ملامح المذهب الاقتصادي الإسلامي في عهد الإمام علي (علیه السلام) إلى مالك الأشتر (رضي الله عنه)

هوية الکتاب

ملامح المذهب الاقتصادي الإسلامي في عهد الإمام علي (علیه السلام) إلى مالك الأشتر (رضي الله عنه)

کربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

العتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1438 ه - 2017 م العراق - كربلاء المقدسة

تأليف الأستاذ المساعد الدكتور طالب حسین فارس، تقديم السيد نبيل الحسني الكربلائي

ص: 1

اشارة

ISBN 978-9933 - 582 - 18-0 رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 9789933582180 مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda.

رقم تصنيف BP39.5 .F3 2017 :LC. المؤلف الشخصي: فارس، طالب حسین. العنوان: ملامح المذهب الاقتصادي الإسلامي في عهد الإمام علي (علیه السلام) إلى مالك الأشتر (رضي الله عنه). بیان المسؤولية: تأليف الأستاذ المساعد الدكتور طالب حسین فارس، تقديم السيد نبيل الحسني الكربلائي. بيانات الطبعة: الطبعة الأولى. بيانات النشر: کربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

1438 ه = 2017 م.

الوصف المادي: 99 صفحة. سلسلة النشر: دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) - وحدة العلوم الاقتصادية؛ 1 - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

تبصرة عامة: تبصرة ببيلوغرافية: يتضمن هوامش - لائحة المصادر (الصفحات 95-98). تبصرة محتويات: موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين بن موسی، 359 - 406 هجرياً - نهج البلاغة، عهد مالك الأشتر. موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجرياً - أحاديث. موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجرياً - رسائل. موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجرياً - نظريته في الاقتصاد. موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجرياً - العدالة. مصطلح موضوعي: الإسلام والدولة. مصطلح موضوعي: الشيعة والدولة. مصطلح موضوعي: الاقتصاد الإسلامي. مؤلف إضافي: الحسني، نبيل قدوري حسن، 1965 م، مقدم. مؤلف إضافي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين بن موسی، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. عهد مالك الأشتر. عنوان إضافي: نهج البلاغة. عهد مالك الأشتر.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 2

سلسلة دراسات في عهد الإمام على (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) (1) وحدة العلوم الاقتصادية ملامح المذهب الاقتصادي الإسلامي في عهد الإمام علي (علیه السلام) إلى مالك الأشتر (رضي الله عنه) تأليف أ. م. د. طالب حسین فارس

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة العتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1438 ه - 2017 م العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع الألكتروني:

www.inahj.org الإيميل:

Inahj.org@gmail.com تنويه: إن الأفكار والآراء المذكورة في هذا الكتاب تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة:

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:

فإن من أبرز الحقائق التي ارتبطت بالعترة النبوية هي حقيقة الملازمة بين النص القرآني والنص النبوي ونصوص الأئمة المعصومين (عليهم السلام أجمعين).

وإنّ خير ما يُرجع إليه في المصادیق لَحديث الثقلين «كتاب الله وعترتي أهل بيتي» هو صلاحية النص القرآني لكل الأزمنة متلازماً مع صلاحيّة النصوص الشريفة للعترة النبوية لكل الأزمنة.

ص: 5

وما كتاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) لمالك الأشتر (عليه الرحمة والرضوان) إلا أنموذجاً واحداً من بين المئات التي زخرت بها المكتبة الإسلامية والتي اكتنزت في متونها الكثير من الحقول المعرفية مظهرة بذلك احتياج الإنسان إلى نصوص الثقلين في كل الأزمنة.

من هنا:

ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تخصص حقلاً معرفياً ضمن نتاجها المعرفي التخصصي في حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفكره، متّخذة من عهده الشريف إلى مالك الأشتر (رحمه الله) مادة خصبة للعلوم الإنسانية التي هي أشرف العلوم ومدار بناء الإنسان وإصلاح متعلقاته الحياتية وذلك ضمن سلسلة بحثية علمية والموسومة ب (سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله)، التي ستصدر بإذن الله تباعاً، حرصاً منها على إثراء المكتبة الإسلامية والمكتبة الإنسانية

ص: 6

بتلك الدراسات العلمية والتي تهدف إلى بيان أثر هذه النصوص في بناء الإنسان والمجتمع والدولة متلازمة مع هدف القرآن الكريم في إقامة نظام الحياة الآمنة والمفعمة بالخير والعطاء والعيش بحرية وكرامة.

والبحث الموسوم ب (ملامح المذهب الاقتصادي الإسلامي في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضوان الله عليه)) واحد من الدراسات الاقتصادية التي انطلق الباحث فيها من فرضية أساسية يقوم عليها العهد بوصفه مادة علمية غنية بالمفردات النظرية اللازمة لتوصيف الملامح الأساسية للمذهب الاقتصادي الإسلامي؛ لما تميز به من شمول و تکامل في بناء استراتيجة المذهبية الإسلامية الشاملة لصيرورة المجتمع الصالح وتكامله اقتصادياً وتنموياً.

فجزى الله الباحث كل خير فقد بذل جهده وعلى الله أجره.

السيد نبيل الحسني الكربلائي رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 7

ص: 8

المقدمة:

تتزايد الحاجة في كل يوم إلى معرفة أدق وأعمق وأصدق للصورة النظرية الكاملة للمذهب الاقتصادي الإسلامي ومن منابعه الأصيلة والأساسية والمتمثلة بالنصوص الإسلامية الأم (الكتاب والسنة)، ثم النصوص الصادرة في ضوئهما کالنصوص الواردة عن الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة، ومن أشمل النصوص للصورة الإسلامية عن المذهب الاقتصادي الإسلامي التي وردت في نهج البلاغة عهد الإمام علي عليه السلام إلى مالك بن الحارث الأشتر رضوان الله عليه واليه

ص: 9

على مصر، فقد احتوى العهد على ملامح لصورة متكاملة للمذهبية الإسلامية في أبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية والعقائدية وغيرها، وقد صبّت في قالب واحد متكامل يعبّر عن المخطط الإسلامي العام لبناء المجتمع الصالح، على أسس الرؤية الكونية الإسلامية والغايات العليا التي تعبر عنها ونظرية العدالة المتولدة منها، ومن أهم ميزات صورة المذهب الاقتصادي الإسلامي التي تضمنها العهد هي:

أولا: حالة الترابط بين البعد النظري والعملي في صورة واحدة مما يجعل العهد عينة مثالية للنصوص التي تصلح أن تكون مادة متكاملة لاستخلاص المفردات النظرية التي تبني منها عناصر المذهب الاقتصادي الإسلامي.

ثانياً: كما أن هنالك ميزة أخرى هي السياق الترابطي بين البعد الاقتصادي مع الأبعاد الأخرى

ص: 10

مما يسمح لعملية البحث العلمي ممارسة استخلاص الصورة النظرية في عملية تجريد نظري غنية بالجذور المرتبطة بالموضوع قيد البحث، وفي ذات الوقت تعطي مرونة التعامل حلقاتُ الترابط الضرورية بحكم طبيعة الموضوع وغايات البحث وأهدافه.

مشكلة البحث:

يمكن صياغة مشكلة البحث بالتساؤل العلمي التالي: ما هي ملامح المذهب الاقتصادي الإسلامي في عهد الامام علي عليه السلام إلى مالك بن الحارث الأشتر رضوان الله عليه واليه على مصر ذلك النص الإسلامي الذي تميز بخصائص المادة العلمية الغنية بالمفردات النظرية اللازمة لتوصيف الملامح الاساسية للمذهب الاقتصادي الإسلامي.

فرضية البحث:

ينطلق البحث من فرضية أساسية تتمثل بعهد الامام علي عليه السلام إلى مالك بن الحارث الأشتر

ص: 11

رضوان الله عليه واليه على مصر هو مادة علمية غنية بالمفردات النظرية اللازمة لتوصيف الملامح الأساسية للمذهب الاقتصادي الإسلامي لما تميز به من شمول و تکامل في بناء استراتيجية المذهبية الإسلامية الشاملة في بناء المجتمع الصالح.

هدف البحث:

يهدف البحث إلى استخلاص توصيف نظري لملامح المذهب الاقتصادي الإسلامي کما يقدمها عهد الامام علي عليه السلام إلى مالك بن الحارث الأشتر رضون الله عليه واليه على مصر بوصفه نصاً إسلامياً غنياً بملامح هذه الصورة، للوصول أفضل صياغة علمية في توظيف النص قيد البحث في إغناء الرصيد العلمي المتنامي في مجال المذهب الاقتصادي الإسلامي.

ص: 12

منهجية البحث:

يعتمد البحث المنهج التكاملي في البحث العلمي الذي يجمع بين الاستنباط والاستقراء عبر تحليل موضوعي للنص في سياق استقراء المفردات النظرية المستهدفة وتوحيدها في دائرة الموضوع قيد البحث، ثم نظم المفردات المستخلصة في قالب نظري واحد يمثل الصورة النظرية المستهدفة للمذهب الاقتصادي الإسلامي.

هيكل البحث:

وفقا لمتطلبات الإجابة عن الأسئلة التي تطرحها مشكلة البحث، والبرهنة على فرضية البحث تم تقسيم هيكل البحث على ثلاثة مباحث؛ اختص الأول بالإطار المنهجي لتوظيف النصوص في البحث العلمي في الفكر الاقتصادي الإسلامي، فيما تناول الثاني متضمنات العهد من المفردات البنائية لنظرية العدالة والفلسفة العامة للمذهب الاقتصادي

ص: 13

الإسلامي، ثم المبحث الثالث متضمنات العهد من مفردات الهیکل النظری للمذهب الاقتصادي الإسلامي.

ص: 14

المبحث الأول الإطار المنهجي لتوظيف النصوص في البحث العلمي في الفكر الاقتصادي الإسلامي

ص: 15

ص: 16

تمهيد:

في هذا المبحث سنتناول منهجية توظيف النصوص في البحث العلمي في الفكر الاقتصادي الإسلامي من زاوية استكشاف إطار التحليل الملائم لتوظيف مضامين النص قيد البحث في التوصل إلى استخلاص توصيف نظري لملامح المذهب الاقتصادي الإسلامي كما يقدمها عهد الامام علي عليه السلام إلى مالك بن الحارث الأشتر رضوان الله عليه واليه على مصر بوصفه نصّاً إسلامياً غنياً بملامح هذه الصورة، للوصول إلى أفضل صياغة علمية في توظيف النص قيد البحث في إغناء الرصيد العلمي المتنامي في مجال المذهب الاقتصادي الإسلامي.

ص: 17

أولا: الأهمية العلمية لنصوص عهد الإمام علي (عليه السلام) إلى مالك الأشتر (رضي الله عنه) واليه على مصر:

عهد الإمام علي عليه السلام إلى مالك الأشتر رضوان الله عليه هو العنوان الذي اشتهر لرسالة الإمام علي عليه السلام إلى الصحابي مالك الأشتر رضوان الله عليه عندما ولاه حكم مصر، وقد حظيت هذه الرسالة باهتمام الرواة وأهل التواریخ والسير إلى الحد الذي يجعلها غنية عن ذكر السند(1) وبحث قوته او ضعفه، وقد استمر الاهتمام بها في كل مراحل تطور الفكر الإسلامي وصولاً إلى الفكر الحديث والمعاصر فقد تناولتها أقلام العلماء

ص: 18


1- ناصر مکارم الشيرازي، نفحات الولاية، شرح عصري جامع لنهج البلاغة، منشورات مدرسة الامام علي «ع: قم - ایران، ج 10، 1426 ه، ص 279 - 280. كذلك انظر: محمد باقر الناصري، مع الامام علي «ع» في عهده إلى مالك الأشتر، دار التعارف للمطبوعات، بیروت - لبنان، ط 2، 1985، ص 5 - 8

والباحثين بالشرح والتحليل حتى تكوّن في الرصيد المعرفي الإسلامي المقدار الكبير والمتنامي من الفهم العلمي لمضامين نصوص العهد، ومحاولات توظيف دلالات هذا الفهم في تقديم مقاربات متجدده لحقائق الإسلام ورؤيته في الموضوعات المختلفه وخصوصاً في الموضوعات المتعلقة بالدولة ووظائفها الاجتماعية والاقتصادية، وتزداد أهمية العهد مع تزايد الحاجة إلى النصوص التي تخدم تجديد الفكر الإسلامي في هذه الأبعاد المختلفه.

في ضوء ذلك جاءت القيمة العلمية الكبيرة التي يحظى بها عهد الامام علي عليه السلام إلى مالك بن الحارث الأشتر رضوان الله عليه واليه على مصر بوصفه نصّاً إسلامياً غنياً بملامح الصورة النظرية الكاملة للمذهبية الإسلامية ومن منابعها الأصيلة والأساسية والمتمثلة بالنصوص الإسلامية الأم (الكتاب والسنة) ثم النصوص الصادرة في ضوئهما

ص: 19

مثل النصوص الواردة عن الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة، ومن أشمل النصوص للصورة الإسلامية عن المذهب الاقتصادي الإسلامي التي وردت في نهج البلاغة هو عهد الامام علي عليه السلام إلى مالك بن الحارث الأشتر رضوان الله عليه واليه على مصر، فقد احتوى العهد على ملامح الصورة المتكاملة للمذهبية الإسلامية في أبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية والعقائدية وغيرها، وقد صبّت في قالب واحد متكامل يعبّر عن المخطط الإسلامي العام لبناء المجتمع الصالح، على أسس الرؤية الكونية الإسلامية والغايات العليا تعبّر عنها ونظرية العدالة المتولدة منها، ومن أهم ميزات صورة المذهب الاقتصادي الإسلامي التي تضمنها العهد هي أولا: حالة الترابط بين البعد النظري والعملي في صورة واحدة مما يجعل العهد عينة مثالية للنصوص التي تصلح أن تكون مادة متكاملة لاستخلاص المفردات

ص: 20

النظرية التي تبني منها عناصر المذهب الاقتصادي الإسلامي، ثانياً: كما أن هنالك ميزة أخرى هي السياق الترابطي بين البعد الاقتصادي مع الأبعاد الأخرى مما يسمح لعملية البحث العلمي ممارسة استخلاص الصورة النظرية في عملية تجريد نظري غنية بالجذور المرتبطة بالموضوع قيد البحث وفي ذات الوقت تعطي مرونة التعامل حلقات الترابط الضرورية بحكم طبيعة الموضوع وغايات البحث وأهدافه.

ثانيا: مؤشرات صورة الاقتصاد الإسلامي في النصوص الإسلامية.

تتضمن النصوص الإسلامية مجموعة من المؤشرات الأساسية الدالة على ملامح الصورة الكاملة للاقتصاد الإسلامي وهي تمثل مداخل لتصنيف مضامين النص المدروس وتبويب دلالاتها بما يخدم عملية توظيف متضمنات النص

ص: 21

لاستكشاف ما يكتنزه من مفردات الصورة النظرية لحقائق الفكر الاقتصادي الإسلامي.

ومن أهم هذه المؤشرات التالي(1):

(1) إتجاه روح التشريع:

مثل إتجاه روح التشريع المؤشر المهم من بين المؤشرات الأساسية الدالة على ملامح الصورة الكاملة للاقتصاد الإسلامي وهو يعني: أن يقدّم لنا النص ما تتضمنه الشريعة من أحكام تتجة بطبيعتها نحو هدف مشترك، يؤكد عليه الشارع كونه يعبر عن فلسفة التشريع التي تنعكس في فلسفة المذهب الاقتصادي الإسلامي، وإنّ هذا الهدف يعد مؤشرا

ص: 22


1- الصدر، محمد باقر، خطوط تفصيلية عن اقتصاد المجتمع الإسلامي - ضمن مجموعة الإسلام يقود الحياة، منشورات مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر (قدس سره)، تحقيق لجنة التحقيق للمؤتمر العالمى للإمام الشهيد الصدر (قدس سره)، ط 1، مطبعة شريعة قم، طهران إيران، 2001 م. ص 45

ثابتا، لأجل الحفاظ عليه لابد من صياغة جملة من العناصر المتحركة وفي حدود صلاحيات سلطة التشريع، وبما يحقق هذا الهدف التشريعي، ومن الشواهد على ذلك النصوص التي تناولت حرمة الرِّبا التي تعد من العناصر الثابتة في الاقتصاد الإسلامي التي تضمنت هدف مشترك تمثل بعدم سماح الإسلام لرأس المال النقدي، بالحصول على العائد المضمون في النشاط الاستثماري.

ومن أمثلة ذلك أيضا النصوص التي عبّرت عن موقف الإسلام السلبي من ظاهرة (الحمي) أي اكتساب الحق في مصدر طبيعي على أساس الحيازة ومجرد السيطرة - بدون أحياء - استنادا إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«لا حمي إلا الله ولرسوله»(1).

ص: 23


1- أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، فتح الباري في شرح صحيح البخاري، دار الفکر بیروت ج 5 ص 44

فلا يكتسب حق خاص في مصادر الثروة بدون عمل، أي ما فيه (منفعة بلا نفقة)(1).

ومثال آخر، هو اتجاه النصوص في مسألة رفع اليد عن المصدر الطبيعي (مثل الأرض) بعد تعطل النشاط الاستثماري وضرورة أعادة استثماره بشكل أمثل کما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«عادي الأرض لله ولرسوله ثم لكم من بعد فمن أحيا أرضاً ميتة فهي له وليس لمحتجز حق بعد ثلاث»(2).

ذلك لأن (التحجير لا يفضي للملكية إنما الإحياء الفعلي هو الذي يمنح الشخص هذا الحق)(3).

ص: 24


1- أبو عبد الله محمد ابن إدريس الشافعي الأم دار المعرفة بیروت ط 2 1973 ج 4 ص 42
2- يعقوب ابن إبراهيم، أبو يوسف الخراج، دار المعرفة للنشر والطباعة، بیروت، لبنان 1979 ص 65
3- فالح حسين تطور ملكية الأراضي وأصنافها في العصر الأموي دون ذكر أي معلومات أخرى ص 15

(2) الهدف المنصوص لحكم ثابت:

يقصد بهذا المؤشر إن النص قد يكشف عن الهدف المحدد لحكم معين في التشريع الإسلامي لذلك يكون هذا الهدف بمثابة دالة في ملء الجانب المتحرك في المذهب الاقتصادي الإسلامي، وعلى وفق صيغ تشريعية ملائمة، وهو من وظائف الدولة، بقيد الظروف والشروط الموضوعية للمرحلة الإقتصادية . ومثال ذلك النص القرآني الآتي:

«مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ»(1).

والنص القرآني يكتنز إشارة إلى هدف أساس، يجب أن توجه الدولة مصارف الفيء لتحقيقه والمتمثل بالتوازن الاجتماعي أي عدم تركز المال

ص: 25


1- سورة الحشر، آية 7

بید طبقة محدودة (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منکم)(1) لذا يعد هذا الهدف مؤشرا ثابتا للعناصر المتحركة، وخصوصا ما يتعلق بإشباع الحاجات المشروعة للمجتمع، وبما يكفل التوازن الاجتماعي فيه(2).

(3) القيم الاجتماعية التي أكد الإسلام على الاهتمام بها:

تعد القيم من عناصر المذهبية الإسلامية الأصيلة بحكم طبيعة الرؤية الكونية الإسلامية لذلك تقدم النصوص الإسلامية منظومة القيم التي يريد الإسلام تشييد بنائه الاجتماعي على أساسها، مثل المساواة والأخوة والعدالة والقسط وغيرها، وهي مصدرٌ أساس لاستنباط صيغ تشريعية، تفي

ص: 26


1- سورة النور، آیة 33
2- أنظر د. محمد شوقي الفنجري، الإسلام وعدالة التوزيع الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، ط 1، 1982، ص 5 - 6

بمتطلبات تطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وتمكن الدولة من ملء منطقة الفراغ في المذهب الاقتصادي الإسلامي ووفق الأهداف العامة له.

(4) إتجاه العناصر المتحركة في عصر الرسالة:

في ضوء الحالة الاقتصادية لمجتمع الرسالة أو العصر الإسلامي الأول، تعد الإجراءات والمواقف من مفردات الحياة الاقتصادية، التي أمر بها الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) بصفته ولي الأمر الذي يؤدي وظيفة بملء منطقة الفراغ، في حدود ظروف المرحلة، ويعد هذا المنهج النبوي في مليء منطقة الفراغ هو النموذج الأكمل والتام، وكذلك يعد من المؤشرات العامة التي تصاغ في ضوئها أحكام منطقة الفراغ في أي مرحلة زمنية من قبل الدولة الإسلامية، ومن أمثلة ذلك، ما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من النهي عن أحتکار موارد مثل الماء والكلأ، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام

ص: 27

أنه قال:

«قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين أهل المدينة في مشارب النخل. انه لا يمنع فضل ماء أو كلأ»(1).

28 وهذا النهي عن تحريم ممارسة الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم) بوصفه ولي الأمر نظراً لحاجة مجتمع المدينة إلى الثروة الزراعية والحيوانية التي تمثل مصادر الحاجات الأساسية في الاقتصاد في تلك المرحلة.

(5) الأهداف التي حددت للدولة في الإسلام:

تعد الأهداف العامة للمذهب الاقتصادي الإسلامي والأهداف المحددة للدولة الإسلامية من المؤشرات الأساسية في استخلاص العناصر المتحركة

ص: 28


1- محمد بن الحسن، الحر العاملي، وسائل الشيعة ج 2، المكتبة الإسلامية، طهران، ط 1، 1483 ه ص 420

ومن أهم هذا الاهداف التوازن الاقتصادي والضمان الاجتماعي، والأهداف العامة للمذهب الاقتصادي الإسلامي.

(6) المفاهيم الأساسية:

تؤدي المفاهيم دورا كبيرا في تحديد الموقف من المقولات المذهبية في الإسلام، مثلا مفهوم الإسلام عن الملكية يرتبط بمفهوم الاستخلاف الاجتماعي والفردي، أذ عَدّ الإسلام الملكية الخاصة أسلوباً يحقق ضمنه الفرد متطلبات الخلافة، من استثمار المال وحمايته وإنفاقه في مصالح الفرد والجماعة، ومن ثم يتحدد مفهوم الملكية بكونها عملية يمارسها الفرد لحساب الجماعة ولحسابه ضمن الجماعة(1) فهذا

ص: 29


1- الصدر، محمد باقر، اقتصادنا، منشورات مرکز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر (قدس سره)، تحقيق لجنة التحقيق للمؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر (قدس سره)، ط 1، مطبعة شريعة قم، 2004 م. ص 439

المفهوم يقوم بدور الإشعاع على بعض الأحکام، ويساندها في إصدار الموقف المذهبي من مقولة الملكية، وكذلك الحرية الاقتصادية.

لذلك تعد المفاهيم القاعدة التي ترتكز عليها العناصر المرنة في المذهب الإقتصادي الإسلامي، والأضواء الكاشفة عن نوعية التشريعات الإقتصادية الملائمة لملء منطقة الفراغ(1).

ثالثاً: النص ومنهجية التنظير في الاقتصاد الإسلامي.

تعتمد منهجية التنظير في الاقتصاد الإسلامي على النص بوصفه المادة الأساسية التي تعمل المنهجية على تحليلها والكشف عن ما تتضمنه من المفردات النظرية الداخلة في تكون صورة المذهب

ص: 30


1- محمد علي التسخيري، خمسون درساً في الاقتصاد الإسلامي، المشرق للنشر، طهران، إيران، ط 3، 2003، ص 199

الاقتصادي الإسلامي، وتتخذ هذه المنهجية مساراً خاصاً في التحليل واستخراج المفردات وبناء المركبات النظرية، ووفقا لحركة تطور الفكر الاقتصادي الإسلامي فقد مرَّت هذه المنهجية بمراحل تطور عدّة وواجهت إشكاليات مختلفة، وهنا وفي حدود هذا البحث نركز على الصورة المشتركة التكاملية لأبرز المساهمات العلمية في بناء منهجية التنظير في الاقتصاد الإسلامي، وعلى وفق سياق النقاط التالية:

1- التعامل مع النص بوصفه مصدراً مباشراً للمفردات النظرية للمذهب الاقتصادي الإسلامي: وعلى وفق هذا المنهج يتم استنباط جوانب المذهب الاقتصادي الإسلامي من النص الإسلامي الذي يصرح بها بشكل مباشر، منفردا أو بضم مجموعة أخرى من النصوص تشترك بذات الدلالات التي تخدم الافصاح المباشر عن ذلك الجانب أو بعض

ص: 31

مفرداته، ثم تجري عملية جمع النتائج وتنسيقها وإعادة صياغتها بشكل يتلائم مع حاجات البناء النظري للمذهب الاقتصادي الإسلامي(1).

2- التعامل مع النص بناء علوي للمفردات النظرية للمذهب الاقتصادي الإسلامي: في هذا المنهج يتم استنباط جوانب المذهب الاقتصادي الإسلامي من النص الإسلامي الذي لا يصرح بها بشكل مباشر، عبر توظيف النص بوصفه بناءً علوياً يرتكز على المذهب الاقتصادي ويستمد منه اتجاهاته، لذلك يكون من الممكن اكتشاف ملامح المذهب من خلال الدلالة النظرية التي تقدمها النصوص التي تمثل البناء العلوي، مثل النصوص التي تضمنت الأحكام التي نظم بها الإسلام العقود والحقوق أو ما يعرف بالقانون المدني الإسلامي

ص: 32


1- محمد باقر الصدر، إقتصادنا، مصدر سابق، ص 433

وكذلك الحال بالنسبة للنظام المالي الإسلامي(1).

3- التركيب بين المفردات المستنبطة للوصول للقاعدة العامة: بعد أن يتم اكتشاف المفردات النظرية للمذهب من خلال تحليل البناء العلوي، تأتي عملية التركيب بين المفردات المستنبطة لتكوين القاعدة العامة عبر الربط بين القواعد العامة ذات الموضوع الواحد تنتج النظرية التي تمثل أحد مفاصل الهيكل النظري للمذهب مثل نظرية الإنتاج أو التوزيع أو القيمة الخ(2).

4- التميز بين المفاهيم والاحكام في مضامين النص: المفهوم بوصفه تصور أسلامي يفسر ظاهرة کونية أو تشريعية أو اجتماعية على وفق الفلسفة العامة للمذهبية الإسلامية، يكون لهذه المفاهيم

ص: 33


1- محمد باقر الصدر، إقتصادنا، مصدر سابق، ص 433 - 436
2- محمد باقر الصدر، إقتصادنا، مصدر سابق، ص 438

وظيفة بنائية في عملية تكوين القواعد العامة للنظريات المذهبية، وتساهم المفاهيم في أضاءة مسار اشتقاق المفردات النظرية من نصوص الأحكام بوصفها أبنيةً علويةً للمذهب(1).

5- الموضوعية كشرط ضروري لنجاح المنهج: الموضوعية في عملية اكتشاف المذهب من النص تعني نفي الذاتية من خلال تجنب ظواهرها الأساسية وهي توظيف النص لتبرير واقع معين، ومحاولة دمج النص الإسلامي في إطار فكري مغاير، أو تجريد النص من ظروفه وشروطه، أو اتخاذ موقف معين بصورة مسبقة تجاه النص(2).

6- تجنب خداع الواقع التطبيقي: أن النصوص

ص: 34


1- محمد باقر الصدر، إقتصادنا، مصدر سابق، ص 439 - 441
2- محمد باقر الصدر، إقتصادنا، مصدر سابق، ص 441 - 446

التي تحاكي نموذج تطبيقي سليم للمذهب الاقتصادي الإسلامي مثل النموذج التطبيقي لعصر النبوة والنموذج التطبيقي في عهد الامام علي ع، هذه النصوص لها قيمة كبيرة في بيان صورة الاقتصاد الإسلامي بشرط ملاحظة خصوصية الواقع التطبيقي في كل مرحلة تاريخية وموقف النص من هذه الخصوصية لتجنب الوقوع في خداع الواقع التطبيقي اثناء عملية الاكتشاف(1).

النص والديناميكية في المذهب الاقتصادي الإسلامي.

يطلق مصطلح منطقة الفراغ على الجانب التشريعي المتغير والمرن الذي يعطي ديناميكية الاستجابة للواقع المتغير، ووفقا للاصول التشريعية فأن ولي الأمر (الدولة) تؤدي وظيفة تحديد الأحكام

ص: 35


1- محمد باقر الصدر، إقتصادنا، مصدر سابق، ص 468 - 470

التي تحقق متطلبات الأهداف العامة للإقتصاد الإسلامي ومقتضياتها في كل زمان(1).

هذه المرونة التي يتمتع بها المذهب الإقتصادي في الإسلام، تجعله يستطيع أن يتكيف مع تطورات الحياة الإقتصادية، ويلائم الطبيعة الديناميكية للظروف الموضوعية في الحياة الإقتصادية.

ويكون الجانب الثابت من عناصر المذهب الاقتصادي الإسلامي بمثابة مؤشرات عامة تعتمد كأساس لتحديد العناصر المرنة والمتحركة التي تتطلبها طبيعة المرحلة الاقتصادية ومقتضياتها وعملية استنباط العناصر المتحركة من المؤشرات الإسلامية العامة تتطلب منهجية محددة لاستنباطها من النص وعلى وفق الآتي(2):

ص: 36


1- د. جعفر عباسي حاجي، المذهب الإقتصادي في الإسلام، الكويت، مكتبة الألفين، ط 1، 1987، ص 191
2- محمد باقر الصدر، الإسلام يقود الحياة، المصدر السابق ، ص 45 - 55

(1) تحديد العناصر الثابتة والوقوف على مؤشراتها العامة.

(2) استیعاب طبيعة المرحلة التاريخية ووقاعها وشروطها الإقتصادية، وتحديد الأهداف التي تحددها المؤشرات العامة ووسائل تحقيقها.

(3) صياغة التشريعات المتعلقة بتلك العناصر المتحركة، وفي حدود الصلاحيات التشريعية للدولة الإسلامية.

ص: 37

ص: 38

المبحث الثاني متضمنات العهد من المفردات البنائية النظرية العدالة والفلسفة العامة للمذهب الاقتصادي الإسلامي

ص: 39

ص: 40

أولا: الرؤية الكونية.

بوصف أن الرؤية الكونية هي التفسير الذي يؤمن به المجتمع للكون والحياة؛ وفي ضوئها تتحدد الإجابات عن الأسئلة المركزية في موضوع الغايات العليا للنشاط الحياتي ويتحدد مفهوم المثل العليا ونوع علاقة الإنسان بها بوصفه الفردي أو الاجتماعي، كما يتحدد في ضوئها علاقة الإنسان مع بني نوعه وكذلك مع المفردات المكونة للبيئة التي يعيش فيها (الطبيعة بمعناها الواسع)، هذه الأبعاد التي تتحدد مضامينها في إطار الرؤية الكونية يتلخص الموقف فيها في مضمون الغاية العليا التي يجري في ضوئها صياغة نظرية العدالة بقواعدها التي

ص: 41

تنظم أبعاد النشاط الحياتي على وفق استراتيجية تخدم هذه الغاية العليا من خلال تلبية متطلبات الغايات الفرعية المنبثقة عن الغاية العليا، وفي ضوء قواعد نظرية العدالة العامة يجري تحديد القواعد الفرعية المنظمة لكل جانب من جوانب النشاط الحياتي العام في أبعاده الأساسية (الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية... الخ)، والموقف في كل بعد يمثل ما يسمى بالمذهب ففي البعد الاقتصادي يتحدد المذهب الاقتصادي وفي البعد الاجتماعي يتحدد المذهب الاجتماعي وهكذا، والمذهب الاقتصادي بوصفه مجموعة القواعد الفرعية لنظرية العدالة في جانب من النشاط الحياتي والتي تؤمن بناء استراتيجية تنظم النشاط الاقتصادي بما يخدم القواعد الفرعية في العدالة والتي تخدم بمجموعها الغاية العليا التي حددتها الرؤية الكونية، ولكي يأخذ المذهب فرصته للتطبيق في الواقع الموضوعي لابد أن تتجسد مضامینه النظرية بكامل بنائه

ص: 42

النظري في مجموعة من المؤسسات والعلاقات التي تضع مضامين استراتيجية المذهب موضع التطبيق وهذه المؤسسات والعلاقات وغيرها من المفردات هي ما تؤلف النظام الاقتصادي، وأن مستوى تجسيد مضامين المذهب الاقتصادي الذي تتكفل به مؤسسات النظام يتوقف على عوامل عدة تتوزع في جانبين؛ الاول: المركب النظري للنظام الاقتصادي وهي مسألة تعكس كفاءة الرؤية الكونية ونظرية العدالة، والجانب الثاني: حالة الواقع الموضوعي وما يتيح من فرص ظهور المضامين الكاملة لاستراتيجية المذهب التي يناط بمؤسسات النظام الاقتصادي تمثيلها(1).

ص: 43


1- ينظر في ذلك: مرتضى مطهري، الرؤية الكونية التوحيدية، منشورات مؤسسة الثقلين الثقافية، ب ط، 2012 م، ص 20 - 38، جعفر عباس حاجي، المذهب الاقتصادي في الاسلام، مصدر سابق، ص 85 - 62

ووفقا لما سبق فإن هناك أهمية كبيرة في إجلاء الموقف في الرؤية الكونية على وفق الصياغة النظرية التي تخدم عملية التنظير للمذهب الاقتصادي، وفي حالة المذهب الاقتصادي الإسلامي تمثل النصوص القادرة أن تخدم هذا الجانب ذات أهمية بالغة في تحقيق مقاربات نظرية اعلى في هذا البعد الأساسي من أبعاد الفكر الاقتصادي الإسلامي، ومن بين أهم هذه النصوص هو النص قيد البحث والذي سنحاول استكشاف المعطيات التي يقدمها في جانب توصیف الدين الإسلامي بوصفه الرؤية الكونية التي يؤمن بها المجتمع المسلم وتتصف بأعلى درجات الكفاءة والفاعلية عبر الضمانات التي وفرتها منابع تکوین هذه الرؤية الكونية والمصادر الدالة على مضامينها والتجارب الواقعية الكاشفة عن البعد الموضوعي ها(1).

ص: 44


1- للمزيد حول الرؤية الكونية: انظر، محمد عمر شابرا، مستقبل علم الاقتصاد من منظور اسلامي، ترجمة رفيق يونس المصري، دار الفكر والمعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط 1، 2004 م، ص 58 - 62، محمد تقي مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ترجمة: هاسم محمد، ج 1، مؤسسة الهدی، ط 4، 1424 ه، ص 28 - 30

وأهم الجوانب التي أضاءها النص في موضوع الرؤية الكونية:

(1) الطابع العام للرؤية الكونية الإسلامية: في مواقع مختلفة من نصوص العهد أوضح الإمام عليه السلام الطابع العام للرؤية الكونية الإسلامية ومن ثم تحليل المضامين هذه الموارد في سياق النقاط التالية:

(أ) المسار العام للحركة نحو الغايات العليا: في قوله عليه السلام:

«أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللهِ، وَإِيثَارِ طَاعَتِهِ، وَاتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ: مِنْ فَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ، الَّتِي لاَ يَسْعَدُ أَحَدٌ

ص: 45

إِلاَّ بِاتِّبَاعِهَا، وَلاَ يَشْقَى إِلاَّ مَعَ جُحُودِهَا وَإِضَاعَتِهَا، وَأَنْ يَنْصُرَ اللهَ سُبْحَانَهُ بَيَدِهِ وَقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ، فَإِنَّهُ، جَلَّ اسْمُهُ، قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ، وَإِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ»(1).

يبين النص أن «السعادة» وهي مقتضى التطور التكاملي تنتج عن تطبيق استراتيجية الدين في الواقع الموضوعي هذه الاستراتيجية التي تصوغها «السنن والفرائض» بوصفها قواعد تنظم حركة التطور التكاملي صوب غايتها العليا، وإن ناتج تفاعل الفرد والمجتمع في البيئة التي تحكمها استراتيجية الدين سيكون «السعادة» وهي التعبير الأخلاقي عن بلوغ النظام الاجتماعي العام لغاياته في الرفاه العام، وخلاف ذلك يكون في عدم تطبيق استراتيجية

ص: 46


1- الشريف الرضي، نهج البلاغة، شرح محمد عبده، منشورات دار المحجة البيضاء، بيروت - لبنان، ط 1، 2012 م، ص 392

الدين وتم إبدالها بغيرها، فالنتيجة الحتمية هي عدم تحقق الغايات العليا للوجود الإنساني لطبيعة التلازم بين هذه الغايات والاستراتيجية المصممة لبلوغها.

وإن مفهوم «التقوى» الذي ينصرف إلى الإنضباط في تحمل المسؤولية، وكذلك مفهوم «الإيثار في الطاعة» الذي يدلّ على وعي عميق لمحتوى موضوع المسؤولية، كذلك مفهوم «النصُّرة» الذي ينصرف إلى الدفاع عن اعتقاد راسخ وعميق(1).

هذه المفاهيم بمعانيها المتفاعلة هنا تبين الشرط الضروري للقدرة على تجسيد استراتيجية الدين وهو بناء المحتوى الداخلي للانسان في ضوء حقائق ومعطيات الرؤية الكونية للإسلام، وإن المستوى المتحقق من التطبيق يعتمد على مضمون هذه

ص: 47


1- مکارم الشيرازي، نفحات الولاية، ج 10، مصدر سابق، ص 291 - 293

المفاهيم الثلاث «التقوى» القوة التي تمنح الانضباط العالي في تحمل مسؤولية التطبيق، والإيثار في الطاعة الذي يعطي دلالة العمق الكافي لوضوح الغايات العليا، و«النصرة» التي تمثل مستوى الإرادة المتولد من الإدراك والوعي الداخلي(1).

(ب) فاعلية العلاقة بين الرؤية الكونية والاستراتيجية المذهبية: في قولة «عليه السلام»:

«وَلَا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللَّهِ(2)، فَإِنَّهُ لَا یَدَ لَكَ بِنِقْمَتِهِ(3)، وَلَا غِنَی بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ. وَلَا تَنْدَمَنَّ عَلَی عَفْوٍ، وَلَا تَبْجَحَنَّ(4) بِعُقُوبَةٍ، وَلَا تُسْرِعَنَّ

ص: 48


1- انظر في ذلك: مکارم الشيرازي، نفحات الولاية: مصدر سابق،، ص 297
2- أراد بحرب الله: مخالفة شريعته بالظلم والجور
3- لايدي لك بنقمته: أي ليس لك يد أن تدفع نقمته، أي لا طاقة لك بها
4- بجح به: کفرح لفظاً و معنی

إِلَی بَادِرَةٍ(1) وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً(2)، وَلَا تَقُولَنَّ: إِنِّی مُؤَمَّرٌ(3) آمُرُ فَأُطَاعُ، فَإِنَّ ذلِكَ إِدْغَالٌ(4) فِی الْقَلْبِ، وَمَنْهَکَةٌ(5) لِلدِّینِ، وَتَقَرُّبٌ مِنَ الْغِیَرِ»(6).

وَإِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِیهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً(7) أَوْ مَخِیلَهً(8)، فَانْظُرْ إِلَی عِظَمِ مُلْكِ اللَّهِ فَوْقَكَ، وَقُدْرَتِهِ مِنْكَ عَلَی مَا لَا تَقْدِرُ عَلَیْهِ مِنْ نَفْسِكَ، فَإِنَّ ذلِك

ص: 49


1- البادرة: ما يبدر من الحدة عند الغضب في قول أو فعل
2- المندوحة: المتسع، أي المخلص
3- مؤمر - كمعظم - أي: مسلط
4- الادغال: إدخال الفساد
5- منهكة: مضعفة، وتقول: نهکه، أي أضعفه... وتقول: نهکه السلطان من باب فهم، أي: بالغ في عقوبته
6- الغِير - بكسر ففتح: حادثات الدهر بتبدل الدول
7- الأبهّة - بضم الهمزة وتشديد الباء مفتوحة: العظمة والكبرياء
8- المَخِيلة - بفتح فكسر: الخيلاء والعجب

يُطَامِنُ(1) إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِكَ(2)، وَيَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ(3)، يَفِيءُ(4) إِيَّاكَ وَمُسَامَاةَ(5) اللهِ فِي عَظَمَتِهِ، وَالتَّشَبُّهَ بِهِ فِي جَبَرُوتِهِ، فَإِنَّ اللهَ يُذِلُّ كُلَّ جَبَّارٍ، وَيُهِينُ كُلَّ مُخْتَالٍ»(6).

في هذا المقطع من النص يبين لنا الإمام عليه السلام الصلة والارتباط مع الله تعالى وهو المثل الأعلى في الرؤية الكونية الإسلامية، هذه الصلة يجب أن تكون مستمرة بين التكوين الداخلي للإنسان الصالح مثله الأعلى بشكل متصاعد، هذا من جهه، ومن جهة أخرى يجب أن يكون التطبيق الموضوعي

ص: 50


1- يُطامن الشيء: يخفض منه
2- الطِماح - ككتاب: النشوز والجماح
3- الغَرب - بفتح فسكون: الحدة
4- يفيء: يرجع
5- المساماة: المباراة في السمو، أي العلو
6- الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص 393 - 394

لاستراتيجية الدين ملتزم بالاتجاه العام لإرادة المثل الأعلى والإطار الأخلاقي والمعرفي الذي يعبر عن هذه الإرادة ليتفاعل تكاملياً مع قواعد الاسترتيجية ويعطي لتطبيقها موضوعيا خصائص الارادة المذهبية التي تمثلها، من هنا جاء قول الامام «عليه السلام» بعد أن عدّد مظاهر انفصال نموذج الحكم عن الصلة بالمثل الأعلى الحقيقي؛ قال:

«فَإِنَّ ذلِكَ إِدْغَالٌ فِی الْقَلْبِ، وَمَنْهَکَةٌ لِلدِّینِ، وَتَقَرُّبٌ مِنَ الْغِیَرِ».

فما ينهك الدين بصفته استراتيجية في التطبيق هو عدم فاعلية العلاقة بين الرؤية الكونية والاستراتيجية المذهبية لعدم استمرار الصلة بين التكوين الداخلي للإنسان الصالح بمثله الأعلى بشكل متصاعد، لذلك تكون النتيجة المؤكدة من هذا الانفصال هي أن يفقد نموذج الحكم أطاره المذهبي الذي يضمن ارتباطه بالمثل الأعلى الحقيقي

ص: 51

ويتحول إلى صورة مشوهة للمذهبية الإسلامية تفقد قيمتها على وفق معايير المذهبية الإسلامية للحكم الرشيد وهو عبر عنه النص ب «وَتَقَرُّبٌ مِنَ الْغِیَرِ» وهي الحوادث أو المفاعيل التي ينتج عنها تبدل الدول اي تحولها من نموذج الحكم الصالح أو الرشيد إلى النموذج الفاقد لأي فاعلية في مسار الغايات العليا الحقيقية.

ثانيا: نظرية العدالة.

في ضوء الغايات العليا التي تتمخض عنها الرؤية الكونية تصاغ نظرية العدالة التي تمثل الجذر الحاكم لمضامين المذهبية بأبعادها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ومن خلال النص قيد البحث يمكن استخلاص ملامح نظرية العدالة التي عبرت عنها فقرات النص في صياغة تلائم متطلبات موضوع النص وهو النموذج الإسلامي في الحكم الصالح او الرشید، ويمكن ايجاز ذلك في

ص: 52

سياق النقاط التالية:

(1) منهج الانصاف في نظرية العدالة:

يظهر عبر موارد عدة في النص قيد البحث أن الإنصاف هو المنهج الذي تتحقق من خلاله فلسفة نظرية العدالة، ومن أبرز هذه الموارد قوله «عليه السلام»:

«أَنْصِفِ اللَّهَ وَ أَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ، وَمَنْ لَكَ فِیهِ هَوًی(1) مِنْ رَعِیتِكَ، فَإِنَّكَ إِلَّا تَفْعَلْ تَظْلِمْ، وَ مَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ کَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ، وَ مَنْ خَاصَمَهُ اللَّهُ أَدْحَضَ(2) حُجَّتَهُ، وَ کَانَ لِلَّهِ حَرْباً(3) حَتَّی ینْزِعَ(4) أَوْ یتُوبَ. وَ لَیسَ شَیءٌ أَدْعَی إِلَی تَغْییرِ نِعْمَةِ اللَّهِ وَ تَعْجِیلِ نِقْمَتِهِ مِنْ

ص: 53


1- من لك فيه هو: أي لك إليه ميل خاص
2- أدحض: أبطل
3- كان حرباً: أي محارباً
4- ينزع - کيضرب - أي: يقلع عن ظلمه

ِقَامَةٍ عَلَی ظُلْمٍ، فَإِنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِینَ، وَ هُوَ لِلظَّالِمِینَ بِالْمِرْصَادِ»(1).

يقدم النص مفهوم الإنصاف بوصفه المنهج الذي يمنح قواعد نظرية العدالة فاعلية البعد الأخلاقي والاعتقادي تعبيرا عن خصوصية الغايات التي تعبر عنها نظرية العدالة وتوظيفا لطبيعة تركيب المحتوى الداخلي للانسان الصالح، فمنهج الانصاف يكون بذلك ضمان فاعلية التجسيد الموضوعي للعدل والمظهر العملي له، وفي عبارات الفقرة قيد البحث من نصوص العهد يظهر المعنى الذي تم استخلاصه من خلال جعل الإمام عليه السلام للإنصاف محوراً للعلاقة مع الله تعالى وهي العلاقة مع المثل الاعلى ثم العلاقة مع النفس ووحدة التفاعل الاجتماعي «الأسرة» ثم مع من هم في دائرة المصالح الاجتماعية، إن بناء العلاقة مع

ص: 54


1- الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص 394

هذه المستويات على أساس منهج الانصاف يعني إن مستوى التطور التكاملي للفرد يكون كافيا لتحمل مسؤولية تطبيق نموذج الحكم الصالح وفق المذهبية الإسلامية، لذلك يكون الظلم هو النتيجة التلقائية لغياب منهج الانصاف بوصفه جزءاً من القدرات اللازمة للعدل وهو مضمون قوله عليه السلام:

«فَإِنَّكَ إِلَّا تَفْعَلْ تَظْلِمْ، وَ مَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ کَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ، وَ مَنْ خَاصَمَهُ اللَّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ، وَ کَانَ لِلَّهِ حَرْباً حَتَّی ینْزِعَ أَوْ یتُوبَ. وَ لَیسَ شَیءٌ أَدْعَی إِلَی تَغْییرِ نِعْمَةِ اللَّهِ وَ تَعْجِیلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَی ظُلْمٍ، فَإِنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِینَ، وَ هُوَ لِلظَّالِمِینَ بِالْمِرْصَادِ»(1).

اذ أن عدم بناء قدرات منهج الإنصاف يفقد نظام إدارة الدولة صلته بنظرية العدالة الإسلامية

ص: 55


1- الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص 394 - 395

ويكون بمثابة اقصاء وتعطيل للمذهبية الإسلامية وفقدان المسار إلى غاياتها العليا وقطع الصلة مع المثل الأعلى الذي ترتبط به لذلك جاء الوصف أن من عطل منهج الانصاف صار ظالما وينتهي إلى صفة المحارب لله، لأنه نهج منهجاً يقطع صلة النظام الاجتماعي ومن ثم المجتمع بالمثل الأعلى.

(2) مبدأ الوسط:

الوسطية في تقدير فعل العدل من ناحية نطاق العدالة وموضوعها ومستوى ظهور معالم نظرية العدالة في المخطط المذهبي في أبعاده الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، في هذا المبدأ يقول الإمام عليه السلام:

«وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الاْمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ، وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ، وَأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ، فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ(1)، وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ

ص: 56


1- يجحف برضى الخاصة: يذهب برضاهم

يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ. وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ، أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَؤُونَةً فِي الرَّخَاءِ، وَأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلاَءِ، وَأَكْرَهَ لِلاْنْصَافِ، وَأَسْأَلَ بِالاْلْحَافِ(1)، وَأَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الاْعْطَاءِ، وَأَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ، وَأَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ، وَإِنَّمَا عَمُودُ الدِّينِ، وَجِمَاعُ(2) الْمُسْلِمِينَ، وَالْعُدَّةُ لِلاْعْدَاءِ، الْعَامَّةُ مِنَ الاْمَّةِ، فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ(3) لَهُمْ، وَمَيْلُكَ مَعَهُمْ».

في هذا المقطع من النص يشير الإمام عليه السلام إلى منهج الوسطية الذي يتحقق عن طريقه تعلية متصاعدة لدائرة العدل عبر تفعيل الإرادة المذهبية في الإدراك والفعل الاجتماعي، وهذا يشير إليه «الرضا لدى العامة» هذا الرضا المعبر عن المزاج الاجتماعي الموافق لروح الفلسفة العامة

ص: 57


1- الالحاف: الالحاح والشدة في السؤال
2- جِماع الشيء - بالكسر: جمعه، أي جماعة الاسلام
3- الصغو - بالكسر والفتح: الميل

للمذهبية الإسلامية، لذلك فمن معايير الحكم الرشيد هو تنمية هذا المزاج الاجتماعي وتلبية متطلباته وهو ما عبر عنه «فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ» وفي تأكيد لذات المعني جاء في موارد أخرى من النص قيد البحث لا يسع المقام لبحثها جميعا، نشير منها قوله «عليه السلام»:

«وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لَيسَ شَيءٌ بِأَدْعَى إِلَى حُسْنِ ظَنِّ وَالٍ بِرَعِيتِهِ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَيهِمْ، - إلی قوله - فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ يقْطَعُ عَنْك نَصَباً طَوِيلًا، وَ إِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّك بِهِ لَمَنْ حَسُنَ بَلَاؤك عِنْدَهُ، وَ إِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّك بِهِ لَمَنْ سَاءَ بَلَاؤك عِنْدَهُ»(1).

هذه المقطع يشير إلى وظيفة الحكم الصالح في تنمية روح الفلسفة العامة للمذهبية الإسلامية في المزاج الاجتماعي والذي يخدم تعلية متصاعدة لقيم

ص: 58


1- الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص 396 - 397

العدل في الفعاليات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها.

(3) تكامل مستويات البناء القدراتي للمجتمع:

من أهم مناهج نظرية العدالة في تحقيق الغايات العليا هو منهج تکامل مستويات البناء القدراتي لطبقات المجتمع، إذ أن التباين في مستوى البناء القدراتي ينتج عنه تباین طبقي على مستوى الفاعلين الاجتماعيين الاقتصاديين معرفيا، هذا التباين هو من الخصائص الضرورية التلقائية لحركة التطور التكاملي وتنوع مستويات البيئة التكاملية، وهذا يشير إليه الإمام عليه السلام بقوله:

«وَاعْلَمْ اَنَّ الرَّعِیَّةَ طَبَقاتٌ لا یَصْلُحُ بَعْضُها اِلاّ بِبَعْضٍ، وَ لا غِنی بِبَعْضِها عَنْ بَعْضٍ».

الى نهاية الفقرات التي أوضحت أنواع وتقسيمات الفاعلين في مختلف أنواع ومستويات الفاعلية، وإن وظيفة الحكم الرشيد هي أن تؤدي

ص: 59

الدولة وظيفتها في ادامة العلاقة بين هذا المستويات في سياق التفاعل التكاملي من خلال استرتيجيات أساسية وضعتها المذهبية الإسلامية لتحقيق ذلك وهي استراتيجية الرشد واستراتيجية التمكين، واستراتيجية التصحيح الموازي(1).

ص: 60


1- د. طالب حسین فارس الكريطي، الاقتصاد الإسلامي والفقر تأصيل نظري لمنهج اقتصاد بلا فقر في المذهب الاقتصادي الإسلامي، مرکز کربلاء للدراسات والبحوث، کربلاء - العراق، ط 1، 2014 م، ص 367 وما بعدها

المبحث الثالث متضمنات العهد من المفردات البنائية لدور الدولة في المذهب الاقتصادي الإسلامي.

ص: 61

ص: 62

تظهر أبعادً مهمة لمضامين العهد وبشكل واضح عن دور الدولة الاقتصادي کما يصوغه المذهب الاقتصادي الإسلامي، ويمكن استنتاج عناصر المخطط النظري لنظرية دور الدولة في المذهب الاقتصادي الإسلامي عبر فقرات النص قيد البحث في سياق النقاط التالية:

أولاً: المفاهيم الأساسية التي تدخل في بناء نظرية دور الدولة في المذهب الاقتصادي الإسلامي:

وردت في العهد الإشارة إلى العديد من المفاهيم الإسلامية التي تدخل في بناء المذهب الاقتصادي الإسلامي، أذ قدّم العهد صورة لمفاهيم هذه القيم من ناحية صلتها بالمذهبية الإسلامية، وبذلك

ص: 63

نحصل على تفسير محدد لظاهرة اجتماعية أو أقتصادية في نموذج مفهوم يمكن الاعتماد عليه في تكوين صورة المذهب الاقتصادي الإسلامي، ومن هذه المفاهيم التي تضمنها العهد التالي:

1- مفهوم التجارة والربح التجاري ومبرراته في الحياة الاقتصادية:

تضمن العهد التعرض لعدة حقائق تتعلق بالتجارة ومنها مفهوم الربح التجاري الذي يمكن أن نستخلصه من النص التالي الذي يؤكد على الأهمية الاقتصادية للتجار ويقرنهم بذوي الصناعات فالحياة الاقتصادية لا قوام لها:

«إِلَّا بِالتُّجَّارِ وَذَوِی الصِّنَاعَاتِ، فِیما یجْتَمِعُونَ عَلَیهِ مِنْ مَرَافِقِهِمْ(1)، وَیقِیمُونَهُ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ، وَیکْفُونَهُمْ مِنَ التَّرَفُّقِ(2) بِأَیدِیهِمْ مَا لَا یبْلُغُهُ رِفْقُ

ص: 64


1- المرافق: أي المنافع التي يجتمعون لاجلها
2- الترفق: أي التكسب بأيديهم ما لا يبلغه كسب غيرهم من سائر الطبقات

غَیرِهِمْ»(1).

ثم يقول في موضع آخر:

«ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَ ذَوِی الصِّنَاعَاتِ، وَ أَوْصِ بِهِمْ خَیْراً: الْمُقِیمِ مِنْهُمْ، وَ الْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ(2)، وَ الْمُتَرَفِّقِ(3) بِبَدَنِهِ، فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ، وَ أَسْبَابُ الْمَرَافِقِ(4)، وَ جُلاَّبُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَ الْمَطَارِحِ(5)، فِی بَرِّكَ وَ بَحْرِكَ، وَ سَهْلِكَ وَ جَبَلِكَ، وَ حَیْثُ لاَ یَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا(6)، وَ لاَ یَجْتَرِءُونَ عَلَیْهَا»(7).

ص: 65


1- نهج البلاغة، مصدر سابق، ص 397 - 398
2- المضطرب بماله: المتردد به بين البلدان
3- المترفّق: المكتسب
4- المَرَافِق: ما ينتفع به من الأدوات و الآنية
5- المطارح: الاماكن البعيدة
6- لايلتئم الناس لمواضعها أي: لا يمكن التئام الناس واجتماعهم في مواضع تلك المرافق من تلك الامكنة
7- نهج البلاغة، مصدر سابق

هذه النصوص تبين أن مفهوم التاجر في الاقتصاد الإسلامي يشترك مع مفهوم الصانع الذي يقوم بعملية تطوير المادة الخام إلى مادة أكثر ملائمة للمنفعة الاستعمالية عند المستهلك وأي مستخدم للسلعة، فالتاجر على وفق هذا المفهوم یمارس ذات النشاط الذي يعظم المنافع الاستعمالية عبر النشاط التبادلي الذي يخلق التوافق بين المنافع الاستعمالية والتبادلية للسلعة من القيام بدور الوسيط بين المنتج والمستهلك وعبر خلق الاتاحة في المعروض السلعي عبر النشاط التسويقي وما يتضمنه من خدمات، وهنا يتضح مفهوم التجارة في المذهب الاقتصادي الإسلامي بكونها نشاطاً منتجاً عبر توظيف عناصر إنتاج من رأس المال والعمل والمعرفة للوصول إلى زيادة المنافع الاستعمالية عبر خدمات النشاط التبادلي في السوق، وفي ضوء ما يعطيه النصر للتاجر من مفهوم قائم على تبرير کسب التاجر بما يبذله من عمل من نوع خاص فإن الوساطة بين المنتج

ص: 66

والمستهلك التي يقوم بها التاجر يشترط بها ان لا تتحول إلى عمل طفيلي لا يقوم على بذل العمل والجهد ومن ثم أو كل المذهب الاقتصادي الإسلامي للدولة حق منع العمل الطفيلي في النشاط التبادلي سواء في تبادل المنافع أو تبادل السلع(1).

2- الاحتكار:

وهنا جانب من موقف المذهب الاقتصادي الإسلامي في نظريته في التجارة، عبر دور الدولة في ضبط النشاط التجاري في نموذجه المذهبي من خلال ممارسة الدولة لدورها الاقتصادي كقوة ضبط في منع الاحتكار بوصفه خروج عن نموذج النشاط التجاري الذي يوافق النظرية، اذ يقول «عليه السلام»:

ص: 67


1- انظر في ذلك: الصدر، خطوط تفصيلية عن اقتصاد المجتمع الإسلامي، ضمن مجموعة الاسلام يقود الحياة، مصدر سابق، ص 106 - 109

«وَاعْلَمْ - مَعَ ذلِكَ - أَنَّ فِي كَثِير مِنْهُمْ ضِيقاً(1) فَاحِشاً، وَشُحّاً(2) قَبِيحاً، وَاحْتِكَاراً(3) لِلْمَنَافِعِ، وَتَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ، وَذلِكَ بَابُ مَضَرَّة لِلْعَامَّةِ، وَعَيْبٌ عَلَى الْوُلاَةِ، فَامْنَعْ مِنَ الاْحْتِكَارِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ (صلی الله علیه و آله) مَنَعَ مِنْهُ. وَلْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً: بِمَوَازِينِ عَدْل، وَ أَسْعَار لاَ تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ(4)»(5).

وبوصف أن الأسعار الاحتكارية هي تعبر عن قيمة مصطنعة خلقتها ظروف الاحتكار وإن الربح الناتج من القيمة التبادلية المصطنعة هو ربح غير موافق لمفهوم الربح الذي يقره المذهب الاقتصادي

ص: 68


1- الضيق: عسر المعاملة
2- الشحّ: البخل
3- الاحتکار: حبس المطعوم ونحوه عن الناس لا يسمحون به إلا بأثمان فاحشة
4- المبتاع - هنا: المشتري
5- نهج البلاغة، مصدر سابق، ص 403 - 404

الإسلامي لذلك تعمل الدولة هنا على منع الاحتكار لتبني التجارة في نموذجها الاقتصادي السليم، أن مصدر الاحتكار الأساسي هو احتکار من يملك المواد الأولية المستخرجة من الطبيعة وفرض أسعار احتكارية على المنتجين الذين ينقلون ارتفاع أسعار المواد الأولية إلى أسعار السلع المنتجة ومن ثم فإن هذه القيمة المصطنعة التي أوجدها الاحتکار ناشئة من تحكم بجزء من الموارد الطبيعية ولأن مبدأ التسخير يضع قواعد الإنتاج من الطبيعة التي تمكن المجتمع من اشباع حاجاته التكاملية.

لذلك فأن حرف مسار الإنتاج الأولي عن مساره والذي أدى إلى حرف مسار الإنتاج الثانوي عن مساره في سلسلة القيمة كل ذلك يضع على عاتق الدولة التدخل لمنع الاحتكار بوصفه جزء من دورها في ضمان سلامة الشكل المذهبي للإنتاج

ص: 69

والتوزیع(1).

ومن أشكال الاحتكار المهمة هو احتكار النقد الذي يسمح بفرض سعر احتکاري عنه يتمثل بالفائدة الربوية بدلا عن سعره الطبيعي وهو عائد الاستثمار أو قيمته في المبادلة من السلع واشکال الثروة(2).

3- موارد الدولة المالية وملكيتها للموارد الطبيعية ودورها في تحقيق غايات المذهب الاقتصادي:

جاء الحديث في الفقرات الأولى من العهد عن «الخراج» بوصفه العنوان العام لموارد الدولة من الانواع المختلفة من ملكيتها(3)، وهو ما يمكن

ص: 70


1- المصدر السابق، ص 92 - 97
2- المصدر السابق، ص 102 - 103
3- ناصر مکارم الشيرازي، نفحات الولاية، مصدر سابق، ج 10 ن ص 290 - 291

الدولة من أداء دورها في «العمارة» وهو المصطلح الذي يعبر عن توفر الشروط والخصائص اللازمة في البيئة الملائمة لحركة التطور التكاملي، وهذا الربط بين الخراج والعمارة تصدر نصوص العهد اذ يقول الإمام علي عليه السلام:

«هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللّهِ عَلِیٌّ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ، مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ فِی عَهْدِهِ إِلَیْهِ، حِینَ وَلَّاهُ مِصْرَ: جِبَایَةَ خَرَاجِهَا، وَجِهَادَ عَدُوِّهَا، وَاسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا، وَعِمَارَةَ بِلَادِهَا»(1).

ونلاحظ هنا الربط بين المفاهيم الثلاث «الخراج والاستصلاح والعمارة» ودلالته في فلسفة المذهب الاقتصادي الإسلامي في تمكين الدولة لاداء وظيفتها في الضبط المذهبي لعملية إدامة توفر الشروط والخصائص اللازمة في البيئة الملائمة لحركة التطور التكاملي وهذا ما عبر عنه في موضع آخر من

ص: 71


1- نهج البلاغة، مصدر سابق، ص 292 - 393

العهد اذ يقول عليه السلام»:

«ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَیْهِمُ الْأَرْزَاقَ(1)، فَإِنَّ ذَلِكَ قُوَّهٌ لَهُمْ عَلَی اسْتِصْلَاحِ أَنْفُسِهِمْ».

وهنا يشير النص إلى العلاقة الموضوعية بين حالة التمكين ومستوى الاتاحة في القدرات الذي تتكفل به الدولة إذا لم يتح للفرد تحصيله من نشاطه بوصفه فاعلاً اقتصادياً.

4- مسؤولية الدولة في رعاية القطاع العام

في قوله عليه السلام:

«وَلْيَکُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الاَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ، لاَنَّ ذَلِكَ لاَ يُدْرَكُ إِلاَّ بِالْعِمَارَةِ، وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَة أَخْرَبَ الْبِلاَدَ، وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِيلاً»(2).

ص: 72


1- أسبغ عليه الرزق: أكمله وأوسع له فيه
2- نهج البلاغة، مصدر سابق، ص 401

يظهر في هذا النص موقف المذهب الاقتصادي الإسلامي عن مسؤولية الدولة في رعاية القطاع العام إذ أن العلاقة بين عمارة الأرض وحجم الخراج وأهمية الأخير كمورد أساسي في موازنة الدولة والإنفاق العام المحقق الأهدافها، هذه الحقيقة تضع الدولة أمام مسؤولية تنمية الإنتاج عبر التدخل المباشر في الإنفاق العام أو غير المباشر عن طريق دعم الاستثمار الخاص في الموارد الطبيعية التي تمثل وعاء الخراج وهذه الأبعاد تدخل تحت مفهوم العمارة الذي هو أوسع من مفهوم التنمية في المفهوم الحديث(1).

ص: 73


1- ينظر في ذلك: د. ابراهيم حسين العسل، التنمية في الفكر الإسلامي، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، ط 1، 2006 م، ص 120 - 122

5- مسؤولية الدولة في الحفاظ على القيم التبادلية:

في قوله (عليه السلام»:

«وَلْیَکُنِ الْبَیْعُ بَیْعاً سَمْحاً: بِمَوَازِینِ عَدْلٍ، وَأَسْعَارٍ لَا تُجْحِفُ بِالْفَرِیقَیْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ فَمَنْ قَارَفَ(1) حُکْرَةً(2) بَعْدَ نَهْیِكَ إِیَّاهُ فَنَکِّلْ(3) بِهِ وَعَاقِبْ فِی غَیْرِ إِسْرَافٍ(4)»(5).

في هذا النص يطرح مفهوم الثمن العادل أو القيمة العادلة وعلاقته بالاحتكار ومسؤولية الدولة في مراقبة النشاط التبادلي لضمان بقاء القيم التبادلية في صورتها المقبولة على وفق المذهب الاقتصادي

ص: 74


1- قارف: أي خالط
2- الحُکرَة - بالضم: الاحتكار
3- نَکّل: أي أوقع به النكال والعذاب، عقوبة له
4- في غير إسراف: أي من غير أن تجاوز حد العدل
5- نهج البلاغة، مصدر سابق، ص 404

الإسلامي، ويتم ذلك عبر معیار نظرية القيمة الإسلامية بوصفها میزان نظرية العدالة في هذا الجانب، إذ تقوم نظرية العدالة على عامل الندرة الطبيعية كمعيار موضوعي في عدالة التبادل فمن خلال معيار الندرة الطبيعية يتحدد الثمن على وفق ندرة المادة الأولية الداخلة في تكوين السلعة وعلى وفق ندرة كمية العمل المطلوب لإنتاجها ونوعيته وعلى وفق هذين العنصرين تتكون القيمة على وفق معیار موضوعي.

الا أن ظروف العرض والطلب قد تتيح القدرة لدى بعض أطراف التبادل خلق ظروف ندرة مصطنعة عبر التحكم بتدفق السلع والمنافع في دورة التبادل ومن ثم تظهر الأسعار التي تتجاوز القيمة التبادلية التي تحددها العوامل الموضوعية الطبيعية، وهذه الأسعار تنشأ عن قوة الاحتكار وهي تمثل انحراف عن نموذج التبادل المقبول مذهبيا.

ص: 75

وهنا تبرز وظيفة الدولة كقوة ضبط مذهبي تعمل على إعادة ميزان التبادل إلى حالته الطبيعية العادلة، ولكون مسألة تحديد نقطة البداية في خلق القيم المصطنعة في السوق قد تجزئ المسؤولية عن نشوء هذه القيم بين أطراف عدّة.

لذلك تقتضي العدالة التدرج في ممارسة سلطة الضبط في منع الاحتكار ومراقبة الأسعار من قبل اجهزة الدولة، لذلك يضع النص مبدأ النهي والاعتدال كمعاییر اجرائية في ممارسة سلطة الضبط، كما أن مصطلح «البيع السمح» الذي ورد في النص يعبر عن البعد الشكلي في شروط التبادل والبعد الاخلاقي في فلسفة التبادل، فمن خلال تفاعل هذين البعدين يتكون لدينا مفهوم البيع السمح أو الجانب الاقتصادي لمفهوم التسامح(1) وهو مفهوم

ص: 76


1- د. طالب حسین فارس الكريطي: العلاقة بين قيمة التسامح والسياحة الدينية في الاقتصاد الإسلامي والوضعي، تأصيل نظري مفاهيمي في ضوء الاقتصاد الإسلامي ودراسة تطبيقية على عينة من السائحين في محافظة كربلاء المقدسة 2015، مجلة السبط، مرکز کربلاء للدراسات والبحوث، العدد الثاني - السنة الأولى، 1437 ه، 2016 م، ص 207 - 212

غني يعكس مضامين تكامل المذهبية الإسلامية في تنظيم أبعاد البيئة العامة للنشاط الحياتي للفرد والمجتمع.

6- دور الدولة في بناء القدرات الإنسانية:

وفقا لمنهجية المذهبية الإسلامية في العلاقة بين الإنسان وغاياته فإن الوسائل الموصلة إلى هذه الغايات هي القدرات الانسانية التي تتولد عبر بيئة التطور التكاملي وهي القوة المحركة لمسار التطور التكاملي نحو غايته، والدولة بوصفها المؤسسة العليا التي تمثل الإرادة المذهبية موضوعيا، فإن النص التالي في العهد يحدد مسؤولية الدولة في تنمية

ص: 77

القدرات الانسانية وضمان توظيفها لخدمة المجتمع الصالح إذ يقول عليه السلام:

«ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلی، ولا تضيفن بلاء أمري إلى غيره، ولا تقصرن به دون غاية بلائه، ولا يدعونك شرف أمري إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيراً، ولا ضعة امرئ إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظیماً»(1).

7- المناهج التي يحددها الاقتصاد الإسلامي للدولة:

يحدد المذهب الاقتصادي الإسلامي مجموعة من المناهج التي تجب ان تسعى الدولة للوصول اليها تجسيدا لدورها الذي يرسمه المذهب في تجسيد فلسفته العامة وتحقيق غاياته، عن طريق نص العهد يمكن أن نقف على بعض تلك المناهج التي حددها العهد لولي الأمر وهي بمثابة المؤشرات التي

ص: 78


1- نهج البلاغة، مصدر سابق، ص 399

يمكن في ضوئها رسم السياسة الاقتصادية في ضوء المعطيات المتحركة في الواقع الموضوعي، ومن هذه المناهج التي حددها العهد وتم بحثها في نصوصه آنفا في سياق المباحث السابقة هي التالي:

أ- تحقيق منهج الانصاف لتنفيذ متطلبات نظرية العدالة:

من خلال بناء قدرات منهج الإنصاف ليحقق نظام إدارة الدولة صلته بنظرية العدالة الإسلامية ويكون بمثابة إمضاء وتشغيل لاستراتيجية المذهبية الإسلامية وضمان الحركة على المسار إلى غاياتها العليا.

ب- تطبيق منهج الوسطية:

الذي يتحقق من خلاله تعلية متصاعدة لدائرة العدل عبر تفعيل الإرادة المذهبية في الإدراك والفعل الاجتماعي.

ص: 79

ج- تطبيق منهج تكامل مستويات البناء القدراتي لطبقات المجتمع:

وظيفة الحكم الرشيد هي أن تؤدي الدولة وظيفتها في إدامة العلاقة بين مستويات البناء القدراتي لطبقات المجتمع في سياق التفاعل التكاملي عبر استراتيجيات أساسية وضعتها المذهبية الإسلامية لتحقيق ذلك وهي استراتيجية الرشد، واستراتيجية التمكين، واستراتيجية التصحيح الموازي.

د- منهج الضبط المذهبي للنشاط الاقتصادي:

تطبق الدولة هذا المنهج عبر التدخل المباشر في النشاط الاقتصادي عبر القطاع العام أو غير المباشر عن طريق توجيه حركة الانتاج عبر توظيفها لملكيتها للموارد الطبيعية وقدراتها المالية والتشريعية ومراقبتها للنشاط الاقتصادي و استعمال قوة الإلزام لديها لمنع الظاهر التي تمثل انحراف عن النموذج المذهبي مثل الاحتكار الذي يمثل انحراف النشاط

ص: 80

التبادلي عن نموذجه المذهبي.

ه- منهج اقتصاد بلا فقر(1):

والذي تؤدي الدولة عبره وظائف عديدة للوصول إلى مستوى من أداء النظام الاقتصادي يمنع ظهور ظاهرة الفقر، وملامح هذه الوظيفة تضمنتها موارد عدة من العهد وكالتالي:

1) مسؤولية الدولة في الضمان الاجتماعي: تقدم الدولة الضمان الاجتماعي للفئات دون مستوى التمكين الكافي عبر إدارتها المبدأ التكافل العام وتطبيق مبدأحد الكفاية لرفع مستوى التمكين الجوهري(2)، هذه الأبعاد تضمنتها الفقرة التالية من

ص: 81


1- ينظر في ذلك: طالب الكريطي، الاقتصاد الإسلامي والفقر، مصدر سابق، ص 178 - 185
2- طالب الكريطي: دور الدولة في المذهب الاقتصادي الإسلامي، رسالة ماجستير مقدمة إلى جامعة القادسية - كلية الادارة والاقتصاد،، ص 34 - 36

العهد.

«ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ فِی الطَّبَقَةِ السُّفْلَی مِنَ الَّذِینَ لَاحِیلَةَ لَهُمْ، مِنَ الْمَسَاکِینِ وَ الْمُحْتَاجِینَ وَأَهْلِ الْبُؤْسَی(1) وَالزَّمْنَی(2)، فَإِنَّ فِی هذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً(3) وَمُعْتَرّاً(4)، وَاحْفَظْ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ(5) مِنْ حَقِّهِ فِیهِمْ، وَاجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَیتِ مَالِكَ، وَقِسْماً مِنْ غَلَّاتِ(6) صَوَافِی(7) الْإِسْلَامِ فِی کُلِّ بَلَدٍ، فَإِنَّ لِلْأَقْصَی مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِی لِلْأَدْنَی، وَ کُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِیتَ حَقَّهُ، فَلَایشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ(8)، فَإِنَّكَ

ص: 82


1- البؤسی - بضم أوله: شدة الفقر
2- الزَمنَی - بفتح أوله: جمع زمين وهو المصاب بالزَمانة - بفتح الزاي - أي العاهة، يريد أرباب العاهات المانعة لهم عن الاكتساب
3- القانع: السائل
4- المُعتّر - بتشديد الراء: المتعرض للعطاء بلا سؤال
5- استَحفَظَك: طلب منك حفظه
6- غَلّات: ثمرات
7- صوافي الإسلام: جمع صافية، وهي أرض الغنيمة
8- بَطَر: طغيان بالنعمة

لَاتُعْذَرُ بِتَضْییعِكَ التَّافِهَ(1) لِأَحْکَامِكَ الْکَثِیرَ الْمُهِمَّ. فَلَاتُشْخِصْ هَمَّكَ(2) عَنْهُمْ، وَلَاتُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ(3)، وَتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لَایصِلُ إِلَیكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُیونُ(4)، وَتَحْقِرُهُ الرِّجَالُ، فَفَرِّغْ لِأُلئِكَ ثِقَتَكَ(5) مِنْ أَهْلِ الْخَشْیةِ وَ التَّوَاضُعِ، فَلْیرْفَعْ إِلَیكَ أُمُورَهُمْ، ثُمَّ اعْمَلْ فِیهِمْ بِالْإِعْذَارِ إِلَی اللَّهِ تَعَالَی(6) یوْمَ تَلْقَاهُ، فَإِنَّ هؤُلَاءِ مِنْ بَینِ الرَّعِیةِ أَحْوَجُ إِلَی الْإِنْصَافِ مِنْ غَیرِهِمْ، وَکُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَی اللَّهِ فِی تَأْدِیةِ حَقِّهِ إِلَیهِ. وَتَعَهَّدْ أَهْلَ الْیتْمِ وَذَوِی الرِّقَّةِ فِی السِّنِّ(7) مِمَّنْ

ص: 83


1- التافه: الحقير
2- لا تُشخص همك: أي لا تصرف اهتمامك عن ملاحظة شؤونهم
3- صعّر خدّه: أماله إعجاباً وكبراً
4- تقتحمة العين: تكره أن تنظر اليه احتقاراً و ازدراءً
5- فَرِّغ لأولئك ثقتك: أي اجعل للبحث عنهم أشخاصاً يتفرغون لمعرفة أحوالهم يكونون ممن تثق بهم
6- بالاعذار إلى الله تعالى: أي بما يقدم لك عذراً عنده
7- ذوو الرقّة في السن: المتقدمون فيه

لَاحِیلَةَ لَهُ، وَلَا ینْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ، وَذلِكَ عَلَی الْوُلَاةِ ثَقِیلٌ، وَ الْحَقٌّ کُلُّهُ ثَقِیلٌ؛ وَقَدْ یخَفِّفُهُ اللَّهُ عَلَی أَقْوَامٍ طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ، وَوَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللَّهِ لَهُمْ»(1).

هذه الفقرات من النص تقرر بشكل واضح مسؤولية الدولة في الضمان الاجتماعي للفئات التي تقع دون مستوى التمكين الكافي وهو المستوى الذي عبر عنه عليه السلام:

«الطَّبَقَةِ السُّفْلَی مِنَ الَّذِینَ لَاحِیلَةَ لَهُمْ وَالْمَسَاکِینِ وَ الْمُحْتَاجِینَ وَأَهْلِ الْبُؤْسَی وَالزَّمْنَی».

والذين تتكفل الدولة برفع مستوى تمكينهم من مواردها:

«وَاجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَیتِ مَالِكَ، وَقِسْماً مِنْ غَلَّاتِ صَوَافِی الْإِسْلَامِ فِی کُلِّ بَلَدٍ».

ص: 84


1- نهج البلاغة، مصدر سابق، ص 404 - 405

وهذه الوظيفة للدولة في غاية الأهمية لتحقيق غايات المذهبية الإسلامية لأنها تتعلق بإتاحة المستوى الضروري من التمكين الاقتصادي لادامة التطور التكاملي لفئة من الفاعلين الاجتماعيين دون كونهم فاعلين اقتصادین اذ يقول (عليه السلام):

«فَإِنَّ هؤُلَاءِ مِنْ بَینِ الرَّعِیةِ أَحْوَجُ إِلَی الْإِنْصَافِ مِنْ غَیرِهِمْ، وَکُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَی اللَّهِ فِی تَأْدِیةِ حَقِّهِ إِلَیهِ. وَتَعَهَّدْ أَهْلَ الْیتْمِ وَذَوِی الرِّقَّةِ فِی السِّنِّ(1) مِمَّنْ لَاحِیلَةَ لَهُ، وَلَا ینْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ، وَذلِكَ عَلَی الْوُلَاةِ ثَقِیلٌ».

ص: 85


1- ذوو الرقة في السن: المتقدمون فيه

ص: 86

الاستنتاجات والتوصيات

ص: 87

ص: 88

في ضوء النتائج التي توصل إليها البحث يمكن بناء العديد من الاستنتاجات والتوصيات.

الاستنتاجات وأهمها التالي:

1. احتوى العهد على ملامح لصورة متكاملة للمذهبية الإسلامية في أبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية والعقائدية وغيرها، وقد صبت في قالب واحد متكامل يعبر عن المخطط الإسلامي العام لبناء المجتمع الصالح، على أسس الرؤية الكونية الإسلامية والغايات العليا التي تعبر عنها ونظرية العدالة المتولدة منها.

2. يقدم العهد مجموعة مهمة من المفاهيم التي تخدم عملية البناء النظري للمذهب الاقتصادي الإسلامي.

ص: 89

3. يتبين من العهد ملامح العلاقة بين المذهب الاخلاقي الإسلامي والمذهب الاقتصادي وبما يخدم الظهور الموضوعي للمذهب الاقتصادي.

4. يقدم العهد توصيفا لدور الدولة في المذهب الاقتصادي الإسلامي ومنهج الحكم الرشيد أو الصالح بأبعاده المتعددة.

التوصيات

و في ضوء الاستنتاجات أعلاه يمكن تقديم العديد من التوصيات:

1. توظيف ما يكتنزه العهد من مفردات بما تخدم مقاربات أعلى في عملية البناء النظري للمذهب الاقتصادي الإسلامي.

2. الاهتمام العلمي بنتائج البحوث التي تكشف المضامين المعرفية للعهد واعتمادها كأساس لمقاربات علمية جديدة استجابة للحاجات المتجددة في الفكر

ص: 90

الاقتصادي الإسلامي.

3. اعتماد التوصيف الذي قدمه العهد لدور الدولة الاقتصادي في بناء سياسات الحكم الرشيد في البلدان الإسلامية لتوافق العلاقة بين الرؤية الكونية للمجتمع في هذه البلدان ومتضمنات انموذج الحكم الرشيد الذي يقدمه العهد.

ص: 91

ص: 92

مصادر البحث

ص: 93

ص: 94

- القرآن الكريم.

1) أبو عبد الله محمد أبن إدريس الشافعي الأم دار المعرفة بیروت ط 2 1973.

2) أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، فتح الباري في شرح صحيح البخاري، دار الفکر، بیروت، ب ط، ب ت.

3) د. ابراهيم حسين العسل، التنمية في الفكر الإسلامي، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، ط 1، 2006 م،.

4) جعفر عباسي حاجي، المذهب الإقتصادي في الإسلام، الكويت، مكتبة الألفين، ط 1، 1987.

5) جمال الدین محمد بن مکرم، أبو الفضل، ابن منظور، لسان العرب، 1405 ه، دون ذکر معلومات أخرى.

6) فالح حسين أتطور ملكية الأراضي وأصنافها في العصر الأموي أدون ذكر أي معلومات أخرى.

7) د. طالب حسین فارس الكريطي، الاقتصاد الإسلامي والفقر تأصيل نظري لمنهج اقتصاد بلا فقر في المذهب الاقتصادي الإسلامي، مرکز کربلاء للدراسات والبحوث، کربلاء - العراق،

ص: 95

ط 1، 2014 م.

8) الصدر، محمد باقر، اقتصادنا، منشورات مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر (قد)، تحقيق لجنة التحقيق للمؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر (قدس سره)، ط 1، مطبعة شريعة قم، 2004 م.

9) محمد باقر الصدر، خطوط تفصيلية عن اقتصاد المجتمع الإسلامي - ضمن مجموعة الإسلام يقود الحياة، منشورات مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر (قدس سره)، تحقيق لجنة التحقيق للمؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر (قدس سره)، ط 1، مطبعة شريعة قم، طهران إيران، 2001 م.

10) ناصر مکارم الشيرازي، نفحات الولاية، شرح عصري جامع لنهج البلاغة، منشورات مدرسة الامام علي عليه السلام: قم - ایران، ج 10، 1482 ه.

11) محمد باقر الناصري، مع الامام علي عليه السلام في عهده إلى مالك الأشتر، دار التعارف للمطبوعات، بیروت - لبنان، ط 2، 1985.

12) يعقوب أبن إبراهيم، أبو يوسف الخراج، دار المعرفة

ص: 96

للنشر والطباعة، بیروت، لبنان 1979.

13) محمد شوقي الفنجري، الإسلام وعدالة التوزيع الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، ط 1، 1982.

14) محمد علي التسخيري، خمسون درساً في الاقتصاد الإسلامي، المشرق للنشر، طهران، ایران، ط 3، 2003.

15) د. جعفر عباسي حاجي، المذهب الإقتصادي في الإسلام، الكويت، مكتبة الألفين، ط 1، 1987.

16) مرتضى مطهري، الرؤية الكونية التوحيدية، منشورات مؤسسة الثقلين الثقافية، ب ط، 2012 م.

17) محمد عمر شابرا، مستقبل علم الاقتصاد من منظور اسلامي، ترجمة رفيق يونس المصري، دار الفكر والمعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط 1، 2004 م.

18) محمد تقي مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ترجمة: هاسم محمد، ج 1، مؤسسة الهدى، ط 4، 1424 ه.

19) محمد بن الحسن، الحر العاملي، وسائل الشيعة، المكتبة الإسلامية، طهران، ط 1، 1483 ه.

20) طالب حسین فارس الكريطي: العلاقة بين قيمة التسامح

ص: 97

والسياحة الدينية في الاقتصاد الإسلامي والوضعي، تأصيل نظري مفاهيمي في ضوء الاقتصاد الإسلامي ودراسة تطبيقية على عينة من السائحين في محافظة كربلاء المقدسة 2015 م، مجلة السبط، مرکز کربلاء للدراسات والبحوث، العدد الثاني - السنة الأولى، 1437 ه، 2016 م.

21) طالب الكريطي: دور الدولة في المذهب الاقتصادي الإسلامي، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الادارة والاقتصاد - جامعة القادسية، 2004 م.

ص: 98

المحتويات

مقدمة المؤسسة:...5

المقدمة:...9

المبحث الأول: الإطار المنهجي لتوظيف النصوص في البحث العلمي في الفكر الاقتصادي الإسلامي...15

تمهيد:...17

المبحث الثاني: متضمنات العهد من المفردات البنائية لنظرية العدالة والفلسفة العامة للمذهب الاقتصادي الإسلامي...39

أولا: الرؤية الكونية...41

ثانيا: نظرية العدالة...52

المبحث الثالث: متضمنات العهد من المفردات البنائية لدور الدولة في المذهب الاقتصادي الإسلامي...61

أولاً: المفاهيم الأساسية التي تدخل في بناء نظرية دور الدولة في المذهب الاقتصادي الإسلامي:...63

الاستنتاجات والتوصيات...87

مصادر البحث:...93

ص: 99

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.