سند الخصام في ما انتخب من مسند الإمام أحمد بن حنبل المُجَلَد 7

هویة الکتاب

منشورات

مَکْتَبَة و دَار مَخْطُوطَات

العَتَبَةُ العَبَاسِيَةُ المُقَدَّسَةِ

سَنَدُ الْخِصَامِ

في مَا انْتُخِب مِنْ مُسَنَدِ الإِمَامِ اَحْمَدِ بْنِ حَنْبَل

المُستَدْرَك عَلَى حَدِيثِ السَقِيفَةِ

تَألِيفْ

الحُجَّة الشِّيْخ شِير محمّد بْنِ صفَر عَلِى الهَمَدَانِي

بِنَصْفَ

1302 - 1390ه

الجزء السَّابع

تحقيق

اَحْمَد عَلى مَجِيد الحِلى

ضودق عليه من قبل

وحدة التحقيق في مكتبة العتبة العباسية المقدسة

ص: 1

اشارة

العَتَبَةُ العَبَاسِيَةُ المُقَدَّسَةِ

قسم الشؤون الفكرية والثقافية / شعبة المكتبة

كربلاء المقدسة صب ( 233 ) / هاتف: 322600، داخلي: 251

www.alkafeel.net

library@alkafeel.net

abbas_library@yahoo.com

BP / الهمداني جورقاني، شير محمّد بن صفر علي، 1302 - 1390 ق.

118 / سند الخصام في ما انتخب من مسند الامام / تأليف شير محمّد بن صفر علي الهمداني الجورقاني ؛ تحقيق وحدة

23 الف / التحقيق في مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة، أحمد على مجيد اخلي - كربلاء: مكتبة ودارمخطوطات

5019م / العتبة العباسية المقدسة، 1430 ق. = 2009م.

7ج.

المندرجات - ج 7. المستدرك على حديث السقيفة.

المصادر.

1. ابن حنبل، احمد بن محمّد، 164 - 241 ق. مسند الإمام أحمد بن حنبل - مختصر 20. أحاديث أهل السنة - القرن 3 ق. 3. الأربعة عشر معصوم - فضائل - أحاديث أهل السنة. 4. الصحابة - فضائل - أحاديث أهل السنة - القرن 3 ق. 5. أحاديث أحكام. 6. فاطمة الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ)، 13؟ قبل الهجرة - 11 ق. - تعقيب وإيذاء - أحاديث. 7. الهمداني جورقاني، شير محمّد بن صفر علي 13020 - 1390 ق. سند الخصام في ما انتخب من مسند الإمام - تتمة. 8. سقيفة بني ساعدة أحاديث. ألف. ابن حنبل، أحمد بن محمّد 1640 - 241 ق. مسند الإمام احمد بن حنبل، اختصار. ب. الهمداني جورقاني، شير محمّد بن صفر علي 13020- 1390 ق. المستدرك على حديث السقيفة. ج. وحدة التحقيق في مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة. د. الحلي، أحمد علي 1391 - ق. محقق. ه. عنوان و عنوان: مسند الإمام أحمد بن حنبل. اختصار. ر. سند الخصام في ما انتخب من مسند الإمام. تتمة. ح. عنوان: المستدرك على حديث السقيفة

تصنيف مكتبة العتبة العباسية المقدسة وفق النظام العالمي ( L.C.C )

الكتاب: سند الخصام في ما انتخب من مسند الإمام الجزء السَّابع.

المؤلّف : شير محمّد الهمداني الجورقاني (قدّس سِرُّه).

التحقيق: وحدة التحقيق في مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة.

المحقق: أحمد علي مجيد الحلي.

الناشر : مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة.

الإخراج الطباعي والتصميم نوار الحسيني رائد الأسدي.

المطبعة: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات / كربلاء المقدسة - العراق / بيروت-لبنان.

الطبعة: الأولى.

عدد النسخ: 1000.

التاريخ ربيع الأوّل 1430 ه - آذار 2009م.

جمعية خيرية رقمية: مركز خدمة مدرسة إصفهان

محرر: شعبان حاتمی

ص: 2

[بِسْمِ اللّه الْرَّحْمَنِ الْرَّحِیْمِ] (1)

ص: 3


1- هذا الجزء من كتاب سند الخصام - والمتعلّق بحديث السقيفة - ذكره المولّف بعد الجزء الثالث منه كما ذكرنا ذلك في محله.

ص: 4

حديث السقيفة من مسند أحمد بن حنبل

يقول شير محمّد الهمداني: أحببت أن أذكر هنا - حديث السقيفة- فأقول: في الجزء الأوّل من الطبعة الأولى من «مسند الإمام أحمد بن حنبل»، في ص 55 ما هذا لفظه :

حدّثنا عبد اللّه، حدّثني أبي، حدّثنا إسحاق بن عيسى الطباع، حدّثنا مالك بن أنس، حدّثني ابن شهاب، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود:

«إنّ ابن عباس أخبره.... إلى أن قال: وقد بلغني أن قائلاً منكم يقول: لو قد مات عمر (رضیَ اللّهُ عنهُ) بايعت فلاناً، فلا يغترنّ امرؤ أن يقول: إنّ بيعة أبي بكر (رضیَ اللّهُ عنهُ) كانت فلتة، ألا وإنّها كانت كذلك ! ألا وإنّ اللّه (عزّوجلّ) وقى شرها، وليس فيكم اليوم من تُقطَع إليه الأعناق مثل أبي بكر (رضیَ اللّهُ عنهُ)، ألا وإنّه كان من خيرنا حين توفي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، إن علياً والزبير ومن كان معهما تخلّفوا في بيت فاطمة (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وتخلّفت عنا الأنصار بأجمعها في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر (رضیَ اللّهُ عنهُ)، فقلت له: يا أبا بكر، انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار، فانطلقنا نؤمّهم، حتّى لقينا رجلان صالحان، فذكرا لنا الذي صنع القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلت: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا : لا عليكم أن لا تقربوهم، واقضوا أمركم يا معشر المهاجرين، فقلت: واللّه لنأتينّهم، فانطلقنا حتّى جئناهم في سقيفة بني ساعدة (1)، فإذا هم مجتمعون، وإذا بين ظهرانيهم رجل مزمّل (2)، فقلت: من هذا؟ فقالوا سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ قالوا: وجع، فلمّا

ص: 5


1- سقيفة بني ساعدة: بالمدينة، وهي ظلة كانوا يجلسون تحتها.
2- مزمل: أي مغطى مدثر.

جلسنا قام خطيبهم فأثنى على اللّه (عزّوجلّ) بما هو أهله، وقال: أما بعد، فنحن أنصار اللّه (عزّوجلّ)، وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين، رهط منّا، وقد دقّت دافّة منكم يريدون أن يخزلونا من أصلنا، ويحضنونا من الأمر، فلمّا سكت أردت أن أتكلمّ، وكنت قد زوّرت مقالة (1) أعجبتني أردت أن أقولها بين يدي أبي بكر (رضیَ اللّهُ عنهُ)، وقد كنت أداري منه بعض الحد، وهو كان أحلم مني، وأوقر، فقال أبو بكر (رضیَ اللّهُ عنهُ): على رسلك، فكرهت أن أغضبه، وكان أعلم منّي، وأوقر، واللّه ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بديهته وأفضل، حتّى سكت.

فقال: أمّا بعد، فما ذكرتم من خير فأنتم أهله، ولم تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أيّهما شتم، وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح، فلم أكره مما قال غيرها، وكان واللّه إن أُقدِّم فتُضرّب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر (رضیَ اللّهُ عنهُ)، إلا أن تغيّر نفسي عند الموت، فقال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكّك، وعذيقها المرجّب، منّا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش، فقلت لمالك: ما معنى أنا جذيلها المحّكك، وعذيقها المرجّب (2) ؟، قال : كأنه يقول: أنا داهيتها، قال: وكثر اللغط وارتفعت الأصوات، حتّى خشيت الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون، ثمّ بايعه الأنصار، ونزونا (3) على سعد بن عبادة، فقال قائل منهم:

ص: 6


1- زورت في نفسي كلاماً: اي هيات،وأصلحت، والتزوير: إصلاح الشيء.
2- في الأصل: (الجذيل) تصغير الجذل، وهو عود ينصب للإبل الجربي تستشفى بالاحتكاك به. والمحكك: الذي كثر به الاحتكاك حتّى صار مملساً. والعذيق: تصغير العذق وهو النحلة. والمرجب: المدعوم بالرحبة، وهي خشبة ذات شعبتين، وذلك إذا كثر وطال،حمله، ومعنى كلامه أني ذو رأي يشفى بالاستضاعة به كثيراً في مثل هذه الحادثة وأنا في كثرة التحارب والعلم بموارد الأحوال فيها وفي أمثالها ومصادرها كالنخلة الكثيرة الحمل. (الفائق: 181/1، 182).
3- النزو: الوثوب.

قتلتم سعدا! فقلت: قتل اللّه سعداً، وقال عمر (رضیَ اللّهُ عنهُ) : أما واللّه ما وجدنا فيما حضرنا أمراً هو أقوى من مبايعة أبي بكر (رضیَ اللّهُ عنهُ)، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يُحدثوا بعدنا بيعة، فإمّا أن نتابعهم على ما لا نرضى، وإمّا أن نخالفهم، فيكون فيه فساد، فمن بايع أميراً عن غير مشورة المسلمين فلا بيعة له، ولا بيعة للذي بايعه تغرّة أن يقتلا.

قال مالك: وأخبرني ابن شهاب، عن عروة بن الزبير: أنّ الرجلين اللذين لقياهما عويمر بن ساعدة ومعمر بن عدي، قال ابن شهاب وأخبرني سعيد بن المسيّب: أنّ الذي قال: أنا جذيلها المحكّك، وعذيقها المرجب: الحباب بن المنذر». (1)

قصة السقيفة من كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي

وذكر عز الدين ابن أبي الحديد في الجزء الثاني من (شرح النهج) ص 122 طبع مصر، عند شرح قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي... إلخ) [ ما نصه]:

اختلفت الروايات في قصة السقيفة، فالذي تقوله الشيعة - وقد قال قوم من المحدّثين بعضه ورووا كثيراً منه - : إنّ عليا (عَلَيهِ السَّلَامُ) امتنع من البيعة حتّى أخرج كرهاً، وإنّ الزبير بن العوام امتنع من البيعة، وقال: لا أبايع إلّا علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وكذلك أبو سفيان بن حرب، وخالد بن سعيد بن العاص بن أُميّة بن عبد شمس، والعباس بن عبد المطلب وبنوه، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وجميع بني هاشم، وقالوا: إنّ الزبير شهر سیفه، فلما جاء عمر ومعه جماعة من الأنصار،وغيرهم قال في جملة ما قال خذوا سيف هذا فاضربوا به الحجر.

ويقال إنّه: أخذ السيف من يد الزبير فضرب به حجراً فكسره، وساقهم كلهم

ص: 7


1- مسند احمد: 55/1.

بين يديه إلى أبي بكر، فحملهم على بيعته ولم يتخلف إلا علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وحده، فإنّه أعتصم ببيت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فتحاموا (1) إخراجه منه قسراً، وقامت فاطمة إلى باب البيت فأسمعت من جاء يطلبه، فتفرقوا وعلموا أنه بمفرده لا يضر شيئاً، فتركوه.

وقيل: إنّهم أخرجوه فيمن أُخرج وحمل إلى أبي بكر فبايعه.

وقد روى أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري كثيراً من هذا. (2)

فأمّا حديث التحريق وما جرى مجراه من الأمور الفظيعة، وقول من قال: إنّهم أخذوا علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقاد بعمامته والناس حوله، فأمر بعيد، والشيعة تنفرد به على أنّ جماعة من أهل الحديث قد رووا،نحوه وسنذكر ذلك.

وقال أبو جعفر: إنّ الأنصار لمّا فاتها ما طلبت من الخلافة، قالت -أو قال بعضها- : لا نبايع إلا علياً.

وذكر نحو هذا علي بن عبد الكريم المعروف بابن الأثير الموصلي في تاريخه (3)

فأمّا قوله:

«لم يكن لي معين إلا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت».

فقول ما زال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقوله، ولقد قاله عقيب وفاة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، قال :

«لو وجدت أربعين ذوي عزم!».

ذكر ذلك نصر بن مزاحم في كتاب (صفين)، وذكره كثير من أرباب السيرة.

وأمّا الذي يقوله جمهور المحدثين وأعيانهم: فإنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأمتنع من البيعة ستة أشهر، ولزم بيته فلم يبايع حتّى ماتت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)، فلمّا ماتت بايع طوعاً.

ص: 8


1- فتحاموا: اجتنبوها وتوقوها.
2- تاريخ الطبري: 199/3، شرح نهج البلاغة: 21/2.
3- الكامل في التاريخ : 220/2، شرح نهج البلاغة: 21/2.

وفي صحيحي مسلم والبخاري: كانت وجوه الناس إليه وفاطمة باقية بعد، فلمّا ماتت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) انصرفت وجوه الناس عنه، وخرج من بيته فبايع أبا بكر، وكانت مدة بقائها بعد أبيها عليه الصلاة والسلام ستة أشهر. (1)وروى أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في (التاريخ) عن ابن عباس (رَحمهُ اللّه)، قال :

«قال لي عبد الرحمن بن عوف، وقد حججنا مع عمر (2) شهدت اليوم أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بمنى، وقال له رجل (3): إنّي سمعت فلاناً يقول: لو قدمات عمر لبايعت فلاناً، فقال عمر (4) : إنّي لقائم العشيّة في الناس أحذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغتصبوا الناس أمرهم، قال عبد الرحمن فقلت يا أمير المؤمنين، إنّ الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، وهم الذين يقربون من مجلسك ويغلبون عليه، وأخاف أن تقول مقالة لا يعونها ولا يحفظونها فيطيروا بها (5)، ولكن أمهل حتّى تقدم المدينة (6) تخلص بأصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فتقول (7) : [ما قلت متمكناً ]، فيسمعوا (8) مقالتك فقال: واللّه لأقومنّ بها أوّل مقام أقومه بالمدينة.

ص: 9


1- صحيح البخاري: بسنده عن عائشة في كتاب المغازي: 55/3، وصحیح مسلم بسنده أيضاً عن عائشة في كتاب الجهاد والسير: 138/3.
2- صدر الخبر في تاريخ الطبري: عن ابن عباس، قال: كنت أقرى عبد الرحمن بن عوف، قال: فحج عمر وحججنا معه، قال: فإنّي لفي منزل بمنى إذ جاءني عبد الرحمن بن عوف فقال: شهدت.
3- في تاريخ الطبري : (وقام إليه رجل فقال).
4- في تاريخ الطبري: (فقال أمير المؤمنين).
5- في تاريخ الطبري: (وإنهم الذين يغلبون مجلسهم، وإني لخائف إن قلت اليوم مقالة ألا يعوها ولا يحفظوها ولا يضعوها على مواضعها، وأن يطيّرو بها كلّ مطير).
6- في تاريخ الطبري: (دار الهجرة والسنة).
7- في تاريخ الطبري: زيادة.
8- في تاريخ الطبري: (فيعوا).

قال ابن عباس: فلمّا قدمناها هجرت يوم الجمعة الحديث (1) عبد الرحمن، فلمّا جلس على المنبر حمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال (2) بعد أنّ ذكر الرجم وحد الزنا أنه بلغني أنّ قائلاً منكم يقول: لو مات أمير المؤمنين بايعت فلاناً، فلا يغرنّ إمرء أن يقول: إنّ بيعة أبي يكر كانت فلتة، فلقد كانت كذلك، ولكنّ (3) اللّه وقى شرها، وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق كأبي بكر، وإنّه كان من خيرنا حين توفى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، أن علياً والزبير تخلفا عنّا في بيت فاطمة ومن معهما، وتخلّفت عنّا الأنصار، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت له: انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار، فانطلقنا نحوهم، فلقينا رجلان صالحان من الأنصار قد شهدا بدراً: أحدهما عويم بن ساعدة، والثاني معن بن عدب، فقالا لنا: ارجعوا فاقضوا أمركم بينكم (4) فأتينا الأنصار، وهم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة، وبين أظهر هم رجل مزمل فقلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة وجع (5) فقام رجل منهم، فحمد اللّه وأثنى عليه، فقال أما بعد، فنحن الأنصار، وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر قريش رهط نبينا قد دقت إلينا داقة من قومكم(6)، فإذا أنتم تريدون أن تغصبونا الأمر،

ص: 10


1- في تاريخ الطبري (فلمّا قدمنا المدينة، وجاء يوم الجمعة، هجرت للحديث الذي حدّثنيه عبد الرحمن، فوجدت سعيد بن زيد قد سبقني بالتهجير، فجلست).
2- في تاريخ الطبري: (فوجدت سعيد بن زيد قد سبقني بالتهجير، فجلست إلى جنبه عند المنبر، ركبتي إلى ركبته، فلمّا زالت الشمس لم يلبث عمر أن خرج فقلت لسعيد وهو مقبل: ليقولن أمير المؤمنين اليوم على هذا المنبر مقالة لم تقل قبله، فغضب وقال: فأي مقالة يقول لم تقل قبله ! فلما جلس عمر على المنبر أذن المؤذنون، فلمّا قضى المؤذن أذانه قام عمر، فحمد اللّه وأثنى عليه وقال...إلخ).
3- في تاريخ الطبري: (غير أن).
4- بعدها من تاريخ الطبري: (فقلنا واللّه لنأتينّهم).
5- في تاريخ الطبري: (فقلت: ما شأنه؟ قالوا: وجع).
6- الدافة: الجماعة من الناس تقبل من بلد إلى بلد.

فلمّا سكت، وكنت قد زورت في نفسي مقالة أقولها بين يدي أبي بكر (1)، فلمّا ذهبت أتكلّم، قال أبو بكر: على رسلك ! فقام فحمد اللّه وأثنى عليه، فما ترك شيئاً كنت زورت في نفسي إلا جاء به أو بأحسن منه، وقال: يا معشر الأنصار إنّكم لا تذكرون فضلاً إلا وأنتم له أهل، وإنّ العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لقريش أوسط العرب داراً ونسباً، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين - وأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح- واللّه ما كرهت من كلامه غيرها، إن كنت لأقَّدم فتُضرب عنقي فيما لا يقرّبني إلى إثم، أحب إليّ من أن أؤمرّ على قوم فيهم أبو بكر، فلمّا قضى أبو بكر كلامه، قام رجل (2) من الأنصار، فقال: أنا جذيلها المحكّك، وعذيقها المرجّب، منّا أمير ومنكم أمير، وارتفعت الأصوات واللغط، فلمّا خفت الاختلاف، قلت لأبي بكر: ابسط يدك أبايعك فبسط يده فبايعته وبايعه الناس، ثمّ نزونا على سعد بن عبادة، فقال قائلهم قتلتم سعداً ! فقلت: اقتلوه قتله اللّه، وإنا واللّه ما وجدنا أمراً هو أقوى من بيعة أبي بكر، خشيت إن فارقت القوم ولم تكن بيعة، أن يُحدثوا بعدنا بيعة، فأمّا أن نبايعهم على ما لا نرضى أو نخالفهم فيكون فساده.

هذا حديث متفق عليه من أهل السيرة وقد وردت الروايات فيه بزيادات.

روى المدائني قال:

«لمّا أخذ أبو بكر بيد عمر وأبي عبيدة وقال للناس: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، قال أبو عبيدة لعمر: امدد يدك نبايعك، فقال عمر: مالك في الإسلام فهة (3) غيرها، أتقول هذا وأبو بكر حاضر ! (4) ثمّ قال للناس : أيّكم يطيب نفساً أن يتقدم قدمين

ص: 11


1- في تاريخ الطبري: (قال: فلما رأيتهم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ويغصبونا الأمر، وقد كنته زورت في نفس مقالة أقدمها بين يدي أبي بكر).
2- هو الحباب بن المنذر الخزرجي، ذكره الزمخشري في الفائق 181/1، مع ذكر قوله هذا.
3- الفهة: السقطة والجهلة ونحوها.
4- في لسان العرب: 525/13: (أتبايعني وفيكم الصديق ثاني اثنين).

قدمهما رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) للصلاة؟ رضيك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، لديننا، أفلا نرضاك لدنيانا ! ثمّ مد يده إلى أبي بكر فبايعه».

وهذه الرواية هي التي ذكرها قاضي القضاة رحمه اللّه تعالى في كتاب (المغني).

وقال الواقدي في روايته في حكاية كلام عمر:

«و اللّه لأن أقُّدَّم فأنحر كما يُنحر البعير، أحب إليّ من أن أتقدم على أبي بكر».

وقال شيخنا أبو القاسم البلخي: قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ: إنّ الرجل الذي قال: لو قد مات عمر لبايعت فلاناً : عمّار بن ياسر، قال : لو قد مات عمر البايعت علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) فهذا القول هو الذي هاج عمر أن خطب بما خطب به، وقال غيره من أهل الحديث: إنّما كان المعزوم على بيعته لو مات عمر طلحة بن عبيد اللّه.

حديث الفلتة من كتاب شرح نهج البلاغة

فأمّا حديث الفلتة، فقد كان سبق من عمر أن قال:

«إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى اللّه شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه».

وهذا الخبر الذي ذكرناه عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف فيه حديث الفلتة، ولكنّه منسوق على ما قاله أوّلا، ألا تراه يقول: فلا يغرنّ إمرءاً أن يقول: إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة، فلقد كانت كذلك، فهذا يشعر بأنّه قد كان قال من قبل : إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة

وقد أكثر الناس في حديث الفلتة، وذكرها شيوخنا المتكلّمون، فقال شيخنا أبو علي رحمه اللّه تعالى: الفلتة ليست الزلة والخطيئة، بل هي البغتة وما وقع فجأة من غير روية ولا مشاورة... إلخ. (1)

ص: 12


1- شرح نهج البلاغة: 21/2.

بقية قصة السقيفة من كتاب شرح نهج البلاغة

وقال ابن أبي الحديد أيضاً بعد ورقتين: وروى أبو جعفر أيضاً في (التاريخ) (1): «أنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لمّا قبض اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، وأخرجوا سعد بن عبادة، ليولوه الخلافة - وكان مريضاً - فخطبهم ودعاهم إلى إعطائه الرئاسة والخلافة، فأجابوه، ثمّ ترادوا الكلام فقالوا: فإن أبى المهاجرون، وقالوا: نحن أولياؤه وعترته ! فقال قوم من الأنصار : نقول منا أمير ومنكم أمير، فقال سعد: فهذا أوّل الوهن! وسمع عمر الخير فأتى منزل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وفيه أبو بكر، فأرسل إليه أن أخرج إليّ، فأرسل إنّي مشغول فأرسل إليه عمر أن أخرج، فقد حدث أمر لا بد أن تحضره، فخرج فأعلمه الخبر، فمضيا مسرعين نحوهم، ومعهما أبو عبيدة، فتكلّم أبو بكر، فذكر قرب المهاجرين من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وأنّهم أولياؤه وعترته، ثمّ قال: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، لا نفتات عليكم بمشورة، ولا نقضي دونكم الأمور.

فقام الحباب بن المنذر بن الجموح، فقال: يا معشر الأنصار، املكوا عليكم أمركم، فإنّ الناس في ظلّكم، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم، ولا يصدر أحد إلا عن رأيكم، أنتم أهل العزّة والمنعة، وأولو العدد والكثرة، وذوو البأس والنجدة، وإنّما ينظر الناس ما تصنعون، فلا تختلفوا فتفسد عليكم أموركم فإن أبى هؤلاء إلا ما سمعتم فمنّا أمير ومنهم أمير. فقال عمر هيهات لا يجتمع سيفان في غمد، واللّه لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبيّها من غيركم، ولا تمتنع العرب أن تولى أمرها من كانت النبوة منهم، من يناز عنا سلطان محمّد، ونحن أولياؤه وعشيرته، فقال الحباب بن المنذر يا معشر الأنصار، املكوا أيديكم، ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه، فيذهبوا بنصيبكم من هذا

ص: 13


1- تاريخ الطبري: 207/3 مع المحتصار وتصرف.

الأمر، فإن أبوا عليكم فأجلوهم من هذه البلاد، فأنتم أحق بهذا الأمر منهم، فإنّه بأسيافكم دان الناس بهذا الدين أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، أنا أبو شبل في عريسة الأسد، واللّه إن شئتم لنعيدنها جذعة. قال عمر: إذن يقتلك اللّه، قال: بل إياك يقتل، فقال أبو عبيدة: يا معشر الأنصار، إنّكم أوّل من نصر، فلا تكونوا أوّل من بدل،وغير، فقام بشير بن سعد - -والد النعمان بن بشير - فقال: يا معشر الأنصار، ألا إنّ محمّداً من قريش، وقومه أولى به، وأيم اللّه لا يراني اللّه أناز عهم هذا الأمر.

فقال أبو بكر: هذا عمر وأبو عبيدة بايعوا أيهما شئتم فقالا : واللّه لا نتولى هذا الأمر عليك وأنت أفضل المهاجرين، وخليفة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في الصلاة، وهي أفضل الدين، ابسط يدك، فلمّا بسط يده ليبايعاه، سبقها إليه بشير بن سعد فبايعه، فناداه الحباب بن المنذر: يا بشير، غفتك فاق (1) أنفست على ابن عمك الأمارة! (2)، فقال أسيد بن حضير (3) - رئيس الأوس- لأصحابه: واللّه لئن لم تبايعوا ليكونن للخزرج عليكم الفضيلة أبداً، فقاموا فبايعوا أبا بكر، فأنكر على سعد بن عبادة والخزرج ما اجتمعوا عليه، وأقبل الناس يبايعون أبا بكر من كل ّجانب، ثمّ حمل سعد بن عبادة إلى داره، فبقى أياماً، وأرسل إليه أبو بكر،ليبايع، فقال: لا واللّه - حتّى أرميكم بما في كنانتي، وأخضب سنان رمحي، وأضرب بسيفي ما أطاعني، وأقاتلكم بأهل بيتي ومن تبعني، ولو اجتمع معكم الجن والإنس ما بايعتكم حتّى أعرض على ربّي، فقال عمر: لا تدعه حتّى يبايع، فقال بشير بن سعد: إنّه قد لج، وليس بمبايع لكم حتّى يُقتل، وليس بمقتول حتّى يقتل معه أهله

ص: 14


1- قال العلّامة المجلسي في بحار الأنوار 358/28: وفي أكثر النسخ: (غفتك غفاف) بالغين المعجمة، ولم أجد له معنى مناسباً، وفي أكثر الكتب (عقتك عقاق) أي كما عققت الرحم، وقطعتها، عقّتك أرحامك العاقة. وفي رواية ابن قتيبة عافك.
2- بعده كما في تاريخ الطبري: (فقال : لا واللّه، ولكني كرهت أن أنازع قوما حقاً جعله اللّه لهم).
3- في تاريخ الطيري: (ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد وما تدعوا إليه قريش، وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة، فقال بعضهم لبعض، وفيهم أسيد بن حضير...) ثمّ ذكر كلام أسيد.

وطائفة من عشيرته، ولا يضر كم تركه، إنّما هو رجل واحد، فتركوه، وجاءت أسلم فبایعت فقويت بهم جانب أبي بكر، وبايعه الناس».

وفي كتب غريب الحديث في تتمة كلام عمر:

«فأيّما رجل بايع رجلاً بغير مشورة من الناس فلا يؤمر واحد منهما تغرة أن يقتلا».

قالوا غرر تغريراً، وتغرة، كما قالوا حلل تحليلاً وتحلة، وعلل تعليلاً وتعلة وانتصب تغرة ها هنا لأنه مفعول له، ومعنى الكلام أنّه إذا بايع واحد لآخر بغتة عن غیر شورى فلا يؤمر واحد منهما، لأنهما قد غررا بأنفسهما تغرة وعرضاهما لأن يقتلا. (1)

أخبار السقيفة من كتاب السقيفة وفدك لأبي بكر أحمد الجوهري

يقول شير محمّد الهمداني: أورد ابن أبي الحديد أخباراً نقلاً من كتاب (السقيفة) لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري، في هذا الباب، وهو من رجال الحديث ومن الثقات المأمونين. (2)

قال في ص 130 من المجلد الأوّل، طبع مصر وروى أحمد بن عبد العزيز، قال:

«جاء أبو سفيان إلى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال : ولّيتم على هذا الأمر أذل بيت في قريش، أما واللّه لئن شئت لأملأنها الضرورة إلى ملازمة المجلس إلى أن تقوض الناس واحداً فواحدا، فلمّا لم يبق إلا غلمانه وحجابه، دعا بالطعام، فلمّا أكلنا وغسل يديه وانصرف عنه أكثر على أبي فضيل خيلاً ورجلاً، فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : طالما غششت الإسلام وأهله فما ضررتهم شيئاً! لا حاجة لنا إلى خيلك ورجلك... إلخ». (3)

ص: 15


1- شرح نهج البلاغة: 37/2.
2- شرح نهج البلاغة: 60/2.
3- شرح نهج البلاغة: 45/2.

يقول شير محمّد الهمداني: أورد في كتاب (الاستيعاب) في ص 905 نحو هذا الحديث مسنداً.

وروى أحمد بن عبد العزيز، قال:

«لمّا بويع لأبي بكر كان الزبير والمقداد يختلفان في جماعة من الناس إلى علي، وهو في بيت فاطمة، فيتشاورون ويتراجعون أمورهم، فخرج عمر حتّى دخل على فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) :وقال يا بنت رسول اللّه، ما من أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا منك بعد أبيك، وأيم اللّه ما ذاك بما نعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بتحريق البيت عليهم، فلمّا خرج عمر جاءوها، فقالت: تعلمون أنّ عمر جاءني، وحلف لي باللّه إن عدتم ليحرقّن عليكم البيت، وأيم اللّه ليمضينّ لما حلف له، فانصرفوا عنّا راشدين. فلم يرجعوا إلى بيتها، وذهبوا فبايعوا لأبي بكر». (1)

وقال في ص 131 : وروى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز، عن حباب بن يزيد، عن جرير بن المغيرة:

«أنّ سلمان والزبير والأنصار كان هواهم أن يبايعوا علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فلمّا بويع أبو بكر، قال سلمان: أصبتم الخيرة وأخطأتم المعدن».

قال أبو بكر: وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدّثنا علي بن أبي هاشم، قال: حدّثنا عمرو بن ثابت، عن حبيب بن أبي ثابت، قال:

«قال سلمان يومئذ : أصبتم ذا السن منكم، وأخطأتم أهل بيت نبيكم، لو جعلتموها فيهم ما اختلف عليكم اثنان، ولأكلتموها رغدا».

قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز: وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدّثنا إبراهيم ابن المنذر عن ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، قال:

ص: 16


1- شرح نهج البلاغة: 45/2.

«غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير مشورة، وغضب علي والزبير، فدخلا بيت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) معهما السلاح، فجاء عمر في عصابة، منهم أسيد بن حضير، وسلمة بن سلامة بن وقش - وهما من بني عبد الأشهل - فصاحت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)، وناشدتهم اللّه، فأخذوا سيفي علي والزبير، فضربوا بهما الجدار حتّى كسر وهما، ثمّ أخرجها عمر يسوقهما حتّى بايعا، ثمّ قام أبو بكر فخطب الناس، واعتذر إليهم، وقال: إن بيعتي كانت فلتة وقى اللّه شرها... الحديث».

وقال أبو بكر: حدّثني المغيرة بن محمّد المهلبي من حفظه، وعمر بن شبة من كتابه بإسناد رفعه إلى أبي سعيد الخدري، قال: سمعت البراء بن عازب يقول:

«لم أزل لبني هاشم محباً، فلمّا قبض رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) تخوفت أن تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر عن بني هاشم، فأخذني ما يأخذ الواله العجول».

موقف البراء بن عازب وبعض الصحابة من بيعة السقيفة

فقال ابن أبي الحديد: ثمّ ذكر ما قد ذكرناه نحن في أوّل هذا الكتاب في شرح قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«أما واللّه لقد تقمّصها فلان».

وزاد فيه في هذه الرواية:

«فمكثت أكابد ما في نفسي، فلمّا كان بليل، خرجت إلى المسجد، فلمّا صرت فيه تذكرت أنّي كنت أسمع همهمة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالقرآن، فامتنعت من مكاني، فخرجت إلى الفضاء - فضاء بني بياضة - وأجد نفراً يتناجون، فلمّا دنوت منهم سكتوا فانصرفت عنهم، فعرفوني وما أعرفهم، فدعوني إليهم، فأتيتهم، فأجد المقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت، وسلمان الفارسي، وأبا ذر، وحذيفة، وأبا الهيثم بن التيهان، وإذا حذيفة يقول لهم واللّه ليكونن ما أخبرتكم به، واللّه ما كذبت ولا كذبت، وإذا القوم يريدون أن

ص: 17

يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين.

ثمّ قال: ائتوا أبي بن كعب، فقد علم كما علمت قال: فانطلقنا إلى أُبي فضربنا عليه،بابه حتّى صار خلف الباب، فقال: من أنتم ؟ فكلّمه المقداد، فقال: ما حاجتكم؟ فقال له: افتح عليك بابك، فإنّ الأمر أعظم من أن يجري من وراء حجاب، قال: ما أنا بفاتح بابي، وقد عرفت ما جئتم له، كأنكم أردتم النظر في هذا العقد، فقلنا: نعم، فقال: أفيكم حذيفة ؟ فقلنا: نعم، قال: فالقول ما قال وباللّه ما يفتح عني بابي حتّى تجري على ما هي جارية، ولما يكون بعدها شر منها، وإلى اللّه المشتكى، قال: وبلغ الخبر أبا بكر وعمر، فأرسلا إلى أبي عبيدة والمغيرة بن شعبة، فسألاهما عن الرأي، فقال المغيرة أن تلقوا العباس فتجعلوا له في هذا الأمر نصيباً فيكون له ولعقبه فتقطعوا به من ناحية علي ويكون لكم حجّة عند الناس على علي، إذا مال معكم العباس، فانطلقوا حتّى دخلوا على العباس في الليلة الثانية من وفاة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ثمّ ذكر خطبة أبي بكر وكلام عمر وما أجابهما العباس به، وقد ذكرناه فيما تقدم من هذا الكتاب في الجزء الأوّل». (1)

خطبة أبو بكر وكلام عمر وما أجابهما العباس به

يقول شير :محمّد ما ذكره (رضیَ اللّهُ عنهُ) في الجزء الأول في ص 3 طبع مصر، هذا لفظه :

«وقال البراء بن عازب: لم أزل لبني هاشم محباً، فلما قبض رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خفت أن تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر عنهم، فأخذني ما يأخذ الوالهة العجول، مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فكنت أتردد إلى بني هاشم، وهم عند النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في الحجرة، وأتفقد وجوه قريش، فأني كذلك إذ فقدت أبا بكر وعمر، وإذا قائل يقول: القوم في سقيفة بني ساعدة، وإذا قائل آخر يقول: قد بويع أبو بكر،

ص: 18


1- شرح نهج البلاغة: 49/2.

البث وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة، وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمرون بأحد إلا خبطوه، وقدموه فمدوايده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه، شاء ذلك أو أبي، فأنكرت عقلي، وخرجت أشتد حتّى انتهيت إلى بني هاشم والباب مغلق، فضربت عليهم الباب ضرباً عنيفاً، وقلت: قد بايع الناس لأبي بكر بن أبي قحافة.

فقال العباس تربت أيديكم إلى آخر الدهر، أما إنّي قد أمرتكم فعصيتموني، فمكثت أكابد ما في نفسي، ورأيت في الليل المقداد وسلمان وأبا ذر وعبادة بن الصامت وأبا الهيثم ابن التيهان وحذيفة وعمّاراً، وهم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين، وبلغ ذلك أبا بكر وعمر، فأرسلا إلى أبي عبيدة وإلى المغيرة بن شعبة فسألاهما عن الرأي، فقال المغيرة: الرأي أن تلقوا العباس فتجعلوا له ولولده في هذه الإمرة نصيباً، ليقطعوا بذلك ناحية علي بن أبي طالب، فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة والمغيرة، حتّى دخلوا على العباس، وذلك في الليلة الثانية من وفاة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فحمد أبو بكر اللّه وأثنى عليه وقال: إنّ اللّه ابتعث لكم محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) نبياً، وللمؤمنين ولياً، فمنّ اللّه عليهم بكونه بين ظهرانيهم، حتّى أختار له ما عنده، فخلى على الناس أمورهم ليختاروا لأنفسهم متفقين غير مختلفين، فاختاروني عليهم والياً، ولأمورهم راعياً، فتوليت ذلك، وما أخاف بعون اللّه وتسديده وهناً ولا حيرة ولا جبناً، وما توفيقي إلا باللّه عليه توكلت وإليه أنيب، وما أنفك يبلغني عن طاعن يقول بخلاف قول عامة المسلمين، يتخذكم لجأ فتكونون حصنه المنيع، وخطبه البديع، فأما دخلتم فيها دخل فيه الناس، أو صرفتموهم عما مالوا إليه، فقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيباً، ولمن بعدك من عقبك، إذ كنت عم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وإن كان المسلمون قد رأوا مكانك من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ومكان أهلك ثمّ عدلوا بهذا الأمر عنكنم، وعلى رسلكم بني هاشم، فإنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) منّا ومنكم، فاعترض

ص: 19

کلامه،عمر، وخرج إلى مذهبه في الخشونة والوعيد وإتيان الأمر من أصعب جهاته، فقال: أي واللّه وأخرى إنّا لم نأتكم حاجة إليكم، ولكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم فيتفاقم الخطب بكم وبهم فانظروا لأنفسكم ولعامتهم، ثمّ سكت.

فتكلم العباس، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: إنّ اللّه ابتعث محمّداً نبياً، كما وصفت، وولياً للمؤمنين، فمن اللّه به على أمته حتّى اختار له ما عنده، فخلى الناس على أمر هم ليختاروا لأنفسهم مصيبين للحق مائلين عن زيغ الهوى، فإن كنت برسول اللّه طلبت فحقنا أخذت، وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم، ما تقدمنا في أمركم فرطاً، ولا حللنا وسطاً، ولا نزحنا شحطاً، فإن كان هذا الأمر يجب لك بالمؤمنين، فما وجب، إذ كنّا كارهين وما أبعد قولك إنهم طعنوا من قولك أنهم مالوا إليك، وأمّا ما بذلت لنا، فإن يكن حقك اعطيتناه فأمسكه عليك، وإن يكن حق المؤمنين فليس لك أن تحكم فيه، وإن يكن حقنا لم نرض لك ببعضه دون بعض، وما أقول هذا أروم صرفك عما دخلت فيه ولكن للحجّة نصيبها من البيان، وأما قولك: إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) منّا ومنكم، فإنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها، وأمّا قولك: يا عمر، إنّك تخاف الناس علينا، فهذا الذي قدمتموه أوّل ذلك، وباللّه المستعان». (1)

يقول شير محمّد الهمداني: هذه الرواية أوردها سليم بن قيس الهلالي في كتابه بأدنى اختلاف قال:

«سمعت البراء بن عازب يقول : كنت أحب بني هاشم حباً شديداً... إلخ». وكتاب (سليم بن قيس) من الأصول المعتبرة، المشتهرة غاية الاشتهار. (2)

ص: 20


1- شرح نهج البلاغة: 219/1.
2- کتاب سليم بن قيس: 138.

أتراشوني عن ديني ! واللّه لا أقبل منه شيئا !

وقال ابن أبي الحديد ص 133 : وروى أبو بكر، قال: أخبرنا أحمد بن إسحاق بن،صالح قال: حدّثنا عبد اللّه بن عمر، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم ابن محمّد، قال:

«لمّا توفي النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة، فأتاهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، فقال الحباب بن المنذر: منّا أمير ومنكم أمير، إنّا واللّه ما ننفس هذا الأمر عليكم أيها الرهط، ولكنّا نخاف أن يليه بعدكم من قتلنا أبناءهم وآباءهم وإخوانهم، فقال عمر ابن الخطاب إذا كان ذلك قمت إن استطعت، فتكلم أبو بكر فقال: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، والأمر بيننا نصفان كشق الأبلمة، فبويع، وكان أوّل من بايعه بشير بن سعد والد النعمان بن بشير، فلما اجتمع الناس على أبي بكر قسم قسماً بين نساء المهاجرين والأنصار، فبعث إلى امرأة من بني عدي بن النجار قسمها مع زيد بن ثابت، فقالت: ما هذا؟ قال: قسم قسمه أبو بكر للنساء، قالت أتراشوني عن ديني ! واللّه لا أقبل منه شيئاً! فردّته عليه». (1)

أخبار حرق الدار من كتب أهل السنة

في الجزء الثاني من الشرح ص 134 طبع مصر، قال أبو بكر: وحدّثني أبو زيد عمر ابن شبة قال: حدّثنا أحمد بن معاوية قال: حدّثني النضر بن شميل قال: حدّثنا محمّد بن عمرو، عن سلمة بن عبد الرحمن قال:

ص: 21


1- شرح نهج البلاغة 51/2. والأبلمة بضم الهمزة واللام وفتحهما وكسر هما: خوصة المقل، وهمزتها زائدة، يقول: نحن وإياكم في الحكم سواء، لا فضل لأمور على مأمور، كالخوصة إذا شقت إثنتين متساويتين.

«لما جلس أبو بكر على المنبر كان علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) والزبير وناس من بني هاشم في بيت فاطمة، فجاء عمر إليهم فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم... الحديث». (1)

قال أبو بكر: وقد روي في رواية أخرى:

«أنّ سعد بن أبي وقاص كان معهم في بيت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) والمقداد بن الأسود أيضاً وأنّهم اجتمعوا على أن يبايعوا عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت، فخرج إليه الزبير بالسيف، وخرجت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) تبكي وتصيح... الحديث». (2)

واللّه لا أكلم عمر حتّى ألقى اللّه

قال أبو بكر: وحدّثنا أبو زيد عمر بن شبة قال: أخبرنا أبو بكر الباهلي قال: حدّثنا إسماعيل بن مجالد عن الشعبي قال:

«سأل أبو بكر فقال: أين الزبير ؟ فقيل: عند علي وقد تقلّد سيفه، فقال: فقم يا عمر، قم يا خالد بن الوليد انطلقا حتّى تأتياني بهما، فانطلقا فدخل عمر وقام خالد على باب البيت من خارج، فقال عمر للزبير: ما هذا السيف؟ فقال: نبايع علياً، فإخترطه عمر فضرب به حجراً فكسره، ثمّ أخذ بيد الزبير فأقامه ثمّ دفعه، وقال: يا خالد دونکه. فأمسكه، ثمّ قال لعلي: قم فبايع لأبي بكر، فتلكأ وأحتبس فأخذ بيده وقال: قم فأبي أن يقوم، فحمله ودفعه كما دفع الزبير، فأخرجه، ورأت فاطمة ما صنع بهما، فقامت على باب الحجرة، وقالت: يا أبا بكر، ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ! واللّه لا أكلّم عمر حتّى القى اللّه... الحديث». (3)

ص: 22


1- شرح نهج البلاغة 056/2.
2- شرح نهج البلاغة: 56/2.
3- شرح نهج البلاغة: 57/2.

يقول شير محمّد: وأورده في الجزء السادس من (شرح النهج) ص19 بهذا السند وفيه هكذا:

«ودفعه كما دفع الزبير، ثمّ أمسكها خالد، وساقها عمر ومن معه سوقاً عنيفاً، واجتمع الناس ينظرون، وامتلأت شوارع المدينة بالرجال، ورأت فاطمة ما صنع عمر، فصرخت وولولت، واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهنّ، فخرجت إلى باب حجرتها ونادت يا أبا بكر، ما أسرع ما أخرتم على أهل بيت رسول اللّه ! واللّه لا أكلم عمر حتّى ألقى اللّه... الحديث». (1)

بقية أخبار السقيفة من كتاب السقيفة وفدك

قال أبو بكر: وحدّثنا أبو زيد، قال حدّثنا محمّد بن حاتم، قال: حدّثنا الحرامي قال: حدّثنا الحسين بن زيد، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن ابن عباس، قال:

«مرّ عمر بعلي وعنده ابن عباس بفناء داره، فسلّم فسألاه: أين تريد؟ فقال: مالي بينبع، قال علي: أفلا نصل جناحك ونقوم معك ؟ فقال : بلى، فقال لابن عباس قم معه قال: فشبّك أصابعه في أصابعي، ومضى حتّى إذا خلفنا البقيع، قال: يا بن عباس أما واللّه، إن كان صاحبك هذا أولى الناس بالأمر بعد وفاة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلا أنّا خفناه على اثنتين قال ابن عباس فجاء بمنطق لم أجد بدأ معه من مسألته عنه، فقلت: يا أمير المؤمنين ما هما؟ قال: خشيناه على حداثة سنه وحبه بني عبد المطلب». (2)

قال أبو بكر وأخبرنا أبو زيد، قال: حدّثنا عبد العزيز بن الخطاب، قال: حدّثنا علي ابن هشام مرفوعاً إلى عاصم بن عمرو بن قتادة، قال:

ص: 23


1- شرح نهج البلاغة: 49/6.
2- شرح نهج البلاغة: 57/2.

«لقي علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) عمر، فقال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ): أنشدك اللّه ! هل أستخلفك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟ قال: لا، قال: فكيف تصنع أنت وصاحبك؟ قال: أما صاحبي فقد مضى لسبيله، وأمّا أنا فسأخلعها من عنقي إلى عنقك. فقال: جدع اللّه أنف من ينقذك منها ! لا ولكن جعلني اللّه علما، فإذا قمت فمن خالفني ضل». (1)

وقال ابن أبي الحديد في الجزء السادس من الشرح ص 5 طبع مصر، فيما نقله من أحمد بن عبد العزيز الجوهري:

«وذهب عمر ومعه عصابة إلى بيت فاطمة، منهم أسيد بن حضير، وسلمة بن أسلم، فقال لهم: انطلقوا فبايعوا فأبوا عليه، وخرج إليهم الزبير بسيفه فقال عمر: عليكم الكلب، فوثب عليه سلمة بن أسلم، فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار، ثمّ انطلقوا به وبعلي ومعهما بنو هاشم، وعلي يقول: أنا عبد اللّه وأخو رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، حتّى انتهوا به إلى أبي بكر فقيل :له بايع، فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم لا أبا يعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول اللّه، فأعطوكم المقادة، وسلّموا إليكم الإمارة، وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار فأنصفونا إن كنتم تخافون اللّه من أنفسكم واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم، وإلا فبؤوا بالظلم وأنتم تعلمون، فقال عمر: إنّك لست متروكاً حتّى تبايع، فقال له علي: أحلب يا عمر حلباً لك شطره اشدد له اليوم أمره ليرد عليك غداً! ألا واللّه لا أقبل قولك ولا أبايعه، فقال له أبو بكر فإن لم تبايعني لم أكرهك، فقال له أبو عبيدة: يا أبا الحسن، إنّك حديث السن، وهؤلاء مشيخة قريش قومك، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور، ولا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر منك، وأشد احتمالآله، واضطلاعاً به فسلّم له هذا الأمر وارض به، فإنّك إن تعش ويطل عمرك فأنت لهذا

ص: 24


1- شرح نهج البلاغة: 58/2.

الأمر خليق وبه حقيق في فضلك وقرابتك، وسابقتك وجهادك، فقال علي: يا معشر المهاجرين اللّه اللّه ! لا تخرجوا سلطان محمّد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه، فواللّه يا معشر المهاجرين، لنحن أهل البيت - أحق بهذا الأمر منكم، أما كان منا القارئ لكتاب اللّه الفقيه في دين اللّه، العالم بالسنّة، المضطلع بأمر الرعية !واللّه إنّه لفينا، فلا تتبعوا الهوى، فتزدادوا من الحق بعداً. فقال بشير ابن سعد: لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا علي قبل بيعتهم لأبي بكر، ما اختلف عليك اثنان، ولكنّهم قد بايعوا، وانصرف علي إلى منزله، ولم يبايع، ولزم بيته حتّى ماتت فاطمة فبايع». (1)

وقال أحمد بن عبد العزيز الجوهري أيضاً حدّثنا أحمد وقال: حدّثنا ابن عفير، قال: حدّثنا أبو عوف عبد اللّه بن عبد الرحمن، عن أبي جعفر محمّد بن علي (رضیَ اللّهُ عنهُ) :

«أنّ علياً حمل فاطمة على حمار، وسار بها ليلاً إلى بيوت الأنصار، يسألهم النصرة، وتسألهم فاطمة الانتصار له، فكانوا يقولون: يا بنت رسول اللّه قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، لو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به. فقال علي: أكنت أترك رسول اللّه ميتاً في بيته لا أجّهزه، وأخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه! وقالت فاطمة: ما صنع أبو حسن إلا ما كان ينبغي له، وصنعوا هم ما اللّه حسبهم عليه».

وقال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز وحدّثنا أحمد، قال: حدّثني سعيد بن كثير، قال: حدّثني ابن لهيعة:

«أنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لمّا مات وأبو ذر غائب، وقدم - وقد ولى أبو بكر - فقال: أصبتم قناعة، وتركتم قرابة، لو جعلتم هذا الأمر في أهل بيت نبيكم لما اختلف عليكم اثنان». (2)

ص: 25


1- شرح نهج البلاغة: 11/6.
2- شرح نهج البلاغة: 13/6.

وقال ابن أبي الحديد في الجزء السادس من الشرح ص 18 أيضاً وقال أبو بكر: وحدّثني أبو الحسن علي بن سليمان النوفلي، قال: سمعت أبياً يقول:

«ذكر سعد بن عبادة يوماً علياً بعد يوم السقيفة، فذكر أمراً من أمره نسيه أبو الحسن، يوجب ولايته، فقال له ابنه قيس بن سعد: أنت سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، يقول هذا الكلام في علي بن أبي طالب، ثمّ تطلب الخلافة ويقول أصحابك منا أمير ومنكم أميرا لا كلّمتك واللّه من رأسي بعد هذا كلمة أبداً». (1)

قال أبو بكر: وحدّثنا علي بن جرير الطائي، قال: حدّثنا ابن فضل، عن الأجلح، عن حبيب بن ثعلبة بن يزيد قال: سمعت علياً يقول:

«أما وربّ السماء والأرض - ثلاثاً - إنّه لعهد النبي الأمي إليّ: لتغدرنّ بك الأمة من بعدي». (2)

قال أبو بكر: وحدّثنا أبو زيد عمر بن شبة بإسناد رفعه إلى ابن عباس قال:

«إنّي لأماشي عمر في سكة من سكك المدينة، يده في يدي، فقال: يا بن عباس، ما أظن صاحبك إلا مظلوماً، فقلت في نفسي: واللّه لا يسبقني بها، فقلت: يا أمير المؤمنين، فاردد إليه ظلامته، فانتزع يده من يدي، ثمّ مرّ يهمهم ساعة ثمّ وقف، فلحقته فقال لي: يا بن عباس، ما أظن القوم منعهم من صاحبك إلا أنهم استصغروه، فقلت في نفسي: هذه شر من الأولى، فقلت: واللّه ما استصغره اللّه حين أمره أن يأخذ سورة براءة من أبي بكر». (3)

يقول شير محمّد: قال ابن أبي الحديد في الجزء السادس عشر من شرح النهج ص 78 طبع مصر: فيما ورد من الأخبار والسير المنقولة من أفواه أهل الحديث وكتبهم، لا

ص: 26


1- شرح نهج البلاغة: 44/6.
2- شرح نهج البلاغة: 45/6.
3- شرح نهج البلاغة: 45/6.

من كتب الشيعة ورجالهم... إلى أن قال: وجميع ما نورده في هذا الفصل من كتاب أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في السقيفة وفدك... إلى أن قال: وأبو بكر الجوهري هذا عالم محدّث كثير الأدب، ثقة،ورع، أثنى عليه المحدّثون، ورووا عنه مصنفاته. (1)

وقال في ص 87: واعلم إنا إنّما نذكر في هذا الفصل ما رواه رجال الحديث وثقاتهم وما أودعه أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتابه وهو من الثقات الأمناء عند أصحاب الحديث. (2)

أخبار السقيفة من كتاب الاحتجاج

وفي كتاب (الاحتجاج) للعالم الجليل أحمد بن أبي طالب الطبرسي (رضیَ اللّهُ عنهُ)، ما هذا لفظه: وعن عبد اللّه بن عبد الرحمن قال:

«ثمّ إنّ عمر إحتزم بإزاره وجعل يطوف بالمدينة وينادي: ألا إنّ أبا بكر قد له فهلموا إلى البيعة، فيتثال (3) الناس يبايعون، فعرف أن جماعة في بيوت مستترون، بويع فكان يقصدهم في جمع كثير ويكبسهم (4) ويحضر هم المسجد، فيبايعون حتّى إذا مضت أقبل في جمع كثير إلى منزل علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فطالبه بالخروج فأبى، فدعا عمر بحطب ونار وقال: والذي نفس عمر بيده ليخرجن أو لأحرقته على ما فيه، فقيل له: إنّ فاطمة بنت رسول اللّه وولد رسول اللّه وأثارة (5) رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فيه، وأنكر الناس ذلك من قوله، فلمّا عرف إنكارهم قال ما بالكم أتروني فعلت ذلك إنّما أردت التهويل، فراسلهم علي أن ليس إلى

ص: 27


1- شرح نهج البلاغة: 0210/16.
2- شرح نهج البلاغة: 234/16.
3- الثال الناس: انصبوا واجتمعوا.
4- قال المؤلّف: في نسخة بدل (ويكسبهم).
5- كذا في الأصل والأثارة: بمعنى البقية، وقال المؤلّف: في نسخة بدل (آثار).

خروجي حيلة لأني في جمع كتاب اللّه الذي قد نبذتموه وألهتكم الدنيا عنه، وقد حلفت أن لا أخرج من بيني ولا أدع ردائي على عاتقي حتّى أجمع القرآن. قال وخرجت فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إليهم فوقفت على خلف الباب، ثمّ قالت: لا عهد لي بقوم أسوء محضراً منكم ترکتم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم فيما بينكم ولم تؤمّرونا ولم تروا لنا حقاً، كأنّكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم، واللّه لقد عقد له يومئذ لواء (1) ليقطع منكم بذلك منها الرجاء، ولكنكم قطعتم الأسباب بينكم وبين نبيكم واللّه حسیب (2)بيننا وبينكم في الدنيا والآخرة». (3)

طرف مما جرى بعد وفاة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في أمر الخلافة

وفي كتاب (الاحتجاج) للشيخ الطبرسي (رضیَ اللّهُ عنهُ)، ما هذا لفظه ذكر طرف مما جرى بعد وفاة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لهم من اللجاج والحجاج في أمر الخلافة من قبل من استحقها ومن لم يستحق، والإشارة إلى شيء من إنكار من أنكر على من تأمر على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) تأمره وكيد من كاده من قبل ومن بعد.

عن أبي المفضل محمّد بن عبد اللّه الشيباني بإسناده الصحيح عن رجال ثقة عن ثقة:

«أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خرج في مرضه الذي توفي فيه إلى الصلاة متوكئاً على الفضل بن عباس وغلام له يقال له ثوبان - وهي الصلاة التي أراد التخلف عنها لثقله - ثمّ حمل على نفسه وخرج، فلمّا صلى عاد إلى منزله فقال لغلامه أجلس على الباب، ولا تحجب أحداً من الأنصار، وتجلاه الغشي، وجاءت الأنصار فأحدقوا بالباب وقالوا: استأذن لنا على رسول

ص: 28


1- قال :المؤلف: في نسخة بدل (الولاء).
2- قال المؤلّف: في نسخة بدل (حسيبا).
3- الاحتجاج: 105/1.

اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فقال : هو مغشي عليه وعنده نساؤه، فجعلوا يبكون فسمع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) البكاء فقال: من هؤلاء؟ قالوا: الأنصار. فقال: من ها هنا من أهل بيتي؟ قالوا علي والعباس، فدعاهما وخرج متوكناً عليهما فاستند إلى جذع من أساطين مسجده - وكان الجذع جريد نخل - فاجتمع الناس وخطب فقال في كلامه معاشر الناس، إنه لم يمت نبي قط إلا خلف تركة، وقد خلفت فيكم الثقلين كتاب اللّه، وأهل بيتي ألا فمن ضيّعهم ضيّعه اللّه، ألا وإنّ الأنصار كرشي وعيبتي (1) التي آوي إليها، وإنّي أوصيكم بتقوى اللّه والإحسان إليهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم. ثمّ دعا أسامة بن زید فقال: سر على بركة اللّه والنصر والعافية حيث أمرتك بمن أمرتك عليه - وكان (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد أمّره على جماعة من المهاجرين والأنصار فيهم أبو بكر وعمر وجماعة من المهاجرين الأوّلين - وأمره أن يغير على مؤتة واد في فلسطين(2).

فقال له أسامة بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه، أتأذن لي في المقام أياماً حتّى يشفيك اللّه، فإنّي متى خرجت وأنت على هذه الحالة خرجت وفي قلبي منك قرحة، فقال: أنفذ يا أسامة لما أمرتك فإنّ القعود عن الجهاد لا يجب في حال من الأحوال. قال: فبلغ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّ الناس طعنوا في عمله فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : بلغني أنكم طعنتم في عمل أسامة وفي عمل أبيه من قبل، وأيم اللّه إنّه لخليق للإمارة، وإنّ أباء كان خليقاً لها، وإنّه وأباه من أحب الناس إلي فأوصيكم به خيراً، فلئن قلتم في إمارته لقد قال قائلكم في إمارة أبيه. ثمّ دخل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بيته، وخرج أسامة من يومه حتّى عسكر على رأس فرسخ من المدينة،

ص: 29


1- الكرش: الجماعة من الناس وعيال الرجل، وصغار أولاده. والعيبة ما يجعل فيه الثياب، وعيبة الرجل: موضع سره.
2- مؤتة: قرية من قرى البلقان في حدود الشام، وقيل إنها من مشارف الشام على اثني عشر ميلاً من أذرح، بها قبر جعفر بن أبي طالب، وزيد بن أبي حارثة، وعبد اللّه بن رواحة على كلّ قيم منها بناء منفرد. (مراصد الاطلاع (1330/3).

ونادى منادي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أن لا يتخلف عن أسامة أحد ممن أمّرته عليه، فلحق الناس به، وكان أوّل من سارع إليه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح، فنزلوا في رقاق (1) واحد مع جملة أهل العسكر، قال: وثقل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فجعل الناس ممن لم يكن في بعث أسامة يدخلون عليه أرسالاً (2)، وسعد بن عبادة يومئذ شاك (3)، وكان لا يدخل أحد من الأنصار على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلا انصرف إلى سعد يعوده.

قال: وقبض رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقت الضحى من (4) يوم الاثنين، بعد خروج أسامة إلى معسكره بيومين، فرجع أهل العسكر، والمدينة قد رجفت بأهلها، فأقبل أبو بكر على ناقة حتّى وقف على باب المسجد فقال: أيها الناس ما لكم تموجون (5) إن كان محمّد قدمات فرب محمّد لم يمت «وَمَا محمّد إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبله الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلَبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّه شَيْئًا»(6)، [قال]: ثمّ اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة، وجاؤا به إلى سقيفة بني ساعدة، فلمّا سمع بذلك عمر أخبر بذلك أبا بكر فمضيا مسرعين إلى السقيفة، ومعهما أبو عبيدة بن الجراح، وفي السقيفة خلق كثير من الأنصار وسعد بن عبادة بينهم مريض، فتنازعوا الأمر بينهم، قال الأمر إلى أن قال أبو بكر في آخر كلامه للأنصار: إنها أدعوكم إلى أبي عبيدة ابن الجراح أو عمر، وكلاهما قد رضيت لهذا الأمر وكلاهما أراهما له أهلا. فقال عمر

ص: 30


1- الرقاق: الصحراء والأرض المستوية اللينة التراب تحته صلابة وقيل التي نضب عنها الماء، وقيل اللينة المتسعة.
2- ارسالا: أي قطائع مجتمعين.
3- أي مريض.
4- قال المؤلّف: في نسخة بدل (في).
5- تموجون: تختلف أموركم وتضطربون.
6- سورة آل عمران: 0144

وأبو عبيدة: ما ينبغي لنا أن نتقدّمك يا أبا بكر وأنت أقدمنا إسلاماً، وأنت صاحب الغار، وثاني اثنين، فأنت أحق بهذا الأمر وأولى به.

فقال :الأنصار: نحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منّا ولا منكم، فنجعل منّا أميراً ومنكم أميراً، ونرضى به على أنّه إن هلك اخترنا آخر من الأنصار، فقال أبو بكر بعد أن مدح المهاجرين: وأنتم يا معشر الأنصار، ممن لا ينكر فضلهم، ولا نعمتهم العظيمة في الإسلام، رضيكم اللّه أنصاراً لدينه، وكهفاً لرسوله، وجعل إليكم مهاجرته، وفيكم محل أزواجه، فليس أحد من الناس بعد المهاجرين الأولين بمنزلتكم، فهم الأمراء وأنتم الوزراء. فقال الحباب بن المنذر الأنصاري يا معشر الأنصار، أمسكوا على أيديكم، فإنّها الناس في فيئكم وظلالكم، ولن يجترئ مجتر على خلافكم ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم، وأثنى على الأنصار ثمّ قال: فإن أبى هؤلاء تأميركم عليهم فلسنا نرضى بتأميرهم (1) علينا، ولا نقنع بدون أن يكون منا أمير ومنهم أمير. فقام عمر بن الخطاب فقال : هيهات لا يجتمع سيفان في عمد واحد، إنّه لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم، ولكنّ العرب لا تمنع (2) أن تولّي أمرها من كانت النبوة فيهم وأولو الأمر منهم، ولنا بذلك على من خالفنا الحجّة الظاهرة والسلطان البين، فيما ينازعنا سلطان محمّد، ونحن أولياؤه وعشيرته، إلا مدلّ بباطل أو متجانف بإثم (3) أو متورط في الهلكة محب للفتنة.

فقام الحباب بن المنذر ثانية فقال: يا معشر الأنصار، أمسكوا على أيديكم، ولا تسمعوا مقال هذا الجاهل وأصحابه، فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر، وإن أبوا أن يكون

ص: 31


1- قال المؤلّف: في نسخة بدل (بتأمرهم).
2- قال المؤلّف: في نسخة بدل (لا تمتنع).
3- المدل : الذي يقيم الدليل على مدعاه والمدل باطل: الذي استدل بباطل والمتحائف: المائل عن الحق.

منّا أمير ومنهم أمير فاجلوهم عن بلادكم وتولوا هذا الأمر عليهم، فأنتم واللّه أحق به منهم، فقد دان بأسيافكم قبل هذا الوقت من لم يكن يدين بغيرها، وأنا جذيلها المحكّك وعذيقها المرجّب، واللّه لئن أحد رد قولي لأحطمنّ أنفه بالسيف. قال عمر بن الخطاب: فلمّا كان حباب (1) هو الذي يجيبني لم يكن لي معه كلام، فإنّه جرت بيني وبينه منازعة في حياة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فنهاني رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عن مهاترته (2) فحلفت أن لا أكلمه أبداً، ثمّ قال لأبي عبيدة: تكلّم، فقام أبو عبيدة بن الجراح وتكلّم بكلام كثير، وذكر فيه فضائل الأنصار، وكان بشير بن سعد سيداً من سادات الأنصار، لما رأى اجتماع الأنصار على سعد بن عبادة لتأميره حسده وسعى في إفساد الأمر عليه وتكلّم في ذلك ورضي بتأمير قريش وحثّ الناس كلهم لاسيما الأنصار على الرضا، بما يفعله المهاجرون، فقال أبو بكر: هذا عمر وأبو عبيدة شيخان من قريش فبايعوا أيهما شئتم فقال عمر وأبو عبيدة: ما نتولى هذا الأمر عليك امدد يدك نبايعك. فقال بشير بن سعد وأنا ثالثكما - وكان سيد الأوس، وسعد بن عبادة سيد الخزرج - فلمّا رأت الأوس صنيع سيدها بشير وما دعت إليه الخزرج من تأمير سعد أكبوا على أبي بكر بالبيعة، وتكاثروا على ذلك وتزاحموا، فجعلوا يطأون سعداً من شدّة الزحمة، وهو بينهم على فراشه مريض. فقال: قتلتم في. قال عمر: اقتلوا سعداً قتله اللّه، فوثب قيس بن سعد فأخذ بلحية عمر وقال: و اللّه يا بن صحاك (3) الجبان في الحرب الفرّار، الليث في الملأ والأمن، لو حركت منه شعرة ما رجعت وفي وجهك واضحة (4). فقال أبو بكر: مهلاً با عمر مهلاً فإنّ الرفق أبلغ وأفضل.

ص: 32


1- قال المؤلّف: في نسخة بدل (الحباب).
2- المهاترة: مأخوذة من الهتر، وهو السقط في الكلام والخطأ فيه.
3- كذا ضبطه المؤلّف رحمه اللّه يحسب النساحة التي اعتمدها والمشهور: (صهاك).
4- الواضحة: الأسنان التي تبدو عند الضحك.

فقال سعد: يا بن صحاك - وكانت جدّة عمر حبشية - أما واللّه لو أنّ لي قوة على النهوض لسمعتها مني في سككها زئيراً أزعجك وأصحابك منها ولا لحقتكما بقوم كنتها فيهم أذناباً أذلاء تابعين غير متبوعين لقد اجتر أنما، ثمّ قال للخزرج: احملوني من مكان الفتنة، فحملوه وادخلوه منزله، فلما كان بعد ذلك بعث إليه أبو بكر أن قد بايعَ الناس فبايع، فقال: لا واللّه حتّى أرميكم بكلّ سهم في كنانتي، وأخضب منكم سنان رمحي، وأضربكم بسيفي ما أقلت يدي، فأقاتلكم بمن تبعني من أهل بيتي وعشيرتي، ثمّ وأيم اللّه لو اجتمع الجن والأنس عليّ لما بايعتكما أيها الغاصبان، حتّى أعرض على ربي واعلم ما حسابي، فلمّا جاءهم كلامه قال عمر: لابد من بيعته فقال بشير بن سعد: إنّه قد أبى ولجّ وليس بمبايع أو يقتل، وليس بمقتول حتّى يقتل معه الخزرج والأوس، فاتركوه فليس تركه بضائر، فقبلوا قوله وتركوا سعداً، فكان سعد لا يصلي بصلاتهم ولا يقضي بقضائهم، ولو وجد أعواناً لصال بهم ولقاتلهم، فلم يزل كذلك مدة ولاية أبي بكر حتّى هلك أبو بكر، ثمّ ولّى عمر وكان كذلك، فخشي سعد غائلة عمر فخرج إلى الشام فمات بحوران (1) في ولاية عمر ولم يبايع أحداً، وكان سبب موته أن رُمي بسهم في الليل فقتله، وزُعم أن الجن،رموه، وقيل أيضاً: أن محمّد بن سلمة الأنصاري تولّى ذلك بجعل جعل له عليه، وروي أنه تولّى ذلك المغيرة بن شعبة، وقيل: خالد بن الوليد.

قال: وبايع جماعة الأنصار ومن حضر من غيرهم، وعلي بن أبي طالب مشغول بجهاز رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فلما فرغ من ذلك وصلى على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والناس يصلّون عليه، من بايع أبا بكر ومن لم يبايع جلس في المسجد، فاجتمع عليه (2) بنو هاشم ومعهم الزبير بن

ص: 33


1- حَوران: كورة واسعة من أعمال دمشق في القبلة ذات قرى كثيرة ومزارع قصبتها بصري، ومنها أذرعات وزرع وغيرهما (مراصد الاطلاع: 435/1).
2- قال المؤلّف: في نسخة بدل (إليه).

العوام، واجتمعت بنو أميّة إلى عثمان بن عفان وبنو زهرة إلى عبد الرحمن بن عوف فكانوا في المسجد كلّهم مجتمعين إذ أقبل أبو بكر ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح، فقالوا: ما لنا نراكم خلقاً شتى قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته الأنصار والناس، فقام عثمان وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما فبايعوا وانصرف علي وبنو هاشم إلى منزل علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومعهم الزبير قال فذهب إليهم عمر في جماعة ممن بايع فيهم أسيد بن حصين وسلمة ابن سلامة فألفوهم مجتمعين، فقالوا لهم بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس، فوثب الزبير إلى سيفه فقال عمر: عليكم بالكلب العقور فاكفونا،شره، فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره، وأحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم ومضوا بجماعتهم إلى أبي بكر، فلما حضروا قالوا بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس، وأيم اللّه لئن أبيتم ذلك لنحاكمنكم بالسيف، فلما رأى ذلك بنو هاشم أقبل رجل رجل فجعل يبايع حتّى لم يبق ممن حضر إلا علي بن أبي طالب، فقالوا له بايع أبا بكر.

فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنا أحق بهذا الأمر منه وانتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من الرسول وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً، ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فأعطوكم المقادة وسلّموا لكم الإمارة، وأنا احتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، أنا أولى برسول اللّه حياً وميتاً، وأنا وصيه ووزيره ومستودع سره وعلمه، وأنا الصديق الأكبر والفاروق الأعظم أوّل من آمن به وصدّقه، وأحسنكم بلاءاً في جهاد المشركين، وأعرفكم بالكتاب والسنّة، وأفقهكم في الدين، وأعلمكم بعواقب الأمور، وأذربكم لساناً (1)، واثبتكم جناناً، فعلام تنازعونا هذا الأمر؟ أنصفونا إن كنتم تخافون اللّه من أنفسكم، واعرفوا لنا الأمر مثل ما عرّفته لكم الأنصار، وإلا فبوؤا بالظلم والعدوان وأنتم تعلمون

ص: 34


1- الذرب ككتف: حديدة الأسكاف التي يقطع بها، وقرب اللسان حديده.

فقال عمر: يا علي، أما لك بأهل بيتك أسوة؟ فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سلوهم عن ذلك، فابتدر القوم الذين بايعوا من بني هاشم فقالوا: واللّه ما بيعتنا لكم بحجّة على علي، ومعاذ اللّه أن نقول إنا نوازيه في الهجرة وحسن الجهاد والمحل من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فقال عمر: إنك لست متروكاً حتّى تبايع طوعاً أو كرهاً، فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أحلب حلباً لك شطره، اشدد له اليوم ليرد عليك غداً، إذا واللّه لا أقبل قولك ولا أحفل بمقامك ولا أبايع، فقال أبو :بكر مهلاً يا أبا الحسن ما نشك عليك (1) ولا نكرهك، فقال أبو عبيدة إلى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال : يا ابن عم، لسنا ندفع قرابتك ولا سابقتك ولا علمك ولا نصرتك، ولكنّك حدث السن - وكان لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يومئذ ثلاث وثلاثون سنة - وأبو بكر شيخ من مشايخ قومك، وهو أحمل لثقل هذا الأمر، وقد مضى الأمر بما فيه فسلم له، فإن عمّرك اللّه يسلّموا هذا الأمر إليك، ولا يختلف فيك اثنان بعد هذا إلا وأنت به خليق وله حقيق، ولا تبعث الفتنة في أو ان الفتنة، فقد عرفت ما في قلوب العرب وغيرهم عليك.

فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا معاشر المهاجرين والأنصار، اللّه اللّه لا تنسوا عهد نبيكم إليكم في أمري، ولا تخرجوا سلطان محمّد من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم، ولا تدفعوا أهله عن حقه ومقامه في الناس، فواللّه معاشر الجمع إن اللّه قضى وحكم، ونبيّه أعلم، وأنتم تعلمون بأنا (2) أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم، أما كان القارئ لكتاب اللّه، الفقيه في دين اللّه، المضطلع بأمر الرعية، واللّه إنّه لفينا لا فيكم فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعداً، وتفسدوا قديمكم بشِّر من حديثكم، فقال بشير بن سعد الأنصاري الذي - وطأ الأرض لأبي بكر - وقالت جماعة من الأنصار: يا أبا الحسن لو كان هذا الأمر سمعته منك الأنصار قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلف فيك اثنان.

ص: 35


1- قال المؤلّف: في نسخة بدل (فيك).
2- قال المؤلّف: في نسخة بدل (يان).

فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا هؤلاء كنت أدع رسول اللّه مسجّى لا أواريه وأخرج أنازع في سلطانه، واللّه ما خفت أحداً يسمو له وينازعنا أهل البيت فيه ويستحل ما استحللتموه ولا علمت أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ترك يوم غدير خم لأحد حجّة ولا لقائل مقالاً، فأنشد اللّه رجلاً سمع النبي يوم غدير خم يقول: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله أن يشهد الآن بما سمع.

قال زيد بن أرقم فشهد اثنا عشر رجلاً بدرياً بذلك، وكنت ممن سمع القول من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فكتمت الشهادة يومئذ، فدعا علي علي فذهب بصري، قال: وكثر الكلام في هذا المعنى وارتفع الصوت وخشي عمر أن يصغي الناس إلى قول علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ففسح المجلس وقال : إن اللّه يقلب القلوب، ولا تزال يا أبا الحسن ترغب عن قول الجماعة فانصرفوا يومهم ذلك». (1)

المنكرون الخلافة على أبي بكر

ثم قال الطبرسي (رضیَ اللّهُ عنهُ): وعن أبان بن تغلب قال:

«قلت لأبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق (عَلَيهِما السَّلَامُ): جعلت فداك هل كان أحد من (2) أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنكر على أبي بكر فعله وجلوسه مجلس رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟ قال: نعم، كان الذي أنكر على أبي بكر اثني عشر رجلاً، من المهاجرين: خالد بن سعيد بن العاص - وكان من بني أُمية - وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، عمّار بن ياسر وبريدة الأسلمي، ومن الأنصار أبو الهيثم بن التيهان، وسهل وعثمان ابنا حنيف، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وأبي بن كعب، وأبو أيوب الأنصاري.

ص: 36


1- الاحتجاج: 89/1-96.
2- قال المؤلّف: في نسخة بدل (في).

قال: فلما صعد أبو بكر المنبر تشاوروا بينهم، فقال بعضهم لبعض: واللّه لنأتينّه ولننزلنّه عن منبر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وقال آخرون منهم : واللّه لئن فعلتم ذلك إذا أعنتم على أنفسكم فقد قال اللّه (عزّوجلّ): «وَلَا تُلقوا بِأَيدِيَكُم إِلَى التَّهلُكَةِ» (1) فانطلقوا بنا إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) النستشيره ونستطلع رأيه. فانطلق القوم إلى أمير المؤمنين بأجمعهم، فقالوا: يا أمير المؤمنين تركت حقاً أنت أحق به وأولى به من غيرك، لأنا سمعنا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول: علي مع الحق والحق مع علي، يميل مع الحق كيف ما مال، ولقد هممنا أن نصير إليه فننزله عن منبر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فجئناك لنستشيرك ونستطلع رأيك فيما (2) تأمرنا ؟

فقال أمير المؤمنين: وأيم اللّه لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم إلا حرباً، ولكنّكم كالملح في الزاد وكالكحل في العين، وأيم اللّه لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين بأسيافكم مستعدين للحرب والقتال وإذاً لأنوني، فقالوا لي بايع وإلا قتلناك، فلابدّ لي من أدفع القوم عن نفسي، وذلك إن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) و وعز إلي قبل وفاته وقال لي: يا أبا الحسن إن الأمة ستغدر بك من بعدي وتنقض فيك عهدي، وإنّك منّي بمنزلة هارون من موسى، وإن الأمة الهادية من بعدي كهارون ومن اتبعه، والأمة الضالة من بعدي كالسامري ومن اتبعه فقلت: يا رسول اللّه، فما تعهد إلي إذا كان كذلك ؟ فقال: إذا وجدت أعواناً فبادر إليهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعواناً كف يدك وأحقن دمك حتّى تلحق بي مظلوماً، فلما توفى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) اشتغلت بغسله وتكفينه والفراغ من شأنه، ثمّ آليت على نفسي يميناً أن لا ارتدي برداء إلا للصلاة حتّى اجمع القرآن ففعلت ثمّ أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين قدرت على أهل بدر وأهل السابقة فناشدتهم حقي ودعوتهم إلى نصرتي فما أجابني منهم إلا أربعة رهط سلمان وعمار وأبو ذر والمقداد، ولقد راودت في ذلك بقية

ص: 37


1- سورة البقرة: 195.
2- قال المؤلّف: في نسخة بدل (فما).

أهل بيتي، فأبوا عليّ إلا السكوت لما علموا من وغارة (1) صدور القوم وبغضهم اللّه ورسوله ولأهل بيت نبيه، فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرّفوه ما سمعتم من قول نبيكم ليكون ذلك أو كد للحجة وأبلغ للعذر وأبعد لهم من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إذا وردوا عليه.

فسار القوم حتّى أحدقوا بمنبر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) و كان يوم الجمعة، فلما صعد أبو بكر المنبر قال المهاجرون للأنصار: تقدموا وتكلّموا فقال الأنصار للمهاجرين : بل تكلّموا وتقدموا أنتم، فإنّ اللّه (عزّوجلّ) و بدأ بكم في الكتاب إذ قال اللّه (عزّوجلّ) : لقد تاب اللّه بالنبي على المهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة.

قال أبان قلت له يا بن رسول اللّه، إن العامة لا تقرأ كما عندك. قال: وكيف تقرأ؟ قال: قلت: إنها تقرأ: «لَقَدْ تَابَ اللّه عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ»(2)، فقال : ويلهم فأيّ ذنب كان لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حتّى تاب اللّه عليه عنه، إنما تاب اللّه به على أمته.

فأوّل من تكلّم به خالد بن سعيد بن العاص ثمّ باقي المهاجرين ثمّ بعدهم الأنصار. وروى أنّهم كانوا غيباً عن وفاة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقدموا وقد تولى أبو بكر - وهم يومئذ أعلام مسجد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) -

فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال: اتق اللّه يا أبا بكر، فقد علمت أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال و نحن محتو شوه (3) يوم بني قريظة حين فتح اللّه له باب النصر، وقد قتل علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) يومئذ عدة من صناديد رجالهم وأولي البأس والنجدة منهم: يا معاشر المهاجرين والأنصار، إني موصيكم بوصية فاحفظوها وموعدكم أمراً فاحفظوه (4)، ألا إنّ

ص: 38


1- الوغر: الحقد والضغن والعداوة والتوقد من الغيض قال المؤلّف: في نسخة بدل (زعارة). والزعارة - بتشديد الراء وتخفيفها - شراسة الخلق، والرجل شرس أي سيئ الخلق.
2- سورة التوبة: 117.
3- احتوشوه واحتو شوا به: أحاطوا به.
4- قال المؤلّف: في نسخة بدل (فاقبلوه).

علي بن أبي طالب أميركم بعدي وخليفتي فيكم بذلك أوصاني ربّي، ألا وإنكم إن لم تحفظوا فيه وصيتي وتوازروه وتنصروه اختلفتم في أحكامكم واضطرب عليكم أمر دينكم ووليكم أشراركم، ألا وإن أهل بيتي هم الوارثون لأمري والعالمون لأمر أمتي من،بعدي، اللّهم من أطاعهم من أمتي وحفظ فيهم وصيتي فاحشر هم في زمرتي وأجعل لهم نصيباً من مرافقتي يدركون به نور الآخرة، اللّهم ومن أساء خلافتي في أهل بيتي فاحرمه الجنّة التي عرضها كعرض السماء والأرض.

فقال له عمر بن الخطاب اسکت یا خالد فلست من أهل المشورة ولا من يقتدى برأيه.

فقال له خالد بل اسكت أنت يا بن الخطاب، فإنّك تنطق على لسان غيرك، وأيم اللّه لقد علمت قريش إنّك من الأمها حسباً وأدناها منصباً وأختها قدراً وأحملها ذكراً وأقلهم عناءاً عن اللّه ورسوله، وإنك لجبان في الحروب بخيل بالمال لثيم العنصر، ما لك في قريش من فخر ولا في الحروب من ذكر، وإنّك في هذا الأمر بمنزلة الشيطان «إِذ قَالَ للْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللّه رَبِّ الْعَالَمينَ فَكَانَ عَاقبتهما أنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ» (1) فأبلس(2) عمر وجلس خالد بن سعيد.

ثمّ قام سلمان الفارسي وقال : كرديد ونكرديد - أي فعلتم ولم تفعلوا - وقد كان امتنع من البيعة قبل ذلك حتّى وجي عنقه(3)، فقال: يا أبا بكر إلى من تسند أمرك إذا نزل بك ما لا تعرفه؟ وإلى من تفزع إذا سئلت عما لا تعلمه؟ وما عذرك في تقدمك على من هو أعلم منك وأقرب إلى رسول اللّه وأعلم بتأويل كتاب اللّه (عزّوجلّ) وسنة نبيّه ومن قدمه النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )

ص: 39


1- سورة الحشر: 16-17.
2- أبلس: سكت على مضض أو حوف.
3- وجيء عنقه: لوي وضرب.

في حياته وأوصاكم به عند وفاته، فنبذتم قوله وتناسيتم وصيته وأخلفتم الوعد ونقضتم العهد وحللتم العقد الذي كان عقده عليكم من النفوذ تحت راية أسامة بن زيد حذراً من مثل ما أتيتموه وتنبيهاً للأمة على عظيم ما اجترمتم من مخالفة أمره فمن قليل يصفو لك الأمر وقد أثقلك الوزر ونقلت إلى قبرك وحملت معك ما كسبت يداك، فلو راجعت الحق من قرب (1) وتلافيت نفسك وتبت إلى اللّه من عظيم ما اجترمت كان ذلك أقرب إلى نجاتك يوم تفرد في حفرتك ويسلمك ذوو،نصرتك، فقد سمعت كما سمعنا ورأيت كما رأينا، فلم يردعك ذلك عمّا أنت متشبث به من هذا الأمر الذي لا عذر لك في تقلده ولاحظ للدين ولا المسلمين في قيامك به، فاللّه اللّه في نفسك، فقد أعذر من أنذر ولا تكن كمن أدبر واستكبر.

ثمّ قام أبو ذر الغفاري فقال: يا معشر قريش، أصبتم قباحة وتركتم قرابة، واللّه ليرتدنّ جماعة من العرب ولتشكن في هذا الدين ولو جعلتم الأمر في أهل بيت نبيكم ما اختلف عليكم سيفان واللّه لقد صارت لمن غلب، ولتطمحن إليها عين من ليس من أهلها، وليسفكنّ في طلبها دماء كثيرة - فكان كما قال أبو ذر - ثمّ قال: لقد علمتم وعلم خياركم أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال: الأمر بعدي لعلي، ثمّ لابنيّ الحسن والحسين، ثمّ للطاهرين من ذريتي، فأطرحتم قول نبيكم وتناسيتم ما عهد به إليكم، فأطعتم الدنيا الفانية، ونسيتم الآخرة الباقية، التي لا يهرم شابها (2) ولا يزول نعيمها ولا يحزن أهلها ولا يموت سكانها بالحقير التافه الفاني الزائل، فكذلك الأمم من قبلكم كفرت بعد أنبيائها ونكصت على عقابها (3) وغيرت وبدلت واختلفت، فساويتموهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، وعمّا

ص: 40


1- قال المؤلّف: في نسخة بدل (قريب).
2- قال المؤلّف: في نسخة بدل (شبانها).
3- نكصت على أعقابها: رجعت إلى القهقري.

قليل تذوقون وبال أمركم وتجزون بما قدمت أيديكم وما اللّه بظلام للعبيد.

ثمّ قام المقداد بن الأسود فقال : يا أبا بكر، أرجع عن ظلمك، وتب إلى ربّك وألزم بيتك، وأبك على خطيئتك، وسلّم الأمر لصاحبه الذي هو أولى به منك، فقد علمت ما عقده رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في عنقك من بيعته، وألزمك من النفوذ تحت راية أسامة بن زيد وهو،مولاه، ونبّه على بطلان، وجوب هذا الأمر لك، ولمن عضدك عليه بضمه لكما إلى علم النفاق ومعدن الشنان والشقاق عمرو بن العاص الذي أنزل اللّه فيه على نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «إنَّ شَانتَكَ هُوَ الْأَبْتُر» (1) فلا خلاف (2) بين أهل العلم إنّها نزلت في عمرو، وهو كان أميراً عليكما وعلى سائر المنافقين في الوقت الذي تنفذه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في غزاة ذات السلاسل، وإنّ عمراً قلد كما حرس عسكره، فأين الحرس إلى الخلافة اتق اللّه وبادر بالاستقالة قبل فوتها، فإنّ ذلك أسلم لك في حياتك وبعد وفاتك ولا تركن إلى دنياك، ولا تغرنك قريش،وغيرها، فعن قليل تضمحل عنك دنياك، ثمّ تصير إلى ربّك فيجزيك بعملك، وقد علمت وتيقنت أنّ علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو صاحب الأمر بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فسلّمه إليه بما جعله اللّه له فإنّه أتم لسترك وأخف لوزرك، فقد واللّه نصحت لك إن قبلت نصحي وإلى اللّه ترجع الأمور.

ثم قام إليه بريدة الأسلمي فقال: إنا للّه وإنا إليه راجعون، ماذا لقى الحق من الباطل يا أبا بكر أنسيت أم تناسيت، وخدعت أم خدمتك نفسك، أم سولت لك الأباطيل، أو لم تذكر ما أمرنا به رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من تسمية علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بإمرة المؤمنين والنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بين أظهرنا، وقوله له في عدة أوقات: هذا علي أمير المؤمنين وقاتل القاسطين، اتق اللّه وتدارك نفسك قبل أن لا تدركها وأنقذها مما يهلكها واردد الأمر إلى من هو أحق به منك، ولا تتماد في

ص: 41


1- سورة الكوثر: 3.
2- قال المؤلّف: في نسخة بدل (اختلاف).

اغتصابه، وراجع وأنت تستطيع أن تراجع، فقد محضتك النصح ودللتك على طريق النجاة، فلا تكوننّ ظهيراً للمجرمين.

ثم قام عمّار بن ياسر فقال: يا معاشر قريش ويا معاشر المسلمين، إن كنتم علمتم وإلا فاعلموا إنّ أهل بيت نبيكم أولى به وأحق بإرثه وأقوم بأمور الدين وآمن على المؤمنين وأحفظ لملته وأنصح لامته، فمروا صاحبكم فليرد الحق إلى أهله قبل أن يضطرب حبلكم ويضعف أمركم ويظهر شتاتكم وتعظم الفتنة بكم وتختلفون فيما بينكم ويطمع فيكم عدوكم، فقد علمتم أن بني هاشم أولى بهذا الأمر منكم، وعلي أقرب منكم إلى نبيكم وهو من بينهم وليكم بعهد اللّه ورسوله وفرق ظاهر قد عرفتموه في حال بعد حال عند سد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أبوابكم التي كانت إلى المسجد كلها غير،بابه، وإيثاره إياه بكريمته فاطمة دون سائر من خطبها إليه منكم، وقوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها، وإنّكم جميعاً مضطرون فيها أشكل عليكم من أمور دينكم إليه وهو مستغن عن كل أحد منكم إلى ما له من السوابق التي ليست لأفضلكم عند نفسه، فما بالكم تحيدون عنه وتبتزون علياً حقه وتؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة بئس للظالمين بدلاً، أعطوه ما جعله اللّه له ولا تتولوا عنه مدبرين، ولا ترتدوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين.

ثمّ قام أبي بن كعب فقال: يا أبا بكر، لا تجحد حقاً جعله اللّه لغيرك، ولا تكن أوّل من عصى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في وصيه وصفّيه وصدف عن أمره أردد الحق إلى أهله تسلم، ولا تتماد في غيك فتندم وبادر الإنابة يخف وزرك، ولا تخصص بهذا الأمر الذي لم يجعله اللّه لك نفسك فتلقى وبال عملك، فعن قليل تفارق ما أنت فيه وتصير إلى ربك، فيسألك عمّا جنیت وما ربّك بظلام للعبيد.

ثم قام خزيمة بن ثابت فقال: أيها الناس ألستم تعلمون أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قبل شهادتي وحدي ولم يرد معي غيري؟ قالوا: بلى. قال: فاشهد أنّي سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )

ص: 42

يقول: أهل بيتي يفرقون بين الحق والباطل وهم الأئمة الذين يُقتدى بهم، وقد قلت ما علمت وما على الرسول إلا البلاغ المبين.

ثم قام أبو الهيثم بن التيهان فقال: وأنا أشهد على نبينا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنه أقام علياً - يعني في يوم غدير خم - فقالت الأنصار : ما أقامه للخلافة، وقال بعضهم: ما أقامه إلا ليعلم الناس أنه مولى من كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مولاه، وكثر الخوض في ذلك، فبعثنا رجالاً منّا إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فسألوه عن ذلك فقال : قولوا لهم علي ولي المؤمنين بعدي وأنصح الناس لأمتي، وقد شهدت بما حضرني فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر : «إنَّ يَوْمَ الفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا»(1).

ثمّ قام سهل بن حنيف فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على النبي محمّد وآله، ثمّ قال: يا معاشر قريش، اشهدوا علي أني أشهد على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقد رأيته في هذا المكان – يعن-ي الروضة - وقد أخذ بيد علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو يقول: أيها الناس هذا علي إمامكم من،بعدي، ووصي في حياتي، وبعد وفاتي، وقاضي ديني، ومنجز وعدي، وأول من يصافحني على حوضي، فطوبى لمن اتبعه ونصره، والويل لمن تخلف عنه وخذله. وقام معه أخوه عثمان بن حنيف وقال: سمعنا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول: أهل بيتي نجوم الأرض فلا تتقدموهم، وقدّموهم فهم الولاة من بعدي، فقام إليه رجل فقال: يا رسول اللّه، وأيّ أهل بيتك؟ فقال: علي والطاهرون من ولده وقد بين (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فلا تكن يا أبا بكر أوّل كافر به، ولا تخونوا اللّه والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون.

ثمّ قام أبو أيوب الأنصاري فقال: اتقوا اللّه عباد اللّه في أهل بيت نبيكم، وأرددوا إليهم حقهم الذي جعله اللّه لهم، فقد سمعتم مثل ما سمع إخواننا في مقام بعد مقام لنبينا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ومجلس بعد مجلس يقول: أهل بيتي المتكم بعدي، ويومي إلى علي ويقول: هذا

ص: 43


1- سورة النبأ: 17.

أمير البررة، وقاتل الكفرة، مخذول من خذله، منصور من نصره، فتوبوا إلى اللّه من ظلمكم إياه إنّ اللّه تواب رحيم، ولا تتولوا عنه مدبرين ولا تتولوا عنه معرضين.

قال الصادق جعفر بن محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): فأفحم أبو بكر على المنبر حتّى لم يحر جواباً.

ثمّ قال: ولّيتكم ولست بخيركم، أقيلوني، أقيلوني. فقال له عمر بن الخطاب: أنزل عنها يا لكع(1)، إذا كنت لا تقوم بحجج قريش لم أقمت نفسك هذا المقام؟ واللّه لقد هممت أن أخلعك واجعلها في سالم مولى أبي حذيفة. قال: فنزل ثمّ أخذ بيده وانطلق إلى منزله وبقوا ثلاثة أيام لا يدخلون مسجد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فلما كان في اليوم الرابع جاءهم خالد بن الوليد ومعه ألف رجل فقال لهم: ما جلوسكم فقد طمع فيها واللّه بنو هاشم؟ وجاءهم سالم مولى أبي حذيفة ومعه ألف رجل، وجاءهم معاذ بن جبل ومعه ألف رجل فمازال يجتمع إليهم رجل رجل حتّى اجتمع أربعة آلاف رجل، فخرجوا شاهرين بأسيافهم يقدمهم عمر بن الخطاب حتّى وقفوا بمسجد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فقال عمر : واللّه يا أصحاب علي لئن ذهب منكم رجل يتكلم بالذي تكلم بالأمس لنأخذن الذي فيه عيناه.

فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال: يا بن صحاك الحبشية أبأسيافكم تهددوننا؟ أم بجمعكم تفزعوننا؟ واللّه أن أسيافنا أحد من أسيافكم وإنا لأكثر منكم وإن كنا قليلين؛ لأنّ حجّة اللّه فينا، واللّه لولا أني أعلم أنّ طاعة اللّه ورسوله وطاعة إمامي أولى بي لشهرت سيفي وجاهدتكم في اللّه إلى أن أبلي عذري.

فقال أمير المؤمنين: اجلس يا خالد، فقد عرف اللّه لك مقامك وشكر لك سعيك، فجلس وقام إليه سلمان الفارسي فقال: اللّه اكبر، اللّه اکبر، سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بهاتين الأذنين وإلا صمّتا يقول: بينا أخي وابن عمي جالس في مسجدي مع نفر من أصحابه إذ تكبسه جماعة من كلاب أصحاب النار يريدون قتله وقتل من معه، فلست

ص: 44


1- اللكع: اللقيم والعبد والأحمق.

أشك إلا وإنكم،هم، فهمّ به عمر بن الخطاب فوثب إليه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) واخذ بمجامع ثوبه ثمّ جلد به الأرض، ثمّ قال: يا بن صهّاك الحبشية لولا كتاب من اللّه سبق وعهد من رسول اللّه تقدم لأريتك أينا أضعف ناصراً وأقل عدداً ثمّ التفت إلى أصحابه فقال: انصرفوا رحمكم اللّه فو اللّه لا دخلت المسجد إلا كما دخل أخواي موسى وهارون، إذ قال له أصحابه: «فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتلا إِنَّا هَاهُنَا فَاعِدُونَ» (1)، واللّه لا دخلت إلا لزيارة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أو القضية أقضيها فإنّه لا يجوز بحجّة أقامها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن يترك الناس في حيرة». (2)

يقول شير محمّد: هذا الحديث أورده العالم الجليل المحدّث البحراني في كتاب (البرهان) في سورة التوبة، نقله من كتاب (سير الصحابة)، قال وروی صاحب کتاب (سير الصحابة)، قال: حدّثنا أبو عبد اللّه الحسين بن أحمد بن موسى الهمداني، عن محمّد ابن علي الطالقاني، عن جعفر الكناني، عن أبان بن تغلب، قال: قلت لسيّدي جعفر الصادق جعلت فداك هل في أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من أنكر على أبي بكر؟ قال: نعم يا أبان الذي أنكر على الأوّل اثنا عشر رجلاً، سنة من المهاجرين، وستة من الأنصار. (3)

يقول شير محمّد: ثمّ ذكر الحديث باختصار واختلاف يسير، وقد صرح المحدث البحراني في كتاب (غاية المرام) : إن مؤلف كتاب (سير الصحابة) من العامة. (4)

وأوردت في الجزء الأوّل من كتاب (كلمة الحق) خبر إنكار اثني عشر على أبي بكر بجميع طرقه التي عثرت عليها. (5)

ص: 45


1- سورة المائدة: 024
2- الاحتجاج: 97/1 - 105.
3- البرهان: 418/3.
4- غاية المرام: 97/6.
5- كلمة الحق كتاب للمؤلف نفسه، مخطوط.

السقيفة ومجرياتها برواية سليم بن قيس عن سلمان المحمّدی (رضیَ اللّهُ عنهُ)

ثم قال الطبرسي (رضیَ اللّهُ عنهُ)، بعد خبر عبد اللّه بن عبد الرحمن وفي رواية سليم بن قيس الهلالي، عن سلمان الفارسي أنه قال:

«أتيت عليا (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو يغسل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وقد كان أوصى أن لا يغسّله غير علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وأخبر أنه لا يريد أن يقلب منه عضواً إلا قلب له، وقد قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : من يعينني على غسلك يا رسول اللّه؟ قال: جبرئيل، فلما غسله وكفّنه أدخلتي وأدخل أبا ذر والمقداد وفاطمة وحسناً وحسينا (عَلَيهِم السَّلَامُ)، فتقدم وصففنا خلفه فصلّى عليه وعائشة في الحجرة لا تعلم، قد أخذ جبرئيل ببصرها، ثمّ أدخل عشرة من المهاجرين، وعشرة من الأنصار، فيصلّون ويخرجون، حتّى لم يبق من المهاجرين والأنصار إلا صلّى عليه، وقلت لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين يغسّل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنّ القوم فعلوا كذا وكذا، وإنّ أبا بكر الساعة لعلى منبر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وما يرضى الناس أن يبايعوا له بيد واحدة، إنّهم ليبايعون بيديه جميعاً، يميناً وشمالاً. فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا سلمان فهل تدري من أوّل من يبايعه على منبر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟ فقلت : لا، إلا إني قد رأيته في ظلة بني ساعدة حين خصمت الأنصار، وكان أوّل من بايعه بشير بن سعد، ثمّ أبو عبيدة بن الجراح، ثمّ عمر بن الخطاب، ثمّ سالم مولى أبي حذيفة (1) قال: لست أسألك عن هذا، ولكن تدري من أوّل من بايعه حين صعد منبر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟ قلت: لا، ولكنّي رأيت شيخاً كبيراً متوكئاً على عصاه، بين عينيه سجادة، شديد التشمير، قد صعد إليه، وهو يبكي ويقول: الحمد للّه الذي لم يمتني ولم يخرجني من الدنيا حتّى رأيتك في هذا المكان ابسط يدك أبايعك، فبسط يده فبايعه ثمّ نزل فخرج من المسجد. فقال لي علي (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا سلمان، وهل تدري من هو؟ قلت: لا،

ص: 46


1- في المطبوع: (ومعاذ بن جبل).

ولكنّي ساءتني مقالته، كأنه شامت بموت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، قال علي: إن ذلك إبليس لعنه اللّه أخبرني رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّ إبليس ورؤساء أصحابه شهدوا نصب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إياي بغدير خم بأمر اللّه تعالى، فأخبرهم أن يبلغ الشاهد الغائب، فأتاه أبالسته ومردة أصحابه فقالوا: إنّ هذه أمة مرحومة معصومة وما لنا ولا لك عليهم من سبيل قد علموا إمامهم و مفزعهم بعد نبيهم، فانطلق إبليس كئيباً حزيناً، فأخبرني رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن لو قد قبض أنّ الناس سيبايعون أبا بكر في ظلة بني ساعدة بعد أن تخاصمهم بحقك وحجتك، ثمّ يأتون المسجد فيكون أوّل من يبايعه على منبري إبليس في صورة شيخ كبير مستبشر يقول كذا وكذا، ثمّ تجتمع شياطينه وأبالسته فيخر ويكسع(1)، ثمّ يقول: كذا زعمتم أن ليس لي عليهم،سبيل، فكيف رأيتموني صنعت بهم حين تركوا أمر من أمرهم اللّه بطاعته وأمرهم رسوله.

فقال سلمان: فلمّا كان الليل حمل على فاطمة على حمار وأخذ بيد ابنيه الحسن،والحسين، فلم يدع أحداً من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتى منزله وذكر حقه ودعاه إلى نصرته، فما استجاب له من جميعهم إلا أربعة وأربعون رجلاً، فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقين رؤوسهم معهم سلاحهم وقد بايعوه على الموت، فأصبح ولم يوافه منهم أحد غير أربعة قلت لسلمان: من الأربعة؟ قال: أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام. ثمّ أتاهم من الليلة الثانية فناشدهم اللّه فقالوا: نصبحك بكرة، فما منهم أحد وفي غيرنا، ثمّ الليلة الثالثة فما وفى أحد غيرنا، فلما رأى على (عَلَيهِ السَّلَامُ) عذرهم وقلة وفائهم لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه، فلم يخرج حتّى جمعه كله فكتبه على تنزيله والناسخ والمنسوخ، فبعث إليه أبو بكر أن أخرج فبايع، فبعث إليه أني مشغول فقد آليت بيمين أن لا ارتدي برداء إلا للصلاة حتّى أؤلف القرآن واجمعه، فجمعه في ثوب وختمه ثمّ خرج

ص: 47


1- يكسع: يضرب ديره بيده أو بصدر قدمه.

إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فنادى (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأعلى صوته: أيها الناس إني لم أزل منذ قبض رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مشغولاً بغسله ثمّ بالقرآن حتّى جمعته كله في هذا الثوب، فلم ينزل اللّه على نبيه آية من القرآن إلا وقد جمعتها كلها في هذا الثوب، وليست منه آية إلا وقد اقرأنيها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعلمني تأويله.

فقالوا: لا حاجة لنا به عندنا مثله، ثمّ دخل بيته، فقال عمر لأبي بكر : أرسل إلى علي فليبايع، فإنّا لسنا في شيء حتّى يبايع ولو قد بايع أمناه وعائلته، فأرسل إليه أبو بكر رسولاً أن أجب خليفة رسول اللّه، فأتاه الرسول فأخبره بذلك. فقال علي : ما أسرع ما كذبتم على رسول اللّه، إنه ليعلم ويعلم الذين حوله أنّ اللّه ورسوله لم يستخلفا غيري، فذهب الرسول فأخبره بما قاله فقال: إذهب فقل: أجب أمير المؤمنين أبا بكر، فأتاه فأخبره بذلك، فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سبحان اللّه واللّه ما طال العهد بالنبي منّي وإنّه ليعلم أن هذا الاسم لا يصلح إلا لي، وقد أمره رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) سابع سبعة فسلموا علي بإمرة المؤمنين، فأستفهمه هو وصاحبه عمر من بين السبعة ؟ فقالا: أمر من اللّه ورسوله؟ فقال لهما رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : نعم حقاً من اللّه ورسوله إنّه أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وصاحب لواء الغر المحجلين يقعده اللّه يوم القيامة على الصراط فيدخل أوليائه الجنّة وأعدائه النار [ قال : ] فانطلق الرسول إلى أبي بكر فأخبره بما قال، فكفوا عنه يومئذ.

فلمّا كان الليل حمل فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) على حمار ثمّ دعاها (1) إلى نصرته فما استجاب له رجل غيرنا أربعة (2)، فإنا خلقنا رؤوسنا وبذلنا نفوسنا ونصرتنا، وكان علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا رأى خذلان الناس له وتركهم نصر ته واجتماع كلمة الناس مع أبي بكر وطاعتهم له وتعظيمهم له جلس في بيته، فقال عمر لأبي بكر : ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنّه لم

ص: 48


1- كذا وسياق الجملة يقتضى: (ثمّ دعاهم).
2- كذا والصحيح كما في كتاب سليم بن قيس: (غيرنا الأربعة).

يبق أحد إلا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة معه - وكان أبو بكر أرق (1) الرجلين وأرفقهما (2) وأدناهما وأبعدهما غوراً، والآخر أفظّهما وأغلظهما وأجفاهما فقال: من نرسل إليه ؟ فقال عمر: أرسل إليه قنفذاً - وكان رجلاً فظاً غليظاً جافياً من الطلقاء أحد بني تيم- فأرسله وأرسل معه أعوانا، فانطلق فاستأذن فأبى عليه أن يأذن له، فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر وهما في المسجد والناس حولهما فقالوا: لم يأذن لنا، فقال عمر : هو إن أذن لكم وإلا فادخلوا عليه بغير إذنه، فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ): أحرّج عليكم (3) أن تدخلوا بيتي بغير أذن، فرجعوا وثبت قنفذ، فقالوا: إنّ فاطمة قالت: كذا وكذا، فحرّجتنا أن ندخل عليها البيت بغير إذن منها، فغضب،عمر، وقال: ما لنا وللنساء، ثمّ أمر أناساً حوله فحملوا حطباً وحمل معهم فجعلوه حول منزله وفيه علي وفاطمة وابناهما (عَلَيهِم السَّلَامُ)، ثمّ نادى عمر حتّى أسمع علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) : واللّه لتخرجنّ ولتبايعنّ خليفة رسول اللّه أو لأضر منّ عليك بيتك نارا. ثمّ رجع فقعد إلى أبي بكر وهو يخاف أن يخرج علي بسيفه لما قد عرف من بأسه وشدّته. ثمّ قال لقنفذ: إن خرج وإلا فاقتحم عليه، فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم نارا فانطلق قنفذ فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وبادر علي إلى سيفه ليأخذه فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه وألقوا في عنقه حبلاً أسود، وحالت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) بين زوجها وبينهم عند باب البيت فضربها قنقذ بالسوط على عضدها، فبقى أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج (4) من ضرب قنفذ إياها. فأرسل أبو بكر إلى قنفذ أضربها فألجأها

ص: 49


1- قال المؤلّف: في نسخة بدل (رؤف).
2- قال المؤلّف: في نسخة بدل (وأدهاهما).
3- التحرج: التضييق وعدم الإذن والإلجاء.
4- الدملوج: حُلي يلبس في المعصم.

إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعها (1) من جنبها وألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتّى ماتت من ذلك شهيدة صلوات اللّه عليها.

ثم انطلقوا بعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ملبياً بحبل حتّى انتهوا به إلى أبي بكر وعمر قائم بالسيف على رأسه وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حصين وبشير بن سعد وسائر الناس قعود حول أبي بكر عليهم السلاح وهو يقول: أما واللّه لو وقع سيفي بيدي لعلمتم أنّكم لن تصلوا إلي هذا جزاء مني وباللّه لا ألوم نفسي في جهد ولو كنت في أربعين رجلاً لفرقت جماعتكم، فلعن اللّه قوماً بايعوني ثمّ خذلوني، فانتهره عمر فقال: بايع. فقال: وإن لم أفعل ؟ قال : إذا نقتلك ذلاً وصغارا. قال: إذن تقتلون عبد اللّه وأخا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال أبو بكر: أما عبد اللّه فنعم كلنا عبيد اللّه، وأما أخو رسوله فلا نقر لك به. قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): أتجحدون أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) آخى بين نفسه وبيني، فأعادوا عليه ذلك ثلاث مرات ثمّ أقبل عليه فقال يا معاشر المهاجرين والأنصار، أنشدكم باللّه أسمعتم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول يوم غدير خم كذا وكذا، وفي غزاة تبوك كذا وكذا، فلم يدع شيئاً قاله فيه العلانية للعامة إلا ذكره؟ فقالوا: اللّهم نعم.

فلمّا خاف أبو بكر أن ينصروه ويمنعوه بادرهم فقال: كل ما قلته قد سمعناه بآذاننا ووعته قلوبنا، ولكن سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول بعد هذا: إنا أهل بيت اصطفانا اللّه وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإنّ اللّه لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة. فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ): أما أحد من أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) شهد هذا معك؟ قال عمر: صدق خليفة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد سمعنا منه هذا كما قال، وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل صدق، قد سمعنا ذلك من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فقال لهم لشد ما وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة: إن قتل اللّه محمّداً أو أماته أن

ص: 50


1- قال المؤلّف: في نسخة بلل. (ضلعا).

تزووا هذا الأمر عنّا أهل البيت. فقال أبو بكر: وما علمك بذلك أطلعناك عليها؟ قال علي يا زبير ويا سلمان وأنت يا مقداد(1)، أذكركم باللّه وبالإسلام أسمعتم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول ذلك لي أن فلاناً وفلاناً حتّى عد هؤلاء الخمسة قد كتبوا بينهم كتاباً وتعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا؟ قالوا: اللّهم نعم، قد سمعناه يقول ذلك لك، فقلت له: بأبي أنت وأمي يا نبي اللّه فما تأمرني أن أفعل إذا كان ذلك؟ فقال لك: إن وجدت عليهم أعواناً فجاهدهم ونابذهم، وإن لم تجد أعواناً فبايعهم واحقن دمك. فقال علي : أما واللّه لو أن أولئك الأربعين رجلاً الذين بايعوني وفوالي لجاهدتكم في اللّه واللّه، أما واللّه لا ينالنا أحمد من عقبكم إلى يوم القيامة. ثمّ نادى قبل أن يبايع: (يا ابن أمّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) (2) ثمّ تناول يد أبي بكر فبايعه، فقيل للزبير بايع الآن، فأبى فوتب عليه عمر وخالد بن الوليد وابن شعبة (3) في أناس فانتزعوا سيفه من يده فضربوا به الأرض حتّى كسر، فقال الزبير وعمر على صدره يا بن صهاك، أما واللّه لو أنّ سيفي في يدي لحدت عنني، ثمّ بايع.

قال سلمان: ثمّ أخذوني فوجؤا عنقي حتّى تركوها مثل السلعة (4)، ثمّ قلبوا (5) يدي، فبايعت مكرهاً، ثمّ بايع أبو ذر والمقداد مكرهين، وما من الأمة أحد بايع مكرهاً غير علي وأربعتنا، ولم يكن أحد منا أشد قولاً من الزبير، فلما بايع قال: يا بن صحاك، أما واللّه لولا هؤلاء الطلقاء الذين أعانوك ما كنت لتقدم عليّ ومعي السيف الملقد علمت من جبنك ولؤمك، ولكنك وجدت من تقوى بهم وتصول بهم، فغضب عمر فقال: أتذكر صحاك؟

ص: 51


1- في كتاب سليم بن قيس (وأنت يا أبا ذر).
2- اقتباس من سورة الأعراف: 150.
3- أي المغيرة بن شعبة.
4- السلعة: خراج كهيئة الغدة.
5- في المطبوع: (قلبوا).

فقال [الزبير ]: ومن صحاك؟ وما يمنعني من ذلك، وإنما كانت صحاك أمة حبشية لجدي عبد المطلب، فزنا بها نفيل فولدت أباك الخطاب، فوهبها عبد المطلب له بعد ما ولدته فإنّه لعبد جدي، وولد زنى، فأصلح بينهما أبو بكر وكفّ كل منهما عن صاحبه. فقال سلیم فقلت یا سلمان بايعت أبا بكر ولم تقل شيئاً؟ قال: قد قلت بعد ما بايعت تباً لكم سائر الدهر، أو تدرون ماذا صنعتم بأناسكم، أصبتم وأخطأتم: أصبتم سنة الأولين، وأخطأتم سنّة نبيكم حتّى أخرجتموها من معدنها وأهلها. فقال لي عمر: أمّا إذا بايع صاحبك وبايعت فقل ما بدا لك وليقل ما بدا له قال قلت فإنّي أشهد أني سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول: أنّ عليك وعلى صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب أمته إلى يوم القيامة ومثل عذابهم. وقال: قل ما شئت أليس قد بايع ولم تقر عينك بأن يليها صاحبك قال: قلت: فإنّي أشهد أنّي قرأت في بعض كتب اللّه المنزلة آية باسمك ونسبك وصفتك باب من أبواب جهنم قال: قل ما شئت أليس قد عزلها اللّه عن أهل البيت الذين قد اتخذتموهم أربابا قال قلت فأشهد أني سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول - وقد سألته عن هذه :الآية: «فَيَوْمَئذ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثقُ وَثَانَهُ أَحَدٌ»(1)؟ - فقال: إنّك أنت هو. فقال عمر: اسکت قال قلت: اسكت اللّه نأمتك (2)، أيها العبد يا بن اللخناء(3).

فقال لي علي (عَلَيهِ السَّلَامُ): اسكت با سلمان فسکتّ، فو اللّه لولا أنه أمرني بالسكوت لأخبرته بكل شيء نزل فيه وفي صاحبه، فلما رأى ذلك أنه قد سكت قال: إنك له مطيع مسلّم وإذا لم يقل أبو ذر والمقداد [شيئاً] كما قال سلمان، قال عمر: يا سلمان، ألا تكفّ [عنّا] كما كفّ صاحباك، فو اللّه ما أنت بأشد حباً لأهل هذا البيت منهما ولا أشد تعظيما لحقهم، فقد كفّا كما ترى وبايعا، فقال أبو ذر أفتعيرّنا يا عمر بحب آل محمّد

ص: 52


1- سورة الفجر: 25-026
2- النامة: الصوت، يقال اسكت اللّه نامته أي نغمته وصوته.
3- اللغناء: المرأة المنتنة الفرج.

وتعظيمهم، لعن اللّه من أبغضهم وابتز عليهم وظلمهم حقهم وحمل الناس على رقابهم ورد الناس على أدبارهم القهقري وقد فُعل ذلك بهم. فقال عمر: آمين فلعن اللّه من ظلمهم حقهم، لا واللّه ما لهم فيها حق وما هم وعرض الناس في هذا الأمر إلا سواء. قال أبو ذر فلم خاصمتم بحقهم وحجتهم؟ فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا بن صحاك، فليس لنا حق وهو لك ولابن آكلة الذباب فقال عمر: كفّ الآن يا أبا الحسن، إذا بايعت فإنّ العامة رضوا بصاحبي ولم يرضوا بك فما ذنبي قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لكنّ اللّه ورسوله لم يرضيا إلا بي، فأبشر أنت وصاحبك، ومن اتبعكها وآزر كما بسخط من اللّه وعذابه وخزيه ويلك يا بن الخطاب، أو تدري مما خرجت وفيم دخلت ؟ وماذا جنيت على نفسك وعلى صاحبك ؟ فقال أبو بكر يا عمر أما إذا بايع، وأمنا شره وفتكه وعائلته فدعه يقول ما شاء.

فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لست بقائل غير شيء واحد، أذكّركم باللّه أيها الأربعة - يعنيني والزبير وأبا ذر والمقداد - أسمعتم رسول اللّه يقول: إن تابوتاً من نار فيه اثنا عشر رجلاً، ستة من الأوّلين وستة من الآخرين في جب في قعر جهنم في تابوت مقفل على ذلك الجب صخرة، إذا أراد اللّه أن يسعر نار جهنم كشف تلك الصخرة عن ذلك الجب فاستعاذت جهنم من وهج ذلك الجب، فسألناه عنهم وأنتم شهود؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أمّا الأوّلون: فابن آدم الذي قتل أخاه، وفرعون الفراعنة نمرود، والذي حاجّ إبراهيم في ربّه، ورجلان من بني إسرائيل بدلا كتابهم وغيرا سنّتهم، أمّا أحدهما فهوّد اليهود والآخر نصّر النصارى(1)، وإبليس سادسهم، والدجال في الآخرين، وهؤلاء الخمسة أصحاب الصحيفة الذين تعاهدوا وتعاقدوا على عداوتك يا أخي والتظاهر عليك بعدي هذا وهذا وهذا حتّى عدهم وسمّاهم. قال سلمان فقلنا صدقت نشهد إنا سمعنا ذلك من رسول

ص: 53


1- يعني أحدهما غيّر دين موسى وحرّف كتابه بعده، والآخر غيّر دين عيسى وحرّف كتابه بعده.

اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). فقال عثمان: يا أبا الحسن، أما عندك وعند أصحابك هؤلاء فيّ حديث؟ فقال: بلى قد سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يلعنك ثمّ لم يستغفر اللّه لك مذ لعنك. فغضب عثمان فقال: ما لي ولك أما تدعني على حالي على عهد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ولا بعده فقال الزبير نعم فأرغم اللّه أنفك فقال عثمان فو اللّه لقد سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول: إن الزبير يقتل مرتداً عن الإسلام. قال سلمان فقال لي على (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيما بيني وبينه : صدق عثمان، وذلك أنه يبايعني بعد قتل عثمان ثمّ ينكث بيعتي فيقتل مرتداً [ عن الإسلام].

قال سليم: ثمّ أقبل علي سلمان فقال: إن القوم أرتدوا بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلا من عصمه اللّه بآل محمّد، إنّ الناس بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بمنزلة هارون من موسى ومن تبعه، وبمنزلة العجل ومن تبعه، فعلي في سنّة هارون وعتيق في سنّة السامري، وسمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : لتركبنّ أمتي سنّة بني إسرائيل حذو القذّة بالقذّة وحذو النعل بالنعل شبراً بشير وذراعاً بذراع وباعاً يباع». (1)

يقول شير محمّد الهمداني: ما نقله الطبرسي عن سليم بن قيس (رضیَ اللّهُ عنهُ) موجود في كتابه(2)، وكتاب سليم بن قيس من الأصول المعتبرة المشتهرة غاية الأشتهار.

الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) يبي يتحدث عن ما جرى على جدته فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)

ثم قال الطبرسي رضوان اللّه عليه وروي عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنه قال:

«لمّا استخرج أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من منزله خرجت فاطمة صلوات اللّه عليها [خلفه] فما بقيت امرأة هاشمية إلا خرجت معها حتّى انتهت قريباً من القبر فقالت: خلوا

ص: 54


1- الاحتجاج: 105/1-113. وما بين المعقوفتين ليس في الأصل.
2- کتاب سليم بن قيس: 143.

عن ابن عمي، فو الذي بعث محمّداً [أبي] (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالحق إن لم تخلُّوا عنه لأنشرنّ شعري ولأضعنّ قميص رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على رأسي ولأصرخنّ إلى اللّه تبارك وتعالى، فما صالح بأكرم على اللّه من أبي ولا الناقة بأكرم مني ولا الفصيل بأكرم على اللّه من ولدي. قال سلمان (رضیَ اللّهُ عنهُ):كنت قريباً منها، فرأيت واللّه أساس حيطان مسجد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) تقلعت من أسفلها حتّى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها لنفذ. فدنوت منها فقلت: يا سيّدتي ومولاتي، إنّ اللّه تبارك وتعالى بعث أباك رحمة فلا تكوني،نقمة، فرجعت و رجعت الحيطان حتّى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا» (1).

يقول شير محمّد: هذه الرواية أوردها الثقة الجليل أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري الإمامي في كتاب (المسترشد) في باب الرد على من قال لم قعد علي بن أبي طالب عن طلب حقه، قال: وروى النعمان المعروف بابن الشيخ قال: حدّثني أبي عن محمّد بن جمهور، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، قال:

«لمّا استخرج أمير المؤمنين علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من منزله، خرجت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) والهة! فما بقيت امرأة هاشمية إلا خرجت معها». (2)

ما كتبه أبو بكر لأسامة بن زيد

ثم قال الطبرسي رضوان اللّه عليه وروي عن الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«أنّ عمر بن الخطاب قال لأبي بكر : أكتب إلى أسامة يقدم عليك، فإنّ في قدومه قطع الشنيعة عنّا، فكتب أبو بكر إليه من أبي بكر خليفة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى أسامة بن زيد، أمّا بعد: فانظر إذا أتاك كتابي فأقبل إلي أنت ومن معك، فإنّ المسلمين قد اجتمعوا عليّ وولّوني أمرهم فلا تتخلفنّ فتعصي ويأتيك منّي ما تكره والسلام.

ص: 55


1- الاحتجاج: 113/1.
2- المسترشد: 381.

قال: فكتب أسامة إليه جواب كتابه من أسامة بن زيد عامل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على غزوة الشام، أمّا بعد: فقد أتاني منك كتاب ينقض أوّله آخره، ذكرت في أوّله إنّك خليفة رسول اللّه، وذكرت في آخره أنّ المسلمين قد اجتمعوا عليك فولّوك أمرهم ورضوا بك، فاعلم أني ومن معي من جماعة المسلمين والمهاجرين فلا واللّه ما رضيناك ولا ولّيناك أمرنا، وانظر أن تدفع الحق إلى أهله وتخلّيهم وإياه فإنّهم أحق به منك، فقد علمت ما كان من قول رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في علي يوم الغدير، فما طال العهد فتنسى، أنظر مركزك ولا تخالف فتعصي اللّه ورسوله وتعصي من استخلفه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عليك وعلى صاحبك، ولم يعزلني حتّى قبض رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وإنّك وصاحبك رجعتها وعصيتها فأقمتها في المدينة بغير إذن فأراد أبو بكر أن يخلعها من عنقه، قال: فقال له عمر لا تفعل قميص قمصك اللّه لا تخلعه فتندم، ولكن ألحّ عليه بالكتب والرسائل، ومُر فلاناً وفلاناً أن يكتبوا إلى أسامة أن لا يفرق جماعة المسلمين وأن يدخل معهم فيما صنعوا. قال: فكتب إليه أبو بكر وكتب إليه الناس من المنافقين: أن ارض بما اجتمعنا عليه وإياك أن تشتمل المسلمين فتنة من قبلك فإنّهم حديث عهد بالكفر. قال: فلما وردت الكتب على أسامة انصرف بمن معه حتّى دخل المدينة، فلما رأى اجتماع الخلق على أبي بكر انطلق إلى علي بن أبي طالب فقال له : ما هذا؟ قال له علي هذا ما ترى. قال له أسامة فهل بايعته؟ فقال: نعم يا أسامة. فقال: طائعاً أو كارها؟ فقال: [لا] بل كارهاً. قال: فانطلق أسامة فدخل على أبي بكر وقال له: السلام عليك يا خليفة المسلمين. قال: فرد عليه أبو بكر، وقال: السلام عليك أيها الأمير». (1)

ص: 56


1- الاحتجاج: 114/1.

أبو قحافة يلقي الحجة على ولده أبي بكر

ثمّ قال الطبرسي (رضیَ اللّهُ عنهُ): وروي:

«أنّ أبا قحافة كان بالطائف لما قبض رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وبويع لأبي بكر، فكتب إليه ابنه كتاباً عنوانه: من خليفة رسول اللّه إلى أبي قحافة، أمّا بعد:

فإنّ الناس قد تراضوا بي فإنّي اليوم خليفة اللّه فلو قدمت علينا كان أقرّ لعينك، (1) قال: فلمّا قرأ أبو قحافة الكتاب قال للرسول: ما منعكم من (2) علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟ قال الرسول: هو حدث السنّ وقد أكثر القتل في قريش وغيرها وأبو بكر (3) أسن منه، قال أبو قحافة: إن كان الأمر في ذلك بالسن فأنا أحق من أبي بكر (4)، لقد ظلموا عليّاً حقه قد بايع له النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأمرنا ببيعته، ثمّ كتب إليه من أبي قحافة إلى ابنه أبي بكر، أمّا بعد: فقد أتاني كتابك فوجدته كتاب أحمق ينقض بعضه بعضاً، مرة تقول: خليفة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ومرة تقول: خليفة اللّه، ومرة تقول: تراضى بي الناس، وهو أمر ملتبس فلا تدخلنّ في أمر يصعب عليك الخروج منه غداً، ويكون عقباك منه إلى النار والندامة وملامة النفس اللوّامة لدى الحساب يوم القيامة، فإنّ للأمور مداخل ومخارج وأنت تعرف من هو أولى بها (5) منك، فراقب اللّه كأنك تراه ولا تدعنّ صاحبها، فإن تركها اليوم أخفّ عليك وأسلم لك والسلام». (6)

ص: 57


1- قال المؤلّف: في نسخة بدل (أحسن).
2- قال المؤلّف: في نسخة بدل (عن).
3- قال المؤلّف : في نسخة بدل (وابنك).
4- قال المؤلّف : في نسخة بدل (الأمر بالسنّ فأنا اكبر منه، سنّاً).
5- قال المؤلّف: في نسخة بدل (بهما).
6- الاحتجاج: 115/1.

فضائل الإمام علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) علي على لسان أبي بكر

ثم قال الطبرسي (رضیَ اللّهُ عنهُ) وعن عامر الشعبي عن عروة بن الزبير بن العوام قال:

«لمّا قال المنافقون إن أبا بكر تقدم علياً، وهو يقول: أنا أولى بالمكان منه(1)، قام أبو بكر خطيباً فقال صبراً على من ليس يؤل إلى دين ولا يحتجب برعاية ولا يرعوي لولاية، أظهر الإيمان ذلّة، وأسرّ النفاق غلّة، هؤلاء عصبة الشيطان، وجمع الطغيان، يزعمون أني أقول: إني أفضل من علي [و] كيف أقول ذلك وما لي سابقته، ولا قرابته ولا خصوصيته، وحدّ اللّه وأنا ملحده، وعبده [ علي] قبل أن أعبده، ووالى الرسول وأنا عدوّه، وسبقني بساعات لو تقطعت (2) لم ألحق شأوه ولم أقطع غباره، إن ابن أبي طالب فاز واللّه من اللّه بمحبة ومن الرسول بقرابة ومن الإيمان برتبة لو جهد الأولون والآخرون إلا النبيين لم يبلغوا درجته ولم يسلكوا منهجه، بذل في اللّه مهجته ولابن عمه مودته كاشف الكرب و دامغ الريب وقاطع السبب إلا سبب الرشاد وقامع الشرك ومظهر ما تحت سويداء حبة النفاق، محنة لهذا العالم لحق قبل أن يلاحق وبرز قبل أن يسابق جمع العلم والحلم والفهم فكان جميع الخيرات لقلبه كنوزاً لا يدخر منها مثقال [ذرة] إلا أنفقه في بابه، فمن ذا يؤمل أن ينال درجته وقد جعله اللّه ورسوله للمؤمنين وليّاً، وللنبي وصيّاً، وللخلافة راعياً، وبالإمامة قائماً، أفيغتر الجاهل بمقام قمته إذ أقامني وأطعته إذ أمرني سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يقول الحق مع علي وعلي مع الحق من أطاع علياً رشد ومن عصى علياً،فسد، ومن أحبه سعد ومن أبغضه شقي واللّه لو لم يجب ابن أبي طالب إلا لأجل إنّه لم يواقع اللّه محرّماً ولا عبد من دونه صنماً

ص: 58


1- قال المؤلّف: في نسخة بدل (بالخلافة منه).
2- قال المؤلّف: في نسخة بدل (انقطعت).

ولحاجة الناس إليه بعد نبيهم مقضيّة لكان في ذلك ما يجب، فكيف لأسباب أقلها موجب وأهونها مرغب، للرحم الماسة بالرسول والعلم بالدقيق والجليل والرضا بالصبر الجميل والمواساة في الكثير والقليل، وخلال لا يبلغ عدّها ولا يدرك مجدها، ود المتمنون أن لو كانوا تراب أقدام ابن أبي طالب أليس هو صاحب لواء الحمد والساقي يوم الورود وجامع كل كرم وعالم كل علم والوسيلة إلى اللّه وإلى رسوله». (1)

ثمّ قال الطبرسي رضوان اللّه عليه وعن محمّد بن عمر بن علي عن أبيه عن أبي رافع قال:

«إنّي لعند أبي بكر إذ طلع علي والعباس يتدافعان ويختصمان في ميراث النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فقال أبو بكر : يكفيكم القصير الطويل - يعني بالقصير علياً، وبالطويل العباس - فقال العباس: أنا عم النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ووارثه، وقد حال علي بيني وبين تركته فقال أبو بكر فأين كنت يا عباس حين جمع النبي بني عبد المطلب وأنت أحدهم فقال: أيكم يوازرني ويكون وصيي وخليفتي في أهلي ينجز عدتي ويقضي ديني، فأحجمتم عنها إلا علي، فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أنت كذلك ؟ فقال العباس: فما أقعدك في مجلسك هذا تقدمته وتأمرت عليه؟ قال أبو بكر: أعذروني يا بني عبد المطلب». (2)

يقول شير محمّد: هذان الحديثان أوردهما العالم الجليل الشيخ هاشم بن محمّد في الباب الثالث عشر من كتاب (مصباح الأنوار)، قال: وروى الشعبي، عن عروة بن الزبير، عن الزبير بن العوام، قال:

«لمّا بويع أبو بكر أرجف المنافقون وقالوا: لو لم يكن أحق بها ما نالها ولما سكت

ص: 59


1- الاحجاج 115/1.
2- الاحتجاج: 116/1.

علي عنه ولكن أبا بكر أولى وهو قال أنا أولى بالمكان منه، فبلغ أبا بكر هذا القول فقام على المنبر فقال: صبراً على من ليس يؤل إلى دين... إلخ». (1)

احتجاج سلمان المحمّدي على القوم برواية الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)

قال الطبرسي رضوان اللّه عليه: احتجاج سلمان الفارسي (رضیَ اللّهُ عنهُ) في خطبة خطبها بعد وفاة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على القوم لما تركوا أمير المؤمنين اللّه واختاروا غيره ونبذوا العهد المأخوذ عليهم وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون.

عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه قال :

«خطب الناس سلمان الفارسي رحمة اللّه عليه، بعد أن دفن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بثلاثة أيام، فقال فيها: ألا يا أيها الناس: اسمعوا عني حديثي، ثمّ أعقلوه عني، ألا وإنّي أوتيت علماً كثيراً، فلو حدّثتكم بكل ما أعلم من فضائل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، لقالت طائفة منكم : هو مجنون وقالت طائفة أخرى: اللّهم أغفر لقاتل،سلمان، ألا إنّ لكم منايا، تتبعها بلايا، ألا وإنّ عند علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) علم المنايا، والبلايا، وميراث الوصايا وفصل الخطاب، وأصل الأنساب على منهاج هارون بن عمران من موسى (عَلَيهِما السَّلَامُ) إذ يقول له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أنت وصي في أهل بيتي، وخليفتي في أمني وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى ولكنّكم أخذتم سنّة بني إسرائيل، فأخطأتم الحق فانتم تعلمون ولا تعلمون(2)، أما واللّه لتركبنّ طبقاً عن طبق حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة، أما والذي نفس سلمان بيده: لو وليتموها علياً لأكلتم من فوقكم، ومن تحت أقدامكم (3)، ولو دعوتم الطير لأجابتكم في جو السماء، ولو دعوتم الحيتان من البحار،لأتتكم، ولما عال (4) ولي اللّه، ولا طاش

ص: 60


1- الكتاب مخطوط، والحديث ورد في حلية الأبرار: 313/2 باختلاف يسير.
2- كذا وفي بحار الأنوار عن الإحتجاج (تعلمون ولا تعملون).
3- قال المؤلّف: في نسخة بدل (أرجلكم).
4- عال: أي افتقر.

لكم سهم من فرائض اللّه (1) ولا اختلف اثنان في حكم اللّه، ولكن أبيتم فولّيتموها غيره فابشروا بالبلايا، واقنطوا من الرخاء، وقد نابذتكم على سواء، فانقطعت العصمة فيما بيني وبينكم من الولاء عليكم بآل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فإنهم القادة إلى الجنّة، والدعاة إليها يوم القيامة، عليكم بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فو اللّه لقد سلّمنا عليه بالولاية وإمرة المؤمنين، مراراً جمّة (2) مع نبينا، كل ذلك يأمرنا به، ويؤكده علينا فما بال القوم؟ عرفوا فضله فحسدوه، وقد حسد قابيل هابيل فقتله، أو كفّاراً قد ارتدّت أمة موسى ابن عمران، فأمر هذه الأمة كأمر بني إسرائيل، فأين يذهب بكم أيها الناس ويحكم ما لنا وأبو فلان وفلان؟! أجهلتم أم تجاهلتم ؟ أم حسدتم أم تحاسدتم؟ واللّه لترتدنّ كفّاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف، يشهد الشاهد على الناجي بالهلكة ويشهد الشاهد على الكافر بالنجاة، ألا وإنّي أظهرت أمري، وسلمت لنبي واتبعت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة علياً أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وسيّد الوصيين، وقائد الغر المحجلين وإمام الصديقين والشهداء والصالحين». (3)

يقول شير محمّد الهمداني: خطبة سلمان (رضیَ اللّهُ عنهُ) التي فيها هذه الكلمات باختلاف يسير أوردها الشيخ الثقة الجليل أبو عمرو محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشي في كتاب (الرجال) ورواها بإسناد ذكره عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ). (4)

ص: 61


1- طاش إليهم: أي مال عن الهدف.
2- جمّة: أي كثيرة.
3- الاحتجاج: 149/1.
4- اختيار معرفة الرجال: 75/1.

احتجاج أبي بن كعب على القوم برواية الإمام علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)

ثم قال الطبرسي (رضیَ اللّهُ عنهُ) : احتجاج لأُبيّ بن كعب على القوم مثل ما احتج به سلمان (رضیَ اللّهُ عنهُ).

عن محمّد ويحيى ابني عبد اللّه بن الحسن عن أبيهما عن جدهما عن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :

«لمّا خطب أبو بكر قام إليه أُبيّ بن كعب وكان يوم الجمعة أوّل يوم من شهر رمضان وقال: يا معشر المهاجرين، الذين اتبعوا مرضات اللّه، وأثنى اللّه عليهم في القرآن ويا معشر الأنصار، الذين تبوؤا الدار والإيمان، وأثنى اللّه عليهم في القرآن، تناسيتم أم نسيتم ؟ أم بدلتم ؟ أم غيرتم ؟ أم خذلتم ؟ أم عجزتم؟ ألستم تعلمون أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قام فينا مقاماً أقام فيه علياً، فقال: من كنت مولاه فهذا مولاه - يعني عليا - ومن كنت نبيه فهذا أميره؟ ألستم تعلمون أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال: يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى طاعتك واجبة على من بعدي كطاعتي في حياتي غير أنه لا نبي بعدي ؟ ألستم تعلمون أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال: أوصيكم بأهل بيتي خيراً، فقدموهم ولا تقدموهم وأمروهم ولا تأمروا عليهم ؟ ألستم تعلمون أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال: أهل بيتي منار الهدى، والدالون على اللّه ؟ أولستم تعلمون أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنت الهادي لمن ضل ؟ الستم تعلمون أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : علي المحيي لسنتي ومعلّم أمتي، والقائم بحجتي وخير من أُخلف من بعدي، وسيّد أهل بيتي، وأحب الناس إلى طاعته كطاعتي على امتي؟ الستم تعلمون أنه لم يول على علي أحداً منكم وولاء في كل غيبته عليكم؟ الستم تعلمون أنه كان منزلها في أسفارهما واحداً وارتحالها واحد؟ الستم تعلمون أنه قال: إذا غبت فخلفت عليكم علياً فقد خلفت فيكم رجلاً كنفسي؟

الستم تعلمون أنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قبل موته قد جمعنا (1) في بيت ابنته فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فقال لنا :

ص: 62


1- قال المؤلّف : في نسخة بدل (جمعنا قبل موته).

إنّ اللّه أوحى إلى موسى بن عمران أن اتخذ أخاً من أهلك فأجعله نبيّاً، وأجعل أهله لك ولداً، أطهّرهم من الآفات، وأخلّصهم من الريب فاتخذ موسى هارون أخاً، وولده أئمة لبني إسرائيل من بعده، الذين يحلّ لهم في مساجدهم ما يحل لموسى، وأن اللّه تعالى أوحى إلىّ أن اتخذ علياً أخاً، كما أن موسى اتخذ هارون أخاً، واتخذ ولده ولداً، فقد طهرتهم كما طهرت ولد هارون، إلا إني قد ختمت بك النبيين فلا نبي بعدك فهم الأئمة الهادية أفها تبصرون؟ أفما تفهمون؟ أفها تسمعون؟!

ضُربت عليكم الشبهات، فكان مثلكم كمثل رجل في سفر فأصابه عطش شديد، حتّى خشي أن يهلك، فلقي رجلاً هادياً في الطريق، فسأله عن الماء، فقال له : أمامك عينان: إحداهما مالحة، والأخرى عذبة، فإن أصبت المالحة ضللت وإن أصبت العذبة هديت ورويت، فهذا مثلكم أيتها الأمة المهملة كما زعمتم وأيم اللّه ما أهملتم، لقد نصب لكم علم يحل لكم الحلال ويحرم عليكم الحرام، ولو أطعتموه ما اختلفتم، ولا تدابرتم، ولا تقاتلتم ولا برئ بعضكم من بعض فو اللّه إنّكم بعده لمختلفون في أحكامكم، وإنّكم بعده لناقضون عهد رسول اللّه، وإنّكم على عترته لمختلفون، إن (1) سأل هذا عن غير ما يعلم أفتى برأيه، فقد أبعدتم (2) وتخاسرتم وزعمتم أن الخلاف رحمة هيهات أبى الكتاب ذلك عليكم، يقول اللّه تعالى جدّه (3): «وَلَا تَكُونُوا كَالَّذينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وأولئك لهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»، (4) ثمّ أخبرنا باختلافكم فقال سبحانه]: «وَلا يَزَالُونَ مُختلفينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلدَلكَ خَلَقَهُمْ» (5) أي : للرحمة وهم آل محمّد،

ص: 63


1- في المصدر : (وإن سئل)
2- قال المؤلّف: في نسخة بدل (با يعتم وتخارستم).
3- جده: أي عظمته.
4- سورة آل عمران: 105.
5- سورة هود: 118-119.

سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول: يا علي (1) أنت وشيعتك على الفطرة، والناس منها براء، فهلا قبلتم من نبيكم كيف وهو خبّركم بانتكاصكم (2) عن وصيّه علي بن أبي طالب وأمينه ووزيره، وأخيه، ووليه [دونكم أجمعين]، وأطهركم قلباً، وأعلمكم علماً، وأقدمكم سلماً، وأعظمكم وعياً وحباً (3) عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أعطاه تراثه، وأوصاه بعداته، فاستخلفه على أمته، ووضع عنده سره، فهو وليه دونكم أجمعين، وأحق به منكم أكتعين (4)، سيد الوصيين، ووصي خاتم المرسلين، أفضل المتقين، وأطوع الأمة لربّ العالمين سلّمتم عليه بإمرة المؤمنين في حياة سيد النبيين، وخاتم المرسلين، فقد أعذر من أنذر، وأدّى النصيحة من وعظ وبصر من عمى فقد سمعتم كما سمعنا، ورأيتم كما رأينا، وشهدتم كما شهدنا.

فقام [إليه ] عبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل فقالوا يا أُبي أصابك خبل ؟ أم بك جِنّة؟، فقال: بل الخبل فيكم واللّه كنت عند رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يوماً فالفيته يكلّم رجلاً أسمع كلامه ولا أرى وجهه، فقال فيها يخاطبه: ما أنصحه لك ولأمتك ! واعلمه بستك ! فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أفترى أمتي تنقاد له من بعدي؟ قال: يا محمّد يتبعه من أمتك أبرارها، ويخالف عليهم من أمتك فجّارها، وكذلك أوصياء النبيين من قبلك يا محمّد إن موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون، وكان أعلم بني إسرائيل وأخوفهم اللّه وأطوعهم له، وأمره اللّه (عزّوجلّ) أن يتخذه وصياً، كما اتخذت عليا وصياً، وكما أمرت بذلك، فحسده بنو إسرائيل، سبط موسى خاصة، فلعنوه، وشتموه وعنفوه، ووضعوا له، فإن أخذت أمتك سنن بني إسرائيل كذّبوا وصيك، وجحدوا أمره(5)،

ص: 64


1- قال المؤلّف: في نسخة بدل (يا علي بن أبي طالب).
2- في المصدر: (بانتكاصتكم)، أي برجوعكم القهقري.
3- كذا في نسخة الكتاب (ولعلها وحيّا: أي سريعا، والمطبوع خلا منها).
4- أكتعين: أي كلكم.
5- قال المؤلّف في نسخة بدل (إمرته).

وابتزوا خلافته وغالطوه في علمه فقلت يا رسول اللّه من هذا ؟ فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

هذا ملك من ملائكة ربّي (عزّوجلّ)، ينبتني أن أمتي تختلف على (1) وصيي علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه، وإني أوصيك يا أبي بوصية، إن حفظتها لم تزل بخير، يا أبُي عليك بعلي(2)، فإنّه الهادي المهدي، الناصح لأمتي، المحيي لسنتي، وهو إمامكم بعدي، فمن رضي بذلك لقيني على ما فارقته عليه، يا أُبي ومن غيّر ومن بدل لقيني ناكثاً لبيعتي، عاصياً،أمري، جاحداً لنبوتي، لا أشفع له عند ربّي، ولا أسقيه من حوضي، فقامت إليه رجال من الأنصار فقالوا: اقعد رحمك اللّه يا أُبيّ، فقد أديت ما سمعت الذي معك ووفيت بعهدك (3)». (4)

يقول شير محمّد الهمداني: وذكر الطبرسي (رضیَ اللّهُ عنهُ) في أول كتاب (الاحتجاج ) ما هذا لفظه: ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده أمّا لوجود الإجماع عليه أو موافقته لمّا دلت العقول إليه، أو لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف، إلا ما أوردته عن أبي محمّد الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإنه ليس في الاشتهار على حد ما سواه، وإن كان مشتملاً على مثل الذي قدمناه... إلخ.. (5)

في علة إسلام من تقدم على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)

يقول شير محمّد الهمداني: قد ذكر السيد الجليل العالم الورع علي بن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ) في كتابه (كشف المحجّة لثمرة المهجة) أموراً ينبغي ذكرها هنا، قال (رضیَ اللّهُ عنهُ) في الفصل السادس والثمانين :

ص: 65


1- قال المؤلّف: في نسخة بدل (التخلف عن).
2- قال المؤلّف : في نسخة بدل (بن أبي طالب أخي وابن عمي).
3- قال المؤلّف : في نسخة بدل (الذي معك فقعد أبي).
4- الاحتجاج: 153/1.
5- الاحتجاج: 4/1.

واعلم يا ولدي محمّد، حرسك اللّه جل جلاله من الشواغل عنه بنعمة وعافية مستمرة مستقرة منه، أنّ إسلام الذين تقدموا على أبيك علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وتزويج جدك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إليهم وتزويجهم إليه كان على صفة يعرفها من نبهه اللّه جلّ جلاله عليها، وقد ذكر الطبرسي أحمد بن علي بن أبي طالب في كتاب (الاحتجاج) وغيره أنّ المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) و لا واللّه ذكر أنّ سبب إسلامهم أنهم كانوا سمعوا من اليهودية أنّه سيظهر محمّد ويملك العرب والعباد، وأنه يستولي على البلاد، وجعلوا لذلك دلائل وعلامات، فلما رأوها فيه أسلموا معه طلباً للرئاسة. (1)

ووقفت أنا على كتاب (دانيال) المختصر من كتاب (الملاحم)، وهو عندنا الآن يتضمن ما يقتضي أن أبا بكر وعمر كانا عرفا من كتاب (دانيال) - وكان عند اليهود- حديث ملك النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وولاية رجل من تيم ورجل من عديّ بعده دون وصيه أبيك علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وصفتهما، فلما رأيا الصفة في محمّد جدّك (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وفيهما تبعاه وأسلها معه؛ طلباً للولاية التي ذكرها دانيال في كتابه

ويدل يا ولدي محمّد، على أن الحال كما ذكره المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) و دانيال (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أنّ إسلامهما كان طمعاً في الدنيا، وأنهما ما طلبا من جدك محمّد محاربة القبائل، ولا وقفا موقفاً يورث عداوة بينهما وبين الأماثل، كما فعل أبوك علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) من عداوة كل من أراد اللّه ورسوله عداوته، من قريب وبعيد وضعيف وشديد، بل سكنا سكون الفهد حتّى تمكنا من الصيد فسارعا إليه، وتركا جدك محمّدا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لم يدفن ولم يشتغلا به بالصلاة والسلام عليه. (2)

ص: 66


1- الاحتجاج: 275/2.
2- كشف المحجّة: 61.

في عملة تزويج النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إليهم وتزويجهم إليه.

وأمّا حديث التزويج إليهم وتزويجهم إليه عند أسلافك يا ولدي محمّد، فإنّ اللّه جل جلاله كان قد عرّف جدك محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ما يحدث بعده في الإسلام ومخالفة من يخالف من أمته لنصه على أبيك على (عَلَيهِ السَّلَامُ) بإمامته، وأن اللّه جل جلاله يعذّب الأمة ويبتليها بتسليط من تقدم على أبيك علي بن أبي طالب كما قال اللّه جلّ جلاله: «وَكَذلكَ نُوَلي بَعْضَ الظَّالِمينَ بَعْضًا بَمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ». (1)

ولقد كشفت في كتاب (الطرائف) عن معرفة جدك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بما جرت عليه حال أمته بعد إنتقاله (2)، وقد ذكرت لك في (الطرائف) كيف أرادوا يحرقون بالنار بيت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) ومَن فيه وفيه العباس وجدك علي والحسن والحسين وغيرهم من الأخيار، وكيف يحتال عمر في الشورى في قتل جدك علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إن توقف عن قبول وصية عمر، وكيف كان يوم السقيفة طريقاً إلى طلب الخلافة بالتغلب والاحتيال.

وكيف أجتهد معاوية في ذهاب أهل بيت النبوة بالاستئصال، وكيف بلغ ابنه يزيد إلى قتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ودوس ظهره الشريف بحوافر الخيل، ورفع رأسه المقدس ورؤوس الأطهار على الرماح في بلاد الإسلام، وحمل حرمه سبايا كأنّهنّ سبايا الكفّار ووجد معاوية ابنه يزيد من المسلمين وبقايا الصحابة الضالين ومن أعانهم على ذلك الفساد، حتّى قتل يزيد أهل المدينة وسبى نساء أهلها، وبايعوا على أنهم عبيد قنّ ليزيد ابن معاوية، وحتى رمى الكعبة بأحجار المنجنيق وسفك دماء أهل الحرم، وبلغ ما لم يبلغ إليه الكفّار والأشرار.

ص: 67


1- سورة الأنعام: 129.
2- الطرائف: 104.

ولعنوا أباك صلوات اللّه وسلامه عليه والصالحين على منابر المسلمين، وهو شيء ما فعله ملوك الكافرين، وقتلوا من قدروا على قتله مَن الشيعة الصالحين.

فكذا ما يكون يؤمن أن يقع ممن تقدم على أبيك علي أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وهم أرجح من معاوية ويزيد من ملوك بني أمية المارقين، أضعاف ما وقع منهم من الهلاك في الدنيا والدين.

ولولا ما دبر اللّه لجدك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من تزويجه إليهم وتزويجهم إليه، ومن أمره لجدك الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في صلح معاوية على ما كان ما بقي من ذرية النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ومن أمور الإسلام ما قد بقي إلى الآن، وكان الحال قد زاد على ما كان في أيام الجاهلية من الضلال والعدوان والبهتان وباللّه جل جلاله المستعان، فأذن له وأمره (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يزوجهم ويتزوج منهم ليكون ذلك من أسباب حفظ ما حفظ به من دينه وذريته والأئمة من عترته، وسلامتهم من الهلاك والأصطلام.

وهذه عادة مستمرة في سالف الأيام وفي دولة الإسلام، وأنهم متى [ما] خافوا فساد الملوك والأضداد توسلوا في التزويج إليهم في ترك الحروب والجهاد إلى حفظ البلاد، وحفظ الأهل والأولاد وبلوغ المراد.

وهل كان يؤمن من الذين تقدموا على أبيك علي سلام اللّه عليه إذ تمكنوا بعد جدك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من كل ما يقدرون عليه، من استئصال من يقدرون على استئصاله من أهل بيته (عَلَيهِم السَّلَامُ)، ومحو ما يقدرون على محوه من شريعة الإسلام وقد ذكرت ذلك في كتاب (الطرائف)، ومن إقدامهم في حياة جدك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من على المعارضة له في فعاله ومقاله والطعن فيهما قدروا على الطعن فيه من أفعاله.

ولمّا كان عند وفاته طلب أن يكتب لهم كتاباً لا يضلوا بعده أبداً، فأقدم عمر على جدك (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على أن قال: إنّه ليهجر !! كما نشرحه فيما بعد، ومعناها عند أهل اللغة

ص: 68

الهذيان (1) ومنع عمر جدك محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في تلك الحال أن يرفع الضلال من أهل الإسلام والإيمان، حتّى هلك من هلك منهم في ذلك الأوان. (2)

حديث الدواة والقرطاس

واعلم يا ولدي محمّد، أعزك اللّه جل جلاله بعزة السعادتين في الدنيا والدين التي قال اللّه جل جلاله فيها: «وَللّهِ العِزَّةُ وَلرَسُوله وَالمُؤْمِنِينَ»(3)، أن أبا بكر وعمر صنعا أمرين عظيمين كانا سبباً لما جرى بين الإسلام والمسلمين، وضلال من ضل منهم إلى يوم الدين واحدة في حياته، وواحدة بعد وفاته، غير أفعالهما التي هلك بها من هلك من الخلق أجمعين.

أمّا التي في حياته فإنّ البخاري ومسلم في صحيحيهما، وكل من له [صدق] وأمانة من رواة المسلمين ذكروا بلا خلاف أنّ جدك محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ما قال عند وفاته :

«إئتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعدي أبدا». (4)

وأن عمر قال في وجه جدك المعظم واستخف بحقه الأعظم وأقدم على أن قال: إنه ليهجر أي ليهذي.

يا ويله وويل لمن وافقه على هذه المصيبة،والرزية هذا تفسيرها بغير شبهة عند علماء أهل اللغة العربية، فلما سمع النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ما قد بلغ حال حرمته إليه وأنّ الحجّة قد صارت اللّه جلّ جلاله وله عليه وآله السلام في الكتاب الذي دعا الناس إليه بترك الكتاب قال:

ص: 69


1- الصحاح: 851/2 مادة (ه ج ر).
2- كشف المحجّة: 62، الفصل السابع والثمانون.
3- سورة المنافقون: 8.
4- صحيح البخاري: 11/6، باب مرض النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، صحيح مسلم : 1259/3 حدیث 21، 22، كتاب الوصية.

«قوموا عني لا ينبغي عندي التنازع».

فكل ضلال في الدنيا منذ ذلك اليوم وقع مستوراً وشائعاً كان بطريق عمر ومن وافقه، فما أدري كيف يكون يوم القيامة حال ذلك الإقدام؟ وقد كان عبد اللّه بن عباس يبكي حتّى تبل دموعه الحصى من هول ذلك المقام وما فسد بذلك من الإسلام، ويقول إنّ الرزية كل الرزية ما حلل بين رسول اللّه وبين كتابه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). (1)

واعلم يا ولدي محمّد، إن أقصى ما كان يخاف من كتاب جدك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) زوال الضلال، فهل كره ذلك إلا من كان يريد بقاء الضلال وأعظم ما في هذه الحال أن جدك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال جلّ جلاله عنه : «مَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى» (2) وخاصة قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عن زوال الضلال إلى يوم الحساب، فإنّ هذا ما يعرفه ويقول إلا عن ربّ الأرباب، فصار الاستخفاف بقول من قال ليهجر وإنّه هذيان لأعظم من جدك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهدماً للإسلام والإيمان. (3)

واعلم يا ولدي محمّد، أودع اللّه جل جلاله سرائرك أنوار المكاشفة وديعة مستقرة متضاعفة، أن جماعة من أهل المعرفة بما جرت حال أعداء جدك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأبيك على (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذكروا أن الذي منع من هذه الصحيفة التي أراد أن يكتبها بزوال الضلال كان سبب منعه من هذه الحال أنه كان قد عرف أنّ جدك محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد نص على أبيك علي بالخلافة بعده في مقام بعد مقام، فلما قال:

«ائتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً».

فخاف الذي منعه من الكتاب أنه يكتب كتاباً ليصرح بأسماء الذين يمنعون أباك

ص: 70


1- كشف المحجّة: 64، الفصل الثامن والثمانون.
2- سورة النجم: 3-4.
3- كشف المحجّة: 64، الفصل التاسع والثمانون.

عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) من خلافته، ويأمر بدفعهم عنه إما قتلاً أو طرداً أو حبساً أو قهراً، ويشهد عليهم في الصحيفة بما يوجب عليهم هلاكاً أو حداً، فأقدم على ذلك القول الذي «تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ منْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَكخرُ الجَبَالُ هَدًّا». (1)

فشوش هو ومن وافقه مجلسه الشريف، وعرفوا كلامه المقدس المنيف ليتم لهم الحيلة فيما فعلوه من التقدم على أبيك علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وهذه عادة كثير من أهل الظلم من الأنام إذا خافوا ركوب الحجّة عليهم أو عكس حيلتهم عليهم، قطعوا الكلام ومنعوا من إتمامه وشوشوا المجلس قبل انتظامه. (2)

يقول شير محمّد: هذا الحديث أورده ابن أبي الحديد في الجزء السادس من شرح النهج ص 20 طبع مصر، نقلاً من كتاب (السقيفة) لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري، وفيه هكذا:

«ائتوني بدواة وصحيفة، أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعدي. فقال عمر: كلمة معناها أنّ الوجع قد غلب على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )».

ثم قال ابن أبي الحديد: قلت هذا الحديث قد خرجه الشيخان محمّد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج القشيري في صحيحيهما (3)، واتفق المحدّثون كافة على روايته. (4)

وفي الجزء الثاني من شرح النهج ص 133 : وفي الصحيحين أيضاً خرّجاه معاً عن ابن عباس أنه كان يقول : يوم الخميس وما يوم الخميس ثمّ بكى حتّى بل دمعه الحصى فقلنا: يا بن عباس، وما يوم الخميس؟ قال: اشتد برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وجعه فقال:

ص: 71


1- سورة مريم: 90.
2- كشف المحجّة: 65، الفصل التسعون.
3- صحیح مسلم: 1259.
4- شرح نهج البلاغة: 51/6.

«إئتوني بكتاب أكتبه لكم لا تضلوا بعدي أبداً». (1)

وفي الصحيحين أيضاً خرجاه معا عن ابن عباس رحمه اللّه تعالى قال:

»لمّا أحتضر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) هو في البيت رجال منهم عمر بن الخطاب قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : معلم اكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده.. الحديث». (2)

يقول شير محمّد: هذا الحديث - حديث منع عمر عن الكتاب - أورده أبو عبد اللّه أحمد بن حنبل في مسنده، في مسند عبد اللّه بن عباس في مواضع، منها في أواخر مسند عبد اللّه بن عباس بهذا اللفظ: حدّثنا وكيع، حدّثنا مالك بن مغول، عن طلحة لبن مصرف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:

«يوم الخميس وما يوم الخميس؟ ثمّ نظرت إلى دموعه على خديه تحدر كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ائتوني باللوح والدواة أو الكتف، أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبدا، فقالوا: رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يهجره». (3)

يقول شير محمّد في كتاب (سليم بن قيس) في احتجاج أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في مسجد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في خلافة عثمان ما هذا لفظه:

«يا،طلحة الست قد شهدت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: إنّ نبي اللّه يهجر، فغضب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ثمّ تركها ؟ قال : بلى، قد شهدت ذاك. قال: فإنّكم لمّا خرجتم أخبرني بذلك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وبالذي أراد أن يكتب فيها وأن يشهد عليها العامة، فأخبره جبرائيل: أنّ

ص: 72


1- الحديث ورد باختلاف يسير في صحيح البخاري: 4/ 31، 65، 5/ 137 صحیح مسلم: 75/5.
2- شرح نهج البلاغة: 54/2-55.
3- مسند أحمد: 355/1.

اللّه (عزّوجلّ) قد علم من الأمة الاختلاف والفرقة، ثمّ دعا بصحيفة فأملى عليّ ما أراد أن يكتب في الكتف وأشهد على ذلك ثلاثة رهط : سلمان وأبا ذر والمقداد، وسمّى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر اللّه بطاعتهم إلى يوم القيامة، فسماني أولهم ثمّ ابني هذا - وأدنى بيده إلى الحسن - ثمّ الحسين ثمّ تسعة من ولد ابني هذا - يعني الحسين - كذلك كان يا أبا ذر وأنت يا مقداد؟ فقاموا وقالوا نشهد بذلك على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فقال طلحة واللّه لقد سمعت من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، يقول لأبي ذر ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، ولا أبر عند اللّه، وأنا أشهد أنّهما لم يشهدا إلا على حق ولأنت أصدق [ وآثر ] عندي منها». (1)

في مخالفتهم أمر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )

[ ثمّ قال السيد ابن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ) ]: وأما الذي وقع من أبي بكر من الحادثة في حياته وبعد وفاته، التي انتظم بها مصائب الإسلام، فإنّ جدك محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان قد جمع الذين يخالفون على أبيك علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الخلافة، ومن يوافقهم أو يحسده أو يعاديه، وجعلهم جميعاً في جيش أسامة وتحت رايته، وحثّ على خروجهم من المدينة حثّاً شديداً زائداً على عادته، لتخلو المدينة من المعارضين والمعاندين، ويصفو الأمر لأبيك أمير المؤمنين أو ليكون ذلك حجّة له (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الاجتهاد في منعهم بكل طريق، وليظهر منهم ما يبطنونه من مخالفته بسوء التوفيق.

فعاد أبو بكر من جيش أسامة وفسخ بذلك ما أراد جدك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من التوصل في الإمامة التي بها سلامة الإسلام والمسلمين وسعادتهم إلى يوم الدين، وقال للنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): ما كنت لأقف عند أسامة وأسأل عنك الركب، ونفذ يلتمس عمر من

ص: 73


1- کتاب سليم بن قيس: 211.

الجيش، وقال أبو بكر لأسامة: تأذن له في العودة إلى المدينة، فكان جواب أسامة: إنّ عمر قد عاد بغير إذني وأذن لنفسه.

أخبار بعث أسامة بن زيد من كتاب السقيفة وفدك

يقول شير محمّد: ذكر ابن أبي الحديد في الجزء السادس من شرح النهج ص 20 طبع مصر، نقلاً من كتاب (السقيفة) لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري، قال: قال أبو بكر: وحدّثنا أحمد بن إسحاق بن صالح، عن أحمد بن سيار، عن سعيد بن كثير الأنصاري، عن رجاله، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن

«أنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في مرض موته أمر أسامة بن زيد بن حارثة على جيش فيه جلّة المهاجرين والأنصار، منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير، وأمره أن يغير على مؤتة حيث قتل أبوه زيد، وأن يغزو وادي فلسطين، فتثاقل أسامة وتثاقل الجيش بتثاقله، وجعل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) [ في مرضه ] يثقل ويخف، ويؤكد القول في تنفيذ ذلك البعث، حتّى قال له أسامة بأبي أنت وأمي ! أتأذن لي أن أمكث أياماً حتّى يشفيك اللّه تعالى! فقال: اخرج وسر على بركة اللّه، فقال: يا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إن أنا خرجت وأنت على هذه الحال خرجت وفي قلبي قرحة منك، فقال: سر على النصر والعافية، فقال: يا رسول اللّه إنّي أكره أن أسأل عنك الركبان، فقال: انفذ لما أمرتك به، ثمّ أغمي على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وقام أسامة فتجهز للخروج، فلما أفاق رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) سأل عن أسامة والبعث فأخبر أنّهم يتجهزون، فجعل يقول: أنفذوا بعث أسامة، لعن اللّه من تخلف عنه، وكرر ذلك، فخرج أسامة واللواء على رأسه والصحابة بين يديه حتّى إذا كان بالجرف نزل ومعه أبو بكر وعمر وأكثر المهاجرين، ومن الأنصار أسيد بن حضير وبشير لبن سعد وغيرهم من الوجوه، فجاءه رسول أم أيمن يقول له: أدخل فإنّ رسول اللّه

ص: 74

يموت فقام من فوره، فدخل المدينة واللواء معه، فجاء به حتّى ركزه بباب رسول اللّه، ورسول اللّه قد مات في تلك الساعة. قال : فما كان أبو بكر وعمر يخاطبان أسامة إلى أن ماتا إلّا بالأمير». (1)

أخبار السقيفة ومجرياتها

[قال السيد ابن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ) ]: وما كفاه ذلك حتّى أخذ الأمر لنفسه، وهم في السقيفة على حال يحب ذلك حتّى غليها بالإنكار، فساعدهم على الإصرار، وما كفاه ذلك حتّى أخذ الأمر لنفسه بالحيلة ووعدهم كما ذكره البخاري ومسلم في صحيحيهما وغيرهما - أنّه يكون الأمراء من المهاجرين والوزراء من الأنصار، ولمّا تمكن لم يولّ أحداً منهم وزيراً وأظهر أنه كان محتالاً، وفضح نفسه بين أهل الاعتبار.

في أمرهم بإحراق داربيت أهل النبوة

قال السيد ابن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ)]: أقول: وما كفاه ذلك حتّى بعث عمر إلى باب أبيك علي وأمك فاطمة وعندهما العباس وجماعة من بني هاشم وهم مشغولون بموت جدك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والمأتم، فأمر أن يحرقوا بالنار إن لم يخرجوا للبيعة على ما ذكره صاحب كتاب (العقد) في الجزء الرابع (2) منه وجماعة ممن لا يتهم في روايتهم.

وهو شيء لم يبلغ إليه أحد فيها أعلم قبله ولا بعده من الأنبياء والأوصياء، ولا الملوك المعروفين بالقسوة والجفاء، ولا ملوك الكفار، أنّهم بعثوا من يحرقوا الذين تأخروا عن بيعتهم بحريق النار، مضافاً إلى تهديد القتل والضرب.

أقول: ولا بلغنا أنّ أحداً من الملوك كان لهم نبي أو ملك، كان لهم سلطان قد أغناهم بعد الفقر وخلصهم من الذل والضر، ودلهم على سعادة الدنيا والآخرة، وفتح عليهم

ص: 75


1- شرح نهج البلاغة: 52/6.
2- العقد الفريد: 13/5.

بنبوته بلاد الجبابرة، ثمّ مات وخلف فيهم بنتاً واحدة من ظهره وقال لهم: إنّها سيّدة نساء العالمين (1) وطفلين معها منها لهما دون سبع سنين أو قريب من ذلك، فتكون مجازات ذلك النبي أو الملك من رعيته أنّهم ينفذون ناراً ليحرقوا ولديه ونفس ابنته وهما في مقام روحه ومهجته.

في إظهار أبي بكر استقالته عن الخلافة

[قال السيد ابن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ) ] وأقول : ثمّ ما كفاه ذلك حتّى أظهر على المنبر أنّه يستقيل عن الخلافة، ثمّ فضح نفسه وقلدها بعد وفاته ونصّ بها على عمر بن الخطاب، وما هذه صفة مستقيل منها عند ذوي الألباب.

وأقول : ثمّ كانت وصيته بالنص على عمر كالطعن على نفسه فيها أدعاه أن جدك محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أختار لأمته ترك النص على أحد منهم، وترك على قولهم مع كماله - أمرهم مهملاً ليختاروا واحداً منهم.

أفتُرى أن أبا بكر كان يعتقد أن رأيه لأمة جدك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أفضل من رأي نبيهم، الذي شهد اللّه جل جلاله [ في كتابه] بالشفقة عليهم، أو كان هذا من أبي بكر تكذيباً لنفسه، وأنّ الرئيس لا بد له من نص على من يقوم مقامه، أو خاف أنه إن ترك الأمر رجع الناس إلى أبيك أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، واعترفوا له بحقه ونص محمّد جدك صلوات اللّه عليه وآله، فبادر بالتعيين على عمر؛ ليمنعهم من الرجوع إلى الصراط المستقيم، أو كان قصده أن يستر عليه عمر بخلافته بعده ما جرى منه من التدبير السقيم، أو كان مكافأة لعمر على مبايعته له يوم السقيفة، كما ذكره صاحب كتاب (العقد) في أخبارهم الطريفة (2).

ص: 76


1- صحيح البخاري كتاب بدء الخلق مسند أحمد: 282/6. طبقات ابن سعد: 40/2.
2- العقد الفريد: 20/5.

وأقول: ثمّ كان نصه على عمر مع علمه أنه متهم على المسلمين، وأنه ما يريد لهم خيراً أبداً، بدلالة أنّه منع جدك محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عند وفاته أن يكتب لهم صحيفة لن يضلوا معها إلى يوم الدين، ومع معرفته بقساوة عمر وفظاظته وغلظته وعداوته لبني هاشم ولأبيك أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) هو من أعظم المصائب على كل من هلك أو ضل، أو ليضل عن نبوة جدك محمّد سيّد المرسلين صلوات اللّه عليه وعلى عترته الطاهرين. (1)

يقول شير محمّد: في خطبة أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الشقشقيّة:

«فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته... إلخ». (2)

في اشتغالهم بالولاية والنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على فراش الممات

[قال السيد ابن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ)] :

واعلم يا ولدي محمّد سلك اللّه جل جلاله بك سبيل الصواب، وشرّفك بسعادة ذوي الألباب، أنّ الذي جرى يوم السقيفة من تركهم للنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، على فراش الممات، واشتغالهم بالولايات، وما جرى من ترك المشاورة لذوي البصائر، وانفرادهم بتلك الفضائح في الموارد والمصادر، كاد أن يزيل حكم النبوة، ويوجب ذهاب الإسلام بالكلية؛ لأن العرب لما سمعوا عن أهل السقيفة اشتغالهم بالأمور الدنيوية واستخفافهم بالحرمة النبوية لم يستبعدوا أنهم خرجوا من اعتقاد،نبوته، وعن وصيّته بمن أوصى إليه بإمامته، وأن قد صار الأمر مغالبة لمن غلب عليه، فارتد قبائل العرب، واختار كل قوم منهم رأياً اعتمدوا عليه، فحكى جماعة من أصحاب التواريخ منهم العباس بن عبد الرحيم المروزي، فقال ما هذا لفظه ولم يلبث الإسلام بعد موت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من طوائف العرب إلا في أهل المدينة وأهل مكة وأهل الطائف، ارتد سائر الناس.

ص: 77


1- كشف المحجّة : 67، المفصل الحادي والتسعون.
2- نهج البلاغة: 32.

ثم شرح المروزي كيفية ارتداد الخلائق بعد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فقال : إرتدت بنو تميم وغيرهم واجتمعوا على مالك بن نويرة اليربوعي، وارتدت ربيعة كلها وكانت لهم ثلاثة عساكر: عسكر باليمامة مع مسيلمة الكذاب، وعسكر مع مغرور الشيباني وفيه بنو شیبان وعامة بكر بن وائل وعسكر مع الحطم العبدي.

قال المروزي وارتد أهل اليمن، وارتد الأشعث بن قيس في كندة، وارتد أهل مأرب مع الأسود، وارتدت بنو عامر إلا علقمة بن علاقة. (1)

فكان هذا الارتداد يا ولدي محمّد من جملة موانع أبيك أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من منازعة أبي بكر وعمر، ومن رغب في نيل الدنيا بطريقهما ممن يرجو أن يحصل له منهما إذا حصل لهما ولاية من الحطام ما لا يرجو بولاية أبيك علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، لأنهم يعرفوا منه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )أنه لا يعمل بغير الحق الذي لا تصبر عليه النفوس.

فلو أنّ أباك أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) نازع أبا بكر منازعة للمغالبة والمقاهرة، لأدّى ذلك إلى أن يصير أهل المدينة حرباً وأهل الردة،ظاهره وكان أهل مكة الذي ذكر أنهم ما ارتدوا وقد أسلموا لما هجم النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالعساكر التي عجزوا عنها وملكهم قهراً وبغتة على صفة ما كانوا يقدرون على التخلص منها، فكان إسلامهم إسلام مقهور فمتى وجدوا من يساعدهم على زوال القهر عنهم ما يؤمن منه ارتدادهم عما قهروا عليه من الإسلام المذكور.

فما كان يفي على ما ذكر المروزي وغيره ممن ارتد من سائر أهل تلك البلاد إلا الطائف، وأي مقدار للطائف مع ارتداد سائر الطوائف، فلولا تسكين أبيك أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لذلك البغي والعدوان بترك المحاربة لأبي بكر، ومساعدته لأهل المدينة

ص: 78


1- الفتوح: 15/1.

على الذين ارتدوا على الإسلام والإيمان وإطفاء تلك النيران كاد قد ذهب ذلك الوقت الإسلام بالكلية، أو كاد يذهب ما يمكن ذهابه منه بتلك الاختلافات الردية.

وهذه مصائب وعجائب أوجبها مسارعة أبي بكر وعمر ومن اجتمع في السقيفة لطلب الدنيا السخيفة، والتوصل فيها بالمغالبة،والحيلة وتركهم جدك محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بين أهله على فراش وفاته، كأنه كان عند أهل السقيفة مثل امرأة قد ضجر صاحبها منها مما يمتنعه من سوء الإرادة ولا ترجى الولادة، فصاحبها مستقيل من حياتها وإذا ماتت فرح بمماتها.

وكان من جملة حقوقه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بعد وفاته وخاصة يوم الممات أن يجلس المسلمون كلهم على التراب لا على الرماد ويلبسوا أفضل ما يلبسه أهل المصائب من السواد، ويشتغلوا ذلك اليوم خاصة عن الطعام والشراب ويشترك الرجال والنساء في النياحة والبكاء والمصائب، ويكون يوماً ما كان يوم مثله في الدنيا ولا يكون، فما كان يتعذر أن يجمعوا بين طلب الولاية وبين حقوق مصابه العظيم الذي لا يجوز أن يهون فكيف جاز في عقل أو شرع أن ينقضي ذلك اليوم بالمخاصمات على الحطام، فيا لها من نكبة وفضيحة عليهم تبكي منها القلوب والعيون. ومن أعجب ما رأيته في كتب المخالفين وقد ذكره الطبري في تاريخه (1) ما معناه: أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) تو في يوم الاثنين، وما دُفِن إلى ليلة الأربعاء، وفي رواية أنه عاد بقي ثلاثة أيام حتّى دفن وذكر إبراهيم الثقفي في كتاب (المعرفة) في الجزء الرابع تحقيقاً أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بقي ثلاثة أيام حتّى دُفِن لاشتغالهم بولاية أبي بكر والمنازعات فيها.

وما كان يقدر أبوك علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يفارقه، ولا أن يدفنه قبل صلاتهم عليه، ولا كان يؤمن أن يقتلوه إن فعل ذلك، أو ينبشوا النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ويخرجوه، ويذكروا أنه دفنه في غير

ص: 79


1- تاريخ الطبري: 211/3.

وقت دفنه، أو في غير الموضع الذي يُدفّن فيه، فأبعد اللّه جل جلاله من رحمته وعنايته نفوساً تركته على فراش منيته، واشتغلت بولاية كان هو أصلها بنبوته ورسالته لتخرجها من أهل بيته وعترته.

واللّه يا ولدي ما أدري كيف سمحت عقولهم ومروّتهم ونفوسهم وصحبتهم مع شفقته عليهم وإحسانه إليهم بهذا التهوين ولقد قال مولانا زين العابدين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«واللّه لو تمكن القوم أن طلبوا الملك بغير التعلق باسم رسالته كانوا قد عدلوا عن نبوته وباللّه المستعان». (1)

وقد كشف أبوك مولانا علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) هذا، كشفاً دل ببيان المقال عليه في حديث يشهد لسان حاله أنه من لفظه وشريف مقالته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، يتواتر بنقله علماء الشيعة الإمامية، وفيه أيضاح لما جرى من حال أبيك علي مع الفرق الدنيوية، وممن ذكره أبو جعفر محمد بن بابويه (رضیَ اللّهُ عنهُ) في الجزء الثاني من كتاب (الخصال) في امتحان اللّه (عزّوجلّ) و أوصياء الأنبياء (عَلَيهِم السَّلَامُ) في حياة الأنبياء في سبعة مواطن (2)، وبعد وفاتهم في سبعة مواطن وهو عندنا الآن في جملة مجلدات بطرق واضحات فقف على ما فيه من أسرار الإسلام والإيمان وشرح لحاله (عَلَيهِ السَّلَامُ) أيضاً مع أهل العدوان في رسالة سوف نوردها في أواخر هذه الرسالة إن شاء اللّه تعالى (3)، ولولا أنني ما قصدت بهذه الرسالة مني إليك إيراد الأخبار وإلا كنت أوردته، ويكفي أنّي قد دللتك على بعض مواضعه وهو مشهور عند أهل الإعتبار، ولقد قاسي أبوك على (عَلَيهِ السَّلَامُ) حفظ بيضة الإسلام وبقاء هذا الآذان، وحفظ ما في أيديهم من القرآن والصلاة إلى القبلة والأحكام الظاهرة ما لولا أنّ اللّه جل جلاله قواه عليه بقدرته الباهرة كان قد عجز

ص: 80


1- كشف المحجّة: 69، الفصل الثاني والتسعون.
2- الخصال: 364.
3- أي أواخر كتاب كشف المحجّة.

عن حمله فسبحان من أقدره على ذلك بعنايته وفضله وما أحق جدك مولانا علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بقول الخنساء:

وما بلغت كفّ أمريء متطاولٍ***به المجد إلا حيث ما نلت أطول

وما يبلغ المهدون في القول مدحة***ولو أكثروا إلا الذي فيك أفضل (1)

حدیث امتحان أوصياء الأنبياء (عَلَيهِم السَّلَامُ)

يقول شير محمّد الهمداني: حديث امتحان أوصياء الأنبياء (عَلَيهِم السَّلَامُ) في حياة الأنبياء وبعد وفاتهم، أورده ابن بابويه (رضیَ اللّهُ عنهُ) في الجزء الثاني من كتاب (الخصال) في أبواب السبعة ورواه بأسانيده التي ذكرها عن محمّد بن الحنفية، وعن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال فيه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ):

«وأمّا الثانية يا أخا اليهود يعني الثانية من مواطن امتحانه بعد وفاة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - فإنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أمّرني في حياته على جميع أمته، وأخذ على جميع من حضره منهم البيعة والسمع والطاعة لأمري، وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب ذلك، فكنت المؤدي إليهم عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أمره إذا حضرته والأمير على من حضرني منهم إذا فارقته، لا تختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شيء من الأمر في حياة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ولا بعد وفاته، ثمّ أمر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، بتوجيه الجيش الذي وجهه مع أسامة بن زيد عند الذي أحدث اللّه به من المرض الذي توفاه فيه، فلم يدع النبي أحداً من أبناء العرب (2) ولا من الأوس والخزرج وغيرهم من سائر الناس ممن يخاف على نقضه ومنازعته، ولا أحداً ممن يرى (3)

ص: 81


1- كشف المحجّة،72، الفصل الثالث والتسعون ديوان الخنساء: 107.
2- في بعض النسخ: (أفناء العرب)، وأفناء الناس هم الذين لم يعلم ممن هم والواحدة فنو.
3- في المطبوع (يراني).

بعين البغضاء ممن قد وترته بقتل أبيه أو أخيه أو حميمه إلا وجّهه في ذلك الجيش، ولا من المهاجرين والأنصار والمسلمين وغيرهم والمؤلفة قلوبهم والمنافقين، لتصفو قلوب من يبقى معي بحضرته، ولئلا يقول قائل شيئاً مما أكرمه، ولا يدفعني دافع من الولاية والقيام بأمر رعيته من بعده، ثمّ كان آخر ما تكلم به في شيء من أمر أمته أن يمضي جيش أسامة ولا يتخلف عنه أحد ممن أنهض معه، وتقدم في ذلك أشد التقدم وأوعز فيه أبلغ الإيعاز (1) وأكد فيه أكثر التأكيد، فلم أشعر بعد أن قبض النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلا برجال من بعث أسامة بن زيد وأهل عسكره قد تركوا مراكزهم، وأخلوا مواضعهم، وخالفوا أمر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فيما أنهضهم له وأمرهم به، وتقدم إليهم من ملازمة أميرهم والسير معه تحت لوائه، حتّى ينفذ لوجهه الذي أنفذه إليه، فخلفوا أميرهم مقيماً في عسکره، وأقبلوا يتبادرون على الخيل ركضاً إلى حل عقدة عقدها اللّه (عزّوجلّ) لي ولرسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في أعناقهم فحلّوها، وعهد عاهدوا اللّه ورسوله عليه فنكثوه، وعقدوا لأنفسهم عقداً ضجّت به أصواتهم واختصّت به آراؤهم من غير مناظرة لأحد منا بني عبد المطلب أو مشاركة في رأي أو استقالة لما في أعناقهم من بيعتي (2)، فعلوا ذلك وأنا برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مشغول وبتجهيزه عن سائر الأشياء مصدود فإنّه كان أهمها وأحق ما بدئ به منها فكان هذا يا أخا اليهود أقرح (3) ما ورد على قلبي مع الذي أنا فيه من عظيم الرزينة، وفاجع المصيبة، وفقد من لا خلف منه إلا اللّه تبارك وتعالى، فصبرت عليها إذا أتت بعد أختها على تقاربها وسرعة اتصالها، ثمّ التفت (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.

ص: 82


1- أوعز إليه في كذا: أي تقدم.
2- استقالة البيعة: طلب منه أن يحلها.
3- قال المؤلّف: في نسخة بدل (أفدح).

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وأما الثالثة يا أخا اليهود، فإنّ القائم بعد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان يلقاني معتذراً في كل أيامه ويلزمه غيره (1) ما ارتكبه من أخذ حقي ونقض بيعتي وسألني تحليله، فكنت أقول: تنقضي أيامه، ثمّ يرجع إلي حقي الذي جعله اللّه لي عفوا (2) هنيئاً من غير أن أحدث في الإسلام مع حدوثه، وقرب عهده بالجاهلية حدثاً في طلب حقي بمنازعة لعل فلاناً يقول فيها : نعم وفلاناً يقول: لا، فيؤول ذلك من القول إلى الفعل، وجماعة من خواص أصحاب محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، و أعرفهم بالنصح اللّه ولرسوله ولكتابه ودينه (3) الإسلام يأتوني عوداً وبدءاً (4) وعلانية وسراً، فيدعوني إلى أخذ حقي، ويبذلون أنفسهم في نصرتي ليؤدوا بذلك بيعتي في أعناقهم، فأقول رويداً وصبراً قليلاً، لعل اللّه يأتيني بذلك عفواً بلا منازعة ولا إراقة الدماء، فقد ارتاب كثير من الناس بعد وفاة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وطمع في الأمر بعده من ليس له بأهل، فقال كل قوم منا أمير، وما طمع القائلون في ذلك إلا لتناول غيري الأمر، فلما دنت وفاة القائم (5) وانقضت أيامه، صير الأمر بعده لصاحبه، وكانت هذه أخت أختها، ومحلها مني مثل محلها، وأخذا مني ما جعله اللّه لي فاجتمع إلي من أصحاب محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من مضى وممن بقي ممن أخره اللّه من اجتمع فقالوا لي فيها مثل الذي قالوا في أختها، فلم يعد قولي الثاني قولي الأوّل صبراً واحتساباً ويقيناً وإشفاقاً من أن يفنى عصبة تألفهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) باللين مرة وبالشدة أخرى، وبالنذر (6)

ص: 83


1- ويلزوم غيره أي كان يقول لم يكن هذا منّي بل كان من غيري.
2- العفو: أي السهل المتيسر.
3- قال المؤلّف: في نسخة بدل (لطينه).
4- يقال (رجع عوداً على بابه): أي لم يتم ذهابه حتّى وصله برجوعه.
5- كناية عن القائم بعد الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يعني أبا بكر.
6- قال المؤلّف: في نسخة بدل.(وبالبلبل).

مرة وبالسيف أخرى حتّى لقد كان من تألفه لهم أن كان الناس في الكنّ والقرار (1) والشبع والري، واللباس والوطاء والدثار (2) ونحن أهل بيت محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لا سقوف لبيوتنا، ولا أبواب ولا ستور إلا الجرائد، وما أشبهها ولا وطاء لنا ولا دثار علينا يتداول الثوب الواحد في الصلاة أكثرنا، ونطوي الليالي والأيام جوعاً عامتنا، وربّما أتانا الشيء مما أفاءه اللّه علينا وصيره لنا خاصة دون غيرنا ونحن على ما وصفت من حالنا فيؤثر به رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أرباب النعم والأموال تألّفاً منه لهم، فكنت أحق من لم يفرق هذه العصبة التي ألفها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ولم يحملها على الخطة (3) التي لا خلاص لها منها دون بلوغها أو فناء آجالها لأني لو نصبت نفسي فدعوتهم إلى نصر تي كانوا مني وفي أمري على إحدى منزلتين إما متبع مقاتل، وإما مقتول إن لم يتبع الجميع، وأما خاذل يكفر بخذلانه إن قصر في نصرتي أو أمسك عن طاعتي، وقد علم [اللّه] أني منه بمنزلة هارون من موسى، يحلّ به في مخالفتي والإمساك عن نصرتي ما أحلّ قوم موسى بأنفسهم في مخالفة هارون وترك طاعته، ورأيت تجرع الغصص ورد أنفاس الصعداء ولزوم الصبر حتّى يفتح اللّه أو يقضي بما أحب أزيد لي في حظي وأرفق بالعصابة التي وصفت أمرهم «وَكَانَ أَمْرُ اللّه قَدَرًا مَقْدُوراً»(4) ولواثق (5) هذه الحالة - يا أخا اليهود- ثمّ طلبت حقي لكنت أولى ممن طلبه لعلم من مضى من أصحاب رسول اللّه له ومن

ص: 84


1- الكن وقاء كلّ شيء وستره والكن أيضاً - البيت، والجمع أكنان وأكنة، وفي المطبوع: (الكر والفرار).
2- الوطاء: خلاف الغطاء أي ما تفترشه والدثار الثوب الذي يستدفأ به من فوق الشعار، وما يتغطى به النائم.
3- الخطة: الأمر المشكل الذي لا يهتدى إليه.
4- سورة الأحزاب: 38.
5- قال المؤلّف: في نسخة بدل (ولو لم أتق).

بحضرتك منه بأني كنت أكثر عدداً وأعز عشيرة وأمنع رجالاً وأطوع أمراً وأوضح حجّة وأكثر في هذا الدين مناقب وآثاراً؛ لسوابقي وقرابتي ووراثتي، فضلاً عن استحقاقي ذلك بالوصية التي لا تخرج للعباد منها والبيعة المتقدمة في أعناقهم ممن تناولها، وقد قبض محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وإن ولاية الأمة في يده وفي بيته، لا في أيدي الذين تناولوها ولا في بيوتهم، ولأهل بيته الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا أولى بالأمر من بعده من غيرهم في جميع الخصال، ثمّ التفت (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ :فقالوا: بلى يا أمير المؤمنين.

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وأما الرابعة يا أخا اليهود، فإنّ القائم بعد صاحبه كان يشاورني في موارد الأمور ومصادرها فيصدرها عن أمري ويناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأيي، لا أعلم أحداً ولا يعلمه أصحابي يناظره في ذلك غيري، ولا يطمع في الأمر بعده سواي، فلمّا أن أنته منيته على فجأة بلا مرض كان قبله، ولا أمر كان أمضاه في صحة من بدنه، لم أشك أني قد استرجعت حقي (1) في عافية بالمنزلة التي كنت أطلبها، والعاقبة التي كنت التمسها وإنّ اللّه سيأتي بذلك على أحسن ما رجوت، وأفضل ما أملت، وكان من فعله أن ختم أمره بأن سمّى قوماً أنا سادسهم، ولم يسوّني بواحد منهم، ولا ذكر لي حالاً في وراثة الرسول و لا قرابة ولا صهر ولا نسب، ولا لواحد منهم مثل سابقة من سوابقي ولا أثر من آثاري، وصيّرها شورى بيننا وصيّر ابنه فيها حاكماً علينا وأمره أن يضرب أعناق النفر السنة الذين صيّر الأمر فيهم إن لم ينفذوا أمره، وكفى بالصبر على هذا - يا أخا اليهود - صبرا، فمكث القوم أيامهم كلها كل يخطب لنفسه (2) وأنا ممسك عن أن سألوني عن أمري

ص: 85


1- قال العلّامة المجلسي (رضیَ اللّهُ عنهُ): أمثال هذا الكلام إنما صدر عنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بناء على ظاهر الأمر، مع قطع النظر عما كان يعلمه بأخبار اللّه ورسوله من استيلاء هؤلاء الأشقياء، وحاصل الكلام أنّ حق المقام كان يقتضي أن لا يشك في ذلك كما قيل في قوله تعالى: «لَا رَيْبَ فِيهِ».
2- قال المؤلّف : في نسخة بدل (لنفسه منها).

فناظرتهم في أيامي وأيامهم وآثاري وآثارهم وأوضحت لهم ما لم يجهلوه من وجوه استحقاقي لها دونهم وذكّرتهم عهد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إليهم وتأكيد ما أكده من البيعة لي في أعناقهم، دعاهم (1) حب الأمارة وبسط الأيدي والألسن في الأمر والنهي والركون إلى الدنيا والاقتداء بالماضين قبلهم إلى تناول ما لم يجعل اللّه لهم، فإذا خلوت بالواحد ذكّرته أيام اللّه وحذّرته ما هو قادم عليه وصائر إليه، التمس مني شرطاً أن أصيّرها له بعدي فلمّا لم يجدوا عندي إلا المحجّة البيضاء، والحمل على كتاب اللّه (عزّوجلّ) ووصية الرسول وإعطاء كل امرئ منهم ما جعله اللّه له، ومنعه ما لم يجعل اللّه له أزالها عني إلى ابن عفان طمعاً في الشحيح معه فيها، وابن عفان رجل لم يستو به (2) وبواحد ممن حضره حال قط فضلاً عمّن دونهم لا يبدر(3) التي هي سنام فخرهم ولا غيرها من المآثر التي أكرم اللّه بها رسوله ومن اختصه معه من أهل بيته ثمّ لم أعلم القوم أمسوا من يومهم ذلك حتّى ظهرت ندامتهم ونكصوا على أعقابهم وأحال بعضهم على بعض كل يلوم نفسه ويلوم أصحابه، ثمّ لم تطل الأيام بالمستبد بالأمر ابن عفان حتّى أكفروه وتبرؤوا منه، ومشى إلى أصحابه خاصة وسائر أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عامة يستقيلهم من بيعته ويتوب إلى اللّه من فلتته.

فكانت هذه - يا أخا اليهود - أكبر من أختها وأفظع (4)، وأحرى أن لا يصبر عليها، فنالني منها الذي لا يبلغ وصفه ولا يحد،وقته، ولم يكن عندي فيها إلا الصبر على ما أمض وأبلغ منها، ولقد أتاني الباقون من السنة من يومهم كل راجع عما كان ركب مني يسألني خلع ابن عفان والوثوب عليه وأخذ حقي ويعطيني صفقته وبيعته على الموت تحت رايتي أو يرد اللّه (عزّوجلّ) على حقي، فو اللّه يا أخا اليهود - ما منعني منها إلا الذي منعني من أختيها

ص: 86


1- قال المؤلّف: في نسخة بدل (فدعاهم).
2- في شرح الأخبار: (يستو بي).
3- يعني غزوة بدر.
4- في بعض النسخ: (أقطع).

قبلها، ورأيت الإبقاء على من بقي من الطائفة أبهج لي وآنس لقلبي من فنائها، وعلمت أنّي إن حملتها على دعوة الموت ركبته، فأما نفسي فقد علم من حضر ممن ترى ومن غاب من أصحاب محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، أن الموت عندي بمنزلة الشربة الباردة في اليوم الشديد الحر من ذي العطش الصدى، ولقد كنت عاهدت اللّه (عزّوجلّ) ورسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بلاد أنا وعمي حمزة وأخي جعفر، وابن عمي عبيدة على أمر وفينا به للّه (عزّوجلّ) ولرسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فتقدمني أصحابي وتخلفت بعدهم لما أراد اللّه (عزّوجلّ) فأنزل اللّه فينا: «منَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّه عَلَيْهِ فَمِنهُمُ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنتَظرُ وَمَا بَدَّلُوا» (1) فمن قضى نحبه حمزة وجعفر وعبيدة وأنا واللّه المنتظر - يا أخ اليهود - وما بدلت تبديلا، وما سكّتني عن ابن عفان وحثني على الإمساك عنه إلا أني عرفت من أخلاقه فيما اختبرت منه بما (2) لن يدعه حتّى يستدعي الأباعد إلى قتله وخلعه فضلاً عن الأقارب وأنا في عزلة، فصبرت حتّى كان ذلك، لم أنطق فيه بحرف من،لا، ولا نعم ثمّ أتاني القوم وأنا - علم اللّه - كاره لمعرفتي بما تطاعموا به من اعتقاد (3) الأموال والمرح في الأرض وعلمهم بأن تلك ليست لهم عندي وشديد عادة منتزعة (4) فلمّا لم يجدوا عندي تعللوا الأعاليل، ثمّ التفت (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ فقالوا: بلى يا أمير المؤمنين.

يقول شير محمّد الهمداني: ثمّ ذكر (عَلَيهِ السَّلَامُ) باقي مواطن امتحانه وشرح حاله مع طلحة والزبير وعائشة ومعاوية والمارقين، فمن أراد الإطلاع على ذلك راجع كتاب ( الخصال)، أو كتاب (الاختصاص) المنسوب إلى الشيخ المفيد، والرسالة التي

ص: 87


1- سورة الأحزاب: 23.
2- قال المؤلّف: في نسخة بدل (ما).
3- قال المؤلّف : في نسخة بدل (اعتقال).
4- كذا في النسخ. ولعل قوله : (عادة) مبتدأ و (شدید) خبره، أي انتزاع المعادة وسلبها شديد.

أشار إليها ابن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ) قد أوردها في آخر الرسالة (1) نقلاً من كتاب (الرسائل) للكليني (رضیَ اللّهُ عنهُ).

كتاب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد ما سئل عن أبي بكر وعمر وعثمان

قال [ السيد ابن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ)] : قال محمّد بن يعقوب في كتاب (الرسائل) عن علي بن إبراهيم بإسناده قال:

«كتب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كتابا بعد منصر فه من النهروان وأمر أن يُقرا على الناس وذلك أنّ الناس سألوه عن أبي بكر وعمر وعثمان فغضب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال: قد تفرغتم للسؤال عما لا يعنيكم وهذه مصر قد انفتحت وقتل معاوية ابن خديج ومحمّد بن أبي بكر». (2)

يقول شير محمّد : ثمّ ذكر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الكتاب، ما هذا لفظه:

«فمضى نبي اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقد بلّغ ما أُرسل به، فيا لها من مصيبة خصّت الأقربين، وعمّت المؤمنين، لم تصابوا بمثلها، ولن تعاينوا بعدها مثلها فمضى لسبيله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وترك كتاب اللّه وأهل بيته إمامين لا يختلفان، وأخوين لا يتخاذلان، ومجتمعين لا يتفرقان.

ولقد قبض اللّه محمّداً نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ولأنا أولى الناس به مني بقميصي هذا وما ألقيَ في روعي ولا عُرض في رأيي أن وجه الناس إلى غيري، فلمّا أبطأ عني بالولاية لهممهم وتثبيط الأنصار - وهم أنصار اللّه وكتيبة الإسلام - قالوا: ما إذا لم تسلّموها لعلي فصاحبنا أحق لها من غيره، فو اللّه ما أدري إلى من أشكو؟ إمّا أن يكون الأنصار ظلمت حقها، وإما أن يكونوا ظلموني حقي، بل حقي المأخوذ وأنا المظلوم، فقال قائل قریش : إن نبي اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، قال : الأئمة من قريش، فدفعوا الأنصار عن دعوتها ومنعوني حقي منها.

ص: 88


1- الرسالة المشار إليها هنا هي كتاب كشف المحجّة.
2- كشف المحجّة: 173.

فأتاني رهط يعرضون عليّ النصر، منهم أبناء سعيد والمقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وعمّار بن ياسر، وسلمان الفارسي، والزبير بن العوام، والبراء بن عازب فقلت لهم: إن عندي من نبي اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) [عهداً وله ] إلى وصية لست أخالفه عما أمرني به فو اللّه لو خرموني بأنفي لأقررت اللّه تعالى سمعاً وطاعة، فلما رأيت الناس قد انشالوا على أبي بكر للبيعة، أمسكت يدي وظننت أني أولى وأحق بمقام رسول اللّه له منه ومن غيره وقد كان نبي اللّه أمر أسامة بن زيد على جيش وجعلهما في جيشه ومازال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى أن فاضت نفسه يقول : أنفذوا جيش أسامة، أنفذوا جيش أسامة، فمضى جيشه إلى الشام حتّى انتهوا إلى أذرعات فلقي جيشاً من الروم فهزموهم وغنمهم اللّه أموالهم.

فلما رأيت راجعة من الناس [قد] رجعت عن الإسلام تدعوا إلى محو دين محمّد وملة إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) خشيت إن [أنا ] لم أنصر الإسلام وأهله أرى فيه ثلما وهدماً تكون المصيبة عليّ فيه أعظم من فوت ولاية أموركم التي إنّما هي مناع أيام قلائل، ثمّ تزول وتتقشع كما يزول ويتقشع السحاب فنهضت مع القوم في تلك الأحداث حتّى زهق الباطل، وكانت كلمة اللّه هي العليا وإن رغم الكافرون.

ولقد كان سعد لمّا رأى الناس يبايعون أبا بكر، نادى أيها الناس إنّي واللّه ما أردتها حتى رأيتكم تصرفونها عن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ولا أبايعكم حتّى يبايع علي، ولعلّي لا أفعل وإن بايع.

ثم ركب دابته وأتى حوران وأقام في خان حتّى هلك ولم يبايع، وقام فروة بن عمر الأنصاري وكان يقود مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فرسين، ويصرع ألفاً ويشتري تمر فيتصدّق به على المساكين، فنادى: يا معشر قريش أخبروني هل فيكم رجل تحل له الخلافة وفيه ما في العلي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال قيس بن مخزمة الزهري: ليس فينا من فيه ما في علي. فقال له: صدقت، فهل في علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما ليس في أحد منكم، قال: نعم، قال: فما يصدكم عنه، قال:

ص: 89

اجتماع الناس على أبي بكر، قال: أما واللّه لئن أصبتم سُنّتكم لقد أخطأتم سُنّة نبيكم، ولو جعلتموها في أهل بيت نبيكم لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم.

فولّى أبو بكر فقارب واقتصد فصحبته مناصحاً وأطعته فيها أطاع اللّه فيه جاهداً حتّى إذا احتضر قلت في نفسي ليس يعدل بهذا الأمر عنّي، ولولا خاصة بينه وبين عمر أمر كانا رضياه بينهما لظننت أنه لا يعدله عني وقد سمع قول النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لبريدة الأسلمي -حين بعثني وخالد بن الوليد إلى اليمن - وقال : إذا افترقتها فكل واحد منكما على حياله، وإذا اجتمعتها فعلي عليكم جميعا، فغزونا وأصبنا سبياً فيهم خولة بنت جعفر جار الصفا - وإنّما سمي جار الصفا من حسنه - فأخذت الخيفة خولة، واغتنمها خالد مني، وبعث بريدة إلى رسول اللّه محرشاً علي فأخبره بما كان من أخذي خولة، فقال: يا بريدة، حظه في الخمس أكثر مما أخذ إنه وليكم بعدي، سمعها أبو بكر وعمر، وهذا بريدة حي لم يمت، فهل بعد هذا مقال لقائل.

فبايع عمر دون المشورة، فكان مرضيّ السيرة من الناس عندهم حتّى إذا احتضر قلت في نفسي : ليس يعدل بهذا الأمر عنّي للذي قد رأى مني في المواطن، وسمع من الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فجعلني سادس ستة وأمر صهيباً أن يصلّي بالناس، ودعا أبا طلحة زيد بن سعد الأنصاري فقال له: كن في خمسين رجلاً من قومك فاقتل من أبى أن يرضى من هؤلاء الستة، فالعجب من اختلاف القوم، إذ زعموا أن أبا بكر استخلفه النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فلو كان هذا حقاً لم يخف على الأنصار، فبايعه الناس على الشورى ثمّ جعله أبو بكر لعمر برأيه خاصة، ثمّ جعلها عمر برأيه شورى بين سنة، فهذا العجب من اختلافهم والدليل على ما لا أحب أن أذكر قوله : هؤلاء الرهط الذين قبض رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهو عنهم راض، فكيف يأمر بقتل قوم رضي اللّه عنهم ورسوله، إنّ هذا الأمر عجيب، ولم يكونو الولاية أحد منهم أكره منهم لولايتي، كانوا يسمعون وأنا أحاج أبا بكر فأنا أقول: يا معشر

ص: 90

قريش، أنا أحق بهذا الأمر منكم ما كان منكم من يقرأ القرآن ويعرف السُنة ويلين دين اللّه الحق وإنّما حجّتي أنّي ولي هذا الأمر من دون قريش، إن نبي اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من قال: الولاء لمن أعتق، فجاء رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يعتق الرقاب من النار، وأعتقها من الرق، فكان للنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ولاء هذه الأمة.

وكان لي بعده ما كان له فما جاز لقريش من فضلها عليها بالنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) جاز لبني هاشم على قريش، وجاز لي على بني هاشم، يقول النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، يوم غدير خم: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، إلا أن تدّعي قريش فضلها على العرب بغير النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فإن شاؤوا فليقولوا ذلك.

فخشي القوم إن أنا وليت عليهم أن آخذ بأنفاسهم وأعترض في حلوقهم ولا يكون لهم في الأمر نصيب فأجمعوا على إجماع رجل واحد منهم حتّى صرفوا الولاية عني إلى عثمان رجاء أن ينالوها ويتداولوها فيما بينهم، فبيناهم كذلك إذ نادى مناد لا يُدرى من هو، وأظنه جنياً فأسمع أهل المدينة ليلة بايعوا عثمان، فقال:

يا ناعي الإسلام قم قانعه***قدمات عرف وبدا منکر

ما لقريش لا على كعبها***من قدّموا اليوم ومن أخروا

إنّ علياً هو أولى به***منه فولّوه ولا تنكروا

فكان لهم في ذلك عبرة ولولا أنّ العامة قد علمت بذلك لم أذكره فدعوني إلى بيعة عثمان فبايعت مستكرهاً، وصبرت محتسباً، وعلمت أهل القنوت أن يقولوا: اللّهم لك أخلصت القلوب، وإليك شخصت الأبصار، وأنت دعيت بالألسن، وإليك تحوكم في الأعمال، فافتح بيننا وبين قومنا بالحق.

اللّهم إنّا نشكو إليك غيبة نبينا، وكثرة عدونا، وقلة عددنا، وهو اننا على الناس، وشدة الزمان ووقوع الفتن بنا، اللّهم ففرج ذلك بعدل تظهره، وسلطان حق تعرفه.

ص: 91

فقال عبد الرحمن بن عوف يا بن أبي طالب، إنك على هذا الأمر لحريص، فقلت: لست عليه حريصاً إنّها أطلب ميراث رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وحقه وإنّ ولاء أمته لي من بعده، وأنتم أحرص عليه مني إذ تحولون بيني وبينه، وتصرفون وجهي دونه بالسيف.

اللّهم إني أستعديك على قريش فإنّهم قطعوا،رحمي، وأضاعوا أيامي، ودفعوا حقي، وصفّروا،قدري، وعظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعني.

حقاً كنت أولى به منهم فاستلبونيه، ثمّ قالوا: اصبر مغموماً أو مت متأسفاً، وأيم اللّه لو استطاعوا أن يدفعوا قرابتي كما قطعوا سيبي فعلوا ولكنهم لا يجدون إلى ذلك سبيلا.

إنّما حقي على هذه الأمة كرجل له حق على قوم إلى أجل معلوم، فإن أحسنوا وعجلوا له حقه قبله حامداً، وإن أخروه إلى أجله أخذه غير حامد وليس يعاب المرء بتأخير حقه، إنّما يعاب من أخذ ما ليس له وقد كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عهد إلي عهداً فقال: يا ابن أبي طالب لك ولاء أمتي، فإن ولوك في عافية وأجمعوا عليك بالرضا فقم بأمرهم، وإن اختلفوا عليك فدعهم وما هم فيه فإنّ اللّه سيجعل لك مخرجا.

فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا معي مساعد إلا أهل بيتي فظننت بهم عن الهلاك، ولو كان لي بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، عمي حمزة وأخي جعفر لم أبايع كرهاً ولكنّني بليت برجلين حديثي عهد بالإسلام العباس وعقيل فظننت بأهل بيتي عن الهلاك، فأغضيت عيني على القذى، وتجرعت ريقي على الشجا وصبرت على أمر من العلقم، وألم للقلب من حز الشفار.

وأما أمر عثمان فكأنه علم من القرون الأولى: «علمُهَا عِنْدَ رَب في كتاب لا يَضِلُّ رَبِّي» (1) رب ولا ينسى خذله أهل بدر، وقتله أهل مصر، واللّه ما أمرت ولا نهيت ولو أنّني

ص: 92


1- سورة طه: 52.

أمرت كنت قاتلاً، ولو أنني نهيت كنت ناصراً، وكان الأمر لا ينفع فيه العيان، ولا يشفي منه الخبر غير أن من نصره لا يستطيع أن يقول هو: خذله، من أنا خير منه، ولا يستطيع من خذله أن يقول: نصره من هو خير مني.

وأنا جامع أمره استأثر فأساء الأثرة وجزعتم فأسأتم الجزع، واللّه يحكم بيننا وبينه، واللّه ما يلزمني في دم عثمان تهمة ما كنت إلا رجلاً من المسلمين المهاجرين في بيتي فلمّا قتلوه أتيتموني تبايعوني فأبيت عليكم وأبيتم عليّ، فقبضت يدي فبسطنموها، وبسطتها فمددتموها ثمّ تداككتم عليّ تداك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها حتّى ظننت أنّكم قاتلي وأنّ بعضكم قاتل،بعض، حتّى انقطعت النعل وسقط الرداء، ووطي الضعيف وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إياي أن حمل إليها الصغير وهدج إليها الكبير وتحامل إليها العليل وحسرت لها الكعبات، فقالوا: بايعنا على ما بويع عليه أبو بكر وعمر، فإنّا لا نجد غيرك ولا نرضى إلا بك، فبايعنا لا نفترق ولا نختلف، فبايعتكم على كتاب اللّه وسنة نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) و دعوت الناس إلى بيعتي فمن بايعني طائعاً قبلت منه، ومن أبي تركته، فكان أوّل من بايعني طلحة والزبير، فقالا: نبايعك على إنّا شركاؤك في الأمر، فقلت: لا، ولكنّكما شركائي في القوة وعوناي في العجز، فبايعاني على هذا الأمر، ولو أبيا لم أكرههما كما لم أكره غيرهما... إلى آخر الكتاب».

وفيه شرح حاله مع طلحة والزبير وعائشة ومعاوية والخوارج. (1)

يقول شير محمّد: ذكر عز الدين بن أبي الحديد في الجزء التاسع من شرح النهج ص 350 طبع مصر، في جملة الأحاديث التي أوردها في فضائله (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ما هذا لفظه الخير الثالث عشر:

«بعث رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خالد بن الوليد في سرية، وبعث عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) في سرية أخرى،

ص: 93


1- كشف المحجّة: 175.

وكلاهما إلى اليمن، وقال: إن اجتمعتها فعلي على الناس، وإن افترقتها فكل واحد منكما على جنده، فاجتمعا وأغارا وسبيا نساء، وأخذا أموالاً، وقتلا ناساً، وأخذ علي جارية فاختصها لنفسه، فقال خالد لأربعة من المسلمين منهم بريدة الأسلمي : اسبقوا إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فاذكروا له كذا، واذكر وا له كذا لأمور عددها على علي، فسبقوا إليه فجاء واحد من جانبه، فقال: إنّ علياً فعل كذا، فأعرض عنه، فجاء الآخر من الجانب الآخر، فقال: إنّ علياً فعل كذا، فأعرض عنه، فجاء بريدة الأسلمي فقال: يا رسول اللّه إنّ علياً فعل ذلك، فأخذ جارية لنفسه، فغضب (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، حتّى أحمّر وجهه، وقال: دعوا لي عليا يكررها، إنّ علياً مني وأنا من علي، وإن حظه في الخمس أكثر مما أخذ، وهو ولي كل مؤمن من بعدي».

ثم قال ابن أبي الحديد: رواه أبو عبد اللّه أحمد في المسند غير مرة، ورواه في كتاب (فضائل علي)، ورواه أكثر المحدّثين. (1)

في من أورد هذا الكتاب بطرق مختلفة

يقول شير محمّد الهمداني: هذا الكتاب أورده ابن أبي الحديد في الجزء السادس من شرح النهج ص 35 طبع مصر، نقلاً من كتاب (الغارات) لإبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: وروى إبراهيم، عن رجاله، عن عبد الرحمن بن جندب، عن أبيه قال:

«خطب على (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد فتح مصر، وقتل محمّد بن أبي بكر، فقال: أمّا بعد، فإنّ اللّه بعث محمّداً نذيراً للعالمين، وأميناً على التنزيل... إلخ». (2)

ص: 94


1- شرح نهج البلاغة : 170/9، مسند احمد: 438/4.
2- شرح نهج البلاغة: 94/6، والمؤلف الهمداني (رضیَ اللّهُ عنهُ) يشير هنا إلى الكتاب الذي أورده سالفاً عن ابن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ).

وأورده العالم الجليل أبو جعفر الطبري الإمامي في كتاب (المسترشد) في باب الرد على من قال : لِمَ تقعد علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن طلب حقه ؟! رواه الشعبي، عن شريح بن هاني قال:

«خطب علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد ما افتتحت،مصر، ثمّ قال: وإنّي مخرج إليكم كتاباً، وكتب [بسم اللّه الرحمن الرحيم] من عبد اللّه علي أمير المؤمنين إلى من قرأ كتابي من المؤمنين والمسلمين: أمّا بعد فإنّ اللّه بعث محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بشيراً ونذيراً للعالمين و أميناً على التنزيل، وشهيداً على الأمة... الخ». (1)

وأورده الشيخ الجليل هاشم بن محمّد في أواخر كتاب (مصباح الأنوار)، قال: روى الهيثم بن محمّد بن إسماعيل بن أبي خلف عن الشعبي، عن شريح بن هاني قال:

«خطب علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد ما افتتحت مصر، [ثم قال] خطبته الغراء، شرح فيها بيعته لأبي بكر، فحمد اللّه وأثنى عليه، وصلّى على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ثمّ قال : إنّ اللّه بعث محمّداً بشيراً ونذيراً للعالمين و أميناً على التنزيل...الخ).

وأورد ابن أبي الحديد أجزاء منه في الجزء الرابع من شرح النهج ص 371 طبع مصر، قال وروى الشعبي عن شريح بن هاني، قال: قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«اللّهم إني استعديك على قريش، فإنّهم قطعوا رحمي، وأصغوا إنائي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي...الخ».

ثم قال ابن أبي الحديد وروى جابر عن أبي الطفيل، قال: سمعت علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ)، يقول:

«اللّهم إنّي أستعديك على قريش، فإنّهم قطعوا رحمي وغصبوني حقي، وأجمعوا على منازعتي أمراً كنت أولى به، ثمّ قالوا: إنّ من الحق أن نأخذه، ومن الحق أن تتركه». (2)

وأورده العالم الفاضل المحقق علي بن يونس العاملي البياضي في كتاب (الصراط

ص: 95


1- المسترشد: 408.
2- شرح نهج البلاغة: 103/4.

المستقيم) في الباب الرابع عشر شيئاً منه، قال: وقد روى الشعبي عن شريح بن هاني قول علي :

«إن عندي من نبي اللّه عهداً ليس لي أن أخالفه ولو خزموا أنفي، فلمّا بويع لأبي بكر مسكت يدي فلمّا ارتد قوم خشيت ثلمة الإسلام، فبايعت لئلا يبيد الإسلام، ورأيت ذلك أعظم من فوت ولاية أيام قلائل». (1)

وذكر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي في (الفهرست) في ترجمة لوط بن يحيى أنّ له كتاب (خطبة الزهراء)، ثمّ قال: أخبرنا بها أحمد بن محمّد بن موسى، عن ابن عقدة، عن يحيى بن زكريا بن شيبان، عن نصر بن مزاحم، عن أبي مخنف، عن عبد الرحمن ابن جندب، عن أبيه قال:

«خطب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) - وذكر الخطبة بطولها-». (2)

والظاهر أنّ هذه هي الخطبة التي أوردها ابن أبي الحديد نقلاً عن إبراهيم الثقفي عن رجاله عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه. (3)

وأورد علي بن إبراهيم في التفسير في سورة فاطر أجزاء منه، قال: قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في كتابه الذي كتبه إلى شيعته يذكر فيه خروج عائشة إلى البصرة:

«وايّ خطيئة أعظم مما أتيا... إلى قوله: ونكتا بيعتي ومكرا بي» (4)

وأورد السيّد الرضي (رضیَ اللّهُ عنهُ)أجزاء منها في مواضع من (نهج البلاغة) منها ما أورده ابن أبي الحديد في الجزء التاسع من شرح النهج ص 495 طبع مصر، قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

ص: 96


1- الصراط المستقيم: 111/3.
2- الفهرست: 204، أقول كذا أورد مؤلف الكتاب (رضیَ اللّهُ عنهُ) وسبق القلم واضح فيه للعيان باعتبار أنّ المنوه عنه أعلاه هو متعلق بخطبة الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ) لا يخطبة أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
3- شرح نهج البلاغة: 94/6.
4- تفسير القمى: 210/2.

«وقد قال قائل: إنك على هذا الأمر يا بن أبي طالب الحريص، فقلت: بل أنتم واللّه لأحرص،وأبعد وأنا أخص وأقرب، وإنما طلبت حقاً لي وأنتم تحولون بيني وبينه، وتضربون وجهي دونه، فلمّا قرعته بالحجّة في الملأ الحاضرين، هبّ كأنّه بهت لا يدري ما يجيبني به! اللّهم إنّي استعديك على قريش ومن أعانهم فإنّهم قطعوا رحمي وصغّروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي، ثمّ قالوا: ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تتركه». (1)

في أخبار مظلومية أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)

ثم قال ابن أبي الحديد، بعد شرح قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : واعلم أنه قد تواترت الأخبار عنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بنحو من هذا القول نحو قوله:

«مازلت مظلوماً منذ قبض اللّه رسوله حتّى يوم الناس هذا».

وقوله:

«اللّهم أخز (2) قريشاً فإنّها منعتني حقي، وغصبتني أمري».

وقوله:

«فجزى قريشاً عني الجوازي، فإنّهم ظلموني حقي، واغتصبوني سلطان ابن أمي».

وقوله:

«وقد سمع صارخاً ينادي: أنا مظلوم، فقال: هلم فلنصرخ معاً، فإنّي مازلت مظلوما».

وقوله:

ص: 97


1- شرح نهج البلاغة: 305/9.
2- قال المؤلّف: في نسخة بدل (أخر).

«وإنّه ليعلم أنّ محلي منها محل القطب من الرحى».

وقوله:

«أرى تراثي نهبا».

وقوله:

«أصغيا بإنائنا، وحملا الناس على رقابنا».

وقوله:

«إنّ لنا حقاً أن نعطه نأخذه، وأن نمنعه تركب أعجاز الإبل، وإن طال السرى».

وقوله:

«مازلت مستأثراً على مذعوناً (1) عما أستحقه وأستوجبه».

وأصحابنا يحملون ذلك كله على ادعائه الأمر بالأفضلية،والأحقية، وهو الحق والصواب فإنّ حمله على الاستحقاق بالنص تكفير أو تفسيق لوجوه المهاجرين والأنصار، ولكن الإماميّة والزيدية حمّلوا هذه الأقوال على ظواهرها، وارتكبوا بها مركباً صعباً، ولعمري إنّ هذه الألفاظ موهمة مغلية على الظن ما يقوله القوم، ولكن تصفح الأحوال يبطل ذلك الظن... الخ. (2)

يقول شير محمّد: قال ابن أبي الحديد في الجزء الرابع من شرح النهج ص 372 طبع مصر: وروى شيخنا أبو القاسم البلخي (رضیَ اللّهُ عنهُ)تعالى، عن سلمة بن كهيل، عن المسيب بن نجبة، قال:

«بينا على (عَلَيهِ السَّلَامُ) يخطب إذ قام أعرابي، فصاح وامظلمتاه فاستدناه علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فلمّا دنا قال له : إنّما لك مظلمة واحدة، وأنا قد ظلمت عدد المدر والوبر».

ص: 98


1- في المطبوع: (مدفوعاً).
2- شرح نهج البلاغة: 306/9.

قال: وفي رواية عباد بن يعقوب أنّه دعاه فقال له :

«ويحك! وأنا واللّه مظلوم أيضاً، هات فلندع على من ظلمنا». (1)

في دفاعه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عندما أرادوا نبش قبر فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)

يقول شير محمّد الهمداني: في كتاب (دلائل الإمامة) عند ذكر فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) في خبر رواه بإسناد ذكره، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ما هذا لفظه :

«فقال ولاة الأمر منهم هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتّى نجدها فنصلّي عليها ونعيّن قبرها، فبلغ ذلك أمير المؤمنين، فخرج مغضباً قد أحمرت عيناه ودرت أوداجه (2)، وعليه القباء الأصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة، وهو يتوكأ على سيفه ذي الفقار، حتّى ورد،البقيع، فسار إلى الناس من أنذرهم، وقال: هذا علي بن أبي طالب قد أقبل كما ترونه يقسم باللّه لئن حوّل من هذه القبور حجر ليضعنّ السيف في رقاب الآمرين.

فتلقاه عمر ومن معه من أصحابه، وقال له ما لك يا أبا الحسن؟ واللّه لننبشنّ قبرها ونصلّي عليها، فأخذ علي بجوامع (3) ثوبه [فهزه] ثمّ ضرب به الأرض، وقال له: يا بن السوداء، أمّا حقي فقد تركته مخافة أن يرتد الناس عن دينهم، وأمّا قبر فاطمة فوالذي نفس علي بيده لئن رمت أنت وأصحابك شيئاً [ من ذلك] لأسقينّ الأرض من دمائكم، فإن شئت فافعل يا عمر.

فتلّقاه أبو بكر فقال له: يا أبا الحسن، يحق رسول اللّه وبحق فاطمة إلا خلّيت عنه،

ص: 99


1- شرح نهج البلاغة: 106/4.
2- أي برزت وظهرت ومنه قولهم: (بين عينيه عرق بدره الغضب).
3- في المطبوع: (ولتصلين عليها، فضرب على بيده إلى جوامع).

فإنا لسنا فاعلين شيئاً تكرهه، فخلّى عنه وتفرق الناس ولم يعودوا إلى ذلك». (1)

كلام السيد ابن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ) في بيان أمور خلفاء الجور

يقول شير محمّد الهمداني: ثمّ ذكر السيد ابن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ) في كتابه (كشف المحجّة) في الفصل (94):

واعلم يا ولدي محمّد، عرّفك اللّه جل جلاله ما تحتاج إلى معرفته وشرّفك بزيادات سعادات عنايته، أنّ العداوة كانت بين أبيك علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبين الذين تقدموا عليه ظاهرة متواترة، فأنظرها من كتاب (الطرائف)(2)، ومن كتاب (نهج البلاغة)(3) ومن تواريخ أهل الصدق من الناقلين، وقد ذكرت فيه بعض ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما في حديث السقيفة فإنّه ذكرا أنّ أباك علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وجماعة من بني هاشم تخلّفوا عن بيعة أبي بكر ستة أشهر بلا خلاف محقق بين المسلمين، وذكروا أنّ عمر شهد أنّ العباس وأباك علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) كانا يشهدان ويعتقدان أنّ أبا بكر وعمر كانا كاذبين خائنين غادرين (4) فكيف استحسن بعد رواية مثل هذا أن يدعوا أنهم كانوا متفقين !! إن ذلك مكابرة في العين ومن أقبح الكذب والبهت والمين. (5)

واعلم يا ولدي محمّد، حماك اللّه جلّ جلاله مما يباعدك عنه، وتولّاك بكل ما يقربك منه، أن أباك علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما كان يحتاج إلى نص عليه بالرياسة على أهل الإسلام، لأنه كمل في أوصافه كمالاً خارقاً للعادة عند ذوي الإفهام، فكان ذلك الكمال نصاً

ص: 100


1- دلائل الإمامة: 136.
2- الطرائف : 147.
3- نهج البلاغة : 85.
4- الفتوح: 13/1.
5- كشف المحجّة: 73 والمين: أي الكذب كما في الصحاح: 2210/6.

صريحاً عليه بأنّ الناس بعد جدك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) تبع له ورعية بين يديه، وقد نبهناك على ذلك فيما تقدّم وأشرنا إلى ذلك وإن كان بعد جدك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، مثل أبيك علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الأنام كان يحتاج إلى نص بالتعيين، هيهات هيهات أن يطفوا نوره وقد كان آية في الأرض لمالك يوم الدين ومعجزة لرسوله لا بما أودعه من الدين ومعجزة لرسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بما أودعه من أسراره الباهرة للعالمين. (1)

واعلم يا ولدي محمّد، عضدك اللّه جلّ جلاله معاضدة عباده المقبلين، وأسعدك سعادة من أسعده في الدنيا والدين، أنّ الذي تقف عليه في كتب التواريخ، أو في كتب الآداب، أو كتب الحكمة والخطب، فمهما وجدت فيها شيئاً منسوباً إلى أبي بكر وعمر وأعداء أبيك علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فاعلم أنّها موضوعة وليست من ألفاظ أولئك المتغلبين، وإنّ أكثرها نسب إليهم في زمان معاوية وابنه يزيد وأيام بني أُميّة، وما كان منها في أيامهم فهي من أهل الكتابة والخطابة من الصحابة الذين لهم عادة بالإصابة؛ لأنّ أبا بكر وعمر وعثمان ما عرفنا أبداً منهم في الجاهلية مقاماً ولا مقالاً يقتضي تصديق نسبة الفصاحة إليهم، ولا كانوا من هذا القبيل، ولا عوّل أحد عليهم فيها.

فأمّا ما ذُكر من ألفاظ أو المكاتبات أيام خلافتهم، فالعادة جارية في مثلهم ممن لم يعرف الفصاحة أوقات ولايتهم أنّهم يستخدمون من ينشيء المكاتبات والجوابات، كما ترى المماليك من الأمراء والترك والعجم والملوك الذين لا يفقهون ما يكتبون، كيف تجد لهم عند ولا يتهم كتباً، وجوابات منسوبة إليهم، ومن المعلوم أن نوّابهم وأصحابهم ما عولوا في إنشائها عليهم.

وأمّا ما يتعلق بالخطب والحكمة فإنّ بني أُميّة لمّا تظاهروا بلعن أبيك أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على المنابر تقرّب الطالبون للدنيا إليهم بوضع المناقب والفضائل لكل عدوٍ لأبيك (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الأواخر والأوائل تقية وطلباً للأمور الدنيوية، وحسداً لكم على

ص: 101


1- کشف المحجّة: 73، الفصل الخامس والتسعون.

الشرف بالسعادة النبوية والولاية الإلهية. (1)

في علة الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة

يقول شير محمّد: ذكر ابن أبي الحديد في الجزء الحادي عشر من شرح النهج ص 15 طبع مصر، ما هذا لفظه، وقد روى:

«أنّ أبا جعفر محمّد بن علي الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال لبعض أصحابه: يا فلان ما لقينا من ظلم قريش إيانا، وتظاهرهم علينا، وما لقي شيعتنا ومحبونا من الناس؟ إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قبض وقد أخبر إنّا أولى الناس بالناس، فتمالات علينا قريش حتّى أخرجت الأمر عن معدنه واحتجت على الأنصار بحقنا وحجتنا، ثمّ تداولتها قريش واحد بعد واحد حتّى رجعت إلينا، فنكثت بيعتنا ونصبت الحرب لنا، ولم يزل صاحب الأمر في صعود كنود حتّى قتل، فبويع الحسن ابنه، وعوهد ثمّ غدر به وأسلم، ووثب عليه أهل العراق حتّى طعن بخنجر في جنبه، ونهبت عسكره (2)، وعولجت خلاليل(3) أمهات أولاده، فوادع معاوية وحقن دمه ودماء أهل بيته وهم قليل، حقّ قليل، ثمّ بايع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أهل العراق عشرون ألفاً ثمّ غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم وقتلوه، ثمّ لم نزل - أهل البيت - نستذل ونستضام، ونقصي(4) ونمتهن، ونحرم ونُقتل ونخاف ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا، ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقربون به إلى أوليائهم، وقضاة السوء وعمال السوء في كل بلدة،

ص: 102


1- کشف المحجّة:74، الفصل السادس والتسعون.
2- في بعض المصادر: (وانتهب عسكره).
3- كذا ورد، ولعلها تصحيف خلاخيل، أي جمع خلخال.
4- كذا ولعلها: (ونقصي).

فحدّثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، ورووا عنا ما لم نَقُله وما لم نفعله ليبغّضونا إلى الناس، وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقتلت شيعتنا بكل بلدة وقطعت الأيدي والأرجل على الظِنّة، وكان من يُذكر بحبنا والانقطاع إلينا سُجن أو نُهب ماله أو هُدّمت داره، ثمّ لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد اللّه بن زياد قاتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمّ جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة وأخذهم بكل ظِنّة وتهمة، حتّى إن الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحب إليه من أن يقال شيعة علي، وحتّى صار الرجل الذي يذكر بالخير - ولعله يكون ورع-اً صدوقا - يحدّث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة، ولم يخلق اللّه تعالى شيئاً منها، ولا كانت ولا وقعت، وهو يحسب أنّها حق، لكثرة من قد رواها ممن لم يعرف بكذب ولا بقلّة ورع». (1)

ثمّ قال ابن أبي الحديد: وروى أبو الحسن علي بن محمّد بن أبي سيف المدائني في كتاب (الأحداث) قال:

«كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة أن برثت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته فقامت الخطباء في كل كورة، وعلى كل منبر، يلعنون علياً ويبرءون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة، لكثرة من بها من شيعة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليه البصرة، فكان يتتبع الشيعة وهو بهم،عارف، لأنه كان منهم أيام علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقتلهم تحت كل حجر ومدر، وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل، وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل وطردهم وشردهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم، وكتب معاوية إلى عماله في جميع الأفاق : ألا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة،

ص: 103


1- شرح نهج البلاغة: 43/11.

وكتب إليهم: أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته، والذين يروون فضائله ومناقبه فادنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم، واكتبوا لي بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته.

ففعلوا ذلك حتّى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه؛ لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجي أحد مردود من الناس عاملاً من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه وشفّعه، فلبثوا بذلك حيناً.

ثمّ كتب إلى عماله أنّ الحديث في عثمان قد كُثر، وفشا في كل مصر، وفي كل وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فإنّ هذا أحب إلي وأقر لعيني وادحض لحجّة أبي تراب وشيعته، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله.

فقُرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة، لا حقيقة لها، وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتّى أشادوا بذكر ذلك على المنابر، وألقى على معلمي الكتاتيب فعلّموا صبيانهم وعلمائهم من ذلك الكثير الواسع، حتّى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء اللّه.

ثمّ كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: انظروا من قامت عليه البيّنة أنّه يجب علياً وأهل بيته، فامحوه من الديوان واسقطوا عطاءه ورزقه، وشفع ذلك بنسخة أخرى: من إتهمتوه بموالاة هؤلاء القوم فنكلّوا به، واهدموا داره.

فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق، ولاسيما بالكوفة، حتّى إن الرجل من

ص: 104

شيعة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سره ويخاف من خادمه و مملوكه، ولا يحدثه حتّى يأخذ عليه الأيمان الغليظة، ليكتمنّ عليه، فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك بلية القرّاء المراءون، والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقرّبوا مجالسهم ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل، حتّى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها، وهم يظنون أنّها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها.

فلم يزل الأمر كذلك حتّى مات الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فازداد البلاء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا وهو خائف على دمه، أو طريد في الأرض. ثمّ تفاقم الأمر بعد قتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وولي عبد الملك بن مروان فاشتد على الشيعة وولي عليهم الحجّاج ابن يوسف، فتقرب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض علي وموالاة أعدائه وموالاة من يدّعي من الناس أنهم أيضاً أعداؤه، فأكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم، وأكثروا من الغض من علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعيبه والطعن فيه، والشنآن له، حتّى إن إنساناً وقف للحجّاج - ويقال أنه جد الأصمعي عبد الملك بن قريب - فصاح به أيها الأمير، إنّ أهلي عقوني فسموني علياً !! وإنّي فقير بائس، وأنا إلى صلة الأمير محتاج، فتضاحك له الحجّاج، وقال للطف ما توسلت به قد وليتك موضع كذا».

وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه - وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم - في تاريخه ما يناسب هذا الخبر وقال:

«إنّ أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية، تقرباً إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم». (1)

ص: 105


1- شرح نهج البلاغة: 44/11.

بقية كلام السيد ابن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ) في بيان بعض أمور خلفاء الجور

وقال السيّد الجليل علي بن طاووس في الفصل (97) من كتابه (كشف المحجّة):

واعلم يا ولدي محمّد، عرّفك اللّه جل جلاله من العلوم النافعة الباهرة ما تكمل به سعادة الدنيا والآخرة، مما يزيل بعض التعجب من ضلال أكثر هذه الأمة عن الصواب، وغلبة الباطل على الحق في ظاهر الأسباب، أنّ هذه سُنّة ماضية في الأمم الخالية فإنّ آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان له في حياته ولدان كما قدّمنا قابيل وهابيل، فغلب قابيل المبطل ها بيل المحق، وبقيت أُمة شيث (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومن بعده في تقية وفي مقام مغلوبين بالظالمين، إلى أن جاءت نبوة نوح (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فلم يزالوا عليه مستظهرين وله معاندين إلى أن أهلكهم اللّه (عزّوجلّ) بالغرق الشامل والهلاك الهائل.

وكذا جرى لصالح (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع أمته، ولهود مع أمته، وللوط في أمته، ولإبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع نمرود، ولموسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع فرعون، ولأمة عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى أخرجه اللّه جل جلاله منهم من الأرض إلى السماء.

وما انقادوا لأحد من الأنبياء إلا بالآيات أو القهر وأنواع البلاء، وما استقام أمرهم مع داود (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلا بأمور مذهلة للآراء، وما استقام أمرهم مع سليمان (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلا بمعونة الجن والشياطين وطاعة الطير وغيرها وتسخير الهواء، وما استقاموا لذي القرنين إلا بالقتل الذريع وسفك الدماء.

فأيّ أمة استقامت بالسلامة والعافية حتّى تستقيم هذه الأمة بطاعة اللّه (عزّوجلّ) ورسوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) وطاعة الأئمة الهادية (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وحصلت لآخر الأمم ونبيها آخر الأنبياء فكيف كان تهيأ الإستيصال بها بالفناء، وبمثل جرى على الأمم الهالكة مع الأنبياء (عَلَيهِم السَّلَامُ). (1)

ص: 106


1- كشف المحجّة: 75.

محاججة السيد ابن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ) مع أحد الفقهاء المخالفين.

[قال السيد الجليل علي بن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ) ]:

واعلم يا ولدي أني كنت في حضرة مولانا الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) والجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فحضر فقيه من المستنصرية كان يتردد علي (1) قبل ذلك اليوم، فلمّا رأيت وقت حضوره يحتمل المعارضة له في مذهبه قلت له: يا فلان ما تقول لو أنّ فرساً لك ضاعت منك وتوصلت في ردّها إليّ، أو فرساً لي ضاعت مني وتوصلت في ردّها إليك، أما كان ذلك حسناً أو واجباً؟ فقال: بلى، قلت له: قد ضاع الهدى إمّا منّي وإما منك، والمصلحة أن نتصف من أنفسنا وننظر من ضاع الهدى فنردّه عليه فقال: نعم، فقلت له: لا أحتج بما ينقله أصحابي، لأنّهم متهمون عندك ولا تحتج بما ينقله أصحابك، لأنّهم متهمون عندي أو على عقيدتي، ولكن نحتج بالقرآن، أو بالمجمع عليه من أصحابي وأصحابك، أو بما رواه أصحابي لك وبما رواه أصحابك لي. فقال: هذا إنصاف، فقلت له: ما تقول فيما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما؟ فقال: حق بغير شك، فقلت: فهل تعرف أن مسلماً روى في صحيحه عن زيد بن أرقم أنه قال ما معناه: أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على خطبنا في خم فقال:

«أيها الناس إنّي بشر يوشك أن أدعى فأجيب، وإنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، أذكركم اللّه في أهل بيتي، أذكركم اللّه في أهل بيتي». (2)

فقال: هذا صحيح، فقلت: وتعرف أنّ مسلماً روى في صحيحه في مسند عائشة أنّها روت عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

«أنّه لمّا نزلت آية: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيتِ وَيُطَهُرَكُمْ

ص: 107


1- قال المؤلّف: في نسخة بدل (اليّ).
2- صحیح مسلم: 1873/4 حديث 6-02408

تطهيراً» (1)جمع علياً وفاطمة والحسن والحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ)، فقال : هؤلاء أهل بيتي». (2)

فقال: نعم هذا صحيح، فقلت له: تعرف أن البخاري ومسلماً رويا في صحيحيهما أنّ الأنصار اجتمعت في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة، وأنّهم ما نفذوا إلى أبي بكر ولا عمر ولا إلى أحد من المهاجرين، حتّى جاء أبو بكر وعمر وأبو عبيدة لما بلغهم في اجتماعهم، فقال لهم أبو بكر: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين يعني عمر وأبا عبيدة، فقال عمر: ما أتقدّم (3) عليك، فبايعه عمر وبايعه من بايعه من الأنصار، وأنّ علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبني هاشم امتنعوا من المبايعة ستة أشهر. (4)

وأنّ البخاري ومسلماً قالا فيما جمعه الحميدي من صحيحيهما: وكان لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وجه بين الناس في حياة فاطمة (عَلَيهِما السَّلَامُ)، فلماّ ماتت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) بعد ستة أشهر من وفاة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) انصرفت وجوه الناس عن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فلمّا رأى علي انصراف وجوه الناس عنه خرج إلى مصالحة أبي بكر (5)، فقال : هذا صحيح، فقلت له: ما تقول في بيعة تخلّف عنها أهل بیت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، الذين قال عنهم :

«أنهم الخلف من بعده وكتاب اللّه جلّ جلاله» (6)

وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فيهم:

«أذكركم اللّه في أهل بيتي» (7)

ص: 108


1- سورة الأحزاب: 33.
2- صحیح مسلم: 1870/4.
3- قال المؤلّف: في نسخة بدل (ما لتقدّم) وهي الظاهر، وفي أخرى (ما تقدّم).
4- صحيح البخاري 124/5، صحیح مسلم: 1872/4.
5- صحيح البخاري: 124/5، صحیح مسلم: 1873/4.
6- صحیح مسلم: 1873/4.
7- صحیح مسلم: 1872/4.

وقال عنهم :

«أنهم الذين نزلت فيهم آية الطهارة» (1)

وأنّهم ما تأخروا مدة يسيرة حتّى يقال: أنّهم تأخر وا لبعض الاشتغال، وإنّما كان التأخر للطعن في خلافة أبي بكر بغير إشكال في مدة ستة أشهر.

ولو كان الإنسان تأخر عن غضب يرد غضبه، أو عن شبهة زالت شبهته بدون هذه المدة، وأنّه ما صالح أبا بكر على مقتضى حديث البخاري ومسلم إلا لمّا ماتت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)، ورأى انصراف وجوه الناس عنه خرج عند ذلك إلى المصالحة، وهذه صورة حال تدل على أنه ما بايع مختاراً.

وأنّ البخاري ومسلم رويا في هذا الحديث أنّه ما بايع أحد من بني هاشم حتّى بايع علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : ما أقدم على الطعن في شيء قد عمله السلف والصحابة. فقلت له: فهذا القرآن يشهد بأنهم عملوا في حياة النبي اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو يُرجى ويخاف، والوحي ينزل عليه بأسرارهم في حال الخوف، وفي حال الأمن، وحال الصحة، والإيثار عليه ما لا يقدروا أن يجحدوا الطعن عليهم به، وإذا جاز منهم مخالفته في حياته وهو يُرجى ويخاف، فقد صاروا أقرب إلى مخالفته بعد وفاته وقد انقطع الرجاء والخوف منه وزال الوحي عنه.

فقال: في أيّ موضع من القرآن؟ فقلت : قال اللّه جل جلاله في مخالفتهم في الخوف: «وَيَوْمَ حُنَيْن إذ أعْجَبَتْكُمْ كَفَرَنَكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بما رَحُبَتْ ثمّ وَلَيْتُمْ مُدْبِرِينَ»(2)، فروى أصحاب التواريخ أنه لم يبق معه إلا ثمانية أنفس: على (عَلَيهِ السَّلَامُ)، والعباس والفضل بن العباس، وربيعة وأبو سفيان ابنا الحارث بن عبد المطلب، وأسامة بن زيد وعبيدة بن أم أيمن، وروي أيمن بن أم أيمن.

ص: 109


1- صحيح البخاري: 124/5، صحیح مسلم: 1872/4.
2- سورة التوبة: 25.

وقال اللّه جل جلاله في مخالفتهم له في الأمن: «وَإِذَا رَأَوْا تَجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وتركُوكَ قَالَ قُلْ مَا عِنْدَ اللّه خَيْرٌ مِنَ اللّهوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللّه خَيْرُ الرَّازِقِينَ»(1)، فذكر جماعة من المؤرخين أنّه كان يخطب يوم الجمعة فبلغهم أنّ جمالاً جاءت لبعض الصحابة مزينة فسارعوا إلى مشاهدتها وتركوه قائماً، وما كان عند الجمال شيء يرجون الانتفاع به، فما ظنك بهم إذا حصلت خلافة يرجون نفعها ورئاستها.

وقال اللّه تعالى في سوء صحبتهم ما قال اللّه جل جلاله: «وَلَوْ كُنتَ فظا غليظ القلب لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر»(2)، ولو كانوا معذورين في سوء صحبتهم ما قال اللّه جل جلاله: «فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفر لهم». (3)

وقد عرفت في صحيحي مسلم والبخاري معارضتهم للنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في غنيمة هوازن، لمّا أعطى المؤلّفة قلوبهم أكثر منهم، ومعارضتهم له لمّا أعفى عن أهل مكة وتركه تغيير الكعبة وإعادتها إلى ما كانت في زمن إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) خوفاً من معارضتهم له، ومعارضتهم له لما خطب في تنزيه صفوان بن المعطل لما قذف عائشة، وأنه ما قدر أن يتم الخطبة، أتعرف أنّ هذا جميعه في صحيحي مسلم والبخاري؟، فقال: هذا صحيح.

فقلت: وقال اللّه جل جلاله في إيثارهم عليه القليل من الدنيا: «يا أيها الذينَ آمَنُوا إذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةٌ»(4)، وقد عرفت أنّهم امتنعوا من مناجاته ومحادثته لأجل التصدق برغيف وما دونه، حتّى تصدق علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعشرة دراهم عن عشر دفعات ناجاه فيها، ثمّ نسخت الآية بعد أن صارت عاراً عليهم وفضيحة إلى يوم القيامة بقوله جل جلاله: «اشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَينَ يَدَي نَجْوَاكُمْ

ص: 110


1- سورة الجمعة: 11.
2- سورة آل عمران: 159.
3- سورة آل عمران: 159.
4- سورة المجادلة: 12.

صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللّه عَلَيْكُمْ»(1).

فإذا حضرت يوم القيامة بين يدي اللّه جل جلاله وبين يدي رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقالا لك: كيف جاز لك أن تقلد قوماً في عملهم وفعلهم وقد عرفت منهم مثل هذه الأمور الهائلة، فأيّ عذر وأي حجّة تبقى لك عند اللّه وعند رسوله في تقليدهم فيهت وحار حيرة عظيمة! فقلت له: أما تعرف في صحيحي البخاري ومسلم في مسند جابر بن سمرة وغيره أنّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال في عدة أحاديث:

«لا يزال هذا الدين عزيزاً ما وليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش» (2)

وفي بعض أحاديثه عليه وآله السلام من الصحيحين:

«ولا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش» (3)

وأمثال هذه الألفاظ كلها تتضمن هذا العدد الاثني عشر، فهل تعرف في الإسلام فرقة تعتقد هذا العدد غير الإمامية الاثني عشرية، فإن كانت هذه الأحاديث صحيحة كما شرطت على نفسك في تصحيح ما نقله البخاري ومسلم فهذه مصححة لعقيدة الإمامية وشاهدة بصدق ما رواه سلفهم، وإن كانت كذباً فلأي حال رويتموهما في صحاحكم، فقال: ما أصنع بما رواه البخاري ومسلم من تزكية أبي بكر وعمر وعثمان وتزكية من تابعهم؟

فقلت له: أنت تعرف أنتي شرطت عليك أن لا تحتج عليّ بما ينفرد به أصحابك وأنت أعرف (4) أنّ الإنسان ولو كان من أعظم أهل العدالة وشهد لنفسه بدرهم وما دونه ما قبلت شهادته، ولو شهد في الحال على أعظم أهل العدالة بما شهد من الأمور مما يقبل

ص: 111


1- سورة المجادلة: 13.
2- صحيح البخاري: 124/5، صحیح مسلم: 1452/3.
3- صحیح مسلم: 1452/3.
4- قال المؤلّف: في نسحة بدل (تعرف).

فيه شهادة أمثاله قبلت شهادته، والبخاري ومسلم يعتقدان إمامة هؤلاء القوم فشهادتهم لهم شهادة بعقيدة نفوسهم ونصرة لرياستهم ومنزلتهم. فقال: واللّه ما بيني وبين الحق عداوة، ما هذا إلا واضح لا شبهة فيه، وأنا أتوب إلى اللّه تعالى بما (1) كنت عليه من الاعتقاد.

فلمّا فرغ من شروط التوبة، إذا رجل من ورائي قد أكبّ على يدي يقبلها ويبكي، فقلت من أنت؟ فقال: ما عليك اسمي، فاجتهدت به حتّى قلت: فأنت الآن صديق أو صاحب حق، فكيف يحسن لي أن لا أعرف صديقي وصاحب حق عليّ لأكافيه، فامتنع من تعريف اسمه فسألت الفقيه الذي من المستنصرية، فقال: هذا فلان بن فلان من فقهاء النظامية سهوت عن اسمه الآن. (2)

القندوزي يعترف أن الأئمة الاثني عشر هم أهل بيت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )

يقول شير محمّد الهمداني: ذكر الشيخ الفاضل الشيخ سليمان الحسيني القندوزي في كتاب ( ينابيع المودّة) في الباب 77 ص 446 طبع إسلامبول، ما هذا لفظه :

قال بعض المحققين: إنّ الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان، علم أنّ مراد رسول اللّه (عزّوجلّ) من حديثه هذا الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته وعترته، إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه، لقلتهم عن اثني عشر، ولا يمكن أن يحمله على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر، ولظلمهم الفاحش إلا عمر بن عبد العزيز، ولكونهم غير بني هاشم، لأنّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : كلهم من بني هاشم، في رواية عبد الملك عن

ص: 112


1- قال المؤلّف: في نسخة بدل (حما).
2- کشف المحجّة: 76-81.

جابر، وإخفاء صوته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في هذا القول يرجح هذه الرواية، لأنهم لا يحسنون خلافة بني هاشم، ولا يمكن أن يحمله على الملوك العباسية لزيادتهم على العدد المذكور، ولقلة رعايتهم الآية : «قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا المَوَدَّةَ في القُرْبَى» (1) وحديث الكساء، فلا بد من أن يُحمل هذا الحديث على الأئمة الاثني عشر من أهل بيته وعترته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، لأنّهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلهم وأورعهم وأتفاهم، وأعلاهم نسباً، وأفضلهم حسباً، وأكرمهم عند اللّه، وكان علومهم عن آبائهم متصلاً بجده (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وبالوراثة،واللدنية، كذا عرفهم أهل العلم والتحقيق وأهل الكشف والتوفيق، ويؤيد هذا المعنى أي أن مراد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته ويشهده ويرجحه حديث الثقلين، والأحاديث المتكثرة المذكورة في هذا الكتاب وغيرها (2)، انتهى ما أردت نقله من كتاب (ينابيع المودة).

محاججة السيد ابن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ) مع بعض الحنابلة

وقال السيّد الجليل علي بن طاووس في الفصل (99) من كتاب (كشف المحجّة):

وحضرني يا ولدي محمّد، حفظك اللّه جلّ جلاله لصلاح آبائك وأطال في بقائك نقيباً، وأتى رجلاً حنبلياً (3) وقال: هذا صديقنا ويحب أن يكون على مذهبنا فحدّثه. فقلت له: ما تقول إذا حضرت القيامة وقال لك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : لأيّ حال تركت كافة علماء الإسلام (4)، واخترت أحمد بن حنبل إماماً من دونهم، هل معك آية من كتاب اللّه بذلك، أو خبر عني بذلك؟ فإن كان المسلمون ما كانوا يعرفون الصحيح حتّى جاء أحمد بن حنبل وصار إماماً، فعمّن روى أحمد بن حنبل عقيدته وعلمه؟ وإن

ص: 113


1- سورة الشورى: 23.
2- ينابيع المودة: 292/3.
3- كذا في الأصل والمصدر والصحيح: (رجل حنبلي).
4- كذا في الأصل والمصدر والصحيح: (علماء الإسلام كافة).

كانوا يعرفون الصحيح وهم أصل عقيدة أحمد بن حنبل، فهلا كان السلف قبله أئمّة لك وله. فقال: هذا لا جواب لي عنه لمحمّد صلى اللّه عليه، فقلت له: إذا كان لا بد لك من عالم من الأمة تقلّده فألزم أهل بيت نبيك عليهم السلام، فإنّ أهل كل أحد أعرف بعقيدته وأسراره من الأجانب، فتاب ورجع. (1)

وقلت لبعض الحنابلة: أيها أفضل آباؤك وسلفك الذين كانوا قبل أحمد بن حنبل إلى عهد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، أو آباؤك وسلفك الذين كانوا بعد أحمد بن حنبل؟ فإنّه لا بد أن يقول: أنّ سلفه المتقدمين على أحمد بن حنبل أفضل، لأجل قربهم إلى الصدر الأول ومن عهد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).

فقلت: إذا كان سلفك الذين كانوا قبل أحمد بن حنبل أفضل فلايّ حال عدلت عن عقائدهم وعوائدهم إلى سلفك المتأخرين عن أحمد بن حنبل؟ وما كان الأوائل حنابلة، لأن أحمد بن حنبل ما كان قد ولد ولا كان مذكوراً عندهم، فلزمته الحجّة وانكشفت له المحجّة، والحمد للّه ربّ العالمين. (2)

محاججة السيد ابن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ) مع بعض الزيدية

[قال السيّد الجليل علي بن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ) ]:

وحضر عندي يا ولدي محمّد، رعاك اللّه جل جلاله بعنايته الإلهية بعض الزيدية، وقد قال لي: إنّ جماعة من الإمامية يريدون مني الرجوع عن مذهبي بغير حجّة، وأريد أن تكشف لي عن حقيقة الأمر بما يثبت في عقلي.

قلت له أوّل ما أقول أنني علوي حسني وحالي معلوم، ولو وجدت طريقاً إلى ثبوت عقيدة الزيدية كان ذلك نفعاً ورئاسة لي دينية ودنيوية، وأنا أكشف لك بوجه

ص: 114


1- كشف المحجّة: 81.
2- كشف المحجّة: 81، الفصل المائة.

لطيف عن ضعف مذهبك بعض التكشف هل يقبل عقل عاقل فاضل أنّ سلطان العالمين ينفذ رسولاً أفضل من الأوّلين والآخرين إلى الخلائق في المشارق والمغارب، ويصدّقه بالمعجزات القاهرة والآيات الباهرة، ثمّ يعكس هذا الاهتمام الهائل والتدبير الكامل، ويجعل عيار اعتماد الإسلام والمسلمين على ظن ضعيف يمكن ظهور فساده وبطلانه للعارفين؟ فقال: كيف هذا؟

فقلت لأنكم إذا بنيتم أمر الإمامة - أنتم ومن وافقكم أو وافقتموه - على الاختيار من الأمة للإمام على ظاهر عدالته وشجاعته وأمانته وسيرته، وليس معكم في الاختيار له إلا غلبة الظن الذي يمكن أن يظهر خلافه لكل من عمل عليه، كما جرى للملائكة وهم أفضل اختياراً من بني آدم لما عارضوا اللّه جل جلاله في أنه جعل آدم خليفة وقالوا: «أتجعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ»(1)، فلما كشف لهم حال آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) رجعوا عن اختيارهم لعزل آدم وقالوا: «سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا»(2).

وكما جرى لآدم الأكل من الشجرة، وكما جرى لموسى في اختياره سبعين رجلاً من خيار قومه للميقات، ثمّ قال عنهم بعد ذلك: «أتُهلكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا» (3) حيث قفلوا : «أرِنَا اللّهَ جَهْرَةً»(4). وكما جرى ليعقوب (عَلَيهِ السَّلَامُ) في اختياره أولاده الحفظ ولده يوسف، وغيره من اختيار الأنبياء والأوصياء والأولياء، وظهر لهم بعد ذلك ذا الاختيار ضعف تلك الآراء.

ص: 115


1- سورة البقرة: 30.
2- سورة البقرة: 32.
3- سورة الأعراف: 155.
4- سورة النساء: 153.

فإذا كان هؤلاء المعصومون قد دخل عليهم في اختيارهم ما قد شهد به القرآن والإجماع من المسلمين، فكيف يكون اختيار غيرهم ممن يعرف من نفسه أنه ما مارس أبداً خلافة ولا إمارة ولا رياسة، حتّى يعرف شروطها وتفصيل مباشرتها فيستصلح لها من يقوم لها، وما معه إلا ظن ضعيف بصلاح ظاهر من يختاره.

وهل يقبل عقل عاقل وفضل فاضل أن قوماً ما يعرفون مباشرة ولا مكاشفة تفصيل ما يحتاج إليه من يختارونه، فيكون اختيارهم لأمر لا يعرفونه حجّة على من حضر وعلى من لم يحضر ؟! أما هذا من الغلط المستنكر.

ومن أين للذين يختارون إمامهم معرفة بتدبير الجيوش والعساكر، وتدبير البلاد، وعمارة الأرضين والإصلاح، لإختلاف إرادات العالمين، حتّى يختاروا واحداً يقوم بما يجهلونه، إنا للّه وإنا إليه راجعون ممن قلدهم في ذلك أو يقلدونه. ومما يقال لهم: إنّ هؤلاء الذين يختارون الإمام للمسلمين، من الذي يختارهم [هم] التعيين الإمام؟ ومن أي المذاهب يكونون؟ فإنّ مذاهب الذين يذهبون إلى اختيار الإمام مختلفة، وكم يكون مقدار ما بلغوا إليه من العلوم حتّى يختاروا عندها الإمام؟ وكم يكون عددهم؟ وهل يكونون من بلد واحد أو من بلاد متفرقة؟ وهل يحتاجون قبل اختيارهم للإمام أن يسافروا إلى البلاد يستعلمون من فيها ممن يصلح للإمامة أو لا يصلح؟ أو هل يحتاجون أن يراسلوا من بعد عنهم من البلاد ويعرفونهم أنهم يريدون اختيار الإمام للمسلمين؟. فإن كان في بلد غير بلدهم من يصلح أو يرجح ممن هو في بلادهم يعرفونهم أم يختارون من غير كشف لما في البلاد، ومن غير مراسلة لعلماء بلاد الإسلام؟

فإن كان سؤال من هذه السؤالات يتعذر قيام الحجّة على صحته وعلى لزومه اللّه جل جلاله، ولزومه لرسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ولزومه لمن لا يكون مختاراً لمن يختارونه من علماء الإسلام

ص: 116

أفلا ترى تعذر ما أدّعوه من اختيار الإمام. (1)

ولقد سمع مني بعض هذا الكلام شخص من أهل العلم من علم الكلام، فقال: إنّ الناس مازالوا يعملون في مصالحهم على الظنون.

فقلت له: هب أنهم يعملون في مصالحهم في نفوسهم بظنونهم، فكيف تجاوزوا ذلك إلى التحكم على تدبير اللّه جل جلاله في عباده وبلاده، والإقدام بظنونهم الضعيفة على هدم الاهتمام بثبوت أقدام النبوة الشريفة، ونقل تدبيرها عن اليقين الشريف إلى الظن الضعيف؟! ومن جعل لهم ولاية على كل من في الدنيا والدين، وما حضروا معهم في اختيار الإمام، ولا شاركوهم ولا أذنوا لهم من سائر بلاد الإسلام؟!

ومن وليهم عليّ وأنا غافل بعيد عنهم، حتّى يختاروا لي بظنهم الضعيف إماماً ما وكلتهم فيه ولا أرضى أبداً بالاختيار منهم ؟ فهل هذا إلا ظلم هائل وجور شامل من غير رضى من يدعي (2) وكالته ونيابة ما استنابه فيها من غير رضى من يدعي نيابته.

ثمّ قلت لهم : أنتم ما كنتم تتفكرون فساده في أوّل مرة (3) لما أظهر العدل واجتمعتم عليه، فلما تمكن منكم قتلكم وأخذ أموالكم، وقد رأيتم ورأينا وسمعتم وسمعنا من اختيار الملوك والخلفاء، والاطلاع على الغلط في الاختيار لهم وقتلهم وعزلهم وفساد تلك الآراء. وقلت لهم : أنتم تعلمون أنه يمكن أن يكون وقت اختياركم لواحد من ولد فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) غير معصوم ولا منصوص عليه، أن يكون في ذلك البلد وغيره ممن هو مثله أو أرجح منه ولا تعرفونه، فكيف تبايعون رجلاً وتقتلون أنفسكم بين يديه ولعل غيره أرجح منه وأقوم مما تريدون.

وقلت له: أنتم يا بني الحسن، لعل ما منعكم من القول بإمامة أئمة بني الحسين إلا

ص: 117


1- كشف المحجّة 82-84، الفصل الحادي والمائة.
2- قال المؤلّف: في نسخة بدل (ممن يدّعى وكالته).
3- قال المؤلّف: في نسخة بدل (أمره).

انّكم ولد الإمام الأكبر، ولعلكم أبيتم أن تكونوا تبعاً لولد الإمام الأصغر، وما أراكم خلصتم من هذا العار، لأنّكم قلدتم زيداً وهو حسني، فنسبتم مذهبكم إليه، وفي بني الحسن والحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ) هم من هو أفضل منه قبله كان عبد اللّه بن الحسن وولداه، والباقر و الصادق (عَلَيهِما السَّلَامُ) ما يقصرون عنه.

ثمّ إنّكم ما وجدتم له فقها أو مذهباً يقوم بالشريعة فتممتم مذهبكم بمذهب أبي حنيفة وأبو حنيفة من العوام والغلمان لجدكم ولكم، فإذا رضيتم إماماً زيدياً وهو حسني مرقع مذهبه بمذهب أبي حنيفة، فأنا أدلكم على الباقر والصادق وغيرهما (عَلَيهِم السَّلَامُ) من بني الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من غير مرقعين وعلومهم كافية في أمور الدنيا والدين.

ثم قلت له: الناس يعرفون إنا كنا معشر بني هاشم رؤساء في الجاهلية والإسلام، وما كنا أبداً تبعاً ولا أذناباً للعوام، فلما بعث محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وشرفنا بنبوته وشريعته، نصير تبعاً الغلمانه وللعوام من أمته، وتعجز عناية اللّه جلّ جلاله به أن يكون لنا رئيس منا، أي مصيبة حملتكم على ذلك، وفينا من لا يحسن أبو حنيفة [أن] يجلس بين يديه، ويحتاج أبو حنيفة وغيره من العلماء أن يقرءوا عليه، فعرف الزيدي الحق ورجع عن مذهبه في الحال، وقد اختصرت في المقال. (1)

في إيراد جملة من الحجج لمعرفة الأئمة صلوات اللّه عليهم

قال السيّد العالم علي بن طاووس في الفصل (55) من كتاب (كشف المحجّة):

وأمّا معرفة جملة الأئمة من عترة جدك سيد المرسلين صلوات اللّه عليه وعليهم أجمعين، فاعلم يا ولدي محمّد، أنّ الطريق إلى معرفتهم أسهل مما يتوهمه كثير من الخلائق وقد كشفت لك الأمور في كتاب (الطرائف) فأوضحت عن طرق الحقائق، وأذكرها هنا جملاً بسيرة تغني عن التفصيل والتطويل، منها:

ص: 118


1- كشف المحجّة: 84-86، الفصل الثاني والمائة.

إنّ العقول قاضية إنّ كمال رحمة اللّه جلّ جلاله بعباده، يقتضي أن يكون لهم في كل زمان وأوان من يدلّهم على مراده دلالة تغني عن التأويل وعن الاختلاف، وتصون عن التضليل.

ومنها: إنّ كمال نبوة جدك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) و أرحم العباد، وشفقته على أمته إلى آخر أيام النفاد يقتضي أن يكون نظره الشريف صلوات اللّه عليه في الهداية والدلالة لمن قرب منه وبعد عن أيام الرسالة على حد واحد، وهذا ما يصح إلا بمن يقوم بمقامه كل زمان على نحو وصفه الكامل بالعصمة في السراء والضراء والسر والإعلان.

ومنها: إنّ جدك محمّداً صلوات اللّه وسلامه عليه وآله كان ما يخرج في غزوة إلا ويجعل في المدينة نائباً، ومدة الغزاة قصيرة في حياته، فكيف يقبل العقل أنّه ترك الأمة مهملة من نائب ينص عليه والمدة طويلة خطيرة كثيرة بعد وفاته ؟!

ومنها: إنّ جدك محمّد عليه واله أفضل السلام والتحية ما كان ينفذ عسكراً أو سرية إلا ويجعل فيهم رئيساً عليهم، يضم شملهم ويصلح فاسدهم ويحسن إليهم، فكيف تقبل العقول أنه يترك الأمة كلها بعد وفاته إلى اللّه جل جلاله في مسافة مدتها إلى الآن ست مائة وتسع وثلاثون سنة، وبعدها إلى يوم القيامة، ولا يجعل لهم رئيساً يصلح حالهم ويصونهم عن الذي جرى عليهم من الاختلاف والندامة.

ومنها: نصوص اللّه جلّ جلاله، وتقدس كماله على جدك مولانا علي بن أبي طالب حصلوات اللّه وسلامه عليه بالآيات الباهرات في ذاته وصفاته وفي مقاماته، وتعريف الأمة بكرامته وما أخبرها من أسرار اللّه جلّ جلاله ورسوله صلوات اللّه عليه وآله الدالة على أنها نصوص عليه بأن مرجع الأمة في جميع أمورهم إليه، فإنّ الصفات الكاملة للرئيس في رئاسته نصوص على إمامته، والصفات الناقصة المرعيته نصوص عليهم أنّهم في حكم شريعته وتبع الإرادته.

ص: 119

ومنها: إنّ جدك محمّداً صلوات اللّه عليه وآله حرّم على من حرم عليه من أمته أن يتركوا الوصية، وقال:

«من مات بغير وصية فقد مات موتة جاهلية» (1)

فكيف قبلت العقول أن من يعلم الناس الوصية لمن يخلفونه يترك الوصية بهم بالكليّة، وقد علم أنهم يختلفون بعد وفاته ويخالفونه.

ومنها: إنّ كل منصف عاقل فاضل من أهل الإسلام بعيد أن يقبل عقله أنّ محمّداً جدك عليه وآله أفضل الصلاة والسلام يتلوا عليهم قرآناً يتضمن: «اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً»، (2) ثمّ يدعي مدع أنّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مات وترك أمته متحيرين في الإمامة، وهي من أهم أمور الإسلام والمسلمين، حتّى ضرب بعضهم رقاب بعض، وكذب بعضهم بعضاً، وتفرّقوا ثلاثاً وسبعين فرقة، وافتضحوا بين أهل الملل، أين هذا الاختلاف والنقصان من وصف دينه بالكمال بصريح القرآن، لولا أنهم افتضحوا وخالفوا دليلهم على الأسلاف (3) بالغلط والبهتان.

يا ولدي محمّد، إنّ هذه الآية نزلت يوم نص رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على أبيك علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه وآله، النص العام يوم الغدير، كما رواه جميع أهل الفضل من المسلمين للتعصب (4) لستر هذا اليوم الذي كان ينبغي أن يعرف تاريخه جمهور العارفين، ويكون عبداً عظيماً واضحاً مبيناً حيث أكمل اللّه جل جلاله فيه الدين وأتم النعمة ورضي لنا الإسلام ديناً.

ولقد ذكرت في (الطرائف) من صحاحهم أن بعض اليهود قال: لو كان مثل هذا

ص: 120


1- المقنعة: 102 وسائل الشيعة 352/13 حديث 8.
2- سورة المائدة: 3.
3- في بعض النسخ: (الائتلاف).
4- في بعض النسخ: (المتعصب).

اليوم في التوراة كان عيداً لهم مسنوناً.

ومنها: يا ولدي محمّد، صانك اللّه جلّ جلاله بدروعه الواقية وعناياته الكافية، أنه كان ينبغي لأهل الإسلام أن يعتقدوا جميعاً أن محمّداً جدك (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وصّى بهم إلى من يقوم مقامه ولم يعرفوه باسمه، لأنّ ذلك مناسب لصفات كماله المعلومة، التي لا يدخلها طعن ولا نقص في خصاله، فكيف بلغ التعصب إلى تكذيب ما يروى متواتراً من النصوص بالوصية، وهي من جملة صفاته (عَلَيهِ السَّلَامُ) الكاملة النبوية، وهان الرضا بالطعن على صفاته الكاملة بنقصه بترك الوصية، إنّ هذا من عجيب المكابرة والعصبية.

ومنها: إنّنا لو فرضنا أنّها قد بلغت العقلاء وفاة جدك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قبل أن يختلف المسلمون في أنّ هل نص على أحد يقوم مقامه أم لا؟ وإلا قد شاع أنّه قال:

«كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» (1)

أليس كان يعتقد كل عاقل بعيد المكان عن مدينته إنّه ما مات إلا وقد نص على من يقوم مقامه في أمته، فإنّه ما هون بما يحتاج الناس من وصيته وترتيب سائس لرعيته، فكيف جاز جحود ما سبق إلى فطرة العقول من كمال الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وهو الذي يتلقاه الألباب بالقبول ؟!

ومنها: إنّه لو سأل سائل القوم الذين كانوا يدّعون على أنّه ما نص على من يقوم مقامه في الأمة وقال لهم: ما تقولون إنّه لو نص على أحد كما يعتقده أهل العصمة هل كنتم تقبلون منه أو تعرضون عنه؟

فلا بد أنّهم يقولون إنّهم كانوا يقبلون من نصه على من يقوم مقامه للعباد، فإذا :قالوا إنهم كانوا يقبلون، فيقال لهم: فعلى قولكم هذا يكون الذنب واللوم في كل ما وقع بترك النص من التفريق والعناد والفساد عليه أو على من أرسله على مقتضى قولكم

ص: 121


1- مسند أحمد: 5/2.

الذي بعدتم فيه من العقل والسداد، فهل بقي إلا أنه نص على من يقوم مقامه وركب الحجّة على العباد، وكان الذنب واللوم لمن خالف نصه من الأعداء والحسّاد.

ومنها: أن يقال لمن زعم أن الأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ) لا يحتاجون إلى العصمة: هل تقبل عقولكم أنّ نبينا علم اللّه تعالى أنّه يفتح في حياته قريات وحصوناً صغيرة ويسلم على يديه نفوس يسيرة، فيجعله اللّه جل جلاله معصوماً ويزيد الوحي إليه ويكلمه فيما يحتاج أمته إليه، ثمّ يعلم أنّ بعد وفاته يحتاج الناس إلى رئيس يفتح أضعاف ما فتحه من البلاد، ويسلم من الأمم أضعاف من أسلم على يده من العباد، وينتشر حيلهم ويقع الخلف بينهم وينقطع الوحي عنهم، ولا يكون الذي يقوم مقامه فيهم معصوماً، حتّى يقوم في الأثقال الزائدة ويوثق منه بالعدل وترك الأعمال الفاسدة، هذا ما يدعيه على اللّه جل جلاله وعلى جدك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلا عقول غافلة أو جاهلة أو معاندة.

ومنها: إنّ بني آدم قد خلقوا من أخلاط متضادة، من حار وبارد ورطب ویابس وجواهر وأجسام ترابية، وعقول وأرواح روحانية، فمتى لم يكن لهم إمام على صفات صاحب النبوة صلوات اللّه عليه وآله قد اصطلحت الأمور المتضادة فيه، وصار فعاله موافقاً لمقاله مكمّلاً في سائر أحواله كان له شغل شاغل بالمتضادات في ذاته وصفاته عن تقويم الخلائق المتنازعين له في إرادته.

ومنها: النصوص الصريحة من طرق المخالف والمؤالف التي قد عمي العدو عنها حتّى نقلها، كما عمي اليهود والنصارى على نصوص اللّه جل جلاله، ونصوص عيسى و موسى (عَلَيهِما السَّلَامُ) على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالنبوة، ونقلوها مع الجحود لها والغفلة عنها، المتضمنة لإمامة أبيك أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بغير فصل بعد جدك سيد المرسلين (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وإمامة الاثني عشر من عترتهما الطاهرين صلوات [اللّه] عليهم أجمعين، ومن واحد منهم إلى واحد على حد واحد من العدد والتسمية والتعيين وانتظام كمال كل واحد منهم في العلم وجواب السائلين وما

ص: 122

يحتاج إليه أهل وقته من المكلفين، وتعظيمهم عند العدو والولي في الحياة، وتعظيم قبورهم مع كثرة الأعداء لهم بعد الوفاة.

وفي ذلك الإطباق والاتساق آيات بينات باهرات للناظرين، وحجج لربّ العالمين ولسيّد المرسلين، لئلا يقولوا يوم القيامة: إنا كنّا عن هذا غافلين، وقد أشرت في كتاب (الطرائف) إلى تفاصيل منها على الوجه الواضح الكاشف، وسيأتي في فصول هذا الكتاب زيادة تنبيه وتفصيل شاف لذوي الألباب إن شاء اللّه تعالى.

ومنها: إنّ علوم أئمتك صلوات اللّه عليهم كانت آية اللّه جلّ جلاله فيهم ومعجزة دالة على إمامتهم، لأنهم لم يعرف لهم أستاذ يترددون إليه ولا يشتغلون عليه، ولا رآهم شيعتهم ولا أعداؤهم أنهم يقرؤن تلك العلوم على آبائهم على عادة المتعلمين، ولا على صفات المدرسين ولا عُرف لهم كتاب مصنّف اشتغلوا فيه، ولا تأليفاً دروا حفظ معانيه ولم يعرف عنهم إلا إذا مات الحي منهم قام الباقي بعده من ولده الذي أوصى إليه بالإمامة مقامه في علمه وكلما يحتاج إليه من الخصائص والكرامة.

ومنها: إنّ رواة الشيعة الإمامية أجمعوا على الإطباق والوفاق من حياة جدك محمّد، وأبيك علي صلوات اللّه عليهما وآلهما، إنّ الأئمة من ذريتهما يكونون عدداً معيناً بالأسماء، وتعيين الآباء والأبناء، وكمال الصفات، ثمّ صدق اللّه جل جلاله تلك الروايات بوجودهم على ما تقدم الخبر به من الأوقات السالفات، وكان هذا من آيات اللّه جلّ جلاله فيهم، ومعجزات رسوله إكراماً لهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) ومعجزات إمامتهم.

ومنها: إنك لا تجد أحداً من القرابة والصحابة اتفق له اتفاقاً ولا استحقاقاً وجود العدد الذي أجمعت عليه الإمامية من ولد عن والده وطرف عن تالد وموصوف كل واحد منهم بعلم باهر وزهد،ماهر، وله شيعة يدينون اللّه جل جلاله بإمامته، قد طبقوا الأرض، لا يزيدهم كثرة عدوهم وقتل نفوسهم وتغلب الملوك عليهم إلا قوة في عقيدتهم.

ص: 123

ومنها: إنّك لا تجد الأئمة من قومك الطاهرين عجزوا عن شيء من جوابات السائلين أو رجعوا إلى كتب المصنفين، ولا الاستعانة بغيرهم من علماء المسلمين، وإن مثلوا عن أخبار الملأ الأعلى بادروا بالجواب وأخبروا بالصواب، وإن سُئلوا عن أسرار من مضى من الأمم السالفة أخبروا بغير توقف ولا ارتياب وإن سُئلوا عن تفسير الكتاب أو الشريعة وما يتبعها من أسرار يوم الحساب أجابوا جواب العالم بتفصيل الأسباب، وهذا من آيات اللّه جل جلاله فيهم ومعجزات رسوله صلوات اللّه عليه وعليهم ومعجزات أبيهم.

ومنها: إنّك تجد كتب الشيعة ورواياتهم متواترة ومتظافرة بتعريف خلق كثير منهم بأوقات وفاتهم وإنفاذ أكفان لهم لتلك الأوقات في حياتهم، وتصديق ما أخبروا به وكل ذلك من آيات اللّه جلّ جلاله الباهرة وحججه القاهرة.

ومنها: إنك تجد كتب الشيعة ورواياتهم متظافرة بتعريف جماعة كثير منهم كم يولد لهم من الأولاد، وأسماء من يولد له، وسطر الجواب عن هذه السؤال عن الأسرار الإلهية والمعجزات النبوية والدلالات على الإمامة المرضية على رؤوس الأشهاد، وهي من الحجج الواضحة والدلائل الباهرة.

ومنها: إنّك تجد كتب الشيعة وغيرهم مما ناظروا به أهل الأديان، وكيف خاطبوا كلاً منهم بكتابه إن كان يهودياً فرؤوا له من التوراة، وإن كان نصرانياً قرؤوا له بالإنجيل، وما عُرف لهم أبداً تردد ولا اتحاد ولا وداد لأهل تلك الكتب بالكلية، وكان ذلك من الآيات اللازمة لمن عرفها من البرية، وقد اقتصرت على يسير من كثير من الدلالة لئلا أطيل عليك في الرسالة. (1)

ص: 124


1- كشف المحجّة: 36-43، الفصول 55-60.

يقول شير محمّد : سأورد خبر عبد العزيز بن مسلم عن أبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وفيه:

«وأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمض (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حتّى بين لأمته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحق، وأقام لهم علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) بل علماً وإماماً وما ترك [هم] شيئاً يحتاج إليه الأمة إلا بينه، فمن زعم أن اللّه (عزوجلّ) و لم يكمل دينه فقد رد كتاب اللّه، ومن رد كتاب اللّه فهو كافر به هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم، إنّ الإمامة أجلّ قدراً وأعظم شأناً وأعلا مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماماً باختيارهم». (1)

ثم قال ابن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ) : وأما ما تشبث به من ضل عن سواء السبيل بحديث يوم السقيفة وما جرى فيه من التأويل، فقد كان ينبغي لهم أن يجتهدوا في ستر الحال على أولئك الجماعة، وتغطية ما فضحوا به أنفسهم من ترك نبيّهم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) المفروض الطاعة، الذي أمرهم اللّه جل جلاله بتعظيمه وتوقيره، وكان سبب ما وصلوا إليه من خير الدنيا والآخرة قليله وكثيره، ولم يصبروا حتّى يغسل ويكفن ويقضى حق المصيبة يفقده، بل سارعوا إلى تركه على المغتسل، واشتغلوا بطلب ما زهدهم فيه من الدنيا، كأنّهم كانوا يتمنون،موته، والتمكن من الدنيا بعده.

وكان يليق بالتوفيق أن يشغلوا أولياءهم بالفكر هل يعفو اللّه عن ذلك التفريط الهائل والاستخفاف الذاهل، وهل يقبل اللّه جل جلاله التوبة من ذلك القبيح الخاطل فكيف صار مقام الخطأ والاعتذار والاستغفار من مقامات الاحتجاج والانتصار ؟

«إنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الأبصَارِ» (2) وفضيحة من فضائح دار الاغترار.

واعلم يا ولدي محمّد، وصل اللّه جل جلاله بينك وبين معرفة مراده، صلة تكمل

ص: 125


1- الكافي: 199/1.
2- سورة آل عمران: 13.

لك شرف إسعاده وإنجاده، أنه لو كان الاجتماع في السقيفة لغير الحيلة على مراسم مخالفة جدك صلوات اللّه عليه وآله المقدسة المنيفة، ولغير منافسة من نافس من الأنصار لمن خافوا تغلبه على أبيك أمير المؤمنين من المهاجرين، كأن يكون اجتماعهم في مسجد جدك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فإنه كان محل اجتماع المسلمين، وموضع المشاورة وتدبير المختلفين، ومجلس إصلاح أمور الدنيا والدين، وكانوا تناصحوا أو تواصلوا وسمع بعضهم من بعض على عادة المناصحين والمتفقين والمشفقين.

وهذا واللّه لا يخفى يا ولدي على من له اطلاع على ما جرى من أحوال أولئك المحتالين والمتغلبين، ولذلك تأخر بنو هاشم وغيرهم من متابعتهم، وأعقب الهلاك إلى يوم يظهر الإسلام على جميع أعداء الدين، وصار ذلك التحيل والتغلب سُنّة، حتّى وصلت خلافة الإسلام إلى ملوك بني أمية الظالمين، وإلى الخوارج وغيرهم من المتأولين، وأظلمت الطرق بين الأمة وبين سيّد المرسلين وعترته الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين.

ومما يدلك يا ولدي محمّد، شرّفك اللّه جل جلاله بزيادة دلالته وسعادة عناياته، على كذب من زعم أن جدك محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) انتقل إلى جوار اللّه جل جلاله ولم ينص على إمام يقوم مقامه في أمته، وأنّ الذين فتحوا ذكره بذلك قد ردوا على أنفسهم وشهدوا بنصه عليه وآله السلام على إمام معلوم بقبيلته بإجماعهم وتواترهم أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال:

«الأئمة من قريش» (1).

وهذا نص صريح منه على تعيين الإمام وإنّه من قبيلة قريش دون سائر القبائل، فإن كان تعيين القبيلة لئلا يضل الأمة عن قبيلته وشفقته على أمته، فالعقل يشهد أن تعيين الإمام من هذه القبيلة - قريش - العزيزة عليه، وصيانتها من الضلال والاختلاف الذي بلغ حالها إليه، كان أليق بشفقته وأهم عند نبوته، وإن المقتضي تعيين القبيلة هو المقتضي

ص: 126


1- مسند أحمد: 51/2.

تعيين واحد منها عند من أنصف من نفسه وعرف ما عامل اللّه جل جلاله ورسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) به المسلمون من هدايته ورحمته.

وإلا فكيف قضى العقل أنه نزه البعداء من قريش عن الضلال، وعرّفهم أن الإمام ما هو منهم بحال من الأحوال وترك قومه قريشاً الذين قال اللّه جل جلاله فيهم على التعيين: «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين» (1) مختلفين ضالين هالكين بإهمال تعيين اسم الإمام منهم، أما يكون ذلك - على قول الذين ذكروا أنه ما نص على واحد منهم سبب كل ضلال أو هلاك وقع منهم، إن ذلك لمستحيل في العقول ولبهتان في المنقول. (2)

يقول شير محمّد: قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في خطبة له :

«بنا يُستعطى الهدى، ويُستجلى العمى، إنّ الأئمة من قريش، غُرِسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم». (3)

وقال ابن أبي الحديد في شرح هذا الكلام في الجزء التاسع ص 422 طبع مصر: فإن قلت: إنّك شرحت هذا الكتاب على قواعد المعتزلة وأصولهم، فما قولك في هذا الكلام وهو تصريح بأنّ الإمامة لا تصلح من قريش إلا في بني هاشم خاصة، وليس ذلك بمذهب للمعتزلة، لا متقدميهم ولا متأخريهم قلت: هذا الموضع مشكل، ولي فيه نظر، وإن صح أنّ علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) اللّه،قاله قلت كما قال، لأنه ثبت عندي أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال:

«إنه مع الحق وإنّ الحق يدور معه حيثما دار». (4)

وقال ابن أبي الحديد أيضاً في الجزء الثاني من شرح النهج ص 212 في كلام له :

ص: 127


1- سورة الشعراء: 214.
2- كشف المحجّة: 43-45، الفصول (60-63).
3- شرح نهج البلاغة: 84/9.
4- شرح نهج البلاغة: 87/9.

وحكمه في ذلك حكم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؛ لأنه قد ثبت عنه في الأخبار الصحيحة أنه قال:

«علي مع الحق والحق مع علي، يدور حيثما دار». (1)

ولعل قوله : وإن صح أنّ علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ)... إلخ وقع خوفاً وتقية، لأنهّ صرح بضلال من زعم أن كتاب (نهج البلاغة) أو بعضه منحول إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، صرح بذلك في الجزء العاشر من شرح النهج ص 546 طبع مصر. (2)

[ ثمّ قال السيد ابن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ) ]: وليس بغريب مع قوم قد بلغ اختلاطهم وجهلهم وجنونهم إلى أن عرفوا متواتراً لا يختلفون فيه، أن جميع من يعتبر بأعماله من أهل المدينة من الصحابة والتابعين والصالحين، ومن حضر هم من سائر المسلمين أجمعوا على أن عثمان بن عفان حلال الدم يجب المبادرة إلى قتله، ولا يحل تغسيله ولا الصلاة عليه ولا دفنه، وقتلوه على هذه الحالة، وبقي ثلاثة لا يرى أحد منهم دفنه، حتّى دفنه بعض بني أمية سراً من الصحابة والتابعين والصالحين.

ثم بعد الاجتماع والتواتر والبراءة من عثمان وخروجه عن حكم الإسلام والإيمان، عادوا إلى تكذيب الصحابة وأهل المدينة ومن حضرهم من المسلمين وطعنوا عليهم وفضحوهم في البلاد، وشرعوا يمدحون عثمان بن عفان، ويشكرونه ويثنون عليه بالبهتان، ويطعنون بذلك على أهل المدينة كافة وأعيان الصحابة، ويشهدون عليهم أنهم قد يجتمعون على المحال، ويستحلون ما حرّم اللّه من الدماء استحلالاً، وفي ذلك طعن على روايتهم عنهم، وهدم لما نقلوه من الإسلام الذي ظهر منهم.

وزاد حديث التعصب لعثمان حتّى يُذكر على المنابر بالمدح وتعظيم الشأن وافتضحنا مع اليهود والنصارى وأعداء الدين بهذه المناقضات البعيدة من صفات العارفين والعقلاء، وقد كان الواجب قطع حديث عثمان بالكلية، وطمّ جيفة ذكره في الملة النبوية،

ص: 128


1- شرح نهج البلاغة: 2/ 297.
2- شرح نهج البلاغة: 129/10.

حتى لا يبقى له ذكر إن أمكن بحال من الأحوال، تزكية للصحابة والتابعين، ومن وافقهم على استحلال دمه وموافقته لهم في الفعل، فهل يستبعد من مثل هؤلاء الجهال المخالفة لجدك محمّد صلوات اللّه عليه وآله والتعصب على أبيك على (عَلَيهِ السَّلَامُ) بما وقع بينهم من الاختلاف. (1)

وليس بغريب من أمة كان فيهم علي بن الحسين [زين العابدين] (عَلَيهِ السَّلَامُ)، أمه بنت كسرى من أعظم ملوك الدنيا، وجده محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ملك الدنيا والآخرة، وأبوه علي من أعظم خلفاء الإسلام، وهو على صفات فضل بها أهل زمانه ودلت على علو شأنه، فيتركونه ترك من لا يلتفتون إليه ولا يعرضون نفوسهم عليه، ويطرحون نفوسهم على بني أمية الملاعين، ويبايعونهم بالاتفاق والوفاق، وترك الشقاق والافتراق، ويهدمون بذلك أركان الإسلام والمسلمين، فهل يستبعد من هؤلاء وأمثالهم ما وقع من ضلالهم عن أبائك الطاهرين، واختلالهم وسوء أفعالهم وتعصبهم لمحالهم؟!

وليس بغريب من قوم عابوا جدك الحسن على صلح معاوية، وهو كان بأمر جده رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وقد صالح جده الكفار، وكان عذره في ذلك أوضح الأعذار.

فلمّا قام أخوه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بنصرهم وإجابة سؤالهم، وترك المصالحة ليزيد المارق كانوا بين قاتل وخاذل حتّى ما عرفنا أنهم غضبوا في أيام يزيد لذلك القتل الشنيع ولا خرجوا عليه ولا عزلوه عن ولايته وغضبوا لعبد اللّه بن الزبير وساعدوه على ضلالته، وافتضحوا بهذه المناقضة الهائلة، وظهر سوء اختياراتهم النازلة، فهل يستبعد من هؤلاء ضلال عن الصراط المستقيم، وقد بلغوا إلى هذا الحال السقيم العظيم الذميم؟!

اعلم يا ولدي محمّد، أسعدك اللّه جل جلاله بسعادة خاصته وأيدك بكامل عنايته أنني حادثت يوماً بعض أهل الخلاف، وكان يرجى منه حصول الإنصاف، وقلت له:

ص: 129


1- كشف المحجّة: 45، الفصل الثالث والستون.

أنت تعرف أبا بكر، قال لما حضر في سقيفة بني ساعدة وعمر عن يمينه وأبو عبيدة عن يساره قد اخترتُ لكم أحد هذين الرجلين، يريد أنهما أحق بالخلافة منه ومن سواه، فإن كان هذا الاختيار منه لهما عن حقيقة وموافقاً لطاعة اللّه ورضاه، فتقديم نفسه بالخلافة عليهما بعد هذا المقال خيانة للأمة، وخلاف ما كان قد نص عليهما في أنّهما أقوم بتلك الأثقال.

وإن كان هذا الاختيار منه لهما عن حيلة تشاوروا فيها، بأن يقول هو هذا ويقولان هما: إنا نريدك، أو قال هذا وهو يعلم أنه أقوم بأمر الخلافة وأصلح للأمة فقد غش المسلمين، وخان ربّ العالمين وسيّد المرسلين في تعيينه على عمر وأبا عبيدة بالخلافة، فعرف المخالف الحق، وعلم أن أمورهم كانت مغالبة وحيلة على الملك من غير مراقبة اللّه تعالى ولا مخافته منه جل جلاله.

واعلم يا ولدي محمّد، خلفني اللّه جل جلاله فيك أحسن الخلافة، وكمل لك تحف العناية والرأفة أنني ذاكرت بعض من يعرف ما جرى يوم السقيفة من التهون بالدين والمنافسة من أولئك الأنصار لمن غالبوه ونافسوه من المهاجرين، فقلت: إن كان اجتماع من اجتمع في السقيفة من الأنصار له أثر في الاستقامة والإمامة، فقد اتفقوا قبل حضور أبي بكر وعمر عندهم على أنّ الإمامة فيهم، وأن المهاجرين لا إمامة لهم بتعيينهم على سعد بن عبادة، فإن كان إجماعهم الأول يحتمل الغلط والخطأ بل كان عندهم غلطاً (1) وخطأ لتقديمهم على قريش فكذا كان عقد من عقد منهم الخلافة لأبي بكر يحتمل الغلط والخطأ، بل قد كان غلطاً وخطأ؛ لما جرى من سوء عاقبته واختلاف المسلمين، وإطباق أهل البيت على غلط ذلك العقد ومضرته.

ص: 130


1- كذا، والأصح (غلط).

ولو لم يكن من دلائل غلطهم، إلا سبقهم لشيوخ آل أبي طالب وآل عباس وبني هاشم، وأعيان المهاجرين والزهاد من الناس إلى الاختيار لرجل يقدّمونه عليهم من غير مشاورة لهم ولا طلب حضورهم ولا مراسلة إليهم.

ومن عجائب ذلك الاجتماع أن أبا بكر لما غلب الأنصار بقوله: إنّ الأئمة من قريش، فقد صار الحديث حجّة في الإمامة مع قريش كلها على قوله، فهلا رجعوا من السقيفة إلى قريش فشاوروها في الإمامة، وحيث قد شهدوا أن قد تعينت الإمامة لهم، فكيف تقدم أبو بكر عليهم قبل مشاورتهم لهم.

وليس بغريب يا ولدي محمّد اجتماع الحسّاد والأضداد على خلاف الصلاح والسداد، وهذه حال قد جرت لها العادات قد حسد إبليس لعنه اللّه لآدم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وحسد قابيل لها بيل، وحسد أهل الدنيا لأهل الآخرة، ونفورهم عن أنبيائهم والناصحين لهم، ورضاهم بالمهلكات، وما أحتاج أن أحيلك على ما سلف من الأوقات، فإنّك إن اعتبرت حال أهل زمانك وجدت بينهم من الحسد والعداوة ما قد أعمى العيون من الحاسدين على الصواب، ورضوا بمعادات سلطان الحساب وفوات دار الثواب.

وليس بغريب يا ولدي محمّد، عمى من عُمي عن نص اللّه جل جلاله على أبيك علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالإمامة، وقد عُمي كثير منهم من نص اللّه جلّ جلاله على وجود ذاته المقدسة الإلهية بوجود آثاره ودلائله الباهرة في جميع البرية.

وليس بغريب يا ولدي محمّد، أن يقع من أكثر أصحاب جدك محمّد صلوات اللّه عليه وآله مخالفة له في نصه على أبيك علي صلوات اللّه عليه بعد وفاته، وقد خالفوه في أمور كثيرة في حياته وعند مماته، وقد كان في وقت الحياة يرجى ويخاف، فالوحي ينزل إليه بأسرارهم، ولمّا مات انقطع الرجاء والخوف وانسد باب الوحي، واستمروا في طلب شهواتهم وفساد اختياراتهم.

ص: 131

أما علمت أنّهم فارقوه في حُنين، وفي أحد، وعند الحاجة إليهم، وخذلوه في خيبر، وفارقوه وهو يتلو كلام اللّه جلّ جلاله ومواعظه عليهم، وبادروا إلى نظر تجارة انفضوا إليها، وطلب اللّه جل جلاله عند مناجاته صدقة يسيرة فتركوا مناجاته حتّى عاتبهم اللّه تعالى عليها، وسيأتي تفصيل هذه المقامات في جملة مناظرة لنا مع فقيه من أهل المخالفات في بعض هذه الرسالة وانتفع الفقيه ورجع عن الضلالة. (1)

يقول شير محمّد: قد مضى ذكر هذه المناظرة في الورقة (259) من هذا الكتاب. (2)

ثم قال السيد ابن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ): وليس بغريب من قوم لم يحفظوا ألفاظ الأذان، وهي تتلى عليهم في كل يوم وليلة مرات على سبيل الإعلان، حتّى اختلفوا في صفاتها، أن يضعوا كثيراً من نصوص الإمامة مع ميلهم وحسدهم وعداوتهم إلى جحودها، وقطعهم لروايتها، وقد رأيناهم أهملوا ما هو عندهم من المهمات، مثل موضع قبر عثمان وقد كان قتله من الأمور المشهورات ومثل جهلهم بقبر عائشة التي هي عندهم من أفضل الأمهات وغير ذلك من الأمور المهمات فكذا أهملوا النصوص على أبيك (عَلَيهِ السَّلَامُ) كإهمالهم أمثالها؛ لأجل الحسد والعدوان.

واعلم يا ولدي محمّد، ملأ اللّه جلّ جلاله قلبك نوراً، ووهبك تعظيماً لقدره ونعيماً وملكاً كبيراً، أنّ الأنبياء (عَلَيهِم السَّلَامُ) ما بُعث أحد منهم بعبادة الأصنام، ولا عبادة شمس ولا قمر ولا نور ولا ظلمة، ولا حجر ولا شجر، ولا عبادة غير فاطرهم وخالقهم ورازقهم.

ص: 132


1- كشف المحجّة 45 - 50، الفصول 65-71.
2- هذا رقم الصفحة في النسخة المخطوطة، أوردناه للأمانة العلمية والمؤلّف يشير إلى ما مرّ سابقاً من الفصل الثامن والتسعون من كتاب (كشف المحجّة).

وورد النقل عنهم أنهم كانوا مائة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبي صلوات اللّه عليهم، كل واحد منهم كان هادياً وداعياً إليهم، ومع هذا كله فإنّ أكثر الخلائق ضلوا عن هؤلاء الأنبياء الماضين وعبدوا غير ربّ العالمين، فلا عجب أن تضل أكثر هذه الأمة عن واحد من جملة مائة ألف وأربعة وعشرين ألف نبي قد وقع الضلال عنهم، وأدعى عليهم أتباعهم ما لم يقع منهم، بل لو لم تضل أكثر هذه الأمة كان ذلك ناقضاً للعادات وخلاف ما يقتضيه طباع البشر واختلافهم في الاعتقادات.

وليس بغريب من قوم كابروا، أو اشتبه عليهم الحال بين اللّه جل جلاله وبين خشبة عبدوها من دونه أو حجر، أن يكابروا أو يشتبه عليهم الحال بين جدك علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) هو من تقدمه من البشر، وما كان يحصل لهم من الأنام ذهب ولا فضة ولا ولاية ولا أنعام، فكيف لا يفارقون جدك علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد حصل لهم من يعطيهم، ويرجون منه ما لا يرجون من جدك علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الآمال والأموال، واللّه إن بقاءه بينهم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فيهم إلى الوقت الذي بقي إليه صلوات اللّه عليه آية اللّه جل جلاله يعرفها المطلعون على تلك الأحوال.

وأما تفصيل معرفة صحة الإمامة (1) الاثني عشر من عترة سيّد البشر، رسول ربّ العالمين، صلوات اللّه عليه وعليهم أجمعين، فقد تقدم التنبيه عليها والهداية إليها. ونزيدك بياناً أنّ كل من ادعى له أحد من المسلمين الإمامة في زمان واحد من أئمتك (عَلَيهِم السَّلَامُ) فاعتبر حاله في الكتب والتواريخ، فإنّك تجده لا يصلح لرعاية بلد واحد، ولا تدبير جيش،واحد، ولا تدبير نفسه على وجه واحد، وأنّ الذين اختاروه قد رووا الطعون عليه وهدموا ما بنوه، فانظر كتاب (الطرائف) تجد الأمور كلها كما أشرت إليه.

وقد كشف اللّه جل جلاله لك يا ولدي محمّد، على لسان المخالف والمؤالف أنّ

ص: 133


1- كذا وسياق الجملة: (صحة إمامة الاثني عشر).

جدك محمّداً صلوات اللّه عليه وآله قال على رؤوس الأشهاد:

«ولا يزال الإسلام عزيزاً ما وليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش» (1)

وهذا العدد ما عرفنا أن أحداً اعتقده غير الإمامية، وهو تصديق لما أنت عليه وسلفك من إعتقاد إمامة الاثني عشر من الصفوة النبوية، وقد تضمن كتاب (الطرائف) ذكر الأحاديث بذلك وأمثاله على وجه لا يشك فيه عقل العارف.

وما أوضح اللّه جلّ جلاله على يدي في كتاب (الطرائف) من النصوص الصحيحة الصريحة على أبيك علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه وآله وعلى عترته بالإمامة ما لا يخفى على أهل الاستقامة، مثل قول جدك محمّد صلوات اللّه وسلامه عليه وآله على المنابر وعلى رؤوس الأشهاد:

«وانّي بشر يوشك أن أدعى فأجيب، إنّي مخلف فيكم الثقلين: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، أذكركم اللّه في أهل بيتي أذكركم اللّه في أهل بيتي، أذكركم اللّه في أهل بيتي». (2)

وإنّما كان أهل بيته في ذلك الوقت جماعة أنزل اللّه جل جلاله في القرآن تعيين أهل بيته في قوله جل جلاله: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البيت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطهيراً»(3).

فجمع جدك محمّد صلوات اللّه عليه وآله أباك علياً، وأمك فاطمة سيّدة نساء العالمين، وأباك الحسن، وعمك الحسين وهو جدك أيضاً من جهة أمك أم كلثوم بنت زين العابدين (عَلَيهِم السَّلَامُ) أجمعين، وقال:

«هؤلاء أهل بيتي»

ص: 134


1- صحيح مسلم: 1/3 حدیث 4-10 باب الإمارة.
2- صحیح مسلم: 1872/4.
3- سورة الأحزاب: 33.

وما أبقى عذراً في مخالفته للمعتذرين. وكفى سلفك الطاهرين حجّة على المخالفين وحجّة للموافقين التابعين عليهم يوم المباهلة، مباهلة المسلمين للكافرين، وكان ذلك اليوم من أعظم الأيام عند جدك محمّد سيّد المرسلين صلوات اللّه عليه وآله، ومعجزاته وكشف الحجّة للسامعين ولمن يبلغهم إلى يوم الدين، فإن كل من عرف تلك الأصول عرف عدد الاثني عشر على اليقين.

وهل كان كمال صفات ربّ العالمين، وكمال صفات رسول المفضّل على الأوّلين والآخرين يقتضي أن يكون نوّابهما غير كاملين معصومين، وهما يريدان أن يحفظوا أسرار هما وشريعتهما، ويقوموا بأمور الدنيا والآخرة قياماً مستمراً بغير تهوين ولا توهين (1)

في بعض طرق حديث الثقلين من كتب الفريقين

يقول شير محمّد الهمداني: هذا الحديث أعني قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي».

مروي بطرق كثيرة ورواه الخاص والعام، واتفق عليه أهل الإسلام

[1]- قال الشيخ الثقة السعيد محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد (رضیَ اللّهُ عنهُ) في كتاب (الإرشاد)، ما هذا لفظه فصل، ثمّ كان مما أكد له - يعني أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) - من الفضل وتخصصه منه بجليل رتبته ما تلا حجة الوداع من الأمور المتجددة لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والأحداث التي اتفقت بقضاء اللّه وقدره.

وذلك أنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) تحقق من دنو أجله ما كان قدم الذكر به لأمته، فجعل (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقوم مقاماً بعد مقام في المسلمين يحذرهم من الفتنة بعده والخلاف عليه، ويؤكد وصائتهم بالتمسك بسنته والاجتماع عليها والوفاق، ويحثهم على الاقتداء بعترته والطاعة لهم والنصرة

ص: 135


1- كشف المحجّة: 50 الفصول 71-77.

والحراسة والاعتصام بهم في الدين، ويزجرهم عن الإختلاف والارتداد، وكان فيما ذكره من ذلك (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما جاءت به الرواية على اتفاق و اجتماع من قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«أيها الناس، إني فرطكم وأنتم واردون علي الحوض، ألا واني سائلكم عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّ اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتّى يلقياني، وسألت رب ذلك فأعطانيه، ألا وإني قد تركتهما فيكم: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي فلا تسبقوهم فتفرّقوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنّهم أعلم منكم... الحديث» (1)

[2] - وقال شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي (رضیَ اللّهُ عنهُ) في أوائل كتابه (التبيان): وقد روي عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) رواية، لا يدفعها أحد، أنه قال:

«إنّي مخلف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».

ثمّ قال الشيخ: وهذا يدل على أنه - يعني الكتاب- موجود في كل عصر ؛ لأنّه لا يجوز أن يأمر بالتمسك بما لا نقدر على التمسك به، كما أن أهل البيت ومن يجب إتباع قوله حاصل في كل وقت. (2)

[3] - وذكر الثقة المتكلم الجليل أبو الفتح الكراجكي في كتاب (كنز الفوائد) ص 152 في كلام له في ذكر لزوم الإمام في كل زمان وأدلته، قال: ومن ذلك ما أجمع عليه أهل الإسلام من قول النبي عليه الصلاة والسلام:

«إنّي مخلف فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علىّ الحوض».

فأخبر إنّه قد ترك في الناس من عترته من لا يفارق الكتاب وجوده وحكمته، وإنّه

ص: 136


1- الإرشاد: 179/1.
2- التبيان: 3/1.

لا يزال وجودهم مقروناً بوجوده، وفي هذا دليل على أن الزمان لا يخلو من إمام. (1)

[4] وذكر الشيخ الأجل محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني (رضیَ اللّهُ عنهُ) في أوائل الجزء الثاني من كتاب (مناقب آل أبي طالب)، قال: قوله:

«إني مخلف فيكم الثقلين».

الخبر يقتضي عصمة المذكورين؛ لأنه أمر على جهة الخبر بالتمسك بهم على الإطلاق، فاقتضى ذلك عصمتهم، وإلا أدى إلى كونه (عزّوجلّ) أمر بالقبيح، ثمّ إنّه قطع بأمان المتمسك بهم من الضلال، وجواز الخطأ عليهم لا يؤمن معه ضلال المتمسك بهم، ثمّ إنّه قرن بينهم وبين الكتاب في الحجّة ووجوب التمسك، ثمّ إنّه أخبر إنّهم لا يفارقون الكتاب، ووقوع الخطأ منهم يقتضي مفارقتهم له، وذلك ينافي نصه، وإذا ثبتت عصمتهم ثبتت إمامتهم وإنّهم المعنيون بالخبر. (2)

وصرح في أوائل الجزء الأول من هذا الكتاب بأنّ هذا الخبر من المجمع عليه، قال: ووجدت جماعة يؤولون الأخبار المجمع عليها نحو : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّه وَرَسُوله»، و«أنت مني بمنزلة هارون من موسى» و«إنّي تارك فيكم الثقلين»(3)... إلى آخر كلامه (رضیَ اللّهُ عنهُ).

[5] - وذكر الفقيه شهاب الدين أحمد بن حجر من علماء العامة - في كتاب - (الصواعق المحرقة) ص 89، ما هذا لفظه : الآية الرابعة، قوله تعالى: «وَقفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ»(4).

أخرج الديلمي، عن أبي سعيد الخدري أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، قال :

ص: 137


1- کنر الفوائد: 152.
2- مناقب آل أبي طالب: 214/1.
3- مناقب آل أبي طالب: 3/1.
4- سورة الصافات: 24.

«وقفوهم إنهم مسؤولون عن ولاية علي»

وكأن هذا هو مراد الواحدي بقوله: روي في قوله تعالى: «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ»، أي - عن ولاية علي وأهل البيت- لأن اللّه أمرنبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن يعرف الخلق، أنّه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجراً إلا المودة في القربى، والمعنى أنهم يسألون هل والوهم حق الموالاة كما أوصاهم النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أم أضاعوها وأهملوها ؟ فتكون عليهم المطالبة والتبعة... انتهى.

وأشار بقوله كما أوصاهم النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى الأحاديث الواردة في ذلك، وهي كثيرة، وسيأتي منها جملة في الفصل الثاني، ومن ذلك حديث مسلم عن زيد بن أرقم،

«قال: قام فينا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خطيباً، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: أما بعد أيها الناس إنما أنا بشر مثلكم، يوشك أن يأتيني رسول ربّي (عزّوجلّ) فأجيبه، وإني تارك فيكم الثقلين: أوّلهما کتاب اللّه (عزّوجلّ) فيه الهدى والنور، فتمسكوا بكتاب اللّه (عزّوجلّ) وخذوا به، وحث فيه، ورغب فيه، ثمّ قال: وأهل بيتي أذكركم اللّه (عزّوجلّ) في أهل بيتي - ثلاث مرات، فقيل لزيد من أهل بيته؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: بلى، إنّ نساءه من أهل بيته، لكن أهل بيته من حرّم عليهم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل عباس قال: كلّ هؤلاء حرّم عليهم الصدقة، قال: نعم». (1)

وأخرج الترمذي، وقال: حسن غريب، إنّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال :

«إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب اللّه (عزّوجلّ) حبل محدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما».

وأخرجه أحمد في مسنده بمعناه ولفظه:

ص: 138


1- صحیح مسلم: 122/7.

«إنّي أوشك أن أُدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه حبل محدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا بم تخلفوني فيها». (1)

وسنده لا بأس به، وفي رواية إن ذلك كان في حجّة الوداع، وفي أخرى مثله - يعني كتاب اللّه - كسفينة نوح، من ركب فيها نجا»، ومثلهم أي أهل بيته «كمثل باب حطة من دخله غفرت له الذنوب».

وذكر ابن الجوزي لذلك في (العلل المتناهية)، وهم أو غفلة عن استحضار بقية،طرقه، بل في،مسلم عن زيد بن أرقم إنّه قال: ذلك يوم غدير خم - وهو ماء بالجحفة - كما مرّ وزاد:

«أذكركم اللّه في أهل بيتي، قلنا لزيد: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا، وأيم اللّه أنّ المرأة تكون من الرجل العصر من الدهر، ثمّ يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أهله،وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده».

وفي رواية صحيحة:

«إنّي تارك فيكم أمرين، لن تضلوا إن تبعتموهما، وهما: كتاب اللّه، وأهل بيتي عترتي».

زاد الطبراني:

«إنّي سألت ذلك لهما، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنها فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنّهم أعلم منكم».

وفي رواية: «كتاب اللّه وسنتي»، وهي المراد من الأحاديث المقتصرة على الكتاب؛ لأنّ السنة مبيّنة له، فأغنى ذكره عن ذكرها، والحاصل أن الحث وقع على التمسك

ص: 139


1- مسند أحمد: 17/3.

بالكتاب وبالسُنّة وبالعلماء بهما من أهل البيت، ويستفاد من مجموع ذلك بقاء الأمور الثلاثة إلى قيام الساعة.

ثم أعلم أن لحديث التمسك بذلك طرقاً كثيرة، وردت عن نيف وعشرين صحابياً، ومرّ له طرق مبسوطة في حادي عشر الشبه، وفي بعض تلك الطرق أنه قال ذلك بحجّة الوداع بعرفة، وفي أخرى أنّه قاله بالمدينة في مرضه، وقد امتلات الحجرة بأصحابه، وفي أخرى أنه قال ذلك بغدير خم، وفي أخرى أنّه قاله لمّا قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف، كما مرّ، ولا تنافي إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها؛ اهتماماً بشأن الكتاب العزيز، والعترة الطاهرة... إلى أن قال والثاني حديث:

«في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ألا وإنّ أئمتكم وفدكم إلى اللّه (عزّوجلّ)، فانظروا من توفدون».

وأخرج أحمد خبر :

«الحمد للّه الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت».

وفي خبر حسن:

«ألا إنّ عيبني وكرشي أهل بيتي والأنصار، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم».

تنبيه سمى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) القرآن وعترته - وهي بالمثناة الفوقية- الأهل، والنسل، والرهط الأدنون ثقلين؛ لأنّ الثقل كل نفيس خطير مصون، وهذان كذلك، إذ كل منهما معدن العلوم الدينية، والأسرار والحكم العلية والأحكام الشرعية، ولذا حث على الاقتداء والتمسك بهم، والتعلم منهم، وقال:

«الحمد للّه الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت».

وقيل: سميا ثقلين؛ لثقل وجوب رعاية حقوقهما، ثمّ الذين وقع الحث عليهم منهم

ص: 140

إنّما هم العارفون بكتاب اللّه وسنة رسوله، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض، ويؤيده الخبر السابق ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، وتميزوا بذلك عن بقية العلماء؛ لأنّ اللّه أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وشرفهم بالكرامات الباهرة، والمزايا المتكاثرة، وقد مر بعضها، وسيأتي الخبر الذي في قريش تعلموا منهم فإنهم أعلم منكم فإذا ثبت هذا العموم لقريش، فأهل البيت منهم أولى منهم بذلك؛ لأنهم امتازوا عنهم بخصوصيات لا يشاركهم فيها بقية قريش.

وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك؛ ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما يأتي، ويشهد لذلك الخبر السابق «في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي... إلى آخره»، ثمّ أحق من يتمسك به منهم إمامهم وعالمهم علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه؛ لما قدمناه من مزيد علمه ودقائق مستنبطاته، ومن ثمّ قال أبو بكر : علي عترة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أي الذين حث على التمسك بهم، فخصه بما قلنا، وكذلك خصه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )بما مرّ يوم غدير خم، والمراد بالعيبة والكرش في الخبر السابق آنفاً، أنهم موضع سره وأمانته ومعادن نفائس معارفه وحضرته... إلى آخر كلامه. (1)

يقول شير محمّد: وما أشار إليه شهاب الدين أحمد بقوله: ومر له طرق مبسوطة في حادي عشر الشبه هذا لفظه : ويرشد لما ذكرناه حثه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في هذه الخطبة على أهل بيته عموماً، وعلى علي خصوصاً، ويرشد إليه أيضاً ما ابتدئ به هذا الحديث ولفظه عند الطبراني وغيره، بسند صحيح انّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خطب بغدير خم تحت شجرات، فقال:

«أيها الناس إنّه قد نبأني اللطيف الخبير، إنّه لم يعمر نبي إلا نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني لأظن أني يوشك أن أدعى فأجيب، وإنّي مسؤول وإنكم مسؤولون، فماذا

ص: 141


1- الصواعق المحرقة: 437/2-443.

أنتم قاتلون؟ قالوا نشهد أنك قد بلغت وجاهدت ونصحت فجزاك اللّه خيراً، فقال : أليس تشهدون أن لا إله إلا اللّه وأن محمّداً عبده ورسوله، وأن جنته حق، وأن ناره،حق وأنّ الموت حق وأنّ البعث حق بعد الموت، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ اللّه يبعث من في القبور ؟ قالوا بلى نشهد بذلك، قال: اللّهم اشهد، ثمّ قال: يا أيها الناس إنّ اللّه،مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه - يعني عليا - اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه، ثمّ قال: يا أيها الناس إنّي فرطكم، وإنّكم واردون علي الحوض -حوض أعرض لما بين يصرى إلى صنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضة- وأنّي سائلكم حين تردون علي عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيها، الثقل الأكبر كتاب اللّه (عزّوجلّ) سبب طرفه بيد اللّه وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنّه قد نبأني اللطيف الخبير إنهما لن ينقضيا حتّى يردا علي الحوض». (1)

وذكر شهاب الدين أحمد أيضاً في ص 75 قال: وفي رواية إنه قال في مرض موته:

«أيها الناس يوشك أن أُقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم، ألا إنّي مخلف فيكم كتاب ربّي (عزّوجلّ) وعترتي أهل بيتي، ثمّ أخذ بيد علي فرفعها، فقال: هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي، لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض فأسألهما ما خلفت فيهما». (2)

وقال شهاب الدين أحمد أيضاً في ص 75: أخرج الدار قطني في الأفراد عن ابن عباس أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال:

ص: 142


1- الصواعق المحرفة: 108/1.
2- الصواعق المحرقة: 368/2.

«علي باب حطة من دخل منه كان مؤمناً، ومن خرج منه كان كافراً». (1)

انتهى ما أردت نقله من كتاب (الصواعق المحرقة).

[6]- يقول شير محمّد : هذا الحديث - حديث النقلين - أورده العلّامة الفاضل الشيخ سليمان بن الشيخ إبراهيم من علماء العامة في الباب الرابع من كتاب ( ينابيع المودة ) بطرق كثيرة منها ما هذا لفظه وأخرج أبو نعيم في (الحلية) وغيره، عن أبي الطفيل:

«إنّ علياً قام فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: أنشد اللّه من شهد يوم غدير خم إلا قام ولا يقوم رجل يقول : نُبئت أو بلغني، إلا رجل سمعت أذناه ووعاه قلبه، فقام سبعة عشر رجلاً منهم: خزيمة بن ثابت وسهل بن سعد، وعدي بن حاتم، وعقبة بن عامر، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو سعيد الخدري، وأبو شريح الخزاعي، وأبو يعلى الأنصاري (2)، وأبو الهيثم بن التيهان ورجال من قريش، فقال علي: هاتوا ما سمعتم فقالوا نشهد إنا أقبلنا مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من حجّة الوداع، نزلنا بغدير خم، ثمّ نادى بالصلاة فصلينا معه، ثمّ قام فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: أيها الناس ما أنتم قائلون؟ قالوا: قد بلغت قال: اللّهم اشهد - ثلاث مرات-، ثمّ قال: إني أُوشك أن أُدعى فأجيب واني مسؤول وأنتم مسؤولون، ثمّ قال: أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي إن تمسكتم بهما لن تضلوا، فانظروا كيف تخلفوني

فيهما، وإنهما لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض نبأني بذلك اللطيف الخبير، ثمّ قال: إنّ اللّه مولاي وأنا مولى المؤمنين، الستم تعلمون أني أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، قال ذلك : ثلاثا، ثمّ أخذ بيدك يا أمير المؤمنين فرفعها وقال: من كنت مولاه فهذا علي

ص: 143


1- الصواعق المحرقة: 366/2.
2- في الحلية: (أبو ليلى).

،مولاه، اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه. فقال علي: صدقتم وأنا على ذلك من الشاهدين». (1)

[7] وذكر العالم الفاضل الورع السيّد هاشم بن السيّد سليمان البحراني في کتاب (غاية المرام)، ما هذا لفظه : الباب الثامن والعشرون في نص رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على وجوب التمسك بالثقلين من طريق العامة، وفيه تسعة وثلاثون حديثاً.

ثم أوردها، ثمّ قال: الباب التاسع والعشرون، في نص ّرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على وجوب التمسك بالثقلين من طريق الخاصة، وفيه اثنان وثمانون حديثاً، ثمّ أوردها. (2)

[8]- يقول شير محمّد الهمداني: استقصيت أنا طرق هذا الحديث في آخر الجزء الأوّل من كتاب ( كلمة الحق) وذكرت من طرقه ما لم يذكره المحدث البحراني (عزّوجلّ).

[9] وقال العلّامة المجلسي (عزّوجلّ)في المجلد الأول المطبوع من كتاب (مرآة العقول) ص 209، عند شرح قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ):

«أوصيكم بكتاب اللّه وأهل بيتي».

أقول: الأخبار الواردة بهذا المضمون كثيرة أوردناها في كتابنا الكبير... إلى أن قال، بعد إيراد الخبر ببعض طرقه وهذا الخبر من المتواترات لم ينكره أحد من المخالفين، عند الاحتجاج عليهم كقاضي القضاة، وغيره من المتعصبين بل تكلموا في الدلالة على الإمامة وذكر ألفاظه اللغويون، قال ابن الأثير في (النهاية في الحديث): إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي سماهما ثقلين؛ لأنّ الأخذ بهما ثقيل، ويقال لكل خطير نفيس،ثقل، فسماهما ثقلين إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما. (3)

ص: 144


1- ينابيع المودة: 118/1.
2- غاية المرام: 21/1.
3- النهاية في غريب الحديث: 211/1.

وقال الطيبي في (شرح المشكاة سميا ثقلين إذ يستصلح الدين بهما ويعمّر كما عمرت الدنيا بالثقلين، أو لأنّ الأخذ بهما عزيمة. انتهى.

وأما الاستدلال بهما على إمامة الأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ)، فقال الشيخ المفيد (رضیَ اللّهُ عنهُ) : لا يكون شيء أبلغ من قول القائل: قد تركت فيكم فلاناً، كما يقول الأمير إذا خرج من بلده، واستخلف من يقوم مقامه لأهل البلد قد تركت فيكم فلاناً يرعاكم، ويقوم فيكم مقامي، وكما يقول من أراد الخروج عن أهله وأراد أن يوكل عليهم وكيلاً يقوم بأمرهم قد تركت فيكم فلاناً فاسمعوا له وأطيعوا، فإذا كان ذلك كذلك وهو النص الجلي الذي لا يحتمل غيره إذ خلف في جميع الخلق أهل بيته وأمرهم بطاعتهم والانقياد لهم بما أخبر به عنهم من العصمة، وأنّهم لا يفارقون الكتاب، ولا يتعدون الحكم بالصواب. (1)

يقول شير محمّد الهمداني: قد ورد في أخبار مستفيضة ذكرتها في أواخر الجزء الأوّل من كتاب (كلمة الحق) أنّ المراد بقوله : أهل بيتي الأئمة الاثنا عشر (عَلَيهِم السَّلَامُ)، علي وابناه الحسن والحسين والتسعة من ولد الحسين تاسعهم قائمهم لا يفارقون الكتاب ولا يفارقهم حتّى يردوا على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حوضه.

تكملة في إيراد جملة من الحجج لمعرفة الأئمة صلوات اللّه عليهم

وقال السيد الجليل علي بن طاووس في كتاب (كشف المحجّة) في الفصل السابع والسبعين:

واعلم يا ولدي محمّد، ألهمك اللّه ما يريده منك، ويرضى به عنك، أنّ غيبة مولانا المهدي صلوات اللّه عليه التي حيرت المخالف والمؤالف، هي من جملة الحجج على

ص: 145


1- بحار الأنوار: 112/23، نقلاً عن كتاب الطرائف: 120.

ثبوت إمامته وإمامة آبائه الطاهرين صلوات اللّه على جده محمّد وعليهم أجمعين؛ لأنك إذا وقفت على كتب الشيعة أو غيرهم مثل كتاب (الغيبة) لابن بابويه، وكتاب (الغيبة) للنعماني، ومثل كتاب (الشفاء والجلاء)، ومثل كتاب أبي نعيم الحافظ في أخبار المهدي ونعوته وحقيقة مخرجه وثبوته، والكتب التي أشرت إليها في كتاب (الطرائف) وجدتها أو أكثرها تضمنت قبل ولادته أنه يغيب (عَلَيهِ السَّلَامُ) غيبة طويلة، حتّى يرجع، عن إمامته بعض من كان يقول بها، فلو لم يغب هذه الغيبة كان طعناً في إمامة آبائه وفيه فصارت الغيبة حجّة لهم (عَلَيهِم السَّلَامُ)، وحجّة على مخالفيه في ثبوت إمامته وصحة غيبته، مع أنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) حاضر مع اللّه جل جلاله على اليقين، وإنّما غاب من لم يلقه عنهم لغيبتهم عمن حضره للمتابعة له ولربّ العالمين.

فإن أدركت يا ولدي موافقة توفيقك لكشف الأسرار عليك عرّفتك من حديث المهدي صلوات اللّه عليه ما لا يشتبه عليك، وتستغني بذلك عن الحجج المعقولات ومن الروايات، فإنّه صلى اللّه عليه حي موجود على التحقيق، ومعذور من كشف أمره إلى أن يؤذن له تدبير اللّه الرحيم الشفيق، كما جرت عليه عادة كثير من الأنبياء والأوصياء، فاعلم ذلك يقيناً واجعله عقيدة وديناً فإنّ أباك معرفته (1) أبلغ من معرفة ضياء شمس النهار.

ولقد جمعني وبعض أهل الخلاف مجلس منفرد فقلت لهم: ما الذي تأخذون على الإمامية؟ عرّفوني به بغير تقية لأذكر ما عندي فيه، وغلقنا باب الموضع الذي كنا ساكنيه. فقالوا: نأخذ عليهم تعرضهم بالصحابة، ونأخذ عليهم القول بالرجعة، والقول بالمتعة، ونأخذ عليهم حديث المهدي وأنه حي مع تطاول زمان غيبته.

ص: 146


1- في المطبوع: (عرفه).

فقلت لهم: أمّا ما ذكرتم من تعرض من أشرتم إليه بذم بعض الصحابة، فأنتم تعلمون أن كثيراً من الصحابة استحل بعضهم دماء بعض في حرب طلحة والزبير وعائشة لمولانا (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وفي حرب معاوية له أيضاً، واستباحوا أعراض بعضهم البعض، حتّى لعن بعضهم بعضاً على منابر الإسلام، فأولئك هم الذين طرقوا سبيل الناس للطعن عليهم، وبهم اقتدى من ذمهم ونسب القبيح إليهم، فإن كان لهم عذر في الذي عملوه من استحلال الدماء وإباحة الأعراض، فالذين اقتدوا بهم أعذر وأبعد من أن تنسبوهم إلى سوء التعصب والإعراض، فوافقوا على ذلك.

وقلت لهم: وأما حديث ما أخذتم عليهم من القول بالرجعة فأنتم تروون أنّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال:

«إنّه يجري في أمته ما جرى في الأمم السابقة» (1)

وهذا القرآن يتضمن «الم تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِم وَهُم الوفٌ حَذَرَ المَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّه مُوتُوا ثمّ أَحْيَاهُمْ»(2) فشهد جلّ جلاله إنّه قد أحيا الموتى في الدنيا، وهي رجعة، فينبغي أن يكون في هذه الأمة مثل ذلك، فوافقوا على ذلك.

فقلت لهم: وأما أخذكم عليهم القول بالمتعة فأنتم أحوجتم الشيعة إلى صحة الحكم بها؛ لأنكم رويتم في صحاحكم عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، وعبد اللّه بن عباس، وعبد اللّه بن مسعود، وسلمة بن الأكوع، وعمران بن الحصين وأنس بن مالك، وهم من أعيان الصحابة: أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مات ولم يحرمها فلما رأت الشيعة أنّ

ص: 147


1- تجد تفصيل الأحاديث الواردة في هذا الشأن في البحث الخامس من البحوث التمهيدية بالجزء الثاني من كتاب (خمسون ومائة صحابي مختلق)، وراجع -أيضاً - نصوص الأحاديث في المصادر التالية: كمال الدين للصدوقت،576، ومجمع البيان للطبرسي في تفسير الآية «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ».
2- سورة البقرة: 243.

رجالكم وصحاح كتبكم قد صدقت رجالكم (1) ورواتهم أخذوا بالمجمع عليه وتركوا ما انفردتم به فوافقوا على ذلك.

وقلت لهم: وأما ما أخذتم عليه من طول غيبة المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فأنتم تعلمون أنه لو حضر رجل وقال: أمشي على الماء ببغداد فإنّه يجتمع لمشاهدته لعل كل من يقدر على ذلك منهم، فإذا مشى على الماء وتعجب الناس منه، فجاء آخر قبل أن يتفرقوا، وقال أيضاً : أنا أمشي على الماء، فإنّ التعجب منه يكون أقل من ذلك، فمشى على الماء، فإنّ بعض الحاضرين ربّما يتفرقون ويقل تعجبهم.

فإذا جاء ثالث وقال: أنا أيضاً أمشي على الماء فربّما لا يقف للنظر إليه إلا قليل، فإذا مشى على الماء سقط التعجب من ذلك.

فإن جاء رابع وذكر أنه يمشي أيضاً على الماء فربما لا يبقى أحد ينظر إليه ولا يتعجب منه. وهذه حالة المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؛ لأنكم رويتم أنّ إدريس حي موجود في السماء منذ زمانه إلى الآن، ورويتم أنّ الخضر حي موجود مذ زمان موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) أو قبله إلى الآن، ورويتم أن عيسى حي موجود في السماء وأنه يرجع إلى الأرض مع المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ).

فهذه ثلاثة نفر من البشر قد طالت أعمارهم وسقط التعجب بهم من طول أعمارهم، فهلا كان لمحمّد بن عبد اللّه صلوات اللّه وسلامه عليه وآله أسوة بواحد منهم، أن يكون من عترته آية اللّه جل جلاله في أمته بطول عمر واحد من ذريته، فقد ذكرتم ورويتم في صفته أنّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت جوراً وظلماً.

ولو فكرتم لعرفتم أن تصديقكم وشهادتكم أنه يملأ الأرض بالعدل شرقاً وغرباً وبعداً وقرباً أعجب من طول بقائه، وأقرب إلى أن يكون ملحوظاً بكرامات اللّه

ص: 148


1- كذا في الأصل، وفي نسخة ط - دفتر تبليغات إسلامي: (رجالهم).

جلّ جلاله لأوليائه، وقد شهدتم أيضاً له أن عيسى بن مريم النبي المعظّم (عَلَيهِما السَّلَامُ) يصلي خلفه مقتدياً به في صلاته وتبعاً له، ومنصوراً به في حروبه وغزواته. وهذا أيضاً أعظم مقاماً مما استبعدتموه من طول حياته، فوافقوا على ذلك، وفي حكاية الكلام زيادة فاطلب من (الطرائف) وغيرها.

انتهى ما أردت نقله من كتاب كشف المحجّة لثمرة المهجة. (1)

جملة من الأخبار في إمامة الأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ) التي رواها الخاصة والعامة

يقول شير محمّد الهمداني الجورقاني: فصل أورد فيه جملة من الأخبار في إمامة الأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ) التي رواها الخاصة والعامة:

[1] فمن ذلك ما أورده الشيخ الإمام الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه الأصفهاني (رضیَ اللّهُ عنهُ) في كتاب (حلية الأولياء) في ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وأبو نعيم هذا من علماء الحديث الذين لا يتّهمون فيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : حدّثنا فهد بن إبراهيم ابن فهد، حدّثنا محمّد بن زكريا الغلابي، حدّثنا بشر بن مهران حدّثنا شريك، عن الأعمش، عن زيد بن وهب عن حذيفة قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

«من سرّه أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي، ويتمسك بالقصبة الياقوتة التي خلقها اللّه بيده، ثمّ قال لها كوني،فكانت فليتول علي بن أبي طالب من بعدي».

[2] ثمّ قال أبو نعيم: رواه شريك أيضاً، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم، ورواه السدي، عن زيد بن أرقم. (2)

[3]- يقول شير محمّد: وأورده الحاكم في (المستدرك) وفيه:

ص: 149


1- كشف المحجّة: 53-56، الفصول 77-80.
2- حلية الأولياء: 86/1.

«وعدني ربّي، فليتول علي بن أبي طالب فإنّه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة».

ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه. (1)

[4] - ثمّ قال أبو نعيم: ورواه ابن عباس وهو غريب، حدّثنا محمّد بن المظفر، حدّثنا محمّد بن جعفر بن عبد الرحيم، حدّثنا أحمد بن محمّد بن يزيد بن سليم، حدّثنا عبد الرحمن بن عمران بن أبي ليلى - أخو محمّد بن عمران - حدّثنا يعقوب بن موسى الهاشمي، عن ابن داود عن إسماعيل بن أمية، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

«من سرّه أن يحيى حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربّي، فليوال علياً من بعدي، وليوال وليه، وليقتد بالأئمة من بعدي، فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي، رزقوا فهماً وعلماً، وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم اللّه شفاعتي». (2)

يقول شير محمّد : هذا الحديث كما ترى صريح في أمر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالاقتداء بالأئمة من بعده، وأنهم،عترته خلقوا من طينته، وراويه من العامة الذين لا يتهمون في نقلهم. ورواه الإمامية بطرق كثيرة.

[5] أورده الصدوق محمّد بن بابويه (رضیَ اللّهُ عنهُ) في المجلس التاسع من أماليه، قال:

حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور (رضیَ اللّهُ عنهُ) ، قال : حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر، عن عمه عبد اللّه بن عامر، قال: حدّثنا أبو أحمد محمّد بن زياد الأزدي، عن أبان بن عثمان، قال: حدّثنا أبان بن تغلب عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه (رضیَ اللّهُ عنهُ).

ص: 150


1- المستدرك: 128/3.
2- حلية الأولياء: 86/1.

«من سرّه أن يحيى حياتي ويموت ميتتي، ويدخل جنة عدن منزلي، ويمسك قضيباً فرسه ربّي (عزّوجلّ)، ثمّ قال له كن فيكون، فليتول علي بن أبي طالب، وليأتم بالأوصياء من ولده، فإنّهم،عترتي خلقوا من طينتي، إلى اللّه أشكو أعداءهم من أمتي، المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم صلتي، وأيم اللّه ليقتلن بعدي ابني الحسين، لا أنا لهم اللّه شفاعتي». (1)

[6]- وأورده الصدوق أيضاً في المجلس الخامس من أماليه قال حدّثنا حمزة بن محمّد بن أحمد بن جعفر بن محمّد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ)، قال: أخبرنا علي بن إبراهيم عن أبيه، عن علي بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ)، قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ):

«من أحب أن يركب سفينة النجاة، ويستمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل اللّه المتين فليوال علياً،بعدي وليعاد عدوه، وليأتم بالأئمة الهداة من ولده، فإنّهم خلفائي وأوصيائي وحجج اللّه على الخلق بعدي، وسادة أمني، وقادة الأتقياء إلى الجنّة، حزبهم حزبي، وحزبي حزب اللّه وحزب أعدائهم حزب الشيطان». (2)

[7]- ورواه الصدوق أيضاً في كتاب ( عيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)) في باب 30 ما جاء، عن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الأخبار المجموعة، قال: حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه، وأحمد بن علي ابن إبراهيم بن هاشم والحسين بن إبراهيم بن تاتانه (رضیَ اللّهُ عنهُ) عنهم، قالوا: حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن علي التميمي، قال: حدّثني سيدي علي بن موسى الرضا (عَلَيهِما السَّلَامُ) عن أبيه، عن آبائه، عن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنه قال:

من سرّه أن ينظر إلى القضيب الياقوت الأحمر، الذي غرسه اللّه بيده، ويكون مستمسكاً به، فليتول علياً والأئمة من ولده، فإنّهم خيرة اللّه (عزّوجلّ) و وصفوته، وهم المعصومون

ص: 151


1- أهالي الصدوق: 88.
2- أمالي الصدوق: 70.

من كل ذنب وخطيئة». (1)

[8] وأورد الصدوق (رضیَ اللّهُ عنهُ) أيضاً - خبر المناشدة - في أواخر كتاب (الخصال) وفيه هذا الحديث قال: حدّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضیَ اللّهُ عنهُ) قالا: حدّثنا سعد بن عبد اللّه قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحكم بن مسكين الثقفي، عن أبي الجارود، وهشام أبي ساسان، وأبي طارق السراج، عن عامر ابن وائلة قال:

«كنت في البيت يوم الشورى فسمعت عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو يقول: استخلف الناس أبا بكر، وأنا واللّه أحق بالأمر، وأولى به منه، واستخلف أبو بكر عمر، وأنا واللّه أحق بالأمر وأولى به منه، إلا أنّ عمر جعلني مع خمسة نفر أنا سادسهم، لا يعرف لهم عليّ فضل، ولو أشاء لاحتججت عليهم بما لا يستطيع عربيهم ولا عجميهم المعاهد منهم والمشرك تغيير ذلك، ثمّ قال: نشدتكم باللّه أيها النفر هل فيكم أحد وحّد اللّه قبلي؟ قالوا: اللّهم لا... إلى أن قال نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : من سرّه أن يحيى حياتي، ويموت موتي، ويسكن جنتي التي وعدني ربي جنات عدن، قضيب غرسه اللّه بيده، ثمّ قال له كن فكان فليوال علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وذريته من بعده، فهم الأئمة، وهم الأوصياء، أعطاهم اللّه علمي وفهمي، لا يدخلونكم في باب ضلال، ولا يخرجونكم من باب،هدى لا تعلموهم فهم أعلم منكم يزول الحق معهم أينما زالوا غيري؟ قالوا: اللّهم لا». (2)

[9]- ورواه ثقة الإسلام الكليني (رضیَ اللّهُ عنهُ) في كتاب الحجّة من (الكافي) في باب ما فرض اللّه (عزّوجلّ) ورسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من الكون مع الأئمة، قال أحمد بن محمّد ومحمّد بن يحيى: عن محمّد بن

ص: 152


1- عيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): 62/1.
2- الخصال: 553.

الحسين، عن محمّد بن عبد الحميد، عن منصور بن يونس، عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر، قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

«من أحب أن يحيى حياة تشبه حياة الأنبياء، ويموت ميتة تشبه ميتة الشهداء، ويسكن الجنان التي غرسها الرحمن، فليتول علياً، وليوال وليه، وليقتد بالأئمة من ،بعده، فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي، اللّهم ارزقهم فهمي وعلمي، وويل للمخالفين لهم من أمتي، اللّهم لا تنلهم شفاعتي». (1)

[10]- وقال الكليني (رضیَ اللّهُ عنهُ) أيضاً عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، : عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب: عن أبي المعزى، عن محمّد بن سالم، عن أبان بن تغلب قال : سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

«من أراد أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل جنة عدن التي غرسها ربّي بيده، فليتولّ علي بن أبي طالب وليتول وليه، وليعاد عدوه، وليسلم للأوصياء من بعده، فإنّهم عترتي من لحمي ودمي أعطاهم اللّه فهمي وعلمي إلى اللّه أشكو أمر (2) أمتي، المنكرين لفضلهم، القاطعين فيهم صلتي، وأيم اللّه ليقتلن ابني لا أنا لهم اللّه شفاعتي». (3)

[11] وقال أيضاً: محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان عن عبد اللّه بن القاسم، عن عبد القهار، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

«من سرّه أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل الجنة التي وعدنيها ربّي ويتمسك بقضيب غرسه ربي بيده، فليتول علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأوصياءه من بعده، فإنّهم لا

ص: 153


1- الكافي: 208/1.
2- قال المؤلّف: في نسخة بدل (من).
3- الكافي: 209/1.

يدخلونكم في باب ضلال، ولا يخرجونكم من باب هدى، فلا تعلموهم؛ فإنّهم أعلم منكم، وإني سألت ربّي ألا يفرق بينهم وبين الكتاب حتّى يردا عليّ الحوض هكذا - وضم بين أصبعيه - وعرضه ما بين صنعاء إلى أيلة (1)، فيه قدحان فضة وذهب عدد النجوم». (2)

[12] - ورواه شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي (رضیَ اللّهُ عنهُ) خلفه في مجالسه ص 19 قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثني أحمد بن إسحاق بن العباس بن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمّد العلوي بدنبل، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن بيان، عن حمران المدائني قاضي تفليس، قال: حدّثني جدي لأمي شريف بن سابق التفليسي، قال : حدّثنا الفضل بن أبي قرة التميمي عن جابر الجعفي، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن أبي ذر، قال : قال رسول اللّه :

«من سرّه أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن التي غرسها ربّي، فليتول عليا بعدي [وليوال وليه]، وليقتد بالأئمة من بعده، فإنّهم عترتي خلقهم اللّه من الحمي ودمي وآناهم فهمي وعلمي ويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، لا أنالهم اللّه شفاعتي». (3)

[13 ]- ورواه العالم الجليل الشيخ منتجب الدين في كتاب (الأربعين عن الأربعين)، قال: الحديث العاشر: أخبرنا أبو سعيد يحيى بن طاهر بن الحسني المؤذن السمان، بقراءتي عليه : أخبرنا أبو الحسين يحيى بن الحسين بن إسماعيل الحسني الحافظ النسابة، إملاءاً: أخبرنا أبو طاهر محمّد بن علي بن محمّد بن يوسف الواعظ أبو العلاء، بقراءتي عليه أخبرنا أبو جعفر محمّد بن أحمد بن محمّد بن حماد المعروف بابن متيم قراءة

ص: 154


1- أيلة بالفتح مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام، وقبل هي آخر الحجاز وأول الشام. (معجم البلدان: 292/1)
2- الكافي: 209/1.
3- أمالي الطوبي: 578.

عليه، أخبرنا أبو محمّد القاسم بن جعفر بن محمّد بن عبد اللّه بن محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب، قال: حدّثني أبي جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق، عن أبيه محمّد بن علي الباقر، عن أبيه علي بن الحسين سيد العابدين، عن أبيه الحسين بن علي الشهيد -صلوات اللّه عليهم- قال: سمعت جدي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، يقول :

«من أحب أن يحيى حياتي، ويموت مبتني، ويدخل الجنة التي وعدني ربّي، فليتولّ علي بن أبي طالب وذريته الطاهرين، أئمة الهدى ومصابيح الدجى من بعده فإنّهم لن يخرجوكم من باب الهدى إلى باب الضلالة». (1)

[14] وأورده الثقة الجليل محمّد بن الحسن الصفار، في أواخر الجزء الأوّل من كتاب (بصائر الدرجات) ورواه بعدة أسانيد، قال (رضیَ اللّهُ عنهُ): حدّثنا محمّد بن عبد الحميد، عن منصور بن يونس، عن سعد بن طريف عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ):

«من سرّه أن يحيى حياتي، ويموت مماتي، ويدخل الجنة التي وعدني ربّي، جنة عدن منزلي قضيب من قضبانه غرسه ربي بيده ثمّ قال له كن فكان فليتول علياً من بعدي والأوصياء من ذريتي، أعطاهم اللّه فهمي وعلمي، وأيم اللّه ليقتُلنّ ابني لا أنا لهم اللّه شفاعتي» (2)

[15] محمّد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه المؤمن، عن أبي عبد اللّه الحذاء، عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ):

«من سرّه أن يحيى حياتي، ويموت مماتي، ويدخل جنة ربي، جنة عدن قضيب من قضبانه غرسه ربّي بيده، فقال له كن فكان، فليتول علياً والأوصياء من بعده، وليسلم

ص: 155


1- الأربعون: 31.
2- بصائر الدرجات: 68.

لفضلهم، فإنّهم الهداة المرضيون، أعطاهم فهمي وعلمي، وهم عترتي من دمي ولحمي، أشكو إلى اللّه عدوهم من أمتي، المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم صلتي، واللّه ليقتُلُنّ ابني لا أنا لهم اللّه شفاعتي». (1)

[16] حدّثنا العباس بن،معروف عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر قال : قال رسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

«من سرّ (2) أن يحيى حياتي، ويموت مماتي و يدخل جنّة ربّي، جنّة عدن منزلي، قضيب من قضبانها غرسها اللّه ربّي (3) فليتولّ علياً، والأئمة من بعده، فإنّهم أئمة الهدى، أعطاهم اللّه فهماً وعلماً، فهم عترتي من الحمي و دمي إلى اللّه أشكو من عاداهم من أمتي واللّه ليقتُلُنّ ابني لا أنا لهم اللّه شفاعتي». (4)

[17] حدّثنا إبراهيم بن هاشم عن الحسن بن علي بن فضال، عن محمّد بن سالم، عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

«من أراد أن يحيى حياتي، ويموت مماتي، ويدخل جنة ربّي، جنة عدن غرسها بيده، فليتول علياً، وليتولّ وليه، ولبعاد عدوه، وليأتم بالأوصياء من بعده، فإنّهم عترتي من لحمي ودمي أعطاهم اللّه فهمي وعلمي إلى اللّه أشكو من أمتي المنكرين لفضائلهم القاطعين فيهم صلتي، وأيم اللّه ليقتُلُنّ ابني لا أنا لهم اللّه شفاعتي». (5)

[18]- حدّثنا محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد اللّه بن القاسم، عن عبد القاهر عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

«من سرّه أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل جنة عدن، قضيب غرسه ربّي،

ص: 156


1- بصائر الدرجات: 68.
2- كذا في الأصل والمصدر والسياق يقتضي: (من سره).
3- في الأصل: (ربّي بيده).
4- بصائر الدرجات: 69.
5- بصائر الدرجات: 69.

فليتولّ علياً، وأوصياء، من بعدي، فإنّهم لا يدخلونكم في باب ضلال، ولا يخرجونكم من باب هدى ولا تعلّموهم؛ فإنّهم أعلم منكم، وإني سألت ربّي أن لا يفرق بينهم وبين الكتاب، حتّى يردا علي الحوض معي هكذا - وضم بين إصبعيه - وعرضه ما بين صنعاء إلى أيلة، فيه قدحان فضة وذهباً عدد النجوم». (1)

[19] حدّثنا محمّد بن الحسن (2)، عن يزيد [ بن] شعر، عن هارون بن حمزة، عن أبي عبد الرحمن، عن سعد الأسكاف، عن محمّد بن علي بن عمر بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ):

«من سرّه أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل جنة ربّي التي وعدني جنة عدن منزلي قضيب من قضبانه غرسه ربّي تبارك وتعالى بيده، فقال له كن فكان فليتولّ علي ابن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) والأوصياء من ذريته، إنّهم الأئمة من بعدي، هم عترتي من لحمي ودمي، رزقهم اللّه فضلي وعلمي، وويل للمنكرين فضلهم من أمتي القاطعين صلتي، واللّه ليقتُلُنّ ابني لا أنا لهم اللّه شفاعتي. (3)

[20]- حدّثنا السندي بن محمّد، عن صفوان عن عبد اللّه بن سعد الأسكاف، عن حريز، عن محمّد بن عمر بن الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

«من سرّه أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل الجنة التي وعدني ربّي، قضيب من قضبانه غرسه بيده، ثمّ قال له كن فكان فليتول علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) من بعدي والأوصياء من ذريتي، فإنّهم لا يخرجونكم من هدى، ولا يعيدونكم في ردى، ولا تعلموهم؛ فإنّهم أعلم منكم». (4)

ص: 157


1- بصائر الدرجات: 69.
2- قال الهمداني: (محمّد بن الحسين) ظاهراً.
3- بصائر الدرجات: 70.
4- بصائر الدرجات: 70.

[21]- حدّثنا أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن أبي المعزى، عن محمّد بن سالم عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

«من أراد أن يحيى حياتي ويموت ميتتي، ويدخل جنة ربي، جنة عدن غرسها ربّي بيده، فليتولّ علي بن أبي طالب، وليتول وليه وليعاد عدوه، وليسلم الأوصياء من بعده، فإنّهم عترتي من لحمي ودمي، أعطاهم اللّه فهمي وعلمي إلى اللّه أشكو من أمتي المنكرين لفضلهم القاطعين صلتي، وأيم اللّه ليقتلن ابني لا أنا لهم اللّه شفاعتي». (1)

[22] حدّثنا أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن سنان، عن أبي العلاء الخفاف، عن الأصبغ بن نباتة، (2) عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ):

«من أحب أن يحيى حياتي، ويموت مماتي، ويدخل جنة عدن التي وعدني ربّي، قضيب من قضيانه غرسه بيده ثمّ قال له كن فكان فليتول علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) والأوصياء من بعده، فإنّهم لا يخرجونكم من الهدى، ولا يدخلونكم في ضلالة». (3)

[23]- حدّثنا عبد اللّه بن محمّد، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، عن إبراهيم بن محمّد ابن،میمون مثله. (4)

ص: 158


1- بصائر الدرجات: 71.
2- يقول شير محمّد في عدة نسخ مخطوطة عتيقة (بن بنانة)، وقال الطبرسي (رضیَ اللّهُ عنهُ) في مجمع البيان في النسخة المطبوعة، طبع إيران، في سورة الأنفال عند تفسير قوله تعالى: «وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُل بَنَانٍ» ويقال للأصبغ بن بنانة. اقول: كذا أورد المؤلّف (رضیَ اللّهُ عنهُ) في هامش نسخته والمذكور في كتاب مجمع البيان: 435/4 هكذا: والبنان: الأطراف من اليدين والرجلين والواحد بنانة، ويقال للإصبع: بنائة. فيظهر أن النسخة المطبوعة التي أعتمد عليها المؤلّف فيها تصحيف الأصبع بالأصبغ.
3- بصائر الدرجات: 71.
4- بصائر الدرجات: 71.

[24] - حدّثنا محمّد بن يعلى الأسلم، عن عمّار بن رزين، عن أبي إسحاق، عن زياد ابن مطرف قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

«من أراد أن يحيى حياتي، ويموت مماتي، ويدخل الجنة التي وعدني ربّي، وهو قضيب من قضبانه غرسه بيده، وهي جنة الخلد فليتول علياً وذريته من بعده، فإنهم لن يخرجوه من باب هدى ولن يدخلوه في باب ضلال». (1)

[2] - حدّثنا عبد اللّه بن عامر، عن عبد اللّه بن محمّد الحجال، عن داود بن أبي يزيد عن أحدهما قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

«من سرّه أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل جنة ربّي، جنة عدن غرسها بيده فليتول علي بن أبي طالب والأوصياء من بعده، فإنهم لحمي ودمي أعطاهم اللّه فهمي وعلمي». (2)

[26] - حدّثنا أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن الحسين بن يسار، عن أبي الحسن بن (3) الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

«من أحب أن يحيى حياتي، ويموت مماتي، ويدخل جنة عدن التي وعدني ربّي، قضيب من قضبانه غرسه بيده، ثمّ قال له كن فكان، فليتول علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) والأوصياء من بعده، فإنّهم لا يخرجونكم من هدى، ولا يدخلونكم في ضلالة». (4)

[27] حدّثنا عبد اللّه بن محمّد، عن إبراهيم بن محمّد، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، مثله». (5)

ص: 159


1- بصائر الدرجات: 71.
2- بصائر الدرجات: 71.
3- - قال الهمداني: الظاهر زيادة لفظة (بن).
4- بصائر الدرجات: 72.
5- بصائر الدرجات: 72.

[28]- حدّثنا سلام بن أبي عمرة الخراساني، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، عن أبيه أنه قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

«من أراد أن يحيى حياتي، ويموت مماتي، ويدخل جنة ربّي، جنة عدن غرسه (كذا) ربّي، فليتولّ علي بن أبي طالب، وليعاد عدوه، وليأتم بالأوصياء من بعده، فإنّهم أئمة الهدى من بعدي أعطاهم اللّه فهمي وعلمي، وهم عترتي من لحمي ودمي إلى اللّه أشكو من أمتي المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم صلتي، وأيم اللّه ليقتُلُنّ ابني - يعني الحسين - لا أنا لهم اللّه شفاعتي». (1)

[29]- حدّثنا محمّد بن الحسين عمّن رواه، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن أسلم، عن إبراهيم بن يحيى المدني، عن أبيه، عن عمر بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

«من أحب أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي(2)، ويدخل جنة عدن التي وعدني ربّي قضيب من قضبانه غرسه بيده ثمّ قال له: كن فكان فليتول علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) والأوصياء من ذريتي، فإنّهم لن يدخلوكم في باب ضلال، ولن يخرجوكم من باب هدى، ولا تعلّموهم؛ فإنّهم أعلم منكم». (3)

انتهى ما أردت نقله من كتاب (بصائر الدرجات).

[30]- ورواه الشيخ الجليل علي بن محمّد الخزاز في كتاب (الكفاية في النصوص) في باب ما جاء عن أبي هريرة عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، قال : حدّثنا محمّد بن وهبان بن محمّد البصري قال: حدّثنا الحسين بن علي البزوفري، عن عبد اللّه بن مسلمة قال أخبرنا عقبة بن

ص: 160


1- بصائر الدرجات: 72.
2- قال المؤلّف: (في نسخة بدل مماتي).
3- بصائر الدرجات: 72.

مکرم، قال: حدّثنا عبد الوهاب الثقفي، عن يحيى بن سعيد، عن محمّد بن يعقوب بن خالد، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة قال:

«خطبنا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فقال : من أراد أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي، فلیتولّ علي ابن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبقية الأئمة من بعده، فقيل: يا رسول اللّه، فكم الأئمة بعدك ؟ فقال: عدد الأسباط». (1)

في عدم خلو الأرض من قائم للّه بحجة

[1]- يقول شير محمّد: وقال الشيخ الإمام الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه الأصبهاني في كتاب ( حلية الأولياء) في ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ما هذا لفظه : حدّثنا حبيب بن الحسن، حدّثنا موسى بن إسحاق، وحدّثنا سليمان بن أحمد حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة، قالا : حدّثنا أبو نعيم ضرار بن صرد، وحدّثنا أبو أحمد محمّد بن محمّد بن أحمد الحافظ، حدّثنا محمّد بن الحسين الخثعمي، حدّثنا إسماعيل بن موسى الفزاري، قالا : حدّثنا عصام بن حميد الخياط (2)، حدّثنا ثابت بن أبي صفية أبو حمزة الثمالي، عن عبد الرحمن بن جندب، عن كميل بن زياد قال:

«أخذ علي بن أبي طالب بيدي، فأخرجني إلى ناحية الجبان، فلمّا أصحرنا جلس، ثمّ تنفس، ثمّ قال: يا كميل بن زياد القلوب أوعية، فخيرها أو عاها، احفظ ما أقول لك: الناس ثلاثة، فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع، أتباع كلّ ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق، العلم خير من المال، العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، العلم يزكو على العمل، والمال تنقصه النفقة،

ص: 161


1- كفاية الأثر : 86.
2- قال الهمداني: كذا في الأصل، والظاهر (الحناط).

ومحبة العالم دين يدان بها العلم يكسب العالم الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد موته، وصنيعة المال تزول بزواله مات خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة هاه، إن ها هنا - وأشار بيده إلى صدره - علماً لو أصبت له حملة، بلى، أصبته لقناً غير مأمون عليه، يستعمل آلة الدين للدنيا، يستظهر بحجج اللّه على كتابه، وبنعمه على عباده، أو منقاداً لأهل الحق لا بصيرة له في إحيائه، يقتدح الشك في قلبه بأوّل عارض من شبهة لا ذا ولا ذاك، أو منهوم باللذات سلس القياد للشهوات، أو مغرى بجمع الأموال والادخار، وليسا من دعاة الدين، أقرب شبهاً بهما الأنعام السائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه اللّهم بلى لا تخلو الأرض من قائم اللّه بحجّة؛ لئلا تبطل حجج اللّه،وبيناته، أولئك هم الأقلون عدداً، الأعظمون عند اللّه قدراً، بهم يدفع اللّه عن حججه حتّى يؤدوها إلى نظرائهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر، فاستلانوا ما استوعر منه المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمنظر الأعلى، أولئك خلفاء اللّه في بلاده، ودعاته إلى دينه هاه هاه شوقاً إلى رؤيتهم واستغفر اللّه لي ولك، إذا شئت فقم». (1)

[2] - يقول شير محمّد الهمداني: هذا الحديث أورده الصدوق محمّد بن بابويه (رضیَ اللّهُ عنهُ) في أواخر باب الثلاثة من كتاب (الخصال)، ورواه بإسناد ذكره عن سفيان الثوري، عن منصور، عن مجاهد، عن كميل بن زياد وقال بعد إيراده: قال مصنف هذا الكتاب (رضیَ اللّهُ عنهُ) : قد رويت هذا الخبر من طرق كثيرة، قد أخرجتها في كتاب (كمال

ص: 162


1- حلية الأولياء: 75/1.

الدين وتمام النعمة في إثبات الغيبة وكشف الحيرة). (1)

[3]- وأورده في كتاب (كمال الدين) في باب 26 ما أخبر به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) من وقوع الغيبة بالقائم الثاني عشر من الأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ)، ورواه بأسانيد كثيرة، عن فضيل بن خديج، وعبد الرحمن بن جندب الفزاري، وأبي صالح، عن كميل بن زياد النخعي، عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وقال الصدوق أيضاً في كتاب (كمال الدين) - بعد إيراد الحديث عن عبد الرحمن بن جندب، عن كميل بن زياد النخعي -: ولهذا الحديث طرق كثيرة. (2)

[4] - وروى ثقة الإسلام الكليني (رضیَ اللّهُ عنهُ) في كتاب الحجّة من (الكافي) في باب في الغيبة، ما يوافق هذا الخبر في أنه لا بد للّه (عزّ<جلّ) من حجج في أرضه، حجّة بعد حجّة على خلقه، قال (رضیَ اللّهُ عنهُ): علي بن محمّد، عن سهل بن زياد، ومحمّد بن يحيى وغيره، عن أحمد بن محمّد وعلي ابن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم عن أبي حمزة، عن أبي إسحاق السبيعي، عن بعض أصحاب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ممن يوثق به أن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) تكلّم بهذا الكلام، وحفظ عنه، وخطب به على منبر الكوفة:

«اللّهم إنّه لا بد لك من حجج في أرضك، حجّة بعد حجّة على خلقك، يهدونهم إلى دينك، ويعلمونهم علمك كيلا يتفرق أتباع أوليائك(3)، ظاهر غير مطاع، أو يترقب... إلى أن قال: ولهذا بأزر(4) العلم إذا لم يوجد له حملة يحفظونه ويروونه، كما سمعوه من العلماء ويصدقون عليهم فيه، اللّهم فإنّي لأعلم أن العلم لا يأزر كله، ولا ينقطع مواده، وإنك لا تخلي أرضك من حجّة لك على خلقك، ظاهر ليس بالمطاع، أو

ص: 163


1- الخصال: 187.
2- كمال الدين: 289.
3- قال المؤلّف: في نسخة بدل (أولئك).
4- قال المؤلّف: في نسخة بدل ( بأرز ).

خائف مغمود(1)؛ كيلا تبطل حجتك (2) ولا يضل أولياؤك بعد إذ هديتهم، بل أين هم ؟ وكم هم؟ أولئك الأقلون عدداً، الأعظمون عند اللّه قدراً». (3)

[5]- وروى الصدوق في كتاب كمال الدين في باب 26 بإسناد ذكره عن أبي إسحاق الهمداني قال: حدّثني ثقة من أصحابنا أنه سمع أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول :

«اللّهم إنّك لا تخلي الأرض من حجّة لك على خلقك، ظاهر أو خاف مغمور؛ لئلا تبطل حجتك وبيناتك» (4)

[6] - ثمّ روى أيضاً، بإسناد ذكره عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه، عن آبائه، عن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، أنه قال في خطبة له على منبر الكوفة:

«اللّهم إنّه لابد لأرضك من حجّة لك على خلقك، يهديهم إلى دينك ويعلّمهم علمك؛ لئلا تبطل حجتك، ولا يضل أتباع أوليائك بعد إذ هديتهم به، إما ظاهر ليس بالمطاع أو مكنتم مترقب... الحديث». (5)

[7]- يقول شير محمّد في حديث الجائليق الرومي الذي رواه سلمان المحمّدي عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) نحو ما رواه کمیل بن زياد عنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في هذا الحديث

«بلى، اللّهم لا تخلو الأرض من قائم بحجّة، إما ظاهراً أو باطناً(6)؛ لئلا تبطل حجج اللّه، وبعالم يعرف به دينه في دولة الباطل يكون نجاة لمن لزمنا واقتدى به أين أولئك؟ وكم أولئك؟ أولئك الأقلون عدداً، والأعظمون عند اللّه خطراً، بهم يحفظ اللّه دينه وعلمه،

ص: 164


1- قال المؤلّف: في نسخة بدل (مغمور).
2- قال المؤلّف : في نسخة بدل (حججك).
3- الكافي: 339/1.
4- كمال الدين: 302.
5- كمال الدين: 302.
6- قال المؤلّف: في نسخة بدل (إما ظاهراً مشهورا أو باطناً مستورا).

حتى يودعونها (1) في صدور أشباههم، ويودعونها أمثالهم، هجم بهم العلم على حقيقة الإيمان، فاستروحوا لذلك روح اليقين، وأنسوا بما (2) استوحش منه الجاهلون واستلاتوا بها استوعر منه المترفون، وصحبوا الدنيا بأبدان وأرواحهم معلقة بالمحل الأعلى أولئك حجج اللّه في أرضه، وأمناؤه على خلقه، يا شوقاً إليهم إلى رؤيتهم وواها لهم على صبرهم على عدوهم في حال هدايتهم (3)، وسيجمعنا اللّه وإياهم في جنات عدن ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، ثمّ بكى، وبكى القوم معه ودعواله، وقالوا نشهد لك بالوصية والإمامة والإخوة، وإنّ عندنا لصفتك وصورتك ونعتك... الحديث». (4)

[8]- يقول شير محمّد: روى ثقة الإسلام في كتاب التوحيد من (الكافي) في باب العرش والكرسي أجزاء من حديث جائليق، قال: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي رفعه، قال: سأل الجائليق أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).. إلخ. (5)

[9] وروى الصفار أجزاء منه في الجزء (5 و 6 و 7) من (بصائر الدرجات) بإسناد ذكره عن أبي وقاص عن سلمان، وفي الجزء (5) عن أبي تمام عن سلمان. (6)

[10] وروى الصدوق بعض أجزائه في كتاب (التوحيد) في باب 28 نفي المكان والزمان - وباب 47 - معنى قوله: «الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى»(7)، بإسناد ذكره عن عبد الرحمن بن قيس عن أبي هاشم الرماني، عن زاذان، عن سلمان، ثمّ قال: والحديث

ص: 165


1- قال المؤلّف: في نسخة بدل (يزرعوها).
2- قال المؤلّف: في نسخة بدل (ما).
3- قال المؤلّف: في نسخة بدل (هدنتهم).
4- في بحار الأنوار: 81/3 عن إرشاد القلوب نحوه.
5- الكالي: 129/1.
6- بصائر الدرجات: 222، 289، 236.
7- سورة طه: 5.

طويل أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في آخر كتاب (النبوة). (1)

[11] وروى مختصراً منه أبو علي ابن الشيخ الطوسي في الجزء (8) من أماليه، بإستاد آخر عن عبد الرحمن بن قيس البصري عن زاذان عن سلمان. (2)

[12] وروى أجزاء منه ابن شهر آشوب في (المناقب) في فصل أخباره (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالغيب عن زاذان عن سلمان. (3)

[13] وقال شيخ الطائفة في الفهرست): سلمان الفارسيه (رضیَ اللّهُ عنهُ) روى حديث الجائليق الرومي الذي بعثه ملك الروم بعد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )... أخبرنا به ابن أبي جيد، عن ابن الوليد عن الصفار، عن الحميري، عمّن حدّثه عن إبراهيم بن الحكم الأسدي عن أبيه، عن شريك بن عبد اللّه، عن عبد الأعلى التغلبي، عن أبي وقاص، عن سلمان الفارسي. (4)

[14] وأورد الحديث بتمامه العلّامة النوري في آخر باب 11 من كتاب (نفس الرحمن)، وذكر إسناده إلى سلمان، وقال: وقال المجلسي (رضیَ اللّهُ عنهُ): إنّ المحدّثين فرّقوا أجزاء هذا الخبر على الأبواب، وهي مروية في الأصول المعتبرة، وهذا مما يدل على صحتها. (5)

[15] وأورد الخبر بتمامه أيضاً الثقة الجليل الشيخ هاشم بن محمّد في الباب 24 من كتاب (مصباح الأنوار في فضائل إمام الأبرار)، والذي نقلته أنا من هذا الحديث إنّما نقلته من هذا الكتاب. (6)

ص: 166


1- التوحيد 182، 286، 316.
2- الأمالي للطوسي: 218.
3- المناقب: 94/2.
4- الفهرست: 142.
5- نفس الرحمن: 511.
6- الكتاب مخطوط.

[16]- وممن أورد حديث كميل بن زياد السيد الرضي (رضیَ اللّهُ عنهُ) أورده في كتاب (خصائص الأئمة)، ورواه بإسناد ذكره عن الكلبي، عن أبي صالح، عن كميل بن زياد النخعي. (1)

[17] وأورده أيضاً في كتاب (نهج البلاغة)، قال: ومن كلام له (عَلَيهِ السَّلَامُ) لكميل بن زياد النخعي، قال كميل بن زياد:

«أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخرجني إلى الجبان.. إلى أن قال: اللّهم بلى لا تخلو الأرض من قائم اللّه بحجّة، إما ظاهراً مشهوراً وإما خائفاً مغموراً؛ لئلا تبطل حجج اللّه،وبيّناته، وكم ذا؟ وأين أولئك؟ أولئك واللّه الأقلون عدداً والأعظمون قدراً، يحفظ اللّه بهم حججه وبيناته حتّى يودعوها نظراءهم.. إلى قوله : أولئك خلفاء

اللّه في أرضه والدعاة إلى دينه، آه، آه، شوقاً إلى رؤيتهم، انصرف يا كميل، إذا شئت». (2)

وقال ابن أبي الحديد في الشرح في الجزء 18 ص 313 طبع مصر وهذا يكاد يكون تصريحاً بمذهب الإمامية، إلا أنّ أصحابنا يحملونه على أن المراد به الأبدال الذين وردت الأخبار النبوية عنهم أنهم في الأرض سائحون. (3)

في رد ما ذكره أصحاب ابن أبي الحديد في بيان الخبر المتقدم

يقول شير محمّد: ورود الأخبار النبوية بأنّ في الأرض أبدالاً، لا يكون قرينة، ولا يدل على أن مراده (عَلَيهِ السَّلَامُ) من هذا الكلام هو الأبدال، فيكون الحمل خروجاً عن الظاهر كالصريح بغير دليل وبغير،شاهد، وأما إرادته (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الكلام، ما هو ظاهر فيه كالصريح، فله شواهد كثيرة.

ص: 167


1- خصائص الأئمة: 105.
2- نهج البلاغة: 35/4.
3- شرح نهج البلاغة: 351/18.

[1] مثل قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

«إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي الثقلين.. إلخ».

[2] ومثل قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح.. إلخ.

[3] ومثل قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

«يكون بعدي اثنا عشر خليفة».

[4] ومثل قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

«أعطاهم اللّه فهمي وعلمي».

[5] - ومثل قول أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في خطبة له، أوردها في الثلث الأول من (نهج البلاغة) ص 93 طبع إيران، وفي المجلد الثاني ص 421 من شرح النهج طبع مصر:

«بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى، إنّ الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم». (1)

[6]- ومثل قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في آل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، أورده في أوائل (نهج البلاغة):

«هم موضع سره، ولجأ أمره (2)، وعيبة علمه، وموئل حكمه، وكهوف كتبه، وجبال دینه بهم أقام انحناء ظهره، وأذهب ارتعاد فرائصه.. إلى أن قال: لا يقاس بال محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من هذه الأمة أحد، ولا يسوّى (3) بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً، هم أساس الدين، وعماد اليقين إليهم يفيء الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة». (4)

ص: 168


1- نهج البلاغة: 27/2، وشرح نهج البلاغة: 84/9.
2- اللجأ: محركة الملاذ وما تلتحئ إليه كالوزر محركة ما تعتصم به.
3- قال المؤلّف : في نسخة بدل (يساوى).
4- نهج البلاغة: 29/1.

[7] ومثل قوله في خطبة أوردها السيد الرضي (رضیَ اللّهُ عنهُ) في آخر باب خطبه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال الرضي: ومن خطبة له (عَلَيهِ السَّلَامُ) يذكر فيها آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ):

«هم عيش العلم وموت الجهل يخبركم حلمهم عن علمهم وصمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه، هم دعائم الإسلام وولائج الاعتصام بهم عاد الحق في نصابه وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل». (1)

[8] ومثل قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في خطبة له :

«فأين يتاه بكم ؟ بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم؟ وهم أزمة الحق، وأعلام الدين وألسنة الصدق، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن، وردوهم ورود الهيم العطاش». (2)

[9] ومثل قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيما تقدم من حديث الجاثليق:

«وسيجمعنا اللّه وإياهم في جنات عدن».

وسيأتي إن شاء اللّه في حديث اليهودي الذي رواه أبو الطفيل أنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال:

«إن الذين يكونون مع محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في جنة عدن هم الأئمة الاثنا عشر».

وبالجملة ما أظن أحداً ممن اتصف بالعلم والإنصاف وجانب الجور والاعتساف يرتاب في أن مراده (عَلَيهِ السَّلَامُ) من قوله:

«من قائم اللّه، بحجّة، إمّا ظاهراً مشهوراً، وإما خائفاً مغموراً».

ومن قوله:

«أولئك واللّه الأقلون عدداً، الأعظمون عند اللّه قدرا».

ومن قوله:

ص: 169


1- نهج البلاغة: 232/2.
2- نهج البلاغة: 154/1.

أولئك خلفاء اللّه في بلاده، ودعاته إلى دينه».

ونحو ذلك مما في الأخبار المذكورة هم الأئمة من آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ويدل على ذلك صريحاً ما رواه الشيخ الجليل علي بن محمّد الخزاز في كتاب (الكفاية في النصوص) في باب ما روي عن الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ)، عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في النصوص على الأئمة الاثني عشر سلام اللّه عليهم أجمعين.

في النصوص على الأئمة الاثني عشر سلام اللّه عليهم أجمعين

[1]- روى في هذا الباب بإسناد ذكره: عن عبد اللّه بن حسن بن حسن، عن أبيه، عن الحسن بن علي (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال:

«خطب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يوماً، فقال بعد ما حمد اللّه وأثنى عليه معاشر الناس كأنّي أدعى وأجيب (1)، وأني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه، وعترتي [أهل بيتي]، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، فتعلموا منهم ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم، لا يخلو (2) الأرض منهم، ولو خلت إذاً لساخت بأهلها، ثمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّهم إني أعلم أنّ العلم لا يبيد ولا ينقطع، وإنّك لا تخلي أرضك من حجّة لك على خلقك ظاهر ليس بالمطاع أو خائف مغمور؛ لكيلا تبطل حجتك ولا يضل أولياؤك بعد إذ هديتهم، أولئك الأقلون عدداً، الأعظمون قدراً عند اللّه.

فلمّا نزل عن منبره قلت يا رسول اللّه، أما أنت الحجّة على الخلق كلهم؟ قال: يا حسن، إن اللّه يقول : «إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمِ هَاد»(3)، فأنا المنذر وعلي الهادي.

ص: 170


1- قال المؤلّف: في نسخة بدل (فأجيب).
2- في بعض النسخ: (لا تخلو).
3- سورة الرعد: 7.

قلت: يا رسول اللّه فقولك إنّ الأرض لا تخلو من حجّة؟ قال: نعم [علي] هو الإمام، والحجّة،بعدي، وأنت الإمام والحجّة بعده، والحسين الإمام، والحجة بعدك ولقد نبأني اللطيف الخبير أنه يخرج من صلب الحسين ولد يقال له: علي سمّي جده علي، فإذا مضى الحسين، قام بالأمر علي بعده ابنه(1)، وهو الحجّة والإمام، ويخرج اللّه صلب علي ولداً سميي، وأشبه الناس بي علمه علمي، وحكمه حكمي، هو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج [ اللّه تعالى] من صلبه مولوداً يقال له: جعفر، أصدق الناس قولاً وعملاً، هو الإمام والحجة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب جعفر مولوداً [يقال له: موسى]، سمّي موسى بن عمران (عَلَيهِ السَّلَامُ)، أشد الناس تعبداً، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه [تعالى] من صلب موسى ولداً يقال له: علي، معدن علم اللّه، وموضع حكمته، فهو الحجّة والإمام بعد أبيه، ويخرج اللّه من صلب علي مولوداً يقال له محمّد، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب محمّد مولوداً يقال له علي فهو الحجّة والإمام بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب علي مولوداً يقال له: الحسن، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب الحسن الحجّة القائم إمام زمانه ومنقذ أوليائه، يغيب حتّى لا يرى يرجع عن أمره قوم ويثبت عليه آخرون «وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقينَ»(2)، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل اللّه (عزّوجلّ) ذلك اليوم، حتّى يخرج قائمنا فيملأها قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلم، فلا يخلو الأرض منكم، أعطاكم اللّه علمي وفهمي ولقد دعوت اللّه تبارك وتعالى أن يجعل العلم والفقه في عقبي وعقب عقبي ومن زرعي وزرع زرعي». (3)

ص: 171


1- قال المؤلّف: في نسخة بدل (بعده).
2- وردت هذه الآية في القران الكريم في خمس مواضع ومنها في سورة الأنبياء: 38.
3- كفاية الأثر : 163.

[2]- وقال العالم الفاضل الشيخ سليمان الحسيني البلخي القندوزي، وهو من علماء العامة في كتاب (ينابيع المودة)، ما هذا لفظه الباب السادس والسبعون في بيان الأئمة الاثني عشر بأسمائهم، وفي (فرائد السمطين): عن مجاهد، عن ابن عباس (رضیَ اللّهُ عنهُ) ، قال: «قدم يهودي يقال له نعثل، فقال: يا محمّد، أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين، فإن أجبتني عنها أسلمت على يديك، قال سل يا أبا عمارة، فقال: يا محمّد صف لي ربّك؟

فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : لا يوصف (1) إلا بما وصف به نفسه وكيف يوصف الخالق الذي تعجز العقول أن تدركه والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحدّه، والأبصار أن تحيط به جلّ وعلا عما يصفه الواصفون، ناء في قربه، وقريب في نأيه، هو كيف الكيف، وأين الأين، فلا يقال له: أين هو ؟ وهو منقطع الكيفية (2)، والأينونية، فهو الأحد الصمد كما وصف نفسه، والواصفون لا يبلغون نعته، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.

قال: صدقت يا محمّد، فأخبرني عن قولك إنّه واحد لا شبيه له، أليس اللّه واحداً والإنسان واحداً ؟

فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : اللّه عزّ وعلا واحد حقيقي، أحدي المعنى، أي لا جزء ولا تركب له، والإنسان واحد ثنائي المعنى، مركب من روح وبدن.

قال: صدقت فأخبرني عن وصيك من هو فما من نبي إلا وله وصي، وإنّ نبينا موسى بن عمران أوصى يوشع بن نون؟

فقال: إنّ وصي علي بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، تتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين.

ص: 172


1- قال الهمداني: في كفاية الأثر (أنّ الخالق لا يوصف).
2- قال الهمداني: في كفاية الأثر (تنقطع الكيفية فيه).

قال: يا محمّد فسمهم لي ؟

قال: إذا مضى الحسين فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه الحسن، فإذا مضى الحسن فابنه الحجة محمّد المهدي، فهؤلاء اثنا عشر.

قال: أخبرني كيفية موت علي والحسن والحسين ؟ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يقتل علي بضربة على قرنه، والحسن يقتل بالسم، والحسين بالذبح.

قال: فأين مكانهم؟ قال: في الجنة في درجتي.

قال: أشهد أن لا إله إلا اللّه، وإنّك رسول اللّه، وأشهد أنّهم الأوصياء بعدك، ولقد وجدت في كتب الأنبياء المتقدمة، وفيما عهد إلينا موسى بن عمران (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنه: إذا كان آخر الزمان يخرج نبي يقال له: أحمد ومحمّد هو خاتم الأنبياء، لا نبي بعده، فيكون أوصياؤه بعده اثني عشر: أوّلهم ابن عمه وختنه، والثاني والثالث كانا أخوين من ولده، وتقتل أمة النبي الأوّل بالسيف، والثاني بالسم، والثالث مع جماعة من أهل بيته بالسيف وبالعطش، في موضع الغربة، فهو كولد الغنم يذبح ويصبر على القتل؛ لرفع درجاته ودرجات أهل بيته وذريته، ولإخراج محبيه وأتباعه من النار، وتسعة الأوصياء منهم من أولاد الثالث، فهؤلاء الاثنا عشر عدد الأسباط.

قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أتعرف الأسباط؟ قال: نعم، كانوا اثني عشر أوّلهم لاوي بن برخيا، وهو الذي غاب عن بني إسرائيل غيبة ثمّ عاد فأظهر [ اللّه به] شریعته بعد اندراسها، وقاتل قرسطيا الملك حتّى قتل الملك.

قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : كائن في أمتي ما كان في بني إسرائيل، حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، وأنّ الثاني عشر من ولدي يغيب حتّى لا يرى، ويأتي على أمتي زمن لا يبقى من

ص: 173

الإسلام إلا اسمه، ولا يبقى من القرآن إلا رسمه، فحينئذ يأذن اللّه -تبارك وتعالى- له بالخروج، فيظهر اللّه الإسلام به ويجدده، طوبى لمن أحبهم وتابعهم، والويل لمن أبغضهم وخالفهم، وطوبى لمن تمسك بهداهم.

فأنشأ نعثل شعراً:

صلّى الإله ذو العلى***عليك يا خير البش

أنت النبي المصطفى***والهاشمي المفتخر

یک هدانا ربّنا***وفيك نرجو ما أمر

ومعشر سميتهم***أئمة اثنا عشر

حباهم ربّ العلى***ثمّ اصطفاهم من كدر

قد فاز من والاهم***و خاب من عادى الزهر

آخر هم يسقي الظما***وهو الإمام المنتظر

عترتك الأخيار لي***والتابعون ما أمر

من كان عنهم معرضا***فسوف تصلاه (1) سقر». (2)

[3]- يقول شير محمّد هذا الحديث أورده الخزاز الرازي في (الكفاية في النصوص)، ورواه بإسناد ذكره عن أبي هاشم، عن مجاهد، عن ابن عباس باختلاف يسير. (3)

ص: 174


1- قال الحمداني: في كفاية الأثر (يصلي سقر).
2- ينابيع المودة: 281/3، فرائد السمطين: 132/2، حدیث 431.
3- كفاية الأثر: 11.

[4] - ثمّ قال الشيخ سليمان القندوزي وفي (المناقب): عن واثلة بن الأسقع بن قرخاب عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال:

«دخل جندل بن جنادة بن جبير اليهودي على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فقال : يا محمّد، أخبرني عما ليس اللّه، وعما ليس عند اللّه، وعما لا يعلمه اللّه ؟

فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أما ما ليس اللّه، فليس اللّه شريك، وأما ما ليس عند اللّه، فليس عند اللّه ظلم للعباد، وأما ما لا يعلمه اللّه، فذلك قولكم يا معشر اليهود أن عزير ابن اللّه واللّه لا يعلم أنّ له ولداً، بل يعلم أنه مخلوقه وعبده.

فقال: أشهد أن لا إله إلا اللّه، وأنك رسول اللّه حقاً وصدقاً.

ثمّ قال: إني رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا جندل، أسلم على يد محمّد خاتم الأنبياء واستمسك أوصياءه من بعده، فقلت: أسلم، فلله الحمد أسلمت وهداني بك، ثمّ قال: أخبرني يا رسول اللّه، عن أوصيائك من بعدك لأتمسك بهم.

قال: أوصيائي الاثنا عشر.

قال: جندل هكذا وجدناهم في التوراة، وقال: يا رسول اللّه سمهم لي.

فقال: أولهم سيّد الأوصياء أبو الأئمة علي، ثمّ ابناء الحسن والحسين، فاستمسك بهم ولا يغرنك جهل الجاهلين، فإذا ولد علي بن الحسين زين العابدين يقضي اللّه عليك، ويكون آخر زادك من الدنيا شربة لبن تشربه.

فقال جندل وجدنا في التوراة وفي كتب الأنبياء (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إيليا وشبراً وشبيراً، فهذه اسم (1) علي والحسن والحسين، فمن بعد الحسين؟ وما أساميهم؟

قال: إذا انقضت مدة الحسين فالإمام ابنه علي ويلقب بزين العابدين، فبعده ابنه محمّد يلقب بالباقر، فبعده ابنه جعفر يدعى بالصادق، فبعده ابنه موسى يدعى بالكاظم، فبعده ابنه علي يدعى بالرضا، فبعده ابنه محمّد يدعى بالتقي والزكي، فبعده

ص: 175


1- كذا والصحيح: (فهذه أسماء).

ابنه علي يدعى بالنقي والهادي، فبعده ابنه الحسن يدعى بالعسكري، فبعده ابنه محمّد يدعى بالمهدي والقائم والحجة، فيغيب ثمّ يخرج، فإذا خرج يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين على محبتهم، أولئك الذين وصفهم اللّه في كتابه، وقال: «هُدًى للمُتَّقِينَ * الَّذينَ يُؤْمِنُونَ بالغَيْب» (1)، قال تعالى: «أولئكَ حِزبُ اللّهِ ألا إنَّ حِزْبَ اللّه هُمُ المُفْلِحُونَ». (2)

فقال جندل: الحمد للّه الذي وفقني لمعرفتهم (3)، ثمّ عاش إلى أن كانت ولادة علي بن الحسين، فخرج إلى الطائف ومرض، وشرب لبناً، وقال: أخبرني رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة لبن، ومات ودفن بالطائف بالموضع المعروف بالكوزارة(4)». (5)

[5]- هذا الحديث أورده العالم الجليل علي بن محمّد الخزاز الرازي في (الكفاية في النصوص)، ورواه بإسناد ذكره عن مكحول، عن واثلة بن الأسقع عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري (رضیَ اللّهُ عنهُ) ، باختلاف يسير. (6)

[6] - ثمّ قال الشيخ سليمان القندوزي: وفي (المناقب): عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال:

«جاء يهودي من يهود المدينة إلى علي كرم اللّه وجهه، قال: إنّي أسألك عن ثلاث وثلاث، وعن واحدة.

فقال علي: لمَ لا تقول أسألك عن سبع.

ص: 176


1- سورة البقرة: 2 و 3.
2- سورة المجادلة: 22.
3- قال المؤلّف رحمه اللّه في نسخة بدل: (بمعرفتهم).
4- قال المؤلّف رحمه اللّه : في كفاية الأثر (بالكوراء).
5- ينابيع المودة: 283/3.
6- كفاية الأثر : 57.

قال: أسألك عن ثلاث، فإن أصبت فيهن سألتك عن الثلاث الأخر، فان أصبت فيهنّ سألتك عن الواحدة.

فقال علي: ما تدري إذا سألتني فأجبتك أخطأت أم أصبت؟

فأخرج اليهودي من كمه كتاباً عتيقاً، قال هذا ورثته عن آبائي وأجدادي عن هارون جدي إملاء موسى بن عمران (عَلَيهِام السَّلَامُ) و خط هارون بن عمران، وفيه هذه المسألة التي أسألك عنها.

قال علي: إن أجبتك بالصواب فيهن لتسلم ؟

فقال: واللّه أسلم الساعة على يديك إن أجبتني بالصواب فيهنّ.

قال له: سل.

قال: أخبرني عن أوّل حجر وضع على وجه الأرض؟ وعن أول شجرة نبتت على وجه الأرض؟ وعن أوّل عين نبعت على وجه الأرض؟

قال: أما أوّل حجر وضع على وجه الأرض فإنّ اليهود يزعمون أنها صخرة بيت المقدس، وكذبوا، ولكن هو الحجر الأسود نزل به آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الجنّة فوضعه في ركن البيت والناس يتمسحون به ويقبّلونه (1) ويجددون العهد والميثاق به، لأنه كان ملكاً ابتلع كتاب العهد والميثاق، وكان مع آدم في الجنّة، فلما خرج آدم خرج هو فصار حجراً، قال اليهودي: صدقت.

قال :علي وأمّا أوّل شجرة نبتت على الأرض فإنّ اليهود يزعمون أنها الزيتونة وكذبوا، ولكنها نخلة من العجوة نزل بها آدم له من الجنة، فأصل كل النخلة (كذا) العجوة، قال اليهودي: صدقت.

ص: 177


1- قال المؤلّف: في نسخة بدل (ويقلبونه).

قال علي كرم اللّه وجهه: وأما أوّل عين نبعت على وجه الأرض فإنّ اليهود يزعمون أنها العين التي كانت تحت صخرة بيت المقدس، وكذبوا، ولكنّها عين الحياة التي نسي عندها صاحب موسى السمكة المالحة، فلما أصابها ماء العين حييت وعاشت و شربت منه فاتبعها موسى و صاحبه الخضر (عَلَيهِما السَّلَامُ) قال اليهودي: صدقت.

قال علي: سل عن الثلاث الآخر.

قال: أخبرني كم لهذه الأمة بعد نبيها من إمام؟ وأخبرني عن منزل محمّد أين هو في الجنة؟ وأخبرني من يسكن معه في منزله؟

قال علي: لهذه الأمة بعد نبيها اثنا عشر إماماً، لا يضرهم خلاف من خالفهم قال اليهودي: صدقت.

قال علي: ينزل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في جنة عدن، وهي وسط الجنان وأعلاها وأقربها من عرش الرحمن جلّ جلاله، قال اليهودي: صدقت.

قال علي: والذي يسكن معه في الجنة هؤلاء الأئمة الاثنا عشر، أولهم أنا وآخرنا القائم المهدي، قال: صدقت.

قال علي: سل عن الواحدة.

قال: أخبرني كم تعيش بعد نبيك؟ وهل تموت أو تقتل؟

قال: أعيش بعده ثلاثين سنة، وتخضب هذه أشار بلحيته - من هذا أشار برأسه الشريف، فقال اليهودي : أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمّداً رسول اللّه وأشهد أنك وصي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )». (1)

ص: 178


1- ينابيع المودة: 285/3.

يقول شير محمّد الهمداني: هذا الحديث رواه الإمامية (رضیَ اللّهُ عنهُ) بطرق كثيرة:

[7] أورده ثقة الإسلام الكليني في كتاب الحجّة من (الكافي) في باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم صلوات اللّه عليهم، قال: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه، عن عبد اللّه بن القاسم، عن حنان بن السراج عن داود بن سليمان الكسائي، عن أبي الطفيل قال:

«شهدت جنازة أبي بكر يوم مات، وشهدت عمر حين بويع وعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) جالس ناحية، فأقبل غلام يهودي جميل [ الوجه ] بهي، عليه ثياب حسان، وهو من ولد هارون حتّى قام على رأس عمر فقال: يا أمير المؤمنين، أنت أعلم هذه الأمة بكتابهم وأمر نيهم؟

قال: فطأطأ عمر رأسه.

فقال: إياك أعني، وأعاد عليه القول.

فقال له عمر: لمَ ذاك؟، قال إني جئتك مرتاداً لنفسي، شاكّاً في ديني

فقال: دونك هذا الشاب.

قال: ومن هذا الشاب؟

قال: هذا علي بن أبي طالب ابن عم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وهذا أبو الحسن والحسين ابني رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وهذا زوج فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). فأقبل اليهودي على علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال: أكذاك أنت؟

قال: نعم.

قال: إنّي أريد أن أسألك عن ثلاث وثلاث وواحدة.

قال: فتبسم أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من غير تبسم، وقال: ياهاروني، ما منعك أن تقول سبعاً؟

ص: 179

قال: أسألك عن ثلاث فإن أجبتني سألت عما بعدهنّ، وإن لم تعلمهنّ علمت أن (1)ليس فيكم عالم.

قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فإنّي أسألك بالإله الذي تعبده لئن أنا أجبتك في كل ما تريد لتدعنّ دينك ولتدخلنّ في ديني ؟

قال: ما جئت إلا لذاك.

قال: فسل.

قال: أخبرني عن أوّل قطرة دم قطرت على وجه الأرض، أيّ قطرة هي؟ وأوّل عين فاضت على وجه الأرض، أي عين هي ؟ وأول شيء اهتز على وجه الأرض، أيّ شيء هو ؟ فأجابه أمير المؤمنين، فقال [له]: أخبرني عن الثلاث الأخر ؟

أخبرني عن محمّد، كم له من إمام عدل؟ وفي أي جنة يكون؟ ومن ساكنه معه في جنته؟ فقال: يا هاروني، إن لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )اثني عشر إمام عدل، لا يضرهم خذلان من خذلهم، ولا يستوحشون بخلاف من خالفهم، وإنّهم في الدين أرسب من الجبال الرواسي في الأرض، ومسكن محمّد في جنته (2) معه أولئك الاثنا عشر إمام (3) العدل.

فقال: صدقت واللّه الذي لا إله إلا هو إنّي لأجدها في كتب أبي هارون كتبه بيده وإملاء موسى عمي (عَلَيهِما السَّلَامُ)، قال : فأخبرني عن الواحدة، أخبرني عن وصي محمّد كم يعيش من بعده؟ وهل يموت أو يقتل؟

قال: يا هاروني، يعيش بعده ثلاثين سنة، لا يزيد يوماً ولا ينقص يوماً، ثمّ يضرب ضربة ها هنا - يعني على قرنه - فتخضب هذه من هذا.

ص: 180


1- قال المؤلّف: في نسخة بدل (آله).
2- قال المؤلّف: في نسخة بدل (جنة).
3- كذا، والسياق يقتضي الجمع.

قال: فصاح الهاروني وقطع كستيجه (1) وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنك وصيه، ينبغي أن تفوق ولا تفاق، وأن تعظم ولا تستضعف، قال: ثمّ مضى به على (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى منزله فعلمه معالم الدين». (2)

[8]- ورواه الكليني (رضیَ اللّهُ عنهُ) أيضاً في هذا الباب بسندين آخرين قال: محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن مسعدة بن زياد عن أبي عبد اللّه ومحمّد بن الحسين، عن إبراهيم، عن أبي يحيى المدائني، عن أبي هارون العيدي، عن أبي سعيد الخدري قال:

«كنت حاضراً لما هلك أبو بكر، واستخلف عمر أقبل يهودي من عظماء يهود يثرب - وتزعم يهود المدينة أنه أعلم أهل زمانه- حتّى رفع إلى عمر، فقال له: يا عمر، إني جئتك أريد الإسلام، فإن أخبرتني عما أسألك عنه فأنت أعلم أصحاب محمّد بالكتاب والسنة وجميع ما أريد أن أسأل عنه.

قال: فقال له :عمر: إني لست هناك، لكنّي أرشدك إلى من هو أعلم أمتنا بالكتاب والسنّة وجميع ما قد تسأل عنه، وهو ذاك - فأومأ إلى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)-.

فقال له اليهودي يا عمر، إن كان هذا كما تقول فما لك ولبيعة الناس وإنّما ذاك أعلمكم فزبره عمر (3)، ثمّ إنّ اليهودي قام إلى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له: أنت كما ذكر عمر ؟ فقال: وما قال عمر ؟ فأخبره، قال : فإن كنت كما قال سألتك عن أشياء، أريد أن أعلم هل يعلمه أحد منكم، فأعلم أنكم في دعواكم خير الأمم وأعلمها صادقين، ومع ذلك أدخل في دينكم الإسلام.

ص: 181


1- الكستيج: بضم الكاف والسين المهملة وتاء مثناة فوقانية وياء مثناة تحتانية وحيم: حيط غليظ يشد فوق الثياب دون الزنار.
2- الكافي: 529/1.
3- الزبر: الزجر والمنع من باب طلب.

فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نعم أنا كما ذكر لك عمر سل عمّا بدا لك أخبرك به إن شاء اللّه.

قال: أخبرني عن ثلاث وثلاث وواحدة.

فقال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا يهودي، ولمَ لم تقل : أخبرني عن سبع.

فقال له اليهودي: إنّك إن أخبرتني بالثلاث سألتك عن البقية وإلا كففت فإن أنت أجبتني في هذه السبع فأنت أعلم أهل الأرض وأفضلهم وأولى الناس بالناس.

فقال له: سل عمّا بدا لك يا يهودي.

قال: أخبرني عن أوّل حجر وضع على وجه الأرض؟ وأوّل شجرة غرست على وجه الأرض؟ وأوّل عين نبعت على وجه الأرض؟

فأخبره أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمّ قال له اليهودي: أخبرني عن هذه الأمة كم لها من إمام هدى؟ وأخبرني عن نبيكم محمّد أبن منزله في الجنة؟ وأخبرني من معه في الجنة؟ فقال له أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ لهذه الأمة اثني عشر إمام هدى من ذرية نبيها وهم مني، وأمّا منزل نبينا في الجنة ففي أفضلها وأشرفها جنة عدن، و أما من معه في منزله فيها فهؤلاء الاثنا عشر من ذريته، وأمهم وجدتهم أم أمهم وذراريهم، لا يشركهم فيها أحد. (1)

[9]- وأورده الصدوق محمّد بن بابويه (رضیَ اللّهُ عنهُ) في كتاب (الخصال) في أبواب الاثني عشر، قال: حدّثنا أبيه قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحكم بن مسكين الثقفي، عن صالح بن عقبة، عن جعفر بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال:

«لمّا هلك أبو بكر واستخلف عمر، رجع عمر إلى المسجد فقعد، فدخل عليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي رجل من اليهود وأنا علامتهم، وقد أردت أن أسألك عن مسائل إن أجبتني فيها أسلمت قال: ما هي؟ قال: ثلاث وثلاث وواحدة، فإن شئت

ص: 182


1- الكافي : 531/1.

سألتك وإن كان في القوم أحد أعلم منك فأرشدني إليه ؟

قال: عليك بذلك الشاب - يعني علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فأتى علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسأله، فقال له: لِمَ قلت ثلاثاً وثلاثاً وواحدة، ألا قلت: سبعاً؟

قال: إنّي إذاً الجاهل، إن لم تجبني في الثلاث اكتفيت.

قال: فإن أجبتك تسلم؟ قال: نعم.

قال: سل.

قال: أسألك عن أوّل حجر وضع على وجه الأرض؟ وأول عين نبعت؟ وأول شجرة نبتت؟

قال: يا يهودي، أنتم تقولون أوّل حجر وضع على وجه الأرض الذي في بيت المقدس، وكذبتم، هو الحجر الذي نزل به آدم من الجنة، قال: صدقت واللّه إنّه لبخط هارون وإملاء موسى.

قال: وأنتم تقولون: إنّ أوّل عين نبعت على وجه الأرض العين التي ببيت المقدس، وكذبتم، هي عين الحياة التي غسل فيها يوشع بن نون السمكة، وهي العين التي شرب ها الخضر، و ليس يشرب منها أحد إلا حيي، قال: صدقت واللّه إنّه لبخط هارون وإملاء موسى.

قال: وأنتم تقولون: أوّل شجرة نبتت على وجه الأرض الزيتون، وكذبتم، هي العجوة التي نزل بها آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الجنة معه، قال: صدقت واللّه إنّه لبخط هارون وإملاء موسى.

قال: والثلاث الأخر، كم لهذه الأمة من إمام هدى لا يضرهم من خذهم ؟

قال: اثنا عشر إماماً، قال: صدقت واللّه إنه لبخط هارون وإملاء موسى.

قال: فأين يسكن نبيكم من الجنة؟

قال: في أعلاها درجة وأشرفها مكانا في جنة عدن، قال: صدقت واللّه إنه لبخط

ص: 183

هارون وإملاء موسى.

ثم قال: فمن ينزل بعده في منزله؟

:قال اثنا عشر إماماً، قال: صدقت واللّه إنه لبخط هارون وإملاء موسى.

ثمّ قال: السابعة فأسلم: كم يعيش وصيه بعده؟

قال: ثلاثين سنة.

قال : ثمّ مه ؟ يموت أو يقتل؟

قال: يقتل يضرب على قرنه فتخضب لحيته.

قال: صدقت واللّه إنّه لبخط هارون وإملاء موسى». (1)

[10]- ثمّ قال الصدوق: وقد أخرجت هذا الحديث من طرق في كتاب (الأوائل).

[11]- وأورده الصدوق (رضیَ اللّهُ عنهُ) في كتاب (عيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)) أيضاً بهذا السند، ثمّ قال: ولهذا الحديث طرق أخر أخرجتها في كتاب (كمال الدين وتمام النعمة في إثبات الغيبة وكشف الحيرة). (2)

[12] وأورده في كتاب (كمال الدين) في باب 26 ما أخبر به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن وقوع الغيبة بالقائم الثاني عشر من الأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ)، و قال: حدّثنا أبي، ومحمّد ابن الحسن (رضیَ اللّهُ عنهُ) قالا حدّثنا سعد بن عبد اللّه، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحكم بن مسكين الثقفي عن صالح، عن الإمام جعفر بن محمّد (عَلَيهِما السَّلَامُ).. وذكر الحديث كما في (الخصال) إلا إنّه قال في آخره: «... فأسلم اليهودي». (3)

ص: 184


1- الخصال: 476.
2- عيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : 57/2.
3- كمال الدين: 300.

[13] وأورده بطريق آخر، قال: أخبرنا أبو سعيد محمّد بن الفضل بن محمّد بن إسحاق المذكر بنيسابور قال: حدّثنا أبو يحيى زكريا بن يحيى بن الحارث البزاز قال: حدّثنا عبد اللّه بن مسلم الدمشقي قال: حدّثنا إبراهيم بن يحيى الأسلمي المديني الدمشقي عن عمّار بن خريز (1) عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال:

«شهدنا الصلاة على أبي بكر ثمّ اجتمعنا إلى عمر بن الخطاب فبايعناه، وأقمنا أياماً نختلف إلى المسجد إليه [حتّى سموه أمير المؤمنين ] (2) فبينا نحن عنده جلوس يوماً، إذ جاءه يهودي من يهود المدينة، وهم يزعمون أنه من ولد هارون أخي موسى (عَلَيهِما السَّلَامُ)، حتّى وقف على عمر، فقال له: يا أمير المؤمنين، أيكم أعلم بعلم نبيكم و بكتاب ربكم، حتّى أسأله عمّا أريد؟ قال: فأشار عمر إلى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ).

فقال له اليهودي : أكذلك أنت يا علي ؟ فقال : نعم سل عما تريد.

قال: إنّي أسألك عن ثلاث وعن ثلاث وعن واحدة؟

فقال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لم لا تقول: إني أسألك عن سبع ؟

قال له اليهودي: أسألك عن ثلاث، فإن أصبت فيهنّ سألتك عن الثلاث الأخر، فإن أصبت فيهنّ سألتك عن الواحدة، وإن أخطأت في الثلاث الأولى لم أسألك عن شيء.

فقال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وما يدريك إذا سألتني فأجبتك أخطأت أم أصبت؟

قال: فضرب يده إلى كمه فأخرج كتاباً عتيقاً، فقال: هذا ورثته عن آبائي وأجدادي إملاء موسى بن عمران و خط هارون، وفيه هذه الخصال التي أريد أن أسألك عنها.

ص: 185


1- قال المؤلّف : في نسخة بدل (جوير) وفي أخرى (جوين). أقول: هو عمارة بن جوين -تجيم مصغّر - أبو هارون العبدي شيعي تابعي ضعفه العامة لتشيعه، وما ذكر آنفاً هو تصحيف الجوين.
2- في الأصل (في سفره) وهي لا تستقيم مع سياق النص، وما أثبتناه من المطبوع.

فقال له على (عَلَيهِ السَّلَامُ): أنّ لي عليك إن أجبتك فيهنّ بالصواب أن تسلم.

فقال اليهودي: واللّه لئن أجبتني فيهنّ بالصواب لأسلمن الساعة على يديك.

فقال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سل.

قال: أخبرني عن أوّل حجر وضع على وجه الأرض؟ وأخبرني عن أول شجرة نبتت على وجه الأرض؟ وأخبرني عن أوّل عين نبعت على وجه الأرض؟

فقال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا يهودي، أما أوّل حجر وضع على وجه الأرض فإنّ اليهود يزعمون أنها صخرة بيت المقدس، وكذبوا، ولكنه الحجر الأسود نزل به آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) معه من الجنة فوضعه في ركن البيت والناس يتمسحون به ويقبلونه ويجددون العهد والميثاق فيما بينهم وبين اللّه (عزّوجلّ)، قال اليهودي: اشهد باللّه لقد صدقت.

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ): وأمّا أوّل شجرة نبتت على وجه الأرض فإن اليهود يزعمون أنّها الزيتونة، وكذبوا، ولكنّها النخلة من العجوة نزل بها آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) معه من الجنة وبالفحل فأصل النخلة كله من العجوة، قال له اليهودي: أشهد باللّه لقد صدقت.

قال له على (عَلَيهِ السَّلَامُ): وأمّا أوّل عين نبعت على وجه الأرض فإنّ اليهود يزعمون أنّها العين التي نبعت تحت صخرة بيت المقدس، وكذبوا، ولكنّها عين الحيوان التي نسي عندها صاحب موسى السمكة المالحة فلما أصابها ماء العين عاشت وشربت فأتبعها موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) وصاحبه فلقيا الخضر، قال اليهودي: أشهد باللّه لقد صدقت.

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سل عن الثلاث الأخر ؟

قال: أخبرني عن هذه الأمة كم لها بعد نبيها من إمام عدل؟ وأخبرني عن منزل محمّد أين هو من الجنة؟ ومن يسكن معه في منزله؟

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا يهودي، يكون لهذه الأمة بعد نبيها اثنا عشر إماماً عدلاً، لا يضرهم خلاف من خالفهم قال له اليهودي: أشهد باللّه لقد صدقت.

ص: 186

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ومنزل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من الجنة في جنة عدن، وهي وسط الجنان وأقربها من عرش الرحمن جلّ جلاله قال له اليهودي: أشهد باللّه لقد صدقت.

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : والذين يسكنون معه في الجنة هؤلاء الأئمة الاثنا عشر، قال له اليهودي: أشهد باللّه لقد صدقت.

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سل عن الواحدة ؟

قال: أخبرني عن وصي محمّد في أهله كم يعيش بعده؟ وهل يموت موتاً أو يقتل قتلاً؟

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا يهودي، يعيش بعده ثلاثين سنة، وتخضب منه هذه من هذا - وأشار إلى لحيته ورأسه-.

قال: فوثب إليه اليهودي فقال: أشهد أن لا إله إلا اللّه، وأشهد أن محمّداً رسول اللّه، وأنّك وصي رسول اللّه»(1).

[14] - ورواه الصدوق أيضاً بطريق آخر، قال حدّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن قالا: حدّثنا سعد بن عبد اللّه و محمّد بن يحيى العطار، وأحمد بن إدريس جميعاً، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي، ويعقوب بن يزيد، وإبراهيم بن هاشم جميعاً، عن ابن فضال، عن أيمن ابن محرز الحضرمي عن محمّد بن سماعة الكندي، عن إبراهيم بن يحيى المدني، عن أبي عبد

اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال:

«لمّا بايع الناس عمر بعد موت أبي بكر، أتاه رجل من شباب يهود كذا، وهو في المسجد، فسلم عليه والناس حوله، فقال: يا أمير المؤمنين، دلني على أعلمكم باللّه وبرسوله وبكتابه وبسنته، فأومأ بيده إلى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال: هذا، فتحوّل الرجل إلى علي فسأله أنت كذلك؟ فقال: نعم.

ص: 187


1- كمال الدين: 294.

فقال: إنّي أسألك عن ثلاث وثلاث وواحدة.

فقال له أمير المؤمنين: أفلا قلت عن سبع ؟

فقال اليهودي: لا إنّما أسألك عن ثلاث فإن أصبت فيهن سألتك عن ثلاث بعدها، وإن لم تصب لم أسألك.

فقال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: أخبرني إن أجبتك بالصواب والحق تعرف ذلك؟ - وكان الفتى من علماء اليهود وأحبارها يرون أنه من ولد هارون بن عمران أخي موسى (عَلَيهِما السَّلَامُ) -.

فقال: نعم.

فقال له أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : باللّه الذي لا إله إلا هو لئن أجبتك بالحق والصواب لتسلمن، ولتدعنّ اليهودية؟

فحلف اليهودي وقال: ما جئتك إلا مرتاداً أريد الإسلام.

فقال: يا هاروني، سل عمّا بدا لك تخير.

قال: أخبرني عن أوّل شجرة نبتت على وجه الأرض؟ وعن أول عين نبعت على وجه الأرض؟ وعن أوّل حجر وضع على وجه الأرض؟

فقال له أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أما سؤالك عن أوّل شجرة نبتت على وجه الأرض فإنّ اليهود يزعمون أنها الزيتونة، وكذبوا، إنّما هي النخلة وهي العجوة هبط بها آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) معه من الجنة، فغرسها وأصل النخل كله منها.

وأمّا قولك: أوّل عين نبعت على وجه الأرض فإنّ اليهود يزعمون أنها العين التي ببيت المقدس تحت الحجر، وكذبوا هي عين الحيوان التي انتهى موسى وفتاه إليها فغسل فيها السمكة المالحة،فحييت وليس من ميت يصيبه ذلك الماء إلا حيي و حي، وكان الخضر على مقدمة ذي القرنين يطلب عين الحياة فوجدها الخضر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وشرب منها ولم

ص: 188

يجدها ذو القرنين.

و أمّا قولك: أوّل حجر وضع على وجه الأرض فإنّ اليهود يزعمون أنه الحجر الذي في بيت المقدس، وكذبوا، إنما هو الحجر الأسود هبط به آدم اللّه معه من الجنة فوضعه على الركن والناس يستلمونه، وكان أشد بياضاً من الثلج فاسود من خطايا بني آدم.

قال: فأخبرني كم لهذه الأمة من إمام هدى هادين مهديين، لا يضرهم خذلان من خذلهم؟ وأخبرني أين منزل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في الجنة ؟ ومن معه من أمته في الجنة؟

قال: أمّا قولك: كم لهذه الأمة من إمام هدى هادين مهديين، لا يضرهم خذلان من خذلهم، فإنّ لهذه الأمة اثني عشر (1) إماماً هادين مهديين، لا يضرهم خذلان من خذلهم.

وأمّا قولك: أين منزل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، في الجنة ففي أفضلها وأشرفها جنة عدن.

وأمّا قولك: من معه في الجنة من أمته، فهؤلاء الاثنا عشر أئمة الهدى.

قال الفتى: صدقت فو اللّه الذي لا إله إلا هو إنّه لمكتوب عندي بإملاء موسى وخط هارون بيده، قال: فأخبرني كم يعيش وصي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من بعده؟ وهل يموت موتاً أو يقتل قتلاً؟

قال له [ علي ] (عَلَيهِ السَّلَامُ): ويحك يا هاروني أنا وصي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أعيش بعده ثلاثين سنة لا أزيد يوماً ولا أنقص يوماً، ثمّ ينبعث أشقاها أشقى من عاقر ناقة ثمود فيضربني ضربة ها هنا في مفرقي فتخضب منه لحيتي، ثمّ بكى بكاءاً شديداً.

قال: فصرخ الفتى وقطع كستيجه وقال أشهد أن لا إله إلا اللّه، وأشهد أن محمّداً رسول اللّه، وأنك وصي رسول اللّه». (2)

ص: 189


1- كذا في الأصل، وفي المصدر: (اثنا عشر).
2- كمال الدين: 297.

ثم قال الصدوق: قال أبو جعفر العبدي،رفعه، قال: هذا الرجل اليهودي أقر له من بالمدينة أنه أعلمهم، وأن أباه كان كذلك فيهم. (1)

[15] ورواه الصدوق أيضاً بطريق آخر، قال: حدّثنا محمّد بن علي ما جيلويه (رضیَ اللّهُ عنهُ) قال: حدّثنا محمّد بن أبي القاسم عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن عبد اللّه بن القاسم، عن حيان السراج، عن داود بن سليمان الكتابي، عن أبي الطفيل قال: «شهدت جنازة أبي بكر يوم مات... ثمّ ذكر الحديث»

كما رواه الكليني (رضیَ اللّهُ عنهُ) عن أبي الطفيل. (2)

[16] ورواه الصدوق أيضاً بطريق آخر، قال: حدّثنا أبيه قال: حدّثنا عبد اللّه ابن جعفر الحميري، عن محمّد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن أبي يحيى المدايني، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال:

«جاء يهودي إلى عمر يسأله عن مسائل، فأرشده إلى علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليسأله، فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : [سل].

فقال: أخبرني كم يكون بعد نبيكم من إمام عدل؟ وفي أيّ جنة هو ؟ ومن يسكن معه في جنته؟

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا هاروني، لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بعده اثنا عشر إماماً عدلاً، لا يضرهم خذلان من خذلهم ولا يستوحشون بخلاف من خالفهم، أثبت في دين اللّه من الجبال الرواسي، ومنزل محمّد في جنة عدن، والذين يسكنون معه هؤلاء الاثنا عشر إماماً.

فأسلم الرجل وقال: أنت أولى بهذا المجلس من هذا أنت الذي تفوق ولا تفاق وتعلو ولا تعلى». (3)

ص: 190


1- كمال الدين: 299.
2- كمال الدين: 299.
3- كمال الدين: 300.

[17]- ورواه العالم الجليل أبو عبد اللّه محمّد بن إبراهيم الكاتب النعماني (رضیَ اللّهُ عنهُ) ، أورده في كتاب (الغيبة) في باب ما روي في أنّ الأئمة اثنا عشر إماماً، قال: حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة الكوفي، قال:

حدّثنا محمّد بن المفضل بن إبراهيم بن قيس بن رمانة الأشعري من كتابه، قال: حدّثنا إبراهيم بن مهزم، قال: حدّثنا خاقان بن سليمان الخزاز، عن إبراهيم بن أبي يحيى المدني، عن أبي هارون العبدي، عن عمر بن أبي سلمة ربيب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وعن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال :قالا

«شهدنا الصلاة على أبي بكر حين مات فبينما (1) نحن قعود حول عمر، وقد بويع إذ جاءه فتى يهودي من يهود المدينة كان أبوه عالم اليهود بالمدينة وهم يزعمون أنه [من] ولد هارون، فسلّم على عمر، وقال: يا أمير المؤمنين أيكم أعلم بكتابكم وسنة نبيكم؟ فقال عمر : هذا وأشار إلى علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وقال: هذا أعلمنا بكتابنا و [ سُنّة ] نبينا. فقال الفتى أخبرني أأنت كذا؟

قال: نعم، سلني عن حاجتك.

فقال: إنّي أسألك عن ثلاث وثلاث وواحدة.

قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أفلا تقول: أسألك عن سبع ؟

فقال الفتى: لا، ولكن أسألك عن الثلاث فإن أصبت فيهنّ سألتك عن الثلاث الآخر، فإن أصبت فيهن سألتك عن الواحدة، فإن لم تصب في الثلاث الأول سكتُّ ولم أسألك عن شيء.

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا يهودي، فإن أخبرتك بالصواب وبالحق تعلم أنّي أخطأت أو أصبت؟ قال: نعم.

ص: 191


1- قال المؤلّف: في نسخة بدل (فينا).

قال علي: فباللّه لئن أصبت فيها تسألني عنه لتسلمن ولتدعنّ اليهودية.

قال: نعم، لك اللّه علي لئن أصبت لأسلمنّ ولأدعنّ اليهودية.

قال: فاسأل عن حاجتك.

قال: أخبرني عن أوّل حجر وضع في الأرض(1)؟ وأول شجرة نبتت في الأرض؟ وأوّل عين نبعت في الأرض؟

قال علي: يا يهودي، أمّا أوّل حجر وضع على وجه الأرض فإنّ اليهود يقولون الصخرة التي في بيت المقدس، وكذبوا ولكنه الحجر الأسود، نزل به آدم من الجنة فوضعه في الركن والمؤمنون يستلمونه ليجددوا العهد والميثاق للّه (عزّوجلّ) بالوفاء.

و أمّا قولك أوّل شجرة نبتت في الأرض فإنّ اليهود يقولون: الزيتونة، وكذبوا، ولكنّها النخلة العجوة نزل بها آدم من الجنة والنخل(2)، فأصل الثمرة(3) كلها العجوة.

وأمّا العين فإنّ اليهود يقولون بأنها العين التي تحت الصخرة، وكذبوا، ولكنّها عين الحياة التي لا يغمس فيها ميت إلا حيي وهي عين موسى التي نسي عندها السمكة المملوحة فلما مسها الماء عاشت واستربت (4) في البحر فأتبعها موسى وفتاه حين لقيا الخضر.

فقال الفتى: أشهد أنك قد صدقت وقلت الحق، وهذا كتاب ورثته عن آبائي إملاء موسى وخط هارون بيده وفيه هذه (5) الخصال السبع، واللّه لئن أصبت في بقية السبع لأدعن ديني وأتبعن دينك. فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سل.

فقال: أخبرني كم لهذه الأمة بعد نبيّها من إمام هدى لا يضرهم خذلان من خذلهم؟ وأخبرني عن موضع محمّد في الجنة أيّ موضع هو؟ وكم مع محمّد في منزلته؟

ص: 192


1- قال المؤلّف: في نسخة بدل (وضع على وجه الأرض).
2- كذا وفي المصدر: (وبالفحل).
3- قال المؤلّف: في نسخة بدل (التمرة).
4- قال المؤلّف: في نساحة بدل (فانسريت).
5- كذا في الأصل، وفي المصدر: (هذا).

فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا يهودي، لهذه الأمة اثنا عشر إماماً مهدياً كلهم هاد مهدي لا يضرهم خذلان من خذلهم، وموضع محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في أفضل منازل جنّة عدن، وأقربها من اللّه وأشرفها، وأمّا الذي مع محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في منزلته فالاثنا عشر الأئمة المهديين (1).

قال اليهودي: أشهد أنك قد صدقت وقلت الحق، لئن أصبت في الواحدة كما أصبت في السنة لأسلمنّ الساعة على يدك، ولأدعن اليهودية.

قال له: اسأل.

قال: أخبرني عن خليفة محمّد كم يعيش بعده؟ ويموت موتاً أو يقتل قتلاً؟

قال: يعيش بعده ثلاثين سنة ويخضب هذه من هذه - وأخذ بلحيته وأوماً إلى رأسه - فقال الفتى: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمّداً رسول اللّه، وأنك خليفة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على الأمة، ومن تقدّم عليك كاذب مفتر(2)، ثمّ خرج». (3)

[18] - ورواه العالم الفاضل أبو عبد اللّه أحمد بن محمّد بن عبيد اللّه بن الحسن بن عياش الجوهري، أورده في كتاب (مقتضب الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر) قال (رضیَ اللّهُ عنهُ) في مفتتح هذا الكتاب ما هذا لفظه وقد ذكرت في كتابي هذا من مقتضب الآثار ما أدته إلينا رواة الحديث من مخالفينا من النص على أئمتنا (عَلَيهِم السَّلَامُ) من الروايات الصحيحة والتوقيف (4) على أسمائهم وأعيانهم وأعدادهم موافقاً لرواياتنا، فنقلته عنهم نقل متلوّ له بالقبول، لشهادتهم لنا بتصديقنا(5)... إلى آخر كلامه (رضیَ اللّهُ عنهُ) ، وأورد الأخبار.. إلى أن قال: وما رووه في مسائل اليهودي الوارد إلى المدينة في أيام عمر ومسائله لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)

ص: 193


1- كذا وفي المصدر : (المهديون)، وهو الأصح.
2- كذا وفي المصدر: (ومن تقدم كان مفترياً).
3- كتاب الغيبة: 97.
4- قال المؤلّف: في نسخة بدل (والتوفيق).
5- مقتضب الأثر : 1.

وفيها الاثنا عشر وصي (1) بعد محمّد صلى اللّه عليه وعليهم.

حدّثني أبو علي [ الحسن بن علي ] السلمي قال: حدّثنا أحمد بن أيوب بن محمّد، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى الأزدي، قال: حدّثنا سعيد بن عامر، عن جعفر بن سليمان عن أبي هارون العبدي، عن عمر بن أبي سلمة قال:

«شهدت مشهداً ما شهدت مثله كان أعجب عندي، ولا أوقع على قلبي منه، قال: فقيل : يا أبا جعفر، فما ذاك؟ قال: لما مات أبو بكر أقبل الناس يبايعون عمر بن الخطاب إذ أقبل يهودي قد أقر له بالمدينة يهودها إنّه أعلمهم، وكذلك كان أبوه من قبل فيهم فقال: يا عمر من أعلم هذه الأمة بكتاب اللّه وسنة نبيه ؟ فأشار بيده إلى علي بن أبي طالب ال قال: فأتاه اليهودي فقال: يا علي أنت كما زعم عمر [بن الخطاب ]؟ فقال له: وما زعم؟ فقال له: يزعم أنك أعلم هذه الأمة بكتاب اللّه وسنّة نبيه.

فقال له يا يهودي سل عمّا بدا لك تخبر إن شاء اللّه.

فقال: إنّي سائلك عن ثلاث وثلاث وواحدة.

فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ولمَ لا تقول سبعاً؟

فقال له: لا أقول سبعاً، ولكن أسئلك عن ثلاث فإن أجبتني فيهن سألتك عما بعدهنّ، وإلا علمت أنه ليس فيكم عالم، ومضيت.

فقال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فأني سائلك بإلهك الذي تعبده إن أجبتك في كل ما سألتني لتدعنّ دينك، ولتدخلنّ في ديني ؟

فقال له اليهودي: ما جئت إلا للإسلام.

فقال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سل عما شئت.

ص: 194


1- كذا، وفي المصدر: (أئمة).

فقال له: أخبرني عن أول قطرة دم قطرت على وجه الأرض أي شيء هو؟ وأخبرني عن أوّل عين فاضت على وجه الأرض أي عين هي؟ وأوّل شجرة اهتزت على وجه الأرض أيّ شجرة هي؟

فقال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا هاروني، أما أنتم فتقولون: أوّل قطرة دم قطرت على وجه الأرض حين (1) قتل ابن آدم أخاه، وليس هو كما تقولون، ولكن أقول: أول قطرة قطرت على وجه الأرض حين طمثت حواء وذلك قبل أن تلد ابنها شيئاً، قال: صدقت.

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أمّا أنتم فتقولون : إنّ أوّل شجرة اهتزت على وجه الأرض الشجرة التي كان منها سفينة نوح وهي الزيتونة، وليس هو كما تقولون، ولكنها العمة التي نزلت مع آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الجنة وهي العجوة، ومنها يتفرق ما ترى من أنواع النخل، قال: صدقت.

قال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ): أمّا أنتم فتقولون: إنّ أوّل عين فاضت على وجه الأرض عين البقور، وهي العين التي تكون في بيت المقدس، وليس هو كما تقولون، ولكنها عين الحياة التي وقف عليها موسى بن عمران وفتاه ومعهم النون المالحة فسقطت فيها فحييت، وكذلك ماء تلك العين لا يصيب شيء منها إلا حبي، وكذلك كان الخضر (عَلَيهِ السَّلَامُ) على مقدمة ذي القرنين في طلب عين الحياة فأصابها الخضر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فشرب منها، وجاء ذو القرنين يطلبها فعدل عنها قال: صدقت، والذي لا إله إلا هو إنّي لأجده في كتاب أبي هارون بن عمران كتبه بيده وإملاء موسى بن عمران.

قال: فأخبرني عن الثلاث الأخر أخبرني عن محمّد كم له من إمام؟ وأيّ جنة يسكن ومن ساكنها معه؟ وعن أوّل حجر هبط إلى الأرض؟

فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا هاروني، إن لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) اثني عشر إماماً عدلاً لا يضرهم خذلان من خذلهم ولا يستوحشون الخلاف من خالفهم، أرسب في الدين من الجبال

ص: 195


1- قال المؤلّف: في نسخة بدل (حيث).

الراسيات في الأرض، وإن مسكن محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في جنة عدن التي قال اللّه (عزّوجلّ) : كن [فيها ]،فكان وفيها انفجرت أنهار الجنّة، وسكان محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في جنته أولئك الاثنا عشر إمام عدل، وأوّل حجر هبط فأنتم تقولون هي الصخرة التي في بيت المقدس، وليس كما تقولون، ولكنّه الذي في بيت اللّه الحرام هبط به جبرئيل إلى الأرض وهو أشد بياضاً من الثلج، فاسود من خطايا بني آدم.

فقال له اليهودي: صدقت والذي لا إله إلا هو إنّي لأجدها في كتاب أبي هارون وإملاء موسى، فقال اليهودي وبقيت واحدة، وهي أخبرني عن وصي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كم يعيش؟ وهل يموت أو يقتل؟

فقال له علي يا يهودي، وصي محمّد أنا أعيش بعده ثلاثين سنة لا أزيد يوماً واحداً ولا أنقص يوماً واحداً، ثمّ ينبعث أشقاها شقيق عاقر ناقة ثمود، فيضربني ضربة ها هنا في قرني، فيخضب لحيتي، قال: وبكى [علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ] بكاءاً شديداً.

قال: فصاح اليهودي وأقبل يقول : أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّد عبده ورسوله، وأشهد يا علي أنك وصي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وأنه ينبغي لك أن تفوق ولا تفاق، وأن تعظم ولا تستضعف، وأن تقدَّم ولا يتقدَّم عليك، وأن تطاع فلا تعصى وإنّك لأحق بهذا المجلس من غيرك، وأما أنت يا عمر فلا صليت خلفك أبداً، فقال له علي: كف يا هاروني، من صوتك، ثمّ أخرج الهاروني من كمّه كتاباً مكتوباً بالعبرانية، فأعطاه علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) فنظر فيه علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فبكى.

فقال له الهاروني: ما يبكيك؟

قال له علي (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا هاروني، هذا اسمي فيه مكتوب.

فقال له: يا علي ! اقرأ اسمك في أي موضع هو مكتوب فإنّه كتاب بالعبرانية وأنت رجل عربي ؟! فقال له على (عَلَيهِ السَّلَامُ): ويحك يا هارون هذا اسمي أتى في التوراة سمي هابيل،

ص: 196

وفي الإنجيل حيدار.

فقال له اليهودي: صدقت والذي لا إله إلا هو، إنّه لخط أبي هارون وإملاء موسى ابن عمران توارثته الآباء حتّى صار إلي.

قال: فأقبل علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يبكي ويقول : الحمد للّه الذي لم يجعلني عنده منسياً، الحمد للّه الذي أثبتني في صحف الأبرار، ثمّ أخذ علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بيد الرجل فمضى إلى منزله، فعلمه فعال (1) الخير وشرايع الإسلام». (2)

يقول شير محمّد الهمداني: ذكر السيد الجليل علي بن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ) في كتاب (الطرائف) ص 43 من المطبوعة، ما هذا لفظه وقد رأيت تصنيفاً لأبي عبد اللّه أحمد بن محمّد بن عبيد اللّه بن عياش اسم التصنيف (مقتضب الأثر في إمامة الاثني عشر)، وهو نحو أربعين ورقة في النسخة التي رأيتها، يذكر فيها أحاديث عن نبيهم محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بإمامة الاثني عشر من قريش بأسمائهم من رواية الأربعة مذاهب. (3)

[19]- يقول شير محمّد : وأورد حديث الهاروني شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي (رضیَ اللّهُ عنهُ) في كتاب (الغيبة) نقلا عن الكليني (رضیَ اللّهُ عنهُ). (4)

[20]- وأورده أمين الإسلام الطبرسي (رضیَ اللّهُ عنهُ) في كتاب (أعلام الورى) أيضاً نقلاً عن – الكليني (رضیَ اللّهُ عنهُ) . (5)

[21]- وأورده الشيخ الرئيس المفيد عبيد اللّه بن عبد اللّه السّدآبادي (رضیَ اللّهُ عنهُ) في كتاب (المقنع في الإمامة) قال:

ص: 197


1- قال المؤلّف: في نسخة بدل (معالم).
2- مقتضب الأثر: 14.
3- الطرائف: 172.
4- الغيبة: 152.
5- أعلام الورى: 2167.

حكي عن أبي هارون العبدي إنه قال:

«لمّا مات أبو بكر وجلس عمر بن الخطاب اجتمع المسلمون حوله، فأتاه يهودي في نفر منهم قال يا عمر، أنت خليفة محمّد في أهله وأنت أعلم هذه الأمة بكتاب نبيها؟ قال: فسكت عنه ساعة، ثمّ قال: لا.

قال: فمن أعلم هذه الأمة بكتاب نبيها؟ ومن خليفته في أهله؟ فأشار عمر بيده إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).

فقال اليهودي يا علي، أنت خليفة محمّد في أهله وأعلم أمته بكتاب نبيها؟

قال: نعم، فسل عمّا بدا لك.. إلى أن قال: فأخبرني كم للمسلمين من إمام هدى لا يستوحشون من خالفهم، ولا يبالون من ناواهم؟ قال: هم اثنا عشر إماماً، سكان محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في جنته، ولا يساكنه فيها غيرهم.

قال: صدقت وبررت.. إلى أن قال: ثمّ أخرج صحيفة كانت معه، قال لأصحابه اليهود: أنشدكم أتعلمون أني من هارون وأن عمي موسى (عَلَيهِما السَّلَامُ)؟ قالوا: نعم، قال: أتعلمون إنّ هذه الصحيفة نتوارثها كابراً عن كابر؟ قالوا نعم، قال: هذا واللّه إملاء موسی و خط هارون بیده نتوارثه، ثمّ أسلم ومن كان معه، وشهد مع أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الجمل وصفين، وقتل بين يديه بصفين (رضیَ اللّهُ عنهُ)». (1)

وقال في مفتتح هذا الكتاب: هذا كتاب صنّفته في الإمامة واختصرته غاية الاختصار، إشفاقاً من الملالة والإضجار، سلكت فيه غير مسلك المتكلّمين في تدقيق الكلام رجاء أن يلطف به ويقرب فهمه، وجمعت فيه ما لا يمكن إنكاره إنّه ظاهر مشهور لا خاف مغمور، وسمّيته ب(المقنع في الإمامة)... إلى آخر كلامه (رضیَ اللّهُ عنهُ). (2)

ص: 198


1- المقنع في الإمامة: 85-88.
2- المقنع في الإمامة: 44.

[22] - وذكر العالم الفاضل الشيخ سليمان القندوزي في الباب 77 من كتاب (ينابيع المودّة) نقلاً من كتاب (مودة القربى) للسيد علي الهمداني قدس اللّه سره، قال: وعن عباية ابن ربعي عن جابر قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

«أنا سيد النبيين، وعلي سيّد الوصيين، وإن أوصيائي بعدي اثنا عشر، أوّلهم علي، وآخرهم القائم المهدي». (1)

[23]- وعن سليم بن قيس الهلالي، عن سلمان الفارسي (رضیَ اللّهُ عنهُ) قال:

«دخلت على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فإذا الحسين على فخذيه، وهو يقبل خديه ويلثم فاه، ويقول: أنت سيد ابن سيّد أخو سيّد، وأنت إمام ابن إمام أخو إمام، وأنت حجّة ابن حجّة أخو حجّة، أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم المهدي».

أيضاً أخرجه الحمويني، وموفق بن أحمد الخوارزمي. (2)

[24]- يقول شير محمّد هذا الحديث أورده الصدوق (رضیَ اللّهُ عنهُ) في كتاب (كمال الدين )(3) و (الخصال) (4) بإسناد ذكره عن أبان بن تغلب عن سليم بن قيس الهلالي، عن سلمان الفارسي (رضیَ اللّهُ عنهُ).

[25] وأورده الخزاز في كتاب (الكفاية في النصوص) نقلاً عن الصدوق. (5)

[26] ثمّ قال :القندوزي : وعن ابن عباس (رضیَ اللّهُ عنهُ) قال: سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول:

«أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون».

أيضاً أخرجه الحمويني. (6)

ص: 199


1- مودة القربى: 29، ينابيع المودة: 291/3.
2- ينابيع المودة: 291/3.
3- كمال الدين: 262.
4- الخصال: 474.
5- كفاية الأثر: 46.
6- ينابيع المودة: 291/3.

[27] وأورده الشيخ الرئيس في أواخر كتاب (المقنع)، قال: وأما روايات الخاصة وهم الإمامية، فالخير المجمع عليه خبر اللوح.. إلى أن قال: ومثله خبر سلمان (رضیَ اللّهُ عنهُ) ، قال:

«دخلت على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يوماً والحسين على فخذه. قال لي: يا سلمان، إن ابني هذا سيد وابن سيد أبو سادات، وحجّة وابن حجّة وأبو حجج، وإمام وابن إمام وأبو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم».

[28]- يقول شير محمّد : هذا الحديث أيضاً أورده الصدوق (1) والخزاز (2) في الكتابين.

[29]- ثمّ قال القندوزي وعن علي كرم اللّه وجهه قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

«من أحب أن يركب سفينة النجاة، ويستمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل اللّه المتين، فليوال علياً وليعاد عدوه، وليأتم بالأئمة الهداة من ولده، فإنّهم خلفائي وأوصيائي، وحجج اللّه على خلقه من بعدي، وسادات أمتي، وقواد الأتقياء إلى الجنة، حزبهم حزبي، وحزبي حزب اللّه، وحزب أعدائهم حزب الشيطان». (3)

يقول شير محمّد: قد تقدم نقل هذا الحديث بلفظه من طريق الصدوق (4)، وأمّا ما يوافق معناه فقد رواه الإمامية بطرق كثيرة كما تقدم.

[30] - ثمّ قال القندوزي: وعن علي كرم اللّه وجهه قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ):

«الأئمة من ولدي، فمن أطاعهم فقد أطاع اللّه، ومن عصاهم فقد عصى اللّه، هم العروة الوثقى، والوسيلة إلى اللّه جلّ وعلا». (5)

ص: 200


1- كمال الدين: 280.
2- كفاية الأثر : 19.
3- ينابيع المودة: 291/3.
4- أمالي الصدوق: 70.
5- ينابيع المودة: 292/3.

يقول شير محمّد: استفاضت الروايات من طرق الإمامية بنحو هذا الحديث، ورواه الصدوق بعين لفظه في كتاب (عيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)) في باب 30 ما جاء عن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الأخبار المجموعة إلا أنه قال: الأئمة من ولد الحسين (1).

هذه جملة من الأخبار الواردة في إمامة الأئمة الاثني عشر (عَلَيهِم السَّلَامُ) التي رواها الخاصة والعامة، وأما التي تفرد بروايتها الإمامية، فهي أكثر من أن تحصى، وأظهر وأشهر من أن تخفى.

خبر جامع في فضل الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) وصفاته

ولنختم هذه الأخبار بخبر جامع في فضل الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني (رضیَ اللّهُ عنهُ) في أوائل كتاب الحجة من (الكافي):

باب نادر جامع في فضل الإمام،وصفاته، أبو محمّد القاسم بن العلاء - (عَلَيهِ السَّلَامُ) – رفعه، عن عبد العزيز بن مسلم قال:

«كنا مع الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) بمرو، فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأداروا أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيّدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأعلمته خوض الناس فيه، فتبسم (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ قال : يا عبد العزيز، جهل القوم وخدعوا من أديانهم (2)، إن اللّه (عزّوجلّ) لم يقبض نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حتّى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شيء، بيّن فيه الحلال والحرام، والحدود والأحكام، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملاً، فقال (عزّوجلّ) : «مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيء» (3) وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ

ص: 201


1- عيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): 63/1.
2- قال المؤلّف : في نسخة بدل (عن آرائهم).
3- سورة الأنعام: 38.

دِينَكُمْ وَالمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً» (1) وأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمض (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حتّى بين لأمته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحق، وأقام لهم علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) على إماماً، وما ترك [لهم] شيئاً يحتاج إليه الأمة إلا بينه، فمن زعم أنّ اللّه (عزّوجلّ) لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب اللّه، ومن ردّ كتاب اللّه فهو كافر به.

هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم إنّ الإمامة أجل قدراً وأعظم شأناً وأعلى مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم أو يتالوها بآرائهم، أو يقيموا إماماً باختيارهم، إنّ الإمامة خص اللّه بها إبراهيم الخليل (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة، وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره فقال: «إنّي جَاعِلُكَ للنَّاس إمَاماً»، فقال الخليل (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سروراً بها: «وَمِنْ ذُرِّيَّتي»، قال اللّه تبارك وتعالى: «لا يَنَالُ عَهْدي الظَّالِمينَ» (2)، فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة، وصارت في الصفوة، ثمّ أكرمه اللّه تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة، فقال: «وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافلة وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالحينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَإِمَّامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عابدين»(3)، فلم تزل في قريته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرنا حتّى ورثها اللّه (عزّوجلّ) النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فقال جل وتعالى: «إِنَّ أولى النَّاس بإبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللّه وَلِيُّ المُؤْمِنِينَ»(4)، فكانت له خاصة فقلّدها (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأمر اللّه على رسم

ص: 202


1- سورة المائدة: 3.
2- سورة البقرة: 124.
3- سورة الأنبياء: 72-73.
4- سورة آل عمران: 68.

ما فرض اللّه تعالى، فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم اللّه العلم والإيمان بقوله جلّ وعلا: «وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللّه إلَى يَوْمِ الْبَعْث». (1) فهي في ولد علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) خاصة إلى يوم القيامة، إذ لا نبي بعد محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فمن أين يختار هؤلاء الجهّال؟

إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء، ومواريث الأوصياء، إنّ الإمامة خلافة اللّه وخلافة الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) و مقام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و ميراث الحسن والحسين صلوات اللّه عليهما، إن الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا (2) وعز المؤمنين، إنّ الإمامة أس الإسلام النامي وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، وتوفير الفيء والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف.

الإمام يحلّ حلال اللّه، ويحرم حرام اللّه، ويقيم حدود اللّه، ويذب عن دين اللّه، ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، والحجّة البالغة، الإمام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهي في الأفق بحيث لا تنالها الأبدي والأبصار.

الإمام البدر المنير، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجى(3) وأجواز البلدان والقفار، ولحج البحار، الإمام الماء العذب على الظمأ والدّال على الهدى، والمنجي من الردى الإمام النار على اليفاع (4)، الحار لمن اصطلى به والدليل في المهالك، من فارقه فهالك، الإمام السحاب الماطر، والغيث الهاطل (5) والشمس المضيئة، والسماء الظليلة، والأرض البسيطة، والعين الغزيرة والغدير والروضة.

ص: 203


1- سورة الروم: 56.
2- قال المؤلّف: في نسخة بدل (الدين).
3- الفيهب: أي الظلمة وشدة السواد. وأجواز : جمع الجوز، وهو من كل شيء وسطه.
4- اليفاع أي ما ارتفع من الأرض.
5- الهاطل: أي المطر المتابع المتفرق العظيم القطر.

الإمام الأنيس الرفيق، والوالد الشفيق، والأخ الشقيق، والأم البرة بالولد الصغير ومفزع العباد في الداهية والنّاء(1)، الإمام أمين اللّه في خلقه، وحجته على عباده وخليفته في بلاده، والداعي إلى اللّه، والذابّ عن حرم اللّه الإمام المطهّر من الذنوب والمبرأ من العيوب، المخصوص بالعلم المرسوم بالحلم، نظام الدين وعز المسلمين وغيظ المنافقين وبوار الكافرين

الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحد، ولا يعادله عالم، ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهّاب.

فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام، أو يمكنه اختياره هيهات هيهات ضلّت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسئت العيون (2)، وتصاغرت العظماء، وتحيّرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألباء، وكلّت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت البلغاء، عن وصف شأن من شأنه، أو فضيلة من فضائله، وأقرّت بالعجز والتقصير، وكيف يوصف بكله، أو ينعت بكنهه، أو يفهم شيء من أمره، أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه لا كيف؟ وأنى؟ وهو بحيث النجم من يد المتناولين، ووصف الواصفين، فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا؟! أتظنون أنّ ذلك يوجد في غير آل الرسول محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كذبتهم واللّه أنفسهم، ومنّتهم الأباطيل، فارتقوا مرتقاً صعباً دحضاً، تزل عنه إلى الحضيض أقدامهم، راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة، وآراء مضلة، فلم يزدادوا منه إلا بعداً - وقال الصفواني في حديثه قاتلهم اللّه أنى يؤفكون،- ثمّ اجتمعا

ص: 204


1- كذا وفي المصدر: (والنآد).
2- الحلوم كالألباب أي العقول، وصلت، وتاهت وحاوت متقاربة المعاني. وخسئت: أي كلّت.

في الرواية - ولقد راموا صعباً، وقالوا إفكاً، وضلوا ضلالاً بعيداً، ووقعوا في الحيرة، إذ تركوا الإمام عن بصيرة، وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين، رغبوا عن اختيار اللّه واختيار رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وأهل بيته إلى اختيارهم والقرآن يناديهم : (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة من أمرهم سبحان اللّه وتعالى عما يشركون) (1) وقال: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّه وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخَيَرَةُ مِنْ أَمرهم»... الآية(2)، وقال: «مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ، أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لا تَخَيَّرُونَ، أَمْ لَكُمْ أَيْمَانُ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لما تَحْكُمُونَ سَلَهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ، أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ»(3).

وقال : «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوب أَقْفَالُها»(4) أم (طبع اللّه على قلوبهم فهم لا يفقهون) (5) أم«قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرِّ الدَّوَابٌ عندَ اللّه الصم البكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللّه فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرضُونَ» (6) أم «قالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا»(7) بل هو فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم، فكيف لهم باختيار الإمام؟! والإمام عالم لا يجهل، وداع (8) لا ينكل معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة، والعلم والعبادة، مخصوص بدعوة الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ونسل المطهرة البتول، لا مغمز فيه في نسب، ولا يدانيه ذو حسب، في

ص: 205


1- القول اقتباس من سورة القصص: 68.
2- سورة الأحزاب: 36.
3- سورة القلم: 36-41.
4- سورة محمّد: 24.
5- اقتباس من سورة التوبة: 87.
6- سورة الأنفال: 21-23.
7- سورة البقرة: 93.
8- قال المؤلّف: في نسخة بدل (راع).

البيت من قريش والذروة من هاشم، والعترة من الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والرضا من اللّه (عزّوجلّ)، شرف الأشراف، والفرع من عبد مناف، نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالإمامة، عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر اللّه (عزّوجلّ) ناصح لعباد اللّه، حافظ لدين اللّه.

إنّ الأنبياء والأئمة صلوات اللّه عليهم يوفقهم اللّه ويؤتيهم من مخزون علمه و حكمته ما لا يؤتيه لأحد غيرهم، فيكون علمهم فوق علم أهل زمانهم في قوله جلّ وتعالى: «أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَنْ لَا يَهْدِي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تحكمُونَ» (1) وقوله تبارك وتعالى: «وَمَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا» (2) وقوله في طالوت: «إِنَّ اللّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةٌ فِي العِلْمِ وَالجِسْمِ وَاللّه يُؤْتِ مُلكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللّه وَاسِعٌ عَلِيمٌ» (3) وقال النبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : (أنزل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل اللّه عليك عظيم) (4) وقال في الأئمة من أهل بيت نبيه وعترته وذريته صلوات اللّه عليهم «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّه مِنْ فَضْله فَقَدْ آتَيْنَا آل ِإبْرَاهِيمَ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلكًا عَظِياه فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً»(5).

وإن العبد إذا اختاره اللّه (عزّوجلّ) للأمور،عباده، شرح صدره لذلك، وأودع قلبه ينابيع الحكمة، وألهمه العلم إلهاما، فلم يعي بعده بجواب، ولا يحير فيه عن الصواب، فهو معصوم مؤيد موفق مسدد [ قد أمن] من الخطأ والزلل والعثار، يخصه اللّه بذلك ليكون حجته على عباده، وشاهده على خلقه، وذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو

ص: 206


1- سورة يونس: 35.
2- سورة البقرة: 269.
3- سورة البقرة: 247.
4- اقتباس من سورة النساء: 113.
5- سورة النساء: 54-55.

الفضل العظيم.

فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدمونه، تعدّوا -وبيت اللّه - الحق ونبذوا كتاب اللّه وراء ظهورهم كأنّهم لا يعلمون، وفي كتاب اللّه الهدى والشفاء، فنبذوه واتبعوا أهواءهم، فذمهم اللّه ومقتهم وأتعسهم فقال جل وتعالى: «وَمَنْ أَضَلُّ مِّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدى مَنَ اللّه إنَّ اللّه لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالمينَ»(1)، وقال: «تَمْساً لهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَاهُمْ»(2)، وقال: «كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللّه وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّه عَلَى كُلِّ قَلبِ مُنكَرِ جَبَّارٍ»(3)وصلى اللّه على النبي محمّد وآله وسلم». (4)

يقول شير محمّد الهمداني: هذا الحديث أورده الصدوق محمّد بن بابويه (رضیَ اللّهُ عنهُ) في آخر كتاب (المجالس)، قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل (رضیَ اللّهُ عنهُ) ، قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب، قال: حدّثنا أبو محمّد القاسم بن علي (5) عن عبد العزيز بن مسلم، قال:

«كنّا في أيام علي بن موسى الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) بمرو، فاجتمعنا في مسجد جامعها في.. إلى آخر قوله: «كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّه عَلَى كُلِّ قَلبِ مُنكَرٍ جَبَّارٍ»(6). (7)

وأورده الصدوق أيضاً في كتاب (عيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)) في باب ما جاء عن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) في وصف الإمامة والإمام ص 120 قال: حدّثنا أبو العباس محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رضیَ اللّهُ عنهُ) قال : حدّثنا أبو أحمد القاسم بن محمّد بن علي الهاروني

ص: 207


1- سورة القصص: 50.
2- سورة محمّد: 8.
3- سورة غافر: 35.
4- الكالي: 198/1.
5- كذا ورد اسم أبيه في الأصل وفي المطبوع (العلاء)، وفي غيرها أيضاً ورد باسم (مسلم).
6- سورة غافر: 35.
7- أمالي الصدوق: 773.

قال: حدّثني أبو حامد عمران بن موسى بن إبراهيم عن الحسن بن القاسم الرقام قال: حدّثني القاسم بن مسلم عن أخيه عبد العزيز بن مسلم قال:

«كنا في أيام علي بن موسى الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) بمرو فاجتمعنا في مسجد جامعها.. إلى آخر قوله: «كُل قَلب مُتَكَبِّرُ جَبَّار»»(1)

ثم قال الصدوق: وحدّثني بهذا الحديث محمّد بن محمّد بن عصام الكليني، وعلي ابن أحمد بن محمّد بن عمران الدقاق، وعلي بن عبد اللّه الوراق والحسن بن أحمد المؤدب والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب (رضیَ اللّهُ عنهُ) قالوا: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكليني قال: حدّثنا أبو محمّد القاسم بن العلا قال: حدّثنا القاسم بن مسلم عن أخيه عبد العزيز بن مسلم، عن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)، مثله سواء (2)

يقول الفقير إلى اللّه الغني شير محمّد بن صفر علي الهمداني الجورقاني: هذا آخر ما أردت إيراده في هذا المنتخب المجموع الموسوم ب«سند الخصام في ما انتخب من مسند الإمام أبي عبد اللّه أحمد بن محمّد الشيباني المروزي (رضیَ اللّهُ عنهُ)»، وما انتُخب من غير المسند مما رواه رواة أهل الإسلام، وأورده علماء الإسلام في كتبهم المعتمدة. واتفق لي الفراغ بعون اللّه تعالى، وحسن توفيقه في اليوم التاسع والعشرين من شهر صفر ختم بالخير والظفر من سنة 1383 ه ثلاث وثمانين بعد الثلاثمائة والألف من الهجرة المقدسة بمشهد سيدي ومولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه وعلى من يحبه أفضل وأكمل الصلاة والسلام، والحمد للّه كما هو أهله ومستحقّه.

ص: 208


1- عيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : 195/2.
2- عيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : 200/2.

الفهرسة الموضوعية

ص: 209

ص: 210

أصول الدين

التوحيد

الإیمان: 563، 591، 804، 1104، 1440، 2454، 2748، 2831، 2888، 4504.

الإيمان والكفر: 179، 217، 342، 414، 703، 729، 816، 1059،941، 1133، 1199، 1200، 1211، 1508، 1524، 1574، 1680، 1707، 1727، 1762، 1789، 2045، 2052، 2085، 2099، 2131، 2180، 2351، 2625، 2798، 2890، 2936، 3056، 3569، 3612، 3622.

العدل

البداء: 336.

ص: 211

النبوة

تفضيل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على سائر الأنبياء: 40، 157، 384، 828، 1182، 1806، 2712، 2885، 2899، 2967.

الوحي: 420.

سيرة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : 19، 48، 79، 116، 156، 176، 232، 233، 247، 264، 273، 282، 285، 289، 297، 341، 351، 366، 385، 393، 432، 438، 440، 474، 477، 500، 544، 565، 575، 643، 704، 758، 770، 774، 778، 824، 862، 890، 997، 1066، 1174، 1248، 1278، 1499، 1513، 1518، 1522، 1538، 1541، 1542، 1561، 1566، 1567، 1575، 1579، 1581، 1587، 1602، 1609، 1634، 1639، 1640، 1641، 1659، 1673، 1687، 1691، 1698، 1700، 1721، 1724، 1729، 1739، 1748، 1750، 1759، 1791، 1794، 1854، 1864، 1928، 1981، 2026، 2075، 2094، 2141، 2208، 2255، 2267، 2284، 2305، 2328، 2349، 2497، 2500، 2525، 2536، 2538، 2531، 2543، 2560، 2565، 2580، 2614، 2647، 2676، 2766، 2786، 2976، 3027، 3111، 3136، 3140، 3146، 3194، 3228، 3239، 3264، 3266، 3273، 3276، 3283، 3287، 3293

ص: 212

3312، 3313، 3343، 3350، 3354، 3367، 3387، 3401، 3403، 3404، 3408، 3410، 3420، 3423، 3427، 3434، 3435، 3436، 3438، 3439، 3453، 3454، 3472، 3477، 3520، 3534، 3526، 3531، 3539، 3561، 3565، 3580، 3585، 3593، 3682، 3643، 3636، 3644، 3726، 3728، 3787، 3798.

صلاته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : 1495، 1533.

شجاعته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : 154.

بكاؤه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على الميت: 1677.

أخلاق النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : 1005، 1142، 1203، 1433، 1473، 1487، 1493، 1547، 1563، 1591، 1819، 1826، 2495، 3277، 3337، 3402.

فضائل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : 437، 453، 915، 1546، 1580، 1590، 1710، 1758، 1948، 2472، 2606، 2785، 2987، 3225، 3549.

شمائل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : 96،25، 1054، 1140، 1428، 1510، 2275، 2574، 2827، 2835، 2870، 3058.

ص: 213

بركته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : 14، 268، 305، 328، 334، 339، 340، 388، 401، 422، 448، 460، 461، 481، 537، 540، 1024، 1116، 1194، 1282، 1323، 1503، 1504، 1505، 1512، 1577، 1595، 1608، 1611، 1638، 1647، 1649، 1652، 16660، 1693، 1696، 1718، 1749، 1751، 1781، 1824، 1835، 1868، 1894، 1913، 1920، 1933، 1935، 1936، 1953، 1960، 1972، 1994، 1997، 1998، 2057، 2157، 2436، 2440، 2442، 2557، 2558، 2563، 2571، 2616، 2669، 2678، 2743، 2833، 2884، 2861، 2875، 3152، 3232، 3241، 3545، 3564، 3602.

علمه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بما كان وما يكون: 921، 1495، 2506.

كلامه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مع قتلى بدر من المشركين: 625، 734، 1605، 1668، 2234، 2236، 3381، 3433.

زيارته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : 467، 517، 1285.

الصلاة على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وفضلها: 208، 209، 227، 763، 936،910، 1122، 1257، 1496، 2114، 2116، 2117، 2201، 2233، 2237، 3443، 2881.

ص: 214

كيفية الصلاة عليه : 167، 24، 1404، 2358، 2359، 2482، 2483، 22486، 2488، 3010، 3075، 3187.

بركة دعائه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : 16700،515، 1678، 247503056، 3594.

نوم النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : 1224.

زهده (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): 516.

وصايا النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : 74، 376، 382، 398، 424، 469، 559، 682،608، 701، 749، 754، 791، 813، 989، 1023، 1034، 1042، 1049، 1074، 1083، 1097، 1107، 1113، 1170، 1214، 1230، 1263، 1269، 1289، 1295، 1298، 1338، 1340، 1340، 1661، 1709، 1810، 1825، 1833، 1862، 1900، 1971، 1986، 2102، 2164، 2244، 2509، 2522، 2546، 2596، 2628، 2632، 2683، 2705، 2718، 2789، 2822، 2962، 3041، 3074، 3089، 3118، 3216، 3311، 3351، 3548، 3600، 3633.

ص: 215

حديث افتخار النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : 40، 157، 241، 384، 828، 902، 1291، 1294، 1603، 1806، 2295، 2341، 2368، 2375، 2376، 2432، 2571، 2692، 2712، 2885، 2899، 2967.

حديث شق القمر: 458، 497، 526، 534، 1644، 1686، 1743، 2300.

حنين الجذع: 330، 331، 356، 441، 443، 605، 1712،714، 1754، 1763، 1786، 1814، 2882، 2883، 3055.

حديث الذئب: 1020، 1457، 1462.

حديث حنين الناقة: 231، 236.

حديث البقرة: 2061، 2286.

حديث الشفاعة: 384، 1291، 1419، 1658، 1690، 2185، 2712، 2742، 2885.

حديث المنبر والروضة: 869، 1301، 2016، 2252، 3054، 3455.

الإسراء والمعراج: 1614.

الهجرة إلى الحبشة : 230، 538، 3028،2462.

ص: 216

النجاشي

اهداؤه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) اليه : 1934.

صلاة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على النجاشي : 1286، 1768، 1769، 1846، 2197، 2276، 2752، 2760.

معركة بدر: 62، 77، 2235.

غزوة تبوك: 1635، 1669، 1788، 1912.

خطبة الوداع: 287، 347، 785، 998، 1447، 1987، 2078، 2159، 2249، 22435، 2567، 2617، 2640، 2790، 2799، 2853، 2992، 3149، 3255، 3560.

فضائل خديجة (عَلَيهَا السَّلَامُ) : 2675، 3355.

قولهم بسهو النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : 346، 954، 1209، 2299، 2313، 2728، 2738.

ملحق النبوة

تدوين الحديث: 810، 875، 1178،896، 3586.

حديث من كذب علي: 85، 172، 378، 483، 745، 1036، 1400، 1474، 1802، 2064، 2322، 2327، 3032، 3630.

ص: 217

فضائل الصحابة

ابوذر: 125، 755، 771، 2893، 2894، 2913، 2930، 3072، 3085، 3613، 3635.

أبو زيد الأنصاري: 2828.

أبو طالب 45، 486.

أسامة بن زيد : 676، 715

الأنصار: 2184.

السائب بن عبد اللّه: 2073، 2076.

المقداد: 473، 3072، 3085.

بلال الحبشي: 125.

جعفر الطيار 41، 53، 59، 125، 234، 235، 288، 2626، 2931، 3541.

حمزة: 541، 1570.

خزيمة بن ثابت : 125، 2939

زيد بن ثابت : 41، 53، 59، 288، 2931.

ص: 218

سلمان المحمّدي: 125، 3072، 3085،3079، 3224..

عبادة بن الصامت: 3045.

عيد اللّه بن جعفر: 234.

عبد اللّه بن عباس: 248، 452،355.

عبد اللّه بن مسعود: 125، 2465.

عمار بن ياسر : 125، 472، 752، 757، 1307، 1348، 1466، 2287، 2309، 2312، 2460، 2461، 2463، 2464، 2465، 2517، 2611، 2612، 2938، 3035، 3036، 3352، 3456، 3486.

محمّد بن جعفر: 234

الإمامة

الأئمة من قريش: 2714، 2695.

حديث الثقلين: 1328، 1335، 1354، 1412، 2646، 2662، 2914، 2916.

حديث الأئمة الاثني عشر: 480، 489، 1571، 2839، 2841، 2842، 2843، 2846، 2849، 2851، 2852، 2855، 2856، 2857، 2858، 2859

ص: 219

2860، 2862، 2863، 2864، 2865، 2866، 2867، 2868، 2871، 2872، 2873، 2876، 2877.

أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)

فضل أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) بلسان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : 1236.

الحث على حب قرابته : 239، 2431.

شدة العيش على آل بيت الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : 298.

فضائل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)

حديث الولاية: 64، 140، 2539، 2664، 2665، 2749، 3065، 3069، 3084، 3088، 3083، 3090، 3240.

حديث الراية: 10، 46، 93، 201، 428، 1146، 1333، 2258، 3050، 3090،3083،3077 ،3240.

حديث المناشدة: 12، 23، 67،66، 2660.

حديث المنزلة: 180، 182، 187، 188، 193، 195، 198، 199، 201، 428، 1366، 1896، 2427، 3540، 3603.

سد الأبواب: 189، 428، 2657.

ص: 220

تبليغ سورة براءة : 1، 2، 133، 137، 428، 1001، 1689، 1744.

خاصف النعل : 1373، 1450، 1451.

أول من صلى: 110، 451، 2654.

إسلام على (عَلَيهِ السَّلَامُ): 2653.

فضائل علي : 5، 13، 16، 26، 31، 49، 54، 56، 78، 80، 86، 134، 138، 151، 161، 162، 163، 164، 217، 218، 240، 428، 613، 1364، 1877، 2156، 2423، 2428، 2429، 2515، 2531، 2658، 2879، 3064، 3071، 3177، 3268، 3468، 3488، 3504.

زواج علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ): 50.

نوم علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في فراش النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : 428.

حديث لا تدري ما أحدثوا بعدك: 130، 296، 465، 482، 490، 508، 514، 532، 1004، 1337، 2810، 3051، 3130، 3154، 3480.

اليمن: 21، 22، 55، 100، 129، 130، 131، 152.

التمر: 97.

ص: 221

صلاة على (عَلَيهِ السَّلَامُ) بصلاة الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : 2686، 2687، 2708، 2730، 2736، 2739.

فاطمة الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ): 3، 36، 114، 141، 375، 449، 501، 598، 760، 1091، 1444، 1586، 1618، 1730، 1747، 2192، 2613، 2615، 2782، 3322، 3406، 3441، 3446، 3447، 3482، 3641.

حديث فاطمة الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ) : 1422، 1642، 3012، 3132.

حديث الكساء: 2342، 3469، 3479، 3494، 3503،3497.

فضائل الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ): 832، 900، 912، 1062، 1205، 1288، 1642، 2175، 2317، 2387، 2545، 2562، 2587، 2802، 2807، 2809، 2811، 2812، 3140، 3247، 3525.

الحسن والحسين (عَلَيهِما السَّلَامُ): 8، 43، 47، 976، 1227، 1275، 1287، 1300، 1422، 1452، 2932، 3078، 3080، 3108، 3132، 3139، 3649.

الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : 17، 172، 314، 669، 687، 716، 741، 832، 1725، 1732، 1735، 2439، 3476، 3481.

الإمام المهدي (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف): 15، 42، 455، 456، 457، 509، 527، 1038، 1334، 1345، 1355، 1357، 1383، 1429، 2323، 3024.

ص: 222

رزية يوم الخميس: 430، 423، 379.

المثالب

مثالب أبو بكر: 148، 170، 1701، 2302،2291.

مثالب عمر: 144، 148، 211، 1701، 2291، 2302، 2520.

مثالب عثمان: 32، 111، 171، 699، 2297، 2302، 3044.

مثالب معاوية: 203، 319، 2463، 3063،3044.

مثالب أبو هريرة: 1241

مثالب مروان: 1321

مثالب يزيد 762.

مثالب عائشة : 6، 3347،602،436.

مثالب حفصة 6.

بعض الصحابة: 3135.

الاجتهاد مقابل النص

أبو بكر: 606.

ص: 223

عمر: 409، 606، 2330، 2353.

عثمان: 98، 101، 507، 581، 1341، 2318، 2902،2756.

بعض الأصحاب: 2808.

الرجعة: 128.

المعاد

البعث والحساب: 2، 310، 491، 551، 579، 622، 1139، 1158، 1217، 1225، 1262، 1274، 1283، 1349، 1377، 1537، 1742، 2444، 2551، 3256، 3310، 3328، 3333.

الجنة والنار 96، 400، 653، 659، 725، 768، 922، 932، 1105، 1161، 1198، 1264، 1292، 1329، 1330، 1430، 1498، 1515، 1585، 1622، 1629، 1643، 1816، 1837، 1924، 2092، 2148، 2153، 2289، 2348، 2362، 2397، 2409، 2648، 2674، 2694، 2698، 2700، 2720، 2954، 3061، 3160، 3157، 3117، 3250، 3342، 3473، 3556، 3607، 3611، 3646.

اشراط الساعة: 1237، 1284، 1469، 1501، 1514، 1704، 2196.

ص: 224

فروع الدين (الفقه)

الوضوء: 11، 34، 58، 61، 69، 75، 76، 83، 105، 106، 126، 258، 278، 280، 292، 308، 421، 431، 633، 827، 865، 868، 873، 987، 1021، 1092، 1160، 1184، 1393، 1576، 1734، 1804، 1983، 1991، 2004، 2077، 2160، 2200، 2203، 2224، 2520، 2552، 2564، 2824، 2887، 3001، 3124، 3237، 3294، 3306، 3332، 3339، 3400، 3405، 3445، 3466، 3532، 3729.

السواك :246، 336، 706، 722، 888، 2921، 2991، 3133، 3279، 3510.

الطهارة

الاستنجاء: 536، 891، 1235، 1888، 1890، 1921، 2346، 2453، 2630، 2656، 2693، 2937، 3161، 3182، 3201، 3212، 3213، 3579.

الأغسال: 359، 426، 677، 780، 830، 866، 1361، 1434، 1554، 1801، ،2960،2880،2293،1807 ،3180، 3215، 3234، 3282، 3341، 3356، 3421، 3467، 3471، 3550، 3582.

ص: 225

النجاسات: 279، 399، 604، 944، 1048، 1363، 1909، 2594، 2836، 3101، 3514، 3605.

القدرية: 672، 729،703

العتق

فضل العتق: 1188، 2350، 2411، 2627.

أحكام العتق: 370، 618، 645، 808، 841، 914، 1479، 2132، 2251، 2280، 2727، 2779، 2825، 2945، 3046، 3060، 3226، 3331، 3500، 3516.

أحكام الميت

أحكام الجنائز: 220، 1084، 1384، 1765، 2706.

لقاء الموت: 1509.

أداء دين الميت: 1973، 2022، 2776.

غسل الميت: 253، 967، 1220، 2492، 3357.

الكفن: 266، 1885، 3483.

الشهادة على الميت (لا نعلم منه الا خيرا): 1145، 1726.

ص: 226

التشييع: 3013.

أحكام الدفن: 188، 323، 1417، 1562، 1767، 1963، 2211، 2643، 2645، 3204، 3292، 3484.

التلقين: 1297.

حديث الجريدة: 275، 276، 1232، 2438، 2794، 2805.

زيارة القبور: 117، 529، 1033، 1153، 1234، 13385، 1766، 3068، 3320،3092،3081 .

كتاب الصلاة

الصلاة 84، 99، 262، 446، 502، 764، 820، 853، 911، 943، 1360، 1523، 1572، 1873، 2223، 2352، 2526، 2711، 2721، 3164، 3167، 3264، 3316، 3323، 3384، 3604.

فضل الصلاة: 194، 835، 1132، 1201، 1202، 1309، 1406، 1809، 1523، 1572، 1873، 2223، 2352، 2526، 2711، 2721، 3164، 3167، 3264، 3323، 3604.

ص: 227

عقوبة تارك الصلاة: 574، 930، 982، 985، 1197، 1984، 3082، 3200، 3588.

القبلة: 58، 692،594، 897، 1436، 1564، 1746، 1999، 2111، 2590.

لباس المصلي: 387، 691، 843، 884، 1320، 1989، 1755، 1785، 2199، 2222، 2229، 2231، 2581، 2582.

مكان المصلي: 104، 773، 1259، 1414، 1404، 1465، 1836، 2240، 2552، 2815، 2844، 3489، 3534، 3551.

أركان الصلاة،981، 1222، 1822، 2038، 2096، 2514، 2620، 2622، 2765، 3062، 3186.

الأذان والإقامة: 68، 947، 1061، 1311، 1650، 2041، 2320، 2329، 2407 ، 3181، 3246، 3511.

القراءة: 122، 390، 904، 1207، 1339، 2398، 2559، 2579، 2680، 2829، 2830، 2928، 3040، 3169، 3370، 3382، 3386.

القيام: 811، 1492، 1532، 1589، 2074، 2220، 2364، 2724، 2740، 2758، 3496.

ص: 228

الركوع: 149، 1035، 1408، 1684، 1767، 2418، 2814، 3126.

السجود: 149، 269، 892، 1035، 11433، 1192، 1408، 1516، 1684، 1761، 2081، 2326، 2418، 2542، 2575، 2607، 2767، 2814، 3014، 3025، 3126، 3132، 3517، 3614.

مستحبات الصلاة: 270، 660، 7735، 790، 1163، 1249، 1485، 1664، 1860، 22259، 2516، 2608، 2609، 2621، 2813، 3035، 3155، 3238، 3225، 3317، 3389، 3430.

مبطلات الصلاة: 103، 1058، 2254، 2610، 3265، 3373، 3396.

العمل في الصلاة: 855، 1208، 1593، 1594، 1941، 3034.

الجمع بين الصلاتين: 256، 267، 335، 364، 792، 1594، 1940، 2951، 3178.

صلاة الآيات: 712، 1842، 1946، 2496، 2801، 2820، 3197، 3379.

صلاة القضاء : 877، 1486.

صلاة الجماعة: 586، 857، 871، 917، 955، 956، 1053، 1071، 1094، 1134، 1266، 1376، 1484، 1500، 1681، 1714، 1731، 1757

ص: 229

1853، 1899، 1901، 2093، 2095، 2214، 2217، 2226، 2357، 2361، 2421، 2547، 2941، 2974، 2969، 2996، 2997، 3007، 3284، 3327، 3577.

صلاة المسافر: 254، 256، 281، 309، 312، 459، 507، 607،592،583، 624، 740، 1520، 1740، 2318، 2586، 2737، 2756، 2902، 3425، 3578.

صلاة الجمعة: 304، 629، 1009، 1213، 1549، 1764، 1875، 1879، 2071، 2501، 2845، 2981، 2984، 3009.

صلاة النافلة: 4، 120، 121، 639، 661، 1011، 1399، 1770، 1787، 1898، 1938، 2115، 2179، 2332، 2434، 2707، 2710، 2971، 3004، 3031، 3117، 3171، 3199، 3296، 3345، 3495، 3512، 3521، 3615.

صلاة الاستسقاء: 1047، 1671، 2253.

صلاة الخوف: 1970.

صلاة العيد : 315، 572، 683، 695، 709، 789، 1319، 1358، 1775، 1821، 1834، 1844، 2529، 2768، 2854.

ص: 230

الصلاة على الميت: 134، 269، 626، 858، 958، 1090، 1261، 1573، 2112، 2304، 2544، 2566، 2695، 2816، 3017، 3145.

القرآن الكريم: 18، 27، 37، 142، 146، 175، 215، 290، 291، 324، 371، 397، 435، 445، 503، 504، 505، 588، 614، 743، 767، 895، 1016، 1097، 1127، 1172، 1210، 1233، 1252، 1318، 1331، 1398، 1402، 1441، 1458، 1494، 1557، 1615، 1815، 1904، 2037، 2055، 2063، 2083، 2101، 2108، 2128، 2334، 2339، 2340، 2365، 2414، 2420، 2467، 2568، 2570، 2655، 2697، 2759، 2818، 2884، 2923، 3021، 3066، 3170، 3173، 3230، 3257، 3261، 3340، 3409، 3444، 3490، 3493، 3571، 3576، 3583، 3625

المساجد

أحكام المساجد: 783، 903، 929، 945، 1190، 1313، 1363، 1527، 1889، 1987، 2067، 2068، 2163، 2183، 3148، 3175، 3191، 3235، 3443.

فضل إتيان المساجد 859، 961، 1187، 11937، 1979، 3046.

ص: 231

فضل الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي: 200، 582، 621، 655، 878، 963، 1918، 2020، 2191، 2294.

من بنى مسجدا 310، 2684، 3640.

الصوم

فضل الصيام: 206، 272، 284، 518، 766، 842، 851، 854، 880، 919، 920، 940ف 986، 1150، 1176، 1305، 1391، 1407، 1910، 2215، 2354، 2430، 2598، 2919، 2968، 3099، 3151، 3407، 3535، 3616.

آداب الصيام: 102، 1057، 1124، 1231، 2097.

المفطرات: 695، 1260، 1782، 1839، 2152، 2176، 2629، 2777 ، 2788، 3206، 3207، 3278، 3452، 3536.

ما لا يبطل الصوم: 805، 1164، 2113، 3208.

آداب الإفطار: 2206، 2207.

السحور: 1255، 1324، 1477، 1694، 1980، 2388، 2907.

ص: 232

أحكام الهلال: 277، 394، 927، 1869، 2225، 2261، 2600، 2601، 2671.

قضاء الصيام: 3307.

كفارة من افطر عمداً: 818، 881، 1280، 1281، 3211، 3432.

الصيام المستحب: 774، 1460، 1667، 2091، 2210، 2784، 3411، 3485، 3527.

ليلة القدر : 92، 630، 907، 1147، 1432، 1887، 2181، 2795، 2804، 2840، 2869، 2958، 3039، 3291، 3315.

النهي عن صيام الجمعة 806، 3506،1010.

النهي عن صوم عاشوراء : 3259،553،531.

النهي عن صيام أيام التشريق: 2290.

النهي عن الصوم في منى: 1277، 2177.

النهي عن صوم العيدين: 1273.

النهي عن الوصال: 596، 603، 848، 1362، 1651، 1656، 2604، 3412.

ص: 233

الاعتكاف: 651، 968، 3288،1093.

الزكاة: 91، 115، 119، 127، 493، 555، 576، 578، 649، 685، 690، 801، 937، 1175، 1314، 1352، 1588، 1851، 1907، 1908، 2535، 2764، 2895، 2949، 2953، 2957، 2963، 3046، 3086، 3205، 3248، 3376.

الخمس: 408، 831، 1569، 1884، 2302، 3046، 3258، 3417.

الحج

الحج والعمرة: 29، 147، 186، 197، 213، 242، 243، 244، 245، 249، 251، 252، 261، 263، 265، 293، 299، 300، 303، 307، 311، 320، 322، 337، 338، 339، 343، 344، 347، 348، 358، 386، 396، 404، 425، 434، 44، 468، 492، 5333، 548، 549، 552، 566، 585، 589، 590، 601، 619، 638، 658، 688، 719، 728، 730، 737، 739، 740، 779، 787، 793، 819، 829، 838، 846، 894، 926، 1018، 1044، 1080، 1087، 1181، 1251، 1270، 1290، 1296، 1308، 1341، 1367، 1431، 1437، 1443، 1488، 1521، 1583، 1597، 1598، 1612، 1670، 1708، 1737، 1752، 1800، 1812، 1813، 1838، 1841، 1847، 1849، 1863، 1891، 1892، 1959، 1969، 1974،

ص: 234

2051،2050،2048،2047،2036،2015،2016،1990،1976، 2190،2189،2188،2158،2129،2123،2121،2119 ، 2193، 2194، 2204، 22248، 2271، 2277، 2319، 2425، 2445، 2446، 2449، 2481، 2484، 2511، 2541، 2591، 2634، 2649، 2690، 2629، 2731، 2817، 2920، 2924، 3067، 3112، 3116، 3121، 3260، 3298، 3324، 3335، 3364، 3372، 3378، 3385، 3388، 3390، 3394، 3395، 3413، 3415، 3413، 3448، 3459، 3529، 3553، 3554، 3578، 3590، 3592، 3595، 3596.

الأضحية: 332، 349، 383، 405، 406، 410، 411، 1267،748، 1317، ، 1411، 1448، 1480، 1481، 1507، 1544، 1865، 1876 ، 1993، 2009، 2070، 2310، 2402، 2548، 3020، 3242، 3325، 3442، 3537، 3538.

الصيد : 779، 1086، 1177، 2419، 2457، 2459، 2503، 2505، 2507.

البيع والمكاسب: 169، 295، 447، 454، 479، 554،547،546،545 ، 556، 557، 558، 562، 564، 569، 599، 612، 627، 635، 640، 642 ، 643، 665، 675، 713، 727، 742، 784، 797، 852، 864، 874، 876، 882، 883، 935، 959، 970، 1000، 1065، 1096، 1110،

ص: 235

1130، 1138، 1157، 1191، 1265، 1302، 1346، 1394، 1471، 1483، 1529، 1636، 1637، 1783، 1793، 1817، 1818، 1820، 1823، 1827، 1828، 1830، 1840، 1848، 1852، 1867، 1897، 1902، 1903،1961، 2003، 2029، 2030، 2031، 2088، 2142، 2143، 2145، 2147، 2212، 2256، 2347، 2360، 2391، 2723، 2774، 2778، 29803، 2917، 2918، 3003، 3033، 3037، 3160ف 3209، 3263، 3274، 3309، 3572، 35773، 3623.

إحياء الموات: 1957، 3358

اللقطة والضالة : 786، 2300، 2422، 2441، 2644، 2832، 2922.

الصدقة: 158، 210، 221، 222، 223، 451، 519، 520، 523، 542، 550، 717، 756، 845، 847، 863، 952، 965، 973، 1063، 1098، 1102، 1119، 1120، 1155، 1382، 1397، 1410، 1439، 1531، 1535، 1560، 1610، 1843، 1871، 1923، 1930، 1964، 2005، 2032، 2034، 2087، 2126، 2144، 2149، 2167، 2186، 2186، 2187، 2195، 2202، 2205، 2263، 2272، 2278، 2390، 2431، 2433، 2447، 2502، 2590، 2641، 2635، 2642، 2672، 2719، 2735،

ص: 236

2747، 2771، 2896، 2904، 2989، 3000، 3026، 3073، 3094، 3122، 3127، 3143، 3150، 3166، 3234، 3275، 3359، 3365، 3418، 3470، 3533، 3534، 3555، 3599، 3617.

النكاح: 9، 10، 20، 190، 255، 257، 260، 301، 333، 365، 450، 573، 836، 913، 916، 953، 1114، 1206، 1215، 1226، 1315، 1344، 1449، 1478، 1578، 1705، 1728، 1780، 1792، 1872، 1883، 1895، 1911، 1955، 1962، 1966، 2118، 2130، 2155، 2173، 2221، 2344، 2345، 2401، 2456، 2471، 2491، 2667، 2900، 3048، 3119، 3189، 3231، 3272، 3281، 3303، 3321، 3380، 3440، 3490، 3502، 3513، 3522، 3591، 3943.

النساء: 94، 163، 178، 207، 648، 821، 905، 994، 1126، 1162، 1216، 1229، 1316، 1633، 2637، 2761، 2762، 2770، 2901، 2948، 3042، 3286، 3478، 3636، 3631.

أحكام الرضاع

الرضاع: 41، 53، 59، 90، 288، 368، 512، 3302،3262، 3461.

ص: 237

المتعة: 39، 506، 511، 779، 1347، 1808، 1861، 1956، 2002، 2257، 2260، 2732، 2746، 2750.

الطلاق: 354، 409، 561، 610، 733، 738، 808، 1745، 2012، 2473، 3016، 3346، 3505، 4547، 3581، 3584.

الحداد: 535، 1424، 3451، 3505، 3581.

النذر : 259، 306، 403، 802، 808، 1125، 1506، 1776، 2396، 2400، 2403، 2415، 2734، 2741، 3519.

الذبائح: 662، 705، 1365، 1401، 1866، 2371، 2942.

الحيوانات

الكلب: 616، 949، 1085، 2303، 2450، 2943، 3371.

الخيل: 35، 681، 697، 918، 1254، 1949، 3632،2668،2597.

الرفق بالحيوان: 187، 1129، 1653، 1944، 2382، 2448، 3361.

الأطعمة والأشربة : 124، 274، 361، 377، 380، 667،628، 826، 870، 939، 946، 1008، 1060، 1082، 1180، 1186، 1193، 1196، 1425، 1545، 1568، 1666، 1711، 1796، 1797، 1857، 1878، 1932،

ص: 238

1950، 1954، 1992، 1995، 2024، 2028، 2060، 2104، 2137، 2169، 2182، 2209، 2230، 2273، 2310، 2377، 2386، 2389، 2458، 2588، 2595، 2603، 2787، 2906، 2987، 3125، 3158، 3222، 3348، 3377، 3414، 3648.

الخمر: 118، 362، 413، 581، 620، 679، 724، 807،761، 1966، 3638،3518،3314،3270،2530 .

الزي والتجمل: 155، 286، 294، 317، 325، 369، 416، 417، 427، 498، 584، 641، 646، 656، 684، 696، 700، 702، 723، 782، 814، 837، 839، 856، 933، 971، 979، 1032، 1039، 1055، 1075، 1250، 1306، 1325، 1395، 1540، 1558، 1582، 1753، 1756، 1845، 1859، 1914، 20000، 2019، 2150، 2247، 2321، 2385، 2405، 2519، 2650، 2689، 2751، 2757، 2773، 2986، 3098، 3123، 3128، 3134، 3127، 3366، 3465، 3507، 3589، 3601، 3627.

الإرث : 88، 113، 185، 192، 777، 1995، 1772، 1773، 2168، 2363، 2380، 2952، 2961، 3608.

ص: 239

الحدود: 51، 179، 560، 570، 759، 966، 1003، 1106، 1856، 2011، 2013، 2027، 2090، 2198، 2308، 2316، 2474، 2533، 2744، 2990، 3107، 3269، 3330، 3645.

الديات 471، 528، 776، 796، 822، 823، 867، 885، 1148، 2042، 2043، 2044، 2133، 2134، 2246، 2490، 2494، 2704، 3046.

الأخلاق

الأخلاق: 70، 112، 150، 159، 170، 171، 174، 191، 212، 225، 228، 229، 279، 283، 321، 418، 470، 476، 484، 494، 502، 510، 521، 522، 524، 543، 568، 654، 657، 670، 678، 720، 721، 731، 751، 765، 769، 781، 795، 798، 803، 815، 817، 840، 844، 861، 872، 886، 887، 889، 901، 908، 909، 910، 923، 928، 942، 948، 951، 960، 969، 975، 977، 983، 987، 990، 991، 996، 999، 1007، 1014، 1019، 1022، 1027، 1028، 1029، 1031، 1037، 1043، 1049، 1051، 1052، 1064، 1069، 1072، 1073، 1076، 1081، 1088، 1089، 1095، 1100، 1111، 1112، 1121، 1123، 1128، 1136، 1144، 1151، 1159، 1167، 1168، 1169، 1171، 1173، 1179،

ص: 240

1183، 1185، 1189، 1204، 1218، 1223، 1238، 1242، 1243، 1244، 1326، 1356، 1375، 1418، 1475، 1476، 1482، 1519، 1528، 1530، 1534، 1543، 1584، 1599، 1610، 1616، 1623، 1665، 1672، 1679، 1685، 1716، 1723، 1779، 1855، 1917، 1947، 1985، 1989، 2008، 2017، 2039، 2046، 2049، 2059، 2065، 2079، 2080، 2089، 2100، 2103، 2105، 2106، 2107، 2109، 2122، 2124، 2138، 2146، 2154، 2213، 2238، 2239، 2241، 2242، 2243، 2245، 2270، 2279، 2283، 2292، 2306، 2311، 2329، 2335، 2337، 2363، 2373، 2379، 2384، 2426، 2452، 2468، 2508، 2540، 2550، 2554، 2555، 2561، 2584، 2627، 2638، 2639، 2641، 2699، 2701، 2713، 2715، 2745، 2755، 2763، 2781، 2783، 2793، 2796، 2819، 2850، 2898، 2903، 2909، 2929، 2933، 2934، 2955، 2964، 2966، 2973، 2977، 3006، 3011، 3018، 3023، 3043، 3052، 3053، 3087، 3097، 3103، 3120، 3131، 3142، 3153، 3165، 3168، 3174، 3198، 3227، 3236، 3251، 3271، 3280، 3290، 3295، 3300، 3308، 3326، 3336، 3375، 3398، 3557، 3558،

ص: 241

3559، 3575، 3597، 3598، 3609، 3618، 3620، 3620، 3624، 3637، 3639.

رحمة اللّه ولطفه : 402، 463، 673، 950،747، 1156، 1559، 1688، 1697، 1717، 2170، 2599، 2780، 2892، 3047، 3196، 3220، 3249، 3419.

حق المسلم: 466، 499، 809، 938، 1103، 1152، 1221، 1268، 2165، 2171، 2593، 2878، 2982، 3008، 3100، 3191، 3192، 3397.

عيادة المريض: 318، 1228، 1350، 1657، 1738، 1803، 2140، 2979، 2994.

الدعاء

دعاء الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : 135، 143، 168، 216، 475، 495، 762،501، 879، 1077، 1229، 1245، 1299، 1491، 1491، 1555، 1556، 1648، 1674، 1675، 1683، 1713، 1720، 1916، 1922، 1925، 2054، 2069، 2086، 2216، 2265، 2518، 2537، 2618، 2619، 2661، 2722، 2838، 2974، 3305، 3338، 3362، 3392، 3416، 3491، 3552.

ص: 242

آداب الدعاء : 123، 219، 298، 391، 772، 924، 920، 957، 980، 1017، 1108، 1165، 1246، 1336، 1369، 1426، 1490، 1502، 1511، 1548، 1565، 1621، 1676، 1799، 1831، 1874، 1893، 1939، 1965، 2018، 2084، 2218، 2219، 2232، 2703، 2873، 2911، 2959، 3109، 3141، 3218، 3233، 3383، 3462، 3475، 3499.

الاسم الأعظم: 1550، 1736، 3070، 3093.

بركة دعاء: 3059.

الملاحم والفتن 60، 173، 539، 671، 689، 984، 992، 1014، 1015، 1050، 1068، 1149، 1154، 1256، 1258، 1294، 1352، 1445، 1446، 1459، 1472، 1552، 1619، 1655، 1682، 1703، 1850، 1919، 1926، 1982، 2023، 2062، 2174، 2178، 2333، 2336، 2372، 2374، 2485، 2489، 2499، 2524، 2717، 2733، 3874، 2940، 2993، 3029، 3057، 3513، 3570، 3610.

الذکر: 14، 36، 114، 184، 196، 202، 226، 652،615،609،597 ، 746، 760، 834، 849، 998، 1026، 1070، 1078، 1099، 1101،

ص: 243

1115، 1117، 1247، 1271، 1279، 1322، 1370، 1372، 1372، 1438، 1467، 1551، 1592، 1600، 1617، 1620، 1631، 1719، 1931، 2110، 2127، 2115، 2250، 2266، 2268، 2331، 2367، 2369، 2466، 2469، 2476، 2510، 2524، 2534، 2567، 2573، 2677، 2709، 2889، 2891، 2897، 2905، 2925، 2956، 2965، 3137، 3144، 3172، 3179، 3203، 3254، 3424، 3437، 3508، 3528، 3542، 3606، 3619، 3621.

العلم: 395، 513، 993، 1166، 1253، 1553، 1630، 2296، 2314، 2480، 2915، 2926.

الشعر : 634، 974، 2139.

التوبة : 44، 374، 995، 1456، 1692، 2072، 2935، 3162،3096.

القرعة: 2667.

الاستخارة: 177.

التمحيص: 181، 183، 860، 972، 1012، 1040، 1272، 1303، 1396، 1468، 1536، 1613، 1927، 1945، 2264، 2307، 2325، 2410، 3005، 3334، 3374، 3562.

ص: 244

المارقين: 7، 20، 24، 28، 33، 52، 57، 71، 72، 73، 87، 109،107، 139، 145، 153، 165، 166، 485، 668، 825، 1304، 1310، 1332، 1353، 1371، 1374، 1403، 1405، 1409، 1415، 1420، 1421، 1423، 1427، 1435، 1442، 1453، 1470، 1951، 2161، 2162، 2404، 2633، 2636، 2679، 2716، 2791، 2797، 2806، 2910، 2995.

التعبير والرؤيا: 587، 850، 1741، 2338، 3568.

الجهاد: 204، 392، 502، 1025، 1195، 1790، 1929، 1977، 2350، 2479، 2513، 2602، 2696، 3544.

.2602، 2696، 3544،2013،279

الحمى: 2972.

الطب: 496، 595، 1141، 1240، 2394، 3285، 3530، 3574.

القضاء: 81، 132، 144، 327، 373، 439، 623، 775، 1067،794، 1131، 1811، 2498، 2569، 2666، 2702، 2800، 3159، 3210، 3304، 3393، 3460، 3510.

ص: 245

ص: 246

المصادر

اشارة

ص: 247

ص: 248

مصادر المؤلّف

1. الاحتجاج : أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي.

2. اختيار معرفة الرجال = رجال الكشي: شيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي.

3. الأربعون حديثاً: الشيخ منتجب الدين علي بن عبيد اللّه بن بابويه الرازي.

4. الإرشاد: أبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد.

5. الاستيعاب في معرفة الأصحاب الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد اللّه المعروف بابن عبد البر.

6. الأصول الستة عشر: نخبة من الرواة.

7. إعلام الورى بأعلام الهدى أمين الإسلام الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي.

ص: 249

8. الأمالي: الشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوق.

9. الأمالي : شيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي وولده.

10. الأمالي : أبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد.

11. البرهان في تفسير القرآن: العلّامة المحدث السيد هاشم البحراني التوبلي.

12. بصائر الدرجات: أبو جعفر محمّد بن الحسن بن فروخ الصفار.

13. التبيان: شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي.

14. تذكرة الخواص العلّامة سبط ابن الجوزي.

15. تفسير الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) : المنسوب إلى الإمام أبي محمّد الحسن بن علي العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ).

16. تفسير القمي: لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمي.

17. التهاب نيران الأحزان ومثير كتائب الأشجان لبعض الأصحاب ق7- ق10.

18. التوحيد الشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالصدوق.

19. المناقب في المناقب: الشيخ أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة.

20. الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: السيد الجليل فخار بن معد الموسوي

ص: 250

21. حلية الأولياء: الإمام الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه الأصفهاني.

22. خصائص الأئمة: السيد محمّد بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف الرضي.

23. الخصال: الشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوق.

24. ربيع الأبرار العلّامة محمود بن عمر الزمخشري.

25. رجال النجاشي: أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي الأسدي الكوفي.

26. شرح نهج البلاغة: عبد الحميد المعروف بابن أبي الحديد، طبعة مصر.

27. صحیح مسلم: مسلم ابن الحجاج ابن مسلم القشيري النيسابوري.

28. صحيفة الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) المنسوبة إلى الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ).

29. الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم: زين الدين أبي محمّد علي بن يونس العاملي النباطي البياضي.

30. الصواعق المحرقة: أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي المكي.

31. الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف: السيد رضي الدين أبي القاسم علي بن موسى ابن طاووس الحلي.

32. عيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): الشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالصدوق.

ص: 251

33. غاية المرام وحجّة الخصام: السيد هاشم البحراني الموسوي التوبلي.

34. الغيبة : شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي.

35. الغيبة: الشيخ محمّد بن إبراهيم النعماني.

36 الفهرست: شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي.

37. قرب الإسناد: أبو العباس عبد اللّه الحميري البغدادي.

38. الكافي: ثقة الإسلام أبي جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي.

39. كامل الزيارات: الشيخ الجليل جعفر بن محمّد بن قولويه القمي.

40. كتاب سليم بن قيس الكوفي : أبو صادق سليم بن قيس الهلالي العامري الكوفي

41. كشف المحجّة لثمرة المهجة : السيد رضي الدين أبي القاسم علي بن موسى بن طاووس الحسني.

42. كفاية الأثر: أبي القاسم علي بن محمّد بن علي الخزاز القمّي الرازي.

43. كفاية الطالب: محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي.

44. كلمة الحق: الشيخ شير محمّد بن صفر علي الهمداني الجورقاني، مخطوط.

45. كمال الدين وتمام النعمة: الشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالصدوق.

46. كنز الفوائد: المحدث الخبير العلّامة أبي الفتح محمّد بن علي الكراجكي.

47. المستدرك على الصحيحين: محمّد بن محمّد الحاكم النيسابوري.

ص: 252

48. المسترشد في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : محمّد بن جریر بن رستم الطبري الإمامي.

49. مسند أحمد: أحمد بن محمّد بن حنبل، الطبعة الأولى - الميمنية.

50. مسند أحمد: تحقيق أحمد محمّد شاكر، دار المعارف.

51. مصباح الأنوار في فضائل إمام الأبرار: الشيخ الجليل هاشم بن محمّد - مخطوط.

52. معاني الأخبار: الشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالصدوق.

53. مقتضب الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر : الشيخ أحمد بن محمّد بن عبيد اللّه بن عياش الجوهري.

54. المقنع في الإمامة : الشيخ الرئيس عبيد اللّه بن عبد اللّه السعد آبادي.

55. مرآة العقول: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي.

56. من لا يحضره الفقيه: الشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالصدوق.

57. مناقب آل أبي طالب: الشيخ محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني.

58. نفس الرحمن: العلّامة الميرزا حسين بن محمّد تقي النوري.

59. نهج البلاغة: جمع السيد الشريف الرضي.

60. وقعة صفين: نصر بن مزاحم المنقري.

ص: 253

61. ينابيع المودة لذوي القربي : الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي، طبع اسلامبول.

ص: 254

مصادر المحقق

1. الاحتجاج أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي (ت 560ه)، ط - 1386ه، تحقيق: محمّد باقر الخرسان، نشر : دار النعمان - النجف الأشرف.

2. اختيار معرفة الرجال= رجال الكشي : شيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (460ه)، ط - 1404ه، تحقيق: مجموعة، نشر: مؤسسة آل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ).

الأربعون حديثاً : الشيخ منتجب الدين علي بن عبيد اللّه بن بابويه الرازي (ت 585ه)، ط 1 - 1408ه، تحقيق ونشر مؤسسة الإمام المهدي (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) - قم المقدسة.

4. الإرشاد: أبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (ت 413ه)، تحقيق: مؤسسة آل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)، نشر: دار المفيد.

5. الاستيعاب في معرفة الأصحاب الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد اللّه المعروف بابن عبد البرت (463ه).

ص: 255

6. الأصول الستة عشر : نخبة من الرواة (ت نحو 150 ه)، ط2 - 1405ه، نشر : دار الشبستري للمطبوعات_ قم المقدسة.

7. إعلام الورى بأعلام الهدى: أمين الإسلام الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548ه)، ط 1 - 1417ه، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)- قم المقدسة.

8. الأمالي : أبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (ت) 413ه)، تحقيق: الحسين استاد ولي وعلي أكبر الغفاري، نشر : جماعة المدرسين في الحوزة العلمية - قم المقدسة.

.9 الأمالي: الشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوق ( ت 318ه)، ط 1 - 1417ه-، تحقيق و نشر : قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة - قم المقدسة.

10. الأمالي: شيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، (ت 460 ه)، ط 1 - 1414ه، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة، نشر : دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع - قم المقدسة.

11. بحار الأنوار: محمّد باقر المجلسي (ت 1111ه)، ط2 - 1403ه، نشر : مؤسسة الوفاء - بيروت.

ص: 256

12. البرهان في تفسير القران: العلّامة المحدث السيد هاشم البحراني التوبلي (ت 1107ه)، ط 1 - 1419ه، تحقيق: الجنة، نشر : مؤسسة الأعلمي - بيروت.

13. بصائر الدرجات: أبو جعفر محمّد بن الحسن بن فروخ الصفار (ت 290ه)، ط 1404ه، تحقيق : ميرزا محسن كوجه باغي نشر مؤسسة الأعلمي - طهران.

14. تاريخ مدينة دمشق: أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة اللّه بن عبد اللّه الشافعي (ت 571ه)، تحقيق: علي شيري، ط - 1415ه، نشر : دار الفكر – بيروت.

15 التبيان: شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه)، ط 1 - 1409ه، تحقيق: أحمد حبيب قصير العاملي، نشر : مكتب الإعلام الإسلامي.

16. تحفة الأحوذي في شرح الترمذي: الإمام الحافظ أبي العلا محمّد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري (ت 1353 ه) ط 1 - 1410 ه، نشر : دار الكتب العلمية - بيروت.

17. تذكرة الخواص: العلّامة سبط ابن الجوزي(ت 654ه).

18. تذكرة الفقهاء: العلّامة الحلي، الحسن بن يوسف بن المطهر (ت 727ه) تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت، ط 1 - محرم 1414ه.

ص: 257

19. تفسير الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) : المنسوب إلى الإمام أبي محمّد الحسن بن علي العسكري (ت 260ه)، ط 1 - 1409ه، تحقيق ونشر : مدرسة الإمام المهدي (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)- قم المقدسة.

20. تفسير القمي: لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمي (ت 329ه)، ط 3 - 1404ه-، تحقيق: السيد طيب الجزائري نشر: مؤسسة دار الكتاب قم المقدسة.

21. التوحيد: الشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوق (ت 381ه)، ط 1387ه، تحقيق : السيد هاشم الحسيني الطهراني نشر : جماعة المدرسين - قم المقدسة.

22. الثاقب في المناقب: الشيخ أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة (ت 560 ه)، ط 2 - 1412ه، تحقيق: الأستاذ نبيل رضا علوان، نشر : مؤسسة أنصاريان - قم المقدسة.

23. الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: السيد الجليل الإمام شمس الدين أبي علي فخار بن معد الموسوي (ت 630ه)، تحقيق: السيد محمّد صادق بحر العلوم، مطبعة الآداب - النجف الأشرف 1965م.

24. حلية الأولياء : الإمام الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه الأصفهاني (ت 430ه).

25. خصائص الأئمة: السيد محمّد بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف الرضي (ت 406ه)، ط 1406ه، تحقيق: الدكتور محمّد هادي الأميني، نشر : مجمع البحوث الإسلامية - الإستانة الرضوية - مشهد المقدسة.

ص: 258

26. الخصال: الشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالصدوق (ت381ه)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، نشر: جماعة المدرسين في الحوزة العلمية - قم المقدسة.

27. خمسون ومائة صحابي مختلق السيد مرتضى العسكري (معاصر)، ط7 -1426ه، ناشر: منشورات كلية أصول الدين.

28. الذريعة إلى تصانيف الشيعة: العلّامة الشيخ آقا بزرك الطهراني (ت 1389 ه)، ط 3 - 1403ه، نشر: دار الأضواء - بيروت.

29. ربيع الأبرار العلّامة أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري (ت 537ه).

30. رجال النجاشي: الشيخ أبي العباس أحمد بن علي النجاشي الأسدي الكوفي (ت 450 ه)، تحقيق: الحجّة السيد موسى الشبيري الزنجاني، طه - 1416ه، نشر: مؤسسة النشر الإسلامي.

31. سنن ابن ماجة: أبي عبد اللّه محمّد بن يزيد القزويني ابن ماجة ( ت 275ه)، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي، نشر: دار الفكر - بيروت.

32. السنن الكبرى: أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303ه)، تحقيق: دكتور عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسر وي حسن، ط 1 - 1411ه، نشر: دار الكتب العلمية - بيروت.

33. السنن الكبرى أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت) 458 ه، نشر : دار الفكر – بيروت.

ص: 259

34. شرح نهج البلاغة : عبد الحميد المعروف ابن أبي الحديد (ت656 ه)، ط 1 - 1378ه، تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، نشر : دار إحياء الكتب العربية.

35. صحيح ابن حبان: محمّد بن حبان بن أحمد (354ه)، ترتيب علاء الدين علي بن بلبان الفارسي (ت 739ه)، تحقيق: شعیب الارنؤوط، ط1 - 1414ه، نشر : مؤسسة الرسالة.

36. صحيح مسلم: مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري (ت 261ه)، ناشر: دار الفكر - بيروت.

37. صحيفة الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): المنسوبة إلى الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ط - 1408 ه، تحقيق: مؤسسة الإمام المهدي (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) - قم المقدسة.

38. الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم: زين الدين أبي محمّد علي بن يونس العاملي النباطي البياضي ( ت 877ه)، تحقيق: محمّد باقر البهبودي نشر: المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية.

39. الصواعق المحرقة: أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي المكي (ت 974ه).

40. الطبقات الكبرى محمّد بن سعدت (230 ه)، نشر: دار صادر - بيروت.

41. الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف السيد رضي الدين أبي القاسم علي بن موسى ابن طاووس الحلي (ت 664ه).

42. العقد الفريد: أحمد بن محمّد بن عبد ربه الأندلسي (ت 328ه).

ص: 260

43. عمدة القارئ في شرح صحيح البخاري: بدر الدين أبي محمّد محمود بن أحمد العيني (ت 855ه).

44. عيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): الشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالصدوق (ت 381ه)، ط 1 - 1404ه، تحقيق: شيخ حسين الأعلمي، نشر : مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت.

45. الغارات: إبراهيم بن محمّد الثقفي الكوفي (ت 283ه)، تحقيق: السيد جلال الدين المحدِّث، مط - بهمن.

46. غاية المرام وحجّة الخصام السيد هاشم البحراني الموسوي التوبلي (ت 1107ه).

47. الغدير : الشيخ عبد الحسين الأميني (ت 1392 ه) ط - 1379 ه، نشر : دار الكتاب العربي - بيروت.

48. الغيبة: الشيخ محمّد بن إبراهيم النعماني (ت 380ه)، تحقيق: علي أكبر الغفاري نشر: مكتبة الصدوق - طهران.

49 الغيبة شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه)، ط 1 - 1411ه، تحقيق: عباد اللّه الطهراني والشيخ علي أحمد ناصر، نشر : مؤسسة المعارف الإسلامية - قم المقدسة.

50. الفائق في غريب الحديث : محمود بن عمر الزمخشري (ت 538ه)، ناشر: دار الكتب العلمية -بيروت.

ص: 261

51. فتح الباري في شرح صحيح البخاري : الإمام شهاب الدین ابن حجر العسقلاني (ت) (852ه)، ط 2، نشر : دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت.

52. الفهرست شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (460 ه)، ط 1 - الفقاهة : 1417ه، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، نشر مؤسسة نشر قرب الإسناد: أبو العباس عبد اللّه الحميري البغدادي (ت 300 ه)، ط 1 - 1413ه، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت - قم المقدسة.

54. الكافي ثقة الإسلام أبي جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (ت 329 ه)، ط 3 - 1388ه، تحقيق: علي أكبر الغفاري، نشر : دار الكتب الإسلامية - آخوندي.

55. كامل الزيارات الشيخ الجليل جعفر بن محمّد بن قولويه القمي (ت368ه)، ط 1 - 1417ه، تحقيق الشيخ جواد القيومي، نشر: مؤسسة نشر الفقاهة.

56. الكامل في التاريخ: عز الدين أبي الحسن علي بن محمّد الشيباني المعروف بابن الأثير (ت630ه)، تحقيق خليل مأمون شيحا، 1 - 1422ه، دار المعرفة - ط بيروت.

57. كتاب سليم بن قيس: أبو صادق سليم بن قيس الهلالي العامري الكوفي، (ت قرن 1 ه)، تحقيق: الشيخ محمّد باقر الأنصاري، ط 1 -1420ه، نشر : مطبعة الهادي - قم المقدسة.

ص: 262

58. كشف المحجّة لثمرة المهجة: السيد رضي الدين أبي القاسم علي بن موسى بن طاووس الحسني (ت 664ه)، ط 1370 ه، نشر: منشورات المطبعة الحيدرية في النجف.

59. كفاية الأثر: أبو القاسم علي بن محمّد بن علي الخزاز القمّي الرازي (ت 400 ه)، ط 1401 ه، تحقيق : السيد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي، نشر: انتشارات بيدار.

60. كفاية الطالب : محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي (ت 658ه).

61. كمال الدين وتمام النعمة: الشيخ الصدوق - أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي - (ت381ه) تحقيق: علي أكبر الغفاري، ط - 1405 ه، نشر : مؤسسة النشر الإسلامي.

62. كنز الفوائد المحدّث الخبير العلّامة أبي الفتح محمّد بن علي الكراجكي (ت 449ه).

63. لسان العرب: العلّامة ابن منظور ت (711ه) ط 1 - 1405ه، نشر: نشر أدب الحوزة.

64. المبسوط : شمس الدين السرخسي (ت 483ه)، تحقيق جمع من الأفاضل نشر : دار المعرفة - بيروت 1406ه.

65. المجازات النبوية: الشريف الرضي (ت 406ه) تحقيق طه محمّد الزيني، نشر : مكتبة بصيرتي - قم المقدسة.

ص: 263

66. مجمع البحرين: الشيخ فخر الدين الطريحي (ت 1085ه) تحقيق: السيد أحمد الحسيني، ط 2 - 1408 ه، نشر : مكتبة نشر الثقافة الإسلامية.

67. مجمع البيان في تفسير القرآن أمين الإسلام أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 560ه)، تحقيق: لجنة من العلماء والمحققين، ط 1 - 1415ه، نشر : مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت

68. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: نور الدين الهيثمي (ت 807 ه) ط - 1408 ه، نشر: دار الكتب العلمية - بيروت.

69. مرآة العقول: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (ت1111ه).

70. مراصد الإطلاع: صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق البغدادي ( ت 739 ه)، تحقيق علي محمّد البجاوي، ط 1 - 1412ه. نشر: دار الجيل - بيروت.

71. المستدرك على الصحيحين: محمّد بن محمّد الحاكم النيسابوري (ت 405 ه)، تحقيق الدكتور يوسف المرعشلي، نشر : دار المعرفة - بيروت 1406ه.

72. المسترشد في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : محمّد بن جریر بن رستم الطبري الإمامي ( ت ق 4 )، ط 1، تحقيق: الشيخ أحمد المحمودي، نشر : مؤسسة الثقافة الإسلامية لكو شانبور.

73. مسند أحمد بن حنبل: أحمد بن حنبل (ت 241ه)، مصورة على طبعته الميمنية، دار صادر - بيروت.

ص: 264

74. مسند أحمد بن حنبل: أحمد بن حنبل (ت 241ه)، تحقيق أحمد محمّد شاكر ط 4 - 1959م، دار المعارف - مصر.

75. معاني الأخبار : الشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوقت (381ه)، ط - 1403ه، تحقيق: علي أكبر الغفاري نشر انتشارات إسلامي.

76. المعجم الأوسط: سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني (ت 360ه)، تحقيق: إبراهيم الحسيني، نشر: دار الحرمين.

77. معجم البلدان: ياقوت الحموي (ت 626ه)، نشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت.

78. مقتضب الأثر في النص على الأئمة الأثني عشر : الشيخ أحمد بن محمّد بن عبيد اللّه بن عياش الجوهري (ت 401 ه)، نشر : مكتبة الطباطبائي - قم المقدسة.

79. المقنع في الإمامة: الشيخ الرئيس عبيد اللّه بن عبد اللّه السعد آبادي، تحقيق: شاكر شبع.

80 المقنعة: الشيخ المفيد أبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكيري البغدادي (413ه)، ط 2 - 1410ه، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، نشر : مؤسسة النشر الإسلامي.

ص: 265

81. من لا يحضره الفقيه: الشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوقت (381ه)، ط 2 - 1404ه، تحقيق: علي أكبر الغفاري نشر: جماعة المدرسين.

82. مناقب آل أبي طالب: الشيخ محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني (ت 588ه)، ط -1376 ه، تحقيق: لجنة من أساتذة النجف الأشرف.

83. نفس الرحمن: العلّامة الميرزا حسين بن محمّد تقي النوري، انتشارات الرسول المصطفى (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).

84. النهاية في غريب الحديث: ابن الأثير (ت 606ه) تحقيق طاهر أحمد الزاوي محمود محمّد الطناحي، ط4 - 1364ش، نشر : مؤسسة إسماعيليان - قم المقدسة.

85. نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخبار: محمّد بن علي بن محمّد الشوكاني (ت 1255ه) نشر: دار الجيل - بيروت.

86. وسائل الشيعة الحر العاملي محمّد بن الحسن (1104ه)، ط - 1414ه، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت قم المقدسة.

87 . وقعة صفين: نصر بن مزاحم المنقري (ت 212ه)، ط 2 - 1382ه، تحقیق: عبد السلام محمّد هارون نشر: المؤسسة العربية الحديثة.

ص: 266

88. ينابيع المودة لذوي القربى: الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (ت 1294ه)، ط 1 - 1416ه، تحقيق: السيد علي جمال أشرف الحسيني، نشر : دار الأسوة.

ص: 267

ص: 268

فهرس الكتاب

ص: 269

ص: 270

فهرس الكتاب

حديث السقيفة من مسند أحمد بن حنبل...5

قصة السقيفة من كتاب شرح نهج البلاغة...7

حديث الفلتة من كتاب شرح نهج البلاغة...12

بقية قصة السقيفة من كتاب شرح نهج البلاغة...13

أخبار السقيفة من كتاب السقيفة وفدك لأبي بكر...15

موقف البراء بن عازب وبعض الصحابة...17

خطبة أبو بكر وكلام عمر وما أجابهما العباس به...18

أتراشوني عن ديني ! واللّه لا أقبل منه شيئاً !...21

أخبار حرق الدار من كتب أهل السنة...21

واللّه لا أُكلّم عمر حتّى ألقى اللّه...22

بقية أخبار السقيفة من كتاب السقيفة وفدك...23

أخبار السقيفة من كتاب الاحتجاج...27

طرف مما جرى بعد وفاة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في أمر الخلافة...28

المنكرون الخلافة على أبي بكر...36

ص: 271

السقيفة ومجرياتها برواية سليم بن قيس...46

الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) يتحدث عن ما جرى...54

ما كتبه أبو بكر لأسامة بن زيد...55

أبو قحافة يلقي الحجة على ولده أبي بكر...57

فضائل الإمام علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) على لسان أبي بكر...58

احتجاج سلمان المحمّدي (رضیَ اللّهُ عنهُ) على القوم...60

احتجاج أُبيّ بن كعب على القوم... 62

في علة إسلام من تقدم على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...65

في علة تزويج النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إليهم وتزويجهم إليه...67

حديث الدواة والقرطاس...69

في لمخالفتهمهم أمر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )...73

أخبار بعث أسامة بن زيد من كتاب السقيفة وفدك...74

أخبار السقيفة ومجرياتها...75

في أمرهم بإحراق دار بيت أهل النبوة...75

في إظهار أبي بكر استقالته عن الخلافة...76

في اشتغالهم بالولاية والنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على فراش الممات...77

حدیث امتحان أوصياء الأنبياء (عَلَيهِم السَّلَامُ)...81

كتاب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد ما سُئل عن أبي بكر...88

في من أورد هذا الكتاب بطرق مختلفة.

في أخبار مظلومية أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...97

ص: 272

في دفاعه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عندما أرادوا نبش قبر فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)...99

كلام السيّد ابن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ) في بيان أمور خلفاء الجور...100

في علة الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة...102

يقية كلام السيّد ابن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ)

محاججة السيّد ابن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ)مع أحد الفقهاء...107

القندوزي يعترف أنّ الأئمة الاثني عشر...112

محاججة السيد ابن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ) مع بعض الحنابلة...113

محاججة السيد ابن طاووس (رضیَ اللّهُ عنهُ) مع بعض الزيدية...114

في إيراد جملة من الحجج لمعرفة الأئمة...118

في بعض طرق حديث الثقلين من كتب الفريقين...135

تكملة في إيراد جملة من الحجج لمعرفة الأئمة...145

جملة من الأخبار في إمامة الأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ)...149

في عدم خلو الأرض من قائم اللّه بحجة....161

في رد ما ذكره أصحاب ابن أبي الحديد....167

في النصوص على الأئمة الاثني عشر...170

خبر جامع في فضل الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) وصفاته...201

الفهرسة الموضوعية...209

المصادر...247

مصادر المؤلّف...249

مصادر المحقق...255

فهرس الكتاب...269

ص: 273

من منشورات مكتبة العتبة العباسية

1 – العباس (عَلَيهِ السَّلَامُ) : تأليف السيد عبد الرزاق الموسوي المقرم، تحقيق الشيخ محمّد الحسون، الطبعة الأولى - 1427ه.

2- المجالس الحسينيّة: تأليف الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء، تحقيق أحمد علي مجيد الحلي، الطبعة الأولى - 1429ه.

3- سند الخصام في ما انتخب من مسند الإمام أحمد بن حنبل: الكتاب الذي بين يديك.

ص: 274

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.