أضواءٌ على نهج البلاغة المجلد 3

هویة الکتاب

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى 1436ه - 2015م

العراق : كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة

مؤسسة علوم نهج البلاغة

www.inahj.org

Email: inahj.org@gmail.com

موبايل : 16633 78150.

جمعية خيرية رقمية: مركز خدمة مدرسة إصفهان

محرّر: محمّد رادمرد

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَحِیم

أَضْوَاءٌ عَلَی نَهْجِ البَلَاغَةِ

الجُزءُ الثَالِثُ

بَحرُ العِلم و مَدارُ الحَق

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق

وزارة الثقافة العراقية لسنة 2015- 912

ص: 2

أضواءٌ عَلَى نَهجِ البَلاغِة

بشرح ابن أبي الحديد في استشهاداته الشعرية

الجُزءُ الثَالِثُ

تأليف: الدکتور علي الفتال

إصدار: مؤسسة علوم نهج البلاغة

العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى 1439 ه - 2015م

العراق :كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة

مؤسسة علوم نهج البلاغة

www.inahj.org

Email: inahj.org@gmail.com

موبايل : 16633 078150

ص: 4

الأغراض الشعرية وتشتمل على :

الفخر

الدنيا

الشكوى

الحكمة

الرثاء

الاعتقادات

التصوف

وصف الموتى والقبور

الصبر والزهد

النسیب

النصح والإرشاد

الحماسة

المدح

الهجاء

ص: 5

ص: 6

الفخر

ص: 7

ص: 8

من كلام لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب (علیه السلام)لأصحابه :

((أما أنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، مندحق البطن، يأكل ما يجد، ويطلب ما لايجد، فاقتلوه - ولن تقتلوه - ألا وإنه سيأمركم بسبي والبراءة مني؛ فأما السب فسبوني، فإنه لي زكاة ولكم نجاة، وأما البراءة فلا تتبرؤوا مني، فإني ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة)) (4/ 54).

فاستشهد ابن أبي الحديد بقول الإمام أمير المؤمنين بأبيات منها (4/ 122 ) :

محمدٌ النبي أخي وصهري*** وحمزة سيد الشهداء عمي

سبقتكم إلى الإسلام طراً*** غلاماً ما بلغت أوان حلمي

ولقوله (علیه السلام)بعد أنباء السقيفة:

- ما قالت الأنصار.

قالوا :

- قالت : منا أمير ومنكم أمير.

قال (علیه السلام):

فهلا احتججتم عليهم بأن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلَّم) وصّى بأن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم؟

ص: 9

قالوا :

وما في هذا من الحجة عليهم؟

فقال (علیه السلام):

لو كانت الإمامة فيهم لم تكن الوصية بهم.

ثم قال (علیه السلام): فماذا قالت قريش؟ قالوا :

- احتجت بأنها شجرة الرسول (صلّى اللّه عليه وآله وسلَّم).

فقال (علیه السلام):

- احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة.

لتلك الأقوال استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي القاسم المغربي وهو يتعصب للأنصار على قريش (6/ 15-16):

نحن الذين بنا استجار فلم يضع*** فينا، وأصبح من أعز جوار

بسيوفنا أمست سخينة بُرّكاً ***في بدرها كنحائر الجزار

ولنحن في أحدٍ سمحنا دونه*** بنفوسنا للموت خوف العار

فنجا بمهجته فلولا ذبّنا*** عنه تنشب في مخالب ضار

وحمية السعدين بل بحماية ال*** سدين يوم الجحفل الجرار

في الخندق المشهور إذ ألقى بها*** بيدٍ ، ورام دفاعها بثمار

ص: 10

قالا: معاذ اللّه إن هضيمة*** لم نعطها في سالف الأعصار

ماعندنا إلا السيوف وأقبلا*** نحو الحتوف بها بدار بدار

ولنا بيوم حنین آثار متى*** تذكر فهن كدائم الآثار

لما تصدع جمعه فغدا*** مستصرخاً بعقيرة وجوار

عطفت عليه كماتنا فتحصنت *** منا جموع هوازن بفرار

وفدته من أبناء قيلة عصبة *** بشرى النقير وجنة البقار

أفنحن أولى بالخلافة بعده *** أم عبد تیم حاملوا الأوزار

ما الأمر إلا أمرنا وبسعدنا *** زفت عروس الملك غير نوار

لكنها حسد النفوس وشحها *** وتذكر الأذحال والأوتار

أفضى إلى هرج ومرج فانبرت *** عشواء خابطة بغير نهار

وتداولتها أربع لولا أبو***حسن لقلت لؤمت من أستار

من عاجز ضرع ومن ذي غلظةٍ *** جاف ومن ذي لوثة خوَّار

ثم ارتدى المحروم فضل ردائه *** فعلت مراجل إحنة ونغفار

فتأكلت تلك الجذي، وتلمضت *** تلك الضبا، ورقا أجيج النار

تاللّه لو ألقوا إليه زمامها *** لمشی به سُجُماً بغير عثار

ولو أنها حلت بساحة مجده *** بادي بدا سكنت بدار قرار

هوكالنبي فضيلة لكنَّ ذا *** من حظه کاسٍ، وهذا عار

والفضل ليس بنافع أربابه *** إلا بمسعدة من الأقدار

ص: 11

ثم امتطاها عبد شمس فاغتدت *** هزؤاً، وبُدِّل ريحها بخسار

وتنقلت في عصبة أمويةٍ *** ليسوا بأطهار ولا أبرار

مابین مأنوفٍ إلى متزندقٍ *** ومداهن ومضاعفٍ وحمار

ولقوله (علیه السلام)((نحن شجرة النبوة، ومحط الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكمة، ناصِرُنا ومُحِبُّنا ينتظر الرحمة، وعَدُوِّنا ومُبْغِضُنا ينتظر السطو)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (7/ 218):

هل كان يعتقد البراق أبوكم *** أم كان جبريل عليه يُنَزَّل

أم هل يقول له الإله مشافهاً *** بالوحي : قم يا أيها المزّمل

وقول الآخر (7/ 219 ):

ويطرقه الوحي وهناً وأنتم *** ضجيعان بين يدي جبرئيلا

ولقوله (علیه السلام)في ذكر أصحاب الجمل ((فواللّه لو لم يصيبوا من المسلمين إلا رجلاً واحداً معتمدين قتله، بلا جرم جرّه، لحلَّ لي قتل ذلك الجيش كله)) (9/ 325 ) :

استشهد ابن أبي الحديد بقول ابن عباس في منافرته عبد اللّه بن الزبير (9/ 325) :

قد أنصف الفارة من رماها *** إنّا إذا مافئة نلقاها

نرد أولاها على أخراها

ص: 12

وقوله (9/ 325 ) :

تنافرني يا ابن الزبير وقد قضى *** عليك رسول اللّه لاقول هازلِ

ولو غيرنا يا ابن الزبير فخرته *** ولكنما ساعيت شمس الأصائلِ

ولقوله (علیه السلام)، من کتاب له إلى عبد اللّه ابن عباس وهو عامله على البصرة : ((واعلم أن البصرة مهبط إبليس، ومغرس الفتن، فحادث أهلها بالإحسان إليهم، واحلل عقدة الخوف عن قلوبهم.

وقد بلغني تنمرك لبني تميم، وغلظتك عليهم، وإن بني تميم لم يغب لهم نجم إلا طلع لهم آخر، وإنهم لم يُسبقوا بوغمٍ في جاهلية ولا إسلام، وإن لهم بنا رحماً ماسة، وقرابة خاصة، نحن مأجورون على صلتها، ومأزورون على قطيعتها)) (15/ 125).

استشهد ابن أبي الحديد بقول أوس بن مغراء مفاخراً بقومه کعب (15/ 127) :

کعبي من خير الكعاب كعباً *** من خيرها فوارساً وعقبا

تعدل جنباً وتميم جنبا

وقول الفرزدق (15/ 127) :

لو كنت تعلم ما برمل مُوَسِلٍ *** فاقرى عمان إلى ذوات حجور

لعلمت أن قبائلاً وقبائلاً *** من آل سعد لم تُدِنْ لأمير

وقوله (15/ 127) :

ص: 13

تبکِّي علي سعد وسعد مقيمة *** بِيَبْريق قد كادت على الناس تضعف

وبالرواية التي تقول ( 15/ 127) :

كان بنو سعد إذا اجتمع الناس أيام الحج بمنى لم يبرح أحد من الناس دیناً وسنّةً حتى يجوز القائم بذلك من آل كرِب بن صفوان، وقال أوس بن مغراء :

ولا يريمون في التعريف موقفهم *** حتى يقال: أجيزوا آل صفوانا

وقول الفرزدق (15/ 127) :

إذا ما التقينا بالمحصب من منى*** صبيحة يوم النحر من حيث عَرَّفوا

ترى الناس ما سرنا يسيرون حولنا*** وإن نحن أومأنا إلى الناس وقّفوا

وبالرواية التي تقول (15/ 128) :

إن المنذر بن ماء السماء قال يوماً، وعنده وفود العرب، ودعا ببردي أبيه محرّق بن المنذر، ليلبس هذين أعز العرب وأكرمهم حسباً، فأحجم الناس، فقال أحيمر بن خلف بن بهدلة بن کعب بن سعد بن زيد مناة بن تمیم:

- أنا لها.

قال الملك :

بماذا؟

- قال :

- بأن مضراً أكرم العرب وأعزها وأكثرها عديداً، وأن تمیماً کاهلها وأكثرها، وإن بيتها وعددها في بني بهدلة بن عوف، وهو جدي.

ص: 14

فقال :

هذا أنت في أصلك وعشيرتك، فكيف أنت في عترتك وأوايتك؟

قال :

- أنا أبو عشرة، وأخو عشرة، وعم عشرة .

فدفعها إليه، وإلى هذا أشار الزبرقان بن بدر في قوله :

وبردا ابن ماء المزن عمّي اكتساهما *** بفضل معدٍّ حيث عدت محاصله

وبما تفوخر بقوس حاجب بن زرارة المرهونة عند كسرى عن مضر كلها استشهد بقول الشاعر (15/ 128) :

وأقسم كسرى لا يصالح واحداً *** من الناس حتى يرهن القوس حاجب

ويقول الفرزدق في أبيه / غالب بن صعصعة/ الذي أقرى مئة ضيف واحتمل عدة ديات لقوم لا يعرفهم (15/ 129-130) :

فلله عينا من رأى مثل غالب*** قرى مئة ضيفاً ولم يتكلم

وإذ نبحت كلبٌ على الناس إنهم*** أحق بتاج الماجد المتكرِّم

فلم يجلوا عن أحسابهم غير غالب*** جرى بعنانيْ کل أبلج خِضرم

وقول لبيد في ردافة ملوك آل المنذر، وردافة الملك أن يثني به في الشرب، وإذا غاب الملك خلفه في مجلسه (15/ 130) :

وشهدت أنخبة الأكارم غالباً*** کعبي وأرداف الملوك شهود

وقول عمر بن الخطاب يفتخر بقتل عمرو بن الحضرمي في سرية نخلة إذ قتله

ص: 15

واقد بن ثعلبة بن یربوع، وهو أول قتيل من المشركين، قال (15/ 130) :

سقينا من ابن الحضرمي رماحنا*** بنخلة لما أوقد الحرب واقد

وظل ابن عبد اللّه عثمان بيننا*** ينازعه غُلٌ من القد عاند

وقول الفرزدق وقد غمّه من سمع من سليمان بن عبد الملك بن عِزّة، ولم يستطع له رداً حيث تفاخر بجدوده عند سلیمان فردّه الأخير فقال الفرزدق (15/ 131) :

أتيناك لا من حاجة عرضت لنا ***إليك ولا من قلة في مجاشع

وبما روي عن ذي الأعواز، إذ كان له خراج مصر كافة تؤدية إليه، فشاخ حتى كان يحمل على سرير يطاف به على مياه العرب، فيؤدى إليه الخراج، وقال حارثة بن بدر للأحنف بن قیس (15/ 134) :

سيكفيك عبس أخو کهمسٍ*** مقارعة الأزد في المربد

ويكفيك عمرو على رسلها *** لُكَيز بن أقصى وماعدّدوا

ويكفيك بكراً إذا أقبلت*** بضرب يشيب له الأمرد

وقول الفرزدق لجرير مفاخراً (15/ 136) :

ومنّا الذي أعطى يديه رهينةْ*** لفارَيْ معدٍّ يوم ضرب الجماجم

عشية سال المربدان كلاهما*** عجاجة موت بالسيوف الصوارم

هنالك لو تبغي كليباً وجدتها*** أذل من القردان تحت المناسم

وقول جرير (15/ 136) :

ص: 16

سائل ذوي يمنٍ ورهط محرِّقِ*** والأزد إذ ندبوا لنا مسعودا

فأتاهم سبعون ألف مدجّجٍ*** متسربلین بلاقعاً وحديدا

ولقوله (علیه السلام)من كتاب له إلى معاوية :

((... ألا تربع أيها الإنسان على ضلعك، وتعرف قصور ذرعك، وتتأخر حيث أخّرك القدر! فما عليك غلبة المغلوب، ولا ظفر الظافر؛ فإنك لذهّاب في التيه، روّاغ عن القصد)) (15/ 181) :

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر ( 15/ 201) :

إنما عبد مناف جوهر*** زيّن الجوهر عبد المطلب

وقول الحارث بن الحنش السلمي، وهو خال هاشم والمطلب وعبد شمس، في حديث الإيلاف (15/ 202) :

إن أخي هاشماً*** ليس أخا واحد

الآخذ الإيلاف وال*** قائم للقاعد

وبالرواية التي تقول (15/ 204) :

كان لبني هاشم الفضل في عقد حلف الفضول بين القبائل؛ فقد عقد في دار عبد اللّه بن جدعان ونهض به الزبير بن عبد المطلب ودعا إليه وحث عليه، وهو الذي سماه حلف الفضول، وذلك لما سمع الزبيدي المظلوم ثمن سلعته قد أوفي على أبي قبيس قبل طلوع الشمس رافعاً عقيرته وقريش في أنديتها قائلاً :

يا للرجال المظلوم بضاعته*** ببطن مكة ناعي الحي والنفر

ص: 17

إن الحرام لمن تمت حرامته*** ولا حرام لثَوْبيْ لابس القدر

حَميَ وحلف ليعقدنَّ حلفاً بينه وبين بطون قریش من أن قريش يمنعون القويَّ من ظلم الضعيف، والقاطن من عنف الغريب ثم قال :

حلفت لنعقدن حلفاً عليهم*** وإن كنا جميعاً أهل دار

نسميه الفضول إذا عقدنا *** يَعُزبه الغريب لدى الجوار

ويعلم من حوالي البيت إنا *** أباة الضيم نهجركل عار

وقول الزبير بن عبد المطلب (15/ 204-205) :

ولولا الحمس لم يلبس رجالٌ*** ثياب أعزة حتى يموتوا

ثيابهمُ شمال أو عباءُ*** بها دنس كما دنس الحميت

ولكنا خلقنا إذ خلقنا *** لنا الحبرات والمسك الفتيت

وكأسٌ لوتِبين لهم كلاماً *** لقالت إنمالهم سبيت

تبين لنا القذى إن كان فيها *** رضين الحلم يشربها هبيتُ

ويقطع نخوة المختال عنا *** رقيق الحدضربته صموتُ

بکفٌ مجرب لا عيب فيه *** إذا لقي الكريهة يستميتُ

وقوله أيضا (154/ 205):

وأسحم من راح العراق محلأٍ *** محيط على الجيشين جلد مرائره

صبحت به طلقاً براح إلى الندى*** إذا ما انتشى لم يختصره معاقره

ضعيف بجنب الكأس قبض بنانه*** کليل على جلد النديم أظافره

ص: 18

وبالرواية التي تقول (15/ 205) :

بنو هاشم هم الذين ردوا على الزبيدي ثمن بضاعته، وكانت عند العاص بن وائل، وأخذوا للبارقي ثمن سلعته من أُبيِّ بن خلف الجمحي، وفي ذلك يقول البارقي :

ويأبى لكم حلف الفضول ظلامتي*** بني جمحٍ والحق يؤخذ بالغصب

وهم الذين انتزعوا من نبيه بن الحجاج قتول الحسناء بنت التاجر الخثعمي وكان كابره عليها حين رأى جمالها، وفي ذلك يقول نبيه بن الحجاج :

وخشیت الفضول حين أتوني*** قد أراني ولا أخاف الفضولا

إنما والذي يحج له شمط *** إيادٍ وهللوا تهليلا

لبراء مني قتيلة ياللناس*** يتبعون إلا القتولا

وقوله فيها أيضاً :

لولا الفضول وإنه*** لا أمن من عُرَوائها

لدنوت من أبياتها *** ولَطُفْتُ حَوْلَ خِبائها

حي النخيلة إذ نأت*** مناعلی عدوائها

لا بالفراق تنيلنا *** شيئاً ولا بلقائها

حلت بمكة حلةً*** في مشيها ووطائها

وقول نفیل بن عدي لحرب بن أمية بفضل عبد المطلب عليه (15/ 207) :

أبو معاهد وأبوه عفٌّ*** وذاد الفيل عن بلد حرام

ص: 19

وقول عامر بن الطفيل يعني نفسه (15/ 244) :

لبئس الفتى إن كنت أعورَ عاقراً *** جباناً فما عذري لدى كل محضر؟

وقول الزبرقان (15/ 244) :

فاسأل بني سعد وغيرهم*** يوم الفخار فعندهم خُبري

أي امريءٍ أناحين يحضرني*** رِفد العطاء وطالب النصر

وإذا هلكت تركت وسطهم*** ولد الكرام ونابه الذكر

ولقوله ((علیه السلام))، من کتاب له إلى معاوية (16/ 132) :

((وأرديتَ جيلاً من الناس كثيراً؛ خدعتهم بغيك، وألقيتهم في موج بحرك، تغشاهم الظلمات، وتتلاطم بهم الشبهات)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول معاوية بن أبي سفيان وهو يناظر علياً (علیه السلام)لمفاخرة الأكفاء والنظراء (16/ 136) :

إذا عيّر الطائي بالبخل قادرٌ*** وقرّع قساً بالفهاهة باقلُ

وقال السها للشمس أنت خفية*** وقال الدجي: يا صبح لونك حائل

وفاخرت الأرض السماء سفاهةً*** وكاثرت الشهب الحصا والجنادل

فيا موت زر إن الحياة ذميمة*** ويا نفس جدي إن دهرك هازل

ولقوله (علیه السلام)((الشفيع جناح الطالب)) (18/ 204) :

استشهد ابن أبي الحديد بقول عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر بن عبد المطلب (18/ 207) :

ص: 20

لسنا وإن أحسابنا كملت*** يوماً على الأحساب نتكل

نبني كما كانت أوائلنا *** تبني ونفعل مثلما فعلوا

ولقوله (علیه السلام)وقد سئل عن قریش (وذكرناه في مواضع سالفة).

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي طالب بن عبد المطلب وهو يفخر بخاليه هشام والوليد، على أبي سفيان بن حرب (18/ 290) :

وخالي هشام بن المغيرة ثاقب*** إذا همَّ يوماً كالحسام المهند

وخالي الوليد العدل عال مكانه*** وخال أبي سفيان عمرو بن مرثد

وقول الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة (18/ 305) :

من كان يسأل عنا أين منزلنا *** فأقحوانة مِنَّا منزل قمِنُ

إن نلبس العيش غضاً لا يكدره*** قرب الوشاة ولا ينبو بنا الزمنُ

ولقوله (علیه السلام): ((كنا إذا احمرّ البأس اتقينا برسول اللّه فلم يكن أحد منا أقرب إلى العدو منه)) (19/ 116) :

استشهد ابن أبي الحديد بقول الإمام (علیه السلام)نفسه يوم خيبر(19/ 127) :

أنا الذي سمتني أمي حيدرة*** كليث غابات كريه المنظرة

أُفنيهم بالصاع كيل السندرة

ولقوله (علیه السلام): ((من أبطأ في عمله لم يسرع به نسبه)) (19/ 331) :

استشهد ابن أبي الحديد بقول ابن الرومي (19/ 332) :

ص: 21

وما الحسب الموروث لا در درُّه*** بمحتسب إلا بآخر مكتسب

إذا العود لم يثمر وإن كان شعبةً *** من الثمرات اعْتًدَّهُ الناس في الحطب

وقول آخر (19/ 332) :

وما فخري بمجد قام غيري*** إليه إذا رقدت الليل عنه

إلى حسب الفتى في نفسه انظر*** ولا تنظر – هديت- إلى ابن من هو

وقول آخر (19/ 332) :

يقنعني كوني بمن كوني ابنه*** أباً لي أن أرضى لفخري بمجده

إذا المرء لم يحو العلاء بنفسه*** فليس بحادٍ للعلاء بِجدّه

وهل يقطع السيف الحسام بأصله*** إذا هو لم يقطع بصارم حدِّه

ولقوله (علیه السلام): ((ضع فخرك، واحطط كبرك وإذکر قبرك)) (19/ 352) :

استشهد ابن أبي الحديد بقول أحد الأمويين (19/ 354) :

إذا تائه من عبد شمس رأيته*** يتيه فرشحه لكل عظيمِ

وإن تاه تياه سواه فإنه*** يتيه لحمق أو يتيه للومِ

وقول أحد الأمويين أيضاً (19/ 354) :

أسفاً بني مروان كيف تبدلت*** بنا الحال أو دارت علينا الدوائر

إذا ولد المولود منا تهللت*** له الأرض واهتزت إليه المنابر

وقول أحد التياهين (19/ 354) :

ص: 22

أتيه على إنس البلاد وجنّها *** ولو لم أجد خلقاً أتيه على نفسي

أتيه فلا أدري من التيه من أنا *** سوى ما يقول الناس فيَّ و فی جنسي

فإن زعموا أني من الإنس مثلهم*** فما لي عيب غير أني من الإنس

وقول أحد العلويين (19/ 355) :

لقد نازعتنا من قريش عصابة*** بحط خدود وامتداد أصابع

فلما تنازعنا الفخار قضى لنا ***عليهم بما نهوى نداء الصوامع

ترانا سكوتاً والشهيد بفضلنا *** عليهم أذان الناس في كل جامع

بأن رسول اللّه لا شك جدُّنا *** وأن بنيه كالنجوم الطوالع

ولقول الرسول (صلّى اللّه عليه وآله وسلَّم) في رواية تقول :

((أنه (صلّى اللّه عليه وآله وسلَّم) قدم من سفر فأراد الرجال أن يطرقوا النساء ليلاً، فقال (( امهلوا حتى تمتشط الشعثة، وتستحد الغيبة، فإذا قدمتم الكيس الكيس)).

فاستشهد ابن أبي الحديد بقول نهشل بن مرَّي (15/ 244-245) :

على بنيِّ يشد اللّه عظمهم*** والنبع ينبت قضباناً فيكتهل

ويقول الفرزدق، إذ مكث زماناً لا يولد فعيرته زوجته (15/ 245) :

(و) قالت أراه واحداً لا أخاً له*** يؤمله في الوارثين الأباعد

لعلك يوماً إن تريني كأنما *** بنيَّ حوالیْ كالليوث الحوارد

فإن تميماً قبل أن يلد الحصى*** أقام زماناً وهو في الناس واحد

ص: 23

وقول آخر وقد مات إخوته، وملأ حوضه ليسقي، فجاءه رجل صاحب عشيرة وعترة، فأخذ بضبعه فنحاه، ثم قال لراعيه : اسقِ إبلك (15/ 245) :

لوكان حوض حمارما شربت به*** إلا بإذن حمار آخر البلد

لكنه حوض من أودي بأخوته*** ريب المنون فأمسى بيضة البلد

لوكان يشكى إلى الأموات ما لقيَ ***الأحياء بعدهمُ من قلة العدد

ثم اشتكيت لاشكاني وأنجدني*** قبر بسنجار أو قبر على فحد

وقول الأعشى وهو يذكر الكثرة (15/ 245)

ولست بالأكثر منهم حصىً*** وإنما العزة للكاثر

ص: 24

الدنيا

ص: 25

ص: 26

من خطبة له (علیه السلام): ((ألا وإن الدنيا تصرمت وآذنت بانقضاء، وتنكر معروفها، وأدبرت حذَّاء فهي تحفز بالفناء سكانها، فلم يبق منها إلا سحلة كسحلة الأدوات، أو جرعة كجرعة المقلة، أو تمززها الصديان لم ينقع)) (3/ 332) :

استشهد ابن أبي الحديد بقول ابي الفرج الساوي (3/ 335) :

هي الدنيا تقول بملء فيها *** حذار حذار من بطشي وفتكي

فلا يغرركمُ حسن ابتسامي*** فقولي مضحك والفعل مبكي

وقول آخر ( 3/ 335) :

تنحَّ عن الدنيا ولا تطلبنَّها *** ولا تخطبن قتالةً من تُناکِحُ

فليس يفي مرجوها بمحوقها *** ومكروهها أما تأملت راجح

لقد قال فيها القائلون فأكثروا *** وعندي لها وصف لعمرك صالح

سلافٌ قصاراها زعاف ومركب*** شهيٌّ إذا استلذذته فهوجامح

وشخص جميل يعجب الناس حسنه *** ولكن له أفعال سوءٍ قبائح

ص: 27

وقول أبي الطيب (3/ 336) :

أبدً تسترد ما تهب الدنيا *** فياليت جودهاكان بخلا

وهي معشوقة على الغدر لا *** تحفظ عهداً ولا تتمم وصلا

كل دمع يسيل منها عليها *** وبفك اليدين عنها تخلّى

شيم الغانيات فيها ولا أدر*** ي لذا أنث الناس اسمها أم لا؟

وقوله (3/ 339 ) :

تعدُّ المشرفية والعوالي*** وتقتلنا المنون بلا قتالِ

ونرتبط السوابق مضرباتٍ*** وما ينجين من خبب الليالي

ومن لم يعشق الدنيا قديماً *** ولكن لا سبيل إلى الوصال

نصيبك في حياتك من حبيب*** نصيبك في منامك من خيال

رماني الدهر بالأرزاء حتى*** فؤادي في غشاء من نبال

فصرت إذا أصابتني سهام*** تكسرت النصال على النصال

وهان فما أبالي بالرزايا..*** لأني ما انتفعت بأن أبالي

یُدفِّن بعضنا بعضاً ويمشي*** أواخرنا على هام الأوالي

وكم عين مقبلة النواصي***كحيل في الجنادل والرمال

ومغضٍ كان لا يغضي لخطبٍ*** وبالٌ كان يفكر في الهزال

وقوله (3/ 342) :

فمالي وللدنيا طلابي نجومها *** ومسعاي منها في شدوم الأراقم

ص: 28

وقوله (3/ 345) :

إنّا لفي زمن ترك القبيح به*** من أكبر الناس إحسان وإجمال

ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته*** ما قاته، وفضول العيش إشغال

وقول آخر (3/ 336 ) :

إنما الدنيا عوارٍ*** والعواري مستردة

شِدَّةٌ بعد رجاءٍ*** ورخاء بعد شدّة

وقول محمد بن هانيء المغربي (3/ 336 ) :

وما الناس إلا ضاعن فمودٌّع*** وثاوٍ قريح الجفن يبكي لراحل

فما الدهر إلا كالزمان الذي مضى*** ولا نحن إلا كالقرون الأوائل

نساق إلى الدنيا إلى غير دائمٍ ونبكي على الدنيا على غير طائل

فما عاجل نرجوه إلا كآجل ا ولا آجل نخشاه إلا كعاجل

وقول ابن المظفر المغربي (3/ 336-337 ) :

دنیاک دار غرورٍ*** ونعمة مستعارة

ودار أكلٍ وشربٍ*** ومکسبٍ وتجارة

ورأس مالك نفس*** فخف عليها الخسارة

ولا تبعها بأكلٍ*** وطيب عرف وشارة

فإن ملك سليما *** ن لا يفي بشرارة

وقول أبي العتاهية (3/ 337 ) :

ص: 29

ألا إنما التقوى هي البر والكرم*** وحبك للدنيا هو الفقر والعدم

وليس على عبدٍ تقيٍّ غضاضةٌ *** إذا صحح التقوى وإن حاك أو حجم

وقوله أيضاً (3/ 337 ) :

تعلقت بآمالٍ*** طوال أيِّ آمال

وأقبلت على الدنيا *** مُلِحَّا أيِّ إقبال

أياهذا تجهز لفرا *** ق الأهل والمال

فلابد من الموت*** على حال من الحال

وقوله أيضاً (3/ 337 ) :

سكن يبقى له سكن*** ما بهذا يؤذن الزمن

نحن في دار يخبرنا ***ببلاهاناطق لَسِنُ

دار سوء لم يدم فرح*** لامريءٍ فيها ولا حُزُنُ

فی سبيل اللّه أنفسنا *** كلنا بالموت مرتهن

كل نفس عند موتتها *** حظها من مالها الكفن

إن مال المرء ليس له*** منه إلا ذكره الحسنُ

وقوله أيضاً (3/ 338 ) :

ألا إننا كلنا بائد*** وأيّ بني آدم خالد

وبدؤهمُ كان من ربهم*** وكل إلى ربه عائد

فوا عجباً كيف يعصى الإله*** أم كيف يجحده الجاحد

ص: 30

وفي كل شيء له آية*** تدل على أنه الواحد

وقوله في أرجوزته المشهورة في ذم الدنيا (3/ 340-341) :

ما زالت الدنيا لنادار أذى*** ممزوجة الصفو بألوان القذى

الخير والشر بها أزواج*** لذا نتاج ولذا نتاج

من لك بالمحض وليس محض*** يخبث بعض ويطيب بعض

لكل إنسان طبیعتان*** خیر وشرٌّ وهما ضدان

والخير والشر إذا ما عُدّا *** بينهما بون بعيدجدّا

إنك لو تستنشق الشحيحا *** وجدته أنتن شيء ریحا

حسبك مما تبتغيه القوتُ*** ما أكثر القوت لمن يموتُ

الفقر فيماجاوز الكفافا *** من اتقى اللّه رجا وخافا

هي المقادير فلمني أو فذر*** إن كنت أخطأت فما أخطا القدر

لكل مايؤذي وإن قل ألم*** ما أطول الليل على من لا ينم

انتفع المرء بمثل عقله*** وخیر ذخر المرء حسن فعله

إن الفساد ضده الصلاح*** ورب جدٍّ جرّه المزاح

من جعل النمام عيناً هلكا *** مبلغك الشر كباغيه لكا

إن الشباب والفراغ والجدة*** مفسدة للمرء أي مفسدة

يفتيك عن كل قبيح تركه*** قد يوهن الرأي الأصيل شکه

ماعيش عن آفته بقاه*** نقص عيشاً هانئاً فناه

ص: 31

يا رُبَّ من أسخطنا بجهده*** قد سرنا اللّه بغیر حمده

ما تطلع الشمس ولا تغيب*** إلا لأمرٍشأنه عجيب

لكل شيء قدر وجوهر*** وأوسط وأصفر وأكبر

وكل شيء لاحق بجوهره*** أصغره متصل بأكبره

من لك بالمحض وكل ممتزج*** وساوسٍ في الصدر منك تعتلج

عجبت واستغرقني السكوتُ*** حتى كأني حائر مبهوتُ

وقوله أيضاً (3/ 341 ) :

کل لدنياه له حرصُ*** والحادثات لنا بها قرصُ

وكأن من واروه في جَدَثٍ*** لم يبدُ منه لناظرٍ شخصُ

يهوى من الدنيا زيادتها *** وزيادة الدنيا هي النقصُ

لِيَدِ المنية في تلطفها *** عن ذخركل نفيسة فحصُ

وقوله أيضاً (3/ 341 ) :

أبلغ الدهر في مواعظه بل*** زاد فيهن لي من الإبلاغ

أي عيش يكون أطيب من عي*** شٍ كفاف قوتٍ بقدر البلاغ

غصبتني الأيام أهلي ومالي*** وشبابي وصحتي وفراغي

صاحب البغي ليس يسلم منه*** وعلى نفسه بنی کل باغِ

رب ذي نعمة تعرص منها *** حائل بينها وبين المساغ

وقوله أيضاً (3/ 347 ) :

ص: 32

لتجذبني يد الدنيا بقوتها *** إلى المنايا، وإن نازعتها رسني

للّه دنيا أناسٍ دائبين لها *** وحتفها لو درت في ذلك السجن

وقوله أيضاً (3/ 347-348) :

أنساك محياك المماتا *** فطلبت من الدنيا الثباتا

ووثقت بالدنيا وأنت*** ترى جماعتها شتاتا

وعزمت ويك على الحيا *** ة وطولها عزماً بتاتا

يامن رأى أبويه فيمن*** قد رأي- كانا فماتا

هل فيهما لك عبرة*** أم خلت أن لك انفلاتا

ومن الذي طلب التفلت*** من منیتة ففاتا

کل تصبحه المنية*** أو تبيته بياتا

وقوله أيضاً (3/ 348 ) :

أرى الدنيا لمن هي في يديه*** کِذاباً ، كلما كثرت لديه

تھین المكرمين لها بصغر*** وتكرم كل من هانت عليه

إذا استغنيت عن شيءٍ فدعه*** وخذ ما أنت محتاج إليه

وقوله (3/ 348 ) :

ألم تر ريب الدهر في كل ساعة*** له عارض فيه المنية تلمع

أيا باني الدنيا لغيرك تبتني*** وياجامع الدنيا لغيرك تجمع

أرى المرء وثاباً على كل فرصةٍ*** وللمرء يوماً لا محالة مصرع

ص: 33

ينازل مالا يملك الملك غيره*** متى تنقضي حاجات من ليس يشبع

وأي امريءٍ في غاية ليس نفسه *** إلى غاية أخرى سواها تَطَلَّعُ

وقوله (3/ 348-349) :

سل الأيام عن أمم تقضّت*** ستخبرك المعالم والرسومُ

تروم الخلد في دار التفاني*** وكم قد رام قبلك ماترومُ

لأمرٍ ما تصرمت الليالي*** وأمرٍ ماتقلبت النجومُ

تنام ولم تنم عنك المنايا *** تنبه للمنية يانؤومُ

إلى ديان يوم الدين تمضي*** وعند اللّه تجتمع الخصومُ

وقول الرضي الموسوي (3/ 338 ):

يا آمن الأيام بادر صرفها *** واعلم بأن الطالبين حثاث

خذ من تراثك ما استطعت فإنما *** شركاؤك الأيام والورّاث

لم يقضِ حق المال إلا معشر*** نظر الزمان يعيث فيه فعاثوا

تحثي على عيب الفتيِّ يد الفتى*** والفقر عن عيب الفتى بحَّاث

المال مال المرء ما بلغت به*** الشهوات أو دفعت به الأحداث

ما كان منه فاضلاً عن قوته*** فليعلمنَّ بأنه میراث

مالي إلى الدنيا الدنية حاجة*** فليجنِ ساحر کيدها النفّاث

طلقتها ألفاً لأحسم داءها *** وطلاق من عزم الطلاق ثلاث

وثباتها مرهوبة دعواتها *** مكذوبة ، وحبالها أنكاث

ص: 34

أمُّ المصائب لا تزال تروعنا *** و منها ذكور حوادث وإناث

إني لأعجب للذين تمسكوا*** بحبائل الدنيا وهن رثاث

كنزوا الكنوز وأعقلوا شهواتهم*** فالأرض تشبع والبطون غراث

أتراهموا لم يعلموا أن التقی-*** أزوادنا وديارنا الأجداث

وقوله (3/ 345-346) :

تأبى الليالي أن تديما *** بؤساً لخلق أو نعيما

والمرء بالإقبال يب*** لغ وادعاًخطراً جسيما

فإذا انقضى إقباله*** رجع الشفيع له خصيما

وهو الزمان إذ نبا*** سلب الذي أعطى قديما

کالريح ترجع عاصفا *** من بعد ما بدأت نسيما

وقول آخر (3/ 339 ) :

هذه الدنيا إذا صرفت وجهها لم تنفع الحَيلَ

وإذا ما أقبلت لعمٍ*** بصّرته كيف يفتعل

وإذا ما أدبرت لذكيِّ*** غاب عنه السهل والجبل

فهي كالدولاب دائرة*** ترتقي طوراً وتستقل

في زمان صار ثعلبه*** أسداً واستأسد الحمل

فالذنابي فيه ناصية *** والنواصي خُشّع ذلل

فاصبري يانفس واحتملي*** إن نفس الحر تحتمل

ص: 35

وقول ابن المعتز (3/ 342 ) :

حمداً لربي وذماً للزمان فما *** أقلَّ في هذه الدنيا مسراتي

كفّت يدي أملي عن کل مطّلب*** وأغلقت بابها من دون حاجاتي

وقوله (3/ 342 ) :

ألم تر أن الدهر يهدم ما بني*** ويسلب ما أعطى ويفسد ما أسدا

فمن سَرّه أن لا يرى ما يسوؤه*** فلا يتخذ شيئاً يخاف له فقداً

وقول البحتري (3/ 343-344) :

كأن الليالي أغربت حادثاتها *** بحب الذي تأبى وبغض الذي تهوى

وقول أبي بكر الخوارزمي (3/ 343-344) :

ما أثقل الدهر على من ركبه*** حدثني عنه لسان التجربة

لا تشكر الدهر لخير سبّبه*** فإنه لم يتعمد بالهبة

وإنما أخطأ فيك مذهبه*** كالسيل قد يسقي مكاناً أخربه

والسم يستشفي به من شربه

وقول آخر (3/ 344 ) :

يسعى الفتى في صلاح العيش مجتهداً *** والدهر ماعاش في إفساده داعي

وقول آخر (3/ 344 ) :

يقرُّ الفتي مَرُّ الليالي سليمةً *** وهن به عما قليل عواثر

وقول آخر (3/ 344 ) :

ص: 36

إذا ما الدهر جرَّ على أناسٍ*** كلاكله أناخ بآخرينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا *** سيلقى الشامتون کما لقينا

وقول آخر (3/ 344 ) :

قل لمن أنکرحالاً منکره*** ورأى من دهرما حيّره

ليس بالمنكر ما أنكرته*** كل من عاش رأى ما لم يره

وقول ابن الرومي (3/ 344-345) :

سكن الزمان وتمت سكنته*** دفع من الحركات والبطشِ

کالأفعوان تراه منبطحاً *** بالأرضِ ثم يثور للنهشِ

وقول آخر (3/ 345 ) :

جار الزمان علينا في تصرفه*** وأي حر عليه الدهر لم يجر

عندي من الدهر مالو أن آيسره*** يكفي عن الفلك الدوار لم يدرِ

وقول آخر (3/ 345 ) :

هذا الزمان الذي كنا نحاذره*** فيما يحدث كعب وابن مسعود

إن دام هذا ولم تعقب له غِيَرّ*** لم يبكِ ميت ولم يفرح بمولود

وقول آخر (3/ 345 ) :

يا زماناً ألبس الأحرار*** ذلاً ومهانة

لست عندي بزمانٍ*** إنما أنت زمانة

أجنون ما نراه*** منك يبو أم مجانة؟

ص: 37

وقول أبي عثمان الخاري (3/ 346 ) :

ألفت من حادثات الدهر أكبرها *** فما أعادي على أحداثها الصُغُرِ

تزيد في قسوة الأيام طيب ثنا *** كأنني المسك بين الفهر والحجر

وقول السري الرفاء (346) :

تذكر هذا الدهر فيما يرومه*** على أنه فيما نحاذره ندب

فسير الذي نرجوه سير مقيَّدٌ ***وسير الذي نخشى غوائله وثب

وقول ابن الرومي (3/ 346) :

ألا إن في الدنيا عجائب جمة *** وأعجبها ألا يشيب وليدها

إذا ذل في الدنيا الأعزاء واكتست*** أذلتهاعزاً وساد مسودها

هناك فلاجادت سماء بصوبها *** ولا أمرعت أرض ولا اخضر عودها

أرى الناس مخسوفاً بهم غير أنهم*** على الأرض لم يقلب عليهم صعيدها

وما الخسف أن يلقى أسافل بلدةٍ*** أعاليها، بل أن يسود عبيدها

وقول السري الرفاء (3/ 346 ) :

لنا من الدهر خصم لا نطالبه*** فما على الدهر لوكفت نوائبه

يرتد عنه جريحاً من يسالمه*** فكيف يسلم منه من يحاربه

ولو أمنت الذي تجني أراقمه*** علي َّهان الذي تجني عقاربه

وقول أبي فراس بن حمدان (3/ 347 ) :

تصفحت أحوال الزمان ولم يكن*** إلى غير شاك للزمان وصول

ص: 38

أكل خليل هكذا غير منصفٍ*** وكل زمان بالكرام بخيل

وقول ابن الرومي (3/ 347 ) :

رأيت الدهر يرفع كل وغدٍ*** ويخفض كل ذي شيم شريفة

كمثل البحريغرق فيه حيٌّ *** ولا ينفك تطفوفيه جيفة

أو الميزان يخقض كل وافٍ*** ويرفع كل ذي زنة خفيفة

وقول ابن نباتة (3/ 347 ) :

وأصغر عيب في زمانك أنه*** به العلم جهل، والعفاف فسوق

وكيف يسر الحرفيه بمطلب*** ومافيه شيءٌ بالسرور حقيق

ولقوله (علیه السلام)في ذكر المكاييل والموازين : ((عباد اللّه إنكم وما تأملون من هذه الدنيا أثرياء مؤجلون، ومدينون مقتضون، أجل منقوص، وعمل محفوظ، فرب دائب مطيّع، ورب كادح خاسر؛ وقد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه، إلا إدباراً، والشر إلا إقبالاً، والشيطان في هلاك الناس إلا طمعاً، فهذا أوان قویت عدته، وعمّت مکیدنه، وأمكنت فريسته) (8/ 244) :

استشهد ابن أبي الحديد بقول بشر الحافي (8/ 247 ):

قرير العين لا ولد يموت*** ولا حذر يبادر مايفوت

رضي البال ليس له عيال*** خلي من حربت ومن دهيت

قضى وطر الصبا وأفاد علماً *** فعاتبه التفرد والسكوت

وأكبر همّه مما عليه*** تذابح من ترى خلق وقوت

ص: 39

وقول ابن المعتز (8/ 247 ) :

ملَّ معامي عُوَّدُه*** وخان دمعي مُسعدُه

وضاع من ليلي غده*** طوبى لعينٍ تجده

ملّت من الدهر يده*** يفنى ويبقى أبده

والموت صارٍ أسده*** وقاتل من يده

وقول آخر (8/ 248 ):

قصر الجديد إلى بلى*** والوصل في الدنيا انقطاعه

أي اجتماع لم يعد*** بتفرق منها اجتماعه

أم أي شعب ذي*** التئام لم يبدد انصداعه

أم أي منتفع بسيءٍ*** ثم تم له انتفاعه

يا بؤس للدهر الذي*** ما زال مختلفاً طباعه

قد قيل في مثل فلا:***(يكفيك من شرشجاعه)

ولقوله ((علیه السلام)): ((دار بالبلاء محفوفة، وبالغدر معروفة، لا تدوم أحوالها، ولا يسلم نزّالها، ... واعلموا عباد اللّه أنكم، وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى من قبلكم ... وكأن صرتم ما صاروا إليه، وارتهنکم ذلك المضجع، وضمكم ذلك المستودع ... فكيف بكم لو تناحت بكم الأمور، وبعثرت القبور)) (11/ 257):

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشريف الرضي رضي اللّه عنه (11/ 261-262) :

ص: 40

وهل نحن إلا مرامي السهام*** يحفزها نائل دائب

نسر إذ جازنا طائش*** ونجزع إن مسنا صائب

ففي يومناقدر لابدٌ *** وعند غدٍ قدر واثب

طرائد تطردها النائبات*** ولا بد أن يدرك الطالب

أرى المرء يفعل فعل الحديد*** وهوغداً حماً لازب

عواري من سلب الهالكين*** يمد يداً نحوها السالب

لنا بالروى موعد صادق*** ونيل المني موعد کاذب

حبائل للدهر مبثوثة*** يرد إلى ج ذبها الهارب

وكيف نجاوز غاياتنا ***وقد بلغ المورد القارب

نصبح بالكأس مجدوحةً *** و زعافاً، ولا يعلم الشارب

وقوله (11/ 262-263):

ما أقل اعتبارنا بالزمان*** وأشد اغترارنا بالأماني

وقفات على غرورٍ وإقدا*** م على مزلق من الحدثان

في حروب مع الردى فكأنا*** اليوم في هدنةً مع الأزمان

وكفانا م ذكراً بالمنايا *** علمنا أننا من الحيوبان

كل يوم رزية بفلان*** ووقوع من الردی بفلان

کم تراني أضل نفساً وألهو*** فكأني وثقت بالوجدان

قل لهذي الهوامل استوقفي السير*** أو استشري عن الأعطان

ص: 41

واستقيمي قد ضمك اللقم*** النهج، وغنى وراءك الحاديان

کم محيداً عن الطريق وقد ضرّح*** خلج البري وجذب العران

نتثنى جازعين من العدوة*** الدهر ونرتاع للمنايا الرواني

جفلته السرب في الظلام وقد*** زُعزع روعاً من عدوة الذوبان

ثم ننسى جرح الحمام وإن كان*** غيباً يا قرب ذا النسيان

كل يوم تزايل من خليطٍ*** بالردي، أو تباعد من دان

وسواء مضي بنا القدر الجد*** عجولاً، ما مامطل العصران

قد مررنا على الديار خشوعاً *** ورأينا البنا، فأين الباني

وجهلنا الرسوم ثم علمنا *** فذكرنا الأوطار بالأوطان

إلتفاتاً إلى القرون الخوالي*** هل ترى اليوم غير قرٍن فان

أين رب السدير فالحيرة*** البيضاء، أم أين صاحب الإيوان

والسيوف الحداد من آل بدر*** والقنا الصّم من بني الريان

طردتهم وقائع الدهر عن*** لعلع طرد السفاف عن نجران

والمواضي من آل جفنة أرسى*** طنباً ملكهم على الجولان

يكرعون العقار من فلق الإبريز*** کرع الظماء في الغدران

من أُباة اللعن الذين يُحنّون*** بها في معاقد التيجان

تتراءاهم الوفود بعيداً *** ضاربين الصدور بالأذقان

في رياض من السماح خوالٍ*** وجبالٍ من الحلوم رزان

ص: 42

وهم الماء لذ للناهل الظمآن*** برداً والنار للحيران

ظلّ مستيقظ الجنان إذا أظلم*** ليل النوّامة المبطان

يغتدي في السباب غير شجاع*** ويُرى في النزال غير جبان

ماثنت عنهم المنون يداً *** شوكاء أطرافها من المرّان

عطف الدهر فرعهم فرآه*** بُعد بعدِ الذرا قریب المجاني

وثنتهم بعد الجماع المنايا *** في عنان التسليم والإذعان

عطلت منهم المقاري وباخت*** في حماهم مواقد النيران

ليس يبقى على الزمان جريء*** في إباءٍ، أو عاجزٍ في هوان

لاشبوب من الصواري ولا أعنق*** يرعى منابت العلاجان

لا ولا خاضب من الربد يختال*** بربطٍ أحمَّ غیر یمان

يرتمي وجهه الرئال إذا آ *** فن لون الأظلام والأدجان

وعُقاب الملاع تلحم مزجتها *** بازليقة زلول القِنان

نائلاً في مطامح الجو هاتيك*** وذا في مهابط الغيطان

وقوله ( 11/ 265-266):

أومَا رأيت وقائع الدهر*** أفلا تسيء الظن بالعمر؟

بينا الفتی كالطود تكنفه*** هضباته، والعضب ذي الأثر

يأبى الدنية في عشيرته*** ويجاذب الأيدي على الفخر

وإذا أشار إلى قبائله*** حشدت عليه بأوجهٍ غٌرّ

ص: 43

يترادفون على الرماح فهم*** سیل یعب وعارض يسري

إن نهنهوا زادوا مقاربة*** فكأنما يدعون بالزجر

عدد النجوم إذا دعي بهم*** يتزاحمون تزاحم الشعر

عقدوا على الجلي مآزرهم*** سبطي الأنامل طيبي النشر

زال الزمان بوطء أخمصه ***ومواطيء الأقدام للعثر

نزع الإباء وكان شملته*** وأقرّ إقراراً على صُغر

صدع الردى أعيا تلاحمه*** من ألحم الصدفين بالقطر

جرّ الجياد على الوجى ومضى*** اُمماً يدق السهل بالوعر

حتى التقى بالشمس مغمدة *** في قعر منقطع من البحر

ثم انشت کف المنون به*** كالضِّغث بين الناب والظفر

لم تشتجر عنه الرماح ولا *** رد القضاء بماله الدثر

جمع الجنود وراءه فكأنما *** لاقته وهو مضيع الظهر

ويرى المعابل للعدى فكأنما *** لحمامه كان الذي يبري

إن التوقي فرط معجزة *** فدع القضاء يُعدُّ أو يکري

وحمى المطاعم للبقاء وذي*** الآجال ملء فروجها تجري

لوكان حفظ النفس ينفعنا *** كان الطبيب أحقٌ بالعمر

الموت داء دواء له*** سيان مايأتي وما يُمري

ولقوله (علیه السلام)، من کتاب له إلى عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنه :

((أما بعد، إن المرء تَسرُّه درك مالم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت ما لم يكن

ص: 44

لیدرکه، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك وليكن أسفك على ما فاتك منها، ومانلت من دنياك فلا تكثر به فرحاً، وما فاتك منها فلا تأس عليه جزعاً، وليكن همك فيها بعد الموت)). إستشهد بقول الشاعر (15/ 140-142) :

دار الفجائع والهموم ودار *** البث والأحزان والبلوى

مر المذاقة غب ما احتلبت *** منها يداك وبَيّة المرعى

بينا الفتى منها بمنزلةٍ *** إذ صار تحت ترابها ملقى

تقفوا مساويها محاسنها *** لاشيء بين النعي والبشرى

ولقلّ يوم ذرَّ شارقه *** إلا سمعت بها لك ينعى

لا تعتبنّ على الزمان لما *** يأتي به فلقلما يرضى

للمرء رزق لايفوت ولو*** جهد الخلائق دون أن يفنی

ياعامر الدنيا المعدَّ لها*** ماذا عملت لدارك الأخرى

وممهد الفرش الوطيئة لا*** تغفل فراش الرقدة الكبرى

لوقد دعيت لقد أجبت لما*** تدعى له فانظر متى تدعى

أتراك تحصي کم رأيت من ال*** أحياء ثم رأيتهم موتى

من أصبحت دنياه همته*** فمتى ينال الغاية القصوى

سبحان من لاشيء يعدله*** كم من بصير قلبه أعمى

والموت لا يخفى على احدٍ*** ممن أرى وكأنه يخفی

والليل يذهب والنهار بأح*** بابي وليس عليهما عدوى

ص: 45

ولقوله (علیه السلام): ((من جرى في عنان أمله عثر بأجله)).

استشهد إبن أبي الحديد بقول الشاعر (18/ 127 ):

أراك تزيدك الأيام حرصاً***على الدنيا كأنك لا تموت

فهل لك غاية إن صرت يوماً*** إليها قلت حسبي قد رضيت

ولقوله (علیه السلام): ((الدهر يخلق الأبدان، ويجدد الآمال، ويقرب المنية ويباعد الأمنية، من ظفر به نَصَب، ومن فاته تَعِب)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (18/ 218 ):

كأنك لم تسمع بأخبار من مضى*** ولم ترَ بالباقين ماصنع الدهر

فإن كنت لا تدري فتلك ديارهم*** عفاها مجال الريح بعدك والقطر

وهل أبصرت عيناك حياً بمنزل*** على الدهر إلا بالعراء له قبر فل

ا تحسبن الوفر مالاً جمعته*** ولكن ماقدمت من صالح وفر

مضى جامعوا الأموال لم يتزودوا*** سوى الفقريا بؤس لمن زاده الفقر

فحتى مَ لاتصحو وقد قرب المدى*** وحتى مَ لا ينجاب عن قلبك السكر

بلى سوف تصحو حين ينكشف الغطا*** وتذكر قولي حين لا ينفع الذكر

ومابين ميلاد الفتى ووفاته*** إذا انتصح الأقوام أنفسهم عمر

لأن الذي يأتيه شبه الذي مضى*** وماهو إلا وقتك الضيق النزر

فصبراً على الأيام حتى نجوزها*** و فعما قليل بعدها يحمد الصبر

ولقوله (علیه السلام): ((معاشر الناس، إتقوا اللّه ؛ فكم من مؤمل ما لا

ص: 46

يبلغه، وبانٍ ما لا يسكنه، وجامع ما سوف يتركه، ولعله من باطل جمعه، ومن حق منعه؛ أصابه حراماً، واحتمل به آثاماً ، فباء بوزره، وقدم على ربه، أسفاً لاهفاً)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (19/ 259 ):

ألم ترَ حوشباً بالأمس يبني*** بناءً نفعه لبني نُفيلة

يؤمل ما يعمر عمرنوحٍ*** وأمر اللّه يطرق كل ليلة

وقول الشاعر (19/ 259 ):

وذي إبل يسعى ويحسبها له*** أخو تعب في عيها ودؤوب

غدت وغدا رب سواه يسوقها*** وبُدِّل أحجاراً وجال قليب

ولقوله (علیه السلام): ((أيها الناس متاع الدنيا حطام موبيء، فتجنبوا مرعاةً قُلعتُها أحظى من طمأنينتها، وبلغتها أزکی من ثروتها، حكم على مكثريها بالفاقة، وأغنى من غنى عنها بالراحة)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (19/ 285-289 ):

ومن يحمد الدنيا لعيش يسره*** فسوف لعمري عن قليل يلومها

إذا أدبرت كانت على المرء حسرة*** وإن أقبلت كانت كثيراً همومها

وقول لبيد (19/ 290 ):

وما المال والأهلون إلا وديعة*** ولابد يوماً أن ترد الودائع

وقول إبراهيم بن أدهم (19/ 290 ):

ص: 47

نرقّع دنيانا بتمزيق ديننا*** فلا ديننا يبقى ولا ما نرقّع

وقول الشاعر (19/ 291 ):

أرى طالب الدنيا وإن طال عمره*** ونال من الدنيا سروراً وأنعما

کبانٍ بني بنيانه فأقامه*** فلما استوى ماقد بناه تهدما

وقول أبي العتاهية (19/ 291 ) :

تعالى اللّه ياسلم بن عمرو*** أذل الحرص أعناق الرجال

هب الدنيا تساق إليك عفواً*** أليس مصير ذاك إلى الزوال

وما دنياك إلا مثل فيءٍ*** أظلك ثم آذن بانتقال

وقول الشاعر ( 19/ 292):

يا خاطب الدنيا إلى نفسها*** تنحَّ عن خطبتها يسلمِ

إن التي تخطب غدّارة*** قريبة العرس من المأتم

ولقوله (علیه السلام): ((البخل جامع لمساويء العيوب، وهو زمام يقاد به إلى كل سوء)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي نواس (19/ 316-318) :

فتى يشتري حسن الثناء بماله*** ويعلم أن الدائرات ت دور

وقول ابن الرومي (19/ 318 ) :

وتاجر البر لا يزل به*** ربحان في كل متجرٍ تجره

أجرٌ وحمدٌ وإنما طلبٌ*** الأجر ولكن كلاهما اعتوره

ص: 48

ولقوله (علیه السلام): ((ما لابن آدم والفخر، أوله نطفة، وآخره جيفة لا يرزق نفسه، ولا يدفع حتفه).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (20/ 115 ) :

إنما الدنيا كرؤيا فرّحت*** من رآها ساعة ثم انقضت

ولقوله (علیه السلام): ((أيها المخلوق السوي، والمُنشأ المرعي؛ في ظلمات الأرحام، ومضاعفات الأستار، بُدئتَ من سلالة من طين، ووضِعتَ في قرار مكين، إلى قدر معلوم، وأجل مقسوم، ... ثم أخرجتَ في مقركَ إلى دار لم تشهدها؛ ولم تعرف سبل منافعها)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول ابن الرومي في صفة خطوب الدنيا وصروفها (9/ 257-259) :

لما تؤذن الدنيا به من صروفها*** يكون بكاء الطفل ساعة يولد

وإلا فما يبكيه منها وإنها*** لأوسع مما كان فيه وأرغد

إذا أبصر الدنيا استهل كأنه*** و بما سوف يلقى من أذاها يهدد

ولقوله (علیه السلام): ((طوبى لمن لزم بيته وأكل قوته واشتغل بطاعة ربه)) (10/ 33). استشهد ابن أبي الحديد بقول مجنون لیلی (10/ 44 ):

وإني لأستغشي وما بيَ نعسةٌ*** لعل خيالاً منك يلقى خياليا

وأخرج من بين البيوت لعلني*** أحدث عنك النفس بالسر خاليا

ص: 49

ص: 50

الشكوى

ص: 51

ص: 52

من كلام له (علیه السلام)لما هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية، وكان قد ابتاع سبي بني ناجية من عامل أمير المؤمنين (علیه السلام)وأعتقه فلما طالبه بالمال خاس به وهرب إلى الشام، فقال (علیه السلام):

((قبح اللّه مصقلة! فَعَلَ فِعْلَ السادة وفرَّ فرار العبيد، فما أنطق مادحه حتى أسكته، ولا صدّق واصفه حتى بكّته، ولو أقام لأخذنا میسوره، وانتظرنا بمالِهِ وفورَه)) (3/ 119).

استشهد ابن أبي الحديد بقول علي بن الجهم لما حبسه المتوكل(3/ 123-124 ) :

ألم ترَ مظهرين عليَّ عتباً*** وهم بالأمس إخوان الصفاءِ

فلما أن بلیت غدواً وراحوا*** عليَّ أشدَّ أسباب البلاءِ

أبت أخطارهم أن ينصروني*** بمالٍ أو بجاهٍ أو ثراءٍ

وخافوا أن يقال لهم خذلتم*** صديقاً، فادعوا قدم الجفاءِ

تظافرت الروافض والنصارى*** وأهل الاعتزال على هجائي

وعابوني وماذنبي إليهم*** سوى علمي بأولاد الزناءِ

ص: 53

ولقوله (علیه السلام)للخوارج : ((أصابكم حاصب، ولا بقي منكم آبر، أبعد إيماني باللّه، وجهادي مع رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله)، أشهد على نفسي بالكفر؟ لقد ظللت إذاً وما أنا من المهتدين، فأوبوا وارجعوا على أثر الأعقاب، أما أنكم ستلقون بعدي ذلاً شاملاً، وسيفاً قاطعاً، وأثرة يتخذها الظالمون فيكم سنّة)) (4/ 129) :

استشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول (4/ 182-183):

لما ولي الحجاج العراق ودخل الكوفة وخطب وهدد فجاءه عمیر بن ضابيء البرجمي بابنه فقال :

- أصلح اللّه الأمير! إن هذا أنفع لكم مني، وأشد بني تميم أبداناً، وأجمعهم سلاحاً، وأربطهم جأشاً، وأنا شيخ عليل، واستشهد جلساءه ، فقال له الحجاج :

- إن عذرك لواضح، وإن ضعفك لبيِّن ولكن أكره أن يجتري بك الناس عليَّ، وبعد فأنت ابن ضابيء صاحب عثمان، وأمر به فقتل، ففي ذلك يقول عبد اللّه بن الزبير الأسدي :

أقول لعبد اللّه يوم لقيته*** أرى الأمر أمسى منصباً متشعبا

تجهز فإما أن تزور ابن ضابيء*** عميراً، وإما أن تزور المهلبا

هما خطتا حسف نجادك منهما*** ركوبك حولياً من الثلج أشهبا

فكائن ترى من مكره الغزو مُسجراً*** تحم حنو السرج حتى تحنّبا

فما أن أرى الحجاج يغمد سيفه*** مدى الدهر حتى يترك الطفل أشيبا

فأضحى ولو كانت خراسان دونه*** رآها مكان السوق أو هي أقربا

ص: 54

وقول سوار بن المضرب السعدي وقد هرب من الحجاج (4/ 183) :

أقاتليَ الحجاج إن لم أزر له*** دراب وأترك عند هند فؤاديا

فإن كان لا يرضيك حتى ترّدني*** إلى قطري ٍّ ما أخالك راضيا

إذا جاوزت درب المجيزين ناقتي*** فاسْتِ أبي الحجاج لما ثنانيا

أيرجوبنومروان سمعي وطاعتي*** وقومي تميم والفلاة ورائيا

وبالرواية التي تقول (4/ 184) :

((أتی الحجاج البصرة .. وكان أشد عليهم إلحاحا.. وأتاه رجل من بني يشكر، وكان شيخاً أعور.. وكان يلقب؛ ذا الكرسنة، فقال :

- أصلح اللّه الأمير! إن بي فتقاً، وقد عذرني بشر بن مروان، وقد رددت العطاء.

قال :

- إنك عندي الصادق، ثم أمر به فضرب عنقه، ففي ذلك يقول کعب بن الأشقري أو الفرزدق :

لقد ضرب الحجاج بالمصر ضربة*** تقرقر منها بطن كل عريف

ولقوله (علیه السلام): ((فاعتبروا بحال ولد إسماعيل وبني إسحاق وبيني إسرائيل (علیه السلام)فما أشد اعتدال الأحوال وأقرب اشتباه الأمثال ؟ تأملوا أمرهم في حال تشتتهم وتفرقهم)) ( 13/ 171).

استشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول ( 13/ 174-175) :

ص: 55

إن تميماً منعت النعمان الأتاوة سنة من السنين فوجه إليهم أخاه الريان بن المنذر، وجعل من معه من بكر بن وائل واستاق النعم وسبى الذراري، وفي ذلك يقول شاعر بني يشكر:

لما رأوا راية النعمان مقبلة*** قالوا: ألا ليت أدنى دارنا عدن

ياليت أم تميم لم تكن عرفت*** مراً، وكانت كمن أودي به الزمن

إن تقتلونا فأعيار مخدعة*** أو تنصحوا فقديماً منكم المنن

منكم زهير وعتاب ومحتضن*** وابنا لقيط وأوس في الوغى قطن

ولقوله (علیه السلام): من وصية للحسن (علیه السلام)كتبها إليه بحاضرین عند انصرافه من صفين - وقد ذكرناها - ( 16/ 109).

استشهد ابن أبي الحديد بقول عوف بن محلّم الشيباني في عبد بن طاهر آمر خراسان ( 16/ 55) :

يا ابن الذي دان له المشرقان*** وألبس الأمن به المغربان

إن الثمانين وبلّغتها*** قد أحوجت سمعي إلى ترجمان

وبدلتني بالشطاط أنحني*** وكنت كالصعدة تحت السنان

وقاربت مني خطي لم تكن*** مقاربات وثنت من عنان

وعوضتني من زماع الفتی*** وهمّه هم الجبان الهدان

وأنشأت بيني وبين الوری*** عنانة من غير نسج العنان

ولم تدع فيَّ المستمتع*** إلا لساني وكفاني لسان

ص: 56

أدعوبه اللّه وأثني به*** على الأمير المصعبي الهجان

فقرباني بأبي أنتما*** من وطني قبل اصفرار البنان

وقبل منعاي إلى نسوة*** أوطانهاحران والرقتان

وقول سالم بن عوض الضبي ( 16/ 56) :

لا يبعدن عصر الشباب ولا*** لذاته وبناته النضر

والمشرقات من الخدود كإيما*** ض الغمام يجود بالقطر

وطراد خيل مثلها التقتا*** لحفيظة ومقاعد الخمر

لولا أولئك ما حلفت متى*** عوليت في خرج إلى قبري

هربت زبيبة إن رأت ثرمي*** وإن انحنى لتقادمٍ ظهري

من بعد ما عهدت فأدلفني*** يوم يمر ولية تسري

حتى كأني خاتل قنصاً*** والمرء بعد تمامه يجري

لا تهزئي مني زبيب فما*** في ذاك من عجب ولا سخر

أوَ لم تري لقمان أهلكه*** من قُتَّ من سنة ومن شهري

وبقاء نسر كلما انقرضت*** أيامه عادت إلى نسر

ماطال من أمدٍ علي لُبَد*** رجعت محارته إلى قصر

ولقد حلبت الدهر أشطره*** وعلمت ما أتى من الأمر

ولقوله (علیه السلام): ((فإن فيما تبينت من إدبار الدنيا عني، وجموح الدهر عليّ، وإقبال الآخرة إلىَّ، ما يزغني عن ذكر من سواي. والاهتمام بما ورائي، غير

ص: 57

أني حيث تفرد بي دون هموم الناس هم نفسي، فصدتني رأيي، وصرفتني عن هواي)) (16/ 57):

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي إسحاق الصابي (16/ 58-59) :

إذا ما تعدت بي وسارت محفة*** لها أرجل يسعى لها رجلان

وما كنت من فرسانها غير أنها*** وفت ليَ لما خانت القدمان

نزلت إليها عن سراة حصاني*** بحكم مشيب أوفراش حصان

فقد حملت مني ابن سبعين سالكاً*** سبيلاً عليها يسلك الثقلان

كما حمل المهد الصبي وقبلها*** ذعرت أسود الفيل بالنزوان

ولي بعدها أخرى تسمى جنازةً*** ضبية يوم للمنية وان

تسير على أقدام أربعة إلى*** دیار البلى معدودهن ثمان

وإني على عيث الردي في جوارحي*** وما كف من خطوي وبطش بناني

فإن لم يدع إلا فؤاداً مروعاً*** به غیرٌ باقٍ من الحدثان

تلوّم تحت الحجب ينفث حكمه*** إلى أذنٍ تصغي لنطق لسان

لا علم أني ميت عاق وقته*** ذماءٌ قليل في غيدٍ هوفان و

إن فماً للأرض غرثان حائماً*** يراصد من أكل حضور أوان

به شره عم الوری بفجائع*** تركن فلاناً ثاكلاً لفلان

غدا فاغراً يشكو الطوى وهو رائع*** فما تلتقي يوماً له الشفتان

إذا عاضنا بالنسل ممن نعوا له*** تلا أولا سنة بمهلك ثان

ص: 58

إلى ذات يومٍ لا ترى الأرض وارثاً*** سوى اللّه من إنسٍ تراه وجان

أقيك الردي إني تنبيت من كرى*** وسهو على طول المدى اعترياني

فأثبت شخصاً دانياًكان خافياً*** على البعد حتى صار نصب عياني

هو الأجل المحتوم لي جدّ جدّه*** وكان يريني غفلة المتواني

له نذر قد آذنتني بهجمةٍ*** له لست منها آخذاً بأمان

ولابد منه ممهلاً أو معاجلاً*** سيأتي فلا يشيه عني ثان

ولقوله (علیه السلام): ((وأنا أسأل اللّه بسعة رحمته، وعظيم قدرته على إعطاء كل رغبة أن يوفقني وإياك لما فيه رضاه ..)) (7/ 117).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الحارث بن کعب يخاطب بنیه ( 17/ 120):

أكلت ش بابي فأفنيته*** وأبليت بعددهور دهورا

ثلاثةٌ آهلين حاجتهم*** فبادوا وأصبحت شيخاً كبيرا

قليل الطعام عسير القيا*** م قد ترك الدهر خطوي قصيراً

أبيت أراعي نجوم السماء***أقلب أمري بطوناً ظهورا

ولقوله (علیه السلام): ((خالطوا الناس مخالطة إن متم معها بكوا عليكم، وإن عشتم حنوا إليكم)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (8/ 107-108) :

وأنزلني طول النوى دار غربةٍ*** متى شئت لاقيت امرءٌ لا أشاكله

أخا ثقة حتى يقال سجية ***ولو كان ذا عقل لكنت أعاقله

ص: 59

ولقوله (علیه السلام)، وهو يتنبأ بصاحب الزنج : ((يا أحنف، كأني به وقد سار بالجيش الذي لا يكون له غبار ولا لَجَبُ، ولا قعقعة لُجُم، ولا حمحمة خیل، يثيرون الأرض بأقدامهم كأنها أقدام النعام)) (8/ 125).

استشهد ابن أبي الحديد بقول صاحب الزنج / علي بن محمد/ لما هرب من الدار التي كان فيها في اليوم الذي قتل فيه :

عليك سلام اللّه ياخير منزل*** خرجنا وخلفناه غير ذميم

فإن تكن الأيام أحدثن فرقة*** فمن ذا الذي من ريبهن سليم؟

ص: 60

الحكمة

ص: 61

ص: 62

لقد تناثرت أبيات من الشعر الحكمي هنا وهناك في طيات أجزاء شرح نهج البلاغة فاستشهد ابن أبي الحديد - بها في ثنايا شرحه - دعماً لكلام الإمام (علیه السلام)أو أنه أعجب بها. فثمة أبيات استشهد بها الإمام نفسه، إن من قوله أو من أقوال شعراء آخرين، ولما كانت تلك الأبيات متناثرة هنا وهناك، كما ألمحت - ولما فيها من عبر ودروس قد تنفع في مفاصل حياتنا رأيت أن أجمعها تحت باب (الحكمة) فكان هذا الباب.

فلقوله (علیه السلام): ((فلئن أُمِر الباطل لقديماً فعل، ولئن قل الحق لربما ولعلَّ؛ ولقلما أدبر شيء فأقبل)).

فاستشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (1/ 280) :

وقالوا يعود الماء في النهر بعدما*** ذوى نبت جنبيه وجف المشارع

فقلت:إلى أن يجري النهر جارياً*** ويعشب جنباه، تموت الضفادع

ولقوله (علیه السلام): ((إن أخوف ما أخاف عليكم اثنتان : اتباع الهوى وطول الأمل)).

ص: 63

فاستشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (1/ 319):

أرى كل إنسان يرى عيب غيره*** ويعمي عن العيب الذي هو فيه

ويقول الإمام (علیه السلام): ((من أكل تمر دَقَل ثم شرب عليه ماء، ومسح بطنه، وقال : من أدخلته بطنه النار، فأبعده اللّه)).

ثم أنشد ( 3/ 157):

فإنك إن أعطيت بطنك سؤله*** وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا

وبالرواية التي تقول :

وفد عروة بن أذينة على هشام بن عبد الملك فشكا إليه خلَّته بالبيت الآتي :

(و) لقد علمت وما الإشراف من خلقي*** إن الذي هو رزقي سوف يأتيني

فقال له : فكيف خرجت من الحجاز إلى الشام تطلب الرزق؟

فقال أُذَيْنةُ :

أسعى له فيعنّيني تطلبه*** ولوقعدت أتاني لا يعنّيني

ثم انشغل عنه، فخرج وقعد على ناقته ونصّها راجعاً إلى الحجاز.

فذكره هشام في الليل، فسأل عنه فقيل له. إنه رجع إلى الحجاز.

ثم وجه إليه بألفي درهم، فجاء الرسول وهو في المدينة فدفعها إليه، فقال له :

- قل لأمير المؤمنين، كيف رأيت؟ سعيت فأكديت، وقعدت في منزلي فأتی رزقي.

ص: 64

ولقوله (علیه السلام): ((والدنيا دارٌ مُنِيَ لها الفناء. ولأهلها منها الجلاء، وهي حلوة خضرة، وقد عجلت للطالب، والتبست بقلب الناظر، فارتحلوا منها بأحسن ما بحضرتكم من الزاد، ولا تسألوا فيها فوق الكفاف، ولا تطلبوا منها أكثر من البلاغ)).

فاستشهد ابن أبي الحديد بباقة من الشعر في ذلك المعنى نذكره تباعاً :

كقول أحد الحكماء (3/ 159) :

فلا تجزع إذا أعسرت يوماً*** فقد أيسرت في الدهر الطويل

ولا تظنن بربك ظن سوءٍ*** فإن اللّه أولى بالجميل

وإن العسر يتبعه يسار*** وقيلُ اللّه أصدقُ كلَّ قيل

ولو أن العقول تجر رزقاً*** لكان المال عند ذوي العقول

وقول الحسين الضحاك (3/ 160):

يا روح من عظمت قناعته*** حسم المطامع من غدٍ وغدِ

من لم يكن لله مُتّهماً*** لم يمسِ محتاجاً إلى أحدِ

وقول سليمان بن المهاجر البجلي (3/ 161):

کسوت جميل الصبر وجهي فصانه*** به اللّه عن غشيان كل بخيل

فلم يتبذلني البخيل ولم أقم*** على بابه يوماً مقام ذليل

وإن قليلاً يستر الوجه إن يرى*** إلى الناس مبذولاً لغير قليل

وقول الشاعر (3/ 161) :

ص: 65

ولا تهلكن النفس وجداً وحسرة*** على الشيء أسداه لغيرك قادره

ولا تيأسن من صالح أن تناله*** وإن كان نهباً بين أيدٍ تبادره

فإنك لا تعطي أمرءً حظ نفسه*** ولا تمنع الشق الذي الغيث ناصره

وقول أحد شعراء العجم (3/ 162) :

غلا السعر في بغداد من بعد رخصه ***وإنيَ في الحالين باللّه واثق

فلست أخاف الضيق واللّه واسع*** غناه، ولا الحرمان واللّه رازق

وقول أحد الشعراء (3/ 192) :

صبرت النفس لا أجز***ع من خائنة الدهر

رأيت الرزق لا يكس*** ب بالعرف ولا النكر

ولا بالسلف الأمثل*** أهل الفضل والذکر

ولا بالسُمُر الكدن*** ولا بالخذُم البتر

ولا بالفعل والدين*** ولا بالجاه والقدر

ولا يُدرَك بالطيش*** ولا الجهل ولا الهذر

ولكنْ قِسَمٌ تجري*** بماندري ولا ندري

وقول منصور الفقيه (3/ 163) :

الموت أسهل عندي*** بين القنا والأسنّة

والخيل تجري سراعاً*** مقطعات الأعنّة

من أن یکون لنذلٍ*** عليَّ فضل ومنّة

ص: 66

وقول أعرابي (3/ 163) :

اتيأس أن يقارنك النجاح*** فأين اللّه والقدر المتاح

وقول أبي العلاء المعري (3/ 163) :

فإن كنت تهوى العيش فابغ توسطاً*** فعند التناهي يقصر المتطاول

تُوفي البدور النقص وهي أهلَّة*** ويدركها النقصان وهي كوامل

وقول أحدهم (3/ 164) :

وكم من ملك جانبته من كراهةٍ*** لإغلاق باب أو لتشديد حاجب

ولي في غنى نفسي مراد ومذهب*** إذا أبهمت دوني وجوه المذاهب

ولقوله (علیه السلام): ((فالموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول نصر بن نباتة (3/ 245):

والحسين الذي رأى الموت في العز*** حياة والعيش في الذل قتلا

وقول التهامي (3/ 245):

ومن فاته نيل العلا بعلومه*** وأقلامه فليبعها بحسامه

فموت الفتى في العز مثل حياته*** وعيشته في الذل مثل حمامه

وقول الشاعر (3/ 246):

فمن يطلب المال المقنع بالقنا*** يعش ماجداً أو يؤذ فيما يمارس

ولقوله (علیه السلام): ((المأمول مع النقم، المرهوب مع النعم)).

ص: 67

استشهد ابن أبي الحديد بما يأتي من الشعر (5/ 165-167

شاعر :

من عاش لاقى مايسو*** ء من الأمور ومايسر

ولرب حتفٍ فوقه*** ذهب وياقوت ودر

البحتري :

يسرّك الشيء قد يسوء وكم*** نوّه يوماً بحاملٍ لقبُه

لا ييأس المرء أن ينجّيه*** مايحسب الناس أنه عطبه

آخر:

رب غمٍ يدب تحت سرور*** وسرور يأتي من الموزور

سعید بن حميد :

کم نعمةٍ مطويةٍ*** لك بين أثناء النوائب

ومسرة قد أقبلت*** من حيث تنتظر المصائب

آخر:

العسر أكرمه وليس بعده*** ولأجل عين ألف عين تكرم

والمرء يكره يومه ولعله*** يأتيه فيه سعادة لا تُعلم

الحلاج:

ولربماهاج الكبير*** من الأمور لك الصغير

ولرب أمرٍ قد تضي***ق به الصدور ولا يصير

ص: 68

آخر:

كم مرة حفت بك المكاره*** خار لك اللّه وأنت كاره

واستشهد لخطبة له (علیه السلام)في صفين بقول حميد بن ثور الهلالي (15/ 171) :

قضى اللّه في بعض المكاره للفتى*** برشد وفي بعض الهوى ما يحاذر

ألم تعلمي أني إذا الألف قادني*** إلى الجور لا أنقاد والألف جائر

وقد كنت في بعض الصباوة أتقى*** أموراً وأخشى أن تدور الدوائر

وأعلم أني إن تغطيت مرة*** من الدهر مکشوف غطائي فناظر

وخطبة له (علیه السلام)استشهد ببعض الشعر الحكمي منه (7/ 87-93) :

قول الفطامي :

قد يدرك المتأني بعض حاجته*** وقد يكون مع المستبصر الزلل

وقول البحتري :

حليم إذا القوم استخفت حلومهم*** وقور إذا ماحدث الدهر أجلبا

وقول الشاعر :

أحلامناتزن الجبال رجاحة*** وتخالنا جنّاً إذا ما نجهل

وقول أحيمة الحلاج (13/ 17) :

والصمت أجمل بالفتى*** مالم یکن عيُّ يشينه

والقول ذو خطل إذا*** ما لم يكن لب يعينه

ص: 69

وقول أحدهم :

وإذا خطبت على الرجال فلا تكن*** خطل الكلام تقوله مختالا

واعلم بأن من السكوت إبانة*** ومن التكلف ما يكون خيالا

وقول أبي العتاهية :

کل امريء في نفسه*** أعلا وأشرف من قرينه

والصمت أجمل بالفتى*** من منطق في غير حينه

وقول شاعر:

وإياك إياك المراء فإنه*** إلى الشر دعّاء وللشر جالب

وقول علي بن هشام :

لعمرك إن الحلم زين لأهله*** وما الحلم إلا عادة وتحلّم

إذا لم يكن صمت الفتى من بلادةٍ*** وعيٍّ فإن الصمت أهدى وأسلم

وقول الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب :

زعم ابن سلمى أن حلمي ضرّني*** ما ضرّ قبلي أهله الحلمُ

إنّا أناس من سجيتهم*** صدق الحديث ورأيهم حتم

لبسوا الحياء فإن نظرت حسبتهم*** سقموا ولم يمسسهم سقم

إني وجدت العُدم أكبره*** عدم العقول وذلك العدم

والمرء أكثر عيبه ضرراً*** خطل اللسان وصمته حكم

ولقوله (علیه السلام): ((طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس! وطوبى لمن

ص: 70

لزم بيته؛ وأكل قوته، واشتغل بطاعة ربه، وبكى على خطيئته، فكان من نفسه في شغل، والناس منه في راحة)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول أحدهم :

((كنت في سفينة ومعنا شاب عَلَوي؛ فمكث معنا سبعاً لا نسمع له كلاماً، فقلنا له :

- قد جمعنا اللّه وإياك منذ سبع، ولا نراك تخالطنا ولا تكلمنا، فأنشد (10/ 40-41) :

قليل الهم لا ولد يموت*** ولیس بخائف أمراً يفوت

قضى وطر الصبا وأفاد علماً***فغايته التفرد والسکوت

وأكبر همّه مما علیه*** تناجز من ترى خلق وقوت

وقول الشاعر (10/ 445) :

وكم سقت في آثاركم من نصيحةٍ*** قد يستفيد الظنة المتنصّح

وقول بعض الحكماء لصاحبه :

- أعلمك شعراً هو خير لك من عشرة آلاف درهم وهو (10/ 47-48) :

أخفض الصوت إن نطقت بليل*** والتفت بالنهار قب-ل المقال

ليس للقول رجعة حين يبدو***بقبح یکون أو بجمال

وقول الشاعر (10/ 48) :

من حمد الناس ولم يبلهم***ثم بلاهم ذم من یحمد

ص: 71

وصار بالوحدة مستأنساً***بوحشة الأقرب والأبعد

وقول الشاعر (10/ 49) :

ولا عار إن زالت عن الحر نعمة***ولکن عار أن یزول التجمل

وقول الشاعر (49/ 10) :

عدوك من صديقك مستفاد*** فلا تستكثرنّ من الصحاب

فإن الداء أكثر ما تراه*** يكون من الطعام أو الشراب

ولأن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلَّم) طلب من بعض نسائه أن تقسم شاة على الفقراء فقالت :

- يا رسول اللّه، لم يبق منها غير عنقها.

فقال (صلّى اللّه عليه وآله) :

- كلها بقي غير عنقها.

فاستشهد بقول الشاعر (10/ 209) :

يبكي على الذاهب من ماله*** وإنم يبق الذي يذهب

ولقوله (علیه السلام): ((فطوبى لذي قلب سليم، أطاع من يهديه، وتجنب من يرديه، وأصاب سبيل السلامة ببصر من بصّره، وطاعة هادٍ امره)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول النابغة (11/ 68) :

ولست بمستبقٍ أخاً لا تلمّه*** على شعْثٍ، أي الرجال المهذب

وقول الشاعر (11/ 77) :

ص: 72

إذا صفت المودة بين قومٍ*** ودام ودادهم سَمُج الثناء

ولقوله (علیه السلام)يصف العارف : ((وثبتت رجلاه بطمأنينة بدنه في قرار الأمن والراحة بما استعمل قلبه وأرضى ربه)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (11/ 141) :

ما أبيض وجه المرء في طلب العلا*** حتي يسوِّد وجهه في البيد

وقول أبي تمام (141/ 11) :

فاطلب هدوءٍ بالتقلقل واستتر*** بالعيس من تحت السهي وهجودا

ما إن ترى الأحساب بيضاً وضحاً*** إلا بحيث ترى المنايا سودا

وقول المتنبي (11/ 132) :

ذريني أنل ما لا ينال من العلا*** فصعب العلا في الصعب والسهل في السهل

تريدين إدراك المعالي رخيصة*** ولابد دون الشهد من إبر النحل

وقوله أيضاً (11/ 132) :

وإذا کانت النفوس كباراً*** تبعت في مرادها الأحسام

وقول الشاعر (11/ 190) :

أرتب ما أقول إذا افترقنا*** وأحكم دائماً حجج المقال

فأنساها إذا نحاها إذا نحن التقينا*** وأنطق حين أنطق بالمحال

وقول الآخر (11/ 190) :

فيا ليل كم من حاجةٍ لي مهمةٍ*** إذا جئتكم لم أدر بالليل ما هيه

ص: 73

ولقوله (علیه السلام): ((ألا وإن اللسان بضعة من الإنسان، فلا يسعده القول إذا امتنع، ولا يمهله النطق إذا اتسع، وإنّا لأمراء الكلام، وفينا تنشّبت عروقه، وعلينا تهدّلت غصونه)).

استشهد إبن أبي الحديد بقول الشاعر (13/ 17) :

وما خير من لا ينفع الدهر عيشه*** وإن مات لم يحزن عليه أقاربه

كهامٌ على الأقصى كليلٌ لسانه*** وفي بشر الأدنى حديد مخالبه

ولقوله (علیه السلام)رداً على طلب عثمان منه وهو محصور أن يخرج إلى ينُبع، ليقل هتف الناس بإسمه، للخلافة، بعد أن كان سأله مثل ذلك من قبل.

فقال (علیه السلام):

((ياابن عباس مايريد عثمان إلا أن يجعلني حَمَلَاً ناضراً بالغَرْب، أقبل وأدبر! بعث إلي أن اخرج، ثم بعث إلي أن اقدم، ثم هو الآن يبعث إلي أن اخرج! واللّه لقد دفعت عنه حتى خشيت أن أكون آثماً)).

فاستشهد ابن أبي الحديد بقول المتنبي (13/ 302) :

نحن أدرى وقد سألنا ألنا بنجد*** أطويل طريقنا أم يطول

وكثير من السؤال اشتياق*** وكثير من ردّه تعليل

وبقول محمد بن هاني المغربي (13/ 302) :

في كل يومٍ أستزيد تجارباً*** كم عالم بالشيء وهو يسائل

ولقوله (علیه السلام): ((إذا كان الترفق خُرقاً، كان الخُرق رفقاً)).

ص: 74

استشهد إبن أبي الحديد بقول زهير بن أبي سلمى (16/ 101) :

ومن لم يذد عن نفسه بسلاحه*** يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم

وقول أبي الطيب المتنبي (16/ 101) :

ووضع الندى في موضع السيف بالعلا*** مضرٌّ كوضع السيف في موضع الندى

ولقوله (علیه السلام): ((الصاحب مناسب)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول المتنبي (16/ 117) :

ما الخل إلا من أودَّ بقلبه*** وأرى بطرف لا يرى بسؤاله

ولقوله (علیه السلام): ((الهوى شريك العمى)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول عبد اللّه بن معاوية (16/ 118) :

وعين الرضا عن كل عيب كليلة*** كما أن عين السخط تبدي المساويا

ولقوله (علیه السلام): ((من اقتصر على قدره كان أبقى له)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي الطيب (16/ 118) :

ومن جهلت نفسه قدره*** رأى غیره منه ما لايرى

ولقوله (علیه السلام): ((إياك والتغاير في غير موضع غيرة)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول مسكين الدارمي (16/ 127) :

ما أحسن الغيرة في حينها*** وأقبح الغيرة في غير حين

من لم يزل متهماً عرسه*** مناصباً منها لرج الظنون

یوشك أن يغريهت بالذي*** یخاف، أو ينصبها للعيون

ص: 75

حسبك من يحصنها خَمُّها*** منك إلى خیمٍ كريم ودين

لا تظهرن يوماً على عورة***فيتبع المقرون حبل القرين

وقوله أيضاً (16/ 127 -128) :

ألا أيه الغائر المستشیط***علام تغار إذا لم تُغَر؟

فما خير عرسٍ إذ خفتها***وما خیرُ بيتٍ إذا لم يُزَر

تغار من الناس أن ينظروا***هل يفتن الصالحات النظر؟

فإني سأخلي له بیتها***فتحفظ لي نفسها أو تذر

إذا اللّه لم يعطه ودّها***فلن يعطي الود سوط ممر

ومن ذا يراعي عِرسه*** إذا ضمّه والرکاب السفر؟

وقوله أيضاً (16/ 128) :

ولست امرءً لا أبرح الدهر قاعداً*** إلى جنب عرسي لا أفارقها شبرا

وما مقسماً لا أبرح الدهر بيتها*** لأجعله قبل الممات لها قبرا

ولا حاملاً ظني ولا قول قائل*** على غيرةٍ حتى أحيط بها خبرا

وهبني امرءً راعيه ما دمت شاهداً*** فكيف إذا ما سرت من بتها شهرا

إذا هي لم تحصن لما في فنائها*** فليس لمنجيها بنائي لها قصرا

ولقوله (علیه السلام): ((لا تجعل عرضك غرضاً لنبال القوم)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (18/ 45) :

لا تستتر أبداً ما لا تقوم له*** ولا تهيجن من عريّسه الأسدا

ص: 76

إن الزنابير إن حركتها سفهاً*** من كورها أوجعت من لسعها الجسدا

ولقوله (علیه السلام)، من كتاب له إلى عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنه :

((أما بعد فإنك لست بسابقٍ أجلك، ولا مرزوق ما ليس لك، واعلم بأن الدهر يومان : يوم عليك، ويوم لك، وإن الدنيا دار دول، فما كان منها لك أتاك على ضعفك، وما كان منها عليك لم تدفعه بقوتك)).

فاستشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (18/ 60) :

قد يرزق العاجز الضعيف وما*** شدَّ بکورٍ رحلا ولا قتبا

ويحرم المرء ذو الجلادة وال***رأي ومن لا يزال مغتربا

وبقول ابن يعقوب الحزيمي (18/ 60 -61) :

هل الدهر إلا صرفه ونوائبه*** وسراء عيشٍ زائل وحصائبه

بقول الفتى ثمّرت مالي وإنما*** لوارثه ما ثمر المال كاسه

يحاسب فيه نفسه في حياته*** ويتركه نهباً لمن لا يحاسه

فكِلْه وحابيه وخالِهْ وارثاً*** شحيحاً ودهراً تعتركه نوانبه

أرى المال والإنسان للدهر نهبةٍ*** فلا البخل مبقيه ولا الجود خاربه

لكل امريء رزق ولرزقِ جالب*** وليس يفوت المرء ما خط كاتبه

يخيب الفتى من حيث يرزق غيره*** ويُعطى الفتى من حيث يحرم صاحبه

یساق لدار رزقُه وهو وادع*** ويحرم هذا الرزق وهو يغالبه

وإنك لا تدري أرزقك في الذي*** تطالبه أم في الذي لا تطالبه

ص: 77

تناسى ذنوب الأقربين فإنه*** لكل رُكوبٍ راكبٌ وهو راكبه

له هفوات في الرخاء يشوبها*** بنصرة يوم لا تواري كواكبه

تراه غدوّا ما أمنت وتتقي*** بجبهته يوم الوغي من يحاربه

لكل امريء إخوان بؤسٍ ونعمةٍ*** وأعظمهم في النائبات أقاربه

ولقوله (علیه السلام): ((خالطوا الناس مخالطة إن متم معها بكوا عليكم وإن عشتم حنوا إليكم)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول المهاجر بن عبد اللّه (18/ 107) :

وإني لأقصي المرء من غير بغضةٍ*** وأدني أخا البغضاء مني على محدِ

ليحدث وداً بعد بغضاء أو أرى*** له مصرعاً يردي به اللّه من يردي

ومن الشعر المنسوب إلى الإمام علي (علیه السلام)قوله (18/ 113) :

إن أخاك الحق من كان معك*** ومن يضر نفسه لينفعك

ومن إذا ريب الزمان وصدّعك*** شتت فيك شمله ليجمعك

وما ينسب إليه (علیه السلام)أيضاً (18/ 114) :

أخوك الذي إن أجرضتك ملمّة*** من الدهر لم يبرح لها الدهر واجما

وليس أخوك بالذي إن تشعبت*** عليك أمور ظل يلحاك واجما

ولقوله (علیه السلام): ((ما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه، وصفحات وجهه)). (18/ 137) :

استشهد بقول زهير بن أبي سلمى :

ص: 78

ومهما تكن عند امريء من خليقةٍ*** وإن خالها تخفى على الناس تعلم

ولقوله (علیه السلام): ((احذروا صولة الكريم إذا جاع، واللئيم إذا شبع)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول المتنبي للشق الثاني (18/ 179) :

إذا أنت أكرمت الكريم ملكة ملكته*** وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

ولقوله (علیه السلام): ((من كتم سره كانت الخيرة بيده)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (18/ 384) :

فلا تفشِ سرك إلا إليك*** فإن لكل نصيح نصحا

ألم تر أن غواة الرجال*** لا يتركون أديماً صحیحا

وقول الشاعر (385/ 18) :

إذا جاوز الاثنين سراً فإنه*** يَنِث وتكثير الوشاة قمین

ولقوله (علیه السلام): ((من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (18/ 404) :

وخير الرأي ما استقبلت منه*** ولس بأن تَتَّبِعْهُ اتباعا

ولقوله (علیه السلام): ((إذا هبت أمراً فقع فيه، فإن شدة توقيه أعظم مما تخاف منه)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول المتنبي (18/ 406) :

وإذا لم يكن من الموت بدّ*** فمن العجز أن تكون جانا

كلما لم يكن من الصعب في الأن*** فس سهل فيها إذا هو كانا

ص: 79

وقول آخر (18/ 806) :

لعمرك ما المكروه إلا ارتقابه*** وأعظم مما حلّ ما يُتوقع

وقول آخر (18/ 406) :

عوبة الرزء تلقى في توقعه*** مستقبلاً وانقضاء الرزء أن يقعا

ولقوله (علیه السلام): ((لا يزهدنك في المعروف من لا يشكره لك، فقد يشكرك عليه من لا يستمتع بشيء منه، وقد يدرك من شكر الشاكر أكثر مما أضاع الكافر، واللّه يحب المحسنين)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول نفسه (19/ 24) :

لا تسدين إلى ذي الوم مكرمةً *** فإنه سبخ لا ينبت الشجرا

فإن زرعته محفوظ بمضيعة*** وأكل زرعك شكر الغير إن كفرا

وقول الشاعر (19/ 24) :

لعمرك ما المعروف في غير أهله*** وفي أهله إلا كبعض الودائع

فمستودع ضاع الذي كان عنده*** ومستودع ما عنده غير ضائع

وما الناس في شكر الصنيعة عندهم*** وفي كفرها إلا كبعض المزارع

فمزرعة طابت وأضعف زرعها*** ومزرعة أكدت على كل زارع

ولقوله (علیه السلام): ((اغضِ على القذى والألم ترضَ أبدا)) .

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (19/ 34) :

ومن لم يغمّض عينه عن صديقه*** وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب

ص: 80

ومن يتتبع جاهداً كل عثرة*** يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب

وقول الشاعر ( 19/ 34) :

إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى*** ظمئت، وأي الناس تصفو مشاربه

ولقوله (علیه السلام): ((احذروا نِفار النعم، فما طل شارد بمردود)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (19/ 9):

إذا كنت في نعمة فارعها*** فإن المعاصي تزيل النعم

ولقوله (علیه السلام): ((قطع العلم عذر المتعللين)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (19/ 156) :

قدمت على الكريم بغير زاد*** من الأعمال ذا ذنب عظيم

وسوء الظن إن تعتدَّ زاداً*** إذا كان القدوم على الكريم

ولقوله (علیه السلام): ((ما قال الناس لشيء طوبى له! إلا وقد خبأ له الدهر يوم سوء)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (19/ 178) :

تاه الأعيرج واستولى به البطر*** فقل له خير ما استعملته الحذر

أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت*** ولم تخف سوء ما يأتي به القدر

وسالمتك الليالي فاغتررت بها*** وعند صفو الليالي يحدث الكدر

وقول الشاعر (19/ 1979) :

فيالنعيم ساعدتنا رقابه*** وخاست بنا أكفاله والروادف

ص: 81

وقول اسحاق بن إبراهيم الموصلي (19/ 179) :

هي المقادير تجري في أعنّتها*** فاصبر فليس لها صبر على حال

يوماً تريش خسيس الحال ترفعه*** إلى السماء ويوماً تخفض العالي

وقول هانيء بن مسعود (19/ 179) :

إن كسرى أبى على الملك النع*** مان حتى سقاه أم الرقوب

کل ملك وإن تصعد يوماً*** بأناس يعود للتصويب

وقول أحيحة بن الحلاج (19/ 179) :

ومايدري الفقير متى غناه*** ومايدري الغني متى يعيل

وماتدري إذا أخّرت شولا*** أتلقح بعد ذلك أم تميل

وماتدري إذا أزمعت سيراً*** بأي الأرض يدركك المقيل

وقول الآخر (19/ 179-180) :

رب قوم غبروا من عيشهم*** في سرور ونعيم وغدق

سكت الدهر زماناً عنهمُ*** ثم أبكاهم دماًحين نطق

وبما نسب إلى محمد الأمين بن زبيدة (19/ 180) :

يانفس قدحق الحذر*** أين الفرار من القدر

کل امريء مما يخافا*** ف ويرتجيه على قدر

من يرتشف صفو الزمانا*** ن يغص يوماً بالكدر

ولقوله (علیه السلام): ((إن أخذ القليل خير من ترك الكثير)).

ص: 82

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشنفري (19/ 185) :

وأطوي على الخمص الحوايا كما انطوت*** خيوطة ماريّ نغار وتفتل

وإن مُدَّت الأيدي إلى الزاد لم أكن*** بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل

وما ذاك إلا بسطة من تفضلٍ*** عليهم وكان الأفضل المتفضل

وقول الشاعر (19/ 186):

فإن قراب البطن يكفيك ملؤه*** ويكفيك سوءات الأمور اجتنابها

وقول الشاعر (المبرد) أنشده (19/ 188) :

فإن امتلاء البطن في حسب الفتى*** قليل الغناء وهو في الجسم صالح

ولقوله (علیه السلام)للأشعث بن قيس، وقد عزّاه عن ابن له :

((إن تحزن على إبنك فقد استحق ذلك منك الرحم، وإن تصبر في اللّه من كل مصيبة خلف)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي العتاهية (19/ 192) :

ولابد من جريان القضاء*** إما مثاباً وإما أثيما

وقول الآخر (19/ 193):

ومن لم يزل غرضاً للمنون*** يتركه كل يوم عميدا

فإن هن أخطأنه مرةً*** فيوشك مخطئها أن يعودا

فبينا يحيد وأخطأنه*** قصدن فأعجلنه أن يحيدا

وقول آخر (19/ 193) :

ص: 83

هو الدهر قد جربته وعرفته*** فصبراً على مكروهه وتجلدا

وما الناس إلا سابق ثم لاحق*** وفائت موت سوف يلحقه غدا

وقول آخر (19/ 193) :

أيناقدمت صروف الليالي*** فالذي أخّرت سريع اللحاق

غدرات الأيام منتزعات*** عنفينا من أنس هذا العناق

وقول إبن نباتة (19/ 193) :

نعلل بالدواء إذا مرضنا*** وهل يشفي من الموت الدواء

ونختار الطبيبب وهل طبيب*** يؤخر ما يقدمه القضاء

وما أنفاسنا إلا حساب*** وما حركاتنا إلا فناء

ولقوله (علیه السلام)لإبنه : ((يابني إني أخاف عليك الفقر، فاستعذ باللّه منه، فإن الفقر منقصة للدين، مدهشة للعقل، داعية للمقت)).

فاستشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (19/ 288):

المال أنفع للفتی من علمه*** والفقر قتل للفتى من جهله

ما حز من رفع الدراهم قدرَه*** جهلاً يناط إلى دناءة أصله

وقول آخر (19/ 228) :

دعوت أخي فولي مشمئزاً*** ولبي درهمي لمادعوت

وقول آخر (19/ 228) :

ولم أرً أوفي ذمة من دراهمي*** وأصدق عهداً في الأمور العظائم

ص: 84

فكم خانني خلٍّ وثقت بعهده*** وكان صديقاً لي زمان الدراهم

وقول آخر (19/ 228-229) :

أبو الأصفر المنقوش أنفع للفتى*** من الأصل والعلم الخطير المقدّم

وما مدح العلمُ امرؤ ظفرت به*** يداه ولكن كل معرٍ ومعدم

وقول آخر (19/ 229) :

ولم أرَ بعد الدين خيراً من الغنى*** ولم أرَ بعد الكفر شراً من الفقر

وقول أحد الظرفاء (19/ 229):

أصون دراهمي وأذب عنها*** لعلمي أنها سيفي وترسي

وأذخرها وأجمعها بجهدي*** ويأخذ وارثي منها وعرسي

فيأكلها ويشربها هنيئاً*** على النغمات من نقر وجرس

ويقعد فوق قبري بعد موتي*** ولا يتصدقن عني بفلس

أحب إلي من قصدي عظيماً*** كبيراً أصله من عبد شمس

أمد إليه كفي مستميحاً*** وأُصبح عبد خدمته وأمسي

ويتركني أجر الرجل مني*** وقد صارت كنفس الكلب نفسي

ولقوله (علیه السلام): ((المسؤول حر حتى يعِد)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول إبن الفضل (19/ 249)

أثروا ولم يقضوا ديون غريمهم*** واللؤم كل اللؤم مطل الموسر

وقول آخر (19/ 249):

ص: 85

إذا أتت العطية بعد مطل*** فلا كانت وإن كانت سنية

وقول الشاعر (19/ 249):

تحيل على الفراغ قضاء شغلي*** وأنت إذا فرغت تكون مثلي

فلا أدعى بخادمك المرجی*** ولا تدعى بسيدنا الأجلّ

وقول آخر (19/ 249) :

لو علم الماطل أن المطال*** فقد به يذهب طعم النوال

وأن أعلى البر ما ناله*** طالبه نقداً عقيب السؤال

عجّل للسائل معروفه*** مهنئاً من غير قيل وقال

ولقوله (علیه السلام): ((من كابد الأمور عَطِب، ومن اقتحم اللجج غرِق)).

فاستشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر :

من حارب الأيام أصبح رمحُه*** قصيراً وأصبح سيفه مغلولا

ولقوله (علیه السلام): ((عند تناهي الشدة تكونن الفرجة، وعند تضايق حَلَق البلاء يكون الرخاء)).

فاستشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (19/ 167) :

إذا بلغ الحوادث منتهاها*** ترَجَّ بُعيدها الفرج المطلا

فكم كرب تولّى إذ توالى*** وكم خطب تجلى حين جلى

وقول أمية بن أبي الصلت (19/ 267) :

ص: 86

لا تضيقن في الأمور فقد یک*** شف غماؤها بغير احتيال

ربما تجزع النفوس من الأمر*** له فرجة كحل العقال

ولقوله (علیه السلام): ((اللّهم اغفر لي ما انت أعلم به مني؛ فإن عدت فعد علي بالمغفرة، اللّهم اغفر لي ما رأيت من نفسي، ولم تجد له وفاءً عندي)).

فاستشهد ابن أبي الحديد بقول إبن جدعان (6/ 176-190) :

أأذكر حاجتي أم قد كفاني*** حياؤك، إن شيمتك الحياء

إذا أثنى عليك المرء يوماً*** كفاه من تعرضه الثناء

ولقوله (علیه السلام): ((ولا تباغضوا فإنها الحالقة)) (6/ 324) :

فاستشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (6/ 359) :

ومن دعا الناس إلى ذمه*** نموه بالحق وبالباطل

مقالة السوء إلى أهلها*** أسرع من منحدرٍ سائل

ولقوله (علیه السلام)((جانبو الكذب فإنه مجانب للإيمان)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (6/ 360) :

لا يكذب المرء إلا من مهانته*** أو عادة السوء أو من قلة الأدب

لَعَضُ جيفة كلب خير رائحةٍ*** من كذبة المرء في جد وفي لعب

ولقوله (علیه السلام): ((ويكون الشكر هو الغالب عليهم والحاجز لهم عنهم، فكيف بالعائب الذي عاب أخاه، وعيّره ببلواه)) (9/ 59) :

استشهد بقول الشاعر (9/ 64) :

ص: 87

ومطروفة عيناه عن عيب نفسه*** فإن لاح عيب من أخيه تبصرا

وقول الشاعر (9/ 65) :

لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها*** لنفسي في نفسي عن الناس شاغل

وقول أحدهم (9/ 965):

ولست بذي نيرب بالصديق*** خؤون العشيرة سبابها

ولا من إذا كان في مجلسٍ*** أضاع القبيلة واغتابها

ولكن أُبجِّل ساداتها*** ولا أتعلم ألقابها

وقول أبي نواس (9/ 66):

ما حطك الواشون من رتبة*** عندي وماضرك مغتاب

كأنهم أثنوا ولم يعلموا*** عليك عندي بالذي عابوا

ولقوله (علیه السلام): ((في تقلب الأحوال علم جواهر الرجال)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (19/ 38) :

لا تحمّدن أمرءً حتى تجريه*** ولا تذمّنه من غير تجريب

وقول الآخر (19/ 38) :

ما زال يحلب هذا الدهر أشطره*** یکون متَّبِعاً طوراً ومُتَّبَعا

حتى استمر على شزر سريرته*** مستحكم الرأي لا قحماً ولا ضرعا

ولجوابه (علیه السلام)عندما سئل عن قوله تعالى :

{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً

ص: 88

وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (النحل / 97) }.

فقال : ((هي القناعة)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (19/ 55) :

فمن أُشرب اليأس كان الغنيّ*** ومن أُشرب الحرص كان الفقيرا

وقول الآخر (19/ 55) :

غنى النفس ما يكفيك من سد خلةٍ*** فإن زاد شيئاً عاد ذاك الغنى فقرا

وقول الشاعر (19/ 55) :

فمن سره أن لا يرى ما يسوؤه*** فلا يتخذ شيئاً يخاف له فقدا

ص: 89

ص: 90

الرثاء

ص: 91

ص: 92

من خطبة له (علیه السلام): ((ولعمري ما علي من قتال مَن خالف الحق، وخابط الغي، من إدهان ولا إيهان، فاتقوا اللّه عباد اللّه. وفروا إلى اللّه من اللّه وامضوا في الذي نهجه لكم، وقوموا بما عصبه بكم، فعليٌ ضامن لفلجكم آجلًا إن لم تمنحوه عاجلا)) (1/ 331) :

استشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول (1/ 340) :

((يقول حسان بن ثابت الأنصاري يرثي ربيعة بن مكدم بن حرثان بن جذيمة بن علقمة بن فراس، الشجاع المعروف، حامي الظعن حياً وميتاً إذ لم. إذا تعرّض له أحد الفرسان من بني سليم، فرماه نبیشه بن حبيب بسهم أصاب قلبه فنصب رمحه في الأرض واعتمد عليه وهو ثابت في سرجه لم يزل ولم يجل... فقال حسان فيه الأبيات الآتية (1/ 342) :

لا يبعدنَّ ربيعة بن مكدّم*** وسقى الفوادي قبره بذنوب

نفرت قلوصي من حجارة حرة*** بنيت على طلق اليدين وهوب

لا تنفري ياناق مني فإنه*** شريب خمر مسعر لحروب

ص: 93

لولا السقاء وبعد خرق مهمة*** لتركتها تجثو على العرقوب

نعم الفتى أدى نبيشة بزه*** يوم اللقاء نبيشة بن حبيب

وبالرواية التي تقول (1/ 340) :

بعث معاوية إلى اليمن بسر بن أرطأة الكتاني في جيش كثيف، وأمره أن يقتل كل من كان في طاعة علي (علیه السلام)فقتل خلقاً كثيراً، وقتل فيمن قتل ابني عبيد اللّه بن عباس بن عبد المطلب. وكانا غلامين صغيرين فقالت أمهما أم حکیم ترثيهما :

هما من أحسن يا بني اللذين هما*** كالدرتين تشظَّى عنهما الصدف

هما من أحسن يابني هما*** سمعي وقلبي، وعقلي اليوم مختطف

هما من أحسن يابني هما*** منح العظام، مخي اليوم مزدهف

نبئت بسراً وما صدقت ما زعموا*** من قولهم ومن الإفك الذي اقترفوا

أنحى علي ودجي ابني مرهفة*** مشحوذة، وكذاك الإثم يقترف

حتى لقيت رجالاً من أرومته*** شم الأنوف لهم في قومهم شرف

فالآن ألعن بسراً حق لعنته*** و هذا لعمر ابي بسرهو السرف

من دل والهة حرى مسلبة*** على صبيين ضلا إذ مضى السلف

وبالرواية التي تقول (وهي مخالفة الأولى) (2/ 14):

دخل بسر ابن أرطأة الطائف .. مر ببني كنانة، وفيهم ابنا عبد اللّه بن العباس وأمهما، فلما انتهى بسر إليهم طلبهما، فدخل رجل من بني كنانة - كان أبوهما

ص: 94

أوصاه بهما - فأخذ السيف من بيته وخرج، فقال له بسر :

- ثكلتك أمك! واللّه ما كنا أردنا قتلك، فلم عرّضت نفسك للقتل.

قال :

- أقتل دون جاري أعذر لي عند اللّه والناس.

ثم شد على أصحاب بسر بالسيف حاسراً وهو يرتجز :

آليت لا يمنع حافات الدار*** ولا يموت مصلتاً دون الجار

إلا فتى أروع غير غدار

وبالرواية التي تقول (2/ 15) :

عندما دخل بسر صنعاء منعه من دخولها عمرو بن أراكة الثقفي الذي استخلفه عبيد اللّه بن العباس عليها فقاتله بسر فقتله فرثاه أبوه عبد اللّه بن أراكة الثقفي بهذه الأبيات :

لعمري لئن اتبعت عينيك ما مضى*** به الدهر أو ساق الحمام إلى القبر

لتستنفدن ماء الشؤون بأسره*** ولو كنت تمريهن من ثبج البحر

لعمري لقد أردى ابن أرطأة فارساً*** بصنعاء كالليث الهزبر أن الأجر

نعز فإن كان البكا ردّ هالكا*** على أحد، فأجهد بكاك على عمرو

ولا تبكِ ميتاً بعد میت أجنةٍ*** علي وعباس وآل أبي بكر

وقول یزید بن مفرع الحميري يرثي قتلى اليمن على يد بسر بن أرطأة(2/ 17) :

ص: 95

تعلق من أسماء ما قد تعلقا*** ومثل الذي لاقى من الشوق أرقا

سقى هدم الابعاد منبعج الكلى*** منازلها من مُسرقاة مسرقا

إلى الشرف الأعلى إلى راب هرمز*** إلى قريات الشيخ من نهر أريقا

إلى دشت بارين إلى الشط كله*** إلى مجمع السلان من بطن دورقا

إلى حيث يرفا من دجيل سفينة*** إلى مجمع النهرين حيث تفرقا

إلى حيث سار المرء بسر بجيشه*** فقتّل بسرما استطاع وحرّقا

ولقوله (علیه السلام)في مصقلة بن هبيرة الشيباني لما هرب بأموال المسلمين إلى معاوية؛ إذ كان قد ابتاع سي بني ناجية من عامل أمير المؤمنين (علیه السلام)وأعتقه :

(قبح اللّه مصقلة! فعل فعل السادة، وفر فرار العبيد، فما أنطق مادحه حتى أسكته، ولا صدّق واصفه حتى بكّته، ولو أقام لأخذنا میسوره، وانتظرنا بماله وفوره) (3/ 119) (وقد نقلناه في فقرة الشكوى).

استشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول (3/ 120):

((خرج أسامة بن لؤي بن غالب إلى ناحية البحرين مغاضباً لأخيه كعب بن لؤي في محاضة كانت بينهما، فطأطأت ناقته رأسها لتأخذ العشب فعلق بمشفرها أفعى، ثم عطفت على قتبها فحكته به، فدب الأفعى على القتب حتى نهش أسامة فقتله، فقال أخوه کعب بن لؤي يرثيه :

عيني جودي لسامة بن لؤي*** علقت ساق سامة العلاقة

ص: 96

رب هرقتها ابن لؤي*** حذر الموت لم تكن مهراقة

ولقوله (علیه السلام)في سحرة اليوم الذي ضرب فيه : ((مكتني عيني وأنا جالس، فسنح لي رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) فقلت :

یا رسول اللّه ! ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد؟

فقال :

- ادع عليهم.

فقلت :

- أبدلني اللّه خيراً منهم، وأبدلهم بي شراً لهم مني (6/ 112) :

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (6/ 123-124) يرثي زیاداً :

صلى الإله على قبر وطهره*** عند الثوية يسفي فوقه المور

زفت إليه قريش نعش سيدها*** فالحلم والجود فيه اليوم مقبور

أبا المغيرة والدنيا مفجعة*** وإن من غرت الدنيا المغرور

قد كان عندك للمعروف معرفة*** وكان عندك للمنكور تنکیر

وكنت تفشي وتعطي المال من سعةٍ*** فاليوم قبرك أضحى وهو مهجور

والناس بعد وقد خفت حلومهم*** كأنما نفخت فيه الأعاصير

ولقوله (علیه السلام): ((ألا وإن لكل دمٍ ثأراً، ولكل حق طالباً، وإن الثأر في دمائنا کالحاكم في حق نفسه، وهو اللّه الذي لا يعجزه من طلب، ولا يفوته من هرب ( 17/ 197))).

ص: 97

استشهد ابن أبي الحديد بقول عبد اللّه بن عمرو العبلي في رثاء قومه(7/ 123-124) :

تقول أمامة لما رأت*** نشوزي عن المضجع الأملس

وقلة نومي على مضجعي*** لدى هجعة الأعين النُفَّس

أبي ماعراك؟ فقلت: الهموم*** عرَين أباك فلا تُلیس

عرين أباك فحبِّسنه*** من الذل في شرما محبس

لفقد الأحبة إذ نالها*** سهام من الحدث الميئس

رمتها المنون بلانكّلٍ*** ولا طائشات ولا نكس

بأسهمها المتلفات النفوس*** متى ما تصب مهجة تخلس

فصرّ عنهم بنواحي البلاد*** فملقى بأرضٍ ولم يرمس

وآخرقد رُس في حفرةٍ*** وآخرطار فلم يحسس

أفاض المدامع قتلی کدی*** وقتلی بكثرة لم ترمس

وقتلی بدجٍّ وباللاتبي*** ن من يثرب خير ما أنفس

وبالزابيين نفوس ذوت*** وقتلی بنهر أبي فطرس

أولئك قومي أناخت بهم*** نوائب من زمن متعس

إذا ركبوا زينوا الموكبين*** وإن جلسوا زينة المجلس

وإن عنَّ ذكرهم لم ينم*** أبوك وأوحش في المأنس

فذاك الذي غالني فاعلمي*** ولا تسألي بامريءٍ متعس

ص: 98

هم أضرعوني لريب الزمان*** وهم لصقوا الخد بالمعطس

وقول أبي سعيد إبراهيم، ويُعد من موالي عثمان بن عفان وهو من شعرائهم الذين رثوهم، ومن شعره بعد زوال أمرهم (بني أمية) (7/ 145) :

بكيت وماذا يرد البكاء*** وقل البكاء لقتلي كداء

أصيبوا معاً قتلوا معاً*** كذلك كانوا معافي رخاء

بكت لهم الأرض من بعدهم*** وناحت عليهم نجوم السماء

وكانوا ضياء ولما انقضى*** الزمان بقومي تولى الضياء

وقوله فيهم (7/ 145):

أثرت الدهر في رجالي فقلّوا*** بعد جمع فراح عظمي حميضا

ماتذكرتهم فتملك عيني*** فيض دمع وحق لي أن تفيضا

وقوله فيهم (7/ 145):

أولئك قومي بعد عزٍّ وثروةٍ*** تداعوا فإلّا تذرف العين أكمد

كأنهم لاناس للموت غيرهم*** وإن كان فيهم منصف غير معيد

ولقوله (علیه السلام):

((حملوا إلى قبورهم فلا يدعون ركباناً، وأُنزلوا الأجداث فلا يدعون ضيفاناً، وجعل لهم من الصفيح أجعاناً، ومن التراب أكفاناً، فهم جيرة لا يجيبون داعياً؛ ولا يمنعون ضيماً، ولا يبالون مندية، إن جبروا لم يفرحوا، وإن قحطوا لم يقنطوا، جميع وهم آحاد، وجيرة وهم أبعاد، متدانون لا يتزاورون، وقريبون

ص: 99

لايتقاربون)) (7/ 128).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشريف الرضي (رحمه اللّه) (7/ 234)

أعزز عليَّ بأن نزلت بمنزلٍ*** متشابه الأمجاد بالأوغاد

في عصبة جنبوا إلى آجالهم*** والدهر يعجلهم عن الإرواد

ضربوا بمدرجة الفناء قبابهم*** من غير أطناب ولا أوتاد

ركب أناخوا لايرجّى منهم*** قصد لأتهام ولا أنجاد

کرهوا النزول فأنزلتهم قعة*** للدهر نازلة لكل مقاد

فتهافتوا عن رحل كل مذلل*** وتطارحوا عن سرج كل جواد

بادون في صور الجميع فإنهم*** متفردون تفرد الآحاد

وقوله رضي اللّه عنه (7/ 234) :

متوسدين على الخدود كأنما*** کرعوا على ظمأٍ على الصهباء

صور ضننت على العيون بحسنها*** أمسيتُ أوقرها من البوغاء

ونواظر كحل الضباب جفونها*** قد كنت أحرسها من الأقذاء

قربت ضرائحهم على زوارها*** ونأوا عن الطلاب أيّ تناء

وقول عبد اللّه بن ثعلبة الحنفي (7/ 235) :

لكل أناس مقبر في ديارهم*** فهم ينقصون والقبور تزيد

همُ جيرة الأحياء أما مزارهم*** فدانٍ، وأما الملتقى فبعيد

ولقوله (علیه السلام):

ص: 100

((قد توکل اللّه لأهل هذا الدين بإعزاز الحورة، وستر العورة، والذي نصرهم، وهم قليل لا ينتصرون، ومنعهم وهم قليل لا يمتنعون، حي لا يموت)) (8/ 296).

استشهد ابن أبي الحديد بقول أخت الأشتر، مالك بن الحارث النخعي تبكيه (8/ 304) :

أبعد الأشتر النخعي نرجو*** مكاثرة ونقطع بطن واد

ونصحب مذحجاً بإخاء صدقٍ*** وإن ننسب فنحن ذرا إياد

ثقيف عمنا وأبو أبينا*** وإخوتنانزار أولو السداد

ولقوله تعالی :

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ }.

استشهد ابن أبي الحديد بقول الخنساء ترثي أخاها (11/ 231):

ولولا كثرة الباكين من حولي*** على إخوانهم لقتلت نفسي

وما يبكون مثل أخي ولكن*** أعزّي النفس عنه بالتأسّي

ولقوله (علیه السلام)کلاماً في عمر بن الخطاب (3/ 12):

استشهد ابن أبي الحديد بأحد الجن قوله (12/ 149) :

جزيت عن الإسلام خيراً وباركت*** يد اللّه في ذاك الأديم الممزق

فمن يسعَ أو يركب جناحي نعامةٍ*** ليدرك ماقدمت بالأمس يسبق

قضيت أموراً ثم غادرت بعدها*** بوائق في أكمامها لم تفتّق

ص: 101

أبعد قتيل بالمدينة أظلمت*** له الأرض تهتز العصاه بأسوق

وما كنت أخشى أن تكون وفاته*** بكفّيْ سبتني أزرق العين مطرق

تظل الحصان البكر يلقي جنينها*** نثا خیّرٍ فوق المطيِّ معلق

ولأولية إسلام علي (علیه السلام)في دعوة قريش الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلَّم) إن يدعو شجرة إليه بعروقها ففعل (13/ 212-312).

استشهد ابن أبي الحديد بقول هند بنت عتبة ترثي أهلها (13/ 283) :

ما كان من عتبة لي من صبر*** أبي وعمي وشقيق صدري

أخي الذي كان كضوء البدر*** بهم كسرت ياعلي ظهري

ولقوله (علیه السلام)من كتاب إلى معاوية :

((وزعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلان وفلان، فذكرت امراً إن تم لك اعتزلك كله، وإن نقص لم يلحقك ثمله، وما أنت والفاضل والمفضول، والسائس والمسوس؟ وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين، وترتيب درجاتهم، وتعریف طبقاتهم ؟ هيهات، لقد حن قدح ليس فيها، وطفق يحكم فيها من عليها الحكم لها)) (15/ 181).

استشهد ابن أبي الحديد بقول مطرود الخزاعي يرثي هاشماً (15/ 212):

مات الذي بالشام لما إن ثوى*** أودى بغرّة هاشم لايبعد

فجفانه رذمٌ لمن ينتابه*** والنصر أدنى باللسان وباليد

وقوله يرثيه أيضاً (15/ 212) :

ص: 102

فابكي على هاشم في وسط بلقعةٍ*** تقي الرياح عليه وسط غزوات

ياعين إبكي أبا الشعث الشجيات*** يبكينه حسراً مثل البنيّات

يبكين عمرو العلا إذ حان مصرعه*** سمح السجية بسّام العشيمات

یبکینه معولات في معاورها*** ياطول ذلك من حزن وعولات

محزمات على أوساطهن لما*** جرَّ الزمان من أحداث المصيبات

أبيت أرعى نجوم الليل من ألمٍ*** أبكي وتبكي معي شجواً بنياتي

وقول أبي طالب يرثي ندیمه مسافر بن عمرو بن أمية بن عبد شمس (15/ 219-220) :

ليت شعري مسافر بن أبي عمرو*** وليثٌ يغولها المحزون

كيف كانت مذاقة الموت إذ*** مت وما بعد الممات یکون

رحل الركب قافلين إلينا*** وخليلي في مرمس مدفون

بورك الميت الغريب کمابو*** رك نضر الريحان والزيتون

رزء ميت على هبالة قد*** حالت فيافٍ من دونه وحزون

مدرة يدفع الخصوم بأيدٍ*** وبوجهٍ يزينه العرنين

کم خليل وصاحب وابن عمٍ***وحميم قفت عليه المنون

فتعزيت بالجلادة والصبر*** وإني بصاحبي لضنين

وقول صفية ترثي أخاها الزبير بن عبد المطلب (15/ 222-223) :

بكي زبير الخير إذ مات إن*** كنت على ذي كرم باكية

ص: 103

لولفظته الأرض مالمتها*** أو أصبحت خاشعة عارية

قد كان في نفسي أن أترك ال*** موتى ولا أتبعهم قافية

فلم أطق صبراً على رزئه*** وجدته أقرب إخوانيه

فهو الشامي واليماني إذا*** ماخضروا، ذو الشفرة الدامية

وقول ضرار بن الخطاب يبكيه (15/ 223) :

بكي ضباع على أبي*** ك بكاء محزون أليم

قد كنت أنشره فلا*** رث السلاح ولا سليم

کالكوكب الدري يع*** لوضوؤه ضوء النجوم

زخرت به أعراقه*** ونماه والده الكريم

بين الأغروهاشم*** فرعين قد فرعا القروم

ولقوله (علیه السلام)من وصية للحسن (علیه السلام)( 16/ 9):

((إلى المولود المؤمل ما لا يدرك، السالك سبيل من قد هلك، غرض الأسقام ورهينة الأيام، ورمية المصائب، وعبد الدنيا، وتاجر الغرور، وغريم المنايا ، وأسير الموت، وحليف الهموم، وقليل الأحزان، ونصب الآفات، وصريع الشهوات، وخليفة الأموات).

استشهد بقول الجارود بن أبي سبره ( 16/ 14)، بعد وصول نعيه البصرة في يومين وليلتين :

إذا كان شرٌ سار يوماً وليلة*** وإن كان خيرٌ أخّر السير أربعا

ص: 104

إذا ما بريد الشر أقبل نحونا*** بإحدى الدواهي الرّيد سار وأسرعا

وقول سليمان بن قتة يرثيه وكان محبا له (16/ 52) :

ياكذب اللّه من نعي حسناً*** ليس لتكذيب نعيه ثمن

كنت خليلي وكنت خالصتي*** لكل حي من أهله سكن

أجول في الدار ولا أراك و ال*** دار أناس جوارهم غبن

بدّلتهم منك ليت أنهمٌ*** أضحوا وبيني وبينهم عدن

ولقوله (علیه السلام):

((ولكني آسي أن يلي هذه الأمة سفهاؤها وفجارها، فيتخذوا مال اللّه دولاً، وعباده خولاً، والصالحين حرباً، والفاسقين حزباً)) (17/ 225):

استشهد ابن أبي الحديد بقول أشجع السُّلَمي في الوليد بن عقبة وابن أبي زيد ففي الرقة قد فني جميعاً في موضع واحد (17/ 243):

مررت على عظام أبي زبيد*** وقد لاحت ببقعة صلود

فكان له الوليد ندیم صدقٍ*** فنادم قبره قبر الوليد

وما أدري بمن تبدو المنايا*** بمحزة أم بأشجع أم يزيد؟

ولقوله (علیه السلام):

((.. فإنا كنا - نحن وأنتم - على ما ذكرت من الألفة والجماعة ففرق بيننا وبينكم أمس، إنا آمنا وكفرتم، واليوم إنا استقمنا وفتنتم، وما أسلم مسلمكم إلا کرهاً)) ( 17/ 250) :

ص: 105

استشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول (18/ 15) :

إن مقیس بن ضبابة وأمه سمية، كان يوم الفتح عند أخواله بني سهم، فاصطبح الحمر ذلك اليوم في ندامی له، وخرج ثملاً يتغنى بأبيات (ذكرناها في التمثيل الذي سيرد) فلقيه نخيلة بن عبد اللّه الليثي، وهو من رهطه فضربه بالسيف حتى قتله فقالت أخته ترثيه :

لعمري لقد أخزى نخيلة رهطه*** وفجع أصناف النساء بمقيس

فلله عينا من رأي مثل مقيسٍ*** إذ النفساء أصبحت لم تخرَّس

ولقوله (علیه السلام): ((العلم وارثة كريمة، والآداب حلل مجددة، والفكر مرآة صافية)).

استشهد ابن ابي الحديد بقول أوس بن حجر وهو يرثي (18/ 93-94):

إن الذي جمع السماحة والنجدة*** والجزم والنهي جمعا

الألمعي الذي يظن بك ال*** ظن كأن قد رأى وقد سمعا

ولقوله (علیه السلام):

((أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم)) ( 18/ 112).

استشهد بقول الأعشى يرثي المنتشر بن وهب (18/ 114):

أما سلكت سبيلاً كنت سالكها*** فاذهب فلا يبعدنك اللّه منتشر

من ليس في خيره شر ینکده*** على الصديق ولا في صفوه کدر

ص: 106

وقول آخر يرثي صديقا له (18/ 114) :

أخ طالما سرني ذكره*** وأصبحت أشجي له ذكره

وقد كنت أغدو إلى قصره*** فأصبحت أغدو إلى قبره

وكنت أراني غنياً به*** عن الناس لومدَّ في عمره

إذا جئته طالباً حاجة*** فأمري يجوز على أمره

ولقوله (علیه السلام)، وقد سئل عن بيوتات قریش فعددها ووصفها (وقد ذكرناها).

فاستشهد ابن أبي الحديد بقول مسافر بن أبي عمرو يرثي هشامة (18/ 288) :

تقول لنا الركبان في كل منزل: *** أمات هشام أم أصابكم جدب

وقول عبد اللّه بن سلمة بن قشير (18/ 288) :

دعيني أصطبح يا بكر إني*** رأيت الموت نقّب عن هشام

وقول عبد اللّه بن ثور الخفاجي (18/ 288) :

وأصبح بطن مكة مقشعراً *** كأن الأرض ليس بها هشام

وقول أبي الطمحان القيني، أو أخوه (18/ 288):

وكانت قريش لا تخون صريمها *** من الخوف حتى ناهضت بهشام

وقول أبي بكر بن شعوب لقومه کنانة (18/ 288):

يا قومنا لا تهلكوا أخفاتا *** إن هشام القريشي ماتا

ص: 107

قول أبي طالب يرثي أبا أمية زاد الركب وهو خالد (18/ 291):

كأن على رضراض قص وجندل*** من اليبس أو تحت الفراش المجامر

على غير حاف من معدٍ وناعلٍ*** إذا الخير يرجى إذا الشر حاسر

ألا إن زاد الركب غير مدافع*** بسرد سُحيم غيّبته المقابر

تنادوا بأن لا سيد اليوم فيهم*** وقد فجع الحيان كعب وعامر

وكان إذا يأتي من الشام قافلاً*** تقدمه قبل الدنو البشائر

فيصبح آل اللّه بيضاً ثيابهم*** وقدماً حباهم والعيون کواسر

أخو جفنة لا تبرح الدهر عندنا *** مجعجعة تدمي وشاء وباقر

ضروب بنصل السيف سوق سحاتها *** إذا أرسلوا يوماً فإنك عاقر

فيالك من راع رميت بآلة*** شراعية تخضر منه الأظافر

وقول أبي طالب أيضاً يرثي خاله هشام بن المغيرة (18/ 291-291):

فقدنا عميد الحي والركن خاشع*** كفقد أبي عثمان والبيت والحجر

وكان هشام بن المغيرة عصمة*** إذا عرك الناس المخاوف والفقر

بأبياته كانت أرامل قومه*** تلوذ وأيتام العشيرة والسفر

فودّت قريش لوفدته بشطرها *** وقل لعمري لوفدوه له الشطر

نقول لعمرو أنت منه وإننا *** لنرجوك في جلّ الملمات يا عمرو

وقول ضباعة بنت عامر بن سلمة بن قرط ترثیه (18/ 292):

إن أبا عثمان لم أنسه*** وإن صبراً عن بكاه لحوب

ص: 108

تفاقدوا من معشر ما لهم*** أي ذنوب صوبوا في القليب

وقول عبد اللّه بن ثور (18/ 293) :

هريقا من دموعكما سجاما *** ضباع وحاربي نوحاً قياما

فمن للركب إذ جاؤوا طروقاً *** وعلّقت البيوت فلا هشاما

وقوله أيضاً (18/ 293) :

وما ولدت نساء بني نزار*** ولا رشحن أكرم من هشام

هشام بن المغيرة خير فهر*** وأفضل من سقى صوب الغمام

وقول أبي بكر بن الأسود بن شعيب يرثیه (18/ 298) :

ذريني أصطبح يا بكر إني*** رأيت الموت نقّب عن هشام

تخيره ولم يعدل سواه*** ونعم المرء بالبلد الحرام

وكنت إذا ألاقيه كأني*** إلى حرم و في شهر الحرام

فودّ بنو المغيرة لو فدوه*** بألف من رجال أو سوام

فبكيه ضباع ولا تملّي*** هشاماً إنه غيث الأنام

وقول الحارث بن أمية الضمدي (18/ 298) :

ألا هلك القناص والحامل الثقلا***ومن لا يظن عن عشيرته فضلا

وحرب أبا عثمان أطفأت نارها *** ولولا هشام أوقدت حطباً جزلا

وعانٍ تريكٌ يستكين لعلة*** فككت أبا عثمان عن يده الغلا

ألا لست کالهلكا فتبكي بكاءهم*** ولكن أرى الهلاك في جنبه وغلا

ص: 109

غدا وغدت تبكي ضباعة غيثا *** هشاماً وقد أعلت بمهلكه ضحلا

ألم تريا أن الأمانة أصعدت*** مع النعش إذ ولى وكان لها أهلا

وقوله أيضاً يبكيه ويرثيه (18/ 299):

وأصبح بطن مكة مقشعراً *** شديد المحل ليس به هشام

يروح كأنه أشلاء سوطٍ*** وفوق جفانه شحم ركام

فللكبراء أكل كيف شاؤوا *** وللولدان لَقمٌ واغتنام

فبكيه ضباع ولا تملي*** ثمال الناس إن قحط الغمام

وإن بني المغيرة من قريش*** و هم الرأس المقدم والسنام

وقول عبد اللّه بن ثور البكائي يرثيه (18/ 299-300) :

هريقي من دموعهما سجاما *** ضباع وجاوبي نوحاً قياما

على خير البرية لن تراه*** ولن تلقى مواهبه العظاما

جواد مثل سيل الغيث يوماً ***إذا علجانه يعلو الأكاما

إذا ما كان عام ذو عرام*** حسبت قدوره جبلاً صياما

فمن للركب إذ أمسوا طروقاً *** وغلقت البيوت فلا هشاما

وأوحش بطن مكة بعد أنس*** ومجد كان فيها قد أقاما

فلم أرَ مثله في أهل نجدٍ*** ولا فيمن بغورك يا تهاما

ولقوله (علیه السلام): ((كان لي فيما مضى أخ في اللّه، وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينيه،

ص: 110

وكان خارجاً من سلطان بطنه، فلا يتشهى ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد، .. فعليكم بهذه الخلائق فالزموها أو تنافسوا فيها، فإن لم تستطيعوا فاعلموا أن أخذ القليل خير من ترك الكثير)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول أعشى بأهله يرثي المنتشر بن وهب (19/ 183-184) :

طاوي المصير على الغرّاء منصلتٌ *** بالقوم ليلة لا ماء ولا شجر

تكفيه فلذة لحم إن ألمٌ بها *** من الشواء ويروى شربة العمر

ولا يبالي بما في القدر يرقبه*** ولا تراه أمام القوم يفتقر

لا يغمز الساق من أين ولا وصبٍ*** ولا يعض على شرسوفه الصفر

ولقوله (علیه السلام) للأشعث وقد عزاه عن ابنه :

((يا أشعث ابنك سرّك وهو بلاء وفتنة، وحزنك، وهو ثواب ورحمة)) (19/ 192) :

استشهد ابن أبي الحديد بقول البحتري وهو يرثي محمد بن وهب (19/ 193) :

إن الرزية في الفقيد فإن هفا *** جزع بلبّك فالرزية فيكا

ومتى وجدت الناس إلا تاركاً *** لحميمه في الترب أو متروكاً

لو ينجلي لك ذخرها من نكبةٍ*** و جلٍ لأضحكك الذي يبكيكا

وقول شاعر في رثاء ولده (19/ 194) :

ص: 111

وسميته يحيى ليحيى ولم یکن*** إلى رد أمر اللّه فيه سبيل

تخيّرت فيه الفأل حين رُزقته*** ولم أدرِ أن الفأل فيه يغيل

وقول آخر (19/ 194):

وهّون وجدي بعد فقدك أنني*** إذا شئت لاقيت امرءً مات صاحبه

وقول آخر (19/ 194) :

وقد كنت أرجو لو تحليت عيشة*** عليك الليالي مرّها وانتقالها

وأما وقد أصبحت في قبضة الردی*** فقل لليالي فلتصب من بدا لها

وقول المتنبي (19/ 194) :

قد كنت أشفق من دمعي على بصري*** فاليوم كل عزيز بعدكم هانا

وقول غيره (19/ 194) :

فراقك كنت أخشى فافترقنا *** فمن فارقت بعدك لا أبالي

ولقوله (علیه السلام)، عند وقوفه على قبر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلَّم) ساعة دفن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلَّم) :

((إن الصبر جميل إلا عنك، وإن الجزع لقبيح إلا عليك، وإن المصاب بك لجليل، وإنه بعدك لقليل)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول أحدهم (19/ 159) :

أمست بجفني للدموع کلوم*** حزناً عليك و الخدود رسوم

والصبر يحمد في المواطن كلها*** إلا عليك فإنه م ذموم

ص: 112

وقول أبي تمام (19/ 195) :

وقد كان يدعى لابس الصبر حازماً*** فقد صار يدعي حازماً حين يجزع

وقول أبي الطيب (19/ 195) :

أجد الجفاء على سواك مروءة*** والصبر إلا في نواك جميلا

وقول أبي تمام أيضاً (19/ 195) :

الصبر أجمل غير أن تلذذاً*** في الحب أولى أن يكون جميلا

وقول الخنساء أخت عمر بن الشريد (19/ 196) :

ألا يا صخر إن أبكيت عيني*** لقد أضحكتني دهراً طويلا

بكيتك في نساء معولاتٍ*** وكنت أحق من أبدى العويلا

دفعت بك الجليل وأنت حي*** فمن يدفع عن الخطب الجليلا

إذا قبح البكاء على قتيلٍ*** رأيت بكاءك الحسن الجميلا

وقول أحدهم (19/ 196) :

قد قلت للموت حين نازله*** والموت مقدامةٌ على البُهم

أذهب شئت إذا ظفرت به*** ما بعد يحيى للموت من ألم

وقول الشمردل اليربوعي يرثي أخاه (19/ 196) :

إذا ما أتي يوم من الدهر بيننا*** فحياك عناشرفه وأصائله

أبي الصبر إن العين بعدك لم تزل*** يحالف جفنيهاقذى ما تزايله

وكنت أعير الدمع قبلك من بكى*** فأنت على من مات بعدك شاغله

ص: 113

أعينيَّ إذ أبكاكما الدهر فابكيا*** لمن نصره قد بان عنا ونائله

وكنت به أغشى القتال فعزني*** عليه من المقدار من لا أقاتله

لعمرك إن الموت منا المولعٌ*** بمن كان يرجی نفعه وفواضله

وقول آخر يرثي رجلاً اسمه جارية (19/ 197) :

أجاريَ ما أزداد إلا صبابةً *** عليك وماتزداد إلا تنائيا

أجاريَ لونفس فدت نفس ميت*** فديتك مسروراً بنفسي وماليا

وقد كنت أرجو أن أراك حقيقة*** فحال قضاء اللّه دون قضائيا

ألا فليمت من شاء بعدك إنما*** عليك من الأقدار کان حذاريا

وقول الإمام علي (علیه السلام)نفسه ( 19/ 197) (قال يوم فاضت روح الرسول (صلّى اللّه عليه وآله)):

كنت السواد لناظري*** فبكى عليك الناظر

من شاء بعدك فليمت*** فعليت كنت أحاذر

وقول آخر:

سأبكيك ما فاضت دموعي فإن نفض*** فحسبك مني ما تجن الجوانح

كمن لم يمت حي سواك ولم تقم*** على أحد إلا عليك النوائح

لئن حسنت فيك المراثي بوصفها*** لقد حسنت من قبل فيك المدائح

فما أنا من رزءٍ وإن جل جازع*** ولا بسرورٍ بعد موتك فارح

ولقوله (علیه السلام)وقد عزى قوماً عن ميت لهم :

ص: 114

((إن هذا الأمر ليس بكم بدأ، ولا إليكم انتهى، وقد كان صاحبكم هذا يسافر؟

فقالوا : نعم.

قال : فعدوه في بعض سفراته، فإن قدم علیکم، وإلا قدمتم عليه)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول إبراهيم بن المهدي يرثي والده (195/ 274) :

يؤوب إلى أوطانه کل غائب*** وأحمد في الغيّاب ليس يؤوب

كأن لم يكن كالغصن في ميعة الضحى*** سقاه الندى فاهتز وهو رطيب

تبدل داراً غير داري وجيرة*** سواي وأحداث الزمان تنوب

أقام بها مستوطناً غير أنه*** على طول أيام المقام غريب

وإني وإن قُدِّمتَ قبلي لعالم*** بأني وإن أبطأت عنك قريب

وإن صباحاً نلتقي في مسائه*** صباح إلى قلبي الغداة حبيب

ولقوله (علیه السلام)عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلَّم):

((جاءه الموت فذهب به، فلبثتم بعد ما شاء اللّه، حتى يطلع اللّه لكم من يجمعكم ويضم نشركم)) (7/ 84) :

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر يرثي رجلاً؟ (7/ 88-89) :

لقد وارى المقابر من شُريكٍ*** كثير تحلّمٍ وقليل عاب

صموتاً في المجالس غيرعيِّ*** جديراً حين ينطق بالصواب

ص: 115

ص: 116

الاعتقادات

ص: 117

ص: 118

قيل إن الشاعر بشار بن بُرد المرعَّث كان يُرمي بالزندقة، إذ كان يذهب إلى تصويب إبليس في الامتناع من السجود ويفضله على آدم. ومن الشعر المنسوب إليه قوله (1/ 107) :

النار مشرقة والأرض مظلمة*** والنار معبودة مذ كانت النار

وكان أبو الفتوح أحمد بن محمد الغزالي الواعظ، أخو أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الفقيه الشافعي قاصاً لطيفاً وواعظاً. وقال يوما على المنبر :

- من لم يتعلم التوحيد من إبليس فهو زنديق، أمر أن يسجد لغير سيده فأبى.

ولست بضارع إلا إليكم*** وأما غيركم حاشا وكلا

وقال مرة أخرى، وقد ذكر إبليس على المنبر :

- لم يدر ذلك المسكين أن أظافير القضاء إذا حكت أدمت، وإن قسي القدر إذا رمت أصمت.

ص: 119

ثم قال لسان حال آدم ينشد في قصته وقصة إبليس (1/ 107) :

وكنت وليلى في صعود من الهوى*** ولما توافينا ثبتُّ وزلّتِ

وروي عن أبي يزيد البسطامي قوله (1/ 108) وهو يغالي في تفضيل إبليس على آدم :

فمن آدم في البين*** ومن إبليس لولاكا

فتنت الكل والكل*** هو الفتنة يهواكا

وكان في العرب مجسمة ومشبهة، منهم أمية بن أبي الصلت وهو القائل (1/ 191) :

من فوق عرش جالس قد خط*** رجليه إلى كرسيه المنصوب

قال ابن جريج : ما ظننت أن اللّه ينفع أحداً بشعر عمر ابن أبي ربيعة، حتى كنت باليمن فسمعت منشداً ينشد قوله (1/ 125):

باللّه قولا له في غير معتبةٍ*** ماذا أردت بطول المكث في اليمن

إن كنت حاولت دنياً أو ظفرت بها*** فما أخذت بترك الحج من ثمن

فحركني ذلك على ترك اليمن والخروج إلى مكة، فخرجت فحججت .

وسمع أبو حازم امرأة ترفث في كلامها فقال :

يا أمة اللّه ألست حاجة؟ ألا تتقين اللّه؟

فسفرت عن وجهٍ صبيح، ثم قالت أنا من اللواتي قال فيهن العرجي (1/ 125) :

ص: 120

أماطت کساء الخز عن حرِّ وجهها*** وردت على الخدين برداً مهلهلا

من اللائي لم يحججن يبغين حسبة*** ولكن ليقتلن البريء المغفّلا

فقال أبو حازم:

- فأنا أسأل اللّه أن لا يعذب هذا الوجه بالنار.

ومما نسب إلى الإمام علي (علیه السلام)قوله يخاطب الحارث الأعور الهمداني (1/ 299) :

يا حار همدان من يمت يرني*** و من مؤمن أو منافق قُبُلا

يعرفني طرفه وأعرفه*** بعينه واسمه ومافعلا

أقول للنار وهي توقد لل*** عرض ذريه لا تقربي الرجلا

ذريه لا تقربيه أن لا*** حبلاً بحبل الوصي متصلا

وأنت ياحار إن تمت ترني*** فلا تخف عثرة ولا زللا

أسقيك من بارد على ظمأ*** تخاله في الحلاوة العسلا

واستشهد ابن أبي الحديد ببعض شعره وهو يناجي به الباري سبحانه في خلواته. يقول عنه : ((إنه فن أطويه وأكتمه عن الناس، وإنما ذكرت بعضه في هذا الموضع، لأن المعنى ساق إليه، والحديث ذو شجون) (5/ 166-167):

يا جفاني فوجدي بعده عدم*** هبني أسأت فأين العفو والكرم

أنا المرابط دون الناس فاجف وصل*** وقل وعاقب وحاسب لست منهزم*

إن المحب إذا صحت محبته*** فما لوقع المواضي عنده ألم

ص: 121

وحق فضلك ما استيأست من نعم*** تسري إلي وإن حلت بي النقم

ولا أمنت نکالاً منك أرقبه*** وإن ترادفت الآلاء والنعم

حاشاك لا تعرض عمن في حشاشته*** نار لحبك طول الدهر تضطرم

ألم تقل إن من يدنو إلي قدر*** الذراع أدنو له باعاً وأبتسم

واللّه واللّه لوعاقبتني حقباً*** بالنار تأكلني حطماً وتلتهم

ما حلت عن حبك الباقي فليس على*** حال بمنصرم والدهر ينصرم

* [من حق (منهزم) النصب لأنه خبر ليس (الفتَّال)]

وأقام جعدة بن أبي أهبير - وهو ابن أخت الإمام علي (علیه السلام)حتى مات كافراً، وروى له محمد بن إسحاق، في كتاب المغازي شعراً يذكر فيه أم هاني وإسلامها، وإني مهاجر لها، اذ حيث إلى الإسلام من جملته (1/ 78-79) :

أشاقتك هند أم أتاك سؤالها*** كذاك النوى أسبابها وانفتالها

فإن كنت قد تابعت دین محمدٍ*** وقطعت الأرحام منك حبالها

فإني من قوم إذا جدَّ جدُّهم*** على أي حال أصبح القوم حالها

وإني لأحمي من دراءٍ عشيرتي*** إذا كثرت تحت العوالي مجالها

وطارت بأيدي القوم بيض كأنها*** مخاريق ولدان ينوس ظلالها

وإن كلام المرء في غير كنهه*** لنبل تهوى ليس فيها نصالها

وقال ابن أبي الحديد أرجوزة يشرح فيها عقيدة المعتزلة (11/ 120) :

وخير خلق اللّه بعد المصطفى*** أعظمهم يوم الفخار شرفا

ص: 122

السيد المعظم الوصي*** بعد البتول المرتضى علي

وابناه ثم حمزة وجعفر*** ثم عتيق بعدهم لا ينكر

والمخلص الصديق ثم عمر*** فاروق دين اللّه ذاك الغور

وبعده عثمان ذو النورين*** هذا هو الحق بغیر مین

قيل أن قريشا خرجت فارَّةٌ من الحرم خوفاً من أصحاب الفيل، وعبد المطلب يومئذ غلام شاب، فقال :

- واللّه لا أخرج من حرم اللّه أبغي العز في غيره .

فجلس في البيت وأجلت قريش عنه. فقال عبد المطلب :

لا همَّ أن المرء يم*** نع رحله فامنع حلالك

لا يغلبن صليبهم*** ومحالهم أبداً محالك

ونسب إلى شداد بن الأسود في إنكاره البعث قوله وهو يرثي قتلى بدر(1/ 118) :

فماذا بالقليب قليب بدرٍ*** من الفتيان والقوم الكرام

وماذا بالقليب قليب بدرٍ*** من الشيزي تكلل بالسنام

أيخبرنا ابن كبشة أن سنحيا*** وكيف حياة أصداء وهام؟

إذا ما الرأس قال بمنكبيه*** فقد شبع الأنيس من الطعام

أيقتلني إذا ماكنت حياً*** ويحييني إذا رمَّت عظامي

وكان من العرب من يعتقد التناسخ وتنقل الأرواح في الأجساد، ومن هؤلاء

ص: 123

أرباب الهامة، التي قال (علیه السلام)عنهم :

((لا عدوی ولا هامة ولاصفر)). وقال ذو الأصبع (1/ 119):

يا عمرو لا تدع شتمي ومنقصتي*** أضربك حيث تقول الهامة اسقوني

وقالوا أن ليلى الأخيلية لما سلمت على قبر توبة بن الحميِّر خرج إليها هامة من القبر صائحة، أفزعت ناقتها، فوقصت بها فماتت، وكان ذلك تصدیق قوله (1/ 199) :

ولو أن ليلى الأخيلية سلمت*** عليَّ ودوني جندل وصفائح

لسلمت تسليم البشاشة أو زقا*** إليها صدى من جانب القبر صائح

وكان عمر بن الخطاب قد أغلظ على جبلة بن الأيهم حتى اضطره إلى مغادرة دار الهجرة، بل دار الإسلام كلها، وعاد مرتداً داخلاً دین النصرانية،لأجل لطمة لُطمها، وقال جبلة بعد ارتداده متندماً على ما فعل (1/ 183) :

تنصرت الأشراف من أجل لطمةٍ*** وما كان فيها لو صبرت له ضرر

فياليت أمي لم تلدني وليتني*** رجعت إلى القول الذي قاله عمر

ص: 124

التصوف

ص: 125

ص: 126

قال (علیه السلام)بعد تلاوته : ((يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه)).

((إن اللّه سبحانه وتعالى جعل الذكر جلاءً للقلوب تسمع به بعد الوقرة، وتبصر به بعد العشوة، وتنقاد به بعد المعاندة، .. وإن للذكر لأهلاً أخذوه من الدنيا بدلا، فلم تشغلهم تجارة ولا بيع عنه، .. فلو مثلتهم لعقلك في مقاومهم المحمودة، ومجالسهم المشهودة، وقد نشروا دواوين أعمالهم، وفرغوا لمحاسبة أنفسهم على كل صغيرة وكبيرة، أُمروا بها فقصروا عنها، أو نُهوا عنها ففرطوا فيها.. يتسمون بدعائه روح التجاوز، رهائف فاقة إلى فضله، وأسارى ذلةٍ لعظمته)) (16/ 176) :

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشبلي (11/ 216):

ذكرتك لا أني نسيتك لمحة*** وأيسر ما في الذكر ذکر لساني

فكدت بلا وجد أموت من الهوى*** وهام عليَّ القلب بالخفقان

فلما أراني الوجد أنك حاضري*** شهدتك موجوداً بكل مكان

فخاطبت موجوداً بغير تكلم*** ولاحظت معلوماً بغير عيان

ص: 127

وقول الحسين بن منصور الحلاج (11/ 222) :

إني لأكتم من علمي جواهره*** كي لا يرى العلم ذو جهل فيفتتنا

وقد تقدمني فيه أبو حسنٍ*** إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا

یا رب مکنون علم لو أبوح به*** لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا

ولاستحل رجال صالحون دمي*** يرون أقبح ما يأتونه حسنا

وقول الشاعر (11/ 224):

أنا صبٌ بمن هويت ولكن*** ما احتيالي في سوء رأي الموالي

وقول ابن ظفر في كتابه سلوان المطاع (4/ 8) :

أيا من يعوّل في المشكلات*** على ما رآه وما دبّره

إذا عضل الأمرفانزع به*** إلى من يرى منه ما لم تره

تكن بين أعطف نيل الخطوب*** ولطف يهوّن ماقدّره

إذا كنت تجهل عقبى الأمور*** ومالك حولٌ ولا مقدرة

ولم ذا العنا وعلام الأسى*** ومم الحذار، وفيم الشره

وقوله أيضاً ( 18/ 228):

يا رب مغتبط ومغبو*** طٍ بأمرٍ فيه هلکه

ومنافس في ملك ما*** يشقيه في الدارين ملكه

علم العواقب دونه*** ستر وليس يرام هتكه

ومعارض الأقدار بال*** آراء سيء الحال ضنکه

ص: 128

فکن امرءً محض اليقي*** ن وزيف الشبهات سبکه

تفويضه توحيده*** وعناده المقدار شرکه

ولقوله (علیه السلام):

((الحمد لله الذي لا تدركه الشواهد، ولا تحويه المشاهد، ولا تراه النواظر، ولا تحجبه السواتر، الدال على قدمه، بحدوث خلقه وبحدوث خلقه على وجوده، و باشتباههم على أن لا شبه له. الذي صدق في ميعاده، وارتفع عن ظلم عباده، وقام بالقسط في خلقه، وعدله عليهم في حكمه، مستشهد بحدوث الأشياء، على أزليته، وبما وسمه به من العجز على قدرته، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه، واحد لا بعدد، ودائم لا بأمد، وقائم لا بعمد (13/ 50):

استشهد ابن أبي الحديد بمجموعة من شعر نفسه كقوله (13/ 50):

واللّه لا موسي ولا*** عيسى المسيح ولا محمد

علموا ولا جبريل وه*** و إلى محل القدس يصعد

کلا ولا النفس البسي*** طة، لا ولا العقل المجرد

من کنه ذاتك غير أن*** ك واحديّ الذات سرمد

وجدوا إضافات وسل*** باً والحقيقة ليس توجد

ورأوا وجوداً واجباً ***يفنى الزمان وليس ينفد

فلتخسأ الحكماء عن*** حرج له الأفلاك تسجد

من أنت يارسطو ومن*** أفلاط قبلك يا مبلّد

ص: 129

ومن ابن سینا حين قر*** رما بنيت له وشيّد

هل أنتم إلا الفراش*** رأى الشهاب وقد توقد

فدنا فأحرق نفسه*** ولو اهتدى رشداً لأبعد!

وقوله (13/ 51):

فيك يا أعجوبة الكو***ن الفكركليلا

أنت حيرت ذوي اللب*** و وبلبلت العقولا

كلما أقدم فكري*** فيك فرّ میلا

ناكصاً يخبط في عم*** ياء لا يهدي السبيلا

وقوله أيضاً (13/ 51):

فيك يا أغلوطة الفكر*** تاه عقلي وانقضى عمري

سافرت فيك العقول فما*** ربحت إلا أذى السفر

رجعت حسرى وما وقفت*** لا على عين ولا على أثر

فلحي اللّه الأولى زعموا*** أنك المعلوم بالنظر

کذبوا إن الذي طلبوا*** خارج عن قوة البشر

وقوله ( 13/ 51) :

أفنيت خمسين عاماً معملاً نظري*** فيه، فلم أدرِ ما آت وما أذر

من كان فوق عقول القايمين فما*** ذا يدرك الفكر أو ما يبلغ النظر

وقوله (13/ 51-52) :

ص: 130

حبيبي أنت لا زيد ولا عمرو*** وإن حيرتني وفتنت ديني

طلبتك جاهدً خمسين عاماً*** فلم أحصل على برد اليقين

فهل بعد الممات بك اتصال*** فأعلم غامض السر اليقين

نوىً قَذُفٌ وكم قد مات قبلي*** بحسرته عليك من القرون

وقوله (13/ 52-53) :

يامدهش الألباب والفطن*** ومحيّر التقوالة اللسن

أفنيت فيك العمر أنفقه*** والمال مجاناً بلا ثمن

أتتبع العلماء أسالهم*** وأجول في الآفاق والمدن

وأخالط الملل التي اختلفت*** في الدين حتى عابد الوثن

وظننت أني بالغ غرضي*** لما اجتهدت ومرئي شجني

ومطهر من كل حس هوى*** قلبي بذاك وغاسل درني

فإذا الذي استكثرت منه هو*** الجاني عليّ عظائم المحن

فظللت في تيه بلا علم*** وغرقت في يم بلاستن

ورجعت صفر الكف مكتئباً*** حیران ذا همٍ وذا حزن

أبكي وأنکت في الثرى بيدي*** طوراً وأدعم تارة ذقني

وأصيح يامن ليس يعرفه*** أحد مدى الأحقاب والزمن

يا من له عنت الوجوه ومن*** قرنت له الأعناق في قرن

أمنت يا جذر الأصم من ال*** اعداد بل یا فتنة الفتن

ص: 131

أن ليس تدركك العيون وأن*** الرأي ذو فن وذو غبن

والكل أنت فكيف يدركه*** و بعض وأنت السرفي العلن

وقوله (13/ 53) :

ناجيته ودعوته اكشف عن عشا*** قلبي وعن بصري وأنت النور

وارفع حجابا قد سدلت ستوره*** دوني، وهل دون المحب ستور

فأجابني صه يا ضعيف وبعض ذا*** قد رامه موسى فدُكَّ الطور

وقوله (13/ 53) :

حبيبي أنت من دون البرايا*** وإن لم أحظ منك بما أريد

قنعت من الوصال بكشف حالٍ*** فقيل ارجع فمطلبها بعيد

ألم تسمع جواب سؤال موسى*** وليس على مكانته مزيد

تعرض للذي حاولت يوماً*** و فدُكّ الصخر واضطرم الصعيد

وقوله (13/ 53) :

قد حار في النفس جميع الورى*** والفكر فيهاقد غدا ضائعا

وبرهن الكل على ما ادعوا*** وليس برهانهم قاطعا

من جهل الصنعة عجزاً فما*** أجدره أن يجهل الصانعا

ولقوله (علیه السلام):

((واعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار ملکه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته، .. فإذا عرفت ذلك فافعل كما ينبغي لمثلك أن

ص: 132

يفعله في صغر خطره، وقلة مقدرته، وكثرة عجزه، وعظيم حاجته إلى ربه..)) (16/ 77) :

فاستشهد ابن أبي الحديد بقول نفسه (16/ 79) :

فلا واللّه ما وصل ابن سينا*** ولا أغنى ذكاء ابن الحسین

ولا رجعا بشيء بعد بحثٍ*** وتدقيق سوى خفي حنين

لقد طوفت أطلبكم ولكن*** يحول الوقت بينكم وبيني

فهل بعد انقضاء الوقت أحظى*** بوصلكم غداً وتقرعيني

متى عشنا بها زمناً وكانت*** تسوقنا بصدقٍ أو يمين

فإن أكدَتْ فذاك ضياع ديني*** وإن أجدت فذاك حلول ديني

وقوله (16/ 79) :

أمولاي قد أحرقت قلبي فلا تكن*** غداً محرقاً بالنار من كان يهواكا

أتجمع لي نارين نار محبة*** ونار عذاب أنت أرحم من ذاكا

وقوله (16/ 79-80) :

قوم موسى تاهوا سنيناً كما قد*** جاء في النص قدرها أربعونا

ولي اليوم تائهاً في جوى من*** لا أسجي وهبته خمسونا

قل لأحبابنا إلى م تروم ال*** وصل منكم وأنتم تمنعونا

کم نناجيكم فلا ترشدونا*** ونناديكم فلا تسمعونا

فعسى تدرك السعادة أربا*** ب المعاصي فيصبحوا فائزينا

ص: 133

وقوله (16/ 80-81) :

واللّه ما آسى من الدنيا على*** مال ولا ولد ولا سلطان

بل في صميم القلب مني حسرة*** تبقى معي وتلف في أكفاني

إني أراك بباطني لا ظاهري*** فالحسن مشغلة عن العرفان

يا من سهرت مفكراً في أمره*** خمسين حولاً دائم الجولان

فرجعت أحمق من تعاسة بيهسٍ*** وأضل سعياً من أبي غبشان

وقوله (16/ 80-81) : پ

وحقك إن أدخلتني النار قلت لك*** ذین بهاقد كنت ممن أحبه

وأفنيت عمري في علوم دقيقة*** وما بغيتي إلا رضاه وقربه

هبوني مسيئاً أوتغ الحلم جهله*** وأوبقه بین البرية ذنبه

أما يقتضي شرع التكرم عتقه*** أيحسن أن ينسى هواه وحبه

أما كان ينوي الحق فيما يقوله*** ألم تنصر التوحيد والعدل كتبه

أما رد زيغ ابن الخطيب وشکه*** وإلحاده إذ جل في الدين خطبه

أما قلتموا من كان فينا مجاهداً*** سيكرم مثواه ويعذب شربه

ونهديه سبلاً من هدانا جهاده*** ويدخله خير المداخل كسبه

فأي اجتهاد فوق ما كان صانعاً*** وقد أحرقت زرق الشياطين شهبه

وما نال قلب الجيش جيش محمدٍ*** كما نال من أهل الضلالة قلبه

فإن تصفحوا يغتم وإن تتجعوا*** فتعذيبكم حلو المذاقة عذبه

ص: 134

وآية صدق الصب أن يعذب الأذى*** إذا كان من يهوى عليه يصبّه

وقوله (16/ 81) :

إذا فكرت فيك يحار عقلي*** وألحق بالمجانين الكبار

وأصحوتارة فيشوب ذهني*** ويقدح خاطري کشواظ نار

فيامن تاهت العقلاء فيه*** فأمسوا كلهم صرعى عقار

ويامن كلت الأفكار عنه*** فابت بالمتاعب والخسار

ويامن ليس يعلمه نبي*** ولا ملك ولا يدريه دار

ويامن ليس قداماً وخلفاً*** ولا جهة اليمين ولا اليسار

ولا فوق السماء ولا تدلى*** من الأرضين في لجج البحار

ويامن أمره من ذاك أجلي*** من ابن ذكاء أو صبح النهار

سألتك باسمك المكتوم إلا*** فككت النفس من رق الإسار

وجدت لها بما تهوى فإن ال*** علیم ببا بطن اللغز الضمار

وقوله (16/ 81):

يا رب إنك عالم*** بمحبتي لك واجتهادي

وتجردي للذب عن*** لك علی مراغمة الأعادي

بالعدل والتوحيد أص*** دع معلناً كل ناد

وكشفت زيغ ابن الخطي*** ب ولبسه بين العباد

ونفضت سائر مابنا*** ه من الضلالة والفساد

ص: 135

وأبنت عن إغوائه*** في دين أحمد ذي الرشاد

وجعلت أوجه ناصری*** ه محمماً بالسواد

وكففت من غلوائهم*** بعد التمرد والعناد

فكأنما نُحل الرماد*** عليهم بعد الرماد

وقصدت وجهك أبتغي*** حسن المثوبة في المعاد

فأفض على العبد الفقير*** إليكم نور السداد

وارزقه قبل الموت مع*** رفة المصائر والمبادي

وافكك أسير الحرص بال*** أصفاد من أسر الصفاد

واغسل بصفو القرب من*** أبوابكم كدر البعاد

وأعضه من حر الغلي*** ل بوصلكم برد الفؤاد

وارحم عيوناً فيك ها*** مية وقلباً فيك صاد

یاساطع الأرض المهاد*** وممسك السبع الشداد

ص: 136

وصف الموتى والقبور

ص: 137

ص: 138

قال (علیه السلام)في حديث له عن الموتی :

((سلكوا في بطون البرزخ سبيلاً سُلّطت الأرض عليهم فيه، فأكلت في لحومهم، وشربت من دمائهم، فأصبحوا في فجوات قبورهم جماداً لا ينمون، وظماراً لا يوحدون..)) (11/ 150).

فاستشهد ابن أبي الحديد بمجموعة من الشعر كقول الشاعر (11/ 156) :

لابد من يوم بلا ليلة*** أو ليلة تأتي بلایوم

وقول الشريف الرضي (رحمه اللّه) (11/ 157):

أعزز عليّ بأن نزلن بمنزل*** متشابه الأمجاد بالأوغاد

في عصبة جنبوا إلى آجالهم*** والدهر يعجلهم عن الأدواد

ضربوا بمدرجة الفناء قبابهم*** من غير أطناب ولا أعماد

ركب أناخوا لا يرجى منهم*** قصد لأنهام ولا أنجاد

کرهوا النزول فأنزلتهم وقعة*** للدهر باركة لكل مغاد

فتهافتوا عن رحل كل مذللٍ*** وتطارحوا عن سرج كل جواد

بادون في صور الجميع وإنهم*** متفردون تفرد الأحاد

ص: 139

وقوله أيضاً (11/ 157) :

ولقد حفظت له فأين حفاظه*** ولقد وفيت له فأين وفاؤه؟

أوعى الدعاء فلم يجبه قطيعة*** أم ظل عنه من البعاد دعاؤه

هيهات أصبح سمعه وعيانه*** في الترب قد حجبتهما أقذاؤه

يمسي وليس مهاده حصباؤه*** فيه، ومؤنسة له ظلماؤه

قد قلّيت أعيانه وتنكّرت*** أعلامه، وتكسّفت أضواؤه

مغفٍ وليس للذة إغفاؤه*** مغضٍ وليس لفكرةٍ إغضاؤه

وجع کلمع البرق غاض وميضه*** قلب كصدر العضب فُل مضاؤه

حكم البلی به فلو تلقی به*** أعداؤه لرثى له أعداؤه

وقول أبي العلاء (11/ 158) :

أستغفر اللّه ما عندي لكم خبر*** وما خطابي إلا معشر قبر

أصبحتم في البلى غبراً ملابسكم*** من الهباء فأين البُر والقِطر

كنتم على كل خطب فادح صُبرا*** فهل شعرتم، وقد جاءتكم الصِّبر

فما درى يوم أحد بالذين ثووا*** فيه، ولا يوم بدر أنهم قصروا

وقول أبي عامر الكلابي (11/ 158) : :

أجازعة ردينة أن أتاها*** نعيّ أم يكون له اصطبار

إذا ما أهل قبري ودعوني*** وراحوا والأكف بها غبار

وغودر أعظمي في لحد قبر*** تراوحه الخبائث والقطار

ص: 140

تهب الريح فوق محط قبري*** ويرعى حوله اللهق النوار

مقيم لا يكلمني صديق*** بقبر، لا أزور ولا أزار

فذاك النأي لا الهجران حولاً ***وحولاً ثم تجتمع الديار

وقول الشاعر عن حال الإنسان (11/ 168) :

بين الفتى مرح الخطى فرحاً بها*** يُسعى له، إذ قيل قد مرض الفتى

إذ قيل بات بليلة ما نامها*** إذ قيل أصبح مثقلاً ما يرتجی

إذ قيل أمسي شاخصاً وموجهاً*** إذقيل فارقهم وحل به الردى

وقول أبي النجم العجلي (11/ 168):

والمرء كالحالم في المنام*** يقول إني مدرك أمامي

في قابل ما فاتني في العام*** والمرء يدنيه إلى الحمام

مر الليالي السود والأيام*** إن الفتى يصبح للأسقام

کالغرض المنصوب للسهام*** أخطأ رام وأصاب رام

وقول عمران بن حطان (11/ 168-169) :

إلى كل عام مرضة ثم فقهة*** ويُنعى، ولا ينعى، متى ذا؟ إلى متى؟

ولابد من يوم يجيء وليلةٍ*** يسوقان حتفاً راح نحوك لوغدا

وقول عبدة بن الطبيب، وكان لصاً من لصوص بني مدين بن زید مناة بن تمیم (11/ 119):

ولقد علمت بأن قصري حفرة*** غبراء يحملني إليها شرجع

ص: 141

فيكا بناتي شجوهن وزوجتي*** والأقربون إليّ ثم تصدّعوا

وتركت غبراء يُكرَّه وردها*** تسفي عليَّ الريح ثم أودع

إن الحوادث تجترمن وإنما*** عمر الفتى في أهله مستودع

وقول متمم بن نويرة اليربوعي (11/ 169-170) :

ولقد علمت ولا محالة أنني*** للحادثات فهل ترين أجزع

أهلكن عاداً ثم آل محرّقٍ*** فتركتهم بلداً وماقد جمعوا

ولهنَّ كان الحادثان كلاهما*** ولهن كان أخو المصانع تبع

فغدوت آبائي إلى عرق الثوی*** فدعوتهم فعلمت أن لم يسمعوا

ذهبوا ولم أدركهم ودعتهم*** غول أتوها والطريق المهيع

لابد من تلفٍ مصیب فانتظر*** أبأرض قومك أم بأخرى تصرع

وليأتين عليك يوم مرة*** يُبكي عليك مقنعاً لا تسمع

وقول الحرقة بنت النعمان بن المنذر وهي تصف حالها لخالد بن الوليد عندما فتح عين التمر وكانت فيها وقد عمیت (11/ 170) :

وبينا نسوس الناس والأمر أمرنا*** إذا نحن فيه سوّق نتنصف

فإن الدنيا لا يدوم نعيمها*** تقلّب ثارات بنا وتصرّف

فقال قائل من كان حول خالد :

- قاتل اللّه عدي بن زید! لكأنه ينظر إليها حين يقول :

إن للدهر ص رعة فاحذرنها*** لا تبيتن قد أمنت الدهورا

ص: 142

قد يبيت الفتي معافي فيردي*** ولقد كان آمناً مسرورا

وبالرواية التي تقول (11/ 171):

كان محمد بن عبد اللّه بن طاهر في قصره ببغداد على دجلة، فإذا بحشيش على وجه الماء في وسطه قصبة على رأسها رقعة فأمر بها فوجد هذا :

تاه الأعيرج واستولى به البطر*** فقل له خير ما استعملته الحذر

أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت*** ولم تخف سوء ما يأتي به القدر

وسالمتك الليالي فاغتررت بها*** وعند صفو الليالى يحدث الكدر

وقول عدي بن زید (11/ 171-172) :

أيها الشامت المعيره بالدهر*** أأنت المبرأ الموفور؟

أم لديك العهد الوثيق من الأيا*** م، بل أنت جاهل مغرور

من رأيت المنون خلّدن أم من*** ذا عليه من أن يضام خفير

أين كسرى كسرى الملوك أنوشر*** وان أم أين قبله سابور

وبنو الأصفر الكرام ملوك ال*** روم لم يبق منهم مذكور

وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج*** لة تجبى إليه والخابور

لم يهبه ريب المنون فياد ال*** ملك عنه فبابه مهجور

شاده مرمراً وجلله كأ*** ساً فللطير في ذراه وكور

وتبيّن رب الخورنق إذ أشر*** ف يوماً وللهدى تفكير

سرّه حاله وكثرة ما يم*** لك والبحر معرضاً والسدير

ص: 143

فارعوى قلبه وقال: فما غب*** طة حي إلى الممات يصير

ثم بعد الفلاح والملك والأمة*** وارتهم هناك القبور

ثم أضحوا كأنهم ورق جف *** فالوت به الضبا والدبور

وقول الشريف الرضي (رحمه اللّه) (11/ 172-173):

انظر إلى هذا الأنام بعبرةٍ*** لا يعجبنك خلقه ورواؤه

فتراه كالورق النظير تقصفت*** أغصانه، وتسلّبت شجراؤه

أنا تحاماه المنون وإنما*** خلقت مراعي للردی خضراؤه

أم كيف تأمل فلته أجساده*** من ذا الزمان وحشوه أدواؤه

لا تعجبن من العجيب فناؤه*** بيد المنون، بل العجيب بقاؤه

إنا لنعجب کیف حُمٌ حمامه*** عن صحة، ويغيب عنا داؤه

من طاح في سبل الردي آباؤه*** فليسلكن طريقهم أبناؤه

ومؤمر نزلوا به في سوقةٍ*** لاشكله فيها ولا نظراؤه

قد كان يغرق ظله أقرانه*** ويغض دون جلاله أكفاؤه

ومحجبٌ ضُربت عليه مهابة*** يعشي العيون بهاؤه وضياؤه

نادته من خلف الحجاب منية*** أمم فكان جوابها حوباؤه

شقت إليه سيوفه ورماحه*** وأميط عنه عبيده وإماؤه

لم يغنه من كان ود لو أنه*** قبل المنون من المنون فداؤه

حرم عليه الذل إلا أنه*** أبداً ليشهد بالجلال بناؤه

ص: 144

ولقد مررت ببرزخ فسألته*** أين الأولى ضمتهم أرجاؤه

مثل المطي بوارکاً أجداثه*** تسفي على جنباتها بوغاؤه

ناديته فخفى عليّ جوابه*** بالقول إلا مازقت أصداؤه

من ناظر مطروقة ألحاظه*** أو خاطر مظلولة سوداؤه

أو واجد مكظومة زفراته*** أو حاقد منسية شحناؤه

ومسندين على الجنوب كأنهم*** شرب تخاذل بالطلا أعضاؤه

تحت لصعيد لغير إشفاق إلى*** يوم المعاد يضمهم أحشاؤه

أكلتهم الأرض التي ولدتهم*** أكل الضروس حلت له أكلاؤه

وقوله أيضاً (74/ 175) :

وتفرق البعداء بعد تجمع*** صعبٍ، فكيف تجمع القرباء

وخلائق الدنيا خلائق مومس*** للمنع آونةً، وللإعطاء

طوراً تبادلك الصفا وتارة*** تلقاء تنكرها من البغضاء

وتداول الأيام يبلينا كما*** يبني الرشاد تطاوح الأرجاء

وكأن طول العمر روحة راكبٍ*** قضّى اللغوب وجدّ في الإسراء

لهفي على القوم الأولى غادرتهم*** وعليهم طبقٌ من البيداء

متوسدين على الخدود كأنما*** کرعوا على ظمأ من الصهباء

صور ظننت على العيون بلحظها*** أمسيت أوقرها من البوغاء

ونواظر كحل التراب جفونها*** قد كنت أحرسها من الأقذاء

ص: 145

قربت ضرائحهم على زوارها*** ونأوا عن الطلاب أي تناء

ولبئس ما يلقى بعقر ديارهم*** أذن المصيخ بها وعين الرائي

ولقوله (علیه السلام)، وقد رجع من صفين فأشرف على القبور بظاهر

الكوفة (18/ 322):

((يا أهل الديار الموحشة، والمحال المقفرة، والقبور المظلمة، يا أهل التربة، ويا أهل الغربة، يا أهل الوحدة، يا أهل الوحشة، أنتم لنا فرطٌ سابق، ونحن لكم تبعٌ لاحق، أما الدور فقد سكنت، وأما الأزواج فقد نكحت، وأما الأموال فقد قسمت، هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟))

ثم التفت إلى أصحابه فقال :

((أما واللّه لو أذن لهم في الكلام، لأخبروكم أن خير الزاد التقوى)).

فاستشهد ابن أبي الحديد بقول مكتوب على قبر (18/ 323):

مقيم إلى أن يبعث اللّه خلقه*** لقاؤك لا يرجى وأنت رقيب

تزيد بلي في كل يوم وليلةٍ*** وننسی کمانبلى وأنت حبيب

وقول شاعر (18/ 324) :

أجازعة ردينة أن أتاها*** نعيٌّ أم يكون لها اصطبار

إذا أهل قبري ودعوني*** وراحوا والأكف بها غبار

وغودر أعظمي في لحد قبرٍ*** تراوحه الخبائب والقطار

تهب الريح فوق محط قبري*** ويرعى حوله اللهق النوار

ص: 146

مقيم لا يكلمني صديق*** بقفر لا أزور ولا أُزار

فذاك النأي لا الهجران حولاً*** وحولاً ثم تجتمع الديار

وقول الآخر (18/ 324):

كأني بإخواني على حافتي قبري*** يهيلونه فوقي وأدمعهم تجري

فيا أيها المذرّي عليّ دموعه*** ستعرض في يومين عني وعن ذكري

عفا اللّه عني يوم أترك ثاوياً*** أزار فلا أدري وأجفى فلا أدري

ولقوله (علیه السلام):

((واعلم يا بني أنك خلقت للآخرة لا للدنيا، وللفناء لا للبقاء، وللموت لا للحياة.. وإياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهل الدنيا إليها، وتكالبهم عليها)) (16/ 89) :

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي العتاهية في ذكر الموت (16/ 92):

ستباشر الزباء خدك*** وسيضحك الباكون بعدك

ولينزلن بك البلى*** وليخلفن الموت عهدك

وليفنينك مثلما*** أفني أباك، بلی، وجدك

لوقد رحلت عن القصو*** ر وطيبها وسكنت لحدك

لم تنتفع إلا بفع*** لٍ صالح قد كان عندك

ص: 147

ص: 148

الصبر والزهد

ص: 149

ص: 150

قال الإمام علي (علیه السلام):

((... ولسان الصدق يجعله اللّه للمرء في الناس خيراً له من المال يورثه غيره)).

فاستشهد ابن أبي الحديد بقول أعشی همدان (1/ 320) :

إن نلت لم أفرح بشيء نلته*** وإذا سُبقت به فلا أتلهف

ومتى تصبك من الحوادث نكبة*** فاصبر فكل غيابة تتكشف

والبيت الثاني هو الذي قاله الحجاج يوم قتله الأعشى، إذ لما أتى الحجاج بأعشى همدان أسيراً ؛ وقد كان خرج مع ابن الأشعث، قال :

- يا ابن اللحناء يا أنت القائل لعدو الرحمن - يعني عبد الرحمن بن الأشعث (1/ 320)

يابن الأشج قريع كندة*** لا أبالي فيك عتبا

أنت الرئيس بن الرئيس*** وأنت أعلى الناس كعبا

نبئت حجاج بن يوسف خرَّ*** من زلقٍ فتبّا

فانهض هديت لعله*** يجلو بك الرحمن کربا

ص: 151

وابعث عطية في الحرو***ب یکبهن عليه كبّا

ثم قال :

- عبد الرحمن خرّ من زلق فتب، وخسر وانكب، وما لقي ما أحب. ورفع بها صوته، واهتز منكباه، ودر ودجاه واحمرّت عيناه، ولم يبق في المجلس إلا من هابه ، فقال : - أيها الأمير، وأنا القائل (1/ 320):

أبى اللّه إلا أن يتمم نوره*** ويطفيء نور الكافرين فتخمدا

وينزل ذلاً بالعراق وأهله*** كما نقضوا العهد الوثيق المؤكدا

وما لبث الحجاج أن سل سيفه*** علينا، فولى جمعنا فتبددا

فالتفت الحجاج إلى من حضر، فقال :

ما تقولون؟

قالوا :

- لقد أحسن أيها الأمير، ومحا بآخر قوله أوله، فليسعه حلمك.

فقال :

-لاها اللّه، إنه لم يرد ما ظنتم، وإنما أراد تحريض أصحابه، ثم قال له :

- ألست القائل :

(إن نلت.. البيتان)؟

أما واللّه لتظلُمن عليك غيابة لا تنكشف أبداً، ألست القائل في عبد الرحمن

ص: 152

(1/ 321-322) :

وإذا سألت المجد أين محله*** فالمجد بين محمد وسعيد

بين الأشجّ وبين قیس نازل*** وبخٍ لوالده وللمولود

ولا يبخبخ بعدها أبداً، ..

یا حرس، اضرب عنقه.

وقال سعيد بن حميد الكاتب (1/ 320) :

لا تعتبن على النوائب*** فالدهر يرغم كل عاتب

واصبر على حدثانه*** إن الأمور لها عواقب

کم نعمة مطوية*** لك بين أثناء النوائب

ومسرّة قد أقبلت من حيث تنتظر المصائب

وقول العتابي (1/ 322):

اصبر إذا بدهتك نائبة*** ماعال منقطع إلى صبر

الصبر أولى ما اعتصمت به*** ولنعم حشوجوانح الصدر

وقول الشاعر (1/ 323):

ويوم كيوم البعث مافيه حاكم*** ولا عاصم إلا قنا ودروع

حبست به نفسي على موقف الردی*** حفاظاً وأطراف الرماح شروع

وما يستوي عند الملمات إن عرت*** صبور على مكروهها وجزوع

وقول أبي حية النميري (1/ 323) :

ص: 153

إني رأيت وفي الأيام تجربة*** للصبر عاقبة محمودة الأثر

وقلّ من جد في أمر يحاوله*** واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر

وقول عبد العزيز بن زرارة الكلابي (1/ 323) :

قد عشت في الدهر أطواراً على طرقٍ*** شتى فقاسيت منه الحلو والبشعا

كلاً بلوت فلا النعماء تبطرني*** ولا تخشعت من الأوائها جزعا

لا يملأ الأمر صدر قبل موقعه*** ولا يضيق به صدري إذ وقعا

وقول منصور النميري في الرشید (1/ 324) :

ويوم كان المصطلين بحرّه*** وإن لم يكن جمراً قيام على جمر

صبرنا له حتى تجلي وإنما*** تُفَرّح أيام الكريهة بالصبر

وبكتابه (علیه السلام)الذي كتبه إلى عقيل أخيه :

((لا تحسبن ابن أمك - ولو أسلمه الناس - متضرعاً متخشعاً، ولا مقراً للضيم واهناً، ولا سَلِس الزمام للقائد، ولا وطيء الظهر للراكب، ولكنه كما قال أخو بني سليم (1/ 324-325) :

فإن تسأليني كيف أنت فإنني*** صبور على ريب الزمان صليب

يعز عليَّ أن تُرى بي كآبة*** فيشمت عاد أو يساء حبيب

ولقوله (علیه السلام):

((دار بالبلاء محفوفة، وبالغدر معروفة، لا تدوم أحوالها، ولا يسلم نزّالها.. إنكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى قبلكم، ممن كان أطول

ص: 154

منكم أعماراً، وأعمر دياراً وأبعد آثاراً؛ أصبحت أصواتهم هامدة ورياحهم راكدة، وأجسادهم بالية، وديارهم خالية ..)). استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي نواس (11/ 260/ 261):

يابني النقص والغَير*** وبني الضعف والخوَرْ

وبني البعد في الطباع*** على القرب في الصورْ

والشكول التي تبا*** ين في الطول والقصرْ

أين من كان قبلكم*** من ذوي البأس والخطرْ

سائلوا عنهم المدا*** ئن واستبحثوا الخبرْ

سبقونا إلى الرحي*** ل وإن البالأثرْ

من مضى عِبَرٌ لنا*** وغداً نحن معتبرْ

إن للموت أخذةً*** تسبق اللمح بالبصرْ

فكأني بكم غداً*** في ثياب من المدرْ

قد نقلتم من القصو*** ر إلى ظلمة الحفرْ

حیث لا تضرب القبا*** ب عليكم ولا الحُجَرْ

حیث لا تضربون من***ه للهو ولا سمرْ

رحم اللّه مسلماً*** ذكر الموت فازدجرْ

رحم اللّه مؤمناً*** خاف فاستشعر الحذرْ

ولقوله (علیه السلام):

ص: 155

((وإن اليسير من اللّه سبحانه أكرم وأعظم من الكثير من خلقه وإن كان كله منه))

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (16/ 95):

لا تحرصن على الحطام فإنما***يأتيك رزقك حين يؤذن فيه

سبق القضاء بقدره وزمانه*** وبأنه يأتيك أو يأتيه

وقول الآخر:

أراك تزيدك الأيام حرصاً*** على الدنيا كأنك لا تموت

فهل لك غاية إن صرت يوماً*** إليها قلت:حسبي قد رضيت؟

وقول أبي العتاهية (16/ 95) :

أيُّ عيش يكون أطيب من عي*** و شٍ كفاف قوت بقدر البلاغ

قهرتني الأيام عقلي ومالي*** وثيابي وصبوتي وفراغي

ولقوله (علیه السلام)، وقد نقلناه في الحكمة :

((إني أخاف عليك الفقر، فاستعذ باللّه منه، فإن الفقر منقصة للدين، مدهشة للعقل، داعية للمقت)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول محمود البقال (19/ 230) :

الفقر خير فاتسع واقتصد*** إن من العصمة أن لا تجد

کم واجد أطلق وجدانه*** عنانه في بعض ما لم يُرد

ومدمن للخمر غاو على*** سماع عود وغناء غرد

ص: 156

لولم يجد خمراً ولا مسمعاً*** يرد بالماء غليل الكبد

كم من يد للفقر عند امريءٍ*** طأطأ منه الفقر حتى اقتصد

وقول البحتري (16/ 230) :

فقر كفقر الأنبياء وغربة*** وصبابة ليس البلاء بواحد

وقول أبي العتاهية (16/ 230) :

ألم تر أن الفقر يرجى له الغنى*** وإن الغنى يخشى عليه من الفقر

وقول القائل (19/ 231) :

وصاحب صدقٍ ليس ينفع صدقه*** ولا وده حتى تفارقه عمدا

ویرید بصاحب صدق : المال).

وقول الآخر : (19/ 231) :

وقد يُهلكُ الإنسان حسن رياشه*** كما يذبح الطاووس من أجل ريشه

وقول الآخر (19/ 231):

رويدك إن المال يهلك ربه*** إذا جم واستعلى وشُد طريقه

ومن جاوز المال الغزير ومجُه*** وسد طريق الماء فهو غريقه

ولقوله (علیه السلام)لابنه الحسن (علیه السلام): ((يا بني : لا تخلفن وراءك شيئاً من الدنيا فإنك تخلفه لأحد رَجُلَيْنِ، أما رجل عمل فيه بطاعة اللّه فسعد بما شقیت به، وأما رجل عمل فيه بمعصية اللّه فشقي بما جمعته؛ فكنت عوناً له على معصيته؛ وليس أحد هذين حقيقاً أن تؤثره على نفسك)).

ص: 157

استشهد ابن أبي الحديد بقول أحدهم (20/ 54-55) :

يا جامعاً مانعاً والدهر يرمقه*** مدبراً أي باب عنه يغلقه

وناسياً كيف تأتيه منيته*** أغادياً أم بها يسري فتطرقه

جمعت مالاً فقل لي هل جمعت له*** - ياجامع المال – أياًما تفرقه

المال عندك مخزون لوارثه*** ما المال مالك إلا يوم تنفقه

ارفه ببال فتى يغدو على ثقةٍ*** إن الذي قسم الأرزاق يرزقه

فالعرض منه مصون لا يدنسه*** والوجه من جديد ليس يخلقه

إن القناعة من يحلل بساحتها*** لم يلقَ في ظلها هماً يؤرقه

ولقوله (علیه السلام):

((القناعة مال لا ينفد)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الغزي (20/ 244):

أنا كالثعبان جلدي ملس***لست محتاج إلى ثوب الجمال

فالخمول العز واليأس الغنى*** والقنوع الملك، هذا ما بدا لي

وقوله أيضاً (20/ 244):

لا تعجبن لمن يهوى ويصعد في*** دنياه فالخلق في أرجوحة القدر

واقنع بما قل فالأوشال صافية*** ولجة البحر لا تخلو من الكدر

ولقوله (علیه السلام):

((ورب منعم عليه مستدرج بالنعمي، ورب مبتل مصنوع له بالبلوى، فزد

ص: 158

أيها المستمع في شكرك، وقصر من عجلتك، وقف عند منتهی رزقك)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (19/ 162-163):

اقنع بعيشك ترضه*** واترك هواك وأنت حرُّ

فلرب حتف فوقه*** و ذهب وياقوت ودرُّ

وقول آخر (19/ 163):

إلى متى أنا في حلِّ وترحال*** من طول سعي وإدبار وإقبال

ونازح الدار لا انفك مغترباً*** من الأحبة مايدرون ما حالي

بمشرق الأرض طوراً ثم مغربها*** لا يخطر الموت من حرص على بالي

ولو قنعت أتاني الرزق في دعةٍ*** إن القنوع الغنى لا كثرة المال

ولقوله (علیه السلام):

((العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغني)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول عبد الصمد المعذّل (19/ 255):

سأقني العفاف وأرض الكفاف*** وليس غنى النفس حوز الجزيل

ولا أتصدى لشكر الجواد*** ولا أستعد لذم البخيل

واعلم أن بنات الرجاء*** تُحلُّ العزيز محل الذليل

وأن ليس مستغنياً بالكثير*** من ليس مستغنياً بالقليل

ص: 159

ص: 160

النسيب

ص: 161

ص: 162

كانت الصعبة بنت الحضرمي، تحت أبي سفيان صخر بن حرب، فطلقها ثم تبعتها نفسه فقال فيها شعراً أوله (1/ 255):

وإني وصعبة فيما أرى*** بعيدان والود ودُّ قريب

ومما قاله علي بن محمد بن عبد الرحيم - صاحب الزنج - متغزلاً قوله (8/ 128) :

ولما تبينت المنازل بالحمى*** ولم أقضِ منها حاجة المتورد

زفرت لها زفرة لو حشوتها*** سرابيل أبدان الحديد المسرّد

لرقت حواشيها وظلت متونها*** تلين كمالانت لداود باليد

وقال ابن أبي الحديد أنه وجد بخط محمد بن عبد اللّه الخشاب رحمه اللّه في تعاليق مسودة أبياتاً للقَطَوي؛ وهي (10/ 97):

قد رأينا الغزال والغصن والنج*** مين شمس الضحى وبدر التمام

فو حق البيان يعضده البر*** هان في مأقط شديد الحضام

ما رأينا سوى المليحة شيئاً جمع الحسن كله في نظام

هي تجري مجرى الأصالة في الرأ*** ي ومجرى الأرواح في الأجسام

ص: 163

وقال شاعر (10/ 145) :

ضعيفة كر الطرف تحسب أنها*** حديثة عهد بالأفاق من سقم

وقال النصر آبادي (11/ 78) :

ومن كان في طول الهوى ذاق سلوةً*** فإنِّيَ من ليلى لها غير ذائق

وأكثر شيء نلته في وصالها*** أمانيَّ لم تصدق كلمحة بارق

وقال أبو علي الدقاق في معنى قول النبي (صلّى اللّه عليه وأله) :

((حبُّك الشيء يُعمي ويصم)).

قال :

- يعمي ويصم عن الغير إعراضاً، وعن المحبوب هيبة.

ثم أنشد (10/ 78) :

إذا ما بدا لي تعاظمته*** فاصدر في حال من لم يره

وقال الشاعر (10/ 79) :

عجبت لمن يقول نسيت ربي*** وهل أُنسى فأذكر ما نسيتُ

شربت الحب كأساً بعد كأسٍ فما نفد الشراب ولا رُویتُ

وقال الشاعر :

وأسكر القوم دور كأسٍ*** وكان سكري من المديرِ

وقال أبو علي بن الدقاق (10/ 180):

لي سكرتان وللندمان واحدة*** شيء خصصت به من بعدهم وحدي

ص: 164

وقال الشاعر:

بكت عيني غداة البين دمعاً*** وأخرى بالبكا بخلت علينا

فعاقبت التي بخلت علينا*** بأن أغمضتها يوم التقينا

وقال الشاعر (11/ 139):

ليلي بوجهك مشرق وظلامه في الناس سار

فالناس وسُدُفِ الظلا***م ونحن في ضوء النهارِ

وأنشدوا (11/ 139-140) :

فلما استنار الصبح طوح ضوءه*** بأنواره أنوار ضوء الكواكب

فجرعهم كأساً لو ابتليت به*** بتجرعة طارت كأسرع ذاهب

وقال الشاعر :

فافترقنا حولاً فلما التقينا*** کان تسليمه عليّ وداعا

وقال آخر:

ياذا الذي زار وما زارا*** كأنه مقتبس نارا

مرَّ بباب الدار مستعجلاً*** ماضرّه لو دخل الدارا

وآخر:

وبلائي من مشهدٍ ومغيب*** وحبيب منى بعيد قريب

لم ترد ماء وجهه العين حتى***شرقت قبل ريها برقيب

وآخر:

ص: 165

والليل يشملنا بفاضل برده*** والصبح يلحفنا رداءً مذهبا

وقال خالد بن الوليد (11/ 141) :

عند الصباح يحمد القوم السرى*** وتنجلي عنا غيابات الكرى

وقال الشاعر:

تقول سليمى لو أقمت بأرضنا*** ولم تدرِ أني للمقام أطوف

وقال صاحب سلوان المطاع (11/ 207):

يا مفزعي فيما يجيء*** وراحمي فيما مضى

عندي لما تقضيه ما*** يرضيك من حسن الرضا

ومن القطيعة استعيظ*** مصرحاً ومعرضا

وقال أيضاً:

کن من مدبرك الحكيم*** علا وجلَّ، على وجل

وارضَ القضاء فإنه*** حتم أجل، وله أجل

وقال أيضاً (11/ 207-209) :

يا من يرى حالي وأن ليس لي*** في غير قربي منه أوطارُ

وليس لي ملتحد دونه*** ولا عليه لي أنصارُ

حاشا لذاك العز والفضل أن*** يهلك من أنت له جارُ

وإن تشأ هلكي فهب لي رضاً*** بكل ما تقضي وتختارُ

عندي لأحكامك يامالكي*** قلبٌ كما أنعمت صبارُ

ص: 166

کل عذاب منك مستعذب*** ما لم يكن سخطك والنار

وقال الشاعر (11/ 222) :

أبداً تحن إليكم الأرواح*** ووصالكم ريحانها والراحُ

وقلوب أهل ودادكم تشتاقكم*** وإلى لقاء جمالكم ترتاحُ

وارحمة للعاشقين تحملوا*** ثقل المحبة والهوى فضاحُ

بالسر إن باحوا تباح دماؤهم*** وكذا دماء الفاتحين تباحُ

وقال الشاعر (11/ 224):

همّت بإتياننا حتى إذا نظرت*** إلى المرأة نهاها وجهها الحسن

وقال آخر:

إني لأحسد ناظريَّ عليكما*** حتى أغض إذا نظرت إليكا

وأراك تخطر شمائلك التي*** هي فتنتي ، فأغار منك عليكا

وقال الشاعر (19/ 259):

واحسرتا مات حظي من وصالكم*** وللحظوظ كما للناس آجال

إن مت شوقاً ولم أبلغ مدى أجلي*** كم تحت هذي القبور الخرس آمال

وقال سحيم عبد النبي الحسحاس (19/ 344) :

وهبّت شمال آخر الليل قرة*** ولا ثوب إلا درعها وردائي

فما زال بردي طيباً من ثيابها***مدى الحول حتى انهج البرد بانيا

وقال كثّير عزة (19/ 344 ) :

ص: 167

فأروضة بالحزن طيبة الثرى*** يمج الندى جثمانها وعرارها

بأطيب من أرواض عزة موهناً وقد أوقدت بالمندل الرطب نارها

وقال امرؤ القيس (19/ 345) :

ألم ترياني كلما جئت طارقاً*** وجدت بها طيباً وإن لم تطيّب

وقال الرضي رضي اللّه عنه (19/ 406):

ولقد مررت على طولهمُ*** ورسومهم بيد البلى نهبُ

فوقفت حتى ضج من لغبٍ*** نضوي وضجّ بعذلي الركبُ

وتلفتت عيني فمذ خفيت*** عني الطلول تلفت القلبُ

وقال آخر:

تلفّت نحو الحي حتى وجدتني*** وجعت من الإصغاء ليتاً وأضرعا

ولقوله (علیه السلام):

((إنما هو عيد لمن قبل اللّه صيامه، وشكر قيامه، وكل يوم لا تعصي اللّه فهو يوم عيد)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول أحد المحدثين متغزلاً (20/ 73) :

قالوا أتى العيد قلت أهلاً*** إن جاء بالوصل فهو عيد

من ظفرت بالمني يداه*** فكل أيامه سعود

وقول آخر (20/ 73) :

قالوا أتى العيد والأيام مشرقة*** وأنت تبكي وكل الناس مسرور

ص: 168

فقلت إن واصل الأحباب كان لنا*** عيداً وإلا فهذا اليوم عاشور

وقول أبي ذؤيب (20/ 108) :

وعيرني الواشون أني أحبها*** وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

فإن أعتذر عنها فإني مكذب*** وإن تعتذر يردي عليك اعتذارها

وسئل (علیه السلام)عن أشعر الشعراء فقال :

- فإن كان ولابد فالملك الضليل.

يريد امرؤ القيس.

فاستشهد ابن أبي الحديد بقول امريء القیس (20/ 153-172) :

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضعاً*** فألهيتهاعن ذي تمائم محول

إذا ما بكى من خلفها انصرفت له*** بشق وعني شقها لم يُحول

وقوله :

سموت إليها بعد أن نام أهلها*** سمو حباب الماء حالا على حال

فقالت لحاك اللّه إنك فاضحي*** ألست ترى السمار والناس أحوالي

فقلت لهاتا اللّه أبرح قاعداً ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي

فلما تنازعنا الحديث وأسمحت*** هصرت بغصن ذي شماريخ ميال

فصرنا إلى الحسني ورق كلامنا*** ورُضت فذلت صعبه أي إذلال

حلفت لها باللّه حلفة فاجرٍ*** الناموا فما أن من حديث ولا صالي

فأصبحت معشوقاً وأصبح بعلها*** عليه القتام کاسف الوجه والبال

ص: 169

وقوله في اللامية الأولى :

وبيضة خدر لا يرام جناؤها*** تمتعت من لهو بها غير معجل

تخطيت أبواباً إليها ومعشراً*** عليَّ حراصاً لويسرون مقتلي

فجئت وقد نضّت لنوم ثيابها*** لدى الستر إلا لبسة المتفضل

فقالت يمين اللّه مالك حيلة*** وإني أرى عنك الغواية تنجلي

فقمت بها أمشي تجر وراءنا*** على إثرنا أذيال مرط مرجَّل

فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى*** بنا بطن خبت ذي عقاف عقنقل

هصرت بفودي رأسها فتمايلت*** على هظيم الكشح ريا المخلخل

وقوله :

فبت أكابد ليل التمام*** والقلب من خشية مقشعر

فلما دنوت نسديتها*** فثوباً نسيت وثوباً أجر

ولم يرنا كاليءٌ كاشح*** ولم يبدو منا لدى البين سر

وقد را بني قولها: يا هنا*** ه ويحك الحق شراً بشر

وقوله :

تقول وقد جردتها من ثيابها*** كما رُعت مکحول المدامع أتلعا

لعمرك لوشيء أتانا رسوله*** سواك ولكن لم نجد لك مدفعا

فبتنا نصد الوحش عنا كأننا*** قتيلان لم يعلم لنا الناس مصرعا

تجافي عن المأثور بيني وبينها*** وتدني عليَّ السابري المضلعا

ص: 170

وقول الشاعر (20/ 191) :

وقائلة أخضب فالغواني*** تطَّيَرُ من ملاحظة القتير

فقلت لها المشيب نذير موتي*** ولست مسوداً وجه النذير

وقول الوزير المهلبي (20/ 201):

يا صروف الدهر حسبي*** أي ذنب كان ذنبي

علة خصّت وعمّت*** حبيب ومحب

دب في كفيه يامن*** حبه دب بقلبي

فهو يشكو حر حب*** وشكاتي حر صبي

وقول المجنون :

عشية مالي حيلة غير أنني*** بلقط الحصى والحظ بالدار مولع

أخط وأمحو كلما قد خططته*** و بدمعيَ والغربان حولي وقَّعُ

وقول أحمد بن أبي عثمان الكاتب (20/ 238) :

وإني ليرضيني المرور ببابها*** إذا كان لون الليل لون الطيالس

وقول كثير عزة (20/ 238) :

وإني لأرضي منكِ ياعز بالذي*** لو أبصره الواشي لقرت بلابله

بلاوبالاً أستطيع وبالمني*** وبالوعد حتى يسأم الوعد آمله

وبالنظرة العجلى وبالحول ينقضي*** أواخره لا تلتقي وأوائله

وقول وضاح اليمن (20/ 238) :

ص: 171

إذا قلت هاتي نوليني تبسمت*** وقالت معاذ اللّه من حل ما حَرُم

فما نولت حتى تضرعت حولها*** وعرفتها ما رخص اللّه في اللمم

وقول آخر (20/ 238):

فقالت بحق اللّه إلا أتيتنا*** إذا كان لون الليل لون الطيالس

فجئت وما في القوم يقظان غيرها*** وقد نام عنها كل وال وحارس

فبتنا مبيتاً طيباً نستلذه*** جميعاً ولم أمدد لها كف لامس

وقول أبي صخر الهذلي (20/ 239) :

(و) لليلة منها تعود لنا*** من غير ما رفث ولا إثم

أشهى إلى نفسي ولو برحت*** مما ملكت ومن بني سهم

وقول آخر (20/ 239):

وما نلت منها محرماً غير أنني*** أقبّل ساقاً من الثغر أفلجا

وألثم فاها آخذاً بقرونها*** وأترك حاجات النفوس تحرجا

وقول عبد بني الحسحاس (20/ 239) :

لعمر أبيها ما صبوت ولا صبت*** إليَّ وإني من صباً لحليم

سوى قبلة أستغفر اللّه ذنبها*** سأطعم مسكيناً لها وأصوم

وقول آخر (20/ 239) :

ومجدولة جدل العتاق كأنما*** سنا البرق في داجي الظلام ابتسامها

ضربت لها الميعاد ليست بكنةٍ*** ولا جارة يخشى عليَّ ذمامها

ص: 172

فلما التقينا قالت الحكم فاحتكم*** سوى خلة هيهات منك مرامها

فقلت معاذ اللّه أن أركب التي*** تبيد ويبقى في المعاد أثامها

(وقوله : ليست بكنة ولا جارة يخشى عليَّ ذمامها) مأخوذ من قول قيس بن الخطيم :

ومثلك قد أحببت ليست بكنة*** ولا جارة ولا حليلة صاحب

وقول بشار بن برد (20/ 240) :

قالوا حرام تلاقينا فقلت لهم*** ما في التزام ولا في قبلة حرج

من راقب الناس لم يظفر بحاجته*** وفاز بالطيبات الفاتك اللهج

وقول الصابي (20/ 230) :

خضاب تقاسمناه بيني وبينها*** ولكن شأني فيه خالف شأنها

فيا قبحه إذ حل بيني بمفرقي*** ويا حسنه إذ حل منها بنانها

وسحقاً له عن لمتي حين شأنها*** وأهلاً به في كفها حين زانها

وقول المجنون (20/ 236) :

كأن على أنيابها الخمر مجّه*** بماء الندى من آخر الليل غابق

وقول العباس بن الأحنف (20/ 237):

أتأذنون لصب في زيارتكم*** فعندكم شهوات السمع والبصر

لا يضمر السوء إن خال الجلوس به*** عف الضمير ولا فاسق النظر

وقول أبو صفير البولاني (20/ 236) :

ص: 173

بأعذب من فيها وما ذقت طعمه*** ولكنني فيما ترى العين فارس

وقول الآخر (20/ 240):

نلهو بهن كذا من غير فاحشةٍ*** لهو الصيام بتفاح البساتين

وبالرواية التي تقول :

نظر المأمون إلى غلام حسن الوجه في الموكب، فقال له :

یا غلام، ما اسمك؟ قال :

- لا أدري.

قال :

أوَ يكون أحد لا يعرف اسمه؟

فقال :

- يا أمير المؤمنين، اسمي الذي أعرف به (لا أدري).

فقال المأمون (19/ 368) :

وسميتَ لا أدري لأنك لا تدري*** بما فعل الحب المبرح في صدري

ص: 174

النصح والإرشاد

ص: 175

ص: 176

لقوله (علیه السلام)لما غلب أصحاب معاوية أصحابه (علیه السلام)على الفرات ومنعوهم من الماء :

((قد استطعموكم القتال، فأقرّوا على مذلة وتأخير ومحله، أوردوا السيوف من الدماء تردوا من الماء، فالموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول عمارة اليمني شاعر المصريين في فخر الدين توران شاه بن أيوب، التي يغريه فيها بالنهوض إلى اليمن والاستيلاء على ملكها وأولها (3/ 244و 294-295) :

العلم، مذكان، محتاج إلى القلم*** وشفرة السيف تستغني عن القلم

وخير خيلك إن غامرت في شرفٍ*** عزم يفرق بين الساق والقدم

إن المعاني عروس غير واصلة*** ما لم تخلّق ردائيها بنضح دم

ترى مسامع فخر الدين تسمع ما*** أملاه خاطر أفكاري على قلمي

فإن أصبت فلي حظ المصيب وإن*** أخطأت قصدك فاعذرني ولا تلم

كم تترك البيض في الأجفان ضامئة***إلى الموارد في الأعناق والقمم

ص: 177

ومقلة المجد نحو الفهم شاخصة*** فاترك قعودك عن إدراكها وقم

فعمك الملك المنصور سوَّمها*** من الفرات إلى مصر بلا سأم

واخلق بنفسك أمراً لا تضاق به*** إلى سواك وأورِ النار في العلم

وانهَ المشيرين إن لجّت نصيحتهم*** أولا، فأنعم على العميان بالصمم

واعزم وصمم فقد طالت وقد سمجت*** قضية لفظتها ألسن الأمم

فرب أمرٍ يهاب الناس غايته*** والأمر إن هوفيه من يدٍ لفم

فكيف إن نهضت فيما هممت به*** أسد تشير من الخطي في أجم

لا يدرك المجد إلا كل مقتحم*** في موج ملتطم أو فوج مضطرم

وينتضي الخطوة الأولى بثانية*** ولا يفكر في العقبي من الندم

كأنما السيف أفتاه بقتلهم*** في فتح مكة حل القتل في الحرم

ولم يراعوا لعثمان ولا عمر*** ولا الحسين زمام الأشهر الحرم

فما ترون سوى فتح صوارمه*** يضحكن في كل يوم عابس البهم

حتى كأنَّ لسان السيف في يده*** يروي الشريعة عما عاد عن أرم

هذا ابن توحرت قد كانت بدايته*** فما يقول الورى لحماً على وضم

وقد ترقى إلى أن صار طالعه*** من الكواكب بالأنفاس والكظم

وكان أول هذا الدين من رجلٍ*** سعى إلى أن دعوه سيد الأمم

والبدر يبدو هلالاً ثم يكشف بال*** أنوار ماسترته شملة الظلم

والغيث فهو كماقد قيل أوله*** قطر وبدء خراب السد بالعرم

ص: 178

تنموقوى الشيء بالتدريج إن رزقت*** شرَّاً ويقوى شرار النار بالضرم

حاسب ضميرك عن رأي أتاك وقل*** نصيحة وردت من غير متهم

أقسمت من أنت من جل بهمته*** ما رام من نعم أو رق من نِعم

وإنما أنت مرجوه لواحدةٍ*** بنى بها الدهر مجداً غير منهزم

كأنني بالليالي وهي هاتفة*** قد صم سمع رجال دونها وعمي

وبالعلا كلما لاقتك غائلة*** أهلاً بنشر أماليٍّ من الرمم

وقول هشام بن عبد الملك في بعض ولد الوليد بن عقبة (9/ 63):

أبلغ أبا وهب إذا ما لقيته*** بأنك شر الناس غيباً لصاحب

فتبدي له بشراً إذا ما لقيته*** وتلسعه بالغيب لسع العقارب

ولقوله (علیه السلام):

((فأقسم باللّه يا بني أمية قليل لتعرفنّها في أيدي غيركم وفي دار عدوكم)) (7/ 113).

استشهد ابن أبي الحديد بقول سدیف مولى أبي لهب وقد دخل على أبي العباس بالحيرة أنشد (7/ 125):

أصبح الملك ثابت الآساس*** بالبهاليل من بني العباس

بالصدور المقدمين قديماً*** والبحور القماقم الرؤاس

يا إمام المطهرين من الذم*** ويا رأس منتهی کل راس

أنت مهدي هاشم وفتاها*** كم أناس رجوك بعد أناس

ص: 179

لا تقيلن عبد شمس عثاراً*** واقطعن کل رقلة وغراس

أنزلوها بحيث أنزلها اللّه*** بدار الهوان والاتعاس

خوفها أظهر التودد منها*** وبها منكم كحز المواس

إقصهم أيها الخليفة واحسم*** عنك بالسيف شأفة الأرجاس

واذكرن مصرع الحسين وزيد*** وقتيلاً بجانب المهراس

والقتيل الذي بحران أمسي*** ثاوياً بين غربة وتناسي

فلقد ساءني وساء سوائي*** و قربهم من نمارق وكراسي

نعم كلب الهراش مولاك شبل*** لونجا من حبائل الإفلاس

وروى المبرد الشاهد بصيغة أخرى وهي (7/ 127):

أصبح الملك ثابت الأساس*** بالبهاليل من بني العباس

طلبوا وتر هاشم وشنوها*** بعد ميل من الزمان وياس

لا تقيلن عبد شمس عثاراً*** واقطعن کل رقلة وأواس

ذلها أظهر التودد منها*** وبها منكم كحز المواسي

ولقد غاضني وغاض سوائي*** قربهم من نمارق وكراسي

أنزلوها بحيث أنزلها اللّه*** بدار الهوان والانعاس

واذکرن مصرع الحسين وزيد*** وقتيلاً بجانب المهراس

والقتيل الذي بحران أمسي*** ثاوياً بين غربة وتناسي

نعم شبل الهراش مولاك شبل*** لو نجا من حبائل الإفلاس

ص: 180

وقول سدیف أيضاً إذ دخل على أبي العباس السفاح، وعنده سليمان بن هشام بن عبد الملك، وقد أعطاه يده فقبلها وأدناه، فقال له (7/ 128) :

لا يغرنك ماترى من رجالٍ*** إن تحت الضلوع داءً دویّا

فضع السيف وارفع الصوت حتى*** لاترى فوق ظهرها أمويّا

فألقي المنديل في عنق سلیمان، ثم جَرَّ فقتل.

وبقول العرجي (7/ 141) :

إن الحبيب تروحت أجماله*** أصُلا، فدمعك دائم إسباله

فاقن الحياء فقد بكيت بعولةٍ*** لوكان ينفع باكياً إعواله

يا حبذا تلك الحمول وحبذا*** شخص هناك، وحبذا أمثاله

وقول سدیف أيضا وقد أنشده أبا العباس وعنده رجال من بني أمية (7/ 141) :

يا ابن عم النبي أنت ضياء*** استبنا بك اليقين الجليا

جرد السيف وارفع العفو حتى*** لا ترى فوق ظهرها أمويا

لا يغرنك ماترى من رجالٍ*** إن تحت الضلوع داءٌ دويا

قطن البغض في القديم وأضحى*** ثابتاً في قلوبهم مطويا

فقال أبو العباس : یا سدیف، خلق الإنسان من عجل.

ثم أنشد أبو العباس متمثلاً :

أحيا الضغائن آباء لنا سلفوا*** فلن تبيد وللآباء أبناء

ص: 181

ثم أمر بمن عنده فقتلوا.

وقول سدیف أيضاً لأبي العباس يحضه على بني أمية ويذكر من قتل مروان وبنو أمية من أهله (7/ 143) :

کیف بالعفو عنهم وقديماً*** قتلوكم وهتكوا الحرمات

أين زيد وأين يحيى بن زيد*** يا لها من مصيبة وترات

والإمام الذي أصيب بحرّا*** ن إمام الهدى ورأس الثقات

قتلوا آل أحمد لا عفا الذنب*** لم روان غافر السيئات

وقول رجل من شيعة بني العباس يحضه على بني أمية ويذكر من قتل مروان وبنو أمية من أهله (7/ 144):

إياكم أن تلينوا لاعتذارهمُ*** فليس ذلك إلا الخوف والطمع

لو أنهم أمنوا أبدوا عداوتهم*** لكنهم قُمعوا بالذل فانقمعوا

أليس في ألف شهرقد مضت لهم*** سقيتم جرعا من بعدها جرع

حتى إذا ما انقضت أيام مدتهم*** منوا إليكم بالأرحام ماقطعوا

هيهات لا بد أن يسقوا بكأسهم*** رياً وأن يحصدوا الزرع الذي زرعوا

إنا وإخواننا الأنصار شيعتكم*** إذا تفرقت الأهواء والشيع

إياكم أن يقول الناس إنهم*** قد ملكوا ثم ما ضروا وما نفعوا

ولقوله (علیه السلام)من کتاب له إلى أحد عماله :

((فقد بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت ربك، وعصيت إمامك،

ص: 182

وأخزيت أمانتك، بلغني أنك جرّدت الأرض فأخذت ما تحت قدميك، وأكلت ما تحت يديك، فارفع إلىَّ حسابك، واعلم أن حساب اللّه أعظم من حساب الناس)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول أنس بن إياس الدولي ويقال أنها لأبي الأسود (3) (6/ 166) :

أحار بن بدرقد وليت ولايةً*** فكن جُرَذا فيها تخون وتسرق

ولا تحقرن يا صاح شيئاً أصبته*** فحظك من ملك العراقين سُرَّق

وباهِ تميماً بالفني إن للفنی*** لساناً به المرء الهيوبة ينطق

فإن جميع الناس إما مكذب*** يقول بما تهوى وإما مصدق

يقولون أقوالاً ولا يتبعونها*** وإن قيل هاتوا حققوا لم يحققوا

ولقوله (علیه السلام):

((وليكن أبعد رعيتك منك، وأشنأهم عندك، أطلبهم لمعایب الناس، فإن في الناس عيوباً الوالي أحق من سترها، فلا تكشفن عما غاب عنك منها، فإنما عليك تطهير ما ظهر لك، واللّه يحكم على ما غاب عنك، فاستر العورة ما استطعت، يستر اللّه منك ما تحب ستره من رعیتك..

أطلق عن الناس عقدة كل حقد، واقطع عنك سبب كل وتر، وتَغابَ عن كل ما لا يَتضِحُ لك، ولا تعجلن إلى تصدیق ساعٍ، فإن الساعي غاش وإن تشبّه بالناصحين، ولا تدخلنّ في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل، ويعدك الفقر، ولا جباناً يضعفك عن الأمور، ولا حريصاً يزيّن لك الشَرَه بالجور، فإن البخل

ص: 183

والجبن والحرص غرائزُ شتي يجمعها سوء الظن باللّه)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (17/ 36-37) :

وأجرأ من رأيت بظهر غيب*** على عيب الرجال أُلو العيوب

وقول آخر (17/ 37) :

يامن يعيب وعيبه متشعب*** کم فيك من عيب وأنت تعيب

وقول الشاعر (17/ 38) :

ولست بذي نيرب وفي الرجا*** ل قنّاع خ ير وسبّابها

ولا من إذا كان في جانب*** أضاع العشيرة واغتابها

ولكن أطاوع ساداتها*** ولا أتعلم ألقابها

وقول آخر (17/ 38) :

لا تلتمس من مساوي الناس ما ستروا*** فيكشف اللّه سترا من مساويكا

واذكر محاسن مافيهم إذا ذكروا*** ولا تعب أحداً منهم بما فيكا

وقول آخر (17/ 38) :

ابدأ بنفسك فانههاعن غيّها*** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك تعذر إن وعظت ويقتدى*** بالقول منك، ويُقبل التعليم

وقول آخر (17/ 40):

لعمرك ماسب الأمير عدوّه*** ولكنما سبّ الأمير المبَلّغ

وقول آخر (17/ 40) :

ص: 184

هرمت منائي منك إن كان ذا الذي*** أتاك به الواشون عني بما قالوا

ولكنهم لما رأوك شريعة*** إليّ تواصوا بالنميمة واجتالوا

فقد صرت أذناً للوشاة سميعة*** ينالون من عرضي ولو شئت ما نالوا

وقول الشاعر (17/ 41):

فكو في على الواشين لدّاء شغبة*** كما أنا للواشي ألدّ شغوب

وقول الشاعر (17/ 41) :

وإذا الواشي وشي يوماً بها*** نفع الواشي بماجاء يضر

وقول العباس بن الأحنف (17/ 41):

ما حطّك الواشون من رتبةٍ*** و عندي ولا ضرّك مغتاب

كأنهم أثنوا ولم يعلموا*** عليك عندي بالذي عابوا

ولقوله (علیه السلام):

((فلا تطوِّلَنَّ احتجابك عن رعيتك، فإن احتجاب الولاة عن الرعية، شعبة من الضيق، وقلة علم بالأمور، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه، فيصغر عندهم الكبير ويعظم الصغير، ويقبح الحسن، ويحسن القبيح، ويشاب الحق بالباطل، وإنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس من الأمور، وليست على الحق سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب، وإنما أنت أحد رجلين إما امرؤء سخت نفسك بالبذل في الحق ففيم احتجابك من واجب حق تعطيه، أو فعل کریم تسديه ؟ أو معتلٍ بالمنع، فما أسرع كف الناس عن

ص: 185

مسألتك، إذ أيسوا من ذلك، مع أن أكثر حاجات الناس إليك ما لا مؤونة عليك، من شكاة مظلمة، أو طلب إنصاف، في معادلة) (17/ 90-91).

استشهد ابن أبي الحديد بقول محمود الوراق (17/ 93):

إذا اعتصم الوالي بإغلاق بابه*** وردّ ذوي الحاجات دون حجابه

ظننت به إحدى ثلاث وربما*** رجحت بظنٍ واقع لصوابه

أقول به مسُّ من العيّ ظاهر*** ففي إذنه للناس إظهار مابه

فإن لم يكن عيّ اللسان فغالب*** من البخل يحمي ماله عن طلابه

وإن لم يكن لا ذا ولا ذا فريبة*** يكتّمها مستورة بثيابه

وقول عبد العزيز بن زرارة الكلابي، وقد أقام على باب معاوية سنة في شملة من صوف لا يأذن له، ثم أذن له وقرّبه وأدناه، ولطف محله عنده وولاه مصر، فكان يقال : استأذن أقوام لعبد العزيز بن زرارة، ثم صار يستأذن لهم، وقال في ذلك (17/ 93):

دخلت على معاوية بن حرب*** ولكن بعد يأسٍ من دخولي

وما نلت الدخول عليه حتى*** حللت مجلة الرجل الذليل

وأغضيت الجفون على قذاها*** ولم أنظر إلى قال وقيل

وأدركت الذي أمّلت منه*** وحرمان المنى زاد العَجول

وبما كتب أحدهم إلى جعفر بن محمد بن القاسم بن عبيد اللّه بن سليمان بن وهب ( 17/ 95) :

ص: 186

أبا جعفر إن الولاية إن تكن*** منبّلة قوساً فأنت لها نبل

فلا ترتفع عنا لأمرٍ وَلَيته*** كما لم يصغّر عندنا شأنك العذل

وقول عبد اللّه بن محمد في عُيينه (17/ 96) :

أتيتك زائراً لقضاءِ حقٍ*** فحال الستر دونك والحجاب

ورأيي مذهب عن كل ناءٍ*** يجانبه إذا عزّ الذهاب

ولست بساقط في قدر قومٍ*** وإن كرهوا كمايقع الذباب

ولقوله (علیه السلام)من كتاب له إلى معاوية من المدينة في أول ما بويع له بالخلافة :

((فقد علمت إعذاري فيكم، وإعراضي عنكم، حتى كان لا منه ولا دفع له، والحديث طويل، والكلام كثير، وقد أدبر ما أدبر، وأقبل ما أقبل، فبايع من قبلك، وأقبل إليَّ في وفد من أصحابك)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الوليد بن عقبة وهو يحرض معاوية أن يثأر لدم عثمان (18/ 68-69):

فواللّه ما هند بأمك إن مضى*** النهار ولم يثأر بعثمان ثائر

أيقتل عبد القوم سيد أهله*** ولم تقتلوه ليت أمك عاقر

ومن عجب أن بت بالشام وادعاً*** قريراً وقد دارت عليه الدوائر

ولقوله (علیه السلام):

((أزرى بنفسه من استشرى به الطمع، ورضي بالذل من كشف عن ضرّه ،

ص: 187

وهانت عليه نفسه من أمرَّ عليها لسانه)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي الأسود الدؤلي (18/ 84-85) :

إلبس عدوَّك في رفقِ ودعةٍ*** طوبى لذي إربة للدهر لبّاس

ولا تغرنك أحقادٌ مزملة*** قد يركب الدبر الدامي بأحلاس

واستغنِ عن كل ذي قربي وذي رحم*** إن الغنيّ الذي استغنى عن الناس

ولقوله (علیه السلام):

((وصدر العاقل صندوق سره، والبشاشة حبالة العودة، والاحتمال قبر العيوب)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (18/ 97-98):

لاتدخلنك ضجرة من سائلٍ*** فلخير دهرك أن ترى مسؤولا

لا تجبهن بالرد وجه مؤملٍ*** قد رام غيرك أن يرى مأمولا

تلقى الكريم فتستدل ببشره*** وترى العبوس على اللئيم دليلا

واعلم بأنك عن قليل صائر*** خبراً فكن خبراً يروق جميلا

وقول الشاعر ( 18/ 99):

إذا نطق السفيه فلا تجبه*** فخير من إجابته السكوت

سکتُ عن السفيه فظن أني*** عييت عن الجواب فما عييت

ولقوله (علیه السلام):

((إن هذه القلوب تمل كما تحمل الأبدان، فابتغوا لها طرائق الحكمة)).

ص: 188

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (19/ 16) :

أفد طبعك المكدود بالجد راحةً*** تجمه وعللّه بشيء من المزح

ولكن إذا أعطيته ذاك فليكن*** بمقداره يعطى الطعام من الملح

ولقوله (علیه السلام):

((حسد الصديق من سقم المودة)).

استشهد بقول الشاعر (19/ 39) :

احذر عدوك مرة*** واحذر صديقك ألف مرّة

فلربما انقلب الصدي*** ق فكان أعرف بالمضرّة

وقول آخر (19/ 39-40) :

احذر مودة ماذقٍ*** شاب المرارة بالحلاوة

يحصي الذنوب عليك أي*** ام الصداقة للعداوة

وقول الشاعر (19/ 40):

إذا كان دوّاماً أخوك مصارحاً*** موجهة في كل أوبٍ ركائبه

فخلِّ له ظهر الطريق ولا تكن*** مطية رحّال كثير مذاهبه

ولقوله (علیه السلام):

((أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (19/ 14):

طمعت بليلى أن تريع وإنما*** تقطع أعناق الرجال المطامع

ص: 189

ودانيت ليلى في خلال ولم یکن*** شهود على ليلى عدول مقانع

وقول آخر (19/ 40) :

إذا حدثتك النفس إنك قادر*** على ما حوت أيدي الرجال فكذّب

وإياك والأطماع إن وعودها*** رقارق آل أو بوارق خلّب

ولقوله (علیه السلام):

((إذا أرذل اللّه عبداً حضر عليه العلم)).

استشهد بقول الشاعر (19/ 182):

شكوت إلى وكيعٍ سوء حفظي*** فأرشدني إلى ترك المعاصي

فقال لأن حفظ العلم فضل*** وفضل اللّه لا يعطيه عاصِ

وقول آخر (19/ 182):

إذا فاتك العلم جد بالقرى*** وإن فاتك الماء سد بالقراع

فإن فات هذا وهذا وذاك*** فمت فحياتك شر المتاع

وقوله أيضاً في المعنى عينه (19/ 192) :

فلولا الحجى والقرى والقراع*** لما فضل الآخر الأولا

ثلاث متى يحكِ منها الفتی*** یکن کالبهيمة أو أرذلا

ولقوله (علیه السلام):

((كان لي فيما مضى أخ في اللّه، وكان يعظّمه في عيني صغر الدنيا في عينيه، وكان خارجاً من سلطان بطنه، فلا يتشهى ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد، وكان

ص: 190

أكثر دهره صامتاً، فإن قال بذ القائلين، ونقع غليل السائلين، وكان ضيفاً مستضعفاً، فإن جاء الجد فهو ليث عادٍ، وصلُّ وادٍ، لا يدلي، بحجة حتى يأتي قاضياً، كان لا يلوم أحداً على ما لا يجد العذر في مثله، حتى يسمع اعتذاره، وكان لا يشكو وجعاً إلا عند برئه، وكان يفعل ما يقول، ولا يقول ما لا يفعل، وكان إن غلب على الكلام لم يغلب على السكوت، وكان على أن يسمع أحرص منه على أن يتكلم، وكان إذا بدهه أمران نظر أيهما أقرب إلى الهوى فخالفه؛ فعليكم بهذه الخلائق فالزموها، وتنافسوا فيها، فإن لن تستطيعوا فاعلموا أن أخذ القليل خير من ترك الكثير)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشنفري (19/ 183-185) :

وأطوي على الخمص الحوايا كما انطوت*** خيوطة ماريّ تغار وتفتل

وإن مُدّت الأيدي إلى الزاد لم أكن*** بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل

وقول الأعشى (19/ 185) :

يابني المنذر بن عبد اللّه*** والبطة يوماً قد تأمن الأحلاما

وقول الشاعر ( 19/ 188) :

وأكلة أوقعت في الهلك صاحبها*** كحبة القمح دقت عنق عصفور

بكسرةٍ بجريش الملح أكلها*** ألذ من ثمرة تحشی بزنبور

وقول ابن دريد : العرب تعير بكثرة الأكل وأنشد (19/ 188) :

لست بأكّالٍ كأكل العبد*** ولا بنوامٍ كتوم الفهد

ص: 191

وقول الشاعر (19/ 189) :

إذا لم أزر إلا لأكل أكلة*** فلا رفعت كفي إليَّ طعامي

فما أكلة إن نلتها بغنيةٍ*** ولا جوعة إن جعتها بغرام

وقول حاتم الطائي (19/ 186-190) :

وإني لأستحيي صحابي أن يروا*** مكان يدي من جانب الزاد تمرعا

أقصر كفي أن تنال أكفهم*** إذا نحن أهوينا وحاجاتنا معا

أبيت خميص البطن مضطمر الحشا*** حياء أخاف الضيم أن أتضلعا

فإنك إن أعطيت نفسك سؤلها*** وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا

ولقوله (علیه السلام): ((من بالغ بالخصومة أثم، ومن قصر فيها ظلم، ولا يستطيع أن يتقي اللّه من خاصم)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (19/ 204):

إذا كنت بين الجهل والحلم قاعداً*** وخيّرت أنى شئت فالعلم أفضلُ

ولكن إذا أنصفت من ليس منصفاً*** ولم يرضَ منك الحلم فالجهل أمثلُ

إذا جاءني من يطلب الجهل عامداً*** فإني سأعطيه الذي هوسائلُ

ولقوله (علیه السلام):

((رسولك ترجمان عقلك، وكتابك أبلغ ما ينطق عنك)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (19/ 207)

تخير إذا ماكنت في الأمر مرسِلاً*** فمبلغ آراء الرجال رسولها

ص: 192

وروِّ وفكر في الكتاب فإنما*** بأطراف أقلام الرجال عقولها

ولقوله (علیه السلام):

(لاتظَّنَّ بكلمة خرجت من أحدٍ سوءً وأنت تجد لها في الخير محتملاً).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (19/ 278):

إذا ما أتت من صاحب لك زلة*** فكن أنت محتالاً لزلته عذرا

ولقوله (علیه السلام): ((الفكر مرآة صافية، والاعتبار منذر ناصح، وكفى أدباً لنفسك تجنبك ماكرهت لغيرك)). استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (19/ 283):

إذا أعجبتك خصال امريء*** فکنه یکن منك ما يعجبك

فليس على المجد والمكرمات*** إذا جئتها حاجب يحجبك

ولقوله (علیه السلام): ((المنية ولا الدنية، والتقلل ولا التوسل)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشاعر (19/ 362) :

أحسن بالأيام من ذلة*** ومن سؤال الأوجه الكالحة

فاستعن باللّه تكن ذا غنى*** مغتبطاً بالصفقة الرابحة

فالزهد عز والتقى سؤدد*** وذلة النفس لها فاضحة

کم سالم صیح به بغتةً*** وقائل عهدي به البارحة

أمسى وأمست عنده قينة*** وأصبحت تندبه نائحة

طوبى لمن كانت موازينه*** يوم يلاقي ربه راجحة

ص: 193

وقوله أيضاً (19/ 362) :

لمصُّ الثماد وخرط القتاد*** وشرب الأجاج أوان الظما

على المرء من لا يُرى*** ذليلاً لخلق إذا أعدَما

وخير لعينيك من منظر*** إلى ما بأيدي اللئام العمی

ولقوله (علیه السلام):

((مازال الزبير رجلاً منا أهل البيت حتى نشأ إبنه المشؤوم عبد اللّه)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول أيمن بن طريم بن فاتك الأسدي ينصح إبن الزبير بعدم التعرض لإبن عباس (20/ 102و131):

يابن الزبير لقد لاقيت بائعةً*** من البوائق فالطف لطف محتال

لاقَينة هاشمياً طاب منبته*** في مغرس لكريم العم والخال

ما زال يقرع عنك العظم مقتدراً*** على الجواب بصوت مسمع عالِ

حتى رأيتك مثل الكلب منجحراً*** خلف الغييط وكنت الباذخ العالي

إن ابن عباسٍ المعروف حكمته*** خير الأنام له حال من الحال

عيرته المتعة المتبوع سنتها*** وبالقتال وقد عیّرت بالمال

لما رماك على رسل بأسهمه*** جرت عليك بسيف الحال والبال

فاحتز مقولك الأعلى بشفرته*** هزءً وحيا بلاقيل ولا قال

واعلم بأنك إن عاودت غيبته*** عادت عليك مخازٍ ذات أذيال

ولقوله (علیه السلام)في ذكر عمرو بن العاص (6/ 280):

ص: 194

((وإنه لم يبايع معاوية حتى استشهد بالرواية التي تقول ( 16/ 28)، ذكرناه في جانب آخر، دعا رهط من رجال معاوية منهم عمرو بن العاص وغيره، عند معاوية وصاروا يسبون أباه ويثلمون جانبه، وبعد أن انتهوا تكلم الإمام الحسن فعدد مواقف معاوية وأهله من الإسلام ثم قال :

((أتنسی یا معاوية الشعر الذي كتبته إلى أبيك لما هم أن يِسلم تنهاه عن ذلك؟ وهو:

يا صخر لا تسلمن يوماً فتفضحنا*** بعد الذين ببدر أصبحوا فرقا

خالي وعمي وعم الأم ثالثهم*** وحنظل الخير قد أهدى لنا الأرقا

لا تركنن إلى أمر تكلفنا*** والراقصات به في مكة الخُرقا

فالموت أهون من قول العداة :لقد*** حاد ابن حرب عن العزى إذ فرقا

ولقوله (علیه السلام)في مجاهدة النفس :

((قد أحيا عقله وأمات نفسه، حتى دق جليله، ولطف غليظه)).

استشهد بقول أبي تمام وهو ينصح (11/ 128-129):

خذي عبرات عينك عن زماعي*** وصوني ما أزلتِ من القناع

أقلي قد أضاق بكاكِ ذرعي*** وماضاقت بنازلة ذراعي

أالفة النحيب کم افتراقٍ*** أظل فكان داعية اجتماع

فليست فرحة الأوبات إلا***لموقوف علی ترح الوداع

تعجّبُ أن رأت صبحي نحيلاً*** فإن المجد يُدرك بالصراع

ص: 195

أخو النكبات من يأوي إذا ما*** أطفن به إلى خلق وساع

يثير عجاجة في كل نبحٍ*** يهيم به عدي بن الرقاع

أبنّ مع السباع الماء حتى*** لخالته السباع من السباع

وقوله أيضاً (6/ 129) :

فاطلب هدوءً بالتقلقل واستقر*** بالعيس من تحت السهاد هجودا

ما إن ترى الأحساب بيضاً وضماً*** إلا بحيث ترى المنايا سودا

لما قتل قوم من بني تميم أخاً لعمر بن هند، قال بعض أعدائه يحرض عمرو بن ملقط الطائي عليهم (13/ 300) :

من مبلغ عمروا بأنّ*** المرء لم يخلق صبارة

وحوادث الأيام لا*** يبقى لها إلا الحجارة

ها إن عجزة أمة*** بالسفح أسفل من أداره

تسفي الرياح خلال کش*** حيه وقد سلبوا إزاره

فاقتل زرارة لا أرى*** في القوم أمثل من زرارة

ولقوله (علیه السلام): ((عند تناهي الشدة تكون الفرجة، وعند تضايق حلق البلاء یکون الرخاء)). استشهد ابن أبي الحديد بقول أمية بن أبي الصلت(19/ 267) :

لا تضيقن في الأمور فقد یک*** شف غماؤها بغير احتيال

ربما تجزع النفوس من الأمر*** له فرجة كحل العقال

ص: 196

الحماسة

ص: 197

ص: 198

فلقوله (علیه السلام):

((أيها الناس إنه لا يستغني الرجل وإن كان ذا مال عن عشيرته، ودفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم؛ وهم أعظم الناس حيطة من ورائه، وألَّمهم لشعثه ، وأعظمهم عليه عند نازلة، إن نزلت به، ولسان الصدق يجعله اللّه للمرء في الناس خيراً له من المال يورثه غيره)).

استشهد ابن أبي الحديد بباقة من أشعار الحماسة (1/ 326-328) :

كقول الشاعر (1/ 326) :

إذا المرء لم يغضب له حين يغضب*** فوارس إن قيل للموت يركبوا

ولم يُحبه بالنصر قوم أعزةٌ*** مقاحيم في الأمر الذي يُتَهيَّب

تكظّمه أدنى العداة فلم يزل*** وإن كان عضّاً بالضلامة يضرب

فأخ لحال السلم من شئت واعلمن*** بأن سوی مولاك في الحرب أجنب

ومولاك مولاه الذي إن دعوته*** أجابك طوعاً والدماء تصبّب

فلا تخذل المولى وإن كان ظالماً*** فإن به تُتأى الأمور وتُرأب

ص: 199

وقول الشاعر(1/ 327):

أفيقوا بني حزني وأهواؤنا معا وأرحامنا موصولة لم تقضب العمري لرهط المرء خير بقية عليه وإن عالوا به کل مرکب إذا كنت في قوم وأمك منهم التعزى إليهم في خبيث وطيب وإن حدثتك النفس أنك قادر على ما حوت أيدي الرجال فكذب

وقول الشاعر (1/ 327) :

لعمرك ما أنصفتني حين سمتني*** هواك مع المولى وأن لا هوى ليا

إذا ظلم المولى فزعت لظلمه*** فحرق أحشائي وهرت کلابيا

وقول الشاعر (1/ 327) :

وماكنت أبغي العم يمش على شفا***وإن بلغتني من أذاه الجنادع

ولكن أواسيه وأنسى ذنوبه***لترجعه يوماً إليَّ الرواجع

وحسبك من ذلٍ وسوء صنيعةٍ*** مناواة ذي القربى وإن قيل قاطع

وقول الشاعر (1/ 327):

ألا هل أتى الأمصار أن ابن شجدلٍ***حُميداً شفي كلباً فقرت عيونها

فأنا وكلباً كاليدين متى تقع*** شمالك في الهيجا تعنها يمينها

وقول الشاعر (1/ 328):

أخوك أخوك من ينأى وتدنو***مودته وإن دعي استجابا

إذا حاربت حارب من تعادي*** وزاد غناؤه منك اقترابا

ص: 200

يواسي في كريهته ويدنو*** إذا ما مُضلع الحدثان نابا

ولقوله (علیه السلام): لما غلب أصحاب معاوية أصحابه (علیه السلام)على شريعة الفرات بصفين ومنعوهم من الماء :

((قد استطعموكم القتال، فأقرّوا على مذلّة، وتأخیر محلّة، أو روّوا السيوف من الدماء تروَوا من الماء، فالموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول عمرو بن براقة الهمداني (3/ 245):

فكيف ينام الليل من جل ماله***حسام کلون الملح أبيض صارم

كذبتم وبيت اللّه لا تأخذونها*** مراغمة ما دام للسيف قائم

ومن يطلب المال المقنع بالقنا*** يعش ماجداً أو تخترمه الخوارم

ومثله ( 3/ 236):

ومن يطلب المال المقنع بالقنا*** يعش ماجداً أو يؤذ فيما يمارس

وقول حرب بن سعر(3/ 236):

عطفت عليه المهر عطفة باسلٍ*** كمیٍّ ومن لا يظِلم الناس يُظلم

فأوجرته لدن الكعوب منقفاً*** فخر صريعاً لليدين وللفم

وقول الحارث بن الأرقم (3/ 246):

وما ضاق صدري يا سليمى بشخصكم*** ولكنني في الحادثات صليب

تروك لدار الخشف والضيم منکر*** بصير بفعل المكرمات أريب

ص: 201

إذا سامني السلطان ذلاً أبيته*** ولم أعطِ خسفاً ما أقام عسيب

وقول العباس بن مرداس السُلَمي (3/ 246):

بأبي فوارس لا يعری صواهلها*** أن يقبلوا الخسف من ملك وإن عظما

لا والسيوف بأيدينا مجردة*** لاكان منا غداة الروع منهزما

وقول وهبة بن الحارث (3/ 346) :

لا يحسبني كأقوام عبئت بهم*** لن يأنفوا الذل حتى تأنف الحُمُر

لا تعلقني قذاةٌ لست فاعلها*** واحذر ثباتي فقدماً ينفع الحذر

فقد علمت بأني غير مهتضمٍ*** حتى يلوح ببطن الراحة الشعر

وقول المسيب بن عباس (246-247):

(و) أبلغ ضبيعة أن البلاء*** فيها لذي قوة مغضب

وقد يقعد القوم من دارهم*** إذا لم يضاموا وإن أجدبوا

ويرتحل القوم عند الهوان*** عن دارهم بعدما أخصبوا

وقد كان سامة في قومه*** له مطعم وله مشب

فساموه خسفاً ولم يرضه*** وفي الأرض ضيعهم مهرب

وقول آخر (3/ 247):

إن الهوان حمار القوم يعرفه*** والحر ينكره والرسلة الجلد

ولا يقيم على خسف يراد به*** إلا الأذلان غير الحي والوتد

هذا على الخسف مشدود برمته*** وذا يشيح فلا يأوي له أحد

ص: 202

فإن أقمت على ضيم يراد بكم*** فإن رحلي له والٍ ومعتمد

وفي البلاد إذا ما خفت باردة*** مكروهة عن ولاة السوء مفتقد

وقول أحد بني أسد (3/ 247) :

إني امرؤ من بني خزيمة لا*** أطعم خسفاً لناعب نعبا

لست بمعط ظلامة أبداً*** عجماً ولا أتقي بها عربا

وقول مويلك السدوسي عندما دخل إلى البصرة يبيع إبلاً فأخذ عامل الصدقة بعضها، فخرج إلى البادية وقال (3/ 247):

ناق إني أرى المقام على الضي*** م عظيماً في قبة الإسلام

قد أراني ولي من العامل النص*** ف بحد السنان أو بالحسام

وقول یزید بن مفرِّع الحميري (3/ 248):

لا ذعرت السوام نے فلق الصب*** ح مغيراً ولا دعيت يزيدا

يوم أعطى من المخافة ضيماً*** والمنايا يرصدني أن أحيدا

وقول آخر (3/ 248):

لا تحسبني يا أمامة*** عاجزاً دنساً ثيابه

إني إذا خفت الهوا*** ن مُشَیَّعٌ ذُلُلٌ ركابه

وقول عنترة (3/ 248) :

ذُلُلٌ ركابي حيث شئت مشايعي*** لُبِّي وأحفُزُةٌ برأي مبرم

وقول آخر (3/ 248):

ص: 203

أخشية الموت درَّ درّكم*** أعطيتم القوم فوق ماسألوا

إنّا لعمر الإله نأبي الذي قا*** الوا ولما تقصّف الأسل

نقبل ضيماً ونحن نعرفه*** ما دام منا بظهرها رجل

وقول آخر (3/ 248) :

ورب يوم حبست النفس مكرهة*** فيه لأكبت أعداءً أحاشيها

آبی وآنف من أشياء آخذها*** رث القوي وضعيف القوم يعطيها

وقول الشراخ (3/ 248-249) :

أبينا فلا نعطي مليكاً ظلامة*** ولا سوقاً إلا الوشيج المقوما

وإلا حساماً يبهر العين لمحه*** كصاعقة في عارض قد تبسما

وقول أبي تمام في محمد بن حميد الطائي (3/ 249):

وقد كان فوت الموت سهلاً فردّه***إليه الحفاظ المر والخلق الوعر

ونفس تعاف الضيم حتى كأنه*** هو الكفر يوم الضيم أو دونه الكفر

فأثبت في مستنقع الموت رجله*** وقال لها: من تحت أخمصك الحشر

تردي ثياب الموت حمراً فما أتى*** لها الليل إلا وهي من سندس خضر

وقول سليمان بن قتة (3/ 249):

فإن الأولى بالطف من آل هاشم*** تأسوا فسنوا للكرام التأسيسا

وقول العباس بن مرداس (3/ 250):

فقال امرؤ يهدي إليك نصيحة*** إذا معشراً جاءوا بعرضك فانجل

ص: 204

وإن بوؤوك منزلاً غير طائل*** غليظاً فلا تنزل به وتحول

ولا تطمعن ما يعلفونك إنهم*** أتوك على قرباهمُ بالمثقل

أبعد الإزار مجسداً لك شاهداً*** أتيت به في الدار لم يتنزل

أراك إذاً قد صرت للقوم نافحاً*** يقال له بالضرب أدبر وأقبل

فخذها فليست بالعزيز بخطمةٍ*** وفيها مقام لامريءٍ متذلل

وله أيضاً (3/ 251):

فحارب فإنْ مولاك حارد نصره*** ففي السيف مولى نصره لا يحارد

وقول مالك بن حريم الهمداني (3/ 251):

وكنت إذا قوماً غزوني غزوتهم*** فهل أنا ذا بال همدان ظالم

متى تجمع القلب الذكي وصارماً*** وأنفاًحمياً تجتبيك المظالم

وقول رشيد بن رُميّض العنزي (3/ 251):

باتوا نياماً وابن هند لم ينم*** بات يقاسيها غلام کالزَلَم

خُدلّج الساقين خفاق القدم*** قد لفها الليل بسواق حُطم

لیس براعي إبل ولا غنم*** ولا بجزّاز على ظهر وضم

من يلقني بودٍ كما عودت أرم

وقول آخر (3/ 251):

ولست بمبتاع الحياة بسبّةٍ*** ولا مرتقٍ من خشية الموت سلّما

ولما رأيت الود ليس بنافعي*** عمدت إلى الأمر الذي كان أحزما

ص: 205

بعد معركة بين يزيد بن المهلب ويزيد بن عبد الملك، استطاع الأخير أن يقتل بني المهلب عن آخرهم فحملت رؤوسهم وحمل الأسرى إلى يزيد بن عبد الملك بالشام، وهم أحد عشر رجلاً فلما دخلوا عليه قام كثِّير بن عزة أبي جمعة فأنشد (3/ 254) :

حليم إذا مانال عاقب محجلاً*** أشد العقاب أو عفالم يثرِّبِ

فعفواً أمير المؤمنين وحسبةً*** فما تأته من صالح لك يكتب

أساؤوا فإن تصفح فإنك قادر*** وأفضل حلم خشية حلم مغضب

ولكنه قتلهم جميعاً، وبقي منهم صبي صغير، فقال :

اقتلوني فلست بصغير.

فقال يزيد بن عبد الملك :

انظروا هل أنبت؟

فقال :

أنا أعلم بنفسي، قد احتلمت ووطئت النساء، فاقتلوني؛ فلا خير في العيش بعد أهلي.

فأمر به فقتل. فقال الرضي الموسوي رحمه اللّه (3/ 255):

ألا للّه بادرة الطلاب*** وعزم لا یروَّع بالعتاب

وكل مشمر البردين يهوي*** هويَّ المصلتات على الرقاب

ص: 206

أعاتبه على بعد التنائي*** فيعذلني على قرب الإياب

رأيت العجز يخضع لليالي*** ويرضى عن نوائبها الغضاب

وآمل أن تطاوعني الليالي*** وينشب في المنى ظفري ونابي

ولولا صولة الأقدار دوني*** هجمت على العلا من كل باب

وقوله أيضاً (3/ 255):

لا يبذ الهموم إلا غلام*** يركب الهول والحسام ردیف

مايذل الزمان بالفقر حراً*** كيفهاكان فالشریف شریف

وقوله أيضاً (رحمه اللّه) (3/ 255):

ولست أضل طرق المعالي*** ونار العز عالية الشعاع

ودون المجد رأي مستطيل*** وباع غیر محبوب الذراع

ويعجبني البعاد كأن قلبي*** يحدّث عن عدي بن الرقاع

فرِدْ نهي العلاء بلا رقيب*** وشمِّر في الأمور بلانزاع

ولا تغررك قعقعة الأعادي*** فذاك الصخر خرَّ من اليفاع

ونحن أحق بالدنيا ولكن*** تُخِسِّرت القطوف على الوساع

وقول حارثة بن بدر الغدراني (3/ 256) :

أهان وأقصى ثم ينتصمونني*** ومن ذا الذي يعطي نصيحته قسرا

رأيت أكف المصلتين عليكم*** ملاءً وكفي من عطائكم صفرا

متى تسألوني ما علي وتمنعوا*** الذي لي، لا أسطيع في ذلكم صبرا

ص: 207

وقول أحد الخوارج (3/ 256) :

تعيرني بالحرب عرسي وما درت*** بأني لها في كل ما أمرت ضد

لحا اللّه قوماً يقعدون وعندهم*** سيوف ولم يعصب بأيديهم قد

وقول الأعشی (3/ 256) :

أ بالموت خشَّتني عباد وإنما*** رأيت منايا القوم يسعى دليلها

وما موتة إن متها غير عاجز*** بعار إذا ما غالت النفس غولها

وقول آخر (3/ 256) :

فلا أسمعن فيكم بأمرٍ هضيمة*** وضيم ولا تسمع به هامتي بعدي

فإن السنان يركب المرء حدّه***من الضيم أو يعدو على الأسد الورد

ومثله (3/ 256):

کرهوا الموت فاستبيح حماهم*** وأقاموا فعل اللئيم الذليل

أمن الموت تهربون فإن ال***موت الذليل غير جميل

وقول بشامة بن الغدیر:

وإن التي سامكم قومكم*** هم جعلوها عليكم عدولا

وخزيُ الحياة وكره الممات*** فكلاً أراه طعاما وبيلا

فإن لم يكن غير إحداها*** فسيروا إلى الموت سيراً جميلا

ولا تقعدوا وبكم مَنَّةٌ ***كفى بالحوادث للمرء غولا

من وقول هدبة بن خشوم (3/ 257) :

ص: 208

وإني إذا بالموت لم يك دونه*** قدى الشبر أحمي الأنف أو أتأخرا

ولكنني أعطي الحفيظة حقها*** فأعرف معروفاً وأنكر منكرا

وقول آخر (3/ 257-258):

إني أنا المرء لا يفضي على ترةٍ*** ولا يقر على ضيم إذ غشما

ألقى المنية خوفاً أن يقال فتىً*** أمسى- وقد شبت الصفات منهزما

وقول آخر (3/ 258):

قوّض خيامك والتمس بلدا*** تنأى عن الغاشيك بالظلم

أو شد بشدة بيهس فعسى*** أن يتقوك بصفحة السلم

وقول سبيع بن خطيم التيمي، وقد انتصر من بني قيم اللات بن ثعلبة زيد الفوارس الضبي فنصره (3/ 258):

نبهت زيداً فلم أفزع إلى وكلٍ*** رث السلاح ولا في الحي مغمور

سالت عليه شعاب الحي حين وعي*** أنصاره بوجوهٍ كالدنانير

وقول أبي طالب بن عبد المطلب (3/ 258):

كذبتم وبيت اللّه نخلي محمداً*** ولما نطاعن دونه ونناضل

وننصره حتى نصرع حوله*** ونَذْهل عن أبنائنا والحلائل

وقول علي بن عبد اللّه بن عباس، وقد أراد مسلم بن عقبة إرغامه على مبايعة يزيد بن معاوية في وقعة الحرة وهو في حماية أخواله من كندة (3/ 259):

أبي العباس رأس بني قصيّ*** وأخوالي الملوك بني وليعة

ص: 209

أراد بي التي لا عز فيها*** فحالت دونه أيدٍ منيعة

همُ منعوا ذماري يوم جاءت*** كتايب مسرف وبنو اللكيعة

ومسرف : كناية عن مسلم، وأم علي بن عبد اللّه بن العباس زُرعة بنت مشرّح بن معدي كرب بن وليعة بن شرحبيل بن معاوية بن كندة.

وقول الحصين بن الحمام (3/ 260):

ولست بمبتاع الحياة بسبةٍ*** ولا مرتق من خشية الموت سلّما

تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد*** لنفسي حياة مثلما أتقدما

فلسنا على الأعقاب تدمی کلومنا*** ولكن على أعقابنا تقطر الدما

تفلق هاماً من رجالٍ أعزةٍ*** علينا، وهم كانوا أعق وأظلما

أبي لابن سلمى أنه غير خالد*** ملاقي المنايا أي صرف تبسما

(ابن سلمى : يعني نفسه وسلمى أمه).

وقول الطرماح بن حکیم (3/ 260):

ولا منعت دار ولا عز أهلها*** من الناس إلا بالقنا والقنابل

وقول آخر (3/ 260):

وإن التي حدثتها في أنوفنا*** وأعناقنا من الإباء كما هيا

وقول إبراهيم بن کنيف النبهاني (3/ 260) :

فإن تكن الأيام فينا تبدلت*** ببؤس ونعمى فالحوادث تفعل

فما لینت مناتناة صليبته*** ولا ذللتنا للتي سوف تجمل

ص: 210

ولكن رحلناها نفوساً كريمة*** تحمل مالا يستطاع فتحمل

وقول آخر (3/ 261):

إذا جانب إعياك فاعمد لجانب*** فإنك لاقٍ في البلاد معوِّلا

وقول أبي النشناش (3/ 261):

إذا المرء لم يرح سواماً ولم يسرح*** سواماً ولم تعطف عليه أقاربه

فلَلموت خير للفتى من قعوده*** عديماً ومن مولى تدب عقاربه

ولم أرَ من الهم ضاجعه الفتی*** ولا كسواد الليل أخفق طالبه

فعش معدماً أو مت کریماً فإنني*** أرى الموت لا ينجو من الموت هاريه

وقول سعيد بن عمر الحرشي أمير خراسان (3/ 262):

فلست لعامر إن لن تروني*** أمام الخيل أطعن بالعوالي

وأضرب هامة الجبار منهم*** بماضي الضرب حُودث بالصقال

فما أنا بالحروب بمستكين*** ولا أفشي مصاولة الرجال

أبي لي والدي من كل ذمٍ*** وخالي حين يذكر خير خال

وقول آخر (3/ 262):

خذيه وجريه ضباع وابشري*** بلحم امريء لم يشهد اليوم ناصره

وقول الشداخ بن معمر الكناني في (3/ 263):

قاتلوا القوم ياخزاع ولا*** يدخلكم من قتالهم فشل

القوم أمثالكم لهم شَعَرة*** في الرأس لا ينشرون إن قتلوا

ص: 211

وقول يحيى بن منصور الحنفي (3/ 263) :

ولما نأت عنا العشيرة كلها*** أنخنا فحالفنا السيوف مع الدهر

فما أسلمتنا عند يوم كريهةٍ*** ولا نحن أغضينا الجفون على وتر

وقول أبي تمام (3/ 263):

کم بین قوم إنما نفقاتهم*** مال وقوم ينفقون نفوسا

وقوله أيضاً (3/ 264):

السيف أصدق أنباءً من الكتب*** وحدِّه الحد بين الجد واللعب

بيض الصفائح لاسود الصحائف*** في متونهن جلاء الشك والريب

والعلم في شهب الأرماح لامعة*** بين الخميسين لا في السبعة الشهب

وقول أبي الطيب (3/ 264-265):

حتى رجعت وأقلامي قوائل لي*** المجد للسيف ليس المجد للقلم

أكتب بنا أبداً بعد الكتاب به*** فإنما نحن للأسياف كالخدم

أسمعتني ودوائي ما أشرت به*** فإن غفلت فدائي خلة الفهم

من اقتضى بسوى الهندي حاجته*** أجاب كل سؤال عن (هل) ب (لم)

وقول عطاء بن محمد الألوسي (3/ 265) :

أكابد الزفرات موصدة*** تلتذ خوف القطع بالشلل

صرف همومك تنتدب همماً*** فالكر يعقب نشوة الثمل

ولَلَيلة الميلاد مفرحة*** تنى الحوامل أشهر الحمل

ص: 212

سر البلاد تخوضها لججاً*** فالد ليس يصاب بالوشل

واجعل لصبوتك الضبا سكناً*** والدور أكوار على الإبل

والعيش والوطن الممهدين في*** غَرَب الحسام وغارب الجمل

واشدد عليك وخذ إليك ودع*** ضعة الخمول وفترة الكسل

وارمِ العداة بكل صائبةٍ*** ما الرمي موقوفاً على ثُعَل

لا تحسب النكبات منقصة*** قد يستجاد السيف بالقلل

وقول عروة بن الورد (3/ 265-266):

لحا اللّه صعلوكاً إذا جن ليلةً*** مصا في المشاس أكفأكل مجزر

يعد الفتى من نفسه كل ليلةٍ***أصار قراها من صديق ميسر

ينام عشاءً ثم يصبح ناعساً*** يحث الحصى من جنبه المتعثر

يعين نساء الحي ما يستعنّه*** ويمسي طليحاً كالبعير المحسّر

ولكن صعلوكاً صفيحة وجهه*** كضوء شهاب القابس المتنور

مطلاً على أعدائه يزجرونه*** بساحاتهم زجر المنيح المشهّر

وإن فقدوا لا يأمنون اقترابه*** تشوف أهل الغائب المتنظر

وقول آخر (3/ 266) :

ولست بمولى سوءةٍ أُدّعى لها*** فإن لسوءات الأمور مواليا

وسيان عندي أن أموت وأن أُرى*** کبعض رجال يوطنون المخازيا

ولن يجد الناس الصديق ولا العدا*** أو يحيى إذا عدوا أديمي واهيا

ص: 213

وإن نجاري يا ابن غنم مخالف*** نجار لئامٍ فابغني من ورائيا

ولست بهيابٍ لمن لا يهابني*** ولست أرى للمرء ما لا يرى ليا

إذا المرء لم يحبك إلا تكرهاً*** عراض العلوق لم يكن ذاك باقيا

وقول فار بن توسعة في يزيد بن المهلب (3/ 267) :

وما كنا نؤمل من أمير*** كما كنا نؤمل من يزيد

فأخطأ ظننا فيه وقدماً*** زهدنا في معاشرة الزهيد

إذا لم يعطنا نصفاً أمير*** مشينا نحوه مشي الأسود

وقول المتنبي (3/ 268):

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى*** حتى يراق على جوانبه الدم

وقوله أيضاً (3/ 286):

ومن عرف الأيام معرفتي بها*** وبالناس روّی رمحه غير راحم

فليس بمرحوم إذا ظفروا به*** ولا في الردى الجاري عليه بأثم

وقوله أيضاً (3/ 268):

روي حياض الردى يا نفس واطّرحي*** حياض خوث الردى للشاء والنعم

إن لم أدرك على الأرماح سائلة*** فلا دعيت ابن أم المجد والكرم

ولما قتلقتيبة بن مسلم الباهلي أمير خراسان وما وراء النهر صعد وكيع بن أسود وقال :

إن قتيبة أراد قتلي، وأنا قتال الأقران وأنشد (3/ 272):

ص: 214

قد جربوني ثم جربوني*** من غلوتين ومن المئين

حتى إذا شبت وشيبوني*** خلوعناني ثم سيبوني

حذارِ مني وتنكبوني*** فإنني رام لمن يرميني

ثم قال : أنا أبو مطرّف.. يكررها مراراً

ثم قال :

أنا ابن خندف تنميني قبائلها*** للصالحات وعمي قيس عيلانا

وقول عبد الرحمن بن جمانة الباهلي يرثي قتيبة (3/ 273):

كأن أبا حفص قتيبة لم يسر*** بجيش إلى جيش ولم يعلُ منبرا

ولم يخفق الرايات والجيش حوله*** صفوفاً ولم يشهد له الناس عسکرا

دعته المنايا فاستجاب لربه*** وراح إلى الجنات عفّاً مطهّرا

فما رزء الإسلام بعد محمدٍ*** بمثل أبي حفصٍ فبكيه عفهرا

وقول أحد شعراء العجم (3/ 274):

واسوءتا لامريء شبيبته*** في عنفوان وماؤه خضل

راضٍ بنزر المعاش مضطهدٍ*** على تراث الآباء يتكل

لا حفظ اللّه ذاك من رجلٍ*** ولا رعاه ما أطّن الإبل

کلا وربي حتى تكون فتىً*** قد نهكته الأسفار والرحل

مشمراً يطلب الرياسة أو*** يضرب يوماً بهلكه المثل

حتى متى تتبع الرجال ولا*** تُتَّبع يوماً، لامك الهبل

ص: 215

وقول عبد اللّه بن ثعلبة الأزدي (3/ 275):

فلئن عمرت لاسفين*** النفس من تلك المساعي

ولأعلمن البطن أن*** الزاد ليس بمستطاع

أما النهار فقد أرى*** قومي بمرقبة يفاع

في قرّة هلك وشو*** ك مثل أنياب الأفاعي

ترد السباع معي فتح*** سبني السباع من السباع

وقول هلال بن معاوية الطائي (3/ 275):

وبالجبلين لنا معقل*** صعدنا إليه بصم الصعاد

ملكناه في أوليات الزمان*** من قبل نوح ومن قبل عاد

ومنا ابن مرِّ ابوحنبلٍ*** أجار من الناس رجل الجراد

وزيد لنا ولناحاتم*** غياث الورى في السنين الشداد

وقول آخر (3/ 276) :

أرقُّ لأرحام أراها قريبة*** لحار بن کعب لا لجرم بن راسب

وإنا نرى أقدامنا في سفالهم*** وأنفنا بين اللحى والحواجب

وأقدامنا يوم الوغى وإباؤنا*** إذا ما أبينا لاندر لعاصب

وقول الراجز (3/ 276) :

من كان ينوي أهله فلا رجع*** فرَّ من الموت وفي الموت وقع

وقول الكليحة (3/ 277):

ص: 216

إذا المرء لم يغش المكاره أوشكت*** حبال الهوينى بالفتى أن تقطعا

وقول قطري بن الفجاءة (3/ 277):

أقول لها وقد طارت شعاعاً*** من الأبطال ويحك لا تراعي

فإنك لوسألتِ بقاء يومٍ*** على الأجل الذي لك لم تطاعي

فصبراً في مجال الموت صبراً*** فما نيل الخلود بمستطاع

ولا ثوب البقاء بثوب عزٍ*** فيطوي عن أخي الخنع اليراعي

سبيل الموت غاية كل حيٍّ*** فداعيه لأهل الأرض داع

ومن لا يغتبط يسأم ويهزم*** وتسلمه المنون إلى انقطاع

وما للمرء خير في حياةٍ*** إذا ماعدمن سقط المتاع

ومنه أيضاً (3/ 277):

ولم ندر أن خضنا من الموت جيفة*** كم العمر باقٍ والمدى متطاول

وقول جعفر بن علبة الحارثي أيضاً (3/ 278):

ولا يكسف الغماء إلا ابن حرةٍ*** يرى غمرات الموت ثم يزورها

وقوله أيضاً (3/ 278):

فلا تحسبي أني تخشعت بعدكم*** لشيء ولا إني من الموت أفرق

ولا أن نفسي يزدهيها وعيدكم*** ولا أنني بالمشي في القيد أخرق

وقول الشاعر (3/ 278):

سأغسل عني العار بالسيف جالباً عليّ قضاء اللّه ما كان جالبا

ص: 217

وأذهل عن داري وأجعل هدمها*** لعرضيَ من باقي المذمة حاجبا

ويصغر في عيني تلادي إذا ثنت*** يميني بإدراك الذي كنت طالبا

فإن تهدموا بالغدر داري فإنها*** تراث كريم لا يبالي العواقبا

أخي عزمات لا يطيع على الذي*** يهم به من مقطع الأمر عاتبا

إذا همّ ألقى بين عينيه عزمه*** ونکَّبَ عن ذكر العواقب جانبا

فيا لرزام رشحوا بي مقدماً*** إلى الموت خواضاً إليه السباسبا

إذا همَّ لم تردع عزيمة همه*** ولم يأتِ ما يأتي من الأمر هائبا

ولم يستشر في أمره غير نفسه*** ولم يرضِ إلا قائم السيف صاحبا

وقول الشاعر (3/ 278):

هما خطتا إما إسار ومنةٌ*** وإما دم، والقتل بالحر أجدر

وقول الشاعر (3/ 278):

وإنا لقوم لا نرى القتل سبّة*** إذا ما رأته عامر وسلول

يقصرحب الموت آجالنا لنا*** وتكرهه آجالهم فتطول

وما مات مناسيد حتف أنفه*** ولا طلَّ عنا حيث كان قتيل

تسيل على حد الضبات نفوسنا*** وليست على غير السيوف تسيل

وقول الشاعر (3/ 279):

لا يركنن أحد إلى الإحجام*** يوم الوغى متخوفاً لحمام

فلقد أراني للرماح دريئة*** من عن يميني تارة وأمامي

ص: 218

حتى خضبت بما تحدر من دمي*** أكناف سرجي أو عنان لجامي

ثم انصرفت وقد أصبت ولم أُصب*** جذع البصيرة قارح الأقدام

وقول الشاعر (3/ 279):

وإني لدى الحرب الضروس موکَّلٌ*** و بأقدام نفسٍ لا أريد بقاءها

متى يأتي هذا الموت لأتلف حاجة*** لنفسيَ إلا قد قضيت قضاءها

وقول الرضي الموسوي (رحمه اللّه) (3/ 280-281) :

سأمضي للتي لا عيب فيها*** وإن لم أستفد إلا عناءا

وأطلب غاية إن طوحت بي*** أصابت بي الحمام أو العلاءا

ومناكل أغلب مستميتٍ*** إذا لدَّدْتَهُ بالذل قاءا

إذا ما ضیم نمّرصفحتيه*** وقام على براثنه إباءا

ونأبى أن يُنال النصف منا*** وأن نعطى مقارعنا السواءا

ولو كان العداء يسوغ فينا*** لما سمنا الورى إلا العداءا

وقول أبي الطيب (3/ 281) :

أطاعن خيلاً من فوارسها الدهر*** وحيداً وما قولي كذا ومعي الصبر

وأشجع مني كل يوم سلامتي*** وماثبتت إلا وين نفسها أمر

تمرست بالآفات حتى تركتها*** تقول:أمات الموت أم ذُعر الذعر

وأقدمت إقدام الأبي كأن لي*** سوى مهجتي أو كان لي عندها وتر

ذرِ النفس تأخذ حضها قبل بينها*** فمفترق جاران دارهما العمر

ص: 219

ولا تحسبن المجد رقاً وقينة*** فما المجد إلا السيف والفتكة البكر

وتضريب هامات الملوك وإن ترى*** لك الهبوات السود والعسكر المجر

وتركك في الدنيا دويأ كأنما*** تداول سمع المرء أنمله العشر

وقول ابن حيوس (3/ 284-285):

ولست کمن أخنى عليه زمانه*** فظل على أحداثه يتعتّب

تلذ له الشكوى وإن لم يفد بها*** و صلاحاً كما يلتذ بالحك أجرب

ولكنني أحمي ذماري بعزمةٍ*** تتوب مناب السيف والسيف تنصب

وليس الفتى من لم تسم جسمه الضبا*** ويحطم فيه من قنا الخط أكعب

وقوله أيضاً (3/ 285) :

أخفق المترف الجنوح إلى الخفض*** وفاز المخاطر المقدام

وإذا ما السيوف لم تشهد الحر*** ب فسيان ص ارم وكهام

وقول صاحب الزنج (3/ 288) :

وإذا تنازعني أقول لها قري*** موت الملوك على صعود المنبر

ما قد قضى سيكون مصطبري له*** ولك الزمان من الذي لم يُقدر

وقوله أيضاً (3/ 288) :

إني وقومي في أنساب قومهم***کمسجد الخيف في بحبوحة الخيف

ما علق السيف منا بابن عاثرةٍ*** إلا وعزمته أمضى من السيف

وقول أحد الطالبين (3/ 288) :

ص: 220

وإنا لتصبح أسيافنا*** إذا ما انتضين ليوم سفوك

منابرهن بطون الأكف*** وأعمادهن رؤوس الملوك

وقول المتنبي (3/ 289) :

إذا غامرت في شرف مروم*** فلا تقنع بما دون النجوم

فطعم الموت في أمر حقير*** كطعم الموت في أمرٍ عظيم

يرى الجبناء أن الجبن حزم*** وتلك خديعة الطبع اللئيم

وكل شجاعة في المرء تغني*** ولا مثل الشجاعة في الحليم

وقوله (3/ 289) :

إذا لم تجد ما يبتر العمر قاعداً*** فقم واطلب الشيء الذي يبتر العمرا

وقوله (3/ 289):

أهم بشيء والليالي كأنها*** تطاردني عن كونه وأطارد

وحيداً من الخلان في كل بلدةٍ*** إذا عظم المطلاب قل المساعد

وقول إبن حيّوس (3/ 290) :

أمواتهم بالذكر كالأحياء*** ولحیِّهم فضل على الأحياء

نزلوا على حكم المروءة وامتطوا*** بالبأس ظهر العزة القعساء

والعزلايبقى لغير معوَّد*** أن يكشف الغمّاء بالغمّاء

لاتحسب الضراء ضراء إذا*** أفضت بصاحبها إلى السراء

وقوله (3/ 290 ):

ص: 221

وهي الرياسة لاتبوح بسرها*** إلا لأروع لايبوح ذماره

يحمي حماه قلبه ولسانه*** وتذود عنه يمينه ويساره

لا العذل ناهيه ولا الأرض الذي*** امر النفوس بشحها أمّاره

فليعلم الساعي ليبلغ ذا المدى*** إن الطريق كثيرة أخطاره

وقوله (3/ 292):

وإذا كانت النفوس كباراً*** تعبت في مرادها الأجسام

وقوله (3/ 292):

إلى أي حينٍ أنت في زي محرم*** وحتى متى في شقوة وإلى كم؟

وإلا تمت تحت السيوف مكرماً*** تمت وتقاسي الذل غير مكرم

فثب واثقاً باللّه وثبة ماجد*** يرى الموت في الهيجا جنى النحل في الفم

وقول آخر (3/ 293) :

إن تقتلوني فأجال الرجال كما*** حُدِّثتٌ قتل وما في القتل من عار

وإن سلمت لوقت بعده فعسى*** وكل شيء إلى حدٍ ومقدار

وقول مصعب، وقد كتبه إلى سكينة بنت الحسين (علیه السلام)، وكانت زوجته لما شخص إلى حرب عبد الملك وهي بالكوفة بعد ليالٍ من فراقها (3/ 296-297) :

وكان عزيزاً أن يبيت وبيننا*** حجاب فقد أصبحت مني على عشر

وأبكاهما واللّه للعين فأعلمي*** إذا ازددت مثليها فصرت على شهر

ص: 222

وأنكى لقلبي منهما اليوم إنني*** أخاف بألا نلتقي آخر الدهر

وقول محمد بن حافي (3/ 300) :

ولم أجد الإنسان إلآ ابن سعيه*** فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا

وبالهمة العلياء نرقى إلى العلا*** فمن كان أعلى همة كان أظهرا

ولم يتأخر من أراد تقدماً*** ولم يتقدم من أراد تأخرا

وقول الشريف الرضي رضي اللّه عنه (3/ 301) :

ومن أخرته نفسه مات عاجزاً*** ومن قدمته نفسه مات سيدا

وقوله رضي اللّه عنه (3/ 301):

مامقامي على الهوان وعندي*** مِقْوَلٌ صارم وأنف حميُّ

وإباء محلّقٌ بي عن الضيم*** كما زاغ طائر وحشيُّ

وقول أبي الطيب (3/ 301) :

تقولين ما في الناس مثلك عاشق*** جدي مثل من أحببته تجدي مثلي

محب کني بالبيض عن مرهفاته*** وبالحسن عن أجسامهن من الصقل

وبالسحر عن سحر القناغير إنني*** جناها أحبائي وأطرافها رسلي

عدمت فؤاداً لم يبت فيه فضلة*** لغير ثنايا الثغر والحدق النجل

تريدين إدراك المعالي رخيصة*** ولابد دون الشهد من إبر النحل

وقول أبي تمام (3/ 301-302) :

فتى النكبات من يأوي إذا ما*** قطعن به إلى خلق وساع

ص: 223

يثير عجاجة في كل فجٍ*** يهيم بها عدي بن الرقاع

يخوض مع السباع الماء حتى***لتحسبه السباع من السباع

فلبِّ العزم إن حاولت يوماً *** بأن تسطيع غير المستطاع

فلم تركب کنتاجية المهاري*** ولم تُركب همومك كالزماع

وقوله أيضا (3/ 302) :

إن خيراً مما رأيت الصفح*** عن النائبات والإغماض

غربة تفتدي بغربة قيس*** بن زهير والحارث بن مضاض

غرضي نكثتين مافتلا رأياً*** فخافا عليه نکث انتفاض

من أبنَّ البيوت أصبح في ثو*** ب من العيش ليس بالفضفاض

والفتى من تعرقته الليالي*** والفيا في كالحية النضناض

كل يوم له بصرف الليالي*** فتكة من فتكة البراض

وقوله أيضاً (3/ 302) :

إن تريني تري حساماً صقيلاً*** مشرفية من السيوف الحداد

ثاني الليل ثالث البيد والسير*** نديم النجوم سرب السهاد

وقول البحتري (302-303) :

يانديمي بالسواجير من شم*** س بن عمرو وبحتر بن عتود

اطلبا ثالثاً سواي فإني*** رابع العيس والدجي والبيد

لست بالعاجز الضعيف ولا القا*** ئل يوماً إن الفتى بالجدود

ص: 224

وإذا استصعبت مقادة أمر*** سهلة أيدي المهاري القود

وقول الرضي (رحمه اللّه) (3/ 303-304) :

ولم أرَ كالرجاء اليوم شيئاً*** تذل له الجماجم والرقاب

وبعض القدم مأثرة وفخر*** وبعض المال منقصة وعاب

بناني والعنان إذا نبت بي*** ربا أرضٍ، ورجلي والركاب

وقد عرفت توقُّعِيَ الليالي*** كما عرفت توقِّعِيَ العقاب

لأمنع جانباً وأفيد عزاً*** وعز الموت ماعز الجناب

إذا هولٌ دعاك فلا تهبه*** فلب يبق الذين أبو وهابوا

كليب عاقصته يد وأودي*** عُتيبة يوم أقعصه ذؤاب

سواء من أقل الترب منا*** ومن واري معالمه التراب

وإن مزامل العيش اعتباطاً ***مساوٍ للذين بقوا وشابوا

وأولنا العناء إذا طلعنا*** إلى الدنيا ، وآخرنا الذهاب

إلى كم ذا التردد في الأماني*** وكم یُلوی بناظري السراب؟

ولا نقعٌ يثار ولا قتام*** ولا طعنٌ يشب ولا ضراب

ولا خيل معقدة النواصي*** يموج على شكائمها اللعاب

عليها كل ملتهب الحواشي*** يصيب من العدو ولا يصاب

سأخطبها بحد السيف فعلاً*** إذا لم يغنِ قول أو خطاب

وآخذها وإن رغمت أنوف*** مغالبة وإن ذلت رقاب

ص: 225

وقول عدي بن زید (3/ 305):

فهل من خالد إما هلكنا*** وهل بالموت يا للناس عار؟

وقول الرضي (رحمه اللّه) (3/ 305-306) :

إذا لم يكن إلا الحمام فإنني*** سأكرم نفسي عن مقال اللوائم

وألبسها حمراء تصفو ذبولها*** من الدم بعد عن لباس الملاوم

فمن قبل ما اختار أشعث عيشه*** على ترف عال رفيع الدعائم

فطار ذميما قد تقلد عارها*** بشر جناح يوم دير الجماجم

وجاءهم يجري البريد برأسه*** ولم يغن إيغال به في الهزائم

وقد حاص من خوف الردي كل حيصة*** ولم ينج والأقدار ضربة لازم

وهذا يزيد بن المهلب نافرت*** به الذل أعراق البرود الأكارم

فقال وقد عنَّ الغرام والردي: *** لحا اللّه أخزى ذكرة في المواسم

وما غمرات الموت إلا تفاسة*** ولا ذي المنايا غير تهويم نائم

رأى أن هذا السيف أهون محملاً*** من العار يبقى وسمه في المخاطم

وما قلد البيض المباتير عنقه*** سوى الخوف من تقليدها بالأداهم

فعاف الدنايا وامتطى الموت شامخاً*** يمارن عز لا يذل لخاطم

وقد حلقت خوف الهوان بمصعب*** قوادم آباء کرام المقادم

على حين أعطوه الأمان مخافة*** وخُيّر فاختار الردي غير نادم

وفي خدره غراء من آل طلحة*** علاقة قلب للنديم المخالم

ص: 226

تحبب أيام الحياة وإنها*** لأعذب من طعم الخلود لطاعم

ففارقها والملك لما رآهما*** يجران أذلال النفوس الكرام

ولما ألاح الحوفزان من الردی*** حذاه المخزي رمح قيس بن عاصم

وغادرهاشنعاء إن ذكرت له*** من العار طاطا رأس خزان واجم

کذاك مني بعد الفرار أمية*** بشقشقة لوثاء من آل دارم

وسل لهاسل الحسام بن معمر*** فكرت على أعقاب ناب بصارم

يردد ذکری کل نجد وغائر*** والجم خوف کل باغ وظالم

وهددني الأعداء في المهد لم يحن*** نهوضي ولم تقطع عقود تمائمي

وعندي يوم لو يزيد ومسلم*** بدا لهما لاستصغرا يوم واقم

على الفرق لا ميته مستكينة*** تزيل عن الدنيا بشم المراغم

وخاطر على الجلي خطارين حمرة*** وإن زاحم الأمر العظيم مزاحم

ولقوله (علیه السلام)، في ذم أصحابه :

((إنكم، واللّه لكثير في الباحات، قليل تحت الرايات، وإني لعالم بما يصلحكم، ويقيم أودكم، ولكن، واللّه لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي، أجزع اللّه خدودكم، وأتعس جدودكم، لا تعرفون الحق كمعرفتكم الباطل، ولا تبطلون الباطل كإبطالكم الحق)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول معدان الطائي (6/ 104):

فأما الذي يحصيهم فمكثّر*** وأما الذي يطريهم فمقلِّل

ص: 227

وقول قراد بن حفش (6/ 105) :

لقوميَ أرعى للعلام عصابة*** من الناس يا حار بن عمرو تسودها

وأنت سماء يعجب الناس رزّها*** بأبدةٍ تنمي شديد وئيدها

تقطع أطناب البيوت بحاصبٍ*** وأكذب شيءٍ برقها ورعودها

فویلمّها خيلاً بهاءٌ وشارة*** إذا لاقت الأعداء لولا صدوها

وقول الشاعر (6/ 105) :

لقد كان فيكم لو وفيتم بحاركم*** لحیً ورقابٌ عروة ومنافر

من الصهب أثناء وجذعاً كأنها*** عذارى عليهاشارة ومعاجر

وقول مروان بن الحكم لما بويع ودعا إلى نفسه (6/ 163):

لما رأيت الأمر أمرأ نهباً*** سبرت غسان لهم وكلبا

والسكسكيين رجالاً غلبا*** وطيئاً تأباه إلا ض ضربا

والقين تمشي في الحديد نُكبا*** ومن تنوخ مشمخراً صعبا

لا يملكون الملك إلا غصبا*** وإن دنت قيس فقل لا قربا

وبقول زفر بن الحارث - وهو يذكر ما حدث عند تولي مروان بن الحكم الخلافة، من حوادث منها قتل وهرب عمال بني أمية، على الأمصار، لا سيما أولئك الذين يؤيدون، ويدعون لابن الزبير (6/ 164):

أريني سلاحي - لا أبالك - إنني*** أرى الحرب لا تزداد إلا تحاويا

أتاني عن مروان بالغيب أنه*** مريق دمي، أو قاطع من لسانيا

ص: 228

وفي العيس منجاة وفي الأرض مهرب*** إذا نحن رفَّعنا لهن المبانيا

فلا تحسبوني إن تغيبت غافلاً*** ولا تفرحوا إن جئتكم بلقائيا

فقد ينبت المرعى على دمن الثرى*** وتبقى حزازات النفوس كما هيا

أتذهب كلب لم تنهها رماحنا*** وتترك قتلى راهط هي ما هيا

لعمري لقد أبقت وقيعة راهط*** لحسان صدءً بيننا متنائيا

أبعد ابن عمرو وابن معن تتابعا*** ومقتل همام أمين الأمانيا

ولم تُر مني نبوة قبل هذه*** و فراري وتركي صاحبي ورائيا

أيذهب يوم واحد إن أسأته*** بصالح أيامي وحسن بلائيا

فلا صلح حتى تنحط الخيل بالقنا*** وتثأر من نسوان كلب نسائيا

وقول زفر بن الحارث أيضا (6/ 164/ 166) :

أن اللّه أمَّا بحْدلٌ وابن بحْدلٍ*** فيحيا وأما ابن الزبير فيقتل

كذبتم وبيت اللّه لا تقتلونه*** ولایکن يوم أغرُّ محجّل

ولما يكن للمشرفية فوقكم*** شعاع كقرن الشمس حين ترجل

ولقوله (علیه السلام)- وهو يخاطب بني أمية -:

((ألا وإن لكل دم ثائراً، ولكل حق طالباً، وإن الثائر في دمائنا کالحاكم في حق نفسه، وهو اللّه الذي لا يعجزه من طلب، ولا يفوته من هرب، فأقسم باللّه يا بني أمية عما قليل لتعرفنا في أيدي غيركم، وفي دار عدوكم).

استشهد ابن أبي الحديد بقول مسلمة بن عبد الملك في الرواية التي تقول :

ص: 229

(إنه نظر عبد اللّه بن علي في الحرب إلى فتي عليه أبهة الشرف، وهو يحارب مستقتلاً، فناداه :

- يا فى لك الأمان، ولو كنت مروان بن محمد.

فقال :

- ألا أكنه فلست بدونه .

فقال :

- ولك الأمان ولو كنت من کنت.

فأطرق ثم أنشد :

لذل الحياة وكره الممات*** وكلاً أراه طعاماً وبيلا

وإن لم يكن غير إحداهما*** فسير إلى الموت سيراً جميلا

ثم قاتل حتى قتل :

ولقوله (علیه السلام):

((أنا كابُّ الدنيا لوجهها، وقادرها بقدرها، وناظرها بعينها).

استشهد ابن أبي الحديد بقول صاحب الزنج (8/ 128):

رأيت المقام على الاقتصاد*** قنوعاً به ذلة في العباد

إذا النار ضاق بهازندها*** ففسحتها في فراق الزناد

إذا صارم مرَّ في غمده*** حوى غيره السبق يوم الجلاد

وبما نسب إليه قوله (8/ 128):

ص: 230

وإذا تنازعني أقول لها:قري*** موت يريحك أو صعود المنبر

ماقد قضى سيكون مصطبري له*** ولك الأمان من الذي لم يقدر

ولقوله (علیه السلام):

((ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول حاتم بن عبد اللّه الطائي (16/ 228) :

ا یا ابنة عبد اللّه وابنة مالك*** ويا ابنة ذي الجدين والفرس الورد

إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له*** أكيلاً فإني لست آكله وحدي

قصياً بعيداً أو قريباً فإنني*** أخاف مذمات الأحاديث من بعدي

كفى بك عاراً أن تبيت ببطنةٍ*** وحولك أكباد تحن إلى القدِّ

وإني لعبد الضيف ما دام نازلاً*** وما من خلالي غيرها شيمة العبد

ص: 231

ص: 232

المدح

ص: 233

ص: 234

لقوله (علیه السلام):

((وفّروا من اللّه إلى اللّه)). أي اهربوا إلى رحمة اللّه من عذابه .

استشهد ابن أبي الحديد بقول الفرزدق في مدح سعيد بن العاص 1/ 331 :

إليك فررت منك ومن زیادٍ*** ولم أحسب دمي لكم حلالا

ولقوله (علیه السلام):

((أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، مندحق البطن، يأكل ما يجد، ويطلب ما لا يجد، فاقتلوه، ولن تقتلوه. إلا وإنه سيأمركم بسبّي والبراءة مني، فأما السب فسبّوني فإنه لي زكاة ولكم نجاة، وأما البراءة فلا تتبرّؤوا مني؛ فإني ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول كثير بن عبد الرحمن يمدح عمر بن عبد العزيز ويذكر قطعه السّب (4/ 59-60):

وُليتَ فلم تشتم علياً ولم تخف*** بريّا ولم تقبل إساءة مجرم

وكفرت بالعفو الذنوب مع الذي*** أثبتَ فأضحى راضياً كل مسلم

ص: 235

ألا إنما يكفي الفتى بعد زيغه*** من الأود البادي ثِقافُ المقوم

ومازلت تواقاً إلى كل غاية*** بلغت بها أعلى العلاء المقدم

فلما أتاك الأمر عفوا ولم یکن*** لطالب دنیا بعده من تكلم

تركت الذي يفنى وإن كان بائداً*** وآثرت مايبقي برأيٍ مصمم

وقول الرضي (رحمه اللّه) (4/ 60):

يا ابن عبد العزيز لو بكت العين*** فتى من أمية لبكيتُك

غير أني أقول إنك قد صلت*** وإن لم يطِب ولم يزكَ بيتُك

أنت نزهتنا من السب والقذ*** ف:فلو كان أمكن الجزاء جزيتك

ولو اني رأيت قبرك لاستح*** بيت من أرى وما حييتك

وقليل لو أن بذلت دماء ال*** بدن صرفاً على الذرا وسقيتك

دیر سمعان: منك مأوى أبي*** حفص بودي لوأني آويتك

دیر سمعان: لا أعبك غيث*** خير ميت من آل مروان ميتك

أنت بالذكر بين عيني وقلبي*** إن تدانيت منك أو نأيتك

وإذا حرك الحشاخاطر منك*** توهمت أنني قد رأيتك

وعجيب إني فليت بني مر*** وان طراً وإنني مامليتك

قرب العدل منك لمانأي الجو*** و ربھم فاجتوتهم واجتبيتك

فلواني ملكت دفعاً لما نا*** بك من طارق الردي لفديتك

وقول النجاشي - شاعر أهل العراق بصفين - إذ كان مع صاحبه أبي

ص: 236

سحال الأسدي يشربان الخمر في أول رمضان فجلده الإمام وأقامه في سراويله للناس ومر به هند بن عاصم السلولي فطرح عليه مطرفاً فجعل الناس يمرون به ويطرحون عليه المطارف، حتى اجتمعت عليه مطارف كثيرة، فمدح ابن سلول فقال (4/ 88) :

إذا اللّه حيا صالحاً من عباده*** نقياً فحيا اللّه هند بن عاصم

وكل سلولي إذا ما دعوته*** و سريع إلى داعي العلا والمكارم

هم البيض أقداماً وديباج أوجه*** و جلوها إذا اسودّت وجوه الملائم

ولا يأكل الكلب السروق نعالهم*** ولا يبتغي المنح الذي في الجماجم

وقول أبي نصر بن نباتة، للشريف الجليل محمد بن عمر العلوي (4/ 111):

وأبوك الوصي أول من شا*** د منار الهدى وصام وصلى

نشرت صلبه قريش فأعطت*** ه إلى صيحة القيامة فتلا

وقول إبن أبي الحديد لأبي المظفر هبة اللّه بن موسى الموسوي رحمه اللّه في قصيدة يذكر فيها أباه (4/ 111-112) :

أمك الدرة التي أنجبت من*** جوهر المجد راضياً مرضيا

وأبوك الإمام موسی کظيم ال*** غيظ حتى بعيده منسيا

وأبوه تاج الهدی جعفر الصا*** دق وحياً عن القلوب وَحيّا

وأبوه محمد باقر العلم*** مضى لنا هادياً مهديا

وأبوه السجاد أتقى عباد*** اللّه مخلصاً ووفيا

ص: 237

والحسين الذي تخير أن*** يقضي عزيزاً ولا يعيش دنيّا

وأبوه الوصي أول من طاف*** ولبی سبعاً وساق الهديا

طامنت مجده قريش فأعطته*** إلى سدرة السماء رقيا

حملت صيته فطار إلى أن*** ملأ الأفق ضجّة ودویّا

وأبو طالب كفيل أبو القا*** سم کھلاً ويافعاً وفتيا

ولشيخ البطحاء تاج معدٍ*** شيبة الحمد هل علمت سميا

وأبوه عمرو العلا هاشم الجود*** ومن مثل هاشم بشريا

وأبوه الهمام عبد مناف*** قل تقيٌ صادقاً وتبدي بديا

ثم زيد أعني قصي الذي لم*** يك عن ذروة العلاء قصیّا

نسب إن تلفع النسب المحض*** كان السليب العريا

وإذا أظلمت مناسخة الأنس*** ساب يوماً كان المنير جليا

يا له مجدة على قدم الدهر*** وقد يَفْصَلُ العقيق الطريا

وقول حسان بن ثابت (4/ 123) :

إذا تذكرت شجواً من أخي ثقةٍ*** فاذكر أخاك أبا بكرٍ بما فعلا

خير البرية أتقاها وأعدلها*** بعد النبي وأوفاها بما حملا

والثاني التالي المحمود مشهده*** وأول الناس منهم صدَّق الرسلا

وثاني اثنين في الغار المنيف وقد*** طاف العدو به إذ صعدوا الجبلا

وكان جدّ رسول اللّه قد علموا*** من البرية لم يعدل به رجلا

ص: 238

وقول أبي محجن الثقفي (4/ 124):

وسميت صديقاً وكل مهاجر*** سواك يسمى باسمه غير منکر

سبقت إلى الإسلام واللّه شاهد*** وكنت جلياً بالعريش المشهّر

وبالغار إذ سميت خلاً وصاحباً*** وكنت رفيقاً للنبي المطهر

وقول أحد شعراء الإمامية في الإمام علي (علیه السلام)(5/ 7-8) :

إذا كنتم ممن يروم لحاقه*** فهلا برزتم نحو عمرو ومرحب

وكيف فررتم يوم أحد وخيبر*** ويوم حنین مهرباً بعد مهرب

ألم تشهدوا يوم الإخاء وبيعة ال*** غدير وكل حُضَّرغیر غُیِّبِ

فكيف غدوا صنو النفيلين ويحه*** أميراً على صنو النبي المرجَّبِ

وكيف علا من لا يطا ثوب أحمد*** على من علا من أحمد فوق منكب

إمام هدىً ردت له الشمس جهرة*** فصلى أداءاً عصره بعد مغرب

ومن قبله أفنى سليمان خيله*** رجاء فلم يبلغ بها نيل مطلب

يجل عن الأفهام کنه صفاته*** ويرجع عنه الذهن رجعة أخيب

فليس بيان القول عنه بكاشف*** ولا فصل الخطاب بمعرب

وحق لقبر ضم أعضاء حيدر*** وغودر منه في صفيح مغيّب

يكون ثراه سرقدس ممنع*** وحصباؤه من نور وصي محجّب

وتغشاه عن نور الإله غمامة*** تفاديه من قدس الجلال بصيّب

وتنقض أسراب النجوم عواكفاً*** على حجرتيه كوكب بعد کوکب

ص: 239

فلولاك لم ينجُ ابن متي ولا خبا*** سعير لإبراهيم بعد تلهب

ولا فلق البحر ابن عمران بالعصا*** ولا فرت الأحزاب عن أهل يثرب

ولا قبلت من عابد صلواته*** ولا غفر الرحمن زلة مذنب

ولم يغلُ فيك المسلمون جهالةً*** ولكن لسرِّ علاك مغيّب

وبقول : أن بكرياً وشيعياً تجادلا، واحتكما إلى بعض أهل الذمة؛ ممن لا هوى له مع أحد الرجلين في التفضيل فأنشد (5/ 9) :

کم بین من شك في عقيدته*** وبين من قيل أنه اللّه

وإشارة الشريف الرضي إلى أم فروة زوجة الإمام الباقر (علیه السلام)وأم الإمام الصادق (علیه السلام)فقال (6/ 54) :

يفاخرناقوم بمن لم نلدهم*** بتيم إذا عدّ السوابق أو عدي

وينسون من لوقدموه لقدموا*** عذار جواد في الجياد مقلّد

فتى هاشم بعد النبي وباعها*** المرمى علا أونيل مجد وسؤدد

ولولا علي ماعلو سرواتها*** ولا جعجعوا فيها بمرعي ومورد

أخذنا عليكم بالنبي وفاطم*** طلاع المساعي من مقام ومقعد

وطلنا بسبطي أحمد ووصيه*** رقاب الورى من متهمين ومنجد

وحزنا عتيقاً وهو غاية فخرهم*** بمولد بنت القاسم بن محمد

فجدٌ نبي ثم جدٌ خليفةٌ*** فإكرم بجدينا: عتيقٍ وأحمد

وما افتخرت بعد النبي بغيره*** يدٌ صفقت يوم البياع على يد

ص: 240

وقول قيس بن الرقيات في بني العباس (7/ 139):

فأنقموا من بني أمية إلا*** أنهم يحلمون إن غضبوا

وإنهم معدن الملوك فما*** تصلح إلا عليهم العرب

وبالرواية التي تقول : لما صعد السفاح منير الكوفة يوم بيعته وخطب الناس، قام إليه السيد الحميري فأنشد (7/ 158

) :

دونكموها یا بني هاشم*** فجددوا من أيها الطامسا

دونكموها لاعلاکوب من*** أمسى عليكم ملكها نافسا

دونكموها فالبسوا تاجها*** لا تعدموا منكم له لابسا

خلافة اللّه وسلطانه*** وعنصر کان لکم دارسا

قد ساسها من قبلكم ساسة*** لم يتركوا رطباً ولا يابسا

لوخير المنبر فرسانه*** ما اختار إلا منكم فارسا

والملك لو شوّر في سائس*** لما ارتضى غيركم سائسا

لم يبق عبد اللّه بالشام من*** إلى أبي العاص امرءً عاطسا

فلست من أن تملكوها إلى*** هبوط عيسى منكم آیسا

ولقوله (علیه السلام):

((إن أكرم الموت القتل، والذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون عليَّ من ميتة على الفراش من غير طاعة اللّه !)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول المتنبي في سيف الدولة (7/ 300-301) :

ص: 241

يكلف سيف الدولة الجيش همّه*** وقد عجزت عنه الجيوش الخضارم

ويطلب عند الناس ما عند نفسه*** وذلك ما لا تدعيه الضراغم

وقول ابن أبي الحديد وهو يمدح الوزير العباسي مؤيد الدين محمد بن أحمد بن العلقمي بعد انتصاره على جيوش التتار قال فيها (8/ 242-243):

أبقى لنا اللّه الوزير وحاطه*** بكتائب من نصره ومقانب

وامتد وارف ظله لنزيله*** وصفت متون غديره للشارب

يا كاليء الإسلام إذ نزلت به*** فرعاء تشهق بالنحيع السالب

في خطة بهماء ديمومية*** لا يهتدي فيها السُّليك للاحب

لا يمتطي سلساتها مرهوبة*** إلا بساس جلْقٌ لاتدر لعاصب

فرجت غمرتها بقلب ثابتٍ*** في حملة ذعرى وقلب ثاقب

ما غبت ذاك اليوم عن تدبيرها*** کم حاضر يُعصي بسيف الغائب

عُمر الذي فتح العراق وإنما*** سعد حسام في يمين الضارب

أثنى عليك ثناء غير موارب*** وأجيد فيك المدح غير مراقب

وأنا الذي يهواك حباً صادقاً*** متقادماً ولرب حب كاذب

حباً ملأت به شعاب جوانحي*** يفعاً، وها أنا ذو عذار شائب

إن القريض وإن أغب متيم*** بكم وربَّ مجانب کمواضب

ولقد يخالصك القصي وربما*** یمنی بود محاذق متقارب

سدت مسالكها هموم جعجعت*** بالفكر حتى لا يبضّ لحالب

ص: 242

ومن العناء مغلب في حظه*** يبغي مغالبة القضاء الغالب

وبالرواية التي تقول : لما بني عثمان داره بالمدينة فتوافد الناس عليه فخطب فيهم مبرراً بناء الدار وكان في خطبته يغمز علياً (علیه السلام)وعندما انتهى من خطبته قام عدي بن الخباز فألقى خطبة أشاد بعثمان إلى أن قال :فعلام يقدمون عليك وهذا رأيهم فيك. أنت واللّه كما قال الأول (9/ 7-8) :

إذهب إليك فما للحسود*** إلا طلابك تحت العثار

حکمت فما جرت في خلّةٍ*** فحكمك بالحق بادي المنار

فإن يسبعوك فرّآً وقد*** جهرت بسيفك كل الجهار

وقول أبي طالب يمدح الرسول (صلّى اللّه عليه وآله وسلَّم) (11/ 116):

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه*** ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يطيف به الهلاك من آل هاشم*** فهم عنده في نعمة وفواضل

ولقوله (علیه السلام):

((للّه بلاء فلان؛ فلقد قوّم الأود، وداوى العمد، وأقام السنّة، خلّف الفتنة ، ذهب نقي الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها، وسبق شرها.

أدى إلى اللّه طاعته، واتقاه بحقه، وتركهم في طرق متشعبة لا يهتدي بها الضال، ولا يستيقن المهتدي)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول زهير بن أبي سلمی (12/ 3-252):

لو كان يقدر فوق الشمس من كرم*** قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا

ص: 243

قوم أبوهم سنان حين تنسبهم*** طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا

أنس إذا أمنوا، جن إذا فرعوا*** مرزّؤون بهاليل إذا جُهدوا

محسدون على ما كان من نعمٍ*** لا ينزع اللّه منهم ما لهم حسدوا

ولقوله (علیه السلام)عندما طلب المشركون من الرسول (صلّى اللّه عليه وآله) أن تُقتلع الشجرة فتأتي إليه ثم أن يلتف غصنها عليه ثم لينحسر عنه (صلّى اللّه عليه وآله) :

((لا إله إلا اللّه ؛ إني أول مؤمن بك يا رسول اللّه، وأول من أقرّ بأن الشجرة فعلت ما فعلت بأمر اللّه تعالى تصديقاً بنبوتك؛ وإجلالاً لكلمتك)).

فقال القوم كلهم :

- بل ساحر كذاب، عجیب السحر، خفيف فيه، فهل يصدقك في أمرك إلا مثل هذا.

يعنوني وإني لمن قوم لا تأخذهم في اللّه لومة لائم، سيماهم سیماء الصديقين، وكلامهم كلام الأبرار؛ عمار الليل، ومنار النهار، متمسكون بحبل القرآن يحيون سنن اللّه وسنن رسوله، لا يستكبرون ولا يستعلون، ولا يغلون ولا يفسدون، قلوبهم في الجنان وأجسادهم في العمل)) (13/ 213):

استشهد ابن أبي الحديد بقول عبد اللّه بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب مجيباً الوليد بن عقبة بن أبي معيط (13/ 213):

وإن ولي الأمر بعد محمد*** علي وفي كل المواطن صاحبه

ص: 244

وصي رسول اللّه حقا وصنوه*** وأول من صلّى ومن لان جانبه

وقول خزيمة بن ثابت (3/ 213):

وصيُّ رسول اللّه من دون أهله*** وفارسه مذ كان في سالف الزمان

وأول من صلّى من الناس كلهم*** سوى خيرة النسوان واللّه ذو منن

وقول أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس حين بويع أبو بكر (13/ 232) :

ما كنت أحسب أن الأمر منصرف*** عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

أليس أول من صلّى لقبلتهم*** وأعلم الناس بالأحكام والسنن

وقول أبي الأسود الدؤلي يهدد طلحة والزبير (13/ 232) :

وإن علياً لكم مضمر*** يماثله الأسد الأسود

أما أنه أول العابدين*** بمكة واللّه لا یُعبد

وقول سعيد بن قيس الهمداني يرتجز بصفين (13/ 232):

هذا علي وابن عم المصطفي*** أول من أجابه فيما روی

هو الإمام لا يبالي من غوى

وقول زفر بن یزید بن حذيفة الأسدي (13/ 323) :

فحوطوا علياً فانصروه فإنه*** وصيٌّ وفي الإسلام أول أول

وإن تخذلوه والحوادث جمة*** فليس لكم عن أرضكم متحول

وبما روي أن أبا طالب فقد النبي (صلّى اللّه عليه وآله وسلَّم) يوماً، وكان

ص: 245

يخاف عليه من قريش أن يغتالوه، فخرج ومعه ابنه جعفر يطلبان النبي (صلّى اللّه عليه وآله وسلَّم) فوجده قائماً في بعض شعاب مكة يصلي، وعلي (علیه السلام)، معه عن يمينه، فلما رآهما أبو طالب، قال لجعفر : تقدم وصل جناح ابن عمك.

فقام جعفر عن يسار محمد (صلّى اللّه عليه وآله وسلَّم) فلما صاروا ثلاثة تقدم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلَّم) وتأخر الأخوان، فبكى أبو طالب، وقال (299) :

إن علياً وجعفراً ثقتي*** عند ملم الخطوب والنّوب

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما*** أخي لأمي من بينهم وأبي

واللّه لا أخذل النبي ولا*** يخذله من بنيّ ذو حسب

ولقوله (علیه السلام)، من کتاب له إلى معاوية :

((فإسلامنا سُمع، وجاهلتنا لا تُدفع، وكتاب اللّه يجمع لنا ماشذ عنا، فنحن مرة أولى بالقرابة وتارة أولى بالطاعة)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول مطرود الخزاعي يمدح هاشماً، وكان يقال لهاشم (القمر)) (15/ 182-200):

إلى القمر الساري المنير دعوته*** ومطعمهم في الأزل من قمح الجزر

وقول ابن الزبعري (15/ 200):

كانت قريش بيضة فتفلقت*** فالمنح خالصة لعبد مناف

الرائشون وليس يوجد رائش*** والقائلون هلمّ للأضياف

ص: 246

عمرو العلا هشم الثريد لقومه*** ورجال مكة مسنتون عجاف

وقول مطرود الخزاعي في مدح عبد المطلب ولقبه شيبة الحمد (15/ 200) :

ياشيبة الحمد الذي تثني له*** أيامه من غير ذخير الذاخر

المجد ما حجت قريش بيته*** ودعا هذيل فوق عض ناضر

واللّه لا أنساكم وفعالكم*** حتى أغيب في سقاة القابر

وقول حذافة بن غانم العدوي وهو يمدح أبا لهب، ويوصي ابنه خارجة ابن حذافة بالانتماء إلى بني هاشم (15/ 200-201):

أخارج أما أهلكن فلاتزل*** لهم شاكراً حتى تغيب في القبر

بني شيبة الحمد الكرم فعاله*** يضيء ظلام الليل كالقمر البدر

بساقي الحجيج ثم للشيخ هاشم*** وعبد مناف ذلك السيد الغمر

أبو عتبة الملقي إليّ جواره*** أغرهجان اللون من نفر غر

أبوكم قصي كان يدعى مجمعا*** به جمع اللّه القبائل من فهر

وقول العبدي حين احتفل في الجاهلية فلم يترك (15/ 201):

لا ترى في الناس حياً مثلنا*** ما خلا أولاد عبد المطلب

وقول الشاعر (15/ 201):

إنما عبد مناف جوهر*** زين الجوهر عبد المطلب

وقول حذافة العذري يمدح بني هاشم (15/ 214):

کهولهم خير الكهول ونسلهم*** کنسل الملوك لا يبور ولا يجري

ص: 247

ملوك وأبناء الملوك وسادة*** تفلق عنهم بيضة الطائر الصقر

متى تلق منهم طامحا في عنانه*** تجده على إجراء والده يجري

همُ ملكوا البطحاء مجداً وسؤدداً***وهم نکلوا عنهاغوان بني بكر

وهم ينكرون الذنب ينقم مثله*** وهم تركوا رأي السفاهة والهُجر

أخارج أما أهلكن فلاتزل*** لهم شاكراً حتى تغيب في القبر

وقول النابغة الذبياني يمدح ناساً (15/ 244):

إذا قال لم يترك مقالاً لقائل*** بملتقطات لا ترى بينها فضلا

شفي وكفى ما في النفوس ولم يدع*** لذي إربة في القول جداً ولا هزلا

وقول عبد اللّه بن كثير السحمي - يرد على عبد اللّه القسري والي مكة وكان إذا خطب بها لعن علياً والحسين عليهما السلام (15/ 256):

لعن اللّه من يسب علياً*** من سوقةٍ وإمام

أیُسب المطهرون جدوداً*** والكرام الآباء والأعمام

يأمن الطير والحمام ولا یأ *** من آل الرسول عند المقام

طبت بيتاً وطاب أهلك أهلاً*** أصل بيت النبي والإسلام

رحمة اللّه والسلام عليهم*** كلما قام قائم بسلام

وقول الشاعر خالد بن أسيد بن أمية (19/ 259):

إلى خالد حتى أنخنا بخالدٍ*** فنعم الفتى يرجى ونعم المؤمل

وقول موسی شهوات سعید بن خالد بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد

ص: 248

(15/ 259) :

أبا خالد أعني سعيد بن خالد*** أخا العرف لا أعني ابن بنت سعيد

ولكنني أعني ابن عائشة الذي*** أبو أبويه خالد بن أُسيد

عقيد الندى ما عاش يرضى به الندى*** فإن مات لم يرض الندى بعقيد

وقول عبد اللّه بن قيس الرقيات (15/ 259-260):

ما نقموا من أمية إلا*** أنهم يحلمون إن غضبوا

وإنهم معدن الملوك فما*** تصلح إلا عليهم العرب

وقول نُصیب (15/ 260):

من النفر الشح الذي إذا انتجوْا*** أقرت لنجواهم لؤي بن غالب

يحيّون بسامين طوراً وتارة*** يحيون عباسین سوى الحواجب

وقول الأخطل (15/ 260) :

شمس البداوة حتى يستقام لهم*** وأعظم الناس أحلاماً إذا قدروا

وقول الكميت بن زید (15/ 260):

فالآن صرن إلى أمية*** والأمور لها مصاير

وقول أبي الجهم العددي في معاوية (15/ 260 ):

نقلبه لنخبر حالتيه*** فنجر منهما كرماً ولينا

نجيل على جوانبه كأنا*** إذا ملنا نسير على أبينا

وقول علي بن بسام في ابن المعتز (15/ 288) :

ص: 249

للّه درك من ميت بمضيعة*** ناهيك في العلم والأشعار والخطب

مافيه لوٌّ ولا لولا فتنقصه*** وإنما أدركته حرفة الأدب

ولقوله (علیه السلام): ((وخذ على عدوك بالفضل فإنه أحد الظفرين)).

استشهد ابن أبي الحديد بقوله هو في أحمد بن محمد أمير البحرين على البر(16/ 109) :

يا أحمد بن محمد أنت الذي*** علقت يداه بأنفس الأعلاق

ما أمّلت بغداد قبل أن ترى*** أبداً ملوك البحر في الأسواق

ولهوا عليها غيرة وتنافسوا*** شغفائها كتنافس العشاق

وغدت صلاتك في رقاب سراتهم*** ونداك كالطواق في الأعناق

بسديد رأيك أصلحت جمحاتهم*** وتآلفوا من بعد طول شقاق

للّه همة ماجد لم تعتلق*** بسحيل آراء ولا أحذاق

جلب السلاهب من أراك وبعدها*** جلب المراكب من جزيرة واق

هذا العداء هو العداء فعدَّ عن*** قول بن حجر لؤي وعناق

وأظنه والظن علم أنه*** سيجيئنا بمحالك الآفاق

أما أسير صنيعة في جيده*** بالجود غل أو أسير وثاق

لازال في ظل الخليفة ماله*** فانٍ، وسؤدَدُه المعظم باق

ولقوله (علیه السلام)، من کتاب له إلى قثم بن العباس وهو عامله على مكة :

ص: 250

((فأقم على ما في يديك قيام الحازم الطبيب، والناصح اللبيب، التابع لسلطانه، المطيع لإمامه.

وإياك وما يعتذر منه، ولا تكن عند النعماء بطراً، ولا عند البأساء فشلا)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول داود بن مسلم في قُثم (16/ 141) :

عتقتِ من حلٍ ومن رحلةٍ*** يا ناق إن أدنيتني من قُثَم

إنكِ إن أدنيت منه غداً*** حالفني اليسر ومات العدم

في كفه بحروفي وجهه*** يدور في العرنين منه شمم

أصم عن قيل الخنا سمعه*** وما على الخير به من صمم

لم يدرِ ما لله لاللّه وباللّه لا للّه قد دری*** نعاتها فاعتاض منها فعم

ولقوله (علیه السلام):

((ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك، ممن لا تضيق به الأمور، ولا تمحکه الخصوم)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبان بن الحميد اللاحقي في سوار بن عبد اللّه القاضي (17/ 65) :

لا تقدح الظنة في حكمه*** شيمته عدل وانصاف

يمضي إذا لم تلقه شبهة*** وفي اعتراض الشك وقاف

ولقوله (علیه السلام): ((فلا تطولن احتجابك عن رعيتك، فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة

ص: 251

من الضيق، وقلة علم بالأمور)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول بشار (17/ 95):

تأبى خلائق خالد وفعاله*** إلا تجنب كل أمر عائب

وإذا أتينا الباب وقت غدائه*** أدنى الغداء لنا برغم الحاجب

وقول الشاعر بشر بن مروان (17/ 95):

بعيد مراد الطرف وارد طرفه*** حذار الغواشي باب دار ولا ستر

ولوشاء بشركان من دون بابه*** طماطم سود أو صقالبة حمر

ولكن بشر يستر الباب للتي*** يكون لها في غيها الحمد والأجر

وقول إبراهيم بن هرمة (17/ 96):

هشٌّ إذا نزل الوفود ببابه*** سهل المجاب مؤدب الخدام

وإذا رأيت صديقه وشقيقه*** لم تدر أيهما ذوي الأرحام

وقول أبي زبيد يمدح الوليد بن عقبة ويتألم لفراقه حين عزل عن الكوفة (17/ 237) :

لعمري لأن أمسى الوليد ببلدة*** سواء لقد أمسيت للدهر معورا

خلا أن رزق اللّه غاډ ورائحٌ*** وإني له راج وإن سار أشهرا

وكان هو الحصن الذي ليس مسلمي*** ذا أنا بالنكراء هيجت معسرا

إذا صادفوا دوني الوليد فإنما*** يرون جوادي ذي حماس مزعفرا

خضيب بنان ما زال براكب*** يخب وضاحي جلده قد تقشرا

ص: 252

وقال أيضاً فيه (17/ 236-237) :

لعمر أبيك يا ابن أبي مريِّ*** لغيرُك من أباح لنا الديارا

أباح لنا أبارق ذات قور*** ونرعى القف منها والقفارا

بحمد اللّه ثم فتى قريش*** أبي وهب بدناً غزارا

فتى طالت يداه إلى المعالي*** وطحطحة المجذَّمة القصارا

وقوله فيه أيضا يذكر نصره على مري بن أوس بن حارثة (17/ 237):

ياليت شعري بأنباء انبوها*** قد كان يعني بها صدري وتقديري

عن امريء ما يزيد اللّه من شرف*** أفرح به ومريّ غير مسرور

إن الوليد له عندي وحق له*** ود الخليل ونصح غیر مذخور

لقد دعاني وأدناني وأظهرني*** على الأعادي بنصر غير تقرير

وشذب القوم عني غير مكترث*** حتى تناهوا على رغم وتصغير

نفسي فداء أبي وهب وقلّ له*** يا أم عمر فحلّي اليوم أو سيري

ولقوله (علیه السلام):

((العلم وارثه كريمة، والآداب حلل مجددة، والفكر مرآة صافية)).

استشهد ابن أبي الحديد بما حدث سعيد بن خالد الجدي قال :

- لما قدم عبد الملك الكوفة بعد قتل مصعب دعا الناس يعوضهم عن فرائضهم، فحضرنا بين يديه، فقال : من القوم؟ قلنا : جديلة، قال : جديلة عدوان ؟ قلنا نعم، فأنشد (18/ 95):

ص: 253

عذيري الحي من عدوا*** وكانوا حية الأرض

يفي بعضهم بعضاً*** فلم يرعوا على بعض

ومنهم كانت السادا***ت والموفون بالقرض

ومنهم حكم يقضي: *** فلا ينقضي ما يقضي

ومنهم من يجيز النا***س بالسنة والفرض

ثم أقبل على رجل منا وسيم جسيم قدمناه أمامنا، فقال :

أيكم يقول هذا الشعر؟

قال :

- لا أدري.

فقلت أنا من خلفه .

- يقوله ذو الأصبع،

فتركني وأقبل على ذلك الرجل الجسيم،

فقال :

ما كان اسم ذي الأصبع؟

قال :

- لا أدري.

فقلت أنا من خلفه :

- اسمه خرثان. فتركني وأقبل عليه فقال له :

ص: 254

ولم سمي ذا الأصبع؟

قال :

- لا أدري.

فقلت أنا من خلفه :

- نهشته حية في أصبعه ،

فتركني وأقبل عليه،

فقال :

من أيكم كان؟

فقال :

- لا أدري.

فقلت أنا من خلفه :

- من بني تاج الذي يقول الشاعر فيهم :

فابنو تاج فلا تذكرنهم*** ولا تتبعن عيناك من كان هالكا

فأقبل على الجسيم فقال :

کم عطاؤك؟

فقال :

- سبع مئة درهم، فأقبل عليّ وقال :

وكم عطاؤك أنت؟

ص: 255

259

قلت : أربع مئة.

فقال :

- يا أبا الرعيزعة، حط من عطاء هذا ثلاث مئة وزدها في عطاء هذا.

فرحت وعطائي سبع مئة وعطاؤه أربع مئة.

ولقوله (علیه السلام):

((وصدر العاقل صندوق سره، والبشاشة حِبالَة المودة والاحتمال قبر العيوب)).

استشهد بقول البحتري (18/ 98):

لو أن كفك لم تجد لمؤمّل*** لكفاه عاجل بشرك المتهلل

ولو أن مجدك لم يكن متقادماً*** أغناك آخر سؤدد عن طول

أدركت ما فات الكهول من الحجا*** من عنفوان شبابك المستقبل

فإذا أمرت فلا يقال لك اتئد*** وإذا حكمت فما يقال لك اعدل

ولقوله (علیه السلام):

((إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه)).

استشهد ابن أبي الحديد بالحكاية التي تقول :

((ضل الأعشى طريقه فظفر به علقمة بن علاقة فقال :

- الحمد لله الذي أظفرني بك من غير ذمّة ولا عقد.

قال الأعشى :

ص: 256

أتدري لم ذاك جعلت فداك؟

قال :

- نعم، لأنتقم اليوم منك بتقولك على الباطل مع إحساني إليك. ثم قال :

- لا واللّه، لكن أظفرك اللّه ليبلو قدر حلمك فيَّ.

فأطرق علقمة فاندفع الأعشى فقال (18/ 11):

أعلقم صيرتني الأمور*** إليك وماکان بي منكص

کساكم علاقة أثوابه*** وورثكم حلمه الأحوص

فهب لي نفسي فدوك النفوس*** فلازلت تُتمي ولا تنقص

ولقوله (علیه السلام):

((إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلّة الشكر)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي نواس (18/ 116):

قد قلت للعباس معتذراً*** من ضعف شكري ومعترفا

أنت امرؤ حملتني ذمماً*** أوهت قوي شكري فعد ضعفا

فإليك عني اليوم معذرة*** جاءتك بالتصريح منکشفا

لا تسدينَّ إلي عارفة*** حتى أقوم بشكر ماسلفا

وبقول البحتري (18/ 116) :

فإن أنا لم أشكر لنعماك جاهداً*** فلا نلت نعمي بعدها توجب الشكرا

وقوله أيضاً (18/ 117) :

ص: 257

سأجهد في شكري لنعماك إنني*** أرى الكفراء للنعماء ضرباً من الكفرا

وقول أبي الفتح البستي 18/ 117

لا تظنّن بي وبرّك حيٌّ*** إن شكري وشكرغيري موات

أنا أرض وراحتاك سحاب*** والأيادي وبلٌ وشكري بنات

وقوله أيضاً 18/ 117

وخبّر لما أوليت شكري ساجداً*** ومثل الذي أوليت يعبده الشكر

وقول ابن أبي طاهر (18/ 117):

أراك بعين المكتسي ورق الفني*** بالائك اللاتي يعددها الشكر

ويعجبني فقري إليك ولم یکن*** ليعجبني لولا محبتك الفقر

وقول آخر (18/ 117) :

بدأت بمعروف وثنيت بالرضا*** وثلثت بالحسنى وربعت بالكرم

وباشرت أمري واعتنيت بحاجتي*** وأخرت (لا) عني وقدمت لي (نعم)

وصدقت لي ظني وأنجزت موعدي*** وطبت به نفساً ولم تشبع الندم

فإن نحن كافأنا بشكر فواجب*** وإن نحن قصرنا فما الود متهم

ولقوله (علیه السلام):

((لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول رجل مدح المهلب (18/ 163) :

نعم أمير الرفقة المهلب*** أبيض وضّاح كتيس الحُلّب

ص: 258

فقال المهلب :

- حسبك رحمك اللّه .

ولقوله (علیه السلام):

((الشفيع جناح الطالب)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول رجل جاء المبرد يستشفع به في حاجة (18/ 204) :

إني قصدتك لا أدلي بمعرفةٍ*** ولا بقربي و لكن فشت نعمك

فبت حيران مكروباً يؤرقني*** ذل الغريب ويغشيني الكری كرمك

ولو هممت بغير العرف ما علقت*** به يداك ولا انقادت به شيمك

ما زلت أنكت حتى زلزلت قدمي*** فاحتل لتثبيتها لا زلزلت قدمك

ولقوله (علیه السلام)، وهو يجيب شامياً لما سأله :

- كان مسيرنا إلى الشام بقضاء من اللّه وقدره.

((ويحك! لعلك ظننت قضاءً لازماً، وقدراً حاتماً، لو كان ذلك كذلك، لبطل الثواب والعقاب وسقط الوعد والوعيد)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الشامي (18/ 228) :

أنت الإمام الذي نرجو بطاعته*** يوم النشور من الرحمن رضواناً

أوضحت من ديننا ما كان ملتبساً*** جزاك ربك عنافيه إحسانا

ولقوله (علیه السلام)، وقد سئل عن قریش :

ص: 259

((أما بنو مخزوم فريحانة قريش، تحبُّ حديث رجالهم، والنكاح في نسائهم، وأما بنو عبد شمس فأبعدها رأياً، وأمنعها لما وراء ظهورها، وأما نحن فأبذل لما في أيدينا وأسمح عند الموت بنفوسنا وهم أكثر وأمكر وأنكر، ونحن أفصح وأنصح وأصبح)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الحطيئة وهو يمدح بني أنف الناقة (18/ 286) :

قوم هم الأنف والأذناب غيرهم*** ومن يُسوّي بأنف الناقة الذنبا

وقول ابن غزالة الكندي، وهو يمدح بني شيبان ولم يكن في موضع رغبة إلى بني مخزوم ولا في موضع رهبة (

18/ 286):

كأني إذا حططت الرحل فيهم*** بمكة حين حل بها هشام

وقول رجل من بني جزم أحد بني سلمى، وهو يمدح حرب بن معاوية الخفاجي، وخفاجة من بني عقيل (18/ 286-287) :

إلى حزن الحزون سمت ركابي*** بوابل خلفها عسلان جيش

فلما أن أنخت إلى ذراه... *** أمنت فراشتي منه بريشي

توسط بينه في آل كعب*** كبنت بني مغيرة في قريش

وقول عبد الرحمن بن حسان لعبد الرحمن الحكم (18/ 287):

مارست أكيس من بني قحطان*** صعب الذری متمنع الأركان

إني طمعت بفخر من لو رامه*** آل المغيرة أو بنو ذكوان

لملأتها خیلاً تنضب لثاتها*** مثل الدبا وكواسر القصبان

ص: 260

منهم هشام والوليد وعدلهم*** وأبو أمية مفزع الركبان

وقول علي بن هرمة، عم إبراهيم بن هرمة (18/ 288) :

من يرتئي مدحي فإن مدائحي*** توافق عند الأكرمين سوام

نوافق عند المشتري الحمد بالندي*** لفاق نبات الحرث بن هشام

وقول الأسود بن يعفر النهشلي (18/ 289) :

إن الأكارم من قريش كلها***شهدوا فراموا الأمر كل مرام

حتى إذا كثر التجادل بيهم***حزم الأمور الحارث بن هشام

وقول شاعر من بني هوازن، أحد بني أنف الناقة حين سقى إبله عبد اللّه بن أبي أمية المخزومي بعد أن منعه الزبرقان بن بدر (18/ 290) :

أتدري من منعت سیال حوض*** سليل خضارم منعوا البطاحا

أزاد الركب تمنع أم هشاماً *** وذا الرمحين أم نعهم سلاحا

هم منعوا الأباطح دون فهر*** ومن بالخيف والبلد الكفاحا

بضرب دون بيضهم طِلَخفٍ*** إذا الملهوف لاذ بهم وصاحا (27 )

وماتدري بأيّهم تلاقي*** دور المشرفية والرماحا

وقول عبد اللّه بن أمية مجيباً له (18/ 290) :

لعمري لأنت المرء يحسن بادياً*** وتحسن عود أشيمة وتصنّعا

عرفت لقوم مجدهم وقديمهم*** وكنت لما أسديت أهلاً وموضعا

وقول خداش بن زهير في يوم شمطة وهو أحد أيام الفجار، وهو عدو قريش

ص: 261

وخصمها (18/ 293) :

وبلغ إن بلغت بن هشاماً*** وذا الرمحين بلّغ والوليدا

أولئك إن يكن في الناس جود*** فإن ل ديهم حسباً وجودا

همُ خير المعاشر من قريش*** وأوراها إذا قدحوا زنودا

وقوله أيضاً، وذكرها في تلك الحروب (18/ 294) :

یا شدة ما شددنا غير كاذبة***علی سخینة لولا اللیل والحرم

إذا ثقفنا هشاماً بالوليد ولو*** أنا ثقفنا هشاما ثالث الجذَم

وقول الزعبري - وقد ذكرهم في تلك الحروب أيضاً - (18/ 294)

ألا للّه قوم ولدت***أخت بنی سهم

هشام وأبنوعبد***مناف مدرة الخصم

وذو الرحمین أشباك*** من القوة والحزم

فهذان یذودان*** وذا عن کثب یرمي

وهم یوم عکاظ منع***عوا الناس من الهزم

بجأواء طحون فخم***سة القوس کالنجم

أسود تزدهی الأقرا***ن مناعون للهضم

فإن أحلف وبیت اللّه*** لا أحلف علی الإثم

وما من إخوة بین***دروب الشام و الردم

بأزكى من بنی ريطة***أو أرزن من حلم

ص: 262

وقول الزعبري يمدح أبا جهل (18/ 295) :

رب نديم ماجد الأصل*** مهذب الأعراض والنجل

منهم أبو عبد مناف وكم***سريت بالضخم على العدل

عمرو الندى ذاك وأشاعه***ما شئت من قول ومن فعل

وقول الورد بن خلاس السهمي، سهم باهله يمدح الوليد (18/ 295) :

إذا كنت في حيي جذيمة شادياً ***فعند عظيم القريتين وليد

فذاك وحيد الرأي مشترك الندى*** وعصمة ملهوف الجنان عميد

وقوله أيضاً (18/ 295) :

إن الوليدين والأبناء ضاحية *** ربّا تهامة في الميسور والعسر

هم الغياث وبعض القوم فرقعة*** عز الذليل وغيظ الحاسد الوَغِر

وقوله أيضاً (18/ 295) :

ورهطك يا ابن الغيث أعظم محتد *** وأمنع للجار اللهيف المُهظّم

وقول لبيد بن ربيعة في حذيفة بن بدر (18/ 295) :

وأهلكن يوما رب كندة وابنه*** ورب معدٍّ بين خبت وعرعر

وقول الأقيشر الأسدي في المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (18/ 303) :

أتاك البحر طمَّ على قريش *** معيِّرتي فقد راع ابن بشر

وراع الجدي جدي التیم لمّا*** رأى المعروف منه غير نزر

ص: 263

ومن أوتار عقبة قد شفاني*** ورهط الحاطبي ورهط صخر

فلا يغررك حسن الزي منهم*** ولا سرح بيزبونٍ ونمر

وقول شاعر يمدح خالد بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن العاص بن هشام بن المغيرة، إذ كان جواداً متلافاً (18/ 305) :

لعمروك المجد ما عاش خالد***على العمر من ذي كبدة لمقيم

وتندى البطاح اليد من جود خالد*** ويُحصن حتى بنهن عظيم

ولقوله (علیه السلام):

((احلفوا الظالم إذا أردتم يمينه بأنه بريء من حول اللّه وقوته، فإنه إذا حلف بما كاذباً عوجل، وإذا حلف باللّه الذي لا إله إلا هو لم يعاجل، لأنه قد وحّد اللّه سبحانه وتعالى)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول عبد اللّه بن مصعب بن الزبير يمدح محمداً بن عبد اللّه ويحرضه للوثوب والنهوض للخلافة (19/ 92-93:

لاعز ركنا نزار عند سطوتها*** إن أسلمتك ولا ركناً ذو يمن

ألست أكرمهم عوداً إذا انتسبوا*** يوماً وأطهرهم ثوباً من الدرن

وأعظم الناس عند الناس منزلة*** وأبعد الناس من عيب ومن وهن

قوموا ببيعتكم نهض بطاعتها *** إن الخلافة فيكم يا بني حسن

إنا لنأمن أن ترتد الفتنا***بعد التدابر والبغضاء والإحن

حتى يثاب على الإحسان محسنا*** ويأمن الخائف المأخوذ بالدمن

ص: 264

وتنقضي دولة أحكام قادتها*** فينا كأحكام قوم عابدي وثن

فطالما قد بروا بالجور أعظمنا***بري الصناع قداح النبع بالسفن

ولقوله (علیه السلام):

((إذا أملقتم فتاجروا اللّه بالصدقة)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول أحد شعراء الشيعة يذكر إعادة الشمس عليه (علیه السلام)(19/ 101) :

جاد بالقرص والطوى ملء جنبيه*** وعاف الطعام وهو سغوب

فأعاد القرص المنير عليه ال***قرص والمقرض الكرام كسوب

إذ جاء في الأثر أن علياً (علیه السلام)عمل ليهودي في سقي نخل له في حياة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) بمد من شعير فخبزه قرصاً، فلما هم أن يفطر عليه، أتاه سائل يستطعم، فدفعه إليه، وبات طاوياً وتاجر إلى اللّه بتلك الصدقة

ولقوله (علیه السلام):

((إن الرجل إذا كان له الديّف الظنون يجب عليه أن يزكيه لما من قبضه)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الأعشى (19/ 112) :

من يجعل الجد الظنون الذي***جُنّب صوب اللجب الماطر

مثل الفراتي إذا ما طمى***یقذف بالبوصي و الماهر

ولقوله (علیه السلام):

((نعم الطيب المسك، خفيف محمله، عطر ريحه)).

ص: 265

استشهد ابن أبي الحديد بقول مالك بن أسماء بن خارجة الفزاري (19/ 343) :

أطيب الطيب طيبب أم أبان*** فأر مسك بعنبر مسحوق

خلطته بعودها وبیانٍ***فهو أحوى على اليدين شريق

وقول الشاعر يمدح عمر بن عبد العزيز، إذ كان يجعل المسك بين قدميه ونعله (19/ 343) :

له نَعلٍ لا تطبي الكلب ريحها*** وإن وضعت في مجلس القوم شمّتِ

ولقوله (علیه السلام):

((إن للوالد على الولد حقاً، وإن للولد على الوالد حقاً، فحق الوالد على الولد أن يطيعه في كل شيء إلا في معصية اللّه سبحانه، وحق الولد على الوالد أن يحسن اسمه، ويحسن أدبه، ويعلمه القرآن)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول المعري يمدح الرضي والمرتضى رحمهما اللّه (19/ 367) :

أنتم ذوو النسب القصير فطولكم*** باد على الكبراء والأشراف

والراح أن قبل ابنه العنب اكتفت*** بأبٍ عن الأسماء والأوصاف

ولقوله (علیه السلام):

((ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشؤوم عبد اللّه)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول كثير بن ع-د الرحمن، وهو يذكر محمد بن

ص: 266

الحنفية عندما حجزه وقوم معه في شعب عارم (20/ 102-104) :

ومن يرَ هذا الشيخ بالخيف من منىّ*** من الناس يعلم أنه غير ظالم

سمي المصطفى وابن عمه*** وحمّال أثقال وفكاك غارم

تجرّ من لاقيت أنك عائذ*** بل العائذ المحبوس في سجن عارم

ولقوله (علیه السلام)في مدح الأنصار :

((هم واللّه ربّوا الإسلام كما يُرى الفُلُوُّ مع غنائهم، بأيديهم السياط، وألسنتهم السلاط)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الوزير المغربي إذ وجد بخطه وهو يمدح الأنصار

إن الذي أرسی دعائم أحم***وعلا بدعوته على كيوان

ابناء قَيْلة وارثوا شرف العلا*** وعراعر الأقیال من قحطان

بسوفهم يوم الوغى وأكفهم*** ضربت مصاعب ملكه بجران

لولا مصارعهم وصدق قراعهم*** خرّت عروش الدين للأذقان

فليشکرن محمد أسياف من*** لولاه كان الخالد بن سان

ولقوله (علیه السلام): من كتاب له إلى معاوية (15/ 181):

((وزعمت أن أفضل الناس عند اللّه فلان وفلان، فذكرت أمراً إن تم اعتزلك كله، وإن نقص لم يلحقك ثلمه. وما أنت والفاضل والمفضول، والسائس والمسوس؟ وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين، وترتيب

ص: 267

درجاتهم، وتعريف طبقاتهم؟)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول خويلد بن أسد بحق عبد المطلب لما حفر بئر زمزم (115/ 217) :

أقول وما قولي عليهم بسبةٍ***إليك ابن سلمى أنت حافر زمزم

حفيرة إبراهيم يوم ابن هاجرٍ***وركضة جبريل على عهد آدم

وقول أحد بني كنانة يمدحه (15/ 219) :

إني وما سَتَرَتْ قريشٌ والذي*** تعزو لآل كلهن ظباء

ووحق من رفع الجبال منيفةً***والأرض مداً فوقهن سماء

مثنٍ ومهد لابن سلمى مدحةً ***فیها أداء ذمامه ووفاء

ولقوله (علیه السلام)، من كتاب له إلى المنذر بن الجارود العبدي وقد كان استعمله على بعض النواحي، فخان الأمانة في بعض ما ولَّاه من أعماله (18/ 54) :

((فإن صلاح أبيك غرّني منك، وظننت أنك تتبع هديه، وتسلك سبيله.. ولئن كان ما بلغني عنك حقاً لَجَمَلُ أهلك وشسع نعلك خير منك)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الراجز يمدح الحكم بن المنذر بن الجارود (18/ 57) :

يا حكم بن المنذر الجارود*** أنت الجواد بن الجواد المحمود

سرادق المجد عليك ممدود

ص: 268

الهجاء

ص: 269

ص: 270

من خطبة له (علیه السلام)بعد استيلاء معاوية على البلاد قوله يهجو أصحابه :

((اللّهم إني قد مللتهم وملوني، وسئمتهم وسئموني بهم، فأبدلني خيرًا منهم وأبدلهم بي شر مني، اللّهم أمتْ قلوبهم كما يمات الملح في الماء)) (1/ 332) :

استشهد ابن أبي الحديد بقول حسان بن ثابت الأنصاري، لما قالوا : إن عتبة بن أبي سفيان وِلد من الصباح أيضاً، وقالوا أن هنداً كرهت أن تدعه في منزلها. فخرجت إلى أجياد، فوضعته هناك، وفي هذا المعنى أيام المهاجاة بين المسلمين والمشركين في حياة الرسول (صلّى اللّه عليه وآله وسلَّم) قبل الفتح، قال حسان (1/ 336) :

إن الصبيّ بجانب البطحاء*** في الترب ملقى غير ذي مهد

نحبت به بيضاء آنسة*** من عبد شمس صَلْتَهُ الخد

ولقوله (علیه السلام):

((مالهم، قاتلهم اللّه ؛ قد يرى الحُوّل القُلّب وجه الحيلة ودونها مانع من أمر

ص: 271

اللّه ونهيه، فيدعها رأي العين بعد القدرة عليها، وينهز فرصتها من لا حريجة له في الدين)) (2/ 312)

استشهد ابن أبي الحديد بقول العارق الطائي وهو يهجو عمرو بن هند (1/ 317) :

(و) من مبلغ عمرو بن هند رسالة*** إذا استحقبتها العيس جاءٌ من العبد

أبوعدتي والرمل بيني وبينه*** تبين رويداً ما أمامة من هند

ومن أجأن حولي أعان كأنها*** قنابل خيل من كميت ومن ورد

غدوت بأمر كنت أنت اجتررتنا*** إليه وبئس الشيمة الغدر بالعهد

ولقوله (علیه السلام)(وقد ذكرناه في موضع سالف):

((قبّح اللّه مصقلة؛ فَعَلَ فِعلَ السادة وفرّ فرار العبيد، فما أنطق مادحه حتى أسكته، ولا صدق واصف حتى بكّته، ولو أقام لأخذنا میسوره، وانتظرنا بماله وفوره)) (3/ 119):

استشهد ابن أبي الحديد بقول أحدهم في التقريع والتعنيف (3/ 119):

يامن مدحناه فأكذبنا*** بفعاله وأتا بنا خجلا

برداً قشيباً من مدائحنا*** سربلت فاردده لنا سهلا

إن التجارب تهتك المستور*** من أبنائها وتبهرج الرجلا

وقول علي بن الجهم في هجاء الطالبيين وذم الشيعة (3/ 122):

ورافضة تقول بِشِعبِ رضوى*** إمام، خاب ذلك من إمام

ص: 272

إمام من له عشرون ألفاً*** من الأتراك مشرعة السهام

وقول البحتري - وهو يهجو علي بن الجهم (3/ 122):

إذا ما حصلت عليا قريش*** فلا في العير أنت ولا النقير

ولو أعطاك ربك ما تمنّی*** لزاد الخلق في عظم الأيور

وما الجهم بن بدر حين يعزي***من الأقمار ثم ولا البدور

علام هجوت مجتهداً علياً*** بما لفّقت من کذب وزور

أما لك في أستك الوجعاء شغلٌ*** بكفك عن أذى أهل القبور

وقول علي بن الجهم يهجو أحمد بن دُواد لما سخط المتوكل عليه وطرده (3/ 114-125) :

يا أحمد بن أبي دُوادٍ دعوة***بعثت عليك جنادة وحديدا

ماهذه البدع التي سميتها*** بالجهل منك - العدل والتوحيدا

أفسدت أمر الدين حين وليته*** ورميته بأبي الوليد وليدا

لا محكمآ جلداً ولا متطرفاً*** کھلاً ولا مستحدثاً محمودا

شرهاً إذا ذكر المكارم والعلا***ذكر القلا يا مبدئاً ومعيدا

ويود لو مسحت ربيعة كلها***وبنو أياد صفحة وشريدا

وإذا تربع في المجالس خلته***ضبعاً وخلت بني أبيه قرودا

وإذا تبسم ضاحكاً شبهته***شرقاً تعجل شربه مردودا

لا أصبحت بالخير عين أبصرت***تلك المناظر والثنايا السودا

ص: 273

وقوله يهجوه لما فلج (3/ 125):

لم يبق منك سوى خيالك لامعاً*** فوق الفراش ممهداً بوساد

فرحت بمصرعك البرية كلها*** من كان منهم موقناً بمعاد

کم مجلس للّه قد عطلته*** كي لا يحدث فيه بالإسناد

ولكم مصابيح لنا أطفأتها*** حتى تحيد عن الطريق الهادي

ولكم كريمة معشر أرملتها*** ومحدثٍ أوثقت في الأقياد

إن الأسارى في السجون تفرجوا*** لما أتتك مواكب العواد

وغدا المصرعك الطبيب فلم يجد***لدواء دائك حيلة المرتاد

فذق الهوان معجلاً ومؤجلاً*** واللّه رب العرش بالمرصاد

لا زال فالجك الذي بك دائماً*** وفجعت قبل الموت بالأولاد

وقول مروان بن حفصة يهجو علي بن الجهم ويصفه بأنه مقطوع النسب بتحريض من المتوكل ليضحك منهما، وكان مروان يكنى أبا السحط (3/ 126):

إن جهماً حين ننسبه*** ليس من عجم ولا عرب

لجّ في شتمي بلاسبب*** سارق للشعر والنسب

من أناس يدعون أباً*** ماله في الناس من عقب

وقول علي بن الجهم يهجو مروان بن حفصة بإيماءة من المتوكل (3/ 126):

عليّ تعرضت لي ضلة*** لجهلك بالشعر یا مائق

تروم قریشاً وأنسابها*** وأنت لأنسابها سارق

ص: 274

فإن كأسامة جداً لكم*** فأمك منِّيَ طالق

ولقوله (علیه السلام)(وقد نقلناه في موضوع آخر فائت) :

((أما أنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، مندحق البطن، يأكل ما يجد ويطلب ما لايجد، فاقتلوه، ولن تقتلوه، ألا وإنه سيأمركم بسبي والبراءة مني؛ فأما السب فسبوني فإنه لي زكاة ولكم نجاة، وأما البراءة فلا تتبرؤوا مني فإني ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة)) (4/ 54) :

استشهد ابن أبي الحديد بقول النجاشي الحارث بن کعب يهجو الإمام علي (علیه السلام)عندما التحق بمعاوية لأن الإمام (علیه السلام)عاقبه لشربه الخمر في رمضان (4/ 89):

ألا من مبلغ مني عليّاً*** بأني قد أمنت فلا أخاف

تحدث مستقر الحق لما*** رأيت أموركم فيهاخلاف

وكان قبل ذلك قد هجا معاوية بقوله (4/ 89) :

ونجّي ابن حرب سابح ذو غلالة*** أجش هزيم والرماح دوان

إذا قلت أطراف الرماح تنوشه*** مرته به الساقان والقدمان

ولقوله (علیه السلام)(وقد نقلناه بعد معركة صفين) :

((إنكم واللّه لكثير في الباحات، قليل تحت الرايات)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول یزید بن قناعة وهو يهجو حاتماً (6/ 107) :

لعمري وما عمري عليَّ بهيّن*** لبئس الفتى المدعوّ بالليل حاتم

ص: 275

غداة أتی كالثور أحرج ناقتي*** بجبهته أقتاله و هوقائم

كأن بصحراء المريط نعامة*** تبادرهاجنح الظلام نعائم

أعارتك رجليها وهاتي لبها*** وقد جُرِّدت بيض المتون صوارم

وقول بعضهم (6/ 106):

(و) كاثرْ بسعدٍ إن سعداً كثيرة*** ولا نرجُ من سعد وفاءً ولا نصرا

ولا تدعُ سعداً للقراء وخلّها*** إذا أمنت وتعتها البلد القفرا

يروعك من سعد بن عمرو جسومها*** وتزهد فيها حين تقتلها خبرا

وقول عويف القوافي (6/ 106) :

وما أمكم تحت الخوافق والقنا*** بثكلى ولا زهراء من نسوة زهر

ألستم أقلَّ الناس عند لوائكم*** وأكثرهم عند الذبيحة والقدر

وقول عبد الملك بن مروان معيراً أمية بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد (6/ 107 ) :

إذا صوّت العصفور طار فؤاده*** وليت حديد الناب عند الترائد

وقول آخر (6/ 107) :

يطير فؤاده من نبح كلبٍ*** ويكفيه من الزجر الصغير

وقول آخر (6/ 107) :

ولو أنها عصفورة لحبستها***مسومة تدعو عبيداً وأزنجا

وبالرواية التي تقول :

ص: 276

خرج مغيرة بن سعد العجلي في ثلاثين رجلاً بظهر الكوفة فعطعطوا، وخالد بن عبد اللّه القسري أمير العراق يخطب على المنبر فعرق واضطرب وتحيّر وجعل يقول :

- أطعموني ماء.

فهجاه ابن نوفل فقال (6/ 110-111):

أخالد لا جزاك اللّه خيراً*** وأيري في جرامك من أمير

تروم الفخر في أعراب قسر*** كأنك من سراة بني جرير

ولقوله (علیه السلام)في ذكر عمرو بن العاص :

((أما واللّه إني ليمنعني من اللعب ذكر الموت، وإنه ليمنعه قول الحق نسیان الآخرة، وإنه لم يبايع معاوية حتى شرط له أن يؤتيه ويرضخ له على ترك الدين رضيخة)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول حسان بن ثابت وهو يهجو عمرو بن العاص (6/ 280-285) :

أبوك أبو سفيان لا شك قد بدت*** لنا فيك منه بينات الدلائل

ففاخر به إما فخرت ولا تكن*** تفاخر بالعاص الهجين بن وائل

وإن التي في ذاك يا عمرو حكّمت*** فقالت رجاء عند ذاك لنائل

من العاص عمرو تخبر الناس كلها*** تجمعت الأقدام عند المحافل

وقول الشاعر يهجو الوليد بن عقبة بن أبي معيط ويعلي من شأن الإمام

ص: 277

علي بن أبي طالب (علیه السلام)(6/ 292-293) :

أنزل اللّه والكتاب عزيز*** في عليٍّ و في الوليد قرانا

فتبوى الوليد إذا ذاك فتاً*** وعلي مبؤ إيمانا

ليس من كان مؤمناً عمرك *** اللّه كمن كان فاسقاً إخوانا

سوف يدعى الوليد بعد قليل*** وعليٌّ إلى الحساب عيانا

فعلي يجزى بذاك جناناً*** ووليد يجزى بذاك هوانا

رب جد لعقبة ابن إبانٍ*** لابس في بلادنا تبّانا

وقول نصر بن حجاج يهجو عتبة ابن أبي سفيان (6/ 293):

يا للرجال وحادث الأزمان*** ولسبّة تخزي أبا سفيان

نبئت عتبة خانة في عرسه*** جبس لئيم الأصل من لحيان

ولقوله (علیه السلام):

((فأقسم باللّه يا بني أمية عما قليل لتعرِفُنَّها في أيدي غيركم، وفي دار عدوكم)) (7/ 117).

استشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول (7/ 140) :

(لما أقبل داود بن علي من مكة عمل مجلساً ببعض الطريق، وجلس فيه هو والهاشميون كلهم، وجلس الأمويون تحتهم فجاء ابن هرمة فأنشد قصيدة قال فيها (7/ 140) :

فلاعنا اللّه عن مروان مظلمة***ولا أمية، بئس المجلس النادي

ص: 278

كانوا كعاد فأمس اللّه أهلكهم*** بمثل ما أهلك الغاوين من عاد

فلن يكذبني من هاشم أحد*** فيما أقول، ولو أكثرت تعدادي

وقول الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب لما قتل زيد بن علي (علیه السلام)في سنة اثنتين وعشرين ومئة في خلافة هشام بن عبد الملك، من قصيدة طويلة وهي هجاء دولة (7/ 165-166): كلماحدثوا بأرض ثقيفاً*** ضمنونا السجون أو سيرونا

أشخصونا إلى المدينة أسرى*** لا كفاهم ربي الذي يحذرونا

خلّفوا أحمد المطهر فينا*** بالذي لا يحب، واستضعفونا

قتلونا بغير ذنب إليهم*** قاتل اللّه أمة قتلونا

ما رعوا حقنا ولا حفظوا في*** نا وصاة الإله بالأقربينا

جعلونا أدني عدو إليهم*** فهم في دمائنا يسبحونا

أنكروا حقنا وجاروا علينا*** وعلى غير إحنة أبغضونا

غير أن النبي منا وإنّا*** لم نزل في صلاتهم راغبينا

إن دعونا إلى الهدى لم يجيبو*** نا، وكانوا عن الهدی ناكبينا

أو أمرنا بالعرف لم يسمعوا*** منّا وردوا نصيحة الناصحينا

ولقدماً رد نصح ذوي الرأي*** فلم يتبعهم الجاهلونا

فعسى اللّه أن يديل أناساً*** من أناسٍ فيصبحوا ظاهرينا

فتقر العيون من قوم سوءٍ*** قد أخافوا وقتلوا المؤمنينا

ص: 279

ليت شعري هل توجفن بي الخيل*** عليها الكماة مستلثمينا

من بني هاشم ومن كل حي*** ينصرون الإسلام مستنصرينا

في أناسٍ آباؤهم نصروا الدينَ*** وكانوا لربهم ناصرینا

تحكم المرهفات في الهمام منهم*** بأكف المعاشر الثائرينا

أين قتلى منا بقيتم عليهم*** ثم قتلتموهم ظالمينا

أرجعوا هاشماً وردوا أبا اليق*** ظان وابن البديل في آخرينا

وارجعوا ذا الشهاتين وقتلى*** أنتم في قتالهم فاجرونا

ثم ردوا حجراً وأصحاب حجرٍ*** يوم أنتم في قتلهم معتدونا

ثم ردوا أبا عمير وردوا*** لي رشيداً وميثماً والَّذينا:

قتلوا بالطفوف يوم حسین*** من بني هاشم وردوا حسينا

أين عمرو وابن بشر وقتلى*** معهم بالعراء مايدفنونا

ارجعوا عامراً وردوا زهيراً*** ثم عثمان، فارجعوا عازمینا

وارجعوا الحر وابن قين وقوماً*** قتلوا حین جاوزوا صفينا

وارجعوا هانياً وردوا إلينا*** مسلماً والرواع في آخرينا

ثم ردوا زيداً إلينا وردوا*** كل من قد قتلتمو أجمعينا

لن تردوهم إلينا ولسنا*** منكم غير ذلكم قابلينا

ولقوله (علیه السلام)- يذكر ملك الموت وتوفيه الأنفس :

((هل يُحس إذا دخل منزلاً؟ أم هل تراه إذا توفي أحداً؟ بل كيف يتوفی

ص: 280

الجنين في بطن أمه ؟ أيلج عليه من بعض جوارحها أم الروح أجابته بإذن ربها أم هو ساكن معه في أحشائها؟؟؟ كيف يصف إلهه من يعجز عن صفة مخلوق مثله ؟)) (7/ 237) :

استشهد ابن أبي الحديد بقول أحد شعراء الموصل وقد أمره قرواش بن المقلد بهجاء وزيره سليمان بن فهد وحاجبه أبي جابر ومغنيه المعروف بالبرقعيدي، في ليلة من ليالي الشتاء وأراد بذلك الدعابة والولع بهم، وهم في مجلس شراب وأنس فقال (7/ 245 ):

وليل كوجه البرقعيدي ظلمة***وبر أغانيه وطول قرونه

سریت ونومي فيه نوم مشرّدٍ*** كعقل سليمان بن فهد ودینه

على أولقٍ فيه التفات كأنه***أبوجابر في خبطه وجنونه

إلى أن بدا ضوء الصباح كأنه*** سنا وجه قرواش وضوء جبينه

ولقوله (علیه السلام):

((... أما واللّه ليسلطن عليكم غلام ثقيف الذيّال الميّال، يأكل خضرتكم، ويذيب شحمتكم. إيه أبا ودقة)) (7/ 277):

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي بسام وقد كني أحد الرؤساء (7/ 280) :

فأنت لعمري أبو جعفر*** ولكننا نحذف الفاء منه

وقوله أيضاً (7/ 280) :

لبستم درن الثوب*** نظيف القعب والقدر

ص: 281

أبو التنِ أبوالدفرِ*** أبو البعر، أو الجعرِ

ولقوله (علیه السلام)- من كلام لأبي ذر (رحمه اللّه) لما أخرج إلى الربذة :

((يا أبا ذر إنك غضبت للّه فارجُ من غضبت له، إن القوم خافوك على دنیاهم وخفتهم على دينك)) (8/ 252):

استشهد بقول أبي ذر لما دخل على عثمان (8/ 258):

لا أنعم اللّه بقين عينا*** نعم لألقاه يوماً زیناً

تحية السخط إذا التقينا

ولقوله (علیه السلام)للمغيرة بن الأخنس - بعد أن قال هذا لعثمان :

- أنا أكفیکه.

بعد مشاجرة بين الإمام وعثمان :

((يا ابن اللعين الأبتر، والشجرة التي لا أصل لها ولا فرع، أنت تكفيني؟ فو اللّه ما أعز اللّه من أنت ناصره، ولا قام من أنت منهضه، أخرج عنا أبعد اللّه نواك؛ ثم أبلغ جهدك، فلا أبقى اللّه عليك إن بقيت)) (8/ 301):

استشهد ابن أبي الحديد بقول يحيى بن نوفل، وهو يهجو العريان بن الهيثم بن الأسود النخعي، وقد تزوج (زباد) من ولدها نحا بن قبيصة الشيباني، وكانت قبله تحت الوليد بن عبد الملك بن مروان، فطلقها، فأنكحها إياه أخ لها يقال له زیاد فقال يحيى بن نوفل (8/ 304) :

أعریان ما يدري امرؤ سِيل عنكم*** أمن مذحج تدعون أم من زیاد

ص: 282

فإن قلتم من مذحج إن مذحجاً*** لبيض الوجوه غير حبر جاد

وأنتم صفاء الهام حُذلٌ كأنما*** وجوهكم مطلية بمداد

وإن قلتم الحي اليمانون أصلنا*** وناصرنا في كل يوم جلاد

فأطول بأيرٍ من معدٌ ونزوةٍ*** نزت بإياد خلف دار مراد

ظللتم كما ضلت ثقيف فما لكم*** ولا لهم بين القبائل هاد

لعمر بني شيبان إذ ينكحونه*** ریادِ لقدما قصروا بزياد

أبعد وليد أنكحوا عبد مذحج*** کمنزية غيراً خلاف جواد

وأنكحها لا في كفاءِ ولا غني*** زيادِ أضل اللّه سعي زياد

ولقوله (علیه السلام): من كتاب إلى معاوية :

((فذكرت أمراً إن تم اعتزلك كله، وإن نقص لم يلحقك عمله)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الفرزدق يهجو جريراً) (15/ 189-190) :

أتاني وأهلي بالمدينة قائم*** لآل تميم أقعدت كل قائم

كأن رؤوس الناس إذ سمعوا بها*** مشدّخة هاماتها بالأمائم

وما بين ما لم يؤت سمعاً وطاعةً*** وبين تميم غیر جز الحلاقم

أتغضب أن أذنا قتيبة جزّتا*** جهاراً ولم تغضب لقتل ابن حازم

وما منهما إلا نقلنا دماغه*** إلى الشام فوق الساحجات الرواسم

تذبذب في المخلات تحت بطونها*** محذفة الأذناب جلف المقادم

وما أنت من قيس فتنبح دونها*** ولا من تميم في الرؤوس الأعاظم

ص: 283

تخوفنا أيام قيس ولم تدع*** لعيلان أفقاً مستقيم الخياسم

لقد شهدت قيس فما كان نصرها*** قتيبة إلا عضها بالأباهم

وقول ابن مدلج يهجو أمير اليمن محمد بن عيسى المخزومي ( 15/ 198-199) :

قل لابن عيسى المستغيث*** من السهولة بالوعورة

الناطق العوراء في*** جلِّ الأمور بلا بصيرة

وَلَد المغيرة تسعةً*** كانوا صناديد العشيرة

إن النبوة والخلا*** فة والسقاية والمشورة

في غيركم فاكفف إلي*** ك يداً مجذّمة قصيرة

فانبرى له شاعر من ولد کُرَیز بن حبيب بن عبد شمس كان مع محمد بن عیسی باليمن يهجو عنه ابن مدلج ( 15/ 199):

لا لواء يُعد بین کُرَيز*** لا ولا رفد بیته ذي السناء

لا حجاب وليس فيكم يرى الكبر*** وبغض النبي والشهداء

بين حاك ومخلج وطريد*** وقتيل يلعنه أهل السماء

ولهم زمزم کذاك وجبري*** ل ومجد السقاية الغراء

وقول ابن الزعبري يهجو قوماً (15/ 221):

لعمريَ ما جاءت بنكر عشيرتي*** وإن صالحت إخوانها لا ألومها

فودّ جناة الشرأن سيوفنا*** بأيماننا مسلولة لا نشيمها

ص: 284

فيقطع ذو الصهر القريب ويتركوا*** غماغم منها إذ أجد يريمها

فإن قصياً أهل مجد وثروةٍ*** وأهل فعال لا يرام قديمها

همُ منعوا يومي عكاظ نساءنا*** كما منع الشول الهجان قرومها

وإن كان هيج قدموا فتقدموا*** وهل يمنع المخزاة إلا حميمها

كأشيد للمقري شراع إلى الندى*** مرازبة غلب رزان حلومها

وقول الزبير بن عبد المطلب يرد عليه (15/ 222):

قومي بنوعبد مناف إذا*** أظلم من حولي بالجندل

لا أسد لن يسلموني ولا*** تيم ولا زهرة للنيطل

ولا بنو الحارث إن مرّ بي*** يوم من الأيام لا ينجلي

يا أيها الشاتم قومي ولا***حق له عندهم قبلي

إني لهم جار لئن أنت لم*** تقصر عن الباطل أو تعدل

وقول أبي طالب يهجو عبد شمس ونوفل حين تظاهرت عليه وعلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) وحصروهما في الشعب (15/ 333-334) :

توالى علينا موليانا كلاهما*** إذا سئلا قالا إلى غيرنا الأمرُ

بلى لهما أمر ولكن تراجماً*** لِمَ ارتجحت من رأس ذي القلع الصخرُ

أخص خصوصاً عبد شمس ونوفلاً*** هما نبذانا مثلما تنبذ الخمرُ

هما غمضا للقوم في أخويهما*** فقد أصبحت أيديهما وهما صفر

قديماً أبوهم كان عبداً لجدنا*** بني أمة شهلاء جاش بها البحر

ص: 285

لقدسفهوا أحلامهم في محمد*** فكانوا كجُعرٍ بئس ما ضغطت جُعر

ولقوله (علیه السلام)في القضاء :

((ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك، ممن لا تضيق به الأمور، ولا يمحكه الخصوم، ولا يتمادى في الزلة، ولا يحصر من الفيء إلا الحق إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع)) (7/ 58) :

استشهد ابن أبي الحديد بقول الأسهب الكوفي (17/ 95):

يا أهل بغداد قد قامت قيامتكم*** مذ صار قاضيكمُ نوح بن دراج

لو كان حياً له الحجاج ماسلمت*** صحيحة يده من وسم حجاج

وكان الحجاج يسم أيدي النبط بالمشراط والنيِّل.

ولقوله (علیه السلام):

((فلا تطولن احتجابك عن رعيتك، فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق، وقلّة علم بالأمور)) (17/ 90 ).

استشهد بقول دعبل وقد حجب عن باب مالك بن طوق (17/ 194) :

لعمري لئن حجبتني العبيد*** لما حجبتني دونك القافية

سأرمي بها من وراء الحجاب*** شنعاء تأتيك بالداهية

تصم السميع، وتعمي البصیر*** ويسأل عن مثلها العافية

وقول آخر (17/ 94) :

سأترك هذا الباب مادام الآن*** على ما أرى حتى يليت قليلا

ص: 286

فما خاب من لم يأته مترفعاً*** ولا فاز من قد رام فيه دخولا

إذا لم نجد للأذن عندك موضعاً*** وجدنا إلى ترك المجيء سبيلا

وقول أبي العتاهية، وقد كتبه إلى أحمد بن يوسف الكاتب إذ حجبه (17/ 94) :

وإن عدت بعد اليوم إني لظالم*** سأصرف وجهي حيث تبغي المكارم

متى يفلح الغادي إليك لحاجةٍ ***ونصفك محجوب ونصفك نائم

وقول بشار (17/ 95):

يا أميراً على جريب من الأر*** ض له تسعة من الحجاب

قاعد في الخراب يحجب عنا*** ما سمعنا بحاجب في خراب

وقوله أيضاً (17/ 95):

خليليَّ من كعب أعينا أخاكما*** علي دهره إن الكريم يعين

ولا تبخلا بخل ابن قرعة إنه*** مخافة أن يرجى نداه حزین

إذا جئته للعرف أغلق بابه*** فلم تلقه إلا وأنت كمين

فقل لأبي يحيى متى تدرك العلا*** وفي كل معروف عليك يمين

وقول آخر (17/ 96):

وإني لأستحيي الكريم إذا أتى*** على طمع عند اللئيم يطالبه

وأرثي له من مجلس عند بابه*** کمرثيتي للطرف والعلج راكبه

وقول آخر:

ص: 287

ما ضاقت الأرض على راغب*** تطلّب الرزق ولا راهب

بل ضاقت الأرض على شاعر*** و أصبح يشكو جفوة الحاجب

ولقوله (علیه السلام)من کتاب له إلى الأسود بن قطبة صاحب جند حلوان :

((فإن الوالي إذا اختلف هواه منعه ذلك كثيراً من العدل، فليكن أمر الناس عندك في الحق سواء، فإنه ليس في الجور عوض من العدل، فاجتنب ما تنكر أمثاله، فابتذل نفسك فيما افترض اللّه عليك، واجباً ثوابه، ومتخوفاً عقابه)) (17/ 145).

استشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول (17/ 242):

نزع عثمان الوليد عن الكوفة وأمّر عليها سعید بن العاص، فلما قدمها قال اغسلوا هذا المنبر فإن الوليد كان رجلاً نجساً، فلم يصعده حتى غسل؛ وكان الوليد أسن من سعيد بن العاص، وأسخی نفساً وألين جانباً، وأرضى عندهم، فقال بعض شعرائهم :

ياويلناقد ذهب الوليد*** وجاءنا من بعده سعيد

ينقص في الصاع ولا يزيد

فدرت من الوليد إلى سعيد*** كأهل الحجر إذ فرعوا فباروا

يلينا من قريش كل عام*** أمير محدث أو مستشار

لنا نار تحرقنا فنخشى*** وليس لهم - ولا يخشون - نار

وقول الوليد بن عقبة يخاطب معاوية (17/ 244) :

ص: 288

وإذا سُئلت تقول (لا)) *** وإذا سألت تقول (هات)

تأبى فعال الخير لا*** تروي وأنت على الفرات

أفلا تميل إلى نعم*** أو ترك ((لا )) حتى الممات

وبلغ معاوية شخوصه إلى الجزيرة فخافه وكتب إليه :

أقبل. فكتب (7/ 244) :

أعف واستعفي كما قد أمرتني*** فأعط سواي ما بدا لك وانجل

سأعدو رکابي عنك إن عزيمتي*** إذا نابني أمرکسلة منصل

وإني امرؤ للنأي مني تطرب*** وليس شبا قفل عليٌّ بمقفل

هرب هبيرة بن أبي وهب وعبد اللّه بن الزبعری جمیعاً إلى حصن نجران عندما دخل الرسول (صلّى اللّه عليه وآله) مكة، فخوفا أهل الحصن من الرسول فأرسل حسان بن ثابت إلى ابن الزبعری (18/ 3) :

لا تعدمن رجلاً أحلك بفضه*** نجران في عيش أجد ذميم

بلیت قناتك في الحروب فألقيت*** جوفاء ذات معایب ووصوم

غضب الإله على الزبعرى وابنه*** بعذاب سوء في الحياة مقيم

ولقوله (علیه السلام)، من كتاب له إلى قثم بن العباس عامله على مكة (18/ 30) :

((فأقم للناس الحج، وذكرهم بأيام اللّه، واجلس لهم العصرين، فأفت المستفتي، وعلّم الجاهل، وذاكر العالم، ولا يكن لك إلى الناس سفير إلا لسانك ولا

ص: 289

حاجب إلا وجهك، ولا تحجبن ذا حاجة عن لقائك به فإنها إن زیدت عن أبوابك

في أول وردها لم تحمد فيما بعد على قضائها)).

استشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول (18/ 31-32) :

وكان أبو عباد ثابت بن يحي كاتب المأمون إذا سئل الحاجة يشتم السائل، ويسطو عليه ويخجله، ويبكته ساعة ثم يأمر له بها؛ فيقوم وقد صارت إليه، وهو يذمه ويلعنه، قال علي بن جبلة العكوك :

لعن اللّه أباعبّا*** د لعناً يتوالى

يوسع السائل شتماً*** ثم يعطيه السؤالا

وكان الناس يقفون لأبي عباد وقت ركوبه، فيتقدم الواحد منهم إليه بقصته ليناوله إیاها، فيركله برجله بالركاب، ويضربه بسوطه ويطير غضباً. ثم لا ينزل عن فرسه حتى يقضي حاجته، ويأمر له بطلبته فينصرف الرجل بها وهو ذام له ساخط عليه؛ فقال فيه دعبل :

أولى الأمور بضيعة وفساد*** ملك يدبّره أبو العبّاد

خرق على جلسائه فكأنهم*** حضروا لملحمة ويوم جلاد

متعجب بدواته جُلَساءه*** فمضرج ومخضب بمداد

وكأنه من دير هزقل مفلت*** حرب يجر سلاسل الأقياد

فاشدد أمير المؤمنین صفاده*** بأشد منه في يد الحداد

وقول أحد الشعراء فيه :

ص: 290

قل للخليفة يا ابن عم محمد*** قيّد وزيرك إنه رکّال

فلسوطه بين الرؤوس مسالك*** ولرجله بين الصدور مجال

ولقوله (علیه السلام):

((إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه)).

استشهد بقول لقيط بن زرارة (18/ 109-110):

فقل لبني سعد ومالي ومالكم*** ترقون مني ما استطعتم وأعتق

أغركم أني بأحسن شيمة***بصير وأني بالفواحش أخرق

وإنك قد سابیتني فقهرتني*** هنيئاً مريئاً أنت بالفحش أحذق

ولقوله (علیه السلام):

((لسان العاقل وراء قلبه وقلب الأحمق وراء لسانه)).

استشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول (18/ 159-161) :

((أرسل اینٌ معجل بن لجيم فرساً له في حلبة، فجاء سابقاً ، فقيل له :

- سمّه باسم يعرف به.

فقام عينه وقال :

- قد سمّيته الأعور، فقال شاعر يهجوه :

رمتني بنو عجل بداء أبيهم*** وأي عباد اللّه أنوك من عجل

أليس أبوهم عار عين جواده*** فأضحت به الأمثال تضرب بالجهل

ولقوله (علیه السلام):

ص: 291

((فأما بنو مخزوم فريحانة قريش، تحب حديث رجالهم والنكاح في نسائهم، وأما بنو عبد شمس فأبعدها رأياً وأمنعها لما وراء ظهورها، وأما نحن فأبذلها لما في أيدينا وأسمح عند الموت بنفوسنا، وهم أكثر وأمكر وأنكر، ونحن أفصح وأنصح وأصبح)).

استشهد بقول مالك بن نويرة (18/ 85و 28-288) :

ألم ينه عنا فخر بكر بن وائل*** هزيمتهم في كل يوم لزام

فمنهن يوم الشر أو يوم منصح*** وبالجزع، إذ قسّمن حي عصام

أحاديث شاعت في معدٍ وغيرها*** وخبّرها الركبان حيّ هشام

وقول الشاعر يهجو رجلاً؟ :

أحسبت أن أباك يوم نسبتني*** في المجد كان الحارث بن هشام

أولى قريش بالمكارم كأسها*** في الجاهلية كان والإسلام

وقول ثابت قطنة، أو كعب الأشقري لمحمد بن أشعب بن قیس (18/ 289)

أتوعدني بالأشعثي ومالك*** وتفخر جهلاً بالوسيط الطماطم؟

كأنك بالبطحاء تذمم حارثاً*** وخالد سیف الدين بين الملاحم

وقول عبد الرحمن بن سيحان الجسري حليف بني أمية وهو يهجو عبد اللّه بن مطیع بن عدي (19/ 289):

حرام كنتي مني بسوء*** واذكر صاحبي أبداً بذام

ص: 292

لقد أحرمت ود بني مطيع*** حرام الدهر للرجل الحرام

وإن خيف الزمان مددت حبلاً*** متيناً من حبال بني هشام

وريق عودهم أبداً وطيب*** إذا ما اعتز عيدان الكرام

وقول حسان بن ثابت يهجو أبا جهل، وكان يكنى أبا الحكم (18/ 292) :

الناس كنوه أباحكم*** واللّه كناه أبا جهل

أبقت ریاسته لأسرته*** لومَ الفروع ودقة الأصل

ولقوله (علیه السلام):

((صحة الجسد من قلة الحسد)) (19/ 97) :

استشهد ابن أبي الحديد بقول علي بن جبلة (19/ 97-98):

أبا دلف يا أكذب الناس كلهم*** سوايَ فإني في مديحك أكذب

وقول أبي بكر النطاح فيه :

أبا دلف إن الفقير بعينه*** لَمَن يرتجي جدوى يديك ويأمله

أرى لك باباً مغلقاً متمنعاً*** إذا فتحوه عنك فالبؤس داخله

كأنك طبل هائل الصوت معجب*** خلي من الخيرات قعس مداخله

وأعجب شيء فيك تسليم إمرةٍ*** عليك على طنزٍ وإنك قابله

ولقوله (علیه السلام):

((ضع فخرك، واحطط كبرك، واذكر قبرك)) (19/ 352).

استشهد ابن أبي الحديد بقول عبد الأعلى البصري في قاضي القضاة محمد

ص: 293

بن أبي الشوارب الأموي إذ كان تائها (19/ 354) :

إني رأيت محمداً منشاوساً*** مستصغراً لجميع هذي الناس (35)

ويقول لما أن تنفس خالياً*** و نفساً له يعلو على الأنفاس

ويح الخلافة في جوانب لحيتي*** تستن دون لحي بني العباس

ولقوله (علیه السلام):

((رب قول أنفذ من صول)).

استشهد ابن أبي الحديد بقول محمود الوراق (9/ 359-360) :

أتاني منك ماليس*** على مكروهه صبر

فأغضبت على عمدٍ*** وكم يغضي الفتى الحر

وأدبتك بالهجر*** فما أدبك الهجر

ولا ردّك عمّاکا***ن منك الصفح والبر

فلما اضطرني المكرو*** ه واشتد بي الأمر

تناولتك من شعري*** بمالیس له قدر

فحرکت جناح الضر*** لمّا مسك الضر

إذا لم يصلح الخير*** أمراً أصلحه الشر

وقول الشريف الرضي رضي اللّه عنه :

سأمضغ بالأقوال أعراض قومكم*** وللقول أنياب لديّ حداد

يُرى للقوافي والسماء جلية*** عليكم بروق جمة ورعاد

ص: 294

وقوله :

كعمت لساني أن أقول وإن يقل*** فقل في الجراز العضب أن فارق الغمدا

وإن بروداً للمخازي معدّة*** فمن شاء من ذا الحي أسميته بردا

قلائد في الأعناق بالعار لم تهن*** على مرِّ أيام الزمان ولا تصدا

إذا صلصلت بين القنا قضب القنا*** وإن زفرت في السرد قطعت السردا

ولقوله (علیه السلام):

((ما زال الزبير رجلاٌ منا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشؤوم عبد اللّه)) (20/ 102) :

استشهد ابن أبي الحديد بقول أبي حمزة موسى آل الزبير في عبد اللّه بن الزبير لشحّه وبخله (20/ 145):

إن الموالي أمست وهي عاتبة*** على الخليفة تشكو الجوع والحربا

ماذا علينا وماذا كان يرزؤنا*** أي الملوك على ما حولنا غلبا؟

وقوله فيه :

لو كان بطنك شبراً قد شبعت وقد*** فضلت فضلاً كثيراً للمساكين

ما زلت في سورة الأعراف تدرسها*** و حتى فؤاديَ مثل الخبز واللبن

وقول شاعر فيه أيضاً؛ كما كانت الحرب بينه وبين الحصين بن نمير قبل أن يموت یزید بن معاوية (20/ 145):

فيا راكباً أما عرضت فبلغن*** كبير بني العوام إن قيل من تعني

ص: 295

تحير من لاقيت إنك عائذ*** وتكثر قتلى بين زمزم والركن

وقول الضحاك بن فيروز الديلمي (20/ 145):

تخبرنا أن سوف تكفيك قبضة*** وبطنك شبر أو أقل من الشبر

وأنت إذا مازلت شيئاً قضمته*** كما قضمت نار الفضاحطب السدر

فلو کنت تجزي أو تثيب بنعمةٍ*** قريباً لردتك العطوف على عمرو

وبالرواية التي تقول (20/ 148-149):

أتی فضالة بن شريك الوالي عبد اللّه بن الزبير فقال :

- نفذت نفقتي، ونقبت ناقتي.

فقال :

- أحضرنيها.

فأحضرها.

فقال : - أقبل بها، أدبر بها.

ففعل.

فقال :

- إرقعها بسبت واخصفها بهلّب يبرد حفّها، وسر البردين تصحُ.

فقال فضالة :

ص: 296

- إني أتيتك مستحملاً، ولم آتك مستوصفاً، فلعن اللّه ناقة حملتني إليك.

فقال :

- إن وراكبها .

فقال فضالة :

أقول لغلمتي شدوا ركابي*** أجاوز بطن مكة في سواد

فمالي حين أقطع ذات عرقٍ*** إلى ابن الكاهلية من معاد

سيبعد بيننا نص المطايا*** وتعليق الأداوي والمزاد

وكل معبّد قد أعلمته*** مناسمهن طلاع النجاد

أرى الحاجات عند أبي خبيب*** نکدن ولا أمية في البلاد

من الأعياص أو من آل حربٍ*** أغرَّ كفرة الفرس الجواد

وقول عبد اللّه بن حنبل الجمحي (1/ 198):

أحلف باللّه رب الأنام*** ماترك اللّه شيئاً سدی

ولكن خلقتَ لنا فتنة*** لكي نبتلي بك أو تبتلي

فإن الأمينين قد بينا*** منار الطريق عليه الهدی

فما أخذا درهماً غيلة*** ولا جعلا درهماً في هوی

وأعطيت مروان خمس البلاد*** فهيهات سعيك ممن سعی

ولقوله (علیه السلام)في ذكر عمرو بن العاص (6/ 280):

((عجبا لابن النابغة! يزعم لأهل الشام أن فيَّ دعابة، وإني امرؤ تلعابة،

ص: 297

أعافس وأمارس! لقد قال باطلاً ونطق آثماً ... أما واللّه إني ليمنعني من اللعب ذكر الموت، وإنه ليمنعه من قول الحق نسيان الآخرة)).

استشهد ابن أبي الحديد بالرواية التي تقول (6/ 313) :

((كان عمرو بن العاص عدواً للحارث بن نضر الجشعمي، وكان من أصحاب علي(علیه السلام)وكان عليٌّ (علیه السلام)قد تهیبته فرسان الشام، وملا قلوبهم بشجاعته، وامتنع كل منهم من الإقدام عليه، وكان قلما جلس مجلساً إلا ذكر فيه الحارث بن نضر الجشعمي دعابة فقال للحارث :

ليس عمرو بتارك ذكره الحا*** رث بالسوء أو يلاقي عليا

واضع السيف فوق منكبيه الأ*** يمن لا يحسب الفوارس شيا

ليت عمرو يلقاه في حومة النقع*** وقد أمست السيوف عصيا

حيث يدعو للحرب حامية القو*** م إذ كان بالبراز ملیّا

فوق شهب مثل السموق من النخل*** ينادي المبارزين إليّا

ثم يا عمرو نستريح من الفخر*** ونلقى به فتى هاشميا

فالقه إن أردت مكرهة الدهر*** أو الموت كل ذاك عليا

وكان القباع - وهو الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة ابن المغيرة المخزومي - مسهاباً، سريع الحديث كثيره، فقال فيه أبو الأسود الدؤلي (7/ 91):

أمير المؤمنين جزيت خيراً*** أرحنا من قباع بني المغيرة

بلوناه ولمناه فأعيا*** علينا ما يمر لنا مريره

ص: 298

على أن الفتى نكح أكول*** ومسهابٌ مذاهبه كثيرة

ولقوله (علیه السلام):

((فليقبل امرؤ كرامة بقبولها، وليحذر قارعة قبل حلولها، ولينظر امرؤ في قصير أيامه، وقليل مقامه في منزل، حتى يستبدل به منزلاً، فليصنع لمتحوله، ومعارف منتقله)) (11/ 65).

استشهد ابن أبي الحديد بقول حسان بن ثابت يهجو آل العوام بن خویلد (16/ 68) :

بني أسد مابال آل خويلد*** يحنون شوقاً كل يوم إلى القبط

متى يذكروا قهقي يحنو لذكرها*** وللرمث المقرون والسمك الرقط

عيون كأمثال الزجاج وضيعة*** تخالف کعباً في لحی کثة شُطِّ

يُرى ذاك في الشبان والشيب منهم*** مبيناً و في الأطفال والحلية الشمط

لعمرو أبي العوام إن خويلداً*** غداة تبناه ليوثق في الشرط

ولقوله (علیه السلام):

((فاعتبروا بحال ولد إسماعيل وبني إسحاق وبني إسرائيل تأملوا أمرهم حال تشتتهم وتفرقهم، ليالي كانت الأكاسرة والقياصرة أرباباً لهم.. فالأحوال مضطربة والأيدي مختلفة، والكثرة متفرقة في بلاء أزل، وأطباق جهل، من نبات مؤودة وأصنام معبودة، وأرحام مقطوعة، وغارات مشنونة)) (13/ 171).

استشهد ابن أبي الحديد بقول الفرزدق يهجو جريراً (13/ 175-176) :

ص: 299

ألم تر أنا بني دارم*** زرارة منا أبو معبد

ومنا الذي منع الوائدات*** وأحيا الوليد ولم يوئد

ألسنا بأصحاب يوم التنار*** وأصحاب ألوية المربد

ألسنا الذين تمیم بهم*** تساء وتفخر بالمشهد

وناجية الخير والأقرعان*** وقبر بكاظمة المورد

إذا ما أتى قبره عائذ*** أناخ على القبر بالأسعد

أيطلب مجد بني دارم*** عطية كالجبل الأسود

قرنبي يحك قفا مقرفٍ***لئيم مآثره قعدد

ومجد بني دارم فوقه*** مكان السماكين والفرقد

ولقوله (علیه السلام)، وقد ذكر بعض قریش عندما طلبوا من الرسول (صلّی اللّه عليه وآله) أن يدعو الشجرة حتى تنقلع بعروقها وتقف بين يديه، ولما فعل الرسول (صلّى اللّه عليه وآله) ما طلبوا منه جاءته الشجرة ثم التفت الأغصان عليه :

((لا إله إلا اللّه، إني أول مؤمن بك يا رسول اللّه وأول من أُقر بأن الشجرة فعلت ما فعلت بأمر اللّه تصديقاً بنبوتك وإجلالاً لكلمتك، فقال القوم كلهم :

- بل ساحر كذاب، عجیب السحر خفيف فيه، وهل يصدقك في أمرك إلا مثل هذا؟

-يعنوني - وإني لمن قوم لا تأخذهم في اللّه لومة لائم)) (13/ 213):

استشهد ابن أبي الحديد بقول النعمان بن رشيد يهجوه (علیه السلام)

ص: 300

(13/ 241) :

لقد طلب الخلافة من بعيد*** وسارع في الضلال أبو تراب

معاوية الإمام وأنت منها*** على وتحٍ بمنقطع السراب

و وقول أحد الخوارج (13/ 241):

أسسنا له تحت الظلام ابن ملجم*** جزاء إذا ما جاء نفساً كتابها

أبا حسنٍ خذها على الرأس ضربةً ***بكف كريم، بعد موت ثوابها

وقول عمران بن حطان يمدح قاتله (13/ 241) :

يا ضربة من تقي ما أراد بها*** إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إني لأذكره حيناً فأحسبه*** أوفى البرية عند اللّه ميزانا

ص: 301

المحتويات

الفخر ...7

الدنیا ...25

الشکوی ...51

الحکمة ...61

الرثاء ...91

الاعتقادات ...117

التصوف ...125

وصف الموتی والقبور ...137

الصبر والزهد ...149

النسیب ...161

النصح والإرشاد ...175

الحماسة ...197

المدح ...233

الهجاء ...269

ص: 302

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.