تجليات النصرة الالهية للزهراء المرضية (علیها السلام)

هویة الکتاب

دروس في التفسير والتدبر 3

تجليات النصرة الالهية للزهراء المرضية (علیها السلام)

آية الله السيد مرتضى الحسيني الشيرازي

المقرر: الشيخ ابو الحسن الإسماعيلي

الطعبة الأولى

1436ه - 2015 م

منشورات:

مؤسسة التقى الثقافية

النجف الأشرف

ص: 1

اشارة

الطعبة الأولى

1436ه - 2015 م

منشورات:

مؤسسة التقى الثقافية

النجف الأشرف

009647810001902

m-alshirazi.com

ص: 2

تجليات النصرة الالهية

للزهراء المرضية (علیها السلام)

ص: 3

ص: 4

كلمة الناشر

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

«وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ الى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ»(1).

ايام ارتبطت بخلفاء الله في الارض الأئمة الطاهرين (علیهم السلام) و بذكراهم ما يجعل المرء يقترب اكثر الى هديهم و هداهم، فتلك ايام الله عزوجل.

و في شهري الجمادى الأولى والثانية حيث اتسم بذكرى سيدة نساء العالمين استشهاداً و ولادةً لها ولابنتها الحوراء زينب (علیها السلام)، كان لزاما على المسلمين كافة ان يتخذوا من ايامها سبيلا الى تعريف فاطمة الزهراء عليها السلام الى العالم المتعطش الباحث عن المعارف الحقة والمعنويات الرفيعة والاخلاقيات النموذجية والقيم العليا:

التعريف بمقاماتها العالية الشامخة عند الله عزوجل.

ص: 5


1- سورة ابراهيم: 5.

التعريف بما كان لديها من معارف في الاصول والفروع و باخلاقها وقيمها و بتعاملها وسلوكها وبحيائها وعبادتها وبصبرها و رضاها بقضاء الله وقدره، بشجاعتها في اقرار الحق و اخذه وتعريفه وعدم الرضوخ للباطل، بامرها للمعروف ونهيها عن المنكر، بسعة صدرها

وقضاء حوائج المحتاجين والسائلين.

والتعريف أيضا بمظلوميتها وما كابدته من محن و كمد لتبقي مسيرة الحق وضائة للاجيال القادمة.التعريف بكل ذلك لتتخذها البشرية اسوة حسنة حتى تخرج من بؤسها و ظلماتها و ضياعها وحيرتها وجهالتها.

وتشكّل هذه البحوث التي القاها سماحة آية الله السيد مرتضى الحسيني الشيرازي في الحوزة العلمية في النجف الاشرف، خطوة في هذا الطريق من خلال القاء الضوء على جوانب هامة من مقاماتها العالية الشامخة.

وقد ارتأت مؤسسة التقي الثقافية طباعتها

تعميما للفائدة و نشرا للمعرفة.

نسال الله تعالى ان يتقبل ذلك منا بقبول حسن انه سميع الدعاء.

مؤسسة التقى الثقافية

1 جمادى الثانية 1436 ه ق

ص: 6

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم الى يوم الدين، ولاحول ولاقوه الا بالله العلي العظيم.

يقول تعالى:«لله الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ الله يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ»(1).

ص: 7


1- سورة الروم: 4 - 5.

توطئة: الأيام الفاطمية في محور الحديث

سوف يتمحور الحديث باذن الله سبحانه وتعالى حول الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (علیها السلام) بمناسبة شهري جمادى الاولى والثانية حيث احتضن هذان الشهران مناسبات تتعلق بالصديقة الزهراء (علیها السلام) اذ يصادف الثالث عشر من شهر جمادى الاولى على قول يوم شهادتها (علیها السلام) أو هو في الثالث من جمادي الثانية على قول اخر، كما ان يوم العشرين من شهر جمادى الثانية ازدان بمولدها المبارك، كما ان الخامس من شهر جمادى الاولى هو يوم مولد عقيلة الهاشميين السيدة زينب (علیها السلام).

وسوف ننطلق في الحديث عنها صلوات الله عليها من بعض البصائر القرآنية على ضوء هذه الآية الشريفة: «لله الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ الله يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ».

ص: 8

الفصل الأول

اشارة

ص: 9

ص: 10

بصائر قرآنية

حقائق عن عالمي التفسير والتأويل

هناك حقائق ثلاثة ترتبط بالآية الشريفة ذات أهمية قصوى في مباحث علوم القرآن وذات ثمرة كبرى فيما يتعلق باطار بحثنا عن الصديقة الطاهرة فاطمة (علیها السلام):

الحقيقة الاولى: هنالك عالمان: (عالم التفسير) المبتني على الظواهر و(عالم التاويل) المبتني على البواطن.

الحقيقة الثانية: ان التأويل كثيرا ما يكون أعظم بكثير من التفسير، وان كانت للتفسيرعظمته واهميته ومكانته، ومثاله العرفي انك لو قلت: (رأيت اسداً) فان المنصرف هو الحيوان المعروف وهذا هو التفسير على مستوى الظاهر، اما اذا قلت: (رأيت اسداً في

ص: 11

المعركة) قاصدا بطلا ضرغاما يذبّ عن حياض الدين فإن تأويله اعظم من تفسيره اذ لا يقاس أسد الغابة بأسد المعركة (الرجل البطل) اذ اين هذا من ذاك؟ فان الرجل البطل يدافع عن حريم الدين او الوطن وهو لايقاس بأي مخلوق اخر ليست له هذه المنزلة، فكيف لو قلنا: أسد الله الغالب علي بن ابي طالب (علیه السلام) ؟!!

وبالتالي فتاويل الكلمة قد يكون أعظم بكثير من ظاهرها.وهذه الآية الشريفة من مصاديق ذلك حيث ان تأويلها - كما سيجئ - اعظم بدون كلام من التفسير بما لاقياس.

الحقيقة الثالثة: ان الجسر الرابط بين عالم التفسير أي الالفاظ الظاهرة والمرادات الظاهرة، وعالم التأويل اي ما يؤول اليه الكلام ويرجع اليه من بواطنه، هذا الجسر الرابط بين هذين العالمين هو فقط: الراسخون في العلم، وذلك كما ان المتشابهات لا يعرفها الا الراسخون في العلم «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ الاَ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ» , ولا يعرف التاويل أي شخص اخر على الاطلاق الا ما أُخذ منهم (علیهم السلام).

ص: 12

(تفسير) الاية الشريفة: «وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ الله»

(تفسير) الاية الشريفة: «وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ الله»(1)

والاية الشريفة: «الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لله الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ * بِنَصْ-رِ الله يَنْصُ-رُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ»(2) تفسيرها الظاهر لا غبار عليه ولاينكره منكر وهو واضح، حيث حزن المؤمنون بغلبة الفرس على الروم؛ لان الفرس كانوا عُبّاد النار في حين ان الروم كانوا مسيحيين فالفرس كانوا ابعد - من حيث المبدأ أو العقيدة - من المسيحيين إضافة الى ان الفرس كانوا أشد على المسلمين وكان الروم الين اليهم - سياسياً وأمنياً واستراتيجياً - فبشر الله المؤمنين ان الروم سوف يغلبون الفرس في قادم السنين...

وهذا هو التفسير الظاهر وهو صحيح دون ريب، الا انه على اية حال لا يعدو الإخبار والبشارة بغلبة كفار على كفار آخرين، الا ان بعضهم (المسيحي) اقرب الينا وابعد عن مضرتنا، وهو حدث

ص: 13


1- سورة الروم: 4 -5.
2- سورة الروم: 1 - 5.

مهم ولا شك في ذلك الا انه ليس الأهم بقول مطلق.

(تأويل) الآية الشريفة

اشارة

أما تأويل الآية فهناك تأويلان:

أ - النصر الالهي يوم ظهور القائم من ال محمد(عجل الله تعالی فرجه الشریف)

ففي الرواية: ان ذلك في يوم ظهور الامام المهدي من ال محمد(عجل الله تعالی فرجه الشریف) (1).. وهو حدث عظيم لا يقاس به حدث اخر، إذ اين هذا الحدث الالهي العظيم من ذلك الحدث (انتصار كفار على كفار) بالرغم من اهميته كما اسلفنا.

إضاءة: لامانعة جمع بين التفسير والتاويل ولا بين البطون والظهور، فإنها كلها صحيحة اذ الظاهر مراد والباطن ايضا مراد، لكن اين فرح المؤمنين بولي الله الأعظم حيث تشرق الأرض عندئذ بنور ربها وحيث ان الوعد الالهي للمستضعفين والانبياء على مر التاريخ سوف يتحقق وحيث يورث الله عنذئذٍ الارض من يشاء من عباده «وَعَدَ الله الذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الذِينَ مِنْ قَبْلهم وَلَيُمَكِّنَنَّ لهم دِينَهُمُ الذِي

ص: 14


1- راجع تأويل الآيات الظاهرة لمحمد بن العباس ومسند فاطمة (عليها السلام) لمحمد بن جرير الطبري، عنهما تفسير البرهان اول سورة الروم

ارْتَضَ-ى لهم وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا»(1) اين هذا من ذاك؟

والحاصل: ان التأويل قد يكون اعظم بكثير من التفسير من حيث اهمية الواقعة في حد ذاتها ومن حيث نتائجها الكونية المختلفة بكثير، الا ان الدال عليه والكاشف عنه هم الراسخون في العلم حصريا.

ب - النصرة الالهية لفاطمة الزهراء (علیها السلام) ولمحبيها

ان هذه الاية الشريفة أُوِّلت بفاطمة الزهراء (علیها السلام) فقد جاء في كتاب معاني الاخبار للشيخ الصدوق - والسند صحيح بأعلى درجات الصحة على رأيٍ ومعتبرٌ بأعلى درجات الاعتبار على راي اخر ولا راي ثالث - :... رسول الله (صلی الله علیه و آله) يخاطب جبرائيل (علیه السلام):... قلت: «حبيبي جبرائيل لم سميت في السماء المنصورة(2) وفي الارض فاطمة؟» قال: سميت في الارض فاطمة لانها فَطَمَت شيعتها من النار وفُطِمَ اعدائها من حبها، وهي في السماء المنصورة وذلك قوله عز وجل «ويومئذ يفرح المؤمنين بنصر الله» يعني نصر فاطمة

ص: 15


1- سورة النور: 55.
2- للزهراء (علیها السلام) أسماء والقاب عديدة منها: الصديقة والمرضية والمحدَّثة والحوراء الانسية والمنصورة وغير ذلك .

لمحبيها(1).

والظاهر ان التأويل هذا في حد ذاته هو تأويل بالمصداق فان نصر الله لها ذو أنواع ومراتب ومنها نصره تعالى لها بمنحها وسام النصرة لمحبيها.

ولكن، وههنا بالضبط، يبرز سؤال هام جداً وهو: ان التأويل يقودنا الى ان الزهراء (علیها السلام) منصورة بنصر الله تعالى لها بإقدارها على نصرة محبيها (ومن الواضح ان تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعِلّية بل هو في مثل المقام دليل عرفاً على العِلّية فالظاهر ان حبهم للزهراء هو علة نصرة الله تعالى لها بنصر بنصرتها لهم)، الا اننا نلاحظ في هذه الدنيا انها (علیها السلام) مظلومة مضطهدة وقد هتك حريمها وسحقت حقوقها كما ان محبيها على مر التاريخ كانوا - في الأعم الأغلب - مضطهدين أو مقهورين أو محاصرين أو مستضعفين، لكن (ويومئذ) أي: يوم ينصر الله سبحانه وتعالى محبيها، عندئذٍ «وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ * بِنَصْ-رِ الله يَنْصُ-رُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ»(2) فهي المنصورة بنصر رب العالمين حقاً حقاً.

وحول هذا المقطع بالذات سيدور البحث ان شاء الله تعالى.

ص: 16


1- معاني الاخبار: ص 396، كما نقله عنه أيضاً تفسير البرهان ج4 ص337.
2- سورة الروم: 4 - 5.

تجليات نصرة الزهراء: بالايات والروايات والمقامات والكرامات

اشارة

الحقيقة الرابعة: هي ان فاطمة (علیها السلام) منصورة بالنصرة الالهية في ابعاد وتجليات ومناحي عديدة, اذ هناك تجليات مختلفة لكونها منصورة وهناك مصاديق ومعاني متعددة لنصرة الله تعالى لها (علیها السلام) وهنا نشير الى بعضها حسب ما يسمح به الوقت:

المجلى الاول: النصرة لها (علیها السلام) بالروايات بعد الايات.

المجلى الثاني: نصرتها (علیها السلام) بالمقامات والكرامات.

المجلى الثالث: نصرتها (علیها السلام) في هذه الحياة الدنيا.

أولاً: نصرتها (عليها السلام) بالروايات

اشارة

هنالك روايات كثيرة تشهد بذلك وتنطق به وتصرح، نذكر

ص: 17

منها: ما نقله كتاب الخصائص الفاطمية عن كتاب التبر المذاب, إذ نقل رواية طويلة جديرة باكملها بالتامل والتدبر، نقتطف منها:

حب فاطمة وسائر الخمسة الطيبة مفتاح المغفرة الالهية

(عن الزهراء (علیها السلام) :... فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله) ارفعي يديك(1) فرفعت يدي ورفع النبي يديه حتى بان بياض ابطيه ثم دعى لامته فقال: اللهم اغفر لامتي فقلت: آمين، فهبط جبرئيل وقال قال الله غفرت لمن احب فاطمة واباها وبعلها وبنيها من امتك...)(2) وما اعظم ذلك وما اسماه من مقام ! وما اعلاها من نصرة الهية كبرى اذ جعل حبها وحب ابيها وبعلها وبنيها وسيلة للنجاة وطريق الغفران الالهي!

وقد فصلنا الحديث عن ذلك وعن دفع الشبهات حوله في كتاب (شعاع من نور فاطمة، دراسة عن القيمة الذاتية لمحبة فاطمة الزهراء (علیها السلام)).

فمن احب فاطمة والخمسة الطيبة فهو مغفور له بل انه سوف يدخل الجنة شرط ان يموت على حبها ولا تسلبه المعاصي والموبقات

ص: 18


1- وهنا فلنرفع ايدينا مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) ومع بضعته الزهراء (علیها السلام)، داعين مؤمّنين.
2- مسند فاطمة الزهراء (علیها السلام) ص49, وورد في كتاب الكوكب الدري.

والإعراض عن اهل البيت (علیهم السلام) فكرا وسلوكا، ذلك الحب في لحظات الاحتضار.

افليست اذن هي منصورة حقاً؟ بل ان ذلك لهو من اعظم مجالي النصرة في الدنيا والاخرة بحيث يكون حبها ميزان الجنة والنار!.

ثم تقول (علیها السلام) : «...فطلبت كتابا فجائني جبرئيل بهذا الحرير الاخضر...».

رواية الترمذي: حب الخمسة الطيبة مفتاح الجنة!

ولقد كانت الرواية السابقة من طرق الخاصة، الا ان الله ينصرها ايضا بروايات معتبرة من طرق العامة ايضاً فهي منصورة حتى عند من لا يريد لهذا النور ان يملأ الكون بزعمه، فقد روى سنن الترمذي ما يوافق تلك الرواية بل ويزيد عليها ثم صرح انه (حسن) : قال:(قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): من احب هذين يعني حسنا وحسينا واباهما وامهما كان معي في الجنة)(1).

وهذه الرواية من طرق العامة وينقلها احد ابرز علماءهم! ثم

ص: 19


1- سنن الترمذي 5/305، الحديث 3816 النسخة اليزرية

يصرح فيقول: (هذا حديث حسن غريب).

و (الحسن) : الذي يكون جميع رواته مشهورين بالصدق والامانة(1)

اضافة الى سلامة الحديث من ان يكون منكرا او شاذا او معللا(2).

واما الغريب فإنه ليس تضعيفاً اذ الغريب يعني ان الرواية ليست مستفيضة بل رويت بطريق واحد (اذ وصلته بطريق واحد).

اذن هي (صلوات الله وسلامه عليها) منصورة بالروايات، وما ذكرناه غيض من فيض وقطرة من بحر.

ثانياً: نصرتها (علیها السلام) بالمقامات

اشارة

ومجالي هذه النصرة ومظاهرها هي اكثر من ان تحصى او أن تسطر، فلنشِر الى واحده منها في هذه العجالة:

أ – نور فاطمة مخلوق قبل خِلقة الارض والسماء في رواية معتبرة

ما رواه الشيخ الصدوق في معاني الاخبار برواية صحيحة

ص: 20


1- كما قال ذلك ابن الصلاح في مقدمته الشهيرة
2- قاله ابن الصلاح ايضاً في تتمة تفسيره للحسن . اقول: فالحسن هو الحسن لذاته والذي لا اشكال عليه متناً.

بأعلى درجات الصحة او هي معتبرة بأعلى الدرجات اذ اشترطوا لاعتبار كون الرواية صحيحة ان يكون كل واحد من رواتها عدلا اماميا ضابطا، لكن يوجد في هذه الرواية فطحي لكنه ثقة بلا شك، علما ان هذا الفطحي رجع واستبصر قبل وفاته(1).

ونص الرواية سنداً ومتناً كما رواها الشيخ الصدوق في معاني الاخبار: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل(2)

قال حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري(3) عن يعقوب بن يزيد(4)

قال حدثنا الحسن بن علي بن فضال(5) عن عبد الرحمن بن الحجاج(6) عنسدير الصيرفي(7)

ص: 21


1- ولعله رواها حال استبصاره، فتكون صحيحة على فرضه.
2- السيد بن طاووس ادعى الاجماع على وثاقة محمد بن موسى بن المتوكل، والعلامة الحلي وبن داوود ذكراه في القسم الاول من كتابيهما، كما ان الشيخ الصدوق اكثر الرواية عنه .
3- يقول عنه الشيخ النجاشي: شيخ القميين ووجههم، وقد صرح الشيخ الطوسي بانه ثقة
4- قال عنه النجاشي: كان ثقة صدوقا، الشيخ الطوسي: ثقة .
5- فطحي الا انه ثقة بلا كلام كما صرح بذلك الشيخ الطوسي، والكشي ينقل عن محمد بن مسعود قوله: انه من اجلة العلماء، وقال النجاشي: قال بالحق قبل موته، ثم ذكر النجاشي روايات عن عبادته وورعه .
6- قال النجاشي: كان ثقة ثقة، ثبتا وجها، وقال الشيخ المفيد: كان من شيوخ اصحاب الصادق (علیه السلام) وبطانته وثقاته .
7- قال عنه ابن شهر اشوب: كان من خواص الصادق (علیه السلام)، كما انه قد روى الاجلاء عنه، وقال عنه الوحيد البهبهاني: كان من اكابر الشيعة، كما ان كامل الزيارات وتفسير علي بن ابراهيم ممن رويا عنه

عن الصادق جعفر بن محمد عن ابيه عن جده (علیهم السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «خُلق نور فاطمة قبل ان تُخلق الارض والسماء».

وهو مقام لايرقى اليه حتى الخيال!! بل اين أنوار اجرام السماوات والارض كلها من نور فاطمة الزهراء؟!

ويكفي لندرك بعض أبعاد عظمة ذلك ان نتفكر في أنفسنا: ان شبرا من الارض قد يتنازع ويتقاتل عليه الناس!!، كما ان الحكومات على مر التأريخ طالما سفكت الدماء وخربت البلدان من اجل قطعة ارض متنازع عليها بين هذه الدولة وتلك، وهكذا نجد ان للأرض وللسلطة عليها وعلى خيراتها اهمية كبيرة في نظر العقلاء - إن كانت بالحق - فضلا عن غيرهم، فكيف لو تصورنا كل الارض وكل السماوات في جانب، ونور فاطمة (علیها السلام) في جانب، ثم ان الله تعالى خلق نورها قبل كافة السماوات والارضين ! فاية عظمة هذه واي مقام عظيم هذا ؟!

ولننقل الرواية السابقة مع بعض تتمتها:

(ابن المتوكل، عن الحميري، عن ابن يزيد، عن ابن فضال، عن عبد الرحمان بن الحجاج، عن سدير الصيرفي، عن أبي عبد الله، عن آبائه(علیهم السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «خلق نور فاطمة (علیها السلام) قبل أن تخلق الأرض والسماء» فقال بعض الناس: يا

ص: 22

نبي الله فليست هي إنسية؟ فقال: «فاطمة حوراء إنسية» قالوا: يا نبي الله وكيف هي حوراء إنسية؟ قال: «خلقها الله عز وجل من نوره(1)

قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح فلما خلق الله عز وجل آدم عرضت على آدم... » قيل: يا نبي اللهوأين كانت فاطمة؟ قال: «كانت في حقة تحت ساق العرش» قالوا:يا نبي الله فما كان طعامها؟ قال: «التسبيح والتقديس والتهليل والتحميد(2)، فلما خلق الله عز وجل آدم وأخرجني من صلبه وأحب الله عز وجل أن يخرجها من صلبي جعلها تفاحة في الجنة وأتاني بها جبرئيل (علیه السلام) فقال لي: السلام عليك ورحمة الله و بركاته يا محمد ! قلت: وعليك السلام ورحمة الله حبيبي جبرئيل، فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام قلت: منه السلام واليه يعود السلام قال: يا محمد إن هذه تفاحة أهداها الله عز وجل اليك من الجنة».(3)

تحليل الرواية على مستويات: الامكان، الرجحان والبرهان

اشارة

وهنا نقول: هذه الرواية يمكن ان يبحث عنها في ضمن ثلاثة

ص: 23


1- (من) نشوية وليست تبعيضية، كما هو أوضح من ان يخفى على البصير.
2- سيأتي تحليل ذلك وتوضيحه في بحوث قادمة بإذن الله تعالى
3- بحار الأنوار: - العلامة المجلسي - ج 43 ص4.

اطر ومستويات: 1- الامكان، 2- الرجحان، 3- البرهان

ولكل من هذه الاطر والمستويات بحثه الخاص به وسوف نبين من ذلك ما يسمح به الوقت:

1- الامكان

من الواضح انه لاشك في ذلك وامكانه اذ انه لاشك انه (يمكن) ان يخلق الله شخصا مثل فاطمة (علیها السلام) - وما ادراك ما فاطمة؟ - قبل ان يخلق الخلق، فان هذا الامر ليس مستحيلا لوضوح انه لا يلزم منه اجتماع النقيضين اوالضدين، ولا الدور أو التسلسل ولا غير ذلك من المحالات.

نعم قد يكون ذلك غريبا على بعض الاسماع اما لقلة المعرفة إذ «إِنَّ أَمْرَنَا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ لَا يَحْمِلُهُ الا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ امْتَحَنَ الله قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ وَ لَا يَعِي حَدِيثَنَا الاصُدُورٌ أَمِينَةٌ وَ أَحْلَامٌ رَزِينَة» او للجحود والعناد إذ «وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً...» او غير ذلك، لكنه يبقى ممكنا في حد ذاته دون ريب.

والقاعدة المعروفة هي: كل ما قرع سمعك من الغرائب فذره في بقعة الامكان حتى يذودك عنه قائم البرهان.

2- الرجحان

ولا شك في رجحان ذلك ايضاً, فان ملاحظة كتب العامة

ص: 24

- ودع عنك الان كتب الخاصة - تقودنا الى رجحان مثل ذلك، فإن كتب العامة ذكرت عدة روايات وبالتدبر فيها يظهر بوضوح انه: اذا كانت فاطمة بنت رسول الله (صلی الله علیه و آله) هي المتصفة بالصفات التي اقروا بها كما سيأتي، فانه سيرجح بالنظر الى (الحكمة) ان تخلق نورا قبل خلق السماوات والارض.

ونكتفي الآن بالإشارة الى بعض روايات اهل العامة ففيها الغنى والكفاية «لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ القَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ»:

أ - ففي ما أسموه بصحيح مسلم(1) سالت عائشةُ فاطمةَ الزهراء (علیها السلام) ماذا أسرَّ اليك رسول الله (صلی الله علیه و آله) ؟ فضحكت فقالت: «بشرني ابي فقال: الا ترضين ان تكوني سيدة نساء المؤمنين او سيدة نساء هذه الامة؟ فضحكت لذلك».

نقول: الا يرجح ان تكون سيدة نساء المؤمنين قد خُلِقَ نورُها قبل خِلقة العالم؟ اذ أن ذلك هو مقتضى القاعدة والحكمة لان المؤمن اشرف عند الله من الكعبة كما صرحت الروايات بذلك فكيف بمن هي سيدة نساء المؤمنين؟ أفلا يرجح ان تكون هذه السيدة التي هي سيدة نساء المؤمنين قد خلق نورها قبل خلق العالم؟

ص: 25


1- صحيح مسلم ج 4، ص 1905، ح 2450

ب - وفي المسمى بصحيح مسلم ايضا(1) قال: رسول الله (صلی الله علیه و آله): «فاطمة بضعة مني يؤذيني ما اذاها».فهي (علیها السلام) بصريح كلام الرسول(صلی الله علیه و آله) بضعة وجزء منه (صلی الله علیه و آله) , ولاشك ان رسول الله صلى الله عليه واله هو اشرف المخلوقات عندهم ايضا وأنه مخلوق قبل كافة العوالم فلا داعي لاستنكار واستبعاد ان تكون بضعته وما هي جزء منه أيضا قد خلق نورها مع نوره قبل ذلك، بل يرجح بالنظر للحكمة أن يكون ما هو جزء من رسول الله مخلوقا معه - لكونه جزءاً منه - نوراً قبل الارض والسماء.

ج - وفي ما أسموه بصحيح البخاري: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «ان هذا ملك مقرب لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة، استأذن ربّه أن يسلّم عليّ ويبشرني بأنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة»(2).

أفلا يرجح بالنظر للحكمة ان تكون سيدة نساء أهل الجنة قد خُلِق نورها قبل السماء والأرض؟ خاصة مع لحاظ ان الجنة هي أعلى من أشرف من السماء والأرض؟

د - وفي المسمى بصحيح البخاري أيضاً: قال رسول الله

ص: 26


1- المصدر السابق 2/266 ح 94 باب 115
2- صحيح البخاري باب مناقب فاطمة، وباب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه واله ج 4 ص 219، و 209

(صلی الله علیه و آله): «فاطمة بضعة مني فمن اغضبها أغضبني»(1).

ه - هذا اضافة الى رواية الترمذي الانفة الذكر التي صرحت ب(من أحب هذين، يعني حسنا وحسينا، وأباهما وأمهما كان معي في الجنة) أفلا يرجح أن يكون نورُ مَن حبهما مقياس الدخول الى الجنة، مخلوقاً قبل خلق السماوات والارض؟

3 - البرهان:

وأما البرهان فالروايات الكثيرة المصرحة بذلك والتي فيها الصحاح والموثقات، كالرواية السابقة التي أوضحنا حجية سندها دون شك، وغيرها(2). وقد قال تعالى:«فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً»(3).

وللحديث تتمة بل تتمات.

ولنختم كلامنا بهذا الدعاء المبارك: اللهم صل على فاطمة وابيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ما احاط به علمك.

ص: 27


1- المصدر السابق.
2- راجع الخصائص الفاطمية للمحقق الكجوري و(عوالم العلوم) والمعارف والأحوال/ مجلدات فاطمة الزهراء (علیها السلام) للمحقق البحراني ومستدركاتها للمحقق الابطحي.
3- سورة النساء: 65.

اللهم عجل لوليك الفرج والعافية والنصر واجعلنا من خُلّص خدمه واعوانه وشيعته والمستشهدين بين يديه انك سميع الدعاء فعال لما تشاء، واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

ص: 28

الفصل الثاني

اشارة

ص: 29

ص: 30

يقول تعالى: «لله الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ الله يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ»(1).

بصائر قرآنية

بوقفة تدبرية تاملُّية عند مفردة (يومئذٍ) في هذه الآية الشريفة سوف نصل الى بصيرة قرآنية هامة فيما يرتبط بصلب بحثنا عن فاطمة الزهراء (علیها السلام) إذ يقول تعالى: «وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ بِنَصْ-رِ الله».

وقد سبق انه جاء في تأويل الاية الشريفة: (يعني نصر الله لمحبيها).

ص: 31


1- سورة الروم : 4 - 5.

ثنائية (يومئذ واليوم) و (الهدى والضلال)

في حياة كل انسان توجد ثنائية مهمة من مجموعة ثنائيات استراتيجية عديدة, وهذه الثنائية هي ثنائية (يومئذ) (واليوم) إذ انها تعكس ثنائية (السعادة او الشقاء) , او (الهدى والضلال) او قل (النجاح والفشل).ذلك ان عنوان حياة المؤمن في كل موقف وموطن وعند كل عمل صالح أو طالح يجب ان يكون هو المستقبل الذي تفصح عنه كلمة (يومئذ) فإنه يعيش اجواء (يومئذ) عند كل قرار كما انه يتخذ من (اليوم) وسيلة للوصول الى (يومئذ)، اما الكافر والمنافق فهي على العكس تماما اذ انهما يعيشان اليوم الحاضر بأرباحه وخسائره ويتغافلان عن معادلة (يومئذ) تماماً.

شواهد قرآنية لثنائية (يومئذ واليوم)

وعندما نتصفح مختلف ايات القران الكريم نجد هذه الثنائية واضحة بينة، فقد وردت مفردة (يومئذ) لعله (66) مرة، قال تعالى:«وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة» والمؤمن يعيش اجواء ذلك اليوم بشكل مستمر كما تشكل كلَّ مراحل وساعات حياته مفرداتُ الاستعداد لهذا اليوم إذ يجعل ملاك حركاتها وسكناته

ص: 32

ومنطلقها هو ما يرجوه في ذلك اليوم، لا الربح الآني العاجل الحاصل من لذة فانية تنقضي لذتها وتبقى تبعتها.

ويقول تعالى بعد ذلك مباشرة: «وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ»(1) والمؤمن هو من يحذر ذلك اليوم أشد الحذر.

ويقول تعالى: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ»(2) والمؤمن هو من يعيش في اجواء ذلك اليوم على طول الخط ومدار الساعة.

وعند العوده إلى آيتنا الكريمة: «وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ بِنَصْ-رِ الله» لمحبي فاطمة, نجد ان المؤمن الحقيقي هو من لا يهمه ان يحرم من ملذات الحياة الدنيا؛ لانه امر المعروف وسعى سعيه، ولا يهمه - كذلك - ان يحرم من منصب او مال او جاه فيما إذا قارع الظالمين وثبت على الحق؛ وذلك لانه يعيش عالم الاخرة،ويعيش اجواء «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِ-رَةٌ» ولأنه يحذر اشد الحذر من ان يكون من مصاديق الوادي الآخر: «وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ».

ص: 33


1- سورة القيامة : 24 - 25.
2- سورة عبس: 38 - 39.

وقال تعالى: «إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالهَا * وَقَال الإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا* بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالهم * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ»(1).

فالمؤمن في كل حركة وسكنة وعند كل نظرة وبطشة أو إقدام أو إحجام يعيش اجواء (يومئذ) بالمصطلح القرآني، ويستعين بالحاضر على المستقبل ويتسلح بما وهبه الله من مال او ذكاء او علم او مقام لكي يُعمِّر أخرته، ذلك انه يدرك تمام الإدراك انه يعيش بين طرفي عالمين: عالم الدنيا من طرف, وعالم الاخرة من طرف اخر فان (الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها)(2)

كما في الماثور .

ثم ان الغريب اننا عند تصفح آيات القرآن الكريم فيما يرتبط بهذه المفردة (يومئذ) ونظائرها نجد بان هناك مفردة اخرى موازية لها وهي مفردة (اليوم) وقد وردت بما يزيد على (60) مرة ومع انها تقع في حد ذاتها في مقابل مفردة يومئذٍ إذ اليوم بذاتها تشير للحاضر ويومئذٍ بذاتها تشير للمستقبل لكنها - اليوم - عادة تستخدم في القران الكريم في كثير من الايات ملحوقة ب (الاخر) لتفيد المستقبل أيضاً!والغريب ان مفردة (اليوم) عندما تخلو من مفردة (الاخر)

ص: 34


1- سورة الزلزلة: 1- 4.
2- الأمالي: 43، المفيد، جامعة المدرسين، قم، 1415ه.

فانها تسبقها مفردة (ذلك) فيقول تعالى مثلا: «ذَلِكَ اليَوْمُ الحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ الى رَبِّهِ مَآَبًا»(1) فتفيد المستقبل أيضاً!

ولعل الاغرب ان لفظة اليوم اذا جاءت بمفردها فانها تكون قد وضعت في موضع يفيد ان المقصود منها (الاخرة) كذلك فهي للمستقبل أيضاً! وذلك كما في قوله تعالى: «يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ»(2) كذلك قوله تعالى: «يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالمِينَ»(3).

وهكذا نجد المستقبل ثم المستقبل ثم المستقبل هو ما تريد الآيات الكريمة ان تشدنا نحوه وتلفت أنظارنا اليه!

وما نريد ان نقوله هو انه: ليس المقياس عند المؤمن هو هذا اليوم الدنيوي ذو الصباح والمساء المعروف وليس الملاك لديه هو الارباح والخسائر في هذا اليوم وفي هذا العالم, بل المقياس لديه ذلك اليوم الاخر وذلك العالم الباهر، ولا يقصر البعض نظره على هذا اليوم وهذا العالم الا لضيق افقه وقلة تدبره وتعاسة حظه!

اما المؤمن الحق فهو الكيِّس الفَطِن الذي يفكر في ذلك اليوم

ص: 35


1- سورة النبأ: 39.
2- سورة النازعات: 6- 8.
3- سورة المطففين: 6.

العظيم: يوم لقاء الله تعالى، اليوم الاخر: ويحذر اشد الحذر من: «اليَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلهم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ»(1) ونلاحظ هنا ايضاً ان (اليوم) اريد به (اليوم الآخر) والمستقبل من جديد!

نعم وردت مفردة (اليوم) في القران الكريم في القليل جداً من الآيات وقصد بها اليوم الاني والحالي، وذلك لموضوعيته ومع ذلك فانه هو الطريق الوحيد للآخرة أيضاً!, كما في قوله تعالى: «اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْنِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا»(2) وقد اريد به يوم نصب امير المؤمنين علي بن ابي طالب (علیه السلام) ولياً على كافة المؤمنين وعلى مر التاريخ، الامر الذي ارادت السماء منه تعبيد طريقنا الى الاخرة كما هو واضح وضوح الشمس في رابعة النهار.

لا تجعلوا (اليوم) مقياس النصر والهزيمة او الربح والخسارة !

ورد في الروايات الشريفة ان من القاب الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (علیها السلام) هو (المنصورة) وهنا نقول: ان للقب

ص: 36


1- سورة يس : 65.
2- سورة المائدة : 3.

(المنصورة) تجليات, ومن تجلياتها ذلك اليوم العظيم الذي قال عنه تعالى: «وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ»(1).

فان الرواية الشريفة تدل على ان تأويل الاية الكريمة هو فرح المؤمنون يوم القيامة، وذلك عندما يشاهدون مجلى العظمة الالهية التي تجلت في اللطف بفاطمة الزهراء (علیها السلام) ومحبيها.

وتأسيساً على ذلك فانه لا ينبغي - بل لا يصح - ان يقصر المؤمن نظره على هذه الدنيا التي سيطر على مقدراتها الظاهرية وغصبها المخالفون والانتهازيون على امتداد التاريخ قديما وحديثا: زمن الثلاثة ثم في أزمنة الأمويين والعباسيين والعثمانيين - هذا قديماً، واما حديثاً فانه لا يزال يسيطر الحكام الظلمة ودول الغرب والشرق على معظم هذه الحياة الدنيا ولا يزال المؤمنون في ضيق وضنك وشدة واستضعاف.

إن من صفة المؤمن انه ينظر الى الاخرة وانه يجعل مقياسه (يومئذ) ونعيمه وعذابه، اما هذا (اليوم) فعليه ان يعمل فيه بوظيفته الشرعية فيامر بالمعرف وينهى عن المنكر ويقيم حدود الله ويرشد الجاهل وينبه الغافل: «وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ» وليكن بعد ذلك مهمشاً او معزولاً او ملقى في غياهب السجن!

ص: 37


1- سورة الروم: 4.

ومرة أخرى نؤكد: علينا ان نضع هذه الثنائية نصب اعيننا دائما: (ثنائية يومئذ اليوم)، فاذا اراد أحدنا ان يكذب كذبه - لا سمح الله - فليفكر في (يومئذ) وحسابه العسير, واذا اراد ان يغتاب مؤمنا او يظلم او ان يطغى او يتكبر فليفكر في (يومئذ) والعقاب الشديد! وكفى بذلك رادعاً عن المعاصي حاجباً مانعاً.

ص: 38

نصرة السيدة الزهراء (علیها السلام) في العوالم الاخرى

مرّ بنا ان نصرة السيدة الكبرى (علیها السلام) تجلت في مجالي ومظاهر ومصاديق عديدة:

منها: النصرة في الايات والروايات، والحديث عن ذلك يستوعب اشهرا من الكلام.

ومنها: النصرة بالمقامات والكرامات والحديث عن ذلك يستوعب احقابا

ومنها: النصرة في العوالم الاخرى.

والحديث الآن يدور حول هذا التجلي من تجليات النصرة إذ انطلقنا من كلمة (يومئذٍ) باعتبارها كلمة مفتاحية.. ولكي ندرك بشكل أوضح بعض أبعاد ودلالات هذا المفردة الاستراتيجية لا بد ان نتدبر قليلاً في المعادلة التالية:

ص: 39

معادلة الدنيا في بحر الآخرة اللامتناهي

لاشك ان الدنيا مهما طال أمدها فهي محدودة زائلة سواء الاحظنا عمر كل فرد فرد من بني البشر ام لاحظنا عمر الدنيا بشكل عام، وقد خمّن العلماء ان عمر الشمس هو (5) مليارات سنة وبقي لها ما يقرب من (5) او (6) مليارات سنة(1) والله العالم, لكن كل هذا لايعدو قطرة في بحر الآخرة اللامتناهي.وهناك قاعدة رياضية لطيفة وهامة وهي: ان كل عدد عندما تقيسه لعدد اكبر منه او اصغر منه فان هناك نسبة منضبطة ومحددة بينهما مثلا ان الواحد بالقياس الى ال (1000) هو واحد بالالف، فالواحد وان كان اقل بكثير من الالف الا ان النسبة بينهما منضبطة ومحددة، وهكذا الواحد بالمليون او بالمليار او بالترليون .

ولكن: هل الدنيا بالقياس الى الاخرة هي كذلك تحمل احدى النسب المضبوطة؟ أي هل يوجد قياس ونسبة وان كان بفارق كبير جداً بين الدنيا والآخرة؟ الجواب: كلا، لان الاخرة لا متناهية بنحو اللامتناهي اللايقفي، ولا توجد نسبة بين الواحد بل حتى المليار او الترليون وغيره وبين اللامتناهي؛ لان اللامتناهي لا يقف

ص: 40


1- قيل ان عمرها حتى الآن بين 3 الى 5 مليار سنة! وقدرها البعض ب4 مليارات و600 مليون سنة وخمنوا باقي عمرها بما لا يقل عن خمسة مليارات سنة اخرى.

عند حد لكي ينسب أي عدد اليه كي يكون جزءا من مليار أو ترليون جزء مثلاً؛ وذلك لان اللامتناهي لا حدود له، وكلما اردت ان تنسب شيئاً محدداً اليه تباعدت النسبة اكثر فاكثر لأنه لا متناهي لا يقفي أي مستمر في التوسع والتمدد والازدياد.

وبالتالي: فمهما دامت الدنيا وطالت ولو لمليارات من السنين وأكثر فهي لا تشكل رقما صعبا - بل حتى بسيطاً - بالنسبة الى الاخرة اللامتناهية، فكيف لو كانت أعمارنا حفنة من السنين القليلة؟ الا تكون عندئذٍ بالقياس الى الاخرة أشبه باللاشيء المطلق؟

وههنا يبرز لنا جانب من جوانب اهمية وعظمة النصرة الالهية لفاطمة الزهراء (علیها السلام)، في العوالم الاخرى.

والرواية الآتية تشير الى نموذج من نماذج نصرتها في احدى العوالم الآتية:

الرسول الاعظم (صلی الله علیه و آله): محبة فاطمة صك الفكاك من النار

فقد جاء في كتاب الفصول المهمة: «قال: طَلَعَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ(صلی الله علیه و آله) ذَاتَ يَوْمٍ وَ وَجْهُهُ مُشْرِقٌ كَدَارَةِ القَمَرِ، فَقَامَ عَبْدُ الله بْنُ عَوْفٍ وَقَال يَا رَسُولَ الله مَا هَذَا النُّورُ؟ فَقَال: بِشَارَةٌ أَتَتْنِي مِنْ رَبِّي فِي

ص: 41

أَخِي وَابْنِ عَمِّي وَابْنَتِي وَأَنَّ الله زَوَّجَ عَلِيّاً بِفَاطِمَةَ وَأَمَرَ رِضْوَانَ خَازِنَ الجِنَانِ فَهَزَّ شَجَرَةَ طُوبَى فَحَمَلَتْ رِقَاعاً - يَعْنِي صِكَاكاً - بِعَدَدِ مُحِبِّي أَهْلِ بَيْتِي وَأَنْشَأَ مِنْ تَحْتِهَا مَلَائِكَةً مِنْ نُورٍ وَدَفَعَ الى كُلِّ مَلَكٍ صَكّاً، فَإِذَااسْتَوَتِ القِيَامَةُ بِأَهْلِهَا نَادَتِ المَلَائِكَةُ فِي الخَلَائِقِ فَلَا تَلْقَى مُحِبّاً لَنَا أَهْلَ البَيْتِ الا دَفَعْتَ اليْهِ صَكّاً فِيهِ فَكَاكُهُ مِنَ النَّارِ بِأَخِي وَابْنِ عَمِّي وَابْنَتِي فَكَاكُ رِجَال وَ نِسَاءٍ مِنْ أُمَّتِي مِنَ النَّارِ»(1).

فأية عظمة هذه ؟!! امراة قدِّيسة لها من المقام انه بمجرد ان يحبها الانسان (شرط ان يبقى الانسان على حبه لها (علیها السلام) الى لحظات الاحتضار والوفاة) فان ذلك ينقذه من نار جهنم ؟!! أي مقام هذا؟ وأية نصرة هذه؟

ان علينا ان نعرف قيمة هذه المحبة التي رزقناها الله تعالى بفضله ومنه، وكان لاباءنا وامهاتنا شرف العلة المعدة والتوسط والتمهيد - جزاهم الله أفضل جزاء وأسناه -:

لا عذب الله امي انها شربت *** حبّ الوصي وغذّتنيه باللبن

وكان لي والد يهوى أبا حسن *** فصرت من ذي وذا اهوى ابا حسن!

ان قسماً كبيراً منا رزقه الله حب أهل البيت (علیهم السلام) من لحظة الولادة كما ان قسماً من الناس يهتدون بعد ذلك، والجميع دون

ص: 42


1- بحار الأنوار: ج27 ص117/ تفسير البرهان ج3 ص259.

استثناء على خير، وهنيئا لهم بهذه المكرمة العظمى, لكن كثيرا من الناس «فَتَعْسًا لهم وَأَضَلَّ أَعْمَالهم»(1)، لم ولن يهتدوا الى نعمة الله بل بدلوها كفراً «المْ تَرَ الى الذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ»(2).

ولكن يبرز هنا سوالان هامّان قد يقضان مضاجع البعض!:ذلك ان بعض ضعاف المعرفة وقليلي الخبرة بالروايات من اهل العامة او الخاصة توهموا ان هذه الرواية واشباهها فيها بعض الغلو(!) اذ لا يمكنهم ان يتصوروا ان مجرد حب فاطمة مدعاة الى الخلود في الجنة!! بل قد توهم بعضهم ان في ذلك ونظائره اغراءا بالمعصية؟!!

ص: 43


1- سورة محمد: 8.
2- سورة ابراهيم: 28.

الاجوبة على شبهة الغلو

اشارة

والجواب عن السؤالين بشكل وافٍ وموجز في الوقت نفسه:

اما السؤال الاول وهو ان في ذلك غلواً فالجواب عنه: لا غلو في ذلك أبداً حتى عند العامة ذلك انهم بأنفسهم رووا روايات متواترة توكد جوهر هذا الكلام وهو: ان الحب سبب الدخول في الجنة.

1- المتواتر عند العامة: قوله (صلی الله علیه و آله) «انك مع من احببت»

فقد روي في المسمى بصحيح البخاري رواية عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) وهي مروية في المسمى بصحيح مسلم، وأيضا في سنن الترمذي، وفي سنن الدارمي، وفي سنن ابن ماجة، وفي مجمع الزوائد، وفي فتح الباري (الذي صرح بأن رجاله ثقات) وفي صحيح ابن حبّان وفي العشرات من مصادرهم الأخرى.

والرواية متواترة بأعلى درجات التواتر عندهم حتى اني

ص: 44

رايت في استقراء ناقص ان هذه الرواية قد رويت في أكثر من مائة مصدر من كتبهم، كما أنها ثابتة عندنا ايضا من طرق عديدة.

والرواية بنص البخاري: (إن رجلا من أهل البادية أتى النبي(صلی الله علیه و آله) فقال: يارسول الله، متى الساعة قائمة؟ قال: «ويلك، ما أعددت لها؟»(1) قال: ما أعددت لها الا أنيأحب الله ورسوله, قال: «إنك مع من أحببت» فقلنا: ونحن كذلك ؟ قال: «نعم». ففرحنا يومئذ فرحا شديد)(2).

والرواية صحيحة صريحة، من طرقهم.

وهنا نجد بوضوح ان النبي (صلی الله علیه و آله) لم يقل له: أن (العمل) هو الأساس للمعيّة وللكون مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) في يوم الفزع الاكبر ثم لِجَنّةِ الله الواسعة(3)،

ولم يقل جواباً على قول البدوي (ما أعددت لها الا اني أحب الله ورسوله) لم يقل له: ان الحب شيء هامشي وان المقياس هو العمل فقم وأعمل واستعد لتكون معنا!

ص: 45


1- وكذلك البعض الآن قد يسال: متى ظهور الإمام(عجل الله تعالی فرجه الشریف)؟ والجواب هو: ان التوقيت ليس بأيدينا، لكن نقول له: انت ماذا فعلت؟ وهل أعددت نفسك للظهور؟ وهل أصلحت نفسك؟ وهل اتّقيت ربك؟ وهل أصلحت ظاهرك وباطنك بحيث تكون من المرضيين لدى إمام الكائنات(عجل الله تعالی فرجه الشریف) الآن وحين الظهور المبارك - لو قدر لك ان تشهده -؟
2- صحيح البخاري: ج 5 ص 2282 ح 5815.
3- اذ الكلام كان عن قيام الساعة وما اعدّ لها.

ثم ان تتمة الرواية صريحة في التعميم إذ ان بعض المسلمين كانوا جالسين هنالك ولعلهم تصوروا أن المسالة شخصية وأن هذا الإنسان له خصوصية خاصة في ذلك، وبالتالي فقد لا تشملهم هذه البشارة العظيمة:

(فقلنا: ونحن كذلك؟ فقال: نعم, ففرحنا يومئذ فرحا شديدا)

وهذه الرواية متواترة من طرق العامة، فان كان غلواً فأهل العامة حسب صحاحهم كلهم غالون - وما أبعدهم عن الغلو بل عن التوسط وأقربهم الى التقصير! - فأين الغلو في مثل ذلك؟

وبذلك يندفع أصل الشبهة ويظهر بوضوح ان كون (الحب) سبباً للمعية مع رسول الله(صلی الله علیه و آله) المستوجب لكونه معه في القيامة وفي الجنة، ليس غلواً وغاية الأمر ان يناقش في المصداق؟ فنقول: فعاد الأمر الى النقل والروايات (من دون مجال لتوهم شبهة الغلو) وهنا نجد ان النبي (صلی الله علیه و آله) أضاف أصحاب الكساء (علیهم السلام) .وبذلك ظهر ان محبة الرسول(صلی الله علیه و آله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام) هي ملاك الجنة.

2- ان الحديث على مقتضى القاعدة

بل نقول: ان هذا الحديث هو على مقتضى القاعدة لروايات

ص: 46

أخرى كثيرة، فقد ورد متواترا: أن الله يرضى لرضى فاطمة ويغضب لغضبها، وانها (علیها السلام): سيدة نساء أهل الجنة .... في روايات ثابتة الفريقين من طرقهم، وفي صحاحهم، فمقتضى القاعدة ان يكون حبها الى جوار ابيها ملاك دخول الجنة.

ص: 47

الأجوبة على شبهة الاغراء بالجهل:

اشارة

اما جواب السؤال الثاني وهو: هل في هذا وأشباهه إغراء بالجهل والمعصية؟

نقول: كلا، وذلك لوجوه:

1- ذلك تشجيع على الطاعة وليس اغراءاً بالمعصية

اولاً: ليس في ذلك أي اغراء بالمعصية. بل إن فيه إغلاقاً لباب اليأس ورحمته وتشجيعا على الطاعة قال تعالى: «إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ الله الاَّ القَوْمُ الكَافِرُونَ» وفي المقابل «وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ» وذلك لأن الإنسان بطبعه خطّاء، وقد عجن من خير وشر، فهكذا هو الإنسان: «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَالهمهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا»(1). وذلك لانه ثبت في علم العقائد والكلام ان هذه الأصناف الثلاثة: الانسان والملائكة والشياطين(2)

تختلف في جوهرها:

ص: 48


1- سورة الشمس : 7 -8.
2- اما الجن فقد قال تعالى } : «وَخَلَقَ الجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ» سورة الرحمن : 15.

اما الانسان فهو من (امشاج)(1) وخليط من طينة سجّين وعليين.واما الملائكة فقد خلقوا من النور لذلك فانهم يميلون بطبعهم الى الطاعة ميلاً اختياريا قوياً؛ وليسوا مجبورين على التسبيح والتهليل والتحميد والعبادة، بل هم مختارون لكن الملك لطبعه يميل بشدة الى الطاعة، مثلما نحن نميل بطبعنا للطيبات من الرزق ونكره الخبائث(2)

بطبعنا، لكننا لسنا مجبورين على تركها، وإن كنا بالطبع نعافها.

واما الشياطين فقد خلقوا من شيء آخر، وهم لطبعهم يميلون للمعصية من غير جبر.

فالانسان إذاً بطبعه ولأنه خلق من امشاج ولأن نفسه ملهمة بالفجور والتقوى معاً، لذلك فانه كثيرا ما يخطئ، فلو اغلقت ابواب رحمة الله، بوجهه ولم ير طريقاً سالكة للجنة (كمحبتهم (علیهم السلام)) فانه سوف يلجأ الى المعصية اكثر واكثر إذ يقول - وإن كان مخطأً - انه مادام من أهل النار فلم لا يعصي أكثر ولم لا يلتذ بمباهج

ص: 49


1- لا بخفى انه فسرت (امشاج) في بعض الروايات بماء الرجل وماء المرأة كما فسرت بأنحاء أخرى فراجع مجمع البيان، وقد استخدمنا (امشاج) هنا بالمعنى اللغوي لا كتفسير للاية فلاحظ والله العالم.
2- كلها او بعضها في بعض الافراد على الاقل.

الحياة الدنيا أكثر فأكثر؟

2- النقض بالاستغفار

ثانياً: ان مَثَل البشارة بحب اهل البيت (علیهم السلام) هو مَثَل الاستغفار, فهل يصح ان يقال: ان الاستغفار اغراء بالجهل؟! ولقد قال تعالى على لسانه نبيه نوح (علیه السلام): «فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَال وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا»(1). فهل في فتح باب الاستغفار والتوبة اغراء بالمعصية إذ يقول القائل: سأعصي وأتوب!!

ان الاستغفار باب عظيم من أبواب رحمة الله، يفتح الأمل للعاصي ذلك ان الكثير من الناس يعصون بسبب او آخر فإذا رأوا الأبواب اغلقت بوجوههم فانهم سوف يتمادون في غيّهم، بخلاف ما لو رأى الانسان أن هناك رباً رؤوفاً رحيماً وان هناكشفعاء لو أحبهم فإنهم سيستنقذونه من النار، فعندئذ سيحرضه ذلك على الطاعة كي يكون أقرب للشفاعة.

3- الحل بأن المحبة تدعو الى التأسي والاقتداء

وثالثا: المحبة تجرّ للتأسي والاقتداء، حيث ثبت بالتجربة ان

ص: 50


1- سورة نوح :10 - 12.

الاسوة والقدوة سواءا الحسنة او المنحرفة مدعاة الى التاسي والاقتداء حتى أن بعض الشباب تجده عندما يحب نجما أو غيره من المنحرفين فإنه يتطبّع بطباعه طبيعيا، وفي الاتجاه المقابل تجد ان من يحب امير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) فإنه سيسعى لاشعوريا, وإن غلبه الهوى في بعض الأحيان، الى التاسي به (علیه السلام)؛ لان روح ذلك الموالي تطبعّت بطابع الحب لهذا القدّيس وحب تلك القديسة الطاهرة, ولاشك ان حبهم والشوق اليهم يعدّ من أفضل المحفزات للاقتداء بهم كما انه يقود الى التعرف عليهم والانجذاب الى حميد سجاياهم وجميل اقوالهم وافعالهم ومن ثم الاقتداء بهم, فالمحبة تدعو الى التأسي والاقتداء بلا ريب.

4- المحبة أمان من الخلود في النار

رابعاً: ليس في هذا الكلام إعطاء صك براءة من العقاب والعذاب، وإنما هو صك براءة من الخلود في النار، فمن أحب رسول الله(صلی الله علیه و آله) وفاطمة وعليا والحسنين صلوات الله عليهم أجمعين وثبت على محبته فهو الذي يعطى براة من الخلود في جهنم، ولو أن الإنسان أحب وعصى ولم يتب ولم تنله الشفاعة فإنه في القبر والبرزخ سوف يعذب بمقدار معصيته - لا سمح الله - بما يطهره منها فان لم يكفِ ذلك جزاءً له ففي يوم القيامة, وفي بعض

ص: 51

الروايات ان بعض هؤلاء يعذبون في النار سبعين الف سنة, ثم تستنقذه فاطمة صلوات الله وسلامه عليها من النار, تلتقطهم من النار كما يلتقط الطير الحب الجيد من الرديء(1).

5- المعاصي قد تسلب المحبة فيخلد في النار

خامساً: ان المعاصي كثيراً ما تكون السبب في سلب هذا الحب وزواله، وقد راينا جميعاً أن بعض الناس يرتدون كما ترون ان بعض الناس يخرجون من المذهب وينحرفون، إذن: ما هو الضمان لبقاء هذا الحب معك الى لحظة قبض روحك كي ينقذك من النار؟ ان المعصية الواحدة قد تجر الى معصية ثانية فثالثة فرابعة فتكون من البواعث... فتسبب لا سمح الله على سلب المحبة وسلب الإيمان، وذلك لان الايمان نوعان :الإيمان المستقر والإيمان المستودع. كما فصَّلَتْه الروايات.

والخلاصة: انه ليس في ذلك اغراء بالجهل ولا ايقاعاً في المعصية فان وزان (المحبة) هو وِزان اسباب المغفرة الاخرى كالاستغفار وكالشفاعة، وكما هو الحال في الكثير من اسباب المغفرة الأخرى التي أذعن لها الفريقان، ومنها قوله (صلی الله علیه و آله): من صلى عليّ مرة لم تبق من ذنوبه ذرة(2). (اللهم صلِّ على محمد وال محمد).

ص: 52


1- عوالم العلوم: ج11 ص1161/ بحار الأنوار: ج8 ص52.
2- جامع الأخبار ص63.

إضافة الى ان كل ذلك يشكل تشجيعاً على الطاعة, وهو يعني فيما يعني: ان الصفحة السابقة السوداء قد محيت، فعليك ايها المسلم المحب لله ورسوله واهل بيته (علیهم السلام) ان تنتهز الفرصة لكي تبدأ حياتك من جديد بصفحة بيضاء بل ان تبدأ الصعود نحو قمة الولاء والإيمان والطاعة من جديد.

الرسول (صلی الله علیه و آله): من صلى على فاطمة الحقه بي في الجنة!

وهناك روايات اخرى كثيرة متواترة إجمالاً بل متواترة مضموناً تدل على ذلك، ولنشر في هذه العجالة الى احداها فقط:فقد روى أمير المؤمنين (علیه السلام) عن فاطمة الزهراء (علیها السلام) قال: «قالت فاطمة (علیها السلام) : قال لي رسول الله (صلی الله علیه و آله): يافاطمة، من صلى عليك غفر الله له والحقه بي حيث كنت من الجنة»(1) والحديث في هذا الحقل طويل نكتفي منه بهذا القدر(2).

إذن الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (علیها السلام) هي المنصورة بالآيات كما انها المنصورة في الروايات، وهي المنصورة بالمقامات والكرامات، وهي المنصورة أيضاً في العوالم الأخرى...

ص: 53


1- كشف الغمة: ص 472 ج1/ و بحار الأنوار: ج 97 ص 194.
2- فصلنا الحديث عن النقاط السابقة وغيرها في كتاب (شعاع من نور فاطمة : دراسة عن القيمة الذاتية لمحبة فاطمة الزهراء (علیها السلام)) فراجع.

ولكن كيف تعامل القوم مع وديعة المصطفى محمد(صلی الله علیه و آله)؟

لكن الآن تعالوا ننظر الى حالة هذه السيدة الزكية البضعة الطاهرة، المنصورة بما لها من تلك المقامات الشامخة السامية الرفيعة العالية، إذ هي مريم الكبرى, المحدثة, المرضية، الصديقة, ام ابيها، والقابها القاب كثيرة، تعالوا نرى كيف تعامل القوم مع بضعة الرسول سيدة نساء أهل الجنة؟

الفاجعة العظمى كما يرويها سليم عن سليمان المحمدي

فلنرجع 1425سنة تقريبا الى الوراء والى مدينة الرسول(صلی الله علیه و آله) ولنقف هنيئهة عند مسجده المبارك، وهناك لنقترب من سليمبن قيس الهلالي(1)، ونستمع الى الحوار الذي دار بينه وبين سلمان المحمدي:

ص: 54


1- قال الثقة الجليل النعماني في غيبته ص47: (كتاب سليم بن قيس الهلالي من أكبر كتب الأصول التي رواها أهل العلم حملة حديث أهل البيت عليهم السلام وأقدمها، لأنّ جميع ما اشتمل عليه هذا الأصل، إنّما هو عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) وأمير المؤمنين (علیه السلام) والمقداد وسلمان... وهو من الأصول التي ترجع الشيعة اليها ويعوّل عليها - الخ) كما روى الأجلاء من أصحاب الإجماع عنه كما اعتمد عليه الصفار والبرقي والكليني والصدوقان والعياشي والشيخ الطوسي وغيرهم. ونقل المحقق المامقاني عن خط المجلسي (روي عن الصادق (علیه السلام) أنّه قال: من لم يكن عنده من شيعتنا ومحبيّنا، كتاب سليم بن قيس الهلالي، فليس عنده من أمرنا شيء ولا يعلم من أسبابنا شيئاً، وهو أبجد الشيعة وهو سرّ من أسرار ال محمد - الى أن قال:- وأما الرّجل نفسه فلا شبهة في كونه صاحب أمير المؤمنين (علیه السلام)، وهو من الأولياء المتنسّكين والعلماء المشهورين بين العامّة والخاصّة. وظاهر أهل الرجال أنّه ثقة معتمد عليه) راجع (مستدركات علم رجال الحديث ج4 ص116117). ويقول الشيخ الطوسي في رجاله: ان سليم بن قيس كان من أصحاب الإمام علي(علیه السلام)، وكان من أصحاب الإمام الحسن (علیه السلام)، وكان من أصحاب الإمام الحسين، وكان من أصحاب الإمام السجاد(علیه السلام)، وكان من أًصحاب الإمام الباقر (علیه السلام). فهو شخصية عظيمة، صحب خمسة من الأئمة (علیهم السلام)، ونحن نتمنى لحظة وثانية واحدة نتشرف فيها بخدمة ولي الله الاعظم صلوات الله وسلامه عليه ثم لا نوفق!. كما يقول البرقي في رجاله : بانه كان من أولياء امير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.

قال سليم، قلت يا سلمانُ *** هل دخلوا ولم يكُ استأذانُ؟

هل هذه المصيبة الكبرى الحادثة الاليمة العظمى، يعقل ان تكون قد حدثت؟ هل يعقل أنهم دخلوا على بضعة الرسول ولم يك استاذان؟ من منكم يتحمل بان يدخل أناس غرباء على اهله، فكيف بوحوش يهجمون على حريمه وفي عقر داره؟

سلمان يقول: نعم... لكن المصيبة أعظم من ذلك وأعظم:

فقال: أي وعزة الجبارِ *** وما على الزهراء من خمارِ

لكنها لاذت وراء البابِ *** رعايةً للسترة والحجابِ

وما الذي صنعه القوم بها ببضعة المصطفى وفاطمة

ص: 55

الزهراء(علیها السلام) في تلك اللحظات العصيبة؟ هل رعوا هذه الأمانة حق رعايتها أم ماذا؟

فمذ رأواها عصوها عصرة *** كادت بنفسي أن تموت حسرة

نادت أيا فضة اسنديني *** فقد وربي اسقطوا جنيني

فأسقطت بنت الهدى واحزنا *** جنينها ذاك المسمى محسنا

أتضرم النار بباب دارها *** وآية النور على منارها

وبابها باب نبي الرحمة *** وباب ابواب نجاة الامَة

بل بابها باب العلي الاعلى *** فثمَّ وجهُ الله اذ تجلى

الا لعنة الله على القوم الظالمين، وسيعلم الذين ظلموا ال محمد أي منقلب ينقلبون، والعاقبة لأهل التقوى واليقين .

اللهم ارزقنا في الدنيا دعاء فاطمة الزهراء (علیها السلام)، بالتسديد والتأييد والبركة وحسن العاقبة والذرية الصالحة الى يوم القيامة، ربنا ارزقنا دعائها لجوامع خير الدنيا والآخرة، وارزقنا في الآخرة شفاعتها.

ص: 56

الفصل الثالث

اشارة

ص: 57

ص: 58

بصائر قرآنية

النصرة في عالمي القلوب والالقاب

سيدور الحديث في هذه الآية القرآنية الكريمة حول كلمتين قرآنيتين نستلهم منهما بصيرتين:

الكلمة الأولى هي مفردة (يفرح) في قوله عزوجل:«ويومئذ يفرح المؤمنون»، وسنتحدث بعض الشيء عن حُكْمٍ من أحكام (عالم القلوب).

وأما الكلمة الثانية فهي كلمة (نصر) في قوله تعالى: «بنصر الله» مع حكم من أحكام (عالم الالقاب) .

ص: 59

في عالم القلوب : الفرح والحزن لدىٰ طاعة الله ومعصيته

اما البصيرة الأولى فتتعلق بقوله تعالى (يفرح) وهي مسالة شرعية مهمة جدا وشديدة الابتلاء وقلَّ من طرحها بتفاصيلها من الفقهاء، وهي:

هل الفرح بنصر الله تعالى لعبد من عباده الصالحين او أمة من إمائه الصالحات، واجب؟ وهل الحزن لحدوث مشكلة : كتفجيرٍ إرهابي في مكان ما، واجب؟ وهل الحزن عندما تصدر من الإنسان معصية لاسمح الله ككذبة أو غيبة أو نميمة او غير ذلك أو لو صدر من غيره فعل حرام، واجب في حدود اختياريته؟ وذلك لأن الصفات الروحية والحالات النفسية مقدور عليها في الجملة بمقدورية مناشئها؛ فالقدرة على الأسباب تعني القدرة على المسببات، فليس بالممتنع أن يكلَّف الإنسان بالاتصاف(1) ببعض الصفات الروحية والحالات النفسانية مادامت المقدمات مقدورة. نعم، لو خرجت عن دائرة القدرة حتى المقدمات، لما كان تكليف عندئذ، الا إنها - الصفات والحالات النفسية - في الجملة مقدورة. فهل الفرح واجب عند - وب - حدوث طاعة؟

ص: 60


1- واما التكليف للسعي بالاتصاف، فأمره واضح.

ان بعض الناس يشاهد الكثير من المناظر الإيجابية أو السلبية لكنه لا يهتز قلبه فرحا أو حزنا حينذاك، فهل هذا فعل حرام إن كان مخالفا أو فعل واجبا إن كان موافقا؟

كذلك - مثلا - تصادف هذه الايام شهادة الزهراء (علیها السلام) : فتارة يحس الإنسان بالحزن يعتصر قلبه، وتارة تجد بعض الناس يمر على هذه الأيام وهذه المصيبة مرور الكرام، فهل فعل حراما إن لم يستشعر في أعماق كيانه الاسى؟

وهل يكفي ان يرفض عقلياً ويدين وينكر اشد الإنكار تلك الجرائم التي حدثت بحق الصديقة الكبرى (علیها السلام)، لكنه يكون قلبياً (لا بشرط) ؟ فهل فعل حراما في دائرة حكم من احكام القلب أم لا؟وفي قوله تعالى «ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله» هل هذا الفرح واجب؟ أم هو مستحب؟ ام لا حكم له؟ وكذلك نظائر ذلك في كل الطاعات والمعاصي؟

مسائل ثلاثة : الفرح واظهاره والبطر

والجواب على ذلك: ان هذه المسالة حسب الاستقراء الناقص, لم يطرحها الفقهاء عدا بعضهم في بعض جوانبها، لأن

ص: 61

المسالة متعددة الأبعاد. اذ ههنا مسائل:

المسالة الأولى: هل الفرح والحزن واجبان أو محرمان؟ والمقصود: الفرح عند الطاعة الصادرة منه أو الصادرة من غيره، والحزن عند معصية صدرت منه أو غيره؟.

المسالة الثانية: هل إظهار الفرح والحزن أمر واجب أو حرام؟, فان الفرح أمر وإظهاره أمر آخر. والحزن - كذلك - أمر وإظهاره أمر آخر, فقد يقال: الفرح ليس بواجب لكن أظهاره والتظاهر به واجب, أو يقال ان الحزن بالنسبة للمصيبة ليس واجبا لكن إظهار الفرح في المصيبة حرام.

المسالة الثالثة : هل (البطر) حرام، وقد طرح بعض الفقهاء هذا العنوان الذي ورد في كلام سيد الشهداء (علیه السلام): «إني لم أخرج أشرا ولابطرا». والبطر - حسب إحدى تفسيراته - الفرح الخارج عن الحدود. اي: الفرح المتزايد الموجب للطغيان(1).

وقد ارتأى بعض الفقهاء ان البطر بما هو هو حرام, وهو عنوان اخر ليس كلامنا فيه الان .

قال الشيخ الانصاري في المكاسب: (نعم لو خص اللهو بما

ص: 62


1- وقيل: شدة النشاط والتجبر وقيل : سوء احتمال الغنى والطغيان عند النعمة - فراجع مجمع البحرين وغيره

يكون وفسّر بشدة الفرح، كان الأقوى تحريمه(1)

وإنما كلامنا الان في العنوان الأولي المجرد، يعني: الفرح بما هو فرح، بالطاعة، هل هو واجب؟ او الحزن بما هو حزن مع قطع النظر عن الإظهار وعن البطر، هل هو حرام؟ وذلك كما لو حزن على فوات معصية منه كسرقه او زنا والعياذ بالله او لو حزن لجلوسه فجرا متمنيا عدم النهوض من الفراش لصلاة الصبح فهل فعل بذلك حراما؟

انواع الفرح المحرّم

اشارة

السيد الوالد (قدس سرّه)، في الفقه، يفصل، بما أضيفه له، فيرى حرمة أنواع من الفرح اما الأصل فهو الحلّية:

أ- الفرح بما يضادّ اصول الدين

قال في المجلد الثالث والتسعين من الفقه، كتاب المحرمات: (لا يحرم الفرح مطلقا)(2)

اذ لا دليل على حرمته بقول مطلق سواء أتعلق بطاعة أم معصية أم أمرآخر (الا بما إذا كان لامر على خلاف أصول الدين) ولواحقها (كالفرح بقتل الحسين (علیه السلام) مثلا) .

ص: 63


1- المكاسب ج2 ص47.
2- ما بين القوسين هو من كلام السيد الوالد فقط ، وغيره توضيح وشرح او تعليق منا عليه.

إذن هذا هو الاستثناء الأول.

ب – الفرح بما علم من الشرع كراهته

الاستثناء الثاني (او كان فرحاً بالمحرم) اقول : الظاهر انه يقصد : أنه فيما لو كان ذلك المنكَر مما عُلِمَ من الشرع كراهة - الكراهة البالغة حد التحريم - الفرح به اي بذلك المنكر وكذلك كراهة الحزن لذلك الأمر كالحزن على بعض أنواع المعروف والطاعة.

وقال: (قال تعالى: «فَرِحَ المُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ الله وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالهم وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله ...»(1) ثم قال: (وفي جملة من الآيات النهي عن الفرح، قال سبحانه: «إِذْ قَال لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ الله لَا يُحِبُّ الفَرِحِينَ»(2) وقال: «ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ»(3) (4).

وليس الكلام حول الاستدلال الفقهي والجرح والتعديل في مدى دلالة الآيات وعدمها، إنما الكلام هو أن الظاهر الذي لا شك

ص: 64


1- سورة التوبة : 81.
2- سورة القصص : 76.
3- سورة غافر: 75.
4- الفقه: ج93 ص 284

فيه، أنه في أصول الدين وما يتعلق بها فإن الفرح بمثل ما ذكره من المثال، حرام لا شك فيه. وكذلك الحزن في أمثال تلك المقامات، كما لو كان يحزن - والعياذ بالله - لقتل قتلة الانبياء والأوصياء كأن يحزن لهلاك فرعون ونمرود وهامان وابن ملجم والشمر وأشباههم؟ فان هذا حرام في حد ذاته.

علاميّة الفرح والحزن لسوء السريرة وخبث الباطن او العكس

هذا البحث الفقهي يوكل لمحله، على أهميته، الا أن موطن الكلام ههنا هو أن الفرح والحزن وإن لم يكونا واجبين أو محرمين ببعض مراتبهما، الا أنهما - لا شك - يكشفان عن قبح السريرة او عن حسنها. وهذه بدورها مسالة مهمة جدا.

وذلك يعني: انه قد لا نقول بأن حب الوطن واجب، لكن إذا رأينا أحدا لا يحب الوطن او لايحب الوالدين او الاولاد الصالحين او يجب سفك الدماء بالحرام وشربها، فإن ذلك يكشف في أقل التقادير عن سوء سريرته وخبث باطنه. ولذا تجد الناس يزهدون في هكذا إنسان ويحذرونه.

والحاصل : انه : حتى لو قلنا بان ذلك ببعض مراتبه ليس بالحرام، الا انه يكشف عن دناءة وخسة او خبث في شخصيته، وفي

ص: 65

تركيبته النفسية.

كما ان هذه الحالة تشكل علامة إنذار قوية بأن هذا الشخص قد يكون ممن طبع الله على قلبه وانه من المرجح ان يكون من أهل النار، فان من القوي جداً ان تجرّه حالته القلبية الى أن ينساق وراء القوة الغضبية أو الشهوية أو وراء من أحب من أعداء الله أو ضد من كره من أولياء الله، فإذا عرفنا ذلك فانه يتجلى لنا بوضوح: فيسقط في الامتحان، فيخلد في النار والعياذ بالله.

ان على الإنسان أن يراقب قلبه دائما في هذا الجانب بشدة وبشكل دائم، فلو ان الإنسان شاهد قلبه يهتز عندما يسمع شخصا يتكلم على مسلَّم من مسلّمات الدين أو على شعيرة من الشعائر أو يروج للفساد أو يظلم العباد، فكلما كان تفاعله النفسي سلبا وإيجابا أقوى كشف ذلك عن طيبة نفسه وحسن سريرته وعن قوة إيمانه أو ضعف إيمانه - لا سمح الله -.

ولذا يقول أمير المؤمنين (علیه السلام) : «فلو أن امرئً مسلما مات بعد هذا أسفا» - لمجرد أن بعضهم - بعض أولئك المُغيرين المعتدين والعصابات المسلحة المؤتمرة بأوامر معاوية - اغاروا على امراة مسلمة أو معاهدة فانتزعوا بعض حجلها وقرطهاوخلخالها وأنها لم تكن تمتنع منهم الا بالاسترحام والاسترجاع - «فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ

ص: 66

مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ عِنْدِي بِهِ جَدِيراً فَيَا عَجَباً عَجَباً وَ الله يَمِيثُ القَلْبَ وَ يَجْلِبُ الهم مِنِ اجْتِمَاعِ هَؤُلَاءِ عَلَى بَاطِلهم وَ تَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ فَقُبْحاً لَكُمْ وَ تَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَ لَا تُغِيرُونَ وَ تُغْزَوْنَ وَ لَا تَغْزُونَ وَ يُعْصَى الله وَ تَرْضَوْنَ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ اليْهِمْ فِي أَيَّامِ الحَرِّ قُلْتُمْ هَذِهِ حَمَارَّة القَيْظِ أَمْهِلْنَا حَتَّى يُسَبَّخَ عَنَّا الحَرُّ وَ إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ اليْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ هَذِهِ صَبَارَّةُ القُرِّ أَمْهِلْنَا حَتَّى يَنْسَلِخَ عَنَّا البَرْدُ كُلُّ هَذَا فِرَاراً مِنَ الحَرِّ وَ القُرِّ فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الحَرِّ وَ القُرِّ تَفِرُّونَ فَأَنْتُمْ وَ الله مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ!

يَا أَشْبَاهَ الرِّجَال وَ لَا رِجَال حُلُومُ الأَطْفَال وَ عُقُولُ رَبَّاتِ الحِجَال لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَ لَمْ أَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً وَ الله جَرَّتْ نَدَماً وَ أَعْقَبَتْ ذَمّاً قَاتَلَكُمُ الله لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً وَ شَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً وَ جَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً وَ أَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالعِصْيَانِ وَ الخِذْلَانِ حَتَّى لَقَدْ قَالتْ قُرَيْشٌ إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ وَ لَكِنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالحَرْبِ لله أَبُوهُمْ وَ هَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً وَ أَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَ مَا بَلَغْتُ العِشْرِينَ وَ هَا أَنَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ وَ لَكِنْ لَا رَأْيَ لِمَنْ لَا يُطَاعُ»(1).

ولنتدبر في كلامه صلوات الله عليه جيداً مراراً وتكراراً (فلو

ص: 67


1- نهج البلاغة: 1 69 / الغدير: ج 9 ص 307/ الكافي للكليني: ج 5 ص 4.

ان امرأً مسلما مات من بعد هذا أسفاً) الى هذه الدرجة!! أي لمجرد ان يسمع المسلم ان جند الحاكم الجائر أغاروا على مسلمات حتى وان لم يعتدوا على أعراضهن الا بهذه الدرجة: أنهم انتزعوا منهن الأقراط والحلي وما أشبه ذلك.

ومَن تجد مِن الناس يموت من شدة الحزن لمجرد خبر يسمعه عن فتنة أو انفجار أو قتل أو ما اشبه ذلك؟نعم، ان ذلك بالضبط لهو من علائم الإيمان وحسن السريرة: أن يحزن الإنسان لأية بلية أو مصيبة تحل بأي مؤمن فإذا مرّ مثلاً بفقير او سمع به، فيحزن له أو إذا سمع عن يتيم ويتامى او عن أرملة و أرامل، فيتالم بالفعل ويحزن ويتكدر وتنقبض نفسه وعلى الإنسان لكي يستشعر هذه الحالة ان يتصور نفسه فقيراً أو يتيماً، فكم هو مؤلم أن يفترش الأرض ويلتحف السماء؟ وكم هو مؤلم ان تفقد المرأة زوجها وراعيها أو ان يفقد الولد أباه أو أمه؟

إذن من علائم الإيمان: أن يفرح الإنسان لما يرضي الله تعالى، وأن يحزن الإنسان عند حدوث كل ما يسخط الله سبحانه وتعالى.

فهذه اذن هي الحقيقة الأولى التي تتعلق بعالم القلوب.

ص: 68

اشارة لمجالي الفقه والاخلاق

وهنا لا بد من الاشارة الى ان علم الفقه يتطرق عادة لما يتعلق بعالم الجوارح: من عين باصرة، وأذن سامعة وأنف شامة أو لسان ذائقة أو بشرة لامسة بما ترتبط بها من المعاصي من غيبة أو تهمة أو نميمة أو بطشه أو غير ذلك في حين ان علم الأخلاق عادة يتطرق لما يتعلق بعالم الجوانح (القلوب).

لكن توجد هناك مساحة مشتركة بينهما - الفقه والاخلاق - فان بعض ما يتعلق بالجوارح ويصدر منها يرتبط بعلم الاخلاق أيضا، كما ان بعض أفعال القلوب لها أحكام شرعية أيضا، وهذا يحتاج الى مجال آخر من الحديث فيوكل لمظانه.

ص: 69

في عالم الالقاب : (المنصورة) بنصر الله

إن مفردة (نصرالله) في هذه الآية الشريفة «وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ * بِنَصْ-رِ الله» وعلى ضوء العديد من الروايات، هي من وجوه اشتقاق لقب المنصورة لسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، حيث أن من القابها (المنصورة) بنصر الله لها (علیها السلام) حيث ورد في الرواية : « «وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ * بِنَصْ-رِ الله» يعني نصر فاطمة لمحبيها»(1) في يوم القيامة بشفاعتها لهم.

وقد مضى أن هذا اللقب له دلالات كما له تجليات ومجالي ومظاهر، وله أبعاد ومصاديق: فهي المنصورة بالآيات، وهي المنصورة بالروايات، وهي المنصورة بالكرامات، وهي المنصورة

ص: 70


1- معاني الاخبار باب نوادر المعاني ج53 / بحار الأنوار: ج 43 ص 1.

بالمقامات.

وهنا نضيف: ان من مظاهر نصرتها بالمقامات نصرتها بمنحها مقام القرب الى الله سبحانه وتعالى.

وقبل أن نستعرض احدى الروايات التي تشير الى جانب من جوانب ذلك، لابد من أن نستكشف الضابط العام لذلك: فلو أراد أحدنا أن يعرف كم يحبه الله تعالى فكيف يكتشف ذلك؟ بل هل يحبني الله تعالى أم لا؟ ثم لو كان يحبني فما هي درجة - إن صح هذا التعبير - محبته لي؟ وهذه مسالة مهمة، بل انها أهم مسالة على الإطلاق ؛ فان من اهم ما يشغل بال الإنسان كثيرا هو مدى محبة من يهمه امره له كوالده أووالدته أو ابن عمه أو شخص عزيز عليه، فكيف بالله رب الأرباب سبحانه وتعالى؟؟.

كيف نكتشف مدى محبة الله تعالى } لنا؟

والآن ليفكر كل منا مع نفسه ويسال: كم يحبنا الله؟ لنفكر ملياً في ذلك بيننا وبين أنفسنا، ثم نسال: هل هناك ضابط لكي نستكشف عبره مقدار محبة الله لنا؟ الجواب: ان هناك ضابطاً هاماً, ثم ان للضابط ضابطاً!

ص: 71

الضابط العام وضابط الضابط

اشارة

اما الضابط فهو: ان نستبطن ذواتنا ونستخبر قلوبنا: كم نحن نحب الله سبحانه وتعالى؟؟ فكّر جيداً: كم لله في قلبك من الموقع ومن المكانة؟ والى أي مدى يترسخ حبّه في قلبك؟ وبذلك تستكشف مدى محبه الله لك! وقد ورد في الحديث «وهل الدين الا الحب».

حسنا، ولكن لعل الكل يدّعي - من أمثالي - أنّه يحب الله بلا حدود وانه من «الذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لله»(1) ولكن لهذا الضابط ضابط ومقياس يكشفه ويفصح عنه, بل له ضابطان : ضابط كمّي، وضابط كيفي:

أ- الضابط الكمي

اما الضابط الكمي فهو : أن يرى الانسان كم مرة في اليوم الواحد بل والساعة الواحدة يستحضر وجود الله سبحانه وتعالى في حياته؟ أي يستحضر هيمنة الله عليهوإحاطته به ورقابته له، كم مرة في الساعة الواحدة؟ ام انه على العكس من ذلك يكون ساهيا لاهيا حتى في وقت الصلاة يتشتت ذهنه يميناً ويساراً، فكيف به إذا كان في السوق او في الشارع؟ الا تراه يفكر في كل شيء الا في رقابة الله

ص: 72


1- سورة البقرة :165.

الصارمة الدقيقة على كل نظرة وكل حركة وكل كلمة، وحتى على كل فكرة تخطر في باله؟!

ويمكن للانسان حسب هذا الضابط ان (يقيس) ايام حياته ويقارن بينها من هذه الجهة ويلاحظ أنه هل تساوى يوماه في هذا الحقل أو انه كان يومه شرا من أمسه ففي الامس استحضر - مثلاً - (100) مرة هيمنة الله عليه، اما اليوم فكانت (50) مرة فقط مثلا، مع انه يلزم ان يستحضر هيمنة الله عليه (200) مرة هذا اليوم، وذلك كله مع ان اللازم ان يستحضر الشخص هيمنة الله تعالى عليه دائماً بان لا يغفل عن هيمنة الله وعن ذكره حتى للحظة واحدة! ان هذه النموذج من الناس لهو من النادر جداً بل أندر من النادر، ولقد كانت الزهراء (علیها السلام) في قمة اولئك النوادر كما سيأتي باذن الله تعالى.

فالضابط الأول اذا ضابط كمّي وهو مما يسهل قياسه .

ب - الضابط الكيفي

اما الضابط الكيفي فالمقصود به درجة وشدة وعمق استحضار هذه الهيمنة الالهية، اذ الفرق كبير بين من يعلم اجمالا ان الله يراقبه بدون ان يستشعر ذلك حقيقةً في نفسه، وبين من

ص: 73

يستشعر الرهبة والعظمة الالهية في اعماق اعماق نفسه فيخاف الله حق مخافته!

ولنمثل لذلك بمثال : فلو ان شخصا كان يعمل في شركة اُخطر بان أي خطأ يصدر منه في عمله - أدنى خطأ - فانه سوف يفصل من الشركة على الفور !! فكيف سيكون حاله والتزامه وتفانيه في عمله؟! خاصة إذا لم يكن له أي مصدر رزق آخر ولم يكن يمتلك أي أفق لبديل عن وظيفته الحالية؟فهل اننا نستشعر رقابة الله تعالى عليه هكذا ؟ وذلك لأن من المحتمل جداً ان الكذبة او الغيبة او النظرة الواحدة، ترديه فتسوء عاقبته والعياذ بالله.

وفي الرواية : «ان الله تبارك وتعالى أخفى أربعة في أربعة : رضاه في طاعته، فلا تستصغرن شيئا من طاعته فربما وافق رضاه وأنت لا تعلم، وأخفى سخطه في معصيته فلا تستصغرن شيئا من معصيته فربما وافق سخطه وأنت لا تعلم وأخفى إجابته في دعوته فلا تستصغرن شيئا من دعائه فربما وافق إجابته وأنت لا تعلم، وأخفى وليه في عباده فلا تستصغرن عبدا من عبيد الله فربما يكون وليه وأنت لا تعلم»(1).

وبذلك نكتشف ان درجة وشدة استحضار رقابة الله هو

ص: 74


1- تفسير نور الثقلين للحويزي: ج 5 ص 43 / الخصال: ج 1 ص 99.

ضابط ومقياس كيفي أساسي فعلينا مراعاته وملاحظته على طول الخط ومدار الأيام والساعات والدقائق بل والثواني.

ولقد كانت الصديقة الزهراء (علیها السلام) في اعلى مراتب ذلك كمياً وكيفياً، بل كانت في مرتبة اسمى من ذلك بكثير، وسوف نتعرف على هذا المعنى من خلال الرواية الاتية , ولكن لابد قبل ذلك من ان نمهد لفهم الرواية بان نتجسد المنظر التالي:

النصرة بمقام القرب لدى رب الأرباب: التمحض في المناجاة والذهول عن الحوائج!

اننا عندما نذهب الى الحرم الشريف والمرقد الطاهر فلا شك انه توجد لدينا حوائج نطلبها لأنفسنا وذوينا ومن يهمنا أمره، فنوسط الامير (علیه السلام) عند الله تعالى لقضاء تلك الحوائج وهو امر واضح ومقبول وصحيح, لكن مرتبة اهل البيت والزهراء(علیهم السلام) اسمى من ذلك بكثر ؛ فهم غرقى في العبادة والمناجاة بحيث لا يفكرون حتى في الحوائج! حالتهم هي هذه حقاً بحيث انه لو لم يكن هناك امر الهي صريح بالتجرد أحياناً من هذه الحالة والالتفات للحوائج للبثوا فيها دوماً وابداً!!

تقول الرواية (والتي تكشف عن بعض مقاماتها (علیها السلام)): ان

ص: 75

الزهراء (علیها السلام) قالت - وهي تخاطب امير المؤمنين (علیه السلام) كان عندي ثوبان احدهما قديم والاخر جديد وكنت جالسة للعبادة ليلة الزفاف(1) فاذا بسائل ينادي : يا أهل بيت النبوة ومعدن الخير والفتوة اعطوني ثوبا قديما فاني فقير فأعطيته ثوبي الجديد، فلما اصبح الصباح غدا علينا رسول الله (صلی الله علیه و آله) بوجهه المنور فقال : اين ثوبك الجديد ؟ ما اراك تلبسينه!! فقلت : الم تقل ان الصدقة باقية؟(2) فاني تصدقت به! فقال : لو تصدقتي بالقديم ولبستي الجديد فهو ارعى لزوجك وللفقير واحفظ لك من حرارة الصيف في ايام الصيام؟ فقلت : لقد اقتديت بك يوم تزوجت بخديجة فبذلت مالها وجاءك السائل فاعطيته ثوبك واشتملت بالحصير(3)

ورايتك تصنع مثل ذلك كثيرا مما لايفعله غيرك حتى جعلت الجنة لك ونزلت فيك «وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا»(4).

(فبكى النبي وضمني الى صدره وقال : هبط الامين

ص: 76


1- وكل المعاني في الرواية سامية اذ تجدها تجلس (علیها السلام) ليلة الزفاف لعبادة الله تعالى ذلك انه جل اسمه بالنسبة لها - وهو الحق - هو الاول والاخر والظاهر والباطن.
2- والمفهوم من (الصدقة باقية) انها (علیها السلام) لو لبست الثوب فانه فانٍ لا يبقى.
3- وذلك يعني انه لم يكن عند رسول الله شيئ آخر يوم زفافه بحيث انه لم يجد الا ان يشتمل بالحصير، وهكذا فعلت الزهراء (علیها السلام) إذ اشتملت بالثوب القديم في ليلة زفافها لتقتدي برسول الله (صلی الله علیه و آله)، قال تعالى:«ذرية بعضها من بعض».
4- سورة الاسراء : اية 29.

جبرائيل(1)

وقال : أقرأ فاطمة السلام وقل لها فلتطلب مافي الغبراء والخضراء، وبشرها اني احبها ...)وهذان مقامان من أسمى المقامات: ان يبشرها الله تعالى بانه يحبها؟ وان تكون مستجابة الدعوة فيما شاءت بقول مطلق!

أية كرامة هذه وأية منزلة؟!

والآن لنتصور ان هاتين المنحتين كانتا لنا فما كنا صانعين؟ أي لنفترض انه جاءنا رسول الله (صلی الله علیه و آله) وقال: اطلب ما تشاء فإنه مستجاب! ولك البشرى ان الله يحبك!, لاشك اننا عندئذٍ كنا سوف نطلب المزيد ثم المزيد من الدنيا والآخرة، لكن الزهراء (علیها السلام) بجواب آخر قلما يخطر على بال احد من الاولياء والصالحين فضلا عن المؤمنين وغيرهم :

شغلتني عن مسالته لذة خدمته!

(فقلت يا رسول الله: شغلتني عن مسالته لذة خدمته..)(2).

وذلك صريح في انها غرقت في لذة خدمته الله تعالى وعبادته فشغلها ذلك عن طلب كافة الحوائج! اليس هذا هو المقام العظيم الذي هو منتهى امل الاملين وغاية امال العارفين؟!

ص: 77


1- وهنا تتجلى لنا بوضوح ملامح عظمتها وسر من أسرار مقاماتها.
2- اي عبادته.

ثم قالت (علیها السلام) : «لا حاجة لي غير النظر الى وجهه الكريم في دار السلام».

ولعمري: ان هذه هي قمة قمم المعرفة وأعلى مراتب المحبة «وَالذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لله».

ثم ان الانسان اذا طلب الحوائج لنفسه فانه بمعنى من المعاني يرى لنفسه وجودا وشهودا , ويرى للانا بعض المحورية ولذا يطلب لها بعض ما يرغب فهو عالق في حجاب (الانا) , اما المحب الحقيقي فلا يرى نفسه على الاطلاق بل يرى الله في كل آن محيطاً بكل شيء..نعم هذه هي الزهراء (علیها السلام) المنصورة بالمقامات.

والعجيب في الأمر ان هذه الحالة المعنوية السامية للزهراء والائمة (علیهم السلام) تعتبر كاصل اولي يدرجون عليه , اللهم الا فيما لو جاء الامر الالهي بان يطلبوا منه جل اسمه فانهم ينتقلون الى الطلب حينئذ، ولكن مع ذلك نجدها (علیها السلام) وأباها المصطفى لا تطلب لنفسها وانما تطلب للغير:

(فقال الرسول(صلی الله علیه و آله) ارفعي يديك، فرفعت يديّ ورفع النبي (صلی الله علیه و آله) يده حتى بان بياض ابطيه ثم دعى لامته فقال : اللهم اغفر لامتي فقلت: آمين، فهبط جبرائيل وقال : قال الله}: غفرت لمن

ص: 78

احب فاطمة واباها وبعلها وبنيها من امتك , فطلبت كتابا فجاءني جبرائيل بهذا الحرير الاخضر وفيه هذه الرقعة البيضاء مكتوب فيها: «كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ»(1), وشهد على ذلك جبرائيل وميكائيل فقال: ابي احفظي ذلك واوصي ان يدفن معك في قبرك، فاذا كان يوم القيامة وتصاعد لهيب النيران أدفعُهُ الى ابي لياخذ لي بما وعدني ربي)(2)

والرواية مطولة وهي تكشف فيما تكشف عن بعض مقامات الزهراء (علیها السلام) حيث انها منصورة بمقام القرب، وهو اسمى مقام، ثم انها منصورة في استجابة مثل هذه الدعوة الباهرة في محبيها ومحبي الخمسة الطيبة الطاهرة.

نسال الله تعالى } ان نكون من خيرة من يفرح يوم القيامة ويوم الفزع الاكبر بكونه محباً لفاطمة الزهراء (علیها السلام) حقاً وصدقاً وبكونه تابعاً ومطيعاً لها ولأبيها وبعلها وبنيها ظاهراً وباطناً، وبان نخرج من هذه الدنيا ونحن باقون على تلك المحبة بانصع واروع واصفى صورها، وما ذلك على الله بعزيز .

ص: 79


1- سورة الانعام : اية 54.
2- الخصائص الفاطمية: ج2 ص384 - 385 الخصيصة 39 عن (التبر المذاب) وعن ابن الجوزي.

ص: 80

الفصل الرابع

اشارة

ص: 81

ص: 82

(الايام) حواضن المبادئ والقيم ومعالم للمعصومين (علیهم السلام)

بمناسبة أيام مولد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها نشير الى عدد من المباحث على ضوء هذه الآية الشريفة :

بصائر قرآنية

المبحث الاول : وجوه التعبير ب (من يشاء) و (كيف يشاء) في القرآن الكريم

المبحث الأول: حول كلمة «من يشاء» فانه قد يتوهم متوهم أن كلمة «من يشاء» تستبطن في داخلها الانفلات أو الفوضوية أو اللاملاكات واللاضوابط واللاحدود فمثلًا قد تسال شخصا: فتقول: من الذي سوف تكرمه غدا؟ فانه تارة يقول لك: سأكرم المؤمن أو سأكرم العالم، لكن تارة اخرى يقول: من أريد سأكرمه.

ص: 83

فهل يصح أن يتطرق الى الوهم مثل هذا الاحتمال؟

والجواب : لقد ثبت في محله في علم الكلام والعقائد ان الله سبحانه وتعالى حكيم على الاطلاق وأن أفعاله(1)

معللة بالأغراض الواقعية التي يحيط بها بعلمه المحيط،وأن المصالح والمفاسد وراء كل أمر أو نهي او فعل او قول أو ما أشبه ذلك، ومن الواضح أنه بذاك الأصل الثابت الموضوعي نعرف ان كلمة «من يشاء» ليس المراد بها العبثية، الفوضوية، الانفلات، وأنه لا ضوابط ولا ملاكات.

لكن الكلام يدور حول النكتة في هذا التعبير اثباتاً بعد ان كانت الحقيقة واضحة في عالم الثبوت ؟

والذي يؤكد ضرورة البحث عن النكته والسبب والوجه في ذلك هو ما نلاحظه من أن القرآن الكريم في مختلف المواطن يستخدم مثل ذلك التعبير: قال تعالى : «يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ»(2) ولم يقل تعالى : يؤتي الحكمة من درس ومن فكر وتدبر او من سار في الأنفس والآفاق حيث قال «سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ»(3)، بل الآية هي أنه «يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ»، وفي آية

ص: 84


1- ومن الأفعال الأقوال.
2- سورة البقرة : 269.
3- سورة فصلت : 53.

اخرى: «وَالله يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ»(1) وكذلك «يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ الى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»(2) إذن هناك تركيز على «من يشاء» فلا بد من ان نبحث عن النكتة في ذلك؟

وكذلك نلاحظ الامر ذاته في الموارد الأخرى المشابهة ،مثل الآيات الأخرى التي ورد فيها «كيف يشاء»، مثل قوله تعالى: «بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ»(3)، والمراد باليدين : يدا القدرة والقوة، وفي آية أخرى يقول عن السحاب: «فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ»(4).وكذلك الأمر المفردات الآخرى المضارعة، مثل: «وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ»(5).

والآيات من هذا القبيل ليست بالقليلة، فما هو الوجة - بعد الفراغ عن كونه تعالى حكيما - في هذا التعبيروالتحويل على المشيئة؟

ص: 85


1- سورة البقرة : 247.
2- سورة البقرة : 142.
3- سورة المائدة : 64.
4- سورة الروم : 48.
5- سورة الاحزاب : 24.

من وجوه الحكمة في الأِحالة على المشيئة الالهية

اشارة

هنالك وجوه عديدة يمكن أن تذكر كسبب للعدول عن بيان الضابطة الى التعويل والتحويل على المشئية، وسوف نشير الى ما تيسر في هذه العجالة :

1- اخفاء الحقائق والمصالح والمفاسد والجهات

السبب الأول: هو الإشارة الى:

أ - خفاء الحقائق، ب - وخفاء المصالح والمفاسد، ج - وخفاء الخصوصيات والمزايا والجهات؛ فان هذه الثلاثة خفية علينا نحن البشر - عادة - اصلاً او ببعض درجاتها.

ف(الحقائق) مخفية علينا قال تعالى : «يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ»(1) فلا نعلم باطن الحياة الدنيا فكيف بالآخرة؟

وكذلك (المصالح والمفاسد) بجهاتها المختلفة وتزاحماتها ونتائجها النهائية فانها خفية علينا ولذا كان القياس باطلاً.كما ان (الخصوصيات) والجهات والمزايا، ايضا هي خفية علينا , ولذلك قال سبحانه وتعالى: «من يشاء» لأنه لا شك

ص: 86


1- سورة الروم : 7.

- كلاميا - في أن الله عندما ينصر فإنه ينصر بحكمة، لكن متى ينصر؟ ومن الذي ينصره حينذاك واين؟ وكيف؟ هذه كلها خفية علينا. وهكذا يتجلى لنا وجه من وجوه «يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ».

مثلا في قضية الروم قال تعالى : «غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ» فقد منح الله النصر للروم وقد اخبر عن انه سينصرهم, لكن متى؟ بعد سنتين؟ ام بعد عشرين سنة؟ الجواب: (في بضع سنين) وهنا ايضا توجد حيثية خفاء بل واخفاء !! ذلك ان المصلحة قد تكون في غير ما نريده ونرغب فيه!

وبوجه آخر: ان الله تعالى هو الاعلم بالمصلحة، فأَرجِعَ الأمر اليه , ولا تحكم ايها الانسان ولاتجزم بانني حيث فعلت كذلك فكان ينبغي أن يكون كذا، فاذا لم يكن كذا فتعتب على الله تعالى!

والقضية التالية تعبّر عن هذا المعنى أبلغ تعبير:

كانت هناك شخصية كبيرة مرموقة قبل الف وثلاثمائة واربعة وسبعين سنة، وكان ممن يستحق ان يحظى بلطف الله تعالى في قضية من أخطر القضايا على الإطلاق، وذات يوم حدث ان صعد الى الشرفة - الطارمة - فزلت قدمه وسقط الى الارض فكسرت رجله.

ص: 87

ونظائر هذا كثيراً ما يحدث لنا، فان الإنسان كثيرا ما يبتلى ابنه أو أخوه أو أبوه بمرض عضال او بحادث دهس سيارة أو شيء آخر فيصاب بما يصاب به، بشلل أو بغيره، فقد يعتب على الله تعالى وانه لِمَ حدث لي ذلك ؟ وقد يذكر بعضهم لعتبهِ وجهاً وهو ان فلاناً كان إنساناً خيراً، فلم حدث له ما حدث؟ وان هذا الإنسان هو ممن يكرم اليتيم مثلاً ويفعل كذا من الخيرات، فلمَ وقع له ما وقع ؟ أو لم تفككت اسرته لسبب لا يعود له، أو لم فَقَد أرصدته كلها رغم أنه كان خيرا ينفق الى ما شاء الله؟لكن الله تعالى «يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ»، والزمان والمحل والكيفية هو الذي يحددها وليس غيره يصلح لأن يحددها، فان الانسان لا يعرف وجه المصالح والحِكَم وخفايا الامور والأبعاد.

وعوداً الى بدأ: فان هذا الشخص سقط من الشرفة وكسرت رجله فجاء المجبّر وجبّر رجله، وإذا بمبعوث من قبل يزيد يأتي اليه يدعوه ويأمره بالخروج لقتال الإمام الحسين (علیه السلام). فاعتذر بحجة كسر رجله فتركوه لحاله! بينما - وفي المقابل - نجد انه إذا كانت رجله سالمة، فكان أمره دائرا بين اثنين: إما أن يذهب لقتال الإمام الحسين (علیه السلام) فيكون من أهل النار، أو ان يرفض ويأبى فيحطمون أسرته كلها، فكان من الأهون ان تكسر رجله عن ان يدمروا اسرته أو

ص: 88

يأسروا اولاده وبناته مثلاً فكيف بان يخرج لقتال سيد شباب اهل الجنة ؟

أن الواقع خفي علينا: المصالح خفية علينا والمفاسد الا ما ظهر من بعض جهاتها، ولا نعرف عمقها ولا سائر الجهات المزاحمة لها، لذا كان لابد من ايكال الامر اليه جل اسمه ليحكم كيف يشاء متى يشاء بما يشاء !

2- الايحاء بالهيمنة الالهية المطلقة

ثانيا: لكي يقودنا ذلك الى أن نعترف بالهيمنة المطلقة الالهية على كل الاسباب والعلل والظواهر والمظاهر، فلا نركن الى قدرتنا مهما أوتينا من سلطة وعلم وحكمة ومال وذرية وجمع وعدد .

ان بعض الناس قد يكون إنسانا صالحاً، لكنه لو وكله الله الى نفسه ولو ثانية واحدة فقط فإنه سوف يسقط في الامتحان.

كما نرى البعض من الفقراء يعتب على الله بشدة، ولكن هذا الفقير لا يعرف المصلحة في ذلك ولو اطلع على خفايا الامور لعرف أن من مصلحته الواقعية ان يكون فقيرا، ومن اكبر الشواهد على ذلك انه ما أكثر الاشخاص الذين تجبروا بعد إذ استغنوا وما أكثر الذين طغوا وعتوا وعصوا بعد إذ تسلطوا.

ص: 89

والحاصل: ان الله سبحانه وتعالى عندما يقول «من يشاء» «كيف يشاء» فانه يستبطن التأكيد على ان الأمور مرتهنة به جل اسمه فانه «هُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ»(1) فعلى الانسان ان يعرف انه اذا وفّر كافة العلل المعدة فليستحضر أن الذي وراء ذلك وفوق ذلك هو إرادة الله تعالى، فعليه ان يتوكل ولا يتكل على نفسه طرفة عين أبداً.

ولكي يتضح ذلك اكثر فلنمثل بمثال آخر افتراضي لكنه من الزمن المعاصر:

أحد المجاهدين - وكثير منكم كنتم مجاهدين في زمن الطاغية كما انه ما أكثر المجاهدين في العالم على مر العصور - في بلدٍ ما، تصوروا انه طاردته السلطات فأراد أن يهرب الى خارج البلد لكنه لم يكن يعرف الطريق، فالتجأ الى شخص خبير حكيم عارف بالمجريات، واستشاره: كيف أهرب من هذا البلد؟ وهنا نجد ان الخبير - الحكيم تارة يقول له: عليك ان تستخرج جوازاً مزوراً من المحل الفلاني مثلا، ثم تغادر عبر الحدود الكذائية بهذه الطريقة الخاصة. وذلك لا يصح الا لو كانت القضية بسيطة وامكن لهذا الشخص أن يخرج من هذا المعترك بمجرد هذا الارشاد الدقيق لكي يواصل مسيرة الجهاد من جديد من وراد الحدود.

لكن القضية اذا كانت متشابكة معقدة لا تحكمها معادلة

ص: 90


1- سورة الانعام : 18.

واحدة بل تتحكم فيها عشرات المعادلات وتحتاج الى عشرات الخطوات، و لو انه أخطأ في خطوة واحدة فإنه سيقع في أيدي الجلاوزة، فما الذي على الحكيم - الرحيم ان يفعله حينئذٍ؟ ان على ذلك الحكيم ان يقول له حينئذٍ: تعال الي واعتمد علي واوكل الامر اليّ(1)

وما أقوله لك فاسمعه ونفذه، ولا يصح لي الآن بل لا يمكن ان اشرح لك كافة الخطواتوالمراحل والخصوصيات، وثق انني لا أكلُك الى نفسك بل أتعهدك بالرعاية بنفسي حتى آخر لحظة تخرج فيها سالماً من هذا البلد.

وهنا نجد بوضوح ان هذا الشخص كان خبيراً حقاً وكان ذا نفوذ ايضاً - كعلي بن يقطين مثلاً - بحيث لو اخطأ المجاهد في خطوة فانه سوف يتدخل ويخرجه من المعترك والمحنة، عندئذ يكون عقلائياً تماماً أن يقول له: ثق بي وارجع الأمر اليّ (او الى فلان) واتبع مشيئتي.

وصفوة القول: انه حيث كانت المنايا والجهات والأبعاد خفية، وحيث كانت المصالح خفية وكان الواقع بمجمله خفيا، وحيث كانت القضية معقدة، ومتشابكة الأطراف، فان افضل ما ينبغي ان يقال ممن كلامه قمة في البلاغة وقمة في الحكمة هو:

ص: 91


1- او الى فلان.

«ينصر من يشاء» ؛ لأنه الأعرف بكل المصالح والجهات والخفايا والأبعاد البعيدة المدى والمتوسطة والقريبة المدى، كما يعرف تأثيرات هذا القرار حتى على أحفاد أحفاد الانسان ايضا، ذلك انه قد يكون شيء ما لصالحك في جهة من الجهات لكنه سوف يجر الوبال على ذريتك وأحفادك الى يوم القيامة!، وقد يكون شيء ما بضررك ظاهرا، من مرض أو عرض أو بأساء أو أشبه ذلك لكنه يستتبع العزة لك ولأولادك.

والمشكلة في الأمر كله هو اننا لا نعرف تلك المعادلات، لكننا نعلم بعلم إجمالي اننا لو كنا عرفناها لأذعنا لها ولما تخطيناها!

وبكلمة: فان من وجوه الحكمة في قوله تعالى: «يَنْصُ-رُ مَنْ يَشَاءُ»، «يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ» ونظائرها: لأنه تعالى هو الأعرف بجهات المصالح كلها ؛ ولأنه حكيم وبكم رؤوف رحيم.

وبوجه آخر: ان النكتة في «من يشاء» ليست التأسيس للعبثية، بل ان «من يشاء» هي بلحاظٍ دون لحاظ، فليست «من يشاء» بلحاظ ما يقابل الحكمة أبداً، كما ان احدنا احياناً يقول: انني سوف ازوج بنتي لمن أشاء وكيف اشاء، فان المتكلم بهذا القول يحتمل فيه احتمالان: فإذا كان إنساناً غير حكيم فان معنى كلامه يكون هو: أي عبثاً، وانه لا تهمه الملاكات والمصالح الواقعية، وإما

ص: 92

اذا كان إنساناً حكيماً عاقلاً فان معنى كلامه يكون هو انه سيزوجها على حسب مقتضى الحكمة،لا كما تشاء هي ولمّا تعرف خفايا الاشخاص وقد تغرها المظاهر والكلام المعسول، فليست هناك إذاً عبثية بل لا توجد الا الاحاله للمشيئة الاكثر حكمة ودقة

ولإن شُك في حال أبٍ من الآباء، فانه لا يُشك في الاله الحكيم الرحيم المطلق بدون كلام.

إذن «كيف أشاء» هي بلحاظٍ دون لحاظ، فليست بمعنى انه لا حكمة ولا مصالح كامنة وراء مشيئته، بل هي في مقابل ما نريد بجهلنا ان نحمّله على الله أن يفعله!

الاستشهاد على ذلك ب«وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ»

وذلك هو مقتضى البحث العقلي والكلامي، ثم انني فكرت بضرورة التدبر في القرآن الكريم في الآية الشريفة بنفسها عسى ان اكتشف فيها شاهداً (إضافة الى الكبرى الكلية التي هي مسلمة في محلها من علم الله المحيط ومن حكمته ورحمته)، على ذلك؟ إذ يقول تعالى: «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ»، والتدبر قادنا الى انه يوجد شاهد واضح في رأس الاية الشريفة (أي آخرها) إذ يقول تعالى سبحانه وتعالى: «وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ * بِنَصْ-رِ الله يَنْصُ-رُ مَنْ يَشَاءُ

ص: 93

وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ».

فقوله تعالى «وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ» يكشف - حسب المستظهر - عن ان نصرته منبعثة ومؤطرة بعنوانين يكمل أحدهما الآخر: وهما عنوانا العزة والرحمة ولذا وصف ~ نفسه ههنا بعزيز ورحيم، وذلك انه لو كان عزيزا فقط، والعزيز هو القادر الذي لا يغالب، لقهر المشركين في نفس اللحظة. وقد ورد في الرواية: لو أن الدنيا تسوى عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء قط , ولكن الله يمهل ولا يهمل. فلو كانت الصفة التي ذكرت هي العزة فقط، فان مقتضاها هو الانتقام فوراً فان العزيز ينتقم فوراً، ويضرب بيد من حديد وهو القادر القاهر، ولكنه ايضاً رحيم: رحيم بالكفار، فيعطيهم فرصة ومجالاً فلعل بعضهم يرجع الى الحق، ولذا كانت الدنيا هي دار إمهال وفسحة ومجال اما الآخرة فمعادلتها معادلة أخرى، فالدنيا دار امتحان ودار الامتحان تقتضي المزيج من الغضب ومن الرحمة،كلاهما ينبغي ان يكون موجوداً «وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ». فبعزته ينصركم لكنه برحمته يؤخر هذه النصرة، فيختار وقتا يجمع فيه بين الحقين فالعزة - على هذا - هي الباعث وراء النصرة والرحمة هي القيد أو الإطار. والله العالم.

وتلك هي مجرد إشارة أجمالية، ولعل هناك مزيدا من الكلام

ص: 94

عن ذلك يأتي في المستقبل ان شاء الله تعالى .

البحث الثاني: للمشيئة ملاكات

مع ان الله تعالى حوّل في هذه الاية «يَنْصُ-رُ مَنْ يَشَاءُ» الامر على المشيئة الالهية الا انه تعالى ذكر في موطن آخر ضابطا لذلك , فتم بذلك الجمع بين كل الحقوق، فمن جهة حوّل الأمر على مشيئته جل اسمه فان الأمر كله له «لله الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ»، ومن جهة اخرى وفي مواضع اخرى ذكر بعض الملاكات والضوابط فلم يهملها ويترك ذكرها بالمرة، ومن الملاكات ماصرح به تعالى: «إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ» فهذه الآية اذن تكمل تلك الآية السابقة.

والجامع هو: ان مشيئة الله تعالى تابعة لمصالح ومفاسد في المتعلقات وقد ذكر بعضها لنا مما هي بأيدينا. اما تلك التي ليست بأيدينا ولا هي في حدود ادراكنا فقد احالها الى الإطار الذي يجمع كل الضوابط وهو «من يشاء» و «كيف يشاء».

المبحث الثالث: كيف ننصر الرسل والاوصياء ؟

والآن يجب ان نسال: كيف ننصر الله؟ كيف ننصر رسل الله؟ كيف ننصر رسول الله (صلی الله علیه و آله)؟ كيف ننصر الصديقة الزهراء

ص: 95

عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين. كيف ننصرهم ؟الجواب - بإيجاز ايضا -: ان نصرتهم لها أوجه ولها مصاديق ولها مراتب ولها أنواع ولها مفردات كثيرة، منها: نصرتهم عبر الحواضن والشعائر(1):

(الحواضن) برعايتها أو الاهتمام بها والترويج لها والتفكير بها والتخطيط لها وترشيدها وتفعيلها، وأن نعيشها دوما في شتى مناحي حيواتنا.

وهذه الطريقة هي من أهم طرق نصرة اهل البيت (علیهم السلام) ونصرة الصديقة الزهراء (علیها السلام).

ص: 96


1- الحواضن أعمّ من الشعائر. فتدبر!

الايام حواضن المبادئ والقيم ومعالم للمعصومين (علیهم السلام)

ان من أروع ما صنعه المعصومون (علیهم السلام) في الأيام ان اعتبروها الحواضن الطبيعية لارتباطنا بهم وبمجمل المبادئ السامية والقيم المثلى، فعلينا ان نتذكر ذلك دوماً وذلك بنفسه يكفي دليلاً على ان المنهج التربوي في مذهب اهل البيت (علیهم السلام) لا نظير له لا يعقل أن يكون له نظير، ويكتفي ان تتصفحوا المسيحية مثلاً فانكم ستجدونهم يحيون يوماً واحدا من الأيام فقط وبطقوس محدودة فارغة، و اما بقية الأيام فلا برامج لهم فيها.

كذلك اليهودية لهم يوم من الأيام (السبت) وإنتهى الأمر .

ولنتوقف ههنا عند مفردة من أهم مفردات الحواضن المجهولة أو المهملة عادة عند الاكثر. فان الحواضن كثيرة وقد تبلغ عشرين أو ثلاثين او اكثر , وكل احدة منها تحتضن قيمةً أو فكرة أو حدثاً أو

ص: 97

مناسبة أو جانباً من جوانب حياة ذلك المعصوم (علیهم السلام)، فلنتوقف عند واحدة منها الآن:

ان من الحواضن: (الأيام) . وهي من اهم حواضن القيم والمبادئ كما انها من أهم حواضن حياة المعصومين (علیهم السلام)، وهي حقاً من أهم ما ينبغي أن يراعى و أن يحظى بالاهتمام لكن الناس عنها عادة غافلون.

والايام هي من مفردات (الزمان).

(الأيام) مملوكة للمعصومين (علیهم السلام) أو مختصة بهم؟

اشارة

وهنا لابد ان نسال : هل الزمان يُملك كما يملك المكان ؟ فقد يملك شخص هذا المكان، لكن الزمان كيف؟

الجواب : نعم، كما أن المكان يملك فان الزمان يُملك ايضاً، أو انه في مرتبة نازلة منه هناك حق اختصاص به.

ومثاله الواضح : العبد، فان وقته ملك لسيده , وهكذا كل مستاجَر وكل موظف وعامل في شركة او مؤسسة فان الموظف يحرم عليه شرعا حسب الضوابط الشرعية العامة أن يضيع دقيقة من وقته في عمل او اتصال شخصي يُضيّع حق المستأجر او الشركة او يعد اخلالاً بالاتفاق .

ص: 98

والذي نريد ان نخلص اليه : ان الزمان والايام والوقت قد تملك، لكنها - بشكل عام - هي ملك من؟

وعلى حسب الروايات فان (الايام) مرتبطة بالمعصومين (علیهم السلام)، وعلى حسب التحقيق الفلسفي الدقيق فان (الايام) هي ملك للمعصومين الاربعة عشر (علیهم السلام)، وهذا ما قد نتطرق له في مباحث قادمة، لكن يكفي الان القول بانه لا شك في ان للايام انتساباً للرسول(صلی الله علیه و آله) وسائر المعصومين (علیهم السلام) وان لهم بها حق الاختصاص على اقل الفروض.

أ- يوم السبت

ان يوم السبت هو يوم رسول الله (صلی الله علیه و آله)، فهل نعيش نحن كمؤمنين في يوم السبت حالة استثانئية من الارتباط برسول الله (صلی الله علیه و آله)؟ !!

وبعبارة اكثر شمولية : هل يطبع المسلمون حياتهم في يوم السبت بطابع رسول الله (صلی الله علیه و آله) بحيث يكون هذا اليوم متميزاً من بين أيام الاسبوع بهذه الجهة وهذه الخصوصية ؟نعم هنالك اشخاص يفعلون ذلك على حسب مقتضى القاعدة، لكن الكلام عن عامة المسلمين فهل انهم يعيشون يوم

ص: 99

السبت أجواء الرسول والرسالة وأهدافها ومبادئها وقيمها؟

وهل يفكرون في ذلك اليوم برسول الله (صلی الله علیه و آله) أكثر فأكثر؟ وهل يبادر الناس في يوم السبت - على الأقل - الى حفظ رواية واحدة عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) أو الى كتابة مقالة واحدة عنه، او حتى الى ان يُذكِّروا أولادهم على مائدة الطعام مثلاً برسول الله(صلی الله علیه و آله) وبمكارم اخلاقة ؟

ب - يوم الاحد

اشارة

ويوم الأحد هو يوم أمير المؤمنين (علیه السلام) ويوم البضعة الطاهرة فاطمة الزهراء (علیها السلام).

فهل تجدون الطابع العام للبلاد الاسلامية من وزاراتٍ وشركاتٍ ومدارسَ ومن حوزات في يوم الأحد قد تلّون بلون الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام)؟ اذ ان هذا اليوم يومه، وقد ورد في الدعاء : (وهذا يوم الأحد وهو يومكَ) والخطاب لأمير المؤمنين (علیه السلام).

و(يومك) يفيد الملكية بظاهره لكن اذا اردنا ان نخفف الكلام فنقول انه يفيد الاختصاص. ثم نقول تنزلا: انه يفيد (الاضافة) وانها اضافة تشريفية، وان لم تكن فرضاً تمليكية، ونظيره ما يطلق الان في الكثير من البلدان من تسميات على الأيام ك(يوم المعلم)

ص: 100

فان الاضافة تشريفية، ومن المشهود اننا في يوم المعلم نكرم المعلم ونهتم به: نفكر بالمعلم، نكتب عن المعلم، نروج للمعلم، نحفظ حرمات المعلم، نفكر في حقوق المعلم المهدورة، اليس كذلك؟

وكذلك الأمر في يوم الطفل العالمي، وكذلك في يوم المرأة العالمي أو يوم العمال العالمي - كما يقولون -.

حسنا، لكن اين يوم فاطمة الزهراء (علیها السلام)؟ اين يوم علي بن أبي طالب (علیه السلام)؟ أين يوم رسول الله، اين يوم الامام الحسن والحسين 3؟

يوم الاحد: يوم المرأة ويوم مقارعة الظالمين

ان يوم السيدة فاطمة الزهراء (علیها السلام) كما سبق هو يوم الاحد، ولقد كان من مظاهر حياتها الجلية مقارعة الظالمين، بل انها قد دفعت حياتها ثمنا لذلك.

فليكن كل يوم احد في حياة كل منا مجلى لهذه الوظيفة الكبرى - وان كانت هذه الوظيفة عامة لكل الايام - فعلى كل منا ان يفكر في هذا اليوم في كيفية مقارعة الظالمين سواء أكانوا في إسرائيل أم في أمريكا أم في دول الشرق الأوسط، أي ظالم سواء أكان في موقع عام أو خاص، فلأخطُ خطوة متميزة او اضافية في هذا الحقل

ص: 101

اقتداءً بالصديقة الزهراء(علیها السلام).

وليكن يوم الاحد عندنا هو يوم المرأة، وذلك يعني ان يفكر الإنسان ويخطط في هذا اليوم لكي يولي أمه مثلاً مزيداً من العناية والرعاية كرامة لفاطمة الزهراء (علیها السلام). وكذلك: ان يولي المزيد من العناية والرعاية لزوجته، لبناته، لأخواته، وأيضا للمرأة بشكل عام : عليه أن يفكر كيف يستطيع أن يحسّن من وضع المرأة العام: دينياً، اقتصادياً، أخلاقيا وحقوقياً وغير ذلك.

ان الأيام هي روابط هامة جداً في حياة الإنسان لأن الإنسان بطبعه نسّاء ينسى لأن المسؤوليات كثيرة وكل له ادواره، الا ان ربط الادوار بالايام وبقمم الانسانية وبوسائط السماء، يعدّ خير منبِّه ومذكّر.

وتأسيساً على ذلك كله نقول: لنستحضر دوماً أن هذا اليوم هو يوم فاطمة الزهراء (علیها السلام) وهو يوم علي بن أبي طالب (علیه السلام)، فما الذي يريدانه منا؟ وهل أنني بالفعل على الصراط السوي أم لا؟ ثم هل انني مغذّ السير فيه أم لا؟

وفي يوم السبت مثلا، ليفكر كل منا ان الرسول (صلی الله علیه و آله) أرسى دعائم أمة وبنى دولة، فما الذي يتأتى مني في هذا الحقل؟ وقد يمكنني ان اقوم بخطوة واحدة من جملة مليار خطوة، فليكن! وقد

ص: 102

لا استطيع أن ابني دولة لكني استطيع أن ابني شواخص وأعمدة وأوتاداً وان أمهد الدرب وأعد العدة، وقد يمكنني ان اربي ابني اواخي الصغير او جاري او تلميذي او زميلي , وهذا الشخص قد يكون يوما ما وزيرا او نائبا او غير ذلك , وإذا كان بمقدوري أن أربيه فكرياً وثقافياً او اخلاقياً وروحياً كي يكون رسالياً ورعاً محصّنا من المغريات والشهوات - بدرجة أو أخرى - فلم لا أفعل؟

كل يوم هو بمثابة مُذكّر، وعلينا أن نحيي هذه الحواضن ونعتبرها معالم ومشاعر...

ج – يوم الاربعاء

ج – يوم الاربعاء(1)

ويوم الاربعاء هو يوم اربعة من الأئمة الأطهار هم الكاظم، والرضا، والجواد، والهادي (علیهم السلام) فهل فكرنا في يومنا هذا في الامام الكاظم (علیه السلام)؟ وعلى الاقل في بُعد واحد من أبعاد حياته: فلقد كان الإمام الكاظم (علیه السلام) سجينا فترة طويلة من الزمن، فلنفكر في كل يوم اربعاء في ان نتحرك ونخطوا ولو خطوة واحدة باتجاه الدفاع عن السجين المظلوم.

كم يوجد من السجناء المظلومين(2) في العراق؟ في مصر؟، في

ص: 103


1- لعلنا سنذكر في المستقبل سائر الايام و انتساباتها للمعصومين باجمعهم (علیهم السلام).
2- في أصل سجنهم أو في كيفيته وخصوصيته.

بلاد الحجاز المسماة بالسعودية ظلما وزورا وغصبا؟، في البحرين؟، وفي سائر الدول وحتى في الدول الغربية فان السجن هناك من نوع آخر.

(يوم الأربعاء) ليعتبره كل منا يوم السجين العالمي ويوم الأسير والمضطهدون أيضاً.

وفي (يوم الأربعاء) ليجعل كل منا ثواب أية خطوة يقوم بها في هذا الحقل للإمام الكاظم (علیه السلام). ان ذلك يعني انك احييت يوم الكاظم (علیه السلام) بنحوٍ ما، وهذا معناه أنك طبعت هذا اليوم بطابعه (علیه السلام) ومن ثمّ تكون قد طبعت حياتك كلها بطابعه وطابعهم عليهم صلوات الله وسلامه.كذلك فان يوم الأربعاء هو يوم الإمام الرضا (علیه السلام)، أيضاً، وكما هو ثابت وأكيد فان كل إمام له تجليات مختلفة، واحدى تجليات حياة الامام الرضا هي الدعوة والتبليغ، الانفتاح والحوار الفاعل النافذ مع أرباب سائر المذاهب والأديان وغيرها ولقد كان الامام الرضا(علیه السلام) في هذا الحقل هو السباق.

ففي يوم الأربعاء ينبغي أن اصنع شيئا ما نافعاً في هذا الحقل, ولو بأن أتعلم - او اعلِّم - جواباً واحداً يصلح كرد علمي على

ص: 104

كلمات الملحدين أو على مباني المسيحية ومعتقداتها الباطلة أو اليهودية أو البوذية أو غيرها.

ان الكثير من ابنائنا يسيرون بالتعبد، لذا نجد الكثير منهم عندما يلتحقون بالجامعة يتسلل اليه الإنحراف الفكري أو العقدي بالتدريج لأنه ليس محصّناً تماماً.

ان الأيام هي أفضل الحواضن المعرفية ,وقد احكم أهل البيت (علیهم السلام) عقد الصلة والربط بينها وبين قمم البشرية الخالدة. وهذا الربط بين كل انسان وبين الرسول والأئمة وبين القيم كلها هو ربط استراتيجي عميق، لكننا أغفلناه فخسرنا بذلك حظاً وافراً.

والإمام الجواد (علیه السلام) يومه هو يوم الأربعاء ايضاً، فليفكر كل منّا في أن يجود بدرجة أكبر في هذا اليوم بالنسبة الى باقي أيام الاسبوع، ان يجود ببعض ماله، وبأخلاقه إن لم يكن لديه مال: فلتكن أخلاقه اليوم أفضل مع أهله والناس، كي يرى الناس أن هناك تطوراً وتغيراً إيجابياً في حياته في هذا اليوم وكي يشعر هو ايضاُ بأنه قد تغير وتطور وتحول الى الأحسن.

والإمام الهادي (علیه السلام) يوم الاربعاء هو يومه ايضاً، وهو صلوات الله عليه من أبرز وأرقى وأسمى مظاهر قيادة التغيير الاستراتيجي من الداخل، فعلينا ان نتعلم منه ذلك .. ان كثيراً من

ص: 105

الناس قد يكونون مسؤولين او موظفين في دول، وقد يكونون اعضاء و قيادات في أحزاب أو عشائر أو تيارات وجماعات وقد يرون فيها ما يرون من عوامل الانحراف والضلالات ولكنهم يبقون بها لجهة أو أخرى،لكن على كل واحد أن يحاول أن يقود التغيير من الداخل. (يوم الأربعاء) لنجعله منطلقا للتفكير والتخطيط والتنفيذ في هذا الحقل الاستراتيجي المفتاحي الهام.

منهج تربوي فريد: تلاحم الفضائيات والمعاهد العلمية بايام المعصومين طوال الاسبوع

والان... دعونا نلقي نظرة على الفضائيات والحسينيات والمساجد والمدارس والجامعات والشركات والوزارات كلها:

فهل تشهدون في المساجد والحسينيات والمدارس والجامعات تحولاً نوعياً في يوم الأحد - وهو يوم أمير المؤمنين ويوم فاطمة الزهراء (علیها السلام)؟ هل تجدون نهج البلاغة والخطبة الفاطمية الفدكية على المنائر وفي أروقة الجامعات: كأفكار وقيم وكمناهج وبرامج؟

وهل تجدون في يوم الاثنين، وهو يوم الامامين الحسنين(علیهما السلام) ؟ تحولاً وتطوراً ومحاكاة واقتداءً وإتباعاً وتميزاً في الاحتفاء والاقتداء بسيدي شباب أهل الجنة؟

وهل ترون في يوم الثلاثاء وهو يوم الامام السجاد والامامين

ص: 106

الباقر والصادق (علیهم السلام)، تحولاً علمياً وروحياً ومعنوياً في حياتنا ؟ ولو أسسنا لفكرة ان على كل إنسان في يوم الثلاثاء أن يتعلم ولو مسالة واحدة جديدة.. الا يشكل ذلك تطوراً كبيراً؟

ان ذلك كله يعد من أهم مفاتيح نهضة كبرى حقيقية للأمة الإسلامية:

فإذا كان هناك (100) مليون إنسان، أو أقل أو أكثر, غرست في أذهانهم هذه الفكرة وهذه الثقافة: أن هذه الأيام هي معالم ومشاعر وحواضن تربطك بالمعصومين (علیهم السلام) فحاول أن تكون في يوم كلِّ معصومٍ الأفضلَ والأكمل والأكثر تأسيا به، فأي تحوّل نوعي سيحصل عندئذٍ في مشارق الأرض ومغاربها؟

وكما أن المسجد يذكرك بالله تعالى حيث ان المكان له خصوصية، لكن بشرط أن يعرف المرأ ان هذا مسجد أعد للعبادة، كذلك الزمان والأيام لها خصوصية كبرى لكن بشرط أن نعرف ونتذكر أن هذا اليوم - يوم الأحد مثلاً - هو يوم فاطمة الزهراء (علیها السلام) وهو يوم الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام).

سبل التكامل الخمسة: الادعية، الصلوات، التسبيحات، التعويذات والزيارات

ان من أهم معالم الاسلام المحمدي - العلوي هو: ان كل يوم

ص: 107

في حياتك مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمصدر أو بمجموعة من مصادر ومنابع الكمال، كما سبق في معادلة أيام الأسبوع.

وعندما نلقي نظره اكثر تفصيلاً نجد ان الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) والائمة الاطهار (علیهم السلام): مهدوا لنا اربعة سبل متنوعة لنسير نحو التكامل طوال ايام الاسبوع: للارتباط بالله سبحانه وتعالى ولتجذير المبادئ العليا وترسيخ القيم المثلى في النفوس وهذه السبل هي:

السبيل الأول: (الأدعية)، فقد قرروا (علیه السلام) لكل يوم من أيام الأسبوع دعاءً خاصاً بل لكل يوم دعوات منوعة عديدة.

السبيل الثاني: (الصلوات)، ففي يوم الأحد مثلاً توجد مجموعة من الصلوات التي تزيد من عمق إرتباط العبد بخالقه، ولكن لنسال أنفسنا: كم منا يلتزم بهذه الصلوات أو ببعضها على الأقل؟ ثم لنفكر مع أنفسنا انه إذا التزم كل امرأة ورجل في يوم الأحد مثلاً بان يصلي إحدى هذه الصلوات فكم لذلك من آثار معنوية تربوية اخلاقية؟! وكذلك الحال في صلوات سائر الايام - وسنشير الى بعضها - بإذن الله تعالى.

السبيل الثالث: (التسبيحات) والتسبيح يعني التنزيه.

السبيل الرابع: (التعويذات)، فكل يوم من الأيام له تعويذة خاصة بل تعويذات. واين نحن من هذه التعويذات؟السبيل الخامس: (الزيارات).

ص: 108

ولنشر الآن الى بعض النماذج من إحدى هذه العناوين الاربعة وهو عنوان (الصلوات) في يوم الاحد.

من صلوات يوم الأحد (وهو يوم الأمير والزهراء) (عليهما السلام)

أ – من صلى بسورة الملك : فله من الجنة حيث شاء !

عن الحسن بن علي العسكري(علیهما السلام) قال: «ومن صلى يوم الأحد اربع ركعات، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة الملك «تَبَارَكَ الذِي بِيَدِهِ المُلْكُ» بوّأه الله في الجنة حيث يشاء»(1).

وما اغرب ذلك، بل ما اروعه وما اشده تشويقاً : اذا قرأ الإنسان اربع ركعات في كل أحد(2)

بسورة الملك، فانه عندئذ يجعل الله تعالى الخيار والاختيار في موقعه من الجنة: فاي مكان اراد فله ذلك!

وتكفي هذه الرواية كنموذج ليربط الإنسان دنياه بآخرته ولنعرف مدى ترابط الآخرة بأعمال الأيام وعمق ارتباط الأيام بالمعصومين.

ص: 109


1- وسائل الشيعة: ج8 ص179.
2- او في يوم الاحد. فتأمل.

ب - ومن صلى بآية الكرسي فله الحفظ والمغفرة والجنة!

و(قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) من صلى ليلة الأحد أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرة و آية الكرسي إحدى عشرة مرة حفظه الله في الدنيا والآخرة) أي من الشرور والآثام، من الجرائم والجرائر، من الحوادث والموبقات، ومن الاضرار والأخطار...(...وغفر له ذنوبه فإن توفي وهو مخلص لله أعطاه الله الشفاعة يوم القيامة فيمن أخلص لله و أعطاه الله تعالى أربع مدائن في الجنة)(1).

والصلوات متعددة، فراجع بحار الأنوار(2) وكتب الدعوات إن شئت، وهنالك نجد بوضوح ان الأئمة (علیهم السلام) وفروا لنا خيارات عديدة ومنحونا بدائل مختلفة فلم نهرب منها!

ج - ومن صلى ب... فوجهه كالقمر ويمتّعه الله بعقله حتى يموت!

(قال رسول الله صلى الله عليه واله: من صلى ليلة الأحد ركعتين، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي مرة

ص: 110


1- مستدرك الوسائل ج6 ص 357.
2- بحار الأنوار: المجلد 87، ص279.

وسبح اسم ربك الأعلى مرة وقل هو الله احد مرة، جاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر ومتّعه الله تعالى بعقله حتى يموت!)(1).

وان ذلك ليس بالشيء القليل بل هو أمر عظيم حقاً، فان الكثير من الناس يصاب بمرض (الزهايمر) أو الخرف أو الجنون أو بأمراض نفسية او عقلية اخرى منوعة، وهذه ضمانة سهلة: أن يصلى الانسان هذه الصلاة كل ليلة أحد لكي يمتِّعه الله بعقله حتى يموت!

نسال الله سبحانه وتعالى التوفيق لنا ولكم لكي نكون من الذين ينصرون الله وأولياءه كي ينصرهم الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة، وان يوفقنا لنكون من الذين يوثقون صلتهم بالمعصومين الأطهار طوال ايام الاسبوع بالدعوات والصلوات والزيارات والتسبيحات والتعويذات وبما تحمله الايام من وظائف ومسؤوليات وبما تحتضنه من ذكريات سادات الورى المعصومين (علیهم السلام).

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .

ص: 111


1- بحار الانوار: ج 87 ص 320.

كتب أخرى للمؤلف

1. شعاع من نور فاطمة الزهراء(علیها السلام)، دراسة عن القيمة الذاتية لمحبة الزهراء (علیها السلام)، مطبوع.

2. أضواء على حياة الإمام علي (علیه السلام) ، مطبوع.

3. التصريح باسم الإمام علي (علیه السلام) في القرآن الكريم، مطبوع.

4. من حياة الإمام الحسن (علیه السلام)، مخطوط.

5. الإمام الحسين (علیه السلام) وفروع الدين، دراسة عن العلاقة الوثيقة بين سيد الشهداء وبين كل فرع فرع من فروع الدين، مطبوع.

6. السيدة نرجس (علیها السلام) مدرسة الأجيال، مطبوع.

7. بحوث في العقيدة والسلوك، أربعة مجلدات، مجموعة محاضرات على ضوء الآيات القرآنية الكريمة، القيت في الحوزة الزينبية وفي النجف الأشرف، طبع المجلد الأول منها.

8. شرعية وقدسية ومحورية النهضة الحسينية، مطبوع.

ص: 112

9. كونوا مع الصادقين، بحوث تفسيرية في الآية الشريفة «كونوا مع الصادقين»، مطبوع.

10. لماذا لم يصرح باسم الإمام علي (علیه السلام) في القرآن الكريم؟مطبوع.

11. دروس في أصول الكافي، الجزء الأول كتاب العقل والجهل، مخطوط.

12. شورى الفقهاء، دراسة فقهية أصولية، مطبوع.13. فقه التعاون على البر والتقوى، مطبوع.

14. فقه الاجتهاد والتقليد، تقريرات درس الخارج، القي في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، مخطوط.

15. رسالة في قاعدة الالزام، تقريرات درس الخارج القي في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، قيد الطباعة.

16. فقه المكاسب المحرمة، حفظ كتب الضلال ومسببات الفساد، تقريرات درس الخارج، القي في الحوزة العلمية في النجف الأشرف.

17. فقه الخمس، تقريرات درس الخارج، القي في الحوزة العلمية الزينبية، مخطوط.

18. الأصول، مباحث القطع، مجلدان، مخطوط.

ص: 113

19. الاجتهاد في أصول الدين، قيد الطباعة.

20. الأوامر المولوية والإرشادية، مطبوع.

21. الحجة «معانيها ومصاديقها»، مطبوع.

22. المبادئ التصورية والتصديقية للفقه والأصول، مطبوع.

23. رسالة في أجزاء العلوم ومكوناتها، مطبوع.

24. الضوابط الكلية لضمان الإصابة في الأحكام العقلية، مخطوط.

25. حجية مراسيل الثقات المعتمدة، حجية مراسيل الصدوق والطوسي نموذجاً، مطبوع.

26. نسبية النصوص والمعرفة...الممكن والممتنع، مطبوع.

27. استراتيجيات إنتاج الثروة ومكافحة الفقر في منهج الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام)، مطبوع.28. الأطر العامة للعلاقة الحقوقية بين الدولة والشعب، مطبوع.

29. مؤسسات المجتمع المدني في منظومة الفكر الإسلامي، قيد الطبع.

30. الحوار الفكري، مطبوع.

31. في السجن كانت مقالات، مطبوع.

ص: 114

32. توبوا الى الله، مطبوع.

33. شرح دعاء الافتتاح، مخطوط.

34. الخط الفاصل بين الأديان والحضارات، مطبوع.

35. لمن الولاية العظمى؟ مطبوع.

36. فقه مستثنيات الكذب، قيد الطبع.

37. فقه التعامل بالدراهم المغشوشة والبضائع المقلدة، مخطوط.

38. فقه مقاصد الشريعة، مخطوط.

39. إضاءات في التولي والتبري، مطبوع.

40. فقه الرشوة، قيد الطبع.

41. فقه الرؤى، دراسة في عدم حجية الأحلام على ضوء الكتاب والسنة والعقل والعلم، مطبوع.

42. المرابطة في زمن الغيبة، مطبوع.

43. سوء الظن في المجتمعات القرآنية، تحت الطبع.

44. فقه التبيعض في التقليد، مخطوط.

45. الإمامة وقيادة الأمة، مخطوط.

ص: 115

الفهرس

* كلمة الناشر 5

توطئة: الأيام الفاطمية في محور الحديث 8

* الفصل الأول 9

* بصائر قرآنية 11

حقائق عن عالمي التفسير والتأويل 11

(تفسير) الاية الشريفة: «وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ الله» 13

(تأويل) الآية الشريفة 14

أ - النصر الالهي يوم ظهور القائم من ال محمد(عجل الله تعالی فرجه الشریف) 14

ب - النصرة الالهية لفاطمة الزهراء (علیها السلام) ولمحبيها 15

* تجليات نصرة الزهراء: بالايات والروايات والمقامات والكرامات 17

أولاً: نصرتها (عليها السلام) بالروايات 17

حب فاطمة وسائر الخمسة الطيبة مفتاح المغفرة الالهية 18

رواية الترمذي: حب الخمسة الطيبة مفتاح الجنة! 19

ص: 116

ثانياً: نصرتها (علیها السلام) بالمقامات 20

أ - نور فاطمة مخلوق قبل خِلقة الارض والسماء في رواية معتبرة 20

تحليل الرواية على مستويات: الامكان، الرجحان والبرهان 24

* الفصل الثاني 29

* بصائر قرآنية 31

ثنائية (يومئذ واليوم) و (الهدى والضلال) 32

شواهد قرآنية لثنائية (يومئذ واليوم) 32

لا تجعلوا (اليوم) مقياس النصر والهزيمة او الربح والخسارة ! 36

* نصرة السيدة الزهراء (علیها السلام) في العوالم الاخرى 39

معادلة الدنيا في بحر الآخرة اللامتناهي 40

الرسول الاعظم (صلی الله علیه و آله): محبة فاطمة صك الفكاك من النار 41

* الاجوبة على شبهة الغلو 44

والجواب عن السؤالين بشكل وافٍ وموجز في الوقت نفسه: 44

1 - المتواتر عند العامة: قوله (صلی الله علیه و آله) «انك مع من احببت» 44

2 - ان الحديث على مقتضى القاعدة 46

* الأجوبة على شبهة الاغراء بالجهل: 48

1 - ذلك تشجيع على الطاعة وليس اغراءاً بالمعصية 48

2 - النقض بالاستغفار 50

ص: 117

3 - الحل بأن المحبة تدعو الى التأسي والاقتداء 50

4 - المحبة أمان من الخلود في النار 51

5 - المعاصي قد تسلب المحبة فيخلد في النار 52

الرسول (صلی الله علیه و آله): من صلى على فاطمة الحقه بي في الجنة! 53

ولكن كيف تعامل القوم مع وديعة المصطفى محمد(صلی الله علیه و آله)؟ 54

الفاجعة العظمى كما يرويها سليم عن سليمان المحمدي 54

* الفصل الثالث 57

* بصائر قرآنية 59

النصرة في عالمي القلوب والالقاب 59

في عالم القلوب : الفرح والحزن لدى طاعة الله ومعصيته 60

مسائل ثلاثة : الفرح واظهاره والبطر 61

انواع الفرح المحرّم 63

أ - الفرح بما يضادّ اصول الدين 63

ب - الفرح بما علم من الشرع كراهته 64

علاميّة الفرح والحزن لسوء السريرة وخبث الباطن او العكس 65

اشارة لمجالي الفقه والاخلاق 69

* في عالم الالقاب : (المنصورة) بنصر الله 70

كيف نكتشف مدى محبة الله تعالى } لنا؟ 71

ص: 118

الضابط العام وضابط الضابط 72

أ - الضابط الكمي 72

ب - الضابط الكيفي 73

النصرة

بمقام القرب لدى رب الأرباب: التمحض في المناجاة والذهول عن الحوائج! 75

شغلتني عن مسالته لذة خدمته! 77

* الفصل الرابع 81

(الايام) حواضن المبادئ والقيم ومعالم للمعصومين (علیهم السلام) 83

* بصائر قرآنية 83

المبحث الاول : 83

وجوه التعبير ب (من يشاء) و (كيف يشاء) في القرآن الكريم 83

من وجوه الحكمة في الأِحالة على المشيئة الالهية 86

1 - اخفاء الحقائق والمصالح والمفاسد والجهات 86

2 - الايحاء بالهيمنة الالهية المطلقة 89

الاستشهاد على ذلك ب«وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ» 93

البحث

الثاني: للمشيئة ملاكات 95

المبحث الثالث: كيف ننصر الرسل والاوصياء ؟ 96

* الايام حواضن المبادئ والقيم ومعالم للمعصومين (علیهم السلام) 97

ص: 119

(الأيام) مملوكة للمعصومين (علیهم السلام) أو مختصة بهم؟ 98

أ - يوم السبت 99

ب - يوم الاحد 100

يوم الاحد: يوم المرأة ويوم مقارعة الظالمين 101

ج - يوم الاربعاء 103

منهج تربوي فريد: تلاحم الفضائيات والمعاهد العلمية بايام المعصومين طوال الاسبوع 106

سبل التكامل الخمسة: الادعية، الصلوات، التسبيحات، التعويذات والزيارات 107

من صلوات يوم الأحد (وهو يوم الأمير والزهراء)(علیهما السلام) 109

أ - من صلى بسورة الملك : فله من الجنة حيث شاء ! 109

ب - ومن صلى بآية الكرسي فله الحفظ والمغفرة والجنة! 110

ج - ومن صلى ب... فوجهه كالقمر ويمتّعه الله بعقله حتى يموت! 110

ص: 120

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.