أضواءٌ علی نهج البلاغة المجلد 5

هوية الکتاب

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى 1439 ه - 2015م

العراق : كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة

مؤسسة علوم نهج البلاغة

www.inahj.org

Email: inahj.org@gmail.com

موبايل : 16633 078150

جمعية خيرية رقمية: مركز خدمة مدرسة إصفهان

محرر: شعبان حاتمی

بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَحِیم

أضواء علی نَهْجِ البلاغة

الجُزءُ الخَامِسُ

ص: 1

اشارة

بَحرُ العِلم و مَدارُ الحَق

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق

وزارة الثقافة العراقية لسنة 2015- 914

ص: 2

أَضْوَاءٌ عَلَى نَهْجِ البَلَاغَةِ

بشرح ابن أبي الحديد في استشهاداته الشعرية

الجُزءُ الخَامِسُ

تأليف: الدکتور علي الفتال

إصدار: مؤسسة علوم نهج البلاغة

العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى 1439 ه - 2015م

العراق : كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة

مؤسسة علوم نهج البلاغة

www.inahj.org

Email: inahj.org@gmail.com

موبايل : 16633 078150

ص: 4

الضوء الأول: التمثيل

ص: 5

ص: 6

اخترت لهذا الباب من الجزء الخامس عنوان {التمثيل}، وأعني به؛ أنَّ المتحدِّث - سواء كان الإمام علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أو غيره - كان يستشهد ويتمثَّل بأقوال غيره، شعراً كانت تلك الأقوال أو نثراً، وهذا ضوءٌ مهمٌّ للوقوف على ما الأدب العصر ذاك من أهَّمية في التمثيل به من بلغاء العرب وفي رأسهم الإمام علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، الذي [سنَّ البلاغة لقريش].

وإليك - قارئي الكريم - العيِّنات تلك من التمثيل :

من خطبةٍ له (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وقد تواترت عليه الأخبار باستيلاء أصحاب معاوية على البلاد، وقدم عليه عاملاه في اليمن وهما : عبد اللّه بن عباس وسعيد بن غران، لما غلب عليهما بُسر بن أرطأة فقام (عَلَيهِ السَّلَامُ) على المنبر ضجرة بتثاقل أصحابه عن الجهاد، ومخالفتهم إياه في الرأي، فقال :

{ما هيَ إلّا الكوفة أقبضها وأبسطها، إن لم يكن إلّا أنتٍ تهبُّ أعاصيركِ فعجكِ الله}. وتمثَّل بقول الشاعرة / 332:

لعمر أبيك الخير يا عمرو أنني***على وضرٍ من ذا الإناءِ قليل

ص: 7

ثم قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) 1/ 332 - 333 : {نُبِّئتُ أنَّ بُسراً خلَّع اليمن، وأنَّي واللّه لأظنُّ أنَّ هؤلاء القوم سیدالون منکم باجتماعهم على باطلهم، وتفرُّقكم عن حقِّكم، ومعصيتكم إمامكم في الحق، وإطاعتهم إمامهم بالباطل وبإدائكم الأمانة إلى صاحبهم، وخيانتكم، بصلاحهم في بلادهم وفسادكم، فلو ائتمنت أحدكم على قعبٍ لخشيت أن يذهب بعلاقته، أللهم أنني قد مللتهم وملُّوني، وسئمتهم وسئموني فأبدلني بهم خيرا منهم وأبدلهم بي شر مني! اللهم مِتْ قلوبهم كما يُمات الملح في الماء، أما واللّه لوددتُ أنَّ لي بكم ألف فارس من بني فراس بن غنم :

هنالك لو دعوت أتاك منهم***فوارس مثلَ أرمية الحميم

ثم نزل (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المنبر.

ومن خطبة للحجَّاج عنَّف فيها أهل العراق شرَّ تعنيف ثم تمثَّل بقول ابن بُراقة 1 / 343:

وكنتُ إذا قومٌ غزوني غزوتهم***فهل أنا في ذا يال همدان ظالمُ؟

متى تجمع القلب الذكيَّ وصارما***وأنفأحمياً تجتنبكَ المظالم

وفي خطبةٍ للحجَّاج أيضاً يمتدح بها أهل الشام تمثَّل ببيتي أخي ذبيان وهما 1 / 346

إذا حاولتَ في أسير فخوراً*** فإنِّي لستُ منكَ ولستَ منِّي

همُ درعي الذي استلأمتُ فيها***إلى يوم النشار وهم مجنِّي

وخطب الحجَّاج أيضاً بعد موت أخيه وابنه؛ ومما قال 1 / 347:

ص: 8

يا أهل العراق؛ أتيتكم وأنا ذو لمَّةٍ وافرة أرفل فيها؛ فما زال بي شقاقكم وعصيانكم حتىَّ حص شعري، كشف عن رأسه وهو صلعٌ وقال :

من يكُ ذا لِمَّة سيكشفها***فإنني غير ضائري زعري

لا يمنع المرء - أن يسود وأن***يُضربَ بالسيف قلَّة - الشعر

كان سَلَم بن عقبة ليزيد وما عمل بالمدينة في وقعة الحرِّة، كما أن بُسر المعاوية وما عمل في الحجاز واليمن، وقال ابن أبي الحديد : [ومن أشبه أباه فما ظلم وتمثل 18/2:

يُضربُ بالسيف قلة الشعر***لسنا على الأحساب نتَّكلُ

نبني كما كانت أوائلنا***تبني ونفعل مثلما فعلوا

رُوي أنَّ شريك بن عبد اللّه النُخعي حجَّ مع عمر، ولما نزلا وعظم الناس خرج شريك من رحله يُريده فلقيه المغيرة بن شعبة فرافقه ثم قال :

- أين تُريد؟

فقال :

- أمير المؤمنين.

فانطلقا يُريدان رحل عمر. لما أذن لهما دخلا فوجداه مستلقياً على برذعةٍ برحل، وبعد أن تحادثوا عن حسد قريش وكيف أنهم ما كانوا يُريدون أن يستخلف أبو بكرٍ عمرة، تمثَّل عمر بقول کعب بن زهير :

ص: 9

لا تفشِ سِرَّكَ إلَّا عند ذي ثقٍة***أولى وأفضل ما استودعتَ أسرارا

صدراً وسيعاً وقلباً واسعاً قمنا***أن لا تخافا متى أودعت إظهارا

إذ سألاه عن حسد قريش فأجابهما - بعد أن حدَّثهما طويلا - وطلب منهما کتمان ما يقول :

- كلَّا واللّه بل كان أبو بكرٍ أعق وهو الذي سألتها عنه، كان واللّه أحسد قریش كلِّها.

لما حُصر عثمان الحصر الأخير جاء مروان بن الحكم فاستصحب زید بن ثابت - وكان زيد يميل لعثمان - إلى عائشة ليكلِّمها في هذا الأمر وكانت عازمة على الحج فأقبلت على زيدٍ فقالت :

- وما منعك يبن ثابت ولك الأشاریف قد اقتطعتها عثمان، ولك كذا وكذا.

فلم يرجع زيدٌ عليها حرفة واحدة، وأشارت إلى مروان بالانصراف فانصرف وهو يقول 8/3:

[و] حرق قيسٍ عليَّ البلاد***حتى إذا اضطرمت أجذما

لما حضر الموت عبد اللّه بن مسعود أوصى عمَّار بن یاسر (رحمه اللّه) أن لا يُصلِّ عليه عثمان فعملها عمار، ولما دُفن جاء عثمان منكرة ذلك فقيل له إن عمارة ولِّيَ الأمر فقال لعمار :

- ما حملك على أن لا تؤذَنِّي؟

ص: 10

فقال :

- عُهِدَ إلىَّ أن لا أُؤذنك. فوقف على قبره وأثنى عليه وانصرف وهو يقول : (رفعتم واللّه أيديكم من خير من بقي).

فتمثَّل الزبير بقول عبد اللّه بن الأبرحي 42/3:

لا ألفيَنَّك بعد الموت تندبني***وفي حياتيَ ما زوَّدتني زادي

عنَّف محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) زیداً لما خرج، وحذَّره القتل، وقال له :

- إن أهل العراق خذلوا أباك عليَّاً وحسناً وحسيناً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وإنّك مقتولٌ، وإنهم خاذلوك.

فلم يُثنِ عزمه، وتمثَّل قائلاً :

بکرت تُخوِّفني الحتوف كأنَّني***أصبحتُ عن غرض الحتوف بمعزل

فأجبتها أن المنية منهلٌ***لابدَّ أن أُسقى بذاك المنهلِ

إن المنية لو تُمثَّل مَثِّلت***مثلي، إذا نزلوا بضيق المنزلِ

فاقني حياءكِ لا أبا لكِ واعلمي***أني امرؤٌ سأموت إن لم أُقتلِ

خرج عبد الملك المقاتلة مصعب بن الزبير فجاءته امرأته عاتكة بنت یزید بن معاوية، فالتزمته وبكت لفراقه، وبکی جزارِ حولها، فقال عبد الملك :

- قاتل اللّه ابن أبي جمعة كأنه شاهد هذه الصورة حيث قال 3 / 296:

ص: 11

إذا همَّ بالأعداء لم يُثنِ عزمه***حصانٌ عليها محض نظمٍ يزينها

نهته فلما لم ترَ النهي عاقه***بكت وبكى مما عراها قطينها

كان مصعب لما خرج إلى عبد الملك سأل عن الحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكيف كان قتله ؟ فجعل عروة بن المغيرة يُحدِّث عن ذلك، فقال متمثِّلاً بقول سليمان بن فتَّة 3 / 298:

وأنَّ الأُلى بالطف من آل هاشمٍ***تأسَّوا فسنَّوا للكرام التأسِّيا

لما كان يوم السبخة، وعسكر الحجَّاج بإزاء شبيب، قال له الثاني :

- أيها الأمير، لو تنحَّيت عن هذه السبخة فإنهما فتنة الريح.

قال :

- ما تنحُّونني - واللّه - إليه أنتن، وهل ترك مصعب لكريمٍ معزا؟

ثم أنشد قول الكلحية 3 / 298:

إذا المرء لم يخشَ الكريهةَ أوشكت***حبالُ الهُوينا بالفتى أن تُقطَّعا

لما وُضع رأس مصعب بين يدي عبد الملك أنشد 197/3:

لقد أردى الفوارس يوم حيٍ***غلامٌ غير منَّاع المتاع

ولا وقَّافةً والخيل تُروى***ولا خالٍ كأنبوب اليراعِ

لما خرج إبراهيم بن عبد اللّه، ومرَّ بمربد سلیمان بن علي وقف عليهم وأمنَّهم واستسقى ماءً، فأُتيش به فشرب فأجريَ إليه صبيان من صبيانهم فضمهم إليه، وقال :

ص: 12

- هؤلاء - واللّه - منَّا ونحن منهم! لحمنا ودمنا ولكنَّ آباءهم انتزوا على أمرنا وابتزُّوا حقوقنا، وسفكوا دماءنا، ثم تمثَّل 309/3 :

مهلاً بني عمِّنا ظلامتنا***أنَّ بناسُورةً من الفلق

لمثلكم تُحمل السيوف ولا***تُغمز أحسابنا من الرققِ

إني لأُنمى - إذا انتحيت - إلى***عزٍّ عزيزِ ومعشرٍ صَدِق

بيضٍ سباطٍ كأنَّ أعينهم***تُكحُل - يوم الهياج - بالعلقِ

ولما أتاه نعي أخيه محمَّد انفجر باكياً مناجياً اللّه تعالى ثم تمثَّل ( 309/3):

أبا المنازل يا خير الفوارس من***يُفجعْ بمثلك في الدنيا فقد فُجِعا

اللّه يعلم أنِّي لو خشيتُهُم***أو آنسَ القلب من خوف لهم فزعا

لم يقتلوك ولم أُسلم أخي لهمُ***حتى نعيش جميعا أو نموت معا

فجعل المفضِّل يُعزِّيه ويعاتبه على ما ظهر من جزعه فقال :

- إنِّي - واللّه - في هذا كما قال دُريد بن الصمَّة 3/ 310:

يقول ألا تبكي أخاك وقد أرى***مكان البُكا، لكن بنيت على الصبرِ

لمقتل عبد اللّه والهالك الذي***على الشرف الأعلى قتيل أبي بكرِ

وعبد يغوثِ تحجل الطير حوله***وجلَّ مصاباً حثوُ قبرِ على قبرِ

فأما ترينا لانزال وماؤنا***لدى واترٍ يسعى بها آخر الدهر

فإنَّ لحكم السيف غير نكيرةٍ***ونلحمه طوراً وليس بذي نُكْرِ

يُغار علينا واترين فيشتفي***بنا إن أصبنا أو نفير على وترِ

بذاك فسحنا الدهر شطرين بيننا***فما ينقضي إلّا ونحن على شطرِ

ص: 13

ثم ظهرت جيوش أبي جعفر مثل الجراد، فتمثَّل إبراهيم قوله 210/3:

إن يقتلوني لا تصيب رماحهم***ثأري ويسعى القوم سعياً جاهدا

نُبِّئتُ أن بني جُذيمةَ أجمعت***أمراً تدبِّرهُ لتقتل خالدا

أرمي الطريق وإن رُصدتُ بضيقه***وأُنازل البطل الكميَّ الحاردا

وأقبلت عساكر أبي جعفر فطعن رجلاً وطعنه آخر، فقال له المفضِّل :

- أتباشر القتالَ بنفسك؟ وإنما العسكر منوط بك.

قال : إليك يا أخا بني ضبَّة، فإنِّي لكما كما قال عويف القوافي 3/ 310:

ألَّمت سعادٌ وإلمامُها***أحاديث نفسٍ وأحلامُها

محجَّبةٌ من بني مالكٍ***تطاول في المجد أعلامها

وإنَّ لنا أصل جرثومةٍ***تردُّ الحوادث أيَّامُها

تردُّ الكتيبة مغلولةً***بها أفنها وبها ذامها

والتحمت الحرب واشتدَّتْ، فقال : يا مفضَّل احكني بشيء؛

فذكر أبياتاً لعويف القوافي لما كان ذكره هو من شعر فأنشد 211/3 :

ألا أيها الناهي فزارة بعدما***أجدتَ لسيرٍ، إنما أنتَ ظالمُ

أبي كلِّ حرٍّ أن يبيت بوتره***وتمنع منه النوم إذ أنت نائم

أقول لفتیانٍ کرامٍ تروّحوا***على الجُرد في أفواههنَّ الشكائمُ

قفوا وقفةً من يحيى لا يُخزَ بعدها***ومن يخترم لا تتبعه اللوائمُ

وهل أنت إن باعدت نفسك عنهمَّ***لتسلم فيما بعد ذلك سالمُ

ص: 14

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) مجيبا أحد أصحابه عن كيفية دفعهم عن هذا المقام وهم أحقُّ به :

... أما الاستبداد علينا بهذا المقام، ونحن الأعلون نسباً والأشدَّون بالرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) نوطا، فإنها كانت أثرة سمت عليها نفوس قومٍ وسخت عنها نفوس آخرين، والحكم للّه، والمَعوَدُ إليه يوم القيامة.

ودع عنك نهباً صيحَ في حجراتِه***ولكنْ حديثا ما حديث الرواحلِ

وهلمَّ الخطب في ابن أبي سفيان، فلقد أضحكني الدهر بعد بكائه؛ ولا غروَ واللّه، فيا له غروا يستكثر العجب ویُکثر الأوَد.

لذلك القول المبين استشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول 241/9 - 244:

[تنقَّل امرؤ القيس بعد مقتل أبيه، في أحياء العرب. ومَن نزل عندهم خالد بن سدوس، فأغارت بنو جديلة على امرئ القيس وهو في جوار خالد ابن سدوس فذهبوا بإبله، وكان الذي أغار عليه باعث بن حويص، فأخذ خالد بن سدوس رواحل امرئ القيس وركب في إثر القوم حتى أدركهم وبدل أن يأخذ الإبل أخذوا الرواحل منه وذهبوا بها وبالإبل، فقال امرؤ القيس 244/9 - 245:

[و] دع عنك نهباً صيح في حجراته***ولكن حديثاً ما حديث الرواحلِ

كأنَّ دثاراً حلَّقت بلبونةٍ***عقاب التنوع لا عقاب القواعلِ

تلعَّب باعثٌ بذمَّةٍ خالدٍ***وأودى دثاري في الخطوب الأوائل

ص: 15

وأعجبني مشيُ الحُزُقَّة خالدٍ***كمشي أتانٍ حُلِّئت بالمناهلِ

أبت أجأً أن تسلم العام جارها***فمن شاء فلينهض لها من مقاتلِ

تبيت لبونٌ بالقُرَيَّةِ آمناً***وأسرجها غبَّا بأكتاف حائلِ

بنو ثعلٍ جيرانها وحماتها***وتمنع رُمَّاة سعدٍ ووائلِ

تلاعب أولاد الوعول رباعها***دُوَينَ السماء في رؤوس المجادلِ

مكلَّلةٌ حمراء ذات أسرَّةٍ***لها حبكٌ كأنَّها من وصائل

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) من كتاب له إلى معاوية جواباً :

... أن قوما استشهدوا في سبيل اللّه تعالى من المهاجرين والأنصار، ولكلِّ فضل، حتى إذا استشهد شهيدنا قيل : سيد الشهداء، وخصَّه الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه، أوَ لا ترى أن قوما قطعت أيديهم في سبيل اللّه ولكلِّ فضل حق فُعل بواحدنا ما فُعِل بواحدهم، قيل : الطيار في الجنَّة وذو الجناحين.

ولولا ما نهي اللّه عنه في تزكية المرء نفسه لذكر ذاكرٌ فضائل جمَّة تعرفها قلوب المؤمنين، ولا تمحها آذان السامعين ] 181/15 - 182.

لذلك القول الكريم أورد ابن أبي الحديد مفاضلة بين بني أُميَّة وبني هاشم وعدَّد خصائص كل منهما ورجح خصائص بني هاشم على بني أُميَّة ذاكرة ما فعله بنو أُميَّة ببني هاشم كقتل عبد اللّه بن زیاد يوم الطف تسعة من صلب علي [ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ]. وسبعة من صلب عقيل، وتمثَّل بقول الناعي 10/ 236:

ص: 16

عينُ جودي بعبرةٍ وعويلِ***واندبي - إن ندبتِ - آل الرسولِ

تسعةً كلهم لصلب عليٍّ***قد أصيبوا وسبعةً من عقيلِ

وأورد زعم بني أُميَّة أنَّ عقيلاً أعان معاوية على عليِّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإن كانوا كاذبين نجا أولاهم بالكذب، وإن كانوا صادقين جازوا عقيلاً بما صنع أو ضرب عنق مسلم بن عقیل صبرة وغدرة بعد الأمان، وقتلوا معه هاني بن عروة لأنه آواه ونصره، وتمثل بقول الشاعر 15/ 236 - 237 :

فإن كنتِ لا تدرين ما الموت فانظري***إلى هانيٍ في السوق وابن عقيل

تريْ بطلاً قد هشَّم السيف رمحه***وآخر يهوي من طمار قتيل

ثم عدَّد كذلك ما فعله بنو أُميَّة ببني هاشم فمن قُتِل بالسيف أو بالسم، وما فعلوا : نبشوا زيد وصلبوه وألقوا رأسه توطؤ بالأقدام، وينقر دماغه الدجاج حتى قال القائل 15238:

اطردوا الديك عن ذؤابة زيدٍ***طالما كان لا تطاه الدجاجُ

وتمثَّل بقول شاعرهم 15 / 238 :

صلبنا لكم زيداً على جذع نخلةٍ***ولم نرَ مهديَّاً مع الجذع يُصلبُ

وقستم بعثمانٍ علیَّاَ سفاهةَ***وعثمان خيرٌ من عليٍّ وأطيبُ

ثم عدَّد مثالب أُخرى لبني أُميَّة وتمثَّل بقول شاعرهم 15 / 238 :

أفاض المدامع قتلی کُدیً***وقتی بکشوةَ لم تُرمسِ

وبالزابيين نفوس ثوت***وأُخرى بنهر أبي فطرسِ

ص: 17

وتمثل بقول بني هاشم 15 / 238 - 239:

واذكروا مصرع الحسين وزيداً***وقتيلاً بجانب المتراس

والقتيل الذي بنجران أمسى***ثاويا بين غربةٍ وتناس

وتمثَّل بقول الراجز يذكر دولة بني هاشم 240/15 :

قد رفع اللّه رماح الجنِّ***وأذهب التعذيب والتجنِّي

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) من وصيَّة للحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفِّين :

من الوالد الفاني المقر للزمان، المدير العمر، المستسلم للدهر، الذام للدنيا، الساكن مساكن الموتى، الظاعن عنها غدا، المولود المؤمَّل، ما لا يُدرك، السالك سليل من قد هلك؛ غرض الأسقام، ورهينة الأيام، وأسير الموت، وحليف الهموم وقرين الأحزان، ونصب الآفات، وصريع الشهوات وخليفة الأموات 9/16.

لتلك الوصية استشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول :

[عندما أراد الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) مغادرة العراق إلى المدينة، ولما صار بدیر هند نظر إلى الكوفة وقال 16 / 16:

ولا من قلىً فارقت دار معاشري***هم المانعونَ حوزتي وذماري

خطب الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد وفاة أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخبر القوم بوفاة أبيه ثم قدَّم نفسه لهم وعرَّفهم بنفسه، ولما انتهى من خطبته قام عبد اللّه بن عباس بين يديه فدعا الناس إلى بيعته، فاستجابوا وقالوا : ما أحبَّه إلينا وأحقَّه

ص: 18

بالخلافة! فبايعوه ثم نزل من المنبر.

ودسَّ معاوية رجلاً من حمير إلى الكوفة، ورجلاً من بني القين إلى البصرة يكتبان إليه بالأخبار فدُلَّ على الحميري وعلى القين فأُخِذا فقُتِلا. وكتب الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى معاوية :

أما بعد : فإنَّك دسست إلىَّ الرجال، كأنَّك تحبُّ اللقاء؛ لا شكَّ في ذلك فتوقَّعه إنشاء اللّه، وبلغني أنك شمتَّ بما لم يشمت به ذو الحجى؛ وإنما مثلك في ذلك كما قال الأول 16 / 31]:

فإنَّا ومن قد مات منَّا لكالذي***يروح فيمسي في المبيت ليفتدي

فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى***تجهَّز لأُخرى مثلها لكأنْ قد»

فأجابه معاوية :

[أما بعد : فقد وصل كتابك، وفهمنا ما ذكرت فيه، ولقد علمت بما حدث فلم أفرح ولم أحزن ولم أشمت ولم آس، وإن عليا أباك، كما قال أعشى بني قيس بن ثعلبة 16 / 31]:

فأنت الجواد وأنت الذي***إذا ما القلوب ملأنَ الصدورا

جديرٌ بطعنة يوم اللقاء***يُضرب منها النساء النحورا

وما مزيدٌ من خليج البحار***يعلو الأكام ويعلو الجسورا

بأجود منه بما عندهُ***فيعطي الألوف ويعطي البدورا

وكتب عبد اللّه بن عباس من البصرة إلى معاوية :

ص: 19

[أما بعد : فإنك دسست أخا بني القين إلى البصرة تلتمس من غفلات قريش بمثل ما ظفرت به من يمانيَّتك لكما قال

أميَّة بن أبي الأسكر 16 / 32]:

لعمرك إني والخزاعي طارقاً***كنعجة عار حتفها تتحفَّرُ

أشارت عليها شفرةٌ بكرامها***فظلَّت بها من آخر الليل تنحرُ

شمتَ بقومٍ من صديقك أهلكوا***أصابهمُ يومٌ من الدهر أصفرُ]

فأجابه معاوية :

[أما بعد : فإن الحسن بن علي قد كتب إليَّ بنحو ما كتبت، وأنبأني بما لم يُحقِّق سوء ظن ورأيٍ فيَّ، وأنك لم تصب مثلي ومثلكم وإنما مثلنا كما قال طارق الخزاعي يجيب أُميَّة عن هذا الشعر 16 / 32:

فواللّه ما أدري وإني لصادقٌ***إلىِّ أي من يظنُنَّني أتعذَّرُ

أُعنَّف إن كانت زبيبة أهلكت***ونال بني لحيان شرَّاً فأنفروا]

وكتب معاوية كتابا إلى الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يستميله ويُهدِّده في آنٍ واحد وختم الكتاب بقول الأعشى بن قيس بن علبة 16 / 37:

وإن أحدٌ أسدى إليك أمانةً***فأوفِ بها تُدعى إذا متَّ وافيا

ولا تحسد المولى إذا كان ذا غنى***ولا تجفهِ إن كان في المال فانيا

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

.. وإيّاك ومشاورة النساء فإنَّ رأيهنَّ أفن، وعزمهنَّ إلى وهن».

ص: 20

استشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول :

[لما بلغ فاطمة إجماع أبي بكرٍ على منعها فدك لاثت خمارها وقصدت أبا بكر في جمعٍ من الأنصار والمهاجرين وألقت هناك خطبةً طويلة أبكت الحاضرين ثم تمثَّلت بقول هند بنت أثاثة 212/16:

قد كان بعدك أنباءٌ وهيمنةٌ***لو كنت شاهدها لم تكثر الخطبُ

أبدت رجالٌ لنا نجوى صدورهمُ***لما قضيت وحالت دونك الكتبُ

تجهَّمتنا رجالٌ واستخفَّ بنا***إذ نُحتَ عنَّا فنحن اليوم نُغتَصبُ

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من وصية له للحسن والحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) لما ضربه ابن ملجم لعنه اللّه :

«.. واللّه اللّه في جيرانكم، فإنه وصية نبيِّكم، ما زالُ يوصي بهم حتى ظنِّنا أنَّه سيورثَّهم» 15/17.

. استشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول :

[سئل سليمان بن علي بن خالد بن صفوان عن ابنیه (محمد وسليمان) وكانا جاریه، فقال :

- كيف أجارك جوارهما؟

فتمثل بقول یزید بن مفرَّغ الحميري] :

سقى اللّه داراً لي وأرضاً***إلى جنب داري معقل بن يسارِ

تركتها***فيالك جاري ذلَّة وصغار

ص: 21

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «(والصقْ بأهل الورع والصدق ثم رضهم على أن لا يطروك ولا يُبجِّعوك بباطلٍ لم تفعله، فإن كثرة الإطراء تُحدث الزهو وتُدني من العزَّة».

استشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول 17 /44 - 45:

[قال خالد بن عبد اللّه القسري إلى عمر بن عبد العزيز يوم بيعته :

- من كانت الخلافة زائنته فقد زيَّنتها، وإن كانت شرَّفته فإنك لكما قال القائل] :

وإذا الدُرُّ زان حسنَ وجوهٍ***كان للدُرِّ حسن وجهك زينا

فقال عمر بن عبد العزيز :

مستقبلين رياح الصيف تضربهم***بحاصب بين أغوارٍ وجلمودِ

- لقد أُعطيَ صاحبكم هذا مِقْوَلاً وحُرَم معقولاً، وأمره أن يجلس.

في أحد أيام فتح مكةً مكث رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في قُبَّة ساعةً من النهار، ثم دعا براحلته - بعد أن اغتسل وصلَّی – فأُدْنيَت إلى باب القُبَّة فخرج وعليه السلاح والمغفر على رأسه، وقد صفَّ له الناس، فركبها والخيل تُسرع ما بين الخندق إلى الحجون... وإذا بنات أبي أُحيحة سعيد بن العاص بالبطحاء وإزاء منزل أبي أُحيحة، وقد نُشرت شعورهن، فلطمن وجوه الحيل بالخُمر، فنظر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى أبي بكر فتبسم وأنشد قول حسَّان 17 / 278:

ص: 22

تظل جيادنا متعطِّراتٍ***تُلطَّمهنَّ بالخُمر النساءُ

كان قيس بن صبابة يوم فتح مكة عند أخواله بني سهم، فاصطبح الخمر في ذلك اليوم في ندامی له، وخرج ثملاً يتغنَّى ويتمثَّل بأبيات منها 18 / 115 :

دعيني أصطبح يا بكر أنَّي***رأيت الموت نقَّب عن هشامِ

ونقَّب عن أبيكِ أبي يزيدٍ***أخي القينات والشرب الكرامِ

يُخبِّرنا ابن كبشةَ أنْ سنحيا***وكيف حياة أصداء وهام

إذا ما الرأس زال بمنكبيهِ***فقد شبع الأنيس من الطعامِ

أتقتلني إذا ما كنت حیَّا؟ وتحييني إذا رمَّت عظامي؟

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«العلو وراثةٌ كريمةٌ والآداب حللٌ مجدِّدة، والفكر مرآةٌ صافيه».

استشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول 18 / 93 و 196:

[سأل الواثق عن خبر (إنَّ) في البيت :

أظلومُ انَّ مصابكم رجلاً***- أهدى السلام تحيةً - ظلمُ

فقيل له؛ (رجلاً) فسأل عمن بقي من النحويين؟ فقيل له : أبو عثمان المازني، ولما شخص بين يديه صار يسألهُ عن عشيرته فيجيبه حتى سأله عن خبر (إنَّ) في البيت، فقال :

- (ظلم)، لأنَّ البيت إن لم يجعل (ظلم) خبر إنَّ يكون مقطوع الفائدة.

[ويضيف علي الفتال : لأنَّ (أهدي السلام تحيَّةً) هو (تشکیل اعتراضي)

ص: 23

فبرفعه من جملة البيت تكون الجملة الباقية (أظلوم أن مصابكم رجلاً ظلمُ) فتكون الجملة تامة ب (ظلم) ].

فقال الواثق : قبَّح اللّه من لا أدب له. ثم قال : - ألك ولد؟ فأجابه :

-ألك ولد؟

- بنيَّة.

قال : فما قالت لك حين ودَّعتها؟

قال :

- قالت ما قالت أبيات الأعشى :

تقول ابنتي حين جدَّ الرحيل***أرانا سواء ومن قد يتمْ

أبانا فلا رمت من عندنا***فإنَّا بخير إذا لم ترُمْ

أبانا إذا أصخرتك البلاد***نجضُّ ونقطع منا الرحمْ

فسأله الواثق :

فما قلت لها؟

قال :

- أنشدتها بيت جریر :

ثقي باللّه ليس لهُ شريكٌ***ومن عند الخليفة بالنجاحِ

ص: 24

فقال الواثق :

- بالنجاح إنشاء اللّه.

ثم أمر له بألف دينار وكسوة، ومشى إلى البصرة.

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) :«أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم، فما يعثر منهم عاثر إلّا ويدُه بيد اللّه يرفعه».

استشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول 18 / 128 - 129:

سُئل النظَّام عن المروءة فأنشده بیت زهير :

السترُ دون الفاحشات ولا***يلقاك دون الخير من سترِ

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) :«إذا حييت بتحيَّةٍ فحيي بأحسن منها، وإذا أُسديت إليك فكافئها بما يُربي عليها، والفضل - مع ذلك - للبادي) 201/18:

استشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول 18 / 203:

[جاء رجلٌ إلى معاوية، وهو في مجلس العامة، فقال :

- يا أمير المؤمنين أن لي حرمة.

فقال :

- وما هي؟

قال :

- دنوت من ركابك يوم صفِّين، وقد قربت فرسك الثغر وأهل العراق قد رأوا الفتح والظفر، فقلت لك : واللّه لو كانت هند بنت عتبة مكانك ما فرَّت ولا

ص: 25

اختارت إلَّا أن تموت كريمة أو تعيش حميدة، أين تفر وقد قَّلدتك العرب أزمَّة أُمورها وأعطتك قياد أعنَّتها؟ فقلت لي : أخفض صوتك لا أمَّ لك! ثم تماسكت وثبتَّ وثابت إليك حماستك، وتمثَّلت - حينئذ - بشعرٍ أحفظ منه :

أبت لي عفَّتي وأبی بلائي***وأخذي الحمد بالثمن الربيحِ

واجشامي على المكروه نفسي***وضربي هامة البطلِ المشيحِ

وقولي كلَّما جأشت وجاشت***مكانِك تُحمدي أو تستريحي

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) :«الشفيع جناح الطالب».

استشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول : 207/18:

[قال المبرَّد لعبد اللّه بن يحيى بن خاقان، أنا شفيعٌ إليك، أصلحك اللّه في أمر فلان، فقال له :

- قد سمعت وأطعت وسأفعل في أمره كذا، وما كان من نقص فعليَّ، وما كان من زيادةٍ فله.

قال المبرَّد :

- أنت - أطال اللّه بقاءك - كما قال زهير :

وجارٍ سار معتمداً إلينا***أجاءته المخافة والرجاء؟

ضمنَّا ماله فغدا سليماً***علينا نقصهُ وله النماء]

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) :«يهلك فيَّ رجلان، محبٌّ مفرط، وباهتٌ مُغتر».

استشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول 220/20 - 223:

ص: 26

[كتب میمون بن مهران إلى عمر بن عبد العزيز برفقة رجلين وامرأة أبوها والثاني زوجها، وأن أباها زعم أن زوجها حلف بطلاقها، أن عليَّ ابن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) خير هذه الأمة وأولادها برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )

وكتب في أسفل الكتاب :

إذا ما المشكلات وردن يوماً***فحارت في تأمبُلها العيونُ

وضاق العزم ذرعا عن نباها***فأنت لها أبا حفصِ أمين

لأنك قد حويت العلم طرَّا***وأُحكمت التجارب والشؤونُ

وخلَّفك الإله على الرعايا***فحظُّك فيهم الحظُّ الثمينُ

فجمع عمر بن عبد العزيز بني هاشم وبني أُميَّة أفخاذ قریش، ولما استوضح عمر وتأكد من الرجل أكبَّ ملياً ينكت الأرض بيده والقوم صامتون ينظرون ما يقوله، ثم رفع رأسه وقال :

إذا وليَ الحكومة بين قومٍ***أصاب الحقَّ والتمس السدادا

وما خير الإمام إذا تعدَّى***خلاف الحق واجتنب الرشادا

ثم قال للقوم :

- ما تقولون في يمين هذا الرجل؟

فسكتوا، وأوكلوا الأمر إليه، فالتفت إلى رجل من بني هاشم من ولد عقیل ابن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له : ما تقول فيما حلف هذا الرجل یا عقيلي؟

- فقال كما قال الأول :

ص: 27

دُعيتم إلى أمرٍ ولما عجزتُم***تناوله من لا يُداخله عجزُ

فلما رأيتم ذاك أبدت نفوسكم***نداماً وهل يُغني من القدر الحرز

فاستحسنه عمر وطلب منه أن يقول رأيه، فقال، بعدم طلاقها، مستنداًإلى الرواية التي تقول : إن فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) كانت مريضة فاشتهت عنبة، وليس وقت عنب، ولما كان أبوها عندها وعليٌّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، لم يكن في الدار فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إن اللّه قادرٌ على أن يجيئنا به، ثم قال : اللهم ائتنا به من أفضل أمتي عندك منزلة فطرق على الباب ودخل ومعه یکتل قد ألقى عليه طرف ردائه، فقال له النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ):

- ما هذا يا علي؟

فقال : عنبٌ التمسته لفاطمة... إلخ.

فأقرّ عمر بعدم صحة الطلاق، فدعا إلى أصحاب زوجته وقال :

- يا بني عبد مناف ما نجهل ما يعلم غيرنا ولا بنا عمىً في ديننا ولكنَّا كما قال الأول :

تصیَّدت الدنيا رجالاً بفخِّها***فلم يدركوا خيراً بل استقبحوا شرَّا

وأعماهمُ حُبُّ الغنى وأحمَّهم***فلم يدركوا إلَّا الخسارة والوزرا]

بعد أن ذكر العباس ما كان منه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يتقدم ليبايعه المسلمون فرفض أجابه الإمام علي (عَلَيهِ السَّلَامُ):

- اما أني أعلم أنهم سيولون عثمانة وليحدث البدع والأحداث، ولئن بقيَ

ص: 28

لأُذكِّرنَّك، وإن قُتل أو مات ليُتداولُنَّها بنو أُميَّة بينهم، وإن كنت حيَّاً لتجدني حيث تكرهون، ثم تمثل 1 / 192 :

حلفت بربِّ الراقصات عشيَّةً غدون خفافاً يبتردن المحصَّبا

ليجتلبنْ رهط بن يعمر غدوةً***نجيعا بنو الشُداخِّ وِرداً مصلَّبا

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في ذم أصحابه :

«إنَّكم - واللّه - لكثيرٌ في الباحات قليلٌ تحت الرايات» 102/6.

استشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول 6 / 108:

[إن امرأة الوليد بن عبد الملك تمثَّلت ببيتين من الشعر وهي تصفه -بعد تأنيبه - بكلامٍ مقذع وهما :

أسدٌ عليَّ وفي الحروب نعامةٌ***ربداء تنفر من صفير الصافرِ

هلَّا برزت إلى غزالة في الوغى***أم كان قلبك في جناحي طائر]

بعد أخذٍ وردٍّ بين ابن عبَّاس وابن الزبير، قال ابن الزبير :

- أتُعيِّر الزبير بالجبن؟ واللّه أنك لتعلم منه خلاف ذلك.

قال ابن عباس :

- واللّه إني لا أعلم إلَّا أنه فرَّ وما كرَّ، وحارب وما صبر، وبايع فما تمَّم، وقطع الرحم، وأنكر الفضل، ورام ما ليس له بأهل] 327/9.

وأدرك منها بعض ما كان يرتجي***وقصَّر عن جري الكرام ووطَّدا

وما كان إلأ كالهجين أمامه***عناقاً فجاراه العناق فأجهدا

ص: 29

وأنشد منشدٌ عند عمر قول طرفة 11 /82:

فلولا ثلاثٌ هنَّ من عيشة الفتى***وجدِّك لم أحفل متى قام عُوَّدي

ومنهنَّ يبقي العاذلات بشربةٍ***كميتٍ متى ما تعلُ بالماء تزبدِ

وكرِّي إذا نادى المطاف مُحنِّياً***کسيد الفضا نبَّهته المتورِّدِ

وتقصير يوم الدجن والدجن***معجب بيهكنة تحت الطواف المُعمَّدِ

فقال عمر:

- وأنا لولا ثلاث من عيشة الفني لم أحفل من قام عُوَّدي؛ حُبّي في اللّه، وبغضي في اللّه، وجهادي في سبيل اللّه.

وأكلَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قليلاً من التمر، وشرب عليه ماءً، وأمرَّ يده على بطنه وقال : من أدخله بطنُه النار فأبعده اللّه، ثم تمثَّل 19 / 187 :

فإنك مهما تعطِ بطنك سؤله***وفرجك نالا منتهى الذمِّ أجمعا

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في ذكر عمر بن العاص 2/ 280:

«... أما بعد - وشرِّ القول الكذب - أنه ليقول فيكذب، ويعد فيخلف، ويُسأل فيبخل، ويَسأل فيلحف، ويخون العهد، ويقطع الآل».

استشهد ابن أبي الحديد بمفاخرة بين الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ورجالات قریش، وكان منهم عمر بن العاص فأجابهم الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) واحداً واحداً ذاكراً عيوبهم ومواقفهم من الإسلام في بداية دعوته حتى انتهى إلى عمرو بن العاص، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) 292/6:

ص: 30

ويحك يا ابن العاص، الستَ القائل في بني هاشم لما خرجت من مكَّة إلى النجاشي؟:

تقول ابنتي أين هذا الرحيل***وما السير مني بمستنكرِ

فقلتُ ذريني فإني امرؤٌ***أريد النجاشيَّ في جعفر

الأكوَيهُ عندهُ كيَّةً***أُقيم بها نخوة الأصعر

وشانئِ أحمد من بينهم***وأقوالهم فيه بالمنكرِ

وأجري إلى عتبةٍ جاهداً***ولو كان كالذهب الأحمرِ

ولا أنثني عن بني هاشمٍ***وما اسطعتُ بالغيب والمحضر

فإن قبل العتب منِّي له***وإلَّا لویتُ لهُ مشفري

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) عند دفن سيِّدة النساء فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)، كالمناجي به رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عند قبره 10 / 290:

«السلام عليك يا رسول اللّه مني ومن ابنتك النازلة إلى جوارك، والمسرعة للحاق بك، قلَّ - یا رسول اللّه عن صفيَّتك صبري، ورقَّ عنها تجلُّدي... أما حزني فرمد وأما ليلي فمسهَّد، إلى أن يختار اللّه لي دارك التي أنتَ بها مُقيم».

وتمثل (عَلَيهِ السَّلَامُ) عند قبر فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) 288/10:

ذكرتُ أبا أروى فبتُّ كأنني***بردِّ الهموم الماضيات وكيلُ

لكلِّ اجتماعٍ من خليلين فرقةٌ***وكل الذي دون الفراق قليلُ

وإن افتقادي واحداً بعد واحدٍ***دليلٌ على أن لا يدوم خليلُ

ص: 31

ص: 32

الضوء الثاني: التراث الشعبي

اشارة

ص: 33

ص: 34

توضیحٌ:

لكلِّ أُمّةٍ تراثها الشعبي، وهو متواصلٌ عبر عصورها التاريخية. وأُمَّتنا العربية غنية بهذا التراث، وهو يتواصل حتى يومنا هذا. ولما كنت قد وجدن عيِّنات، لا بأس بها من هذا التراث، ولتواصلها مع ما نراه اليوم، رأيت من المناسب أن أُفرد له فقرة قائمة بذاتها، ولعلاقة ذلك بشعرنا العربي الذي تكثر فيه الإشارات إلى هذا التراث.

صيد الحيوان

قال الإمام علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، من كلامٍ له لما أُشير عليه أن لا يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال 1 / 223:

«واللّه لا أكون كالضبع تنام على اللدم؛ حتى يصل إليها طالبها ويختلها راصده».

والعرب تقول في رموزها وأمثالها : (أحمق من ضبع) ويزعمون أن الصائد يدخل عليها وُجارهَها، فيقول لها : (اطرقي أُمَّ طرَيِّق، خامري أُمَّ عامر). ويُكرَّر ذلك عليها مرارا.

ص: 35

معنى (اطرقي أُمَّ طُرَيْق) : طأطئي رأسك، وكنَّاها ب (أُمَّ طُرَيْق) لكثرة إطراقها، ومعنى (خامري) : إلزمي وُجارَك واستري فيه، فتلجأُ إلى أقصى مغارها وتتقبَّض فيقول : أُمُّ عامر لیست في وجارها... أُمُّ عامر نائمة. فتمد يديها ورجليها وتستلقي، فيدخل عليها فيُوثقها، وهو يقول :

ابشري أمَّ عامر بكُمِّ الرجال، ابشري أُمِّ عامر بشاءٍ هزلٍ وجرادٍ عظلي. فتُشدُّ عراقیبها فلا تتحرَّك، وإلى هذا أشار الكميت 1 /224:

فعل القرة للمقالة***خامري يا أُمَّ عامر

وقال الشنفرى :

(و) تعيرون أن قبري محرَّمٌ***عليكم ولكن خامري أُمُّ عامر

إذا ما مضى رأسي وفي الرأس أكثري***وغودر عند الملتقى ثم سائري

هنالك لا أرجو حياةً تُسرُّني***بحبس الليالي ميسلاً بالجرائرِ

الحسد : قال منصور الفقيه / 316/1 :

منافسة الفتى فيما يزول***على نقصان همَّتهِ دلیلُ

ومختار القليل أقلُّ منهُ***وكلُّ فوائد الدنيا قليلُ

وقال أبو تمَّام 1 / 319:

وإذا أراد اللّه نشر فضيلةٍ***طويت أتاح لها لسان حسودِ

لولا اشتعال النار فيما جاورت***ما كان يُعرف طيب عرف العودِ

لولا محاذرة العواقب لم تزل***للحاسد النعمي على المحسودِ

ص: 36

وقال آخر 1 /317:

قل للحسود إذا تنفَّس ضغنهُ***ياطالما وكأنهُ مظلومُ

وقال آخرا /318:

يا طالب العيش في أمنٍ وفي دعةٍ***محضاً بلا كدرٍ صفواً بلا رنَقِ

خلِّص فؤادك من غِلٍّ ومن حسدٍ***فالغِلُّ في القلب مثلَ الغِلِّ في العُنُقِ

ومن الشعر المنسوب إلى الكميت الأسدي أو بشاَّر 1 /318:

إن يحسدوني فإنِّي غير لائمهم***قبلاً من الناس أهلَ الفضل قد حسدوا

فدام لي ولهم مابي وما بهمُ***ومات أكثرنا غيظاً بما يجدُ

وقال أبو الأسود الدؤلي 1 / 319:

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه***فالكلُّ أعداءٌ لهُ وخصومُ

لضرائر الحسناء قلن لوجهها***- حسداً وبغياً - إنَّه لدميمُ

التطيُّر والفأل

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«إنَّ العين حق، والرقى حق، والسحر حق والفأل حق، والطيرة ليست بحق، والعدوى ليست بحق والطيب نشرة، والعسل نشرة، والركوب نشرة، والنظر إلى الخضرة نشرة».

الأقوال الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) تلك استشهد ابن أبي الحديد بشواهد من القصص والشعر كثيرة ندرجها في ما يأتي :

ص: 37

قال الشاعر 19 / 374:

لا يعلم المرءُ ليلاً ما يُصبِّحهُ***إلَّا كوافد ما يجري به الفألُ

والفأل والزجر والكُهَّان كلُّهُم***مظلِّلون ودون الغيب أقفالُ

وقال لبيد 19 / 375:

لعمركَ ما تدري الطوارق بالحصى***ولا زاجرات الطير ما اللّه صانعُ

ونُسبَ إلى المرقش 19 / 375:

لا يقُعِدَنَّكَ عن بقا***ءالخير تقعاد العزائم

فلقدغدوتُ وكنت لا***أغدو على راقٍ وحائم

فإذا الأشائمُ کالأيا***منِ والأيامن كالأشائم

وكذاك لا خيرٌ ولا***شرٌّ على أحدٍ بدائم

وقال مزرد بن ضرار 375/19 :

وإني امرؤٌ لا تقشعرُّ ذؤابتي***من الذئب يعوي والغراب المُحجَّلِ

وقال الكميت 19 / 375:

ولا أنا ممن يزجر الطير همَّهُ***أصاح غرابٌ أم تعرَّض ثعلبُ

وقال لبيد 19 / 375:

فلئن بعثتً من البُغا***ةِ فما البُغاة بواجدينا

* تجهّز النابغة الذُبياني للغزو - واسمه زیاد بن عمر - مع زبان بن سیَّار الفزاري، فلما أراد الرحيل سقطت عليه جرادة فتطيَّر وقال :

ص: 38

- ذات لونين تجرد، غريّ من خرج.

فأقام ولم يلتفت زبان إلى طيرته، فذهب ورجع غانما فقال 19 / 378:

تطيَّر طيرةً يوما زیادٌ***لتُخبره وما فيها خبيرُ

أقام كأنَّ لقمان بن عادٍ***أشار له بحكمتِه مشيرُ

تعلَّم أنَّه لا خير إلَّا***على متطيِّرٍ وهوَ الثبُور

بلى، شيءٌ يوافق بعض شيءٍ***أحایيناً وباطله كثير

وقال كُثير بن عبد الرحمن 19 / 378:

تيمَّمتُ لِهباً أبتغي العلم عندها***وقد صار عام الطائفين إلى لِهبِ

*كان للعرب كاهنان؛ اسم أحدهما (شِق)، وكان نصف إنسان، واسم الآخر (سطيح)؛ وكان يُطوي طيَّ الحصير، ويتكلِّمان بكل أُعجوبة في الكهانة، فقال ابن الرومي 379/19:

لك رأىٌ كأنَّه رأيُ شِقٍّ***وسطیحٍ قَرِيقَي الكُهَّانِ

يستشفُّ الغُيوب عمَّا توارى***بعيونٍ جليَّة الإنسانِ

كان مسيلمة قد أحكم علم الحُزاة والزجر والحظ فعمد إلى بيضة فصبَّ عليها خلًّا حاذقاً قاطعاً، فلانت حتى إذا مسها الإنسان استطالت ودقَّت كالعلك، ثم أدخلها قارورة ضيِّقة الرأس وتركها حتى انتظمت واستدارت وجمدت فعادت کهيأتها الأولى، فأخرجها إلى قومٍ وهم أعراب واستغواهم بها، فيها قيل :

(و) ببيضة قارورٍ وراية شادنٍ***وتوصيل مقطوع من الطير حاذقِ

ص: 39

أراد (براية شادنٍ) : الطيَّارة الورقية.

وقال شاعر في الطيرة 19 / 380:

وأمنع الياسمين الغضَّ من حذري***عليك، إذ قيل لي نصف اسمهِ ياسُ

وقال آخر 19 / 380:

أهدت إليهّ سفرجلاً فتطيَّرا***منهُ وظلَّ مفکِّراً مستعبرا

خوف الفراق لأن شطر هجائهِ***سَفَرٌ وحقَّ لهُ بأن يتطيِّرا

وقال آخر19 / 380:

يا ذا الذي أهدى لنا سوسناً***ما كنت في إهدائه محسنا

نصف اسمه سوءٌ فقد ساءني***ياليت أنَّي لم أرَ السوسنا

ومثلهُ 19 / 380:

لا تراني طول دهريَ***أهوى الشقائقا

إن يكن يشبه الخدو***د َفنصفه اسم شقا

وكانوا يتفاءلون بالآس لدوامه، ويتطيِّرون من النرجس لسرعة انقضائه ويُسمُّونه (الغدار). قال العباس بن الأحنف 19 / 380:

إنَّ الذي سمَّاك يا منيتي***بالنرجس الغدَّار ما أنصفا

لو أنهُ سماك بالآسةِ***وفيت أن الآس أهل الوفا

خرج كثير يريد عزة ومعه صاحبٌ له من نهد، فرأى غرابة ساقطاً فوق بانة ينتف ريشه، فقال النهدي : إن صدق الطير فقد ماتت عزة.

ص: 40

فوافي أهلها وقد أخرجو اجنازتها، فقال 19 / 380:

وما أعيَفَ النهديُّ لا درَّ درُّهُ***وأزجرَهُ للطير لا عزَّ ناصرُهْ

رأيت غراباً ساقطاً فوق بانةٍ***يُنتِّف أعلى ريشهِ و يُطايرُهْ

فقال غرابٌ لا غراب، وبانةٌ***لبينٍ، وفقدٌ من حبيبٍ تعاشرُهْ

وقول الشاعر 19 / 381:

وسمَّيتُهُ يحيى ليحيا ولم يكن***إلى ردِّ حكم اللّه فيهِ سبيلُ

تيمَّمتُ فيه الفأل حين رُزِقْتُهُ***ولم أدرِ أنَّ الفألَ فيهِ يغيلُ

ومن مذاهب العرب أنهم إذا أجدبت وأمسكت السماء عنهم وأرادوا أن يستمطروا عمدوا إلى السَّلَع والعُشْرِ، فحزموها وعقدوها في أذناب البقر، وأضرموا فيها النيران، وأصعدوها إلى جبل وعر، واتَّبعوها بدعوى اللّه ويستسقونه؛ وإنما يضرمون النيران بأذناب البقر تفاؤلاً للبرق بالنار، وكانوا يسوقوفها نحو المغرب، من دون الجهات.

قال أُميَّة بن أبي الصلت يذكر هذا 19 / 382:

سنةٌ أزمةٌ تُبرِّح بالنا***س ترى للعضاة فيها صريرا

لا على كوكبٍ تنوءُ ولا ري***حٍ جنوبٍ ولا ترى طحرورا

ويُسَقُّون باقر السهل للطو***د مهازيل خشيةً أن تبورا

عاقدين النيران في تلكم الأذ***ناب منها لكي تهيج البحورا

سَلَعٌ ما ومثلهُ عُشَرٌ***عامل ما وعالت البيقورا

ص: 41

وقال أعرابي (يعيب العرب بفعلهم هذا) 19 /382:

شفعنا ببيقورٍ إلى هاطل الحيا***فلم يُغنِ عنَّا ذاك بل زادنا جدبا

فعُدنا إلى ربِّ الحيا فأجارنا***وصيِّر جدب الأرض من عنده خصبا

وقال آخر19 / 382:

قُل لبني نهشلَ أصحاب الحَوَرْ***أتطلبون الغيث جهلاً بالبقرْ؟

وسَلَعٌ من بعد ذاك أوعُشُرْ***ليس بذا يجل الأرض المطر

وقال آخر 383/19:

لا درَّ درُّ رجال خاب سعيهمُ***يستمطرون لدى الإعسار بالعُشُرِ

أجاعلٌ أنت بيقوراً مسلَّعةً***ذريعةً لك بين اللّهِ والمطرِ

ومن مذاهبهم أنهم إذا أوردوا البقر فلم تردْهُ ضربوا الثور ليقتحم الماء، فتقتحم البقر بعده، ويقولون : إنَّ الجنَّ تصدُّ البقر عن الماء، وإن الشيطان يركب قرني الثور.

قال السليك بن السلكة 19 / 384:

إنِّي وقتلي سليكاً حين أعقلهُ***كالثور يُضرَب لما عافت البقرُ

وقال نهشل بن مري 19 / 384:

کذاك الثور يُضرَبُ بالهراوی***إذا ما عافت البقرُ الظماءُ

وقال آخر19 / 384:

كالثور يُضرَب للورودِ إذا تمنَّعت البقرْ

ص: 42

وقال آخر19 / 384:

فلا تجعلوني كالبقير وفحلها***يُکَسّرُ ضرباً وهو للوِردِ طائعُ

وما ذنبه إن لم يرد بقراتهُ***وقد فاجأتها عند ذاك الشرائعُ

وقال الأعشى 19 / 385:

لكالثور والجنيُّ يضرب وجههُ***وما ذنبه إن عافت الماء مشربا

وما ذنبه إن عافت الماء باقرٌ***وما أن يعاف الماء إلا ليضربا

ومن مذاهبهم : تعليق الحلي والجلاجل على اللديغ يرون أنه يفيق بذلك. ويقال إنما يُعلَّق عليه لأنهم يرون أنه إن نام يُسرَّب السم فيه فيهلك، فشغلوه بالحلي والجلاجل وأصواتها عن النوم، وهو قول النظر بن شُمَّيل، وبعضهم يقول : إذا عُلِّق عليه حلي الذهب برأ، إن علق عليه الرصاص أو حلي الرصاص مات.

وقيل لبعض الأعراب :

- أتريدون شُهرة؟

فقال :

- إن الحلي لا تشهر، ولكنها سُنَّة ورثناها. وقال النابغة 19 / 385:

فبتُّ كأنِّي ساورتني ظئيلةٌ***من الرقش ين أنيابها السم ناقع

یُسهِّد من ليل التمام سليمها***لحلي النساء في يديه قعاقعُ

وقال أحد بني عُذرة 19 / 385:

ص: 43

كأنِّي سليمٌ ناله كلم حيَّةٍ***ترى حوله حليَ النساء مرصَّعا

وقال آخر 386/19 :

وقد علَّلوا في البطل في كلِّ موضعٍ***وغرُّوا كما غرَّ السليمَ الجلاجلُ

وقال جميل بثينة 19 / 386:

إذا مالديغٌ أبرأ الحليُ داءهُ***فحليكِ أمسى يا بثينة دائيا

وقال عويمر النبهاني 19 / 386:

فبتُّ مُعنَّى بالهموم كأنَّني***سليم نفى عنه الرقاد الجلاجل

وقال آخر 386/19 :

كأني سليمٌ سهَّد الحليُ عينه***فراقب من ليل التمام الكواكبا

ومن مذاهبهم في العرِّ يصيب الإبل يكووون الصحيح ليبرأ السقيم. قال النابغة 386/19 :

وكلَّفْتني ذنب امرئ وتركته***كذي العرِّ يكوى غيره وهو راتعُ

وقال أحد الأعراب 386/19 :

كمن يكوي الصحاح يروم برءً***به من کلِّ جرباء الإهابِ

ومن مذاهبهم أنهم كانوا يفقؤون عين الفحل إذا بلغت ألفا، كأنهم يدفعون العين عنها. قال الشاعر 387/19 :

فقأنا عيوناً من فحولٍ بهازرٍ***وأنتم برعي البُهم أجدى وأجدرُ وقال آخر 387/19 :

ص: 44

وهبتها وكنت ذا أقنانِ***تُفقأُ فيها أعين البعران

وقال آخر 387/19 :

أعطيتها ألفاً ولم تبخل بها***ففقأتُ عين فُحيلها معتافا

ومن مذاهبهم أنهم إذا مات منهم كريم بلوا ناقته وبعيره، فعكسوا عنقها وأداروا رأسها إلى مؤخَّرها، وتركوها في حفيرة لا تُطعم ولا تُسقى حتى تموت، وربما أُحرقت بعد موتهما، وربما سُلِخت ومُلئ جلدها ثُماماً.

وكانوا يزعمون أن من مات ولم يُبلَ عليه حُشِرَ ماشياً، ومن كانت له بلية حُشر راكباً على بلية. قال جُريبة بن الهشيم الفقعسي لابنه 388/19 :

ياسعد أما أُهلكنَّ فإنني***أُوصيك أن أخا الوصايا الأقربُ

لا أعرفنَّ أباك يُحشر خلفكم***تعبأ يجرُّ على اليدين وينكبُ

واحمل أباك على بعيرٍ صالحٍ***وتقي الخطيئة أن ذا هو أصوبُ

ولعلِّي لي مما جمعتُ مطيَّةً***في الحشر أركبها إذا قيل اركبوا

وقال جريب أيضاً 388/19 :

إذا متُّ فادفني بجدَّاء ما بها***سوى الأحرضين أو يفوِّز راكبُ

فإن أنت لم تعفر عليَّ مطيَّتي***فلا قام في حالٍ لك الدهر جالبُ

ولا تدفننِّي في صوىً وادفنَّتي***بديمومةٍ تنزو عليا الجنادب

ومن مذاهبهم العقر على القبور؛ كقول زیاد بن الأعجم في المغيرة بن المهلَّب 389/19 :

ص: 45

إن السماحة والمروة ضُمتَّا***قبراً بمروَ على الطريق الواضحِ

فإذا مررتَ بقبرهِ فاعقرْ بهِ***كَوْمَ الهجان وكلَّ طرفٍ سابحِ

وانضح جوانب قبره بدمائها***فلقد یکون أخادمٍ وذبائح

وقال الآخر 389/19 :

نفرت قلوصي عن حجارة حَرَّةٍ***بُنِيت على طلق اليدين وهوبِ

لا تنفري ياناق منه فإنهُ***شِرِّیب خمرٍ مسعرٌ لحروبِ

لولا السفار وبُعدُ خرقِ مَهمَّةٍ***لتركتها تحبو على العرقوبِ

ومما ورد عن العرب في البلية قول أحدهم 390/19 :

أبُنيَّ زوِّدني إذا فارقتني***في القبر راحلةً برحلٍ فاترِ

للبعث أركبها إذا قيل اركبوا***مستوثقين معاً لحشر الحاشرِ

وقال عُوَيْم النبهاني 390/19 :

أبُنيَّ لا تنسَ البليَّةَ أنها***لأبيك يوم نشوره مركوب

ومن مذاهبهم؛ إذا نفرت الناقة فسمَّيت لها أُمُّها سكنت من النفار. قال الراجز 391/19:

أقول والوجناء تَقَحَّمُ***ويلك قل ما اسم امِّها يا علكمُ

وأنشد السكري 391/19:

فقلت له ما اسم امِّها هات فادعُها***تُجبكَ فيسكن روعها ونفارها

ومن مذاهبهم القول ب(الهامة) ذلك أنهم كانوا يقولون :

ص: 46

ليس من يموت، ولا من يُقتل، إلَّا يخرج من رأسه هامة، فإن كان ُقتِل ولم يُؤخذ بثأره نادت الهامة على قبره : اسقوني فإني صدئة. وقيل إن الهامة هي إحدى هوام الأرض، أو أنها الصدی. قال أبو داود الأيادي 391/19 :

سلَّط الموت والمنون عليهم***فلهم في صدى المقابر هامُ

وقال أحدهم لابنه 392/19 :

ولا تزْقُوْن لي هامةً فوق مرقبٍ***فإنَّ زقاء الهام للمرء عائب

تنادي الا اسقوني وكلُّ صدىً به***وتلك التي تبيضُّ منها الذوائب

وقال ذو الإصبع 392/19 :

يا عمرو إلَّا تدع سقمي ومنقصتي***أضرِبْكَ حتى تقول الهامة اسقوني

وقال المجنون 19 /392:

فيا ربُّ إن أهلك ولم تروِ هامتي***بليلى أمت لا قبر أعطش من قبري

وقال مفلَّس المفقسي 392/19 :

وأن أخاكم قد علمت مكانهُ***بسفح قُبا تسفي عليه الأعاصرُ

له هامةٌ تدعو إذا الليل جنَّها***بني عامرٍ هل للهلاليِّ ثائر؟

وقال توبة بن الحُميِّر 1392/19 - 393:

ولو أن ليلى الأخيليةُ سلَّمت***عليَّ ودوني جندلٌ وصفائحُ

لسلَّمت تسليم البشاشة أو زقا***إليها صدى من جانب القبرِ صائحُ

وقال قيس بن الملوَّح 19 / 393:

ص: 47

وهل تلتقي أصداؤنا بعد موتنا؟***ومن دوننا مسٌّ من الأرض أنكبُ

لظلَّ صدی رمسي وإن كنتُ رمَّةً***لصوت صدى ليلى يهشُّ ويُطرِبُ

وقال حميد بن ثور 393/19 :

ألا هل صدى أُمِّ الوليد مكلِّم***صداي إذا ما كنت رمسا وأعظما

ومن مذاهبهم أن في البطن حيَّة إذا جاع الإنسان عضَّت على شرسوفه وكبده، وقيل هو الجوع بعينه. قال الشاعر 393/19 :

لا يتأرَّى لما في القدر يرقبهُ***ولا تراه أمام القدر يقتفرُ

لا يُغمز الساق من أينٍ ومن وصبٍ***ولا يطنُّ على شرسوفه الصفّرُ

وقال أحد شعراء بني عبس يذكر قيس بن زهير لما هجر الناس وسكن الفيافي وأنس الوحش، ثم رأى ليلةً ناراً فغشا إليها، فشمَّ عندها قتار اللحم، فنازعته شهوته فغلبها وقهرها، ومال إلى شجرة سلم فلم يزل یکدعها ويأكل من ورقها إلى أن مات 19 / 394:

إن قيساً كان ميتتهُ کرمٌ والحيَّ منطلقُ

شام نارا بالهوى فهوى***وشجاع البطن ِيختفق

في أديسٍ ليس يسترهُ***رُبَّ حُرٍّ ثوبهُ خلِقُ

* قوله : بالهوى / اسم موضع بعينه.

وقال أبو النجم العجلي 19 / 394:

ص: 48

إنَّك ياخير فتىً تستعدي

علی زمانٍ مُسْنِتٍ بجهدِ

عضَّاً كعضِّ صَفَرٍ بكبدِ

وفال آخر 394/19 :

أردُّ شجاع البطن قد تعلمينهُ***وأُورد غيري من عيالكِ بالطعمِ

ومن مذاهبهم أن الرجل كان أذا أراد دخول قرية فخاف وباءها، أو جنَّها، وقف على بابها، قبل أن يدخلها، فنهق نهيق الحمار، ثم علَّق عليه كعب أرنب، كان ذلك عوذة ورُقية من الوباء والجن، ويُسمُّون هذا التعشير. قال شاعرهم 19/ 394:

ولا ينفع التعشير إن حُمَّ واقع***ولا زعزعٌ مُجدٍ ولا كعب أرنبِ

وقال الهيثم بن عدي : خرج عروة بن الورد إلى خيبر في رُفقة ليمتاروا فلما قربوا منها عشَّروا، وعاف عروة أن يفعل فعلهم وقال 395/19 :

لعمري لئن عشَّرتُ من خيفة الردى***نهاق حميرٍ أنني لجزوعُ

فلا واءلت تلك النفوس ولا أتت***قفولاً إلى الأوطان وهي جميعُ

وقالوا ألا انهق لا تضرَّك خيبرٌ***وذلك من فعل اليهود وُلُوعُ

ولوع، بالضم : الكذب ؛ ولع الرجل إذا كذب. وقالوا أن رفقته مرضوا ومات بعضهم، ونجا عروة من الموت والمرض.

وقال آخر 395/19 :

ص: 49

لا يُنجيَنَّك من حِمامٍ واقعٍ***کعبٌ تعلِّقهُ ولا تعشيرُ

وشابه هذا أن الرجل منهم كان إذا دخل في خلاة قلب قميصه، وصفق بیدیه كأنه يومئ إلى إنسان فيهتدي. قال أعرابي 19 / 395:

قلبت ثيابي والظنون تجول بي***وترمي برجلي نحو كلِّ سبيل

فلاياً بلأي ما عرفتُ جليَّتي***وأبصرت قصداً لم يصب بدليلِ

وقال أبو العمل الطائي 19 / 395:

فلو أبصرتنَي بِلوى بطانٍ***أَصفِّق بالبنان على البنانِ

فأقلب تارةً خوفاً ردائي***وأصرخ تارةً بأبي فلانِ

لقلت أبا العملَّس قد دهاهُ***من الجنَّانِ خالعة العنانِ

* الأصل بقلب الثياب التفاؤل بقلب الحال.

ومن مذاهبهم أن الرجل منهم كان إذا سافر عمد إلى خيط فعقده في غصن شجرة أو في ساقها، فإذا عاد نظر إلى ذلك الخيط، فإن وجده بحاله، علم أنَّ زوجته لم تخنه، وإن لم يجده، أو وجده محلولاً، قال :

- خانتني.

وذلك العقد يُسمى الرتَم، ويُقال : بل كانوا يعقدون طرفاً من غصن شجرة بطرف غصنٍ آخر. قال

الراجز 19 / 396:

هل ينفعنك اليوم إن همتَ بهم***كثرة ما توصي وتعقاد الرتمَ؟

ص: 50

وقال آخر19 / 396:

خانته لما رأت شيباً بمفرقه***وغرَّه حلفها والعقد والرتمُ

وقال آخر19 / 396:

لا تحسبنَّ رتائماً عقَّدتها***تُنبيك عنها باليقين الصادقِ

وقال آخر19 / 396:

یُعلِّل عمروٌ بالرتائم قلبه***وفي الحيِّ ظبيٌ قد أُحلَّت محارمُهْ

فما نفعت تلك الوصايا ولا جنت***عليه سوى ما لا يُحبُّ رتائمُهْ

وقال آخر19 / 396:

ماذا الذي تنفعك الرتائم***إذ أصبحت وعشقها الملازم

وهيَ على لذَّاتها تُداوم***يزورها طبُّ الفؤاد عارم

وقد كانوا يعقدون الرتم للحُمَّى، ويُروى أن من حلها انتقلت الحُمَّى إليه.

قال الشاعر19 / 396:

حللت رتيمةً فمكثت شهراً***أكابد كلَّ مكروه الدواءِ

ومن مذاهبهم أن المرأة المقلاة؛ وهي التي لا يعيش لها ولد، إذا وطئت القتيل الشريف عاش ولدها، قال بشر بن خازم 397/19 :

تظل مقاليت النساء يطأنه***يقلنَ ألا يُلقى على المرءِ مئزرُ؟

وقال الكميت 19 / 397:

وتطيل المرزآت المقالي***ت إليهِ لتعود بعد القيام

ص: 51

وقال آخر 397/19 :

تركنا الشعثمين برمل خبثٍ***تزورهما مقاليت النساءِ

وقال آخر 397/19 :

بنفسي التي تمشي المقاليت حوله***يُطاف له کشحا هظيماً مُهشَّما

وقال آخر 397/19 :

تباشر المقالت حين قالوا***ترى عمرو بن مُرَّة بالحفير

ومن مذاهبهم، أن الغلام منهم إذا سقطت له سنٌّ أخذها بالسبَّابة والإبهام واستقبل الشمس وقذفها بها، وقال :

- يا شمس أبدليني بسنٍّ أحسن منها وليجرِ في ظلِّها أيأتُكِ.

أو تقول : (أياؤك) وهما جميعاً شعاع الشمس.

قال طرفة 19 / 398:

سقته أياة الشمس إلَّا لثاتُه***أسفَّ ولم تكدم عليه بأثمِدِ

وإلى هذا المذهب أشار شاعرهم بقوله 19 / 398:

شادنٌ يجلو إذا ما ابتسمت***عن أُقاحٍ كأُقاح الرمل غرْ

بدَّلته الشمس من منبته***بَرَداً أبيض مصقول الأشر

وقال آخر 368/19 :

وأشنب واضحٌ عذب الثنايأ***كأنَّ رضابُه صافي المدامِ

کسته الشمس لوناً من سناها***فلاح كأنَّه برق الغمامِ

ص: 52

وقال آخر19 / 398:

بذي أشرٍ عذب المذاق تفرَّدت***به الشمس حتى عاد أبيض ناصعا

ومن مذاهبهم؛ أنهم كانوا يعتقدون أن دم الرئيس يشفي من عضَّة الكَلْبِ الكَلِب، قال الشاعر 19 / 398:

بنات مكارمٍ وأساة جرحٍ***دماؤهمُ من الكلب الشفاءُ

وقال عبد اللّه بن الزبير الأسدي 19 / 398:

من خير بيتٍ علمناهُ وأكرمه***كانت دماؤکُم تشفي من الكلَبِ

وقال الكميت 19 / 398:

أحلامكم لسقام الجهل شافيةٌ***كما دماؤكُم تشفي من الكلَبِ

ومن مذاهبهم أنهم إذا خافوا على الرجل الجنون وتعرَّض الأرواح الخبيثة له نجَّسوه بتعليق الأقذار عليه كخرقة الحيض وعظام الموتى وقالوا : أنفع من ذلك أن تعلِّق عليه طامث عظام موتي، ثم لا يراها يوم ذاك.

فلو أن عندي جارتين وراقياً***وعلَّق أنجاساً عليَّ المعلِّقُ

قالوا : والتنجيس يشفي إلَّا من العشق، قال أعرابي 19 / 399:

يقولون علِّق - يا لك الخير - رِمَّةً***وهل ينفع التنجيس من كان عاشقا

وقالت امرأة وقد نجَّست ولدها فلم ينفعه ومات :

نجَّستهُ لو ينفع التنجيسُ***والموت لا تفوته النفوسُ

وكان أبو مهدية بُعلِّق في عنقه العظام والصوف حذر الموت، وأنشدوا 19/

ص: 53

399:

أتوني بأنجاس لهم ومنجِّسٍ***فقلت لهم: ما قدَّر اللّه كائنُ

ومن مذاهبهم أن الرجل منهم إذا خدرت رجلهُ ذكر من يُحب أو دعاه فيذهب خدرها. قال الشاعر 399/19:

: على أن رجلي لا يزال امذالُها***مقيما بها حتى أُجيلك في فكري

وقال كثير 19 / 399:

إذا خدرت رجلي ذكرتكِ أشتفي***بدعواكِ من مذلٍ بها فيهونُ

وقال جميل 399/19 :

وأنتِ لعيني قُرَّةٌ حين نلتقي***وذكركِ يشفيني إذا خدرت رجلي

وقال امرأة 19 / 400:

إذا خدرت رجلي دعوت ابن مصعبٍ***فإن قلتُ: عبد اللّه أجلى فتورها

وقال آخر19/ 400 :

صبٌّ محبٌّ إذا ما رجله خدرت***نادي كبيشة حتى يذهب الخدرُ

وقال المؤمَّل 19 / 400:

واللّهِ ما خدرت رجلي وما***إلَّا ذكرتكِ حتى يذهبَ الخدرُ

وقال الوليد بن یزید 19 / 400 :

أثيبي هائما كلفِاً مُعنَّى***إذا خدرت له رجلٌ دعاكِ

ويضيف آل فتَّال : [أن بعض عجائزنا ما يزلن بؤمنَّ بذلك؛ فإذا خدرت

ص: 54

رِجْلُ إحداهن ضربتْ عليها ضربات خفيفة وهي تخاطبها : (کَومي نروح للحضرة، أو للعِرِس) ].

* ونظير هذا إذا الرجل منهم اختلجت عينه قال : أرى من أُحبه؛ فإن كان غائبا توقَّع قدومه، وإن كان بعيدا توقَّع قربه، قال بِشر 400/19 :

إذا اختلجت عيني أقول لعلَّها***فتاة بني عمرٍ بها العين تلمعُ

وقال آخر 400/19 :

إذا اختلجت عيني تيقَّنت أنني***أراكِ وإن كان المزار بعيدا

وقال آخر19/ 400:

إذا اختلجت عيني أقول لعلَّها***لرُؤيتها تهتاج عيني وتطرفُ

ويضيف الفتَّال : [بعض المعمرين يؤمنون بمذا؛ إذ يرون أن من تختلج عينه اليمنى فهو إشارة إلى سوء قد يلحقه، وإذا اختلجت عينه اليسرى فذلك إشارة إلى ما ينتظره من المسرَّات].

ومن مذاهبهم أن الرجل منهم إذا عشق ولم يسلُ وأفرط عليه العشق حمله رجلٌ على ظهره كما يحُمل الصبي، وقام آخر فأحمي حديدة، أو ميلاً، وكوی به بين إليته فيذهب عشقه، في ما يرون.

قال أعرابي 19 / 401:

کويتم بين رافقتيَّ جهلاً***ونار القلب يضرمها الغرامُ

وقال آخر 401/19 :

ص: 55

شكوت إلى رفيقيَّ اشتياقي***فجاءاني وقد جمعا دواءا

وجاءا بالطبيب ليكوياني***ولا أبغي - عدمتهما - اكتواءا

ولو أتيا بسلمى حين جاءا***العاضاني من السقم الشفاءا

وقال كثير 401/19 :

أغاضرَ لو شهدتِ غداة بنتم***حُنوَّ العائدات على وسادي

أويتِ لعاشقٍ لم ترحميهِ***بواقدةٍ تُلَذَّع بالزنادِ

وقال أيضاً 401/19 :

عفا اللّه عن أُمِّ الحويرث ذنبها***علامَ تُعنِّيني وتکمي دوائيا

ولو آذنوني قبل أن يرقموا بها***لقلت لهم أُم الحويرث دائيا

ومن مذاهبهم أنهم كانوا يزعمون أن الرجل إذا أحبَّ امرأة وأحبَّته فشقَّ برقعها وشقَّت رداءه صلح حبُّهما ودام، فإن لم يفعلا ذلك فسد حبُّهما. قال سحيم عبد بني الحسحاس 402/19 :

وكم قد شققنا من رداءٍ مُحبَّرٍ***ومن برقعٍ عن طفلةٍ غير عابسِ

إذا شُقَّ بُردٌ شُقَّ بالبُرد بُرقعٌ***دواليك حتى كلُّنا غير لابسِ

نروم بهذا الفعل بُقيا على الهوى***وإلف الهوى يُغري بهذي الوساوسِ

وقال آخر 402/19 :

شققتِ رداءي يوم برفة عالجٍ***وأمكنني من شقِّ برقعكِ السحقا

فما بال هذا الود يفسد بيننا***ويمحق حبل الوصل ما بيننا محقا

ص: 56

ومن مذاهبهم أنهم كانوا يرون أن أكل لحوم السباع تزيد في الشجاعة والقوَّة، قال أحدهم 402/19 :

أبا المعارك لا تتعب بأكلك ما***تظنُّ أنك تلفي منه کرَّارا

فلو أكلت سباع الأرض قاطبةً***ما كنتَ إلَّا جبان القلبِ خوَّارا

وقال أحدهم، وأكل فؤاد الأسد ليكون شجاعة، فغدا عليه نمرٌ فجرحه 19 /402:

أكلتُ من الليث الهصور فؤادهُ***لأُصبح أجرا منهُ قلبأ وأقدما

فأدرك مني ثأره بابن أُخته***فيا لك ثأراً ما أشد وأعظما

وقال آخر 402/19 - 403:

إذا لمَّ قلب الفتى غدوة الوغى***أصمَّ فقلت الليث ليس بنافع

وما نفع قلب الليث في حومة الوغى***إذا كان سيف المرءِ ليس بقاطعِ

ومن مذاهبهم أن صاحب الفرس المهقوع إذا ركبه فعرق تحته اغتلمت امرأته وطمحت إلى غيره.

* الهقعة : دائرة تكون بالفرس، وربما كانت على الكتف في الأكثر وهي مستقيمة عندهم، قال أحدهم لصاحبه 19 /403:

إذا عرق المهقوع بالمرء لفَّطت***حليلته وازداد حرُّ عجانها

فأجابه صاحبه 403/19 :

[و] قد يركب المهقوع من ليس مثلهُ***وقد يركب المهقوع زوج حصان

ص: 57

ومن مذاهبهم المشهورة تعليق كعب الأرنب لدفع شرِّ الجن وما إليهم، قال امرؤ القيس 19 / 404 :

أيا هند لا تنکحي بوهةً***عليه عقيقته أحسبا

موسَّعة بين أدباقهِ***به عسم يبتغي أرنبا

ليجعل في رجله كعبها***حذارِ المنيَّة أن يعطبا

ويضيف الفتَّال : [ ما يزال بعضهم بُعلِّق فوق أبواب دورهم رأس غزال، نِعالٍ صغير، أو قطعة خزف زرقاء مفر نصة تسمى (أم سبع عيون) دفعاً لحسد الحاسدين من ذوي العيون (المالحة) ].

وكانت العرب تعلِّق على الصبي سن ثعلب وسن هرّة، خوفاً من الخطفة، ويقولون : إن جنيَّة أرادت صبي قوم فلم تقدر عليه، فلامها قومها من الجن في ذلك، فقالت تعتذر إليهم 19 / 404 :

كان عليهِ نُفَرَة

ثعالبٌ وهرة

والحيض حيض الشُمَرَة

ويضيف الفتَّال : [إن سكان الريف في العراق لم يزالوا يُعَلِّقون في رقاب أطفالهم معلَّقات عديدة، كال (ودْعة) وسِنِّ الذيب والقلائد الملوَّنة وقاية لهم من (الجنِّ) و(العين الحاسدة) ].

قال عبد الرحمن بن أخي الأصمعي : إن بعض العرب قال لأبي :

ص: 58

- إذا ولِد لك ولد فنفِّر عنه.

فقال له أبي :

- وما التنفير؟

قال : - غَرِّب اسمه.

فولد له ولد فسمَّاه قنفذة، وكنَّاه أبا العداء. قال :

وأنشد 404/19 :

كالخمر مزجُ دوائها منها بها***تشفي الصداع وتُبرئ المنجودا

قال : يريد أن القنفذ من مراكب الجن، فداوي ولدهم منهم بمراكبهم.

ومن مذاهبهم : أن الرجل منهم إذا ركبَ مفازة وخاف على نفسه من طوارق الليل فعمد إلى وادي شجر فأناخ راحلته في قرارته، وعقلها وخطَّ عليها خطَّاً ثم قال :

- أعوذ بصاحب هذا الوادي.

وربما قال بعظيم هذا الوادي.

عن هذا قال في القرآن الكريم

{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا. وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (الجن 6 -7) }.

واستعاذ رجلٌ ومعه ولد فأكله الأسد فقال 19 / 405 :

ص: 59

قد استعذنا بعظيم الوادي

وشرِّ ما فيه من الأعادي

فلم يجُرنا من هزبرٍ عادِ

وقال آخر19 /405 :

أعوذ من شرِّ البلا البعيد

بسيِّدٍ معظَّمٍ مجيدِ

أصبح يلوى بلوی زرودِ

ذي عِزَّةٍ وكاهلٍ شديد

وقال آخر19 / 405 :

یا جن أجراع اللوى من عالج

عاذ بكم ساري الظلام الدارجِ

لا تُرهقوهُ بفويٍّ هائجِ

وقال آخر19 / 405 :

قد بتُّ ضيفاً لعظيم الوادي

المانعي من سطوة الأعادي

راحلتي في ج ارتي وزادي

وقال آخر19 / 405 :

ص: 60

هيا صاحب الشجراء هل أنت مانعي***فإنِّي ضيفٌ نازلٌ بفِنائکا

وإنَّك للجَّانِ في الأرض سيِّدٌ***ومثلك آوي في الظلام الصعالكا

ومن مذاهبهم أن المسافر إذا خرج من بلد إلى بلد آخر فلا ينبغي أن يلتفت إلَّا العاشق الذيُ يريد العود. قال أحدهم 19 / 406 :

دع التلفُّت يا مسعود وارمِ بها***وجهَ الهواجر تأمنْ رجعةَ لبلدِ

وقال آخر 406/19 :

صبريَ بالثعلبية لما***طال ليلي وملَّني قُرَنائي

كلَّما سارت المطايا بنامِي***لاً تنفَّستُ والتفتُّ ورائي

* قول ابن أبي الحديد في ذينك البيتين إنهما لا دليل فيهما على ما أراد لأن التلفُّت في أشعارهم كثير ومرادهم الإبانة والإعراب عن كثرة الشوق، والتأسُّف على المفارقة، وكون الراحل عن المنزل حيث لم يمكنه المقام فيه، بجثمانه فيتبعه بصره، ويتزوَّد من رؤيته، كقول الرضي (رحمه اللّه) 406/19 :

ولقد مررتُ على طلولهمُ***ورسومهم بيد البِلي نهبُ

فوقفتُ حتى ضجَّ من لغبِ***نضوي ولَجَّ بعذليَ الركبُ

وتلفَّت عيني فمذ خفيت***عنِّي الطلول تلفَّ القلبُ

وقال الصُمَّة بن عبد اللّه 407/19 :

تلفَّت نحو الحيِّ حتى وجدتُني***وجعتُ من الإصغاء ليتا وأخدعا

وقال أحدهم في المذهب الأول 407/19 :

ص: 61

تلفَّتُّ أرجو رجعةً بعد نيَّتي***فكان التفاتي زائدة في بلائيا

أأرجو رجوعا بعد ما حال بيننا***وبينكُم حزن الفلا والفيافيا

وقال آخر، وقد طلَّق امرأته فتلفَّتت إليه 407/19 :

تَلَفَّتُ ترجو رجعةً بعد فرقةٍ***وهيهات مما ترتجي أُمُّ مازنِ

ألم تعلمي أني جموحٌ عنانهٌ***إذا كان من أهواه غيرَ ملاينِ

ومن مذاهبهم؛ إذا بُتِرتْ شفة الصبي حمل منخلاً على رأسه ونادي بين بيوت الحي :

- الحلا.. الحلا، الطعام.. الطعام.

فتُلقي له النساء کسر الخبز وأقطاع التمر واللحم في المنخل، ثم يُلقى ذلك للكلاب، فيبرأ من المرض، فإن أكل صبي من الصبيان من ذلك الذي ألقاه للكلاب...! أصبح وقد ترت شفتاه وأنشد لامرأة :

ألا حلا في شفةٍ مشقوقة***فقد قضى منخلنا حقوقه

ومن مذاهبهم؛ أن المرأة إذا عسر عليها خاطب النكاح نشرت جانباً من شعرها، وكحلت إحدى عينيها مخالفةً الشعر المنشور، وحجلت على أحدى رجليها، ويكون ذلك ليلاً، وتقول :

- یا لنکاح قبل الفجر.

فيسهل أمرها وتتزوَّج عن قُرب. قال رجل لصديقه وقد رأى أُمَه ُتفعل ذلك 408/19 :

ص: 62

أما ترى أُمَّك تبغي بعلا***قد نشرت من شعرها الأقلَّا

ولم تُوفِّ مُقلتيها کُحلا***ترفع رِجلاً وتحطُّ رِجلا

هذا وقد شاب بنوها أصلا***وأصبح الأصغرُ منهم کھلا

خذ القطيع ثمَّ سِمها الذلّا***ضرباً به تترك هذا الفعلا

وقال آخر 408/19 :

قد كحلت عيناً وأعفت عينا

وحجلت ونشرت قرينا

تظنُّ زیناً ماتراهُ شينا

وقال آخر 08/19 :

تصنَّعي ما شِئتِ أن تصنَّعي

وكحِّلي عينيكِ أو لا فدعي

ثم احجلي في البيت أو في المجمعِ

مالكِ من بعلٍ أرى من مطمع

ومن مذاهبهم؛ كانوا إذا رحل الضيف أو غيره عنهم وأحبُّوا أن لا يعود کسروا شيئا من الأواني وراءه، قال أحدهم 409/19 :

کسرنا القِدر بعد أبي سواحٍ***فعاد وقدرنا ذهبت ضياعا

وقال آخر 409/19 :

ولا نكسرُ الكيزان في إثْرِ ضيفنا***ولكننا نقفيه زاداً ليرجعا

ص: 63

وقال آخر 409/19 :

أما واللّهِ أن بني نُفَيْلٍ***لحلَّالون بالشرف اليفاعِ

أُناسٌ ليس تكسر خلف ضيفٍ***أوانيهم ولا شِعبَ القصاعِ

ويضيف الفتَّال : [يرمون حجارات خلف من لا يريدون عودته قائلين : (سبع حجارات سود وراك) ومن يريدون عودته يرشُّون خلفه ماءَ].

ومن مذاهبهم؛ قولهم : أن من وُلِدَ في القمراء تقلَّصت غُرْلَتَهُ فكان کالمختون، قال امرؤ القيس لقيصر، وقد دخل معه الحمَّام فرآه أغلف 409/19 :

إني حلفت يمينا غير كاذبة لأنت أغلف إلا ما جنى القمر

ومن مذاهبهم؛ التشاؤم بالعطاس، قال امرؤ القيس 409/19 :

وقد أغتدي، قبل العطاس، بهيكلٍ***شديدٍ منيع الجنب فعم المُنَطَّقِ

وقال آخر 409/19 :

وخرِّق إذا وجَّهتَ فيه لغزوةٍ***مضيتَ ولم يحبسك عنه العواطسُ

ويضيف الفَتَّال : [لمَّا يزل معظم العراقيين يؤمنون أن العطسة الواحدة تعني (الصبر) أي : تأجيل ما كان يُنوي من عمل، وإن عطستين تعنيان التعجيل في ما نُويَ من عمل وتسمى (عَجْلَة) ].

ومن مذاهبهم؛ أنهم كانوا يُسمُّون العشا في الليل الهُدَبْد.

وأصل الهُدَبْدِ اللبن الخاثر، فإذا أصاب أحدهم ذلك عمد إلى سنامٍ فقطع منه قطعة ومن الكبد قطعة وغلاها، وقال عند كل لقمة يأكلها بعد أن يمسح جفنه

ص: 64

الأعلى بسبَّابته 410/19 :

فيا سناماً وكبِدْ

ألا أذهبا بالهُدَبِدْ

ليس شفاء الهُدَبدْ

إلَّا السنام والكَبِدْ

فيذهب العشا بذلك. [كما يرون].

ومن مذاهبهم : أن الورل والقُنفذ والأرنب والظبي واليربوع والنعام والعضرفوط مراكب الجن يمتطونها، ولهم في ذلك أشعارٌ مشهورة، ويزعمون أنهم يرون الجن ويشاهدون الغول، وربما جامعوهما وقالوا : أن عمرو بن یربوع تزوَّج الغول وأولدها بنين، ومكثت عنده دهرا فكانت تقول له :

- إذا لاح البرق من جهة بلادي، وهي جهة كذا، فاستره عني، فإن لم تستره عني تركت ولدك عليك، وطرت إلى بلاد قومي، فكان ابن یربوع كلما برق البرق غطى وجهها بردائه، فلا تبصره، وإلى هذا المعنى أشار أبو العلاء المعرِّي في قوله يذكر الإبل وحنينها إلى البرق 411/19 :

طربين لضوء البارق المتعالي***ببغداد وهناً ما لهنَّ ومالي

سمت نحوه الأبصار حتى كأنها***بناريه من هنَّا وثَم صوالي

إذا طار عنها سِرِّها لرؤوسها***تُمدُّ إليها في صدور عوالي

تحنَّت قويقاً والصراة أمامها***ترابٌ لها من أينق وجمالِ

إذا لاح أيَّاً من سترت وجوهها***كأني عدوٌّ والمطيُّ سعالي

ص: 65

وكم همَّ نظوٌّ أن يطير مع الصبا***إلى الشام لولا حبسه بعقال

* قالوا فغفل عنها عمر بن یربوع ليلة وقع لمع البرق فلم يستر وجهها فطارت وقالت له وهي تطير:

أمسك بنيك عمر أني آبق***برقٌ على أرض السعالي آلقْ

* ومنهم من يقول : ركبت بعيرة وطارت عليه، أي أسرعت فلم يدركها، وعن هذا يقول الشاعر : 412/19 :

رأى برقا فأوضع فوق بكرٍ***فلايكُ ما أسال ولا أغاما

* وبنو عمر بن یربوع يُدْعَونَ بني السعلاة، لذلك قال الشاعر يهجوهم :

ياقبَّح اللّه بني السعلاةِ

عمر بن یربوعٍ شرار النات

ليسوا بأبطالٍ ولا أكيات

[أبدل السين تاءً في (النات) و(أكيات) وهي لغة قوم من العرب]

ومن مذاهبهم؛ قولهم في الدعاء : لا عشت إلَّا عيش القراد. يضربونه مثلًا في الشدَّة والصبر على المشقَّة، ويزعمون أن القراد يعيش ببطنه، وبظهره عاماً، ويقولون : إنه يُترَك في طينة ويُرمى بها الحائط فيبقى سنة على بطنه وسنة على ظهره ولا يموت. قال أحدهم 410/19 :

فلا عشتَ إلَّا كعيش القرادِ***عاماً ببطنٍ وعاماً بظهرِ

ومن مذاهبهم؛ كانت النساء إذا غاب عنهن من يحبنه أخذن ترابة من

ص: 66

موضع رِجله، كانت العرب تزعم أن ذلك أسرع لرجوعه. وقالت امرأة من العرب، واقتبضت من أثرِه 410/19 :

أخذت تراباً من مواطى رجله***غداة عدا كيما يؤوب مُسلِّما

ومن مذاهبهم؛ في الغول قولهم : إذا ضُرِبت ضربةً واحدةً بالسيف هلكت، فإذا ضُرِبت ثانيةً عاشت. وإلى هذا أشار الشاعر 412/19 :

فقالت: ثنِّ قلت لها: رويداً***مكانكِ أنَّني ثبت الجنانِ

ومن مذاهبهم؛ اعتقادهم في الديك والغراب والحمامة وساق حُر - وهو الهديل - والحيَّة؛ فمنهم من يعتقد أن للجن بهذه الحيوانات تعلُّقات ومنهم من يزعم أنها نوع من الجن. ومن أشعارهم في مراكب الجن قول أحدهم في قنفذ رآه لیلاً 19 / 413 :

فما يعجب الجنَّان منكَ عدمتهم***و الأُسْدِ أفراسٌ لهم ونجائب

أيسرج يربوعٌ ويُلجم قنفذٌ***وقد أعوزتكم ما علمت النجائبُ

فإن كانت الجنَّان حنَّت فبالحرى***ولا ذنب للأقوام واللّه غائب

ومن الشعر المنسوب إلى الجن 19 / 418 :

أيستمع الأسرار راكب قنفذٍ***لقد ضاع سرُّ اللّه يا أمَّ معبدِ

ومن أشعارهم في رواية الجن وخطابهم وهتافهم ما رواه أبو عثمان الجاحظ السمير بن الحارث الضِّبي 414/19 :

ص: 67

ونارٍ قد خطأتُ بُعَيْدَ وهنٍ***بدارٍ لا أُريد بها مقاما

سوى تحليل راحلةٍ وعينٍ***أُكالتها مخافة أن تناما

أتوا ناري فقلت: منون أنتم؟***فقالوا: الجُنُّ قلتُ: عموا ظلاما

وقال أبو البلاد الطهوي، ويُروى لتأبَّط شرَّا 410/19 :

لهان على جُهينة ما أُلاقي***من الروعات يوم رحا بطانِ

لقيت الغول تسري في ظلامٍ***بسیبٍ کالعباءةِ صمصمانِ

فقلت لها كلانا نفض أرضٍ***أخو سفرٍ فخلِّي لي مكاني

فشدَّت شدَّهً نحوي فأهوى***لها كفِّي بمصقولٍ يماني

فقالت: زد فقلت: رويد أني***على أمثالهاثبت الجنانِ

والذين يروون هذا الشعر لتأبَّط شرَّا يرون أوَّله 415/19 - 416 :

ألا من مبلغٍ فتيان جهمٍ***بما لاقيت عند رحا بطانِ

بأني قد لقيت الغول تلوي***بحرثٍ كالصحيفة صمصمانِ

فصدَّت فانتخبت لها بعضبٍ***حسامٍ غير محتسبٍ يماني

فقدَّ سراتها والبرك منها***فخرَّت لليدين وللجرانِ

فقالت: ثنِّ قلت لها: رويداً***مكانك أنني ثبت الجنانِ

وما أنفكُّ مضطجعا لديها***لأنظر مصبحا ماذا دهاني

إذا عينان في رأس دقيقٍ***كرأس الهرِّ مشقوق اللسان

وساقا محذجٍ ولسان كلبٍ***وثوبٍ من عباءٍ أو شنانِ

ص: 68

وقال البهراني 416/19 :

وتزوَّجت في الشبيبة غولاً***بغزالٍ وصدقتي زِقُّ خمرِ

وقال أبو عبيدة بن أيوب العنبري أحد لصوص العرب 19 /416:

تقول وقد ألممت بالأُنس لمَّةً***مخضبَّة الأطراف خرس الخلاخلِ

أهذا خدين الغول والذئب والذي***يهيم بربَّات الحجال الهواكلِ

رأت فلق الدرسين أسود شاحباً***من القوم بسَّاماً كريم الشمائل

تعوَّد من آبائه فتكاتهم***وإطعامهم في كلِّ غبراء شاملِ

إذا صاد صيداً لفَّهُ بضرامه***وشيكا ولم ينظر لغلي المراجلِ

ونهساً كنهس الصقر ثم مراسهُ***بكفَّيهِ رأس الشيخة المتماثل

ومن هذه الأبيات :

إذا ما أراد اللّه ذلَّ قبيلةٍ***رماها بتشتيت الهوى المتخاذل

وأوُّل عجز القوم عمَّا ينوبهم***تقاعدهم عنه وطول التواكل

وأول خبث الماء خُبث ترابهِ***وأوَّل لؤم القوم لؤم الحلائل

وقال عُبيد بن أيوب أيضاً 19 / 417:

وصار خليل الغول بعد عداوةٍ***وصفياً وربَّتهُ القفا والبسابس

وقال أيضاً 417/19 :

فلله درُّ الغول أيُّ رفيقةٍ***لصاحب قفرٍ في المهامه يذعرُ

أرنَّت بلحنٍ بعد لحين وأوقدت***حواليَّ نيراناً تلوح وتزهرُ

ص: 69

وقال أيضاً 417/19 :

وغولا قفرةٍ ذكرٌ وأُنثى***كأن عليهما قطع البجاد

وقال أيضاً 417/19 :

وقد لاقت الغيلان مني بليَّةً***وقد لاقت الغيلان مني الدواهيا

وقال البهراني في قتل الغول 19 / 417:

ضُرِبتْ ضربةً فصارت هباءً***في محاق القمراء أحرم شهرِ

وقال أيضاً، لما ثنَّي عليها الضربة عاشت 417/19 :

فثنَّيتُ والمقدار يحرس أهله***فليت يميني يوم ذلك شُلَّتِ

وقال تأبَّط شرَّا يصف الغول ويذكر أنه راودها عن نفسها فامتنعت عليه فقتلها 19 / 417:

فأصبحتُ والفول لي جارةٌ***فيا جارةً أنتِ ما أغولا

وطالبتها بضعَها فالتوت***فكان من الرأي أن تُقتلا

فجلَّلتها مرهفاً صارماً***أبان المرافق والمفصلا

فصار بقحف ابنة الجنِّ ذا***شقاشق قد أخلق المحملا

فمن يكُ يسأل عن جارتي***فإن لها باللوى منزلا

عضاءة أرضٍ لها حلَّتانِ***من ورق الطلح لم تُغزلا

فكنتُ إذا همهمت ابتهلت وأُخرى إذا قلت أن أفعلا

ومن مذاهبهم؛ أخم إذا طالت علَّة الواحد منهم، وظنُّوا أنَّ به مسَّاً من

ص: 70

الجن، لأنه قتل جنِّيةُ أو يربوعا أو قنفذة، عملوا جمالاً من طين، وجعلوا عليها جوالق وملؤوها حنطةُ وشعيراً أو تمرا، وجعلوا تلك الجمال في باب جُحرٍ إلى جهة المغرب وقت غروب الشمس، وباتوا ليلتهم تلك، فإذا أصبحوا نظروا إلى تلك الجِمال الطين، فإن رأوا أنما بحالها قالوا :

- لم تقبل الديَّة.

فزادوا فيها. وإن رأوها قد تساقطت وتبدَّد ما عليها من المِيرة قالوا :

- قَبِلتْ الديَّة.

واستدلوا على شفاء المريض وضربوا بالدف، قال أحدهم 19 / 418 :

دعوتُ أبا المغوار في الجفر دعوةً***فما آضَ صوتي بالذي كنتُ داعيا

أظنُّ أبا المغوار في قعر مظلمٍ***تجرُّ عليه الذاريات السوافيا

وقال آخر19 / 419 :

وكم ناديتهُ والليل ساجٍ***بعاديَّ البِئار، فما أجابا

وقال آخر 419/19 :

غاب فلم أرجُ له إيابا

والجفر لا يُرجع لي جوابا

وما قرأتُ، مذنأى، كتابا

حتى متى أستنشد الركابا

عنه وكلٌّ يمنع الخطابا

ص: 71

وقال آخر 420/19 :

ألم تعلمي أني دعوتُ مجاشعاً***من الجفر والظلماء بادٍ کسورها

فجاوبني حتى ظننتُ بأنَّهُ***سيطلع من جوفاء صعبٍ خدورها

لقد سكنت نفسي وأيقنت أنهُ***سيقدم والدنيا عجاباً أمورها

وقال آخر 420/19 :

دعوناه من عاديه نُضِّب ماؤها***وهدَّم جاليها اختلاف عصورِ

فردَّ جوابا ما شككتُ بأنّه***قريبُ إلينا بالإياب يصيرُ

[أقوى في البيت الثاني. ]

ومن مذاهبهم؛ أنَّهم إذا كانوا في الحرب ربما أخرجوا النساء فَيَبُلْنَ بين الصفَّين ؛ يروون أن ذلك يُطفئ نار الحرب ويقودهم إلى السلم قال أحدهم 19 / 420 :

لقونا بأبوال النساء جهالةً***ونحن نلاقيهم ببيضٍ قواضبِ

وقال آخر 420/19 :

بالت نساء بني خُراشة خيفةً***منَّا وأدبرت الرجال شِلالا

وقال آخر 420/19 :

بالت نساؤهمُ والبيض قد أخذت***منهم مآخذَ يُستشفى به الكَلِبُ

وقال آخر 421/19 :

جعلوا السيوف المشرفیَّة منهم***يوم النساء وقلَّ ذاك غثاءا

ص: 72

ومن مذاهبهم؛ ذكرُ عزيف الجن في المفاوز والسباسب، كقول أحدهم 19 / 421 :

وخرقٌ تُحدِّث غيطانهُ***حديث العذارى بأسرارها

وقال آخر 421/19 :

ودويَّةٍ سبسبٍ سحلقٍ***من البيد تعزف جنَّانها

وقال الأعشی 19/ 421 :

وبهماء تعزف جنَّانُها***وناحلها آجناتٌ سُدُمْ

وقال 421/19 :

وبلدةٍ مثل ظهر الترس موحشةٍ***للجنِّ في الليل في حافاتها زجلُ

وقال الشرقي بن قطامي :

كان رجلٌ من كلب - يقال له عُبيد بن الحمارس - شجاعاً وكان نازلاً بالسماوة أيام الربيع، وقلَّ ماؤه وانُقطعت أنواؤه، تحمَّل إلى وادي بُتَل، فرأي روضةً وغديراً فقال : روضةٌ وغدير وحطبٌ يسير، وأنا لما حويتُ مجير

فنزل هناك، وله امرأتان؛ اسم إحداهما الرباب والأخرى خولة، فقالت له خولة 19 / 422 :

أرى بلدةً قفراً قليلٌ أنيسها***وإنَّا لنخشى، إن دجا الليل، أهلَها

وقالت الرباب 19 / 422 :

أرتك برأيٍ فاستمع عنك قولها***ولا تأمنن جنَّ الطريق وجهلها

ص: 73

فقال مجيباً لهما (كذا) 19 / 422 :

ألستُ كمیَّاً في الحروب مجرَّباً***شجاعاً إذا شبَّت له الحرب معربا؟

سريعا إلى الهيجا إذا حمس الوغى***فأُقسم لا أعدو الغدير منکَّبا

ثم صعد إلى جبل بُتَل فرأى مشيمة - وهي أنثى من القنافذ - فرماها فأقصعها، ومعها ولدها، فارتبطه، فلما كان الليل هتف به هاتف من الجن 19 / 422 :

يا ابن الحمارس قد أسأتَ جوارنا***وركبتَ صاحبنا بأمرٍ مفضعِ

وعقرت لحقته وقدتَ فصيلها***قوداً عنيفاً في المنيع الأرفعِ

ونزلت مرعی شائنا وظلمتنا***والظلم فاعله وخیم المرتعِ

فلنطرقنَّك بالذي أوليتنا***شرٌّ يجيئك ماله من مدفعِ

فأجابه ابن الحمارس 19 / 422 :

با مُدَّعٍ ظلمي ولستُ بظالمٍ***اسمع لديك مقالتي وتسمَّعِ

إن كنتمُ جنَّا ظلمتم قنفذاً***عُقِرتْ فشرُّ عقيرةٍ في مصرعِ

لا تطمعوا فيما لديَّ فما لكم***فيما حويت وحزنه في مطمعِ

فأجابه الجنِّي 19 / 422 – 423 :

يا ضارب اللقحة بالعضب الأفلْ

قد جاءك الموت ووافاك الأجلْ

وساقك الحين إلى جِنِّ تُبَلْ

ص: 74

فاليوم أقويت وأعيتك الحِيَلْ

فأجابه ابن الحمارس 19 / 423 :

ياصاحب اللقحة هل أنت بجلْ؟

مستمعٌ مني فقد قلت الخطلْ

وكثرة المنطق في الحرب فشلْ

هیَّجت قمقاماً من القوم بطلْ

ليث ليوثٍ وإذا همَّ فعلْ

لا يرهب الجنَّ ولا الإنسَ أجلْ

من كان بالعقوة من جِنِّ تُبَلْ

قال : فسمعهما شيخٌ من الجنِّ، فقال : لا واللّه لا نرى قتل إنسان مثلَ هذا ثابت القلب ماضي العزيمة، فقام ذلك الشيخ وحمد اللّه ثم أنشد 19 / 423 :

يا ابن الحمارس قد نزلت بلادنا***فأصبت منها مشرباً ومناما

فبدأتنا ظلما بعقر لقوحنا***وأسأت لمَّا أن نطقت كلاما

فاعمد لأمر الرشد واجتنب الردى***إنّا نرى لك حرمةً وذماما

واغرم لصاحبنا لقوحاً متبعاً***فلقد أصبت بما فعلت أثاما

فأجابه ابن الحمارس 19 / 423 :

اللّه يعلم حيث يرفع عرشهُ***إني لأكره أن أُصيب أثاما

أما ادِّعاؤكَ ما ادَّعيتَ فإنني***جئتُ البلاد ولا أُريد مقاما

ص: 75

فأسمت فيها ما لنا ونزلتها***لأُريح فيها ظهرنا أيَّاما

فليُفدِ صاحبكم علينا نعطهِ***ما قد سألتَ ولا نراهُ غراما

ومن مذاهبهم؛ أن لكل شاعر شیطاناً يلقي إليه الشعر. قال الراجز 19 / 424 :

إنِّي وإن كنتُ صغير السنِّ

وكان في العين نُبوٌّ عني

فإن شيطاني أمير الجنِّ

يذهب بي بالشعر كلِّ فنّ

وقال حسَّان بن ثابت 19 / 424 :

إذا ما ترعرع فينا الغلام***فما أن يقال له من هوَ؟

إذا لم يُشدْ قبل شدِّ الإزار***وذلك فينا الذي لا هوَ

ولي صاحبٌ من بني الشيصبان***وطوراً أقول وطوراً هوَ

وكانوا يزعمون أن اسم شيطان الأعشى (مِسحَل) واسم شيطان المُخبَّل (عمرو)، قال الأعشى 19 / 424 :

دعوت خليلي مِسمحَلاً ودعوا له***جهنَّام جدعا للهجين المذمَّمِ

وقال آخر19 / 424 :

لقد كان جنِّيُّ الفرزدق قدوةً***وما كان فينا مثل فحل المُخبَّلِ

ولا في القوافي مثلَ عمرو وشيخه***ولا بعد عمرو شاعرٌ مثلَ مسحلِ

ص: 76

وقال الفرزدق يصف قصيدته 19 / 424 :

كأنها الذهب العقيان حيَّرها***لسان أشعر خلق اللّه شيطانا

وقال أبو النجم 19 / 424 :

إني وكلُّ شاعرٍ من البشرْ

شيطانه أُنثى وشيطاني ذكر

وأنشد الخالع فيما نحن فيه لبعض الرُّجَّاز 19 / 425 :

إنَّ الشياطين أتوني أربعة

في غلس الليل وفيهم زوبعة

ومن مذاهبهم؛ أنهم كانوا إذا قتلوا الثعبان خافوا من الجن أن يأخذوا بثأره فيأخذون روثةً ويفتُّونها على رأسه ويقولون :

- روثةٌ راث ثائرك. قال أحدهم 425/19 :

طرحنا عليه الروث والزجر صادقٌ***فراث علينا ثأره والطوائلُ

وفي أمثالههم - لمن ذهب دمه هدراً - (هو قتيل العين). قال الشاعر 19 / 425 :

ولا أكن كقتيل العين وسطكمُ***ولا ذبيحة تشريقٍ وتنحار

ومن مذاهبهم؛ اعتقادهم بالخرزات والأحجار والرُقي والعزائم؛ فمنها السلوان - ويُقال السلوة - وهي الخرزة يُسقى العاشق منها فیسلو في زعمهم، وهي بيضاء وشفَّافة. قال الشاعر 425/19 :

ص: 77

جعلتُ العراف اليمامة حكمةَ***وعرَّاف نجدٍ إن هما شفياني

فقالا: نعم نشفي من الداء كلِّهِ***فقاما مع العُوَّادِ يبندرانِ

وقال آخر 426/19 :

سقوني سلوةَ فسلوت عنها***سقى اللّه المنيَّةَ من سقاني

وقال الشمردل 426/19 :

ولقد سُقيتُ بسلوة فكأنما***قال المداوي للخيال بها ازدِد

ومن خرزاتهم (الهتمة) تُجتلَب بها الرجال وتُعْطَف بها قلوبهم، ورُقيتها : [أخذته بالهتمة بالليل زوجٌ وبالنهار أمة].

ومنها : الفطسة والقبَلة والدردبیس. كلُّها لاجتلاب قلوب الرجال. قال الشاعر 426/19 :

جمَّعن من قبَلٍ لهنَّ وفطسةٍ***والدردبیس تمائماً في منظمِ

فانقاد كلُّ مشذب مرس القوى***لحبالهن وكلُّ جردٍ شيظمِ

وقال آخر 19/ 426 :

قطعت القيد والخرزات عني***فمن لي من علاج الدردبيس

[أصل الدردبیس : الداهية، ونُقل إلى هذه القوَّة تأثيرها].

ومن خرزاتهم ( القِرزَحْلة). أنشد ابن الأعربي 19 / 427 :

لا تنفع القِرزحلة العجائزا

إذا قطعن دونها المفاوزا

ص: 78

ومنها الخصمة : خرزة للدخول على السلطان والخصومة، تُجعل تحت فص الخاتم، أو في زر القميص، أو في حمائل السيف، قال أحدهم 19 / 427 :

يُعلّقِ غيري خصمةً في لقائه***ومالي عليكم خصمةٌ غير منطقي

وقالت فارك في زوجها 19 / 428 :

أتبعتهُ إذ رحل العيس ضحى

بعد النواة روثهُ حيث النوى

الروث للرثِّ وللرأي النوى

وقال آخر19 / 428 :

رمت خلفه لما رأت وشك بينهِ***نواةً تلته روثةٌ وحصاةُ

فقالت: نأت منك الديار فلا دنت***وراثت بك الأخبار والرجعاتُ

وحصَّت لك الآثار بعد ظهورها***ولا فارق الترحال منك شتات

وقال آخر يخاطب امرأته 19 / 428 :

لا تقذف خلفي إذا الركب اغتدى

روثةَ عيرٍ وحصاةٍ ونوى

لن يدفع المقدار أسباب الرقى

ولا التهاويل علي جِنِّ الفلا

ص: 79

ص: 80

الضوء الثالث: متفرِّقات

اشارة

ص: 81

ص: 82

توضیحٌ:

هذا لضوء يشتمل على موضوعات متفرقة، وكل موضوع له علاقة بكلامٍ للإمام علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في استشهادات ابن أبي الحديد، كما هو الحال في الضوءين السابقين. والمتفرِّقات هي :

الرياء

قال الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) - من خطبة له - :«فاحذروا من اللّه ما حذَّركم من نفسه، واخشوه خشيةً ليست بتعذير، واعملوا في غير رياء، ولا سمعة، فإنه من يعمل لغير اللّه يكله إلى من عمل 312/1».

فاستشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر 1/ 326:

صلى وصام لأمرٍ كان يطلبُه***حتى حواه فلا صلى ولا صاما

الكرم :

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) :«ولسان الصدق يجعله اللّه للمرء في الناس خيراً له من المال يُورَثِّه غيرَهُ 313/1».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر 1 / 328:

ص: 83

إذا أنت أعطيت الفتى ثم لم تجد***لديه بفضل الغيث مالك حامدُ

وقَّل عناءً عنك مالا جمعتهُ***إذا كان ميراثا وواراك لاحدُ

وقول حاتم الطائي 1 / 329:

أماويُّ إن يُصبح صدايَ بقفرةٍ***من الأرض لا ماءٌ لديَّ ولا خمرُ

تريْ أن ما أنفقت لم يكُ ضرَّني***وأن يديَّ ما بخلتُ به صفرُ

أماويُّ ما يُغني الثراء عن الفتى***إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر

وقول أحد المحدثين 1 / 329 :

من اشترى بماله

من الثناء غَبَنَا

أفقرهُ سماحه

وذلك الفقر غنی

وقول أبي الطيِّب 1 / 329 :

ذِکْرُ الفتى عمرهُ الثاني وحاجتهُ***ما قاته وفضول العيش إشغالُ

صلة الرحم

ولقوله :«(عَلَيهِ السَّلَامُ) لا يعدلنَّ أحدكم عن القرابة يرى بها الخاصَّة أن يَسُدَّها بالذي لا يُزيده إن أمسكه، ولا يُنقِصُه إن أهلكه، ومن يقبض يده عن عشيرته؛ فإنما تَقبض منه عنهم يدٌ واحدة، وتُقبض منهم عنه أيد كثيرة 1 /313».

استشهد ابن أبي الحديد بقول زهير بن أبي سلمی 1 /330 :

ص: 84

ومن يكُ ذا فضلٍ فيبخل بفضله***على قومه يُستغنَ عنه ویُذممِ

وقول طرفة 1 /330 :

وأنتَ على الأدنى شمالٌ عَرِيَّةٌ***شآميَّةٌ تزوي الوجوه بليلُ

وأنت على الأقصى صبي غير مرَّةٍ***تذاءب منها مزرعٌ وأسيلُ

وقال المقنَّع الكندي 1 / 330 :

لهم جُلُّ مالي إن تتابع لي غنى***وإن قلَّ مالي لا أُكلِّفهم رفدا

ولا أحمل الحقد القديم عليهمُ***وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا

الاعتذار

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ)، في معنى قتل عثمان : «لو أمرت به لكنتُ قاتلاً،

أو نهيت عنه لكنتُ ناصراً، غير أن من نصره لا يستطيع أن يقول خذله من أنا خير منه، ومن خذله لا يستطيع أن يقول نصره من هو خير مني، وأنا جامعٌ لكم أمره، استأثر فأساء الأثرة، وجزعتم فأساء الجزع، واللّه حکمٌ واقع في المستأثِر والجازع 2 / 126».

استشهد ابن أبي الحديد بالخبر الآتي :

[قال ضابي بن الحارث البرجي، إذ كان قد خرج على عثمان فحبسه لأنه هجا قوماً فنسبهم إلى أن كلباً يأتي أُمَّهم، فقال لهم 2/ 160:

فأُمُّکُمُ لا تتركوها وكلبكم***فإنَّ عقوق الوالدين كبيرُ

وذكر الخير رواية أُخرى تقول أن ضابي بن الحارث البرجي، استعار - في

ص: 85

زمان الوليد بن عقبة - كلباً من قومٍ من الأنصار، يُدعى ( فرحان) لصيد الضباء، فحبسه عنهم فناغره الأنصاريون، واستغاثوا عليه بقومه فكاثروه فانتزعوه منه، وردُّوه على الأنصار، فهجاهم وقال في ذلك :

تجشَّم دوني وفد فرحان خطَّةً***تفيل لها الوجناء وهي حسيرُ

فباتوا شباعاً ناعمين كأنما***حباهم ببيت المُرزبان أميرُ

فكلبُكُمُ لا تتركوا فهوُ أُمُّكم***فإن عقوق الأُمَّهات كبيرُ

فاستعدوا عليه عثمان فأرسل إليه فعزَّره فحبسه، كما كان يصنع بالمسلمين، فاستثقل ذلك، فما زال في الحبس حتى مات فيه.

وقال في الفتك يعتذر إلى أصحابه :

هممت ولم أفعل وكدتُ وليتني***فعلتُ وولَّيت البكاء قلاقله

وقائلةٍ قد مات في السجن ضابئٌ***ألا مَن لخصمٍ مَن يجد من يُجادله

وقائلةٍ ولا یُبعد اللّه ضابئاً***فنعم الفتی تخلوبه وتحاوله

المغالاة

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لما عزم على حرب الخوارج، وقيل له : إن القوم قد عبروا جسر النهروان - :«مصارعهم دون النطفة، واللّه لا يُغلب منهم عشرة، ولا يهلك منكم عشرة.

روى أبو العباس إذ قال : لقد كان عليٌّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عثر على قومٍ خرجوا من محبَّته باستحواذ الشيطان عليهم، إلى أن كفروا بربِّهم، وجحدوا ما جاء به

ص: 86

نبيّهم، واتخذوه ربَّاً وإلهاً، وقالوا : فاستتابهم وتوعَّدهم، فأقاموا على قولهم، فحفر لهم حُفَراً ودخَّن عليهم فيها طمعا في رجوعهم، فأبوا فمرقهم بالنار، وقال :

ألا ترون قد حفرتُ حُفَرا

إني – إذن - رأيت أمراً منکَرا

وقَدْتُ ناري ودعوتُ قنبرا

وروى أبو العباس : أنه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، مر بهم وهم يأكلون في شهر رمضان فقال :

- أسفرٌ أم مرضى؟

قالوا :

- ولا واحدة منهما.

قال :

- أفمن أهل الكتاب أنتم؟

قالوا :

- لا.

قال :

- فما بال الأكل في شهر رمضان نهاراً ؟

قالوا :

ص: 87

- أنت أنت.

لم يزيدوه على ذلك.

ففهم مرادهم، ونزل عن فرسه فألصق خدَّه بالتراب، ثم قال :

- ویلکم! أنا عبدٌ من عبيد اللّه، وارجعوا إلى الإسلام.

فأبوا، فدعاهم مراراً فأقاموا على أمرهم، فنهض عنهم ثمَّ قال :

- شدُّوهم وثاقاً، وعليَّ بالفعلة والنار والحطب.

ثم أمر بحفر بئرين فحُفِرَتا، فجعل إحداهما سرباً والأُخرى (10) مكشوفة وألقى الحطب في المكشوفة، وفتح بينهما فتحاً، وألقى النار في الخطب، فدخَّن عليهم، وجعل يهتف بهم ويُناشدهم :

- ارجعوا إلى الإسلام.

فأمر بالحطب والنار، وأُلقيَ عليهم، فاحترقوا، فقال الشاعره /5-6:

لِتَرْمِ بيَ المنيَّهُ حيث شاءت***إذا لم ترمِ بي في الحفرتينِ

إذا ما حشَّتا حطباً بنارٍ***فذاك الموت فقداً غير دينِ

فلم يبرح واقفاً عليهم حتى صاروا حمما.

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ):

«واللّه لو شئت لأخبرت كلَّ رجلٍ منکم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه الفعلت، ولكن أخاف أن تكفروا فيَّ برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ألا وإني مفضية إلى الخاصَّة، ممن يُؤمَن ذلك منه، والذي بعثه بالحق واصطفاه على الخلق،

ص: 88

ما أنطق إلّا صادقا.

قال شاعرهم 10 / 13 :

ومن أهلك عاداً وثمواًة بدواهيه

ومن كلَّم موسى فوق طورٍ إذ يُناديه

ومن قال على المنبر يوماً، وهوَ راقيه،

سلوني أيُّها الناس فحاروا في معانيه

وقال أحد شعرائهم 10 / 13:

إنما خالق الخلائق من زع***زع أركان حصن خيبر جذبا

قد رضينا به إماماً ومولى***وسجدنا له إلهاً وربَّا

بين معاوية وعمرو بن العاص

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) «فأجمع رأي ملئکم على أن اختاروا رجلين؛ فأخذنا عليهما أن يُجعجعا عند القرآن ولا يُجاوزاه، وتكون ألسنتهما معه وقلوبهما تبعه، فتاها عنه وتركا الحقَّ وهما يبصرانه، وكان الجور هواهما والاعوجاج رأيهما، وقد سبق استنثارنا عليهما في الحكم بالعدل والعمل بالحق سوء رأيهما، وأتيا بما لا يُعْرف من معكوس الحكم.

استشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول :

[بعث معاوية كتابا إلى عمرو بن العاص، وهو على مصر، إذ كتب إليه يقول 10 /55 - 57 : (أما بعد؛ فإنَّ سُؤَّال أهل الحجاز وزوَّار أهل العراق كثروا

ص: 89

عليَّ، وليس عندي فضلٌ من أُعطيات الحجاز، فأعنِّي بخراج مصر هذه السنة).

فكتب عمرو إليه :

معاويَ إن تدريك نفس شحيحةٌ***فما مصر إلَّا كالهباءة في الذبِّ

وما نِلتها عفواً ولكن شرطتُها***وقد وارت الحرب العدوان على قطبِ

ولولا دفاعي الأشعريَّ ورهطهُ***لألفيتها ترغو كراغية السقب]

ثم كتب في ظاهر الكتاب :

معاويَ حظيَّ لا تغفل***وعن سُنن الحق لا تعدلِ

أتنسى مخادعتي الأشعري***وما كان في دومة الجندل؟

ألين فيطمع في تمرتي***وسهميَ قد خاض في المقتلِ

فألْمُظهُ عسلاً بارداً***وأخبأُ من تحتهِ حنظلي

وأعليته المنبر المشمخر***کرجع الحسام إلى المفصلِ

فأضحى لصاحبه خالعاً***كخلع النعال من الأرجلِ

وأثبتُّهافيك موروثةً***ثُبوت الخواتم في الأنملِ

وهبت لغيريَ وزن الحبال***وأعطيتني زنة الخردلِ

وأن عليَّاً غدا خصمنا***سيحتجُّ باللّه والمُرسَل

وما دام عثمان مُنجٍ لنا***فليس عن الحقُّ من مزحلِ

بين مصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان

من كلام له (عَلَيهِ السَّلَامُ) کلَّم به طلحة والزبير - بعد بیعته بالخلافة - وقد

ص: 90

عتبا عليه من ترك مشورتهما والاستعانة في الأُمور بهما، قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«لقد نِقتما يسيراً وأرجأتما كثيراً، ألا تُخبراني أيَّ شيءٍ كان لكما فيه حق دفعتُكما عنه؟ أم أيُّ قسمٍ استأثرت عليكما به؟ أو أيُّ حقٍّ رفعه إلىَّ أحد المسلمين ضعفتُ عنه ؟ أم جهلته؟ أم أخطأتُ بابه؟».

ثم قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «رحم اللّه رجلاً رأي حقَّاً فأعان عليه، أو رأي جوراً فردَّه، وكان عوناً بالحق على صاحبه».

* كتب مصعب بن الزبير كتاباً إلى عبد الملك يقول فيه 11 / 8 و 18 :

ستعلم يا فتى الزرقاء أني***سأهتكُ من حلائلك الحجابا

وأترك بلدةً أصبحتُ فيها***تَهوَّر من جوانبها خرابا

فكتب عبد الملك إليه :

أتوعدني ولم أرَ مثلَ يومي***خشاش الطير يوعدُه العقابا؟

متى تلقَ العقاب خشاش طيرٍ***يُهتِّكْ عن مقاتلها الحجابا

أتوعد بالذئاب أُسود غابٍ***وأُسْدُ الغاب تلتهم الذئابا؟

إفشاءُ السر

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) :«وذلك زمانٌ لا ينجو فيه إلَّا كلُّ مُؤمِّنٍ نومةً؛ إن شهد لم يعرف، وإن غاب لم يُفتقد، أُولئك مصابيح الهدى ويفتح لهم أبواب رحمته ويكشف عنهم ضرَّاء نقمته».

استشهد ابن أبي الحديد بقول صالح بن عبد القُدُّوس 13/7 :

ص: 91

من يُخبِّرك بشتمٍ عن أخٍ***فهوَ الشاتم لا من شتمكْ

ذاك شيءٌ لم يواجهك به***إنما اللوم على من أعلمك

كيف لم ينصركِ إن كان أخاَ؟***ذا حفاظٌ عند من قد ظلمك

وقول طريح بن إسماعيل الثقفي 13/7 :

إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا***شرَّاً أذاعوا وإن لم يعلمواكذبوا

وقول الشاعر 221/11 :

كتمتُ حبَّك حتى منك تكرمةً***ثم استوى فيك إسراري وإعلاني

كأنه غاض حتى فاض من جسدي***فصار سُقمي به في جسم كتمانِ

الخمر، وعمر بن الخطاب

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) :«للّه بلاد فلان، لقد قُوِّمِ الأوَد، وداوس العمد، وأقام السُنَّة، وخلَّف الفتنة، ذهب نقيَّ الثوب قليل العيب، أصاب خيرها، وسبق شرَّها، أدَّى إلى اللّه طاعته، واتَّقاه بحقِّه، رحل وتركهم في طرقٍ متشعِّبة، لا يهتدي بها الضال، ولا يستيقن المهتدي 12 /13».

فاستشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول :

[إن عمر بن الخطاب استعمل النعمان بن عدي بن نضلة على ميسان، فبلغه عنه الشعر الذي قاله، وهو 12 / 23 – 24 :

ص: 92

ومن مبلغ الحسناء أن حليلها***بميسان يشقى من زجاجٍ وحنتمِ

إذا شئت غنَّت في دهاقین قريةٍ***وصنَّاجةٍ تحدو عل كلِّ منسمِ

فإن كنتَ ندماني فبالأكبر اسقني***ولا تسقني بالأكبر المتثلِّمِ

لعل أمير المؤمنين يسوؤهُ***تنادمنا في الجوسق المتهدِّمِ

فكتب إليه :

[بسم اللّه الرحمن الرحيم «حَسَم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ».

أما بعد : فقد بلغني قولك :

(لعلَّ أمير المؤمنين يسوؤهُ)

وأيم اللّه أنه ليسوؤني، فأقدم فقد عزلتك]

فلما قدم عليه قال :

- يا أمير المؤمنين، واللّه ما شربتها قط، وإنما هو شعرٌ طفح على لساني، وإنا الشاعر.

فقال عمر:

- أظنُّ ذلك، ولا تعمل لي على عملٍ أبداً.

واستعمل عمر رجلاً من قريش على عمل فبلغه أنه قال :

اسقيني شربهً تُروِّي عظامي***واسقِ باللّه مثلها ابن هشامِ

فأشخصه إليه، ففطن القرشيُّ فضم إليه بيتاً آخر، فلما مثل بين يديه قال

ص: 93

له :

أنت القائل :

(اسقني شربةً تُروِّي عظامي )؟

قال :

- نعم يا أمير المؤمنين فهلَّا أبلغك الواشي ما بعده؟

قال : ما الذي بعده؟

قال :

عسلاً باردة بماءٍ غمامٍ***إنني لا أُحبُّ شرب المُدامِ

قال :

- اللّه اللّه.

- ارجع إلى عملك.

وبینا كان عمر يعسُّ ذات ليلةٍ انتهى إلى باب متجافٍ، وامرأةٌ تغني نسوة 12 /27 :

هل من سبيل إلى خمرٍ فأشربها***أم هل سبيلٌ إلى نصر بن حجَّاجِ

فقال عمر:

- أما عشت فلا.

فنفاه إلى البصرة ومن هناك كتب إلى عمر :

ص: 94

لعمري لئن سيَّرتني وحرمتني***لما نلت من عرقي عليك حرامُ

أن غنَّت الذلفاء يوماً بغنيةٍ***وبعض أمانيِّ النساء غرامُ

ظننتَ بيَ الظنَّ الذي ليس بعدهُ***بقاءٌ فمالي في النديِّ كلامُ

وأصبحتُ منفياً على غير ريبة***وقد كان لي في المکَّتين مقامُ

سيمنعني مما تظن تكرُّمي***وآباء صدقٍ سائغون کرامُ

ويمنعها مما تمنَّت صلاتها***وحالٌ لها في دينها وصيامُ

فهاتان حالانا فهل أنت راجعٌ؟***فقد جُبَّ مني کاهلٌ وسنامُ

فقال عمر:

- أما ولِّيَ ولايةَ فلا.

وأقطعه أرضاً بالبصرة ودارا.

ولما قُتل عمر ركب راحلته ولحق بالمدينة.

وكان عمر أصلع فلما حلق وفرة نصر بن حجَّاج قال نصر، وكان شاعراً 28/12 :

تضنَّ ابن خطَّابٍ عليَّ بحجَّةٍ***إذا رُجِّلتْ تهتزُّ هزَّ السلاسلِ

فصلَّع رأساً لم يصلَّعه ربُّهُ***یرفُّ رفيفاً بعد أسود جائلِ

فقد حسد الغرمان أسود لم يكن***إذا ما مشى بالفرع بالمتخايلِ

وخافت المرأة، التي سمع عمر منها ما سمع، أن يبدر إليها منه شيء فدسَّت إليه أبياتاً 12 / 29:

ص: 95

قل للأمير الذي تُخشى بوادرهُ***مالي وللخمر أو نصر بن حجَّاجِ

إني بُليت - أبا حفصٍ - بغيرهما***شرب الحليب وطرفٍ فاترٍ ساجٍ

لا تجعل الظنَّ حقَّاً أو تبيِّنه***إن السبيل سبيل الخائف الراجي

ما منيةٌ قلتها عرضا بضائرةٍ***والناس من هالك قدماً ومن ناج

إن الهوى رعية التقوى نقیِّدهُ***حتى أقرَّ بألجسام وإسراجِ

فبکی عمر وقال : الحمد للّه الذي قيَّد الهوى بالتقوى.

* ومن عهدٍ لهُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى محمد بن أبي بكر رحمه اللّه حين قلَّده مصر 163/10 :

«... واعلم یا محمد بن أبي بكر، إني ولَّيتك أعظم أجنادي في نفسي أهل مصر فأنت محقوقٌ أن تخالف على نفسك، وأن تنافح عن دينك ولو لم يكن لك إلَّا ساعة من الدهر، ولا تُسخط اللّه برضا أحدٍ من خلقه، فإن في اللّه خلقاً من غيره، وليس من اللّه خلقٌ في غيره»

استشهد ابن أبي الحديد بقول هرمة، الحسن بن زید بن الحسن - وكان والياً على المدينة - عن الحمرة 15 / 169:

نهاني بن الرسول عن المُدام***وأدَّبني بآداب الكرامِ

وقال ليَ اصطبر عنها ودعها***لخوف اللّه لا خوف الأنامِ

وكيف تصبُّري عنها وحبِّي***لها حبُّ تمكَّن في عظامي

أرى طيب الحلال عليَّ خبثاً***وطيب النفس في خبث الحرامِ

ص: 96

* ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«... وإني إلى لقاء اللّه لمشتاق، ولحسن ثوابه المنتظر راج، ولكنني آسي أن يلي هذه الأُمَّة سفهاؤها وفُجَّارها، فيتَّخذوا مال اللّه دولاً وعباده خَوَلَاً، والصالحين حرباً، والفاسقين حزباً؛ فإن منهم الذي شرب منكم الحرام، وجلد حداً في الإسلام».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الحطيأة يذكر الوليد بن عقبة 17 / 220 – 229 :

شهد الحطيأة يوم يلقى ربَّه***أن الوليد أحقُّ بالعذرِ

نادى وقد تمَّت صلاتهمُ***أزيدكمُ - مكراً - ولم يدرِ

فأبوا أبا وهبٍ ولو أذنوا***لقرنت بين الشفع والوترِ

كفُّوا عتابك إذ جُزيت ولو***تركوا عنانك لم تزل تجري

قرَّعتَ مكذوباً عليك ولم***تردد إلى عذرِ ولا فقرِ

وقوله فيه أيضاً 230/17 :

تكلَّم في الصلاة وزاد فيها***علانيةً وأعلن بالنفاقِ

ومجَّ الخمري َسننِ المصلَّى***ونادى والجميع إلى افتراقِ

أزيدكُم على أن تحمدوني***فما لكمُ ومالي من خلاقِ

وقيل إن الولید شرب بالكوفة وقام ليصلِّي بهم الفجر في المسجد الجامع، فصلِّی بهم أربع ركعات، ثم التفت إليهم فقال :

ص: 97

- أُزيكم؟

وتقيَّأ في المحراب بعد أن قرأ فيهم رافعا صوته في الصلات17 / 230:

غلق القلب الربابا***بعد ما شابت وشابا

فشخص أهل الكوفة إلى عثمان فأخبروه بخبره وشهدوا عليه بشرب الخمر، فأمر عثمان بضرب الحد، قال الوليد، بعدما شهدوا عليه، :

أللهم أنهم قد شهدوا عليَّ بالزور، ولا ترضهم عن أمير ولا تُرض عنهم أميرا.

وقد عکس الخطيأة أبياته فجعلها مدحة للوليد17 / 230 - 231 :

شهد الحطيأة حين يلقى ربَّهُ***أن الوليد أحقُّ بالعذرِ

كفُّوا عنانك إذ جريت ولو***تركوأ عنانك لم تزل تجري

ورأوا شمائل ماجدٍ أنِفٍ يُعطي على الميسور والعسر

فنزعت مكذوباً عليك ولم***تنزع على طمعٍ ولا ذعرِ

وارتجز الوليد يوماً، وهو يسوق بقومٍ يعزِّرونه، منهم عديُّ بن حاتم الطائی 17 / 233:

لا تحسبنَّا قد نسينا الأحقاف

والنشوات من معتَّقٍ صاف

وعزف قيناتٍ عليناعزاف

وكان نصير الطائي نديماً للوليد بن عقبة أيام ولايته بالكوفة، ولما شهدوا

ص: 98

عليه بالسكر من الخمر خرج من الكوفة معزولاً، فقال أبو زبيد يتذكَّر أيامه وندامته 17 / 234 – 235 :

من يرى العيرَ أن تمشي على ظه***ر المروی حداتهنَّ عجالُ

ناعماتٌ والبيت بيت أبي وه***ب خلاءٌ نحنُّ فيه الشمالُ

يعرف الجاهل المضلّلُ أن الى***الدهرَ فيه النكراء والزلزالُ

ليت شعري كذاكم العهد أم كا***ن فيهم عزٌّ لنا وجمالُ

ووجوهٌ تمدُّنا مشرفاتٌ***ونوالٌ إذا أُريدَ نوالُ

أصبح البيت قد تبدَّل بالحي***وجوهاً كأنها الأقيالُ

كلُّ شيء يحتال فيه الرجالُ***غير أنْ ليس للمنايا احتيالُ

ولعمر الإلهِ لوكان للسي***ف مضاءٌ وللسان مقالُ

ما تناسيتك الصفاء ولا الودَّ***ولا حال دونك الإشغالُ

ولحرَّمتُ لحمك المتعضِّ***لة ضلَّ حلمهم ما اغتالوا

قولهم شريك الحرام وقد كا***ن شراب سوء الحرام حلالُ

وابن ظاهر العداوة والشنآ***ن إلّا مقال مالا يُقال

من رجالٍ تعارضوا منكراتٍ***لينالوا الذي أرادوا فنالوا

غير ماطالبين ذحلاً ولكن***مال دهرٌ على أُناسٍ فمالوا

من يخنك الصفاء أو يتبدَّل***أو يزل مثلما يزول الظلالُ

فاعلمن أنني أخوك أخو الودِّ***حياتي حتى تزول الجبالُ

ليس بُخلي عليك يوماً بمالٍ***أبداً ما أقلَّ فعلاً قبالُ

ص: 99

ولك النصر باللسان وبالكفِّ***إذ كان لليدينِ مصالُ

*أذن عمر يوماً للناس، فدخل شيخٌ كبيرٌ يعرج، وهو يقود ناقةٌ رجيعاً يُجاذبها، حتى وقف بين ظهراني الناس، ثم قال :

وأنك مسترعي رعیَّةٌ ***وأنك مدعوٌّ بسيماك يا عمر

لدى يوم شرٍّ شرُّهُ لشرارهِ***وخيرٌ لمن كانت موانسه الخيرُ

فقال عمر:

- لا حول ولا قوَّة إلَّا باللّه.

قال

- عمر بن برَّاقة.

قال :

- ويحك! فما منعك أن تقول {واعلموا أن ما غنمتم من شيءٍ فإن اللّه خمسه وللرسول}؟

ثم قرأها إلى آخرها، وأمر بناقته فقُبضِت، وحمله على غيرها، وكساه وزوَّده.

وبينا عمرٌ يسير في طريق مكَّة يوماً إذا بالشيخ بين يديه يرتجز، ويقول 12 / 41 :

ص: 100

ما أن رأيت كفتى الخطَّابِ

أبرَّ بالدين وبالأحساب

بعد النبيِّ صاحب الكتابِ

*كان عمر بن العاص قد کلَّم عمر بن الخطَّاب في الحطيأة، وكان محبوساً، فأخرجه من السجن، ثم أنشد 41/12 :

ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخٍ***زُغبُ الحواصل لا ماءٌ ولا شجرُ؟

ألقيت كاسبهم في قعر مظلمةٍ***فاغفر عليك سلام اللّه يا عمرُ

أنت الإمام الذي من بعد صاحبه***ألق إليه مقاليد النهى البشرُ

ما آثروك بها إذ قدَّموك لها***لكن لأنفسهم كانت بك الأثرُ

* جاءت امرأة إلى عمر بن الخطَّاب فقالت :

- يا أمير المؤمنين إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل وإنا أكره أن أشكوه، وهو يعمل بطاعة اللّه.

فقال :

- نعم الزوج زوجك!

فجعلت تکرِّر عليه القول، وهو يكرِّر عليها الجواب.

فقال له کعب بن سور :

- إنها تشكو زوجها في مباعدته إيَّاها عن فراشه، فغطَّى عمرٌ - حينئذ - وجهه وقال :

ص: 101

- قد ولَّيتك الحكم بينهما!

فقال كعب :

- عليَّ بزوجها.

فأُتَي به فقال :

- إن زوجتك هذه تشكوك.

قال : - في طعامٍ أم شراب؟

قال :

- لا.

قالت المرأة 47/12 :

يا أيها القاضي الحكيم رَشَدُهْ

ألهى خليلي عن فراشي مسجدُهْ

زهَّدهُ في مضجعي تعبُّدُهْ

نهاره وليله ما يرقدُهْ

فقال زوجها :

ص: 102

زهَّدني ين فرشها وفي الحَمَلْ

إني امرؤٌ أذهلني ماقد نزل

في سورة النمل وفي السبع الطُوَلْ

وفي كتاب اللّه تخويفٌ جللْ

قال كعب :

إن لها حقَّاً عليك يا رجلْ

تصيبها في أربع لمن عقلْ

فأعطها ذاك ودع عنك العللْ

فقال لعمر :

- إن اللّه أحلَّ من النساء مثنىً وثلاث ورباع، فله ثلاثة أيام ولياليهن، يعبد فيها ربَّه، ولها يومٌ وليلة.

فقال عمر :

- واللّه ما أعلم من أيِّ أمريك أعجب؟ أمن فهمك أمرها، أم من حكمك بينهما؟ اذهب فقد ولَّيتك قضاء البصرة.

*أتي أعرابي عمر فقال :

- إن ناقتي فيها نقباً ودَبَاًة، فاحملني.

فقال له :

- واللّهِ ما ببعيرك من نقب ولا دَبَر.

ص: 103

فقال 62/12 :

أُقسم باللّه أبو حفصٍ عمرْ

ما مسَّها من نقَبٍ ولا دَبَرْ

فاغفر له اللهم إن كان فجرْ

فقال :

- اللهم اغفر لي.

ثم دعاه فحمَّله.

* بينا عمرٍ ذات ليلةٍ سمع امرأةً من سطيح وهي تنشد 63/12 :

تطاول هذا الليل وازورَّ جانبُةْ***وليس إلى جنبي خليلٌ أُلاعبُهْ

فواللّه لولا اللّه تُخشى عواقبُهْ***لزُعْزِعَ من هذا السرير جوانبُهْ

مخافة ربِّي والحياء يصدُّني***وأُكْرِم بعلي أن تُنال مراكبُهْ

ولكنني أخشى رقيباً موکَّلاً***بأنفسنا لا يفتر الدهر كاتبُهْ

ثم جاء إلى ابنته حفصٍ فسألها :

- كم تصير المرأة المُغيَّبة عن بعلها؟

قالت :

أقصاه أربعة أشهر.

فكتب إلى عمَّاله ألَّا تُجمَّر البعوث وأن لا يُغيَّب رجلٌ عن أهله أكثر من أربعة أشهر.

ص: 104

* حجَّ عمر فلما كان بضحنان قال :

- لا إله إلَّا اللّه العليُّ العظيم، المعطي ما يشاء لمن يشاء، أذكر وأنا أرعى إبل الخطَّاب بهذا الوادي في مدرعة - صوف - وكان فظَّاً يُتعبني إذا عملت، ويضربني إذا قصَّرت، وقد أمسيت اليوم وليس بيني وبين اللّه أحد. ثم تمثَّل 12 /64:

لا شيء مما يُرى تبقى بشاشته***يبقى الإله ويُودى المال والولدُ

لم تُغنِ عن هرمزٍ يوما خزائنهُ***والخُلدَ قد حاولت عادٌ فما خلدوا

ولا سليمان إذ تجري الرياح له***والإنس والجن فيما بينها يردُ

أين الملوك التي كانت منازلها***من كلِّ أوبٍ أليها راكبٌ يفِدُ

حوضٌ هنالك مورودٌ بلاكذِبٍ***لابدَّ من وِرْدِهِ يوماً كما وردوا

*سمع عمر منشدأ ينشد قول طرفة 12 / 65 :

فلولا ثلاثٌ هنَّ عيشة الفتى***وجدِّك لم أحفل متى قام عُوَّدي

فمنهنَّ يُسقى العاذلون بشربةٍ***كميتٍ متى ما تعلو بالماء تزيدِ

فكرِّي إذا نادى المضاف محنِّباً***كسِيد الفضا نبَّهته المتوسِّدِ

وتقصير يوم الدجنِ والدجن معجبٌ***ببهكنة تحت الطراف الممدَّدِ

فقال :

- وأنا لولا ثلاث من عيشة الفتى لم أحفل من قام عُوَّدي ؛ أن أُجاهد في سبيل اللّه وأن أضع وجهي في التراب اللّه وأن أُجالس قوماً يلتقطون طيب القول كما يلتقط طيب التمر.

ص: 105

*وقف أعرابي على عمر فقال له 12 / 65:

يا إبن خطَّاب جُزيت الجنَّة

أكسُ بنیَّاتي وأُمَّهنَّ

أُقسم باللّه لتفعلنَّ

فقال عمر : - إن لم أفعل يكون ماذا؟

قال :

إذن أبا حفصٍ لأمضينّ.

إذا مضيت يكون ماذا ؟

قال :

تكون في حالي لتُسألنَّ

يوم تكون الأُعطيات منَّة

والواقف المسؤول يذهبنَّ

أما إلى نارٍ وأمَّا جنَّة

فبکی عمر ثم قال الغلامه :

- اعطه قميصي هذا لذلك اليوم، لا لشعره، واللّه ما أملك ثوباً غيره.

العقوبة

كان عمر، ومن بعده الولاة، إذا أخذوا العَصاة نزعوا عمائمهم، وأقاموا

ص: 106

للناس، حتى جاء زياد فضربهم بالسياط، فحلق مع الضرب، فجاء بشر بن مروان، فكان يصلب تحت الإبطين، ويضرب الأكف بالمسامير، فكتب إليه بعض الجند قومٌ من أهله يستزيدونه، وقد أخرجه بِشر إلى الري فكتب إليهم 12 /45 :

لولا مخافة بِشرٍ أو عقوبتهُ***أو أن يرى شانتيْ كفِّي بمسمارِ

إذن لعطِّلت ثغري ثم زرتكمُ***إن المحبَّ المُعنَّى جد زوَّارِ

فلما جاء الحجَّاج قال : كلُّ هذا لعب، فقتل العُصاة بالسيف.

الوصف

مما نُسب إلى امرئ القيس قوله في وصف الحرب 119/12 :

الحرب أوَّل ما تكون فتيَّةً***تسعى بزينتها لكلِّ جهولِ

حتى إذا استعرت وشبَّ حزامها***عادت عجوزاً غير ذات خليلِ

شمطاء جزَّت رأسها وتنکَّرت***مکروهةَ للشمِّ والتقبيلِ

القضاة

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيِّتك في نفسك، عمن لا تضيق به الأمور، ولا تمحكه الخصوم، ولا يتمادى في الزلَّة، ولا يحصر من الفتى إلى الحق، إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع، بأدين فهمٍ دون أقصاه».

فاستشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول 58/17 – 62 :

[خرج شريك، وهو على قضاء الكوفة، يتلقى الخيزران، وقد أقبلت تريد

ص: 107

الحج، وقد كان استُقضي وهو كاره، فأتى شاهي فأقام بها ثلاثاً، فلم توافِ، فخفَّ زاده وما كان معه، فجعل يُبلِّلهُ بالماء ويأكله بالملح، فقال العلاء بن المنهال الغنوي :

فإن كان الذي قد نلت حقَّاً***بأن قد أكرهوك على القضاءِ

فما لك موضعا في كلِّ يومٍ***تُلقِّي من يحجُّ من النساءِ

مقيما في قرى شاهي ثلاثاً***بلا زادٍ سوی کِسَرٍ وماءِ

وبروايةٍ أُخرى تقول : تقدمت كلثم بنت سریع مولى عمر بن حريث - وكانت جميلة - وأخوها الوليد بن سريع إلى عبد الملك بن عمير - وهو قاضٍ في الكوفة - فقضى لها على أخيها فقال هذيل الأشجعي 62/17 - 63 :

أتاهم وليدٌ بالشهود يسوقهم***على ما ادعى من سامت المال والخوَلْ

وجاءت إليهِ كلثمٌ وكلامها***شفاءٌ من الداء المخامر والخجلْ

فأدلى وليدٌ عند ذاك بحقِّهِ***وكان وليدٌ ذا سراءٍ وذا جدلْ

فولَّهت القبطيَّ حتى قضى لها***بغير قضاء اللّه في محكم الطِوَلْ

فلو كان من في القصر يعلم علمه***لما استُعمِل القبطيُّ فينا على عمل

له - حين يقضي للنساء - تخاوصٌ***وكان وما فيه التخاوص والحَوَلْ

إذا ذات دلٍّ كلَّمته لحاجةٍ***فهمَّ بأن يقضي، تنحنح أو سعلْ

وبرَّق عينيهِ ولاك لسانه***يرى كلَّ شيءٍ، ما خلا وصلها، جللْ

وبروايةٍ أُخرى تقول : إن أبا دلامة دخل ليشهد عند أُبَي فقال - حين

ص: 108

جلس - بين يديه 62/17 - 63 :

إذا الناس غطَّوْني تغطَّيت عنهمُ***وإن بحثوا عنِّي ففيهم مباحثُ

وإن حفروا بئري حفرت بنارهم***ليعلمَ ما تخفيه تلك النبائث

وبرواية أُخرى تقول : ارتفعت جميلة بنت عبس بن جراد - وكانت جميلة کاسمها - مع خصمٍ لها إلى الشعبي - وهو قاضي عبد الملك - فقضى لها، فقال هذيل الأشجعي 17 / 66:

قد فتى الشعبيُّ لما***رفع الطرف إليها

فتنتهُ بثنايا***ها وقوسيْ حاجبيها

ومشت مشياً رويداً***ثم هزَّت منكبيها

فقضى جوراً على الخص***م ولم بقضِ عليها

فقبض الشعبي عليه وضربه ثلاثين سوطا.

وبرواية أُخرى تقول : إن رجلاً سافر مع أصحابٍ له فلم يرجع حين رجعوا، فاتَّهم أهلُهُ أصحابَهُ، ورفعوه إلى شريح فسألهم البيِّنة على قتله، فارتفعوا إلى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخبروه بقول شريح فقال 19/ 122 :

أوردها سعدٌ وسعد مشتملْ

ياسعد لاتروِ بهذاك الإبل

ثم قال : إن أهون السقي التشريع، ثم فرَّق بينهم فسألهم، فاختلفوا، ثم أقرُّوا بقتله، فقتلهم به.

ص: 109

الصدقات

كان مالك بن نويرة والياً على صدقات قومه بني يربوع من قبل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ولما بلغه وفاة الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أمسك عن أخذ الصدقة من قومه وقال لهم؛ تربَّصوا بها حتى يقوم قائمٌ بعد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وننظر ما يكون من أمره، وقد صرَّح بذلك في شعره حيث يقول 17 / 205 :

وقال رجالٌ: سدَّد اليوم مالكٌ***وقال رجالٌ: مالكٌ لم يُسدِّدِ

فقلت: دعوني لا أبا لأبيكمُ***فلم أخطِ رأياً في المقام ولا الندي

وقلت: خذوا أموالكم غير خائفٍ***ولا ناظرٍ فيما يجيء به غدي

فدونكموها إنما هيَ مالكم***مصوَّرةٌ أخلاقها لم تُجدَّدِ

سأجعل نفسي دونما تحذرونه***وأرهنكم – يوماَ بما قلتهُ - يدي

فإن قام بالأمر المجدَّدِ قائمٌ***أطعنا وقلنا: الدَين دَین محمَّد

وما روى أبو جعفر شعراً للخطيل بن أوس، أخي الحطيأة في منع الزكاة، وأن أبا بكرٍ رَّد سؤال العرب ولم يُجبهم، من جملته 17 / 210:

أطعنا رسول اللّه إذ كان بيننا***فيالعباد اللّه ما لأبي بكرِ

أيورثها بكراً إذا مات بعدهُ؟***وتلك - لعمر اللّه - قاصمة الظهرِ

فهلَّا رددتم وفدنا بإجابتةٍ؟***وهلَّا حبستم منه راسية البكرِ؟

فإنَّ الذي سالوکُمُ فمنعتُمُ***لكتم أو احلى لحلف بني فهرِ

ص: 110

الفلسفة

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) :«الحمد للّه الذي لا تدركه الشواهد، ولا تحويه المشاهد، ولا تحجبه السواتر، الدال على قدمه بحدوث خلقه، على وجودهِ وباشتباههم على أن لا شبه له».

فقال ابن أبي الحديد وهو يرد على الفلاسفة، الذين علَّلوا حركة الفلك بأنه أراد استخراج الوضع أولاً؛ ليُشبِّه بالعقل المجرِّد في كماله، وإنَّ كل ما له بالقوَّة خارجٌ بالفعل 50 و53 – 54 :

تحيَّر أرباب النهي وتعجَّبوا***من الفلك الأقصى لماذا تحرَّكا

فقيل بطبعٍ كالثقيل إذا هوى***وقيل اختياراً والمحقِّق تسلكا

فرُدَّ حديث الطبع إذ كان دائراً***وليس على سمتٍ قويمٍ فيسلكا

وقيل لمن قال اختياراً فما الذي***دعاه إلى أن دار ركضاً فأوشكا

فقالوا لوضعٍ حادثْ يستجدُّهُ***يُعاقب منه مطلباً ثم متركا

فقيل لهم هذا الجنون بعينهِ***ولو رامهُ منا امرؤٌ كان أعفكا

ولو أن إنساناً غدا ليس قصدهُ***سوى الوضع واستخراجه عُدَّ مضحكا

وقال، أيضاً في الرد على من زعم أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) رأي اللّه سبحانه بالعين 13 / 54:

ص: 111

عجبت لقوم يزعمون نبيُّهم***رأى ربَّهُ بالعين، تبَّاً لهم تبَّا

وهل تدرك الأبصار غير مكيَّفٍ؟***وكيف تبيح العين ما يمنع القلبا؟

إذا كان طرف القلب عن كنهه نبا***حسيرأ فطرف العين في كنهه أنبي

الاستجارة

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ)، من كتاب إلى معاوية جواباً :

«فإسلامنا ما قد سُمع، وجاهتنا لا تُدفع، وكتاب اللّه يجمع لنا ما شذَّ عنا، وهو قوله سبحانه وتعالى :

{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ }

وقوله تعالى :

{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ }.

فنحن مرَّةً أولى بالقرابة وتارةَ أولى بالطاعه».

فاستشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول 182/15 - 230 :

[منع حرب بن أُميَّة تاجراً اسمه ابن حاجب زرارة التميمي من دخول مكة؛ لأنه سبقه في اجتياز العقبة. ولما كان متجره وداره في مكة قصد الزبير بن عبد المطلب وأناخ ناقته ببابه فرغت الناقة، فخرج إليه الزبير فقال :

- أمستجيرٌ فتجار أم طالب قِرى فتُقری؟

فقال 15 / 230 :

ص: 112

لاقيتُ حربأ بالثنيَّة مقبلاً***والليل أبلج نوره للساري

فعلا بصوتٍ واكتني ليروعني***ودعا بدعوة معلنٍ وشعارِ

فتركته خلفي وجزت أمامهُ***وكذاك كنت أكون في الأسفارِ

فمضى يُهدِّدني ويمنع مكَّةً***أن لا أحلَّ بها بدار قرارِ

فتركتهُ كالكلب ينبح وحدهُ***وأتيت قرمَ مکارمٍ وفخارِ

ليثاً هزبرأ يُستَجار بقُربهِ***رحب المباعة مكرماً للجارِ

وحلفت بالبيت العتيق وحجَّةٍ***وبزمزمٍ والحجر والأستارِ]

فقال الزبير:

- اذهب إلى المنزل فقد أجرتك.

إلى آخر الرواية في ص231.

وبروايةٍ أُخرى تقول :

[إن نوفل بن عبد مناف ظلم عبد المطلب بن هاشم أركاحاً له بمكَّة - وهي الساحات - فاستنجد أخواله من بني النجار بيثرب، فأقبل معه سبعون راكباً فطلبوا منه ردَّها فردَّها، فقال عبد المطلب 15 / 232 :

تأبَّى مازنٌ وبنوعديٍّ***وذبيان بن تيم اللاة ضيمي

وزادت مالكٌ حتى تناهت***ونکَّب بعد نوفل عن حريمي]

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ)، من كتاب إلى زياد بن أبيه، وقد بلغه أن معاوية كتب إليه يُريد خديعته باستلحاقه :

ص: 113

«وقد عرفت أن معاوية كتب إليك ينزل لبَّك، ويستغلُّ غربك، فاحذره فإنما هو الشيطان يأتي المرْءَ من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ليقتحم غفلته، ويستلب غرَّته، وقد كان ابن أبي سفيان في زمن عمر بن أبي الخطاب فلتة من حديث النفس، ونزعةً من نزعات الشيطان، لا يثبت بها نسب، ولا يستحق بما إرث، والمتعلِّق بما كالواغل المدقَّع، والنوط المذبذب»

فاستشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول :

[إنَّ عمر بعث زياداً في إصلاح فساد واقعٍ في اليمن، فلما رجع من وجهه خطب عند عمر خطبةً لم يُسمع مثلها، وأبو سفیان حاضرٌ وعليٌّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعمر بن العاص، فقال عمر بن العاص :

- للّه أبو هذا الغلام، لو كان قرشيا لساق العرب بعصاه؛

فقال أبو سفيان :

إنه لقرشي، وأنا لأعرف الذي وضعه في رحم أُمِّه.

فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

- ومن هو؟

قال :

- أنا

فقال :

- مهلاً يا أبا سفيان.

ص: 114

فقال أبو سفيان 16 / 180 :

أما واللّه لولا خوف شخصي***يراني يا عليُّ من الأعادي

لأظهر أمره صخر بن حربٍ***ولم يخفِ المقالة في زيادِ

وقد طالت مجاملتي ثقيفاً***وتركي فيهمُ تمر الفؤادي

وكان زیاد بن أبيه (ابن أبي سفيان) والياً على فارس في زمن الإمام علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فكاتبه معاوية في محاولات في استمالته إلى جانبه فختم أحد كتبه بهذا البيت 16 / 181 :

تنسي أباك وقد شالت نعامته***إذ يخطب الناس والوالي لهم عمرُ

وختم كتاباً آخر بهذا البيت 16 / 185 :

كتاركةٍ بيضها في العراء***وملحفةٍ بيض أُخرى جناحا

وقد أجابه زیاد بكتابٍ لام فيه معاوية وختمه بهذه الأبيات 16 / 186 :

إذا معشري لم ينصفوني وجدتُني***أُدافع عني الضيم ما دمت باقيا

وكم معشرٌ أعيت قناتي عليهمُ***فلاموا وألقوني لدى العزم ماضيا

وهمٍّ به ضاقت صدورٌ فرجتها***وكنت بطبِّي للرجال مداويا

أدافع بالحلم الجهول مكيدةَ***وأخفي له تحت العضاة الدواهيا

فإن شدت مني أدنُ منك وإن تبن***تجدني إذا لم تدنُ منِّي نائيا

فأعطاه معاوية جميع ما سأله، وكتب إليه بخطِّ يده ما وثق به، فدخل فقرَّبه وأدناه، وأقرَّه على ولايته ثم استعمله على العراق].

ص: 115

وبرواية أخرى تقول :

[إن زياداً مرَّ - وهو والي البصرة - بأبي العريان العدوي - وكان شيخاً مكفوفاً ذا لسن وعارضة شديدة - ولما تساءل عن هذه الجلبة قيل له أنه زیاد بن أبي سفيان فأنكر أن يكون لأبي سفيان ولد اسمه زياد، فأنفذ إليه زیاد مئتي دينار فسكت ولما مرَّ زياد في الغد في موكبه فوقَّف عليه فسلَّم بكى أبو عريان فقيل له : ما يُبكيك ؟ قال عرفت صوت ابن أبي سفيان في صوت زیاد، فبلغ ذلك معاوية، فكتب إلى أبي العريان 16 / 188 :

ما ألبثتك الدنانير التي بُعِثت***أن لوَّنتك أبا العريان ألوانا

أمسى إليك زيادٌ في أُرومته***نكرٌ فأصبح ما أنكرت عرفانا

للّه درُّ زیادٍ لو تعجَّلها***كانت له دون ما يخشاه قربانا

فلما قُرِئ کتاب معاوية عل بن عريان قال اكتب جوابه یا غلام:

أحدث لنا صلةً تحيي النفوس بها***قد كدت يا ابن أبي سفيان تنسانا

أما زیادٌ فقد صحَّمت مناسبهُ***عندي فلا أبتغي في الحقِّ بهتانا

من يُسدِ خيراً يُصبهُ حين يفعلهُ***أويُسدِ شرَّاً يُصبهُ حيثما كانا]

وبرواية أخرى تقول :

[دخل بنو أُميَّة وفيهم عبد الرحمن بن الحكم على معاوية أيام استلحاق زیاد، فقال له عبد الرحمن :

- لو لم تجد إلَّا الزنج لاستكثرت بكم علينا قلَّةً وذلَّة - يعني على بني أبي

ص: 116

العاص -.

فأقبل معاوية على مروان فقال :

- أخرج عنَّا هذا الخليع.

فقال مروان :

- إي واللّه أنه خليع ما يُطاق.

فقال معاوية :

- واللّه لولا حلمي وتجاوزي لعلمت أنه يطاق. ألم يبلغني شعره فيَّ وفي زیاد؟

ثم قال مروان :

- أسمعنيه.

فأنشده 189/16 – 190 :

ألا أبلغ معاوية ابن حربٍ***فقد ضاقت - بما يأتي - اليدان

أتغضب أن يُقال أبوك عفٌّ***وترضى أن يُقال أبوك زانِ؟؟

فاشهد أن رحمك من زیادٍ***کرحم الفيل من ولد الأتانِ

واشهد أنها حملت زياداً***وصخرٌ من سميَّة غير دانِ

ثم قال : واللّه لا ارضى عنه حتى يأتي زيادة فيترضَّاه ويعتذر إليه، فجاء عبد الرحمن إلى زياد معتذراً وبعد تمنُّعٍ رضي زياد، فأنشد عبد الرحمن 190/16 - 191 :

ص: 117

إليك أبا المغيرة تبت مما***جرى بالشام من خطل اللسانِ

وأغضبت الخليفة فيك حتى***دعاه فرط غيضٍ أن هماني

فقلت لمن لحاني في اعتذاري***إليك اذهب فشأنك غير شاني

عرفت الحقَّ بعد ضلال رأيي***وبعد الغي من زيغ الجنانِ

أراك أخا وعمَّاً وابن عمٍّ***فما أدري بعيبٍ ما تراني

وأن زيادةً في آل حربٍ***فقد ظفرت بما تأتي اليدانِ

وقال يزيد بن مفرِّغ الحميري في هجائه عبيد اللّه وعبِّاد، ابني زيادة 191/16 -192 :

أأعبَّاد ماللؤم منك توُّلٌ***ولا لك أُمٌّ من قريشٍ ولا أبُ

وقل لعبيد اللّه مالك والدٌ***بحقٍّ ولا يدري امرؤٌ كيف تَنسب

وقال :

شهدت بأن أَمَّك لم تباشر***أبا سفيان واضعة القناعِ

ولكن كان أمرٌ فيك لبسٌ***على حذرٍ شديدٍ وارتياعِ

إذا أودى معاوية ابن حربٍ***فبشِّر شِعب قعبك بالصداع

وقال :

أنَّ زياداً ونافعاً وأبا***بكرة عندي من أعجب العجب

هم رجالٌ ثلاثةٌ خُلِقوا***في رحم أُنثى وكلُّهم لأبِ

ذا قرشيٌّ كما تقول وذا***مولىً وهذا بزعمه عربي

ص: 118

وقال - وكان عبيد اللّه بن زیاد يقول عنه؛ ما شجيت بشيءٍ أشد عليَّ من قول ابن المفرِّغ -:

فکِّر ففي ذاك إن فکَّرت مُعتبرٌ***هل نلت مكرمةً إلَّا بتأميِر

عاشت سُميَّة ما عاشت وما علمت***أن ابنها في قريش في الجماهيرِ

وقال - وقد باع بُرد غلامه لما حبسه عبَّاد بن زیاد بسجستان - :

یا بُردُ ما مسَّنا دهرٌ أضرَّ بنا***من قبلُ هذا ولا بعنا له ولدا

لامتنيَ النفس في بُردٍ فقلت لها***لا تهلكي إثرَ بُردٍ هكذا كمدا

لولا الدعيُّ ولولا ما تعرَّض بي***من الحوادث ما فارقتهُ أبدا

وقال :

أبلغ لديك بني قحطان مهلكةً***عضَّت بأير أبيها سادة اليمن

أضحى دعيُّ زیادٍ فقع قرقرةٍ***يا للعجائب يلهو بابن ذي يزنِ]

وبروايةٍ أُخرى تقول :

[إن عبَّاداً استلحقه زیاد، كما استلحق معاوية زياداً؛ إذ لما أذن لزيادٍ في الحجِّ تجهَّز، فتقدَّم عبَّاد - وكان خرَّازاً - فصار يعرض عليه ويجاوره ويجيبه فقال زیاد :

- ويحك من أنت؟

قال :

- أنا ابنك..!

ص: 119

قال : - ويحك، وأيُّ بنيَّ؟

قال :

- قد وقعت على أمي فلانة وكانت من بني كذا، فولدتني، وكنت في بني قیس بن ثعلبة وأنا ملوكٌ لهم.

فقال : - صدقت.

فبعث فاشتراه، وادَّعاه وألحقه، وعظم أمر عبَّاد حتى ولَّاه معاوية سجستان بعد موت زیاد، فتزوَّج عبَّاد الستيرة ابنة أنيف بن زياد الكلبي، فقال الشاعر يُخاطب أنيفاً - وكان سیِّد کلب في زمانه 16 / 193 :

أبلغ لديك أبا ترکان مألكةً***أنائما كنت أم بالسمع في صممِ

أنكحتَ عبدَ بني قيسٍ مُهذَّبةً***آباؤها من عليمٍ، معدن الكرمِ

أكنت تجهل عبَّاداً ومحتدهُ؟***لا درَّ درُّك؟ أم أنكحت من عدمِ

أبعد آل أبي سفيان تجعله***صهراً، وبعد بني مروان والحكم؟

أعظم عليك بذا عاراً ومنقصةً***ما دمت حيَّاً وبعد الموت في الرحمِ]

وبروايةٍ أخرى تقول :

[كان سعيد بن سرح شيعةً لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلما قدم زیاد إلى الكوفة طلبه وأخافه فاستجار بالحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فوثب زیاد عليه وعلى أخيه وولده

ص: 120

وامرأته فحبسهم وأخذ ماله ونقض داره فكاتبه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وردَّ عليه زیاد يُعنِّفه وينتقص منه فبث الحسن کتاباً إلى معاوية ومعه کتاب زیاد إليه فكتب معاوية إلى زياد كتاباً يأمره فيه أن يرد حق سعيد بن سرح وان يعرف منزلة الحسن من الإسلام، وذيَّل كتابه شعرة من جملته 195/16 :

أما حسنٌ فابن الذي كان قبله***إذا سار، سار الموت حيث يسيرُ

وهل يلد الرئبال إلَّا نظيره***وذا حسنٌ شبهٌ له ونظيرُ

ولكنَّه لو يوزن الحلم والحجا***بأمر لقالوا يذبلٌ وثبیرُ

فأطلقهم ورَّ مالهم].

وبما روى الزبير بن بكار في (الموفقيات) أن عبد الملك أجرى خيلاً، فسبقه عبَّاد بن زیاد فأنشد عبد الملك 16 / 196 :

سبَّق عبَّادٌ وصلت لحيته وكان خرازة تجور قريته

فاطمة الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ):

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«بل كانت في أيدينا فدك وكلما أضلَّته السماء فشحَّت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، ونعم الحكم اللّه، وما أصنع بفدك وغير فدك، والنفس مضانها في غدٍ جدث، تنقطع في ظلمته آثارها وتغيب أخبارها، وحفرة لو زید فسحتها، وأوسعت يدا حافرها لاحتفضها الحجر والمدر، وسدَّ فرجها التراب المتراكم، وإنما هي نفسٌ أروضها بالتقوى لتأتيَ آمنةً يوم الخوف الأكبر وتثبت على

ص: 121

جوانب المزلق».

استشهد ابن أبي الحديد بقول مهیار بن مرزويه الشاعر في قصيدة قالها في موقف أبي بكرٍ وعمر من فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) 208/16 و 235 - 236 :

يا ابنة القوم تراكِ***بالغٌ قتلي رضاكِ

يا ابنة الطاهر لم تق***رعِ بالظلم عصاكِ

غضب اللّه لخطبٍ***ليلة الطف عراكِ

ورعى النار غداً قطَّ***رعى أمس حماكِ

مرَّ لم يعطفه شكوى***[لا]ولا استحيا بكِ

واقتدى الناس به بع***دُ فأردى والداكِ

يا ابنة الراقي إلى السد***رة في ل وح السكاكِ

لهف نفسي وعلى مث***لكِ فلتبكِ البواكي

کیف لم تُقطع یدٌ مدَّ `إليك ابن ضحاكِ

فرحوا يوم أهانو***كِ بماساء أباكِ

ولقد أخبرهم أنَّ***رضاه من رضاكِ

دفعا النص على أر***ثك لما دفعاكِ

وتعرَّضتِ لقدْرٍ***تافهٍ وانتهراكِ

وادَّعيتِ النحلة المش هود فيها بالصكاكِ

فاستشاطا ثم ما إن***كذبا أن كذَّباكِ

ونفى عن بابه الو***اسع شيطاناً نفاكِ

ص: 122

وبقول فاطمة الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ) بعد خطبتها إلى أبي بكر 251/16 :

قد كان بعدك أنباءٌ وهنبثة***لوكنتَ شاهدها لم تكثر الخطبُ

إذا فقدناك فقد الأرض وابلها***واختلَّ قومك فاشهدهم ولا تطب

فليت بعدك ظلُّ الموت صادفنا***لما قضيت وحالت دونك الكتبُ

ضاقت عليَّ بلادي بعدما رحبت***وسیم سبطاك خسفاً فيه لم تُصبِ

فليت قبلك كان الموت صادفنا***قومٌ تمنَّوا فأُعطوا كلما طلبوا

تجهَّمتنا رجالٌ واسْتُخِفَّ بنا***مذ غبتَ عنَّا وكلَّ الإرث قد عصبوا

استِقراءُ المستقبل

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«ولكنني آسي أن يلي هذه الأُمة سفهاؤها وفجَّارها، فيتخذوا مال اللّه دولاً، وعباده خَوَلاً، والصالحين حرباً، فإن منهم الذي شرب فيكم الحرام، وجُلِد حدَّاً في الإسلام، وإن منهم من لم يُسْلم حتى رُضخت له على الإسلام الرضائخ».

فاستشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول 17 / 220 و 240 - 241:

[إن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لما انصرف عن غزوة بني المصطلق نزل رجلٌ من المسلمين فساق بالقوم ورجز، ثم آخر فساق بمم ورجز، ثم بدا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن يواسي أصحابه فنزل فساق بهم ورجز، وجعل يقول - فيما يقول -:

ص: 123

جُندبٌ وما جندبُ***وإلَّا قطع زيدٌ الخير

فدنا منه أصحابه وقالوا :

- یا رسول اللّه قلت قولاً ندري ما هو؟

قال :

- وما ذاك؟

قالوا :

- کنت تقول :

جُندبٌ وما جُندبُ***وإلَّا قطع زيدٌ الخير

فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ):

«رجلان يكونان في هذه الأُمَّة يضرب أحدهما ضربةً يفرق بين الحق والباطل، وتُقطع يدا آخر في سبيل اللّه، ثم يتبع اللّه آخر جسده بأوله».

وكان زيد هو زيد بن صوهان، وقُطِعت يده في سبيل اللّه يوم جلولاء، وقُتِل يوم الجمل، مع علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ).

وأما جندب هذا فدخل على الولید بن عقبة وعنده ساحر يقال له أبو شیبان، يأخذ أعين الناس فيخرج مصارين بطونهم ثم يردُّها، فجاء من خلفه فضربه فقتله، وقال 240/17 - 241:

ص: 124

إلعن وليداً وأباشيبان

وابن حبيشٍ راكب الشيطان

رسول فرعون إلى هامان

* وقيل إن عبد اللّه بن الزبير أُتَي به رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فنظر في وجهه وقال :«هو هو؟ ليمنعنَّ البيت أو ليموتنَّ دونه».

وقال العقيلي في ذلك 108/20 :

برٌّ يتبيَّن ماقال الرسول له***وذو صلاةٍ يُضاهي وجهه علمُ

حمامةٌ من حمام البيت قاطنةٌ***لا تتبع الناس إن جاروا وإن ظلموا

الشيب والخضاب

سُئل (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

«غيِّروا الشيب ولا تَشبَّهوا باليهود».

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ):

«إنما قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والدين قُلٌّ، فأما الآن وقد اتسع نطاقه، وضرب بجرانه، فامرؤٌ وما اختار».

ولهذا الكلام قال أنس بن مالك وهو يُخضِّب 18 / 122 - 124 :

نُسوِّد أعلاها وتأبى أُصولها***وليس إلى ردِّ الشباب سبيل

وتقول رواية أُخرى : إن عبد المطلب وفد على سيف بن ذي يزن فقال له :

- لو خضَّبت؟

ص: 125

فلما عاد إلى مكة خضِّب، فقالت له امرأته - نثيلة أُم العباس وضرار :

- ما أحسن هذا الخضاب لو دام.

فقال 18 / 124 :

فلو دام لي هذا الخضاب حمدته***وكان بديلاً من خليلٍ قد انصرمْ

تمتَّعت منه والحياة قصيرةٌ***ولابدَّ من موتٍ - نثيلة - أو هرم

وموت جهيزٍ عاجلٍ لا شوي له***أحبُّ إلينا من مقالكمُ حكم

(يعني أنه صار شيخاً، فصار حكماً بين الناس، من قوله :

لا تغبط المرء أن يقال له***أضحى فلانٌ لسنِّهِ حكما

وروي أن اسماعيل بن خارجة قال لجاريته :

- أخضبيني.

فقالت :

- حتى من أُرقِّعك ؟

فقال 18 / 125؛

غيَّرتِني خَلِقاً أبليت جِدَّتهُ***وهل رأيتِ جديداً لم يعُد خلِقا؟

وقال محمود الورَّاق 18 / 125:

يا خاضب الشيب الذي***في كلِّ ثالثةٍ و يعودُ

إن الخضاب إذا مضى ف***كأنه شيبٌ جديدُ

فدع المشيب وما یُریدُ***فلن تعود كما تريدُ

ص: 126

وقال الشاعر 18 / 125 :

وصبغت ما صبغ الزمان فلم يدم***صبغي ودامت صبغة الأيامِ

وقال آخر 127/18 :

يا أيها الرجل المُغيِّرُ شيبهُ***كيما تُعَدُّ له من الشبَّان

أقصر فلو سوَّدت كلَّ حمامةٍ***بيضاء ما عُدَّت من الغربانِ

وقال البحتري 18 / 125 - 126 :

لابسٌ من شيبه أم ناضِ***ومليحٌ من شيبةٍ أم راضِ

وإذا ما امتعضت من ولع الشيا***ب برأسٍ لم يُثنِ ذا امتعاضِ

ليس يرضى عن الزمان امرؤٌ في***هإلَّا عن غفلةٍ أو تغاض

والبواقي من الليالي وإن خا***لفن شيئاً شبيهةً بالمواضي

وأبت تركيَ الغديِّیات والآ***صال حتى خضبت بالمقراضِ

طال حزني على الشباب وما بيض***من لون صبغة الفضفاض

فهل الحادثات بين عويفٍ***تاركاتي ولبس هذا البياضِ

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ)، عندما قيل له : لو غيِّرت شيبك يا أمير المؤمنين :

«الخضاب زينة في مصيبة برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )».

استشهد أبن أبي الحديد بقول الصابي 230/20 :

ص: 127

خضابٌ تقسمناه بيني وبينها***ولكنَّ شأني خالفٌ فيه شأنها

فيا قبحه إن حل مني بمفرقي***ويا حسنه إن حلَّ منها بنانها

وسحقاً له من لمَّتي حين شانها***وأهلاً به في كفِّها حين زانها

ويقول أبي تمام 230/20 – 231 :

لعب الشيب بالمفارق بل جدَّ***فأبکی تماضراً ولعوبا

خضَّبت خدَّها إلى لؤلؤ ال***عقد إن رأت شواتي خضیبا

كلُّ داءٍ يُرجى الدواء له إلَّا*** الفضيعين ميتةً ومشيبا

يا نسيب الثغام ذنبك أبقى***حسناتي عند الحسان ذنوبا

ولئن عِين ما رأين وقد أن***كرنَ مستنكَراً وعِين معيبا

وبقوله أيضاً 231/20 :

فإن يكن المشيب طغى علينا***وأودى بالبشاشة والشبابِ

فإني لست أدفعه بشيءٍ***يكون عليه أثقل من خضابِ

أردت بأن ذاك وذا عذابٌ***فسلَّطنُ العذاب على العذابِ

وبقوله أيضاً 231/20 :

نسج المشيب له لفاعاً مندفاً***يققاً فقنَّع مذرويه ونصَّفا

نظر الزمان إليه قطَّع دونه***نظر الشقيق تحسُّراً وتلهُّفا

ما اسودَّ حتى ابيضَّ كالكرم الذي***لم يبدُ حتى جيءَ كيما يُقطفا

لما تقوَّفت الخطوب سوادها***ببياضها عبثت به فتفوَّفا

ص: 128

ما كان يخطر قبل ذا في فكرهِ***للبدر قبل تمامه أن يكسفا

وبقوله أيضاً 230/20 – 231 :

غدا الههمُّ مختطَّآً بفوديَّ خطَّةً***طريق الردي منها إلى الموت مهيعُ

هو الزَور يخفي والمعاشر يحتوي***وذو الألف يُقلى، والجديد یُرَقَّعُ

له منظرٌ في العين أبيض ناصعٌ***ولكنَّه في القلب أسود أسفعُ

ونحن نُرجِّيهِ على الكره والرضا***وأنف الفتى من وجهه وهو أجدع

وقوله أيضاً 20/ 232 :

شعلةٌ في المفارق استودعتني***في صميم الأحشاء ثكلاً صميما

تستثير الهموم ما اكتنُّ منها***صُعَداً وهي تستثير الهموما

غُرَّةٌ مرة ألا إنّما كن***تُ أغرَّ أيام كنتُ بهيما

دقَّةٌ في الحياة تُدعى جلالاَ***مثلما سُمَّي اللديغ سليما

حلَّمتني زعمتُمُ وأراني***قبل هذا التحليم كنتُ حليما

وقول ابن الرومي 231/20 :

لم أُخضِّب الشيب للغواني***أبغي به عندهم ودادا ؟

لكن خضابي على شبابٍ***لبستُ من بعدهِ حدادا

وقول البحتري 20 / 232 :

ص: 129

بان الشباب فلا عينٌ ولا أثرٌ***إلَّا بقيَّة بُردٍ منه أسمالِ

قد كدتُ أُخرجهُ عن منتهى عددي***يأساً وأُسقطهُ إذ فات من بالي

سوء العواقب یأسٌ قبلهُ أملٌ***وأعضل الداء نكسٌ بعد إبلالِ

والمرءُ طاعةُ أيامٍ تُنقِّلهُ***تنقُّلَ الظلِّ من حالٍ إلى حالِ

وقول الصابلي يذكر الخضاب 20/ 232 :

خضِّبتُ شيبي للتعلُّق بالصبا***وأوهمتُ من أهواه أنِّي لم أشِبْ

فلما ادعي مني الشباب شبيبةً***إذا صَلَعي قد صاح من فوقه كذِبْ

فكم طرَّةٍ طارت ودانت ذوائبٌ***وكم وجنة حالت وماءٌ بها نضب

شواهد بالتزوير يحوين ریَّها***فهجرانهُ عند الأحبَّة قد وجبْ

الأجوبة المسكتة

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«من أسرع إلى الناس بما يكرهون، قالوا فيه ما لا يعلمون».

استشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول :

[لما فتح قتيبة بن مسلم سمرقند أقضى إلى أثاث لم تُرَ مثله وإلى آلات لم يُرَ مثلها، فأراد أن يُرى الناس عظیم ما أنعم اللّه عليه، ويُعرِّفهم أقدار القوم الذين ظهر عليهم، فأمر بدارٍ ففُرِشت وفي صحنها قدورٌ يُرتقي إليها بالسلالم، فإذا الحضين بن المنذر بن الحارث بن وعلة الرقاشي قد أقبل والناس جلوس على مراتبهم، والحُضين شيخٌ كبير، فلما رآه عبد اللّه بن مسلم قال لأخيه قُتيبة :

ص: 130

- إإذن لي في معاتبته :

قال :

- لا تردَّه لأنه خبيث الجواب.

فأبي عبد اللّه إلَّا أن يأذن له، فقال 152/18 - 153 :

يا أبا ساسان، أتعرف الذي يقول :

عُزِلنا وأُمِّرنا وبكر بن وائلٍ***تجرُّ حضاها تبتغي من تُحالفُهْ

قال :

أجل، وأعرف الذي يقول :

بأدنى العزم قاد بنو قُشَيْرٍ***ومن كانت له أسری کلابِ

وخيبة من يخيب على غنيٍّ***وباهلة بن يعصر والطلابِ

قال :

- أفتعرف الذي يقول؟

كأن فقاع الأزد حول ابن مسمع***إذا عرفت أفواه بكر بن وائلِ

قال :

- نعم أعرفه وأعرف الذي يقول :

قومٌ قتيبةُ أُمُّهم وأبوهم***لولا قُتيبة أصبحوا في مجهلِ

قال :

- أما الشعر فأرك ترويه، فهل تقرأ من القرآن شيئا؟

ص: 131

قال :

- أقرأ منه الأكثر الأطيب :«هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا».

فأغضبه فقال :

- واللّه بلغني أن امرأة الحضين حُملت إليه، وهي حبلى من غيره.

فما تحرَّك الشيخ عن هیأته الأُولى ثم قال على رسله :

- فما يكون : تلد غلاماً على فراشي، فيُقال : فلان بن الحضين كما يُقال : عبد اللّه بن مسلم، فأقبل قتيبة على عبد اللّه وقال :

- لا يُبعد اللّه غيرك !

المسك

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«نِعْمَ الطِيب المسك؛ خفيفٌ حمله، عَطِرٌ ريحُه».

استشهد ابن أبي الحديد بما أنشد المتوكِّل، وهو يُناول أحمد بن فنن فأرة مسك 342/19 :

لئن كان هذا طيبنا وهو طيِّبٌ***لقد طيِّبته من يديك الأناملُ

وبرواية تقول 342/19 - 343:

[شمَّ مالك بن أسماء بن خارجة الفزاري من أُخته هند بنت أسماء ريحاً غالية، وكانت تحت الحجاج، فقال :

ص: 132

- علِّميني طِيبك. قالت :

لا افعل، أتريد أن تُعلِّمه جواريك؟ هو لك عندي ما أردته. ثم ضحكت وقالت :

واللّه ما تعلِّمته إلَّا من شعرك حيث تقول :

أطيب الطِيب طِيب أُمِّ أبانٍ***فأرمسك بعنبرٍ مسحوق

خلطتُه بعودها وبيانٍ***فهو أحوى على اليدين شريقِ ]

وبما قيل :

[إن عمر بن عبد العزيز - في إمارته على المدينة - يجعل المسك بين قدميه ونعله، فقال فيه الشاعر يمدحه 19 /343:

له نَعَلٌ لا يطبيَ الكلب ريحها***وإن وضِعت في مجلس القوم شُمَّتِ]

وبروايةٍ أُخرى تقول 19 / 344 : [سمع عمر قول عبد بني الحسحاس :

وهبَّت شمالٌ آخر الليل قرَّةٌ***ولا ثوب إلَّا درعها وردائيا

فما زال بُردي طيِّبا من ثيابها***مدى الحول حتى نهَّج البرد باليا

فقال له :

- ويحك، إنك مقتول.

فلم تمضِ عليه أيام حتى قُتِل]

وبروايةٍ أخرى تقول 19 / 344 - 345:

ص: 133

[عرضت مدنية لكُثَيِّر، فقالت : أنت القائل؟

فما روضةٌ بالحزن طيبة الثري***يمجُّ الندى جثجاثها وعرارها

بأطيب من أردان عزَّة موهناً***وقد أوقدت بالمندل الرطب نارها

لو كانت هذه الصفة لزنجية تجتلي الحلِّ لطابت، هلاً قلت كما قال سيِّدك امرؤ القيس :

ألم ترياني كلما جئت طارقاً***وجدتُ لها طِيباً وإن لم تُطَيَّبِ

واستشهد بقول شاعر 19 / 347:

والمسك بيناتراه ممتهناً***بنهر عطَّاره وساحقهِ

حتى تراه في عارضي ملكٍ***أو موضع التاج من مفارقهِ

وبقول الصنوبري في استهداء المسك 19 / 347 :

المسك أشبه شيءٍ بالشباب فهب***بعض الشباب لبعض العصبة الشيبِ

و :

كأن دخان الندِّ ما بين جمره***بقايا ضباب في رياض شقيقِ

وقول أبي العباس الأعمى 19 / 348 :

ليت شعري من أين رائحة المس***ك وما أن أخال بالخيف أُنس

حيث غابت بنو أُميَّة عنه***والبهاليل من بني عبد شمسِ

خطباءٌ على المنابر فُرسا***نُ قالةٍ غیر خُرْسِ

بحلومٍ مثل الجبالِ رزانٍ***ووجوهٍ مثل الدنانير ملسِ

وقول المسيَّب بن عَلَس 348/19 – 349 :

ص: 134

تبيت الملوك على عتبها***وشيبان إن غضبت تعتبُ

وكالشهد بالراح ألفاظهم***وأخلاقهم منهما أعذبُ

وكالمسك تُرْبُ مقاماتهم***وشربُ قبورهمُ أطيبُ

وقول العباس بن الأحنف 349/19 :

وأنت إذا ما وطئت التراب***كأنَّ ترابك للناس طيبُ

وقول أحد الشعراء وهو يهجو العمال في أيام عمر 349/19 :

نؤوبُ إذا آبوا ونغزو إذا غزوا***فأنَّى لهم وفرٌ ولسنا ذوي وفرِ

إذا التاجر الداري جاء بفارةٍ***من المسك راحت في مفارقهم تجري

وقول الشاعر في فأرة الإبل 350/19 :

كأنَّ فأرة مسكٍ في مباءتها***إذا بدا من ضياء الصبح تنتشرُ

وقول عيينة بن أسماء بن خارجة الفزاري 350/19 :

لو كنت أحمل خمراً حين زرتكمُ***لم ينكر الكلب إني صاحب الدارِ

لكن أتيت وريح المسك يقدمني***والعنبر الورد مشبوباً على النارِ

فأنكر الكلب ريحي حين خالطني***وكان يألف ريح الزقِّ والفارِ

وقول سلمة بن عيَّاش لجعفر بن سليمان 19 / 351:

فما شمَّ أنفي ريح كفٌّ رأيتها***من الناس إلَّا ريح كفّك أطيبُ

ص: 135

عبد اللّه بن الزبير

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«ما زال الزبير رجلاً منَّا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشؤوم عبد اللّه».

استشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول 102/20 :

[... بويع لعبد اللّه بن الزبير في سنة أربعٍ وستين في قول وخمسٍ وستين في قولٍ ثانٍ، ولما كان اليوم الذي قُتِل فيه دخلت على أُمه في المسجد فحثَّته على أن لا يقبل الذل مخافة القتل.

فخرج ونصب له مصراع عند الكعبة، فأتاه رجل من قريش فقال له :

- واللّه لو وجدوكم تحت أستار الكعبة لقتلوكم عن آخركم، وهل حرمة البيت كحرمة الحرم؟ ثم أنشد 20 / 105 :

ولست بمبتاع الحياة بسبَّةٍ***ولا مرتقٍ من خشية اللّه سُلَّما

ثم شد عليه أصحاب الحجاج، فحمل عليهم فصار يضربهم بسيفين حتى أخرجهم من المسجد، ثم انصرف وهو يقول 105/20 :

لو كان قرني واحدٌ أرديته***أوردته الموت وقد أذكيته

ثم عاد فحمل عليهم فأخرجهم من المسجد بعد دخوله ثم انصرف وهو يقول 20 / 105 :

ولسنا على الأعقاب تُدمي كلومنا***ولكن على أعقابنا تقطر الدِما

وحماه موليان له، فكان أحدهما يقول 106/20 :

ص: 136

العبد يحمي ربَّه ويحتمي

وكان أهل الشام وهم يُقاتلون عبد اللّه في مكة يصيحون :

يا ابن ذات النطاقين.

يضنُّونه عيباً فقال لهم :

إني وإياكم لكما قال أبو ذؤيب :

وعيَّرني الواشون أني أُحبها***وتلك شكاةٌ ظاهرٌ عنك عارها

فإن أعتذر عنها فإني مكذِّبٌ***وإن تعتذر يُردَ عليك اعتذارها

وزعموا أن عبد اللّه بن الزبير لما ولد أُتي به رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فنظر في وجهه وقال :

- هو هو لمنعني البيت وليموتنَّ دونه.

وقال العقيلي في ذلك، وقد نقلناه في فقرة التوقُّعات المستقبلية 108/20 :

برٌّ تبیَّن ما قال الرسول له***وذو صلاةٍ يُضاهي وجهه علمُ

حمامةٌ من حمام البيت قاطنةٌ***لا تتبع الناس إن جاروا وإن ظلموا

وخطب الحجاج بعد قتله زجلة بنت منظور بن زیَّان بن سيَّار الفزارية، وهي أم هاشم بن عبد اللّه بن الزبير، فقلعت ثنيتها وردَّته وقالت :

- ماذا يُريد إلى ذلقاء ثكلى حرَّي. وقالت 109/20 :

أبعد عائذ بيت اللّه تخطبني***جهلا جهلت وغبُّ الجهل مذمومُ

ص: 137

فاذهب إليك فإني غير ناكحةٍ***بعد ابن أسماء ما استنَّ الدياميمُ

من يجعل العير مصفرَّا جحافله***مثل الجواد وفضل اللّه مقسومُ]

* سمع معاوية رجلاً ينشد 111/20 :

ابن رقشٍ ماجدٌ سميدع***يأبى فيعطي عن يي ويمنعُ

فقال :

- ذلك عبد اللّه بن الزبير.]

*لما كان يوم الثلاثاء، صبيحة سبع عشرة من جمادي الأُولى سنة ثلاث وسبعين، وقد أخذ الحجاج على ابن الزبير بالأبواب، بات ابن الزبير يُصلي الليل، ثم تقلَّد سيفه فصلي الفجر، وبعدها خطب في قومه ثم قال :

أبي لابن سلمى أنه غير خالدٍ***يُلاقي المنايا أيَّ وجهٍ تيمَّما

فلست بمبتاع الحياة بسبَّةٍ***ولا مرتقٍ من خشية الموت سُلَّما

*كان عبد اللّه بن الزبير شديد البخل، كانُ يطعم جنده تمرا، ويأمرهم بالحرب، فإذا فرُّوا من وقع السيوف لاحقهم وقال لهم :

- أكلتم تمري وعصيتم أمري.

فقال أحدهم 123/20 :

ألم ترَ عبد اللّه - واللّه غالبٌ***على أمره - يبغي الخلافة بالتمرِ

*خطب ابن الزبير بمكة على المنبر، وابن عباس جالس مع الناس تحت المنبر فعرَّض ببني هاشم، فقال ابن عباس : يا ابن الزبير 130/20 :

ص: 138

قد أنصف الفارة من رماها

إنَّا إذا ما فئةً نلقاها

نردُّ أُولاهاعلي أُخراها

حتى تصير حرضاً دعواها

*خطب عبد اللّه بن الزبير أيام یزید بن معاوية فقال :

(یزید القرود، یزید الفهود، يزيد الخمور، يزيد الفجور، أما واللّه لقد بلغني أنه لا يزال مخموراً يخطب الناس وهو طافحٌ في سكره).

فبلغ ذلك يزيد بن معاوية فجهَّز جيش الحرَّة وهو عشرون ألف وقال 20/ 133 – 134 :

أبلغ أبا بكرٍ إذا الجيش انبری

وأخذ القوم على وادي القرى

عشرين ألفاً بین کهلٍ وفتى

أجمع سكرانٍ من القوم ترى

أم جمع ليثٍ دونه ليث الشرى

*لما خرج الحسين من مكة إلى العراق ضرب عبد اللّه بن عباس بيده على منکب ابن الزبير وقال :

يالك من قبَّرةٍ بمعبرِ***خلالكِ الجوُّ فبيضي واصفري

هذا الحسين سائرٌ فأبشري***ونقِّري ماشئتِ أن تنقِّري

ص: 139

*دخل عبد اللّه بن الزبير على معاوية فقال :

- اسمع أبياتا قلتها أُعاتبك فيها.

قال :

- هاتها.

فأنشد 135/20 :

لعمريَ ما أدري وأني أُؤجِّلُ***على أينا تعدو المنية أولُ

وأني أخوك الدائم العهد لم أزل***أن أعياك خصمٌ أو نبا بك منزل

أُحارب من حاربت من ذي عداوةٍ***وأُحبس يوماً إن حبست وأعقلُ

وإن يؤتني يوماً صفحت إلى غدٍ***ليعقب يومٌ منك آخر مقبلُ

ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني***يمينك فانظر أيَّ كفِّ تُبدِّلُ

إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته***على طرف الهجران كان يُعقِّل

ويركب حدَّ السيف من أن تُضيمه***إذا لم يكن في شفرة السيف معدل

وكنتُ إذا ما صاحبٌ ملَّ صُحبتي***وبدَّل شرَّاً بالذي كنت أفعلُ

قلبتُ له ظهر المجنَّ ولم أقم***على الضيم إلَّا ريثما أتحوَّل

وفي الناس إن رثَّت حبالك واصلٌ***وفي الأرض عن دار العلا متحوِّلُ

إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد***إليه بوجهٍ آخرالدهر تقبلُ

فقال معاوية :

- لقد شعرت بعدي يا أبا خبيب.

ص: 140

وبينا هو كذلك دخل معن بن أوس المُزني فقال له معاوية :

- إيه ! هل أحدثت بعدي شيئاً؟

قال :

- نعم.

قال :

قل:

فأنشد هذه الأبيات فعجب معاوية وقال لابن الزبير :

- ألم تنشدها لنفسك آنفاً؟

فقال :

- أنا سوَّيت المعاني وهو ألَّف الألفاظ ونظمها، وهو بعدُ طري (69) فما قال من شيء فهو لي.

فقال معاوية :

- وكذباً يا أبا خبيب؟

فقام عبد اللّه وخرج.

أشعر الشعراء :

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وقد سُئل عن أشعر الشعراء :

«إن القوس لم يجر في حلبةٍ تعرف الغاية عند قصبتها، فإن كان لابد فالملك الضلِّيل».

ص: 141

وهو (عَلَيهِ السَّلَامُ) يريد امرأ القيس.

استشهد ابن أبن أبي الحديد بالرواية التي تقول 153/20 – 154 :

[كان عليُّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُعشِّي الناس في شهر رمضان ولا يتعشَّى معهم، فإذا فرغوا خَطَبَهم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال في خطبته :

«اعلموا أن ملاك أمركم الدين، وعصمتكم التقوى، ونيِّتكم الأدب، ومصون أعراضكم الحلم...».

ثم قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

قل، يا أبا الأسوَد، فيم كنتم تفيضون فيه ؟ أي الشعراء أشعر؟

فقال :

- الذي يقول :

ولقد أغتدي يُدافع ركني***أعوجيٌّ ذو ميعةٍ ضرِّیجُ

مُخلطٌ، مِزبلٌ، مِعنٌّ، مِفنٌّ***منفخٌ، مطرحٌ، سيوحٌ، خروجُ

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

- ليس به.

قالوا :

- من يا أمير المؤمنين ؟

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ):

«لو رُفِعت للقدم غاية فجروا إليها معاً علمنا من السابق منهم، ولكن إن

ص: 142

يكن فالذي لم يقل عن رغبة ولا عن رهبه».

قيل :

- من هو يا أمير المؤمنين ؟

قال (عَلَيهِ السَّلَامُ):

- هو الملك الضليل ذو القروح.

قيل : امرؤ القيس يا أمير المؤمنين ؟

قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

- هو...

ويعني (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالغاية (الراية)، قال الشاعر :

وإذا غاية مجدٍ رُفِعت***نهض الصلتُ إليها فحواها

ويروى قول الشماخ :

إذا ما رايةٌ رُفِعت لمجدٍ***تلقَّاها عرابة باليمينِ

وهي لهجة قوم. والراء أكثر.

وقيل؛ شاعر الشعراء - في الجاهلية - زهير لقوله 156/20 :

وما يكُ من خيرٍ أتوه فإنما***توارثها آباء آبائهم قبلُ

وهل ينبت الخطِّيُّ إلَّا وشيجةً***وتُغرس إلَّا في منابتها النخلُ

وقوله 157/20 :

ص: 143

إذا ابتدرت قيس بن عيلان غايةٌ***إلى المجد لم يسبق إليها یُسَوَّدِ

سبقت إليها كلَّ طلقٍ مُبرَّزٍ***سبوقٌ إلى الغايات غيرُ مُزنّدِ

كفعل جوادٍ يسبق الخيل عفوه الى***سراع وإن يجهدْ ويجهدن يبعدِ

فلو كان حمداً يخلد الناس لم تمت***ولكن حمد الناس ليس بمخلدِ

(إلَّا أنه يتبع حوشيَّ الكلام ولا يُفاضل في منطقه، ولا يقول إلَّا ما يعرف، ولا يمدح الرجل إلَّا بما فيه)

وقوله 20/ 158 :

ومن يكُ ذا فضل ويبخل بفضله***على قومهِ يُستَغْنَ عنهُ فيُذممِ

ومن لم يذد عن حوضه بسلاحهِ***يُهدَّم، ومن لا يظلم الناس يظلمِ

ومن هاب أسباب المنايا ينلنه***ولونال أسباب السماء بسُلَّمِ

ومن يجعل المعروف من دون أهلهِ***يُفِرْهُ، ومن لا يتَّقِ الشتم یُشتمِ

وقيل : النابغة. لقوله 159/20 :

فإنَّك شمسٌ والملوك كواكبٌ***إذا طلعت لم يبدُ منهنَّ كوكبُ

وقوله 159/20 :

أتيتك عارياً خلقاً ثيابي***على خوفٍ تظنُّ بيَ الظنون

وقوله 159/20 :

حلفت فلم أترك لنفسك ريبةً***وليس وراء اللّه للمرء مذهبُ

لئن كنتَ قد بُلِّغتَ عنِّي وليتَما***لمبلغك الواشي أغشُّ وأكذبُ

ص: 144

بمستْبقٍ أخاً لا تلمَّهُ خيانةً***على شعثٍ أيُّ الرجال المهذَّبُ

وقوله 160/20 :

فإنك كالليل الذي هو مدركي***وإن خلت أن المنتأى عنك واسعُ

خطاطيف حجلٍ في حبالٍ متينة***تُمدُّ بها أي إليك نوازعُ

وقوله يمدح النعمان بن المنذر 166/20 :

كتمتك ليلاً بالجحومين ساهراً***وهیَّنَ همَّاً مستكنَّاً وظاهرا

أحاديث نفسٍ تشتكي ما يُريبها***وورد همومٍ لا يجدن مصادرا

تُكلِّفني أن يغفل الدهر همَّها***وهل وجدت قبلي على الدهر ناصرا؟

ألم ترَ خير الناس أصبح نعشه***على فتيةٍ قد جاور الحيَّ سائرا

ونحن لديهِ نسأل اللّه خلده***يردُّ لنا ملكاً وللأرض عامرا

ونحن نُرجِّي الخير إن فارقدحنا***ونرهب قدح الدهر إن جاء قامرا

لك الخير إن وارت بك الأرض واحداً***وأصبح حبر الناس بعدك عاثرا

وردَّت مطايا الراغبين وعُرِّيت***جيادك لا يخفى لها الدهر حافرا

رأيتك ترعاني بعينٍ بصيرةٍ***وأبعثت حُرَّاسا عليَّ وناظرا

وذلك من قولٍ أتاك أقوله***ومن دس أعداءٌ لديك المآبرا

فأهلي فداءٌ لامرئٍ إن أتيته***تقبَّل معرون وسدَّ المفاقرا

سأربط كلبي إن يُريبك نبحهُ***وإن كنت أرعى مسحلان وعامرا

وحلَّت بيوتي في بقاعِ منَّعٍ***تخال به راعي الحمولة طائرا

تزل الوعول العصم عن قذفاته***ويضحي ذراه في السحاب كوافرا

ص: 145

حذاراً على أن لا تنال مقادتي***ولا نسوتي حتى يمتن حرائرا

أقول وقد شطَّت بيَ الدار عنكمُ***إذا مالقيت من معدٍّ مسافرا

ألا أبلغ النعمان حيث لقيتهُ***فأهدى له اللّه الغيوث البواكرا

وربَّ عليه اللّه أحسن***وكان على كلِّ المعادين ناصرا

صنعهُ

وقوله 20/ 192 :

هذا غلامٌ حسنٌ وجههُ***مستقبل الخير سريع التمامْ

للحارث الأكبر والحارث ال***أصغر فالأعرج خير الأنام

ثم لعمرٍ ولعمرٍ وقد***أسرع في الخيرات منه إمام

خمسة آباءٍ همُ ماهمُ***أفضل من يشرب صوب الغمام

وقيل القطامي، لقوله 164/20 :

إنَّا محبُّوك فاسلم أيها الطلُ***وإن بلیت وإن طالت بك الطِيَلُ

ليس الجديد به تبقى بشاشته***إلَّا قليلاً ولا ذو قلَّةٍ يصلُ

والعيش لا عيش إلَّا ما تَقَرُّ به***عينٌ ولا حال إلَّا سوف تنتقلُ

إن ترجعي من أبي عثمان منجمةً***فقد يهون على المستنجح العملُ

والناس من يلقَ خيراً قائلون له***ما يشتهي ولأُم المخطئ الهبلُ

قد يدرك المتأني بعض حاجتهِ***وقد يكون مع المستعجل الزللُ

وقوله 164/20 :

ص: 146

طرقت جنوب رحالنا من مطرقِ***ماكنت أحسبها قريب المُعْنَقِ

وقيل الخنساء لقولها 20/ 190 :

وقائلة والنعش قد فات خطوها***لتدركهُ: يا لهف نفسي على صخرِ

ألا هبلت أُم الذي غدروا بهِ***إلى القبر، ماذا يحملنَّ إلى القبرِ

وقيل ليلى أخت المنتشر بن وهب الباهلي لقولها 165/20 :

مهفهفٌ أهضم الكشحين منحرقٌ***عنه القميص يسير الليل محتقِرا

لا يأمن الدهر ممساه ومصبحهُ***من كلِّ أوبٍ وإن لم يغزُ منتظرا

وقيل امرؤ القيس لقوله: 168/20 :

وقاهم جدُّهم ببني أبيهم***وبالأشقين ما كان العقابُ

وقوله 199/20 :

أغرَّكِ مني أنَّ حَّبكِ قاتلي***وإنَّكِ مهما تأمري القلب يفعلِ

وقيل : الذي يقول 169/20 :

ويبرد برد رداء العروسِ***بالصيف رقرق فيه العبيرا

ويسخن ليلة لا يستطيع***نباحا به الكلب إلَّا هريرا

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) 234/20 :

«ما المجاهد في سبيل اللّه بأعظم ممن قِدر فعفَّ لكاد العفيف أن يكون مَلَكاً من الملائكه».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر 234/20 :

ص: 147

إن أكن طامح اللحاظ فإنِّي***- والذي يملك القلوب - عفيفُ

وقول الآخر 234/20 :

وإني لعفٌّ من فكاهة جارتي***وإني لمشنوءٌ إليَّ إغتيابها

أذا غاب عنها بعلها لم أكن لها***صديقاً ولم تأنس إليَّ طلابها

ولم أكُ طلَّاباً أُحادث سرَّها***ولا عالماً من أيِّ حوكٍ ثيابها

وقول جميل بثينة 234/20 :

لا والذي تسجد الجباه له***مالي بما ضمَّ ثوبها خبرُ

ولا بفيها ولا هممت به***ما كان إلَّا الحديث والنظرُ

وقول الشاعر 235/20 :

قالت وقلت ترفَّقي فصلي***حبل امرئٍ بوصالكم حبِّي

صادق إذن بعلي فقلت لها***الغدر شيءٌ ليس من شبي

ثنتان لا أصبو لوصلهما***عرس الصديق وجارة الجنبِ

أما الصديق فلست خائنه***والجار أوصاني به ربي

وبالرواية التي تقول 235/20 : [إن امرأةً ذات جمالٍ دعت عبد اللّه بن عبد المطلب إلى نفسها لما كانت ترى على وجهه من النور فأبي وقال :

ص: 148

أما الحرام فالممات دونهُ

والحلُّ لاحلٌّ فأستبينهُ

فكيف بالأمر الذي تبغينهُ

يحمي الكريمُ عرضهُ ودينه ]

وبالرواية التي تقول 235/20 :

[راود توبة بن الحمير ليلى الأخيلية مرّةً عن نفسها، فاشمأزَّت منه وقالت :

وذي حاجةٌ قلنا له لا تبح بها***فليس إليها - ما حييت - سبيلُ

لنا صاحبٌ لا ينبغي أن نخونه***وأنت لأُخرى صاحبٌ وخليلُ]

وبقول ابن ميَّادة 235/20 :

موانع لا يُعطين حبَّة خردلٍ***وهنَّ زوانٍ في الحديث أوانسُ

ويكرهن إن يسمعن في اللهو ريبةً***كما كرهت صوت اللجام الشوامسُ

وقول آخر20/ 235:

بيضٌ أوانس ما هممت بريبةٍ***كضباء مكةَ صيدهن حرامُ

يُحسبن - من لين الكلام -***ويصدُّهنَّ عن الخنا الإسلامُ

وقول قيس بن الملوَّح 236/20 :

كأنَّ على أنيابها الخمر مجَّهُ***بماء الندى من آخر الليل غابقِ

وما ذقته إلا بعيني تفرُّساً***كما شیم من أعلى السحابة بارق

وقول أبو صفيرة البولاني 236/20 :

ص: 149

بأعذب ما فيها وما ذقت طعمه***ولكنني - فيما ترى العين -

وقول ابن المولى المدني 236/20 :

فأبكي فلا ليلى بكت من صبابةٍ***لباك، ولا ليلى التي البذل تبذلُ

وأخنع بالعتبى إذا كنت مذنباً***وإن أذنبت كنت الذي أتنصَّلُ

وقول شاعر 20/ 236 - 237 :

ما أن دعاني الهوى لفاحشةٍ***إلَّأ نهاني الحياء والكرمُ

ولا إلى محرم مددت يدي***ولا مشت بي - لريبة - قدمُ

وقول العباس بن الأحنف 20/ 237 :

أتأذنون لصبٍّ في زيارتكم***فعندكم شهوات السمع والبصرِ

لا يضمر السوء إن طال الجلوس به***عفُّ الضمير ولكن فاسق النظرِ

وقول آخر20/ 237 :

كم قد ظفرت بمن أهوى فيمنعني***منهُ الحياء وخوف اللّه والحذرُ

وكم خلوت بمن أهوى فيقنعني***منهُ الفكاهة والتحديث والنظرُ

أهوى الملاح وأهوى من أُجالسهم***وليس لي - في حرامٍ منهُم – وطرُ

كذلك الحبُّ لا إتيان معصيةٍ***لا خير في لذَّةٍ من بعدها سقرُ

وقول آخر20240:

أنا زاني اللسان والطرف إلَّا***أن قلبي يعاف ذاك ويابی

لا يراني الإله أشرب إلَّا***كلما حلَّ شربه لي وطابا

ص: 150

وقول آخر 240/20 :

نلهو بهنَّ كذا من غير فاحشةٍ***لهو الصيام بتفَّاح البساتين

وقول المتنبي 240/20 :

وترى الفتوَّة والمروءة والأُبوَّ ةَ فيَّ کلُّ مليحةٍ ضرَّاتها

هنَّ الثلاث المانعات للذَّتي***في خلوتي لا الخوف من تبعاتها

إني على شفقي بما في خمرها***لا عفَّ عما في سرا ويلاتها

ذم الحرب

ولقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«كلما أطلَّ عليكم منسرٌ من مناسر أهل الشام أغلق كلُّ رجلٍ منکم بابه، وانجحر انجحار الضبَّة في جحرها، والضب في وجاره».

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعرة 6 /106:

أضحت تشجِّعني هندٌ وقد علمت***أن الشجاعة مقرونٌ بها العطبُ

لا والذي حجَّت الأنصار كعبتهُ***ما يشتهي الحرب عندي من له أربُ

للحرب قومٌ أضل اللّه سعيهمً***إذا دعتهم إلى حوماتها وثبوا

ولستُ منهم ولا أهوى فعالهمُ***لا القتل يعجبني منا ولا السلَبس

وقول أيمن بن خزيمة الأسدية 6 /106 :

ص: 151

إنَّ للفتنة ميطاً بيننا***ووريد الميط منها يعتدلْ

فإذا كان عطاء فابتدر***وإذا كان قتالٌ فاعتزلْ

إنما يُسعرها جُهَّالها***حطب النار فدعها تشتعلْ

ص: 152

الضوء الرابع: المختار من أقوال الإمام علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)

اشارة

ص: 153

ص: 154

إشارة:

ويشتمل على :

الإرشاد والنصح من 1 -7

النقد والتعريض من8 - 15

العتاب والتقريع من16 -21

الزهديات من 22 - 30

البعثة النبوية من 31 - 36

التحذير من الفتن من 37 - 41

منزلته (عَلَيهِ السَّلَامُ) عند الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من 42 - 46

المناظرة والجدل من 47 - 50

الوصف العجيب من 50 -52

الأحكام الشرعية من 53 - 56

الوصايا والتعاليم من 57 - 67

المنهج السياسي من 68 - 70

حِکَ قصار من 71 - 300

ص: 155

النصح والإرشاد

1 - قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأبي ذر (رحمه اللّه) لما خرج إلى الربذة :

((يا أبا ذر إنك غضبتَ للّه، فارجُ من غضبتَ له، إن القوم خافوك على دنیاهم، وخفتهم على دينك، فاترك في أيديهم ما خافوك عليه، واهرب منهم بما خفت عليه، فما أحوجهم إلى ما منعتهم، وما أغناك عما منعوك، وستعلم من الرابح غداً، والأكثر حسداً، ولو أن السماوات والأرضين كانتا على عبد رتقاً، ثم اتقي اللّه، لجعل ِاللّه له منها مخرجاً، لا يؤنسنَّك إلا الحق، ولا يوحشنَّك إلا الباطل، فلو قبلتَ دنیاهم لأحبّوك، ولو قرضتَ (قطعتَ) منها لأمّنوك)).

2 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) في المسارعة إلى العمل :

«فاعملوا وأنتم في نَفَس (سعة) البقاء، والصحف منشورة، والتوبة مبسوطة (مقبولة) والمُدبِر (المُعرِض) يُدعى، والمسيء يرجي، قبل أن يُخمدَ (ينقطع) المُهَل، وينقطع المهل، وينقضي الأجل، ويُسَدَّ بابُ التوبة، وتصعد الملائكة، فأخذ امرؤ من نفسه لنفسه، وأخذه من حيٍّ لميّتٍ، ومن فانٍ لباقٍ، ومن ذاهب الدائم، امرؤٌ خاف اللّه وهو مَعمِّرٌ إلى أجله، ومنظور (مُهمل) إلى عمله، امرؤ ألجم نفسه بلجامها وزمّها (قادها) بزمامها، فأمسكها بلجامها عن معاصي اللّه، وقادها بزمامها إلى طاعة اللّه».

3 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) في فساد الزمان :

«واعلموا رحمكم اللّه أنكم في زمان القائل فيه الحق قليل، واللسان عن الصدق كليل (قاصر) واللازم للحق ذليل، أهله معتكفون على العصيان،

ص: 156

مصطلحون على الإدهان، فتاهم عارم (شرس) وشائبهم آثم، وعالمهم منافق، وقارغم محاذق (غشاش)، لا يعظم صغيرهم كبيرهم ولا يعول غنيهم فقيرهم».

4 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«ألا وإن اللسان بضعة (قطعة) من الإنسان، فلا يسعده القول إذا امتنع، ولا يمهله النطق إذا اتسع، وإنا لأمراء الكلام، وفينا تنشبت (ثبتت) عروقه، وعلينا تهدلت (تدلت) غصونه».

5 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو يعظ ويوصي:

«أوصيكم - عباد اللّه - بتقوى اللّه، وأحذّكم الدنيا، فإنها دار شخوص (ذهاب) ومحلّة تنغيص، ساکنها ضاعن، وقاطنها بائن (مبتعد)، تميد (تضطرب) بأهلها مَيَدان السفينة تقصفها (تكسرها) العواصف في لجج البحار؛ فمنهم الغرق الويق (الهالك)، ومنهم الناجي على بطون الأمواج، تحفّزه (تدفعه) الرياح بأذيالها وتحمله على أهوالها، فما غرق منها فليس بمستدرك، وما نجا منها فإلى مهلك!

عباد اللّه، الآن فاعملوا، والألسن مطلقة، والأبدان صحيحة، والأعضاء لدنة (لينة)، والمنقلب فسيح، والمحال عريض، فخففوا عليكم نزوله، ولا تنتظروا قدومه».

6 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وكان يدعو به كثيراً :

«الحمد للّه الذي يصبح بي ميتاً ولا سقيماً، ولا مضروباً على عروقي بسوء، ولا مأخوذاً بأسوأ عملي، ولا مقطوعاً واتري (نسلي)، ولا مرتداً عن ديني، ولا

ص: 157

منکر ربّي، ولا مستوحشا من إيماني، ولا ملتبساً عقلي، ولا معذباً بعذاب الأمم من قبلي، أصبحتُ عبداً مملوكاً ظالماً نفسي، لك الحجةُ عليَّ ولا حجةَ لي، ولا أستطيع أن آخذ إلا ما أعطيتني، ولا أتقي إلا ما وقيتني، اللهم إني أعوذ بك أن أفتقر في غناك، أو أضل في هداك، أو أضامَ في سلطانك، أو أُضطَهدَ والأمرُ لك، اللهم اجعل نفسي أول كريمة تنتزعها من کرائمي، وأول وديعة ترتجعها من ودائع نعمك عندي، اللهم إنا نعوذ بك أن نذهب عن قولك، وأن نُفتتن في دينك، أو تتابع بنا أهواؤنا، دون الهدى الذي جاء من عندك».

7 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) في عجیب صنعة الكون :

«وكان من اقتدار جبروته، وبديع لطائف صنعته، أن جعل من ماء البحر الزاخر المتراكم المتقاصف (المتزاحم)، يبساً جامداً، ثم فطر (خلق)، منه أطباقاً (طبقات) ففتقها سبع سماوات بعد ارتتاقها (اتصالها)، فاستمسكت بأمره وقامت على حدِّه وأرسى أرضا يحملها الأخضر (البحر) المتعنجر (معظم البحر)، والقمقام (البحر) المُسخَّر، قد ذلّ لأمره، وأذعن لهيبته، ووقف الجاري لخشيته، وجَبَل (خلق) جلاميدها (صخورها)، ونشوز (مرتفعات) متونها (متصلباتها) وأطوادها (عظامها الناتئات) فأرساها في مراسيها، وألزمها قراراتها، فمضت رؤوسها في الهواء ورست أصولها في الماء، فأنهد جبالها (أظهرها) عن سهولها، وأساخ (غوّص) قواعدها في متون أقطارها، ومواضع أنصابها (معالمها)، فأشهق (رفع) قِلالها (أعلاها) وأطال أنشازها (جوانب الأرض المرتفعة)، وجعلها للأرض ماداً، وأرزها (ثبتها) فيها أوتاداً، فسكنت على حركتها من أن تحمید (تضطرب)

ص: 158

بأهلها، أو تسيخ (تغوص) بحملها، أو تزول عن مواضعها، فسبحان من أمسكها بعد موحان مياهها، وأجهدها بعد رطوبة أكنافها، فجعلها لخلقه مِهاداً، وبسطها لهم فراشاً، ! فوق بحرٍ لُجّيٍ راکد لا يجري (لا يسيل)، وقائم لا يسري، تکرکره تذهب به وتعود إلى الرياح العواصف، وتمخضه الغمام الذوارف (الذارفة الدموع) :

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (النازعات /26) }

النقد والتعريض

8 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الخوارج لما سمع قولهم (لا حكم إلا اللّه) :

«كلمة حقٍ يُراد بها باطل، نعم إنه لا حكم إلا للّه، ولكن هؤلاء يقولون : لا إمرة إلا اللّه، وإنه لابد للناس من أميرٍ برٍّ أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلِّغ اللّه فيها الأجل، ويتجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح برٌّ، ويستراح من فاجر».

9 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) يشير فيه إلى ظلم بني أُميَّة :

«واللّه لا يزالون حتى لا يدعوا للّه محرماً إلا استحلوه (استباحوه) ولا عقدلً إلا حلّوه، وحتى لا يبقى بيد مدر ولا وبر إلا دخله ظلمهم ونبا به سوء رعيهم، وحتى يقوم الباكيان يبكيان :

باكٍ يبكي لدينه، وباكٍ يبكي لدنياه، وحتى تكون نصرة أحدكم من احدکم

ص: 159

كنصرة العبد من سيده، إذا شهد أطاعه، وإذا غاب اغتابه، وحتى يكون أعظمكم فيها عناءً أحسنكم باللّه ظنا، فإن (العاقبة للمتقين)».

10 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وفيه بيّن بعض أحكام الدين وكشف للخوارج الشبهة ونقض كلمة الحكمين :

«فإن أبيتم إلا أن تزعموا أني أخطأت وضللت، فلم تضللون عامة أمة محمد بضلالي، وتأخذونهم بخطئي وتكفرومهم بذنوبي ! سيوفكم على عواتقكم تضعونها مواضع البرء والسقم، وتخلطون من أذنب بمن لم يذنب، وقد علمتم أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) رجم الزاني المُحصنَ، ثم صلى عليه، ثم ورّثه أهله، وقتل القاتل وورث میراثه أهله، وقطع السارق وجلد الزاني غير المُحصنَ، ثم قسم عليهما من الفيء، ونكحا المسلمات فأخذهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بذنوبهم، وأقام حق اللّه فيهم، ولم يمنعهم سهمهم من الإسلام، ولم يُخرِج أسماءهم مِن بين أهله، ثم أنتم شرُّ الناس، ومن رمی به الشيطان مراميه، وضرب به - (ضلالته)!

وسيهلك فيّ صنفان، محبٌ مفرط يذهب به الحب إلى غير اللّه، ومبغضٌ مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق، وخير الناس فيَّ حالاً النمط الأوسط فالزموه، والزموا السواد الأعظم فإن يد اللّه مع الجماعة، وإیاکم والفرقة، فإن الشاذ من الناس للشيطان، كما أن الشاذ من الغنم لذئب».

11 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) يصف فئة من أهل الضلال :

«وطال الأمد بهم ليستكملوا الخزي، ويستوجبوا الغِيَر (النائبات)، حتى إذا

ص: 160

اخلولق الأجل (انقض) واستراح قوم إلى الفتن، وأشالوا (رفعوا) من لقاح حربهم، لم يُمنّوا على اللّه بالصبر، ولم يستعظموا بَذلَ أنفسهم في الحق، حتى إذا وافق وارد القضاء انقطاع مدة البلاء، حملوا بصائرهم على أسیافهم، ودانوا لربهم بأمر واعظهم، حتى إذا قبض اللّه رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، رجع قوم على الأعقاب، وغالتهم السبل، واتكلوا على الولائج (المكر)، ووصلوا غير الرحم، وهجروا السبب الذي أُمروا بمودّتِهِ، ونقلوا البناء عن أرض أساسه، فبنوه في غير موضعه، معادن كل خطيئة، وأبواب كل ضارب في غمرة (شدة).

قد ماروا (اضطربوا) في الحيرة، وذهلوا في السكرة، على سنّة من آل فرعون : من منقطع إلى الدنيا راكن، أو مفارق للدين مباين».

12 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم الشوری :

«.. وقد قال قائل : إنك على هذا الأمر يا بن أبي طالب لحريص؛ فقلت :

بل أنتم واللّه لأحرص وأبعد، وأنا أخص وأقرب، وإنما طلبت حقاً لي وأنتم تحولون بيني وبينه، وتضربون وجهي (تمنعونني) دونه. فلما قرّعته (ضربته) بالحجة في الملأ الحاضرين، هب (صاح) كأنه يهب لا يدري ما يجيبني به».

13 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) في ذكر أصحاب الجمل :

«فقدموا على عمالي وخزّان بيت المسلمين الذي في يديَّ، وعلى أهل مصر، كلهم في طاعتي وعلى بيعتي، فقتلوا طائفة منهم غدراَ، وطائفة عضّوا (صبروا) على أسيافهم، فضاربوا بها حتى لقوا اللّه صادقين».

ص: 161

18 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ)، في شأن الحكمين وذم أهل الشام :

«جفاة غِلاظ طغام، وعبيد أقزام (أرذال)، جُمعوا من كل أوب، وتلقطوا من كل شوب (خلط)، من ينبغي أن يُفَقَّه ويُؤَدّب، ويُعَلَّم ويُدَرَّب، ويوَلَّى عليه، ويؤخذ على يديه، ليسوا من المهاجرين والأنصار، ولا من الذين تبوؤوا الدار والإيمان.

ألا وإن القوم اختاروا لأنفسهم أقرب القوم مما يحبون، وأنكم اخترتم الأنفسكم أقرب القوم مما تكرهون، وإنما عهدكم بعبد اللّه بن قیس؛ بالأمس من يقول :

إنها فتنة، فقطّعوا أوتاركم وشيموا (اغمدوا) سيوفكم، فإن كان صادقاً فقد أخطأ بمسيره غير مُستكرَهٍ، وإن كان كاذبا فقد لزمته التهمة، فادفعوا في صدر عمرو بن العاص بعبد اللّه بن عباس وخذوا مهل الأيام، وخوطوا قواصي الإسلام.

ألا ترون إلى بلادكم تُغزى، وإلى صفاتكم ترمی ».

15 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الاستنصار على قريش :

«اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم فإنهم قطعوا رحمي، وصغّروا عظیم منزلتي، وأجمعوا على منازعني، أمر هولي، ثم قالوا : ألا إن الحق أن تأخذه، وأن الحق أن تتركه.

فخرجوا يجرون حرمة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - كما تُجر الأمة عند

ص: 162

شرائها، متوجهين بها إلى البصرة، فحبسا (يقصد طلحة والزبير) نساءها في بیوقما، وأبرزا حبيس (عائشة) رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لهما ولغيرهما، في جيش ما منهم رجل إلا وقد أعطاني الطاعة، وسمح لي بالبيعة، طائعاً غير مُكرَه.. فواللّه لولم يصيبوا المسلمين إلا رجلاً واحداَ معتمدین (قاصدین) قتله، بلا جرم جرّه، لحلَّ لي قتل ذلك الجيش كله، إذ حضروه ولم ينكروا، ولم يدفعوا عنه بلسان ولا بيد».

العتاب والتقريع

16 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) وفيه ينفر من الغفلة وينبه إلى الفرار للّه :

«فإنكم لو قد عاينتم ما قد عاين من مات منكم لجزعتم ووهلتم (خفتم) وسمعتم وأطعتم، ولكن محجوبٌ عنكم ما قد عاينوا، وقريبٌ ما يُطرَح الحجاب! ولقد بصرتم إن أبصرتهم، وسمعتم إن أسمعتم، وهديتم إن اهتديتم، وبحقٍ أقول لكم :

لقد جاهدتكم العبر وزُجرتم بما فيه مزدَجَر، وما يبلغ عن اللّه بعد رسل السماء الملائكة) إلا البشر».

17 - وفي استنفار الناس إلى أهل الشام، بعد فراغه من أمر الخوارج، وفيها يتأفف بالناس، وينصح لهم بطريق السداد، قال (عَلَيهِ السَّلَامُ):

«أفٍّ لكم لقد سئمت عتابكم! أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة عوضاً؟ وبالذل من العز خلفاً ؟ إذا دعوتكم إلى جهاد عدوکم دارت (اضطربت) أعينكم

ص: 163

كأنكم من الموت في غمرة (شدة)، ومن الذهول في سكرة، يُرتَج (يغلق) علیکم حواري (مخاطبتي)، فتعمهون (تتحيرون) وكأن قلوبكم مألوسة (مجنونة) فأنتم لا تعقلون، ما أنتم لي بثقةٍ سجيسَ (أبدا) الليالي، وما أنتم بِرُكنٍ يُمالُ بكم، ولا زوافر أركان عزٍّ، يفتقر إليكم، ما أنتم إلا كأِبِلٍ ضلَّ رعاتها، فكلما جُمعت من جانب انتشرت من جانب آخر لبئس - لعمر اللّه - سُعر (موقدوا) نار الحرب أنتم! تُكادون ولا تكيدون، وتُنتقص أطرافكم فلا تمتعضون، لا يُنام عنكم وأنتم في غفلة ساهون، غُلب واللّه المتخاذلون! وأيم اللّه إني لأظن بكم أن لو حُمس (اشتد) الوغى (الحرب) واستمر الموت، قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج الرأس، واللّه إن امرأً يُمَكِّنُ عدوّه من نفسه يعرُقُ لحمه (يذوب)، ويهشم عظمه يفري (يمزق) جلده، لعظیم عجزُهُ، ضعيف ما ضُمّت عليه جوانح صدره (ضلوع صدره)، أنت فكن ذاك إن شئت؛ فأما أنا فواللّه دون أن أعطي ذلك ضربٌ بالمشرفية (السيوف) تطير منه فراش الهام، وتطيح السواعد والأقدام، ويفعل اللّه بعد ذلك ما يشاء».

18 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أصحابه :

«ولئن أُمهِل الظالم فلن يفوت أخذُهُ، وهو له بالمرصاد على مجاز طريقه، وموضع الشجا (عظم يعترض الحلق) من مساغ ريقه، أما والذي نفسي بيده ليظهرنَّ هؤلاء القوم علیکم، ليس لأنهم أولى بالحق منكم، ولكن لإسراعهم إلى باطل صاحبهم، وإبطائهم عن حقه، ولقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها، وأصبحتُ أخاف ظلم رعيتي، استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا، وأسمعتكم فلم

ص: 164

تسمعوا، ودعوتكم سراً وجهراً فلم تستجيبوا، ونصحتُ لكم فلم تقبلوا، أشهودٌ كغُيّاب، وعبيدٌ كارباب! أتلوا عليكم الحِكَم فتنفرون منها، وأعِظُكم بالموعظة البالغة فتتفرقون عنها، وأحثكم على جهاد أهل البغي فما آتي على آخر قولي حتى أراكم متفرقين أيادي سبأ، ترجعون إلى مجالسكم وتتخادعون عن مواعظکم، أقومكم غُدوةً، وترجعون إلىَّ عشيةً، كظاهر الحنية (القوس) عجز المُقَوِّم وأعضل المقَوَّم».

19 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوبخ البخلاء بالمال والنفس :

«فلا أموال بذلتموها للذي رزقها، ولا أنفس خاطرتم بها للذي خلقها، تكرمون (تعزون) باللّه على عباده، ولا تكرمون اللّه في عباده! فاعتبروا بنزولكم منازل من كان قبلكم، وانقطاعكم عن أوصال إخوانكم».

20 - بعد ليلة الهرير في صفين قام إليه (عَلَيهِ السَّلَامُ) رجل من أصحابه فقال :

نهیتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها، فلم ندر أي الأمرين أرشد؟

فصفق (عَلَيهِ السَّلَامُ) إحدى يديه على الأخرى ثم قال :

«هذا جزاء من ترك العقدة (التعاقد)! أما واللّه لو أني حين أمرتكم به حملتكم على المكروه، الذي يجعل اللّه فيه خيراً كثيراً، فاستمعتم هديتكم، وإن اعوججتم قوَّمتكم، وإن أبيتم تداركتكم، لكانت الوثقی، ولكن بمن؟ وإلى من؟ أريد أن أداويَ بكم وأنت دائي، كناقش الشوكة بالشوكة، وهو يعلم أن ضَلَعها (میلها) معها.

ص: 165

اللهم قد ملّت أطباء هذا الداء الدوي (المؤلم) وكلّت (ضعفت) النزعة بأشطان الركيّ (حبائل البئر)! أين القوم الذين دُعوا إلى الإسلام فقبلوه، وقرؤوا القرآن فأحكموه، وهيجوا إلى الجهاد فوِلهوا وَلَهَ اللقاح (النوق) إلى أولادها، وسلبوا السيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفا، وصفاً صفا، بعضٌ هلك وبعضٌ نجا؟ لا يبشرون بالأحياء (لحبهم الموت في سبيل العقيدة)، ولا يُعزّون عن الموتى (لأن الموت عندهم سعادة)، مُرهُ العيون (بيض العيون) من البكاء، خمص (ضوامر) البطون من الصيام، ذبل (يابسة) الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غيرة الخاشعين، أولئك إخواني الذاهبون، فحُق لنا أن نظمأ إليهم، ونعض الأيدي على فراقهم، إن الشيطان يسني (يسهل) لكم طرقه، ويريد أن يُحلّ دینکم عقدة عقدة، ويُعطيكم بالجماعة الفرقة، وبالفرقة الفتنة، فاصدفوا (أعرضوا) عن نزعاته (وساوسه) ونفثاته، واقبلوا النصيحة ممن أهداها إليكم، واعقِلوها (احبسوها) على أنفسكم».

21 - وبعد سماعه أمر الحكمين قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : |

«إننا لم نحكِّم الرجال، إنما حكمنا القرآن، هذا القرآن إنما هو خط مستور بين الدفتين لا ينطق بلسان ولابد له من ترجمان، وإنما ينطق عن الرجال.. فأين يتاه بكم؟ ومن أين أتيتم؟ استعدّوا للمسير إلى قوم حيارى عن الحق لا يبصرونه، ومُوَزَّعِينَ بالجور (أُغري بهم) لايعدلون (لايستبدلون) به، جفاة من الكتاب نُكْد (حائرین) عن الطريق، ما أنتم بوثيقة (عروة) يُعلَّقُ بها، ولا زوافر (أنصار) عزٍّ يعتصم إليها، لبئس حشاش نار الحرب أنتم! أُفٍّ لكم! لقد لقيت منكم برحا

ص: 166

(شدة)، يوماً أُناديكم ويوماً أُناجيكم، فلا أحرار صدق عند النداء، ولا إخوان ثقة عند النجاء (المعتبات)».

الزهديات

22 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) في زهدياته :

«أما بعد، فإن الدنيا أدبرت، وآذنت أعلمت بوداع، وإن الآخرة قد أقبلت وأشرفت (أقبلت بفتنة) باطلاع، ألا وإن اليوم المضمار (من الضمور) وغداً السباق، والسبقة الجنة (الغاية)، والغاية النار؛ أفلا تائب عن خطيئته قبل منیَّته؟ ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه؟

ألا وإنكم في أيام أمل من ورائه أجل، فمن عمل في أيام أمله قبل حضور أجله فقد نفعه عمله، وضرَّه أجله.

ألا فاعملوا في الرغبة كما تعملون في الرهبة.

ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها، ولا كالنار نام هاربها.

ألا وإنه من لا ينفق الحق يضره الباطل، ومن لا يستقيم به الهدى، يجريه الضلال إلى الردی.

ألا وإنكم أمرتم بالضعف ودللتم على الزاد، وإن أخوف ما أخاف عليكم، اثنتان : اتباع الهوى، وطول الأمل. فتزودوا في الدنيا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم غدا».

23 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

ص: 167

«فلتكن الدنيا في أعينكم أصغر من حثالة (قشرة) القرظ (ورق السلم)، وقراضة الحلم (مقراط)، واتعظوا بمن كان قبلكم، قبل أن يتعظ مَن بعدكم! وارفضوها ذميمة فإنها رفضت من كان أشفق با منكم».

24 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«أيها الناس إن أخوف ما أخاف عليكم اثنتان؛ اتباع الهوى وطول الأمل؛ فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة، ألا وإن الدنيا قد أقبلت حذّاء (سريعة).

ألا وإن الآخرة قد أقبلت، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن كل ولد سيلحق بأبيه يوم القيامة، وإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل».

25 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ)، في ذم الدنيا :

«والدنيا دار مُنَي (قُدِّر) لها الفناء، ولأهلها منها الجلاء (الخروج)، وهي حلوة خضراء، وقد عجلت للطالب، والتبست (اختلطت) بقلب الناظر، فارتحلوا منها بأحسن ما بحضرتكم من الزاد، ولا تسألوا فيها فوق الكفاف (مقدار القوت) ولا تطلبوا منها أكثر من البلاغ (ما يقتات به)».

26 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«ألا وإن الدنيا قد تصرَّمت، وآذنت بانقضاء، وتنكّر معروفها (خفي وجهها)، وأدبرت حذَّاء، فهي تحفز (تدفع) بالفناء سكانها، وتحدو (تسوق)

ص: 168

بأموات جيرانها، وقد أمرَّ (صار مرّاً) فيها ما كان حلوا، وكدر (تعكّر) منها ما كان صفواً، فلم يبق منها إلّا سحلة كسحلة الأدواة (كبقية الماء في الإناء)، وجرعة كجرعة المقلة (حصاة لتقسيم الماء) ولو تمززها الصدیان (مصها العطشان) لم ينقع (یروَ)، فأزمعوا عباد اللّه الرحيل عن هذه الدنيا المقدور (المكتوب) على أهلها الزوال ولا يغلبنكم فيها الأمل، ولا يطولنَّ عليكم فيها الأمد.

فواللّه لو حنتم حنين الولَّه العجال (النوق الفاقدة وُلْدَها) ودعوتم بهديل الحمام، وجارتهم جوار (أصوات) متبتلي (منقطعي) الرهبان، وخرجتم إلى اللّه من الأموال والأولاد، التماس القربة إليه في ارتفاع درجة عنده، أو غفران سيئة أحصتها كتبه، وحفظتها رسله، لكان قليلاً فيما أرجو لكم من ثوابه، وأخاف علیکم من عقابه.

وتلك لو انماثت (ذابت) انمياثاً (ذوباناً) وسالت عيونكم من رغبة إليه أو رهبة منه دماً، ثم عمَّرتكم في الدنيا، ما الدنيا باقية، ما جزت أعمالكم عنكم - ولو لم تبقوا شيئاً من جهدكم - أنعمه عليكم العظام، وهداه إياكم الإيمان».

27 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ):

«ألا وإن الدنيا لا يسلم منها إلّا فيها، ولا يبقى بشيء كان لها، ابُتليَ الناس بها فتنة، فما أخذوه منها لها، أخرجوا منه حُوسِبوا عليه، وما أخذوه منها لغيرها، قدموا عليه وأقاموا فيه. فإنها عند ذوي العقول كفيء الظل، بینا تراه سابقاً (ممتداً) حتى تراه قلص (انقبض) وزائداً حتى نقص».

28 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

ص: 169

«أيها الناس، الزهادة قصر الأمل، والشكر عند النعم، والتورع (الكف) عند المحارم، فإن عَزَبَ (بَعُدَ) ذلك عنكم فلا يغلب الحرام صبركم، ولا تنسوا عند النعم شکرکم، فقد أعذر (أنصف) اللّه إليكم بحجج مسفرة (كاشفة) ظاهرة، وكتب بارزة العذر واضحه».

29 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«أيها الناس، إنما أنتم في هذه الدنيا غرض تنتضل (تترامی) فيه المنايا، مع كل جَرعة شَرَقٌ، وفي كل أكلة غصصٌ، لا تنالون منها نعمة إلّا بفراق أخرى، ولا يُعمَّر معمَّرٌ منكم يوماً من عمره إلّا بهدم آخر من أجله. ولا تجدد له زيادة في أكله إلّا بنفاد ما قبلها من رزقه، ولا يحيا له أثر، إلّا مات له أثر، ولا يتجدد له جديد إلّا بعد أن يَخلَقَ (يبلی) له جديد، ولا تقوم له نابتة إلّا وسقط منه محصوده، وقد مضت أُصول نحن فروعها، فما بقاء فرع بعد ذهاب أصله».

30 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«أيها الناس إنما الدنيا دار المجاز (ممر) والآخرة دار قرار، فخذوا من ممركم لمقركم، ولا تهتكوا أستارکم عند من يعلم أسراركم، وأَخرِجوا من الدنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم، ففيها اختُبِرتم، ولغيرها خُلِقتم، إن المرء إذا هلك قال الناس : ما ترك ؟ وقالت الملائكة : ما قدّم؟ للّه آباؤكم! فقدِّموا بعضا یکن لكم قرضاً، ولا تخلفوا كلاً فيكون قرضاً عليكم».

ص: 170

البعثة النبوية

31 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) يصف العرب قبل البعثة :

«إن اللّه بعث محمداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) نذيراً للعالمين، وأميناً على التنزيل، وأنتم معشر العرب على شرِّ دين، وفي شرِّ دار، منیخون (مقيمون) بين حجارة خُشنٍ (من الخشونة)، وحبّاتٍ صُمٍّ تشربون الكدر وتأكلون الجشب (الطعام الغليظ)، وتسفكون دماءكم، وتقطعون أرحامكم، الأصنام فیکم منصوبة، والآثام بكم معصوبة (مشدودة)».

32 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) في حكمة بعثة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

«إن اللّه بعث محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وليس أحد من العرب يقرأ كتاباً، ولا يدعي فساق الناس حتى بوأهم محلتهم (منزلتهم)، وبلّغهم منجاتهم، فاستقامت قناتهم (أحوالهم) واطمأنت صفاتهم».

33 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو يقرر فضيلة الرسول الكريم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

«بعثه والناس ضلال في حيرة، وحاطبون فتنة قد استهوتهم الأهواء، واستزلتهم الكبرياء، واستخفتهم (طيَّشتهم) الجاهلية الجهلاء، حيارى في زلزال الأمر، وبلاءٍ من الجهل، فبالغ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في النصيحة، ومضى على الطريقة، ودعا بالحكمة والموعظة الحسنة».

34 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) في ذكر الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

ص: 171

«مستقرَّهُ غير مستقرب، ومنبته أشرف منبت، في معادن الكرامة، ومجاهد (مباسط) السلامة، قد صُرِفت نحوهُ أفئدة الأبرار، وثُنيت إليه أزمة الأمصار، دفن اللّه به الضغائن، وأطفأ به الثوائر (العداوات)، ألَّف به إخواناً، وقرَّ به أقراناً، أعزَّ به الذلة، وأذلَّ به العزَّة، كلامه بیان، وصمته لسان».

35 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) يذكر فضل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

«أرسله بالدين المشهور، والعلم المأثور، والكتاب المسطور، والنور الساطع، والضياء اللامع، والأمر الصادع، إزاحةً للشبهات، واحتجاجاً بالبيّنات، وتحذيراً بالآيات، وتخويفاً بالمَثُلات (العقوبات)، والناس في فِتن انجذم (انقطع) فيها حبل الدين، وتزعزعت سواري اليقين، واختلف النجر (الأصل)، وتشتت الأمر، وضاق المخرج، وعمي المصدر، فالهدی خامل، والعمی شامل، عُصِيَ الرحمن، ونُصِر الشيطان، وخُذِل الإيمان، فانهارت دعائمه، وتنكّرت معالمه، ودرست (انطمست) سبله، وعفت شُرَكُهُ (طرقه)، أطاعوا الشيطان فسلكوا مسالکه، ووردوا مناهله (مشاربه)، بهم سارت أعلامه، وقام لواؤه، في فتنٍ داستهم بأخفافها (جمع خف)، ووطئتهم بأظلافها، وقامت على سنابكها، فهم فيها تائهون حائرون جاهلون مفتونون، في خير دار وشر جيران، نومهم سهود، وكحلهم دموع، بأرضٍ عالِمُهُا مُلجَم، وجاهلها مُكرَم».

التحذير من الفتن

36 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الفتن :

«إنما بدءُ وقوع الفتن أهواء تُتَّبع، وأحكامٌ تُبدَع، يخالَفُ فيها كتاب اللّه،

ص: 172

ويتولى عليها رجالٌ رجالاً، على غير دين اللّه، فلو أن الباطل خلص من مزاج الحق لم يَحْفُ على المرتادين (الطالبين) ولو أن الحق خلص من لبس الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين، ولكن يؤخذُ من هذا ضغث (حشيش مختلط) ومن هذا ضغث، فيمزجان! فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه، وينجو الذين سبقت لهم من اللّه الحسني».

37 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) في ذكر الملاحم :

«الحمد للّه الأول قبل كل أول، والآخِر بعد كل آخِر، وبأوليته وجب أن لا أول له، وبآخرِيته وجب أن لا آخِر له، وأشهد أن لا إله إلا اللّه شهادةً يوافق فيها السرُّ الإعلان، والقلب اللسان.

أيها الناس، لا يجرمنّكم (يحرمنّکم) شقاقي (مخالفتي) ولا يستهوينّكم (يجعلنكم) عصياني، ولا تتراموا بالأبصار عندما تسمعون مني، فو الذي فلق الحبة (شقها) وبرأ (خلق) النسمة (الروح)، إن الذي أُنبئكم به من النبي الأمّي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ما كذبَ المبلِّغ، ولا جهل السامع، لكأني أنظر إلى ضلّيل (شدید الضلال) قد نعق بالشام، ونصب براياته في ضواحي كوفان (الكوفة) فإذا فغرت فاغرته (فمه)، واشتدت شكيمته، وثقلت في الأرض وطأته، عضّت الفتنة أبناءها بأنيابها، وماجت الحرب بأمواجها، وبدا من الأيام كُلُوحُها (عبوسها) ومن الليالي کُدُوحُها (خدوشها). فإذا أينع زرعه، وقام على ينعِهِ (نضجه)، وهدرت شقاشقه (هدير البعير) وبرقت بوارقُه (سيوفه)، عقدت رايات الفتن المعضلة، وأقبل الليل المظلم، والبحر الملتطم، هذا وكم يخرق الكوفة من قاصف (رعد) ويمر عليها من

ص: 173

عاصف (ریح)، وعن قليل تلتف القرون (القادة) ويُحصَدُ القائم، ويُحَطِّم المحصود».

38 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو يذكر يوم القيامة وأحوال الناس المقبلة :

«.. وذلك يوم يجمع اللّه الأولين والآخرين، لِنِقاش الحساب، وجزاء الأعمال، خضوعاً، قياماً، قد ألجمهم العَرَقُ (سال حتى ألفم (اللجام)، ورجفت بهم الأرض، فأحسنهم حالاً من وجد لقدمٍ موضعاً، ولنفسه متسعاً».

39 - وعن الفتن قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«فتن كقطع الليل المظلم، لا تقوم لها قائمة، ولا تُردُّ لها راية، تأتيكم مزمومة، مرحولة (من الزمام والرحال) يحفرها (يحشّها) قائدها يَمَهدها راكبها، أهلها قومُ شديدٌ کَلَبهم (شرهم)، قليل سَلَبهم، يجاهدهم في سبيل اللّه قوم أذلة عند المتكبرين، في الأرض مجهولون، وفي السماء معروفون، فويلٌ لك يا بصرة عند ذلك، من جیش من نِقَم اللّه لا رهج (غبار) له ولا حسَّ (صوت)، ويُبتلى أهلك بالموت الأحمر، والجوع الأغبر (المحل والجدب)».

40 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) في ذكر الملاحم :

«ألا بأبي وأمي، هم من عِدّةٍ أسمائهم في السماء معروفة، وفي الأرض مجهولة، ألا فتوقعوا ما يكون من إدبار أموركم، وانقطاع وصلكم، واستعمال صغاركم، ذاك حيث تكون ضربة السيف على المؤمن أهون من الدرهم من حلِّه.

ذاك حيث يكون المُعطى أعظم أجراً من المعطي.

ص: 174

ذاك حيث تسكرون من غير شراب، بل من النعمة والنعيم، وتحلفون من غير اضطرار وتعذبون من غير إحراج (تضييق).

ذاك إذا عضّكم البلاء كما يعض القتب غارب البعير (ما بين عنقه وسنامه).

ما أطول هذا العناء، وأبعد هذا الرجاء!

أيها الناس، ألقوا هذه الأزمّة (جمع زمام) التي تحمل ظهورها الأثقال في أيديكم، ولا تصدّعوا (تفرقوا) على سلطانكم فَتُذمّوا غب فعالكم، ولا تقتحموا ما استقبلتم من فور (ارتفاع) نار الفتنة، وأميطوا عن سننها (تنموا) وضلوا قصد السبيل لها : فقد - لعمري - يهلك في لحبها المؤمن، ويسلم فيها غير المسلم.

إنما مثلي بينكم كمثل السراج في ظلمة، يستضيء به من ولجها، فاسمعوا أيها الناس، وعوا، واحضروا آذان قلوبكم تفهموا».

41 - وقام إليه رجل فقال :

- يا أمير المؤمنين : أخبرنا عن الفتنة، وهل سأل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عنها؟

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«إنه لما أنزل اللّه - سبحانه - قوله :

{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (العنكبوت / 2)}

علمت أن الفتنة لا تنزل بنا، ورسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بين أظهرنا،

ص: 175

فقلت :

- یا رسول اللّه، ما هذه الفتنة التي أخبرك اللّه تعالی بها؟

فقال :

- يا علي إن أمتي سيفتنون من بعدي.

فقلت :

- یا رسول اللّه أو ليس قد قلت يوم أحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين حِيْزَتْ (ابتعدت) عني الشهادة، فشقَّ ذلك عليّ، فقلتَ لي : أبشر فإن الشهادة من ورائك)؟

فقال لي : - إن ذلك لكذلك، فكيف صبرك إذن؟

فقلت :

- یا رسول اللّه، ليس هذا من مواطن الصبر، ولكن من مواطن البشری والشكر.

قال :

- (يا علي، إن القوم سيفتنون بأموالهم، ويُمَنَّون بدينهم على ربّهم، ويتمنون رحمته، ويأمنون سطوته، ويستحلّون حرامه، بالشبهات الكاذبة والأهواء الساهية، فيستحلّون الخمر بالبنين والسحت بالهدية، والربا بالبيع).

قلت :

ص: 176

- یا رسول اللّه، فبأي المنازل أنزلهم عند ذلك؟ أبمنزلة رِدّة أم بمنزلة فتنة ؟

فقال :

- بمنزلة فتنة».

منزلته (عَلَيهِ السَّلَامُ) عند الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

42 - قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«.. وإن عليّ من اللّه جُنّة (وقاية) حصينة، فإذا جاء يومي انفرجت عنّي وأسلمتني؛ فحينئذٍ لا يطيش السهم، ولا يبرأ الكلم والجرح».

43 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ)، لما عزموا على بيعة عثمان :

«لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري، وواللّه لأسلِّمَنَّ ما سَلِمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جورٌ إلا عليّ خاصة، التماساً لأجر ذلك وفضله، وزهداً فيما تنافستموه من زخرفةٍ، وزیرجه (وشية)».

44 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) يذكر فضله ويعظ الناس :

«تاللّه لقد عُلِّمتُ تبليغ الرسالات، وإتمام العدات (المواعيد) وتمام الكلمات، وعندنا - أهل البيت - أبواب الحِكَم وضياء الأمر ألا وإن شرائع الدين واحدة، وسیله قاصدة (مستقيمة)، من أخذ بها لحق وغنم، ومن وقف عنها ظل وندم، اعملوا ليوم تذخر له الذخائر، وتبلى فيه السرائر، ومن لا ينفعه حاضر لُبِّهِ فعازبه (غاربه) عنه أعجز، وغائبه أعوز، واتقوا ناراً حرها شديد، وقعرها بعيد، وحليتها حديد وشرابها صديد (قيح)، ألا وإن اللسان الصالح يجعله اللّه تعالى للمرء في فيه

ص: 177

خير له من المال يورثه من لا يحمده».

45 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الموعظة وبيان قربه من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ):

«أيها الناس غير المغفور عنهم، والتاركون المأخوذ منهم، مالي أراكم عن اللّه ذاهبين، وإلى غيره راغبين، كأنكم نِعَمٌ (الابل والغنم) أراح (ذهب) بها سائم (راعٍ) إلى مرعى وبيٍّ (موبوء) ومشربٍ دويّ (وبيل) وإنما هي كالمعلوفة للمُدى (السكاكين) لا تعرف ماذا يُراد بها ! إذا أحسن إليها تحسب يومها دهرها، وشبعها أمرها.

واللّه لو شئت أخبر كل رجل منکم بمخرجه ومولجة، وجميع شأنه لفعلت، ولكن أخاف أن تكفروا فيّ برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).

ألا وأني مفضيه (قائله) إلى الخاصة ممن يؤمَن ذلك منه، والذي بعثه بالحق، واصطفاه على الخلق، ما أنطق إلا صادقاً، وقد عهد إليّ بذلك، ويمهلك من يهلك، ومنجى من ينجو، ومآل هذا الأمر، وما أبقى شيئا يمرُّ على رأسي إلا أفرغه في أذني وأفضى به إلىّ.

أيها الناس، إني واللّه ما أحثكم على طاعة إلا وأسبقكم إليها، ولا أنهاكم عن معصية إلا وأتناهي قبلكم عنها».

46 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) ينبه فيه على فضيلته بقبول قوله وأمره ونهيه :

«.. ولقد علم المستحفظون (المؤمنون) من أصحاب محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ

ص: 178

وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )أني لم أرد على اللّه ولا على رسوله ساعة قط. ولقد واسيته (أشركته) بنفسي في المواطن التي تنكص (تتراجع) فيها الأبطال، وتتأخر فيها الأقدام، نجدة (شجاعة) أكرمني اللّه بها.

ولقد قضى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وإن رأسه لعلى صدري، ولقد سالت نفسه في كفي، فأمررتها على وجهي، ولقد وُليِّتُ غسله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، والملائكة أعواني، فضجت الدار والأفنية (الباحات) ملأٌ يهبط وملأٌ يعرج، وما فارقت سمعي هنيمة (صوت خفي) منهم، يصلون عليه حتى واريناه في ضريحه، فمن ذا أحق به مني حياً وميتاً؟ فانفذوا على بصائركم (ضياء العقل) ولتصدق نياتكم في جهاد عدوّكم.

فوالذي لا إله إلا هو إلني لعلى جادة الحق، وإنهم لعلی مزلة الباطل، أقول ما تسمعون وأستغفر اللّه لي ولكم».

المناظرة والجدل

47 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وقد استبطأ أصحابه إذنه لهم في القتال بصفين :

«أما قولكم : أكل ذلك كراهية الموت؟ فواللّه ما أبالي ؛ دخلت إلى الموت أو خرج الموت لي، وأما قولكم شكاً في لأهل الشام، فواللّه ما دفعت للحرب يوماً وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي، وتعشو (ببصر ضعيف) إلى ضوئي، وذلك أحب إلي من أن أقتلها على ضلالها، وإن كانت تبوء (ترجع) بآثامها».

48 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخوارج وقد خرج إلى معسكرهم وهم مقيمون

ص: 179

على إنكار الحكومة :

«ألم تقولوا عند رفعهم المصاحف، حيلةَ وغيلةَ، ومكراً وخديعة :

إخواننا وأهل دعوتنا، استقالوا واستراحوا إلى كتاب اللّه، سبحانه، فالرأي المقبول منهم، والتنفيس عنهم؟ فقلت لكم :

هذا أمرٌ ظاهره إيمان، وباطنه عدوان، وأوله رحمة، وآخره ندامة، فأقيموا على شأنكم، وألزموا طريقكم، وعضوا على الجهاد بنواجذكم، ولا تلتفتوا إلى ناعقٍ نعق، إن أجيب ضل، وإن تُرك ذل، وقد كانت هذه الفعلة، وقد رأيتكم أعطيتموها، واللّه لئن أبيتها وما وجبت علي فريضتها، ولا حملني اللّه ذنبها، وواللّه إن جئتها إني لُمحِقُّ الذي يُتَّبع؛ وإن الكتاب المعي، ما فارقته مذ صحبته، فلقد كنا مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وإن القتل ليدور على الآباء والأبناء والإخوان والقرابات، فما نزداد على كل مصيبة وشدة إلا إيماناً، ومضيّاً على الحق، وتسليماً للأمر وصبراً على مضض الجراح.

ولكنا إنما أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام، على ما دخل فيه من الزيَّغ والاعوجاج والشبهة والتأويل، فإذا طمعنا في خصلة (وسيلة) يلم اللّه بها شعثنا (أمْرَنا)، وتتدانی (تتقارب) بها إلى البقية فيما بيننا، رغبنا فيها، وأمسكنا عن أسوارها».

49 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما عوتب على التسوية في العطاء :

«أتأمرونّي أن أطلب النصر بالجور في من وُلِّيت عليه! واللّه لأطور (لأُقار) به ما سمر سمير (مدى الدهر) وما أمَّ (قصد) في السماء نجماً ! لو كان المال لي لسوّيتُ

ص: 180

بینکم، فكيف وإنما المال مال اللّه ! ألا وإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف، وهو يرفع صاحبه في الدنيا ويضعه في الآخرة، ويكرمه في الناس ويهينه عند اللّه، ولم يضع امرؤٌ ماله في غير حقه ولا عند غير أهله إلا حرمه اللّه شكرهم، وكان الغيره ودهم. فإذا زلّت به النعل يوماً فاحتاج إلى معونتهم فشرّ خليل وألأم خدين (صدیق)».

50 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لبعض أصحابه وقد سأله :

- كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم على حق؟

«يا أخا بني أسد، إنك لقلق البطين (بطان رحل البعير) وترسل (تطلق) في غير سدد (استقامة) ولك بعد ذمامة (حماية) الصهر وحق المسألة، وقد استعلمت فاعلم :

أما الاستبداد علينا بهذا المقام، ونحن الأعلون نسباً، والأشدَّون برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) نوطا (تعلقاً)، فإنها كانت أَثَرة (الاستئثار بلا حق) شحَّت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، والحكم للّه، والمَعْوَدُ إليه القيامة

وَدَع عنك نهباً صيح في حجراته***ولكن حديثاً ما حديث الرواحل

وهلم (اذكر) الخطب في ابن أبي سفيان، فلقد أضحكني الدهر بعد بكائه؛ ولا غرو واللّه، فيا له خطباً يستفرغ العجب، ویکثر الأود (الاعوجاج) حاول القوم إطفاء نور اللّه، عن مصباحه، وسدّ فوّاره (ثقبه) من ينبوعه، وجدحوا (خلطوا) بيني وبينهم شرباً وبيئاً (موبوءً) فإن ترتفع عنا وعنهم محن البلوى، أحملهم من الحق على محضه (خالصه)؛ وإن تكن الأخرى، فلا تذهب نفسك

ص: 181

عليهم حسرات، إن اللّه عليمٌ بما يصنعون».

الوصف العجيب

51 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ)، عن الخالق جل شأنه :

«هو اللّه الحق المبين، أحق وأبين مما ترى العيون، لم تبلغه العقول بتحديد فيكون مشبهاً، ولم تقع عليه الأوهام بتقدير فيكون ممثلاً، خلق الخلق على غير تمثيل، ولا مشورة مشير، ولا معونة معين، فتم خلقه بأمره، وأدعى لطاعته، فأجاب ولم يدافع، وانقاد ولم ينازع».

52 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ)، في عجيب صنعة الكون :

«وكان من اقتدار جيروته، وبديع لطائف صنعته، أن جعل من ماء البحر الزاخر (الممتليء)، المتراكم المتقاصف (المتزاحم)، يبساً جامداً، ثم فطر (خلق) منه أطباقاً (طبقات)، ففتقها سبع سماوات بعد ارتتاقها، فاستمسكت بأمره، وقامت على حدِّه، وأرسى أرضاً يحملها الأخضر (البحر) المتضجر (معظم)، والقمقام (البحر) المسخّر، قد ذل لأمره، وأذعن لهيبته، ووقف الجاري منه لخشيته، وجبل (خلق) جلاميدها (صخورها الصلبة) ونشوز (مرتفعات) متونها (الصلبة) وأطوادها فأرساها في مراسيها (مراسخها)، وألزمها قراراتها (مستقراتها) فمضت رؤوسها في الهواء ورست أصولها في الماء، فأنهد جبالها (رفعها) عن سهولها، وأساخ (أغاص) قواعدها في متون أقطارها ومواضع أنصابها (أعلامها) فأشهق خلالها (أعلاها) وأطال أنشازها (متونها المرتفعة) وجعلها للأرض عمادة وأرزّها (ثبّتها) فيها أوتاداً، فسكنت عن حركتها من أن تميد بأهلها، أو تسيخ بحملها، أو تزول

ص: 182

عن مواضعها، فسبحان من أمسكها بعد موجان مياهها، وأجمدها بعد رطوبة أكنافها، فجعلها لخلقه مِهاداً، وبسطها لهم فراشاً ! فوق بحرٍ لُجّيٍ (راکد لا يجري)، وقائم لا يسري)».

الأحكام الشرعية

53 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) في ذكر الحج :

«.. وفرض عليكم حج بيته الحرام، الذي جعله قبلةً للأنام، يرددونه ورود الأفهام، ويألهون إليه ولوه الحمام (لوذ الحمام) وجعله، سبحانه، علامة التواضعهم لعظمته، وإذعاناً لعزته، واختار من خلقه سُمّاعاً أجابوا إليه دعوته، وصدقوا كلمته، ووقفوا مواقف أنبيائه، وتشبّهوا بملائكته المطيفين بعرشه، يحرزون الأرباح في متجر عبادته، ويتبادرون عنده موعد مغفرته، جعله، سبحانه وتعالى، للإسلام علماً، وللعائذين حرمة، فرض حقه، وأوجب حجه، وكتب عليكم وفادته (زیارته)، فقال سبحانه :

{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (آل عمران /97) }

54 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) في وصف الأضحية :

«ومن تمام الأضحية استشراف أذنها (تفقدها) وسلامة عينيها، فإذا سلمت الأذن والعين سلمت الأضحية وتمت، ولو كانت عضباء القرن (مکسورته) تجر

ص: 183

رجلها المنسك (المذبح)».

55 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ)، في أركان الدين :

«إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى اللّه سبحانه وتعالى، الإيمان به وبرسوله، والجهاد في سبيله، فإنه ذروة الإسلام، وكلمة الإخلاص فإنها الفطرة! وإقام الصلاة فإنها الملة، وإيتاء الزكاة فإنها فريضةٌ واجبة، وصوم شهر رمضان فإنه جُنّة من العقاب، وحج البيت واعتماره فإنهما ينفيان الفقر، وير حضان (يغسلان) الذنب، وصِلة الرحم فإنها مثراة في المال، ومنسأة (مزید) في الأجل، وصدقة السر فإنها تكفّر الخطيئة ؛ وصدقة العلانية فإنها تدفع ميتة السوء، وصنائع المعروف فإنها تقي مصارع الهوان.

أفيضوا في ذكر اللّه فإنه أحسن الذكر.

وارغبوا في ما وعد المتقين فإن وعده أصدق الوعد.

واقتدوا بهدي نبيكم فإنه أفضل الهدي.

واستنوا بسنته فإنها أهدى السنن.

وتعلموا القرآن فإنه أحسن الحديث.

وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب.

واستشفوا بنوره فإنه شفاء الصدور.

وأحسِنوا تلاوته فإنه أنفع القَصَص.

وإن العالِم العامل بغير علم کالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله بل

ص: 184

الحجة عليه أعظم، والحسرة له ألزم، وهو عند اللّه ألوم (أشد لوماً)»

56 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوصي أصحابه :

«.. تعاهدوا أمر الصلاة، وحافظوا عليها، واستكثروا منها، وتقربوا بها فإنها :

{كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (النساء /103) }

ألا تسمعون جواب أهل النار حين سُئلوا :

- ما سلككم في سقر؟

قالوا :

- {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (المدثر /43) }.

وإنها لتحتُّ (تقشر) الذنوب حتث الورق وتطلقها طلاق الريق (حبل من عدة عري)، وشبّهها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالحمة (عينٌ ماؤها حار)، تكون على باب الرجل فهو يغتسل منها في اليوم والليلة خمس مرات. فما عسی أن يبقى من الدرن الوسخ؟ وقد عرف حقها رجال من المؤمنين الذين لا تشغلهم عنها زينة متاع، ولا قرّة عينٍ من ولدٍ ولا مال، يقول اللّه سبحانه :

{رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (النور / 37) }.

الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ)، وكان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (نصباً) بعد التبشير له بالجنة، لقوله سبحانه :

ص: 185

{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (طه / 32) }.

فكان يأمر بها أهله ويصبر عليها نفسه. ثم إن الزكاة جُعِلَت مع الصلاة قربانا لأهل الإسلام، فمن أعطاها طيِّب النفس بها، فإنها تجعل له كفارة، ومن النار حجازة ووقاية، فلا يتبعنَّها أحد نفسه، ولا يكثرنَّ عليها لهفه، فإن من أعطاها غير طيب النفس بها، يرجو بها ما هو أفضل منها، فهو جاهل بالسنة، مغبون (منقوص) الأجر، ضال العمل، طويل الندم.

ثم أداء الأمانة، فقد خاب من ليس من أهلها، إنما عُرِضت على السماوات المبنية، والأرضين المدحوة (المبسوطة) والجبال ذات الطول المنصوبة، فلا أطول ولا أعرض، ولا أعلى ولا أعظم منها ولو امتنع شيء بطول أو عرض أو قوة أو عز الامتنعن ولكن أشفقن من العقوبة، وعقلن ما جهِلَ مَن هو أضعف منهنَّ، وهو الإنسان.

{إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (الأحزاب / 72)}».

الوصايا والتعاليم

57 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ)، يوصي عبد اللّه بن العباس (رحمه اللّه) :

«أما بعد، فإن المرء قد يسرّه درك ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك، وليكن أسفك على ما فاتك منها، وما نلت من دنياك فلا تكثر به فرحاً، وما فاتك منها فلا تأسَ عليه جزعاً،

ص: 186

وليكن همك فيما بعد الموت».

58 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ)، من وصية للإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) طويلة وذات مضامين تتوافر على مفاصل الحياة بتفاصيل دقيقة نجتزيء منها ما يأتي :

× أوصيك بتقوى اللّه - أي بني - ولزوم أمره، وعمارة قلبك بذكره، والاعتصام بحبله، أو أي سبب أوثق بينك وبين اللّه إن أنت أخذت به.

× أحيي قلبك بالموعظة، وأمته بالزهادة، وقوّه باليقين، ونوّره بالحكمة، وذلِّله بذكر الموت، وقرره بالفناء، وبصّره فجائع الدنيا، وحذّره صولة الدهر وفحش تقلب الليالي والأيام.

× فأصلح مثواك، ولا تبع آخرتك بدنياك.

× ودع القول في ما لا تعرف، والخطاب في ما لم تُكَلّف.

× وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته، فإن الكف عند حيرة الضلال خيرٌ من ركوب الأهوال.

× وأمر بالمعروف تكن من أهله، وأنكر المنكر بيدك ولسانك، وباین من فعله بجهدك.

× وجاهد في اللّه حق جهاده، ولا تأخذك في اللّه لومة لائم.

× وخض الغمرات للحق حيث كان.

× وتفقه في الدين.

× وعوِّد نفسك الصبر على المكروه، ونعم الخُلُق التصبر في الحق.

ص: 187

× وألجئ نفسك في أمورك كلها إلى إلهك.

× وأكثر الاستخارة.

× وإن خير القول ما نفع، واعلم أنه لا خير في عِلمٍ لا ينفع، ولا يُنتفع بعلم لا يحق تعلّمه.

× واعلم إن مالك الموت هو مالك الحياة، وإن الخالق هو المميت، وإن المغني هو المعيد.

× وإن المبتلي هو المعاني.

× واعلم - يا بني - إن أحداً لم ينبيء عن اللّه سبحانه كما أنبأ عنه الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).

× فارضَ به رائداً، وإلى النجاة قائداً.

× واعلم يابني، لو كان لربك شريك لأتتك رسله ولرأيت آثار ملکه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته، ولكنه إلهٌ واحد، كما وصف نفسه، لا يضادّه في ملكه أحد، ولا يزول أبدا ولم يُزَلْ.

× يا بني، اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك فأحبب لغيرك ما تحب النفسك واكره له ما تكره لها.

× ولا تظلم كما لا تحب أن تَظلَم.

× وأحسِن كما تحب أن يُحسَن إليك.

× واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك.

ص: 188

× وارضَ من الناس بما ترضاه لهم من نفسك.

× ولا تقل ما لا تعلم وإن قَلَّ ما تعلم.

× ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك.

× واعلم أن الإعجاب ضد الصواب وآفة الألباب.

× واعلم أن أمامك طريقا ذا مسافة بعيدة، ومشقّةٍ شديدة، وإنه لا غنى بك فيه عن حسن الارتياد، وقدر بلاغك من الزاد، مع خفة الظهر. فلا تحملنَّ على ظهرك فوق طاقتك فيكون من ثقل ذلك وبالاً عليك.

× واغتنم من استقرضك في حال غناك، ليجعل قضاءه لك في يوم عسرتك.

× واعلم يقيناً لأنك لن تبلغ أملك، ولن تعدو أجلك، وإنك في سبيل من كان قبلك فخفّض في الطلب، وأجمل في المكتسَب، فإنه رُبَّ طلبٍ قد جرى حَرَب (سلب المال) فليس كل طالب بمرزوق، ولا كل مجمل بمحروم.

× وأكرم نفسك عن كل دنية، وإن ساقتك إلى الرغائب، فإنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضاً.

× ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك اللّه حراً.

× وإياك أن توجف (تسرع) بك مطايا الطمع، فتوردك مناهل الهلكة.

× وتلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك ما فات من منطقك.

× وحفظ ما في يديك أحب إليّ من طلب ما في يدي غيرك.

ص: 189

× ومرارة اليأس خير من الطلب إلى الناس.

× والحرفة مع العفة خير من الغني مع الفجور.

× والمرءُ أحفظ لسره.

× ورُبَّ ساع فيما يضره.

× من أكثر هجر (هذی) ومن تفكر أبصر.

× قارن أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشر تبن عنهم.

× بئس الطعام الحرام.

× وظلم الضعيف أفحش الظلم.

× إذا كان الرفيق خُرقا (عنفاً) كان الحُرق رفقاً.

× ربما كان الدواء داءً، والداء دواءً.

× وربما غير الناصح، وغش المستنصح.

× وإياك والاتكال على المعنى فإنها بضائع النوكی (الحمقى).

× والعقل حفظ التجارب، وخير ما جربت ما وعظك.

× بادر لفرصة قبل أن تكون غصّة.

× وليس كل طالب يصيب ولا كل غائب يؤوب.

× ومن الفساد إضاعة الزاد، ومفسدة المعاد.

× ولكل أمر عاقبة، سوف يأتيك ما قُدِّر لك.

ص: 190

× التاجر مخاطر، وربَّ يسير أنمي من كثير.

× ساهل (من السهولة) الدهر ما ذل لك تعوده (انقياده).

× ولا تخاطر بشيء رجاءَ أكثر منه، وإياك أن تجمع بك مطية اللجاج (الخصومة).

× احمل نفسك من أخيك : عند صرمه (القطيعة) عن الصلة (ضد القطيعة).

وعند صدوده (هجره) على اللطف، والمقاربة.

وعند جموده (بخله) على البذل (العطاء).

وعند تباعده على الدنو.

وعند شدته على اللين.

وعند جرمه على العذر. حتى كأنك له عبد وكأنه ذو نعمة عليك،

وإياك أن تصنع ذلك في غير موضعه أو تفعله بغير أهله.

× لا تتخذنَّ عدو صديقك صديقاً فتعادي صديقك وامحض أخاك النصيحة، حسنة كان أو قبيحة.

× وتجرع الغيظ (الغضب الشديد) فإني لم أرَ جرعة أحلى منها عاقبة ولا ألذّ مغبةً.

× ولِنْ (من اللين) لمن غالظك (خاشنك) فإنه يوشك أن يلين لك، وخذ على عدوك بالفضل فإنه أحلى الظفرین.

ص: 191

× وإن رمت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية يرجع إليها إن بدا له ذلك يوماً ما.

× ومن ظنّ بك خيراً فصدِّق ظنّه.

× ولا تضيعنَّ حق أخيك اتكالاً على ما بينك وبينه، فإنه ليس لك باغٍ، من أضعت حقه.

× ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك.

× ولا ترغبن في من زهد عنك.

× ولا يكونن أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته.

× ولا تكونن على الإساءة أقوى منك على الإحسان.

× ولا يكبرن عليك ظلم من ظلمك، فإنه يسعى في مضرته ونفعك.

× وليس جزاء من سرك أن تسوءه.

× إن الرزق رزقان، رزق تطلبه، ورزق يطلبك، فإن أنت لم تأته أتاك.

× ما أقبح الخضوع عند الحاجة، والجفاء عند الغني.

× إنما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك (منزلتك).

× وإن كنت جازعا على ما تَفَلَّت (تملص) من يديك فاجزع على كل ما لم يصل إليك.

× استدل على ما لم يكن بما قد كان، فإن الأمور أشباه.

× ولا تكونَّ ممن لا تنفعه العظة، إلّا إذا بالغت في إيلامه، فإن العاقل يتعظ

ص: 192

بالآداب، والبهائم لا تتعظ إلّا بالضرب.

× اطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين.

× من ترك القصد (الاعتدال) جار (مال).

× والصاحب مناسب (أي كالقريب في النسب). *

× والصديق من صدق غيبه (ضد الحضور).

× والهوى (شهوة وقتية) شريك العمى.

× ورب بعيد أقرب من قريب، وقريب أبعد من بعيد

× والغريب من لم يكن له حبيب.

× من تعدَّ الحق ضاق مذهبه.

× ومن اقتصر على قدره كان أبقى له.

× وأوثق سبب أخذتَ به سبب بينك وبين اللّه سبحانه.

× ومن لم يبالك (يهتم) فهو عدوك.

× قد يكون اليأس إدراكاً، إذا كان الطمع هلاكاً.

× ليس كل عورة تظهر، ولا كل فرصة تصاب، وربما أخطأ البصير قصده وأصاب الأعمى رشده.

× أخِّر الشر فإنك إذا شئت تعجلته.

× وقطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل.

ص: 193

× من أمن الزمان خانه، ومن عظّمه (هابه) هانه.

× ليس كل من رمي أصاب.

× إذا تغيّر السلطان تغيّر الزمان.

× سل عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار

× إياك أن تذكر من الكلام ما يكون مضحکا، وإن حكيت ذلك عن غيرك.

× أكرم عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير، وأصلك الذي إليه تصير، ويدك التي بها تصول.

59 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى بعض عمّاله :

«أما بعد : فإنك ممن أستظهر (أستعين) به على إقامة الدين، وأقمع (أكسر) به نخوة (كِبرَ) الأثيم، وأُسِدَّ به لَهَاةَ الثغر المَخُوف. فاستعن باللّه على ما أهمّك، واخلط الشدة بضغث (خلط) من اللين، وارفق ما كان الرفق أرفق، واعتزم بالشدة حين لا تغني عنك إلّا الشدة، واخفض للرعية جناحك، وابسط لهم وجهك، وأِلنْ لهم جانبك، وآسِ (شارك) بينهم في اللحظة والنظرة والإشارة والتحية، حتى لا يطمع العظماء في حيفك، ولا ييأس الضعفاء من عدلك والسلام».

60 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ)، للحسن والحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) لمّا ضربه ابن ملجم :

«أوصيكما بتقوى اللّه، وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما (طلبتكما)، ولا تأسفا

ص: 194

على شيء منها زُوي (قُيض) عنكما، وقولا بالحق، واعملا للأجر، وكونا للظالم خصماً، وللمظلوم عوناً.

أوصيكما - وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي - بتقوى اللّه، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإني سمعت جد كما (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول :

(صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام).

اللّه اللّه في الأيتام، فلا تُغبُّوا (تحرموا) أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم.

واللّه اللّه في جيرانكم، فإنهم وصية نبيكم، ما زال يوصي بهم، حتى ظننا إنه سيورثهم.

واللّه اللّه في القرآن، لا يسبقكم بالعمل به غيركم.

واللّه اللّه في الصلاة، فإنها عمود دینکم.

واللّه اللّه في بيت ربكم، لا تُخلوه ما بقيتم، فإنه إن ترك لم تناظروه.

واللّه اللّه في الجهاد بأموالكم وأنفسكم، وألسنتكم في سبيل اللّه.

وعليكم بالتواصل والتبادل (العطاء)، وإياكم والتدابر والتقاطع.

لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيُولَّى عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم.

61 - وما كتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) للأشتر النخعي، لما ولّاه على مصر وأعمالها حين اضطرب أمر أميرها محمد بن أبي بكر. وهو أطول عهد كتبه وأجمعه للمحاسن قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

ص: 195

«.. اعلم يا مالك، إني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك، من عدل وجور، وإن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما کنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم، وإنما يستدل على الصالحين بما يجري اللّه لهم على ألسن عباده، فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح، فاملك هواك، وشحَّ (ابخل) بنفسك عما لا يحل لك، فإن الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحببت أو كرهت.»..

وبسبب طول " العهد" أجتزئ منه الفقرات الآتية :

× أشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان؛ أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.

× أعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك اللّه من عفوه وصفحه.

× لا تنصبنَّ نفسك لحرب اللّه (مخافة شريعته) فإنه لا يَدَ لك بنقمته. ولا غنى بك عن عفوه ورحمته.

× لا تبجحنَّ (تفرحن) بعقوبة.

× إذا حدث لك ما أنت فيه من سلطانك أُبَّهة (عظمة) أو مَخِيلَةً (خيلاء)، فانظر إلى عظم ملك اللّه فوقك، وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك.

× إياك ومسامات (مبارات) اللّه في عظمته، والتشبه به في جبروته، فإن اللّه

ص: 196

يذل كل جبار، ويهين كل مختال.

× أنصف اللّه وأنصف الناس من نفسك، ومن خاصة أهلك ومن لك فيه هوی (میل) من رعیتك.

× وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأعمها في العدل، وأجمعها الرضى الرعية.

× وليكن أبعد رعيتك منك وأشنأهم (أبغضهم) عندك، أشدهم لمعائب الناس.

× أطلق عن الناس عقدة كل حقد، واقطع عنهم سبب كل وتر (عداوة).

× لا تعجلن إلى تصدیق ساع فإن الساعي (النمام) غاشّ وإن تشبّه بالناصحين.

× إن شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرة.

× إن أحقّ من حَسُنَ ظنك به كَمن حَسُنَ بلاؤك عنده، وإن أحق من ساء ظنك به لَمن ساء بلاؤك عنده (البلاء = الصنع).

× أكثر مدارسة العلماء، ومناقشة الحكماء، في تثبيت ماصلح عليه أمر بلادك.

× إعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلّا ببعض، ولا غنى ببعضها عن بعض.

× إن أفضل قرة عين الولاة، استقامة العدل في البلاد، وظهور مودّة الرعية.

ص: 197

× إعرف لكل امريء منهم ما أبلی.

× أُردد إلى اللّه ورسوله ما يضلعك (يثقلك) من الخطوب ويشتبه عليك من الأمور.

× اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك.

× أُنظر في أُمور عمالك فاستعملهم اختباراً، ولا تولّهم محاباة (میلاً) وأثرة.

× تفقد أمر الخراج بما يصلح أهله.

× ليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج.

× من طلب الخراج بغیر عمارة أخرب البلاد، وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلّا قليلا.

× أُنظر في حال كتّابك فولِّ على أُمورك خيرهم.

× إن الجاهل بِقَدْرِ نفسه يكون بقَدْرِ غيره أجهل.

× اللّه اللّه في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم.

× اجعل لذوي الحاجات منك قسماً تفرِّغ لهم فيه شخصك.

× لا تطوّلن احتجابك عن رعيتك.

× إياك والدماء وسفكها بغير حلّها.

× إياك والإعجاب بنفسك، والثقة بما يعجبك منها، وحب الإطراء

62 - ومن وصية وصَّى بها شريح بن هاني، لما جعله على مقدمته إلى الشام، قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :|

ص: 198

«اتق اللّه كل صباح ومساء، وخفف على نفسك الدنيا الغرور، ولا تأمنها على حال، واعلم إنك إن لم تردع نفسك عن كثير مما تحب، مخافة مكروه، سمت بك الأهواء إلى كثير من الضرر، فكن لنفسك مانعاً رادعاً، ولنزوتك (وثبتك) عند الحفيظة (الغضب) واقعا (قاهراً) قامعاً».

63 - ومن كتاب له (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى الأسود بن قطبة صاحب جند حلوان قال (عَلَيهِ السَّلَامُ):

«أما بعد، فإن الوالي إذا اختلف هواه، منعه ذلك كثيراً من العدل، فاجتنب ما تنكر أمثاله، وابتذل نفسك فيما افترض اللّه عليك، راجياً ثوابه، ومتخوفاً عقابه.

واعلم أن الدنيا دار بلية يفرغ صاحبها فيها كل ساعة إلا كانت فرغته (خلوته) عليه حسرة يوم القيامة، وإنه لن يغنيك من الحق شيء أبداً، ومن الحق عليك حفظ نفسك، والاحتساب (المراقبة) على الرعية بجهدك، فإن الذي يصل إليك من ذلك أفضل من الذي يصل بك والسلام».

64 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى سلمان الفارسي قبل أيام خلافته :

«أما بعد، فإن مثل الدنيا مثل الحية؛ ليّن مسها، قاتلٌ سمّها، فأعرض عما يعجبك فيها، لقلة ما يصحبك منها، وضع عنك همومها، لما أيقنت من فراقها، وتصرف حالها، وكن آنس ما تكون بها، أحذر ما تكون منها، فإن صاحبها كلما اطمأن فيها إلى سرور أشخصته (أذهبته) عنه إلى محذور، وإلى إيناس أزالته إلى أيحاش والسلام».

ص: 199

65 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى عبد اللّه بن عباس :

«أما بعد : فإنك لست بسابق أجلك، ولا مرزوق ما ليس لك، واعلم بأن الدهر يومان، يوم لك ويوم عليك، وإن الدنيا دار دول، فما كان منها لك أتاك على ضعفك، وما كان منها عليك لم تدفعه بقوتك».

66 - وعندما استخلف عبد اللّه بن عباس على البصرة قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

«سع الناس بوجهك ومجلسك و حكمك، وإياك والغضب فإنه طَيَرة (خفة) من الشيطان. واعلم إن ما قرّبك من اللّه يباعدك من النار، وما باعدك من اللّه يقرّبك من النار».

67 - وعندما بعثه للاحتجاج على الخوارج أوصى (عَلَيهِ السَّلَامُ):

«لا تخاصمهم بالقرآن، فإن القرآن حمَّال وجوه (ذو معانٍ كثيرة)، تقول ويقولون، ولكن حاجهم بالسنة، فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً (مهرباً)».

المنهج السياسي:

68 - ولما تكدر محمد بن أبي بكر لدى عزله عن مصر وإحلال الأشتر محله کتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) إليه يقول :

«أما بعد، فقد بلغني موجدتك (كدرك) من تسريح (إرسال) الأشتر إلى عملك (ولايتك)، وإني لم أفعل ذلك استبطاءً لك في الجهد ولا ازدیاداً لك في الجد، ولا نزعت ما تحت يدك، من سلطانك، لوليتك ما هو أيسر عليك مؤونة، وأعجب إليك ولاية.

ص: 200

إن الرجل الذي كنت وليته أمر مصر، كان رجلاً لنا ناصحاً، وعلى عدونا شدیداً ناقماً (کارهاً)، فرحمه اللّه فقد استكمل أيامه، ولاقی جامه (موته)، ونحن عنه راضون، أولاه اللّه رضوانه، وضاعف الثواب له، فأصحر (ابرز) لعدوّك، وامضِ على بصيرتك، وشمّر لحرب من حاربك، وادعُ إلى سبيل ربّك، وأكثر الاستعانة باللّه يكفِكَ ما أهمّك، ويعينك على ما ينزل بك، إن شاء اللّه».

69 - وكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أهل مصر، لما ولَّى عليهم الأشتر يقول :

«من عبد اللّه علي أمير المؤمنين إلى القوم الذين غضبوا للّه حين عُصي في أرضه، وذُهب بحقه، فضرب الجور (الظلم) سرادقه (غطاءه) على البِر (التقي) والفاجر. والمقيم والظاعن (المسافر)، فلا معروف يستراح إليه، ولا منکر يُتناهی عنه.

أما بعد فقد بعثت إليكم عبداً من عباد اللّه، لا ينام أيام الخوف، ولا ينكل (يجبن) عن الأعداء ساعات الروع (الخوف) أشدّ على الفجار من حريق النار، وهو مالك بن الحارث، أخو مذحج، فاسمعوا له وأطيعوا أمره فيما طابق الحق، فإنه سيف من سيوف اللّه، لا كليل (لا يقطع) الظبَّة (حدَّ السيف) ولا ثابي الضريبة : إن تنفروا، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا، فإنه لا يُقدم ولا يُحجم، ولا يؤخّر ولا يُقدِّم إلا عن أمري، وقد آثرتكم (خصصتكم) به على نفسي لنصيحته الكم، وشدّة كيمته (بأسه) على عدوكم».

70 - وكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى سهل بن حنيف الأنصاري، عامله على المدينة عندما لحق قوم من أهلها بمعاوية فقال :

ص: 201

«أما بعد: فقد بلغني إن رجالاً من قبلك (عندك) يتسللون إلى معاوية فلا تأسف على ما يفوتك من عددهم، ويذهب عنك من مددهم، فكفى لهم غيّاً (ضلالاً) ولك منهم شافياً، فرارهم من الهدى والحق، وانصياعهم (إسراعهم) إلى العمى والجهل، وإنما هم أهل دنیا مقبلون عليها، ومهطعون (مسرعون) إليها، وقد عرفوا العدل ورأوه، وسمعوه ووعوه، وعلموا أن الناس عندنا بالحق أسوة، فهربوا إلى الأثرة (الأنانية) فبعداً لهم وسحقاً!!

إنهم واللّه لم يفروا من جور، ولم يلحقوا بعدل، وإنا لنطمع في هذا الأمر، أن يذلّل لنا صعبه، ويسهل لنا حَزَنه (أخشنه)، إن شاء اللّه والسلام».

حِکَمٌ قِصار :

وفي ما يأتي جملُ قصار اخترناها من كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهي :

71 - إذا احتشم (أغضب) المؤمن أخاه فقد فارقه.

72 - ما أخذ على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يُعَلِّموا

73 - القناعة مال لا ينفد.

74 - منهومان لا يشبعان، طالب علم وطالب دنیا.

75 - الحلم والأناة توأمان ينتجهما علو الهمة.

76 - من اتجر بغير فقه ارتطم في الربا.

77 - من عظم صغار المصائب ابتلاه اللّه بكبارها.

ص: 202

78 - من کرمت عليه نفسه هانت عليه شهواته.

79 - ليس بلد بأحق منك من بلد، خير البلاد ما حملك

80 - قليل مدوم عليه خير من كثير محلول منه.

81 - الناس أعداء ما جهلوا.

82 - أولى الناس بالكرم من عُرِفَتْ به الكرام.

83 - الحلم عِشيرة.

84 - كفاك أدباً لنفسك اجتناب ما تكرهه من غيرك

85 - التُّقى رئيس الأخلاق.

86 - القلب مصحف البصر.

87 - من صارع الحق صرعه.

88 - ما استودع اللّه امرأ عقلاً إلّا استنقذه به يوماً ما.

89 - من صَبَرَ صَبْرَ الأحرار وإلّا سُلُوَّ و الأغمار.

90 - ضع فخرك، واحطط كبرك، واذكر قبرك.

91 - مقاربة الناس في أخلاقهم آمن من غوائلهم.

92 - ازهد في الدنيا يبصرك اللّه عوراتها، ولا تغفل فلست بمغفول عنك.

93 - تكلموا تُعرفوا فإن المرء مخبوء تحت لسانه.

94 - ربّ قول أنفذ من صول.

ص: 203

95 - كل مقتصر عليه كاف.

96 - من طلب شيئا ناله أو بعضه.

97 - البخل جامع لمساويء العيوب، وهو زمام يقاد به إلى كل سوء.

98 - الرزق رزقان، رزق تطلبه، ورزق يطلبك.

99 - ربَّ مستقبل يوماً ليس بمستدبره.

100 - الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به، فإذا تكلمت به صرت في وثاقه.

101 - إن الحق ثقيل مريء، وإن الباطل خفيف وبيء

102 - العلم مقرون بالعمل، فمن عَلِمَ عمل.

103 - من الخرق المعاجلة قبل الإمكان، والأناة بعد الفرصة.

104 - لا تسأل عما لا يكون، ففي الذي يقدم كان لك فيه مشكل.

105 - عند تناهي الشدة تكون الفرجة، وعند تضايق حلق البلاء، يكون الرخاء.

106 - أكبر العيب أن تعيب ما فيك مثله.

107 - ماء وجهك جامد يقطره السؤال، فانظر عند من تقطره.

108 - الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق، والتقصير عن الاستحقاق عيٌّ وحسد.

109 - أشد الذنوب ما استهان به صاحبه.

110 - لو رأى العبد الأجل ومصيره، لأبغض الأمل وغروره.

ص: 204

111 - لكل امرئ في حاله شریکان : الوارث والحوادث.

112 - المسؤول حر حتى يَعِدَ.

113 - الداعي بلا عمل کالرامي بلا وتر.

114 - العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغني.

115 - يوم العدل على الظالم أشد من يوم الجور على المظلوم.

116 - الغني الأكبر اليأس عما في أيدي الناس.

117 - ما ظَفِرَ مَن ظَفِرَ الإثم به، والغالب بالشر مغلوب.

118 - الاستغناء عن العذر أعز من الصدق به.

119 - أقل ما يستلزمكم للّه أن تستعينوا بذمه على معاصيه.

120 - إن اللّه سبحانه جعل الطاعة غنيمة الأكياس عند تفريط العجزة.

121 - السلطان وَزعَة (حكم) اللّه في أرضه.

122 - المؤمن بشره في وجهه وحزنه في قلبه.

123 - اتقوا معاصي اللّه في الخلوات فإن الشاهد هو الحاكم.

124 - إن الفقر منقصة للدين، مدهشة للعقل، داعية للمقت.

125 - إن الجاهل المتعلم شبيه بالعالم، والعالِم المتعسّف شبيه بالجاهل

126 - إن للقلوب إقبالاً وإدبارا.

127 - أنا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الفجار.

ص: 205

128 - الناس أبناء الدنيا لا يلام الرجل على حب أمه.

129 - إن المسكين رسول اللّه، فمن منعه فقد منع اللّه، ومن أعطاه فقد أعطى اللّه.

130 - كن بالأجل حارسا.

131 - ما أكثر العِبَر وأقل الاعتبار.

132 - من بالغ بالخصومة أثم، ومن بالغ فيها ظَلَم.

133 - رسولك ترجمان عقلك، وكتابك أبلغ ما ينطق عنك.

134 - لا تصحب المائق فإنه يزين لك فعله، ويود أن تكون مثله.

135 - ما قال الناس لشيء طوبى له، إلا قد خبأ له الدهر يوم سوء.

136 - إذا أرذل اللّه عبداً حضر عليه العلم.

137 - من تذكر بعد السفر استعد.

138 - بينكم وبين الرؤية حجاب من الغرة (الغفلة).

139 - قطعَ العِلمُ عُذرَ المتعلِّمين.

140 - كل معاجل يسأل الإنظار، وكل مؤجل يتعلل بالتسويف.

141 - لا تجعلوا علمكم جهلاً، ويقينكم شكّا.

142 - إذا علمتم فاعملوا، وإذا تيقنتم فاقدموا.

143 - إن الطمع مورد غير مُصدِر، وضامن غير وفي.

ص: 206

144 - كلما عظم قدر الشيء المتنافس فيه عظمت الرزية لفقده.

145 - الأماني تعمي عين البصائر.

146 - الحظ يأتي من لا يأتيه.

147 - صاحب السلطان کراکب الأسد، يُغبط بموقعه وهو أعلم بموضعه.

148 - أحسنوا في عقب غيركم تُحفَظوا في عقبكم.

149 - إن كلام الحكماء إذا كان صوابا كان دواءً وإذا كان خطاً كان داءا.

150 - إن للخصومة فحما.

151 - صحة الجسد من قلة الحسد.

152 - إذا أملقتم فتاجروا بالصدقة.

153 - الوفاء لأهل الغدر غدر عند اللّه، والغدر بأهل الغدر وفاء عند اللّه.

154 - مرارة الدنيا حلاوة الآخرة، وحلاوة الدنيا مرارة الآخرة.

155 - فرض اللّه الإيمان تطهيراً من الشرك.

156 - اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك.

157 - إذا ازدحم الجواب في الصواب.

158 - إذا كثرت المقدرة قلَّت الشهوة.

159 - احذروا نفار النعم من كل شارد بمردود.

160 - الكرم أعطف من الرحِم (الغرابة).

ص: 207

161 - من ظن بك خيراً فصدق ظنه.

162 - أفضل الأعمال ما كرهت نفسك عليه.

163 - العاقل هو الذي يضع الشيء مواضعه.

164 - من أطاع التواني ضيَّع الحقوق، ومن أطاع الواشي ضيّع الصديق

165 - الحجر الغصيب في الدار رهن على خراجها.

166 - إن قوما عبدوا اللّه شکر) فتلك عبادة الأحرار.

167 - کفی بالقناعة مُلْكا.

168 - من يعطِ باليد القصيرة (يد المرء) يُعطَ باليد الطويلة (يد اللّه)

169 - من كساه الحياء ثوبه لم يرَ الناس عيبه.

170 - بكثرة الصمت تكون الهيبة.

171 - الطامع في وثاق الذل.

172 - الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان.

173 - من أصبح على الدنيا حزيناً أصبح لقضاء اللّه ساخطاً.

174 - عُجبُ (إعجاب) المرء بنفسه أحد حسّاد عقله.

175 - اغظِ على القذى والأهم ترضى أبدا.

176 - من لان عوده کشفت أغصانه.

177 - الخلاف يهدم الرأي.

ص: 208

178 - من نال (أعطی) استطال (استعلی).

179 - في تقلب الأحوال علم جواهر الرجال.

180 - جسد الصديق من سقم المودة.

181 - أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع.

182 - ليس من العدل القضاء على الثقة بالظن.

183 - من أشرف أعمال الكريم غفلته عما يعلم

184 - إن لم تكن حليماً فَتَحَلَّم،

185 - من حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر.

186 - الجود حارس الأعراض.

187 - الاستشارة عين الهداية.

188 - أشرف الغني ترك المني.

189 - من التوفيق حفظ التجربة.

190 - المودة قرابة مستفادة.

191 - إن مع كل إنسان ملكين يحفظانه.

192 - كل وعاء يضيق بما جعل فيه، إلا وعاء العلم فإنه يتسع به.

193 - أول عوض الحليم من حلمه إن الناس أنصاره على الجاهل

194 - لم يذهب من مالك ما وعظك.

ص: 209

195 - ما كسبت فوق قوتك فأنت فيه خازن لغيرك.

196 - ثمرة التفريط الندامة، وثمرة الحزم السلامة.

197 - لا خير في الصمت عن الحلم، كما لا خير في القول بالجهل.

198 - ما اختلفت دعوتان إلا كانت إحداهما ضلالة.

199 - ما شككتُ بالحق مذ أُريته.

200 - للظالم البادي غداً بكفِّه عظة.

201 - من أبدى صفحته للحق هلك.

202 - من لم ينجه الصبر أهلکه الجزع.

203 - قد أضاء الصبح لذي عينين.

204 - ترك الذنب أهون من طلب المعونة.

205 - كم من أكلة منعت أكلات.

206 - الناس أعداء ما جهلوا.

207 - من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ.

208 - آلة الرياسة سعة الصدر.

209 - ازجر المسيء بثواب المحسن.

210 - احصد الشر من صدر غيرك بقلعه من صدرك.

211 - اللجاجة (الخصومة) تسل (تذهب) الرأي.

ص: 210

212 - الطمع رق مؤبد.

213 - عاتب أخاك بالإحسان إليه، واردد شرّه بالإنعام عليه.

214 - من ملك استأثر.

215 - من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها

216 - من كتم سره كانت الحيرة بيده.

217 - الفقر الموت الأكبر.

218 - من قضى حق من لا يقضي حقه فقد عبده

219 - لا يعاب المرء بتأخير حقه، إنما يعاب من أخذ ما ليس له.

220 - الإعجاب يمنع الازدياد.

221 - لكل امرئ عاقبة حلوة أو مرة.

222 - لا يعدم الصبور الظفر وإن طال به الزمان.

223 - عليكم بطاعة من لا تعذرون بجهالته.

224 - هلك امرؤٌ لا يعرف قدره.

225 - لا تكن من يرجو الآخرة بغير العمل، ويرجو التوبة بطول الأمل

226 - العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال.

227 - العلم حاكم والمال محكوم عليه.

228 - إن هذه القلوب أوعية، فخيرها أوعاها.

ص: 211

229 - قلة العيال أحد اليسارین.

230 - التودد نصف العقل.

231 - الهم نصف الهرم.

232 - ينزل الصبر على قدر المصيبة.

233 - كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والظمأ.

234 - سوسوا إيمانكم بالصدقة.

235 - حصِّنوا أموالكم بالزكاة.

236 - ادفعوا أمواج البلاء بالدعاء.

237 - استنزلوا الرزق بالصدقة.

238 - من أيقن بالخلف جاء بالعطية.

239 - تنزل المعونة على قدر المؤونة.

240 - ما عال (افتقر) من اقتصد.

241 - الدنيا دار ممر لا دار مقر.

242 - عظم الخالق عندك يصغِّر المخلوق لديك.

243 - إن الدنيا دار صدق لمن صدقها.

244 - غيرة المرأة كفر، وغيرة الرجل إيمان.

245 - عجبت للبخيل يستعجل الفقر، الذي منه هرب، ويفقره الغني

ص: 212

الذي إياه طلب.

246 - وعجبت للمتكبر الذي كان بالأمس نطفة، ويكون غداً جيفة.

247 - من قصر بالعمل ابتلي بالهم.

248 - إضاعة الفرصة غصة.

249 - نوم على يقين خير من صلاة في شك.

250 - أعقلوا الخبر إذا سمعتموه، عقل رعاية لا عقل رواية.

251 - قيمة كل امرئ ما يحسنه.

252 - من ترك قول (لا أدري) أصيبت مقاتله.

253 - عجبت لمن يقنط ومعه الاستغفار.

254 - إذا تم العقل نقص الكلام.

255 - من نصب نفسه للناس إماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره

256 - نَفَسُ المرء خُطاهُ إلى أجله.

257 - كل معدود منتقض وكل متوقع آت.

258 - الشفيع جناح الطالب.

259 - فقد الأحبة غربة.

260 - فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها

261 - لا تستح من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه

ص: 213

262 - إذا لم يكن ما تريد فلا تُبَل (تم) ما كنت.

263 - عيبك مستور ما أسعدك جدك.

264 - أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة.

265 - الصبر صبران، صبر على ما تكره، وصبر عما تحب.

266 - الغني في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة.

267 - من حذّرك كمن بشّرك.

268 - اللسان سُبعٌ إن خُلِّي عنه عَقَر (عض).

269 - سيئة تسوؤك خير عند اللّه من حسنة تعجبك.

270 - قدر الرجل على قدر همته.

271 - احذروا صولة الكريم إذا جاع، واللئيم إذا شبع

272 - فاعل الخير خير منه، وفاعل الشر شر منه.

273 - ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه.

274 - أفضل الزهد إخفاء الزهد.

275 - من جرى في عنان أمله عثر في أجله.

276 - البخل عار.

277 - صدر العاقل صندوق سرّه.

278 - خذ الحكمة أنّی کانت.

ص: 214

279 - الحكمة ضالة المؤمن.

280 - إن قوماً عبدوا اللّه شكراً فتلك عبادة الأحرار

281 - خذ الحكمة ولو من أهل النفاق.

282 - كن في الفتنة كابن اللبون (ابن الناقة) لا ظهر فيركب، ولا ضرع فيحلب.

283 - أزری (احتقر) بنفسه من استشعر الطمع.

284 - رضيَ بالذل من كشف عن ضُرِّه.

285 - هانت عليه نفسه من أمَّرَ عليها لسانه.

286 - الرجاء مع الجائي واليأس مع الماضي.

287 - الجبن منقصة.

288 - الفقر يخرس الفَطِنَ عن حجّته.

289 - العجز آفة.

290 - الصبر شجاعة.

291 - نعم القرين.

292 - العلم وراثة كريمة.

293 - الفكر مرآة صافية.

294 - من رضيت عن نفسه كثر الساخط عليه.

ص: 215

295 - من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه.

296 - من كفّارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف، والتنفيس عن المكروب

297 - إذا رأيت ربك، سبحانه، يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره

298- کن سمحاً ولا تكن مبذراً.

299 - کن مقدِّراً ولا تكن مقتِّراً.

300 - من أطال الأمل أساء العمل.

301 - لا قربة بالنوت بالفرائض.

302 - قلب الأحمق في فيه ولسان العاقل في قلبه.

303 - سيئة تسوؤك خير من حسنة تعجبك.

304 - الظفر بالحزم، والحزم بإجالة الرأي، والرأي بتحصين الأسرار

305 - أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة.

306 - المال مادة الشهوات.

307 - فأصلح مثواك، ولا تبع آخرتك بدنياك.

308 - كل معدود منقوضٍ، وكل متوقع آت.

310 - إن الأمور إذا اشتبهت اعتُبِر آخرها بأوّها.

311 - رأي الشيخ أحب إليَّ من جَلَبِهِ الغلام.

312 - من أصلح ما بينه وبين اللّه أصلح اللّه ما بينه وبين الناس.

ص: 216

313 - إن هذه القلوب تملُّ كما تملُّ الأبدان، فابتغوا لها طرائق الحكم.

314 - طوبى للزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة

315 - لا يقيم أمر اللّه سبحانه إلّا من لا يصانع ولا يضارع ولا يتبع المطامع.

316 - لا مال أعود من العقل.

317 - لا ربح كالثواب.

318 - لا حسب كالتواضع.

319 - لا قائد کالتوفيق.

320 - لا شرف كالعلم.

321 - لا مظاهرة أوثق من المشاورة.

322 - شتان ما بين عملين : عمل تذهب لذته وتبقى تبعته وعمل تذهب مؤونته ويبقى أجره.

323 - من قصّر بالعمل ابتُلي بالهم.

324 - استقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك.

325 - إن للّه ملكاً ينادي في كل يوم : لِدوا للموت، واجمعوا للفناء، وابنوا للخراب.

326 - لا يكون الصديق صديقاً حتى يحفظ أخاه في ثلاث : في نكبته، وغيبته، ووفاته.

ص: 217

327 - كلُّ شيءٍ محلول إلَّا الحياة.

328 - التودّد نصف العقل.

329 - الهم نصف الهرم.

330 - هلك خُزّان الأموال وهم أحياء.

331 - هلك امرؤ لم يعرف قدره.

332 - لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير العمل، ويُرَجِّي التوبة بطول الأمل.

333 - لكل مقبل إدبار، وما أدبر كأن لم يكن

334 - لا يعدم الصبور الظفر وإن طال به الزمان.

335 - الراضي بفعل قوم کالداخل فيه معهم.

336 - اعتصموا بالذم في أوتادها (رجالها).

337 - عاتب أخاك بالإحسان إليه، واردد شرَّهُ بالإنعام عليه.

338 - من وضع نفسه مواضع التهمة فلا يلومنَّ من أساء به الظن.

339 - قد أضاء الصبح لذي عينين.

340 - من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ.

341 - آلة الرياسة سعة الصدر.

342 - از جر المسيء بثواب المحسن.

343 - احصر الشر في صدر غيرك بقلعه من صدرك

ص: 218

344 - الطمع رقٌّ مؤبَّد.

345 - لم يذهب من مالك ما وعظك.

346 - الجود حارس الأعراض.

347 - العفو زكاة الظفر.

348 - السلو (النسيان) عوضك من غدر.

349 - الاستشارة عين الهداية.

350 - من لان عوده كَثُفَتْ أغصانه.

351 - في تقلب الأحوال علم جواهر الرجال.

352 - حسد الصديق من سقم المودَّة.

353 - أكثر مصارع العقول تحت بروق المعامع.

354 - من أشرف أعمال الكريم غفلته عما يعلم.

355 - الدهر يجري بالباقين كجريه بالماضين.

356 - الطامع في وثاق الذل.

357 - من أتى غنياً فتواضع له لغناه ذهب ثلثا دينه

358 - العاقل هو الذي يضع الشيء مواضعه.

359 - من الفساد إضاعة الزاد، ومفسدة المعاد.

360 - إذا ازدحم الجواب خفي الصواب.

ص: 219

361 - إذا كثرت المقدرة قلّت الشهوة.

362 - الكرم أعطف من الرحم.

363 - إن كلام الحكماء إذا كان صوابا كان دواءً، وإذا كان خطأً كان داءً.

364 - لا تكن عبد غيرك وقد جعلك اللّه حراً.

365 - إذا علمتم فاعملوا، وإذا تيقنتم فأقدموا.

366 - قليل تدوم عليه أرجی من كثير مملول منه.

367 - من تذكّر بُعد السفر استعد.

368 - قطع العلم عذرَ المتعلمين.

369 - إذا أرذل اللّه عبداً حظر عليه العلم.

370 - لو رأى العبد الأجل ومصيره، لأبغض الأمل وغروره.

ص: 220

المصادر والمراجع التي اعتمدها المؤلف

-أ -

القرآن الكريم

1 - إحياء علوم الدين / الغزالي.

2 - أخبار أبي تمام / الصولي.

3 - أخبار شعراء الشيعة / أبو عبد اللّه الخراساني.

4 - الأخبار الطوال / الدنيوري.

5 - الأدب الجاهلي طه حسين.

6 - أدب الكاتب / ابن قتيبة.

7 - الإرشاد / المفيد.

8 - الاستيعاب / ابن عبد البر.

9 - الأُسلوب / أحمد الشايب.

10 - الأشباه والنظائر / السيوطي.

ص: 221

11 - الاشتقاق / ابن دريد.

12 - الإصابة في تمييز الصحابة / ابن حجر العسقلاني.

13 - إصلاح المنطق / ابن السكيت.

14 - إعجاز القرآن / الباقلاني.

15 - إكمال کنز العمال / الحنفي.

16 - الأغاني / أبو الفرج الأصفهاني.

17 - أمالي القالي / أبو علي.

18 - أمالي المرتضى / المرتضی.

19 - أمالي اليزيدي / عبد اللّه بن عباس اليزيدي.

20 - الإمام علي بن أبي طالب / عبد الفتَّاح عبد المقصود.

21 - الإمامة والسياسة / ابن قتيبة.

22 - أنباء الرواة على أنباء النحاة / علي بن يوسف القفطي.

23 - أنساب الأشراف / البلاذري.

24 - الإنسكلوبيديا الإسلامية.

25 - أيام العرب في الجاهلية.

- ب –

26 - البدء والتاريخ / مظهر بن طاهر المقدسي.

ص: 222

27 - بلاغة الإمام علي / أحمد محمد الحوفي.

28 - البيان والتبيين / الجاحظ.

-ت -

29 - تاریخ ابن خلدون / ابن خلدون.

30 - ابن الوردي / عمر بن المظفر بن الوردي.

31 - آداب اللغة العربية / جرجي زيدان.

32 - الأدب العربي في العصور الإسلامية / بيومي السباعي.

33 - تاريخ الإسلام / حسن إبراهيم حسن.

34 - تاریخ الخلفاء / السيوطي.

35 - تاريخ الخميس / حسين بن محمد حسن الديار بكري.

36 - تاريخ الطبري / محمد بن جرير الطبري.

37 - تاريخ اليعقوبي / أحمد بن إسحاق اليعقوبي.

38 - تحف العقول / ابن شعبة.

39 - تذكرة الحفاظ / الذهبي.

40 - ترجمة علي بن أبي طالب / أحمد زكي صفوة.

41 - تصنیف نهج البلاغة / لبيب وجيه بيضوني.

42 - تطور الأساليب النثرية في الأدب العربي / أنيس المقدسي.

ص: 223

43 - تقريب التهذيب / ابن حجر العسقلاني.

44 - التوحيد / الصدوق.

45 - تهذيب التهذيب / ابن حجر العسقلاني.

-ج-

46 - جمهرة أنساب العرب.

-ح-

47 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء / أبو نعيم الأصفهاني.

48 - خزانة الأدب / البغدادي.

49 - خصائص أمير المؤمنين / الشريف الرضي.

50 - = = = / النسائي.

51 - خصائص العشرة الكرام البررة / الزمخشري

52 - الخطابة في صدر الإسلام / محمد ظاهر درویش.

- د -

53 - درة الغواص في أوهام الخواص / أبو محمد الحريري.

54 - دستور مظالم الحكمة ومأثور مکارم الشِيَم / القضاعي.

ص: 224

55 - دعائم الإسلام / أبو حنيفة النعمان.

56 - دلالة الألفاظ / إبراهيم أنيس.

57 - ديوان ابن الفارض.

58 - = ابن الرقیات.

59 -= أبي تمام.

60 - = أبي طالب.

61 - = أبي العتاهية.

62 -= أبي نواس.

63 - =الأخطل.

64 - =الأعشى.

65 - = الأعشين.

66 - = الأفوه الأودي.

67 - امرئ القيس.

68 - =أوس بن حجر.

69 - ديوان البحتري.

70 - = بشار بن برد.

71 - = بشر بن خازم.

ص: 225

72 - = جرير.

73 - = حاتم الطائي.

74 - = حسان بن ثابت الأنصاري.

75 - =الحطيأة.

76 - ديوان الحماسة للتبريزي.

77 - ديوان الحماسة / للمرزوقي.

78 - = حميد بن ثور الهلالي.

79 -= الحميري،

80 -= الخنساء.

81 - = دعبل الخزاعي.

82 - = زهير بن أبي سلمى.

83 - = سحيم بن عبد الحسحاس.

84 - =سقط الزند / لأبي العلاء المعري.

85 - =الشريف الرضي.

86 - =طرفة بن العبد.

87 - =الطرِّماح.

88 -= العباس بن الأحنف.

ص: 226

89 - = عبيد ابن الأبرص.

90 -= العرجي.

91 -=عروة بن الورد.

92 - = علي بن الجهم.

93 -=عمر بن أبي ربيعة.

94 -=عنترة بن شداد.

95 -= الفرزدق.

96 - = قيس بن الحطيم.

97 -= كعب بن زهير.

98 - ديوان لبيد.

99 - = مجنون لیلی.

100 - = محمد بن هاني.

101 -= مسلم بن الوليد.

102 -= معن بن زائدة.

103 - = المفضليات.

104 -= النابغة الذبياني.

105 - = = الجعدي.

ص: 227

106 -= الهذليين.

-ر-

107 - الرسالة القشيرية / القشيري.

109 - رغبة الآمل / المرصفي.

110 - الرياض النضرة.

-ز-

111 - زهر الآداب.

- س -

112 - سرح العيون.

113 - سلوان المطاع.

114 - سيرة ابن هشام.

- ش -

115 - شذرات الذهب / ابن العماد.

116 - شرح مختار بشار.

117 - = المعلَّقات السبع / التبريزي.

118 - = نهج البلاغة / ابن أبي الحديد.

ص: 228

119 - = = = / ميثم البحراني.

120 - شرح الهاشميات محمد محمد الرافعي.

121 - شعراء النصرانية.

122 - الشعر والشعراء.

123 - شواهد المغني للسيوطي.

- ص -

124 - الصحاح الجوهري.

125 - صحيح البخاري.

126 - = مسلم.

127 - صفة الصفوة / ابن الجوزي.

128 - الصناعتين / أبو هلال العسكري.

129 - الصواعق المحرقة / ابن حجر.

130 - صور البديع | علي الجندي.

- ط -

131 - طبقات الشعراء / ابن سلام الجمحي.

132 - الطبقات الكبرى / ابن سعد.

ص: 229

-ع-

133 - عبقرية الإمام علي / عباس محمود العقاد.

134 - العقد الفريد / ابن عبد ربه.

135 - علي بن أبي طالب سلطة الحق / عزيز السيد جاسم.

136 - علي صوت العدالة الإنسانية / جورج جرداغ.

137 - علي نبراس ومتراس / سلیمان کتَّاني.

138 - العمدة / ابن رشق.

139 - عمدة الطالب في نسب آل أبي طالب / ابن قتيبة.

140 - عيون الأخبار / ابن قتيبة.

-غ -

141 - غرر الحكمة ودُرر الكلمة / الآمدي.

- ك -

142 - الكامل في الأدب / المبرد.

143 - الكامل في التاريخ / ابن الأثير.

144 - کشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين / الشريف الرضي.

145 - كفاية الطالب.

146 كتابات الجرجاني.

ص: 230

147 - الكتابة والتعريض / الثعالبي

- ل -

148 - اللآلئ - البكري.

149 - لسان العرب / ابن منظور.

150 - لسان الميزان / العسقلاني.

-م-

151 - ما هو نهج البلاغة / هبة اللّه الشهرستاني الحسيني.

152 - مرآة الجنان / اليافعي.

153 - المثل السائر / ابن الأثير

154 - المجازات النبوية / الشريف الرضي.

155 - مجالس ثعلب.

156 - المحاسن والآداب / أبو جعفر البرقي.

157 - المحاسن والمساوئ / إبراهيم البيهقي.

158 - محاضرات الأُدباء.

160 - مختصر تاريخ البشر.

161 - مستدرك نهج البلاغة / هادي کاشف الغطاء.

162 - مروج الذهب / المسعودي.

ص: 231

163 - المستطرف في كلِّ فنٍّ مستظرف / الإبشيهي.

164 - المسند الإمام أحمد.

165 - مصادر نهج البلاغة / عبد اللّه نعمة.

166 - المصون في الأدب / أبو أحمد العسكري.

167 - معاهد التنصيص / الشريف الرضي.

168 - معجم الأُدباء / الحموي.

169 - معجم البلدان / الحموي.

170 - / مغني اللبيب / البغدادي.

171 - / مقام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب / نجم الدين العسكري.

172 - مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب / صالح القزويني.

173 - المقتضب / المبرد.

174 - المنتقى من تاريخ بغداد / الحداد الحنفي.

175 - المؤتلف والمختلف / الآمدي.

176 - مودَّة القربي / الهمداني.

177 - میزان الاعتدال في نقد الرجال / محمد الذهبي.

178 - المئة المختارة من كلامه (ر) / الجاحظ.

ص: 232

-ن-

179 - النثر الفني في القرن الرابع / زكي مبارك.

180 - النثر الفني وأثر الجاحظ فيه / عبد الحكيم بليغ.

181 - نقض العثمانية / أبو جعفر الإسكافي.

182 - النهاية / ابن كثير

183 - نهج البلاغة / د. صبحي الصالح.

184 - = = / عمر فروخ.

185 - = = / محمد عاشور وإبراهيم البنا

186 - = = / محمد عبدة.

187 - = = / محمد محيي الدين عبد الحميد.

- ف -

188 - فجر الإسلام / أحمد أمين.

189 - الفصول المهمة / ابن الصباغ المالكي.

190 - الفن ومذاهبه في النثر العربي / شوقي ضيف.

-و-

191 - وفيات الأعيان / ابن خلِّکان.

192 - وقعة صفين / نصر بن مزاحم.

ص: 233

-ي -

193 - ينابيع المودَّة / القندوزي الحنفي.

ص: 234

المحتويات

الضوء الأول: التمثيل...5

الضوء الثاني: التراث الشعبي...33

صيد الحيوان...35

التطيُّر والفأل...37

الضوء الثالث: متفرِّقات...81

الرياء...83

صلة الرحم...84

الاعتذار...85

المغالاة...86

بين معاوية وعمرو بن العاص...89

بين مصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان...90

إفشاءُ السر...91

الخمر، وعمر بن الخطاب...92

العقوبة...106

ص: 235

الوصف...107

القضاة...107

الصدقات...110

الفلسفة....111

الاستجارة...112

اسْتِقْراءُ المُسْتَقْبَل...123

الشيب والخضاب...125

الأجوبة المسكتة...130

المسك...132

عبد اللّه بن الزبير...136

ذم الحرب...151

الضوء الرابع: المختار من أقوال الإمام علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)...153

النصح والإرشاد...156

النقد والتعريض...159

العتاب والتقريع...163

الزهديات...167

البعثة النبوية...171

التحذير من الفتن...172

الوصف العجيب...182

الأحكام الشرعية...183

الوصايا والتعاليم...186

المصادر والمراجع...221

ص: 236

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.