نقطة وهدف من الروايات الشريفة

هوية الکتاب

اسم الكتاب:........... نُقْطَةٌ وَهَدَفٌ مِنَ الرِّوَاْيَاْتِ الشَِّيْفَةِ

المؤلف: ................. الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي

إصدار:.. معهد تراث الأنبياء علیهم السلام التابع للعتبة العباسية المقدسة

رقم الإصدار: ........................................ 21

تاريخ الطبعة: ........... 2020 ميلادي - 1441 هجري

التصميم والاخراج الفني: ...... المحسن لخدمات التصميم

* * * * *

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة للمعهد

العراق- النجف الأشرف

ص: 1

اشارة

نُقْطَةٌ وَهَدَفٌ

من الروایات الشریفة

الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي

تقدیم

معهد تراث الأنبياء علیهم السلام

للدراسات الحوزویة الإلکترونیة

ص: 2

ص: 3

الإهداء

إلىٰ جواد الأئمة وكريم العترة..

إلىٰ الإمام الذي حيّر العقول وهو لمّا يبلغ الحلم..

هي كلماتكم بين يديكم..

أهديها إليكم..

فاقبل عمل عبد الرِقّ..

ص: 4

المقدمة

فِيْ الظَّلَاْمِ الْحَاْلِكِ، تَبْحَثُ عَنْ نُقْطَةِ ضَوْءٍ، تَرْسِمُ لَكَ الطَّرِيْقَ، كَيْ لَا تَبْقَى تَتَرَدَّدُ فِيْ مَكَاْنِكَ، رُغْمَ أَنَّكَ سَاْلِمُ الْعَيْنَيْنِ.

وَفِيْ مَتَاْهَاْتِ بَحْرِ الدُّنْيَاْ المُتلَاْطِمِ، تَحْتَاْجُ إِلَى بَوْصَلَةٍ مُنْضَبِطَةٍ، تُحَدِّدُ لَكَ المَسَاْرَ، كَيْ لَا تَقَعَ فِيْ إِفْرَاْطٍ أَوْ تَفْرِيْطٍ.

وَفِيْ ذَلَكَ، أَنْتَ تَحْتَاْجُ إِلَى مَصْدَرٍ ثَرٍّ، يَرْوِيْ ظَمَأَكَ الْمَعْرِفِيّ، وَيَصُوْغُ سُلُوْكَكَ الْيَوْمِيّ، وَلَنْ تَجَدَ مَنْهَجَاً مُنْضَبِطَاً إِلَّا عِنْدَ أَهْلِ الْبَيْتِ (عَلَيْهِمُ السَّلَاْمُ).

خُذْهَاْ بَيْنَ يَدَيْكَ، كَلِمَاتٌ فِي التّنْمِيَةِ، وَالفِكْرِ، وَالسُّلُوْكِ الأَخْلاقِي...

بِعِبَارَاتٍ مُخْتَصَرَةٍ

يَكُوْنُ خِتَامُ كلِّ كَلِمَةٍ مِنْهَا حَدِيْثَاً عَنْ أَهْلِ بَيْتِ العِصْمَةِ (عَلَيْهُمُ السَّلَاْمُ)

ص: 5

مقدمة المعهد

معهد تراث الأنبياء للدراسات الحوزوية الإلكترونية

معهد تابع للعتبة العباسية المقدسة قسم الشؤون الفكرية

وله العديد من النشاطات، يتبين بعضها بالتالي:

أوّلاً: أنَّ المعهد مؤسسة علمية حوزوية تُدرس المناهج الدينية المعدَّة لطلاب الحوزة العلمية في النجف الأشرف، علماً أن الدراسة فيه عن طريق الانترنيت ثانياً : أنَّ المعهد يساهم في نشر وترويج المعارف الإسلامية وعلوم آل البيت ووصولها إلى أوسع شريحة ممكنة من المجتمع، وذلك من خلال توفير المواقع والتطبيقات الإلكترونية التي يقوم بإنتاجها كادر متخصص من المبرمجين والمصممين في مجال برمجة وتصميم المواقع الإلكترونية والتطبيقات على أجهزة الحاسوب والهواتف الذكية.

ص: 6

ثالثاً: المعهد لم يُهمل الجانب الإعلامي حيث بادر إلى إنشاء مركز القمر للإعلام الرقمي، الذي يعمل على تقوية المحتوى الإيجابي

على شبكة الانترنيت ووسائل الإعلام الاجتماعي

رابعاً: يقوم المعهد بطباعة ونشر الإنتاج الفكري والعلمي لطلبة العلم بعد عرضها على لجنة علمية متخصصة بتقييم الكتب، ضمن سلسلة من الإصدارات تهدف إلى ترسيخ العقيدة والفكر والأخلاق، بأسلوب بعيد عن التعقيد، يستقي معلوماته من مدرسة أهل البيت الا الموروثة.

وبين يديك عزيزي القارئ، كتاب نقطة وهدف م- الروايات الشريفة، الذي عمد فيه مؤلّفه لاستقاء المعارف

من روايات أهل البيت بأسلوب مختصر ومنقط.

نسأل الله أن يجعل عملنا في عينه، وأن يتقبله

بقبوله الحسن، إنه سميع مجیب.

إدارة المعهد

ص: 7

1- العَقْلُ، مَسْؤُوْلِيَّةٌ وَشَرَفٌ

جثة هامدةٌ هو الإنسان، لولا العقل، فبه تطورت حياته، ليتجاوز أقرانه الأرضيين، فيكون سيدهم، والمتحكّم بهم، ولأجله سخّر الخالق جل وعلا له ما في السماوات والأرض.

بالعقل حفظ المعارف، وحلّل المعلومات، وركّبها، واستنتج وأبدع، وارتقىٰ آفاق السماء، وانحنت له أقطار الأرض.

لكن كل هذا لم يكن بلا ثمن، فلا مجّانية في الحياة، بل كانت عليه ضريبة بحجمه، وكان هو مسؤولية في الوقت الذي كان فيه شرفاً، فإنه (لَمَّا خَلَقَ الله تعالىٰ العَقْلَ اسْتَنْطَقَه، ثُمَّ قَالَ لَه: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ. ثُمَّ قَالَ لَه أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ: وعِزَّتِي وجَلَالِي، مَا خَلَقْتُ خَلْقاً هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ، ولَا أَكْمَلْتُكَ إلّا فِيمَنْ أُحِبُّ، أَمَا إِنِّي إِيَّاكَ آمُرُ وإِيَّاكَ أَنْهَىٰ،

وإِيَّاكَ أُعَاقِبُ وإِيَّاكَ أُثِيبُ)(1).

ص: 8


1- الكافي للكليني ج1 ص10 كِتَابُ العَقْلِ والجَهْلِ/ ح1 عن أبي جَعْفَرٍ (عليه السلام).

2- جُرْعَةُ رَحْمَةٍ إضَافيّةٍ

قانونياً، لا تستحقُّ أجراً علىٰ عملٍ عملتَه، إذا تبين أن صاحب العمل لم يرده ولم يطلبه منك، وستكون كمن تبرع بالعمل من تلقاء نفسه ومن دون أمر ولا طلب المالك، وسيذهب تعبك هدراً، والعقلاء لن يعترضوا علىٰ هذا الإجراء أبداً، وليس لك الحق بالمطالبة بشيء جزاءً لذلك العمل.

إلّا أن الله تعالىٰ تعامل مع عبيده بجرعة رحمةٍ إضافية، فلو بلَغَك من خلال رواية ثوابٌ علىٰ عمل ما، وتبيّن فيما بعد عدم صحة الرواية، وأن الله تعالىٰ في الحقيقة لم يأمر بهذا العمل، فمع أنك لا تستحق شيئاً، إلّا أنه جل وعلا أبىٰ إلّا رحمة بك، إذ إن (مَنْ سَمِعَ شَيْئاً مِنَ الثَّوَابِ عَلَىٰ شَيْءٍ فَصَنَعَه، كَانَ لَه وإِنْ

لَمْ يَكُنْ عَلَىٰ مَا بَلَغَه).(1) و(مَنْ بَلَغَه ثَوَابٌ مِنَ الله عَلَىٰ عَمَلٍ، فَعَمِلَ ذَلِكَ العَمَلَ؛ التِمَاسَ ذَلِكَ الثَّوَابِ، أُوتِيَه وإِنْ لَمْ يَكُنِ الحَدِيثُ كَمَا بَلَغَه)(2).

ص: 9


1- الكافي للكليني ج2 ص87 بَابُ مَنْ بَلَغَه ثَوَابٌ مِنَ الله عَلَىٰ عَمَلٍ ح1 عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام).
2- الكافي للكليني ج2 ص87 بَابُ مَنْ بَلَغَه ثَوَابٌ مِنَ الله عَلَىٰ عَمَلٍ ح2 عن أبي جَعْفَرٍ (عليه السلام).

3- العِلْمُ مَطْلُوْبٌ لا طَالِبٌ

لا يتردّد أحدٌ في الحكمِ علىٰ أنّ العلمَ كمالٌ، لذلك يدّعيه حتّىٰ من ليس فيه، ولا شكَّ أن العلم لا يطرق أبوابَ العقولِ متملّقاً لها عسىٰ أن تقبَلَه، كلّا، بل هو جالسٌ علىٰ عرشِ كمالِه، قد أغلق بابَه، إلّا علىٰ من طرَقَه بإلحاح، فليكتفِ الكُسالىٰ بأحلامِ اليقَظة، وليناموا علىٰ خديعةِ أنفسِهِم، فليس لهم إلّا الجهلُ!

اطرقوا أبوابَ العلمِ، جدّوا في طلبِه، ابتغوا إليه الوسيلةَ، وليكن طلبُكم بإلحاحٍ ونشاطٍ واستمرارٍ، إذ: (إِنَّ الله يُحِبُّ بُغَاةَ العِلْمِ)(1).

ص: 10


1- الكافي للكليني ج1 ص30 بَابُ فَرْضِ العِلْمِ ووُجُوبِ طَلَبِه والحَثِّ عَلَيْه/ح1 عن رَسُول الله (صلّىٰ الله عليه وآله).

4- مَا لَا يَسَعُكَ

في هذه الحياة، أنت في حلٍّ عن الكثير من الأمور، ويسعُك أن تتركَها، إذ يسعُك أنْ تتركَ فضولَ الكلامِ، ويسعُك

أنْ تتركَ مخاصمةَ الإخْوانِ، ويسعُك أنْ تتركَ طلبَ المالِ أزيدَ من الكَفافِ، ويسعُك أنْ لا تشتريَ سيارةً فاخرةً...

ومهما يسعك من شيء، ولكن لا يسعُك أنْ تتركَ ما تحتاج إليه في حياتِك، ولا يسعُك أن تبقىٰ جاهلاً بما يُراد منك ويلزمُك أداؤه.

فلا تخلط الأوراق علىٰ نفسك، لئلا تقع في ما لا تُحمد عقباه، وقد سُئِلَ أَبُو الحَسَنِ (عليه السلام): هَلْ يَسَعُ النَّاسَ تَرْكُ المَسْأَلَةِ عَمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْه؟ فَقَالَ (عليه السلام): لَا.(1)

ص: 11


1- الكافي للكليني ج1 ص30 بَابُ فَرْضِ العِلْمِ ووُجُوبِ طَلَبِه والحَثِّ عَلَيْه/ ح3.

5- مُفَاْرَقَةُ الشَّهَاْدَاْتِ

يتسابق الكثير من العقلاء إلىٰ تحصيل أوسمة الشرف، إزاء ما يبذلونه في سبيل حصْد شهادات التخرج، ولا شكَّ أن هذا يستحقُّ أن يكون مفخرةً لصاحبه، وأصلاً إنما تطورت الحياة - علىٰ ما نراه اليوم - بفضل تراكمِ الجهودِ المضنيةِ من ذوي العقول النيّرة، التي أبَت الكسل، وآثرت عليه العلم.

المفارقة: أن الكثير تناسىٰ أو نسي أن يجهّز نفسه بما يجنبّه الوقوع في مخالفة الخالق جل وعلا، وبما يخلّصه من سوء العاقبة في الحياة الحقيقية!

لقد أكْثرْنا من شهادات التخرج، لا بأس بهذا، ولكن (عَلَيْكُمْ بِالتَّفَقُّه فِي دِينِ الله، ولَا تَكُونُوا أَعْرَاباً(1)، فَإِنَّه مَنْ لَمْ يَتَفَقَّه فِي دِينِ الله لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْه يَوْمَ القِيَامَةِ(2)، ولَمْ يُزَكِّ لَه عَمَلاً)(3).

ص: 12


1- أي لا تكونوا كالأعراب جاهلين بالدين، غافلين عن أحكامه، معرضين عن تعلمها
2- كناية عن سخطه وغضبه عليه. وعدم الاعتداد به وسلب رحمته وفيضه وإحسانه وإكرامه عنه، وحرمانه عن مقام القرب
3- الكافي للكيني ج1 ص31 بَابُ فَرْضِ العِلْمِ ووُجُوبِ طَلَبِه والحَثِّ عَلَيْه/ ح7 عن الإمام الصادق (عليه السلام).

6- تَعْظِيْمُ مَفَاْخِرِ الأُمَّةِ

لكل أمة من الأمم ما تفخر وتعتزّ به، وعادة ما يكون ذلك أمراً له من الأهمية الشيء الكثير، ومهما كان من شيء مهم، فليس أهم ولا أعظم من إنسان كان له الدور الكبير والمحوري في تلك الأمة.

قد يكون عبقريها، وقد يكون مؤسِّسَها، وقد يكون حاميها...

إن تعظيم مثل أولئك مما لا يختلف عليه عاقلان، ولا يُهمله إلّا من أخطأ

الطريق وفارق الصواب.

أُمتنُا، لها أعاظم كُثُر، يلزمنا تعظيمهم، وهم الذين حملوا مشعل المعرفة، ورسموا الطريق بوضوح، وأمسكوا بأيدينا أنْ لا نقع في مستنقع الضلال، فتعظيمهم واجبٌ علينا؛ إذ (العُلَمَاءُ أُمَنَاءُ [مَنَارٌ]، والأَتْقِيَاءُ حُصُونٌ والأَوْصِيَاءُ سَادَةٌ)(1).

ص: 13


1- الكافي للكليني ج1 ص33 بَابُ صِفَةِ العِلْمِ وفَضْلِه وفَضْلِ العُلَمَاءِ/ ح5 عن الإمام الصادق (عليه السلام):

7- حَبْلُ نَجَاْةٍ

يسعىٰ العقلاء إلىٰ تحصيل وسائل السعادة، ويسلكون لأجل ذلك شتّىٰ الطرق، ويتحمّلون من أجلها أحلك الظروف، وهم في ذلك معذورون، فالفطرة تطرق أبواب قلوبهم، لتناغم عواطفهم التي تلوي عنقها نحو الدعة واللذّة والمتعة.

إلا أن الواقع يشهد أن الكثير منهم أخطأ السبيل، فسلك طريق التعاسة من حيث لا يشعر، أو إنه اتخذ من الوسيلة غاية، فجمع المال لأجل المال حتّىٰ بخل به علىٰ نفسه وعياله.

دوامة خطيرة، تُوْدِي بسعادة الكثيرين، ومن يقع في الدوامة فسيرمي بطرفه نحو أي خيط نجاة.

في الحقيقة، لا قلق ولا خطر لو تمسكنا بحبل النجاة الأعظم، حبل العلاقة مع الله تعالىٰ.

وأول قبضة تمسك بها حبلَ الإنقاذ، تكون قد اقتربتَ خطوة مهمة من النجاة، وليكن معلوماً أنه: (إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْراً فَقَّهَه فِي الدِّينِ)(1).

ص: 14


1- الكافي للكليني ج1 ص32 بَابُ صِفَةِ العِلْمِ وفَضْلِه وفَضْلِ العُلَمَاءِ ح3 عن الإمام الصادق (عليه السلام).

8- أَحَبُّ شَيءٍ إلىٰ إِبْلِيْس

الحبُّ والبغض، يُقرّبان ويُفرّقان، وما بينهما - في بعض الأحيان - إلّا كلمة أو موقف، أو ربما شعور وجداني أو عاطفة جياشة، تُحيلُ الحبَّ بغضاً، أو البغض حباً.

القلب يميل إلىٰ ما يحب، ويميل إلىٰ ما يحب حبيبُه.

الحبُّ يستدرج الفعلَ والسلوك، وشيئاً فشيئاً قد يذوب المرءُ في مَن يحب.

وإذا كان الحب والبغض بهذا القدر من التأثير، فحذارِ حذارِ... إن أحببْتَ فأحبّ في الله تعالىٰ، وإن أبغضت فأبغض فيه، وتذكر أنه: (مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ مِنَ المُؤْمِنِينَ أَحَبَّ إِلَىٰ إِبْلِيسَ مِنْ مَوْتِ فَقِيه)(1).

ص: 15


1- الكافي للكليني ج1 ص38 بَابُ فَقْدِ العُلَمَاءِ ح1. والرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام).

9- مِفْتَاْحُ الهَلَاْكِ

لم يُكتبْ لبني البشر أن يكونوا علىٰ اطّلاعٍ كامل علىٰ لوحة الوجود، فأَعلمُ العلماء منّا لم يُتح له إلّا جانب صغير من جوانب تلك اللوحة، وهذا واقع وجداني.

وقد أجاد بعضٌ حينما صرّح بأنه كلما زاد علماً، فإنه في الحقيقة يزداد جهلاً بالعالم وما فيه.

ما العمل؟! وما الحلُّ إن كانت مجهولاتنا أكثر بكثير من معارفنا؟!

إنْ بقينا كذلك فلربما نصل إلىٰ نقطة الضياع!

العقلاء نظروا في أمرهم، فوجدوا أنّ الحلَّ يكمن - فيما يكمن فيه - في أن يُكمّل بعضُهم بعضاً، وسيكون الهلاكُ حينها في الثقة بالنفس أكثر من واقعها، فإنما النجاح في مشاركة النجاحات، والواقع يشهد بأنه: (إِنَّمَا يَهْلِكُ النَّاسُ لأَنَّهُمْ لَا يَسْأَلُونَ)(1).

ص: 16


1- الكافي للكليني ج1 ص40 بَابُ سُؤَالِ العَالِمِ وتَذَاكُرِه ح2 والرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام).

10- العُمُرُ أَقْصَرُ ممَّا نَتَوَقَّعُ!

كنت مرةً أقرأ في كتاب (بحار الأنوار) علىٰ مؤلفه آلاف التحية والثناء، فوجدت في هامش بعض أجزائه العبارة التالية: (كان هنا بياض مقدار ورق؛ وذلك لأن عمر المؤلف - رضوان الله عليه - لم يفِ بترصيف بعض مجلدات الكتاب وبيان مشكله وتوضيح معضله)(1).

فقلتُ في نفسي: كم هو مبارك عُمُر العلامة المجلسي وقلمُه! وكثرةُ كتبه ودقّتها وتنوعها وشمولها شاهد صدق علىٰ ذلك، ولكن مع ذلك فقد باغته الموت قبل أن يُكمل ما كان يُريد إكماله.

فكيف بنا نحن وقد تناسينا ما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام): (نَفَسُ المَرْءِ خُطَاه إِلَىٰ أَجَلِه)(2).

ص: 17


1- بحار الأنوار للمجلسي ج74 هامش صفحة 266.
2- نهج البلاغة ج4 ص16 رقم الحكمة (74).

11- بِلَا إِرَاْدَةٍ!

إن من أعظم رهانات الإنسان في هذه الحياة، وأخطر صفاته وأهمها هي صفة الإرادة والاختيار، فبالإرادة تحرّر من العبودية، وسابَقَ الزمن، وغاص في البحار، وعانقَ الثريا، وركب جناح الريح، وغزىٰ الفضاء،

وبها تحدّىٰ الزلازل وصارع هيجانها، وهي هي التي كانت وراء كل تطور حضاري مشهود.

إلا أنها فقدت زمام القيادة ووقفت حاسرة دون تعويض خسران لحظات العمر، وما ذاك إلّا بسبب «أَنَّ مَنْ كَانَتْ مَطِيَّتُه اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، فَإِنَّه يُسَارُ بِه وَإِنْ كَانَ وَاقِفاً، وَيَقْطَعُ المَسَافَةَ وَإِنْ كَانَ مُقِيماً وَادِعاً»(1).

ص: 18


1- نهج البلاغة: 401/ ح31.

12- التُّهْمَةُ... خَسَاْرَةُ سُمْعَةٍ...

عديدة هي القنوات التي تفتح آفاق التعامل مع الآخر، وتربط بين بني البشر علىٰ اختلاف توجهاتهم وجهاتهم.

وأنت، وحتىٰ تفتح قناة معينة، تحتاج إلىٰ وقت وجهد وتخطيط.

المفارقة هنا: أن غلق أي قناة قد يكون أسرع من لمح البصر وأسهل من شربة ماء!

ولعل سبباً تافهاً يُغلق جميع منافذ التواصل، ويُفقد المرء ثقة الناس به، رغم أنه قد يكون قد بناها في سنوات عجاف؛ ولذا، فإن «مَنْ وَضَعَ نَفْسَه مَوَاضِعَ التُّهَمَةِ، فَلَا يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِه الظَّنَّ»(1).

ص: 19


1- نهج البلاغة (ج 4/ ص41).

13- رَغْبَةُ ذَلٍّ

في هذه الحياة، لا نهاية لرغبات الإنسان، ولا سقف لها دون الموت، ومن عجيب حالاته أنه لا تشبع عنده رغبة حتّىٰ تتولد عنده رغبات أُخر، ولا تُسدُّ له حاجة حتّىٰ تتفتق له حاجات كُثُر.

هو قانون المادة وسنة الدنيا.

لا ضير في ذلك كله في حدّ نفسه، إنما علىٰ الإنسان أن يقود سفينته بذكاء، وأن يحسب أموره برويّة، ومهما كان عنده من رغبة، فعليه أن لا ينزلق خلفها حتّىٰ الذل، فإنه (مَا أَقْبَحَ بِالمُؤْمِنِ أَنْ تَكُونَ لَه رَغْبَةٌ تُذِلُّه) (1)، و(بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ لَه طَمَعٌ يَقُودُه وبِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ لَه رَغْبَةٌ تُذِلُّه)(2).

ص: 20


1- الكافي للكليني ج2 ص320 بَابُ الطَّمَعِ ح1، والرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام).
2- الكافي للكليني ج2 ص320 بَابُ الطَّمَعِ ح 2، والرواية عن الإمام الباقر (عليه السلام).

14- اصْنَعْ حَوَاْفِزَكَ الذَّاْتِيَّةَ

أصبح واضحاً اليوم أن المحفّزات الخارجية مهما عظمت وجلّت، فإن تأثيرها لا يغلب

تأثير الدوافع الذاتية الداخلية، إذ إنها تشعل الحماس من الداخل، لتملأ الروح حيوية كافية لتذليل مصاعب الحياة، والتغلب علىٰ عقباتها.

حتّىٰ أنهم صاروا يبحثون عن علاج بعض الأمراض النفسية بل والفسيولوجية المستعصية من خلال تقوية النفس والإيحاء إليها بالشفاء! وقد نجحوا بنسبة معينة في ذلك.

إذن، اشعل الحماس في داخلك، قوِّ نفسك، اصنع حوافزك الذاتية، واكتفِ بها عن تلك العارضة الخارجية المؤقتة، وتذكر أنه «ما ضعف بدنٌ عمَّا قويت عليه النيَّة»(1).

ص: 21


1- من لا يحضره الفقيه للصدوق 4: 440/ ح5859. والرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام).

15- قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُه.

لم يكن الناس في هذه الدنيا علىٰ مستوىٰ واحد مادياً، كما هم ليسوا بمستوىٰ واحد معرفياً... هكذا أراد الله تعالىٰ لهذه الحياة أن تكون، حتّىٰ يتخذ بعضنا بعضاً سِخرياً، وحتّىٰ ينفتح الطريق أمام تبادل المنفعة والخبرات.

كثيرٌ هم الذين يقدّمون خدماتهم من أجل أن يتقوّتوا هم وعيالهم في يومهم هذا، وكثير منهم من ينتظرهم أطفالهم علىٰ أحرّ من الجمر ليُتحفوهم بطعام يجعل ماء الحياة يتدفق في عروقهم.

فلا تظلموهم أجورهم، ولا تبخسوهم حقّهم، ولا تقصروا معهم، بل لا تؤخّروا عليهم أجورهم، بل (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه، وأعلمه أجره وهو في عمله)(1)

ص: 22


1- كنز العمال للمتقي الهندي (ج3 ص907 ح9126) والرواية عن رسول الله (صلّىٰ الله عليه وآله).

16- صِلَةٌ مَعَ الغَيْبِ

صحيح أن الله تعالىٰ أراد لهذا العالم أن يسير وفق نظام الأسباب الطبيعية، وصحيحٌ أن رزق الناس علىٰ الناس، ولكن ذلك لا يعني أن يقطع المؤمن كل صِلاته مع الغيب.

إن الله تعالىٰ ما زال مهيمناً علىٰ العالم، وما زالت يده مبسوطة ينفق كيف يشاء، وما زال رحيماً حكيماً عليماً، وما زالت خزائن الأرض تحت سلطانه، فمهما عظمت الأسباب الطبيعية، لكنها تبقىٰ مدينة لمشيئة الباري جل وعلا.

تعلّقْ بالأسباب الطبيعية، واطلب رزقك واسعَ لتحصيله، ولكن إياك أن تنسىٰ صِلتك بالغيب، وعلاقتك بالسماء، فإن الله تعالىٰ قضىٰ أن يكون (لكل ذي رمق قوتٌ. ولكل حبة آكل)(1)

ص: 23


1- تحف العقول للحراني ص98، والرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

17- أَسْرَعُ هَاْدِمٍ للعُمُرِ

الخلود، مطلب فطري لكل كائن حي، يجعله يهرب من الموت ومن كلّ ما يُقرّبه إليه، لذلك اعتنىٰ بطعامه وبصحته.

الإنسان أكثر من بحث عن الخلود، ورأىٰ بتجربته الطويلة أن يبتعد عن كل ما من شأنه أن يقضم من أيام عمره وساعات حياته، ولأجل ذلك أخذ بتطوير علم الطب إلىٰ حدٍّ لم يسبق له نظير، واستطاع بحقٍّ أن يُقاتل الأمراض ويتغلب عليها في الكثير من الميادين، وبذلك استطاع أن يُعطي فرصة أطول للإنسان في أن يُعمّر في هذه الحياة.

ولكن رغم ذلك كله، علينا أن لا ننسىٰ حقيقة واقعية هي أوضح من الشمس وأبين من الأمس، وهي (أنه من مشىٰ علىٰ وجه الأرض فإنه يصير إلىٰ بطنها، والليلُ والنهار يتسارعان في هدم الاعمار)(1)

ص: 24


1- تحف العقول للحراني ص98 والرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

18- أَوْثَقُ عُرَىٰ العِزّ

منذ قديم الزمان، والإنسان يبحث عن التميز والعز، فلا رغبة لعاقل أن يكون كما السرب، ولا ممن لو حضر لم يُعدّ، ولو غاب لم يُفتقَد.

كثيرة هي السبل التي امتطاها ليصل إلىٰ المجد، وهي علىٰ كثرتها لم تسلم من الضد، ففي كل سبيل منها وقف الأضدادُ يُعقّدون المشهد ويُكثرون من عقباته.

والإنسان بذاته ضعيف، فاحتاج إلىٰ من يؤازره في محنته، ويُقويّه ساعةَ ضعفه، فاتخذ الإخوان، وركن إلىٰ الأقران، وتوثّق بالعشيرة، وتمسك بكل سبل القوة.

وإنْ كان من حبل قوة يورث العز، فلا شيء أعظم ولا أقوىٰ من حبل عزٍّ يحوزه المؤمن من عزِّ الله تعالىٰ، و(من أراد عزّاً بلا عشيرة، وغنىٰ بلا

مال، وهيبةً بلا سلطان، فلينتقل من ذُلّ معصية الله إلىٰ عز طاعته)(1)

ص: 25


1- الخصال للشيخ الصدوق ص169 ح222.

19- وَعَلَىٰ الكَلِمَةِ حِسَاْبٌ

من طبيعة الإنسان أن يكون دقيقاً في حساباته المادية، وهو في ذلك معذور، وله مبرراته المعقولة، فالنسيان قد يُتلف بعض أمواله، والغشّ قد يسرق بعضها، والكذب قد يُهلك بعضاً ثالثاً، وتقلبات الدنيا قد تحرق الأخضر واليابس بأسرع من لمح البصر!

لذلك كان العاقل علىٰ قدر عالٍ من ضبط صادراته ووارداته، ويمسك عن التبذير بلا مبرر، ليوازن بينها، وليدّخر بعضاً من مكتسباته لما لا يعلم من غياهب مستقبله.

هذا في حساب الأموال، ولكن ماذا عن حساب الكلام؟! هل دار في خلَدنا أنه من عملنا!

حقاً أن (مَنْ عَلِمَ أَنَّ كَلَامَه مِنْ عَمَلِه، قَلَّ كَلَامُه إلّا فِيمَا يَعْنِيه)(1)

ص: 26


1- نهج البلاغة ج4 ص82 من الحكمة رقم (349).

20- يَقِيْنٌ بِالخَلَفِ

يملك الإنسان خمسة أصابع في يده، وربما لا يستعمل منها إلّا إصبعين لو أراد أن يُعطي، إلّا أن هناك ألف شيطان وشيطان يقبضون عليه هذين الإصبعين، يخوّفونه الفقر، ويحذّرونه الجدب، ولا يرعوون عنه إلّا إذا أمسك يده.

هو معذور لو كان يعتبر العطاء خسارة، هو معذور إذ يعتقد أن ما خرج من يده هو تالف، هو معذور حيث لم يتيقن التعويض الإلهي.

ويبقىٰ العطاء من نصيب الواثق بالغني المطلق، و(مَنْ أَيْقَنَ بِالخَلَفِ جَادَ بِالعَطِيَّةِ).(1)

ص: 27


1- نهج البلاغة ج4 ص34 الحكمة (138).

21- الأَمِيْرُ بِمِعْنَىٰ الكَلِمَةِ

لا أحد من العقلاء يستغني عن التقدير الذاتي، والجميع يسعىٰ لأن يكون كريماً في قومه وأهله، إذ بذلك يُحس المرء بقيمة وجوده، وبشخصيته.

وكثيرةٌ هي الطرق التي تؤدي إلىٰ تحصيل ذلك، وهي تختلف باختلاف البيئة والمجتمع الذي يعيش فيه الفرد، فقد تكون وسيلة ذلك هو المال، إذ يُقدّر البعض صاحب المال لكونه

ذا مال فقط، وقد تكون وجاهة في عشيرة، أو شهادة علمية، أو علاقة مع سلطان...

إلا أن تلك الوسائل ليست عامة، بمعنىٰ أنها ليست ذات مفعول لدىٰ كل الناس، فرب صاحب مالٍ لا تقدير له، ورب صاحب سلطان ممقوتٍ لدىٰ الناس، ولا وسيلة لتحصيل الكرامة عند عقلاء الناس والمجتمعات سوىٰ طريقة واحدة، وهي طريقة: (امنن علىٰ من شئت تكن أميره)(1)

ص: 28


1- الخصال للشيخ الصدوق ص420 باب التسعة ح14. والرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

22- الجَمَاْلُ الحَقِيْقِيُّ

علىٰ حب الجمال فُطر، وبه انبهر، وإليه سعىٰ، وبه رغب، هكذا خلق الله تعالىٰ الإنسان، محباً للجمال، فهو يحب الوجه الجميل، والاسم الجميل، واللقب الجميل، والبناء الجميل، والمركب الجميل، وحتّىٰ الكلمة الجميلة، هو يحبها.

لم أرَ إلىٰ الآن من يحب القبيح.

ألقِ بنظرك إلىٰ أطيب طعام وأكثره فائدة، هل ترىٰ نفسك تتوق إليه لو رأيت طبَقَه قذراً، أو رأيته مأوىٰ للذباب!

هو تعالىٰ جميل يحب الجمال، وهكذا أراد لبني البشر، أن يُحبوا الجمال، لذلك يسعىٰ الجميع لتحصيل كل ما هو جميل.

ولكل فرد نظرته في الجمال، وإن (جمال الرجل الوقار، وجمال الحر تجنُّب العار)(1).

ص: 29


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص222 والرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

23- أَعْظَمُ الجَهْلِ

كل واحد منا يعرف في قرارة نفسه ما هي حقيقتُه.

قد يصفك شخصٌ بأنك العالم الجهبذ، يمكنك أن تصدّق ذلك، ويمكنك أن تهز رأسك موافقاً، ويمكنك أن تُغدق عليه العطايا والهبات، لكن تبقىٰ أنت في ذاتك تعرف الحقيقة والواقع!

جميلٌ أن يعرف الإنسان قدر نفسه، وجميل أن يعرف مقدار ما يجهله، فيسعىٰ إلىٰ سدّ ثغراته بالتقاط المعرفة أينما كانت، ولكن ليس جميلاً منه أن يوجّه مَراصدَه لاكتشاف بواطن الآخرين وأسرارهم، وفي نفس الوقت هو يُهمل نفسه، إذ (أعظَمُ الجَهلِ: جَهلُ الإِنسانِ أمرَ نَفسِهِ)(1).

ص: 30


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص118 والرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

24- نِهَاْيَةُ الجَهْلِ

بحرٌ عميق لا يُدرَك غورُه، ودوامة هائلةٌ لا يُقاومها أمهرُ السبّاحين، ومضمار سباقٍ لا هوادة فيه.

كلّما فتحتَ خزانة منه لتعرف ما فيها، اكتشفْتَ في نفسك أنك أعجزُ من أن تُدرك الحقيقة منها، وكلّما زدتَ من تحصيله، وجدتَ نفسك أنك ما زلت ظمآناً للمزيد منه.

ذاك هو العلم!

بدأ منذ أول يوم وُجِد فيه الإنسان ينشر راياته ويرفع أعلامه، وما زال كأنه طفل يحبو في أول أيامه، رغم ما نراه من تطور كان هو سيده ورائده، ولا نعلم إلىٰ أيّ مدىٰ وأيّ حدٍّ سيصل.

هذه هي الحقيقة التي لابد أن نعيَها عن العلم، ولذلك فإن (مَنِ ادَّعىٰ مِنَ العِلمِ غايَتَهُ، فَقَد أَظْهَرَ مِنَ جَهْلِهِ نِهايَتَهُ)(1).

ص: 31


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص433 والرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

25- قَلِيْلُ العِلْمِ كَثِيْرُ الجَهْلِ!

نِعمُه لا تُعدُّ ولا تُحصىٰ، ولو اجتمع الثقلان وتعاونوا علىٰ أداء حق نعمة واحدة منها ما استطاعوا.

تصوروا لو كان كل البشر عمياناً، كيف ستكون حياتهم؟!

تصوروا لو كنّا بلا أيدٍ ولا أرجل، كيف سنعمّر حياتنا؟!

تصوروا لو كان الهواء يُباع كالطعام، أي حرج سيقع فيه الجميع بلا استثناء؟!

تصوروا لو خلقنا الله تعالى بلا عقل، ماذا كنا سنفعل وكيف سنتصرف؟!

خَلْقُنا في أحسن تقويم، وتسْخيرُ ما في الكون لنا، وتجميلُنا بالعقل، نِعَمٌ لا يمكن أن نكون بشراً من دونها، (ومَنْ لَمْ يَرَ لِله عَزَّ وجَلَّ عَلَيْه نِعْمَةً إلّا فِي مَطْعَمٍ أَوْ مَشْرَبٍ أَوْ مَلْبَسٍ، فَقَدْ قَصُرَ عَمَلُه ودَنَا عَذَابُه).(1)

ص: 32


1- الكافي للكليني (ج2 ص315 - 316 بَابُ حُبِّ الدُّنْيَا والحِرْصِ عَلَيْهَا ح5)، وتمام الحديث: (مَنْ لَمْ يَتَعَزَّ بِعَزَاءِ الله تَقَطَّعَتْ نَفْسُه حَسَرَاتٍ عَلَىٰ الدُّنْيَا ومَنْ أَتْبَعَ بَصَرَه مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ كَثُرَ هَمُّه ولَمْ يَشْفِ غَيْظَه ومَنْ لَمْ يَرَ لله عَزَّ وجَلَّ عَلَيْه نِعْمَةً إِلَّا فِي مَطْعَمٍ أَوْ مَشْرَبٍ أَوْ مَلْبَسٍ فَقَدْ قَصُرَ عَمَلُه ودَنَا عَذَابُه). وقال في الهامش: العزاء الصبر والسلوة أو حسن الصبر، يقال: عزيته تعزية فتعزىٰ ومعنىٰ الحديث أن من لم يصبر ولم يحسن الصبر والسلوة علىٰ ما رزقه الله من الدنيا بل أراد الزيادة في المال والجاه مما لم يرزقه إياه تقطعت نفسه متحسراً حسرة بعد حسرة علىٰ ما يراه في يدي غيره ممن فاق عليه في العيش فهو لم يزل يتبع بصره ما في أيدي الناس ومن اتبع بصره ما في أيدي الناس كثر همه ولم يشف غيظه فهو لم ير أن لله عليه نعمة إلّا نعم الدنيا وإنما يكون كذلك من لا يوقن بالآخرة ومن لم يوقن بالآخرة قصر عمله وإذا ليس له من الدنيا بزعمه إلّا قليل مع شدة طمعه في الدنيا وزينتها فقد دنىٰ عذابه نعوذ بالله من ذلك ومنشأ ذلك كله الجهل وضعف الإيمان وأيضاً لما كان عمل أكثر الناس علىٰ قدر ما يرون من نعم الله عليهم عاجلاً أو آجلاً لا جرم من لم ير من النعم عليه إلّا القليل فلا يصدر عنه من العمل إلّا قليل وهذا يوجب قصور العمل ودنو العذاب.

26- حَتّىٰ إِبْلِيْس!

لسنا معصومين!

نعم، لسنا كذلك، والخطأ قدرُنا في هذه الحياة، والمعصية لابد وأن نواقعها يوماً، ولو من دون عمد، وربما واقعناها

مرة أو مرتين، وربما عشرات المرات.

تبارك خالقُنا وجلّ وعلا، فتح لنا باب التوبة، لنكفّر عن سيئاتنا، ولنمسح آثارها من صفحات كتاب أعمالنا.

البعض قد يُداخله الشك، ويعيش القلق من عدم قبول توبته، وقد يفزع عندما يسمع عن أهوال يوم القيامة، قد يشعر بالرعب إذا ما تذكّر عِظم ذنوبه وكثرتها.

ماذا يفعل؟! وهل يمكن أن يرحمه الله قهّار السماوات والأرض؟

لا أدري، ولكني أعلمُ أنه (إذا كان يوم القيامة، نشَر الله تبارك وتعالىٰ رحمتَه، حتّىٰ يطمع إبليس في رحمته).(1)

ص: 33


1- أمالي الشيخ الصدوق (ص 273 ح301 / 2) عن الإمام الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام).

27- قَرِيْبَةٌ جِدّاً

تنقطع السُبُل علىٰ المرء في الظروف الحالكة، حتّىٰ إنه قد يصيبه اليأس من الفرج.

قد يصل الوضع بالبعض إلىٰ أن يُصبح كراكب سفينة في بحرٍ لُجّي في ليلٍ داجٍ بلا ملاّح...

حينها، تتضيق الوسيعة بعين الحليم، ويحار فيها لُبُّ الحكيم! حيث لا يبقىٰ كهفٌ يلجأ إليه المضطر، ولا مأوىٰ يأوي إليه الحائر.

في خضمّ هذه القطع المظلمة من الظروف، يلوح من قريب - لا من بعيد - نورُ بابِ الله تعالىٰ الذي لا يُغلق.

أسرعْ، عليك أن تلجه بثقة، وتمسّكْ بحبل الدعاء، ولكن (إِذَا دَعَوْتَ فَأَقْبِلْ بِقَلْبِكَ، وظُنَّ حَاجَتَكَ بِالبَابِ)(1)

ص: 34


1- الكافي للكليني ج2 ص473 بَابُ الإِقْبَالِ عَلَىٰ الدُّعَاءِ ح3 عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام).

28- نَتِيْجَةٌ عَكْسِيّةٌ

قلةُ الفرص، سرعة ضياعها، كثرة الراغبين بها، وخفاء مواضعها، أسباب معقولة تدعو العاقل إلىٰ أن يعمل علىٰ حيازة ما تمكّن منها.

العمل، التدبير، التخطيط والتنسيق، لا شك مهمة جداً في استثمار ما تم الحصول عليه منها.

الحياة الرغيدة، الاطمئنان من المستقبل، واحترام الذات، غايات محترمة لمن يعمل علىٰ عمران حياته، إلّا أن الوسائل المؤدية إليها قد تكون مجانبة للصواب، ومهما يكن، فإن (الحرص يُنقص قدْر الرجل، ولا يزيد

في رزقه)(1).

ص: 35


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص49.

29- أَقْوَىٰ حُجَّةٍ

رؤساء دول، مسؤولو مؤسسات، خطباء منابر، مديرو معامل، معلّمو تلاميذ، وحتّىٰ بائع الخضار، يتبارىٰ الجميع في ميدان الإقناع، ليجذب الأنصار والمؤيدين والزبائن.

أساليب متنوعة، تهدف إلىٰ برمجة عقل الآخر؛ حتّىٰ يُعطيك ما تريد منه.

فنٌّ الإقناع، صار له روّاده ومتخصّصوه وقوانينه، وهو بحقٍّ فنٌ مهم وعملي، وبه قد تحيىٰ دولٌ وتموت أخرىٰ.

لكن ليكن معلوماً لدىٰ الجميع أن (من صدقت لهجته قويت حجته)(1).

ص: 36


1- عيون الحكم والمواعظ للُيثي الواسطي ص449 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

30- أَنْتَ السَّبَبُ!

هو أوسع مما نتوقع، لا يُغلق في ليلٍ ولا نهار، يمكن للفقير أن يدخله قبل الغني، والأُمّي قبل المتعلّم، فقط يحتاج إلىٰ أن تدخله وتقول ﴿حِطَّةٌ﴾(1) ليغفر لك الله تبارك وتعالىٰ، بل ليقضي لك حوائجك.

هو وعد إلهي، ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾(2) و﴿إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ﴾(3).

هذا ما عند الله تعالىٰ.

وأما الذي عندك، فلا تستغرب من عدم الإجابة إن لم تدخل الباب أصلاً، كما أنه (لا تستبطئ إجابة دعائك، وقد سددْت طريقَه بالذنوب)(4).

ص: 37


1- البقرة: 58.
2- غافر: 60.
3- آل عمران: 9.
4- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص524 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

31- الحَاْحٌ جَمِيْلٌ

لكلٍّ منّا شخصيته، ولكلٍّ منّا احترامه الخاص، ولكلٍّ منّا وضعُه الاجتماعي، ومركزه بين الناس.

في أي مرتبة اجتماعية كنتَ، فإن هناك أموراً تفرضها عليك تلك المرتبة، حتّىٰ ألفاظك، ملابسك، مكان جلوسك، تتحكم بها أعراف خاصة.

ومهما يكن، فالجميع متفق علىٰ مقْت المتملّق، وإن قرّبه بعضٌ ليستغلّه في مآربه، وكذلك اتفقوا علىٰ بغض الإلحاح في طلب حاجة، بل قد تُغلق بابك بقوةٍ إن رأيت أحدهم يُلِحُّ و يُلِحُّ و يُلِحُّ، هكذا نحن.

وأما عند الغني المطلق، ف-(واللهِ لَا يُلِحُّ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ عَلَىٰ الله عَزَّ وجَلَّ فِي حَاجَتِه، إلّا قَضَاهَا لَه)(1).

ص: 38


1- الكافي للكليني ج2 ص475 بَابُ الإلحَاحِ فِي الدُّعَاءِ والتَّلَبُّثِ - ح3عن الإمام الباقر (عليه السلام).

32- عُنْوَاْنُ العَقْلِ

ما يختلف الناس في مستواهم المادي، كذلك يختلفون في مستواهم المعرفي والإدراكي.

وكما يترتب علىٰ اختلاف المستوىٰ المادي اختلافُ المعيشة في كل جوانبها، كذلك يترتب علىٰ اختلاف المستوىٰ العقلي اختلافُ التعاملات المعتمِدة علىٰ العقل والإدراك.

أنت لا تستطيع أن تعامل الجميع بمستوىٰ واحد، فالبعض ينفع معه الخطاب العلمي، والبعض يقتضي الحديث معه خطاباً روحياً، وثالث لا ينفع معه إلّا الكلام العرفي.

إن تنوع أساليب الخطاب مع الآخر، دليلٌ على نضوج الشخص، وهو من طرق النجاح في الحياة، ويبقىٰ (عنوانُ العقل مداراةُ الناس)(1).

ص: 39


1- عيون الحكم والمواعظ للُيثي الواسطي ص339 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

33- مِعْوَلُ الدَّهْرِ

منذ قديم الزمان، والإنسان أدرك أنه يحتاج إلىٰ الآلة في مختلف شؤون حياته، فبالآلة استطاع أن يتغلب علىٰ الكثير من صعوبات الدنيا، فخاض عباب البحار، وامتطىٰ ظهر الريح، وانحنت له الجبال الشامخات، بل بها نقّب بطن الأرض، وغاص في عمق السماء.

فلا أحد ينكر فضلها في تذليل الأرض وترويض ما في السماء، ولا تقدُّمَ إلّا بها، ولا غنىٰ للمرء عنها.

النكتة المهمة هنا: أن كل الآلات مدينةٌ لجهاز عظيم لدى الإنسان، به استطاع أن يستعمل الآلة، بل أن يصنعها، ذاك هو العقل، وإنه (لا يُستعان علىٰ الدهر إلّا بالعقل)(1).

(34)

ص: 40


1- بحار الأنوار ج75 ص7 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

34- جَرَّةُ سَمْنِ الرَّاْعِي

عندما كُنّا صغاراً، قرأنا قصة الراعي الذي حلم بملك عظيم، وبنىٰ مدينة مجده في يقظته، وكانت نتيجة حلمه سمناً انسكب علىٰ رأسه، حيث كسرت عصا الواقع جرّتَه!

وعندما كبرنا، وجدنا أننا في كثير من الأحيان ننسىٰ الواقع، لنبني قلاعنا وقصورنا علىٰ سواحل مرجانية بديعة، إلّا أنها لا تعدو كونها صوراً لا تصمد أمام إزعاج صوت ذبابةٍ، تحطّ علىٰ أنف الواقع!

ما لم تزرع لن

تحصد، وما لم تسهر الليالي لن تصل إلىٰ المقصد، وما لم تتحمل إبر النحل لن تذوق الشهد، و(لا تحصل الجنة بالتمني)(1).

ص: 41


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص533 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

35- اشْتِيَاْقُ العَاْشِقِ

هل رأيتم النحلة كم تسعىٰ جاهدةً لتصل إلىٰ ميسم وردةٍ ؛لترتوي من رحيقها!

هل رأيتم العاشق الولهان كيف يبحث عن نسمة هواءٍ، تعطف عليه؛ لتحمل أشواقه إلىٰ معشوقه!

هل تأمّلتم في زاهد عابد وهو يتحرّىٰ مواضع الرضا ومواطن الرحمة ليحظىٰ بلحظة جذب إلىٰ ساحة القدس!

كلهم يبحث عن غايته، وكلهم يسعىٰ للفوز برغبته، وكلهم يشتاق إلىٰ تحقيق هدفه، و(مَنِ اشْتَاقَ إِلَىٰ الجَنَّةِ سَلَا عَنِ الشَّهَوَاتِ، ومَنْ أَشْفَقَ مِنَ النَّارِ رَجَعَ عَنِ المُحَرَّمَاتِ)(1).

ص: 42


1- الكافي للكليني ج2 ص50 بَابُ صِفَةِ الإِيمَانِ ح1، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)..

36- آجِلٌ مَضْمُوْنٌ

يخوض البحار، ويخاطر بحياته، ويجازف بما يملك، يهجر النوم رغم الوسن، ويفارق الأحبة رغم الحنين، ويتجرع مرارة النَصَب وسياط التَعَب، وبعد محاولات وجولات، قد يحظىٰ بربح عظيم، يُنسيه كل هموم الماضي.

هذا حال تاجر ناجح في هذه الحياة.

وللآخرة تجارتها أيضاً، ولا تقل خطورة وصعوبة وجهداً عن تجارة الدنيا، بل قد تفوقها في كثير من الأحيان، حتّىٰ تصل إلىٰ حد الإمساك علىٰ جمرة، أو خرط شوك القتاد(1).

ثم إن الواقع شاهد على أن الربح يُنسي التاجر مشقة التعب، ولو كان غير مضمون في بداية العمل، فكيف بُجهد مضمون الربح؟!

ألَا يستحقّ بذل الوقت والمال والجهد؟!

ذاك هو ما عند الله تبارك وتعالى، إذ (ثوابُ الآخرة يُنسي مشقّةَ الدنيا)(2).

ص: 43


1- عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلّىٰ الله عليه وآله) ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه: اللّهمّ لقِّني إخواني مرَّتين، فقال من حوله من أصحابه: أمَا نحن إخوانك يا رسول الله؟ فقال: لا إنَّكم أصحابي، وإخواني قوم من آخر الزمان آمنوا بي ولم يروني، لقد عرَّفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن يُخرِجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أُمَّهاتهم، لأحدهم أشدّ بقيَّة علىٰ دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء، أو كالقابض علىٰ جمر الغضا، أُولئك مصابيح الدجىٰ، ينجيهم الله من كلّ فتنة غبراء مظلمة». (بصائر الدرجات: 104/ باب في رسول الله (صلّىٰ الله عليه وآله) أنَّه عرف ما رأىٰ في الأظلَّة والذرّ وغيره/ ح4).
2- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص217 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

37- سَبِيْلُ الارْتِيَاْدِ

كل شيء يمكن أن يزيد، فإنه يمكن أن ينقص.

المال، الصحة، الأمن، الرفاه، القوة، وحتىٰ العلم، شواهد حية علىٰ ذلك.

الزيادة والنقصان ليسا أمرين عشوائيين، بل إن لهما

نظاماً خاصاً، ما لم يركب المرء مراكبه، فإنه سيبقىٰ علىٰ ساحل بحر التمني، ولن يصل إليه سوىٰ زبد البحر فيذهب جفاءً(1).

حتىٰ العقل يزيد وينقص، وفق نظام منهجي مقنّن، إذ (العقلُ غريزةٌ، تَزيدُ بالعلمِ والتجارِب)(2).

ص: 44


1- قال تعالىٰ: ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الحَقَّ وَالباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثالَ﴾ (الرعد: 17).
2- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص52 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

38- زِيْنَةٌ وَتَجَمُّلٌ

كم هو جميل طائر الطاووس، وكم هو مهيب ذلك الصقر!

لكن تصوروا لو أن الطاووس سُلب منه ريشُه، أفَهل يبقىٰ ذلك الطائر المغرور بجماله؟! وتخيّلوا لو أن الصقر نُزع منه ريشُه، لعل الدجاجة حينها تكون أهيب منه!

العريُ في الحقيقة كاشف عن العديد من العورات، واللباس هو خير ما ستر الموجودات.

حتىٰ الشجرة، تكتسي لحاءها، ليحميها، وليعطيها شيئاً من الجمال.

وأنت أيها الإنسان، ماذا عنك؟!

هي واحدة لا غير، (البس وتجمّل، فإن الله عز وجل يحب الجمال ما كان من حلال)(1).

ص: 45


1- دعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي ج2 ص154 ح544 عن الإمام الصادق (عليه السلام).

39- قِيْمَةُ الإِنْسِاْنِ

فحم أسود، قيمته لا تتعدىٰ الدريهمات، لكنه بعد أن يهجر عوالي الأرض، ويقبع في باطنها، ويتحمّل ضغوط الصخور من حوله، ويصبر، ويتجلّد، تجده ينزع سواده المقيت، ويظهر منه ما تشرئب له أعناق الملوك، وتتزين به أجياد(1) الحسناوات، وحينها، سيتجاوز بقيمته الذهب، وبجماله اللؤلؤ، وسيهجر المناجم ليعيش في القصور.

إنه الماس يا سادة!

وهكذا نحن البشر، إن لم نصبر علىٰ ضغوط الحياة... إن لم نتجلّد علىٰ أعاصيرها، إن لم نقف شامخين أمام هيجانها، فإننا قد نبقىٰ كالفحم وسط المناجم، وفي الحقيقة (إِنَّه لَيْسَ لأَنْفُسِكُمْ ثَمَنٌ إلّا الجَنَّةَ، فَلَا تَبِيعُوهَا إلّا بِهَا)(2).

ص: 46


1- أجياد جمع جِيْد، وهو العنق، أو مقدم العنق، وقد غلب علىٰ عنق المرأَة (انظر لسان العرب لابن منظور ج3 ص139 مادة (جيد).
2- نهج البلاغة ج4 ص556 الحكمة (456).

40- بِضَاْعَةٌ رَاْبِحَةٌ

بين مدٍّ وجزر، زيادة ونقصان، ربح وخسارة، تدور رحىٰ الحياة، فلا ثبات فيها لحال، ولا بقاء لشيء فيها دون زوال.

قد تخطّط لتجارة ناجحة، لا تجد

للخسارة فيها موضعاً، ولا للفساد إليها منفذاً، لكن زلزالاً مدمّراً، أو إعصاراً هائجاً، يسرقها منك في وضح النهار، ولا يُبقي لك منها غيرَ خُفّي حُنين!

ولكن هل يعني هذا أنه لا اطمئنان لأي تجارة في هذه الحياة؟!

هل يعني أن القلق رفيق كل بضاعة وصاحبها الذي لا يُفارقها؟

كلا أبداً، فعليك إذن (بالإحسان، فإنه أفضل زراعة وأربح بضاعة)(1).

ص: 47


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص334 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

41- خَسَاْرَةٌ مُضَاْعَفَةٌ

قاموس التجارة لم يخلُ يوماً من الخسارة، ومصحف الحياة لم يمحُ من صفحاته للآن الندم والحسرة.

كلّنا نواجه الخسارة، وقد نندم علىٰ تصرّف أهوج قُمنا به، وقد نتحسّر علىٰ ضياع فرصة كانت بين أيدينا.

لا بأس، هذه هي الحياة، وهذا هو قانونها، وأنت غير ملوم علىٰ ذلك إذا كنت قد بذلت جهدك بمِعْول إرادتك، وأنرت طريقك بمصباح علمك.

إنما اللوم والحسرة والندامة علىٰ من أغمض عينيه ومشىٰ في طريق ذات الشوكة، و(إن أشد الناس ندامة يوم القيامة: رجلٌ باع آخرته بدنيا غيره)(1).

ص: 48


1- الجامع الصغير لجلال الدين السيوطي ج1 ص336 ح2201 وكنز العمال للمتقي الهندي ج3 ص510 ح7660 عن رسول الله (صلّىٰ الله عليه وآله).

42- تَخْفِيْفُ الحِسَاْبِ

من سمات القائد الناجح أنه لا يُهمل موظفيه دون رقابة، كما أنه لا ينساهم دون هدايا وحوافز... هو يفعل ذلك ليكسب ودّهم، وليأخذ منهم جهدهم وخبرتهم، فيكون الرابح هو قبلهم.

هكذا نتعامل نحن البشر.

إلا أن الله تعالىٰ أبىٰ أن يتعامل هكذا معنا، وهو الكريم والغني المطلق، وإنما أعطانا ووهب لنا وسخّر لنا ما في الكون، لأجل أن ينفع بعضُنا بعضاً، وليُعطي بعضُنا بعضاً.

وحتىٰ لو أخطأت معه، فيمكنك التصحيح والتدارك فيما لو أحسنت إلىٰ خلقه، إذن (حسِّنْ خُلُقَك، يُخفّفِ اللهُ حسابَك)(1).

ص: 49


1- أمالي الشيخ الصدوق ص278 ح308 / 9.

43- شُغْلٌ بِلَا جَدْوَىٰ

كم هي نعمة عظيمة أن يملك

الإنسان من قوة الذاكرة ما يجعله يحفظ ولا ينسىٰ!

وكم هي خسارة كبيرة لو كانت ذاكرته كشبكة تريد أن تحبس الهواء!

وبين ذين وذين، كان واقع الإنسان، فلا هو حافظ بالمطلق، ولا هو فاقد للذاكرة بالمطلق.

ولكن لا تستسلم أبداً لمصيدة النسيان، فوعاء العقل لا يضيق بما جُعل فيه، فاحفظ ما استطعت، واستثر ما غاب في زوايا ذاكرتك، ومهما تذكرت ولكن (لا تُشعر قلبك الهمَّ علىٰ ما فات، فيُشغلَك عن الاستعداد لما هو آت)(1).

ص: 50


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص530 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

44- بِلَا تَنَاْسُبٍ

تتحكم في الكون قوانين كثيرة، تتناسب مع بعضها البعض مرة طرداً، وأخرىٰ عكساً.

العلم والصواب بينهما تناسب طردي، فكلما زاد العلم، اقترب المرء من الصواب، والعكس بالعكس.

الطمع والقناعة بينهما تناسب عكسي، فكلما زاد الطمع قلّت القناعة، والعكس بالعكس؛ لذا كان طالب الدنيا كشارب ماءِ البحر، كلما أكثر منه، ازداد عطشاً، حتى يقتله(1).

إذا فهمت هذا فاعلم أنه (رُبّ شهوةِ ساعةٍ أورثت حزناً طويلاً يوم القيامة)(2).

ص: 51


1- في الكافي للكليني (ج2 ص136 بَابُ ذَمِّ الدُّنْيَا والزُّهْدِ فِيهَا ح24) عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) قَالَ: مَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ مَاءِ البَحْرِ، كُلَّمَا شَرِبَ مِنْه العَطْشَانُ ازْدَادَ عَطَشاً، حَتَّىٰ يَقْتُلَه.
2- عدة الداعي ونجاح الساعي لابن فهد الحلي ص109 عن النبي الأعظم (صلّىٰ الله عليه وآله).

45- دَوَاْمُ الأَسَفِ

القناعة كنزٌ لا يفنىٰ(1).

مقولة لطالما سمعناها مذ كنا صغاراً، ربما لم نكن نعي معناها بعمق، إلّا أننا علىٰ كل حال كنّا نلوي أعناقنا ونحبس أنفاسنا علّنا نُغضي عن حلوىٰ نراها بيد صبي، ونحن لا نملك ما يعيننا علىٰ الفوز بواحدة مثلها!

بمرور الزمن، اكتشفنا أن هذه الحكمة لم تكن تعني مجرد طرد النظر عما في أيدي الآخرين، بل إنها تحكي عن حقيقة غاية في الأهمية، هي تريد منّا أن نفهم أن (من نظر إلىٰ ما في أيدي الناس، طال حزنُه ودام أسفُه)(2).

ص: 52


1- روضة الواعظين للفتال النيسابوري ص456 عن النبي الأعظم (صلّىٰ الله عليه وآله).
2- أعلام الدين في صفات المؤمنين للحسن بن محمد الديلمي ص294 عن النبي الأعظم (صلّىٰ الله عليه وآله).

46- أَفْعَلُ التَّفْضِيْلِ!

يعيش أفعل التفضيل بيننا حيوية فعّالة، فكلُّنا

يحب أن يكون هو الأفضل، الأجمل، الأغنىٰ، الأقوىٰ... وكلُّنا يريد أن يكون أولاده هم الأفضل، الأجمل، الأغنىٰ، الأقوىٰ...

جميعنا يرغب في أن يملك المركب الأسرع، والمنزل الأوسع، والزوجة (أو الزوج) الأروع.

هكذا، يشغلنا (أفعل التفضيل)، وهكذا قد يسلب منا راحتنا، وربما سعادتنا، وربما حتّىٰ حياتنا، وقد تناسينا أو تغافلنا عن حقيقة هي الأكثر ثباتاً، والأعمق نظراً، والأخطر مصيراً، وهي أنه: (أعقَلُ النّاسِ، أنظَرُهُم فِي العَواقِبِ)(1).

ص: 53


1- موسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) للشيخ هادي النجفي ج7 ص29 عنوان (العاقبة) الحديث ([ 7889 ] 22)، نقله عن غرر الحكم: ح3275...

47- أَسَاْسُهُ مِلْحٌ!

ناطحات السحاب، بناء يعانق السماء، ويلامس خدّ الجوزاء، طبقاتها المتعالية تحكي عن فكرٍ متينٍ وهندسةٍ متْقنةٍ، وزنها الخيالي يحتاج إلىٰ مسندٍ فولاذيٍ قوي، له من القوةِ ما تُمكّنُه من حملها علىٰ ظهره من دون إرهاق، وإلا، فلو أصابه الإرهاق والتعب فلربما مال بها لتكون كنعامةٍ دسّت رأسها في التراب!

قوِّ أساسك أولاً، ثم ابنِ عليه ما شئت، ولا تكن كرامٍ بلا قوس، أو كبانٍ قصراً علىٰ أساسٍ من ملح، ولذلك كانت (العبادة مع أكل الحرام كالبناء علىٰ الرمل)(1).

ص: 54


1- عدة الداعي لابن فهد الحلي ص141 عن النبي الأعظم (صلّىٰ الله عليه وآله).

48- خُطْوَةٌ جِدّيّةٌ

قالوا: إن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة.

هذا صحيح، لكن انتبه، فهذه هي الخطوة الأولىٰ فقط، وهي إن لم تكن جدّية، إن لم تتبعها خطوات أخرىٰ، إن لم تتسلح بالعزم والثبات، إن لم تمدّ عينيك إلىٰ آخر خطوة، فستبقىٰ تراوح في مكانك كجنديٍّ أصمٍّ لم يسمع الأمر بالتقدم، ففاته أصحابُه، وربما أدركه العدو، ولات حين مندمِ!

اخطُ الخطوة الأولىٰ بعزم، وارمِ ببصرِك أقصىٰ الألف ميل، وامحُ من بياناتك الاستسلام للكسل والتعاجز والتواكل، فالجِدُّ، والعزمُ، والمثابرةُ، سلاحُك للتقدم، و(إذا رغبتَ في المكارم، فاجتنب المحارم)(1).

ص: 55


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص133 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

49- أَقْرَبُ وَسِيْلَةٍ

يعمل الموظف الناجح علىٰ اكتساب رضا مدير عمله؛

ليغنمَ منه ما يحب، ولا يكون ذلك إلّا بأداء ما يرغب فيه المدير ويحبُّه، فتجده باحثاً عن طريقة وأخرىٰ حتّىٰ يجد مفتاح قلبه المغلق، وحتىٰ يعرف الشيفرة السرّيّة التي يتمكن بها من الجلوس علىٰ أريكة فؤاد المدير.

هكذا ينبغي لك أن تكون مع الخالق جلّ وعلا، فلا فوز إلّا برضوانه، ولا راحة إلّا في جِنانه، ولا أمان إلّا تحت ظلِّه.

لكن أنّىٰ لي أن أجد مفتاح رضا ربي!

لا تقلق، فالمفاتيح كُثُر، ومنها مفتاح حيوي قد أُتيح لي ولك، إذ (مَا عُبِدَ اللهُ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَىٰ الله مِنْ إِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَىٰ المُؤْمِنِ)(1).

ص: 56


1- الكافي للكليني (ج2 ص188 بَابُ إِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَىٰ المُؤْمِنِينَ - ح2) عن الإمام الباقر (عليه السلام).

50- جَوَاْدٌ بِلَا جُوْدٍ!

وهبَ الأميرُ ما لا يملك، واتّكأ علىٰ أريكته المصنوعة من ريش النعام، يستمع مِدحةَ الشعراء الغاوين له، ويترنّح علىٰ تقديس رهبان القصور، ثم تغنّت بجوده البلاد، وتذاكر القصّاصون سيرته في الجود والكرم!

يا له من جوادٍ ذاك الذي جاد بمال غيره! ويا له من كريم ذاك الذي سرق سرّاً وأعطىٰ علناً!

قف هنيئة!

هل ترىٰ نفسك أميراً عندما تمنع أحداً حقَّه؟! وهل ترىٰ نفسك قائدّا فذّاً عندما يتضور أتباعك جوعاً وأنت منعّمٌ بأموالهم وحقوقهم!

انتبه، ولا تغفل، فيوم الصاخّة ليس ببعيد، وكن جواداً بمالك، و(أفضل الجود إيصالُ الحقوق إلىٰ أهلها)(1).

ص: 47


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص111 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

51- فَهْمٌ مُتَأَخِّرٌ

يواجه الكثير من الآباء امتعاضاً متزايداً في كل مرة ينهون أولادهم عن تصرف ما، أو عندما يمنعونهم عن طعام ما، أو عن مرافقة شخص ما.

الأولاد يعترضون؛ استجابة لنداء فطرتهم بضرورة إبراز شخصياتهم الرجولية، والتي لا يفهمون كيفية إبرازها إلّا من خلال الاعتراض، والرفض، وربما الإنكار والمعارضة، وربما يتأخرون كثيراً حتّىٰ يُدركوا أننا

- نحن الآباء - كنّا نبغي صلاحهم.

المفارقة الغريبة، أن هناك من الكبار من يمتعض امتعاض الأطفال بسبب نهي شرعي لم يجده يلائم تواجهاته أو يشبع رغباته، فتجده يعترض ولو من طرف خفي، والخوف كل الخوف أن يتأخر فهمه كثيراً إلىٰ أن تفوت الفرصة، فمتىٰ سنفهم إذن أن (من أحبّك نهاك، ومن أبغضك أغراك)(1)؟!

ص: 58


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص451 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

52- طَرِيْقُ السَّلَاْمَةِ

تؤكد التقارير المرورية علىٰ أن سبب الحوادث المميتة هو عدم الالتزام بأنظمة المرور، التي إنما وُضعت لتقليل التصادم، ولتنظيم السير، وبالتالي ليصلَ كلُّ واحدٍ إلىٰ هدفِهِ ومقصدِهِ.

فلو أنَّ كلَّ سائقٍ التزمَ بالنظامِ، لانعدمت الحوادثُ أو كادتْ.

هذه الحياة ما هي إلّا طريقنا نحو الآخرة، فهي ليست إلّا سبيلاً نسلكه، لا بيتاً نستوطنه، فلا بد من التزام أنظمة السلامة فيها، حتّىٰ لا نقع فريسة جهلٍ أو صيدَ غوايةٍ، و(من لزِمَ الاستقامةَ، لزِمَتْه السلامةُ)(1)

ص: 59


1- كنز الفوائد للكراجكي ص128 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

53- زِيْنَةُ الحَسَبِ

الزينة والتجمّل، فطرةُ الله تعالىٰ في مخلوقاته.

تتزين الأشجار بثمارها، والسماء بنجومها، والطيور بريشها. وكل شيء في الوجود له زينة ما.

للإنسان بالخصوص أنواع عديدة من الزينة، فهو يتزين بشعره، وببريق عينيه، وبلون بَشَرتِه، هو يتزين بثيابه، وبعطره، يتزين بجاهه، وبعشيرته، وبأصدقائه، حتّىٰ إنه يتزين بمركبه، وببيته، وبوِلْده.

الحسب مما يتزين به أيضاً، وهو بحقٍ زينة، إذا أعطيته حقّه، وليس من حقّه أنْ يتكبر ذو الحسب على غيره، كلا، بل إن من حقّه التواضع، و(التواضعُ زينةُ الحسَبِ)(1).

ص: 60


1- كنز الفوائد للكراجكي ص138 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

54- مَفْسَدةُ العَمَلِ

غير صالح للاستهلاك البشري بعد تاريخ...

هكذا نجد مكتوباً علىٰ المعلّبات الغذائية، إنها إشارة إلىٰ أن مرور الوقت يُفسد الطعام، كما كان يُذيب الثلج...

حتىٰ الإنسان،

بمرور الأزمان، يقترب شيئاً فشيئاً إلىٰ لحظة يُوصَفُ فيها بأنه كان، والآن ما كان!

العمل أيضاً له ما يفسده، ويكدّره، ويذهب بحلاوته، بل بطعمهِ، وحتىٰ بثوابه، لكنه هذه المرة ليس الوقت، ولا الزمان، ف-(إياك والمنَّ بالمعروفِ، فإنَّ الامتنانَ يُكدّرُ الإحسانَ)(1).

ص: 61


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص96 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

55- فِي التَّأَنّي السَّلَاْمَةُ

لعلّكم شاهدتم كيف أنّ الأسد ينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض علىٰ فريسته...

لعلّكم لاحظتم كيف أنّه يخطو خطواتٍ وئيدةً جداً...

ينتظر... يخطّط... قد يترك عشر فرائس تفرّ من أمامه، وهو ساكن في مكانه، لا يتحرك...

حتىٰ أني أستطيع أن أجزم أننا - نحن البشر - قد نملّ من انتظاره، ولو أتيح لنا لدفعنا به نحو الافتراس من أول وليمة!

لكنّ الأسد لا يمَلّ، هو ينتظر اللحظة المناسبة، والفريسة المناسبة، ليفوز ببُغيته بعد طول انتظار.

هل عرفتم الآن لماذا أن (مَن أسرَعَ فِي الجَوابِ، لَم يُدرِكِ الجَوابَ)(1)؟!

ص: 62


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص440 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

56- جَوَاْبٌ مُقْنِعٌ

ماذا تفعل لو عظك كلبٌ؟!

قد تبتعد عنه في المرة القادمة، قد تسلك طريقاً آخر، قد تحتمي عنه بسيارتك، لكنك مهما فعلت فمن المؤكد أنك لن تطبق معه قاعدة (العين بالعين، والسن بالسن، والبادي أظلم)!

هكذا هي الحوادث التي نواجهها في حياتنا، هي كثيرة، ومنها ما لا يكون له حلٌّ سوىٰ التغاضي والتغافل، وأخْذ العِبرة، وتجنّب الوقوع فيها مرة أخرىٰ، و(رُبَّ كَلامٍ جَوابُهُ السُّكوتُ)(1)

ص: 63


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص266 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

57- فَاْيْرُوْسٌ قَاْتِلٌ

تشخيص الحالة، معرفة نوع المرض، تتبّع سببه، ثم وصف العلاج المناسب له، هي الخطوات الأمُ التي يتبعها الطبيب الحاذق، وإن لم يستطع تشخيص الحالة جيداً، إن لم يعرف العلاج المناسب، فشهادته لا تعدو كونها ورقة يتزين بها الحائط!

وهكذا المشاكل الاجتماعية،

لابد أولاً من معرفة سببها، ثم تعيين العلاج المناسب لها، وبعدها يُترك الأمرُ للمريض أن يلتزمَ العلاج أو لا يلتزمَه.

لكل مرض سبب معين، ولكل مشكلة اجتماعية - أسرية كانت أو اجتماعية عامة أو حتّىٰ دولية - سبب معين أيضاً، ومهما اختلفت لأسباب وتفاوتتْ، لكن يبقى (الجَهلُ فَسادُ كُلِّ أمر)(1).

ص: 64


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص31 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

58- انْفِصَاْمُ الشَّخْصِيَّةِ

لا تستقيم حياة البشر من دون قانون، ينظّم أمورهم، ويمنع الفوضىٰ، ويوازن بين الحقوق والواجبات لكل فرد.

العقلاء اتفقوا علىٰ ضرورة هذه الحقيقة، والواقع شاهد صدق علىٰ أهميتها.

السماء سارت مع البشر كما هم، وفق هذا الواقع، فشريعتها فيها ما فيها من القوانين التنظيمية، التي امتازت بأنها تُنظّم علاقة الفرد العمودية - مع ربه ودينه - والأفقية - مع أخيه الإنسان ومن يقاسمونه المعيشة علىٰ الأرض -.

وكان من أهم وسائل إبراز تلك الشريعة هو الأمر والنهي، و(كَفىٰ بِالمَرءِ جَهلاً: أن يَرتَكِبَ ما نُهِيَ عَنهُ)(1).

ص: 65


1- مطالب السؤول في مناقب الرسول (صلّىٰ الله عليه وآله) لمحمد بن طلحة الشافعي ص273 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

59- اجْتِمَاْعُ النَّقِيْضَيْنِ

(النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان).

قضية لا ينكرها عاقل، ولا يجحدها إلّا مكابِر، وهي القضية الأمُّ لكل العلوم والقضايا الأخرىٰ.

لن يجتمع الوجود والعدم في شيء واحد أبداً، ولن يجتمع الأسود والأبيض ما بقي الدهر، ولن ترىٰ الخير هو شراً في نفس الوقت.

هكذا اتفقت الموجودات علىٰ هذا المبدأ.

المفارقة الغريبة، أن الإنسان أبىٰ إلّا أن يخالف هذه البديهة، حتّىٰ وإن كان لا يرضىٰ بمخالفتها من غيره، بل لا يرضىٰ بها من نفسه في لا وعيه ومكنونات وجدانه، و(كَفىٰ بِالعالِمِ جَهلاً أن يُنافِيَ عِلمَهُ عَمَلُهُ)(1).

ص: 66


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص266 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

60- عَلَىٰ التَّلِّ

بين الشجاعة والتهور خيط رفيع، لا يُدرِك معناه

إلّا من خَبَر حقيقتهما، فأتْقن استعمال الخيط الفاصل.

ليس كل إقدام شجاعة، إذ قد يكون تهوراً، وليس كل تراجع جُبناً، فالجندي الشجاع قد يتراجع خطوة ليوقع عدوه في مصيدته، فيهجم عليه لا يلوي عن النصر.

قد يقف المرء أحياناً علىٰ مفترق طرق، لا يعرف كيف يتصرف، هل يُقْدم أو يُحجم؟

ومهما خفي الأمر، إلّا أن الحكمة تنادي ليلَ نهار: (أحكَمُ النّاسِ مَن فَرَّ مِن جُهّالِ النّاسِ)(1).

ص: 67


1- معاني الأخبار للشيخ الصدوق ص196 باب معنىٰ الغايات عن رسول الله (صلّىٰ الله عليه وآله).

61- لِوَقْتِ الحَاْجَةِ

ذكية هي النملة عندما تُخفي طعامها في أنفاق الأرض بعيداً عن أيدي اللصوص، وحكيم هو الطاووس حيث يبخل بجماله ريشه، فلا ينشره في أي وقت، لتبقىٰ العيون ترقُب كرمَه، حتّىٰ الزهرة تُخفي شهَدها بين أحضان أوراقها، لا تعطيه إلّا لنحلة كادحة، تأخذه حيث قصرها المنيف.

هل وعيتَ حقيقة هذه الأفعال؟!

هل رأيت كيف أن الكون يتصرف بحكمة، فقد يقبض، وقد يبسط، وهل دريتَ الآن أن (مِنَ الجَهلِ أن تُظهِرَ كُلَّ ما عَلِمتَ)(1)؟!

ص: 68


1- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام) ورام بن أبي فراس المالكي ص441 عن رسول الله (صلّىٰ الله عليه وآله).

62- قِنَاْعُ الحَقِيْقَةِ

لم يكن للدنيا جود وكرمٌ لتملأ جيوبنا جميعاً، ولم تكن عندها من الرحمة ما تمتنع معها عن أخذ ما نحب، قانونها صارم، وواضح، هي تأخذ أكثر مما تُعطي، فكان المفترض بالعاقل أن لا يأمن مكرها، ولا يركن لوعودها.

العقلاء انتبهوا لهذه الحقيقة، ووجدوا أنهم لابد أن يُقنّنوا كيفية التعامل معها، فوجدوا: أن التوازن مهم، وتوقّع الخسارة ضروري، وأن استغلال العمر لابد منه، ثم تيقّنوا قلّة الفرص فيها، وبأنها لا تُعطي بالمجّان، بل تأخذ نفس ما تُعطي أو أفضل منه، فعالجوا هذا التبادل بقانون الأهم والمهم، ومعه ف-(صُنْ دينَك بدنياك تربحْهما، ولا تصُنْ دنياك بدينِك فتخسرْهما)(1).

ص: 69


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص303 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

63- بِيْنَ فَكَّيْ كَمَّاْشَةٍ

لدىٰ الإنسان من العقل ما استطاع به تمييز الضار من النافع، وهذا ما جعله يستمر في حياته، ولا يُلقي بنفسه في مواطن الخسارة أو إهلاك النفس من دون مبرر.

في الحقيقة أن لدىٰ الحيوانات نوعاً من هذا الإدراك، أو سمِّه: الشعور، يجعلها تهرب ممن يبغي افتراسها أو اصطيادها، لكنها لا تملك من قوة الإدراك ما يجعلها تتحاشىٰ الوقوع في الحفرة مرتين.

الإنسان امتلك هذه القوة، إلّا أنه قد يتخلىٰ عنها بإرادته، فيوقع نفسه بين فكّي كمّاشة، ومن هنا، ف-(إياكم والتهاونَ بأمر الله عز وجل، فإن من تهاون بأمر الله تعالىٰ أهانه الله يوم القيامة)(1).

ص: 70


1- المحاسن للبرقي ج1 ص96 باب 23 عقاب من تهاون بأمر لله ح58 عن أبي عبد الله (عليه السلام).

64- أَقْوَىٰ عَضَلَاْتٍ

يملك الجَمَل من القوة ما تُمكّنه من حمل الأمتعة الثقيلة لمسافات بعيدة، وما يجعله يتحمل خشونة الصحراء ولهيب هجيرها وظمأ فيافيها، لكنّ صبياً صغيراً يقوده حيث يشاء!

قوة عضلات البدن ليست هي كل شيء، فربّ قوي قادتْه قواه إلىٰ حيث الهاوية، وربّ ضعيف البُنية استطاع أن يتغلب علىٰ الكثير من صعوبات الحياة، والنملة خيرُ شاهد.

ومنه نعلم أنه (إنَّما يُدرَكُ الخَيرُ كُلُّهُ بِالعَقلِ، ولا دينَ لِمَن لا عَقلَ لَهُ)(1).

ص: 71


1- تحف العقول للحراني ص53 عن النبي الأعظم (صلّىٰ الله عليه وآله).

65- ضَمَاْنَةُ الدِّيْنِ

لولا سنام الجمل لما استطاع أن يحوز لقب (سفينة الصحراء) ويفوز في ماراثونها، حيث يعتمد عليه في خزن الطعام والماء اللّازمين في المواقف المحرجة.

يحتاج الإنسان في حياته الاجتماعية إلىٰ (سنام اجتماعي) يتكئ عليه ساعة العُسرة، ليُخرج منه ما يدفع عنه البلوىٰ...

العلمُ سنامٌ لك، والجاه سنام آخر، حُسن الخُلُق سنام ثالث، وأولادك سنام رابع...

السنام إذن مهم جداً - بهذا المعنىٰ - ليعيش الإنسان مطمئن البال، مستقر الحال، لا يخشىٰ

بوائق الدهور، إذ إن عنده ما يؤوب إليه وبه يحتمي، وللدين سنامه أيضاً، و(سنامُ الدينِ الصبرُ واليقينُ ومجاهدةُ الهوىٰ)(1).

ص: 72


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص285 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

66- لَذَّةُ الأَلَمِ!

(حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلىٰٰ وَهْنٍ)(1)

لكنها مع ذلك الوهن تتلذّذُ بحملها الذي يستنزف قواها ويسرق جمالها!

تهجر النوم لأجل ولدها، لكنها تحس بلذة الوسنان حينما يُداعب عينيه الكرىٰ.

يذوب ألماً عندما تلهب وجهَه النارُ، لكن الذهب يبتسم بعدها بإشراقته الصفراء وينشر الجمال علىٰ أجياد العرائس.

يتجشّم عناء الجوع والظمأ، لكن نفسه منتعشة بصومها لبارئها منتظرة فرحة لقائه.

لا لذة خالصة في الدنيا، فكل لذائذها ممزوجة بالألم، و(من لم يحتملْ مرارةَ الدواء دامَ ألمُه، ومن لم يصبرْ علىٰ مضض الحِمْية طال سقمُه)(2).

ص: 73


1- لقمان 14.
2- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص431 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

67- أَفْضَلُ دَوَاْءٍ

صحة ومرض، غنىٰ وفقر، أمن وخوف... لا يسلم من أحد هذين الضدّين أحدٌ في الدنيا، ومهما دام أحدهما، فإن ضدّه حاضر معه، يترقب غرة صاحبه ليسلب منه ما هو فيه.

لا بأس، هذه هي الدنيا أمُ الأضداد، لكن الإنسان - وهو أبو العقل - استطاع أن يداوي نقوصاته بأنواع من المراهم والأدوية، فعالج الجهل بالعلم، والخوف بالعدل، والجوع بالطعام، وهكذا عمل علىٰ إيجاد مصحّات لكل نقص وسُقم يُصيبه في هذه الحياة.

لكن ماذا لو أصابت علاقتَه بخالقه أسقامٌ وآفات؟! ما الحل حينها؟

إنه (الاستغفار دواء الذنوب)(1).

ص: 74


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص31 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

68- التَّيْهُ الأَعْظَمُ

يُقال: إن الغراب أُعجب بمشية الطاووس، فأراد أن يقلّده فيها، فلم يستطع، ونسي مشيته هو، فضاعت منه المشيتان!

هكذا بعض الناس، يمدُّ عينيه إلىٰ ما لا يَنال، فيفقد من أجله ما كان يملك، فيخسرهما معاً.

الأماني خيلٌ هوجاء، لا تذلّ لراكب، تخدع من يبغي ركوبها، فتُظهر له الهدوء، فإذا

ما امتطاها، رفعته إلىٰ أعلىٰ ما يمكنها، حتّىٰ يُخيَّل إليه أنه سينال الثريا، لكنها تميل به فتضرب به الثرىٰ، ومحظوظ هو جداً لو سلمت له عُنُقُه!

لا تطمع بأكثر من واقعك، لكن اسعَ للمزيد، راكباً سفينة العزم رافعاً شراع الإرادة، وعليك أنْ تعلم أنّ (من كانت الدنيا أكبرَ همِّه، طال شقاؤه وغَمُّه)(1).

ص: 75


1- كنز الفوائد للكراجكي ص160 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

69- التَّجْرِبَةُ أَكْبَرُ بُرْهَاْنٍ

(لا يُلدغ العاقلُ من جُحرٍ مرتين)، إذ عقلُه يحفظ ويحلّل ويستنتج، فيتحاشىٰ الوقوع في نفس الخطأ، أما المجنون فقد يُلدغ من نفس الجُحر عشر مرات.

العقل مثل الماكينة، إن لم تُزوّد بالزيوت الضرورية، فلربما يصيبها الصدأ، وقد تتوقف عن العمل، أو تعمل بشكل غير جيد، والعقل يحتاج إلىٰ ما يُديم عمله بانسيابية تامة.

ولأن عمر الإنسان أقصر بكثير من الدنيا، فإن عقله لم يستطع إدراك كل ما فيها، فبحث عن البديل، فوجد التجربة، وأخْذ العبرة من الغير، نعْم البديل، فكان المفترض به أن يستعمل عقله جيداً في تحليل تجارب الآخرين وأخذ العبرة منها، إلّا أن البعض أغمض عينيه، ووقع في الحفرة مرتين بل مرات، و(عجبٌ لمن يرىٰ الدنيا وتصرّفَ أهلها حالاً بعد حال، كيف يطمئن إليها)(1).

ص: 76


1- علل الشرائع للشيخ الصدوق ج1 ص62 عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وفي معاني الأخبار له (قُدس سره) ص200 (عجبت) بدل (عجبٌ).

70- أَلَمُ الفِرَاْقِ

(هو كالسمكة، لا تعيش خارج الماء)، مثلٌ يُضرب لمن تعلّق بأرض أو بلد، ولا يمكنه الفراق.

للإنسان روابط عديدة، تختلف شدة وضعفاً تبَعاً لحبه لها وتعلّقه بها، أو عدم ذلك.

لا يمكننا أن نعيش وحدنا، فأنفسنا متعلقة جداً بالاجتماع، ولا يمكننا أن نستغني عن المسكن، ولا عن المأكل، ولا عن الزواج...

غيرُ واقعي من لا يرغب بالمال، ليربو بنفسه عن تكفّف الناس.

نظام الإنسان العقلي يأبىٰ أن يصدّق أن

لا خالقَ له ولا رب، (ومن كانت الدنيا همتَّه، اشتدت حسرتُه عند فراقها)(1).

ص: 77


1- معاني الأخبار للشيخ الصدوق ص198 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

71- الحُبُّ مَبْدَأُ العَمَلِ

للفعل مبادئ، بعضها مرئية، وبعضها خفية.

الآلة ضرورية لكي تفعل أنت، يدك ضرورية أيضاً، عينك هي الثالثة أيضاً ضرورية...

قبل اليد، وقبل العين، وقبل الآلة، يوجد شيء لابد لك من امتلاكه لكي تفعل، وهي الإرادة...

هي شيء غير مرئي، رغم استناد الفعل واعتماده عليها، إذ هي مَن تأمر العضلات كي تتحرك.

قبل الإرادة هناك شيء خفي آخر، هو الحب والشوق الذي تتفاعل معه نفسُك في أعماقها، وهو الذي يُزوّد الإرادة بالطاقة اللازمة لتُصدر أمرها للعضلات.

صحيح أن الإرادة لا تُرىٰ، والشوق والحب خفي، لكنهما يظهران بكل وضوح علىٰ وجه الفعل الخارجي، هما يظهران عندما تتكلم، عندما تبتسم أو تبكي، عندما تشتدُّ عيناك نحو محبوبك فيتسمّران ويسكنان، و(من دعا لظالمٍ بالبقاءِ، فقد أحبَّ أنْ يُعصىٰ اللهُ في أرضِه)(1).

ص: 78


1- بحار الأنوار ج72 ص334، ورواه في تنبيه الخواطر عن رسول الله (صلّىٰ الله عليه وآله).

72- قُيُوْدٌ عُقَلَاْئِيَّةٌ

يمكنك أن تقطع يدك بتلك السكين! لكن لن تفكر بهذا حتىٰ، وستكتم أنفاس قوّتِك بقيود عقلك.

نفس الحال عندما تريد أن تسرق قوت فقير، أو تلطم خدَّ يتيم، أو تغش في بيع، أو تختلس النظر إلىٰ بيت جارك.

العقل أبو الحكمة، أبىٰ أن يُعطي للإنسان الفرصة بفعل كل ما يقدر عليه، ولن يعترض الجودُ والكرمُ علىٰ هذا الإجراء، إذ لا تعسف فيه ولا ظلم.

المفترض بالعاقل أن يحسب الأمور جيداً، ولا يطلب ما لا يتلاءم مع الواقع، حتّىٰ في لحظات التمني، أو لحظات الأحلام، أو لحظات الطموح، ف-(يا صاحب الدعاء، لا تسأل عما لا يكونُ ولا يحلُّ)(1).

ص: 79


1- الخصال للشيخ الصدوق ص635 عن أمير المؤمنين (عليه السلام) / حديث أربعمائة.

73- لِيْنٌ وَقَسْوَةٌ

يدوم البناء لمدة أطول كلما كانت له خرسانة

فولاذية أقوىٰ، وما كان أساسه هشّاً فستذروه أدراجَها أدنىٰ رياح.

الجسم القوي له من القدرة علىٰ القيام بما لا يستطيع القيام به صاحب الجسم الضعيف، فالقوي أفضل، وأصلب.

الصلابة صفة إيجابية ومرغوب بها في الكثير من الأشياء في عالمنا، لكنها ليست كل شيء، فالمرونة، والرقّة، واللين، أيضاً أمورمطلوبة.

أنت لا تريد لظهرك أن يتصلب، ولا تحب لعلاقتك بمحبوبك أن تقسو، وهكذا ينبغي أن يكون القلب رقيقاً، ف-(إِذَا رَقَّ أَحَدُكُمْ فَلْيَدْعُ، فَإِنَّ القَلْبَ لَا يَرِقُّ حتّىٰ يَخْلُصَ)(1)

ص: 80


1- الكافي للكليني ج2 ص477 بَابُ الأَوْقَاتِ والحَالاتِ الَّتِي تُرْجَىٰ فِيهَا الإِجَابَةُ ح5 عن أبي عبد الله (عليه السلام).

74- إِعْدَاْدُ العُدّة

مهما كان القائد مغواراً، والجيش باسلاً، فإن النصر لن يحط رحاله عندهم ما لم يكن عندهم من العُدّة الشيء الكافي للنصر.

لن تقطع أفضل السيارات وأقواها مسافة متر واحد ما لم يتم تزويدها بالوقود.

لن يستجيب لك موظّفوك ما لم تُعطهم مرتّباتهم من دون غمطٍ لحقوقهم.

هذه هي الحياة، تأخذ وتُعطي، قانونها يقتضي اكتمال العدة والعدد، وتشغيل العقل والإدراك، لتصل إلىٰ النتيجة، لذلك كان (الدَّاعِي بِلَا عَمَلٍ كَالرَّامِي بِلَا وَتَرٍ)(1).

ص: 81


1- نهج البلاغة ج4 ص79 الحكمة رقم (337).

75- سِقَاْيَةُ أَشْجَاْرِ المَوَدَّةِ

كالأشجار هي العلاقات بين البشر، تحتاج إلىٰ سقي مستمر، لتعطيك أطيب الثمر، فاقطع عنها الماء، وستقطع عنك العطاء!

لذلك كان من أهم سواقي العلاقات هو التواصل بين الإخوة.

يمكنك أن تقوي علاقتك، ويمكنك أن تضعفها بل وتميتها، الأمر بسيط جداً.

لكن... لا أحد يرغب القطيعة.

هي الغفلة من تجعل الإنسان ينسىٰ سقْيَ أشجار مودته مع إخوته.

اسقِ زرعك تأكلْ منه، وصلْ رحمك تحظَ بمودته، و(تَعَرَّفْ إلىٰ الله في الرَّخاءِ، يَعْرِفْكَ اللهُ في الشِّدَّةِ)(1).

ص: 82


1- الدعوات (سلوة الحزين) للراوندي ص21 ح21 عن رسول الله الأعظم (صلّىٰ الله عليه وآله).

76- وَاْحِدَةٌ بِمِاْئَةٍ

في قانون الاقتصاد: يُعتبر خاسراً من يستبدل مالاً بمالٍ، من دون أن تدخله

زيادة، لذلك يؤْثِرُ العاقل أن يجلس في بيته علىٰ أن يكون خاسراً بهذا المعنىٰ.

هكذا الحال في قانون الحياة، فمن تساوىٰ يوماه فهو مغبون(1)،

لأنه خسر جزءاً من رأس ماله (عمره) من دون أن يُعوضه بربحٍ ما.

أَنْ تأكل برتقالة واحدة تنفعك، خيرٌ لك من عشر منها لا تنفعك، أو قد تضرك.

الربح والنجاح يعني أن تفوق وارداتُك علىٰ صادراتك، وأن تعوِّضَ ما تخسره بأفضل منه، وأن تأخذ ما يفيدك دون ما يضرك وما لا نفع فيه، لذلك فإن: (مَنْ كَفَّ يَدَه عَنِ النَّاسِ، فَإِنَّمَا يَكُفُّ عَنْهُمْ يَداً وَاحِدَةً، ويَكُفُّونَ عَنْه أَيْدِيَ كَثِيرَةً)(2).

ص: 83


1- في أمالي الشيخ الصدوق ص766 ح1030 / 4 عن الإمام الصادق (عليه السلام): من استوىٰ يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومن لم يعرف الزيادة في نفسه كان إلىٰ النقصان أقرب، ومن كان إلىٰ النقصان أقرب فالموت خير له من الحياة.
2- الكافي للكليني ج2 ص116 - 117 بَابُ المُدَارَاةِ ح6 عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وتمام الرواية: عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: إِنَّ قَوْماً مِنَ النَّاسِ قَلَّتْ مُدَارَاتُهُمْ لِلنَّاسِ فَأُنِفُوا مِنْ قُرَيْشٍ، وأيْمُ الله مَا كَانَ بِأَحْسَابِهِمْ بَأْسٌ، وإِنَّ قَوْماً مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ حَسُنَتْ مُدَارَاتُهُمْ فَالحِقُوا بِالبَيْتِ الرَّفِيعِ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَفَّ يَدَه عَنِ النَّاسِ فَإِنَّمَا يَكُفُّ عَنْهُمْ يَداً وَاحِدَةً ويَكُفُّونَ عَنْه أَيْدِيَ كَثِيرَةً.

77- النَّجَاْحُ قَرِيْنُ التَّعَبِ

يبذل متسلق الجبال جهداً عظيماً ليرتقي قمة العملاق، ومن يُؤْثِر الدعة والراحة فليبتعد عن المعالي.

يحبس السباح ما استطاع من مخزون هوائه، ليُعطيه الوقود الكافي لدفع عجلة الجسد بأسرع ما يمكن، هكذا لابد أن يفعل ليفوز بذهبية تُزين صدره.

حتىٰ عامل البناء، إنْ لم يبذل جهده بإتقان، فإن بناءه سيكون كقصرٍ من الرمل بُني علىٰ شاطئ بحر هائج.

طريق النجاح مليء بالمصاعب، ولن ترىٰ وروده إلّا بعد أن تُكمله، والوصول إلىٰ الهدف متعذر علىٰ الكسول، و(لنْ يحُوزَ الجنّةَ إلّا منْ جاهَدَ نفسَه)(1).

ص: 84


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص407.

78- مَاْسٌ بِفَحْمٍ!

مسكين أنت إنْ بعتَ الماس بسعر الفحم!

مغبون ذاك الذي أعطىٰ التِبْر بالتُرب!

سفيهٌ من لا يُعطي الشيء قيمته، ومن يبيع الشيء بأدنىٰ من ثمنه.

أتبيع الغالي بالرخيص، والنفيس بالبالي؟!

أتحسب أنك بائع محترف؟!

القانون يحجر علىٰ مثل أولئك، لأنهم لم يضعوا الشيء في موضعه، وأولئك لا نصيب لهم سوىٰ الحسرة وعض إصبع الندامة، و(إنّ منْ باعَ نفسَه بغيرِ الجنةِ،

فقد عظُمت عليه المحنةُ)(1).

ص: 85


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص150 - 151 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

79- أَطْيَبُ النِّعَمِ

مهما كان العنب لذيذاً، فما لم تكن طويل القامة لتقطفه، فلن تجني سوىٰ التشهّي، ولن ينفعك أن تتهمه بالحموضة، فأنت القصير لا هو الحامض!

إنْ لم تكن سبّاحاً ماهراً، فما ذنب الماء لتشتمه إنْ أغرقك!

أشهىٰ الأطعمة وألذّها، إن لم يكن عندك المال الكافي لشرائه، فهو عندك أمرّ من الحنظل، ولو ملكت المال الكافي، فلن تلتذّ به إن لم تكن أعضاؤك سليمة وبعيدة عن الأسقام.

وعلى هذا النسق علينا أن نعي أنه (لَا لِبَاسَ أَجْمَلُ مِنَ العَافِيَةِ، ولَا وِقَايَةَ أَمْنَعُ مِنَ السَّلَامَةِ)(1).

ص: 86


1- الكافي للكليني ج8 ص19 من حديث رقم (4) من بداية كتاب الروضة عن الإمام الباقر (عليه السلام).

80- نِعْمَةُ الضِّدّ

قيل: إن الشعر تاج علىٰ الرؤوس، لا يراه إلّا الأصلع!

هذا صحيح، لأن كثيراً من أنواع الجمال لا تظهر إلّا بأضدادها.

تصوروا لو أن كل البشر كانوا علىٰ مستوىٰ واحد من الجمال، هل كان لسوق مساحيق التجميل من رواج أو زبائن!

وتخيلوا لو أن كل البشر عميان، ما كان ينفعهم لون أعينهم الزرقاء والخضراء!

إن الإنسان قد يغفل عما عنده من النعم، ولن ينتبه من غفلته إلّا بفقدانها.

إن فقدت سيارتك فانظر إلىٰ من فَقَد ساقيه، وإن فقدْتَ مالك فتأمّلْ حال من فَقَد أولاده، و(جالسِ الفُقَراءَ تزدَدْ شُكراً)(1).

ص: 87


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي (ص 222)عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

81- أَمَانَةُ المَجَالِسِ

لكل جيش في المعركة خططٌ متعددة، تكون إحداها هي الخطة الرئيسة، ويكون هناك خطة بديلة، وربما خطة بديلة ثانية، حسب ما تقتضيه الظروف الموضوعية، فعند الضرورة قد تفشل الخطة (أ) فيتم الانتقال إلىٰ الخطة (ب) وربما إلىٰ الخطة (ج)... وهكذا.

مهما تبدلت الخطط العسكرية، فإن (حفظ الأسرار) المتعلقة بالجيش وخططه هي خطة ثابتة، وتلك الأسرار لابد أن تبقىٰ طيّ الكتمان، وسوف يُعتبر خائناً بالخيانة العظمىٰ من يُفشي سرّاً منها.

ليكن قلبك إذن مستودع الأسرار وبئرَ الخفايا.

لا تُفشِ سرّ أخيك، لئّلا تكون خائنَا، إذ (إنَّما يَتَجَالَسُ المُتجَالِسَانِ بِأَمَاْنَةِ الله، فَلَا يَحلُّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُفْشِي عَلَىٰ أَخِيْهِ مَا يَكْرَه)(1).

ص: 88


1- تنبيه الخواطر ونزهة الناظر (مجموعة ورام) لأبي فراس المالكي ص106 عن النبي الأعظم (صلّىٰ الله عليه وآله).

82- شَرَفُ المجْلِسِ

يحسب البعض أنْ لا واقعية في هذا الكون إلّا للمادة، فما لا تراه عيناك ولا تلمسه أصابعك، فلا وجود له!

هو واهمٌ جدّاً؛ إذ ما أكثر الواقعيات التي نرتّب عليها الكثير من الآثار الواقعية رغم أنها خلوٌ من المادة.

انظر إلىٰ حبِّك وبغضِك، إيمانِك وكفرِ الآخر، التفتْ إلىٰ روحِك وعواطفِك، هل تراها أموراً مادية؟!

الشرف هو الآخر يُطلب من الجميع، وهو لا يُرىٰ، إنما يُرىٰ أثره، بل (إنَّ لكُلِّ شيءٍ شَرَفاً، وإنَّ شَرَفَ المَجَالسِ مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ القِبْلَةَ)(1).

ص: 89


1- تحف العقول للحراني ص27 عن النبي الأعظم (صلّىٰ الله عليه وآله).

83- طَريْقٌ مُغْلَقٌ

القِ ببصرك حيث شئتَ، سوف لن ترىٰ موجوداً معافىٰ من الضدّ، أو من البلاء، حتّىٰ الشجرة، نقّارُها لم يتركْها دون أن يصْدع قلبَها، وأنت أيضاً، انظر إلىٰ حالك، ستجد أن هناك العشرات من المشاكل التي ما زالت عالقةً تبحث عن مخرج.

ما الحل؟!

نعمةُ العقل توفّر لنا طرقاً عديدة لذلك.

التجربة واحدة من تلك الطرق، أخذ العبرة من الآخر طريق آخر، سؤال أهل الخبرة طريق ثالث، ومهما يكن من طرق، فليس منها الجزع، إذ (الجَزَعُ لَا يَدْفَعُ القَدَرَ، ولكِنْ يُحْبِطُ الأَجْرَ)(1).

ص: 90


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص21 عن امير المؤمنين (عليه السلام).

84- عَقْلٌ إضَافِيٌّ

لم يُتَح لعموم بني البشر أن يكون علمُهم لدنيّاً، ولم ينزل الوحي علىٰ الجميع.

اختلاف درجات الذكاء أمر واقع، وتفاوت الناس في تفعيل عقولهم تابعٌ لمدىٰ عزمهم علىٰ التكامل أو كسلهم عن اكتساب المعالي.

المعاهد العلمية - علىٰ

اختلاف مناهجها وتوجّهاتها - كانت لتسُدَّ نقص الجهل في واقع الإنسان، والعلمُ يُكتسَب بطلبِهِ من مظانّه، وهو يتولّد إذا عمل العقلُ بصورة منهجية، وإلىٰ جنب ذلك وُجدت التجارب، إذ (التَّجارِبُ عِلمٌ مُستَفادٌ)(1).

ص: 91


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص43 عن امير المؤمنين (عليه السلام).

85- جَبَانُ الرَّأْي

قطيع الأسود لا يُرحّب بالضعيف، إذ لا يرغب بفرد مستهلكٍ لا إنتاج عنده.

حتىٰ يتكامل العلم لابد من ضمّه إلىٰ علمٍ مثله، إذ الجهلُ مُضْعِفٌ له مُبْعِدٌ عنه الواقعَ والصوابَ.

أنت لا تذهب إلىٰ الجاهل ليعلّمك، إذ إنك تعلم أنك لن تجني منه إلّا الضياع!

هكذا هي كل مفردات الوجود، تحتاج إلىٰ موجود إيجابي يضيف لها كمالاً، لا إلىٰ عَدَمٍ يسلبها ما عندها، فلذلك (لا تُشْرِكَنَّ فِي رَأْيِكَ جَبَاْناً يُضْعِفُكَ عَن الأَمْرِ، وَيُعَظِّمُ عَلَيْكَ مَا لَيْسَ بِعَظِيْمٍ)(1).

ص: 92


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص525 عن امير المؤمنين (عليه السلام).

86- ضَعْفٌ لابد مِنْهُ

وكل قويٍّ للزمان يلينُ...

مقولة صحيحة، تحكي عن أن موجودات هذا العالم وإنْ قويتْ، وإن عُدم من يتغلّب عليها من بني جنسها، لكن هناك شيئاً سيلوي عنقها ولو بعد حين، وهو في ذلك لا يحتاج إلىٰ أكثر من الانتظار، ومدّ الحبل، والسكون، ليوقع القوي في شراك الضعف.

انظر إلىٰ أعظم شجرة علىٰ الأرض، مهما تجبّرت، ومدّت في أعماق الأرض جذورها، فإن الزمان كفيل بإضعافها ولو بعد ألف سنة.

وهكذا النسر الكاسر، والأسد المفترس... وليس الإنسان مستثنىٰ من هذه السُّنة، و(من تجبّر حقّره الله ووضعه)(1).

ص: 93


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص449 عن امير المؤمنين (عليه السلام)..

87- إِدَاْمَةُ الصَّلَاْحِ أَوْلَىٰ

الوقاية خير من العلاج؛ لأن المرض يأخذ من البدن قوّته، وصلابته، ونظَارته، وإنْ طرده الدواء.

مهما تطور العلم، وصنع لك إصبعاً، فإنه لن يكون كإصبعك الذي وُلد معك.

الزجاج إذا انكسر فإنه لن يعود كما كان، مهما اجتهد المحترف

في تلصيق قطعه.

لا شيء أفضل من الحالة الأصلية، ولا أعظم من الصحة من دون مرض؛ لذلك ف-(إِنَّ تَرْكَ الذَّنْبِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِ التَّوْبَةِ، ولَيْسَ كُلُّ مَنْ طَلَبَ التَّوْبَةَ وَجَدَهَا)(1).

ص: 94


1- الكافي للكليني ج8 ص385 ح584 من حديث العابد ضمن رواية للإمام الصادق (عليه السلام). ونُسب أيضاً لأمير المؤمنين (عليه السلام) في خصائص الأئمة للشريف الرضي ص110.

88- مَقَاْيِيْسُ غَيْبِيَّةٌ

عندما ترسم خريطة معينة، فإنك ستلاحظ النسبة بين أبعادها والواقع، وتعتمد علىٰ (مقياس رسم) معين، يحكي الواقع بصورته المصغّرة.

العالم الكيميائي يعمل علىٰ ملاحظة أدقّ النسب بين مكونات مركَّبِهِ، وأي خطأٍ في النسب قد يؤدي إلىٰ نتائج عكسية أو وخيمة.

حتىٰ التاجر، يعمل وفق مقاييس تجارية خاصة يهدف من ورائها إلىٰ الربح والزيادة.

كل ذلك صحيح، فلكل علم أو شخص مقاييس خاصة، ولله تعالىٰ أيضاً مقاييسه الخاصة، ولذلك ف-(لا تحقِّرنَّ أحداً من المسلمين؛ فإن صغيرَهم عند الله كبيرٌ)(1).

ص: 95


1- تنبيه الخواطر ونزهة الناظر (مجموعة ورام) لأبي فراس المالكي ص39 عن النبي الأعظم (صلّىٰ الله عليه وآله).

89- قُبُوْلُ الوَاْقِعِ

عندما تهبُّ عاصفة هوجاء، ستقتلع أي شيء يقف بوجهها، ولن ينفع الإنسانَ أن يشتمها أو يضرب رأسه بالجدار!

وعندما تهرب فريستك من بين يديك، فلن ينفعك العويل، ولن يُرجعها لك البكاء، وإن سقيت الصحراء بدمعك!

الواقع يفرض نفسه بقوة، والذكي هو من يُحسن التعامل معه علىٰ ما هو عليه، ويتجنّب الوقوع في الأخطاء السابقة، ولذلك ف-(احتمل أخاك علىٰ ما فيه. ولا تُكثر العتاب؛ فإنه يورث الضغينة، ويجر إلىٰ البغضة)(1).

ص: 96


1- تحف العقول للحرّاني ص84 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

90- حَرَكَةٌ مُتَوَقَّعَةٌ

قِطَّتُك الوديعة لن تبقىٰ إلىٰ جنبك إن جاعت ولم تطعمها.

ولدك، قد يتمنىٰ موتك - أو علىٰ أقل: يتمنى لو لم تكن أنت أباه - إن بخلت عليه بمالك عند حاجته.

حتىٰ زوجتك، ستعتبرك أخسر صفقة في حياتها إن لم تُحسن التعامل معها.

هي هكذا الحياة، تبحث عن مواطن العطاء، لتقطن عندها، وتهجر القفار، إذ إنها لا تجود

علىٰ ساكنيها بغيث ولا مرعىٰ، وقد (جُبِلَتِ القُلُوبُ عَلَىٰ حُبِّ مَنْ يَنْفَعُهَا، وبُغْضِ مَنْ أَضَرَّ بِهَا)(1).

ص: 97


1- الكافي للكليني ج8 ص152 ح140 عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام).

91- دَوَاْمُ المَحَبَّةِ

يحتاج المصباح الكهربائي في كل آنٍ من آنات إضاءته إلىٰ استمرار تدفّق التيار الكهربائي في عروقه، وفي اللحظة التي ينقطع عنه المدد، فلن يبقىٰ منه إلّا الظلام.

الوقود ضروري في كل لحظة كي تبقىٰ سيارتك رهن إشارة قدمك، لتقطع بك الفيافي.

حتىٰ أنت تحتاج إلىٰ سائلك الأحمر لينقل الوقود إلىٰ خلايا بدنك، فتنتعش هي، وتحيىٰ أنت.

هل عرفتَ الآن: لماذا أنّ (مَن أحسَنَ إلَىٰ النّاسِ استَدامَ مِنهُمُ المَحَبَّةَ)(1)؟!

ص: 98


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص439 عن أمير المؤمنين (عليه السلام)..

92- إِدَاْمَةُ الصَّلَاْحِ

ما بُنيت المشافي ليدخل لها الأصحّاء فيمرضوا، بل إنها كانت لترجع بالبدن العليل إلىٰ عهده المجيد، حيث عرش الصحة والعافية، ورغم ذلك فهي لا تعطيك صكّاً بضمان الشفاء ما لم تعمل بمنهجية منضبطة في استعمال العلاج.

الميكانيكي كان ليُصلح سيارتك، لا ليُحدثَ فيها خللاً بعد الصلاح.

طبيعة الأشياء أنها تعمد إلىٰ الصلاح والصحة والجودة، وتُبغض الفساد والمرض والرداءة، ومن يُخالف هذه الطبيعة فهو شاذٌّ عن الواقع، ف-(مَا أَحْسَنَ الحَسَنَاتِ بَعْدَ السَّيِّئَاتِ، ومَا أَقْبَحَ السَّيِّئَاتِ بَعْدَ الحَسَنَاتِ)(1).

ص: 99


1- الكافي للكليني ج2 ص458 بَابُ مُحَاسَبَةِ العَمَلِ ح18 عن أبي جعفر (عليه السلام).

93- خُطَةٌ ناجِعَةٌ

عنصر المباغتة، من العناصر التكتيكية الفعّالة للانتصار في الحروب، حيث يُفاجَأُ العدو بالجيش من حيث لم يحتسب.

حياتنا ميدان معركة متعددة الأطراف، وأنت حتّىٰ تخوض غمارها تحتاج إلىٰ ألف خطة وخطة، لتستعمل كل واحدة منها حيث تحتاجها.

صبرك خطة ناجعة عند النوائب، وعلاقاتك المتعددة خطة أخرىٰ لتقليل الخسائر، واعتمادك علىٰ عشيرتك وأولادك خطة ثالثة تقوم مقامك في العديد من المعارك، و(استعينوا علىٰ حوائجكم بالكتمان، فإنّ كلَّ ذي نعمة محسود)(1).

ص: 100


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج1 ص316 عن رسول الله (صلّىٰ الله عليه وآله).

94- قَانوُْنُ الشَرَاْكَةِ

لم يتمكن الإنسان

في كثير من الأحيان أن يقوم بالأعمال - علىٰ اختلافها - لوحده، فرأىٰ أنه لابد أن يُشارك أخاه الإنسان، فكانت المؤسسات والشركات والدوائر المختلفة.

وحتىٰ تنجح الشراكة، لابد أن يعرف كلُّ طرف ما له وما عليه، ولا بد من تقسيم مسؤوليات الأعمال بصورة واضحة لا غَبَشَ فيها، لكي لا يتعدىٰ فيها طرف علىٰ آخر، ولكي لا يهمل أي طرف عمله.

ولأن من طبع الإنسان - أو بعضه - التسويف والمماطلة، وحتىٰ الخيانة، كان لابد من متابعة الأطراف ومحاسبتهم لكي لا يحصل خلل أو تقصير.

أنت ونفسك شركاء عمل، فلا بد من معرفة مساحة كل طرف منكما، ولذلك فإنه (لا يكون الرجل من المتقين حتّىٰ يحاسب نفسه أشدَّ من محاسبة الشريك شريكَه، فيعلم من أين مطعمُه ومن أين مشربُه ومن أين ملبسُه، أَمِنْ حلٍّ أم من حرام)(1).

ص: 101


1- مكارم الأخلاق للشيخ الطبرسي ص468 عن رسول الله (صلّىٰ الله عليه وآله).

95- تَدْقِيْقُ تِجَاْرَةٍ

ناجح هو التاجر الذي يعرف مدخلاته ومخرجاته من أمواله كل يوم، ويوازن بينهما، ويعرف ربحه من خسارته، ذكي هو إن تتبّع الخطوات التي قام بها، ليأخذ منها العبرة في اليوم التالي.

لن يلومه أحد إن دقّق في حساباته، فاكتشف أن أحد عمّاله قد خانه، أو أن الآخر قد أدّىٰ الأمانة معه، فيُعاقب الأول، ويثيب الثاني.

كن هكذا مع نفسك أيامَ دهرك؛ لأنها قد تكون خانتك من حيث لا تشعر، وكم هو جميل أنك (إذا أويتَ إلىٰ فراشك فانظر ما سلكت في بطنك وما كسبت في يومك، واذكر أنك ميت، وأنّ لك معاداً)(1).

ص: 102


1- الدعوات (سلوة الحزين) للراوندي ص123 ح302 عن أبي عبد الله (عليه السلام).

96- مَحْكَمَةٌ الضَّمِيْرِ

قد يتمكن المجرم أن يخدع القاضي بدمعة تمساح، أو كلمة شاعر، أو رشوة خائن، فيحصل علىٰ البراءة، لكنه لن يخدع نفسه أبداً، وسيبقىٰ ناقوس

ضميره ينقر في رأسه نقراً شديداً، ولن تنتهي هذه المعركة إلّا باعتراف المجرم، أو بارتكابه جريمة أخرىٰ بقتل ضميره.

محكمة الضمير أردع محكمة وأصدقها، ولن تجد للإنسانية موضعاً عند امرئٍ قد هدّ أركان تلك المحكمة، أو قيّد قاضيها أو قتله.

وأنت كذلك، فإنك (لا تزال بخير ما كان لك واعظٌ من نفسك، وما كانت المحاسبة من همِّك)(1).

ص: 103


1- تحف العقول للحراني ص280 عن الإمام زين العابدين (عليه السلام).

97- تَقَلُّبَاْتُ الدَّهْرِ

كم هو بهيٌّ ومختال ذلك الأسد الذي ملَكَ الغابة وقاد القطيع، وكم هو رائعٌ أن يجوب الصقر فيافي السماء كأبهىٰ ما يكون الطير، وكم هو عظيم أن يمتدّ طولك مستقيماً لا اعوجاج معه، حتّىٰ يُخيّل إليك أنك جبلٌ أشمّ.

يا ويل الدهر الذي لا يُسالم أحداً، ولا يُسلم زمام رقبته لأحد، تراه يأخذ من المرء غِرّته، فيهجم عليه في سواد ليل أو هدوء فجر، فترىٰ الأسد منكسراً، والصقر في قفص، والقوس رسم ظهرك، (واعْلَمْ بِأَنَّ

الدَّهْرَ يَوْمَانِ: يَوْمٌ لَكَ ويَوْمٌ عَلَيْكَ، وأَنَّ الدُّنْيَا دَارُ دُوَلٍ، فَمَا كَانَ مِنْهَا لَكَ أَتَاكَ عَلَىٰ ضَعْفِكَ، ومَا كَانَ مِنْهَا عَلَيْكَ لَمْ تَدْفَعْه بِقُوَّتِكَ)(1).

ص: 104


1- نهج البلاغة ج3 ص133 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

98- قَبْضٌ مَمْدُوْحٌ

لا أحد يُحبّ البخيل، ليس لأن البخيل يحبّ ماله، وإنما لأنه لا يُعطي حيث ينبغي الإعطاء.

سحابةٌ لا تجود بغيثها علىٰ أرض عطشىٰ، هي والعدم سواء.

لو لم يُخفِ البحرُ لآلئه في بطنه، لما زاره الغوّاصون.

ولكن، لو جاد البخيل بكل ما ملَك، لوصفناه بالسفيه، ولو دام مطر السحابة، لكرهتها حتّىٰ الأرض، ولو رمىٰ البحر كتوزه علىٰ شاطئه، لفقدت قيمتها.

بين القبض والبسط خيط رفيع للتوازن، لن ينفع من لا يُحسن استعماله، ولذا كان (الاِنقِباضُ عَنِ المَحارِمِ مِن شِيَمِ العُقَلاءِ وسَجِيَّةِ الأَكارِمِ)(1).

ص: 105


1- مستدرك الوسائل للميرزا النوري (ج11 ص280 باب 23 باب وجوب اجتناب المحارم ح[13015] 17) عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

99- شُذُوْذٌ العُبُوْدِيَةِ

صغاراً كُنّا، حيث حكىٰ لنا المعلِّمون أن العصفور لن يرغب بقفص من ذهب بديلاً عن حريته، وعلمونا أن الحرية مطلب فطري حتّىٰ عند الحيوانات.

هي كذلك، فالكائن الحي هائم بالحرية، وهي عشيقته.

عندما كبرنا، أخذت تلك الفطرة بالخمول لدينا، فصرنا نحب أن نستعبد الطيور، وهي تصرخ في أقفاصها تبكي حريتها المسروقة، نستمع لصرخاتها ونترنم علىٰ إيقاعها!

ليس هذا فحسب، بل البعض استشرىٰ عنده حب استعباد الآخر حتّىٰ رغب في استعباد أخيه.

أنت، أيها الحر، كن علىٰ حذر من سارقي الحرية ومستعبدي البشر، و(لا تَكُن عَبْدَ غَيرِكَ وقَد جَعَلَكَ اللهُ حُرّاً)(1).

ص: 106


1- نهج البلاغة ج3 ص51 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

100- فَنُّ التَّلْمِيْعِ المُزَيِّفِ

فنٌّ له متخصصوه وروّاده وسوقه وزبائنه، إنه فن التجميل، والتغليف، والتلوين.

لاحظ بيتك مثلاً، تصور لو أنك لم تبذل مالاً علىٰ تغليفه وتلوينه، أكان له من المنظر ما يُمتِّع الناظر؟!

ألذُّ الأطعمة وأشهاها، إن لم تُغلّف، لكان زبائنها الذباب.

فالتجميل مهم، ولكنه يخدع في كثير من الأحيان، ويخفي العيوب بأصباغِ فنّانٍ.

المال أيضاً يخدع، ويُغلّف صاحبه بغلاف الجمال، ولكن الواقع يأبىٰ عليه خداعه، إذ (جودُ الفقير يُجلُّه، وبخل الغني يُذلُّه)(1).

ص: 107


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص221 عن امير المؤمنين (عليه السلام).

101- خِدَاْعُ الأَمَلِ

ما زالت جرّة سمن الراعي مملوءة تنتظر عصاً أخرىٰ تكسر أحلامها، وما زالت الصحراء ترسم سرابها بفرشاة فيافيها.

العين نافذة الإنسان إلىٰ الواقع، لكنها قد تخدعه بصورة وهمية، والعقل نافذة له أيضاً، لكنه إن لم يُعطَ حقّه بالقيادة، فإنه قد يخدع صاحبه.

العقل ليس وحده في السفينة، فهناك من يزاحمه علىٰ دفّة القيادة، ولكن رغم ذلك يبقىٰ (العاقِلُ يَعتَمِدُ عَلىٰ عَمَلِهِ، الجاهِلُ يَعتَمِدُ عَلىٰ أمَلِهِ)(1).

ص: 108


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص18 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

102- دَوَّاْمَةُ الجَهْلِ القَاْتِلَةُ

في قانون المعارك، عليك أن تسند ظهرك إلىٰ أكثر عدد ممكن من الأنصار، وعليك أيضاً أن ترصد جميع تحركات عدوك بدقة، حتّىٰ لا يختلس منك سرّاً يكون فيه هلاكك.

ماذا لو كان عدوك جاهلاً أحمقاً! لا شك أنك ستتغلب عليه بسهولة، لكن ماذا لو كان صديقك كذلك!

العقل منجاة أينما حلّ، والجهل مهلكة أينما نزل، فلا خير في كثرةٍ حمقاء، فإن أقل عقلٍ سيغلبها، لذلك كانت (عَداوَةُ العاقِلِ خَيرٌ مِن صَداقَةِ الجاهِلِ)(1).

ص: 109


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص339 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

103- تَوَاْزُنٌ حَكِيْمٌ

كان يمكن لله تعالىٰ بكل سهولة أن يخلقنا بلا بلايا ولا أمراض ولا شهوات ولا صعوبات، لكننا حينها سنكون ملائكة لا بشراً.

وكان بإمكانه (جلّ جلاله) أن يسلب منا كل إرادة، لكننا حينها سنكون مجرد آلات لا تكليف عليها، ولا يفعلها الحكيم.

الدنيا بلد الصعوبات وموطن العقبات، وأنت بإرادتك لابد أن تتغلب عليها، فهكذا كنا بشراً.

لا تطلبنّ راحة مستديمة في الدنيا، ولكنْ لا تتصورنّ أنْ لا راحة فيها بالمطلق، فاليسر كما العسر أولاد الدنيا.

توازنٌ حكيمٌ فعلاً، ولذلك فإنه (ما أنزَلَ اللهُ مِن داء إلّا وقَد أنزَلَ لَهُ شِفاءً)(1).

ص: 110


1- الدعوات (سلوة الحزين) للراوندي ص181 ح499. عن رسول الله (صلّىٰ الله عليه وآله).

104- أَسَاْسُ دَوَاْمُ المُلْكِ

طبيعة الدنيا أنها كرقّاص الساعة، دائم الحركة، وكلما تحرك، جرّ معه عقاربها، فلا استقرار لها ما دام العقرب يرقص!

هذا يعني: أنك لن تأمن تقلبات الدنيا، سواء أكنتَ من الزاهدين فيها، أو الراغبين بها.

هي دول، تتداولها الأيدي، ولن تثبت علىٰ يد أحد.

إلا أن نافذة الأمل لم تُغلق، وبوابة الثبات لم توصد، فإن الدنيا ذلّت وسكنت وهدأت عندما وُضع شيءٌ في موضعه، وهو العدل؛ إذ (ثبات الدول بإقامة سُنن العدل)(1).

ص: 111


1- موسوعة جامع أحاديث الشيعة للشيخ هادي النجفي (ج7 ص119 ح[ 8197 ] 40 نقله عن غرر الحكم: ح862) عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

105- ضَمَاْنُ الاتِّصَاْلِ

أجهزة الإنسان عاجزة

عن تجاوز حدودها، إذ لم يُفتح لها الباب علىٰ مصراعيه، فأنت لا ترىٰ إلّا بشروط، ولا تسمع إلّا بشروط، ولن تأكل –حتّىٰ- إلّا بشروط.

كيف لك إذن أن تعرف أخبار السماء وأنباء الغيب وأنت تعجز عن رؤية ما خلفك؟!

إنه ليس إلّا أن تسمح السماء هي بوصالك، وهي ما سمحت إلّا للأنبياء والأوصياء.

مخطئٌ من يعتمد علىٰ أجهزته الداخلية فقط في ذلك، إذ لابد من توفير اتصال مضمون مع السماء، ولذلك فإن (من أصْعَدَ إلىٰ الله خالص عبادته، أهبط الله إليه أفضل مصلحته)(1).

ص: 112


1- التفسير المنسوب إلىٰ الإمام العسكري (عليه السلام) ص327 ح177 عن مولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام).

106- قَلْبُ العَاْشِقِ، إِلَىٰ أَيْنَ؟!

هل جرّبتَ العشق يوماً؟!

ربما جرّبنا شيئاً منه، فتذوقنا منه ما هو أمرّ من الحنظل، ربما عشقنا من لا يرحم، فكوانا بنار هجرانه، وقد يجود علينا بنظرة من عينيه، تنسينا ألم الفراق، بل ولذة الطعام وعشق الوسن.

إن كان محبوبك يبادلك الشعور، لما تمنّع عليك، ولأعطاك منه ما يبرّد غليلك، وإن لم تجد هكذا محبوباً، ويئست من وصال بني البشر، فلا تخسر وصالك مع خالقك، فإن (مَن شغلته عبادة الله عن مسألته، أعطاه الله أفضل ما يعطي السائلين)(1).

ص: 113


1- التفسير المنسوب إلىٰ الإمام العسكري (عليه السلام) ص327 ح175 عن رسول الله (صلّىٰ الله عليه وآله).

107- خَيْطُ وِصَاْلٍ

ليس بإمكان أحدٍ منا أن يكتسب الآخرين بأمواله، إذ لا مال يمكن أن يسع الآخرين حدّ التخمة، وإن وُجد، فإنهم سيبحثون عن زلة أو عثرة فيك يذمونك بها ما حييت!

التذمّر، والتنافر مرض عضال، يشلّ شرايين المودة.

لكن هذا لا يعني الاستسلام، إذ لابد من المعركة، ولم نعْدَم - بحمد الله تعالىٰ - العدة والسلاح، ف-(دارِ الناسَ تستمتعْ بإخائهم، والقَهُمْ بالبِشْر تمُتْ أضغانُهم)(1).

ص: 114


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص251 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

108- جَمَالٌ بَاْطِنٌ

عندما تنظر إلىٰ ساعة جميلة، سيشغلك جمال شكلها وتناسق ألوانها عن الفكرة في دقة تصميم داخلها.

وعندما تنظر إلىٰ قصر منيف، سيعجبك رشاقة بنائه ولطيف تركيبه، وستنسىٰ قوة أساساته أو تتناساها.

فما تقابله من الشيء هو وجهه المرئي، وعليه سيكون التركيز، وسيتم إهمال أو تناسي ما عداه، وإن كان أهم منه، لذلك كان هناك فنٌّ خاصٌّ لإبراز وجه أي شيء علىٰ أحسن ما يمكن.

حتىٰ الإنسان له وجه يكون هو الملاحَظ، وقد تناسىٰ ما دونه من جمال، فليكن معلوماً لدينا أنه: (حُسنُ الصّورَةِ جَمالٌ ظاهِرٌ، حُسنُ العَقلِ جَمالٌ بَاطِنٌ)(1).

ص: 115


1- أعلام الدين في صفات المؤمنين للحسن بن محمد الديلمي ص313 عن الإمام العسكري (عليه السلام).

109- نَجْمَةُ الصَّبَاْحِ

كم هي جميلة (نجمة الصباح)، ليس لأنها مجرد نجمة، وإنما لأنها تبقىٰ بارزة زاهية حيث تغطّ أخواتها في النوم، وحيث تُخفي الشمس بريق وجوهها.

يتفنن الصائغ في وضع درةٍ متلألئة علىٰ العقد، لتبرز أجمل من الذهب علىٰ جيد الفتاة.

هي لمسة فنية، لها بريقٌ أخّاذ بالقلوب، آسرٌ للعيون، هكذا هو الفن، وبه يحصل الجمال.

أتريدون أنتم أن تكونوا كنجمة صباح أو درة عقد!

إذن (أحسنوا لباسكم، وأصلحوا رحالكم، حتّىٰ تكونوا كأنكم شامةٌ في الناس)(1).

ص: 116


1- كنز العمال للمتقي الهندي ج6 ص639 ح17164 عن رسول الله (صلّىٰ الله عليه وآله).

110- حُسْنُ التَّهِيُؤِ

لماذا تُزين المرأة وجهها وهندامها؟! إنها تريد أن تكون حيث يرىٰ منها زوجُها ما يُحب، فترىٰ هي منه ما تحب.

ولماذا يهتم بائع العطور برصفها بتناسق؟ إنه يريد أن يأسر عينيك لتمدّ هي يديها إلىٰ جيبك فيحصل هو منك علىٰ ما يحب.

حتىٰ من يريد أن يبيع سيارته، تراه يدفع إلىٰ من يُلمّعها كأحسن ما يمكن، ليحصل علىٰ راغب فيها.

هكذا هي القلوب تهفو للجمال وتنجذب إليه حيثما حلّ، وإن (الله يحبُّ من عبده إذا خرج إلىٰ إخوانه أن يتهيأ لهم ويتجمل)(1).

ص: 117


1- مكارم الأخلاق للشيخ الطبرسي ص33 - 34 عن رسول الله (صلّىٰ الله عليه وآله)، وتمام الحديث: كان (صلّىٰ الله عليه وآله وسلم) ينظر في المرآة ويرجل جمته (الجمة بالضم: مجتمع شعر الرأس). ويتمشط. وربما نظر في الماء وسوىٰ جمته فيه. ولقد كان يتجمل لأصحابه فضلاً عن تجمله لأهله. وقال ذلك لعائشة، حين رأته ينظر في ركوة (إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء). فيها ماء في حجرتها ويسوي فيها جمته وهو يخرج إلىٰ أصحابه، فقالت: بأبي أنت وأمي تتمرأ (من الرؤية والميم زائدة، أي تنظر). في الركوة وتسوي جمتك وأنت النبي وخير خلقه؟ فقال: إن الله يحب من عبده إذا خرج إلىٰ إخوانه أن يتهيأ لهم ويتجمل.

111- حَقُّ المَجْلِسِ

في قانون السماء، أنت محاط بالعديد من المسؤوليات في هذه الحياة، فأنت مسؤول عن نفسك أن تنجيها من الهلكة، وأنت مسؤول عن أهلك أن تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، وأنت مسؤول عن أموالك من أين تكتسبها وأين تنفقها، حتّىٰ إنك مسؤول عن البقاع والبهائم.

والأمر تُرك بيدك، فيمكنك أن تؤدي ما عليك فتنجح وتفلح، ويمكنك أن تتخلىٰ عن مسؤوليتك فتخسر نفسك وأهلك ودنياك وآخرتك.

ليس هذا فحسب، فأنت مسؤول حتّىٰ عن مجلسك، ومن تُجالس، لذا «لا ينبغي للمؤمن أن يجلس مجلساً يُعصىٰٰ الله فيه ولا يقدر علىٰٰ تغييره»(1).

ص: 118


1- الكافي 2: 374/ باب مجالسة أهل المعاصي/ ح1 عن الإمام الصادق (عليه السلام).

112- أَنْتَ لَسْتَ القَسِيْمَ!

لا تمدنّ رجليك أكثر من غطائك!

مثلٌ سمعناه من أجدادنا، ووجدناه عين الواقع، فأنْ تعرف حجم نفسك، فلا تتجاوز حدودك، لهو أمر يحكي عن حكمة بالغة، ومن يتجاوز الحدَّ، يجد ما لا يحب.

رغم واقعية هذا المثل، فإن البعض لا يرعوي عن مخالفته، فتجده فضولياً يدخل بين اثنين، ويتحدث من دون أن يُسأل، وينازع الأمر أهله.

ليس هذا فحسب، بل قد يُنصّب نفسه قسيماً للجنة والنار، وهنا يكمن خطر بالغ، إذ أُوعِد المتألون بالويل (الذين يقولون: فلان في الجنة، وفلان في النار)(1).

ص: 119


1- كنز العمال للمتقي الهندي ج3 ص559 ح7902 عن رسول الله (صلّىٰ الله عليه وآله)، وبداية الحديث: ويل للمتألين من أمتي.

113- مَهْرُ القِمّةِ

يُعتبر الصف الأخير في الدراسة الثانوية مضماراً يبين فيه الفارس المغوار من الكسول المتواكل، وعقبة تفصل بين مرحلتين رئيسيتين في حياة الطالب العلمية، وباباً إما لنجاح باهر أو لانكسار قاتل، وفيما بينهما مراتب متفاوتة.

لن يجد الكسول نفسه علىٰ القمة، لأنه لم يبذل لها المهر، ولن تتردد أنت في التنبؤ بمستقبل باهر لمن بذل جهده وأسهر عينيه في حالك ليله.

هذا هو الحال في مرحلة دراسية في الدنيا.

وفي الحقيقة أن الدنيا نفسها قاعة امتحان، ونحن تلاميذها، مما يعني أنه (بالتعب الشديد تُدرَك الدرجات الرفيعة والراحة الدائمة)(1).

ص: 120


1- عيون الحكم والمواعظ للّيثي الواسطي ص189 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

114- حَجَرُ الأَسَاْسِ

تعارف عند الرؤساء والمسؤولين الكبار أن يضعوا أول حجر في المشروع ويسمونه بحجر الأساس، في إشارة إلىٰ التفاؤل بإكماله.

وإنَّ نقْشَ اسم أحدهم علىٰ ذلك الحجر سيكون مدعاة لمفخرة قد يرثها حتّىٰ أحفاده.

أنت أيضاً ترغب - بلا شك - أن يُنقش اسمك علىٰ حجر أساس، ولا ضير في ذلك.

لكن انتبهوا، ففي قانون الغيب أنتم لن تخلُدوا ولن تفخروا إلّا بعملكم الصالح، ولا بد أن تنقشوا أسماءكم علىٰ حجر أساس فيه.

وهل تعلمون أين موقع حجر الأساس هنا؟

(بحق أقول لكم: إنّ آخر حجر يضعه العامل هو الأساس)(1).

ص: 121


1- معاني الأخبار للشيخ الصدوق ص348، وتمام الحديث: أحمد بن سهل الأزدي العابد، قال: سمعت أبا فروة الأنصاري وكان من السائحين يقول: قال عيسىٰ بن مريم: يا معشر الحواريين بحق أقول لكم إن الناس يقولون إن البناء بأساسه وأنا لا أقول لكم كذلك. قالوا: فماذا تقول يا روح الله؟ قال: بحق أقول لكم إن آخر حجر يضعه العامل هو الأساس. قال أبو فروة: إنما أراد خاتمة الأمر. تم بحمد الله ليلة الثلاثاء الخامس من ربيع الأول (1441ه-) الرابع من تشرين الثاني 2019 الساعة (12:40) بعد منتصف الليل).

الفهرس

رقم الموضوع .........................عنوان الموضوع

1- ..................................... العَقْلُ، مَسْؤُوْلِيَّةٌ وَشَرَفٌ

2- ......................................... جُرْعَةُ رَحْمَةٍ إضَافيّةٍ

3- ...................................... العِلْمُ مَطْلُوْبٌ لا طَالِبٌ

4- .................................................. مَا لَ يَسَعُكَ

5- ............................................ مُفَاْرَقَةُ الشَّهَاْدَاْتِ

6- .......................................... تَعْظِيْمُ مَفَاْخِرِ الأُمَّةِ

7- ................................................... حَبْلُ نَجَاْةٍ

8- ...................................... أَحَبُّ شَيءٍ إلىٰ إِبْلِيْس

9- ................................................ مِفْتَاْحُ الهَاَْكِ

10 - ................................... العُمُرُ أَقْصَرُ ممَّا نَتَوَقَّعُ!

11 - ................................................... بِاَ إِرَاْدَةٍ!

12 - ................................. التُّهْمَةُ... خَسَاْرَةُ سُمْعَةٍ...

ص: 122

13 - .......................................... رَغْبَةُ ذُلٍّ

14 - ................................ اصْنَعْ حَوَاْفِزَكَ الذَّاْتِيَّةَ

15 - ........................................ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُه

16 - ............................................ صِلَةٌ مَعَ الغَيْبِ

17 - ......................................... أَسْرَعُ هَاْدِمٍ للعُمُرِ

18 - ........................................... أَوْثَقُ عُرَىٰ العِزّ

19 - ...................................... وَعَلَىٰ الكَلِمَةِ حِسَاْبٌ

20 - .............................................. يَقِيْنٌ بِالخَلَفِ

21 - ....................................... الأَمِيْرُ بِمِعْنَى الكَلِمَةِ

22 - ........................................... الجَمَاْلُ الحَقِيْقِيُّ

23 - ............................................... أَعْظَمُ الجَهْلِ

24 - ............................................... نِهَاْيَةُ الجَهْلِ

25 - .................................. قَلِيْلُ العِلْمِ كَثِيْرُ الجَهْلِ!

26 - ............................................... حَتّىٰ إِبْلِيْس!

27 - .................................................. قَرِيْبَةٌ جِدّاً

ص: 123

28 - ..................................... نَتِيْجَةٌ عَكْسِيّةٌ

29 - ............................................ أَقْوَىٰ حُجَّةٍ

30 - ............................................... أَنْتَ السَّبَبُ!

31 - .............................................. الحَاْحٌ جَمِيْلٌ

32 - ............................................... عُنْوَاْنُ العَقْلِ

33 - ............................................... مِعْوَلُ الدَّهْرِ

34 - ......................................... جَرَّةُ سَمْنِ الرَّاْعِي

35 - ............................................. اشْتِيَاْقُ العَاْشِقِ

36 - .............................................. آجِلٌ مَضْمُوْنٌ

37 - .............................................. سَبِيْلُ الارْتِيَاْدِ

38 - ............................................... زِيْنَةٌ وَتَجَمُّلٌ

39 - ............................................... قِيْمَةُ الإِنْسِاْنِ

40 - .............................................. بِضَاْعَةٌ رَاْبِحَةٌ

41 - ............................................ خَسَاْرَةٌ مُضَاْعَفَةٌ

42 - .......................................... تَخْفِيْفُ الحِسَاْبِ

ص: 124

43 - ................................. شُغْلٌ بِاَ جَدْوَىٰ

44 - ............................................ بِاَ تَنَاْسُبٍ

45 - ................................................ دَوَاْمُ الأَسَفِ

46 - ............................................. أَفْعَلُ التَّفْضِيْلِ!

47 - ............................................... أَسَاْسُهُ مِلْحٌ!

48 - ............................................... خُطْوَةٌ جِدّيّةٌ

49 - ............................................... أَقْرَبُ وَسِيْلَةٍ

50 - ............................................ جَوَاْدٌ بِاَ جُوْدٍ!

51 - ................................................. فَهْمٌ مُتَأَخِّرٌ

52 - ............................................. طَرِيْقُ السَّاَْمَةِ

53 - ............................................... زِيْنَةُ الحَسَبِ

54 - .............................................. مَفْسَدةُ العَمَلِ

55 - ......................................... فِي التَّأَنّي السَّاَْمَةُ

56 - ............................................... جَوَاْبٌ مُقْنِعٌ

57 - .............................................. فَاْيْرُوْسٌ قَاْتِلٌ

ص: 125

58 - ................................. انْفِصَاْمُ الشَّخْصِيَّةِ

59 - ...................................... اجْتِمَاْعُ النَّقِيْضَيْنِ

60 - .................................................. عَلَىٰ التَّلِّ

61 - .............................................. لِوَقْتِ الحَاْجَةِ

62 - ............................................... قِنَاْعُ الحَقِيْقَةِ

63 - ........................................... بِيْنَ فَكَّيْ كَمَّاْشَةٍ

64 - ............................................. أَقْوَىٰ عَضَلَْتٍ

65 - ............................................... ضَمَاْنَةُ الدِّيْنِ

66 - ................................................. لَذَّةُ الأَلَمِ!

67 - ................................................. أَفْضَلُ دَوَاْءٍ

68 - ............................................... التَّيْهُ الأَعْظَمُ

69 - ........................................ التَّجْرِبَةُ أَكْبَرُ بُرْهَاْنٍ

70 - ................................................. أَلَمُ الفِرَاْقِ

71 - ......................................... الحُبُّ مَبْدَأُ العَمَلِ

72 - ............................................... قُيُوْدٌ عُقَلَْئِيَّةٌ

ص: 126

73 - ...................................... لِيْنٌ وَقَسْوَةٌ

74 - .......................................... إِعْدَاْدُ العُدّة

75 - ...................................... سِقَاْيَةُ أَشْجَاْرِ المَوَدَّةِ

76 - ............................................... وَاْحِدَةٌ بِمِاْئَةٍ

77 - ........................................ النَّجَاْحُ قَرِيْنُ التَّعَبِ

78 - ............................................... مَاْسٌ بِفَحْمٍ!

79 - ................................................ أَطْيَبُ النِّعَمِ

80 - ................................................. نِعْمَةُ الضِّدّ

81 - ............................................. أَمَانَةُ المَجَالِسِ

82 - ............................................ شَرَفُ المجْلِسِ

83 - ................................................ طَريْقٌ مُغْلَقٌ

84 - ............................................... عَقْلٌ إضَافِيٌّ

85 - ................................................ جَبَانُ الرَّأْي

86 - ........................................... ضَعْفٌ لابد مِنْهُ

87 - ....................................... إِدَاْمَةُ الصَّاَْحِ أَوْلَىٰ

ص: 127

88 - ..................................... مَقَاْيِيْسُ غَيْبِيَّةٌ

89 - ........................................... قَبُوْلُ الوَاْقِعِ

90 - .............................................. حَرَكَةٌ مُتَوَقَّعَةٌ

91 - ................................................ دَوَاْمُ المَحَبَّةِ

92 - .............................................. إِدَاْمَةُ الصَّاَْحِ

93 - ................................................ خُطَةٌ ناجِعَةٌ

94 - .............................................. قَانوُنُ الشَرَاْكَةِ

95 - ............................................... تَدْقِيْقُ تِجَاْرَةٍ

96 - ............................................ مَحْكَمَةٌ الضَّمِيْرِ

97 - .............................................. تَقَلُّبَاْتُ الدَّهْرِ

98 - .............................................. قَبْضٌ مَمْدُوْحٌ

99 - ............................................. شُذُوْذٌ العُبُوْدِيَةِ

100 - ...................................... فَنُّ التَّلْمِيْعِ المُزَيِّفِ

101 - .............................................. خِدَاْعُ الأَمَلِ

102 - ..................................... دَوَّاْمَةُ الجَهْلِ القَاْتِلَةُ

ص: 128

103 - .................................... تَوَاْزُنٌ حَكِيْمٌ

104 - ................................... أَسَاْسُ دَوَاْمُ المُلْكِ

105 - .......................................... ضَمَاْنُ الاتِّصَاْلِ

106 - ................................ قَلْبُ العَاْشِقِ، إِلَىٰ أَيْنَ؟!

107 - .............................................. خَيْطُ وِصَاْلٍ

108 - .............................................. جَمَالٌ بَاْطِنٌ

109 - ............................................ نَجْمَةُ الصَّبَاْحِ

110 - .............................................. حُسْنُ التَّهِيُؤِ

111 - ............................................ حَقُّ المَجْلِسِ

112 - ...................................... أَنْتَ لَسْتَ القَسِيْمَ!

113 - ................................................ مَهْرُ القِمّةِ

114 - ............................................ حَجَرُ الأَسَاْسِ

ص: 129

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.