة.

( مسألة 17) من استقرَّ عليه الحجُّ إذا مات بعد الإحرام أجزأه عن حجَّة الإسلام ، سواءاً في ذلك حجِّ التَّمتُّع أو القِران أو الإفراد.وإذا كان موته في أثناء عمرة التَّمتُّع أجزأ عن حجِّه أيضاً ، لأنَّها مع الحج حج تام ولا يجب على وليِّه القضاء عنه إلاَّ إذا كان قد أوصى من ثلث ما تركه.

وإن مات قبل ذلك وجب القضاء عنه حتَّى إذا كان موته بعد الإحرام وقبل دخول الحرم ، أو بعد الدُّخول في الحرم بدون إحرام.

والظَّاهر اختصاص الحكم بحجَّة الإسلام ، فلا يجري في الحجِّ

ص: 36

الواجب بالنَّذر أو الإفساد أو نحوهما ، بل لا يجري في العمرة المفردة أيضاً فلا يُحكم بالإجزاء في شيء من ذلك.

ومن مات بعد الإحرام مع عدم استقرار الحجِّ عليه ثمَّ بان استقراره فإن كان موته بعد دخوله الحرم فلا إشكال في إجزائه عن حجَّة الإسلام ، وأمَّا إذا كان قبل ذلك فالظَّاهر وجوب القضاء عنه أيضاً كما ذكرناه آنفاً.

( مسألة 18) المرتدُّ يجب عليه الحجُّ لو ثبت وجوبه عليه ، لكن لا يصحُّ منه حال ارتداده ، فان تاب وآمن صحَّ منه وإن كان مرتدَّاً فطريَّاً على الأقوى إذا لم يُظفر به للقتل ، أو لم يعلم حاله من قِبَل وجه العدالة الإسلاميَّة ، أو أجِّل لمصلحة يراها الشَّارع فضلاً عن المِلِّي.

( مسألة 19) إذا أسلم الكافر الأصلي المستطيع وجب عليه الحجُّ فعلاً إذا صادف أيَّام موسمه مع كونه واجباً عليه في أثناء كفره وإن لم يصح منه آنذاك كما لو حصلت الاستطاعة في بداية إسلامه ، وأمَّا لو زالت استطاعته ثمَّ أسلم لم يجب عليه لأنَّ الإسلام يجبُّ ما قبله.

( مسألة 20) إذا حجَّ المخالف ثمَّ إستبصر واعتبرَ بعد استبصاره بطلان أعماله السَّابقة وجب عليه إعادة الحجِّ على طبق ما يعتبره اجتهاداً أو تقليداً أو احتياطاً.

أمَّا إذا كان يَعتبرُ الاختلاف بين العهدين وجهات نظر مختلفة قد لا تُنفى في حالها صحَّة التزام العهد السَّابق فلا تجب الإعادة مع الاحتياط الاستحبابي بها عند التمكن.

ص: 37

( مسألة 21) إذا استقرَّ عليه الحجُّ ولم يتمكَّن منه بنفسه لصدٍّ أو حصر أو مرض أو هرم ، أو كان ذلك حرجاً عليه ولم يُرج تمكُّنه من الحجِّ بعد ذلك من دون حرج وجبت عليه الاستنابة ولو بالاقتراض له ، وكذلك من كان موسراً ولم يتمكَّن من المباشرة أو كانت حرجيَّة عليه ، أمَّا من كان استقراره عليه ببذل له على أن يحجَّ بنفسه فقط أو كان ممَّن يعمل في الحج كعمَّال الحملدارِيَّة ولم يتمكَّن منه بغير ذلك فلا استنابة.ووجوب الاستنابة فوري كوجوب الحجِّ كما سيجيء في باب النِّيابة.

( مسألة 22) إذا وجبت الاستنابة ولم يستنب ولكن تبرَّع متبرِّع عنه فإنَّه لم يجزئه ذلك وبقي عليه وجوب تلك الاستنابة على حاله لثبوت الأمر بها وعدم ثبوته بالتبرع أصلاً وإن طرأ بعد ذلك.

( مسألة 23) إذا لم يتمكَّن المعذور من الاستنابة سقط الوجوب فعلاً ولكن يجب عليه بنحو القضاء عنه بعد موته إن كان الحجُّ مستقرِّاً عليه كما مرَّ ، وإلاَّ لم يجب ، ولو أمكنه الاستنابة بعد الاستقرار ولم يستنب حتَّى مات وجب القضاء عنه بصورة أولى وأخص من ذلك ما لو أوصى به.

( مسألة 24) إذا حجَّ النَّائب عمَّن لم يتمكَّن من المباشرة ولو ظاهراً فمات المنوب عنه مع بقاء العذر أجزأه حجُّ النَّائب لا محالة وإن كان الحجُّ مستقرَّاً عليه بنفسه إلى حين موته واقعاً ، وأمَّا إذا اتَّفق

ص: 38

ارتفاع العذر قبل الموت فالأحوط وجوباً أن يحجَّ هو بنفسه عند التمكَّن.

وإذا كان قد ارتفع العذر بعد أن أحرم النَّائب وجب على المنوب عنه الحجُّ مباشرة ولا يجب على النَّائب إتمام عمله.

وَقْتِ حُصُولِ الاسْتِطَاعَة

( مسألة 25) لابدَّ من تحقُّق الاستطاعة الَّتي تلزم المكلَّف بالحجِّ من أوَّل أشهر الحجِّ وهي (شوَّال وذو القعدة وذو الحِجَّة ) فضلاً عن كونها قبل ذلك واستمرت إلى تلك الشهور فلو حصلت قبل ذلك ثم انقطعت قبل ذلك أيضاً لم يجب الحج.

وكذا لو نذر قبل تلك الأشهر في نفس عامهِ زيارة الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يوم عرفة سقطت تلك الاستطاعة عنه حتَّى لو حصلت أوَّل تلك الشهور.

أمَّا لو نذر أن يزوره عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في كلِّ يوم عرفة من أعوامه - مثلاً - واستطاع بعد ذلك وجب عليه الحجُّ الواجب وانحلَّ نذره ، لانَّ الحج لا يسقط عن وجوبه الأساسي الَّذي هو في العمر مرَّة واحدة كما مرَّ ، وأمَّا نذر تلك الزِّيارة وفي كلِّ عام على جلالتها في أصلها فهو طارئ لا يناهض الضَّروري المفروض في أساسه.

وكذلك كلُّ نذر يزاحم الحجَّ في أصله ، وعلى الأخصِّ منه حجَّة الإسلام ، إلاَّ أنَّ الأحوط استحباباً بعد تفريغ ذمَّته من الحجِّ الواجب أن يمارس زياراته الحسينيَّة في عرفة في مناسبات الأعوام الأخرى ولو

ص: 39

للأعم من الاستحباب العادي لزيارة الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وممَّا نذره لزيارته عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ كل عرفة من غير عام وجوب الحج.

لاَ يَجِبُ الاكْتِسَابُ لِتَحْصِيلِ الاسْتِطَاعَة

إلاَّ بعد التَّسويف وحرمانه منها

( مسألة 26) ليس على المكلَّف الاكتساب لتحصيل الاستطاعة إلاَّ إذا كانت عليه استطاعة قديمة وكان مسوِّفاً بالحجِّ فيها ومفرِّطاً بالتَّأجيل له ثم ذهب ماله فعليه ذلك حتَّى لو اقتضى الرَّواح إلى هناك متسكِّعاً.

( مسألة 27) لا يجوز الاستجداء لحالة ما يحصل بعد التَّسويف من الفقر أو تلف أموال الاستطاعة إلا بما يعطى له ابتداء أو في طريقه إلى الحج ، فله أن يأخذ ما يُعطى إيَّاه من المساعدات أو يعمل ما يستحق عليه العوض كحمل الأثقال أو الطَّبخ أو نحوها وإن لم يناسب ذلك شأنه مع التَّعفُّف جهد الإمكان وما به ضمان عزَّة المؤمنين ولو في الجملة لإباحة التَّسكع المذكور في خصوص موارده الخاصَّة وإن كان غير مرغوب به شرعاً في غير هذا المورد ولإبراء ذمَّته من هذه الفريضة.

وفي غير مسألة الحجِّ هذه لا مانع من الاستجداء كما وصفناه لسدِّ الحاجة الماسَّة الفعليَّة مع العوق والحجز لا أكثر ، لانَّ الإسلام العزيز - بمقدار ما أعطى مجالاً للاستفادة من الوجوه الشَّرعيَّة والصَّدقات

ص: 40

الخاصَّة والعامَّة في مورد الحاجة - حثَّ على عدم البطالة وعلى عدم اتِّخاذ الاستجداء وسيلة اعتياديَّة للعيش وتمشية الأمور الأخرى ، لكون العمل المحلَّل من غير ذلك هو الكافل الوحيد لما يرضى به شرع الله تعالى وينضوي تحته أهل العزَّة من المؤمنين.

قَدْ تَتَحَقَّقُ الاسْتِطَاعَةُ بِالبَذْلِ

( مسألة 28) يجوز أن تكون الاستطاعة بالبذل المناسب ، ولو حصل وجبت الحِجَّة على المبذول له ذهاباً وإيِّاباً مع العودة على كفاءة ، ولا يجب عليه الحجُّ ثانياً إذا استطاع بعد ذلك ، وأمَّا مع عدم البذل المناسب للمقدار والشَّأن فلا يجب.

ولا فرق في البذل الموجب بين أن يكون الباذل واحداً أو متعدِّداً ، كما لا فرق في ذلك بين الإباحة والتَّمليك ، ولا بين بذل العين وثمنها.وكذلك لا فرق بين ما لو عُرض عليه الحجُّ والتزم بزاده وراحلته ونفقة عياله أعياناً أو أثماناً ممَّا يفيده وإن لم يدفع له المال مباشرة للإنفاق عليه وعلى عياله ، وبين ما لو أُعطي مالاً ليصرفه في الحجِّ وكان وافياً بمصاريف ذهابه وإيَّابه وعياله.

( مسألة 29) لو أُوصي له بمال ليحجَّ به وجب الحجُّ عليه بعد موت الموصي إذا كان المال وافياً بمصاريف الحجِّ ونفقة عياله.

وكذلك لو وقَّف شخص لمن يحجَّ ، أو نذر أو أوصى بذلك وبذل له المتولِّي أو النَّاذر أو الوصي وجب عليه الحجُّ.

ص: 41

بل كذلك إذا لم يكفِ شيء من المال الَّذي مرَّ ذكره في جميع صوره وكان عند المكلَّف شيء يسير لو ضمَّه إلى ذلك المال لكان مستطيعاً كما في المسألة الآتية.

( مسألة 30) لا يجب الرجوع إلى الكفاية في الاستطاعة البذليَّة ، نعم لو كان له مال لا يفي بمصاريف الحجِّ وبُذل له ما يتمِّم ذلك وجب عليه القبول ولكن يعتبر حينئذ إلى الكفاية إلاَّ فيمن سوَّف في حجِّه ثم افتقر أو كانت عليه شبهة استطاعة على الأحوط في الأخير إذا كانت الشبهة قريبة من حالات الظن فضلاً عمَّا لو كانت هي منه.

( مسألة 31) إذا أُعطي مالاً هبةً على أن يحجَّ وجب عليه القبول ، وأمَّا لو خيَّره الواهب بين الحجِّ وعدمه ، أو أنَّه وهبه مالاً من دون ذكر الحجِّ لا تعييناً ولا تخييراً لم يجب عليه القبول.

( مسألة 32) لا يمنع الدَّين من الاستطاعة البذليَّة فيجب على المبذول له أن يحج وإن كان مديناً ، نعم إذا كان الدَّين حالاًّ وكان الدَّائن مطالباً والمدين متمكِّناً من أدائه إن لم يحج لا من مال الحج المبذول بل من تواجده في البلد مثلاً ، فإنَّه لم يجب عليه الحجُّ.

بل وكذا إذا كان الدين سابقاً على البذل وموعد وفائه ولم يضمن إلا بحجزه حتى يفي به ولو بأن يستدين.

( مسألة 33) لا يجب بالبذل إلاَّ الحجُّ الَّذي هو وظيفة المبذول له على تقدير استطاعته التَّامَّة ، فلو كانت وظيفته حجُّ التَّمتُّع فبذل له حجُّ القِران أو الإفراد لم يجب عليه القبول وبالعكس كذلك ، يعني لو

ص: 42

كانت وظيفته القِران أو الإفراد فبذل له للتَّمتُّع فإنَّه لا يجب عليه كذلك وإن كان أفضل في بابه.

وأمَّا من استقرَّت عليه حجَّة الإسلام من ماله وصار معسراً فبُذل لهوجب عليه ذلك الميسور ومنه الميقاتي بدل البلدي ، وكذلك من وجب عليه الحجُّ لنذر أو شبهه ولم يتمكَّن منه سابقاً.

( مسألة 34) لو بُذل له مال ليحجَّ به فتلف المال أثناء الطَّريق سقط الوجوب ، نعم لو كان متمكِّناً من الاستمرار في السَّفر من ماله صدفة الَّذي لم يكن مستطيعاً به لقلَّته مثلاً وجب عليه الحجُّ وأجزأه عن حجَّة الإسلام ، إلاَّ أنَّ الوجوب حينئذ مشروط بالرجوع إلى الكفاية.

( مسألة 35) لا يعتبر في وجوب الحجِّ البذل نقداً فلو وكَّله على أن يقترض عنه ويحجَّ به وجب عليه مع ضمان تحصيل القرض وحفظ الكرامة الشَّأنيَّة.

( مسألة 36) المعروف والمعمول به أنَّ ثمن الهدي على الباذل ، فلو لم يبذله وبذل بقيَّة المصاريف لم يجب الحجُّ على المبذول له ، إلاَّ إذا كان متمكِّناً من شرائه من ماله ووصل إلى هناك فالأحوط وجوباً أن يقوم به.

نعم إذا كان صرف ثمن الهدي فيه موجباً لوقوعه في الحرج مع ذلك التَّمكُّن لم يجب عليه القبول ، إلاَّ إذا كانت عليه استطاعة قديمة وكان مسوِّفاً فيها عمداً أو ما يشبهه فيجب عليه القبول وتحمُّل ذلك

ص: 43

الحرج كما سبق.

وأمَّا الكفَّارات فالظَّاهر أنَّها واجبة على المبذول له دون الباذل لكونه هو السبب فيها.

( مسألة 37) يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدُّخول في الإحرام أو بعده ، لكن إذا رجع بعد الدُّخول في الإحرام وجب على المبذول له إتمام الحجِّ إذا كان مستطيعاً فعلاً ، وعلى الباذل ضمان ما صرفه للإتمام وإذا رجع الباذل عن البذل في أثناء الطَّريق وجبت عليه نفقة العود.

( مسألة 38) إذا بُذل له مال فحجَّ به ثمَّ انكشف أنَّه كان مغصوباً لم يجزئه عن حجَّة الإسلام ، وللمالك المغصوب منه أن يرجع إلى الباذل أو المبذول له ، لكنَّه إذا رجع إلى المبذول له رجع هو إلى الباذل إن كان جاهلاً بالحال وإلاَّ فليس له الرجوع.

شُبْهَةِ الاسْتِطَاعَةِ

( مسألة 39) قد تمرُّ على الإنسان حالة فيها شبهة استطاعة قد يحتمل منها ضعيفاً أنَّه مطالب بالحجِّ أوَّلاً لتراكم أحوال مختلفة عليه فيأزمنته السَّابقة أو الحالية لا يقدر فيها على إحراز عدم مسؤوليَّته به فالأحوط استحباباً أداؤه وإن كان الأصل عدم ذلك ، ومع وجود الظَّن في ذلك فالأحوط وجوباً أداؤه لرجحان نسبة المسؤوليَّة على مقدار حالة الشَّك المتساوي في طرفيه ، بل هو ممَّا قد يوصلها إلى حدِّ

ص: 44

الوجوب القطعي في بعض الحالات الظَّنيَّة العالية بعد الانكشاف ، بل وممَّا هو مجرى لأصالة الاشتغال أيضاً حتَّى لو لم تكن عالية إن حصل الشَّك في المكلَّف به مع العلم بالتَّكليف.

ومسألة الزَّواج ودار السَّكن المراودة لكثير من النَّاس في صورة الشُّبهة الحادثة من نسبة الرجحان الظني فيها تخفِّف حالة تقدُّم الحَجِّ عليهما ، فلا مانع من التَّزوُّج أو التَّزويج أو شراء المسكن مع وجود شبهة في تلك الاستطاعة ، بحيث لا وجود للقطع بها ظناً فضلاً عن اليقين ولا مانع من تقديمهما على الحج.

بل قد يقدَّم الزَّواج والتَّزويج والمسكن حتَّى في بعض حالات الظَّن الَّذي سيأتي ذكره في العنوان الآتي مباشرة.

حُكْمِ الحَجِّ عِنْدَ مُعَارَضَتِهِ لِلزَّوَاجِ لَهُ وَلأوْلاَدِهِ

( مسألة 40) يجب تقديم الحجِّ على زواج نفسه إذا لم يتضرَّر بتركه ، وأمَّا مع تضرُّره يقيناً بل حتَّى مع وجود الحرَج عليه بما يقرب من اليقين في ذلك - ببذل ما لديه من المال في الحجِّ - فإنَّه يقدِّم الزَّواج على الحجِّ إذا كان الحرج ممَّا قد يوقعه في الحرام لو تحمَّله ولو في مقدماته ، ولكن مع تحمُّله ذلك الحرج ولو بتأنُنٍ بسيط آناء تذكُّر الحالة الجنسيَّة فالحجُّ مقدَّم لوجوب محاربة النَّفس في قبال أداء الواجب الأهم بمثل الصَّبر أو الصَّوم أو الانشغال العلمي المخفِّف عن ثقل هذه الحالة.

ص: 45

وهو واجب في أساسه ، بينما الزَّواج مستحب في أساسه وإن وجب عليه بالعارض لما ذكرناه من المحتملات إلاَّ إذا كان ذلك قبل الأشهر الحرم المتعلِّقة بالحجِّ.

وأمَّا ما يتعلَّق بأولاده من حالات الزَّواج - فضلاً عن إخوانه - فهو ممَّا لا يمكن الأخذ به في تقدُّمه على الحجِّ أبداً وإن شاع في بعض الأوساط غير المتفقِّهة ، فضلاً عمَّا لو كانت هناك استطاعة قديمة كان قد تساهل في أداء الحجِّ لها في حينها وتيسَّرت لديه بعد ذلك.

حُكْمِ الحَجِّ عِنْدَ مُعَارَضَتِهِ لِدَارِ السَّكْنِ

( مسألة 41) يتعارف بين بعض النَّاس في بعض الأوساط ضرورة دار السَّكن حتَّى لو كان مكتفياً بدار إيجار فيها رخاؤه وتيسَّر بدل الإيجار لديه وأنَّه مقدَّم على الحجِّ كما مر في أمر الزَّواج ، ولكنَّ الأمر بالعكس إلاَّ إذا كانت ضرورته بأشياء كما يلي : -

1 - ارتباطه بعيال يحتاجون إلى سكن.

2 - عدم وجود مسكن مباح له غير ما يشتريه مثلاً.

3 - عدم تيسُّر بدل الإيجار لديه على المدى البعيد مع اضطراره إلى تهيئة السَّكن فعلاً أو التَّفكير فيه للخلاص من بدل الإيجار.

4 - كون الإحتياج إليه قبل الأشهر الثَّلاث للحج وإن كان فيها قد يلاحظ الأهم فالأهم ليتفاوت الأمر عمَّا نحن فيه فلا أقل من القول به في المقام في الجملة.

ص: 46

5 - عدم وجود استطاعة قديمة عليه قد سوَّف بالحجِّ في حينها تعمُّداً مع ما مضى فهو مقدَّم على الحجِّ إذا كان كذلك.

لِزُومِ تَنْقِيَةِ مالِ الحج مِنَ الحُقُوقِ الشَّرعيَّةِ وَالدُّيونِ الأُخْرَى

( مسألة 42) لابدَّ من الاهتمام قبل الذِّهاب إلى حجِّ بيت الله الحرام بتصفية أمواله من الخمس الواجب في سبعة أمور : -

1 - غنائم دار الحرب 2 - الكنز 3 - المعادن 4 - الغوص 5 - فاضل المؤونة من أرباح التِّجارات 6 - المال الحلال المخلوط بالحرام 7- الأرض الَّتي إشتراها الذميُّ من المسلم.

والتَّفصيل التَّام موكول إلى خمس كتابنا ( غُنية المتَّقين ) ، وخمس ( المسائل المنتخبة ).

ومن الزَّكاة الواجبة في أمور وهي : -

1 - الغلاَّت الأربعة (( الحنطة والشَّعير والتَّمر والزَّبيب )).

2 - الأنعام الثَّلاثة (( الإبل والبقر والغنم )).

3 - النَّقدان (( الذَّهب والفضَّة )) المسكوكان بسكَّة المعاملة.

وتفصيل ذلك تماماً في الغُنية أيضاً وفي المسائل المنتخبة كذلك.

ومن ردود المظالم وهي ( مظالم العباد والشُّبهات ) والدُّيون الأخرىالمتعلِّقة بالعين أو بالذمَّة.

ص: 47

لتكون نفقات الحجِّ صافية من الشَّوائب حتَّى أنَّ المال الَّذي تعلَّق به الحق الشَّرعي لو صفَّى منه ولم يبق منه ما يكفي للحجِّ سقط وجوبه لعدم حصول الاستطاعة بالمال النَّقي الكامل.

وكذا يجب تفريغ الذمَّة من ديون النَّاس الَّتي حلَّت آجالها ، ومن الدِّيات وأمثال ذلك.

( مسألة 43) إذا ذهب المكلَّف للحجِّ من دون التَّصفية الشَّرعيَّة لأمواله ممَّا عليه من الحقوق الشَّرعيَّة - كالخمس والزَّكاة ونحوهما - وديون النَّاس ممَّا لا يرضى به أصحابها بعد حلول أجل وجوب الدَّفع فإنَّه لا يصحُّ حجُّه ، وكذا لو أناب شخصاً مكانه بمثل تلك الأموال إذا كان تعلُّق تلك الأمور بعين تلك الأموال.

نعم إذا كان التَّعلُّق بالذمَّة فقط لا بتلك الأعيان فالحجُّ صحيح من أيِّ أموال عنده مع انشغال ذمَّته ولكن تعلق أمر تنجيز الثواب له مرتبط بتفريغ ذمته من ذلك.

ومثال المتعلِّق بالعين في الخمس مثلاً خصوص أرباح التِّجارات ، أو خصوص الحلال المخلوط بالحرام أو نحو ذلك.

ومثال المتعلِّق بالذمَّة هو كونه مديناً خمساً من أموال سابقة غير ما في يده فعلاً ، مثل كون الَّذي في يده من المواريث الصَّافية ، أو من تبرُّع متبرِّع نقَّى أمواله ، أو نحو ذلك فإن حجه من خصوص ما بيده هو المقبول دون المتعلق به الخمس ممَّا لو حصل لديه شيء من أشياءه.

( مسألة 44) إذا وجب عليه الحجُّ وكان عليه خمس أو زكاة أو

ص: 48

غيرهما من الحقوق الواجبة لزمه أداؤها ، ولم يجز له تأخيرها لأجل السَّفر إلى الحجِّ لفوريَّة أداء الواجب منه مع فوريَّة تنقيح ماله الَّذي لابدَّ من صرفه فيه بحيث لو كانت ثياب طوافه وثمن هديه مثلاً من المال الَّذي قد تعلَّق به الحق لم يصح منه ذلك الحج.

( مسألة 45) إذا أوصى بالحجِّ بمال معيَّن وعلم الوصي أنَّ المال الموصى به فيه الخمس أو الزَّكاة وجب عليه إخراجه أوَّلاً ، وصرف الباقي في سبيل الحجِّ ، فإن لم يفِ الباقي بمصارفه لزم تتميمه من أصل التَّركة إن كان الموصى به حجَّة الإسلام وإلاَّ صرف الباقي في وجوه البر دون الحج إذا لم تكن وصيَّة أخرى واجبة لعدم كفايته له.

عَدَمِ وُجوبِ الحَجِّ مِنْ أمْوَالِ السُّحْتِ بَلْ ثُبُوتُ حُرْمَتِهِ وَعَدَمِ صِحَّتِهِ

( مسألة 46) قد يتصوَّر بعض المتساهلين ممَّن يحاول الاهتداء ولو على أساس ملوَّث أنَّ الحجَّ مقبول منه وعلى أي نحو لأنَّ الله غفور رحيم ، ولكنَّ هذا لن يكون به حجَّة نافعة لهم في المقام ، لأنَّ الله شديد العقاب في موارده أيضاً ، ولأنَّ الله لا يطاع من حيث يعصى ككون مصروفه من السُّحت والحرام بل حتَّى المخلوطات إلاَّ بما أسلفناه من حالات التَّنقيح بالخمس التَّطهيري لو لم يعرف صاحبه ولا مقداره بل حتَّى الشُّبهات على الأحوط إستحباباً في الأخير ، وقد

ص: 49

ذكرنا عدم صِحَّته لو كان شيء من الحقوق كالخمس والزَّكاة ونحوهما عالقاً ولو يسيراً فكيف بما إذا كان الكلُّ أو الأغلب أو البعض من السُّحت والحرام والمسروقات وأجرة الزِّنا وثمن الخمرة والرِّبا والرَّشوة ونحو ذلك.

ولو كان الحجُّ واجباً فعلى المكلَّف المهتدي أن يدفع هذه الأموال المحرمَّة بخصوصها إلى أهلها - كالمسروقات - أو إلى الحاكم الشَّرعي ممَّا جهل مالكه منها - وكغير المسروقات المرتبط بالحرام ممَّا لم يعلم صاحبه أو ممَّا لم يكن قابلاً للملكيَّة - ، ومع اختلاط الحلال بذلك وعدم معرفة مقدار ما له وما عليه منه وجهل أصحاب الأموال فإنَّه يخمِّسه خمس تنظيف كما مر ، ثمَّ يعوِّض للحجِّ من أمواله المحلَّلة الأخرى إن كانت لديه أموال كافية ، وإلاَّ فليس عليه استطاعة.

الحَجِّ الوَاجِبِ بَالنَّذْرِ وَالعَهْدِ وَاليَمِينِ

قبل البدء بذكر ما يتعلَّق بأحكام حجِّ النَّذر والعهد واليمن فلابدَّ من معرفة صيغها له ، فصيغ كلٍّ منها هي : -

أوَّلاً : صورة النَّذر وهي أن يقول ( لله عليَّ لئن رزقني الله الشَّيء الكذائي سوف أحجُّ هذا العام - مثلاً - قربة إليه ) على أساس أن لا تكون عليه حجَّة سابقة عليه ، أو مانع شرعي عن أصل الحجِّ مطلقاً.

ثانياً : صورة العهد وهي أن يقول ( عهد الله عليَّ لَئن رزقني الله الشَّيء الكذائي سوف أحجُّ هذا العام - مثلاً - قربة إليه ) وعلى أساس

ص: 50

ما ذكر في النَّذر كذلك.

ثالثاً : صورة اليمين وهي أن يقول ( والله لَئن رزقني الله الشيءالفلاني فسوف أحجُّ هذا العام - مثلاً - قربة إليه ) على أساس ما ذكر في النَّذر والعهد أيضاً.

( مسألة 47) يعتبر في انعقاد النَّذر والعهد واليمين : -

1 - البلوغ 2 - العقل 3 - القصد 4 - الاختيار.

فلا ينعقد من الصَّبي ولا المجنون ولا السَّاهي ولا السَّكران ولا المُكره ، وتصحُّ هذه الصيغ من الكافر المعترف بالله فتُشغل ذمَّته بذلك وإن لم يصح ذلك العمل منه كما لا يخفى ممَّا مرَّ وما سيأتي ولكن لا يمكَّن منه لوجوب إبعاده عن المسجد الحرام حينئذ.

( مسألة 48) إذا نذر الحجَّ بنفسه أو إحجاج غيره بصيغة واحدة وجب عليه أحدهما مخيَّراً، وإن مات وجب القضاء كذلك ، ولو تعذَّر أحد الطَّرفين تعيَّن الآخر ، وكذا لو نذر أن يحجَّ أو يزور الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مخيَّراً بينهما.

( مسألة 49) لا ينعقد يمين الزَّوجة مع منع الزَّوج ، ولا الولد مع منع الوالد المسلم ، ولو حلفا كان للزِّوج والوالد حلُّ حلفهما إن كان في الحلف أذيَّة للوالد مثلاً ولو من جهة شفقته ،وقد ينعقد بدونها إذا لم ينحل من قبله ، وكذا في النَّذر والعهد ، ولا تلحق الأم بالأب.

ولا يشمل ولد الولد ، كما لا يشمل الزَّوجة المنقطعة إذا لم يكن تطبيقه مرتبطاً بأيَّام مدَّة زوجيَّتها مع زوجها فضلاً عمَّا لو لم تكن هذه

ص: 51

الحالة مانعة عن أداءه كمن نذرت الحج وصاحبها زوجها في مدَّته.

ويجوز للولد والزَّوجة التماس الوالد والزَّوج أن يحلاَّ حلفهما ونذرهما ، ولو حلفت أو نذرت المرأة مثلاً حال عدم زواجها ثمَّ تزوَّجت كان لزوجها حلُّ نذرها وحلفها لكون أثر عدم حل ذلك قد يضر الزَّوج في حقوقه.

( مسألة 50) لو نذر قبل حصول الاستطاعة عملاً راحجاً شرعاً منافياً للحجِّ ما عدى زيارة الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في عرفة ثمَّ استطاع وكان الحجُّ حجَّة الإسلام فإنه يقدِّمها عليه ، وكذا لو كان عليه حجَّة الإسلام والحجِّ النَّذري في آن واحد ولم يمكنه الإتيان بهما يقدِّم حجَّة الإسلام ، وكذا لو مات ولم تف تركته بهما ولكنَّ الأحوط وجوباً دفع كفَّارة خُلف النَّذر بالنِّسبة إلى النَّوع الآخر ليتركه لأجل الحج مع ما ذكرناه من تقدُّمه.

وأمَّا لو كان الحجُّ غير حجَّة الإسلام فلا ينتقض النَّذر إذا كان النَّذر قبل استقرار الحج الآخر.( مسألة 51) لو نذر أن يحجَّ ولم يقيِّد بزمان جاز له التَّأخير إلى ظن الفوت ، وإن مات مع تمكُّنه من إتيانه يقضى عنه من أصل التَّركة.

ولو قيَّده لسنة معيَّنة فلا يجوز له التَّأخير عنها ولو أخَّره مع التَّمكُّن عصى وعليه القضاء والكفَّارة.

ولو نذر ولم يتمكَّن من الأداء أصلاً حتَّى مات فليس عليه شيء ، وكذا لو نذر نذراً معلَّقاً على شيء ولم يحصل المعلَّق عليه حتَّى مات

ص: 52

فلا يجب القضاء والكفَّارة عنه كذلك.

( مسألة 52) يصح نذر المشي في الحجِّ ولو حافياً ، بل وكذلك يصح نذره حافياً إلى الحجِّ مع عدم الضَّرر والحرج ، فلو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره وجب عليه الحجُّ راكباً مطلقاً ، سواءاً كان مقيَّداً بسنة معيَّنة أم لم بكن مع اليأس عن التَّمكُّن منه بعدها أم لا ، وإن كان يلزم الإعادة في صورة الإطلاق وعدم اليأس من التَّمكُّن مع تحقُّق ذلك العجز قبل الشُّروع في الذِّهاب إن حصل التَّمكُّن بعده ويلزم المشي حين الإمكان ولو بمقدار الميسور.

ولا يبعد أن يكون المرض مثل العجز أيضاً في ما مرَّ لا مثل التَّعاجز ، وأما سائر الموانع من الخوف والعدو ونحوهما فيشكل مثله ، لاحتمال كون الخوف من وهم وإن وجب الحذر ، ولاحتمال عدم تواجد العدو المانع في بعض المصاديق ، ولذا فالأحوط وجوباً البناء على ذلك النَّذر في هاتين الحالتين مع ما مرَّ ذكره في صورة الإمكان.

( مسألة 53) لو علم ولي الميِّت أو وصيُّه اشتغال ذمَّة الميِّت بحجِّ ولكن تردَّد فيما عليه بين النَّذر والحلف مثلاً وجب القضاء عنه بقصد القربة المطلقة الَّتي بينهما ووجبت الكفَّارة أيضاً ، ويكفي فيها إطعام عشرة مساكين.

( مسألة 54) كفَّارة حنث ( مخالفة ) النَّذر والحلف ( اليمين ) عتق رقبة - مع توفُّرها - أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم مخيَّراً بينها ، فإن لم يقدر المكلَّف على كلِّ منها صام ثلاثة أيَّام ، وإلاَّ استغفر الله

ص: 53

ثمَّ يأتي بما يقدر عليه في المستقبل بعد التَّمكُّن من الكفَّارة الأصليَّة أو الأقلِّ منها وهي الصِّيام على ترتيب مستوى قدرته الفعليَّة.

( مسألة 55) كفَّارة حنث العهد عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستِّين مسكيناً مخيَّراً فيما بينها على ما فصِّل في محلِّه من الموسَّعات.

اسْتِحْبَابُ الوَصِيَّةِ قَبْلَ الحَجِّ بَلْ وُجوبُهَا في بَعْضِ الحَالاَتِ

( مسألة 56) تستحبُّ الوصيَّة مؤكَّداً في كلِّ وقت ، فضلاً عن حالة إرادة سفر بعيد أو شبه بعيد عندنا كالحجِّ لقوله تعالى [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ ] وأخصَّاً من هذا ما كان بالنِّسبة إلى من يؤمن بالله ولا ينكر إدراك الموت واليوم الآخر وكثيراً لمن لا يقدر أن يتماهل في مصلحة نفسه إلا بالإيصاء لما يحرزه من المصلحة الشَّرعيَّة المؤكَّد عليها في ذلك لئلاَّ يُحرم المكلَّف ممَّا له من الثُّلث ، وممَّا عليه من الدِّيون شرعيَّة وغيرها من الدِّيون الَّتي قد لا يعرفها أهله حتَّى يُبرءوا ذمَّته منها ، لأنَّ الموت لابن آدم أسرع من كلِّ قرار يتَّخذه في هذه الدُّنيا الفانية ، كيف وهو مقبل بالحجِّ على ربِّه،

ص: 54

فلا ينبغي له ترك ما به إفراغ ذمَّته ، أو ما به نفع نفسه من الثُّلث ، حتَّى لو عُهد له من أولاده أن يرأفوا بحاله ويفرغوا ذمَّته لأنَّه قليل ، بل في الوصيِّة تقييد لذمَّتهم أكثر.

بل قيل بما ظاهره الوجوب ، وبالأخصِّ إذا كانت عليه مسؤوليَّات - شائكة لا يمكن حلُّها - لا تحلَّ بعد وفاته إلاَّ بالوصيَّة كما ورد ( مَنْ مَاتَ بِلاَ وَصِيَّةٍ مَاتَ مِيتَةَ الجَاهِليَّة ) وهو كذلك في الجملة ، إضافة إلى أنَّ الوصيَّة فيها داعي إطالة في العمر.

فممَّا يرجح أو يلزم الإيصاء به إذن هو الحجُّ الواجب عليه لو لم يوفَّق إليه بنفسه.

( مسألة 57) يجب الإيصاء بالواجبات محرزة الوجوب الَّتي قد يمكن التَّنفيذ لها في قيد الحياة ولكن لم يتيسَّر ذلك فعلاً وعلى نحو يفيد ظناً بعد الإمكان في حياة الموصي لا من قبله ولا من قبل نائب حي ينوب عنه ، فضلاً عمَّا لو لم يمكن ذلك بالمرَّة.

( مسألة 58) إذا كان الحجُّ واجباً على إنسان مكلَّف لاستطاعته التَّامة ولم يحج وجب القضاء عنه بعد وفاته من أصل ماله ، سواء أوصى بأن يحجَّ عنه أو لم يوص ، لأنَّه واجب شرعي مالي.

( مسألة 59) من مات وعليه حجَّة الإسلام وتبرَّع متبرِّع عنه بالحجِّ لم يجب على الورثة الإستيجار عنه من التَّركة حينئذ ، بل يرجع ذلك إلى اختيار البدل من الورثة إن شاءوا مع ذلك التَّبرُّع ما دام لم يوص بها.

ص: 55

نعم إذا أوصى الميِّت بإخراج حجَّة الإسلام من ثلثه لم يرجع بدله إلى الورثة ، بل يصرف في وجوه الخير أو يتصدَّق به عنه إذا كانت نيَّة التَّبرُّع ممَّا علم به المتوفَّى قبل وفاته من دون أن يمنع من تبرُّعه ومن دون أن تكون الوصيَّة بالحجِّ نقضاً لتبرُّعه ، أمَّا إذا كانت نقضاً لتبرُّعه فلابدُّ من صرف نفقة الحجِّ المخرجة من الثُّلث في خصوص الحجِّ لا في غيره من الواجبات الماليَّة الموصى بها في تلك الوصيَّة.

( مسألة 60) من مات وعليه حجَّة الإسلام وأوصى بالإستيجار من البلد وجب ذلك وإن كان أقلُّ الواجب الَّذي من الميقات يحصل بأجرة أقل ، والزَّائد على أجرة الميقات يخرج من الثُّلث إلاَّ أن يرضى الورثة ، ولو أوصى بالحجِّ ولم يعيِّن شيئاً اكتفى بالإستيجار من الميقات ، إلاَّ إذا كانت هناك قرينة على إرادة الإستيجار من البلد كما إذا عيَّن مقداراً يناسب الحجَّ البلدي ولم تكن في ذمَّته واجبات أخرى تحتاج إلى الصَّرف ممَّا يزيد على أجرة الميقات.

( مسألة 61) إذا أوصى بالحجِّ البلدي ولكن الوصي أو الوارث المكلف بالتَّنفيذ شرعاً ولو كان من قبل الحاكم الشَّرعي أستأجر من الميقات بطلت الإجارة إن كانت الإجارة من مال الميِّت ، ولكن ذمَّة الميِّت تفرغ من الحجِّ بعمل الأجير ويصرف الزَّائد المكمِّل لمصروف الحج البلدي خيرات عن صاحبه ما دام داخلاً في ثلثه ، وأمَّا مع التَّبرع فتصح إجارته ولابدَّ فيها من الصَّرف للحجِّ الموصى به بما وجب.

( مسألة 62) إذا أوصى بالحجِّ البلدي من غير بلده كما إذا

ص: 56

أوصى أن يستأجر من النَّجف وهو من أهل بغداد - مثلاً - وجب العمل بالوصيَّة ويخرج الزَّائد عن الأجرة الميقاتيَّة - لو كان من الثُّلث كما مرَّ - ، إلاَّ إذا كانت حالة إحراز صحَّة العمل متوقِّفة على ما أوصى به ككونه أوصى أن يكون من بلد يمرُّ على الميقات فمقتضى القواعد أنه من أصل المال ولكن لو كان السَّفر فعلاً من بلد لا يمرُّ عليه ، بل على المحاذي مثلاً أو أوصى بالنَّذر قبل الميقات فهو كالصُّورة الأولى قبل الاستثناء.

وعلى الأحوط استحباباً للورثة الإنفاق من أصل المال في خصوص حالة النَّذر قبله وإن كان من الثُّلث صحيحاً ، وفي المحاذي إشكال يوجبالاحتياط بالإنفاق من أصل المال.

( مسألة 63) إذا وجب الإستيجار للحجِّ عن الميِّت بوصيَّة أو بغير وصيَّة وأهمل من يجب عليه ذلك الإستيجار فتلف المال ضمنه ويجب عليه الإستيجار من ماله.

( مسألة 64) إذا أوصى بالحجِّ وعيَّن شخصاً خاصَّاً لزم العمل بالوصيَّة في أصلها مع التَّحمُّل ، فإن لم يقبل إلاَّ بأزيد من أجرة المثل ، خرج الزَّائد من الثُّلث ، فإن لم يمكن ذلك أيضاً استأجر غيره بأجرة المثل.

( مسألة 65) لو مات الوصي ولم يُعلم أنَّه استأجر للحجِّ قبل موته وجب الإستيجار من تركة المنوب عنه ، فيما إذا كان الموصى به حجَّة الإسلام ، ومن الثُّلث إذا كان غيرها ، وإذا كان المال قد قبضه

ص: 57

الوصي - وكان موجوداً - أُخذ من تركته وإن أحتمل أنَّ الوصي قد استأجر من مال نفسه وتملَّك ذلك بدلاً عمَّا أعطاه لأنَّ الاحتمال هنا لا يعارض أصالة اشتغال الذمة المرتبط بوجوب التفريغ ما لم يثبت ذلك شرعاً ، وإن كان أقلُّه حالة الحمل على الصحَّة كظاهر تديُّنه إلاَّ أنَّه لابدَّ من المثبتات كالبينة الشَّرعيَّة على أنَّه استأجر من قام بالعمل ونحو ذلك ، وإن لم يكن المال موجوداً فلا ضمان على الوصي ، ولا يجوز تغريمه لاحتمال تلفه عنده بلا تفريط لأنَّه أمين حسب الفرض واحتمال تفريط ورثته يحتاج إلى إثبات إذا لم تظهر بوادره والأصل عدمه.

( مسألة 66) إذا تلف المال في يد الوصي بلا تفريط وكانت هناك بقيَّة عند الورثة من التَّركة أو الثُّلث حسب التَّكليف المذكور فيما مضى مع الحاجة إلى لزوم قضاء الحج عن المتوفى وجوباً أو ايصاءاً ، فإن كانت موزَّعة على الورثة استُرجع منهم بدل ذلك الإيجار بالنِّسبة إن كان الواجب إخراجه من أصل التركة إما صرفاً تاماً من الأساس أو ما يحتاج إلى إتمامه من الثُّلث حسبما مضى ، وإن لم توزَّع أخذ منها ما يكفي لهذا الغرض ، وكذلك الحال إن أستأجر أحد للحجِّ ومات قبل الإتيان بالعمل ولم يكن له تركة أو كانت له تركة ولكن لم يمكن أخذ شيء منها.

( مسألة 67) إذا أوصى بمقدار من المال لغير حجَّة الإسلام من أنواع الحج الأخرى واحتُمل أنَّه زائد على ثلثه لم يجز صرف جميعه إذا أمكن أو يؤخذ إذن الورثة في الزَّائد ولو احتياطاً.

ص: 58

مَسَائِلُ مَا يَعْمُّ الوصِايَة وَغَيْرها

بما أنَّنا ذكرنا آنفاً وإلى آخر مسألة من مسائل الوصيَّة أنَّ وجوب قضاء الحجِّ عن الميِّت المستطيع في حياته غير مرتبط بخصوص من أوصى أن يحجَّ عنه فقط من الموتى ، بل إن الأمر شامل حتى من لم يوص منهم أو أوصى بتنفيذ ما يجب عليه من دون تصريح ، فلنذكر بعد ذلك مسائل ترد في الأعمِّ من الوصاية وغيرها وهي : -

( مسألة 68) من مات وعليه حجَّة الإسلام فإنَّه تجب مبادرة من بيده أمر المتوفَّى شرعاً كولده الذكر الأكبر لو لم يمكنه القيام بنفسه حتَّى لو كان وصيَّاً أو غيره مكانه أو أحد من أولياءه الآخرين كما فيما لو لم يكن له ولد أكبر أو لم يوص أصلاً أو أوصى وقال ( نفذوا ما يجب عليَّ ) على الإطلاق بالإستيجار عنه في سنة موته ، فلو لم يكن الإستيجار في تلك السَّنة من البلد ممكناً لزم الإستيجار من الميقات ، ويخرج بدل الإيجار من الأصل ، ولا يجوز التَّأخير إلى السَّنة القادمة ولو مع العلم بإمكان الإستيجار فيها من البلد للفوريَّة المطلوبة.

( مسألة 69) من مات وعليه حجَّة الإسلام لم يجز لورثته التَّصرف في تركته قبل استيجار الحجِّ له سواء كان مصرف الحجِّ مستغرقاً للتَّركة فليس لهم شيء منها حتماً أو لم يكن مستغرقاً لاحتمال الحاجة إليه جميعاً وتنفيذ حاجة المتوفى العباديَّة المالية مقدمة على حاجة الوارث مع هذا الاحتمال على الأحوط وجوباً ، نعم إذا

ص: 59

كانت التَّركة واسعة وبوضوح زائد على مقدار الحج والتزم الوارث بتنجيزه بأدائه جاز له التَّصرُّف في التَّركة الزَّائدة على مقدار الحجِّ كما هو الحال في الدِّين حتَّى لو كان أثناء تنجيز الحج ، بل حتَّى لو كان قبله لو عزل ماله الخاص الكافي له.

( مسألة 70) من مات وعليه حجَّة الإسلام وكان له عند شخص وديعة ، وكان من عنده تلك الوديعة يعرف بأنَّ صاحبها عليه الحجُّ ، وعلم أنَّ الورثة لا يؤدُّون الحجَّ إن دفعها إليهم ، فعليه أن يحجَّ هو عنه ، أو يستنيب من يقوم به ممَّن يطمئن به من المؤمنين إن تعذَّر عليه ذلك.

أمَّا مع احتمال كونه إن أرجعها إليهم أنَّهم يقومون بالحجِّ خصوصاً مع عدم تصريح المتوفَّى بأن لا يدفع تلك الوديعة ممَّن كانت عنده للورثة إن مات.

بل وكذا لو لم يكن هناك خوف أصلاً على تلك الوديعة الَّتي عنده منأهل الميِّت لأن يأكلوها في غير الحجِّ ، فإنَّ له أن يدفعها لهم وبالأخصِّ إذا لم يكن بنفسه مقتدراً على ممارسة الحجِّ أو لم يتيسَّر له من يطمئن به من الآخرين وقد يكون من أهله من يطمئن به ولو مجدَّداً بعد وفات أبيهم ، بل قد يفضَّل أهله في بعض الحالات.

وإذا زاد المال من أجرة الحجِّ بعد ما قام من عنده الوديعة أو من أنابه من غيرهم فعليه ردَّ الزَّائد إلى الورثة ، وإن احتاج إلى إضافة رجع إليهم ليستوفي الباقي منهم إن خلَّف أبوهم لهم شيئاً من المواريث لكون الحجِّ ديناً و ( لا وارث بعد ديَّان ) أو سخوا ببذل ما يحتاج إلى

ص: 60

الإضافة.

( مسألة 71) إذا علم استقرار الحجِّ على الميِّت وشكَّ في أدائه وجب القضاء عنه ويخرج من أصل المال.

( مسألة 72) لا تبرأ ذمَّة الميِّت بمجرَّد الإستيجار ، فلو علم أن الأجير لم يحج لعذر أو بدونه وجب الإستيجار ثانياً ويخرج من الأصل ، وإن أمكن استرداد الأجرة من الأجير تعيَّن ذلك إذا كانت الأجرة من مال الميَّت.

( مسألة 73) إذا تعدَّد الأجراء فالأحوط استيجار أقلِّهم أجرة إذا كانت الإجارة بمال الميِّت مع ضمان صحَّة العمل ، وإن كان الأظهر جواز استيجار المناسب لحال الميِّت من حيث الفضل والشَّرف ، فيجوز استيجاره بالأزيد لأنَّه ( لاَ اِسْرَافَ في الحَجِّ ) وبالأخص ما لو كان في البذل الزائد استيفاء للمستحبَّات أكثر.

( مسألة 74) إذا كانت على الميِّت حجَّة الإسلام ولم تكن له تركة لم يجب الإستيجار عنه على الوارث ، نعم يستحبُّ ذلك للولي ، بل يجب عليه إذا كان هو الولد الأكبر مع تمكُّنه على الأحوط بعد إفراغ ذمَّته من الحجِّ الواجب عليه أوَّلاً لو كان.

النِّيَابَةِ في الحَجِّ وَمَسَائِلِهَا

النِّيابة قد تكون بمعنى إنابة شخص عن شخص أو استنابته عنه في أن يقوم بالحجِّ بدلاً عنه عند عجزه إذا كان واجباً عليه ، وقد تكون مع

ص: 61

عدم عجزه أيضاً لكون الحجَّ لم يكن واجباً عليه فيقوم به النَّائب لاستحبابه ، وقد يكون واجباً ولكن كان وجوبه بالنَّذر الأعم من أن يقوم الحاجُّ به بنفسه ، أو أن ينيب شخصاً آخر ، وكذلك تطلق النِّيابة على ما إذا ناب الشَّخص عن شخص ولو تبرُّعاً.( مسألة 75) لا يختصُّ الحجُّ في وجوبه على شخص بأي نحو من نواحي الوجوب في أن يقوم هو به دون غيره ، وكذلك في استحبابه له ، بل يجوز ويصحُّ أن يقوم به إنسان آخر كفء عند الحاجة إليه على ما سيتَّضح بنحو الإنابة الواجبة على الشَّخص المكلَّف به في أمر الوجوب أو المستحبَّة في أمر الاستحباب كما سيأتي ، أو بنحو النِّيابة التَّبرُّعيَّة.

( مسألة 76) يشترط أن يكون النَّائب متوفِّراً فيه أمور : -

1 - البلوغ 2 - العقل 3 - الإيمان 4 - كونه غير مشغول الذمَّة بحجٍّ واجب عليه في عام النِّيابة إذا تنجَّز الوجوب عليه.

( مسألة 77) يجب أن يكون النَّائب قائماً بما كان على المنوب عنه في جميع مناسكه حتَّى طواف النِّساء ، لكن بالنِّسبة إلى الأخير لصالح النَّائب.

( مسألة 78) لا تشترط المماثلة بين النَّائب والمنوب عنه فتصحُّ نيابة الرَّجل عن المرأة وبالعكس شريطة الأداء الصَّحيح ، لكن يكره للمرأة الصَّرورة في حجِّها أن تنوب عن غيرها بل الأحوط لها ترك ذلك.

( مسألة 79) تصحُّ النِّيابة عن المنوب عنه سواءاً كان ذلك

ص: 62

المنوب عنه حيَّاً أو ميِّتاً في الحجِّ الواجب لكنَّه عن الحي أداءاً فيه وعن الميِّت قضاءاً عنه ، وكذا تصح عنه حال الموت والحياة في المندوب إلاَّ أنَّه إمَّا بإجارة أو تبرُّع.

( مسألة 80) يشترط كون المنوب عنه على الأقل مسلماً موحِّداً لقوله تعالى ] مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى [ وغيره.

( مسألة 81) يعتبر في فراغ ذمَّة المنوب عنه إحراز عمل النَّائب والإتيان به صحيحاً ، فلابدَّ من معرفته بأعمال الحجِّ وأحكامه وإن كان ذلك بإرشاد غيره عند كل عمل ، كما لابدَّ من الوثوق به وإن لم يكن عادلاً ، وإن كان أحوط.

( مسألة 82) يجب أن يكون عمل النَّائب في حال حياة المنوب عنه حسب ما يشترط عليه في أن يكون العمل صحيحاً ، ومع عدم الشَّرط يجب عليه أن يقوم بالعمل الصَّحيح على المتعارف شرعاً.

وفي حال اختلاف تقليد المنوب عنه عن تقليد النَّائب أو اجتهادهما أو اختلافهما في التَّقليد أو الاجتهاد يجب أن يحتاط جهد الإمكان.

ويحقُّ للنَّائب أن يشترط على المنوب عنه أو وليُّه ما يخفُّ عليهإجراؤه من الأعمال الشاقَّة في موارد الشدَّة إذا عدَّ صحيحاً في باب الضَّرورة ، وإن لم يكن مقبولاً في حال الاختيار كالوقوف في عرفة والمزدلفة مع الآخرين من المسلمين من بعض المذاهب الأخرى إذا

ص: 63

اضطَّر لمسايرتهم وإن اختلفوا معه في تعيين العيد اجتهاداً أو تقليداً ، وكالطَّواف حول البيت وإن كان بعيداً عن مداره الشَّرعي ونحو ذلك ، هذا فيما لو كان المنوب عنه حيَّاً.

وأمَّا إذا كان المنوب عنه ميِّتاً فلابدَّ من إجراء الحجِّ على النَّهج الصَّحيح ، وما يتَّفق مع تقليد الوارث أو اجتهاده أو على نهج ما وقع من الاتَّفاق من الشَّرط في مورد الشدَّة كما مر ذكره آنفاً ، وكذا ما يقع على تقليد النَّائب القاضي عنه أو اجتهاده إذا كان عمل الوارث أو المنوب عنه في وقته باطلاً مع رجحان الاحتياط إن أتى مورده.

( مسألة 83) الأحوط وجوباً أن ينوب عن الَّذي يجب عليه حجَّة الإسلام حاجُّ الصَّرورة ( الَّذي لم يحج سابقاً لنفسه ولا عن غيره ) مع الإمكان وحسن الأداء أو القضاء وضبطه ، وإلاَّ فيتعيَّن من حج سابقاً لأنَّه أكثر خبرة من غيره.

( مسألة 84) النِّيابة على قسمين : -

الأولى : بلديَّة وهي أن يذهب الإنسان نائباً عن رجل أو امرأة من بلدهما ، سواء كان النَّائب من أهل بلدهما أو لا ، لأنَّ الاستطاعة كانت من هناك.

الثَّانية : ميقاتيَّة وهي أن يكون من الميقات ،سواء كان النَّائب من أهل بلد المنوب عنه أو لا ، وكلُّ منهما صحيح مع تطبيق كامل اللَّوازم المشروطة في محلِّها.

( مسألة 85) كما تصحُّ النِّيابة في الحجِّ الكامل تصحُّ في العمرة

ص: 64

المفردة وحدها ، وكذا تصحُّ في أجزاء الحجِّ إذا فات الإنسان شيء منه بما تصحُّ النِّيابة فيه حال كون المنوب عنه في بلده لأنَّه لم يسعه القيام بذلك العمل بنفسه لكون السَّفر يحتاج إلى إنفاق كثير ، كالنِّيابة في خصوص الطَّواف أو في صلاته أو في السَّعي أو في الرَّمي أو في الذَّبح أو في طواف النِّساء أو غير ذلك كما سيأتي بيان بعض مسائلها في باب إنابة الشَّخص لغيره وهو متواجد في مواضع الأماكن المقدَّسة ، ولا تصح في الإحرام وحده أو في أحد الوقوفين أو المبيت في منى وحده أو الحلق منفرداً إلاَّ في ضمن نيابة الأعمال الكاملة.( مسألة 86) إذا مات النَّائب قبل أن يحرم لم تبرأ ذمَّة المنوب عنه فتجب الاستنابة عنه ثانية في ما تجب الاستنابة فيه ، وإن مات بعد الإحرام أجزأ عنه ، وإن كان موته قبل دخول الحرم على الأظهر ، ولكنَّ الأحوط استحباباً الإعادة حتَّى يدخل الحرم مع عدم التُّهمة بالتَّقصير ، وأمَّا مع وجودها فالاحتياط فيها وجوبي ، ولا فرق في ذلك بين حجَّة الإسلام وغيرها ، ولا بين أن تكون النِّيابة بأجرة أو بتبرُّع.

( مسألة 87) إذا استناب بنفسه للحجِّ عن شخص فليس له أن يُنيب غيره إلاَّ مع إذن المستأجر.

( مسألة 88) يعتبر في صحَّة النِّيابة تعيين المنوب عنه بوجه من وجوه التَّعيين كمعرفته شخصيَّاً ، ولا يشترط ذكر اسمه ، كما يعتبر فيها قصد النِّيابة.

ص: 65

الإجَارَةِ في الحَجِّ وَمَسَائِلِهَا

إجارة الحجِّ هي أن يستأجر من عليه الحجُّ - أو وكيله أو وصيُّه أو المتبرِّع - شخصاً كفؤاً في أداء أو قضاء تلك الفريضة ، مثل أيِّ عمل عبادي على العموم ، لقاء مال كاف للذِّهاب والإيِّاب ونفقة العيال ، أو ما يسمَّى بأجرة المثل أو الأزيد أو الأقل بإيجاب وقبول حسب الاتَّفاق بين المستأجر والأجير ، فيقول المستأجر للأجير - مثلاً - ( آجرتك على أن تقوم بالحجِّ نيابة عنِّي أو عن فلان الحيِّ أداءاً أو قضاءاً عن فلان الميِّت بمبلغ قدره كذا ) ، ثمَّ يقول الأجير على الفور ( قبلت ذلك ) لتكون العمليَّة شرعيَّة وبأحسن وجه.

( مسألة 89) يجوز للنَّائب أخذ الأجرة مكان عمله بما يكفيه ويرضيه ذهاباً وإيَّابَّاً إذا اندفع للحج أجيراً برغبة من المنيب ولم يكن متبرِّعاً ، وقد تتفاوت أجرة النِّيابة البلديَّة عن النِّيابة الميقاتيَّة في الكثرة أو القلَّة إذا كانت أجراً متَّفقاً عليه في العقد بين الجانبين على أساس الفرق بين النِّيابتين كما هو المتعارف فيكون المتفق عليه هو المأخوذ به ، أو تكون أجرة المثل حينما لم يحصل اتَّفاق على شيء مسبقاً هي المأخوذ بها.

( مسألة 90) إذا استُأجر شخص في نوع حجٍّ ، أو نوع عمل من أعماله شرعاً فلا يجوز لذلك الأجير أن يقوم مكانه بعمل آخر أو يضمَّ إلىالحجِّ حجَّاً آخر بنيَّة مختلفة للتَّزاحم المستحيل أمره بين حجَّتين،

ص: 66

وإذا بدء للحجِّ الَّذي أنيب فيه بعمل من أعماله صحَّ ما بدء به وبطل ما نواه بعد ذلك من النَّوايا الأخرى ، وإذا بدء بما لم يُستنب فيه بطل ما بدء به وصحَّ ما نواه ممَّا أستنيب فيه لو أتى به بعد ذلك إذا كان هناك مجال زمني وافٍ لأداء جميع مناسكه كعمرة التَّمتُّع وحجِّها مثلاً.

( مسألة 91) إذا استأجر المستأجر أجيراً للحجِّ بأجرة معيَّنة فقصرت الأجرة عن مصارفه لم يجب على المستأجر تتميمها ، كما أنَّها إذا زادت عنها لم يكن عليه استرداد الزَّائد إذا كان المعقود عليه من الأجر هو ما يكفي الحج زيادة إلاَّ إذا كانت الأجرة أجرة المثل ثمَّ حصلت زيادة عليها فلابدَّ من ردِّها.

( مسألة 92) إذا استأجره للحجِّ الواجب أو المندوب فأفسد الأجير حجَّه بالجماع قبل المشعر وجب عليه إتمامه وأجزأ المنوب عنه ، وعلى ذلك الأجير الحجُّ من عام قابل وكفَّارة بدنة ، والظَّاهر أنَّه يستحقُّ الأجرة إذا كان إفساده عن جهل قصوري أو تقصيري مع عدم الالتفات وإن لم يحج من قابل لعذر أو غير عذر لكنَّه أحوط فلا يأخذها إلاَّ بعد الحج في القابل ، وتجري الأحكام المذكورة في المتبِّرع أيضاً غير أنَّه لا يستحقُّ الأجرة وإن وجبت عليه الإعادة.

( مسألة 93) الأجير وإن كان يملك الأجرة بالعقد لكن لا يجب تسليمها له إلاَّ بعد العمل إذا لم يشترط التَّعجيل ، ولكن الظَّاهر جواز مطالبة الأجير - للحجِّ - بالأجرة قبل العمل ، وذلك من جهة القرينة على اشتراط ذلك ، فإنَّ الغالب أنَّ الأجير لا يتمكَّن من الذِّهاب إلى

ص: 67

الحجِّ أو الإتيان بالأعمال قبل أخذ الأجرة ولكن للمستأجر أخذ الضَّمانات على أمر الوفاء إذا حصل عنده بعض الشَّك.

( مسألة 94) إذا صُدَّ الأجير أو أُحصر(1) فلم يتمكَّن من الإتيان بالأعمال كان حكمه حكم الحاجِّ عن نفسه إذا أصابته مثل هذه الموانع ، وانفسخت الإجارة إذا كانت مقيَّدة بتلك السنة وعليه إرجاع ما تبقى من الأجرة لو أنفق قسماً من ذلك في هذا السَّبيل، وأمَّا إذا لم تكن مقيَّدة بتلك السَّنة مع وجود البقيَّة أو الإضافة الَّتي تحصل وتكفيه ثانية بعد انتهاء تلك فإنَّ الإجارة تبقى على حالها وذمَّة الأجير تبقى مشغولة بها إلى العام الآتيمثلاً.

( مسألة 95) إذا مات الأجير بعد الإحرام أستحقَّ تمام الأجرة ، إذا كان أجيراً على تفريغ ذمَّة الميِّت ، وأمَّا إذا كان أجيراً على الإتيان بالأعمال استحقَّ الأجرة بنسبة ما أتى به ، وإن مات قبل الإحرام وقبل أن يبدأ بشيء يستدعي الصَّرف لم يستحق شيئاً كما مرَّ ، نعم إذا كانت المقدِّمات داخلة في الإجارة المرتبطة بالأعمال استحقَّ من الأجرة بقدر ما أتى به منها.

( مسألة 96) كما تصحُّ النِّيابة بالتَّبرُّع وبالإجارة تصحُّ بالجعالة ، ( كقول الجَّاعل للنَّائب إن حججت عن فلان هذا العام جعلت لك كذا مقداراً من المال ) ، وبالشَّرط في ضمن العقد كقول البائع للمشتري ( بعتك هذه الدَّار بمبلغ قدره كذا بشرط أن تحجَّ عن فلان

ص: 68


1- سوف يأتي بيان المصدود والمحصور في بابهما في أواخر الكتاب .

هذا العام ) ونحو ذلك.

( مسألة 97) إذا أتى النَّائب بما يوجب الكفَّارة فهي من ماله سواء كانت النِّيابة بإجارة أو بتبرُّع.

مَوَارِدُ إنَابةِ الحَاجِّ المُتَواجِدِ في البِقَاعِ المُقدَّسَةِ غَيْرَه لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ

( مسألة 98) يجب على الحاجِّ الذَّاهب إلى مواقع المشاهد المشرَّفة للحجِّ - أو الَّذي كان من أهل تلك المواقع وأراده - حينما لا يقدر على مزاولته أو مزاولة بعض الأمور لإكمال حجِّه أو تصحيحه أن يستنيب من يكفيه أمره بدلاً عنه في أمور : -

1- إذا لم يتمكَّن المكلَّف من الوضوء أو الغُسل أو التَّيمُّم بعدهما بدلاً عنهما ليأتي بالطَّواف وهو الَّذي جرى عليه حكم من لم يتمكَّن من أصل الطَّواف ، وبالخصوص من ذلك حالة وجود الحدث الأكبر فيه ، لوجوب الخلاص منه حتَّى في أمر أصل الدُّخول إلى الحرم بالغسل أو التَّيمُّم بدلاً عنه ، فضلاً عن حالة أداء الطَّواف في حين أنَّه لم يقدر عليهما ، فإذا حصل له اليأس من التَّمكُّن من ذلك لزمته الاستنابة للطَّواف ، والأحوط الأولى مستحبَّاً أن يأتي هو أيضاً بالطَّواف ولو من غير طهارة إن لم يكن حدثه حدثاً أكبر مع إنابة شخص لصلاته.

ص: 69

2- إذا حاضت المرأة بعد الفراغ من الطَّواف وقبل الإتيان بصلاةالطَّواف للعمرة قبل الحجِّ فإنَّها قد صحَّ طوافها وأتت بالصَّلاة بعد طهرها واغتسالها ، ولكن إن ضاق الوقت وجائت أيَّام الحج استنابت للرَّكعتين على الأحوط ثمَّ تسعى وتقصِّر وتقضي تلك الصَّلاة قبل طواف الحجِّ.

3- إذا طافت المرأة وصلَّت ثمَّ شعرت بالحيض ولم تدرِ أنَّه كان قبل الطَّواف أو قبل الصَّلاة أو في أثنائها أو أنَّه حدث بعد الصَّلاة فإنها إن حصل هذا بنت على صحَّة الطَّواف والصَّلاة ، وإذا علمت أنَّ حدوثه كان قبل الصَّلاة وضاق الوقت استنابت احتياطاً وجوبيَّاً ثمَّ تسعى وتقصِّر ثمَّ تصلِّي بنفسها أيضاً بعد طهرها واغتسالها وبذلك تتم عمرتها قبل الحج.

4- يجب على الحائض والنَّفساء بعد انقضاء أيَّامها وعلى المجنب كذلك الاغتسال للطَّواف قبل دخول الحرم ، ومع تعذُّر الاغتسال واليأس من التَّمكُّن منه يجب الطَّواف بعد التَّيمُّم حين ضيق الوقت ومنه نيَّة رجوع الرَّفقة إلى الأوطان ، والأحوط الأولى حينئذ الاستنابة أيضاً ومع تعذُّر التَّيمُّم أيضاً تتعيَّن الاستنابة.

5- المعذور يكتفي بطهارته العذريَّة كالمجبَّر بجبيرة لكسر فيه وما يلحق به ، والمسلوس بالبول المستغرق لكلِّ الوقت في كلِّ منهما ، لكنَّ المسلوس في كامل الوقت عليه الاحتياط بطهارة أخرى لصلاة الطَّواف بعده إن أمكن.

أمَّا المبطون فالأحوط وجوباً أن يجمع مع التَّمكُّن بين الطَّواف

ص: 70

بنفسه والاستنابة.

6- إذا لم يتمكَّن من الطَّواف بنفسه سواء كان طواف العمرة أو الحجِّ ، أو طواف النِّساء لمرض أو كسر وأشباه ذلك لزمته الاستعانة بالغير في طوافه ، ولو بأن يطوف راكباً على متن رجل آخر أو حيوان أو يركب في ( صندوق مطاف ) مكشوف الفوق - يحمله إنسان تعارف حمله للطَّواف بالعُجَّز هناك - وإذا لم يتمكَّن من ذلك أيضاً وجبت عليه الاستنابة فيطاف عنه ، وكذلك الحال بالنِّسبة إلى صلاة الطَّواف فيأتي المكلَّف بها مع التَّمكُّن ويستنيب لها مع عدمه بل تستحب الاستنابة لهما حتَّى مع التَّمكُّن لإحراز قبول العمل أكثر فيما بين عملين أحدهما الواجب والآخر احتياط له معه.

7- إذا التجأ الطائف إلى قطع طوافه وخروجه عن المطاف لصداع أو وجع في البطن أو نحو ذلك ، فإن كان ذلك قبل إتمامه الشَّوط الرَّابع بطل طوافه ولزمته الإعادة من الأول ، وإن كان بعده فعليه الإتمام لا غير مع زوال العذر والإتمام كذلك من قبل غيره مع عدم زوال العذر استنابه للغير عنه مع الاحتياط بالإتمام والإعادة بعد زوال ذلك العذر.

8- إذا ترك الطواف نسياناً وجب تداركه بعد التَّذكُّر ، فإن تذكَّره بعد فوات محلِّه قضاه وصح حجُّه ، والأحوط وجوباً إعادة السَّعي بعد قضاء الطَّواف والصَّلاة لرعاية التَّرتيب وإن كان قد سعى سابقاً.

وإذا تذكَّره في وقت لا يتمكَّن فيه من القضاء أيضاً كما إذا تذكَّره بعد رجوعه إلى بلده وجبت عليه الاستنابة ، والأحوط وجوباً أن يأتي النَّائب بالسَّعي أيضاً بعد الطَّواف لرعاية التَّرتيب كذلك وإن أدَّاه من

ص: 71

وجب عليه في حينه.

9- إذا كان في قراءة المصلِّي لحنٌ ، فإن لم يكن متمكِّناً من تصحيحها أصلاً حتَّى مع المعلِّم أو الملقِّن فلا إشكال في اجتزائه بما يتمكَّن منه ، ولا فرق في ذلك بين صلاة الطَّواف وغيرها كالتَّلبيَّة ، وأمَّا إذا تمكَّن من التَّصحيح لزمه ذلك ، فإن أهمل حتَّى ضاق الوقت عن تصحيحها فالأحوط وجوباً أن يأتي بصلاة الطَّواف حسب امكانه وأن يصلِّيها مع شخص أو أشخاص عارفين يسمع قراءتهم ويعرف أفعالهم ويعمل على طبقها لا على نحو الإئتمام جماعة إن أمكن أو يستنيب لها أيضاً مع استحباب أن يجمع بينهما إن أمكن.

10- لو ترك السَّعي نسياناً أتى به حيث ما ذكره ، وإن كان تذكُّره بعد فراغه من أعمال الحجِّ فإن لم يتمكَّن منه مباشرة أو كان فيه حرج ومشقَّة لزمته الاستنابة ويصحُّ حجُّه في كلتا الصُّورتين.

11- إذا نقص من أشواط السَّعي نسياناً فإن كان بعد الشَّوط الرَّابع وجب عليه تدارك الباقي حيثما تذكَّر ، ولو كان ذلك بعد الفراغ من أعمال الحجِّ ، وتجب عليه الاستنابة لذلك إذا لم يتمكَّن بنفسه من التَّدارك أو تعسَّر عليه ذلك ولو لأجل أنَّ تذكُّره كان بعد رجوعه إلى بلده ، والأحوط استحباباً حينئذ أن يأتي النَّائب بسعي كامل ينوي به فراغ ذمَّة المنوب عنه بالتَّمام أو الإتمام.

وإمَّا إذا كان نسيانه قبل تمام الشَّوط الرَّابع ، فالأحوط وجوباً أن يأتي بالسعي الكامل يقصد به الأعمُّ من التَّمام أو الإتمام ، ومع التَّعسُّر يستنيب لذلك.

ص: 72

هذا إذا كان النَّقص في حال النِّسيان ، وأمَّا لو كان عامداً عالماً بالحكم أو جاهلاً به فسيأتي حكمه في موارد قلب الحجِّ إلى نيَّة أخرى.

12- بناءاً على حصول طابق فوق طابق الجمار الأرضي ففي الاجتزاء برمي المقدار الزَّائد عليها إشكال ، فالأحوط وجوباً بل الأقوى أن يرمي المقدار الَّذي كان منها سابقاً فقط بما عنده من الحصى المقدَّر ، ولذا سوفيأتي في باب الرَّمي تأكيداً بيان عدم كفاية الرَّمي في الطَّابق الثَّاني هناك احتياطاً وجوبيَّاً ، بل هو الأقوى ، فإن لم يتمكَّن من ذلك رمى المقدار الزَّائد بنفسه واستناب شخصاً آخر لرمي المقدار المزيد عليه.

13- إذا لم يرم يوم العيد نسياناً أو جهلاً منه بالحكم لزمه التَّدارك ، ويمتد ذلك إلى اليوم الثَّالث عشر حينما تذكَّر أو علم ، فإن علم أو تذكَّر من الليل قبل العيد لزمه الرمي في نهاره إذا لم يكن ممَّن قد رُخِّص له الرمي في الليل وسيجيء ذلك في رمي الجمار ، ولو علم أو تذكَّر بعد اليوم الثَّالث عشر فالأحوط وجوباً أن يرجع إلى منى ويرمي ويعيد الرمي في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه ، وإذا علم أو تذكَّر بعد الخروج من مكة لم يجب عليه الرجوع ، بل يرمي في السَّنة القادمة بنفسه أو بنائبه على الأحوط وجوباً كذلك.

14- الذَّبح الواجب هدياً أو كفَّارة لا تعتبر فيه المباشرة ، بل يجوز ذلك بالاستنابة في حال الاختيار أيضاً مع رجحان المباشرة احتياطاً ، بل هو الواجب إن توقَّف إجراء العمل صحيحاً عليه ، ولابدَّ أن تكون النيَّة مستمرَّة من صاحب الهدي إلى حين الذَّبح ، ولا يشترط

ص: 73

نيَّة الذَّابح وإن كانت هي الأحوط الأولى ، والأحوط استحباباً أيضاً كون الإنابة في حال الفجر.

15- من ترك طواف النِّساء سواء أكان متعمِّداً مع العلم بالحكم أو الجهل به أو كان عن نسيان حرمت عليه النِّساء حتَّى زوجته إلى أن يتداركه ، ومع تعذُّر المباشرة أو تعسُّرها جاز له الاستنابة ، فإذا طاف النَّائب عنه حلَّت له النِّساء ،وعليه إعلامه بالفراغ منه وعلى المنوب عنه الاستعلام منه قبل الجماع ، فإذا مات قبل تداركه ، فالأحوط وجوباً أن يقضى من تركته.

16- إذا حاضت المرأة ولم تنتظر القافلة طهرها ، جاز لها ترك طواف النِّساء والخروج مع القافلة ، ولكن عليها حينئذ أن تستنيب لطوافها ولصلاته ، وليس لها أن تقرب من الزَّواج أو من زوجها إلاَّ بعد حصول ذلك ، وإذا كان حيضها بعد تجاوز النِّصف من طواف النِّساء جاز لها ترك الباقي والخروج مع القافلة ، والأحوط كذلك عليها الاستنابة لبقيَّة الطَّواف ولصلاته.

17- المريض الَّذي لا يُرجى برؤه إلى المغرب يستنيب لرميه ، ولو اتَّفق برؤه قبل غروب الشَّمس رمى بنفسه أيضاً على الأحوط وجوباً.

18- لا يبطل الحجُّ بترك الرَّمي ولو كان متعمِّداً ، ويجب قضاء الرَّميبنفسه أو بنائبه في العام القابل على الأحوط.

19- إذا أُحصر عن مناسك منى لم يجرِ عليه حكم المحصور كما سيأتي معناه ، بل يستنيب للرَّمي والذَّبح ، ثمَّ يحلق أو يقصِّر ، ثمَّ يرجع إلى مكَّة لأداء مناسكها ، وإن لم يتمكَّن من الاستنابة أودع ثمن

ص: 74

الهدي عند من يثق به في أن يذبح عنه فيحلق أو يقصِّر ، ثمَّ يرجع إلى مكَّة لأداء مناسكها ، والأحوط وجوباً أن يأتي بالرَّمي في السَّنة القادمة بنفسه أو بنائبه.

وإذا أُحصر بعد الموقفين عن الإتيان لمكَّة وأداء مناسكها ، فالظَّاهر وجوب الاستنابة عليه لمناسكها ، ويتحلَّل بعد عمل النَّائب حتَّى من النِّساء.

وهناك مسائل متفرِّقة تأتي في محلِّها إنشاء الله تعالى.

قَضَاءِ الحَجِّ

( مسألة 99) يجب على الولد الأكبر الذَّكر قضاء ما فات أباه أو أمَّه بعد وفاتهما من فريضة الحجِّ لاستطاعة سابقة عليهما ولم يؤدِّيانها أو أدَّياها ولكنَّها فسدت بأيديهما ، على أن يكون مبلغ الصَّرف ذهاباً وإيِّاباً من أصل الميراث إذا لم يوصِ أحدُهما بذلك لكونها من الفرائض الماليَّة ، وكذلك إذا أوصيا ولم يخصِّصا كون ذلك المبلغ من ثلث التَّركة ، بل إنَّهما لو لم تكن لأحدهما تركة وكان الولد الأكبر متمكِّناً من القضاء مادِّياً تعيَّن عليه القيام بذلك أيضاً وبالأخص عن والده.

( مسألة 100) يجب على الوصي تنفيذ وصية المتوفَّى - إذا كان عليه الحجُّ حسب ما ذكر فيها عنه - بعد قبول الوصي بها وبتنفيذها إذا لم يكن الولد الأكبر ، فإن كان هو الولد الأكبر فعليه التَّنفيذ والالتزام

ص: 75

بالحجِّ قضاءاً عن والده أو والدته لأنَّه أولى من غيره مع قدرته ، أو يستأجر شخصاً يقوم به مع عدمها.

وإن لم يكن الأكبر أو كان أجنبيَّاً ولكنَّه تبنَّاها أيضاً فعليه القيام بتلك الكلفة بنفسه إن كان هو المقصود ، أو يستنيب شخصاً آخر إن كانت الوصيَّة مطلقة ، والمستناب بدوره هذا إذا قبض الأجرة مصمِّماً على القيام به وجب عليه أيضاً وسوف يأتي مزيد بيان عن أحكام الوصيَّة في بابها.

( مسألة 101) لو علم ولي الميِّت أو وصيُّه اشتغال ذمِّة الميِّت بحجِّ ولم يَعلم أنُّه حجَّة الإسلام أو حجَّ النَّذر وجب القضاء عنه بقصد القربةالمطلقة المرتبطة بهما ولا تجب كفَّارة خلف النَّذر.

اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ في الحَجِّ وَالعُمْرَةِ ثَابِتٌ في الجُمْلَةِ

( مسألة 102) ليعلم الحجَّاج وطلاَّب الفقه كما لا يخفى على المطَّلع ناسكاً أو غيره أنَّ الطَّهارة شرط في صحَّة الصَّلاة والصَّوم والحجِّ ، ولكنَّها في الحجِّ تكون في بعض مواقع مناسكه لا في كلِّ أعماله ، كحالة دخول المسجد الحرام للطَّواف وصلاته ، لعدم جواز دخول المسجد للمجنب والحائض والنَّفساء والمستحاضة الكبرى والوسطى إلاَّ بعد الغسل حالة النَّقاء من الحيض والنَّفاس لحدثيَّتهما

ص: 76

وتبديل القطنة للمستحاضة المذكورة بكلا قسميها بعد الاغتسال لها والغُسل للحالات الأخرى كالجنابة بعد تنظيف الجسم من قذارة المني وإن لم يكن الدَّاخل قاصداً الطَّواف وصلاته فضلاً عن حالة قصدهما ، ولعدم صحَّة الطَّواف وصلاته أيضاً بلا وضوء لأنَّ (الطَّواف صلاة) كما في بعض النُّصوص و ( لا صلاة إلاَّ بطهور ).

وكذلك الطَّهارة في دخوله شرط حتَّى لو لم يتوفَّر الماء للغُسل ، فيحتاج تحقيق إباحة الدُّخول ومزاولة أعمال الحجِّ والعمرة إلى التَّيمُّم بدلاً عن الغُسل والوضوء ، وسيأتي بيان بعض مسائل الطَّهارة هذه في أحكام الطَّواف.

صُورَةُ الوُضُوءِ إجْمَالاً

صورة الوضوء ولو إجمالاً : بعد تحضير الماء المطلق الطَّاهر المباح بعد النيَّة للغرض العبادي الخاص المشروط به في المناسك - مثلاً - إذا حلَّ وقته قربة إلى الله تعالى ، أو للكون على الطَّهارة قربة إلى الله تعالى أيضاً وإن كان قبل حلول الموعد المقصود ، وذلك بسبب النَّوم أو البول أو الرِّيح أو الغائط أو الإغماء أو حدث الاستحاضة الصغرى بالنِّسبة إلى النِّساء أو فيما ألحق بأحد الأحداث الكبيرة الآتي ذكرها وهو مع الاستحاضة الكبرى أو الوسطى ما عدى الجنابة لاغناءها عن الوضوء على ما سيأتي توضيحه في صورة الغسل ، و هي : -

غسل الوجه من قصاص شعر الرَّأس الطَّبيعي وما يساويه من

ص: 77

وجه رأس الأصلع والأغمِّ إلى طرف الذَّقن طولاً ، وما اشتملت عليه الإبهام والوسطى عرضاً ، مع تخليل ما يجب تخليله ممَّا يحتمل فيه عدم وصول الماء إليه مع التَّجاوز بغسل ما زاد على الحدَّين المذكورين استحباباَ لإبراء الذمَّة بالنِّسبة إلى المغسول اللاَّزم في غسل الوجه ، ثمَّ تكرير الغَسل ثانياً استحباباً ، لما ورد من استحباب تثنية لغسلات الأعضاء ولو في الجملة.

ثمَّ يليه مباشرة غسل اليد اليمنى من المرفق إلى أطراف الأصابع باستيعاب مع مباشرة اليد اليسرى بمثل ذلك الغسل ، ومع تخليل ما يجب تخليله ممَّا لا يصل إليه الماء بدونه كالخاتم الضَّيِّق أو الحلقة الضَّيِّقة ، وكذا ما يستحبُّ ممَّا يصل الماء إليه بدون التَّخليل كالخاتم أو الحلقة الواسعين ، ثمَّ تكرار الغسل مرَّة ثانية استحباباً.

ثمَّ يليه مباشرة غسل اليد اليسرى باليد اليمنى مع مباشرة تلك اليد اليمنى بالغسل من المرفق إلى أطراف الأصابع كاليمنى باستيعاب أيضاً وبممارسة التَّخليل الذي مرَّ ذكره على أن تكون الغسلة واحدة احتياطاً واجباً ، لأنَّ الغسلة الثَّانية فيها ضعيفة المستند ولا يؤتى بها إلاَّ للرجاء وهو لا يكفي في كون باقي بلله الَّذي لمسح الرجل اليسرى لو كان للرجاء بل إنَّما الكافي للَّذي ثبت استحبابه.

ثمَّ يليه مباشرة مسح مقدَّم الرأس ببقيَّة بلل باطن كفِّ يده اليمنى إلى قصاص الشَّعر الطَّبيعي أو ما يحادده بالنِّسبة إلى الأصلع والأغمِّ كما ذكرناه عن غسل الوجه.

ثمَّ يليه مباشرة مسح ظاهر قدمِ رجله اليمنى ببقيَّة بلل باطن كفِّه

ص: 78

اليمنى من أطراف الأصابع إلى الكعبين ، وهما ( مفصلا القدم ) على الأكثر احتياطاً ، مع الاحتياط الاستحبابي بالاستيعاب طولاً وعرضاً.

ثمَّ يليه مباشرة على الأحوط وجوباً في التَّرتيب مسح ظاهر قدمه اليسرى الواجب ببقيَّة بلل باطن كفِّه اليسرى ، وذلك من أطراف الأصابع إلى الكعبين كذلك مع الاستيعاب الاستحبابي.

مع لزوم مراعاة التَّرتيب ، وهو عدم عكس التَّقديم والتَّأخير الطَّبيعي بين ما ذكرناه عن الأعضاء المغسولة والأعضاء الممسوحة ، مع لزوم مراعاة الموالاة بين هذه الأعضاء ، بحيث لا يكون بين كلٍّ منها فاصل زمني مخل بحيث لا يجف به أي عضو سابق على لاحق ، مع لزوم استمرار النيَّة القصديَّة من أول فعل للوضوء إلى آخر فعل له ، بحيث لو سأله سائل حين ممارسته لغسل أعضائه عن ما يفعل ؟!..لأجاب على الفور بأنَّه يتوضأ ، لأهميَّة الاستحضار لها.

صُورَةُ الغُسْلِ إجْمَالاً

صورة الاغتسال الواجب ولو إجمالاً ويلحق به المستحب حين أداء مناسك الحجِّ والعمرة المشروطين بالطَّهارة من الأحداث الكبيرة في الجملة على ما توضَّح سابقاً من حدث الجنابة والحيض والنَّفاس ، ويلحق بذلك الإستحاضة الكبرى والوسطى.

ويتبع هذه الموجبات حالة تغسيل الحجَّاج الموتى للدَّفن عن طهارة لا لمشروعية ممارسة المناسك المستلزمة للاغتسال فقط ، هذا كلُّه في

ص: 79

الواجبات.

وكذا في باب إجراء الأغسال المستحبَّة كحالة إجراء الإحرام قبل لبس ثوبيه ونحوها من المرجِّحات الَّتي قد تمرُّ على النَّاسك الكريم ، وغيره من موارد تلك الأغسال المستحبَّة في تلك المناسك وهذه الصورة هي : -

إجراء الغسل إذا كان ترتيبيَّاً بعد النيَّة المشخِّصة لنوعيَّة الغسل الواجب أو المستحب أو لصنف الواجب من أصناف الواجبات كالجنابة - مثلاً - على وجه القربة إلى الله تعالى ، لغرض دخول البيت الحرام نوعاً - مثلاً - أو البيت الحرام لطواف الحجِّ أو العمرة أو طواف النِّساء ، بالماء المطلق الطَّاهر المباح ، وسكب الماء بعد النيَّة فوراً على الرَّأس والرَّقبة واستيعاب كليهما بالماء ولو كان تدهيناً.

ثمَّ سكب الماء على الجانب الأيمن من الجسم ظَهراً وصدراً وبطناً من أعلى ذلك النِّصف الأيمن ، ممَّا يلي الرَّقبة مع كامل اليد إلى أسفل القدم وأصابعه ، وبمباشرة مستوعبة مع تخليل ما يجب تخليله من الشَّعر والخاتم والحلقة وإزاحة الموانع الأخرى كالصُّبغ الحاجب ونحوه ، مع ضمِّ السُّرَّة والعورتين قبلاً ودبراً ، مع مراعاة التَّرتيب بين حالة غسل الرَّأس والرَّقبة مع الجانب الأيمن ، بمعنى عدم جواز وعدم صحَّة العكس فيما بينهما ، ولكن بدون لزوم الموالاة والمباشرة باليد كالوضوء.

ثمَّ سكب الماء على الجانب الأيسر ، وبنفس ما قلناه من محقِّقات الوجوب والاستيعاب لجميع النِّصف الثَّاني من الجسم كذلك من

ص: 80

أعلاه إلى أصابع قدم الرجل ظَهراً وبطناً مع التَّخليل وإزاحة الحواجب المانعة ، وضمِّ السُّرَّة والعورتين لغرض الاستيعاب كما مضى ، مع لزوم مراعاة التَّرتيب بينه وبين ما قبله وعدم لزوم الموالاة وعلى أساسمن استمرار النيَّة إلى آخر عضو ، وإن كانت قد تحصل غفلة قهريَّة في بعض حالات عدم الموالاة بين فواصل الأجزاء الثَّلاثة من الرَّأس والرَّقبة والجانب الأيمن والجانب الأيسر كما مرَّ ذكره فلا تضر مع رجوع الانتباه.

على أن لا يصاحب هذه الأعضاء حدث أصغر ، فإن صاحبها أو صار بين فواصلها حدث أصغر فعلى المكلَّف إكمال الغُسل ثمَّ إعادته ، ثمَّ إعادة الوضوء احتياطاً وجوبيَّاً بنيَّة الكمال أو الإكمال.

وأمَّا صورة إجراء الغُسل إذا كان ارتماسيَّاً فهو : -

أن يرمس جسمه بأجمعه في الماء كماء الحوض أو النَّهر أو نحوهما ، ويلحق بهما الشَّلاَّل الشَّامل لجميع جسمه على قول ، ولكنَّ اجتناب الأخير أحوط وجوباً إذا لم يكن شاملاً تامَّاً للجسم ، بعد خلع جميع ما على الجسم من الملابس والخاتم والحلقة ونحو ذلك ، بعد النيَّة المناسبة لنوع الغُسل مع موجبه من جنابة أو حيض أو نحوهما على وجه القربة إلى الله سبحانه داخل الماء بادئاً بالنيَّة هذه قبل الدُّخول احتياطاً ، على أن يكون استقراره أثناء هذا النَّوع من الغُسل في وسط الماء ، بلا أن يكون أي عضو من أعضاءه ولو من طرفه خارج الماء أو متَّصلاً بأحد جوانب الحوض - مثلاً وقت الرَّمس - وهذا الارتماس لابدَّ أن يحصل دفعة واحدة مع تلك النيَّة.

ص: 81

( مسألة 103) إذا مات الإنسان وهو محرم يجب تجهيزه كاملاً من التَّغسيل ونحوه إلى مثواه الأخير وهو الدَّفن كالمُحلِّ ، إلاَّ أنَّ الكافور لا يجوز أن يُدنى منه ، بل يعوَّض عنه إمَّا بماء القراح ثانياً أو بماء السِّدر كذلك ، فتكون الأغسال ثلاثة كالحالة الطَّبيعيَّة شرعاً ، ولكنَّ أحدها سدر واثنان قراح ، أو اثنان سدر وواحد قراح ، ومن دون أن يمسَّ مساجده السَّبعة بشيء من الكافور.

وكذا العطور الأخرى إلى ما بعد التَّقصير بعد سعي عمرة التَّمتَّع ، وإلى ما بعد التَّقصير من السَّعي الَّذي بعد طواف الحجِّ الَّذي أتى به بعد الفراغ من أعمال منى لليوم الأول تماماً على الأقل ، وهكذا إلى ما بعد التَّقصير بعد سعي العمرة المفردة.

صُورَةُ التَّيمُّمِ إجْمَالاً

صورة التَّيمُّم بدلاً عن الوضوء الواجب في موارده أو المستحبِّ في موارده ، وكذا إذا كان بدلاً عن الغسل الواجب في موارده ، أو المستحبِّفي موارده ، فيما إذا اضطرَّ الحاجُّ الكريم إلى عدم استعمال الماء للوضوء أو الغسل بسبب مرض أو عدم قدرة على الوصول إلى مواقع الماء أو انعدام فيه أو شحَّة يخشى منها - حين استعماله للوضوء أو الغُسل - على نفس محترمة أن تموت بهما ، وهي : -

1 - أن يكون بتراب طاهر مباح ، ويلحق به الرَّمل وما اختلط بهما من دون أن يكون بمعدن ، أو ملح أو جصٍّ مفخور ، أو رماد أو

ص: 82

نحوها بعد النيَّة الدَّاعية لكون التَّيمُّم بديلاً عن الوضوء - مثلاً - قربة إلى الله تعالى ، أو بديلاً عن الغُسل قربة إلى الله تعالى كذلك.

2 - ثمَّ ضرب الكفَّين الأيمن والأيسر - مسطفَّين - بباطنهما على الأرض التُّرابيَّة.

ثمَّ نفضهما بضرب باطن إحداهما بباطن الأخرى ، ثمَّ جمع باطنهما مسطفَّين أيضاً برفعهما نحو الجبين ( الجبهة ) لمسح جميعه بكلا الباطنين المسطفَّين ، مع فتح الإبهامين وبسطهما على نصف دائرتي الوجه العليا ، لإجراء ذلك المسح ممَّا يلي قصاص الشَّعر الأعلى إلى طرف الأنف الأعلى مع ظاهر جفني العينين ، والأحوط استحباباً إلى أرنبتي الأنف.

ثمَّ مسح ظاهر الكفِّ الأيمن بباطن الكفِّ الأيسر من الرُّسغ إلى أطراف الأصابع.

ثمَّ مسح ظاهر الكفِّ الأيسر بباطن الكفِّ الأيمن من الرُّسغ أيضاً إلى أطراف الأصابع أيضاً ،مع مراعاة الموالاة والتَّرتيب كما ذكرناه في الوضوء.

ثمَّ إعادة ضرب الكفَّين معاً ثانياً على الأرض التُّرابيَّة كالأولى على الأحوط وجوباً إذا كان التَّيمُّم بدلاً عن الغسل.

ثمَّ نفضهما ومسح ظاهر الكفِّ اليمنى بباطن اليسرى.

ثمَّ مسح ظاهر الكفِّ اليسرى بباطن اليمنى.

وفي حالة وجدان ما يكفي للوضوء لدى المجنب الَّذي تعذَّر أو تعسَّر عليه الماء للغسل يجب عليه الوضوء ، لضعف التَّيمُّم الَّذي فعله

ص: 83

عن أن يكون مغنياً عن الوضوء كالغسل المُغني ، لكون التَّيمُّم مبيحاً وليس برافع للحدث الأكبر على الأكثر ، مع لزوم الاحتياط باجتناب دخول المسجد الأعظم وغيره من المساجد إذا لم يترتَّب على ذلك دخولٌ منسكي إلى أن يتهيأ الماء إلاَّ في حالة الاجتياز في غير المسجدين الأعظمين.

( مسألة 104 ) فاقد الطَّهورين - الماء والتُّراب - إذا كان دخولالبيت الحرام واجباً عليه لأداء مناسك الحجِّ أو العمرة لابدَّ له من أن ينتظر آخر وقت الإمكان الشَّرعي ليعرف تكليفه ، وإن لم يمكنه ذلك استناب من يقوم بالواجب مكانه ثمَّ يسعى بعد ذلك بنفسه.

فَوَارِقُ الحَجِّ عن بَقَيِّةِ العِبَادَاتِ أو بَعْضِها

إنَّ من خواصِّ الحجِّ الَّتي يفترق بها عن بقيَّة الواجبات الأخرى كلِّها أو بعضها هي : -

1- جواز نيَّة أعمال الحجِّ مع مصاحبة ألفاظها الخاصَّة بها لها على أن تكون معبِّرة عنها كما سيجئ ، بل رجحانها على نحو الاحتياط اللزومي دون غيره من العبادات ، حيث يرجح في تلك الأخرى مجرَّد الخطور الذِّهني بمعنى الدَّاعي ونحوه من الخطور على ما هو مفصَّل في الكلام عن النيَّة الآتي قريباً.

بل قد يحرم في تلك خاصَّة إذا كان اللَّفظ مشتِّتاً للذِّهن إلاَّ ما إذا كان الذِّهن لدى بعض العوام لا يتحرَّك إلاَّ مع مصاحبة ذلك اللَّفظ

ص: 84

فيباح ، ولكن مؤقَّتاً إلى حين التَّعوُّد على مجرَّد القصد.

2- وجوب الحجِّ مبني على شروط كغيره من الواجبات المشروطة ، بخلاف الصَّلاة فإنَّها واجب مطلق لأنَّها لا تسقط بحال.

3 - جواز نيابة الحي عن الحي في الحجِّ فضلاً عن الميِّت ، بل قد تجب في الأمرين كحالة الاستئجار بعد أخذ الثَّمن أو قضاء الولد الأكبر عن والده ممَّا مضى ذكره ، وعدم جوازها في بقيَّة العبادات إلاَّ أن تكون عن الميَّت فقط ، لأنَّ الحي يجب عليه القيام بنفسه فيها كالصَّلاة حتَّى لو لم يقدر في أداءها أو قضاءها إلاَّ ببعض الكيفيَّات الاستثنائيَّة.

4 - إتيان الحجِّ بعد التَّسويف أدائي لا قضائي إذا كان ذلك في قيد الحياة بخلافه بعد الممات ، ولكنَّه في غير الحجِّ من المؤقَّتات قضائي ولو كان في قيد الحياة بعد انتهاء أوقاتها ، إلاَّ صلاة الزِّلزلة فهي أدائيَّة باستمرار إلاَّ بعد الموت كالحجِّ فتكون قضائيَّة كما فيه بعد الموت.

5- كون النِّيابة في حجَّة الإسلام تجب أن يهيأ لها من كان صرورة ( لم يحج سابقاً ) على الأحوط وجوباً عن المنوب عنه كذلك إن أمكن أداء مناسكه مضبوطة ، بينما النِّيابة في غيرها عن الميِّت كالصَّلاة والصَّوم لا شكَّ في وجوب كون النَّائب ممَّن يصلِّي ويصوم على الأقل من حالة أهميَّة تحلِّيه بالعدالة الَّتي لا تتحقَّق إلاَّ بذلك.

6- جواز أن يشترط على الله في الحجِّ أن يحلَّه حيث حبسه كما سيجئ وكالاعتكاف ، ولا يجوز الانفكاك عنهما بلا هذا الاشتراط ، بينما غيرهما لا يجوز هذا الاشتراط حذراً من التَّشريع ، بل قد يجوز

ص: 85

القطع بلا شرط في الضَّرورات كترك الصَّوم في السَّفر في بعض حالاته المشروعة أساساً وجوباً أو اختياراً على فصل في محلِّه.

7 - كون الحجِّ عبادة ماليَّة إضافة إلى كونه عبادة بدنيَّة مع روحانيَّة الأداء ومسبوقاً بالنيَّة والإخلاص الواجبين فيها كما في الجهاد ، وقد يشاركه الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر في بعض الحالات أيضاً إذا ألزم المكلَّف بهما ولو ببذل بعض المال ، بينما غيرهما كالخمس والزَّكاة ففيهما بذل مال مع النيَّة والإخلاص فقط وبلا إجراء عمل بدني معيَّن لولا عمليَّة دفع المال إلى الحاكم الشَّرعي أو الجباة ، بل قد تؤخذ الزَّكاة وغيرها جبراً إن لم تكن نيَّة وإخلاص في بعض الحالات كبعض حالات أخذها من الكافر لعدم وجودهما فيه.

وأمَّا غير هذه الأمور جميعاً من مثل الصَّلاة والصَّوم فإنَّهما لا إنفاق مالي فيهما ، وإنَّما هو صِرف أعمال مع القصد القربي في الصَّلاة وحالة الصَّارف النَّفسي عن المفطِّرات مع القصد القربي في الصَّوم.

8- كون الحجِّ يمكن سقوطه - حتَّى لو استطاع - فيما لو نذر أن يزور الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يوم عرفة قبل أشهر الحجِّ دون أن يكون غيره من الواجبات كذلك على تفصيل في محلِّه.

9- امكان كون الحاجِّ شرعاً جُنباً في حال عقد الإحرام وفي ركني عرفة ومزدلفة وواجب منى وبقيَّة أماكن الحرم العام في مكَّة - والَّذي هو ( بريد في بريد ) كما سيجئ توضيحه في باب الحرم - دون الحرم المكَّي الخاصِّ بالمسجد فإنَّه لا يجوز دخوله من قبل المجنب حتَّى اجتيازاً

ص: 86

كما مرَّ ، وكذا المرأة في جنابتها وحيضها ونفاسها واستحاضتها الكبرى والوسطى كما مضى في أحكام الطَّهارة ص 65 ، وكما سيجيء فيما يأتي من الإيضاحات.

بينما غيره كالصَّلاة فلا يصح معها دائماً كذلك إلاَّ مع إحراز الطَّهارة ، وكذا الصَّوم في الجملة قبل الفجر فلابدَّ من إحرازها قبله ليصبح الصَّباح على المكلَّف وهو طاهر وإلاَّ لا يصح الصَّوم.

10- إذا حصل شك في العيد - فضلاً عمَّا لو تيقَّن حصول الاختلاف في الموعد - فيجتزى بإدراك أحد الوقوفين في موعدهما الحقيقي ولواحتياطاً لقاعدة الميسور وخوف المراقبة من إكمال الوقوفين ولرواية (حجُّوا بحجِّهم) ، بينما بقيَّة الأعمال العباديَّة كالصَّلاة لابدَّ فيها من إدراك كل أركانها ولو بإضافة صلاة الاحتياط على ما هو مفصَّل في محلِّه.

11 - كون الحج ونفقاته بعد الممات يُعد من الدِّيون الماليَّة كالخمس والزَّكاة ، فتكون نيابته بعد الممات من أصل التَّركة إذا لم تكن وصيَّة به من قبل المكلَّف به ، بخلاف الصَّلاة والصَّوم فإنَّه يكون استيجارهما من الثَّلث الخاصِّ بالميِّت ، ومع عدم الوصيَّة بهما يقوم الولد الأكبر بهما بنفسه على تفصيل في محلِّه.

ص: 87

أقْسَامُ الحَجِّ باعتِبَارِ أَنْوَاعِهِ

( مسألة 105) ينقسم الحجُّ باعتبار أنواعه إلى ثلاثة أقسام :-

الأول : التَّمتُّع وهو أفضلها وهو تقديم العمرة قبل الحجِّ ، وهو لمن بَعُدَ موطنه عن مكة ب- ( ستة وتسعين كيلو متراً تقريباً فما فوق ) من كلِّ جانب ، والأحوط استحباباً في خصوص مقام الحجِّ هذا ، هو ما بَعُدَ بسبعة وثمانين كيلو متراً ، لأهميَّة التَّمتُّع ولو على بعض الوجوه كما سيجيء.

الثَّاني : القِران وهو أن يقرن معه هديه ويصحبه بعلامة تُميِّزه عن غيره ممَّا يشبهه حتَّى يعرف مميَّزاً ، بحيث لو أفتقد يذبحه واجده عن صاحبه حسب العادة الشَّرعيَّة بإحرامه من الميقات ، من دون أن يكلَّف ببدله.

الثَّالث : الإفراد وهو أن يحجَّ منفرداً عن مصاحبة هدي يهديه وإلى آخر الحجِّ إلى البيت الحرام وبقيَّة المواقع بإحرام من الميقات.

وكلُّ من الثَّاني والثَّالث خاصَّان لمن لم يبتعد عن مكَّة والمشاهد المشرَّفة بما ذكرناه من المسافة في حجِّ التَّمتُّع ، بحيث لا يجزيان عن البعيد عن مكَّة بالمسافة المذكورة.

وتفاصيل الأقسام الثَّلاثة سوف تأتي في مقاماتها المفصَّلة ، ومنها كيفيَّات الحجِّ الخاصَّة بكلٍّ منها.

هذا كلُّه في حجَّة الإسلام ، وأمَّا في غيرها ومنه المستحب والمنذور

ص: 88

مطلقاً والموصى به مطلقاً ، فيتخيَّر فيها بين الأنواع الثَّلاث ولكن التَّمتُّع أفضل.

( مسألة 106) لو كان للمكلَّف وطنان - أحدهما داخل الحدود المذكورة والثَّاني خارجها ، أعتبر في نوع الحجِّ المناسب له أيَّ البلدين أكثر مزاولة في السُّكنى والتَّواجد فيه ، فيعرف حينئذ ما هو المتعيِّن من الأنواع أنَّه التَّمتُّع ، أو أحد الآخرين من القِران أو الإفراد ، ومع التَّساوي يختار أحد الثَّلاثة ويفضَّل مع ذلك التَّمتُّع.

( مسألة 107) من كان من أهل مكَّة أو غيرها - من المدن الدَّاخلة في حدود الستَّة والتِّسعين كيلو متراً من كل جانب إلى مكَّة مع الاحتياط الاستحبابي بجعل المسافة ( سبعة وثمانين كيلو متراً ) في خصوص المقام كما مرَّ - وخرج إلى بعض الأمصار ثمَّ رجع إليها فإنَّه يلزمه وعلى الأساس أن يأتي بفرض المكِّي وهو حجُّ القِران أو الإفراد خصوصاً إن كانمستطيعاً قبل خروجه منها وهو أحوط وإن كان له أن يختار التَّمتُّع على قول وأنَّه الأفضل ، وأمَّا إذا كان مستطيعاً بعد الخروج فلا لزوم بل يجوز له أن يتمتَّع.

( مسألة 108) المكِّي ومن لا يبعد عن مكَّة بسبعة وثمانين كيلو متراً - على الأحوط في خصوص المقام - إذا خرج إلى سائر الأمصار فإن كان بقصد التَّوطُّن فيها وحصلت الاستطاعة بعده وجب عليه حجُّ التَّمتُّع ، وإلاَّ فلا يجب سواءاً كان بقصد المجاورة أو لم يكن وإن كان هو عمل مفضَّل في بعض الصُّور كما مر.

ص: 89

المَواقِيتِ الزَّمانِيَّة لِلحَجِّ وَالعُمْرَةِ المُحَدَّدَةِ شَرْعَاً

( مسألة 109) المواقيت الزَّمانيَّة للحجِّ والعمرة في الجملة هي الأشهر الثَّلاث ( شوَّال وذو القعدة وذو الحجَّة ) ، وهي الَّتي لا يجوز ولا يصحُّ الحجُّ فيما قبلها وما بعدها لقوله تعالى ) الحَجُّ اَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ( ، وأوضحتها السنَّة الشَّريفة بما لا يسعه هذا الكتاب ، وتنتهي إلى نهاية أيَّام التَّشريق ( الحادي عشر والثَّاني عشر والثَّالث عشر ) من ذي الحجَّة في الأدائيِّات ، ويتبع الحجَّ عمرتُه وبالأخصِّ عمرة التَّمتُّع قبل حجِّه وتنتهي بعض أمور الحج الأخرى وإلى آخر ذي الحجَّة في بعض الاستدراكات الَّتي بإمكان الحاج أن يقوم بها إذا استوجب ذلك ، وعلى فرض تعمده في تأخيرها يضم إلى ذلك الاستغفار ونحوه وكما سيجيء.

إلاَّ أنَّ حجَّ القِران لا عمرة مشروطة معه ، وحجَّ الإفراد عمرته بعده ولكن وقتها في السَّنة كلِّها ما عدا أيَّام الحج الخاصَّة له ، وتدعى بالعمرة المفردة كما سيأتي إيضاح ذلك في الكلام عن العمرة المفردة في نهاية أحكام المناسك.

وهناك عمرة مفردة مستحبَّة لكل من عليه حج التَّمتُّع وإن كانت واجبة على من عليه حج الإفراد يؤتى بها طول السنة ما عدا أوقات الفريضة المنسكيَّة المانعة لها في حينها لحرمة المزاحمة للفريضة

ص: 90

ومقدِّماتها ومأخِّراتها ، وفضِّل لها شهر رجب الحرام ثمَّ شهر رمضان كما سيأتي.

عَلاَمَاتِ ثُبوُتِ هِلاَلِ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ الحَرَامِ

( مسألة 110) أخصُّ الأشهر الثَّلاثة المذكورة - في ضيق المجال لأداء مناسك الحجِّ - هو ثاني الأشهر الحرم ( ذو الحجَّة ) فيجب إحراز أوَّله بضبط بدايته عن طريق الرُّؤية للهلال لصريح قوله تعالى ) يَسْئَلُونَكَ عَنِ اْلأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالحَجِّ( ، فلابدَّ من التَّعرُّف على كامل طرق ثبوت الهلال ولو بصورة مجملة ، فقد اتَّضح من خلال الأدلَّة الشَّريفة الأخرى من نصوص السنَّة وغيرها من الأدلَّة أنَّ تلك الطرق هي ستَّة نذكرها على الاختصار : -1 - رؤية المكلَّف الهلال بنفسه بالعين المجرَّدة لا بالدُّوربين وأمثاله في الأساس ، نعم يمكن الاستعانة بذلك للتَّعيين الابتدائي قبل الرؤية المجرَّدة ثمَّ يكون التَّعيين الأصلي متمِّماً بها لو حصل طبيعيَّاً لذي النَّظر الجيِّد.

2 - إكمال العدَّة للشَّهر السَّابق ثلاثين يوماً إذا لم يظهر للعين المجرَّدة لو ضبط أوَّل الشَّهر السَّابق.

3 - شهادة شاهدين عدلين من الرِّجال متطابقين في الرؤية البصريَّة بنفسهما لا بشهادتهما على شهادتين.

4 - التَّواتر برؤيته بمعنى ظهور كثرة إدَّعاء في أكثر من مكان ومكان

ص: 91

من ثقات لا يكذبون ولا يعلم تواطؤهم على كذب وفي خصوص الرِّجال وأن لم يكونوا عدولاً تماماً ولكن على أن يُطمئن بكلامهم.

5 - الشِّياع المفيد للعلم لا للظَّن بمعنى أنَّ كلَّ من يرفع رأسه إلى جهته من أهل العيون النَّاظرة يراه بلا تكلُّف حتَّى لو كان من المدَّعين نساء منضمَّات إلى الرِّجال أوَّلاً ، على أن يكون أقلُّ عدد له ثلاثة لثبوته بذلك شرعاً وعرفاً ، ولما عرف من أنَّ ( كل حديث جاوز اثنين فهو شائع ) وعلى أساس ما ذكرناه.

6 - حكم الحاكم الشَّرعي إذا اطمئنَّ بالحجَّة الشَّرعيَّة ولو برؤية نفسه إذا لم يعلم خطأه أو خطأ مستنده ، وقد فصَّلنا أمر هذا الباب في رسالتنا العمليَّة العامَّة المصحَّحة من كتاب الصَّوم وفي مختصر كتاب الصَّوم أيضاً المطبوع سنة 1419 ه- الطَّبعة الثَّالثة فليُطلب هناك.

هَلْ الحَجّ بَلَدِي أمْ مِيقَاتِي ؟

( مسألة 111) الحجُّ في أساس وجوبه على المكلَّف من بلد الاستطاعة سواء أكان لنفسه أم عن غيره في حجَّة الإسلام ، بإجارة عن الحي أداءاً أم ببذل من باذل على هذا الأساس ، وسواء كان بلد المكلَّف أم نائبه إذا كان المكلَّف لا يقدر بنفسه على القيام به ، وسواء بذلك الأداء أم القضاء عن الميِّت ، وسواءاً كان من الولد الأكبر عن والده إذا لم يوص بوصيَّة وكان مستطيعاً في حياته أم من الأعمِّ من الولد الأكبر لذلك القضاء إذا كان قد أوصى بالحجِّ عنه ولكن لم يذكر

ص: 92

في الوصيَّة قرينة تدل على كونه من الميقات فهو في الجميع من البلد على الأحوط إن علم وأمَّا في التَّبرعي فهو منه استحبابي إن حصل منه بلا شكبل هو أفضل ، إلاَّ في أمور خاصَّة قد توجب الإحرام من الميقات وهي : -

1- ما إذا مات المكلَّف الذَّاهب إلى الحجِّ أو عجز قبل دخول الحرم بعد إحرامه أو قبله فإنَّ إحرامه إذا عجز أو إحرام نائبه إذا مات لابدَّ أن يكون من الميقات ولو خالف يعيد منه كذلك.

2- ما إذا أوصى بالحجِّ بمقدار ثمَّ مات ولم يفِ ذلك المقدار للحج إلاَّ من الميقات مع عدم وجود شيء من الثُّلث يضاف إليه حتَّى يكون من البلد.

3- ما لو سافر لا بنيَّة الحجِّ وإن قارب مواقعه أو دخلها أو كان قاصداً غيرها كالحملداريَّة والتُّجار من غير المكلَّفين فعلاً به إن بدا له الحجُّ أو كان من عصاة فهداه الله تعالى لاستطاعته لقاعدة الميسور حيث لا يقدر على الرُّجوع إلى بلده ليحج من هناك.

4- ما لو سافر ذاهلاً أو مجنوناً ثمَّ كمل ذهنه وأفاق قبل الإحرام وكان قريباً من الميقات فإنَّه يجزئه.

5- ما لو آجر نفسه في الطَّريق لغيره في الحجِّ فإنَّ الإجارة تكون من

الميقات مع غض النَّظر عن خصوص تكليف المنوب عنه في حجِّه حسب قانون الإجارة الشرعي.

6- ما لو حج متسكِّعاً من دون أن يغرم زاداً وراحلة من ماله فإنَّه

ص: 93

يحسب له الحجُّ من الميقات للدَّين الَّذي عليه سابقاً ، لأنَّ التَّسكع في بداية الطَّريق إلى الميقات قد لا يناسب شأنه إذا حاول الحجَّ من البلد وإن ألجأ نفسه إلى ذلك بالتَّسويف ، لأنَّ الشَّارع المُقدَّس لا يرضى بما يخالف الشَّأن إن أمكن ولو في مثل هذا الشَّخص.

7 - ما لو أنفق عليه غيره من خصوص الميقات لا أكثر واستطاع بذلك لكونه واصلاً إلى هناك.

8 - ما لو ضاقت التَّركة عنه ولو صدفة إلاَّ في كونه من الميقات وكان واجباً على المكلَّف قبل أن يموت ولم يوصِ أو أوصى من الثُّلث ولم يفِ من البلد ولم يُجز الورثة من الزَّائد وقد مرَّ ما يشبهه.

المَوَاقِيتِ المَكَانِيَّةِ الأصْلِيَّة

( مسألة 112) لابدَّ لكلِّ من يريد الحجَّ أو العمرة داخل الحدود المذكورة سابقاً وخارجها أن يحرم من المواقيت المعلَّمة من زمن إبراهيم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ومن قِبَله ، والتَّي علَّمها لنا النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ كذلك ، بحيث لا يجوزالإحرام من غيرها قبلها أو بعدها ، بل وممَّا قد يقال أنَّه من المحاذي لها بعيداً عنها ك- ( رابغ ) من البر و ( حدَّه ) من البحر وأمثالهما ، فإنَّ ذلك المحاذي مشكل إذا كان بعيداً وإن صعب عليه من نفس المواقيت لوجود وسائط النَّقل المذلِّلة للصِّعاب ولفريضة الحج الَّتي من شأنها هذه الصِّعاب المذلِّلة للحاج غير العاجز عن كل شيء دون غيره ، لأنَّ المواقيت هي

المعدَّة لكلِّ من يسكن في جوارها ، أو

ص: 94

يمرُّ عليها من غير أهلها ولو كان محاذياً لمساجدها إذا كان معذوراً من الدُّخول فيها كالحائض - كما سيجئ - جرياً على أساس التَّشريع كما في المرور اختياراً ، لأنَّ مساجدها لم تكن من الحرمين أو ينذر بالإحرام قبل الوصول إليها إلاَّ في حال الاضطرار كما سيتَّضح.

وقد غيِّرت مع الأسف مؤخراً بعض مواقع المواقيت بتصرُّفات غير مقبولة في تقديم أو تأخير أو توسعة لها أو تغيير في معالمها بتوسُّعات في عموم المساجد ومنها مساجد المواقيت ، وهي وإن كان بعضها للتَّوسعة الَّتي قد يكون مفيداً لتغطية زخم الحجَّاج ولكنَّها ضيَّعت ولو نسبيَّاً معالم الإحرام الأصليَّة الَّتي يجب البقاء عليها ولو تعبُّداً وبالأخص بالنِّسبة إلى من لم يعرف التدارك والاحتياط أو الَّذي لا يقدر عليهما لو تورط بذلك وقد يسبِّب سقوط الحج عن بعض المكلَّفين لو تكثَّرت بمثل هذه المخالفات حينما يتيقن أمرها وهذا ما قد يسبِّب الإخلال بعمليَّة تعظيم الشَّعائر لو صدرت فتاوى بمنع الحجَّاج لسقوط تكليفهم بسبب كثرة هذه التَّجاوزات ، حتَّى سمعنا من بعض الثِّقات ونقل ذلك من بعض المصادر العام الماضي أنَّ هؤلاء المسؤولين محوا وغيَّروا ما يصل إلى ألف مَعلَم وأثر إسلامي مهم.

ولذا يجب التَّفحُّص إن أمكن بالاستفادة من أهل الخبرة كالحجّاج المكرِّرين للحجِّ أو المُعرِّفين ( الحملداريَّة ) أو المطوِّفين للتَّعرف على مواقع الإحرام الأصلية فيها ولو بتكرير عمليَّة عقد الإحرام نيَّة وتلبية من أكثر من محلِّ محتمل فيه أنَّه من المسجد القديم الأثري الَّذي أعدَّ شرعاً للإحرام هناك حتَّى لو كان مجدَّداً في أساسه.

ص: 95

كَيفِيَّةُ النَّذْرِ لِلإحْرَامِ قَبْلَ المِيقَاتِ

( مسألة 113) كيفية النَّذر للإحرام قبل الميقات - بالنِّسبة إلى من لم يقدر عليه ، أو من يصعب عليه الوصول إليه لمشقَّة غير متحمَّلة لديه ، أو لضيق الوقت بالنِّسبة إليه لقرب وقت الإفاضة إلى عرفات ، وبالأخصِّحجَّاج حجِّ التَّمتُّع كمن كان في المطار أو موقف السيَّارات أو موقع السَّفينة ولم يتمكَّن من تلك المواقيت - هي أن يقول ناذراً متصوِّراً بقصد صحيح قبل الوصول إلى تلك المواقع ( لله عليَّ لَئن أبقاني الله حيَّاً بعد ساعة - أو ما شابه - فسوف أحرم من هذه المواقع ).

وعندها يحرم فيعقد نيَّة عمرة التَّمتُّع بعد لبس ثوبي الإحرام لحجِّ التَّمتُّع - مثلاً - لحجَّة الإسلام - مثلاً - أصالة أو نيابة - على التَّفصيل الَّذي سوف يأتي في نيَّة المحرم في إحرامه إنشاء الله - قربة إلى الله.

مع الاحتياط بذكر اللَّفظ على ما سيأتي تفصيله في الكلام عن النيَّة أيضاً.

ثمَّ يلبَّي التَّلبيات الأربع الآتي بيانها بعون الله ، ثمَّ إذا مرَّ بعد ذلك على ميقات من المواقيت ، بل حتَّى على ما يحاذيه ممَّا يقرب منه لو لم يمكنه الأساسي بل حتَّى البعيد ، وإن كنَّا نستشكل منه أساساً ، فإنَّه عليه أن يجدِّد النيَّة مع التَّلبية احتياطاً استحبابيَّاً هناك ، لاحتمال الدُّخول في مفاد الطَّلب الشَّرعي ولو استحباباً ، ثمَّ يعزم على ذبح فداء للظِّل السَّائر معه من الطَّائرة أو السيَّارة أو الباخرة ، لا ما كان من

ص: 96

الظلِّ الثَّابت كسقف البيت والسُّوق والمسجد ونحوها كما سيتَّضح وإن أمكنه المسير في مكشوف فلا شيء عليه من ذلك حتماً لانحصار الفداء في الاستظلال المخصوص في مثل ما مرَّ من وسائل النَّقل الماضية.

تِعْدَادُ المَوَاقِيتِ الأصلَيةِ

المواقيت الَّتي يلزم الإحرام منها لأهل بلدانها أو المارِّين عليها أصلاً هي:

1- مسجد الشَّجرة لأهل المدينة ، والسَّائر في طريقه من غير أهله ، وهو أفضل المواقيت ، لأنَّه أبعدها عن مكَّة وقد ورد ( خير الأمور أحمزها ) ، وهو يبعد عن المدينة بستَّة كيلو مترات تقريباً ، وله تسميات منها ( ذو الحليفة ) وهو نسبة إلى قرية صغيرة تقع بواد العقيق و ( أبار علي ) إذ في هذا المكان أنشأ الإمام أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ثلاثة وعشرين بئراً و( مسجد الإحرام ) لأنَّه ورد أنَّ رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أحرم منه أربع مرَّات .

إضافة إلى أنَّه أحرم منه رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ بالتَّأكيد دون غيره من المواقيت كما عن الحسين بن الوليد عمَّن ذكره قال ( قلت لأبي عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لأيِّعلَّة أحرم رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ من مسجد الشَّجرة ولم يحرم من موضع دونه ؟!..

( قال ، لأنَّه لمَّا أُسري به إلى السَّماء وصار بحذاء الشَّجرة وكانت الملائكة تأتي إلى البيت المعمور بحذاء المواضع الَّتي هي مواقيت سوى

ص: 97

الشَّجرة ، فلمَّا كان في الموضع الَّذي بحذاء الشَّجرة نودي يا محمد قال لبَّيك ، قال ألم أجدك يتيماً فأويت ووجدُّتك ضالَّاً فهديت ، قال النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ إنَّ الحمد والنِّعمة لك والملك لا شريك لك لبَّيك ، فلذلك

أحرم من الشَّجرة دون المواضع كلِّها ).

ولا مانع من عقد الإحرام تحت سقف المسجد والعبور من تحته كما مرَّ ، لأنه ليس بسقف متحرِّك على ما حدِّد في الأدلَّة ، بل الإحرام من داخله واجب ، لكون العلامة الأصليَّة فيه ، وهو المبرئ للذمَّة مع عدم تضييع الموقع ، إلاَّ إذا كان المكلَّف آنذاك مجنباً ، ويعسر عليه الاغتسال أو التَّيمُّم خوفاً من ذهاب الرَّفقة عنه ، أو كانت المرأة حائضاً أو نفساء ، فيكون الإحرام لهما إمَّا بالاجتياز في الدُّخول إلى المسجد والخروج من باب آخر لو أمكن ، أو الإحرام من المكان المحاذي جدَّاً للمسجد.

ويجوز تأخير الإحرام عند الضَّرورة إلى ميقات أهل الشَّام وهو الجحفة بالنِّسبة إلى المارِّين على جدَّة من ركَّاب الطَّائرات أو البواخر في الأيَّام الحاليَّة ،كما سيجيء للمرض والضَّعف والبرد لكونه أقرب إلى مكَّة المكرَّمة من مسجد الشَّجرة للواردين إلى البيت الحرام عن طريقها جوَّاً وبحراً.

2- وادي العقيق ، ويبعد عن مكَّة بمائة كيلو متر تقريباً ، وهو ميقات أهل العراق ونجد وكلُّ من مرَّ عليه من غيرهم ، وهذا الميقات له مواقع ثلاثة : -

ص: 98

الأوَّل : ما يسمَّى المسلخ وهو الأفضل إن عرفه.

الثَّاني : ما يسمَّى الغمرة وهو ما يقع في داخل الوادي ، وهو المبرئ للذمَّة على الأقلِّ من الموقع الأفضل.

الثَّالث : ما يسمَّى بذات عرق وهو ميقات الأخوة المسلمين من العامَّة ، وعلى النَّاس المؤمنين الاحتياط وجوباً بالإحرام قبل هذا الأخير ولو بما يسبق ما يحاذي الغمرة إن لم يمكنه الوصول إليها ولو بنحو النَّذر - إلاَّ أن يمنعه محذور خاص كالتَّقيَّة من جهة رجحان أو لزوم مسايرة بعض المتشدِّدين خوفاً من إحداث مشاكل لا تُطاق - أو المرض ، فإن أمكنه النيَّة قبل الوصول إليه سرَّاً كما قلنا مع التَّلبية ، ثمَّ يعمل ذلك جهاراً حينالوصول إليه وجب عليه ذلك وبالأخص في حالة رجحان المسايرة الضَّروريَّة ، وإلاَّ كفته المسايرة مع الاحتياط وجوباً بالتَّجديد عند الوصول إلى ما يقرب من حدود الحرم.

3- الجحفة ، وتسمَّى ( مهيعة ) وهي ميقات أهل مصر والشَّام ومن يمرُّ على طريقهم إلى مكَّة من غير تلك الأقطار ، إذا لم يحرم من الميقات السَّابق عليها ، وتبعد عن مكَّة باثنين وثمانين ميلاً تقريباً ب- ( ما يعدل مائة وأربعة وستِّين كيلو متراً تقريباً ).

4- قرن المنازل ، وهو ميقات أهل الطَّائف ومن يمرُّ على طريقهم إلى مكَّة لكونه في قرية من قراها ، والمراد منه الأصلي القديم لا الجديد المستحدث ، ويبعد عن مكَّة ب- ( أربعة وتسعين كيلو متراً تقريباً ).

5- يلملم ، وهو ميقات أهل اليمن ومن يمرُّ على طريقهم إلى مكَّة ،

ص: 99

ويبعد عنها ب- ( أربعة وتسعين كيلو متراً تقريباً أيضاً ) ، ويلملم جبل من جبال تهامة جنوبي مكَّة تسمَّى بالسَّعديَّة.

( مسألة 114) المواقيت الخمسة الماضية وإن كانت هي مواقيت لأصل حجِّ التَّمتُّع للبعيدين من حيث الغاية ولكنَّها خاصَّة بالذَّات أكثر

لعمرته قبله ، مع أنَّه يمكن أن يعتمر منها بالعمرة المفردة أيضاً لذوي المناطق البعيدة أيضاً كما سيجيء في باب العمرة المفردة.

6- مكَّة ، وهي ميقات حجِّ التَّمتُّع بعد فراغ المتمتِّع من عمرته ، الَّتي بدء لها بالإحرام من أحد المواقيت الَّتي نحن الآن في صدد استعراضها.

7- المنزل الَّذي يسكنه المكلَّف ، وهو ميقات من كان منزله دون المواقيت المذكورة إلى مكَّة ، فإنَّه يجوز له الإحرام من منزله هذا ، ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات.

8- الجعرانة ، وهي ميقات أهل مكَّة لحجِّ القِران أو الإفراد ومن كان في حكمهم ، وأقلُّه لمن سكن فيها سنتين على ما سيجيء.

9- أدنى الحلِّ ، وهو حدود الحرم الَّتي مرَّت عليك آنفاً ، وهو ميقات من لم يعبر إلى مكَّة من أحد المواقيت الخمسة الماضية ، وهي ( مسجد الشَّجرة ووادي العقيق والجحفة وقرن المنازل ويلملم ) ، أو ما يحاذيها محاذاة غير كثيرة البعد عنها مع عدم التَّمكُّن من المواقيت نفسها ، وهو أيضاً ميقات العمرة المفردة بعد حجِّ القِران إن أرادها صاحبه أو الإفراد كما سيأتي ، بل كلُّ عمرة لكلِّ داخل مكَّة في كل

ص: 100

وقت ، والأفضل كون ذلك من الحديبيَّة أو الجعرانة أو التَّنعيم ، وقد مرَّت الإشارة إليها وسيجيء ذكرها بتصريح في باب العمرة.

( أنظر خريطة رقم (( 1 ، 2 )) ).

أحْكَامِ المَوَاقِيتِ

( مسألة 115) يجب على المكلَّف إحراز اليقين بوصوله إلى الميقات والإحرام منه ، أو يكون ذلك عن اطمئنان من جهة ، أو حجَّة شرعيَّة كالبيِّنة ، أو تواتر أهل الخبرة ،ولا يجوز له الإحرام عند الشكِّ في الوصول إلى الميقات.

( مسألة 116) ذكرنا وجوب الإحرام من الميقات اختياراً دون غيره لكونه الأساس ، واستثنينا حالة النَّذر بالإحرام قبله فيما سبق ، وعلى هذا الأساس لو نذر المكلَّف الإحرام قبل الميقات وخالف نذره فأحرم من الميقات لم يبطل إحرامه ، لأنَّ إحرامه هذا هو الأساس في التَّكليف به ، ولكن تجب عليه كفَّارة مخالفة النَّذر ليس إلاَّ ، وهي ( عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ، وإن لم يجد فيصوم ثلاثة أيَّام ) إن كانت مخالفته للنَّذر تعمُّديَّة.

( مسألة 117) كما لا يجوز تقديم الإحرام على الميقات في أساسه إلاَّ بالنَّذر ، كذلك لا يجوز تأخيره عنه اختياراً ، فلا يجوز - لمن أراد الحجَّ أو العمرة أو دخول مكَّة - أن يتجاوز الميقات إلاَّ محرماً حتَّى إذا كان أمامه ميقات آخر ، فلو تجاوزه وجب عليه الرُّجوع إليه لذلك مع

ص: 101

ص: 102

ص: 103

الإمكان على ما سيأتي تفصيله الآن.

( مسألة 118) إذا ترك المكلَّف الإحرام من الميقات لعمرة التَّمتُّع عن علم وعمد حتَّى تجاوزه ، ففي هذه المسألة صور : -

الأولى : أن يتمكَّن من الرجوع إلى الميقات ، ففي هذه الصُّورة يجب عليه الرجوع إليه والإحرام منه ، سواء أكان رجوعه من داخل الحرم الكبير أم كان من خارجه متجاوزاً عن الميقات ، فإن أتى بذلك صحَّ عمله من دون إشكال.

الثَّانية : أن يكون المكلَّف في الحرم ولم يمكنه الرجوع إلى الميقات ، لكن أمكنه الرجوع إلى خارج الحرم فقط إلاَّ أنَّه متجاوز عن ذلك الميقات ، ففي هذه الصُّورة يجب عليه الرجوع إلى خارج الحرم والإحرام من هناك لأنَّه الميسور الَّذي لا يمكن أكثر منه.

الثَّالثة : أن يكون في الحرم ولم يمكنه الرجوع إلى الميقات أو حتَّى إلى خارج الحرم ممَّا يتجاوز عن الميقات ولو من جهة خوفه فوات الحجِّ ، وفي هذه الصورة يلزمه الإحرام من مكانه كالصُّورة السَّابقة.

الرَّابعة : أن يكون خارج الحرم ولم يمكنه الرجوع إلى الميقات ، وفي هذه الصورة يلزمه الإحرام من مكانه أيضاً.

ولكن في خصوص الثَّلاثة الأخيرة هذه - مع وجوب التَّوبة والاستغفار على المكلَّف المذكور وممارسة أعمال عمرة التَّمتُّع المبتدأ بها وإلى النِّهاية - إنَّ الأحوط وجوباً عليه إعادة الحجِّ عند التَّمكُّن منه في العام الآتي أو ما بعده ، وإلاَّ فلا.

ص: 104

وأمَّا إذا لم يأت المكلَّف بوظيفته المذكورة في خصوص الصُّور الثَّلاث الأخيرة نفسها بلا توبة واستغفار وأتى بالعمرة بتحدِّياته فلا شكَّ في فساد حجِّه.

( مسألة 119) إذا ترك الإحرام عن نسيان أو إغماء أو ما شاكل ذلك أو عن جهل بالحكم أو جهل بالميقات للحجِّ أو العمرة ، فللمسألة صور أربع كالسَّابقة.

ولا فرق بين المسألتين في الحكم إلاَّ أنَّه - في الصُّورة الثَّانية حين إرادة الرجوع إلى الخارج والإحرام منه - الأولى فيه هو الابتعاد عن الحرم بالمقدار الممكن ثمَّ الإحرام من هناك ، وفي الثَّالثة عليه الإحرام من مكانه وإن كان قد دخل مكَّة.

وبذلك يكون عمل المكلَّف في الصُّور كلِّها صحيحاً ولكن عليه الاحتياطاستحباباً بإعادة الحجِّ من قابل أو ما بعده إذا تمكَّن ، وبالأخصِّ بل وعلى الأحوط وجوباً إذا كان جاهلاً عن تقصير والتفات عليه إعادته في العام القابل أو ما بعده مع الإمكان أيضاً.

( مسألة 120) إذا تركت الحائض أو النَّفساء الإحرام من الميقات لجهلها بالحكم إلى أن دخلت الحرم العام فعليها - كغيرها - الرجوع إلى الخارج ممَّا بعده والإحرام منه إذا لم تتمكَّن من الرجوع إلى نفس الميقات ، بل الأحوط استحباباً لها في هذه الصُّورة أن تبتعد عن الحرم بالمقدار الممكن ممَّا هو أكثر ثمَّ تحرم ، على أن لا يكون ذلك مستلزماً لفوات الحجِّ ، وفيما إذا لم يمكنها إنجاز ذلك فهي وغيرها على حدٍّ

ص: 105

سواء ، وإذا خالفت مع الإمكان ومع الجهل التَّقصيري الإلتفاتي فعليها الاحتياط الوجوبي بإعادة الحجِّ فيما يأتي مع الإمكان أيضاً.

( مسألة 121) إذا فسدت العمرة وجبت إعادتها مع التَّمكُّن ، ومع عدم الإعادة ولو من جهة ضيق الوقت يفسد حجُّه وعليه الإعادة في سنة أخرى للتَّلازم بينهما في التَّمتُّع.

( مسألة 122) الأحوط وجوباً فيما إذا أتى المكلَّف بالعمرة من دون إحرام لجهل أو نسيان هو الإعادة عند التَّمكُّن منها ولو من أدنى الحل.

( مسألة 123) المتمتِّع يجب عليه أن يحرم لحجِّه من مكَّة ، فلو أحرم من غيرها عالماً عامداً لم يصح إحرامه وإن دخل مكَّة محرماً ، بل وجب عليه الاستيناف من مكَّة على ما هي وظيفته مع الإمكان ، وإلاَّ بطل حجه.

( مسألة 124) إذا نسي المتمتِّع الإحرام للحجِّ من مكَّة وجب عليه العود مع الإمكان له ، وإلاَّ أحرم من مكانه ولو كان في عرفات وصحَّ حجُّه ، وكذلك الجاهل بالحكم.

( مسألة 125) لو نسي إحرام الحجِّ ولم يذكر حتَّى أتى بجميع أعماله صحَّ حجُّه ، وكذلك الجاهل لكن عليه الإعادة في العام القابل أو ما بعده إن تمكَّن على الأحوط احتياطاً واجباً.

ص: 106

المَوَاضِعُ المُحْتَرَمَةِ لِلمَنَاسِكِ وَغَيِرِهَا

( مسألة 126) ينبغي للحاجِّ وطالب التَّفقُّه معرفة المواضع المقدَّسة ذات العلاقة بالمناسك وغيرها ، والَّتي يُرتجى فيها زيادة الفضل والثَّواب بالتزامات تقديرية لشأنها ، إضافة إلى ما يختصُّ به بعضها من واجبات المناسك ومستحبَّاتها ، وما يحصل للمكلَّف بها من فضل وثواب أصليين ومن هذه المواضع : -

1 - الحَرَمِ

والكلام عن الحرم يتعلَّق في أمرين مهمَّين : -

الأوَّل : منهما في حدوده وقدسيَّته ، فهو محيط بمكَّة المكرَّمة من جميع الجوانب ومقدَّس ومحترم من زمان آدم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، بل قبله وإلى يوم القيامة ، وللدِّخول فيه آداب ووظائف يأتي بعضها قريباً.

وحددوه مجملاً ( بريد في بريد ) حسب نصِّ الروايات بحسب الطُّول في العرض.

والبريد ( أربعة فراسخ ) فيكون المجموع ( ستة عشر فرسخاً ).

والفرسخ ( ما يعادل ست كيلومترات تقريباً ).

فيكون المجموع بالكيلو مترات ( ستَّة وتسعين كيلو متراً مربَّعاً تقريباً ) من كلِّ جانب من الجوانب الأربعة.

ص: 107

ووضع العلامات إبراهيم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، ثمَّ جدَّد عهدها قصي بن كلاب ، ثمَّ قريش ، ثمَّ جدَّدها النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ بالعلامات الَّتي بقيت أثارها حتَّى اليوم ، ولم تزل تلك البقايا حتَّى الآن نرجو الله تعالى في إبقاءها وعدم تغيير معالمها إنَّه سميع الدُّعاء.

ولكن عرف - مع الأسف - تزحزح بعضها مؤخراً من قبل لجان غير حريصة على بقاء تلك المواقع الشَّريفة لصالح مذاهب المسلمين جميعاً باسم التَّجديد أو التَّوسعة على ما مرَّ بيانه في الكلام عن المواقيت المكانيَّة الأصليَّة ص94.

ونسأل الله تعالى كذلك أن لا تجهل مواقعها الحقيقيَّة من قبل الحريصين والغيارى على أداء المناسك بدقَّة فيما لو غُيِّرت وأريد إرجاعها ، وتلك الحدود هي : -أولاً : من الشَّمال من جهة المدينة المنَّورة المكان الَّذي يسمَّى ( بالتَّنعيم أو مسجد الغمرة ) ، والمسافة بينه وبين المسجد الحرام تعد بنحو ستَّة أميال ب- ( ما يعادل اثني عشر كيلو متراً ).

ثانياً : من جهة الغرب ومن جهة جِدَّة في نفس الوقت عند المكان المسمَّى ( العلمين أو بالحديبيَّة ) والمسافة بينه وبين المسجد الحرام تقدَّر بنحو عشرين ميلاً ( بما يعادل أربعين كيلو متراً ).

ثالثاً : من جهة الشَّرق ومن جهة نجد في نفس الوقت عند المكان المسمَّى ب- ( الجعرانة ) ، والمسافة بينه وبين المسجد الحرام تقدَّر بنحو ثلاثة عشر ميلاً ( بما يعادل ستَّة وعشرين كيلو متراً ).

رابعاً : من جهة الجنوب ومن جهة عرفة في نفس الوقت عند

ص: 108

( نمرة ) ، والمسافة بينه وبين المسجد الحرام تقدَّر بثمانية عشرة ميلاً ب- (ما يعادل ستَّة وثلاثين كيلو متراً).

خامساً : من جهة ( إضاءة لين ) والمسافة بينه وبين المسجد الحرام اثنى عشر ميلاً ( أربعة وعشرين كيلو متراً ).

ثمَّ إنَّ الغرض من كلِّ هذا التَّحديد هو التَّعرُّف على البقعة المشرَّفة الَّتي فيها موطن بداية ونهاية المناسك للحجِّ والعمرة وهو المسجد الحرام وبالأخصِّ الكعبة المشرَّفة.

فالكعبة الشَّريفة والمواقع الأخرى حريَّة بالتَّقديس والاحترام بزيادات وزيادات على القدر الواجب ، فالكعبة بيت الله ، والحرم حجابه ، وعرفة موقف زوَّاره ، والمشعر بابه.

وإنَّما يوقفهم بعرفة ليتضرَّعوا حتَّى يأذن لهم بالدُّخول في حرمه والتَّشرُّف بالطَّواف حول بيته.

الثَّاني من المهمَّين : ما يرتبط بشيء من واجباته مقدِّمة لما يأتي من تفاصيلها.

فمناسك الحجِّ - في جميع أقسامه الثَّلاثة وفي الواجب بجميع أنواعه وغيره ، ويلحق به العمرة في التَّمتُّع قبل الحجِّ والعمرة المفردة - مرتبطة بالحرم دون أن تجري المناسك في غير مواقعها.

( أنظر خريطة رقم (( 3 ، 4 )) ).

ومن خصائص حدود الحرم الَّتي ذكرناها هي : -

1- حرمة الصَّيد فيه كما سيأتي بيانها في محرمَّات الإحرام وتروكه.

2- حرمة قلع شجره وحشيشه كما سيأتي في باب التُّروك،

ص: 109

ص: 110

ويستثنى من حرمة القلع أو القطع موارد وهي : -

أ. الأذخر وهو نبت معروف أسود اللَّون ويسمَّى ب- ( السَّعد).

ب. النَّخل وشجر الفاكهة.

ج. الأعشاب الَّتي تجعل علوفة للإبل أو عقاقير طبيَّة.ملكه ، أو يكون الشَّخص هو الَّذي غرس ذلك الشَّجر أو زرع ذلك العشب.

وأمَّا الشَّجرة الَّتي كانت موجودة في الدَّار قبل تملُّكها فحكمها حكم سائر الأشجار.

3- منع نقل ترابه وأحجاره على الأحوط.

4- منع كلِّ كافر من دخوله مقيماً كان أو مارَّاً إلاَّ فيما نستثنيه لحالات الهداية الإسلاميَّة الخاصَّة ونحوها كما سيأتي.

5- ليس لقطته كغيره ، بل لابدَّ من تركها كي يأتي إليها صاحبها لأنَّ الحرم دار أمان ، ولو أخذها شخص لابدَّ له من التَّعريف بها سنة كاملة على ما هو مفصَّل في رسالتنا في باب اللَّقطات ، وما هو مذكور هنا حول لقطة الحرم كما لا يخفى.

ولا يجوز تملُّكها بعد التَّعريف واليأس ، كما يجوز في لقطة غيره ، وأمَّا مع خوف أن يستحلَّها ملتقطوها أو غيرهم أو تكون عرضة للتَّلف فإنَّه يجوز حملها لدفعها إلى الفقيه فقط لأنَّه أعرف بشأنها ، كما أنَّ تكليف الواجد لها في غير الحرم - بعد التَّعريف بها سنة وبعد اليأس من تحصيل أهلها - هو مراجعته كذلك ، بل هو أولى ، بل قد يتعَّين عند التَّحيُّر في أمرها وإن كان بعد اليأس من صاحبها الأحوط له مراجعة الفقيه كذلك.

ص: 111

6- حرمة دفن الكافر فيه ، وإن جاز دفن بعض الأمَّهات الكافرات - الحوامل بالطِّفل المسلم لكونها امرأة حملت من مسلم - في بعض مقابر المسلمين من مواقع غير الحرم لدفنها على خلاف القبلة ليكون الطِّفل مواجهاً لها على ما هو مفصَّل في محلِّه من أحكام دفن الموتى.

7- مضاعفة الأجر والثَّواب بسائر الطَّاعات فيه.

2 - الكَعْبَةِ

وهي بيت الله الحرام ، والَّتي يستحب إكثار النَّظر إليها ، فعن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أنَّه قال ( النَّظَرُ إلى الكَعْبَةِ حُبَّاً لَهَا يَهْدِمُ الخَطَايَا هَدْمَاً ).

وقال أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ( أكْثِرُوا النَّظَرَ إلى بَيْتِ الله فَإنَّ للهِ مائة وَعْشْرِينَ رَحْمْةٌ عِنْدَ بَيْتِهِ الحَرَامِ سِتُّونَ لِلطَّائِفِينَ وَأرْبَعُونَ لِلمُصَلِّينَوَعِشْرُونَ لِلنَّاظِرينَ ).

3 - مَقَامِ إبْرَاهِيمَ

ومن المواضع المقدَّسة مقام إبراهيم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وهو الصَّخرة الَّتي عليها أثر قدمَي الخليل عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في أمام باب الكعبة المقدَّسة تبعد عنها بستَّة وعشرين ذراعاً ( بما يقرب من ثلاثة عشر متراً ) ، وسيمرُّ ذكره عند الكلام عن صلاة الطَّواف.

ص: 112

ص: 113

4 - زَمْزَم

وهو ماء يستسقى منه قبالة باب الكعبة قديماً ممَّا يبعد عن المقام بمقدار إلى حيث ما يقابل الرُّكن اليماني أيضاً نسبيَّاً ، وفي الحديث (( مَاَءُ زَمْزَمِ شِفَاءٌ لِمَا شرب )) أي حسب قصد المستشفي في مختلف مقاصده من مختلف أمراضه.

وورد عن علي عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ (( الإطِّلاَعُ في بِئرِ زَمْزَمِ يُذْهِبُ الدَّاءَ فَاشْرَبُوا مِنْ مَائِهَا مِمَّا يَلِي الرُّكْنَ الَّذِي فيهِ الحَجَرِ الأسْوَدِ فَإنَّ تَحْتَ الحَجَرِ أرْبَعَةُ أنْهَارٍ مِنَ الجَنَّةِ ))(1)

وعنه عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أيضاً (( مَاءُ زَمْزَم خَيْرُ مَاءٍ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ )).

وعن الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ( أنَّ النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ كَاَنَ يَسْتَهْدِي مَاءَ زَمْزَم وَهُوَ بِالمَدِينَةِ.

5 - الحَجَرِ الأسْوَدِ ( الأسعد )

وقد ورد في فضله أخبار كثيرة ، منها قول الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قال قال رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ (( اسْتَلِمُوا الرُّكْنَ فَإنَّه يَمِينُ الله في خَلْقِهِ يُصَافِحُ بِهَا خَلْقَهُ مُصَافَحَةِ العَبْدِ أو الرَّجْلِ يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ بِالمُوَافَاةِ )).

ص: 114


1- لا يخفى على اللَّبيب ما في العبارة الشَّريفة من الكناية المتعلِّقة بنسبة الأنهار إلى الحجر ، لكون الحجر مسلَّماً في أنَّه من الجنَّة والمجاورة لها أثر كبير.

وعن الباقر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ (( الحَجَرُ كَاَنَ دُرَّةً بَيْضَاء في الجَنَّةِ وَكَاَنَ آدَمْ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَرَاهَا فَلَمَّا أنْزَلَهَا الله محمد إلى الأرْضِ نَزَلَ إلَيهَا آدَمْ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَبَادَرَ فَقَبَّلَهَا فَأجْرَى الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى السُّنَة )).

ومن أحكامه أنَّه يستحب مؤكَّداً استلامه والتَّمسُّح به مع الإمكان وعدم أذيَّة أحد كما سيجيء عند الكلام عن الطَّواف ، ولا يتأكَّد ذلك للنِّساء مطلقاً حذر الهتك لسترهنَّ وملاصقة الرِّجال لأجسامهنَّ عند الازدحام ، بل تكفي الإشارة إلى الحجر عند المزاحمة بالنِّسبة إلى الرِّجال فضلاً عن النِّساء ، بل قد يصل ذلك بالنِّسبة إليهنَّ إلى حدِّ الحرمة عند تأكُّد الهتك ، يبقى عدم البأس بالنِّسبة إليهنَّ مختصَّاً بحالة الفراغ.

كما يستحب تقبيله مع الإمكان وإلاَّ فيشير إليه باليد ثمَّ يقبِّل اليد.

6 - الحَطِيم

وهو ما بين الباب والحجر ، وهو من المواضع الشَّريفة الَّتي لابدَّ فيها من أهميَّة التَّوبة والاستغفار عنده ، فإنَّه يحطِّم فيه الذُّنوب العظام ( أي يكسِّرها ) ، ولذا سمِّي حطيماً على وزن فعيل للمبالغة في التَّفعيل وهو التَّحطيم.

وفي بعض الإخبار أنَّه هو المكان الَّذي تاب الله على آدم فيه.

ص: 115

7 - الرُّكْنِ اليَمَانِي

وهو ركن الزَّاوية الَّتي تكون بإزاء الحجر الأسود من خلف البيت كما تقدَّم ، وقد ورد في فضله ما يتحيَّر فيه العقول : -

قال رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ( مَا أتَيْتُ الرُّكُنَ اليَمَانِي إلاَّ وَجَدْتُ جَبْرَائِيلَ قَدْ سَبَقَنِي إلَيهِ يَلْتَزِمُه ).

قال الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ( الرُّكْنُ اليَمَانِي بَابُنَا الَّذِي نَدْخُلُ مِنْهُ الجَنَّة).

وعنه ( إنَّ فِيهِ بَابَاً مِنْ أبَوَابِ الجَنَّة لَمْ يُغْلَقْ مُنْذُ فُتْحَ وَفِيهِ نَهْرٌ مِنَ الجَنَّةِ تُلْقَى فِيهِ أعْمَالُ العِبَادِ ).

وقال عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ( إنَّ مَلَكَاً مُوَكَّلٌ بِالرُّكْنِ اليَمَانِي مُنْذُ خَلَقَ الله السَّمَاوَاتِ وَالأرَضِينَ لَيْسَ لَهُ عَمَلٌ إلاَّ التَّأمِينُ عَلَى دُعَائِكُمْ فَلْيَنْظُرَ عَبْدٌ بِمَا يدْعُو ).

إلى آخر ما ورد وهو كثير يدعونا لئلاَّ نتساهل في اغتنام الفرصة في مثل هذه المواضع للابتهال والتَّضرُّع إلى الله تعالى عندها ، لئلاَّ نحرم من فوائدها العظيمة.

8 - المُسْتَجَار

وهو ما كان خلف الكعبة قريباً من الرُّكن اليماني ، وله اسمان آخران الملتزم والمتعوِّذ ، وقد ورد في فضله أخبار كثيرة:-

ص: 116

فعن أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ (أقِرُّوا عِنْدَ المُلْتَزَمِ بِمَا حَفِظتُمْ مِنْ ذُنوبِكُمْ ، وَمَا لَمْ تَحْفَظُوا فَقُولُوا (( وَمَا حَفِظَتُه عَلَيْنَا حَفَظَتُكَ وَنَسَيْنَاهُ فَاغِفْرُه لَنَا )) فَإنَّهُ مَنْ أقرَّ بِذُنوبهِ في ذَلِكَ المَوْضِعِ وَعَدَّهُ وَذَكَرَهُ وَاسْتَغَفَرَ مِنْهُ كَاَنَ حَقَّاً عَلَى الله عَزَّ وَجَلْ أنْ يَغْفِرَ لَهُ).

وعن الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ( لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ مُؤمِنٍ يَقِرُّ لِرَبِّهِ بِذُنوبِهِ في هَذَا المَكَانِ إلاَّ غَفَرَ الله لَهُ إنْشَاءَ الله ).

وقد ورد في هذا المكان أدعية خاصَّة مفصَّلة في كتب الأدعية والأعمال فليراجعها من يحب التَّوسعة.

9 - دَاخِل الكَعْبَةِ الشَّرِيفَة

والكعبة أفضل مواقع المعمورة والَّتي ولد فيها مولانا أمير المؤمنينعليه أفضل الصَّلاة والسَّلام وعلى الرُّخامة الحمراء ، والَّتي أثارها موجودة وقد أدركها الكثيرون ممَّن دخل الكعبة من ملوك وسَوَقة كرام وحدَّثوا بها وسمعنا حديثها ممَّن شاهدها ، وتستحب في داخلها أمور سوف يأتي ذكرها عند الكلام عن مستحبَّات دخول الكعبة الشَّريفة.

والمأمول من المسيطرين على بابها أن يفسحوا المجال لخيار المؤمنين والمسلمين من مختلف الطَّبقات للدُّخول فيها للاستفادة من روحانيَّة هذا المكان العظيم للدَّاخلين فيه ، والإطِّلاع على هذه الرُّخامة الكريمة وغيرها.

ص: 117

مُستحبَّات دُخُولِ الحَرَمِ

بناء على أهميَّة أعمال حرم مكَّة الكبير عمليَّاً أكثر ممَّا ذكرناه - بعده - من المواضع المحترمة لما فيه من مزاولات واجبة كما سيتَّضح ، ولحاجة الحجَّاج الكرام تعبُّديَّاً إليها وإن كان بصورة أخفض من مستوى الوجوب كالمستحبَّات.

رجَّحنا الكلام عن ما ورد في هذا الحرم من مستحبَّات بصورة خاصَّة وبشكل أوسع له دونها ، لما في ذلك من فوائد ومثوبات توجب الرِّفعة إلى أحسن المثابات ، مع التَّصميم على ذكر ما يتيسَّر لنا من ذكر المستحبَّات الَّتي ترتبط بالمواقع الأخرى الآتية من بعد الحرم لنفس الفائدة تقريباً.

وقبل استعراض هذه المستحبَّات وغيرها ينبغي التَّنبُّه إلى أنَّ ما نذكره منها وما بعده آتياً ليس كلُّه ممَّا ورد فيه النَّص الشَّرعي الاصطلاحي الكامل حتَّى يكون ثابتاً في استحبابه من جميع الوجوه ، وإنَّما سوف نذكر حتَّى ما ورد فيه بعض النُّصوص المعروفة بالضَّعيفة أيضاً حرصاً على ناحية الاستثمار من الفوائد دنياً وآخرة ولو - من جهة احتماله - رجاءاً للمطلوبيَّة ، واغتناماً لفائدة قاعدة ( مَنْ بَلَغَهُ ثَوَابٌ عَلَى عَمَلٍ )(1) مع احتمال أن يأتي تحقيق يثبت لها قوَّة وهي:-

ص: 118


1- ذه قاعدة مألوفة فقهيّاً في باب المستحبَّات وإن لم يرد فيها نص اصطلاحي كامل من جميع الجهات للاستفادة من فوائد ذلك العمل عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ

1- الغسل قبل دخول الحرم ناوياً هكذا ( أغتسلُ لدخول حرم مكَّة قربة إلى الله تعالى ) وكيفيَّته كغسل الجنابة.

2- دخول الحرم ماشياً حافياً ، حاملاً نعليه بيده تواضعاً وخشوعاً لله تعالى ، وإذا تمكَّن من بقائه هكذا حتَّى يدخل مكَّة والمسجد الحرام فهو أولى له.

3 - قراءة الدُّعاء المأثور عند دخول الحرم فيقول : -

اَللَّهُمَّ اِنَّكَ قُلْتَ في كِتَابِكَ وَقَوْلُكَ الحَقُّ : وَاَذِّنْ في النَّاسِ بِاْلحَجِّ يَاْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، اَللَّهُمَّ اِنِّي اَرْجُو اَنْ اَكُونَ مِمَّنْ اَجَابَ دَعْوَتَكَ ، وَقَدْ جِئْتُ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ وَفَجٍّ عَمِيقٍ ، سَامِعَاً لِنِدَائِكَ وَمُسْتَجِيبَاً لَكَ ، مُطِيعَاً لأمْرِكَ ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِفَضْلِكَ عَلَيَّ وَاِحْسَانِكَ اِليَّ ، فَلَكَ الحَمْدُ عَلَى مَا وَفَّقْتَنِي لَهُ اَبْتَغِي بِذَلِكَ الزُّلْفَةَ عِنْدَكَ ، وَالقُرْبَةَ اِلَيْكَ ، وَالمَنْزِلَةَ لَدَيكَ ، وَالمَغْفِرَةَ لِذُنوُبِي(1)

ص: 119


1- الوارد استحبابه ، وإن كان بصورة أخفض من ذلك ككون النَّص ضعيفاً ، أو ما نقلته أفواه الفقهاء ولم يُدرك نصُّه فيبنى عليه لذلك ، إذ لعلَّه يأتي زمان يعثر عليه أو على شيء منه فقيه متتبِّع . ( 1 ) بما أنَّ هذه الأدعية واردة عن الأئمَّة المعصومين عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ ومنها فقرات حول ذنوب يبتغون غفرانها لهم قد يُتوهَّم أنَّهم عصاة بين يديه تعالى مع معلوميَّة عصمتهم ، فإنَّهم لا يمكن حملهم بمثل هذه الأقوال على كونهم مذنبين حقَّاً ، وإنَّما ذلك لمعنى عرفاني يصلح أن توجَّه فقرات هذه الأدعية لصالحهم كمثل ما عرف بين أهل المعرفة من قولهم ( حَسَنَاتُ الأبْرَارِ سَيئَاتُ المُقَرَّبِين ) ، بل إن هذه السِّيئات لم تكن بسيئات حقيقيَّة وإنَّما هي بمعنى عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ ترك الأولى كالأكل من الشَّجرة في قضية آدم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ . بل لا هذا ولا ذاك وإنَّما هو إضافة شعور بالتَّذلُّل بين يدي الله تعالى من عارف بحقِّه دون بقيَّة الخلائق من المكلَّفين بتشبيه من الإمام القائل عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ نفسَه كأنه مذنب بين يدي الله ليبقى على مرتبته العظمى بين يديه أو ليستزيد مراتب أخرى عنده ، وإن جاز له الدُّنو إلى بعض مراتب سائر النَّاس ظاهراً ممَّا لم يكن معه فعل لمحرَّم من فعالهم حقيقيَّة ، وعلى حدِّ ما يظهر من بعض ألوان تعبيره عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في الدعاء لما ذكرناه . ويمكن توجيه ذلك الاعتراف بأنَّه بيان تعليمي للنَّاس كي يسيروا على نهج الاعتراف بالذَّنب من دون عدم اكتراث ومبالاة به لكونهم عرضة للذُّوب بسبب عدم عصمتهم كما عرف عن مستوى أدعية الصَّحيفة السجَّاديَّة ودعاء كميل ودعاء السَّحر في شهر رمضان ودعاء عرفة الآتي وغيرها فتنبَّه .

، وَالتَّوبَةَ عَلَيَّ مِنْهَا بِمَنِّكَ ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى محمد وَآلِ محمد ، وَحَرِّمْ بَدَنِي عَلَى النَّارِ ، وَآمِنِّي مِنْ عَذَابِكَ وَعِقَابِكَ بِرَحْمَتِكَ يَا اَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

4 - مضغ الأذخر وهو نبت أسود معروف بمكَّة يطلق عليه ( السَّعد ) تطيب به رائحة الفم كما مرَّ تعريفه.

وفي المقام عند كون الإنسان محرماً يجب عليه أن يسدَّ أنفه عند ذلك المضغ كما سيتَّضح.

مُسْتَحَبَّاتِ أعْمَالِ مَكَّة المُكَرَّمَةِ

يستحب لمن يدخلها حاجَّاً أو معتمراً أمور:-

ص: 120

مُسْتَحَبَّاتِ دُخُولِ مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ

مستحبَّات دخول مكَّة أمور : -

1- الغسل مثل غسل دخول الحرم بالنيَّة وهي هكذا (أغتسل لدخول مكَّة المكرَّمة قربة إلى الله تعالى).

2 - دخول مكَّة من الطَّريق الأعلى إن أمكن من (عقبة كداء) بالفتح والمدِّ.

3 - الدُّخول إلى مكَّة متأنياً مطمئنَّاً على سكينة ووقار وتواضع لله تعالى.

مُسْتَحَبَّاتِ دُخُولِ المَسْجِدِ الحَرَامِ

يستحب لدخول المسجد الحرام للحجِّ أو العمرة أو نحوهما أمور:-

1- الغُسل من منزله أو من بئر ميمون في الأبطح ، ونيَّة الغُسل مثلما سبق ، وهو ( أغتسل لدخول المسجد الحرام قربة إلى الله تعالى ).

2- الدُّخول من باب بني شيبة وهو الآن داخل المسجد الشَّريف ، بعدما أجري عليه التَّوسيع وهو مقابل باب السَّلام تقريباً مقدِّماً رِجله اليمنى(1).

ص: 121


1- ثبت شرعاً سر تقديم الرِجل اليمنى - إلى مثل هذه الأماكن المقدَّسة - وعدم تقديم الرِجل اليسرى عند الدخول وتقديم اليسرى عند الخروج منها بما حقِّق حديثاً وطبيَّاً أيضاً تأييداً لهذه النَّظرة بأنَّ موت الفجأة يكون بعده ميلان الجسم إلى الجانب الأيمن ، علماً بأنَّ الموتة في مثل المسجد أفضل شرعاً من خارجه ، كما أنَّ استحباب تقديم اليسرى عند الخروج يظهر سرُّه أيضاً على هذا النَّحو .

3- الدُّعاء بالمأثور عند الوقوف على الباب قبل الدُّخول بكمال الخضوع والخشوع والسَّكينة والوقار ، ويدعو بما رواه معاوية بن عمَّار عن الإمام جعفر الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فيقول : -

اَللَّهُمَّ اَعْنِّي عَلَى نُسْكِكَ ، وَسَلِّمْنِي لَهُ وَسَلِّمْهُ لِي ، اَللَّهُمَّ اِنِّي اَسْاَلُكَ مَسْاَلَةَ العَلِيلِ الذَّلِيلِ المُعْتَرِفُ بِذَنْبِهِ اَنْ تَغْفِرَ لي ذُنوُبِي ، وَاَنْ تُرْجِعَنِيبِحَاجَتِي ، اَللَّهُمَّ اِنِّي عَبْدُكَ ، البَلَدُ بَلَدُكَ ، وَالبَيْتُ بَيْتُكَ جِئتُ اَطْلِبُ رَحْمَتَكَ ، وَاَؤمُ طَاعَتَكَ ، مُتَّبِعَاً لاَمْرِكَ رَاضِياً بِقَدَرِكَ ، اَسْاَلُكَ مَسْاَلَةَ الفَقِيرِ المُضْطَرِّ اِلَيكَ ، المُطِيعِ لاَمْرِكَ ، المُشْفِقِ مِنْ عَذَابِكَ ، الخَائِفِ لِعُقُوبَتِكَ ، اَنْ تُبَلِّغَنِي عَفْوَكَ ، وَتُجْيرَنِي مِنَ النَّار بِرَحْمَتِكَ .

فإذا انتهيت إلى باب المسجد فقم وقل : -

اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّها النَّبِيُ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ ، بِسْمِ الله وَبِاللهِ ، وَمَا شَاَءَ الله ، اَلسَّلامُ عَلَى اَنْبِيَاءِ الله وَرُسُلِهِ ، اَلسَّلامُ عَلَى رَسُولِ الله1، اَلسَّلامُ عَلَى اِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الله ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ(1).

ص: 122


1- هذا السَّلام على النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ لم يكن عليه لموقع قبره لأنَّه مدفون في المدينة المنوَّرة كما لا يخفى جوار مسجده ، وإنَّما السَّلام على روحه الحيَّة وجوده المقدَّس والباقية بعمار الدِّين والشَّريعة ومن ذلك المسجد وإلى 7 قيام السَّاعة ، وبالأخص أنَّه كان مع مصاحبة من سبقه بالذِّكر فيه من الأنبياء والرًّسل وهو جدُّه الباني للكعبة وهو إبراهيم الخليل عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، وهكذا الدعاء الآتي بما هو أوسع في السَّلام بما يتناسب والآخرين.

وفي رواية أبي بصير عن الإمام الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ تقول وأنت على باب المسجد :

بِسْمِ الله وَبِاللهِ ، وَمِنَ الله ، وَاِلَى الله ، وَمَا شَاَءَ الله ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَآلِهِ ، وَخَيرُ الاَسْمَاءِ للهِ ، وَالحَمْدُ للهِ ، وَاَلسَّلامُ عَلَى رَسُولِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَى محمد بن عَبْدِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا النَّبِيُ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ ، اَلسَّلامُ عَلَى اَنْبِيَاءِ الله وَرُسُلِهِ ، اَلسَّلامُ عَلَى اِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمنِ ، اَلسَّلامُ عَلَى المُرْسَلِينَ ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، اَلسَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ الله الصَّالِحِينَ ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى محمد وَآلِ محمد ، وَبَارِكْ عَلَى محمد وَآلِ محمد وَاَرْحَمْ مُحَمَّدَاً وَآلِ محمد ، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ عَلَى اِبْرَاهِيمَ وَآلِ اِبْرَاهِيمَ اِنَّكَ حَمْيدٌ مَجِيدٌ ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى محمد وَآلِ محمد عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى اِبْرَاهِيمَ خَلِيلِكَ وَعَلَى اَنْبِيَائِكَ وَرُسُلِكَ وَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ ، وَسَلامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، اَللَّهُمَّ اِفْتَحْ لِي اَبْوَابَ رَحْمَتِكَ ، وَاسْتَعْمِلْنِي في طَاعَتِكَ وَمَرْضَاتِكَ ، وَاَحْفَظْنِي بِحِفْظِ الإيمَانِ اَبَدَاً مَا اَبْقَيْتَنِي ، جَلَّ ثَنَاءُ وَجْهِكَ ، الحَمْدُ الله الَّذي جَعَلَنِي مِنْ وَفْدِهِ وَزُوَّارِهِ ، وَجَعَلَنِي مِمَّنْ يَعْمُرُ مَسَاجِدَهُ ، وَجَعَلَنِي مِمَّنْ يُنَاجِيهِ ، اَللَّهُمَّ

ص: 123

اِنِّي عَبْدُكَ وَزَائِرُكَ في بَيْتِكَ ، وَعَلَى كُلِّ مأَتِيٍ حَقٌ لِمَنْ اَتَاهُ وَزَارَهُ ، وَاَنْتَ خَيرُ مَاَتِيٍ وَاَكْرَمِ مَزُورٍ ، فَاَسْاَلُكَ يَا الله يَا رَحْمَنُ ، بِاَنَّكَ اَنْتَ الله لاَ اِلَهَ اِلاَّ اَنْتَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ ، وَ بِاَنَّكَ وَاحِدٌ صَمَدٌ لَمْ تَلَدْ وَلَمْ تُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَكَ كُفْواً اَحْد ، وَاَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ ، صَلَوَاتُكَ عَلَيهِ وَعَلى اَهْلِ بَيْتِهِ ، يَا جَوَادُ يَا كَرِيمُ يَا مَاجَدُ يَا جَبَّارُ يَا كَرِيمُ ، اَسْاَلُكَ اَنْ تَجْعَلَ تُحْفَتَكَ إِيَّايَ بِزِيَارَتِي إيَّاكَ ، أَوَّلَ شَيءٍ تُعْطِيَني فَكَاَكَ رَقَبَتِي مِنَ النَّار.

ثمَّ تقول ثلاث مرَّات ( اَللَّهُمَّ فُكَّ رَقَبَتِي مِنَ النَّار ).

ثمَّ تقول : وَأوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ الحَلاَلِ الطَّيبِ ، وَاَدْرَأ عَنِّي شَرَّ شَيَاطِينِ الأنْسِ وَالجَنِّ ، وَشَرَّ فَسَقَةِ العَرَبِ وَالعَجَمَ.

ثمَّ تدخل المسجد الشَّريف فتقول كما في الفقه المنسوب إلى الإمام الرِّضا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ : -بِسْمِ الله وَبِاللهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيِهِ وَآلهِ.

ثمَّ ارفع يديك وتوجَّه إلى الكعبة الشَّريفة وقل : -

اَللَّهُمَّ اِنِّي اَسْاَلُكَ في مَقَامِي هَذَا ، في اَوَّلِ مَنَاسِكِي اَنْ تَقْبَلَ تَوْبَتِي ، وَاَنْ تَتَجَاوَزَ عَنْ خَطِيئَتِي ، وَاَنْ تَضَعَ عَنِّي وُزْرِي ، الحَمْدُ للهِ الَّذي بَلَّغَنِي بَيْتَهُ الحَرَامُ ، اَللَّهُمَّ اِنِّي اَشْهَدُ أنَّ هَذَا بَيْتُكَ الحَرَامُ الَّذي جَعَلَتهُ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأمْنَاً مُبَارَكَاً وَهُدَىً لِلعَالَمِينَ ، اَللَّهُمَّ العَبْدُ عَبْدُكَ ، وَالبَلَدُ بَلَدُكَ ، وَالبَيْتُ بَيْتُكَ ، جِئتُ اَطْلِبُ رَحْمَتَكَ ، وَاَؤمُ طَاعَتَكَ ، مُطِيعَاً لأمْرِكَ ، رَاضِيَاً بِقَدَرِكَ ، اَسْاَلُكَ مَسْاَلَةَ الفَقِيرِ اِلَيكَ ، الخَائِفِ مِنْ عُقُوبَتِكَ ، اَللَّهُمَّ اِفْتَحْ لِي اَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَاسْتَعْمِلْنِي بِطَاعَتَكِ

ص: 124

وَمْرَضَاتِكَ.

ثمَّ تخاطب الكعبة الشَّريفة وتقول : -

الحَمْدُ للهِ الَّذي عَظَّمَكِ وَشَرَّفَكِ وَكَرَّمَكِ ، وَجَعَلَكِ مَثَابَةً لِلنَّاسِ ، وَأَمْنَاً مُبَارَكَاً وَهُدَىً لِلعَالَمِينَ.

4- الإتيان إلى الحجر الأسود واستلامه وتقبيله فإذا وقع نظرك عليه فتوجَّه إليه وقل : -

الحَمْدُ للهِ الَّذي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ اَنْ هَدَانَا الله ، سُبْحَانَ الله وَالحَمْدُ للهِ وَلاَ اِلَهَ اِلاَّ الله وَاللهُ اَكْبَرُ ، الله اَكْبَرُ مِنْ خَلْقِهِ ، وَاللهُ اَكْبَرُ مِمَّا أَخْشَى وَأَحْذَرُ ، لاَ اِلَهَ اِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحُمْدُ ، يُحْيِي وَيُمِيتُ ويُمِيتُ ويُحْيِي ، وَهُوَ حَيُّ لاَ يَمُوتُ بِيَدِهِ الخَيرُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٍ ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى محمد وَآلِ محمد ، وَبَارِكْ عَلَى محمد وَآلِهِ ، كَأَفْضَلِ مَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ عَلَى اِبْرَاهِيمَ وَآلِ اِبْرَاهِيمَ اِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، وَسَلامٌ عَلَى جَمِيعِ النَّبِيينَ وَالمُرْسَلِينَ ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ اَللَّهُمَّ اِنِّي اُؤمِنُ بِوَعْدِكَ وَاُصَدِّقُ رُسُلَكَ وَاَتِّبِعُ كِتَابَكَ.

ثمَّ امش متأنياً مطمئنَّاً وقصِّر خطواتك خوفاً من عذاب الله تعالى ، فإذا قربت من الحجر الأسود فارفع يديك فأحمد الله وأثن عليه وصلِّ على محمد وآله ، وقل ما رواه معاوية بن عمَّار عن الإمام أبي عبد الله الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ( اَللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي ).

ثمَّ امسح يديك وجسدك بالحجر الأسود إن أمكن وقبلِّه ، وإذا لم تتمكَّن من تقبيله فامسحه بيدك ، وإذا لم تتمكَّن من ذلك أيضاً لكثرة

ص: 125

الازدحام فأشر إليه وقل : -

اَللَّهُمَّ أَمَانَتِي أَدَّيْتُهَا وَمِيثَاقِي تَعَاهَدُتُه ، لِتَشْهَدَ لِي بِالمُوَافَاةِ ، اَللَّهُمَّ تَصْدِيقَاً بِكِتَابِكَ ، وَعَلَى سُنَّة نَبِّيكِ صَلَوَاتُكَ عَلَيهِ وَآلِهِ ، اَشْهَدُ اَنْ لاَ اِلَهَاِلاَّ الله ، وَحْدَهُ لاَ شَرَيكَ لَهُ ، وَاَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَمَنْتُ بِاللهِ ، وَكَفَرْتُ بِالجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَباللاَّتِ وَالعُزَّى ، وَعِبَادَةِ الشَّيطَانِ وَعِبَادَةِ كُلِّ نِدٍّ يَدْعُو مِنْ دُونِ الله.

وإذا لم تتمكَّن من قراءة تمام الدُّعاء فاقرأ ما استطعت قراءته منه وقل : -

اِلَيكَ بَسَطْتُ يَدِي ، وَفِيمَا عِنْدَكَ عَظُمَتْ رَغْبَتِي ، فَاقْبَلْ سُبْحَتِي ، وَاِغْفِرْ لِي وَاِرْحَمْنِي ، اَللَّهُمَّ اِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكُفْرِ وَالفَقْرِ وَمَوَاقِفِ

الخِزْي في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

5- الإيماء إلى حِجر إسماعيل عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ .

6- الاستقاء من زمزم على ما مرَّ في المواضع المحترمة.

7- الخروج إلى السَّعي بين الصَّفا والمروة من باب الصَّفا في جميع حالات الطَّواف المختلفة في الحجِّ والعمرة حتَّى طواف النِّساء.

مُسْتَحَبَّاتِ دُخُولِ الكَعْبَةِ المُشَرَّفَةِ

يستحب الدُّخول داخل الكعبة الشَّريفة زادها الله تعالى شرفاً، ففي الحديث الشَّريف ( الدُّخولُ فِيهَا (( أي الكَعْبَة )) دُخُولٌ في رَحْمَةِ الله وَالخُروجُ مِنهَا خُروجٌ مِنَ الذُّنوب).

ص: 126

ويتأكَّد استحباب الدُّخول إلى الكعبة الشَّريفة للصَّرورة ( أي ذي الحَجَّة الأولى ) ، بل الأولى والأحوط استحباباًً أن لا يتركه من كان في الحجَّة الأولى ، نعم لا يتأكَّد الاستحباب على النِّساء.

ويستحبُّ في ذلك عدَّة أمور وهي : -

1- الغسل قبل الدُّخول إلى الكعبة الشَّريفة.

2- الدُّخول إلى الكعبة الشَّريفة بلا حذاء ( نعل ).

3- أن يقول عند الدُّخول : -

اَللَّهُمَّ اَنْتَ قُلْتَ في كِتَابِكَ ، وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنَاً ، فَآمِنِّي مِنْ عَذَابِ النَّار.

بل ينبغي للصَّرورة أن يقول ذلك عند جميع الزَّوايا الأربع.

4- أن يعمل بما رواه معاوية بن عمَّار عن الإمام الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أنَّه قال : إذا أردت الولد أفض عليك دلواً من ماء زمزم ثمَّ أدخل البيت ، فإذا أقمت على باب البيت فخذ بحلقة الباب ، ثمَّ قل : -

اَللَّهُمَّ إِنَّ البَيْتَ بَيْتُكَ ، وَالعَبْدُ عَبْدُكَ ، وَقَدْ قُلْتَ مَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنَاً ،فَآمِنِّي مِنْ عَذَابِكَ ، وَاَجِرْنِي مِنْ سَخَطِكَ .

ثمَّ أدخل البيت فصلِّ على الرُّخامة الحمراء(1) ركعتين ، ثمَّ قم إلى الاسطوانة الَّتي بحذاء الحجر والصق بها صدرك ، ثمَّ قل : -

يَا وَاحِدُ يَا أَحَدُ يَا مَاجَدُ يَا قَرِيبُ يَا بَعِيدُ يَا عَزِيزُ يَا حَكِيمُ ، لاَ

ص: 127


1- وهي الَّتي ولد عليها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وهي مكرمة مشهورة له عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بين الفريقين .

تَذَرْنِي فَرْدَاً وَاَنْتَ خَيْرُ الوَارِثِينَ ، وَهَبْ لِي ذُرْيَّة ، اِنَّكَ اَنْتَ سَمِيعُ الدُّعَاء.

ثمَّ در بالاسطوانة فالصق بها ظهرك وبطنك وأدع بالدُّعاء السابق نفسه.

5- الصَّلاة بين الاسطوانتين على الرخامة الحمراء ركعتين تقرأ في الأولى الحمد وحم السَّجدة(1) ، وفي الثَّانية الحمد وعدد آياتها ( الحمد ) من أيَّة سورة كانت.

6 - الصَّلاة في زوايا البيت كل زاوية ركعتين.

7 - أن تقول : - اَللَّهُمَّ مَنْ تَهَيَّأ وَتَعَبَّأ ، وَاَعَدَّ وَاسْتَعَدَّ ، لِوَفَادَةٍ اِلى مَخْلُوقٍ ، رَجَاءَ رِفْدِهِ وَجَائِزَتِهِ وَنَوَافِلِهِ وَفَوَاضِلِهِ ، فَإِلَيْكَ يَا سَيِّدِي تَهْيِئَتِي وَتَعْبِئَتِي وَإِعْدَادِي وَاِسْتِعْدَادِي ، رَجَاءَ رِفْدِكَ وَنَوَافِلِكَ وَجَائِزَتِكَ ، فَلاَ تُخَيِّبْ اليَّومَ رَجَائِي ، يَا مَنْ لاَ يَخِيبُ عَليِهِ سَائِلٌ ، وَلاَ يَنْقُصُهُ نَائِلٌ ، فَإِنِّي لَمْ آتِكَ اليَّوْمَ بِعَمَلٍ صَالِحٍ قَدَّمْتُهُ ، وَلاَ شَفَاعَة مَخْلُوقٍ رَجَوْتُهُ ، وَلَكِنْ أَتَيْتُكَ مُقِرَّاً بِالظُّلِمِ وَالإِسَاءَة عَلَى نَفْسِي ، فَاِنَّهُ لاَ حُجَّةِ لِي وَلاَ عُذْرَ ، فَاَسْاَلُكَ يَا مَنْ هُوَ كَذَلِكَ ، اَنْ تُصَلِّي عَلَى محمد وَآلِ محمد ، وَاَنْ تُعْطِيَنِي مَسْأَلَتِي ، وَتُقِيلَنِي عَثْرَتِي ، وَتُقَلِّبَنِي بِرَغْبَتِي ، وَلاَ تَرُدَّنِي مَجْبُوهَاً مَمْنُوعَاً ، وَلاَ خَائِبَاً ، يَا عَظِيمُ يَا عَظِيمُ يَا عَظِيمُ ، أَرْجُوكَ لِلعَظِيمِ ، اَسْاَلُكَ يَا عَظِيمُ ، اَنْ تَغْفِرَ لِي الذَّنْبَ العَظِيمَ ، لاَ اِلَهَ اِلاَّ أَنْتَ.

ص: 128


1- بعد إكمال هذه الصَّلاة أسجد سجدة واحدة واجبة لقراءة آية السَّجدة .

8 - استقبال كل زاوية من زوايا البيت الشَّريف بمكانك إذا منع الزُّحام المضي إليها.

9 - الدُّعاء والابتهال إلى المولى سبحانه والتَّكبير والسُّؤال منه وأنت في مكان صلاتك.

10 - السُّجود في جوف الكعبة ، وأن تقول في سجودك ما قاله الإمام أبو عبد الله الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وهو : -لاَ يَرُدُّ غَضَبَكَ اِلاَّ حِلْمُكَ ، وَلاَ يُجِيرُ مِنْ عَذَابِكَ اِلاَّ رَحْمَتُكَ ، وَلاَ يُنْجِي مِنْكَ اِلاَّ التَّضَرُّعُ اِلَيكَ ، فَهَبْ لِي يِا اِلَهي فَرَجَاً بِالقُدْرَةِ الَّتِي بِهَا تُحْيِي أَمْوَاتَ العِبَادِ ، وَبِهَا تَنْشُرُ مَيْتَ البِلاَدِ ، وَلاَ تُهْلِكْنِي يَا اِلَهي حَتَّى تَسْتَجِيبَ لِي دُعَائِي ، وَتُعَرِّفَنِي الإِجَابَةَ ، اَللَّهُمَّ اِرْزُقِني العَافِيَةَ إِلَى مُنْتَهَى اَجَلِي ، وَلاَ تُشْمِتْ بِي عَدُّوي ، وَلاَ تُمَكِّنْهُ مِنْ عُنُقِي ، مَنْ ذَا الَّذي يَرْفَعُنِي إِنْ وَضَعْتَنِي ، وَمَنْ ذَا الَّذي يَضَعُنِي إِنْ رَفَعْتَنِي(1) وَاِنْ أَهْلَكْتَنِي فَمَنْ ذَا الَّذي يَعْرِضُ لَكَ في عَبْدِكَ ، وَيَسْألُكَ في أَمْرِهِ ، فَقَدْ عَلَمِتُ يَا إِلَهي ، اَنَّهُ لَيْسَ في حُكْمِكَ ظُلْمٌ ، وَلاَ في نِقْمَتِكَ عَجَلَةٌ ، إِنَّمَا يَعْجَلُ مَنْ يَخَافُ الفَوْتَ ، وَيَحْتَاجُ اِلَى الظُّلْمِ الضَّعِيفِ ، وَقَدْ تَعَالَيْتَ يَا اِلَهي عَنْ ذَلِكَ ، اِلَهي فَلاَ تَجْعَلْنِي لِلبَلاَءِ غَرَضَاً ، وَلاَ لِنِقْمَتِكَ نَصَبَاً ،

ص: 129


1- لا یخفی أن الرفغ في فقرة الدعاء هذه هو بمعنی الإزالة عن مواقع الرَّحمة ، والوضع قبله هو الجعل في مواقعها ، على عكس الوضع والرَّفع في الفقرة السَّابقة عليه ، فإنَّ الوضع هناك هو الحطُّ من الشَّأن بينما الرَّفع قبله هو التَّوفيق للرِّفعة فيه .

وَمَهِّلْنِي وَنَفْسِي ، وَاَقْلِني عَثْرَتِي ، وَلاَ تَرَدَّ يَدِي في نَحْرِي ، وَلاَ تُتْبعنِي بَلاَء عَلَى اَثَرِ بَلاَءٍ ، فَقَدْ تَرَى ضَعْفِي وَتَضَرُّعِي اِلَيْكَ ، وَوَحَشَتِي مِنَ النَّاسِ ، وَاُنْسِي بِكَ ، وَأَعُوذُ بِكَ اليَّومَ فَأَعِذْنِي ، وَاَسْتَجَيرُ بِكَ فَأَجِرْنِي ، وَاَسْتَعِينُ بِكَ عَلَى الضَرَّاءِ فَاَعِنِّي ، وَاَسْتَنْصِرُكَ فَانْصُرْنِي ، وَاتَوكَّلُ عَلَيْكَ فَاِكْفِنِي ، وَأُؤمِنُ بِكَ فَآَمِنِّي ، وَأَسْتَهْدِيكَ فَاِهْدني ، وَأَسْتَرْحِمُكَ فَارْحَمْني ، وَاَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا تَعْلَمْ فَاِغْفِرْ لِي ، وَاسْتَرْزِقُكَ مِنْ فَضْلِكَ الوَاسِعِ فَاُرْزقْنِي ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ اِلاَّ بِاللهِ العَلِّي العَظِيمِ .

11- ويستحبُّ التكبير ثلاثا عند الخروج من الكعبة الشَّريفة.

12- أن يقول ما رواه الإمام أبو عبد الله الصَّادق عن أجداده الطَّاهرين عليه وعليهم السَّلام وهو : -

اَللَّهُمَّ لاَ تُجْهِدْ بَلاَءَنَا رَبَّنَا وَلاَ تُشْمِتْ بِنَا أَعْدَاءَنَا فَاِنَّكَ اَنْتَ الضَّارُ النَّافِعُ(1).

13 - عند الخروج تجعل الدَّرج على اليسار وتصلِّي ركعتين.

ويكره البصاق والتَّمخُّط في البيت الحرام وداخل الكعبة الشَّريفة.

ص: 130


1- اً في التَّكوين كالمرض والعافية للبلوى وعكسها ، أو لكونه في التَّشريع ضارَّاً للعاصين نافعاً للمطيعين في الدُّنيا والآخرة أو في خصوص الآخرة .

أفْعَالُ الحَجِّ

( مسألة 127) للحجِّ عموماً أفعال واجبة ومستحبَّة ، والواجبة على قسمين :

واجبات ركنيَّة وواجبات غير ركنيَّة.

والرُّكنيَّة سيأتي معناها وتعدادها.

وغير الرُّكنيَّة لا يبطل الحجُّ بتركها سهواً أو نسياناً كما في غير الأركان الصَّلاتيَّة ، لإمكان تداركها في نفس العام ، أو العام المقبل كما سيأتي توضيحه في محلِّه عن الأركان وغيرها بأذن الله .

والمستحبَّة كثيرة ، نذكر منها ما يناسب هذا الكتاب في مقاماتها اللائقة بها.

ولنبدأ بعموم الواجبات من الأفعال ، وتوضيح ما يناسب ما نحتاج إليه من ذلك في مقام كلٍّ منها ثمَّ نعرِّج على ذكر المستحبَّات في مقاماتها اللائقة بها أيضاً.

وأوَّل تلك الواجبات هي الأركان.

ص: 131

أَرْكَانُ الحَجِّ

( مسألة 128) معنى الرُّكن هنا يختلف عن معنى الرُّكن في الصَّلاة ، فركن الصَّلاة بتركه عمداً وسهواً ونسياناً تبطل الصَّلاة ، وكذلك زيادته ، إلاَّ في تكبيرة الإحرام على تفصيل في محلِّه.

وأمَّا في الحجِّ فتركه العمدي يوجب البطلان ، ويلحق بالعمد الجهل بالحكم أو الموضوع ، دون غير العمدي كحالة السَّهو والنِّسيان وخصوصاً حالة سعة الوقت وإمكان التَّدارك ولو بالإنابة على ما أشرنا إليه ، وعلى ما يظهر بصورة أوضح في مقامات الأركان الآتية ، وهنا تتجلَّى مظهريَّة عدم البطلان ، وأمَّا في خصوص الوقوفين فبتفصيل يأتي.

( مسألة 129) عدد الأركان ستَّة وهي : -

1- النيَّة بأن يقصد الحجِّ قربة إلى الله تعالى ، وهي وإن لم تكن فعلاً من الأفعال لأنَّ الأركان لابدَّ أن تكون فعلاً ولكنَّها ملحقة بالأركان - في أهميِّتها - وأحكامها ، لكونها روح العبادة على ما دلَّت عليه الأدلَّة في محالِّها المفصَّلة في بابها ، وكما سيجيء مختصراً.

2 - الإحرام.

3 - الطَّواف حول الكعبة المشرَّفة.

4 - السَّعي بين الصَّفا والمروة.

5 - الوقوف بعرفات.

6 - الوقوف بالمزدلفة (المشعر).

وسنبدأ بالكلام عن كل واحد منها تباعاً:-

ص: 132

الرُكْنُ الأوَّل نِيَّةُ المُحْرِمِ في أعْمَالِ حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ

( مسألة 130) لا يخفى أنَّ النيَّة في العبادة - أيَّةً كانت - هي واجب ركني أو حكمها حكمه ، لولاه يكون العمل العبادي قشراً بلا لباب وجسداً بلا روح ، لما ورد في الحديث المعتمد والمشهور ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وإنَّمَا لِكُلِّ إِمْرِءٍ مَا نَوَى ).

وهي في العبادات غير الحجِّ واجبة في كونها الأساسي مجرَّد قصد لها سواء بنحو الدَّاعي أو الإخطار وبلا لفظ فيه في أصله ، لمزاولتها على هذا الأساس ومن نحو الأداء أو القضاء لذلك الواجب ، ونحو الأصالة أو النيابة ، أو في كونه واجباً أو مستحبَّاً غير واجب ، وعلى وجه القربة إلى اللهتعالى قبل البدء بالعبادة ولو بلحظة ، وبالأخص حال الإخطار لأنَّ الدَّاعي سابق على الشَّيء لا محالة ، وليكون العمل مقصوداً من أوَّله وإلى أخره ، إلاَّ ما أدَّت الضَّرورة فيه إلى اللَّفظ.

على أن لا يكون ذلك اللَّفظ في تلك الواجبات أو غيرها ملحوظاً بالاعتبار الشَّرعي من جهة أساسيَّة ، وإن كان الكثيرون قد يعتبرونه مهمَّاً جدَّاً كذلك ، ولذا يقل من لا يمارسه من العوام لشدَّة علاقتهم به جهلاً من بعضهم أو لكثرة التعوُّد عليه.

وإنَّما لم يعتبر في أساسه كذلك لأنَّه قد يكون مخرِّباً للقصد الصَّحيح ، ولذا قد أفتى البعض بحرمة التَّلفظ لإبطاله لتلك العبادات

ص: 133

مطلقاً.

ولكن ليس كذلك على نحو الإطلاق ، بل يمكن القول بعدم الحرمة وبقاء صحَّة العمل في بعض الحالات وهو مثل ما إذا كان ذهن الإنسان لا يستوعب المعنى القصدي في ذهنه إلاَّ بذلك المحرِّك اللفظي لذلك المعنى المتصوَّر له قبيل العمل العبادي ، حتَّى لو كان من باب المقدِّمة العلميَّة ، ولحالة مؤقَّتة إلى حين إمكان وقوع التَّصور وحده في الذِّهن بلا حاجة إلى اللَّفظ بسبب الممارسة والتَّعوُّد على التَّصوُّر المجرَّد وحينئذ وبعد الثَّقافة والتَّعوُّد على هذا العكس يمكن القول بالتَّحريم والبطلان.

وأمَّا في خصوص الحجِّ وإحرامه وبقيَّة نواياه لبقيَّة أعماله مع أعمال العمرة ، فهو قصد قلبي وتصوُّري كبقيِّة العبادات مع فسح مجالٍ من قبل الشَّارع المقدَّس بثبوت رجحان في ذكر ألفاظ معينَّة تجسِّد ذلك القصد ، وتبرزه بالمبرز الشَّرعي المعلوم الذي سيأتيك بعد الفراغ من هذه المسألة ، بل أعتبر لزومه على الأحوط ثابتاً.

وهو كذلك لبعض الأدلَّة ومنها بعض الأدعية المتضمِّنة لبعض صيغ النَّوايا المطلوبة ، هذا ولتبعثر أعمال الحجِّ والتزاماته كثيراً في الزَّمان والمكان وفي ظرف أيَّام يتخلَّلها نوم ونحوه وفي بقاع واسعة ومتعدِّدة ، قد لا يكون الذِّهن مستوعباً لها ، ومستعدِّاً لاستقبال تلك المعاني بمجرَّد التَّصور الواحد الجامع لها والمجرَّد من اللَّفظ كذلك ، كما في بقيَّة العبادات الَّتي يمكن فيها ذلك التَّصور لوحده إلاَّ بالمبرز اللفظي والمحرِّك للذِّهن ، إضافة إلى مظهريَّة تعظيم الشَّعائر الضَّخمة

ص: 134

الكائنة في تلك الالتزامات والمحتاجة إليه ، والمحقَّقة بتلك الألفاظ الوارد حثُّ القرآن عليه في قوله تعالى ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَآئِرَ الله فَاِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ).

فإذن لا يمكن أن تكون مظهريَّة مهمَّة فيه ولا شعاريَّة مطلوبة تعتريه لتُفخِّم للحجِّ بهجته وتُهيِّج في الحجَّاج مشاعرهم تجاهه إلاَّ بمثل تلكالألفاظ وممارسة القصود الَّتي حوتها ألفاظ مناسك هذه العبادة الَّتي ينبغي بل يجب أن يكون للحجَّاج فيها أتم مظاهر الولاء لشرع الله تعالى مع تلك الكثرة ، وأن تكون منهم معاهدة له من خلال ممارسة تلك الالتزامات في محاربة الكفر والكافرين والشِّرك والمشركين ، باسنتصار لكلمة التَّوحيد من خلال تلك التَّظاهرات اللفظيَّة بنوايا وتلبيات وأدعية ومناجاة يُسمع المسلمون بها بعضهم بعضاً ، وبتحقيق هدف سام من خلال ذلك لتوحيد الكلمة ، في جوٍّ تملؤه المساواة والمواساة بلا طبقيَّة واستكبار ، إذ الكل على ذلك الصَّعيد الموَّحد في تشريع الله له ، وبالخصوص إذا كان الامتثال بلا مطامع دنيويَّة ، ولا مخافة من شرِّ طاغوت ، غير ما به لطف الخالق من عظيم ألطافه بالمطيعين مهما كانت طبقاتهم وذنوبهم المصحوبة بالتوبة والنَّدامة.

وبالأخصِّ إذا كان الانتداب والامتثال بلا طمع في الجنَّة ، ولا خوف من النَّار ، وإنَّما هو لأنَّ الله أهل لتلك العبادة فأطيعت أوامره ، كما كان عليه سادتنا المعصومون علي وأبناؤه عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ ، ومن حذا حذوهم من الصحابة ومَن بعدهم بتصريحاتهم وسيرتهم جرياً على نهج رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ .

ص: 135

ولذا وردت عنهم عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ بعض الأدعية المناسبة لمثل هذه المقامات على ما سيتَّضح ، والمتضمِّن استحباب بعضها صريحاً من ذلك التَّلفُّظ الحاكي عن بعض النَّوايا المتعلِّقة ببعض الالتزامات واستحباب تكراره، فبالتزام الحجَّاج بقراءتها مع قصد معانيها - وبالأخصِّ إذا كانت جماعيَّة - يتحقَّق شيء مهم جدَّاً من حالات تعظيم الشَّعائر الَّتي تشير إليها الآية الكريمة السَّابقة مع القصد المصاحب لأوَّل العمل وأخره.

الرُكْنُ الثَّانِي

الإحْرَام

( مسألة 131) الإحرام هو البناء والتَّصميم على ممارسة التزامات شرعيَّة خاصَّة ، تسمَّى بالمناسك تعبُّداً بها قربة إلى الله تعالى ، بعد ترك أمور محرمَّة في حالة أداءها ، وبعضها محرمَّة دائماً ، ولكن يتأكَّد تحريمها أثناء الإحرام ، للفلاح بثمار أداء تلك المناسك دنياً وأخرة ، بعد التَّصميم على ترك تلك التُّروك ، لعدم الانسجام بين فعل التُّروك الَّتي عليها طابع الالتذاذ بالملاذ الدُّنيويَّة للدُّنيا غالباً ، مع كون بعضها من المحرمَّاتفي أساسها.

بينما أداء المناسك المقيَّد بترك تلك التُّروك غايته التَّزوُّد بها للآخرة فقط نوعاً ، وللإقبال بالقلب على الرِّب ، وللمطاوعة التَّعبُّديَّة ، شكراً

ص: 136

للمنعم ونحو ذلك من القصود الصَّحيحة الأخرى المذكورة في الكلام عن فوائد الحجِّ وغاياته الَّتي مرَّت.

( مسألة 132) الإحرام واجب في جميع أقسام الحجِّ الثَّلاثة ، بل هو ركن يبطل الحجُّ بتعمُّد تركه كما سبق ، وكذلك العمرة الواجبة على ما سيأتي تفصيله في الكلام عنها بعد أعمال الحج.

وأوَّل وقت هذا الإحرام لعمرة التَّمتُّع - مثلاً - وحجِّه هو دخول أشهر الحجِّ الثَّلاثة وهي ( شوَّال وذو القعدة وذو الحجَّة ) من الميقات

وأوَّل إحرام المتمتِّع في حجِّه له ، هو بعد فراغه من مناسك عمرته ، ويمتدُّ وقت الإحرام فيه إلى اليوم التَّاسع من ذي الحِجَّة ، وهو يوم عرفة وهو آخر موعد له بنحو الوجوب ليكون وقت الزَّوال منه محرماً ومتهيَّأً للوقوف فيها.

وأفضل أوقاته هو ما قبله وهو يوم التَّروية وهو يوم الثَّامن ، فيُحرم الحاج من مكَّة قبل الإفاضة ، والأفضل له أن يحرم من المسجد الشَّريف ، وأفضل منه من حِجر إسماعيل أو مقام إبراهيم إن أمكن فيفيض بعد إحرامه ذلك اليوم إلى منى للذَّهاب إلى عرفة يوم التَّاسع وهو يوم الموقف فيها.

وأمَّا غير المتمتِّع من الحجُّاج كالقارنيين والمفردين فيُحرمون من الميقات ، كما أشرنا إليه ص98، وكما سيأتي تفصيله في كيفيَّة إحرامهما قبل حجِّهما.

وإذا نسي الإحرام من مكَّة حتَّى خرج منها إلى منى يوم الثَّامن ،

ص: 137

أو إلى عرفة ثمَّ تذكَّر ، فإنَّه يجب عليه الرجوع إلى مكَّة للإحرام منها كما سبق في أحكام مواقيت الإحرام ص104.

وكذا يجب عليه الرجوع إذا ترك الإحرام جهلاً حتَّى خرج ثمَّ علم ، فيُحرم من مكَّة إن أمكنه ذلك.

وأمَّا في حال ضيق الوقت الاختياري عليه فيحرم من مكانه وإن كان بعرفة ، لكونه يعرف نفسه أنَّه إن رجع إلى مكَّة يفوته الموقف الاختياري من الزَّوال إلى الغروب بأجمعه ، أو كان رجوعه متعذِّراً عليه لا من جهة ضيق الوقت فقط ، أو من جهة عدمه ، ولكنَّه من جهة الزُّحام المانع - مثلاً.

فحينئذ يجب عليه الإحرام من الموقع الَّذي تذكَّر فيه ، أو التفت إليه من وجوب الإحرام عليه ، فيكفيه ذلك الإحرام عن الإحرام بمكَّة بإدراك الموقف الاختياري ، ولو كان لبقيَّة ممَّا بين الزَّوال والغروب.

وإذا لم يتذكَّر إلا بعد أداء جميع المناسك ، فالأحوط فيه وجوباً استمراره على بقيَّة مناسكه وإلى أخرها ، مع لزوم الإعادة في السَّنة الآتية ، أو فيما بعدها ممَّا يتيسَّر ولو بحِجَّة نيابيَّة عنه من بلده إن أمكن ، أو من الميقات إن لم يتمكَّن ، لأنَّ النِّيابة من الميقات تكون في باب الإيجار أرخص سعراً عادة.

ص: 138

وَاجِبَاتُ الإحْرَامِ

واجبات الإحرام على نحو العجالة قبل بيانها التَّفصيلي هي : -

1 - لبس ثوبي الإحرام غير المخيط للرِّجال دون النِّساء ، مع الاحتياط استحباباً لهنَّ بلبسهما فوق الملابس المخيطة ، ولو لعقد نيَّة الإحرام مع التَّلبية فقط ، ثمَّ نزعها كما سيتَّضح.

2 - النيِّة وقد مرَّ الكلام عنها وكما سيأتي في صور ألفاظ نيَّة المحرم.

3- التَّلبية وهي على قسمين واجبة ومستحبَّة كما سيجيء.

مُسْتَحَبَّاتُ الإحْرَامِ للحَجِّ أو العُمْرَة

يستحب عند إرادة الإحرام أمور : -

1- توفير الشَّعر قبل الإحرام من شهر ذي القعدة ، ويتأكَّد الاستحباب عند هلال ذي الحِجَّة.

2- تنظيف الجسد من الأوساخ ، وتقليم الأظفار ، وأخذ الشَّارب ، وإزالة شعر الإبطين والعانة بالنَّورة أو بغيرها ، وإن كان قد أستعملها قريباً ، للخلاص من مشكلة يغفل عنها كثيرون ، قد تسبِّب كفَّارة واجبة على كلِّ مسبِّب لنفسه إسقاط شيء من شعره - بحكٍّ ونحوه - أثناء الإحرام عمداً كما سيجيء في باب كفَّارات تروك الإحرام.

3- الغُسل من الميقات بالنِّسبة إلى المعتمر لعمرة التَّمتُّع ، أو حاجِّ

ص: 139

الإفِراد أو حاجِّ القِران ، وبالنِّسبة إلى خصوص حجِّ التَّمتُّع من المنزل ، أو من أي مكان في مكَّة كما مرَّ.

وكيفيَّته كغُسل الجنابة قربة إلى الله ، وهو مستحب حتَّى للمجنب والحائض والنَّفساء فيصحُّ منهم هذا الغُسل ، لأنَّه لا يشترط في صحَّة الإحرام الطّهارة من الحدث الأكبر والحدث الأصغر ، وإن كان رفع الأخير أفضل كما سيتَّضح في محلِّه وهو أن يتوضأ منه ثمَّ يغتسل.

ولأهميَّته للجميع عدَّ - لمن لم يتمكَّن منه لعذر وغيره - لا يترك ولو بأن يؤتى ببديله وهو التَّيمُّم ولو لرجاء المطلوبيَّة.

كما يجوز لمن يريد الإحرام إذا عرف أنَّه لن يجد الماء عند الميقات وكان متمكّناً منه قبله أن يغتسل هناك ولو كان دون الميقات ، ثمَّ إن وجده في الميقات وكان قد اغتسل أعاد الغُسل لأهميَّته الاستحبابيَّة في نفس ذلكالموضع.

4- الدُّعاء بالأدعية المأثورة عند الغُسل فيقول مثلاً : -

بِسْمِ الله وَبِاللهِ ، اَللَّهُمَّ اِجْعَلْهُ نُورَاً وَطَهُورَاً وَحِرْزَاً وَأَمْنَاً مِنْ كُلِّ خَوْفٍ ، وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَسُقْمٍ ، اَللَّهُمَّ طَهّرْنِي وَطَهّرْ قَلْبِي ، وَاشْرَحْ لِي صَدْرِي ، وَاَجْرِ عَلَى لِسَانِي مَحَبَّتَكَ وَمِدْحَتَكَ وَالثّنَاءَ عَلَيْكَ ، فَاِنَّهُ لاَ قُوَّةَ لِي إلاَّ بِكَ ، وَقَدْ عَلِمْتُ أنَّ قَوَامَ دِيني التَّسْلِيمُ لَكَ (خ ل ) لأمْرِكَ ، وَالأتِّبَاعُ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ صَلَوَاتِكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ .

5- الإحرام في الثياب القطن ، وأفضلها البِيض كمناشف الحمام.

6- أن يكون عقيب صلاة الظُّهر ، أمَّا إذا لم يكن وقت صلاة ظهر ، فعقيب فريضة أخرى وإن كانت قضاءاً ، وإذا لم يكن عليه قضاء،

ص: 140

فعقيب صلاة ست ركعات نافلة ، ودون الستِّ في الفضل صلاة ركعتين يقرأ في الأولى بعد الحمد التَّوحيد ، ويقرأ في الثَّانية بعد الحمد الجحد( قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُون ).

7- قراءة هذا الدُّعاء عند نيَّة الإحرام بعد الفراغ من الصَّلاة ، وهو الَّذي رواه معاوية بن عمَّار في الصَّحيح ، وفي خصوص أهل المناطق البعيدة من المتمتِّعين بعد الحمد والثَّناء على الله تعالى : -

اَللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ أنْ تَجْعَلْنِي مِمَّنْ اسْتَجَابَ لَكَ ، وَآمَنَ بِوَعْدِكَ ، وَاَتَّبَعَ أمْرَكَ ، فَإنِّي عَبْدُكَ وَفي قَبْضَتِكَ ، لاَ اُوقى اِلاَّ مَا وَقَيتَ ، وَلاَ آخذُ اِلاَّ مَا اَعْطَيْتَ ، وَقَدْ ذَكَرْتُ الحَجَّ ، فَاَسْألُكَ اَنْ تَعْزِمَ لِي عَلَيهِ عَلَى كِتَابِكَ وَسُنَّةَ نَبِيَّكَ صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، وَتُقَوِّيَنِي عَلَى مَا ضَعُفْتُ عَنْهُ ، وَتُسَلِّمَ لي مَنْسَكَي في يُسْرٍ مِنْكَ وَعَافِيةٍ ، وَاَجْعَلْنِي مِنْ وَفْدِكَ الَّذينَ رَضِيتَ وَاَرْتَضَيتَ وَسَمَّيتَ وَكَتَبْتَ ، اَللَّهُمَّ اِنِّي خَرَجْتُ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ ، وَاَنْفَقَتُ مَالِي اِبتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ ،

اَللَّهُمَّ فَتَمِّمْ لِي حِجَّتِي وَعُمْرَتِي ، اَللَّهُمَّ اِنِّي اُريدُ التَّمتُّعِ بِالعُمْرَةِ اِلى الحَجِّ عَلَى كِتَابِكَ وَسُنَّةِ نَبِيِّكَ صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، فَاِنْ عَرَضَ لِي عَارِضٌ يَحْبِسُنِي ، فَحُلَّنِي حَيْثُ حَبَسْتَنِي(1) بِقَدَرِكَ الَّذي قَدَّرْتَ عَلَيَّ ، اَللَّهُمَّ اِنْ لَمْ تَكُنْ حِجَّةٌ فَعُمْرَةٌ ، اَحْرَمَ لَكَ شَعْرِي وَبَشَرَي وَلَحْمِي وَدَمَي وَعِظَامِي وَمُخِّي وَعَصَبِي مِنَ النِّسَاءِ وَالثِّيابِ وَالطِّيبِ ، اَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَكَ وَالدَّارَ الآخِرَة.

ثمَّ يلبس ثوبي الإحرام يجعل أحدهما إزاراً والآخر رداء.

ص: 141


1- سوف يأتي مضمون هذه الفقرة الشَّريفة في باب الإشتراط على الله..

8- الدُّعاء حينما يلبس ثوبي الإحرام فيقول : -الحَمْدُ للهِ الَّذِي رَزَقَنِي مَا اُوَارِي بهِ عَوْرَتِي ، وَاُؤدِّي مِنْهُ فَرِيضَتِي ، وَاَعْبُدُ فِيهِ رَبِّي ، وَاَنْتَهِي مِنْهُ اِلى مَا اَمَرَنِي ، الحَمْدُ للهِ الَّذِي قَصَدْتُّهُ فَبَلَّغَنِي ، وَاَرَدْتُّهُ فَاَعَانَنِي ، وَقَبِلَنِي وَلَمْ يَقْطَعْ بِي ، وَوَجْهَهُ اَرَدْتُّ فَسَلَّمَنِي ، فَهُوَ حِصْنِي وَكَهْفِي وَوَزَرِي(1) وَظَهْرِي وَمَلاَذِي وَلَجاي وَرَجَائِي وَمَنْجَاي وَذُخْرِي وَعُدَّتِي في شِدَّتِي وَرَخَائِي.

9- الشَّرط على الله تعالى كما سيجيء.

مَكْرُوهَاتُ الإحْرَامِ

يكره في الإحرام أمور : -

1- الإحرام في الثِّياب السُّود والمصبوغة بالألوان أو بالعُصفر بل مطلق المصبوغة ، إلاَّ أنَّ ظاهر بعض الأخبار المعتبرة تدلُّ على عدم كراهة الثِّياب الخُضر ولكن لا تذهب بذلك أهميَّة البِيض على كلِّ حال.

2- الإحرام في الثِّياب الوسخة ، ولكن إذا وسخت بعد الإحرام ، يكره للمحرم غسلها ما لم تتنجَّس إلى أن يحلَّ من إحرامه ليتواضع لله ولشرعه ولو تعبُّداً في ذلك.

3- الإحرام في الثِّياب المعلَّمة للرجال ، وهي الَّتي يكون فيها لون

ص: 142


1- بفتحتين بمعنى الملجأ .

يغاير لونها أو ما يسمَّى بعضها ب- ( المقلَّمة ).

4- النَّوم على الفراش الأسود والوسادة السَّوداء ، بل يكره حتَّى على الثِّياب السُّود.

5- دخول الحمَّام للمحرم لئلاَّ يحصل ما يوجب الكفَّارة في حال الاختيار كالحك المدمي ونحوه.

6- تدليك الجسد في الحمَّام (أي فركه) سواء كان ذلك باليد أو بالكيس المتعارف حتَّى على فرض الحاجة لكونها غير ماسَّة إليه لعدم ضرورتها أو فرض دخوله الحمَّام لغير الحاجة الملحَّة حتَّى مع تحمُّل الكراهيَّة فيما إذا لم يحرز فيه سقوط الشَّعر أو الإدماء للحذر من حصول شيء منهما لاحتمالهما ، وهما ممَّا يوجب الكفَّارة لو حصلا فضلاً عن حالة عدم الحاجة إلى دخوله لبروز الكراهة بشكل أوضح خصوصاً لو حصل نفس المحذور المحتمل أو ما يزيد عليه.

أمَّا مع الضَّرورة وعدم إحراز السُّقوط ونحوه فلا كراهيَّة ، وأمَّا معها وإحراز السُّقوط ونحوه فلا كراهة أيضاً ولكن في ذلك تجب الكفَّارة ، وأمَّا مع عدم الضَّرورة وإحراز السُّقوط ونحوه فيحرم مع ترتُّب الكفَّارة كما سيأتي.

7- تلبية من يناديه بأن يجيبه بكلمة لبَّيك لكون المواقع الخاصَّة هذه خاصَّة لتلبية أوامر الله تعالى في أداء المناسك دون غيره.

8- الاحتباء وهو الجلوس على الإليتين ومدُّ السَّاقين وتشبيك اليدين على الرِّجلين على المشهور ، وهما من فعال غيرنا من بعض المذاهب ولكونها بعيدة عن سيرة النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وأهل بيته الطَّاهرين

ص: 143

وخلَّص الأصحاب.

9- رواية الشِّعر ولو كان بحق على المشهور.

10- المصارعة ونحوها ممَّا يخاف منه على النَّاسك أن يُصاب بجرح أو يقع بعض الشَّعر من بدنه على المشهور.

11 - غسل البدن بالماء البارد.

12 - تدليك الوجه والمبالغة بالسُّواك لئلا يدمي.

تفصيل واجبات الإحرام الثَّلاث الأوَّل : لِبَاسِ المُحْرِمِ

( مسألة 133) لابدَّ للمحرم الرَّجل من لبس ثوبين ( مئزر وأزار ) غير مخيطين - مكان ثيابه الاعتياديَّة - مدَّة إحرامه من أولِّها إلىأخرها في عمرة التَّمتُّع وحجِّه وفي حجِّ القِران وحجِّ الإفِراد والعمرة المفردة ، كما سنوضِّحه في أحكام تصرُّفات المحرم آتياً.

والمرأة يرجح منها لبس هذين الثَّوبين كما مرَّ ولو فوق لباس المخيط المسموح لها خصوصاً فيه كما نوَّهنا سابقاً ولو لعقد الإحرام على الأقل وهو الأحوط استحباباً ، مع رجحان كونهما أبيضين وكراهيَّة غير الأبيضين ، مع لزوم طهارتهما أو تطهيرهما وقت ما يشترط فيه الطَّهارة من الصَّلاة الاعتيادية والطَّواف وصلاته لكل حجٍّ وعمرة ، بل في غير ذلك من حالات الإحرام على الأحوط مع الإمكان ، مع لزوم كونهما نقيَّين من الغصبيَّة والحقوق الشَّرعيَّة، بل

ص: 144

حتَّى من الشُّبهة احتياطاً استحبابيَّاً لا ينبغي تركه.

( مسألة 134) لبس الثَّوبين واجب على الرِّجال بعد التَّجرد عمَّا يجب على المحرم اجتنابه من الميقات بأن يتَّزر بأحدهما ويرتدي بالآخر.

ويستثنى من ذلك الصِّبيان فيجوز تأخير تجريدهم خوف البَّرد إلى فخ .

وأمَّا النِّساء فإضافة إلى كون لبس الثَّوبين مستحبَّاً لهنَّ غير واجب فلا داعي إلى التَّجرُّد من المخيط بالنِّسبة إليهنَّ لجواز لبسه لهنَّ كما مرَّ ، بل يرتدين بهما فوق المخيط.

( مسألة 135) لبس الثَّوبين للمحرم واجب تعبُّدي إضافة إلى كونه شرطاً في تحقُّق الإحرام على الأحوط مع إمكانه.

( مسألة 136) يعتبر في المئزر أن يكون ساتراً من السرَّة إلى الرُّكبة ، كما يعتبر في الإزار أن يكون لبسه على الطَّريق المألوف ساتراً للمنكبين ، أو متوشِّحاً به بأن يُغطِّي المنكشف من المنكبين بطرف الإزار الثَّاني ، لا كما يفعله بعض المذاهب من التَّقيُّد الخاص وهو كشف المنكب الأيمن وستر الآخر.

والأحوط كون اللِّبس حاصلاً قبل النيَّة والتَّلبية فلو قدَّمهما عليه أعادهما بعده.

( مسألة 137) لو أحرم في قميص جاهلاً أو ناسياً نزعه وصحَّ إحرامه ، وأمَّا إذا لبسه بعد الإحرام فلا إشكال في صحَّة إحرامه وإن احتاج إلى الاستغفار لكونه فعلاً حراماً إذا كان عن عمد ويلزم عليه

ص: 145

شقُّه وإخراجه من تحت.

( مسألة 138) لا بأس بالزِّيادة على الثَّوبين في ابتداء الإحرام وبعده كالمكرَّر في الإزار والمكرَّر في المئزر للتَّحفُّظ من البرد أو الحرِّ أو لغيرذلك.

( مسألة 139) يعتبر في ثوبي الإحرام نفس الشروط المعتبرة في لباس المصلِّي للنِّساء والرِّجال معاً وكذلك المخيط الَّذي تلبسه النِّساء ، فيلزم - مضافاً إلى ما مرَّ ذكره من لزوم كونهما طاهرين وغير مغصوبين - أن لا يكون من الحرير الخالص ، ولا من أجزاء ما لا يأكل لحمه ولا من المذهَّب لأجل الإحرام.

( مسألة 140) يلزم في المئزر أن يكون ساتراً للبشرة غير شفاف حاكٍ عنها ، والأحوط استحباباً اعتبار ذلك في الإزار أيضاً هذا ما في الرِّجال.

وأمَّا ما في النِّساء فلابدَّ من كون العباءة السَّاترة لهنَّ غير حاكية لجسمهنَّ وما يحرم النَّظر إليه منهنَّ وما يحرم عليهنَّ إبداؤه كشعرهنَّ.

( مسألة 141) الأحوط وجوباً في الثَّوبين أن يكونا من المنسوج ولا يكونا من قبيل الجلد.

( مسألة 142) إذا تنجَّس أحد الثَّوبين أو كلاهما بعد التَّلبُّس بالإحرام فالأحوط وجوباً المبادرة إلى التَّبديل أو التَّطهير.

( مسألة 143) لا تجب الاستدامة في لباس الإحرام فلا بأس بإلقاء الإزار - مثلا - عن متنه لضرورة أو غير ضرورة ، كما لا بأس بتبديله

ص: 146

على أن يكون البديل واجداً للشَّرائط.

الثَّاني : صُورِ الألفَاظِ المَطْلُوبَةِ في نَوايَا إحْرَامِ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ وجوباً واستحباباً

صور التَّلفُّظ بالنِّيَّة في الإحرام بأمرين : -

1- صورة لفظ نيَّة لبس ثوبي الإحرام الاحتياطيَّة ، لإحرام الحجِّ والعمرة على اختلاف أقسام الحجِّ ، وَأنواع وجوهه من الوجوب والاستحباب ، وكونه حجَّة الإسلام ، أو مكرَّرةً في حال قلَّة الحجَّاج ، أو باطلة سابقاً فيجب إعادتها ، أو كانت منذورة أو عن عهد أو يمين ، أو كونها أصالة عن نفس مؤديها ، أو نيابة عن حي أو قضاء عن ميَّت بعد أخذ الأجرة ، أو بلا أجرة كالتزام الولد الأكبر أو بتبُّرع.

وعلى اختلاف قسمي العمرة من الَّتي هي قبل الحجِّ وهي عمرة التَّمتُّع ، أو الَّتي بعده وهي العمرة المفردة ، وذلك عند الحضور في الميقاتالخاصِّ ، واستحباب النيَّة فيه حين لبس الثَّوبين إنَّما هو ، لكون الواجب هو مجرَّد لبسهما ، ثمَّ تكون النيَّة الثَّانية الواجبة بعد ذلك للإحرام رأساً كما سيجيء ، وهذه الصُّورة نأتي بها جامعة لما مرَّ ليأخذ المكلَّف الذَّكي ما يخص تكليفه منها حيث يشاء وكذلك النَّوايا الواجبة الآتية.

وهذه الصُّورة الاحتياطيَّة هي : - أن يقول اللابس للثَّوبين عند ممارسة اللَّبس ( ألبسُ ثوبَي الإحرامِ ، لِعمرَةِ التَّمتُّع مثلاً أو لحجَّةِ

ص: 147

التَّمتُّع ، حجَّة الإسلام أو حجَّةِ الإعادة - لقلَّة الحجُّاج أو لِكونِها باطلَةً سَابقاً - ، أو كَانت منذورةً أو حاصلةً عن عهد أو يمين ، بأصالةٍ أو إجارةٍ عن حي أو ميَّت نيابةً عنه ، لوجوب ذلك العمل الَّذي يُلبس له الثَّوبان أو استحبابه ، قربةً إلى الله تعالى ).

فيذكر الوجوب في مقامه ، وإذا كان للاستحباب يذكره مستحبَّاً بصيغته في مقامه أيضاً.

وكذلك يقول بالنِّسبة إلى قسمي الحجِّ الآخرين ( ألْبَسُ ثَوبي الإحرامِ لحجِّ القِران ) في مورد حجِّ القِران ، و (لحجِّ الإفِراد ) في مورد حجِّ الإفِراد وإلى أخره ، ممَّا ذكرناه من الوجوه آنفاً ، وإذا كانت نيابيَّةً فيصرِّحُ باسم المنوب عنه.

وكذلك بالنِّسبة إلى العمرة المفردة ، فيذكر صيغتها في مقامها المناسب لها.

2- صورة لفظ نيَّة الإحرام لعمرة التَّمتُّع وحجِّ التَّمتُّع وحجِّ القِران وحجِّ الإفراد والعمرة المفردة بما يناسب كلاًّ منها.

هو أن يقول لابس الثَّوبين على الأحوط وجوباً عند حلوله في الميقات - مثلاً - ( أُحرم لعمرة التَّمتُّع لحجِّ التَّمتُّع حجَّة الإسلام ، لوجوبها على نفسي ، أو نيابةً عن (( فلان بن فلان )) الحي أو الميَّت قضاءاً ، أو كانت واجبة مكرَّرةً - لقلَّة الحجَّاج أو لبطلان عملها السَّابق - ، أو كانت عن نذرٍ أو عهدٍ أو يمين قربةً إلى الله تعالى ) ، وهكذا يصرِّح بالحجِّ التَّمتُّعي في مورده والقراني في مورده والإفرادي في مورده ،وكذا بالعمرة المفردة في موردها.

ص: 148

وهكذا لو لم تكن الحجَّة واجبة فيقيِّدها بلفظ ( استحباباً ) على وجه القربة.

الثَّالث : التَّلْبِيَاتِ الأرْبَعِ

وهو الواجب الثَّالث من واجبات الإحرام وهي الَّتي تتحقَّق بما يلي : -

( مسألة 144) يجب بعد الفراغ من عقد نيَّة الإحرام - قصداً ولفظاً احتياطيَّاً بعد لبس الثَّوبين - على الفور التَّلبيات الأربع بعد قصدها وهي قول المحرم : -

( لبَّيكَ اَللَّهُمَّ لبَّيكَ ، لبَّيكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لبَّيكَ ، إنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ ، لاَ شَرِيكَ لَكَ لبَّيكَ ).

وهذا القول بطوله واجب إلاَّ لبَّيكَ الأخيرة ، فيأتي بها المحرم للاحتياط الاستحبابي ، وهذه التَّلبيات مع لبَّيك المستحبَّة الأخيرة هي إبراز لفظي هامُّ لمظاهر امتثال الأوامر الإلهيَّة ، بل هو من أهمِّ مظاهر تعظيم الشَّعائر الَّتي مرَّ شيء منها في الكلام عن النيَّة.

وتعدُّ هذه التَّلبيات بمنزلة تكبيرة الإحرام ، الَّتي إذا أتى بها المصلِّي أحرم عن أمور كانت بعضها جائزة عليه في حالاته الاعتياديَّة ، لكن صارت محرمَّة في صلاة واجبة يجب انصراف صاحبها عن تلك الأمور لأنَّها صلة خاصَّة بين العبد وربِّه ، إضافة إلى لزوم انصرافه عن كل ما هو حرام في أساسه.

ص: 149

بل حتَّى الصَّلاة المستحبَّة يلزم فيها ذلك الانصراف ، إلاَّ في حالات مستثناة(1) مذكورة في كتبنا الخاصَّة الموسَّعة وهكذا الأمر بالنِّسبة للمحرم من باب أولى.

فهو - مثلاً - إذا أتى بالتَّلبيات الأربع المذكورة حرمت عليه محرَّمات الإحرام المسمَّاة ب- ( تروك الإحرام ) المعروفة والآتية في عمرة التَّمتُّع ، وهكذا في إحرام حجِّ التَّمتُّع نفسه ، وكذا في حجِّ القِران وحجِّ الإفراد والعمرة المفردة والكل على وتيرة واحدة.

وممَّا ورد من حِكم تشريع التَّلبية ما في العلل عن عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قال ( سَألْتُ لِمَ جُعِلَتْ التَّلْبِيَةُ فَقَاَلَ إنَّ الله محمد أوحى إلى إبراهيم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ (( وَأذِّنْ في اْلنَّاسِ باِلحَجِّ يَأتُوكَ رِجَالاً )) ، فنادى ، فأُجيب من كلِّ فجِّ عَميقٍ يُلَبُّون ) ، إلى غير ذلك.

والأفضل أن يقول بعد ذلك : -

لَبَّيكَ ذَا اْلمَعَارِجِ لَبَّيك ، لَبَّيكَ دَاعِيَاً إلَى دَارِ اْلسَّلاَمِ لَبَّيك ، لَبَّيكَ غَفَّارَاْلذِّنُوبِ لَبَّيك ، لَبَّيْكَ أهْلَ التَّلْبِيةِ لَبَّيك ، لَبَّيْكَ ذَا اْلجَلاَلِ وَاْلإكْرَامِ لَبَّيك ، لَبَّيْكَ تُبْدىء وَالمَعَادُ إلَيكَ لَبَّيك ، لَبَّيكَ تَسْتَغْنِي وَيُفْتَقَرُ إلَيكَ لَبَّيك ، لَبَّيكَ مَرْهُوبَاً وَمَرْغُوبَاً إلَيكَ لَبَّيك لَبَّيْكَ إلَه الحَقِّ ( الخَلْقِ خ ل) لَبَّيك ، لَبَّيكَ ذَا النَّعَمَاءِ وَالفَضْلِ اْلحَسَنِ اْلجَمِيلِ لَبَّيك ، لَبَّيْكَ

ص: 150


1- غل بصلاة الوتر في آخر اللَّيل في ليالي شهر رمضان إذا يخشى على نفسه - من طلوع الفجر عليه مع حاجته إليه - خوف الابتلاء بالعطش

كَشَّافَ اْلكُرَبِ العِظَامِ لَبَّيك ، لَبَّيكَ عَبْدُكّ وَأبنُ عَبْدَيكَ لَبَّيك ، لَبَّيكَ يَا كَرِيمُ لَبَّيك .

ويستحب أيضاً أن يضيف إليها في خصوص عمرة التَّمتُّع :-

لَبَّيْكَ أتَقَرَّبُ لَبَّيكَ بِمُحَمَّدٍ وَآلِ محمد لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ بِحِجَّةٍ أو عُمْرَةٍ لَبَّيْكَ لَبَّيك ، وَهَذِهِ عُمْرَةُ مُتْعَةٍ لِلحَجِّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ أهْلُ التَّلْبِيَةِ لَبَّيكَ ، لَبَّيْكَ تَلْبِيَةً تَمَامُهَا وَبَلاَغُهَا عَلَيْكَ.

هذا وإن أراد الحج قال وهذا حجُّ التَّمتُّع أو حجُّ الإفراد أو حجُّ القِران أو العمرة المفردة حسب ما يناسب المقام.

حَالاَتِ تَجْدِيدِ التَّلْبيَةِ

( مسألة 145) تجديد التَّلبية على قسمين : -

الأوَّل : واجب ، ومنه : -

1- ما لو ضاق الوقت على المرأة لخوف الحيض مثلاً وكذا العُجَّز في حجِّ الإفراد والقِران بعد الوقوفين وأعمال منى بما لا يسعها فعل الطَّواف وصلاته وما بعدهما فقدَّمتهما وقتئذ.

2- ما لو قدَّمت الطَّواف قبل الوقوف في عرفات بسبب خروج الرَّفقة عنها وكذا العجَّز.

3- ما لو أحرم الحاج لحجِّ الإفراد ودخل مكَّة للطَّواف المستحب كما سيأتي.

فحينئذ يجب التَّجديد لئلاَّ يحصل إحلال من الإحرام.

ص: 151

الثَّاني : مستحب ، ومنه : -

1- ما لو نذر المكلَّف الإحرام قبل الميقات وأحرم قبله ثمَّ وصل بعده إلى المكان المحاذي لذلك الميقات فإنَّه يستحب له التَّجديد.

2- بعد كلِّ فريضة.

3- حين ركوبه ومسيره مرتفعاً على الجبال أو منخفضاً إلى الوديان.

4- عند ملاقاة الرَّكب.

5- عند السَّحر ، حتَّى لو كان المحرم محتلماً أو كانت المحرمة حائضاً.6- وقت الاستيقاض من النَّوم.

7- من نظر إلى المرآة.

ففي هذه الحالات جميعها يستحب للمكلَّف أن يجدِّدها ويكثر منها.

مِنْ أحْكَامِ التَّلْبِيَاتِ

( مسألة 146) على المكلَّف أن يتعلَّم ألفاظ التَّلبية ويحسن أداءها بصورة صحيحة كما في تكبيرة الإحرام للصَّلاة ، ولو كان ذلك بتلقينه كلماتها من قبل شخص آخر عارف بها ، ولو بدفع مال في سبيله.

فإذا لم يتعلَّم تلك الألفاظ ولم يتيسَّر له التَّلقين يجب عليه التَّلفُّظ بها بالمقدار الميسور ، والأحوط في هذه الصُّورة الجمع بين الإتيان

ص: 152

بالمقدار الَّذي يتمكَّن منه والإتيان بترجمتها باللُّغة الَّتي يعرفها - المحرم - المكلَّف بها وبين الاستتابة لها.

( مسألة 147) تجب مقارنة التَّلبية لنيَّة الإحرام بمعنى أن تكون التَّلبية صادرة عن نيَّة مستمرِّة إلى آخر عمل في الحجِّ أو العمرة ، وقد يكون من لوازم ذلك سبق النيَّة للتَّلبية من باب المقدِّمة العلميَّة ، لكون أوَّل حرف من التَّلبية يجب كونه مصحوباً بها ، هذا هو معنى لزوم المصاحبة الشَّرعي في أساسه.

وأمَّا معنى كون النيَّة أنَّها لو صدرت بعد لبس ثوبي الإحرام وحدها ثمَّ أخَّر التَّلبية عن ذلك فترة مع استمرار تلك النيَّة فلا مانع منه ، لعدم لزوم المقارنة بهذا المعنى ، بل لعدم إمكانها بناء على ما ذكرناه من الاحتياط الوجوبي بالتَّلفُّظ بنيَّةِ الإحرام ، فإنَّه لو أراد التَّلبية مع تلك النيَّة اللَّفظيَّة لتزاحما.

هذا ما يتعلَّق بأمر النيَّة العامَّة للإحرام بعموم أفعاله ، وهناك واجب احتياطي خاص وهو نيَّة الحاجِّ للتَّلبية متقرِّباً بها إلى الله لكونها واجباً مستقلاًّ في المناسك المنفصلة في وجوبها في بعضها عن البعض الآخر ، وليست هي كتكبيرةِ الإحرام في الصَّلاة من حيث كونها منضمَّة إلى أفعال الصَّلاة الأخرى الَّتي بأجمعها تكون ذات علاقة بنيَّة واحدة مقارنة للتَّكبيرة.

وهذه النيَّة في التَّلبية يجب أن تكون أيضاً مقدَّمة على التَّقرب بنية الإحرام العام بحيث يجمعهما الحاجُّ جملة واحدة.

ص: 153

( مسألة 148) لو نوى الإحرام وأتى ببعض محرَّماته قبل التَّلبية فلاشيء عليه لأنَّ حرمتها عليه تتمُّ بالتَّلبية.

( مسألة 149) لا ينعقد إحرام حجِّ التَّمتُّع في عمرته وحجِّه وفي إحرام حجِّ الإفراد وإحرام العمرة المفردة إلاَّ بالتَّلبية.

وأمَّا حجِّ القِران فهو كأخويه في التَّلبية لكن لا بنحو تعينها فيه مثلهما في لزوم تحقيق الإحرام بها بل إنَّما ذلك بنحو التَّخيير في تحقيقه بينها وبين أحد شيئين آخرين وهما الإشعار والتَّقليد فكما يتحقَّق إحرامه بالتَّلبية منفردة فكذلك يتحقَّق بالإشعار أو التَّقليد.

والإشعار مختصٌّ بالبُدن بأن يقوم المحرم من الجانب الأيسر من هديه الَّذي يقرنه معه ويشقُّ سنامه من الجانب الأيمن ويلطَّخ صفحته بدمه.

والتَّقليد مشترك بين البُدن وغيرها من أنواع الهدي الأخرى كالغنم والماعز والبقر ، وهو أن يعلِّق المحرم في رقبة هديه هذا نعلاً خَلِقاً قد صلَّى فيها(1).

ص: 154


1- لا يخفى من أنَّه لا مانع من إيقاع الصَّلاة في النَّعال العربيَّة (غير المخيطة) للوقاية من الحرِّ - مثلا - ، وكذا ما يعوِّض عنها اليوم من نوع النَّعال الإسفنجيَّة المكشوفة بالنِّسبة إلى ظاهر القدم على ما سيجيء إذا كانت طاهرة ولو لغير الحَر من الأغراض.

والحِكمة من تشريع الإشعار والتَّقليد المذكورين هي أنَّ الهدي إذا افتقد وضاع ورُئيَ من قبل آخرين على هذه الحالة قد يتصدَّى له الواجدون له من الملتزمين فيذبحونه أو ينحرونه هدياً عن صاحبه وهو المطلوب ولو لم يضمن ذلك اكتفاء في هذا بالاحتمال ( الظن ) ، بخلاف من لم يُشعر أو يقلِّد فإنَّ ذلك يكون مستبعداً جدَّاً.

فحينئذ ظهر ممَّا بيَّنَّا أنَّ الإشعار أو التَّقليد يمكن أن يكون أحدهما معوِّضاً عن التَّلبية الَّتي هي بمثابة تكبيرة الإحرام فبإجراء أحدهما بعد القصد للنيَّة بعد التَّلفُّظ بها إذا فعل القارن أحدهما يحرم عليه تروك الإحرام.

( مسألة 150) الأخرس يشير إلى التَّلبية بإصبعه مع تحريك لسانه بعد إفهامه معنى ما يجب عليه من ذلك بالإشارة المفهمة له من قِبل العارفين ليعقد قلبه بذلك قبل أن يشير إليها بإصبعه ، والأولى أن يجمعبينها وبين الاستتابة.

( مسألة 151) الصَّبي المميِّز يلبِّي بنفسه للإحرام وغير المميِّز يُلَّبى عنه من قِبل من يتولَّى أمره.

( مسألة 152) الأفضل لمن حجَّ عن طريق المدينة تأخير التَّلبية إلى البيداء ( بين مكَّة والمدينة على مسافة ميل من ذي الحليفة وهو كيلو مترين ) ، ولمن حجَّ عن طريق آخر تأخيرها إلى أن يمشي قليلاً ، ولمن حجَّ من مكَّة تأخيرها إلى الرَّقطاء موضع يسمَّى ( مدعى دون الرَّدم ) ولكنَّ الأحوط التَّعجيل بها مطلقاً اخفاتاً ويؤخِّر الجهر بها إلى المواضع

ص: 155

المذكورة.

( مسألة 153) الأحوط وجوباً لمن اعتمر عمرة التَّمتُّع قطع التَّلبية عند مشاهدة موضع بيوت مكَّة القديمة ، وحدُّه - لمن جاء عن طريق المدينة - عقبة المدنيين.

ولمن اعتمر عمرة مفردة قطعها عند دخول الحرم إذا جاء من خارج الحرم ، وعند مشاهدة الكعبة إذا كان قد خرج من مكَّة لإحرامها.

ولمن حجَّ بأيِّ نوع من أنواع الحج قطعها عند الزَّوال من يوم عرفة.

( مسألة 154) لو نسي التَّلبية في الميقات عند الإحرام وجب عليه العود إليه لتداركها ، وإن لم يتمكَّن وكان أمامه ميقات آخر فيجب عليه أن يلبِّي من مكانه احتياطاً ثمَّ يذهب إلى الميقات الآخر للإحرام منه والتَّلبية بعده.

( مسألة 155) إذا شكَّ بعد لبس الثَّوبين وقبل التَّجاوز من الميقات في أنَّه هل أتى بالتَّلبية أم لا ؟ بنى على عدم الإتيان بها فلا تحرم عليه محرَّمات الإحرام حينئذ ، وإن أتى بها فلا إثم ولا كفَّارة عليه ولكنَّ الأحوط استحباباً التَّورع عن ذلك.

وإذا شكَّ بعد الإتيان بالتَّلبية بأنَّه هل أتى بها صحيحة أم لا ؟ بنى على الصحَّة.

( مسألة 156) إذا أتى بموجب الكفَّارة من التُّروك الآتي ذكرها

ص: 156

وشكَّ في أنَّه هل أتى به قبل التَّلبية حتَّى أنَّه لم يكن عليه شيء ؟ أو بعدها حتَّى تجب عليه الكفَّارة ؟ فلا شيء عليه سواء كان زمان إتيان التَّلبية وزمان إتيان موجب الكفَّارة مجهولين أو كان زمان أحدهما معلوماً وزمان الآخر مجهولاً.

الاشْتِرَاطِ عَلَى الله

( مسألة 157) يستحبُّ أن يشترط المكلَّف على الله تعالى في أثناء

نيَّة الإحرام أن يحلَّه حيث حبسه عن إتمام نسكه ، بمعنى أنَّه إذا منعه مانع من إتمام الحجِّ أو العمرة كالمرض أو نحوه ، فيتحلَّل من إحرامه بمجرَّد حصول ذلك المنع بأن يقول :

( اَللَّهُمَّ اِنْ عَرَضَ لِي عَارِضٌ يَحْبِسُنِي ، فُحلّنِي حَيْثُ حَبَسْتَنِي )

أمَّا إذا لم يشترط هذا الاشتراط فلا يتحلَّل من إحرامه حتَّى يصل الهدي إلى محلِّ ذبحه ، ولأهميَّته قد تضمَّنت ذكره بعض الأدعية الماضي ذكرها ، ولذا يستحب قصد مضامينها حين قراءتها كما في ص141 حتَّى يستفيد منها الحاج وبالأخص إن لم يقم بالاشتراط المذكور خارج الأدعية.

مَتَى يُقْلَبُ الحَجُّ إلى نِيَّةٍ أُخْرَى

( مسألة 158) يقلب الحجُّ الَّذي بدء به المحرم في إحرامه من

ص: 157

المواقيت بنيَّته الخاصَّة لأجل عدم جواز إبطال العمل في عامه إلاَّ بفائدة مشروعة ولو في الجملة لقوله تعالى ] وأتموا الحج والعمرة لله [ - حتَّى يحصل الإحلال من إحرامه في موارد ، وان كان قد يجب عليه الإعادة في العام القادم ، أو ما بعده من أعوام الإمكان المستقبليَّة ، ومن تلك الموارد: -

1- من كانت وظيفته حجَّ التَّمتُّع ولم يجز له العدول إلى غيره من إفراد وقران ، إلاَّ لمن دخل في عمرة التَّمتُّع ، ثمَّ ضاق وقته فلم يتمكَّن من إتمامها وإدراك الحجِّ ، فإنَّه ينقل نيَّته إلى حجِّ الإفراد ويأتي بالعمرة المفردة بعد الحجِّ.

وحدُّ الضيق المسوِّغ لذلك خوف فوات الوقوف الاختياري في عرفات ، لكونه بدء في إحرام عمرة التَّمتُّع في وقت مقارب لوقت الإفاضة إلى عرفات جدَّاً ، بحيث يخاف بسببه فوات ذلك الوقوف.

أمَّا مع العلم المسبق بذلك يقيناً قبل أن يدخل في العمرة فإنَّه لم يجز له العدول من الأوَّل يقيناً ، بل يجب عليه تأخير الحجِّ إلى السَّنة القادمة مع تقصيره بالتَّأخير وكان غير عاجز ، بل حتَّى مع عدم تقصيره إذا كان متمكِّناً من الإعادة على الأحوط وجوباً.

وأمَّا لو كان إحرامه لتلك العمرة في سعة الوقت وأخَّر الطَّواف والسَّعيمتعمِّداً إلى زمان لا يمكن فيه الإتيان بهما وإدراك الحجِّ المطلوب بطلت عمرته ، ولا يجوز له العدول إلى الإفراد كما في أمر الضِّيق ، لكنَّ الأحوط استحباباً أن يعدل إليه ويُتمَّ تلك العمرة بقصد الأعمِّ من حجِّ الإفراد والعمرة المفردة ، لإحراز ما على ذمَّته من الأمر

ص: 158

الواقعي المحتمل لكلٍّ منهما مع وجوب الإعادة في العام القابل ، أو الَّذي بعده من أعوام الإمكان والقدرة بلا تعمُّد في التأخير لو حصل.

2- إذا حاضت المرأة في عمرة التَّمتُّع حال الإحرام أو بعده ، ولم يسع الوقت لأداء أعمالها للعمرة ففي ذلك صورتان : -

إحداهما : أن يكون حيضها عند إحرامها بادئاً من قبل أن تحرم له ، فهنا ينقلب حجُّها إلى الإفراد ، وبعد فراغها من هذا الحجِّ تجب عليها العمرة المفردة إذا تمكَّنت منها.

ثانيهما : أن يكون حيضها بعد الإحرام ، ففي هذه الصُّورة تتخيَّر بين الإتيان بحجِّ الإفراد كما في الصُّورة الأولى ، وبين أن تأتي بأعمال عمرة التَّمتُّع من دون طواف فتسعى وتقصِّر ، ثمَّ تحرم للحجِّ وبعدما ترجع إلى مكَّة بعد الفراغ من أعمال منى تقضي فيها طواف العمرة قبل طواف الحج ، وفيما إذا تيقَّنت ببقاء حيضها وعدم تمكُّنها من الطَّواف حتَّى بعد رجوعها من منى استنابت لطوافها ثمَّ أتت بالسَّعي بنفسها ، لعدم لزوم الطَّهارة في أدائه.

علماً بأنَّ اليوم الَّذي يجب عليها الاستظهار فيه كرؤية الدم قبل إكمال الأيَّام الثَّلاثة كما في المبتدئة في حيضها ونحوها هو بحكم أيَّام الحيض في بعض الحالات كما لو حصل في الحج ، فيجري عليه حكم تلك الأيَّام هنا ، فتأجِّل في مورد التَّأجيل ، أو تستنيب في مورد الاستتابة كما ذكرنا.

3- إذا جاء المرأة الحيض في أثناء طوافها للعمرة ولم يتجاوز النِّصف ، أي كان في ( الشَّوط الأول أو الثَّاني أو الثَّالث ) ، فعند ذلك

ص: 159

تقطع طوافها وتخرج من البيت فوراً بعد التَّيمُّم للخروج ، ثمَّ تنتظر فإن طهرت قبل الموقف بعرفة فتأتي بالطَّواف كاملاً وكذا الصَّلاة بعد طهرها ، وإذا لم تطهر قبل الموقف ، فينقلب حجُّها حينئذ إلى الإفراد كما تقدَّم ، وتمضي إلى عرفات والمشعر ، وتأتي بمناسك منى كلِّها وبقيَّة مناسك مكَّة حين طهارتها ، وإذا فرغت من مناسك الحجِّ كلِّها تأتي بعمرة مفردة بعد إكمال المناسك.

4- إذا أحرم لحجِّ الإفراد ندباً ، جاز له أن يعدل إلى عمرة التَّمتُّع ، إلاَّ فيما إذا لبَّى بعد السَّعي ، فليس له العدول حينئذ إلى التَّمتُّع ، للتَّنافي بينحالة الخروج من الإحرام وهي التَّقصير بعد السَّعي وبين المدخل فيه وهي التَّلبية.

5- إذا دخلت المرأة مكَّة ، وكانت متمكِّنة من أعمال العمرة للتَّمتُّع بها قبل الحجِّ ، ولكنَّها أخَّرتها إلى أن حاضت حتَّى ضاق الوقت مع العلم والعمد ، فتعدل إلى حجِّ الإفراد على الأحوط وجوباً ، وإن بقيت بلا عدول كانت عمرتها فاسدة ، وبعد إنهاءها الحجّ ( الإفراد ) هذا عليها إعادة الحجِّ في العام القابل ، أو الَّذي بعده بلا تقصير في التأخير.

6- إذا نقَّص من أشواط السَّعي عامداً عالماً بالحكم أو جاهلاً به ولم يمكنه تداركه إلى زمان الوقوف بعرفات فسد حجُّه ولزمته الإعادة من قابل ، والظَّاهر بطلان إحرامه أيضاً ، وإن كان الأولى مستحبَّاً العدول إلى حجِّ الإفراد وإتمامه بنيَّة الأعمِّ من الحجِّ والعمرة المفردة.

7- إذا ترك التَّقصير عمداً في عمرة التَّمتُّع ، فأحرم للحجِّ بطلت

ص: 160

عمرته ، والظَّاهر أنَّ حجَّه ينقلب إلى الإفراد ، فيأتي بعمرة مفردة مع إعادة الحجِّ في السَّنة القادمة احتياطاً واجباً.

8- إذا أحصر المكلَّف بسبب المرض - مثلاً - وبعث بهديه ، وبعد ذلك خفَّ مرضه ، فإن ظنَّ أو احتمل عقلائيَّاً قدرته على إدراك الحجِّ وجب عليه الالتحاق ، وحينئذ فإن أدرك الموقفين أو الوقوف المجزي بالمشعر الحرام خاصَّة في مورد الإجزاء فقد أدرك الحجَّ ، وإلاَّ فإن لم يذبح أو ينحر عنه انقلب حجُّه إلى العمرة المفردة ، وإن ذبح عنه تحلَّل من غير الطِّيب والنِّساء ووجب عليه الإتيان بالطَّواف وصلاته والسَّعي له وطواف النِّساء وصلاته للتَّحلُّل أيضاً من الطِّيب والنِّساء على الأحوط.

9- إذا كان الإنسان مصدوداً عن حجِّه من مانع بشريٍّ ظلماً ، أو حيوان مفترس ، فله أن يتحلَّل بعد فوات الحج بعمرة مفردة ، كما فعل ذلك الحسين السِّبط الشَّهيد بن بنت رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، بعد ما عرف بمجيء أشرار الأرض من جند يزيد بن معاوية (( لعنهم الله )) الَّذين كان عددهم ثلاثين نفراً ، لإلقاء القبض عليه حسب تصميم الأوامر الصَّادرة لهم من يزيد (( لعنه الله )) حتَّى لو كان متعلِّقاً بأستار الكعبة.

فيطوف من كان مبتلى بمثل هذا حول البيت سبعاً لتلك العمرة ، ثمَّ يصلِّي ركعتي الطَّواف بالمقام ، ثمَّ يسعى بين الصَّفا والمروة ، ثمَّ يقصِّر ، ثمَّ يأتي بطواف النِّساء ويصلِّي ركعتيه خلف المقام ، ولا يسقط عنه الحجُّ بذلك فيما إذا كان الحجُّ قد استقرَّ في ذمَّته ، فيأتي به في عام

ص: 161

قابل منأعوام الاستطاعة.

10- من أحرم للحجِّ ولم يدرك الوقوفين ( عرفات - المزدلفة ) فإنَّه يأتي بعمرة مفردة ويحل من إحرامه.

11- من أحرم للحجِّ ولم يدرك إلاَّ اختياري عرفة فقط ، وترك الوقوف في المشعر الحرام عالماً ، فالأحوط وجوباً اقلاب حجِّه إلى عمرة مفردة ليحلَّ من إحرامه.

12 - من أحرم للحجِّ ولم يدرك إلاَّ اضطراري عرفة فقط ، فإنَّه ينقلب حجُّه إلى عمرة مفردة.

تُروكُ الإحْرَامِ

وَهي بمعنى الَّتي يجب تركها أثناء الإحرام من أوَّله إلى أخره في الحجِّ بجميع أقسامه الثَّلاثة الماضية ، وكذا في العمرة قبل الحجِّ إذا كان الحجُّ للتَّمتُّع ، وبعد الحَجِّ إذا كانت العمرة مفردة ، سواء كان ذلك في أشهر الحجِّ أم في سائر أشهر السَّنة.

( مسألة 159) تروك الإحرام أربعة وعشرون تركاً يجب تركها بلا أيِّ مجال شرعي لفعلها وإن كان بعضها محلَّلاً في نفسه في سائر الأوقات وإن قيل بأكثر من هذا العدد لعود الزَّائد إلى هذه المذكورة في الحقيقة ، وهي : -

1- صَيْدُ الحَيَوَانِ البَرِّي : دون غيره من الحيوانات الأهليَّة وإن توَّحشت بعد ذلك كالغنم والبقر والإبل ، وحكم الفرخ تابع لما تولَّد

ص: 162

منه ، وكذا ذبحه وأكله وإمساكه والإعانة على صيده بدلالة أو إشارة أو إغلاق عليه ، أو نحو ذلك من أساليب الصَّيد أو الذَّبح ، ما عدى السِّباع الضَّارية إذا كان يخاف منها ، أو السِّباع من الطيور لغير المحرم إذا كانت على الكعبة ، أو آذت حمام الحرم فيجوز قتلها حفظاً لنفسه ولحمام الحرم.

وأمَّا المحرم فالأحوط وجوباً له ترك قتلها مع الإمكان ، وما عدى ذلك فلا يجوز الصَّيد أو الذَّبح مطلقاً ، فإذا اصطاد الصَّيد أو ذبحه كان ميتةً ، ويحرم عليه وعلى كلِّ أحد أن يأكل منه ، بل ولا تجوز الصَّلاة في جلده حتَّى لو كان مذكَّى في تلك الحال.

وفي الحقيقة أنَّ إطلاق الصَّيد مع قيد البرِّي عليه ، إنَّما هو في مقابل البحري فقط للأدلَّة ، بمعنى أنَّ الطيور ملحقة بالبرِّي في حرمتها ، إذا كانت غير وحشيَّة وغير مضرَّة لذلك على ما مرَّ ، ولكنَّنا عنونَّا لذلك فيباب الكفَّارات بعنوان مستقلٍّ له بعدما عنونَّا كفَّارة الصيد البرِّي الحقيقي بعنوانها الخاصِّ للاختلاف بين الكفَّارتين ولو في الجملة ، وذلك لإعانة المطالع الكريم من طلاَّب الفقاهة والحجُّاج الكرام ولو بتذكيره بما يساعد على سرعة تناول الأمور بصورة أكثر ممَّا لو يُدمجا في حقل واحد.

فالصَّيد البحري لا يحرم عليه كالسَّمك ، ويلحق به المائي وهو الَّذي يبيض ويفرخ ويعيش في الماء وإن كان ماء نهر صغير ، وكذلك البيض منه فحكمه حكم أصله.

أمَّا الجراد فيعتبر من الحيوانات الطَّائرة البريَّة ، فلا يجوز صيده

ص: 163

ويحرم أكله حتَّى لو كان محلَّلاً في غير الإحرام والحرم.

وأمَّا إذا شُكَّ في الحيوان في أنَّه هو بري أم بحري ؟ فحينئذ لا يجب الاجتناب عنه لأصالة الإباحة ، وإن كان الأحوط استحباباً اجتنابه ، بل يشتد أمر ذلك إلى الوجوبي إذا صوحب ذلك الشَّك باحتمال كونه بريَّاً.

وكما يحرم الصَّيد على المُحرم مطلقاً ، يعنى حتَّى لو كان في غير الحرم ، فكذلك يحرم على المُحلِّ في داخل حدود الحرم الَّتي بينَّاها سابقاً ، وتلزمه الفدية كما تلزم المحرم على ما سيجيء بيانه في موضوع الكفَّارة الآتي بعد الفراغ من هذه التُّروك إنشاء الله ، وإن أختلف في الفداء أحياناً بحسب النَّوع والمقدار.

ولو قتل المحرم الصَّيد في الحرم إضافة إلى عملية الاصطياد ، لزمته الكفَّارتان وهما القيمة والفداء.

2- مجامعة النِّساء : فتحرم تلك المجامعة على المحرم مطلقاً - في الحجِّ بجميع أقسامه الثَّلاثة إلى ما قبل صلاة طواف النِّساء ، وفي العمرتين ( عمرة التَّمتُّع والعمرة المفردة ) إلى حين التَّقصير بعد السَّعي في عمرة التَّمتُّع ، وإلى ما قبل صلاة طواف النِّساء في العمرة المفردة - يعني الجماع وطياً قبلاً أو دبراً ، بل تقبيلاً ولمساً إذا كانا بشهوة بل حتَّى بلا شهوة في خصوص التَّقبيل ، وكذلك النَّظر بشهوة.

أمَّا إذا كان اللَّمس والنَّظر بغير شهوة فلا بأس بهما ، كما لا بأس بالضَّم مع عدم قصد الاستمتاع ،كما في حالة خطورة الازدحام

ص: 164

خوف الأذى أو الضِّياع.

والمراد بالنِّساء هنَّ الزَّوجات الشَّرعيَّات دائمات أو منقطعات ، أمَّا غيرهنَّ فهنَّ حرام مطلقاً ، سواء كنَّ في الإحرام أم في غيره.

والمرأة في ذلك كلِّه كالرَّجل ، فلا يجوز لها التّلذُّذ بالنَّظر إلى زوجهاأو لمسه أو تقبيله بشهوة.

3- عقد النِّكاح : وهو إجراء صيغته إيجاباً وقبولاً سواءاً كان ذلك لنفسه أم لغيره ، أو كان العقد دائماً أم منقطعاً وسواء كان بإذن أم كان فضوليَّاً ( بمعنى أنَّه عقد لشخص من امرأة من دون علمها ، أو عقد لرجل من امرأة من دون علم الرجل ، سواءاً كان الغير مُحرِماً أو مُحلاًّ ).

ففي جميع هذه الصُّور يحرم عقد النِّكاح للمحرم ، وكذا لو عقد له غيره بوكالة منه ، حتَّى لو كانت الوكالة قبل الإحرام.

بل الأحوط وجوباً ترك الخطبة أيضاً ، ولو كان الخاطب قاصداً عقد النِّكاح بعد انتهاء الإحرام.

أمَّا الرجوع إلى الزَّوجيَّة في عدَّة الطَّلاق الرَّجعيَّة - مثلاً - فلا بأس به في حال الإحرام لأنَّ المطلَّقة الرَّجعيَّة كالزَّوجة ولأنَّ الرجوع لم يكن محرزاً دائماً كونه للمجامعة أو التَّلذُّذ الآخر رأساً إذ يمكن أن يرجع إليها بلا جماع وشبهه إلى حين إتمام المناسك ومن توابعها طواف النِّساء.

وكذا لا بأس بشراء الأمة للخدمة ونحوها - إذا توفرَّت في هذا

ص: 165

الزَّمان - من غير حالة الاستمتاع حين الإحرام ، أمَّا إذا كان معه غرض الاستمتاع أو كانت خاصَّة له في ذلك الحال من الإحرام ، فالأحوط وجوبا اجتنابه ، بل هو الأقوى وإن لم يصدر منه شيء من ذلك فيما بعد.

4- الشَّهادة على النِّكاح : بمعنى أن يشهد على عقد نكاح يجرى أمامه لغيره ، حتَّى لو كان الغير مُحلاًّ على ما يراه المشهور ، وكذا يحرم عليه أداء الشَّهادة على النِّكاح ، ولو كان قد تحمَّلها حينما كان مُحلاًّ للمشهور أيضاً.

5- الاستمناء : وهو طلب خروج المني ، بأي سبب اختياري كان سواء بيده أم بغيرها ، وسواء كان بالملاعبة أم بغيرها ، فإنَّ كلَّ ذلك حرام في الإحرام وقبله لحرمته في الأساس ما عدا أن يكون بملاعبة مع زوجته في غير الإحرام.

6- استعمال الطِّيب : بجميع أقسامه وأنحاء استعمالاته ، كالمسك والعنبر والعود وعطر الورد وغيرها من العطور الدِّهنيِّة الَّتي تحرم من جانبين - جانب العطريَّة بما يشم وجانب الإدِّهان - كما سيأتي في التِّرك الخامس عشر.

وكذا الزَّعفران والكافور والهيل والقرنفل وغيرها من مواد العطور الأساسيَّة نباتيَّة وغيرها ، وكذا المائيَّة المستخلصة تصعيداً أي( تقطيراً ) كماء الورد ، أو المخفَّفة من العطور الثَّقيلة أو البخور ، فلا يجوز وضع ذلك في الطَّعام أو الشَّراب أو الثِّياب أو التَّبخُّر به.

ص: 166

نعم إذا اضطرَّ إلى ذلك أو بعضه ، كمفاجئة من تعطَّر بحصوله أمامه أو دخوله عفوياً في مكان فيه ذلك كسوق العطَّارين ، فيجب عليه أن يسدَّ أنفه ، وكذا لو اضطرَّ طبيَّاً إلى استعماله ، بل وكذا إذا وقع شيء على ثيابه أو بدنه من ذلك - مضافاً إلى سدِّ أنفه - فإنَّه تجب إزالته فوراً بغسل أو بغيره.

نعم لا بأس بخلوق الكعبة إذا أتت روائحه إلى الأنف ، وهو مجموعة من العطور يطلى بها ستار الكعبة المشرَّفة بين حين وآخر.

وكذا لا بأس بأكل التفَّاح والسَّفرجل وبقيَّة الفواكه ، الَّتي توجد فيها الرَّوائح الطَّيبة ، وغاية الاحتياط أن لا يشمَّها.

كما وأنَّه يجب على المُحرم عندما يشمُّ الرَّوائح الكريهة - وهو في مكانه أو يمرُّ عليها فيشمُّها - أن لا يسدَّ أنفه عند ذلك ليذلَّ نفسه بين يدي الله ، ولا يتنعَّم في مثل ذلك بتنعُّم المترفين كما في حالاته الاعتياديَّة ، وإن كان الطِّيب حسناً في حالاته تلك.

والأحوط بل الأقوى وجوب ترك استعمال الرَّياحين كلِّها شمَّاً مثل السَّعد(1) والياس والنَّرجس ونحوها.

7- لبس المخيط للرِّجال : فقط دون النِّساء ، كالقميص والسَّراويل والسِّترة والبنطلون والجبَّة والعباءة وغيرها ، ممَّا هو متعارف

ص: 167


1- مرَّ ذكر استحباب مضغ الأذخر ( السَّعد ) عند دخول الحرم ، لكنه لا يعني جواز شمِّه عند المضغ فتنبَّه ، فحينئذ لا مانع من ذلك الاستعمال بعد سدِّ الأنف .

لبسه بين الرِّجال إذا كان مخيطاً ، ومثله الملبَّد إذا كان بهيئة الملابس إلاَّ عند الضَّرورة كالبرد العظيم ، فحينئذ يجوز مع الفداء على ما سيأتي توضيحه في باب الكفَّارات.

ويجوز للمحرم أن يغطِّي بدنه - ما عدا الرَّأس - باللَّحاف ونحوه من المخيط حالة الاضطجاع للنَّوم وغيره.

كما يجوز أيضاً للمُحرم الرجل لبس أشياءٍ ، وإن كانت مخيطة بلا فداء وهي :

أ. الهميان - الكمر - (الَّذي يحفظ فيه دراهمه وحاجاته الضَّروريَّة) لكونه ليس بساتر كالألبسة المُحرَّمة المذكورة آنفاً.

ب. المنطقة - التَّقميطة - ( الَّتي توضع فيها الدَّراهم أيضاً أو حصىرمي الجمار ).

ج. رباط الفتق ( الحفَّاظ ) مع الحاجة إليه إذا كان قرب السرَّة ، ويجوز أيضاً لتلك الحاجة ولكن لمنع نزول الأمعاء في موقع الأنثيين.

كما يجوز عقد المنطقة والهميان إذا لبسهما لتلك الحوائج إذا أفادته عند الحاجة ، والأحوط في رباط الفتق للأنثيين الفداء - بشاة - لكونه يشبه السِّروال الصَّغير.

د. الحذاء إذا كان لا يستر ظهر القدم ، كالنَّعال العربية المعروفة ، أو نعال الإسفنج المفتوح من فوق وهو المألوف الآن عادة وشرعاً.

أمَّا النِّساء فيجوز لهنَّ لبس المخيط مطلقاً ، إلاَّ القُفَّازين ( بضم القاف وتشديد الفاء ) وهما لباسان ساتران للكفَّين ، فلا يجوز للمرأة أن تلبسهما وتشدُّهما على يديها.

ص: 168

8- لبس الخفِّ والجورب : ونحوهما ممَّا يغطي ظهر القدم كالبوتين والجزمة والسبَّاط على النِّساء والرِّجال.

نعم يجوز للرَّجل إذا لم يجد النَّعل العربيَّة أن يلبس الخفَّ ، لكن بعد شقِّ ما فوق قبَّة القدم منه على الأحوط وجوباً وإظهار ظاهره ، كما يجوز للمرأة أن تلبس الحذاء أو النَّعل الكاشف لقبَّة قدمها والجورب بعد شقِّ ما فوق قبَّة قدمها أيضاً منه كذلك.

ونظراً لتطوُّر الصناعات الحديثة في زماننا ، وظهور الأحذية المطاطيَّة والإسفنجيَّة المفتوحة بالنِّسبة إلى ظاهر قبَّتي القدمين وبلا أن تكون مخيطة ، فهي المفضَّلة على غيرها حينئذ لما مرَّت الإشارة إلى ذلك سابقاً ، بل هي المتعيِّنة لصعوبة تحصيل تلك القديمة المذكورة آنفاً أو امتناعها.

ولا يشترط كونها بيضاء اللَّون ، بل يجوز لبس ذات أي لون كان ، كما لا بأس بتغطية ظاهر القدم بمثل الجلوس عليها ، أو تغطيتها برداء أو ثياب أو غطاء عند النَّوم أو الاستلقاء للاستراحة ، وكذا في حالات المشي.

9- الاكتحال بالسَّواد : إذا كان زينة للعينين من جهة عرفيَّة ، وإن لم يقصد المكتحل به الزِّينة فضلاً عمَّا لو قصدها ، والأحوط وجوباً الاجتناب عن مطلق الاكتحال للزِّينة سواء كان بالأسود أو بغيره ، ولو اكتحل لغير الزِّينة مع عدم وجود الصِّدق العرفي في كونه زينة فلا شيء عليه.

ص: 169

10- النَّظر في المرآة : مطلقاً سواء كان قاصداً به الزِّينة ( وهيرؤية الغير جمال منظره أو إرائة الآخرين ذلك به أو لتعديل هندامه ليكون بمظهر جيِّد بين النَّاس ) أم لم يقصد به ذلك ، ولكن مع حصول ذلك النَّظر يستحبُّ له تجديد التَّلبية.

ولكن مع النَّظر فيها لغير غرض الزِّينة مع الاضطرار إليه كنظر السَّائق للسيَّارة فيها ، ليرى ما وراءه ليسلِّم نفسه وركَّابه من مخاطر الطَّريق فلا شيء عليه سوى الاستغفار احتياطاً استحبابيَّاً ، ومع اشتراك قصد الزِّينة مع الحاجة المذكورة للسَّائق فالأحوط دفع الكفَّارة على ما سيجيء ومع عدم القدرة عليها بالمرَّة فعليه الاستغفار لا غير.

كمالا بأس بالنَّظر في الماء الصَّافي ، وكلَّما كان حاكياً لجسمه من المائعات أو غيرها من الأشياء العاكسة ، إذا لم تصل إلى مستوى المرآة في انطباع نفس الصورة دقيقاً أمام الرَّائي لاستفادة ما يتزيَّن به ولو بنسبة قليلة ، كما لا بأس أيضاً بلبس المنظرة ( النظَّارات ) إذا لم تكن للزِّينة.

11- الفسوق : وهو الكذب ، سواء كان الكذب على الله تعالى أو الرَّسول صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أو الأئمَّة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ مع الزَّهراء عَلَيْها اَلسَّلاَمُ ، أو على سائر النَّاس ، وحرمة الكذب هذه ثابتة في غير الحجِّ والعمرة كما لا يخفى ، فصار فيهما أشد.

ويُفسَّر أيضاً بالسُّباب وبالمفاخرة وإظهار الفضائل لنفسه وسلبها عن الغير ، وإثبات الرَّذائل للغير وسلبها عن النَّفس.

ص: 170

وأمَّا مدح النَّفس من دون أن يكون به ذمٌّ للغير من المؤمنين أو مبالغة إلى حد ما لا واقع له ، فلا حرمة فيه ، إلاَّ أنَّه قد يقلِّل من فضيلة العمل.

ومن نحو الفسوق بذاءة اللِّسان وهي كل كلام بذيء ولفظ قبيح ، ولا فرق في الحرمة بين كونها في عمرة التَّمتُّع وحجِّه وقسمي الحجِّ الآخرين مع العمرة المفردة.

12- المجادلة : وهي قول ( لا و الله وبلى و الله ) حتَّى مع عدم الخصومة على الأحوط وجوباً ، ويجوز ذلك مع الضَّرورة لإثبات حق ، أو دفع باطل خصوصاً مع المعادين لمذهب أهل البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ ونحوهم ، ولكن في هذه المجادلة إذا كانت حالة مصحوبة بلزوم الحلف عليها ينبغي أن يستغفر الله تعالى لها وكفَّارة الصُّورة الأولى بلا ضرورة إلى ذلك تأتي في محلِّها.

13- قتل ما يتكوَّن في جسده من الهوامِّ : كالقمَّل،بل وكذا ما يقع عليه من بقيَّة الحشرات كالبقِّ والبرغوث ، ممَّا قد يُعدُّ مثل ما يتكوَّنفي الجسد بسبب امتلائه من امتصاصه للدَّم مع مساعدة الأدلَّة على ذلك.

ولا فرق في كيفيَّة القتل سواء كان بفعل المكلَّف مباشرةً ، أم بتسبيب من قبله بوضع دواءٍ - مثلاً - فيموت ، أو بإلقائه عن بدنه ليكون معرَّضاً للقتل فيموت ، بل حتَّى لو أحتمل موته عقلائيَّاً على الأحوط ، بل نقله من محل إلى محل آخر معرَّضاً للسُّقوط فيموت على

ص: 171

الأحوط إن كان المحلُّ الأول أحفظ له.

أمَّا الَّتي لا تتكوَّن في جسده ، فيجوز قتلها كالحشرة المسمَّاة بالقرادة مثلاً ، لا ما يسمَّى بالجراد لإيذائها ، لأنَّ القرادة ممَّا تعارف أنَّها تلتصق في الجسم بأذيَّة ، ومع فرض عدم إيذاءها وأن أحتمل فلا مانع من نقلها ، نعم إذا التصقت في جسم البعير (المتعارف كثرتها عليه) إذا كان راحلةً أو هدياً أو أضحية أو مصاحباً عادياً ، فلا يجوز نقلها عنه.

والأحوط وجوباً في جميع ما مرَّ ممَّا يجوز قتله على نحو الاحتمال اجتناب القتل حين التَّواجد في الحرم .

14- التَّزيين للرِّجال : كالتَّختُّم ونحوه ، ولا بأس بالتَّختُّم إذا كان للسنَّة والاستحباب الشَّرعي حتَّى لو انضمَّ إليه قصد الحفظ من الضياع أو السَّرقة ، ويفترق التَّزيُّن عن اللِّبس للسُنَّة بالنيَّة ، فمع قصد المعنى الأوَّل يحرم ومع قصد الثَّاني يجوز ، بل يستحب.

والأحوط استحباباً الاجتناب في الإحرام عن كلِّ ما ينافي كونه أشعث أغبر ، لتذويب شخصيَّة العبد نفسه الأنانيَّة والمتكبِّرة والمتغطرسة بالنِّعم ، والَّتي كانت متمادى بها في الحالات الاعتياديَّة ، فيما عدا موسم أداء هذه الفريضة المعطاء تلك المحتاجة إلى هذا العطاء لشأن الكمالات النَّفسيَّة المفقودة وغيرها ، كما مرَّ ذكره في باب الفوائد.

كما وأنَّه يحرم على المرأة حال الإحرام لبس حليِّها للغرض نفسه ،

ص: 172

أمَّا الَّذي كانت قد اعتادت لبسه قبل الإحرام من دون أن يثار قصدها به للزِّينة هذه فلا بأس به بشرط أن لا تظهره لزوجها أو لمن لا يحرم نظره من محارمها ممَّا أبيح في غير الحج أو العمرة إلاَّ للضَّرورة ، كما لو كان لغرض الحفظ من الضِّياع أو السَّرقة مع ضمان احتجابها عن قصد الزِّينة.

ويلحق بالتَّزيُّن وضع الحنِّاء للرجل والمرأة على الأحوط وجوباً ، في بعض الأوساط إذا صدق بين العرف كونها زينة ، سواء قصدت المرأة - مثلاً - ذلك أم لم تقصد ، والأولى تركها حتَّى قبل الإحرام ، إذا كان يبقى أثرها إلى وقت الإحرام مع وجود الصِّدق العرفي في ذلك أو قصد المُطَّليبها إياه ، ومع عدم الصِّدق العرفي بأنَّها زينة وعدم قصد المرأة - مثلاً - ذلك ، وبالأخصِّ إذا كان وضع الحنَّاء للضَّرورة ، كالاستشفاء من بعض الأمراض ، فلا مانع منه.

15- الإدِّهان : بأن يطلي جسده بالسِّمن أو الزَّيت أو غيرهما من الأدهان ، حتَّى إذا لم تكن فيه رائحة طيَّبة ، لما قد اعتادته بعض الطَّبقات الاجتماعيَّة في العالم الإسلامي قديماً ، بل وكذا حديثاً كبعض الأفارقة ، وإن لم يكن مألوفاً عندنا في أوساطنا ، إلاَّ ما كان من العطور الدِّهنيَّة للشَّعر وغيره الَّتي ذكرنا حكمها في التَّرك السَّادس.

ويجوز استعمال الأدهان المذكورة وغيرها من غير العطريَّة إذا كان للضَّرورة ، بل حتَّى العطريَّة في مورد الحاجة الطِّبيَّة الماسَّة أكثر كتشقُّق الجلد ، أو كان دواءً لألم في بدنه كالفكس لكن يسدُّ أنفه حين

ص: 173

استعمالها لذلك ، ولا كفَّارة عليه غير الاستغفار.

16- إزالة الشَّعر : مطلقاً ، سواء كان من بدنه أم بدن غيره حتَّى البعض منه إلاَّ للضَّرورة ، وذلك في موارد وهي : -

أ - كثرة القمَّل.

ب - صداع الرَّأس.

ج - الشَّعرة المؤذية النَّابتة في عينه.

ففي هذه الثَّلاثة تجوز الإزالة ، ولكن تلزمه الفدية كما سيجيء ، بخلاف ما إذا كان قد أزالها عن غيره فلا فدية عليه ، ولكن لا يجوز ذلك ولو كان الغير محلاًّ.

ولا بأس بالحكِّ ، بأن يحكَّ المحرم جسده ، ولكن بشرط أن يتحرَّز من سقوط الشَّعر أو الإدماء بسبب الحكِّ.

د - ما يسقط من الشَّعر من غير قصد حال الوضوء أو الغُسل ، إذا كان من نوع التَّخليل لإيصال الماء إلى الجسم على النَّهج المتعارف ولم يكن مظنَّة للسُّقوط ، أما مع خروجه عن المتعارف كالدَّلك الشَّديد فيشكل ذلك حينئذ ، والأحوط الفداء بكفَّين من الطَّعام كما سيتَّضح في باب الكفَّارة قريباً.

17- ستر الرَّأس للرِّجال : فقط دون النِّساء وهو تغطية منابت الشَّعر والأذنين ، ولا فرق بين أن يغطِّي كلَّ الرَّأس أو بعضه ، وذلك بكل ساتر ملاصق له كالقلنسوة أو ما يسمَّى ب- ( الكلو والعرقجين والعِمَّة ) له حتَّى الطِّين ، وكذا الحنَّاء إذا طلي بها الرَّأس قبل غسلها

ص: 174

من عليه ، إضافةإلى حكم الزِّينة الَّذي مرَّ ذكره ، وكذا ( اللَّصقة الطبيَّة ) لو كانت للرَّأس أو بعضه مع عدم الاضطرار إليها ، والارتماس في الماء أو في مائع آخر كالكبريت لبعض الأغراض الصحيَّة ، مع عدم الاضطرار إليه أيضاً.

أو بحمل شيء على رأسه من الأمتعة والعفش ممَّا قد يشاهد وللأسف الشَّديد من بعض الحجَّاج المحرمين كبعض الأفارقة وأمثالهم من التزامهم بهذا وقت الإحرام كثيراً وحين نزولهم من سيَّاراتهم ، وكذا ما يشاهد من وضع ما يسمَّى ب- ( الشَّمسيَّة ) حال تقريبها جدَّاً من الرؤوس إلصاقاً من دون تنبيه من بعض من يقدر على ذلك ، فإنَّه مُحرَّم وإن كان لحاجة إذا كانت غير ضروريَّة ، وكذا ركوب السيَّارات المسقَّفة أو غيرها إن كانت سقوفها قريبة جدَّاً من الرؤوس وإلى حد الملاصقة ولو أحياناً لأنَّها إن كانت بعيدة لابدَّ أن تكون من نوع التَّظليل الآتي بيانه ، وبالأخصِّ لمن نذر الإحرام قبل الميقات ككونه منذوراً من البلد ، أو من أي مكان مختار قبل الميقات وصاحبَ ذلك مثل هذا الركوب ، كما سيجيء في التَّرك التَّاسع عشر وهو الكلام عن التظليل ونحو ذلك وإن كانت قريبة جدَّاً فيحصل مثل هذا الأمر الآخر الَّذي يشبه السَّاتر الملاصق المذكور.

والأحوط كذلك ترك ستره بشيء من البدن كاليد ، ويستثنى من ذلك أمور وهي : -

أ. ما يحصل ممَّا مضى على نحو الضَّرورة ، ولكن فيه فداء (كفَّارة) يعرف في موقعه الآتي بعد هذا المقام.

ص: 175

ب. ما إذا ستر رأسه بما يسمَّى ستراً نسياناً فلا بأس به ، ولكن يجب عليه كشفه حين الإلتفات فوراً بدون تأخير.

ج. ما إذا مسح رأسه باليد عند صبِّ الماء عليه نسياناً حين الغَسل وغيره.

د. ما إذا وضع رأسه على الوسادة للنَّوم ، وإن استوجب ذلك التَّغطية لجهة من رأسه.

ه. ما إذا أفاض الماء على رأسه ، أو وقف ( تحت الدُّوش ) عند الاغتسال ما لم يكن كالشلاَّل الممنوع خوفاً من صدق الارتماس.

و. ما إذا حكَّ رأسه مع تحرُّزه من سقوط الشَّعر ، وعلمه بعدم وقوعه.

ز. ما إذا وضع عصام القربة المائيَّة على رأسه.

ح. ما إذا عصَّب رأسه بعصابة للصُّداع ، ولكن مع الاكتفاء بتعصيب جبهته وكشف أعلى رأسه لكونه واجباً يحرم تركه.18- ستر الوجه للنِّساء : بنقاب أو غيره ، ممَّا يلصق على الوجه كلاًّ أو بعضاً ولو كان في حال النَّوم ،ويستثنى من ذلك أمور وهي : -

أ. يجوز لها أن تنام على وجهها وإن استوعب ذلك النَّوم كل الوجه وإن كان مكروهاً في نفسه.

ب. يجوز لها أن تستر وجهها ببرقع ( بوشيَّه منشَّاة ) قد يطلق عليها أسم ( البيجة ) أيضاً في السَّابق ، بحيث يكون بعيداً عن وجهها ليس كالسَّاتر الرَّقيق.

ص: 176

ج. يجوز لها إسدال قناعها ونحوه على وجهها إلى ما يحاذي أنفها فقط عن الأجنبي ، ولو زادت على ذلك لزمتها كفَّارة يجيء ذكرها قريباً في محلِّه.

د. يجوز لها لبس عباءتها وستر وجهها بما لا يلاصق الوجه منها.

ه. يجوز لها ستر بعض الوجه مقدِّمة لستر الرَّأس في الصَّلاة بلا ملاصقة لجدل الجبهة ، ولكن لابدَّ لها من كشف الوجه بعد الفراغ من الصَّلاة فوراً.

19- التَّظليل للرِّجال: حال السَّير فوق الرَّأس بمثل هودج وشمسيَّة ونحوهما، راكباً كان أم راجلاً على الأحوط، سواء كان في اللَّيل أو النَّهار، بل الأحوط اجتناب مطلق التَّظليل حتَّى التَّظليل الجانبي إذا أثَّر أثره سواء عن جانبه الأيمن أم الأيسر، وإن كان يجوز المشي في ظلِّ المحمل إذا لم يؤثِّر أثره كتغطية الرأس، وكذلك ما لا يكون فوق رأسه، والأحوط كذلك عدم الاستظلال بطرف الثَّوب أو الشَّمسيَّة ونحوهما ولو لم يكن ذلك فوق رأسه.

وفي زماننا الحالي قد توفرَّت ولله الحمد السيَّارات المكشوفة المجهَّزة بوسائل الرَّاحة بما لا تجعل للحجَّاج - وفقَّهم الله وهداهم لما فيه الصَّلاح - مجالاً للاعتذار عن مسألة الاحتياج للسيَّارات هذه في قطع المسافة إلاَّ إلى المظلَّلة منها.

والرَّجاء من الأخوة المسؤولين عن إدارة شؤون الحجَّاج الكرام في أرض الحجاز المحترمة - من المواقيت وإلى بقاع المناسك المقدَّسة

ص: 177

أوقات الإحرام بأجمعها مع ما يسمع من تعهُّداتهم المتكرِّرة بضمان تسهيلاتهم لحاجات الحجَّاج الكرام مهما كانت مذاهبهم لوجوب احترام كل وافدٍ من المسلمين على الله تعالى - أن يفسحوا المجال بتهيئة هذه السَّيارات المكشوفة كاملاً لكل الوافدين عن الجو والبر والبحر وبالسُّرعة الممكنةعمليَّاً ليصدق إعلامهم حول ذلك ، ليؤدِّي إخوانهم المسلمون كيفيَّة إحرامهم المشروعة بالمناسك المرضية شرعاً بلا ضغوط مذهبيَّة تعصبيَّة مانعة من قبل بعض الجهلة ، للأخوَّة المسلَّمة في كثير من جوامع الكلم الَّتي جمعت الكلَّ على هذا الصَّعيد الواحد الَّذي طالما أجهد نفسه لأجله النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وآله الأطهار عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ والصحابة الأخيار (رضوان الله عليهم) ومن دون أيِّ عراقيل كانت ممَّا قد أحدثه بعض المغرضين اليوم في بعض الأعوام الأخيرة وللخلاص من مخاطر صعود الرِّجال على سطوح سيَّارات الأحمال أو نحوها.

ويجوز جميع ما ذكرناه من التَّظليل لأشخاص ولحالات مثل : -

أ. حال النُّزول من الحافلة المظلَّلة وغيرها للضَّرورة وإن تردَّد إليها في أشغاله دخولاً وخروجاً منها وإن كانت في حالة سير كالبطيء الممكن فيه هذا الدخول والخروج على أن لا يجلس في المكان المظلَّل ، وإن كان الأحوط استحباباً ترك ذلك حتَّى في حال التَّردد بكلِّ حالاته منه حالة السَّير من قبل الحافلة إن كان بطيئاً كما مثَّلنا.

ب. التَّظليل للضَّرورة كالبرد الشَّديد والحر الشَّديد والمطر ، ولكنَّه يكفِّر كما سيجيء.

ج. للنِّساء والأطفال بلا كفَّارة.

ص: 178

د. للمعلِّم المصاحب للنِّساء الَّذي انحصر حفظه لهنَّ بركوبه معهنَّ في السيَّارات المظلَّلة ، مع وجوب الفداء كما سيأتي.

ه. لسائق سيَّارتِهن مع وجوب الفداء أيضاً وسيأتي.

و. ملاَّح الطَّائرة إذا كان ناذراً إحرامه قبل الميقات كالحجَّاج المماثلين له ، مع وجوب الفداء عليه كما سيجيء.

ز. ربَّان السَّفينة النَّاذر للإحرام قبل الميقات كالحجَّاج المماثلين له مع الفداء أيضاً كما سيجيء.

ح. من لم تتيسر له سيَّارة من الرِّجال إلاَّ المظلَّلة ، وعليه الفداء كما سيجيء.

ط. من لم يتمكَّن من الرُّكوب إلاَّ في المظلَّلة لمرض فيه فلا يحرم عليه ، ولكن عليه الفداء كما سيجيء.

ي. السَّير تحت سقوف الأسواق الثَّابتة بلا حاجة إلى الفداء.

ك. السَّير والتَّواجد تحت ظلِّ الأبنية والبيوت الثَّابتة ، وكذا الخيم المشابهة للسقوف الثَّابتة بلا حاجة إلى الفداء.ل. ما إذا نام المحرم الرَّجل وأدَّى نومه على وسادة النَّوم الى ستر بعض من رأسه ، بلا حاجة إلى فداء كما مرَّ في مستثنيات ستر الرأس للرجال.

( مسألة 159) لا مانع من التَّظليل في حالة الإحرام بالنَّذر من دون الميقات ولبعض الأسباب المبرِّرة كما في باب السَّتر لكون حالة النَّذر على الأكثر لا تكون إلا لأهل الطَّائرة أو الباخرة المظلَّلة من دون

ص: 179

قدرة على الخروج مع التَّكفير الآتي بيانه.

20- إخراج الدَّم : من بدنه لا من بدن غيره ، بأي سبب كان سواء كان بالفصد ( النَّشتر ) أو الحجامة أو السُّواك المدمي أو الحكِّ الشَّديد المدمي أو غير ذلك ، إلاَّ مع الضَّرورة فلا مانع من ذلك.

ومن حالاتها حكُّ الجرب - والعياذ بالله - وشقِّ الدمَّل وعصره إذا كان يتألم ، إلا بإخراج ( القيح ) الجراحة المصحوبة بشيء من الدَّم حسب العادة ، أو بالحكِّ المدمي ، ولكن فيه فدية تأتي في محلِّها إنشاء الله .

21- تقليم الأظافر : ولو ظفراً واحداً بل ولو بعض ظفر تعبُّداً ، ولما قد يحتاجه في حالات التَّقصير الَّتي تمرُّ عليه حجَّاً كان أو عمرة بأي نوع من أنواعهما ، إلاَّ مع الأذيَّة فيجوز حينئذ تقليمه ، مثل ما لو انكسر بعضه أو احتاج علاج الإصبع المدمل - أو المجروح - في شفائه إلى تقليم الظفر ، فيجوز ذلك حينئذ ولكن عليه فدية تأتي في محلِّها.

وكذا يأتي ما يتعلَّق بفديات ما يزيد على الظُّفر الواحد بتفاصيله حسب المجال الممكن.

22- قلع السِّن : إذا كان مدمياً ، وبالأخصِّ إذا كان بإمكانه علاجه بلا إدماء بالحشو من ( البلاتين ) ولم يعالجه بذلك ، أمَّا حال الاضطرار كالتَّسوُّس المتلف لكل جذوره ، أو نحو ذلك ممَّا يضطرُّه للقلع ، فيجوز وإن أدمى ولكن عليه تكفير لذلك يأتي في محلِّه.

23- لبس السِّلاح : كالسَّيف أو الخنجر أو المسدَّس أو البندقيَّة

ص: 180

أو غيرها ممَّا يعدُّ سلاحاً ، على وجه يصدق على حامله أنَّه متسلِّح فهو مُحرَّم ، لأنَّه في بقاع السَّلام وأراضي الوئام بعون الملك العلاَّم لأداء المناسك في الأشهر الحرام ، بما لا يتناسب إلاَّ في مقام الدِّفاع عن النَّفس من ضد معتدٍ كافر أو مسلم خارجي أو ناصبي ملحق بالكافر ، والأحوط عدم حمل السِّلاح الظَّاهر وإن لم يلبسه لبس استعداد عند الحاجة .

وأمَّا إذا لم يصدق عليه التَّسلُّح كالسكِّينة الصغيرة الَّتي يستعملهاالحاجُّ لشؤونه الخاصَّة كتقطيع مأكولاته وفواكهه ونحوهما فلا بأس به.

24- قلع كلِّ نابت في الحرم وقطعه : سواء كان حال الإحرام أم في غيره ، وسواء كان في الحجِّ أم في العمرة أم في غيرهما ، عدى ما أستثني ممَّا فصَّلناه في ما يتعلَّق بالأحكام المرتبطة بالحرم تحت عنوان الحرم فلا نعيد.

ص: 181

كَفَّارَاتُ تُروُكِ الإحْرَامِ في مَسَائِل

( مسألة 160) الكفَّارة لغة هي السَّتر ، وشرعاً هي شيء يؤتى به في الحجِّ وغيره عقوبة مكان فعل محرَّم أتى به المكلَّف عمداً بلا اضطرار إليه في بعض المقامات إلاَّ أنَّها قد تجب حتَّى حالة الاضطرار كما في حالة التَّظليل وغيرها ، وإنَّما الاضطرار في هذه الحالة يرفع الإثم فقط ، ودفع هذه الكفَّارة واجب يحرم تركه ، لأنَّه جاء بأمر إلهي.

وقد يسبِّب ذلك إسقاط الذَّنب أو ستره من قبل المولى تعالى لبعض أمور أخرى فعلها المكلَّف كغلبة موازين الخير على موازين عكسها ونحوها عنده تعالى ، عدا ما يرتبط بحقوق النَّاس ممَّا لا يكون الأقرب إلى الستر منه إلاَّ بما فيه إرضاؤهم من قبل غاصبها إذا كان على الوجه الصَّحيح.

وقد تكون بمعنى رفع الأثر الوضعي من الأذى وإن لم يكن المكلَّف متعمِّداً بفعل التَّرك كحالة التَّظليل الاضطراري وهو ما يحتمل فيه كون الأنسب تسميتها بالفداء حقيقة ، وكذا إذا كانت بديلاً عن شيء اختياري في الحج وإن لم يصاحبه إثم كحالة عدم المبيت في منى والاشتغال في مكَّة بالعبادة كما في غير الحج أيضاً كالصِّيام إذا تركه المكلَّف وسافر باختياره سفر تقصير لا إقامة فيه حتَّى جاء شهر رمضان الثَّاني ممَّا قد يطلق عليه لفظ الكفَّارة تجوزاً وهو ما يطلق عليه فداء أو كفَّارة تأخير.

ص: 182

وجاءت الكفَّارة في باب الحجِّ بكل تلك المعاني تقريباً ، ولا تخفى على اللَّبيب المتتبِّع في جميعها مع بعض قرائن وضعناها لذلك كما سيأتي.

كَفَّارَةِ الصّيدِ البَرَّي

( مسألة 161) في قتل النَّعامة بُدنة ، وفي قتل بقرة الوحش بقرة ، وفي قتل حمار الوحش بُدنة أو بقرة ، وفي قتل الظَّبي والأرنب شاة ( دخل في السَّنة الثَّالثة ) ، وكذا في الثَّعلب على الأحوط وجوباً.

( مسألة 162) في قتل اليربوع والقنفذ والضبِّ وما أشبهها جدي(1)والأحوط وجوباً أن لا يكون سِنُّه أقل من سبعة أشهر ، وفي قتل العظاية(2) كفٌّ من الطَّعام.

كَفَّارَةُ صَيدِ الطُّيوُرِ أو قَتْلِها

( مسألة 163) إذا قتل المحرم حمامة ونحوها في خارج الحرم فعليه شاة ، وفي فرخها حمَل(3) أو جدي وفي كسر بيضها درهم فضِّي

ص: 183


1- ولد الماعز البالغ من العمر ستَّة أشهر أو سبعة مجمع البحرين ج1ص81
2- دويبَّة كسأم ابرص ( الوزغ ) قاموس الفيروز آبادي ج4 ص364 .
3- بالتَّحريك الخروف البالغ من العمر ستَّة أشهر ، مجمع البحرين ج5 ص357.

إسلامي على الأحوط ( ومقداره 2,815 غرام ) أو ما يعادله.

وإذا قتلها المحلُّ في الحرم فعليه درهم فضِّي أو ما يعادله ، وفي فرخها نصف درهم وفي بيضها ربعه.

وإذا قتلها المحرم في الحرم فعليه الجمع بين الكفَّارتين الفداء والقيمة ( الشَّاة والدِّرهم ) كما مرَّ في التَّرك الأوَّل ص147، وكذلك في قتل الفرخ وكسر البيض وهما الحمَل أو الجدي مع نصف الدِّرهم ، وحكم البيض إذا ترك فيه الفرخ حكم الفرخ.

( مسألة 164) في قتل القطاة(1) والحجل(2) والدُّرَّاج(3) ونظيرها حمل ، وفي العصفور والقُبَّرة(4) والصَّعوة(5) مدٌّ من الطَّعام ( تسعمائة غرام ) على المشهور ، والأحوط فيها حمَل فطيم ، وفي قتل جرادة واحدة تمرة وفي أكثر من واحدة كفٌّ من الطَّعام وفي الكثير شاة.

( مسألة 165) يجب احتياطاً على المحرم أن ينحرف عن الجادَّة الَّتي يكثر فيها الجراد للتَّخلُّص من مسؤولية ما ذكرناه إذا عرف أنَّه قد

ص: 184


1- بالفتح والقصر واحدة القطا ، وهو ضرب من الحمام والقطا ذوات أطواق يشبه الفاختة والقماري ، مجمع البحرين ج1 ص347 .
2- طير معروف بقدر الحمام أحمر المنقار يسمَّى دجاج البر ج5 ص348
3- بالضَّم والتَّشديد ضرب من الطَّير للذَّكر ، والجاحظ جعله من أقسام الحمام لأنَّه يجمع فراخه تحت جناحه ، ج2 ص300 .
4- بضم القاف وتشديد الباء مفتوحة هو ضرب من العصافير معروف ج3 ص446.
5- اسم طائر من صغار العصافير أحمر الرأس ج1 ص262 .

يضطر إلى قتله أو قتل شيء منه فضلاً عمَّا لو أحرز أنَّه يكون بمسيره سبباً في قتله ، فإن لم يتمكَّن فلا بأس بقتله إن اضطر إليه مع الاحتياط استحباباً بما ذكرناه من الكفَّارة إن تمكَّن.

( مسألة 166) في قتل الزنبور متعمِّداً إطعام شيء من الطَّعام ، وإذا كان القتل دفعاً لإيذائه فلا شيء عليه مع رجحان التَّورُّع عنه إذا كان بعيداً عنه.

أحْكَامِ كَفَّارَةِ الصَّيدِ نَوعَاً

( مسألة 167) من كان معه صيد ودخل الحرم فإنَّه يجب عليه إرساله ( إطلاقه ) ، فإن لم يرسله حتَّى مات لزمه الفداء ، بل الحكم كذلك بعد إحرامه وإن لم يدخل الحرم على الأحوط.

( مسألة 168) كفَّارة أكل الصَّيد ككفَّارة الصَّيد نفسه ، فلو صاده المحرم وأكله فعليه كفَّارتان.

( مسألة 169) إذا كان جاهلاً قاصراً بحكم الكفَّارة أو مقصِّراً غير ملتفت له أو ناسياً في خصوص كفَّارات غير الصَّيد فلا كفَّارة عليه ، وفي الجاهل المقصِّر الملتفت إذا علم بالحكم وجبت عليه مع وجوب الاستغفار لأجل الذَّنب الحاصل.

وأمَّا في الصَّيد فلا فرق في ثبوت الكفَّارة إذا أتى بموجبها بين العمد والسَّهو والجهل.

ص: 185

( مسألة 170) تتكرَّر الكفَّارة بتكرُّر الصَّيد جهلاً أو نسياناً أو خطأً ، وكذلك في العمد إذا كان الصَّيد من المحلِّ في الحرم أو من المحرم مع تعدُّد الإحرام كحالتي إحرام العمرة وإحرام الحجِّ ، وأمَّا إذا تكرَّر الصَّيد عمداً من المحرم في إحرام واحد لم تتعدَّد الكفَّارة.

( مسألة 171) يجب مماثلة ما يقوم به قاتل النعم في حجه حين تكفيره عمَّا فعل من الكفَّارات الحيوانيَّة في السنِّ والذُّكورة لقوله تعالى( فَجَزَآءُ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ).

( مسألة 172) من أصاب شيئاً من الصَّيد فإن كان فداؤه بُدنة ولم يجدها ، فعليه إطعام ستِّين مسكيناً لكلِّ مسكين مدٌّ ( تسعمائة غرام ) ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً ، وإن كان فداؤه بقرة ولم

يجدها فليطعم ثلاثين مسكيناً ، فإن لم يقدر صام تسعة أيَّام ، وإن كان فداؤهشاة ولم يجدها فليطعم عشرة مساكين ، فإن لم يقدر صام ثلاثة أيَّام.

كَفَّارَات مُجَامَعَةِ النِّسَاءِ وَتَقْبِيلِهنَّ وَلَمْسِهنَّ وَالنَّظَرِ إلَيهِنَّ وَمُلاَعَبَتِهنَّ

( مسألة 173) إذا جامع المتمتِّع في حجِّه امرأته قبلاً أو دبراً عالماً عامداً بعد الفراغ من السَّعي من عمرته قبل التقصير لم تفسد عمرته وإن كان الجماع حراماً عليه وإن كان الجماع أثناءها فهو إضافة إلى

ص: 186

كونه حراماً عليه كان ممَّا وجبت عليه فيه الكفَّارة ، وهي على الأحوط جزور(1) ، ومع العجز عنه بقرة ومع العجز عنها شاة وعليه إعادة العمرة قبل الحجِّ مع الإمكان على الأحوط وجوباً ،ومع عدم الإمكان

أعاد حجَّه مسبوقاً بعمرته في العام القابل وإن كان جاهلاً فعليه بُدنة.

( مسألة 174) إذا جامع محرم الحجِّ امرأته قبلاً أو دبراً عالماً عامداً قبل الوقوف بالمزدلفة ( المشعر الحرام ) وجبت عليه الكفَّارة والإتمام وإعادة الحجِّ من عام قابل سواء كان الحجُّ فرضاً أو نفلاً ، وكذلك المرأة إذا كانت مُحرِمة وعالمة بالحال ومطاوعة له على الجماع ، ولو كانت المرأة مكرهة عليه لم يفسد حجُّها وتجب على الزَّوج المُكرِه لها كفَّارتان - عنه وعنها - بلا أن يكون على المرأة شيء إضافي.

وكفَّارة الجماع بُدنة مع اليُسر ، وبقرة مع العُسر ، وشاة مع العُسر عن البقرة.

وفي تلك الحال يجب التَّفريق - بين الرَّجل والمرأة في حجِّهما - على من كان عالماً بحالهما من الفقهاء هناك أو من يمثِّلهم من المؤمنين خصوصاً أو عموماً ، بل حتَّى على من يصادفه ذلك من غيرهم من المؤمنين ، لئلاَّ يقع في حجِّهما فيما بينهما مثل ما وقع في السَّابق ، ولأنَّه ما اجتمع اثنان في خلوة إلاَّ وثالثهما الشَّيطان وبالأخصِّ في مثل تلك المواقع الشَّريفة.

كما ويجب عليهما في حجِّهما المعاد في العام الآخر كذلك - إذا لم

ص: 187


1- وهو من الإبل ما تجاوز السَّادسة من عمره .

يكن معهما إنسان ثالث - أن لا يرجعا إلى نفس المحل الذي وقع فيه ذلك الجماع ، وإذا كان الجماع بعد تجاوزه من منى إلى عرفات لزم عليهما استمرارالفصل بينهما من ذلك المحل إلى وقت النَّحر بمنى ، بل الأحوط استمرار الفصل إلى الفراغ من تمام الحجِّ.

( مسألة 175) إذا جامع المحرم امرأته عالماً عامداً بعد الوقوف بالمزدلفة ، فإن كان ذلك قبل طواف النِّساء وجبت عليه الكفَّارة على النَّحو المتقدِّم ، ولكن لا تجب عليه الإعادة ، وكذلك إذا كان جُماعُه قبل الشَّوط الخامس من طواف النِّساء ، وأمَّا إذا كان بعده فلا كفَّارة عليه مع عدم الإعادة.

( مسألة 176) من جامع امرأته عالماً عامداً بالعمرة المفردة وجبت عليه الكفَّارة على النَّحو المتقدِّم ولا تفسد عمرته إذا كان الجماع بعد السَّعي ، وأمَّا إذا كان قبله بطلت عمرته أيضاً مع الاحتياط وجوباً بإتمامها وإن كانت فاسدة ، ووجب عليه أن يقيم بمكَّة إلى شهر مع الإمكان لكون أقل فاصل بين عمرة وعمرة هو شهر على المشهور أو لا أقل من ثبوت هلال الشَّهر الثَّاني بعد العمرة الثَّانية وإن احتطنا عند الخروج منها بعد المكث فيها عشرة أيَّام أن لا يدخلها إلاَّ معتمراً ، ثمَّ يخرج إلى أحد المواقيت ويحرم منه إلى العمرة المعادة ومع عدم الإمكان فلا مانع من المدَّة الأقل على أن لا تقل عن العشرة بناء على أقل القولين في المسألة لقاعدة الميسور في المقام مع الاحتياط الوجوبي بالإعادة في سفر آخر للحج من قبله أو الاستتابة وقت الإمكان.

ص: 188

( مسألة 177) من أحلَّ من إحرامه إذا جامع زوجته المحرمة وجبت الكفَّارة على زوجته إن كانت هي السَّبب وعلى الرَّجل أن يغرمها إذا كان مُكرِهاً لها.

( مسألة 178) إذا جامع المحرم امرأته في الحجِّ أو العمرة جهلاً - قصوريَّاً أو تقصيريَّاً بلا إلتفات - أو نسياناً صحَّت عمرته وحجُّه ولا تجب عليه الكفَّارة.

وهذا الحكم يجري في بقيَّة المحرمَّات الآتية الَّتي هي ممَّا يوجب الكفَّارة ، بمعنى أنَّ ارتكاب أي عمل محرَّم على المُحرم لا يوجب الكفَّارة إذا كان صدوره ناشئاً منه عن جهل أو نسيان ، ويستثنى من ذلك موارد ثلاثة وهي : -

1- ما إذا نسي الطَّواف في الحجِّ وواقع أهله ، أو نسي شيئاً من السَّعي في عمرة التَّمتُّع وجامع أهله ، أو قلَّم أظافره بزعم أنَّه مُحل وصدر منه ذلك ، أو إذا أتى أهله بعد السَّعي وقبل التَّقصير جاهلاً بالحكم فعليهالكفَّارة.

2- من أمرَّ يده على رأسه أو لحيته عبثاً فسقطت شعرة أو شعرات فعليه الكفَّارة كما سيأتي في محلِّه.

3- ما إذا دهَّن جسمه أو بعضه عن جهل فعليه الكفَّارة كما سيجيء.

( مسألة 179) من قبَّل زوجته عن شهوة عمداً وخرج منه المني ، فعليه مع حرمة ذلك كفَّارة بدنة أو جزور ، وكذلك إذا لم يخرج منه

ص: 189

المني على الأحوط للشَّهوة وإن قلَّت عن مستوى لذَّة الجماع ، وأمَّا إذا لم يكن التَّقبيل عن شهوة فكفَّارته شاة.

( مسألة 180) الأحوط وجوباً حين تقبيل الرَّجل امرأته بعد طواف النِّساء بالنِّسبة إليه إذا كانت محرمة أن يكفِّر بدم شاة.

( مسألة 181) إذا مسَّ المحرم زوجته عن شهوة فعليه مع الحرمة كفَّارة شاة ، وإذا لم يكن عن شهوة فلا شيء عليه ، وقد يرجح منه الحفاظ عليها بالمسِّ ونحوه من غير شهوة ، وإن كان الأحوط رجحان كون ذلك من وراء حجاب في حالات الزُّحام خوف ضياعها أو وقوعها تحت أرجل السَّائرين أو المزدحمين كما مرَّ بيانه.

( مسألة 182) إذا لاعب المحرم امرأته فأمنى لزمته كفَّارة بُدنة ، وإذا نظر إلى امرأة أجنبيَّة عن شهوة أو غير شهوة فأمنى وجبت عليه الكفَّارة وهي بدنة أو جزور على الموسر ، وبقرة على المتوسِّط ، وشاة

على الفقير ، وأمَّا إذا نظر إليها وان لم يكن عن شهوة ولم يُمنِ فلا كفَّارة عليه وإن حرم عليه ارتكاب ذلك وبالأخص في النَّظرة بعد النَّظرة وعليه الاستغفار كذلك .

( مسألة 183) عند نظر المحرم إلى زوجته عن شهوة وخروج المني منه عن ذلك تجب عليه الكفَّارة وهي بدنة أو جزور ، وأمَّا إذا كان بشهوة ومن دون إمناء أو نظر إليها بغير شهوة فأمنى فلا كفَّارة عليه ، مع حرمة النَّظر عليه في الصُّورة الأولى وهي كونها مع شهوة ومع لزوم الاستغفار.

ص: 190

( مسألة 184) الأحوط للمحرم إضافة ترك استمتاعه بزوجته في غير الموارد الموجبة للتَّحريم والتَّكفير ممَّا ذكر مطلقاً كالمزاح وأمثاله.

كَفَّارَةُ عَقْدِ النِّكَاح

( مسألة 185) لو عقد المحرم للمحرم ، أو عقد المحلُّ للمحرم على امرأة ، عقد نكاح دائم أو منقطع ، ودخل المعقود له بها ، وكان العاقد والمعقود له عالمين بتحريم العقد في هذا الحال فإنَّه مع بطلان العقد وفساده على كلٍّ منهما كفَّارة بدنة ، وكذلك على المرأة إن كانت عالمة بالحال مثلهما.

كَفَّارَةُ الشَّهَادَةِ عَلَى النِّكَاحِ

( مسألة 186) إذا حضر المحرم مجلس العقد ، أو شهد عليه فهو حرام ، وكذلك أداء الشَّهادة على عقد سابق احتياطاً ، ولذلك يجب عليه الاستغفار وهو كفَّارته.

كَفَّارَةُ الاسْتِمْنَاءِ

( مسألة 187) إذا عبث المحرم بذَكره فخرج المني فحكمه حكم الجماع إثماً وكفَّارة ، وعليه فلو وقع ذلك في إحرام الحجِّ قبل الوقوف

ص: 191

بالمزدلفة وجبت الكفَّارة ولزمه إتمامه وإعادته في العام القادم ، لركنيَّة الوقوف في المزدلفة المنهدمة بهذا الفعل القبيح المتعمَّد ، كما أنَّه لو فعل ذلك في عمرته المفردة قبل الفراغ من السَّعي بطلت عمرته ولزمه الإتمام والإعادة على ما تقدَّم.

ولو استمنى بغير العبث كحالة النَّظر والخيال أو التَّغزُّل والمزاح اللَّفظي المهيِّج وأمثالها فأمنى لزمته الكفَّارة المشار إليها كذلك ، مع الاحتياط وجوباً بإعادة الحجِّ في العام القابل وإعادة العمرة المفردة بعد إفسادها لو كانت ولو في نفس العام إذا كان الإمناء من عادته إذا فعل ذلك ، وأمَّا مع عدم كون ذلك من عادته فالاحتياط استحبابي.

كَفَّارَةُ اسْتِعْمَالِ الطِّيب

( مسألة 188) إذا أكل المحرم متعمِّداً شيئاً من ذوات الرَّوائح الطَّيبة إذا أودعت فيه كبعض الأطعمة المضاف لها ذلك فعليه كفَّارة شاة على المشهور ما لم تكن روائح فواكه أساسيَّة فيها ، فإنَّ فواكهها لا مانع من أكلها مع إمساك الأنف عن شمِّها حين الأكل كما مضى ، وكذلك تجبالكفَّارة في الشَّم بلا أكل على الأحوط وجوباً ، فضلاً عمَّا لو كانت روائح العطور المتعارفة لكون الأقوى فيها ذلك كما لا يخفى.

ص: 192

كَفَّارَةُ لِبْسِ المَخِيطِ

( مسألة 189) إذا لبس الرَّجل المحرم متعمِّداً شيئاً ممَّا حرم لبسه عليه فكفَّارته شاة ، والأحوط لزوم الكفَّارة عليه ولو كان لبسه للاضطرار لأنَّ بعض الكفَّارات قد لا تلازم مجرَّد حالة الأحكام التَّكليفيَّة الطَّبيعيَّة ، بل قد تتجاوزها حتَّى في مرحلة الاضطرار وهذا منها تبعاً للأدلَّة ولو تعبُّداً.

كَفَّارَةُ لِبْسِ الخُفِّ وَالجَوْرَبِ

( مسألة 190) كفَّارة لبس الخفِّ والجورب - بل كلُّ ما يستر تمام ظهر القدم - شاة على الأحوط ، إلاَّ حالة الضَّرورة فيلبس ذلك بعد خرق ذلك الملبوس من جانب المقدَّم لإظهاره كما مرَّ ، ولا بأس بستر تمام ظهر القدم إذا لم يكن بنحو اللَّبس كحالة التَّغطية للرجلين وقت النَّوم مع رجحان إظهارهما احتياطاً إن أمكن.

كَفَّارَةُ الاكْتِحَالِ

( مسألة 191) كفَّارة الاكتحال بالكحل الأسود مع قصد الزِّينة إضافة إلى الحرمة المذكورة في باب التُّروك شاة على الأحوط ، بل حتَّى

ص: 193

مع عدم قصد الزِّينة لكونه كحلاً أسوداً لتخصيص الدَّليل عليه له بالذِّكر على الأحوط ، وكذلك مع قصد الزِّينة إذا كان غير أسود ، إضافة إلى أنَّه لو لم يكتحل بهما فالأحوط له وجوباً الاجتناب عنهما.

كَفَّارَةُ النَّظَرُ في المِرْآة

( مسألة 192) إضافة إلى الحرمة المذكورة في التَّرك العاشر - حول النَّظر في المرآة للزِّينة - يجب التَّكفير بشاة على الأحوط وجوباً.

كَفَّارَةُ الفُسوُق

( مسألة 193) كفَّارة الكذب والسبِّ - اللَّذين يجمعهما الفسوق في قوله تعالى ( فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ في اْلحَجِّ) - هي الاستغفار ، للحرمة المثبتة فيهما في التَّرك الحادي عشر ، ومثل ذلك حالة التَّفاخر وهو إثبات الفضيلة لنفسه إذا كان مستلزماً الحطَّ من شأن الآخرين ولو كان عرفاً مع عدم قصده على الأحوط وجوباً.

كَفَّارَةُ المُجَادَلَة

( مسألة 194) لا كفَّارة على المجادل فيما إذا كان صادقاً في قوله ولكنَّه يستغفر ربَّه ، هذا فيما إذا لم يتجاوز حلفه المرَّة الثَّانية ، وإلاَّ

ص: 194

كان عليه كفَّارة شاة.

وأمَّا إذا كان الجدال عن كذب فعليه كفَّارة شاة للمرَّة الأولى وشاتين للمرَّة الثَّانية وبقرة للمرَّة الثَّالثة.

كَفَّارَةُ قَتْلِ مَا يَتَكَّوَنْ عَلَى جَسَدِ الإنْسَانِ مِنَ الهَوَامِّ

( مسألة 195) الأحوط وجوباً في قتل ما يتكَّون في الجسد من الهوامِّ كالقمَّل ، وكذا ما يلحق بالقتل من مسبِّبات قتله بسب النَّقل والإلقاء مثلاً - إضافة إلى الحرمة الموجبة للاستغفار - هو التَّكفير عنه لكلِّ حشرة بكفٍّ من الطَّعام للفقراء ، بل كذا البقُّ والبرغوث وأمثالهما إذا لم يكن ضرر يتوَّجه منهما على المحرم حين عدم قتله كما مرَّ ذكره حول القراءة.

كَفَّارَةُ التَّزْيين

( مسألة 196) كفَّارة التَّزيين - إضافة إلى حرمته - كالتَّختُّم والتَّحلُّق ونحوهما مع قصده بذلك هي التَّكفير بشاة احتياطاً واجباً.

ص: 195

كَفَّارَةُ الإدِّهَانِ

( مسألة 197) كفَّارة الإدِّهان شاة إذا كان عن علم وعمد ، ومع

الجهل إطعام فقير على الأحوط.

كَفَّارَةُ إزَالَةِ الشَّعْرِ عَنْ البَدَنِ

( مسألة 198) إذا حلق المحرم رأسه من دون ضرورة قبل موعده المقرَّر شرعاً له فكفَّارته شاة ، وإذا حلقه لضرورة فكفَّارته شاة أيضاً أو صوم ثلاثة أيَّام أو إطعام ستة مساكين لكلِّ واحد مدَّان ( كيلو وثمانمائة غرام ) من الطَّعام.

وإذا نتف المحرم شعره الكائن تحت إبطيه فكفَّارته شاة ، وكذا إذا نتف أحد إبطيه على الأحوط وجوباً ، وإذا نتف شيئاً من شعر لحيته وغيرها فعليه أن يطعم مسكيناً بكفٍّ من الطَّعام.

ولا كفَّارة في حلق المحرم رأس غيره محرماً كان أم محلاًّ ولكن يستغفر الله وبلا تحمُّل شيء من المحلوق رأسه لو كان محرماً قبل موعد حلقه.

وإذا أمرَّ المحرم يده على رأسه أو لحيته عبثاً فسقطت شعرة أو شعرتان فليتصدَّق بكفٍّ من طعام ، أمَّا إذا كان السُّقوط في الوضوء ونحوه وبدون قصد الإسقاط فلا شيء عليه ، وأمَّا إذا كان مع قصد

ص: 196

الإسقاط أو كان مظنَّة للسُّقوط من البداية فالأحوط وجوباً التَّصدُّق بكفَّين من الطَّعام.

كَفَّارَةُ سَتْرِ الرَأسِ لِلرِجَالِ

( مسألة 199) إذا ستر المحرم رأسه فكفَّارته شاة على الأحوط وجوباً ، وإذا تعدَّد السَّتر تعدَّدت الكفَّارة ، وبالأخص إذا تعدَّد المجلس هذا مع التَّعمُّد ، وأمَّا في موارد جواز السَّتر والاضطرار إليه ، فالظَّاهر عدم وجوبها عليه ، إلاَّ أنَّ الأحوط هو الاستغفار في مورد الاضطرار.

كَفَّارَةُ سَتْرِ الوَجْهِ لِلنِّسَاءِ

( مسألة 200) كفَّارة ستر الوجه للنِّساء شاة على الأحوط وجوباً ، وهو السَّتر لملاصقته الحاجب لبشرة الوجه لا غير.

كَفَّارَةُ التَّظْلِيلِ

( مسألة 201) كفَّارة التَّظليل شاة ، ولا فرق في ذلك بين حالتي الاختيار والاضطرار ، وإذا تكرَّر التَّظليل فالأحوط وجوباً التَّكفير عن كلِّ يوم بشاة مع قدرته وإن لم يتعدَّد الإحرام ، وإن كان الأظهر عند بعض كفَّارة واحدة في كل إحرام خاصَّة بالنِّسبة إلى غير المقتدر

ص: 197

اقتصاديَّاً عند تعدُّده.

كَفَّارَةُ إخْرَاجِ الدَّمِ مِنَ البَدَنِ

( مسألة 202) إضافة إلى حرمة إخراج الدَّم من بدن الإنسان بحكٍّ أو بسواك أو نحوهما مع التَّعمُّد عليه التَّكفير بشاة على الأحوط وجوباً ، ولا بأس به للضَّرورة أو دفع الأذى مع الاستغفار.

كَفَّارَةُ تَقْلِيمِ الأظَفارِ

( مسألة 203) كفَّارة تقليم كلِّ ظفر مدُّ ( تسعمائة غرام ) من الطَّعام ، وكفَّارة تقليم أظافر اليد جميعها في مجلس واحد شاة ، وكذلك أظافر أصابع الرِجل ، وإذا كان تقليم أظافر اليد وأظافر الرِجل في مجلس واحد فالكفَّارة أيضاً شاة ، وإذا كان تقليم أظافر اليد في مجلس وتقليم أظافر الرِجل في مجلس آخر فالكفَّارة شاتان.

( مسألة 204) إذا قلَّم المحرم أظافره فأدمى اعتماداً على فتوى من جوَّزه وجبت الكفَّارة على المفتي على الأحوط.

كَفَّارَةُ قَلْعِ السِّن

( مسألة 205) الأحوط وجوباً التَّكفير بشاة لقلع السِّن تعمُّداً

ص: 198

إضافة إلى حرمته وإن لم يُدمِ فضلاً عمَّا لو أدمى مع إضافة شاة أخرى لذلك التَّعمُّد إذا كان في السِّن والإدماء ، وكذلك في حال الاضطرار بالتَّكفيربشاة مع الاستغفار الاحتياطي للدَّم غير المتعمَّد.

كَفَّارَةُ لِبْسِ السِّلاَحِ

( مسألة 206) إذا لبس المحرم السِّلاح بأنواعه في حال الاختيار فالأحوط له وجوباً التَّكفير بشاة.

كَفَّارَةُ قَلْعِ شَجَرِ الحَرَمِ وَنَبْتِهِ

( مسألة 207) كفَّارة قلع شجر الحرم في الشَّجرة الكبيرة بقرة ، وفي الصَّغيرة شاة ، ولو قلع بعض الشَّجرة فكفَّارته قيمته.

ولا بأس بأن يرعى بعيره في الحرم فيأكل البعير من حشيشه كما مرَّ في مستثنيات قلع شجر الحرم في باب الحرم ص111 ، لكن لا يجوز له الاحتشاش لبعيره ، وكفَّارة قطع الحشيش هي الاستغفار ، ولا كفَّارة في قلع الأعشاب الطبيَّة.

ص: 199

كَفَّارَاتٌ مُتَنَوِّعَة

قد مرَّ الكلام عن كفَّارات خصوص من توَّرط في فعل محرَّمات الإحرام ، وهناك كفَّارات متنوِّعة في عموم أفعال الحجِّ أو العمرة قد يوقع - المكلَّف بالحج - نفسه في مسبِّباتها ، ونوردها الآن ليستفيد منها الحاجُّ الكريم بذكرها وفي موضوع مستقل وهي : -

1- من اعتمر للتَّمتُّع في شهر شوَّال وأحلَّ من عمرته بعد التَّقصير ، فله أن يحلق رأسه إلى مضي ثلاثين يوماً من يوم عيد الفطر ، وأمَّا بعد الثَّلاثين فالأحوط وجوباً أن لا يحلقه ، بل يستحب له أن يوفِّره كما سيجيء ، فإذا حلقه فعليه كفَّارة شاة ، وبالأخصِّ ما لو كان عالماً عامداً كما سنبيِّنه في التَّقصير.

2- من حلق رأسه في عمرة التَّمتُّع عالماً بتحريمه عامداً فعليه شاة ، ومن ترك التَّقصير في عمرة التَّمتُّع نسياناً فأحرم للحجِّ فعمرته صحيحة ، ولكنَّ الأحوط له أن يكفِّر عن ذلك بشاة كذلك.

3 - إذا نسي شوطاً أو أكثر من سعيه بين الصَّفا والمروة في عمرة التَّمتُّع وأتى أهله أو فعل شيئاً من محرَّمات الإحرام بعد ما قصَّر لاعتقاده بأنَّه فرغ من سعيه فعليه كفَّارة بقرة ، وسيأتي بيانه في أحكام السَّعي.

4 - من أفاض من عرفات إلى المشعر عالماً عامداً قبل الغروب فعليه كفَّارة بدنة وسيأتي بيانها أيضاً في الوقوف في عرفات.

ص: 200

5- من أفاض من المزدلفة قبل طلوع الفجر جاهلاً بالحكم بعد وقوفه فيها ليلة العيد فعليه كفَّارة شاة ، وكذلك من أفاض منها - من غير الإمام(1) - قبل طلوع الشَّمس سواء دخل في وادي محسَّر أو لم يدخل ، وسيأتي تفصيله في المشعر الحرام.

6- إذا ترك الطَّواف في الحجِّ متعمِّداً ولم يمكنه التَّدارك بطل حجُّه ولزمته الإعادة من عام قابل ، وإذا كان ذلك من جهة الجهل بالحكم لزمته الإعادة من قابل أيضاً مع التَّكفير ببدنة.

7- يجب تأخير طواف الحجِّ عن الحلق أو التَّقصير في حج التَّمتُّع فلو قدَّمه عالماً عامداً وجبت إعادته بعد الحلق أو التَّقصير ولزمته كفَّارة شاة.8 - إذا تهيأ للخروج من منى بعد فراغه من أعمالها يوم العيد وتحرَّك من مكانه ولم يمكنه الخروج قبل الغروب للزحام ونحوه ، فإن أمكنه المبيت وجب ذلك ، وإن لم يمكنه أو كان المبيت حرجيَّاً جاز له الخروج وعليه دم شاة على الأحوط وجوباً.

9- من ترك المبيت في منى عمداً فعليه كفَّارة شاة عن كلِّ ليلة ، والأحوط استحباب التَّكفير فيما إذا تركه نسياناً أو جهلاً منه بالحكم ، وكذلك التَّكفير للمعذور من ذلك المبيت ، ولا كفَّارة على من تركه مشتغلاً بالعبادة في مكَّة كالطَّواف وتوابعه ، وكذلك على من خرج من

ص: 201


1- لكونه عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مستثنى له ذلك لئلاَّ يُزاحم .

مكَّة بعد الطَّواف والسَّعي والعبادة وتمادى به الطَّريق ولم يصل صدفة إلى منى راجعاً قبل الفجر ، لكن يجب الاهتمام مع الإمكان بالتَّحفُّظ على البقاء في منى في النِّصف الأوَّل من اللَّيل أو النَّصف الأخير.

تَنْبِيهٌ في مَسْأَلَة

( مسألة 208) إذا كانت كفَّارة كل مورد ممَّا مضى شاة فيجوز التَّعويض عنها بماعز اختياراً لأنَّه من فصيلة الشِّياه ، وإن تفاوت في شكله أو قيمته عنها ، أو عدَّ الضأن أفضل من بعض الجهات مع الاحتياط بجعل عدم الفرق بينهما في غير صورة الاختيار.

مَوْضِعِ ذَبْحِ الكَفَّارَةِ الحَيَوَانِيَّة وَمَصْرَفِهَا

( مسألة 209) إذا وجبت على المحرم كفَّارة لأجل الصَّيد في العمرة فمحل ذبحها مكَّة المكرَّمة ، وإذا كان الصَّيد في إحرام الحجِّ فمحل ذبح الكفَّارة منى ، ومع تعذرها في منى كما في هذه الأوقات ففي مكَّة.

( مسألة 210) يجب إنفاق الكفَّارة على فقراء المؤمنين من الضُّعفاء أو دفعها إلى من يكون وكيلاً عنهم من غير فرق بين العوام والسَّادات إذا كانت بمعنى الفداء كفداء التَّظليل مثلاً وأمثاله ، وإذا كانت بمعناها الحقيقي فمصرفها عوام الفقراء فقط.

ص: 202

( مسألة 211) الكفَّارة المتعيِّن ذبحها في مكَّة إن لم يتمكَّن صاحبها من ذبحها فيها لعدم وجود فقير وكذلك الوكيل عنهم ، وكذلك الكفَّارة المتعيِّنة في منى في عدم التَّمكُّن من ذبحها فيها فإنَّه يكون حينئذمخيَّراً بين الذَّبح في مكَّة المكرَّمة - إن كان في العمرة - أو منى - إن كان في الحجِّ مع الإمكان كما مرَّ - وبين الذَّبح في بلده وإعطائه إلى فقراء المؤمنين.

( مسألة 212) إذا وجبت الكفَّارة بسبب غير الصَّيد فيجوز تأخيرها إلى عودته من الحجِّ فيذبحها أين شاء.

( مسألة 213) إذا لم يتيسَّر لدى من وجبت عليه الكفَّارة قيمتها وأمكنه الاستقراض بغير حرج وجب الذَّبح بمكَّة فيما يجب من الكفَّارات بمكَّة ، وهكذا غيرها ممَّا يتعيَّن فيه الذَّبح مع وجود الفقراء والمادَّة ولو بعد حين ، وإلاَّ فيذبحه عند أهله لو لم يتمكَّن من إرسال الكفَّارات إلى مكَّة أو غيرها.

ص: 203

الرُّكْنِ الثَّالِثِ الطَّوَافِ حَوْلَ البَيْتِ

( مسألة 214) من واجبات الحجِّ والعمرة وأركانهما هو الطَّواف حول البيت الحرام ، بمعنى الدَّوران حوله من جانب كتف المكلَّف الأيسر ، ابتداءاً من ركن الحجر الأسعد بسبعة أشواط وانتهاءاً به كما

سيأتي ، بحيث يبطل الحج وكذا العمرة بتركه عمداً ، حتَّى عمرة التَّمتُّع إذا ترك فيها من قبل الحاجِّ نفسه أو المعتمر نفسه أو من ينيباه - وقت تعذُّر المباشرة من قبلهما وجواز الإنابة أو وجوبها عليهما - ، فإضافة إلى تسبيب المكلَّف بطلانه أنَّه يسبِّب بطلان الحجِّ نفسه أيضاً ، لوجود التَّلازم الحكمي بين العملين كما مضى الكلام عنها في القسم الأول من أقسام الحجِّ ، ويلحق بذلك الجاهل بالحكم والجاهل بالموضوع.

وفي حكم التَّرك إحداث التَّأخير إلى زمان لا يمكنه إدراك الوقوف بعرفات في خصوص طواف عمرة التَّمتُّع.

ونظراً إلى حلول مرحليَّة في البيان الكامل عن أفعال الحجِّ هذا ألان تناسب الكلام عن عمرة التَّمتُّع لكون حجِّها مفضَّلاً على القسمين الآخرين ، لما مرَّ من الأسباب ولأسبقيَّة هذه العمرة على حجِّها في أداءها ولزوم الطَّواف في أعمالها.

رجَّحنا تقديم الكلام عن الطَّواف نوعاً على الموقع المناسب الآخر

ص: 204

لأدائه لخصوص الحج وهو ما بعد الفراغ من أعمال منى من يوم العيد أو ما بعد إنهاء المبيت الواجب فيها من ليلتيه أو لياليه ، مكتفين بما يعوِّض عن ذلك عند بياننا الآتي عن كيفيَّة حجِّ التَّمتُّع وكيفيَّة حجِّ القِران وكيفيَّة حجِّ الإفراد وكيفيَّة العمرة المفردة ، وإن كان في الموعدين المذكورين مناسبة لا بأس بها.

فَائَدِةٌ يَحْسُنُ ذِكْرُهَا

قبل البدء بالكلام عن خصوصيَّات الطَّواف ينبغي ذكر فائدة يحسن بيانها وهي : -

أنَّه قد ورد في وجه تشريع الطَّواف إضافة إلى التَّعبُّد الواجب تطبيقه تجاه أحكامه ، ما عن علل الشَّرائع عن أبي حمزة الثَّمالي عن علي بنالحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قال ( قلت لم صار الطَّواف سبعة أشواط ، قال عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ لأنَّ الله تبارك وتعالى قال للملائكة إنِّي جاعل في الأرض خليفة ، فردُّوا على الله تبارك وتعالى وقالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدِّماء ، قال الله إني أعلم ما لا تعلمون ، وكان لا يحجبهم عن نوره فحجبهم عن نوره سبعة آلاف عام ، فلاذوا بالعرش سبعة آلاف سنة ، فرحمهم وتاب عليهم وجعل لهم البيت المعمور الَّذي في السَّماء الرَّابعة وجعله مثابة ووضع البيت الحرام تحت البيت المعمور فجعله مثابة للنَّاس وأمناً ، فصار الطَّواف سبعة أشواط واجباً على العباد لكلِّ ألف سنة شوطاً واحداً ).

ص: 205

أقول : ويظهر من هذه الرِّواية الشَّريفة حِكمة منيفة من حِكم تشريع أصل الطَّواف غير كونه أشواطاً سبعة ، وهي ما يطابق معنى اللَّوذ المذكور فيها بالبيت وحوله ، وهو الحوم حول ما به رجاء غفران الذِّنوب وستر العيوب وكشف الكروب دنياً وآخرة ، ولجعل المكلَّفين إن أطاعوه كالملائكة روحانيَّاً.

ووردت أخبار أخرى بهذا المضمون وغيره لا داعي للإطالة بها.

شُروطُ الطَّوَافِ ( الأجْزَاءِ الخَارجِيَّة )

( مسألة 215) يجب الطَّواف ويصحُّ بشروط خاصَّة وتسمَّى بالأجزاء الخارجيَّة وهي : -

1- النيِّة وهي القصد إلى الطَّواف مقترناً بالقربة إلى الله تعالى وهي ما تعبيره لفظاً ( أطوف حول هذا البيت (( طواف عمرة التَّمتُّع )) أو (( طواف حجِّ التَّمتُّع )) أو (( طواف حجِّ القِران )) أو (( طواف حج الإفراد )) أو (( طواف العمرة المفردة )) أو (( طواف النِّساء )) أصالة عن نفسي (( أو نيابة عن فلان أو فلانة )) لوجوبه (( أو لاستحبابه )) سبعة أشواط قربة إلى الله تعالى ) فيبطل الطَّواف إذا لم يقترن بقصد القربة وإنَّما عدَّت هذه النِّيَّة من الأجزاء الخارجيَّة لأنَّها أخرجت لأمر وهو أنَّها كانت قبل العمل العبادي لناحية المقدَّميَّة الملحوظة بالاعتبار فيها لهذا الركن الَّذي ينبغي أن تتقدَّم عليه لإحراز أن تكون حاصلة من أوَّله كما لو أراد المكلَّف إخطارها في الذِّهن ، ولولا هذه المقدَّميَّة

ص: 206

لما أمكن أن تتناسب إلاَّ وأن تكون من الدَّاخليَّات فقط لأنَّها روح العبادة ، وأمَّا لو كانت بمعنى الدَّاعي فلا داعي إلى شيء من التَّكلُّف بذلك.2- الطَّهارة من الحدثين الأكبر والأصغر ، فلو طاف المحدث عمداً أو جهلاً أو نسياناً لم يصح طوافه ، فلذلك يحتاج إلى سبقه بالطَّهارة ، كسبقه بالغُسل عن الجنابة أو الحيض أو النَّفاس بالنِّسبة للنِّساء في الأخيرين ، وكذا الإستحاضة الكبرى والوسطى ، وكذا سبقه بالوضوء ، لأنَّ الطَّواف صلاة لكونه مرتبطاً بالصَّلاة كما مضى شيء عنه وكما سيجيء شيء آخر بإذن الله تعالى.

بل إنَّ نفس دخول المسجد الحرام يحتاج إلى الخلاص من الحدث الأكبر قبله وجوباً ، وإلى سبقه بالوضوء استحباباً حتَّى في غير الطَّواف وقد مرَّ الكلام عن أساليب التَّطهير في بيان صورة الوضوء وصورة الغُسل وصورة التَّيمم ص 77 - 79- 82 فراجع.

( مسألة 216) إذا أحدث المحرم أثناء الطَّواف فللمسألة صور : -

الأولى : أن يكون ذلك قبل بلوغه النِّصف من أشواط الطَّواف السَّبعة كالأول أو الثَّاني أو الثَّالث ، ففي هذه الصُّورة يبطل طوافه وتلزمه إعادته بعد إجراء الطَّهارة الثَّانية .

الثَّانية : أن يكون الحدث بعد إتمامه الشَّوط الرَّابع فما فوق ومن دون اختياره ، ففي هذه الصُّورة يقطع طوافه ويتطهَّر ويتَّمه من حيث قطعه بلا شك ، بل وكذا لو تجاوز النِّصف قبل إتمام الشَّوط الرَّابع مع

ص: 207

الاحتياط بالإعادة.

الثَّالثة : أن يكون الحدث بعد النِّصف وقبل تمام الشوط الرَّابع ، أو يكون بعد تمامه مع صدور الحدث بالاختيار كإجناب المحرم نفسه حال الإحرام ولو بملاصقة مع الزَّوجة من وراء الثِّياب من غير جماع فإنَّه استمناء لا يختلف عن الجماع ، أو كالتَّبوُّل مع قدرته على ضبط نفسه ، والأحوط وجوباً في هاتين الصُّورتين أن يتمَّ طوافه بعد الطَّهارة من حيث قطع ثمَّ يعيده ، مع وجوب الإعادة في صورة إجناب نفسه من العام الأتي كما بيَّنَّاه في محلِّه إذا كان قبل المزدلفة في الحجِّ وكذا في عمرته.

( مسألة 217) إذا شكَّ في الطَّهارة قبل الشُّروع في الطَّواف أو في أثنائه ، فإن علم أنَّ الحالة السَّابقة كانت هي الطَّهارة وكان الشكُّ في صدور الحدث بعدها لم يعتنِ بالشَّك ، لأنَّه لا يُنقض اليقين به ، وإلاَّ وجبت عليه الطَّهارة والطَّواف ابتداء به أو لإكماله على ما بيَّنَّاه آنفاً في الصورتين.

( مسألة 218) إذا شكَّ في الطَّهارة بعد الفراغ من الطَّواف لم يعتنِبالشَّكِّ لقاعدة الفراغ ، وإن كانت الإعادة أحوط مع وجوب الطَّهارة لصلاة الطَّواف.

( مسألة 219) إذا حاضت المحرمة أثناء طوافها فالمشهور على أنَّ طروء الحيض إذا كان قبل أن تتجاوز النِّصف بطل طوافها ، وإذا كان بعده صحَّ ما أتت به ووجب عليها إتمامه بعد الطُّهر والاغتسال ،

ص: 208

ولكن الأحوط وجوباً في كلتا الصُّورتين مع حالة الإتمام في الصُّورة الثَّانية أن تأتي بطواف كامل تنوي به الأعم من التَّمام والإتمام ، هذا فيما إذا وسع الوقت ، وإلاَّ سَعَت وقصرَّت وأحرمت للحجِّ ولزمها الإتيان بقضاء طوافها بعد الرجوع من منى وقبل طواف الحجِّ على ما مرَّ الكلام عليه في ص157.

( مسألة 220) الأحوط وجوباً على المستحاضة أن تتوضأ لكلٍّ من الطَّواف وصلاته إن كانت الإستحاضة قليلة كما في الصَّلوات اليوميَّة لكل منها ، وأن تغتسل غسلاً واحداً لهما وتتوضأ لكلِّ منهما إن كانت الإستحاضة متوسِّطة ، وأن تغتسل لكلِّ منهما مع الوضوء لكلِّ منهما إن كانت كبيرة ، وإذا أحدثت بالأصغر في أثناء الغسل فعليها الاحتياط بالإتمام والإعادة بما هو الأعم من التَّمام أو الإتمام كما مرَّ أيضاً.

( مسألة 221) يجوز استعمال حبوب المانع الَّتي تغيِّر وقت خروج العادة الشَّهريَّة وتأجِّلها على نحو لا تبقي للدِّم فعلاً أثراً ومجالاً للظهور ولو كان يسيراً بشيء في حالة حبسه داخلاً ، ويلحق بها النَّفساء لأجل وجوب إحراز كون المرأة طاهرة من دمها في الحدثين - ما لم يكن ذلك ضارَّاً بالاثنين من جهة طبيَّة ومؤثِّراً على العادة الشَّهريَّة بلا إمكان معالجة -.

لتمارس إلتزامها في المسجد الحرام من طواف عمرة التَّمتُّع قبل الحجِّ أو طواف الحجِّ بعد العود من منى في جميع أقسامه ، وكذلك

ص: 209

طواف العمرة المفردة أو طواف النِّساء.

ولتخلِّص نفسها من مسألة تأجيل الطَّواف أثناء وجود الحيض أو النَّفاس ، أو من كلفة الإنابة إن أمكن ذلك لأهميَّة الممارسة الذَّاتيَّة على غيرها ولعدم إمكان دفع الأجرة للنِّيابة في بعض الحالات.

وللاستفادة أيضاً من عموم دخول المسجد الشَّريف في غير ما ذكرناه من الأمور الواجبة ، وإن كان الأحوط استحباباً إذا كانت عادتها وقتيَّة وعدديَّة منتظمة متزامنة مع أوقات أداء تلك المناسك واجبها ومستحبِّها واحتمل عدم إعدام خروج بعض الدَّم كحالة اختزانه في قعر مهبلها - بحيث إذا تركت تلك الحبوب سوف ترجع إليها عادتها وقتيَّاً وعدديَّاً - أن تقضيبعد ذلك طوافها مع الاستتابة المقتدر عليها ، بل هو الأحوط وجوباً إن لم يكن الأقوى لو كان ذلك الدَّم بواسطة تلك الحبوب منحصراً عن الخروج لا منعدماً كما بيَّنَّا.

( مسألة 222) إذا أحدث المكلَّف في المسجد الحرام بما يوجب الغُسل يجب عليه أن يتيمَّم بدلاً عنه حينما لا يتمكَّن منه لتبرير أمر خروجه ولو في خطوات كانت عن بابه ، ولو بأن تكون طهارة تعويضيَّة مؤقَّتة لعدم جواز الاغتسال في المسجد في بعض الحالات ، بإيصال النَّجاسة الحتمية إلى أرضه من خلاله ولوجوب الخروج الفوري عنه.

( مسألة 223) الأحوط لتصحيح عمل الطَّائف للطَّواف المستحب هو الطَّهارة في هذا الطَّواف ، لا لاعتبارها فيه من حيث هو

ص: 210

وإنَّما للزومها الكمالي في ذاته ولاشتراطها في صلاته المتوقِّفة صحَّتها على الطَّهارة ويتبعها الطَّواف تعبُّداً ، ومن لم يرد كمال الطَّواف من حيث هو له أن يختار عدمها لو رضي من نفسه تقليل ثواب عمله ، إلاَّ الأحداث الكبيرة فلابدَّ من رفعها بالاغتسال لجهة المسجديَّة وحرمتها.

3 - الطَّهارة من الخبث فلا يصحُّ الطَّواف مع نجاسة البدن أو اللِّباس ، وإنَّ النَّجاسة المعفو عنها في الصَّلاة - كالدَّم الأقل من الدِّرهم البغلَّي(1) أو عقد الإصبع أو منخفض راحة اليد على الاختلاف في عبارات النُّصوص لكونها متقاربة وبالأخص في موردنا - لا تكون معفوَّاً عنها في الطَّواف الواجب أو المستحب المرتبط بالصَّلاة على الأحوط وجوباً ، بل وكذا عن الأشياء المتنجِّسة إذا كانت من الملابس اختياراً بل وكذا من مطلق المحمول إذا كان ساتراً للعورة ، ولكنَّ الأحوط التَّحرز عن أقل المقدَّرات الدَّمويَّة في النُّصوص من الدِّرهم إن ظهر حجمه للمكلَّف وأي جزء من ذلك الأقل إن ظهر له وجود.

( مسألة 224) لا بأس بدم الجروح والقروح فيما يشقُّ الاجتناب عنه ، ولا تجب إزالته عن الثَّوب والبدن في الطَّواف ، كما لا بأس بالمحمول المتنجِّس إن اضطرَّ إليه أو خيف عليه بدونه إذا كان ممَّا يستر

ص: 211


1- هو عملة قديمة لدولة رأس البغل في بعض التَّوجيهات كانت قبل الإسلام في بابل ، أتُّخذ مقدارها الحجمي شرعاً مقياساً للعفو عن الدَّم الَّذي كان قدره أقل منه إذا كان في لباس المصلِّي ، وكذلك في لباس الطَّائف وصلاته ما لم يكن أحد الدِّماء الثَّلاثة أو دم نجس العين .

العورة ، فضلاً عن نجاسة ما لا تتمُّ الصَّلاة فيه ، بل وكذا الملبوس الاعتيادي حينالاضطرار إليه.

( مسألة 225) إذا لم يعلم بنجاسة بدنه أو ثيابه ثمَّ علم بها ولكن كان علمه بعد الفراغ من الطَّواف صحَّ طوافه فلا حاجة إلى إعادته إذا لم يكن ظانَّاً بلحوقها بذلك قبل الصَّلاة أو أثناءها لبقاء احتمال لحوقها المعتد به فيما بعد الفراغ وهو كاف في إجراء الصحَّة ، وكذلك تصحُّ صلاة الطَّواف إذا لم يعلم بالنَّجاسة إلى أن فرغ منها على أساس ما ذكرناه من القيد أيضاً.

أمَّا مع الظنِّ بما ذكرناه في الطَّواف أو صلاته فالأحوط وجوباً إزالتها من البدن أو الثَّوب ثمَّ الإعادة لكلا العملين وهما الطَّواف والصَّلاة

( مسألة 226) إذا نسي نجاسة بدنه أو ثيابه ثمَّ تذكَّرها بعد طوافه فالأحوط وجوباً إعادته بعد الإزالة والتَّطهير ، وإذا تذكَّرها بعد صلاة الطَّواف فلابدَّ من إعادتها بعد ذلك حتماً.

( مسألة 227) إذا لم يعلم بنجاسة بدنه أو ثيابه وعلم بها أثناء الطَّواف أو طرأت النَّجاسة عليه قبل فراغه من الطَّواف ، فإن كان معه ثوب طاهر يكتفي به مكان النَّجس طرح الثَّوب النَّجس وأتمَّ طوافه في الثَّوب الطَّاهر ، وإن لم يكن معه ثوب طاهر فإن كان ذلك بعد إتمام الشَّوط الرَّابع أو لا أقل ممَّا بعد النِّصف من الثَّالث من الطَّواف قطع طوافه ولزمه الإتيان بما بقي منه بعد إزالة النَّجاسة مع الاحتياط

ص: 212

بالإعادة في صورة ما كان بعد النِّصف من الثَّالث.

( مسألة 228) لا يجوز للمسلمين المتواجدين في مقام الحرم المكِّي الشَّريف أن يفسحوا مجالاً للكفَّار سواء كانوا كتابيِّين أو غيرهم للنَّهي المصرَّح به في قوله تعالى ( فَلاَ يَقْرَبُوا اْلمَسْجِدَ اْلحَرَامَ بَعْدَ عَاَمِهِمْ هَذَا ) وإن كان الحجُّ واجباً عليهم ، لا من جهة عدم صحَّة الحجِّ المسلَّم منهم حال كفرهم فقط ، وإنَّما هو لنجاستهم الذَّاتيَّة ، وكذا المعنويَّة والَّتي لا تزول إلاَّ بالإقرار بالشَّهادتين.

فضلاً عمَّا لو أرادوا الدُّخول ، أو فسح لهم المجال بعضُ المتطرِّفين في الإسلام لغرض التَّفرُّج أو أخذ الصُّور ونحوهما ممَّا يفعله السُّواح للأغراض غير المقبولة أو لاعتبار كون هذه المواقع من قبلهم من الآثار ليس إلاَّ.

أمَّا لو كان دخولهم أو إدخالهم من قبل الآخرين محرزاً فيه أمر كسبهم للإسلام ، أو كان هناك سعي حثيث في سبيل ذلك ، ممَّا قد يتوقَّف نجاحإدخالهم إلى الإسلام على إدخالهم مع ما ذكرناه من التَّحفُّظ الكامل بما ليس فيه مزاحمة للمسلمين ومماسَّة لهم ولجوانب الحرم الشَّريف وأرضه برطوباتهم ونجاساتهم العرضيَّة ، إضافة إلى عدم إحراز أمر كسبهم أو إقناعهم للخضوع للإسلام العزيز في خارجه دون إدخالهم إليه فلابدَّ أوَّلاً من إيضاح ما يلزم من ذلك لهم عن طريق المصوَّرات عن طريق الفيديوات المعتبرة عند الجميع من ذلك فإن لم يتوفَّر بعد ذلك فلا مانع من ذلك إذا تأكَّد إسلامهم أوَّل

ص: 213

دخولهم مع سبق موافقة الحاكم الشَّرعي على ذلك لأنَّه هو الَّذي يدرك مصالح الأمور الدَّاخليَّة والخارجيَّة المرتبطة بغير المسلمين لو اقتضى الأمر الإسلامي بما مرَّ.

وأما حجُّهم المفروض عليهم شرعاً والَّذي أثبته المشهور والكثير من علماءنا ، وكذلك ما استقرَّ عليه رأينا ممَّا بينَّاه مفصَّلاً في كتابنا ( غَايَةُ المَسْؤُول التَّكْلِيفُ بالفُروعِ للِكُفَّارِ بالأُصولِ ) حوله فإنَّه ممنوع عليهم حتَّى لو اعتقدوا به وحده دون بقيَّة العبادات لعدم كفايته بذلك ولعدم صحَّة نيَّة القربة منه ، ويلازم منعهم عنه منعهم من الدُّخول إلى المسجد الحرام المتوِّقف فيه إتمام الحجِّ على دخوله لممارسة الطَّواف وصلاته للنَّهي الواضح في القرآن وهو ما في قوله تعالى [ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ] فضلاً عن نفس الدُّخول الَّذي لا يؤمن منه المخالطات أو بعضها ممَّا يؤثِّر على الطَّائفين المسلمين بمصاحبتهم لهم.

ولم يكن ذلك المنع لغرض تعطيلهم عن ممارسة الحجِّ مع كفرهم فقط إلاَّ إذا أسلموا ولو لفظاً إذا حصل اليأس من هدايتهم الذَّاتيَّة المعنويَّة ، وإنَّما للتَّجنُّب عن نجاساتهم الثَّابتة وإن آمنوا بخصوص الحج أو بعض العبادات دون بعض ، وأمَّا من طاوع منهم لأن يسلم من بداية ممارسته مع تحفُّظه عن كل ما يخالف الطَّهارة الإسلاميَّة وإن كان نادراً ، فبإمكانه لو كان كذلك أن يمارسه مع إسلامه سريعاً وتطهُّره كذلك أو أن يستنيب من يقوم عنه بالطَّواف والصَّلاة من المسلمين بعد إسلامه بعد فرض تعذُّر أو تعسُّر ذلك الإجراء المباشر منه خوفاً من

ص: 214

أهله ، بل حتَّى لو أسلم واقعاً ولكن تعذَّر أو تعسَّر عليه إسراعه إلى إعلان الإسلام لبعض الحالات الاجتماعيَّة المانعة كما لو أراد أن يؤدِّي ذلك المباشر بعد إسلامه جهاراً فيبقى على تكتُّمه في إسلامه خوفاً من ذويه مثلاً فيجري الاستتابة في حجِّه حينئذ فضلاً عمَّا لو كان معناه الظاهري هو الإعلان به وكان مقبولاً كما في حالات الخوف من المجتمع الَّذي يحل فيه إن صحَّحنا تلك الاستتابة أن تكون عمَّن لم يسرع في إسلامه الظاهري ولو بنحو فيه تشجيع للمنوبعنه أو دعاء له بالهداية التَّامَّة الَّتي قد تستجاب مع إيمان النَّائب وإخلاصه.

ولهذه النَّاحية نوع رأفة راجحة جدَّاً ومستحبَّة ، بل واجبة في بعض الأحوال لا يحسن بل لا يجوز أن لا نهتم بها نحن المسلمين مع التَّيَّارات المضادَّة تجاه من يصل إلى هذا النَّحو من الإطاعة أو الدنو منها ، ولعلَّها تكون بذرة من بذرات الهداية ، لنفسح المجال له ولأمثاله ولمن يريد أن يتوب لتزدهر أجواء كل البسيطة بهذابة أبنائها.

وينبغي - في خصوص هذه الفريضة وفي مثل هذا المقام أيضاً مع كون الحق للنَّائب عنه في أن يأخذ منه أجراً يرضيه - عدم الالتزام بأخذ ذلك الأجر مع الإمكان إذا كان الغرض هو الدَّعوة إلى تطبيق معالم الإسلام والتزاماته قربة إلى الله أو أخذ أقل ما يمكن من الأجر وعدم تيسُّر المتبرِّع ، على أن يكون هذا العمل النِّيابي مرجوَّاً به أن يكون سبباً من أسباب هدايته التَّامَّة ، وبالأخصِّ إذا كان هذا النَّمط من الكفَّار التَّائبين ولو في الجملة أو غير المسرعين إلى الإسلام الإيماني تماماً كالَّذي كان معتقداً بخصوص هذا الفرض أو نحوه دون بقيَّة الواجبات

ص: 215

لو لم يصرَّح بكفره بها لمحاولة إكمال هدايته ، مع السَّلامة من شرِّه ممَّن يرتجى النَّفع فيه ، ومع ضمان عزَّة النَّائب لو أخذ شيئاً من الأجر مع حاجته مع الإقرار بالشَّهادتين من هذا الكافر ولو من جهة مبدئيَّة سطحيَّة.

ولكن ينبغي بل يجب الحذر من بعض المجهولين من هؤلاء ، وبالأخصِّ من بعض المستشرقين المندسِّين في صفوف المسلمين وبمظاهرهم المغرية الَّتي قد تكون إسلاميَّة جيِّدة في بعض الحالات الظاهريَّة ولكن هدفهم هو بث السُّموم المفرِّقة والفتَّاكة بأهل الدِّين الإسلامي الواحد - أعاذنا الله منهم وممَّن يرحِّب بهم - بكلِّ بساطة لكون أكثر حكَّام بلاد المسلمين في واقعهم خدمة أسياد أولئك المستشرقين الجواسيس.

4 - الختان للرِّجال دون النِّساء فلا يصحُّ الطَّواف لغير المختون ، والأحوط وجوباً اعتباره في الصَّبي المميِّز سواءاً أحرم بنفسه أو أحرم له وليُّه ، وكذلك غير المميِّز إذا طيف به على أساس من عقد الإحرام له مثلاً قبل ذلك ، ولا فرق بين العالم والجاهل بالحكم أو الموضوع.

( مسألة 229) إذا طاف المحرم غير مختونٍ بالغاً كان أو صبيَّاً مميِّزاً فلا يجتزئ بطوافه إلاَّ بكونه مختوناً ، فيجب أن يختن نفسه إذا كانبالغاً لحرمة أن يسلِّط على نفسه أحداً لحرمة نظر غيره إلى عورته إلاَّ مع الضَّرورة كحالة عدم قدرته على مباشرة ذلك ، أو يُختن من قبل وليِّه أو نحوه إن لم يكن واصلاً إلى البلوغ ، وهذا الواجب فوري ليطوف

ص: 216

مرَّة أخرى غير تلك الأشواط الأولى ، وإن لم يعد الطَّواف وهو مختون فهو كتارك له عمداً ، ويجب أن يجري فيه ما عليه من الأحكام الخاصَّة الآتية.

( مسألة 230) إذا استطاع المكلَّف وهو غير مختون ، فإن أمكنه الختان والحج في سنة الاستطاعة وجب ذلك ، وإلاَّ أخَّر الحجَّ إلى السَّنة القادمة ، فإن لم يمكنه الختان أصلاً لضرر أو حرج أو نحو ذلك فاللازم عليه الحجُّ ، لكن الأحوط وجوباً أن يطوف بنفسه في عمرته وحجِّه ، ويستنيب أيضاً من يطوف عنه ويصلِّي هو صلاة الطَّواف بعد طواف النَّائب.

( مسألة 231) إذا طاف البالغ غير المختون أو طيف به إذا كان صبيَّاً ثمَّ رجع إلى بلده وبلغ ذلك الصبيُّ ، وأراد البالغ أو من كان قد بلغ من أولئك الصبية أن يتزوَّج فلا تحلُّ له امرأة ، وكذلك من كان متزوِّجاً سابقاً فتحرم عليه إلى حين ختان نفسه ، أو ختان ولي الصبيِّ للصبيِّ إذا أريد العقد له على بنت ، ثمَّ يعود للطَّواف في العام الآتي أو الَّذي بعده بنفسه أو بإنابة شخص مكانه مع التَّعذُّر حتَّى تحلُّ له المرأة في أمر الزَّواج وتصلح له فيه فيما كان قديماً أو فيما هو جديد.

5 - ستر العورة حال الطَّواف لوجود النَّاظر المحترم عادة ، بل حتَّى لو أمن من النَّاظر على الأحوط وجوباً لندرة هذا الفرض جدَّاً ، بل هو الأقوى لو لم يأمن منه للتَّعبُّد ولوجوب الحذر فضلاً عمَّا لو تيقَّن بوجوده على المتعارف.

ص: 217

6 - إباحة اللِّباس أي أن لا يكون لباسه مغصوباً فلو طاف في لباس ثوبي الإحرام المغصوب بطل طوافه حتَّى المخلوط منه بأمواله مع أموال الغير سواء كانت من الحقوق الشَّرعيَّة أو أموال النَّاس ، بل الأحوط وجوباً اعتبار جميع شرائط لباس المصلِّي فيه.

واجبات الطَّواف ( الأجزاء الدَّاخليَّة )

للطَّواف أجزاء واجبة داخليَّة ، كما كان له خارجيَّة ، وهي داخلة في أصل الطَّواف وهي سبعة : -1 - الابتداء من الحجر الأسود ( الأسعد ) والانتهاء به ، والأحوط وجوباً أن يمرَّ بجميع بدنه على جميع الحجر بأن يقف دون الحجر بقليل ، فينوي الطَّواف من الموضع الَّذي تتحقَّق فيه المحاذاة واقعاً ، على أن تكون الزيادة من باب المقدِّمة العلميَّة ، كما أنَّه يحتاط في الشَّوط الأخير بتجاوزه عن الحجر بقليل ، على أن تكون الزِّيادة من باب المقدِّمة العلميَّة أيضاً.

2 - جعل الكعبة على يساره في جميع أحوال الطَّواف كما مرَّ في بداية الكلام عن الطواف ص200.

فإذا استقبل الطَّائف الكعبة لتقبيل الأركان أو لغيره ، أو ألجأه الزُّحام إلى استقبال الكعبة أو استدبارها أو جعلها على اليمين ، فذلك المقدار لا يعدُّ من الطَّواف.

والعبرة في جعل الكعبة على اليسار بالصِّدق العرفي كما يظهر

ص: 218

ذلك من طواف النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ راكباً ، فلا ينافي الانحراف اليسير البسيط من جرَّاء الزُّحام ومدافعاته إذا لم يكن منافياً لمسيرة الطَّواف المشروعة.

وينبغي التَّدقيق في ذلك وبالأخصِّ في المشي ، بل هو الأحوط وجوباً مع إمكان السيطرة ولاسيَّما عند فتحتي حِجْر إسماعيل وعند الأركان - بأن يميل بمنكبه الأيمن قليلاً حتَّى يكون منكبه الأيسر مقابل الكعبة الشَّريفة - كما تُحمل عليه مسيرة رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ مثال الدِّقة المنسوبة إليه حتَّى مع دورانه راكباً.

3 - إدخال حِجْر إسماعيل في المطاف وهو مدفن النَّبي إسماعيل عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وأمِّه هاجر وجملة من الأنبياء عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ ، بمعنى أن تطوف حول الحِجْر - أي تجعله على يسارك - من دون الدُّخول فيه.

4 - خروج الطَّائف عن الكعبة وعن الصِّفة الَّتي في أطرافها المسمَّاة ب- (الشَّاذروان) ،وهو القدر الباقي من أساس الجدار القديم بعد بنايته الجديدة.

5 - كون الطَّواف بين البيت والمقام ( أي مقام إبراهيم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ) ، فلا يصحُّ أن يجعل المقام داخل المطاف على الأحوط وجوباً - وإن جوَّزه البعض للزحام لكون بعض حالاته ما يمكن فيه حالة المسير ما بين البيت والمقام ولكن ببعض يسير من المشقَّة الَّذي طالما يهون لغرض الواجب الأساسي إذا أدِّي على ما يرام - ، بل الواجب هو أن يكون مقام إبراهيم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ على اليمين والبيت على اليسار ويكون الطَّواف بينهما مراعى بذلكالقدر من البعد في جميع الجوانب ( وهي المسافة

ص: 219

الَّتي قدِّرت بستَّة وعشرين ذراعاً ونصف تقريباً بذراع اليد ).

وبما أنَّ حِجْر إسماعيل داخل في المطاف فيكون محل الطَّواف من طرف الحِجْر ضيِّقاً ، والمعروف أنَّه ( ستَّة أذرع ونصف الذِّراع ) تقريباً ، فيجب أن لا يكون الطَّواف في أزيد منه جهد الإمكان. ( أنظر خريطة رقم (( 5 )) ).

6 - العدد بأن يطوف حول البيت ( الكعبة المقدَّسة ) سبعة أشواط من الحجر الأسود وإليه كما مرَّ ، ولا يجزي الأقل من السَّبع ، كما يبطل الطَّواف بالزِّيادة على السَّبع عمداً إلاَّ بمقدار قليل من باب المقدِّمة كما بيَّنا وستأتي أحكام الزِّيادة بتفصيل أكثر.

7 - الموالاة في الطَّواف عرفاً ، فإنَّها شرط في طواف الفريضة ( وهي أن يتابع بين أشواط الطَّواف ولا يعمل في خلال الأشواط عملاً ينافي تلك الموالاة في الطَّواف الواجب) ، وليست الموالاة شرطاً في الطَّواف المستحب.

التَّجَاوُزِ عَنِ المَطَافِ دُخُولاً أو خُرُوجَاً في مَسَائِلٍ

( مسألة 232) إذا خرج الطَّائف عن المطاف فدخل الكعبة مثلاً بطل طوافه ولزمته الإعادة ، والأحوط وجوباً إتمام الطَّواف ثمَّ إعادته إذا كان الخروج بعد تجاوز النِّصف وفي حال عدم التَّجاوز تكفيه مجرَّد الإعادة لبطلان ما قام به سابقاً.

ص: 220

ص: 221

( مسألة 233) إذا تجاوز عن مطافه إلى ( الشَّاذروان ) عمداًالمفروض فيه ابتعاد جسمه وأطرافه عن جدران البيت المطاف حولها ولكون ( الشَّاذروان ) هو أساس الجدران القديمة ظاهراً والَّتي لابدَّ أنَّ يبقى حكم كونها من المطاف على حاله إن صحَّ هذا الكون ولو احتياطاًً كما مر ص214.

( مسألة 234) إذا دخل الطَّائف حِجْر إسماعيل عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بطل الشَّوط الَّذي وقع ذلك فيه فلابدَّ من إعادته لعدم صدق الطَّواف الواجب الَّذي خرج به الجسم والأطراف تماماً عن المطاف الَّذي ما حول الحِجر لا داخله ، والأولى إعادة الطَّواف بعد إتمامه ، وفي حكم دخول الحِجْر التَّسلق على حائطه على الأحوط وجوباً للخروج بالأطراف، بل الأحوط أيضاً أن لا يضع الطَّائف يده على حائط الحِجْر.

( مسألة 235) إذا خرج الطَّائف من المطاف إلى الخارج قبل تجاوزه النِّصف من دون عذر فإن فاتته الموالاة العرفيَّة بطل طوافه ولزمته إعادته ، وكذا إن لم تفت مع عدم العذر ، أمَّا إذا كان مع العذر وعدم فوات الموالاة فإنَّه يتم ويحتاط بالإعادة وجوباً ، فإن كان خروجه بعد تجاوز النِّصف فيتم بعد رجوعه بلا إعادة في عدم العذر وعدم الموالاة ويحتاط بالإعادة استحباباً.

( مسألة 236) إذا أحدث أثناء طوافه جاز له أن يخرج ويتطَّهر ثمَّ يرجع ويتمَّ طوافه على ما تقدَّم ، بل قد يجب كما في حالة ضيق

ص: 222

وقته إذا كان طوافه طواف عمرة التَّمتُّع ، لوجوب إكمال العمرة بطل طوافه بالنِّسبة إلى المقدار الخارج عن المطاف ، والأحوط وجوباً إتمام الطَّواف بعد تدارك ذلك المقدار ثمَّ إعادته ، كما أن الأحوط أيضاً أن لا يمدَّ يده حال طوافه من جانب ( الشَّاذروان ) إلى جدار الكعبة لاستلام الأركان أو غيره لمنافاة كل ما مضى لحقيقة الدَّوران المتوقِّف على إكمال هذا الطَّواف عن طهارة قبل البدء بالإحرام القريب جدَّاً لحجِّه الآتي ، وكذلك جاز له الخروج أو وجب على التَّقدير الثَّاني لإزالة النَّجاسة من بدنه أو ثيابه.

ولو حاضت المرأة أثناء طوافها وجب عليها قطعه والخروج من المسجد الحرام فوراً بعد ما تتيمَّم لأجل الخروج ، وقد مرَّ حكم طواف هؤلاء في شرائط الطَّواف ص205 - 206.

( مسألة 237) يجوز للطَّائف أن يخرج من المطاف لعذر شرعي أو عرفي - كعيادة مريض - أو لقضاء حاجة لنفسه أو لأحد إخوانه المؤمنين ، ولكن تلزمه الإعادة إذا كان الطَّواف فريضة وكان ما أتى به شوطاً أوشوطين إلى الثَّالث بخلاف كونه مستحبَّاً ، وأمَّا إذا كان خروجه بعد الفراغ من ثلاثة أشواط مع تلك الأعذار دون غيرها فإنَّه يتم طوافه الاستحبابي بالإعادة ويقصد بالمعاد ما هو الأعم من التَّمام أو الإتمام.

( مسألة 238) يجوز الجلوس أثناء الطَّواف للاستراحة ، ولكن لابدَّ أن يكون مقداره بحيث لا تفوت به الموالاة العرفيَّة فإن زاد على

ص: 223

ذلك بمدَّة أطول بطل طوافه ولزمه الاستيناف.

( مسألة 239) تحرم المواصلة في طواف المكلَّف بينه وبين طواف آخر ولو بشوط منه بإيصاله به ، فلو أوصله بشوط كامل من الطَّواف الثَّاني وجب عليه أن يكمل الأشواط الباقية لتكون مع السَّابق أربعة عشر وهكذا مع الثَّالث وهلمَّ جرَّا.

النُّقْصَانِ في الطَّوَافِ

( مسألة 240) إذا نقَّص من طوافه عمداً فإن فاتت الموالاة بطل طوافه ، وإلاَّ جاز له الإتمام ما لم يخرج من المطاف ، وقد تقدَّم حكم الخروج من المطاف متعمِّداً ص217.

( مسألة 241) إذا نقَّص من طوافه بعض الأشواط فإن كان في محلِّ المطاف نفسه ولم يعمل عملاً ينافي الموالاة أتى بالباقي وصحَّ طوافه ويكفيه ذلك الإكمال مطلقاً ، أي سواء كان النَّقص عمديَّاً أو سهويَّاً ، وسواء كان ذلك قبل أن يتجاوز نصف الطَّواف أو بعده ، وسواء كان الطَّواف واجباً أو مستحبَّاً.

وأمَّا إذا فاتته الموالاة فإن كان الطَّواف مستحبَّاً أكمل النَّقص وصحَّ طوافه في جميع الصُّور المتقدِّمة ، وإن كان الطَّواف واجباً وكان النَّقص عن سهو ولم يكن عن عمد فإن تجاوز النِّصف فحينئذ يبني على موضع القطع بمجرَّد تذكُّره ذلك النَّقص فيكمل ذلك النَّقص.

بل حتَّى حالة العمد فإنَّه يرتَّب فيها عليه نفس هذا الحكم بعد

ص: 224

تجاوز النِّصف ، فيما عدى حالة دخول الكعبة لو كان هو الفاضل فإنَّ الأحوط وجوباً فيها الاستيناف بعد الإتمام لإطلاق مصحَّح حفص البختري ، بل الأحوط استحباباً ذلك نفسه في صورة السَّهو.

أمَّا لو لم يتجاوز النِّصف في الواجب حينما فقدت الموالاة فإنَّه يعيد في السَّهو فضلاً عن العمد.

صُوَرُ الزِّيَادَةِ في الطَّوَافِ

قد تقع زيادة في الطَّواف وهي ذات صور خمسة لها أحكامها الخاصَّة كما يلي : -

الأولى : أن لا يقصد الطَّائف جزئيَّة الزَّائد للطَّواف الَّذي بيده أو لطواف آخر قد يكون قبله أو بعده مباشرة تشريعاً ، ففي هذه الصُّورة لا يبطل طوافه بالزِّيادة لعدم علاقته بإضافة شيء إليه منها.

الثَّانية : أن يقصد حين شروعه في الطَّواف أو في أثنائه حتَّى أخره الإتيان بالزَّائد ، على أن يكون جزءاً من طوافه الَّذي بيده ، فلا إشكال في بطلان طوافه ولزوم إعادته ، لأنَّه لا يزيد على سبعة أشواط كما لا ينقص عنها.

الثَّالثة : أن يأتي بالزَّائد على أن يكون جزءاً من طوافه الَّذي فرغ منه بمعنى أن يكون قصد الجزئيَّة بعد فراغه من الطَّواف فقط ، والأظهر في هذه الصُّورة بطلانه معها فتلزم الإعادة ولو بالنَّحو الاحتياطي .

ص: 225

الرَّابعة : أن يقصد جزئيَّة الزَّائد لطواف آخر ويتمَّ الطَّواف الآخر بادئاً بها ، والزِّيادة في هذه الصُّورة وإن لم تكن متحقِّقة حقيقة للأوَّل ، إلاَّ أنَّ الأظهر فيها البطلان من جهة المقارنة بين طوافين بالفريضة بلا فاصل فتجب لأجلها الإعادة ولو بالنَّحو الاحتياطي.

الخامسة : أن يقصد جزئيَّة الزَّائد لطواف آخر غير طوافه الَّذي تحت يده ، ولا يتم الطَّواف الثَّاني صدفة فلا زيادة حقيقيَّة هنا يخشى منها كالصورة الرَّابعة ، ولا مقارنة موجبة للبطلان كما سبق ، إلاَّ أنَّ البطلان قد يكون في طوافه لعدم تأتي قصد القربة تامَّاً ، وذلك فيما إذا قصد المكلَّف الزِّيادة عند ابتداءه بالطَّواف الأوَّل أو في أثناءه مع علمه بحرمة المقارنة بين طوافين وبطلان الطَّواف بها ، وهذا العلم لا تتحقَّق معه القربة حتَّى لو لم تتحقَّق تلك المقارنة صدفة لبعض الموانع الطارئة لقصده المذكور في حصوله من الأوَّل.

( مسألة 242) إذا أزاد في طوافه سهواً فإن كان الزَّائد أقل من شوط قطعه وصحَّ طوافه ، وإن كان شوطاً واحداً أو أكثر فالأحوط أن يتم ذلك الزَّائد إلى سبعة أشواط أخرى ، ويجعلها طوافاً كاملاً بقصد القربة المطلقة ولو بعد الشَّوط الأوَّل وأثناء الأشواط الَّتي بعده.

الشَّكِ في عَدَدِ الأشْوَاطِ

( مسألة 243) إذا شكَّ في عدد الأشواط بعد الفراغ من الطَّواف والتَّجاوز عن محلِّه لم يعتنِ بالشكِّ ، كما إذا كان شكُّه بعد دخوله في

ص: 226

صلاة الطَّواف فحدَّثته نفسه أنَّ هذا الشَّوط هل هو الأول أم الثَّاني أم الثَّالث أم غيره من السَّبعة ؟.

( مسألة 244) إذا تيقَّن بالسَّبعة وشكَّ في الزَّائد كما إذا احتمل أنَّ يكون الشَّوط الأخير هو الثَّامن لم يعتنِ بالشَكِّ وصحَّ طوافه ، إلاَّ أن يكون شكُّه هذا قبل تمام الشَّوط الأخير فحينئذ يبطل الطَّواف ، والأحوط استحباباً إتمامه بنيَّة رجاء المطلوبيَّة ثمَّ الإتيان بإعادته الواجبة.

( مسألة 245) إذا شكَّ في عدد الأشواط كما إذا شكَّ بين السَّادس والسَّابع ، أو بين الخامس والسَّادس ، وكذلك الأعداد السَّابقة حُكم ببطلان طوافه في ذلك ، وكذلك إذا شكَّ في الزِّيادة والنُّقصان معاً كما إذا شكَّ في أن شوطه الأخير هو السَّادس أو الثَّامن كما مرَّ في استثناء المسألة السَّابقة.

( مسألة 246) إذا شكَّ بين السَّادس والسَّابع وبنى على السَّادس جهلاً منه بالحكم وأتمَّ طوافه لزمه الاستيناف ، وإن استمرَّ جهله إلى أن فاته زمان التَّدارك كما في طواف عمرة التَّمتُّع في وقته الضَّيق وحلَّ الوقوف في عرفات فالأحوط وجوباً إعادة طوافه قبل طواف الحجِّ ، مع القول بعدم استبعاد صحَّته من قبل أحد الأساتذة العظام قدس سره وإن كان بعده.

( مسألة 247) يجوز للطَّائف أن يعتمد على إحصاء صاحبه الَّذي معه في حفظ عدد أشواطه إذا كان الطَّائف غير حافظ لعدد أشواطه

ص: 227

صدفة ، أو كان مبتلى بالشكِّ وكان صاحبه على يقين من عددها وموثوقاً به عنده.

( مسألة 248) إذا شكَّ في الطَّواف المندوب يبني على الأقل وصحَّ طوافه.

( مسألة 249) إذا نسي الطَّواف حتَّى رجع إلى بلده وواقع أهله

لزمه بعث هدي إلى منى إن كان المنسي طواف الحجِّ ، وإلى مكَّة إن كان المنسي طواف العمرة ويكفي في الهدي أن يكون شاة كما سيأتي في باب الهدي.

( مسألة 250) إذا نسي الطَّواف وتذكَّره في زمان يمكنه القضاء قضاه بإحرامه الأوَّل من دون حاجة إلى تجديد الإحرام ، نعم إذا كانقد خرج من مكَّة ومضى عليه شهر ولو بظهور الهلال الجديد لزمه الإحرام لدخول مكَّة الثَّاني.

( مسألة 251) لا يحل لناسي الطَّواف ما كان حِلُّه متوقِّفاً عليه كالطِّيب بالنِّسبة إلى طواف الزِّيارة ( الحجِّ ) ، والنِّساء بالنِّسبة إلى طواف النِّساء سواءاً كان في أيَّام الحجِّ لنفس العام أو في العام الآخر إذا ذهب إلى أهله حتَّى يقضيه بنفسه أو بنائبه مع عدم إمكانه.

ص: 228

مُسْتَحَبَّاتُ الطَّوَافِ

يستحبُّ للطَّائف حول البيت أمور : -

1 - الطَّواف حول الكعبة الشَّريفة حافياً.

2 - تقصير الخطوات عند الطَّواف والمشي على سكينة ووقار لا مسرعاً ولا مبطئاً.

3 - المشي عند الطَّواف لا الرُّكوب ، وإن كان الرُّكوب جائزاً خصوصاً لبعض العجزة ، مثل حملهم على ( كاروك ) كما مرَّ.

4 - الاشتغال بالذِّكر والدُّعاء وقراءة القرآن.

5 - ترك كلُّ ما يكره في الصَّلاة وكلُّ لغو وعبث.

6 - استلام الحَجر وتقبيله في كلِّ شوط إن أمكن ، بالإضافة إلى الابتداء والاختتام به من دون أن يؤذِّي أحداً أو يزعجه أو يؤخِّره عنه.

7 - الطَّواف عند الزَّوال.

8 - غضُّ البصر وبالأخصِّ عمَّا يحتمل أن يكون أمامه ممَّا يحرم النَّظر إليه كوجوه النِّساء الأجنبيَّات وأمثال ذلك.

9 - القرب من البيت حال الطَّواف.

10 - قراءة الأدعية المأثورة عن أهل البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ بمثل ما رواه معاوية بن عمَّار عن أبي عبد الله الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فيقول : -

اَللَّهُمَّ إنِّي اَسْاَلُكَ بِاِسْمِكَ الَّذي يُمْشَى بِهِ عَلَى ظُلَلِ المَاءِ ، كَمَا

ص: 229

يُمْشَى بِهِ عَلَى جُدَدِ الأرْضِ ، وَاَسْاَلُكَ بِاِسْمِكَ الَّذي يَهْتَزُّ لَهُ عَرْشُكَ ، وَاَسْاَلُكَ بِاِسْمِكَ الَّذي تَهْتَزُّ لَهُ اَقْدَامُ مَلاَئِكَتِكَ ، وَاَسْاَلُكَ بِاِسْمِكَ الَّذي دَعَاكَ بهِ مُوسَى مِنْ جَانِبِ الطُّورِ اْلاَيْمَنِ فَاَسْتَجَبْتَ لَهُ ، وَاَلْقَيْتَ عَلَيِهِ مَحَبَّةً مِنْكَ ، وَاَسْاَلُكَ بِاِسْمِكَ الَّذي غَفَرْتَ بِهِ لِمُحَمَّدٍ(1) صَلَّى الله عَلَيهِ وَآلِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَاَخَّرَ ، وَاَتْمَمْتَ عَلَيِهِ نِعْمَتَكَ ، اَنْ تَفَعَلَ بِي وتطلب حاجتك.

ويستحب أيضاً في حال الطَّواف أن يقول : -

اَللَّهُمَّ اِنِّي اِلَيْكَ فَقِيرٌ ، وَاِنِّي خَائِفٌ مُسْتَجِيرٌ ، فَلاَ تُغَيِّر جِسْمِي ، وَلاَ تُبَدِّلْ اِسْمِي.

وكلَّما انتهى إلى باب الكعبة في كلِّ شوط يصلِّي على محمد وآل محمد ،ويدعو بهذا الدُّعاء : -

سَائِلُكَ فَقِيرُكَ ، مِسْكِينُكَ بِبِابِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيهِ بِالجَنَّةِ ، اَللَّهُمَّ اْلبَيْتُ بَيْتُكَ ، وَاْلحَرْمُ حَرَمُكَ ، وَاْلعَبْدُ عَبْدُكَ ، وَهَذَا مَقَامُ اْلعَائِذِ بِكَ ، اْلمُسْتَجِيرُ بِكَ مِنَ اْلنَّارِ ، فَاَعْتِقْنِي وَوَاْلِدَيَّ وَاَهْلِي وَوَلْدِي وَاِخْوَانِي اْلمُؤمِنْينَ مِنَ اْلنَّارِ ، يَا جَوَادُ يَا كَرِيم.

وكان علي بن الحسين عَلَيْهِما اَلسَّلاَمُ إذا بلغ حِجر إسماعيل يرفع رأسه ثمَّ يقول : -

اَللَّهُمَّ اَدْخِلْنِي اْلجَنَّةَ ، وَاَجْرِنِي مِنَ اْلنَّارِ بِرَحْمَتِكَ ، وَعَافِني مِنَ السُّقْمِ ، وَاَوْسِعْ عَلَيَّ مِنَ اْلرِّزْقِ اْلحَلاَلِ ، وَاَدْرَأ عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ اْلجِنِّ

ص: 230


1- أي عصمته .

وَاْلإنْسِ ، وَشَرَّ فَسَقَةِ اْلعَرَبِ وَاْلعَجَمِ .

ويستحبُّ إذا مضى عن الحِجر ووصل إلى خلف البيت أن يقول ما رواه عمر بن أذينة رحمه الله عن الإمام أبي عبد الله الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وهو : -

يَا ذَا اْلمَنِّ وَاْلطَّوْلِ يَا ذَا اْلجُودِ وَاْلكَرَمِ ، اِنَّ عَمَلِي ضَعِيفٌ ، فَضَاعِفْهُ وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي ، اِنَّكَ اَنْتَ اْلسَّمِيعُ اْلعَلِيمُ .

وإذا وصل إلى الرُّكن اليماني يرفع يديه ويدعو بما دعى به أبو الحسن الرِّضا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فيقول : -

يَا الله يَا وَلِيَّ اْلعَافِيَةِ ، وَرَزَاقَ اْلعَافِيَةِ ، وَخَالِقَ اْلعَافِيَةِ ، وَاْلمُنْعِمُ بِالعَافِيَةِ ، وَاْلمَنَّانُ بِالعَافِيَةِ ، وَالمُتَفَضِّلُ بِالعَافِيَةِ عَلَيَّ وَعَلَى جَمِيعِ خَلْقِكَ ، يَا رَحْمَنَ اْلدُّنْيَا وَاْلآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا ، صَلِّ عَلَى محمد وَآلِ محمد ، وَاَرْزُقْنَا اْلعَافِيَةَ وَتَمَامَ اْلعَافِيَةِ وَشُكْرَ اْلعَافِيَةِ في الدُّنْيَا وَاْلآخِرَةِ يَا اَرْحَمَ اْلرَّاحِمين.

ثمَّ يرفع رأسه إلى الكعبة ويقول ما رواه إبراهيم بن عيسى :-

اْلحَمْدُ للهِ اْلَّذي شَرَّفَكِ وَعَظَّمَكِ ، وَاْلحَمْدُ للهِ اْلَّذي بَعَثَ مُحَمَّدَاً نَبِيَّاً ، وَجَعَلَ عَلِيَّاً إمَامَاً ، اَللَّهُمَّ اهْدِ لَهُ خِيَارَ خَلْقِكَ وَجَنِّبْهُ شِرَارَ خَلْقِكَ(1).

ص: 231


1- ر علي عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في الدعاء إشارة إلى شرف موقع شق البيت الذي أخرج منه مولوداً وذلك من كراماته المعروفة مع ملازمة ذكر الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لذكر النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ تلازماً مهما بين صاحب التَّشريع صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وصاحب التَّنفيذ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ الإلهيين.

وفيما بين الرُّكن اليماني والحجر الأسود يقول ما رواه عبد الله بن سنان عن الإمام أبي عبد الله الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ : -

رَبَّنَا آتِنَا في اْلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي اْلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ اْلنَّار.وفي الشَّوط السَّابع بعد فراغه إذا وصل المستجار ( وهو خلف الكعبة قريباً من الرُّكن اليماني ) يقوم بحذاء الكعبة ، ويبسط يديه على حائطه ، ويلصق به بطنه وخدَّه ، ويقرُّ بذنوبه مسمِّياً لها ، ويتوب ويستغفر الله تعالى منها ، ويدعو بما دعا به أبو عبد الله الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فيقول : -

اَللَّهُمَّ اْلبَيْتُ بَيْتُكَ ، وَاْلعَبْدُ عَبْدُكَ ، وَهَذَا مَقَامُ اْلعَائِذِ بِكَ مِنَ اْلنَّارِ ، اَللَّهُمَّ مِنْ قِبَلِكَ اْلرُّوحُ وَاْلفَرَجُ وَالعَافِيَةُ ، اَللَّهُمَّ إنَّ عَمَلِي ضَعِيفٌّ فَضَاعِفْهُ لِي ، وَاِغفِرْ لِي مَا اِطَّلَعْتَ عَلَيهِ مِنِّي ، وَخَفَيَ عَلَى خَلْقِكَ ، اَسْتَجِيرُ بِاللهِ مِنَ اْلنَّارِ.

ويدعو بما دعا به علي بن الحسين عَلَيْهِما اَلسَّلاَمُ فيقول : -

اَللَّهُمَّ اِنَّ عِنْدِي أفْوَاجَاً مِنْ ذُنوبٍ ، وَأفْوَاجَاً مِنْ خَطَايَا ، وَعِنْدَكَ أفْوَاجٌ مِنْ رَحْمَةٍ ، وَأفَوَاجٌ مِنْ مَغْفِرَةٍ ، يَا مَنْ اسْتَجَابَ لأبْغَضِ خَلْقِهِ إذ قَاَلَ أنْظُرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونْ ، اسْتَجبْ لِي.

ثمَّ يطلب حاجته ، ويدعو كثيراً ، ويعترف بذنوبه ، فما كان ذاكراً لها فليذكرها مفصِّلاً ، وما كان ناسياً لها فليعترف بها إجمالاً ، وليستغفر الله فإنَّه يغفر له إن شاء الله تعالى حسب المنصوص ، فإذا وصل الحجر الأسود ، فليدعو بما رواه معاوية بن عمَّار عن الإمام أبي عبد الله الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وهو:-

ص: 232

اَللَّهُمَّ فَنَعِّمْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي وَبَارِكْ فِيمَا آتْيِتَنِي.

مَكْرُوهَاتِ الطَّوَافِ

يكره للطَّائف الالتزام بأمور : -

1 - الكلام بغير ذكر الله تعالى وغير الدُّعاء وغير قراءة القرآن الكريم.

2 - الضَّحك والتَّمطِّي والتَّثاؤب وفرقعة الأصابع ، وكل ما يكره في الصَّلاة.

3 - مدافعة البول والغائط ، بل الرِّيح أيضاً.

4 - الأكل والشُّرب.

5 - لبس ما يسمَّى ب- (( البرطلة )) وهي قلنسوة طويلة كانت تلبس قديماً وإن كان المكلَّف معذوراً في استعماله لها ولما يشد به الرَّأس أو يغطيه لوجع في رأسه من الشَّمس - مثلاً -.علماً بأنَّ استعمال ما يغطِّي الرأس ومنه هذا النَّوع أساساً محرَّم عند الإحرام وأعماله لأنَّ به تغطية للرَّأس المسلَّمة في كونها من التروك ففي حال وجود العذر عدَّت مكروهة ، ولأنَّ ( البرطلة ) بالخصوص من زيِّ اليهود ، وقد تشتد الكراهة إلى حيث الحرمة بالعنوان الثَّانوي وهو ما إذا قصد التَّزيِّ بزيِّهم.

ص: 233

صَلاَةِ الطَّوَافِ

صلاة الطَّواف هي الواجب الثَّالث من واجبات عمرة التَّمتُّع ، والمكمِّل للطَّواف الَّذي هو السَّابع من واجبات أفعال حجِّ التَّمتُّع والقِران ، والسَّادس من واجبات حجِّ الإفراد بعد إنهاء الحلق أو التَّقصير.

والثَّالث من واجبات العمرة المفردة كما سيأتي بيانه ، والثَّاني من واجبَي طواف النِّساء في كل من أقسام الحجِّ الثَّلاثة والعمرة المفردة.

وهي ركعتان مثل فريضة الصُّبح كما سيأتي ، يتخيَّر المكلَّف فيها بين الجهر والإخفات ، يصلِّيها الحاجُّ أو المعتمر بعد الطَّواف مباشرة ، ويراعي فيها الفوريَّة العرفيَّة على الأحوط ، بمعنى أنَّه بعد فراغه من الطَّواف يصلِّي ركعتيه خلف مقام إبراهيم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، عند الصخرة بحيث يصدق عليه أنَّه صلاَّها عندها إن أمكنه ذلك ، والأحوط استحباباً أن يستقبلها بوجهه ، وإن لم يتمكَّن من الصَّلاة خلف المقام صلاَّها عنده من أحد الجانبين ، فإن لم يتيسَّر له ذلك يصلِّيها حيث شاء من المسجد الحرام ضمن حدود المسجد القديم الَّتي كانت في زمن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ والأئمَّة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ مع مراعاة الأقرب فالأقرب إلى خلف المقام مع الاحتياط بترصُّد حصول مجال لإعادة الصَّلاة خلف المقام إذا كان في الوقت سعة.

هذا ما كان من أمر الطَّواف الواجب وصلاته ، وأمَّا صلاة

ص: 234

الطَّواف المستحب فمحلُّها جميع المسجد ضمن الحدود الأصليَّة المذكورة اختياراً.

شَرَائِطُ صَلاَةِ الطَّوَافِ مَعَ كَيْفِيَّتِهَا

( مسألة 252) يشترط في صحَّة الصَّلاة أمور : -

1 - الكون على الطَّهارة من الأحداث الكبيرة والأحداث الصغيرة ، وعدم تلويث أو تلوث الثِّياب والبدن بالخبث من الأعيان النَّجسة أو الأشياء المتنجِّسة كما مرَّ في الطَّواف ، بل اشتراطها كاشتراطها في غيرها من الصَّلوات بالصُّورة الدَّقيقة تماماً.

2 - إباحة لباسه من كلِّ حالة من حالات الغصبيَّة.

3 - ستر العورة.

4 - النيَّة على وجه القربة إلى الله تعالى ،وصورتها لفظاً ( أصلِّيركعتي الطَّواف (( لعمرة التَّمتُّع )) أو (( لحجِّ التَّمتُّع )) أو (( لحج القِران )) أو (( لحجِّ الإفراد )) (( حجَّة الإسلام )) أو غيرها من القصود أو (( للعمرة المفردة )) أو ل- (( طواف النِّساء )) أصالة عن نفسي أو (( نيابة عن فلان أو فلانة )) (( لوجوبه أو استحبابه )) قربة إلى الله تعالى.

5 - صلاة ركعتين كصلاة الصبح تماماً بلا زيادة ولا نقيصة.

6 - السُّجود على ما يصحُّ السجود عليه من الأرض وما أنبتت

ص: 235

عدا المأكول والملبوس لقوله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ في حديث مشهور بين الفريقين ( جُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجَدَاً وَطَهُورَاً )(1).

ومن ذلك المرمر المبلَّط به قاع الحرم الشَّريف إذا لم يكن من ماء القطر المنجمد لكونه من المياه المعدنية الكلسيَّة الخاصَّة الممنوعة شرعاً في السُّجود عليها ، ومن ذلك حصاه ورمله ، وقِطَع الخشب ، والورق الأبيض الَّذي يكتب عليه إذا كان خالياً من خطوط الكتابة ،وكذلك الحصير ( السجَّاد المصنوع من القشِّ ) ومن بعض ما تنبته الأرض ممَّا يصلح لهذا النَّسيج ، أو نحوه ممَّا لم يكن ملبوساً في أصله كالقطن والصُّوف فإنَّ الأخيرين لا يصح السجود عليهما لكونهما ممَّا يلبس في

أصله لو أريد ذلك.

ويلحق بما يصحَّ السُّجود عليه ، بل يستحب ما كان من قطع الطِّين اليابس غير المفخور ، وأفضله من مواقع الشُّهداء كشهداء أحد ، وأفضل من ذلك هو المتَّخذ من أرض كربلاء المقدَّسة لأنَّها أرض طيِّبة طاهرة تبرَّكت بدماء الشَّهادة ضد طغاة الأرض من بني أميَّة ، كما كان يصنع مثل هذا أو يتَّخذ من ترابه من موقع قبر حمزة سيِّد الشُّهداء في عهد رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ لغرض السُّجود عليه من قبله ملبَّداً بالتِّبن ثم صار سيرة متَّبعة.

ومن حاول من أعداء المذاهب الخمسة - المتآخين لله وفي الله

ص: 236


1- صحيح البخاري ج1 ص209 ط بيروت ، صحيح مسلم ج1 ص371 ط بيروت .

لوجود كثير من الجوامع الشَّاملة لهم في الأخوَّة - أن يلقي فتن التَّفرقة لإثارة المذاهب الأربعة ضدَّ الشِّيعة الإماميَّة - من الوهابيِّين وغيرهم من المكفِّرة - بادِّعاء أن هذا العمل هو عبادة للحجر وأمثال ذلك ، بغضاً منهم للحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وغيره من آل الرَّسول.فإنَّه يلقم حجراً لما نصَّت عليه نصوص كثيرة من غير الشِّيعة من المذاهب الأخرى الَّتي منها ما رواه الخبَّات بن الأرت قال ( شكونا إلى رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ شدَّة الحرِّ في جباهنا وأكفِّنا. فلم يُشكِّنا )(1) لكون الأرض الأصيلة هي أساس ما يصح السجود عليه.

ومنها ما روي عن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أنَّه ( كان يكره الصَّلاة على شيء دون الأرض )(2).

ومنها ما روي عن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ من أنَّه ( صلَّى على خميرة )(3).

ومنها ما ورد عن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ من أنَّه ( صلَّى على بساط )(4) وهو من جريد النَّخل.

ص: 237


1- أی لم یقبل شکواهم لانها أرض مختصة بالسجود علیها ، رواه البیهقي في سننه ج2 ص105.
2- رواه البخاري في صحيحه ج1 ص331 .
3- رواه البيهقي في سننه ج3 ص421 ، والخميرة هي حصيرة صغيرة من السَّعف راجع قاموس الفيروز آبادي ط3 مصر ج2 ص23 باب خَمَرَ .
4- رواه البيهقي في سننه ج2 ص436 عن أنس بن مالك ، قال وكان بساطهم من جريد النَّخل .

ولعدم التَّفريق منهم وللأسف بين مسألة السُّجود على الطِّينة ( التُّربة الحسينيَّة ) مثلاً وبين السُّجود لها أثار هؤلاء الأعداء شبهات لا أصل لها.

ومن ضاق عليه أمر السُّجود على التُّربة الشَّريفة أو غيرها من الشِّيعة الإماميَّة وغيرهم من إخوانهم من بقيَّة المذاهب الأخرى المؤيدة حيث لا يرضى به بعض المتطرِّفين في مواقفهم الخاصَّة ، فليحفظ كرامة نفسه من اعتدآتهم بالاقتصار على باقي ما يصح السجود عليه من الأرض وما أنبتت عدا المأكول والملبوس كما دلَّ عليه قول النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ الماضي وهو ( جُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجَدَاً وَطَهُورَاً ) المعروف بين الفريقين وغيره اتقاء الفتنة واتقاء التَّعصب الضار من بعض المتعصبين عناداً وجهالة .

إضافة إلى أهميَّة تكريم الجو الرَّوحاني العام للمسلمين للتَّأدب الأخلاقي الَّذي علَّمنا به النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ والأئمة الأطهار عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ ومن حذا حذوهم من أجلاَّء الصحابة والتَّابعين وتابعي التَّابعين وللصَّبر أمام هذه الأمور وأمام الأعداء تلهُّفاً لجمع الشَّمل ما دام الباقي ممَّا يصح السجود عليه موجوداً.وأمَّا في حال عدم وجود شيء ممَّا يصحُّ السُّجود عليه فيكتفى بالميسور مع شدَّة المعارضة للصَّلاة خلف المقام ثمَّ إعادة الصَّلاة في الفسحة المسجديَّة الأخرى الَّتي يتواجد في بقعتها ما يصحُّ السجود عليه.

ص: 238

أحْكَامُ صَلاَةِ الطَّوَافِ

( مسألة 253) من ترك صلاة الطَّواف في الحجِّ عالماً عامداً بطل حجُّه ، لاستلزامه فساد السَّعي المترتِّب عليها وبقي عليه قضاء نفس الطَّواف والإعادة في العام الأتي ، وإذا كان في طواف العمرة مع العمد أيضاً فقد صحَّت منه بقيَّة المناسك المترتِّبة عليه بعد الصَّلاة ، وبقي عليه قضاء نفس صلاة الطَّواف كالنَّاسي.

وأمَّا إذا كان طوافه مستحبَّاً وتعمَّد ترك صلاة الطَّواف فينبغي أن لا يتركها ، بل يصلِّيها حيث شاء وإن كان الإتيان بها في المسجد الحرام أحوط استحباباً.

( مسألة 254) تجب المبادرة إلى الصَّلاة بعد الطَّواف بمعنى أن لا يفصل بين الصَّلاة والطَّواف عرفاً فاصل.

( مسألة 255) إذا نسي صلاة الطَّواف وذكرها بعد السَّعي أتى بها ، ولا تجب إعادة السَّعي بعدها مع رجحان الاحتياط بإعادته استحباباً ، وإذا ذكرها في أثناء السَّعي قطعه وأتى بالصَّلاة خلف المقام ثمَّ رجع وأتمَّ السَّعي حيثما قطع ، وإذا ذكرها بعد خروجه من مكَّة لزمه الرجوع والإتيان بها في محلِّها إن أمكنه ، فإن لم يتمكَّن من الرجوع أتى بها في أي موضع ذكرها فيه مع الاحتياط بالإنابة ليصلِّي النَّائب مكانه خلف المقام إن أمكن.

وحكم التَّارك لصلاة الطَّواف جهلاً حكم النَّاسي ، ولا فرق بين

ص: 239

القاصر والمقصِّر غير الملتفت ، ولكن المقصِّر الملتفت عليه تبعات ما أوصل نفسه إليه من المسؤوليَّة بسبب التَّقاعس عن العلم بصورة أشد من النَّاسي والجاهل المقصِّر غير الملتفت فضلاً عن القاصر فيجب عليه التَّعلم حتَّى لا تصدر منه المخالفات.

( مسألة 256) إذا نسي صلاة الطَّواف حتَّى مات وجب على الولي قضاءها.

( مسألة 257) إذا كان يلحن في قراءته وكان جاهلاً بلحنه وكانمعذوراً في جهله لبساطته وعدم إلتفاته صحَّت صلاته ولا حاجة إلى إعادتها حتَّى إذا علم بذلك بعد الصَّلاة إذا لم يتوفَّر من يعلِّمه أو ينوب عنه ، وأمَّا إذا لم يكن معذوراً لتقصيره مع الإلتفات فاللازم عليه إعادتها بعد التَّصحيح ، ويجري عليه حكم تارك صلاة الطَّواف نسياناً من حالة وجوب التَّدارك ونحوها.

( مسألة 258) من لم يحسن القراءة فعليه أن يصلِّيها بصحبة شخص عارف يتعلَّم ويفعل الصَّحيح بسببه.

مُسْتَحَبَّاتُ رِكْعَتَي الطَّوَافِ

يستحب لمن عليه صلاة الطَّواف إجراء أمور : -

1 - قراءة سورة التَّوحيد بعد الحمد في الرِّكعة الأولى وقراءة سورة الجحد ( قُلْ يَا آءَيُّهَا اْلكَافِرُونَ ) بعد الحمد في الرَّكعة الثَّانية.

ص: 240

2 - الحمد والثَّناء على الله تعالى والصَّلاة والسَّلام على الرَّسول صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وعلى آله بعد الفراغ من الصَّلاة.

3 - السُّؤال من الله تعالى القبول في الدُّعاء ويقول : -

اَللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي ، وَلاَ تَجْعَلْهُ آخِرَ اْلعَهْدِ مِنِّي ، اْلحَمْدُ للهِ بِمَحَامِدِهِ كُلِّهَا عَلَى نَعَمَائِهِ كُلِّهَا ، حَتَّى يَنْتَهِيَ اْلحَمْدُ اِلى مَا يُحِبُّ وَيَرْضَى ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى محمد وَآلِ مُحَمِّدٍ ، وَتَقَبَّلْ مِنِّي وَطَهِّرْ قَلْبِي وَزَكِّ عَمَلِي.

وفي رواية أخرى اَللَّهُمَّ اَرحِمْنِي بَطَاعَتِي اِيَّاكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، اَللَّهُمَّ جَنِّبْنِي اَنْ اَتَعَدَّى حُدُودَكَ ،وَاَجْعَلْنِي مِمَّنْ يُحِبُّكَ وُيُحِبُّ رَسُولَكَ وَمَلاَئِكَتَكَ وَعِبَادَكَ اْلصَّالِحِينَ.

ثمَّ يسجد ويقول كما صنع الإمام أبو عبد الله الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ على ما رواه بكر بن محمد : -

سَجَدَ لَكَ وَجْهِي تَعَبُّدَاً وَرِقَّاً ، لاَ اِلَهَ اِلاَّ اَنْتَ حَقَّاً حَقَّاً ، الأوَّلُ قَبْلَ كُلِّ شَيء ، وَالآخِرُ بَعْدَ كُلِّ شَيء ، وَهَا اَنَذَا بَيْنَ يَدَيْكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ فَاِغفِرْ لِي ، فَاِنَّه لاَ يَغْفِرُ الذَّنْبَ اْلعَظِيمَ غَيْرُكَ فَاِنِّي مُقِّرٌ بِذُنُوبِي عَلَى نَفْسِي وَلاَ يَدْفَعُ اْلعَظِيمَ غَيْرُكَ.

ص: 241

الرُّكْنُ الرَّابِعِ السَّعِيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَة

السَّعي هو الواجب الرَّابع من واجبات عمرة التَّمتُّع ، والواجب التَّاسع من واجبات الحجِّ بجميع أقسامه بعد الفراغ من الحلق أو التَّقصير يوم العيد في منى ، وواجب رابع من واجبات العمرة المفردة.

وهو كذلك من الأركان فلو تركه المكلَّف عمداً بطل حجُّه سواءاً في ذلك العلم بالحكم أو الجهل به عن تقصير والتفات إذا لم يمكنه التَّدارك في عمرة التَّمتُّع - مثلاً - قبل الوقوف بعرفات إذا كان سعياً للعمرة مع وجوب الإعادة ، والأظهر بطلان إحرامه أيضاً ومع ذلك فالأحوط الأولى هو العدول إلى الإفراد وإتمامه بقصد الأعمِّ من الحج ومن العمرة المفردة ، وهكذا الأمر في سعي الحج.

ومعنى السَّعي هو الذِّهاب والإيَّاب بين جبلين أو مرتفعين معلومين قرب المسجد الحرام بقي أثرهما أو بعضه إلى حدِّ الآن رغم ارتفاع الأرض الَّتي بينهما بسبب إحداث التَّبليط المستمر فيها لعدَّة مرَّات ولم يكن ذلك التَّجديد فيها مؤثِّراً فيهما بعد إزاحة القديم كما

سيأتي توضيحه.

ويعتبر فيه قصد القربة لعباديَّته ، ولا يعتبر فيه ستر العورة كما يعتبر في الطَّواف من حيث أصل الحكم إذا لم يكن مشاهد أجنبي يراه ، وخصوصاً في حالة عدم وجود ما يكتسي به من الألبسة المحلَّلة أما

ص: 242

من يحرم إبداء العورة أمامه وأمام من يحرم نظره إليها - لو كان هناك مصداقيَّة لهذا الأمر - ، ومع وجود ذلك المانع فالسَّتر واجب لا محالة ، بل حتَّى لو لم يكن مع احتمال مصادفة وجود شيء منه احتياطاً ومع ندرته.

ولا تعتبر أيضاً الطَّهارة من الحدث أو الخبث لعدم وجود المسجديَّة في المسعى بالنِّسبة إلى الأحداث الكبيرة ، ولا وجود لازم من لوازم عباديَّة في السَّعي تتوقَّف على الطَّهارة من الحدث الأصغر أو الخبث كذلك ، ولكن الأولى رعاية الطَّهارة فيه للكمال.

وقد ورد في منشأ تشريعه إضافة إلى لزوم الامتثال الشَّرعي بتطبيقه تعبُّداً ما في علل الشَّرائع عن معاوية بن عمَّار عن أبي عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قال ( إنَّ إبراهيم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لما خلَّف إسماعيل بمكَّة عطش الصَّبي وكان فيما بين الصَّفا والمروة شجر فخرجت أمُّه حتَّى قامت على الصَّفا فقالت هل بالواديمن أنيس فلم يجبها أحد فمضت حتَّى انتهت إلى المروة فقالت هل بالوادي من أنيس فلم يجبها أحد ثمَّ رجعت إلى الصَّفا فقالت كذلك حتَّى صنعت ذلك سبعاً فأجرى الله ذلك سنة..إلخ ).

وَاجِبَاتُ السَّعِي

واجبات السَّعي أمور : -

1 - النيَّة بأن يأتي به للعمرة إن كان في العمرة وللحجِّ إن كان في الحجِّ ويقصد السَّعي الواجب إن كان واجباً ، ويقصد السَّعي

ص: 243

المستحب إن كان مستحبَّاً أصالة عن نفسه إن كان عن نفسها لحجَّة الإسلام أو لغيرها كالمعادة ، وبقصد النِّيابة عن الغير إن كان عنه كذلك وهكذا.

وكيفيَّة لفظ النيَّة ، هي أن يقول عند الصُّعود على الصَّفا ( أسعى بين الصَّفا والمروة بسبعة أشواط على الوجه الَّذي أنا مكلَّف به وهو العمرة أو الحجِّ - مثلاً - و لوجوبه أو لاستحبابه و لكونه للنِّفس لحجَّة الإسلام أو لغيرها تبرُّعاً أو نيابة عن الغير مبتدئاً من الصَّفا ومنتهياً بالمروة سبعة أشواط قربة إلى الله تعالى ) ، ولابدَّ أن تكون مقارنة لأوَّل السَّعي.

2 - الابتداء من الصَّفا ، ويتحقَّق ذلك بإلصاق عقبيه ( ما خلف القدمين ) ، والأحوط إلصاق العقبين والبدن معاً مع الإمكان فيبدأ بالسَّعي بأوَّل جزء من الصَّفا ، ثمَّ يذهب بعد ذلك إلى المروة وهذا ما يعدُّ به شوطاً واحداً.

3 - الختم بالمروة ، ويتحقَّق ذلك أيضاً بأن يلصق أصابع قدميه بآخر جزء من مرتفعها ، والأحوط إلصاق إبهامي القدمين والبدن معاً

مع الإمكان كما في الصَّفا ثمَّ يتَّجه إلى الصَّفا ثانية فيدير ظهره ملصقاً عقبيه وظهره بجدار أعلى المروة ثمَّ ينزل ساعياً نحو الصَّفا وهكذا إلى سبعة أشواط ، ولا تجوز مخالفة هذا النَّهج فيه.

فلو بدء بالمروة قبل الصَّفا فإن كان في شوطه الأول ألغاه وشرع من الصَّفا ، وإن كان بعده ألغى ما بيده وأستأنف السَّعي من الأوَّل.

ص: 244

4 - العدد وهو أن يقطع المسافة الَّتي بين الصَّفا والمروة سبعة أشواط بلا زيادة ولا نقصان فيحصل بالذِّهاب أربعاً من الصَّفا إلى المروة وبالإيِّاب ثلاثاً من المروة إلى الصَّفا فيكون سبعة أشواط أخرها المروة كما كان أولُّها الصَّفا ، ( أنظر خريطة رقم (( 6 )) ).5 - أن يكون ذهابه وإيَّابه فيما بين الصَّفا والمروة من الطَّريق المتعارف ، فلا يجزئ الذِّهاب أو الإيَّاب من المسجد الحرام ، أو أي طريق آخر كالطَّابق الثَّاني المبتدع إنشاؤه أخيراً إلاَّ إذا أضطرَّ إلى ذلك بسبب عدم القدرة على الطَّابق الأرضي المستغرقة لجميع زمان أداء واجب السَّعي وعلى شرط وجود أثر الجبلين في ذلك الطَّابق الثَّاني حتَّى يبدأ من الصَّفا في أوَّله وينتهي بالمروة في أخره كما مرَّ ذكره ولكن لا أرى فعلاً موجباً للاضطرار إلى الصُّعود على الطَّابق الثَّاني حتَّى مع الزُّحام المتعارف على ظاهر ما قد يحصل من العسر المتحمَّل احتفاظاً بالمألوف الشَّرعي من موقع السَّعي الأصيل.

نعم لا يعتبر لزوم أن يكون ذهابه وإيَّابه في طريقه الأرضي بالخطِّ المستقيم لجواز ذهابه مثلاً من جانب اليمين وإيَّابه من جانب اليسار فيخف الزُّحام ولو نسبيَّاً مع وجود مخاطر مخيفة بل مميتة لكثيرين في الطَّابق الأعلى على ما ثبت في بعض سنين حججنا الماضية.

6 - استقبال المقصد وهو استقبال المروة عند الذِّهاب إليها ، كما يجب استقبال الصَّفا عند الرجوع من المروة إليه ، فلو استدبر المروة عند الذِّهاب إليها أو استدبر الصَّفا عند الإيَّاب من المروة أو مشى

ص: 245

ص: 246

عرضاً لم يجزئه ذلك مع حرمته ، ولا بأس بالالتفات إلى اليمين واليسار أو الخلف عند الذِّهاب أو الإيَّاب مع بقاء مقاديم البدن على حالة الاستقبال حين السَّعي إن أمكن في الأخير ، أمَّا في حالة الوقوف فلا بأس بالإعراض بكل البدن ولو بلغ حدَّ الاستدبار إلى أن ينتهي من ذلك الوقوف ليمشي بعد ذلك على طريقة الاستقبال الصَّحيحة .

7 - إباحة الدَّابَّة أو العربة إن أراد المكلَّف الركوب مع الحاجة إلى أحدهما أو حتَّى مع عدمها لعدم لزوم المشي في السَّعي على ما سيأتي تفصيله قريباً في أحكام السَّعي مع كون المشي أحوط مع القدرة عليه ، بل وكذا النَّعل واللِّباس أيضاً فلا يجوز السَّعي على الدَّابَّة أو العربة المغصوبة ، وكذا لا يجوز السَّعي بالنَّعل المغصوب واللِّباس المغصوب ، بل وكذا حمل المغصوب.

8 - التَّرتيب بأن يكون السَّعي بعد صلاة الطَّواف من غير ضرورة كشدَّة الحرِّ أو التَّعب ، فلو قدَّمه على الطَّواف أو على صلاته اختياراً في الحجِّ والعمرة ، فلابدَّ من إعادته بعدهما لعدم جواز هذا التَّقديم ، وكذا لا تجوز محاولة تأخيره اختياراً كذلك عنهما بمقدار كثير غير مضطر إليه إلاَّ إذا اضطر إليه أو نسي أو جهل حكمه فأخَّر حتَّى إلى اللَّيل إذا كان الجهل عن غير التفات مع التَّقصير فضلاً عن القصور ، وأمَّا مع التَّقصير الالتفاتي والاختيار فلا يمتد إلى اللَّيل فضلاً عن الغد.

ص: 247

أحْكَامُ السَّعِي

( مسألة 259) لا يجب المشي على القدمين في حال السَّعي ، بل يجوز الركوب على حيوان أو عربة ، إلاَّ أنَّ استخدام القدمين واجب في بداية السَّعي نزولاً من أعلى الصَّفا وصعوداً إلى أعلى المروة فلذلك نقول بوجوب استخدامهما على المقتدر في الجملة ،وأمَّا غير المقتدر فيكفيه الرُّكوب وحده.

( مسألة 260) يجوز الجلوس على الصَّفا أو المروة أو فيما بينهما للاستراحة ، ولكنَّ الأحوط وجوباً ترك الجلوس فيما بينهما إلاَّ في حالة الاضطرار ، وكذلك بالاحتياط بالجلوس ذاهباً في الذِّهاب وآئباً في الإيَّاب ، وبالاحتياط عند القيام للإتمام أن يرجع القهقرى يسيراً من باب المقدِّمة حتَّى لا يفوته أقل جزء من أشواط السَّعي.

( مسألة 261) الزِّيادة على سبعة أشواط في السَّعي عمداً مبطلة فتجب إعادته ، ومع السَّهو والجهل فيها يبقى صحيحاً ولكنَّ الأحوط استحباباً الإعادة

( مسألة 262) النَّقص في السَّعي سهواً يوجب العود للإتمام فإن لم يتمكَّن استناب ، والأحوط وجوباً في صورة عدم تجاوز النِّصف الإتمام والاستئناف أيضاً ولا يحل له ما حرم بالإحرام قبل الإتمام.

( مسألة 263) لو شكَّ في عدد أشواط السَّعي بعد الانصراف لم يلتفت ، وإن كان عروض الشكِّ في أثنائه فإن تيقَّن أنَّه أتمَّ سعيه أو

ص: 248

أزيد كما إذا كان بالمروة وشكَّ بين السَّبع من الأشواط وبين التِّسع منها فيبني على مجرَّد التَّمام لعدم وجود زائد على السَّبع في أصل التَّشريع مع ذلك الشَّك ، وإن كان في أثناء الشَّوط قبل الوصول إلى المروة فالظَّاهر أنَّ سعيه باطل ، وكذا إذا تعلَّق شكَّه بالأقلِّ من سبعة أشواط ثمَّ طرأ عليه هذا الشَّكُّ في الأثناء من باب أولى.

( مسألة 264) من لم يتمكَّن من السَّعي بنفسه ولو بحمله على حيوان أو متن إنسان أو عربة ونحو ذلك استناب غيره ، فيسعى عنه ويصح حجُّه.

( مسألة 265) إذا أزاد في سعيه خطأ صحَّ سعيه لكن الزَّائد إذا كان شوطاً كاملاً فإنَّه يستحبُّ له أن يضيف إليه ستَّة أشواط ليكون سعياً كاملاًغير سعيه الأوَّل فيكون انتهاؤه إلى الصَّفا عكس المجموعة السَّابقة ( السَّبعة الأولى ) ، ولا بأس بالإتمام رجاءً إذا كان الزَّائد أكثر من شوط واحد.

مُسْتَحَبَّاتُ السَّعِي

يستحب عند السَّعي أمور : -

1- الطَّهارة من الحدث الأكبر والأصغر على الأحوط استحباباً من دون أن يحسب ذلك شرطاً كما لا يشترط الطَّهارة من الخبث أيضاً ، والحائض يمكنها السَّعي ، نعم يستحبُّ لها الطَّهارة إن أمكنها ذلك فتتوضأ أو تتيمَّم وإلاَّ فتسعى بدون ذلك.

ص: 249

2- المبادرة إلى السَّعي بعد ركعتي الطَّواف مباشرة ويمكن للمتعب الاستراحة.

3- تقبيل الحَجر الأسود واستلامه عند إرادته الخروج إلى الصَّفا إن أمكن ذلك وإلاَّ أشار إلى الحَجر.

4- الإتيان إلى عين زمزم قبل السَّعي للاستقاء بنفسه إن أمكنه والشُّرب من مائها وليصبَّ منه على رأسه وظهره ، ويقول وهو مستقبل الكعبة ما رواه معاوية بن عمَّار عن الإمام أبي عبد الله الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ : -

اَللَّهُمَّ اجْعَلْهُ عِلْمَاً نَافِعَاً وَرِزْقَاً وَاسِعَاً وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءِ وَسُقْمٍ.

5- استلام الحجر بعد الشُّرب من زمزم أيضاً ( وهو أولى ) عند خروجه إلى الصَّفا.

6 - الخروج إلى الصَّفا من الباب الَّذي يقابل الحَجر الأسود وهو الباب الَّذي كان يخرج منه رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ويسمَّى الآن بباب الصَّفا

7- المشي في خروجه إلى الصَّفا بسكينة ووقار.

8- الصُّعود على الصَّفا بحيث ينظر إلى البيت إن أمكن فإنَّ النَّظر إلى البيت مستحبُّ أيضاً.

9- استقبال الرُّكن الَّذي فيه الحجر بعد صعوده على الصَّفا.

10- الحمد لله تعالى والثَّناء عليه وأن يتذكَّر الإنسان نِعمَ الله عليه ويذكر من آلائه وبلائه وحسن صنيعه إليه ما يتمكَّن على ذكره ، ثمَّ يقول سبع مرَّات ( الله أكْبَر ) وسبع مرَّات ( اَلحَمْدُ للهِ) وسبع مرَّات

ص: 250

(لاَ إلَهَ إلاَّ الله)، ثمَّ يقول ثلاث مرَّات : -لاَ إلَهَ إلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَيُمِيتُ وَيُحِيي ، وَهُوَ حَيٌ لاَ يَمُوتُ بِيدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِير.

ثمَّ يصلِّي على محمد وآل محمد ويقول ثلاث مرَّات : -

الله أكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا ، اَلحَمْدُ للهِ عَلَى مَا أوْلاَنَا ، وَالحَمْدُ للهِ الحَيِّ القَيِّومِ ، وَالحَمْدُ للهِ الحَيِّ الدَّائمِ.

ثمَّ يقول ثلاث مرَّات : -

أشْهَدُ أن لاَ إلَهَ إلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، لاَ نَعْبُدُ إلاَّ إيَّاه مُخْلِصينَ لَهُ الدِّين وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُون

ويقول ثلاث مرَّات : -

اَللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ وَاليَقِينَ في الدُّنْيَا وَالآخِرَة.

ويقول ثلاث مرَّات : -

اَللَّهُمَّ آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

ثمَّ يقول مائة مرَّة ( الله أكْبَر ) ومائة مرَّة ( لاَ إلَهَ إلاَّ الله ) ومائة مرَّة ( اَلحَمْدُ للهِ ) ومائة مرَّة ( سُبْحَانَ الله ) ثمَّ يقول : -

لاَ إلَهَ إلاَّ الله وَحْدَهُ وَحْدَهُ أنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَغَلَبَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ ، فَلَهُ اَلمُلْكُ وَلَهُ اَلحَمْدُ وَحْدَهُ ، اَللَّهُمَّ بَاركْ لِي في اَلمَوتِ وَفِيمَا بَعْدَ المَوتِ ، اَللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ ظُلْمَةِ القَبْرِ وَوَحْشَتِهِ ، اَللَّهُمَّ أظِلَّنِي في ظِلِّ عَرْشِكَ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إلاَّ ظِلُّكَ.

ص: 251

11- ويستحب أن يُكثر الإنسان من

استيداع الله دينه ونفسه وأهل بيته حين وقوفه على الصَّفا ويقول : -

أسْتَوْدِعُ الله الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ ، الَّذي لاَ تَضِيعُ وَدَائِعُهُ ، دِينِي وَنَفْسِي وَأهْلِي وَمَالي وَوَلْدِي ، اَللَّهُمَّ اسْتَعْمِلْنِي عَلَى كِتَابِكَ وَسُنَّةِ نَبِيِّكَ ، وَتَوَفَّنِي عَلَى مِلَّتِهِ وَأعْذِني مِنَ الفِتْنَةِ.

ثمَّ يقول ثلاث مرَّات ( الله أكْبَرُ ) ثمَّ يدعو بالدُّعاء السَّابق مرَّتين ، ثمَّ يقول ( الله أكْبَرُ ) ثمَّ يدعو بالدُّعاء السَّابق إن تمكَّن من ذلك وإلاَّ فليأت بما تيسَّر له.

12- استقبال الكعبة الشَّريفة ، وقراءة هذا الدُّعاء : -

اَللَّهُمَّ اغفِرْ لي كُلَّ ذَنْبٍ أذْنَبْتُهُ قَطْ ، فَإن عُدْتُ فَعُدْ عَلَيَّ بِالمَغْفِرَةِ ، فَإنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ، اَللَّهُمَّ افْعَلْ بي مَا أنْتَ أهْلُهُ ، فَإنَّكَ إنْ تَفْعَلْ بي مَا أنْتَ أهْلُهُ تَرْحَمُنِي ، وَإنْ تُعَذبَنِي فَأنْتَ غَنِيٌ عَنْ عَذَابِي ، وَأنَا مُحْتَاجٌ إلى رَحْمَتِكَ ، فَيَا مَنْ أنَا مُحْتَاجٌ إلى رَحْمَتِهِ ارْحَمْنِي ، اَللَّهُمَّ لاَ تَفْعَلْ بي مَا أنَا أهْلُهُ ،فَإنَّكَ إنْ تَفْعَلْ بي مَا أنَا أهْلُهُ تُعَذبْنِي وَلَم تَظْلِمْنِي ، أصْبَحْتُ أتَّقِي عَدْلَكَ وَلاَ أخَافُ جَوْرَكَ فَيَا مَنْ هُوَ عَدْلٌ لاَ يَجُورُ ارْحَمْنِي.

ثمَّ قل : - يَا مَنْ لاَ يَخِيبُ سَائِلُهُ ، وَلاَ يَنْفَدٌ نَائِلُهُ ، صَلِّ عَلَى محمد وَآلِ محمد وَأجِرنِي مِنَ النَّارِ بِرَحْمَتِكَ.

13- إطالة الوقوف على الصَّفا ، ففي الحديث ( مَنْ أرَادَ أن يُكْثِرَ مَالَهُ فَليُطِلْ الوُقوفَ في الصَّفا ).

ص: 252

14- إذا انحدر بعد الصُّعود على الصَّفا فليقف على الدَّرج الرَّابع ويتوجَّه إلى الكعبة الشَّريفة ويقول : -

اَللَّهُمَّ إنِّي أعَوذُ بِكَ مِنَ عَذَابِ القَبْرِ وَفِتْنَتِهِ وَغُرْبَتِهِ وَوَحْشَتِهِ وَظُلْمَتِهِ وَضِيقِهِ وَضَنَكِهِ ، اَللَّهُمَّ أظِلَّنِي في ظِلِّ عَرْشِكَ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إلاَّ ظِلُّكَ.

15- ثمَّ ينحدر من الدَّرجة الرَّابعة ويكشف عن ظهره ويقول:-

يَا رَبَّ العَفْوَ ، يَا مَنْ أمَرَ بِالعَفْوِ ، يَا مَنْ هُوَ أوْلَى بِالعَفْوِ ، يَا مَنْ يُثِيبُ عَلَى العَفْوِ ، العَفْوَ العَفْوَ العَفْوَ ، يَا جَوَادُ يَا كَرِيمُ ، يَا قَرِيبُ يَا بَعِيدُ ، ارْدُدْ عَلَيَّ نِعْمَتَكَ وَاسْتَعْمِلْنِي بِطَاعَتِكَ وَمَرْضَاتِكَ.

16- السَّعي ماشياً لا راكباً حتَّى لو تحمَّل بعض المشاق.

17- كون المشي على سكينة ووقار نحو ما مرَّ بالطَّواف.

18- كون المشي متوسِّطاً لا سريعاً ولا بطيئاً من الصَّفا إلى المنارة الأولى ، وهي الآن معلَّمة بلون أخضر على الجانب الأيمن من المسعى ، ثمَّ يُهرول منها ( بمعنى الجري سريعاً على مقدَّم الرِجل وأطراف الأصابع ) إلى المنارة الثَّانية المعلَّمة بلون أخضر أيضاً كما في وادي محسَّر ، ولا هرولة على النِّساء ، وإن كان راكباً حرَّك دابَّته من دون أن يؤذِّي أحداً ، ثمَّ يمشي منها إلى المروة وهكذا يفعل في الرجوع ، وينبغي عدم التَّهاون في الهرولة من قبل الرِّجال حين الوصول إلى محلِّها المعلَّم بالأخضر موقعاً وضياءاً بل قيل بالوجوب.

19 - الدُّعاء عند الوصول إلى المنارة الأولى فيقول : -

ص: 253

بِسْمِ الله وَبِاللهِ وَ الله أكْبَرُ ، وَصَلَّى الله عَلَى محمد وَأهْلِ بَيْتِهِ ، اَللَّهُمَّ اغْفِرْ وَأرْحَمْ ، وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمْ ، إنَّكَ أنْتَ الأعَزُّ الأجَلُّ الأكْرَمُ ، وَاهْدِني للَّتي هِيَ أقْوَمُ ، اَللَّهُمَّ إنَّ عَمَلِي ضَعِيفٌ فَضَاعِفْهُ لي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي ، اَللَّهُمَّ لَكَ سَعْيي ، وَبِكَ حَوْلِي وَقُوَّتِي ، تَقَبَّلْ مِنِّي عَمَلِي يَا مَنْ يَقْبَلُ عَمَلَ المُتَّقِين.

20- فإذا تجاوز المنارة الثَّانية يقول : -

يَا ذَا المَنِّ وَالفَضْلِ وَالكَرَمِ وَالنَّعَمَاءِ وَالجُودِ ، اغْفِرْ ذُنُوبِي إنَّه لاَ يَغْفِرُالذِّنُوبَ إلاَّ أنْتَ.

21- إذا وصل المروة فليصعد عليها وليصنع كما صنع على الصَّفا وليقرأ الأدعية الأولى الَّتي قرأها على الصَّفا بموجب التَّرتيب الَّذي مرَّ ذكره ، ويقول بعد ذلك : -

اَللَّهُمَّ يَا مَنْ أمَرَ بِالعَفْوِ، يَا مَنْ يُحِبُّ العَفْوَ ، يَا مَنْ يُعْطِي عَلَى العَفْوِ ، يَا مَنْ يَعْفُو عَلَى العَفْوِ ، يَا رَبِّ العَفْوَ العَفْوَ العَفْوَ العَفْوَ .

22- أن يُجدَّ في البكاء ويدعو كثيراً ويتباكى ويقرأ هذا الدُّعاء : -

اَللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ حُسْنَ الظَنِّ بِكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَصِدْقَ النِيَّة في التَّوَكُلِّ عَلَيكَ.

23- إذا نسي الهرولة ففي أي موضع تذكَّرها يرجع القهقرى إلى موضع الهرولة ثمَّ يهرول.

ص: 254

الرُّكْنُ الخَامِسِ الوُقُوف في عَرَفَات

تقدَّم ص137 من الكلام عن الإحرام أنَّ الحجَّ بجميع أقسامه ومعها العمرة المفردة لابدَّ أن يكون مبدوءاً بالإحرام له من أحد المواقيت المذكورة سابقاً في مواقعها المخطَّط لها من كلِّ جهات العالم الإسلامي ، ولأنَّ لكل جهة من هذا العالم ميقات لكل داخل محرِم ما عدا حجِّ التَّمتُّع ، فإنَّه بما إنَّه يجب تقدُّم عمرته عليه فاللازم حينئذ أن يكون الإحرام لتلك العمرة من نفس مواقيت الحجِّ المذكورة أيضاً ، ثمَّ بعد الفراغ من العمرة قبل يوم عرفات ( التَّاسع من ذي الحجَّة ) بقليل أو كثير ينتظر الحاجُّ المتمتِّع الإفاضة يوم التَّروية استحباباً ، ويوم عرفة على مستوى القدر الواجب للإحرام لحجِّ التَّمتُّع من مكَّة عند الحاجة إلى شيء من التَّأخير للوصول إلى عرفات ولو قبيل الزَّوال.

ويجوز تقديمه على يوم التَّروية بثلاثة أيَّام ولاسيَّما بالنِّسبة إلى الشَّيخ الكبير والمريض إذا خافا من الزُّحام فيحرمان ويخرجان قبل خروج النَّاس.

( مسألة 266) يجب الوقوف في عرفات وهو الرُّكن الخامس من أركان الحجِّ بجميع أقسامه ، والثَّاني من واجبات الحجِّ بجميع أقسامه مع قصد القربة الآتي بيانه.

والمراد بالوقوف هو الحضور بعرفات بمصداقيَّته الأكثر تعارفاً ومنه

ص: 255

الوقوف ولو بالقدر المسمَّى على الرِّجلين في بعض الصور الاضطراريَّة ولو بمقدار إنشاء النِّيَّة من زوال الشَّمس إلى الغروب من نهار يوم التَّاسع من ذي الحجَّة من دون فرق بين أن يكون راكباً أو راجلاً أو ساكناً أو متحرِّكاً إذا لم يمكنه البقاء إلى الزَّوال وبهذا المسمَّى تتحقَّق الرُّكنيَّة ، بل إنَّ الوقوف أهم من الحالات الأخرى، بل هذا الوقوف الَّذي على الرِّجلين في حال نيَّته الآتية واجب على الأحوط لو صمَّم الحاج على البقاء في هذا الموقف من الزَّوال إلى الغروب بأن يلتزم به ولو يسيراً ثمَّ يأخذ راحته في بقيَّة الأوقات إذا فعله لمزاولة أعماله العباديَّة الأخرى وغيرها ، ولكن لا يلزم أن يكون هو المخصوص بالرُّكنيَّة.

وممَّا ورد في حكمة تشريع هذا الوقوف مضافاً إلى وجوبه التَّعبُّدي المهمُّ ( أنَّ جبرائيل عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قال لآدم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إذا غربت الشَّمس فاعترف بذنبكسبع مرَّات ولذلك سميَّت عرفة بعرفة ).

وفي رواية أخرى عن علل الشَّرائع عن معاوية بن عمَّار قال ( سألت أبا عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عن عرفات لم سمِّيت عرفات فقال إنَّ جبرائيل عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ خرج بإبراهيم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يوم عرفة ، فلما زالت الشَّمس قال له جبرائيل يا إبراهيم اعترف بذنبك واعرف مناسكك فسمِّيت عرفات لقول جبرائيل عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ اعترف فأعترف ).

( مسألة 267) حدُّ عرفات من بطن عرفة وثوية ونمرة إلى ذي المجاز ومن المأزمين إلى أقصى الموقف وهذه الحدود لها غير داخلة فيها ، والمقصود من الموقف فيها هو ما تجاوز عنها إلى الدَّاخل لا أنَّ نفس

ص: 256

الحدود جزء منها لأنَّ معلوميَّة خروجها عن الموقف ثبتت عن المصادر الخاصَّة الجيِّدة ولو لم يكن إلا الاحتياط لكفى ،(أنظر خريطة رقم 7).

( مسألة 268) صورة نيَّة الوقوف اللفظيَّة في عرفات هي قول الحاجِّ ( أقف مثلاً (( لحجِّ التَّمتُّع )) أو (( لحجِّ الإفراد )) أو (( لحج القِران )) أصالة أو نيابة لحجَّة الإسلام أو الحجِّ الواجب من الإعادة الواجبة أو ما وجب بنذر أو عهد أو يمين أو ما وجب بإيجار قبضَ ثمنه وأُلزم به أو كان مستحبَّاً قربة إلى الله تعالى من الزَّوال إلى الغروب ) على أن يجعل نيَّة الوقوف خاصَّة في أحد ما ذكرناه من التردُّدات على ما هو المكلَّف به منها.

ويكره الصُّعود على الجبل لأنَّ فيه حكم المسجديَّة ، الَّذي لو وجدَ أحدٌ في ذلك المكان نجاسةً لوجب عليه إزالتها ، ولتساهل بعض المسلمين - وللأسف من بعض المذاهب - في أمر التَّغوُّط هناك - هداهم الله إلى ما فيه الاستبصار - تتأكَّد الكراهة على الآخرين على الأقوى.

( مسألة 269) يعتبر في الوقوف أن يكون عن اختيار وانتباه للزوم القصد الطَّبيعي فيه ، فلو نام أو غشي عليه هناك في جميع الوقت ولم يتحقَّق منه شيء من ذلك لم يتحقَّق منه الوقوف ، ونظراً لخطورة الموقف لأنَّ بترك الوقوفين معاً فساد الحجِّ ، فحينئذ الأحوط له بل يجب عليه إن لم يدرك الوقوف الاختياري أن يقف الوقوف الاضطراري مع وقوف المشعر الحرام الاعتيادي إن أمكنه كما سيتَّضح في موضوع إدراك الوقوفين.

ص: 257

ص: 258

( مسألة 270) يجوز للمضطر الَّذي لم يقدر على التَّواجد من بداية الزَّوال أن يتأخَّر في نيَّة وقوفه ونفس وقوفه إلى ما بعد الظهر يسيراً وقدَّره بعض الأعلام بساعة تقريباً ، و لا بأس به إن اكتفى بذلك.

وأمَّا في الحالة الاختياريَّة فالواجب على المكلَّف أن يقف تمام الوقت بمعناه المذكور سابقاً بحيث يأثم بتركه الاستغراق ويقتصر على المسمَّى منه على الرجلين وجوباً احتياطيَّاً كما مرَّ ، وليس الاستغراق فيه بهذا النحو من الأركان الَّتي يفسد الحجُّ بتركه على كل حال كما قد يتوهم وإن وجب احتياطاً في الجملة ، لأنَّ الرُّكن من الوقوف هو المسمَّى كما قلنا سواء على الرِّجلين وهو الأهم أو على نحو الحالات الأخرى ، مع استحباب الاستغراق المذكور مع الاحتياط الإستحبابي بالقيام متى ما فرغ أو تذكَّر إضافة إلى المسمَّى إن نسيه كما مر.

( مسألة 271) تحرم الإفاضة من عرفات إلى المشعر قبل غروب الشَّمس عالماً عامداً لكنَّها لا تُفسد الحجَّ ، وعليه كفَّارة بُدنة ينحرها في منى ، فإن لم يتمكَّن منها صام ثمانية عشرة يوماً متواليات بمكَّة أو في الطريق أو عند أهله.

ومن أفاض قبل المغرب نسياناً أو جهلاً منه بالحكم فتذكَّر أو علم فعليه الرجوع وإن لم يرجع فعليه الكفَّارة كالعالم.

ص: 259

الوُقُوفُ الاضطرَاري

( مسألة 272) من لم يدرك الوقوف الاختياري وهو الوقوف في النَّهار لنسيان أو لجهل قد يعذر فيه أو لغيرهما من الأعذار كالشيخوخة والضعف والخوف وكون المضطر امرأة أو صبي لا يقويان عليه من الزحام لزمه الوقوف الاضطراري ولو يسيراً ليلة العيد وصحَّ حجُّه مع ما يصحح حجُّه من الوقوف الآتي في المزدلفة على ما سيجيء ، فإن تركه متعمِّداً فسد حجُّه.

وسيأتي كلام إضافي حول الاضطراري ، وكذا الاحتياطي في الكلام عن المشعر الحرام ممَّا يناط بالمقام الحالي كذلك فلاحظ.

آدَابُ الوُقوُفِ في عَرَفَاتِ

( مسألة 273) يستحبُّ في الوقوف بعرفات أمور كثيرة نختار منها : -

1- ذكر بعض الأعلام استحباب التَّلفُّظ بالنيَّة وقد ذكرنا صورته آنفاً ، ولكنَّنا نحتاط بالتّلفُّظ بما هو أشد من حالة الاستحباب كما مرَّ في ذكر نوايا الإحرام وأفعال الحجِّ فيما سبق.

2- دوام الطَّهارة حال الوقوف من الحدث.

3- الغُسل عند الزَّوال.

ص: 260

4- تفريغ النَّفس للدُّعاء والتَّوجه إلى الله ، لأنَّه من أفضل الأوقات المناسبة والَّتي يُرجى فيها القبول ، وبالأخصِّ التَّيمُّن بدعاء الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في يوم عرفة الآتي ذكره قريباً ، بل يستحبُّ تفريغ ذهنه عن كل ما يشوِّش فكره العبادي.

5- صيام ذلك اليوم وهو ممَّا أستثني من بين أنواع الصَّوم المُحرَّم في السَّفر إذا لم يضعفه الصَّوم عن الدُّعاء وبمعنى أنَّه إذا أضعفه عن الدُّعاء ينقلب ذلك الصَّوم من كونه مستحبَّاً إلى كونه مكروهاً.

6- زيارة الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يوم عرفة وسيأتي ذكرها في هذه الرِّسالة بعد ذكر الدُّعاء.

7- الوقوف بسفح الجبل على ميسرته ، أي الطَّرف الَّذي يكون علىميسرة القادم من مكَّة إذا أستقبل الجبل بوجهه في السَّفح منه للتَّعبُّد ، ولكونه مكان تواجدِ صاحب الأمر (عجَّل الله تعالى فرجه ) كما هي سيرة السَّلف الصَّالح من النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وآله الطّاهرين عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ ومن حذا حذوهم من عامَّة المؤمنين.

8- الجمع بين صلاتي الظُّهر والعصر بأذان وإقامتين ، ولا فرق في ذلك بين الإمام والمأموم والمنفرد والمُتمُّ والمُقصر.

9- أن يضرب خيمته بنمرة ذات المسجد المعروف.

10- أن يجمع متاعه بعضه إلى بعض وأن يسدَّ الفُرَج الَّتي بينه وبين أصحابه كي يمتلأ الموقف وحتّى لا يبقى شئ منه خالياً تعظيما للشَّعائر بامتلاء ذلك المتسع بذلك.

ص: 261

هذا ما كان في الأزمنة القديمة الَّتي قد تقلِّ في بعضها نِسب الحجَّاج العدديَّة إلى حيث يحتاج إلى هذا الأمر وهو ملء المكان أو ما يشبهه ، وأما في هذه الأزمنة وهي في حالة كثرتهم بما يملاء المكان نفوساً هائلة وإلى حدِّ الضيق الخانق فلا داعي لوضع هذه الأمتعة لإشغال تلك الأماكن حتَّى لا تضيق تلك البقاع على الحجَّاج الكرام بأكثر ممَّا هو الآن ، نسأل الله تعالى أن يكون كل الجمع على الهدي الإيماني وعلى اليقين الروحاني وعلى نهج النَّبي وآله وخلَّص أصحابه حتَّى يكون مثلاً أبهر لتعظيم تلك الشَّعائر وفي جميع الأزمنة وسالماً من ضيق الزُّحام ومفلحاً بالوئام والتَّوحُّد والانسجام.

11- الوقوف تمام الوقت على قدميه كما مرَّ حتَّى لو كان داعياً ، فإن لم يستطع يقتصر على بعضه ويجلس في الباقي كما مرَّ أيضاً إلاَّ أن يشغله الوقوف قائماً عن التَّوجُّه في الدُّعاء فحينئذ يكون الجلوس له أفضل.

12- أن يتوجَّه بوجهه إلى القبلة.

13- البكاء مع الدُّعاء للوصول إلى مرتبة الإخلاص لتتحقَّق مسألة الباكي الدَّاعي المذكور في الأدلَّة ، ولأنَّ ذلك اليوم يوم مسألة وليس هناك موطن أحبُّ إلى الشَّيطان من أن يُذهل العبدَ فيه من عظيم ما فيه.

14- الاستعاذة من الشَّيطان الرَّجيم.

15- التَّوبة والاستغفار من ذنوبه ، ويعدَّها واحداً واحداً إن تمكَّن

ص: 262

وإلاَّ أستغفر ربَّه منها جميعاً ، بل الأحوط استحباباً عدم ترك الاستغفار.

16- الصَّلاة على النَّبي محمد وآله ، والإكثار من ذكر الله ، بل الأحوط عدم تركها وترك ذكر الله ، ومن ذلك قول ( الله أكبر ) مائة مرَّة ، و ( لا إله إلاَّ الله ) مائة مرَّة ، و ( الحمد لله ) مائة مرَّة ، و( سبحان الله ) مائة مرَّة ، و ( ما شاء الله ولا قوَّة إلاَّ بالله ) مائة مرَّة ، و ( اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد ) مائة مرَّة.

17- استحباب قراءة القران كعشر آيات من سورة البقرة ، وقراءة ( قل هو الله أحد ) مائة مرَّة ، وآية الكرسي مائة مرَّة ، وسورة القدر مائة مرَّة ، والمعوِّذتين وغير ذلك.

ص: 263

دُعَاءُ اْلحُسَينِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في يَوْمِ عَرَفَة

يستحبُّ قراءة دعاء عرفة الَّذي كان يقرأه الحسين سلام الله عليه في يوم عرفة وله شأن عظيم ، ولم يختص بقراءته النَّاسكون في نفس عرفة كالحجَّاج الكرام ، بل يستحبُّ حتّى لغيرهم ممَّن هم في بقاع العالم الإسلامي الأخرى من ذلك اليوم ، ولأهميَّته في عرفة للنَّاسك أنَّه إذا أراد الصَّوم المستحب فيه كما مرَّ وكان يُضعفه عن الدُّعاء فإنَّه ينقلب استحباب صوم ذلك اليوم بالنِّسبة إليه إلى كراهة لتقدُّم الدعاء عليه في كل حال .

فروي أنَّ بشر وبشير ولدا غالب الأسدي أنَّهما قالا لمَّا كان عصر عرفة في عرفات وكنَّا عند أبي عبد الله الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فخرج عليه السَّلام من خيمته مع جماعة من أهل بيته وأولاده وشيعته بحال التَّذلُّل والخشوع والإستكانة فوقف في الجانب الأيسر من الجبل وتوجَّه إلى الكعبة ورفع يديه قبال وجهه كمسكين يطلب طعاماً وقرأ هذا الدعاء :-

اَلحَمْدُ للهِ الَّذِي لَيْسَ لِقَضَآئِهِ دَافِعٌ ، وَلا لِعَطائِهِ مَانِعٌ ، وَلا كَصُنْعِهِ صُنْعُ صَانِعٍ ، وَهُوَ الجَوادُ الوَاسِعُ ، فَطَرَ اَجْنَاسَ البَدائِعِ ، وَاَتْقَنَ بِحِكْمَتِهِ الصَّنائِعَ ، لا تَخْفَى عَلَيهِ الطَّلائِعُ ، وَلا تَضِيعُ عِنْدَهُ الوَدائِعُ ، ( أتَى بِالكِتَابِ اْلجَامِعِ ، وَبِشَرْعِ الإسْلامِ اْلنُّورِ اْلسَّاطِعِ وَلِلخَلِيقَةِ صَانِعِ ، وَهُوَ اْلمُسْتَعَانُ عَلَى اْلفَجَائِعِ خ ل ) جَازي كُلِّ صَانِعٍ ، وَرَائشُ كُلِّ قَانِعٍ ، وَرَاحِمُ كُلِّ ضَارِعٍ ، ومُنْزِلُ اْلمَنافِعِ ، وَاْلكِتَابِ اْلجَامِعِ باِلنّوُرِ السَّاطِعِ ، وَهُوَ للِدَّعَواتِ سَامِعٌ ، وَللِكُرُبَاتِ دَافِعٌ ، وَللِدَّرَجَاتِ رَافِعٌ ، وَللِجَبابِرَةِ

ص: 264

قَامِعٌ ، فلا إلَه غَيْرُهُ ، وَلا شَئَ يَعْدِلُهُ ، وَلَيْسَ كَمِثلِهِ شَئٌ ، وَهُوَ السَّميعُ اْلبَصيرُ ، اللَّطيفُ اْلخَبيرُ ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَئٍ قَديرٌ ، اَلّلهُمَّ اِنِّي اَرْغَبُ اِلَيْكَ ، وَاَشْهَدُ باِلرُّبُوبِيَّةِ لَكَ ، مُقِرٌّ بِاَنَّكَ رَبَّي ، وَأَنَّ اِلَيْكَ مَرَدِّي ، اِبْتَدَاْتَنِي بِنِعْمَتِكَ قَبْلَ اَنْ اَكُونَ شَيئاً مَذْكوُراً ، وخَلَقْتَنِي مِنَ التُّرابِ ، ثُمَّ اَسْكَنْتَنِي الأَصْلابَ ، اَمِناً لِرَيبِ المَنُونِ ، وَاْختِلافِ الدُّهُورِ وَالسِّنينَ ، فَلَمْ اَزَلْ ظَاعِناً مِنْ صُلْبٍ اِلى رَحِمٍ ، في تَقادُمٍ مِنَ الأَيَّامِ اْلماضِيَةِ ،وَاْلقُرُونِ اْلخالِيَةِ ، لَمْ تُخْرِجْني لِرَافَتِكَ بي ، وَلُطْفِكَ لي وَاِحْسانِكَ اِلَيَّ ، في دَوْلَةِ اَئِمَّةِ الْكُفْرِ ، الَّذينَ نَقَضُوا عَهْدَكَ وَكَذَّبُوا رُسُلَكَ ، لَكِنَّكَ اَخْرَجْتَني رَأفَةً مِنْكَ وَتَحَنُّناً عَلَيَّ ، لِلَّذي سَبَقَ لي مِنَ اْلهُدَى ، الَّذي لَهُ يَسَّرْتَني ، وَفيهِ اَنْشَاْتَني ، وَمِنْ قَبْلِ ذلِكَ رَؤُفْتَ بي ، بِجَميلِ صُنْعِكَ وَسَواِبغِ نِعَمِكَ ، فَابْتَدَعْتَ خَلْقِي مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ، وَاَسْكَنْتَنِي في ظُلُماتٍ ثَلاثٍ بَيْنَ لَحْمٍ وَدَمٍ وَجِلْدٍ ، لَمْ تُشَهِّرني بِخَلْقِي ، وَلَمْ تَجْعَلْ اِلَيَّ شَيئاً مِنْ اَمْري ، ثُمَّ اَخْرَجْتَني لِلَّذي سَبَقَ لي مِنَ اْلهُدى ، اِلَى الدُّنيا تَآمّاً سَوِيّاً ، وَحَفِظْتَني في اْلمَهْدِ طِفْلاً صَبِيّاً ، وَرَزَقْتَني مِنَ اْلغِذآءِ لبَنَاً مَرِيّاً ، وَعَطَفْتَ عَلَيَّ قُلُوبَ اْلحَواضِنِ ، وَكَفَّلْتَنيَ اْلأُمَّهاتِ الرَّواحِمَ ( الرَّحَائِمَ خ ل )، وَكَلاْتَني مِنْ طَوارِقِ اْلجآنِّ ، وَسَلَّمْتَني مِنَ الزِّيادَةِ وَالنُّقْصانِ ، فَتَعالَيْتَ يا رَحيمُ يا رَحْمنُ ، حَتّى اِذَا اْستَهْلَلْتُ ناطِقاً باِلْكَلامِ ، اَتْمَمْتَ عَلَيَّ سَوابِغَ الأِنْعامِ ، وَرَبَّيْتَني زايِداً في كُلِّ عامٍ ، حَتّى اِذَا

ص: 265

اكْتَمَلَتْ فِطْرَتي ، وَاعْتَدَلَتْ مِرَّتي(1) ، اَوْجَبْتَ عَلَيَّ حُجَّتَكَ ، بِاَنْ اَلْهَمْتَني مَعْرِفَتَكَ ، وَرَوَّعْتَني(2) بِعَجايِبِ حِكْمَتِكَ ( فِطْرَتِكَ خ ل ) وَاَيْقَظْتَني لِما ذَرَأْتَ في سَمآئِكَ وَاَرْضِكَ مِنْ بَدائِعِ خَلْقِكَ ، وَنَبَّهَتني لِشُكِرْكَ وَذِكْرِكَ ، وَاَوْجَبْتَ عَلَيَّ طاعَتَكَ وَعِبادَتَكَ ، وَفَهَّمْتَني ما جاءَتْ بِهِ رُسُلُكَ ، وَيَسَّرتَ لي تَقَبُّلَ مَرْضاتِكَ ، وَمَنَنْتَ عَلَيَّ في جَميعِ ذلِكَ بِعَونِكَ وَلُطْفِكَ ، ثُمَّ اِذْ خَلَقْتَني مِنْ خَيرِ (حُرِّ خ ل) الثَّرى ، لَمْ تَرْضَ لي يااِلهي بِنِعْمَةً دوُنَ اُخرى ، وَرَزَقْتَني مِنْ اَنْواعِ اْلمَعاشِ وَصُنُوفِ الرِّياشِ ، بِمَنِّكَ اْلعَظيمِ اْلأّعْظَمِ عَلَيَّ ، وَاِحْسانِكَ اْلقَديمِ اِلَيَّ ، حَتّى اِذَا اَتْمَمْتَ عَلَيَّ جَميعَ النِّعَمِ ، وَصَرَفْتَ عَنّي كُلَّ النِّقَمِ ، لَمْ يَمْنَعْكَ جَهْلي وَجُرْاَتي عَلَيْكَ ، اَنْ دَلَلْتَني عَلَى ما يُقّرِّبُني اِلَيْكَ ، وَوَفَّقْتَني لِمَا يُزْلِفُني لَدَيْكَ ، فَاِنْ دَعَوْتُكَ اَجَبْتَني ، وَاِنْ سَئَلْتُكَ اَعْطَيْتَني، وَاِنْ اَطَعْتُكَ شَكَرْتَني ، وَاِنْ شَكَرْتُكَ زِدْتَني ، كُلُّ ذلِكَ اِكْمالٌ لأَنْعُمِكَ عَلَيَّ ، وَاِحْسانِكَ اِلَيَّ ، فَسُبْحانَكَ سُبْحانَكَ مِنْ مُبْدِئٍ مُعيدٍ ، حَميدٍ مَجيدٍ ، وتَقَدَّسَتْ اَسْمآؤُكَ ، وَعَظُمَتْ الآؤُكَ ، فَاَيُّ نِعَمِكَ يااِلهي اُحْصِي عَدَداً وَذِكراً ، اَمْ اَيُّ عَطاياكَ اَقوُمُ بِها شُكْراً ، وَهِيَ يارَبِّ اَكْبَرُ مِنْ اَنْ يُحْصِيَهَا اْلعآدّوُنَ ، اَوْ يَبْلُغَ عِلْماً بِهَا اْلحافِظُونَ ، ثُمَّ ما

ص: 266


1- يعني قوَّتي .
2- يعني ألهمتني .

صَرَفْتَ وَدَرَأْتَ عَنّي اَللّهُمَّ مِنَ الضُّرِّ وَالضَّرّآءِ اَكْثَرُ مِمَّا ظَهَرَ لي مِنَ اْلعافِيَةِ وَالسَّرَّآءِ ، فَاَنَا اَشْهَدُ يااِلهي بحَقيقَةِ ايمَانِي ، وَعَقْدِ عَزَماتِ يَقيني ، وَخَالِصِ صَريحِ تَوْحيدي ، وَباطِنِ مَكْنُونِ ضَميري ، وَعَلائِقِ مَجاري نُورِ بَصَري ، وَاَسَاريرِ صَفْحَةِ جَبيني ، وَخُرْقِ مَسارِبِ نَفَسي ، وَخَذاريفِ مَارِنِ عِرْنيني ، وَمَسارِبِ سِمَاخِ سَمْعِي ، وَمَا ضَمَّتْ وَاَطْبَقَتْ عَلَيْهِ شَفَتَايَ ، وَحَرَكَاتِ لَفْظِ لِسانِي ، وَمَغْرَزِحَنَكِ فَمِي وَفَكِّي ، وَمَنَابِتِ اَضْرَاسِي ، وَمَسَاغِ مَطْعَمِي وَمَشْرَبي ، وَحِمَالَةِ اُمِّ رَاْسِي ، وَبَلُوغِ فَارِغِ حَبَايِلِ ( حَبَائِلِ بَارِعِ خ ل ) عُنُقي ، وَمَا اْشتَمَلَ عَلَيْهِ تَامُوُر صَدْري ، وَحَمَايلِ ( حُبَلِ حَمَائِلِ ح ل ) حَبِل وَتينِي ، وَنِيَاطِ حِجَابِ قَلْبِي ، وَاَفْلاذِ حَوَاشِي كَبِدي ، وَمَا حَوَتْهُ شَرَاسِيفُ اَضْلاعِي ، وَحِقَاقُ مَفَاصِلي ، وَقَبْضُ عَوَامِلِي ، وَاَطْرَافُ اَنَامِلِي ، وَلَحْمِي وَدَمِي وَشَعْرِي وَبَشَرِي وَعَصَبِي وَقَصَبِي وَعِظَامِي وَمُخِّي وَعُرُوقِي وَجَميعُ جَوَاِرِحِي ، وَمَا اْنتَسَجَ عَلَى ذَلِكَ اَيَّامَ رِضَاعِي ، وَمَا اَقَلَّتْ اْلأَرْضُ مِنّي ، وَنَوْمِي وَيَقَظَتِي وَسُكُونِي ، وَحَرَكَاتِ رُكُوعِي وَسُجُودِي ، اَنْ لَوْ حَاَولْتُ وَاْجتَهَدْتُ مَدَى اْلأَعْصَارِ وَاْلأَحْقَابِ لَوْ عُمِّرْتُهَا اَنْ اُؤَدِّيَ شُكْرَ وَاحِدَةٍ مِنْ اَنْعُمِكَ ، مَا اْستَطَعْتُ ذَلِكَ اِلاَّ بِمَنِّكَ ، اْلمُوجَبِ عَلَيَّ بِهِ شُكْرُكَ ، اَبَدَاً جَدِيدَاً وَثَنَآءً طَارِفَاً عَتيداً ، اَجَلْ وَلَوْحَرَصْتُ اَنَا وَالعَآدُّونَ مِنْ اَنَامِكَ ، أَنْ نُحْصِيَ مَدَى اِنْعَامِكَ سَالِفِهِ

ص: 267

وَآنِفِهِ مَا حَصَرْنَاهُ عَدَداً وَلاَ اَحْصَيْنَاهُ اَمَداً ، هَيْهاتَ اَنَّى ذَلِكَ ، وَاَنْتَ اْلمُخْبِرُ في كِتَابِكَ النَّاطِقِ وَالنَّبَأِ الصَّادِقِ (( وَاِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوها )) صَدَقَ كِتَابُكَ اللَّهُمَّ وَاِنْبَآؤُكَ ، وَبَلَّغَتْ اَنْبِيَآؤُكَوَرُسُلُكَ ، مَا اَنْزَلْتَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَحْيِكَ ، وَشَرَعْتَ لَهُمْ وَبِهِمْ مِنْ دينِكَ ، غَيْرَ اَنِّي يَااِلهَي اَشْهَدُ بِجُهَدِي وَجِدّي ، وَمَبْلَغِ طَاعَتِي وَوُسْعِي ، وَاَقُولُ مُؤْمِناً مُوقِناً ، اْلحَمْدُ للهِ الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً فَيَكُونَ مَوْرُوثاً ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ في مُلْكِهِ فَيُضآدُّهُ فيمَا ابْتَدَعَ ، وَلاَ وَلِيٌ مِنَ الذُّلِّ فَيُرْفِدَهُ فيمَا صَنَعَ ، فَسُبْحانَهُ سُبْحانَهُ (( لَوْ كانَ فيهِمَا اَلِهَةٌ اِلاَّ الله لَفَسَدَتا)) وَتَفَطَّرَتا ، سُبْحَانَ الله اْلواحِدِ اْلأَحَدِ الصَّمَدِ ، الَّذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً اَحَدٌ ، اَلْحَمْدُ للهِ حَمْداً يُعادِلُ حَمْدَ مَلآئِكَتِهِ اْلمُقَرَّبينَ وَاَنبِيآئِهِ اْلمُرْسَلينَ ، وَصَلَّى الله عَلى خِيَرَتِهِ مُحَمَّدٍ خَاَتِمِ النَّبِيّينَ وَالِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ اْلمُخْلَصِينَ وَسَلَّمَ.

فشرع عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في السُّؤال وأهتمَّ في الدُّعاء ودموعه تنحدر على خديه - ثم قال -

اَللَّهُمَّ اْجعَلْني اَخْشاكَ كَاَنّي اَراكَ ، وَاَسْعِدْني بِتَقْواكَ ، وَلاَ تُشْقِني بِمَعْصيَتِكَ ، وَخِرْ لي في قَضَآئِكَ ، وَبَارِكْ لي في قَدَرِكَ ، حَتّى لاَ اُحِبَّ تَعْجيلَ مَا اَخَّرْتَ ، وَلاَ تَاْخيرَ مَا عَجَّلْتَ ، اَللَّهُمَّ اجْعَلْ غِنايَ في نَفْسي ، وَاْليَقينَ في قَلْبي ، وَاْلأِخْلاصَ في عَمَلي ، وَالنُّورَ في بَصَري ، وَاْلبَصيرَةَ في دينِي ، وَمَتِّعْني بِجَوارِحي ، وَاجْعَلْ سَمْعي

ص: 268

وَبَصَريَ اْلوارِثَيْن مِنّي ، وَاْنصُرني عَلى مَنْ ظَلَمَني ، وَاَرِني فيهِ ثَاري وَمَآرِبي ، وَاَقِرَّ بِذلِكَ عَيْني ، اَللَّهُمَّ اكْشِفْ كُرْبَتي ، وَاسْتُرْ عَوْرَتي ، وَاغْفِرْ لي خَطيئَتي ، وَاخْسَاْ شَيْطاني ، وَفُكَّ رِهاني ، وَاجْعَلْ لي يااِلهي الدَّرَجَةَ اْلعُلْيا في اْلأخِرَةِ وَاْلأوُلى ، اَللَّهُمَّ لَكَ اْلحَمْدُ كَما خَلَقْتَني فَجَعَلْتَني سَميعاً بَصيراً ، وَلَكَ اْلحَمْدُ كَما خَلَقْتَني ، فَجَعَلْتَني خَلْقاً سَوِيّاً ، رَحْمَةً بي ، وَقَدْ كُنْتَ عَنْ خَلْقي غَنِيّاً ، رَبِّ بِمَا بَرَاْتَني فَعَدَّلْتَ فِطْرَتي ، رَبِّ بِمَا اَنْشَاْتَني فَاَحْسَنْتَ صُورَتي ، رَبِّ بِمَا اَحْسَنْتَ بِي وَفي نَفْسي عَافَيْتَني ، رَبِّ بِمَا كَلاْتَني وَوَفَّقْتَني ، رَبِّ بِمَا اَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَهَدَيْتَني ، رَبِّ بِمَا اَوْلَيْتَني وَمِنْ كُلِّ خَيْرٍ اَعْطَيْتَني ، رَبِّ بمِا اَطْعَمْتَني وَسَقَيْتَني ، رَبِّ بِمَا اَغْنَيْتَني وَاَقْنَيْتَني ، رَبِّ بِمَا اَعَنْتَني وَاَعْزَزْتَني ، رَبِّ بِمَا اَلْبَسْتَني مِنْ سِتْرِكَ الصَّافي ، وَيَسَّرْتَ لي مِنْ صُنْعِكَ اْلكَافي ،صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَالِ مُحَمَّدٍ ، وَاَعِنّي عَلى بَوائِقِ الدُّهُورِ ، وَصُرُوفِ اللَّيالي وَاْلأَيّامِ ، وَنَجِّني مِنْ اَهْوالِ الدُّنْيا وَكُرُباتِ اْلأخِرَةِ ، وَاكْفِني شَرَّ مَا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ في اْلأَرْضِ ، اللَّهُمَّ مَا اَخافُ فَاكْفِني ، وَمَا اَحْذَرُ فَقِني ، وَفي نَفْسي وَدِيني فَاحْرُسْني ، وَفي سَفَري فَاحْفَظْني ، وَفي اَهْلي وَمَالي فَاخْلُفْني ، وَفيما رَزَقْتَني فَبارِكْ لي ، وَفي نَفْسي فَذَلِّلْني ، وَفي اَعْيُنِ النَّاسِ فَعَظِّمْني ، وَمِنْ شَرِّ اْلجِنِّ وَاْلأِنْسِ فَسَلِّمْني ، وَبِذُنُوبي فَلا تَفْضَحْني ، وَبِسَريرَتي فَلا تُخْزِني ، وَبِعَمَلي فَلا تَبْتَلِني ، وَنِعَمَكَ فَلا تَسْلُبْني ، وَاِلى

ص: 269

غَيْرِكَ فَلا تَكِلْني ، اِلهي اِلى مَنْ تَكِلُني ،ِالى قَريبٍ فَيَقْطَعُني ، اَمْ اِلى بَعيدٍ فَيَتَجَّمُهني ، اَمْ اِلَى اْلمُسْتَضْعِفينَ لي وَاَنْتَ رَبّي ، وَمَليكُ اَمْري ، اَشْكُو اِلَيْكَ غُرْبَتي ، وَبُعْدَ دَاري وَهَوَ اني عَلى مَنْ مَلَّكْتَهُ اَمْري ، اِلهي فَلا تُحْلِلْ عَلَيَّ غَضَبَكَ ، فَاِنْ لَمْ تَكُنْ غَضِبْتَ عَلَيَّ فَلا اُبالي سِواكَ ، سُبْحانَكَ غَيْرَ اَنَّ عَافِيَتَكَ اَوْسَعُ لي ، فَاَسْئَلُكَ يَارَبِّ

بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذي اَشْرَقَتْ لَهُ اْلأَرْضُ وَالسَّمواتُ ، وَانْكَشَفَتْ

بِهِ الظُّلُماتُ ، وَصَلُحَ بِهِ اَمْرُ اْلأَوَّلينَ وَاْلآخِرينَ ، اَنْ لا تُميتَني عَلى غَضَبِكَ ، وَلا تُنْزِلَ بي سَخَطَكَ ، لَكَ اْلعُتْبى لَكَ اْلعُتْبى حَتّى تّرْضى قَبْلَ ذلِكَ ، لاَ اِلهَ اِلاَّ اَنْتَ رَبَّ اْلبَلَدِ اْلحَرامِ ، وَاْلمَشْعَرِ اْلحَرامِ ، وَاْلبَيْتِ اْلعَتيقِ ، الَّذي اَحْلَلْتَهُ اْلبَرَكَةَ ، وَجَعَلْتَهُ لِلنَّاِس اَمْناً ، يَامَنْ عَفَا عَنْ عَظيمِ الذُّنُوبِ بِحْلِمِهِ ، يَامَنْ اَسْبَغَ النَّعمآءَ بِفَضْلِهِ ، يَامَنْ اَعْطَى اْلجَزيلَ بِكَرَمِهِ ، يَاعُدَّتي في شِدَّتي ، ياصاحِبي في وَحْدَتي ، يَاغِياثي في كُرْبَتي ، يَا وَلِّيي في نِعْمَتي ، يااِلهي وَاِلهَ اَبآئي اِبْرَاهيمَ وَاِسْمعيلَ وَاِسْحقَ وَيَعْقُوبَ ، وَرَبَّ جَبْرَائيلَ وَميكَالَ وَاِسْرافيلَ ، وَرَبَّ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيَينَ ، وَآلِهِ اْلمُنْتَجَبينَ ، مُنْزِّلَ ( ومنزل خ ل ) التَّوراةِ وَاْلأِنْجيلِ وَالزَّبُورِ وَاْلفُرْقانِ ، وَمُنَزِّلَ كهيعص وَطه وَيس وَاْلقُرْانِ اْلحَكيمِ ، اَنْتَ كَهْفي حينَ تُعْييِني اْلمَذاهِبُ في سَعَتِها ، وَتَضيقُ بيَ اْلأَرْضُ بما رَحُبَتْ ، وَلَوْلا رَحْمَتُكَ لَكُنْتُ مِنَ اْلهالِكينَ ، وَاَنْتَ مُقيلُ عَثْرَتي ، وَلَوْلا سَتْرُكَاِيَّايَ لَكُنْتُ مِنَ اْلمَفْضُوحينَ وَاَنْتَ

ص: 270

مُؤَيِّدي بِالنَّصْرِ عَلى اَعْدآئي ، وَلَوْلا نَصْرُكَ اِيَّايَ ( لي خ ل ) لَكُنْتُ مِنَ اْلمَغْلُوبينَ ، يَامَنْ خَصَّ نَفْسَهُ بِالسُّمُوِّ وَالرِّفْعَةِ فَاَوْلِيأئُهُ بِعِزِّهِ يَعْتَزّوُنَ ، يَامَنْ جَعَلَتْ لَهُ اْلمُلُوكُ نِيرَ اْلمَذَلَّةِ عَلى اَعْناقِهِمْ ، فَهُمْ مِنْ سَطَواتِهِ خَائِفُونُ ، يَعْلَمُ خَائِنَةَ اْلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ، وَغَيْبَ مَا تَاْتي بِهِ اْلأَزْمِنَةُ وَالدُّهُورُ ، يَامَنْ لاَيَعْلَمُ كَيْفَ هُوَ اِلاَّ هُوَ ، يَامَنْ لاَيَعْلَمُ مَا هُوَ اِلاَّ هُوَ ، يَامَنْ لاَ يَعْلَمُ مَا يَعْلَمُهُ إلاَّ هُوَ ( يَامَنْ لاَيَعْلَمُهُ اِلاَّ هُوَ خ ل ) ، يَامَنْ كَبَسَ اْلأَرْضَ عَلَى اْلمآءِ ، وَسَدَّ اْلهَوآءَ بِالسَّماءِ ، يَامَنْ لَهُ اَكْرَمُ اْلأَسْمآءِ ، يَاذَا اْلمَعْرُوفُ الَّذي لاَيَنْقَطِعُ اَبَداً ، يَامُقَيِّضَ الرَّكْبِ لِيُوسُفَ في اْلبَلَدِ اْلقَفْرِ ، وَمُخْرِجَهُ مِنَ اْلجُبِّ ، وَجاعِلَهُ بَعْدَ اْلعُبُودِيَّةِ مَلِكاً ، يَارآدَّهُ عَلى يَعْقُوبَ بَعْدَ اَنِ ابْبَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ اْلحُزْنِ فَهُوَ كَظيمٌ ، يَاكاشِفَ الضُّرِّ وَالْبَلوْى عَنْ اَيُّوبَ ، يَامُمِسْكَ يَدَيْ اِبْراهيمَ عَنْ ذَبْحِ ابْنِهِ بَعْدَ كِبَرِ سِنِّهِ وَفَنآءِ عُمُرِهِ ، يَامَنِ اسْتَجابَ لِزَكَرِيَا فَوَهَبَ لَهُ يَحْيى وَلَمْ يَدَعْهُ فَرْداً وَحيداً ، يَامَنْ اَخْرَجَ يُونُسَ مِنْ بَطْنِ اْلحُوتِ ، يَامَنْ فَلَقَ اْلبَحْرَ لِبَني اِسْرآئيلَ فَاَنْجاهُمْ ، وَجَعَلَ فِرْعَوْنَ وَجُنُودَهُ مِنَ اْلمُغْرَقينَ ، يَامَنْ اَرْسَلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ، يَامَنْ لَمْ يَعْجَلْ عَلى مَنْ عَصاهُ مِنْ خَلْقِهِ ، يامَنِ اسْتَنْقَذَ السَّحَرَةَ مِنْ بَعْدِ طُولِ اْلجُحُودِ وَقَدْ غَدَوْا في نِعْمَتِهِ يَاْكلُونُ رِزْقَهُ وَيَعْبُدُونَ غَيْرَهُ ، وَقَدْ حادّوُهُ وَنادّوُهُ وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ ، يااَللهُ يااَللهُ يا بَدئُ يا بَديعٌ لابَدْء لَكَ ، يا دآئِماً لاَ نَفَادَ لَكَ ، يا حَيّاً حينَ لا حَيَّ ، يا مُحْييَ

ص: 271

اْلمَوْتى ، يامَنْ هُوَ قَآئمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بٍما كَسَبَتْ ، يامَنْ قَلَّ لَهُ شُكْري فَلَمْ يَحْرِمْني ، وَعَظُمَتْ خَطيئَتي فَلَمْ يَفْضَحْني ، وَرَآني عَلَى اْلمَعاصِي فَلَمْ يَخْذُلْنٍي ، يَامَنْ حَفِظَنِي فِي صِغَرِي ، يَامَنْ رَزَقَنِي فِي كِبَرِي ، يَامَنْ اَيَادِيهِ عِنْدِي لاَتُحْصَى ، وَنِعَمُهُ لاَ تُجَازَى ، يَامَنْ عَارَضَنَي بِاْلخَيْرِ وَاْلأِحْسَانِ ، وَعَارَضْتُهُ بِاْلأِسَائَةِ وَاْلعِصْيَانِ ، يَامَنْ هَدَانِي لِلإيمَانِ مِنْ قَبْلِ اَنْ اَعْرِفَ شُكْرَ اْلأِمْتِنَانِ ، يَامَنْ دَعَوْتُهُ مَريضَاً فَشَفَانِي ، وَعُرْيَانَاًفَكَسَانِي ، وَجَائِعَاً فَاَشْبَعَني ، وَعَطْشَانَاً فَاَرْوَانِي ، وَذَلِيلاً فَاَعَزَّنِي ، وَجَاهِلاً فَعَرَّفَني ، وَوَحِيدَاً فَكَثَّرنِي ، وَغَائِبَاً فَرَدَّنِي ، وَمُقِلاًّ فَاَغْنَانِي ، وَمُنْتَصِراً فَنَصَرَنِي ، وَغَنِيّاً فَلَمْ يَسْلُبْني ، وَاَمْسَكْتُ عَنْ جَميعِ ذلِكَ فَابْتَدَاَني ، فَلَكَ اْلحَمْدُ وَالشُّكْرُ ، يَامَنْ اَقالَ عَثْرَتِي ، وَنَفَّسَ كُرْبَتَي ، وَاَجَابَ دَعْوَتي ، وَسَتَرَ عَوْرَتي ، وَغَفَرَ ذُنُوبي ، وَبَلَّغَني طَلِبَتي ، وَنَصَرَنِي عَلَى عَدُوّي ، وَاِنْ اَعُدَّ نِعَمَكَ وَمِنَنَكَ وَكَرايِمَ مِنَحِكَ لاَ اُحْصِيهَا ، يَا مَوْلايَ اَنْتَ الَّذِي مَنَنْتَ ، اَنْتَ الَّذِي اَنْعَمْتَ ، اَنْتَ الَّذِي اَحْسَنْتَ ، اَنْتَ الَّذِي اَجْمَلْتَ ، اَنْتَ الَّذِي اَفْضَلْتَ ، اَنْتَ الَّذِي اَكْمَلْتَ ، اَنْتَ الَّذِي رَزَقْتَ ، اَنْتَ الَّذِي وَفَّقْتَ ، اَنْتَ الَّذِي اَعْطَيْتَ ، اَنْتَ الَّذِي اَغْنَيْتَ ، اَنْتَ الَّذِي اَقْنَيْتَ ، اَنْتَ الَّذِي آوَيْتَ ، اَنْتَ الَّذِي كَفَيْتَ ، اَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَ ، اَنْتَ الَّذِي عَصَمْتَ ، اَنْتَ الَّذِي سَتَرْتَ ، اَنْتَ الَّذِي غَفَرْتَ ، اَنْتَ الَّذِي اَقَلْتَ ، اَنْتَ الَّذِي مَكَّنْتَ ، اَنْتَ الَّذِي

ص: 272

اَعْزَزْتَ ، اَنْتَ الَّذِي اَعَنْتَ ، اَنْتَ الَّذِي عَضَدْتَ ، اَنْتَ الَّذِي اَيَّدْتَ ، اَنْتَ الَّذِي نَصَرْتَ ، اَنْتَ الَّذِي شَفَيْتَ ، اَنْتَ الَّذِي عَافَيْتَ ، اَنْتَ الَّذِي اَكْرَمْتَ ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ ، فَلَكَ اْلحَمْدُ دَآئِمَاً ، وَلَكَ الشُّكْرُ وَاصِبَاً اَبَداً ، ثُمَّ اَنا يَااِلهي اْلمُعْتَرِفُ بِذُنُوبي فَاغْفِرْها لي ، اَنَا الَّذِي اَسَأَتُ ، اَنَا الَّذِي اَخْطَأَتُ ، اَنَا الَّذِي هَمَمْتُ ، اَنَا الَّذِي جَهِلْتُ ، اَنَا الَّذِي غَفَلْتُ ، اَنَا الَّذِي سَهَوْتُ ، اَنَا الَّذِي اعْتَمَدْتُ ، اَنَا الَّذِي تَعَّمَدْتُ ، اَنَا الَّذِي وَعَدْتُ ، وَاَنَا الَّذِي اَخْلَفْتُ ، اَنَا الَّذِي نَكَثْتُ ، اَنَا الَّذِي اَقْرَرْتُ ، اَنَا الَّذِي اعْتَرَفْتُ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَعِنْدي وَاَبُوءُ بِذُنوُبي فَاغْفِرْها لي ، يَامَنْ لاَ تَضُرُّهُ ذُنوُبُ عِبَادِهِ وَهُوَ اْلغَنِيُّ عَنْ طَاعَتِهِمْ ، وَاْلمُوَفِّقُ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْهُمْ بِمَعُونَتِهِ وَرَحْمَتِهِ ، فَلَكَ اْلحَمْدُ اِلهي وَسَيّدِي ، اِلهي اَمَرْتَنِي فَعَصَيْتُكَ ، وَنَهَيْتَنِي فَارْتَكَبْتُ نَهْيَكَ ، فَاَصْبَحْتُ لاَ ذَا بَرَآئَةٍ لي فَاَعْتَذِرُ ، وَلاَ ذَا قُوَّةٍ فَاَنْتَصِرُ ، فَبِاَىِّ شَئٍ اَسْتَقْبِلُكَ يَا مَوْلايَ ، اَبِسَمْعِي اَمْ بِبَصَري اَمْ بِلِسَانِي اَمْ بِيَدي اَمْ بِرِجْلِي ، اَلَيْسَ كُلُّها نِعَمَكَ عِنْدي وَبِكُلِّهَا عَصَيْتُكَ يَامَوْلايَ ، فَلَكَ اْلحُجَّةُ وَالسَّبيلُ عَلَيَّ ، يَامَنْ سَتَرَنِيمِنَ اْلأَبَاءِ وَاْلأُمَّهَاتِ اَنْ يَزْجُرُونِي ، وَمِنَ اْلعَشَايِرِ وَاْلأِخْوَانِ اَنْ يُعَيِّرُونِي ، وَمِنَ السَّلاطينِ اَنْ يُعَاقِبُونِي ، وَلَوِ اَطَّلَعُوا يَامَوْلايَ عَلَى مَا اَطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنِّي اِذّاً مَا اَنْظَروُنِي ، وَلَرَفَضُونِي وَقَطَعُونِي ، فَهَا اَنَا ذَا يَا اِلهي بَيْنَ يَدَيْكَ يَاسَيِّدِي ، خَاضِعٌ ذَليلٌ حَصيرٌ حَقيرٌ ، لاَ ذُو

ص: 273

بَرآئَةٍ فَاَعْتَذِرُ ، وَلاَ ذُو قُوَّةٍ فَاَنْتَصِرُ ، وَلاَ حُجَّةٍ فَاَحْتَجُّ بِهَا ، وَلاَ قَائِلُ لَمْ اَجْتَرِحْ ، وَلَمْ اَعْمَلْ سُوءً ، وَمَا عَسَى اْلجُحُودُ وَلَوْ جَحَدْتُ يَامَوْلايَ يَنْفَعُنِي ؟ كَيْفَ وَاَنَّى ذَلِكَ وَجَوارِحي كُلُّها شَاهِدَةٌ عَلَيَّ بِما قَدْ عَمِلْتُ ، وَعَلْمِتُ يَقيناً غَيْرَ ذِي شَكٍّ اَنَّكَ سَآئِلي مِنْ عَظَايِمِ اْلأُمُورِ ، وَاَنَّكَ اْلحَكَمُ ( الحكيم خ ل ) اْلعَدْلُ الَّذِي لاَ تَجُوْرُ ، وَعَدْلُكَ مُهْلِكي ، وَمِنْ كُلِّ عَدْلِكَ مَهْرَبِي ، فَاِنْ تُعَذِّبْني يَا اِلهي فَبِذُنُوبي بَعْدَ حُجَّتِكَ عَلَيَّ ، وَاِنْ تَعْفُ عَنّي فَبِحِلْمِكَ وَجُودِكَ وَكَرَمِكَ ، لاَ اِلهَ اِلاَّ اَنْتَ سُبْحَانَكَ اِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمينَ ، لاَ اِلهَ اِلاَّ اَنْتَ سُبْحَانَكَ اِنِّي كُنْتُ مِنَ اْلمُسْتَغْفِرينَ ، لاَ اِلهَ اِلاَّ اَنْتَ سُبْحَانَكَ اِنِّي كُنْتُ مِنَ اْلمُوَحِّدينَ ، لاَ اِلهَ اِلاَّ اَنْتَ سُبْحَانَكَ اِنِّي كُنْتُ مِنَ اْلخَائِفينَ ، لاَ اِلهَ اِلاَّ اَنْتَ سُبْحَانَكَ اِنِّي كُنْتُ مِنَ اْلوَجِلينَ ، لاَ اِلهَ اِلاَّ اَنْتَ سُبْحَانَكَ اِنِّي كُنْتُ مِنَ الرَّاجِينَ ، لاَ اِلهَ اِلاَّ اَنْتَ سُبْحَانَكَ اِنِّي كُنْتُ مِنَ الرَّاغِبينَ ، لاَ اِلهَ اِلاَّ اَنْتَ سُبْحَانَكَ اِنِّي كُنْتُ مِنَ اْلمُهَلِّلينَ ، لاَ اِلهَ اِلاَّ اَنْتَ سُبْحَانَكَ اِنِّي كُنْتُ مِنَ السَّائِلينَ ، لاَ اِلهَ اِلاَّ اَنْتَ سُبْحَانَكَ اِنِّي كُنْتُ مِنَ اْلمُسَبِّحينَ ، لاَ اِلهَ اِلاَّ اَنْتَ سُبْحَانَكَ اِنِّي كُنْتُ مِنَ اْلمُكَبِّرينَ ، لاَ اِلهَ اِلاَّ اَنْتَ سُبْحَانَكَ رَبِّي وَرَبِّ آبآئِيَ اْلأَوَّلينَ ، اللَّهُمَّ هَذَا ثَنَائِي عَلَيْكَ مُمَجِّداً ، وَاِخْلاصِي لِذِكْرِكَ مُوَحِّداً ، وَاِقْرَاري بِالائِكَ مُعَدِّداً ، وَاِنْ كُنْتُ مُقِرَّاً اَنِّي لَمْ اُحُصِهَا لِكَثْرَتِها ، وَسُبُوغِها وَتَظاهُرِهَا ، وَتَقَادُمِها اِلى حَادِثٍ مَا ، لَمْ تَزَلْ تَتَغَمَّدُنِي بِهِ مَعَها

ص: 274

مُنْذُ خَلَقْتَنِي وَبَرَاْتَني مِنْ اَوَّلِ اْلعُمْرِ ، مِنَ اْلأِغْنآءِ مِنَ اْلفَقْرِ وَكَشْفِ الضُّرِّ ، وَتَسبيبِ اْليُسْرِ ، وَدَفْعِ اْلعُسْرِ ، وَتَفْريجِ اْلكَرْبِ ، وَاْلعَافِيَةِ في اْلبَدَنِ ، وَالسَّلاَمَةِ في الدِّينِ ، وَلَوُ رَفَدَنِي عَلَى قَدْرِ نِعْمَتِكَ جَميعُ اْلعَالمَينَ مِنَ اْلأَوَّلينَ وَاْلأخِرينَ مَاقَدَرْتُ ، وَلا هُمْ عَلَى ذَلِكَ ، تَقَدَّسْتَ وَتَعَالَيْتَ مِنْ رَبٍّ كَريمٍ عَظيمٍ رَحيمٍ ، لا تُحْصى آلآؤُكَ ، وَلاَ يُبْلَغُ ثَنَآؤُكَ ، وَلاَ تُكَافَى نَعْمَآؤُكَ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاَتْمِمْ عَلَيْنَا نِعَمَكَ ، وَاَسْعِدْنَا بِطَاعَتِكَ ، سُبْحَانَكَ لاَ اِلهَ اِلاَّ اَنْتَ ، اَللَّهُمَّ اِنَّكَ تُجِيبُ اْلمُضْطَرَّ ، وَتَكْشِفُ السّوُءَ ، وَتُغيثُ اْلمَكْرُوبَ ، وَتَشْفِي السَّقيمَ ، وَتُغْنِي اْلفَقيرَ ، وَتَجْبُرُ اْلكَسيرَ ، وَتَرْحَمُ الصَّغيرَ ، وَتُعينُ اْلكَبيرَ وَلَيْسَ دُونَكَ ظَهيرٌ ، وَلاَ فَوْقَكَ قَديرٌ ، وَاَنْتَ اْلعَلِيُّ اْلكَبيرُ ، يَامُطْلِقَ اْلمُكَبَّلِ اْلأَسيرِ ، يَارَازِقَ اْلطِّفْلَ الصَّغيِر ، يَاعِصْمَةَ اْلخآئِفِ اْلمُسْتَجيرِ ، يَامَنْ لاَ شَريكَ لَهُ وَلاَ وَزيرَ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاَعْطِني في هذِهِ اْلعَشِيَّةِ اَفْضَلَ مَا اَعْطَيْتَ وَاَنَلْتَ اَحَداً مِنْ عِبادِكَ مِنْ نِعْمَةٍ تُوليهَا ، وَآلآءٍ تُجَدِّدُها وَبَلِيَّةٍ تَصْرِفُهَا ، وُكُرْبَةٍ تَكْشِفُهَا ، وَدَعْوَةٍ تَسْمَعُهَا ، وَحَسَنَةٍ تَتَقَبَّلُها ، وَسَيِّئَةٍ تَتَغَمَّدُها ، اِنَّكَ لَطيفٌ بِمَا تَشَآءُ خَبيرٌ ، وَعَلَى كُلِّ شَئٍ قَديرٌ ، اَللَّهُمَّ اِنَّكَ اَقْرَبُ مَنْ دُعِيَ ، وَاَسْرَعُ مَنْ اَجَابَ ، وَاَكْرَمُ مَنْ عَفَا ، وَاَوْسَعُ مَنْ اَعْطَى ، وَاَسْمَعُ مَنْ سُئِلَ ، يَارَحْمنَ الدُّنْيا وَاْلأخِرَةِ وَرَحيمَهُما ، لَيْسَ كَمْثلِكَ مَسْئوُلٌ ، وَلاَ سِواكَ مَاْمُولٌ ، دَعَوْتُكَ

ص: 275

فَاَجَبْتَنِي ، وَسأَلْتُكَ فَاَعْطَيْتَنِي ، وَرَغِبْتُ اِلَيْكَ فَرَحِمْتَنِي ، وَوَثِقْتُ بِكَ فَنَجَّيتَنِي ، وَفَزِعْتُ اِلَيْكَ فَكَفَيْتَنِي ، اَللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحّمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَنَبِيِّكَ ، وَعَلى آلِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ اَجْمَعِينَ ، وَتَمِّمْ لَنَا نَعْمَآئَكَ وَهَنِّئنَا عَطَآئَكَ ، وَاكْتُبْنَا لَكَ شَاكِرينَ وَلإلآئِكَ ذَاكِرينَ ، آمينَ آمينَ رَبَّ اْلعَالمَينَ ، اَللَّهُمَّ يَامَنْ مَلَكَ فَقَدَر ، وَقَدَرَ فَقَهَرَ ، وَعُصِيَ فَسَتَرَ ، وَاسْتُغْفِرَ فَغَفَرَ ، يَاغَايَةَ الطَّالِبينَ الرَّاغِبينَ ، وَمُنْتَهى اَمَلِ الرَّاجينَ ، يَامَنْ اَحَاطَ بِكُلِّ شَئٍ عِلْماً ، وَوَسِعَ اْلمُستَقيلينَ رَاْفَةً وَرَحْمَةً وَحِلْماً ، اَللَّهُمَّ اِنَّا نَتَوَجَّهُ اِلَيْكَ في هذِهِ اْلعَشِيَّةِ الَّتي شَرَّفْتَهَا وَعَظَّمْتَها بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّكَ وَرَسُولِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ ، وَاَمينِكَ عَلَى وَحْيِكَ ، اْلبَشيرِ النَّذيرِ ، السِّراجِ اْلمُنيرِ ، الَّذي اَنْعَمْتَ بِهِ عَلَى اْلمُسْلِمينَ ، وَجَعَلْتَهُ رَحْمَةً لِلْعالَمينَ ، اَللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَامُحَمَّدٌ اَهْلٌ لِذلِكَ مِنْكَ ، يَا عَظيمُ فَصَلِّ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ اْلمُنْتَجَبينَ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ اَجْمَعينَ ، وَتَغَمَّدْنا بِعَفْوِكَ عَنَّا ، فَاِلَيْكَ عَجَّتِ اْلأَصْواتُ بِصُنُوفِ اللُّغاتِ ، فَاجْعَلْ لَنَا اَللَّهُمَّ في هذِهِ اْلعَشِيَّةِ نَصيباً مِنْ كُلِّ خَيْرٍ تَقْسِمُهُ بَيْنَ عِبادِكَ ، وَنُورٍ تَهْدي بِهِ ، وَرَحْمَةٍ تَنْشُرُها ، وَبَرَكَةٍ تُنْزِلُها ، وَعَافِيَةٍ تُجَلِّلُها ، وَرِزْقٍ تَبْسُطُهُ ، يَا اَرْحَمَ الرَّاحِمينَ ، اَللَّهُمَّ اَقْلِبْنا في هذَا اْلوَقتِ مُنْجِحينَ مُفْلِحينَ ، مَبْرُورينَ غَانِمينَ ، وَلا تَجْعَلنا مِنَ اْلقَانِطينَ ، وَلاَ تُخْلِنا مِنْ رَحْمَتِكَ ، وَلاَ تَحْرِمْنَا مَا نُؤَمِّلُهُ مِنْ فَضْلِكَ ، وَلاَ تَجْعَلنا مِنْ رَحْمَتِكَ مَحْرُومينَ ،

ص: 276

وَلاَ لِفَضْلِ مَا نُؤَمِّلُهُ مِنْ عَطآئِكَ قَانِطينَ ، وَلاَ تَرُدَّنَا خَائِبينَ ، وَلاَ مِنْ بَابِكَ مَطْرُودينَ ، يَااَجْوَدَ اْلأَجْوَدينَ ، وَاَكْرَمَ اْلأَكْرَمينَ ، اِلَيْكَ اَقْبَلنا مُوقِنينَ ، وَلِبَيتِكَ اْلحَرامِ آمِّينَ قَاصِدينَ ، فَاَعِنّا عَلَى مَنَاسِكِنَا ، وَاَكْمِلْ لَنا حَجَّنَا ، وَاَعْفُ عَنَّا وَعَافِنا ، فَقَدْ مَدَدْنَا اِلَيْكَ اَيْدِيَنَا ، فَهِيَ بِذِلَّةِ اْلأِعْتِرَافِ مَوْسُومَةٌ ، اْللَّهُمَّ فَاَعْطِنَا في هذِهِ اْلعَشِيَّةِ مَا سَئَلْنَاكَ ، وَاكْفِنَا مَا اَسْتَكْفَيْناكَ ، فَلا كَافِيَ لَنا سِوَاكَ ، وَلاَ رَبَّ لَنا غَيْرُكَ ، نَافِذٌ فِينَا حُكْمُكَ ، مُحيطٌ بنِا عِلمُكَ ، عَدْلٌ فِينَا قَضآؤُكَ ، اِقْضِ لَنَا اْلخَيْرَ ، وَاجْعَلْنا مِنْ اَهْلِ اْلخَيْرِ ، اَللَّهُمَّ اَوْجِبْ لَنا بِجُودِكَ عَظيمَ اْلأَجْرِ ، وَكَريمَ الذُّخْرِ ، وَدَوامَ اْليُسْرِ ، وَاْغفِرْ لَنا ذُنُوبَنا اَجْمَعينَ ، وَلاَ تُهْلِكْنَا مَعَ اْلهَالِكينَ ، وَلاَ تَصْرِفْ عَنَّا رَاْفَتَكَ وَرَحْمَتَكَ يَااَرْحَمَ الرَّاحِمينَ ، اَللَّهُمَّ اجْعَلْنَا في هذَا اْلوَقْتِ مِمَّنْ سَألَكَ فَاَعْطَيْتَهُ ، وَشَكَرَكَ فَزِدْتَهُ ، وَتَابَ اِلَيْكَ فَقَبِلْتَهُ ، وَتَنَصَّلَ اِلَيْكَ مِنْ ذُنُوبِهِ كُلِّها فَغَفَرْتَها لَهُ ، يَاذَا اْلجَلالِ وَاْلأِكْرامِ ، اَللَّهُمَّ وَفَقِّنا وَسَدِّدْنا ( وَاعْصِمْنَا خ ل ) وَاْقبَلْ تَضَرُّعَنا ، يَا خَيْرَ مَنْ سُئِلَ ، وَيااَرْحَمَ مَنِ اسْتُرْحِمَ ، يَامَنْ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ اِغْماضُ اْلجُفُونِ ، وَلاَ لَحْظُ اْلعُيُونِ ، وَلاَ مَا اسْتَقَرَّ في اْلمَكْنُونِ ، وَلاَ مَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ مُضْمَرَاتُ اْلقُلوُبِ ، اَلاَ كُلُّ ذَلِكَ قَدْ اَحْصَاهُ عِلمُكَ ، وَوَسِعَهُ حِلمُكَ ، سُبْحانَكَ وَتَعالَيْتَ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوّاً كَبِيراً ، تُسَبِّحُ لَكَ السَّمَواتُ السَّبْعُ وَاْلأَرَضُونَ وَمَنْ فيِهنَّ ، وَاِنْ مِنْ شَئٍ اِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ، فَلَكَ اْلحَمْدُ

ص: 277

وَاْلمَجْدُ وَعُلُوُّ اْلجَدِّ ، يَاذَا اْلجَلالِ وَاْلأِكْرَامِ ، وَاْلفَضْلِ وَالأِنْعامِ ، وَاْلأَيَادِي اْلجِسَامِ ، وَاَنْتَ اْلجَوادُ اْلكَريمُ الرَّؤُفُ الرَّحِيمُ ، اَللَّهُمَّ اَوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ اْلحَلالِ ، وَعَافِني في بَدَني وَدِينِي ، وَآمِنْ خَوْفي ، وَاَعْتِقْ رَقَبَتي مِنَ النَّارِ ، اَللَّهُمَّ لاَ تَمْكُرْ بي وَلا تَسْتَدْرِجْني وَلاَ تَخْدَعْنِي ، وَادْرَأْ عَنّي شَرَّ فَسَقَةِ اْلجِنِّ وَاْلأِنْسِ.

ثمَّ رفع رأسه وطرفه إلى السماء ودموعه تنحدر على خديه كالقربتين وهو يقول برفيع صوته :

يا اَسْمَعَ السَّامِعينَ ، وَيااَبْصَرَ النَّاظِرينَ ، وَيااَسْرَعَ اْلحَاسِبينَ ، وَيااَرْحَمَ الرَّاحِمينَ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ السَّادَةِ اْلمَيامينِ ، وَاَسْئَلُكَ اَللَّهُمَّ حَاجَتِيَ الَّتِي اِنْ اَعْطَيْتَنيهَا لَمْ يَضُرَّني مَا مَنَعْتَني ، وَاِنْ مَنَعْتَنِيهَا لَمْ يَنْفَعْنِي مَا اَعْطَيْتَني ، اَسْئَلُكَ فَكَاكَ رَقَبَتي مِنَ النَّارِ ، لاَ اِلهَ اِلاَّ اَنْتَ ، وَحْدَكَ لاَ شَريكَ لَكَ ، لَكَ اْلمُلْكُ وَلَكَ اْلحَمْدُ ، وَانْتَ عَلَى كُلِّ شّئٍ قَديرٌ ، يَارَبُّ يَارَبُّ .

قال الرَّاوي والنَّاس حوله عليه السَّلام ينصتون ويؤمِّنون لدعائه ثمَّ ارتفعت أصواتهم بالبكاء والنَّحيب حتَّى غربت الشَّمس فأفاضوا إلى المشعر الحرام قال المحدِّث القمِّي إلى هنا نقل الكفعمي والعلاَّمة المجلسي هذا الدُّعاء ولكن السيِّد (ره) في الإقبال ذكر بعد ذكر يا ربِّ يا ربِّ هذه الزِّيادة : -

اِلهي اَنَا اْلفَقيرُ في غِنَايَ فَكَيْفَ لاَ اَكوُنُ فَقِيراً في فَقْري ، اِلهي اَنَا اْلجَاهِلُ في عِلْمِي فَكَيْفَ لاَ َاكوُنُ جَهوُلاً في جَهْلي ، اِلهي اِنَّ اخْتِلافَ تَدْبيرِكَ وَسُرْعَةَ طَوآءِ

ص: 278

مَقادِيرِكَ مَنَعَا عِبادَكَ اْلعَارِفينَ بِكَ عَنِ السُّكوُنِ اِلى عَطآءٍ ، وَاْليَأْسِ مِنْكَ في بَلآءٍ ، اِلهي مِنّي مَا يَليقُ بِلُؤُمي ، وَمِنْكَ مَا يَليقُ بِكَرَمِكَ ، اِلهي وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِاللُّطْفِ وَالرَّاْفَةِ لي قَبْلَ وُجُودِ ضَعْفي ، اَفَتَمْنَعُني مِنْهُمَا بَعْدَ وُجُودِ ضَعْفِي ، اِلهي اِنْ ظَهَرَتِ اْلمحَاسِنُ مِنَي فَبِفَضْلِكَ وَلَكَ اْلمِنَّةُ عَلَيَّ ، وَاِنْ ظَهَرَتِ اْلمَساوي مِنّي فَبِعَدْلِكَ وَلَكَ اْلحُجَّةُ عَلَيَّ ، اِلهي كَيْفَ تَكِلُني وَقَدْ تَكَفَّلْتَ ( تَوَكَّلْتَ خ ل ) لي وَكَيْفَ اُضَامُ وَاَنْتَ النَّاصِرُ لي ، اَمْ كَيْفَ اَخْيبُ وَاَنْتَ اْلحَفِيُّ بي ، ها اَنَا اَتَوَسَّلُ اِلَيْكَ بِفَقْري اِلَيْكَ ،وَكَيْفَ اَتَوَسَّلُ اِلَيْكَ بِمَا هُوَ مَحَالٌ اَنْ يَصِلَ اِلَيْكَ ، اَمْ كَيْفَ اَشْكُو اِلَيْكَ حَالي وَهُوَ لاَ يَخْفَى عَلَيْكَ ، اَمْ كَيْفَ اُتَرْجِمُ بِمَقالي وَهُوَ مِنْكَ بَرَزٌ اِلَيْكَ ، اَمْ كَيْفَ تُخِيَّبُ آماَلي وَهِيَ قَدْ وَفَدَتْ اِلَيْكَ ، اَمْ كَيْفَ لاَ تُحْسِنُ اَحْوَالي وَبِكَ قَامَتْ ، اِلهي مَا اَلْطَفَكَ بي مَعَ عَظيمِ جَهْلي ، وَمَا اَرْحَمَكَ بي مَعَ قَبيحِ فِعْلي ، اِلهي مَا اَقْرَبَكَ مِنّي وَاَبْعَدَني عَنْكَ وَمَا اَرْاَفَكَ بي ، فمَاَ الَّذِي يَحْجُبُني عَنْكَ ، اِلهي عَلِمْتُ بِاخْتِلافِ اْلآثارِ وَتَنَقُّلاتِ اْلأّطْوارِ اَنَّ مُرادَكَ مِنّي اَنْ تَتَعَرَّفَ اِلَيَّ في كُلِّ شَئٍ حَتّى لاَ اَجْهَلَكَ في شَئٍ ، اِلهي كُلَّما اَخْرَسَني لُؤْمي اَنْطَقَني كَرَمُكَ ، وَكُلَّمَا آيَسَتْني اَوْصافي اَطْمَعَتْني مِنَنُكَ ، اِلهي مَنْ كانَتْ مَحاسِنُهُ مَسَاوِيءَ فَكَيْفَ لاَ تَكُونُ مَساوئُهُ مَساوِيءَ ، وَمَنْ كَانَتْ حَقائِقُهُ دَعَاوِيَ فَكَيْفَ لاَ تَكُونُ دَعَاواهُ دَعاوِيَ ، اِلهي حُكْمُكَ النَّافِذُ وَمَشِيَّتُكَ

ص: 279

اْلقَاهِرَةُ لَمْ يَتْرُكا لِذي مَقَالٍ مَقَالاً وَلاَ لِذي حَالٍ حَالاً ، اِلهي كَمْ مِنْ طَاعَةٍ بَنَيْتُها وَحَالَةٍ شَيَّدْتُها ، هَدَمَ اعْتِمَادِي عَلَيْهَا عَدْلُكَ ، بَلْ اَقالَني مِنْها فَضْلُكَ ، اِلهي اِنَّكَ تَعْلَمُ اَنّي وَاِنْ لَمْ تَدُمِ الطَّاعَةُ مِنّي فِعْلاً جَزْمَاً فَقَدْ دَامَتْ مَحَبَّةً وَعَزْماً ، اِلهي كَيْفَ اَعْزِمُ وَاَنْتَ اْلقَاهِرُ وَكَيْفَ لاَ اَعْزِمُ وَاَنْتَ اْلآمِرُ ، اِلهي تَرَدُّدي في اْلآثَارِ يُوجِبُ بُعْدَ اْلمَزارِ ، فَاجْمَعْني عَلَيْكَ بِخِدْمَةٍ تُوصِلُني اِلَيْكَ ، كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِما هُوَ في وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ اِلَيْكَ ، اَيَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظّهُوُرِ مَا لَيْسَ لَكَ حَتّى يَكُونَ اْلمُظْهِرَ لَكَ ، مَتى غِبْتَ حَتّى تَحْتَاجَ اِلى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ ، وَمَتى بَعُدْتَ حَتّى تَكُونَ اْلآثارُ هِيَ الَّتي تُوصِلُ اِلَيْكَ ، عَمِيَتْ عَيْنٌ لاَ تَرَاكَ عَلَيْها رَقِيباً ، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصِيباً ، اِلهي اَمَرْتَ بِالرّجُوُعِ اِلى اْلآثَارِ ، فَاَرْجِعْني اِلَيْكَ بِكِسْوَةِ اْلأَنْوارِ وَهِدايَةِ اْلأِسْتِبْصَارِ ، حَتّى اَرْجِعَ اِلَيْكَ مِنْهَا كَمَا دَخَلْتُ اِلَيْكَ مِنْها مَصُونَ السِّرِّ عَنِ النَّظَرِ اِلَيْها ، وَمَرْفُوعَ اْلهِمَّةِ عَنْ اْلأِعْتِمادِ عَلَيْها ، اِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَئٍ قَديرٌ ، اِلهي هَذَا ذُلّي ظَاهِرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ ، وَهَذَا حَالي لاَيَخْفى عَلَيْكَ ، مِنْكَ اَطْلُبُ اْلوُصُولَ اِلَيْكَ ، وَبِكَ اَسْتَدِلُّ عَلَيْكَ ، فَاهْدِني بِنُورِكَ اِلَيْكَ ، وَاَقِمْنيبِصِدْقِ اْلعُبُودِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ ، اِلهي عَلِّمْني مِنْ عِلْمِكَ اْلمَخْزُونِ ، وَصُنّي بِسِتْرِكَ اْلمَصُونِ ، اِلهي حَقِّقْني بَحَقائِقِ اَهْلِ اْلقُرْبِ ، وَاسْلُكْ بي مَسْلَكَ اَهْلِ اْلجَذْبِ ، اِلهي اَغْنِني بِتَدْبيرِكَ لي عَنْ تَدْبيرِي ، وَبِاْخِتِيارِكَ عَنْ اِخْتِياري ،

ص: 280

وَاَوْقِفْني عَلَى مَرَاكِزِ اِضْطِراري ، اِلهي اَخْرِجْني مِنْ ذُلِّ نَفْسي ، وَطَهِّرْني مِنْ شَكِّي وَشِرْكِي قَبْلَ حُلُولِ رَمْسي ، بِكَ اَنْتَصِرُ فَانْصُرْني ، وَعَلَيْكَ اَتَوَكَّلُ فَلاَ تَكِلْني ، وَاِيَّاكَ اَسْئَلُ فَلاَ تُخَيِّبْني ، وَفي فَضْلِكَ اَرْغَبُ فَلا تَحْرِمْني ، وَبِجَنَابِكَ اَنْتَسِبُ فَلا تُبْعِدْني ، وَبِبَابِكَ اَقِفُ فَلا تَطْرُدْني ، اِلهي تَقَدَّسَ رِضاكَ اَنْ يَكوُنَ لَهُ عِلَّةٌ مِنْكَ ، فَكَيْفَ يَكوُنُ لَهُ عِلَّةٌ مِنّي ، اِلهي اَنْتَ اْلغَنِّيُ بِذاتِكَ اَنْ يَصِلَ اِلَيْكَ النَّفْعُ مِنْكَ ، فَكَيْفَ لاَ تَكوُنُ غَنِيّاً عَنّي ، اِلهي اِنَّ اْلقَضآءَ وَاْلقَدَرَ يُمَنّيني ، وَاِنَّ اْلهَوى بِوَثائِقِ الشَّهْوَةِ اَسَرَني ، فَكُنْ اَنْتَ النَّصيرَ لي حَتّى تَنْصُرَني وَتُبَصِّرَني ، وَاَغْنِني بِفَضْلِكَ حَتّى اَسْتَغْنِيَ بِكَ عَنْ طَلَبِي ، اَنْتَ الَّذِي اَشْرَقْتَ اْلأَنْوارَ في قُلُوبِ اَوْلِيآئِكَ حَتّى عَرَفُوكَ وَوَحَّدُوكَ ، وَاَنْتَ الَّذِي اَزَلْتَ اْلأَغْياَر عَنْ قُلُوبِ اَحِبَّائِكَ حَتّى لَمْ يُحِبُّوا سِواكَ وَلَمْ يَلْجَئُوا اِلى غَيْرِكَ ، اَنْتَ اْلمُونِسُ لَهُمْ حَيْثُ اَوْحَشَتْهُمْ اْلعَوالِمُ ، وَاَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَهُمْ حَيْثُ اَسْتَبانَتْ لَهُمُ اْلمَعالِمُ ، مَاذَا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ ، وَمَا الَّذِي فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ ، لَقَدْ خَابَ مَنْ رَضِيَ دُونَكَ بَدَلاً ، وَلَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغى عَنْكَ مُتَحَوِّلاً ، كَيْفَ يُرْجَى سِوَاكَ وَاَنْتَ مَا قَطَعْتَ اْلأِحْسانَ ، وَكَيْفَ يُطْلَبُ مِنْ غَيْرِكَ وَاَنْتَ مَابَدَّلْتَ عَادَةَ اْلأِمْتِنَانِ ، يَامَنْ اَذَاقَ اَحِبَّآئَهُ حَلاوَةَ اْلمُؤانَسَةِ فَقامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَمَلِّقينَ ، وَيَامَنْ اَلْبَسَ اَوْلِيائَهَ مَلابِسَ هَيْبَتِهِ فَقَامُوُا بَيْنَ يَدَيْهِ مُسْتَغْفِرينَ ، اَنْتَ الذَّاكِرُ قَبْلَ الذَّاكِرينَ ، وَاَنْتَ اْلبَاديءُ

ص: 281

بِالأِحْسانِ قَبْلَ تَوَجُّهِ اْلعابدِينَ ، وَاَنْتَ اْلجَوادُ بِاْلعَطآءِ قَبْلَ طَلَبِ الطَّالِبينَ ، وَاَنْتَ اْلوَهّابُ ثُمَّ لِما وَهَبْتَ لَنا مِنَ اْلمُسْتَقْرِضينَ ، اِلهي اُطْلُبْني بِرَحْمَتِكَ حَتّى اَصِلَ اِلَيْكَ ، وَاجْذِبْني بِمَنِّكَ حَتّى اُقْبِلَ عَلَيْكَ ، اِلهي اِنَّ رَجآئي لاَ يَنْقَطِعُ عَنْكَ وَاِنْ عَصَيْتُكَ ، كَمَا اَنَّ خَوْفي لاَ يُزَايِلُني وَاِنْ اَطَعْتُكَ ،فَقَدْ دَفَعَتْنِي اْلعَوالِمُ اِلَيْكَ ، وَقَدْ اَوْقَعَني عِلْمي بِكَرَمِكَ عَلَيْكَ ، اِلهي كَيْفَ اَخْيبُ وَاَنْتَ اَمَلي ، اَمْ كَيْفَ اُهانُ وَعَلَيْكَ مُتَّكَلي ، اِلهي كَيْفَ اَسْتَعِّزُ وَفي الذِّلَّةِ اَرْكَزْتَني ، اَمْ كَيْفَ لاَ اَسْتَعِّزُ وَاِلَيْكَ نَسَبْتَني ، اِلهي كَيْفَ لاَ اَفْتَقِرُ وَاَنْتَ الَّذِي في اْلفُقَرَآءِ اَقَمْتَني ، اَمْ كَيْفَ اَفْتَقِرُ وَاَنْتَ الَّذِي بِجُودِكَ اَغْنَيْتَني ، وَاَنْتَ الَّذِي لاَ اِلهَ غَيْرُكَ تَعَرَّفْتَ لِكُلِّ شَئٍ فَمَا جَهِلَكَ شَْئٍ ، وَاَنْتَ الَّذِي تَعَرَّفْتَ اِلَيَّ في كُلِّ شَْئٍ فَرَاَيْتُكَ ظَاهِراً في كُلِّ شَْئٍ ، وَاَنْتَ الظَّاهِرُ لِكُلِّ شَْئّ ٍ ، يَامَنْ اَسْتَوى بِرَحْمانِيَّتِهِ فَصَارَ اْلعَرْشُ غَيْبَاً في ذَاتِهِ ، مَحَقْتَ اْلآثَارِ بِالآثَارِ ، وَمَحَوْتَ اْلأَغْيارَ بِمُحيطَاتِ اَفْلاكِ اْلأَنْوارِ ، يَامَنِ احْتَجَبَ في سُرادِقَاتِ عَرْشِهِ عَنْ اَنْ تُدْرِكَهُ اْلأَبْصارُ ، يَامَنْ تَجَلَّى بِكَمَالِ بَهآئِهِ فَتَحَقَّقَتْ عَظَمَتُهُ مِنَ اْلأِسْتِوآءَ ، كَيْفَ تَخْفى وَاَنْتَ الظَّاهِرُ ، اَمْ كَيْفَ تَغْيبُ وَاَنْتَ الرَّقيبُ اْلحَاضِرُ ، اِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَْئٍ قَديرٌ وَاْلحَمْدُللهِ وَحْدَهُ .

ص: 282

زِيَارَةُ الحُسَينِ عَلَيهِ اَلسَّلام في يَوْمِ عَرَفَة

زِيَارَةُ الحُسَينِ عَلَيهِ اَلسَّلام في يَوْمِ عَرَفَة (1)

وهي مهمَّة كذلك في تلك البقعة الشَّريفة للنَّاسكين وغيرهم هناك ، وكأهميَّتها قصد قبره الشَّريف في كربلاء المقدَّسة لو لم يكن المكلَّف في عرفة من بقعتها الشَّريفة ، بل هي المصداق الأمثل في بابه حينئذ ، وقد مرَّ ما يفيد ذلك من حالة تقدُّمها على الحجِّ حالة نذرها قبل أشهر الحجِّ ص51 ، فلا نعيد.

وهي على ما أورده أجلَّة العلماء وزعماء المذهب والدِّين كما يلي: -

( إذا أردت زيارته في هذا اليوم فاغتسل من الفرات إن أمكنك وإلاَّ فمن حيث أمكنك وألبس أطهر ثيابك وأقصد حضرته الشَّريفة وأنت على سكينة ووقار ، فإذا بلغت باب الحائر فكبِّر الله تعالى وقل الله اَكْبَرُ ، ثمَّ قل: -

الله اَكْبَرُ كَبيراً ، وَاْلحَمْدُ للهِ كَثيراً ، وَسُبْحَانَ الله بُكْرَةً وَاَصيلاً ، وَاْلحَمْدُ للهِ الَّذي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ اَنْ هَدانَا الله لَقَدْ جَآئَتْ رُسْلُ رَبِّنا بِاْلحَقِّ ،

ص: 283


1- كريم أنَّنا سوف نحيطه علماً باستحباب زيارة القبور ، وبالأخص قبور الأولياء ببيان نبذ ولو يسيرة عن مرجِّحاتها المشروعة ، خلاف ما يراه بعض المتطرِّفين من المتجاهرين بمعاداة بعض الأولياء من آل الرَّسول صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، وذلك قبيل استعراض زيارة النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ والزَّهراء عَلَيْها اَلسَّلاَمُ وأئمَّة البقيع عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ في الملحق الَّذي يلي هذه المناسك .

اَلسَّلامُ عَلى رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ ، اَلسَّلامُ عَلَى اَميرِ اْلمُؤْمِنينَ ، اَلسَّلامُ عَلَى فَاطِمَةَ الزَّهْرآءِ سَيِّدَةِ نِسآءِ اْلعَالَمينَ ، اَلسَّلامُ عَلَى اْلحَسَنِ وَاْلحُسَيْنِ ، اَلسَّلامُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ اْلحُسَيْنِ ، السَّلامُ عَلى مُحَّمَدِ بْنِ عَلِيٍّ ، اَلسَّلامُ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، اَلسَّلامُ عَلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ، اَلسَّلامُ عَلى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى ، اْلسَّلامُ عَلَى مُحَمَّد بْنِ عَلِيٍّ ، اَلسَّلامُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، اَلسَّلامُ عَلَى اْلحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ ، اَلسَّلامُ عَلَى اْلخَلَفِ الصَّالِحِ اْلمُنْتَظَرِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا اَبَا عَبْدِاللهِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ رَسُولِ الله ، عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ اَمَتِكَ ، اْلمُوَالي لِوَلِيِّكَ اْلمُعادِي لِعَدُوِّكَ، اسْتَجَارَ بِمَشْهَدِكَ وَتَقَرَّبَ اِلَى الله بِقَصْدِكَ ، اْلحَمْدُ للهِ الَّذي هَدَانِي لِولاَيَتِكَ ، وَخَصَّني بِزِيارَتِكَ وَسَهَّلَ لي قَصْدَكَ . ثمَّ أدخل فقف ممَّا يلي الرَّأس وقل اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَاوَارِثَ آدَمَ صَفْوَةِ الله ، اَلسَّلام عَلَيْكَ يَا وَارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَاوَارِثَ اِبْرَاهِيمَ خَليلِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ مُوسَى كَليمِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَاوَارِثَ عِيسَى رُوحِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَاوَارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَاوَارِثَ اَميرِ اْلمُؤْمِنينَ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَاوَارِثَ فَاطِمَةَ الزَّهْرآءِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ مُحَمَّدٍ اْلمُصْطَفى ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ عَلِيٍّ اْلمُرْتَضَى ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ فَاطِمَةَ الزَّهْرآءِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ خَديجَةَ اْلكُبْرَى ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَاثَارَ الله وَابْنَ ثَارِهِ وَاْلوِتْرَ اْلمَوْتُورَ ، اَشْهَدُ اَنَّكَ

ص: 284

قَدْ اَقَمْتَ الصَّلاةَ ، وَآتَيْتَ الزَّكَاةَ ، وَاَمَرْتَ بِاْلمَعْرُوفِ ، وَنَهَيْتَ عَنِ اْلمُنْكَرِ ، وَاَطَعْتَ الله حَتّى اَتاكَ اْليَقينُ ، فَلَعَنَ الله اُمَّةً قَتَلَتْكَ ، وَلَعَنَ الله اُمَّةً ظَلَمَتْكَ ، وَلَعَنَ الله اُمَّةً سَمِعَتْ بِذَلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ ، يَامَوْلايَ يَااَبا عَبْدِ الله اُشْهِدُ الله وَمَلآئِكَتَهُ وَاَنْبيآئَهُ وَرُسُلَهُ اَنِّي بِكُمْ مُؤْمِنٌ ، وَبِاِيابِكُمْ مُوقِنٌ بِشَرايِعِ دِيني وَخَواتِيمِ عَمَلَي ، وَمُنْقَلَبي اِلى رَبِّي ، فَصَلَواتُ الله عَلَيْكُمْ وَعَلَى اَرْواحِكُمْ وَعَلَى اَجْسَادِكُمْ وَعَلَى شَاهِدِكُمْ وَعَلى غَآئِبِكُمْ وَظَاهِرِكُمْ وَبَاطِنِكُمْ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ خَاتَمِ النَّبِيّينَ ، وَابْنَ سَيِّدِ اْلوصِيّينَ ، وَابْنَ اِمامِ اْلمُتَّقينَ ، وَابْنَ قَآئِدِ اْلغُرِّ اْلمُحَجَّلينَ اِلى جَنّاتِ النَّعيمِ ، وَكَيْفَ لا تَكُونُ كَذلِكَ وَاَنْتَ بَابُ اْلهُدى ، وَاِمامُ التُّقى ، وَاْلعُرْوَةُ اْلوُثْقى ، وَاْلحُجَّةُ عَلَى اَهْلِ الدُّنْيا ، وَخَامِسُ أَصْحَابِ ( أهلِ خ ل ) الكِسآءِ ، غَذَتْكَ يَدُ الرَّحْمَةِ ، وَرُضِعْتَ مِنْ ثَدْيِ اْلأيمانِ ، وَرُبِّيتَ في حِجْرِ اْلأِسْلامِ ، فَالنَّفْسُ غَيْرُ رَاضِيَةٍ بِفِراقِكَ ، وَلاَ شَآكَّةٍ في حَياتِكَ ، صَلَواتُ الله عَلَيْكَ وَعَلَى اَبآئِكَ وَاَبْنَآئِكَ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَاصَريعَ اْلعَبْرَةِ السَّاكِبَةِ ، وَقَرينَ اْلمُصِيبَةِ الرَّاتِبَةِ ، لَعَنَ الله اُمَّةً اَسْتَحَلَّتْ مِنْكَ اْلمَحَارِم ، وَانْتَهَكَتْ فِيكَ حُرْمَةَ الإِسْلامِ ، فَقُتِلْتَ صَلَّى الله عَلَيْكَ مَقْهُوراً ، وَاَصْبَحَرَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ بِكَ مَوْتوُراً ، وَاَصْبَحَ كِتَابُ الله بِفَقْدِكَ مَهْجُوراً ، السَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلَى جَدِّكَ وَاَبيكَ وَاُمِّكَ وَاَخيكَ ، وَعَلَى اْلأَئمَّةِ مِنْ بَنْيكَ ، وَعَلَى اْلمُسْتَشْهَدينَ

ص: 285

مَعَكَ ، وَعَلَى اْلمَلآئِكَةِ اْلحآفّينَ بِقَبْرِكَ وَالشّاهِدينَ لِزُوَّارِكَ اْلمُؤَمِّنِينَ بِالْقَبُولِ عَلى دُعآءِ شيعَتِكَ ، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ . بِاَبي اَنْتَ وَاُمّي يَابْنَ رَسُولِ الله ، بِاَبي اَنْتَ وَاُمّي يَااَبَا عَبْدِاللهِ ، لَقْدَ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ ، وَجَلَّتِ اْلمُصيبَةُ عَلَيْنَا وَعَلَى جَميعِ اَهْلِ السَّمواتِ وَاْلأَرْضِ ، فَلَعَنَ الله اُمّةً اَسْرَجَتْ وَاَلْجَمْتَ وَتَهَيَّاَتْ لِقِتَالِكَ ، يَامَوْلايَ يَااَبَا عَبْدِاللهِ قَصَدْتُ حَرَمَكَ وَاَتَيْتُ مَشْهَدَكَ ، اَسْئَلُ الله بِالشَّاْنِ الَّذي لَكَ عِنْدَهُ ، وَبِاْلمَحَلِّ الَّذي لَكَ لَدَيْهِ اَنْ يُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاَنْ يَجْعَلَني مَعَكُمْ في الدُّنيا وَاْلأخِرَةِ بِمَنِّهِ وَجُودِهِ وَكَرَمِهِ .

ثمَّ قبِّل الضَّريح وصلِّ عند الرَّأس ركعتين تقرأ فيهما ما أحببت من السُّور فإذا فرغت فقل :

اَللَّهُمَّ اِنِّي صَلَّيتُ وَرَكَعْتُ وَسَجَدْتُ لَكَ ، وَحْدَكَ لاَ شَريكَ لَكَ ، لأَنَّ الصَّلاةَ وَالرُّكوُعَ وَالسُّجوُدَ لاَتكوُنُ اِلاَّ لَكَ ، لأَنَكَ اَنْتَ الله لاَ اِلهَ اِلاَّ اَنْتَ ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَالِ مُحَمَّدٍ ، وَاَبْلِغْهُمْ عَنِّي اَفْضَلَ التَّحِيَّةِوَالسَّلامِ ، وَارْرُدْ عَلَيَّ مِنْهُمُ التَّحِيَّةَ وَالسَّلامَ ، اَللَّهُمَّ وَهَاتانِ الرَّكْعَتانِ هَدِيَّةٌ مِنّي اِلى مَوْلاي وَسَيِّدي وَاِمَامِي اْلحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلامُ ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَالِ مُحَمَّدٍ ، وَتَقَبَّلْ ذَلكَ مِنِّي ، وَاجِزْني عَلى ذَلِكَ اَفْضَلَ اَمَلي وَرَجآئي فِيكَ وَفي وَليِّكَ يَااَرْحَمَ الرَّاحِمينَ .

ثمَّ صر إلى عند رجلي الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وزُر علي بن الحسين عَلَيْهِما اَلسَّلاَمُ ورأسه عند

ص: 286

رجلي أبي عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وقل : -

اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ رَسُولِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ نَبِّي الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ اَميرِ اْلمُؤْمِنينَ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ اْلحُسَيْنِ الشَّهيدِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الشَّهيدُ ابْنُ الشَّهيدِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا اْلمَظْلوُمُ ابْنُ اْلمَظْلوُمِ ، لَعَنَ الله اُمَّةً قَتَلَتْكَ، وَلَعَنَ الله اُمَّةً ظَلَمَتْكَ ، وَلَعَنَ الله اُمَّةً سَمِعَتْ بِذلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَامَوْلايَ ، الَسَّلامُ عَلَيْكَ يَاوَلِيَّ الله وَابْنَ وَلِيّهِ ، لَقَدْ عَظُمَتِ اْلمُصيبَةُ وَجَلَّتِ الرَّزِيَّةُ بِكَ عَلَيْنَا وَعَلَى جَميعِ اْلمُؤْمِنينَ ، فَلَعَنَ الله اُمَّةً قَتَلَتْكَ ، وَاَبْرَأُ اِلَى الله وَاِلَيْكَ مِنْهُمْ في الدُّنْيا وَاْلآخِرَةِ.

ثمَّ توجَّه إلى الشُّهداء وزرهم وقل :

اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يَااَوْلِيآءَ الله وَاَحِبَّآئَهُ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يَااَصْفِيآءَ الله وَاَوِدَّآءَهُ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يَااَنْصَارَ دينِ الله وَاَنْصَارَ نَبِيِّهِ وَاَنْصَارَ اَميرِ اْلمُؤْمِنينَ وَاَنْصَارَ فَاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِسَآءِ اْلعَالَمينَ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يَااَنْصَارَ اَبمُحَمَّدٍ اْلحَسَنِ اْلوَلِيِّ النَّاصِحِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يَااَنْصَارَ اَبيعَبْدِ الله اْلحُسَيْنِ الشَّهيدِ اْلمَظْلوُمِ صَلَواتُ الله عَلَيْهِمْ اَجْمَعينَ ، بِاَبِي اَنْتُمْ وَاُمِّي طِبْتُمْ وَطَابَتِ اْلأَرْضُ الَّتي فيها دُفِنْتُمْ ، وَفُزْتُمْ وَاللهِ فَوْزاً عَظيماً ، يَالَيْتَنِي كُنْتُ مَعَكُمْ فَاَفُوزَ مَعَكُمْ في اْلجِنانِ مَعَ الشُّهَدآءِ وَالصّالِحينَ وَحَسُنَ اوُلئِكَ رَفِيقَاً ، وَاَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ .

ص: 287

قال السيِّد ابن طاووس والشَّهيد ثمَّ امض إلى مشهد العبَّاس عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فإذا أتيته فقف على قبره وقل :

اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَااَبَا اْلفَضْلِ اْلعَبَّاسَ بْنَ اَميرِ المُؤْمِنينَ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ سَيِّدِ اْلوَصِيّينَ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ اَوَّلِ اْلقَوْمِ اِسْلاماً ، وَاَقْدَمِهْمِ اِيماناً ، وَاَقْوَمِهْمِ بدِينِ الله ، وَاَحْوَطِهْمِ عَلَى اْلأِسْلامِ ، اَشْهَدُ لَقَدْ نَصَحْتَ للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَخيكَ فَنِعْمَ اْلأَخُ اْلمُواِسي ، فَلَعَنَ الله اُمَّةً قَتَلَتْكَ ، وَلَعَنَ الله أُمَّةً ظَلَمَتْكَ ، وَلَعَنَ الله اُمَّةً اسْتَحَلَّتْ مِنْكَ اْلمَحَارِمَ ، وَاْنتَهَكَتْ في قَتْلِكَ حُرْمَةَ اْلأِسْلامِ ، فَنِعْمَ اْلأَخُ الصّابِرُ اْلمُجاهِدُ اْلمُحَامِي النَّاصِرُ وَالأَخُ الدّافِعُ عَنْ اَخْيهِ اْلمُجيبُ اِلى طاعَةِ رَبِّهِ الرَّاغِبُ فيمَا زَهِدَ فيهِ غَيرُهُ مِنَ الثَّوابِ اْلجَزيلِ وَالثَّنآءِ اْلجَميلِ ، وَاَلْحَقَكَ الله بِدَرَجَةِ آبآئِكَ في دَارِ النَّعيمِ ، اِنُّهُ حَميدٌ مَجيدٌ ثمَّ قل اَللَّهُمَّ لَكَ تَعَرَّضْتُ ، وَلِزيارَةِ اَوْلِيَآئِكَ قَصَدْتُ ، رَغْبَةً فيثَوابِكَ ، وَرَجآءً لِمَغْفِرَتِكَ ، وَجَزيلِ اِحْسانِكَ ، فَاَسْئَلُكَ اَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَالِ مُحَمَّدٍ ، وَاَنْ تَجْعَلَ رِزْقي بِهِمْ دَآرَّاً ، وَعَيْشي بِهِمْ قَارَّاً ، وَزِيارَتي بِهِمْ مَقْبُولَةً ، وَذَنْبي بِهِمْ مَغْفُوراً ، وَاقْلِبْني بِهِمْ مُفْلِحاً مُنْجِحاً مُسْتَجَاباً دُعَآئِي بِاَفْضَلِ مَا يَنْقَلِبُ بِهِ اَحَدٌ مِنْ زُوَّارِهِ وَاْلقَاصِدينَ اِلَيْهِ ، بِرَحْمَتِكَ يَااَرْحَمَ الرَّاحِمينَ.

ثمَّ صلِّ صلاة الزِّيارة .

18- إذا غابت الشَّمس وزالت الحمرة المشرقيَّة أفاض إلى المشعر بسكينة ووقار مشتغلاً بالدُّعاء والاستغفار ويقتصد في مشيه غير مزاحم

ص: 288

لأحد ، فإذا وصل إلى الكثيب الأحمر عن يمين الطَّريق فيقول : -

( اَللَّهُمَّ اِرْحَمْ مَوْقِفِي وَزِدْ في عَمَلِي وَسَلِّمْ لِي دِينِي وَتَقَبَّلْ مَنَاسِكِي ) .

19- يستحب أيضاً قراءة هذا الدُّعاء بعد مغيب الشَّمس وهو : -

اَللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلُهُ آخِرَ العَهْدِ مِنْ هَذَا المَوْقِفِ ، وَأرزُقْنِي العَوْدَ أبَدَاً مَا اَبْقَيتَنِي ، وَاقْلُبْنِي اليَوْمَ مُفْلِحَاً مُنْجِحَاً مُسْتَجَابَاً لي مَرْحُومَاً مَغْفُورَاً لي بِأفْضَلِ مَا يَنْقَلِبُ بِهِ اليَوْمَ أحَدٌ مِنْ وُفْدِكَ وَحُجَّاجِ بَيْتِكَ الحَرَامِ ، وَاجْعَلْنِي اليَوْمَ مِنْ أكْرَمِ وُفْدِكَ عَلَيكَ وَأعْطِنِي أفْضَلَ مَا أعْطَيتَ أحْدَاً مِنْهُمْ مِنَ الخَيرِ وَالبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ وَالمَغْفِرَةِ ، وَبَارِكْ لي فِيمَا أرْجَعُ إلَيهِ مِنْ أهْلٍ أو مَالٍ أو قَلِيلٍ أو كَثِيرٍ وَبَارِكْ لي فيَّ .

وهناك مستحبَّات أخرى تجنَّبنا إيرادها جميعاً رعاية للإختصار جهد الإمكان.

ص: 289

الرُّكْنُ السَّادِسِ الوُقُوفُ في المُزْدَلِفَةِ ( المَشْعَرِ الحَرَامِ )

( مسألة 275) يجب الوقوف في المزدلفة كالوقوف في عرفة ، وهو الرُّكن السَّادس من أركان الحجِّ بجميع أقسامه ، والثَّالث من واجبات الحجِّ بجميع أقسامه أيضاً.

والمزدلفة أسم لمكان ، وهو واحد من أجلِّ الأمكنة المحترمة ، ويقال له ( المشعر الحرام ) ، وهو موضع يبعد عن مكَّة ب- ( أحد عشر كيلو متراً تقريباً ) ، وعن منى ب- ( خمس كيلو مترات ونصف تقريباً ) ، وهو داخل في حدود الحرم العام.

وحدُّ الموقف من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسَّر ، وهذه كلُّها حدود المشعر ، وليست الحدود بموقف كالدَّاخل في الحدود إلاَّ عند الزُّحام ، فإنَّ الحجَّاج لهم أن يرتفعوا إلى المأزمين لو أدركوا المسمَّى من الدَّاخل ، وكذا في ضيق الوقت لو لم يدركوا منه حتَّى المسمَّى في الدَّاخل فلهم أن يكتفوا بهذا الارتفاع لذلك لكن لا يصح الكل إلا بإدراك الموقف الصَّحيح في عرفة معه.

وممَّا ورد في حكمة تشريع الوقوف في المزدلفة ما في علل الشَّرائع - ويظهر منه أيضاً منشأ التَّسمية بهذا الاسم - عن معاوية بن عمَّار عن أبي عبد الله الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قال ( إنَّما سمِّيت مزدلفة لأنَّهم ازدلفوا إليها من عرفات ).

ص: 290

وورد أيضاً عن معاوية بن عمَّار عن أبي عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قال ( في حديث إبراهيم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إنَّ جبرائيل عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ انتهى به إلى الموقف ( عرفة ) فأقام به حتَّى غربت الشَّمس ثمَّ أفاض به فقال يا إبراهيم ازدلف إلى المشعر الحرام فسمِّيت مزدلفة ).

ويعتبر فيه قصد القربة مع النيَّة وصورتها لفظاً أن يقول ( أقف في المزدلفة (( لحجِّ التَّمتُّع )) أو (( لحجِّ القِران )) أو (( لحجِّ الإفراد )) لنفسي أو نيابة عن فلان أو فلانة لوجوبه في حجَّة الإسلام أو غيرها على ما مضى أو استحباباً ما بين الطُّلوعين قربة إلى الله تعالى ).

( مسألة 276) إذا أفاض الحاجُّ من عرفات فالأحوط وجوباً له أن يبيت ليلة العيد في المزدلفة ناوياً ذلك قربة إلى الله ، ومن فوائد المبيت : -

1- الانشغال بالعبادة هناك مبتدءاً بأداء صلاتي المغرب والعشاءمجموعتين على رأي كافَّة المذاهب.

2- جمع الحصى وهي سبعون حصاة كما سيأتي في موقع جمع الحصى الذَّي يتوفَّر فيه هناك.

3- انتظار وقت الموقف (الركن) وهو ما بين الطُّلوعين تهيؤاً له لئلا يمنعه زحام ونحوه.

4- أخذ قسط من الرَّاحة مع التَّعب أو تهيؤاً للتَّعب المقبل يوم العيد ونحوه.

( مسألة 277) يجب الوقوف في المزدلفة من طلوع فجر يوم العيد

ص: 291

إلى طلوع الشمس ، وهو ركن ويكفي منه الوقوف ولو في الجملة ( المسمَّى ) ، فإذا وقف مقداراً ما ولم يقف في الباقي ولو متعمِّداً صحَّ حجُّه.

مَسَائِلٌ حَوْلَ الوُقُوفُ الاِضْطِرَارِي

( مسألة 278) من ترك الوقوف في ما بين الطُّلوعين رأسا فسد حجُّه ، ويستثنى من ذلك النِّساء والصِّبيان والخائفون والضُّعفاء كالشُّيوخ والمرضى فيجوز لهم حينئذ الوقوف في المزدلفة ليلة العيد والإفاضة منها قبل طلوع الفجر إلى منى.

( مسألة 279) من وقف في المزدلفة ليلة العيد وأفاض منها قبل طلوع الفجر جهلاً منه بالحكم صحَّ حجُّه لكون الجهل في ذلك ملحقاً بالحالة الاضطراريَّة الماضية ولكن عليه كفَّارة شاة وقد مرَّ ذكرها ، لكن لا يكفي ذلك في صحَّة أصل الحجِّ إلاَّ بإحراز وقوف عرفة الكامل معه من قبل حتَّى إذا كان الجهل عن قصور وعدم التفات فضلاً عمَّا لو كان عن التفات أو تقصير.

( مسألة 280) من لم يتمكَّن من الوقوف الاختياري ( ما بين الطُّلوعين ) في المزدلفة لنسيان أو عذر آخر أجزأه الوقوف الاضطراري وهو الوقوف ( وقت ما بعد طلوع الشَّمس إلى زوال يوم العيد ) ، ولو

ص: 292

تركه عمداً فسد حجُّه.

( مسألة 281) لو عرض الجنون أو الإغماء أو النَّوم أو نحو ذلك بعد أن حصل على مسمَّى الوقوف فإنَّ ذلك المسمَّى من الوقوف يكفيه فيأداء الواجب ، أمَّا إذا طرأ عليه ما ذكرناه واستغرق تمام الوقت بطل وقوفه.

إدْرَاكِ الوُقُوفَينِ أوْ أحَدِهِمَا

( مسألة 282) الوقوفان معاً ركنان كأركان الصَّلاة لكن يعدان في ذلك كركن واحد من أركانها لا أكثر يبطل الحجُّ بتركهما معاً سهواً وعمداً اختياريَّاً واضطراريَّاً ونسياناً ، بل وكذا كلُّ واحد منهما على حده ركن خاص بالحجِّ لكن ليس كأركان الصَّلاة ممَّا مرَّ ، فيمكن الاقتصار على أحدهما دون الآخر في بعض الحالات كما سيجيء.

( مسألة 283) لكلٍّ من الوقوفين بعرفة والمشعر وقتان اختياري واضطراري كما مرَّ بيانه ص259 و ص292 تصريحاً وإشارة ، والمكلَّف بملاحظة إدراك الموقفين أو أحدهما في وقت اختياري أو اضطراري وعدم إدراكهما على تسعة أقسام وهي : -

1- أن يدرك الموقفين في وقتهما الاختياري ، وهذا لا إشكال في صحَّة حجَّه.

2- أن لا يدركهما أصلاً ، ولا إشكال في عدم صحَّة حجَّه فيأتي

ص: 293

بالعمرة المفردة بالإحرام الَّذي كان قد أحرمه للحجِّ ، وبأخر عمل يأتي به منها يحِلُّ من إحرام حجِّه وإن وجد شاة ذبحها.

3- أن يدرك اختياري عرفة واضطراري المشعر ، وبه الكفاية لو لم يمكن الأصل وهو الاختياريان.

4- عكس الصُّورة الثَّالثة ، وهو إدراك اضطراري عرفة واختياري المشعر وحجُّه صحيح كذلك كما في الأمر الثَّالث.

5- أن يدرك الاضطراري فيهما ، وهنا لا يبعد الصحَّة مع الاحتياط الاستحبابي بإعادة الحجِّ من قابل مع وجود شرائط الوجوب حديثا أو كان الحجُّ مستقرِّاً في ذمَّته من السابق وعدم قدرته ولو على احد الاختياريين.

6- أن يدرك مقداراً من ما بين طلوع الشَّمس والزَّوال من يوم العيد في المزدلفة ، فالأقوى عدم الإجزاء ، إلاَّ أنَّ الأحوط استحباباً أن يأتي ببقيَّة الأعمال قاصداً فراغ ذمَّته عمَّا تعلَّق بها من العمرة المفردة أو إتمام الحج ، مع إعادة الحجِّ الواجب في السَّنة القادمة أو ما بعدها من سنِّي الإمكان.

7- أن يدرك اختياري عرفة فقط والأشهر هو الصحَّة في هذه الصُّورة ، بل هو الأقوى في صورة ترك المشعر جهلاً بعد عبور المزدلفة وذكره الله عند المشعر الحرام أو كان إدراك هذا الاختياري وحده مع اختلاف الهلال بيننا وبين العامَّة وحجَّ بحجِّهم مع تعذُّر الوصول إلى المشعر ،ولكنَّ الأحوط وجوباً في حالة العلم بترك المشعر اعتبار بطلانه

ص: 294

فينقلب حجُّه إلى عمرة مفردة ليعيد الحج في القابل أو سنة الإمكان إذا كانت مستقرَّة عليه.

8- أن يدرك اختياري المشعر والظَّاهر الصحَّة أيضاً وإن كان الأحوط الإعادة في غير صورة اختلاف هلال الحج مع الأخوة العامَّة ، وأمَّا في حالة الاختلاف فالعمل صحيح مع الحج مع العامَّة ، لكون حالة الاختلاف هذه قد تكون موجبة للعذر أكثر من غيرها كما سيجيء بمعونة الأمر بالحج بحجِّهم في بعض الرِّوايات للتَّقيَّة ومعه إدراك هذا الوقوف الاختياري وحده.

9- أن يدرك اضطراري عرفة فقط ، وفي هذه الصُّورة يعتبر حجُّه ليس بصحيح فيقلبه إلى العمرة المفردة ويعيد الحج في المستقبل إذا كان واجباً عليه.

10 - أن يدرك اضطراري المزدلفة فقط ، وفي هذه الصُّورة يعتبر حجُّه باطلاً فيقلبه إلى العمرة المفردة ويعيد الحج في المستقبل إذا كان واجباً عليه.

تَنْبِيهٌ مُهِمٌ حَوْلَ الوُقُوفِ الاِحتِيَاطِي وَتَوضِيحٌ لِمَا مَضَى

( مسألة 284) يجب على الأحوط الالتزام بالوقوف الحقيقي شرعا ولو ظاهرا إن أمكن إضافة إلى ما قد حصل عنده من الوقوف المشترك بين عموم الحجاج وذلك فيما لو حصل اختلاف في الهلال بين

ص: 295

الخاصَّة والعامَّة في أوَّل ذي الحجة ورأى الخاصَّة أنَّهم على صواب في تشخيص حالة ثبوت الهلال شرعاً لوجوب إحراز الصحيح فضلا عن حصول إشكال في اليوم العام فيجب ذلك الوقوف وهو الاختياري لليوم الثَّاني الذي عند عامة الناس جهد إمكانه للوقوفين مع الإمكان وإلاَّ فالوقوف الواحد لأحدهما مع الإمكان مع الاضطراري للأخر مع القدرة عليه أيضاً ليضيفه إلى ما فعلهعند الوقوف مع عموم الناس وإلاَّ فتكفي المجاراة الفعليَّة مع الإعادة في الآتي إذا كان مستطيعاً.

وهذا الاحتياطي المذكور يشمل كلا الموقفين الأصليِّين في وجوب العناية بهما مع الإمكان ومع عدمه وكان بإمكانه أن يقتصر على اصلي المزدلفة لكونه في ظلام ما بين الطُّلوعين واستر عن الشرطة المانعة هناك أو كانت بعض خيم منى قد وصلت إلى المزدلفة للزُّحام ممَّا يخفى أمر الواقفين هناك ما بين الطُّلوعين ، فيجب ذلك ويكتفي به مع اضطراري عرفة إن أمكن وإلاَّ فيكفيه مجرَّد مع ما فعله من الحج الصُّوري العام في اليوم الماضي.

( مسألة 285) الأحوط استحباباً إذا عرف المكلَّف من إمارات وقوع الاختلاف في الهلال أو احتماله - إذا كان حجُّه نيابيَّاً لقاء أجرة قد يكون قبضها بإزاء ما يلزم نفسه عادة بأدائه صحيحاً - أن يشترط على المنوب عنه أو ذويه أن لا يكون مسؤولاً لو حصل الاختلاف وأُلزم هناك بالمجاراة لكونه لا يمكنه الوقوف الثَّاني لعرفة بعد اليوم العلني الاختياري الاحتياطي وهكذا المزدلفة في اختياريها الاحتياطي

ص: 296

والاضطراري أو مثل الوقوف الاضطراري لو لم يمكن الأوَّل.

ولهذا الأمر المراعي للتقية حمل قولهم عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ (حُجُّوا بِحَجِّهم) لا ليكون صحيحاً وحده مع القدرة التَّامَّة على الاختياريين الاحتياطيين أو اضطراريهما أو مع الاشتراط الَّذي ذكرناه في الحج النِّيابي الاستيجاري.

كما يستحبُّ له أن يشترط على الله أن يحلَّه حيث حبسه في مثل هذه الأمور وفي حالة الصَّد والحصر كما مرَّت الإشارة إليه في أوَّل الكتاب من الكلام عن الفوارق.

مُسْتَحَبَّاتُ الوُقوفِ بِالمَشْعَرِ الحَرَامِ

يستحب عند إرادة الوقوف في المشعر الحرام تحقيق أمور قربة إلى الله تعالى ولو لرجاء المطلوبيَّة : -

1- أن تمشي على سكينة ووقار إلى المشعر مستغفراً الله تعالى وتقرأ هذا الدُّعاء : -

( اَللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْهُ آخِرَ العَهْدِ مِنْ هَذَا المَوْقِفِ إلخ ).الَّذي مضى في أخر مستحبَّات عرفة ص 286، ويستحب الإكثار من قول ( اَللَّهُمَّ اعْتقِنِي مِنَ النَّارِ ).

2- أن تقول حينما تصل إلى التَّل الأحمر :-

اَللَّهُمَّ ارْحَمْ مَوْقِفِي وَزِدْ في عَمَلِي وَسَلِّمْ لي دِينِي وَتَقَبَّلْ مِنِّي مَنَاسِكِي.

ص: 297

وتكثر من قول ( اَللَّهم اعْتِقْ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ ).

3- حينما تتوَّسط الوادي تنزل في الطَّرف الأيمن وتقول : -

اَللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ أنْ تَجْمَعَ لي فِيهَا جَوَامِعَ الخَيْرِ ، اَللَّهُمَّ لاَ تُؤيسْنِي مِنَ الخَيْرِ الَّذِي سَألْتُكَ أنْ تَجْمَعَهُ لي في قَلْبِي وَأطْلِبُ إلَيْكَ اْنْ تُعَرِّفَنِي مَا عَرَّفْتَ أوْلِيَاءِكَ في مَنْزِلي هَذَا ، وَأنْ تَقِيَنِي جَوَامِعَ الشَّرِ.

4- أن تكون على طهارة فتغتسل عند الصَّباح فتصلِّي صلاة الصُّبح بعد الوضوء إن كان الغُسل مستحبَّاً أو هو غير غُسل الجنابة ولو كان غسلها فتصلِّي بعده مباشرة.

5- الوقوف قريباً من الجبل في سفحه متوجِّهاً إلى القبلة الشَّريفة.

6- الحمد لله تعالى والتَّكبير له والثَّناء عليه ، وذكر آلائه وعظمته وبلائه بمقدار ما يستطيع الإنسان على ذلك.

7- التَّشهُّد بالشَّهادتين والصَّلاة على النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وذكر الأئمَّة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ واحداً بعد واحد ، والدُّعاء لهم وللحُجَّة المنتظر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بتعجيل الفرج والبراءة من أعدائهم ، بل الأحوط أن لا يترك الذِّكر والصَّلاة على النَّبي وآله.

8- قراءة هذا الدُّعاء الشَّريف : -

اَللَّهُمَّ رَبّ المَشْعَرِ الحَرَامِ فُكَّ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ ، وَأوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ الحَلاَلِ الطَّيِبِ ، وَادْرَأ عَنِّي فَسَقَةِ الجِنِّ وَالإنْسِ ، اَللَّهُمَّ أنْتَ خَيْرُ مَطْلُوبٍ إلَيهِ ، وَخَيْرُ مَدْعُوٍ ، وَخَيْرُ مَسْؤُولٍ ، وَلِكُلِّ وَافِدٍ جَائِزَةٌ

فَاجْعَلْ جَائِزَتِي في مَوْطِنِي وَمَوْقِفي هَذَا أنْ تُقِيلَنِي عَثْرَتِي وَتَقْبَلَ

ص: 298

مَعْذِرَتِي وَتَتَجَاوَزَ عَنْ خَطِيئَتِي ، ثُمَّ اجْعَلْ التَّقْوَى مِنَ الدُّنْيَا زَادِي ، بِرَحْمَتِكَ يَا أرْحَمِ الرَّاحِمِينَ.

9- الدُّعاء كثيراً لنفسك ولوالديك وولَدِك وأهلك ومالك وللمؤمنين والمؤمنات.

10- قول ( الله أكبر ) مائة مرَّة.

11- قول ( الحمدُ لله ) مائة مرَّة.

12- قول ( سبحان الله ) مائة مرَّة.13- قول ( لا إلَه إلاَّ الله ) مائة مرَّة.

14- الصَّلاة على النَّبي محمد وآل محمد.

15- قراءة هذا الدُّعاء : -

اَللَّهُمَّ اهْدِني مِنَ الضَّلاَلَة وَأَنْقِذْنِي مِنَ الجَهَالَةِ ، وَاجْعَلْ لي خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَخُذْ بِنَاصِيَتِي إلى هُدَاكَ وَانْقُلْنِي إلى رِضَاكَ ، فَقَدْ تَرَى مَقَامِي بِهَذَا المَشْعَرِ الَّذي انْخَفَضَ لَكَ فَرَفَعْتَهُ ، وَذَلَّ لَكَ فَأكْرَمْتَه ، وَجَعَلْتَهُ عَلَمَاً للنَّاسِ ، فَبَلِّغْنِي مُنَاي وَنَيْل رَجَائِي ، اَللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ بِحَقِّ المَشْعَرِ الحَرَامِ أنْ تُحَرِّمَ شَعْرِي وَبَشَرِي عَلَى النَّارِ ، وَأنْ تَرْزُقَنِي حَيَاةً في طَاعَتِكَ وَبَصِيرَةً في دِينِكَ وَعَمَلاً بِفَرَائِضَكَ وَإتِبَاعَاً لأمْرِكَ وَخَيْرَ الدَّارَينِ ، وَأنْ تَحْفَظَنِي في نَفْسِي وَوَالِدَيَّ وَوُلْدِي وَأهْلِي وَإخْوَانِي وَجِيرَانِي بِرَحْمَتِكَ.

16- الاجتهاد في الدُّعاء والتَّضرُّع إلى الله سبحانه والابتهال حتَّى تطلع الشَّمس من يوم العيد ، بل ينبغي إحياء ليلة ذلك اليوم ، فإنَّ

ص: 299

أبواب السَّماء لا تغلق فيها ويقول جلَّ شأنه في حديثه القُدسي الشَّريف ( أنَا رَبُّكُمْ وَأنْتُمْ عِبَادِي أدَّيْتُمْ حَقِّي وَحَقٌّ عَلَيَّ أن أسْتَجِيبَ لَكُمْ ).

17- أن يصلِّي المغرب والعشاء في المشعر إذا وصل قبل نصف اللَّيل ، وإذا يعرف من نفسه عدم إمكان وصوله قبل النصف ليصليهما هناك للزحام مثلاً فليصلِّيهما قبل وصول المشعر لئلا تفوته الفريضة في وقتها الذي أخَّره للعشاء نصف الليل للمختار ، وأن يجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد للعشاءين وإقامة للمغرب ، وإقامة للعشاء مع عدم الفصل بينهما كما مرَّ ذكره ، والإتيان بنافلة المغرب بعد العشاء قضاءاً.

18- الصُّعود على (( قزح )) وهو جبل هناك ، وذكر الله تعالى عليه ووطؤه بالرِّجلين حافياً خصوصاً في الصَّرورة ( الحجَّة الأولى ) حجَّة الإسلام ، بل الأحوط استحباباً ذلك.

19- الإفاضة لغير الإمام من المشعر قبل طلوع الشَّمس بقليل ، ولكن لا يجوز أن يتعدَّى وادي محسَّر ، بل لا يدخل فيه قبل طلوع الشَّمس على الأحوط ، وأحوط من ذلك حالة عدم الإفاضة نوعاً قبل طلوع الشَّمس ، فإذا أفاض قبل طلوع الشَّمس وتعدَّى الوادي فعليه شاة كما مرَّ ص201 ، وإن كان الأقوى جواز الدُّخول في وادي محسَّر.

20- الاعتراف بين يدي الله تعالى بخطاياه وذنوبه سبع مرَّات حين طلوع الشَّمس على جبل (( ثبير )) ، ويستغفر منها.

ص: 300

21- الذِّكر لله تعالى عند الإفاضة ، أي عندما يتوَّجه إلى منى منالمشعر الحرام ، ويستحب أيضاً الاستغفار.

22- الهرولة في وادي محسَّر للرَّاكب والماشي (بمعنى الجري سريعاً) على مقدَّم الرجلين ، ولا أقلَّ من مائة ذراع ، ودون ذلك مائة خطوة.

23- أن يقول حين الهرولة : -

اَللَّهُمَّ سَلِّمْ عَهْدِي وَاقْبَلْ تَوْبَتِي وَأجِبْ دَعْوَتِي وَاخْلُفْنِي بِخَيرٍ في مَنْ تَرَكْتُ بَعْدِي.

24- إذا ترك الهرولة في وادي محسَّر جهلاً أو عمداً أو سهواً استحبَّ له الرجوع للهرولة فيه.

مَوْقِعِ جَمْعِ الحَصَى وَبَعْضِ أحْكَامِهِ

( مسألة 286) يجب التَّفرُّغ في الجملة لجمع الحصى الَّذي يجب أن ترمى الجمار الثَّلاثة به في منى ، وهو سبعون حصاة على الأقل مع استحباب الزِّيادة استظهاراً من المشعر الحرام وقد ذكرنا ذلك في المشعر ص291 ، أو من منى نفسها لكنَّها دون المشعر من حيث أفضليَّة الالتقاط أو من داخل حدود الحرم الفسيح مع عدم القدرة على ما سبق لا من المسجد الحرام أو غيره من المساجد ، ويجب في ذلك مضافاً إلى ما قلنا أن تتوفَّر أمور : -

1- المدار في الحصى الشَّرعي للرمي هو على ما يصدق عليه اسم

ص: 301

الحصى المتوسِّط والمألوف عرفاً ، فإن خرج عن ذلك بأن كانت الحصاة كبيرة أو صغيرة جدَّاً بحيث لا يصدق عليها ذلك فلا يصحُّ الرَّمي بها وإن سمِّيت بالحصاة حقيقة.

2- أن تكون الحصيَّات أبكاراً لم تُرم بها الجمار سابقاً بالرَّمي الصَّحيح.

( مسألة 287) لو شكَّ في أنَّ الحصاة مستعملة أم لا فإنَّه يصح الرَّمي بها ، وكذا لو شك أنَّها من غير الحرم وحملت إليه من الخارج.

( مسألة 288) لو شك في أنَّ ما أخذه للرَّمي حصاة أو غيرها لا يجزي الرَّمي بها لوجوب إحراز كونه من الحصى.

3- نقل الشَّهيد الثَّاني في شرح اللَّمعة قولاً بوجوب طهارة الحصى بلسان القيل ، ولكنَّه أحوط وجوباً مع الإمكان ، بل هو ممكن في هذه الأعوام لتوفر المياه والحمد لله وطول المدة التي قد تحرج صاحبها إلاَّبالخلاص من قذارتها بالتَّنجس مع ذلك الإمكان بالتطهير.

مَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ عِنْدَ جَمْعِ الحَصَيَّاتِ

يستحب عند جمع الحصيَّات اتِّخاذ ما يلي : -

1- أن تلتقط من المشعر ليلاً وإلاَّ فمن منى كما مر.

2- أن تختار كحليَّة اللَّون.

3- أن تختار منقَّطة بلون غير لونها.

ص: 302

4- أن تختار رخوة غير صلبة.

5- أن تكون حصاة كاملة ( غير مكسَّرة ).

6- أن تكون ملتقطة حصاة من بين الحصى ، لا مفصولة من الحجارة بتكسير.

7- أن تكون بقدر الأنْمُلة ( رأس الإصبع إلى العقدة ).

8- أن تغسل بالماء إن لم تكن نقيَّة من الأتربة ونحوها مع طهارتها.

9- مع عدم إمكان تدبير ما يطابق أوصاف الحصى المقبولة استحباباً يرجح مراجعة العارفين المجربين في حسن الاختيار.

مِنَى وَوَاجِبَاتِهَا

قبل البدء بالأحكام المنوطة بمنى شرعاً من حيث المناسك الواجبة فيها لنذكر شيئاً ممَّا ورد عن منشأ تسمية منى بمنى.

فقد ورد في علل الشَّرائع عن معاوية بن عمَّار عن أبي عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قال ( إنَّ جبرائيل أتى إبراهيم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فقال تمنَّ يا إبراهيم فكانت تسمَّى منى فسمَّاها النَّاس منى ).

وفيه أيضاً عن محمد بن سنان أن أبا الحسن الرِّضا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ كتب إليه العلَّة الَّتي من أجلها سمِّيت منى بمنى ( أن جبرائيل عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قال هناك يا إبراهيم تمنَّ على ربِّك ما شئت فتمنَّى إبراهيم في نفسه أن يجعل الله مكان ابنه إسماعيل كبشا يأمره بذبحه فداء له فأعطي مناه ).

ص: 303

ومنى موقع كالبلد معروف يبعد عن مكَّة المكرَّمة بفرسخ ( ست كيلو مترات تقريباً ) ، وحدُّه - كما جاءت به الرِّواية - من العقبة إلى وادي محسَّر ، يُسكن في السَّنة ثلاثة أيَّام بلياليها في موسم الحجِّ بملايين منالنَّاسكين وأصحاب خدماتهم وبانتهائها يرجع أرضاً جرداء ، وورد في فضلها والحلول فيها - لأداء مناسكها امتثالاً لأمر الله تعالى - روايات شريفة.

منها ( إذَا أَخَذَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ بِمِنَى نَادَى مُنَادٍ لَوْ تَعْلَمُونَ بِفِنَاءِ مَنْ حَلَلْتُمْ لاسْتَيْقَنْتُمْ بِالمَغْفِرَةِ ).

ومنها ( إذَا دَخَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ بِمِنَى نَادَى مُنَادٍ مِنْ قِبَلِ الله تَعَالى: إذَا أَرَدْتُمْ أَنْ أَرَضَى فَقَدْ رَضِيتُ ).

ولذلك ينبغي اغتنام الفرصة للرقِّي إلى أسمى ما ينبغي أن يتحلَّى به الحاجُّ بين يدي من فتح باب رحمته على مصراعيها تجاهه وتجاه الآخرين.

( مسألة 289) يجب في منى فعل أمور ثلاثة : -

1- رمي جمرة العقبة.

2- ذبح الهدي أو نحره وإن كان هناك مواقع أخرى له كما سيأتي في المحصور والمصدود وما بعده.

3- الحلق أو التَّقصير على ما سيأتي.

وبالتَّحديد من بعد الإفاضة من المشعر الحرام بعد طلوع الشَّمس إلى منى لأداء هذه المناسك الثَّلاثة مرتَّبة ، ولنذكر هذه المناسك متتالية.

ص: 304

1 - رَمْيِ جَمَرَةِ العَقَبَةِ يَوْمَ العَيدِ

وهو الواجب الرَّابع من واجبات الحجِّ بجميع أقسامه.

وقبل البدء بذكر أحكام رمي هذه الجمرة وقبل أن يأتي ذكر رمي الجمار جميعاً لنذكر بعض الشَّيء ممَّا يتعلَّق بالحكمة التَّشريعيَّة للرَّمي.

فقد ورد في علل الشَّرائع عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قال ( سألته عن رمي الجمار لم جعل قال لأنَّ إبليس اللَّعين كان يتراءى لإبراهيم في موضع الجمار فرجمه إبراهيم فجرت السنَّة بذلك ).

وفيه أيضا عن معاوية بن عمَّار عن أبي عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قال ( أوَّل من رمى الجمار آدم - وقال - أتى جبرائيل إبراهيم فقال ارم يا إبراهيم فرمى جمرة العقبة ،وذلك إنَّ الشَّيطان تمثَّل له عندها ).

وقيل في رواية ( أنَّ الجمار الثَّلاث هي مواقع أبي رُغال ( لعنه الله ) الَّذي أدلى أبرهة الحبشي ( لعنه الله ) إلى موقع البيت الحرام لهدم الكعبة ).

وأقول : إنَّ كلَّ هذه الأمور بمجملها لو رمى الحاجُّ هذه الجمار بالحصيَّات المرسومة لأجلها لما ورد ولو في الجملة إنَّما هو معاهدة منه لله تعالى على عدم الخيانة لشرعه كما خان إبليس أو أبو رُغال ( لعنه الله ) تجاه البيت العتيق بمثابته العظمى ، وبالأخص لأهل مكَّة آنذاك ولو في أشدِّ الأحوال عليه , وهكذا في هذا الزمان لأهلها ولقاصديها

ص: 305

من كل البقاع ومن كلِّ فجٍّ عميق ، وبه تمام الشَّرف وعلو الرتبة لراميها.

( مسألة 290) يجب على الحاجِّ إذا وصل إلى منى أن يتوجَّه أوَّلاً إلى جمرة العقبة وهي أولى الجمار الثَّلاث والمعروفة بالكبرى لرميها بالحصيَّات السَّبعة الَّتي التقطها.

ووقت رميها من طلوع الشَّمس من يوم العيد إلى غروبها ورميها أوَّلي في رتبته من بين الواجبات الثَّلاث ، بحيث لا يجوز للحاجِّ أن يقدِّم الذَّبح أو النَّحر والحلق أو التقصير عليه.

ويجب حين رميها تحقُّق أمور أربعة : -

1- النيَّة ويجب فيها أن تكون مقارنة لأوَّل الرَّمي وعلى أن تستديم إلى أخره ، فيقول لافظاً قبل المباشرة به ( أرمي جمرة العقبة بسبع حصيَّات لحجِّ الإسلام - إذا كانت الحجَّة حجَّة الاستطاعة له - من (( حجِّ التَّمتُّع )) أو (( حجِّ الإفراد )) أو (( حجِّ القِران )) أو غير الاستطاعة من الواجبات لوجوبه أو (( لاستحبابه )) إذا كان مستحبَّا(( أصالة عن نفسي )) أو نيابة عن فلان أو فلانة قربة إلى الله تعالى ).

2- كون الرَّمي بسبع حصيَّات ، فلو كانت أقلَّ من ذلك لم يكف ، ولابدَّ من إكمال ذلك النَّقص.

3- إصابة الجمرة أو موضعها ولو ببنائها الجديد في موقعه الأساسي الَّذي بني لإحياء أثره شرعاً بعد انهدامه بكل من الحصيَّات السَّبعة بنفس الرَّمي من صاحبه لا بمعونة دفع من أحد ، فلو أخلَّ

ص: 306

بواحدة فلابدَّ من تعويضها بأخرى حتَّى يصيب الجمرة ، ولا يكفي مطلق الوصول أو الوقوع ، ( أنظر خريطة رقم 8 ).

نعم إذا رمى الحصيَّات لتكون على الجمرة ثمَّ لاقت شيئاً مرَّت عليه في طريقها وأصابت الجمرة بعد ذلك فلا بأس في ذلك ، لكن إذا كان ذلك الشَّيء الَّذي وقعت عليه الحصاة صلباً كالحجارة فطفرت منه الحصاة بدفع جديد وأصابت الجمرة فهو ليس بمجز.

( مسألة 291) إذا شكَّ الرَّامي في إصابة الحصيَّات للجمرة فإنَّه يبني على عدم الإصابة ويرمي بدلها لوجوب إحراز الرَّمي.

( مسألة 292) إذا شكَّ في أثناء رمياته بين الأقل والأكثر فإنَّه يبني على الأقل ويتمُّ الباقي.

4- الرَّمي على التَّعاقب ، بمعنى أن يكون الواحدة بعد الواحدة حتَّى يكمل سبعة يصيب بها جميعاً ، فلو قبض على السَّبعة ورماها دفعة واحدة فإنَّه لا يكفي حتَّى إذا أصاب بها جميعاً ، وكذا لا يكفي لو رمى بها اثنين اثنين أو أكثر.

( مسألة 293) يجب على المكلَّف بالحجِّ أن يرمي بنفسه في حال الاختيار ، أمَّا إذا اضطر إلى عدم ذلك كالمرض أو العمى أو الزُّحام الخانق فلا مانع من أن يستنيب من يقوم به صحيحاً من المؤمنين ، بل هو المتعيِّن في بعض الحالات.

( مسألة 294) لو تمكَّن المنوب عنه من الرَّمي بنفسه في الأثناء فإنَّه لا يجزي رمي النَّائب،وكذا لو كان ذلك بعد تمام الرَّمي على الأحوط

ص: 307

ص: 308

استحباباً.

( مسألة 295) لو رمى البعض فحصل العذر تجوز الاستنابة في

البقيَّة.

( مسألة 296) يجوز أن ينوب واحد عن جمع فيرمي عن كلِّ واحد منهم مستقلاًّ.

( مسألة 297) لا يجب الرَّمي باليد اليمنى فيجوز أن يرمي بيده اليسرى ولو اختياراً ، لكنَّ الرَّمي باليد اليمنى أفضل.

( مسألة 298) لا يجوز الرَّمي ولا يصحُّ - فيما صنع أخيراً - من الطَّابق الثَّاني للمرمى فوق الجمار السُّفلى الأصليَّة لكون البناء الإضافي على أصل موقع الجمار ليواجه الرامي هناك مستحدث وليس هو كما ذكرناه آنفاً مما استحدث على الموقع الأرضي ، ولعدم وجود دليل شرعي على التَّعويض أو الإضافة إلاَّ لضرورة ذكرت ص62.

( مسألة 299) لو شك بعد الذَّبح أو الحلق في الرَّمي أو عدده ، أو شيء آخر ممَّا يعتبر فيه لا يعتني بشكِّه ، ولو كان الشَّك قبلهما فالأحوط الاستيناف.

( مسألة 300) لا يجب الإحرام لقضاء خصوص الرَّمي في العام القابل ، كما لا يجب عليه الحج أيضاً إلاَّ بالاعتماد مفردا عند دخول الحرم.

( مسألة 301) لو فرض زوال الجمرة أو تغطيتها بالحصاة يصح الرَّمي على محلِّها إن لم يمكن العلاج بالانتظار إلى حين التَّفريغ أو إعادتها مع

ص: 309

الاحتياط بالإنابة لما بعد التَّفريع لو لم يقدر الحاج بنفسه.

تنبيه مهم

( مسألة 302) من لم يثبت عنده العيد شرعاً بحيث كان عيده اليوم الثاني وأمكنه القيام بتكاليف الحج الواقعية فعليه عدم إجراء أعمال يوم العيد الظاهري المشهور الأخرى غير ما فعله من رمي جمرة العقبة من الذَّبح أو النحر أو الحلق أو التقصير في منى ليكرر رمي جمرة العقبة في اليوم التالي الذي هو عيده الشرعي أوَّلاً ولو بنيَّة الأعم من كونه لليوم الثاني أو لاعتباره لليوم الأوَّل ثمَّ يأتي فيه بعد ذلك برمي الوسطى والصغرى وان كان لاحتمال كونه لليوم الثاني عند العامة وعندنا معا ولو احتياطا ثم يأتي بعده بالذَّبح أو النحر ثم الحلق أو التقصيرللإحلال على أن يأتي بالرمي الكامل لليومين الآتيين للجمار الثلاث كما سيجئ حتَّى تتم أعمال منى وان كان العامة يقتصروا على اليوم الأوَّل منهما لأن العيد الشرعي المقصود عندنا هو اليوم التالي لعيدهم.

مُسْتَحَبَاتُ رَمْي الجَمَرَاتِ

يستحبُّ عند رمي جمرة العقبة ، بل عند رمي الجمرات الآتية جميعاً أمور:-

ص: 310

1- أن يكون الرَّامي راجلاً لا راكباً.

2- أن يكون الرَّامي على طهارة ، بل هو الأحوط الأولى.

3- المشي إلى الرَّمي على سكينة ووقار إلى الجمرة.

4- أن يستدبر القبلة ويستقبل الجمرة الأُولى في رميها ، بخلاف الجمرتين الباقيتين ، فإنَّه يرميهما مستقبلاً القبلة الشَّريفة.

5- أن يبتعد عنها بمقدار عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعاً.

6- أن يضع الحصيَّات في يده اليسرى ويرمي في اليد اليمنى وهو أولى.

7- أن يقول عند الرَّمي ما رواه معاوية بن عمَّار عن الإمام أبي عبد الله الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وهو : -

اَللَّهُمَّ إنَّ هَذِهِ حَصَيَّاتٌ فَأحصِهِنَّ لِي ، وَارفَعْهُنَّ في عَمَلِي .

8 - وضع الحصاة إن أمكن على الإبهام ودفعها بظفر السبَّابة وهو المسمَّى بالخذف ، وإن لم يمكن فيرميها كما يرمي الرَّامي بيده اعتياديَّاً.

9- أن يقول عند كلِّ حصاة يرميها : -

الله أكْبَرُ ، اَللَّهُمَّ ادْحَرْ عَنِّي الشَّيطَانَ ، اَللَّهُمَّ تَصْدِيقَاً بِكِتَابِكَ وَعَلَى سُنَّةِ نَبِيِّكَ محمد صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، اَللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجَّاً مَبْرُورَاً وَعَمَلاً مَقْبُولاً وَسَعْيَاً مَشْكُورَاً وَذَنْبَاً مَغْفُورَاً.

10- إذا أكمل الرَّمي ورجع إلى منزله في منى يقول : -

اَللَُّهمَّ بِكَ وَثَقْتُ ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ ، فَنِعْمَ الرَبُّ وَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ.

ص: 311

2 - الذَّبْحِ أو النَّحْرِ في مِنَى يَوْمَ العِيد

وهو الواجب الخامس من واجبات حجِّ التَّمتُّع بعد العمرة.

( مسألة 302) يجب بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد تنجيز ما تمنَّاه إبراهيم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وهو الذَّبح أو النَّحر الَّذي يدعى بالهدي ، أو ما يتناسب مع اسم عيد الأضحى من التَّضحية على التَّوجيه الآخر ، ولكن التَّضحية بالأضحية تلك اعتبرت فقهيَّاً عملاً آخر غير الهدي ، وهو ما جعل عمليَّاً بين المتفقِّهين مستحبَّاً غير واجب ولكنَّه مستحب مؤكَّد ، بل قيل بوجوبه ، وقد تختلف بعض أحكامه عن الهدي الواجب كما سيتَّضح

ولا كذلك الفداء وإن سمِّي ما تمنَّاه إبراهيم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فداءاً بنحو الاصطلاح العام كما ورد في القران الكريم من قوله تعالى) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ(107) ( ، لأنَّ الفداء الخاص فقهيَّاً - نتيجة لما استفاده الفقهاء (رض) من ضمِّ السنَّة الشَّريفة إلى الكتاب الكريم - يراد منه الكفَّارة الواجبة على من يفعل التُّروك أو يتجاوز بعض الحدود المرسومة في موارد المناسك المتفرِّقة كما مرَّ في أوَّل الكلام عن الكفَّارة ص182 أو كان فداء لا كفَّارة كتعويض عن عمل محرَّم عند الإحرام جاز للحاج فعله لضرورة إليه كالتَّضليل ونحوه بالمعنى الآخر.

فالعمدة هو أنَّ هذا الواجب وهو الهدي يجب ذبحه في هذا اليوم على كل حال إن كان من المذبوح كالغنم أو البقر ، ويجب نحره إن كان

ص: 312

من المنحور وهو الإبل حسب مقدرة الإنسان واختياره.

( مسألة 303) الهدي الواجب واحد ويستحبُّ زيادته بلا تحديد ، ووجوبه على المتمتِّع من الحجُّاج دون المفرد ولو كان حجُّه مستحبَّاً ، بل حتَّى لو كان من أهل مكَّة على الأحوط وجوباً إن اختار حجَّ التَّمتُّع.

وأمَّا القارن فإنَّما يجب عليه الهدي دون المفرد مع كونه من أهل داخل الحرم الوسيع لأنَّه ساقه معه عند إحرامه كما سيجيء.

وأمَّا المفرد فليس بمكلَّف به ويعرف أمره من إطلاق اسم المفرد عليه.

وأمَّا غير الحاج من المعتمرين فلا هدي عليه أساساً ، وإنَّما يجب في حالات إضافيَّة طارئة على المصدود والمحصور كما سيأتي.

( مسألة 304) إذا لم يجد المكلَّف الهدي - بعد سعي كثير - مع وجود ثمنه وعزم على الانصراف إلى أهله - مضطرَّاً إلى ذلك خوف ذهاب الرفَقَة ونحو ذلك - فإنَّه يجب عليه أن يضع المال عند شخص مأمون يثق به ليشتريه ويذبحه نيابة عنه خلال شهر ذي الحجَّة وإلى أخره ، فإن لميستطع الحصول عليه في تلك السَّنة فعليه أن يذبحه في السَّنة القادمة في ذي الحجَّة أيضاً.

( مسألة 305) لا يكفي الهدي الواحد إلاَّ عن شخص واحد فلا يجوز أن يشترك اثنان أو أكثر في هدي واحد مع الاختيار ، أمَّا عند الضَّرورة فالأحوط وجوباً الجمع بين الاشتراك في الهدي والصَّوم ثلاثة

ص: 313

أيَّام في الحجِّ وسبعة عند الرجوع إلى أهله.

يبقى جواز الاشتراك وحده منحصراً في خصوص ما يستحب ذبحه أو نحره مؤكَّداً من الأضحيات كما مرَّت الإشارة إليه ص312.

( مسألة 306) إذا اشترى المكلَّف هدياً ( ذبيحة ) ثمَّ ضلَّ فيجب عليه أن يشتري هدياً ثانياً ولكنَّه إذا وجد الضَّال الأوَّل تعيَّن عليه ذبح الأوَّل ، والأحوط له استحباباً ذبح الثَّاني أيضاً ، وإذا ذبح الثَّاني قبل أن يجد الأوَّل فالأفضل بل الأحوط استحباباً ذبحه أيضاً.

الهَدْي وَوَاجِبَاتِهِ الخَاصَّةِ

( مسألة 307) يجب أن يتوفَّر في الهدي أمور : -

1- أن يكون من الغنم ومنه الماعز ، أو البقر ومنه الجاموس ، أو الإبل لا غير.

2- السِّن فلابدَّ فيما ذكرناه من الحيوانات من بلوغها كما يلي:-

أ. الغنم ما أكمل سبعة أشهر ، والأحوط استحباباً ما أكمل السَّنة الأُولى ودخل في الثَّانية ولو يوماً واحداً ، والماعز الملحق بالغنم ما أكمل السَّنة الثَّانية ودخل في السَّنة الثَّالثة على الأحوط وجوباً.

ب. البقر ما أكمل الثَّانية ودخل في الثَّالثة على الأحوط وجوباً

ج. الإبل ما أكمل الخامسة ودخل في السَّادسة.

3- أن يكون الهدي صحيح الخلقة تامَّاً فلا تكفي العوراء ولا

ص: 314

العرجاء ولا المريضة ولا الكبيرة ولا المكسور قرنها الدَّاخل ولا المكسور

سِنُّها ولا مقطوعة الأُذن أو غيرها من الأعضاء ولا الخصي ولا المهزولة ، أمَّا الجمَّاء الَّتي لم يخلق لها قرن والصمَّاء الَّتي لم يخلق لها أُذن والأبتر وهو الَّذي لم يخلق له ذَنَب فالأحوط وجوباً تركها.

نعم إذا كانت ( الذَّبيحة ) مشقوقة الأُذن أو مثقوبتها ولم ينقص منها شيء ، وكذا المكسور قرنها الخارج ، فلا بأس بها.4- الذَّبح يوم العيد فلا يجوز تأخيره ولكن إذا أخَّر الذَّبح لعذر مقبول أو أخَّره متعمِّداً ، كما لو عصى يكفيه ذلك إلى آخر أيَّام التَّشريق ، بل طول ذي الحجَّة ، ولكنَّه يحتاج إلى استغفار وتوبة لا رجوع عنها.

5- أن يكون الذَّبح بمنى فلا يجوز في غير منى من الأماكن الأخرى كمكَّة ، إلاَّ إذا نسي المكلَّف الطَّواف في عمرة التَّمتُّع وذهب إلى أهله فإنَّه يجب عليه بعث هديه ليذبح في مكَّة في العام الآخر كما مرَّ في الطَّواف ص228.

بل كذلك لا يجوز الذَّبح خارج حدود منى من الأماكن المجاورة لها وإن أنشأ فيه بعض المتزعِّمين لهذه القضايا الهامَّة مذابح (مسالخ) قد وصلت في عهدنا أيَّام أسفارنا القديمة إلى أربعة عشر مسلخاً قد ضبطت في أنَّها بنيت خارج منى ، و الله أعلم كم أحدثوا من تجديد خارج نطاق المشروع من ذلك الحين وإلى هذا الحين بزعم كثرة

ص: 315

الحجاج وعدم كفاية الدَّاخل لذلك فما هو إلاَّ اجتهاد في مقابل النُّصوص الإلهيَّة ولإمكان اتِّخاذ علاجات أخرى غيره مع الحفاظ على الأساس كبناء مذابح داخل منى وعمارات لسكن الحجَّاج مهما زاد عددهم هداهم الله إلى الرجوع إلى الواقع المشروع.

فعلى الحجُّاج الكرام أن يهتمُّوا بإبراء ذممهم لأداء هذا الواجب على ما يرام بمحاولة الدُّخول إلى المسالخ القديمة في داخل منى إن بقيت آثارها ، أو الذَّبح في جوار مواقع خيمهم مع الإمكان أيضاً وإن نالوا من جرَّاء ذلك متاعب يمكن تحمُّلها عادة ، بل إنَّ مثل هذه المتاعب هناك متاعب روحانيَّة لذيذة لاشكَّ في ترتُّب الثَّواب عليها ، اللَّهمَّ إلاَّ إذا اضطرَّ إلى الذَّبح في تلك الأماكن الجديدة لعدم القدرة تماماً على غير ذلك ففي مثل ذلك إن كانت تلك الجديدة في مكَّة فبالإمكان تحمُّل الذَّبح فيها بقاعدة الميسور وغيرها أو إنابة من يقدر على الذَّبح في منى بعد إزالة الخيم في أيَّام الذَّبح الاعتياديَّة كما مرَّ ومع عدم هذا الأخير فالاحتياط الوجوبي يقضي بالصَّوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة عند الرجوع.

وإن كانت لا في منى ولا في مكَّة فلا تكفي وحدها حتماً ، بل لابدَّ من الصِّيام كما مرَّ إن لم يقدر أن ينيب مكانه من يذبحه عنه في نفس منى وقت فراغ منى من الزحام أو مكَّة على الأقل وإلى آخر الشَّهر مع عدم قدرته ذاتيَّاً أو أمكنته الإنابة على ذلك.

وإذا أمكنه الإنابة فلابدَّ من إنابة من يتكفَّل بالذَّبح من الموثوق بهم فيالدَّاخل ولو بعد سفره إلى أهله فإنَّه يجزيه ذلك حتماً ومع عدم

ص: 316

إمكان الإنابة إلاَّ بالذَّبح في مكَّة فلا مانع بل يجب مع الصِّيام الاحتياطي كما مرَّ.

نعم هناك مجال آخر للذَّبح فيه وهو موقع المصدود والمحصور ممَّا ذكرناه هناك فليراجع.

6- التَّرتيب وهو كون الذَّبح بعد الرَّمي وقبل التَّقصير أو الحلق فلا يجوز تقديمه على الرَّمي ولا تأخيره عن التَّقصير أو الحلق على الأحوط وجوباً إلاَّ فيما مضى من الحالة المستثناة في الواجب الخامس من واجبات الهدي الخاصَّة للصفحة السَّابقة ، ولو خالف التَّرتيب سهواً أو جهلاً فلا إشكال فيه ولو خالفه عمداً فيعيد ما قدَّمه إن أمكنه على الأحوط وجوباً.

7- أن لا يخرج شيئاً ممَّا ذبح من لحم الهدي عن الحرم ، نعم إذا لم يكن في منى مصرف لذلك الهدي جاز إخراجه.

ولهذا قد فكَّر الفقهاء المهمُّون في العالم الإسلامي بمعونة علماء الاقتصاد المسلمين وأهل الخبرة المحنَّكين في كيفيَّة صرف هذه الذَّبائح لصالح فقرائهم فيه من الَّذين أثَّرت فيهم المجاعة وإلى أبعد حدودها وللخلاص من مشكلة التَّبذير مع إمكان إيجاد علاج نافع بهذا بالتَّعاون الدِّيني.

فأنتج تفكيرهم هذا رجحان إيجاد مشروع تعبوي كمعامل تعليب أو تجميد لتلك اللحوم لإرسالها إلى أقطار العالم الإسلامي وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين ولو بكلفة زهيدة لتكون محرِّكة لهذا المجهود

ص: 317

المهم ، بل أنتج القول بوجوب هذا الاتِّخاذ في حالة الإطمئنان عليها من استيلاء أيدي الطَّامعين من الدَّاخل والخارج لو كان بالمقدور تحقيقه وهو كذلك للمبرِّرات الشَّرعيَّة التَّامة ولكن تحت إشراف لجان شرعيَّة يوافق عليها جميع أهل الحل والعقد من المتشرِّعة , لتعطى نتيجة مشتركة غير خارجة عن الصدد الشرعي.

وممَّا يجوز الإخراج أيضاً ما إذا اشترى الحاج ثلث الهدي من مسكين كان قد ملكه سابقاً فضلاً عن الهديَّة وما يخص الحاج نفسه من ثلثه كما سيجيء توضيحه.

8- النيَّة فإنَّها تجب في الذَّبح أو النَّحر على صاحبها إذا أراد ممارسة أحدهما ، وإذا لم يذبح الحاجُّ بيده أو لم ينحر فإنَّه ينوي هو وينوي الذَّابح أو النَّاحر معه لاستحباب مشاركته ، وكذا ينوي الاثنان إذا وضع الحاجُّ يده على يد الذَّابح أو النَّاحر ، وإلاَّ نوى الذَّابح أو النَّاحر نائباً عن الحاجِّ وحدهإذا كان مؤمناً عارفاً بأصول الذِّباحة أو النَّحر ، وإذا نوى الحاجُّ وحده دون الذَّابح أو النَّاحر فالأحوط عدم كفاية تلك الذَّبيحة أو المنحور.

وصورة النيَّة لفظاً أن يقول الذَّابح أو النَّاحر - موجِّهاً الذَّبيحة أو ما ينحره إلى القبلة - ( (( أذبح )) أو (( أنحر )) هذا الهدي عن نفسي أو نيابة عن فلان أو فلانة لحجَّة الإسلام أو مكرَّرة لأسبابها ((حجِّ التَّمتُّع)) لوجوبه أو استحبابه أو لحجِّ القِران قربة إلى الله تعالى ).

9- إذا لم يقدر أن يذهب للذَّبح في مواقعه فإنَّه يجب عليه أن يوكِّل

ص: 318

شخصاً - مؤمناً موثوقاً به - مكانه ليقوم به من جهة الزُّحام ونحوه ، لكن لا يجوز لذلك الحاج أن يقصِّر إلاَّ بعد الاطمئنان بأنَّ ذلك الوكيل قد ذبح أو نحر هديه ، فيجب على الحاجُّ أن يستطلع عن ذلك الخبر إن تمكَّن ولو بأن يكلِّف الذَّابح أو النَّاحر بإخباره.

كما ويجب على الوكيل أن يوصل له خبر القيام بذلك كذلك لقوله تعالى ( وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ اَلهَدْيُ مَحِلَّهُ ) في عموم التَّكليف وخصوصه ، ويتبع الحلق التَّقصير في موارده.

ولعدم ضمان الذَّبح أو النَّحر الشَّرعي من حيث الموقع أو الزَّمن الشَّرعيين أو الذَّابح أو النَّاحر الموثوق به حتَّى بمجرَّد الإخبار بذلك العمل وإن كان مسلماً لاشتراط إيمانه في ذلك لا يمكن المساعدة - فتوىً - على ما تقوم به ألآن مؤسَّسة ذبح الهدي أو نحره الَّتي أُسسِّت في تلك المواقع لعدم التزامها على الأقل بأخبار من تذبح عنه حتماً حتَّى يحلق أو يُقصِّر.

ولوجوب التَّقيُّد بما ذكرته الآية الكريمة من التَّسلسل العملي لابدَّ من الإعراض عن هذه المؤسسة وأمثالها ، لأنَّ ذلك يكون مخالفة لصريح هذه الآية الكريمة.

( مسألة 308) إذا ذبح أو نحر حيواناً بزعم أنَّه سمين ثمَّ تبيَّن بعد ذلك أنَّه هزيل فإنَّه يكفي هدياً بلا داع إلى الإعادة.

( مسألة 309) لو أخذ وكيل من أحد الحجُّاج ثمن هدي ليذبحه عنه ثمَّ شكَّ في أنَّه ذبحه عن فلان أم لا فإنَّه يبني على أنَّه لم يذبحه عنه ،

ص: 319

وكذلك لو شكَّ المنوب عنه أنَّ النَّائب ذبح عنه أم لا فإنَّه يبني على عدم الذَّبح لأنَّ اشتغال الذمَّة اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.

( مسألة 310) لو وجد الهدي المتوفِّر فيه الشروط إلاَّ أنَّه لم يتمكَّن من شرائه وإنَّما كان يتمكَّن ممَّا لم تتوفَّر فيه تلك الشروط أو بعضها فإنَّه يجب عليه احتياطاً ذبح أو نحر النَّاقص إن أمكن وصوم ثلاثة أيَّام في الحجِّ(وهي اليوم السَّابع والثَّامن والتَّاسع من ذي الحجَّة) على الأحوط إن تمكَّن ثمَّ يصوم عند أهله سبعة أيَّام متوالية على الأحوط عند علمه بحال نفسه أنَّها غير قادرة على الكامل مسبقاً

ولو لم يتمكَّن من صوم اليوم السَّابع وما بعده كما مرَّ فلابدَّ أن يصوم اليوم الثَّامن والتَّاسع ويصوم يوماً آخر بعد رجوعه من منى عند الفراغ من أيَّام التَّشريق ولو لم يصم اليوم الثَّامن من ذي الحجَّة فلا يجوز له صوم اليوم التَّاسع وحده قبل العيد ، بل لابدَّ من الصَّوم بعد الرجوع من منى ثلاثة أيَّام متوالية كما ذكرنا.

( مسألة 311) من فقد مال الهدي أو سرق منه فعليه أن يصوم ثلاثة أيَّام في الحجِّ كما مرَّ وسبعة عند الرجوع كما في الآية ( فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ اَيَّامٍ في اْلحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ ) ولكن لو تمكَّن بعد ذلك من شراء ما تتوفَّر فيه الشروط بعد صوم الأيَّام الثَّلاثة فإنَّه يجب عليه احتياطاً أن يذبحه.

( مسألة 312) إذا مات بعد أن وجب وتعيَّن عليه الهدي فإنَّه يجب على مصيِّه أو ولده الأكبر حينئذ أن يقضى ذلك من صلب ماله

ص: 320

فيخرج هو أو ورثته قيمة الهدي ليشترى بها ليذبح أو ينحر في موقعه المناسب من منى أو مكَّة على ما مضى تفصيله.

مَصْرَفُ الهَدْي

( مسألة 313) الأحوط وجوباً أن يقسِّم الذَّبيحة إلى ثلاثة أقسام ثلثاً له يأكل منه ولو مسمَّى ، وثلثاً يهديه إلى مؤمن ولو كان غنيَّاً ، ويجوز أن يأخذه عنه وكيله ، وثلثاً يتصدَّق به على الفقير المؤمن أو يدفعه إلى وكيله ، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى ) فَكُلُوا مِنْهَا وَاَطْعِمُوا

القَانِعَ وَاْلمُعْتَرَّ (.

( مسألة 314) إذا اختلطت حصَّة الحاج من هديه ليأكل منها بحصص غيره من الحجَّاج بحيث لا يتميَّز فالأحوط طبخه مجتمعاً ليأكل منه الجميع بعد قبضها من الجميع ولو نيابة.

( مسألة 315) يستحب للحاجِّ قبل سفره أن يأخذ مسبقاً وكالة من مؤمن ، ومن فقير مؤمن أيضاً لينوب عنهما في القبض عند الحاجة ، لقلَّة تواجد المؤمنين المميَّزين بين عموم المسلمين في مزدحمات المذابح هناك أو لبعض الإرباك المذهل عن التَّشخيص.

( مسألة 316) إذا دفع الثُّلثين إلى غير المؤمن اختياراً أو فرَّط في الإهداء والتَّصدُّق بهما أو أتلفهما ضمن على الأحوط ، نعم لو نهبهما غير المؤمن فلا ضمان عليه.

ص: 321

مُسْتَحَبَّاتُ الهَدْي

يستحب في الهدي أمور : -

1 - أن يكون سميناً.

2 - أن يكون من إناث الإبل أو البقر ، أو ذكران الغنم ، وإذا اختير من الغنم فيستحب أن يكون كبشاً أسود ، فإن لم يكن فأملح وأقرن ( ذا قرن عظيم الهيئة ).

3 - أن تنحر الإبل وهي قائمة وقد ربطت يداها بين الخُفِّ والرُّكبة ، ويطعنها النَّاحر قائماً من الجانب الأيمن كما لا يخفى على القصابين الملتزمين.

4 - أن يتولَّى النَّاسك ( الحاج ) الذَّبح أو النَّحر بنفسه ، فإن لم يقدر على الذَّبح أو النَّحر فليضع يده على يد الذَّابح أو النَّاحر.

5 - أن يقول عند الذَّبح أو النَّحر ما رواه معاوية بن عمَّار عن الإمام الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وهو : -

وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفَاً مُسْلِمَاً وَمَا أنَا مِنَ المُشْرِكِينَ ، إنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأنَا مِنَ المُسْلِمِينَ ، اَللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ ، بِسْمِ الله وَ الله أكْبَرُ ، اَللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي .

6- والأولى أن يقول بعد ذلك أيضاً : -

اَللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَ مِنْ إبْرَاهِيمَ خَلِيلِكَ وَمُوسَى كَلِيمِكَ

ص: 322

وَمُحَمَّدٍ حَبِيبِكَ صَلَّى الله عَلَيهِ وَآلِهِ وَعَلَيهِمْ.

3 - الحَلْقِ أو التَّقْصِير

الواجب الخامس من الواجبات في عمرة التَّمتُّع هو التَّقصير لتوفير الشَّعر في بقاياه لحلقه أو تقصيره لتنفيذ الحكم الخاص في منى للحجِّ.

والواجب السَّادس من واجبات حجِّ التَّمتُّع هو الحلق أو التَّقصير لما مرَّ.

( مسألة 317) يجب الحلق أو التَّقصير - بعد رمي الجمرة والذَّبح - في منى على كلِّ حاجٍّ من الذُّكور مخيَّراً في غير حجِّ الصَّرورة (الحجَّة الأولى الَّتي لم تسبق بحجَّة ) ، وفي الصَّرورة اختيار الحلق على الأحوطوجوباً لما يأتي في التَّعليل في الرِّواية الآتية من ذكر الآية المذكور فيها الحلق قبل التَّقصير ، وفي النِّساء تعيُّن التَّقصير وكذا الخنثى الملحقة شرعاً بهنَّ ، وكذا الخنثى المشكل.

وممَّا ورد من حكمة تعيينه على الصَّرورة ما في علل الشَّرائع عن سليمان بن مهران عن جعفر بن محمد عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في حديث طويل منه ( قال قلت فكيف صار الحلق عليه ( الصَّرورة ) واجباً دون من قد حجَّ فقال ليصير بذلك موسماً بسمة الآمنين ألا تسمع الله تعالى يقول (( لَتَدْخُلُنَّ اْلمَسْجِدَ الحَرَامِ إنْ شَآءَ الله آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكَمُ وَمُقَصِّرينَ )) إلخ ).

ومعنى الحلق هو إزالة شعر الرَّأس كلِّه - بالموسى أو الماكنة الكهربائيَّة المتعارفة اليوم واليدويَّة وبالمقصِّ إلى إنهائه لأنَّها لنعومة الشعر بها قد

ص: 323

تعوِّض عن الموسى - للحجِّ بجميع أقسامه وللعمرة المفردة إذا اختير لها وهو الأفضل.

ومعنى التَّقصير شرعاً هو قصُّ شيء من شعر الرَّأس - أو الشَّارب أو اللِّحية ، أو قصِّ الأظفار يداً أو رجلاً أو منهما معاً - في حالة العمرة أو الحجِّ غير الصَّرورة ، للإحلال من الإحرام في عمرة التَّمتُّع ، وكذا العمرة المفردة إذا اختير لها ، ولا يكفي النَّتفُ عن التَّقصير.

( مسألة 318) يتعيَّن الحلق على من لبَّد شعر نفسه بالصَّمغ أو العسل أو نحوهما ممَّا كان يقوم به القدامى ، أو من نهج على نهجهم من أبناء هذا الزَّمان الخاصِّين وكذلك من عقَّص شعر رأسه.

وَاجِبَاتُ الحَلْقِ أو التَّقْصِير

واجبات الحلق أو التَّقصير ثلاثة : -

1 - كون الحلق لحج الصَّرورة أو الحلق أو التَّقصير مخيَّراًَ بينهما في غير الصَّرورة - في غير عمرة التَّمتُّع والعمرة المفردة - في منى فلا يجوز إيقاعهما في غير منى ، فإذا رحل عن منى ولم يفعل الحلق أو التَّقصير عامداً أو جاهلاً أو ناسياً وجب عليه الرجوع إلى منى ليحلق أو يقصِّر فيها إذا كان يتمكَّن من الرجوع ، وأمَّا إذا لم يتمكَّن منه فإنَّه يحلق أو يقصِّر في مكانه ويبعث بشعره أو أظفاره لتُدفن في منى أو تُلقى فيها على الأقل.

وأمَّا في عمرة التَّمتُّع فهو تقصير فقط كما مر ولا علاقة له بمنى

ص: 324

بل في مكة ، وأمَّا في العمرة المفردة فهو الحلق أو التقصير كغير الصَّرورة من الحجَّاج ولكن لا علاقة له بمنى كعمرة التمتع.

2- النيَّة قربة إلى الله كسائر العبادات والمناسك ، وصورتها لفظاً حين الحلق أو التَّقصير أن يقول المكلَّف قبله مباشرة ( أحلق أو (( أقصِّر)) لفرض (( حجِّ التَّمتُّع )) أو (( الإفراد )) أو (( القِران )) حجِّ الإسلام أو حجَّة مكرَّرة له أو عن غيره لوجوبه أو لاستحبابه أصالة أو نيابة للإحلال من الإحرام قربة إلى الله تعالى ) ، وبذلك يحل من إحرامه ما عدا الطِّيب والنِّساء إلى أن يكمل طواف الحجِّ وطواف النِّساء كما مرَّ.

وأمَّا ما يخصُّ عمرة التَّمتُّع من كيفيَّة النيَّة لها فسوف يأتي ذكرها عند بيان كيفيَّة حجِّ التَّمتُّع في قسم العمرة قبله.

3- التَّرتيب وهو الإتيان بالمناسك الثَّلاثة وهي الرَّمي ثمَّ الذَّبح أو النَّحر ثمَّ الحلق أو التَّقصير متتالية ، فإن خالفه عمداً فالأحوط وجوباً له الإعادة مع الإمكان بما يحصل معه هذا التَّرتيب كما في الرمي والذَّبح إن اختاره دون النَّحر أو النَّحر إن اختاره دون الذَّبح ، وأمَّا لو حلق مخالفاً في التَّرتيب فوجوب الإعادة فيه مرتبطة بالتَّقصير لا غير كما لا يخفى.

ص: 325

مِنْ مَسَائِلِ التَّقْصِيرِ في عُمْرَةِ التَّمَتُّعِ

( مسألة 319) يتعيَّن التَّقصير على المعتمر للإحلال من عمرة

التَّمتُّع ، ولا يجزي عنه حلق الرأس بل يحرم الحلق عليه ، وعليه كفَّارة ذكرناها تحت عنوان كفَّارات متنوِّعة ص200.

( مسألة 320) يحرم التَّقصير في عمرة التَّمتُّع قبل الفراغ من السَّعي فلو فعله عالماً عامداً لزمته الكفَّارة لما مرَّ في أحكامها.

( مسألة 321) لا تجب المبادرة إلى التَّقصير بعد سعي عمرة التَّمتُّع فيجوز فعله في أيّ محلٍّ شاء سواء كان في المسعى أو في منزله أو غيرهما.

( مسألة 322) إذا ترك التَّقصير نسياناً في عمرة التَّمتُّع فأحرم للحجِّ صحَّت عمرته ،والأحوط التَّكفير عن ذلك بشاة كما مرَّ ص200.

( مسألة 323) إذا قصَّر المحرم في عمرة التَّمتُّع حلَّ له جميع ما كان قد حرم عليه من جهة إحرامه ما عدى الحلق.

أمَّا الحلق ففيه تفصيل وهو أن المكلَّف إذا أتى بعمرة التَّمتُّع في شهر شوَّال جاز له الحلق إلى مضي ثلاثين يوماً من يوم عيد الفطر الَّذي يسبق عيد الأضحى كما لا يخفى ، وأما بعده فالأحوط أن لا يحلق ، لأنَّ عليه كفَّارة كما مضى ص200.

( مسألة 324) نقل شيخنا الشَّهيد الأوَّل قدس سره وجوب طواف

ص: 326

النِّساء بعد التَّقصير في آخر سعي عمرة التَّمتُّع عن بعض العلماء ، ولكنَّه مستحبُّ عملاً لعدم ثبوت دلالة على الوجوب.

( مسألة 325) بعد الفراغ من هذه العمرة يجوز الخروج إلى ضواحي مكة وبعض المدن القريبة كجدة والطائف للضروريات والأحوط الاقتصار على المدة المختصرة وعدم المبيت.

مِنْ مَسَائِلِ الحَلْقِ أو التقصير في الحَجِّ بِأقْسَامِهِ

( مسألة 326) من أراد الحلق وعلم أنَّ الحلاَّق يجرح رأسه فعليه

أن يقصر أوَّلاً ثمَّ يحلق للانفكاك عن قيود الإحرام ولو في الجملة احتياطاً بل هو الأقوى كما في صورة غير الصَّرورة لهذه الكيفية.( مسألة 327) يجب على الحاجِّ في منى حين إرادته الإحلال من إحرامه بعد الذَّبح إذا لم يكن عنده شعر كالأصلع ولم يكن عنده ما يقصِّره كالأظفار وغيرها أن يُمرَّ الموسى على رأسه إذا كان حجُّه حجَّ صرورة على الأحوط ، وكذا المتكرِّر في حجِّه على الأحوط إذا لم يكن عنده ما يعوِّض كما سبق ، وإن وجد شيئاً يقصِّره فإنَّ الإمرار حينئذ يكون مستحبَّاً في غير الصَّرورة.

( مسألة 328) الخنثى المشكل يجب عليه التَّقصير إذا لم يكن شعره ملبَّداً أو معقوصاً ، وإلاَّ جمع بين التَّقصير والحلق مقدِّماً

ص: 327

التَّقصير على الحلق على الأحوط وجوباً إذا لم يمكن استفصال أمره ، وأمَّا غير المشكل فحكمه حكم من يلتحق هو به من الذُّكور أو الإناث.

مِنْ مَسَائِلِ مَا يَعُمُّ الحَلْقَ وَالتَّقْصِيرَ في الحَجِ وَالعُمْرَةِ المُفْرَدَةِ

( مسألة 329) إذا لم يقصِّر المكلَّف ولم يحلق نسياناً أو جهلاً فذكره أو علم به بعد الفراغ من أعمال الحجِّ وتداركه لم تجب عليه إعادة الطَّواف على ما استظهره بعض الأعاظم رضي الله عنهم ، ولكن الإعادة أحوط ، بل الأحوط إعادة السَّعي أيضاً ، ولا يترك الاحتياط بإعادة الطَّواف مع الإمكان فيما إذا كان تذكُّره أو عِلمه بالحكم قبل خروجه من مكَّة.

( مسألة 330) لا يجوز للمحرم أن يحلق أو يقصِّر شعر غيره أو ظفره قبل أن يحلق أو يقصِّر ذلك لنفسه.

( مسألة 331) لا يجوز حلق اللحية للتَّقصير وإن كان صرورة وفي حال لم يكن له شعر رأس ، بل لا يجزي عنه مطلقاً لو فعله دفعة ، ولكن لو كان تدريجاً بحيث لو قصَّ شيئاً من شعرها بعد شيء لا بنحو الحلق فلا مانع إلاَّ إن أخذ شيء منها في الدَّفعة الأولى يحقق التَّقصير فلا داعي للأكثر إن أراد خصوص التَّقصير وهو ما دون الحلق المحرَّم للَّحية.

ص: 328

( مسألة 332) لابدَّ من الحلق أو التَّقصير للإحلال من العمرة المفردة غلى ما سيجئ بيانه ولو إشارة في الكلام عنها.

مُسْتَحَبَّاتُ الحَلْقِ أو التَّقْصِير

يستحب في الحلق والتَّقصير أمور ليؤتى بها ولو رجاءاً منها : -

1- التَّلفُّظ بالنيَّة على ما عرف بين كثير من الفقهاء ، ولكن الأحوط وجوباً الإتيان به(1) كعموم النوايا.

2- استقبال القبلة والتَّسمية عند الحلق أو التَّقصير.

3- أن يبدأ بالحلق من قرنه الأيمن ، وينتهي به إلى العظمين الناتئين ( أي البارزين ) مقابل وتد الأُذنين.

4- أن يدعو بما رواه معاوية بن عمَّار عن الإمام جعفر الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فيقول : - اَللَّهُمَّ أعْطِنِي بِكُلِّ شَعْرَةٍ نُورَاً يَوْمَ القِيَامَةِ.

والأولى أن يزيد قوله : -

وَحَسَنَاتٍ مُضَاعَفَاتٍ ، وَكَفِّرْ عَنِّي السِّيئَاتِ ، إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٍ.

5- الأولى أن يختم دعاءه بالصَّلاة على النَّبي محمد وآلِ محمد صلَّى الله عليه وعليهم ، وهو أفضل.

6- أن يدفن شعره في منى ، أو في خيمته.

ص: 329


1- قد مرَّت صورتها ص325 .

مُسْتَحَبَّاتُ يَوْمِ العِيدِ

يستحب يوم العيد للحاجِّ وغيره أمور منها :

1 - الاغتسال وكيفيَّته كغُسل الجنابة(1).

2 - لبس الثِّياب الطَّاهرة النَّظيفة.

3 - أن يكبِّر بالتَّكبيرات الآتية عقيب خمس عشرة فريضة أوَّلها فريضة ظهر العيد وأخرها فريضة اليوم الثَّالث عشر ، هذا لمن كان في منى ، وأمَّا من كان في سائر البلاد فيكبِّر بها عقيب عشر فرائض تبدأ من فريضة ظهر العيد وتنتهي بفجر اليوم الثَّاني عشر.

والتَّكبيرات نقلاً عن مفاتيح الجنان واستناداً إلى رواية صحيحة في الكافي هي كما يلي : -

الله أكْبَرُ الله أكْبَرُ ، لاَ إلَهَ إلاَّ الله وَاللهُ أكْبَرُ ، الله أكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ ، الله أكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا ، الله أكْبَرُ عَلَى مَا رَزَقَنَا مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ ، وَالحَمْدُ للهِ عَلَى مَا أبْلاَنَا.ويستحب تكرار هذه التَّكبيرات عقيب الفرائض بما تيسَّر ، كما يستحب التَّكبير بها بعد النَّوافل أيضاً.

ومن حِكم تشريع التَّكبير أنَّه يذهب بالضِغاط كما في علل الشَّرائع عن سليمان بن مهران قال من حديث طويل لجعفر بن محمد عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ( قلت

ص: 330


1- قد مر ذکر کیفیةً الغسل ص 81.

كيف صار التَّكبير يذهب بالضِغاط هناك ، قال لأنَّ قول العبد الله أكبَر معناه الله أكبر من أن يكون مثل الأصنام المنحوتة والآلهة المعبودة دونه ، وأنَّ إبليس في شياطينه يضيِّق على الحاجِّ مسلكهم في ذلك الموضع ،فإذا سمع التَّكبير طار مع شياطينه وتبعهم الملائكة حتَّى يقعوا في اللُجَّة الخضراء ).

4- صلاة العيد وهي ركعتان كصلاة عيد الفطر تصلَّى جماعة وجوباً في زمن الحضور وهي على الأحوط في حال الغيبة الكبرى مع توفُّر الشُّروط الَّتي للجمعة تخييراً وعلى الاستحباب مؤكَّداً مع عدمه فيها أيضاً ، ويجوز صلاتها فرادى في زمن الغيبة الكبرى ، وإذا صلِّيت جماعة يستحب الإصحار بها بهدوء وسكينة ووقار.

وكيفيَّتها ركعتان كصلاة الصُّبح في الأولى الفاتحة وسورة ، والأفضل ( سورة الأعلى ) ، وخمس قنوتات يُقرأ في كلٍّ منها هذا الدُّعاء بعد التَّكبير:

اَللَّهُمَّ أهْلَ الكِبْرِيَاءِ وَالعَظَمَةِ ، وَأهْلَ الجُودِ والجَبَرُوتِ ، وَأهْلَ العَفْوِ وَالرَّحْمَةِ ، وَأهْلَ التَّقْوَى وَالمَغْفِرَةِ ، أسْألُكَ بِحَقِّ هَذَا اليَوْمِ الَّذي جَعَلْتَهُ لِلمُسْلِمينَ عِيدَاً ، وَلِمُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيهِ وَآلِهِ ذُخْرَاً وَشَرَفَاً وَكَرَامَةً وَمَزِيدَاً ، أنْ تُصَلِّي عَلَى محمد وَآلِ محمد ، وَأنْ تُدْخِلَنِي في كُلِّ خَيْرٍ أدْخَلْتَ مُحَمَّداً وَآلَ محمد ، وَأنْ تُخْرِجَنِي مِنْ كُلِّ سُوءٍ أخْرَجْتَ مِنْهُ مُحَمَّدَاً وَآلَ محمد ، صَلَوَاتُكَ عَلَيهِ وَعَلَيهِمْ أجمَعِينَ ، اَللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ خَيْرَ مَا سَألَكَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ ، وَأعوذُ بِكَ فيه مِمَّا

ص: 331

اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ المُخْلِصُونَ ، ثمَّ يكبِّر السَّادسة ويركع ويسجد.

وفي الثَّانية الفاتحة وسورة والأفضل ( سورة الشَّمس ) وأربع قنوتات بعد التَّكبير ، يقرأ فيها نفس الدُّعاء السَّابق ، ثمَّ بعد التَّكبير الخامس وما بعده وبعد نهاية التَّسليم خطبتان يقوم بهما إمام الجماعة كخطبتي صلاة عيد الفطر ، في كلٍّ منهما حمد لله وثناء عليه وصلاة على النَّبي وآله وذكر للشَّهادتين وذكر للمعصومين الأئمة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ ووعظ وإرشاد إلى ما به الورع والتَّقوى وفعل الواجبات وترك المحرَّمات وتذكير بالآخرة وما يجب علاجه على المسلمين خصوصاً وعموماً في الزَّمان الحاضر منمشاكلهم ، وختم بسورة قصيرة أشبه ما يكون أسلوبها بخطبتي الجمعة ولكنَّهما بعد الصَّلاة.

5- المعايدة بين المؤمنين والمعانقة الودِّية فيما بينهم أقارب وأباعد كي تتوطَّد العلاقات بينهم كثيراً ، أو لا تبقى غضاضة في البين على الأقل.

6- ذبح الأضحية ولذلك سمِّي الأضحى بالأضحى كما في بعض التَّوجيهات وهي كالهدي في الأوصاف ، لكنَّها مستحبَّة مؤكَّدة ، ويجوز ذبحها عن أكثر من فرد واحد الذَّكر للذَّكر والأنثى للأنثى ،على أن يقرأ عند ذبحها الدُّعاء المأثور كما مرَّ في مستحبَّات الهدي ص322.

7 - يستحبُّ الصدقة بجلود الأضاحي ، ويكره إعطائها أجرة للجزَّارين ، كما يكره التَّضحية بالثَّور والجمل.

ص: 332

فوارق الأضحية عن الهدي

( مسألة 333) تختلف الأضحية عن الهدي في أمور : -

1- النيَّة.

2- استحباب الأضحية وإن كان مؤكَّداً ووجوب الهدي.

3- ذبحها في أي مكان واختصاص هدي الحج في منى.

4- استحبابها للحاج وغيره واختصاص الهدي على الحاج في غير حج الإفراد.

5- جواز أن تكون لأكثر من واحد ووجوب كون الهدي الكامل عن واحد فقط.

6- عدم كفاية الأضحية عن الهدي , وان كفى الهدي عنها.

7- عدم وجود بديل بالدرجة الثانية لها ووجود بديل للهدي بذلك وهو الثلاثة في الحج والسبعة عند الرجوع بالصوم المعلوم إذا لم يقدر عليه.

ص: 333

8 - زِيَارَةُ الحُسَينِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في العِيدَين

روي بسند معتبر عن الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قال ( من زار قبر الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ليلة من ثلاث ليالي غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر ليلة الفطر وليلة الأضحى وليلة النِّصف من شعبان ) وهي كما يلي : -

يَامَوْلايَ يَاأَبَاعَبْدِاللهِ ، يَابْنَ رَسُولِ الله ، عَبْدُكَ وَاَبْنُ أَمَتِكَ ، الذَّلِيلُ بَيْنَ يَدَيْكَ ، وَاْلمُصَغَّرُ في عُلُوِّ قَدْرِكَ ، وَاْلمُعْتَرِفُ بِحَقِّكَ ، جَآءَكَ مُسْتَجِيراً بِكَ ، قَاصِداً اِلَى حَرَمِكَ ، مُتَوَجِّهاً اِلى مَقَامِكَ ، مُتَوَسِّلاً اِلى الله تَعَالى بِكَ ، أَاَدْخُلُ يَامَوْلايَ ؟ أَاَدْخُلُ يَاوَلِيَّ الله ؟ أَاَدْخُلُ يَامَلآئِكَةَ الله اْلمُحْدِقينَ بِهَذَا اْلحَرَمِ اْلمُقِيمِينَ في هَذَا اْلمَشْهَدِ ؟

فإن خشع قلبك ودمعت عينك فأدخل وقدِّم رجلك اليمنى على اليسرى وقل : -

بِسْمِ الله وَبِاللهِ ، وَفي سَبيلِ الله ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ الله ، اَللَّهُمَّ أَنْزِلْني مُنْزَلاً مُبَارَكَاً وَأَنْتَ خَيْرُ اْلمُنْزِلينَ

ثمَّ قل الله اَكْبَرُ كَبِيراً ، وَاْلحَمْدُ للهِ كَثِيراً ، وَسُبْحانَ الله بُكْرَةً وَاَصِيلاً ، وَاْلحَمْدُ للهِ اْلفَرْدِ الصَّمَدِ ، اْلمَاجِدِ اْلأَحَدِ ، اْلمُتَفَضِّلِ اْلمَنَّانِ ، اْلمُتَطَوِّلِ اْلحَنَّانِ ، الَّذِي مِنْ تَطَوُّلِهِ سَهَّلَ لي زِيَارَةَ مَوْلايَ بِإِحْسانِهِ ، وَلَمْ يَجْعَلْني عَنْ زِيارَتِهِ مَمْنوُعاً ، وَلاَ عَنْ ذِمَّتِهِ مَدْفُوعاً بَلْ تَطَوَّلَ وَمَنَحَ .

ثمَّ أدخل فإذا توسطَّت فقم حِذاء القبر بخضوع وبكاء وتضرُّع وقل:-

ص: 334

اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَاوَارِثَ آدَمَ صَفْوَةِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَاوَارِثَ نُوحٍ اَمينِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَاوَارِثَ اِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَاوَارِثَ مُوسى كَلِيمِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَاوَارِثَ عِيسَى رُوحِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَاوَارِثَ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ حَبيبِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَاوَارِثَ عَلِيٍّ حُجَّةِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا اْلوَصِيُّ اْلبَرُّ التَّقِيُّ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَاثَارَ الله وَاَبْنَ ثَارِهِ ، وَاْلوِتْرَ اْلمَوْتُورَ ، اَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ اَقَمْتَ الصَّلاةَ ، وَآتَيْتَ الزَّكَاةَ ، وَاَمَرْتَ بِاْلمَعْروُفِ ، وَنَهَيْتَ عَنِ اْلمُنْكَرِ ، وَجاهَدْتَ في الله حَقَّ جِهادِهِ ، حَتَّى اْستُبيحَ حَرَمُكَوَقُتِلْتَ مَظْلوُماً .

ثمَّ قم عند رأسه خاشعاً قلبك دامعة عينك ثمَّ قل :

اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَاأَباعَبْدِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ رَسُولِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ سَيِّدِ اْلوَصِيّينَ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ فَاطِمَةَ الزَّهْرآءِ سَيِّدَةِ نِسآءِ اْلعَالَمينَ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابَطَلَ اْلمُسْلِمينَ ، يَامَوْلايَ اَشْهَدُ أَنَّكَ كُنْتَ نُوراً في اْلأَصْلابِ الشَّامِخَةِ ، وَاْلأَرْحامِ اْلمُطَهَّرَةِ ، لَمْ تُنَجِّسْكَ اْلجَاهِليَّةُ بِاَنْجاسِها ، وَلَمْ تُلْبِسكَ مِنْ مُدْلَهِمَّاتِ ثِيَابِهَا ، وَاَشْهَدُ اَنَّكَ مِنْ دَعَآئِمِ الدّينِ ، وَاَرْكَانِ اْلمُسْلِمينَ ، وَمَعْقِلِ اْلمُؤْمِنينَ ، وَاَشْهَدُ اَنَّكَ اْلأِمَامُ اْلبَرُ التَّقِيُّ الرَّضِيُّ الزَّكِيُّ اْلهَادِي اْلمَهْدِيُّ ، وَاَشْهَدُ اَنَّ اْلأَئِمَّةَ مِنْ وُلْدِكَ كَلِمَةُ التَّقْوى ، وَاَعْلامُ اْلهُدى ، وَاْلعُرْوَةُ اْلوُثْقى ، وَاْلحُجَّةُ عَلى اَهْلِ الدُّنْيا .

ص: 335

ثمَّ انكب على القبر وقل : -

اِنَّا للهِ وَاِنَّا اِلَيْهِ رَاجِعوُنَ ، يَامَوْلايَ اَناَ مُوالٍ لِوَلِيِّكُمْ ، وَمُعادٍ لِعَدُوِّكُمْ ، وَاَناَ بِكُمْ مُؤْمِنٌ ، وَبِايِابِكُمْ مُوقِنٌ ، بِشَرايِعِ دِيني ، وَخَواتيمِ عَمَلي ، وَقَلْبِي لِقَلْبِكُمْ سِلْمٌ ، وَاَمْري لأَمْرِكُمْ مُتَّبِعٌ ، يَامَوْلايَ أَتَيْتُكَ خَائِفَاً فَآمِنّي ، وَأَتَيْتُكَ مُسْتَجِيراً فَأَجِرْني ، وَأَتَيْتُكَ فَقَيراً فَأَغْنِني ، سَيِّدي وَمَوْلايَ ، اَنْتَ مَوْلايَ حُجَّةُ الله عَلَى اْلخَلْقِ اَجْمَعينَ ، آمَنْتُ بِسِرِّكُمْ وَعَلانِيَتِكُمْ ، وَبِظَاهِرِكُمْ وَبَاطِنِكُمْ ، وَاَوَّلِكُمْ وَآخِرِكُمْ ، وَأَشْهَدُ اَنَّكَ التَّالِي لِكِتَابِ الله ، وَأَمينُ الله ، الدَّاعي اِلَى الله بِاْلحِكْمَةِ وَاْلمَوْعِظَةِ اْلحَسَنَةِ ، لَعَنَ الله اُمَّةَ ظَلَمَتْكَ ، وَاُمَّةً قَتَلَتْكَ ، وَلَعَنَ الله اُمَّةً سَمِعَتْ بِذَلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ ثمَّ صلِّ عند الرَّأس ركعتين فإذا سلَّمت فقل : -

اَللَّهُمَّ اِنِّي لَكَ صَلَّيْتُ ، وَلَكَ رَكَعْتُ ، وَلَكَ سَجَدْتُ وَحْدَكَ لاَ شَرَيكَ لَكَ ، فَاِنَّهُ لاَتَجوُزُ الصَّلاةُ وَالرُّكوُعُ وَالسُّجوُدُ اِلاَّ لَكَ ، لأَنَّكَ اَنْتَ الله اْلَّذي لاَ اِلَهَ اِلاَّ اَنْتَ ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَاَلِ مُحّمَّدٍ ، وَاَبْلغْهُمْ عَنّي اَفْضَلَ اَلسَّلامِ وَالتَّحِيَّةِ ، وَارْدُدْ عَلَيَّ مِنْهُمُ السَّلامُ ، اَللَّهُمَّ وَهَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ هَدِيَّةٌ مِنّي اِلى سَيِّدِياْلحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلامُ ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ ، وَتَقَبَّلْهُمَا مِنّي ، وَأَجْزِني عَلَيْهِمَا اَفْضَلَ اَمَلِي وَرَجَآئِي فيكَ وَفي وَلِيِّكَ يَاوَليَّ اْلمُؤْمِنينَ .ثمَّ إنكبَّ على القبر وقبِّله وقل :-

ص: 336

اَلسَّلامُ عَلَى اْلحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ اْلمَظْلوُمِ الشَّهيدِ ، قَتيلِ اْلعَبَراتِ ، وَاَسيرِ اْلكُرُباتِ ، اَللَّهُمَّ اِنِّي اَشْهَدُ اَنَّهُ وَلِيُّكَ وَابْنُ وَلِيِّكَ ، وَصَفِيُّكَ الثَّائِرُ بِحَقِّكَ ، اَكْرَمْتَهُ بِكَرامَتِكَ ، وَخَتَمْتَ لَهُ بِالشَّهادَةِ ، وَجَعَلْتَهُ سَيِّداً مِنَ السَّادَةِ ، وَقَائِداً مِنَ اْلقَادَةِ ، وَاَكْرَمْتَهُ بِطيبِ اْلوِلادَةِ ، وَاَعْطَيْتَهُ مَواريثَ اْلأَنْبِيآءِ ، وَجَعَلْتَهُ حجَّةً عَلى خَلْقِكَ مِنَ اْلأَوْصِيآءِ ، فَاَعْذَرَ في الدُّعآءِ ، وَمَنَحَ النَّصيحَةَ ، وَبَذَلَ مُهْجَتَهُ فيكَ ، حَتَّى اَسْتَنْقَذَ عِبادَكَ مِنَ اْلجَهالَةِ ، وَحَيْرَةِ الضَّلالَةِ ، وَقَدْ تَوازَرَ عَلَيْهِ مَنْ غَرَّتْهُ الدُّنْيا ، وَباعَ حَظَّهُ مِنَ اْلآخِرَةِ بِاْلأَدْنى ، وَتَرَدّى في هَواهُ ، وَاَسْخَطَكَ وَاَسْخَطَ نَبِيَّكَ ، وَاَطاعَ مِنْ عِبادِكَ اوُلِي الشِّقاقِ وَالنِّفاقِ ، وَحَمَلَةَ اْلأَوْزارِ ، اْلمُسْتَوْجِبينَ النَّارَ ، فَجاهَدَهُمْ فيكَ صَابِراً مُحتَسِباً مُقْبِلاً غَيْرَ مُدْبِرٍ ، لا تَاْخُذُهُ في الله

لَوْمَةُ لآئِمٍ حَتّى سُفِكَ في طَاعَتِكَ دَمُهُ ، وَاسْتُبيحَ حَريمُهُ ، اَللَّهُمَّ اَلْعَنْهُمْ لَعْناً وَبيلاً وَعَذِّبْهُمْ عَذاباً اَليماً .

ثمَّ اعطف على علي بن الحسين عَلَيْهِما اَلسَّلاَمُ وهو عند رجلي الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وقل :-

اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَاوَلِيَّ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ رَسُولِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ خَاتَمِ النَّبِيّينَ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ فَاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِسآءِ اْلعالَمينَ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ اَميرِ اْلمُؤْمِنينَ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا اْلمَظْلوُمُ الشَّهيدُ ، بِاَبي اَنْتَ وَاُمِّي ، عِشْتَ سَعيداً ، وَقُتِلْتَ مَظْلوُماً شَهيداً.

ثمَّ انحرف إلى قبور الشُّهداء (رضوان الله عليهم ) وقل:-

ص: 337

اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ اَيُّهَا الذّآبُّونَ عَنْ تَوْحيدِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ، بِاَبي اَنْتُمْ وَاُمِّي فُزْتُمْ فَوْزاً عَظيماً .

ثمَّ امض إلى مشهد العبَّاس بن علي عَلَيْهِما اَلسَّلاَمُ وقف على ضريحه الشَّريف وقل :

اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا اْلعَبْدُ الصّالِحُ ، وَالصِّدَيقُ اْلمُواسي ،اَشْهَدُ اَنَّكَ امَنْتَ بِاللهِ ، وَنَصَرْتَ ابْنَ رَسُولِ الله ، وَدَعَوْتَ اِلى سَبيلِ الله ، وَوَاسَيْتَ بِنَفْسِكَ ، فَعَلَيْكَ مِنَ الله اَفْضَلُ التَّحِيَّةِ وَالسَّلامِ ثمَّ أنكب على القبر وقل : -

بِاَبي اَنْتَ وَاُمّي يَانَاصِرَ دينِ الله

، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَانَاصِرَ اْلحُسَيْنِ الصِّدّيقِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَانَاصِرَ اْلحُسَيْنِ الشَّهيدِ، عَلَيْكَ مِنّي اَلسَّلامُ مَا بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ .

ثمَّ صلِّ عند رأسه ركعتين وقل ما قلت عند رأس الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أي أدع بدعاء اَللَّهُمَّ اِنّي صَلَّيْتُ اِلخ(1) .

ثمَّ ارجع إلى مشهد الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وأقم عنده ما أحببت إلاَّ أنَّه يستحب أن لا تجعله موضع مبيتك(2) فإدا أردتَّ وداعه فقم عند الرأس وأنت تبكي وتقول:-

ص: 338


1- ص336 .
2- لما فیه من معنی المسجدیة

اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَامَوْلايَ سَلامَ مُوَدِّعٍ لاَ قَالٍ وَلاَ سَئِمٍ ، فَاِنْ اَنْصَرِفُ فَلا عَنْ مَلالَةٍ ، وَاِنْ أُقِمْ فَلا عَنْ سُوءِ ظَنٍّ بِمَا وَعَدَ الله الصّابِرينَ ، يَامَوْلايَ لاَجَعَلَهُ الله آخِرَ اْلعَهْدِ مِنّي لِزيَارَتِكَ ، وَرَزَقَنِي اْلعَوْدَ اِلَيْكَ وَالمُقَامِ في حَرَمِكَ ، وَاْلكَوْنَ في مَشْهَدِكَ آمينَ رَبَّ اْلعَالَمينَ .

ثمَّ قبِّله وأمِرَّ عليه جميع جسدك فإنَّه أمان وحرز ، وأخرج من عنده القهقرَى ولا تُولِّه دُبُرك وقل : -

اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابَابَ اْلمَقامِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَاشَريكَ اْلقُرْانِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَاحُجَّةَ اْلخِصامِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا سَفينَةَ النَّجاةِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يَامَلآئِكَةَ رَبِّي اْلمُقيمينَ في هَذَا اْلحَرَمِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ اَبَداً مَا بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيلُ وَالنَّهارُ وقل اِنَّا للهِ وَاِنَّا اِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ اِلاَّ بِاللهِ اْلعَلِّي اْلعَظيمِ ثمَّ انصرف .

وقال السيِّد ابن طاووس ومحمَّد بن المشهدي :فإذا فعلت ذلك كنت كمن زار الله في عرشه(1)

ص: 339


1- لروحانيَّة مشهد آل الله الَّذين استشهدوا في سبيله كما في قوله تعالى في الحديث القُدسي ( عبدي أطعني تكن مثلي ) .

الرُجُوعِ إلى مَكَّة مُؤقَّتَاً لأدَاءِ وَاجِبَاتِهَا

مِنْ بَقَايَا الحَجِّ وَمُلَحَقَاتِهِ

لا شكَّ أنَّ الواجب بعد أداء مناسك العيد الثَّلاثة المذكورة ، هو المبيت بمنى ليلة الحادي عشر والثَّاني عشر من ليالي التَّشريق على ما سيأتي بيانه ، وتركه ممَّا يوجب الفداء كما لا يخفى.

ولكن لا ينافيه رجحان اغتنام الفرصة في أمر العودة إلى مكَّة المكرَّمة بصورة مؤقَّتة بعد منتصف اللَّيل ، لعدم الازدحام في ليلة الحادي عشر هذه تقريباً قبل النَّهار - لأداء مناسك الحجِّ من طواف الحجِّ وصلاته وسعيه وطواف النِّساء الواجب وصلاته وسعيه المستحب كما مرَّ في مثل تلك الليلة بعد نصف الليل وإن كان محلُّها الطَّبيعي الشَّرعي هو في النَّهار - مع التَّشاغل فيها بالعبادة حتَّى الصَّباح ، مما ألجأ الفقهاء لذكر العودة المؤقَّتة في رسائلهم العمليَّة الخاصَّة في الحجِّ ، بل حكم البعض بعدم تأخيره عن الحادي عشر احتياطاً كما سيجيء في الموضع الآتي وهو كذلك.

وقد نهجنا نحن منهجهم للغرض نفسه وإن كانت العودة الحقيقيَّة والأخيرة لذلك وغيره هي كونها بعد الفراغ من ليالي المبيت وعمليات رمي الجمار الثَّلاث في نهارها ، وكذلك لاغتنام فرصة من تخاف طرو الحيض أو النَّفاس عليها من النِّساء في أداء هذه الأعمال الواجبة الخمسة بعد ذلك كما يعرفه المجرِّبون.

ص: 340

طَوَافِ الحَجِّ وَصَلاَتِهِ وَسَعْيهِ

الواجب السَّابع والثَّامن والتَّاسع من واجبات الحجِّ الطَّواف وصلاته والسَّعي ، وكيفيتها وشرائطها هي نفس الكيفيَّة والشَّرائط الَّتي ذكرناها في أحكام الطَّواف وصلاته وسعيه عموماً لبيان أعمال عمرة التَّمتُّع ص 206- 234- 243 تماماً.

( مسألة 334) الأحوط وجوباً مع الإمكان عدم تأخير طواف الحجِّ عن اليوم الثالث عشر ، وإن كان جواز تأخيره مع عدمه إلى ما بعد أيَّام التَّشريق بل إلى آخر ذي الحجَّة لا يخلو من قوَّة ، لما ذكرناه من الأسباب المبررة له إذ لاشكَّ في صحته مع عدم الإثم لو أخرَّ لعدم إمكانه بل حتى مع إمكانه وان احتاج إلى الاستغفار للإثم المترتب في هذا الاختيار بلالأحوط عدم تأخيره مع إمكانه حتى عن الحادي عشر إلا ّ انه على وجه الاستحباب.

( مسألة 335) لا يجوز في حجِّ التَّمتُّع تقديم طواف الحجِّ وصلاته والسَّعي على الوقوفين ، ويستثنى من ذلك الشَّيخ الكبير والمرأة الَّتي تخاف الحيض ، فيجوز لهما تقديم الطَّواف على الوقوفين والإتيان بالسَّعي في وقته ، والأحوط تقديم السَّعي أيضاً وإعادته في وقته ، والأولى إعادة الطَّواف والصَّلاة أيضاً مع التمكُّن في أيَّام التَّشريق أو بعدها إلى آخر ذي الحجَّة.

ص: 341

( مسألة 336) يجوز للمضطر والخائف على نفسه من دخول مكَّة أن يقدِّم الطَّواف وصلاته والسَّعي على الوقوفين ، بل لا بأس في ذلك بتقديمه طواف النِّساء أيضاً كما سيجيء فيمضي بعد أعمال منى حيث أراد ولكن عليه الإعادة في القابل احتياطاً وجوبيَّاً مع الإمكان ، إذا كان حصول ذلك الخوف من تسبيبه التَّقصيري والإنابة مع القدرة عند عدم إمكان المباشرة.

( مسألة 337) من طرأ عليه العذر فلم يتمكَّن من الطَّواف كالمرأة الَّتي رأت الحيض أو النَّفاس ولم يتيسَّر لها المكث في مكَّة لتطوف بعد طهرها لزمتها الاستنابة للطَّواف ثمَّ السَّعي بنفسها بعد طواف النَّائب عنها وصلاته.

( مسألة 338) إذا طاف المتمتِّع وصلَّى وسعى حلَّ له الطِّيب وبقي عليه من المحرَّمات النِّساء والصيد وقلع الشَّجر ما دام في الحرم

( مسألة 339) من كان يجوز له تقديم الطَّواف والسَّعي إذا قدَّمهما على الوقوفين للعذر الشَّرعي لا يحلُّ له الطِّيب حتَّى يأتي بمناسك منى من الرَّمي والذَّبح والحلق أو التَّقصير.

طَوَافِ النِّسَاءِ وَصَلاتِهِ

الواجب العاشر والحادي عشر من واجبات الحجِّ الملحقة هو طواف النِّساء وصلاته ، وهما وإن كانا من الواجبات إلاَّ أنَّهما ليسا من نسك الحجِّ تماماً ، فتركهما - ولو عمداً - لا يوجب فساد الحجِّ ، ولكن لا

ص: 342

تُحلَّل النِّساء خطبة وعقداً وزواجاً تامَّاً إلى أن يؤتى به ، وليس عند العامَّة إلاَّ طواف واحد بعد طواف الحج وهو ما يسمَّى بطواف الوداع كما هو عندنا أيضاً في أعمالنا الأخيرة لكنه مستحب عندنا وطواف النِّساء واجب.( مسألة 340) كما يجب طواف النِّساء على الرِّجال يجب على النِّساء أيضاً ، فلو تركه الرَّجل حرمت عليه النِّساء ، ولو تركته المرأة حرم عليها الرِّجال كذلك سواء في ذلك العمد أو الجهل أو السَّهو حتَّى لو رجعا إلى أهليهما إلاَّ في حالتين ذكرناهما في ص74.

( مسألة 341) النَّائب في الحجِّ عن الغير يأتي بطواف النِّساء عن نفسه لا عن المنوب عنه من حيث الحرمة الفعليَّة من النِّساء عليه وقت الإحرام ومن حيث النَّتيجة وهي التَّحلُّل من هذه الحرمة عليه ، لأنَّ المستفيد بها هو النَّائب لا المنوب عنه ، ومن المنوب عنه الميِّت في قضاء الحج عنه إلاَّ إذا اشترط على النَّائب أو القاضي نيابة باستيجاره أن يأتي بكلِّ شيء في هذا التَّكليف حتَّى بالتَّوابع الواجبة وهي طواف النِّساء فإنَّه لابدَّ أن يأتي بجميع ذلك لكن مع ضميمة أن يحل هذا الأجير من إحرامه من النِّساء كذلك.

( مسألة 342) طواف النِّساء وصلاته كطواف الحجِّ وصلاته في الكيفية والشَّرائط لكن لا سعي فيه إلاَّ مستحبَّاً احتياطيَّاً.

( مسألة 343) لا يجوز تقديم طواف النِّساء على الوقوفين بصورة أشد من حرمة تقديم طواف الحجِّ عليهما إلاَّ لضرورة قصوى

ص: 343

كالعجَّز وخوف العدو وخوف الحيض المتأخِّر ونحو ذلك.

( مسألة 344) لا يجوز تقديم طواف النِّساء على السَّعي اختياراً ، فإن قدَّمه ، فإن كان عن علم وتعمُّد لزمته إعادته بعد السَّعي ، وكذلك إن كان عن جهل أو نسيان على الأحوط وجوباً ، وإن كان عن اضطرار كالخوف من الحيض وعدم التمكُّن من البقاء إلى الطُّهر فيجوز وإن كان الأحوط الاستنابة إضافة إلى ذلك.

( مسألة 345) من قدَّم طواف النِّساء على الوقوفين لعذر لم تحُل له النِّساء حتَّى يأتي بمناسك منى من الرَّمي والذَّبح والحلق.

( مسألة 347) نسيان الصَّلاة في طواف النِّساء كنسيان الصَّلاة في طواف الحجِّ ، وقد تقدَّم حكمه في ص239.

( مسألة 348) إذا طاف المتمتِّع طواف النِّساء وصلَّى صلاته حلَّت له النِّساء ، وإذا طافته المرأة وصلَّت صلاته حلَّ لها الرِّجال ، وأمَّا قلع الشَّجر وما ينبت في الحرم وكذلك الصَّيد في الحرم فقد ذكرنا في ص94 من حدود الحرم وفي ص164 في ترك الصَّيد أن حرمتهما تعم المحرموالمحل في الحرم ما داما فيه وفي أشهر الحج إلاَّ ما استثني.

أيَّامِ التَّشْرِيقِ وَخَوَاصِّهَا

أيَّام التَّشريق ثلاثة (وهي الحادي عشر والثَّاني عشر والثَّالث عشر) من كل شهر تشرق لياليه ببدو اشراقة نور القمر الَّذي هو في طريقه إلى

ص: 344

الكمال قبل الليالي البيض الثَّلاثة تقريباً(1) الَّتي تمتلأ آفاقها ببياض نوره ، ولكنَّها غلبت مسمَّياتها على خصوص أيَّام ذي الحجَّة الحرام لما فيها من أحكام واجبة ومستحبَّة وهي : -

1- وجوب المبيت في منى ليلتين أو ثلاث كما سيأتي.

2- حرمة الصَّوم في نهارها للنَّاسك وغيره إذا كان من أهل مكَّة وضواحيها وغيرهم ، وعدم حرمته على غيره من الأباعد في بلدانهم.

3- وجوب الرَّمي في نهارهما بعد يوم العيد ، بل وفي نهار الثَّلاث كما سيأتي أيضاً ما دام فيه وفي أشهر الحج إلاَّ ما أستثني في ص310.

4- جواز بل وجوب ذبح الهدي في نهارها جميعاً للنَّاسك المتمكِّن إذا لم يذبح يوم العيد ، وكذا استحباب الأضحية مؤكَّداً ، وأمَّا لغيره وبالأخص الأباعد وفي خصوص الأضاحي من تلك الأيَّام فيومان فقط وهما ( الحادي عشر والثَّاني عشر ) مع اليوم العاشر ( العيد ).

5- جواز الحلق أو التَّقصير في جميعها إذا لم يتمكَّن من المكلَّف من ذلك يوم العيد.

6- جواز أداء مناسك الحجِّ الأخرى من الطَّواف وصلاته والسَّعي وطواف النِّساء وصلاته فيها إذا كان متمكِّناً ولم يقدر على الوقت الأقرب ، ومع عدمه فيستمر إلى ما بعدها كما مرَّ ص340وكماسيأتي.

ص: 345


1- المقصود من هذا التَّقريب أنَّ ليلة الثَّالث عشر هي آخر ليالي التَّشريق وأول الليالي البيض .

المَبِيتِ في مِنَى

بعد إنهاء أعمال مكَّة من الذِّهاب المؤقَّت إليها - إن كان - يجب العود إلى منى لأداء مناسكها.

وقبل البدء بالكلام عن ذلك لنذكر دعاءاً تستحب قراءته عند العود إليها وهو : -

اَللَّهُمَّ بِكَ وَثَقْتُ ، وَبِكَ أمَنْتُ ، وَلَكَ أسْلَمْتُ ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ ، فَنِعْمَ الرَبُّ وَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير.

فالمبيت إذن في منى هو الواجب الثَّاني عشر من واجبات الحجِّ ليلة الحادي عشر والثَّاني عشر من أيَّام التَّشريق ، ويعتبر قصد القربة في هذا الامتثال ، فإذا خرج الحاجُّ إلى مكَّة يوم العيد - ولم يمتثل أمر الله في هذا الواجب - لأداء فريضة الطَّواف والسَّعي سريعاً كما مرَّ وجب عليه الرجوع ليبيت في منى تعبُّداً قاصداً وجه الله على ما فصَّلناه في النَّوايا الماضية ، وإلاَّ كان آثماً مع الاحتياط وجوباً بدفع الفدية وكذلك لو راءى في نيَّته.

أَسبَابُ وُجُوبِ المَبِيتِ لَيلَةَ الثَّالِثْ عَشَر

( مسألة 349) يجب المبيت ليلة الثَّالث عشر أيضاً في أمور:-

ص: 346

1- من لم يجتنب الصَّيد في إحرامه وإن لم تغب الشَّمس عليه وهو في منى مضافاً إلى ما يجب عليه من كفَّارات الصَّيد.

2- من أتى النِّساء قبل طواف النِّساء ، بل حتَّى لو طاف طواف النِّساء ما دام في ليالي منى ومنها ليلة الثَّالث عشر على الأحوط.

3- إذا بقي في منى يوم الثَّاني عشر إلى أن دخل اللَّيل ولم يفض بعد ظهره عمداً ، بل حتَّى لو كان راكباً في السَّيارة ولم تخرج به لعطلٍ ونحوه من حدود منى.

( مسألة 350) الأولى بل الأحوط للصَّرورة أن يبيت في منى ليلة الثَّالث عشر ، وكذا لمن ارتكب بعض محرَّمات الإحرام الأخرى ، أو اقترف كبيرة من الكبائر وإن لم تكن من التُّروك ، بل هو الأفضل.

مَسَائِلٌ حَوَلَ عُمُومِ المَبِيتِ في مِنَى

( مسألة 351) من وجب عليه المبيت في منى في كلِّ لياليها المقصودة فيه لا يجب عليه المكث فيها نهاراً بأزيد من مقدار أن يرمي فيها الجمرات الثَّلاث ، ولهذا يعتبر اليوم الحادي عشر والثَّاني عشر ممَّا فيهما المجال الطَّبيعي شرعاً للعود المؤقَّت لأداء طواف الحجِّ وصلاته وسعيه وتقصيره كما مرَّ.

وكذلك لا يجب عليه المبيت في مجموع اللَّيل ، بل يجوز له المكث في منى من أوَّل اللَّيل إلى ما بعد منتصفه فقط ثمَّ يخرج لأداء الوظيفة

ص: 347

الَّتي ذكرناها في الكلام عن الطَّواف وأتباعه ، أو المكث فيها قبل منتصف اللَّيل إلى الفجر ، والأحوط وجوباً لمن بات النِّصف الأوَّل ثمَّ خرج أن لا يدخل مكَّة قبل طلوع الفجر ، إلاَّ فيما استثنيناه من حالة الطَّواف وملحقاته وأعمالهما والانشغال بالعبادة حتَّى طلوع الفجر ومن دون نوم إلاَّ ما يغلب عليه.

( مسألة 352) يستثنى ممَّن يجب عليه المبيت في منى عدَّة أشخاص : -

1- المعذور كالمريض والمعرَّض للمرض فضلاً عن الخطر فيه من خاف على نفسه أو ماله من المبيت في منى ، كمشاكل ما يقع من الحرائق والأوبئة المعدية ونحوهما هناك.

2- من اشتغل بالعبادة في مكَّة تمام ليلته ويتبعها الحوائج الضَّرورية الَّتي لابدَّ منها من الأكل والشُّرب والمعالجة والتَّطهير ونحوها ، إلاَّ أنَّ الأحوط وجوباً فيما يمكن الاقتصار فيه على الأمر اللاَّزم منه كسدِّ الرَّمق من الأكل والشُّرب أن لا يتجاوز عنه إلى حالة الشِّبع والامتلاء.

3- من طاف بالبيت وبقي في عبادته ثمَّ خرج من مكَّة وتجاوز عقبة المدنيِّين فيجوز له أن يبيت في الطَّريق دون أن يصل إلى منى، والأحوط الاقتصار في ذلك على ما استحوذ عليه النَّوم ولم يمكنه الرَّواح إلى هناك بدونه.

( مسألة 353) من أفاض من منى راجعاً في النَّهار ثمَّ رجع إليها بعد دخول اللَّيل في اللَّيلة الثَّالثة عشر لحاجة لم يجب عليه المبيت بها

ص: 348

حتماً.

رَمْي الجِمَارِ الثَّلاَثَةِ في اليَّوْمِ الأوَّلِ وَالثَّانِي مِنْ أيَّامِ التَّشْرِيقِ وَفي الثَّالِثِ عَلَى شَرْطِ

إضافة إلى ما ذكرناه من الكلام عن رمي جمرة العقبة يوم العيد الَّذي منه قد يشمل ما بعده من حالات الرَّمي الأخرى لابدَّ أن نُخصِّص شيئاً من الكلام عن ما يتعلَّق برمي الجمار الثَّلاثة جميعها للتَّعرُّف على ما يجب من الأحكام والمسائل فنقول : -

الثَّالث عشر من واجبات الحجِّ هو رمي الجمرات الثَّلاث الأولى (الصغرى) الثَّانية (الوسطى) الثَّالثة (الكبرى وهي جمرة العقبة) ، ويجب تحقيقه بالنِّسبة إليها جميعاً في اليوم الحادي عشر والثَّاني عشر بعد رمي جمرة العقبة وحدها يوم العيد ، وإذا بات ليلة الثَّالث عشر في منى لما مرَّ في أسباب وجوب المبيت فيها ص346 ، وجب عليه الرَّمي في اليوم الثَّالث عشر كذلك على الأحوط.

( مسألة 354) يعتبر مع قصد القربة في رمي الجمرات المباشرة ، فلا تجوز الاستنابة اختياراً ، وإنَّما تجوز في حال الضَّرورة كالعمى والعجز والمرض فضلاً عمَّن تولَّى نيابة الحجِّ من أوَّله إلى أخره وبالأخص لو اشترطت عليه المباشرة حتَّى لو كان يصيبه شيء من المشقَّة .

ص: 349

( مسألة 355) يجب الابتداء برمي الجمرة الأولى ثمَّ الجمرة الوسطى ثمَّ جمرة العقبة ، ولو خالف وجب الرجوع إلى ما يحصل به التَّرتيب كمن رمى الوسطى ثمَّ الأولى ثمَّ جمرة العقبة ، فإنَّه بما أنَّه أتى بالأولى فعليه أن يعيد بعدها الوسطى ثمَّ الثَّالثة للمحافظة على التَّرتيب المذكور ، وإن كانت المخالفة عن جهل أو نسيان.

نعم إذا نسي فرمى جمرة بعد أن رمى سابقتها المرتَّبة بالأكثر من النِّصف بالنِّسبة إلى الحصيَّات السَّبعة وهو الأربع حصيَّات مثلاً فإنَّه يجزئه إكمالها سبعاً ، ولا يجب عليه إعادة رمي اللاَّحقة ، ولكن رعاية التَّرتيب الكامل أفضل.

( مسألة 356) يجب أن يكون رمي الجمرات في النَّهار ( من طلوع الشَّمس إلى غروبها ) والأفضل عند الزَّوال ، ويستثنى من ذلك أمور : -

1- المملوك إن تيسَّر له إذن سيِّده في خصوص اللِّيل إن حصل.

2- الرَّاعي غير المتفرِّغ في النَّهار.

3- المديون الَّذي يخاف أن يُقبض عليه في النَّهار حينما كان محِقَّاًشرعاً بتأجيل الدَّفع ، أو كان مبطلاً ولكن نوى الوفاء بعد الفراغ صدقاً مع الاحتياط باستيهابه من الدَّائن ، أو كان القابض ظالماً بأكثر من مستوى الدَّين.

4- كل من يخاف على نفسه أو عرضه أو ماله ، ويشمل ذلك الشَّيخ والنِّساء والصِّبيان والضُّعفاء الَّذين يخافون على أنفسهم من كثرة

ص: 350

الزُّحام.

فيجوز لهؤلاء جميعاً الرَّمي ليلة ذلك النَّهار مسبقاً.

( مسألة 357) من نسي الرَّمي في اليوم الحادي عشر وجب عليه قضاؤه في الثَّاني عشر مع أداء وظيفة اليوم نفسه ، ومن نسيه في الثَّاني عشر قضاه في اليوم الثَّالث عشر ، لا على أن يلزمه أن يبيت هناك إن عاد إلى مكَّة نهار يوم الثَّاني عشر ، والأحوط وجوباً أن يفرِّق بين الأداء والقضاء ، وأن يقدِّم القضاء على الأداء ، وأن يكون القضاء أوَّل النَّهار والأداء عند الزَّوال.

( مسألة 358) من نسي الرَّمي فذكره في مكَّة وجب عليه أن يرجع إلى منى ويرمي فيها كما أشرنا في المسألة السَّابقة ، وإذا كان نسيانه لجميع عمل اليومين أو الثَّلاثة فالأحوط أن يفصل بين وظيفة يوم ويوم بساعة على الأقل ، وإذا ذكره بعد خروجه من مكَّة ولم يمكنه الرجوع لم يجب عليه ، بل يقضيه في السَّنة القادمة بنفسه أو بنائبه.

مُسْتَحَبَّاتُ وأعْمَالُ مِنَى المَنْدُوبَة

يستحب في منى أمور - ولو بأن يؤتى بها رجاءاً - وهي كما يلي : -

1 - البقاء نهاراً في منى بعد المبيت فيها ، والمقام فيها أفضل من المجيء إلى مكَّة للطَّواف المستحب ، وإن كان يجوز له ذلك كما مرَّ.

2 - التَّكبير بمنى بالتَّكبيرات الأربع المذكورة ص330 عقيب

ص: 351

خمسة عشر صلاة مبتدئة من يوم العيد.

3 - إذا لم ينفر من منى يوم الثَّالث عشر من أيام التَّشريق ، فإنَّه يستحب له التَّكبير أيضا عقيب النَّوافل.

4 - أن يقول ما رواه معاوية بن عمَّار عن الإمام الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وهو:-

لاَ إلَهَ إلاَّ الله وَاللهُ أكْبَرُ الله أكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ ، الله أكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا ، الحَمْدُ للهِ عَلَى مَا رَزَقَنَا مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ ، الحَمْدُ للهِ عَلَى مَا أوْلاَنَا.

5 - يستحب بل ينبغي لمن أقام في منى أن يصلِّي جميع صلواته فيمسجد الخيف الواقع في منى قرب محلِّ الرَّمي ( الفرائض والنَّوافل معاً ) ، وأفضل مواقعه مصلَّى رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وهو من المنارة إلى نحو من ثلاثين ذراعاً من جهة القبلة وعن يمينها ويسارها وخلفها ما لم يغيِّر المسؤلون المواقع الأصيلة ، فقد ورد في الحديث الشَّريف أنَّ ( صَلاةُ مَائَةِ رِكْعَة في مَسْجِد الخِيفِ قَبْلَ الخُروجِ مِنْ مِنَى تَعْدِلُ عِبَادَةِ سَبْعِينَ سَنة ) ، ويستحب أيضاً في المسجد المذكور إجراء أمور: -

أ. التَّسبيح مائة مرَّة ، فقد ورد في ذلك أيضاً ( من قال فيه مائة مرَّة (( سبحان الله )) كتب له ثواب عتق رقبة.

ب. التَّهليل مائة مرَّة ، فقد ورد أيضاً ( ومن قال فيه مائة مرَّة (( لاَ إلَهَ

ص: 352

إلاَّ الله )) كتب له ثواب إحياء نفس.

ج. التَّحميد مائة مرَّة فقد ورد أيضاً ( من قال فيه مائة مرَّة (( الحمد لله )) يعدل ذلك خراج العراقين ينفقه في سبيل الله .

د. استحباب صلاة مائة ركعة.

ه. استحباب صلاة ست ركعات في أصل صومعة المسجد ، والأولى أن تكون صلاة هذه الست ركعات عند إرادة الرجوع إلى مكَّة لتوديع منى وذلك عندما تبيضُّ الشَّمس من اليوم الثَّالث عشر.

العَوْدَةِ الكَامَلِةِ إلى مكَّة المُكَرَّمَةِ

بعد أن ينهي المكلَّف أعمال منى كاملة في الأيَّام الثَّلاثة لا يقدر إلاَّ أن يرجع إلى مكَّة لعدم إمكان المكث فيها خصوصاً بالنِّسبة إلى سكان البلدان البعيدة ، وبالأخصِّ أنَّه لابدَّ له ولغيره من العودة إليها إذا أخَّر أداءه لطواف الزِّيارة ( الحجِّ ) وصلاته وسعيه وتقصيره ، وما يتبعه من طواف النِّساء وصلاته إلى ما بعد إنهاء المبيت لعذر أو غير عذر لإجرائها كي يحِلَّ له الطِّيب والنِّساء ، ولإجراء ما يستحبُّ له فيها من بقايا المستحبَّات كطواف الوداع وغيره ولرجوعه إلى أهله

ص: 353

مُسْتَحَبَّاتُ أعمَالِ مَكَّة المُكَرَّمَةِ عِنْدَ العَوْدَةِ الأخْيَرِةِ

بمناسبة العودة النهائيَّة ينبغي بيان أمور يستحب الإتيان بها هناك ، فإضافة إلى ما ذكرناه من بيان مستحبَّات دخول مكَّة عموماً ص 118 يستحب إجراء ما يلي مأكَّداً مدَّة بقائه بمكَّة المكرَّمة.

1- بعد الانتهاء من طواف الحجِّ يستحب له طواف سبعة أشواط وصلاة ركعتين عن أبيه وأمِّه وزوجته وولْده وخاصَّته وجميع أهل بلده ، لكل واحد منهم طواف كامل على حده ، وإن كان يجزيه طواف واحد كامل بصلاته عن الجميع ، ولكن التَّفصيل أولى وأفضل إن أمكن.

2- يستحب أيضاً أن يطوف مدَّة بقائه هناك ثلاثمائة وستِّين طوافاً كاملاً مع صلاته إن أمكن وهي عدد أيَّام السَّنة تقريباً ، وإلاَّ فيطوف ثلاثمائة وأربعة وستِّين شوطاً فيكون اثنين وخمسين طوافاً كاملاً مع صلواتها مع تمكِّنه أيضاً ، وإلاَّ يطوف بقدر ما يستطيع إن شاء استقلَّ وإن شاء استكثر لكون ذلك مستحباً غير واجب.

3- يستحبُّ أيضاً بل ينبغي زيارة موقع ولادة رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ بمكَّة وهو الآن مسجد في زقاق بسوق اللَّيل يسمَّى ( زقاق المولد ) فيصلِّي فيه ويدعو الله تعالى بما يهمُّه.

ص: 354

4- ختم القران الكريم في مكَّة المعظَّمة.

5- العزم على العودة من قابل ، فإنَّ ذلك يزيد في العمر كما أنَّ العزم على عدمها من قواطع الأجل والعياذ بالله من حدوثه إلاَّ بعفو الله ورضاه.

6- إتيان الحطيم وهو ما بين باب الكعبة والحجر الأسود ، وفيه تاب الله على آدم ، وروي أنَّه أشرف البقاع ، وورد استحباب الصَّلاة عنده والدُّعاء والتَّعلُّق بأستار الكعبة في هذا المكان وعند المستجار.

7- إتيان منزل خديجة عَلَيْها اَلسَّلاَمُ الَّذي كان رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ يسكنه معها بعد تزُّوجه منها ، وفيه ولدت أولادها عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ منه والَّذين ما بقي منهم لهما إلاَّ الصِّديقة قاطمة الزَّهراء عَلَيْها اَلسَّلاَمُ ، وتوفِّيت فيه وهو الآن مسجد أيضاً فيستحب أن يصلَّى فيه ويدعى الله تعالى.

8- زيارة قبر خديجة الكبرى عَلَيْها اَلسَّلاَمُ ، وقبرها بالحجون وهو معروف في سفح الجبل ، ( أنظر خريطة رقم (( 10 )) )

9- زيارة قبر أبي طالب (رض) أيضاً ، وهو والد أمير المؤمنين علي عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام ، وهو مدفون في المقبرة الَّتي فيها قبر خديجة ، وهو الَّذي ورد في حقِّه النَّص الشَّريف في موقع المدح وهو قوله تعالى ) وَالَّذينَ آوَوْا وَنَصَرُوآ ( ، ومن السُّنَّة الشَّريفة ( مَا اسْتَقَامَ الإسْلامُ إلاَّ بِإيمَانِ أَبِي طَالِبْ وَأَمْوَالِ خَدِيجَة وَسَيْفِ عَلِي بْنِ أَبِي طَالِبْ ).

ولشأن أبي طالب وخديجة عَلَيْهِما اَلسَّلاَمُ في الإسلام سمَّى رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ

ص: 355

ص: 356

عام وفاتهما بعام الحزن بروايات العامَّة قبل روايتنا.

وإيمانه لا يمكن إنكاره كما يدِّعيه المبطلون لأنَّه كان كمؤمن آل ففرعون يكتم إيمانه ، وقد نُسبَ إليه عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مؤكَّداً بيت من جملة أبيات قالها لمدح الإسلام : -

وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأنَّ دِينَ محمد *** مِنْ خَيْرِ أديَانِ البَرِيَّةِ دِينَا

وقد قال في مدحه ومدح أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أحد الشُّعراء القدامى مضمِّناً الآية الكريمة الماضية : -

فَلَوْلاَ أبُو طَالِبٍ وَابْنُهُ *** لَمَا مَثُلَ الدِّينُ شَخْصَاً فَقَامَا

فَهَذَا بِمَكَّةَ حَامَا وَآوَا *** وَذَاكَ بِيَثْرِبَ قَاسَى الحِمَامَا

10- إتيان مسجد الأرقم ( راقم ) والصَّلاة فيه.

11- إتيان الغار الَّذي بجبل حرَّاء ، وهو الغار الَّذي كان النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ يتعبَّد فيه قبل النبُّوة ونزل عليه الوحي فيه.

12- إتيان الغار الَّذي بجبل ثور وهو الجبل الَّذي استتر فيه النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ حين الهجرة عن المشركين الَّذين يتزعَّمهم خالد بن الوليد حينما صمَّموا جميعاً على قتله.

13- زيارة قبر عبد المطَّلب جد النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، وهو في مقبرة الحجون.

14- زيارة قبر عبد مناف جدِّ النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ الأعلى ، وهو في مقبرة الحجون أيضاً.

15- زيارة قبر أمنة بنت وهب أمِّ النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ .

16- الوصول إلى المكان الَّذي نزله النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ عند الهجرة ، ويقال

ص: 357

إنَّه الآن مسجد بإزاء مسجد الشَّجرة والرَّواح إليه يكون عند الرجوع عن طريق المدينة وهو ما يسمَّى بمعرس النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ .

17- الاضطجاع في هذا المسجد قليلاً ليلاً أو نهاراً.

18- صلاة ركعتين في هذا المسجد.

19- لو جاوزه استحبَّ له الرجوع والتَّدارك إليه.

20- يستحب الصَّلاة في مسجد غدير خمٍّ ، والإكثار من الابتهال والدُّعاء فيه.

وهو الموضع الَّذي نصَّ فيه الرَّسول الأعظم صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ على إمامة أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وولايته عليهم وعقد فيه البيعة له بأمر الله تعالى ، وذلك حينما نزل قوله تعالى ( يَآءَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْتَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) أمام جمع كبير من المسلمين أحصي بمائة وعشرين ألف مسلم ومؤمن.

كما نصَّ على ذلك الفريقان ، وقد أُحصي من المصادر السُّنيَّة الَّتي أثبتت ذلك ما يصل إلى حدِّ المائة والعشرين مصدراً ، ومن شاء فليراجع كتاب الغدير للعلاَّمة الأميني وكتاب السيد هاشم البحراني قدس سره وغيرهما من كتب الفريقين.

وفيه نزل قوله تعالى بعد ما تمَّت البيعة لأمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بالولاية والإمرة ( اليَوْمُ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ اْلإسْلاَمَ دِينَا ).

فقال الرَّسول الأعظم صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ( الله أكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ عَلَى إكْمَالِ الدِّينِ

ص: 358

وَإتمَامِ النِّعْمَةِ وَرِضَا الرَبِّ وَالوِلاَيَةِ لِعَلِي بن أبي طَالب ).

كَيْفِيَّاتِ الحَجِّ عُمومَاً لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْهَا مُخْتَصَرَاً

ليعلم طالب الفقاهة والنَّاسك ( وفَّقهما الله ) أنَّنا بعد ما ذكرنا كثيراً من لوازم الإطِّلاع على خصوصيَّات المناسك وأحكامها حجَّاً وعمرة للأباعد وهو التَّمتُّع - بما لا داعي فيه إلى الإطالة أكثر ، لكون المطالع اللَّبيب لا تخفى عليه كيفيَّة الأداء بعد التَّدقيق والتَّأمل بنفسه فيما ذكرناه - ألزمنا أنفسنا بمحاولة الاختصار في عرضها جميعاً مرَّة أخرى ولكلِّ فرد فرد منها مع الملحقات لتمكينهما على إفراز بعضها عن بعض بسرعة.

مع ما كنا قد التزمنا به للإفادة أكثر لهم وللآخرين بتوضيح الكيفيَّة من أوَّل الإحرام إلى أخره بالفصول المتقدِّمة الخاصة لكلِّ باب ولجميع أقسام الحجِّ الثَّلاثة مع إلحاق العمرة بها ، وخصوصاً عمرة التَّمتُّع المرتبطة بحجَّه قبله ، وكذلك العمرة المفردة بعد الفراغ من الأقسام الثَّلاثة ممَّا سبق وبالنَّحو التَّفصيلي الجامع كي لا يتحيَّر الطَّالب والنَّاسك في انتقاء الكيفيَّة اللازمة من مجرَّد مطالعاتهما في ما ذكرناه لهما ولغيرهما سابقاً إن اختصُّوا بذلك بلا تفصيل وتوضيح ، لما قد تربكهم بعض حالات مفاجئة وهي مشاهدة تلك المشاهد المشرَّفة الغريبة على أكثر النَّاس وبالأخص مع كثرة الزُّحام وملاقات مختلف الطَّبقات المثقَّفة منهم وغير المثقَّفة ، وقد يكون من مذاهب مختلفة قد

ص: 359

تتفاوت في الاجتهاد مذهبيَّاً بما قد لا يحصل من حاله ما ينفع تجاه تطبيق الأحكام الصَّحيحة الممكنة من حالات التَّقيَّة ، بل قد يضر عند عدم التَّركيز وفهم كيفيَّة المخرج منحالاتها الَّتي لا تكون إلاَّ في حالات خاصَّة لا في كلِّ حالة.

في حين أنَّنا قد صمَّمنا هذا الكتاب أيضاً فيما سبق من البيان بأسلوب لو أتُّبع تماماً لكان ممَّا يبرئ ذمَّة الجميع إنشاء الله ، مهما اختلفت مذاهبهم بكثرة التَّحفُّظ والاحتياط فيما أبديناه من أحكام نوعاً ومن موقع الخبرة والتَّجربة المتظافرة من أعلامنا السَّابقين وممَّا يبديه المتواضع في عرضه هذا.

فقبل كلِّ شيء إنَّ ما نريد أن نباشره أوَّلاً من الكيفيَّات هو بيان كيفيَّة حجِّ التَّمتُّع ثمَّ نعقِّبه بالباقي ثانياً لاختصاص التَّمتُّع كوظيفة شرعيَّة لازمة على كل من ابتعد عن مكَّة المكرَّمة بمسافة أكثر من (ستَّة وتسعين كيلو متراً ) فما فوق ومن جميع الجهات الأربع للعالم كما سبق.

وكذلك على الأحوط استحباباً لمن ابتعد عن مكة ب- ( سبعة وثمانين كيلو متراً ) كما مرَّ ص88 على ما أثبتته الأدلَّة ، وإنَّ هؤلاء مع الأبعد منهم يشكِّلون الأكثريَّة في عوالم الحجِّ في كلِّ زمان ومكان من العالم الإسلامي تقريباً كما قال تعالى ( فَإِذَآ أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِاْلعُمْرَةِ إلَى اْلحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ اْلهَدْي ).

وكما أوضحته النُّصوص النبويَّة الصَّحيحة عن طريق خزانة العلم

ص: 360

الإلهي وحملة الوحي المبين ، وهم أئمة أهل البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ ، كما هو محرَّر تفصيلاً في كتبنا العلميَّة الموسَّعة مع الرِّوايات الموثَّقة من قبل الصحابة والتَّابعين وتابعي التَّابعين ممَّن حذا حذو الأئمة الطَّاهرين صلوات الله عليهم أجمعين وعلى ما روته كتب الخاصَّة وإخواننا العامَّة كذلك لما سوف نظهره في تسنيد مواضيع هذه الرِّسالة بصورة أوسع.

والَّذي من ذلك - وهو ممَّا يأكِّد شرعيَّة حجِّ التَّمتُّع ومن طرق الأخوة العامَّة أكثر - هو ما ورد من تشريع تحريم ابتداعه والالتزام بتركه عمن يخالف ذلك - بعد الاعتراف بشرعيَّته في عهد رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ اجتهاداً في مقابل النَّص - وهو الخليفة الثَّاني معنعناً عنه ، أنَّه قال (( متعتان حلالتان كانتا على عهد رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وأنا أحرِّمهما وأعاقب عليهما متعة الحجِّ ومتعة النِّساء ))(1).

ويؤكِّد استمرار التَّمسُّك بشرعيَّة ما كان من ذلك على عهد رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ما ورد عن الآخرين أو البعض المهمِّ من الصحابة ، الَّذين منهم عبد الله بن عمر مستفيداً صحَّة ذلك من نفس ما قاله والده حيث قال معلِّقاً على مقالة أبيه الماضية (( نأخذ بنقله ونترك رأيه )).

وقد كتب في كثير من فقه العامَّة ، ومن ذلك ما نشر مطبوعاً من فقه مناسك الحجِّ في الحجاز من أوقاف المملكة الحجازيَّة ( آل سعود ) ما يثبت بقاء شرعية هذا النَّوع من الحجِّ تطبيقاً لدى أكثر من مذهب ،

ص: 361


1- راجع المصادر / كنز العمال ج16ص519 ط حلب ، تفسير الرَّازي ج10ص50 ط بيروت ، المغني لابن قدامة ج10 ص46 ط القاهرة .

وقد أُهديت لنا حين سفرنا في السبعينات لتلك المشاهد المشرَّفة للحجِّ بعض تلك الكتب الَّتي طالعناها آنذاك ممَّا أبان وبوضوح في أنَّ تمسُّك كثير من المسلمين حتَّى من غير المذهب الإمامي الشِّيعي باق على حاله ولله الحمد بالنِّسبة إلى السَّاكنين خارج المسافة الَّتي ذكرناها سابقاً ، بل وحتَّى السَّاكنين في داخلها ، ومن شاء فليتابع تلك المطبوعات فإنَّها باقية إلى حد الآن.

كَيْفِيَّةُ حَجِّ التَّمتُّع

أمَّا كيفيَّة حجِّ التَّمتُّع فتلخيصاً لما مضى عنه ووفاءاً بالوعد وللإفادة أكثر نقول : -

حجُّ التَّمتُّع على قسمين وهما : -

القسم الأوَّل : هو أن يبدأ الإنسان بعمرته أوَّلاً قبل أن يقوم بأعمال الحجَّ كما مرَّ من أحد المواقيت المناسبة لطريق كلِّ داخل من مداخل بقعة الحرم الكبيرة الشَّريفة ، فيحرم المكلَّف من موقعه ، وأفضل تلك المواقيت هو مسجد الشَّجرة إن كان بالإمكان اختياره من بينها في هذا الزَّمان ، لأنَّه الَّذي أحرم منه رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ .

بأن يلبس ثوبي الإحرام غير المخيطين ، حتَّى المرأة احتياطاً استحبابيَّاً فوق ألبستها المخيطة ولو لمجرَّد عقد الإحرام ثمَّ تنزعها ، وذلك اللبس بعد الاغتسال كما مرَّ ص145 ، ثمَّ ينوي بعد ذلك نيَّته فيقول قاصداً لافظاً بما مرَّ ذكره ص147.

ص: 362

ثمَّ يلبِّي بعد ذلك فوراً بالتَّلبيات الأربع المذكورة في ص149 من كيفيَّة التَّلبية ليتحقَّق الإحرام تامَّاً.

ثمَّ يركب راحلته المكشوفة إذا كان المكلَّف رجلاَّ ، وتختار المرأة المكشوفة وغيرها ، مع استحباب الاستمرار على التَّلبيات الأربع وغيرهاممَّا مرَّ تفصيله كلَّما صعد مرتفعاً ونزل منخفضاً في مسيرته إلى مكَّة المكرَّمة.

وعند وصوله إلى الحرم الشَّريف يدخل المسجد الحرام بما ذكرناه من مقدِّمات الدُّخول الواجبة والمستحبَّة ، لإجراء بقيَّة واجبات ومستحبَّات عمرة التَّمتُّع الَّتي أوَّلها بعد الدُّخول الطَّواف حول البيت بسبعة أشواط على ما مرَّ تفصيله في الكلام عن الطَّواف ص204.

ثمَّ يصلِّي ركعتي الطَّواف بعد الطَّواف بما ذكرناه ص234.

ثمَّ يسعى بين الصَّفا والمروة بسبعة أشواط بما فصَّلناه في ص242 من الكلام عن السَّعي.

ثمَّ يقصِّر بعد الفراغ من السَّعي بأخذ شيء من شعره وأظفاره أو أحدهما ، فيقول قاصداً لافظاً بما ذكرناه ص325.

وذلك للإحلال من إحرامه عن جميع تروكه ما عدى الصَّيد وقلع الشَّجر في الحرم على ما مرَّ ذكره من الكلام عن خصوصِّيات الحرم بالنِّسبة إلى المتواجد فيه وإن كان محِلاًّ عدا ما أستثني هناك.

وبعد ذلك يأخذ حريَّته الكاملة في مدَّة ما بعد ذلك طالت أم قصرَت إلى يوم التَّروية ، وهو اليوم الثَّامن من ذي الحجَّة للإفاضة فيه

ص: 363

من مكَّة بعد الإحرام لخصوص حجِّ التَّمتُّع ، وهو أفضل الأوقات له.

وقد ورد في منشأ تسمية يوم التَّروية بهذا الاسم ما في العلل عن عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قال سألته ( لم سمِّي يوم التَّروية يوم التَّروية ، قال لأنَّه لم يكن بعرفات ماء وكانوا يستقُّون من مكَّة من الماء لريِّهم ، وكانوا يقول بعضهم لبعض تروَّيتم تروَّيتم فسمِّي يوم التَّروية لذلك ).

القسم الثَّاني : حجِّ التَّمتُّع وهو : -

أن يلبس ثوبي الإحرام مرَّة ثانية ، ويحرم من مكَّة من منزله أو من المسجد الحرام وهو الأفضل والأفضل منه ما خلف المقام ، بعد إجراء المقدِّمات اللاَّزمة والمستحبَّة لذلك ، ثمَّ ينوي لافظاً بما ذكرناه في محلِّه ص148.

ثمَّ يلبِّي التَّلبيات الأربع ، ثمَّ يركب راحلته كما ذكرناه في العمرة للرِّجال وللنِّساء.

ويكرِّر تلبياته استحباباً كلَّما صعد جبلاً ونزل وادياً إلى أن يصل إلى عرفات ويرى خيامها ، ليبيت فيها مستحبَّاً لانتظار ظهيرة يوم التَّاسعللوقوف فيها ما بين زوال الشَّمس وغروبها بمسمَّى الوقوف بنيَّته المذكورة تفاصيلها في باب الوقوف في عرفات ص255.

ثمَّ يخرج بعد الغروب ذاهباً إلى المزدلفة ليبيت هناك متعبِّداً جامعاً الحصى ، ومنتظراً ما بين الطُّلوعين للوقوف أيضاً - صبيحة يوم العيد العاشر من ذي الحجَّة - بمسمَّاه بعد النيَّة له على ما هو مفصَّل في

ص: 364

الكلام عن الوقوف بالمزدلفة ص290.

ثمَّ يبدأ برمي جمرة العقبة يوم العيد ( النَّحر ) بسبع حصيات ، وهو الرَّابع من واجبات الحجِّ على ما مرَّ تفصيله ناوياً لافظاً بما مرَّ ذكره في الكلام عن واجبات منى المختصَّة بجمرة العقبة ص305.

ثمَّ يذبح أو ينحر هديه ناوياً لافظاً بما ذكرناه في أعمال منى عن خصوص الذَّبح أو النَّحر ص312.

ثمَّ يحلق المحرم رأسه إذا كان رجلاً وكان حجُّه صرورة ، ويقصِّر إذا كان مكرَّراً ، وتقصِّر المرأة فقط بعد النيَّة لكلٍّ منهما من قبل المكلَّفين والَّتي لفظها ما ذكرناه ص325 ، من الواجب الثَّالث من أعمال منى والسَّادس من أعمال الحجِّ.

ومن بعد ذلك يحصل الإحلال من إحرام الحجِّ في تروكه ما عدا الطِّيب والنِّساء والصَّيد وقلع الشَّجر ما دام في الحرم.

ثمَّ بعد إحلاله هذا يبيت الحاجُّ في منى وجوباً تعبُّداً بنيَّته ولرمي الجمار الثَّلاثة في اليوم الَّذي بعد تلك اللَّيلة ، وهو اليوم الأوَّل من أيَّام التَّشريق الثَّلاث ، فيرمي تلك الجمار مبتدئاً بالصغرى ، ثمَّ الوسطى ، ثمَّ جمرة العقبة بسبع حصيَّات لكلِّ منها بعد نيَّة خاصَّة ملفوظة لكلِّ منها على ما هو مفصَّل في ص306 مع تعيين الجمرة.

ثمَّ يبيت اللَّيلة الثَّانية لليوم الثَّاني من أيَّام التَّشريق لوجوبه ولرمي الجمار الثَّلاثة مكرَّراً.

وبذلك يكمل أعماله في منى ليعود إلى مكَّة لأداء واجباتها ، إلاَّ

ص: 365

إذا بقي إلى حدِّ الغروب فيها ، فحينئذ يجب عليه المبيت ليلة الثَّالث من أيَّام التَّشريق وجوباً لرمي الجمار الثَّلاثة أيضاً.

فيعود بعد ذلك إلى مكَّة المكرَّمة فيبدأ بدخول البيت لطواف الحجِّ ( طواف الزِّيارة ) بسبعة أشواط - إذا لم يقم بذلك مسبقاً بعد انتهائه من أعمال منى يوم العيد - كما مرَّ في الصُّورة السَّابقة في القسم الأوَّل وهو العمرة ، ثمَّ يصلِّي ركعتي طوافه على ما مرَّ تفصيله أيضاً ، ثمَّ يسعى بينالصَّفا والمروة كما عرفت ، ثمَّ يقصِّر بعد انتهاء سعيه.

وبذلك يحل له الطِّيب ، ثمَّ يبدأ بطواف النِّساء رجلاً كان الحاجُّ أو امرأة أو صغيراً يطوف بنفسه لقدرته أو يطاف به بنيَّته المذكورة في بابها ص206.

ثمَّ يصلِّي ركعتي الطَّواف ، ثمَّ يسعى احتياطاً استحبابيَّاً لا ينبغي تركه ، ويختمه بتقصير ويُعمل هذا مع الصَّغير كذلك.

وبإكمال طواف النِّساء تحل له النِّساء خطبة وعقداً ووقاعاً ما عدا الصَّيد وقطع الشَّجر في الحرم ما دام فيه.

كَيْفِيَّةُ حَجِّ الإفِرَادِ

( مسألة 359) يجب حجُّ الإفراد على من كان داخل الحرم - المحدَّد في حدوده الماضية ص94 - ، أي بين منزله وبين مكَّة أقل من ( ستَّة وتسعين كيلو متراً ) في كلٍّ من الجهات الأربع ، وعلى الأحوط استحباباً في خصوص المقام أن يكون أقل من ( سبعة وثمانين كيلو متراً

ص: 366

تقريباً ) كما مرَّ ذكره للخارجين عن ذلك من الرِّجال والنِّساء.

وهو عمل مستقل في نفسه من دون أن يرتبط بالعمرة ، ولكن فيما إذا تمكَّن المكلَّف بعده من العمرة المفردة وجبت عليه بنحو الاستقلال كما سنوضِّحه في الكلام عنها وعنه ، فإذا تمكَّن من أحدهما دون الآخر وجب عليه ما يتمكَّن منه خاصة ، وقد يجب عليه كلا العملين في وقت واحد ، والأحوط وجوباً على ما هو المشهور بين الفقهاء تقديم الحجِّ على العمرة.

( مسألة 360) يشترك حجُّ الإفراد مع حجِّ التَّمتُّع في جميع أعماله ويفترق عنه في أمور منها : -

1- يعتبر اتِّصال العمرة بالحجِّ قبله في حجِّ التَّمتُّع ووقوعهما في سنة واحدة في الأشهر المعلومة ، ولا يعتبر ذلك في حجِّ الإفراد فإنَّ عمرته في داخل الاثني عشر شهراً بعده.

2- أنَّ إحرام حجِّ التَّمتُّع يكون بمكَّة ، وأمَّا الإحرام في حجِّ الإفراد فهو من أحد المواقيت الماضية ص97.

3- يجب النَّحر أو الذَّبح في حجِّ التَّمتُّع كما مرَّ في يوم العيد ، ولا يعتبر شيء من ذلك في حجِّ الإفراد.

4- لا يجوز تقديم الطَّواف والسَّعي على الوقوفين في حجِّ التَّمتُّع معالاختيار ، ويجوز ذلك في حجِّ الإفراد على قول ولكنَّ الأحوط أن يكون مع الاضطرار كحجِّ التَّمتُّع.

5- يجب تقديم عمرة التَّمتُّع على حجِّه كما مرَّ ، ولا يعتبر ذلك في

ص: 367

حجِّ الإفراد على الأحوط كما مضى بيانه ص90.

6- لا يجوز بعد إحرام حجِّ التَّمتُّع الطَّواف المندوب على الأحوط الوجوبي ، ويجوز ذلك في إحرام الإفراد ، ولكن يجب عليه التَّلبية بعد الفراغ من صلاة الطَّواف على الأحوط ليعيد علاقته الواجبة بالحج.

( مسألة 361) عند وصول المحرم إلى ميقات الإحرام للإحرام يجب عليه بعد لبسه ثوبيه - إذا كان رجلاً ، وكذلك المرأة مع الثَّوبين استحباباً - أن ينوي الرجل وتنوي المرأة كذلك نيَّة حجِّ الإفراد لافظاً بما مرَّ ذكره في ص149 من الكلام عن صور الألفاظ المطلوبة في نوايا الإحرام ، ثمَّ يلبِّي التَّلبيات الأربع المعروفة.

كَيْفِيَّةُ حَجِّ القِرَان

يتَّحد هذا العمل مع حجِّ الإفراد - السَّابق ذكره - في جميع الجهات ، غير أنَّ المكلَّف هنا يصحب معه الهدي وقت الإحرام كما أشرنا إليه ص88 ، وبذلك يجب الهدي عليه.

والإحرام في هذا القسم من الحجِّ كما يكون بالتَّلبية المتعارفة يكون بالإشعار أو بالتَّقليد(1) مخيَّراً فيما بين الأولى وأحد الأخيرين ، بل يستحب الجمع بين الثَّلاثة فيما لو قرن معه بُدنة القِران.

وإذا أحرم لحجِّ القِران أو الإفراد لم يجز له العدول إلى حجِّ

ص: 368


1- قد مرَّ بيان معنى الإشعار والتَّقليد في باب التَّلبيات ص152 .

التَّمتُّع اختياراً - وإن استحبَّ اختياره قبل الإحرام لأحدهما - إلاَّ لضرورة لقوله تعالى ( وَأَتمِوُّا اْلحَجَّ وَاْلعُمْرَةَ للهِ ) وقوله [ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ].

وأخصُّ الاثنين بالمنع المذكور هو القِران تأسِّياً بالنَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ حيث بنى على حجِّه ولم يغيِّره وأمر من لم يسق الهدي بالعدول.

العُمْرَةِ المُفْرَدَة

( مسألة 362) العمرة المفردة على قسمين : واجبة ومستحبَّة ، والواجبة أيضاً على قسمين واجبة أصلاً وواجبة عَرَضَاً.

فالواجبة الأصليَّة هي الواجب بأصل الشَّرع بالشَّرائط المعتبرة في الحجِّ بالعُمر مرَّة واحدة فقط ، كالحجِّ بالنِّسبة إلى خصوص من كان قريباً من مكَّة وإن لم يكن مستطيعاً للحجِّ ، وبلا أن تكون ملازمَةٌ بينها وبينه كما مرَّ ، فمن استطاع من هؤلاء للعمرة فقط وجبت عليه ، كما أنَّه لو استطاع للحجِّ فقط وجب عليه كذلك من دون أن تجب عليه العمرة بنحو الملازمة لا قبله كحجِّ التَّمتُّع ولا بعده إلاَّ مع الاستطاعة المستقلَّة بعده ، نعم إذا وجبا معاً فالأحوط ما يراه المشهور أن تكون بعد حجِّها كما مرَّ.

( مسألة 363) لا تجب العمرة المفردة في أمور : -

1- من كان بعيداً عن تلك المواقع المشرَّفة مع استطاعته للحج فليست هذه العمرة بواجبة عليه ، بل إنَّما الواجب هو عمرة التَّمتُّع مع

ص: 369

حجِّه قبله كما مرَّ ذكره في محالِّه ، وإن أمكنه الدخول الأوَّل بالعمرة المفردة إذا أراد الخروج اختياراً منها وقتيَّاً ليدخلها ثانياً بعمرة التَّمتُّع المطلوبة بعد الإحرام من الميقات وجوباً ، لأنَّ هذه المفردة الثَّانية من نوع الواجبة بالعارض وسوف تأتي.

2- على الأجير إذا فرغ من عمل النِّيابة في الحج وهو بمكَّة - مع استطاعته على الإتيان بها - أن يأتي بها وإن كان من أهل تلك المواقع استحباباً.

3- البعيد الَّذي استطاع للحج وكان لا يتمكَّن من الوقوفين - مع اشتراطه على الله أن يحله حيث حبسه - يستحب أن يقلبه إليها.

4- عدم وجوب الإستيجار لها بعد أن مضى من أشهر الحجِّ ما يكفي لأداء هذه العمرة وحدها من مال الشَّخص الَّذي استطاع ومات قبل الموسم ، وإن كان الأحوط استحباباً هو الإتيان بها ، بل لا ينبغي تركه.والواجبة بالعَرَض هي في أمور : -

1- النَّذر والعهد والحلف.

2- الشَّرط في ضمن العقد ، كعقد الإجارة للحجِّ في أن يكون معه عمرة مفردة ، وإن كان مع ذلك الحجِّ - مثلاُ - عمرة تمتُّع قبله ، أو ضمن عقد بيع لشيء على شرط الذِّهاب إلى العمرة المفردة بعد الفراغ مثلاً.

3- إفساد الحج وقد مرَّت مسائله من حالات القلب والتَّبديل

ص: 370

ص157 ليحج في القابل.

4- لكل داخل مكَّة المكرَّمة وإن كانت مستحبَّة في ذاتها إلاَّ أشخاص : -

أ. من دخلها معتمراً عمرة التَّمتُّع قبل الحجِّ من الأباعد.

ب. من دخلها لحجِّ القِران أو الإفراد.

ج. من يتكرَّر منه الدُّخول إليها والخروج منها بموجب عمله ، كالحطَّاب والحشَّاش وناقل الميرة وبعض الحملداريَّة ومن على شاكلتهم.

د. من دخل إليها محرماً للتَّمتُّع بإحرام صحيح جامع للشَّرائط لعمرته ثمَّ خرج منها لمهمَّة ضرورية ورجع إليها في خلال الشَّهر الَّذي أحرم فيه.

أمَّا إذا خرج من مكَّة ورجع إليها بعد مرور شهر كامل على إحرامه فلا يجوز له الدُّخول إليها بلا إحرام جديد ثاني ، بل الأحوط ذلك حتَّى لو كان الفاصل عشرة أيام ، بل حتَّى الفاصل بين الشَّهر الماضي والشَّهر الآتي يوم واحد ، إلاَّ أنَّ إحرامه هذا لعمرة التَّمتُّع لا الإفراد ، بينما لو دخلها معتمراً إفراداً وأكملها في واردها الصَّحيحة وكان مستطيعاً حجَّاً تمتعيَّاً فعليه الرجوع إلى الميقات للإحرام بعمرة التَّمتُّع حسب تكليفه على ما مرَّ تفصيله إلاَّ في ضيق الوقت على ما سيجيء في مسألة 366.

وأمَّا العمرة المستحبَّة فهي الَّتي يستحبُّ فعلها لكل إنسان يختارها

ص: 371

قبل أن تكون واجبة عليه بالتَّصميم على الدُّخول كما مرَّ.

وتستحب منه في كلِّ شهر مرَّة ، ويتأكَّد استحبابها في شهر رجب ( شهر مبعث النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ الَّذي هو في السَّابع والعشرين منه ) لروايات شريفة أثبتت استحبابها فيه ولكونه من الأشهر الحرم الأربعة ، فهو (رجب) واحد فرد ، والباقيات هي ثلاثة سرد وهي ( ذو القعدة وذو الحجَّة ومحرَّم) كما في المروي المعروف ، وبعده في الفضل شهر رمضان المبارك.

مَوَاقِيتُ العُمْرَةِ المُفْرَدَةِ

( مسألة 364) مرَّ الكلام في باب المواقيت على أنَّ أدنى الحلِّ هو صالح ليكون ميقات العمرة المفردة في جميع أقسامها ، وأفضل ذلك كونه لها من الحديبيَّة أو الجعرانة أو التَّنعيم ، من دون أن يكون مانع أيضاً من كونه من المواقيت الأخرى الَّتي قبلها ممَّا اختصَّت به بعض البلدان النائية بالنِّسبة إليها ولمن يمرُّ عليها من غير أهلها.

وقد كرَّرنا بعض مضامين هذه المسألة بعدما فصَّلناه سابقاً للمناسبة الخاصَّة لهذا الموضوع ، لئلاَّ تفوت الفائدة الآنيَّة لمن يريد العمرة المفردة مستعجلاً عند إرادته مطالعة هذا المورد بخصوصه من أوَّل الكتاب كي لا يكون عليه عناء كثير يفوت عليه فرصة اغتنامه.

( مسألة 365) أفعال العمرة المفردة تسعة وهي:-

ص: 372

1- لبس ثوبي الإحرام.

2- النيَّة .

3- الإحرام من أحد المواقيت ، ولو من حدود الحرم بالتَّلبيات الأربع.

4- الطّواف.

5- صلاة ركعتي الطَّواف.

6- السَّعي بين الصَّفا والمروة.

7- الحلق أو التَّقصير.

8- طواف النِّساء.

9- صلاة ركعتي طواف النِّساء.

وجميع هذه الالتزامات التِّسعة مرَّت تفاصيلها في واجبات الحجِّ وهي مثل عمرة التَّمتُّع بلا اختلاف إلاَّ في النيَّة.

( مسألة 366) من أتى بعمرة مفردة وبقي في مكَّة إلى أوان الحجِّ جاز له أن يجعلها عمرة تَّمتُّع ويأتي بالحجِّ الباقي إذا ضاق به المجال عن الاعتمار بعمرة تَّمتُّع قبل الحجِّ سواء كان ذلك المعتمر من أهل البلدان البعيدة ، أو كان من أهل تلك المواقع الشَّريفة إذا اختار التَّمتُّع لكونه أفضل من قسمي الحجِّ الآخرين بالنِّسبة إليه كما مرَّ بيانه ، وإن لم يضق الوقت عليه للاعتمار مجدَّداً في الصورة الأخيرة مع كون التَّجديد أحوط استحباباً إن أمكن.

ولا فرق في ذلك بين الحجِّ الواجب والمندوب ، وأولى بجواز ذلك

ص: 373

حالة الاضطرار إلى التَّمتُّع كما في النِّساء من خوف الحيض المتأخِّر عليهنَّ عن وقت النَّفر إلى عرفات وما بعدها ، ومن أسباب هذا خوف العدو وخوف فراق الرَّفقة ، وممَّن يجوز لهم ذلك أيضاً الرِّجال لما مرَّ.

( مسألة 367) يجوز للنَّائب عن غيره أن يعتمر في نفس الشَّهر الَّذي اعتمر فيه لنفسه ، كما يجوز له أن ينوب عن عدَّة أشخاص في شهر واحد لكلٍّ منهم عمرة أو أكثر.

( مسألة 368) لابدَّ للإحرام في العمرة المفردة في رجب وغيره من أن يكون أداؤه من الميقات أو محاذيه لعدم القدرة منه لا بعده ولا قبله إلاَّ بنحو النَّذر فيما قبله مع الحاجة ، سواء كانت تلك العمرة مستحبَّة أو واجبة ، وكذلك على الأحوط وجوباً إذا خشي عدم إدراكها في رجب إذا أخَّر الإحرام إلى الميقات إلاَّ إذا أحرم قبله ناسياً غفلة عن النَّذر وكان الوقت ضيِّقاً فتحسب له عمرة رجب وإن أتى ببقيَّة الأعمال في شعبان.

مُسْتَحَبَّاتُ الوَدَاعِ لِمَكَّة المُكَرَّمةِ وللكَعْبَةِ الشَّرِيفَةِ وَالخُرُوجِ مِنْهَا

إنَّ مستحبَّات وداع مكَّة والكعبة الشَّريفة كثيرة ، ولكنَّا نقتصر على البعض منها : -

1- عند إرادة الحاجِّ الخروج إلى أهله يستحبُّ له مؤكَّداً أن يشتري

ص: 374

بدرهم (فضِّي )(1) أو ما يعادله في هذا الزَّمان تمراً ويتصدَّق به على فقراء المؤمنين ، يعطى كل فقير منه قبضة ، فيكون ذلك منه كفَّارة لما كان يحتمل صدوره منه في الحرم ممَّا يوجبها أو حال إحرامه لما دخل في الحجِّ غفلة من حكٍّ أو سقوط قملة أو نحو ذلك.

2- أن يعزم على العود والطَّلب من الله تعالى أن يرجعه إلى مكَّة كما مرَّ ذكره في مستحبَّات دخول مكَّة الأخير.

3- الطَّواف بسبعة أشواط حول الكعبة الشَّريفة بما يسمَّى بطواف الوداع وهو عندنا مستحب بعد طواف النِّساء كما سبق.

4- استلام الحجر الأسود والرُّكن اليماني في كل شوط مع الإمكان ،وإلاَّ افتتح باستلامهما وأختتم به مع الإمكان أيضاً وإلاَّ اكتفى بالإشارة.

5- إتيان المستجار وهو خلف باب الكعبة الشَّريفة مثل يوم قدومه

فيصنع عنده كما كان يوم قدومه كما مرَّ ص116 ، ومنه الدُّعاء لنفسه بما شاء.

6- استلام الحجر الأسود بعد ذلك ، ثمَّ إلصاق بطنه بالبيت.

7- ثمَّ حمد الله والثَّناء عليه والصَّلاة على النَّبي محمد وآله.

8- ثمَّ أن يقول :-

اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى محمد وَآلِ محمد ، عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَنَبِّيكَ وَأمِينِكَ

ص: 375


1- الدرهم یعدل مقداره من الفضة الاصلية «815 ، 2 غرام»

وَحَبِيبِكَ وَنَجِّيكَ وَخِيرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ ، اَللَّهُمَّ كَمَا بَلَّغَ رِسَالاَتِكَ وَجَاهَدَ في سَبِيلِكَ وَصَدَعَ بِأمْرِكَ وَأُوذِي فِيكَ وَفي جَنْبِكَ حَتَّى أتَاهُ اليَقِين ، اَللَّهُمَّ أقلِبْنِي مُنْجِحَاً مُفْلِحَاً مُسْتَجَابَاً لِي بِأفْضَلِ مَا يَرْجِعُ بِهِ أحَدٌ مِنْ وُفدِكَ مِنَ المَغْفِرَةِ وَالبَرَكَةِ وَالرِّضْوَانِ وَالعَافِيَةِ فِيمَا يَسَعُنِي اَنْ أطْلِبَ ، أنْ تُعْطِيَنِي مِثْلَ الَّذِي أعْطَيْتَهُ أفْضَلَ مِنْ عَبْدِكَ وُتَزِيدُنِي عَلَيهِ ، اَللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلُهْ آخِرَ العَهْدِ مِنْ بَيْتِكَ ، اَللَّهُمَّ إنِّي عَبْدُكَ وَبنُ عَبْدِكَ وَبنُ أمَتِكَ حَمَلْتَنِي عَلَى دَابَّةٍ(1) وَسَيَّرْتَنِي في بِلاَدِكَ حَتَّى أدْخَلْتَنِي حَرَمَكَ وَأمْنَكَ ، وَقَدْ كَانَ في حُسْنِ ظَنِّي أنْ تَغْفِرَ لِي ذِنُوبِي، فَإنْ كُنْتَ قَدْ غَفَرْتَ ذُنوبِي فَأزْدَدَ عَنِّي رِضَى وَقَرِّبْنِي إلَيكَ زُلْفَى وَلاَ تُبَاعِدْنِي ، وَإنْ كُنْتَ لَمْ تَغْفِرْ لِي فَمِنَ الآن فَاغْفِر لِي قَبْلَ أنْ تَنَأى عَنْ بَيْتِكَ دَارِي ، فَهَذَا أوَانُ انْصِرَافِي إنْ كُنْتَ قَدْ أذِنْتَ لِي ، غَيْرَ رَاغِبٍ عَنْكَ وَلاَ عَنْ بَيْتِكَ ، وَلاَ مُسْتَبْدِلاً بِكَ وَلاَ بهِ، اَللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدِي وَعَنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي ، حَتَّى تُبَلِّغُنِي أهْلِي ، فَإذَا بَلَّغْتَنِي أهْلِي فَاكْفِنِي مَؤُنَةَ عِبَادِكَ وَعِيَالِي، فَإنَّكَ وَلِيُّ ذَلِكَ مِنْ خَلْقِكَ وَمِنِّي.

9- ثمَّ إتيان زمزم والشُّرب من ماءها وعدم صبِّ شيء منه على رأسه ، على خلاف حالة دخوله الأوَّل ثمَّ يقول : -

آئِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا ، حَامِدُونَ إلى رَبِّنَا ، مُنْقَلِبُونَ راَغِبُونَ إلى رَبِّنَا ، رَاجِعُونَ إنْ شَاءَ الله.

10- ثمَّ إتيان مقام إبراهيم الخليل عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ والصَّلاة خلفه ركعتين.

ص: 376


1- مطلق الراحلة في هذا الزَّمان .

11- ثمَّ إتيان الملتزم ( المستجار - المتعوَّذ ) ، فيكشف المودِّع عن بطنه عليه بمقدار مدَّة الطَّواف سبعة أشواط أو ثمانية.12- ثمَّ إتيان الحجر الأسود فيقبِّله ويمسحه بيده ، ثمَّ يمسحها بوجهه.

13- ثمَّ إتيانه إلى باب البيت فيضع يده عليه ويقول : -

المَسْكِينُ عَلَى بَابِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيهِ بِالجَنَّة .

14- السجود طويلاً عند باب المسجد.

15- ثمَّ يقوم قائماً على قدميه ويستقبل القبلة الشَّريفة ويقول: -

اَللَّهُمَّ إنِّي أنْقَلِبُ عَلَى لاَ إلَهَ إلاَّ الله .

16- ثمَّ يخرج من باب الحنَّاطين.

كَيْفِيَّةُ وَدَاعِ الحَائِضِ وَالنَّفْسَاءِ وَالمُسْتَحَاضَةِ

أمَّا الحائض والنَّفساء فإنَّهما يودِّعان المسجد من خارجه بدون طواف لعدم جواز أصل دخوله لهما ، فضلاً عن الطَّواف ، ويستحب لهما قراءة بعض الأدعية السَّابقة المناسبة للوداع.

وأمَّا المستحاضة فإنَّها تفعل ما يباح لها إجراؤه من الأعمال العباديَّة واجبها ومستحبِّها ممَّا تتوقَّف صحَّته على استمرار الطَّهارة بما فصَّلناه من كيفيَّة تطهُّرها اللازم لتلك الإجراءات في مختصر الكلام عن أمر الإستحاضة والتَّطهُّر منها في شروط الطَّواف ص205 من هذا

ص: 377

الكتاب.

وبعد أن تلتزم بوظيفتها لها أن تطوف طواف الوداع إذا كانت تطمئن من عدم تلويثها للمسجد الشَّريف وإذا كانت تلوِّثه فتودِّع الموقع من الباب.

أحْكَامُ المَصْدُودِ

المصدود هو الممنوع عن أداء مناسك الحج أو العمرة من قِبَلِ عدوٍّ ظالم بعد تلبُّسه بالإحرام لأحدهما.

( مسألة 369) المصدود عن عمرة التَّمتُّع المرتبطة بحجِّه يذبح في مكانه ويتحلَّل به ، ثمَّ يضمُّ إليه الحلق أو التَّقصير.

( مسألة 370) المصدود عن الحجِّ إن كان مصدوداً عن الموقفين معاً أو الموقف بالمشعر خاصَّة فوظيفته ذبح الهدي في محلِّ الصدِّ والتَّحلُّل به عن إحرامه مع ضمِّ الحلق أو التَّقصير إليه.

وإن كان عن الطَّواف والسَّعي بعد الموقفين وأعمال منى فعندئذ إن لم يكن متمكِّناً من الاستنابة في تلك الأعمال فوظيفته ذبح الهدي في محلِّالصدِّ وإن كان متمكِّناً منها فالأحوط الجمع بين الوظيفتين وهو ذبح الهدي في محلِّه والاستنابة.

وإن كان مصدوداً عن مناسك منى خاصَّة دون دخول مكَّة فحينئذ إن كان يمكنه الاستنابة للرَّمي والذَّبح فيستنيب لهما ثمَّ يحلق أو يقصِّر بعدما يعرف تحقَّق ما استناب له من العملين ويتحلَّل ثمَّ يأتي

ص: 378

ببقيَّة المناسك ، وإن لم يكن متمكِّناً من الاستنابة فالظَّاهر أن وظيفته أن يودع ثمن الهدي عند من يذبح عنه ثمَّ يحلق أو يقصِّر في مكانه ، ثمَّ يرجع إلى مكَّة لأداء مناسكها فيتحلَّل بعد هذه كلِّها عن جميع ما يحرم عليه حتَّى النِّساء من دون شيء آخر عليه وصحَّ حجُّه ، وعليه إعادة الرَّمي في السَّنة القادمة على الأحوط ولو استتابة.

( مسألة 371) المصدود عن الحجِّ لا يسقط عنه الحجُّ بما ألزمناه به من الهدي المذكور في المسألة السَّابقة ، بل يجب عليه الإتيان به في العام القابل أو غيره من أعوام الإمكان إذا بقيت الاستطاعة أو كان الحجُّ مستقِّراً في ذمَّته.

( مسألة 372) إذا صدَّ عن الرجوع إلى منى للمبيت ورمي الجمار فيها فقد تمَّ حجُّه بما أتى به إلى حدِّ الصدِّ ، ويستنيب للرَّمي إن أمكنه في سنته ، وإلاَّ ففي العام القابل ، ولا يجري عليه حكم المصدود بالنِّسبة إليه.

( مسألة 373) من تعذَّر عليه المضي في حجِّه لمانع من الموانع غير الصدِّ والحصر الَّذي سوف يأتي ذكره كحالة المرض المانع فالأحوط أن يتحلَّل في مكانه بالذَّبح ، بل وكذا حالة الاشتراط على الله إذا شكَّ فيها.

( مسألة 374) لا يترك الاحتياط مع الإمكان في أن يكون الهدي المذكور هنا بُدنة ، ولو لم يتمكَّن منه فيذبح شاة ، وإن لم يتمكَّن منهما ومن كل هدي حتَّى النَّاقص ينتقل الأمر إلى بدله وهو الصِّيام على

ص: 379

الأحوط.

( مسألة 375) من أفسد حجَّه ثمَّ صدَّ عنه هل يجري عليه حكم الصدِّ أم لا ؟ فيه وجهان ، والظَّاهر هو الأوَّل وهو جريان حكم الصدِّ عليه بذبح هديه لتحلُّله ثمَّ يضيف إلى ذلك كفَّارة الإفساد المذكورة في الكفَّارات ص182 إذا كان إفساده للحج عن جهالة حتَّى التَّقصيريَّة الَّتي بلا التفات ، مع إعادة الحجِّ في العام الآتي إذا كان واجباً عليه ومستقِّراً في ذمَّته سابقاً ، وبالأخصِّ إذا كان إفساده لحجِّه عن عمد أو جهل تقصيري في حال الإلتفات.

( مسألة 376) من ساق هدياً معه ثمَّ صدَّ كفى ذبح ما ساقه معه ،ولا يجب عليه هدي آخر.

أحْكَامُ المَحْصُورِ

المحصور هو الممنوع عن أداء مناسك الحجِّ والعمرة لمرض ونحوه بعد تلبُّسه بالإحرام.

( مسألة 377) المحصور إن كان محصوراً في عمرة مفردة فوظيفته أن يبعث هدياً ويتَّفق مع أصحابه أن يذبحوه أو ينحروه في وقت معيَّن ، فإذا جاء الوقت تحلَّل في مكانه وله أن يذبح أو ينحر في مكانه مع عدم إمكان بعثه الهدي في محلِّه.

( مسألة 378) تحلُّل المحصور في العمرة المفردة إنَّما هو من غير

ص: 380

النِّساء ، وأمَّا منها فلا تحلُّل منها إلاَّ بعد إتيانه بعمرة مفردة بعد إفاقته من غشيته المرضيَّة أو نهوضه من شدَّة مرضه المانع.

وإن كان المحصور محصوراً في عمرة التَّمتُّع فحكمه ما تقدَّم إلاَّ أنَّه يتحلَّل حتَّى من النِّساء.

وإن كان المحصور محصوراً في الحجِّ فحكمه ما تقدَّم ، والأحوط وجوباً أنَّه لا يتحلَّل من النِّساء حتَّى يطوف ويسعى ويأتي بطواف النِّساء بعد ذلك في حجِّ أو عمرة مفردة ، نعم إذا كان محصوراً ففاته الموقفان وهو في مكَّة أو في طريقه إلى الموقفين فالظَّاهر أن حجَّه ينقلب إلى العمرة المفردة فيطوف ويسعى ويقصِّر ، أو يُطاف به ، أو يُطاف عنه ، وكذلك السَّعي وطواف النِّساء فيتحلَّل من كلِّ شيء حتَّى النِّساء.

( مسألة 379) إذا أُحصر الرَّجل فبعث بهديه ثمَّ آذاه رأسه قبل أن يبلغ الهدي محلَّه جاز له أن يذبح شاة في محلِّه ، أو يصوم ثلاثة أيَّام ، أو يطعم ستَّة مساكين لكلِّ مسكين مدَّين ( كيلو وثمانمائة غرام ) ويحلق.

( مسألة 380) لا يسقط الحجُّ عن المحصور بتحلُّله بالهدي فعليه الإتيان به في القابل إذا بقيت استطاعته أو كان مستقِّراً في ذمَّته.

( مسألة 381) المحصور إذا لم يجد هدياً ولا ثمنه صام عشرة أيَّام على ما تقدَّم في البدل.

ص: 381

وبهذا القدر من البيان يتمُّ آخر ما قرَّرنا إيراده من مناسك الحجِّ وملحقاته واجباته ومستحبَّاته قديماً وحديثاً بعد الملاحظات المهمَّةوالتَّصحيح جهد الإمكان الحالي في هذه الطَّبعة الثَّانية في 10 / ذي القعدة 1425ه.

والحمد لله أوَّلاً وأخراً

ص: 382

مختصر زيارات النَّبي عَلَيْها اَلسَّلاَمُ والزهراء عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ وأئمَّة البقيع

اشارة

الأربعة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ في المدينة المنوَّرة وملحقاتها

ص: 383

ص: 384

المُقَدِّمَة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ

الحمد لله ربِّ العالمين ، والصَّلاة والسَّلام على محمد وآله الطَّاهرين وصحبه المنتجبين ، واللَّعنة الدَّائمة على أعدائهم أجمعين ، وبعد : -

فإنَّ خير الأعمال هو إتقانها إلى حدِّ الكمال وكمال أعمال الحجِّ هو التَّعقيب لها بأعمال المدينة المنوَّرة من زيارة قبر النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ والزَّهراء عَلَيْها اَلسَّلاَمُ وأئمَّة البقيع الأربعة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ وهم ( الحسن السِّبط والسَّجَّاد والباقر والصَّادق ) عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ وكذلك الأولياء من الشُّهداء والصَّالحين واستعمال ما يستحبُّ من الصَّلوات والعبادات في مسجد النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ والمساجد الأخرى والمواقع الشَّريفة وبقيَّة المستحبَّات الأخرى.

وقد حاولنا في هذا المختصر أن نأتي ولو بالمهمِّ الأهم من ذلك وعلى نحو العجالة مع ذكر بعض الإسنادات والإيضاحات في طبعته الثَّانية بعد نفاذ الأولى والملاحظة والتَّصحيح مع التَّنقيح لهذه الثَّانية ، أسأل الله تعالى أن يجعل موضوعنا وافياً بالغرض المطلوب والعرض المحبوب على اختصاره ، ومن الله التَّوفيق للقبول إنَّه خير مرتجى ومأمول.

عَلاَءُ الدِّين المُوسَوي

الغُرَيفِي

ص: 385

تَنْبِيهٌ لاَبُدَّ مِنْهُ

لا يخفى على كلِّ مؤمن - بل كلِّ مسلم - أمر رجحان - بل استحباب - زيارة قبور الأولياء ، وبالأخصِّ النَّبي صلَّى الله عليه وآله الأطهار لما سيأتي ولما صحَّ عنه صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ من قوله ( بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ اْلجَنَّةِ ) ، وكذلك آله الأطهار ، لتجديد العهد بودِّهم وتعظيم الشَّعائر الدِّينية بوصالهم وعدم القطيعة لهم ، ومعاهدتهم بإنَّ الزَّائر معهم على العهد بعد وفاتهم ، كما هو على العهد لو كان معهم في حياتهم لأنَّهم ( أحْيَآءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ).

وكذا التَّوسل بهم إلى الله لأنَّهم خير الوسيلة إليه تعالى كما في القران الكريم ، حيث يقول تعالى فيه ( وَابْتَغُوآ إلَيْهِ اْلوَسِيلَةَ ).

لأنَّ روضات قبورهم الشَّريفة هي بيوتُهم كبيوتهم في حياتهم ، وبيوتهم هي البيوت الَّتي ( أذِنَ الله أنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ).

ولأنَّها بيوت الوحي والتَّنزيل دنوا من النَّبي في القربى أم بعدوا ، لثبوت صدق السُّلالة في آله الأطياب لكونهم الشَّجرة الطَّيبة الَّتي ( أصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا في السَّمَآءِ ) ما داموا على العهد معه في شأنهم وإمامتهم معه.

بل لا يخفى على أحد رجحان زيارة قبور سائر المؤمنين أيضاً شرعاً للتَّرحم عليهم والاستغفار لهم وقراءة القرآن عندهم، لأنَّهم أهل (لا إله إلاَّ الله )، وأهل القبور الدَّوارس كما في بعض نصوص

ص: 386

زياراتهم.

فضلاً عن علمائهم الأبرار الَّذين تكون زيارتهم تكريماً وتشييداً للدِّين ومقدَّساته وتوطيداً لدعائمه ، لأنَّ ذوي الذكر الخالد - بالعلم والتَّقوى وحسن العمل ولو بعد وفاتهم - هم من الحرِّي أن يُقتدى بهم وبالأخص لو قلَّ الدَّيانون والمقتدَون من الأحياء ، بل حتَّى لو كثروا لأهميَّة تخليد الماضين من الأولياء تعظيماً للشَّعائر وتشييداً للدِّين ولو على المدى البعيد ولتوسعة مظان العمل الإسلامي في المدى الحاضر.

بل عُدَّ ترك زيارة النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ من الجفاء الَّذي لا يعذر به صاحبه ، وبالأخصَّ من كان عازماً قبل أو بعد أداء مناسك الحجِّ على تركها ، لما ورد عن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أنَّه قال ( مَنْ أتَى حَاجَّاً وَلَمْ يَزُرْنِي إلَى المَدِينَةِ جَفَوْتُه يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَمَنْ أتَانِي زَائِرَاً وَجَبْتَ لَهْ شَفَاعَتِي ، وَمَنْ وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِيوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّة ).

ولما ورد أيضاً عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أنَّه قال ( أتِمُّوا بِرَسُولِ الله حَجَّكُمْ إذَا خَرَجْتُمْ مِنْ بَيْتِ الله فَإنَّ تَرَكَهُ جَفَاءٌ وَبِذَلِكَ أُمْرِتُمْ ، وَأتِمُّوا بِالقُبورِ الَّتِي ألزَمَكُمْ الله حَقَّهَا وَزِيَارَتَهَا وَاطلِبُوا الرِّزْقَ عِنْدَهَا ).

ولم يخالف في ذلك مسلم من أيِّ مذهب كان إلاَّ طبقات نشأت أخيراً على نهج أعداء النَّبي وآله من بعض شذَّاذ اجتهدوا في مقابل النُّصوص وتزمَّتوا لصالح القشور تاركين اللباب والجواهر الثَّمينة من تعاليم الشَّريعة ، - ولعلَّ هذا من خيوط خفيَّة ممتدَّة ممَّن منع الزَّهراء عَلَيْها اَلسَّلاَمُ عن زيارة أبيها صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ والبكاء عليه قريباً من حضرته من الشُّذَّاذ من

ص: 387

أسلافهم وإلى يومك هذا - ممَّن حذا حذوهم من السَّلفيَّة.

وما أولئك أيضاً إلاَّ الَّذين استحوذ عليهم الاستعمار الكَّافر كما أوضحه ( المستر همفر في مذكَّراته ) وغيره ، وشجَّعهم على أن يحذوا حذو شذَّاذ الآفاق من أسلاف منافقين - انقلبوا على أعقابهم وحاربوا النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ قُبيل وفاته وبعدها - ومن خوارج ونواصب حاربوا الأئمَّة من أهل بيته عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ طوال حياتهم بغضاً له في الحقيقة ، فسعوا بعد ذلك إلى تخريب كثيرٍ من القبور ولشبهات أخرى تعنَّتوا لها على ما سيأتي.

ومنها قبور أئمَّة جهابذة أربعة في بقيع المدينة وهم ( الإمام الحسن السِّبط بن علي عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، والإمام السجَّاد زين العابدين علي بن الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، والإمام محمد بن علي الباقر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، والإمام أستاذ المذاهب الأربعة جعفر بن محمد الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ).

وذلك بعد استفتاء مدبَّر وجِّه إلى ما يسمَّى بعلماء المدينة آنذاك - حول مشروعيَّة البناء على القبور ووجوب هدمها ومنع الصَّلاة عندها وعدمه - في 22رمضان من نفس سنة الهدم وقبيله ، فحقَّقوا لأنفسهم ما صَبوا إليه وهو الإجابة بالهدم والتَّخريب من رجال إفتاءهم آنذاك ، فهدَّموا تلك القبور المشيَّدة بمعونة أعداء الإسلام ورجال العمالة في شوَّال سنة ألف وثلاثمائة وأربعة وأربعين للهجرة وكما قال القائل من قصيدة له : -

وَيكَ يَا شَوَّالُ أَخْزَيْتَ الشُّهور *** فِيكَ هُدَّتْ لِبَنِي الهَادِي قُبُور

بزعامة ما يسمَّى ب- (المذهب الوهابي )الجديد والسَّلفي المدعوم

ص: 388

علناً من المحاربين للإسلام حرباً منه لكافَّة المذاهب الإسلاميَّة ومقدَّساتها الثَّابتة.بل ما اكتفوا بهذا حتَّى تصدَّوا لمحاولات أثيمة عديدة لإزالة قبر النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ومعالمه الشَّريفة بحجَّة أنَّه في ضمن المسجد ، وكأنَّهم ما دروا أنَّ ذلك في ضمن بيته المجاور للمسجد.

وبحجَّة أنَّ الأحياء أفضل من الموتى ، وكأنَّهم ما علموا أنَّ النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ له من الشَّأن ما يكفيه أن يكون أفضل من كافَّة الأحياء والأموات حتَّى لو مات بلا استثناء ، بل إنَّ أهل بيته كذلك ، بل إنَّ علماء الأمَّة أمواتاً وأحياءاً كما هم في الحديث المشهور ( كَأنْبِيَاءِ بَنِي إسرَائِيلَ بَلْ أفضَلِ ) ، فضلاً عن الأئمَّة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ وإذا كان الأئمَّة هكذا فكيف بالرَّسول صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ .

وقد حاربوا هذه القبور كذلك بحجَّة أنَّ النَّاس بتقبيلهم للأضرحة الشَّريفة يعبدون الحديد ، وكأنَّهم ما عرفوا أنَّهم أنفسهم يعبدون البشر الَّذين يحبون أن يعبدوا من دون الله ، ويعبدون نسائهم ، ويتمادون باقتراف السَّيئات ، ويتجرَّءون على الله بانتهاك الحرمات واستباحة دماء المسلمين وهتك الأعراض ممَّا يثبت بالتَّأكيد أنَّهم عبيد شهواتهم الدَّمويَّة ورغباتهم المقيتة الدَّنيَّة ، ولكنَّ الواقع من شبهاتهم لا هذا ولا ذاك وإنَّما هو لأنَّ أهل هذه المراقد هم أهل كلمة ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله ، محمد رَسُولُ الله ، عَلِيٌ وَلي الله ) بحق وصدق.

إضافة إلى ذلك أنَّ بعض هؤلاء الأعداء أنفسهم إذا عرض بين أيديهم المصحف الشَّريف قد يقبِّلون جلد دفَّتيه وهو من جلد حيوان

ص: 389

بهيمي ميِّت.

والمطلِّع منهم يعرف لماذا كان مجنون ليلى يقبِّل جدار ديارها ، وإنَّه لا للجدار وإنَّما لمعشوقته الَّتي في الدِّيار ، كما قال مما هو منسوب إليه ، ونحن نعرضه بلا مناقشة من القارئ الكريم في الأمثال : -

وَمَا حُبُّ الدِّيار شَغَفْنَ قَلْبِي وَلَكنْ حُبُّ مَنْ سَكَنَ الدِّيَارَا

وإلى غير ذلك من تحجُّجات الأعداء الواهية في محاولاتهم الأثيمة لقلع معالم قبر الرَّسول صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وأهل بيته الأطهار الَّتي لا تصلح للرد بالأكثر لتفاهتها.

وكذلك إنَّ هذه المحاولة الأخيرة لم تدم بسكوت - بعد تلك الكوارث الَّتي أحدثوها - من قِبل كافَّة الدُّول الإسلاميَّة ، ومن كافَّة المذاهب المتبصِّرة بشأن النَّبي العظيم وآثاره العظيمة في مدفنه الشَّريف - بُعيد هدم قبور أئمة البقيع عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ .

بل قد صب الموقع الشَّريف بالرَّصاص للأسس وبعمق مهم من قبل هيئة تلك الدول وغيارى رجالها المسلمين والمؤمنين من عمَّال البناءالمختصِّين كي لا يتحرَّش به أحد من أذناب الكفَّار حيث موقع قبره الشَّريف اليوم.

كما لا يخفى أنَّ زيارة قبر النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وقبر الزَّهراء عليها السَّلام - المحتمل وجوده في جواره في الرَّوضة بين القبر والمنبر ، وفي البقيع قرب قبر ولدها الحسن عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ - وكذلك الأئمَّة الثَّلاث الآخرين ، والأولياء عموماً ، وقبور شهداء أُحد ، لم تكن معتبرة عند الشِّيعة فقط ، بل هي ثابتة عند كافَّة المذاهب السنيَّة الواعية.

ص: 390

وهذه مقابرهم مشهود بها ومشهورة في العالم الإسلامي ، مع الاحتفاظ لها - كالشِّيعة نوعاً - بالطِّراز الإسلامي الشَّرعي ومقصوده من قبلهم بما يتناسب وشأنها عندهم.

ومن ذلك قبور أعلام مُقتدى بهم من قِبَلِهم مشهورة ومعروفة في العالم الإسلامي من الصُّوفيَّة وغيرهم ،كقبر أبي حنيفة وقبر عمر السَّهروردي والكيلاني وأحمد الرِّفاعي والحلاَّج وعلي بن إسماعيل وأحمد البدوي وغيرهم.

وكذلك بعض قبور أئمَّتنا والأولياء المحسوب حسابهم علينا والمحترمين لدى الأكثر منهم على اختلاف مذاهبهم.

وعلى كلٍّ فشأنيَّة الزِّيارة مهمَّة ، بل قد ورد في كتبنا المعتبرة ما عن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ( مَنْ زَارَنِي بَعْدَ وَفَاتِي زُرْتُه بَعْدَ وَفَاتِهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إلاَّ ظِلُّه ).

كما ورد في كتبهم المعتبرة عندهم ما يتعلَّق باستحباب الزِّيارة الَّتي منها قوله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ (كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُورُوهَا فَإنَّهَا تُزَهِّد في الدُّنْيَا وُتُذَكِّرُ الآخِرَة )(1) إشارة إلى قوله تعالى [ أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ(2)

ص: 391


1- وسنن ابن ماجة ج1/245 ، وسنن النسائي 1/286 . وفي كتاب وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى للعلامة السَّمهودي الشَّافعي ، إذ ذكر ستة عشر حديثاً مسنداً ، قد حقَّق أسانيدها العلاَّمة السَّبكي الشَّافعي من كتب أهل السنَّة في خصوص زيارة النَّبي (ص) . وكذلك توجد أحاديث في زيارة سائر القبور فراجع . وقد ذكر صاحب كتاب الفقه على المذاهب الأربعة في كتابه قسم العبادات ص424 طبعة دار الكتب المصريَّة لسنة 1358ه- فتاوى المذاهب الأربعة وتجويزهم لزيارة القبور فليراجع هناك .
2- وسنن ابن ماجة ج1/245 ، وسنن النسائي 1/286 . وفي كتاب وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى للعلامة السَّمهودي الشَّافعي ، إذ ذكر ستة عشر حديثاً مسنداً ، قد حقَّق أسانيدها العلاَّمة السَّبكي الشَّافعي من كتب أهل السنَّة في خصوص زيارة النَّبي (ص) . وكذلك توجد أحاديث في زيارة سائر القبور فراجع . وقد ذكر صاحب كتاب الفقه على المذاهب الأربعة في كتابه قسم العبادات ص424 طبعة دار الكتب المصريَّة لسنة 1358ه- فتاوى المذاهب الأربعة وتجويزهم لزيارة القبور فليراجع هناك .

حَتَّى زُرْتُمْالْمَقَابِرَ ] ، إذ أنَّ النَّهي كان من جهة كون القبور في البداية قبور مشركين وأهل كفر ثمَّ بعد دفن الموحِّدين والشُّهداء بعد الوقائع والغزوات جاء الأمر بالزِّيارة ، بل إنَّ أهل النِّفاق جاء إلحاقهم بالمشركين حينما يموتون في هذا الأمر كما قال تعالى ( ولا تصل على أحد منهم أبداً ولا تقم على قبره أنَّهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ).

حُدُودُ حَرَمِ المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ

للمدينة المنوَّرة حرم خاص كما لمكَّة المكرَّمة حرم خاص كما مرَّ ، فحرم المدينة هو من ( عائر ) إلى ( وعير ) ، وكل منهما جبل يكتنف المدينة المنوَّرة أحدهما من المشرق والآخر من المغرب.

هذا هو الحرم المدني الشَّريف بحدِّه.

وهو وإن لم يجب الإحرام فيه كحرم مكَّة المكرَّمة ، ولكنَّه لا يقطع شجره احتياطاً ، وعلى الأخصِّ الرَّطب منه ، إلاَّ ما استثني ممَّا ذكرناه في حدود حرم مكَّة.

بل الأحوط استحباباً اجتناب صيد ما بين الحرمين الشَّريفين منه، بل

ص: 392

الأولى اجتناب مطلق الصَّيد.

مُسْتَحَبَّاتُ المَدِينَةِ المُنَوَّرَة

يستحبُّ للحاجِّ - استحباباً مؤكَّداً - أن يكون رجوعه من طريق المدينة المنوَّرة كاستحباب ابتداء مسيره للحج بالإحرام من مسجد الشَّجرة مع الإمكان لأنَّه أفضل المواقيت كما مرَّ - ليزور الرَّسول الأعظم صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، والصدِّيقة الطَّاهرة سلام الله عليها ، وأئمَّة البقيع سلام الله عليهم أجمعين ولو عوداً على بدء.

( أنظر خريطة رقم (( 11. 12 )) ).

كما يستحب توديعهم عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ ، ويستحب أيضاً إتيان مساجد المدينة المنوَّرة وزيارة قبورها المحترمة.

فمن أراد دخول المدينة فليفعل ما يلي : -

1 - الغُسْل حِينَ دُخُول المَدِينَة

الغُسل حين دخولها أو عند ما يريد الدُّخول ، وكذلك الغُسل أيضاً لدخول المسجد الشَّريف ، وزيارة قبر الرَّسول الأعظم صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ .

ص: 393

ص: 394

ص: 395

2- الدُّعَاء عِنْدَ الغُسْل

والدُّعاء - عند الغُسل - بالمأثور عن أهل البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ فتقول : -

اَللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلْبِي ، وَأَشْرَحْ لِي صَدْرِي ، وَأَجْرِ عَلَى لِسَانِي مِدْحَتَكَ وَالثَّنَاءَ عَلَيْكَ ، اَللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لِي طَهُورَاً وَشِفَاءً وَنُورَاً ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِير.

3 - الدُّعَاء بَعْدَ الغُسْل

ويستحب بعد الفراغ من الغُسل قراءة هذا الدُّعاء : -

اَللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلْبِي ، وَزَكِّ عَمَلِي ، وَأَجْعَلْ مَا عِنْدَكَ خَيْرَاً لِي ، اَللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ اْلتَّوَابِيْنَ ، وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرينَ.

4 - الدُّخُول عَلَى سَكِينَة وَوَقَار

يستحب الدُّخول على سكينة ووقار ، وخشوع وخضوع ، مع تقديم الرِجل اليمنى على اليسرى حال الدُّخول قائلا :

بِسْمِ الله وَبِاللهِ ، وَفي سَبِيلِ الله ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ ، وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ ، وَأَجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانَاً نَصِيرَاً ، اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَتُبْ عَلَيَّ ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَابُ اْلرَّحِيم.

ص: 396

5 - زِيَارَةَ خَاتَمِ النَّبِيينَ الرَّسُولِ الأعْظَمِ صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ

إذا أردت الذِّهاب إلى قبر الرَّسول الأعظم صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ للزِّيارة ، فابدأ بدخول مسجده وقف على الباب واستاذن بهذا الاستئذان فقل : -

اَللَّهُمَّ اِنِّي وَقَفْتُ عَلَى بَابٍ مِنْ اَبْوابِ بُيوُتِ نَبِيِّكَ ، صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، وَقَدْ مَنَعْتَ النَّاسَ اَنْ يَدْخُلوُا اِلاَّ بِاِذْنِهِ ، فَقُلْتَ يَا اَيُّهَا الَّذينَ آمنوُا لاَ تَدْخُلوُا بُيوُتَ النَّبِّي اِلاَّ اَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ، اَللَّهُمَّ اِنِّي اَعْتَقِدُ حُرْمَةَ صَاحِبِ هَذَا اْلمَشْهَدِ في غَيْبَتِه ، كَمَا اَعْتَقدُهَا في حَضْرَتِهِ ، وَاَعْلَمُ اَنَّ رَسوُلَكَ وَخُلفآئَكَ عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ اَحْيآءٌ عِنْدَكَ يُرْزَقوُنَ ، يَرَوْنَ مَقامِي ،

وَيَسْمَعُونَ كَلامِي ، وَيَرُدّوُنَ سَلامِي ، وَاَنَّكَ حَجَبْتَ عَنْ سَمْعِي كَلاَمهُمْ ،وَفَتَحْتَ بَابَ فَهْمِي بِلَذيذِ مُنَاجَاتِهِمْ ، وَاِنّي اَسْتَاْذِنُكَ يَا رَبِّ اَوَّلاً ، وَاَسْتَاْذِنُ رَسوُلَكَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ ثَانِياً ، وَاْلمَلآئِكَةَ اْلمُوكَلَّينَ بِهذِهِ اْلبُقْعَةِ اْلمُبارَكَةِ ثَالِثاً ، أَأَدْخُلُ يَا رَسوُلَ الله ، أَأَدْخُلُ يَا حُجَّةَ الله ، أَأَدْخُلُ يَا مَلآئِكَةَ الله اْلمُقَرَّبِينَ اْلمُقيمينَ في هذَا اْلمَشْهَدِ، فَأْذَنْ لي يَا مَوْلايَ في الدُّخُولِ ، اَفْضَلَ مَا اَذِنْتَ لأَحَدٍ مِنْ اَوْليآئِكَ ، فَاِنْ لَمْ اَكُنْ اَهْلاً لِذلِكَ فَاَنْتَ اَهْلٌ لِذلِكَ.

ثمَّ قبِّل العتبة الشَّريفة وأدخل وقل : -

بِسْمِ الله وَبِاللهِ ، وَفي سَبيلِ الله ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ ، اَللَّهُمَّ اْغفِرْ لي وَارْحَمْني وَتُبْ عَلَيَّ ، اِنَّكَ اَنْتَ التَّوّابُ الرَّحيمُ.

ص: 397

ثمَّ أدخل من باب جبرائيل عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وقدِّم رِجلك اليمنى عند الدُّخول ، ثمَّ قل ( الله أكبر ) مائة مرَّة ، ثمَّ امض إلى الحجرة الشَّريفة فإذا بلغتها فاستلمها بيدك وقبِّلها إن أمكن(1) وقل :

اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا خَاتَمَ النَّبِيّينَ ، اَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ الرِّسالَةَ ، وَاَقَمْتَ الصَّلاةَ ، وَآتَيْتَ الزَّكاةَ ، وَاَمَرْتَ بِاْلمَعْرُوفِ ، وَنَهَيْتَ عَنِ اْلمُنْكَرِ ، وَعَبَدْتَ الله مُخْلِصاً حَتَّى اَتاكَ اْليَقينَ ، فَصَلَواتُ الله عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ ، وَعَلَى اَهْلِ بَيْتِكَ الطَّاهِرينَ.

ثمَّ قف عند الاسطوانة المقدَّمة من جانب القبر الأيمن مستقبل القبلة ومنكبك الأيسر إلى جانب القبر ومنكبك الأيمن ممَّا يلي المنبر فإنَّه موضع رأس النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وقل : -

اَشْهَدُ اَنْ لا اِلَهَ اِلاَّ الله ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَاَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَاَشْهَدُ اَنَّكَ رَسُولُ الله ، وَاَنَّكَ محمد بْنُ عَبْدِ الله ، وَاَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ رِسَالاَتِ رَبِّكَ ، وَنَصَحْتَ لأُمَّتِكَ ، وَجَاهَدْتَ في

ص: 398


1- ففي إمكان التَّقبيل وعدم الضَّرر منه للتَّبرُّك لا تهمُّك بعض معارضات المتهوِّرين ممَّن يفتري ضدَّ الفرق الإسلامية البريئة بأكاذيبه ، من كون ذلك عبادة للحديد أو الحجر كما ذكرنا ذلك عن أصل الزِّيارة بصورة أوسع في بداية الملحق ، ما دمت واثقاً من نفسك بأنَّك ما عبدت ولن تعبد إلاَّ الله الأحد الَّذي لا شريك له ، بينما الَّذي يفتري عليك هو الَّذي يعبد خرافاته وبُناتها.

سَبيلِ الله ، وَعَبْدَتَ الله حَتّى اَتَاكَ اْليَقينُ ، بِاْلحِكْمَةِ وَاْلمَوْعِظَةِ اْلحَسَنَةِ ، وَاَدَّيْتَ الَّذي عَلَيْكَ مِنَ اْلحَقِّ ، وَاَنَّكَ قَدْ رَؤُفْتَ بِاْلمُؤْمِنينَ ، وَغَلُضْتَ عَلَى اْلكَافِرينَ ، فَبَلَّغَ الله بِكَ اَفْضَلَ شَرَفِ مَحَلِّ اْلمُكَرَّمِينَ ، اْلحَمْدُ للهِ الَّذي اسْتَنْقَذَنا بِكَ مِنَ الشِّرْكِ وَالضَّلالَةِ ، اَللَّهُمَّ فَاجْعَلْ صَلَواتِكَ وَصَلَواتِ مَلآئِكَتِكَ اْلمُقَرَّبِينَ وَاَنْبِيائِكَاْلمُرْسَلينَ وَعِبَادِكَ الصّالِحينَ وَاَهْلِ السَّمواتِ وَاْلأَرَضينَ ، وَمَنْ سَبَّحَ لَكَ يَا رَبَّ اْلعَالَمينَ مِنَ اْلأَوَّلينَ وَاْلأَخِرينَ عَلَى محمد عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَنَبِيِّكَ وَاَمينِكَ وَنَجِيِّكَ وَحَبِيبِكَ وَصَفِيِّكَ وَخَاصَّتِكَ وَصَفْوَتِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ ، اَللَّهُمَّ اَعْطِهِ الدَّرَجَةَ الرَّفيعَةَ ، وَآتِهِ اْلوَسيلَةَ مِنَ اْلجَنَّةِ ، وَابْعَثُهُ مَقَامَاُ مَحْمُودَاً يَغْبِطُهُ بِهِ اْلأَوَّلوُنَ وَاْلأَخِرُونَ ، اَللَّهُمَّ اِنَّكَ قُلْتَ وَلَوْ اَنَّهُمْ اِذْ ظَلَمُوا اَنْفُسَهُمْ جَآؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوّابَاً رَحيماً ، وَاِنّي اَتَيْتُكَ مُسْتَغْفِراً تَائِبَاً مِنْ ذُنُوبِي ، وَاِنّي اَتَوَجَّهُ بِكَ اِلى الله رَبّي وَرَبِّكَ لِيَغْفِرَ لي ذُنُوبي.

ثمَّ صلِّ ركعتي الزِّيارة إضافة إلى تحيَّة المسجد ثمَّ قل : -

اَللَّهُمَّ اِنِّي صَلَّيْتُ وَرَكَعْتُ وَسَجَدْتُ لَكَ ، وَحْدَكُ لاَ شَرِيكَ لَكَ ، لأنَّ اْلصَّلاَةَ وَالرُّكوعَ وَالسُجودَ لاَ تَكُونَ اِلاَّ لَكَ ، لأنَّكَ اَنْتَ الله الَّذي لاَ اِلَهَ اِلاَّ اَنْتَ ، اَللَّهُمَّ وَهَاتَانِ الرِّكْعَتَانِ هَدِيَّةٌ مِنِّي اِلى سَيِّدِي وَمَوْلاَيَ رَسُولِ الله ، فَتَقَبَّلْهُمَا مِنِّي بِاَحْسَنِ قَبُولِكَ ، وَاَجِرْنِي عَلَى ذَلِكَ بِاَفْضَلَ اَمَلِي وَرَجَائِي فِيكَ وَفي رَسُولِكَ يَا وَلِيَّ المُؤمنِينَ.

فإن كانت لك حاجة فاجعل القبر الطَّاهر خلف كتفيك واستقبل القبلة وأرفع يدك وسل حاجتك فإنَّه أحرى أن تقضى إنشاء الله تعالى

ص: 399

، ويستحب أيضاً قراءة سورة القدر أحد عشر مرَّة ، واسأل الله تعالى حاجتك فإنَّها تقضى إن شاء الله تعالى.

6 - الدُّعَاءَ بَعْدَ زِيَارَةِ النَّبِي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ

فإذا فرغت من زيارة النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وصلاتها يستحب أن تقرأ هذا الدُّعاء متَّجهاً نحو القبلة : -

اَللَّهُمَّ إنَّكَ قُلْتَ لِنَبِيِّكَ محمد وَلَوْ أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوُا أَنْفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَأَسْتَغْفَرُوا الله وَأَسْتَغَفَرَ لَهُمْ اْلرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّابَاً رَحِيمَاً. اَللَّهُمَّ وَلَمْ أَحْضَرْ زَمَانَ رَسُولِكَ عَلَيهِ وَآلهِ اْلسَّلامَ ، اَللَّهُمَّ وَقَدْ زُرْتُهُ رَاغِبَاً ، تَائِبَاً مِنْ سَيءِ عَمَلِي ، وَمُسْتَغْفِرَاً لَكَ مِنْ ذُنوبِي ، وَمُقِرَّاً لَكَ بِهَا ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهَا مِنِّي ، وَمُتَوَجِّهَاً إِلَيْكَ بِنَبِّيكَ نَبِّي اْلرَّحَمْةِ ، صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَآلهِ فَاجْعَلْنِي اَللَّهُمَّ بِمُحَمَّدٍ وَبِأَهِلِ بَيْتِهِ عِنْدَكَ وَجِيهَاً في اْلدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَمِنَ المُقَرَّبِينَ ، يَا مُحَمَّدُ يَا رَسُولَ الله بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَانَبِّيَ الله يَا سَيِّدَ خَلْقِ الله ، إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إلى الله رَبِّكَ وَرَبِّي لِيَغْفِرَ لِي ذُنوُبِي ، وَيَتَقَبَّلَ مِنِّي عَمَلِي ، وَيَقْضِيَ لِي حَوَائِجِي ، فَكُنْلِي شَفِيعَاً عِنْدَ رَبِّكَ وَرَبِّي ، فَنِعْمَ اْلمَسْؤُولُ اْلمَوْلَى رَبِّي ، وَنِعْمَ الشَّفِيعُ أنْتَ يَا مُحَمَّدُ ، عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ اْلسَّلاَمُ. اَللَّهُمَّ أَوْجِبْ لِي مِنْكَ اْلمَغْفِرَةَ وَاْلرَّحْمَةَ وَاْلرِّزْقَ اْلوَاسِعَ الطِّيْبَ النَّافِعَ ، كَمَا أَوْجَبْتَ لِمَنْ أَتَى نَبِّيكَ مُحَمَّدِاً عَلَيْهِ وَآلهِ اْلسَّلاَم وَهُوَ حَيٌّ ، فَأَقَرَّ لَهُ بِذُنوبِهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ رَسُوَلُكَ ، عَلَيْهِ وَآلِهِ السَّلامُ ، فَغَفَرْتَ لَهُ بِرَحْمَتِكَ ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اَللَّهُمَّ

ص: 400

وَقَدْ أَمَّلْتُكَ وَرَجَوتُكَ وَقُمْتُ بَيْنَ يَدَيكَ ، وَرَغِبْتُ إِلَيْكَ عَمَّنْ سِوَاكَ ، وَقَدْ أَمَّلْتُ جَزِيلَ ثَوابِكَ ، وَإِنِّي لَمُقِرٌّ غَيْرُ مُنْكِرٍ ، وَتَائِبٌ إِلَيْكَ مِمَّا اِقْتَرَفْتُ ، وَعَائِذٌ بِكَ في هَذَا اْلمَقَامِ مِمَّا قَدَّمْتُ مِنَ الأَعْمَالِ الَّتِي تَقَدَّمْتَ إِلِيَّ فِيهَا وَنَهَيْتَنِي عَنْهَا وَأَوْعَدْتَ عَلَيْهَا العِقَابَ ، وَأَعْوُذُ بِكَرَمِ وَجْهِكَ مِنْ أَنْ تُقِيمَنِي مَقَامَ اْلخِزْي وَاْلذُّلِّ يَوْمَ تُهْتَكُ فِيهِ الأسْتَارُ ، وَتَبْدُو فِيهِ الأَسْرَارُ وَالفَضَائِحُ ، وَتَرْعَدُ فِيهِ الفَرَائِصِ يَوْمَ الحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ ، يَوْمَ الآفِكَةِ ، يَوْمَ الآزِفَةِ ، يَوْمَ التَّغَابُنِ ، يَوْمَ الفَصْلِ ، يَوْمَ الجَزَاءِ ، يَوْماً كَاَنَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلَفَ سَنَةِ ، يَوْمَ النَّفْخَةِ ، يَوْمَ تَرْجُفُ اْلرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا اْلرَّادِفَةُ ، يَوْمَ اْلنَّشْرِ ، يَوْمَ اْلعَرْضِ ، يَوْمَ يَقُومُ اْلنَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ ، يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ، يَوْمَ

تَشَقَّقُ الأَرْضُ وَأَكْنَافُ اْلسَّمَاءِ ، يَوْمَ تَأتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا ، يَوْمَ يُرَدُّونَ إِلى الله فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا ، يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلَىً عَنْ مَوْلَىً شَيِئَاً وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ الله ، إِنَّهُ هُوَ العَزِيزُ اْلرَّحِيم ، يَوْمُ يُرَدُّونَ إِلى عَالِمِ الغَيِبِ وَالشَّهَادَةِ ، يَوْمَ يُرَدُّونَ إِلى الله مَوْلاَهُمُ اْلحَقُّ ، يَوْمَ يُخْرَجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعَاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ، وَكَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ مُهْطِعِينَ إِلى الدَّاعِي إِلى الله ، يَوْمَ الوَاقِعَةِ ، يَوْمَ تَرُجُّ الأَرَضُ رَجَّا ، يَوْمَ تَكُونُ اْلسَّمَاءُ كَالمُهَلِ ، وَتَكُونُ الجِبَالُ كَالعِهْنِ ، وَلاَ يَسْألُ حَمِيمٌ حَمِيمَاً ، يَوْمَ الشَّاهِدِ وَالمَشْهُودِ ، يَوْمُ تَكُونُ المَلائِكَةُ صَفَّاً صَفَّاً. اَللَّهُمَّ اِرْحَمْ مَوْقِفِي في ذَلِكَ اْليَوْمِ بِمَوِقفِي في هَذَا اْليَوْمِ ، وَلاَ تُخْزِنِي في ذَلِكَ المَوْقِفِ بِمَا جَنَيْتُ عَلَى نَفْسِي ، وَأَجْعَلْ يَا رَبِّ في ذَلِكَ اليَوْمِ مَعْ أَوْلِيَائِكَ مُنْطَلَقِي ، وَفي زُمْرَةِ محمد وَأَهْلِ بَيْتِهِ عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ ِمَحْشَرِي ،

ص: 401

وَأَجْعَلْ حَوْضَهُ مَوْرِدِي ، وَفي الغُرِّ الكِرَامِ مَصْدَرِي ، وَأَعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي حَتَّى أَفْوزَ بِحَسَنَاتِي ، وَتُبَيِّضَ بهِ وَجْهِي ، وَتُيَسِّرَ بهِ حِسَابِي ، وَتُرَجِّحَ بهِ مِيزَانِي ، وَأَمْضِي مَعَ الفَائِزينَ مِنْ عِبَادِكَ اْلصَّالِحِينَ إِلى رِضْوَانِكَ وَجِنَانِكَ إِلَهَ اْلعَالَمِينَ. اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ تَفْضَحَنِي في ذَلِكَ اْليَوْمِ بَيْنَ يَدَي الخَلاَئِقِ بِجَرِيرَتِي ، أَو أَنْ أَلْقَى الخِزْي وَالنَّدَامَةِ بِخَطِيئَتِي ، أَو أَنْ تُظْهِرَ فيهِ سِيئَاتِي عَلَى حَسْنَاتِي ، أَو أَنْ تُنَوِّهَبَيْنَ الخَلاَئِقِ بِاسْمِي ، يَا كَرِيمُ يَا كَرِيمُ ، العَفْوَ العَفْوَ ، السَتْرَ السَتْرَ ، اَللَّهُمَّ وأَعْوذُ بِكَ مِنَ أنْ يَكُونَ في ذَلِكَ في مَوَاقِفِ الأَشْرَارِ مَوْقِفِي ، أَو في مَقَامِ الأَشْقِيَاءِ مَقَامِي ، وَإِذَا مَيَّزْتَ بَيْنَ خَلْقِكَ فَسُقْتَ كُلاًّ بِأَعْمَالِهِمْ زُمُرَاً إلى مَنَازِلِهْمِ ، فَسْقُنِي بِرَحْمَتِكَ في عِبَادِكَ اْلصَّالِحِينَ ، وَفي زُمْرَةِ أَوْلِيَائِكَ المُتَّقِينَ ، إِلى جَنَّاتِكَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.

7 - الصَّلاةَ في مَسْجِدِ الرَّسُولِ الأَعْظَمِ صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ

ويستحب للإنسان أيضاً الصَّلاة في مسجد الرَّسول الأعظم صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ما استطاع ، ومنها تحيَّة المسجد ، فإنَّ الصَّلاة في المسجد النَّبوي الشَّريف تعدل عشرة ألاف صلاة في ما سواه ، وَعَلَى الأخصِّ بين القبر والمنبر للحديث الشَّريف الصَّحيح (بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبرِي رَوْضَة مِنَ رِيَاضِ الجَنَّةِ) كما مرَّ.

وحدِّ الرَّوضة طولاً من القبر الشَّريف إلى المنبر ، وعرضاً من المنبر إلى الاسطوانة الرَّابعة ، وهي الآن معلَّمة بعلامات تمتاز على غيرها من

ص: 402

بقاع المسجد.

8 - الابْتِهَال وَالدُّعَاء عِنْدَ الرَّوضَة الشَّريفَة

فإذا وقفت عند الرَّوضة الشَّريفة فإنَّه يستحب أن تبتهل إلى الله سبحانه وتعالى ، وتقرأ هذا الدُّعاء : -

اَللَّهُمَّ إنَّ هَذِهِ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ جَنَّتِكَ وَشُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ رَحْمَتِكَ الَّتي ذَكَرَهَا رَسُوَلُكَ ، وَأَبَانَ عَنْ فَضَلِهَا وَشَرَفِ التَّعَبُّدِ لَكَ فِيهَا ، فَقَدَ بَلَّغْتَنِيهَا في سَلاَمَةِ نَفْسِي ، فَلَكَ الحَمَدُ يَا سَيِّدِي عَلَى عَظِيمِ نِعْمَتِكَ عَلَيَّ في ذَلَكَ ، وَعَلَى مَا رَزَقْتَنِيهِ مِنْ طَاعَتِكَ وَطَلَبَ مَرَضَاتِكَ وَتعْظِيمَ حُرْمَةِ

نَبِّيكَ بِزِيَارَةِ قَبْرِهِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَيهِ وَالتَّرَدُّدِ في مَشَاهِدِهِ وَمَوَاقِفِهِ ، فَلَكَ الحَمْدُ يَا مَوْلاَيَ حَمْدَاً يَنْتَظِمُ بِهِ مَحَامِدَ حَمَلَةِ عَرْشِكَ وُسُكَّانِ سَمَاوَاتِكَ ، وَيَقْصُرُ عَنْهُ حَمْدُ مَنْ مَضَى وَيَفْضُلُ حَمْدُ مَنْ بَقِيَ مِنَ خَلْقِكَ لَكَ ، وَلَكَ الحَمْدُ يَا مَوْلاَيَ حَمْدَ مَنْ عَرِفَ الحَمْدَ لَكَ وَالتَّوْفِيقَ لِلحَمْدِ مِنْكَ ، حَمْدَاً يِمْلأُ مَا خَلَقْتَ ، وَيَبْلُغَ حَيْثُ مَا أَرَدَّتَ ، وَلاَ يَحْجُبَ عَنْكَ ، وَلاَ يَنْقَضِي دُوْنَكَ ، وَيَبْلُغَ أَقْصَى رِضَاكَ ، وَلاَ يَبْلُغَ آخِرَهُ أَوَائِلُ مَحَامِدِ خَلْقِكَ لَكَ ، وَلَكَ الحَمْدُ مَا عَرِفْتُ الحَمْدَ وَأَعْتَقِدُ الحَمْدَ وَجَعْلِ إبْتَدَاءِ الكَلاَمِ الحَمْد ، يَابَاقِي العِزِّ وَالعَظَمَةِ ، وَدَائِمَالسُّلْطَانِ وَالقُدَرَةِ ، وَشَدِيدَ البَطْشِ وَالقُوَّةِ ، وَنَافِذَ الأَمْرِ وَالإِرَادَةِ وَوَاسِعَ الرَّحْمَةِ وَالمَغْفِرَة ، وَرَبَّ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، كَمْ مِنْ نِعْمَةٍ لَكَ عَلَيَّ يَقْصُرُ عَنْ أَيَسَرِهَا حَمْدِي ، وَلاَ يَبْلُغُ أَدْنَاهَا شُكْرِي ، وَكَمْ مِنْ صَنَائِعِ

ص: 403

مِنْكَ إِلَيَّ لاَ يَحِيطُ بِكَثِيرِهَا وَهْمِي ، وَلاَ يُقَيِّدُهَا فِكْرِي ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى نَبِّيكَ المُصْطَفَى بَيْنَ البَرِيَّةِ طِفْلاً وَخَيْرِهَا شَابَّاً وَكَهْلاً ، أطْهَرُ المُطَهَّرِينَ شِيمَةً ، وَأَجْوَدُ المُسْتَمِّرِينَ دِيمَةً ، وَأَعْظَمُ الخَلْقِ جرْثُومَةً(1) ، الَّذِي أوْضَحْتَ بهِ الدِّلاَلاَتِ ، وَأَقَمْتَ بهِ الرِّسَالاَتِ ، وَخَتَمْتَ بهِ النِبِّوَاتِ ، وَفَتَحْتَ بهِ الخَيْرَاتِ ، وَأظْهَرْتَهُ مَظْهَرَاً ، وَأَبْتَعَثْتَهُ نَبِّيَاً وَهَادِيَاً ، أِمينَاً مُهَذَّبَاً وَدَاعِيَاً إلَيْكَ ، وَدَالاًّ عَلَيْكَ وَحُجَّةً بَيْنَ يَدَيْكَ ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى المَعْصُومِينَ مِنْ عِتْرَتِهِ وَالطِّيبِينَ مِنْ أُسْرَتهِ ، وَشَرِّفْ لَدَيْكَ مَنَازِلَهُمْ ، وَعَظِّمْ عِنْدَكَ مَرَاتِبَهُمْ ، وَأَجْعَلْ في الرَّفِيقِ الأَعْلَى مَجَالِسَهُمْ ، وَأَرْفَعْ إِلى قُرْبِ رَسُولِكَ دَرَجَاتِهِمْ ، وَتَمِّمْ بِلِقَائِهِ سُرورَهُمْ ، وَوَفِّرْ بِمَكَانِهِمْ اِنْسَهُمْ .

9 - الصَّلاة في مَقَامِ النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ

والصَّلاة في مقام النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ الَّذي كان يصلِّي فيه ، وهو الآن محراب قريب من الاسطوانة الكثيرة الخلوق ( أي الطِّيب ).

10 - الصَّلاة إلى جَانِبِ قَبرِ النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ

ويستحب أيضاً الصَّلاة إلى جانب قبر الرَّسول الأعظم صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ،

ص: 404


1- الجرثومة المقصودة هنا بمعنى العلو .

وصلاة ركعتين عند اسطوانة أبي لبابة(1) المعروفة ب- (اسطوانة التَّوبة) ، وبعد الصَّلاة عند هذه الاسطوانة تدعو بهذا الدُّعاء : -

بِسْمِ الله اْلرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، اَللَّهُمَّ لاَ تُهْنِّي بِالفَقْرِ ، وَلاَ تَذُلَّنِي بِالدَّيْنِ ، وَلاَ تَرُدَّنِي إلَى الهَلَكَةِ ، وَاعْصِمْنِي كَيْ أعْتَصِمَ ، وَأَصْلِحْنِي كَيْ أنْصَلِحَ ، وَاهْدِنِي كَيْ أهْتَدِي ، وَأَعْنِّي عَلَى اجْتِهَادِ نَفْسِي ، وَقَدْ أخْطَأتُ وَأنْتَ أَهْلٌ أنْ تَعْفُوا عَنِّي ، وَقَدْ أقْرَرْتُ وَأنْتَ أهْلٌ أَنْ تَقَيْلَ ، وَقَدْ عَسَرْتُ وَأَنْتَ أَهْلٌ أنْ تُحْسِنَ ، وَقَدْ أسَأْتُ وَأنْتَ أهْلُ التَّقْوَى وَالمَغْفِرَةِ فَوَفِّقْنِي لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى ، وَيَسِّرْ لِي اليَسِيرَ وَجَنِّبْنِي كُلَّ عَسِيرٍ اَللَّهُمَّ أْغْنِنِي بِالحَلاَلِ عَنْ الحَرَامِ ، وَبِالطَّاعَاتِ عَنْ المَعَاصِي ، وَبِالغِنَى عَنْ الفَقْرِ ، وَبِالجَنَّةِ عَنْ النَّارِ ، وَبِالأَبْرَارِ عَنْ الفُجَّارِ ، يَا مَنْ لَيْسَ

ص: 405


1- اسمه بشير ( وقيل رفاعة ) بن عبد المنذر ، قيل إنَّه تخلَّف عن رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ في غزوة تبوك ( وهي الغزوة الَّتي سار فيها النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ بنفسه وأمَّر عليًّاً عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ على المدينة ، وقال فيه قوله المشهور (( أنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى )) ) ، ثمَّ ندم أبو لبابة على تخلُّفه وتاب وربط نفسه بسارية من سواري المسجد ، وحلف أن لا يذوق طعاماً ولا شراباً حتَّى يتوب الله عليه أو يموت ، فمكث سبعة أيَّام على هذه الحال حتَّى خُشي عليه ، ثمَّ تاب الله سبحانه وتعالى عليه ونزلت الآية الشَّريفة بقبول توبته بقوله تعالى [ وآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحَاً وَآخَرَ سَيئاً عَسَى الله أنْ يَتَوبَ عَلَيْهِمْ إنَّ الله تَوَّابٌ رَحِيمٌ ] ، فَجاء الرَّسول الأعظم صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ فحلَّه من تلك الاسطوانة ، وسمِّيت الاسطوانة باسمه ، فعرفت باسطوانة أبي لبابة ، وعرفت أيضاً باسطوانة التَّوبة لقبول توبته .

كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ وَأنْتَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِير.

ثمَّ تطلب حاجتك وتستغفر من ذنوبك ، فإنَّ حاجتك تقضى إن شاء الله تعالى.

11 - الصَّلاة الأخُرَى عِنْدَ اسْطِوَانَة أَبِي لُبَابَة

ويستحب أيضاً الصَّلاة ليلة الأربعاء ويومها عند اسطوانة أبي لبابة الَّتي مرَّ ذكرها ، وليلة الخميس ويومها عند الاسطوانة الَّتي تليها ممَّا يلي مقام النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، وليلة الجمعة ويومها عند الاسطوانة الَّتي تلي مقام النَّبي ، ثمَّ تدعو وتسال الله تعالى حاجتك ، بل وكل حاجة من أمور الدُّنيا والآخرة، وليكن ممَّا تدعو به أن تقول : -

اَللَّهُمَّ مَا كَاَنَتْ اِلَيْكَ مِنْ حَاجَةٍ شَرَعْتُ أَنَا في طَلَبِهَا أو الْتِمَاسٍ ، أوْ لَمْ أَشْرَعْ ، سَأَلْتُكَهَا أوْ لَمْ أَسْأَلْكَهَا ، فَإِنِّي أَتَوَجَّهُ إِلْيَكَ بِنَبِّيكَ محمد نَبِّي الرَّحْمَةِ في قَضَاءِ حَوَائِجِي صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا.

12 - الصَّومَ في المَدِينَةِ لِقَضَاءِ الحَاجَةِ

ويستحب أيضاً الصَّوم في المدينة ثلاثة أيَّام لقضاء الحاجة وإن كان الإنسان مسافراً لكونه من المستثنيات المحبَّبة له فيه ، وينبغي أن يكون الصَّوم يوم الأربعاء والخميس والجمعة.

ص: 406

13 - الاعْتِكَاف في المَسْجِدِ النَّبَوي

ويستحب الاعتكاف في المسجد النَّبوي الشَّريف إن استطعت ، وإن استطعت أيضاً أن تكون في ليلة الأربعاء ويومها عند الاسطوانة الَّتي تلي رأس النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، وليلة الخميس ويومها عند اسطوانة أبي لبابة ، وليلة الجمعة ويومها عند الاسطوانة الَّتي تلي مقام النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ فلا بأس بذلك ، وكذلك إن استطعت أن لا تتكلَّم في الأيَّام إلاَّ بما لابدَّ منه.

14 - زِيَارَة فَاطِمَةِ الزَّهَرَاءِ عَلَيْها اَلسَّلاَمُ

وإذا أردت زيارة فاطمة الزَّهراء عَلَيْها اَلسَّلاَمُ فزرها في المواضع الثَّلاث ( في الرَّوضة (( أي ما بين القبر والمنبر )) وفي بيتها وفي البقيع ) على الاختلاف بين العلماء في مدفنها فهو أفضل ، وإذا وقفت عليه للزِّيارة فقل : -

يَا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ الله الَّذي خَلَقَكِ قَبْلَ اَنْ يَخْلُقِكِ ، فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صَابِرَةً ، وَزَعَمْنا اَنَّا لَكِ اَوْلِيآءُ وُمُصَدِّقُونَ ، وَصَابِرُونَ لِكُلِّ مَا اَتانَا بِهِ اَبُوكِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَتَى بِهِ وَصِيُّهُ ، فَاِنَّا نَسْأَلُكِ إِنْ كُنَّا صَدَّقْناكِ اِلاَّ اَلْحَقْتِنَا بِتَصْديقِنا لَهُمَا ، لِنُبَشِّرَ اَنْفُسَنا بِاَنَّا قَدْ طَهُرنا بِوَلايَتِكِ.

ص: 407

ويستحب أيضاً أن يقول : -

اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يَا بِنْتَ رَسُولِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يَا بِنْتَ نَبِيِّ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يَا بِنْتَ حَبيبِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يَا بِنْتَ خَليلِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يَا بِنْتَ صَفِيِّ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يَا بِنْتَ اَمينِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يَا بِنْتَ خَيْرِ خَلْقِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يَابِنْتَ اَفْضَلِ اَنْبِيآءِ الله وَرُسُلِهِ وَمَلآئِكَتِهِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يَا بِنْتَ خَيْرِ اْلبَرِيَّةِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يَا سَيِّدَةَ نِسآءِ اْلعالَمِينَ مِنَ اْلأَوَّلينَ وَاْلآخِرينَ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يَا زَوْجَةَ وَلِيِّ الله وَخَيْرِ اْلخَلْقِ بَعْدَ رَسُولِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يَا اُمَّ اْلحَسَنِ وَاْلحُسَيْنِ سَيِّدَي شَبابِ اَهْلِ اْلجَنَّةِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ اَيَّتُهَا الصِّدّيقَةُ الشَّهِيدَةُ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ اَيَّتُهَا الرَّضِيَّةُ اْلمَرْضِيَّةُ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ اَيَّتُهَا اْلفَاضِلَةُ الزَّكِيَّةُ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ اَيَّتُهَا اْلحَوْرآءُ اْلأِنْسِيَّةُ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ اَيَّتُهَا التَّقِيَّةُ النَّقِيَّةُ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ اَيَّتُهَا اْلمُحَدِّثَةُ اْلعَلِيمَةُ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ اَيَّتُهَا اْلمَظْلوُمَةُ اْلمَغْصُوبَةُ ، اْلسَّلامُ عَلَيْكِ اَيَّتُهَا اْلمُضْطَهَدَةُ اْلمَقْهُورَةُ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسوُلِ الله وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ ، صَلَّى اللهعَلَيْكِ وَعَلَى رُوحِكِ وَبَدَنِكِ ، اَشْهَدُ اَنَّكِ مَضَيْتِ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكِ ، وَاَنَّ مَنْ سَرَّكِ فَقَدْ سَرَّ رَسوُلَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ ، وَمَنْ جَفاكِ فَقَدْ جَفا رَسوُلَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ ، وَمَنْ آذَاكِ فَقَدْ آذى رَسوُلَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ ، وَمَنْ وَصَلَكِ فَقَدْ وَصَلَ رَسوُلَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ ، وَمَنْ قَطَعَكِ فَقَدْ قَطَعَ رَسوُلَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ ، لأَنَّكِ بِضْعَةٌ مِنْهُ وَرُوُحهُ اَّلذي بَيْنَ جَنْبَيْهِ كَما قَاَلَ صّلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ ، اُشْهِدُ الله وَرُسُلَهُ وَمَلآئِكَتَهُ اَنِّي راضٍ عَمَّنْ رَضيتِ عَنْهُ،

ص: 408

سَاخِطٌ عَلَى مَنْ سَخِطْتِ عَلَيْهِ ، مُتَبَرِّىءٌ مِمَّنْ تَبَرَّأَتِ مِنْهُ ، مُوالٍ لِمَنْ وَالَيْتِ ، مُعادٍ لِمَنْ عادَيْتِ ، مُبْغِضٌ لِمَنْ اَبْغَضْتِ ، مُحِبٌّ لِمَنْ اَحْبَبْتِ ، وَكَفى بِاللهِ شَهيداً وَحَسيباً وَجَازِياً وَمُثيباً

ثمَّ تصلِّي على النَّبي والأئمة الأطهار عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ ، ثمَّ تصلِّي ركعتين للزِّيارة تهدي ثوابها إلى الصدِّيقة الطَّاهرة عَلَيْها اَلسَّلاَمُ وتدعو بالدُّعاء المذكور سابقاً ( اَللَّهُمَّ إنِّي صَلَّيْتُ إلخ ).

15 - دَعَاء مَا بَعْدَ زِيَارَة الصدِّيقَة عَلَيْها اَلسَّلاَمُ

وثمَّ تدعو بعد زيارة الصدِّيقة الزَّهراء عَلَيْها اَلسَّلاَمُ وصلاتها بهذا الدُّعاء :-

اَللَّهُمَّ إِنِّي أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا محمد وَبِأَهْلِ بَيْتِهِ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِمْ ، وَأَسْأَلُكَ بِحَقِّكَ العَظِيمِ عَلَيْهِمْ الَّذِي لاَ يَعْلَمُ كُنَهَهُ سِوَاكَ ، وَأَسْأَلُكَ بِحَقِّ مَنْ حَقُّهُ عِنْدَكَ عَظِيمٌ ، وَبِأَسْمَائِكَ الحُسْنَى الَّتِي أَمَرْتَنِي أَنْ أَدْعُوكَ بِهَا ، وَأَسَأَلُكَ بِاِسْمِكَ الأَعْظَمِ الَّذِي أَمَرْتَ بهِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلام أنْ يَدْعُو بهِ الطَّيرَ فَأَجَابَتْهُ ، وَبِاِسْمِكَ العَظِيمِ الَّذِي قُلَتَ لِلنَّارِ كُونِي بَرْدَاً وَسَلاَمَاً عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَكَانَتْ بَرْدَاً ، وَبِأَحَبِّ الأَسْمَاءِ إِلَيْكَ وَأَشْرَفِهَا وَأَعْظَمِهَا لَدَيْكَ وَأَسْرَعِهَا إِجَابَةً وَأَنْجَحِهَا طَلِبَة وَبِمَا أَنْتَ أَهْلُهُ وَمُسْتَحِقُّهُ وَمُسْتَوْجِبُهُ ، وَأَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ وَأَرْغَبُ إِلَيْكَ وَأَتَضَرَّعُ وَأَلِحُّ عَلَيْكَ ، وَأَسْأَلُكَ بِكُتُبِكَ الَّتِي أَنْزَلْتَهَا عَلَى أَنْبِيَائِكَ وَرُسُلِكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِمْ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالقُرْآنِ العَظِيمِ ، فَإِنَّ فِيهَا اسْمُكَ الأعْظَمِ وَبِمَا فِيهَا مِنْ أَسْمَائِكَ العُظْمَى ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى محمد وَآلِ محمد ،

ص: 409

وَأَنْ تُفَرِّجَ عَنْ آلِ محمد وَشِيعَتَهُمْ وَمُحِبِّيهِمْ وَعَنِّي ، وَتَفْتَحَ أَبَوَابَ السَّمَاءِ لِدُعَائِي وَتَرْفَعَه في عِلِّيينَ ، وَتَأَذْنَ لِي في هَذَا اليَوْمِ وَفي هَذِهِ السَّاعَةِ بِفَرَجِي وَإِعْطَاءِ أَمَلِي وَسُؤلِي في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، يَا مَنْ لاَ يَعْلَمُ أَحَدٌ كَيْفَ هُوَ وَقُدْرَتُهُ إلاَّ هُوَ ، يَا مَنْ سَدَّ الهَوَاءَ بِالسَّمَاءِ ، وَكَبَسَ الأَرْضَ عَلَى المَاءِ، وَاخْتَارَ لِنَفْسِهِ أحْسَنَ الأسَمْاءِ ، يَا مَنْ سَمَى نَفْسَهُ بِالاِسْمِ الَّذِي تُقْضَى بهِ حَاجَةُ مَنْ يَدْعُوهُ ، أسْأَلُكَ بِحَقِّ ذَلِكَ الاِسْمِ فَلاَ شَفِيعَ أَقْوَى لِي مِنْهُ ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى محمد وَآلِ محمد ، وَأَنْ تَقْضِيَ لِي حَوَائِجِي وَتَسْمَعَ - بِمُحَمَّدٍ وَعَلِيِّ وَفَاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَينِ وَعَلِيِّ بنِ الحُسَينِ وَمُحَمَّدِ بنِ عَلَيٍّ وَجَعْفَرِ بنِ محمد وَمُوسَى بنِ جَعْفَرٍ وَعَلِيٍّ بنِ مُوسَى وَمُحَمَّدٍ بنِ عَلِيٍّ وَعَلِيٍّ بنِ محمد وَالحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ وَالحُجَّةِ المُنْتَظِرِ لإِذْنِكَ صَلَوَاتُكَ وَسَلاَمُكَ وَرَحْمَتُكَ وَبَرَكَاتُكَ عَلَيْهِمِ - صَوْتِي لِيَشْفَعُوا لِي إِلَيْكَ وَتُشَفِّعَهُمْ فيَّ ، وَلاَ تَرُدَّنِي خَائِبَاً بِحَقِّ لاَ إلَهَ إلاَّ أَنْتَ ، ثمَّ تسأل حوائجك فإنَّها تقضى إن شاء الله تعالى.

16 - التَّبرُّك بمِنَبَرِ الرَّسُولِ صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ

ويستحب التَّبرُّك بمنبر رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، وإمساك الرمَّانتين اللَّتين في أسفله بيدك ، وتمريغ الوجه والعينين بهما وبالمنبر إن أمكن فإنَّه شفاء للعينين ، ومن ثَمَّ قم عند المنبر واحمد الله واثن عليه ، وأطلب حوائجك من الله ، فإنَّ الله يجيب دعوة الدَّاعين.

وحيث أنَّ المنبر الأصلي غير موجود الآن ، وأن الموجود الآن هو

ص: 410

منبر قائم بمكانه بحسب الظَّاهر ، فلا مانع من فعل ذلك رجاء للمطلوبيَّة.

17 - الصَّلاة في مَقَامِ جَبْرَائِيل عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ

ويستحب أيضاً الصَّلاة في مقام جبرائيل عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ الَّذي يقوم فيه إذا استأذن على النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، فإذا فرغت من الصَّلاة فأدع بهذا الدُّعاء :

يَا مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَمَلأَهَا جُنُودَاً مِنَ المُسَبِّحِينَ لَهُ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ وَالمُمَجِّدِينَ لِقُدْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ ، وَأَفْرِغْ عَلَى أَبْدَانِهِمْ حُلَلَ الكَرَامَاتِ ، وَأنْطِقْ أَلْسِنَتِهِمْ بِضُروبِ اللُّغَاتِ ، وَألْبِسِهُمْ شِعَارَ التَّقْوَى ، وَقَلِّدْهُمْ قَلاَئِدَ النُّهَى ، وَاجْعَلْهُمْ أَوْفَرَ أَجْنَاسِ خَلْقِهِ مَعْرِفَةً بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَجَلاَلَتِهِ وَعَظَمَتِهِ ، وَأَكْمَلْهَمْ عِلْمَاً بهِ ، وَأَشَدَّهُمْ فِرَقَاً ، وَاَدْوَمَهُمْ لَهُ طَاعَةً وَخُضُوعَاً وَإِسْتَكَانَةً وَخُشُوعَاً ، يَا مَنْ فَضَّلَ الأَمِينَ جِبْرَائِيلَ بِخَصَائِصِهِ وَدَرَجَاتِهِ وَمَنَازِلِهِ ، وَاخْتَارَهُ لِوَحِيهِ وَسَفَارَتِهِ وَعَهْدِهِ وَأَمَانَتِهِ وَإِنْزَالِ كُتُبهِ وَأَوَامِرِهِ عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ ، وَجَعَلَهُ وَاسِطَةً بَيْنَ نَفْسِهِ وَبْيَنَهُمْ ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى محمد وَآلِ محمد ، وَعَلَى جَمِيعِ مَلاَئِكَتِكَ ، وَسُكَّانِ سَمَاوَاتِكَ ، أَعْلَمُ خَلْقِكَ بِكَ ، وَأَخْوَفُ خَلْقِكَلَكَ ، وَأَقَرَبُ خَلْقِكَ مِنْكَ ، وَأَعْمَلُ خَلْقِكَ بِطَاعَتِكَ ، الَّذِينَ لاَ يَغْشَاهُمْ نَوْمُ العُيونِ وَلاَ سَهْوُ العُقُولِ وَلاَ فَتْرَةُ الأَبْدَانِ ، المُكَرَّمِينَ بِجِوَارِكَ وَالمُؤتَمِنينَ عَلَى وَحْيِكَ المُجْتَنِبينَ الآفَاتِ المُوْقِينَ السَيئَاتِ ، اَللَّهُمَّ وَأخْصُصْ الرُّوحَ الأَمِينَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ بِأَضْعَافِهَا مِنْكَ وَعَلَى مَلاَئِكَتِكَ

ص: 411

المُقَرَّبِينَ وَطَبَقَاتِ الكَرُوبِيينَ وَالرَّوْحَانِيِّين ، وَزِدْ في مَرَاتِبهِ عِنْدَكَ وَحُقُوقِهِ الَّتِي لَهُ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ ، بِمَا كَاَنَ يَنْزِلُ بهِ مِنْ شَرَائِعَ دِينِكَ وَمَا بَيَّنْتَهُ عَلَى أَلْسِنَةِ أَنْبِيَائِكَ مِنْ مُحَلَّلاتِكَ وَمُحَرَّمَاتِكَ ، اَللَّهُمَّ أَكْثِرْ صَلَوَاتِكَ عَلَى جِبْرَائِيلَ فَإِنَّهُ قُدْوَةِ الأَنِبيَاءِ ، وَهَادِي الأَصْفِيَاءِ ، وَسَادِسِ أَصْحَابِ الكِسَاءِ ، اَللَّهُمَّ اِجْعَلْ وُقُوفِي في مَقَامِي هَذَا سَبَبَاً لِنِزُولِ رَحْمَتِكَ عَلَيَّ وَتَجَاوُزَكَ عَنِّي.

ثمَّ قل أي جَوَادُ ، أي كَرِيمُ ، أي قَرِيبُ ، أي بَعِيدُ ، أَسَأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى محمد وَآلِ محمد ، وَأَنْ تُوَفِّقَنِي لِطَاعَتِكَ ، وَلاَ تُزِيلَ عَنِّي نِعْمَتِكَ ، وَأَنْ تَرْزُقَنِي الجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ ، وَتُوَسِّعَ عَلَيَّ مِنْ فَضْلِكَ ، وَتُغْنِيَنِي عَنْ شِرَارِ خَلْقِكَ ، وَتُلْهِمَنِي شُكْرَكَ وَذِكْرَكَ وَلاَ تُخَيِّبَ يَا رَبِّ دُعَائِي ، وَلاَ تَقْطَعْ رَجَائِي بِمُحَمَّدٍ وَآلهِ.

18 - زِيَارَة أئِمَّةِ البَقِيعِ عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ

وإذا أردت زيارة أئمة البقيع ( أي الإمام الحسن المجتبى والإمام زين العابدين والإمام محمد الباقر والإمام جعفر الصَّادق ) عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ فتأدَّب بآداب الزِّيارة وهي : -

أ. الغُسل والكون على الطَّهارة الاستحبابيَّة والدعاء بعد الغًسل بهذا الدعاء : -

بِسْمِ الله وَبِاللهِ ، اَللَّهُمَّ اِجْعَلْهُ لِي نُورَاً وَطَهُورَاً وَحِرْزَاً وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَآفَةٍ وَعَاهَةٍ ، اَللَّهُمَّ طَهِّرْ بهِ قَلْبِي وَأَشْرَحْ بهِ صَدْرِي وَيَسِّرْ بهِ

ص: 412

أَمْرِي.

ب. لبس الثِّياب الطَّاهرة النَّظيفة والتَّطيُّب بأفضل الطِّيب والاستئذان للدِّخول بسكينة ووقار فيقول : -

يَا مَوالِيَّ يَا اَبْنآءَ رَسوُلِ الله ، عَبْدُكُمْ وَابْنُ أَمَتِكُم ، الذَّليلُ بَيْنَ أَيْديكُمْ ، وَاْلمُضْعِفُ في عُلُوِّ قَدْرِكُمْ ، وَاْلمُعْتَرِفُ بِحَقِّكُمْ ، جَآءَكُمْ مُسْتَجيراً بِكُمْ ، قَاصِداً اِلى حَرَمِكُمْ ، مُتَقَرِّباً اِلى مَقامِكُمْ ، مُتَوَسِّلاً اِلَى الله تَعَالى بِكُمْ ، أَاَدْخُلُ يَا مَوالِيَّ ، أَاَدْخُلُ يَا اَوْلِيآءَ الله ، أَاَدْخُلُ يَا مَلآئِكَةَ الله اْلمُحْدِقينَ بِهذَااْلحَرَمِ اْلمُقِيمينَ بِهذَا اْلمَشْهَدِ ؟ وأدخل بعد الخشوع والخضوع ورقَّة القلب وقدِّم رِجلك اليمنى وقل : الله اَكْبَرُ كَبِيراً ، وَاْلحَمْدُ للهِ كَثيراً ، وَسُبْحانَ الله بُكْرَةً وَاَصيلاً ، وَاْلحَمْدُ للهِ اْلفَرْدِ الصَّمَدِ ، اْلماجِدِ اْلأَحَدِ ، اْلمُتَفَضِّلِ اْلمَنَّانِ ، اْلمُتَطَوِّلِ اْلحَنَّانِ ، الَّذي مَنَّ بَطَوْلِهِ ، وَسَهَّلَ زِيارَةَ سَاداتِي بِاِحسَانِهِ ، وَلَمْ يَجْعَلْني عَنْ زِيارَتِهِمْ مَمْنُوعاً ، بَلْ تَطَوَّلَ وَمَنَحَ .

ثمَّ اقترب من قبورهم المقدَّسة واستقبلها واستدبر القبلة وقل : -

اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ اَئِمَّةَ اْلهُدى ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ اَهْلَ التَّقْوى ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ اَيُّهَا اْلحُجَجُ عَلَى اَهْلِ الدُّنْيا ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ اَيُّهَا اْلقُوّامُ في اْلبَرِيَّةِ بِاْلقِسْطِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ اَهْلَ الصَّفْوَةِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ آلَ رَسُولِ الله ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ اَهْلَ النَّجْوى ، اَشْهَدُ اَنَّكُمْ قَدْ بَلَّغْتُمْ وَنَصَحْتُمْ وَصَبَرْتُمْ في ذاتِ الله ، وَكُذِّبْتُمْ وَاسُيئَ اِلَيْكُمْ فَغَفَرْتُمْ ، وَاَشْهَدُ اَنَّكُمْ اْلأَئِمَّةُ الرَّاشِدُونَ اْلمُهْتَدُونَ ، وَاَنَّ طَاعَتَكُمْ مَفْرُوضَةٌ ، وَاَنَّ قَوْلَكُمُ الصِّدْقُ ، وَاَنَّكُمْ دَعَوْتُمْ فَلَمْ تُجابُوا ، وَاَمَرْتُمْ فَلَمْ تُطاعُوا ، وَاَنَّكُمْ

ص: 413

دَعآئِمُ الدّينِ وَاَرْكانُ اْلأَرْضِ ، لَمْ تَزالُوا بِعَيْنِ الله يَنْسَخُكُمْ مِنْ اَصْلابِ كُلِّ مُطَهَّرٍ وَيَنْقُلُكُمْ مِنْ اَرْحامِ اْلمُطَهرَّاتِ ، لَمْ تُدَنِّسْكُمْ اْلجاهِلِيَّةُ اْلجَهْلآءُ ، وَلَمْ تَشْرَكْ فيكُمْ فِتَنُ اْلأَهْواءِ ، طِبْتُمْ وَطَابَ مَنْبَتُكُمْ ، مَنَّ بِكُمْ عَلَيْنا دَيّانُ الدَينِ ، فَجَعَلَكُمْ في بُيُوتٍ اَذِنَ الله اَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ ، وَجَعَلَ صَلاتَنا عَلَيْكُمْ رَحْمَةً لَنا وَكَفَّارَةً لِذُنُوبِنا ، اِذ اخْتارَكُمْ الله لَنا وَطَيَّبَ خَلْقَنا بِمَا مَنَّ عَلَيْنا مِنْ وِلايَتِكُمْ ، وَكُنّا عِنْدَهُ مُسَمِّينَ بِعِلْمِكُمْ مُعْتَرِفينَ بِتَصْديقِنا اِيَّاكُمْ ، وَهذَا مَقامُ مَنْ اَسْرَفَ وَاَخْطَأَ ، وَاسْتَكانَ وَاَقَرَّ بِما جَنى وَرَجى بِمَقامِهِ الْخَلاصَ ، وَاَنْ يَسْتَنْقِذَهُ بِكُمْ مُسْتَنْقِذُ اْلهَلْكى مِنَ الرَّدى ، فَكُونُوا لي شُفَعآءَ ، فَقَدْ وَفَدْتُ اِلَيْكُمْ اِذْ رَغِبَ عَنْكُمْ اَهْلُ الدُّنْيا وَاَتَّخَذُوا آياتِ الله هُزُواً وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها ، ( ارفع هنا رأسك إلى السَّماء وقل : ) يَا مَنْ هُوَ قَآئِمٌ لاَ يَسْهُوْ وَدَآئِمٌ لاَ يَلْهُو وَمُحيطٌ بِكَلِّ شَئٍ ، لَكَ اْلمَنُّ بِمَا وَفَّقْتَني وَعَرَّفْتَني بِمَا اَقَمْتَني عَلَيْهِ ، اِذْ صَدَّ عَنْهُ عِبادُكَ وَجَهِلوُا مَعْرِفَتَهُ وَاسْتَخَفّوُا بِحَقِّهِ وَمالُوا اِلى سِواهُ ، فَكَانَتِ اْلمِنَّةُ مِنْكَ عَلَيَّ مَعَ اَقْوامٍ خَصَصْتَهُمْ بِمَا خَصَصْتَني بِهِ ، فَلَكَ اْلحَمْدُ اِذْ كُنْتُ عِنْدَكَ في مَقامِي هَذَا مَذْكوُراً مَكْتوُباً ، فَلا تَحْرِمْني مَا رَجَوْتُ وَلاَ تُخِيَّبِني فيمَا دَعَوْتُ بِحُرْمَةِ محمد وَآلِهِ الطَّاهِرينَ ، وَصَلَّى الله عَلَى محمد وَآلِ محمد.

ثمَّ ادع لنفسك بما تريد.

وقال الشَّيخ الطُّوسي الله في التَّهذيب : ثمَّ صلِّ صلاة الزِّيارة ثمان ركعات أي صلِّ لكل إمام ركعتين.

ص: 414

19 - زِيَارَة إِبْرَاهِيم بنِ رَسُولِ الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ

ويستحب أيضاً زيارة إبراهيم بن رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ فتقف على قبره وتقول : -

السَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ الله ، السَّلاَمُ عَلَى نَبِيِّ الله ، السَّلاَمُ عَلَى حَبِيبِ الله ، السَّلاَمُ عَلَى صَفِيِّ الله ، السَّلاَمُ عَلَى نَجِيِّ الله ، السَّلاَمُ عَلَى محمد بْنِ عَبْدِ الله سَيِّدِ الأَنْبِيَاءِ وَخَاتَمِ المُرْسَلِينَ وَخِيَرَةِ الله مِنْ خَلْقِهِ في أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ ، السَّلاَمُ عَلَى جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ ، السَّلاَمُ عَلَى الشُّهَدَاءِ والسُّعَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ الله الصَّالِحِينَ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيَّتُهَا الرُّوحُ الزَّاكِيَّةُ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الشَّرِيفَةُ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيَّتُهَا السُّلاَلَةُ الطَّاهِرَةُ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيَّتُهَا النَّسَمَةُ الزَّاكِيَةُ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا بْنَ خَيْرِ الوَرَى ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا بْنَ النَّبِيِّ المُجْتَبَى ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا بْنَ المَبْعُوثُ إلى كَافَّةِ الوَرَى ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا بْنَ البَشِيرِ النَّذِيرِ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا بْنَ السِّرَاجِ المُنِيرِ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا بْنَ المُؤَيَّدِ بِالقُرْانِ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا بْنَ المُرْسَلِ إلى الإِنْسِ وَالجَآنِّ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا بْنَ صَاحِبِ الرَّايةِ وَالعَّلاَمْةِ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا بْنَ الشَّفِيعِ يَوْمَ القِيَامَةِ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا بْنَ مَنْ حَبَاهُ الله بِالكَرَامَةِ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ ، أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ اخَتَارَ الله لَكَ دَارَ إِنْعَامِهِ قَبْلَ أنْ يَكْتُبَ عَلَيْكَ أَحْكَامَهُ أو يُكَلِّفَكَ حَلاَلَهُ وَحَرَاَمَهُ ، فَنَقَلَكَ إِلَيْهِ طَيِّبَاً زَكِيَّاً مَرْضِيَّاً طَاهِرَاً مِنْ كُلِّ نَجِسٍ مُقَدَّسَاً مِنْ

ص: 415

كُلِّ دَنَسٍ ، وَبَوَّأَكَ جَنَةَ المَأَوَى وَرَفَعَكَ إلى الدَّرَجَاتِ العُلَى ، وَصَلَّى الله عَلَيْكَ صَلاَةً تَقَرُّ بِهَا عَيْنُ رَسُولِهِ وَتُبَلِّغُهُ أَكْبَرُ مَأَمُولِهِ ، اَللَّهُمَّ اجْعَلْ أَفْضَلَ صَلَوَاتِكَ وَأَزْكَاهَا وَأَنْمَى بَرَكَاتِكَ وَأَوْفَاهَا عَلَى رَسُولِكَ وَنَبِيِّكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ محمد خَاتَمِ النَّبِيِّينَ ، وَعَلَى مَنْ نَسَلَ مِنْ أَوْلاَدِهِ الطَّيبِينَ ، وَعَلَى مَنْ خَلَّفَ مِنْ عِتْرَتِهِ الطَّاهِرِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ محمد صَفِيِّكَ وَإِبْرَاهِيمَ نَجْلِ نَبِيِّكَ أَنْ تَجْعَلَ سَعْيِي بِهِمْ مَشْكُورَاً ،وَذَنْبِي بِهِمْ مَغْفُورَاً ، وَحَيَاتِكَ بِهِمْ سَعِيدَةً ، وَعَاقِبَتِي بِهِمْ حَمِيدَةً ، وَحَوَائِجِي بِهِمْ مَقْضِيَّةً ، وَأَفْعَالِي بِهِمْ مَرْضِيَّةً ، وَأمُورِي بِهِمْ مَسْعُودَةً ، وَشُؤونِي بِهِمْ مَحْمُودَةً ، اَللَّهُمَّ وَأَحْسِنْ لِي التَّوْفِيقَ ، وَنَفِّسْ عَنِّي كُلَّ هَمٍّ وَضِيقٍ ، اَللَّهُمَّ جَنِّبْنِي عِقَابَكَ ، وَامْنَحْنِي ثَوَابَكَ ، وَأَسْكِنِّي جِنَانَكَ ، وَارْزُقْنِي رِضْوَانَكَ وَأَمَانَكَ ، وَأَشْرِكْ لِي في صَالِحِ دُعَائِي وَالِدَيَّ وَوُلْدِي وَجَمِيعَ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ الأَحْيَاءَمِنْهُمْ وَالأَمْوَاتَ ، إِنَّكَ وَليُّ البَّاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ آمِّين رَبِّ العَالَمِينَ.

ثمَّ تسأل حوائجك وتصلِّي ركعتين للزِّيارة.

20 - زِيَارَة فَاطِمَة بِنْتِ أَسَدْ (رضوان الله عليها)

ويستحب زيارة فاطمة بنت أسد (رضوان الله عليها) الموحِّدة والمؤمنة وهي والدة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، وهي مع الأئمَّة الأربعة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ في البقيع بمكان متقارب واحد ، فتقول : -

السَّلاَمُ عَلَى نَبِيِّ الله ، السَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ الله ، السَّلاَمُ عَلَى محمد

ص: 416

سَيِّدِ المُرْسَلِينَ ، السَّلاَمُ عَلَى محمد سَيِّدِ الأَوَّلِينَ ، السَّلاَمُ عَلَى محمد سَيِّدِ الآخِرِينَ ، السَّلاَمُ عَلَى مَنْ بَعَثَهُ الله رَحْمَةً لِلعَالَمِينَ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيَّهُا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ ، السَّلاَمُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ الهَاشِمِّيَةِ ، السَّلاَمُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الصِدِّيقَةُ المَرْضِيَّةُ ، السَّلاَمُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا التَّقِيَّةُ النَّقِيَّةُ ، السَّلاَمُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الكَرِيمَةُ الرَّضِيَّةُ ، السَّلاَمُ عَلَيْكِ يَا كَافِلَةَ محمد خَاتَمِ النَّبِيِّينَ ، السَّلاَمُ عَلَيْكِ يَا وَالِدَةَ سَيِّدِ الوَصِيِّينَ ، السَّلاَمُ عَلَيْكِ يَا مَنْ ظَهَرَتْ شَفَقَتُهَا عَلَى رَسُولِ الله خَاتَمِ النَّبِيينَ ، السَّلاَمُ عَلَيْكِ يَا مَنْ تَرْبِيَتُها لِوَلِيِّ الله الأَمِينِ ، السَّلاَمُ عَلَيْكِ وَعَلَى رُوحِكِ وَبَدَنِكِ الطَّاهِرِ ، السَّلاَمُ عَلَيْكِ وَعَلَى وَلَدِكِ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ ، أَشْهَدُ أَنَّكِ أَحْسَنْتِ الكِفالَةَ ، وَأَدَّيْتِ الأَمَانَةَ ، وَاجْتَهَدِّتِ في مَرْضَاةِ الله ، وبَالَغْتِ في حِفْظِ رَسُولِ الله ، عَارِفَةً بِحَقِّهِ مُؤْمِنَةً بِصِدْقِهِ مُعْتَرِفَةً بِنُبَّوَتِهِ مُسْتَبْصِرَةً بِنْعَمِتِهِ كَافِلَةً بِتَرْبِيَتِهِ مُشْفِقَةً عَلَى نَفْسِهِ وَاقِفَةً عَلَى خِدْمَتِهِ مُخْتَارَةً رِضَاهُ ( مُؤْثِرَةً هَوَاه خ ل )، وَأَشْهَدُ أَنَّكِ مَضَيتِ عَلَى الإِيمَانِ ، وَالتَّمَسُّكِ بِأشْرَفِ الأَدْيَانِ ، رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً طَاهِرَةً زَكِيَّةً تَقِيَّةً نَقِيَّةً ، فَرَضِيَ الله عَنْكِ وَأَرْضَاكِ وَجَعَلَ الجَنَّةَ مَنْزِلَكِ وَمَأَوَاكِ ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى محمد وَآلِ محمد ، وَانْفَعْنِي بِزَيَارَتِهَا ، وَثَبِّتْنِي عَلَى مَحَبَّتِهَا ، وَلاَ تَحْرِمْنِي شَفَاعَتَهَا وَشَفَاعَةِ الأَئِمَةِ مِنْ ذُرِّيَّتِهَا ، وَارْزُقْنِي مُرَافَقَتَهَا ، وَاحْشُرْنِي مَعَهَا وَمَعَ أَوْلاَدَهَا الطَّاهِرِينَ ، اَللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْهُ آخِرَ العَهْدِ مِنْ زِيَارَتِي إِيَّاهَا ، وَارْزُقْنِي العَوْدَةِ إِلَيْهَا أَبَدَاً مَا أَبْقَيْتَنِي ، وَإِذَا تَوَفَّيْتَنِي احْشُرْنِي في زُمْرَتِها وَأَدْخِلْنِي في شَفَاعَتِهَا ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، اَللَّهُمَّ بِحَقِّهَا عِنْدَكَ وَمَنْزِلَتِهَا لَدَيْكَ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِجَمِيعِ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ ،

ص: 417

وَآتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا بِرَحْمَتِكَ عَذَابِ النَّارِ ).

ثمَّ تُصلِّي ركعتين لِلزِّيارة وتدعو بما أحببت وتنصرف.

21. زيارة أم البنين (رضوان الله عليها)

ثمَّ تتوجَّه إلى قبر أم البنين (رضوان الله عليها) في نفس البقيع أيضاً فتزورها بقولك : -

أَشَهَدُ أَنْ لاَ اِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، السَّلاَمُ عَلَيكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، السَّلاَمُ عَلَيكَ يَا أَمَيرَ المُؤمِنينَ ، السَّلاَمُ عَلَيكِ يَا فَاطِمَةَ الزَّهرَاءِ سَيِّدَةِ نِسَاءِ العَالَمِينَ ، السَّلاَمُ عَلَى الحَسَنِ وَالحُسَينِ سَيِّدَي شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ ، السَّلاَمُ عَلَيكِ يَا زَوجَةِ وَصَيِّ رَسُولِ اللهِ ، السَّلاَمُ عَلَيكِ يَا عَزِيزَةَ الزَّهرَاءِ ، السَّلاَمُ عَلَيكِ يَا أُمَّ البُدورِ السَّوَاطِعِ فَاطِمَةُ بنتُ حِزَامِ الكِلاَبِيَّة ، المُلَقَّبَةُ بِأُمِّ البَنِيين وَبَابُ الحَوَائِجِ ، أُشهِدُ اللهَ وَرَسُولَهُ أَنِّكِ جَاهَدِتِ في سَبِيلِ اللهِ ، إِذ ضَحَّيتِ بَأَوَلاَدِكِ دُونَ الحُسَينِ بِن بِنتِ رَسُولِ اللهِ ، وَعَبَدتِ اللهَ مُخلِصَةً لَهُ الدِّينِ بِوَلاَئِكِ لِلأَئمَّةِ المَعصُومِينَ ، وَصَبرَتِ عَلَى تِلكَ الرَّزيَّةِ العَظِيمَةِ ، وَاحتَسبْتِ ذَلكَ عِنْدَ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، وَآزَرتِ الإِمَامَ عَلَيَّاً في المِحَنِ وَالشَّدَائدِ وَالمَصَائبِ ، وَكُنْتِ في قِمَّةِ الوَفَاءِ ، وَإِنَّكِ أَحْسَنتِ الكَفَالَةِ فَأَدَّيتِ الأَمَانَةَ الكُبْرَى في حِفْظِ وَدِيعَةِ الزَّهْرَاءِ البَتُولِ (الحَسَنِ وَالحُسَينِ) ، وَأَبلَغتِ وَأَثَرتِ وَرَاعَيتِ حُجَجِ اللهِ المَيَامِين ، وَرَغِبتِ في وُصلَةِ أَبْنَاءِ رَسُولِ رَبِّ العَالَمِينَ ، عَارِفَةً بِحَقِّهم ، مُؤمِنَةً بِصْدِقِهمُ،

ص: 418

مُشفِقَةً عَلَيهِمْ ، مُؤثِرَةً هَوَاهُمْ عَلَى أَوْلاَدِكِ السُّعَدَاءِ ، فَسَلاَمُ اللهِ عَلَيكِ يَا سَيِّدَتِي يَا أُمَّ البَنِيينَ ، مَا سَجَى اللَّيلُ وَغَسَقُ وَأَضَاءَ النَّهَارُ وَأَشرَقَ ، وَسَقَاكِ اللهِ مِنْ رَحِيقٍ مَختُومٍ ، يَومَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ ، فَصِرتِ قُدوَةً لِلمُؤمِنَاتِ الصَّالِحَاتِ ، لأَنَّكِ كَرِيمَةُ الخَلاَئِقِ عَالِمَةً مُعَلَّمَةً نَقِيَّةً زَكِيَّةً ، فَرَضَيَ اللهُ عَنْكِ وَأَرضَاكِ ، وَلَقَدْ أَعْطَاكِ اللهُ مِنَ الكَرَامَاتِ البَاهِرَات ، حَتَّى أَصبَحَتِ بِطَاعَتِكِ للهِ وَلِوَصِيِّ الأَوصِيَاءِ وَحُبِّكِ لِسَيِّدَةِ النَّسَاءِ وِفَدَائُكِ أَولاَدَكِ الأَربَعَةِ لِسَيِّدِ الشُّهَدَاءِ بَابَاً لِلحَوَائِجِ ، فَاِشفَعِي لِي عِنْدَ اللهِ بِغُفرَانِ ذُنُوبِي وَكَشفِ ضُرِّي وَقَضَاءِ حَوَائجِي ، فَإِنَّ لَكِ عِنْدَ اللهِ شَأنَاً وَجَاهَاً مَحمُودَاً ، وَالسَّلاَمُ عَلَى أَوْلاَدِكِ الشُّهَدَاء ( العَبَّاس قَمَرُ بَنِي هَاشِم وَبَابُ الحَوَائِجِ وَعَبْدُ اللهِ وَعُثمَان وَجَعفَر ) ، الَّذِينَ اِستَشَهُدوا في نُصْرَة الحُسَينِ بِكَرَبلاَء ، وَالسَّلاَمُ عَلَى اِبنَتِكِ الدُّرَّة الزَّهرَاء الطَّاهِرَةِ الرَّضِية خَدِيجَة ، فَجَزَاكِ اللهُ وَجَزَاهُمْ اللهُ ( جَنَاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ) ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد .

ثمَّ صلِّ ركعتين قربة إلى الله واهد ثوابهما إلى روح أم البنين(رضوان الله عليها).

22 - إتيان المَسَاجِدِ وَالمَشَاهِدِ المُشَّرَفَةِ حَوْلَ المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ

ويستحب أيضاً إتيان المساجد والمشاهد المعظَّمة حول المدينة المنوَّرة

ص: 419

وهي : -

أ . مَسْجِدُ قَبَا

وهو المسجد الَّذي أسِّس على التَّقوى من أوَّل يوم ، حينما هاجر الرَّسول الأعظم صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ إلى المدينة المنوَّرة ونزل في (( قبا )) وقام فيها بضعاً وعشرين ليلة يصلِّي فيها القصر ينتظر قدوم إبن عمِّه علي بن أبي طالب عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مع الفواطم ، وأسِّس هذا المسجد الشَّريف قبل أيِّ مسجد بالمدينة ، وفيه نزل قوله تعالى ( لَمَسْجِدُ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ ).

فيستحب الصَّلاة في هذا المسجد الشَّريف والدُّعاء فيه ، وخلفه بيت أمير المؤمنين علي عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ .

ويبعد هذا المسجد عن المدينة المنوَّرة مسافة ( ثلاث كيلو مترات ونصف تقريباً ) فقد روي عن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أَّنَّه قال ( مَنْ تَطَهَّرَ في بَيْتِهِ وَأَتَى مَسْجِدَ قَبَا وَصَلَّى فيهِ رِكْعَتَينِ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ عُمْرَة ).

وأَمام المسجد بئر كان ماؤها عذباً غزيراً ، ولكنَّها عطلَّت الآن ، ويقال إنَّ خاتم الرَّسول صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ سقط فيها فسمِّيت (( بئر الخاتم )) ، وتسمَّى أيضاً (( بئر التَّفلة )) لما يقال أنَّ النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ تفل فيها فصار ماؤها عذباً ، وقد كان ملحاً أجاجاً.

ص: 420

ب . مَسْجِدُ الفَضِيخُ

ثمَّ تأتي ( مسجد الفضيخ ) فتصلِّي فيه وتدعو فيه ما شاء لك من الدُّعاء ، وهو قريب من مسجد قبا ويسمَّى أيضاً ( مسجد ردِّ الشَّمس ).

ج . مَشْرَبَةُ أمِّ إبْرَاهِيم

ثمَّ توجَّه إلى مشربة أمِّ إبراهيم زوجة النَّبي الأعظم صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، واسمها مارية القبطيَّة ، فتصلِّي فيها ، فإنَّها مسكن رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ومصلاَّه.

23 - زِيَارَة مَسَاجِدِ وَمَشَاهِدِ أُحدْ

ثمَّ توجَّه إلى جانب أحد لزيارة قبورها ومساجدها وابدأ ب- : -

أ. المسجد الأوَّل وهو المعروف بمسجد الحرَّة ، فصلِّ فيه وأدع الله سبحانه وتعالى.

ب . زِيَارَة الحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِب رضي الله عنه

ثمَّ توجَّه إلى قبر الحمزة بن عبد المطَّلب رضي الله عنه عمِّ رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ لزيارته ، فقد روي عن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أنَّه قال ( مَنْ زَارَنِي وَلَمْ يَزُرْ عَمِّي

ص: 421

حَمْزَة فَقَدْ جَفَانِي ).

ويبعد قبره عن المدينة المنوَّرة بمسافة ( أربعة كيلو مترات ) وقم عند قبره وقل : -

السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا عَمَّ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَآلِهِ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا خَيْرَ الشُّهَدَاءِ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَسَدَ الله وَأَسَدَ رَسُولِهِ ، أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ جَاهَدْتَ في الله محمد ، وَجُدْتَ بِنَفْسِكَ ، وَنَصَحْتَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَآلِهِ ، وَكُنْتَ فِيمَا عِنْدَ الله سُبْحَانَهُ رَاغِبَاً ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِي أَتَيْتُكَ مُتَقَرِّبَاً إلى الله محمد بِزِيارَتِكَ وَمُتَقَرِّبَاً إِلى رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَآلِهِ

بِذَلِكَ ، رَاغِبَاً إِلَيْكَ في الشَّفَاعَةِ ، أَبْتَغِي بِزِيَارَتِكَ خَلاَصَ نَفْسِي ، مُتَعَوِّذَاً بِكَ مِنْ نارٍ أسْتَحَقَّهَا مِثْلِي بِمَا جَنَيْتُ عَلَى نَفْسِي ، هَارِبَاً مِنْ ذُنوبِي الَّتِي احْتَطَبْتُهَا عَلَى ظَهْرِي ، فَزِعَاً إِلَيْكَ رَجَاءَ رَحْمَةِ رَبِّي ، أَتَيْتُكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ طَالِبَاً فَكَاَكَ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ ، وَقَدْ أَوْقَرَتْ ظَهْرِي ذُنُوبِي ، وَأَتَيْتُ بِمَا أَسْخَطَ رَبِّي وَلَمْ أَجِدْ أَحَدَاً أَفْزَعُ إِلَيْهِ خَيْرَاً لِي مِنْكُمْ أَهْلَ بَيْتِ الرَّحْمَةِ ، فَكُنْ لِي شَفِيعَاً يَوْمَ فَقْرِي وَحَاجَتِي ، فَقَدْ سِرْتُ إِلَيْكَ مَحْزُونَاً ، وَأَتَيْتُكَ مَكْرُوبَاً ، وَسَكَبْتُ عَبْرَتِي عِنْدَكَ بَاكِيَاً ، وَصِرْتُ إِلَيْكَ مُفْرَدَاً ، وَأَنْتَ مِمَّنْ أَمَرَنِي الله بِصِلَتِهِ ، وَحَثَّنِي عَلَى بِرِّهِ ، وَدَلَّنِي عَلَى فَضْلِهِ ، وَهَدَانِي لِحُبِّهِ ، وَرَغَّبَنِي في الوَفَادَةِ إِلَيْهِ ، وَأَلْهَمَنِي طَلَبَ الحَوَائِجِعِنْدَهُ ، أَنْتُمْ أَهْلُ بَيْتٍ لاَ يَشْقَى مَنْ تَولاَّكُمْ ، وَلاَ يَخِيبُ مَنْ أَتَاكُمْ وَلاَ يَخْسَرُ مَنْ يَهْوَاكُمْ ، وَلاَ يَسْعَدُ مَنْ عَادَاَكُمْ ثمَّ تستقبل القبلة وتصلِّي ركعتين للزِّيارة وبعد الفراغ تنكبُّ على القبر وتقول : -

اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى محمد وَآلِ محمد ، اَللَّهُمَّ إِنِّي تَعَرَّضْتُ لِرَحْمَتِكَ

ص: 422

بِلِزُومِي لِقَبْرِ عَمِّ نَبِّيْكَ صَلَّى الله عَلَيهِ وَآلِهِ

لِيُجِيرَنِي مِنْ نِقْمَتِكَ وَسَخَطِكَ وَمَقْتِكَ في يَوْمٍ تَكْثُرُ فيهِ الأَصْوَاتُ ، وَتَشْغَلُ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا قَدَّمَتَ ، وَتُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا فَإِنْ تَرْحَمَنِي اليَوْمَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيَّ وَلاَ حُزْنٌ ، وَإِنْ تُعَاقِبَ فَمَوْلَىً لَهُ القُدْرَةُ عَلَى عَبْدِهِ ، وَلاَ تُخِّيبْنِي بَعْدَ اليَوْمِ ، وَلاَ تَصْرِفْنِي بِغَيْرِ حَاجَتِي ، فَقَدْ لَصِقْتُ بِقَبْرِ عَمِّ نَبِّيْكَ ، وَتَقَرَّبْتُ إِلَيْكَ إِبْتِغَاءِ مَرْضَاتِكَ وَرَجَاءَ رَحْمَتِكَ ، فَتَقَّبَلْ مِنِّي وَعُدْ بِحِلْمِكَ عَلَى جَهْلِي وَبِرَأَفَتِكَ عَلَى جِنَايَةِ نَفْسِي ، فَقَدْ عَظُمَ جُرْمِي وَمَا أَخَافُ أَنْ تَظْلِمَنِي وَلَكِنْ أَخَافُ سُوءَ الحِسَاب ، فَأَنْظُرْ اليَوْمَ تَقَلُّبِي عَلَى قَبْرِ عَمِّ نَبِّيكَ ، فَبِهِمَا فُكَّنِي مِنَ النَّارِ ، وَلاَ تُخِّيبْ سَعْيي ، وَلاَ يَهُونَنَّ عَلَيْكَ إِبْتَهَالِي ، وَلاَ تَحْجُبَنَّ عَنْكَ صَوْتِي ، وَلاَ تَقْلِبْنِي بِغَيْرِ حَوَائِجِي ، يَا غِيَاثَ كُلِّ مَكْرُوبٍ وَمَحْزُونٍ ، وَيَا مُفَرِّجَاً عَنِ المَلْهُوفِ الحَيْرَانِ الغَرِيقِ المُشْرِفِ عَلَى الهَلَكَةِ ، فَصَلِّ عَلَى محمد وَآلِ محمد ، وَأَنْظُرْ إِلَيَّ نَظْرَةً لاَ أَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدَاً ، وَأَرْحَمْ تَضَرُّعِي وَعَبْرَتِي وَإِنْفِرَادِي ، فَقَدْ رَجَوْتُ رِضَاكَ ، وَتَحَرَّيتُ الخَيْرَ الَّذِي لاَ يُعْطِيهِ أَحَدُ سِوَاكَ ، فَلاَ تَرُّدَ أَمَلِي ، اَللَّهُمَّ إِنْ تُعَاقِبْ فَمَوْلَىً لَهُ القُدْرَةُ عَلَى عَبْدِهِ وَجَزَائِهِ بِسُوءِ فِعْلِهِ ، فَلاَ أَخِيبَنَّ اليَوْمَ وَلاَ تَصْرِفْنِي بِغَيْرِ حَاجَتِي وَلاَ تُخَيبِنَّ شُخُوصِي وَوَفَادَتِي ، فَقَدْ أَنْفَدْتُ نَفَقَتِي وَأَتْعَبْتُ بَدَنِي وَقَطَعْتُ المَفَازَاتِ وَخَلَّفْتُ الأَهْلَ وَالمَالَ وَمَا خَوَّلْتَنِي وَآثَرْتُ مَا عِنْدَكَ عَلَى نَفْسِي ، وَلُذْتُ بِقَبْرِ عَمِّ نَبِيِّكَ صَلَّى الله عَلَيهِ وَآلِهِ وَتَقَرَّبْتُ بهِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ ، فَعُدْ بِحِلْمِكَ عَلَى جَهْلِي وَبِرَأَفَتِكَ عَلَى ذَنْبِي فَقَدْ عَظُمَ جُرْمِي بِرَحْمَتِكَ يَا كَرِيمُ يَا كَرِيمُ.

ص: 423

ج . زِيَارَة قُبورِ الشُّهَداء رضي الله عنهم

ثمَّ توجَّه إلى قبور الشُّهداء رضي الله عنهمفي أُحد فقم على قبورهم فقل : -

السَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ الله ، السَّلاَمُ عَلَى نَبِّي الله ، السَّلاَمُ عَلَى محمد بْنِ عَبْدِ الله ، السَّلاَمُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ ، السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الشُّهَدَاءُ المُؤمِنُونَ ، السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ بَيْتِ الإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ ، السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا أَنْصَارَ دِينِ الله وَأَنْصَارِ رَسُولِهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ السَّلاَم ، سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُم فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ، أَشْهَدُ أَنَّ الله اخْتَارَكُمْ لِدِينِهِ ، وَاصْطَفَاكُمْ لِرَسُولِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّكُمْ قَدْ جَاهَدْتُمْ في الله حَقَّ جِهَادِهِ ، وَذَبَبْتُمْ عَنْ دِينِ الله وَعَنْ نَبِّيهِ ، وَجُدْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ دُونَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّكُمْ قُتِلْتُمْ عَلَى مِنْهَاجِ رَسُولِ الله ، فَجَزَاكُمْ الله عَنْ نَبِّيهِ وَعَنْ الإِسْلاَمِ وَأَهْلِهِ أَفْضَلَ الجَزَاءِ ، وَعَرَّفَنَا وُجوهَكُمْ في مَحَلِّ رِضْوَانِهِ وَمَوْضِعِ إِكْرَامِهِ مَعَ النَّبِيينَ وَالصِدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولِئكَ رَفِيقَاً ، أَشْهَدُ أَنَّكُمْ حِزْبُ الله ، وَأَنَّ مَنْ حَارَبَكُمْ فَقَدْ حَارَبَ الله ، وَأَنَّكُمْ لَمِنَ المُقَرَّبِينَ الفَائِزِينَ الَّذِينَ هُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، فَعَلَى مَنْ قَتَلَكُمْ لَعْنَةُ الله وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، أَتَيْتُكُمْ يَا أَهْلَ التَّوْحِيدِ زَائِرَاً ، وَبِحَقِّكُمْ عَارِفَاً ، وَبِزِيَارَتِكُمْ إلى الله مُتَقَرِّبَاً ، وَبِمَا سَبَقَ مِنْ شَرِيفِ الأَعْمَالِ وَمَرْضِيِّ الأَفْعَالِ عَالِمَاً ، فَعَلَيْكُمْ سَلاَمُ الله وَرَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ ، وَعَلَى مَنْ قَتَلَكُمْ لَعْنَةُ الله وَغَضَبُهُ وَسَخَطُهُ ، اَللَّهُمَّ اِنْفَعْنِي بِزِيَارَتِهِمْ ، وثَبِّتْنِي عَلَى قَصْدِهِمْ ، وَتَوَفَّنِي عَلَى مَا تَوَفَّيْتَهُمْ عَلَيهِ

ص: 424

، وَاجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ في مُسْتَقِّرِ دَارِ رَحْمَتِكَ ، أَشْهَدُ أَنَّكُمْ فَرَطٌ وَنَحْنُ بِكُمْ لاَحِقُونَ.

وتكرِّر سورة إنَّا أنزلناه في ليلة القدر ما تمكَّنت ، وقال البعض تصلِّي عند كل مزور ركعتين وترجع إن شاء الله تعالى.

ثمَّ تأتي إلى المسجد الَّذي في المكان الواسع إلى جنب الجبل عن يمينك حين تأتي أحداً فتصلِّي فيه ، فإنَّ من هذا المسجد خرج النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ حين لقي المشركين ونصره الله عليهم.

24 - إتيَان مَسْجِد الأحْزَاب

ثمَّ توجَّه إلى مسجد الأحزاب ، فصلِّ فيه وأدع الله سبحانه وتعالى ، فإنَّ رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ دعا فيه يوم الأحزاب وقال : -يَا صَرِيخَ المَكْرُوبِينَ وَيَا مُجِيبَ دَعْوَةِ المُضْطَرِّينَ وَيَا مُغِيثَ المَلْهُوفِينَ اكْشِفْ هَمِّي وَكَرْبِي وَغَمِّي فَقَدْ تَرَى حَالِي وَحَالَ أَصْحَابِي.

ويظهر أنَّ هذا المسجد هو مسجد الفتح الَّذي دعا فيه النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ يوم الأحزاب ، فاستجاب له الله بالفتح على يد أمير المؤمنين وسيِّد الوصيِّين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بقتله عمرو بن عبد ودِّ العامري وانهزام الأحزاب ( وَرَدَّ الله الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيِظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرَاً وَكَفَى الله المُؤْمِنِينَ القِتَالَ) ، بواسطة أمير المؤمنين عليٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ الَّذي قتل عمرواً وأباد جيشهم وهزم جمعهم.

بل هو المسجد الَّذي رُدَّت فيه الشَّمس لعليٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ حتَّى صلَّى صلاة

ص: 425

العصر حينما كاد أن يفوته الوقت بسبب نوم النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ في حجره ، فلما فرغ من الصَّلاة انقضَّت انقضاض الكوكب كما ردت ليوشع بن نون.

فيكون رد الشمس هذا له عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ - مع ردها له عند مروره على أرض بابل مسرعا لأنها أرض سخط الله عليها بمخازي أهلها إذ كادت أن تغيب آنذاك لصلاة العصر أنه ردت له مرتين بذلك الإعجاز الإلهي.

25 - زِيَارَة بِقِيَّةِ المَسَاجِدِ

ثمَّ توجَّه إلى مسجد القبلتين ، ومسجد أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، ومسجد الزهراء عَلَيْها اَلسَّلاَمُ ، ومسجد سلمان (رض) ، فتصلِّي في كلٍّ منها ركعتين ، وتدعو وتبتهل إلى المولى سبحانه وتعالى ، وهذه المساجد على يمين الذَّاهب إلى أُحد ، والثلاثة الأخيرة تكون تحت الجبل إلى جهة القبلة وان كان فيها بعض الارتفاع.

وَدَاع النَّبِي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ

إذا أردَّت الرَّحيل من المدينة المنوَّرة فاذهب إلى قبر الرَّسول الأعظم صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ لتوديعه بعدما تغتسل وتلبس أطهر ثيابك وتزوره بما تقدَّم من زيارته ، فإذا فرغت من ذلك فقل في توديعه:-

ص: 426

السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ الله ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا البَشِيرُ النَّذِيرُ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا السِّرَاجُ المُنِيرُ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا السَّفِيرُ بَيْنَ الله وَبَيْنَ خَلْقِهِ ، أَشْهَدُ يَا رَسُولَ الله أَنَّكَ كُنْتَ نُورَاً في الأَصْلاَبِ الشَّامِخَةِ وَالأَرْحَامِ المُطَهَّرَةِ ، لَمْ تُنَجِّسْكَ الجَاهِلِيَّةُ بِأَنْجَاسِهَا وَلَمْ تُلْبِسْكَ مِنْ مُدْلَهِمَّاتِ ثِيَابِهَا ، وَأَشْهَدُ يَارَسُولَ الله أَنِّي مُؤمِنٌ بِكَ وَبِالأَئمَّةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ مُوقِنٌ بِجَمِيعِ ما أَتَيْتَ بِهِ راضٍ مُؤْمِنٌ بِكَ وبِالأئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ أَعْلاَمُ الهُدْىَ وَالعُرْوُةَ الوُثْقَى وَالحُجَّةُ عَلَى أهْلِ الدُّنْيَا ، اَللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلُهُ آخِرَ العَهْدِ مِنْ زِيَارَةِ نَبِّيكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ السَّلامُ ، وَإِنْ تَوَفَّيْتَنِي فَإِنِّي أَشْهَدُ في مَمَاتِي عَلَى مَا أَشْهَدُ عَلَيْهِ في حَيَاتِي أَنَّكَ أَنْتَ الله لاَ إِلَهَ إلاَّ أَنْتَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ ، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ ، وَأَنَّ الأَئمَّةَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ أَنْصَارُكَ وَحُجَجُكَ عَلَى خَلْقِكَ وَخُلَفَاؤُكَ في عِبَادِكَ وَأَعْلاَمُكَ في بِلاَدِكَ وَخُزَّانُ عِلْمِكَ وَحَفَظَةُ سِرِّكَ وَتَرَاجِمَةُ وَحْيكَ ، اَللَّهُمَّ َصلِّ عَلَى محمد وَآلِ محمد ، وَبَلِّغْ رُوحَ نَبِيِّكَ محمد في سَاعَتِي هَذِهِ وَفي كُلِّ سَاعَةٍ تَحِيَّةً مِنِّي وَسَلاَمَاً ، والسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ الله وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ لاَ جَعَلَهُ الله آخِرَ تَسْلِيمِي عَلَيْكَ.

وَدَاع أئمَّةِ البَقِيعِ عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ

قال الشّيخ الطُّوسي والسيِّد ابن طاووس إذا أردت أن تودِّعهم عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ فقل : -

اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ اَئِمَّةَ اْلهُدى وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ ، اَسْتَوْدِعُكُمُ الله

ص: 427

وَاَقْرَءُ عَلَيْكُمْ السَّلامَ ، أَمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَبِما جِئْتُمْ بِهِ وَدَلَلْتُمْ عَلَيْهِ ، اَللَّهُمَّ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشّاهِدينَ.

ثمَّ أكثر من الدُّعاء ، وسل الله العود ، وأن لا تكون هذه آخر عهدك من زيارتهم.

ثمَّ ادع لمن غيَّر وبدَّل ومحى الكثير من معالم بلدي الحرمين المقدَّسين الإسلاميَّة بالهداية لإرجاعها ، وعلى المعتدين المعاندين بالانتقام ، ونعم الحكم الله والزَّعيم محمَّد والموعد القيامة.

ص: 428

الخاتمة

هذا آخر ما أردنا بيانه وتحريره من بين ما كتب في هذا الموضوع - حجَّاً وعمرةً وأعمالاً واجبة ومستحبَّة ، ومنها ما ثبَّتناه في هذا الملحق الأخير ممَّا يتعلَّق بأعمال المدينة المنوَّرة كزيارة النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ والزَّهراء عَلَيْها اَلسَّلاَمُ وأئمَّة البقيع عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ ، وما يخصُّ ذلك من سنن وآداب - من قبل أعلامنا وأساتذتنا العِظام ( قُدِّس سرِّهم ) على ما يتناسب مع رأينا وتدقيقنا المتواضع وما مارسناه ونمارسه عمليا ممَّا حققَّناه من ذلك كله بتوفيق الله مع رجاء الرضا والقبول منه تعالى ورعاية صاحب العصر ( عج ) ، وكان هذا تلخيصاً لما لدينا من مفصَّلات حول هذه الأمور مع إضافة الاحتياطات المناسبة ، ليسهل تناول مهمَّاته لدى أكبر عدد ممكن على اختلاف طبقاتهم من طلاَّب الفقه والمتفقِّهين والحجُّاج الكرام.

وقد وقع الفراغ منه في الطبعة الأولى في ليلة السَّابع والعشرين من ذي القعدة الحرام لسنة 1418ه- المصادف لليلة السَّادس والعشرين من شهر آذار لسنة 1998م.

وقد وقع الفراغ منه في الطبعة الثانية هذه بعد نفاد النُّسخ القديمة وبعد التَّصحيحات والتَّدقيقات وشيء من الإضافات في 10 / ذي القعدة / 1425ه-

وَآخِرُ دَعْوَانَا أَن الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين

ص: 429

ص: 430

فهرس ما في الكتاب

كلمة النَّاشر.......... 5

المقدِّمة .......... 7

بعض مصطلحات لابدَّ منها .......... 8

معنى الحجِّ .......... 12

وجوب الحجِّ .......... 15

على أي نحو من العلم يجب القيام بالحجِّ .......... 15

حجَّة الإسلام وما يلحق بها .......... 16

مناسك الحجِّ لا جمود فيها.......... 18

فوائد الحجِّ .......... 19

الحجُّ من الواجبات المشروطة وليس كالصَّلاة .......... 22

شرائط الوجوب .......... 27

شروط الاستطاعة ومحقِّقات الأداء .......... 30

مسائل في الاستطاعة .......... 32

وقت حصول الاستطاعة .......... 39

لا يجب الاكتساب لتحصيل الاستطاعة .......... 40

قد تتحقَّق الاستطاعة بالبذل .......... 41

شبهة الاستطاعة .......... 44

ص: 431

حكم الحجِّ عند معارضته للزَّواج له ولأولاده .......... 45

حكم الحجِّ عند معارضته لدار السَّكن .......... 46

لزوم تنقية المال من الحقوق الشَّرعيَّة والدِّيون الأخرى .......... 47

عدم وجوب الحجِّ من أموال السُّحت والحرام بل ثبوت حرمته وعدم صحَّته.......... 49

الحجِّ الواجب بالنَّذر والعهد واليمين.......... 50

استحباب الوصيَّة قبل الحجِّ بل وجوبها في بعض الحالات .......... 54

مسائل ما يعم الوصاية وغيرها.......... 59

النِّيابة في الحجِّ ومسائلها.......... 61

الإجارة في الحجِّ ومسائلها.......... 66

موارد إنابة الحاجِّ المتواجد في البقاع المقدَّسة غيره لعدم قدرته .......... 69

قضاء الحجِّ.......... 75

اشتراط الطَّهارة في الحجِّ والعمرة ثابت في الجملة .......... 76

صورة الوضوء إجمالاً.......... 77

صورة الغُسل إجمالاً .......... 79

صورة التَّيمُّم إجمالاً .......... 82

فوارق الحجِّ عن بقيَّة العبادات أو بعضها .......... 84

ص: 432

أقسام الحجِّ باعتبار أنواعه .......... 88

المواقيت الزَّمانيَّة للحجِّ والعمرة المحدَّدة شرعاً.......... 90

علامات ثبوت هلال شهر ذي الحجَّة الحرام .......... 91

هل الحجُّ بلدي أم ميقاتي ؟.......... 92

المواقيت المكانيَّة الأصليَّة .......... 94

كيفيَّة النَّذر للإحرام قبل الميقات.......... 96

تعداد المواقيت الأصليَّة .......... 97

أحكام المواقيت .......... 101

خريطة المواقيت المكانيَّة رقم (1).......... 102

خريطة حدود الحرم الشَّريف رقم (2) .......... 103

المواضع المحترمة للمناسك وغيرها.......... 107

الحرم .......... 107

خريطة بيت الله الحرام رقم (3) .......... 110

الكعبة .......... 112

مقام إبراهيم علیه السلام ................................. 112

رسم توضيحي لمعالم الكعبة المشرَّفة رقم (4) .......... 113

زمزم .......... 114

الحجر الأسود ( الأسعد ) .......... 114

الحطيم .......... 115

الرُّكن اليماني .......... 116

ص: 433

المستجار .......... 116

داخل الكعبة الشَّريفة .......... 117

مستحبَّات دخول الحرم .......... 118

مستحبَّات دخول مكَّة المكرَّمة .......... 121

مستحبَّات دخول المسجد الحرام .......... 121

مستحبَّات دخول الكعبة المشرَّفة .......... 126

أفعال الحجِّ .......... 131

أركان الحجِّ .......... 132

الرُّكن الأوَّل نيَّة المحرم في أعمال حجِّه وعمرته .......... 133

الرُّكن الثَّاني الإحرام .......... 136

واجبات الإحرام .......... 139

مستحبَّات الإحرام للحجِّ والعمرة .......... 139

مكروهات الإحرام.......... 142

لباس المحرم .......... 144

صور الألفاظ المطلوبة في نوايا إحرام الحجِّ والعمرة .......... 147

التَّلبيات الأربع .......... 149

حالات تجديد التَّلبية .......... 151

من أحكام التَّلبيات .......... 152

الاشتراط على الله ............................... 157

متَّى يقلب الحج إلى نيَّة أخرى .......... 157

ص: 434

تروك الإحرام.......... 162

كفَّارات تروك الإحرام في مسائل .......... 182

كفَّارات الصَّيد البري .......... 183

كفَّارات صيد الطُّيور أو قتلها .......... 183

أحكام كفَّارة الصَّيد نوعاً .......... 185

كفَّارات مجامعة النِّساء وتقبيلهنَّ ولمسهنَّ والنَّظر إليهنَّ وملاعبتهنَّ .......... 186

كفَّارة عقد النِّكاح .......... 191

كفَّارة الشَّهادة على النِّكاح .......... 191

كفَّارة الاستمناء .......... 191

كفَّارة استعمال الطِّيب .......... 192

كفَّارة لبس المخيط .......... 193

كفَّارة لبس الخف والجورب .......... 193

كفَّارة الاكتحال .......... 193

كفَّارة النَّظر في المرآة .......... 194

كفَّارة الفسوق .......... 194

كفَّارة المجادلة ..................................... 194

كفَّارة قتل ما يتكوَّن على جسد الإنسان ........... 195

كفَّارة التَّزيين .......... 195

كفَّارة الإدِّهان .......... 196

ص: 435

كفَّارة إزالة الشَّعر عن البدن .......... 196

كفَّارة ستر الرَّأس للرِّجال .......... 197

كفَّارة ستر الوجه للنِّساء .......... 197

كفَّارة التَّظليل .......... 197

كفَّارة إخراج الدَّم من البدن .......... 198

كفَّارة تقليم الأظافر.......... 198

كفَّارة قلع السِّن .......... 198

كفَّارة لبس السِّلاح .......... 199

كفَّارة قلع شجر الحرم ونبته .......... 199

كفَّارات متنوِّعة .......... 200

تنبيه في مسألة .......... 202

موضع ذبح الكفَّارة الحيوانية ومصرفها .......... 202

الرُّكن الثَّالث الطَّواف .......... 204

فائدة يحسن ذكرها .......... 205

شروط الطَّواف - الأجزاء الخارجيَّة .......... 206

واجبات الطَّواف - الأجزاء الدَّاخليَّة .......... 218

التَّجاوز عن المطاف دخولاً أو خروجاً في مسائل .......... 220

مبدأ واتِّجاه الطواف خريطة رقم (5) .......... 221

النُّقصان في الطَّواف .......... 224

صور الزِّيادة في الطَّواف .......... 225

ص: 436

الشكِّ في عدد الأشواط .......... 226

مستحبَّات الطَّواف .......... 229

مكروهات الطَّواف .......... 233

صلاة الطَّواف .......... 234

شرائط صلاة الطَّواف مع كيفيتها .......... 235

أحكام صلاة الطَّواف .......... 239

مستحبَّات ركعتي الطَّواف .......... 240

الرُّكن الرَّابع السَّعي بين الصَّفا والمروة .......... 242

واجبات السَّعي .......... 243

الصَّفا والمروة خريطة رقم (6) .......... 245

أحكام السَّعي .......... 248

مستحبَّات السَّعي .......... 249

الرُّكن الخامس الوقوف في عرفات وأحكامه .......... 255

مصوَّر مشاعر الحاج رقم (7) .......... 258

الوقوف الاضطراري .......... 260

آداب الوقوف في عرفات .......... 260

دعاء الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في يوم عرفة .......... 264

زيارة الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في يوم عرفة .......... 283

الرُّكن السَّادس الوقوف في المزدلفة (المشعر الحرام).......... 290

مسائل حول الوقوف الاضطراري .......... 292

ص: 437

إدراك الوقوفين أو أحدهما .......... 293

تنبيه مهم .......... 295

مستحبَّات الوقوف بالمشعر الحرام .......... 297

موقع جمع الحصى وبعض أحكامه .......... 301

ما يستحبُّ فعله عند جمع الحصيِّات .......... 302

منى وواجباتها .......... 303

رمي جمرة العقبة يوم العيد .......... 305

الجمرة الكبرى ( جمرة العقبة ) خريطة رقم (8) .......... 308

تنبيهٌ مهم .......... 310

مستحبَّات رمي الجمرات .......... 310

الذَّبح أو النَّحر في منى يوم العيد .......... 312

الهدي وواجباته الخاصَّة .......... 314

مصرف الهدي .......... 321

مستحبَّات الهدي .......... 322

الحلق أو التَّقصير .......... 323

واجبات الحلق أو التَّقصير .......... 324

من مسائل التَّقصير في عمرة التَّمتُّع .......... 326

من مسائل الحلق في الحجِّ بأقسامه .......... 327

من مسائل ما يعم الحلق أو التَّقصير .......... 328

مستحبَّات الحلق أو التَّقصير .......... 329

ص: 438

مستحبَّات يوم العيد .......... 330

فوارق الأضحية عن الهدي .......... 333

زيارة الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في يوم العيد .......... 334

الرجوع إلى مكَّة مؤقتاً لأداء واجباتها .......... 340

طواف الحج وصلاته والسَّعي .......... 341

طواف النِّساء وصلاته .......... 342

أيَّام التَّشريق وخواصِّها .......... 344

المبيت في منى .......... 346

أسباب وجوب المبيت ليلة الثَّالث عشر .......... 346

مسائل حول عموم المبيت في منى .......... 347

رمي الجمار الثَّلاثة في اليوم الأوَّل والثَّاني من أيَّام التَّشريق وفي الثَّالث على شرط .......... 349

مستحبَّات وأعمال منى المندوبة .......... 351

العودة الكاملة إلى مكَّة المكرَّمة ....................353

مستحبَّات أعمال مكَّة المكرَّمة عند العودةالأخيرة .......... 354

خارطة مقبرة الحجون خريطة رقم ( 10 ) .......... 356

كيفيَّات الحجِّ عموماً .......... 359

كيفيَّة حجِّ التَّمتُّع .......... 362

كيفيَّة حجِّ الإفراد .......... 366

كيفيَّة حجِّ القِران .................................368

ص: 439

العمرة المفردة وأحكامها .......... 369

مواقيت العمرة المفردة .......... 372

مستحبَّات الوداع لمكَّة المكرَّمة وللكعبة الشَّريفة والخروج منها .......... 374

كيفيَّة وداع الحائض والنَّفساء والمستحاضة .......... 377

أحكام المصدود .......... 377

أحكام المحصور .......... 378

مختصر زيارات النَّبي 2 والزَّهراء وأئمَّة البقيع عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ وملحقاته .......... 380

المقدِّمة .......... 385

تنبيه لابدَّ منه .......... 386

حدود حرم المدينة المنوَّرة .......... 392

مستحبَّات دخول المدينة المنوَّرة .......... 393

الغُسل حين دخول المدينة .......... 393

مخطط مدفن الرَّسول 2 خريطة رقم (11) .......... 394

مخطط مقبرة البقيع خريطة رقم (12) .......... 395

الدُّعاء حين الغُسل .......... 396

الدُّعاء بعد الغُسل .......... 396

الدُّخول على سكينة ووقار .......... 396

ص: 440

زيارة خاتم النَّبيِّين الرَّسول الأعظم 2 .......... 397

الدُّعاء بعد زيارة النَّبي 2 .......... 400

الصَّلاة في مسجد الرَّسول الأعظم 2 .......... 402

الابتهال والدُّعاء عند الرَّوضة الشَّريفة .......... 403

الصَّلاة في مقام النَّبي 2.......... 404

الصَّلاة إلى جانب قبر النَّبي 2 .......... 404

الصَّلاة عند اسطوانة أبي لبابة .......... 406

الصَّوم في المدينة المنوَّرة لقضاء الحاجة .......... 406

الاعتكاف في المسجد النَّبوي .......... 407

زيارة فاطمة الزَّهراء سلام الله علیها .......... 407

دعاء ما بعد زيارة الصدِّيقة سلام الله علیها................... 409

التَّبرُّك بمنبر الرَّسول 2.......... 410

الصَّلاة في مقام جبرائيل علیه السلام .......... 411

زيارة أئمَّة البقيع علیهم السلام.......... 412

زيارة إبراهيم بن رسول الله 2.......... 415

زيارة فاطمة بنت أسد(رضوان الله عليها) ......... 416

زيارة أم البنين (رضوان الله عليها) .......... 418

إتيان المساجد والمشاهد المشرَّفة حول المدينة المنوَّرة .......... 419

مسجد قبا .......... 420

مسجد الفضيخ .......... 421

ص: 441

مشربة أم إبراهيم .......... 421

زيارة مساجد ومشاهد أُحد .......... 421

زيارة الحمزة بن عبد المطلب (رض) .......... 421

زيارة قبور الشُّهداء (رض) .......... 424

إتيان مسجد الأحزاب .......... 425

زيارة بقيَّة المساجد .......... 426

وداع النَّبي 2.......... 426

وداع أئمَّة البقيع علیهم السلام .......... 427

الخاتمة .......... 429

فهرس ما في الكتاب.......... 430

ص: 442

ص: 443

تنبيهٌ مهم

يرجى من أعزَّائنا المؤمنين ممَّن لديهم الطَّبعة الأولى من كتابنا هذا أن يراجعوا هذه الطَّبعة الثَّانية لإفراغ الذِّمَّة والله الموفِّق

ص: 444

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.