العقل یری هذه القوانین

هویة الکتاب

يهدی ثواب طباعة هذا الكتاب إلی الإمام محمد الباقر (علیه السلام)

بطاقة تعريف:الحسیني الشیرازي ، السیدمحمد، ‫1307 - 1380.

عنوان واسم المنتج:العقل یری هذه القوانین/ السیدمحمد الحسیني الشیرازي؛ [برای] موسسةالشجرةالطیبه.

تفاصيل المنشور:قم : انتشارات دارالعلم ‫، 1442 ق. ‫= 1400.

مواصفات المظهر: ‫136 ص. ؛ 5/14×5/21 س م.

ISBN: ‫ 978-964-204-611-9

حالة الاستماع:فاپا (الطبعة الثانية)

لسان:العربية.

ملحوظة:(الطبعة الثانية).

ملحوظة:ببليوغرافيا مع ترجمة.

ملحوظة:کلام الشيعة الإمامية -- قرن 14

*Imamite Shiites theology -- 20th century

الشيعة -- العقاید

Shia'h -- Doctrines

الشيعة -- الدفاعات

Shi'ah -- Apologetic works

الشيعة -- تفنيدات

Shi'ah -- Controversial literature

المعرف المضاف:موسسةالشجرةالطیبه(قم)

تصنيف الكونجرس: BP211/5

تصنيف ديوي: 297/4172

رقم الببليوغرافيا الوطنية:7576284

معلومات التسجيلة الببليوغرافية:فاپا

العقل يرى هذه القوانين

________________________________________________________________________

آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمة الله

الناشر:دارالعلم

المطبوع:10000

المطبعة:احسان

الطبعة الثانية 1442ه ق

إخراج: نهضة الله عظيمي

_________________________________

شابك 978-964-204-611-9

_________________________________

النجف الأشرف: مكتبة الإمام الحسن المجتبى(علیه السلام) للطلب 07826265250

كربلاء المقدسة: شارع الإمام علي(علیه السلام)، مكتبة الإمام الحسين(علیه السلام)

التخصصية

مشهد المقدسة: مدرسة الإمام الرضا(علیه السلام)، جهارراه شهدا، شارع بهجت، فرع 5

طهران: شارع انقلاب، شارع 12 فروردين، مجتمع ناشران، الطابق الأرضي، الرقم 16 و 18، دار العلم

قم المقدسة: شارع معلم، دوار روح الله، أول فرع 19، دار العلم

قم المقدسة: شارع معلم، مجتمع ناشران، الطابق الأرضي، الرقم 7، دار العلم

ص: 1

اشارة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ص: 2

بسم الله الرّحمن الرّحيم

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْديلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}

سورة الروم، الآية: 30

ص: 3

ص: 4

المقدمة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

أما بعد: فإنّ من هوان الدنيا على الله سبحانه، أن زعم البعض أن الإسلام الذي هو آخر صيغة لقوانين السماء لا يصلح لإدارة العالم، وأثار حوله بعض الشبهات والإشكالات، وقد أحسن البعض الظن بي وتصوّر أني بمكان من الصلاحية بحيث أتمكن من جواب الإشكالات ودفع الشبهات التي يوردها هؤلاء الزاعمون عليه أو غيرهم من المنحرفين والأعداء.

إنه ليس من الغريب أن نرى البعض في هذا الزمان يثير الشبهات حول الإسلام، ويخطّط ويتآمر للقضاء عليه، فقد تآمر أعداء الله من ذي قبل على المسيح بن مريم(علیه السلام) الذي يصفه الله بكونه آية حيث يقول في كتابه: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً}(1)، وقد ذكر الشيخ البهائي(رحمة الله): أنه(علیه السلام) شافى وبإذن من الله سبحانه وتعالى خمسين ألف معلول عجز الأطبّاء من معالجتهم كالأعمى والأعرج والأصم والأبكم، ومع كل هذه المعجزات الباهرات لم يتحمّله أعداء الله، بل تآمروا عليه ليقتلوه،

ص: 5


1- سورة المؤمنون، الآية: 50.

فألقى الله شبهه على من وشى به، فقبض الأعداء على شبهه، وساقوه إلى الصلب ظنّاً منهم بأنه هو المسيح، ولولا عناية الله به حيث رفعه عن أيديهم كما قال تعالى فيكتابه: {وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ}(1) لأصابه ما أصاب كثيراً من أوليائه سبحانه من مختلف أنواع القتل.

ولعلّ من السر في رفع الله سبحانه النبي عيسى(علیه السلام) إلى السماء: أن اليهود أرادوا إحراق جسده بعد القتل وذرّ رماده في الهواء، لئلا يبقى حتى رماده.

وكذلك تآمر الأعداء على الإمام الحسين(علیه السلام) الذي هو أعظم مقاماً من السيد المسيح(علیه السلام) وقتلوه بتلك القتلة الفضيعة، وقد جاءت الملائكة التي نصرت جدّه رسول الله(صلی الله علیه و اله) في بدر، لنصرته فلم يرض بذلك مراعياً الأهم الذي هو بقاء دين الله في الأرض باستشهاده وقتله، حيث قال(صلی الله علیه و اله): «إن الله شاء أن يراك قتيلاً... قد شاء الله أن يراهن سبايا»(2).

وعليه: فالتآمر على دين الله وأوليائه ليس شيئاً جديداً، وإنما هو قديم بقدم الأديان والنبوّات. نعم، قد تتغيّر أساليبه وطرقه، وكيفيته وصوره.

وقد كتبت هذا الكتاب آملاً أن يكون جواباً لبعض ما أثاره الجاهلون من شبهات حول بعض المسائل الفرعية والأحكام الشرعية التي جاء بها

ص: 6


1- سورة النساء، الآية: 157.
2- بحار الأنوار 44: 364.

الإسلام العظيم الذي {لا يَأْتيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ}(1)، والذي قال الله سبحانه عنه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ ديناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}(2).

وأسأله سبحانه أن يتفضل علينا بالسداد والصواب، والعون والتوفيق، إنه سميع مجيب، وهو الموفّق المستعان.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

ص: 7


1- سورة فصلت، الآية: 42.
2- سورة آل عمران، الآية: 85.

التقليد

س: لماذا تقليد عالم عادل طاهر المولد؟

ج: التقليد هو مصدر قلَّد يقلّد، ويقال: قلّده، يعني تبعه(1)، وبعبارة أوضح: التقليد هو رجوع مَن لا يعلم الشيء إلى الخبير بذلك الشيء، فالذي لا يعلم كيف يصلّي، أو كيف يزكّي، يرجع إلى الخبير بالصلاة والزكاة، مثل سائر رجوع أرباب الحوائج إلى أهل الخبرة في حوائجهم.

وهذا عقلي عند كل الأمم قديماً وحديثاً، ولذا تراهم يرجعون إلى الطبيب، وإلى المهندس، وإلى مركّب الأسنان، وإلى غيرهم من الخبراء في مجال خبرتهم.

فهل يصح أن لا يذهب المريض إلى الطبيب؟ مع أن نتيجة عدم مراجعة الطبيب هو زيادة المرض، وسرعة الموت، وانتشار الجراثيم والمكروبات.

وهل يصح عدم الرجوع إلى المهندس الماهر، الخبير بالبناء، لمن أراد

ص: 8


1- وفي مجمع البحرين 3: 132، مادة قلد: «التقليد في اصطلاح أهل العلم قبول قول الغير من غير دليل، سمي بذلك لأنّ المقلِّد يجعل ما يعتقده من قول الغير من حق وباطل قلادة في عنق من قلّده».

أن يبني لنفسه داراً يسكن فيها؟ مع أنه إذا لم يراجعه في ذلك، كانت النتيجة عدم استقامة غرف الدار، وفوضى سائر مرافقها، وأدّى أحياناً إلى انهدام السياج، أو انهيار السقف والجدران على رؤوس أهله، وإلى ما أشبه ذلك من المساوئ والمخاطر.

وهل يصح لمن نخر سنّه، وأسهره ألمه، أن لا يرجع إلى مركّب الأسنان؟ مع أن نتيجة عدم مراجعته في معالجتها أوقلعها إليه هو: الألم المتواصل والسهر الدائم.

وهكذا بالنسبة إلى سائر مراجعات أرباب الحوائج العقلاء إلى أهل الخبرة.

إن الحياة بنفسها تحتاج إلى العقود والإيقاعات، وإلى النكاح والطلاق، وإلى تقسيم الإرث وتأديب المجرمين، وإلى عشرات وعشرات الحاجات التي تتطلّب بيان أهل الخبرة فيها، ومراجعة أهل العلم وذوي الفن من المقنّن والمشرّع والمنفّذ وما إلى ذلك في إنجازها وإنجاحها، وهذا دأب كل إنسان في الحياة وإن كان يؤمن بالسوفسطائية فكيف بالعقلاء والمتمدّنين؟

والإنسان المسلم الذي يؤمن بالإسلام العظيم، ويعتقد بأنه هو الدين الكامل، والشريعة الشاملة، التي أرادها الله تعالى منهجاً للحياة، وبرنامجاً للإنسان، وفيها كل الذي يحتاج إليه البشر حتّى أرش الخدش، فهل لا يحتاج إلى مراجعة خبير عالم بالدين يأخذ منه الأحكام خصوصاً مع كثرة المسائل ووفرة الأحكام في الإسلام، مما لا يتمكن الناس جميعاً استقطابها واستيعابها، فإنها قد تصل أحياناً إلى مليون حكم أو أكثر.

ص: 9

وأما اشتراط العدالة في العالم الذي يقلّده الإنسان ووجوب أن يكون مرجعه في أحكام الدين عادلاً، فلأجل أن يثق المقلِّد بمن يأخذ عنه وبما يتلقّاه منه.

وأما اشتراط طهارة المولد في من يريد الإنسان تقليده والرجوع إليه في مسائل دينه، فهو تحجيم للفوضى في قضايا الجنس، وتأكيد على سلامة المجتمع ونزاهته، فيكون بمنزلة احتماء الصحيح عن المريض حتى وإن كان المريض قد تمرّض من دون اختياره، ومعه لا يقال: ما هو ذنب ولد لزنا، كما لا يقال: ما هو ذنب المريض؟

ص: 10

للذكر ضعف الأنثى

س: لماذا الاختلاف بين سهم الذكر والأنثى في الإرث بالكيفية التي أمر بها القرآن الكريم، حيث قال تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}(1)، مع أن القرآن يرى تساويهما في الأحكام كما قال سبحانه: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}(2).

والجواب: إن هذا الفرق والاختلاف في السهم بين الذكر والأنثى ليس هو دائماً كذلك؛ إذ قد يتساويان كما قال سبحانه: {فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ}(3).

وكما قال تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ}(4).

ص: 11


1- سورة النساء، الآية: 11.
2- سورة الأحزاب، الآية: 35.
3- سورة النساء، الآية: 12.
4- سورة النساء، الآية: 11.

وقد تكون حصّة المرأة أكثر من حصّة الرجل، كما إذا خلّف الرجل الميت ابني عم وبنت عم واحدة، وكانت بنت العم هذه زوجة الميت، فإنه يكون حصّة بنت العم هذه البنت (الزوجة) أكثر من كل واحد من أخويها؛ إذ لها نصف كلواحد منهما بالقرابة، إضافة إلى أن لها الربع من تركة الميت أيضاً لأجل أنها زوجة، فإذا كان الإرث عشرين ديناراً _ مثلاً _ فللزوجة منه خمسة دنانير وهو ربع ما ترك، ولكل أخ ستّة دنانير منه، ولها أيضاً ثلاثة دنانير منه لكونها أختاً، فيصير للمرأة من مجموع العشرين ديناراً ثمانية دنانير، بينما يكون نصيب كل من الرجلين منه ستّة دنانير فقط.

وهكذا يكون كلّما اجتمع للمرأة إرثان وللرجل (أخوها) إرث واحد أقل.

مضافاً إلى ذلك فإن هذا الاختلاف والفرق إنما هو في القيمة الاقتصادية لا القيمة الإنسانية فليس هو بالنظر إلى كرامة المرأة وإنسانيتها؛ إذ في الواقع والحقيقة يرجع الإرث وكذلك الدية وما أشبه ذلك إلى مسائل اقتصادية، وأحكام مالية ينتفي بالنظر إليها كل تبعيض وتفاوت.

مثلاً لو نظرنا إلى مكانة المرأة المسلمة التي قرّرها الإسلام لها في المجتمع الإسلامي، وبصورة خاصة مكانتها في الأسرة، حيث أمر الإسلام الأب بكفالتها من جهة الرزق والمال، ومن ناحية النفقة والمصارف المالية، ما دامت هي في بيته، وأمر الزوج بكفالتها اقتصادياً

ص: 12

إذا انتقلت إلى منزله، وكذلك أمر إخوتها أو أولادها بكفالتها إن فقدت الأب والزوج، وإنما أمرهم بذلك إكراماً لها، وإعزازاً بشخصيتها، ففي الحديث: «المرأة ريحانة وليست بقهرمانة»(1)، والريحان يقام برعايته وحفظه، بينما القهرمان يُترك للأعمال الاقتصادية الصعبة، والممارسات العملية والمالية القاسية، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى نرى أن المرأة ولطبيعتها العاطفية والرقيقة تكون أقل دخلاً في العائدات اليومية من الرجل،فإنها حيث لا تتمكن من مزاولة الأعمال الصعبة والقاسية كالرجل يكون عائدها أقل ودخلها أضعف، ومن هنا نرى أن في كثير من بلاد العالم أجرة المرأة أقل من أجرة الرجل.

ومع أخذ هذه الأمور بالحسبان، نرى أن من العدالة الاقتصادية، والموازنة المالية، هو أن يكون للمرأة نصف ما للرجل من الإرث ومن الدية ومما أشبه ذلك، بل قد قال بعض علماء الاقتصاد: بأن هذا النصف زائد بالنسبة إليها من حيث المقايسات الاقتصادية، والمعادلات المالية، ولكن الله تبارك وتعالى أراد إعزاز المرأة وتكريمها، فلم يحرمها من الإرث ولا من الدية، ولا مما أشبه ذلك تحريماً باتاً، وإنما قرّر لها ذلك لمحض التكريم والتبجيل، وإلا فإنسانيتها مثل إنسانية الرجل، بل قد تفوق عليه أحياناً بتقواها، وعليه: فإنّ المرأة من هذه الجهة _ أعني: القيمة الاقتصادية _ تكون أقل من الرجل، ومن تلك الجهة _ أعني: القيمة الإنسانية _ فتكون مساوية مع الرجل، وإلى هاتين الجهتين أشار

ص: 13


1- نهج البلاغة، الرسائل: 31.

القرآن الحكيم معاً، لكن تارة أشار إلى الجهة الأولى فقال: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}(1) وأخرى أشار إلى الجهة الثانية فقال: {إِنَّ الْمُسْلِمينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ...}(2)، وحيث يتساويان يكون أكرمهما أتقاهما، فالمرأة المتقيّة أكرم من الرجل غير المتقي كما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ}(3).

ومما يدل على ما ذكر من أن الفارق اقتصادي لا ربط له بكرامة المرأة، ما ورد في كتاب علل الشرائع للشيخ الصدوق(رحمة الله) من الروايات:

عن محمد بن سنان: أن أبا الحسن الرضا(علیه السلام) كتب إليه في ما كتب من جواب مسائله: «علة إعطاء النساء نصف ما يعطى الرجال من الميراث، لأن المرأة إذا تزوّجت أخذت والرجل يعطي، فلذلك وفّر على الرجال، وعلة أخرى في إعطاء الذكر مثلي ما تعطى الأنثى؛ لأن الأنثى في عيال الذكر إن احتاجت وعليه أن يعولها وعليه نفقتها وليس على المرأة أن تعول الرجل ولا تؤخذ بنفقته إن احتاج، فوفّر على الرجل لذلك، وذلك قول الله تعالى: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ}(4)»(5).

وعن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: قلت: لأيّ علة

ص: 14


1- سورة النساء، الآية: 11.
2- سورة الأحزاب، الآية: 35.
3- سورة الحجرات، الآية: 13.
4- سورة النساء، الآية: 34.
5- علل الشرائع 2: 570.

صار الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين؟ قال(علیه السلام): «لما جعل لها من الصداق»(1).

وعن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم أن ابن أبي العوجاء قال للأحول: ما بال المرأة الضعيفة لها سهم واحد وللرجل القوي الموسر سهمان؟ قال: فذكرت ذلك لأبي عبد الله(علیه السلام) فقال: «إن المرأة ليس لها عاقلة ولا نفقة ولا جهاد وعد أشياء غير هذا وهذا على الرجال، فلذلك جعل له سهمان ولها سهم»(2).

ص: 15


1- علل الشرائع 2: 570.
2- علل الشرائع 2: 570-571.

القصاص

س: هل القصاص أمر لازم ولا محيص عنه؟

ج: لا يلزم شرعاً القصاص، بل المجني عليه مخيّر بين أمور تالية:

1- القصاص

2- العفو

3- المصالحة على قدر من المال، سواء كان بقدر الدية وذلك بأن يأخذ من الجاني مقابل يده التي قطعها خمسمائة دينار ذهباً التي عيّنها الشارع دية ليده، أم أكثر من خمسمائة، أم أقل؟

4- السجن حيث يتم التصالح بينهما عليه.

5- التصالح على شيء خاص، كإجازة الجاني تزويج بنته الباكر للمجني عليه، أو مغادرة الجاني بلده إلى بلد آخر، دائماً أو مدّة معيّنة، أو طلاق الجاني زوجته وهي _ مثلاً _ أخت المجني عليه، أو غير ذلك مما يقع بينهما التصالح عليه في ما لم يكن حراماً.

والظاهر: أن ما يقع عليه اختيار المجني عليه مشروط في تنجّزه بأن ينال تأييد القاضي، وبأن يرى الحاكم الشرعي ذلك صلاحاً.

وأما أن تنجّزه مشروط برؤية الحاكم الشرعي، فلأنّه هو المسؤول عن إدارة البلاد وتنظيم الأمور وشؤون العباد حتى لا يقع فساد أو اختلال، أو ظلم أو عدوان، ولذا جازى الإمام أمير المؤمنين علي(علیه السلام)

ص: 16

ذلك الذي صفع إنساناً ظلماً بأن صفعه ثم عفى عنه ولعله كان لأجل حسم مادة العدوان وقمعطبيعة الطغيان في النفوس من باب حق الوالي مما يسمّى اليوم بالحق العام.

ولقد نفى النبي(صلی الله علیه و اله) ذلك السفيه الذي كان يستهزئ بالناس من المدينة المنورة.

ولعلّ في هذا اليوم يرى الحاكم الشرعي ومن باب المهم والأهم تعويض القصاص _ مؤقّتاً _ بشيء آخر لقول رسول الله(صلی الله علیه و اله): «لولا أن يقول الناس»، وقوله(صلی الله علیه و اله): «لولا قومكِ حديثو عهد بشرك»(1)،

وما أشبه ذلك مما يستفاد منه العليّة والملاك.

وفي بحار الأنوار عن جابر بن يزيد الجعفي، عن رجل من أصحاب أمير المؤمنين(علیه السلام) قال: دخل سلمان رضي الله عنه على أمير المؤمنين(علیه السلام) _ إلى أن قال _: قال سلمان: «يا أمير المؤمنين، لقد وجدتك في التوراة كذلك وفي الإنجيل كذلك بأبي أنت وأمّي يا قتيل كوفان، والله لولا أن يقول الناس وا شوقاه رحم الله قاتل سلمان، لقلت فيك مقالاً تشمئز منه النفوس؛ لأنّك حجة الله الذي به تاب على آدم، وبك أنجى يوسف من الجب، وأنت قصّة أيوب وسبب تغير نعمة الله عليه»، الحديث(2).

ص: 17


1- انظر العمدة: 317، وفيه: قال سمعت عبد الله بن الزيبر يقول: حدّثتني خالتي يعني عائشة، قالت: قال النبي(صلی الله علیه و اله): «يا عائشة، لولا أن قومك حديثو عهد بشرّك لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض وجعلت لها بابين، باباً شرقيّاً وباباً غربيّاً، وزدت فيها ستّة أذرع من الحجر، فإن قريشاً اقتصرتها حيث بنت الكعبة».
2- بحار الأنوار 26: 292.

وفي التوحيد عن زرارة بن أعين قال: رأيت أبا جعفر(علیه السلام) صلى على ابن لجعفر(علیه السلام) صغير فكبّر عليه ثم قال: «يازرارة، إن هذا وشبهه لا يصلّى عليه ولولا أن يقول الناس إن بني هاشم لا يصلّون على الصغار ما صليت عليه»، الحديث(1).

ص: 18


1- التوحيد: 393.

تعدّد الزوجات

س: هل من العدل أن يحق للرجل التزويج بأربع زوجات في وقت واحد، مضافاً إلى المتعة، بينما لا يحق للمرأة أن تتزوّج في وقت واحد إلا برجل واحد؟

قبل الإجابة على هذا الإشكال، لابد أن نعرف أولاً معنى العدل الذي جاء في متن الإشكال، فإن العدل يعني: إعطاء كل ذي حق حقه، وهو غير التساوي، والإسلام أعطى كلاً من الرجل والمرأة حقه في الزواج، وإعطاء كل ذي حق حقه هو عين العدل ومحصن القسط.

أما أنه كيف يكون عدلاً تفضيل الرجل في تعدد الزوجات؟ فهو لما يلي:

أولاً: لقد أثبتت الإحصائيات الرسمية بأن عدد النساء يفوق عدد الرجال، فإن النساء غالباً أكثر عدداً من الرجال، ومعه فهل تبقى المرأة في هذا العدد الفائض من النساء خلية، أو خليلة، أو مومسة، أو يطفي فورتها الجنسية حيوان، أو تكون زوجة ثانية؟

إن الأخير هو ما يراه العقل قبل حكم الشرع.

ومن نظر إلى أغلب بلاد العالم اليوم، يرى _ على أثر عدم تطبيق قانون تعدد الزوجات _ صفوفاً من العوانس، وكثيراً من المواخير، وطابوراً من الخليلات غير الشرعيّات، وجملة من المكتفيات بالبهائم

ص: 19

والحيوان، كما ويشهد كثرة الخيانات، وزيادة الاعتداءات، وهي تفسد كل الأطراف، وجميع الجهات الإنسانية للمجتمع.

وأما ما يشاهد اليوم من عدم رغبة المرأة في أن تكون زوجة ثانية لرجل متزوّج، فسرّه عدم عدالة الزوج كما قالسبحانه: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً}(1)، وقال تعالى: {فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْريحٌ بِإِحْسانٍ}(2)، وقال عز من قائل: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(3).

وتطبيقاً لقانون تعدد الزوجات وما فيه من محسّنات اجتماعية وإنسانية، ورد عن النبي(صلی الله علیه و اله) أنه كان يسأل عمن يلتقي به من النساء هل لها زوج أم لا؟ _ وذلك على ما في كتاب أسد الغابة(4)

_ فإذا لم يكن لها زوج رغّبها في الزواج، وسعى هو في تزويجها.

كما كان(صلی الله علیه و اله) يسأل كل شاب يلتقي به هل له زوجة أم لا؟ ويسأله هل له عمل أم لا؟

فإذا قال: بأنه لا زوجة له رغّبه وسعى في زواجه، وإذا قال: بأنه لا عمل له، قال(صلی الله علیه و اله): سقط من عيني...(5)،

تحريضاً على التزويج والاكتساب.

ص: 20


1- سورة النساء، الآية: 3.
2- سورة البقرة، الآية: 229.
3- سورة البقرة، الآية: 228.
4- راجع أسد الغابة 3: 565؛ و5: 312.
5- راجع مستدرك الوسائل 13: 11؛ عن جامع ا لأخبار: 139.

وقال(صلی الله علیه و اله) لواحد من أصحابه يدعى عكّاف، وكان لم يتزوّج وليس له عذر في ذلك: «إذن أنت من إخوان الشياطين ورهبان النصارى»(1).

وبفضل قانون تعدد الزوجات، وتطبيق النبي(صلی الله علیه و اله) هذا القانون بنفسه، وفي مجتمعه، ورد أنه لم يبق في زمانه(صلی الله علیه و اله) عازباً ولا عازبة، فإنه(صلی الله علیه و اله) كان قد زوّج كل فتيات المدينةوفتيانها، وشبابها وشاباتها وكان إذا مات زوج امرأة، أو قتل في ساحة الحرب، أو طلّقها زوجها، زوّجها(صلی الله علیه و اله) لآخر ثانياً، وأحياناً ثالثاً.

كما زوج(صلی الله علیه و اله) أسماء بأبي بكر بعد جعفر(علیه السلام)، وتزوّجت هي بعد موت أبي بكر علياً(علیه السلام).

وكذلك انتقلت زوجة حمزة إلى زوج ثان، ومن بعده إلى زوج ثالث.

ثانياً: لقد ثبت علمياً بأن الرجل ترجّح فيه العقلانية، والقدرة على إدارة الأمور، لما وهبه الله تعالى من رجحان العقل وزيادة وزن المخ، بينما أثبت العلم قلّة وزن المخ في المرأة بالنسبة إلى مخ الرجل، ورجحان عاطفتها على عقلها، مما يؤهّلها للقيام بشؤون الحمل، وتحمل الجنين في بطنها، وإرضاعه بعد ولادتها، وحضانته أيّام إرضاعها له، ومن حقّها الطبيعي كل ذلك، فلا بد من احترام حقّها وتوفيرها عليه، وهو لا يتحقّق كاملاً إلا على حصر حقّها في الزوج الواحد، بينما الإدارة المعتمدة على العقل والعقلانية الموجودة في الرجل تؤهّله لإدارة أكثر من

ص: 21


1- راجع جامع الأخبار: 101؛ ومستدرك الوسائل 14: 155.

زوجة، بلا تضييع حق له، أو للآخرين.

ثالثاً: لقد ثبت في علم النفس وكذلك في علم الاجتماع: بأن أفضل طريقة لمعاشرة الرجل والمرأة وتقاسمها الحياة والمحبة هي الطريقة الشرعية للمعاشرة، كما أن أجمل أسلوب لتكوين الأسرة، والحصول على أولاد سالمين نفسيّاً وبدنيّاً، وصحيّاً وأخلاقيّاً، هو أسلوب الزواج، وخاصة الطريقة التي جاء بها الإسلام في إنشاء الزواج وتكوين الأسرة، ونظام الأسرة الذي أثبت جدارته لخلق مجتمع سالم من الآفات والأمراض، وآمن عن الخيانات والاعتداءات، لا يمكن تحقّقه إلا في ظل وحدة الزوج وعدم تعدده، وهوواضح؛ لأن المرأة التي يتقاسم حنانها وعاطفتها أزواج متعدّدون، لا تستطيع بعد ذلك استجماع عواطفها ومشاعرها لتصرّفه في تكوين أُسر متعددة، بل ولا في تكوين أسرة واحدة، بينما الرجل لا يعيقه تعدد الزوجات من استجماع عقله واستعمال عقلانيته عن تكوين أسرة واحدة مكوّنة من أعضاء متعددين وزوجات متعدّدات وهو أيضاً واضح؛ لأن الزوج يستطيع بحسن إدارته، وفضل عقلانيته، أن يجمع في بيت واحد وأسرة واحدة، زوجات متعددات مع ما ينجبن من أولاد وبنات، ويشبعهم بحبّه وحنانه، ويغدق عليهم عدله وإحسانه، وإلى غير ذلك.

وأما أنه كيف يكون من العدل حصر حق المرأة في الزوج الواحد دون المتعدد؟ فهو لما يأتي:

أوّلاً: إن هذا الحصر إنما هو شرط في ما إذا كان في وقت واحد، يعني: أنه ليس للمرأة أن يكون لها في وقت واحد أزواج متعدّدون، أما

ص: 22

أنه يمكن أن يكون لها أزواج متعدّدون في أوقات متعددة، وذلك بأن تعيش مع زوج مدّة، ثم تتطلّق منه وتعتد وبعد انتهاء عدّتها تتزوج من زوج آخر، فإذا عاشت مع الثاني مدّة، أمكنها أن تتطلّق منه وتعتد حتى إذا انتهت عدّتها تزوّجت من ثالث، وهكذا.

ثانياً: إن المرأة إذا كان لها أزواج متعدّدون في وقت واحد، كان ذلك عاملاً مهمّاً في خلق النزاع والتشاجر، وإثارة البغضاء والشحناء، مما يسبب هدم الأسرة، وهدم الأسرة يؤدّي إلى تفسّخ المجتمع وتفتّته، وتفسّخ المجتمع وتفتّته دمار للإنسان وقضاء على الإنسانية.

ثالثاً: إن شرافة الإنسان وكرامته الإنسانية تستدعي وضوح النسب وصحّة الانتساب، وبها تمتاز حياة الإنسان عن حياة الغاب وعيشة الحيوان؛ إذ هي من أهم ميّزات الإنسان، ومن الواضح أن تصبح حياة الإنسان إلى ما يشبهحياة الغاب، حيث تضيع فيه الأنساب وتمتزج النطف في الأرحام.

وقد ورد في الحديث الشريف عن محمد بن سنان: أن الرضا(علیه السلام) كتب إليه في ما كتب من جواب مسائله علة تزويج الرجل أربع نسوة وتحرم أن تتزوّج المرأة أكثر من واحد: «لأن الرجل إذا تزوّج أربع نسوة كان الولد منسوباً إليه، والمرأة لو كان لها زوجان أو أكثر من ذلك لم يعرف الولد لمن هو؛ إذ هم المشتركون في نكاحها، وفي ذلك فساد الأنساب والمواريث والمعارف»(1).

ص: 23


1- علل الشرائع 2: 504.

وقال محمد بن سنان: «ومن علل النساء الحرائر وتحليل أربع نسوة لرجل واحد، لأنّهن أكثر من الرجال فلما نظر والله أعلم لقول الله تعالى: {فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباع}(1)، فذلك تقدير قدرة الله تعالى ليتسّع فيه الغني والفقير فيتزوج الرجل على قدر طاقته وسع ذلك في ملك اليمين ولم يجعل فيه حداً لأنهن مال وجلب فهو يسع أن يجمعوا من الأموال، وعلة تزويج العبد اثنتين لا أكثر إنه نصف رجل حر في الطلاق والنكاح لا يملك نفسه ولا له مال إنما ينفق عليه مولاه وليكون ذلك فرقاً بينه وبين الحر، وليكن أقل لاشتغاله عن خدمة مواليه»(2).

ص: 24


1- سورة النساء، الآية: 3.
2- علل الشرائع 2: 504.

الحدود والقوانين الجزائية

هناك إشكال يقول: بأن القوانين الجزائية والحدود التي أمر الإسلام بإجرائها عقوبة للجناة ونكالاً بهم، قاسية غالباً، فهل هو كذلك؟

والجواب: إن هذا الإشكال على قانون العقوبات في الإسلام، غير وارد جملة وتفصيلاً، وذلك للأمور التالية:

1- إن الشرائط التي يعتبر الشارع اجتماعها لإجراء الحد شرائط صعبة ومن أصعب الأمور، حتى يحتمل أن الشارع جعل الحدود للتخويف والتهويل فقط؛ وذلك لأن شرائطها لا تجتمع إلا نادراً وفي الأقل من القليل.

2- إن إثبات تلك الشرائط على فرض اجتماعها مشكل جدّاً.

3- إن للحاكم الشرعي حق العفو، وذلك على ما ذكرناه في الفقه(1).

4- إن الحدود لا تطبّق إلا بعد أن يتم تطبيق سائر أحكام الإسلام، ولذا لم يطبّق الأئمة(علیهم السلام) الحدود الشرعية حتى على نطاق إمكانهم القليل.

5- أن لا يكون عدم التطبيق أهم، ولذا لم يجر النبي(صلی الله علیه و اله) الحد الشرعي على حاطب بن بلتعة رغم أنه كان قد عمل حراماً عظيماً

ص: 25


1- موسوعة الفقه 88: 179.

بتجسّسه(1).

6- أن لا يكون هناك محذور، ولذا كان النبي(صلی الله علیه و اله) يقول في موارد: «لولا أن الناس يقولون...»(2)

أو «لولا قومكِ حديثوا عهد بالإسلام»(3).

7- أن لا يكون فاعل الحرام يجهل حرمة ما فعله، وذلك لقول النبي(صلی الله علیه و اله): «رفع عن أمتي تسع: ما لا يعلمون...»(4)،

ولقول أمير المؤمنين(علیه السلام): في من شرب الخمر وادّعى أنه لم يعلم حرمتها: أعرضوه في الصلاة على صفوف المهاجرين والأنصار ليُعلم هل قرأوا عليه آية تحريم الخمر أم لا؟ فلما تبيّن أنه لم يقرأها عليه أحد، أمر بالعفو عنه(5).

8- أن لا يكون مرتكب الحرام المستوجب للحد مشمولاً لقاعدة الجب، وهي قوله(صلی الله علیه و اله): «الإسلام يجب عمّا قبله»(6)؛

وذلك كما لو ارتكب حراماً وهو كافر ثم أسلم، فإنه يرفع الحد عنه.

9- أن لا يكون وقوع الحرام قبل قيام الدولة الإسلامية، فإنه لو كان قبلها ثم قامت الدولة الإسلامية بعده، فإنه يرفع الحد عنه، كما دل عليه رواية الإمام الرضا(علیه السلام) المذكورة في الوسائل، وقد نقلناها في بعض كتبنا.

ص: 26


1- انظر الخرائج والجرائح 1: 60؛ بحار الأنوار 18: 110.
2- مثلاً من لا يحضره الفقيه 1: 168؛ العمدة: 316.
3- مثلاً الكافي 1: 290؛ جامع الأخبار: 10؛ العمدة: 317.
4- راجع الكافي 2: 463؛ تحف العقول: 50؛ الخصال 2: 417.
5- راجع الكافي 7: 249.
6- غوالي اللئالي 2: 224؛ مستدرك الوسائل 7: 448.

10- أن لا يكون وقوع الحرام في دولة الكفر وبين الكافرين، فإنه لو كان كذلك ارتفع عنه الحد.

11- أن لا تكون هناك شبهة من أيّة جهة؛ لأن الحدودتُدرأ بالشبهات(1).

12- أن لا يكون هناك تيار فكري عام على خلاف الحكم كما ذكرناه في باب الارتداد؛ وذلك لرفع الإمام أمير المؤمنين علي(علیه السلام) الأحكام عن أهل الجمل والنهروان وصفين.

هذا وقد ذكرنا بعض ما يرتبط بشروط حد السرقة في كتاب ممارسة التغيير(2)،

حيث قد أنهيناها هناك إلى ثلاثة وأربعين شرطاً، وننقل هنا نص ما ذكرناه هناك وهو كالتالي:

شروط حد السارق

أمّا شروط قطع يد السارق فهي على أقسام بالنسبة إلى السارق، وبالنسبة إلى المسروق منه، وبالنسبة إلى السرقة، وبالنسبة إلى الحاكم، وبالنسبة إلى الشاهد، وبالنسبة إلى الجو، وبالنسبة إلى محل السرقة، وحيث لا نريد التفصيل نلمع إلى الشروط إلماعاً فاللازم عدّة أمور:

1- أن لا يكون السارق طفلاً.

2- ولا مجنوناً.

3- ولا سفيهاً أعمالياً، أي: من حيث العمل.

ص: 27


1- راجع من لا يحضره الفقيه 4: 74.
2- ممارسة التغيير: 447؛ وأيضاً راجع موسوعة الفقه 101: 181.

4- ولا يكون مكرهاً إكراهاً فردياً.

5- ولا مكرهاً إكراهاً أجوائياً.

6- ولا مضطراً.

7- ولا سكران.8- ولا غافلاً.

9- ولا ناسياً.

10- ولا جاهلاً بالحكم بأن لا يعلم بأنه حرام.

11- ولا بالموضوع بأن لا يعلم أنه سرقة، بل شك في كونه سرقة أو ظن أنه ليس بسرقة.

12- ولا يكون السارق شريكاً للمسروق منه.

13- ولا أباً.

14- ولا كافراً لا يرى هذا الحكم حيث يحكّم في حقه قانون الإلزام: (ألزموهم بما التزموا به)(1).

15- ولا أن يكون قد أخذ المال من باب التقاص والمقابلة بالمثل.

16- ولا أن تكون هناك شبهة أو ادعاء الإكراه ونحوه.

17- ويجب أن تكون السرقة سرّاً لا جهراً.

18- وأن تكون السرقة بالمباشرة لا أن تكون بالواسطة.

19- وأن لا يكون المسروق منه مباح المال كالكافر الحربي.

ص: 28


1- راجع تهذيب الأحكام 9: 322، وللتفصيل انظر موسوعة الفقه، كتاب القواعد الفقهية، قاعدة الإلزام: 69.

20- وأن يكون المال بمقدار النصاب المعين في الإسلام، فما فوق، فإذا كان أقل من ذلك المقدار فلا يجري القطع.

21- وأن يكون في الحرز.

22- وأن يكون الذي يجري حد القطع هو الحاكم الشرعي.23- وأن يكون هناك شاهدان عادلان، أو إقراران من نفس السارق.

24- وأن يكون الجو إسلامياً وإلا فلا يجري الحد في جو غير إسلامي على ما ألمحنا إليه في ما سبق.

25 _ وأن لا يكون عام جوع ومخمصة.

26- وأن لا تكون الأرض التي سرق فيها أرض العدو؛ فإنّه لا يجري الحد في أرض العدو.

27- وأن لا يلتجئ السارق إلى الحرم، وإلا فلا يحد في الحرم.

28- وأن لا يكون هناك عفو من الحاكم.

29- وأن لا يظهر السارق لمال المسلمين، الإسلام بعد السرقة _ لا فراراً وإنما اقتناعاً بالإسلام _ فإن الإسلام يجب عمّا قبله.

30- وأن لا يتوب قبل الوصول إلى الحاكم؛ لأنه إذا تاب فلا حد عليه.

31- وأن لا يوجب القطع السراية والموت، وإلا فلا يقطع.

32- وأن يخرج المال عن الحرز ويستصحبه معه لا ما إذا أكله مثلاً في نفس المكان.

33- وأن لا يكون مؤتمناً كالأجير، وإلا فلا قطع.

34- كما لا يقطع الراهن.

ص: 29

35- ولا الموجر.

36- وأن لا يكون المقرّ له المسروق منه منكراً، كما إذا قال السارق: سرقت من زيد، وقال زيد: لم يسرق منّي شيئاً.37- وأن لا ينكر السارق سرقته بعد الإقرار، فإن جماعة من الفقهاء ذكروا أنه لو أنكر لا يقطع.

38 و39- وأن يكون كل واحد من السارق والمسروق منه، يرى ملكيّة المسروق أما إذا سرق الكافر الخمر _ مثلاً _ من المسلم أو سرق المسلم الخمر من الكافر فلا يقطع.

40- وأن لا تكون السرقة الثالثة أو الرابعة حيث لا قطع حينئذ.

41- وأن يكون للسارق اليد فإذا لم تكن له يد فلا تقطع.

42- وأن لا يعفو صاحب الحق المسروق منه عن السارق قبل الوصول إلى الإمام، وإلا فلا قطع.

43- وأن لا يسيء الحد سمعة الإسلام حيث يجري الحاكم قانون الأهم والمهم فيبدل القطع إلى الغرامة والسجن أو نحوهما.

فهذه أكثر من أربعين شرطاً يجب توفّرها جميعاً حتى يمكن إجراء الحد وقطع يد السارق، وكم تجعل هذه القيود والشروط الحد قليلاً، بل ومعدوماً، فإنه من المعروف (الشيء كلّما زاد قيوده قل وجوده).

ولا يخفى أن ما ذكرناه في حد السرقة يتصادق بعضه مع ما ذكرناه هنا.

ص: 30

لماذا التملّك في الإسلام

لماذا التملّك في الحروب في زمن الإسلام؟

من الواضح أن الأجزاء والشرائط، وكذلك المقدمات والمقارنات، والعلل والأهداف، تختلف باختلاف الأشياء، فلربما هناك شيء واحد لكن له صورتان، أحدهما صورة حسنة، والأخرى قبيحة، فالصدق الذي يؤدّي إلى الاختلاف والتشاجر بين اثنين، قبيح، بينما هو في ذاته حسن، والدخول في أرض الغير بإجازته حسن، وبدون الإجازة قبيح، والكذب في نفسه قبيح، بينما هو في الإصلاح وزرع الألفة بين اثنين حسن، وهكذا.

ومن أجل ذلك قالوا: إن الأشياء نسبية، فالحسن والقبح، والضار والنافع، والزيادة والنقصان، وألف شيء وشيء تكون هكذا.

هذا ولكن هناك أمور ثابتة لا تتغيّر، مثلاً: لو ضربنا خمسة في خمسة كانت النتيجة دائماً وأبداً: خمسة وعشرين، من دون تغيير بشرط أو بمزيّة أو بمقارن أو بملابس، وهكذا حال أضلاع المربّع والمسدّس والمثمّن وغيرها من الأشكال الهندسية والأمور الرياضية، حيث إنها لا تختلف بما ذكرناه من الأمور.

إذا اتّضح ذلك ظهر مغزى السر في صحة تملّك المرأة عند الحروب في زمان الإسلام؛ وذلك لأن الهدف كان تغيير الوضع العام السائد في

ص: 31

جميع الشؤون بتبديل السيّئ حسناً، بينما الاغتصاب في الحروب الحالية الذي يمارسه الفاتحون ضد المرأة، ويرون لأنفسهم الاستغلال والاستباحة، والاستثمار والاستعمار قبيح غاية القبح.هذا مع أن الأمر شيء واحد، لكنه يتغيّر حسناً وقبحاً من حالة إلى حالة، ومن صورة إلى صورة، حاله حال بعض الأمثلة المتقدّمة التي ذكرناها آنفاً.

وقد ذكر علماء الأخلاق الفرق بين الشجاعة والتهوّر الذين هما في مقابل الجبن، وبين الكرم والإسراف الذين هما في مقابل البخل، مع أن الصورة غالباً واحدة، وربما يصعب التمييز بين الأمرين إلا بدّقة فائقة، وفي التاريخ ورد الذم لمن حارب لأجل الحصول على امرأة جميلة، أو لأخذ غنيمة كما في قصّة شهيد الحمار أو ما أشبه، والمدح لمن حارب لأجل إعلاء كلمة الله ورفع الظلم عن المستضعفين، مع أن صورة الحرب هي صورة واحدة.

مضافاً إلى تفصيل يأتي في بحث العبيد والإماء الآتي إن شاء الله تعالى.

ص: 32

العبيد والإماء

يقال: لماذا أقر الإسلام مسألة العبيد والإماء، مع أنها تتنافى مع حقوق الإنسان؟

والجواب من عدّة وجوه تالية:

1- إن الإسلام لم يقر مسألة العبيد والإماء بنحو مطلق، وإنما أقرها بنحو مقيّد ومعقول، يعني: أن الإسلام لم يشرّع قانوناً يسمح فيه لأحد بأن يستعبد إنساناً هو أضعف منه أو أقل مقدرة ومكانةً منه _ كما تفعله الطغاة والحكومات المتجبرة في هذا العصر _ وإنما أجاز للحاكم الشرعي في ما لو شنّ أعداء الإسلام حرباً على المسلمين، أن يستعبد من أسر منهم في الحرب، وفي هذا علاج لمكافحة الحروب، وإفشاء لأمر الصلح والسلام في الناس، مضافاً إلى ما في ذلك من محسّنات أخرى نتطرّق لذكرها في ما بعد إن شاء الله تعالى.

2- إن محور الحياة قبل الإسلام كان يتمرّكز ويدور على إدارة السادة وعمل العبيد، يعني: كانت عجلة الحياة تدور على أكتاف العبيد والإماء من حيث الأعمال والخدمات، بعد أن كان السادة هم الذي يديرونهم ويشرفون على أعمالهم، وعليه فإذا جاء الإسلام برفض ما تمحور عليه عرف الناس رفضاً باتاً، لأصاب الناس عطل في حياتهم، واختلال في أمر معاشهم، والشارع المقدس حكيم ولا يفعل ما يسبّب

ص: 33

عطل الحياة واختلال النظام، ولذلك لم يأت بالرفض الكامل والمطلق، كما أنه لم يأت بالتأييد الكامل والمطلق، وإنما أتى بشيء من الرفض والقبول، ليسهل عليه في ما بعد، تطهير المجتمع الإسلامي من ظاهرة العبيد والإماء، كما أصبح عليهالمجتمع الإسلامي اليوم حيث لم يكن فيه من يسمّون بالعبيد والإماء.

3- إن الشارع المقدس وإن كان لحكمته العالية، لم يرفض مسألة العبيد والإماء بصورة كاملة، كما أنه لم يؤيّدها بصورة كاملة، إلا أنه سنّ أحكاماً دقيقة تستوجب بالتالي القضاء على ظاهرة العبيد والإماء في المجتمع الإسلامي، وتؤدّي أخيراً إلى نهاية مسألة العبيد والإماء ومحوها من قاموس الحياة.

وبعبارة واضحة: أقرّ الإسلام مسألة العبيد والإماء ليبطلها أخيراً ويفنّدها نهاية، فلا يقال عند ذلك: إنها تنافي حقوق الإنسان فلماذا أقرّها الإسلام؛ لأنه أقرّها ليبطلها، لا ليبقيها أو يقوّيها.

ثم إنا قد ذكرنا في مقدمة كتاب العتق من الفقه(1)

ما يتناسب ذكره في المقام وهو كما يلي:

ماذا تفعل الدنيا بالمجرم كالقاتل عمداً ونحوه؟

الجواب: أنها تعدمه، أو تسجنه في أحسن الأحوال، وحيث إن الإعدام إفناء، وهو أسوء شيء بالنسبة إلى الإنسان فلا كلام فيه، وإنما الكلام في السجن، فهل السجن المؤبّد أو ما أشبه، أحسن جزاءً للمجرم

ص: 34


1- موسوعة الفقه 72: 283.

من جهة حقوق الإنسان، أو الاستعباد الذي قرّره الإسلام بصورة مقيدة لأسوء المجرمين، الذين يشنّون الحرب على الآمنين لفرض هيمنتهم عليهم؟ كالحكومات الجائرة حيث إنها تعتدي على شعوبها المغلوبة على أمرها بجميع أنواع الاعتداء، عِرضاً ومالاً ونفساً، فإنها إن لم تترك للناس حرّياتهم الأولية، ولم تحترم حقوقهم الإنسانية؛ حاربها الإسلام بإحدى صورتين:أولاً: حاربها حرباً ابتدائية؛ لإنقاذ المستضعفين كما قال سبحانه: {وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ في سَبيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفينَ}(1).

ثانياً: حاربها حرباً دفاعية، وذلك في ما لو شنّت حكومة ظالمة الحرب على المسلمين، حيث يضطر المسلمون للدفاع، فإن تلك الحكومة الظالمة بالإضافة إلى سيطرتها الغاشمة على شعبها، تريد فرض سيطرتها على المتحرّرين من الظلم والخرافة بغية إرجاعهم إلى الظلم والاضطهاد، وفي هذا الدفاع لو أسر المسلمون أحداً من المحاربين استعبدوه في الجملة لا مطلقاً.

إذن الاستعباد في الإسلام هو لأسوء المجرمين.

وعلى هذا فالاسترقاق أفضل من السجن الطويل أو الأبدي بله الإعدام، لوضوح أن سلب جميع حرّيات الإنسان أسوء من سلب جملة من حرّياته، ولذا إنّك لو خيّرت إنساناً حكم عليه بالسجن لمدّة سنة أو عشرين سنة أن يسجن المدّة المذكورة أو أن يبقى حراً في الخارج

ص: 35


1- سورة النساء، الآية: 75.

تحت رقابة سيد رؤوف؟ لقدّم الثاني على الأول؛ لأن السجن يسلب أكثر مائة من حرّيات الإنسان، بينما الاسترقاق لا يسلب إلا بعض الحرّيات حيث يجعله تحت إشراف السادة.

وقد أشرنا في كتاب الصياغة(1) إلى جملة من الحرّيات الإسلامية كحرّية العبادة في أي مكان صلاةً وصوماً وطهارةً وذكراً لله وقراءة للقرآن ودعاءً لله.

والحرّية في البيع والشراء والرهن والضمان، واختراع أيّ عقد جديد لم يمنع عنه الشارع، والكفالة والصلح والتأمين والشركة والمضاربة والمزارعة والمساقاة وحيازة الأرض وحيازة سائر المباحات والوديعة والعارية والإجارة والوكالةوالوقف والصدقة والعطية والهبة والسكنى والعمرى والسبق والرماية والوصية والنكاح دواماً أو انقطاعاً، والطلاق للرجل إلا مع الشرط فيكون للمرأة أيضاً، والخلع، والرضاع والسفر والإقامة وفتح المحل للكسب والتجارة، والإقرار والجعالة والطباعة، وقدر المهر وسائر الخصوصيات المرتبطة بالنكاح.

وكذا الحرّية في اتخاذ أيّة مهنة شاءها الإنسان.

والحرّية في الثقافة وأن يطلب العلم النافع له وللبشر وللحيوان والنبات وغير ذلك، وينتهي إلى أن يكون طبيباً أو مهندساً أو محامياً، أو خبير سياسة أو اقتصاد أو غير ذلك، أو أن يكون فقيهاً أو خطيباً أو مؤلفاً أو نحوهم.

ص: 36


1- الصياغة الجديدة: 316.

والحرّية في العهد واليمين والنذر وتناول الأطعمة المحلّلة بأيّ كيفية شاء وإحياء الموات والأخذ بالشفعة.

والحرّية في الإرث بأن يكون الإرث للورثة حسب الموازين الإسلامية، وقد قال(صلی الله علیه و اله): «من ترك ديناً أو ضياعاً فعليّ وإليّ، ومن ترك مالاً فلورثته»(1)، والمراد بالضياع العائلة التي لا كفيل لها، بينما القوانين الوضعية تجعل جملة من الإرث قد تصل أحياناً إلى تسعين في المائة من نصيب الحكومة.

والحرّية في المراجعة إلى أيّ قاض شرعي.

والحرّية في الشهادة والاستشهاد.

والحرّية في اختيار الدية أو القصاص أو العفو في الموارد المذكورة في كتابي: القصاص والديات.

والحرّية في الزراعة والصناعة والعمارة.

والحرّية في كون الإنسان يعيش منطلقاً بدون جنسيّة ولا هويّة ولا ما أشبه من الرسوم المتعارفة الآن.والحرّية في إصدار الجريدة أو المجلة أو امتلاك محطّة الإذاعة أو محطّة التلفزيون للبث وما إلى ذلك من حرّية اقتناء الفيديو أو اللاسلكي أو المسجّل أو نحو ذلك.

والحرّية في العمل، وإبداء الرأي، والتجمّع، وتكوين النقابة، وإنشاء الجمعية، وإنشاء المنظّمة، وإنشاء الحزب.

ص: 37


1- معاني الأخبار: 52؛ مستدرك الوسائل 13: 398.

والحرّية في الانتخاب.

والحرّية في الإمارة والولاية والسفارة.

والحرّية في انتخاب أيّة وظيفة من وظائف الدولة أو الأمّة.

والحرّية من جهة عدم جواز رقابة الحكومة على الناس بأجهزة الإنصات وعلى التلفون أو ما أشبه من أساليب المباحث والشرطة السرية.

والحرّية في إنجاب أيّ عدد من الأولاد شاء.

والحرّية في عدد الزوجات إلى أربع على نحو الدوام أو أكثر على نحو الانقطاع.

والحرّية في العقيدة وفي الفكر، والقلم والبيان قال سبحانه: {لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ}(1).

والحرّية في كيفية الأكل والشرب واللباس والمنام واتخاذ الدار وغير ذلك.

والحرّية في الذهاب والرجوع من البيت وإلى البيت، ومن الدكان، إلى الدكان ومن المعمل إلى المعمل ليلاً أو نهاراً، في قبال بعض البلاد التي لا حرّية للإنسان في السفر فيها إلا بمقدار خاص أو برخصة خاصة.

والحرّية في بناء المساجد والمدارس والحسينيات والمستشفيات والمستوصفات ودور النشر ودور الثقافة والخانات والفنادق ودور الولادة ودور العجزة وفتح البنوك.

والحرّية في الدخول في اتحاد الطلبة أو سائر المؤسّسات الاجتماعية

ص: 38


1- سورة البقرة، الآية: 256.

الخاصّة أو العامة.

والحرّية في الانتفاع بأيّ نوع من أنواع السيارات وسائر وسائل النقل كالقطارات والطائرات والباخرات والدرّاجات.

والحرّية في كيفيّة المعاملة.

والحرّية في الإقراض والاقتراض.

والحرّية في إعطاء التولية في الوقف ونحوه لأيّ أحد.

والحرّية في جعل الاسم لأيّ شخص أو لأيّ محل مرتبط به، فلا يرتبط جعل الاسم بإجازة الدولة.

والحرّية في فتح حقول الدواجن وحقل المواشي.

والحرّية في تقليد أيّ مرجع جامع للشرائط.

والحرّية في انتخاب أيّ خطيب أراد، وأيّ موجّه، وأيّ معلم وأيّة مدرسة، وأيّة دراسة.

والحرّية في تسجيل العقد ونحوه عند أيّ عالم، في مقابل عدم الحرّية في ذلك بالنسبة إلى غالب الدول حيث يقيّدون الإنسان بتسجيل عقده ونحوه عند دائرة خاصّة، إلى غيرها من الحرّيات الكثيرة الموجودة في الإسلام.

ص: 39

وقد ذكرنا في ذلك أنّ في قبال هذه الحرّيات نرى الكبت في القوانين الوضعية في بلاد العالم مما يسمى بالبلاد الحرّة وفي بلاد الإسلام التابعة لها وبقية العالم الثالث، أما في بلاد الشيوعيين فليس للحرّية عين ولا أثر، وقد ذكرنا أنّ الحرّيات الموجودة في ما يسمّى بالعالم الحر لا تكون إلا بقدر العُشر أو أقل من العُشر من الحرّيات الممنوحة في الإسلام.

فلا حرّية عندهم في الإجارة والعمارة والصناعة والزراعة والتجارة كحيازة المباحات.

ولا حرّية للإنسان حيث يقيد بالجواز والهويّة والجنسية ونحوها كما يقيّد أيضاً بتأشيرة الدخول والخروج والإجازات بالنسبة إلى العمل وغير ذلك، وكذلك الجمارك والضرائبوقيود دفن الميت وتسجيل الولادات والأملاك والزواج، وأيضاً الدول تكبت الحرّيات بسبب أجهزة التجسّس.

وكذلك لا حرّية بالنسبة إلى إنشاء المعامل إلا بقيود خاصّة.

إلى غير ذلك من ألوف القوانين الكابتة لمعاملات الناس وتصرّفاتهم من رهن ومضاربة وزراعة وغيرها.

هذا مع وضوح أن السجن لا ينتهي إلى الحرّية المطلقة، بينما الاسترقاق ينتهي إلى الحرّية المطلقة مع التخفيف على الرقيق بالنسبة إلى جملة من الأحكام، كالتخفيف عليهم في التكليف وفي العدّة وفي الحدود والديات وما أشبه ذلك، مما لا يوجد مثل ذلك بالنسبة إلى السجن والسجين.

فأولاً: الاسترقاق نادر جداً بينما السجن كثير جداً؛ إذ الاسترقاق لجماعة خاصة من المجرمين مع وجود بدائل أهون من الاسترقاق، كالفداء وما أشبه، بينما السجن على الأغلب لا بدائل له بهذا النحو.

ثم السجن للأعم من كل مجرم يسترق، بينما الاسترقاق لجماعة خاصة من المجرمين، وذلك على ما عرفت سابقاً.

مضافاً إلى أن كثيراً ممن يصطلح عليه بالمجرم في القوانين الوضعية اليوم، ليس بمجرم في منطق العقل والإسلام، فمن عاش في البلاد بغير

ص: 40

جنسية، أو تاجر بالاستيراد، أو الإصدار بدون ترخيص، أو دخل البلاد بدون تأشيرة، أو أدخل بضاعته في البلد بدون إعطاء العشور والجمارك، أو اشترى الدار والدكان والبستان ونحوها وليس من أهل البلد، إلى غير ذلك من ألوف أقسام الناس يعد مجرماً في القوانين، بينما في الإسلام ليس أحد من هؤلاء يُعد مجرماً، وإنما الإجرام خاص بالجنايات ونحوها.

وثانياً: إن الاسترقاق ينتهي إلى الحرّية بأسباب مردّدة بين الوجوب والاستحباب، والقهر والاختيار، وليس السجنكذلك، والأسباب هي كالتالي:

الأول: العتق بأسباب واجبة

اشارة

والأسباب الواجبة للعتق، التي توجب على الإنسان أن يعتق مملوكاً في سبيل الله، كثيرة ككفّارة الظهار، وكفّارة الدم، وكفّارة العهد واليمين، وغير ذلك.

كفّارة الظهار

والظهار هو أن يقول الزوج لزوجته: (ظهرك عليّ كظهر أمي)، فعن حمران عن أبي جعفر(علیه السلام) في حديث الظهار قال: «وندم الرجل على ما قال لامرأته وكره الله ذلك للمؤمنين بعد، فأنزل الله عز وجل: {وَالَّذينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا}(1)، يعني ما قال الرجل الأول لامرأته: أنت علي كظهر أمي، قال: فمن قالها بعد ما

ص: 41


1- سورة المجادلة، الآية: 3.

عفا الله وغفر للرجل الأول فإنّ عليه تحرير رقبة {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}(1)، يعني مجامعتها»(2)،

الحديث.

وعن معاوية بن وهب قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل يقول لامرأته: هي عليه كظهر أمّه؟ قال: تحرير رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً، والرقبة يجزئ عنه صبي ممن ولد في الإسلام»(3).

وعن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(علیهما السلام) قال: «سألته عن رجل قتل مملوكاً، ما عليه؟ قال: يعتق رقبة، ويصوم شهرين متتابعين، ويطعم ستّين مسكيناً»(4).وعن الحسين بن سعيد، عن رجاله، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و اله): «كل العتق يجوز له المولود إلا في كفارة القتل؛ فإنّ الله تعالى يقول: {فَتَحْريرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}(5) قال: يعني بذلك مقرّة قد بلغت الحنث، ويجزي في الظهار صبي ممن ولد في الإسلام»(6).

كفّارة الدم

عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام): «كفّارة الدم إذا قتل الرجل مؤمناً متعمداً _ إلى أن قال _ : وإذا قتل خطأً أدى ديته إلى

ص: 42


1- سورة المجادلة، الآية: 3.
2- الكافي 6: 152؛ وسائل الشيعة 22: 359.
3- الكافي 6: 158.
4- قرب الإسناد: 259.
5- سورة النساء، الآية: 92.
6- تهذيب الأحكام 8: 320؛ وسائل الشيعة 22: 370.

أوليائه ثمّ أعتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستّين مسكيناً مُدّاً مُدّاً»(1).

وعن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر(علیهما السلام) قال: «سألته عن رجل قتل مملوكاً، ما عليه؟ قال: يعتق رقبة، ويصوم شهرين متتابعين، ويطعم ستّين مسكيناً»(2).

كفّارة العهد واليمين

عن الحلبي عن أبي عبد الله(علیه السلام): «في كفارة اليمين، يطعم عشرة مساكين لكل مسكين مدّ من حنطة، أو مُدّ من دقيق وحفنة، أو كسوتهم لكل إنسان ثوبان، أو عتق رقبة، وهو في ذلك بالخيار، أيّ الثلاثة شاء صنع»(3).

وعن أبي حمزة الثمالي قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عمّنقال: والله، ثم لم يفِ؟ قال أبو عبد الله(علیه السلام): كفّارته: إطعام عشرة مساكين مُدّاً مُدّاً، دقيق أو حنطة، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، أو صوم ثلاثة أيام متوالية إذا لم يجد شيئاً»(4).

وعن علي بن جعفر، عن أخيه موسى(علیهما السلام) قال: «سألته عن رجل عاهد الله في غير معصية، ما عليه إن لم يفِ بعهده؟ قال: يعتق رقبة،

ص: 43


1- تهذيب الأحكام 8: 322.
2- قرب الإسناد: 259؛ بحار الأنوار 93: 334.
3- تفسير العياشي 1: 338؛ وسائل الشيعة 22: 383.
4- وسائل الشيعة 22: 376؛ عن الكافي 7: 453.

أو يتصدّق بصدقة، أو يصوم شهرين متتابعين»(1).

كفّارة شق الجيب

عن خالد بن سدير أخي حنان بن سدير قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن رجل شق ثوبه على أبيه أو على أمّه أو على أخيه أو على قريب له؟ فقال: لا بأس بشق الجيوب، قد شقّ موسى بن عمران على أخيه هارون، ولا يشقّ الوالد على ولده، ولا زوج على امرأته، وتشق المرأة على زوجها، وإذا شق زوج على امرأته أو والد على ولده فكفّارته حنث يمين، ولا صلاة لهما حتى يُكفّرا أو يتوبا من ذلك، فإذا خدشت المرأة وجهها أو جزّت شعرها أو نتفته ففي جز الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكيناً، وفي الخدش إذا دميت وفي النتف كفّارة حنث يمين، و لا شيء في اللطم على الخدود سوى الاستغفار والتوبة، ولقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميّات على الحسين بن علي(علیه السلام)، وعلى مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب»(2).

الثاني: العتق بأسباب مستحبّة

اشارة

والاستحباب هنا على قسمين: استحباب خاص، واستحبابمطلق.

الاستحباب الخاص

أما الاستحباب الخاص فهو أن يكون العتق بسبب خاص، كما لو ضرب السيد عبده في أمر، ثم أراد إرضاءه، وابتغى عفو الله، فكفّارته

ص: 44


1- تهذيب الأحكام 8: 309.
2- وسائل الشيعة 22: 402؛ عن تهذيب الأحكام 8: 325.

عتقه، وذلك كما في الحديث الشريف عن عبد الله بن طلحة، عن أبي عبد الله(علیه السلام): «أن رجلاً من بني فهد كان يضرب عبداً له والعبد يقول: أعوذ بالله، فلم يقلع عنه، فقال: أعوذ بمحمد، فأقلع الرجل عنه الضرب، فقال رسول الله(صلی الله علیه و اله): يتعوّذ بالله فلا تعيذه، ويتعوّذ بمحمد فتعيذه، والله أحق أن يجار عائذه من محمد، فقال الرجل: هو حُرّ لوجه الله، فقال: والذي بعثني بالحق نبيّاً لو لم تفعل لواقع وجهك حَرّ النار»(1).

الاستحباب المطلق

وأما الاستحباب العام والمطلق، فهو أن يكون العتق في سبيل الله ورجاء ثوابه أي: من دون سبب خاص، وبه روايات كثيرة، وفي بعضها تفصيل لبعض ما جعل الله للعتق من ثواب جزيل وأجر كبير، وكان أهل البيت(علیهم السلام) السبّاقون على كل الأمّة في مجال العتق.

ففي الحديث عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله(علیه السلام) في حديث قال: «ولقد أعتق علي(علیه السلام) ألف مملوك لوجه الله عز وجل وبرّت فيهم يداه»(2).

وعن الثقفي في كتاب الغارات، عن عبد الله بن الحسن قال: «أعتق علي(علیه السلام) ألف أهل بيت مما مجلت(3)

يداه،وعرق جبينه»(4).

وعن علي بن الحسين(علیه السلام): أنه كان يعتق كل عام جملة من

ص: 45


1- وسائل الشيعة 22: 401؛ عن كتاب الزهد: 44.
2- وسائل الشيعة 23: 10؛ عن الكافي 8: 165.
3- المجل: قشرة رقيقة تكون على اليد يجتمع فيها ماء من أثر العمل الشاق.
4- الغارات 1: 59.

العبيد(1).

وعن محمد بن مروان، عن أبي عبد الله(علیه السلام): «أن أبا جعفر(علیه السلام) مات وترك ستين ممملوكاً، فأعتق ثلثهم عند موته»(2).

وعن محمد بن الجمهور، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله(علیه السلام) في حديث: «إن فاطمة بنت أسد قالت لرسول الله(صلی الله علیه و اله) يوماً: إنّي أريد أن أعتق جاريتي هذه، فقال لها: إن فعلت أعتق الله بكل عضو منها عضواً منك عضواً منك من النار»(3).

وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «من أعتق نسمة مؤمنة بنى الله له بيتاً في الجنة»(4).

وعن الراوندي في لب اللباب، عن النبي(صلی الله علیه و اله) أنه قال: «من أعتق رقبة، أعتق الله رقبته من النار»(5).

وعن الحلبي عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «يستحب للرجل أن يتقرب إلى الله عشيّة عرفة ويوم عرفة بالعتق والصدقة»(6).

ويتأكد استحباب العتق بعد خدمة سبع سنين، كما عن أبي عبد الله(علیه السلام): «من كان مؤمناً فقد عتق بعد سبع سنين، أعتقه صاحبه أم لم

ص: 46


1- بحار الأنوار 46: 103؛ عن الإقبال 1: 443.
2- المحاسن 2: 624.
3- الكافي 1: 453.
4- وسائل الشيعة 12: 128؛ عن أمالي الصدوق: 552.
5- مستدرك الوسائل 15: 449.
6- من لا يحضره الفقيه 3: 113.

يعتقه، ولا يحل خدمة من كان مؤمناً بعد سبع سنين»(1).

الثالث: الحرّية القهرية

والحرية القهرية بمعنى: انعتاق المملوك من عبد أو أمة، على مولاه قهراً، أي: من دون أن يكون للمولى حق الاختيار والامتناع عن ذلك وهي في موارد تالية:

1- إذا مات الحر وليس له وارث حر، وإنما له وارث رق، فيجبر مولاه على بيعه بقيمة عادلة ويشترى ويعتق ويوّرث، وبذلك روايات.

2- إذا كان العبد المسلم عند مولى كافر، فإنه يشتري من الكافر قهراً ويعتق عليه، وفيه روايات.

3- إذا هرب عبد من الكفّار إلى المسلمين، فإن ذلك يسبّب عتقه مع توفر شروطه، وقد فعله الرسول(صلی الله علیه و اله) في بعض حروبه، وبه روايات.

4- إذا اعتق المولى بعض عبده، فإنه يسري العتق إلى بقيّته، وفيه روايات.

5- إذا ملك الإنسان مملوكاً بشراء وغيره وكان المملوك أباه أو أمّه أو ابنه أو بنته، أو أخته، أو خالته، أو عمّته، فإنه ينعتق عليه قهراً وكذلك المرأة لو ملكت أباها، أو أمّها، أو ابنها، أو بنتها، أو زوجها، وفي ذلك روايات.

6- إذا صار المملوك أعمى، أو مقعداً، أو مجذوماً، أو ما أشبه ذلك، فإنه ينعتق قهراً على مولاه وبه روايات.

ص: 47


1- وسائل الشيعة 23: 59؛ عن الكافي 6: 196.

الرابع: الحرّية بسبب الجناية

والحرّية بسبب الجناية يعني: أن المولى إذا جنى علىعبده بجناية، كما لو مثّل به، أو نكّل به، فإنه ينعتق على مولاه قهراً ويصبح حرّاً.

وفي ذلك روايات كثيرة، فعن جعفر بن محبوب، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «كل عبد مُثّل به فهو حر»(1).

وفي الجعفريات بسند الأئمة إلى علي(علیهم السلام): «أنه قضى في رجل جدع أنف عبده، فأعتقه علي(علیه السلام) وعزّره»(2).

وفي رواية أخرى قال: «قضى علي(علیه السلام) في رجل جدع أذن عبده فأعتقه علي(علیه السلام) وعاقبه»(3).

وفي رواية ثالثة عنه(علیه السلام): «رجل أخصى عبده، فأعتق علي(علیه السلام) العبد وعاقبه وقال: من مثّل بعبده أعتقنا العبد مع تعزير شديد، فعزّروا السيد»(4).

الخامس: الحرّية الاختيارية

اشارة

والحرّية الاختيارية تكون بسبب اختيار المملوك المكاتبة مع مولاه، فعلى المولى مكاتبته وهو مستحب وهي على قسمين: مشروطة­­ ومطلقة، فالمشروطة يعني: متى ما سدّد المملوك ثمنه الذي كاتبه المولى عليه أعتق وأصبح حرّاً، والمطلقة يعني: أنه ينعتق بقدر ما يسدّده

ص: 48


1- الكافي 6: 189؛ وسائل الشيعة 23: 43.
2- مستدرك الوسائل 15: 463؛ عن الجعفريات: 123.
3- الجعفريات: 124.
4- مستدرك الوسائل 15: 463؛ عن الجعفريات: 123.

المملوك إلى مولاه تدريجياً، حتى إذا سدّد جميع ثمنه أعتق جميعه وصار حراً كاملاً، وبذلك نطقت الآيات والروايات.

فعن الحلبي، عن أبي عبد الله(علیه السلام) في قول الله عز وجل:{فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فيهِمْ خَيْراً}(1)، قال: «إن علمتم لهم مالاً وديناً»(2).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام): أنه سئل عن العبد يسأل مولاه الكتابة وليس له قليل ولا كثير؟ قال: «يكاتبه وإن كان يسأل الناس، فإن الله يرزق العباد بعضهم عن بعض»(3).

نحو الحرّية

وهكذا وبشتّى الأساليب والحجج يحاول الإسلام أن ينهي ملف العبيد والإماء نحو الحرّية، ويرجع الناس إلى أصالتهم الإنسانية، وهي الحرّية التي خلقهم الله عليها، ومنحهم إيّاها، مضافاً إلى ما يأمر به الإسلام من حسن معاملتهم، واحترامهم وإكرامهم، حتى روي عن النبي(صلی الله علیه و اله) أنه قال: «إخوانكم خولكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليكسيه مما يلبس، ولا يكلّفه ما يغلبه، فإن كلّفه ما يغلبه فليبعه»(4).

بينما كانت الأمم الأخرى كلها تعتبر الرقيق جنساً آخر غير جنس السادة، خلقوا ليستعبدوا ويستذلّوا، ومن هنا لم تكن ضمائرهم تتأثّم

ص: 49


1- سورة النور، الآية: 33.
2- الكافي 6: 187.
3- دعائم الإسلام 2: 311.
4- راجع تنبيه الخواطر ونزهة النواظر 1: 57.

من قتل العبد وتعذيبه، وكيّه بالنار، وتسخيره في الأعمال الشاقّة والمنحطّة.

وكانت الإمبراطورية الرومانية تأتي بالعبيد عن طريق الغزو، فكانت تغزو الناس المستضعفين الآمنين لتستعبدهم، كما كان الغرب في القرون الوسطى كذلك يغزون الناس المستضعفين الآمنين في أفريقيا ويستولون عليهم بالحديد والنار، ثم يأتون بهم إلى بلاد الغرب ويبيعونهم على السادةالأثرياء.

وكانوا يدأبون على ذلك حتى انتشر عدل الإسلام، وشاعت ثقافته الأخلاقية الراقية، فتأثر علماء الغرب ورجاله به، وطالبوا بحقوق الإنسان وقنّنوه في منظّماتهم، مما جعل الغرب يضطر إلى تغيير ظاهر الاستعباد العلنية، إلى الاستعباد المغلّف بغلاف الاستعمار، والمحجوب بحجاب الهيمنة والعولمة وما أشبه ذلك مما هو في الواقع نوع استعباد للشعوب المستضعفة وبصورة جماعية وبشكل أبشع من الاستعباد الفردي، ومع ذلك يثيرون الشبهات على الإسلام ليغطوا بها مساوئهم ومظالمهم.

ص: 50

فصل بعض احتجاجات النبي(صلی الله علیه و اله) وآله الطاهرين(علیهم السلام)

اشارة

ثم إن هذه الشبهات وأمثالها المثارة حول الإسلام لم تكن شيئاً جديداً، وإنما كانت تثار منذ زمن رسول الله(صلی الله علیه و اله) وأهل بيته الأطهار(علیهم السلام)، وقد تصدّوا(علیهم السلام) للإجابة على تلك الشبهات، وتلقّوا الاحتجاجات، وأجابوا عنها بصدر واسع، ونشير إلى بعضها للنموذج.

من احتجاجات النبي(صلی الله علیه و اله)

سل عما بدا لك

روي أن أعرابياً أتى النبي(صلی الله علیه و اله) فقال: إني أريد أن أسألك عن أشياء فلا تغضب.

قال: ­«سل عما شئت، فإن كان عندي أجبتك وإلا سألت جبرئيل».

قال: أخبرنا عن الصليعاء، وعن القريعاء، وعن أوّل دم وقع على وجه الأرض، وعن خير بقاع الأرض، وعن شرّها؟

فقال: «يا أعرابي! هذا ما سمعتُ به، ولكن يأتيني جبرئيل فأسأله».

فهبط فقال: «هذه أسماء ما سمعت بها قط».

فعرج إلى السماء، ثم هبط فقال: «أخبر الأعرابي أن الصليعاء هي السباخ التي يزرعها أهلها فلا تنبت شيئاً.

وأما القريعاء فالأرض التي يزرعها أهلها فتنبت ههنا طاقة وههنا

ص: 51

طاقة فلا يرجع إلى أهلها نفقاتهم.

وخير بقاع الأرض المساجد، وشرّها الأسواق وهيميادين إبليس إليها يغدو.

وإن أول دم وقع على الأرض مشيمة حوّاء حين ولدت قابيل بن آدم»(1).

وقال الجزري في حديث علي(علیه السلام): «إن أعرابياً سأل النبي(صلی الله علیه و اله) عن الصليعاء والقريعاء»: الصليعاء تصغير الصلعاء: الأرض التي لا تنبت، والقريعاء: أرض لعنها الله، إذا أُنبت أو زُرع فيها، نَبت في حافيتها ولم ينبت في متنها شيء(2).

ومعنى «ما سمعت» أي: أن أحداً لم يتلفّظ بهذه الألفاظ عند رسول الله(صلی الله علیه و اله) قبل سؤال الأعرابي، و«شرها» لأن فيها الكذب والخيانة وما أشبه، لا أنها مكروهة بنفسها.

القرآن بكلام العرب

جاء في الحديث أن قوماً أتوا رسول الله(صلی الله علیه و اله) فقالوا له: «ألسَت رسولاً من الله تعالى؟

قال لهم: بلى.

قالوا له: وهذا القرآن الذي أتيت به كلام الله تعالى؟

قال: نعم.

ص: 52


1- راجع الخرائج والجرائح 1: 110؛ وعنه بحار الأنوار 9: 281.
2- راجع بحار الأنوار 9: 281.

قالوا: فأخبرنا عن قوله: {إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ}(1)، إذا كان معبودهم معهم في النار فقد عبدوا المسيح، أفنقول: إنه في النار؟

فقال لهم رسول الله(صلی الله علیه و اله): إن الله سبحانه أنزل القرآن عليّ بكلام العرب والمتعارف في لغتها وعند العرب أن (ما) لمالا يعقل، و (من) لمن يعقل، و(الذي) يصلح لهما جميعاً، فإن كنتم من العرب فأنتم تعلمون هذا، قال الله تعالى: {إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ} يريد الأصنام التي عبدوها وهي لا تعقل، والمسيح(علیه السلام) لا يدخل في جملتها، لأنه يعقل، ولو قال: (إنكم ومن تعبدون) لدخل المسيح(علیه السلام) في الجملة».

فقال القوم: صدقت يا رسول الله(2).

بيني وبينكم التوراة

عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «خرج من المدينة أربعون رجلاً من اليهود قالوا: انطلقوا بنا إلى هذا الكاهن الكذّاب حتى نوبّخه في وجهه ونكذّبه فإنه يقول: أنا رسول الله رب العالمين، فكيف يكون رسولاً وآدم خيرٌ منه، ونوح خيرٌ منه، وذكروا الأنبياء(علیهم السلام)؟

فقال النبي(صلی الله علیه و اله) لعبد الله بن سلام: التوراة بيني وبينكم، فرضيت اليهود بالتوراة.

فقال اليهود: آدم خيرٌ منك لأن الله تعالى خلقه بيده ونفخ فيه من

ص: 53


1- سورة الأنبياء، الآية: 98.
2- كن_ز الفوائد 2: 186.

روحه.

فقال النبي(صلی الله علیه و اله): آدم النبي أبي، وقد أُعطيت أنا أفضل مما أُعطي آدم.

قالت اليهود: ما ذاك؟

قال: إن المنادي ينادي كل يوم خمس مرّات: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولم يقل(1):

آدم رسول الله، ولواء الحمد بيدي يوم القيامة وليس بيد آدم.

فقالت اليهود: صدقت يا محمد وهو مكتوب في التوراة.قال: هذه واحدة.

قالت اليهود: موسى خيرٌ منك.

قال النبي(صلی الله علیه و اله): ولم؟

قالوا: لأن الله عز وجل كلّمه بأربعة آلاف كلمة ولم يكلّمك بشيء.

فقال النبي(صلی الله علیه و اله): لقد أُعطيت أنا أفضل من ذلك.

قالوا: وما ذاك؟

قال(صلی الله علیه و اله): قوله تعالى: {سُبْحانَ الَّذي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذي بارَكْنا حَوْلَهُ}(2)، وحملت على جناح جبرئيل حتى انتهيت إلى السماء السابعة فجاوزت سدرة المنتهى عندها جنة المأوى حتى تعلّقت بساق العرش، فنوديت من ساق العرش: إني أنا الله لا إله إلا أنا، السلام المؤمن المهيمن، العزيز الجبار المتكبّر، الرؤوف

ص: 54


1- قوله: «ولم يقل» أي: لم يشرّعه الله في كل يوم.
2- سورة الإسراء، الآية: 1.

الرحيم، ورأيته بقلبي وما رأيته بعيني، فهذا أفضل من ذلك.

قالت اليهود: صدقت يا محمد وهو مكتوب في التوراة.

قال رسول الله(صلی الله علیه و اله): هذه اثنتان.

قالوا: نوح خير منك.

قال النبي(صلی الله علیه و اله): ولمَ ذاك؟

قالوا: لأنه ركب السفينة فجرت على الجوديّ.

قال النبي(صلی الله علیه و اله): لقد أُعطيت أنا أفضل من ذلك.

قالوا: وما ذاك؟

قال: إن الله عز وجل أعطاني نهراً في السماء مجراه تحت العرش، عليه ألف ألف قصر، لبنة من ذهب ولبنة من فضة، حشيشها الزعفران ورضراضها الدرّ والياقوت،وأرضها المسك الأبيض، فذلك خيرٌ لي ولأُمتي، وذلك قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ}(1).

قالوا: صدقت يا محمد وهو مكتوب في التوراة، وهذا خيرٌ من ذلك.

قال النبي(صلی الله علیه و اله): هذه ثلاثة.

قالوا: إبراهيم خيرٌ منك.

قال: ولمَ ذاك؟

قالوا: لأن الله تعالى اتخذه خليلاً.

قال النبي(صلی الله علیه و اله): إن كان إبراهيم(علیه السلام) خليله فأنا حبيبه محمد.

قالوا: ولمَ سمّيت محمداً؟

ص: 55


1- سورة الكوثر، الآية: 1.

قال: سمّاني الله محمداً، وشقّ اسمي من اسمه هو المحمود وأنا محمد وأمتي الحامدون على كل حال.

فقالت اليهود: صدقت يا محمد هذا خيرٌ من ذلك.

قال النبي(صلی الله علیه و اله): هذه أربعة.

قالت اليهود: عيسى(1)

خيرٌ منك.

قال(صلی الله علیه و اله): ولم ذاك؟

قالوا: إن عيسى بن مريم كان ذات يوم بعقبة بيت المقدس فجاءه الشياطين ليحملوه، فأمر الله عز وجل جبرئيل(علیه السلام) أن اضرب بجناحك الأيمن وجوه الشياطين وألقهم في النار، فضرب بأجنحته وجوههم وألقاهم في النار.

فقال رسول الله(صلی الله علیه و اله): لقد أُعطيت أنا أفضل من ذلك.

قالوا: وما هو؟قال(صلی الله علیه و اله): أقبلت يوم بدر من قتال المشركين وأنا جائع شديد الجوع، فلمّا وردتُ المدينة استقبلتني امرأة يهودية وعلى راسها جفنة، وفي الجفنة جدي مشوي وفي كمّها شيء من سكّر، فقالت: الحمد لله الذي منحك السلامة، وأعطاك النصر والظفر على الأعداء، وإني قد كنت نذرت لله نذراً إن أقبلت سالماً غانماً من غزاة بدر لأذبحنّ هذا الجدي ولأشوينّه ولأحملنّه إليك لتأكله، فقال النبي(صلی الله علیه و اله) فنزلت عن بغلتي

ص: 56


1- قولهم: «عيسى(علیه السلام)» مع أنهم لا يعترفون بعيسى لكنّهم ذكروه لتصديق رسول الله(صلی الله علیه و اله) له.

الشهباء، وضربت بيدي إلى الجدي لآكله فاستنطق الله تعالى الجدي فاستوى على أربع قوائم وقال: يا محمد، لا تأكلني فإني مسموم.

قالوا: صدقت يا محمد هذا خيرٌ من ذلك.

قال النبي(صلی الله علیه و اله): هذه خمسة.

قالوا: بقيت واحدة ثم نقوم من عندك.

قال: هاتوا.

قالوا: سليمان خيرٌ منك.

قال: ولمَ ذاك؟

قالوا: لأن الله عز وجل سخّر له الشياطين والإنس والجن والطير والرياح والسباع.

فقال النبي(صلی الله علیه و اله): فقد سخّر الله لي البراق، وهو خيرٌ من الدنيا بحذافيرها، وهي دابّة من دواب الجنة، وجهها مثل وجه آدمي، وحوافرها مثل حوافر الخيل، وذنبها مثل ذنب البقر، فوق الحمار ودون البغل، سرجه من ياقوتة حمراء، وركابه من درّة بيضاء، مزمومة بألف زمام من ذهب، عليه جناحان مكلّلان بالدر والجوهر والياقوت والزبرجد، مكتوب بين عينيه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً رسول الله(صلی الله علیه و اله).قالت اليهود: صدقت يا محمد وهو مكتوب في التوراة هذا خيرٌ من ذلك، يا محمد نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله»(1).

ص: 57


1- بحار الأنوار 9: 289؛ عن الاحتجاج 1: 48.

من احتجاجات فاطمة الزهراء(علیها السلام)

احتجاجها(علیها السلام) لما منعها القوم فدك

قالت فاطمة الزهراء(علیها السلام) في خطبتها في المسجد: «أيّها الناس اعلموا أنّي فاطمة، وأبي محمّد(صلی الله علیه و اله)، أقول عوداً وبدءاً، ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططاً {لَقَدْ جاءكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ}(1)، فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمّي دون رجالكم، ولنعم المعزي إليه(صلی الله علیه و اله)... .

وأنتم تزعمون ألاّ إرث لنا {أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}(2)، أفلا تعلمون؟! بلى، تجلّى لكم كالشمس الضاحية أنّي ابنته أيّها المسلمون، أأغلب على إرثيه؟!

يا ابن أبي قحافة، أفي كتاب اللّه أن ترث أباك ولا أرث أبي؟! لقد جئت شيئاً فريّاً، أفعلى عمد تركتم كتاب اللّه ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول: {ووَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ}(3)؟! وقال: في ما اقتصّ من خبر يحيى

ص: 58


1- سورة التوبة، الآية: 128.
2- سورة المائدة، الآية: 50.
3- سورة النمل، الآية: 16.

بن زكريا(علیه السلام) إذ قال: ربّهب {لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي ويَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}(1)، وقال: {وَأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ}(2)، وقال: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ}(3)، وقال: {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ والأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}(4).

وزعمتم ألاّ حظوة لي ولا أرث من أبي ولا رحم بيننا، أفخصّكم اللّه بآية أخرج منها أبي(صلی الله علیه و اله)؟! أم هل تقولون أهل ملّتين لا يتوارثان؟! أولست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة؟! أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي؟! فدونكما مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم اللّه، والزعيم محمّد، والموعد القيامة، وعند الساعة ما تخسرون، ولا ينفعكم إذ تندمون، و{لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ}(5) وسوف {تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ ويَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ}(6)...

ثم رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت: يا معاشر الفتية وأعضاد الملّة، وأنصار الإسلام، ما هذه الغميزة في حقّي، والسّنة عن ظلامتي، أما كان رسول اللّه(صلی الله علیه و اله) أبي يقول: « المرء يحفظ في ولده»، سرعان ما أحدثتم،

ص: 59


1- سورة مريم، الآية: 5-6.
2- سورة الأنفال، الآية: 75؛ سورة الأحزاب، الآية: 6.
3- سورة النساء، الآية: 11.
4- سورة البقرة، الآية: 180.
5- سورة الأنعام، الآية: 67.
6- سورة هود، الآية: 39.

وعجلان ذا إهالة، ولكم طاقة بما أحاول، وقوّة على ما أطلب وأزاول، أتقولون مات محمّد(صلی الله علیه و اله)، فخطب جليل استوسع وهنه، واستنهر فتقه،وانفتق رتقه، وأظلمت الأرض لغيبته، وكسفت النجوم لمصيبته، وأكدت الآمال، وخشعت الجبال، وأضيع الحريم، وأزيلت الحرمة عند مماته، فتلك واللّه النازلة الكبرى، والمصيبة العظمى، لا مثلها نازلة، ولا بائقة عاجلة، أعلن بها كتاب اللّه جلّ ثناؤه في أفنيتكم في ممساكم ومصبحكم، هتافاً وصراخاً، وتلاوةً وإلحاناً، ولقبله ما حلّ بأنبياء اللّه ورسله، حكم فصل وقضاء حتم {وَ ما مُحَمَّدٌ إلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ومَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}(1).

إيهاً بني قيلة أأهضم تراث أبي وأنتم بمرأى منّي ومسمع، ومبتد ومجمع، تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة، وأنتم ذا العدد والعدّة، والأداة والقوّة، وعندكم السلاح والجُنّة، توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون، وأنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح، والنجبة التي انتجبت، والخيرة التي اختيرت، قاتلتم العرب، وتحمّلتم الكدّ والتعب، وناطحتم الأمم، وكافحتم البهم، فلا نبرح أو تبرحون، نأمركم فتأتمرون، حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام، ودرّ حلب الأيام، وخضعت ثغرة الشرك، وسكنت فورة الإفك، وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج، واستوسق نظام الدين، فأنّى حرتم بعد

ص: 60


1- سورة آل عمران، الآية: 144.

البيان، وأسررتم بعد الإعلان، ونكصتم بعد الإقدام، وأشركتم بعد الإيمان {أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(1).

ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، وأبعدتم من هو أحقّبالبسط والقبض، وخلوتم بالدعة، ونجوتم من الضيق بالسعة، فمججتم ما وعيتم، ودسعتم الذي تسوّغتم، ف_{إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ ومَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}(2).

ألا وقد قلت ما قلت على معرفة منّي بالخذلة التي خامرتكم، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنّها فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وخور القنا، وبثّة الصدر، وتقدمة الحجّة، فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر، نقبة الخف، باقية العار، موسومة بغضب اللّه وشنار الأبد، موصولة ب_{نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأفْئِدَةِ}(3)، فبعين اللّه ما تفعلون {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}(4)، وأنا ابنة {نذير لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ}(5)، ف_{اعْمَلُوا... إِنَّا عامِلُونَ * وانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ}(6).

ص: 61


1- سورة التوبة، الآية: 13.
2- سورة ابراهيم، الآية: 8.
3- سورة الهمزة، الآية: 6-7.
4- سورة الشعراء، الآية: 227.
5- سورة سبأ، الآية: 46.
6- سورة هود، الآية: 121_122.

ثم قالت في جواب أبي بكر: سبحان اللّه ما كان رسول اللّه(صلی الله علیه و اله) عن كتاب اللّه صارفاً، ولا لأحكامه مخالفاً، بل كان يتبع أثره، ويقفو سوره، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته، هذا كتاب اللّه حكماً عدلاً، وناطقاً فصلاً، يقول {يَرِثُنِي ويَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}(1)، {ووَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ}(2)، فبيّنعزّ وجلّ في ما وزّع عليه من الأقساط، وشرع من الفرائض والميراث، وأباح من حظّ الذكران والإناث ما أزاح علّة المبطلين، وأزال التظنّي والشبهات في الغابرين، كلا! {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ واللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ}(3)»(4).

مع نساء المهاجرين والأنصار

قال سويد بن غفلة: «لما مرضت فاطمة(علیها السلام) المرضة التي توفّيت فيها، دخلت عليها نساء المهاجرين والأنصار يعدنها، فقلن لها: كيف أصبحت من علّتك يا ابنة رسول الله؟

فحمدت الله وصلّت على أبيها ثم قالت: أصبحت والله عائفة لدنياكن، قالية لرجالكن، لفظتهم بعد أن عجمتهم، وسئمتهم بعد أن سبرتهم، فقبحاً لفلول الحد، واللعب بعد الجد، وقرع الصفاة، وصدع

ص: 62


1- سورة مريم، الآية: 6.
2- سورة النمل، الآية: 16.
3- سورة يوسف، الآية: 18.
4- بحار الأنوار 29: 223؛ عن الاحتجاج 1: 100.

القناة، وختل الآراء، وزلل الأهواء، وبئس {ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ}(1)، لا جرم لقد قلّدتهم ربقتها، وحمّلتهم أوقتها، وشننت عليهم غاراتها، فجدعاً وعقراً و {بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمينَ}(2).

ويحهم أنى زعزعوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة والدلالة ومهبط الروح الأمين والطبين بأمور الدنيا والدين، {أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبينُ}(3)، وما الذي نقموا من أبيالحسن(علیه السلام) نقموا والله منه نكير سيفه وقلّة مبالاته لحتفه، وشدة وطأته ونكال وقعته، وتنمّره في ذات الله، وتالله لو مالوا عن المحجّة اللائحة وزالوا عن قبول الحجة الواضحة لردّهم إليها وحملهم عليها، ولسار بهم سيرا سجحاً، لا يكلم حشاشه ولا يكل سائره ولا يمل راكبه، ولأوردهم منهلاً نميراً صافياً رويّاً تطفح ضفّتاه ولا يترّنق جانباه، ولأصدرهم بطاناً ونصح لهم سرّاً وإعلاناً، ولم يكن يتحلّى من الدنيا بطائل، ولا يحظى منها بنائل، غير ري الناهل وشبعة الكافل، ولبان لهم الزاهد من الراغب، والصادق من الكاذب، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ}(4)، {وَالَّذينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا

ص: 63


1- سورة المائدة، الآية: 80.
2- سورة هود، الآية: 44.
3- سورة الزمر، الآية: 15.
4- سورة الأعراف، الآية: 96.

وَما هُمْ بِمُعْجِزينَ}(1)، ألا هلم فاسمع وما عشت أراك الدهر عجباً، {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ}(2).

ليت شعري إلى أيّ سناد استندوا، وإلى أيّ عماد اعتمدوا، وبأيّة عروة تمسكوا، وعلى أيّة ذرّية أقدموا واحتنكوا، {لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشيرُ}(3) و{بِئْسَ لِلظَّالِمينَ بَدَلاً}(4)، استبدلوا والله الذنابى بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس، قوم {يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}(5)، {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَوَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ}(6).

ويحهم {أَ فَمَنْ يَهْدي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}(7)، أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ثم احتلبوا ملء القعب دماً عبيطاً وذعافاً مبيداً هنالك {يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ}(8) ويعرف الباطلون غب ما أُسّس الأولون، ثم طيبوا عن دنياكم أنفساً واطمأنّوا للفتنة جاشاً، وأبشروا بسيف صارم، وسطوة معتد غاشم، وبهرج شامل، واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيداً وجمعكم حصداً، فيا حسرتى لكم وأنى بكم وقد عميت عليكم {أَ نُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها

ص: 64


1- سورة الزمر، الآية: 51.
2- سورة الرعد، الآية: 5.
3- سورة الحج، الآية: 13.
4- سورة الكهف، الآية: 50.
5- سورة الكهف، الآية: 104.
6- سورة البقرة، الآية: 12.
7- سورة يونس، الآية: 35.
8- سورة الجاثية، الآية: 27.

كارِهُونَ}(1)».

قال سويد بن غفلة: «فأعادت النساء قولها(علیها السلام) على رجالهن، فجاء إليها قوم من المهاجرين والأنصار معتذرين وقالوا: يا سيدة النساء لو كان أبو الحسن(علیه السلام) ذكر لنا هذا الأمر قبل أن يبرم العهد ويحكم العقد لما عدلنا عنه إلى غيره.

فقالت(علیها السلام): إليكم عنّي فلا عذر بعد تعذيركم ولا أمر بعد تقصيركم»(2).

فاطمة بضعة مني

عن أبي بصير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد(علیه السلام) قال: «ولدت فاطمة(علیها السلام) في جمادى الآخرة في العشرين منه سنةخمس وأربعين من مولد النبي(صلی الله علیه و اله)، وأقامت بمكة ثمان سنين وبالمدينة عشر سنين، وبعد وفاة أبيها خمسة وسبعين يوماً، وقبضت في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة إحدى عشرة من الهجرة، وكان سبب وفاتها أن قنفذاً مولى الرجل لكزها بنعل السيف بأمره، فأسقطت محسّناً ومرضت من ذلك مرضاً شديداً، ولم تدع أحداً ممن آذاها يدخل عليها، وكان الرجلان من أصحاب النبي(صلی الله علیه و اله) سألا أمير المؤمنين أن يشفع لهما، فسألها فأجابت، ولما دخلا عليها قالا لها: كيف أنت يا بنت رسول الله؟

فقالت: بخير بحمد الله.

ص: 65


1- سورة هود، الآية: 28.
2- الاحتجاج 1: 108.

ثم قالت لهما: أما سمعتما من النبي(صلی الله علیه و اله) يقول: فاطمة بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله؟

قالا: بلى.

قالت: فوالله لقد آذيتماني.

فخرجا من عندها وهي ساخطة عليهما(1)».

مع سلمان الفارسي

قال سلمان الفارسي: «خرجت مع رسول الله(صلی الله علیه و اله) ذات ليلة أريد الصلاة، فحاذيت باب علي(علیه السلام) فإذا بهاتف من داخل الدار يقول: اشتد صداع رأسي، وخلا بطني، ودبرت كفاي من طحن الشعير.

فمضّني القول مضّاً شديداً، فدنوت من الباب وقرعته قرعاً خفيفاً، فأجابتني فضّة جارية فاطمة(علیها السلام) وقالت: من هذا؟

قلت: سلمان.

قالت: وراءك يا أبا عبد الله، فإن ابنة رسول الله(صلی الله علیه و اله) قريبةمن الباب عليها يسير من الثياب، فرميت بعباءتي داخل الباب فلبستها، ثم قالت: يا فضة، قولي لسلمان يدخل، فإن سلمان منّا أهل البيت.

فدخلت فإذا بفاطمة(علیها السلام) جالسة وقدّامها رحىً تطحن بها الشعير وعلى عمود الرحى دم سائل قد أفضى إلى الحجر، فحانت منّي التفاتة فإذا بالحسن بن علي في ناحية الدار يتضوّر من الجوع، فقلت: جعلني الله فداك يا ابنة رسول الله، قد دبرت كفّاك من طحن الشعير وفضّة

ص: 66


1- دلائل الإمامة: 134.

قائمة!

فقالت: يا أبا عبد الله، أوصاني أبي أن تكون الخدمة يوماً لي ويوماً لها، وكان أمس يوم خدمتها واليوم يوم خدمتي.

فقلت: جعلني الله فداك، إني مولى عتاقة.

فقالت: أنت منّا أهل البيت.

قلت: فاختاري إحدى الخصلتين، إمّا أن أطحن لك الشعير، أو أسكت لك الحسن.

قالت: يا أبا عبد الله، أنا أسكت الحسن فإني أرفق، وأنت تطحن الشعير.

فسمعت الإقامة فمضيت وصليت مع رسول الله(صلی الله علیه و اله)، ولما فرغت من الصلاة رأيت علياً(علیه السلام) وهو على ميمنة رسول الله(صلی الله علیه و اله) فجذبت رداءه وقلت: أنت هاهنا وفاطمة قد دبرت كفّاها من طحن الشعير؟!

فقام وإن دموعه لتنحدر على لحيته، وإن رسول الله(صلی الله علیه و اله) لينظر إليه حتى خرج من باب المسجد فلم يمكث إلا قليلاً حتى رجع يتبسّم من غير أن تستبين أسنانه.

فقال رسول الله(صلی الله علیه و اله): يا علي، خرجت وأنت باك، ورجعت وأنت مبتسم؟

قال: دخلت الدار وإذا فاطمة نائمة مستلقية، والحسن نائمعلى صدرها، والرحى تدور من غير يد.

فتبسّم رسول الله(صلی الله علیه و اله) ثم قال: يا علي، أما علمت أن لله ملائكة

ص: 67

سائرة في الأرض يخدمون محمداً وآل محمد إلى أن تقوم الساعة»(1).

مع ابن أبي قحافة

وفي شرح نهج البلاغة(2):

عن أم هانئ: «أن فاطمة(علیها السلام) قالت لأبي بكر: من يرثك إذا مت؟

قال: ولدي وأهلي.

قالت: فما لك ترث رسول الله(صلی الله علیه و اله) دوننا؟

قال: يا ابنة رسول الله، ما ورث أبوك داراً ولا مالاً ولا ذهباً ولا فضةً.

قالت: بلى سهم الله الذي جعله لنا وصار فيئنا الذي بيدك».

خير للمرأة

قال الحسن البصري: «ما كان في هذه الأمّة أعبد من فاطمة(علیها السلام)، كانت تقوم حتى تورّم قدماها، وقال النبي(صلی الله علیه و اله) لها: أيّ شيء خير للمرأة؟

قالت: أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل.

فضمها إليه وقال: {ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ}(3)»(4).

ص: 68


1- راجع دلائل الإمامة: 140.
2- شرح نهج البلاغة 16: 218.
3- سورة آل عمران، الآية: 34.
4- مناقب آل أبي طالب(علیهم السلام) 3: 341.

من احتجاجات أمير المؤمنين(علیه السلام)

أسئلة في التوحيد

إنّ رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(علیه السلام) فقال: «أخبرني عمّا ليس لله، وعمّا ليس عند الله، وعمّا لا يعلمه الله؟

فقال: أما ما لا يعلمه الله فلا يعلم أن له ولداً، تكذيباً لكم حيث قلتم عزير ابن الله.

وأما قولك: ما ليس لله، فليس له شريك.

وأما قولك: ما ليس عند الله، فليس عند الله ظلم العباد.

فقال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأشهد أنّك الحق ومن أهل الحق وقلت الحق»، وأسلم على يده(1).

أين ربك؟

عن جعفر بن محمد، عن أبيه(علیهما السلام) قال: «كان لرسول الله(صلی الله علیه و اله) صديقان يهوديان قد آمنا بموسى رسول الله وأتيا محمداً رسول الله(صلی الله علیه و اله) وسمعا منه، وقد كانا قرءا التوراة وصحف إبراهيم وموسى(علیهما السلام) وعلما

ص: 69


1- بحار الأنوار 10: 11؛ عن الأمالي للطوسي: 275.

علم الكتب الأولى، فلما قبض الله تبارك وتعالى رسوله(صلی الله علیه و اله) أقبلا يسألان عن صاحب الأمر بعده وقالا: إنه لم يمت نبي قط إلا وله خليفة يقومبالأمر في أمته من بعده، قريب القرابة إليه من أهل بيته، عظيم الخطر، جليل الشأن.

فقال أحدهما لصاحبه: هل تعرف صاحب الأمر من بعد هذا النبي؟

قال الآخر: لا أعلمه إلا بالصفة التي أجدها في التوراة وهو الأصلع المصفّر، فإنه كان أقرب القوم من رسول الله.

فلما دخلا المدينة وسألا عن الخليفة... فأُرشدا إلى علي(علیه السلام).

فلما جاءاه فنظرا إليه قال أحدهما لصاحبه: إنه الرجل الذي نجد صفته في التوراة، أنه وصي هذا النبي وخليفته، وزوج ابنته، وأبو السبطين، والقائم بالحق من بعده، ثم قالا لعلي(علیه السلام): أيها الرجل ما قرابتك من رسول الله؟

قال: هو أخي، وأنا وارثه ووصيّه، وأول من آمن به، وأنا زوج ابنته فاطمة.

قالا له: هذه القرابة الفاخرة والمنزلة القريبة وهذه الصفة التي نجدها في التوراة، ثم قالا له: فأين ربّك عز وجل؟

قال لهما علي(علیه السلام): إن شئتما أنبأتكما بالذي كان على عهد نبيّكما موسى(علیه السلام) وإن شئتما أنبأتكما بالذي كان على عهد نبينا محمد(صلی الله علیه و اله).

قالا: أنبئنا بالذي كان على عهد نبينا موسى(علیه السلام).

قال علي(علیه السلام): أقبل أربعة أملاك، ملك من المشرق وملك من المغرب وملك من السماء وملك من الأرض، فقال صاحب المشرق

ص: 70

لصاحب المغرب: من أين أقبلت؟

قال: أقبلت من عند ربي.

وقال صاحب المغرب لصاحب المشرق: من أين أقبلت؟

قال: أقبلت من عند ربي.وقال النازل من السماء للخارج من الأرض: من أين أقبلت؟

قال: أقبلت من عند ربي.

وقال الخارج من الأرض للنازل من السماء: من أين أقبلت؟

قال: أقبلت من عند ربي.

فهذا ما كان على عهد نبيكما موسى(علیه السلام)، وأما ما كان على عهد نبينا محمد(صلی الله علیه و اله) فذلك قوله في محكم كتابه: {ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا}(1) الآية»(2).

من أسرار المعراج

«لما توفّي رسول الله(صلی الله علیه و اله) دخل المدينة رجل من ولد داود على دين اليهودية، فرأى السكك خالية فقال لبعض أهل المدينة: ما حالكم؟

فقيل: توفّي رسول الله(صلی الله علیه و اله).

فقال الداودي: أما إنه توفّي في اليوم الذي هو في كتابنا.

ثم قال: فأين الناس؟

ص: 71


1- سورة المجادلة، الآية: 7.
2- التوحيد: 180.

فقيل له: في المسجد، فأتى المسجد فإذا أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجرّاح والناس قد غصّ المسجد بهم، فقال: أوسعوا حتى أدخل وأرشدوني إلى الذي خلّفه نبيكم...

فقد جئت لأسأل عن أربعة أحرف، فإن خبّرت بهاأسلمت...

فقالوا له انتظر قليلاً، وأقبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(علیه السلام) من بعض أبواب المسجد، فقالوا له: عليك بالفتى.

فقام إليه، فلما دنا منه قال له: أنت علي بن أبي طالب؟

فقال له علي: أنت فلان بن فلان بن داود.

قال: نعم...

قال: اسأل.

قال: ما أول حرف كلّم الله به نبيّكم لما أسري به ورجع من عند ربه؟

وخبرني عن الملك الذي زحم نبيكم ولم يسلّم عليه؟

وخبرني عن الأربعة الذين كشف عنهم مالك طبقا من النار وكلّموا نبيّكم؟

وخبّرني عن منبر نبيكم أيّ موضع هو من الجنة؟

قال علي(علیه السلام): أول ما كلّم الله به نبينا(صلی الله علیه و اله) قول الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ}(1).

قال: ليس هذا أردت.

ص: 72


1- سورة البقرة، الآية: 285.

قال: فقول رسول الله(صلی الله علیه و اله): {وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ}(1).

قال: ليس هذا أردت.

قال: اترك الأمر مستوراً.

قال: لتخبرني، أولست أنت هو؟

فقال: أما إذ أبيت فإن رسول الله(صلی الله علیه و اله) لما رجع من عند ربه والحجب ترفع له قبل أن يصير إلى موضع جبرئيل ناداه ملك: يا أحمد، قال: إن الله يقرأ عليك السلام ويقول لك: اقرأعلى السيد الولي منّا السلام، فقال رسول الله(صلی الله علیه و اله): من السيد الولي؟ فقال الملك: علي بن أبي طالب.

قال اليهودي: صدقت، والله إني لأجد ذلك في كتاب أبي.

فقال علي(علیه السلام): أما الملك الذي زحم رسول الله(صلی الله علیه و اله) فملك الموت، جاء به من عند جبّار من أهل الدنيا، قد تكلّم بكلام عظيم، فغضب الله فزحم رسول الله ولم يعرفه، فقال جبرئيل يا ملك الموت هذا رسول الله أحمد حبيب الله(صلی الله علیه و اله) فرجع إليه فلصق به واعتذر وقال: يا رسول الله إني أتيت ملكاً جباراً قد تكلّم بكلام عظيم فغضبت ولم أعرفك فعذّره.

وأما الأربعة الذين كشف عنهم مالك طبقاً من النار، فإن رسول الله(صلی الله علیه و اله) مرّ بمالك ولم يضحك منذ خلق قط، فقال له جبرئيل: يا مالك هذا نبي الرحمة محمد، فتبسّم في وجهه ولم يتبسّم لأحد غيره، فقال رسول الله(صلی الله علیه و اله) مره أن يكشف طبقاً من النار، فكشف، فإذا قابيل

ص: 73


1- سورة البقرة، الآية: 285.

ونمرود وفرعون وهامان، فقالوا: يا محمد، اسأل ربك أن يردّنا إلى دار الدنيا حتى نعمل صالحاً، فغضب جبرئيل فقال بريشة(1)

من ريش جناحه فردّ عليهم طبق النار.

وأما منبر رسول الله(صلی الله علیه و اله) فإن مسكن رسول الله(صلی الله علیه و اله) جنة عدن وهي جنة خلقها الله بيده ومعه فيها اثنا عشر وصيّاً، وفوقها قبّة يقال لها قبة الرضوان، وفوق قبة الرضوان منزل يقال له الوسيلة، وليس في الجنة منزل يشبهه وهو منبر رسول الله(صلی الله علیه و اله).

قال اليهودي: صدقت والله إنّه لفي كتاب أبي داود يتوارثونه واحد بعد واحد حتى صار إليّ، ثم أخرج كتاباً فيهما ذكره مسطوراً بخط داود، ثم قال: مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأنه الذي بشر به موسى(علیه السلام)، وأشهد أنك عالم هذه الأمة ووصي رسول الله.

قال: فعلمه أمير المؤمنين شرائع الدين»(2).

أقول: إن أمير المؤمنين علي(علیه السلام) قد تكلّم أولاً بما لم يرد أن يمدح به نفسه، كما لا يخفى.

ص: 74


1- أي: أشار، وفي معنى القول توسّع.
2- راجع الغيبة للنعماني: 99-101.

من احتجاجات الإمام الحسن(علیه السلام)

أسئلة ابن الأصفر

روى محمد بن قيس، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر(علیه السلام)، قال: «بينا أمير المؤمنين في الرحبة والناس عليه متراكمون، فمن بين مستفت ومن بين مستعد، إذ قام إليه رجل فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.

فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، من أنت؟

قال: أنا رجل من رعيّتك وأهل بلادك.

فقال له: ما أنت برعيتي وأهل بلادي، ولو سلّمت علي يوماً واحداً ما خفيت عليّ.

فقال: الأمان يا أمير المؤمنين.

فقال: هل أحدثت منذ دخلت مصري هذا؟

قال: لا.

قال: فلعلّك من رجال الحرب.

قال: نعم.

قال: إذا وضعت الحرب أوزارها فلا بأس.

قال: أنا رجل بعثني إليك معاوية متغفّلاً لك، أسألك عن شيء

ص: 75

بعث به ابن الأصفر إليه، وقال له: إن كنت أحق بهذا الأمر والخليفة بعد محمد فأجبني عما أسألك، فإنك إن فعلت ذلك اتّبعتك وبعثت إليك بالجائزة، فلم يكن عنده جواب، وقد أقلقه، فبعثني إليك لأسألك عنها.

فقال أمير المؤمنين(علیه السلام): قاتل الله ابن آكلة الأكباد، وماأضلّه وأعماه ومن معه، حكم الله بيني وبين هذه الأمة، قطعوا رحمي وأضاعوا أيامي ودفعوا حقي وصغّروا عظيم منزلتي وأجمعوا على منازعتي، يا قنبر علي بالحسن والحسين ومحمد، فأحضروا، فقال: يا شامي هذان ابنا رسول الله، وهذا ابني، فاسأل أيّهم أحببت.

فقال: أسأل ذا الوفرة، يعني الحسن(علیه السلام).

فقال له الحسن(علیه السلام): سلني عما بدا لك.

فقال الشامي: كم بين الحق والباطل؟

وكم بين السماء والأرض؟

وكم بين المشرق والمغرب؟

وما قوس قزح؟

وما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين؟

وما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين؟

وما المؤنث؟

وما عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض؟

فقال الحسن(علیه السلام): بين الحق والباطل أربع أصابع، فما رأيته بعينك فهو الحق، وقد تسمع بأذنك باطلاً كثيراً.

ص: 76

فقال الشامي: صدقت.

قال: وبين السماء والأرض دعوة المظلوم ومَدُّ البصر، فمن قال لك غير هذا فكذّبه.

قال: صدقت يا ابن رسول الله.

قال: وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس تنظر إليها حين تطلع من مشرقها وتنظر إليها حين تغيب في مغربها.

قال: صدقت، فما قوس قزح؟

قال: ويحك لا تقل قوس قزح؛ فإنّ قزح اسم الشيطان وهو قوس الله، وهذه علامة الخِصب وأمان لأهل الأرض منالغرق.

وأما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين فهي عين يقال لها برهوت.

وأما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين فهي عين يقال لها سلمى.

وأما المؤنث فهو الذي لا يدرى أذكر أم أنثى، فإنه ينتظر به فإن كان ذكراً احتلم، وإن كان أنثى حاضت وبدا ثديها، وإلا قيل له بُل على الحائط فإن أصاب بوله الحائط فهو ذكر، وإن انتكص بوله كما ينتكص بول البعير فهي امرأة.

وأما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض: فأشد شيء خلقه الله الحجر، وأشد من الحجر الحديد يقطع به الحجر، وأشد من الحديد النار تذيب الحديد، وأشد من النار الماء يطفئ النار، وأشد من الماء السحاب يحمل الماء، وأشد من السحاب الريح تحمل السحاب، وأشد من الريح الملك الذي يرسلها، وأشد من الملك ملك الموت الذي يميت الملك،

ص: 77

وأشد من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت، وأشد من الموت أمر الله الذي يميت الموت.

فقال الشامي: أشهد أنك ابن رسول الله حقاً، وأن علياً أولى بالأمر من معاوية، ثم كتب هذه الجوابات وذهب بها إلى معاوية، فبعثها إلى ابن الأصفر.

فكتب إليه ابن الأصفر: يا معاوية، تكلّمني بغير كلامك، وتجيبني بغير جوابك، أقسم بالمسيح ما هذا جوابك وما هو إلا من معدن النبوة وموضع الرسالة»(1).

مع ملك الروم

عن أبي عبد الله(علیه السلام)، عن آبائه(علیهم السلام) قال: «لما بلغ ملكالروم أمر أمير المؤمنين(علیه السلام) ومعاوية، وأخبر أن رجلين قد خرجا يطلبان الملك، فسأل من أين خرجا؟

فقيل له: رجل بالكوفة ورجل بالشام.

فأمر الملك وزراءه فقال: تخلّلوا هل تصيبون من تجّار العرب من يصفهما لي.

فأتي برجلين من تجّار الشام ورجلين من تجار مكة فسألهم من صفتهما، فوصفوهما له، ثم قال لخزّان بيوت خزائنه: أخرجوا إلي الأصنام، فأخرجوها فنظر إليها فقال: الشامي ضال والكوفي هاد.

ثم كتب إلى معاوية: أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك، وكتب إلى أمير

ص: 78


1- الاحتجاج 1: 267.

المؤمنين(علیه السلام): أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك، فأسمع منهما، ثم أنظر في الإنجيل كتابنا، ثم أخبركما من أحق بهذا الأمر، وخشي على ملكه.

فبعث معاوية يزيد ابنه، وبعث أمير المؤمنين(علیه السلام) الحسن(علیه السلام) ابنه.

فلما دخل يزيد على الملك أخذ بيده فقبّلها، ثم قبّل رأسه.

ثم دخل عليه الحسن بن علي صلوات الله عليهما فقال: الحمد لله الذي لم يجعلني يهودياً ولا نصرانياً ولا مجوسياً ولا عابد الشمس والقمر ولا الصنم والبقر وجعلني حنيفاً مسلماً ولم يجعلني من المشركين، تبارك الله رب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين، ثم جلس لا يرفع بصره.

فلما نظر ملك الروم إلى الرجلين أخرجهما ثم فرّق بينهما، ثم بعث إلى يزيد فأحضره، ثم أخرج من خزائنه ثلاثمائة وثلاثة عشر صندوقاً فيها تماثيل الأنبياء وقد زيّنت بزينة كل نبي مرسل، فأخرج صنماً فعرضه على يزيد فلم يعرفه، ثم عرضه عليه صنماً صنماً فلا يعرف منها شيئاً ولا يجيب منها بشيء، ثم سأله عن أرزاق الخلائق، وعن أرواحالمؤمنين أين تجتمع، وعن أرواح الكفار أين تكون إذا ماتوا، فلم يعرف من ذلك شيئاً.

ثم دعا الحسن بن علي(علیه السلام) فقال: إنما بدأت بيزيد بن معاوية كي يعلم أنك تعلم ما لا يعلم ويعلم أبوك ما لا يعلم أبوه، فقد وصف أبوك وأبوه، فنظرت في الإنجيل فرأيت فيه محمداً رسول الله(صلی الله علیه و اله) والوزير علياً(علیه السلام) ونظرت في الأوصياء فرأيت فيها أباك وصي محمد.

فقال له الحسن(علیه السلام): سلني عما بدا لك مما تجده في الإنجيل، وعما في

ص: 79

التوراة وعما في القرآن أخبرك به إن شاء الله تعالى.

فدعا الملك بالأصنام، فأول صنم عرض عليه في صفة القمر، فقال الحسن(علیه السلام): فهذه صفة آدم أبو البشر.

ثم عرض عليه آخر في صفة الشمس، فقال الحسن(علیه السلام): هذه صفة حواء أم البشر.

ثم عرض عليه آخر في صفة حسنة، فقال: هذه صفة شيث بن آدم، وكان أول من بعث وبلغ عمره في الدنيا ألف سنة وأربعين عاماً.

ثم عرض عليه صنم آخر، فقال: هذه صفة نوح صاحب السفينة وكان عمره ألفاً وأربعمائة سنة ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً.

ثم عرض عليه صنم آخر، فقال: هذه صفة إبراهيم عريض الصدر طويل الجبهة.

ثم أخرج إليه صنم آخر، فقال: هذه صفة إسرائيل وهو يعقوب.

ثم أخرج إليه صنم آخر، فقال: هذه صفة إسماعيل.

ثم أخرج إليه صنم آخر، فقال: هذه صفة يوسف بن يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم.ثم أخرج صنم آخر، فقال: هذه صفة موسى بن عمران، وكان عمره مائتين وأربعين سنة وكان بينه وبين إبراهيم خمسمائة عام.

ثم أخرج إليه صنم آخر، فقال: هذه صفة داود صاحب الحرب.

ثم أخرج إليه صنم آخر، فقال: هذه صفة شعيب.

ثم زكريا، ثم يحيى، ثم عيسى ابن مريم روح الله وكلمته وكان

ص: 80

عمره في الدنيا ثلاث وثلاثون سنة، ثم رفعه الله إلى السماء ويهبط إلى الأرض بدمشق وهو الذي يقتل الدجّال.

ثم عرض عليه صنم صنم، فيخبر باسم نبي نبي.

ثم عرض عليه الأوصياء والوزراء، فكان يخبرهم باسم وصي وصي ووزير وزير.

ثم عرض عليه أصنام بصفة الملوك، فقال الحسن(علیه السلام) هذه أصنام لم نجد صفتها في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن، فلعلّها من صفة الملوك.

فقال الملك: أشهد عليكم يا أهل بيت محمد أنّكم قد أعطيتم علم الأولين والآخرين وعلم التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وألواح موسى.

ثم عرض عليه صنم يلوح، فلما نظر إليه بكى بكاء شديداً.

فقال له الملك: ما يبكيك؟

فقال: هذه صفة جدّي محمد(صلی الله علیه و اله) كث اللحية، عريض الصدر، طويل العنق، عريض الجبهة، أقنى الأنف، أفلج الأسنان، حسن الوجه، قطط الشعر، طيّب الريح، حسن الكلام، فصيح اللسان، كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، بلغ عمره ثلاثاً وستين سنة ولم يخلف بعده إلا خاتم مكتوب عليه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وكان يتختم في يمينه، وخلف سيفه ذو الفقار، وقضيبه وجبّة صوف وكساءصوف كان يتسرول به لم يقطعه ولم يخطّه حتى لحق بالله.

فقال الملك: إنا نجد في الإنجيل أنه يكون له ما يتصدّق على سبطيه،

ص: 81

فهل كان ذلك؟

فقال له الحسن(علیه السلام): قد كان ذلك.

فقال الملك: فبقي لكم ذلك.

فقال: لا.

فقال الملك: لهذه أول فتنة هذه الأمّة عليها، ثم على ملك نبيكم واختيارهم على ذرّية نبيّهم منكم القائم بالحق الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر.

قال: ثم سأل الملك الحسن(علیه السلام) عن سبعة أشياء خلقها الله لم تركض في رحم؟

فقال الحسن(علیه السلام): أول هذا آدم، ثم حوّاء، ثم كبش إبراهيم، ثم ناقة صالح، ثم إبليس الملعون، ثم الحيّة، ثم الغراب التي ذكرها الله في القرآن.

ثم سأله عن أرزاق الخلائق؟

فقال الحسن(علیه السلام): أرزاق الخلائق في السماء الرابعة تنزل بقدر وتبسط بقدر.

ثم سأله عن أرواح المؤمنين أين يكونون إذا ماتوا؟

قال: تجتمع عند صخرة بيت المقدس في كل ليلة الجُمُعة وهو عرش الله الأدنى، منها يبسط الله الأرض وإليه يطويها، ومنها المحشر، ومنها استوى ربنا إلى السماء والملائكة.

ثم سأله عن أرواح الكفار أين تجتمع؟

قال: تجتمع في وادي حضرموت وراء مدينة اليمن، ثم يبعث الله

ص: 82

ناراً من المشرق وناراً من المغرب ويتبعهما بريحين شديدتين فيحشر الناس عند صخرة بيت المقدس فيحشر أهل الجنة عن يمين الصخرة ويزلف المتّقين، ويصير جهنم عن يسار الصخرة في تخوم الأرضين السابعة وفيهاالفلق والسجّين، فيعرف الخلائق من عند الصخرة، فمن وجبت له الجنة دخلها ومن وجبت له النار دخلها، وذلك قوله: {فَريقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَريقٌ فِي السَّعيرِ}(1).

فلما أخبر الحسن(علیه السلام) بصفة ما عرض عليه من الأصنام وتفسير ما سأله، التفت الملك إلى يزيد بن معاوية وقال: أشعرت أن ذلك علم لا يعلمه إلا نبي مرسل أو وصي موازر قد أكرمه الله بموازرة نبيّه أو عترة نبي مصطفىً وغيره المعادي فقد طبع الله على قلبه وآثر دنياه على آخرته أو هواه على دينه وهو من الظالمين.

قال: فسكت يزيد وخمد.

قال: فأحسن الملك جائزة الحسن(علیه السلام) وأكرمه وقال له: ادع ربّك حتى يرزقني دين نبيّك، فإن حلاوة الملك قد حالت بيني وبين ذلك وأظنّه شقاء مردياً وعذاباً أليماً.

قال: فرجع يزيد إلى معاوية، وكتب إليه الملك أنه: يقال من آتاه الله العلم بعد نبيّكم وحكم بالتوراة وما فيها والإنجيل وما فيه والزبور وما فيه والفرقان وما فيه فالحق والخلافة له، وكتب إلى علي ابن أبي طالب(علیه السلام): أن الحق والخلافة لك وبيت النبوة فيك وفي ولدك، فقاتل

ص: 83


1- سورة الشورى، الآية: 7.

من قاتلك يعذّبه الله بيدك ثم يخلّده الله نار جهنم، فإن من قاتلك نجده في الإنجيل أن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وعليه لعنة أهل السماوات والأرضين»(1).

أقول: بعض ما قاله(علیه السلام) كأنه هو على حسب اعتقاد الملك، وقد ورد في حديث: إن صور الأنبياء(علیهم السلام) في صخرة فيمسجد السهلة، وسيظهره الله عند قيام القائم(علیه السلام)(2).

ص: 84


1- بحار الأنوار 10: 132؛ عن تفسير القمّي 2: 268.
2- راجع تهذيب الأحكام 6: 37.

من احتجاجات الإمام الحسين(علیه السلام)

ملك الروم وأسئلته

جوابه(علیه السلام) عن مسائل سأله عنها ملك الروم وذلك في خبر طويل اختصرنا منه موضع الحاجة:

«سأله عن المجرّة وعن سبعة أشياء خلقها الله لم تخلق في رحم؟

فضحك الحسين(علیه السلام)، فقال له: ما أضحكك؟

قال(علیه السلام): لأنك سألتني عن أشياء ما هي من منتهى العلم إلا كالقذى في عرض البحر، أما... سبعة أشياء لم تخلق في رحم:

فأوّلها آدم، ثم حوّاء، والغراب، وكبش إبراهيم(علیه السلام)، وناقة الله، وعصا موسى(علیه السلام)، والطير الذي خلقه عيسى ابن مريم(علیه السلام).

ثم سأله عن أرزاق العباد؟

فقال(علیه السلام): أرزاق العباد في السماء الرابعة ينزلها الله بقدر ويبسطها بقدر.

ثم سأله عن أرواح المؤمنين أين تجتمع؟

قال: تجتمع تحت صخرة بيت المقدس ليلة الجُمُعة وهو عرش الله الأدنى منها بسط الأرض وإليها يطويها ومنها استوى إلى السماء، وأما

ص: 85

أرواح الكفّار فتجتمع في دار الدنيا في حضرموت وراء مدينة اليمن، ثم يبعث الله ناراً منالمشرق وناراً من المغرب بينهما ريحان فيحشران الناس إلى تلك الصخرة»(1).

ص: 86


1- تحف العقول: 242.

من احتجاجات الإمام السجاد(علیه السلام)

مع قاض من قضاة الكوفة

عن أبي حمزة الثمالي قال: «دخل قاض من قضاة أهل الكوفة على علي بن الحسين(علیه السلام) فقال له: جعلني الله فداك، أخبرني عن قول الله عز وجل: {وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتي بارَكْنا فيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فيهَا السَّيْرَ سيرُوا فيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنينَ}(1).

قال له: ما يقول الناس فيها قبلكم؟

قال: يقولون: إنها مكة؟

فقال: وهل رأيت السَرَق في موضع أكثر منه بمكة.

قال: فما هو؟

قال: إنما عنى الرجال.

قال: وأين ذلك في كتاب الله؟

فقال: أوما تسمع إلى قوله عز وجل: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ}(2)، وقال: {وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ}(3)، وقال:

ص: 87


1- سورة سبأ، الآية: 18.
2- سورة الطلاق، الآية: 8.
3- سورة الكهف، الآية: 59.

{وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتي كُنَّا فيها وَالْعيرَ الَّتي أَقْبَلْنا فيها}(1)، أفيسأل القرية أو الرجال أو العير؟

قال: وتلا عليه آيات في هذا المعنى.قال: جعلت فداك فمن هم؟

قال: نحن هم.

فقال: أوما تسمع إلى قوله: {سيرُوا فيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنينَ}(2)؟ قال: آمنين من الزيغ»(3).

ص: 88


1- سورة يوسف، الآية: 82.
2- سورة سبأ، الآية: 18.
3- الاحتجاج 2: 313.

من احتجاجات الإمام الباقر(علیه السلام)

مع نصراني الشام

عن عمر بن عبد الله الثقفي قال: «أخرج هشام بن عبد الملك أبا جعفر(علیه السلام) من المدينة إلى الشام... فبينا هو قاعد وعنده جماعة من الناس يسألونه إذ نظر إلى النصارى يدخلون في جبل هناك، فقال: ما لهؤلاء ألهم عيد اليوم؟

فقالوا: لا يا ابن رسول الله، ولكنّهم يأتون عالماً لهم في هذا الجبل في كل سنة في هذا اليوم فيخرجونه فيسألونه عما يريدون وعما يكون في عامهم.

فقال أبو جعفر(علیه السلام): وله علم؟

فقالوا: هو من أعلم الناس، قد أدرك أصحاب الحواريين من أصحاب عيسى(علیه السلام).

قال: فهل نذهب إليه.

قالوا: ذاك إليك يا ابن رسول الله.

قال: فقنّع أبو جعفر(علیه السلام) رأسه بثوبه ومضى هو وأصحابه، فاختلطوا بالناس حتى أتوا الجبل، فقعد أبو جعفر(علیه السلام) وسط النصارى هو وأصحابه، وأخرج النصارى بساطاً، ثم وضعوا الوسائد، ثم دخلوا

ص: 89

فأخرجوه، ثم ربطوا عينيه فقلّب عينيه كأنهما عينا أفعى، ثم قصد إلى أبي جعفر(علیه السلام) فقال: يا شيخ أمنّا أنت أم من الأمة المرحومة؟

فقال أبو جعفر(علیه السلام): بل من الأمة المرحومة.

فقال: أفمن علمائهم أنت أم من جهّالهم؟فقال: لست من جهّالهم.

فقال النصراني: أسألك أم تسألني؟

فقال أبو جعفر(علیه السلام): سلني.

فقال النصراني: يا معشر النصارى رجل من أمّة محمد يقول سلني إن هذا لمليء بالمسائل، ثم قال يا عبد الله أخبرني عن ساعة ما هي من الليل ولا من النهار أي ساعة هي؟

فقال أبو جعفر(علیه السلام): ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

فقال النصراني: فإذا لم تكن من ساعات الليل ولا من ساعات النهار فمن أي الساعات هي؟

فقال أبو جعفر(علیه السلام): من ساعات الجنة، وفيها تفيق مرضانا.

فقال النصراني: فأسألك أم تسألني؟

فقال أبو جعفر(علیه السلام): سلني.

فقال النصراني: يا معشر النصارى إن هذا لمليء بالمسائل، أخبرني عن أهل الجنة كيف صاروا يأكلون ولا يتغوّطون، أعطني مثلهم في الدنيا؟

فقال أبو جعفر(علیه السلام): هذا الجنين في بطن أمه يأكل مما تأكل أمه ولا يتغوّط.

فقال النصراني: أم تقل ما أنا من علمائهم؟

ص: 90

فقال أبو جعفر(علیه السلام): إنما قلت لك ما أنا من جهّالهم.

فقال النصراني: فأسألك أو تسألني؟

فقال أبو جعفر(علیه السلام): سلني.

فقال: يا معشر النصارى والله لأسألنه عن مسألة يرتطم فيها كما يرتطم الحمار في الوحل.

فقال له: سل.فقال: أخبرني عن رجل دنا من امرأته فحملت باثنين حملتهما جميعاً في ساعة واحدة وولدتهما في ساعة واحدة وماتا في ساعة واحدة ودفنا في قبر واحد، عاش أحدهما خمسين ومائة سنة، وعاش الآخر خمسين سنة، من هما؟

فقال أبو جعفر(علیه السلام): عزير وعزرة، كانا حملت أمّهما بهما على ما وصفت ووضعتهما على ما وصفت وعاش عزير وعزرة كذا وكذا سنةً، ثم أمات الله تبارك وتعالى عزيراً مائة سنة، ثم بعث وعاش مع عزرة هذه الخمسين سنةً وماتا كلاهما في ساعة واحدة.

فقال النصراني: يا معشر النصارى ما رأيت بعيني قط أعلم من هذا الرجل لا تسألوني عن حرف وهذا بالشام ردّوني.

قال: فردّوه إلى كهفه، ورجع النصارى مع أبي جعفر(علیه السلام)»(1).

أربعون مسألة

وعن أبي حمزة الثمالي قال: «كنت جالساً في مسجد الرسول(صلی الله علیه و اله)

ص: 91


1- الكافي 8: 122.

إذا أقبل رجل فسلم فقال: من أنت يا عبد الله؟

قلت: رجل من أهل الكوفة.

فقلت: ما حاجتك؟

فقال لي: أتعرف أبا جعفر محمد بن علي(علیه السلام).

فقلت: نعم، فما حاجتك إليه.

قال هيأت له أربعين مسألةً أسأله عنها، فما كان من حق أخذته وما كان من باطل تركته.

قال أبو حمزة: فقلت له: هل تعرف ما بين الحق والباطل؟

قال: نعم.فقلت له: فما حاجتك إليه إذا كنت تعرف ما بين الحق والباطل؟

فقال لي: يا أهل الكوفة أنتم قوم ما تطاقون، إذا رأيت أبا جعفر(علیه السلام) فأخبرني.

فما انقطع كلامي معه حتى أقبل أبو جعفر(علیه السلام) وحوله أهل خراسان وغيرهم يسألونه عن مناسك الحج، فمضى حتى جلس مجلسه وجلس الرجل قريباً منه.

قال أبو حمزة: فجلست حيث أسمع الكلام وحوله عالَمٌ من الناس، فلما قضى حوائجهم وانصرفوا التفت إلى الرجل فقال له: من أنت؟

قال: أنا قتادة بن دعامة البصري.

فقال له أبو جعفر(علیه السلام): أنت فقيه أهل البصرة؟

قال: نعم.

فقال له أبو جعفر(علیه السلام): ويحك يا قتادة إن الله جل وعز خلق خلقاً

ص: 92

من خلقه فجعلهم حججاً على خلقه فهم أوتاد في أرضه، قوّام بأمره، نجباء في علمه، اصطفاهم قبل خلقه أظلّةً عن يمين عرشه.

قال: فسكت قتادة طويلاً، ثم قال: أصلحك الله والله لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدّام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم ما اضطرب قدّامك؟

قال له أبو جعفر(علیه السلام): ويحك أتدري أين أنت، أنت بين يدي بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فأنت ثَمَّ ونحن أولئك.

فقال له قتادة: صدقت والله، جعلني الله فداك، والله ما هي بيوت حجارة ولا طين.

قال قتادة: فأخبرني عن الجبن؟قال: فتبسّم أبو جعفر(علیه السلام) ثم قال: رجعت مسائلك إلى هذا.

قال: ضلّت علي.

فقال: لا بأس به.

فقال: إنه ربما جعلت فيه إنفحة الميت؟

قال: ليس بها بأس إن الإنفحة ليس لها عروق ولا فيها دم ولا لها عظم، إنما تخرج من بين فرث ودم، ثم قال: وإنما الإنفحة بمنزلة دجاجة ميتة أخرجت منها بيضة فهل تؤكل تلك البيضة؟

فقال قتادة: لا ولا آمر بأكلها.

فقال له أبو جعفر(علیه السلام) ولم؟

ص: 93

فقال: لأنها من الميتة.

قال له: فإن حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة أتأكلها؟

قال: نعم.

قال: فما حرّم عليك البيضة وحلّل لك الدجاجة؟

ثم قال(علیه السلام): فكذلك الإنفحة مثل البيضة، فاشتر الجبن من أسواق المسلمين من أيدي المصلّين ولا تسأل عنه إلا أن يأتيك من يخبرك عنه»(1).

من مسائل الميراث

«جاء رجل إلى أبي جعفر(علیه السلام) فسأله عن امرأة تركت زوجها وإخوتها لأمّها وأختها لأبيها؟

فقال: للزوج النصف ثلاثة أسهم وللإخوة من الأم سهمان وللأخت من الأب سهم.

فقال له الرجل: فإن فرائض زيد(2) وفرائض العامّة علىغير هذا، يا أبا جعفر يقولون: للأخت من الأب ثلاثة أسهم هي من ستّة تعول إلى ثمانية.

فقال له أبو جعفر(علیه السلام): ولم قالوا هذا.

فقال: لأن الله عز وجل قال: {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ}(3).

فقال أبو جعفر(علیه السلام): فإن كانت الأخت أخاً.

ص: 94


1- الكافي 6: 256.
2- المراد زيد بن ثابت بن ضحّاك الأنصاري.
3- سورة النساء، الآية: 176.

قال: ليس له إلا السدس.

فقال أبو جعفر(علیه السلام): فما لكم نقصتم الأخ إن كنتم تحتجّون أن للأخت النصف بأن الله عز وجل سمّى لها النصف، فإن الله سمّى للأخ الكل، والكل أكثر من النصف؛ لأنه عز وجل قال في الأخت: {فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ}(1) وقال في الأخ: {وَهُوَ يَرِثُها}(2) يعني جميع مالها {إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ}(3)، فلا تعطون الذي جعل الله عز وجل له الجميع في بعض فرائضكم شيئاً، وتعطون الذي جعل الله له النصف تامّاً وتقولون في زوج وأم وإخوة لأم وأخت لأب فتعطون الزوج النصف والأم السدس والإخوة من الأم الثلث والأخت من الأب النصف تجعلونها من تسعة وهي ستّة تعول إلى تسعة.

فقال: كذلك يقولون.

فقال له أبو جعفر(علیه السلام): فإن كانت الأخت أخاً لأب.

قال له الرجل: ليس له شيء، فما تقول أنت؟

فقال: ليس للإخوة من الأب والأم ولا للإخوة من الأب معالأم شيء»(4).

ص: 95


1- سورة النساء، الآية: 176.
2- سورة النساء، الآية: 176.
3- سورة النساء، الآية: 176.
4- من لا يحضره الفقيه 4: 277.

من احتجاجات الإمام الصادق(علیه السلام)

مع الثنوية والزنادقة

عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبد الله(علیه السلام) فكان من قول أبي عبد الله(علیه السلام) له: «لا يخلو قولك إنهما اثنان، من أن يكونا قديمين قويّين، أو يكونا ضعيفين، أو يكون أحدهما قويّاً والآخر ضعيفاً، فإن كانا قويّين فلم لا يدفع كل واحد منهما صاحبه ويتفرّد بالتدبير، وإن زعمت أن أحدهما قوي والآخر ضعيف ثبت أنه واحد كما نقول، للعجز الظاهر في الثاني، وإن قلت إنهما اثنان لم يخل من أن يكونا متّفقين من كل جهة أو مفترقين من كل جهة، فلما رأينا الخلق منتظماً والفلك جارياً واختلاف الليل والنهار والشمس والقمر دل صحة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أن المدبّر واحد، ثم يلزمك إن ادعيت اثنين فلابد من فرجة بينهما حتى يكونا اثنين فصارت الفرجة ثالثاً بينهما قديماً معهما فيلزمك ثلاثة، فإن ادعيت ثلاثة لزمك ما قلنا في الاثنين حتى يكون بينهم فرجتان فيكون خمساً، ثم يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية في الكثرة.

قال هشام: فكان من سؤال الزنديق أن قال: فما الدليل عليه؟

قال أبو عبد الله(علیه السلام): وجود الأفاعيل التي دلت على أن صانعاً صنعها،

ص: 96

ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيّد مبني علمت أن له بانياً وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده.

قال: فما هو؟قال: هو شيء بخلاف الأشياء ارجع بقولي شيء إلى إثبات معنى وأنه شيء بحقيقة الشيئية غير أنه لا جسم ولا صورة، ولا يحس ولا يجس، ولا يدرك بالحواس الخمس، لا تدركه الأوهام ولا تنقصه الدهور ولا يغيره الزمان.

قال السائل: فتقول إنه سميع بصير.

قال: هو سميع بصير، سميع بغير جارحة، وبصير بغير آلة، بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه، ليس قولي إنه يسمع بنفسه ويبصر بنفسه أنه شيء والنفس شيء آخر، ولكن أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسئولاً وإفهاماً لك إذ كنت سائلاً، وأقول: يسمع بكله لا أن الكل منه له بعض ولكنّي أردت إفهاماً لك والتعبير عن نفسي وليس مرجعي في ذلك إلا إلى أنه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف المعنى.

قال السائل: فما هو؟

قال أبو عبد الله(علیه السلام): هو الرب وهو المعبود وهو الله، وليس قولي الله إثبات هذه الحروف (ألف _ لام _ هاء) ولكني أرجع إلى معنى هو شيء خالق الأشياء وصانعها، وقعت عليه هذه الحروف وهو المعنى الذي سمى به الله والرحمن والرحيم والعزيز وأشباه ذلك من أسمائه وهو المعبود جل وعز.

قال السائل: فإنّا لم نجد موهوماً إلا مخلوقاً.

ص: 97

قال أبو عبد الله(علیه السلام): لو كان ذلك كما تقول لكان التوحيد عنّا مرتفعاً، لأنا لم نكلّف أن نعتقد غير موهوم، ولكنا نقول كل موهوم بالحواس مدرك فما تجده الحواس وتمثلّه فهو مخلوق ولابد من إثبات صانع الأشياء خارج من الجهتين المذمومتين، إحداهما النفي إذ كان النفي هو الإبطال والعدم، والجهة الثانية التشبيه إذ كان التشبيه من صفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف، فلم يكن بد من إثبات الصانع لوجود المصنوعين والاضطرار منهم إليه أثبت أنهممصنوعون وأن صانعهم غيرهم وليس مثلهم إذ كان مثلهم شبيها بهم في ظاهر التركيب والتأليف وفي ما يجري عليهم من حدوثهم بعد أن لم يكونوا وتنقّلهم من صغر إلى كبر وسواد إلى بياض وقوّة إلى ضعف وأحوال موجودة لا حاجة لنا إلى تفسيرها لثباتها ووجودها.

قال السائل: فقد حددته إذ أثبت وجوده.

قال أبو عبد الله(علیه السلام): لم أحدّه ولكن أثبته إذ لم يكن بين الإثبات والنفي منزلة.

قال السائل: فله إنّية ومائية؟

قال: نعم، لا يثبت الشيء إلا بإنّية ومائية.

قال السائل: فله كيفية؟

قال: لا؛ لأن الكيفية جهة الصفة والإحاطة ولكن لابد من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه، لأن من نفاه أنكره ورفع ربوبيته وأبطله، ومن شبّهه بغيره فقد أثبته بصفة المخلوقين المصنوعين الذين لا يستحقّون الربوبية، ولكن لابد من إثبات ذات بلا كيفية لا يستحقها غيره ولا

ص: 98

يشارك فيها ولا يحاط بها ولا يعلمها غيره.

قال السائل: فيعاني الأشياء بنفسه؟

قال أبو عبد الله(علیه السلام): هو أجل من أن يعاني الأشياء بمباشرة ومعالجة؛ لأن ذلك صفة المخلوق الذي لا يجيء الأشياء له إلا بالمباشرة والمعالجة وهو تعالى نافذ الإرادة والمشية فعّال لما يشاء.

قال السائل: فله رضى وسخط؟

قال أبو عبد الله(علیه السلام): نعم، وليس ذلك ما يوجد في المخلوقين وذلك أن الرضا والسخط دخال يدخل عليه فينقله من حال إلى حال وذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين وهو تبارك وتعالى العزيز الرحيم لا حاجة به إلى شيء مماخلق وخلقه جميعاً محتاجون إليه وإنما خلق الأشياء من غير حاجة ولا سبب اختراعاً وابتداعاً.

قال السائل: فقوله: {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى}(1).

قال أبو عبد الله(علیه السلام): بذلك وصف نفسه، وكذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملاً له ولا أن يكون العرش حاوياً له ولا أن العرش محتاز له، ولكنّا نقول هو حامل العرش وممسك العرش ونقول من ذلك ما قال: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ}(2)، فثبّتنا من العرش والكرسي ما ثبّته ونفينا أن يكون العرش والكرسي حاوياً له أو يكون عز وجل محتاجاً إلى مكان أو إلى شيء مما

ص: 99


1- سورة طه، الآية: 5.
2- سورة البقرة، الآية: 255.

خلق، بل خلقه محتاجون إليه.

قال السائل: فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها نحو الأرض؟

قال أبو عبد الله(علیه السلام): ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء، ولكنه عز وجل أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش لأنه جعله معدن الرزق فثبّتنا ما ثبّته القرآن والأخبار عن الرسول(صلی الله علیه و اله) حين قال: ارفعوا أيديكم إلى الله عز وجل، وهذا يجمع عليه فرق الأمة كلّها.

قال السائل: فمن أين أثبت أنبياء ورسلاً؟

قال أبو عبد الله(علیه السلام): إنا لما أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنّا وعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع حكيماً لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسهم ولا يلامسوه ولا يباشرهم ولا يباشروه ولا يحاجّهم ولا يحاجّوه، فثبت أن له سفراء فيخلقه وعباده يدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم، وفي تركه فناؤهم، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه، وثبت عند ذلك أن له معبّرين وهم الأنبياء وصفوته من خلقه حكماء مؤدّبين بالحكمة مبعوثين بها غير مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب، مؤيّدين من عند الله الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين والشواهد من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص فلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسول ووجوب عدالته»(1).

ص: 100


1- التوحيد: 243.

مع ابن أبي العوجاء

«سأل ابن أبي العوجاء أبا عبد الله(علیه السلام): لما اختلفت منيّات الناس فمات بعضهم بالبطن وبعضهم بالسل؟

فقال(علیه السلام): لو كانت العلة واحدة أمن الناس حتى تجيء تلك العلة بعينها، فأحب الله أن لا يؤمن حال»(1).

ما اسمك؟

«وجاء ابن أبي العوجاء إلى أبي عبد الله(علیه السلام) فقال(علیه السلام) له: ما اسمك؟

فلم يجبه.

وأقبل(علیه السلام) على غيره، فانكفأ راجعاً إلى أصحابه، فقالوا: ما وراءك؟

قال: شر، ابتدأني فسألني عن اسمي، فإن كنت قلت عبد الكريم، فيقول: من هذا الكريم الذي أنت عبده، فإما أقر بمليك وإما أظهر منّي ما أكتم.فقالوا: انصرف عنه.

فلما انصرف قال(علیه السلام): وأقبل ابن أبي العوجاء إلى أصحابه محجوجاً قد ظهر عليه ذلّة الغلبة، فقال من قال منهم إن هذه للحجّة الدامغة صدق وإن لم يكن خير يرجى ولا شر يتّقى فالناس شرع سواء، وإن يكن منقلب إلى ثواب وعقاب فقد هلكنا.

ص: 101


1- مناقب آل أبي طالب(علیهم السلام) 4: 256.

فقال ابن أبي العوجاء لأصحابه: أو ليس بابن الذي نكل بالخلق وأمر بالحلق وشوه عوراتهم وفرّق أموالهم وحرّم نساءهم»(1).

يا مودع الأسرار

«دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله(علیه السلام) فقال: إني رأيت ابنك موسى يصلي والناس يمرّون بين يديه فلا ينهاهم، وفيه ما فيه؟

فقال أبو عبد الله(علیه السلام): ادع لي موسى فلما جاءه قال: يا بني، إن أبا حنيفة يذكر أنك تصلي والناس يمرّون بين يديك فلا تنهاهم؟

قال: نعم يا أبة، إن الذي كنت أصلي له كان أقرب إلي منهم، يقول الله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَريدِ}(2).

قال: فضمّه أبو عبد الله(علیه السلام) إلى نفسه وقال: بأبي أنت وأمي يا مودع الأسرار.

فقال أبو عبد الله(علیه السلام): يا أبا حنيفة القتل عندكم أشد أم الزنا؟

فقال: بل القتل.قال: فكيف أمر الله تعالى في القتل بشاهدين وفي الزنا بأربعة، كيف يدرك هذا بالقياس؟

يا أبا حنيفة ترك الصلاة أشد أم ترك الصيام؟

فقال: بل ترك الصلاة.

قال: فكيف تقضي المرأة صيامها ولا تقضي صلاتها، كيف يدرك

ص: 102


1- بحار الأنوار 10: 202؛ عن مناقب آل أبي طالب(علیهم السلام) 4: 257.
2- سورة ق، الآية: 16.

هذا بالقياس؟

ويحك يا أبا حنيفة النساء أضعف عن المكاسب أم الرجال؟

فقال: بل النساء.

قال: فكيف جعل الله تعالى للمرأة سهماً وللرجل سهمين، كيف يدرك هذا بالقياس؟

يا أبا حنيفة الغائط أقذر أم المني؟

قال: بل الغائط. قال: فكيف يستنجى من الغائط ويغتسل من المني كيف يدرك هذا بالقياس؟...

قال أبو حنيفة: جعلت فداك حدّثني بحديث نحدّث به عنك.

قال: حدّثني أبي محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين(علیه السلام)، عن أبيه الحسين بن علي(علیه السلام)، عن أبيه علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين، قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و اله): إن الله أخذ ميثاق أهل البيت من أعلى علييّن، وأخذ طينة شيعتنا منه، ولو جهد أهل السماء وأهل الأرض أن يغيّروا من ذلك شيئاً ما استطاعوه. قال: فبكى أبو حنيفة بكاءً شديداً وبكى أصحابه، ثم خرج وخرجوا»(1).

ص: 103


1- الاختصاص: 189؛ بحار الأنوار 10: 204.

من احتجاجات الإمام الكاظم(علیه السلام)

ما يدل على نبوة محمد(صلی الله علیه و اله)

روي: «أن قوماً من اليهود قالوا للصادق(علیه السلام): أيّ معجز يدل على نبوة محمد(صلی الله علیه و اله)؟

قال: كتابه المهيمن الباهر لعقول الناظرين، مع ما أعطي من الحلال والحرام وغيرهما مما لو ذكرناه لطال شرحه.

فقال اليهود: كيف لنا أن نعلم أن هذا كما وصفت؟

فقال لهم موسى بن جعفر(علیه السلام) وهو صبي وكان حاضراً: وكيف لنا بأن نعلم ما تذكرون من آيات موسى أنها على ما تصفون؟

قالوا: علمنا ذلك بنقل الصادقين.

قال لهم موسى بن جعفر(علیه السلام): فاعلموا صدق ما أنبأتكم به بخبر طفل لقّنه الله تعالى من غير تعليم ولا معرفة عن الناقلين.

فقالوا: نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأنكم الأئمة الهادية والحجج من عند الله على خلقه.

فوثب أبو عبد الله(علیه السلام) فقبّل بين عيني موسى بن جعفر(علیه السلام)، ثم قال: أنت القائم من بعدي...، ثم كساهم أبو عبد الله(علیه السلام)، ووهب لهم، وانصرفوا مسلمين»(1).

ص: 104


1- بحار الأنوار 10: 244؛ عن الخرائج والجرائح 1: 111.

مع أبي حنيفة

قال أبو حنيفة: «حججت في أيام أبي عبد الله الصادق(علیه السلام)فلما أتيت المدينة دخلت داره فجلست في الدهليز أنتظر إذنه، إذ خرج صبي يدرج فقلت: يا غلام، أين يضع الغريب الغائط من بلدكم؟

قال: على رسلك، ثم جلس مستنداً إلى الحائط، ثم قال: توق شطوط الأنهار، ومساقط الثمار، وأفنية المساجد، وقارعة الطريق، وتوار خلف جدار، وشل ثوبك، ولا تستقبل القبلة، ولا تستدبرها، وضع حيث شئت. فأعجبني ما سمعت من الصبي فقلت له: ما اسمك؟

فقال: أنا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

فقلت له: يا غلام ممن المعصية؟

فقال(علیه السلام): إن السيئات لا تخلو من إحدى ثلاث، إما أن تكون من الله وليست منه، فلا ينبغي للرب أن يعذّب العبد على ما لا يرتكب، وإما أن تكون منه ومن العبد وليست كذلك، فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف، وإما أن تكون من العبد وهي منه فإن عفا فبكرمه وجوده وإن عاقب فبذنب العبد وجريرته.

قال أبو حنيفة: فانصرفت ولم ألق أبا عبد الله(علیه السلام) واستغنيت بما سمعت»(1).

ص: 105


1- تحف العقول: 411.

من احتجاجات الإمام الرضا(علیه السلام)

مع سليمان المروزي

عن الحسن بن محمد النوفلي قال: «قدم سليمان المروزي متكلم خراسان على المأمون فأكرمه ووصله، ثم قال له: إن ابن عمّي علي بن موسى الرضا(علیه السلام) قدم علي من الحجاز وهو يحب الكلام وأصحابه، فلا عليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته.

فقال سليمان: يا أمير، إنّي أكره أن أسأل مثله في مجلسك في جماعة من بني هاشم فينتقض عند القوم إذا كلّمني، ولا يجوز الاستقصاء عليه.

قال المأمون: إنما وجهت إليه [إليك] لمعرفتي بقوتّك، وليس مرادي إلا أن تقطعه عن حجة واحدة فقط.

فقال سليمان: حسبك يا أمير، اجمع بيني وبينه وخلّني والذم.

فوجّه المأمون إلى الرضا(علیه السلام) فقال: إنه قدم إلينا رجل من أهل مروز وهو واحد خراسان من أصحاب الكلام، فإن خف عليك أن تتجشم المصير إلينا فعلت.

فنهض(علیه السلام) للوضوء وقال لنا: تقدّموني وعمران الصابي معنا، فصرنا إلى الباب، فأخذ ياسر وخالد بيدي فأدخلاني على المأمون، فلما سلّمت قال: أين أخي أبو الحسن أبقاه الله تعالى؟

ص: 106

قلت: خلّفته يلبس ثيابه وأمرنا أن نتقدّم، ثم قلت: يا أمير، إن عمران مولاك معي وهو على الباب.فقال: ومن عمران؟

قلت: الصابي الذي أسلم على يدك.

قال: فليدخل، فدخل فرحّب به المأمون، ثم قال له: يا عمران، لم تمت حتى صرت من بني هاشم.

قال: الحمد لله الذي شرّفني بكم يا أمير.

فقال له المأمون: يا عمران، هذا سليمان المروزي متكلّم خراسان.

قال عمران: يا أمير، إنه يزعم واحد خراسان في النظر وينكر البداء.

قال: فلم لا تناظرونه؟

قال: عمران ذلك إليه.

فدخل الرضا(علیه السلام) فقال: في أي شيء كنتم؟

قال عمران: يا ابن رسول الله هذا سليمان المروزي.

فقال له سليمان: أترضى بأبي الحسن وبقوله فيه؟

فقال عمران: قد رضيت بقول أبي الحسن في البداء على أن يأتيني فيه بحجة أحتج بها على نظرائي من أهل النظر.

قال المأمون: يا أبا الحسن ما تقول في ما تشاجرا فيه؟

قال: وما أنكرت من البداء يا سليمان والله عز وجل

ص: 107

يقول: {أَوَ لا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً}(1)، ويقول عز وجل: {وَهُوَ الَّذي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ}(2)، ويقول: {بَديعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ}(3)، ويقول عز وجل: {يَزيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ}(4)، ويقول: {وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْطينٍ}(5)، ويقول عز وجل: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ}(6)، ويقول عز وجل: {وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ في كِتابٍ}(7).

قال سليمان: هل رويت فيه من آبائك شيئاً؟

قال: نعم، رويت عن أبي عن أبي عبد الله(علیهما السلام) أنه قال: إن لله عز وجل علمين علماً مخزوناً مكنوناً لا يعلمه إلا هو من ذلك يكون البداء، وعلماً علّمه ملائكته ورسله، فالعلماء من أهل بيت نبيّنا يعلمونه.

قال سليمان: أحب أن تنزعه لي من كتاب الله عز وجل.

قال: قول الله عز وجل لنبيه(صلی الله علیه و اله): {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ}(8)، أراد هلاكهم ثم بدا لله تعالى فقال: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنينَ}(9).

قال سليمان: زدني جعلت فداك.

ص: 108


1- سورة مريم، الآية: 67.
2- سورة الروم، الآية: 27.
3- سورة البقرة، الآية: 117؛ سورة الأنعام، الآية: 101.
4- سورة فاطر، الآية: 1.
5- سورة السجدة، الآية: 7.
6- سورة التوبة، الآية: 106.
7- سورة فاطر، الآية: 11.
8- سورة الذاريات، الآية: 54.
9- سورة الذاريات، الآية: 55.

قال الرضا(علیه السلام): لقد أخبرني أبي، عن آبائه(علیهم السلام)، عن رسول الله(صلی الله علیه و اله) قال: إن الله عز وجل أوحى إلى نبي من أنبيائه أن أخبر فلاناً الملك أني متوفّيه إلى كذا وكذا فأتاه ذلك النبي فأخبره فدعا الله الملك وهو على سريره حتى سقط من السرير، وقال: يا رب، أجّلني حتى يشب طفلي وقضي أمري، فأوحى الله عز وجل إلى ذلك النبي أن ائت فلاناً الملك فأعلم أني قد أنسيت في أجله وزدت في عمره إلىخمس عشرة سنة، فقال ذلك النبي(علیه السلام): يا رب، إنّك لتعلم أني لم أكذب قط، فأوحى الله عز وجل إليه: إنما أنت عبد مأمور فأبلغه ذلك والله لا يسأل عمّا يفعل.

ثم التفت(علیه السلام) إلى سليمان فقال: أحسبك ضاهيت اليهود في هذا الباب.

قال: أعوذ بالله من ذلك وما قالت اليهود؟

قال: قالت اليهود: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}(1)، يعنون أن الله تعالى قد فرغ من الأمر فليس يحدث شيئاً، فقال الله عز وجل: {غُلَّتْ أَيْديهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا}(2).

ولقد سمعت قوماً سألوا أبي موسى بن جعفر(علیه السلام) عن البداء فقال: وما ينكر الناس من البداء، وأن يقف الله قوماً يرجيهم لأمره.

قال سليمان: ألا تخبرني عن {إِنَّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ}(3) في أي شيء أنزلت؟

ص: 109


1- سورة المائدة، الآية: 64.
2- سورة المائدة، الآية: 64.
3- سورة القدر، الآية: 1.

قال: يا سليمان، ليلة القدر يقدّر الله عز وجل فيها ما يكون من السنة إلى السنة من حياة أو موت أو خير أو شر أو رزق فما قدّره في تلك الليلة فهو من المحتوم.

قال سليمان: ألان قد فهمت جعلت فداك، فزدني.

قال: يا سليمان، إن من الأمور أموراً موقوفة عند الله عز وجل يقدّم منها ما يشاء ويؤخّر ما يشاء ويمحو ما يشاء، يا سليمان إن علياً(علیه السلام) كان يقول: العلم علمان، فعلم علّمه الله وملائكته ورسله فما علّمه ملائكته ورسله فإنه يكون ولا يكذّب نفسه ولا ملائكته ولا رسله، وعلم عنده مخزون لميطلع عليه أحداً من خلقه يقدّم منه ما يشاء ويؤخّر منه ما يشاء ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء.

قال سليمان للمأمون: يا أمير، لا أنكر بعد يومي هذا البداء ولا أكذب به إن شاء الله»، الحديث(1).

مع المأمون العباسي

عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال: «سأل المأمون أبا الحسن علي بن موسى الرضا(علیه السلام) عن قول الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}(2).

فقال: إن الله تبارك وتعالى خلق العرش والماء والملائكة قبل خلق

ص: 110


1- عيون أخبار الرضا(علیه السلام) 1: 179.
2- سورة هود، الآية: 7.

السماوات والأرض، وكانت الملائكة تستدل بأنفسها وبالعرش والماء على الله عز وجل، ثم جعل عرشه على الماء ليظهر بذلك قدرته للملائكة فيعلموا أنه على كل شيء قدير، ثم رفع العرش بقدرته ونقله فجعله فوق السماوات السبع، وخلق السماوات والأرض في ستّة أيام وهو مستول على عرشه، وكان قادراً على أن يخلقها في طرفة عين ولكنه عز وجل خلقها في ستّة أيام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئاً بعد شيء وتستدل بحدوث ما يحدث على الله تعالى ذكره مرّة بعد مرّة ولم يخلق الله العرش لحاجة به إليه لأنه غني عن العرش وعن جميع ما خلق، لا يوصف بالكون على العرش لأنه ليس بجسم، تعالى الله عن صفة خلقه علواً كبيراً.

وأما قوله عز وجل: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} فإنه عز وجل خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته وعبادته لا على سبيل الامتحان والتجربة لأنه لم يزل عليما بكل شيء.فقال المأمون: فرّجت عنّي يا أبا الحسن فرج الله عنك»(1).

ص: 111


1- التوحيد: 320.

من احتجاجات الإمام الجواد(علیه السلام)

مع يحيى بن أكثم

«لما أراد المأمون أن يزوّج أبا جعفر محمد بن علي بن موسى(علیه السلام) ابنته أم الفضل اجتمع عليه أهل بيته الأدنين منه، فقالوا: يا أمير، ننشدك الله أن تخرج عنّا أمراً قد ملكناه، وتنزع عنّا عزاً قد ألبسنا الله، فقد عرفت الأمر الذي بيننا وبين آل علي(علیه السلام) قديماً وحديثاً.

فقال المأمون: اسكتوا فو الله لا قبلت من أحد منكم في أمره.

فقالوا: يا أمير، أفتزوّج قرّة عينك صبياً لم يتفقّه في دين الله ولا يعرف فريضة من سنّة ولا يميّز بين الحق والباطل _ ولأبي جعفر(علیه السلام) يومئذ عشر سنين أو إحدى عشرة سنة _ فلو صبرت عليه حتى يتأدّب ويقرأ القرآن ويعرف فرضاً من سنّة.

فقال لهم المأمون: والله إنه أفقه منكم وأعلم بالله وبرسوله وفرائضه وسننه وأحكامه، وأقرأ لكتاب الله، وأعلم بمحكمه ومتشابهه، وخاصه وعامه، وناسخه ومنسوخه، وتنزيله وتأويله منكم، فاسألوه فإن كان الأمر كما قلتم قبلت منكم في أمره، وإن كان كما قلت علمتم أن الرجل خير منكم.

فخرجوا من عنده وبعثوا إلى يحيى بن أكثم وأطمعوه في هدايا أن

ص: 112

يحتال على أبي جعفر(علیه السلام) بمسألة لا يدري كيف الجواب فيها عند المأمون إذا اجتمعوا للتزويج.فلما حضروا وحضر أبو جعفر(علیه السلام) قالوا: يا أمير، هذا يحيى بن أكثم إن أذنت له سأل أبا جعفر(علیه السلام) عن مسألة؟

فقال المأمون: يا يحيى، سل أبا جعفر عن مسألة في الفقه لننظر كيف فقهه؟

فقال يحيى: يا أبا جعفر، أصلحك الله ما تقول في محرم قتل صيداً؟

فقال أبو جعفر(علیه السلام): قتله في حل أو في حرم، عالماً أو جاهلاً، عمداً أو خطأً، عبداً أو حرّاً، صغيراً أو كبيراً، مبدئاً أو معيداً، من ذوات الطير أو غيرها، من صغار الصيد أو من كبارها، مصرّاً عليها أو نادماً، بالليل في وكرها أو بالنهار عياناً، محرِماً للحج أو للعمرة؟

قال: فانقطع يحيى بن أكثم انقطاعاً لم يخف على أهل المجلس وكثر الناس تعجباً من جوابه ونشط المأمون فقال: تخطب يا أبا جعفر؟

فقال أبو جعفر(علیه السلام): نعم.

فقال المأمون: الحمد لله إقراراً بنعمته، ولا إله إلا الله إخلاصاً لعظمته، وصلى الله على محمد عند ذكره، وقد كان من فضل الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام، فقال: {وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَليمٌ}(1)، ثم إن محمد بن علي ذكر أم الفضل بنت عبد الله

ص: 113


1- سورة النور، الآية: 32.

وبذل لها من الصداق خمسمائة درهم، وقد زوّجت فهل قبلت يا أبا جعفر؟

فقال أبو جعفر(علیه السلام): نعم، قد قبلت هذا التزويج بهذا الصداق.ثم أولم(1)

عليه المأمون، وجاء الناس على مراتبهم في الخاص والعام.

قال: فبينا نحن كذلك إذ سمعنا كلاماً كأنه كلام الّملاحين في مجاوباتهم فإذا نحن بالخدم يجرون سفينة من فضّة فيها نسائج من إبريسم مكان القلوس والسفينة مملوءة غالية فضمّخوا لحى أهل الخاص بها، ثم مدّوها إلى دار العامة فطيّبوهم فلما تفرّق الناس قال المأمون: يا أبا جعفر، إن رأيت أن تبين لنا ما الذي يجب على كل صنف من هذه الأصناف التي ذكرت في قتل الصيد.

فقال أبو جعفر(علیه السلام) نعم، إن المحرم إذا قتل صيداً في الحل والصيد من ذوات الطير من كبارها فعليه شاة، وإذا أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً، وإذا قتل فرخاً في الحل فعليه حمل قد فطم، وليس عليه قيمته لأنه ليس في الحرم، وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمته لأنه في الحرم، فإذا كان من الوحوش فعليه في حمار وحش بدنة، وكذلك في النعامة، فإن لم يقدر فإطعام ستّين مسكيناً، فإن لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوماً، وإن كانت بقرة فعليه بقرة، فإن لم يقدر فعليه إطعام ثلاثين مسكيناً، فإن لم يقدر فليصم تسعة أيام، وإن كان ظبياً فعليه شاة، فإن لم يقدر فعليه

ص: 114


1- أولم، أي: عمل الوليمة.

إطعام عشرة مساكين، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام، وإن كان في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة، حقاً واجباً عليه أن ينحره، فإن كان في حج بمنى حيث ينحر الناس، وإن كان في عمرة ينحره بمكة، ويتصدّق بمثل ثمنه حتى يكون مضاعفاً، وكذلك إذا أصاب أرنباً فعليه شاة، وإذا قتل الحمامة تصدّق بدرهم، أو يشتري به طعاماً لحمام الحرم، وفي الفرخ نصف درهم، وفي البيضة ربع درهم، وكل ما أتى به المحرم بجهالة فلا شيءعليه فيه إلا الصيد، فإن عليه الفداء بجهالة كان أو بعلم، بخطإ كان أو بعمد، وكل ما أتى العبد فكفّارته على صاحبه بمثل ما يلزم صاحبه، وكل ما أتى به الصغير الذي ليس ببالغ فلا شيء عليه فيه، وإن كان ممّن عاد فهو ممّن ينتقم الله منه ليس عليه كفارة والنقمة في الآخرة، وإن دلّ على الصيد وهو محرم فقتل فعليه الفداء، والمصر عليه يلزمه بعد الفداء عقوبة في الآخرة، والنادم عليه لا شيء عليه بعد الفداء، وإذا أصاب ليلاً في وكرها خطأً فلا شيء عليه إلا أن يتعمّده، فإن تعمّد بليل أو نهار فعليه الفداء، والمحرم للحج ينحر الفداء بمنى حيث ينحر الناس، والمحرم للعمرة ينحر بمكة.

فأمر المأمون أن يكتب ذلك كله عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: ثم دعا أهل بيته الذين أنكروا تزويجه عليه فقال لهم: هل فيكم أحد يجيب بمثل هذا الجواب؟

قالوا: لا والله، ولا القاضي.

ثم قال: ويحكم أهل هذا البيت خلوا منكم ومن هذا الخلق، أوما علمتم أن رسول الله(صلی الله علیه و اله) بايع الحسن والحسين(علیهما السلام) وهما صبيان غير

ص: 115

بالغين ولم يبايع طفلاً غيرهما، أوما علمتم أن أباه علياً(علیه السلام) آمن بالنبي(صلی الله علیه و اله) وهو ابن عشرة سنة وقبل الله ورسوله منه إيمانه ولم يقبل من طفل غيره، ولا دعا رسول الله(صلی الله علیه و اله) طفلاً غيره إلى الإيمان، أوما علمتم أنها ذرّيةً بعضها من بعض يجري لآخرهم مثل ما يجري لأوّلهم؟

فقالوا: صدقت يا أمير كنت أنت أعلم به منّا.

قال: ثم أمر المأمون أن ينثر على أبي جعفر(علیه السلام) ثلاثة أطباق رقاع زعفران ومسك معجون بماء الورد جوفها رقاع على طبق رقاع عمالات، والثاني ضياع طعمة لمن أخذها، والثالث فيه بدر، فأمر أن يفرّق الطبق الذي عليه عمالات على بني هاشم خاصة والذي عليه ضياع طعمة علىالوزراء والذي عليه البدر على القوّاد ولم يزل مكرماً لأبي جعفر(علیه السلام) أيام حياته حتى كان يؤثره على ولده»(1).

أسئلة تعجيزية

وفي البحار عن تحف العقول: «قال المأمون ليحيى بن أكثم: اطرح على أبي جعفر محمد بن الرضا(علیه السلام) مسألة تقطعه فيها.

فقال يحيى: يا أبا جعفر، ما تقول في رجل نكح امرأة على زناً، أتحل له أن يتزوجها؟

فقال(علیه السلام): يدعها حتى يستبرئها من نطفته ونطفة غيره إذ لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره حدثاً كما أحدثت معه، ثم يتزوّج بها إن أراد، فإنما مثلها مثل نخلة أكل رجل منها حراماً، ثم اشتراها فأكل

ص: 116


1- بحار الأنوار 10: 381؛ عن تفسير القمّي 1: 182.

منها حلالاً.

فانقطع يحيى، فقال له أبو جعفر(علیه السلام): يا أبا محمد، ما تقول في رجل حرمت عليه امرأة بالغداة، وحلّت له ارتفاع النهار، وحرمت عليه نصف النهار، ثم حلّت له الظهر، ثم حرمت عليه العصر، ثم حلّت له المغرب، ثم حرمت عليه نصف الليل، ثم حلّت له مع الفجر، ثم حرمت عليه ارتفاع النهار، ثم حلّت له نصف النهار؟

فبقي يحيى والفقهاء بلساً خرساً.

فقال المأمون: يا أبا جعفر، أعزك الله بين لنا هذا.

قال: هذا رجل نظر إلى مملوكة لا تحل له، فاشتراها فحلّت له، ثم أعتقها فحرمت عليه، ثم تزوّجها فحلّت له، فظاهر منها فحرمت عليه، فكفر للظهار فحلّت له، ثم طلّقها تطليقة فحرمت عليه، ثم راجعها فحلّت له، فارتد عن الإسلام فحرمت عليه، فتاب ورجع إلى الإسلام فحلّت له بالنكاحالأول، كما أقر رسول الله(صلی الله علیه و اله) نكاح زينب مع أبي العاص بن الربيع حيث أسلم على النكاح الأول»(1).

ص: 117


1- بحار الأنوار 10: 385؛ عن تحف العقول: 454.

من احتجاجات الإمام الهادي(علیه السلام)

أسئلة في القرآن الكريم

قال موسى بن محمد بن الرضا: «لقيت يحيى بن أكثم في دار العامة فسألني عن مسائل، فجئت إلى أخي علي بن محمد، فدار بيني وبينه من المواعظ ما حملني وبصرني طاعته، فقلت له: جعلت فداك إن ابن أكثم كتب يسألني عن مسائل لأفتيه فيها.

فضحك ثم قال: فهل أفتيته؟

قلت: لا.

قال: ولم؟

قلت: لم أعرفها.

قال: وما هي؟

قلت: كتب يسألني عن قول الله: {قالَ الَّذي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}(1)، نبي الله كان محتاجاً إلى علم آصف؟

وعن قوله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً}(2)،

ص: 118


1- سورة النمل، الآية: 40.
2- سورة يوسف، الآية: 100.

أسجد يعقوب وولده ليوسف وهم أنبياء؟

وعن قوله: {فَإِنْ كُنْتَ في شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ}(1)، من المخاطب بالآية، فإن كان المخاطبالنبي(صلی الله علیه و اله) فقد شك، وإن كان المخاطب غيره فعلى من إذاً أنزل الكتاب؟

وعن قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ}(2)، ما هذه الأبحر وأين هي؟

وعن قوله تعالى: {فيها ما تَشْتَهيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ}(3)، فاشتهت نفس آدم أكل البر فأكل وأطعم فكيف عوقب؟

وعن قوله: {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً}(4)، يزوّج الله عباده الذكران، فقد عاقب قوماً فعلوا ذلك؟

وعن شهادة المرأة جازت وحدها وقد قال الله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}(5)؟

وعن الخنثى وقول علي(علیه السلام): يورث من المبال، فمن ينظر إذا بال إليه، مع أنه عسى أن يكون امرأة وقد نظر إليها الرجال، أو عسى أن يكون رجلاً وقد نظرت إليه النساء وهذا ما لا يحل، وشهادة الجار إلى

ص: 119


1- سورة يونس، الآية: 94.
2- سورة لقمان، الآية: 27.
3- سورة الزخرف، الآية: 71.
4- سورة الشورى، الآية: 50.
5- سورة الطلاق، الآية: 2.

نفسه لا تقبل؟

وعن رجل أتى إلى قطيع غنم فرأى الراعي ينزو على شاة منها فلمّا بصر بصاحبها خلّى سبيلها فدخلت بين الغنم كيف تذبح، وهل يجوز أكلها أم لا؟

وعن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة وهي من صلاة النهار، وإنما يجهر في صلاة الليل؟وعن قول علي(علیه السلام) لابن جرموز: بشّر قاتل ابن صفية بالنار، فلم لم يقتله وهو إمام؟

وأخبرني عن علي(علیه السلام) لِمَ قتل أهل صفين وأمر بذلك مقبلين ومدبرين وأجاز على الجرحى، وكان حكمه يوم الجمل أنه لم يقتل مولياً ولم يجز على جريح ولم يأمر بذلك وقال: من دخل داره فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، لم فعل ذلك؟ فإن كان الحكم الأول صواباً فالثاني خطأ؟

وأخبرني عن رجل أقر باللواط على نفسه أيحد أم يدرأ عنه الحد؟

قال: اكتب إليه.

قلت: وما أكتب؟

قال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، وأنت فألهمك الله الرشد أتاني كتابك وما امتحنتنا به من تعنّتك لتجد إلى الطعن سبيلاً إن قصرنا فيها، والله يكافئك على نيّتك، وقد شرحنا مسائلك فأصغ إليها سمعك، وذلّل لها فهمك، واشغل بها قلبك، فقد لزمتك الحجة والسلام.

ص: 120

سألت عن قول الله جل وعز: {قالَ الَّذي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ}(1) فهو آصف بن برخيا ولم يعجز سليمان عن معرفة ما عرف آصف لكنّه صلوات الله عليه أحب أن يعرّف أمّته من الجن والإنس أنه الحجة من بعده، وذلك من علم سليمان(علیه السلام) أودعه آصف بأمر الله، ففهّمه ذلك لئلّا يختلف عليه في إمامته ودلالته، كما فُهّم سليمان في حياة داود(علیه السلام) لتعرف نبوته وإمامته من بعده لتأكد الحجة على الخلق.وأما سجود يعقوب وولده كان طاعة لله ومحبة ليوسف، كما أن السجود من الملائكة لآدم لم يكن لآدم وإنما كان ذلك طاعة لله ومحبة منهم لآدم، فسجد يعقوب(علیه السلام) وولده ويوسف معهم شكراً لله باجتماع شملهم، ألم تره يقول في شكره ذلك الوقت: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَني مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَني مِنْ تَأْويلِ الْأَحاديثِ}(2) إلى آخر الآية.

وأما قوله: {فَإِنْ كُنْتَ في شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ}(3)، فإن المخاطب به رسول الله(صلی الله علیه و اله) ولم يكن في شك مما أنزل إليه، ولكن قالت الجهلة كيف لم يبعث الله نبياً من الملائكة إذ لم يفرّق بين نبيّه وبيننا في الاستغناء عن المآكل والمشارب والمشي في الأسواق، فأوحى الله تعالى إلى نبيه {فَسْئَلِ الَّذينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ} بمحضر الجهلة

ص: 121


1- سورة النمل، الآية: 40.
2- سورة يوسف، الآية: 101.
3- سورة يونس، الآية: 94.

هل بعث الله رسولاً قبلك إلا وهو يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ولك بهم أسوة، وإنما قال: {فَإِنْ كُنْتَ في شَكٍّ} ولم يكن ولكن للنّصفة، كما قال تعالى: {تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبينَ}(1) ولو قال عليكم لم يجيبوا إلى المباهلة، وقد علم الله أن نبيّه يؤدّي عنه رسالاته وما هو من الكاذبين فكذلك عرف النبي(صلی الله علیه و اله) أنه صادق في ما يقول ولكن أحب أن ينصف من نفسه.

وأما قوله: {وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُيَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ}(2) فهو كذلك لو أن أشجار الدنيا أقلام والبحر يمدّه سبعة أبحر وانفجرت الأرض عيوناً لنفدت قبل أن تنفد كلمات الله وهي عين الكبريت وعين النمر وعين البرهوت وعين طبرية وحَمّة ماسبذان وحَمّة إفريقية يدعى لسان وعين بحرون ونحن كلمات الله التي لا تنفد ولا تدرك فضائلنا.

وأما الجنة فإن فيها من المآكل والمشارب والملاهي ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وأباح الله ذلك كله لآدم، والشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد عهد إليهما أن لا ينظرا إلى من فضّل الله على خلائقه بعين الحسد فنسي ونظر بعين الحسد ولم نجد له عزماً.

ص: 122


1- سورة آل عمران، الآية: 61.
2- سورة لقمان، الآية: 27.

وأما قوله {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً}(1) أي يولد له ذكور ويولد له إناث، يقال لكل اثنين مقرنين زوجان كل واحد منهما زوج، ومعاذ الله أن يكون عنى الجليل ما لَبّسْتَ به على نفسك تطلب الرخص لارتكاب المأثم ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً إن لم يتب.

وأما شهادة المرأة وحدها التي جازت فهي القابلة جازت شهادتها مع الرضا فإن لم يكن رضا فلا أقل من امرأتين تقوم المرأة بدل الرجل للضرورة؛ لأن الرجل لا يمكنه أن يقوم مقامها، فإن كانت وحدها قبل قولها مع يمينها.

وأما قول علي(علیه السلام) في الخنثى فهي كما قال، ينظر قوم عدول يأخذ كل واحد منهم مرآة ويقوم الخنثى خلفهم عريانة وينظرون في المرايا فيرون الشبح فيحكمون عليه.وأما الرجل الناظر إلى الراعي وقد نزا على شاة فإن عرفها ذبحها وأحرقها، وإن لم يعرفها قسم الغنم نصفين وساهم بينهما فإذا وقع على أحد النصفين فقد نجا النصف الآخر ثم يفرّق النصف الآخر فلا يزال كذلك حتى تبقى شاتان فيقرع بينهما فأيّها وقع السهم بها ذبحت وأحرقت ونجا سائر الغنم.

وأما صلاة الفجر فالجهر فيها بالقراءة لأن النبي(صلی الله علیه و اله) كان يغلّس بها فقراءتها من الليل.

ص: 123


1- سورة الشورى، الآية: 50.

وأما قول علي(علیه السلام): بشّر قاتل ابن صفية بالنار، فهو لقول رسول الله(صلی الله علیه و اله)، وكان ممّن خرج يوم النهر فلم يقتله أمير المؤمنين(علیه السلام) بالبصرة لأنه علم أنه يقتل في فتنة النهروان.

وأما قولك: إن علياً(علیه السلام) قتل أهل صفين مقبلين ومدبرين وأجاز على جريحهم وإنه يوم الجمل لم يتبع مولّياً ولم يجز على جريح ومن ألقى سلاحه آمنه ومن دخل داره آمنه، فإن أهل الجمل قتل إمامهم ولم تكن لهم فئة يرجعون إليها وإنما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين ولا مخالفين ولا منابذين رضوا بالكف عنهم فكان الحكم فيهم رفع السيف عنهم والكف عن أذاهم إذ لم يطلبوا عليه أعواناً، وأهل صفين كانوا يرجعون إلى فئة مستعدة وإمام يجمع لهم السلاح والدروع والرماح والسيوف ويسنّي لهم العطاء ويهيّئ لهم الأنزال(1) ويعود مريضهم ويجبر كسيرهم ويداوي جريحهم ويحمل راجلهم ويكسو حاسرهم ويردّهم فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم، فلم يساو بين الفريقين في الحكم لما عرف من الحكم في قتال أهل التوحيد، لكنّه شرح ذلك لهم، فمنرغب عرض على السيف أو يتوب من ذلك.

وأما الرجل الذي اعترف باللواط، فإنه لم تقم عليه بيّنة وإنما تطوع بالإقدار [بالإقرار] من نفسه، وإذا كان للإمام الذي من الله أن يعاقب عن الله كان له أن يمن عن الله، أما سمعت قول الله: {هذا عَطاؤُنا}(2) الآية.

ص: 124


1- الأنزال: الأرزاق.
2- سورة ص، الآية: 39.

قد أنبأناك بجميع ما سألتناه فاعلم ذلك»(1).

تكنية الكتابي

نادى المتوكّل يوماً كاتباً نصرانياً أبا نوح، فأنكروا كنى الكتابييّن، فاستفتى فاختلف عليه، فبعث إلى أبي الحسن(علیه السلام)، فوقع(علیه السلام): «بسم الله الرحمن الرحيم {تَبَّتْ يَدا أَبي لَهَبٍ}(2)»، فعلم المتوكّل أنه يحل ذلك لأن الله قد كنّى الكافر(3).

ص: 125


1- بحار الأنوار 10: 386؛ تحف العقول: 476.
2- سورة المسد، الآية: 1.
3- بحار الأنوار 10: 391.

من احتجاجات الإمام العسكري(علیه السلام)

لا تناقض في القرآن

روى أبو القاسم الكوفي في كتاب التبديل: «إن إسحاق الكندي كان فيلسوف العراق في زمانه أخذ في تأليف تناقض القرآن وشغل نفسه بذلك وتفرّد به في منزله، وأن بعض تلامذته دخل يوماً على الإمام الحسن العسكري(علیه السلام) فقال له أبو محمد(علیه السلام): أما فيكم رجل رشيد يردع أستاذكم الكندي عمّا أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟

فقال التلميذ: نحن من تلامذته كيف يجوز منا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره؟

فقال له أبو محمد: أتؤدي إليه ما ألقيه إليك؟

قال: نعم.

قال: فصر إليه وتلطّف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله، فإذا وقعت الأنسة في ذلك فقل: قد حضرتني مسألة أسألك عنها، فإنه يستدعي ذلك منك، فقل له: إن أتاك هذا المتكلّم بهذا القرآن هل يجوز أن يكون مراده بما تكلّم منه غير المعاني التي قد ظننتها أنك ذهبت إليها، فإنه سيقول لك إنه من الجائز لأنه رجل يفهم إذا سمع، فإذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك لعلّه قد أراد غير الذي ذهبت أنت إليه فيكون

ص: 126

واضعاً لغير معانيه.

فصار الرجل إلى الكندي وتلطّف إلى أن ألقى عليه هذه المسألة، فقال له: أعد علي.

فأعاد عليه، فتفكّر في نفسه ورأى ذلك محتملاً في اللغة،وسائغاً في النظر، فقال: أقسمت إليك إلا أخبرتني من أين لك؟

فقال: إنه شيء عرض بقلبي فأوردته عليك.

فقال: كلا ما مثل من اهتدى إلى هذا ولا من بلغ هذه المنزلة فعرّفني من أين لك هذا؟

فقال: أمرني به أبو محمد.

فقال: الآن جئت به وما كان ليخرج مثل هذا إلا من ذلك البيت.

ثم إنه دعا بالنار وأحرق جميع ما كان ألّفه»(1).

في مصيبة فقد المعصوم(علیه السلام)

عن إسحاق بن إبراهيم بن الخضيب الأنباري قال: «كتب أبو عون الأبرش قرابة نجاح بن سلمة إلى أبي محمد(علیه السلام): أن الناس قد استوهنوا من شقّك ثوبك على أبي الحسن(علیه السلام)؟

قال: يا أحمق ما أنت وذاك، قد شقّ موسى على هارون على نبينا وعليهما السلام، إن من الناس من يولد مؤمناً ويحياً مؤمناً ويموت مؤمناً، ومنهم من يولد كافراً ويحياً كافراً ويموت كافراً، ومنهم من يولد مؤمناً ويحياً مؤمناً ويموت كافراً، وإنك لا تموت حتى تكفر ويغيّر

ص: 127


1- مناقب آل أبي طالب(علیهم السلام) 4: 424.

عقلك، فما مات حتى حجبه ولده عن الناس وحبسوه في منزله من ذهاب العقل والوسوسة وكثرة التخليط ويرد على أهل الإمامة، وانتكث عمّا كان عليه»(1).

ص: 128


1- بحار الأنوار 79: 85؛ رجال الكشّي: 572.

من احتجاجات الإمام الحجة(علیه السلام)

أحكام شرعية

العلّامة المجلسي(رحمة الله) عن الاحتجاج: في كتاب آخر لمحمد بن عبد الله الحميري إلى صاحب الزمان(علیه السلام) من جوابات مسائله التي سأله عنها في سنة سبع وثلاثمائة، سأل عن المحرم يجوز أن يشد المئزر من خلفه إلى عنقه بالطول ويرفع طرفيه إلى حقويه ويجمعهما في خاصرته ويعقدهما ويخرج الطرفين الآخرين من بين رجليه ويرفعهما إلى خاصرته ويشد طرفيه إلى وركيه فيكون مثل السراويل يستر ما هناك، فإن المئزر الأول كنّا نتزر به إذا ركب الرجل جملة يكشف ما هناك وهذا أستر؟

فأجاب(علیه السلام): «جائز أن يتّزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثاً بمقراض ولا إبرة يخرجه به عن حد المئزر وغرزه غرزاً ولم يعقده ولم يشد بعضه ببعض إذا غطى سرّته وركبتيه كلاهما فإن السنّة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرّة والركبتين، والأحب إلينا والأفضل لكل أحد شدّة على السبيل المعروفة للناس جميعاً إن شاء الله».

وسأل(رحمة الله): هل يجوز أن يشد عليه مكان العقد تكّة؟

فأجاب(علیه السلام): «لا يجوز شد المئزر بشيء سواه من تكّة ولا غيرها».

وسأل: عن التوجه للصلاة أيقول: على ملّة إبراهيم ودين محمد،

ص: 129

فإن بعض أصحابنا ذكر أنه إذا قال على دين محمد فقد أبدع، لأنّا لم نجده في شيء من كتب الصلاة، خلا حديثاًفي كتاب القاسم بن محمد عن جدّه حسن بن راشد أن الصادق(علیه السلام) قال للحسن: «كيف تتوجّه؟»، قال: أقول: لبيك وسعديك، فقال له الصادق(علیه السلام): «ليس عن هذا أسألك، كيف تقول: وجهّت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً؟»، قال الحسن: أقوله، فقال له الصادق(علیه السلام): «إذا قلت ذلك فقل: على ملّة إبراهيم ودين محمد ومنهاج علي بن أبي طالب والائتمام بآل محمد حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين».

فأجاب(علیه السلام): «التوجه كلّه ليس بفريضة والسنّة المؤكدّة فيه التي هي كالإجماع الذي لا خلاف فيه: وجهّت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً على ملة إبراهيم ودين محمد وهدى أمير المؤمنين وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم اجعلني من المسلمين، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يقرأ الحمد» ... .

وسأله: عن القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه أن يرد يديه على وجهه وصدره للحديث الذي روي أن الله عز وجل أجل من أن يرد يدي عبده صفراً بل يملأها من رحمته، أم لا يجوز فإن بعض أصحابنا ذكر أنه عمل في الصلاة؟

فأجاب(علیه السلام): «رد اليدين من القنوت على الرأس والوجه غير جائز في الفرائض، والذي عليه العمل فيه إذا رفع يده في قنوت الفريضة وفرغ

ص: 130

من الدعاء أن يرد بطن راحتيه مع صدره تلقاء ركبتيه على تمهّل ويكبّر ويركع، والخبر صحيح وهو في نوافل النهار والليل دون الفرائض، والعمل به فيها أفضل».

وسأل: عن سجدة الشكر بعد الفريضة، فإن بعضأصحابنا ذكر أنها بدعة، فهل يجوز أن يسجدها الرجل بعد الفريضة وإن جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟

فأجاب(علیه السلام): «سجدة الشكر من ألزم السنن وأوجبها، ولم يقل إن هذه السجدة بدعة إلا من أراد أن يحدث في دين الله بدعة، وأما الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب، والاختلاف في أنها بعد الثلاث أو بعد الأربع فإن فضل الدعاء والتسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعقيب النوافل كفضل الفرائض على النوافل، والسجدة دعاء وتسبيح، والأفضل أن يكون بعد الفرض، فإن جعلت بعد النوافل أيضاً جازٍ».

وسأل: أن لبعض إخواننا ممّن نعرفه ضيعةً جديدةً بجنب ضيعة خراب للسلطان فيها حصّة وأكرته ربما زرعوا حدودها وتؤذيهم عمّال السلطان ويتعرّض في الأكل من غلّات ضيعته وليس لها قيمة لخرابها وإنما هي بائرة منذ عشرين سنة وهو يتحرّج من شرائها لأنه يقال إن هذه الحصّة من هذه الضيعة كانت قبضت عن الوقف قديماً للسلطان فإن جاز شراؤها من السلطان وكان ذلك صواباً كان ذلك صلاحاً له وعمارة لضيعته وإنه يزرع هذه الحصّة من القرية البائرة لفضل ماء ضيعته العامرة وينحسم عنه طمع أولياء السلطان وإن لم يجز ذلك عمل بما تأمره إن شاء الله؟

فأجابه(علیه السلام): «الضيعة لا يجوز ابتياعها إلا من مالكها أو بأمره ورضاً

ص: 131

منه».

وسأل: عن رجل استحل بامرأة من حُجّابها وكان يتحرّز من أن يقع ولد فجاءت بابن فتحرج الرجل أن لا يقبله فقبله وهو شاك فيه ليس يخلطه بنفسه فإن كان ممن يجب أن يخلطه بنفسه ويجعله كسائر ولده فعل ذلك وإن جاز أن يجعل له شيئاً من ماله دون حقه فعل؟فأجاب(علیه السلام): «الاستحلال بالمرأة يقع على وجوه، والجواب يختلف فيها، فليذكر الوجه الذي وقع الاستحلال به مشروحاً ليعرف الجواب في ما يسأل عنه من أمر الولد إن شاء الله».

وسأله: الدعاء له؟

فخرج الجواب: «جاد الله عليه بما هو أهله إيجابنا لحقّه ورعايتنا لأبيه(رحمة الله) وقربه منّا بما علمناه من جميل نيّته ووقفنا عليه من مخالطته المقرّبة له من الله التي ترضي الله عز وجل ورسوله وأولياءه(علیهم السلام) بما بدأنا نسأل الله بمسألته ما أمّله من كل خير عاجل وآجل وأن يصلح له من أمر دينه ودنياه ما يحب صلاحه إنه ولي قدير»(1).

وهذا آخر ما أردنا بيانه في هذا الكتاب، والله الموفّق للصواب.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

ص: 132


1- بحار الأنوار 53: 159؛ عن الاحتجاج 2: 485.

الفهرس

المقدمة............................................................................................... 5

التقليد......................................................................................................... 8

للذكر ضعف الأنثى.......................................................................... 11

القصاص.............................................................................................. 16

تعدّد الزوجات..................................................................................... 19

الحدود والقوانين الجزائية............................................................... 25

شروط حد السارق...................................................................... 27

لماذا التملّك في الإسلام.................................................................... 31

العبيد والإماء...................................................................................... 33

الأول: العتق بأسباب واجبة...................................................... 41

كفّارة الظهار........................................................................ 41

كفّارة الدم............................................................................... 42

كفّارة العهد واليمين............................................................ 43

كفّارة شق الجيب................................................................. 44

الثاني: العتق بأسباب مستحبّة.................................................. 44

الاستحباب الخاص............................................................. 44

الاستحباب المطلق.............................................................. 45

الثالث: الحرّية القهرية............................................................... 47

ص: 133

الرابع: الحرّية بسبب الجناية.................................................... 48

الخامس: الحرّية الاختيارية...................................................... 48

نحو الحرّية........................................................................... 49

فصل بعض احتجاجات النبي(صلی الله علیه و اله) وآله الطاهرين(علیهم السلام)............. 51

من احتجاجات النبي(صلی الله علیه و اله)........................................................... 51

سل عما بدا لك..................................................................... 51

القرآن بكلام العرب............................................................ 52

بيني وبينكم التوراة............................................................. 53

من احتجاجات فاطمة الزهراء(علیها السلام)........................................... 58

احتجاجها(علیها السلام) لما منعها القوم فدك................................... 58

مع نساء المهاجرين والأنصار....................................... 62

فاطمة بضعة مني............................................................... 65

مع سلمان الفارسي............................................................. 66

مع ابن أبي قحافة................................................................ 68

خير للمرأة............................................................................. 68

من احتجاجات أمير المؤمنين(علیه السلام)............................................ 69

أسئلة في التوحيد................................................................. 69

أين ربك؟............................................................................... 69

من أسرار المعراج............................................................. 71

من احتجاجات الإمام الحسن(علیه السلام).............................................. 75

أسئلة ابن الأصفر............................................................... 75

مع ملك الروم....................................................................... 78

من احتجاجات الإمام الحسين(علیه السلام)............................................ 85

ص: 134

ملك الروم وأسئلته.............................................................. 85

من احتجاجات الإمام السجاد(علیه السلام)............................................. 87

مع قاض من قضاة الكوفة................................................ 87

من احتجاجات الإمام الباقر(علیه السلام)................................................ 89

مع نصراني الشام............................................................... 89

أربعون مسألة....................................................................... 91

من مسائل الميراث............................................................. 94

من احتجاجات الإمام الصادق(علیه السلام)........................................... 96

مع الثنوية والزنادقة........................................................... 96

مع ابن أبي العوجاء........................................................ 101

ما اسمك؟........................................................................... 101

يا مودع الأسرار.............................................................. 102

من احتجاجات الإمام الكاظم(علیه السلام)........................................... 104

ما يدل على نبوة محمد(صلی الله علیه و اله).......................................... 104

مع أبي حنيفة..................................................................... 105

من احتجاجات الإمام الرضا(علیه السلام).......................................... 106

مع سليمان المروزي...................................................... 106

مع المأمون العباسي........................................................ 110

من احتجاجات الإمام الجواد(علیه السلام)........................................... 112

مع يحيى بن أكثم............................................................. 112

أسئلة تعجيزية................................................................... 116

من احتجاجات الإمام الهادي(علیه السلام).......................................... 118

أسئلة في القرآن الكريم.................................................. 118

ص: 135

تكنية الكتابي...................................................................... 125

من احتجاجات الإمام العسكري(علیه السلام)..................................... 126

لا تناقض في القرآن....................................................... 126

من احتجاجات الإمام الحجة(علیه السلام)........................................... 129

أحكام شرعية.................................................................... 129

الفهرس....................................................................................... 133

ص: 136

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.