نصوص سياسية
تشخيص وحلول وتعبئة ومبادرات للمشكلة السياسية في العراق ما بعد 2003
من خطب سماحة المرجع الديني الشیخ محمد الیعقوبی دام ظله
دار الصادقين
للطباعة والنشر والتوزيع
النجف الاشرف / شارع الرسول (صلی الله علیه و آله)
ص: 1
ص: 2
نصوص سياسية
تشخيص وحلول وتعبئة ومبادرات للمشكلة
السياسية في العراق ما بعد 2003
ص: 3
دار الصادقين
للطباعة والنشر والتوزيع
النجف الاشرف / شارع الرسول (صلی الله علیه و آله)
07808289364
الطبعة الأولى
1435 ه_ - 2014م
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 5
ص: 6
توجيهات الحوزة إلى الشعب أثناء حرب إسقاط النظام(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
بعدما قمنا بجولة على علماء الحوزة الشريفة خرجنا بهذه التوجيهات العامة في هذا الظرف الحرج انطلاقاً من حرص الحوزة ومسؤولياتها تجاه أبناء المجتمع، فعلى الجميع الالتزام بها، قال تعالى: [أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ] (النساء:59):
1_ التركيز على وحدة الصف وعدم التركيز على الأسماء، وليكن العنوان الذي يجمعنا اسم الحوزة الشريفة.
2_ أقامة صلوات الجماعة في الجوامع من قبل طلاب الحوزة والحث على الحضور المكثف من قبل أبناء المجتمع.
3_ أقامة صلاة الجمعة في المواضع التي تحددها لجنة من قبل الحوزة العلمية في النجف، ويؤمّها ويخطب فيها فضلاء الحوزة على التناوب، ويجب على الجميع الالتفاف حولهم والصلاة خلفهم دون النظر إلى الجهة التي ينتمون إليها.
4_ إعداد لجنة محلية مكونة من وجهاء المنطقة وطلبة الحوزة لتنظيم شؤون المنطقة سواء الإدارية أو الاجتماعية أو الصحية.
5_ عدم التجاوب مع أي حزب أو سلطة أو اتجاه خارجي، لعدم وضوح مناهجهم وأطروحاتهم، ومدى مطابقتها لرؤى الحوزة العلمية الشريفة.
ص: 7
6_ الحفاظ على الممتلكات العامة وحمايتها وتأمين الأموال العامة داخل البيوت الأمينة إلى حين صدور تعليمات جديدة من الحوزة.
7_ توزيع المساعدات للمحتاجين من خلال المساجد أو الوجهاء أو وكلاء المواد الغذائية، وحرمة حالات الإذلال التي تحصل أثناء توزيع المساعدات القادمة.
8_ على أئمة الجمعة والجماعة التطرق إلى المواعظ الأخلاقية والحالات الاجتماعية المنحرفة المعاصرة وعدم الخوض في الأمور التي تثير الفرقة والتشتت.
9_ المحافظة على الهدوء وعدم تصفية الحسابات الشخصية في الوقت الحاضر.
10_ احترام التركيبة الاجتماعية سواء الأديان السماوية، أو المذاهب الدينية أو القوميات المختلفة.
11_ دعوة موظفي الدوائر الرسمية والخدمية لمزاولة أعمالهم والعودة إليها، أما ما يتعلق برواتبهم فتنظم من قبل اللجنة المشرفة بمراجعة الحوزة العلمية الشريفة.
3 صفر 1424
2003/4/6
ص: 8
الشعب العراقي إيجابيات ومسؤوليات(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
لقد عانى الشعب العراقي الكريم ما لم يعانه شعب على مدى التأريخ، فقُتِل منهُ الملايين وسُجِن وشُرِّد منهم ملايين أخرى وما ذلك لنقص فيه وانحطاط على ما أرجو، بل لأنه الشعب الذي سيحتضن دولة العدل الإلهي في اليوم الموعود، وهذا يتطلب منه التعرض لأنواع البلاء وأشده حتى يكون مؤهلاً لنصرة الأمام لكل ما تتطلبه من أعباء وتضحيات جسيمة، وكانت المحنة(2) الأخيرة قاسية على شعبنا المظلوم، عانى فيها الكثير من القتل والحرمان والترويع والتشريد، مما يضاف إلى سجل المآسي التي مرت به، ومع كل ذلك فإن المراقب للساحة بمنظار إسلامي واعي يشاهد حالات ايجابية مهمة لا ينبغي إغفالها أشير إليها باختصار:
1- التوجه إلى الله تعالى والالتزام بشريعته، حيث تجد المساجد والمشاهد المقدسة ممتلئة بالمصلين، وأصوات الذكر والدعاء وتلاوة القرآن وزيارات المعصومين (علیهم السلام) تتصاعد من كل مكان، وهذه العودة إلى
ص: 9
الله تعالى والرجوع إليه هو العلاج للمشاكل والأزمات الذي نثبت به هويتنا وانتماءنا وشخصيتنا، فاستحق الشعب الكريم بذلك (النصر الإلهي) ورفع البلاء وإزالة كابوس الظلم كما حثَّ الله تعالى وضرب مثالاً عليه قوم يونس (علیه السلام)، قال تعالى مبتدءاً بأداة الحث والتحضيض لولا: [فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إيمانهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إلى حِينٍ] (يونس:98).
فهذا هو موقف المسلم ورده في الأزمات والمحن، وعن هذا الطريق يعلن هويته والجهة التي ينتمي إليها، فنحن ننتمي إلى هذه الأماكن المقدسة وهذه الشعائر الشريفة.
2- الطاعة الكاملة للحوزة العلمية الشريفة والالتزام بتعاليمها وأوامرها، فما أن أمرت الحوزة بترك السلب والنهب من الممتلكات العامة حتى امتنعوا، وحين أمرتهم بإعادة المسروقات أعادوها، وحين أمرتهم بالتوجه إلى محلات عملهم ووظائفهم لتسيير الخدمات للناس توجهوا، فالمجتمع إذن يعرف بوضوح قادته الحقيقيين الذين يعملون بإخلاص من أجل سعادته وضمان الحرية والعدالة له؛ لأنهم المتفهمون لشريعة الله تعالى والساعون إلى تطبيقها بالشكل الصحيح [أَفَمَن يَهْدِي إلى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ] (يونس:35).
3- الوعي التام لما يجري في الساحة وأهداف اللاعبين فيها، فكان موقفهم في المحنة الأخيرة يدل على فهم جيد، ولم ينجرف مع الأهواء والعواطف أو الإغراءات، ولا تأثر بالتضليل الإعلامي والسياسي، بل بقي موقفه متزناً ومتوازناً مما أذهل المراقبين للوضع والمتخصصين بقراءة
ص: 10
المستقبل، وأفشل توقعات وتخمينات الذين تحدثوا كثيراً عما سيقع، وفق المعطيات التي بين أيديهم ووفق رؤيتهم، ولم يحسبوا لوعي هذا المجتمع المسلم وقوة أرادته أي حساب.
4- الوحدة وتراصّ الصفوف وتذويب الخلافات سواء كانت دينية أو شخصية أو اجتماعية، وهذه المسيرات الجماهيرية التي خرجت ولازالت تخرج وهي تطالب بتوحيد الأمة مهما كانت اتجاهاتها المذهبية أو الطائفية أو العرقية، حيث تسير الجموع متحابةً متآلفة قد جمعتها الأهداف المشتركة (عراق مسلم، حر، مستقل، تتحقق فيه العدالة وتكفل فيه حقوق الإنسان، لا استبداد فيه لأحد، ولا استئثار بثروات الأمة ولا تبديد لطاقاتها)، وحتى حينما كان يشعل المغرضون والجهلة فتنةً لكي يفرقوا بين الإخوة كانت النتائج تأتي بعكس ما يخططون له، وتكون نفس الفتنة سبباً للوحدة والتقريب وتناسي الاختلافات الجزئية.وكل هذه النتائج الطيبة وغيرها مما لم نذكر هي من الرحمات الإلهية وألطاف صاحب العصر الأمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف لهذا الشعب الذي جاهد وضحى من أجل الاحتفاظ بهويته الإسلامية وشخصيته الأصيلة.
ونحن مُطاَلبون أن نبقى على نفس الهمة والعزيمة بل نزيد منها لما ينتظرنا من تحديات بعدة اتجاهات:
1- السياسية: حيث يسعى الشعب لاغتنام الفرصة في تشكيل حكومة نابعة من صميمه ذات أرادة مستقلة لا تخضع للأجنبي وتوفر له حقوقه وتسعى لتحقيق آماله، في حين يريد الآخرون فرض الحكومة التي تخدم مصالحهم.
ص: 11
2- العقائدية والأخلاقية: فإن الانفتاح والحرية المدّعاة ستحمل معها الكثير مما يتنافى مع مبادئ الإسلام وتعاليمه، وسيكون ذلك مدعاة للتمحيص والابتلاء الشديد الذي لا ينجو منه إلا من امتحن الله قلبه بالإيمان وتمسك بدينه وأطاع ولاة أمره الحقيقيين.
3- الاجتماعية فإن النظام العالمي الجديد يتطلبُ نظماً وأوضاعاً اجتماعية لا تتلاءم مع تركيبة الأمة وثقافتها الأصيلة، وستتغير أنماط العلاقات والمعايير المتحكمة فيها.
أمام هذه التحديات العظيمة الذي شاء قدرنا أن نكون أمام مفرق طريقين فإما أن نؤدي واجبنا كما ينبغي ونرد الأمانة إلى أهلها فيؤتينا الله كفلين من رحمته، أو نقصر لا سامح الله تعالى فنظلم أنفسنا ومجتمعنا ونضع علامة سوداء في تأريخ أمتنا.
فما هي المسؤوليات الملقاة على عاتقنا في هذا الظرف العصيب، إنها باختصار:
1- الرجوع إلى الله تعالى والتمسك بشريعته وتنظيم حياتنا كلها في العبادات والمعاملات على أساس المنهج الإلهي السديد، والإكثار من ذكر الله تعالى والدعاء والاستغفار والاستعانة به واللجوء إليه [وَاستَعِينُوا بِالصَبْرِ وَالصَلاةِ] (البقرة:45).
2- تجديد البيعة مع إمامنا وولينا بقية الله في أرضه الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریفبوضع يدنا اليمنى بيدنا اليسرى، لتكون الأولى عن الإمام (علیه السلام) والثانية عن المبايع، وان تكون البيعة حقيقية بمعنى أن نطيعهُ ونعمل كل ما يرضيه ونتجنب ما يسخطه.
ص: 12
3- الحضور المكثف في المساجد لإقامة صلوات الجماعة والشعائر الدينية والتأكيد على أقامة صلاة الجمعة في كل مكان سواء في المساجد أو الساحات العامة، وان تكون خطبتا الصلاة واعية وبمستوى التحديات الموجودة في الساحة ومعبرة عن الواقع، فإنها رمز وحدتنا وشعار عزتنا.
4- المحافظة على الوحدة ونبذ الخلاف والتأكيد على القواسم المشتركة التي تجمعنا وهي كثيرة، أما الجزئيات المختلف فيها فيحتفظ بها كل واحد لنفسه، وقطع الطريق أمام كل من يحاول بذر الفتنة وشق عصا المسلمين.5- الطاعة الكاملة للحوزة العلمية الشريفة في النجف الأشرف، والالتزام بتوجيهاتها ومواقفها تجاه مختلف القضايا والأحداث، واعتبارها الممثل الشرعي للشعب والمعبر عن مطالبه وتطلعاته، فإنها ستسعى بمقدار جهدها لتحقيق هذه المطالب.
6- الاحتفاظ بهويتنا الإسلامية ورفض ومقاطعة كل محاولة لمصادرتها والتأثير فيها ومحاولة تمييعها بالوسائل المذكورة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
7- استمرار التظاهرات والمسيرات السلمية والتجمعات الجماهيرية التي تحمل شعارات واعية وحضارية ومعبرة عن مطالب الشعب، والتي (أولها) تشكيل حكومة تمثل جميع فئات الشعب وتياراته لتعيد الأمن والاستقرار و (ثانيها) وضع دستور للبلاد يقوم على أساس الإسلام ولا يخالفه بحيث يكون مصدر التشريع هو الإسلام وتدعوا إلى انتخابات حرة.
8- التجرد عن الأنانية وحب الذات والنظرة الضيقة بل الواجب هو
ص: 13
العمل تحت الإطار العام الذي يجمعنا جميعاً.
9- عدم التقاطع في العمل مع كل المخلصين الذين يسعون لاسترداد حقوق الشعب المظلوم.
10- عدم التأثر بالإشاعات والأخبار التي لا تستند إلى أساس صحيح فيجب التأكد والتثبت من الخبر قبل نقله، قال تعالى: [إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا] (الحجرات:6).
وأنتم أيها المؤمنون بزحفكم المبارك المليوني إلى هذه الأرض الطاهرة كربلاء التي سال على ثراها دم سيد الشهداء قد تحملتم العناء والجهد وضحيتم بالكثير من أجل تكريس الأهداف التي خرج من أجلها الحسين (علیه السلام) وعبر عنها بقوله: (وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد (صلی الله علیه و آله) ولأسير بسيرة جدي وأبي صلوات الله عليهما ولآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) فاثبتوا على ما أنتم عليه والتي تتجسد في النقاط أعلاه ولا تتوانوا في طلبها حتى تتحقق، والله معكم ولن يتِرَكم أعمالكم.
(إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] (محمد:7)
ص: 14
الكاظمي الشريف(1)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله كما يستحقه حمداً كثيراً وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين وسلّم تسليماً..
(اللهم إني أفتتح الثناء بحمدك وأنت مسددٌ للصواب بمنك وأيقنت أنك أرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة وأشد المعاقبين في موضع الكبرياء والعظمة)
أوصيكم عباد الله بتقوى الله فإن فيها السعادة والطمأنينة والأمن والسلام في الدنيا والنجاة والفوز بالدرجات الرفيعة في الآخرة، وقد لخّص بعضهم تعريف التقوى بأن يجدك الله حيث أمرك ويفتقدك حيث نهاك، فكل قول أو فعل أو تصرّف أو فكرة لا بد أن تعرض على القانون الإلهي فإن وافقته أداها ونفذها وإلا نبذها وأعرض عنها، وقد حذّر الله تعالى عباده من نفسه فقال عز من قال [ويحذّركمُ الله نفسَه] وهذه التقوى هي بعض ما يمكن أن يكون شكراً لله تعالى على نعمه فإن شكر النعمة إنما يكون
ص: 15
بتوظيفها في طاعة الله تعالى وعدم استعمالها في معصيته.
لم يكن ما شهده العراق في زيارة الحسين (علیه السلام) بمناسبة ذكرى مرور أربعين يوماً على استشهاده حدثاً عابراً، أو أنه مجرد شعيرة دينية بل إن فيه الكثير مما يستحق الوقوف والتأمل، بل الإكبار والإشادة والتقدير حتى تزداد ثقتنا بأنفسنا في مقابل المحاولات المنظمة لإظهار الشعب وكأنه بعيد عن الحضارة والإنسانية(1)...تمسك الشعب بإسلامه العظيم وبخطّه الأصيل رغم المحاولات الكثيرة التي بذلت لإبعاده عنه أو لتمييع عقيدته وتشويهها في ذهنه، وكانت روح الولاء والتضحية تتدفق في عروقه، فقد بذل المشاركون في هذه الشعائر الكثير من الجهد، وأصابهم الكثير من العناء، حيث سار هذا الكم الهائل مئات الكيلومترات مشياً على الأقدام من دون حمل أي مستلزمات السفر حتى الطعام والشراب، وتركوا أهلهم وديارهم في هذا الظرف العصيب حيث لا دولة ولا نظام، ولا جهاز لحفظ الأمن، ولا كفيل، وأمضوا الليالي والأيام في العراء مواساةً لأهل بيت النبوة الذين فُعل بهم ذلك وتحملوه بكل سرور في سبيل حفظ هذا الدين وكرامة المسلمين، وتجلى هذا الولاء الصادق في البذل والإنفاق الذي قدمه
ص: 16
المؤمنون بكل سخاء ليس فقط في داخل مدينة كربلاء بل على طول كل الطرق المؤدية لها ولم يدعوا هذه الملايين تحتاج إلى شيء.
وعي الشعب لمطالبه وحقوقه، فلم تكن شعارات المشاركين دينية صرفة بل كانت تعبر بصراحة عن تطلعاته وآماله وحقوقه التي يطالب باستردادها، وكانت الشعارات حضارية ومستندة إلى أسس شرعية لا يستطيع أحد إنكارها.
إصراره على الوحدة والألفة والمحبة ونبذ الخلافات، فقد شاركت في الشعائر مختلف الطوائف من السنة والشيعة ومختلف القوميات من العرب والأكراد والتركمان وغيرهم، وكانت روح المودة والإيثار سائدة في هذا التجمع، وكل واحد يؤثر غيره على نفسه بالخير ويقيه بنفسه من السوء والشر.
حسن الإدارة والتنظيم الرائع والسيطرة الكاملة على الأمن والاستقرار والنظام وتسيير الخدمات، فلم يسجَل أي خلل أمني ولا حتى حادث مروري بسيط وكان الجميع يشعر بالطمأنينة رغم غياب الدولة وسلطة القانون، مما تعجز عنه أكثر الدول تقدماً، فإنها لكي تحافظ على سلامة تجمع أقل منها بكثير وتنظمه تجند الآلاف من الأفراد المزودين بأحدث التقنيات ومع ذلك فقد لا تسيطر على النظام.
ألا يكشف هذا عن قدرة هذا الشعب
ص: 17
نفسياً وعقلياً على إدارة نفسه بنفسه، وأنه بحوزته الشريفة وكوادره المختصة الكفوءة يمتلك من القدرات مايؤهله لأن يقدم النموذج الحضاري الأرقى للبشرية؛ لأن عنده من الوسائل ما لا توجد عند غيره، وفيهقوة العقيدة والإخلاص التي توفر ما لا تستطيع تحقيقه كل الوسائل المادية، وهي قوة إن استفادت منها الحكومات وغرستها في نفوس شعوبها فإنها ستأتي عليها بالمعجزات. والذي حصل في كربلاء من الأمن والاستقرار وحفظ النظام من المعجزات.
كل هذه البركات إنما حصلت بفضل الله تبارك وتعالى ولبركة صاحب المناسبة الإمام الحسين (علیه السلام) سبط رسول الله (صلی الله علیه و آله) الذي هو ليس ملكاً للشيعة فقط، بل يشعر جميع المسلمين بل كل الإنسانية أنه رمزهم وقدوتهم، بما جسد من مبادئ وقيم حيث قام بتلك التضحيات الجسيمة من أجل الأهداف النبيلة التي أعلنها للأمة بوضوح، وهي الإصلاح ونيل الحرية الحقيقية برفض الاستعباد والاستكبار والإذلال ورفض الظلم والعدوان، والاستئثار بثروات الأمة التي يجب أن تصل بعدالة إلى جميع أفرادها والمنع من تبديدها بنزق وجهالة على النزوات والشهوات الحيوانية وحرمان الأمة.
فإحياؤنا لذكرى الحسين (علیه السلام) باستمرار إنما هو تجديد للعهد معه (علیه السلام) ومع حفيده الإمام المهدي الموعود عجل الله تعالی فرجه الشریفعلى مواصلة المسير على هذا النهج والتضحية من أجله الذي هو نهج كل التواقين للحرية والسلام
ص: 18
والمحبة والبناء، فبوركت جهودكم وأسأل الله تعالى أن يعوضكم بأحسن العطاء ويتم نعمته عليكم ويحقق آمالكم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إنَّا أعْطَينَاكَ الكَوثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتَرُ. صدق الله العلي العظيم.
ص: 19
الحمد لله بجميع محامده كلها على جميع نعمه كلها التي ابتدأنا بها من غير استحقاق منا والصلاة والسلام على أمين الله على وحيه وعزائم أمره الخاتم لما سبق والفاتح لما استُقبِل والمهيمن على ذلك كله ورحمة الله وبركاته.
والصلاة والسلام على أئمة المسلمين والهداة الميامين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسن المجتبى والحسين الشهيد وزين العابدين علي بن الحسين والباقر محمد بن علي والصادق جعفر بن محمد والكاظم موسى بن جعفر والرضا علي بن موسى والجواد محمد بن علي والهادي علي بن محمد والعسكري الحسن بن علي والحجة المهدي بن الحسن قادتي وسادتي بهم أتولى ومن أعدائهم أتبرأ.
رغم أن الحوزة العلمية كيان عريق مضى على تشكيله أكثر من ألف عام، إلا أنه لم يحظ بالتركيز الإعلامي وتسليط الأضواء كالذي نعيشه هذه الأيام، ولعل وراء ذلك أكثر من سبب:
الأول: الالتفاف الجماهيري الواسع والولاء المطلق الذي أبداه الشعب للحوزة العلمية وتعبيره المستمر وبالفعاليات المختلفة عن اعترافه بالحوزة على أنها قيادته والممثل الشرعي له.
الثاني: المقدرة الجيدة للحوزة في إدارة أمور البلد وملء الفراغ
ص: 20
الذي حصل بغياب الدولة وكان ما حصل في زيارة الأربعين خير شاهد على ذلك رغم أن هذه التجربة جديدة عليها ولم تمارسها من قبل.
هذان الأمران وربما غيرهما دفع المراقبين والمهتمين بالساحة العراقية إلى إحاطة الحوزة العلمية بعناية خاصة ودراسة معمقة، ومن هنا تولدت على الحوزة مسؤوليتان:
الأولى: تعريف نفسها للآخرين وإبداء ما تطلبه من أهداف ورؤى.
والثانية: السعي الحثيث لتحقيق مطالب الشعب الذي أدى ما عليه تجاهها وبقي ما عليها تجاهه.
فالحوزة العلمية بشكلها المعروف اليوم يعود تأسيسها إلى أكثر من ألف ومائتي عام حين بدأ الإمام الصادق (علیه السلام) بتأسيس المدارس الدينية وحلقات الدرس في عدة علوم ونشر الفقهاء في البلاد المختلفة وأرجعَ الناس إليهم بعد أن وضع لهم الأسس والقواعد والأصول وأذن لهم في التفريع عنها، لذانسب المذهب إليه رغم أنه (علیه السلام) واحد من اثني عشر إماماً أرسوا دعائم المذهب وتجذر خلال القرون بجهود العلماء وتضحياتهم قدس الله أرواحهم.
ويقف على قمة الهرم الحوزوي المراجع العظام أيدهم الله تعالى الذين يجب توفر عدة صفات فيهم (أهمها) النزاهة والموضوعية ونكران الذات وضبط شهوات النفس والالتزام الكامل فكراً وسلوكاً بالشريعة المقدسة وهو ما نسميه بالعدالة. و(ثانيها) الاجتهاد وهي مرتبة علمية عالية تتحقق بفضل الله تعالى للعالم بعد جهد جهيد حيث تكون له القدرة على فهم واستخراج الحكم الشرعي من مصادره الأصيلة أعني القرآن الكريم
ص: 21
والسنة الشريفة. وهي عملية معقدة ولذا لا يجوز لأحد أن يعبر عن آراء الشريعة وينسبها إليها إلا إذا كانت له القابلية على هذا العمل المضني. و(ثالثها) دقة النظر والإحاطة بالواقع الذي يعيشه ويساعده في ذلك مستشارون مؤتمنون.
وللحوزة العلمية عدة وظائف تُستفاد بالاستقراء من الأعمال التي أداها الأئمة المعصومون (علیهم السلام) في حياة الأمة منها:
تربية الناس وتكميل نفوسهم وهدايتهم وإصلاحهم وتقريبهم من طاعة الله تبارك وتعالى وتجنيبهم معصيته.
تبليغ الأحكام وتعليم الناس مسائل الفقه في جميع شؤون حياتهم من عبادات ومعاملات.
حماية كيان الأمة من الاضمحلال ومواجهة التحديات المختلفة التي تهدد هذا الكيان.
مساعدة الأمة على إيصال الحقوق إلى أهلها وتوفير العدالة والأمن والاستقرار والسلام لأبناء المجتمع ورفع الظلم والحيف عنها.
من هنا نعلم أن شعبية الحوزة وجماهيريتها لم تأت من فراغ أو بعملية خداع للناس من خلال التظاهر بلباس القداسة، وإنما هي ناشئة من الخدمات العظيمة التي تؤديها للأمة والخصال الحميدة التي تتصف بها، كما أن تنوع الأعمال لها هي من صميم مسؤولياتها تجاه الله أولاً وتجاه
ص: 22
الأمة ثانياً ولا جديد فيها إلا الشكل وآلية العمل أما الهدف فهو واحد.
والآن وقد منح الشعب تأييده للحوزة أصبح لزاماً عليها أن تعبر عن مطالبه بوضوح، وبصفتي أحد مجتهدي(1)
الحوزة العلمية في النجف الأشرف أستطيع أن أنقل رؤى الشريعة المقدسة (من وجهة نظري طبعاً) فأقول:- إن المطلوب في الحاكم أن يكون مسلماً عادلاً ولا يهم بعد ذلك أن يكون حوزوياًأو غيره، بمعنى أنه يحفظ لجميع الناس حقوقهم بكل إنصاف وعدالة من غير استبداد ولا استئثار ولا حرمان ولا ظلم ولا تبديد للطاقات في تصرفات غير عقلائية كما قال الإمام الرضا (علیه السلام) للمأمون العباسي (إنما يحتاج الناس من الأمراء عدلهم) وأن لا يتخذ قراراً مخالفاً للشريعة المقدسة وأن يستشير في آرائه.
وفي ضوء هذا الكلام المتقدم نطالب بالإسراع(2) بتشكيل حكومة مؤقتة تتصف بأنها وطنية حرة ذات أرادة مستقلة تنبثق بكل ديمقراطية عن مؤتمر يجمع كل القوى الفاعلة في الساحة العراقية التي تمثل الشعب بجميع تياراته وطوائفه وأعراقه، إذ لا يمكن بقاء هذا البلد على هذه الحالة من الفراغ السياسي، وسيمثل الحوزة العلمية في هذا المؤتمر وفد يضم عدداً
ص: 23
من الأكاديميين والمتخصصين في السياسة والإدارة حيث يتدارسون(1) الآن وضع برنامج عمل كامل، وهذا لا يتقاطع مع جهود الفصائل الأخرى العاملة بإخلاص، فإني أنظر إلى الجميع على أنهم روافد تصب في نهر واحد يجلب الخير والسلام والأمن لهذا المجتمع المظلوم.
وتكون من أولويات هذه الحكومة:
إعمار البلد وإعادة الحياة الطبيعية إليه وتوفير الأمن والاستقرار.
وضع الدستور المستند إلى عناصر كل كيان اجتماعي (الحرية، العدالة، الاستقرار، التآلف، حقوق الإنسان) وان تتكفل إحدى مواده بتشكيل لجنة فقهية تضم علماء السنة والشيعة لمراقبة الدستور والمنع من حصول أي مخالفة للشريعة.
الدعوة إلى انتخابات حرة نزيهة لاختيار الحكومة والبرلمان.
أرجو إعلان تأييدكم لهذه المطالب بالصلاة على محمد وآل محمد.وأدعو جميع الإخوة الذين يمنحون صوتهم إلى الحوزة العلمية أن يشاركوا بمسيرات كبيرة تنطلق من ساحة المسرح الوطني إلى فندق فلسطين ميريديان يوم الاثنين المقبل في الساعة التاسعة صباحاً ليظهروا
ص: 24
تأييدهم(1).
هذه هي الحوزة وهذه هي مطالبها التي لا يستطيع أحد الاعتراض عليها، فهي تريد نشر العدالة والمحبة والسلام والخير في جميع الأرض وترفض العنف والإرهاب والعدوان والظلم وتعمل على إزالته، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات وارحم شهداءنا خصوصاً الشهيدين الصدرين وجميع شهداء الإسلام.
بسم الله الرحمن الرحيم. إذا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتحُ، وَرَأيتَ النَاسَ يَدخُلُونَ في دِينِ اللهِ أفوَاجاً، فَسَبِّحْ بِحَمدِ رَبِّكَ وَاستَغفِرهُ إنَّهُ كَانَ تَوَّاباً. صدق الله العلي العظيم.
ص: 25
حوار عن الخطاب السياسي العراقي الشيعي(1)بسم الله الرحمن الرحيم
س1: هل تعتبرون أن الخطاب السياسي الشيعي ناضجٌ في هذه المرحلة أم لا؟ وعلى من تقع مسؤولية هذا الخطاب.. على الحوزة العلمية أم على الأحزاب الإسلامية؟
بسمه تعالى: إن الخطاب السياسي يعني الأطروحة والرؤية وبرنامج العمل الذي يقدمه أي حزب أو تنظيم لتحقيق الأهداف التي يعمل من أجل تحقيقها والخطاب السياسي الشيعي فيه مطالب عامة يشترك فيها مع جميع الطوائف والتيارات الممثلة للشعب، وأخرى خاصة بالطائفة نفسها لما فيها من خصوصيات في هذا البلد كوجود المرجعية الدينية والعتبات المقدسة والحوزة العلمية الشريفة والمظلومية وغمط الحقوق التي تعرضت لها خلال العقود السابقة.
والخطاب السياسي الشيعي لا بد أن يشمل جميع هذه المحاور وتتحمل الحوزة العلمية والأحزاب السياسية مسؤولية كلا الخطابين، وسوف أؤجل الحديث عن الخطاب الثاني الخاص أما الخطاب الأول العام فيمكن للحوزة أن تشارك فيه من خلال عدة خطوات:_
1_ وضع الأهداف العامة التي يجب السعي لتحقيقها.
2_ الانفتاح على الأحزاب والتشكيلات السياسية الإسلامية الموجودة
ص: 26
في الساحة والاطلاع على برامج عملها لمعرفة مدى وعيها لهذه الأهداف وقدرتها على تحقيقها ونظافة آليات عملها ونزاهة وإخلاص القائمين عليها وتقييم دورها.
3_ دعوة المؤمنين المخلصين لتشكيل النقابات والاتحادات والجمعيات المتخصصة وغيرها لاستقطاب وتجميع الطاقات الكفوءة والنزيهة وحثها على العمل السياسي والإشراف على برامج عملها وأطروحتها والحفاظ على جاهزيتها لممارسة دورها في إدارة البلد.
4_ دعم وإسناد الأحزاب والتشكيلات المؤهلة لتحقيق الأهداف المطلوبة وتوجيه الجماهير نحوها بالآليات المتعددة كإخراج المسيرات وعقد التجمعات.
ونستطيع أن نضع جملة من الخطوط العريضة لمطالب الأمة التي يراد تحقيقها وعلى الأحزاب بلورة وصياغة هذه الأفكار في خطاب سياسي وآليات عمل تفصيلية كأي اختصاصي في مجال معينوتتفاوت الخطابات والأطروحات السياسية في النضج تبعاً لكفاءة وخبرة القائمين عليها ووعيهم وإخلاصهم لقضيتهم والمهم هي الجدية في الانجاز ومنها:_
1_ نشر الفضيلة في المجتمع ومنع الفساد والانحراف والمحافظة على هويتنا الإسلامية الأصيلة.
2_ وصول العناصر الكفوءة والنزيهة إلى مواقع المسؤولية والإدارة.
3_ الارتقاء بمستوى العلم والمعرفة والوعي لدى أبناء الأمة لتكون بالمستوى الحضاري المعاصر.
4_ تحقيق العدالة في الأمة واستقرار الأمن وإنعاش الوضع الاقتصادي
ص: 27
للبلد.
5_ الحفاظ على وحدة البلد وتركيبته الاجتماعية واستقلاله.
6_ توفير الحقوق والحريات لجميع فئات الشعب وطوائفه وأعراقه بما لا ينافي الفقرات أعلاه.
7_ وضع دستور للبلد يضمن النقاط أعلاه ووسائل تفعيلها ولا يتقاطع مع الشريعة.
8_ ضمان انتخابات حرة نزيهة لاختيار برلمان وحكومة تمثل بصدق تركيبة المجتمع العراقي وتحترم أرادته بحسب التوزيع السكاني.
ولكي يتحقق ذلك لا بد من الحوار بين جميع التيارات الممثلة للشعب وانفتاح بعضها على بعض خصوصاً الإسلامية منها لتنسيق المواقف اتجاه القضايا العامة. فمسؤولية وضع الخطاب السياسي والعمل على انجازه على أرض الواقع تقع على الحوزة الشريفة والتشكيلات السياسية وعموم المؤمنين كلٌ بحسبه ولكل فرد في الأمة تأثير في مستقبلها السياسي كالمشاركة في التصويت على الدستور بعد فهمه واستيعابه أو لانتخاب ممثليه في البرلمان والحكومة.
س2: هل كانت الحوزة العلمية في النجف الأشرف على مستوى الحدث مما حصل مؤخرا في العراق؟. وهل لبت أو ستلبي طموحات الشارع المسلم الشيعي؟
بسمه تعالى: تواجه الحوزة العلمية مسؤوليتين مرتبطتين بالأحداث الراهنة، (الأولى) آنية مرحلية تتضمن ملء الفراغ السياسي الذي حصل في
ص: 28
البلد بعد غياب السلطة وعدم وجود ما يعوّض عنها، و(الثانية) مستقبلية وهي المشاركة في الحياة السياسية للبلد وتشكيل الحكومة ووضع الدستور ونحوها.
وعلى صعيد المسؤولية الأولى فقد بذلت الحوزة جهداً كبيراً وأدّت خدمات جليلة من حيث حفظ الأمن والاستقرار وحماية الممتلكات العامة واستعادة الأموال المسروقة وإعادة تشغيل المرافق الحيوية وهذه الأعمال وإن لم تألفها الحوزة من قبل ولم تخض مثل هذه التجربة إلا أنها أثبتت نجاحاً يُسجّل بإكبار وعملوا بشكل دؤوب وجنّدوا أنفسهم ليل نهار لهذه الخدمات مما دفع الجماهير أن تعلن بصراحة وبقوة أن الحوزة ممثلها الحقيقي ولا يجوز تجاوزه.وأما على صعيد الثانية فإن الحوزة تعمل وفق الآليات التي تناسبها وتستطيعها والتي مرّ إيضاحها في جواب السؤال الأول والنتائج على الله تبارك وتعالى فإنه مسبّب الأسباب.
س3: أسس سماحتكم مؤخراً جماعة الفضلاء، فهل تُعنى هذه الجماعة بالسياسة وهل في النية أن تشارك جماعة الفضلاء في صنع القرار السياسي العراقي في المستقبل؟
بسمه تعالى: (جماعة الفضلاء) جزء من الحوزة فيقع عليها من المسؤوليات ما يقع على الحوزة، وقد قلت عند عرض فكرة التأسيس أن الجماعة ليست بديلاً عن المرجعية وإنما هي أداة بيدها تؤدي عنها وظائفها، ولما كان المفروض انضمام الفضلاء والأساتذة من جميع جهات المرجعية
ص: 29
إلى الجماعة وإمضاء المراجع لها فإنها ستكون حينئذ ممثلة حقيقية للحوزة وناطقة باسمها ومعبرة عن آرائها ومواقفها تجاه مختلف القضايا.
وعلى أي حال فإن الدور الذي يمكن أن تؤديه جماعة الفضلاء هو نفس الدور الذي ذكرناه للحوزة وتكتسب قوة فاعليتها من تفهم المرجعيات للغرض من إنشائها ولمبررات وجودها ودعمهم لها.
ص: 30
بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة الحجة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
نحن لفيف من طلبة الكلية التقنية والمعهد التقني في النجف الأشرف، نرجو من سماحتكم التفضل علينا والنظر في قضايانا ومسائل الابتلاء التي نعيشها لحظة بلحظة في مجتمعنا الدراسي لاسيما، وأن مجمعنا أصبح ثكنة عسكرية للقوات الأمريكية المحتلة، وأننا نتعرض إلى حرب ثقافية وفكرية وعقائدية من قبل المحتلين، مما يستدعي منا حالة طوارئ فكرية وثقافية بين شبابنا وفتياتنا لأننا نواجه صراع الإرادات كأقوى ما يكون عليه الصراع، وعلينا أن نركز وجودنا وخطنا الإسلامي الأصيل في قبال خطوط الكفر والإلحاد الأخرى… هذا ولكم منا وافر الامتنان وأدامكم الله للأمة الإسلامية بركة وعطاءً وجهاداً والله من وراء القصد.
س1:
نرى البعض منهم قد أقام علاقات ودية وحميمة مع جند الاحتلال تصل إلى حد تبادل الأطعمة والأشربة فيما بينهم والبعض يقوم بتدريسهم اللغة العربية لقاء أجر معين، فماذا ترون؟
س2: تقوم بعض النساء بالتجوال عصراً مع أطفالهم في شوارع الحي السكني وعلى مرأى من جند الاحتلال وبصورة غير لائقة، فماذا ترون؟
ص: 31
س3: البعض منهم يمارس لعبة كرة القدم في القاعة الرياضية داخل المجمع السكني مع قوات الاحتلال والتقاط الصور الشخصية معهم، وقد وصلت الحد في شباب الحي إلى أن يقوم بعضهم بمعانقة الجندي الأمريكي المحتل وتقبيله في بعض الأحيان، بماذا تصرحون؟
س4: يدعى البعض أن واجبنا تجاه القوات المحتلة هو في إظهار الصورة الحسنة لنا والأخلاق الفاضلة والتعاون معهم على أنهم قوات محررة وليست محتلة تتواجد لحمايتنا ومساعدتنا في إعمار المجتمعالدراسي وأن أي عمل خلاف ذلك يؤدي إلى ضررنا وإخلال الأمن والأمان داخل المجتمع، فما رأيكم؟
س5: إن وجود القوات المحتلة بين الدور السكنية أمر يؤدي إلى فقدان الحشمة والعفة بين الأهالي وإن موقعهم يهيئ لهم للإطلالة على ما في الحي السكني ككل من خلال ما يمتلكون من مراصد ونواظر، علما أن هنالك مشروع تعيين بعض هذه الدور السكنية لأخواتنا الطالبات كقسم داخلي، فما رأيكم في ذلك؟
س6: يقوم جند الاحتلال بترويج بعض المجلات والأقراص الليزرية الماجنة بين بعض طلبتنا من ذوي النفوس الضعيفة، فما تعليقكم؟
س7: نظراً للتواجد المستمر لقوات الاحتلال في داخل الحرم الجامعي، فما توجيهكم لأخواتنا الطالبات والموظفات لمراعاة الحشمة والعفة في زيهن وأسلوب تجمعهن وحركتهن في داخل الحرم؟
س8: أخيراً نرجو من سماحتكم أن توضحوا للإخوة والأخوات بعض واجباتهم وتكاليفهم الشرعية في هذه المرحلة تجاه كل القضايا التي
ص: 32
تمس عقيدتنا ووجودنا الإسلامي؟
بسمه تعالى
قال تعالى: [لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ] (الممتحنة:8) وقال تعالى: [لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أو أبناءهُمْ أو إِخْوَانَهُمْ أو عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ] (المجادلة:22).
فهناك شكلان للتعامل مع غير المسلمين، فإن هم احترموا تعاليم الإسلام وحافظوا على كيان المجتمع المسلم، ولم يعتدوا عليهم، فيأمر الله تعالى المسلمين أن يتعاملوا معهم بالقسط والعدل والبر كعلاقتنا مع الإخوة المسيحيين الذين جاورونا في هذا البلد.
وإن هم انتهكوا حرمة الإسلام، فتجب مقاطعهتم وإظهار الامتعاض منهم، والرفض لوجودهم، وإشعارهم بأنهم حالة غير طبيعية وليس لهم موقع بيننا فالحكم متوقف على شكل تصرفهم إزاء كيان الأمة الإسلامية.
وبحسب المنقول عن الثقات فإن القوات الأمريكية المتواجدة في هذا البلد صدرت منها تصرفات توحي بأنها اختارت الشكل الثاني من التعامل.ويمكن أن يكون انتهاكهم هذا بعدة أشكال:
ص: 33
1- إهانة المسلمين وإذلالهم والإساءة إليهم ومن أوضح مصاديقه اعتقالهم بغير حق.
2- الاعتداء على بيوتهم وأموالهم أو على عرضهم وشرفهم، ومن أشكاله مداهمة البيوت واقتحامها بغير استئذان وتفتيش النساء من قبل الرجال، ومصادرة الممتلكات، والتطلع إلى نساء المسلمين وحريم بيوتهم.
3- المخالفة العلنية للقيم والمبادئ التي يؤمن بها الشعب ويقدسها لأنها مستمدة من شريعة الله تبارك وتعالى وفي ذلك اعتداء على أخلاق الأمة وعقيدتها.
4- نشر الفساد والرذيلة والانحلال الخلقي كترويج الصور الخلاعية والخمور أو ممارسة الأفعال الجنسية اللامشروعة علناً، أو الظهور بهيئة مخدشة للحياء والعفة.
5- منع الناس من حقوقهم المشروعة إسلامياً وإنسانياً، وتعويق أي محاولة لتحصيلها، وفرض أمور على غير أرادتهم، كعرقلة تشكيل حكومة وطنية حرة من أشخاص اختارهم الشعب لبعض المواقع كالمحافظ(1).
هذه بعض أشكال المحادّة مع الله ورسوله التي رتبَّ عليها حكماً وهو إظهار الامتعاض وعدم المودة والمقاطعة والرفض لهم، وجعل كل ذلك علامة لإيمان المسلم وإخلاصه له تبارك وتعالى، أياً كان الذين يقومون بهذه الأفعال حتى لو كانوا اقرب الناس إليهم كالأب والابن والأخ
ص: 34
والعشيرة، وقد جعل جزاءً عظيماً لمن يمتثل هذا الحكم وهو تثبيت الإيمان في القلب والتأييد بروح القدس وجنات النعيم والخلود، وهذه منازل عظيمة لا تنال إلا بالهمّة العالية والإخلاص.
وعلى ما قيل من أن الأمور تعرف بأضدادها فنستطيع أن نعرف من مقابلة هذه المراتب العظيمة بأضدادها استحقاق من لم يلتزم بهذا الحكم الشرعي فإنه سيصاب بسلب الإيمان من قلبه، والتوفيق من عمله، والخزي في الدنيا والذل والهوان في الآخرة والحرمان من جنان الله تبارك وتعالى ورضوانه وهو الخسران العظيم.
فلا يخدعنّ أحد نفسه بأنه ينبغي أن نفعل كذا لأجل إظهار الصورة الحسنة لنا، فليلتفت إلى هذه العواقب الوخيمة هؤلاء الذين يقيمون العلاقات الودية معهم بكل أشكالها، وعليهم أن يعلموا أن منأعظم المحرمات في الشريعة هو الدخول في ولاية الكافرين، والرضا بتسلطهم رغم محاددتهم لله ولرسوله، وقد أكدَّ القرآن الكريم عليها كثيراً وجعلها علامة بارزة لتمييز المؤمنين عن المنافقين ومن الأخلاق الفاضلة، فإن الله تبارك وتعالى كما أنه (غفور رحيم) كذلك هو (شديد العقاب) وكما أنه أرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة كذلك هو أشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة، وقد أمر الله تعالى عباده أن يتخلقوا بأخلاقه ووصف أصحاب نبيه (صلی الله علیه و آله) بأنهم [أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ] (الفتح:29)، فلسنا نحن نحدّد الأخلاق الفاضلة والصورة الحسنة وفق ما تشتهيه أهواؤنا وتقتضيه مصالحنا، بل وفق ما تأمر به الشريعة.
وعلى أي حال فإن تصرف الإخوة المؤمنين متوقف على سلوك
ص: 35
الطرف الآخر فإن احترم قوانين الإسلام وحافظ على مقدساته ولم ينتهكها فلا مانع من التعامل معه في ما فيه مصلحة البلاد والعباد، وإلا فالشكل الآخر وعليهم أن يثبتوا صدقهم في ما يقولون وما يعلنون من أغراض وجودهم كحفظ الأمن ومساعدة الناس على تحصيل حقوقهم، وعلى المسلمين أن يكونوا حريصين على هويتهم الإسلامية بكل ما تتضمنه من عناصر العقيدة والأخلاق والتصرف النظيف، ولا يفّرطوا في شيء من ذلك تحت ضغط أهواء النفس أو الحاجة الاقتصادية أو الانبهار بالحضارة الزائفة التي تستبطن عوامل الانهيار والفناء وإن بدا وجهها براقاً.
وأشدّد في وصيتي على الشباب والنساء فإنهم الأكثر تعرضاً للانزلاق وان استهدافهم أكثر من غيرهم فالمسؤولية عليهم مضاعفة لكن عطاءهم الإلهي أعظم ويؤتيهم الله كفلين من رحمته إن هم تمسّكوا بدينهم وبقرآنهم العظيم وسيرة النبي (صلی الله علیه و آله) وآله الطاهرين.
وقد كتبت عدة محاضرات طُبعت بكتاب عنوانه (نحن والغرب) استعداداً لهذه المرحلة وما تتضمنه من تحديات وما تقتضيه من تكاليف، فيجب الاستفادة منه وقراءته بإمعان وتطبيق ما فيه لنجتاز هذا الامتحان بنجاح ونتأهل لنصرة الأمام المهدي المنتظر عجل الله تعالی فرجه الشریففي دولته المباركة التي سيقيمها على هذه الأرض الطيبة فلا تحرموا أنفسكم من هذه الفرصة الثمينة.
وإني أكبر في هؤلاء الإخوة السائلين وعيهم وإخلاصهم وغيرتهم وأسأل الله تعالى أن يؤجرهم على ذلك ويثبت قلوبهم في هذا الامتحان الصعب وأن يجعلهم قدوة لغيرهم ويكثر من أمثالهم في صفوف الأمة
ص: 36
ويشملهم بألطاف صاحب العصر عجل الله تعالی فرجه الشریفإنه نعم المولى ونعم النصير.
محمد اليعقوبي
مايس / آيار 2003
ص: 37
تنظيم تظاهرات ضد قرار سلطة الاحتلال بنصب حاكم أجنبي(1)
سماحة الحجة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (أدام الله ظله)
بسبب ما هو حادث من سيطرة وتسلط قوات الاحتلال على بلدنا العزيز عموماً والقوات البريطانية على محافظة البصرة خصوصاً وممارسة تنصيب حاكم عسكري بريطاني لإدارة محافظة البصرة وتسويف قضية الجماهير المطالبة بترشيح محافظ عراقي مخلص قامت الجماهير المؤمنة الغيورة على دينها ووطنها بمظاهرة سلمية قُدّر عدد المتظاهرين فيها بمائة ألف متظاهر أو يزيدون ولمسافة طويلة وفي حرّشديد حتى قيل إن درجة الحرارة فاقت الخمسين مئوية من أجل تحقيق مطالبها برفض الحاكم البريطاني وترشيح مجلس إداري يمثل الجماهير، شيخنا المفدى هناك عدة أسئلة:
ص: 38
1- بما أن منبر الجماهير هو المظاهرات السلمية فهل تؤيدون هكذا مظاهرات للضغط على قوات الاحتلال؟
2- لوحظ مشاركة فاعلة ومؤثرة للعشائر فما هو توجيهكم لشيوخ
ص: 39
العشائر وأبنائها؟
لوحظ أن قوات الاحتلال أعادت النظر في خططها عند قيام هكذا مظاهرات، فهل توجهون نحو أقامتها في بقية المناطق عند قيام قوات الاحتلال بمثل هذا الأمر؟
لفيف من جماهير محافظة البصرة
18 ربيع الثاني 1424
ص: 40
بسمه تعالى
1- قال تعالى: [وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً] (النساء:141)، فلا يجوز تسلّط غير المسلم على المسلم فمن حق المؤمنين الملتزمين أن يطالبوا بأن يدير شؤونهم مسلم ملتزم نظيف كفوء لم يتورط بظلم الناس، وهذا مطلب تقرّه الإنسانية كلها بأن لا يفرض على الناس شخص من غير إرادتها فلماذا المماطلة والرفض؟ وحينئذٍ فيجب على المؤمنين المطالبة بحقوقهم المشروعة بالوسائل السلمية كالحوار والتفاوض فإن لم يفلح فالمظاهرات السلمية التي ترفع شعارات واضحة وواعية تعبر عن إرادتها وما دام تحصيل الحق ممكناً بالمرتبة الأدنى فلا ينتقل الأسلوب إلى المرتبة الأعلى، وقد تابعتُ من خلال القرص الليزري التظاهرات المباركة التي جرت في مدينة البصرة الحبيبة والقريبة إلى كل المؤمنين الأغيار الموالين لأهل بيت العصمة (علیهم السلام) لما تتميز به من وعي وإيمان وحماس وغيرة على الدين والأمة فوجدتها نظيفة وصادقة ولا تطلب أزيد من حقها فعلى الطرف الآخر الاستجابة للحق وعدم المماطلة والتسويف ولا يقف حجر عثرة في طريق تحصيله فإن هذه الجموع لا ترضى بغير تحقيق ما خرجت من أجله وإنّ فِعل المرجفين والمخذلين والمشككين محرم وفيه إضعاف لعزيمة الأمة وخلخلة لصفوفها وهي جريمة كبيرة وإذا كان في هذا الطريق أذى وألم ومعاناة فما أحلاه في سبيل الله تعالى إذا كان جزاؤه رضاه تبارك وتعالى ومرافقة أوليائه.
2- سررتُ بهذه المشاركة لما شاهدت الأمة بجميع فئاتها تقف صفّاً واحداً لانتزاع الحق، وسرّني أكثر وجود شيوخ العشائر وأبنائها برغم
ص: 41
الحر الشديد وطول المسافة والظروف العصيبة التي تحيط بالأمة وبرغم المحاولات الكثيرة للالتفاف عليهم وفصلهم عن مرجعيتهم الدينية الشريفة بوسائل المكر والخداع والإغراء إلا أنهم كانوا كما أرادهم الله ورسوله وأمير المؤمنين [وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً] (النساء: 27)، وذكّرونا بأولئك الأجداد الأماثل الذين كانوا اليد الضاربة للمرجعية الشريفة، وكم أودُّ أن أكون بينهم لأعيش تلك المشاعر النبيلة، فاثبتُوا على دينكم والتزموا حوزتكم الشريفة ولا تتركوا بينكم ثغرة ينفذ منها من لا دين له.
3- لا بد لهم أن يحترموا إرادة الجماهير وقد بيّنا في جواب السؤال الأول أن هذا الوجوب ليس مختصاً بأهل البصرة الشرفاء فقط، وإنما هو حكم شرعي يتنجّز كلما تحقق موضوعه.
أدعو الله تبارك وتعالى أن تنالوا حقوقكم وأن يثبتكم على الصراط المستقيم ويجعل عواقب أموركم إلى خير ويختم لكم بالحسنى إنه نعم المولى ونعم النصير.
محمد اليعقوبي
19 ربيع الثاني 2003/6/142419
ص: 42
تكليفنا في هذه المرحلة(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما يستحقه حمداً كثيراً وصلى الله على نبيه وآله وسلم تسليماً.
الصراع بين الخير والشر قديم بدأ مع خلق آدم (علیه السلام)، ثم تجلى في صراع ابنيه، و هو نابع من الصراع الأكبر في داخل الإنسان بين جنود الرحمن التي تأتمر بالعقل، وجنود الشيطان التي تأتمر بأهواء النفس الأمارة بالسوء.
ويشهد بلدنا الحبيب اليوم حلقة جديدة من سلسلة هذا الصراع الطويل فهاهي أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني جاءوا لينتزعوا منكم هذه الجوهرة الثمينة وهو الإسلام وولاية أهل البيت (علیهم السلام) التي لا يعدلها شيء، يأتي شخص إلى الإمام (علیه السلام) يشكوا له ضعف حاله وأنه ليس عنده شيء فقال (علیه السلام): بل إن عندك أكثر من الدنيا وما فيها، فتعجب وقال: كيف يا ابن رسول الله؟ قال (علیه السلام): إن عندك ولايتنا أهل البيت فهل تتخلى عنها مقابل الدنيا كلها، قال لا، قال إذن عندك ما هو أثمن من الدنيا وما فيها في الوجود.
حتى الحياة التي هي أثمن شيء عند الإنسان لا قيمة لها بدون الصلة بالله تعالى وولاية أهل البيت (علیهم السلام) قال تعالى (والفتنة اشد من القتل)؛ لأن
ص: 43
الفتنة عن الدين قتل للروح وتخريب للحياة الأبدية الخالدة، فهي أخطر من قتل هذا الجسد المادي وإنهاء هذه الحياة القصيرة وهم جاءوا ليفتنوكم عن دينكم وليقتلوكم معنوياً، وإن وعدوا بالرخاء المادي، لكن ما قيمته مهما عظم إذا كان ديننا في خطر وولاية أهل البيت (علیهم السلام) في خطر، فكونوا يقظين وحذرين ومتأهبين وواعين فإن الدين أمانة في أعناقنا جميعاً فأدّوا الأمانة إلى أهلها كما أداها السلف الصالح وأوصلوها إلينا ناصعة نظيفة رغم مرور 1400 عام.
إن أمريكا وإن حاولت الإيحاء بأنها صاحبة فضل علينا حين قضت على النظام البائد تريد في ذلك أن تخدعنا بأنها جاءت لتحررنا من الظلم والبطش، وأجيبهم بمثال بسيط لو أن أحداً جاء بكلب مسعور ودربّه على أذى الجيران وسهّل له ذلك ومكّنه حتى قتل وجرح وأتلف، والناس تستغيث وتطالب صاحبه بالتخلص منه وهو لا يسمع، حتى استفحل أمر الكلب فصار يؤذي صاحبه فرأى هذا أن من المصلحة القضاء عليه فتخلص منه، لكن هل يكون صاحب هذا الكلب متفضلاً على الجيران؟ على العكس بل عليه أن يدفع كل الخسائر والأضرار التي حصلت بسببه.هذا هو حالنا فإن أمريكا هي التي جاءت بعميلها ودربته ومكنته وسكتت عن جرائمه ودافعت عنه، ولكنه لما فشل في القضاء على الإسلام بالوسائل الوحشية وامتدت حركة الإسلام والعودة إلى الله تبارك وتعالى لتشمل أغلب هذه الأمة الكريمة، رأت أمريكا أن تتدخل بنفسها وبأساليب اشد مكراً وخبثاً، فإن ظاهرها الحرية والديمقراطية والتحضر ونحوها من العناوين البراقة، لكنها تستبطن السم الزعاف.
ص: 44
فها هم شبابنا يعتقلون وفيهم عدد من فضلاء الحوزة العلمية، وديار أهلنا تقتحم ووسائل الفساد والانحراف تنتشر في كل مكان، وها هم يعرقلون ويعطلون كل خطوة لإعادة البلد إلى إدارة أهله سواء على مستوى المحافظ أو المجلس البلدي أو على مستوى تشكيل الحكومة المؤقتة.
أيها الأحبة: إنكم بالتزامكم بدينكم والمواظبة على شعائركم والتفافكم حول علمائكم تحبطون خططهم وتصيبونهم بالإرباك، وتشعرونهم باليأس من أن ينالوا من إيمانكم وشرفكم وكرامتكم، فإنه كما قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): (إن إيمان المؤمن أقوى من الجبل لأن الجبل يُستقل منه بالمعاول ولا يستقل من إيمان المؤمن شيء).
وقد أفشلتم كل ما قرروه قبل الحرب وظنوا أن الشعب سيستقبلهم بالزهور، ويرضى بتنفيذ كل ما رسموه لكنهم فوجئوا بوعيكم وإيمانكم وتفانيكم من أجل الله، وأنكم لا ترضون بأي شيء مهما كان في الحسابات المادية مهماً إذا كان ثمنه الابتعاد عن الدين، وأثبتّم لهم أننا بخير ما دام ديننا بخير وليست بطوننا بخير، وأننا بشر والعياذ بالله إذا أصيب ديننا بمكروه، ولا يمكن أن نقبل بأي بديل عن الله ورسوله وأمير المؤمنين كما قال الحديث الشريف (ما خير بخير بعده النار وما شر بشر بعده الجنة).
وأنقل لكم أحد الشواهد على ذلك فقبل أيام جاءت مجموعة من الأمريكان ومترجم معهم إلى إحدى مدارس الطالبات للنظر في احتياجات المدرسة وسألوهن عن مطالبهن، فقالت إحداهن نريد تعلية الجدار الخارجي لحماية الطالبات من نظر الأجانب، فقال المترجم: لا نستطيع ذلك لأنهم يريدون منكن خلع الحجاب وأنت تريدين تعلية الجدار؟ فقالت هذه
ص: 45
المؤمنة العفيفة المنتمية لمدرسة الزهراء علیها السلام وزينب الكبرى: إذن نرميهم في (الزبالة) -أي سلّة النفايات والمهملات- رغم أنها كانت قبل قليل تشكو للمترجم ضعف حالتها المادية.
إنهم حينما يتحدثون عن أسلحة الدمار الشامل إنما يقصدونكم أنتم جنود الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریفالذين سيفتح بكم الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریفالعالم كله منطلقاً من هذه الأرض الحبيبة المعطاء، وحينما تقول أخبار الظهور أنه في زمانه يكشف الفرات عن كنوز ما هي والله من الذهب والفضة، فالكنوز هم انتم الذين أنجبكم الفرات والعراق كله بدجلة والفرات هو ابن الفرات لأنه الاسم الأوضح في الأذهان يومئذٍ كما نقول الحسنين تغليباً للحسن والشمسين تغليباً للشمس فنقول للعراق الفرات تغليباً له، فإذا أردتم الفوز والفلاحفحافظوا على دينكم واقطعوا أسباب الفساد والانحراف عن أنفسكم أولاً وعن أسركم ثانياً وعن مجتمعكم ثالثاً لتكونوا من تلك الكنوز.
وإن كانت أمريكا صادقة في زعمها فلا تتدخل في شؤوننا، ولا تعرقل مساعينا لانتخاب إدارات كفوءة نزيهة مؤمنة لم تتورط في ظلم هذا الشعب وتشكيل حكومة تدير البلد وتشرف على صياغة دستور عادل للبلد وتتولى أعماره، ولا يحق لأمريكا أن تتولى إبرام عقود الإعمار فتعطي ما تشاء لمن تشاء وتمنع من تشاء.
ص: 46
وقد قرأت الرسالة التي رفعتها الجماهير(1) المؤمنة يوم أمس من مدن الشطرة والغراف والنصر وغيرها، وآلاف التواقيع التي وصلت من مدينة الناصرية الفيحاء والتي تطالبني بإعلان القيادة للأمة في هذه المرحلة، وبحسب ما اعتقد فإن القيادة ليست أمراً يُعلن وإنما هي حالة يفرزها الواقع وتكشف عنه حاجة الأمة إلى القائد وقدرته على أن يكون بمستوى تطلعات الأمة وطموحها والتحديات التي تواجهها كما نقل عن الخليل الفراهيدي عندما سئل عن الدليل على إمامة أمير المؤمنين (علیهم السلام) قال: حاجة الكل إليه وعدم احتياجه إلى الكل.
والآن أطمئنكم وأقول لكم إن مراجعتي مبرئة للذمة إن شاء تعالى فعودوا مرفوعي الرأس، ولا يهمكم نقاش الذين لا يعيشون إلا همومهم الشخصية وأنانياتهم، ولا تتعبوا أنفسكم معهم فإن في ذلك مضيعة للوقت وقسوة للقلب [لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ] (الأنفال:42) [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أنفسكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إذا اهْتَدَيْتُمْ] (المائدة:105)، وإني لا أرضى بأن يكون انتماء الشخص لجهة معينة سبباً لتهجمه على الآخرين فإن اختلاف القناعات لا يمكن أن يكون سبباً لفرقة الأمة وتشتتها.
ولكي لا أطيل عليكم فإني ألخص لكم بنقاط ما يجب علينا من
ص: 47
تكاليف في هذه المرحلة:
1- توثيق الصلة بالله تعالى وتعميقها من خلال التركيز على الطاعات واجتناب المحرمات وتلاوة القرآن والدعاء وذكره تعالى على كل حال بحيث نحاول أن نجعل هدفنا في كل قول أو فعل هو رضاه تبارك وتعالى.2- تجديد البيعة مع الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریفبوضع اليد اليمنى باليسرى، وقد سئلت عن الدليل على ذلك فقلت: إنه فعل قام به الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان صاحب سر رسول الله (صلی الله علیه و آله)
حينما تولى أمير المؤمنين الخلافة، وكان حذيفة في المدائن وهو مريض فخشي أن تدركه الوفاة قبل أن يبايع علياً، فوضع يده اليسرى باليمنى إشعاراً ببيعة أمير المؤمنين، وأمر ولديه بالالتحاق به فتوفي (رضوان الله عليه) ولم يدرك علياً (علیه السلام) والتحق به ولده وشاركوا في معاركه، ونحن نقوم بنفس الفعل مع إمامنا (علیه السلام) الذي هو حاضر بيننا إلا أننا لا نعرفه لقصورنا وتقصيرنا، فالأولى عن الإمام (علیه السلام) والثانية عن المبايع، وأن تكون بيعة صادقة بالتعهد بعمل ما يدخل السرور عليه، وتجنب كل ما يسخطه (علیه السلام) حتى نحظى بلطفه وتأييده ورعايته، والمواظبة على الدعاء له بالحفظ والتأييد، والالتزام بقراءة دعاء الندبة بشكل جماعي صباح كل جمعة في المساجد.
3- التمسك بالحوزة الشريفة واحترام المرجعيات الدينية والعلماء والقيادات العاملة في سبيل الله، ومهما صدر من تقصير من أحد فإنه ليس مبرراً للقدح فيه قال تعالى: [فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأنفسهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى] (النساء:95)؛ لأن كلاً منهم يساهم بقدر أو بآخر في أقامة صرح الدين، وكما قلنا سابقا فإن الإسلام محتاج إلى كل
ص: 48
أبنائه.
4- الالتزام الجدي بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتشكيل لجان لذلك قال تعالى [وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ] (آل عمران: 104)، وأن تكون هذه الأمة أي اللجان قد استجمعت شروطها من التفقه والوعي وإجادة أسلوب العمل، والالتزام بالمراتب المقررة في الرسائل العملية، فأولها الدعوة بالحكمة الموعظة الحسنة فإن لم تنفع فالزجر والتوبيخ وهكذا.
5- تنظيم أموركم في اتحادات ونقابات وجمعيات بحسب ما يقتضيه الحال، كاتحاد إسلامي للطلبة ورابطة للمرأة المسلمة ونقابات إسلامية وللأطباء والصيادلة والمعلمين والمهندسين وغيرهم، وجمعيات ومراكز ثقافية واجتماعية وإنسانية ودينية، فإن هذه التنظيمات قوة لكم وإعزاز لأمركم، كما أنها تجعل العطاء أكثر وأفضل، وتقطعون بذلك الطريق على العناصر غير النظيفة أن تصل إلى مواقع القرار.
6- ممارسة الضغط لاختيار محافظ ومجالس بلدية من قبل الشعب تتوفر فيهم صفات الكفاءة والنزاهة وحب المصلحة العامة ونكران الذات والخبرة والالتزام الديني وأن لا يكونوا قد تورطوا بظلم الناس.
7- الحضور المكثف في المساجد لإقامة صلوات الجماعة والجمعة والشعائر الدينية والمحاضرات النافعة، وأن يكون خطيب الجمعة بمستوى متطلبات المرحلة.8- إنشاء المدارس الدينية والحوزات العلمية في كل مدينة للرجال والنساء لتعليمهم الفقه والتفسير والعقائد والأخلاق وتوعيتهم وتثقيفهم، وتنبيههم
ص: 49
إلى عناصر القوة في الإسلام ونقاط الضعف في المناهج الأرضية المادية، وتحذيرهم من الأخطار الفكرية والاجتماعية والأخلاقية واستغلال كل الوسائل المتاحة من صحف ومجلات وأقراص.
9- التعاون والتكافل والمساعدة في قضاء حوائج المحتاجين وتزويج الشباب ورعاية الأرامل والأيتام، فإن الإمام (علیه السلام) يقول لشخص من الشيعة: أيمد أحدكم يده إلى جيب أخيه فيأخذ ما يحتاج من دون أن يسأله الآخر؟ قال: لا يا ابن رسول الله، قال: إذن أنتم لستم بشيعة. ويقطع الإمام طواف الحج ليقضي حاجة المؤمن.
أسأل الله تعالى أن يؤجركم بكل خطوة سعيتموها وكلمة قلتموها أو كتبتموها، وأن يسرَّ قلوبكم يوم لقائه بقدر ما أغظتم الكفار وأعداء الدين، إنه نعم المولى ونعم النصير.
ص: 50
هل لأمريكا الفضل في حصول التغيير(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما يستحقه حمداً كثيراً وأعوذ به من شر نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي والصلاة والسلام على سيد خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين.تدّعي أمريكا أنها هي صاحبة الفضل على الشعب العراقي في تحريره من ظلم الطاغية وحكمه المشؤوم، ومن المؤسف أن الكثيرين قد وقعوا في هذا الوهم ويشعر البعض انه مدين للولايات المتحدة في ذلك وبعضهم ممن يسمون بالإسلاميين؛ لذا تجدهم موافقين على كل ما تمليه عليهم الولايات المتحدة وإن كان فيه مصادرة لاستقلالهم ولأرادتهم ولحقوق شعبهم.
لذا وجب تصحيح هذا الوهم من خلال عدة نقاط:-
1-إن الشعب بجهاده المتواصل ضد النظام وتضحياته الكثيرة ورفضه الشديد للحكام المتسلطين أوجد حالة من الرفض والكراهية والانعزال والمحاصرة للنظام مما أوجب سقوطه وانهياره من دون قتال يذكر، بحيث لم تقع معركة حقيقية طيلة الحرب، وكل الذي حصل هو مناوشات متفرقة وعمليات فردية حتى بغداد التي هي عاصمة النظام وموضع اعتنائه المكثف لم تقاتل، وأي حكومة إذا كانت مرفوضة ومعزولة ومقاطعة من قبل الشعب
ص: 51
فإنها تسقط لأنها لا تمتلك مصادر القوة والبقاء، ولو كان الشعب ملتفاً حول قيادته لكان على الولايات المتحدة أن تدفع ثمناً باهظاً من دون أن تحقق شيئاً.
2- إن أمريكا وإن كانت أفضل من النظام في بعض الجهات المعلومة لديكم، إلا أنها أضرّ علينا من جهات أخرى هي أهم فإن أساليب الطاغية وان كانت شرسة وهمجية في إيذاء الشعب وحرمانه، إلا أنها واضحة ومكشوفة مما جعل رد الفعل يكون واضحاً، وهو انتشار الالتزام الديني لذا فإنها لم تكن خطراً على الحركة الدينية المتصاعدة، ولم تمنع من نموها وانتشارها ومازلنا نشهد بركاتها العميمة.
أما المواجهة الجديدة فهي أخلاقية وعقائدية وفكرية واجتماعية مع انفتاح وانفلات ودغدغة لشهوات النفس الأمّارة بالسوء وتوسع مادي، فهي أخبث وأخفى وأخطر وقد لا ينجو فيها من نجى في الامتحان السابق؛ لذا فإن المسألة تحتاج إلى همة عالية وجهد إضافي واعتصام مكثف بالله تبارك وتعالى، مثل هذه المحنة عبر عنها أحد أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) إننا نجحنا كلنا في امتحان الشدة والبلاء في عهد رسول الله (صلی الله علیه و آله) لكن أكثرنا فشل في امتحان النعمة والرخاء التي حصلت بسبب الفتوحات الإسلامية وتوسع الدولة الإسلامية بعد وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله)، بحيث صار يقاتل بعضهم بعضاً وخرج عدد منهم على أمير المؤمنين (علیه السلام) يقاتله وهو صاحب أوضح حق في إمامة المسلمين بالنص والاختيار والشورى والاستحقاق.
فنحن إذن لم ينته تمحيصنا ولا اختبارنا بزوال النظام، وإنما انتقلنا إلى نمط جديد من التمحيص هو أشد على النفس، وسنة التمحيص المتدرج في
ص: 52
الشدة جارية خصوصاً على هذا الشعب الكريم لإعداده لنصرة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریفالذي جاء هؤلاء لتطويقه ومحاصرته وسلب القدرات ومنابع القوة الموجودة في هذه الأرض، حتى لا يجد الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریفما يعينه على حركته، وإنهاء القواعد المؤمنة به والمستعدة لنصرته بكل أشكال الإنهاء، كما فعل فرعون مع قوم موسى (علیه السلام) حين علم أن نهايته على يدرجل منهم فأخذ يذبح أبناءهم ويستحيي نسائهم، لكن فرعون كان مهتماً بالقضاء المادي على أعدائه المحتملين، أما هؤلاء فيضيفون إليها القتل المعنوي بمسخ القيم الروحية وسلخ الناس عنها وإبعادهم عن مصدر قوتهم الحقيقية وهو الإيمان بالله تعالى.
ورد في تفسير قوله تعالى (ويقتلون النبيين) عن الإمام أن ذلك بتحريف تعاليمهم وتمييع دعوتهم وعزلهم عن مؤيديهم، وتشويه صورتهم في أعين الناس، وهو أسلوب أخطر في القضاء على الدعوات الإصلاحية وعلى المصلحين من القتل الجسدي الذي يصنع من الضحية بطلاً شعبياً تلتف الجماهير حوله وتزداد إعجاباً به وأخذاً بأفكاره وقد رأيتم كلا الشكلين في حياة الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) فقد كان القتل المعنوي لتشويه سمعته وأنه عميل للدولة وأنه زرع الفتنة والتشكيك في اجتهاده كان أقسى عليه من القتل المادي الذي رفعه مكاناً عليَاً وأدى إلى التفاف الجميع عليه عكس الأول، وقد عبّر (قدس سره) عن فترة القتل المعنوي أوائل مرجعيته بأنني عشتها بأعصابي، فكونوا واعين لهذه المخاطر فاني أرى أن كثيراً من الناس قد وقعوا في هذا الفخ الخطير.
3- إن أمريكا وبريطانيا وكل القوى المادية لا تفكر إلا بمصالحها، أما
ص: 53
القيم والمبادئ الإنسانية فهي آخر ما تفكر فيه بل لا تفكر فيه إلا بمقدار ما يخدم مصالحها، فلا نصدق أنها جاءت لتحريرنا، نعم قد تلتقي مصلحتها مع مصلحتنا فتفعل ما يبدو أنه خدمة لنا، إلا أن الواقع أنها مملوءة أنانية فلا تفكر إلا في نفسها، وهذه الصفة من المرتكزات الأساسية للشخصية الغربية المبنية على الأسس المادية.
4-إن الشعب وإن تحرر من شكل من أشكال الظلم إلا أنه بقي مهدداً بالظلم الأكبر، وهو ظلم النفس الأمارة بالسوء التي تدعو إلى معصية الله تبارك وتعالى، وتجرّ صاحبها إلى المهالك وتجعله عند الله أهون هالك – كما في الدعاء – هذا العدو الذي نحمله في داخلنا يكون معنا في السر والعلن ويجري في عروقنا مجرى الدم، وقد وصفه الحديث الشريف بأنه (أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك) فنحن لم نتحرر من (الظلم) كل الظلم وإنما تحررنا من (ظلم) أي شكل من أشكال الظلم وبقي الأهم، لذا كان جهاد النفس هو الجهاد الأكبر والفوز فيه هو الفوز الحقيقي، ويؤازره عدو آخر هو الشيطان الذي لا يفارقنا حتى الموت وقد وصفه الله تبارك وتعالى بالعدو المبين، وهو يزيّن المعصية ويغري الإنسان بها بشتى الأساليب حتى يوقعه بها ولا يهدأ باله إلا بذلك وقد حذرنا القرآن منه أشد تحذير.
ينقل عن أحد الواعظين انه قال يوماً لحضّار مجلسه إني قد أُخبرت عن طريق أحد الثقاة أن لصاً بينكم ويريد أن يسرقكم، فاهتم الجالسون بالأمر وحرص كل منهم على ما يحمل واخذ الحيطة والحذر، فقال الواعظ مؤنباً إلا تهتمون بدينكم كاهتمامكم بديناركم ودرهمكم، فتحمون دينكم من سارق لا يغيبلحظة عنكم ولا يرضى بغير إدخالكم في جهنم،
ص: 54
وخسارتكم في الحياة الباقية وقد أخبركم عن تربصه بكم الله تبارك وتعالى أصدق القائلين.
5- إن التغيير وإن حصل ظاهراً على يد الولايات المتحدة وحلفائها وهو صحيح لأن الظالم لا يقدر عليه إلا من هو أظلم منه إلا أنّ المسبب الحقيقي هو الله تبارك وتعالى وبيده الأمور كلها [لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ] (الأعراف:54)، وما هذه الأسباب الطبيعية إلا وسائل وأدوات يهيئها الله تبارك وتعالى عند تحقق الشرط، وشرط تغيير الظلم وإزالته هو عودة الأمة إلى ربها ودينها والتزامهم بشريعته قال تعالى: [إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأنفسهِمْ] (الرعد:11).
فعندما حققتم الشرط وبدأت الحياة الدينية تدب في المجتمع وأصبح الإسلام هو خيار الجميع، ووصلوا إلى مستوى التضحية بالنفس في سبيل الله تعالى أذن الله بالتغيير الذي يستحقونه، ولولا هذا الإذن لما استطاعت أمريكا ولا كل القوى المادية أن تفعله كما ورد في الحديث (إن إزالة جبل من مكانه أهون من زوال ظالم قبل أوانه).
فاعملوا على تحرير أنفسكم من أنفسكم فإنها مرهونة بأعمالكم، فاستبقوا الخيرات وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، وحطموا الأغلال النفسية والفكرية والاجتماعية التي تعيق تكاملكم، وإن ظهوركم ثقيلة بأوزاركم فخففوا عنها بالاستغفار وأكثروا من الطاعات وتنافسوا لنيل رضى الله تبارك وتعالى فإن الله تبارك وتعالى بعث أنبيائه لتحريركم وتخليصكم من هذه الأغلال، قال تعالى [وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ] (الأعراف:157).
ص: 55
ويوجد تفصيل لهذا الكلام في كتاب (نحن والغرب) وكتاب (كونوا أحراراً) وهو من حلقات سلسلة (نحو مجتمع نظيف).
أسأل الله تعالى لكم الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة إنه ولي النعم.
ص: 56
المشروع السياسي المقترح من الحوزة الشريفة للفترة الانتقالية(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
إن همنا الكبير هو ضمان مستقبل العراق وسعادة شعبه وتوفير مستلزمات الحياة الكريمة لجميع المواطنين بما فيهم غير المسلمين.ورغم إيماننا العميق بأن ذلك لا يكون إلا بالإسلام إلا أننا نرى أن الطريقة المثلى اليوم هي ترك الأمة حرة تختار ما تشاء ومن تشاء فتكون الأمة هي الحاكمة وهي المراقبة وآليات ذلك. هو الاستفتاء والانتخاب فلا سلطة سياسية إلا برضا الأمة الناشئ من هاتين الآليتين.
ص: 57
وعلى هذا تعلن المرجعية الرشيدة الصالحة وقوفها خلف الأمة مدافعة عن حقوقها داعية كل قواها الوطنية الخيرة من أحزاب عاملة وجمعيات فاعلة وشخصيات تشاركنا همّنا هذا إلى توحيد الجهود وصهر الطاقات لتشكل درعاً يدفع عن أمتنا الأخطار ويحقق الطموحات.
وعلى هذا الأساس نطرح مشروعنا السياسي والقائم على ما يلي:-
1_ لا شرعية لكل الخطوات السياسية التي حدثت بعد سقوط النظام باعتبار كونها فاقدة للشرعية لعدم رجوعها إلى رأي الشعب ورضاه.
2_ ندعو إلى إجراء انتخابات عامة لتشكيل المجلس التأسيسي الذي تنبثق عنه الحكومات المؤقتة الانتقالية ويسن من خلالها الدستور الدائم للبلاد.
3_ المجلس التأسيسي: وفيما يأتي تفصيلاته في المشروع السياسي لهذه المرحلة:
أ_ تأسيسه:
أولاً: يقسم البلد إلى 260 دائرة انتخابية.
ثانياً: يتم انتخاب مرشح واحد لكل (25) ألف مواطن أي بمعدل (4) مرشحين عن الدائرة الانتخابية الواحدة.
ثالثاً: وبذلك يتكون المجلس التأسيسي من (1040) مواطناً منتخباً.
ب _ مهامه:
أولاً: يقوم المجلس بانتخاب ثمانية أشخاص من بين أعضائه لهم حظ من الفقه التشريعي الإسلامي وتؤيدهم المرجعية الدينية يشكلون مجلساً يقوّم التشريعات الصادرة لضمان عدم تقاطعها مع الشريعة الإسلامية لحين إقرار الدستور وانتخاب الحكومة الدائمية فتحفظ مقاعدهم في المحكمة الدستورية العليا بعنوانها لا بعنوانهم ولا يحق لهؤلاء الثمانية المشاركة في أي تشكيل آخر ما داموا في هذا التشكيل.
ثانياً: يقوم بانتخاب أعضاء البرلمان المؤقت من بين أعضائه.
ص: 58
ثالثاً: يقوم بانتخاب أعضاء الحكومة المؤقتة من بين أعضائه.
رابعاً: يقوم بالإشراف على وضع دستور دائم للبلاد عن طريق لجان متخصصة في مدة أقصاها سنة واحدة من تأريخ انتخابه.خامساً: يحل المجلس نفسه بعد موافقة الشعب على الصيغة النهائية للدستور الدائم عبر الاستفتاء الشعبي العام.
4_ البرلمان المؤقت: ويمثل السلطة التشريعية المؤقتة في البلاد
أ_ تأسيسه:
أولاً: يتكون(260) عضواً منتخباً من بين أعضاء المجلس التأسيسي.
ثانياً: يجب أن يكون بمعدل مرشح واحد لكل(100) ألف مواطن بشرط أن يكون مرشح واحد لكل دائرة انتخابية.
ب _ مهامه:
أولاً: إلغاء أو تعديل القوانين السارية والتي تمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
ثانياً: سن القوانين الضرورية للبلاد.
ثالثاً: مناقشة الميزانية العامة وأفرادها.
رابعاً: مراقبة أعمال الحكومة ومحاسبتها عن طريق الاستجواب والمساءلة وحجب الثقة.
خامساً: تعيين القضاة المدنيين بناء على ترشيح وزير العدل مع موافقة المرجعية الدينية.
5_ الحكومة المؤقتة: وتمثل السلطة التنفيذية المؤقتة في البلاد.
أ_ تأسيسها:
ص: 59
أولاً: تتكون من (23) وزيراً منتخباً.
ثانياً: يتم انتخابهم من بين أعضاء المجلس التأسيسي على أن يكونوا أعضاءً في البرلمان المؤقت.
ثالثاً: يقوم الوزراء بانتخاب رئيس يسمى رئيس الوزراء بانتخاب نائب لرئيس الوزراء من بينهم.. ويتم استحداث الوزارات الآتية:
(1) وزارة حقوق الإنسان.
(2) وزارة السياحة.
(3) يتم دمج وزارتي الثقافة والإعلام بوزارة واحدة.. وبذلك تصبح الوزارات العراقية هي كالآتي:.
أ_ وزارة الدفاع.
ب _ وزارة الداخلية.
ج_ _ وزارة الخارجية.
د _ وزارة التخطيط.
ه_ _ وزارة المالية.و_ وزارة العدل.
ز_ وزارة الثقافة والإعلام.
ح _ وزارة التجارة.
ط _ وزارة النفط.
ي _ وزارة الزراعة.
ك _ وزارة الري.
ل _ وزارة الصناعة والمعادن.
ص: 60
م _ وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
ن _ وزارة التربية.
س _ وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
ع _ وزارة النقل والمواصلات.
ف _ وزارة الإسكان والتعمير.
ص- وزارة الصحة.
ق _ وزارة الأوقاف والشؤون الدينية.
ر _ وزارة حقوق الإنسان.
ش _ وزارة السياحة.
ب _ مهامها:
أولاً: العمل على استتباب الأمن والنظام في البلاد.
ثانياً: العمل على توفير الخدمات والحاجة الأساسية للمواطنين.
ثالثاً: العمل على رفع مستوى المعيشة للمواطنين جميعاً وبإجراءات سريعة.
رابعاً: المحافظة على استقلال العراق وسيادته ووحدة أراضيه وشعبه.
خامساً: تحسين علاقات العراق الدولية خصوصاً مع دول الجوار على أساس مبدأ حسن الجوار والمصالح المتبادلة.
سادساً: التنسيق مع الحكومة الأمريكية من أجل إلغاء أو جدولة الديون الخارجية المترتبة على العراق بسبب السياسات غير المسؤولة للنظام الاستبدادي المخلوع.
سابعاً: حق اقتراح القوانين الضرورية.
ص: 61
6_ نوع الانتخاب المعتمد:
أ_ يعتمد الانتخاب الفردي.
ب _ يتم الحسم في الانتخابات بالأغلبية النسبية.
ج _ يتم انتخاب المجلس التأسيسي بواسطة الانتخاب الشعبي المباشر.
د _ يتم انتخاب البرلمان والحكومة المؤقتة بواسطة الانتخاب الشعبي غير المباشر.
7 _ الآليات:
أ_ يقسم العراق إلى (260) دائرة انتخابية.
ب _ تعيين لجان انتخابية في كل دائرة انتخابية.
ج_ _ تعيين تلك اللجان من أهالي الدائرة الانتخابية.
د _ تتكون اللجنة الانتخابية من (150) عضواً ينتخبون من بينهم رئيساً لهم.
ه_ _ يشترط في عضو اللجنة الانتخابية ما يأتي:.
أولاً: النزاهة.
ثانياً: الكفاءة.
ثالثاً: المعرفة الكافية بأصول الانتخابات وآلياتها ونظمها.
رابعاً: أن يكون حاصلاً على شهادة البكالوريوس أو ما يعادلها على الأقل.
خامساً: أن لا يكون حاصلاً على العضوية الكاملة في حزب البعث المنحل.
سادساً: أن لا يكون متورطاً بظلم المواطنين أو إيذائهم.
ص: 62
سابعاً: أن يكون مؤمناً بحق الأمة في تعيين مصيرها وكارهاً للاستبداد والمستبدين.
ثامناً: أن يكون له منزلة اجتماعية مرموقة.
تاسعاً: تنحصر مهام اللجنة الانتخابية بما يأتي:
(1) تنظيم قوائم بعدد الناخبين حسب المعلومات الواردة في هوية الأحوال المدنية.
(2) تنظيم قوائم تعريفية بالمرشحين وعرضها على الجمهور.
(3) تحديد المواقع الملائمة كمراكز انتخابية.
(4) إبداء المشورة والتوجيهات اللازمة للمواطنين بصدد العملية الانتخابية بمجملها.
(5) فرز الأصوات وإعلان أسماء الفائزين بالانتخابات العامة.
8_ التوقيتات:
أ_ يتم تقسيم العراق إلى (260) دائرة انتخابية في مدة أسبوع واحد بالاستفادة من تجارب الاستفتاء السابقة على منصب رئيس الجمهورية التي تمت عامي1995و2002.ب _ يتم تشكيل اللجان الانتخابية في كل دائرة انتخابية على حدة في مدة أقصاها ثلاثة أسابيع.
ج _ تقوم اللجان الانتخابية بإنجاز أعمالها في مدة أقصاها ثلاث أسابيع.
د _ يتم الإعلان عن تشكيل المجلس التأسيسي المنتخب بعد إنجاز اللجان الانتخابية أعمالها في مدة أقصاها ثلاثة أيام.
ص: 63
ه _ يقوم المجلس التأسيسي بانتخاب أعضاء البرلمان المؤقت والحكومة المؤقتة خلال ثلاثة أيام من إعلان تشكيله.
و_ يقوم المجلس التأسيسي بالإشراف على سن دستور دائم للبلاد عن طريق لجان متخصصة في مدة أقصاها سنة واحدة من إعلان تشكيله.
ز_ تنتهي مدة ولاية البرلمان المؤقت خلال سنتين من تأريخ انتخابه.
ح _ تنتهي مدة ولاية الحكومة المؤقتة خلال سنتين من تأريخ انتخابها.
9_ الجهات المشرفة على الانتخابات: تشرف على الانتخابات العامة القوى الآتية:-
أ_ الشعب العراقي: بوصفه صاحب السيادة والطرف الأساس في أي عقد اجتماعي تنبثق منه مؤسسات الحكم مستقبلاً وصاحب المصلحة الأولى في أي ترتيبات سياسية محتملة في العراق.
ب _ الأمم المتحدة: كونها تمثل الشرعية الدولية.
ج_ _ الإدارة المدنية للاحتلال: لكونها أجنبية وسلطة احتلال يجب أن ينحصر دورها في ما يلي:-
1_ حفظ الأمن والنظام أثناء سير الانتخابات العامة من خلال شرطة عراقيين تدربهم وتعدهم لذلك.
2_ توفير ما يلزم العملية الانتخابية من أموال العراق المجمدة ومن عائدات نفطه.
3_ يجب عليها احترام أرادة الشعب ورأيه وان لا تتدخل في نتائج الانتخابات.
ص: 64
10_ شروط الناخب:
الانتخابات حق مكفول لأي مواطن عراقي تتوفر فيه الشروط الآتية:-
أ_ كل مواطن أتم الثامنة عشر من عمره.
ب _ كامل الأهلية.
ج_ _ أن لا يكون من المجرمين الذين يشكلون خطراً على امن المجتمع العراقي.
د _ أن لا يكون أحد الكوادر العليا في حزب البعث المنحل (عضو قيادة فرقة فما فوق).
11_ شروط المرشح: الترشيح لمناصب الدولة كلها مكفول لأي مواطن عراقي تتوفر فيه الشروط الآتية:-
أ_ أتم الثلاثين من عمره.
ب _ كامل الأهلية رشيداً.ج_ _ أن لا يكون من المجرمين الذين يشكلون خطراً على امن المجتمع العراقي.
د _ أن لا يكون حاصلاً على العضوية الكاملة في حزب البعث المنحل.
ه_ _ أن يكون ذا ثقافة اجتماعية وسياسية وحاصل على شهادة الدراسة الإعدادية أو ما يعادلها.
12_ ملاحظة ختامية: إننا لا نشك في وطنية أحد ما لم يثبت العكس ونطالب من الجميع تبني هذا المشروع حفاظاً على بلاد الرافدين وحرصاً على شعبه المظلوم وندعو الجميع إلى غض الطرف عن التصرفات الماضية
ص: 65
بعضهم لبعض والنظر بعين الأمل والتفاؤل وعلى الله فلنتوكل جميعاً فإنه نعم المولى ونعم النصير والحمد لله رب العالمين.
ص: 66
الموقف من تشكيل مجلس الحكم(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما هو أهله وصلى الله على نبيه وآله الميامين وسلم تسليماً كثيراً.
حينما غزت أمريكا العراق كانت مطمئنة إلى أن العراقيين يقبلون أية حكومة وبأية صيغة فالمهم عندهم هو زوال النظام، لذا وضعوا السيناريو لشكل الحكومة وعيّنوا الأشخاص عبر عدة مؤتمرات في لندن وصلاح الدين وغيرها، إلا أنهم في أثناء الحرب وبعدها فوجئوا بوعي العراقيين وإيمانهم والتزامهم بمبادئهم فإنهم -أي العراقيين- وإن كانوا يريدون الخلاص من النظام، إلا أنه ليس بأي ثمن ولا أنهم يقبلون أي بديلٍ، وإنما هم أصحاب حق وعندهم قضية لا يستقر لهم قرار حتى يحققوا مطالبهم وتحترم أرادتهم في اختيار شكل الحكم وممثليهم فيه.
من هنا أُصيبت خطط المحتلين بالاضطراب والإرباك فغيروا ما رسموه وقلت ثقتهم بالأشخاص الذين هيئوهم لتسلم الحكم، وعرضوا
ص: 67
أشكالاً أخرى للحكم وكلها كانت تصطدم برفض الأمة لها وكان آخرها قبل شهر تقريباً، وهو ما سُميَّ بالمجلس الاستشاري ذي ال_ (35) شخصاً، والذي أجهض قبل ولادته بعد أن اطلعنا على هيكليته وصلاحياته، وكانت فيه عدة عيوب:
1- إنه لا يمثل فئات الشعب جميعاً ولا يعلم كيفية تعيينه.
2- إنهم عيّنوا له رئيساً سلفاً ولم يوكلوا ذلك إلى الانتخاب ولا هو يمثل رأي الأكثرية.
3- لا يمتلك صلاحيات وإنما وظيفته تقديم الاستشارات فقط.
4- إن الإدارة العليا فيه وصاحب القرار هم الأمريكيون.
فكان هذا المجلس كما وصفه الشاعر:تماثيل ينحتها الاحتلال وتعرض في قاعة المجلسِ
واليوم تجري مساعي حثيثة وحركة مداولات دؤوبة لتشكيل مجلس أسموه (مجلس الحكم)، وجاء اختيار الاسم للدلالة على إن المجلس الجديد سيحصل على قدر من الصلاحيات تجعله مؤهلاً لممارسة قدرٍ من أساسيات الحكم لسد بعض الفراغ السياسي والأمني والدستوري في البلاد، ومن المتوقع إعلان تشكيل المجلس في موعدٍ لا يتجاوز أسبوعين من اليوم (السبت 5 تموز 2003 عن صحيفة الزمان)، ولم يحددوا كيفية اختيار أعضائه، إلا أن الذي نشرته الصحف هو أن المجلس يتكون عبر توسيع
ص: 68
(مجموعة السبعة)(1)
لتضم أعضاء آخرين صرّحوا ببعض ولمحوا إلى بعض.
وبغض النظر عن الأهمية السياسية للمشاركين في المجلس ومساعيهم في تحرير هذا البلد، إلا أن الإصرار على تغييب عراقيي الداخل أمر لا يمكن قبوله فإنهم الذين اضطُهدوا وحرموا وهم الذين صنعوا التغيير بشكل أساسي عبر جهادهم الطويل، وهم الذين يشكلون التركيبة السكانية للمجتمع العراقي وفيهم الكفاءات والقدرات الخلاقة ولا يمكن إهمال دورهم في بناء مستقبل البلد.
وبالإضافة إلى ما ذكرناه فإنهم لم يحددوا صلاحيات المجلس وسلطته ولا مدى استقلالية قراره، إلا أنني فهمت من بعض المطلعين والذين لهم دور في العملية أن هذا المجلس يمتاز عن سابقه بعدة نقاط إيجابية:
1- إن المجلس له صلاحية تعيين الوزراء وليس فقط ترشيحهم.
2- إن الميزانية بيده.
إلا أن الأفكار تجتمع على أن تشكيل المجلس يكون بالتعيين، ويضم رؤساء القوى السياسية والتيارات الجماهيرية الفاعلة في الساحة وليس بالانتخاب لأسباب لا تخفى على المتأمل.
وهذه الآلية -أي التعيين- مهما كانت واسعة ومستقطبة لهذه القوى والتيارات فإنها لا تستوعب كل فئات الشعب ولا تعبّر بدقة عن أرادته، لكن
ص: 69
الإيجابية فيها أنه حل سريع للأزمة بدرجة معتد بها إذا كان شاملاً لكل الأحزاب والواجهات والأفراد الممثلة للشعب ومن دون ذلك يبقى حلاً مرفوضاً من قبل الشعب.ونظراً لعدم تقديم أي مشروع ترضى به جميع الأطراف ويكفل حقوق الشعب ويحترم أرادتهم من دون أن تفرض عليه حكومة لا تعبِّر عن خياره، كما أنه لا يمكن بقاء الحال على ما هو عليه الآن من فراغٍ سياسي، وغيابٍ لسلطة القانون وفقدانٍ للأمن والاستقرار وتردٍ في الحياة الاقتصادية والاجتماعية فإنه يؤذن بعواقب وخيمة إذا لم نتعاون على الخروج من هذا المأزق.
وبمناسبة التحركات الحثيثة لتشكيل حكومة انتقالية خلال أسبوعين أو ثلاثة نقول إن ذلك يمكن بآليتين:
الأولى: التعيين، من خلال تأسيس مجلس سياسي يضم رؤساء القوى السياسية والتيارات الجماهيرية التي أثبتت وجودها في الساحة، ومشكلته: أنه مهما كان واسعاً ومستقطباً لهذه القوى والتيارات فإنه لا يستوعب كل الشعب ولا يعبّر بدقة عن أرادته، لكن إيجابيته: أنه حل سريع للأزمة بدرجة معتدٌ بها إذا كان شاملاً لكل الأحزاب والواجهات والأفراد.
الثانية: الانتخاب، وهي الطريقة العادلة للتعبير عن أرادة الشعب، وقد ذكروا لها جملة من المصاعب التي تعرقل العملية كعدم وجود دستور تستند إليه الانتخابات وعدم وجود جرد سكاني، إلا إنها لا أصل لها فإن هذه الانتخابات تستمد مشروعيتها من مشاركة وتأييد الشعب لها، ولا تحتاج إلى أزيد من أسبوعين أو ثلاثة، وتكون بإشراف الأمم المتحدة كما حصل
ص: 70
في بعض نقاط العالم ك_(تيمور الشرقية) من دون أي مشكلة تذكر، ولا تتدخل قوات الاحتلال إلا عند طلب المساعدة منها في أية نقطة سواء على صعيد حفظ الأمن أو الإشراف وغيرهما، ويتحقق من خلال الخطوات التالية:
1- تحديد الجهة المتنفذة في كل تجمع سكاني (الحوزة العلمية، قوى سياسية، رؤساء العشائر، الوجهاء،...) وتشكيل لجنة انتخابية في كل تجمع من هذه الجهة أو أكثر.
2- تجنيد عدد من المتطوعين أو الموظفين بأجرٍ لجمع المعلومات عن التجمعات السكانية وتسجيل لوائح الذين لهم حق الانتخاب باستجواب المواطنين ومطابقة المعلومات مع البطاقة التموينية.
3- تحديد المراكز الانتخابية بواقع مركز لكل (100) ألف إنسان وفتح باب الترشيح لكل مركز مع اشتراط أمور في المرشح بأن يكون كفوءاً نزيهاً عنده نكران للذات ولم يتورط بظلم الناس وإيذائهم.
4- تجري الانتخابات بإشراف اللجان الانتخابية وممثلي الأمم المتحدة المشار إليهم أعلاه وهم الذين يتولون فرز الأصوات وإعلان أسماء الفائزين الذين يصل عددهم إلى (260) عضواً عن (26) مليون عراقي.5- تعطى (10) مقاعد لكل حزب أو حركة من (مجموعة السبعة) إن لم يحصل على هذا العدد في الانتخابات أو يكمل له العدد احتراماً لدورهم السياسي، وكذا تعطى مقاعد للشخصيات المستقلة الذين لهم هذا الدور.
6- يعطى مقعد لكل طائفة أو قومية يقل عددها عن (100) ألف ويزداد العدد بمقعدٍ لكل (100)ألف أخرى إن لم يفز منها أحد في
ص: 71
الانتخابات بسبب انتشار أفرادها.
7- من مجموع الأعضاء أعلاه يتأسس مجلس وطني انتقالي يمارس عمله كبرلمان، والوظيفة الثانية: أنه ينتخب من بين أعضاءه أو من يرشحهم الأعضاء كممثلين عنهم في الحكومة الانتقالية، والثالثة: أنه يتولى الإشراف على اختيار الأشخاص الذين يضعون الدستور من بين أعضاءه أو ممثليهم.
8- تتولى الحكومة الجديدة:
- إبرام عقود الإعمار.
- الإشراف على ميزانية الدولة ومواردها المالية.
- إجراء الاستفتاء العام على الدستور بعد صياغته.
- الإعداد لانتخابات الحكومة والبرلمان الدستوريين.
9- يكون تمويل هذا المشروع من صندوق أموال العراق بإشراف الأمم المتحدة وإذا تعذر ذلك فإن الجهة المتنفذة في أي تجمع سكاني تقوم بذلك. وحينئذٍ نضمن استقلالية الانتخابات.
وبتنفيذ هذا المشروع تحل مشكلاتنا السياسية والدستورية معاً بطريقة عادلة وتعتبر هذه الرؤية إيضاحاً وتفصيلاً وآلية لما طالبت به المرجعية الشريفة ببيانات صريحة: إن هذه الأمور لا تكون موكولة إلى الأجنبي وإنما باختيار الشعب.
ص: 72
بيان باسم الجماهير للاعتراض على تأسيس مجلس الحكم(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
إن من أوّليات حقوق الإنسان أن يختار بإرادته من يحكمه، وقد أعلن عن تشكيل (مجلس الحكم) بتغييب شريحة كبيرة من الشعب، وقد حضر هذا الحشد المبارك ليعلن عن عدم مشروعية مثل هذه الطريقة في التعيين، مما يوجب حالة من الانفصال بين الشعب وحكومته تنذر بعواقب وخيمة على الجميع.
فكيف تتصور تشكيل حكومة في العراق بلد الإسلام ومهوى أفئدة المسلمين من دون أن تستشار المرجعية الدينية وتعرض عليها الأسماء وتبين لها صلاحيتها.
إن من يعتقد أن أمريكا هي التي حررت العراق ولها الحق في التدخل
ص: 73
في شؤونه واهمٌ؛ لأن عملها لم يكن إلا جزءاً من عملية التغيير التي كان سببها الأساسي هو الشعب.
فنحن الذين أزلنا النظام وغيرناه حين حققنا سنة الله في عباده [إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأنفسهِمْ] (الرعد:11)، فلما تحررنا من عبادة الهوى والطاغوت وحب الدنيا وعدنا إلى إسلامنا والىعبادة الله وحده في داخل نفوسنا، حررنا الله من الخارج وفاءً بوعده السابق وسنته الجارية في عباده فسخر أمريكا أداة لهذا التغيير.
ونحن الذين أزلنا النظام حين رفضناه وقاطعناه وتركناه وحدة فسقط بلا قتال لأن بناء الطواغيت أوهن من بيت العنكبوت وإن بدا على خلاف ذلك، ولو كان نظاماً له امتداده وجذوره في الأمة لما استطاعت أمريكا ولا غيرها أن تزيله.
ومن الواضح أن أمريكا وسائر النظم المادية تقوم على أساس المصالح لا على المثل الإنسانية العليا حتى نصدق أنها جاءت لتحريرنا، نعم، ربما تلتقي مصلحتها مع مصلحة الشعب، ولكن هذا لا يعني أنها جاءت من أجله، بل على العكس فإنها جاءت لتستعبدنا وتصادر حريتنا وما رفضها المتكرر لإجراء الانتخابات إلا أول الغيث.
ويجب أن ننتبه إنّ خطرها الأخلاقي والفكري والاجتماعي علينا اشد لان فيه قتلاً للروح وللمبادئ وإفساداً للحياة الأبدية وهو أعظم من قتل الجسد قال تعالى: [وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ] (البقرة:191) أي الفتنة عن الدين، إن إصلاحنا بصلاح ديننا فما دام ديننا بخير فنحن بخير، وهم أول ما بدأوا به هو إفساد ديننا وأخلاقنا وإضلال شبابنا ونسائنا فأي تحرير جاءوا من أجله؟
ص: 74
وأي زمان عسير ينتظرنا منهم؟ انه بلاء تطول مدته ولا يخفف عن أهله ولا ينجوا منه إلا من عصم الله تعالى.
ومع احترامنا لأعضاء مجلس الحكم وجهادهم السياسي في القضية العراقية، إلا أنهم لم يستشيرونا في اختيار أعضائه، ولا أطلعونا على صلاحياته ومدى استقلاليته، وعمله على إنهاء الاحتلال والهيمنة الأجنبية، وقدرته على التعبير عن آمال الشعب وطموحاته والمحافظة على هويته، فإن القلق الشديد يساور هذه الجموع المؤمنة خشية ضياع دينه وأخلاقه وقيمه وقد لاحت بوادر ذلك.
إن هذه الجموع المؤمنة احتشدت هنا لتقول إن ممثلينا الحقيقيين مغّيبون، فنحن لا نعترف بشرعية أي حكومة دون إمضاء المرجعية الرشيدة، وكل ما يصدر منها باطل إلا إذا حظي بموافقة الشعب.
وقد قدمت الحوزة العلمية في النجف الأشرف مشروعاً متكاملاً لإجراء انتخابات حرة تكفل حقوق الجميع من قوميات وطوائف وأحزاب وحركات وتحل مشاكله السياسية والدستورية، فلا بد من تدارك الأمر ومحاورة قادتنا الشرعيين.
ونطالب هيئة الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية بأن يكون لها دور الإشراف والرعاية لهذه الانتخابات ولمجمل العملية السياسية حتى يستعيد الشعب عافيته وينهض من جديد، وأي تقصير في هذا المجال سيكون عثرة لا تُقال وسوف لا ينساها الشعب لهذه الواجهات التي انضم إليها وآمن بمبادئها,أسأل الله تعالى أن يتم نعمته على هذا الشعب الكريم ويحقق له أمنياته
ص: 75
ويتولى رعايته بلطفه ويؤهله لدولة العدل الإلهي الشامل وما ذلك على الله ببعيد.
بسم الله الرحمن الرحيم
[إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً، وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً، هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً، لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً، وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً، وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً] (الفتح:1-7).
ص: 76
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى أبناء شعبنا العراقي الحر الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا يخفى على أحد الأهمية العظيمة التي يمثلها الدستور في حياة الدول، فهو الإطار القانوني الأعلى الذي يتكفل بيان الحقوق والواجبات ويرسم شكل الدولة ويحدد منطلقاتها الدينية والفكرية، ويكونبمثابة المسطرة التي يقاس عليها شرعية وعدم شرعية القوانين والتعليمات واللوائح التي تصدرها الجهات التشريعية لتنظيم جميع مفاصل حياة المواطنين في البلاد.
ومن منطلق هذه الأهمية تعتبر كتابة الدستور خطوة خطيرة في حياة البلدان تحتاج إلى جهود متضافرة حتى يكون الدستور ناطقاً بتوجيهات وإرادات وطموحات أبناء البلد.
وليس بخافٍ عليكم أيضاً أن الاستكبار العلني والسري لا يريد للشعوب أن ترسم أرادتها بشكل مستقل وبعيداً عن إملاءاته ووصايته، فهو يسعى جاهداً وبشتى الوسائل أن ينفذ إلى دساتير البلاد ليثبت الفقرات التي تحمي مصالحه وتلائم توجهاته.
ومن هنا توجب أن تكون العيون والعقول مفتوحة ومتيقظة لأجل رصد عملية كتابة الدستور وتفحص بنوده عن قرب.
ص: 77
وبغية إلفات نظركم واستحصال مراداتكم وتوجهاتكم تجاه هذا العمل الخطير نتوجه إليكم بهذا الاستبيان:
ولا يخفى أن الغرض من هذا الاستبيان ليس فقط استطلاع الرأي العام وإنما يراد منه أن تكون وسيلة لتوعية الأمة وتثقيفها إزاء قضايا الدستور ونظام الحكم لذا حاولنا كتابة مقدمة تعريفية قبل كل سؤال(1)
ضع علامة ((علیه السلام)) في المربع المناسب
ص: 78
نعم - لا
س3: إن الجهة التي ترعى كتابة الدستور هي التي توفر الأجواء المناسبة لحرية الكتابة وتضمن لممارسي عملية الكتابة حرية الرأي وتثبيت أرادة الشعب دون أي وصاية أو ضغوط لذلك، وتعتبر بصدق وأمانة عن حقوقه وطموحاته.
فهل تريد أن يكتب الدستور برعاية؟
مجلس الحكم - مجلس تأسيسي منتخب - الحوزة الشريفة والعلماء
س 4: إن إسناد مهمة كتابة الدستور يمكن أن تكون بأشكال مختلفة، فإما أن يتم تعيين جماعة لهذه المهمة وفي هذه النقطة مخاطر كثيرة، منها وضع أشخاص لا يمثلون أرادة الشعب ضمن هذه الجماعة خصوصاً إذا كانت الجهة التي تقوم بالتعيين غير منتخبة من الشعب. والأسلوب الآخر هو انتخاب الشعب لمجموعة متخصصة يتم ترشيحها للقيام بهذه المهمة، فإلى من تريد إسناد كتابة الدستور؟
جماعة معينة من ذوي - جماعة مختصة منتخبة من
ص: 79
الاختصاص - الشعب
س5: المعروف استفتاء الشعب على الدستور وله أشكال، فإما أن يكون الاستفتاء على الدستور بشكل عام أي مقبولية هذا النص، وإما أن يتم استشارة الشعب على فقراته واحدة واحدة أو بالتفصيل: فهل تفضل أن يكون الاستفتاء الشعبي على:
الدستور بكليته - الدستور بمواده وفقراته بالتفصيل
س6: هل تفضل أن يكون الدستور:
دائمیاً - موقتاً
س7: الدستور يمثل الأصل الذي تتفرع منه القوانين والتعليمات واللوائح وهذه الثلاثة يجب أن تكون متناسبة مع رؤية الدستور وتوجيهاته. ولكن قد يحصل أن يتم تشريع قوانين واتخاذ قرارات تتنافى وروح الدستور. فلضمان اتساق هذه القوانين مع الدستور يقتضي أن تكون هنالك جهة مراقبة ومشرفة على دستورية القوانين وهناك صيغ لهذه الجهة مطبقة في العالم منها هيئة سياسية، مجموعة من السياسيين للمراقبة، أو هيئة قضائية. ويمكن إيجاد هيئة مركبة من الاثنين لضمان دستورية القوانين.فهل تفضل أن تكون الرقابة
ص: 80
على دستورية القوانين من:
هيئة سياسية - هيئة قضائية - آلية محكمة جديدة تضبط دستورية الدستور
س8: دستور البلد وما يتفرع عنه من قوانين إنما يوضع لضمان سعادة الشعب، فقد يرى جيل معين من المصلحة ما لا يراه الجيل السابق مما يقتضي تعديل الدستور وحينئذ...هل تفضل أن يكون تعديل الدستور كلياً أو جزئياً؟ عن طريق:
الاستفتاء الشعبي - البرلمان
س9: من المسائل المهمة التي يحاول الاستكبار تحقيقها هي أبعاد الإسلام عن ساحاته وإحلال الرؤية العلمانية بدلا منه، ولما كان الدين هو الأساس العقيدي الذي تستند إليه رؤية الفرد عن مفردات الحياة وتفاصيلها، لذا جرت الدساتير في أغلب صياغتها على تدوين بشكل واضح يضمن مفرداتها.
برأيك هل ترى من الضروري أن يدون في الدستور أن الإسلام دين الدولة الرسمي، وان القوانين التي تشرع يجب أن لا تتعارض معه؟
ص: 81
نعم - لا
س10: هل توافق على التأخير النسبي لكتابة الدستور مقابل أن يكون عن طريق انتخاب أعضائه أو ترغب بالإسراع في كتابته عن طريق تعيين أعضاء لكتابته؟
التأخير النسبي لأجل انتخابات أعضائه - التعيين لأجل الإسراع بكتابته
س11: هناك أشكال متعددة لنظام الدولة فإما أن تكون الدولة موحدة، بمعنى: أن تكون أجزاؤها الداخلية مرتبطة بشكل مركزي بحكومة عليا تدير شؤون البلاد داخلياً وخارجياً كما كان شكل العراق قبل سقوط النظام، أو أن تكون الدولة فدرالية بحيث يكون البلد مقسماً إلى ولايات تدير كل ولاية شأنها الداخلي بنفسها ضمن حكومة محلية وترتبط الولايات بحكومة مركزية عليا تدير شؤونها الكبرى وسياسية البلاد الخارجية وتقسيم الموارد المالية كما في الولايات المتحدة الأمريكية. ماذا تفضل أن يكون شكل الدولة؟
دولة فدرالية - دولة موحدة
ص: 82
س 12: النظام البرلماني تكون السلطة فيه لرئيس الحكومة، أما رئيس الدولة فيمكن أن يكون ملكاً، أو رئيس جمهورية دون صلاحيات فعلية، والحكومة تكون من وزراء مسؤولين أمام البرلمان كما هو الحال في بريطانيا وايطاليا والهند.
والنظام الرئاسي تكون السلطة فيه لرئيس الدولة الذي ينتخبه الشعب وهو يرأس الحكومة وهو يكون على قدم المساواة مع السلطة التشريعية المنتخبة كما هو في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية. هل تفضل أن يكون النظام الحكم:
برلماني - رئاسي
س13: هناك صورتان لإمكان تدخل علماء الدين في حكم البلاد فإما أن يكونوا جزءاًً من مفاصل الحكم التنفيذية والتشريعية والقضائية، وإما أن يشرفوا من بعيد على سير مفاصل الدولة لتقديم المشورة والنصح وتسديدها عند الخطأ. هل تفضل أن يشارك علماء الدين في الحكم أم يكونوا مشرفين عليه فقط؟
داخل دائرة الحكم - مشرفين عليه فقط
ص: 83
س14: هل ترغب بتركيز الوزارات في العاصمة أم نشرها في المحافظات:
في العاصمة - نشرها في المحافظات
س15: إن أخصر عبارة لحال العالم في هذا الزمان هي ساحة صراع بين الأقوياء والضعفاء وتنافس أرادات، ويمثل الجيش الأداة القوية التي يدافع بها البلد عن أرادته وسياسته. وهناك توجهات لتحويل العراق إلى بلد محايد ومهمش من خلال تحديد قوته الدفاعية بجيش صغير يتدرج من 4 ألاف إلى 60 ألف بعد عشرة سنوات.
فهل ترغب أن يكون الجيش العراقي صغيراً وخدمياً، أم يكون جيشاً قوياً يوازي القوى
الإقليمية ويتناسب مع التحديات الخارجية؟
جيش صغير وخدمي - جيش كبير ومتكامل
ص: 84
س 16: هل ترغب أن يعتمد على نظام التطوع، أم الخدمة الإلزامية، أم كلاهما معاً؟
نظام التطوع - الخدمة الإلزامية - كلاهما معاً
س17: القضاء ركيزة مهمة لضمان العدالة وإحقاق الحق. وقد كانت المحاكم تستند إلى قوانين وضعية من صنع الإنسان الظالم لنفسه فضلاً عن ظلم الآخرين، وأما اليوم فتوجد فرصة لإنشاء محاكم تستند في قضائها إلى القواعد الإسلامية، ويمكن ان ينظم كلا الشكلين ويكون المواطن مخيراً إلى أي منهما.
هل ترجّح أن يكون القضاء معتمداً على الشريعة الإسلامية، أم القوانين الوضعية، أم كلاهما؟
معتمداً على الشريعة الإسلامية - معتمداً على القوانين الوضعية - كلاهما
س18: الاقتصاد هو أهم عوامل القوة للدولة، وإن بناء هذا الاقتصاد يختلف بحسب رؤية الشعب للآلية التي تتحكم بالاقتصاد. فهنالك توجه يسعى إلى تمليك وسائل الإنتاج ومؤسساته بما فيها القطاع النفطي والصحي إلى الأفراد ويعبر عن ذلك بالخصخصة، أي تمكين القطاع الخاص، ويقابله توجه يرى ضرورة أن تكون المؤسسات الإنتاجية الكبرى ووسائل الإنتاج ملكاً لجميع
ص: 85
الشعب وبيد الدولة وتسمح بتمليك القطاع الخاص في حدود المشاريع والشركات الصغيرة.
فهل ترغب أن يكون الفاعل الرئيسي في الاقتصاد قطاع الدولة أم القطاع الخاص؟
قطاع الدولة - القطاع الخاص
س19: هل إن إجراء مثل هذا الاستبيان حول مختلف القضايا التي تهم الأمة له دور في التوعية والتثقيف السياسي؟
نعم - كلا
ص: 86
نتائج(1) استطلاع الرأي العام الأول الذي أجرته الحوزة الشريفة عن بعض قضايا الحكم والدستور
بسم الله الرحمن الرحيم
قامت الحوزة العلمية الشريفة بنشر بيانات تتضمن تعريفاً ببعض القضايا السياسية والدستورية ومذيلة بتسعة عشر سؤالاً وكان لها هدفان:
الأول: تثقيف المجتمع بهذه القضايا وتأهيله للدخول في الحياة السياسية بنجاح لانتزاع حقوقه لذا فإن البيان لم يكتف بتدوين الأسئلة وإنما قدم لكل سؤال شرحاً مبسطاً، فمثلاً قبل أن يسأل هل تريد نظاماً برلمانياً أم رئاسياً؟ عرّف كلاً من النظامين وحسنات وسيئات كل منهما ليكون المواطن واعياً حين الإدلاء بالإجابة.
الثاني: استطلاع الرأي العام حول هذه القضايا لننطلق من مستند متين وهي إرادة الشعب واختياره عند التعبير عن المواقف الوطنية.
وقد لاقت هذه العملية نجاحاً باهراً سواء خلال المشاركة الواسعة التي تجاوزت بكثير العدد المقرر للعينات وهو خمسة آلاف، حيث تطوع الكثير بطبع ونشر هذه البيانات من أجل تحقيق الهدفين المذكورين، أو من خلال المباركة والثناء على هذا العمل الصادر من الحوزة الشريفة، وقد شملت العينات أكثر من عشر محافظات في وسط وجنوب العراق وتوزعت على مختلف الأعمار والمستويات الثقافية والاقتصادية وقد اقتصرنا في
ص: 87
إحصاء النتائج على عدد من العينات مقارب لما قررناه.
هوية المشاركين
1- من حيث العدد: البصرة (375) الديوانية (81) ديالى (79) الناصرية (636) ميسان (851) كربلاء (130) بابل (156) المثنى (601) النجف (320) بغداد (948) واسط (610) أخرى (198).2- من حيث الأعمار: كانت نسبة المشاركين ممن تقل أعمارهم عن العشرين (77 بالألف) وفي العشرينات (381 بالألف) وفي الثلاثينات (256 بالألف) وفي الأربعينيات (138 بالألف) وفي الخمسينات (137 بالألف) وفي الستينات (11 بالألف).
3- ومن حيث التحصيل الدراسي: كانت نسبة المشاركين من حملة الشهادات الابتدائية (118 بالألف) والمتوسطة (175 بالألف) والثانوية (218 بالألف) والجامعية (444 بالألف) والأخرى (44 بالألف).
4- من حيث القومية: فقد استطلع رأي (37) شخصاً من الإخوة الأكراد ضمن العدد الكلي.
5- من حيث الجنس: توجد (944) امرأة من بين العدد الكلي.
6- من حيث الديانة: فقد شمل الاستطلاع ستة من غير المسلمين.
7- من حيث المهنة: كانت نسبة الموظفين (545 بالألف) والطلاب (120 بالألف) والكسبة (291 بالألف) وربات البيوت (43 بالألف).
1- أجاب (99) بالمئة: بأن الدستور يمثل لهم قضية مهمة تثير
ص: 88
اهتمامهم ومتابعتهم.
2- أجاب (98.5) بالمئة: انه يدرك أهمية الدستور وتأثيره على مستقبل حياته.
3- اختار (685) بالألف: أن تتولى الحوزة الشريفة والعلماء رعاية كتابة الدستور من أجل ضمان حرية الرأي وتثبيت إرادة الشعب دون أي وصاية أو ضغوط واختار (268) بالألف أن يتولى ذلك مجلس تأسيسي منتخب بينما اختار (47 بالألف) أن يتولى ذلك مجلس الحكم.
4- وحول آلية تشكيل لجنة صياغة الدستور اختار (69) بالمئة أن يكون عن طريق انتخاب الشعب لمجموعة متخصصة يتم ترشيحها للقيام بهذه المهمة واختار (31) بالمئة أن يكون من خلال جماعة معينة من ذوي الاختصاص.
5- واختار (78) بالمئة أن يتم استفتاء الشعب على كل فقرة من الدستور بالتفصيل بينما فضل (22) بالمئة الاستفتاء على الدستور بشكل عام.
6- وفضل (74) بالمئة أن يكون الدستور دائمياً وفضل (26) بالمئة أن يكون مؤقتاً.
7- ولاستطلاع رأيهم عن كيفية مراقبة القوانين والتعليمات واللوائح الصادرة من الحكومة لضمان عدم خروجها عن الدستور وانسجامها معه اختار (741) بالألف إيجاد آلية محكمة جديدة تضبط دستورية القوانين بينما اختار (223) بالألف أن يكون ذلك من خلال هيئة قضائية واختار (36) بالألف فقط أن تكون الهيئة سياسية.8- إن دستور البلد وما يتفرع عنه من قوانين إنما يوضع لضمان سعادة
ص: 89
الشعب، فقد يرى جيل معين من المصلحة ما لا يراه الجيل السابق مما يقتضي تعديل الدستور كلياً أو جزئياً وقد اختار (838) بالألف أن يكون التعديل عبر استفتاء شعبي عام بينما فضل (162) بالألف أن يكون عن طريق تصويت البرلمان.
9- وبرغم حملات التشويه التي يتعرض لها الإسلام ومحاولات إبعاده عن تنظيم شؤون الحياة فقد اختار (987) بالألف أن يدون في الدستور أن الإسلام دين الدولة الرسمي وأن القوانين التي تُشرَّع يجب أن لا تتعارض معه ورفض ذلك (13)بالألف فقط.
10- ووافق (73) بالمئة على التأخير النسبي لكتابة الدستور مقابل أن يكون عن طريق انتخاب أعضائه ورغب (27) بالمئة في الإسراع في كتابته ولو عن طريق تعيين أعضاء لكتابته.
11- واختار (73) بالألف أن تكون الدولة العراقية موحدة ومرتبطة بحكومة مركزية تدير شؤون البلاد داخلياً وخارجياً كما هو وضعه السابق، واختار (27) بالألف أن يكون نظام الحكم فدرالياً بحيث يكون البلد مقسماً إلى ولايات تدير كل ولاية شأنها الداخلي بنفسها ضمن حكومة محلية وترتبط الولايات بحكومة مركزية عليا تدير شؤونها الكبرى وسياسة البلاد الخارجية وتقسم الموارد المالية كما في نظام الولايات المتحدة الأمريكية.
12- وتقاربت أجوبة السؤال عن نظام الحكم فاختار (484) بالألف النظام البرلماني حيث تكون السلطة فيه لرئيس الحكومة، أما رئيس الدولة فيمكن أن يكون ملكاً أو رئيس جمهورية دون صلاحيات فعلية والحكومة تكون من وزراء مسؤولين أمام البرلمان كما هو الحال في مثل بريطانيا
ص: 90
وايطاليا والهند، واختار (516) بالألف النظام الرئاسي حيث تكون السلطة فيه لرئيس الدولة الذي ينتخبه الشعب وهو رأس الحكومة وهو يكون على قدم المساواة مع السلطة التشريعية المنتخبة كما هو الحال في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
13- وعن كيفية مشاركة علماء الدين في الحكم فقد اختار (546) بالألف أن يكونوا جزءاً من مفاصل الحكم التنفيذية والتشريعية والقضائية بينما اختار (451) بالألف أن يشرفوا من بعيد على سير مفاصل الدولة لتقديم المشورة والنصح وتسديدها عند الخطأ.
14- فضل (60) بالمئة أن تبقى الوزارات في العاصمة ورغب (40) بالمئة في نشرها في المحافظات.
15- ولم يتجاوب المواطنون مع تهميش الجيش وتحديد قوته الدفاعية وتحويله إلى جيش صغير خدمي يصل تعداده بحسب ما أعلنوه إلى (60) ألفاً بعد عشر سنوات لان العالم يعيش صراعاً بين الأقوياءوالضعفاء وتتنافس فيه الإرادات وتتزاحم المصالح فقد وافق على هذا التهميش (19) بالمئة بينما اختار (81) بالمئة أن يكون الجيش كبيراً ومتكاملاً.
16- وتوجد أغلبية ساحقة ترفض انحصار الخدمة العسكرية في الجيش بالإلزامية فلم يوافق عليها إلا (6) بالمئة بينما فضل (47) بالمئة أن يعتمد الجيش على نظام التطوع و(47) بالمئة على نظام يعتمدهما معاً.
17- ومرة أخرى يثبت الشارع إسلاميته والتزامه بالشريعة فلم يوافق على استناد القضاء في أحكامه إلى القوانين الوضعية إلا (2) بالمئة بينما
ص: 91
اختار (63) بالمئة إنشاء محاكم تستند في قضائها إلى القواعد الإسلامية واختار (35) بالمئة انضمام كلا الشكلين ويكون المواطن مخيراً في الترافع إلى أي منهما.
18- ولم يوافق (93.5) بالمئة على خصخصة وسائل الإنتاج ومؤسساته بما فيها القطاع النفطي والصحي -أي تمليكها إلى الأفراد- وأصروا على إبقاء قطاع الدولة فاعلاً رئيسياً في الاقتصاد على أن تسمح الدولة بتملك القطاع الخاص في حدود المشاريع والشركات الصغيرة بينما اختار (6,5) بالمئة فقط تمكين القطاع الخاص من الاقتصاد.
19- وفي السؤال الأخير أجاب أكثر من (99) بالمئة أن إجراء مثل هذا الاستبيان حول مختلف القضايا التي تهم الأمة له دور في التوعية والتثقيف السياسي بينما نفى ذلك أقل من (1) بالمئة.
لقد أثبت الشعب من خلال هذه الأجوبة عدة نقاط:
1- التزامه الكامل بالشريعة ورفضه للمبادئ الخارجة عن الإسلام سواء على مستوى الأيدلوجية كالعلمانية أو على مستوى الحكم كالقضاء غير المستند إلى الشريعة.
2- ثقته العالية بعلماء الدين واتباعه لهم وتجاوبه مع مشاريع الحوزة العلمية الشريفة.
3- وعيه السياسي وإدراكه لمصالحه الوطنية بوضوح فبالرغم من أن المشاريع السياسية المعروضة تفترض الفدرالية أمراً مسلماً إلا أن ثلاثة أرباع المشاركين رفضوها.
ص: 92
4- عدم تأثر تفكيره السليم بانعكاسات جرائم النظام السابق وسياساته الصبيانية فبالرغم من أن أكثر الشعب ذاق الويلات من انخراطه في الجيش الذي زّجه في معارك مدمرة إلا أن الأكثر رغبوا في بناء جيش قوي متكامل، وغيرها من النتائج الطيبة التي أفرزتها هذه التجربة التي تؤديها الحوزة العلمية لأول مرة انطلاقاً من شعورها الأكيد بضرورة التجديد في آليات العمل وتنويعها حتى تكون بمستوى طموح الأمة والتحديات التي تواجهها.
[وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ] (التوبة:105)
ص: 93
بسم الله الرحمن الرحيم
نشرت جريدة الصباح بعددها المؤرخ 2003/9/13 مسودة قانون الجنسية العراقية وقد اقره مجلس الحكم وحسب ما أفاده أحد أعضاء مجلس الحكم انه أريد من القانون أعادة الحق للعراقيين في تحصيل الجنسية العراقية بعد أن أسقطها النظام المقبور عن عراقيين أصلاء بحجة عدم امتلاكهم لشهادة الجنسية العثمانية ونحوها من الأعذار التي كان الهدف منها إضعاف شوكة شريحة اجتماعية يعتقد بأنها لا تسير في ركابه.
وتكمن خطورة هذا القانون بفتحه للباب على مصراعيه أمام كل من هبّ ودبّ من عدو وصديق حتى لو كان صهيونياً أن يحمل الجنسية العراقية إذا أقام في العراق عشر سنين (الفقرة الثالثة من المادة السادسة)، أو تزوج امرأة عراقية وأقام ثلاث سنين في العراق (المادة السابعة)، أو المرأة غير العراقية التي تزوجت من عراقي وأقامت ثلاث سنين (المادة الحادية عشر)، أو من ولد خارج العراق من أم عراقية وأب مجهول أو لا جنسية له (المادة الرابعة)، فتستطيع العاهرات أن تنجب للعراق من يحملون جنسية من آباء مجهولين أو لا جنسية لهم من أهل الفسق والفجور في بلدان العالم وتأتي بهم من الخارج أبناء شرفاء للعراق الكريم، واحتياطاً لهذه الاقتراحات فقد نصّت (المادة الثامنة) على مثل هؤلاء الأشخاص أن يؤدّوا يمين الإخلاص للعراق أمام مدير الجنسية المختص، ولا ادري إن كان هذا اليمين كافياً لحمايةالعراق وأهله ودينه وأخلاقه من هؤلاء الشذاذ الذين سيفدون إليه
ص: 94
من الآفاق، وهل منع هذا اليمين الذي يؤديه الرؤساء والوزراء باستمرار من خيانة البلاد واستعباد أهلها والاستئثار بالخيرات؟
وإذا تجنس هؤلاء بالجنسية العراقية أصبح لهم الحق كاملا في مزاحمة أهله والتمتع بكافة الامتيازات والحقوق التي يتمتع بها العراقي إلا ما استثني بقانون خاص (الفقرة الأولى من المادة التاسعة).
وهنا ينبغي الالتفات إلى أمور:
1 _ إن مجلس الحكم (انتقالي) فلا يحق له أن يتخذ قرارات ستراتيجية كهذا، وإنما وظيفته القيام بالمسؤوليات الحيوية كإعادة الأمن والاستقرار وإعادة الخدمات الضرورية كالماء والكهرباء والوقود وتأهيل الصحة والتعليم والنقل ونحوها وخصوصاً وانه لا يملك المشروعية، إذ لم يحصل على إمضاء من المرجعية الدينية الشريفة ولا نال موافقة الشعب باستفتاء عام، وإنما غض الشعب طرفه عن الاعتراض راجياً أن يمنحه الفرصة للنجاح في أداء المسؤوليات المتقدمة حتى تنشأ حكومة وبرلمان دستوريان منتخبان من قبل الشعب ليتخذ مثل هذه القرارات الاستراتيجية.
2_ إن القوانين ومنها قانون الجنسية إنما هي شروح وتفصيلات لمواد الدستور الذي يعتبر المستند الشرعي والأصل لهذه القوانين فما دام الدستور غائباً لا يمكن اتخاذ مثل هذه القرارات لعدم وجود مستند لها.
3_ إن هذا القانون لا يلائم طبيعة المجتمع العراقي وكذا دول المنطقة (إلا الكيان الصهيوني) اللقيط لذا لا تجد دولة منها تلتزم بمثل هذه المواد، وغاية ما تعطي تلك الدول حق الإقامة على أراضيها بشرط تجديدها كل ستة أشهر أو سنة مثلاً وبعض الحقوق والامتيازات المحدودة ولا يمكن أن
ص: 95
تساويه بابن البلد الذي يملك هو وحده الحق كاملاً في خيرات وطنه وليس بلدنا بحاجة إلى متجنّسين جدد وهو لم يوفّر السعادة الكافية لأبنائه.
4 _ إن مثل هذا القانون يفتح الباب واسعاً لأعداء هذا الشعب كالصهاينة أن يتجنّسوا ويمتلكوا ويتمتعوا بكل امتيازات العراقي وسنجد أنفسنا بعد عشر سنين أو عشرين سنة غرباء في أرضنا ومستعبدين ويدير الأجانب بلدنا ونتشرد في أصقاع الأرض كما حل بالفلسطينيين.
فهل التفت إلى كل هذا أعضاء مجلس الحكم الموقّر؟!
وبعد أسبوع أي في العشرين من أيلول أطل علينا وزير المالية (كامل الكيلاني) من دبي ليبشّر الشعب العراقي بالسعادة والرفاهية المقبلة عليه من خلال السماح للأجانب بتملك كل شيء في العراق عدا النفط، لأن سياسته موجهة من قبل الأجانب أصلاً بلا حاجة إلى قرار، وكلنا يعلم أن العالم اليوم شهدتكتلات اقتصادية تمتلك رؤوس أموال ضخمة لا يستطيع منافستها أصحاب الأموال العراقيين الذين أضعفهم النظام المقبور واستأثر بثروات البلاد لنفسه وبالتالي فإن مثل هذا القرار سيملّك العراق بكل قطاعاته إلى هؤلاء الأجانب ليتحكموا في اقتصاده ومن ثم في سياسته، وهو استعباد جديد بأسلوب متحضر مقبول.
وإذا انتظرت أمريكا مائتي عام منذ دخول اليهود إلى أراضيها ونشاطهم فيها حتى امتلكوا مفاصل الاقتصاد والسياسة فراحوا يوجهونها كيف يشاؤون فإن العراق سوف يحتاج إلى أقل من عشرين عاماً ليقع فريسة لهذا الإخطبوط، لذا كان أول المستبشرين بهذا القرار قادة الكيان الصهيوني حيث صرح (نتنياهو) أمام الكنيست بشطب العراق من قائمة الدول المعادية
ص: 96
(لإسرائيل) وفتح الأسواق (الإسرائيلية) أمام التجار العراقيين وكأنه أول من يعلم بالقرار قبل صدوره.
وإذا كان عذرهم هي حاجة العراق إلى أموال ضخمة لإعماره وإعادة تأهيله فيمكن أن يكون بغير هذه القرارات المجحفة، كما تفعل بعض دول المنطقة من حصر التملك بأبناء البلد وإعطاء فرصة الاستثمار للأجنبي باسم أبناء البلد على أن يكون لهذا الأخير أكثر من نصف عدد الأسهم لتبقى سلطة القرار بيده أو أي صيغ أخرى.
إن ما ذكرناه من النقاط تعليقاً على قانون الجنسية تنطبق على هذا القانون أيضاً لذا تدعوا الحوزة العلمية الشريفة أعضاء مجلس الحكم والوزراء أن ينظروا أولاً وقبل كل شيء إلى رضا الله تبارك وتعالى ومصلحة هذا الشعب المحروم والوفي والغيور على دينه وقيمه، وليكونوا شجعاناً وحازمين، وأن يتجردوا عن المصالح الشخصية أو الفئوية فإنها مرحلة تأريخية عصيبة سيسجل التأريخ مواقف أبنائها ومن لا يجد في نفسه الكفاءة والقدرة والشجاعة لاتخاذ القرارات الكبيرة فلينسحب.
وإننا إذ نؤدي واجبنا الشرعي بهذه البيانات نطلب من المثقفين والسياسيين والعلماء أن ينتبهوا إلى مثل هذه التجاوزات وليعملوا على توعية الأمة وتبصيرها بالأمور وليتخذوا الوسائل والتدابير التي تمنع من تمرير مثل هذه القرارات.
[وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ] (محمد:35)
ص: 97
رسالة إلى العراقيين بمناسبة شهر رمضان(1) وفيها مشروع المصالحة الوطنية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما هو أهله وصلى الله على رسوله والأئمة الميامين من آله وسلم تسليماً كثيراً
حينما يحلّ شهر رمضان ويتطلع المسلم إلى هلاله ينتابه شعوران:
الأول: الفرح لكونه ممن حظي فشهد هذا الشهر المبارك ولم يكن من الذين اخترمهم الأجل خلال العام الماضي فحرِم من هذه الفرصة الثمينة للتكامل والقرب من الله تعالى،فكم شخص كان بيننا في رمضان السابق وهو اليوم ليس فينا أما نحن فقد شملنا الله بلطفه وفتح لنا الباب على مصراعيه للاستزادة من الفضائل والحسنات والتقرب أكثر إلى الله تبارك وتعالى، كالطالب الذي تعطى له فرصة أخرى للامتحان في الدور الثاني ونحوه من أجل أن ينجح أو يحسّن درجته فحاله أفضل ممن يمنح فرصة واحدة.
وإن لله تبارك وتعالى ألطافاً ونفحات خاصة في شهر رمضان لا ينالها العبد في غيره وقد ورد في الحديث الشريف: (إن لله تبارك وتعالى نفحات ألا فتعرضوا لها)، هذه الألطاف والإمدادات الروحية يحسها حتى البعيدون عن الله تعالى فالمرأة السافرة تتحجب في شهر رمضان والذي يعاقر الخمرة يجتنبها احتراماً لهذا الشهر وتارك الصلاة يلتزم بها كل ذلك من بركات هذا
ص: 98
الشهر الكريم.
من هذه الألطاف ما ذكرها رسول الله (صلی الله علیه و آله) في خطبته التي ألقاها على المسلمين في آخر جمعة من شعبان ورواها أمير المؤمنين (علیه السلام) فقال (صلی الله علیه و آله): (أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، أيها الناس: إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة فسلوا ربكم أن لا يغلقها عليكم، وأبواب النيران مغلقة فسلوا ربكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة فسلوا ربكم أن لا يسلطها عليكم.... الخ).
الثاني: الرهبة والهيبة لهذا الشهر الكريم لأنه شهر الله وله حرمة عظيمة فلذا أوجب الله تبارك وتعالى صومه من دون الشهور، وجعل فيه ليلة القدر وجعلها خيراً من ألف شهر وأنزل فيه القرآن ودعا عباده إلى ضيافته يرتعون في موائده ويغدق عليهم من كرمه وماذا تجد على تلك الموائد.يقول رسول الله (صلی الله علیه و آله): (هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فسلوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وقيامه وتلاوة كتابه، فإن الشقي من حُرِم غفران الله في هذا الشهر العظيم).
فيشعر المؤمن بهيبة لهذا الشهر خشية أن يقصر فيه، ولا يكون أهلاً لضيافة الله تعالى فيحرم من بعض كرمه ويكون من الأشقياء، وعن هذه الحالة عبر الإمام علي بن الحسين زين العابدين (علیه السلام) في دعائه، مخاطباً شهر رمضان: (السلام عليك يا شهر الله الأكبر ويا عيد أوليائه السلام عليك يا
ص: 99
أكرم مصحوب من الأوقات ويا خير شهر في الأيام والساعات، السلام عليك من مجاور رقّت فيه القلوب وقلّت فيه الذنوب، السلام عليك من ناصر أعان على الشيطان وصاحب سهل سبل الإحسان، السلام عليك ما كان أمحاك للذنوب وأسترك لأنواع العيوب).
ويمكن أن تقرب الصورة بمثال من الواقع: فلو أن ملكاً أو رئيساً دعا أحداً لضيافته فكم سيكون هذا المدعو حريصاً على آداب الضيافة وعدم الإخلال بها ليكون أهلاً لهذه الدعوة ويكون سعيداً وفخوراً بتوجيهها إليه، فكيف إذا صدرت بطاقة الدعوة من الله تبارك وتعالى خالق الخلق وجبار السموات والأرض وأوصلها إليك اشرف المخلوقات محمد رسول الله (صلی الله علیه و آله) فكم هي ثمينة وقيمة هذه الدعوى وكيف سيكون حرصك على أن تكون أهلاً لها.
ومن اقتران هذين الشعورين: الفرح والرهبة في القلب يندفع المسلم للعمل الصالح ويكون الحافز فيه مضاعفاً لطاعة الله تبارك وتعالى وأعمال البر والإحسان وصفاء القلوب والمودة والألفة ونزع ما فيها من غلّ وحقد وحسد وبغضاء ليكون من الفائزين يوم القيامة قال تعالى: [يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ، إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ] (الشعراء:88-89) أي خال من الغش للآخرين خصوصاً إذا التفت إلى عظمة العطاء الإلهي على أعمال الخير، يقول رسول الله (صلی الله علیه و آله): (مَن حسّن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام، ومن كف فيه شره كف الله غضبه يوم يلقاه، ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه، ومن تطوع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار، ومن أدى فيه فرضاً كان له ثواب من أدى سبعين
ص: 100
فريضة فيما سواه من الشهور، ومن أكثر فيه من الصلاة علي ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور).
فلتتوحد قلوبنا على الصفاء والمودة والعمل المخلص لإرجاع البسمة إلى هذا الشعب الأبي الكريم الذي ذاق صنوف الاضطهاد والحرمان والكبت، وقد أذن الله تبارك وتعالى له أن يسترد عافيته بجهود المخلصين من أبنائه فلا تفرقنا اتجاهات دينية أو نوازع عرقية، فهذا أمير المؤمنين (علیه السلام) يوصي مالك الأشترعندما ولاه مصر ويعهد إليه بكتاب طويل ومما جاء فيه: (واستشعر الرحمة في قلبك للرعية فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).
ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى المحبة والتسامح والحوار حتى نخرج من هذه الأزمة الخانقة التي أوصلت جميع الأطراف إلى طريق مسدود، وبمناسبة حلول شهر رمضان الذي هو أثمن فرصة للمودة والصفاء والسلام أقدم هذا المشروع الذي هو بمثابة دعوة للمصالحة والحوار بين جميع الأطراف المعنية بالقضية العراقية، وهذا هو نص المشروع:
ص: 101
بسم الله الرحمن الرحيم
تعد المشكلة الأمنية من اخطر ما يواجه العراق اليوم والوضع ينذر بالأسوأ إذا لم يتصد عقلاء القوم المعنيون بالأمر لاتخاذ التدابير اللازمة للعلاج لأن انعدام الأمن والاستقرار سيترك آثاره على جميع النواحي الأخرى كالاقتصادية والاجتماعية والسياسية ويعرقل تلك النشاطات.
وإذا استقرأنا جذور المشكلة ومناشئها فسنجد أن حل المشكلة الأمنية ليس عسكرياً أي لا يكون بجلب المزيد من القوات وإشراك الدول الأخرى، وإنما الحل يكون سياسياً بان تستشعر الأمة سيادتها على أرضها وصون كرامتها وعزتها وحفظ هويتها الوطنية والإسلامية وهذا ما نراه مهدداً الآن، وبدلاً من أن تعمل قوات الاحتلال على تقوية مجلس الحكم وإنجاح عمله لتزداد قناعة الشعب به، حصل العكس بتهميش دوره وعدم الاعتناء بآرائه ومواقفه تجاه عدد من قضايا الأمة وعدم اعتباره عنصراً أساسياً في الساحة العراقية، وأُنيطت مسؤولية إدارة العراق وأمواله ومؤسساته بمسؤول الإدارة المدنية لقوات الاحتلال.
وهذا ما يثير قلق الشعب لأنه وإن أبدى بعض التحفظات على كيفية تشكيل مجلس الحكم واختيار أعضائه وأسلوب عمله وعدم شموليته لكل القوى والتيارات الجماهيرية، إلا أنه يعتبره هيئة عراقية يمكنأن تكون منطلقاً وفق خطة تدريجية لعودة السيادة الوطنية، فأي إضعاف له يكون محبطاً لتلك الآمال، وهذا الفشل والشعور بالإحباط يولد ردود أفعال مذمومة
ص: 102
ويعطي المبررات لنشوء مشاريع لا تكون في مصلحة الشعب العراقي، كما أن إهمال بعض القوى المؤثرة في الساحة وتجاهل دورها في صنع مستقبل العراق أدى إلى حصول هذه النتائج السيئة.
إننا وإن أبدينا هذه التحفظات إلا أننا لا نستطيع إنكار الانجازات الكبيرة التي حققها مجلس الحكم خلال الفترة الماضية(1) على صعيد أعادة الخدمات الأساسية وتشكيل الدولة وتأهيل مفاصلها المدنية والعسكرية للعمل من جديد.
وفي ضوء هذه الدراسة للأسباب نخرج بنتيجة مفادها ضرورة قيام مجلس الحكم بمبادرة (مصالحة وطنية) تخرج البلد من حالة الاختناق والتوتر، وتقطع الطريق أمام الانتهازيين وتعيد عملية البناء والإعمار والتقدم إلى مسارها الصحيح من خلال الخطوات التالية:
1_ إشراك قوتين جماهيريتين(2) في مجلس الحكم فيصبح عدد المقاعد (26) بنسبة مقعد واحد لكل مليون شخص مع مراعاة التوازن في تمثيل قوميات وطوائف المجتمع العراقي.
ص: 103
2_ أن لا يتخذ مجلس الحكم أي قرارات مصيرية كقانون تجنيس الأجانب وخصخصة قطاع النفط؛ لأنها من اختصاص المجالس المنتخبة من قبل الشعب وبعد وضع الدستور الذي تستند إليه هذه القرارات واكتفاء هذا المجلس باتخاذ القرارات المرحلية لأنه (انتقالي) أسس لكي يتجاوز بالأمة هذه الفترة العصيبة.3_ أن تعمل قوات الاحتلال على تقوية مجلس الحكم وإنجاح عمله واحترام قراراته والتعامل معه كممثل حالي للشعب العراقي فحينما رفض استخدام قوات تركية لا ينبغي لمسؤول الإدارة المدنية لقوات الاحتلال أن يقول (ليس بيد مجلس الحكم أن يرفض مثل هذا القرار)؛ لأن العراق للعراقيين وهم الذين يقررون مصيره.
4_ أن يعلن مجلس الحكم عن خطوات جدية لإعادة السيادة للعراقيين وإنهاء الاحتلال تدريجياً وبأقرب وقت، بان يضع برنامجاً بتوقيتات محددة لوضع الدستور وإجراء انتخابات وطمأنة الشعب بوجود صدق في هذا الاتجاه ولنبدأ الخطوة الأولى وهي تحديد موعد إجراء التعداد العام للسكان وليس الإحصاء التفصيلي وهو أمر ليس عسيراً بعد تشكيل الوزارات وبدأ العام الدراسي ووجود البطاقات التموينية فيمكن أن تقوم الهيئات التعليمية والموظفون بهذه المهمة كما كانت في النظام البائد.
ص: 104
عقد مجلس الحكم العراقي اتفاقاً مع سلطات الاحتلال في الخامس عشر من شهر تشرين الثاني الحالي 2003 يبين جدولاً زمنياً لعملية أعادة السيادة والسلطة إلى العراقيين ليديروا شؤونهم بأيديهم ويتخلصوا من الاحتلال.
والاتفاق من حيث المبدأ خطوة على الطريق الصحيح فلطالما طلبنا ومعنا المخلصون من أبناء البلد بوضع مثل هذا الجدول الزمني لطمأنة الشعب بجدية مثل هذه الخطوات لسحب المشروعية من كثير من الهجمات التي تحصل هنا وهناك وذهب ضحيتها الأبرياء أكثر من غيرهم، ولرد المشاريع التي تطرح بين آونة وأخرى كحل للخروج من المأزق السياسي الذي يعيشه البلد، وقد قلنا إن جزءاً من حل المشكلة الأمنية هو الحل السياسي الذي يحفظ للجميع حقوقهم وللبلد كرامته وعزته.
ونأمل
أن تكون الأطراف الموقعة على الاتفاق جادة وصادقة في وضعه وتنفيذه إلا أن عدة مؤشرات تحبط هذا الأمل وتبدده:
1. إن المشروع لم ينشأ عن شعور بالمسؤولية وبالحاجة إلى عمل وطني لتحرير البلد من الاحتلال بالطرق السلمية، وإنما عرض بعد ضغوط الولايات المتحدة وقرار مجلس الأمن الأخير الذي ألزممجلس الحكم بتقديم مثل هذا الجدول الزمني قبل الخامس عشر من كانون الأول، بل إن الدلائل تشير إلى أن سلطة الاحتلال هي التي وضعته ونسبته إلى مجلس الحكم للحفاظ على ماء الوجه.
ص: 105
2. تصريحات العديد من المسؤولين والمحللين في الولايات المتحدة بأن إعلان الاتفاق كان لأغراض دعائية تخص حملة الرئيس الأمريكي بوش لإعادة انتخابه لرئاسة الولايات المتحدة العام المقبل بعد أن تصاعد استياء الشعب الأمريكي من كثرة خسائره في العراق وتورط الولايات المتحدة في حرب (فيتنام ثانية)، فيعيد الاتفاق للأمريكيين الأمل بالتخلص من هذا الكابوس، وقد دلت استطلاعات الرأي العام الأمريكي على تراجع شعبية بوش والشعور بفشل العمليات العسكرية في العراق.
3. تعقيد آليات تنفيذ هذا الاتفاق وإطالة زمنه لأكثر من سنتين مما يجعله عرضه للإلغاء والتجميد في أي لحظة بمبررات لا يصعب إيجادها، كعدم استقرار الوضع الأمني وعدم وجود سلطة عراقية كفوءة تقود العملية ونحوها، فيمكن لسلطة الاحتلال أن تقلب الطاولة في وجه مجلس الحكم وجميع العراقيين حينما تشعر بأن سير عملية تنفيذ الاتفاق في غير صالحهم وهم يلمحون إلى ذلك بقولهم: (إن العراق ما زال بحاجة إلى قائد جديد) و (إن تسريع عملية تسليم السلطة إلى العراقيين لا يخدم المصالح الأمريكية) ونحوها.
ويبدو أن مجلس الحكم تساوره هذه الاحتمالات أو يعلم بها لذا طلع علينا السيد جلال الطالباني الرئيس الدوري لمجلس الحكم في لقاء مع جريدة الزمان أجراه الأسبوع الماضي في طهران أثناء زيارته لها قائلاً: (في السياسة لا يوجد إطلاق) (جريدة الزمان عدد 2003/11/22) وهو بصدد الحديث عن جدية الولايات المتحدة في تنفيذ هذا الاتفاق لذا فإن خط الرجوع عن تنفيذ الاتفاق في أي مرحلة من مراحله يبقى مفتوحاً كما أن
ص: 106
الأمل بالله تبارك وتعالى في أن يحقق الخير لهذا الشعب المضطهد المظلوم أكبر من أن ينال منه كيد الخائنين ومكر الماكرين وان كان مكرهم لتزول منه الجبال.
وإن الحوزة الشريفة التي هي المرجعية الحقيقة للأمة ولها إمامة القلوب وإن تسلط غيرها على الأجساد ترى من وظيفتها الإلهية أن تنظر بدقة وعمق إلى كل ما يطرح من مشاريع ويثار من قضايا لتقدمها وتنقدها نقداً بنّاءً، فتصحح ما صح منها وتعالج خلل ما أخطأ منها، وفي الحقيقة فإن هذه المراقبة هي وظيفة الأمة جميعاً فمن المؤلم حقاً أن ترى العراق مهد الحضارات وبلد الأنبياء والأوصياء (علیهم السلام) وعاصمة دولة العدل الإلهي ومجمع الخيرات، وكأنه سفينة في بحر هائج تتقاذفها الأمواج يتفرج عليها مالكوها ويحاول الانتهازيون سلب خيراتها، ولا يتصدى لها قائد مخلص أمين يأخذ بزمامها إلى بر الأمان.
وفي هذه السياق نبين التعليقات التالية على الترجمة العربية لنص الاتفاق:1. إنه ينيط بمجلس الحكم وبالتشاور مع سلطة الاحتلال مسؤولية وضع (القانون الأساسي) وقد اشترط في إحدى فقراته أنه لا يغير ولا يبدل وهذا المصطلح (القانون الأساسي) هو معنى كلمة (الدستور) وقد تضمن هذا القانون فعلاً فقرات تعبر عن المبادئ الأساسية للدساتير من حريات وحقوق وتنظيمات إدارية فهذا سن للدستور أو يخشى أن يقر هذا القانون على أنه دستور لمدى غير معلوم وتميع قضية صياغة الدستور من قبل هيئة منتخبة من قبل الشعب .
ص: 107
2. إنه أخذ مسلماً في القانون الأساسي الترتيب الفدرالي وفيه مصادرة لإرادة الشعب العراقي الذي يجب أن يستفتى عن هذه الصيغة؛ لأن كل جزء في العراق هو ملك العراقيين جميعاً وليس لأحد أن يستأثر بشيء دون آخر مهما كانت المسوغات وقد شبه رسول الله (صلی الله علیه و آله) كيان الأمة الواحدة بالسفينة التي يشترك فيها عدد من الناس فليس لأحدهم أن يقلع خشبته ويقول هذه لي لأن النتيجة غرق الجميع.
وأنا كفرد عراقي لا أريد الفدرالية التي هي مقدمة لتقسيم العراق والتفكيك، بل هي كذلك فعلاً من الناحية المعنوية والشعور على الأقل، والفدرالية إن كان فيها خير فللأجزاء التي تريد أن تتجمع وليس للكل المتحد الذي يراد تجزئته فلا بد أن يبقى العراق كلاً واحداً متحداً ولجميع أبنائه حق فيه كله.
وهذا من الناحية السياسية وهو لا يمنع من تحقيق لا مركزية في الإدارة لمراعاة خصوصيات المحافظات المختلفة من حيث اللغة والدين والمذهب والعرق وإعطاء صلاحيات واسعة للإدارات المحلية في المحافظات.
3. تقرير قابلية التغيير والتبديل في القانون الأساسي عند موافقة ثلثي أعضاء المجلس المنتخب من قبل الشعب.
4.يعطي الاتفاق دوراً مهماً للمجلس البلدي أو مجلس المحافظة الحالي فثلث أعضاء اللجنة التنظيمية الخمسة عشر هم من هذا المجلس، وستتكفل هذه اللجنة بعقد المؤتمرات الانتخابية مع الواجهات الاجتماعية والسياسية والعشائرية والدينية لانتخاب ممثلي المجلس الانتقالي، وهي
ص: 108
التي تصادق على ترشيح الأشخاص للمجلس وتختبر أهليتهم.
ونحن نعلم أن المجالس البلدية وأتكلم من زاوية مدينة النجف الأشرف قد شكلت في غفلة من الزمن وفي عمليات ارتجالية هزيلة لا تعبر بشكل من الأشكال عن إرادة أبناء المدينة، فلا بد من أعادة انتخابات المجلس البلدي بطريقة حرة ومباشرة وعلنية ويحضّر لها أو يعاد النظر في تشكيل هذه اللجان التنظيمية خصوصاً مع ملاحظة النقطة التالية.
5. إن اللجنة التنظيمية المذكورة تُغَيِّب صوت أبناء مراكز المحافظات تماماً والأقضية والنواحي غير الرئيسية لأنها افترضت أن أعضاء اللجنة خمسة عشر يعين مجلس الحكم خمسة منهم ويعين المجلسالبلدي خمسة آخرين، وأما الخمسة الآخرون فهم عضو واحد من قبل المجلس المحلي في المدن الخمس الكبرى في المحافظة فمن الذي سيمثل أبناء مركز المحافظة والمدن غير الكبرى؟
6. إن المجلس الانتقالي الذي هو بمثابة (برلمان انتقالي) سوف لا يُختار مباشرة من الشعب بحرية وإرادة كاملتين وإنما ستنتخبه الواجهات العشائرية والدينية والاجتماعية والسياسية وفي هذا:
أ. تغييب لشريحة كبيرة من المجتمع من الذي لا ينتمون إلى هذه الواجهات ولا يعترفون بمصداقيتها في تمثيلهم.
ب. غبن مراكز الثقل في المجتمع كالمرجعية الدينية التي سيكون لها صوت كما لبعض الواجهات التي لا يتجاوز عدد أفرادها أصابع اليد صوت واحد مثلها، وهذه قسمة ضيزي وغير معبرة عن تطلعات الشعب.
ج_- إنها ستتعرض للإشكالات التي تعرض لها مجلس الحكم
ص: 109
والمجالس البلدية من أنها تمثل الفئوية والطائفية وعدم الاستيعاب والانفتاح على الجميع وغيرها مما سيعرض البلد إلى مزيد من المشاكل والمصادمات وفقدان الأمن والاستقرار وضياع هذه الفرصة التي يتطلع فيها الجميع لحل مرضي لجميع الأطراف.
وفي عقيدتي فإن هذه الفقرة هي من أخطر ما في الاتفاق وأكبر سبب لإفشاله ووصوله إلى طريق مسدود بعد أن يكون الشعب قد أضاع سنتين من عمره في هذه العملية المعقدة بما تتضمنه السنتان من خسائر وآلام وضحايا لنعود إلى نقطة الصفر والبداية من جديد.
7. ترك الاتفاق بعض الفقرات مبهمة وهذا سيكون مسوغاً للالتفاف عليه أو تأجيله وعرقلته، فمثلاُ قال إن المؤتمرات الانتخابية في المحافظات سوف تنتخب ممثلين ليمثلوا المحافظة في المجلس الانتقالي الجديد مرتكزة على النسب المئوية للشعب العراقي وهذا كله يجب أن يحصل قبل 31 آيار 2004، وحينئذٍ نسأل كيف تحدد النسب المئوية للمحافظات من الشعب العراقي، وهل يوجد تعداد عام للسكان يحدد هذه النسب أي سكان كل محافظة، وإذا وجد فلماذا لا يعتمد كأساس لإجراء انتخابات عامة مباشرة التي يبررون عدم إجرائها لعدم وجود إحصاء دقيق وإذا كانوا سيجرونه فلماذا لا يكون ذلك مقدمة لإجراء هذه الانتخابات الحرة المباشرة.
ومن جهة أخرى فإنهم قالوا: إن المجلس الوطني الانتقالي يتألف من (36) عضواً حيث يمثل كل محافظة عراقية عضوان فأين هذا من النسب المئوية لتعداد كل محافظة.
ص: 110
8. عدم وجود دور للأمم المتحدة في الإشراف على العملية في حين أن الشعب يطالب بذلك لرفع الحساسية التي يشعر بها فيما لو تصدت قوات الاحتلال بمفردها لذلك.وعلى أي حال كان بالإمكان تلافي هذه الإشكالات والآليات المعقدة الطويلة لترتيب المرحلة الانتقالية بتنفيذ المشروع الذي وضعنا خطوطه العريضة الرئيسية، ولم تعترض عليه مرجعية رئيسية أخرى في النجف الأشرف، ويتلخّص بإجراء انتخابات عامة مباشرة لاختيار أعضاء مجلس تأسيسي بمثابة البرلمان من (260) عضواَ حيث يمثل كل عضو (100) ألف من الشعب، ويعين هذا المجلس لجنة لصياغة الدستور وهو الذي يختار حكومة أو يصادق على الحكومة الحالية بعد أن تعرض عليه فرداً فرداً وينحل مجلس الحكم ويبقى منه مجلس الرئاسة فقط بعد تقليص عدده ليمارس دور رئاسة الجمهورية ويمكن أن تقوم وزارة التخطيط
بالتعاون مع وزارة التربية والجهات الشعبية والدينية والسياسية لتوزيع المراكز الانتخابية على المدارس ويتولى المعلمون والمدرسون جمع المعلومات وتدقيقها على البطاقة التموينية وهي عملية لا تستغرق طويلاً وتكون ذات مشروعية كاملة في كل قراراتها لاستنادها إلى إرادة الشعب وبإشراف لجان خاصة وكان المشروع يمكن أن ينفذ قبل الآن لأنه عرض قبل عدة أشهر ونكون قد جنبنا بلدنا وشعبنا الكثير من المشاكل ومع ذلك فإن الفرصة لم تفت ومازالت قائمة.
إن ما يثار من إشكالات على إجراء عملية انتخابات حرة مباشرة
ص: 111
كعدم وجود حالة أمن مستقرة لا واقع لها(1)؛ لأن أكثر مناطق البلد مستقرة وتجري فيها الأمور بشكل طبيعي، وإن عدم إمكان إجراء انتخابات في عشرة أو عشرين بالمائة من مناطق العراق غير المستقرة أو غير المثبتة في بيانات لا يضر بصحة الانتخابات ومشروعيتها، فإنه ما من بلد في العالم يشارك فيه كل من يحق له الانتخابات بل إن المشاركة في بعض البلدان تصل حتى إلى 50% كما في الولايات المتحدة. مع ذلك فإن المدن التي يتعذر إجراء الانتخابات فيها يمكن أن تطالب بتقديم مرشحها ولو تعييناً من قبل أبنائها بحسب النسب المقررة.
إن شعبنا الذي اثبت قدرته على إدارة مشاكل معقدة في الفترة السابقة وفي تنظيم الزيارات المليونية التي تحصل للأئمة الأطهار (علیهم السلام) بين فترة وأخرى فتجري بكل دقة ونظام ولا تشهد أي خرق أمني بل ولا حتى حادث مروري، لا يصعب عليه تنظيم انتخابات عامة.فإذا توفر الإخلاص والصدق والشعور بالمسؤولية والهمة العالية فإن العملية ستتم بإذن الله تعالى وبأسرع وقت وبها يخرج بلدنا من هذا المأزق الذي هو به، ومن يرفض مثل هذا المشروع فإننا لا نتوقع منه الصدق في تنفيذ الاتفاق المعقود للفترة الانتقالية الذي نحن بصدد التعليق عليه لأنه يتضمن إجراء انتخابات أيضاً في بعض مراحله فما الفرق بينهما.
ص: 112
أرجو أن تؤخذ هذه التعليقات بنظر الاعتبار وقد كتبناها باختصار ويمكن استمرار الحوار لبيان تفاصيلها، وأسأل الله تعالى أن يحمي هذا البلد وشعبه من كل سوء ويوفق العاملين المخلصين لما فيه خير الأمة وصلاحها.
محمد اليعقوبي
29 رمضان 1424
2003/11/24
ص: 113
محاولات بائسة لاستنقاذ صدام حسين(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
تتصاعد الدعوات الإقليمية والدولية لاستنقاذ صدام حسين شاركت فيها عدة دول مستكبرة وأعلنت السويد عن استعدادها لاستضافة سجن صدام حسين لتجمعه مع شياطينه وأمواله التي حلبها من العراق بحرمان أهله ومصادرة حقوقهم وليعيد إجرامه من جديد ويحرك خيوطه من بعيد.
والغريب من الأمين العام للأمم المتحدة التي يفترض أن تمثل الشريعة الإنسانية أنه يرفض إنزال عقوبة الإعدام به بعد محاكمته وتغض الطرف عن ملايين النفوس التي أزهقها صدام مجرم العصر.
وتشكل (هيئة الدفاع عن صدام حسين) في الأردن باعتباره بطلاً قومياً رفع اسم العروبة عالياً ووقف في وجه الطواغيت.
ويتحدث محامون آخرون في لندن وبعض الدول الغربية وغيرها عن ضرورة إجراء محاكمة عادلة لهذا المجرم، ونحن نطالب معهم بإصرار بمثل هذه المحاكمة لا لكي نثبت بالأدلة الجرائم الملصقة به فإنها أوضح من الشمس في وسط النهار، وإنما لكي نثبت للعالم أخلاق هذا الشعب وعدالته التي تعلمها من دينه الإسلامي العظيم والتي لا يحيد عنها وهو في
ص: 114
قمة الانتصار وعدوه في ذل الهزيمة وهوانها كما وصفهم الحديث الشريف (المؤمن لا يخرجه غضبه عن حق ولا يدخله رضاه في باطل)، وليكشف أقنعة الطواغيت وعملائهم الذين آزروا
وناصروا صدام وسكتوا عن جرائمه، وليظهر نفاق الحكام الذين تسلطوا على رقاب شعوبهم بالقهر والإذلال والبطش والقسوة وخدعوا وضللوا المساكين بالشعارات البراقة والكلمات الرنانة والحركات البهلوانية.
وإذا أردنا فهم المنطلقات النفسية والفكرية لهؤلاء الذين يدافعون عن صدام مع وضوح جرائمه فيمكن أن نحدد جملة منها: _
1. إنهم يخشون الفضيحة لان كثيراً منهم كانوا شركاءه في الجريمة أو على الأقل سكتوا عنه.2. عدم رضا بعضهم على المعادلة السياسية الجديدة التي حصلت في العراق وحصول الطائفة الشيعية على بعض حقوقها فساءهم أن يعود الحق إلى أهله لأنهم ألفوا حياة الظلم والعدوان والتسلط بغير حق.
3. بعضهم مخدوع بشعارات صدام الوطنية والقومية الكاذبة وحركاته الخداعة كضرب الكيان الصهيوني بصواريخ غير مجدية عادت على الصهاينة أنفسهم بالنفع.
4. العصبية الجاهلية التي تتحكم في عقول البعض والتي تدعو إلى نصرة ابن قومه ولو كان ظالماً غشوماً.
وهم جميعاً مشتركون في أنهم لم يكتووا بنار صدام بل كان بعضهم يرفل بظله بالسعادة والهناء ويغدق عليه ب_(الدولارات)، وإلا فإنه لا يعقل أن يدافع عن صدام من أفنى زهرة شبابه خلف قضبان السجون
ص: 115
ولازالت آثار التعذيب القاسي على جسده بما لا عين رأت ولا أذن سمعت، أو من فقد أحبته في أحواض التيزاب والمقابر الجماعية والأسلحة الكيمياوية وآتون الحروب العابثة مع جيران العراق المسلمين، أو قضى حياته في الفقر والحرمان من ابسط الحقوق وهو يرى بأم عينيه صداما يبني قصوراً بحجم المدن الكبيرة، ويصرف عليها المليارات ويحول خزينة العراق من فائض مقداره (40) مليار دولار إلى ديون تبلغ مئات المليارات من الدولارات.
فهل بعد هذا يوجد من يدافع عن صدام حسين؟ وماذا سيقول.
أقول لهؤلاء المخدوعين لا تغرنكم تلك الكلمات الرنانة، فإن صدام قدم أكبر خدمة لأسياده المستكبرين حين أشعل الحروب والأزمات في المنطقة وخلق المبررات لاستقدام قواتهم وأساطيلهم إليها، وكان المستكبرون كلما تعالت الصيحات لخروجهم من المنطقة واستقرار الأمن فيها يدفعون صدام إلى خلق أزمة ليقنعوا أبناء المنطقة بضرورة تواجدهم فيها.
وهو الذي أزهق أرواح الملايين من أبناء العراق وإيران وغيرهما في حروبه الجنونية التي لا معنى لها ولا هدف سوى الاستجابة لنزعاته الشريرة، وكانوا طاقة كبرى للإسلام وللعروبة ولهذه البلاد العزيزة.
وهو الذي أهدر الثروات الطائلة لهذه المنطقة فبلغ العجز والتضخم ذروته وجعل شعبه يئن تحت وطأة البؤس والحرمان وملأ جيوب أسياده بهذه الثروات بما باعته للمنطقة من سلاح وتكنولوجيا دفاعية.
وهو الذي قتل خيرة علماء الأمة ومفكريها ومراجعها وعلى رأسهم
ص: 116
المصلحان الصدران الشهيدان وكانوا حصون هذه الأمة من الفساد والانحراف ومواجهة الاستكبار فأي خدمات لأعداء الإسلام والعروبة أكبر من هذه وماذا بقى لهم مما يدافعون به عن صدام.إننا نبدي امتعاضنا واشمئزازنا من تصرف هؤلاء وندعوهم إلى المشاركة في محاكمة صدام حسين وفسح المجال لكل من يريد أن يرفع دعوى ضد صدام حسين ليتبصر هؤلاء ويقتنعوا ببعدهم عن الصواب.
إن المطالبة بالعفو والسماح والمصالحة لا تنفع مع مثل هؤلاء الذين لو رُدّوا لعادوا لما نهوا عنه وأسوأ منه ولو كان العفو حلاً ناجحاً مع كل أحد لما خلق الله تبارك وتعالى -وهو أعدل العادلين وأرحم الراحمين وهو الغفور الكريم الجواد المتفضل المنان- النار وما فيها من عذاب للمجرمين تقشعر منه الأبدان وتصطك له الأسنان.
فلا بد أن تكون محاكمة صدام في العراق وعلى يد العراقيين، ليكون يوم العدالة الإنسانية ويوم ينتصف المظلوم من الظالم والحديث يقول (إن يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم) وليكون يوم إظهار الحق والمظلومية للشعب العراقي الممتحن الصابر، وشريكيه الشعب الإيراني والكويتي ويوم تعرية المنافقين والخونة وفاقدي الضمير. وإلى الله المشتكى وعليه المعوّل في الشدة والرخاء [وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ] (القصص:5).
محمد اليعقوبي
27 شوال 1424 المصادف 2003/12/22
ص: 117
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده وصلى الله على النبي وآله وسلّم تسليماً كثيراً.
حينما نتحدث عن وظيفة الشباب المسلم وعموم العراقيين في هذه المرحلة فليس ذلك من آثار واستحقاقات توقيع الاتفاق بين مجلس الحكم الانتقالي وقوات الاحتلال؛ لأننا قد أبدينا تحفظاتنا على هذا الاتفاق وبينّا نقاط الخلل فيه التي لا تنسجم مع الحقوق المشروعة لهذا الشعب، وإنما أتحدث عن الوظيفة التي تمثل تكليفنا في كل حالة جديدة إذ ما من واقعة إلا ولله فيها حكم.
والأحداث السياسية التي يمر بها البلد من أهم تلك الوقائع لأنها تتعلق بالأمة جميعاً وتؤثر سلباً أو إيجاباً في مستقبلها سياسياً وثقافياً وأخلاقياً ودينياً واجتماعياً، فهي من أهم مستحدثات المسائل الفقهية المرتبطة بأفعال المكلفين كأفراد، فالتعرف عليها وبيانها والعمل على تنفيذها -أي الأحكام الاجتماعية العامة- أكثر إلحاحاً وأشد وجوباً.من هنا كان لزاماً على علماء الإسلام (أيدهم الله تعالى) توعية الأمة وإرشادها إلى ما يجب أن تتخذه من مواقف بإزاء القضايا التي تعترضها، ومن تلك القضايا تسلّم العراقيين بأنفسهم إدارة شؤون بلدهم وبناء مؤسساته التي تحفظ كيانه وتوفر للشعب حقوقه كافة، وحتى لا تبقى ذريعة لقوات الاحتلال في البقاء، ولا تتحقق هذه النتيجة إلا من خلال خطوات:
1- توعية الأمة بمطالبها الحقيقية ومصالحها المشروعة والإصرار
ص: 118
عليها وضرورة المشاركة الجدية الفاعلة في تحقيقها.
2- تنظيم شؤون الأمة وترتيب أمورها من خلال تأسيس الاتحادات والنقابات أو إنشاء الأحزاب والجمعيات والحركات التي تتبنى تلك المطالب وتتخذ المنهج المناسب لتحقيقها.
3- وحدة الصف بإزاء القضايا المصيرية وإن تعددت الرؤى واختلفت المناهج، فإن هذا أمر طبيعي ما دام هناك عقل يفكر ويقتنع بما يتوصل إليه ولكن يجب أن ننظر إلى هذا التعدد على أنه حالة إيجابية باعتباره تنويعاً لآليات العمل التي تصب في الهدف الواحد، لتتمكن من استيعاب كل شرائح المجتمع ذي القناعات المتعددة وعندئذ تجتمع هذه التشكيلات وتنسق أعمالها وتوحّد مواقفها وتتفق على مرشحيها في قوائم موحدة لتقف كلها صوتاً واحداً وراء هؤلاء المرشحين النزيهين الكفوئين مهما كانت انتماءاتهم بعيداً عن الأنانية والمصالح الحزبية أو الشخصية ولا يكون حالة سلبية إلا إذا لبس ثوب الأنانية والفئوية والشخصية فيتعصب كلٌ لحزبه ويحاول إلغاء الآخر وتسقيطه.
4- الشعور بالمسؤولية وتحملها بشكل كامل ولا يلقيها على غيره وليعود نفسه هذه المعاناة ولا يخلد إلى حياة الراحة والكسل ولا يكونوا كالذين قالوا لنبيهم [اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ] بل كالذين [قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ في سَبِيلِ اللهِ].
وقد وجدت كثيراً من الناس الأكفاء الذين يتمتعون بثقة الناس ينسحبون من المسؤولية وكأنهم لطول حرمانهم من المواقع السياسية والوظيفية العليا ألِفُوا الحياة في الظل، ولم يستطيعوا الخروج إلى النور ليروا
ص: 119
أن اللذة الحقيقية في التعب والعناء لنيل رضا الله تبارك وتعالى، قال تعالى [يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ] (الانشقاق:6)، وكلما كان العنت والمشقة في سبيل الله تعالى وإدخال السرور والسعادة على البشرية فهذا عمل مرضي لله تبارك وتعالى، فإن الأمة كالجسد الواحد إذا أصيب منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فأي تقصير من قبل العناصر الملتزمة النزيهة في ملئ المواقع الوظيفية والإدارية من أدناها إلى أعلاها يعني إعطاء الفرصة للعناصر الفاسدة في إشغالها وسيكونون وبالاً على الأمة التي لا تلوم إلا نفسها على هذا التقصير.وتتحمل الحوزة العلمية الشريفة مسؤولية كبيرة في القيام بهذه الخطوات وتعبئة الأمة لأداء دورها الرسالي وأن تتولى رعايتها على طول الخط وفي جميع المراحل.
والحوزة العلمية قد عملت بالوسائل التي تراها مناسبة للضغط على الأطراف المعنية بالقضية العراقية مما دفعهم إلى الرضوخ إلى مطالب الشعب المشروعة وتسليم السيادة إليهم وتمكينهم من إدارة البلد بأنفسهم، ونحن قد قدمنا مشروعاً لحل المشكلة السياسية في المرحلة الانتقالية قبل عدة أشهر ويبدو أنهم احتاجوا إلى كل هذه المعاناة والخسائر وتدهور الوضع ليقتنعوا بتنفيذه ومع ذلك فإنهم التفوا عليه وصادروا عدة نقاط مهمة فيه وخصوصاً إجراء انتخابات حرة مباشرة لكل الشعب لاختيار أعضاء البرلمان الانتقالي، ولجأوا إلى هذه التفاصيل والآليات المعقدة والطويلة.
وعلى أي حال فإن على الشعب أن يشارك لاستنقاذ ما يمكن تحصيله من حقوقه وتختلف طبيعة المشاركة بحسب مؤهلات الشخص لموقع
ص: 120
المسؤولية فيرشح من يجد نفسه أهلاً لموقع ما، في انتخابات تلك الموقع ولكي تتوحد الأصوات وراء مرشح واحد جامع للصفات يكون على المرشحين التفاهم فيما بينهم لكي ينسحب الجميع لمصلحة واحد منهم حتى لا تتشتت الأصوات فتضيع وتتحول القوة والكثرة إلى ضعف وهزيمة.
ويجب على الشعب الاستمرار بالمطالبة في إشراكه في الاختيار من خلال انتخابات حرة مباشرة من أدنى موقع إلى أعلاه سواء على مستوى المجلس البلدي أو المحافظ أو البرلمان أو رئاسة الجمهورية أو لجنة وضع الدستور، وإذا تعذر ذلك بأوسع أشكاله فيمكن القبول بدرجة أقل منه إلا أنه لا بد أن تمنح الفرصة الكافية للشعب ليختار ممثليه ليكتسب المسؤولون شرعيتهم، وإلا فإن الفجوة تبقى قائمة بل تتعمق وتزداد حالة الإحباط والشعور بالغبن والظلم مما يؤدي إلى عواقب وخيمة.
ويجب استغلال الوقت وعدم إضاعته بل ينبغي الاستفادة من كل لحظة لتعبئة الطاقات وحشدها وتوحيدها واختيار المؤهلين وتعريفهم للجماهير وحثهم على دعمهم وانتخابهم وتسخر كل الوسائل والقنوات والآليات وتوظيفها لهذه العملية وتوعية الأمة بمواصفات وشروط من ينتخبونه، فإنها أمانة ثقيلة يجب أن تؤدى إلى أهلها.
وأحب أن أذكر هنا جواب سؤال وُجِّه إليّ عن الخطاب السياسي الشيعي وأهدافه وآلياته.
س: هل تعتبرون أن الخطاب السياسي الشيعي ناضج في هذه المرحلة
ص: 121
أم لا؟ وعلى من تقع مسؤولية هذا الخطاب، على الحوزة العلمية أم على الأحزاب الإسلامية؟ج_: بسمه تعالى: إن الخطاب السياسي يعني الأطروحة والرؤية وبرنامج العمل الذي يقدمه أي حزب أو تنظيم لتحقيق الأهداف التي يعمل من أجل تحقيقها، والخطاب السياسي الشيعي فيه مطالب عامة يشترك فيها مع جميع الطوائف والتيارات الممثلة للشعب، وأخرى خاصة بالطائفة نفسها لما فيها من خصوصيات في هذا البلد كوجود المرجعية الدينية والعتبات المقدسة والحوزة العلمية الشريفة، والمظلومية وغمط الحقوق التي تعرضت لها خلال العقود السابقة.
والخطاب السياسي الشيعي لا بد أن يشمل جميع هذه المحاور وتتحمل الحوزة العلمية والأحزاب السياسية مسؤولية كلا الخطابين، وسوف أؤجل الحديث عن الخطاب الثاني الخاص، أما الخطاب الأول العام فيمكن للحوزة أن تشارك فيه من خلال عدة خطوات:
1- وضع الأهداف العامة التي يجب السعي لتحقيقها.
2- الانفتاح على الأحزاب والتشكيلات السياسية الإسلامية الموجودة في الساحة والاطلاع على برنامج عملها، لمعرفة مدى وعيها لهذه الأهداف وقدرتها على تحقيقها ونظافة آليات عملها ونزاهة وإخلاص القائمين عليها وتقييم دورها.
3- دعوة المؤمنين المخلصين لتشكيل النقابات والاتحادات والجمعيات المتخصصة وغيرها لاستقطاب وتجميع الطاقات الكفوءة والنزيهة، وحثها على العمل السياسي والإشراف على برامج عملها
ص: 122
وأطروحتها، والحفاظ على جاهزيتها لممارسة دورها في إدارة البلد.
4- دعم وإسناد الأحزاب والتشكيلات المؤهلة لتحقيق الأهداف المطلوبة وتوجيه الجماهير نحوها بالآليات المتعددة كإخراج المسيرات وعقد التجمعات.
ونستطيع أن نضع جملة من الخطوط العريضة لمطالب الأمة التي يراد تحقيقها، وعلى الأحزاب بلورة وصياغة هذه الأفكار في خطاب سياسي وآليات عمل تفصيلية كأي اختصاصي في مجال معين، وتتفاوت الخطابات والأطروحات السياسية في النضج تبعاً لكفاءة وخبرة القائمين عليها ووعيهم وإخلاصهم لقضيتهم، والمهم هي الجدية في الانجاز، ومنها:
1- نشر الفضيلة في المجتمع ومنع الفساد والانحراف والمحافظة على هويتنا الإسلامية الأصيلة.
2- وصول العناصر الكفوءة والنزيهة إلى موقع المسؤولية والإدارة.
3- الارتقاء بمستوى العلم والمعرفة والوعي لدى أبناء الأمة لتكون بالمستوى الحضاري المعاصر.
4- تحقيق العدالة في الأمة واستقرار الأمن وإنعاش الوضع الاقتصادي للبلد.
5- الحفاظ على وحدة البلد وتركيبته الاجتماعية واستقلاله.
6- توفير الحقوق والحريات لجميع فئات الشعب وطوائفه وأعراقه بما لا ينافي الفقرات أعلاه.7- وضع دستور للبلد يضمن النقاط أعلاه ووسائل تفعيلها ولا يتقاطع مع الشريعة.
ص: 123
8- ضمان انتخابات حرة نزيهة لاختيار برلمان وحكومة تمثل بصدق تركيبة المجتمع العراقي وتحترم إرادته بحسب التوزيع السكاني.
ولكي يتحقق ذلك لابد من الحوار بين جميع التيارات الممثلة للشعب وانفتاح بعضها على بعض خصوصاً الإسلامية منها لتنسيق المواقف اتجاه القضايا العامة.
فمسؤولية وضع الخطاب السياسي والعمل على انجازه على ارض الواقع تقع على الحوزة الشريفة والتشكيلات السياسية وعموم المؤمنين كل بحسبه، ولكل فرد في الأمة تأثير في مستقبلها السياسي كالمشاركة في التصويت على الدستور بعد فهمه واستيعابه أو انتخاب ممثليه في البرلمان والحكومة.
أسأل الله تعالى أن يأخذ بيد هذه الأمة لما فيه صلاحها وفلاحها ونجاحها في الدنيا والآخرة إنه نعم المولى ونعم النصير [وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ] (القصص:5).
محمد اليعقوبي
6 ذ.ق 1424
2003/12/30
ص: 124
بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله الوارف)
قائدنا المفدى: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا يخفى عليكم ما مر بالعراق من ظروف عصيبة ويمر بها بعد زوال النظام البائد وما أعقبه من دخول كثير من الأحزاب العلمانية والتي تطرح شعارات براقة من حرية وديمقراطية، فما هو رأي سماحتكم:
بدعوى هذه الأحزاب بالإصلاح الاجتماعي والدعوة إلى تحرير المرأة؟بمن يدعو لهذه الأحزاب ويؤيد أيدلوجيتها؟
السعي بالمشاركة لفتح مكاتب هذه الأحزاب في محافظات العراق؟
وما هي نصيحة سماحتكم للجماهير العراقية، علماً أنهم يقولون إن أحزابنا تعترف بوجود الخالق وأن بعض أعضائها متدينون.
وفقكم الله لخدمة الإسلام والمسلمين.
28 رمضان 1424
ص: 125
بسمه تعالى
لا أرى مسوغاً لهذه الانتماءات، فإن المؤمنين مرتبطون بالحوزة الشريفة والمرجعية الدينية وهي التي تحدد لهم مواقفهم، وقد رأينا أن هذه الانتماءات تمزق جسد المؤمنين وتفرق وحدتهم، أعاذنا الله من كل سوء، وحينما تقدر المرجعية الرشيدة وجود حاجة لتأسيس حزب لا ليكون رقماً مع بقية الأرقام الحزبية، وإنما ليكون آلية لتنظيم عمل قواعد المرجعية فلا يكون منفصلاً عنها وإنما يتحرك بتوجيهاتها، فإن المرجعية سوف لا تتوانى عن ذلك وقد تحقق ذلك فعلاً حينما وجهت قواعدها لتأسيس حزب الفضيلة الإسلامي بعد السقوط بأسبوعين تقريباً(1).
وعلى كل حال فإنه لا يجوز الانتماء إلى الأحزاب التي لا تلتزم بالشريعة الإسلامية إطاراً لعملها لأنها ستقع في معصية الله شرعاً وهذا (ما لا تقوم له السموات والأرض) كما ورد عن أمير المؤمنين (علیه السلام) في دعاء كميل (رضي الله عنه)، وإذا حرم الانتماء حرم الترويج بفتح المكاتب والدعوة لها وغيرها، ومجردالاعتراف بالخالق لا يكفي إذا لم يقترن بتطبيق الشريعة في الحياة وعدم مخالفتها(2)
[قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا
ص: 126
وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ] (الحجرات:14) فعلى المؤمنين الحذر والوعي وعدم الانسياق وراء الدعوات المضللة.
محمد اليعقوبي
29 رمضان 1424
ص: 127
بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله كما هو أهله والحمد حقه كما يستحقه حمداً كثيراً وصلى الله على نبيه وسيد خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين.
تحل علينا مع إطلالة شهر ذي الحجة الحرام أيام مباركة وصفها الدعاء المروي عن الإمام الصادق (علیه السلام) بأعظم الأوصاف: (اللهم هذه الأيام التي فضلتها على الأيام وشرفتها وقد بلغتنيها بمنك ورحمتك فأنزل علينا من بركاتك وأوسع علينا فيها من نعمائك، اللهم إني أسألك أن تصليَّ على محمدٍ وآل محمد وأن تهدينا فيها لسبيل الهدى والعفاف والغنى والعمل فيها بما تحب وترضى، اللهم إني أسألك يا موضع كل شكوى ويا سامع كل نجوى ويا شاهد كل ملأ ويا عالم كل خفية أن تصلي على محمد وآل محمد وان تكشف عنّا فيها البلاء وتستجيب لنا فيها الدعاء وتقوينا فيها وتعيننا وتوفقنا فيها لما تحب ربنا وترضى وعلى ما افترضت علينا من طاعتك وطاعة رسولك وأهل ولايتك...... إلخ).
هذه هي مشاعرنا ونحن نستقبل هذه الأيام الشريفة: إدامة الحمد والثناء لله تبارك وتعالى على إبلاغنا هذه الأيام وإدراكنا لها فنستزيد من طاعته وننال القرب منه والزلفى لديه، فإن العطاء الإلهي يتضاعف في مثل هذه الأيام الشريفة فمن أعظم المنة على الإنسان أن يبقيه الله تعالى لها
ص: 128
ويوفقه لاستثمارها ولم يجعله فيمن اختطفهم الأجل في الأيام السابقة فيحرم من هذه الفرصة ويردد الكلمات التي قالها الذين من قبله [.. رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ] (المؤمنون:99-100)، فليعتبر كل إنسان أنه قد أدركه الأجل ثم طلب من ربه أن يعيده ليعمل صالحاً وقد أعاده فماذا سيعمل وكيف يتدارك أمره؟
أما مطالبنا في هذه الأيام من مدبر الأمور ومسبب الأسباب فهي الهداية والتوفيق لما يحب ويرضى والإعانة على ذلك ودفع البلاء ونحوها.
وشهر ذي الحجة شهر شريف وكان صلحاء الصحابة والتابعين يهتمون بالعبادة فيه اهتماماً بالغاً، والعشر الأوائل من أيامه هي الأيام(1) المعلومات المذكورة في القرآن الكريم، وهي أيام فاضلة غاية الفضل وقد روي عن النبي (صلی الله علیه و آله): (ما من أيام العمل فيها أحب إلى الله عز وجل من أيام هذه العشر) لذا ورد عن أئمة أهل البيت (علیهم السلام) أعمال خاصة بهذه الأيام كالصوم عدا اليوم العاشر لأنه يوم العيد وعدا التاسع وهو يوم عرفة لمن يضعفه عن الدعاء، وصلوات مخصوصة منها ركعتان في كل ليلة من الليالي العشر يقرأ في كل ركعة بعد الحمد والتوحيد قوله تعالى: [وَوَاعَدْنَا مُوسَى
ص: 129
ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ] (الأعراف:142) ليشارك الحاج في ثوابهم، ويتأكد مضاعفة الهمة في يومي التاسع والعاشر أي عرفة وعيد الأضحى.فعلينا أن نستثمر هذه الفرص العظيمة للطاعة استجابة لقوله تعالى: [فَاستَبِقُوا الخَيرَاتِ] (البقرة: 148) وقال تعالى: [وَسَارِعُوا إلى مَغفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَمَاوَاتِ وَالأَرضِ أُعِدَّتْ لِلمُتَّقِينَ] (آل عمران: 133) فإن إضاعة الفرصة غصة، وقد لا نبقى أحياء حتى نمنح فرصة أخرى ورأس مال الإنسان في حياته هي هذه الساعات والدقائق والثواني:
دقّاتُ
قلبِ المرء قائلة لهُ
إن
الحياة دقائق وثواني
والخيار مفتوح أمام الإنسان ليختار طريق الخير أو الشر [إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً] (الإنسان:3).
فالاختيار له في كيفية استغلال هذا الوقت وما يزرعه اليوم يجنيه غداً: [فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ] (الزلزلة: 7-8) [يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ، فَأمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً وَيَنقَلِبُ إلى أهْلِهِ مَسرُوراً، وَأمَّا مَنْ أوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهرِهِ فَسَوفَ يَدعُو ثُبُوراً وَيَصلَى سَعِيراً] (الانشقاق: 6 - 12).
هذه المواعظ أريد أن نتذكرها جميعاً وفي كل الأوقات وأخص بالذكر أعضاء مجلس الحكم الذين سيجتمعون في هذا الشهر المبارك
ص: 130
الشريف الحرام الذي سيصادف شهر شباط وهو الموعد المحدد لهم ليسنوا (قانون إدارة العراق في المرحلة الانتقالية) ضمن آليات تسليم السلطة إلى العراقيين.
وقد أبدينا تحفظاتنا على هذه الآليات ببيان سابق، وقلنا انه سيتكون من عملية معقدة طويلة فاقدة للمشروعية الكاملة لعدم استنادها إلى انتخابات حرة عامة لكل من يحق له التصويت من أبناء الشعب، ولو وفروا على أنفسهم وعلى الشعب هذه المؤونة وعملوا على إعداد متطلبات مثل هذه الانتخابات لكانت شرعية تماماً، ولما احتاجت إلى كل هذا الوقت الطويل الذي يمتد إلى نهاية عام 2005.
وقد كررنا أن مشاكل البلد لا تحل إلا بإصلاح الوضع السياسي ويبدأ بانتخاب مجلس شورى من قبل الشعب بعد اتخاذ الاحتياطات والتدابير اللازمة لنزاهة الانتخابات وسلامة نتائجها وأمن المشاركين فيها، ثم يتولى هذا المجلس تشكيل لجنة من المتخصصين لصياغة دستور دائمي مباشرة وعدم الحاجة إلى قانون مؤقت لإدارة العراق وينظر في قضايا البلاد وتعرض عليه الحكومة لمنح الثقة أو حجبها عن كل وزير على حدة.
وقد وقع بيدي نموذج للمشاريع المطروحة لقانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، وهو مليء بالمخالفات لتوجهات هذا الشعب المسلم الغيور التي أعلنها عبر الشعارات والتظاهرات والاعتصاماتوغيرها من الفعاليات واستكشفناه من نتائج استطلاع الرأي العام الذي أجريناه لخمسة آلاف عينة عشوائية من قوميات وديانات وطوائف ومستويات وأعمار متعددة في أكثر من عشر محافظات.
ص: 131
لذا أضع بين يدي أعضاء مجلس الحكم الذين تحملوا هذه المسؤولية الشاقة في هذا الظرف العصيب بعض المعالم الرئيسية، وهم إن أدوا هذه الأمانة إلى أهلها آتاهم الله تعالى كفلين من رحمته، وإن قصّروا ونظروا إلى مصالح أنفسهم دون مصالح الشعب والبلد فإنهم سيجنون على أنفسهم قبل أبناء جلدتهم وسوف لا يرحمهم التاريخ.
وهذه بعض المواد القانونية العامة:
1- عدم الاكتفاء بعبارة (يحترم هذا القانون الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي) فإنها مطاطة ويمكن تفسيرها بمعنى بخس لا قيمة له، فلا بد من التأكيد على انسجام هذا القانون بكل مواده مع روح الشريعة الإسلامية وعدم مخالفته للقرآن والسنة الشريفة، والتأكيد على أنها مصدر التشريع فإن الإسلام هو المعبّر عن ثقافة هذا الشعب وحضارته وطموحاته ويحدّد معالم حياته، والشعوب تجعل مثل هذا الشيء مكوناً أساسياً لدساتيرها، وتنص المادة (38) من هذا المشروع على (إلزام الدولة كافة الجامعات والمعاهد المدنية والعسكرية بتدريس مادة القانون الدولي لحقوق الإنسان كمادة إلزامية بهدف تعميم ثقافة حقوق الإنسان في العراق)، والإسلام هو مصدر حقوق(1) الإنسان، لكن هذه المادة يمكن أن يراد منها إلغاء مرجعية الشريعة الإسلامية في التشريعات، وإرجاعها إلى
ص: 132
القانون الوضعي وقد ورد في المقدمة ما يشعر بذلك فقد جاء فيها (يبعد هذا القانون أي شكل من أشكال الإشادة أو حتى الإشارة لهذه الأيدلوجية أو تلك والابتعاد بشكل مطلق عن أدلجة هذا القانون) وهو يشير بشكل رئيسي إلى الشريعة الإسلامية وإلا كيف يصاغ دستور بلا أيدلوجية؟ ثم إن الإسلام ليس هذه الأيدلوجية أو تلك وإنما هو هوية وثقافة وحضارة أكثر من 98% من هذا الشعب فكيف يقاس بغيره؟
2- إن القانون سلّم بان نظام الحكم فدرالي ولم يشرح معنى الفدرالية فإن لها أشكالاً بعضها مقبول لدى الشعب كمنح إدارة لا مركزية للمحافظات، وبعضها غير مقبول كالفدرالية السياسية المبنية على أساس عرقي أو طائفي والتي تتضمن تأسيس برلمان وحكومة غير البرلمان والحكومة الوطنيتين، فهل من العدالة أن تكون منطقة كردستان خالصة للأكراد لا يشاركهم في حكمها أحد وهم يشاركون في حكم العاصمة حتى رئاسة مجلس الحكم؟ وماذا سيكون مصير البلد لو طالب أهل الوسط والجنوب بمثل ذلك وهم قد ذاقوا الويلات أكثر من الأكراد على يد جلادي النظام المقبور؟
فلا بد أن يستفتى الشعب على شكل الحكم وقد رفض 73% ممن استطلعنا رأيهم الفدرالية السياسية المذكورة، وفي الحقيقة فإن في هذا المشروع لقانون المرحلة الانتقالية إشارات لمعنى خطير للفدراليةقريب من التقسيم كالمادة (17) التي تبقي كافة القوانين التي صدرت في إقليم كردستان العراق سارية النفاذ خلال المرحلة الانتقالية، بل إن المادة (59) جعلت رئيس الجمعية الوطنية ورئيس المجلس الوطني لإقليم كردستان في
ص: 133
صف واحد ضمن المجلس الدستوري.
3- تشكل لجنة من فقهاء وقانونيين كبار لمراقبة القوانين الصادرة من البرلمان والتعديلات التي يراد إجراؤها، وضمان عدم خروجها عن الدستور وعدم مخالفتها للشريعة الإسلامية ويحدد ممثلو الشعب عدد أعضائها ووظائفهم وكيفية اختيارهم.
4- صياغة القانون بلغة حضارية تكشف عن عمق تاريخ وثقافة وفكر وأخلاق هذه الأمة وطموحاتها وصلاحيتها لان تكون في طليعة المجتمع الإنساني لأن الدستور مرآة الأمة.
5- الاعتراف بقضاة شرعيين يستمدون أحكامهم من الشريعة الإسلامية تعينهم المرجعية الدينية في المحاكم الرسمية إلى جنب القضاة الذين يستندون إلى القوانين الوضعية والمواطن مخير في مراجعة أيهما ويكتسبان نفس الدرجة القانونية.
وتوجد مواد أخرى كثيرة تضمنتها الدساتير المقترحة والتي يجب استفتاء الشعب عليها مادة مادة قبل إقرارها.
أما إذا أريد وضع قانون وبرلمان للمرحلة الانتقالية لاتفاق الأغلبية على الحاجة إلى ذلك فلابد من الالتفات إلى عدة أمور:
1- أن يكون اختيار واضعي القانون على أسس مقبولة لدى أغلبية الشعب وإلا فإنه سيكون فاقداً للمشروعية.
2- لا يحق للبرلمان الانتقالي أن يتخذ قرارات ستراتيجية كتجنيس الأجانب وخصخصة القطاعات الحيوية كالنفط والتعليم والصحة أو تبديل البطاقة التموينية إلى مبلغ مالي فإنها من مسؤوليات البرلمان المنتخب وكذا
ص: 134
عقد الأحلاف والمعاهدات الأمنية طويلة الأمد ونحوها.
3- لا يكون سن هذا القانون بديلاً عن الدستور الدائمي ولا موجباً لتأخيره بل يجب الإسراع في صياغة وتهيئة المقدمات اللازمة لذلك ويثبت سقف زمني لهذا القانون المؤقت، وفي الحقيقة فإن هذا القانون يثير مخاوف من إبقائه كدستور للبلد وتمييع قضية الدستور الدائمي، بل إن بعض فقراته صريحة بتسميته دستوراً كالمواد (58، 59، 60) المتعلقة بالمجلس الدستوري، وعدم تضمنه لموعد انتهاء العمل به، وكذا فإن المادة (51) المتكفلة ببيان صلاحيات الجمعية الوطنية تشير إلى صلاحيات دائمية وكأنها هي حكومة منتخبة بشكل حر نزيه من قبل الشعب.4- إلزام جميع الأطراف بتنفيذ آليات تسليم السلطة والسيادة إلى العراقيين في التوقيتات التي يُتفق عليها.
5- الالتزام بتأسيس جهازي شرطة وجيش قويين كفوئين نزيهين للمحافظة على امن البلد واستقراره وعدم تسييسهما.
6- التأكيد على ضرورة إنهاء الاحتلال في اقرب وقت.
7- وضع أسس وضوابط واضحة لعملية انتخابات البرلمان من حيث شروط المشاركين والمرشحين ومعالجة قضية العراقيين خارج البلد أو الذين لا يملكون وثائق كافية.
8- مناقشة قانونية التشريعات التي صدرت من مجلس الحكم حتى سن هذا القانون وكيفية التعامل معها.
9- وضع مواد مفصلة ودقيقة لموضوع الاقتصاد ومديونية العراق وآلية تسديدها وبرنامج النفط مقابل الغذاء والجهة التي تشرف على تنفيذه
ص: 135
ومصير الأموال المجمدة في الخارج وأرصدة أزلام النظام.
10- ذكرت المادة (7) أن غير المسلمين يتمتعون بكامل حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهو صحيح من حيث المبدأ لكن يجب تقييده بعدم المنافاة مع تقاليد وأعراف هذا الشعب ودينه الذي لا يجوز انتهاك حرماته بشكل علني وسافر.
11- أشارت المادة (19) إلى مساواة الرجل والمرأة في مختلف المجالات وهو صحيح لكن تجب الإشارة إلى خصوصيات كلا الجنسين كالطلاق والقيمومة للزوج والنفقة والحضانة للزوجة وهكذا.
هذا وقد ذكرت(1)
تعليقات على أصل اتفاق 15/11 ومن الضروري مراجعتها والاستفادة منها.
أسأل الله تعالى أن يحمي هذا البلد من كل سوء ويوفق أهله لما فيه الخير والصلاح ويجمع كلمتهم ويؤلف قلوبهم ويسدد خطى العاملين فيه إنه ولي النعم.
محمد اليعقوبي
21 ذ.ق 1424
ص: 136
رسالة مفتوحة إلى مسؤول الإدارة المدنية لقوات الاحتلال في العراق(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
تناقلت الأنباء تصريحات لمسؤول الإدارة المدنية لقوات الاحتلال (بول بريمر) يقول فيها انه سيستعمل حق النقض ضد إقرار الإسلام كمصدر أساسي للتشريع في الدستور العراقي المؤقت أو الدائمي.
وتصريحه هذا يذكرني بالحديث الشريف (رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه حتى لا يوردها موارد الهلكة) فيبدو أنه لم يعرف حدود اللياقة في الحديث فأقحم نفسه في ما ليس له حق فيه، وقد بين الحديث الشريف عاقبة من يفعل ذلك، لذا الفت نظره إلى عدة نقاط:
1- إنه من أعطاه حق النقض حتى يتحدث عن استعماله وان القوانين الدولية تحدد صلاحيات المحتل ومسؤولياته وليس منها هذا التدخل السافر في خصوصيات أهل البلد المحتل التي يقررونها بأنفسهم كما هو شأن كل الشعوب والأمم.
2- إن مثل هذه الكلمات تكشف عن نواياهم الحقيقية من حربهم على العراق واحتلاله وتزيّف ادعاءاتهم بأنهم جاءوا للتحرير، فمن جهة يقولون إن الدستور يجب أن تكتبه أيدي عراقية لأنه شأن عراقي، ومن
ص: 137
جهة أخرى يتحدث عن معارضته لتدوين فقرات تعبر عن إرادة الشعب واختياره، وهذا يعني أن أحد أهدافهم هو تغيير ثقافة هذا الشعب وطريقة حياته ونمط سلوكه وشكل النظام الذي يحكمه وهذا ما يأباه الشعب العراقي الأبي الغيور الملتزم.
3- إن من حق كل شعب أن يثبّت في دستوره معالم حضارته وثقافته وتأريخه وتوجهاته في الحاضر والمستقبل، وتجد ذلك واضحاً في دساتير كل الأمم فإنها ترسخ كل تلك القيم والمبادئ والمعالم، والإسلام هو منبع ثقافة هذه الأمة وأساس حضارتها والصورة المشرقة لتأريخها، فلماذا تمنع هذه الأمة دون غيرها من الأمم من ممارسة هذا الحق المشروع؟ عجباً عجباً.4- إن الذي يخيف بريمر والغرب ليس كل الإسلام، فإنهم يعلمون أن هذه الشريعة الإلهية هي نظام حضاري للحياة وفيه مقومات التجدد والإبداع والتكيّف ومواكبة المستجدات والانسجام مع تطورات الحياة ونموها وهو يلتقي مع المبادئ الإنسانية التي يتفق جميع البشر على أحقيّتها بل إليه ترجع ومنه تصدر، فهو يحترم حرية المعتقد [لا إكْرَاهَ في الدِينِ] (البقرة:255) ولا يطلب من الآخرين إلا الاستماع إليه، ثم هم أحرار في الاقتناع وعدمه، وهو يكفل لهم أمنهم على كلا التقديرين [وَإِنْ أحد مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ](التوبة:6)، وهو منفتح على الحوار مع الآخرين [قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ] (آل عمران:64)، ويقيم الحق [وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ] (الإسراء: 35)، ويدعو إلى المساواة [أَنِّي لاَ
ص: 138
أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى] (آل عمران:195)، ويحكم بالعدل والإنصاف [إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ] (النحل:90)، ويرفض الظلم [وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ] (الأعراف:85) وغيرها كثير، فماذا يريدون أفضل من هذه المبادئ لتسود النظام الإنساني؟
نعم، هم يخافون من الإسلام قدرته على تقديم مشروع حضاري بديل عنهم، ورفضه لأي حكم لا يستند إلى شرعية من دين الله تبارك وتعالى، ومقاومة الظلم والاستكبار والتسلط بغير حق، ومن دون ذلك فهم لا يمانعون من تسليم زمام الحكم للأحزاب الإسلامية، مع إظهار رفضهم لشيئين رئيسيين في الإسلام: وهما نظام الحكم فيه المبتني على ولاية الفقيه، وقانون العقوبات وهذا ناشئ من عدم فهمهم العميق للإسلام، فإن نظام العقوبات لا يكون ناجحاً وفعالاً إلا إذا كانت الجوانب الأخرى للنظام الإسلامي مطبقة، أي أن الاقتصاد إسلامي والمجتمع إسلامي والقضاء إسلامي ونمط السلوك والبيئة الاجتماعية إسلامية، وإلا فلا تقطع يد السارق إذا دفعه إلى ذلك الحرمان والعوز وسوء توزيع الثروة وعدم وجود فرصة العمل، أما إذا كان وضعه الاقتصادي مؤمناً ورزقه مكفولاً ومع ذلك يسرق عناداً أو تمرداً فإن قطع يده يكون مبرراً ومفهوماً.
5- إن المطلعين على طبيعة الشعب العراقي وتوجهاته وانتمائه العقيدي وتأريخ حركته يعلمون أن هذا الشعب قد يسكت على هضم حقوقه وهدر ثرواته لا ضعفاً وجبناً وإنما انتظاراً وتربصاً، لكنه لا يسكت إذا مس عقيدته ودينه شيء، وهو لم يرفض نظام صدام ويقف في وجهه متحملاً بطشه وقسوته ووحشيته الدموية إلا لأنه حارب شعائر الإسلام
ص: 139
وهتك حرماته وقتل علمائه ومنع هذا المجتمع المؤمن من التعبير عما تقتضيه عقيدته؛ لذا من المحتمل أن ينتفض الشعب ويرفض الظلم والاستبداد ومصادرة الحريات من دون الرجوع إلى أحد أو استئذانه، حتى المرجعية الدينية باعتبار أنه تعلّم ذلك من القرآن الكريم ومن سيرة أهل بيت النبي (صلی الله علیه و آله) قال تعالى: [وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ] (هود:113)[وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ] (البقرة:217) والفتنة هي الإبعاد عن الدين بالإكراه أو بالتضليل أو الإفساد، كما فعلت الجماهير في الانتفاضة الشعبانية المباركة عام 1991 ولم تستأذن أحداً من مراجع الدين فيها.
ويبدو أن المدة التي قضاها بريمر في العراق والمعلومات التي حصل عليها غير كافية لمعرفة هذه الحقائق والالتفات إليها، بل إنه أساء حتى في اختيار الزمن إذ الأمة مقبلة على شهر محرم الحرام الذي تفور فيه شرايين الأمة بدماء التضحية والفداء وتمتلئ القلوب بحب الشهادة في سبيل الله تعالى متأسين بأبي الأحرار الحسين بن علي (عليهما السلام) الذي جاد بكل شيء في سبيل الله وللفوز بكرامته ولم يترك عذراً لكل أحرار العالم في السكوت على الظلم والقهر والحرمان والاعتداء على الإسلام العظيم.
لذا أحببت تسجيل عدد من الحقائق في هذه الرسالة المفتوحة إعذاراً وإبراءً للذمة أمام الله تعالى [إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] (محمد:7).
محمد اليعقوبي 28 ذ.ح 1424 الموافق 2004/2/20
ص: 140
بسم الله الرحمن الرحيم
إن أبصار الشعب العراقي المضطهد المظلوم ترنوا إليكم وأنتم تتدارسون وضع قانون لإدارة العراق في المرحلة الانتقالية، وتطالبكم بعدم خيانة أهدافها التي ضحت بالملايين من خيرة أبنائها في سبيل تحقيقها، وإنها أمانة كبيرة في أعناقكم ستسجل في صفحات التاريخ كما حفظ لها صفحات الماضين بيضاء كانت أو سوداء والله لا يضيع أجر المحسنين.
فاعملوا لما يُرضي الله تبارك وتعالى ويقر عيون هذا الشعب الكريم الذي غض الطرف عن كثير مما يستحق الاعتراض(1) منتظراً منكم أن لا تبخسوه حقه في الاحتفاظ بهويته الإسلامية والعراقية، وإنه لا يغفر لكم أن تفرطوا في أن يكون دستوره منسجماً مع تعاليم الإسلام الذي هو دين حوالي 96%من الشعب، ومحافظاً على وحدة العراق مهد الحضارات ومصدر الخير للبشرية في الماضي والمستقبل فهذه خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها.
وإن الله تعالى هو الذي يجب أن يطاع وليست قوات الاحتلال التي يجب عليها أن تزداد معرفة بهوية هذا الشعب وطموحاته التي عبر عنها ولا زال يعلنها وهو لا يتسامح في تجاهلها، ومن لا يعرفه فستنبئه شعائر
ص: 141
عاشوراء بأن الدم رخيص من أجل أن تسود العدالة والحرية الحقيقية ويرتفع الظلم والحيف والاستبداد والاستئثار والأنانية والفساد والانحراف.
وحسناً فعلتم إذ أجلتم الاتفاق على القانون إلى ما بعد مراسم عاشوراء لتعطوا الفرصة للغافلين حتى يفهموا هذا الشعب فيندفعوا أكثر نحو إسعاده وإعادة الفرحة إلى أبنائه.
إن أيام عاشوراء كفيلة بأن تعطيكم بركات شهادة الإمام الحسين (علیه السلام) وأبنائه وثباته على المبادئ التي قال عنها (ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين أثنين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت ونفوس أبية وقلوب حمية) وهو موقف يتكرر أمام كل إنسان مؤمن وأنتم تتعرضون له الآن فليكن جوابكم لأي ذل قول الإمام الحسين (علیه السلام): (هيهات منا الذلة).
وأقلّ ما تسجلونه إذا أصرّ المستكبرون على الاستخفاف بهذا الشعب وتجاهل مطالبه أن تنسحبوا من هذا المجلس، وتحافظوا على سمعتكم وكرامتكم، ولتعظموا في عين الله تعالى وعين إخوانكم وأبنائكم وليس أقل من تأجيل القضايا المصيرية كتفاصيل الفدرالية إلى مجلس منتخب من قبل الشعب.
نكتب كلماتنا هذه ونحن بين الأمل بأن تحققوا آمال الأمة، وبين القلق أن يتمادى المستكبرون فتحصل نتائج لا تحمد عقاباها.
[إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] (محمد:7)
محمد اليعقوبي
9 محرم 1425 2004/3/1
ص: 142
موقف الشعب من قانون إدارة العراق للمرحلة الانتقالية(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما هو أهله وكما يستحقه حمداً كثيراً وأعوذ به من شر نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي.اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الأبرار الأخيار الذين
ص: 143
فرضت علينا طاعتهم ومودتهم وعرفتنا بذلك منزلتهم وسلم تسليماً كثيراً.
يسألني كثير من الشباب المتحمس الغيور على دينه ومجتمعه ووطنه عن تكليفهم في هذه المرحلة شعوراً منهم بالتقصير أمام الله تبارك وتعالى والإمام الحجة القائم بالأمر (علیه السلام) وأمام التاريخ الذي لا يرحم المسيئين والمقصرين لكنه يخلد العاملين المخلصين المضحين بأحرف من نور.
والشعور بالتقصير في العمل مهما تعاظم حجمه وازدادت أهميته ضروري لكي يندفع الإنسان نحو المزيد من التكامل ولا يقع في الرياء والعجب فيحبط عمله ويكون من الهالكين ولا أقل من تقاعسه عن التكامل وفي ذلك خسارة عظيمة.
مواكب الوعي الحسيني للجامعات والمعاهد العراقية:
فهؤلاء الشباب على حق بشعورهم هذا إلا أنني عندما رأيت مواكب(1)
طلبة الجامعات ليلة عاشوراء في كربلاء المقدسة بتنظيمهم الرائع وشعاراتهم الواعية وعواطفهم الثورية وتلبيتهم المخلصة لنداء مرجعيتهم، وعددهم الضخم الذي فاق كل التوقعات وعجز المنظمون للمواكب عن القيام بخدماتهم بالشكل اللائق رغم الجهود الكبيرة التي بذلوها في سبيل ذلك، فامتدت المسيرة عدة كيلومترات واستغرقت عدة ساعات من قبل
ص: 144
المغرب حتى بعد منتصف الليل.
أقول: عندما رأيت كل ذلك قلت ماذا يريد أن يقدم هؤلاء الأحبة أكثر من هذا؟ وأي نصرٍ أعظم من هذا؟ فقد حاول المستكبرون وأذنابهم على تسميم الأجواء الجامعية بالرذائل الخلقية، وحرفوا المناهج الدراسية وعزلوا طلبة الجامعات عن علمائهم وقادتهم الحقيقيين، وقضوا على نخب طاهرة منهم وظنوا أن الجامعات قد سقطت بأيديهم ولم يعد للإسلام مكان فيها، وإذا بها تهب بهذا الشكل المهيب رغمقصر وقت الإعداد لتعبر عن انتمائها للإسلام فكراً وعقيدةً وسلوكاً وعن طاعتها وولائها للقادة الحقيقيين للأمة.
أي صفعة وجهوها لأئمة الضلال الذين ولوا الأدبار هم وشياطينهم من الجن والإنس بعد أن نفضوا أيديهم وخسرت صفقتهم، إنها حرب سجال بين الخير والشر وصراع إرادات بدأ قبل أن يهبط آدم أبو البشر إلى الأرض حينما أطاع إبليس نفسه الأمارة بالسوء وتمرد واستكبر على أمر الله تعالى ثم تجلت في صراع ابني آدم وظل الفريقان متصارعين [فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ] (الشورى: 7) والإنسان مخير في الانتماء إلى أيهما [إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً] (الإنسان:3) [مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا] (الجاثية: 15) وإن كنا نود أن لا يبقى إنسان عاصياً لله تعالى ومتمرداً على شريعته لأننا نريد الخير والسعادة والفلاح للجميع أما هم [وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ] (النساء: 89)، فأنتم منتصرون في هذا الصراع ما دمتم متمسكين بدينكم موالين لأولياء الله ومعادين لأعدائه.
ص: 145
وقد كنت وأنا أشاهد دخولكم بذلك الجلال والكمال إلى الحرم الحسيني المطهر أتخيل أن الإمام الحسين (علیه السلام) واقف أمام ضريحه المبارك يحتضنكم واحداً واحداً، وحوله أولاده وأهل بيته وأصحابه يباركون لكم هذا الانتماء المقدس إلى مدرسة الإمام الحسين (علیه السلام)، وهو (علیه السلام) يستعرض كتائبكم وأفواجكم ويقرأ أسماء جامعاتكم وكلياتكم ومعاهدكم ومؤسساتكم، ويردد معكم الشعارات الواعية المستوعبة لأهداف ثورته العظيمة مسرور القلب منشرح الصدر، وهو يرى أن دمه المبارك لازال منتجاً ومثمراً، ألم يقل (علیه السلام) (وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد (صلی الله علیه و آله)) وأمة جده باقية إلى يوم القيامة فخروجه للإصلاح شامل لكل الأجيال وخالد على مر الزمان إلى يوم القيامة ما دام هناك فساد يجب إصلاحه.
وهنأت في نفسي صاحب العصر والزمان الإمام المهدي الموعود (علیه السلام) بهؤلاء الجنود الذين تعبأوا وتهيأوا لنصرته والتضحية من أجل إقامة دولته المباركة وقلت: قرت عينك يا سيدي يا ابن رسول الله (صلی الله علیه و آله) بهذه الوجوه المشرقة المنيرة التي تشع إيماناً وولاء صادقاً وشوقاً لنيل رضا الله تبارك وتعالى.
وقَرت عين علمائنا وشهدائنا وهم يرون أن جهودهم وجهادهم لم يذهب سدى.
وفي نفس الوقت كنت أتوقع من أعضاء مجلس الحكم أعانهم الله تعالى على المسؤولية الشاقة التي اضطلعوا بحملها أن يحترموا مطالب وتوجهات ذلك الحشد المليوني في مدينة كربلاء المقدسة الممتلئ ثورة
ص: 146
وحباً للتضحية، وما زادته الجريمة النكراء(1)
التي حصدت أرواح المئات منهم إلا ثباتاًوإصراراً على مواصلة الشعائر بذلك الشكل المهيب، حيث انطلقت مواكب الهرولة(2)
تلبية لنداء الإمام الحسين (علیه السلام) (هل من ناصر، هل من مغيث، هل من معين) بعد صلاة الظهر وعقيب الانفجارات المروعة بشكل منقطع النظير، ويعجز غير الموالي لأهل البيت (علیهم السلام) عن فهم سره ومعرفة كنهه فطوبى لهم جميعاً.
أقول: كنت أتوقع من أعضاء مجلس الحكم وقد أجّلوا التوقيع على قانون إدارة العراق للمرحلة الانتقالية إلى ما بعد عاشوراء، أن يكونوا أوفياء لهذه الجماهير وملبين لمطالبها لكنهم تجاهلوهم ولم يكلفوا أنفسهم الاتصال بالقيادة الحقيقية الممثلة لهذه الجماهير والتي تدين لها بالولاء والطاعة.
إنها أول ديمقراطية يكون فيها رأي الأقلية القليلة هو السائد والمهيمن والأكثرية تكافح من أجل البقاء فقط، فالإسلام دين أكثر من 90% من أبناء الشعب بل إن الإسلام هو مصدر ثقافته وأعرافه وتقاليده وعنوان حضارته وتاريخه أُحتِرم بخجل في هذا القانون وعُدَّ مصدراً للتشريع كبقية المصادر، ولم تقيد الحريات الممنوحة في مواد القانون بعدم مخالفتها للشريعة
ص: 147
الإسلامية بكلام متصل، عدا ما قيل في (المادة السابعة/أ) من عدم جواز سن قانون يتعارض مع ثوابت الإسلام المجمع عليها وهو كلام يمكن التحايل عليه.
والفدرالية التي أقرت على أساس جغرافي لا مبرر لها في بلد متوحد صغير نسبياً كالعراق، وإنما هو مناسب لدول تريد أن تجتمع كما أن الفدرالية من القرارات التي يجب أن يشارك الشعب كله في اتخاذها باستفتاء عام، كما أن إقرارها بهذا الشكل الآن سوف يركزها في الواقع وتصبح حقيقة مسلّمة يصعب على واضعي الدستور الدائم إلغاؤها أو تعديلها، كما أنها ستكون منشأ للكثير من الخلافات التي تمزق الوحدة الوطنية للخلاف أصلاً على حدود الأقاليم.
هذا غير الفقرة (ج_) من المادة الحادية والستين التي تعطي حق النقض لثلاث محافظات على الدستور الدائم إذا صوت ثلثا سكانها على الرفض، وثلثا الثلاثة اثنان، ففي أي ديمقراطية يوجد حق لاثنين أن ينقضوا إرادة ستة عشر(1)؟
إن هذه الفقرة ستعرقل وضع أي دستور؛ لأن أي فقرة تحفظ حقوق طائفة ينقضها الآخر لأنه يراها غير منسجمة مع أطروحاته فيمكن لثلاث محافظات في وسط أو جنوب العراقأن تنقض المادة التي تنص على شكل نظام الحكم المقرر، وتختار نظام ولاية الفقيه مثلاً وهكذا في بقية المواد فكيف ستكون النتيجة؟ ! وكيف سنتمكن من كتابة دستور؟
والمرأة التي يتاجرون بظلمها واضطهادها لا تعاد لها كرامتها
ص: 148
بتخصيص ربع المقاعد لها، فهذا مما لا يوجد حتى في ديمقراطيتهم التي يتشدقون بها، وإنما بمساواتها بالرجل من حيث حق الترشيح والانتخاب، ثم يترك الحكم لصناديق الاقتراع لتقرر الأكفأ والأصلح سواء كان رجلاً أو امرأة ومهما بلغ عدد كل منهما.
والخلاصة إن هذا القانون فيه ثغرات كبيرة يمكن أن تكون مفتاحاً للشر والعياذ بالله، ومهما قيل في تبريرها كحفظ حقوق الأقلية ونحوها فإنها واهية وضعيفة، ونحن نطالبهم بما ألزموا به أنفسهم من احترام رأي الأكثرية مع ضمان حقوق الأقلية بالنظام الذي وضعوه لهم وليس بهذه القرارات المجحفة.
وهل روعيت الأقلية المسلمة في بلاد الغرب بمثل هذه الفقرات، والشواهد في الولايات المتحدة وفرنسا تشير إلى غير ذلك.
فالحقيقة إن هذه الفقرات إنما وضعت لضمان تحكم إرادة المحتل في القرار الوطني عبر هذه الثغرات، وإلا فإن الشعب العراقي بخصاله الكريمة ورحمته وتسامحه وحبه لوطنه لا يحتاج إلى ضمانات لحفظ حقوق الأقليات التي لم تضطهد من الأكثرية ولا من فئة معينة عرقية أو مذهبية، وإنما اضطهد الجميع بما فيهم الأكثرية من قبل عصابة لا إنسانية متسلطة، وأنا واحد من أبناء هذا الشعب يعلم الله كم ملأني السرور حينما اجتمعنا عرباً وأكراداً سنة وشيعة في منطقة واحدة(1) حين سافرنا لأداء
ص: 149
فريضة الحج المباركة، بعد أن حرمنا المجرمون منذ سنين من هذا الاجتماع المبارك.
إن لهذه الجماهير مطالب لا تتنازل عنها وسوف تعود إلى إقامة هذه الشعيرة المقدسة في هذا المكان إذا لم تتحقق بتعهدات واضحة من أعضاء مجلس الحكم.
1- إن لا يتحكم قانون الإدارة الانتقالية بالدستور الدائم الذي تكتبه لجنة منتخبة من قبل الشعب مطلقاً.
2- إن لا يتخذ مجلس الحكم قرارات مصيرية كتجنيس الأجانب، وخصخصة القطاعات الحيوية وعقد المعاهدات الأمنية الإستراتيجية؛ لأنه مجلس انتقالي فاقد للشرعية وهذه من صلاحيات مجلس منتخب من قبل الشعب، ولا تكون قراراته ملزمة للحكومة المنتخبة.3- المشاورة والتنسيق مع القوى الدينية والسياسية الموجودة في الساحة العراقية قبل اتخاذ مثل هذه القرارات وعدم التفرد بإصدارها ولتكون شاملة لأكبر مساحة من أبناء الشعب.
4- الإعداد الفوري لإجراء انتخابات حرة مباشرة لجميع أبناء الشعب حتى يختار الجمعية الوطنية وما يليها من مؤسسات دستورية وعدم تجاوز السقف الزمني المحدد لها.
5- تقييد مواد الدستور بعدم المخالفة للشريعة الإسلامية في كل موضع يمكن أن تنفذ منه هذه المخالفة.
6- العمل الجاد لتشكيل الأجهزة الوطنية التي تحفظ النظام كالجيش والشرطة وتجهيزها بما ينجح عملها، ومن ذلك المباشرة بإعادة تشكيل
ص: 150
وزارة الدفاع(1) بالعناصر الوطنية الملتزمة التي لم تتورط بالجريمة ولم تصر عليها.
إننا إذ نقدر الجهود التي بذلها أعضاء مجلس الحكم للوصول إلى هذا القانون، ونعتقد أنه خطوة مهمة في طريق بناء العراق الجديد وتسلم العراقيين للسلطة، إلا أننا لا نريد لهم أن يفسدوا من حيث يريدون أن يصلحوا، ولا نقبل بوضع حلول مرتجلة قد تنفع أياماً إلا أنها تؤسس واقعاً مليئاً بالمشاكل، بل نريد منهم جميعاً أن يتعاونوا لوضع حلولٍ صالحة بناءة كريمة وهو أمل كل مخلص غيور، كما أننا لا نكتفي بتسليم السلطة وإنما نطالب بتسليم السيادة أيضاً.
محمد اليعقوبي
18 محرم 1425 الموافق 2004/3/10
ص: 151
إنجازات ترتبت على تفعيل دور المثقفين وطلبة الجامعات(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين.
من القضايا التي شغلتني كثيراً خلال هذه الفترة عدم حضور المثقف في الساحة وهو خطر عظيم على الأمة أن ينزوي مفكروها وعلماؤها وعقولها الواعية، ولا أدري إن كان هذا غياباً منهم أو تغييباً لهم؛ لأن أعداء الأمة والأنانيين لا يريدون أن تقاد الأحداث من قبل النخب الواعية المخلصة لان مثل هؤلاء لا يخدمون مصالحهم ولا ينقادون لهم، فلا بد من تغييبهم، لكن عقول الأمة لا يجوز لهم أن تغيب أو تستسلم بل عليها أن تبقى في الطليعة لتقود الأمة نحو ساحل الأمان والسعادة والخير.
وإن مثل هذه القضية -أعني غياب أو تغييب المثقف- تحتاج إلى ملتقى موسع وندوات وحوارات لمعرفة الأسباب وآليات تفعيل دور المثقف في قضايا الأمة، لكن بركات ثورة الإمام الحسين (علیه السلام) اختصرت
ص: 152
كل تلك الجهود فخلال أيام انقلبت المعادلة وعادت الجامعات بأساتذتها وطلبتها إلى واجهة الأحداث وتسلموا زمام المبادرة، فبدأوها بمواكب الوعي الحسيني العظيمة والمهيبة التي احتشدت في كربلاء المقدسة ليلة العاشر من محرم، ثم تلاها الإضراب الطلابي الناجح يوم السبت الماضي والفعاليات الواسعة الأخرى كالمشاركة في هذه الصلاة المباركة، مما جعل أروقة الجامعات قلب الأمة النابض الذي تتدفق منه الحياة في جسدها ودب الحماس والنشاط في قلوب الأساتذة والطلبة الجامعيين وانتبهوا إلى دورهم المهم ومسؤوليتهم العظيمة في رسم مستقبل الأمة.
وان من نتائج هذا الانقلاب الكبير قوة التأثير والسرعة في تحقيق النتائج، لأن أصحاب القرار يخشون من تحرك هذه الشريحة وأنهم يحسبون لألف جامعي يتظاهرون أكثر من عشرة آلاف من عامة طبقات الناس، فلا بد من إدامة هذه الحركة الواعية وتعميمها إلى الجامعات الأخرى، ولكن بالطريقة الحضارية من دون إخلال بالأصول والآداب العامة، ومن تلك الأشكال الواعية مشاركتكم في الشعائر الدينية والمواظبة عليها ومنها هذه الشعيرة المقدسة التي حضرتم لأدائها لكنني أقول لكم وبصراحة أن حجم المشاركة كان غير كاف للضغط على مصادر القرار حتى يرضخوا لمطاليبكم، ولكن الإخلاص والصبريعطيان زخماً للعمل وقوة أكبر في التأثير فالصبر يضاعف قوة الواحد إلى اثنين قال تعالى [فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ] (الأنفال: 66).
والإخلاص الذي هو نتيجة المعرفة بالله تعالى التي هي معنى الفقه تضاعف القوة إلى عشرة قال تعالى [إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا
ص: 153
مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ] (لأنفال: 65).
لذا فقد تحققت خلال الأيام السابقة استجابة لعدد من المطالب الذي ناديتم بها خلال صلاة الجمعة المباركة في الأسبوع الفائت ودعمها الإضراب الطلابي الناجح يوم السبت ومنها:
1- أعلن السبت عن البدء بتشكيل وزارة الدفاع وإتمامها خلال شهرين وهو ما كان معرضاً عنه، لكننا ركزنا المطالبة بها وتأسيسها وبناء الجيش العراقي الذي هو سور الوطن من العناصر الكفوءة الملتزمة التي لم تتورط بظلم أبناء البلد ولا الجيران وهم كثر، وهنا أضم صوتي إلى أبناء مدينة الناصرية الفيحاء الذي يطالبون بأن يكون وزير الدفاع منهم، وأن يكون من أتباع الشهيد الصدر الثاني (قدس سره)(1)؛
لأن مدينة الناصرية وتيار الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) غُيّبوا في تشكيلة مجلس الحكم والوزراء رغم ثقلها في الساحة العراقية، وأن يبنى جيش وطني مستقل غير تابع لأحد.
كما إنني الفت النظر هنا إلى مؤسسات التصنيع العسكري التي غيبت عن علم وعمد لأنها رمز الإبداع العراقي والقدرة على التفوق بما تمتلك من عقول كبيرة وهمم عالية، ونحن وان كنا نتألم لكون هذه المؤسسات في يد العصابة المجرمة في الزمان السابق وقد وظفها لتلبية نزواته الصبيانية وأعماله الشريرة، إلا أنها تبقى ثروة وطنية عظيمة ولكنهم لا يريدون للعراق أن يكون مبدعاً متفوقاً ولو سمحوا لها بإعمار العراق لأنجزت الأعمال بفترة
ص: 154
اقصر وكلفة أقل جربناها في عام 1991م حيث أعيدت الخدمات الحيوية والبنية التحتية خلال أشهر رغم الدمار الذي أحدثه عدوان الحلفاء على العراق والذي استمر أكثر من أربعين يوماً وما تلاه من أحداث الانتفاضة الشعبانية المباركة وقمع قوات الحرس الجمهوري لها. ونريد الاحتفاظ بها أفراداً وشركات ولكن تحوَّل وظيفتها إلى ما فيه خدمة الشعب وهم قادرون على التكيّف بسرعة لإسداء أي تكليف يكفّرون به عن خدمتهم للنظام البائد.
2- طالبنا بالإعداد الفوري لانتخابات حرة مباشرة يشارك فيها الشعب لاختيار البرلمان والحكومة ولجنة كتابة الدستور، وقد بدأ مجلس الحكم يوم الاثنين الماضي بمناقشة آليات الانتخاب وتفاصيل العملية الانتخابية، ونحن نريد إجراءها في موعدها المحدد وعدم المماطلة فيها أو خلق أجواء تعرقلها.3- إننا والكثير من المخلصين اعترضوا على كثير من الفقرات لأنها منافذ للضرر بالوطن وبمصالح الشعب كالفقرتين (ج_، د) من المادة الحادية عشر التي أعطت الحق للعراقي الذي أسقطت عنه الجنسية العراقية لأسباب سياسية أو دينية أو عنصرية أو طائفية أن يستعيدها وله الحق أن يحمل أكثر من جنسية واحدة، وهذه المادة وان كان فيها إنصاف لكثير من الذين هجروا وسفروا وأسقطت عنهم الجنسية ظلماً وعدواناً، إلا أنها تتيح الفرصة لعدد كبير من الذين انتموا للكيان الغاصب للقدس واخلصوا له ولو على حساب الإضرار ببلدهم الأصلي العراق، فلا بد من إضافة قيود تمنع مثل هؤلاء من اكتساب الجنسية العراقية وبالتالي تمكينهم من مقدرات العراق
ص: 155
والتغلغل بين أبنائه، وقد وعدوا بإضافة مثل هذه القيود كإحراز الولاء للوطن في الملحق الذي يشرح هذا القانون والذي سيصدر لاحقاً.
4- إننا قلنا بضرورة المشاورة والتنسيق وعرض الأفكار على ممثلي المرجعية الحقيقية للشعب قبل إصدار القرارات وهو أجدى من توقيعها ثم الاعتراض عليها، وقد رحب من زارنا من أعضاء مجلس الحكم أو ممثلوهم باستضافة ممثل المرجعية في مشاورات المجلس والاستئناس بآرائه وتوجيهاته.
5- إن حق النقض الذي ضمنته الفقرة (ج_) من المادة الحادية والستين الذي أعطى الحق لثلثي ثلاث محافظات أن يوقفوا إرادة الأكثرية سوف لا يستخدم؛ لأن القضايا المعروضة ستحل بقرارات توفيقية بين الأعضاء، وقد هددنا بقدرة المرجعية على تعبئة ثلثي ثلاث محافظات فنستطيع إيقاف أي مادة في الدستور لا نراها منسجمة مع مبادئنا وحقوقنا.
فلا تعتقدوا أن هذه الفقرة هي لمصلحتهم فقط فالصحيح هو إلغاؤها والعمل بأسس الديمقراطية التي يؤمنون بها ونحن نلزمهم بما ألزموا به أنفسهم.
إن هذا الذي تحقق وان كان يدل على حالة ايجابية ومرونة في الحوار وتفهم وجهات نظر الآخرين، إلا انه ما زال غير كاف لإقناع الجماهير المؤمنة الذي ينبغي لها أن تستمر في رفضها للمواد والفقرات التي تغمط حقوقها وتكون باباً للإضرار بمبادئ الأمة وحقوقها ومصالح الوطن، وعلى عقول الأمة من مفكرين ومثقفين وعلماء أن تستثمر هذا التوجه الشعبي الكبير لتزيد من وعيه وتبصره بقضاياه المصيرية وأن تعلمه الحضور
ص: 156
الدائم في الساحة لأن وقوفه كالمتفرج وترك الساحة للآخرين يفوت عليه مستقبله.
أسأل الله تعالى أن يرعاكم بلطفه ورحمته ويمدكم بنصره وتأييده.
محمد اليعقوبي26 محرم 1425 الموافق 2004/3/18
ص: 157
صور من معاناة الشعب العراقي(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين...
لقد وقع عدد من أبناء المجتمع بين الإفراط أو التفريط في تحديد الموقف من قانون إدارة العراق للمرحلة الانتقالية، فبعضهم لم يكترث لصدور هذا القانون ولا يرى فيه أي مشكلة، بل لم يكلف نفسه الاطلاع عليه أو السؤال عنه، رغم أنه يؤسس لمستقبله ويحدد الخارطة السياسية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية والاقتصادية لهذا البلد إلى زمن طويل، فليس من المعقول أن يقابل باللامبالاة بل لا بد من تثقيف الأمة عليه وإلفات نظرهم إلى تفاصيله، وإدامة هذا الوعي ونشره حتى يتكون لديهم وعي سياسي عميق يحصنهم من تمرير المخططات المعادية لهم.
والبعض الآخر بالغ في الاعتراض عليه وطالب بإلغائه، وإلغاؤه يعني العودة إلى نقطة الصفر والرجوع إلى حالة الفوضى واللا قانون وهو ما لا يرضى به أي غيور مخلص يحب هذا الوطن ويريد لأهله الخير.
والموقف المبني على الإنصاف والتوازن هو الاعتراف بأن وضع هذا القانون يمثّل خطوة على الطريق الصحيح، وهو بناء العراق الجديد الخالي
ص: 158
من الظلم والإجحاف وغمط الحقوق والتسلط والاستعباد وهدر الثروات.
إلا أننا نريد لهذه الخطوة أن تكون صحيحة وناضجة ومتكاملة، وندعوا إلى التعاون والحوار والتنسيق لمعالجة الثغرات التي حصلت والتي يمكن أن تكون مفتاحاً للظلم والفتنة والشر وتمزيق وحدة الصف،وما هذه التجمعات التي تعقد والمطالبات المستمرة بهذا التعديل إلا أشكالاً من التعبير عن هذا الحق الذي يجب أن يستمر حتى يعود الحق إلى مستقره، ولا يشعر أحد بالغبن والإجحاف التزاماً بقوله تعالى [وَلا تَبخَسُوا النَاسَ أشيَاءَهُم] (الأعراف:85).
وقد حددنا مطالبنا بست نقاط تُليت في خطبة صلاة الجمعة الأولى في ساحة الفردوس وهي متوازنة ومنصفة وفيها محافظة على حقوق الجميع، وقد تحقق بعضها ولا زال الحوار مستمراً لمعالجة الباقي، إذ أن الفرصة لم تفت فيوجد ملحق للقانون سيصدره مجلس الحكم لشرح فقرات القانون الأصلي وإيضاحها وتقييد بعضها، وهذه الأمة إنما تستمر بمطالبتها لكي يتداول الأخوة الأعضاء في مجلس الحكم هذه الأمور في الملحق، ونحن لا نريد لكرامتهم أن تُمسَّ بسوء(1) أو تحدث حالة الانفصال وعدم الثقة بينهم وبين الشعب، فإنها خسارة عظيمة لنا ولهم، وهو
ص: 159
عين ما خطط له الأعداء الذين يحاولون باستمرار إسقاط رموز الشعب السياسية والدينية، فعلى الجميع أن ينتبهوا لهذه المؤامرة ولا يمكِّنوا الأعداء من أنفسهم، وأن يحفظوا لكل إنسان جهده وجهاده في تحقيق الخير والسعادة لمستقبل هذا الشعب.
إن الاعتراض على هذا القانون صوَّر وكأنه خلاف بين الشيعة والأكراد، وأن الأغلبية لا تريد توفير حقوق الأقلية، وأن هذه الأقلية تريد ضمانات من الأكثرية، وهو تفكير غير سليم وغير واقعي ومحاولة خبيثة للتفريق بين هاتين الطائفتين المظلومتين اللتين وقفتا في خندق واحد ضد الطاغوت، وتحملتا بسبب ذلك افجع المآسي وأفظع الكوارث، ومن غير المعقول أن تفترقا الآن بعد زوال السلطة الجائرة حيث حان وقت العمل المشترك البناء من أجل مستقبل زاهر لهما ولجميع العراقيين الشرفاء.
إن المرجعية الدينية حينما اعترضت على الفقرة (ج_) من المادة الحادية والستين فلأنها ترى في هذه الفقرة تعويقاً لكتابة أي دستور دائم، وأنها ستجعل البلد غير مستقر ويدور في حلقة مفرغة، وهو ما لا يرضى به حتى الإخوة الأكراد أنفسهم وإذا كانوا يبررونها بأنها ضمانات لهم فإن الضمانات ليستكلمات تكتب فقد كان في زمن صدام دستور مكتوب فهل استطاع أن يحدَّ من جرائم صدام وأفعاله الهمجية أم كان حبراً على ورق فقط.
إن الضمانات الحقيقية هي في التآلف والمحبة والتسامح والإيثار وحكمة القيادة، وقد أثبتت المرجعية الدينية خلال الفترة الماضية أنها تتصف بدرجة عالية من النزاهة والإنصاف والرحمة وسعة الصدر والعدالة
ص: 160
وحب الخير لجميع الناس مما جعلها صمام أمان وحدة الشعب وسلامة مسيرته، ولولا وجود هذه المرجعية وامتلاكها زمام الأمور وانقياد الناس لها لأصاب العراق بلاء شديد، وهو يمر في هذه الظروف الصعبة وقد تخلّى عنه كل إخوته بل عملوا على إيذائه من أجل مصالح زائفة وأنانيات مقيتة.
وما تأجيل مؤتمر القمة العربية الأخير(1) إلا طعنة جديدة في قلب هذا الشعب المظلوم، فإذا كان القادة العرب لا يجتمعون في مثل هذه الأخطار العظيمة حيث العراق يرزح تحت الاحتلال ويشق طريقه بصعوبة والكيان الصهيوني يمعن في اضطهاد الشعب الفلسطيني ويقتل الشيخ المجاهد أحمد ياسين في باب المسجد بعد أن أتم صلاة الصبح، والولايات المتحدة تطرح مشروع الشرق الأوسط الكبير وتطالب بإصلاح وضع الأنظمة العربية، والشعوب العربية تعاني من الجهل والتخلف والتمزّق والضياع والفقر، فإذا كان كل ذلك لا يمثل دافعاً لقادة العرب كي يجتمعوا فمتى يجتمعون ؟ إننا وإن لم نكن نعوّل كثيراً على مثل هذه المؤتمرات إلا أنها تمثّل الحد الأدنى من العمل العربي المشترك وصورة ظاهرية للوحدة العربية. فهذا التأجيل هو هروب من تحمل المسؤولية أمام شعوبهم وأمام العالم وإذا كانوا غير قادرين على الإصلاح والتكيف وفق متطلبات المرحلة
ص: 161
الراهنة فليتركوا شعوبهم تقرّر مصائرها بأنفسها وتختار من يقودها.
إن الشعب العراقي يستقرئ من هذا التأجيل ظلماً آخر وهو عدم إعطاء الفرصة لرئيس مجلس الحكم الحالي فضيلة السيد محمد بحر العلوم لحضور المؤتمر ظلماً وعتوّاً ومبالغة في إقصاء هذه الطائفة التي تمثل أكثرية الشعب العراقي، فأبت أنفسهم الأمارة بالسوء أن يُمَثَّل العراقيون بمن يرتدي هذا الزي الروحاني المقدس؛ لذلك تجدهم ما أن أجلوا المؤتمر حتى بدأوا يتنافسون على عقده بأسرع وقت فما حدا مما بدا، وما ذلك إلا لكي تنتهي فترة رئاسة السيد بحر العلوم نهاية آذار ويعقدون المؤتمر.
هذه بعض الصور من ظلم الأخوة وما خفي أعظم مما يضاعف علينا المسؤولية ويدفعنا نحو المزيد من التعاون والحوار وسعة الصدر والتجرد عن الأنانية والتصرفات الارتجالية، لكي نبني ذاتنا رغم كل هذه المعوقات، وعلى أعضاء مجلس الحكم الذين تحمّلوا عبئاً ثقيلاً في هذه المرحلة العصيبة أن يمدّوا جسور الثقة مع الشعب، الذي يتوقع الكثير من التعويض عن الحرمان الذي عاشه وأن يتفاعلوا مع قضاياهويستمعوا لمطالبه، وأن يبثّوا العيون المخلصة في كل مكان لكي تنقل لهم بصدق وأمانة كل مظلمة لأحد في شرق الأرض وغربها حتى يتمكنوا من رفع الظلم والحيف عن الناس تأسياً بأمير المؤمنين (علیه السلام) الذي يقول : (أأقنع من نفسي أن يقال لي أمير المؤمنين ولا أشاركهم في جشوبة العيش ولعل في الحجاز أو في اليمامة من لا عهد له بالشبع ولا طمع له بالقرص).
وها هي عوائل مئات الآلاف من الشهداء الذين أعدمهم صدام لأنهم لم ينحنوا له وبقوا شامخين أعزاء لا يطرق بابهم أحد ولا يرعاهم أحد،
ص: 162
بينما يخصَّص راتب شهري لعبد الرحمن عارف الذي سلَّم العراق بكل ذلة إلى حكومة حزب البعث عام 1968 والكثير من أزلام النظام يقبضون رواتبهم الضخمة وهم آمنون مطمئنون في بيوتهم.
وها هم الآلاف من السجناء في أبي غريب ومعتقلات الاحتلال الأخرى وغيرها من السنّة والشيعة يرزحون تحت ظروف سيئة بلا ذنب اقترفوه وإنما اعتقلوا لتُهم وافتراءات رفعها عليهم منافقون ومرتزقة وذوو مصالح شخصية، وفيهم الكثير من النساء اللواتي يُعتدى على شرفهن من قبل الكفار وتغتصب عفتهن وان بعضهن حوامل من هؤلاء العتاة المردة ولا تتحرك غيرة أحد لإنقاذهن.
وها هم مئات الآلاف من حملة الشهادات وذوي التخصصات عاطلون عن العمل لا يلتفت إليهم أحد، ولا يكترث بأمرهم أحد، ولا يطالب بحقهم أحد من أجل توظيفهم وإيجاد فرص العمل لهم رغم حاجة البلد إلى جهودهم وهمتهم وحماسهم في العمل.
هذه بعض صور معاناة هذا الشعب التي لا ترتفع إلا بالعمل المضني المخلص، وما دامت موجودة فإن التشدق بالكلمات عن الانجازات التي تحققت لا تقنع هؤلاء المحرومين لأنهم لم يروا تغييراً حقيقياً في حياتهم رغم مرور سنة على زوال صدام اللعين.
إن الوجود في مواقع المسؤولية من أعلاها كالعضوية في مجلس الحكم إلى أدناها فرصة كبيرة لطاعة الله تبارك وتعالى ونيل رضاه لأنه يمكِّن من قضاء مثل هذه الحاجات الكبيرة من خلال إدخال السرور على المؤمنين وتفريج همهم وكربهم وإنصافهم في الحقوق ورد الظلم عنهم
ص: 163
فمن الخسران المبين أن تضيع من الإنسان هذه الفرص الكبيرة.
[وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ].
محمد اليعقوبي
10 صفر 1425 الموافق 2004/4/1
ص: 164
بيانات حول المواجهات الشعبية مع قوات الاحتلال(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه والصلاة والسلام على اشرف خلقه محمد الرحيم بأمّته الذي وصفه ربّه بأنه [عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ] (التوبة: 128) لقد عز علينا والله ما حصل للمؤمنين من إزهاق أرواح واعتقالات ومداهمات ومحاصرة لجامع الرحمن في بغداد، وكلها من الاستفزازات الكبيرة التي يجب الكف عنها.
وأدعو أعضاء مجلس الحكم ليتحملوا مسؤوليتهم التاريخية في إيقاف هذه التداعيات الخطيرة، وحل هذه الأزمة وإنصاف المظلومين من ظالميهم، ولا بد من احترام الرموز والمقدسات الدينية واتباع الطرق الإنسانية الكريمة في حل المشكلات.
كما أدعو المؤمنين إلى الالتزام بالوعي والحذر وضبط النفس وعدم
ص: 165
التفريط بالثلة المؤمنة التي ضحى العلماء والأولياء من أجل تربيتهم وهدايتهم، وأن لا يسمحوا للأعداء الذين يتربصون بأهل الحق الدوائر بالدخول فيما بينهم من أجل أن يُلقوا الفتنة بينهم.
وإني سأواصل سعيي للدفاع عن المؤمنين ورفع الظلم عنهم وصيانة أرواحهم وكرامتهم بإذن الله تعالى .
محمد اليعقوبي
13 صفر 1425 الموافق 2004/4/4
ص: 166
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
[وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ].
فجعنا أمس بشباب مملوئين بالحماس والغيرة على الدين وأهله حصدتهم نيران الاحتلال في الكوفة وبغداد خرجوا للتعبير عن مطالبهم وحقوقهم في ظلال الحرية التي يزعم الغرب انه جاء بها إلينا، فكان رده قاسياً على المتظاهرين فقتل العشرات وجرح المئات من أبنائنا وأحبتنا .
إن الانفجار الأخير للشعب لم يكن وليد أحداث آنية(1)
وإنما جاء
ص: 167
كنتيجة طبيعية لخزين من الغضب والرفض بسبب تراكم من تجاهل الشعب والتفريط بحقوقه وعدم العمل الجاد لإصلاح وضعالبلد وتحسين أحوال الأمة وتسويف الانتخابات والاستخفاف بقيمه ومبادئه ورموزه ومقدساته وعدم مراعاة المبادئ الإنسانية في التعامل معه.
لذا لابد من تقييم شامل جديد لمجمل العملية السياسية يجري على أساس من الإنصاف والشفافية تشارك فيه جميع الأطراف المعنية بالقضية العراقية ولا يتجاهل فيه دور أي عراقي لأنه مستقبلهم جميعاً.
وقد دعوت أعضاء مجلس الحكم في بياني الأول لتحمل مسؤوليتهم الكبيرة ومطالبة قوات الاحتلال بالنظر في مطالب الجماهير، وإجراء تحقيق نزيه في الاعتداءات الأخيرة ومعاقبة الجناة وتعويض أسر الشهداء والجرحى.
وإننا إذ نعزّي ذوي هؤلاء الضحايا ونحتسب أبناءهم عند الله تعالى، نسأل الله تعالى أن يمنّ عليهم بالصبر والأجر، وعلى الجرحى بالشفاء والسلامة.
ونسجل شكرنا هنا لعناصر الشرطة العراقية وسائر الأجهزة الرسمية التي أبت مواجهة الجماهير ورفضت إطلاق النار عليهم وانسحبت أمامهم، وهذا الموقف الشريف يزيد من وعي الأمة بأن العراق عاد للعراقيين ولم
ص: 168
يعد حكراً على صدام وجلاوزته، وأن أجهزته الرسمية مدنية أو عسكرية إنما هي منه وإليه وهذا يؤدي إلى مزيد من التلاحم والعمل المشترك لبناء عراقٍ حر كريم كما وصفه الشهيد الصدر الأول (قدس سره).
وهذا يدعونا جميعاً إلى مراعاة الحكمة في التصرفات وأن نميّز بدقة بين العدو والصديق، ولا نسمح لأحد من المنافقين والانتهازيين أن يخلط الأوراق علينا فنخسر دنيانا وآخرتنا ونجني على أنفسنا ومستقبل بلدنا وامتنا ونكون من الأخسرين أعمالاً الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً .
ويحتاج كل ذلك إلى إخلاص كبير لله تعالى ودعاء مستمر بطلب التسديد والتوفيق.
محمد اليعقوبي
14 صفر 1425 الموافق 2004/4/5
ص: 169
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
أثار استغرابي بشدة كلام مسؤول الإدارة المدنية الأميركية في العراق بول بريمر، والذي اعتبر فيه الجماهير الغاضبة التي خرجت لتعبر عن حقوقها بطرق سلمية إنها خارجة عن القانون، ولم تسعفه حنكة السياسيين لاحتواء الموقف وترضية الثائرين، ولا أدري أي قانون خرج عنه هؤلاء الناس ومن الذي وضعه ولمن سُنّ هذا القانون إذا كانت هذه النسبة الكبيرة من أبناء البلد خارجين عنه ؟
إن الكرة الآن في ملعب مجلس الحكم الذي عليه أن ينتخب عدداً من أعضائه المقبولين لدى الشعب ليكوِّنوا غرفة قرار(1) وطوارئ تتابع هذه
ص: 170
القضية فتطلب من قوات الاحتلال وقف اعتداءاتهواقتحامها للمدن، خصوصاً للمكاتب التي ترفع أسم السيد الشهيد الصدر (قدس سره) الرمز الذي له معنى كبير في قلوب محبيه الذين عاشوا حبه لهم وتضحيته من أجل هدايتهم وإنقاذهم من عبادة الطاغوت، وتعد من الكبائر جريمة قصف مكتب الشعلة واستشهاد عدد من الأبرياء وجرح آخرين ومتابعة هذه القضية أهم من قضاء الوقت بالمناقشات مع الأخضر الإبراهيمي(1)
والساحة مشتعلة بهذا الشكل .
وبعدئذ تبدأ غرفة القرار هذه بالنظر في مطالب الشعب وقضاياه الضرورية في حياته التي تجاهلها أعضاء مجلس الحكم وراح يناقش أخرى لا يحس الشعب بأهميتها بل أن بعضها ضد مصلحته حتماً ، ومن تلك المطالب:1- تعديل قانون إدارة العراق للمرحلة الانتقالية وفق التحفظات التي
ص: 171
أعلنتها المرجعية الدينية والسياسية وعلى رأسها عدم جواز تحكم هذا القانون الانتقالي بالدستور الدائم الذي تصدره جمعية منتخبة من قبل الشعب.
2- عدم تجاهل أي شريحة من نسيج الشعب العراقي وإهمال دورها في العملية السياسية ورسم الملامح الجديدة لعراق المستقبل.
3- الإعداد الفوري لإجراء انتخابات حرة مباشرة لجميع أبناء الشعب حتى يختار الجمعية الوطنية وما ينبثق عنها من مؤسسات دستورية وإنهاء الاحتلال مباشرة.
4- العمل الجاد من أجل تحسين الأوضاع المعيشية للشعب وإيجاد فرص العمل للخريجين والعاطلين فإن المواطن لا يرى تغيراً نحو الأفضل رغم مرور سنة.
5- إطلاق السجناء الذين اعتقلوا من غير ذنب سوى اتهامات زائفة خصوصاً النساء فإن لهن في ديننا وأعرافنا كرامة ومنعة واحتراماً.
6- أن لا يتخذ مجلس الحكم الانتقالي أي قرارات ستراتيجية تتعلق بمصير العراق فإنها من شؤون برلمان منتخب.
7- احترام الحريات العامة والرموز الدينية ومقدسات الشعب العراقي.
إن القمع بقوة الحديد والنار ليس حلاً بل أنه يؤدي إلى عنف اشد وهذه حقيقة لا ينكرها أحد، ونؤكد هنا ما قلناه في بياننا السابق إن هذا الانفجار الشعبي الهائل ليس وليد إغلاق صحيفة أو اعتقال شخص كما ربما يتصور وإنما هو تعبير عن شعور عميق بالحيف والظلم والإهمال والاحتقار، وما دامت الأسباب هذه قائمة فإنه سوف لا يكون هناك
ص: 172
استقرار، وإنما الحل في إعادة النظر والتأمل بعمق في العملية السياسية ، وإذا قام مجلس الحكم بهذه الخطوة فإنه يوفر الأرضية للخيرين لكي يعملوا على إعادة الأمن وبسط النظام وهو أمل الجميع.
إن الولايات المتحدة أمام تحدٍ كبير في العراق اليوم فهي رمز حضارة الغرب وهذه الحضارة كلها أمانة في أعناقهم فإما أن يثبتوا للبشرية مصداقيتهم في حملها وإعطاء صورة مقنعة عنها للشعوب وإما أن تتهاوى هذه الحضارة وسوف لا تقوم لها قائمة [بَلِ الإنسان عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ].
محمد اليعقوبي
الاثنين / 14 صفر 1425 الموافق 2004/4/5
ص: 173
بسم الله الرحمن الرحيم
في خضّم الأحداث والمواجهات حدثت بلبلة في الأفكار والمواقف واختلطت الأوراق وساهمت وسائل الإعلام في تضليل الرأي العام وتوجيهه نحو خدمة أهدافها ومصالحها لا مصالح الشعب العراقي، ولتلخيص موقف المرجعية الرشيدة وتوجيهاتها التي تضمنتها البيانات السابقة فقد وجه سماحة الشيخ أئمة الجمعة (وخصوصاً في جامع الرحمن في بغداد) ليوم الجمعة 18 صفر 1425 أن يبينوا للأمة هذه النقاط:
1- اتباع الوسائل السلمية في التعبير عن الرأي لان أي بلبلة سوف يستفيد منها الأعداء كالصداميين والإرهابيين لينتقموا من الشعب.
2- المحافظة على المؤسسات العامة وعدم عرقلة عملها وحرمة التصرف فيها والسماح لموظفي الدولة بالعمل لأنها ملك الشعب.
3- عدم حمل السلاح الظاهر داخل المدن لعدم إعطاء الذريعة لقوات الاحتلال حتى تضرب المدنيين.
4- الوعي والحذر من دخول الغرباء والمخربين الذين يستغلون الفوضى وعدم وجود سلطة لنشر التدمير والخراب.
5- المحافظة على الوحدة وتعزيزها وعدم السماح لمثيري الفتن للتفرقة بكلمات ضالة فالحذر من الانخداع فيهم وضرورة احترام آراء الآخرين.6- إننا لا نتخذ موقفاً منفرداً في مثل هذه القضايا المصيرية ولا بد من
ص: 174
التشاور مع أقطاب المرجعية وتوحيد الموقف ولا يجوز للأمة أن تملي على المرجعية شكل الموقف المتخذ.
7- إن من أولويات المرجعية حفظ كيان الإسلام وحماية أرواح المؤمنين وممتلكاتهم، لذا فإنها تبذل مساعي حثيثة لحل الأزمة سياسياً يشارك فيها أقطاب المرجعية وعدد من أعضاء مجلس الحكم والخيرين.
ص: 175
رسالة مفتوحة إلى مسؤول الإدارة المدنية للعراق بول بريمر(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
إن من أولويات المرجعية الدينية حفظ كيان المجتمع وحماية أرواحهم وممتلكاتهم والدفاع عن حقوقهم وإقامة نظام المجتمع المدني بآلياته المتحضرة ولذا كان لها الدور الرئيسي في حفظ البلد منالوقوع في كوارث عديدة كالحرب الأهلية وحماية الممتلكات والمؤسسات العامة من السلب والنهب وغيرها من الأخطار التي كان أعداء الشعب والنظام المقبور قد اعدوا لها.
وقد تصرفت المرجعية الدينية عبر المراحل التاريخية ومنها الحالة الحاضرة بحكمة عالية وضبط نفس كبير كلفها الكثير من التضحيات بالأرواح والكرامة الشخصية أحيانا في سبيل المصلحة العامة، ونتيجة لذلك ولصفات سامية أخرى فيها فإن لها مكانة مقدسة في قلوب أتباعها الذين
ص: 176
يرون أن أقل ما يقدمون في سبيلها هي التضحية بالنفس.
هذه الحقيقة يجب أن يعلمها بدقة كل من يتعامل مع القضية العراقية لكي تكون قراراته بعيدة عن الأخطاء التي تكون مميتة أحيانا كما في المرحلة الحاضرة حيث تهدد الولايات المتحدة باقتحام مدينة النجف الأشرف لأهداف معلنة وغير معلنة، وهو ما سيجعل الأرض محروقة ليس فقط تحت أرجل الشعب وإنما تحت أرجل قوات الاحتلال أيضاً، وقد بلغتنا أخبار عن وجود تيار واسع لدى العشائر وشباب المحافظات المختلفة للدخول في مواجهة مفتوحة إن تعرضت النجف أو المرجعية الدينية أو العتبات المقدسة للانتهاك والاعتداء بشكل مقصود أو غير مقصود وهذا ما تحاول المرجعية تجنب وقوعه بكل ما تستطيع لكنه إذا وقع فربما سيكون للمراجع رأي آخر.
إن الانفجار الأخير الذي حصل لم يكن وليد أحداث آنية مهما كانت مهمة في ذاتها وإنما جاء كنتيجة طبيعية لخزين من الغضب والرفض بسبب تراكم من تجاهل شرائح واسعة من الشعب والتفريط بحقوقه وعدم العمل الجاد لإصلاح وضع البلد وتحسين أحوال الأمة وتسويف الانتخابات والاستخفاف بقيم الشعب ومبادئه ورموزه ومقدساته وعدم مراعاة المبادئ الإنسانية في التعامل معه وهي كلها قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة.
إن القمع بقوة الحديد والنار ليس حلاً بل انه يؤدي إلى عنف أشد وهذه حقيقة لا ينكرها أحد خصوصاً في الوسط العراقي الشيعي المحتقن والمتحمس لكل حركة نتيجة بطش الأنظمة السابقة وقسوتها وجرائمها التي
ص: 177
لم يشهد لها التاريخ مثيلاً.
لذا فلا بد من الالتزام بمنطق العقل والحكمة في حل القضايا فليلتزم الطرفان أولاً بوقف العمليات العسكرية وانسحاب القوات الأجنبية إلى خارج المدن والمسلحين من شوارعها وعودة الأجهزة الوطنية مدنية وعسكرية لأداء دورها الطبيعي في حفظ الأمن واستتباب النظام، ومن ثم مناقشة القضايا العالقة حتى نصل إلى إجراء تقييم شامل جديد لمجمل العملية السياسية يجري على أساس من الإنصاف والشفافية تشارك فيه جميع الأطراف المعنية بالقضية العراقية ولا يتجاهل فيه دور أي عراقي لأنه مستقبلهم جميعاً.إننا كما تعتصر قلوبنا ألماً للمشاهد المفجعة التي تحصل في مدن العراق خصوصاً ما حصل في النجف والشعلة ومدينة الصدر والفلوجة، كذلك نتألم لحال الأسر الأمريكية التي تنتظر عودة أبنائها سالمين لتحتضنهم بفرح وإذا بها تستقبل جنائزهم.
إن الولايات المتحدة اليوم أمام تحدي كبير في العراق لأنها رمز حضارة الغرب ونموذجها الأول وهذه الحضارة كلها أمانة في أعناق الأمريكيين فإما أن يثبتوا للبشرية مصداقيتهم في حملها وإعطاء صورة مقنعة عنها للشعوب وإما أن تتهاوى هذه الحضارة وسوف لا تقوم لها قائمة وتقابل بالاشمئزاز والكراهية.
إننا نطمح أن تنشأ بين شعبينا علاقة احترام متبادل بعد زوال الاحتلال لأننا نعتقد أن الشعب الأمريكي عنده الكثير مما نريد أن نستفيد منه، كما أن عند شعبنا العريق في الحضارة الكثير مما يمكن انتفاع الشعب الأمريكي منه
ص: 178
في ظل حوار ودي بناء. لكن كثرة التصرفات الخاطئة تزيد من الكراهية والعداوة وان كثيراً ممن رحّبوا بقدوم القوات الأمريكية قبل عام تحولوا إلى أعداء.
نذكركم أيضا أن مدينة النجف الأشرف ستستقبل بعد ثمانية أيام مناسبة دينية ضخمة في ذكرى وفاة نبي الإسلام محمد (صلی الله علیه و آله) حيث يفد الملايين من المؤمنين إلى النجف وهي لا تقل أهمية عن ذكرى زيارة الأربعين في مدينة كربلاء المقدسة التي تصادف اليوم.
أرجو أن تؤخذ جميع هذه الأمور بنظر الاعتبار بعقل مفتوح ونية مخلصة لنصل إلى ما يحفظ مصالح شعوبنا.
محمد اليعقوبي – النجف الأشرف
20 صفر 1425 - 11 / 4 / 2004
ص: 179
بسمه تعالى
تناقلت وسائل الإعلام أنباء المساعي إلى تشكيل حكومة عراقية للمرحلة الانتقالية، وهي فرصة ثمينة لأعضاء مجلس الحكم ليستعيدوا مصداقيتهم؛ لأن مثل هذه الخطوة يمكن أن تكون جزءاً من الحل للمشكلة القائمة في العراق، والتي يدفع أبناء هذا البلد ثمنها غالياً، وقلنا في تحليلها أنها نشأت من تراكم من الأخطاء في العملية السياسية والتصرفات غير المسؤولة، والآن حان الوقت لتصحيح المسيرة وجعل هذه الخطوة نقطة انطلاق للحل العادل الشامل للقضية العراقية.
ولكي يتحقق ذلك لا بد من إعادة تقييم ودراسة الواقع العراقي بشكل منصف وموضوعي بعيداً عن الأنانية والمصالح الشخصية والفئوية، ومبني على الحوار والثقة المتبادلة وعدم تجاهل أي شريحة يتركب منها نسيج الشعب العراقي وتريد أن تساهم بإخلاص في بناء العراق الجديد. والاستفادة من الأخطاء السابقة التي كلفت جميع الأطراف الكثير من الخسائر التي كان يمكن تجنبها وعلى الأقل عدم تكرارها حتى يظهر الجميع أمام العالم بمظهر القادر على تجاوز الصعاب وحل الأزمات وتصحيح الأخطاء بالأساليب الحضارية التي تحترم الإنسان وتعطيه فرصة التعبير عن رأيه وتوفر له كل حقوقه.
ولا بد من انجاز هذا المشروع قبل موعد تسليم السلطة والسيادة للعراقيين لتجنب حصول فراغ امني وسياسي وإداري يعطي الفرصة للعابثين
ص: 180
لخلق الفوضى في حياة الناس، وهذا التسريع لا يكون على حساب الدقة والحكمة في انجاز المشروع.
ولتوفير الظروف الملائمة لإنجاح هذه الخطوة وهذا الحوار البناء تدعى قوات الاحتلال إلى التوقف عن عملياتها العسكرية والاستفزازية، وكذا تدعى المجاميع والأفراد المسلحة إلى إلقاء أسلحتها والتوقف عن أي عمل يربك النظام ويعيق تقدم هذه العملية السياسية، والمشاركة في الحوار للوصول إلى حكومة معبرة عن إرادة الشعب وتسعى لتحقيق مستقبل زاهر بعيداً عن العنف والإرهاب والعدوان.
إن المحنة والأزمة الخانقة التي يمر بها شعبنا تجعل الجميع أمام مسؤوليات خطيرة لمساعدة هؤلاء المحرومين والمضطهدين للخروج من الأزمة ويتطلب الأمر الكثير من التضحية والشجاعة ونكران الذات [وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ](البقرة: 110).
محمد اليعقوبي - النجف الأشرف
6 ربيع الأول 1425 الموافق 26 / 4 / 2004
ص: 181
ما هو تكليفنا في المرحلة الراهنة(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
تعودّت الأمة أن تمتد إليها اليد الرحيمة للمرجعية في كل لحظة عصيبة تمر بها لتنقذها من التردد والحيرة والضياع وتدلّها على الهدى والصلاح، وبالرغم من اعتقادي أن كتاب (نحن والغرب) ما زال حياً ويلبّي احتياجات الأمة العلمية والعملية وما يجب عليها فعله، وأن دراسته والتأمل فيه يفتح آفاقاً واسعة للعمل الإسلامي البّناء والّهادف، إلا انه من باب إن الذكرى تنفع المؤمنين ولأجل التواصل مع الأمة نعيد التأكيد على بعض النقاط المهمة في حياتنا :
1- تعميق الصلة بالله تعالى والتقرب إليه من خلال الالتزام الكامل بالشريعة واجتناب ما يبّعد عن الله تعالى، والذكر المستمر له سبحانه وذلك باستحضار وجوده وإطلاعه الكامل على ما تخفي الصدور فضلاً عمّا هو أظهر، وأنه أقرب إلينا من حبل الوريد ولا تخفى عليه خافية في السماوات ولا في الأرض، ومن عَلم أن الله تبارك وتعالى مطلّع عليه بهذا الشكل فسيعيد النظر في كثير من تصرفاته، ومن مقوّمات ذلك الدعاء والشعور المستمر بالحاجة إلى الله تعالى والاهتمام بصلاة الليل ولو بركعة واحدة
ص: 182
وتلاوة القرآن والكون على طهارة زماناً معتداً به.
2- اتباع المرجعية الدينية وعدم تجاوزها ولا التأخر عنها، فإن العلماء أمناء الرسل وامتداد المعصومين الذين يصفهم الدعاء بأن المتقدم لهم مارق والمتأخر عنهم زاهق واللازم لهم لاحق، وقد أمر الأئمة (علیهم السلام) شيعتهم ألاّ يعلّموا العلماء بل يتعلموا منهم ويتبعوهم في كل القضايا سواء التي تهم الفرد كالوضوء والصلاة والصوم أو التي تهم الأمة كالقضايا المصيرية التي تتطلب موقفا موحداً من المرجعية والعلماء.
3- الحذر من مؤامرات الأعداء والتنبه لها، ومن ذلك ما تفعله الفضائيات من توجيه الأحداث بالاتجاه الذي يخدم مصالحها بالكذب والتزييف والمبالغة والتهويل، ولذلك امتنعتُ عن مقابلة أي منها خلال الأحداث الأخيرة، لأنني اعلم أنها ستقّطع اللقاء وتعرضه بالشكل الذي ينفّذ سياستها، ولو أنَّ في هذا الغياب تعتيما على الجهد الذي ابذله إلا أنني أضحي بسمعتي من أجل رضا الله تبارك وتعالى ومصلحة أمتي.4- زيادة الوعي والثقافة الإسلامية بالاطلاع على الكتب والنشرات والاستماع إلى المحاضرات والندوات المخلصة وتبادل هذه الأفكار مع الآخرين وتوسيع دائرة فائدتها إلى أوسع قاعدة من الأمة.
5-
نبذ الفرقة والخلاف باجتناب أسبابه التي أهمها التعصب للانتماءات سواء كانت للأشخاص أو الجهات ومحاولة إلغاء الآخر، والتطرف في المعتقدات، والتحجر في الأفكار، فلا بد أن نحترم وجهات نظر الآخرين خصوصاً إخواننا في المذهب والدين، ونعتقد أن الأنماط المختلفة من السلوك إنما هي ادوار مختلفة يؤديها أصحابها لتصب في
ص: 183
هدف واحد، وإذا أريد إقناع الآخرين فبالحوار والدليل والحكمة والموعظة الحسنة وليس القسر والإكراه.
6- إحياء الشعائر الدينية في المناسبات وغيرها وإعمار المساجد بالنشاطات المتعددة العبادية والفكرية والإنسانية والاجتماعية. ويستفاد في هذا المجال من كتاب (شكوى المسجد).
7- توحيد خطاب الأمة وتوجهاتها نحو المطالب الحقيقية وعدم التشتت في الرؤية أو التركيز على مطالب جزئية، فتضيع الأمة ولا تعرف ماذا تريد وبماذا تطالب، وقد عبّرنا بلسان الأمة عن مطالب سبعة في البيان الثالث عن المواجهات الأخيرة.
وقد اعترف الساسة وقادة البلاد بأنه أفضل تحليل للوضع الراهن وكيفية الخروج منه ومن دون هذا الخطاب الموحد تضيع الجهود والدماء هدراً.
8- المحافظة على النظام الاجتماعي العام وعدم الإخلال به فانه من أعظم الواجبات الشرعية وقد تنازل أمير المؤمنين عن حقه في الخلافة لهذه الغاية. فما بالك بالأقل منه.
9- الإعراض عن حب الدنيا والمنافسة عليها بكل أشكالها ومصاديقها فإنها رأس كل خطيئة وباب الشرور كلها، وإن النجاة في تركها تأسّياً بأمير المؤمنين (علیه السلام) الذي خاطبها : (يا دنيا غرّي غيري قد طلقّتك ثلاثا لا رجعة لي فيك). وعلى تعبير الإمام الحسين (علیه السلام): (فالمغرور من غرّته والشقي من فتنته). وقد شبّهها الأئمة (علیهم السلام) بالجيفة التي تتزاحم عليها الكلاب، وهذه هي حقيقتها فهل يقبل العاقل أن يكون ضمن هذا المشهد
ص: 184
المقزّز وكلما ابتعد عنها الإنسان فانه يكون سعيداً مرتاح البال فالعاقل من جعلها مزرعة لآخرته.
وهكذا فإن زيادة الموعظة تزيد البصيرة وتنير القلب وتهذّب النفس.
10- دراسة سيرة المعصومين (علیهم السلام) بشكل مفصّل وتحليلي على نحو ما جرينا عليه في محاضرات (دور الأئمة (علیهم السلام) في الحياة الإسلامية) وموسوعة الإمام المهدي لسيدنا الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) وغيرها لنتعلم منهم (علیهم السلام) كيف نواجه متغيرات الحياة بالموقف السليم.
هذه نقاط عشر على نحو الاختصار وهي لا تغني عمّا اشرنا إليه في الكتب والبيانات المختلفة.أسأل الله تعالى أن يجمع كلمة عباده على طاعته ويوفقَّ أولياء أمورهم لما فيه صلاحهم إنه أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
محمد اليعقوبي - النجف الأشرف
27 صفر 1425
18 / 4 / 2004
ص: 185
ملاحظات بين يدي الحكومة المؤقتة الجديدة(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
لقد شهد العراق خلال الأسبوع الماضي حدثاً كبيراً في تاريخه وهو تعيين رئيس الجمهورية والحكومة للفترة الانتقالية للإشعار بحياة جديدة انبثقت في هذا البلد، وقد افتعلت أزمات في البلد خلال الفترة الماضية لتنشغل الأمة بها ويمرر هذا المشروع كما خطط له وقد اشتركت في حبكه عدة أطراف بعضها مؤثر وبعضها مغلوب على أمره.
إن هذا الحدث يمكن أن نلاحظ عليه عدة نقاط:
1- غياب الصورة الإسلامية عن التشكيل وعدم وضوح ما يشير إلى أن هذه حكومة تمثل بلداً سمته البارزة فعالية التيار الإسلامي فيه وتغطيته لمساحات واسعة من الشعب، ولا يتناسب الوجود الإسلامي في هذا التشكيل مع جسامة التضحيات التي تكبدها هذا التيار خلال عقود البطش الصدامي، حتى أن النساء المنّضمات إليه لا توجد فيهن واحدة ترتدي الحجاب الإسلامي لترمز إلى وجود شريحة واسعة من الملتزمات بالشريعة الإسلامية والتي تمثل أغلبية نساء هذا المجتمع.
ص: 186
وبعد كل هذا يقول مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إن هذا أفضل الممكن أو الموجود.
2- الترحيب العربي والإقليمي الذي حصل بهذه الحكومة رغم أن آلية تشكيلها لا تختلف عما حصل في إنشاء مجلس الحكم حينما اعترضوا عليه ولم يعترفوا به لأنه فاقد للشرعية وغير منتخب من قبل الشعب فما حدا مما بدا ؟ أم أن وراء ذلك أغراضا ونوايا غير نظيفة قد تحققت ؟3- إن هذه الحكومة غير شرعية بالتأكيد لأنها لم تستند إلى إرادة الشعب ولكنها قادرة على أن تحظى بتأييده لاحقاً حينما يلمس منها هذا الشعب خطوات ايجابية على طريق حل مشاكله وقيادته نحو الاستقرار والبناء والأمن والازدهار، وإن تكون لهم مصداقية وجدية في وعودهم للشعب لأن وظيفتهم الأساسية هي إنهاء الاحتلال بتسلم السيادة الكاملة، والإعداد الكامل لإجراء الانتخابات في موعدها المقرر، وتصريف أعماله خلال المرحلة الانتقالية.
ويتفرع عن ذلك عدم وجود حق لهذه الحكومة في اتخاذ قرارات ستراتيجية وتكبيل الشعب وحكومته الدستورية بعقود ومعاهدات وقوانين ملزمة لتلك الحكومة التي ينتخبها الشعب.
4- إن البلد قد عانى خلال الأشهر الأربعة عشر من عمر الاحتلال من أزمات ضخمة كلفته الكثير من الخسائر البشرية والمادية والمعنوية التي ما كان ليتحملها لولا صبره وترقبه وحسن ظنه بالله تعالى، وقد أرجعنا أسباب تلك الأزمات إلى عدة أمور في بعض بياناتنا السابقة ومنها التخبط في العملية السياسية، تجاهل إرادة الشعب، عدم الجدية في إعمار البلد
ص: 187
وتحسين وضع أهله، عدم إيجاد فرص العمل الكافية وغيرها.
وإذا شخصنا الأسباب فلا بد من العمل بصدق وإخلاص على تلافيها وعدم تكرار الوقوع فيها فإن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين وقد لدغ شعبنا مرات ومرات.
إن عيون هذا الشعب المضطهد المحروم الذي يستحق كل تكريم ورعاية تترقب من الحكومة الجديدة أن تمسح بيدها على جروحه وتخفف عن آلامه وتعينه على المكاره ولا تضيف إليه هماً على همه ومصيبة على مصائبه فينعدم عنده الأمل ويدب إلى قلبه اليأس فلا يجد حلاً أمامه إلا الانتحار.
محمد اليعقوبي
14 ربيع الثاني 1425
3 / 6 / 2004
ص: 188
مع قوات الاحتلال(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
[وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ] (البقرة : 155 _ 156 _ 157).
لقد ابتلى شعبنا المؤمن الموالي لأهل البيت (علیهم السلام) بألوان المصائب والمحن وتكالبت عليه قوى الشر والبغي والعدوان من الكفار والمنافقين والحاسدين، وساعدهم في تنفيذ مآربهم الجهلة والمرتزقة والمتحجرون، وفي جميع الأحوال يدفع هذا الشعب الممتحن الثمن الباهظ الذي لا يذهب سدى؛ لأنه يولّد وعياً وثورة ورسوخاً للإيمان في الدنيا والمقامات الرفيعة في الآخرة التي لا تنال إلا بمثل هذه البلاءات، ولا زالت الجرائم الفضيعة ترتكب في حق أهلنا ومقدساتنا في النجف وبغداد والكوت والعمارة والبصرة والناصرية وغيرها.
وكان آخرها ما جرى اليوم في مدينة الكوت الحبيبة حيث أودى
ص: 189
القصف الجوي الأمريكي بحياة (75) بريئاً وجرح حوالي (150) مما يندى له جبين الإنسانية ويضع عليها وصمة عار لا تنسيها الأيام.
لقد طالبنا باستمرار أن يسود منطق الحكمة والتعقل في معالجة الأمور، وتحل المشاكل بالحوار البناء وأن يتخلى الجميع عن أنانيتهم وأغراضهم الشخصية وعنجهيتهم ولا يكون لهم إلا هدف واحد هو رضا الله تبارك وتعالى ورفع الظلم والحيف والحرمان عن هذا الشعب المضطهد المغلوب على أمره حتى تستعاد حقوقه ويعيش حياة حرة كريمة.
وقلنا إن لغة السلاح لا تنفع بل تضر وتولد مشاكل معقدة وتهدد كيان الأمة بالاضمحلال اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً ولا يرضى أي مخلص غيور بهذه النتيجة.
ومن أجل ذلك بادرنا إلى تحريك المجلس السياسي الشيعي لاتخاذ كل الوسائل وسلوك كل القنوات الفعالة للضغط على أصحاب القرار حتى يوقفوا نزف الدم الحرام في البلد الحرام، وليصونوا المقدسات ويعودوا إلى مائدة الحوار والتفاهم وهم ساعون في هذا الطريق بلا كلل أو ملل، وما دعوتهم للتظاهرات اليوم الخميس 12 / 8 / 2004م إلا حلقة من هذه السلسلة من المساعي الحثيثة التي تستهدف إظهار الاستنكار الشعبي العارم لهذه الجرائم ولهذه الطرق الوحشية في معالجة الأمور.ولا شك إن استمرار مثل هذه الفعاليات الجماهيرية تؤدي إلى إقناع الأطراف المعنية بإلقاء السلاح جانباً، واحترام إرادة الشعب واللجوء إلى الحوار في حل المشاكل العالقة، وقد حرمنا القتال بين المسلمين مهما كانت مبرراته، وإذا حصلت مشكلة لا بد من التعامل معها بالصبر وسعة
ص: 190
الصدر وقوة التحمل حتى نتجاوزها ونحلها من دون خسائر أو تقليلها على الأقل، أما أن يكون الحل الأول هو اللجوء إلى القتل والتدمير فهذا من أكبر المحرمات في الشريعة ويوجب الخلود في جهنم.
لقد نصحنا جميع الأطراف المعنية في وقت مبكر وقبل أن تتدهور الأمور إلى هذا الحد، بأن إصلاح العملية السياسية وإجراءها بالشكل الذي يرضي جميع شرائح الشعب، ويكفل مشاركتهم بصورة حرة ونزيهة في التعبير عن آرائهم هو الحل الجذري للمشكلة الأمنية، بحيث لا يبقى مبرر لقوات الاحتلال بالبقاء، ولكل من يقوم بأعمال إرهابية أو تمرد على النظام الاجتماعي.
ولابد أيضاً من العمل الجدي لتحسين الأوضاع المعيشية للناس وإيجاد فرص العمل للعاطلين وتمكين العناصر الكفوءة المخلصة النزيهة في إدارة البلاد.
هذا باختصار هو المنطق الحكيم في فهم المشكلة وكيفية علاجها، ولا بد أولاً وقبل كل شيء من إيقاف نزف الدم وإلقاء السلاح وبدء الحوار الوطني المخلص لإنقاذ البلد والشعب من دوامة هذه الكوارث المهولة.
محمد اليعقوبي
25 / ج2 / 1425ه_
12 / 8 / 2004م
ص: 191
رسالة للمؤتمر الوطني العراقي(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد فؤاد معصوم رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني العراقي.
السادة والسيدات أعضاء المؤتمر الوطني العراقي.إن انعقاد مؤتمركم في ظل الظروف العصيبة التي يمر بها العراق الجريح وهو يضم تشكيلة متنوعة تمثل شرائح واسعة من المجتمع العراقي يمثل دليلاً معبراً عن الإرادة الصادقة لهذا الشعب ورغبته الأكيدة في حياة سياسية حرة كريمة يعبّر فيها بكل حرية عن مطالبه وحقوقه.
ونحن برغم تحفظنا على آليات اختيار الأعضاء في هذا المؤتمر إلا أننا نجد فيه خطوة مهمة في تأسيس الديمقراطية في العراق التي يشتاق إليها أهله. فلا بد من العمل الدؤوب لإقامة هذه الحياة في العراق والمحافظة على إجراء الانتخابات في موعدها المقرر.
إن شعوب كل الدول تنظر إلى حكوماتها على أنها الراعي والأب العطوف والأم الحنونة لأفراد الأمة لذا فهم يتوقعون منها كل خير ويأمنون منها كل شر وينتظرون منها الصدر الواسع والحلم الطويل لحل المشاكل،
ص: 192
وليس المعالجة المباشرة بالاستئصال ولكم في قول الله تبارك وتعالى أسوة حسنة [وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ] (فاطر: 45)؛ لذا نحن نأمل من الحكومة أن تتحلى بالصبر والحكمة وسعة الصدر بأقصى صورة وبمقدار ما تكون الحكومة كذلك فإنها تحظى بثقة واحترام الشعب وإطاعته لها.
ولما كان مؤتمركم ممثلاً لفئات واسعة من الشعب فإنه ينتظر منكم الخير الكثير ومنه:
1- التوسط لدى الجهات المسؤولة للإفراج عن المعتقلين الذين لم تثبت عليهم جرائم وجنايات خصوصاً علماء الدين لأنهم رموز اجتماعية مقدسة والاستمرار في اعتقالهم يمثل حاجزاً نفسياً يعيق التقارب وعودة الثقة المتبادلة.
2- الاهتمام الجدي بتحسين الأوضاع المعيشية وإيجاد فرص عمل للعاطلين، وإعادة المفصولين السياسيين بسرعة.
3- إعادة إعمار البلاد والبدء بمشاريع واسعة تخفف من آلام الشعب وتمسح على جروحه.
4- إعطاء الصلاحيات التشريعية المتعارفة للجمعية الوطنية المنتخبة من قبلكم وعدم الاقتصار على دور تشريفي أو قريب من ذلك.
[وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ]
محمد اليعقوبي / النجف الأشرف
2004/8/17
ص: 193
(معاً يداً بيد لنبني عراق السلام والازدهار) كان هذا هو النشيد الذي ترنمت به مئات الآلاف من الجماهير المؤمنة التي لبت دعوة المرجعية الدينية الشريفة في التوجه إلى النجف الأشرف(1)
رغم أن ضراوة النار قد
ص: 194
بلغت شدّتها لكن ذلك لم يمنعهم من المجيء رغم عدم توفر ابسط الخدمات من الماء والغذاء لمثل هذا العدد الهائل وفي هذه الظروف الشديدة.جاءوا ليقولوا اتركوا السلاح جانباً وانبذوا لغة العنف وابدأوا حوار الأخوة والمحبة والصدق والإخلاص، وليقولوا إننا نحن هذا الجمع المليوني –ومن ورائهم أضعافهم- نمثل إرادة الشعب الحقيقية وليس أحداً غيرنا له الحق أن يتحدث باسمنا.
جاءوا ليقولوا كفى دماراً وتخريباً وإراقة للدماء البريئة ولتتوحد الجهود لبناء عراق جديد يسوده السلام والعدالة والنظام فمن شذ عن هذه الإرادة فهو عدو للشعب.
لذا كان من الواجب شرعاً احترام هذه الإرادة وعدم ارتكاب ما ينافيها من خلال النقاط التالية:
1- يحرم الإخلال بالنظام الاجتماعي العام والإضرار بحياة المواطنين في جميع أنشطتها.
2- تجب المحافظة على مؤسسات الدولة لأنها ملك للشعب سواء كانت خدمية أو حيوية أو اقتصادية أو صناعية أو أي شيء آخر، ولا يمكن لخلاف مع شخص أو مجموعة في أي موقع أن يكون مبرراً لتخريبه فإنها ليست ملكاً لهذا الشخص أو الجهة، وتخريبها اعتداء سافر على ممتلكات الشعب فيكون من أكبر المحرمات ويجب على المواطنيّن مساعدة الجهات المختصة في الدفاع عنها ضد عمليات التخريب.
3- يحرم القتال بين المسلمين والاعتداء على أعراضهم ونفوسهم
ص: 195
وممتلكاتهم وشخصياتهم المعنوية.
4- يجب على جميع الجهات الفاعلة أن تبذل أقصى الجهود لإنجاح التعداد العام للسكان وسائر المقدمات التي تساهم في إجراء الانتخابات العامة في موعدها المحدد حتى يشعر كل واحد من أبناء الشعب بأنه جزء من العملية السياسية وان له صوتاً في إدارة البلد مما يجعله مدافعاً عنها وحريصاً عليها ومندداً بكل من يخرج عليها، وأي تعويق لهذه العملية هو اعتداء صارخ على الشعب.
5- التحلي بالصبر وسعة الصدر والتسامح والتعاون ولا نتعامل مع الأمور بعاطفية وانفعال وتسرع وارتجال.
6- على جميع الفعاليات السياسية خصوصاً الممثلة في السلطة أن تتخلى عن أنانيتها وإقصائها للآخرين وتجاهلهم فان هذا يولد الكراهية والبغضاء والشقاق وهي من أهم عوامل انهيار الأمم فلا بد من التعامل بإنصاف وموضوعية وتجرد، وستكون النتيجة هي الرفعة والعزة والمحبة في قلوب الناس وأن تجري العملية السياسية نظيفة بعيدة عن الغدر والمخاتلة والمساومات غير الشريفة.
محمد اليعقوبي - النجف الأشرف
12 رجب 1425 - 2004/8/29
ص: 196
بسمه تعالى وبه نستعين
وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين
س1: الفقيه المجتهد المجاهد أين يضع نفسه في سياقات الحدث العراقي الفاعلة وتطوراتها وتعقيداتها؟
بسمه تعالى: الإنسان -كل إنسان- جزء من هذه الأمة فيتأثر بحركتها ويؤثر فيها، وقد شبه رسول الله (صلی الله علیه و آله) كيان الأمة بركاب السفينة لا يستطيع أحد أن يقلع خشبته منها ويقول هذا ملكي وأنا حر بالتصرف فيها فإن مآل ذلك غرق الجميع وهو فيهم، لذا ورد عنه (صلی الله علیه و آله) (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) ولا يمكن أن يتكل أحد على آخر، بل يشترك الجميع في تحمل المسؤولية ومن هنا ورد في الأحاديث الشريفة (من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم).
وما دامت الأمة كياناً واحداً له معالمه وخصائصه فلحركتها – فعلاً أو تركاً – شريعة تنظمها غير التكاليف التي تتوجه إلى أفرادها كأفراد وهذا ما سميته بالفقه الاجتماعي في بحث (الأسس العامة للفقه الاجتماعي).
ولا شك أن المسؤوليات الملقاة على عاتق الناس تختلف سعة وضيقاً بحسب الموقع الذي يشغله الفرد.
ويقف الفقيه في قمة تلك المسؤوليات وأوسعها لأنه الكهف الذي
ص: 197
تأوي إليه الأمة إذا نزلت بها عظائم الأمور، والنور الذي تستهدي به في حياتها، والمعين الذي تنهل منه معارفها وصمام أمان وحدتها و تماسكها، والقيادة التي تسير خلفها نحو ما يصلح شانها فمحله من الأمة محل الرأس من الجسد والقطب من الرحى.
وقد نبه الأئمة المعصومون (علیهم السلام) الأمة إلى هذا الموقع الشريف للفقيه الجامع للشرائط فوصفوا الفقهاء ب_ (أمناء الرسل)، (حصون الإسلام)، و(القادة) وإن الفقهاء – بحسب تعبير الإمام – (حجتي عليكم وأنا حجة الله).
ولعل من نافلة القول أن أشير إلى أن المراد بالفقيه الذي تنطبق عليه الأوصاف أعلاه ليس من اكتفى بتحصيل العلم حتى لو بلغ أسنى درجاته، وإنما يحتاج إلى ضم تهذيب النفس والمعرفة بالله تباركوتعالى، والوعي العميق لهموم الأمة ومشاكلها وقضاياها والظروف المحيطة بها وان يحيط نفسه بمستشارين وعيون مخلصين واعين نزيهين.
وفي ضوء هذه المقدمة نقول إن الفقيه هو العقل الذي تجتمع عنده أفكار الأمة ورؤاها فيصوغها بما آتاه الله من مؤهلات في أفضل مشروع يمكن ان تستقيم به حياتها ويعرضه عليها لتسعى إلى تنفيذه، وهذه العلاقة بين الفقيه والأمة هي التي ترسم أدوار كل منها، فالفقيه ليس رئيس حكومة ولا رئيس دائرة ولا أي شيء من هذا القبيل، وإنما هو الأب والراعي لكل هؤلاء الذين يحققون الخير لأنفسهم ولأمتهم بمقدار أخذهم بتوجيهات المرجعية التي لا تكره أحداً على طاعتها وإنما تعمل على إقناع الناس بمنهجها ومشروعها.
ص: 198
هذا هو باختصار موقع الفقيه من فعاليات الأمة وقضاياها وآمالها وآلامها، وبقي على الأمة أن تتعرف على قياداتها الحقيقية وتفي لها بالتزامها.
س2: كما تعلمون أن القرار السياسي يحتاج إلى أهلية ومقومات فما هي هذه المقومات بنظر سماحتكم؟
بسمه تعالى: ليكون القرار السياسي صائباً أو قريباً من ذلك لا بد أن تتوفر في صاحبه عدة مؤهلات:
1- علمية: بمعنى الإحاطة بالعلوم التي لها دخل في هذا القرار، وعلى رأسها الفقه الذي يمثل الشريعة والقانون الذي ينظم حياة الفرد والمجتمع بأن يكون مجتهداً له القدرة على استنباط الأحكام والمواقف الشرعية لمختلف الحالات.
2- أخلاقية: بأن يكون مخلصاً لله تبارك وتعالى متجرداً عن الأنانية الفردية والفئوية نزيهاً في عمله محباً للناس شاعراً بهمومهم وآلامهم وآمالهم وتحصل هذه الصفات بتربية طويلة و (جهاد أكبر) مع النفس.
3- مهنية: أي الكفاءة والقدرة على إدارة العمل المناط به وتتحقق بعد ممارسة طويلة للعمل والاستفادة من خبرات السابقين وتجاربهم.
4- واقعية: بأن يكون ابن الحالة التي تعيشها الأمة ويولد من رحم المعاناة والظروف التي تمر بها ويكون واعياً للملابسات التي تحيط بالقضية التي يريد أن يتخذ قراراً بإزائها.
وقد أشارت الآية الشريفة إلى تشخيص بعض صفات القيادة في شخصية الرسول الكريم (صلی الله علیه و آله) قال تعالى: [لَقَد جَاءَكُم رَسُولٌ] يحمل رسالة
ص: 199
وشريعة ربانية قد استوعبها علماً وعملاً [مِنْ أنفُسِكُم] عاش محنتكم وعرف مشاكلكم وهو خبير بكم، وأنتم أيضاً تعرفونه في صدقه وأمانته وإخلاصه [عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتُّْم] يتألم لما يصيبكم من عناء وشقاء نتيجة الابتعاد عن المنهج الإلهي في الحياة، فله همة عظيمة في إنقاذكم من هذه الحياة النكدة، ولا يعيش هم نفسه فقط ومصلحته وأنانيته ومعزولاً عن الناس[حَرِيصٌ عَلَيكُم] يبذل كل ما في وسعه لإسعادكم ولا يدخر جهداً في إصلاحكم [بِالمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ] يضحي من أجلهم ويؤثر على نفسه.
س3: لا يخفى على سماحتكم أن الإفتاء في الأمور السياسية أكثر تعقيداً من الأمور العبادية باعتبار أن المسائل السياسية متغيرة فما تقولون بهذه الرؤيا؟
بسمه تعالى: من الناحية الفنية فإن ممارسة الفقيه للاستنباط لها آليات موحدة كأي ممارسة مهنية، لكن المقدمات و الوسائل التي يستند إليها الفقيه في عمله قد تختلف من مسألة إلى أخرى، ومن هنا قد تنشأ الصعوبة في اتخاذ القرار في القضايا العامة التي تهم الأمة، وهذه الصعوبة لها عدة مناشئ:
أ- أنها تتعلق بمصير الأمة فالخطأ فيها تكون خسارته فادحة بعكس الشؤون الفردية التي لا ضرر فيها على الفرد لأنه معذور باتباعه لمرجعه حتى لو أخطأ ولا تترتب عليه أضرار تذكر. ولهذا كان التدقيق والفحص في المسائل الاجتماعية أكبر والجهد المبذول أكثر.
ب- إن المسائل الفردية قد أشبعت بالبحث من قبل الفقهاء السابقين وبشكل معمق ومستوعب مما يقلل جهد البحث على الفقيه اللاحق
ص: 200
بدرجة كبيرة عكس المسائل العامة التي تكون غالباً مستحدثة وذات ظروف موضوعية مختلفة ويكون البحث فيها مبتكراً ولا تخفى صعوبة مثله.
ج_- إن المسائل الفردية قد عولجت مباشرة بالنصوص من قبل المعصومين (علیهم السلام)، أما المسائل العامة فلا يوجد نص ينطبق عليها غالباً، وإنما توجد عمومات وإطلاقات لا تنظر إلى الواقعة بشكل مباشر مما يتطلب إحاطة وموسوعية ودقة نظر الفقيه واستحضار لكل تلك الأدلة، وقد يتطلب الأمر أحياناً ان يفهم الفقيه ذوق الشريعة وروحها وأسلوب عمل المعصومين وهو ما لا يؤتاه إلا ذو حظ عظيم ومن الصعب اكتشافه.
د- إن المسائل العامة تتطلب تعايشاً مع واقع الأمة والظروف المحيطة بها وهو لا يتسنى للفقيه بحسب طبيعة حياته المحافظة، ويمكنه أن يستعيض عنها بمستشارين إلا أن من الصعب أن يجد الفقيه عدداً كافياً من الناصحين الورعين الثقات الموصوفين بالبصيرة الثاقبة ونكران الذات، فمن الممكن أن يكون خطأ الفقيه بسبب الرؤية غير الدقيقة التي ينقلها إليه مستشاروه.
والحل طبعاً وإن كان صعباً على غير العلماء الرساليين الحريصين على إصلاح الأمة وإسعادها، هو أن يعيش الفقيه في أوساط الأمة ولا يحتجب عن أي أحد من أفرادها ويستمع إلى الجميع ليكوِّن لنفسه رؤية خاصة مهما تكون نسبة الخطأ فيها فإنها أفضل من الاعتماد على رؤية الآخرين.
س4: ذكرتم في عدة لقاءات وبيانات أن مجمع السلطات تكون بيد الفقيه الجامع للشرائط في النظام الإسلامي، فأين محل
ص: 201
الانتخابات التي تنادون بها وما هودور الأمة في هذا النظام، وإذا اختارت الأمة رئيساً للجمهورية لا يتصف بملكة الاجتهاد فهل يكون أمرها في سفال كما جاء في بعض الأحاديث عن المعصومين (علیهم السلام)، باعتبار أن أمر الأمة قد تولاه من ليس أهلاً للولاية عليها.
بسمه تعالى: التولية التي مرجعها إلى المجتهد الجامع للشرائط هي التشريعية والقضائية أما التنفيذية كرئاسة الحكومة والوزراء -بحسب النظام السياسي المعمول به-، فيمكن تفويضه إلى الأمة لتختار النزيه الكفوء البصير بمصالحها، ويمضي المجتهد الجامع للشرائط هذا الانتخاب ليكتسب مشروعيته، وباختصار فإن ما هو مختص بالشريعة الإلهية كالتشريع والقضاء فإن مرجعه إلى المجتهد العادل، أما ما يرجع إلى شؤون العباد كإنشاء معمل في المدينة الفلانية وشق طريق بالمواصفات الكذائية فهي التي يمكن لممثلي الأمة في مجلس البرلمان النظر فيها، وليس من حقهم مثلاً أن يشرعوا مساواة المرأة للرجل في الميراث، أو منع تعدد الزوجات ونحوها حتى لو كان التصويت بالأكثرية لصالح هذا القرار.
وعلى أي حال فإن النظام الإسلامي يفترض تطبيقه في مجتمع مقتنع بالإسلام وبقادته، ولذا فهو لا ينتخب إلا من هو ملتزم بالشريعة. وهذا الموضوع من الأمور التي تستحق الكثير من البيان والتفصيل.
محمد اليعقوبي
11
ذ.ق 1425 2004/12/24
ص: 202
تلقى(1)
سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله الشريف) مكالمة هاتفية من الدكتور موفق الربيعي مستشار الأمن الوطني أعرب فيها عن تحياته وثنائه على الأفكار القيمة والخطوات الحكيمة التي تصدر من سماحة الشيخ، الذي أكد على ضرورة بذل المساعي لدى الجهات الإقليمية والدولية لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد وحسم هذا الأمر نهائياً؛ لأن في تأجيلها انتصاراً للإرهابيين أعداء الشعب الذين يتخذون التخريب والقتل والتدمير وسيلة لفرض إرادتهم على الأكثرية ويريدون العودة إلى الاستئثار والتسلّط والبطش وحرمان الناس من أبسط حقوقهم، مستغلين عدداً من المضلّلينوالمتحجرّين لتنفيذ عملياتهم الإرهابية. كما أن لا أحد يضمن توقف هذه الجرائم إذا أجّلت الانتخابات بل إنهم سيتمادون في غيّهم، فلا بد من الحزم والثبات على الموقف وإن كلّفنا التضحيات؛ لأنها ستكون ثمناً للحرية وإنهاء حياة الظلم والاستبداد وقد كنا ندفع أكثر من هذه التضحيات ونحن في ظل القهر والاستعباد.
والنتيجة السلبية الأخرى للتأجيل أنها تؤسس لحالة خطيرة تهدد مستقبل الأمة وكيانها وهي اتخاذ العنف والإجرام وسيلة لتحقيق المطالب بدلاً من الحوار والطرق السياسية العقلائية.
والنتيجة المقلقة الأخرى أن الأمل الذي كان ولا زال يمسك بزمام
ص: 203
أمور الأمة من الانفلات سيتلاشى بالتأجيل وستفقد الأمة ثقتها بالوعود بالمستقبل الأفضل، وحينئذ لا يعلم إلا الله تبارك وتعالى ردود فعل الأمة الذي سيشمل بخطره حتى الدول المجاورة للعراق التي تغذي الإرهاب وتمكن الإرهابيين من الدخول إلى الأراضي العراقية.
ص: 204
الشيخ اليعقوبي يحذر من الأساليب الخاطئة في الدعاية الانتخابية(1)
زار سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دامت تأييداته) في داره العامرة يوم الخميس 26 شوال 1425 وفدٌ ضّم العشرات من أبناء الفضيلة في قضاء الهندية التابع لمحافظة كربلاء وبعد أن تحدث باختصار عن قرب حلول الذكرى السنوية السادسة لاستشهاد السيد الصدر الثاني (قدس سره) حيث أحال التفاصيل إلى الكلمة التي ألقاها في مناسبة العام الماضي بعنوان (عوامل نجاح الحركة الإصلاحية للسيد الشهيد الصدر الثاني).
تناول سماحته موضوعاً مهماً ومقلقاً بنفس الوقت وهو ما سيحصل بين شرائح المجتمع المختلفة التي ستتنافس في الانتخابات المقبلة، والتي ستشارك فيها عشرات اللوائح ومع عدم ارتقاء مستوى الوعي وثقافة احترام رأي الآخرين فإن هذا التنافس سيؤدي إلى المهاترات الكلامية ومحاولة إبراز نقائص الآخرين وإلصاق التهم بهم لتسقيطهم في أعين الناس بتوهم أن هذا سيدفع الناخبين للتصويت لمصلحته، وهذا خلل أخلاقي كبير ومخالفة شرعية شديدة، فأمتنا ليست كالأمم الغربية التي لا تستحي من شيء ولا يرون بأساً في إظهار رئيس الولايات المتحدة على شاشات التلفزيون متهماً بفضيحة جنسية مع موظفة في مكتبه، أما نحن فمن أمة تلتزم بالأخلاق
ص: 205
الفاضلة وتصون حرمات الآخرين، وقد أدبها رسول الله (صلى الله تعالى عليه وآله وسلم) والأئمة الطاهرون (علیهم السلام) بهذا الأدب الرفيع الذي جاء فيه (من روى عن أخيه المؤمن روايةً يبتغي بها شينه وهدم مروته وليسقطه في أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان ثم لا يقبله الشيطان).
فلا يجوز للمرشحين في الانتخابات أن ينسوا في خضم هذه العملية مبادئهم و أحكام شريعتهم وأخلاقهم وإذا أرادوا أن يدفعوا الناس لانتخابهم فليقنعوهم بمشروعهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي من دون النيل من الآخرين.
وقد ذكرت في كتاب (دور الأئمة في الحياة الإسلامية) إن من استقرأ مناظرات الأئمة مع مخالفيهم سيجدها على قسمين:الأول: مع المخالفين لهم في أصل الدين والاعتقاد كالمشركين والزنادقة والدهرية، ومع مثل هؤلاء ينصب كلام الإمام (علیه السلام) على تفنيد عقائدهم وتسخيف آرائهم.
الثاني: مع المخالفين لهم في الفروع الموافقين لهم في أصل الدين،هنا لا نجد الإمام ينال من رموزهم أو يستخف بمذهبهم، وإنما يركز الإمام على قوة حجته وبرهانه ونقاط القوة في مذهبه.
وهذا الدرس يجب أن نستوعبه في مناظراتنا اليوم من أجل الانتخابات وغيرها إذ ينبغي أن يكون تركيزنا فيها على قوة المشروع الذي نحمله ونسعى إلى تحقيقه والإيجابيات المتضمنة فيه، ونترك الحرية للناس لكي يقتنعوا به ولا يجوز بأي حال من الأحوال تسقيط الآخرين والنيل منهم.
ص: 206
ولعلي أستطيع أن أقول إن من أهم الأهداف التي أرادها الأعداء حين رضخوا لمطالب المرجعية والشعوب وقبلوا بإجراء الانتخابات هو المراهنة على تمزيق وحدة الشعب وتفتيته وتناحره، فلا بد من الحيطة والحذر وتوعية الأمة لهذه المخاطر، ومن هنا كانت خطواتنا العملية بالمشاركة في قائمة ائتلافية حتى يشعر الجميع أن القائمة قائمتهم وتتوجه كل أصواتهم باتجاه واحد.
ص: 207
حوارات سياسية المرجعية والعملية السياسية(1)
س: كيف تنظرون إلى الانتخابات كحل للوضع الأمني المضطرب في العراق وهل ستعمل الانتخابات في حالة نجاحها على تحسين الوضع الأمني؟
سماحة الشيخ: إن كانت هناك إرادة جدية لدى الأطراف التي تحمل السلاح لإخراج المحتل، فإن الانتخابات هي خير مخرج للظرف الذي يعيشه الشعب العراقي، على اعتبار أن الانتخابات ستوفر حكومة وطنية يستطيع العراقيون من خلالها مطالبة المحتل بالخروج من البلد، وان لم يكن لديهم الإرادة الجدية في ذلك واستمروا في التخريب والإفساد فلا يسع الحكومة المنتخبة إلا مواجهتهم بالمثل ضمن الحدود الشرعية.
وهنا لا بد من التذكير بتجربة الجزائر عندما اختارت بعض الأطراف أن تلجأ إلى الحلول العسكرية والقتال المسلح ضد الحكومة على اعتبار أنها سلبتها حقوقها الانتخابية، واستمرت الحركة المسلحة في الجزائر أكثر من ست أو سبع سنوات إلا أنها لم تجد نفعاً بعدها رضخت إلى الحل السياسي، لذا فإن تجربة الجزائر هي خير دليل على فشل الحل العسكري، ومع علمنا بعدم وجود رغبة جدية لدى هذه الأطراف للتوصل إلى حل إلا
ص: 208
أننا نعتقد أن الانتخابات خطوة يجب أن تتخذ لسحب البساط من تحت أقدام هؤلاء، لأنها ستؤدي إلى تشكيل حكومة منتخبة من قبل أغلبية الشعب العراقي.
س: حديث الانتخابات والعملية السياسية والأحداث التي يمر بها العراق والعالم الإسلامي بشكل عام، يفرض على المرجعية الدينية تحديات جديدة ، كيف يمكن مواجهة هذه التحديات برأيكم؟
سماحة الشيخ: التحديات التي يشهدها العالم الآن تفرض على المرجعية الدينية أن تتبنى مشروعاً يوازي حجم التحديات الجديدة، ومن جانبنا فقد بدأنا بوضع مثل هذا المشروع الذي ارتكز على عدة مفاصل منها جماعة الفضلاء وحزب الفضيلة والروابط النسوية وجامعة الصدر الدينية، إذ يؤدي كل مفصل دوره المرسوم له في هذا المشروع سواء على الصعيد الديني أو الاجتماعي أو السياسي، إلا إننا لم نصل بهذاالمشروع حتى الآن إلى مرحلة النضج، لأننا في بداية الطريق ولكننا نأمل أن يلبي هذا المشروع من خلال تطويره جزءاً من متطلبات هذه المرحلة والمراحل المقبلة.
س: كما نعلم أن المرجعية الدينية تعتمد على الأعلمية في الفقه فقط، وهو المنهج السائد منذ عشرات السنين، إلا أن المتغيرات التي تمر بها الآن تفرض على المرجعية أن تكون على دراية بكثير من الأمور غير الفقه، فهل ترون أن شخصاً بمفرده وهو المرجع الديني يمكن أن يلبي كل هذه الاحتياجات؟
ص: 209
سماحة الشيخ: من الطبيعي أن المقاييس السابقة لم تعد كافية في تحديد القيادة الرشيدة للأمة، وهذا الأمر لم نبتدعه نحن وإنما هي مصاديق للعناوين الأصلية، فالقرآن الكريم عندما دعا المسلمين إلى التسلح أمام أعدائهم كان السلاح هو السيف إلا إننا اليوم لا يمكن أن نسلح بالسيف فقد ظهرت مصاديق جديدة للسلاح كالبندقية أو الدبابة والصاروخ كذلك، فإن هناك مصاديق جديدة للمرجعية يجب النظر إليها حسب ما تقتضيه الظروف، إذ لم يعد المرجع قادراً بنفسه على مباشرة جميع الأمور لأن المسؤوليات تعددت والتعقيدات التي ظهرت في الحياة ليست كما كانت في السابق، لذا فإن اللجوء إلى تشكيل مؤسسات وجمعيات يمكن أن يفي بهذا الغرض، ولكن يبقى الفقيه هو قمة الهرم في ذلك مع وجود وكلاء له ومستشارين للتخفيف من العبء الواقع عليه.
س: أكثر من نلتقي بهم ينتظرون من المرجعية أن تحدد لهم قائمة لينتخبوها، إلا ترون في ذلك تحجيما لدور الجماهير في الاختيار من خلال وعيهم وإدراكهم؟
سماحة الشيخ: هذه المسألة لها أسباب أهمها أن تجربة الانتخابات في العراق هي التجربة الأولى لذا فإن قلة الخبرة عند العراقيين جعلت الجماهير بحاجة إلى من يدلها على الاختيار الأصلح ولهذا فإننا نعطي العذر للجماهير في ذلك، أما السبب الثاني فهو أن الثقافة الشيعية مبنية على الرجوع إلى المرجعية الدينية في جميع الأمور، ومع ذلك فإن المرجعية تطمح إلى أن يرتفع مستوى الوعي لدى الناس بحيث تختار الجماهير من يمثلها دون
ص: 210
الرجوع إلى من يرشدها، لأن هناك فرقا بين وجوب الرجوع إلى الفقيه في المسائل الشرعية التي يكون الالتزام بها واجبا لأنها من الفروض الدينية، وبين القضايا التي تخص الناس وشؤونهم أي السلطة التنفيذية والتي كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) نفسه يلجأ فيها إلى التشاور مع أصحابه لأنها من المسائل التي تخص شؤون الشعب ومصالحه، قال تعالى: [وَأمْرُهُمْ شُورَى بَينَهُمْ] (الشورى:38) فضمير (هم) يعود إلى الشؤون الحياتية الراجعة إليهم.
س: هل تعتقدون سماحتكم من خلال كل هذه الظروف أن التجربة الإسلامية يمكن أن تنجح في العراق؟سماحة الشيخ: للنظام الإسلامي تجارب عديدة والنجاح والفشل يرتبط بنوع التجربة المراد تطبيقها، ونحن نرى أن النظام الديمقراطي في حالة تطبيقه بشكله الصحيح ووصول أشخاص أكفاء إلى الحكومة فهو يحتوي على 80% مما تمنحه التجربة الإسلامية.
أما بالنسبة للنظام الإسلامي المطبق في إيران فإن فرصة نجاحه ضئيلة في العراق حالياً كما أن فرصة القناعة به ضئيلة أيضاً، وثانياً لأن الخط العام للحوزة العلمية في النجف بمجمله يسير ضمن الخط الذي لا يؤمن بولاية الفقيه، وأكثر الأتباع في العراق هم أتباع هذا الخط، وقد أدى هذا إلى عدم تبلور نظرية ولاية الفقيه فكرياً وعملياً، ومع ذلك فإن هذه القناعة يمكن أن تزداد لدى الأمة مع زيادة وعيهم والتفاتهم إلى قيادتهم الحقيقية وفشل الحلول الأخرى.
ص: 211
مشاعر في يوم الانتخابات (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
[اليَومَ يَئِسَ الذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُم فَلا تَخْشَوهُم وَاخْشَونِ]
أهنئ سيدي ومولاي صاحب العصر والزمان عجل الله تعالی فرجه الشریفوكل العراقيين الأحرار والشرفاء في هذا اليوم بما أبدوه من وعي وشعور بالمسؤولية في هذا الفصل التأريخي من حياة الأمة، حيث أنهم أدركوا أنهم عند مفترق طريق، فإما أن يعبئوا قواهم ويعطوا أصواتهم لنخبة صالحة كفوءة قادرة على بناء عراق حر كريم وتحقيق أمل العلماء والشهداء والمضحين والخيرين، أو يبقوا في زوايا النسيان ويتركوا الساحة للظلمة والمجرمين والانتهازيين والمتسلطين ليعيدوا دورة التأريخ الشنيع من جديد.
فلم يترددوا في الاختيار الأول، وأثبتوا أنهم شعب حضاري أخذ مكانه بسرعة وسط أكثر الشعوب تقدماً ونضجاً وفهماً للديمقراطية، أي تمكين الشعب من اختيار قادته بنفسه رغم سياسية التجهيل والحرمان والتخلف عن ركب الحضارة الإنسانية التي مارسها صدام المجرم خلال
ص: 212
عقود من الزمن، وإننسبة المشاركة في الانتخابات تزيد عن نسبة المشاركة حتى في الولايات المتحدة، رغم البون الواسع بين ظروف البلدين.
وأهنئهم على شجاعتهم وصلابة إرادتهم وقوة عزمهم حين توجهوا إلى صناديق الاقتراع رغم تهديدات القتلة والولعين بسفك الدماء البريئة الذين بلغت بهم الخسة أدنى مراتبها، وأولغوا في الجرائم ليكسروا إرادة العراقيين، ويثنوهم عن عزمهم عن التحرر والانعتاق من تسلط الجبابرة والطواغيت وعبدة الدنيا الزائفة، لكن العراقيين شيوخاً وشباباً ونساءً ورجالاً حتى العجزة والمعاقين جاؤوا وبحالات قل نظيرها ليساهموا في صنع مستقبل أبنائهم إن لم يكن في العمر فسحة ليتنعموا به هم، وقد ارتدى بعضهم الأكفان واغتسل آخرون غسل الشهادة واصطحبت النساء أطفالهن ليقلن للعالم إننا نموت جميعاً من أجل التحرر من سلطة الظالمين، وإعادة الحق إلى أهله، ومشى بعضهم عشرات الكيلومترات سيراً على أقدامهم بسبب حضر مرور السيارات.
وأهنئهم على طاعتهم لمرجعيتهم الشريفة التي ثبتت بحزم على موقفها المطالب بتمكين الشعب من ممارسة حقه ورفضه أية وصايا أو قيمومة إلا لله تعالى ملبية نداء العلي العظيم [وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً] (النساء:75)، وقاتلت المرجعية من أجل المستضعفين والمحرومين والمضطهدين بكل الأدوات المتاحة من حركة دبلوماسية، وتعبئة جماهيرية، وتوعية شعبية، وحزم وإصرار من أجل تثبيت هذه العملية التي
ص: 213
تكفل للأجيال حقوقهم، وانتصرت إرادتها بالإخلاص والحكمة وحسن السيرة.
وأهنئهم على أخلاقهم التي زرعها الإسلام في قلوبهم وسلوكهم، فقد سارت الحملة الدعائية شريفة رفيعة رغم تنافس أكثر من مئة كيان، لم يكن للمهاترات الكلامية أي نصيب فيها إلا ما شذ وندر، وهذا السمو الإنساني لم نجده عند أي شعب آخر، وبنفس النزاهة سارت العملية الانتخابية فإن كثيراً من المراكز الانتخابية خلت من مراقبة الأشخاص الممثلين لشبكات المراقبة أو ممثلي الكيانات السياسية إلا أنها لم تخلو من مراقبة الضمير والخلق الإسلامي الرفيع.
وأهنئهم على حبهم لوطنهم وسعيهم الدؤوب لتحريره من قيود الظلم والتخلف والتعسف، بحيث اتحدت قلوبهم جميعاً في داخل العراق وخارجه على حب هذا البلد الكريم الأصيل مهد الحضارات ومنطلق الحرية والعدالة، فاختلطت دموع الفرح مع أهازيج الانتصار، وكان الجميع متآلفين ومتوافقين على بناء مستقبل زاهر ولم يتعكر صفو المحبة بالطمع في المناصب أو الاستئثار و الأنانية.وأهنئهم على صبرهم رغم طول المحنة وشدة البلاء وظلوا متمسكين بهويتهم ومبادئهم لم يخضعوا للأصنام البشرية ولم يرضوا بعبادتهم من دون الله العلي العظيم حتى جاء اليوم الذي انتزعوا فيه حريتهم وكرامتهم.
في مقابل ذلك كله وبعدما قال الشعب كلمته ووقف وقفته البطولية المشرفة وسطّر كل تلك الملاحم توجد استحقاقات على عدة
ص: 214
أطراف أخرى.
فعلى السادة المنتخَبين للجمعية الوطنية أن يعرفوا لهذا الشعب حقه وفضله وتضحيته حتى وضعهم في هذا المكان الشريف؛ بأن يكونوا ممثلين حقيقيين لمطالبه وآماله ويبذلوا كل ما في وسعهم من أجل استعادة حقوقه المشروعة وتخفيف آلامه وجروحه وتحسين وضعه على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والأخلاقية، وأن يجعلوا من الجمعية خيمة لكل العراقيين الشرفاء ليساهموا في صنع المستقبل الحر الكريم وان كنا نقدر لهم حجم المعاناة التي تواجههم والقيود التي تحاصرهم.
وعلى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأخرى التي تحتفظ بقوات في العراق أن تحترم إرادة هذا الشعب، وتتعامل معه بكل إنصاف وموضوعية وتتجنب سياسة القهر والإذلال والاستعلاء والاستكبار، فإنها قد جربت هذه السياسة طيلة الأشهر العشرين الماضية فجعلها موضع سخرية واستهجان وتهكم وكراهية للعالم، حتى اعترفوا أن ثمانين بالمئة من شعوب العالم تكره الولايات المتحدة، ولكنها حينما رضخت لإرادة الشعب وأعطته حريته رأيناهم كيف رفعوا رؤوسهم وعلت وجوهم البسمة وعوضوا بعض إخفاقاتهم السابقة.
وهم مطالبون اليوم ومن خلال هذه التجربة الناجحة أن يغيروا سياستهم في التعامل مع الشعوب وسيكونون هم أول الناجحين المتحضرين والمستفيدين من نتائجها الانتخابية.
إن الولايات المتحدة تتحمل اليوم مسؤولية كبيرة لأنها رمز
ص: 215
حضارة الغرب وعنوانها والنموذج الأرقى لها فأي فشل تقع فيه سيسيء إلى سمعة كل هذه الحضارة ويزيد نفور الشعوب منها.
وعلى الدول الإقليمية التي ساهمت بصورة وبأخرى في تخريب العراق ودفعه إلى الهاوية لولا لطف الله تبارك وتعالى ووعي الشعب العراقي وحكمة قيادته، أن ترجع عن غيها وعدوانها وتقبل خيار الشعب وتحترم إرادته بكل مكوناته ولا تستسلم إلى تعصبها وطائفيتها وأنانيتها، ولتعلم أنهم أول المتضررين من هذا البغي والعدوان، فهذه سنة إلهية في عباده (من سل سيف البغي قتل به) (لو بغى جبل على جبل لتدكدك)، ويتعظوا بالتجارب التأريخية القريبة قبل البعيدة، فقد وقفوا مع صدام في عدوانه على شعبه وجيرانه فكانوا أول ضحية له ودعموا الإرهاب في العراق وها هي حوادث الإرهابين في بلادهم يقودهاناس بعثوهم هم إلى العراق ودفعوهم بالتضليل والعقائد الفاسدة، وإذا كانوا بالأمس قد عانوا كثيراً من ظاهرة (الأفغان العرب) فسيعانون أكثر من (العرب) الذين يقومون بالتخريب وقتل الأبرياء وزعزعة الأمن والاستقرار في العراق حينما يعودون إلى بلادهم في يوم ما.
ولا ينقضي عجبي من التسافل الذي وصلت إليه إحدى الفضائيات العربية وهي تتبجح بانتحاري يفجر نفسه في طابور من الناخبين، أو مسلحين يقتلون امرأة متوجهة إلى صناديق الاقتراع، أو يضربون بالقذائف مركزاً انتخابياً!! هل وجدت مثل هذه الحالة في اشد شعوب العالم تخلفاً؟ نعم، لا وجود لها إلا في القلوب القاسية والعقول الفارغة للتكفيريين المتعصبين سلالة الخوارج، وعند صدام المجرم الذي هدد في الثمانينات لمهاجمة المراكز الانتخابية في إيران وأجابه السيد الخميني (قدس سره) بإصراره
ص: 216
المعروف: حتى لو بقيت وحدي فإني سأذهب إلى صناديق الاقتراع.
إني أعرف أن هذه الدول الإقليمية حينما تحرض على التخريب إنما تخشى انبعاث الشعوب ومطالبتها الحقة باحترام إرادتها وكرامتها وعدم استعبادها، فلا تريد تلك الأنظمة لنموذج حضاري أن يقوم في المنطقة، ولكن ليعلموا بان الشعوب لا بد أن تتحرك في يوم ما وتطالب بحقوقها، وحينئذٍ سوف لا ينفع الظالمين إيوائهم إلى الجحور كما لم ينفع صداماً من قبل فليعيدوا النظر في سياساتهم مع شعوبهم وليبدأوا التعامل بالعدل والرحمة والإنصاف.
أسأل الله تعالى أن يجمع كلمة عباده على الهدى والصلاح ويوفق أولياء أمورهم لما فيه رضاه وصالحهم إنه ولي النعم.
محمد اليعقوبي
النجف الأشرف
20 ذ.ج 1425 ه_ المصادف 2005/1/31
ص: 217
سماحة الشيخ يهنئ أبناء الفضيلة على فوزهم بثقة الشعب في البرلمان(1)
استقبل سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) وفوداً جماهيرية ضمّت حشوداً من أبناء الفضيلة ومحبي الإصلاح والتغيير يتقدمهم فضلاء الحوزة العلمية الشريفة، وشكرهم سماحة الشيخ على هذا الحضور وأثنى على حسن سيرتهم ونزاهتهم وثقة الجماهير بهم حيث انتخبتهم بهذه الكثافة التي فاجأت المراقبين، وقال إن هذا الانتصار له استحقاقات ناشئة من وجوب شكر النعمة ومن إنابة الجماهير لهم لممارسة حق الإدارة والحكم وحفظ النظام.
وقال سماحته في بعض أحاديثه: إن الشعب بمشاركته الواسعة وصور البطولة التي رسمها انتصر على المعسكرين المتصارعين على ارض العراق وهما قوى الاحتلال وعصابات الإرهاب ومن يقف وراءها من دول الجوار.
فأظهر للأول وعيه وقدرته على ممارسة العملية السياسية بأحدث نظمها التي توصلت إليها الأمم المتحضرة، وانه باختياره لحكومة شرعية منتخبة سلب أي مبرر لتحكم وتسلط قوات الاحتلال فعليها الاستجابة
ص: 218
لإرادة العراقيين، فأرغم قوى الاحتلال على الرضوخ لمطلبه في إجراء الانتخابات وأحبط مشروعها الذي أتت به لإقامة وضع في العراق يحفظ لها مصالحها وأدخلت فيه من ينسجم معها أو لا يتعارض معها على الأقل، وما كانت لتفكر في إجراء الانتخابات لأنها تعلم أن الأمة ستختار الإسلاميين الذين لا يخدمون مشاريع الاستكبار وهو ما وقع فعلاً، ولو كانت هذه القوى راغبة حقاً في إقامة الديمقراطية وتحرير الشعوب لأجرت الانتخابات في الأشهر الأولى حيث كان الوضع مستقراً ومناسباً، وقدّمنا في حينها مشروع الحكومة للمرحلة الانتقالية مقابل تأسيس مجلس الحكم فلم يقبلوه وعادوا إليه بعد طول تخبط وارتباك ومزيد من الخسائر.
وهزم المعسكر الثاني الذي ضمّ خليطاً غير متجانس في الأيديولوجيات والأهداف، ولكن جمعهم عدم رعاية أي حرمة للشعب العراقي الذي عليه أن يدفع الثمن لتحقيق مآربهم غير المشروعة، فضمّ هذاالمعسكر الصداميين الذي يحلمون بالعودة إلى احتكارهم للسلطة واستعبادهم للشعب، وضمّ التكفيريين الجهلة القساة الذين يستبيحون دماء أتباع أهل البيت (علیهم السلام) ويريدون حبس صوت الحق القادر على إقناع كل عاقل، وضمّ الجهلة والمضللين والمرتزقة الذين وظفتهم الدول الإقليمية لمنع تحرّر الشعب العراقي، وخوفاً من ظهور توازنات سياسية جديدة يكون للمحرومين فيها دور فاعل مما يؤدي إلى تحرّك شعوب المنطقة ونزوعها إلى الحرية والمشاركة المنصفة في إدارة شؤون البلاد والعباد، وبعضهم سعى إلى أن يصنع من أشلاء أطفال العراق ونسائه ومصالحه الحيوية وحلاً يعرقل حركة المشروع الأمريكي قبل أن تعصف بأنظمتهم الذليلة رياح
ص: 219
التغيير(1)، ويتغافلون عن حقيقة أن التغيير آتٍ ولا علاقة له بالإرادة الأمريكية، وأن إرادة الشعوب لا يمكن كبتها إلى الأبد فعليهم أن يغيّروا أنفسهم وينصاعوا لإرادة شعوبهم ويحترموا كرامة الإنسان قبل أن يواجهوا نفس مصير صدام الذي كان أشد فتكاً وأقوى بطشاً.
وقال سماحته محذراً القواعد المؤمنة بتعاليم أهل البيت (علیهم السلام): عليكم أن لا تكونوا وقوداً لهذه الحرب الظالمة التي يخوضونها من أجل الدنيا، وحافظوا على أنفسكم ولتكن هممكم عالية في تهذيب أنفسكم وزيادة وعيكم وإصلاح مجتمعكم وبناء بلدكم الجريح الخرب بأيدي كفوءة نزيهة صالحة، واعملوا على إزالة الفساد الأخلاقي والإداري، ويتحقق ذلك كله باتباعكم للمرجعية الرشيدة التي أثبتت بحكمتها وإخلاصها وتضحيتها قدرتها على إنقاذ الأمة في المفاصل الصعبة من حياتها واستعادة كرامتها وحقوقها وعلى رأسها إجراء انتخابات حرة نزيهة عامة. وضرب سماحته لهم مثلا من حياة الإمام الرضا (علیه السلام) حيث انضمّ بعض الشيعة إلى معسكر المأمون ضد الأمين العباسيين طبقاً لوعود قطعها لهم ومراعاة لمصالح قدّروها هم ولم يرجعوا إلى قيادتهم الحقيقية فرفض الإمام منهم هذا السلوك وتبرأ إلى الله تعالى من فعلهم.
وذكر سماحته بمثال آخر حين تصاعدت إرهاصات هجوم القوات الأمريكية والمتحالفة معها على صدام وأتباعه، فانقسمت القوى
ص: 220
الإسلامية والوطنية إلى قسمين فبعضهم كان يعتقد بضرورة التصدي للاحتلال وان كان فيه نصرة لصدام المجرم المولغ في الدماء، واعتقد آخرون بوجوب مساندة أي قوة تحرّرهم من بطش صدام ولو كانت فاسدة، وكنّا أول من تبنى بقوة ضرورة الوقوف على الحيادوالحفاظ على المؤمنين لأنها حرب الباطل مع الباطل فلا يجوز التفريط بالمؤمنين، وإنما عليهم استثمار الوضع القائم وتكريس الوجود الإسلامي وتوسيعه، وكان هذا الموقف يكلف حياة من يدعو إليه حيث أعلن صدام وجلاوزته أن لا حياد في الحرب فمن لم يكن معنا فهو ضدنا ومعلوم ماذا يعني ذلك في اللغة الصدامية.
وقال سماحته (دامت تأييداته) إن المرجعية قد أوصلت الحالة العراقية إلى النقطة التي تتمكن فيها الأمة من ممارسة حقها وتحكيم إرادتها، ولها بعدئذٍ ما اختارت فإنه [لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ] (البقرة:256)، وإنما يبتني شكل نظام الحكم وسائر الشؤون التي تتعلق بتفاصيل حياة الأمة على قناعتها، والذي تفعله المرجعية توجيه هذه القناعة نحو النظام الأصلح.
ص: 221
ماذا بعد الانتخابات(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والحمد حقه كما يستحقه حمداً كثيراً وأعوذ به من شر نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي.يتصارع على ارض العراق معسكران:
الأول: قوى الاحتلال التي جاءت لتحقق مصالح ستراتيجية لها حسبتها وفق المعلومات الاستخباراتية التي وصلتها وأعدت لذلك مشروعاً ذا حلقات ومراحل يولد السابق منها اللاحق ويبقى الأصل واحداً، فبعد سقوط النظام نصّبوا حاكماً عسكرياً ثم مدنياً ثم اختاروا مجلساً للحكم يرشح لجنة لكتابة الدستور ويختاروا حكومة مؤقتة تنظم انتخابات وفق الدستور الذي قننوه هم فلا تكون النتائج إلا على طبق ما وضعوا من برامج فهذا المشروع الذي أرادوه.
الثاني: خليط غير متجانس آيدلوجياً ضم الصداميين والمنتفعين
ص: 222
من وجودهم الذين يحلمون بالعودة إلى التسلط واستعباد الشعب والاستئثار بثرواته وسوقه إلى الحروب والمقابر الجماعية والمعتقلات والتخلف والجهل، وضم التكفيريين والطائفيين الذين غاظهم وأشعل نار حقدهم ارتفاع صوت الحق على أرض المقدسات وهم الذين حاولوا كبته وخنقه قروناً ويخافون ظهوره لأنه يهدد كياناتهم المبنية على الخداع والتضليل والتشويه.
وتحمس لدعم هؤلاء عدد من الدول الإقليمية الشقيقة للعراق في الدين والعروبة خافوا انبعاث الشعب العراقي وانطلاقته نحو الحرية مما سيدفع شعوبهم إلى التأسي به فسعت إلى إفشال حركته، أو انهم ارادوا حماية بلدانهم وشعوبهم من جرائم الإرهابيين فزينوا لهم (الجهاد) على ارض الرافدين رغم امتلاء بلدانهم بالقوات الأمريكية، أو أنهم أرادوا أن يصنعوا من أشلاء أطفال العراق ونسائه الأبرياء وحلاً يعرقل العجلة الأمريكية عن الوصول إليهم، فاجتمع كل هؤلاء على الاستخفاف بدماء العراقيين وحقوقهم الإنسانية في الحياة الآمنة المستقرة.
في هذه الحرب الظالمة كان تكليف الشعب العراقي شرعاً وعقلاً هو الاحتفاظ بقوتهم البشرية والمادية وعدم زجها في هذه المحرقة، واستثمار أجواء هذه المواجهة وتداعياتها لنشر الوعي وتوسيع مساحة العمل الإسلامي المبارك ومداواة جراح العراقيين وإعادة بناء البلد وإصلاح بنيته الفكرية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية ومعالجة الفساد الضارب بأطنابه.
وهو الموقف الذي نبهنا الأمة إليه قبل أن تطأ اقدام المحتل ارض
ص: 223
العراق، حينما تصاعدت حمى التهديدات بغزو العراق وانقسمت القيادات العراقية بين من يدعو إلى مقاومة المحتل الكافر وان كان في ذلك نصرة لصدام المجرم وإطالة لعمره، وبين من يدعو إلى التعاون مع المحتل الكافر الذي أعلنها حرباً صليبية على الإسلام من باب دفع الأفسد بالفاسد.ونبهنا إلى خطأ كلا الموقفين رغم أن مثل هذا الحياد الايجابي كان يكلفنا حياتنا في ظل النظام الجائر الذي أعلن (لا حياد في الحرب فمن لم يكن معنا فهو ضدنا)، والكل يعرف ما هو تصرف جلاوزة صدام فيمن يحسبونه ضدهم، لكننا اتخذنا ذلك الموقف واعلناه حماية للمؤمنين وحرصاً عليهم، وهم الثلة المؤمنة خلاصة جهاد وجهود ودماء وتضحيات علمائنا الأبرار وشبابنا الرسالي، لذلك ما أسرع ما تهاوى الطاغوت بالشكل المذل المهين الذي فاجأ العالم.
وهذا الموقف مأخوذ من سيرة أئمتنا الطاهرين وعلمائنا الصالحين، فقد مر مثله في عهد الإمام الصادق (علیه السلام) خلال الصراع بين العباسيين والأمويين، وفي عهد الإمام الرضا (علیه السلام) حين تنازع الأخوان المأمون والأمين على الملك، وفي عهد الفيلسوف الفقيه الخواجة نصير الدين الطوسي والمحقق الحلي حين اسقط المغول الخلافة العباسية المتهرئة.
وظل ذلك هو الموقف من مواجهة هذين المعسكرين التي امتدت بصيغ جديدة وأعطت لنفسها صيغاً من المشروعية لإيهام السذج ودفعهم وقوداً للمعركة، ولكن الحرب هي هي لم تتغير أهدافها وان اختلفت آلياتها، فأصبحت سيارات مفخخة تستهدف المساجد والشعائر الحسينية وتجمعات
ص: 224
الأطفال، وحزاماً ناسفاً يتفجر وسط طابور الناخبين الذين اصطفوا ليصوتوا للحرية والانعتاق من عبودية الطواغيت، واغتيالات طالت علماء الدين ورموز الفكر والأساتذة الجامعيين والإدارات الكفوءة، ويسمون كل ذلك (مقاومة) تتبجح بها وسائل الإعلام المأجورة والحاقدة.
وبقيت المرجعية الرشيدة على موقفها الحكيم ففي الوقت الذي استمرت فيه بمطالبتها باحترام إرادة الشعب العراقي وإعادة سيادته إليه وتمكينه من ممارسته لحقوقه المشروعة عبر الآليات المتنوعة، لم تنجَّر إلى المحرقة التي يريد أن يؤججها المعسكر المقابل الذي لا يقل جريمة ووحشية وغدراً عن قوات الاحتلال.
وتوج هذا العمل المبارك بهزيمة المعسكرين، حيث انصاع المعسكر الأول لمطلب المرجعية في إجراء انتخابات عامة حرة نزيهة يتمكن فيها الشعب من اختيار ممثليه الذين يعبرون عن ارادته بالرغم من مماطلة هذا المعسكر وتسويفه تحت ذرائع أمنية وتقنية؛ لأنه كان يريد للعراق أن يخضع لمشروعه الذي جاء به، أما الانتخابات فإنها ستظهر انتماء هذا الشعب للإسلام وللمرجعية الرشيدة، وسيحول العلاقة من تبعية مذلة إلى علاقة ندية تقوم على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، بعد أن اثبت الشعب وعيه وقدرته على التكيف على احدث التجارب السياسية وأنضجها وأبداها بالشكل الذي أذهل العالم.
وهزم المعسكر الثاني حيث كشف زيف مقاومته المزعومة، وظهر انه عدو الشعب وانه لا يريد الخير له مما جعل أركانه يتبرأون علناً من هذه المقاومة المزيفة، ويطالبون بإشراكهم بالعملية السياسية التي لميمنعهم منها
ص: 225
أحد بل حرموا أنفسهم عتواً ومكابرة. وثبت أن هؤلاء (المقاومين) بجهلهم وسوء تصرفهم يديمون الاحتلال ويطيلون عمره، لأنهم يخلقون المبررات لوجوده بسوء الأوضاع الأمنية ونحوها، كما كان يفعل صدام المجرم حينما وفّر فرصة لم تكن تهتدي إليها قوى الاستكبار بالتواجد في المنطقة، بخلقه الأزمات والحروب والعدوان على الدول الجارة وتهديد امن واستقرار المنطقة.
بعكس المقاومة السلمية الحكيمة للمرجعية الرشيدة والحضور الفاعل المستمر للجماهير الواعية في الساحة، فإنها سحبت كل المبررات لتسلط القوى الأجنبية.
هذا التلاحم العتيد بين المرجعية والأمة الرسالية هو الذي حقق ذلك الانتصار وبقيت نشوته حتى أيام عاشوراء(1) حين عززته الجماهير بنصر آخر لا يقل عنه عظمةً وزهواً بتلك المشاركة المنقطعة النظير في الشعائر الحسينية في كربلاء وسائر المدن العراقية، حيث بدا للعالم الانتماء الحقيقي لهذا الشعب من خلال تلك السيول العارمة التي انطلقت في موكب النصرة (عزاء طويريج) مهرولة لتلبي صرخة أبي عبد الله الحسين (هل من ناصر) المدوية منذ أربعة عشر قرناً، وستبقى ما بقيت امة جده محمد (صلی الله علیه و آله) فقد خرج للإصلاح فيها وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويسير بسيرة جده وأبيه صلوات الله عليهما فأهدافه (علیه السلام) باقية وحركته مستمرة ما دام
ص: 226
موضوعها قائماً.
وكان أكثر المشاركين من الشباب الذين راهن الغرب على انسياقهم في أطروحاته البعيدة عن الإسلام، فوجدهم في طليعة المتبنين للمشروع الإسلامي المبارك والمتحمسين للدفاع عنه، وتفاجأ الأعداء أكثر حين رأوا تلك المشاركة المهيبة لطلاب وطالبات جامعات بغداد والمستنصرية في مواكب الوعي الطلابي التحضيرية التي نظمت في بغداد قبل الفعالية العامة في كربلاء، حيث ازدهت بجلالهم شوارع بغداد عاصمة الحضارة الإسلامية.
أيها العراقيون الأحبة: لقد شاء قدركم أن تكونوا مؤسسي الحضارة وصناع التأريخ الذي بدأ على أرضكم منذ آلاف السنين، وفي ثرى هذه التربة الطيبة يرقد الأنبياء والأئمة والعلماء الذين يلهمون الأجيال ويمدونهم بدفق الحياة الحرة الكريمة، وعلى هذه الأرض سطر الإمام الحسين (علیه السلام) ملحمته الخالدة حتىفاقت في شرفها ارض الكعبة كما نطقت به الروايات(1) وعلى هذه الأرض الكريمة سيقيم الإمام المنتظر دولته المباركة وينطلق منها لنشر العدل في ربوع العالم.
وها أنتم هذا الجيل اختاركم الله تعالى لتؤسسوا نموذجاً حضارياً جديداً تتطلع إليه كل شعوب المنطقة، لا مكانة فيه للاستبداد ولا للاستئثار
ص: 227
ولا للتسلط وللاستعباد ولا للظلم والعدوان، فلا يثنين عزمكم هذه الحفنة من الإرهابيين الأراذل الذين يريدون أن يعيقوا حركتكم المباركة، وثقوا بان من ساندوهم على البغي والعدوان سيذوقون عاقبة بغيهم عاجلاً [وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ] (فاطر: 43) [وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ](الأنفال: 30) وقد أكدت الأحاديث الشريفة ان عاقبة البغي وخيمة (لو بغى جبل على جبل لتدكدك)، (من سل سيف البغي قتل به).
وقد وعظت وقدمت النصائح في البيان (69) إلى كل ذوي العلاقة بالقضية العراقية، وبينت لهم الدروس والعبر المستفادة من ملحمة الانتخابات والاستحقاقات المترتبة عليها، وخصصت بالخطاب: السادة المنتخبين للجمعية الوطنية الانتقالية، والقوات الأجنبية المتواجدة على أرض العراق، والدول الجارة للعراق التي تدعم الإرهاب وتغذيه مادياً ومعنوياً، وأرجو أن ينتفعوا بالنصائح قبل فوات الأوان.
والآن أتوجه بكلامي إليكم أيها الأحبة أن تحافظوا على عناصر قوتكم ومكاسبكم التي حققتموها بالحضور الفاعل المستمر على الساحة، والالتفاف الواعي حول المرجعية الرشيدة والارتباط الوثيق بالله تبارك وتعالى وشريعته العظيمة، وزيادة وعيكم وثقافتكم حتى تكونوا أهلاً لنصرة الحق [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إلى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ](الصف: 14) ولا تفتر عزائمكم وجددوا في أساليب عملكم فإن ذلك كله بعين الله تبارك وتعالى [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى](آل عمران: 195).
ص: 228
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على حبيبه محمد وآله الطيبين الطاهرين.
محمد اليعقوبي
12 محرم 1426ه_ المصادف 2005/2/21م
ص: 229
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على إكمال الدين وإتمام النعمة بولاية النبي وآله الأطهار صلى الله عليهم أجمعين.
مرَّ الشعب العراقي بتجربتين لتشكيل الحكومة خلال أقل من عام:
الأولى: في حزيران عام 2004 وترأسها الدكتور أياد علاوي وهي التي تعرف بالحكومة المؤقتة.
الثانية: أفرزتها نتائج الانتخابات العامة التي جرت في الثلاثين من كانون الثاني عام 2005 وهي التي تعرف بالحكومة الانتقالية.
وبالرغم من أن الأولى لم تكن شرعية وفرضتها قوات الاحتلال تحت غطاء مجلس الحكم المعيَّن، إلا أنها مرّت بكل انسيابية ومن دون أي مشكلة وبأسرع وقت.
أما التجربة الثانية، فقد كانت شرعية –في النظام الديمقراطي- لأنها استندت إلى اختيار الشعب الذي هبَّ بشكل منقطع النظير وتحدى الإرهاب الذي أعلن الحرب العامة ضد من يشارك فيها، وانتزعها بجهاده ودمه من المتسلطين الذين لهم مشروعهم المعد سلفاً، وبالرغم من هذه الشرعية إلا أن شهرين مرا ولم تحقق هذه الخطوة الأولى اعني اختيار رئيس للجمعية الوطنية المنتخبة !!
ص: 230
ألا يوحي ذلك إلى أن مؤامرة كبيرة تحاك ضد هذا الشعب، وأن صراعاً بين قوى دولية وإقليمية تتخذ من هذه الأرض المباركة مسرحاً لها من أجل تحقيق مصالحها ومآربها على يد أتباعهم ودماهم المتحركة الذين يستجدون أرزاقهم منهم، وعليهم أن ينفذوا بدقة ما يأمرهم به أسيادهم، أما الشعب المضطهد المحروم الذي يريد أن ينهض من جديد فلا أحد يفكر به ويعمل من اجله إلا أن يلتفت هو إلى عناصر قوته فيستثيرها ويستجمعها ويوظفها لقول كلمته الفاصلة ووقفته الشجاعة.
إنهم حينما أطالوا أمد المفاوضات والمشاركات لتشكيل الحكومة إنما أرادوا أن يهزموا هذه الأمة ويسلبوا منها انتصارها ويلووا ذراعها حتى تشعر باليأس والإحباط والاستسلام، فحذارِ أن تحقق الأمة لهم أهدافهم وقد نبههم الله تعالى إلى قوتهم وسمو مبدأهم فقال عز من قائل [وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ] (آل عمران: 139) وإنما تكونون اعلون:
أولاً: بإخلاصكم لله تعالى وتطبيقكم الكامل للشريعة قال تعالى [وَلَوْ أَنَّ أهل الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ] (الأعراف:96).
وثانياً: بوحدتكم وتآلفكم وتعاونكم قال تعالى [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا] (آل عمران: 103).
وثالثاً: بتنظيمكم لأموركم وحشد طاقاتكم قال تعالى [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ] (الأنفال: 60) وقال تعالى [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ] (آل عمران: 104)، والأمة هي الجماعة المنظمة التي تتوحد على هدفٍ معين ومصلحة مشتركة وقال
ص: 231
أمير المؤمنين (أوصيكم عباد الله بتقوى الله ونظم أموركم).
ورابعاً: بالتفافكم حول قيادتكم الرشيدة وطاعتكم لها قال تعالى [إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا] (المائدة: 55) والعلماء الفقهاء العدول هم ورثة المعصومين (علیهم السلام).
وخامساً: بوعيكم وبصيرتكم وحكمتكم قال تعالى [وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ](الحاقة: 12).
وسادساً: بحضوركم الفاعل والمستمر في الساحة بلا كلل أو ملل قال تعالى [يَا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ] (الانشقاق:6) وقال الإمام (علیه السلام) (أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا).
إنها مواجهة ذات محاور عديدة وخنادق متعددة، والعملية السياسية واحدة من تلك المواجهات التي تحتاج إلى وعي عميق وحكمة دقيقة وحضور فاعل ومستمر في الساحة، إنهم يشعرون بالخيبة والخسران حين عجزوا عن اختراق الأمة وتغيير معالم شخصيتها، ويحاولون بشتى الطرق أن يعيقوا انبعاثها وانطلاقها نحو الحرية والكمال.ومن هنا كانت الحشود المليونية التي زحفت سيراً على الأقدام إلى كربلاء المقدسة وقطع بعضهم مئات الكيلومترات لم يصحب أحدهم طعاماً ولا فراشاً ومع ذلك فلم يحتج إلى شيء؛ لأن الشعب بكل فئاته هبَّ لإنجاح هذه الفعالية المباركة، وحتى أن بعض الإخوة المسيحيين شاركوا في تلك المسيرات لأنهم يعلمون أن الإمام الحسين (علیه السلام) ليس رمزاً وأسوة للمسلمين فقط وإنما للإنسانية جمعاء، وسيظل الإمام الحسين مدرسة للأجيال ما دام هناك ظلم قائم وفئة مستأثرة وحق مهتضم وتسلط بغير حق
ص: 232
وإقصاء لأولياء أمر الأمة الحقيقيين.
إن هذه المشاركة أفضل ردٍ توجهه الأمة لهؤلاء الذين يريدون سرقة انتصارها في يوم الانتخابات وليكسروا إرادتها حتى تستسلم لما يريدون، ولكنها أثبتت أن إرادتها لا تلين وأنها مستعدة لكل التحديات، كما واجهت من قبل بطش صدام الذي لم يشهد مثله شعب عبر التأريخ والجغرافيا وأنها تبقى تطالب بحقوقها بلا كلل أو ملل.
وكان من أروع ما تضمنته هذه المناسبة الموكب الحاشد المهيب لطلبة الجامعات والمعاهد العراقية الذي قدرت اللجنة المكلفة من رئاسة جامعة بابل بتنظيم المناسبة عددهم بخمسة وثلاثين ألفاً، تجمعوا في مدينة الحلة قبل أن يسيروا مشياً على الأقدام إلى كربلاء(1)
ليواسوا أهلها، وكل الشعب العراقي المفجوع بالأبرياء الذين سقطوا شهداء وجرحى نتيجة جرائم الطائفية الحاقدة والتكفير الأعمى وطمع عباد الهوى والشيطان، وليوجهوا رسالة إلى الأشقاء من دول الجوار الذين يغذون الإرهاب ويوجهونه ويمدونه، وليثبتوا انتماءهم إلى الإسلام والى مدرسة أهل البيت (علیهم السلام) بعد أن حاول الأعداء النفخ في حادثة السفرة الطلابية لكلية الهندسة في جامعة البصرة(2) والتي استدرج فيها الطرفان لتصرفات سيئة كان الهدف
ص: 233
منها تسقيط سمعة الإسلام والتنفير من نظامه السامي والإيحاء بأنه غير حضاري ويستخدم العنف لتطبيق برامجه.
فجاءت هذه الجموع الهائلة من كل جامعات العراق لتبرز هويتها الإسلامية الأصيلة، ولتثبت أن الشعائر الحسينية ليست انفعالات وردود فعل عاطفية هوجاء لا معنى لها، وإنما هي مدرسة يستلهم منها العلماء والمفكرون وطالبوا الفضيلة كل معاني السمو والكمال، وبهذا وغيره من عناصر القوة اكتسب موكب طلبة الجامعات أهميته لأنه منظم أولاً وذو أهداف محددة وواضحة ثانياً ولأنه يمثل شريحة علمية ثقافية مهمة في المجتمع ثالثاً، وهذه الأمور حينما تصدر من مجموعة ولو قليلة فإنها أكثر تأثيراً في قلوب الأعداء من عملية غير منظمة مهما كثر عدد أفرادها.
فحق لنا أن نفتخر بكل الذين احيوا زيارة الأربعين وساهموا في إظهارها بهذه العظمة والعزة التي تليق بريحانة رسول الله (صلی الله علیه و آله) وسبطه وسيد شباب أهل الجنة وموقفه الإنساني النبيل.
محمد اليعقوبي
النجف الأشرف / 20 صفر 1426
ص: 234
مراعاة الانتماءات والخصوصيات لمكونات الشعب العراقي ليست من الطائفية المقيتة(1)
يتحسس البعض حينما يذكر عنوان السني والشيعي والكردي والعربي والتركماني ونحوها، وقد يكون بعض هؤلاء حسن النية لأنه يريد أن يرى الجميع في بوتقة واحدة لا تفرّقهم الانتماءات، ولكني وجدتُ عند الكثيرين خبثاً ومكراً فيصورون هذه الانتماءات على أنها طائفية وعرقية ونحوها، وهم بذلك يريدون إلغاء هذه الانتماءات وإلغاء أهلها وبقاءه وحده؛ لأنه يرى نفسه وطائفته وأهله كل شيء أما الآخرون فلا مكان لهم على وجه الأرض، وإلا فإن لكل إنسان خصوصياته وانتماءاته التي تميزه عن الآخرين وتعرفه للآخرين ولا يمكن إلغاؤها، وقد عدّ الله تبارك وتعالى هذا التنوع في الانتماء نعمة على عباده فقال تعالى [وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا] (الحجرات:13) أي ليتميز بعضكم عن بعضكم وتكون لكل واحد منكم انتماءات يتعرف بها عليه الآخرون.
إن اعتزاز الإنسان بهويته وخصوصياته والعمل من أجلها من دون التجاوز على حقوق الآخرين ليست طائفية مقيتة كما يصورون، وإنما
ص: 235
الطائفية تعني أن يتعصب الشخص لنفسه أو لانتمائه ويقتصر عليه ويلغي الآخر ويحرمه حقوقه، وهذا ما لا يرتضيه عاقل لأنه عين الظلم والعدوان، أما أن نراعي مكونات الشعب العراقي ونلحظ خصوصياته ونوزع الاستحقاقات عليها فليست طائفية وإنما هي عين العدالة، والذي يزعم خلاف ذلك إما ساذج انطلت عليه الحيلة أو خبيث يخلط السم بالعسل.
إننا اليوم بحاجة إلى مشروع وطني يوحد العراقيين ويحفظ لهم حقوقهم ويشترك فيه الجميع من أجل إعادة بناء بلدهم وازدهاره.
ص: 236
أجرت قناة (العراقية) الفضائية يوم الأحد 12 ج1 1426 المصادف 2005/6/19 حواراً مطولاً مع سماحة آية الله الشيخ اليعقوبي (دام ظله) تعرّض فيه إلى عدة قضايا سياسية واجتماعية ونحاول هنا تلخيص بعض ما جاء فيه:
س1: لو أجرينا مقارنة بين عهدين: عهد مظلم صودرت فيه إنسانية الإنسان بما في الكلمة من معنى وبين عهد جديد مشرق … كيف يمكننا المقارنة؟
سماحة الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم لا توجد مقاربة ومقارنة بين العهدين فقد عاش الناس آنذاك حالة من اليأس والقنوط إلاّ ما رحم ربي ولم يكن أمامهم مصير إلاّ القتل والتشريد والاعتقال والتجويع والتجهيل والحرمان، أما اليوم فبالرغم من الصعوبات والأزمات الخانقة التي يعيشها شعبنا، إلاّ أن أقل ما تحقق له - وهو ليس بقليل - عودة الأمل بغدٍ أفضل مهما طال انتظاره، والحرية في ممارسة شعائره والتعبير عن رأيه ومعتقده وإنشاء مشاريعه، وتكافؤ الفرص لجميع مكوّنات الشعب في الوصول إلى المواقع التي يطمحون إليها، وهذه أمور كلها كانت معدومة في الزمن البائد، أما الآن فقد تحققت وهي تستحق
ص: 237
التضحية من أجل ديمومتها وتعزيزها.
س2: يشهد العراق اليوم ولادة حقيقية لأفكار ورؤى طوائفه المختلفة ضمن إطار واحد هل تدعمون هذا الرأي أم أن لكم رأياً آخر؟
سماحة الشيخ: لا أقول ندعمه فقط بل نحن جزء منه ضمن الحدود التي تناسب وظيفتنا ودورنا في الأمة لأننا جزء من الشعب والشعب كله مطالب بأن يساهم في بناء مستقبله الزاهر وليست هي مسؤولية أحد دون آخر فضبط الأمن والاستقرار والنظام في البلد وإن كان رسمياً من مسؤولية وزارتي الداخلية والدفاع إلاّ أن كل واحد من الأمة مسؤول عن دعم هذا الجهد والمشاركة فيه بالمقدار الذي يقدر عليه وقد شرحناه في بيان (فقه الشرطة والأجهزة الأمنية).
س3: نحن على أعتاب مرحلة مهمة وخطيرة في تأريخ العراق المعاصر ألا وهي مرحلة صياغة الدستور فهل الشعب العراقي مهيأ لهذه التجربة الجديدة؟
سماحة الشيخ: التهيؤ وعدمه شيء يصنعه قادة الأمة وصنّاع القرار فيها من مرجعيات دينية وقادة سياسيين ومثقفين وإعلاميين وأساتذة جامعات ومفكرين وكتّاب وأدباء فبمقدار ما يعمل هؤلاء بهمّة وإخلاص وسعة في تثقيف الأمة وتوجيهها وتوعيتها تكون الأمة مهيأة.
ص: 238
وإنني أعتقد أن الشعب العراقي يستطيع التكيّف بسرعة مع متطلبات الحضارة الإنسانية بمجرد رفع القيود عنه وإفساح المجال له، فمثلاً قبل الانتخابات كان كثيرون يتحدثون عن انعدام الوعي الانتخابي لعدم وجود تجربة ديمقراطية سابقة فيحتاج الشعب إلى تأهيل طويل قبل الدخول في مثل هذه التجارب، إلاّ أن الذي حصل من الاستجابة الواسعة والانضباط والنزاهة والوعي شيء فاق ما في الدول التي قضت قروناً في الممارسة الديمقراطية.
والشاهد الآخر هي الحركة الواسعة لإنشاء مؤسسات المجتمع المدني التي غطت مختلف الأنشطة الثقافية والسياسية والإنسانية والاجتماعية والدينية والاقتصادية، في حين كانوا يتصورون أن الشعب بحاجة إلى مدة طويلة لكي يفهم معنى المجتمع المدني.
فالقدرة إذن لدى الشعب العراقي على الاستجابة لاستحقاقات التطور والازدهار عالية وعلى المسؤولين وصانعي القرار توجيه الأمة ومساعدتها.
وبصراحة فإنني إلى الآن غير مقتنع بالجهود المبذولة في مجال توعية الأمة باتجاه فقرات الدستور فكيف سنطالب الأمة بالتصويت على مواده وهو لا يعرف عنها شيئاً؟ فعلينا أن نبين له ما معنى النظام البرلماني والرئاسي وخصائص كل منهما قبل أن نطالبه باختيار أحدهما وعلينا أن نشرح له معنى الفدرالية وأقسامها ونتائجها ومردوداتها ليختار عن قناعة إقرارها أو عدمها، وحينما نسأل المواطن هل تريد مجلساً (كالجمعية الوطنية) أم مجلسين (كالكونغرس والشيوخ في الولايات المتحدة) فلابد أن
ص: 239
يكون مسبوقاً بفكرة واضحة تفصيلية عن كل منهما لأننا لا نريد أن نستنسخ تجارب الآخرين مهما كانت كبيرة، وإنما نستفيد منهم لأن الحضارة توجد عبر تكامل جهود إنسانية تشارك فيها كل شعوب الأرض وليس من الصحيح الإعراض عن تجارب الآخرين.
فوجود مجلس آخر في نظام الولايات المتحدة أو بريطانيا لا يعني أنها الحالة الأصلح في العراق وهكذا بالنسبة للقضايا الأخرى كالإدارة اللامركزية والمرجعية التي تستند إليها التشريعات وغيرها.
س4: بعد النجاح الذي حققته العملية السياسية في إجراء الانتخابات واعتبارها أنموذجاً فريداً في المنطقة العربية هل تستطيع القول أن النموذج الديمقراطي سيستمر في العراق رغم تبدل الآراء والمواقف لبعض القوى السياسية؟
سماحة الشيخ: إن شاء الله تعالى ستستمر هذه التجربة في العراق وتنضج وتتكامل بجهود أبنائه لأنهم أحرص الناس على إنجاح تجربتهم ولا نتوقع من الآخرين خيراً، انظر إلى مواقف الدول العربية لازالت ضد مصلحة الشعب العراقي وتدعم أعداءه وترفض الاعتراف بتجربته الرائدة وتعمل بكل وسعها على إفشالها بدلاً من أن تقف إلى جنبه في محنته ومساندته لاجتياز هذه التحولات الجذرية التي يعيشها، فإذن لا نستطيع أن نعول على أحد إلاّ الله تبارك وتعالى ووعي الشعب بأن إنجاح تجربته هي قضيته ولا تعني أحداً سواه وهو الذي يصنع مستقبله بيده، وعليه أن يحفظ هذه
ص: 240
الانجازات ويديمها ويطورها وان كلفته تضحيات جسيمة فإنه كان قبل اليوم يدفع أكثر من هذه الخسائر وفقد الملايين من علمائه وقادته ومفكريه وشبابه لمجرد إشباع نزوات الطاغوت وأهوائه ومصالحه وجنونه، وحان الآن وقت قطاف الثمرة وهي حريته وبناء مستقبله الزاهر، فالتضحيات إذن ليست بلا ثمن كما في السابق حين قتل مليون إنسان في الحرب مع إيران وربع مليون في غزو الكويت وما تلاه، وعلى الشعب أن يبقى ممسكاً بزمام المبادرة ويسير بثقة في هذا الطريق الذي وضع قدمه عليه طريق الحرية وإحقاق الحق وتمكين الأمة من تحكيم إرادتها في تسيير شؤون حياتها …
إن كل الشعوب التي مرّت بمثل هذه التحولات التأريخية عانت مثل هذه المحن والمصاعب وفقدوا الكثير من رموزهم وقادتهم، ولكن في النهاية لا يصحّ إلاّ الصحيح كما يقال وتتحقق النتيجة التي قالها الله تبارك وتعالى: [وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ] (الأنبياء:105)، [وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ] (القصص: 5 - 6).
س5: الخطوات التي تقوم بها الحكومة المنتخبة لتقريب وجهات النظر وحل بعض التوترات بشفافية، هل هذه الخطوات هي فعلاً لخدمة الشعب أم أنها محاولة لزيادة الرصيد السياسي القائم عليها؟
سماحة الشيخ: إذا كان العمل صحيحاً ويصبّ في مصلحة الأمة
ص: 241
فليس علينا أن تكون نية القائم ما هي فهذا شيء يعود إليه فإن أراد نفع نفسه حقاً فليكن مخلصاً في نيته، كما أن كثيراً ممن تسلطوا علىرقاب المسلمين بغير حق وسموا أنفسهم أمراء المؤمنين ووسّعوا رقعة الدولة الإسلامية من أجل زيادة نفوذهم وامتلاء خزائنهم، لكنها في النتيجة ساهمت في إيصال صوت الإسلام إلى بلاد كثيرة، ففتح باب الحوار مع من يوجد عنده صدق في إرادة الحل والارتقاء بمستوى الأمة وحل مشاكلها عملية إيجابية وصحيحة، والذين يعارضون الدولة لا يجوز وضعهم في صف واحد ويجب فرز الأوراق وتقييمها بدقة، فبعض الفئات يمكن أن تدخل الحكومة معهم في حوار وتجلبهم إلى صف الشعب والوطن، وبعضهم احترف الجريمة وامتهنها وجعلها وسيلة لتحقيق أهدافه وفرض مشروعه - أن كان له مشروع - ظلماً وعدواناً ولا وسيلة إلى تغيير أفكاره فلا دواء لهم إلاّ الكيّ.
س6: الفتنة الطائفية حالة لا يتقبلها المواطن العراقي وذلك لأواصر القربى والمودة التي تجمع كل الطوائف العراقية المختلفة ومع ذلك يوجد من يتبنى هذا المشروع من الدول الإقليمية فهل تتوقعون لهذا المشروع صداه في العراق؟
سماحة الشيخ: لا أتوقع لهم النجاح وفق المعطيات الحالية ولو كان هناك مجال للفتنة الطائفية لوقعت - والعياذ بالله - بأقلّ من هذا الذي يفعلونه فإنهم فعلوا أخسّ وأنذل الأفعال في حق أتباع أهل البيت (علیهم السلام) فقتلوا الأبرياء وذبحوا زائري الأئمة المعصومين (علیهم السلام)، وفجّروا المساجد
ص: 242
والحسينيات ودمّروا الأسواق والممتلكات ولم يفلحوا لأن شعبنا بفضل الله تبارك وتعالى على درجة من البصيرة والوعي والطاعة لمرجعيته الحكيمة.
وعلى الدولة أن تساهم في ضبط هذه الحالة بأن لا تقوم باستفزاز ناس هم لا يريدون الفتنة ولا الوقوف في وجهها، ولكن ربما تصدر بعض التصرفات تجرّ أقدام هؤلاء إلى هذا الخندق، وهذا ما يعمل عليه أعداء الشعب حيث يحاولون توسيع رقعة المواجهة باستدراج من هو غير مقتنع بها، فعلينا أن نقطع الطريق أمامهم بإبقاء باب الحوار مفتوحاً والتعامل بحذر وضبط نفس وحكمة مع الفئات التي يمكن تفّهم اعتراضاتها ومواقفها حتى لا يستطيع الآخر أن يجذبها إلى صفّه وحينئذٍ ربما تتسع المسألة - والعياذ بالله - وتستعصي على الحل؛ لأن أهم ما يستعمله العدو الآن هو خلط الأوراق وتضليل البعض بعناوين برّاقة كالجهاد والمقاومة والدفاع عن عاصمة الخلافة الإسلامية وعن أهل السنة ويرتكبون الجرائم ضد أهل السنة والشيعة على حد سواء تحت هذه الذرائع، فعلينا أن نفرز أوراق هذه الفئات ونتعامل مع كل واحدة بما يناسبها.
س7: من المعلوم أن المجتمع العراقي مجتمع عشائري، كيف يمكن تفعيل دور العشائر في إصلاح المجتمع بشكل عام؟
سماحة الشيخ: إن أي عمل منظم هو شيء مفيد، قال أمير المؤمنين (علیه السلام): (أوصيكم بتقوى الله ونظم أمركم) يعني أن تنظيم الأمور في كيانات وتجمعات شيء مفيد، وهذا التنظيم يمكن أن يكون على شكل
ص: 243
حزب سياسي أو عشيرة، قال أمير المؤمنين (علیه السلام): (صل عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير)، فإذن العشائر كتنظيم وتكتل شيء إيجابي ومشمول بقوله تعالى: [وَأعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِنْ قُوَّةٍ] والتنظيم قوة ولكن يجب أن يتأطر بالمبادئ الصحيحة للعمل وإلاّ فإنه سينقلب إلى الضد ويكون عبئاً على الأمة.
وقد كشفت الانتخابات الأخيرة عن ضعف الحضور العشائري حيث لم يفز كيان عشائري بمقعد حيث ذابت العشائر في الكيانات الأخرى وهذا من بعض الجهات فيه ضعف لنا؛ لأن العشائر فيها الكثير من الخصال الحميدة وعناصر القوة للأمة فضعفها يعني ضعفاً للأمة جميعاً، فمثلاً، كانت هناك مناطق متمردة فيها قطاع طرق وقتلة وسراق ومخربون بين البصرة والقرنة وبين البصرة والناصرية وحول مدينة الحمزة الشرقي وكانت الدولة عاجزة عن حماية المواطنين هناك، لكن المرجعية الدينية تحركت على العشائر واستنهضت فيهم عناصر الخير فانضموا إلى جهد المرجعية في ضبط الأمن والنظام في تلك المناطق، ولم نعد نسمع عن الجرائم شيئاً بعدما كان يضرب المثل بشناعتها واستعصائها عن الحل، فما دامت العشائر موالية لمرجعيتها وقيادتها فهي قوة للأمة وتشكيلات معبأة وجاهزة وما علينا إلاّ أن نوجهها بالاتجاه الصحيح.
س8: ودور المرأة في ظل العراق الجديد؟
ص: 244
سماحة الشيخ: لقد كنت أول من طالب بتشكيل وزارة خاصة تعنى بشؤون المرأة قبل سنتين بالتزامن مع تأسيس مجلس الحكم المنحل وأعددت بياناً لتسيير مظاهرات نسوية لتأييد المطلب لكنني لم أنفذ، وقد تحفظ بعض الأخوة على الأمر وقال أن الأمريكان موجودون هنا وهم لا يرضون بإعطاء الوزارة لامرأة إسلامية وإذا أعطوها لامرأة متحللة فستكون وبالاً علينا فقلت لهم لن أخاف من هذاالمطلب لأني واثق من شجاعة ووعي أخواتنا الرساليات وقدرتهن على تحريك العمل بالاتجاه الإسلامي النظيف.
إن رفع المعاناة والظلم والجهل والتخلف الذي لحق بالمرأة لا تنهض به إلاّ وزارة مستقلة، وتوجد الآن وزارة للمرأة لكنها غير فاعلة ولم تقدم شيئاً كبقية الوزارات ودائماً أعبّر عن امتعاضي وألمي من سوء عمل المسؤولين وأنقل لهم خيبة أمل الأمة من أدائهم و…
س9: كيف تجدون الأفق العام لمستقبل العراق الجديد؟
سماحة الشيخ: أنا متفاءل جداً بالرغم من هذه الصعوبات والرزايا التي تمر بالشعب، واعتقد أن هذه الصعوبات ستزول وبسرعة كلما كنا أكثر قوة وثباتاً وأكثر شجاعة وتماسكاً وحينئذٍ ستنكسر هجمات الأعداء ويرحلون وسيندحرون، والعالم كله التفت إلى هذه الجرائم وهذا يساعد في التسريع بالحلّ لأنه يضيّق الخناق على أعداء الشعب ويطوّق عملهم حتى الذين يباركون هذه الأفعال بدأوا يحرجون ولا يستطيعون دعمها ظاهراً وأنا
ص: 245
متفاءل جداً … يكفي أننا تحررنا … لا أقول بفضل القوات المحتلة فهذا اعتقاد خاطئ تماماً. إنّ الذي فتّ في عضد النظام الصدامي ونخر كيانه هي تضحيات العراقيين ووقفتهم الشجاعة وعدم خضوعهم للطاغوت ووعيهم لظلمه فأوصلوا نظامه إلى كيان هزيل ومنخور بحيث أن صفعة صغيرة من القوات المحتلة أطاحت به وانهار بلا قتال فكانوا (القشة التي قصمت ظهر الجمل).
فنحن الذين غيّرنا النظام لأننا رفضنا الباطل وفارقناه وأصلحنا أنفسنا فتحقق وعد الله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) والأمل بالله تعالى كبير أن يتم نعمته علينا ويزيل هذه الغمامة الكئيبة وما نقدمه من تضحيات جليلة وعزيزة فإنها بعين الله تبارك وتعالى وسيوفّي الله الصابرين أجورهم بغير حساب.
ص: 246
النقد الذاتي فيما يتعلق بعمل الحكومة(1)
يشعر الكثير من أبناء الشعب بالامتعاض من أداء جملة من السياسيين سواء على صعيد الحكومة المركزية أو الحكومات المحلية، ويعبرون عن خيبة أملهم بهؤلاء الذين انتخبوهم وتحملوا الأخطار في سبيل إيصالهم إلى هذا الموقع ومعهم حق في الشعور وهو دليل وعيهم ومتابعتهم للعملية السياسية، وقد نصحنا هؤلاء المتصدين في عدة بيانات وخطب ومنها الرسالة الموجهة إليهم بعنوان (المبادئ الثابتة في السياسة) أن يصارحوا الأمة ويكونوا واضحين معها في بيان أسباب هذا الضعف وهذا التلكؤ والإهمال، وهل هو قصور بسبب ظروف خارجة عن إرادتهم، أم تقصير يسعون لتلافيه ومعالجته لتعذرهم الأمة
وتتفاعل مع حركتهم وتسندهم، ولتشعر بالأمل بغدٍ أفضل، ولا يمكن تبرير إهمال هذه المشاعر والسكوت عنها ومقابلتها باللامبالاة والإعراض وكأن شيئاً لم يحصل. أما تكليف الأمة تجاه هذه الحالة فيتمثل في أمور:
الأول: وعي هذه الحالة والالتفات إليها ومراقبتها فإن الشعب الذي يُظلم وتصادر حقوقه وهو ساذج وسادر في غفلته لا يتمكن من النهوض ولا يتقدم.
الثاني: استشعار الرفض والغضب داخل النفس إزاء هذه المظالم
ص: 247
والتقصيرات مهما كان مصدرها؛ لأن هذا الشعور هو الحافز والدافع للتغيير والإصلاح ومن دون حصول هذه المقدمة لا تحصل تلك النتيجة، ولكن يجب التحكم في هذا الغضب ليبقى في دائرة الايجابية والسيطرة على ردود الفعل وعدم خروجها عن دائرة التكليف الشرعي وأوامر القيادة الصالحة.
الثالث: تعبئة الطاقات القادرة على الإصلاح والتغيير وزجها في العملية السياسية لتحل محل المقصر وغير الكفوء.
فليس الحل بالانكفاء والانزواء والشعور باليأس والإحباط والسخط من المرجعية التي أحسنت الظن بالمتصدين ولا يلزم منه فشل المشروع كلياً لأن الفشل هو فشل هؤلاء فقط ولا يمكن تعميمه، فهليمكن أن نعترض على أمير المؤمنين (علیه السلام) أو نحكم على مشروعه بالفشل لمجرد أن واليه على بلاد فارس سرق بيت المال وهرب إلى معاوية؟!
وإن العامل المتحرك يقع في الأخطاء أما المتقاعس المستسلم إلى الدعة والراحة في الظل فإنه لا يعمل حتى يخطئ، وليس من المروءة والإنصاف أن يكتفي القاعد في الظل بتوجيه اللوم والتقريع والتوبيخ والنقد إلى المتصدي لحمل المسؤولية والمتحرك وسط هذه الحالة المعقدة المحفوفة بالأخطاء والضغوط.
فهذا الذي نسمعه من عدد من الناس من الاعتراض على دعم المرجعية للعملية السياسية وانه ماذا جنينا منها وأننا سوف لا نشارك فيها حتى لو دعتنا المرجعية إلى المشاركة ليس رداً صحيحاً ولا يمكن تعميم فشل بعض المتصدين إلى فشل المشروع كله، بل علينا أن نعين المرجعية-بعد أن تحرينا فيها شروط القيادة الصالحة-وندعم جهودها في رفد العملية
ص: 248
السياسية بالأصلح والأكفأ ولتشترك الأمة مع مرجعيتها في تحمل هذه الأمانة الثقيلة.
وخذوا درساً من سيرة الرسول الكريم موسى بن عمران (علیه السلام) إذ انه سمح لسحرة فرعون أن يلقوا هم أولا ما هم ملقون لأنه لا يخشى ما عندهم وهو واثق من نفسه ونصر الله تبارك وتعالى له فلما ألقوا عصيّهم سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم، ولكن الرسول الكريم ألقى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون وهناك خر السحرة ساجدين لرب موسى وهارون.
وأنتم أيها الرساليون دعوا الآخرين يلقون بمشاريعهم وإيديولوجياتهم وأعطوهم الفرصة الكاملة لممارسة دورهم، ولا تخشوا ولا تخافوا فوت الفرصة فإن عندكم مشروعاً عظيماً متكاملاً ستقتنع الأمة به وتتبعه بمجرد أن تعرضوه عليها، بعد أن تجرب بنفسها ضعف وخواء وسوء تلك المشاريع والتجارب، وإنما يتحقق لكم ذلك باتباعكم المرجعية الرشيدة التي تتصف بالشروط التي وضعها الأئمة المعصومون (علیهم السلام).
محمد اليعقوبي
26 جمادى الأولى 1426
ص: 249
شقشقة أبناء الوسط والجنوب هدرت ولم تقر(1)
استقبل سماحة الشيخ (دام ظله) يوم الخميس 14 جمادى الثانية وفداً ضم عدداً من رؤساء العشائر في الأهوار وآخر ضم العشرات من أبناء مواكب عشّاق الحسين (علیه السلام) في الناصرية، وتحدثا عن المظالم والحرمان والفقر الذي يعيشه الناس في مدن الجنوب مما يقرّح القلوب ومما ينطبق عليه مقولة أمير المؤمنين (علیه السلام) حينما كانت تأتيه أنباء غارات أصحاب معاوية على أطراف العراق والحجاز واليمن فيقتلون ويسلبون فقال (علیه السلام): (والله لو أن امرءاً مؤمناً –ويقصد به نفسه الشريفة- مات من هذا أسفاً لما كان عندي ملوماً ولكان به جديراً). وقال المتحدث في نهاية كلامه (إن هذه شِقشقة هدرت ثم قرّت) متمثلاً بكلام أمير المؤمنين في الخطبة الشقشقية.
فبدأ سماحة الشيخ حديثه بالتعليق على هذه الفقرة فقال أن شقشقتكم هذه حينما هدرت يجب أن لا تقر حتى ترفعوا الظلم والحيف والحرمان عنكم وتستنقذوا حقوقكم خصوصاً وأنكم موكب عشّاق الحسين، والحسين (علیه السلام) لم يقرّ له قرار حتى انتصف من عدوه وكشف زيفه وأظهر للأمة ضعفها وتقاعسها، وعدم صدقها مع الله تعالى حتى أسلمت قيادها ليزيد وأمثاله.
ص: 250
وكذا أمير المؤمنين قرّت شقشقته ببيان حقه المسلوب والظلم الذي تعرّض له وإقامة الحجج على إمامته.
ونحن لم نستحصل حقوقنا ولم ننتصف من أعدائنا ولم نحمي حرماتنا ودماءنا وثرواتنا حتى تقر شقشقتنا، وعلى سبيل المثال انظر إلى حال أهلنا في الأهوار قلعة الجهاد وحاضنة المجاهدين والشوكة في عين الطاغية صدام حتى جففها وقصف بيوتها البسيطة بالطائرات وأباد أهلها، تعاني اليوم الحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية ولم يعودوا يطالبون اليوم بكهرباء ولا بتعبيد طرق ولا خدمات بلدية وإنما يريدون إنقاذهم من البعوض الذي أثّر في أجساد الرجال الأشداء – بحسب ما رأيته بعيني- فكيف حال النساء والأطفال، فهل تتحرك ضمائر المسؤولين المحليين وأعضاء الحكومة وهل بقيت رحمة في قلب أحد منهم فكيف تقرّ الشقشقة بعد هذا كله.
ص: 251
النفطي في البصرة(1)
أثنى سماحة الشيخ على استجابة (15) ألف من موظفي القطاع النفطي في محافظة البصرة لنداء المرجعية الرشيدة للإضراب يوماً واحداً في 10/ ج2/1426 بما فيه تصدير النفط؛ حزناً على أرواح الأبرياء في المسيب(2) وغيرها وعشرات الأطفال في بغداد الجديدة، وللضغط على الحكومة حتى تقتص من القتلة الذين اعترفوا وأقرّوا على أنفسهم من على شاشات التلفزيون بقتلهم عشرات الأبرياء وقد قال تعالى: [وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ] (البقرة:179) وهو مبدأ عقلائي أطبق عليه العقلاء فإن من يريد قتل الحياة من غير ذنب لا دواء له إلا الاستئصال، وهذا الموقف الضعيف من الحكومة هو أحد أسباب تمادي الإرهابيين في غيّهم وعدوانهم على الشعب، وقد كان العذر أقبح من الفعل حيث قيل إن أحكام الإعدام لا تقرّها محكمة الاستئناف لأن قضاتها من الصداميين، إذن لماذا يوجد الصداميون إلى الآن في مثل هذه المواقع المهمة؟.
وأبدى سماحته استغرابه من امتعاض وزير النفط من الإضراب ومطالبته بعدم إيقاف التصدير؛ لأنه حرمان للشعب من ثروته الوطنية! ولا
ص: 252
أدري ماذا استفاد الشعب في وسط وجنوب العراق من هذه الثروات التي تجري من تحت قدميه لتسرق تحت عناوين العقود الوهمية ويبقى هو يعيش الفقروالحرمان من أبسط حقوقه المعاشية، ثم هل النفط فقط ثروة وطنية أليس الإنسان خصوصاً الطفولة البريئة هي الثروة الأكبر فكيف لا تستحق التكريم والاهتمام ورد الاعتبار؟
وقد حقق الإضراب عدة ثمرات حيث أعلن قاضي التحقيق في محاكمة صدام انتهاء التحقيق وإحالته وعدد من أعوانه للمحاكمة وفصل مدير إدارة المحكمة الخاصة وآخرين منها بقانون الاجتثاث.
وذكّر المضربون أعضاء الجمعية الوطنية بهؤلاء الأبرياء فقررت توقف كل نشاطات الدولة ثلاث دقائق صمت حداداً على ضحايا هذه الجرائم.
كما أن مطالبة المضربين بالتوزيع العادل للثروة ومنح محافظات الوسط والجنوب استحقاقاتها من عائدات البلاد دفعت الحكومة إلى التفكير الجدي في الأمر لاتخاذ الخطوات المناسبة.
ص: 253
الوضع الأمني والفيدرالية(1)
الأحد 9/ج2 استقبل(2)
سماحة الشيخ (دام ظله) السيد نائب رئيس الجمهورية الدكتور عادل عبد المهدي (1) ودار الحديث حول محورين:الأول: الوضع الأمني حيث تتواصل العمليات الإجرامية ضد أبناء الشعب، ويطالب سماحته الحكومة باستمرار بتقديم جدول زمني لبناء قوى مسلحة عراقية عدّةً وعدداً قادرة على القضاء على القتلة والمجرمين والمخربين ومثيري الرعب في قلوب الناس، ولسحب مبررات وجود القوات الأجنبية على أرض العراق الحبيب.
وإلى متى يبقى هؤلاء المفسدون ينفذون جرائمهم من قتل واختطاف في وضح النهار ويعودون إلى أوكارهم الشيطانية من دون أن يتعرض لهم أحد، وقد مرت أكثر من سنتين على سقوط الصنم وما زال الحديث عن عدم قدرة القوات المسلحة العراقية على حفظ الأمن فمتى تتحقق هذه القدرة؟
الثاني: الفيدرالية حيث أكّد سماحته على أن فدرالية الأقاليم ليست مطلباً لنا الآن وإنما يمكن أن تكون علاجاً لوضع معين غير قائم الآن،
ص: 254
لذا فإننا نرى أن تكتب مادة في الدستور تعطي الحق لمحافظتين أو أكثر بتشكيل إقليم بعد موافقة أغلبية السكان، ولكن من دون تفعيل هذه المادة الآن وإنما تبقي الباب مفتوحاً لها عند الحاجة.
وذكر سماحته أن الضعف في أداء الحكومات المحلية وعجزها عن تنفيذ المشاريع الخدمية للناس يعود في بعض أسبابه إلى التكبيل الذي تمارسه الحكومة المركزية وعدم الإرادة الجدّيّة في تفعيل دور تلك الحكومات وإعطائها الصلاحيات والتمويل اللازم، فتذوب كل المشاريع وتندثر ويبقى الوضع السيئ قائماً، فتحسين الوضع حالياً لا يكون بتأسيس الأقاليم وإنما في عمل الحكومة المركزية بصدق على تنفيذ قانون الإدارة اللامركزية الذي يحدّد صلاحيات المركز ويُبقي كل الشؤون الأخرى بيد إدارة المحافظة، أما الوضع القائم فهو ظالم وغير منصف، فهل من المعقول أننا لا نستطيع أن نعطي قطعة أرض لعائلة شهيد أو مؤسسة دينية إلا بموافقة وزيرة البلديات الكردية في حين لا يحق للحكومة المركزية أن تتدخل قيد شعرة في كل تفاصيل المنطقة الكردية؟
ص: 255
ما هي تقصيرات الحكومة التي أوجبت استياء المرجعية الشريفة والجماهير(1)
السبت 23 / ج2: بيّن سماحة الشيخ للدكتور موفق الربيعي مستشار الأمن القومي في لقائه به عدة نقاط ضعف وتقصير في أداء الحكومة أدّت إلى استياء المرجعية الدينية وجماهير الشعب ونفور بعض من المتصدين للعملية السياسية، ومن تلك الموارد:
1- عدم الحزم في التعامل مع القتلة والمجرمين وأعداء الشعب الذين ولغوا في دماء الأبرياء ورتعوا في الجريمة بإقرارهم وبما لا يحتاج إلى دليل، فإلى الآن لم ينفذ حكم الإعدام فيهم رغم أنهم قتلة مفسدون وجزاءهم عند الله تعالى والعقلاء من الناس هو القصاص بمثل ما فعلوا.
2- تحزيب الوزارات وسائر أجهزة الدولة بحيث لم تعد الوزارات جهازاً وطنياً يعمل للعراق والعراقيين وإنما أصبحت ممالكاً للأحزاب التي تتولاها، وذابت الروح الوطنية وطغت عليها الروح الحزبية والفئوية وتبدلت المعايير من الكفاءة والإخلاص والنزاهة إلى الولاء للحزب والكيان.
3 – عدم الجدية في بناء الأجهزة الأمنية للدولة مما يطيل أمد الاحتلال ويكثر من سقوط الضحايا ويوسع مساحة عمل المجرمين، فالتجهيز غير كاف والاختراقات من الصداميين والمخربين ممتدة إلى أعلى المستويات والمخلصون مبعدون، فمتى سيحل الأمن والاستقرار والازدهار و
ص: 256
الاستقلال في هذا البلد؟
4 – عدم صرف المبالغ المخصصة للمحافظات من الميزانية مما عطل حركة الإعمار فيها وأقعدها عن تقديم أبسط الخدمات، مما ولد استياءً يكاد يصل حد الانفجار.
5 – الفساد المالي والإداري الضارب بأطنابه في كل مفاصل الدولة، مما يؤدي إلى تخريب واسع بكيانها أكثر مما يفعله الإرهابيون القتلة.
كما عرض سماحته بعض التعليقات على فقرات وردت في مسودة الدستور وأبدى مخاوفه من أن تكون ثغرات للنفوذ منها إلى سنّ قوانين مخالفة لمصالح الشعب العراقي وثوابته الدينية والأخلاقية والاجتماعية.
ص: 257
بسم الله الرحمن الرحيم
قسّمت لجنة صياغة الدستور فصوله على لجان: فواحدة للمبادئ الأساسية، وأخرى للحريات والحقوق العامة، وثالثة لمؤسسات الحكومة المركزية، ورابعة لمؤسسات حكومات المحافظات، وخامسة لاختصاصات كل منها، وسادسة للضمانات الدستورية، وسابعة للأحكام الختامية.
وتقوم هذه اللجان بإعداد مسودّة هذه الفصول وتبنّي الآراء المتوافقة. أما المختلفة فترفع إلى لجنة صياغة الدستور للبت فيها حيث تذكر فيها الخيارات المعروضة.
وقد عرضت على سماحة الشيخ (دام ظله) مسودات هذه الفصول، وكتب عليها عدة هوامش وتعليقات نذكر بعضها للاستفادة.
1- (السيادة للشعب وهو مصدر السلطات ويمارسها ويصونها بواسطة أنظمته الدستورية). ليس الشعب مصدراً لكل السلطات، فالسلطة التشريعية بمعنى مرجعية القوانين ليست له وإنما للإسلام. فلو أجمع البرلمان - من باب فرض المثال - على إباحة زواج المثليين أو تشريع العلاقات الجنسية خارج العلاقة الزوجية، أو تسوية الولد والبنت بالميراث، أو إلغاء عقوبة الإعدام للقصاص من القتلة والمفسدين، فلا قيمة لهذا الإجماع.
2- (الإسلام دين الدولة الرسمي ومصدر أساسي للتشريع، ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابته المجمع عليها، ولا مع مبادئ
ص: 258
الديمقراطية والحقوق الواردة في الباب الثاني من هذا الدستور، ويحترم هذا الدستور الهوية الإسلامية لأغلبية الشعب العراقي، ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدستورية).
والتعليق هنا من جهتين:
أ- يجب رفع قيد (ثوابته المجمع عليها) لأن وجود هذا القيد يفتح مجالاً لسن قوانين مخالفة للشريعة من خلال تطويع الاختلافات الاجتهادية، ولو لم يرفع فلا ينبغي أن يكون مخلاً بالإطار العام للشريعة؛ لأن هذا الاختلافات مهما كثرت فتبقى صورة واضحة المعالم للمجتمع المسلم لا يمكن تشويهها لأن كل فقيه قد تكون نسبة الخطأ عنده (20٪)، فالمتلاعب بالأحكام يستطيع أن يأخذ من كل فقيه هذه ال_ (20٪) الشاذة فيجمع نظاماً لا يمتّ إلى الإسلام بصلة، فلا بد من تعديل القيد إلى (المشهورة لدى الفقهاء) لكيلا تكون الآراء الشاذة منفذاً للتلاعب بالأحكام.ب - إن إدخال جملة (ولا مع مبادئ الديمقراطية) في هذه الفقرة بالذات تثير شكوكاً ومخاوف من أن يكون المراد من ذكرها جعل هذه المبادئ حاكمة على التشريعات الإسلامية، بمعنى أن القانون المطابق للشريعة يمكن أن يلغى لأنه مخالف للديمقراطية من وجهة نظرهم.
وبتعبير آخر: أنه يعطي الفرصة لسنّ قوانين مخالفة للشريعة بالاستناد إلى هذا القيد باعتبارها من حرية الأفراد. فمثلاً لا نستطيع أن نمنع العري وممارسة الفاحشة علناً رغم أنها مخالفة للإسلام باعتبار أن المنع منها مخالف لمبادئ الديمقراطية.
فلا بد أن تكون فقرة استناد التشريعات إلى الإسلام والمنع من
ص: 259
سنّ أي قانون مخالف للثوابت المشهورة بين فقهاء المسلمين مطلقة وليست محكومة لأي فقرة أخرى.
3- في باب الحقوق والواجبات والحريات العامة والخاصة وردت المادة (5) ونصها: (يتمتع أولاد المرأة العراقية الجنسية العراقية وفقاً للقانون) وهي مرفوضة بإطلاقها ومخالفة لقوله تعالى: [ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ] (الأحزاب: 5)، فالذرية تنتسب - في سائر ألقابها وأسمائها - إلى الأب، وورد في الفقرة (7) ما نصه: (تمنح غير العراقية المتزوجة من العراقي الجنسية العراقية بعد مرور خمس سنوات من زواجها) وهو مما لا داعي له فإن العراقي له هوية خاصة من الانتماء الوطني والأعراف والتقاليد والأخلاق وهي لا تتحقق بمجرد السكن خمس سنين في العراق، ولسنا نحن كدول الغرب حتى نستنسخ قوانينهم في التجنّس فإنهم لا يمتلكون مثل تركيبتنا الاجتماعية وتماسكنا وعلاقاتنا الاجتماعية.
ويمكن التعويض عن الفقرتين (5) و (7) بمادة جامعة نعرضها كأطروحة (تمنح الجنسية العراقية لمن ولد في العراق وعاش فيه حتى سن الرشد وكان أحد والديه عراقياً والآخر قد سكن العراق خمس سنوات على الأقل قبل الزواج).
وورد في المادة (4) من نفس الباب: (يحق للعراقي أن يحمل أكثر من جنسية) فلابد أن تقتصر على العراقي الذي يعيش الانتماء للوطن، فنسمح له بحمل جنسية أخرى، ولا تشمل الذي يحمل جنسية أخرى ويعيش الولاء لها ثم يمنح الجنسية العراقية إما ابتداءً وفقاً لبعض المواد في الدستور أو إعادة بعد سحبها منه لسبب أو لآخر.
ص: 260
4- وورد في المادة العاشرة من نفس الباب، الفقرة (ب) ما نصّه: (الملكية الخاصة مصونة فلا يمنع أحد من التصرف في ملكه إلاّ في حدود القانون، ولا ينتزع عن أحد ملكه إلاّ لأغراض المنفعة العامة) وهذا مبرر غير كافٍ، فإن وجود منفعة عامة لا تبرر انتزاع الملك الشخصي إلاّ بإذنه. نعم، لو توقف دفع ضرر عام على ذلك جاز فلابد من تغيير الفقرة إلى (إلاّ لأغراض دفع الضرر العام) مع اشتراط التعويض العادل طبعاً كما نصّت الفقرة.محمد اليعقوبي
15 ج2 1426 الموافق 2005/7/22
ص: 261
بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة المرجع الديني آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله الشريف)
طالما عودتنا المرجعية الشريفة على أن تكون الكهف الحصين الذي تأوي إليه الأمة في ملماتها، واليوم إذ يمر عراقنا الجريح الحبيب بمنعطف تأريخي يؤسس لحياة الأجيال القادمة نرجو من سماحتكم التفضّل علينا ببيان رأي المرجعية الرسالية الشريفة حول بعض النقاط التي كثُر الكلام والحديث عنها في المحافل السياسية والإعلامية، فنرجو أن تضعوا النقاط على الحروف حول المواضيع التالية:
السؤال الأول: طُرحت مسألة الفيدرالية فما هو رأيكم الشريف فيها؟
بسمه تعالى: أرى من مصلحة الشعب العراقي الآن أن يسير وفق نظام الإدارة اللامركزية للمحافظات مع تحديد السلطات الحصرية والمشتركة للحكومة المركزية والحكومات المحلية في المحافظات، أما الفدرالية فتُثبَّتْ كحق لمحافظة أو أكثر متى شاءت ووجدت في نفسها القدرة على تشكيل إقليم وإدارته؛ لأن الفدرالية يمكن أن تكون حلاً لبعض المشاكل التي يمكن أن تحصل في الحكومة المركزية وهي غير حاصلة ا
ص: 262
لآن، كما أن الشعب العراقي في محافظات الوسط والجنوب عليه أن يستغل هذه المدة لتأهيل نفسه على مستوى إدارة الأقاليم، وقد أخِذ بهذه الأفكار في الصياغة المعتمدة من الدستور.السؤال الثاني: (الإسلام هو مصدر أساسي من مصادر التشريع) هل هذه العبارة كافية ليصوّت عليها الشعب بالقبول؟
بسمه تعالى: لما كان الدستور ينظّم الحياة المدنية للمجتمع ويوزّع المسؤوليات ويحدد الحقوق والواجبات للسلطة والشعب فهو يقع ضمن مساحة المباحات والتشريعات الموكولة للأمة كي تقنّن لنفسها ما يصلحها، وهذا الإيكال أشارتْ إليه الآية الشريفة [وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَينَهُمْ] فضمير (هم) يعني اختصاص الشورى بالأمور الراجعة إليهم، وضمن هذه المساحة يكون من المفيد الاطلاع على تجارب البشرية المتعددة والمتكاملة عبر التأريخ؛ لأن إدارة المجتمعات المدنية جهد إنساني وحضاري تشترك فيه جميع البشرية ولا يمكن الاستغناء عن تجارب الآخرين.
فالإسلام مصدر للتشريع في المساحة التي وضع الشارع المقدس لها أحكاما إلزامية،أما (منطقة الفراغ) التي تركها الشارع المقدس للأمة كي تقرّر ما يناسب حالها وظروفها فهي منطقة فراغ بمعنى خلوّ الشريعة فيها من الأحكام الإلزامية، ولا تعني ترك الشريعة لها من دون حكم غير إلزامي لأنه خلاف ما نعتقده من أنه (ما من واقعة إلا ولله فيها حكم).
وهذه المساحة تشمل أيضا منطقة العناوين الثانوية كالضرر والعسر والحرج والإخلال بالنظام الاجتماعي العام، فإن هذه العناوين الثانوية التي تطرأ على الموضوع تسقط الأحكام الأولية الأصلية حتى لو كانت إلزامية،
ص: 263
فترتفع حرمة أكل الميتة عند الاضطرار ويسقط وجوب الوضوء عند العسر ووجوب الصوم عند الضرر.
ومثل هذه المناطق (منطقة الفراغ والعناوين الثانوية) هي التي يوضع الدستور والقوانين المنبثقة عنه لملئها وفي هذه المنطقة التي يغطيها الدستور لا مانع من أن يجتمع أعضاء منتخبون من قبل الشعب ليقرر الأصلح بالاستفادة من تجارب وتشريعات الأمم الأخرى، وانطلاقاً من ثوابتهم الأخلاقية والاجتماعية والثقافية والظروف المحيطة بهم، ولكن يشترط في هذه التشريعات أن لا تخالف الشريعة الإسلامية وهذا بالضبط ما أقرّه الدستور حيث أعلنت كبيرة النساء العلمانيات أننا أُصبنا بخيبة أمل كبيرة من الدستور، وانتقد العلمانيون الولايات المتحدة بأنها عبرت المحيطات وقدّمت آلاف القتلى ومليارات الدولارات لتقيم حكماً إسلامياً في العراق فلله الحمد أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً.
السؤال الثالث: مسألة ازدواج الجنسية ورأي المرجعية فيها؟
بسمه تعالى:أن مسألة ازدواج الجنسية تُلحظ باتجاهين، فتارة ننظر إليها بلحاظ العراقي الذي يحصل على جنسية دولة أخرى بعد أن تنطبق عليه قوانين منح الجنسية لتلك الدولة، وتارة ننظر إليها بلحاظ الأجنبي الذي يراد منحه الجنسية العراقية.أما الحالة الأولى فلا اعتراض عليها خصوصاً بالنسبة للإخوة الذين هجّرهم صدام المدحور قسراً أو هجروا الوطن بعد أن ضاقت عليهم السبل وبقي الولاء للعراق أرضاً وشعباً يسري في عروقهم، أما الحالة الثانية فلابد من وضع قيود شديدة لها ليست كتلك المعمول بها في الدول الغربية؛ لأن
ص: 264
الجنسية العراقية تعني خصائص دينية واجتماعية وثقافية وحضارية لا تحصل للشخص بإقامته في العراق خمس سنين أو بولادته في بلاد الغرب من أم عراقية وأب أجنبي، فلا تكون مثل هذه الضوابط كافية لمنحه الجنسية العراقية، على أن نسيج مجتمعنا العراقي من التماسك والتقارب مما يصعب معه إدخال عناصر غريبة عنه ولا يحتاج إليها، وبنفس الوقت لا نستطيع أن نحرم غير العراقي من ولد من أب غير عراقي وعاش وتزوج وأنجب في العراق حتى أصبح عراقياً على نحو الحقيقة من جميع الجهات.
لذا وضعنا ضوابط لمنح الجنسية العراقية لمثل هؤلاء في الحلقة الأولى من (ثقافة دستورية) وتعليقاتنا على الدستور مما يجب أن يلحظه الإخوة المشرعون عند وضعهم لقوانين الجنسية بإذن الله تعالى.
السؤال الرابع: ما هو رأيكم فيما يُثار من الخوف على عروبة العراق في الدستور الجديد؟
بسمه تعالى: إذا كان المقصود بالعروبة الأخلاق الفاضلة التي تأصلت لدى العرب كالغيرة والكرم والشجاعة والإباء والتي ذكّر بها الإمام الحسين (علیه السلام) أهل الكوفة وقال لهم (إن كنتم لا تخافون الله ولا ترجون يوم المعاد فارجعوا إلى أحسابكم وأنسابكم إن كنتم عُرُباً كما تزعمون) هذه التي كانت موجودة منذ الجاهلية إلا أنها كانت ناقصة ومخلوطة بأخلاق رديئة أخرى فجاء النبي (صلی الله علیه و آله) ليهذب أخلاقهم ويطهّر نفوسهم وقلوبهم ويزيل عنهم إصر الجاهلية وأغلالها فقال (صلی الله علیه و آله) (إنما بُعِثتُ لأتمم مكارم الأخلاق) ونظمها جدي اليعقوبي (رحمه الله) في قصيدته:
ومكارم الأخلاق كانت تشتكي نقصاً فتمّ بأحمد النقصانُ
ص: 265
فهذه الأخلاق وهذه الأصالة لا خوف عليها لأنها من صميم الإسلام الذي نتمسك به، وقد توالت على العراق قرون من سلطة غير العرب كالعثمانيين والصفويين ولم تؤثّر فيها بل بقي هو رائد العروبة لأنها متلازمة مع الإسلام واللغة العربية لغة القرآن والأحاديث الشريفة فالاعتناء بها جزء من الاعتناء بهما، حتى أن العصر الذي يسمّونه (الفترة المظلمة) من عصور الأدب العربي كان هو من أكثر العصور ازدهاراً في مدرسة النجف الأشرف والحلّة الفيحاء وشهد مفاخر الشعر عبر التأريخ ولسنا بصدد بيان التفاصيل، فهذا الوجه الناصع الرائع للعروبة أصله ومعدنه وديمومته والحفاظ عليه في العراق ولا خشية عليه.ولكن هؤلاء المرجفين لا يقصدونه لأنهم لا مبادئ لهم ولا أصالة ولا يهتمون به ولا يفكرون فيه، وإنما يقصدون بالعروبة الشعارات القومية التي ضحكوا بها على الشعوب العربية وساقوهم من خلال التهريج بها إلى المجازر والحروب العبثية وبددوا ثرواتهم على النزوات والشهوات وقتلوا بها الإسلام وعلماءه وشبابه الرسالي الواعي، فهذا نحن بريئون منه ونعمل على إسقاطه ونبذه ولا نقبل بعودة عقارب الساعة إلى الوراء بعد أن نجّانا الله تبارك وتعالى منها بلطفه وببركة دماء الشهداء البررة.
السؤال الخامس: ما هو تقييمكم لمسودّة الدستور المقدّمة إلى الجمعية الوطنية؟
بسمه تعالى: أثمّن الجهود التي بذلها الإخوة في لجنة كتابة الدستور وأعلم أنهم حاولوا الخروج بصيغة تتوافق عليها مكوّنات الشعب العراقي وشهدت العملية تجاذبات كثيرة تصرف البعض فيها انطلاقاً من
ص: 266
أنانيته ومصالحه الشخصية الضيّقة، وأراد آخرون فرض مطالبهم بأي شكل.
وقد مارس ممثلو الائتلاف دور الأبوية والرعاية تلبية لتوجيهات المرجعية الرشيدة حتى خرج الدستور بهذه الصيغة التي حظيت بموافقة الأغلبية، وإن كنت أسعى لتعديل بعض الموارد ليكون أكثر قبولاً.
لكن الخطوة الأهم هي في الالتزام بمواد الدستور وحسن تطبيقها فإن مجرد تسطيرها لا يكفي، فهذه الأنظمة الظالمة والطاغوتية كلها وضعت دساتير إلا أنها لا تلتزم بشيء إلا بمقدار ما يوافق مصالحها، فلا بد من الحزم والمصداقية والجدّية في التطبيق وثقيف الناس على الالتزام به بعد أن ألِفوا حياة الدكتاتورية والاستبداد.
محمد اليعقوبي
النجف الأشرف
27 رجب الأصب 1426
2005/9/2
ص: 267
إننا نعتقد أن نتائج أي استفتاء أو انتخاب لا تكون ملزمة من الناحية الشرعية إلا إذا أمضاها المجتهد الجامع للشرائط؛ لأنه –أي الفقيه- يمثل القانون الشرعي والأعلم به وبتطبيقاته والأقدر على تشخيص الأحكام للحالات المختلفة، وليس في هذه الفكرة مصادرة لرأي الأمة التي اختارت، وإنما هو تقنين وتكييف شرعي لاختيارها وإرادتها، كما أن القاضي العالم بالقانون الوضعي إذا حكم على حالة بحكم معين فإنه لا يمكن تجاوزه حتى وإن خرج أغلب الناس في تظاهرات للمطالبة بمخالفة ذلك الحكم، فإن مطلبهم هذا غير حق ومخالف للقانون، وعليه فإجراء حكم هذا القاضي لا يعني تغليب رأي الواحد على الأكثرية وإنما هو إطاعة الكل للقانون الذي استند إليه القاضي في إصدار الحكم.
فكذلك الولي الفقيه العارف بالأحكام الشرعية وموارد تطبيقها يعبّر عن القانون الشرعي ويجب أن ترجع إرادة الأمة إلى هذا القانون ما دام مثبتاً كقانون، فإذا استطاع المعارضون أن يثبتوا بالدليل الصحيح خطأ مستند هذا الحكم فيكون حينئذٍ العدول إلى ما دل عليه الدليل.
ومحل الشاهد اليوم هو الدستور فإن له إمضائين:
الأول: شعبي إذا صوّت أغلب الشعب عليه وهو إمضاء تواضعي اصطلاحي باعتبار أن الدستور يمثل وثيقة تنظم حياة الناس وتحفظ الحقوق والواجبات للحاكم والمحكوم، ومن حق الناس أن يصطلحوا على الوثيقة
ص: 268
التي تحظى بتأييد أكثريتهم وحينئذٍ يكون العمل به ملزماً للشعب، وهذا لا دخل لنا –كفقهاء – فيه لأنه من شؤون الناس كما لو كان الفقيه يعيش في دولة أوربية.
الثاني: شرعي وهذا يتحقق بإمضاء الفقيه الجامع للشرائط له وحينئذٍ يكتسب صفة الإلزام الشرعي ولا يكفي فيه موافقة الأغلبية:
وبالنسبة لي فإني أرى وجوب تعديل أكثر من فقرة لإضفاء الإلزام الشرعي على الصياغة المنشورة في الصحف الرسمية للدستور:
منها: الشراكة الكاملة التي حصلت عليها أقلية لا تزيد نسبتها عن 20% مع الأكثرية العربية التي تقرب من 80% في كل شيء، كما يظهر من المادة الثالثة وغيرها وتعويق عمل الأكثرية وفرض رأيها عليها باشتراط عدم نقض ثلثي ثلاث محافظات في كثير من مواد الدستور، فالمفروض أن تتمدد كل فئة بحسب حجمها على الأرض، وكان أحد أسباب هذا التمدد الذي وصل حد الابتزاز إلقاح الفتنة بين السنة والشيعة وخلق الفجوة بينهما مما جعل كلاً منهما يتوجه إلى الطرف الثالث الذي يبتز كلاً منهما وكان عليهما أن يعيا هذه الحالة.ومنها: عدم وضع مادة واضحة تضمن تدفق تصاريف من المياه كافية لمتطلبات الحاجة البشرية والاقتصادية والبيئية.
ومنها: تعريفه العراقي في المادة الثامنة عشرة أنه من ولد من أب عراقي أو أم عراقية، ومنح الجنسية العراقية لمن ولد من أمّ عراقية على إطلاقه ليس صحيحاً، إذ يمكن أن تأتي لنا النساء العراقيات المتسكعات في شوارع الغرب بأولاد لا نعرف أصلهم وتطالب بمنحهم الجنسية العراقية
ص: 269
وهم لا يحملون شيئاً من خصائص الهوية العراقية، وليس بلدنا كبلاد الغرب بلا هوية ولا خصائص بل لنا أعرافنا وتقاليدنا وأنماط حياتنا وأخلاقنا التي تميّزُنا، فلا بد من تقييد الفقرة بأن يولد –من كانت أمه عراقية دون أبيه- في العراق ويعيش في العراق حتى بلوغ سن الرشد وأن يكون أبوه مقيماً في العراق قبل زواجه من العراقية سنوات على الأقل ونحوها من القيود.
ومنها: إغفال ذكر (الأكراد الفيليين)(1) ضمن الأقليات العراقية في المادة (122) رغم ذكر من هم أقلّ عدداً، إضافة إلى ما تعرّضت له هذه الشريحة من اضطهاد وظلم وتشريد وقتل، وسعة انتشارها في محافظات عديدة فعدم ذكرها يشعرنا بالقلق على مصيرها حيث يُراد تذويبها في المنطقة الكردية أي إخضاعها لسلطة أكراد شمال العراق، رغم أن انتماءهم الديني إلى مدرسة أهل البيت (علیهم السلام) غالبٌ على قوميتهم الكردية مما يعني تذويب هويتهم وإلغاء شخصيتهم وهذا ما لا يمكن قبوله.
أمام هذه الأخطار لا أستطيع أن أضفي الشرعية على هذه الصيغة فلا بد من إجراء التعديلات التي لا تضرّ بأحد لكن إبقاءها على ما هي عليه يضرّ بالأغلبية الساحقة، وأودّ ممن يشاركني هذا القلق أن يضغط معي لإصلاح الحال ما دام في الوقت متّسع باعتبار أن التصويت عليه لم يحصل وإنّ إجراء التعديل الآن أسهل من محاولته بعد إقراره.
ص: 270
لكنني لكي لا أصادر جهود الذين كتبوا الدستور وتعبوا في صياغته ولكي لا أصادر إرادة الشعب في اختيار الوثيقة التي تنظم حياته، فإني أترك الباب مفتوحاً أمامه للاستفتاء ب_(نعم) على الدستور، ولا مانع من أن يستمر القادة السياسيون في حزب الفضيلة الإسلامي وغيره من الأحزاب الإسلامية والوطنيةفي تثقيف الناس في هذا الاتجاه باعتبارهم يعرّفون السياسة بأنها (فنّ الممكن) ويقولون أن هذا هو الممكن، وعلى أي حال فإن قول (لا) للدستور غير وارد في حساباتنا.
محمد اليعقوبي
19 شعبان 1426 الموافق 2005/9/24
ص: 271
الشعب العراقي مدعو إلى(1) صنع مستقبله في الانتخابات المقبلة ووضع النقاط على الحروف
بسم الله الرحمن الرحيمالشعب العراقي مدعو إلى صنع مستقبله في الانتخابات المقبلة ووضع النقاط على الحروف، ولا تقل الانتخابات المقبلة أهمية عن سابقتها بل هي أهم منها لأننا قلنا أن من مناشئ أهمية تلك الانتخابات أنها ستفرز ثلة قادرة على وضع دستور ينظم حياة الشعب العراقي ويرسم مستقبله وقد تمت هذه العملية وخرج الدستور بالشكل الذي أمكن التوافق عليه بين مكونات الشعب العراقي، وقد قلنا انه لا يخلو من نواقص وثغرات وطالبنا بتعديلها وقد تم بفضل الله تعالى إصلاح جملة منها، لكن طبيعة الرغبات والطلبات المتصارعة والمتزاحمة تقتضي أن يتنازل كل طرف عن بعض مطالبه ويتقدم نحو الآخر الذي يفعل نفس الشيء إلى أن يلتقوا عند نقطة التوافق.
وقد يجد السياسيون أنفسهم في هذه المرحلة التأسيسية أنهم مضطرون إلى هذا النمط من السير في العملية السياسية نظراً للضغوطات الكبيرة التي تمارسها قوى داخلية وخارجية لحرمان اتباع أهل البيت من نيل حقوقهم وإعادة الوضع إلى سابقه، وتمارس الدول الإقليمية والكبرى
ص: 272
وأذنابهم في الداخل مختلف وسائل الترغيب والترهيب القوية والفاعلة للوصول إلى هذه النتيجة، لكن فضل الله تبارك وتعالى وألطاف صاحب العصر (علیه السلام) والحكمة التي يجب أن تتصف بها مواقفنا هي التي تحفظ وترعى هذا الوجود المبارك والمستمر لمدرسة أهل البيت (علیهم السلام).
لكن هذا الجهد كله كان هو البداية والمنطلق لمسيرة المستقبل الزاهر، والذي تحقق هو كتابة أصل الدستور وبقيت تفريعاته وقوانينه التي يمكن أن تبدل مضمونه كليا وتفقده معناه وتسلب كل المكاسب التي تحققت فيه، فمثلا حينما نكتب الحرف (ح) فإنك تقرأه حاءاً لكن يمكن أن تضع نقطة فوقه ليصبح خاءً أو تحته فيصبح جيماً ويتغير معناه تماماً لذا فإن مرحلة (وضع النقاط على الحروف) هي التي تقطف الثمرات وتحقق النتائج وتؤدي المعنى المطلوب.
ولمزيد من الفائدة أقول وان كان خارج الموضوع أنه يمكن فرض وجه مناسب لفهم ما ورد في ذيل قول أمير المؤمنين (علیه السلام) (جمعت علوم القران كلها في الفاتحة وجمعت علوم الفاتحة كلها في البسملة وجمعت علوم البسملة كلها في الباء وجمعت علوم الباء كلها في النقطة وأنا تلك النقطة) بأن يقال في بيانه أنه (علیه السلام) هو المظهر لعلوم القرآن الحقيقية ومن دونه (علیه السلام) تبقى المعاني ظاهرية مجملة أو مطلقة وعنده (علیه السلام) البيان التفصيلي وهو القادر على وضع النقاط في مكانها الحقيقي من الحروف ليوضح معانيها الحقيقية.
فالجمعية الوطنية المقبلة مسئولة عن وضع النقاط على حروف هذا الدستور وتنظيم قوانينه التفصيلية، لأن أكثر من خمسين مادة ذيلت
ص: 273
بعبارة (وينظم ذلك بقانون)، مثلا حينما اعترضنا على تعريف العراقي بأنه من ولد من أب عراقي أو أم عراقية وقلنا أن ترك عبارة (أم عراقية) على إطلاقها غير صحيح ويسبب مشاكل ذكرناها في بيان سابق فلابد من إلحاقها بعبارة (وينظم ذلك بقانون) لوضع قيود لهذا التعريفيجنبنا تلك الإشكالات، وقد تحقق هذا التعديل ويمكننا حينئذ إقرار تلك القيود في قانون تكتبه الجمعية الوطنية المقبلة.
وأمام هذه المهمة الخطيرة والتحديات الواسعة التي تواجهها الأمة، فهي مسئولة عن صنع مستقبلها بيدها بالمشاركة الايجابية الفاعلة في الانتخابات إذا تخلت عن واجبها وتواكلت وتخاذلت فسيصنع غيرها هذا المستقبل وسوف لا يكون في صالحها بالتأكيد.
إني أعلم بوجود استياء من أداء الحكومة وتقصيرها واعلم أن توزيع المقاعد لم يكن مناسبا لثقل الكيانات في الساحة، وأعلم أن أسماءً في القوائم الانتخابية ليسوا مرضيين عند هذا الطرف أو ذاك وأنا اسلم بصحة كل هذه الإشكالات، لكن هذه كلها مطالب جزئية يجب تذويبها في المصلحة العامة لأنك حينما تذهب إلى صناديق الاقتراع فانك لا تنتخب شخصاً بعينه ولا حتى القائمة في محافظتك وان كنت تعطيها صوتك وإنما تنتخب كياناً وخطاً واتجاها سوف يجمع كل هؤلاء المرشحين، ولا شك أنه يضم الكثيرين ممن يمثلون وجهة نظرك ويدافعون عن حقوقك وتأمنهم على مستقبلك فحينما تعطي صوتك في السماوة لقائمة ليس لحزبك فيها مقعد فإن هذا لا يضر؛ لأن الآخر يعطي صوته لك في البصرة أو الناصرية التي لك فيها أكثر من مقعد وبالتالي سوف يجتمع كل هؤلاء تحت مظلة
ص: 274
الجمعية الوطنية.
وأعتقد أنهم جميعاً متوافقون على المبادئ الأساسية كوحدة العراق وسيادته الكاملة على أراضيه، وطرد المحتل وبناء مستقبل زاهر للشعب واحترام حقوق الإنسان والمساواة أمام القانون والتوزيع العادل للثروة، وقطع يد الإرهاب والاقتصاص من القتلة والمجرمين ومراعاة ثقافة الشعب ودينه وأعرافه وغيرها، ومادامت هذه المبادئ متفقاً عليها لدى الائتلاف فما الضير في أن يكون زيد أو عمرو أعضائه.
هذه الأخلاق وان كانت ستحرمنا من مصالح معينة ويعتبرها السياسيون اللاهثون وراء المصالح الشخصية والفئوية (مثالية) لا واقع لها، لكنها هي سياسة أهل البيت (علیهم السلام) التي ربّوا شيعتهم عليها، ونحن مدعوون إلى الالتزام بها أن كان ذلك صعبا على النفس لكن اعتبروها خطوة في طريق (الجهاد الأكبر) وسوف لا يفوتكم الكثير والعاقبة للمتقين.
لقد كانت مشاركة العراقيين في الاستفتاء على الدستور(1) قوية وفعالة فاقت الحسابات التي توقعت تراجع المشاركة بسبب الاستياء من أداء الحكومة وضغط الإرهاب والضجيج الإعلامي المعادي، لكننسبة
ص: 275
المشاركة بلغت(63%) أي أكثر من نسبة المشاركة في الانتخابات السابقة وأكثر بكثير من حجم المشاركة من حجم الانتخابات(1) في دول مستقرة كمصر التي بلغت (23%) في انتخابات الرئاسة و(52%) في الولايات المتحدة مما يعني أن الشعب العراقي واعٍ لدوره وأهمية صوته وتأثيره في تغيير التوازنات في العملية السياسية.
ونأمل منهم أن يكونوا بنفس الاندفاع والهمة و الحماس للمشاركة في الانتخابات المقبلة واختيار الأفضل من حيث الكفاءة والنزاهة والإخلاص، وعلى القادة السياسيين أن يقدروا لهذا الشعب وقفاته الشجاعة والمباركة ويعملوا بكل تفانٍ وإخلاص لإسعاده ورفع الظلم عنه وإيصال حقوقه إليه، وعلى المثقفين والمفكرين والخطباء والمبلغين مواصلة الجهد لرفع مستوى الوعي لدى الأمة حتى تتمكن من ممارسة حقها بدقة وتختار الأصلح، وأن يفهم الناس أن هذا حق لهم وينبغي أن يكونوا حريصين به كسائر حقوقهم ولا يحتاج أن نوجبه شرعًا لكي يندفعوا للمشاركة.
محمد اليعقوبي
3 شوال 1426 2005/11/6
ص: 276
الموقف من الانتخابات(1)
س/ من المعلوم أنكم دعمتم الانتخابات السابقة وأوجبتم المشاركة فيها وكانت فتواكم أقوى ما صدر من المرجعيات الدينية حين قلتم أن هذا الوجوب أهم من وجوب الصلاة والصوم , فهل مازال الوجوب على حاله بالنسبة للانتخابات المقبلة؟
بسمه تعالى: إن ذلك الموقف لم يكن دعائياً ولا إعلامياً وإنما كان مبنياً على أسس شرعية في ضوء نظريات (الفقه الاجتماعي) الذي بيّنا أسسه ومعالمه في كتيب (الأسس العامة للفقه الاجتماعي) وقد شرحناها في عدة بيانات من سلسلة (خطاب المرحلة)كالبيانات (42) و(55) وغيرها، ومما قلناه أن المستفاد من ذوق الشريعة اهتمامها بالواجبات الاجتماعية أكثر من الفردية فمثلاً ورد عن الأئمة المعصومين (علیهم السلام) (إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام) لما فيه من حفظ وحدة الأمة وعزتها وقوتها ومنعها من التفكك والتشرذم ووردَ (فضل العالم على العابد كفضل الشمس على سائر النجوم لأن العلم يبني المجتمع والحضارة ويَقوِم حياة البشرية أما العبادة فذات مردود فردي غالباً وإن كان لها أثر اجتماعي إذا كانت مقبولة.
وورد من الفضائل والآثار العظيمة لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي هي فريضة اجتماعية تجب على مجموع الأمة ما يذهل ويحفز كل إنسان لأدائها بالشكل الذي يتيسر له.
ص: 277
فالمشاركة بالانتخابات باعتبارها الوسيلة المتيسرة الآن لإيصال المؤمنين الصالحين الكفوئين النزيهين إلى موقع السلطة ومفاصل الدولة من الوظائف الاجتماعية التي عرفت أهميتها وبوصول هذه الثُلة تحفظ الصلاة والصيام وإذا وصل غيرهم فلا تبقى صلاة ولا صيام كما عشنا في زمان صدام المجرم وسائر الطواغيت حين عطلت المساجد وقتل المؤمنون وشردوا.
والشاهد الآخر على هذه الأهمية قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ..] (المائدة:67) فجعل الله تبارك وتعالى تعيين القيادة وتنصيب ولاة أمر المسلمين في كفّة والرسالة كلها بكفّة أخرى، وإن لم تنجح الأمة في اختيار قادتها الحقيقيين وإيصالهم إلى المواقع التي يستحقونها فإنها ستضيّع الشريعة كما حصل خلال القرون المتمادية، ولم يبق على دين الحق إلا النزر اليسير من هذه البشرية الضالة المتعبة.
والخلاصة إن لهذه الأهمية أكثر من وجه:أنها وظيفة اجتماعية وهي أهم من الأعمال الفردية.
أنها أعظم وسيلة لتطبيق فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأعظم آلياتها فالنصح والإرشاد والموعظة قد تهدي واحداً أو مئة لكن وصول الرجل الصالح إلى موقع القيادة يغيّر حال الملايين فوجوب المشاركة من وجوب هذه الفريضة.
أنها الوسيلة المتيسرة لتعيين القيادات الصالحة للأمة التي علمت الشريفة أنها تعادل الرسالة كلها.
ص: 278
بوصول الثلة الصالحة تحفظ الصلاة والصيام وسائر الشعائر المقدسة وأحكام الدين بالمقدار المتيسر وبوصول غيرهم تهدم هذه المعالم وحفظها واجب.
نعم، قد يحصل خطأ في التطبيق بمعنى عدم كفاءة بعض العناصر المختارة أو تقصيرها أو سوء تصرفها أو عدم الدقة في اختيارها لكن هذا خطأ في التطبيق ولا يجوز أن ينعكس على أصل الوجوب.
والعراق اليوم أصبح ساحة لمواجهة عالمية تتصارع فيها معسكرات متعددة:
الأول: أمريكا التي تريد أن تتحكم بمصير العالم وتمنع من قيام قوة عالمية كبرى تنافسها وتهدد مصالحها وتحالف معها من يريد أن يركب قطار المصالح قبل أن تفوته.
الثاني: الدول التي تخشى التفرعن الأمريكي وتخاف من السقوط في قبضتها والتحكم فيها من خلال السيطرة على مصادر النفط والثروات الأخرى والمواقع الجغرافية الستراتيجية ومن هذه الدول فرنسا وألمانيا وروسيا.
الثالث: المتحجرون التكفيريون الطائفيون الذين امتلأت قلوبهم غيضاً وحنقاً من ظهور صوت الحق المعبّر عن مدرسة أهل البيت (علیهم السلام).
الرابع: الدول الإقليمية التي تخشى من نجاح التجربة العراقية وإطلاق حرية الأمة وإرادتها بينما يريدون هم أن يواصلوا مسيرة الاستبداد والظلم والاستئثار.
الخامس: الصداميون المجرمون الذين يحلمون من خلال إرباك
ص: 279
الوضع في العراق وخلق الأزمات زرع اليأس والإحباط في نفوس العراقيين بالعودة إلى مواقع السلطة التي وظفوها للجريمة والأطماع غير المشروعة والأعمال الصبيانية ونهب ثروات الشعب.
السادس: مرضى النفوس والأنانيون والنَهِمون في جمع المال ولو على حساب البائسين.
هذه القوى كلها تتصارع في العراق والضحية الأولى هو الشعب العراقي نفسه، فعليه أن يتوكل على الله تعالى ويقف وقفة الشجاع الواثق بنفسه القادر على دحر كل هؤلاء وإعادة الأمور إلى نصابها من خلال وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وقطع الطريق على كل الطامعين والمجرمين والأعداء.وقد أشرنا إلى آليات العمل عبر سلسلة طويلة من خطاب المرحلة ومن ضمنها وجوب التصدي للعملية السياسية على من يجد في نفسه الكفاءة والنزاهة والقدرة على خدمة بلده وشعبه، وأن يعرّف نفسه للأمة كي تختاره ويؤدي واجبه ومنها وجوب المشاركة في الانتخابات لإيصال مثل هؤلاء إلى مواقع السلطة والحكومة حتى تتحرر الأمة من ظلم هذه المعسكرات الظالمة.
مضافاً إلى ما ذكرنا في بيان سابق أن المرحلة الآتية هي مرحلة وضع النقاط على حروف الدستور، وهي مهمة خطيرة يمكن أن تفرغ الدستور من كل مضامينه الايجابية التي حققها ممثلو الشعب في لجنة كتابة الدستور. كما أن وضع النقطة أعلى الحرف أو أسفله أو حذفها منه تغيّر معناه جذرياً.
ص: 280
وبصراحة فإني أريد من كل شخص أن يحسّ أن الإدلاء بالصوت في صناديق الاقتراع هو حق له يعزّز انتماءه للوطن ويفعّل دوره في بناء مستقبل الأمة فيندفع بإصرار وحرص بل بفرح وسرور للتمتع به ولا نريد أن يشعر أنه واجب مفروض عليه لا بد من أدائه رغماً عليه وفرق كبير في المشاعر بين ممارسة الحق وأداء الواجب.
س2: هل أوجبتم التصويت لقائمة معينة في الانتخابات المقبلة؟
ج: بسمه تعالى: قلت قبل قليل أن المشاركة في الانتخابات حق قبل أن تفرضه استحقاقات المرحلة وتوجبه، وما دام حقاً فلكل إنسان الحريّة في طريقة الاستفادة منه وممارسته ولا نفرض عليه توجّهاً معيّناً، ومن جهة أخرى فإننا نطمح أن يرتقي الوعي السياسي والقدرة على الاختيار لدى الأمة إلى المستوى الذي يصبح فيه مؤهلاً لاختيار الأكفّاء الصالحين القادرين على إعادة الحق إلى أهله، ومن جهة ثالثة فإننا نريد من الأمة أن تتحمل مسؤوليتها في اختيار قادتها من دون توسط المرجعية الدينية ليكون هؤلاء القادة مسؤولين أمامها مباشرة وحريصين على تحقيق مطلبها والفوز برضاها، أما تصدي المرجعية لتحديد الأسماء فإنه يجعل المرجعية بين المطرقة والسندان فمن جهة لا ترضى على الكثير من أداء المتصدين للحكومة ولا تستطيع الدفاع عنهم أمام استياء الناس وإلحاحهم في قضاء مطالبهم، ومن جهة لا نستطيع رفع اليد عن دعم المتصدين لأهمية المرحلة التي ذكرتها فيقع العبء والحرج على المرجعية، فالصحيح المسؤولية المباشرة للمتصدين أمام الشعب ويكون للمرجعية دور المراقبة والتوجيه والنصح والدعم والتأييد لكل ما هو حق ومفيد.
ص: 281
ولكن لأن التجربة جديدة على الشعب وهو لم يستعد لها ولم تكف المدة لاستيعاب هذا التطور، ولأن المرجعية هي أنزه جهة وأجمعها لخصال الخير والرحمة والحرص على الأمة والترفع عن الدنيا والمصالح الشخصية والفئوية، ولما تتسم به من الحكمة والرشد والوعي، فإن الأمة تتوجه إليها وتطلب منها المساعدة.وفي ضوء هذا نقول إننا يجب أن ننتخب كتلة صالحة قوية لا تقل المقاعد التي تحصل عليها بإذن الله تعالى عن (92) مقعداً أي (الثلث زائد شيء)(1) لكي يكون صوتها مسموعاً ولا يمكن تجاهلها أو إقصاؤها وتهميشها، أما لو كانت المقاعد أقل من الثلث فيمكن للآخرين أن يتحالفوا ويحققوا نسبة الثلثين الكافية لتشكيل الحكومة ويعزلوا الثلة الصالحة.
ولا أريد بهذا الكلام أن أحرم الآخرين من الإدلاء بأصواتهم لرجال صالحين رشّحوا أنفسهم بقوائم متنوعة -وإن كان هذا يشتت الأصوات ويوزعها على كسور لا تكفي للحصول على مقعد فتهمل وبإهمال هذه الكسور تضيع فرصة للحصول على مقاعد عديدة فيما لو كانت منضمّة إلى أصوات الكتلة القوية الكبيرة - لكنني أدعو هؤلاء الرجال الصالحين أن ينضموا إلى الكتلة القوية بعد الانتخابات لتقوى شوكتهم وتصبح لهم اليد العليا في القرار السياسي ولا يتفرقوا وتذهب ريحهم.
ونشير هنا إلى ضرورة اهتمام الكيانات السياسية بنشر المراقبين في مراكز الاقتراع لأنني علمت أن خططاً رهيبة محكمة وضعت لشراء
ص: 282
الأصوات وتغييرها أو تحريفها أو منعها من الاختيار الحر وغيرها من الانتهاكات.
[وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ] (التوبة:105)
ص: 283
أذن سماحة الشيخ لقناة (العالم) الفضائية الإيرانية بإجراء حوار معه في برنامج (العراق اليوم)(1) الذي يُبثّ على الهواء مباشرة، وتناول عدة قضايا سياسية ووجه من خلالها رسائل مهمة إلى الشعب والحكومة والقوى المتدخلة في الشأن العراقي.
وكان السؤال الأول: عن المعايير التي انطلق منها سماحته في دعم العملية السياسية.
فأجاب سماحته: بوجود عدة منطلقات بينّها تفصيلا في عدة خطابات من سلسلة (خطاب المرحلة) وملخصها:
1- أن وجود قيادة للأمة ضرورة عقلائية يقتضيها النظام الاجتماعي الإنساني وكان رسول الله (صلی الله علیه و آله) إذا خرج إلى غزوة فإنه يخلف على المدينة أحد أصحابه وقال إذا خرجتم ثلاثة في سفر فأَمرُّوا أحدكم ولا شك أن القيادة لابد أن تكون صالحة ولها شروط معينة فالمشاركة في العملية السياسية الوسيلة المتيسرة لإيصال هذه القيادة الصالحة إلى قمة المسؤولية.
ص: 284
2- إننا مبتلون بالاحتلال وإنجاح العملية السياسية وتشكيل حكومة قوية مقدمة لطرد الاحتلال وسلب الذرائع لوجوده، فوجوب المشاركة في العملية السياسية مترشح من وجوب نتيجتها وهي طرد الاحتلال.3- أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة واجبة ومن أعظم المسؤوليات الشرعية وهي ذات آليات متعددة تختلف من حيث سعة التأثير وقوته ولا شك أن أوسع هذه الآليات وأعظمها تأثيراً إصلاح النظام الحاكم أي قمة الهرم وبالتالي إصلاح حال القاعدة كلها ورفع المظالم عن الناس واستنقاذ حقوقهم وتوفير السعادة والازدهار لهم.
4- إننا مسؤولون عن إقناع الناس بالإسلام كمنهج شامل للحياة وان ذلك إنما يتحقق من خلال الوصول إلى مفاصل الحكومة والنجاح في العمل وحسن الأداء وحينئذ ستزداد ثقة الناس وإيمانهم بالإسلام.
السؤال الثاني: أن الإدارة الأمريكية فوجئت بعد انهيار نظام صدام بإسلامية الشارع العراقي..كيف استطاع الشعب العراقي أن يحيا وان يحافظ على مشروعه الإسلامي في مواجهة المشروع التخريبي والمعادي؟
سماحة الشيخ: وهذا لم يأت طبعا وليد لحظته بل جاء نتيجة تراكم جهود وتضحيات من علماء ومراجع وتوجت بدماء المراجع العظام والفضلاء وأساتذة الحوزة ومئات الآلاف من الشباب الرساليين وقد أعطوا بدمائهم روحا جديدة للأمة وإنما تفاجأ الأمريكيون لنقص حساباتهم وعدم
ص: 285
وضوح في رؤيتهم وإلا فالمفروض أن يروا بأم أعينهم كيف حاول صدام ببطشه وقسوته أن يمنع الحركة الإسلامية المتصاعدة فلم يستطع واضطر إلى مسايرتها، وخذ كنموذج الشعائر الحسينية التي كان يحييها الملايين وصلاة الجمعة المباركة التي أقامها السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) وشارك فيها مئات الآلاف في العراق تحت مراقبة جلاوزة النظام وبعد استشهاده واصلت الحركة الإسلامية نشاطها بالآليات المتيسرة.
وكان السؤال الثالث: عن تقييم مؤتمر القاهرة للوفاق الوطني العراقي.
وقد أجاب: بما نشر ملخصاً في صحيفة الصادقين ومما جاء فيه أن المقاومة المسلحة لا تكون مجدية في طرد الاحتلال إلا إذا كانت خيارا وطنياً يتفق عليه رأي أكثرية الأمة، فإن العراقيين لم يفلحوا في إنهاء الاحتلال الانكليزي في ثورة العشرين وتأسيس حكم وطني إلا حينما شارك وسط وجنوب وشمال العراق في المواجهات، ولا يتحقق هذا الإجماع إلا بعد فشل الوسائل السلمية والإصرار على نجاح العملية السياسية، وهذا ما نبه إليه المرجع الشيعي الذي فجر ثورة العشرين وأعني به الشيخ محمد تقي الشيرازي (رضوان الله تعالى عليه) بعد عدة سنوات من دخول الاحتلال، أما أن يبدأ أدعياء المقاومة بقتل إخوانهم من العراقيين الذين يعانون من وطأة الاحتلال لكنهم يتربصون ويراقبون التدرج في الوسائل فهذا إرهاب وعمل بالاتجاه الخاطئ وخلط الأوراق بين العدو والصديق.
ص: 286
دعم قوات الاحتلال للعمليات الإرهابية
السؤال الرابع: يوجد من يتهم قوات الاحتلال بالعمليات الإرهابية التي تستهدف المدنيين في الأسواق والحسينيات وعناصر الجيش والشرطة وموظفي الدولة والكفاءات العلمية لزرع الفتنة والفرقة كي يتمكن من السيطرة على العراقيين، هل انتم مع من يحمّل الاحتلال مسؤولية ما يجري وكيف يتمكن العراقيون من مواجهة هذا التحدي؟
سماحة الشيخ: إن هذا الاتهام إذا كان عند البعض مجرد حدس وتخمين وحسابات مصالح تجنيها قوات الاحتلال ومنها:
1- الاستمرار بالتواجد على الأرض العراقية بحجة حفظ الأمن وعدم قدرة الأجهزة العراقية على ضبطه.
2- التخلص من العناصر غير المرغوبة والتي لا تنسجم مع المشروع الأمريكي وإلقاء المسؤولية على الإرهابيين.
3- لأخذ المزيد من الوقت لترتيب الأوراق في المنطقة ورسم خارطة طريق التعامل مع دول المنطقة.
4- زرع الفتنة وتمزيق المجتمع لتسهيل السيطرة عليه وجعل الجميع محتاجاً إلى قوات الاحتلال.
أقول: إذا كان هذا عند البعض تخمينات وحسابات سياسية فقد كشفت الأحداث عن كونه حقيقة من خلال شاهدين على الأقل:
الأول: الجنديان البريطانيان اللذين أمسكت بهما الشرطة العراقية
ص: 287
في البصرة وهما يحملان عدة التفجيرات والقتل(1).والثاني: ما عرضته الفضائيات من قيام عناصر الشركات الأمنية من إطلاق النار العشوائي وبلا مبرر على السيارات المدنية.
السؤال الخامس: كيف يمكن الخروج من هذه الحالة؟
سماحة الشيخ: الخروج منها يكون بعدة أمور:
1- وعي الشعب العراقي لوجود مثل هذه الحالة حتى يميز بين
ص: 288
أعدائه وأصدقائه.
2- أن يلتفت أدعياء المقاومة إلى هذه الحالة حيث أصبحوا غطاءً ووسيلة لتنفيذ هذه الجرائم ولا اعتقد أن عاقلا يقبل بقتل مئة عراقي مقابل جندي أمريكي واحد، وان المقاومة لها آلياتها المعروفة وقد مارستها شعوب العالم وليس منها هذه العمليات الإجرامية فالمفروض بأدعياء المقاومة اتخاذ مواقف حكيمة تعري المجرمين وتكشف زيفهم.
3- وحدة الشعب وتكاتفه وعدم خلق الثغرات بين أبنائه والتي تباعد هؤلاء المجرمين على تنفيذ أفعالهم الشنيعة.4- إنجاح العملية السياسية وتطهير أجهزة الدولة من المفسدين وبالتالي تشكيل حكومة قوية قادرة على بسط الأمن والنظام وسلطة القانون وإنهاء الاحتلال حتى تتخلص من كل تبعاته وآثاره السيئة وهذه واحدة منها وليست هي سواها.
السؤال السادس: هناك تصريحات واضحة منسوبة إلى المدعو أبي مصعب الزرقاوي إذا كانت هذه الشخصية موجودة باستهداف فئة معينة من أبناء الشعب العراقي كيف تنظر إلى هذه النقطة وخطورة هذا الموضوع؟
سماحة الشيخ: ليس مهماً أن نحقق في أن أبا مصعب الزرقاوي موجود أم لا لأنه أن لم يوجد شخص بهذا الاسم فإنه موجود كتيار وكخط فكري، ونحن وان حملنا الاحتلال بعض المسؤولية عن العمليات الإرهابية إلا أن هذا لا يفسر قيام الانتحاريين بتفجير أنفسهم في الأسواق والحسينيات
ص: 289
وتجمعات الناس الأبرياء، فهذا الانتحاري ليس أمريكيا وإنما هم أشخاص جاؤوا ليعانقوا الحور العين بمجرد قتلهم بموجب فتاوى دينية، فهذا التيار يحتاج إلى معالجة شاملة لا تكتفي بالعمل العسكري والأمني وإنما تتعداها إلى الإصلاح الفكري وخلق ثقافة احترام الرأي الآخر وقبوله وعدم الاعتداء والظلم وإصلاح منظومة الأفكار والثقافات التي توجه الرأي العام، وتجند بالاتجاهات التي تخدم سياساتها ففي أوربا يوجد واحد وعشرون مكتبا لتجنيد الإرهابيين وبعثهم إلى العراق، وقبل يومين أعلن عن قيام فتاة بلجيكية أعلنت إسلامها بعملية انتحارية في العراق فأي غسيل دماغ تعرضت له هذه المرأة حتى قذفت بنفسها في هذه الهاوية المهلكة والآن بعد أن ضربهم الإرهاب في الأردن والسعودية والكويت وغيرها صاروا يحشدون القوى لاستئصاله، إلا أنهم مع الأسف حينما تصل القضية إلى العراق يصبح الإرهاب مقاومة شريفة وهذا هو عين الكيل بمكيالين.
وكان السؤال السابع: عن فشل التوقعات في حصول حرب أهلية في العراق.
وأجاب سماحة الشيخ: إنها لم تكن مجرد توقعات وإنما عملوا بمختلف الوسائل لإشعالها باغتيال القيادات الشيعية كالشهيد السيد محمد باقر الحكيم والشهيد الحاج عز الدين سليم وتفجير الجوامع والحسينيات وقتل زائري العتبات المقدسة والتثقيف والتحريض المستمر باتجاه قتل اتباع أهل البيت (علیهم السلام) وتسميته مقاومة شريفة ونسبة الشيعة إلى إيران والشعوبية الصفراء وغيرها من الأوصاف للتنفير منهم وخلق هوة بين الطائفتين.
ص: 290
وطلب في السؤال الثامن: تقييم محكمة الطاغية صدام حسين.فأجاب سماحة الشيخ: عن عدم رضاه وأن القاضي أراد أن يخرج من حد التفريط في العدالة وتطبيق القانون فوقع في حد الإفراط وبالغ في التسامح فكان ملكيا أكثر من الملك فيسميه (السيد) صدام حسين ويسمح لإثارات هامشية تشتت القضية وتلعب بأعصاب ملايين الضحايا لمجرم العصر، وتعطي رسالة خاطئة إلى الإرهابيين الذين يشجعهم هذا الضعف في أداء القضاء على التمادي والاستمرار في الجريمة.
ولا ادري أن كان هذا التصرف ناشئا من تركيبة القاضي الشخصية أم انه ينفذ مؤامرة تستهدف تمييع القضية وتسويفها من أجل إنقاذ صدام وجلاوزته من القصاص العادل ضمن صفقات سياسية مع قوى الاحتلال، فإن السياسيين يقولون لا توجد صداقات ثابتة ولا عداوات ثابتة وإنما توجد مصالح ثابتة ولا مكان للمبادئ والقيم العليا في السياسية البراغماتية وهو لعب بالنار نحذر(1)
الجميع منه لأن الشعب لا يرضى بهذا المستوى من التفريط بحقه، وستصل حالة الاختناق والغضب إلى حد الانفجار ويخرج عن حد السيطرة، إذ إن صدام ليس متهما حتى يطبق عليه (المتهم بريء حتى تثبت إدانته) انه مجرم حقيقي، ويعلم كل العالم بجرائمه وهي موثقة
ص: 291
ومعروفة لدى القاصي والداني، وإذا كان عرضه على المحكمة ضروريا لإلقاء الحجة وتعريف هذه الجرائم وتثبيتها للتأريخ وإزالة العمى عن المضللين فإن ذلك لا يعني هذا الضعف والتمييع.
أن استقلال القضاء يعني عدم تدخل الحكومة فيه وتأثيرها عليه ولا يعني خروجه عن إرادة الشعب لأن (الشعب مصدر سلطات) كما ورد في الدستور ولا يجوز للقاضي أن يستمر إذا كان مفرطا بحقوق الشعب.
وكان السؤال التاسع: عن تقييم أداء الإسلاميين في الحكومة.
وأجاب سماحته: بما موجود في خطاباته وما تنشره صحيفة الصادقين خصوصاً في مقال (النقد الذاتي فيما يتعلق بأداء الحكومة) مع الاعتراف بتعقيد الحالة العراقية وكثرة اللاعبين في ساحتها ووجود إرادات متعددة لإفشال عمل الإسلاميين لإظهار فشل التجربة الإسلامية، رغم أن الحكومة لا تعد إسلامية وإنما تضم إسلاميين وإذا فشل احدهم فلا يعني فشل النظام الإسلامي على أن البلد قد قادته حكومة علمانية سابقة عليها وكانت أكثر تقصيرا فإذا أرادوا إقناع الناس بالعلمانيين فهم واهمون.وتحدث السؤال العاشر: عن تقييم أداء حزب الفضيلة الإسلامي الممثل في الحكومة والذي يحظى برعاية سماحة الشيخ.
فأجاب سماحته: انه ليس حزب الفضيلة هو الوحيد الذي يحظى بالرعاية بل كل جهد مخلص يستهدف إصلاح حال الأمة وازدهار البلد وإنما يحظى حزب الفضيلة برعاية زائدة لأنه فتي واغلب قواعده من الكوادر الشابة وولد من رحم المعاناة والبطش الصدامي كذاك الرجل الذي
ص: 292
قيل له من أحبّ أبنائك إليك قال: الصغير حتى يكبر والمريض حتى يشفى والمسافر حتى يعود.
ولم تسنح الفرصة الكافية للحزب باعتبار الملابسات التي رافقت تشكيل الحكومة لكن أبناءه الذين تصدوا للمسؤولية قد شهد لهم بالنزاهة والإخلاص والوطنية وما زال طريقهم طويلا ليبلغوا الطموح.
السؤال الحادي عشر: على أبواب الانتخابات التشريعية القادمة كيف تنظر إلى الاصطفافات الجديدة التي حدثت الآن على الساحة العراقية وكيف تتوقع أن تكون مجريات العملية الانتخابية؟
سماحة الشيخ: في الحقيقة توجد إرهاصات غير ايجابية برزت خلال الحملات الانتخابية وهي المهاترات الكلامية والتسقيط والتشويه، وقلت للمرشحين لا تجعلوا دعايتكم مبنية على هذا الأسلوب غير الشريف وإذا كنتم تملكون مشروعا صالحا مقنعا فقدموه وبينوه للأمة وسوف ينتخبكم الناس، لكنني في الحقيقة أقرأ في الأفق أن المسألة أكبر من تنافس انتخابي وإنما هو صراع دولي على ساحة العراق يتخذ واجهات عراقية لإدارة هذا الصراع، فما يدور بين هذه الواجهات هو انعكاس لذلك الصراع الدولي، وقد انجر إليه العديد من الكيانات وقد عبرت عن قلقي من هذا الانجرار لخدمة الآخرين وأقول الله الله بالشعب العراقي لا تجعلوه ضحية لحسابات المصالح الإقليمية والدولية.
وتحدث سماحة الشيخ في الإجابة عن السؤال الثاني عشر: عن أهمية مشاركة الشعب في الانتخابات البرلمانية ومعنى قوله أن وجوب
ص: 293
المشاركة أهم من وجوب الصلاة والصوم لأن وجود الثلة الصالحة على سدة الحكم هو الذي يحفظ الصلاة والصوم وتسلم الطواغيت للحكم لا يبقي صلاة ولا صوما كما عشناه في ثمانينات القرن الماضي.
ودعا سماحته المواطنين إلى التوجه إلى مراكز الاقتراع على شكل مجاميع ومواكب(1)
ترفع الإعلام العراقية لإظهار عزة الأمة وقوتها والتحفيز من لم تحصل عنده القناعة على المشاركة.
ص: 294
وفي جواب السؤال الثالث عشر: أشار سماحته إلى القواسم المشتركة التي تتوحد عليها التيارات والقوى الإسلامية على الساحة العراقية وهي الوحدة الوطنية والمصلحة الإسلامية لأن هوية الإسلام في خطر أمام تحديات المسخ والتشويه والفرقة والتكفير ومن القواسم المشتركة الرحمة بهذا الشعب الذي عانى الكثير وحرم واضطهد وقتل وشُرد وآن الأوان للمسح على جراحه وإعادة البسمة إليه.
ص: 295
الانقلاب السياسي والانقلاب العسكري(1)
الانقلاب على نتائج الديمقراطية يمكن أن يكون عسكريا كالذي حصل في الجزائر وتركيا وباكستان، ويمكن أن يكون سياسيا من خلال مصادرة نتائج صناديق الاقتراع وعدم الاعتماد على الاستحقاقات الانتخابية تحت شتى الذرائع كالذي يفعله اليوم الرافضون للنتائج الانتخابية البرلمانية الأخيرة في العراق لا لأنها شهدت تزويراً، فإن أكثر التزوير حصل في مناطقهم كما أثبتته الوثائق والأدلة الدامغة(2)، وإنمالأن النتائج لم تأت موافقة لرغباتهم وحساباتهم التي خدعوا بها أتباعهم وفضحتهم صناديق الاقتراع، ووسيلتهم في هذا الرفض الضجيج والتهريج وكيل الاتهامات الجزافية، رغم أن القضية مهنية فنية وليس سياسية فكان عليهم إذا كانوا موضوعيين أن يقدموا الأدلة على ما يدعون والتثبت منها.
ص: 296
أن هذا الضجيج إذا أريد منه المساومة وتحقيق فرصة المشاركة في الحكومة، فهذا لم تمنعهم منه كتلة الأغلبية حتى في الانتخابات السابقة حين قاطعوها وعملوا بوسائل غير شريفة لإفشالها، كما لم تمنع غيرهم ولم تعمل بمقتضى قاعدة حكم الأغلبية وإنما جرت العملية على مبدأ التوافق بين الجميع والشراكة في العملية السياسية.
وإذا أرادوا مصادرة إرادة الأمة فإنه انقلاب على قرار الأمة ولا فرق بينه وبين الانقلاب العسكري وكلاهما جريمة بحق الشعب وسوف لا تسكت الأمة عن من يريد إعادة عهد الاستبداد والتسلط والظلم والعدوان.
وقد نبهت المتصدين للعملية السياسية إلى أنهم غير مأذونين من قبل الشعب بالتنازل عن حقه، كما أن هذا هو ما تنبأت به في بياني السابق من أن الأمة يجب أن تكون يقظة وحذرة وان تعيش حرية التعبير عن الرأي وتحكيم إرادتها كحالة راسخة فيها بحيث يستهجن فعل الخارج عنها ويرفض من جميع الأمة.
ص: 297
برنامج عمل الحكومة الجديدة(1)
كثر تردد الوفود التي تمثل المرشحين لرئاسة الوزراء((2) على سماحة الشيخ اليعقوبي خلال الأسابيع الماضية طالبين تدخله لحسم الأمر لصالح هذا الطرف أو ذاك ولكنه رفض التدخل لمصلحة أي طرفلأنه ينافي موقعه المرجعي ورعايته للجميع، لكن وجهة نظره كانت بأن تتشكل لجنة من كبار الشخصيات في الائتلاف والتي تتصف بالموضوعية والأبوة والحكمة وتدرس حال المرشحين وتختار الأصلح لتطبيق برنامج عمل المرحلة القادمة.
وعلى الجميع أن يكونوا صفّاً واحداً من ورائها وبذلك تُحفظ وحدة الائتلاف وانسجامه وسلامة مسيرته، فأنتم يا مرشحي الائتلاف بيدكم مصير الأمة فكونوا حريصين على تحرّي الخير لها.
ثم بعث سماحته برسالة ذكر فيها الخطوط العريضة لمسؤولية
ص: 298
رئيس الحكومة تجاه شعبه عامة وتجاه الائتلاف خاصة وضم القسم الأول المطالب الوطنية وهي:
1- المحافظة على وحدة العراق وسيادته الوطنية.
2- الالتزام بالدستور (بشرطه وهو عدم مخالفة قوانينه للشريعة الإسلامية) وسيادة القانون ومساواة الجميع أمامه.
3- تغليب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الحزبية والفئوية والشخصية.
4- الجدية في بناء قوات مسلحة قوية وكفوءة وتجهيزها بالوسائل والتقنيات المتقدمة حتى تكون لها القدرة على حفظ الأمن والنظام في البلاد وإنهاء الذرائع لوجود الاحتلال.
5- منع التغلغل الأجنبي والاحتفاظ بعلاقات مع دول الجوار والعالم كله بما يتناسب مع التزامهم بسيادة العراق واحترامهم لمصالحه.
6- أن تكون القيمة العليا للإنسان فتوظَّف الدولة وإمكانياتها لخدمته وتوفير أسباب الحياة الحرة الكريمة له.
7- محاربة الفساد الإداري والمالي ومحاسبة المفسدين.8- إصلاح جهاز القضاء وإعادة النظر في القوانين المعمول بها لإلغاء المواد المخالفة للشريعة.
9- الإسراع في تأهيل الكوادر الوطنية المخلصة خصوصاً الشابة وإعطائها الفرصة في إدارة مفاصل الدولة.
10- تفعيل قانون الإدارة اللامركزية والعمل على إنجاح الحكومات المحلية وتأهيلها للاعتماد على نفسها.
ص: 299
1- أن يتصرف رئيس الوزراء باعتباره مرشح الائتلاف لا كيانه الخاص فينفّذ السياسات العامة التي يقررها الائتلاف.
2- أن يتعامل بأبوية وعدالة مع كل مكونات الائتلاف سواء التي رشّحته أو التي لم ترشّحه.
3- الالتزام بتوجيهات المرجعية ومشاورتها في القضايا المصيرية.
4- أن يحفظ مصالح القواعد التي انتخبت الائتلاف ويرفع الظلم عنها ويعزّز هويتها وقوتها وكرامتها.
ص: 300
الأكراد يؤكدون تحالفهم الاستراتيجي مع الائتلاف العراقي الموحد(1)
بعد الخطاب التأريخي الذي وجّهه سماحة الشيخ يوم الجمعة 2/صفر إلى الآلاف من المؤمنين الغاضبين الذين تجمّعوا في صلاة الجمعة الموحدة في البصرة والتي انتقد فيها القيادات السياسية ومنهم الأكراد الذين اصطفوا مع عدة كيانات أخرى لتحقيق مكاسب سياسية، بعث الزعيمان الكرديان الدكتور جلال الطالباني رئيس الجمهورية والسيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان يوم الأحد 4/صفر الدكتور برهم صالح وزير التخطيط العراقي والسيد آزاد برواري عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني لطمأنة سماحة الشيخ أن الأكراد لا يتخلّون عن تحالفهم الاستراتيجي عن إخوانهم الشيعة لوحدة المظلومية التي تعرضوا لها وللحاجة المشتركة لبناء مستقبل زاهر يحفظ حقوق الجميع وكرامتهم ويمنع من عودة الديكتاتورية.
وأكد سماحة الشيخ أنه يجب علينا جميعاً أن نعمل من أجل ازدهار العراق وبالتالي سيستفيد كل العراقيين من هذه الحالة كما أن الإخوة الأكراد اتحدوا لحفظ حقوقهم فاستفادوا جميعاً ولو عمل الاتحاد الوطني الكردستاني أو الحزب الديمقراطي الكردستاني لمصلحته الخاصة فإنهم سيخسرون جميعاً.
ص: 301
وقال الدكتور صالح إن موقفهم الأخير من ترشيح الدكتور الجعفري لرئاسة الحكومة لم يكن موقفاً عدائياً من الائتلاف ولا من شخص الدكتور الجعفري وإنما لأنهم لا يرونه صالحاً لقيادة الحكومة العراقية في هذه المرحلة التي تحتاج إلى الشراكة والتوافق.
وأبدى سماحة الشيخ امتعاضه من أداء وزيرة البلديات التي لم تعمل على تحسين الوضع في محافظات الوسط والجنوب، فأكد الدكتور صالح أنهم يقيّمون الأشخاص وفق أدائهم وهم يرفضون المسيء والمقصر سواء كان كرديا أو عربياً.
ص: 302
ماذا بقي من الحرب الطائفية(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
[أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً] (النساء:54).
يحاول رموز الإدارة الأمريكية نفي وجود حرب طائفية في العراق وهم بذلك إما مضللون بالتقارير الفاقدة للموضوعية والمصداقية التي يرفعها السفير الطائفي(2) لأمريكا في العراق وأمثاله أو أنهم ينكرون عن علم وعمد
ص: 303
هذه الحقيقة لأكثر من سب:1- أنهم لا يريدون الاعتراف بالفشل في العراق وفي ذلك ما يعرض سمعة هذه الدولة المستكبرة إلى الهوان، فيوهمون أنفسهم والآخرين بأنهم نجحوا في حماية المواطن العراقي من الاستبداد والظلم والقتل والتشريد وأسسوا ديمقراطية حقيقية في العراق.
2- إنهم يريدون كسب الوقت لتنفيذ مشاريعهم في تغيير ديموغرافية الشعب العراقي وإضعاف المكون الرئيسي القوي في العراق وهم أتباع أهل البيت وخلق توازنات غير طبيعية ولا منطقية ولا منصفة، بإيجاد قيود تعرقل العملية الطبيعية أو قوى أو مناطق نفوذ(1)
معادية ضاغطة، أو إشاعة حالة الرعب والفوضى والخوف واليأس والإحباط، وكل ذلك نشأ عندهم نتيجة حسابات خاطئة وتقارير مضلّلة وأوهام لا واقع لها بنوا عليها حساباتهم.
3- إن الاعتراف بهذه الحالة يوجب عليهم اتخاذ إجراءات لحل ألازمة وهم لا يريدون اتخاذها لأنها تكلفهم المزيد من الإمكانيات مثلاً أو أنهم عاجزون أصلاً عن القيام بها.
والغريب إن رموز الحكومة العراقية ينفون هذه الحقيقة المؤلمة التي ملأت قلب كل غيور وكل من يحمل في قلبه ذرة من الإنسانية ألماً
ص: 304
وكمداً وقيحاً، وهم يعلمون جيداً أنهم كالنعامة التي حينما تواجه خطراً تدفن رأسها في التراب لكيلا تراه وهو آتٍ إليها ولا تقوم بما يجب عليها من رد هذا الخطر ودفعه.
وإلا بماذا يفسّر كل هؤلاء مقتل العشرات من الأبرياء يومياً في الأسواق والشوارع والمدارس ومحطات تعبئة الوقود والمخابز وسائر أماكن التجمع لا لشيء إلا لأن منطقتهم تنتسب لأهل البيت (علیهم السلام)؟
وبماذا يفسر تفجير العتبات المقدسة والاعتداءات على زائري الأئمة الأطهار وقتل المشاركين بالشعائر الدينية؟ وبماذا تفسرون الذبح على الهوية؟
وقاصمة الظهر هذا التهجير الجماعي لآلاف العوائل وتهديدهم بالقتل لتوسيع مشروعهم الطائفي والتمدد اللامشروع؟ ولو هجّر عُشر هذا العدد في أي بقعة في العالم لضجّت الدنيا من هذه التصفية العرقية والطائفية وهي تستحق مثل هذه الضجة للوقوف في وجه هذه التصرفات الوحشية.لقد بلغ عدد الضحايا في هذه العمليات الإجرامية ما يفوق كل قتلى الحرب الطائفية اللبنانية خلال أزيد من خمسة عشر عاماً، فإذا لم تكن هذه حرباً طائفية فما هي معالم هذه الحرب؟
نعم هي حرب طائفية باتجاه واحد لكنها ليست هي حرب أهل السنة على الشيعة لأننا نعلم أن شريحة كبيرة منهم رافضة لهذه الحالة لكنها مغلوبة على أمرها بقوة السلاح وضجيج الأصوات الطائفية، فهي حرب الفئات الضالة التي يشنها تحالفٌ مشؤوم _ يدفعه الحقد والحسد والجهل والتحجر _ ضّمَ التكفيريين والصداميين والطائفيين والمتجردين من القيم
ص: 305
الإنسانية الذين يدوسون كل شيء من أجل تحقيق مصالح زائفة.
ويتحمل مسؤوليتها بدرجة من الدرجات أبناء(1) العشائر والمناطق السنّية التي تؤوي هؤلاء القتلة وتحتضنهم وتقدم لهم الدعم والخدمات وينطلقون من بين ظهرانيهم، فأين العروبة التي يدّعونها؟ بينما تجد أبنائهم يعيشون في كل سلام في المحافظات الشيعية ويتسنمون أعلى المواقع فهل هذا من الإنصاف؟
لقد دعونا الكيانات السياسية إلى عدم قبول أي طرف في العملية السياسية حتى يتبرأ من الإرهاب الأعمى، ويؤمن بالتداول السلمي للسلطة وفق الاستحقاقات، لكنهم لم يفعلوا ذلك وقبلوا مشاركتهم تحت الضغط والابتزاز الأمريكي والإقليمي فاتخذوا وجودهم في العملية السياسية واجهة لترويج الإرهاب ودعمه وتبريره وخنق الحريات واغتيال الشرفاء وتخريب مؤسسات البلاد.
واستمروا في الابتزاز وكان آخرها (مجلس أهل الحل والعقد) أو (مجلس الأمن الوطني) أو (المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية) ونحوه من الأسماء وهو مخالف للدستور أولاً وانقلابٌ على العملية الديمقراطية –لأنه يصادر استحقاقاتها- ثانياً، وليت المعترضين على هذا المشروع حينما قبلوا به اشترطوا على المطالبين به التعهد بالتخلي عن دعم الإرهاب وترويجه وحمايته وتوفير الملاذات الآمنة له!! لكن شيئاً من هذا
ص: 306
لم يحصل فتبّاً لهذه الصفقة وترحا، وهذا ما دفع هذه الواجهات التي تعلن ارتباطها بالإرهابيين وشكرها لهم على مواقفهم إلى الإيعاز لمجرميهم بالتمادي في العدوان والغي (ما دامت وسيلة ناجحة في الابتزاز) وأوصلوا الحال إلى المأساة التي نعيشها.إنها حقيقةً مؤلمة وكارثةٌ مرعبة يجب الاعتراف بها والتحرك لمعالجتها قبل أن ينفلت الزمام ويخرج عن حد السيطرة؛ لأن الصبر على مثل هذه الانتهاكات الفظيعة له حدود، وإذا كان يقنع المظلوم والمعتدى عليه إلى الآن محاولة ضبط النفس لمنع الانجرار إلى حربٍ طائفية أو منع اختلال النظام الاجتماعي العام الذي به تقوم الحياة فما الذي نقنعهم به بعد الآن وقد بلغ الظلم والعدوان والفساد كل هذا الحد؟ بل هل تعتقد إن أحدا سينتظر الإذن من المرجعية الدينية أو أية جهة كانت للتحرك وهو يرى بعينه قتل الأبرياء وانتهاك المقدسات وهتك الأعراض وتخريب الممتلكات وتعطيل الحياة؟
إن أخطر ما يحصل للشعوب حينما تفقد الأمل ولا يبقى عندها شيء تخاف عليه بعد أن تكون قد فقدت كل شيء فلا يكون أمامها طريق إلا الموت لاستعادة الآمل بحياة أفضل أما لهم أو لأجيالهم اللاحقة على الأقل، وهذا ما سيقع والعياذ بالله في المدى القريب إذا استمر سفير الإدارة الأمريكية في سياساته الطائفية الحاقدة وإذا استمر الإرهابيون المجرمون بأعمالهم الشريرة بمساعدة القوى الحاقدة من دولٍ إقليمية وعالمية، وإذا بقي الأداء الضعيف للحكومة.
إن الدعم السياسي الذي يمنحه السفير الأمريكي ومعه طواغيت
ص: 307
الدول العربية للواجهات السياسية للإرهابيين، وغطاء الحماية الذي توفره قوات الاحتلال للمناطق التي ينطلق منها الإرهابيون وعدم اتخاذها الإجراءات اللازمة لردعهم إلا بمقدار ما يحفظ أمنهم هم لا أمنَ وسلامة المواطن العراقي، وعلى العكس فإنهم يقومون بتجريد سلاح اللجان الشعبية التي ينظمها الناس لحماية مناطقهم من الإرهابيين واعتقالهم وتحجيم دور القوات المسلحة الوطنية المخلصة في القضاء على الإرهاب، وضعف الحكومة عن اتخاذ القرارات الحاسمة وتنفيذها وتغلغل العناصر الداعمة للإرهاب في مفاصل الدولة، كل ذلك ساعد على إيصال الوضع إلى ما نحن عليه الآن من مصائب والآم.
ليعلم كل هؤلاء المتواطئين على ظلم هذا الشعب الأبي الغيور الكريم أن البركان إذا انفجر فإنه لا أحد منهم في داخل العراق أو الدول الإقليمية سيكون في مأمن من حمم البركان؛ لأن موقع العراق الجغرافي ووشائجه الاجتماعية مع شعوب المنطقة وتأثيراته العقائدية والروحية في نفوس الملايين في الدول الإقليمية وغيرها سوف يشعل بنار الفتنة كل الذين يلعبون بالنار.
في ضوء ذلك كله فإننا أمام عدة استحقاقات:1- على جميع الأطراف المعنيّة قراءة هذه الرسالة بإمعان وفهمها وأولهم الإدارة الأمريكية(1) فعليها أن لا تخضع لابتزاز الإرهابيين وتقع في
ص: 308
وهم وتضليل الطائفيين والحاقدين، وإذا أرادت أن تحمي نفسها من مزيد من الفشل والانهيار فلتبدّل سفيرها في العراق، و عليها أن تساعد بصدقٍ وبجدّية في بناء قوات وطنية مسلحة قوية ومتماسكة وقادرة على حفظ امن البلاد والعباد وإنهاء ذرائع الاحتلال الذي هو السبب الرئيسي لنشوء الإرهاب.
2- أن لا تجعل الأجنحة المتصارعة في الإدارة الأمريكية من بنتاغون ووزارة خارجية ووكالة الاستخبارات وسائر الصقور والحمائم من الشعب العراقي ساحةً لتصفية(1) حساباتها ولإفشال هذا الطرف أو إنجاح ذاك، فإن هذا السلوك اللا إنساني المنحط ليس فقط يؤثر على سمعة الحضارة الغربية التي بلغت الحضيض، وإنما يسقطهم جميعاً ويفشل إداراتهم ولا يظن أحد منهم أن إفشال الآخر بهذا الشكل نجاحٌ له بل هو فشلٌ وهزيمة للجميع.
3- أن تكون الحكومة حازمة في مواجهة عناصر هذه الحرب الطائفية من واجهات سياسية أو عناصر إرهابية أو حواضن أو ممولين، ولا يبرّر تقاعسها أنها حكومة تصريف أعمال وغيرها من الأعذار فالدم الحرام من أعظم المقدسات ويجب صونه بكل الإمكانيات.
ص: 309
4- أن تقوم الحكومة ببناء مجمعات سكنية في بغداد وبأقصى سرعة لإسكان العوائل المهجرّة و المحرومة التي منعها صدام وأزلامه حتى من بضعة أمتار يسكنون بها عوائلهم فصار البيت الواحد الذيلا تزيد مساحته عن مئة متر مربع في مدينة الصدر يضم عشرين فرداً أو أكثر وأن يتم اختيار مناطق لهذه المجمعات تكون شوكة في عيون الإرهابيين والطائفيين(1).
5- احترام حقوق مكونات الشعب العراقي بحسب أحجامها وتجنب الألاعيب السياسية التي تغمط الحقوق وتضيعها على أهلها فإن الشعب العراقي واعِ ومتابع وحاضر في الساحة ولا تنطلي عليه هذه الألاعيب.
6- على الأمة وخصوصاً الشباب الرسالي المضحي وأبناء العشائر الغيارى أن ينظّموا أنفسهم في لجانٍ ومجاميع(2) للدفاع عن أنفسهم
ص: 310
ومقدساتهم واجتثاث أصول الفساد بعد التوكل على الله تبارك وتعالى والاعتماد على قدراتهم فإنه لا أحد يفكّر بهم وبآلامهم مثلهم وعلى بقية الأمة أن تقدم الدعم والإسناد لكل ما تحتاجه هذه الطليعة المباركة.
[وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ] (الأنبياء:105)، [إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ] (النحل:128).
محمد اليعقوبيالنجف الأشرف
ص: 311
لقاء سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع السيد أشرف قاضي رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق(1)
استقبل سماحة آية الله الشيخ اليعقوبي (دام ظله) السيد اشرف قاضي رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق وعدداً من معاونيه ضمن زيارتهم لعدد من المرجعيات الدينية في النجف الأشرف، وبعد أن قدم السيد قاضي نبذة مختصرة عن دور بعثة الأمم الأمم المتحدة في العراق وتأريخها ونشاطها ونقل تحيات الأمين العام كوفي عنان، تحدث سماحة الشيخ (دام ظله) قائلا: إنكم تابعتم الحالة العراقية ووجدتم بالتأكيد موقفاً موحدا من قبل المرجعيات الدينية لأن هدفها واحد وهو خدمة الإنسان وبنائه بناءً صالحاً وتوفير أسباب السعادة والسلام له لذا فأني سوف لن أكرر ما سمعتموه من المرجعيات التي قمتم بزيارتها.
أن دور الأمم المتحدة حيوي وضروري ونحن طالبنا من أول يوم بعد سقوط النظام الوحشي بأن يكون لها دور حاسم، لكن الولايات المتحدة يبدو أنها كانت تظن أنها قادرة على أن تدير العملية بمفردها فلذلك لم تصغ كثيراً لهذه الدعوات أو لم تعطِ لها ألفرصه المناسبة رغم وجود تمثيل لها في العراق من خلال رئيس بعثتها البرازيلي دوميللو الذي قتل بعملية تفجيرية في أب 2003 لكن هذا الوجود لم يكنفاعلاً وبعد أن أرتكب
ص: 312
الأمريكيون سلسلة من الأخطاء والإخفاقات أذعنوا بالحاجة للجهد الدولي في هذا القضية.
لكننا نعلم أن الأمم المتحدة وكل المنظمات الدولية والإقليمية ليست قادرة لوحدها على حل القضايا ومعالجة المشاكل، إذا لم تكن هناك إرادة جدية للحل لدى الأطراف المعنية بالقضية، والواقع يشهد بذلك فالحرب الأهلية اللبنانية استمرت خمسة عشر عاماً ولم ينفع في حلها أي تدخل لأن كل طرف كان يريد فرض إرادته على الآخر، ولكن لما اقتنعوا بالجلوس إلى طاولة الحوار اجتمعوا في الطائف وأوقفوا الحرب وكذا الحرب الداخلية في الجزائر والتي استمرت عشر سنين وكلفت الجزائر حوالي مئة وخمسين ألف قتيل.
والذي نأمله أن لا تطول الفترة حتى يقتنع الفرقاء العراقيون بضرورة الحوار ونبذ العنف والاستعمال غير الشرعي للسلاح لأن كل يوم إضافي في عمر الفتنة يعني المزيد من الضحايا والتخلف والخراب وتعطيل الحياة.
لذا فإني أعتقد أن دوركم ليس في تقديم المساعدات الإنسانية ونحوها من الأعمال الميدانية لأن لكم دوراً أهم من هذا أنه عمل فكري وثقافي بإقناع الفرقاء بثقافة الحوار والتسامح والمصالح المشتركة وتوزيع الاستحقاقات ولا معنى لحمل السلاح مع أمكانية تحقيق المطالب بالحوار.
وإني متابع لأدائكم شخصياً وأُثمّن فيكم الكثير من المواقف الايجابية التي تتميز بالموضوعية والإنصاف والحيادية التي هي كفيلة بإعطائكم ثقة لدى جميع الأطراف مما يجعلكم جهة صالحة لإدارة هذا
ص: 313
الحوار، في حين نجد أطرافاً عديدة متدخلة في الساحة العراقية إلا أنها لا تحظى بقبول جميع الجهات المعنية وهذا يثير الفخر والاعتزاز بشخصكم إلا انه في نفس الوقت يحملكم مسؤولية أضافية لتقوموا بهذا الدور الكبير.
لاشك إنكم تابعتم أداء المرجعية الدينية التي هي الجهة الرئيسية التي تنصاع لها الناس وتطيعها تعاملت بحكمةً كبيرة وبضبط نفس عالٍ، فبعد سقوط صدام شعر أهل السنة بالقلق وتركوا منازلهم وعطلوا مساجدهم ظناً منهم أن الشيعة ستنتقم منهم جراء الظلم والاضطهاد الذي لحق بهم من الأنظمة المستبدة المتعاقبة خصوصاً نظام صدام، لكننا أفهمناهم من اليوم الأول إننا وانتم أخوه على دين واحد وأبناء وطن واحد ولا نشعر تجاهكم بأي حزازة، ونحن لم نُظلم منكم بل من عصابة مجرمة لا إنسانية لا تعبأ بأي قيم أو مبادئ وقد أصابكم أنتم شيء من ظلمهم، وقد وصف الدكتور محسن عبد الحميد في زيارته لي عندما كان رئيساً لمجلس الحكم إن هذه الحالة تشبه المعجزة، ثم سارت العملية بنفس الهدوء والحكمة منطلقين من ثوابتنا الدينية والأخلاقية والتي عززتها القوانين الدولية التي أجمع عليهاالعالم المتحضر أنهُ لا يجوز مؤاخذة البريء بجريمة الجاني وأن [لاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى] (الأنعام:164) وملتزمين بقول الله تبارك وتعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ] (المائدة:8).
ولكن هل قابل الآخرون هذا الموقف النبيل بالحسنى كما أمر الله تبارك وتعالى [هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ] (الرحمن:60)، كلا، بل
ص: 314
قابلوه بالنقيض فاستقدموا القتلة والمجرمين عن طريق الدول المجاورة وتحالفوا معهم ووفروا لهم حواضن الإرهاب، وبدأوا باغتيال الرموز السياسية والدينية من الشيعة كعقيلة الهاشمي عضو مجلس الحكم آنذاك، ثم قاموا بعملية مريعة عند الصحن الحيدري الشريف في النجف في أواخر آب 2003 استشهد فيها سماحة آية الله السيد محمد باقر الحكيم وأكثر من ثمانين من أبناء الإسلام البررة، ثم فجروا موكب الشهيد المفكر الإسلامي عز الدين سليم الذي كان رئيساً لمجلس الحكم، ثم قاموا بالتفجيرات البشعة يوم عاشوراء من عام 2004 في كربلاء والكاظمية وقتلوا المئات من الموالين لأهل البيت (علیهم السلام) المفجوعين بمصابهم، وصنعوا مثلثاً للموت حسبما يتبجحون به في اللطيفية واليوسفية للذبح على الهوية، وهكذا توالت الاغتيالات والتفجيرات فطالت المدارس والأسواق وتجمعات الناس والمساجد والحسينيات، ونحن صابرون محافظون على تعاليم الله تبارك وتعالى ملتزمون بأن الحل هو في بناء قوات مسلحة وطنية تحمي المواطنين جميعاً وتمنع من تعدد الجهات الحاملة للسلاح عدا الدولة لئلا تقع حالة الفوضى والحرب الأهلية.
لكن الذي حصل أن هذا الموقف العقلاني أدى إلى نتيجتين عكسيتين مع الأسف.
الأولى: تمادي هؤلاء المجرمين في غيهم وولوغهم في المزيد من الجرائم حتى بلغ بهم الحال إلى تفجير العتبات المقدسة وتهجير أكثر من عشرة ألاف عائلة إلى الآن وقتل العشرات من الأبرياء يومياً.
الثانية: أن الولايات المتحدة أيضاً لم تحترم هذه الحكمة وبدأت
ص: 315
تخضع لمبدأ الابتزاز الذي يمارسه هؤلاء المجرمون وبدأت تغير ستراتجيتها ومن آليات عملها لتتناغم مع عمل هؤلاء المجرمين، وكأنها تريد أن تقول لهم: إنكم إذا دفعتم شَرَكم عن قواتنا فأعملوا بالعراقيين ما تشاؤون، والمهم أن لا تتعرضوا لنا وكأنها مسؤولة عن أمن الجندي الأمريكي فقط ولا يهمها أمر المواطن العراقي.
وهذا منطق خطير أي منطق الخضوع للابتزاز بقوة السلاح وأخطر منه أن تخضع له الولايات المتحدة لأنه يؤسس لحالة سلب إرادة الأخر وفرض الموقف عليه بقوة السلاح، ولعلهم غفلوا أن الشريحة الواسعة المظلومة في العراق تتميز بالشجاعة والحماس والعنفوان، وإذا حملت السلاح فسوف لا يقف في وجهها شيء وإذا قرروا ذلك فسوف يلقون بالمعتدين في الجحيم.وهذا ما حذرنا منه وقلنا أنها حالة خطيرة أن تصاب الشعوب باليأس وفقدان الأمل لأنها سوف لا تجد أمامها حلاً إلا حمل السلاح كالذين ينتحرون وينهون حياتهم حينما يشعرون بأن لا أمل عندهم يعيشون من أجله.
وحينما يقرر شعب الموت فإنه سيقتل معه الكثيرين فاستمرار هذه الجرائم والعدوان على الشعب العراقي يفقده خياراته ولا يبقى أمامه إلا الموت لأنه لم يبق عنده شيء يعيش من أجله إذا كان الأبرياء رجالاً ونساء وأطفالا يُقتلون والعتبات المقدسة والمساجد تفجر والعوائل تهجر تاركة ورائها دورها وأموالها وحينئذ تقع الكارثة.
وتستطيعون اللقاء بطبقات من الناس لتلمسوا عندهم بوضوح حالة
ص: 316
اليأس، وإذا وصل الإنسان إلى هذه الحالة فسوف لا يستطيع أحد ضبطها والسيطرة عليها حتى المرجعية الدينية.
فالذي نريده منكم أن تعملوا حتى لا يصل العراقيون إلى هذه الدرجة من الشعور لأنه يعني الدمار ليس للعراقيين فحسب لما تعلمون من امتداد تأثير العراق على الدول المجاورة وغيرها روحياً واجتماعياً، ورأيتم كيف أن صداعاً يصيب النجف تتداعى له دول العالم بالسهر والحمى.
إن الإدارة الأمريكية تعاني من عدة عقد تسبب لها المزيد من الأخطاء التي تكون مميتة أحياناً ومنها:
1- الغطرسة وعدم الاستماع إلى النصائح وإلا فإنه كان يمكنها تجنب الكثير من المطبات لو استمعت إلى النصائح التي تضمنتها بياناتنا وخطاباتنا التي وجهناها من أول يوم للتغيير.
2- عدم وجود رؤى صحيحة للحالة العراقية لأن القنوات التي توصل لها التقييم ليست نزيهة ولا موضوعية ولا خبيرة بالشأن العراقي وإنما توجهها مصالحها ودوافعها الشخصية أو الفئوية ولا يهمهم أن تمرغ سمعة دولتهم بالتراب.
3- أنها لم تتصرف على الأرض كقوة مساعدة للعراقيين وإنما تصرفت كقوى احتلال، وهذا حولها في أنظار الشعب العراقي إلى عدو وأدخلها في مطبات خطيرة كان يمكن تجنبها، فبعد أن كان القادة الأمريكان يقولون أن لنا أنصاراًُ في شرق بغداد عندما دخلوا مدينة الصدر قبل سقوط الصنم واستقبلوهم بحرارة، تغيرت المعادلة بسرعة وأصبحوا يقاتلونهم بعد عام واحد فقط.
ص: 317
وتصرفهم هذا كمحتلين منعنا من الاتصال بهم مباشرة لأن ذلك يعطي مشروعية لوجودهم ولكن متى ما غيّروا سياستهم وأصبحوا في نظر الشعب العراقي قوة مساعدة فعلاً فحينئذ ستكون هناك فرصة للاتصال المباشر.
وفي ضوء هذا التقاطع يكون دوركم حيوياً ومهماً في إيصال النصائح لهم ليس فقط لأجلنا وإن كنا نستحق كل مساعدة لأننا تعرضنا للكثير من البطش والقسوة والاضطهاد والحرمان، ولكن أيضاً منأجلهم لكي يتجنبوا المزيد من الخسائر والمزيد من التردي في سمعتهم لدى شعوب الأرض وأرجو أن تكونوا قناة طيبة.
وعلينا كشعب عراقي وأنا واحد منهم أن نشكر جهودكم لحرصكم على إخراجه من محنته ومساعدته لتجاوز أزمته، واهتمامكم بقضايا الشعب العراقي ليس انطلاقاً من وظيفتكم المهنية فقط وإنما لأن واجبكم الإنساني وإيمانكم بالله تعالى يحثكم على هذا، فإن الإنسان خليفة الله في الأرض وخلق كل ما في الكون من أجله وهو أعلى قيمة في الوجود، فلا بد أن يُسخَّر كل شيء من أجل إسعاده، لكن الثقافة السائدة اليوم مع الأسف هي استرخاص الإنسان وجعله الضحية الأولى من أجل تحقيق مكاسب شخصية أو مصالح دنيا وهذه ثقافة خاطئة ومجرمة بحق الإنسان.
لقد أكد النبي محمد (صلی الله علیه و آله) على هذه الأهمية حينما سأل المسلمين عن قدسية الكعبة وعلو منزلتها، ثم قال إن حرمة المؤمن عند الله أشد من الكعبة، فمن الغريب أن يهتز العالم إذا مس بيت المقدس أو سائر المقدسات بسوء -وهو موقف مشكور- ولا يهتز أكثر من ذلك حينما يرى
ص: 318
الدماء البريئة الزكية التي حرمها الله تعالى تراق على ارض العراق يومياً بل أن البعض يبارك هذه الأفعال المنكرة ويشيد بها.
وفي ختام اللقاء دعا سماحته إلى تبني منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة باعتبارها مسؤولة عن الثقافة والعلوم والحضارات الإنسانية أن تعقد مؤتمراً دولياً عن الروضة العسكرية المطهرة وسامراء التي فجرها الإرهابيون لوضع الخطط الكفيلة بإعمارها بالشكل الذي يحفظ قدسيتها وهيبتها، فإن مثل هذه الخطوة تساهم في تخفيف الاحتقان وتشعر المفجوعين بوجود تعاطف مع قضيتهم وقد أبدى السيد اشرف قاضي اهتمامه بالمقترح ووعد بالسعي لتنفيذه.
كما طلب دعم سماحته ل_ (مبادرة بغداد للسلام) وهو ميثاق يأمل أن يحظى بقبول الواجهات السياسية والدينية والاجتماعية في العراق ليساهم في تخليص العراق من وضعه الأمني المتردي بإذن الله تعالى.
كما وعد بإيصال نصائح الشيخ (دام ظله) إلى الإدارتين الأمريكية والبريطانية والأمين العام للأمم المتحدة.
محمد اليعقوبي
20ربيع الأول1427
2006/4/19
ص: 319
ثمرات تلاحم الجماهير المؤمنة والمرجعية الرشيدة(1)
منذ أن دعت المرجعية الرشيدة إلى صلاة الجمعة الموحدة لمحافظات الجنوب في البصرة يوم 2 صفر(الموافق3/3) وتلي فيها بيان (ماذا بعد تفجير سامراء) وافتتحته بأنه: لقد حان الوقت لكي تمسك الأمة زمام المبادرة. فقد حصلت تغيّرات سياسية مهمة وأجهضت مشاريع خطيرة وأثمر هذا التلاحم والتناغم بين الأمة وحركة المرجعية عن عدة نتائج.
فقد تحركت العملية السياسية وأعلن عن عقد أول جلسة للبرلمان بعد أن كانت متوقفة بانتظار ما تسفر عنه المفاوضات، ونبهناهم إلى هذه المخالفة الدستورية.
وأجهض مشروع تأسيس كتلة برلمانية أكبر من الائتلاف العراقي الموحد ليكون لهم حق ترشيح رئيس الوزراء، وحذرناهم من هذا التآمر والانقلاب فلم يعد أحد يتحدث عن المشروع بعد ذلك التجمع المبارك رغم أنه كان معروضاً بقوة.
ونزلوا عند رغبة الجماهير بعدم إعطاء صلاحيات القرار للمجلس السياسي للأمن الوطني لأنه هيأة غير دستورية فاكتفوا بجعل قراراته مقترحات وتوصيات وكانوا يريدون له أن يكون كمجلس قيادة الثورة
ص: 320
المشئوم يملك سلطة القرار في البلد، ويصادرون الاستحقاقات الانتخابية للشريحة الأكبر في العراق.
ثم جاء البيان الهام الذي تُلي في صلوات الجمعة الموحدة في بغداد والمحافظات ليوم 1 ربيع الأول (الموافق 31/3) والتغيرات التي حصلت في قيادات حزب الفضيلة الإسلامي(1)
انطلاقاً من قوله تعالى على لسان موسى الكليم [قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي] (المائدة:25)
ص: 321
وأخي هم أنتم المنضبطون بتوجيهات المرجعية الرشيدة وان كان الآخرون جزاهم الله خيرا يشعرون بالتزام أخلاقي تجاه مواقف المرجعية الرشيدة.
وقد أردنا من خلال البيان والتغيرات أن نوصل رسائل مهمة قلنا في البيان على جميع الأطراف أن تفهمها وتعيها بدقة وقد آتت ثمارها جميعاً.
وأول الجهات الولايات المتحدة التي حذرناها من اللعب بنار الطائفية والحرب الأهلية من خلال تصريحات سفيرها وبعض المواقف العملية غير الحكيمة، وقد استوعبت الإدارة الأمريكية الرسالة ووبخت سفيرها على تصريحاته ومنعته من الإدلاء بمثلها ولا شك إنكم لاحظتم صمته طيلة الأسابيع الثلاثة الماضية رغم سخونة حركة العملية السياسية وأنذرتْه بالعزل إذا عاد إلى مثلها.وثاني الرسائل إلى المرجعيات الأخرى حتى تكون أكثر حزما ً مع السياسيين وتتخذ قرارات شجاعة إذا لم يعملوا بجدّ على إنقاذ الأمة وإصلاح حالها ومعالجة مشاكلها واكتفوا بحساب مصالحهم الشخصية والفئوية، وقد تحركت المرجعية فوراً ودعت القادة السياسيين إلى التخلي عن بعض مواقعهم من أجل حلحلة الأمور وتحريك العملية السياسية إلى الإمام ومارست تدخلاً مشكوراً لتحقيق هذه النتيجة.
وثالث الرسائل إلى مكونات الائتلاف الذين أحاطوا إخوانكم من أبناء الفضيلة بكثير من الشك وسوء الظن بل إن بعضهم أصدر البيانات للتسقيط وتشويه السمعة، فأثبتنا أن أبناء الفضيلة منضبطون بالمرجعية وهي التي تحاول تصحيح المسيرة إذا حصل شيء مما يخافون منه.
ص: 322
ورابع الرسائل دعوة إلى المتصدين كي يؤثروا مصلحة الأمة على كل مكاسب شخصية وفئوية مهما كانت كبيرة على الأرض وقد رأيتم بعدها كيف توالت الانسحابات وحُلَّت مشكلة تسمية الرئاسات الثلاث التي امتدت ثلاثة أشهر في جلسة برلمانية واحدة استمرت ثلاث ساعات.
وخامس الرسائل إلى الكتل السياسية المقابلة للائتلاف التي تلعب على حبال تعدد المرشحين لتمارس المزيد من الابتزاز وبهذا القرار دخل اليأس عليها وأسقط ما في أيديها وأذعنت لقرار الائتلاف، كما شعر الائتلاف بالقوة والعزة التي استمدها من عزة وقوة القرار وتوقفت التداعيات المهينة من تشكيل المجلس السياسي للأمن الوطني، إلى تسليم الملف الأمني إلى نائب رئيس الوزراء وإفراغ منصب رئيس الوزراء من كل محتوى رغم أنه بحسب الدستور أهم منصب في الدولة.
هذا بعض ما تحقق بفضل الله تبارك وتعالى ومن حق الأمة أن تفخر بإنجازاتها حيث تسعى إلى تجسيد الحديث الشريف: (ما تقدست أمة لا يأخذ ضعيفها حقه غير متعتع). والحمد لله وحده فهو مبدئ النعم ومعيدها.
محمد اليعقوبي
29ربيع الأول1427 المصادف 2006/4/28
ص: 323
لقد كنا السباقين والمبادرين إلى تشكيل الائتلاف العراقي الموحد ودعمه والتضحية من أجل وحدته وإنجاح عمله إيماناً منا بالأهداف التي أسس من اجلها ومنها حفظ وحدة الموقف لهذه الشريحة الأكبر في النسيج العراقي والدفاع عن حقوقها ورفع الظلم والحيف عنها، وحينما لا توجد خيمة واحدة تضم التوجهات المختلفة لأبناء هذه الشريحة فسيكون من الصعب توحيد موقفها ونظم أمرها وضبط حركتها.
فتشكيل الائتلاف ضرورة استراتيجية وليس حاجة آنية من أجل الفوز بمقاعد أكثر أو الحصول على عدد أكبر من الوزارات ونحوها، لكن
ص: 325
المؤسف أن طريقة تعامل بعض مكونات الائتلاف أثناء مشاورات تشكيل الحكومة كانت على خلاف ذلك، وتميزت بقصور في النظر وانغلاق على الذات وعدم وجود شعور بالمسؤولية، فتحول الائتلاف إلى أداة لبسط هيمنة بعض القوى وفرض إرادتها وقيمومتها على الآخرين، مما يهدد مستقبل الائتلاف ويجعله عرضة للتفكك وهذا ليس في مصلحة أحد حتى أعداء الائتلاف؛ لأن تشتت الصوت الشيعي وعدم وجود كيان موحد يسير بهم ويتم التفاهم والحوار معه سيكون خطراً على الجميع.
إن قرار أبناء الفضيلة بالانسحاب من تشكيل الحكومة كان احتجاجا على هذه السياسة وهذا الانحراف في الأهداف الذي نرجو أن لا يكون صحيحاً أو ثابتاً. ولكنهم – أي أبناء الفضيلة - مع ذلك يبدون الاستعداد التام للتعاون مع الحكومة لإنجاح عملها خدمة للمواطن الكريم الذي يستحق كل خير، ومتى ما عادت قاطرة الائتلاف إلى مسارها الصحيح وسادت روح الإخوة والثقة المتبادلة وحسن الظن، فإن أبناء الفضيلة سيعودون للمشاركة في الحكومة بإذن الله تعالى، رغم إننا نعتقد أن الانسحاب من المواجهة ليس هو الحل بل الصحيح هو الاقتحام والتغيير والإصلاح، كما قال أمير المؤمنين (إذا هبت أمراً فقع فيه) أو كما قال شاعر:
ومن يتهيب صعود الجبال يعِشْ أبد الدهر بين الحفر
لكنه كان انسحاباً لصالح إخوة لهم في الدين والولاء لأهل البيت (علیهم السلام) وشركاء لهم في المعاناة الطويلة والتضحيات الجسيمة عبر التأريخ والى عصرنا الحاضر.
و بالنسبة لي – كمرجعية– فاني انظر بعين واحدة إلى الجميع
ص: 326
ومعياري في التقييم هو ما نطق به الحديث الشريف (قيمة كل امرئ ما يحسنه)، فنحن نشد على يد كل العاملين ونساندهم ونكرم المحسن ونعاتب المسيء، وهذا ما تقتضيه أبوتنا ورعايتنا ووظيفتنا والحمد لله رب العالمين.
ص: 327
كيف نستعيد دور العشائر في بناء العراق الجديد(1)
قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم [وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا] (الحجرات:13) أي لتكون بينكم نسبة يعرف بها الشخص ويميز عن الآخرين الذين يشاركونه في بعض الصفات.
وقد حافظت القبائل العربية على هذه النسبة وصانتها وعززتها وصايا المعصومين فيوصي أمير المؤمنين ولده بقوله (صل عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير) وقسم (علیه السلام) جيشه في صفين على أساس العشائر لأنه ادعى للبأس والحماس والثبات، وكذا قسِّم جيش المسلمين عندما واجهوا الفرس في القادسية، وكان للقبائل العربية دور مشهود كإشادة أمير المؤمنين(علیه السلام) بقبيلة همدان بقوله:
ولو كنتُ بوّاباً على باب جنةٍ لقلتُ لهمدان ادخلوا بسلامِ
وامتازت العشائر بخصائص توارثها أبناؤها كالشجاعة والكرم، وفي حديث خطبة أم البنين أم العباس و إخوته لأمير المؤمنين (علیه السلام) بواسطة أخيه عقيل ما يشير إلى ذلك، حيث روي أن علياً (علیه السلام) قال لأخيه : (اطلب
ص: 328
لي امرأة قد ولدتها الفحول من العرب كي أتزوجها لتلد لي غلاما ينصر ولدي الحسين بكربلاء ) فأرشده عقيل إلى فاطمة أم البنين .
وقد أثبتت العشائر عبر التاريخ أنهم مكوِّن مهم في النسيج العراقي وأثّروا في حركة الأمة، وأحداث القرن الأخير شاهدة على ذلك حينما تحمّلت العشائر بقيادة علماء الدين مقاومة الاحتلال الانكليزي في الحرب العالمية الأولى سنة 1914 – 1917 وفي ثورة العشرين المباركة عام 1920 التي أثمرت إنهاء الاحتلال وإقامة الحكم الوطني بغض النظر عن انحرافه عن أهدافه لاحقا .
وقد التفت الأعداء خصوصا النظام البعثي البائد إلى مصادر القوة في هذا الشعب التي حفظت هويته واستقلاله وحركته دوما لرفض الظلم والانحراف فوجدوها ثلاثة (المرجعية – العشائر – التمويل الذاتي ) فوضعوا الخطط لاجتثاث منابع القوة هذه لدى الأمة، أما المرجعية فحاصروها وقيدوها واعدموا عدداً منهم كالشهيدين الصدرين (قدس سريهما)، و قضوا على الحلقة الوسطية الفاعلة بين المرجعية والأمةوهم الفضلاء والمبلغون والخطباء والشباب الرسالي فأعدموهم واعتقلوهم وشرّدوهم، وأما التمويل الذاتي فجففوه وأفقروا الطائفة بمصادرة أموال أثرياء الشيعة وسفروهم إلى إيران بحجة تبعية جنسيتهم وحجّموا كل أصحاب الأموال من أتباع أهل البيت (علیهم السلام).
ثم التفتوا إلى العشائر فاعدموا عدداً من وجوهها المؤثرين كالمرحوم الشهيد راهي بن الحاج عبد الواحد آل سكر والحاج عبد الحسين جيته وغيرهما، وصنعوا من بعض النكرات رؤساء عشائر وهميين
ص: 329
وشتتوا أبناء العشائر بالانتماء إلى الحزب البائد، وكرسوا الجهل والتخلف فيها و عاقبوا كل من يتصل منهم بالمرجعية الدينية والحوزة العلمية و غيرها من الأساليب الشيطانية .
وجاءت الأحزاب اليوم لتمعن في ظلم العشائر وحرمانها فبالرغم من أنها وصلت إلى مواقع الحكم بأصوات أبناء العشائر، إلا أن الأحزاب استأثرت بالمغانم ولم تعط للطليعة والنخب من أبناء العشائر الفرصة الكافية لإدارة مفاصل الدولة، فبقي التهميش والإقصاء للعشائر.
وهذا ما يدعونا إلى إعادة النظر ومراجعة الحالة ووضع البرامج الكفيلة باستعادة العشائر دورها وثقلها الاجتماعي، وأعتقد أنهم قادرون على بناء بلدهم وحل مشاكله أفضل من الذين قدموا من الخارج بعد انقطاع عن بلدهم وشعبهم أزيد من عشرين عاماً، وأعتقد أيضا أن للعشائر فرصة طيبة في حل المشكلة الأمنية لامتدادها في الطائفتين، ووجودها في كل المدن الساخنة حتى أن بعض أبناء العشيرة الواحدة من السنة وآخرين من الشيعة .
فالمطلوب إنشاء كيان عشائري(1) مستقل عن الأحزاب ويضم لجان متعددة تتكفل كل واحدة منها بتحريك وجه من أوجه النشاط المطلوبة كتثقيف العشائر وتوعيتها وتعليمها الأحكام الشرعية والمخالفات التي يتورط بها البعض، وان تتخصص لجنة لمتابعة الحقوق السياسية، وأخرى
ص: 330
اجتماعية فتسعى في الإصلاح والتوفيق بين المتخاصمين وحل المشاكل وتقريب وجهات النظر وهكذا.
ويحسن أن يكون المقر المركزي في النجف الأشرف لإعطائه زخما وقوة لاحتضان المرجعية له عن قرب ويقوم بمتابعات ميدانية في جميع المدن والقرى والأرياف.
لقد اعترف الأمريكان أنهم ارتكبوا آلاف الأخطاء في العراق، وكان منها إهمال دور العشائر (السنية والشيعية) والاستخفاف بها باعتبارها وضعاً منافياً للمجتمع المدني، وقد غفلوا عن حقيقة أن العشائرتنظيمات لها خصالها الكريمة ودورها المؤثر فهي مكون مهم للمجتمع المدني، وبسبب هذا الإهمال وغيره من الأسباب دفع الأمريكان والعراقيون هذه الأثمان الباهظة، وكان ظنهم أنهم قادرون على تحقيق مخططاتهم وانجاز مشروعهم بالعراقيين الذين جاؤوا بهم من الخارج ففشلوا هذا الفشل الذريع.
لقد أصدرنا كتباً وخطابات، و سبقنا أستاذنا السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) بكتابه (فقه العشائر) وكلها تصلح أن تكون جزءا من هذه الحركة المباركة إذا نفِّذت ميدانيا .
ومن الآليات التي أثبتت جدواها في مثل هذا المشروع تأسيس مواكب أو تشكيلات من الشباب الرسالي داخل كل عشيرة ليقوم بهذه النشاطات، وستنتج من مجموع هذه الحركة أجواء إيمانية واعية وقادرة على التأثير في مجمل الحياة في البلد، وستعرف القائمين على المشروع بأصحاب الكفاءات والقادرين على العطاء.
ص: 331
استقبل سماحة الشيخ اليعقوبي السيد منوشهر متكي وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية و الوفد المرافق له(1).
وقال السيد متكي أنه جاء إلى العراق لأمرين:
(الأول ) تهنئة الحكومة الجديدة التي شكلت برئاسة الأستاذ نوري كامل المالكي.
(الثاني) إعلان استعداد الجمهورية الإسلامية الإيرانية لنقل خبراتها ومواصلة التعاون في مختلف المجالات الاقتصادية و العلمية وغيرها، وأن إيران قد خصصت مليار دولار كاعتمادات للقيام بالمشاريع التي يحتاجها العراق وتشمل قطاعات الكهرباء والصحة و النقل وغيرها، وقد أجريت اتفاقيات و حوارات حول هذه المواضيع أمس مع المسؤولين، وتوجهنا اليوم من بغداد إلى كربلاء لنجعله يوم زيارة و عبادة، وبعد زيارة العتبات المقدسة أردنا أن نزور العلماء وها نحن نتشرف بذلك، ولا شك أن الدور الذي تقومون به سماحتكم ورجال الدين الأفاضل يصب باتجاه الاستقرار و الهدوء لأبناء الشعب العراقي بمختلف فئاته، وقد تحصل انقسامات هنا وهناك، فتقومون سماحتكم باتخاذ التدابير اللازمة لحل تلك الانقسامات مما فيه خير ومصلحة الشعب العراقي.
ص: 332
نحن مسرورون جدا لهذا اللقاء ونستفيد من آراء سماحتكم حيال الظروف القائمة في العراق، ونعرب عن استعدادنا للقيام بأي واجب علينا.وهنا تحدث سماحة الشيخ اليعقوبي ورحب بضيفه الكريم وشكره على هذا التواصل وابتدأ بالتعليق على جعل اليوم يوم عبادة وقال إن كل أيام المؤمن وساعاته هي عبادة ما دامت تثمر خيراً للبشرية وإعماراً للحياة و لا تقتصر العبادة على العبادات المعروفة المعينة، بل إن الأجر والثواب الذي رصده الله تبارك وتعالى للأعمال المثمرة اجتماعيا أكثر بكثير مما ورد في الطقوس العبادية المفروضة كما في الحديث (إن إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام) لان فيه حفظ وحدة المجتمع وتآلفه وتماسكه، أو ما ورد في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتبارها تؤدي وظيفة اجتماعية من أنها بها تقام السنن وتحفظ الفرائض وتحل المكاسب وتأمن الطرق وغيرها.
وهذه الفعاليات سميتها (الواجبات الاجتماعية) بدلاً من (الواجبات الكفائية) بحسب المصطلح المشهوري لأن الشارع المقدس كما لحظ الفرد كفرد وخاطبه بتكاليف كالصلاة والصوم والحج، فإنه لحظ الأمة ككيان واحد وكلفها بتكاليف، ومثل هذا اللحاظ موجود في أحاديث كثيرة كتشبيه الأمة بركاب السفينة فلا يحقّ لأحدهم أن يتصرف كفرد ويقلع خشبته ويقول هذه ملكي لان النتيجة غرق الجميع، بعض الأحاديث يشبه المؤمنين بالجسد الواحد إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى.
ص: 333
ومن هذه الواجبات التي خوطبت بها الأمة كان هو العمل السياسي لإيصال الثلة الصالحة إلى قيادة البلد وإدارة مفاصله وهو أهم الواجبات الشرعية كما دلت الآية الشريفة على أن نصب القيادة الصالحة للأمة تعدل كل أعمال الشريعة الأخرى [يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَه] (المائدة:67) لذلك كان موقفنا من دعم العملية السياسية بهذه القوة، وكانت فتوانا أقوى الفتاوى حيث جعلنا وجوب المشاركة في الانتخابات أهم من وجوب الصلاة والصوم؛ لأن وجود الحكومة الصالحة هو الذي يحفظ الصلاة والصوم، و إذا كان على رأس السلطة أشرار منحرفون فاسدون فإنهم سيحاربون الصلاة والصوم، كما رأينا من أفعال صدام وعانيتم انتم من بطش وقسوة الشاه المقبور حتى انه منع النساء من ارتداء الحجاب الذي هو أوضح الشعائر والشعارات الإسلامية.
واندفعت الأمة للمشاركة في الانتخابات بشكل مثير للإعجاب والفخر وأذهل العالم طاعة لمرجعياتها ووصل به عدد من الإخوة إلى البرلمان وشكلوا حكومة.
وهنا ينفتح السؤال : هل إن أداء الإخوة الذين انتخبناهم كان بمستوى ذلك الدعم والطرح القوي و الأهداف التي تأملتها المرجعية منهم وحماس الجماهير المنقطع النظير؟ أقول بكل أسف: لا وهذا الشعور بخيبة الأمل لا اختص به أنا بل هو شعور عام لدى كل المرجعيات الدينية، وليس الآن بل حتى قبل الانتخابات الأخيرة، لذلك لم تكن متحمسة لدعم الائتلاف، فيها وربما سمعتم منهم هذا خلالزيارتكم لهم، وأنا حينما
ص: 334
أتحدث معكم بهذا الكلام لا اعتبره إدخالا للأجنبي في شؤوننا الداخلية لأنني اعتبر الشعبين العراقي والإيراني واحدا لانتمائهم إلى مدرسة أهل البيت الرصينة وقوة و شائجهم الاجتماعية والتاريخية، ولو كان غيركم لما تحدثت معه بهذا لأنه أمرٌ يخصنا وعلينا أن نصلحه فيما بيننا.
فتجربة الإخوة في الحكم كانت مزيداً من التداعيات والأداء السيئ والتنازلات المهينة، والسكوت عن الظلم و الاستمرار في حالة الخراب والفقر والحرمان والاضطهاد والاستئثار بالثروات، وعدم المبالاة بالناس، ووقعت المرجعية في حرج شديد أمام جماهيرها لأنها لا تستطيع أن تبرر لهم أفعال السلطة التي دفعت الجماهير لانتخابها بكل تلك القوة والحماس.
إن الإخوة في الحكم يستعملون المرجعية كورقة رابحة يحققون بها مآربهم الشخصية، وبعد أن يحصلوا عليها لا يكترثون لأقوالها، ومثل هذا الشعور بالخيبة و الإحباط لدى المرجعية يدفعها إلى رفع اليد عن دعم العملية السياسية؛ لأنها لا تستطيع أن تكون مظلّة شرعية لعملية منحرفة ظالمة، ولا يصح منها أن تكون أداة لكي يحقق بها المستأثرون مآربهم على حساب المستضعفين والمحرومين الذين ضحوا بأرواحهم وتحملوا الإرهاب والقتل وخرجوا إلى صناديق الاقتراع ليجلسوا هؤلاء المستأثرين الأنانيين الذين لا يفكرون بالشعب على أرائك الحكم والسلطان !! وإذا حصلت مثل هذه النتيجة ورفعت المرجعية يدها عن دعم العملية السياسية فإن كارثة ستحل بمصير هذه الطائفة المحرومة.
نحن نعتقد أن الائتلاف العراقي الموحد ليس حاجة آنية أريد منها الفوز بعدد من المقاعد في البرلمان أو تحصيل اكبر عدد من المواقع في
ص: 335
السلطة، بل هي حاجة ستراتيجية لضمان حقوق مسلوبة منذ ألف و أربعمائة عام لا تقتصر على السياسية فقط، بل تشمل الثقافية والاجتماعية والدينية والأخلاقية والاقتصادية فلا يجوز للإخوة في الائتلاف أن يفرطوا بوحدته وعزته وقوته، وأن يكون أداؤهم بمستوى الآمال التي عقدت عليهم وان لا ينحرفوا عن الأهداف التي من اجلها شكل الائتلاف.
لقد بذل أبناء المرجعية الرشيدة أقصى الجهود في دعم قائمة الائتلاف، وكانوا من أكثر الفئات حماساً لكسب أصوات الناخبين فأداروا المراكز الانتخابية في المناطق الساخنة، و ذهبوا بصناديق الاقتراع إلى أقصى نقاط البادية والصحراء الغربية ليضيفوا كل صوت ممكن إلى قائمة الائتلاف، فيجب أن تحفظ حقوقهم وتحترم جهودهم وإلا فستحل كارثة حقيقية والعياذ بالله.
وشكر السيد وزير الخارجية سماحة الشيخ على حسن ظنه ونظرته العلمية للتطورات في العراق، وأكد أهمية القضية التي تحدث عنها سماحته وأردف قائلاً إنني سمعت كلمة من الإخوة في الائتلاف تقول إن الحكومة يمكن إذا سقطت أن يشكل الائتلاف حكومة أخرى، ولكن إذا سقط الائتلاف فمن يمكن أن يشكل حكومة؟!وتفاءل من خلال النظرة التي وجدها لدى سماحة الشيخ بالمحافظة على الوحدة وتعزيز الانسجام بين فئات الشعب العراقي وقال : نحن لا نريد أن نتدخل في الشأن العراقي بل نتمنى القوة والرفعة و التقدم للعراق كما نتمناه لإيران.
ص: 336
وفي ختام اللقاء وجه السيد وزير الخارجية دعوة إلى سماحة الشيخ اليعقوبي لزيارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الفرصة التي يراها مناسبة، وبعث سماحة الشيخ بواسطة السيد وزير الخارجية برسالة إلى سماحة آية الله السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية في إيران (دام ظله الشريف) عبّر فيها عن مشاعره الطيبة الصادقة تجاه قيادة وشعب الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ص: 337
اجتمع عدد من طلبة جامعة الصدر الدينية في النجف الأشرف عند سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) (1) عقب الحادث المروع الذي وقع في الكوفة صباح ذلك اليوم حيث قام مجرم بتفجير سيارته في مجمع للعمال فقتل أكثر من ستين وجرح أكثر منهم، وقد تساءل هؤلاء الطلبة عما يمكن عمله لحل هذه المشكلة فقال سماحته:
أن الحل متوقف على قناعة السياسيين المتصدين للحكم وصدقهم في إرادة الحل، أما إذا بقوا على سلوكهم الحالي الذي لا يبالي بأرواح المواطنين ولا بتخريب البلد، والمهم عندهم سرقة أموال الشعب ومداراة مصالحهم الشخصية والحزبية فإنه ستبقى المشكلة.
وحينما أقول هذا فإنه لا يعني أن هؤلاء السياسيين الذين لا يفترقون عن أمراء الحرب الذين شهدناهم في عدة دول من العالم في العقود الأخيرة يمتلكون الحل، فإنهم عاجزون عن قيادة أنفسهم وكبح جماح شهواتهم وأهوائهم ومطامعهم فكيف يحلون مشاكل الناس ويصلحون حالهم، وإنما أقول هذا لأنهم سبب المشكلة ومتى ما جنبونا شرورهم فإن الأمور ستعود إلى نصابها فهم سبب المشكلة لا سبب الحل، وقد رأينا كيف أن قناعة الفرقاء في الحرب الطائفية في لبنان بعد خمسة عشر عاماً
ص: 338
من قتل العباد وتخريب البلاد أنهت الحرب في يوم واحد عندما اجتمعوا في الطائف.
ومن النفاق و الاستخفاف بمشاعر الناس اجتماع هؤلاء السياسيين على موائد الطعام الفاخرة التي تظهرها شاشات التلفزيون في حين يتضور الملايين جوعا وبلا مأوى وتراهم يتبادلون الضحكات وأحياناً القبلات ، إذن فلمن تنتمي هذه الجماعات المسلحة التي تنشر القتل والدمار والرعب في الشارع ومن الذي يؤويها ؟ ومن الذي يقدم الدعم المادي واللوجستي؟ ومن الذي يدافع عنهم حينما يقعون في أيدي القضاء ويضغط لإصدار العفو عنهم ؟ في حين يقع الأبرياء في السجون ظلماً و عدواناً من دون أن يدافع عنهم احد.
فما دامت النار لم تحرق هؤلاء السياسيين ولم تضُر بمصالحهم الشخصية وتبقى مقتصرة على الأبرياء البائسين، فإنهم سوف لا يحلون المشكلة وسيبقون يطمعون في تحقيق مكاسب أكثر على حساب الفرقاء الآخرين باستمرار هذه الويلات والكوارث، وهذا من شر البلاء الذي ابتلينا به أن يفتقد هؤلاءلكل المشاعر الإنسانية والإسلامية والوطنية ولكل حرص على المواطن ورحمة بالضعفاء والمساكين والمحرومين.
أننا الآن لسنا بصدد بيان سيناريوهات الضغط على السياسيين لكي يجتمعوا ويحلوا المشكلة، وإنما نقول إننا نستطيع ذلك إذا تم حرمان الجهات السارقة لأموال الشعب وأمراء الحروب من هذه الثروة التي يسيل لعابهم لها ويسفكون الدم الحرام من أجلها ونحوها من الخيارات التي أحلاها مرّ.
ص: 339
ولكن قد لا يجد الشعب طريقاً أمامه بعد اليأس من إيجاد الحلول إلا ارتكاب أحداها (وما حيلة المضطر إلا ركوبها). وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفي نهاية حديثه أوصى سماحة الشيخ اليعقوبي الفضلاء وطلبة العلوم الدينية بتفقد عوائل الشهداء وزيارة المصابين والتبرع بالدم وتقديم المساعدات المادية والمعنوية والعينية.
ص: 340
بسم الله الرحمن الرحيمشهدت مدينة كركوك اليوم 2006/7/29 تفجيراً ذهب ضحيته عددٌ من الشهداء والجرحى في حي الواسطي وهذه الجريمة المنكرة تأتي ضمن سلسلة من الحوادث المماثلة التي روعت هذه المدينة المظلومة خلال الأسابيع الماضية في حالة لم يسبق لها مثيل.
ويلمس المتتبع أنها استهدفت في الغالب المناطق التي يقطنها شيعة أهل البيت (علیهم السلام) من العرب والتركمان لكنهم في هذه المدينة لم يستهدفوا لعقيدتهم كما في المدن الأخرى من العراق الجريح وإنما استهدفوا لقوميتهم لأن هذه القوميات (العربية سنة وشيعة والتركمانية) متوحدة في كركوك ضد التمدد غير المشروع لقومية أخرى تطالب ب_(تطبيع) الحالة في كركوك.
وهي تقصد بالتطبيع فرض هيمنتها بالقوة والعنف لأنها لا تستند إلى حق تاريخي ولا جغرافي ولا ديموغرافي والوثائق كلها تشهد بذلك ولا تخفى على أحد.
لذا اتبعوا هذا الأسلوب اللا إنساني حيث غررّوا ببعض الجهلة والمتحجرين والمضللين وغذوهم بالحقد الطائفي ليكونوا وسيلتهم لتحقيق هذه الأهداف الدنيئة بتمزيق وحدة هذه الجبهة العربية التركمانية التي تسعى للحفاظ على هوية كركوك المتنوعة بالقوميات والأديان والتي ترفع
ص: 341
شعار التسامح والتعاون والعيش بسلام من دون أن يتجاوز أحد على حق الآخرين أو يتمدّد أكثر من حجمه، فتأتي هذه التفجيرات لتغذي الخلافات الطائفية وتزرع سوء الظن وعدم الثقة حتى يتصاعد العنف ويضطر الكثير إلى الهجرة فتكون نتيجة (التطبيع) لصالح تلك الجهة.
أترون أي قذارة وانحطاط يتصف بها السياسيون حينما يتجردون عن القيم الإنسانية والمثل العليا وتعمى بصائرهم ولا يرون إلا مصالحهم ولا يشعرون إلا بأنانياتهم فيصلون إلى هذا الاستخفاف بدماء الأبرياء ومقدسات البلد.
لقد مهدّت تلك الجهة لهذه الحالة بسيطرتها بالقوة على كل المفاصل المدنية والعسكرية والاقتصادية المهمة ورموا بعرض الجدار القرارات والأوامر الإدارية التي تصلهم من الوزارات في الحكومة المركزية، إذا شعروا منها أنها تفقدهم بعض هذه المفاصل الحيوية مستغلين ضعف الحكومة وعدم اكتراثها بمصالح العباد والبلاد، وقد مكنهم ذلك من تسهيل أمر الإرهابيين أو على الأقل غضّ النظر عنهم.
لتعلم تلك الجهة أن هذا لعب بالنار وكثيرا ما (تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن) فلترجع إلى منطق الحكمة والعقل والأخوة الإنسانية ولتشارك القوميات الأخرى في المحافظة على صفة التسامح والتعايش السلمي لكل القوميات والأديان التي تتصف بها مدينة كركوك.
ص: 342
وليصبر إخواننا في كركوك وليحذروا هذه المؤامرات وليحافظوا على وحدتهم وأخوتهم.ولتصحو الحكومة المركزية من غفلتها ولتنتبه إلى هذه المدينة المظلومة ولتتفقدها، وليبادر السيد رئيس الوزراء لزيارتها وعلاج مشاكلها كما بادر إلى زيارة البصرة فكلاهما مدينتان (نفطيتان)!
وليلتفت المنفذون لهذه الجرائم أن الحقد الطائفي قد أعماهم فصاروا أدوات بيد الغير ينفذ بهم مآربه من دون أن يستفيد المنفذون شيئاً.
وفي الختام أسأل الله تعالى أن يحمي هذا البلد الكريم من كل مكروه وأن يهدي الأمة لما فيه صلاحها وان تميز بين أعدائها وأصدقائها.
ص: 343
شلل البرلمان أعجزه عن(1) ممارسة دوره وأدخل البلاد في هذه الدّوامة ..
رغم مرور سنتين تقريباً على بدء الحياة البرلمانية في العراق وانتخاب دورتين برلمانيتين إلا انه ما زال عاجزاً عن ممارسة دوره التشريعي الرقابي بالشكل الذي يخدم مصلحة البلد ويضمن حقوقه الأساسية، فالفساد الإداري والمالي مستشري والأوضاع الأمنية والخدمية تتردى وثروات البلد تتبدّد، وأعضاء البرلمان منشغلون بمصالحهم الشخصية ومصالح أحزابهم ويعيشون في رفاهيتهم، وكثير منهم يقضي أكثر أيامه خارج العراق فلم يعودوا ممثلين للشعب بل لأنفسهم وأحزابهم، وإذا حاول البرلمان محاسبةأحد فلا يجرؤ على محاسبة من يحتمي بالحيتان الكبيرة التي تقضم الحصة الأكبر من الكعكة بنهم وبشراهة .
وجهاز القضاء ومفوضية النزاهة !! وأمثالهما عاجزون عن الوقوف في وجوههم، وأكثرهم ممن يعتاش على فتات موائد أولئك الكبار ، فمتى سيصلح حال الشعب الذي يبقى هو وحده الذي يدفع الثمن، ويحترق من أجل أن يتلذذ الظَلمة الذين قست قلوبهم فهي كالحجارة أو اشد قسوة .
ص: 344
إن أحد أسباب هذا الشلل هو النظام الانتخابي المتبع في الترشيح على أساس القوائم المغلقة فينتج عنه :
1 _ عدم شعور المرشح بالانتماء إلى الشعب والوطن وإنما إلى القائمة التي رشحته ويكون شغله نيل رضا القائمين عليها .
2 _ جهل الشعب بمرشحي البرلمان مما يقلل حماسهم للمشاركة في الانتخابات أو أدلاء الأصوات إلى مجهولين وهي ظاهرة غير حضارية وغير مثمرة .
3 _ عدم قيام المرشح بواجبه تجاه المنطقة التي ترشح فيها وعموم الشعب لأنه لا يشعر بالمسؤولية والالتزام أمامهم .
4 _ التخندق الطائفي والقومي الذي كرسته طبيعة الاصطفافات التي شُكلت على أساسها القوائم وجرّ البلد إلى هذه الكوارث المدمرة.
5 _ إن كثيراً من قوائم المحافظات ضمّت أسماء من خارجها، بل إن بعض المحافظات خلت قوائمها بشكل كامل من أبناء المحافظة فكيف ستوصل صوتها ومن الذي سيدافع عن حقوقها.
6 _ إلغاء دور أعضاء البرلمان وإبقاء التأثير لرؤساء الكتل السياسية فقط، وقد أظهرت السنتان الماضيتان اختزال قيادة البلد بعدد محدود تجاوز حتى القوانين المشرعة ما دام (حاميها حراميها) ولا يسع البرلمان إلا إمضاء رغبات ومصالح رؤساء الكتل وعدم الخروج عنها .
7 _ إن نظام القوائم يوجب على الناخب اختيار الأسماء جملة وقد لا يرتضي أغلبها لكنه من أجل اسم واحد مقبول أو أكثر يضطر لانتخاب ما يكره.
ص: 345
لذ ا لابد من إعادة النظر في قانون الانتخابات وجعل الترشيح على أساس الأشخاص المنفردين والمعلنين أمام الناس(1) وبذلك سنضمن :
1 _ حرص المرشح على تقديم أقضى ما لديه لمواطنيه لحاجته إليهم مباشرة وشعوره بالالتزام أمامهم.
2 _ تذويب العصبيات القومية والمذهبية والمحاصصات الحزبية أو على الأقل الحد من جماحها الذي احرق البلاد حيث ستذوب هذه الاصطفافات المقيتة.
3 _ حفظ التوازن في التمثيل في المحافظات لضرورة عدم إمكان ترشيح أحد في المحافظة من غير أبنائها.
4 _ سيتمكن الشعب من معرفة مرشحيه وممارسة حقه الانتخابي بشكل ديمقراطي تام في اختيار من يريد ولا تفرض عليه أسماء يجهلها أو لا يريدها.
5 _ التقليل من تأثير رؤساء الكتل السياسية الذين جرّوا البلاد إلى هذه الصراعات المدمّرة بأنانياتهم واستئثارهم وليس للآخرين إلا السير على هواهم.
28/رجب/1427
2006/8/23
ص: 346
بعد فشل الكثير من دعوات (المصالحة الوطنية) والمشاريع التي تسعى لإخراج العراق الجريح من أزمته، رأى سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) أن نبدأ بمشروع لحل الأزمة في محافظة معينة ونهيئ أسباب نجاحها الذي إن تحقق بفضل الله تبارك وتعالى فإنه يمكن تعميمه إلى عموم العراق، وقد اختار سماحته محافظة البصرة للبدء به وبعث وفداً تألف من الفضلاء جناب الشيخ محمد الهنداوي والشيخ علي الإبراهيمي والأستاذ الدكتور السيد عبد الوهاب الحكيم للالتقاء بمحافظ البصرة ورئيس وأعضاء مجلس المحافظة والواجهات الدينية والسياسية والعشائرية في المحافظة ودعوتهم إلى تبني المشروع على أنه مشروعهم، وبعث سماحته بيد الوفد خطاباً ذكر فيه أسباب تلكؤ عملية المصالحة الوطنية ومبرراتاختيار البصرة كأول ساحة لتنفيذه، ثم حثّ المسؤولين على إنجاح المشروع وتهيئة المقدمات لذلك واليكم نص الخطاب.
ص: 347
بسم الله الرحمن الرحيم
مع شكرنا لكل الجهود المخلصة والمساعي الحثيثة لإنقاذ العراق الجريح من معاناته التي يمر بها التي تدمي قلب كل غيور وشريف، إلا أن هذه الجهود لم تؤتِ النتائج المطلوبة لتعقيد الحالة، وتشابك المصالح، وتباين الإيديولوجيات وغياب الحس الوطني لدى الكثيرين، وطبيعة الاصطفافات الموجودة، وعدم صحّيّة الأجواء التي ترافق الحالة، فبدلاً من شعور الأطراف بأنهم أخوة وأبناء بلد واحد وهو العراق وركاب سفينة واحدة أن غرقت غرق الجميع وان سلمت سلم الجميع، تجدهم يتصرفون كفرقاء متخاصمين يريد كل منهم أن يقضم من مساحة الآخر اكبر ما يستطيع إلى غيرها من الأسباب التي تحتاج إلى دراسة مستقلة.
لذا فأرى من الصحيح أن نبدأ بتأسيس نموذج للتعايش السلمي والوحدة الوطنية ونشر ثقافة احترام الآخر بكل خصوصياته وحقوقه في إحدى محافظات العراق والمؤمل نجاحه بفضل الله تبارك وتعالى وبالإعداد الجيد له، ومن ثم الانطلاق به إلى سائر المحافظات الأخرى بعد أن يقنع الجميع بنجاحه.
والبصرة الفيحاء نموذج صالح لقيادة هذا المشروع لوعي أهلها ووطنيتهم المشهود لها وحرصهم على تنظيف مدينتهم من كل مظاهر العنف والتخريب والاضطراب والإرباك والفساد، ورغبتهم أن يروا مدينتهم
ص: 348
عاصمة اقتصادية ليس للعراق فحسب بل للخليج كله، ومن بؤر الاستقطاب الاقتصادي العالمي، وهي مؤهلة لممارسة هذا الدور بما يتوفر فيها من ثروات ومنافذ مائية وبرية وطرق جوية وخزينبشري أكاديمي متخصص ومهني وخبرات متراكمة، وما يتمتع به أبناؤها من أخلاق طيبة وخصال حميدة حببتهم إلى كل العراقيين بل أبناء المنطقة والعالم.
إن كل أبناء البصرة المسلمين سنة وشيعة وغير المسلمين من كافة الطوائف والأعراق تواقون لهذا المشروع، وليس من مصلحة أحد عدم المساهمة فيه فضلاً عن معارضته، فالكل حريص على رؤية بصرة مستقرة آمنة مرفهة تتمتع في حقوقها المشروعة في ثرواتها وتستقطب كل الاستثمارات في العالم، ولا يوجد عاقل يحب استمرار حالة العنف وانفلات الأمن والجميع يذهب ضحيته، وإذا استمر الحال هكذا فإن الاحتمالات المتصورة كلها كارثية كتقسيم العراق أو إنشاء مناطق وجيوب طائفية وعرقية لا تقف الحروب والنزاعات بينها، فهل يوجد من يفضل هذا على عراق موحد قوي مزدهر يتآخى فيه أبناؤه ويعيشون بمودة ووئام.
كما أن من مصلحة قوى الاحتلال والدول الإقليمية ذلك وهي واهمة إذا ظنت أن حالة البلبلة والفوضى حتى المسيطر عليها أو البناءة(1) كما يسمونها في العراق تخدمها، حتى وان بدا ذلك على المدى القريب فإنه عكس ذلك على المدى البعيد فلتنظر الخير لأنفسها.
ص: 349
حضرة السيد رئيس مجلس محافظة البصرة المحترم
حضرة السيد محافظ البصرة المحترم
حضرات السادة أعضاء مجلس محافظة البصرة الموقرين
حضرات السادة ممثلي المرجعيات والطوائف الدينية والأحزاب السياسية والكيانات الاجتماعية
حضرات السادة رؤساء العشائر ووجهاء محافظة البصرة
حضرات السادة ممثلي الدول العربية والإسلامية والأجنبية في البصرة
إنكم أولى من يحمل هذه الأمانة ويشمّر عن ساعد الجد لإنجاح هذا المشروع مستفيدين من أجواء الصفاء والنقاء والتسامح والأخوة التي يشيعها شهر رمضان المبارك.
وقد هيأت المرجعية الرشيدة الأرضية لنجاح مشروعكم، حينما حرّمت على غير الجهات الرسمية القتل وأعمال العنف حتى على مستحقه بسبب إفضائه إلى اختلال النظام الاجتماعي العام، وهو من اكبر المخاطر التي يريد الشارع المقدس دفعها وإيكال أمر محاسبتهم ومعاقبتهم إلى الجهات التنفيذيةوالقضائية، وهذا حكم نافذ على الجميع مهما تنوعت مرجعياتهم وطوائفهم لعدم جواز نقض حكم الحاكم الشرعي حتى لمجتهد غيره، كما أن وثيقة (إسناد القانون في البصرة) التي وقّعتها كل الأحزاب والشخصيات الفاعلة في البصرة تصلح ورقة أولية لانطلاق هذا المشروع المبارك.
ص: 350
أن الآمال المعقودة على مساعيكم المباركة وان كل بسمة تعود إلى شفتي مظلوم أو محروم أو مضطهد أو خائف لهي حسنة تثقل بها موازينكم وان الله لا يضيع اجر من أحسن عملاً وان كل مشروع ايجابي تؤسسونه وتعملون على إنجاحه إنما هي صدقة جارية يأتيكم أجرها بعدد من ينتفع منها
[وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ] (التوبة:105).
عشية النصف من شعبان لمبارك1427
الموافق 2006/9/9
ملاحظة: نجحت هذه المبادرة الكريمة والتي لاقت تجاوباً واسعاً من مختلف الجهات السياسية والدينية والاجتماعية إضافة لأبناء المرجعية الرشيدة، لكن أطرافاً ترى في نجاح المرجعية وأذرعها الفاعلة في المجتمع تهديداً لمصالحها، فأصبح همها إفشال عمل أبناء هذا الخط الشريف ولو كان على حساب البصرة وأهلها، فسارعوا إلى اتخاذ قرارات عملية مستغلين هيمنتهم على الحكومة المركزية فسحبوا الصلاحيات الأمنية من محافظة البصرة وشكّلوا لجنة أمنية هزيلة سمحت للعصابات المسلحة التي تخدم أجندات أجنبية بالعبث بأمن البصرة فقامت باغتيالات شملت الأطباء والأساتذة الجامعيين والنساء وعلماء الدين والكسبة، ثم فرضت الإتاوات على الناس وتدخلت في عمل مؤسسات الدولة وسيطرت على الموانئ والكمارك والنفط وغيرها من المصالح الوطنية، وإلصاق التهم وإشاعة
ص: 351
الأكاذيب لتسقيط مرجعية سماحة الشيخ (دام ظله) وأتباعه وإحباط تقدمهم وكذبوا بقوة حتى صدّقهم كثر من الناس.
ص: 352
استقبل(1)
سماحة الشيخ اليعقوبي وفداً برلمانياً من كتلة الائتلاف العراقي الموحد ضمّ سماحة الشيخ خالد العطية نائب رئيس البرلمان والحاج هادي العامري والحاج عبد الكريم العنزي، وقدّم الوفد رؤية عدد من مكونات الائتلاف لمشروع فيدرالية الأقاليم ومبررات هذا المشروع.
ثم تحدث سماحته وذكرهم بإصراره على تثبيت هذا الحق في الدستور وتهديده بإفشال التصويت على الدستور إذا لم يتضمنه حرصاً على مستقبل هذا الشعب المضطهد المحروم، وذكر لهم وصيته لأبناء المحافظات منذ سقوط صدام بمسك الأرض من تحتهم وعدم إعطاء أي فرصة لتغلغل الأعداء والتحكم في شؤونهم، لمنع عودة الدكتاتورية والظلم بمجرد أن يحتل الإذاعة والتلفزيون ويطلق البيان رقم (1).
لكن فشل الكيانات السياسية التي تدعو إلى الفدرالية في الوفاء بوعودها لأبناء المحافظات الذين انتخبوهم، وعجزها عن توفير ابسط حقوق الإنسان.ومن جهة أخرى عدم سعيها الجاد لإنجاح عمل الحكومات المحلية في المحافظات وتأهيلها لقيادة محافظاتها، فمثلا انتهت سنة 2005 من دون أن تصرف رئاسة الحكومة ميزانية المحافظات وأعيدت إلى وزارة
ص: 353
المالية، وانتهى أكثر من نصف سنة 2006 ولم يطلق إلا جزء يسير من ميزانية المحافظات.
ومن جهة ثالثة: الخلافات والصراعات التي تتفشى بينها وتظهر بصورة وأخرى، مما أوجب مخاوف حقيقية من نشوب صراعات مسلحة على النفوذ والسلطة والثروة.
ومن جهة رابعة: فشلها في طمأنة الشعب من مخاوف الانقسام والتفكك والتخندق.
ومن جهة خامسة: فإن الشعب يرى أن بعض المشاريع تعرض لمصالح إقليمية ودولية وليست لمصلحة العراق.
ومن جهة سادسة: فإن إثارة مثل هذه المشاريع يعني الاستسلام لأهداف أعداء الشعب من خلق الفتن الطائفية والقومية وتمزيق وحدة الشعب وقطع الأمل بشعب موحد تجمعه القواسم الوطنية والتاريخية والاجتماعية والدينية.
ومن جهة سابعة: فإنه يزيد في عزلة هذا الإقليم عربياً وربما دوليا ودفعهم إلى المزيد من العمل على إيذاء الشعب العراقي وخلق الأزمات له وإدخاله في أنفاق مظلمة.
أما تلميع صورة الوضع في كردستان من أجل التضليل وتمرير المشاريع فنحن نحبّ الخير لكل الناس، خصوصاً المضطهدين والمحرومين منهم كإخواننا الأكراد في شمال وطننا الحبيب، لكن هذه التلميع يخفي وراءه ما يخفي مما لا حاجة إلى الدخول في تفاصيله، وإذا وجد شيء من الاستقرار والازدهار فله أسبابه العديدة لسنا بصدد بيانها.
ص: 354
على أن التركيز على التجربة الكردية يزيد من مخاوف الانقسام والتفكك والتشرذم، فهل يريد المتحمسون للفدرالية أن تكون الحدود بين البصرة والناصرية والنجف وكربلاء وبغداد كالتي مع كردستان؟ إنه لشرٌّ عظيم... ويجب الالتفات إلى أن إقليم كردستان له حدوده الجغرافية والقومية والثقافية المتميزة أما بقية محافظات العراق فهي متداخلة ومتزاوجة ومتمازجة بشكل لا يقبل وضع الحواجز.
كل هذه العوامل وغيرها مما لا نستطيع إعلانها جعلت مشروع فدرالية الأقاليم غير مجد الآن، بل إنه يتضمن أخطارا حقيقية؛ وصحيح ما يقال أن المعروض الآن هو سن قانون تشكيل الأقاليم(1)
وليستنفيذه على الأرض، لكن لا توجد ضمانات لعدم تفعليه بعد إقراره، فلا بد من ذكر ضمانات في نفس القانون لعدم المباشرة في تشكيل الأقاليم حتى تعمل الكيانات السياسية بجد وإخلاص على تجاوز الصعوبات المشار إليها، فنبدأ بتفعيل قانون الإدارة اللا مركزية للمحافظات، ونوفر للحكومات المحلية كل أسباب النجاح والنضج والتأهيل من ميزانية مالية كافية إلى مشاركة جادّة في اتخاذ القرارات والاعتماد على النفس والتخطيط الستراتيجي لإعمار محافظاتهم ونحوها، وأن تتخلى بعض الكيانات المستأثرة والمستبدّة
ص: 355
عن هذه الروح التي تخلق الصدام والمقاطعة والاقتتال، ونتعوّد عمل الفريق الواحد بإنصاف وموضوعية للجميع، وأن تستعيد هذه الكيانات التي تدير وزارات مهمة ثقة الناس بها من خلال حسن الأداء وتوفير الحقوق الأساسية للشعب ومعالجة الفساد الإداري والمالي حتى يحس الشعب بقدرتها على الوفاء بوعودها.
إذ أن الشعب لا يتحمل بعد هذا أن يعلق الآمال على (جنة الدنيا) بإقامة الفدرالية ثم لا يجد لها مصداقية على الأرض فينفض يده من كل شيء.
فيجب علينا أن نعمل على تهيئة أسباب النجاح لهذا المشروع الذي هو الملاذ الأخير الذي يُلتجأ إليه عند نفاد الحلول.
أقول هذا الكلام على شكل نقاط مختصرة وقد تقدمت منّي عدة بيانات لإيضاح الموقف وتوجد أمور أخرى لا يحسُنُ البوح بها في كلام عام.
نسأل الله تعالى أن يهدينا سواء السبيل إنه نعم المولى ونعم النصير
ص: 356
إن من أعظم ما يعانيه بلدنا وشعبنا هو الفساد الإداري والذي بلغ حدا مهولا واستشرى في كل مفاصل الدولة، ونعده اليوم الخطر الأهم والسبب الرئيسي للخراب الذي حل بالبلد والحرمان والظلم الذي ينكد حياة الشعب، وهو مصدر رئيسي لتفريخ الإرهاب ودعمه وانتشاره.
ورغم وجود مؤسسات لمعالجة الفساد والخيانة كمفوضية النزاهة وديوان الرقابة المالية والمفتشين العامّين في الوزارات إلا أنها عجزت عن الحد من انتشار هذا الفساد فضلا عن إيقافه ومحاسبة المقصرين، ولذلك أسباب عديدة،(منها) إداري تنظيمي فمثلا إن المفتشين العامين في الوزارة يرتبطون بالوزير ومن صلاحياته تقديم طلب بعزلهم، فكيف يستطيعون مراقبة عمل الوزارة ومحاسبة المفسدين إذا كانوا جزءا منها إداريا. فالمفروض استقلالية هؤلاء المفتشين وارتباطهم بديوان خاص بالتفتيش العام يرتبط به هؤلاء المفتشون ويكون رئيس الديوان بدرجة وزير.
(ومنها) سياسي وهو الأصل في المشكلة لان هؤلاء المسؤولين عن النزاهة والتفتيش لا يستطيعون الخروج عن هيمنة رؤساء الكتل السياسية الفاعلة والمؤثرة، وتتوزع ولاءاتهم على هذه الكتل إما خوفا منها لقدرتهم على العزل متى شاؤوا أو لأنه يحتاجهم ليتقوى بهم، أو لأنهم هم الذين أوصلوه إلى هذا الموقع فلا بد أن ينفذ مصالحهم، فلا يوجد مستقل حقيقي في هؤلاء المسؤولين عن محاربة الفساد، لأنه ببساطة لا يستطيع مستقل أن
ص: 357
يصل إلى هذه المؤسسات (المستقلة) إذا لم ترشحه الأحزاب المؤثرة وتدعمه.
لذا نجد مؤسسات النزاهة والتفتيش لا تمس أحدا ممن يتكئ على هذه الكتل السياسية ويداري مصالحها اللامشروعة ولا تظهر من الأسماء والفضائح إلا بمقدار ما يسمح به هؤلاء القادة لغير المرتبطين بهم والويل لهم إذا مسّوا مصالح هؤلاء المتنفذين.
وقد استاء بعض قادة البلد حينما استعملتُ في أحد خطاباتي(1) المثل المتداول (حاميها حراميها) وكان عليهم أن يستاءوا من الواقع المؤلم الذي تعيشه مؤسسات الدولة وإني لم أنقل إلا الواقع وما يشعر به الشعب، وكان عليهم أيضا أن يراجعوا أنفسهم لا أن يستاؤوا من كلمة حق ولو كانت مرة، وإلا فمن المسؤول عن هذا الفساد الذي لا نظير له في العالم إذا لم يكونوا هم؟ أليست الوزارات بأيديهم وبيدهم مقاليد الأمور؟ فلماذا لا نصارح الناس ونعمل بإخلاص لحفظ حقوقهم وثرواتهم وإنفاقها وفق المعايير الصحيحة.إن هذه الحالة أنهكت شعبنا وبددت ثرواتهم ونخرت مؤسساتهم وأفقدت الثقة لدى كل مستثمر يحاول أن يساهم في إعمار العراق وإصلاح حال أهله، وان معالجتها تتطلب تضافر جهود كثيرة على مدى طويل .
إن أي نجاح نحققه في هذا المجال سيساهم بقوة في القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه وتقطيع أوصاله، ومن العبث بذل الجهود والأموال
ص: 358
في المجالات الأخرى وغض النظر عن الحلول الحقيقية لمعالجة الفساد الإداري والمالي الذي هو الشريان الحيوي للإرهاب والخراب والدمار والحرمان الذي أضر بالبلد وأهله، وبعض هذه الحلول إستراتيجية نبدأ بها من الآن، كتربية الأمة على الشعور بالمسؤولية، وحرمة المساس بالمال العام أو الإضرار بمصالح البلد ومؤسساته ونشر ثقافة حب الخير لكل الناس (أحبب لأخيك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها) والرحمة بهم والمساواة في الحقوق والواجبات وأن (خير الناس من نفع الناس)، والتسامي عن الأنانيات والمصالح الشخصية والحزبية، وهذه وظيفة علماء الدين والمفكرين والخطباء والكتاب والإعلاميين.
وبعض الحلول آنية كإعادة النظر في تقييم الأشخاص والمؤسسات وهيكلتها الإدارية، وجعل المفتش العام في الوزارة مستقلا عنها ويؤسس ديوان التفتيش العام يرتبط به المفتشون العامّون ويكون رئيس الديوان بدرجة وزير والمفتش العام في الوزارة بدرجة وكيل وزير .
وهنا أود اقتراح مشروع وهو أن يكون ترشيح الأشخاص المستقلين إلى المؤسسات الحكومية المسؤولة عن النزاهة والتفتيش ومحاربة الفساد عن طريق الأحزاب والفعاليات السياسية غير المشاركة في الحكومة، إما لاختيارها لنفسها أن تكون في صف المعارضة الايجابية والنقد البنّاء، أو أن مقاعدها في البرلمان لايؤهلها لتحصيل حقيبة وزارية، أو أنها تمتلك حضورا سياسيا وشعبيا فاعلا لكنها لم تحصل على مقعد في البرلمان لسبب أو لآخر، مع مراعاة ما يقتضيه النظام الداخلي لعمل هذه المؤسسات من الاستقلالية والمهنية وغيرها من الشروط، وبذلك نحقق عدة نتائج مهمة:
ص: 359
اكتمال العملية الديمقراطية بوجود معارضة ايجابية فاعلة تمارس دورها المؤثر في تقويم المسيرة ورصد الأخطاء ومعالجتها وتقديم الحلول.
مصداقية مؤسسات الرقابة والتفتيش وصيانة المال العام بعد تحريرها من هيمنة الكتل التي تدير الوزارات والمتهمة بمباشرة الفساد أو عدم السعي الجاد لإصلاحه.
تخفيف الاحتقان السياسي الناشئ بسبب إقصاء وتهميش أو غياب عدد من الكيانات عن المشاركة في الحكومة، وستكون حينئذ هذه المشاركة ممارسة مهمة لدورها مما ينزع فتيل الأزمة.انسيابية تشكيل الحكومة وتجنب حالات الشد والجذب والتلكؤ والتأخير الذي بلغ عدة أشهر، وكان أحد أسبابه حرص الجميع على أن يكون له مكان في الحكومة؛ لأن وجوده السياسي مرتبط بهذا المكان مما يولد حالة تدافع وتصادم في المصالح والاستحقاقات تجعل مخاض ولادة الحكومة عسيراً، فإذا اطمأن عدد من الكيانات السياسية أن وجوده محفوظ من خلال المشاركة في بناء هذه المؤسسات المراقبة لعمل الحكومة فانه سيقلل من حالة التدافع هذه.
ص: 360
إني أأمل أن يجد هذا المشروع آذانا صاغية لدى البرلمان الموقر فيكلف هذه الكيانات بتشكيل هيأة لإعادة دراسة وضع هذه المؤسسات وتقييم أشخاصها ووضع هيكلية مناسبة لعملها وتفعيل دورها بالحزم والشجاعة والإخلاص لله والوطن والشعب وعدم المجاملة والمداهنة.
29/شعبان/1427ه_
2006/9/23م
ص: 361
الآمال معلقة بوثيقة مكة المكرمة لإنهاء العنف في العراق(1)
[الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ]
إننا في العراق نشعر بجزيل الشكر والامتنان للسادة الذين عملوا بجد وإخلاص لتنظيم مؤتمر علماء الدين الإسلامي في مكة المكرمة من اجل حقن الدم العراقي الذي يسفك يوميا بلا مبرر ، ولقد أبلغت شكري هذا إلى السيد الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الذي اتصل بي هاتفيا من جدة يدعوني لحضور هذا التجمع المبارك ونقلت له حرص المرجعية الرشيدة في النجف الأشرف عاصمة العلم والفكر والسلام على إنجاح هذا المؤتمر، وأن يكون بداية النهاية لهذه الفتنة العمياء التي تعصف بالعراق.
أيها الأحبة المجتمعون في اشرف بقعة عند بيت الله الحرام وفي اشرف زمان وهي العشر الأواخر من شهر رمضان التي تتضمن ليلة هي عند الله خير من ألف شهر، إننا وان كنا لم نحضر معكم بأبداننا إلا أن مشاعرنا وآمالنا متعلقة بكم وقد أرسلنا وفداً رفيع المستوى ليوقع على الوثيقة
ص: 362
الصادرة عنكم، وقد اطلعت على كل بنودها(1) فوجدتها جامعة لخصال الخير والسلام والتسامح والاتفاق على بناء أسس الحياة الكريمة، لذا فاني
ص: 363
ص: 364
ص: 365
ألزم جميع العراقيين بالعمل بما ورد في الوثيقة الموقع عليها ولا يجوز لأي أحد خرقها ومخالفتها ومن يفعل ذلك فانه ليس فقط يظلم نفسه وإنما يظلم أمته.
ويجب على كل الدول التي لها تأثير في أحداث العراق أن تلتزم بها لأن الفتنة إذا وقعت –لا سامح الله- فإنها لا تقتصر على المباشرين لها، قال تعالى [وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً] (الأنفال:25) وهذا الحكم واجب الإتباع ليس فقط على أتباع المرجعية التي أصدرته وإنما على الجميع؛ لأن من الثابت فقهياً إن حكم الحاكم الشرعي لا يجوز نقضه حتى لمجتهد غيره .
لقد بدأنا بمثل هذه الخطوة المباركة في محافظة البصرة قبل شهر رمضان المبارك وتنعّم بثمارها الطيبة كل أهل البصرة وشهد العدو والصديق بنجاحها في وقف العنف؛ لإيمان الجميع بضرورة الالتزام بها، ونحن اليوم مدعوون إلى تعميمها إلى كل أنحاء العراق .
إن الشعب العراقي بكل طوائفه وأعراقه يطلب من حملة السلاح تحت أي مبرر كان عدا القوات الرسمية المسؤولة عن بسط الأمن وسيادة القانون إلى إلقائه من حين التوقيع على هذه الوثيقة المباركة حتى نعطي الفرصة للحوار وحل كل العقد التي أدت بنا إلى هذا الحال، وقد كان
ص: 366
عندي أمس السيد رئيس الوزراء وعبر بوضوح عن استعداده الكامل للتقدم في كل اتجاه يخرج العراق من محنته.
وإذا كان عندكم مانع من الحوار مع البعض لسبب أو لآخر فأنا بخدمتكم وقلبي وعقلي مفتوح لكم ولا يوجد عندي ما يوجب صدودكم، فأنا مسلم اشهد أن لا اله إلا الله وان محمد رسول الله (صلی الله علیه و آله)، وأنا عربي أصيل يرجع نسبي إلى قبيلة الأوس الأنصارية التي آوت رسول الله (صلی الله علیه و آله) ونصرته، وأنا عراقي ولدت أنا وآبائي وأجدادي في النجف الأشرف وعشت محنة شعبي في كل مراحلها ولم أغادر بلدي، وليس لأحد في الشرق ولا في الغرب تأثير علي ولا سلطان علي إلا الله تبارك وتعالى ولا اتبع إلا الحق ، ومواقفي الوطنية مشهودة وآخرها الوقوف بحزم ضد كل مشاريع تفتيت العراق وتجزئته تحت مختلف المسمّيات، ويمكن التواصل معي مباشرة أو عبر الهاتف أو من خلال قنوات موثوقة وسأكون خير عون بلطف الله تبارك وتعالى لإحقاق الحق وإزهاق الباطل ، فاتركوا السلاح جانباً وأعطوا فرصة للحوار لا تقل عن شهرين لتجتمع كل ألأطراف المعنية في موسم الحج المبارك وتدرس النتائج التي ستكون حتماً مباركة طيبة لأنها تحظى برعاية الله عظمت آلأوه .
إنكم بالتزامكم جميعاً بهذه الوثيقة ستسحبون الذرائع من قوات الاحتلال التي تبرر وجودها بتردي الوضع الأمني، وتفشلون مشاريع تقسيم العراق التي تجعل العنف الطائفي سبباً وتصور التقسيم وكأنّه الحل الوحيد لإنهاء هذه الحالة.
أيها الإخوة في الله تعالى:
ص: 367
إني أعلم وأنتم تعلمون أن العنف الذي يشهده العراق ليس طائفياً فقد عشنا في كل الأزمنة السابقة وحتى الآن سنة وشيعة متآخين متحابين، وإنما هو في الغالب سياسي ويتولى كِبَره سياسيون طامعون في السلطة والإثراء بغير حق [لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً] (التوبة:10) وإنما يلبسونه ثوب الطائفية ليعبّئوا لمعركتهم هذه من يسير على غير هدى، لذا لابد من الشروع فور البدء بالالتزام بوثيقة مكة المكرمة بإصلاحات سياسية جذرية، وقد تداولت مع عدد من الأخوة المسؤولين بأفكار مهمة في هذا المجال تجعل كل شيء قابلاً للنقاش إلا ما حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً في شريعة سيد المرسلين.
أيها الأحبة :
إن الشعب العراقي متدين ومنصاع إلى علمائه وهذا من لطف الله تعالى بنا، فاستثمروا هذه الحالة لضبط حركته وتوجيهه نحو ما يصلح حاله ، وإذا لم نقم بواجبنا هذا فنحن مسؤولون أمام الله تعالى عن هذا التقصير والخذلان [وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ] (الصافات:24) وأذكر الجميع بالحديث النبوي الشريف (صنفان إذا صلحا صلحت الأمة وإذا فسدا فسدت الأمة : العلماء والأمراء). إن العلماء ورثة الأنبياء وكان الأنبياء خصوصاً نبيّنا العظيم محمد (صلی الله علیه و آله) رحمة للعالمين فلنكن كذلك رسل رحمة وسلام لكل البشر وليس لطائفة دون أخرى أو قومية دون أخرى.
محمد اليعقوبي
25/شهر رمضان/1427
ص: 368
ملاحظة: كاد المؤتمر أن يفشل بسبب عدم تمثيل المرجعيات الدينية وعدم حضور العلماء من الصف الأول، ولكن التشجيع والدعم الذي حصل عليه الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلو خلال اتصاله الهاتفي مع سماحة الشيخ اليعقوبي يوم 21/ رمضان / 1427 ووعد سماحته بإنجاح المؤتمر بكل ما يتيسر له و منها تأييد الوثيقة بهذا الخطاب القوي المحكم، وبعث وفداً كبيراً ضم فضيلة الشيخ محمد الهنداوي والسيد حسين المرعبي نائب رئيس ديوان الوقف الشيعي والشيخ علي القريشي والشيخ أحمد الكعبي ، وقام الوفد بتوزيع نسخ من الخطاب على كل الحاضرين . وقد تلا مستشار الأمين العام فقرات مهمة من الخطاب على المشاركين في المؤتمر بعد التوقيع على الوثيقة.
ص: 369
ماذا علينا أن نستفيد من تجربة سنتين من العملية السياسية(1)
أود الإشارة إلى أمرين يجب الالتفات إليها للاستفادة منها في التجارب الآتية لتشكيل الحكومة ومواصلة العملية السياسية.
الأول: الجد والاجتهاد في تأهيل المخلصين من أبناء الشعب خصوصاً الشباب الرسالي المتحمس للتغيير والإصلاح وبناء العراق الجديد وخدمة الأمة وتطهير البلاد من العناصر الفاسدة، ولا بد أن يشمل التأهيل كل الجوانب المؤثرة في إنجاح عمل المسؤول، فمن الجانب العلمي على من يجد في نفسه القدرة أن يبلغ أسنى الدرجات العلمية وأدق الاختصاصات وفي جميع حقول العلم والمعرفة ومساحات عمل الوزارات كافة لنقطع الطريق على من يدعي عدم وجود الكفاءات في هذه الشريحة المخلصة من الشعب.
وعليهم أن يتعلموا فن الإدارة بممارسة ناجحة لأي خلية ابتداء من الأسرة إلى العلاقات الاجتماعية إلى الوظائف المختلفة، وأن يستفيدوا من تجارب الآخرين وليعرضوا أنفسهم لممارسة إدارية، كالأسرة فإنها دائرة لا تخلو من التعقيد خصوصاًَ إذا شهدت تجاذبات ورغبات متناقضة كما لو
ص: 370
كانت عنده أم وزوجة وأخوة وأخوات وأولاد، فإن تنظيم العلاقة المتوازنة مع كل هؤلاء وحفظ حقوقهم بإنصاف وموضوعية، والنجاح فيها يعني وجود قابلية وملكة الإدارة الناجحة في المسؤوليات الأوسع، ولعل هذا أحد أوجه فهم الحديث الشريف (خيركم خيركم لأهله) أي خيركم وأصلحكم لإدارة شؤون الأمة هو خيركم وأنجحكم في إدارة عائلته.ومثل هذه التجارب التأهيلية للقادة وتقييم نجاحهم فيها قبل تصديهم لولاية أمر الأمة مما نجده في سيرة حياة أغلب الأنبياء، حيث مارسوا مهنة الرعي لتطّلع أممهم على حسن رعايتهم لمن يتولونهم حين يجدونه يرحم الحمل الرضيع والكسير ويحمله ويحتضنه حتى يبلغ كماله، وإذا افتقد واحداً من القطيع فإنه لا ينام الليل ولا يقرّ له قرار حتى يأتي به إلى الحضيرة ويطمأن عليه و يتفقدها بالطعام والشراب والراحة، ويوفر لها الحماية والأمن من كل سوء فإذا كانت ولايته على الحيوانات بهذا الشكل فسيكون أكثر رفقاً ورحمة بالناس حين يتولى أمورهم.
الثاني: تهذيب النفس وتحصينها من الوقوع في مزالق الدنيا المذمومة ونسيان الله تبارك وتعالى والانشغال بالتكالب على حطام زائل، ولا بد أن يقطع شوطاً معتداً به في هذا الطريق قبل التصدي للمسؤولية كما ورد في الحديث الشريف (إن لله أدب نبيه فأحسن تأديبه ثم فوض إليه أمر الخلق وسياسة العباد).
فليعمل أحبائي وأخواني على العمل بكلا الاتجاهين ليستعدوا لتحمل المسؤولية في المراحل المقبلة بإذن الله تعالى.
ص: 371
نحن ضد الاحتلال من دون أن نكون مع الإرهاب وضد الإرهاب من دون أن نكون مع الاحتلال(1)
وقع الكثير من المتعاطين مع القضية العراقية في حالةٍ من عدم التوازن في تعاملهم مع هذه القضية المعقدة ودخلوا في حسابات المصالح على حساب المبادئ، وهو يكون مفهوماً عند غير اتباع أهل البيت (علیهم السلام) لعدم استنادهم إلى أصول رصينة، أما من انتسب إلى أمير المؤمنين وعرف مبدأيته واستقامته وتمسكه بالحق فإن هذه الحالة تُعدّ مخالفة منه لنهج علي بن أبي طالب القويم.فترى من يزعم انه يرفض الاحتلال ويواجهه يقف مع الإرهابيين القتلة المجرمين من صداميين وتكفيريين ويتبنى مواقفهم ويشترك معهم في المؤتمرات، ويصافح أيديهم الملطخة بدماء الأبرياء من شيعة أهل البيت (علیهم السلام) الذين ذبحوا على الهوية.
ومن يقف في وجه المجرمين القتلة أعداء نهوض العراق وسعي أهله لاسترداد حقوقهم تجده يتبنى المواقف الأمريكية ويدافع عنها ولا يأبه بتدمير مدينة كاملة لمجرد أن عدداً من المسلحين-مهما كثر عددهم-قد اختطفوها من أهلها بقوة السلاح، ولا يشكّلون نسبة 1% منها، والباقون أبرياء
ص: 372
مغلوبٌ على أمرهم وفيهم النساء والأطفال والشيوخ قد أُخذوا بجريرة غيرهم.
لا أستثني بكلامي هذا الجهات الإسلامية من داخل العراق وخارجه الذين عقدوا المؤتمرات واستضافوا الصداميين وشيوخ التكفيريين(1) الذين يفتون بقتل شيعة أهل البيت (علیهم السلام) وولغوا من دمائهم بزعم أنهم مناهضون للاحتلال، وهم ليسوا كذلك وإنما يتخذون هذه الورقة لتضليل المتحجرين ودفعهم إلى القيام بالعمليات الانتحارية لتحقيق أهدافهم الطائفية والاستئثار بالسلطة.
وهذا تفكير خاطئ وسيئ، والموقف الصحيح المتوازن المستفاد من سيرة أهل البيت (علیهم السلام) أن نكون ضد الاحتلال من دون أن نكون مع الإرهابيين، وأن نكون ضد الإرهابيين من دون أن نكون مع الاحتلال.
ص: 373
سماحة الشيخ يستقبل سماحة السيد الحكيم ويناقش معه قضايا الشعب والانتخابات (1)
أبدى سماحة الشيخ (دام ظله) امتعاضه من قرار الحكومة زيادة أسعار المشتقات النفطية، وقال خلال استقباله سماحة السيد عبد العزيز الحكيم خلال عيد الفطر المبارك: ليس هذا جزاء الشعب العراقي الذي هبّ بشجاعة وبسالة لانتخاب هذه الحكومة والاستفتاء على الدستور وصبر طويلاً على الحرمان والظلم والتقصير، وطالب سماحته بإلغاء القرار وعدم الإذعان لشروط البنك الدولي فإن قروضه ومنَحِه الموعودة لا تساوي عُشر الثروات التي تهدر وتُسرق من أموال الشعب والدولة، فالحل بأيدينا بالاعتماد على العناصر النزيهة المخلصة للوطن والشعب.
وناقش سماحته آليات القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه وعناصر دعمه، ومن تلك الآليات تشجيع حركة النقل والاستيراد عبر الكويت وليس الأردن، فإن الأخيرة تدعم الإرهاب وتغذيه وتثقف باتجاهه، كما أن عصابات الإرهابيين تنتشر على الطريق الواصل بين العراق والأردن، وهي تأخذ الإتاوات على الشاحنات والحافلات، وهي تذهب لدعم الإرهاب، والأردن كسوريا تأوي الصداميين الإرهابيين وتنظم لهم تجمعاتهم ومؤتمراتهم، بينما الطريق إلى الكويت يمر بمناطق آمنة ولا
ص: 374
مصلحة للكويت في إيواء الصداميين واحتضانهم، وبذلك نشكل ضغطاً على الحكومة الأردنية لتغيير سياساتها.
وجرى الحديث عن كيفية تشكيل الائتلاف العراقي الموحد والصعوبات التي واجهته والخروقات التي تحفّظ عليها حزب الفضيلة الإسلامي وأوجبت محاولته الانسحاب من الائتلاف، والتحديات الكبيرة التي تواجهها العملية السياسية في العراق ودور الائتلاف في تحمل مسؤولية إنجاحها وتقويم مسيرتها.
ص: 375
سماحة الشيخ يشيد بنتائج مؤتمر الوفاق الوطني العراقي(1)
أثنى سماحة الشيخ (دامت تأييداته ) على نتائج مؤتمر الوفاق الوطني العراقي الذي عقد في القاهرة بتاريخ 16- 18 شوال المصادف 19 –21 / 11/ 2005م، وقد ساهمت رؤى المرجعية
الرشيدة التي نقلها الأستاذ الدكتور نديم الجابري في إنجاحه والخروج بمقررات تصب في مصلحة الشعب العراقي، ففي الوقت الذي عزلت الإرهاب وحشدت كل القوى لضربه وانتزعت دعم الدول لهذه الحملة حتى التي كانت تدعمه فإنها وجهت رسالة تحذير إلى قوات الاحتلال بأن المقاومة حق مشروع لكل الشعوب وعليها أن لا تتدخل في إرادة الشعب العراقي وسيادته واستقلاله، التي تحاول العملية السياسية والمشاركة الفعالة فيها لانتزاعها بحسب تشخيص مصلحة الشعب والبلد .
والمراقب للساحة يجد تحولاً جذرياً في مواقف الذين كانوا يتبنون الإرهاب حيث أعلن كثيرون تخليهم عن السلاح ورغبتهم في الاشتراك في العملية السياسية التي لم يمنعهم منها أحد من أول الأمر إلا سوء تقديرهم وتعصبهم وطائفيتهم وجهلهم، وقد أصدرت أحزاب وقوى من أهل السنة بيانات تهدد الجماعات المسلحة بأنها إن لم تترك السلاح فإنها أول من يقاومها ويحاولها.
ص: 376
مناقشة تشكيل الحكومة الجديدة(1)
الخميس 28/ ربيع الأول 1427 الموافق 2006/4/27: استقبل سماحة الشيخ (دام ظله) الأستاذ نوري فاضل المالكي(2) المكلف بتشكيل أول حكومة دستورية في العراق، وناقش معه القضايا المهمة التيتواجه الحكومة والشعب العراقي وعلى رأسها الفساد الإداري والإرهاب وما بينهما من جدلية حيث يدعم كل منهما الآخر، واتفقا على أن معايير الكفاءة والنزاهة والوطنية هي التي يجب أن تكون الفيصل في اختيار الوزراء، كما دعا سماحته إلى ضرورة مساعدة بعض الشرائح المحرومة كالتركمان والأكراد الفيليين وتسليمهم وزارات؛ ليحافظوا من خلالها على وجودهم، وقال سماحته: إن المقبولية التي حظيتم بها من جميع الأطراف تؤهلكم لتبني مشروع مصالحة وطنية نبدأ فيها من النقاط المشتركة؛ لأن هذه المقبولية والترحيب تدل على عدم وجود عقد متأصلة إنما هي هواجس وقلق وحسابات خاطئة أملتها بعض الظروف والمواقف.
وتفهم سماحته الصعوبات التي تواجه الحكومة واستعصاء كثير منها على الحل إلا بجهد متكامل من جميع الأطراف، وأثنى على صبر ومعاناة الشعب العراقي وتحمله لكثير من المعاناة وتسطيره لأعظم الملاحم
ص: 377
في صنع الدولة الدستورية الحديثة التي جعلته مفخرة بين شعوب العالم رغم تكالب الأعداء في الداخل والخارج لإفشال المشروع المبارك حيث ربط صدام كل مؤسسات الدولة به وبأزلامه لكي تنهار الدولة بانهياره ولكن لطف الله تبارك وتعالى وهمة الشعب العراقي وصبره وحكمة المرجعية والعمل المثابر للقيادات المخلصة أعادَ بناء دولة المؤسسات والقانون، وعلينا بذل المزيد من الجهد حتى نرتقي بمستوى الخدمات والحقوق الأساسية للمواطن العراقي ليكون بالشكل الذي يستحقه، وبذلك نقطع جذور الفساد والإرهاب واليأس ومن آليات ذلك رفع مستوى رواتب الموظفين والعاملين لنؤمن لهم حياة مناسبة، وقد علق سماحته: سمعت من أحد كبار المسؤولين في وزارة الصحة أن الراتب الشهري للطبيب العراقي أقل بكثير من أجور كلب الحراسة في المنطقة الخضراء، وشر البلية ما يضحك .
ص: 378
وجود الائتلاف حاجة ستراتيجية(1)
الجمعة 29/ ربيع الأول استقبل سماحة الشيخ (دام ظله) السيد نائب رئيس الجمهورية المنتخب الدكتور عادل عبد المهدي، وتحدث عن ضرورة المحافظة على وحدة الائتلاف العراقي الموحد باعتباره ممثلاً لأكبر مكون للشعب العراقي، وأن مسؤوليته لا تقتصر على تشكيل الحكومة وإحراز المقاعد في البرلمان وإنما تتعداها إلى مطالب ستراتيجية تهمّ هذه الشريحة وعموم الشعب، ومن دون أن يكون الائتلاف متماسكاً قوياً فإنه سوف لا يستطيع تحقيق هذه المطالب ومن أجل ذلك لا بد أن يضع الائتلاف آليات عمل تنظيم حركة موحدة له ومتناغمة مع رؤى المرجعية وتعمق فيه صفة الأبوة لجميع مكونات الشعب العراقي.
ص: 379
على أعضاء البرلمان أن يمثلوا الشعب وليس أحزابهم (1)
يفترض أن أعضاء البرلمان يمثلون الشعب فينقلون مطالبه وهمومه وآراءه إلى مصادر القرار حتى تناقش وتنضج وتتخذ فيها القرارات المناسبة، لكن الواقع على الأرض أن أعضاء البرلمان منهمكون بقضايا أحزابهم ومصالحهم الفئوية ولا يكترثون بهموم أبناء المحافظات التي انتخبتهم، وإن أكثر أبناء المحافظات لا يعرفون ممثليهم في البرلمان لأنهم غير متفاعلين مع أوضاعهم.فأنتم يا أبناء العمارة تحدثتم عن مطالب عديدة كفتح جامعة ميسان ومعبر حدودي مع إيران لتحريك عجلة السياحة و الاقتصاد في المحافظة وعن إنشاء مركز صحي تخصّصي وجسر وغيرها، وقد سعينا لكم بهذه المطالب وأنجز بعضها بفضل الله تبارك وتعالى، لكن هذه الآلية غير صحيحة أن نتوجه بكل مطالبنا التفصيلية إلى المرجعية؛ لأنها تعجز عن متابعتها جميعاً، فمثل هذه الأمور عليكم أن تتوجهوا بها إلى أعضاء البرلمان ليؤدوا دورهم كممثلين للشعب، واضغطوا عليهم إذا قصّروا، وأحرجوهم أمام الجماهير، فأنتم لم تنتخبوهم لسواد عيونهم وإنما ليكونوا معبرين عن آمالكم وطموحاتكم ومطالبكم المشروعة .
فعلى المخلصين من أعضاء البرلمان السعي لإصدار قرار يُلزم كل عضو في البرلمان أن يفتح مكتباً له في محافظته؛ ليعرفه الناس فيقصدوه
ص: 380
بحوائجهم إضافة إلى مكتب للكتلة البرلمانية من الدائرة الانتخابية لتلك المحافظة من جميع القوائم لتتابع عمل المؤسسات الحكومية في تلك المحافظة، وبذلك فستحصل حالة حركة وتنافس وتفاعل مع الأمة وستمّيز الأمة بين العاملين المخلصين و المتقاعسين .
ص: 381
صدق نبوءة الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) على الائتلاف(1)
أعرب سماحة الشيخ اليعقوبي عن قلقه بسبب تخلي الحركات الإسلامية عن مشروعها الرسالي وانشغالها بالصراع على المواقع في السلطة واكتساب المغانم الشخصية وتحولت السلطة إلى غاية وليست وسيلة للإصلاح والتغيير الإيجابي، مما أدى إلى شعور عام بالخيبة والإحباط من نجاح المشروع الإسلامي لأن الأداء السيئ و التطبيق الفاشل يؤدي إلى الشعور بفشل المشروع وهذا خطر عظيم جناه هؤلاء الذين يرفعون اللافتات الإسلامية .
بل الأمر أدهى من ذلك فإن عدداً من القوى المهيمنة على القرار في الائتلاف مارست حملة ظالمة واسعة لتسقيط سمعة أبناء المرجعية الرشيدة الرسالية محاولين قتل شخصية هذا الكيان وتصفيته وهو اشد عند الله تعالى من قتل الشخص، فصدقت عليهم نبوءة السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) الذي قال في محاضرته الأخيرة عن حب الدنيا قبيل استشهاده: (من منكم عرضت عليه دنيا هارون ولم يقتل الإمام موسى بن جعفر) وها هو حب الدنيا والتسلط يعمي بصيرة هؤلاء ويدفعهم إلى الخوض في هذه الكبائر فبئست الصفقة.
ص: 382
وقد حذر السيد الشهيد (قدس سره) من أن التغيير قد يكون تغييراً في (مواقع الظالم) وليس تغييراً للظلم وإنما يكون التغيير حقيقيا إذا عالج الظلم والفساد والانحراف وأقام العدل والصلاح.
وأشار سماحته إلى أن الابتعاد عن الموقع لا يعني تخلي المؤمن عن عمله الرسالي إذا كان يعيش الإسلام همّاً وإنما يعني التنوع في آليات العمل وتحمل المسؤولية ، نعم من يرى السلطة غاية ومغنما فانه يرى انتهاء كل شيء حينما يفقد هذا الموقع .
ص: 383
الحاجة إلى كيان ظل للائتلاف(1)
إنني اقرأ حالة خطيرة في مستقبل العمل السياسي للطائفة المحرومة بسبب الأداء السيئ للائتلاف الذي مثل هذه الطائفة مما ولد استياءً عاماً لدى القواعد ولولا دعم المرجعية الدينية انطلاقا من بعض المصالح المعينة لكانت نتائج الائتلاف في الانتخابات وخيمة، واستطيع القول إن المتضرر الأكبر من تصدي الائتلاف للحكومة هم أبناء الوسط والجنوب الذين انتخبوه، فالخراب يضرب بأطنابه في كل المدن والأرياف والأراضي الزراعية والبنى التحتية والبطالة متفشية والصراعات السياسية تنشر الرعب والأبرياء يقتلون والعوائل تهجر بالآلاف من دون ناصر ولا رادع حتى أن مقدساتهم تنتهك وتدمر، فها هي الروضة العسكرية الشريفة لم ترفع أنقاضها إلى الآن فضلاً عن إعمارها وتأمين حركة الزائرين إليها، فكيف يصدق أتباع أهل البيت أنهم متنفذون وأصحاب قرار في الحكومة بينما الإرهابيون يُفرج عنهم ويُعتَذَر إليهم ويعوضون عن (الظلم) الذي لحق بهم كما تقتضيه وثيقة الاستسلام المسماة بالمصالحة الوطنية.لهذا السبب ولغيره كابتعاد الحركات والأحزاب التي ترفع اللافتات الإسلامية عن الأهداف الرسالية لا بد لأبناء هذه الطائفة الكفوئين
ص: 384
المخلصين من إيجاد البديل المقنع للأمة لينقذ المشروع الإسلامي من الهزيمة وليس من الصحيح جمع البيض كله في سلّة واحدة-كما يمثلون- وليكن هذا البديل بعيداً عن تخبّط المتصدين وفشلهم ويعدّ نفسه ويؤهلها لتقديم البديل الأصلح بإذن الله تعالى.
ص: 385
شرح سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله الشريف) سبب انسحاب أبناء الفضيلة من تشكيلة الحكومة بأنها تعود إلى السياسة الأنانية التي تدير بها بعض الجهات حركة الائتلاف وحولته بذلك إلى أداة لتمرير مصالحها الشخصية من دون النظر إلى مصالح الأمة والبلد و أصبح معيار اختيار الوزير هو تحقيق هذه المنافع الشخصية واستفادت من نفوذها السياسي لفرض هيمنتها على قرار الائتلاف بعيدا عنالاستحقاقات والشراكة في الرأي التي يفترض أنها من أسس تشكيل الائتلاف وبذلك فقد رفضت المرجعية الرشيدة الرسالية إن تكن مظلة شرعية لهذه السياسة أو جزءا منها لكنها دعت بنفس الوقت أبناء الفضيلة إلى أن يساهموا مساهمة فعالة في بناء الدولة العراقية الجديدة من خلال شغل المواقع المختلفة فيها لأنهم إلا جدر ببناء العراق الحر الكريم المزدهر لما يتمتعون به من نزاهة وكفاءة وإخلاص وطالبهم بالتفريق بين الحكومة التي تتغير وبين الدولة الباقية بمؤسساتها ومرافقها والتي هدفها الأساسي خدمة الإنسان وتوفير حقوقه الأساسية وبناء البلد المزدهر الحر .
ص: 386
استقبل(1)
سماحة الشيخ اليعقوبي الأخوات المشاركات في الدورة التأهيلية للعمل السياسي التي نظمها المكتب السياسي النسوي التابع لحزب الفضيلة الإسلامي في مدينة النجف الأشرف واستمر ثلاثة أيام، واحتضنت الدورة حوالي ثلاثين امرأة يمثلن المحافظات العراقية، وألقت فيه عدد من المختصصات في العلوم السياسية محاضرات متنوعة، وقدمت الدكتورة مسؤولة المكتب السياسي النسوي خلاصات للمحاضرات وبعض التوصيات التي تمخّض عنها هذا اللقاء، وتحدثت إحدى المحاضرات عن الفقرات التي تخص المرأة في الدستور وضرورة أن يكون للمرأة الإسلامية مشاركتها الفاعلة في تثبيت ما ينسجم مع عقيدة الأمة و أخلاقها و تقاليدها حيث لا زال الدستور عرضه للتغيير وسن قوانينه الكبيرة التفصيلية .
وأبدى سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) تعليقاته وتوجيهاته على مجمل الأمور ثم تحدث عن الإشكالية الكبيرة التي تتعرض لها الكيانات الإسلامية حيث تصدت للسلطة من دون أن تقدم فرقا واضحا في الأداء عن غير الإسلاميين فلا الوزارات التي تسلموها طهرت من الفساد ولا قدمت وزاراتهم خدماتأفضل من غيرها ولا عرضت برامج وخططا فيها مسحه مميزة لهم عن غيرهم ولا شهدت وزاراتهم ازدهارا للبلد في اختصاصاتها ،
ص: 387
بل على العكس كان اشد الفئات تضررا بأداء الحكومة هم من انتخبوها وضحوا من اجل إيصالها إلى السلطة .
لقد غابت الرسالية في أداء المتصدين وذهبت أدراج الرياح الأهداف التي تحرك المخلصون من اجلها وسادت بدلاً عنها الأنانيات والمصالح الشخصية. ويبدو أن الإسلاميين مشمولون بالحديث الشريف (إن دولتنا آخر الدول ولا يبقى أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء وهو قوله تعالى [وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ] والحديث يشعر بفشل كل تلك التجارب وعجزها عن تقديم النظام الصالح.
ولكن في مقابل ذلك توجد ثلة صالحة تعمل في السر أو العلن في السلطة أو خارجها على التمهيد لدولة العدل الإلهي وانتنّ بالإخلاص وتهذيب النفس والهمة في العمل يمكن أن تكونَنَّ منهم.
وحذّر سماحته من الوقوع في فخ الاستفزازات خصوصاً في مجال المرأة حيث يقوم الإسلاميون بتغيير مناهجهم وتقديم (تنازلات) ليوحوا للغرب أننا منفتحون ومتحضرون ونحوها من العناوين البرّاقة التي يراد منها تمييع الشخصية الإسلامية وإفراغها من محتواها وخصوصياتها وقد حذَّرَنا الله تبارك وتعالى بقوله [وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ] (البقرة: 120).
ص: 388
على مؤسساتنا أن تضع الخطط الاستراتيجية لعملها وان لا تقتصر على القرارات الارتجالية وردود الأفعال فإن ذلك لا ينضّج مشروعا إصلاحياً تغييرياً وهو ما تنتظره الأمة من الكيانات الإسلامية.
ص: 389
استقبل(1)
سماحة الشيخ اليعقوبي السيد بيان جبر الزبيدي وزير المالية الذي طمأن سماحته بإطلاق ميزانية إعمار المحافظات البالغة ملياري دولار لهذا العام وأن (150) مليون دولار مخصصة لتأهيل الأهوار لم تصرفها الحكومات السابقة منذ سنتين، وقال سماحته: إن الأمن والخدمات هما المعيار لنجاح الحكومة وفشلها في نظر الشعب والأول متوفر في محافظات الوسط والجنوب فما العذر في عدم تحقيق الثاني؟
إن المسارعة في إعمار هذه المحافظات المضطهدة والمحرومة رغم ما تكتسبه من ثروات تؤهلها لأن تكون أكثر البلاد ترفاً لَهو السبيل لاستعادة ثقة الشعب بحكومته التي انتخبها رغم الصعوبات.
وأبدى سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) قلقاً من شروط البنك الدولي لإجراء بعض التسهيلات والمعونات الاقتصادية للعراق فإن هذا البنك يصر على تقليص وإنهاء الدعم الحكومي للمشتقات النفطية والبطاقة التموينية ورواتب المتقاعدين، ومثل هذه الخطوات في ظل المعاناة وشظف العيش الذي ينوء بحمله العراقيون تؤدي إلى نتائج كارثية، وتنهي الخيط الرفيع من الثقة المتبقي بين الحكومة والشعب.
ص: 390
وأوصى سماحته السيد الوزير بأهل الأهوار الذين يتوزعون على محافظات البصرة والناصرية والعمارة ويمتدون إلى غيرها خيراً لما قدموا من تضحيات يسجلها لهم التأريخ، وذكره بأن مثل هذه الأعمال ليست فقط يستدعيها الموقع الحكومي والاستحقاقات السياسية وإنما هي أعمال إنسانية يشكرها الله تبارك وتعالى وعباده المخلصون فإن ما يعانيه أهلنا في الوسط والجنوب يدمي قلب كل غيور ووطني شريف وليس هذا جزاء من ضحى وصبر وتمسك بوطنه ودينه وأخلاقه.
وأعرب سماحته عن ثقته بقيام وزارة المالية بإصلاح في السياسة المالية تناسب العراق الذي نأمله بالتعاون مع البنك المركزي المسؤول عن السياسة النقدية للنهوض بواقع البلد ونقله إلى مصاف الدول المتقدمة بإذن الله تعالى.
ورافق السيد الوزير محافظا الكوت والناصرية ونائب محافظ النجف الأشرف.
ص: 391
استقبل(1) سماحة الشيخ اليعقوبي السيد مدير مكتب السيد وزير الداخلية وأكّد سماحته في اللقاء على ضرورة إصلاح الوزارة من الفساد الإداري والمالي وطرد العناصر العاملة مع الإرهاب من تكفيريين وصداميين وزج العناصر الوطنية المخلصة والكفوءة والتي تتحرك في ضوء تكليفها الوطني والشرعي.ودعا سماحته إلى تأسيس شعبة للتوجيه الوطني والأخلاقي تغذي منتسبي القوات الأمنية بروح الولاء للوطن وخدمة المواطن ونبذ الولاءات الحزبية والطائفية والمناطقية ونحوها وكذلك تعليمهم أخلاقيات المهنة تأسيا برسول الله (صلی الله علیه و آله) الذي كان لا يرسل سرية أو جيشاً –وهم من كبار الصحابة –حتى يوصيهم بأخلاقيات العمل العسكري ومواصفات المقاتل الشريف وهذا ما نفتقده لدى الكثيرين، مما استوجب تأسيس مثل هذه الشعبة.
إن العنصر الأهم في (المصالحة الوطنية) وحل المشكلة الأمنية التي يعاني منها العراق الجريح اليوم يكمن في إصلاح الخطاب السياسي والديني والاجتماعي لتحل مصطلحات الإخاء والتسامح والتآلف والشراكة
ص: 392
في بناء الحياة وإعمارها ونحوها بدلا من مصطلحات العنف والتكفير والتطرف والإقصاء والطائفية والأنانية.
وتأسيس مثل هذه الشعبة سيساهم في زرع المعاني النبيلة والقيم الإنسانية العليا في نفوس القوات الأمنية بإذن الله تعالى.
ص: 393
استقبل(1) سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) السيد رياض غريب وزير البلديات والأشغال العامة وتطرق سماحته في بداية حديثه عن الوضع الأمني السيئ وانتشار الجرائم واستهداف الأبرياء وأحدها ما حصل أمس حيث قام مجرم بتفجير نفسه قرب الصحن الحيدري الشريف فاستشهد حوالي سبعين وجرح أكثر من مائة.
إن هذا الحال السيئ له أسباب عديدة كالاحتلال وأجندات السياسيين وطموحاتهم اللا مشروعة لكن أحد أسبابها المهمة محاكمة صدام التي تجري وكأنها في بلد مستقر مترف يريد أن يتلهى بالتفرج على هذه المسرحية بينما نحن نشهد حالة تغيير جذري وانتقال من زمان الطواغيت المتجبرين إلى زمان الحرية وفي بلد يعاني من وجود الصداميين الذين يتفننون في أساليب القتل والإجرام والتكفيريين الذين لا يعرفون غير إزهاق النفوس وتخريب البلاد ومثل هذا الحال يتطلب حزما وشجاعة وسرعة في اتخاذ القرار كما في سائر حالات الطوارئ والأوضاع الاستثنائية.
ص: 394
إن هذه المحاكمة التي استمرت خمس وثلاثين جلسة على مدى عشرة أشهر تقريبا من دون أن تصل إلى نتيجة(1)
بل إن أعتى مجرم شهدته البشرية في هذا العصر يأمل أن يُحكم عليه بالبراءة أو تُنقل محكمته إلى خارج العراق وتميّع فكيف سيرتدع المجرمون القتلة وكيف سيحترمون القانون وحقوق الإنسان لذا قال الله تعالى [وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] (البقرة:179).
إن الولايات المتحدة التي تريد أن تلمع صورتها بهذه الأفعال وتسوق ديمقراطيتها الزائفة حينما شهدت اضطرابا وقتلا وسرقة في إحدى ولاياتها حينما ضربها إعصار كاترينا قبل أشهر علّقت العمل بالقانون وسمحت لقواتها المسلحة بإطلاق النار والتعامل مباشرة مع الحوادث من دون الرجوع إلى القضاء وتفعلنفس الشيء هنا في العراق فتقتل الأبرياء لمجرد أن سياراتهم اقتربت أقل من خمسين متراً إلى رتل مدرعاتهم وغيرها، فلماذا إذن لا يتم التعامل مع صدام الذي عرفت البشرية كلها جرائمه وإزهاقه أرواح الملايين.
لقد اعترف القضاء بأنه لم يعدم من الذباحين والقتلة إلا اثنين وعشرين من أصل حوالي مائتين حكموا بالإعدام في حين إن الذين اعترفوا
ص: 395
واقروا بأنهم ذبحوا الأبرياء وفخّخوا السيارات وقاموا بمذابح جماعية في الأسواق والمساجد هم أكثر من ذلك بكثير.
وبعد أن بث سماحته هذه الآلام لتنقل إلى مجلس الوزراء وغيره من المحافل السياسية طلب من السيد الوزير أن تنهض وزارته بواقع الخدمات في المناطق المحرومة لان الوزيرة السابقة سيئة الصيت لم نجد في أيامها شيئا يذكر. وتحدث سيادة الوزير عن المشاريع التي أعدتها الوزارة وبدأت بتنفيذ عدد منها وتوزيع قطع الأراضي على ذوي الشهداء والمسجونين والمهجرين.
ص: 396
استقبل(1) سماحة الشيخ اليعقوبي ( دامت تأييداته ) السيد جواد البولاني وزير الداخلية وقد اطلع سماحته على طبيعة التغييرات التي بدأ بإجرائها في هيكلية الوزارة ومنتسبيها والمشاكل والتعقيداتالمتراكمة التي تعاني منها وشرح جملة من المشاريع التي ينوي تنفيذها لتحسين عمل الوزارة وان كان أكثر إنجازاتها غير ملحوظ. وبين له سماحة الشيخ اليعقوبي أن وزارة الداخلية هي عنوان نجاح وفشل الحكومة وإن الأنظار في العراق والعالم كله متوجهة الآن إلى أدائها لارتباط جميع الأنشطة الأخرى بها وأوصاه باعتماد العناصر الوطنية الشجاعة النزيهة الكفوءة ولا ينجح في عمله إلا باعتماد فريق عمل يتصف بهذه الخصائص.
ص: 397
مشروع المرجعية لمعالجة للفساد الإداري يحظى باهتمام كبير(1)
حظي إعلان المرجعية في العدد السابق من صحيفة الصادقين لخطوات عملية في معالجة الفساد(2) الإداري والمالي الذي ينخر بكيان الدولة والمجتمع باهتمام كبير وقد قام عدد من المفتشين العامين في الوزارات بصياغة أفكار الخطاب بقانون لعرضه على البرلمان والمصادقة عليه، وقد أعلن هذا أحد أعضاء اللجنة القانونية في البرلمان الذي أعد هو الآخر صياغة لهذا القانون.
نأمل من الأمة أن تستفيد من توجيهات مرجعيتها الرشيدة وان تتابع حركتها فإنها صمام أمانها بلطف الله تبارك وتعالى.
ص: 398
الموقف الصحيح من صدور حكم الإعدام في حق صدام حسين(1)
من حق الأمة أن تفرح بجريان سنة الله تبارك وتعالى في الطواغيت الذين اتخذوا مال الله دولا و عباده خولا و ملأوا الأرض شراً وفساداً و ضجت الجن و الإنس و الملائكة من جرائمهم البشعة [وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً] (الأحزاب:62).
وما أسرع ما أرانا الله نقمته من الظالمين في حين عاش الأئمة الطاهرون و السلف الصالح قرونا من ظلم العباسيين ومن قبلهم الأمويين ومن بعدهم من دون أن ينتصف المظلوم من الظالم ليشفي منه غليله.
وبغض النظر عن الظروف و الملابسات التي أحاطت وتحيط بمحاكمة المجرم صدام وزبانيته الأشرار سواء على صعيد صدور الحكم أو
ص: 399
تنفيذه، فإن الذي ينبغي للمؤمنين أن يلتفتوا إليه هو عدم المبالغة في الأحلام الوردية، بأن العدالة قد قامت و أن الإنصاف أصبح سيد الموقف فإن صداماً ليس كل المشكلة ولا تنتهي معاناة الناس بنهايته و إنما هو جزء منها و مظهر من مظاهرها، ولا تقوم العدالة إلا بالانتصار على كل شياطين الجن والأنس و التطبيق الكامل لشريعة الله تبارك وتعالى على يد عباده الصالحين [وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ] (القصص:5) [وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُون َوَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون] (الصافات: 171-173).نعم ينبغي للمؤمنين أن يستثمروا هذه الفرص الجزئية لإعلاء كلمة الله تبارك وتعالى ونشر مبادئ تعاليم ومدرسة أهل البيت المباركة من دون أن يعطوا مشروعية لأي تغيير لا يمتلك الشرعية الكاملة
وهذا ما تعلمناه من أئمتنا المعصومين فقد شهدت فترة الإمام الصادق (علیه السلام) قضاء العباسيين على الأمويين و أبدى قادة الجيوش العباسية رغبتهم في أن يتولى الإمام (علیه السلام) الأمور لكن جوابه لأبي مسلم الخراساني كان (لست من رجالي ولا الزمان زماني) و احرق كتاب أبي سلمة الخلال من دون أن يرد بكلمة و قال للرسول هذا جوابي فأبلغه أبا سلمة.
وفي حياة الإمام الرضا (علیه السلام) وقع الصراع الدامي بين الأخوين المأمون و الأمين و امتد عدة سنوات حتى دخل الأول بغداد و قضى على أخيه الأمين و خدع بعض الشيعة بهذه الحركة ولم يعوا موقف الإمام (علیه السلام) فشاركوا مع جيش المأمون في المعارك فابلغهم الإمام اعتراضه ورفضه.
ص: 400
فلا بد أن نعي كل تغيير و نستفيد منه بمقدار ما ينفع المشروع الإلهي العظيم من دون إعطاء المشروعية المبالغ فيها ، وقد تقولون أن تحديد مثل هذه المواقف وتحديد مدى الاستفادة من التغييرات صعب ودقيق فكيف نعرفه؟ و أنا اعترف بذلك، لكن الحل سهل بالنسبة إليكم و ذلك بإتباع المرجعية الرشيدة الواعية (فالمتقدم لهم مارق و المتخلف عنهم زاهق و اللازم لهم لاحق) أما من تأخذه العزة بالإثم و يستكبر عن النصيحة فانه لا يضر إلا نفسه.
ص: 401
تفضل سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله الشريف) بالإجابة عن مجموعة أسئلة توجه بها مدير مكتب (صحيفة نيوزويك) الأمريكية في بغداد قدّم خلالها خطوطاً عريضة لكيفية تخليص الوضع في العراق من محنته ووعد بتقديم التفاصيل إن وُجدت إرادة حقيقية لدى الفرقاء والقوى المؤثرة في الساحة لإيجاد حل.
كما تناول سماحته جملة من القضايا المهمة في الشأن العراقي كالفدرالية ونظام الحكم المناسب بعد أن ابتدأ حديثه بموجز لسيرته الذاتية ووجّه في ختام حديثه رسالة إلى الشعب الأمريكي وهذا نصّ طلب مدير مكتب المجلة مع جواب سماحته.
سماحة المرجع الديني آية الله الشيخ محمد اليعقوبي
السلام عليكم:
يود كادر مجلة نيوزويك في بغداد طرح الأسئلة أدناه على سماحتكم لتبينوا فيها آراءكم ولكم الحرية و المجال في بيان وجهة نظركم.
كيفن بيراينو
مدير مكتب نيوزويك -بغداد
ص: 402
بسم الله الرحمن الرحيم
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته:-
سأحاول الإجابة باختصار لعدم علمي بالمساحة المخصصة للأجوبة من المجلة و لوجود تفاصيل مهمة لما ترومون معرفته نشرتها في سلسلة (خطاب المرحلة) التي بدأت مع إرهاصات إسقاط النظام ألصدامي ووصل التسلسل الآن إلى (132) وهي و غيرها موجودة على موقعنا على الانترنت (www.yaqoobi.com)
نيوزويك:- ممكن أن تذكروا للمجلة شيئا عن سيرتكم الذاتية وأين نشأتم ومن هو مثلكم الأعلى وكيف تأثرتم به؟
سماحة الشيخ اليعقوبي: ولدت في النجف الأشرف عام 1960 يوم المولد النبوي الشريف وهي علامة فأل حسن لدى المسلمين، وانتقلت إلى بغداد عام 1968 مع والدي الذي كانت له مسؤوليات في العمل الاجتماعي الذي يديره المرحوم الشهيد السيد مهدي نجل المرجع الديني الأعلى السيد محسن الحكيم في الكرادة الشرقية، أكملت دراستي في بغداد حتى حصلت على البكالوريوس في الهندسة المدنية عام 1982 ولم ألتحق بالخدمة العسكرية الإجبارية يومئذ لأني رفضت أن أكون جزءاً من المنظومة الظالمة التي كانت تخوض حرباً عدوانية على إيران وان كان
ص: 403
موقعي أميناً ومغرياً ومكثت في البيت متخفيا لا اخرج إلا لضرورة عكفت خلالها على الاستفادة من المكتبة الكبيرة التي تركها لنا والدي المتوفى في نفس السنة.
و في عام 1985 أتيحت لي فرصة الاتصال بشكل سري عبر عدة وسائط بالشهيد السيد محمد الصدر (قدس سره) وبعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية عام 1988 خفت قبضة النظام نسبيا وصرت أتحرك بحرية وكذا بدأ السيد الشهيد الصدر الثاني تدريسه وبحثه وصرنا نلتقي مباشرة.
و في أحداث الانتفاضة الشعبانية عام 1991 جعلني رئيسا لإحدى اللجان الخمسة و هي السياسية و الإعلامية في اليوم الأخير قبل اقتحام قوات الحرس الجمهوري مدينة النجف و اعتقال السيد الشهيد.
وبعد الانتفاضة ارتديت الزي الديني مطلع عام 1992 والتحقت بالدراسة الدينية و قطعت أشواطها بسرعة حتى حضرت الدروس العليا عند كبار العلماء السيد الشهيد الصدر (خمس سنوات) و السيد السيستاني (خمس سنوات) و الشيخ محمد إسحاق الفياض (أربع سنوات) و الشهيد الشيخ ميرزا علي الغروي (سنتان).
وبعد استشهاد السيد الصدر عام 1999 و إغلاق مكتبه بحادثة مفتعلة أعدت النشاط الاجتماعي و التدريس و اللقاء بالناس في مسجد الرأس الشريف المجاور للصحن الحيدري حتى أصبح مركز إدارة وقيادة أتباع السيد الشهيد الصدر الثاني والحركة الإسلامية المتصاعدة مما أربك النظام وجعلني تحت المراقبة المكثفة.
ص: 404
ولم أعلن اجتهادي إلا بعد سقوط النظام مباشرة حيث أقمت صلاة الجمعة في صحن الكاظمين في بغداد في 2003/4/25 بحضور عشرات الآلاف امتلأ بهم الصحن الشريف و المساحة المجاورة له و دعوت الناس إلى المشاركة في تظاهرة يوم 2003/4/28 للمطالبة بدور أساسي للمرجعية الدينية و الحوزة العلمية و عراقيي الداخل (كما يسمونهم) في العملية السياسية و كانت من اكبر التظاهرات التيشهدها العراق الحديث امتدت عدة كيلومترات ما بين ساحة المسرح الوطني و ساحة الفردوس ، و تجدون تفاصيل أخرى في كتاب (الشهيد الصدر الثاني كما اعرفه) و كتاب (محمد اليعقوبي من الذات إلى المجتمع) وكتاب ( الشيخ موسى اليعقوبي: حياته – شعره) وكتاب (قناديل العارفين) وغيرها.
ومثلي الأعلى هو قدوة كل البشر الذي جعله الله تعالى لنا أسوة حسنة حين قال تبارك وتعالى: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ] (الأحزاب:21) وهو محمد رسول الله (صلی الله علیه و آله) وعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين و الأئمة المعصومون من ذريتهم، وأراجع باستمرار سيرتهم وكلماتهم الشريفة لأستفيد منها وأتأسى بها وسجلت استفادتي من قيادتهم المباركة في عدة كتب وهي (الأسوة الحسنة للقادة والمصلحين) و (دور الأئمة في الحياة الإسلامية) و (شكوى القران).
ص: 405
نيوزويك: ما هي الأهداف الاستراتيجية لحزب الفضيلة الإسلامي؟
سماحة الشيخ اليعقوبي: كان مشروع تأسيس الحزب في ذهني قبل السقوط لعلمي بانهيار النظام و سقوطه و عرضت أفكارا مجملة على الدكتور نديم الجابري و عدد محدود من الإخوة لقوة بطش النظام وفتكه بأي مشروع من هذا القبيل، وبعد السقوط مباشرة ذهبت إلى بغداد و اجتمعت بعدد من الكوادر و انطلقت مسيرة الحزب و كانت هذه الكوادر (ومنهم الدكتور نديم الجابري) في مقدمة التظاهرة التي أشرت إليها قبل قليل.
وكان الهدف من تشكيله بلورة المشروع السياسي الذي يحقق مطالب الجماهير التي كانت في داخل العراق، وخصوصاً من أتباع المرجع الشهيد السيد محمد الصدر الذين كانوا لا يحسنون الظن بأكثر قيادات الأحزاب القادمة من الخارج، و يرونهم بعيدين عن الواقع و يعيشون حالة انفصال عن تطور الأحداث في العراق خلال عشرين عاماً، ولا حاجة إلى تذويب شخصيتهم في أولئك القادمين من دون أن يكون بديلاً عنهم وإنما هو مكمل لدورهم وخيمة لضم هذه الشريحة لذا فإن المراقب يجد في مسيرة حزب الفضيلة الإسلامي خصوصيات غير موجودة في غيرهم (راجع كتيب بعنوان: خصوصيات حزب الفضيلة الإسلامي كتبه الدكتور جاسم محمد)، وقد أشرت إلى الأهداف من تشكيله و المبادئ التي يستند إليها
ص: 406
الحزب في عمله في عدة خطابات من سلسلة خطاب المرحلة ومنها خطاب(الأسس النظرية لحزب الفضيلة الإسلامي) و(العمل السياسي من الواجبات الشرعية) و(المبادئ الثابتة في السياسة) و(مبادئ الشفافية وعناصرها) وغيره، وألف الدكتور نديم الجابري كتاب (نظام الحكم المناسب في العراق) مؤيداً لهذا المشروع، وتستطيع أن تميز خط الحزب باختصار بأنه (عراقي- عربي- إسلامي- أنساني) بكل ما تعنيه هذه الكلمات من برامج واليات عمل وأهداف و مواقف و رؤى
نيوزويك: هل يمكن تفادي الحرب الأهلية، وكيف؟
سماحة الشيخ اليعقوبي: نعم يمكن تفادي الحرب الأهلية بالقضاء على أسبابها ومناشئها وتجفيف منابع إثارتها و تأجيجها وإدامتها و ذلك من خلال عدة خطوات :
أ- توفر القناعة لدى المحرضين عليها و الداعمين لها من الإطراف الداخلية و الخارجية بعدم جدواها و إنها تعود بالضرر عليهم [وَلا يَحِيقُ المَكرُ السَيّئُ إلا بِأَهلِهِ]، وأن ما يريدون تحقيقه – إنْ كان حقا وعدلا – فإنهم سينالونه بالحوار والعملية السياسية والمطالبة المستندة إلى الحجة والدليل، فإذا توفرت هذه القناعة وحصلت الإرادة الجدية لحل المشكلة فإنها ستحل فوراً، أما الصيحات و الدعوات التي نسمعها هنا وهناك فإنها منافقة وغير صادقة ولا مبتنية على أسس صحيحة و إنما يريد كل طرف تكريس مصالحه و التمدد على حساب الآخرين أزيد ما يمكن.
ص: 407
ب- نبذ الخطاب الطائفي و القومي و الأناني و الفئوي و التحول إلى خطاب أنساني يتسامى عن هذه النظرات الضيقة و أن يتقوا الله في هذه الأمة فقد اهلكوا العباد وخربوا البلاد.
ج_- قيام الخطباء والعلماء والمثقفين و أئمة المساجد وصانعي الرأي العام من إعلاميين و كتاب بخلق حالة عامة من الوعي ضد التطرف والتشنج و التعصب والعنف والطائفية ونحوها من أسباب الفتنة.
د- إنهاء حالة الاحتلال و اقتصار الجهد الدولي على المساعدة بالمقدار الذي يحتاجه العراقيون من دول العالم، فإن العراق بحاجة أكيدة إلى المساعدة لكي يداوي جراحه ويعمر بيته و يبني مؤسساته وينهض من الكارثة التي حلت به منذ عقود ويقف على قدميه من جديد ويجاري الدول المتحضرة، وهو قادر على الوصول إلى هذه المرحلة بسرعة لتوفر عناصر القوة و الازدهار والتقدم والثروة عنده.
ه_- إجراء إصلاحات سياسية جذرية و إعادة النظر في جملة من القرارات الخاطئة التي اتخذت (ومن) هذه الإصلاحات:-
1- تفكيك الائتلافات(1) و التحالفات على أسس طائفية أو عرقية و السماح بتحالف الأحزاب و القوى السياسية على أساس البرامج السياسية لإنهاء حالة التخندق الطائفي.
ص: 408
2- إجراء انتخابات برلمانية تكميلية أو تعديلية كل سنتين في هذه المرحلة الانتقالية من تاريخ العراق لتسارع التغيرات و التحولات فيكون من الضروري امتصاص احتقان الذين لم تتوفر لهم فرصة المشاركة في البرلمان لسبب أو لآخر، لأن جزءاً من التوجه لحمل السلاح بسبب هذا الابتعاد الذي كان قسريا في بعض الأحيان فتستثمر التحولات السياسية لإعادة الفرصة إليهم من جديد.3- إعطاء دور للأحزاب و القوى التي تتبنى المعارضة الايجابية البناءة لا يقل عن دور المشاركين في الحكومة من خلال المؤسسات الرقابية كهيئة النزاهة و ديوان التفتيش العام و ديوان الرقابة المالية و نحوها وهي مؤسسات بدرجة وزارة يمكن أن تقنع هذه الأحزاب المعارضة و تسحبها من تبني المواجهة المسلحة، وقد ذكرت جدوى و مبررات هذا
ص: 409
المقترح وآلياته التفصيلية في خطاب صدر أخيراً من سلسلة خطاب المرحلة وهو منشور وتوجد مقترحات أخرى سأبينها بأذن الله تعالى عندما تتحقق الإرادة الجدية للحل.
نيوزويك: هل يساند سماحتكم جدولاً زمنياً لانسحاب القوات الأمريكية من العراق وهل لديكم أية مخاوف من ازدياد إراقة الدماء إذا هم رحلوا؟
سماحة الشيخ اليعقوبي: أنا أرفض حالة الاحتلال جملة وتفصيلاً، ويشاركني في هذا الموقف كل حر شريف، ورغم معاناتنا التي لا نظير لها من صدام و جلاوزته حيث كنا في داخل العراق وفي قلب أحداثه بمرافقتنا للسيد الشهيد الصدر الثاني طيلة أربعة عشر عاماً حتى استشهاده حيث كنت على رأس من تسلم جسده الشريف ونجليه من المستشفى و صليت عليهم و دفنتهم مع ثلة قليلة لا تتجاوز عدد الأصابع وواصلت مشروعه من بعده على مرأى ومسمع أولئك الأشرار.
أقول: رغم كل ذلك فإننا لم نكن نرحب بالقوات الغازية؛ لأننا و إن كنا نكره صداماً ونريد زواله إلا أن القلق ينتابنا من قدوم القوات الأجنبية وتواجدها على أراضينا، وقد بينت في بعض خطاباتي وجوه هذا القلق، وحينما أتت كنا نأمل أن يقتصر دورها على ما أعلنته من مساعدة الشعب
ص: 410
العراقي في بناء دولة حرة كريمة مبنية على أسس العدالة و الازدهار، وكنت من المبادرين إلى تقديم مشروع الحكومة الانتقالية في العراق قبل تأسيس مجلس الحكم لإعادة السيادة إلى العراقيين (وهو منشور ضمن سلسلة خطاب المرحلة)(1)،
ولكن أصواتنا لم تكن مسموعة وتراكمت أخطاء الاحتلال و المتصدين للعملية السياسية حتى وصلت بنا الحال إلى ما نحن عليه الآن.ولم أتوقف عن تقديم المشاريع البناءة التي فيها إنقاذ لكل الأطراف المتورطة في القضية العراقية ولكن [يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون] (يس:30) ويدفع الثمن دائما الأبرياء المستضعفون فنعم الحكم الله و الخصيم محمد (وعند الله تجتمع الخصوم).
وكنتُ من المبادرين للمطالبة لتشكيل وزارة الدفاع في صلاة الجمعة التي دعونا إلى إقامتها في ساحة الفردوس وشارك فيها الآلاف في آذار /2004 عندما تأخر تشكيلها بغية الإسراع في بناء قوات مسلحة عراقية كفوءة ومجهزة لتستطيع حفظ امن البلاد و تنتهي ذرائع وجود الاحتلال.
لكن الخطوات بقيت متعثرة و الآليات غير فعالة و كل الأطراف تفكر في مصالحها أولا و قبل كل شيء، ولا أحد يفكر بمصير العراق و أهله ولا زلت أجد أن الحل فيما ذكرت من المطالب و إنهاء حالة الاحتلال بالشكل المدروس الذي ذكرناه و شرحناه في عدة خطابات.
ص: 411
على الإرهابيين أن يعلموا أنهم بجرائمهم البشعة يحققون عكس أهدافهم التي يدّعونها من طرد الاحتلال ورفض التقسيم
نيوزويك: ما هو موقفكم تجاه الفدرالية؟ وهل يدعم سماحتكم القانون الجديد لإنشاء الأقاليم؟
سماحة الشيخ اليعقوبي: أصدرت عدة خطابات لبيان موقفنا من الفيدرالية كما ورد في صحيفة الصادقين التي تنشر أحاديثي وكلماتي تفاصيل عن القضية و بينتها لكبار المسؤولين الذين زاروني فراجعوها جميعا على موقعنا في شبكة الانترنت، وخلاصة الموقف أن الفيدرالية ليست مطلبا لنا فنحن نريد عراقاً موحداً وحكومة مركزية فاعلة في ممارسة الصلاحيات الموكولة إليها في الدستور، مع إعطاء إدارة لا مركزية بصلاحيات واضحة وواسعة في الدستور أيضا للحكومات المحلية في المحافظات، وأن تقدم الحكومة المركزية كل ما يساهم في إنجاح و تقوية الحكومات المحلية.
وبنفس الوقت اعتقد أن الفيدرالية يمكن أن تكون حلا أخيرا لمشاكل البلاد إذا استعصت على الحل لا سامح الله، ولا أجد مشاكل البلاد مستعصية على الحل إلا إذا أوصل أعداء الأمة والجهلاء والمتحجرون والانتهازيون و الأنانيون الحالة إلى هذه النقطة، لذا فعلى الإرهابيين والقتلة أن يعلموا إنهم بجرائمهم التي يرتكبوها بحق الشعب وعلى رأسها المجزرة
ص: 412
التي ارتكبت يوم أمس بحق أبناء مدينة الصدر البطلةالمظلومة المحرومة(1)
إنما يحققون عكس أهدافهم التي يزعمونها فأنهم يكرسّون الاحتلال الذي يزعمون أنهم يقاومونه؛ لأنهم يوفرون الذرائع له وإنهم يسدون كل باب للتعايش السلمي و التسامح والتواصل فينحصر الخيار بالفيدرالية والتقسيم ونحوها من الخيارات المرة وهم يزعمون إرادة وحدة العراق ومعارضة تقسيمه فليثوبوا إلى رشدهم ولينظروا إلى نتائج أعمالهم ببصيرة
نيوزويك: كيف ينبغي أن يحكم العراق؟ وهل يمكن أن يكون أي بلد كنموذج لهذا الحكم سلبا أم إيجاباً؟
سماحة الشيخ اليعقوبي: إن نظام الحكم الذي ينبغي أن يسود العراق هو النظام الذي يحترم إرادة الإنسان ويعطيه الحرية الكاملة لاختيار من يحكمه وشكل الدولة التي يريدها و الدستور الذي ينظم عمل مؤسساته و الحقوق و الواجبات للفرد والدولة، وان تحقق له الفرصة الكاملة للتغيير
ص: 413
والتبديل لكل ما لا يصلح له في ضوء آليات يكفلها الدستور، وإن كثيراً من الأنظمة السائدة في (الدول الديمقراطية) مناسبة للعراق بعد التعديل في تفاصيلها بالشكل الذي يناسب ثقافة وأخلاق وتقاليد الشعب العراقي وليس من الضروري استنساخ تجربة أي بلد آخر؛ لأننا نمتلك من الأصالة والعمق في التاريخ ومصادر العلم والمعرفة والكفاءات المتميزة ما يغنينا عن التبعية لأحد من دون أن نستغني عن كل تجربة ايجابية فنستفيد منها.
نيوزويك: ما هي المقترحات التي تدعمونها لرئيس الوزراء السيد نوري المالكي وعلى أي منها تعترضون؟
سماحة الشيخ اليعقوبي: لقد ولِدت حكومة الدكتور المالكي بعد مخاض عسير وطويل مما جعلها هزيلة وضعيفة وممزقة، وهذا ما تنبأنا به من خلال العقلية التي أدارت بها الكيانات السياسية مفاوضات تشكيل الحكومة إذ لم يكونوا يتصرفون كإخوة أبناء بلد واحد يريدون أن يساهموا في بناء عراق جديد، وإنما كانوا فرقاء متخاصمين يحاول كل منهم أن ينتزع من الآخر أزيد من حقه لذا أمرت كتلة الفضيلة بالانسحاب من الحكومة إذ لا يشرِّف أحدا أن يكون جزءاً منها وهي بهذه العقلية، ورغم ذلك فقد دعوتُ أعضاء كتلة الفضيلة إلى التصويت ب_ (نعم) في البرلمان لنيل الثقة بالحكومة من اجل إعطائها فرصة للعمل لعلها تنجح، واستمر
ص: 414
موقفنا الساند للدكتور المالكي وهذه كلها مواقف نبيلة لا تشهد لها مثيلا في عالم السياسة، وعندما علمنا بسعي الأستاذ المالكي لتغيير وزاري طلبتُ من كتلة الفضيلة لقاءه وزعماء الكتل السياسية ليعلنوا له موقف الحزب بأن التغيير إذا كان حقيقياً ولمصلحة البلد والشعب فإن الحزب يشارك في التشكيلة الجديدة، أما إذا كان من باب ذر الرماد في العيون فإن الحزب يحافظ على كرامته وينأى بنفسه عن هذه العملية
نيوزويك: هل تؤيدون إنشاء حكومة دينية – تعتمد على حكم الشريعة – في العراق؟
سماحة الشيخ اليعقوبي: استند في كلامي إلى قول الإمام الرضا (علیه السلام) ثامن الأئمة المعصومين عندنا فقد روي قوله (إنما يحتاج الناس من الأمراء عدلهم) فنحن لا نهتم بالتسميات و الشعارات المرفوعة التي أضرت بنا كثيرا عبر التاريخ، وإنما المطلوب لنا إيجاد نظام حكم وفق الأسس التي ذكرناها إجمالا في جواب السؤال السابق و وضع تفاصيلها أمير المؤمنين (علیه السلام) في عهده الخالد الذي كتبه لصاحبه الوفي مالك الأشتر لما ولاه مصر ، أما هذه المصطلحات كالحكومة الدينية و نحوها فهي مستحدثة ولا أصل لها ونحن إنما أمنا بالدين واتبعناه في حياتنا فلأننا رأيناه يحرر الإنسان من عبودية الإنسان و طاعة الشهوات والنزوات المهلكة ولأنه ينظم حياتنا بالشكل الذي يحقق لنا السعادة والأمن والاطمئنان وإعمار الحياة بكل ما هو مفيد ونحن مع أي نظام يحقق لنا هذه الأهداف بغض النظر عن التسميات.
ص: 415
نيوزويك: فيما لو كنت قائدا للعراق هل ستكون حكومة العراق حكومة دينية؟سماحة الشيخ اليعقوبي: إن القيادة ليست شيئا يُدّعى ولا ينال بالقهر والتسلط بالقوة وإنما هي علاقة تنشأ بين القائد والآخرين يحددها عاملان هما حاجة الآخرين إلى الشخص وإحسانه إلى الآخرين، قال أمير المؤمنين (علیه السلام) (أحسن إلى من شئت تكن أميره، واستغن عمن شئت تكن نظيره ، واحتج إلى من شئت تكن أسيره) وقيل لأحد العلماء ما هو الدليل على إمامة أمير المؤمنين (علیه السلام) فقال: (حاجة الناس إليه واستغناؤه عن الناس) فكلما كان الإنسان معطاء في حياته ومحسنا إلى الناس كل أشكال الإحسان فإن حاجة الناس إليه ستزداد وستختاره لقيادتها ، على إننا تعلمنا من أئمتنا المعصومين (علیهم السلام) الزهد في المناصب واحتقار الدنيا التي تُنال بالظلم والعدوان والمكر والخديعة، ولا نرى المناصب إلا وسيلة للاحسان إلى الناس ورفع الظلم عنهم وإسعادهم وتوجد كلمات جليلة لأمير المؤمنين (علیه السلام) في هذا الصدد في نهج البلاغة لا ينبغي لأحد أن يغفل عنها.
يوجد عتب كبير لدى شعوب العالم على الشعب الأمريكي لأنه لا يؤثر على حكومته لتغيير سياساتها الظالمة:
نيوزويك: هل هناك ما يثير إعجابك بأمريكا، وهل هناك من لفت أنظارك من القادة السياسيين الأمريكيين أو غيرهم؟
ص: 416
سماحة الشيخ اليعقوبي: يجب أن افرق في تقييمي بين الإدارة الأمريكية والشعب الأمريكي، فإن الشعب الأمريكي يساهم في بناء حضارة إنسانية راقية تحظي بإعجاب العالم كله ويحمل الكثير من الخصال الطيبة كاحترام الإنسان واعتباره أثمن شيء في هذه الدنيا مما يدعوهم إلى التفاعل مع قضايا الشعوب، ويعجبني فيهم تذويبهم لكل خصوصياتهم وانتماءاتهم الأصلية وتمسكهم بحب وطنهم ومصلحة شعبهم، كما أسمع كثيراً عن المصداقية في التعامل لدى شعوب الغرب المتحضرة، وهذه كلها وأزيد منها مما تعلمناه من الإسلام على لسان نبينا العظيم محمد (صلی الله علیه و آله)، لكن الفرق بيننا في المنطلقات والنوايا فإن كثيراً من الغربيين يطلبون الأهداف القريبة العاجلة، ونحن نطلب إضافة إليها الأهداف السامية أعني رضا الله تبارك وتعالى والفوز بالجنة، كما أن حضارة الغرب المادية تستبطن عوامل الفناء والخراب ونبهتّهم إليها في أكثر من خطاب منها (الأيدز: نذير انهيار الحضارة الغربية) ورسالتي إلى الرئيس الفرنسي جاك شيراك عندما اخذ بنصيحة مجلس حكمائه في منع الحجاب في المدارس الرسمية وغيرها.ولا زلت أتذكر حين مطالعتي لكتاب (كيف تكسب الأصدقاء) ل_(ديل كارنيجي) الذي أحترمه كثيراً، أتذكر التطابق الكبير بين ما ورد فيه و التعاليم التي نقلتها أحاديث أهل البيت (سلام الله عليهم) ولا اعتقد أن ما توصل إليه نتيجة خبرة إنسانية متراكمة وإنما استفاده بشكل مباشر أو غير مباشر من التعاليم الإلهية للأنبياء والرسل والأئمة عليهم صلوات الله فإن الإنسان عاجز لوحده عن الوصول إلى ابسط التصرفات الحياتية كدفن جسد الميت حتى بعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة
ص: 417
أخيه في قضية قتل أحد ولدي نبي الله آدم للأخر فتعلم من الغراب ودفن جثة أخيه المقتول بحسب ما حكاه القران الكريم.
أما الإدارة الأمريكية فإن الكراهية لها تزداد لدى شعوب العالم بسبب ما ترتكبه من سياسات ظالمة وجرائم بحق الشعوب وكيلها بمكيالين و يوجد عتب كبير لدى هذه الشعوب على الشعب الأمريكي انه لا يؤثر بشكل فاعل على سياسة إدارته المفروض انه انتخبها بكل حرية وهي تدعي تمثيله .
في الختام أأمل أن تُقرأ أجوبتي بعمق وتأمل لأن فيها خيراً كثيراً للجميع وبمقدار نجاحكم في إيصالها فإنها ستكون مثار فخر و اعتزاز ونبل لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ص: 418
فلتتصالح مع الشعب أولاً (1)انطلاقاً من شعورنا بالمسؤولية والمرارة التي أوجعت قلوبنا لما يعانيه الشعب العراقي من وضع مأساوي يبقى وصمة عار على كل من يؤججّه وينفخ ناره ويمدّه من داخل العراق وخارجه ، فإننا لم نتوانى عن تلبية أي دعوة وحضور أي مؤتمر لإنقاذ العراق وأهله مهما تضاءلت فرص نجاحه بل كنّا السبّاقين لتقديم الرؤى والمشاريع التي تتكفل حل ألازمة .
ولكن هذه المحاولات تفشل في حل المشكلة وتنتهي إلى حيث بدأت بل إن الحالة تسوء بعد كل واحدة من هذه المحاولات، وكل ما نتج عنها تكريس حالة الاستسلام والذلة والخضوع لشروط الإرهابيين وقتلة الشعب وترسيخ ثقافة الابتزاز بقوة السلاح، وتشجيع كل صاحب مطلب سواء كان حقا أو باطلا إلى اللجوء للعنف واستعمال السلاح لتحقيق مطلبه، ويبقى الشعب المسالم البريء الأعزل الذي يمنعه دينه وأخلاقه وتقاليده عن ارتكاب الظلم والفساد يبقى محروماً من ابسط حقوقه ويعيش دون خط الفقر في مدنٍ تسبح على بحار من النفط.
ص: 419
إن الحكومة والأحزاب المتسلّطة إذا كانت جادة في (المصالحة الوطنية) فلتتصالح أولاً مع الشعب الذي تهدر ثرواته وتملا بها جيوب الزعماء المتنفذين فإن هذا الشعب يتميز غضباً وحنقاً وغيضاً عليهم.
كيف يرضى الشعب أن يكرَّم أزلام صدام المقبور(1) ويعطون الامتيازات الضخمة التي سيوظفونها حتماً في زيادة ولوغهم في دماء العراقيين وإنعاش الإرهاب، بينما تبقى عوائل الشهداء الأبرار والسجناء الذين ذاقوا صنوف العذاب وكل المحرومين الذين عانوا الأمرّين تحت وطأة ظلم صدام وبطشه وقسوته، يبقون في هذا الحال البائس التعيس من دون أن تكلّف الحكومة نفسها بتكريمهم بما يحفظ ماء وجوههم، بل حتى لم تتحرك بخطوات جدّية لإعادة أموالهم وممتلكاتهم التي صادرها صدام وأزلامه وبيعت بثمن بخس ولا يستطيعون استردادها فينظرون إليها بأعينهم وقلوبهم تحترق!!
وإذا يممّت وجهك شطر المهجرين وتساءلت كيف يواجهون البرد القارص والمطر في تلك الخيام البالية، ولقد رأيت بعيني الأم التي تنقل أطفالها من مكان إلى مكان في مأواهم الخاوي الذي سقفه منالحُصُر والبواري، وجدرانه من الصفيح، وكلما ابتل موضع من المطر نقلتهم إلى
ص: 420
آخر وفي النهار تنشر الفراش والوسائد على الحبل لعل الشمس تجففها وغيرها من الصور المأساوية.
فأين المسؤولون عن هذه الكوارث وإذا منعتهم الحالة الأمنية عن تفقّدهم ميدانياً والإطلاع على حالهم أفلا يتابعون التقارير التلفزيونية وهو أضعف الأيمان ولكن قست القلوب فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة.
ص: 421
استئثار السلطة والعنف السياسي (1)
توجد ظاهرتان في العلاقة بين السلطة والشعب هما السبب في حصول الفجوة والافتراق بينهما وتعمل عدة عوامل أخرى على توسيعها وتأجيجها، هما استئثار الحكام وعدم صبر المحكوم، فإذا التفت المتسلطون إلى أنانياتهم وكرّسوا جهدهم للتفرد بمغانم السلطة وجني المكاسب الشخصية مما يسبّب الحيف والظلم والجور على عامة الشعب الذين قد يصبرون على مستوى معين من الحرمان والتعسف لكن صبرهم لا يستمر إلى ما لا نهاية، وعندما يصل الحرمان من ابسط حقوق الحياة الإنسانية الكريمة إلى درجة لا تطاق فإن الصبر والتصبّر لا يجدي حينئذٍ وينفجر الوضع، وهذا ما عبر عنه الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري (عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج شاهراً سيفه).
هاتان الظاهرتان جمعهما أمير المؤمنين(علیه السلام) حينما سُئِل عن قضية مقتل الخليفة عثمان فأجاب (علیه السلام) باختصار (استأثر فأساء الأثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع ، ولله حكم واقع في المستأثر والجازع)
ص: 422
فلو لم تستأثر بطانة الخليفة بعائدات الدولة الإسلامية ووزعت الحقوق على أصحابها بعدالة وإنصاف أو على الأقل كفلت للرعية الحد المعقول من مستوى المعيشة لما حصلت الفتنة ، ولو أنَّ الناس حين حرمت من بعض حقوقها التي يمكن التنازل عنها صبرت على الحال وكظمت غيظها لتجنبت ما هو أسوا حيث حصل ذلك الجرح العميق في جسد الأمة الذي ظل ينزف دماً إلى اليوم.
وهو(علیه السلام) في الشق الثاني من جوابه يشير إلى إنهم لم يتأسوا به (علیه السلام) في كيفية تصرفه إزاء تلك الظاهرتين حيث ضرب (علیه السلام) لنا أسمى المُثل لمعالجتها، فحينما غصب حقه في خلافة رسول الله (صلی الله علیه و آله) الثابت له بالنص أولاً وبالاستحقاق ثانياً حيث كان من الواضح لدى جميع الصحابة أفضليته عليهم حتى اشتهر عن الخليفة الثاني عمر قوله (لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن) وقول عبد الله بن العباس حبر الأمة وترجمان القران كما يصفونه لما سئل عن مقارنة علمه بعلم علي (علیه السلام) قال (والله ما علمي وعلم كل أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) في علم علي إلا كقطرة في بحر) وهم يروون عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) أقواله الشريفة (أعلمكم علي) (أقضاكم علي) (علي مع الحق والحق مع علي) وغيرها مما رواه الفريقان.
ومع هذا كله فقد صبر عليٌ (علیه السلام) وتحَّمل وكان ناصحاً للخلفاء ويسدد حركتهم بالمشورة الصائبة، كنصيحته للخليفة الثاني بأن لا يخرج بنفسه لقتال الفرس في القادسية حتى لا يستكلبوا عليه ويقولوا هذا رأس العرب إن قتلناه تخلصنا منهم واستمع الخليفة لنصيحته بعد أن أشار عليه الصحابة بالخروج وهكذا مواقفه الأخرى، وبقي خمسة وعشرين عاماً
ص: 423
مقصياً عن الحكم لكن دوره الايجابي العظيم في حفظ هيبة الدولة الإسلامية ووحدة الأمة وسموها وازدهارها بقي معطاء زاخراً ولو كان خرج بالسيف ودعا إلى نفسه والتّف حوله شطر من الأمة الوليدة لكان مصيرها الاندثار.ولما اجمع أهل الحل والعقد على استخلافه مع امتناعه الشديد أثار عليه الفتن والحروب من كانوا بالأمس مستأثرين بفيء الأمة وترك احدهم بعد وفاته من الذهب ما يكسر بالفؤوس، وخرجوا من المدينة وقد حملوا على الإبل صناديق جمعوا فيها تلك الأموال لما سمعوا علياً يصعد المنبر بعد توليه السلطة يقول (ألا وإن كل قطيعة أقطعها عثمان أو مال أعطاه من مال الله ، فهو مردود على المسلمين في بيت مالهم ، فإن الحق قديم لا يبطله شيء ، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، لو وجدته قد تزوج به النساء ومُلِكَ به الإماء وتفرق في البلدان لرددته على حاله فإن في الحق والعدل لَسِعةً، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق ، وأقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم).
وعلق عليه أحد المؤرخين(1) (وكانت هذه الخطبة مما سُرَّ به وسكن إليه المؤمنون المخلصون وأهل الحق والبصائر ، واستوحش منه المنافقون والذين في قلوبهم مرض ، وكل من تطاعم الأثرة أو كان في يده شيء منها لما تواعد به صلوات الله عليه من استرجاع ذلك من أيديهم ، ورده إلى بيت مال المسلمين).
ص: 424
وقال (علیه السلام): (وَوَاللهِ لأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِا جَوْرٌ إِلاَّ عَلَيَّ خَاصَّةً).
وكان مما يوصي به عمّاله على الولايات الابتعاد عن الاستئثار والاختصاص بشيء دون الرعية مما يفترض مساواتهم فيه، فقد جاء في عهده العظيم إلى مالك الأشتر لما ولاه مصر قوله (علیه السلام) (ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختباراً ولا تولَّهم محاباة وأثرة، فإنهما جماعٌ من شعب الجور والخيانة، وتوخَّ منهم أهل التجربة والحياء ، من أهل البيوتات الصالحة)(1) .
أي كلّفهم بالولاية والإدارة بعد امتحانهم وإثبات نجاحهم لا محاباة ومجاملة وميلاً منك لهم وأثرة أي استبداداً بلا مشورة ، فإن المحاباة والأثرة من مصاديق الجور والخيانة. ويقول (علیه السلام) له (وإياك و الاستئثار بما الناس فيه أسوة) أي لا تختص لنفسك بامتيازات ومنح يفترض أن الناس سواسية فيها.
وهذا ما وضّحه الإمام الحسين (علیه السلام) حينما حلّل الخلفية التاريخية لثورته المباركة في كتابه إلى رؤوس الأخماس في البصرة (أما بعدُ: فإن الله اصطفى محمداً (صلی الله علیه و آله) على خلقه ، وأكرمه بنّبوته واختاره لرسالته ، ثم قبضه الله إليه وقد نصح لعباده وبلغ ما أرسل به (صلی الله علیه و آله) وكنّا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته وأحقّ الناس بمقامهفي الناس ، فاستأثر علينا قومنا بذلك فرضيناه
ص: 425
وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية، ونحن اعلم أنّا أحقُ بذلك الحق المستحق علينا)
وكان رسول الله (صلی الله علیه و آله) يحذّر أمته من استئثار الحكّام بعده فعندما ورد معاوية المدينة المنورة وخرج صحابة رسول الله (صلی الله علیه و آله) من الأنصار لاستقباله سألهم هل أخبركم النبي عن هذا الحال الذي انتم فيه قالوا نعم قال (صلی الله علیه و آله) (إنكم ستلقون بعدي أثرة قال معاوية: وبماذا أوصاكم؟ قالوا: أوصانا بالصبر قال معاوية –بتهكم- إذن فاصبروا) وشرحها ابن الأثير في النهاية فقال أي (يستأثر عليكم فيفضل غيركم في نصيبه من الفيء)
وهاتان الظاهرتان تفسران الكثير من حالات العنف وانفصام العلاقة بين السلطة والشعب، وحينئذ ينزلق البلد إلى الهاوية وينشغل بصراعاته الداخلية وتبدأ الحكومة بصرف ثروات البلد على حماية نفسها من غضب الجماهير وتحيط نفسها بأسيجة عديدة من الجلاوزة والمأجورين وتصرف عليهم المال الكثير، بينما لو أنفقت بعضه القليل على مصالح الشعب لما احتاجت إلى كل هذا الهدر للأموال.
وهذه الحقيقة يتعامى عنها كل الساسة من الطواغيت والظلمة والمستبدين والمستأثرين. فمثلا الولايات المتحدة حينما مضت لوحدها في حساب مصالحها خسرت اقرب حلفائها وهم دول الاتحاد الأوربي التي
ص: 426
ذهبت بعيداً إلى اتخاذ مواقف لا مبرر لها إلاّ معارضة سياسات الولايات المتحدة التي تحذّرها من التغريد خارج سربها(1).
ومثل الأزمة القلقة التي تعيشها لبنان بسبب هذه الظاهرة وكذا كل الدول التي لا تعيش الشراكة الحقيقية لكل مكونات الشعب في الحقوق والواجبات.
ومن أوضح أمثلتها ما يعيشه العراقيون اليوم من قتل وتدمير وتخريب للبلاد بسبب استئثار بعض الكيانات السياسية المهيمنة على القرار بثروات البلد وخيراته وتوجيهها للقرارات بما يحلو لها وفق مصالحها من دون اكتراث لحقوق للآخرين من دون أن يصبر الآخرون ويعطوا للوسائل السلمية والسياسية حقها ولا يجعلون آخر الدواء الكي، فسقط العراق في هذا المستنقع الآسن لا لشيء إلا هذه المصالح المتعارضة وإن حاول كل فريق أن يلبس ثوباً ينفعه في تحشيد اكبر عدد من ورائه كثوب الطائفية أو القومية والحقيقة غير ذلك إذ إنهم لا يعرفون إلا مصالحهم الخاصة.لقد علّمت المرجعية الرشيدة هؤلاء المستأثرين درساً في السمو والنبل حين أمرتُ أبناء الفضيلة بالانسحاب من تشكيلة الحكومة لتريهم أن ما يتصارعون عليه هو وهم زائل وسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءاً ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسفك الدماء و تخرب البلاد وتهجّر العوائل الآمنة ونعطل الحياة من أجلها.
ص: 427
ورغم انسحابهم فقد أمرتهم المرجعية بالتصويت ب_ (نعم) في البرلمان عند التصويت على نيل الحكومة ثقة البرلمان لإعطائها الفرصة حتى تعمل كل ما يصلح حال الشعب ويبني البلد.
وهذا الموقف لا يفهمه هؤلاء المتسلطون الغارقون في أنانياتهم كما لم يفهم الكثيرون سمو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) وربما خطأوه في تصرفاته، ولا يستطيع أحد أن يجاهد نفسه ويتخذ هذه المواقف الحكيمة إلا إذا تربّى في مدرسة علي بن أبي طالب (علیه السلام) ونهل من أدابة وعلومه ومعارفه.
فمتى يثوب السياسيون إلى رشدهم ليعوا هذه الحقيقة.
ص: 428
بسم الله الرحمن الرحيم
لم تحظَ ميزانية قدمتها الحكومة في السنوات السابقة بمناقشات ومعالجات كالتي حظيت بها ميزانية 2007 حيث كانت تُسَّوق على علاّتها وتترك الباب واسعاً للفساد المالي وهدر المال العام حتى اعترفوزير المالية السابق إن سرقة المال العام بلغت خمسة مليارات دولار وهو رقم ضخم، ومع ذلك فهو أقل بكثير من تقديرات منظمات الشفافية العالمية، مما جعلت العراق بلد الحضارات يقف على قمة رأس قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم ضمن الدول المتخلفة والجاهلة، ولو أن القادة السياسيين استعادوا للبلد عشر هذا المال الذي سُرِق لاستغنى عن قرض البنك الدولي الذي أضرَّ بشعبنا بشروطه المجحفة كقطع الدعم الحكومي لأسعار المشتقات النفطية والبطاقة التموينية وزيادة الضرائب والرسوم وقطع المعونات الاجتماعية فأضافت الحكومة بؤساً إلى بؤس الشعب.
وكانت ميزانية عام 2007 قد صيغت بنفس الأخطاء السابقة من الارتجالية والعبثية وكثرة منافذ الاختلاس وسرقة المال العام وخلّوها من المشاريع الإستراتيجية والإصلاحات الاقتصادية الحقيقية، لولا أن اندفعت المرجعية الرشيدة لتصدر بيانها (زيادة ميزانية عام 2007 خبر يؤلم العراقيين)
ص: 429
وكان البيان موضوعاً للخطبة الثانية من صلاة عيد الأضحى المبارك(1) إيماناً من المرجعية بأهمية الميزانية باعتبارها خطة عمل الحكومة خلال عام.
وكانت هذه الحركة الشجاعة من المرجعية إيذاناً للخبراء والمحللين الاقتصاديين بتسليط الأضواء على الميزانية ودراستها ومعرفة الخلل فيها، وارتفعت الأصوات التي استفادت من زخم المرجعية لتطالب بتصحيح الأخطاء وسد الثغرات وملئ الفراغات التي شخّصتها المرجعية فعقدت المؤتمرات وأقيمت الندوات، وشعر زعماء الكيانات المهيمنة على القرار السياسي بالهزيمة والذل وخسرت صفقتها فتغيّبوا عن حضور جلسات البرلمان ليعطلوا مناقشتها لعدم اكتمال النصاب حتى يضيق الوقت ويصبح إقرارها أمراً واقعاً، ونحن نعلم أن تأخير المصادقة سوف لا يسدُّ عليهم أبواب سرقة ثروات الشعب لأنهم يعرفون كيف يستخرجون الأموال حتى من دون مصادقة، لكنهم سيجعلون عدم المصادقة مبرراً لمزيد من الإجحاف بحق المواطن، فمثلاً يتوقفون عن صرف رواتب ومخصصات الطلبة الجامعيين لسد احتياجاتهم الدراسية والمعيشية لان ميزانية 2007 لم تُطلق بعد، وهكذا الكثير من مصالح الشعب الذي عليه أن يعي ما يفكّر به السياسيون المتصدون لإدارة البلد وقيادة الشعب.
ص: 430
وإليكم نص البيان الذي أصدره سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بعنوان (زيادة ميزانية عام 2007خبر يؤلم العراقيين ) ونقلت وسائل الإعلام فقرات منه:
(قدّمت الحكومة ميزانيتها لعام 2007 وهي تزيد عن (40) مليار دولار لأول مرة في تاريخ العراق ووصفوها بأنها (انفجارية)، ومثل هذا الخبر يكون بشرى سارة في دول العالم لأنه يعني مزيداً من مشاريع البناء والأعمار وتحسين أوضاع المعيشة للمواطنين وتطوير القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والخدمات.
أما في العراق فإن مثل هذا الخبر يحمل مزيداً من الألم والمرارة والثورة والرفض لأنه يعني مزيداً من سرقة المال العام وامتلاء جيوب المتسلطين المهيمنين على مصادر
القرار والإثراء غير المشروع على حساب الشعب البائس المحروم الذي يدفع وحده ثمن هذا التنافس المحموم على كعكة العراق التي يتسابقون على تقاسمها.
إن الشعب العراقي يتحدى حكومته أن تقدم له كشفاً بصرف عشر هذا المبلغ على مشاريع ستراتيجية يجدها على ارض الواقع وليست مشاريع وهمية على الورق فقط(1).
ص: 431
فها هو الخراب يدبُّ في مرافق الدولة ومنشأتها الحيوية وبنيتها التحتية ولا زالت المصانع الحكومية التي كانت تستوعب الآلاف من الفنيين والأيدي العاملة عاطلة عن العمل لأسباب يمكن إصلاحها بسهولة ، وقد انحسرت الأراضي المزروعة بعد أن هجرها أهلها لعدم كفاية الحاصل بتكاليف زراعتها ، ولا حاجة إلى الاستمرار في سرد الأمثلة فإن الخراب والانهيار ضارب بأطنابه في كل نواحي الحياة.
ألا يستحي المتصدّون لإدارة البلد من تصدّر العراق قائمة دول العالم في انتشار الفساد المالي في تقرير منظمة الشفافية العالمية وتقدّم على أكثر الدول تخلفاً وهو بلد الأصالة والحضارة والتاريخ والريادة في فنون الحياة؟.والغريب أن تجتمع الحكومة في نهاية عام 2006(1) ليشرح كل وزير إنجازات وزارته ويظهر رئيس الحكومة في مؤتمر صحفي ليعبر عن قبوله ورضاه عن أداء الحكومة ويصفه بأنه أفضل من المتوقّع.
فيالله من هذه المصائب التي تدمي القلب وتدفع الشعب إلى ركوب الخيارات الصعبة.
ص: 432
تجربة البصرة في المصالحة الوطنية والازدهار ... مراجعة وتقييم (1)
الحمد لله والحمد حقه كما يستحقه حمداً كثيراً وصلى الله على سيد خلقه القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين
جرت العادة في مثل هذه المناسبات أي الذكرى السنوية لتأسيس حزب أو ميلاد شخص أو توليه منصباً رفيعاً أو قيام دولة ونحوها على تبادل التهاني وهو تصرف سليم أن يُهَّنأ الإنسان على نعمة انعم الله تبارك وتعالى بها عليه.
ولا شك أن وجود الفرد ضمن مشروع رسالي نبيل يهدف إلى إنصاف المظلومين وإصلاح المجتمع واستنقاذ حقوق المستضعفين وأعمار الحياة وازدهارها لتحي البشرية سعادة الدارين ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ليس فقط جزءاً من المشروع وإنما يتأهل ليكون قائداً فيه كما ذكرنا في خطاب سابق هو نعمة تستحق التهنئة مادام سعيه مخلصاً نحو تحقيق هذه الأهداف.
إن الأحزاب والتنظيمات هي بمثابة القلب الذي ينبض بالحياة في جسد الأمة ويحركها وينظم هذه الحركة وإذا توقفت عن العمل خمدت
ص: 433
حركة الأمة وماتت، أما المرجعية الرسالية الرشيدة والعلماء المرتبطون بها فهم بمثابة العقل الذي يوجّه حركة الأمة ويرّشد مسيرتها.والأحزاب قد لا تستطيع تنظيم ما يزيد عن واحد بالألف من الشعب وهذا أمر طبيعي لان عموم الناس منشغلون بأعمالهم وشؤونهم الحياتية الأخرى ولا نتوقع أن النجاح في العمل الحزبي يقاس بمقدار عدد المنتمين إليه من الناس وإنما تقاس فاعلية الأحزاب وسعة قاعدتها بقدرتها على تعبئة الأمة وتحشيدها إزاء قضية معينة، وهذه القدرة مرتبطة بتوفر عناصر النجاح في عمل الحزب ومدى مصداقيته في تحقيق الأهداف المعلنة للجماهير والتي تزيد من قناعتها به.
ومن المظاهر المهمة في مثل هذه الذكريات إجراء المراجعة والتقييم ومحاسبة الذات فإن الحديث الشريف (ليس منا من لم يحاسب نفسه كل ليلة) لا ينحصر تطبيقه بمحاسبة الشخص لنفسه ومراجعة أعماله وإنما يتعدى إلى محاسبة الكيان كالحزب والجماعة والتنظيم لنفسه وإجراء تقييم موضوعي ومراجعة منصفة لمسيرته وليكن ذلك في كل عام مرة على الأقل إذا تعذر بأقل من ذلك.
وإذا عجزت الأحزاب عن ضبط مسيرتها وفق الأهداف السليمة فإنها عن ضبط مسيرة الأمة اعجز لذا تبتلى الأمة حينئذ بما وصفه أمير المؤمنين (بخبط وشماس وتلّون واعتراض) يؤدي إلى تشتتها وتمزقها وانهيارها، وهاهم المسلمون اليوم يبلغ عددهم أكثر من مليار ومائتي مليون شخص وهم في أضعف حال وبؤس وشقاء يتحكم فيهم أراذل الناس رغم اكتنازها لكل مقومات القوة والغلبة والتقدم، وهذا ما سيثيره الإمام المهدي
ص: 434
(أرواحنا له الفداء) فإنه بالثلّة الصالحة المخلصة المنظمة القادرة على توحيد الأمة وضبط حركتها وتفجير طاقاتها سيقود حركة عالمية تبدأ بعدد لا يتجاوز الثلاثمائة بقليل وسيعبئ هذه الأعداد الضخمة كلها في حركته المباركة.
إننا حين نستعيد أعمال الحزب خلال عام لا يعني إننا نركز على الانجازات والايجابيات مهما كانت مهمة لأن هذا واجبهم وهو العمل المطلوب من أعضائه فإذا أداها فأحسن ما يقال فيه انه لم يقصر بواجبه وأنه حفظ الأمانة التي تحملها وهو مقتضى الأدب المستفاد من الحديث الشريف (اذكر اثنين وانس اثنين، اذكر إساءتك إلى الآخرين وإحسان الآخرين لك، وانس اثنين: إحسانك إلى الآخرين وإساءة الآخرين لك).
فلا بد أن تتذكر وتركز على ما صدر منك من أخطاء وتقصيرات لتعمل على إصلاحها وتلافيها وتذكر إحسان الآخرين إليك كإعطاء أصواتهم في الانتخابات ليجلسوك في هذه المواقع الكبيرة فإن هذا يدفعك إلى بذل المزيد من العطاء والجهد لرد الجميل إليهم، قال تعالى [هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ] (الرحمن:60).
ومهما قدمت لهم فانك عاجز عن مجازاتهم لأنهم المبتدئون بالفضل .وبالمقابل عليك أن تنسى إحسانك إلى الآخرين لأنك لم تفعله ليشاد بك وإنما قربة إلى الله تعالى وابتغاء رضوانه، ولأنك إذا ركزت على انجازاتك فسيؤدي بك إلى الغرور والعجب والرضا عن النفس وهذا يؤدي
ص: 435
إلى الوهن والعطب والكسل ولما ذكرناه قبل قليل من أن هذه الانجازات ليس فيها شيء زائد لأنها مما تقتضيه طبيعة عملك.
ولا بد أن تنسى إساءة الآخرين إليك لأنك مأمور بالصفح والعفو والتسامح ليقابلك الله تعالى على أخطائك بنفس الكرم وأكثر منه [وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ] (النور:22).
إنني حينما أتحدث إليكم فهذا لا يعني إنني لكم فقط وان خطابي منغلق عليكم لان المرجعية الرسالية هي رحمة وخير حتى لأعدائها وخصومها، ولكن تحجيم دورها إنما يكون بلحاظ المتلقي الذي يصمُّ إذنه عن سماع ما ينفعه كما أن رسول الله (صلی الله علیه و آله) هو رحمة للعالمين جميعاً وليس فقط للبشر ومع ذلك لم يتبعه إلا القليل وهذا لا يعني تضييقاً في رسالته أو انغلاقاً على فئته لكننا لا ننكر رعايته الخاصة للفئة المؤمنة به مع سعة رحمته ورعايته للآخرين، كما أن أئمتنا (علیهم السلام) كانت أعمالهم المباركة تشمل الجميع لكن لهم مزيد عناية بشيعتهم باعتبارهم الشريحة المؤمنة بمشروعهم الرسالي والمطيعة لهم .
هذا مع خصوصيات أخرى في حزب الفضيلة الإسلامي كونه ولد من رحم معاناة الذين تحملّوا بطش صدام وقسوته ولم يغادروا بلدهم العراق وبقوا مرابطين فيه ليحافظوا على جذوة الإيمان وولاية أهل البيت (علیهم السلام) وإدامتها ولذا فهم مستقلون عن أي تدخل من الشرق ولا من الغرب، بينما ولد الآخرون في أحضان جهة ما كدولة أو فئة معينة تدعمهم وتخطط لهم، لذا كان على المرجعية أن تحتضنهم وتوفر لهم أسباب الحياة والنمو والازدهار بلطف الله تبارك وتعالى، وهذه الخصوصية جعلت مسيرتهم
ص: 436
معتدلة متوازنة لم يخوضوا في الفتنة ولا كانوا جسراً يعبر عليه الآخرون ليحققوا مآربهم ويدفع العراقيون الثمن فكان العراق والعراقيون ضحية هذه السياسات الخاطئة.
وها هي تجربة إدارة محافظة البصرة تثبت نجاحاً عجز عن تحقيقه الآخرون في محافظات لا تقاس بالبصرة من حيث تعقيد الحالة وكثرة التدخلات والتنوع الطائفي والديني والعرقي وكثرة المنافذ والثغور وشدة الأطماع من الداخل والخارج، وقد حاول الآخرون أن يشوهوا هذه التجربة ويفتروا عليها وسخّروا الإعلام لقلب الحقائق لكنهم باؤوا بالفشل وعاد الجميع ليعترف بنجاح التجربة في البصرة وقدرتها على أن تكون نموذجاً صالحاً للتعايش السلمي والتصالح الوطني والرقي والازدهار والانفتاح على العالم كله وهو ما توقعناه حينما أطلقنا مبادرة المصالحة الوطنية من البصرة لتعلِّم العاجزين الفاشلين في مراكزالقرار كيف يتصرفون ليخرجوا العراق من أزمته الخانقة إذا كانت لهم إرادة حقيقية في الصلاح والإصلاح.
لكنني أحذركم من أن تشغلكم بعض النجاحات التي تحققوها عن التفكير في تلافي التقصيرات وإصلاح الأخطاء ورفع المظالم عن الناس وتوفير كل أسباب الحياة الحرة الكريمة، فإن التقصير في ذلك مما لا يغفره الله تبارك وتعالى ولا رسوله أو المؤمنون ولا تسكت عنه المرجعية الرشيدة حتى لو سكت الناس عن حقوقهم لطيبتهم وكرم أخلاقهم لكن الله أخذ على العلماء عهداً (أن لا يقارّوا على كِظّةِ ظالم ولا سغب مظلوم ) كما قال أمير المؤمنين (علیه السلام).
ص: 437
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين..
ص: 438
الجامعيون وقيادة المشروع الوطني(1)
إن كل مشروع يبدأ بمستوى معين من الأداء ثم ينضج شيئا فشيئاً من خلال ترسيخ ما هو ايجابي وبإصلاح الأخطاء وتدارك التقصيرات، هذا طبعاً مع توفر صدق النية والإخلاص والشعور بالمسؤولية والهمّة في العمل، ولم يتخلّف عن هذه السنة الجارية في حركة البشرية مشروع مواكب الوعي الحسيني لطلبة الجامعات وكان التحسن في أداء اللجنة المنظمة وعلى رأسها عمادة وإدارة وأساتذة المعهد التقني في كربلاء المقدسة هذا العام ملحوظاً، وهذا ما دعا المرجعية الرشيدة إلى أن تعلن هذه المناسبة ملتقى سنوياً للجامعات والحوزات العلمية في (ملتقى العلم والدين في رحاب الإمام الحسين (علیه السلام)).
وللتعرف على حجم الانجاز الذي حققه منظمو هذه المواكب نقارن عملهم بعمل الهيئة العليا التي أشرفت على تنظيم موسم الحج بإمكانيات ضخمة رصدتها الحكومة بلغت (85) مليون دولار، ودفع كل حاج تسعمائة دولار ومع ذلك فقد كان وضع الحجاج العراقيين مذلاً ومهيناً وبقي عدد كبير منهم بلا مأوى يفترشون أرصفة الشوارع أياماً، ثم
ص: 439
أنزلوا بفنادق تحت الإنشاء وتفتقد الخدمات، أما هذه المواكب الجامعية فقد شهدت مستوى جيداً من توفير الطعام والخدمات والمخيمات والفرش والأغطية ووسائط النقل من والى مدنهم ولجان للمحافظة على الأمن والتنظيم والخدمات الطبية، وكل ذلك تبرعاً وتطوعاً.
ولا ندّعي خلّو الفعالية من الخلل والتقصير وقد شُخصت عدة نقاط بهذا الصدد في تقارير مقدّمة من عدة جهات مشاركة نسأل الله تعالى أن يعيننا على إصلاحها وتلافيها.وقد تضّمن الخطاب الذي وجهّه سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي إلى أخوته وأبنائه من أساتذة وطلبة الجامعات عدة محاور ينبغي لهذا الملتقى أن يناقشها ويقدّم التوصيات وآليات العمل التي تتكفل تحقيق النتائج المرجّوة في جميع هذه المحاور.
وكان منها قيادة مشروع وطني يوحّد العراقيين ويأخذ بأيديهم نحو عراق مزدهر حر كريم يأخذ موقعه الرائد بين الأمم المتحضرة ويؤهل هذه الأرض المباركة لاحتضان دولة الحق والعدل الإلهي، ولدى أساتذة وطلبة الجامعات ما يؤهلهم لتأسيس هذا المشروع وقيادته لما يحظى به هذا الكيان من ثقة وحب واحترام لدى كل مكونات الشعب العراقي، ولأنه يحتضن في أروقته الكفاءات والنخب التي يعقد الشعب أماله عليها لبناء العراق في مختلف الاختصاصات في الوقت الذي فقد فيه الشعب ثقته بأكثر الكيانات السياسية وصار يرى فيها سبب المشكلة واصلها فلا يجدهم قادرين على الحل، كما أن لهذا الكيان (أساتذة وطلاباً وإداريين وفنيين) مطالب مشروعة وحقوقاً لا يمكن غض الطرف عن عدم تحقيقها.
ص: 440
فالمطلوب استثمار هذه الفعالية وغيرها للضغط من أجل انتزاع الحقوق إذ السائد في عراق اليوم قانون القوة وليس قوة القانون، فبينما يستأثر الانتهازيون والذين يمتلكون وسائل الابتزاز والقهر بثروات الشعب والمواقع المتقدمة في إدارة البلد يتعرض الأساتذة الجامعيون والمفكرون والمثقفون إلى القتل والتشريد والإقصاء وفي هذا خطر كبير على مستقبل الأمة إذ تضيع فيه موازين التقييم الصحيح وهو ما حذّر منه رسول الله (صلی الله علیه و آله) أمته حينما قال لهم (كيف بكم إذا تركتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وهي حالة خطيرة أن تتخلى الأمة عن هذه الوظيفة المقدسة التي بها يقام القانون والعدل والنظام ويقضي على الفساد والانحراف فقال أصحابه (أو كائن ذلك يا رسول الله) قال (صلی الله علیه و آله) (نعم وأشد من ذلك فكيف بكم إذا فعلتم المنكر وتركتم المعروف)، وهذه اخطر حيث لم يكتفوا بترك صاحب المعروف على معروفه وفاعل المنكر على منكره بل تحولوا إلى فعل المنكر وترك المعروف ولكنه (صلی الله علیه و آله) يبيّن لهم المرحلة الأخطر بعد أن سألوه (أو كائن ذلك يا رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال (صلی الله علیه و آله): (نعم واشد من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً) حينئذ تفقد الأمة الرؤية الصحيحة لتشخيص المعروف والمنكر فترى الخطأ صحيحاً والصحيح خطأً فتصعب حينئذ عملية الإصلاح، إذ إن المصلح سيجد إن عليه ليس فقط البدء من الصفر وإنما الرجوع إلى ما تحت الصفر ليصحح الرؤية والمفاهيم في ذهن الناس حتى ينطلق إلى هدايتهم إلى المعروف وتجنيبهم المنكر.ولكي نحقق هذه النتائج وننتزع هذه الحقوق لابد من أنشاء (كيان
ص: 441
عراقي للجامعيين)(1)
أساتذة وطلاباً وإداريين وفنيين تكون باكورة فعالياته والمظهر الرئيسي لنشاطاته تنظيم مواكب الوعي الحسيني لأساتذة وطلبة الجامعات وملتقى العلم والدين، وهذه الفعالية تكون هيئتها المركزية في كربلاء ولها هيئات فرعية في كل الجامعات والمعاهد الفنية والكليات المستقلة في عموم محافظات القطر.
أما الفعاليات الأخرى فيمكن أن تكون هيئتها المركزية في بغداد لأنها عاصمة القرار السياسي أو في البصرة كبديل مؤقت بسبب ما تعانيه بغداد من ظروف قاهرة، ويمثل كل جامعة أو معهد أو كلية عدد من الأساتذة والطلبة في الاجتماعات العامة التي تقيمها الهيئة المركزية.
وينبغي أن يهتم هذا الاتحاد برعاية كل الأنشطة سواء كانت ثقافية أو علمية أو سياحية أو رياضية كاحتضان بطولة لفرق تمثل جامعات العراق لأننا نعتقد إن الرياضة استطاعت توحيد ما فرقته السياسة في عدد من المناسبات الأخيرة.
وتعلن المرجعية الرشيدة استعدادها لاحتضان اللقاء التأسيسي لممثلي الجامعات والمعاهد في النجف الأشرف لوضع النظام الداخلي وبرامج العمل وسوف لا تقصر بلطف الله تبارك وتعالى عن دعم هذا الكيان المبارك الذي قد يتحول إلى قوة جماهيرية واعية ضاغطة على
ص: 442
السياسيين لينصاعوا إلى مطالبها المشروعة.
ص: 443
المرجعية الشاهدة تدين ردود أفعال كتلة الائتلاف(1)
أثار استغرابنا ما صدر من ردود أفعال من كتلة الائتلاف الموحّد إزاء قرار حزب الفضيلة الإسلامي بالانسحاب من الائتلاف.
وقد صدرت هذه المواقف منهم في نفس اليوم من دون أن يستمعوا إلى وجهات نظر أبناء الفضيلة وأسباب انسحابهم لاستيعابها وإجراء مراجعة للذات والأداء خلال المرحلة السابقة لإصلاح الوضع وتلافي ما هو
ص: 444
أسوأ ولأخذ العبرة من كلام أمير المؤمنين (علیه السلام): (مَنْ ضَيَّعَهُ الأقرَبُ أُتِيحَ لَهُ الأبْعَدُ).والأكثر غرابة أن بعضها جاء على لسان السيد رئيس الوزراء الذي يفترض في موقعه أنه مسؤول عن كل العراقيين ويكون بمسافة واحدة عنهم جميعاً وليس منحازاً لفريق دون آخر، مما يجعلنا نشكّك في مصداقية المصالحة الوطنية التي تبنّتها الحكومة ودعمنا ما هو صالحٌ منها.
ص: 445
إن هذه التصرفات تثبت صدق دعاوى حزب الفضيلة الإسلامي بان القوى المتنفذة في الائتلاف مارست معهم أسوا حالات الظلم والإقصاء ومصادرة الحقوق والإلغاء التام والإهانة والازدراء، فهل هذا جزاؤهم وقد كانوا أشد الناس حماساً لنصرة الائتلاف والحشد له والتضحية من أجل وحدته وعزته وكانت لمرجعيتهم الرشيدة أقوى موقف لحّث الناس على انتخابهم؟ ورغم كل ذلك فقد كان بيان انسحاب الحزب مهذّباً وواعياً وبعيداً عن إثارة كل هذه التظلمات والشكاوى، حرصاً على سمعة الائتلاف وكرامته وركز على مبرّره الرئيسي وهو تأسيس مشروع وطني لإنقاذ العراق وشعبه وإخراجه من أزمته ، وإبراز خصوصيات الحزب ومن حق حزب الفضيلة الإسلامي أن يُبرز خصوصيته سواء على الصعيد المرجعي أو على الصعيد السياسي التي غيّبها الآخرون وتعّمدوا إخفاءها فما الذي أغاظهم من كل ذلك؟
إن إجراء مراجعة لنصائحنا وتوجيهاتنا التي قدمّناها لرموز الائتلاف منذ أكثر من عام حينما بدأ الصراع على منصب رئاسة الحكومة بحيث وصلت إلى تآمر بعضهم على بعض، ووجّهت لهم بسبب ذلك إهانة عظيمة حينما اُجبروا على تغيير مرشحهم لرئاسة الوزراء الذي انتخبوه داخل الكتلة بالآليات التي آمنوا بها(1)، وتابعنا معهم تشخيص كل هذه الحالات
ص: 446
وطالبناهم بتحسين أدائهم وحماية المسيرة منالانحراف عن الأهداف التي توخّتها المرجعية الرشيدة من تشكيل هذه الكتلة. إن إجراء هذه المراجعة ستشخّص العلل وتعين العلاج الناجح لها.
إن من خصائص المرجعية الرشيدة الوارثة والنائبة عن الأئمة المعصومين (علیهم السلام) أنها شاهدة على الأمة [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً] (البقرة:143).
ولا يمكن أن تكون شاهد زور، لذا فإنها لا تستطيع أن تبارك أي انحراف أو تسكت عنه أو تعطي الشرعية له ولابد أن تعلن للأمة عدم إمضائها لمثله خصوصاً في الأيام الأخيرة حيث ساهمت كتلة الائتلاف في اتخاذ قرارات معادية لمصلحة العراق وشعبه ومستقبله.
وفي نفس الوقت أن المرجعية الرشيدة لا يضّرها هذا الخذلان والعداء لأنها قوية بحقها وبمظلوميتها وصبرها وحكمتها ووعي وإخلاص أبنائها بلطف الله تبارك وتعالى، ولذا فإنها ليست عاجزة بفضل الله تبارك وتعالى عن إيجاد البديل الصالح عند توفّر مقوماته إن شاء الله تعالى.
إن ما صدر من (أخوة يوسف) من أقوال وأفعال تجاه المرجعية الرشيدة وأبناء الفضيلة ينعش الآمال أن يمّن الله تبارك وتعالى على ابن يعقوب هذا كما منّ على ابن يعقوب الصديّق النبي (صلوات الله عليهم)
ص: 447
رغم مكائد وغدر إخوته لكنهم جاؤوه في النهاية وقالوا له: [تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ] (يوسف:91).
ولان سنن الله تعالى واحدة في خلقه [فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً] (فاطر:43).
وسوف لا يكون الجواب عندئذ بلطف الله تبارك وتعالى إلا جواب النبي الكريم يوسف الصديق (علیه السلام) [قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ] (يوسف:92).
إن مما يثير الأسى والألم أن لا يتعّظ الإنسان من التجارب ولا يستمع إلى كلمة الحق ويصّر على المضي في ارتكاب الأخطاء [يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون] (يس:30).
وكفى بأبناء الفضيلة سمواً أن يعمل إخوتهم فيهم كل هذا ويحرمونهم من كل حقوقهم وهم يترفّعون عن الرد ويزدادون عزيمة في السير على بصيرةٍ من أمرهم [وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ] (يوسف:6).
ص: 448
استقبل سماحة المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) السيد نائب رئيس الوزراء الدكتور برهم صالح(1)
وعبر سماحة المرجع اليعقوبي عن حبّه وجميع العراقيين للشعب الكردي حيث وحّدتهم المظلومية والبطش الذي تعرضوا له من صدام وجلاوزته ، وأن الكرد مكون رئيسي من الشعب العراقي، ومن الأفضل له أن يبقى جزءاً من عراقٍ مزدهر أمن يتساوى فيه أبناءه أمام القانون ويشترك الجميع في الحقوق والواجبات.
وأكد سماحة المرجع محمد اليعقوبي على استيائه وجميع الشعب من أداء الحكومة وفشلها الذريع في كل المجالات، حتى وصل بنا الحال أن تدمّر جسور التواصل وتبنى الجدران العازلة بين أحياء بغداد.
وقال سماحته: إن العمليات العسكرية لا تكفي وحدها لحل مشاكل البلاد بل لا بد من حل سياسي يضمن للجميع حقوقهم ويؤسس لشراكة حقيقية في إدارة البلاد واقتسام ثرواته.
وقد تحدث سماحته بكلمات من الموعظة عن الأحاديث الشريفة التي وردت في من تولّى عرافة –أي رئاسة- قوم ولو كانوا عدد الأصابع ولم يُحسِن رعايتهم حيث توعّدته بسوء المنقلب والمصير.
ص: 449
وتطابقت رؤية سماحة المرجع اليعقوبي مع الدكتور الضيف في أن العراق لو كان بأيدي كفوءة وأمينة لأصبح (يابان الشرق الأوسط) في ظرف زمني قصير ولكن!
وصحّح سماحته مفهوم الطائفية أو القومية بأنها لا تعني أن يكون للشخص خصوصية عرقية أو دينية فهذا أمر طبيعي ولا ضير بأن يضّم كيان أبناء طائفة معينة أو قومية محددة، وإنما تنشأ المشكلة من انغلاق كل مكّون على نفسه ومحاولة التمدد على حساب الأخر وإقصائه واستلاب حقوقه.وانطلاقاً من شعور المرجعية الرشيدة بمسؤوليتها عن رعاية الأمة وحل مشاكلها، وفي ضوء اقتراب موعد انعقاد مؤتمر شرم الشيخ(1) فقد قدّم سماحة المرجع اليعقوبي مشروعاً وطنياً للإصلاح السياسي ضمّ جملة نقاط بعضها فوري الانجاز وبعضها ينجز حين الاتفاق عليه لإخراج البلد من النفق المظلم الذي أدخل فيه بسبب السياسات الخرقاء والأفكار المتحجرة ، وخوّل المرجع اليعقوبي الضيف الكريم في أن يعرض المشروع على زعماء
ص: 450
البلد والمشاركين في المؤتمر من دون نسبته إلى المرجعية، لكنّ الدكتور صالح أكّد أن أهمية المشروع تتأتى من الجهة التي أصدرته.
وأكّد سماحته على أن أي مشروع سياسي وأي حل لمشاكل البلاد يتوقف على وجود إرادة صادقة وجدّية للحل من قبل السياسيين المهيمنين على القرار وإدارة البلاد وهو يتطلب التخلي بمقدار ما عن الأنانية والمصالح الشخصية رعاية للصالح العام وإرضاءً لله تعالى وتخفيفاً عن هذا الشعب المضطهد المحروم .
وفي ختام اللقاء شكر الدكتور برهم صالح سماحة المرجع اليعقوبي على حسن استقباله ووجّه دعوة إلى سماحته لزيارة منطقة كردستان وقبل سماحته الدعوة على أن يحدد لها موعد مناسب بأذن الله تعالى.
انطلاقاً من وظيفة المرجعية الدينية في حماية مصالح الأمة وتحصيل حقوقها وحل مشاكلها نقّدم مجموعة من الخطوات العملية التي نعتقد أنها تساعد على تخفيف الاحتقان السياسي الذي هو السبب الرئيسي للعنف.1- تعهّد كل القوى السياسية بالالتزام بوثيقة مكة التي ألزمت الجميع بالثوابت الوطنية كوحدة العراق وسيادته وتساوي أبنائه أمام القانون ونبذ العنف والطائفية وغيرها.
2- أن يكون رئيس الحكومة شجاعاً حازماً لا يخضع لابتزاز الكتل السياسية ويقف على مسافة واحدة من الجميع وأن يعتمد الكفاءة والنزاهة
ص: 451
والوطنية والإخلاص في اختيار الوزراء بمعونة الكتل السياسية المكونة للبرلمان والممثلة للنسيج العراقي.
3- أعطاء دور فاعل للمعارضة الايجابية باعتبارها جزءاً مقوماً من العملية الديمقراطية من خلال عقد مؤتمر للقوى السياسية الخارجة عن الحكومة والبرلمان لكنها تؤمن بالعملية الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة ونبذ العنف، ويهدف المؤتمر إلى تشكيل مجلس مصغّر يمثل هذه القوى يقوم بالتالي:-
أ - توحيد مواقف المعارضة للاستماع إلى وجهات نظرها.
ب- إشراك الراغبين منهم في العملية السياسية من خلال
أولاً:- ترشيح (13) عضواً للبرلمان ليكون العدد (288) حيث إن تعداد سكان العراق 28 مليون و (800) ألف بحسب إحصاء وزارة التخطيط لعام 2006.
ثانيا:- الإشراف على عمل الأجهزة الرقابية وترشيح المستقلين الكفوئين لها ونقصد بها ( ديوان الرقابة المالية _ هيئة النزاهة _ ديوان التفتيش العام الذي يضمّ المفتشين العامين في الوزارات)0
وبذلك نضمن توسيع المشاركة في العملية السياسية وتقليل دائرة المعارضين لها وتفعيل دور المؤسسات الرقابية للقضاء على الفساد.
4- أن تجري الانتخابات التشريعية كل سنتين في هذه المرحلة الانتقالية باعتبار تسارع الأحداث والتغير في ميزان القوى وسوء الإدارة.
وإصلاح قانون الانتخابات باعتماد القوائم المفتوحة وترشيح الأفراد وتعدّد الدوائر وغيرها من التفاصيل.
ص: 452
5- تأجيل العمل بالفقرات المثيرة للجدل من الدستور إلى حين إعادة الانتخابات ويتولى البرلمان الجديد النظر في الدستور وإجراء التعديلات عليه لان البرلمان الحالي لا تتوفر فيه القناعة لانجاز هذه المهمة باعتبار الدستور من إفرازاته ويُحمَّل عيوبه.
6- تفكيك الائتلافات والتحالفات على أساس طائفي أو عرقي و السماح بأن تكون على أساس البرامج والمشاريع السياسية الوطنية.7- معالجة القرارات الخاطئة التي صدرت في المرحلة السابقة وسوء تطبيقها كالكيانات المنحلّة أو الذين شملهم قانون الاجتثاث ظلماً.
8- البدء الفوري بمشاريع تحسين الخدمات وإيجاد فرص العمل والاستثمار وتحريك القطاع الصناعي والزراعي ودعمها لان الفقر سبب للعنف.
9- تحّمل الحكومة مسؤوليتها الكاملة واتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة القضايا الخطيرة التي يواجهها المجتمع العراقي كوضع المهجّرين داخل وخارج العراق فإنها قنابل موقوتة وليس من المعقول أن تهبَّ دول العالم للاهتمام بهذه القضية في حين لا تعيرها الحكومة الاهتمام الكافي.
10- والأهم من كل ذلك وجود إرادة صادقة لدى القوى السياسية لإيجاد حل وإنقاذ العراق من محنته والتسامي عن المصالح الفئوية وتحمل المسؤوليات التاريخية في هذه المرحلة العصيبة والتقدّم نحو الآخر حتى يصل الجميع إلى حل مشترك.
ص: 453
11- تنظيم وجود قوات الاحتلال على ارض العراق بما لا يتنافى مع السيادة والاستقلال متزامناً مع بناء قوات مسلحة عراقية كفوءة ومهنية ووطنية لتتسلم زمام الأمن في البلد.
ص: 454
تخبّط قوى الاحتلال والسياسيين بسبب إهمال دور العشائر وعراقيي الداخل(1)
كان من الأخطاء الفادحة التي ارتكبها الأمريكان والساسة الذين تقاسموا الأدوار معهم في مؤتمرات لندن وصلاح الدين وغيرها إقصاء الشعب العراقي الذي بقي داخل العراق ولم يغادره تحت أي ضغط وأي ترغيب، وخصوصاً أبناء العشائر الغيارى الذين حفظوا الهوية الثقافية والأخلاقية والاجتماعية لهذا الشعب الكريم وتكسّرت عند إرادتهم الصلبة كل مؤامرات تغيير معالم الهوية، وكان منها فتح أبواب العراق على مصراعيها في الثمانينات لملايين المصريين وغيرهم وزجّ أبناء العراق الشرفاء في أتون الحروب الصبيانية وبقي الشعب صامداً. وجاءت الانتفاضة الشعبانية المباركة عام 1991 لتكسر قيود الخوف والرعب ولتنطلق الحركة الإسلامية المباركة وتتعاظم، وكان للسيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) الأثر الكبير في هذه الحركة.
كل هذا تناساه أو تجاهله العراقيون الذين غادروا العراق لأي سبب كان (ولا أريد أن احكم على وطنيتهم وصدق انتمائهم) وأوهموا قوى
ص: 455
الاحتلال أن العراق هم وتقاسموا المناصب بينهم واستغلوا طيبة الشعب العراقي وحسن ظنّه السابق بهم واستظلّوا برداء المرجعية ليواصلوا تهميشهم لهذا الشعب المظلوم بكل ما يزخر به من كفاءات وطنية مخلصة تضاهي ما في أكثر دول العالم تقدماً، ويكفي شاهدٌ واحد على ذلك وهي وقفتهم الشجاعة بعد انتهاء قصف الحلفاء عام 1991 ليعيدوا البنية التحتية من جسور وطرق ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وتصفية الماء في ظرف أربعة أشهر رغم الحصار الجائر ورغم كرههم للنظام الصدامي الحاكم لكن حبّهم لبلدهم وشعبهم كان رائدهم في هذا المضمار بينما عجز ساسة اليوم ومن ورائهم القوى التي تسمي نفسها (عظمى) ومليارات الدولارات من ثروة الشعب المحروم عن الحفاظ على المتبقي من البلد فضلاً عن الأعمار والتجديد.ولما انتخت عشائر الأنبار لتأسيس (مجلس إنقاذ الأنبار) اضطر هؤلاء الساسة للاعتراف بدور العشائر في الذود عن كرامة الوطن وحرماته والقضاء على أعدائه وتبعته مجالس إنقاذ في ديالى وكركوك وجنوب بغداد.
في يومٍ ما كان عندي وفد من رموز الحزب الحاكم اليوم وشكوت لهم سوء الأوضاع الصحية والأمنية في منطقة المعامل على طريق بغداد – بعقوبة القديم وطالبتهم بالوفاء لأزيد من نصف مليون إنسان أعطوا أصواتهم لهم في الانتخابات فالتفت احدهم إلى الأخر وقال: أين تقع المعامل؟!
ص: 456
فكيف تتوقع الخير من أمثال هؤلاء الذين لا يعرفون موقع منطقة يسكنها هذا الجمع الهائل؟
لقد أصبح مصطلح (عراقيي الخارج والداخل) متداولاً وجزءاً من الثقافة المعاصرة ولابد من التعاطي معه ولكن لا بسذاجة خشية الوقوع في الأهداف التي أراد الانتهازيون توظيف المصطلح لتحقيقها وإنما علينا أن نتعاطى معه بعد تهذيبه، إذ من عراقيي الداخل الصداميون وقتلة الشعب، كما لا نريد بعراقيي الخارج كل من هاجر إلى هناك بسبب ظلم صدام وبطشه وعاد إلى بلده بعد أن فرّج الله عنه وعايش هموم شعبه وآلامه وشاركهم في السراء والضراء، وإنما نريد بهم مجموعة القدرين من الخارج الذين امتازوا بالخصائص التالية:
1- أن أحدهم يراعي الانتماء للدولة التي قدم منها وتقيم عائلته فيها إلى الآن ويتمتع بحقوق اللجوء فيها وربما يحمل جنسيتها أكثر مما يراعي الانتماء للعراق بحيث لو تعارضت مصلحة العراق مع مصلحة تلك الدولة فانه يقدم مصلحة الآخرون حتى وان كان في أعلى مواقع السلطة في العراق.
2- إنه يرى السلطة مغنماً له ولمتعلقيه فيسعى بنهم وشراهة لملء جيوبه وزيادة أرصدته ولا يرى في السلطة وسيلة لإحقاق الحق ورفع الظلم وخدمة الناس وإعمار البلد.
3- التقوقع في المنطقة الخضراء أو المؤسسة التي غنمها ولا يندمج بالشعب ويعيش معاناته.
ص: 457
4- النظرة الفوقية والاستعلاء عند التعامل مع إخوانه العراقيين الذين رابطوا في أرض العراق ووقفوا في وجه الطاغية حتى ملأ بهم المقابر الجماعية وغياهب السجون.
وهم- أي ما يسمونهم بعراقيي الخارج – يقعون في مفارقة إذ بينما يفخرون بصمود الشعب العراقي وشجاعته في الوقوف في وجه صدام وصبره حتى جعلوا منه كياناً منخوراً سقط بأول ضربة من قوات الاحتلال ويمجّدون الانتفاضة الشعبانية 1991 التي كسرت شوكة النظام ويجوبون الدول طلباً للمساعدات لشعب المقابر الجماعية والسجون والمعتقلات ينسون أن هذه المآثر إنما سطرها من يسمّونهم عراقيي الداخل وعملوا على إقصائهم وحرمانهم من حقوقهم.وقد بدا واضحاً خلال الفترة السابقة للقاصي والداني تعمّدهم الواضح لإقصاء هؤلاء المرابطين، وتحمّل البلد بسبب هذا الإقصاء عدة نتائج منها:-
1- الفشل في إدارة البلد لأنهم غرباء على الشعب والبلد ولا يعرفون التغيرات التي طرأت عليه خصوصا في التسعينات.
2- الاعتماد على أناس مفسدين وغير كفوئين بعد أن أقصوا أبناء البلد الوطنيين المخلصين الكفوئين.
3- استمرار العنف لان الاستئثار والاستبداد الذي مارسه القادمون من الخارج استفّز جزءا كبيراً ودفعهم إلى المواجهة ولا يشمل هذا التفسير التكفيريين والصداميين أعداء الشعب والحياة، فالسياسيون شركاء المجرمين القتلة في المسؤولية عن دماء العراقيين الأبرياء وخراب البلد وتبديد ثرواته.
ص: 458
لقد دفعت الولايات المتحدة ثمناً كبيرا من سمعتها بسبب إصغائها للتقارير المضلّلة التي أغفلت دور الوطنيين الأحرار المخلصين لبلدهم وشعبهم ممن يسمونهم ب_(عراقيي الداخل) ويطلقون عليهم أوصاف الاستصغار والإهانة، وسوف لا يخرجون من مأزقهم إلا بإعطاء دور ريادي لهؤلاء(1)، وإن لم يعطوه اختياراً فسوف يُجبرون عليه، فإن الشعب وعى الحقيقة وعرف المدافعين بصدق وإخلاص عن حقوقه، وأن حل مشكلة العراق يكمن في السير بمشروع وطني يتسامى عن الانتماءات الطائفية أو العرقية ونحوها ويكون لأبنائه الأوفياء الدور القيادي فيه.
قبل أيام صدرت دراسة لأحد الخبراء في الولايات المتحدة امتدت لثلاث سنوات عن مدى افتخار العراقي بانتمائه الوطني فكانت النسبة في العراق 75% بينما يؤكد التقرير أن النسبة في عمان والقاهرة والرياض تتراوح بين 12– 18 %.
إن دوركم يا أبناء العشائر الغيارى محفوظ لا يمكن أن يلغيه أحد وإن تمكنوا لفترة محدودة حين أعمتهم الدنيا وشغلهم الصراع على الكراسي، وسأكون بأذن الله تعالى وفياً لكم كما كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) وفيّاً للاوس والخزرج حينما وزّع غنائم معركة حنين على الذين اسلموا في فتح مكة من قريش وغيرهم ولم يعطِ للأنصار شيئاً فتأثروا في أنفسهم ظناً منهم أن رسول الله (صلی الله علیه و آله) فضّل قومه عليهم وانه (صلی الله علیه و آله) سيتركهم ويعود إلى قومه
ص: 459
فقال (صلی الله علیه و آله) مخاطبا الأنصار (أما ترضون أن يعود غيركم بالناقة والبعير وترجعون برسولالله (صلی الله علیه و آله)) وعاد معهم إلى المدينة، وانتم أبناء العشائر وعموم الوطنيين الأحرار تعودون بالمرجعية الرشيدة حين فرح غيركم بسلطة زائفة زائلة.
ص: 460
أعداء الشعب ثلاثة: الاحتلال ، الإرهاب ، فساد الحكومة(1)
قبل أيام قام المجرمون المتواطئون مع أجهزة متنفذة في الحكومة بتفجير ما تبقى من الروضة العسكرية الشريفة في سامراء وقد استنكر الجميع هذا الفعل الآثم، واكتفى بهذا الاستنكار العجزة المشلولون القابعون في سجونهم الاختيارية التي حاصروا بها أنفسهم وانعزلوا عن الشعب المظلوم.
فما قيمة هذا الاستنكار وقد مرّت سنة وأربعة أشهر على تفجير القبة الشريفة ولم تفلح الحكومة حتى في تشكيل لواء العسكريين(2) لتأمين الطريق إلى سامراء وحماية الزائرين والروضة العسكرية الشريفة علماً بأن وسائل الإعلام المحلية تنقل لنا باستمرار طيلة هذه المدة عن تشكيل ألوية وأفواج وتجهيزها وتخريج دفعات من الضباط وعودة الآلاف من الضباط السابقين فلماذا لم يتشكل لواء العسكريين؟! مع إعلان آلاف الشباب
ص: 461
الرسالي المتحمسين للدفاع عن مقدساتهم والتطوع في مثل هذا اللواء ومع تعاون أهالي سامراء الكرام أول المفجوعين بهذا المصاب الجلل حين انطلقوا في مظاهرات استنكارية حاشدة.
وكيف لا نتوقع منهم هذا الاستخفاف بحماية العتبات المقدّسة ونحن نرى انتهاك أقدس المقدسات وهو الإنسان الذي كرّمه الله تبارك وتعالى فجعله خليفته على أرضه [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً] (الإسراء:70).
حيث جعلوا دم الإنسان العراقي المضطهد المحروم ورزقه وتاريخه وحضارته وعزّته وكرامته ثمناً لصفقاتهم ولصراعهم على الغنائم وعلى المصالح وتقاسم النفوذ والهيمنة. وإن كل واحد من المشاركين في ظلم الشعب العراقي بأي درجة من الدرجات سيلاقي عاقبة بغيه فإن ظلم العباد بعضهم لبعض من الذنوب التي لا يتركها الله سبحانه، ولو بغى جبل على جبل لتدكدك.
ففي كل يوم تسفك دماء بريئة من التي وصفها الحديث الشريف (إن دم المؤمن أشد حرمة عند الله من الكعبة)، وفي كل يوم يُضاف عدد جديد إلى الملايين الأربعة من المهجرين في داخل العراق وخارجه الذين أجبروا على التخلي عن وطنهم ومساكنهم وحصيلة جهود السنين المتطاولة، وفي كل يوم تنضمّ أعداد جديدة إلى جيوش العاطلين عن العمل حيث تتعطل المصانع وتتوقف الزراعة والتجارة والأعمال.
ص: 462
وكم رأينا وسمعنا عن جسر يُدمّر أو بناية تُخرَّب أو مشروع خدمي يتعطل من دون أن تقوم الحكومة بإصلاح شيء منها فها هي أنقاض تفجير الروضة العسكرية لم ترفع منذ سنة وأربعة أشهر فضلاً عنإعماره، وها هو جسر الصرافية(1) على حاله يحكي قصة القطيعة التي يريدون فرضها على أبناء الشعب، وها هو شارع المتنبي(2)
يندب الثقافة والأدب والعلم والفكر، وفي كل مرة نسمع بتشكيل لجان تحقيقية من دون أن نعرف نتيجة واحد منها رغم وضوح أسباب بعض الجرائم كاستشهاد ألف من المؤمنين المعزين بذكرى استشهاد الإمام الكاظم (علیه السلام) على جسر الأئمة قبل سنتين ولم تظهر النتائج إلى الآن.
نعم كل الذي نسمعه فضائح سرقة أموال الشعب حتى تصدّر العراق بلدُ الحضارة والأئمة والعلماء قائمةَ الدول التي استشرى فيها الفساد في تقرير منظمة الشفافية العالمية، وها هي سنة 2007 ينتهي نصفها ولم نرَ من ميزانيتها الانفجارية البالغة (41) مليار دولار شيئاً على ارض الواقع ولا من
ص: 463
الأحد عشر مليار دولار التي خصصت للمشاريع الاستثمارية لتشغيل العاطلين، بلى وجدنا العكس حيث رأى العالم كله على شاشات التلفزيون تلكم النسوة والأطفال الذين يبحثون في حاويات القمامة عن طعام يسدّ رمقهم من دون أن يرفّ لهؤلاء جفن أو تحركوا لإنقاذ هؤلاء البائسين المحرومين، وبين أيديهم نهج البلاغة وفيه يقول أمير المؤمنين (علیه السلام) عقب غارة لجند معاوية على الأنبار فقاموا بسلب النساء المسلمات وغيرالمسلمات ما تمتنع منهم إلا بالاسترجاع والاسترحام فقال (علیه السلام) (فلو أن امرأ مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً بل كان به عندي جديراً) (1) .
أيها الشعب العراقي النبيل: إن الاحتلال والإرهاب خطران عظيمان يواجهان العراق وشعبه وسببان للمصائب والويلات التي حلّت بهما لكنهما لا يفسران كل ما حصل في العراق من كوارث؛ لأن الأخطر منهما حاضراً ومستقبلاً والذي يوفر لهما عناصر البقاء والنمو هو العنف السياسي الناشئ من الصراع على السلطة، والاستئثار بثروات الشعب، والاستبداد بالقرار، ونظر الكتل السياسية بعضها إلى بعضها على أنهم خصوم وليسوا شركاء في بلد واحد وركاب سفينة واحدة، والتسابق إلى حيازة المغانم على حساب حرمان الشعب من ابسط حقوقه، واعتبار السلطة على أنها وسيلة للإثراء غير المشروع وليست وسيلة لخدمة المواطن وإعمار البلد، وتوزيع المناصب على أساس الولاء للكيان لا على أساس الكفاءة والنزاهة والإخلاص للوطن والشعب، وهذا هو الذي مزّق الشعب وخرّب الدولة وجعل الكتل السياسية
ص: 464
منشغلة عن الشعب وهمومه بعقد الصفقات والتسابق على قضم اكبر مقدار ممكن مما يسمونه بالكعكة وسحق الخصوم حتى لو احتاج الأمر إلى التواطؤ مع الجهات الخارجية.
إن الشرعيةَ المكتسبةَ من صناديق الاقتراع مشروطةٌ بالوفاء بالبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي وعدوا بها الناخبين فإذا لم يفوا بها ويخدموا الشعب ويوفروا له حقوق الحياة الحرة الكريمة فعليهم التنحي طوعاً أو كرهاً [وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ] (محمد:38).
أيها الأحبة:إن أبا ذر (رضوان الله عليه) من القلة الذين تشرفوا بتشييع الطاهرة الزهراء مع أمير المؤمنين (علیه السلام) ليلاً، كان يقول وقد رأى اقل مما رأيتم (عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج شاهراً سيفه) وهو نداءٌ إليكم والى كل المحرومين عبر الأجيال.
وإنكم أيها الموالون للزهراء علیها السلام العارفون بقدرها المجتمعون على مودّتها وتعظيم شأنها أكثر الناس استحقاقاً لنور الفرقان في قلوبكم ومعرفة الحق فطوبى لكم وحسن مآب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ص: 465
العجز عن حل مشاكل العراق بسبب عدم وجود رمز كبير يفرض الحل على السياسيين(1)
في إحدى المرات التي أصيب البلد بوباء الجراد إبان العهد الملكي والجراد الذي يكتسح أرضاً زراعية فإنه يذرها قاعاً صفصفاً، فاهتمت الحكومة يومئذٍ بمكافحته، وكان جدي الشيخ محمد علي اليعقوبي (رحمه الله) معروفاً بانتقاداته اللاذعة للحكومة وسوء إدارتها وبعض الظواهر المنحرفة في المجتمع ويعبر عن نقده ببيتين من الشعر تعرف ب_(الدوبيت) وكانت دوبيتات اليعقوبي تأخذ صداها في أوساط المجتمع وتتناقلها الألسن لما فيها من سلاسة ودقة انطباق على الحالة، ومن دوبيتاته التي تناول فيها الحالة المذكورة وهي مكافحة الجراد قوله (رحمه الله) :
ألا قل للوزارة وهي تبغي مكافحة الجراد عن البلادِ
فهلا كافحتْ في الحكم قوماً أضرُّ على البلاد من الجرادِ
ترحّمتُ عليه وعلى كل المخلصين من أبناء البلد وأنا أرى دقة انطباق وصفه على الموجودين في السلطة اليوم رغم مرور أكثر من نصف قرن على نظمه البيتين، فقد جاء هؤلاء المتسلطون من خارج البلاد كوباء الجراد وراحوا يقضمون ب_ِنَهمٍ كل ما في هذا البلد من خيرات ومن حضارة ومن وجود، فهم كما وصف أمير المؤمنين (علیه السلام) بني أمية حينما ولي
ص: 466
الخليفة الثالث الخلافة وسلّطهم على الرقاب في غفلة من الزمن وسبات من الأمة (وقام معهُ بنو أبيهِ يَخضمون مال الله خضمةَ الإبلِ نبتةَ الربيع)(1).
وهي نتيجة طبيعية تحصل للأمة حينما ترجع في أمورها إلى من هو ليس بأهل وتختار عن غير بصيرة وتستسلم للظلم والانحراف، وقد حذّرت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء في خطبتها من هذه النتيجة فقالت علیها السلام) : (ويحهم أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدّي إلا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون؟! أما لعمري لقد لقحت، فَنَظِرةٌ ريثما تنتج) إلى أن قالت علیها السلام: (وأبشروا بسيف صارمٍ، وسطوةمعتدٍ غاشم واستبداد من الظالمين: يدَعْ فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فيا حسرة لكم! وأنى بكم وقد عميت عليكم، أنُلزِمكموها وأنتم لها كارهون)(2).
قبل أيام قرر مجلس الأمن حل اللجنة المكلفة للبحث عن أسلحة الدمار الشامل وانتهاء عملها ولما سأل مُقَدِّمُ النشرة الأخبارية مراسلَ القناة هناك عن مقدار الأموال المتبقية في رصيد اللجنة ومصيرها؟ قال إنها (60) مليون دولار وستبقى تحت تصرف بعثة العراق في الأمم المتحدة لتحسين بنايتها!!
ص: 467
تصوروا أن هذا المبلغ الضخم عندهم هو مجرد (تفاليس) لا يستحق أن يعاد إلى الخزينة العراقية ويصرف على الجياع والمحرومين والمهجرين الذين تعقد دول العالم المؤتمرات لدراسة كيفية مساعدتهم وتجمع التبرعات. بينما تهدر هذه الثروات الضخمة على أيدي المستأثرين والمستبدين.
هذا مع العلم أن بعثة العراق هناك تافهة ولا تقدم أي عمل لخدمة العراق ونصرة شعبه وكل همها إقامة الولائم وحضور الحفلات.
وبدلاً من أن تساهم الحكومة العراقية في معالجة أسباب التهجير وتضمن العودة السريعة للمهجرين إلى منازلهم تدعو دول العالم لاستقبالهم وكأن مشروعاً خفياً يجري لتغيير ديموغرافية العراق وتركيبته السكانية بإفراغه من أهله والمجيء بناس من دول أخرى لا نعلمهم سوى أنهم منسجمون مع مصالح أصحاب هذه الخطة.
إن المهجرين يغادرون منازلهم وعيونهم عليها وقلوبهم معها وآمالهم مشدودة إلى اليوم الذي يعودون فيه إليها حتى وهم في أقصى نقاط العالم، لذا لا تجد أحداً منهم يبيع بيته أو أثاثه أو يصفي أملاكه إلا النادر وهذا يعني أنهم غير عازمين على هجر بلدهم وتركه، فانتبِهوا إلى هذه المؤامرة الخطيرة على الشعب العراقي التي تشترك فيها دول عدة ويديرها عملاء هذه الدول الذين ينفذون أجنداتهم.
ص: 468
ولاكتمال المؤامرة فإنهم يحاربون أبناء البلد الوطنيين الأحرار الشرفاء وإذا برز فيهم(1)
من يمكن أن يكون خطراً على المصالح اللامشروعة لأولئك العملاء فإنهم يعملون بكل ما أتوا من ماكنة إعلاميةوأموال قارونية وقداسة مزيفة على تسقيط تلك الرموز، والافتراء عليهم لكي تخلو الساحة لأولئك العملاء وحتى إذا جاءت الانتخابات المقبلة ونحوها فسوف لا يجد الشعب إلا إعادة انتخاب سارقي ثروات الشعب أنفسهم بمباركة من وُعّاظ السلاطين الذين كل همّهم مداراة مصالح الخاصة ولو سَخطَ عامة الشعب، على عكس ما أوصى به أمير المؤمنين (علیه السلام) مالك الأشتر حينما ولاه مصر (فإن سخط العامة يجحف برضا الخاصة، وان سخط الخاصة يُغتفر مع رضا العامة).
إن العجز عن حل مشكلة العراق اليوم يرجع في بعض أسبابه المهمة إلى عدم وجود رمز وطني أو ديني كبير له هيبة وانقياد يستطيع فرض الحل على السياسيين وإرغامهم على الرضوخ إلى الحق.
وهنا يكون واجب النخبة كبيراً فعليهم تحمل مسؤولياتهم لتوعية الشعب وتوجيهه نحو قيادته الحقيقية والتصدي لتحمل المسؤولية وتقديم البديل الصالح ليأخذ محل الفاسدين والظالمين.
ص: 469
بسم الله الرحمن الرحيم
أجرى الدكتور طالب ألرماحي مدير مركز العراق الجديد للإعلام والدراسات في لندن لقاءً مع المرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في مكتبه في النجف الأشراف(1) تحدّث فيه عن تقييم أداء المرجعية ووظيفة المبلّغ الإسلامي وتداعيات العملية السياسية وكيفية إخراجها من عنق الزجاجة ونحن نقتطف منه ما يتعلق بالمحور الأخير:
د.الرماحي: هناك حديث عن تشكيل حكومة إنقاذ وطني وهناك مساعي تبذل من قبل أطراف داخل العملية السياسية لإنشاء تحالفات فما هو موقف سماحتكم.
سماحة الشيخ: إن كل حركة يجب أن تكون ضمن الدستور لأنه أُقرّ من قبل أغلبية الشعب فيجب أن يحترم ويُصان، وإذا وُجد من يعترض على فقرات فيه فإن فرصة التعديل موجودة والمهم أن تنضبط الحركة بقواعد محترمة ومقبولة لدى الشعب، ونحن نرحّب بأي حراك سياسي ضمن هذا الإطار، فإذا كان ما تتحدث عنه من حكومة الإنقاذ الوطني كذلك فنحن أول من دعونا إليها لان الوضع السياسي بحاجة إلى عملية جراحية لاستئصال كل العقد الخبيثة التي أوصلت بلدنا وشعبنا إلى هذا
ص: 470
الحال المزري وقدّمنا المعالم العامة لمشروع الإنقاذ الوطني من خلال عدة نقاط سلمناها إلى الدكتور برهم صالح عندما زارنا قبل سفره إلى مؤتمر شرم الشيخ(1) الأخير، ولا زلنا نواصل تقديم النصائح والمشورة ونساعد في إيجاد حل.
أما إذا قُصِد بحكومة الإنقاذ الوطني الانقلاب العسكري وإلغاء العملية السياسية من أساسها فهذا ليس إنقاذاً بل انه يزيد الوضع تدهوراً وسوءاً.
د.الرماحي: هناك توقعات بسقوط حكومة المالكي خلال الأشهر القادمة نتيجة لفشلها في مهامها الأمنية والخدمية فهل توافقون على هذا.
سماحة الشيخ: لا استطيع أن أرجم بالغيب وأحدد تاريخاً لسقوط الحكومة ولكنها فعلاً لا تستحق البقاء لأنها فشلت في كل شيء، وبقاؤها إلى الآن ليس لنجاحها في إعمار البلد وتوفير الحقوق الأساسيةللمواطن وأدائها لواجباتها، وإنما يحافظ عليها من بيدهم القرار لأنها ما زالت تحفظ مصالحهم وتدرّ عليهم المغانم أما الشعب فلا أحد يفكّر فيه ولذا فنحن بحاجة أكيدة إلى التغيير لمنع المزيد من التردي والانهيار وحفظ سمعة وكرامة العراق بلد الحضارات أمام العالم حيث أصبحنا سخرية ومثلاً سيئاً.
ص: 471
تصوّر أن رئيس الوزراء عاجز منذ أشهر عن إجراء تعديل وزاري(1) ويفشل في تحقيق الأغلبية المطلقة في البرلمان أي نصف عدد الأصوات مع أنهم يسمونها حكومة وحدة وطنية ويدّعي أحد رموز الحزب الذي ينتمي إليه السيد رئيس الوزراء أنها تمثل قاعدة برلمانية عريضة تصل إلى 94% فلماذا تفشل في تحقيق نسبة النصف.
إن التغيير المرجو يجب أن لا يكون من باب ذر الرماد في العيون وتغيير الأقنعة التي تلبسها الكتل المهيمنة على العملية السياسية كالذي سمعناه من تشكيل تكتل رباعي(2)
يضمّهم بل لابد من تغيير حقيقي شامل يصاحبه الكثير من الشجاعة ونكران الذات والشعور الوطني المخلص والتسامي عن الانتماءات الضيّقة.
د.الرماحي: ما هي مقترحاتكم شيخنا لإخراج العراق من أزمته الحالية.
سماحة الشيخ: توجد جملة تصوّرات ذكرت بعضها في المشروع الذي أشرت إليه آنفاً وذكرت البعض الآخر في خطاباتي وأحاديثي وهي منشورة.
ص: 472
ويمكن تلخيصها بأننا بحاجة إلى نوعين من العلاج.
الأول: آني وفوري وهو استقالة الحكومة وبقاء عملها على نحو تصريف الأعمال وإعادة تشكيلها من وزراء أكفاء وطنيين نزيهين مخلصين بالتشاور مع كل الكتل السياسية الممثلة في البرلمان والقوى الوطنية التي ليس لها حضور في البرلمان لسبب أو آخر، وأن يرأسها شخص شجاع حازم يعمل للعراق والعراقيين وأن يكون على مسافة واحدة من الجميع ولا يخضع لابتزاز الكتل السياسية ولا لهيمنتها، ويتحقق ذلك بعرض المرشحين مباشرة على البرلمان لنيل الثقة بالاقتراع السري وبذلك سوف لا يقعالمرشح تحت هيمنة الكتل وابتزاز الصفقات، كما يتيح الفرصة لتفكيك مواقف أعضاء الكتل وتحقيق امتزاج بينها لأن كل عضو سيمثل نفسه وليس من الضروري أن تصوّت الكتلة كلها لمرشح واحد.
ولا مانع من أن يعود السيد المالكي نفسه إلى رئاسة الحكومة إذا اجتمعت هذه الصفات فيه بعد أن يتحرر من حاشيته الأنانية ومن خوفه من تهديدات الكتل المهيمنة بإسقاطه.
الثاني: الدعوة إلى انتخابات مبكرة لا يتجاوز موعدها حزيران من العام المقبل تتيح الفرصة لرسم خارطة سياسية جديدة وتوسيع قاعدة المشاركة بعد أن ازداد وعي الشعب العراقي بالعملية الديمقراطية وأن يُهيّأ لها بإصلاح قانون الانتخابات فتُعتمد الدوائر الانتخابية المتعددة وترشيح الأفراد بحسب المناطق وليس على نظام القوائم وبذلك سنحصل على ممثلين حقيقيين للشعب وليس ممثلين للكتل والقوائم السياسية كما هو حاصل الآن.
ص: 473
وان يعطى دور فاعل للمعارضة الايجابية والأجهزة الرقابية على عمل السلطة لان هذه أجزاء مهمة من العملية الديمقراطية وقد وضعنا آليات تفصيلية لتحقيق ذلك في كلمات متفرقة يمكن مراجعتها.
د.الرماحي: هناك تذمر شعبي واضح من أداء الائتلاف نتيجة تورط الكثير من الحكومة وأعضاء مجلس النواب في عمليات فساد مالي و إداري إضافة إلى عدم الكفاءة والإخلاص من قبل البعض، ما هو تعليقكم على ذلك؟
سماحة الشيخ: نعم، هذا الاستياء موجود لكن ليس فقط الائتلاف مسؤول عنه وإنما كل المتنفذين في الحكومة، وأنا في بياناتي وأحاديثي أعمم انتقادي للفساد والتقصير الصادر من كل المتنفذين في الكتل السياسية لأنها في الحقيقة حكومة كتل سياسية متنفذة وليست حكومة شعب.
د.الرماحي: يتذرع البعض بغياب الأمن في انعدام الخدمات أو تلكؤها لكن المحافظات الآمنة منها كالنجف مازالت تعاني ما تعانيه المناطق الساخنة، هل هذا مؤشر على فشل الحكومة أم ماذا؟
سماحة الشيخ: هذا الإشكال صحيح وهذه الهالة الضخمة التي يعطونها للإرهاب إنما يريدون أن يبرروا بها فشلهم وتماديهم في سرقة أموال الشعب وتقصيرهم في أداء وظائفهم وهم بذلك يشبهون المقبور صدام حسين الذي كان في التسعينيات يعلّق كل ظلمه وتقصيره وتجويعه للشعب على شماعة الحصار بينما تجاوزت أرصدته هو وأفراد أسرته في
ص: 474
البنوك العالمية ستين مليار دولار، وهؤلاء اليوم اتخذوا شماعة الإرهاب للوصول إلى نفس النتيجة فإن الإرهاب على بطشه وقسوته ليس مسؤولاً عن كل المشاكل، فهل يعقل أن الدولة التي خُربّت في كل جوانبها هي بسبب سيارة أو سيارتين تنفجران هنا وهناك؟ إن الدمار الكبير هو ما لحقنا جراء صراع السياسيين وأنانيتهم واستئثارهم وعدم تورعهم عنارتكاب كل الوسائل الدنيئة بما فيها سفك الدم الحرام وهتك المقدسات والحرمات للوصول إلى مآربهم.
ص: 475
في ذكرى استشهاد الإمام الهادي (علیه السلام): تجمع مؤسسات المجتمع المدني في بغداد للمطالبة بحكومة جديدة (1)
نحن مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني في بغداد الذين نقدم الخدمات الطوعية للشعب لذا فهو يُحبُنا ونحنُ نحبُه اجتمعنا اليوم الذي تتجدد فيه الأحزان بذكرى استشهاد الإمام العاشر من أئمة أهل بيت النبي(صلوات الله عليهم أجمعين) الإمام علي الهادي (علیه السلام) وتزداد فجيعتنا حينما نرى روضته الشريفة في سامراء مهدّمة ، ومحبوه و عارفو فضله في مختلف أنحاء العالم ممنوعون من الوصول إليها للثم ثراه الطاهر .
اجتمعنا لنطالب الحكومة بصحوة ضمير وانتفاضة على أنانيتها وانشغالها بمصالحها الذاتية لتلتفت إلى هذا البلد الجريح المدّمر وهذا الشعب المضطهد المحروم من ابسط حقوق الإنسان .
إن الشعب العراقي الأبي والتوّاق إلى الحرية والحياة الكريمة صبر بما فيه الكفاية على فشل الحكومة وتخبّطها واستئثارها بثروات الشعب وتفشي الفساد وعجزها عن خدمة المواطن العراقي في كل المجالات فلا
ص: 476
أمن ولا كهرباء ولا ماء ولا وقود ، ولا خدمات صحية ، وفي كل يوم تزداد أعداد المهجّرين والشهداء والأيتام والأرامل والعاطلين عن العمل حتى بلغت الملايين، ولا نعلم أين ذهبت الميزانية الانفجارية التي وعد بها السيد رئيس الوزراء مطلع العام وخصّص منها أحد عشر مليار دولار للمشاريع الاستثمارية وتشغيل العاطلين، وها نحن قد تجاوزنا نصف العام ولم نر من كل ذلك شيئاً على أرض الواقع .
إن كارثة واحدة من الكوارث الكبرى التي تحل بالشعب العراقي كافية لدى الشعوب المتحضرة لاستقالة الحكومة واعترافها بفشلها وإعطاء الفرصة للآخرين لينجزوا شيئاً ، لذا نحن نطالب البرلمان الذي انتخبناه متحدين الإرهاب وكل المصاعب أن يسحب الثقة من الحكومة الحالية ويشكل حكومة من أبناء الشعب الكفوئين النزيهين المخلصين لبلدهم وشعبهم من الكتل البرلمانية وخارجها.
حكومة(1)
لا استبداد فيها ولا استئثار وتكون على مسافة واحدة من الجميع وتعمل للعراق والعراقيين
حكومة حازمة قوية تعيد هيبة الدولة وسلطة القانون وتلم الشمل وتمنع التفرق والتنازع
حكومة لا تخضع للابتزاز ولا تتنازل عن أي جزء من الأرض أو أي ثروة من أجل تحقيق مكاسب سياسية أو البقاء مدة أطول في السلطة.
ص: 477
حكومة تقضي على الفساد المالي والإداري وتصون ثروات الشعب وتصرفها فيما فيه مصلحة البلد ورفاهية الشعب.
حكومة تضع الخطط والإستراتيجيات للتنمية والإعمار ولا تكون تصرفاتها ارتجالية وعبارة عن ردود أفعال
حكومة منسجمة تسودها روح المواطنة والأخوة و الشراكة وليس الصراع والتقاتل والمهاترات .حكومة تحل مشاكل البلد الكبرى التي جعلت العراق يتصدّر قوائم الدول في كل ما هو سيء كسرقة المال العام وعدد المهجّرين واغتيال الكفاءات وقتل الصحفيين والفوضى وفقدان سيطرة الدولة .
حكومة تحفظ كرامة المواطن العراقي وترفع رأسه أمام شعوب العالم ولا تتركه يبحث عن طعام يسد رمقه في حاويات القمامة أو يتسكع على الأرصفة في دول العالم .
أيها البرلمانيون إن شهداء آمر لي(1) والصدرية والجثث المجهولة الهوية على قارعة الطريق وفي الأنهار وملايين المهجّرين والأرامل واليتامى
ص: 478
والمحرومين والجياع يستصرخونكم لإيجاد حلّ ولا يعذرونكم إذا سكتّم على هذه الكوارث ولا يقبل منكم حلول ذر الرماد في العيون وتبديل الأقنعة مع بقاء الوجوه السوداء نفسها.
[وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ] (محمد:38)
ص: 479
السياسيون يفتقدون الإرادة الجدّية للحل (1)
عُرِضت وتعرض على الطاولة السياسية حلول عديدة لإخراج العراق من محنته ولا يزداد الوضع إلا سوءاً فما السبب!
إن المشكلة في كون السياسيين المستأثرين بالحكم لا يريدون حلاً، أو قل يريدون حلاً يحافظ على مغانمهم ومصالحهم الاستبدادية وهذا يعني اللا حل، لان أي صراع وتقاطع بين طرفين أو أكثر يتطلب تنازلات وتضحيات فالمتسلطون يفتقدون الإرادة الجدية للحل.
يعلمنا القرآن الكريم أن أي عملية إصلاح وحل للمشاكل تتطلب وجود مثل هذه الإرادة بين الطرفين حتى في ابسط صورها بين الزوجين وهما فردان فقط، قال تعالى: [وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً] (النساء:35)، فإذا أراد الزوجان –بناءً على عودة ضمير التثنية عليهما لا على الحكمين- الإصلاح فإن الله تعالى يوفق لذلك الإصلاح وإلا فسيكون المحل غير قابل لنزول التوفيق عليه.
سياسيو العالم كله والمراقبون والمحللون والخبراء يجمعون على أن الحكومة فاشلة وعاجزة ولم تقدّم أي شيء مما يجب عليها تجاه شعبها
ص: 480
فعليها الاستقالة، إلا المنتفعون من هذه الحكومة المستأثرون بمغانمها يصرّون على البقاء وهذا يعني أنهم لا يشعرون بالمسؤولية الأدبية والأخلاقية أمام الشعب وكل العالم المتحضّر.
قبل أيام استقال وزيرَا الصحة والمياه الأردنيان على خلفية إصابة ألف أردني بسبب عدم تصفية المياه بشكل كافٍ ورغم عدم مسؤوليتهما المباشرة عن الحادث الذي لم يمت فيه أحد، وأنهما بذلا جهوداً –بحسب رئيس حكومتهم- في تجاوز الأزمة لكنهما انطلاقاً من مسؤوليتهما الأخلاقية عن الحادث قدّما استقالتهما، ونحن في العراق نعيش في كوارث لم يشهد أي بلدٍ مثلها ويصرّ الحكام على البقاء ويصمّون آذانهم ويغلقون أعينهم لكي يقنعوا أنفسهم بعدم وجود مشكلة.فالجميع يعلم أن الحل بانخراط الجميع في مشروع وطني يتسامى عن الانتماءات الطائفية والعرقية مع احتفاظ كل مكون اجتماعي بخصوصياته، ويكون هذا المشروع كفيلاً ببناء مؤسسات دولة قوية مستندة إلى هيبة القانون، لكن المتسلطين الذين تلفعوا بعباءة دينية أو قومية ووصلوا إلى الحكم لا يريدون لهذا الحل أن يمضي لأنه يكلّفهم التنازل عن بعض ما حصلوا عليه.
ولكنني متفائل لأنني أجد المشاعر الوطنية تتأجج والوعي بخطورة تسلط الأجانب وتبعية السياسيين لأجندات غير عراقية يزداد، وان عمر هؤلاء الأذناب لن يدوم طويلاً، وعلى النخب المثقفة الواعية أن تسعى بجد في هذا الاتجاه لتزول الحواجز بين مكوّنات الشعب العراقي ويذوب الجميع في حب العراق بلد الأنبياء والأئمة (سلام الله عليهم) ومهد
ص: 481
الحضارات، فمن العيب أن يفشل السياسيون والمفكرون والمثقفون والخطباء في إيجاد هذه اللحمة الوطنية وتنجح كرة جلدية تتقاذفها الأقدام في صنع فرحة غامرة لشعب كامل(1)
تناسى الجميع في تلك اللحظة الفروق والانتماءات والتقوا كلهم على تلك الفرحة من الخارج والداخل.
إن الشعب إذا لم يتحرك ويُعلي صوته للمطالبة بحقوقه فإن أحداً سوف لا يهتم به أو يفكّر في إنقاذه من محنته، وأنت ترى حلولاً تُطرح من قبل الكتل السياسية المتنفذة ومن الخارج وكلها تراعي مصالحها وتبحث عن الحلول الكفيلة بديمومة تلك المصالح، ويتضح ذلك من تفاصيل وأهداف المشاريع التي يقدمونها فإنها جميعاً لا تتضمن تحسين الخدمات أو رفع مستوى معيشة المواطن العراقي أو إعادة المهجرين إلى ديارهم أو توفير الأمن والسلام، وغاية أهدافهم البقاء مدة أطول في الحكم وتمرير القوانين التي تصب في مصالحهم الشخصية، ولا يلوم الشعب إلا نفسه لأنه لا يُسمِع العالم صوته وكأنه لا يعاني من مشكلة، فإذا غيّب نفسه فهل سيلتفت إليه الآخرون؟.
ص: 482
العيد والمصالحة الحقيقية(1)
الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على سيد خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين.
مرَّ عامٌ كامل على توقيع وثيقة مكة المكرمة التي وصفناها في كلمتنا إلى المؤتمرين وعبر وسائل الإعلام بأن الآمال معلّقة عليها، ولم نكن نتوقع أن مثل هذه الخطوة تقضي على كل أشكال العنف الجاري على الأرض العراقية؛ لأن بعضه يرجع إلى دوافع إرهابية كالذي يقوم به التكفيريون، وبعضه ناشئ من أغراض إجرامية كالسرقة والقتل لعداوات شخصية والخطف للابتزاز ونحوها، ومثل هذه الأصناف لها حلولها الخاصة كتجفيف المنابع اللوجستية للإرهاب وإصلاح المنطلقات الفكرية التي يستند إليها وتقوية الأجهزة الأمنية والعسكرية لمحاربته وفرض سلطة الدولة والقانون لمكافحة الجريمة وغيرها.
وإنما كنّا نأمل بتلك الخطوة أن تعالج العنف السياسي الذي يوفّر المناخ المناسب لنشوء كل الأشكال الأخرى من العنف والكوارث، وأن تعالج جانباً من الإرهاب عُزِّز به فجاءت الوثيقة لتصحح مستنده العقائدي، وقد تحققت تلك الآمال في الأسابيع الأولى من عمر الوثيقة حيث أفادت التقارير الأمنية في حينها أن انخفاضاً ملحوظاً في مستوى العنف قد تحقق قدّره بعض الخبراء في حينه بعشرين بالمئة وهو رقم طيّب يمكن تحقيقه
ص: 483
خلال أسبوعين، ولكن ما لبثت تلك الآمال أن تلاشت وعادت دوّامة العنف تلفّ البلد وتزهق آلاف الأرواح البريئة وتهجّر مئات الآلاف وتخرِّب الممتلكات، فلماذا حصل هذا التراجع؟
ولست الآن بصدد تعداد كل الأسباب وتأثير الاحتلال والأجندات الإقليمية والدولية لأن هذه كلها على خطورتها يمكن تحجيم أثرها إذا توفرت لدى ساسة العراق الإرادة الصادقة لحل المشاكل وإنقاذ البلد وأهله؛ قال تعالى [إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا] (النساء:35)، ولكنني أريد أن أُنبِّه إلى سبب مهم أشرتُ إليه في نفس رسالتي إلى المؤتمر ويمثّل الخطوة الثانية من بناء عملية مصالحة حقيقية بعد الخطوة الأولى وهي التوقيع والتعهد بالالتزام ببنود الوثيقة فقلت في حينها ((إن العنف الذي يشهده العراق ليس طائفياً فقد عشنا في كل الأزمنة السابقة وحتى الآن سُنَّةً وشيعةً متآخينَ متحابِّينَ وإنما هو في الغالب سياسي ويتولى كِبْرَهُ سياسيون طامعون في السلطة والإثراء بغير حق [لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً] (التوبة:8)، وإنما يلبسونه ثوب الطائفية ليعبّئوا لمعركتهم هذه مَن يسير على غير هدى، لذا لا بدمن الشروع فور البدء بالالتزام بوثيقة مكة المكرمة بإصلاحات سياسية جذرية، وقد تداولت مع عدد من الأخوة المسؤولين بأفكار مهمة في هذا المجال تجعل كل شيء قابلاً للنقاش إلا ما حرَّمَ حلالاً أو أحلَّ حراماً في شريعة سيّد المرسلين)).
هذه هي الخطوة الثانية التي لم يقم بها السياسيون، وبقي الجميع متمسّكين بمواقعهم ومواقفهم.
ص: 484
وربما تدل أفعال المهيمنين على السلطة على شعورهم بعدم وجود مشكلة أو أزمة من قبلهم وان على الآخرين أن يأتوا إليهم مذعنين، وأحد الشواهد على ذلك قيامهم بتشكيل تكتّل(1)
يضمّ عدداً محدوداً من نفس المهيمنين على السلطة، فبدلاً من توسيع دائرة المشاركة السياسية لتشمل جميع القوى وممثلي الشعب حتى من هم خارج البرلمان، قام هؤلاء بتضييق دائرة الاستئثار بالسلطة والقرار ليقتصر عليهم وما على الآخرين مهما كان حجمهم وثقلهم إلا أن يتبعوهم ويذوبوا فيهم، فكان الرد الطبيعي للآخرين مقاطعة هذا التكتل والمطالبة بإصلاحات حقيقية فلم يحقق هذا التكتل شيئاً وكأنه وُلِد ميتاً بل زاد الشرخ والفرقة والتباعد حتى جرَّأَ أعضاء الكونغرس الأمريكي ليسنّوا قراراً يقضي بتقسيم العراق إلى ثلاث فيدراليات: شيعية وسنية وكردية، وهذا ما توقّعناه في نفس بياننا إلى المؤتمر حيث قلنا فيه ((إنكم بالتزامكم جميعاً بهذه الوثيقة ستسحبون الذرائع من قوات الاحتلال التي تبرر وجودها بتردي الوضع الأمني وتُفشِلون مشاريع تقسيم العراق التي تجعل العنف الطائفي سبباً لها، وتصوّر التقسيم وكأنه الحل الوحيد لإنهاء هذه الحالة.)).
وما كان لهم أن يتطاولوا على مقدسات بلدنا وينتهكوا حرمة إرادة الشعب العراقي لو كان قادة هذا الشعب متوحدين في مشروع وطني يحافظ
ص: 485
على وحدة العراق شعباً وأرضاً وعلى حرّيته واستقلاله وكرامته، لكنهم مع الأسف ظلّوا يدورون في فلك مصالحهم الشخصية والفئوية الضيّقة.
إن مشكلة العراق لا يحلّها إلا العراقيون أنفسهم ولا تُحَلُّ بأن يستضيفوا على أرضهم مؤتمرات(1)
لمن يتدخلون في شؤون البلاد ويتصارعون على هذه الأرض المباركة الشريفة ليصفّي كلمنهم حساباته مع الآخر ويكون الثمن من دم العراقيين أنفسهم، أما الساسة العراقيون فدورهم التفرّج وانتظار النتائج التي سوف لا تكون بصالحه حتماً لأنها تُرتَّب وفق مصالح الآخرين.
إن التذرع بالدستور وصناديق الاقتراع وحده لا يكفي في بلد جديد العهد بالتجربة الديمقراطية ويعاني من موروثات معقدة ومخلّفات عهود طويلة مظلمة، وتتشكل فيه الكتل السياسية على أساس المكونات الاجتماعية وليس البرامج السياسية الوطنية، وهذا أحد أسباب دعوتنا الكتل السياسية لتغيير اصطفافاتها والخروج من تخندقها الطائفي والقومي. فلا بد في المرحلة الحالية من بناء العملية السياسية على التوافقات التي تعتمد الشراكة الحقيقية والثقة المتبادلة.
ومن المفارقات أنك تجد هؤلاء المتذرعين بالدستور والديمقراطية يغضّون الطرف ويتجاوزن على الدستور وشرعية الانتخابات حينما تقتضي مصالحهم ذلك مما يُضعِف الثقة بقدرتهم على بناء دولة القانون
ص: 486
والمؤسسات، مثلاً تراهم يطالبون بالعمل بفقرات مختلف فيها قبل إقرار التعديلات الدستورية التي حُدِّدت لإجرائها مدة بضعة أشهر وقد مرَّ ما يقارب السنتين دون تحقيق أي اتفاق حولها، ومع أن فقرة إجراء التعديلات حاكمة على الفقرات الأخرى ما دامت مشروطة بالتعديل وسن قانون لتفاصيلها ولا يجوز العمل بفقرة قبل إقرار التعديلات النهائية.
إن مشكلة بعض المتمسكين بالسلطة اليوم أنهم لا يرون وجود أزمة يعاني منها البلد ما دامت مصالحهم قائمة ووضعهم في السلطة مستقراً فليبق الحال على ما هو عليه، وعلى الجميع أن ينصاع لهذا الوضع أما عشرات آلاف الضحايا، وملايين المهجّرين، وشلل الخدمات، وتفشي الفساد المالي والإداري، وتعطيل الاقتصاد والزراعة والصناعة، وهجرة الكفاءات خشية الاغتيال، وملايين العاطلين، وهدر المال العام وسرقته، وغيرها من المعضلات التي دفعت بالأمين العام للأمم المتحدة أن يصف(1) القضية العراقية بأنها مشكلة العالم كله؛ أقول: أما هذا كله فليس مشكلة في نظر البعض حتى يقدّموا تنازلات أو أفكار أو مشاريع لحلّها وحتى لو كانت هناك مشكلة فليسوا هم المسؤولين عنها وإنما هي مشكلة الآخرين.
ويبدو أنهم بحاجة إلى تذكيرهم بكلمة أمير المؤمنين (علیه السلام) لمّا سئل عن تفسير الأحداث التي انتهت بمقتل الخليفة عثمان، قال (علیه السلام) (استَأثرَ فَأساءَ الأثَرَةَ، وَجَزَعْتُم فَأسَأتمُ الجزع، وللهِ حُكمٌ واقِِعٌ في المُستَأثِرِ والجَازِعِ) فالسلطة تتقاسم المسؤولية عما يحدث في البلاد مع المنفّذين المباشرين من خلال استئثارهم مما يستفزّ الآخر ويدفعه إلى الوقوع في
ص: 487
الخطأ بل الخطيئة حين يفقد الصبر من أجل حفظ المصالح العليا للبلاد والعباد.ثم أغرقوا في الاستئثار وقالوا: لقد آن لنا أن نعمل بنظام الأغلبية وليس التوافق ولا حاجة إلى حكومة وحدة وطنية ويكفي أن نشكل حكومة أغلبية برلمانية، وأنا ألفت نظر السادة المحترمين إلى جملة من الأمور قد تكون غابت عليهم وهي ضرورية لتصحيح رؤيتهم في إدارة العملية السياسية:-
1- إن نظام الأغلبية لا يمكن اعتماده في اتخاذ القرارات المصيرية في مثل العملية السياسية الجارية في العراق لأنها بُنيت على أساس التمثيل الطائفي والعرقي فاعتماد الأغلبية يعني إلغاء دور نصف مكونات الشعب العراقي تقريباً فكيف سيكون رد الفعلأ
إذن؟
إن الأغلبية إنما تُعتمد حينما يكون تشكيل الأحزاب والكتل على أساس البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تلتزم بها الأحزاب ويكون التفاضل بين هذه البرامج أما في العراق فإن الأحزاب والكتل أُسست على أساس تمثيل الطائفة والعرق وحينئذٍ سيكون التفاضل والتمييز بين مكونات الشعب وإن إبعاد شريحة يعني استعداءها ودفعها باتجاه الأعمال الشريرة.
2- إن فهم الديمقراطية على أنها تحكيم رأي الأغلبية هو نظر بعين واحدة إليها، أما العين الأخرى فيجب أن تنظر إلى حفظ حقوق الأقلية وهذا غير موجود؛ لأن من لا يكون ضمن دائرة السلطة والنفوذ فإنه يحرم من حقوقه بل يُستأصل ويُنهى وجوده مع أنه جزء من الدولة العراقية وله
ص: 488
حقوقه التي تقتضيها المواطنة حتى وإن لم يكن جزءاً من الحكومة أما جعل الدولة هي الحكومة والحكومة هي الدولة بحيث تكون مؤسسات الدولة ملكاً للأحزاب الحاكمة فهذه من مخلفات عصور الديكتاتورية فإن الحكومات تنتهي والدولة تبقى.
3- إن طول عهد الأنظمة الطاغوتية التي حكمت العراق بأشد البطش والقسوة وطول حرمان الشعب من ممارسة حقه في المشاركة في الحكم ولّد رغبة جامحة لدى الجميع في المشاركة، وإذا حُرِمَ منها فإنه لا يسكت عن المطالبة بحقه، فاعتماد نظام الأغلبية يحتاج إلى زمن طويل من التثقيف والترويض والثقة بالشركاء إلى أن يتم تجاوز تلك العقد الموروثة من الزمن الماضي.
4- ليتصور هؤلاء السادة الذين يريدون الاكتفاء بحكومة الأغلبية أنه لو جمّع الآخرون أغلبية واكتفوا بما عندهم ولم يشركوا هؤلاء في الحكم فهل سيقتنعون بهذه النتيجة
[مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ] (الصافات:154).
5- إذا كان الموجودون في الحكم قد امتلكوا الأغلبية البرلمانية في بداية تشكيل الحكومة فلا بد لهم أن يحافظوا عليها بالوفاء بالتعهدات والمواثيق التي اتفقوا عليها مع كل شركائهم وليس لهم أن ينفردوا بعدئذٍ لأنهم لم يصلوا إلى مواقع الرئاسات إلا بهذه التوافقات السياسية وبعضها تم التصويت عليها بالثلثين فلا يحقُّ لهم النكول بها وهذه حقيقة يغفل عنها البعض مع الأسف. حتى لم يعودوايمتلكون الأغلبية البرلمانية فضلاً عن كونها حكومة وطنية، والشاهد على ذلك فشلهم في تحقيق هذه الأغلبية
ص: 489
لنيل الثقة بالوزراء الذين أُريد لهم ملئ المقاعد الشاغرة منذ عدة أشهر؟! فهذا دليل على أنهم لا يمتلكون هذه الأغلبية، ولذا أصبح البرلمان مشلولاً منقسماً على نفسه بين موالٍ للأحزاب الموجودة في الحكومة ويبرّر لها كل ما تقوم به مهما كانت النتائج، وبين معارضٍ يدأب على وضع العصي في العجلات لإعاقة العمل، وبين هذا وذاك ضاع العراق الجريح والشعب المضطهد المحروم الذي لا يجد ناصراً ولا معيناً إلا الله تبارك وتعالى وثلّة مخلصة لا تُسمن ولا تُغني من جوع.
وفي ضوء هذه الحقائق أُوجِّهُ كلامي إلى الموجودين في السلطة وأقول لهم: إنني ما قلت لهم هذه الكلمات إلا بدافع النصيحة فأنا [أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ] (الأعراف:68)، [أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ] (الأعراف:62)، [قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ] (سبأ:46)، وإن الله تعالى مُسائلكم عن هذه المواقع التي أنتم فيها [وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ، مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ] (الصافات: 24-25) والدنيا مهما طالت فإنها تنتهي بالموت وسوف لا ينفع يومئذٍ مال ولا بنون ولا جاه ولا موقع ولا حمايات ولا ينجو إلا من أتى الله بقلبٍ سليمٍ خالٍ من الغشّ والحقد والأنانية وحبّ الدنيا وظلم الآخرين وحرمان الناس من حقوقهم والاستئثار دونهم بالامتيازات، وإنما يفوز يوم القيامة من جاء ربّه بقلبٍ مليءٍ بالرحمة والحب والصفح والتسامح وإرادة الخير للناس جميعاً كما يريده لنفسه بل أن يؤْثِر الآخرين على نفسه ويضحّي من أجلهم.
ص: 490
فعلى جميع الأطراف أن تبذل كل ما في وسعها وتقدم كل التنازلات الضرورية ليحصل الوئام والانسجام والاشتراك في إنقاذ البلد من محنته وترفيه الشعب وإسعاده.
وليعلم كل طرف أن ما يقدمه من تنازلات ليس هو للطرف الآخر حتى يشعر بالهزيمة، وأن هناك طرف رابح وآخر خاسر وإنما هو تنازل لله تبارك وتعالى وللشعب ولمستقبل هذا البلد وهذا كله ربح لا خسارة فيه.
أيها المؤمنون: إن من أعظم شعائر العيد هو التواصل بين المؤمنين وإنهاء كل الخلافات بينهم وإسقاط كل التبعات التي لبعضهم على البعض الآخر، والتنازل عن أي شيء ممكن من أجل أن يلتقي مع الآخر، ولنستفد من بعض الأحاديث الشريفة الواردة بهذا الصدد، فعن الإمام الصادق (علیه السلام) أنه قال: (يحق على المسلمين الاجتهاد في التواصل، والتعاون على التعاطف، والمواساة لأهل الحاجة، وتعاطف بعضهم على بعض حتى تكونوا كما أمركم الله عز وجلّ رحماء بينهم متراحمين مغتمّين لماغاب عنهم من أمرهم، على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول الله (صلی الله علیه و آله))(1) ومن وصية للإمام الصادق (علیه السلام) قال: (تواصلوا وتبارّوا وتراحموا وكونوا إخوة أبراراً كما أمركم الله عز وجل)(2) وفي فضل الوساطة بين المختلفين لتقريب وجهات النظر قال الإمام الباقر (علیه السلام): (رحم الله امرءاً ألّف بين وليّين لنا، يا معشر المؤمنين تآلفوا وتعاطفوا)(3).
ص: 491
وفي الحث على قبول العذر من المخطئ تمهيداً لتحقيق الوئام والانسجام نقل الإمام الصادق (علیه السلام) عن آبائه (علیهم السلام) أن رسول الله (صلی الله علیه و آله) أوصى علياً (علیه السلام) فقال: (يا عليّ من لم يقبل العذر من متنصّلٍ عذراً صادقاً أو كاذباً لم ينل شفاعتي)(4).
وفي استحباب التلاقي والمصافحة قال الإمام الباقر (علیه السلام) إن المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أدخل الله يده بين أيديهما، وأقبل بوجهه على أشدّهما حباً لصاحبه فإذا أقبل الله بوجهه عليهما تحاتّت عنهما الذنوب كما يتحاتّ الورق من الشجر)(5).(1)
ويتعاظم هذا الفضل والأجر الكريم حينما تكون العلاقة هكذا بين القادة والسياسيين الذين تتوقف على تلاقيهم وتآلفهم وتواددهم نجاة ثلاثين مليون إنسان من محنتهم فكونوا كما أرادكم الله تبارك وتعالى ورسوله الكريم محمد (صلی الله علیه و آله).
بسم الله الرحمن الرحيم
[إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً]
ص: 492
بسم الله الرحمن الرحيم
التقى سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بعدد من مراسلي الفضائيات ووكالات الأنباء(1) وافتتح كلامه بالحديث الشريف (طالبان منهومان لا يشبعان طالب العلم وطالب المال) وقال إن الصحفيين نهمون أيضاً في اقتناص الأخبار وتغطية الأحداث وتحقيق السبق الصحفي، فمن أي الفريقين هم؟
وأجاب سماحته: أنهم يمكن أن يكونوا من الأول ويمكن أن يكونوا من الثاني فإذا عملوا بمهنية وموضوعية وحيادية وإنصاف في كشف الحقائق وإيصال المعلومة الصحيحة كانوا من الأول لان العلم هو انكشاف الحقيقة كما هي في الواقع، وإن خضعوا للإغراءات وباعوا أمانتهم وشرف مهنتهم بثمن بخس فأصبحوا أبواقاً تردد ما تطلبه منهم الجهة التي تدفع لهم كانوا من الثاني، والأول هو الإعلامي الناجح الذي يحظى بالرضا والقبول.
وإني أقول بصدق: إنني استفيد كثيراً مما يعرضه المراسلون من خفايا وخبايا عن وضع الناس ومعاناتهم ومشاكلهم مما لا نستطيع الوصول إليه، وأتحرك منطلقاً من مسؤوليتي بما استطيع لحل تلك المشاكل ورفع
ص: 493
المعاناة، وأنا مدين لهم بهذه الخدمات التي يؤدونها، وأخصص جزءاً من وقتي لمتابعة نشرات الأخبار واعتبرها جزءاً من الاهتمام بأمور المسلمين التي أمرنا بها.
وفي نفس الوقت فاني أتعجّب من الحكومة وعموم المتصدين لإدارة البلاد لهذا الصمم الذي أصيبت به آذانهم والعمى الذي أصيبت به أعينهم والقساوة التي طبعت على قلوبهم، فإننا إن عذرناهم عن النزول إلى الميدان والتجول بين الناس وتفقّد أحوالهم، فإننا لا نعذرهم من متابعة ما تظهره وسائل الإعلام ولا نعفيهم من واجب بثّ العيون من الأمناء المخلصين في كل زوايا البلاد لينقلوا لهم كل صغيرة وكبيرة من أحوال الشعب فيكافئوا المحسن ويعاقبوا المسيء ويصلحوا الفساد ويعمروا البلاد ويرفعوا المعاناة.أنا أعلم أنه ليس بمقدورهم حل كل مشاكل البلاد فإن بعضها خارج عن حدود الطاقة، لكنني أتحدّث عمّا يمكنهم فعله لو توفرت الإرادة الجادة والصادقة، مثلاً حينما قرّرت الحكومة تشجيع العوائل المهجّرة في سوريا على العودة إلى العراق بسبب تحسّن الوضع الأمني وقررت توفير وسائط النقل مجاناً ومنح مبلغ لكل عائلة عائدة فإنهم نفذوا فوراً وبدون معوقات وتم تسليم المبالغ نقداً بمجرد وصول العوائل إلى بغداد وهذا شيء جيد ويستحق العائدون أن نعينهم على تجاوز المحنة، ولكن لماذا هذا الروتين القاتل والمماطلة والتسويف في مساعدة العوائل المهجرة بحيث تمرّ الأشهر دون تنفيذ قرار الحكومة بمنح مساعدة مالية لهم رغم صيحات المحرومين والمنظمات الدولية والإنسانية والكوارث
ص: 494
المحيطة بهم. ألا يستحق هؤلاء المبادرة إلى مساعدتهم مباشرة وبنفس الفورية التي تعاملوا بها مع العائدين؟ إن مثل هذه المفارقة تجعلنا نعتقد بعدم الإخلاص والمصداقية في العمل إلا بمقدار ما ينفع مصالحهم الشخصية ويلمّع صورتهم وإبراز قضية عودة المهاجرين كمؤشر على نجاح الحكومة.
والمثال الآخر: امتيازات أعضاء مجلس النواب فانه نال المصادقة بدون تأخير مع ما يتميزون به أصلاً من امتيازات بينما يمر عام ونصف العام على قرار منح الطلبة الجامعيين مساعدات شهرية تعينهم على مواصلة دراستهم من دون نيل المصادقة.
والأدهى من ذلك أن أربع سنين عجاف مرّت على الشعب وهو يفقد الآلاف من أبنائه وتُخرّب ممتلكاته في حوادث العنف المريعة، وحينما أرادوا إنهاء ذلك بعد عقد صفقات وجني مصالح وأرباح توقفت تلك الأعمال بدرجة كبيرة بجرّة قلم فمن الذي يتحمل مسؤولية تلك الدماء والضحايا الذين خلفوا ملايين الأيتام والأرامل. وعاد الأمن إلى بغداد بنسبة 60-65% بحسب التقديرات بعد أن أصبحت مدينة أشباح يعلو فيها أزيز الرصاص والمتفجرات على كل صوت.
إن هذه النتائج تفرحنا لكننا نطالب أن تكون إرادة الخير ومراعاة القيم الإنسانية هي الحاكمة والبوصلة التي توجّه حركة الجميع لا المصالح الشخصية والأنانية.
ثم أجاب سماحته على بعض أسئلة الإعلاميين وهي:
ص: 495
س1: كيف يرى سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي الزيادة الكبيرة التي حصل عليها النواب والوزراء العراقيون والشعب العراقي يَئِنُّ من صعوبات العيش، خاصة خلال هذه الفترة الحرجة؟الجواب: أعتقد أن المناقشة لا تكون الآن في أصل القرار فقد اتُخذ وانتهى الأمر ولم تنفع بعض الاعتراضات خصوصاً وأننا نعتقد أن ثروات البلد لو وزعت بشكل عادل وتوفرت عند الحكومة حسن إدارة للأموال فإن نصيب المواطن العراقي سيكون وفيراً خصوصاً لمن هم في مواقع المسؤولية ولهم وضع خاص في المجتمع.
ولكننا نطالبهم أولاً بأن يقدّموا للأمة عطاءً مساوياً للامتيازات التي يحصلون عليها وينجزون القرارات والمشاريع التي ترفع المعاناة عن الشعب وتوفر لهم حقوقهم بأسرع مما يقررّون لأنفسهم وليس العكس كما هو حاصل.
لذا أنا أمرت من يطيعني من أعضاء البرلمان وأنصح غيرهم أيضاً بدفع هذه الزيادات إلى صندوق خيري ينفق منه على تشغيل العاطلين ومساعدة المهجّرين والمحتاجين ليساهموا ولو بدرجة يسيرة وبحدود ما يستطيعون في رفع معاناة الناس، وقد سمعت أن كثيراً من المهجّرين في خيام متهرئة لا تصمد أمام أمطار وعواصف الشتاء فما مصير هذه العوائل حينئذ؟ وهل يعسر على البرلمانيين والحكومة توفير كرفانات لإسكان المهجرين؟!
ص: 496
الحكومة الحالية لا تناسب الوضع السياسي والاجتماعي، والممارسة الديمقراطية عوراء
س2: كيف تقرأون واقع تشكيلة الحكومة الحالية؟
الجواب: لا يمكن بناء العملية السياسية في هذه المرحلة على الأقل على أساس حكم الأغلبية وإنما تجب العودة إلى حكومة الشراكة الوطنية مع مراعاة الاستحقاقات وأن تتخذ القرارات الستراتيجية وفق مبدأ التوافق لأكثر من سبب:
لأن تركيبة الأحزاب الحاكمة اليوم مبنية على أساس المكونات الاجتماعية والانتماء الطائفي والعرقي فاعتماد نظام حكم الأغلبية يعني عزّل بعض مكونات المجتمع وبالتالي استعداءهم لأنه يُنظر إليه على انه إقصاء لهذا المكون أو ذاك، نعم إذا تحققت القناعة بما دعونا إليه من تغيير خارطة التحالفات وبنائها على أساس البرامج والمشاريع التي تقدّمها الأحزاب فسيكون من الممكن حينئذ حكم الكيانات ذات البرامج التي تحظى بالأغلبية ولا يكون فيه عزل أو إقصاء لمكوّن من النسيج الاجتماعي العراقي وهذا ما يحتاج إلى مدة لاستيعابه ومن ثم العمل به لوجود كتل ترى من
مصلحتها إبقاء هذه التخندقات.
إن ممارسات المهيمنين على السلطة تقدّم لنا نموذجاً للديمقراطية العوراء التي ترى بعين واحدة وهي حكم الأغلبية هذا إذا افترضنا أنها تتمتع بأغلبية برلمانية وهذا غير صحيح بدليل فشل رئيسالوزراء في نيل ثقة الأغلبية على الوزراء الذين يقدّمهم لشغل المقاعد الفارغة ولا تنظر بالعين
ص: 497
الأخرى وهي حفظ حقوق الأقلية، وهذا ما لا يتوفر في سياسة الحكومة إذ أن من لا ينتمي إلى الأحزاب المستأثرة بالسلطة يتعذّر عليه أن يحصل على فرصة عمل يكسب بها قوتاً لعائلته، فهل هذا من الديمقراطية! ولنفترض أن كياناً أو فرداً ليس جزءاً من التشكيلة الحكومية لكن أليس هو جزءاً من الدولة ويساهم في بنائها وانه مواطن عراقي له كامل الحقوق المكفولة لكل مواطن؟
والنتيجة أن الحكومة الحالية لا تناسب الوضع السياسي والاجتماعي في العراق اليوم ولابد من العودة إلى حكومة الشراكة والوحدة الوطنية فإن الاستئثار والتفرد هو الذي يؤدي إلى العنف ويقود إلى الخراب.
س3: كيف ترون الحل في مشكلة كركوك؟
الجواب: حل مشكلة كركوك وكل محافظات العراق بجعل نظام الحكم في العراق مبنياً على أساس الإدارة اللامركزية تتوفر فيه حكومة مركزية قوية قادرة على إعادة بناء البلد وإعماره والدفاع عنه وحفظ وحدته ولحمة نسيجه الاجتماعي وتقسّم ثروات البلد بعدالة، مع إدارة لا مركزية للمحافظات تمنح فيه السلطات المحلية صلاحيات تمكّنها من مراعاة خصوصيات المحافظات وأولويات حاجاتها لوجود تباين بين مستوى المحافظات ودرجة تعرضها للخراب والدمار والإهمال وتنوع ثقافاتها ومصالحها، ثم إن إعطاء مثل هذه الصلاحيات يساهم في بروز
ص: 498
قيادات في المحافظات تؤهلها لمشاريع أوسع كالفدرالية ونحوها عندما تكون الظروف مناسبة.
وقد اكتشف حتى الإخوة الأكراد في الأيام الأخيرة عندما تصاعدت التهديدات التركية حاجتهم إلى وقفة قوية من الحكومة المركزية، واكتشفوا أن ليس من مصلحة العراق وشعبه إضعاف الحكومة المركزية كما إنكم تلاحظون أن كثيراً من المشاكل يستعصي حلها على الحكومات المحلية ولا تُحلَّ إلا بتدخل الحكومة المركزية.
أما المبررات التي تذكر اليوم للمسارعة في تطبيق الفدرالية فهي غير واقعية كما يقال أنها لمنع الديكتاتورية في المركز. وهذا كلام غير صحيح، لان الذي يمنع الديكتاتورية وجود عملية سياسية صحيحة مبنية على التنافس الشريف واحترام إرادة الشعب والعمل بالدستور وحينئذ ينال كل واحد حقه من غير استئثار ولا عدوان، أما الفدرالية فقد تعمل على إنشاء ديكتاتوريات متعددة في الأقاليم والمحافظات ويتحول إلى ممالك وكانتونات عشائرية وطائفية وغيرها من الانتماءات فلنعمل جميعاً علىإقامة عملية سياسية سليمة قائمة على أسس صحيحة فهي الحل الأمثل للجميع. أما الدعوات الأخرى فلا أستطيع أن أحسن الظن بها. والوقائع على الأرض والأحداث شاهدة على ذلك.
ص: 499
تأييد مطلب العشائر بتأسيس مكاتب إسناد القانون وحماية مؤسسات الدولة في عموم العراق (1)
كنّا من أوائل من نبّه إلى ضرورة أن تعطى العشائر دورها الذي تستحقه في بناء العراق الجديد وحفظ الأمن والاستقرار فيه، ولكن المتصدين لإدارة البلاد اعرضوا عن سماع هذا الصوت المخلص لأنه لا ينسجم مع الأجندات التي يعملون من أجل تحقيقها، مما أدى إلى تمزّق البلاد بهذا الشكل المريع.
ولم تبخل العشائر في منحهم أصواتها في الانتخابات ليتسلقوا إلى مناصب الدولة المختلفة حتى إذا شغلوها جميعاً بخلوا على تلك العشائر حتى بتعيين أبنائها في أدنى وظائف الدولة حيث حصرت تلك الأحزاب الوفية! التعيينات بمن يأتي عن طريقها لتستعبده وتسخّره لخدمة أغراضها الأنانية.
وبقيت الحكومة تتخبط ويزداد الحال سوءاً بسبب إقصائهم لأهل هذا البلد الذين عاشوا معاناته بكل فصولها وصمدوا على هذه الأرض الطيبة في وجه كل مؤامرات تغيير الهوية وحافظوا على خصوصيات هذا البلد وأهله، حتى التفت المحللون والخبراء واللجان التي أرسلتهم الإدارة
ص: 500
الأمريكية إلى فداحة خطر هذا الإقصاء وارتكابهم لهذا الخطأ الجسيم فبدأوا بمشاريع لاستيعاب العشائر في مجالس الصحوات ومجالس الإسناد ونحوها، وكان لعدد منها دور مخلص في القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه والقضاء على حواضنه وهو ما دعوناهم إلى القيام به خصوصاً عشائر الأنبار في خطاب بعد التفجير الإجرامي الأول الذي استهدف الروضة العسكرية الشريفة في شهر شباط/2006 كما كان لعشائر الوسط والجنوب دور بارز في تأمين الطرق والمحافظة على مؤسسات الدولة وملاحقة العصابات الإجرامية وحماية الأنابيب الناقلة للنفط وغيرها.
وقد لمس جميع المراقبين آثار هذه الانطلاقة الايجابية البناءة لعشائر العراق، ثم كان لها الدور البارز في وقف الفتنة الطائفية التي جاء بها عملاء الأجانب فأعادوا اللحمة الوطنية وتلاقوا علىحب هذا الوطن ونبذ الإرهاب أياً كان مصدره وتوجّهه ورفض تقسيم البلد وحفظ وحدة أرضه وشعبه فتبادلوا الزيارات واللقاءات.
لكن الذي يؤسف له أن الإدارة الأمريكية البعيدة عن هذا الشعب ثقافياً ودينياً واجتماعياً وجغرافياً تلتفت إلى أهمية هذا المشروع بينما يغفل عنه المحسوبون على العراق ظاهراً، ومادام الحل يأتي أمريكياً فانه حتماً سوف لا يتطابق مع الرؤية العراقية من بعض الجهات على الأقل لذا نرى كيف ظهرت خلافات عميقة عن مصير مجالس الصحوة والأعمال المناطة بها وأهداف تشكيلها وغيرها بعد أن تعارضت المصالح وهذه نتيجة طبيعية لسياسة خاطئة لا تعتمد المصالح الوطنية العليا وتتلاعب بها مصالح الدول المتدخّلة في الشأن العراقي.
ص: 501
إن هذا الخلاف لا يمكن أن يلغي دور العشائر وضرورة إشراكهم في إدارة البلد من خلال تحمّلهم المسؤوليات التي تناسب وضعهم، وهذا الدور لا يقتصر على مواجهة القاعدة والمجاميع الإرهابية حتى يقول البعض إننا لسنا بحاجة إلى مجالس إسناد العشائر في وسط وجنوب العراق لخلوّها من القاعدة وأمثالها، فهذه إن كانت كلمة حق فانه يراد بها باطل وهو الاستمرار في سياسة إقصاء أبناء هذا البلد الغيارى والوطنيين الأحرار الذين لا يركعون للأجانب، لان دور العشائر لا يقتصر على مواجهة الإرهاب بل إن لهم القدرة على المساهمة في بناء البلد وفرض سلطة القانون وحماية مؤسسات الدولة وهذه مطلوبة في كل أنحاء العراق.
وإن هذه العشائر تأبى حياة الضيم والذل فكيف ترضى بأن يبلغ بها الحال أن تطرق أبواب الأحزاب وتستجدي موافقتها على تعيين أبنائها الأصلاء في سلك الجيش والشرطة ولا يجدون أذاناً صاغية وهذا ابسط حق لهم على تلك الأحزاب التي تسللّت إلى المناصب بأصوات العشائر، فلماذا تحصر التعيينات بالأحزاب وتحرم منها العشائر مع وضوح بؤس هذه السياسة الحمقاء التي حولت مؤسسات الدولة إلى مكاتب للأحزاب ترعى مصالحها؟
إن العشائر العربية الأصيلة تتصف بالكثير من خصال الخير يجب على كل قائد أو مربي أو مصلح أو سياسي أن يستثمرها للإصلاح والأعمار كما فعل رسول الله (صلی الله علیه و آله) حينما استثار هذه الخصال وانطلق بالإسلام المبارك من أحضان الجزيرة العربية حتى ملأ بنوره الشرق والغرب.
ص: 502
قال المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) (إن حل مشكلة العراقيين بيد العراقيين أنفسهم، وإن اعترفنا بوجود تأثير كبير للدول الإقليمية والكبرى في أحداث الساحة العراقية، إلا أن ذلك التأثير إنما هو من خلال واجهات عراقية، فالخروج من المأزق في النهاية بيد العراقيين بشرط وجود إرادة حقيقية وجادة للحل بالتسامي عن المصالح الشخصية والفئوية والسعي لتحقيق المصالح الوطنية العليا).
وأضاف سماحته لدى استقباله السيد (دي مستورا) (1) رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق وعدد من مستشاريه (إن هذه الإرادة الجادة لم تتحقق إلى الآن مع الأسف بسبب الأنانية وفقدان الثقة بين المكونات السياسية واذكر لكم مثالاً على ذلك هي مجالس الصحوات ومكاتب الإسناد التي كان لها الدور الكبير في مكافحة الإرهاب وبسط الأمن في مناطق كانت تحت سيطرة الإرهابيين. حيث التفت الأمريكان إلى دور العشائر ولم يكن الراتب الشهري لعنصر الصحوة يزيد على ثلاثمائة دولار وربما يمر الشهران أو الثلاثة دون أن يستلموا أي راتب وقاموا بهذا العمل الكبير، فهل يعسر على القوى المهيمنة على السلطة أن توفر لأبناء الشعب مثل هذه الفرص التي تكلف مبالغ يسيره وتجنّب البلد هذه الكوارث.
ص: 503
لذا فإنّ الحل يتطلّب عاملين: عامل مساعد وآخر ضاغط:
فالعامل المساعد لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء وتعزيز الثقة ورفع الحواجز والوصول إلى مشروع وطني مشترك وهذا ما تقوم به بعثة الامم المتحدة وتنضمّ إليها جهود الجامعة العربية.
لكن هذا وحده لا يكفي لأن الكتل السياسية المستأثرة بالحكم والمهيمنة على السلطة تتصرّف باللامبالاة إزاء الكارثة التي يعاني منها العراق بحيث تصدّرت قضيته الاهتمام العالمي كله ولا تريد هذه الكتل أن تتقدم نحو الحل وتريد من الآخرين الانصياع والرضوخ، لذا تبرز الحاجة إلى عامل ضاغط لدفع هذه القوى نحو طاولة الحوار سعياً وراء إيجاد حل حقيقي ، ولا أعني بهذا العامل الولايات المتحدة وإنما أعني خلق أوضاع سياسية وتحالفات واصطفافات وطنية تدفع الجميع للرضوخ لقبول الحل الوطني الشامل، وهذا ممكن لولا ما يقال من معارضة الولايات المتحدة لحسابات خاصة بها لكونها مقبلة على انتخابات رئاسية، وهذا منطق غير مقبول لأن ما يعانيه الشعب العراقي يلزم الجميع ببذل الوسع لتخليصه من معاناته).وأضاف سماحته (إنكم و كل إنسان حريص على أن يكون ناجحاً في حياته خصوصاً نحن المؤمنين بالله تبارك وتعالى من المسلمين ومسيحيين لأننا نعتقد أن الله تبارك وتعالى سيثيب الإنسان الناجح والمحسن في عمله وتوجد آية في القرآن تقول [إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً].
إن نجاحكم في عملكم يحتاج إلى صفتين رئيسيتين وهما:
أولاً: الموضوعية والحيادية والمهنية.
ص: 504
وثانياً: الشجاعة والحزم في تنفيذ ما تقتضيه المهنة وأشاد سماحته بشجاعة السيد (دي مستورا) في إصراره على إمضاء الوضع القانوني للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات ووضع آلية متوازنة ومنصفة لتشكيل بقية مكاتب المفوضية في المحافظات وعدم الانسياق وراء إرادة الكتل المهيمنة التي تريد تشكيل المفوضية بما يؤدي إلى بقاء استئثارها بالسلطة وإقصاء الآخرين.
وأكد سماحة الشيخ اليعقوبي على أن انتخاب مجالس المحافظات له دور كبير في تخفيف الاحتقان وتوسيع قاعدة المشاركة وعلّل ذلك ب_ : (إن الحكومات المحلية لا تمثل اليوم حقيقة الخارطة السياسية والديموغرافية في المحافظات سواء في محافظات شمال العراق أو وسطه وجنوبه؛ لأن كثيراً من القوى السياسية والشرائح الاجتماعية منعت من دخول الانتخابات بفتاوى مضللة أو بسبب تهديد الإرهابيين ، فإلى متى يستمر حرمانهم من حقّهم في أن يمارسوا الدور السياسي المناسب لحجمهم ، وأنتم ترون كيف تسعى بعض الكتل لإبقاء هذا الوضع من خلال التشكيك بالمفوضية الحالية تارةً ومحاولة إعادتها إلى المربع الأول أو من خلال عرقلة تنفيذ قانون مجالس المحافظات وعدم المصادقة عليه بحجة أنه حق دستوري مخالفين بذلك التوافق الذي حصل بين الكتل السياسية لتمرير القوانين الثلاث(1)
صفقة واحدة وغض النظر عن تحفظات
ص: 505
كل الأطراف فما معنى إثارتها من جديد ونقضالقرار مما يعني تعطيله لأنه – كقانون الميزانية- لم يحصل على الأغلبية البسيطة فكيف يحصل على الأغلبية المطلقة فضلاً عن أكثر من ذلك).
وأكد سماحة الشيخ اليعقوبي على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها المقرر وتذليل كل الصعوبات وأن يسبقها إصلاح قانون الانتخابات وضمان سيرها بنزاهة وان يتحقق التمثيل العادل لمكونات الشعب.
ص: 506
أجرت قناة الحرة لقاءً مع سماحة الشيخ اليعقوبي في الذكرى الخامسة لسقوط صدام، وقام بالحوار مقدّم البرامج المعروف فيها سالم مشكور.(1)
مشكور: ماذا شكل 9 نيسان 2003 بالنسبة للأوساط العلمائية والمرجعية والحوزة الدينية؟
سماحة الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم: من وظائف العلماء رفض الظلم والسعي لتغييره وقد كان صدام يمثل حالة سيئة بل ربما النموذج الأسوأ من الظلم، وقد سعى العلماء بمقدار ما يستطيعون لإزالة هذه الحالة وقدّموا شهداء كراماً وتضحيات جليلة على هذا الطريق وهم طبعاً لهم آلياتهم ووسائلهم وأهدافهم المناسبة لهم والتي تختلف في تفاصيلها مع من غيَّر، وإن اشتركوا في أصل فكرة التغيير، ومن نقاط الاختلاف أن العلماء يريدون تغيير الظلم إلى العدل والإنصاف والمساواة وحرية وكرامة الإنسان، أما الآخرون فيكتفون بتغيير الظالم وهذا غير مجدٍ من وجهة نظرنا، فإذا أردنا أن نقيّم التغيير الذي حصل في 9/4 فلا بد أن ننظر إليه من هذا
ص: 507
المعيار وهل أنه حصل تغيير للظالم إلى ظالم آخر أم أنه تغيير للظلم.
* مشكور: على أساس هذا المعيار هل تعتبرون أنّ ما حدث هو تغيير للظلم ونهايته أم حلّ ظلم جديد؟
سماحة الشيخ: أنا هنا أتحدث كمواطن عراقي، والعراقيون لا يشعرون بأن شيئاً من الظلم قد تغيّر بدرجة ملحوظة، وأن كثيراً من المظالم والتقصيرات التي أوجبت رفض نظام صدام والوقوف في وجهه كُرِّست في النظام الحالي، مثل تقريب العشيرة وأبناء المدينة والحزب وإعطائهم المناصب العليا على حساب الكفاءة والنزاهة والوطنية ومثل الاستئثار بثروات الشعب وحرمانه من حقوقه في حياة حرة كريمة ومثل اعتقال الأبرياء(1)
وقتل الآمنين بجريرة غيرهم.نعم، الشيء الحسن الذي تحقق هو الأمل بغدٍ أفضل أما في عهد صدام فلم يكن هناك أمل وكان المصير مظلماً.
ص: 508
* مشكور: ما هو شعور الأوساط المرجعية والعلمائية عندما أطيح بالنظام السابق.
سماحة الشيخ: كانت الفرحة الكبيرة بزوال الطاغوت مشوبة بالقلق من احتمال أن تكون الفوضى هي البديل عن صدام، والمعروف عند العقلاء أن وجود حكومة تؤدي وظائفها وإن كانت ظالمة أفضل من الفوضى أما الظلم فيتم التعاطي معه بشكل من الأشكال وهذا القلق حصل عندي من خلال متابعتي لنشرات الأخبار والتحليلات السياسية من الإذاعات المهمة خصوصاً BBC ولم أجد عند الأحزاب والشخصيات العراقية المعارضة حينئذٍ أي برامج أو خطط لبناء عراق ما بعد صدام وكان كل نقاشاتهم عن المحاصصة وتقاسم السلطة والثروات مما يعني الكثير من الصراع والعنف والتقاتل وتغليب منطق القوة، وهذا ما نشهده اليوم تحت اسم الديمقراطية، ولكن هذا القلق لم يكن مبرراً للوقوف في وجه التغيير، لأن الوقوف في وجه الغزو والاحتلال يصبّ في مصلحة صدام وإطالة عمره وهذا ما لا يرضاه منصف، إضافة إلى أننا لا نملك الوسائل الكافية للوقوف في وجه الغزو وتحويل المعادلة إلى صالحنا وتجربتنا في الانتفاضة الشعبانية عام 1991 مؤلمة وقاسية حينما غدرت قوات الحلفاء بالشعب العراقي.
لذا كان الموقف الذي تبنيناه ووجهنا به من يرجعون إلينا هو الوقوف على الحياد في تلك المعركة لعدم وجود مصلحة في التخندق مع أي من الطرفين المتصارعين. فالأحجى هو حفظ المسلمين ومصالحهم
ص: 509
وعدم زجّهم في مثل هذه المعركة.
الأول: هو استثمار الاندفاع الأمريكي نحو التغيير وهذا موقف الأحزاب والشخصيات التي كانت في خارج العراق وذهب بعضهم إلى الانضمام إلى المشروع الأمريكي بدعوى إمكان التوسل بالشيطان لإزالة صدام من باب الفاسد والأفسد.
الثاني: هو مواجهة قوات الاحتلال لأنها تستهدف بلداً مسلماً فيجب الدفاع عن بلاد الإسلام وان كان هذا البلد فريسة في يد صدام، وهذا الموقف كانت تريده حكومة صدام من الشعب وأقامت مؤتمرات للعلماء والمرجعيات الدينية لإصدار فتاوى بهذا المضمون، وقد تلى عدد من ممثلي المراجع بياناً بهذا المعنى في احد المؤتمرات الذي أقيم في إحدى قاعات الروضة الحيدرية الشريفة في النجف الأشرفقبيل الغزو وقد امتنعتُ عن التجاوب مع مطلب الحكومة رغم أن من أصدر مثل هذا الموقف بررّه بالإكراه، لكنني اعتقد أن هذا الإكراه غير واضح لكل الناس وبالتالي سيندفع قسم منهم-مهما قل عدده- لمواجهة الغزو وخصوصاً مع الثقافة المتركزة في أذهان المسلمين التي تقضي بالدفاع ضد أي غزو كافر لبلاد المسلمين وحينئذ نتحمل مسؤولية دماء هؤلاء الناس.
لكن الذي هوّن الخطب أن أكثر المتدينين كانوا يرجعون إلينا يومئذ في المواقف الاجتماعية العامة ويأخذون بتوجيهاتنا وان كان تقليدهم في الفتاوى لمراجع آخرين وتصاعدت الثقة بيننا منذ أن تعيَّنت قيادة الحركة الإسلامية في داخل العراق بنا بعد استشهاد أستاذنا السيد محمد الصدر (قدس سره)
ص: 510
في شباط 1999 ولما لمسوه من النشاط الواسع والشجاعة في اتخاذ المواقف والإخلاص في العمل. لذا فقد عمّ هذا الموقف كل طبقات الشعب والتزموا به ورجع إليه بعض العلماء الذين تبنّوا جهاد الغزاة أولاً كالسيد كاظم الحائري (دام ظله الشريف) على ما تناهى إلى سمعي يومئذ ويمكن مراجعة بياناته.
ويبدو أن قوات الحلفاء اكتشفت أن هذا الموقف الموحّد لم يأتِ جزافاً فقد نقل لي بعض الفضلاء الذين أقاموا في مدرسة البغدادي التي هي مقر جامعة الصدر الدينية طيلة أيام المعارك للحفاظ عليها أنّ الأمريكان لما دخلوا النجف سألوهم عن كيفية تحقيق مثل هذا الموقف الموحّد للعراقيين الذي ساهم بشكل أكيد في التعجيل بنهاية صدام من دون مؤونة تذكر، وبنفس الوقت لم ننصر الغزاة أو نؤيد مشروعهم.
واكشف هنا لأول مرة أن الحلفاء طلبوا مني مثل هذا التعاون قبل بدء العمليات بشهرين تقريباً فقد جاءني أحد الفضلاء ومعه شخص من أهل العمارة كان له ارتباط مع زعيم إحدى الجماعات المسلحة التي تقاتل النظام في الأهوار وأصبح عضواً في مجلس الحكم ونقل رسالة بهذا المعنى من الجنرال جون أبي زيد الذي عرفت فيما بعد أنه قائد القوات الأمريكية في المنطقة الوسطى التي تشمل العراق وأفغانستان وغيرها من دول المنطقة، لكنني أغلقت الموضوع معهما للموقف الذي أتبنّاه وهو الحياد ولأن النظام كان قاسياً في التعاطي مع من يعلم بمثل هذه الأمور ولا يخبر عنها بتهمة (التستّر) فضلاً عمن يشارك فيها، وأنا كنت بحكم موقعي الاجتماعي ونشاطي مرصوداً بشكل مكثف من جلاوزة النظام.
ص: 511
* مشكور: المعروف عن الكثير من الشعب العراقي أنهم متدينون وشديدو الارتباط بتعليمات وتوجيهات المرجعيات الدينية، فهل كان لها دور في ذلك الوقت لمنع الفوضى. أم أنها بقيت محتاطة بانتظار ما ستنجلي عنه؟سماحة الشيخ: أنا أتحدث عن موقفي وأنا بفضل الله تبارك وتعالى انتمي إلى الاتجاه الحركي العامل من الحوزة العلمية ومن وظائفها عدم التقاعس عن أي قول أو فعل فيه حفظ الدين وعزتّه وصلاح العباد والبلاد، وبعد استشهاد السيد الصدر الثاني (قدس سره) فقد تحملنا أعباء توجيه الحركة الإسلامية في داخل العراق، فكان لزاما علينا النزول بشجاعة وبحكمة إلى ساحة العمل الميداني، ومنذ أن بدأت إرهاصات غزو الحلفاء للعراق بدأتُ بإصدار التوجيهات ومنها بيان مفصل بعنوان (الاستماع إلى نشرات الأخبار في أوقات الأزمات) حيث أوضحت فيه كيفية التصرف إزاء الحشد الإعلامي عن العراق ومحاولة وسائل الإعلام صناعة الآراء لدى العراقيين بالشكل الذي تريده الجهات التي تقف وراءها، وتعرضت فيه أيضا إلى كيفية التعاطي مع شحة المواد الغذائية والتكافل الاجتماعي وغيره. وهذه التوجيهات كانت قبل بدء الهجوم بشهرين تقريباً وصدر بيان(1) من عشر نقاط يوم 2003/4/6 عندما بدأ صدام يترنح تحت ضربات قوات الاحتلال فيه توجيهات عامة حول ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة والمال العام
ص: 512
لأنها ملك للشعب لا لصدام وحرمة العمليات الانتقامية وتصفية الحسابات وتصدّي الخطباء والمثقفين لتوعية المجتمع ونصحهم بعدم الانسياق وراء الشعارات البراقة والمشاريع التي كانت تطلقها الأحزاب والشخصيات السياسية القادمة من الخارج لأنهم فارقونا منذ أكثر من عشرين عاماً ولا نعلم بالدقة وضعهم الحالي حتى يحصل الاطمئنان بأجنداتهم.
* مشكور: تطرقتم إلى موضوع الكيانات القادمة من الخارج وهو ما يؤشره البعض على سماحة الشيخ اليعقوبي من أنه يميّز بين عراقيي الداخل والخارج ويرى أن عراقيي الداخل هم الأفضل وان القادمين من الخارج لا دراية لهم بحيث تركوا أثراً سلبياً فهل هذا صحيح.
سماحة الشيخ: سمعت كثيراً من الكلمات التي حاولت تحريف كلامي وعرضه بالشكل الذي يستفز إخواننا الذين عاشوا معاناة الغربة والتهجير، وهذا ضمن حملة بعض الحاسدين والمنافقين لتشويه صورتي، وانطلت الكلمات على البعض ممن لم يقرأوا خطابي وكلامي حتى يعرفوا حقيقته، وبالمناسبة فإن المصطلح لم أصنعه أنا وإنما هو متداول على وسائل الإعلام منذ وقت وأراد به بعض المغرضين أهدافاً سياسية معينة كالتحريض على الكيانات المهيمنة على السلطة، فأردت تهذيب المصطلح وفضحهذه النوايا السيئة ووضع إصبع التشخيص على حالة خطيرة في المجتمع كانت احد أسباب العنف والفجوة بين الحكومة والشعب وهي : أن السياسيين
ص: 513
القادمين من الخارج يرون الذين بقوا في داخل العراق جهلة ومتخلفين حرمهم صدام من كل أسباب التقدم والتحضّر وأنهم بعثيون صداميون بدليل بقائهم أحياء لم يملأ بهم صدام المقابر الجماعية، وهم يعلمون أن هذا افتراء باطل ولكنهم يريدون أن يبرروا لأنفسهم الاستئثار بالسلطة وحرمان الشعب من حقوقه وان ينفردوا هم بخيرات البلاد،
فأردت أن أقول إن العراق لا يستقر ولا يتقدم إلا بالعمل التكاملي بين من قدموا من الخارج ومن عاشوا المحنة في الداخل وصبروا وقدموا التضحيات من أجل أن يحفظوا هوية العراق وخصائص شعبه وإدامة الجهاد ضد الطاغوت، وإن لدى عراقيي الداخل الكثير من الخبرات والمهارات التي لا يمكن التفريط بها وهم أعرف بالأحوال التي مرّت على شعبهم والتغيرات التي طرأت عليهم، أما السياسيون الذين قدموا من الخارج فإنهم عاشوا انفصالاً امتد أكثر من عقدين.
وإلى الآن - وهذا ما أقوله بمرارة- لا يحس الشعب من أغلبهم انتماءً إلى بلدهم واصطفافاً مع معاناة شعبهم وكل الذي يفهمونه من العراق أنه بقرة حلوب يتسابقون على استلاب خيراته.
* مشكور: هل كان دور للعلماء في منع عمليات السلب والنهب التي حدثت؟ ولماذا حصلت هذه الممارسات الشعبية؟
سماحة الشيخ: ليس كل عمليات السلب والتخريب كانت ممارسات شعبية بل إن بعضها كان عبارة عن عملية منظمة لتخريب حضارة العراق
ص: 514
وسرقة ممتلكاته الثمينة قامت بها جهات مدرّبة كانت تتربص اللحظة المناسبة.
1- ثقافة متركزة في أذهانهم أن الأموال العامة هي ملك السلطة الحاكمة وبالتالي فهم يرون أن شكلاً من أشكال الصراع مع الحكومة يكون بسرقة المال العام أو تخريبه ولم يشعر المواطن يوماً أن المال العام هو للدولة وليس للحكومة والدولة بكل مؤسساتها ملك الشعب، وشعوره هذا ناشئ من طول حرمانه من حقوقه المستمر مع الأسف إلى الآن.
2- تخلي صنّاع القرار في الأمة عن دورهم في توجيه الناس وردعهم عن الممارسات السيئة، لذا لما صدرت توجيهات من المرجعية الدينية بحرمة سرقة المال العام أظهر الشعب طاعة تامة و أعادوا ماأخذوه إلى مؤسسات الدولة أما الذين لم يطيعوا المرجعية فهم السياسيون الذين استمروا بفسادهم وسرقة أموال الشعب رغم أن بعضهم يتاجر باسم المرجعية.
* مشكور: بعد 9/4 هل أصبح على الحوزة العلمية وعلى المرجعيات الدينية مسؤولية جديدة أو دور آخر يمكن أن يؤدوه؟
سماحة الشيخ: العلماء لا يتخلّون عن وظائفهم بأي حال من الأحوال، نعم قد تتسع وقد تضيق فرص ممارسة دورهم في حياة الأمة، ومنها العمل السياسي الذي نفهمه على أنه رعاية المصالح العامة للأمة والبلاد وليس
ص: 515
الصراع على السلطة بأي ثمن، وهذه الوظيفة قام بها النبي والأئمة (صلوات الله عليهم) والعلماء على اختلافٍ في المساحة المتاحة، وبالنسبة للمرجعية في النجف فقد أتيحت لها فرصة أوسع للتأثير في العملية السياسية بعد سقوط صدام لزوال المانع.
* مشكور ما هي حدود تدخل عالم الدين في المواضيع السياسية؟
سماحة الشيخ: الدين الإسلامي يغطي كل شؤون الحياة حيث ورد في السنة الشريفة (ما من واقعة إلا ولله فيها حكم) والمجتهد هو القادر على أن يستخرج أحكام الوقائع من الأدلة الشرعية، فليس غريباً أن ترجع إليه كل شرائح المجتمع لمعرفة حكم الشريعة في مجمل القضايا ومنها المواضيع السياسية بل إن المجتمع لا يعذره إذا سكت عن بيان رأيه في قضية معينة لأنه يتوقع من المرجعية حضورها في كل ما يتعرض له، خصوصاً في العراق فإن الشعب متدين ويضبط بوصلة تحركاته على أحكام الشريعة، لكن هذا لا يعني انخراط العلماء في تفاصيل العمل السياسي لأن في هذا تحجيماً لدورهم و ما العمل السياسي إلا لونٌ من ألوانه، فالانهماك في العمل السياسي يعني تقصيره في وظائفه الأخرى التي هي أهم منه، إضافة إلى أنه يجعله جزءاً من حالة محددة والمفروض أن يكون أباً وراعياً للجميع.
ولا يعني هذا أيضاً الاكتفاء بالمواقف النادرة والعموميات التي لا
ص: 516
تسمن ولا تغني من جوع فلا بد من المساهمة الفاعلة في تقديم التوجيهات والرؤى والتأثير على السياسيين لتقويم مسيرتهم وتصحيح عملية الانحراف ورفع الظلم والمطالبة بحقوق الشعب.
وإذا اعتقدنا بأن المرجعية موقع شريف محاط بالألطاف الإلهية بالإخلاص والهمة العالية والعمل الصالح الدؤوب فلا شك أنها ستهتدي إلى ما لا يهتدي إليه أكثر السياسيين حنكه وخبرة.وعلى أي حال فالعمل السياسي للمرجعية هو بين هذين الحدين اللذين هما الإفراط التفريط.
* مشكور: ما ذكرتم يتعلق بالمرجعيات وكبار علماء الدين، فماذا عن رجال الدين عموماً وممارستهم للعمل السياسي؟
سماحة الشيخ: بالنسبة لي فأنا أخيّر من يرغب بالتفرغ للعمل السياسي بينه وبين الاستمرار بوظائفه الدينية لعدم التمكن من القيام بهما معاً فسيقصّر في أحدهما حتماً، ولسريان الآثار السلبية للعمل السياسي على الوظيفة الدينية المقدسة وسيوظّف الدّين لخدمة مصالحه وهذا ما نجده مع الأسف عند بعض السياسيين الذين يؤمّون صلاة الجمعة فإنهم يتخذون منبرها المقدس وسيلة للمهاترات وتصفية الحسابات وجرّ النار إلى قرصه كما يقولون وهذه خسارة كبرى.
فإذا شاء أن يصبح سياسياً فليتفرغ للعمل السياسي حتى وإن بقي على زيّه الديني فإنه سيصبح كبقية الأزياء المتنوعة.
ص: 517
* مشكور: إن الأعراف جرت على تقديس رجل الدين الذي يلبس الزي الديني حتى لو تخلّى عن وظائفه الدينية فكيف سنحقق الفرز المذكور؟
سماحة الشيخ: هذا الفرز سيتم تدريجياً، وإنما يحصل الخلط بسبب كون ممارسة رجال الدين للعمل السياسي حاله جديدة على مجتمعنا، وأعتقد أن وعي هذه الحالة قد تقدّم في المجتمع ما بين عام 2003 والآن.
* مشكور: هل القدسية التي يمنحها البعض لنفسه ويطالب الآخرين بمراعاتها هل لها من أساس ديني؟
سماحة الشيخ: لا أساس لهذه الحالة في الدين بل الموجود هو العكس فقد كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) والأئمة الطاهرون (علیهم السلام)يجالسون الفقراء والضعفاء والعبيد ويؤاكلونهم، وكان الإعرابي يدخل المسجد فيسأل أيّكم محمد؟ لأن النبي (صلی الله علیه و آله) لم يكن يتميز بين أصحابه بمجلس أو ملبس.
لكن بعض رجال الدين يصنعون حولهم هالة وقدسية انسياقاً وراء أهوائهم وأنانيتهم في الغرور والتكبر والاستعلاء واستدرار ما في أيدي الناس كالذي كان يفعله سدنة الأصنام والكهنة وغيرهم وأنا أرفض هذه المظاهر وأحاربها، وهكذا كان السيد الشهيد الصدر (قدس سره) فقد استنكر بشدة قضية تقبيل اليد ونحوها من المظاهر الزائفة، والمرجع وغيره من العلماء ورجال الدين ليسوا معصومين فليس لهم موقع أعلى منالناس، قال الله تبارك وتعالى [إنَّ أكْرَمَكُم عِندَ اللهِ أتقَاكُمْ] وأنا أواصل صنع ثقافة لدى
ص: 518
المجتمع وهي شهادة الأمة على المرجعية في موازاة شهادة المرجعية على الأمة لأن المرجع ليس معيناً بالنص من السماء وإنما وضع المشرّع شروطاً وصفات لمن يستحق هذا الموقع الشريف فمن توفرت فيه رجعت إليه الأمة وإلا تركته إلى غيره ممن يجمعها.
ولكن تبقى في المجتمع طبقة ساذجة جاهلة تنطلي عليها الألاعيب وهذه الحالة مزمنة عبر التاريخ، وقد كان أحد أهداف الأنبياء والرسل والمصلحين فضح المتاجرين باسم الدين والذين يمارسون القيمومة على عقول الناس وحرياتهم ويستغلون أسوأ استغلال طاعة الناس للمرجعية.
* مشكور: هل يمكن القول أن الناس لم تعد تسمع إلى المراجع ولا تتبع توجيهاتهم؟
سماحة الشيخ: لا أتوقع هذا فشعبنا متدين ومن لوازم تدّينه اتباع مرجعيته بحسب ما أمر به الأئمة المعصومون (سلام الله عليهم) لأن اتباع غير المجتهد الجامع لشروط الإفتاء والولاية لا يزيد الإنسان إلا ضلالاً وبعداً عن الحق.
نعم الذي نتوقعه زيادة الوعي لدى المجتمع خصوصاً المثقفين والمفكرين والشباب الواعين فيحسنون اختيارهم للمرجعية وفق المعايير الصحيحة والله الهادي إلى الحق.
ص: 519
الشعب غير معذور إذا لم يختر الكفوئين المخلصين (1)
تعمل الأحزاب السياسية المهيمنة على السلطة في المحافظات والحكومة المركزية أن لا تجري انتخابات مجالس المحافظات في موعدها المقرّر من خلال تأخير إقرار قانون الانتخابات أو عرقلة عمل المفوضية العليا للانتخابات وهي تتظاهر بحرصها على إجرائها في الموعد المحدّد الذي لم تقبل به أصلاً لولا إقراراه ضمن حزمة القوانين الثلاث في البرلمان فاضطرت لقبوله.وعلى أي حال فإن الانتخابات ستجري بإذن الله تعالى في موعدها أو في غير موعدها وحينئذٍ سيقول الشعب كلمته في من يمثله وإذا كان معذوراً في المرة السابقة بسبب قلة الخبرة والمعرفة بالأشخاص وحداثة التجربة والمزايدات الطائفية والقومية والمتاجرة ببعض الرموز الدينية وغيرها من المؤثرات فاختار أشخاصاً لم يكونوا أمناء على المسؤولية ولم يعملوا لمصلحة شعبهم فانه هذه المرة غير معذور في عدم اختيار أبنائه الكفوئين النزيهين الوطنيين الذين يتفانون في حب وطنهم وخدمة شعبهم، بعد أن ذاقوا الأمرّين من الموجودين وحرموهم من ابسط حقوقهم في الحياة الحرة الكريمة.
ص: 520
تتحدث الروايات الشريفة عن حالات لا يُعذر فيها الناس ولا يُسمع لهم دعاء برفع البلاء لأنهم مسؤولون عن الظلم الذي وقع بهم ومنها رواية صحيحة عن الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: (كنت عنده وعنده جفنة من رطب فجاء سائل فأعطاه ثم جاء سائل آخر فأعطاه، ثم جاء آخر فأعطاه، ثم جاء آخر فقال: وسَّع الله عليك، ثم قال: إن رجلاً لو كان له مال يبلغ ثلاثين أو أربعين ألفاً، ثم شاء أن لا يبقى منه شيء إلا قسّمه في حقٍ فعل فيبقى لا مال له، فيكون من الثلاثة الذين يُردّ دعاؤهم عليهم، قال: قلت: جُعِلت فداك من هم؟ قال: رجل رزقه الله عز وجل مالاً فأنفقه في وجوهه ثم قال: يا رب ارزقني فيقول الله عز وجل أولم أرزقك، ورجل دعا على امرأته وهي ظالمة له فيقال له: ألم أجعل أمرها بيدك، ورجل جلس في بيته وترك الطلب، ثم يقول: يا رب ارزقني فيقول الله عز وجل: ألم أجعل لك السبيل إلى طلب الرزق)(1).
ويفهم الفقيه العارف بالروايات ومن مناسبات الحكم والموضوع -كما يصطلحون عليها- أن القضية غير مقتصرة على هؤلاء الثلاثة، لذا ذكر حديث آخر مثله خمسة عناوين(2)
وإنما يترتب هذا الأثر - وهو عدم استجابة الدعاء برفع الظلم وعدم المعذورية- لكل من رضي بالظلم وخنع له وهو ممن شارك في جلب هذا الظلم وإقامته.
ص: 521
فإذا أعطيتم أصواتكم في الانتخابات المقبلة سواء كانت المحلية أو العامة للذين لا تعرفون منهم مؤهلات التصدي للمسؤولية فلا تلوموا إلا أنفسكم إذا جوّعوكم وأعطوكم مواداً غذائية مسرطنة(1) وغيرصالحة للاستهلاك البشري، أو إذا حرموكم من خدمات الماء والكهرباء والنفط والغاز وغيرها، أو إذا اعتقلوا أبناءكم لا لذنب إلا لأنهم يخالفون رؤاهم، أو إذا قسّموا الوطن الواحد وجعلوا أهله شيعاً، أو إذا أطلقوا يد ميليشياتهم وجماعاتهم المسلحة لينشروا القتل والدمار والخطف والسرقة، أو إذا وزّعوا على المرضى أدوية ملوثة بفيروسات الايدز وغيرها من الأمراض الفتاكة، أو إذا حرموا أبناءكم من فرصةٍ للعمل يكسبون منها قوتهم مادمت لا تنتمي إلى أحزابهم، أو إذا باعوا الوطن إلى الأجنبي بصفقات بخسة، أو إذا جعلوكم ضحية ووقوداً لتنفيذ أجندات إقليمية ودولية وغيرها من المآسي التي فاقت التصور والحصر.
وسوف لا يسمع الله تعالى لكم دعاءاً لأنكم قادرون على رفع كل هذه المظالم بوعي وإدراك أهمية أصواتكم التي تلقونها في صناديق الاقتراع وأتعبتم أنفسكم في التعرف على من يخدمكم ويخلص لكم.
إن الله تبارك وتعالى يبيّن لنا صفات أولياء الأمور من خلال التعريف بصفات رسول الله (صلی الله علیه و آله) فقال تعالى [لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ] (التوبة:128)، فهو ليس قادماً من خارج مجتمعكم وإنما هو ابنكم وعاش
ص: 522
محنتكم ومعاناتكم وعرف همومكم ومشاكلكم ولم يعزل نفسه عنكم في قصر الخضراء(1)، ولا المنطقة الخضراء
[عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ]، فهو يعزّ عليه ويصعب عليه أن يصيبكم عنت ومشقة وألم وصعوبة وحرمان لحبّه لكم ولأنه [حَرِيصٌ عَلَيكُمْ] فيحميكم من كل سوء ويبذل وسعه لجلب الخير لكم [بِالمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ] قد مُلئ قلبه بالرحمة والرأفة بل إنه ما أرسل إلا رحمة للعالمين.
يُروى عن أحد المراجع قبل مائتي عام يعرف ب_(صاحب الفصول) لشهرة كتابه الفصول في الحوزات العلمية أنه سأله احد تلامذته النابهين العارفين بقيمة الحياة ومنزلة العلماء: (لو أخبرك ملك الموت أنك ستموت بعد ساعة فبأي عمل ستقضيها) ليعرف ما هي أولويات الأعمال وترتبها بالأهمية فقال (أضع لي كرسياً على باب الدار لأقضي حوائج الناس مهما كانت الحاجة بسيطة).هذه وغيرها هي صفات المسؤولين الذين يتولون شؤون الأمة ومن لم يتصف بها فهو خارج عن أخلاق رسول الله (صلی الله علیه و آله) وفيها تنبيه لكم أن لا تختاروا إلا من توفرت فيه هذه الصفات وإلا فإنكم تجنون على أنفسكم، لأنكم كما ترون أن كل تفاصيل حياتكم من الأمن والغذاء والخدمات والصحة والتعليم والعمل والاقتصاد وغيرها كلها مرتبطة بمن تختارونه لمواقع السلطة، فالأمر لكم والخيار بأيديكم، أقول هذا وأنا اعلم أن صناديق
ص: 523
الاقتراع سوف لا تكون وحدها القول الفصل، لان المتسلطين سيمارسون عملية التزوير بمقدار ما يستطيعون، ولكن مع ذلك علينا أن نبذل ما بوسعنا لكي تكون إرادة الأمة هي الحكم.
نسأل الله تعالى أن ينوّر بصائرنا ويزيد من رشدنا وحكمتنا ويوفقنا لاختيار الشخص المناسب بمعونة المخلصين العارفين، ففي الدعاء (اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه) أي أننا نسأل الله تعالى أولاً أن يعرّفنا الحق لان أهل الدنيا يخلطون الأوراق فتشتبه الأمور ثم نطلب ثانياً أن يرزقنا إتباعه، لأنه ليس كل من عرف الحق اتبعه فإن قوماً وصفهم الله تبارك وتعالى بقوله [وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاًً] (النمل:14).
ص: 524
استقبل المرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في مكتبه في النجف الأشرف المحلل السياسي والإعلامي السيد صادق الموسوي مدير المركز الوطني للإعلام العراقي في لندن
حوارات سياسيةاستقبل المرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في مكتبه في النجف الأشرف المحلل السياسي والإعلامي السيد صادق الموسوي مدير المركز الوطني للإعلام العراقي في لندن(1)
ورافقه رئيس تحرير وكالة الأنباء العراقية (أصوات) ومراسل صحيفة الحياة اللندنية الأستاذ فاضل رشاد، وطلب السيد الموسوي الاستئناس برأي المرجعية الدينية في النجف الأشرف في جملة من القضايا السياسية وجرى الحوار التالي:
سؤال : هل تتوقعون تغييراً في الخارطة السياسية في ضوء نتائج انتخابات مجالس المحافظات المقبلة والانتخابات العامة في نهاية السنة القادمة؟
سماحة الشيخ : الشعب يريد التغيير بعد أن نفض يده من الحاكمين، لكن فرصة التغيير ضعيفة لان الأحزاب الحاكمة تمتلك كل عناصر التأثير على الناخبين أو المرشحين بالترهيب والترغيب، فبأيديهم السلطة، ويحتكرون وظائف الدولة، ولديهم المال الذي هو ثروة الشعب، ويسيطرون على القوى الأمنية التي تُوَظََّف في كثير من الأحيان لتنفيذ
ص: 525
أجندات الأحزاب لتصبح مليشيات بلباس رسمي, ويستطيعون أيضا استغلال الدين واسم المرجعية الدينية أو القومية أو الطائفية، فالتعويل على تداول حقيقي للسلطة احتمال ضعيف، والديمقراطية التي يتحدثون عنها وصفتُها بالعوراء، لأنهم يتمسكون بها بمقدار ما يقوي سلطتهم ويحقق مصالحهم ويتركون الجانب الآخر منها.
نعم قد يحصل تغيير بطيء على المدى الطويل إذا لم تستغل الكتل المهيمنة على السلطة هذا الوقت لإحكام قبضتها وسد الفرصة على الآخرين، وقد يحصل قبل ذلك (حتى أقرب من الانتخابات) حينما تعي الكتل السياسية مسؤولياتها أمام الله تعالى والشعب والتاريخ وتسعى بجد لإصلاح الحال، ويقترن ذلك بأن تترك الولايات المتحدة القوى السياسية تمارس العملية الديمقراطية بشكل صحيح من دون أن تمارس ضغطاً لإبقاء الوضع الذي يلائم مصالحها ولا يربك أوضاعها الداخلية ويساهم انسحاب القوات الأمريكية في إجبار السياسيين المتصارعين على الجلوس إلى مائدة الحل خوفاً من انفراط عقد مصالحهم كلياً, أما وجود قوة كبيرة تؤمّن لهم بقاء الوضع فإنه يشجعهم على الاستمرار في الصراع.
سؤال : من المعلوم أن بعض الكتل الحاكمة - وأعني الإسلامية منها- لا ترغب الولايات المتحدة في بقاء نفوذها، ولها أجندات سياسية تعارض التوجهات الأمريكية فلماذا لا تسعى أمريكا للتغيير والحد من نفوذها؟ وهل هي عاجزة عن ذلك؟
ص: 526
سماحة الشيخ : هذا مرتبط بحسابات داخلية وخارجية تخصُّها، ولا اعتقد أن هذه القوى تعارض الإرادة الأمريكية إلا بمقدار الاستهلاك الإعلامي وذّر الرماد في العيون فهي تتميز ببراغماتية مدهشة - على حد تعبير احد مراكز الدراسات في أمريكا- ومستعدة للتخلي عن كل ما تؤمن به إذا شعرت بأن ذلك يستفز أمريكا ويدفعها إلى إبعاد هذه القوى عن السلطة فماذا تريد أمريكا أكثر من تحقيق مصالحها على أيدي الإسلاميين !! وبالتالي سقوطهم في أعين الناس وفشل مشروعهم.
بل إننا نرى كيف تتسابق الجهات الإسلامية الحاكمة لإعلان البراءة من المشروع الإسلامي وتبنيها لما يخالف الدين، حيث جعلوا علامة التحسن الأمني وقضائهم على الجماعات المسلحة، إشاعة الفسق والفجور(1) وتجارة الخمور التي تباع علناً على قارعة الطريق التي يسلكها زعماء الائتلاف في الكرادة والجادرية وبمقربة من مقراتهم وتحت حماية القوى الأمنية مما لا يوجد نظيره حتى في أكثر الدول تحرراً من الدين، ولا ادري ما هي الملازمة بين الأمرين! وهل هو نصرٌ على الإسلام أم على الجماعات المسلحة والقوى الإرهابية التي تحمل اسم الإسلام زوراً.
ص: 527
سؤال : هل تشككون بإمكان إجراء انتخابات نزيهة وشفافة؟
سماحة الشيخ : يوجد لدينا ولدى كل المراقبين أكثر من الشك، وخيار التزوير في الانتخابات قائم، والمراقب لتصرفات الأحزاب المتسلطة واستخدامها مختلف الوسائل حتى غير المشروعة لإحكام قبضتها على السلطة وتصفية الخصوم لا يبقى لديه شك في أنهم لا يتخلون عن السلطة بهذه الطريقة السلمية الشفافة عبر صناديق الاقتراع وكمثال على ذلك لاحظ العراقيل التي وضعوها لكي لا تجريالانتخابات في وقتها، فاستعملوا النقض الرئاسي ضد قانون مجالس المحافظات الذي لم يُمرَّر إلا ضمن صفقة القوانين الثلاثة(1)، ولم يتراجعوا عن نقضهم إلا بضغط أمريكي عندما زار (ديك تشيني) نائب الرئيس الأمريكي بغداد، ثم شككوا في آلية تشكيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ومكاتبها الفرعية لإعادة العملية إلى نقطة الصفر رغم أن الآلية اقرّها البرلمان وساروا عليها، ثم الملابسات التي رافقت إقرار قانون انتخابات مجالس المحافظات.
ص: 528
زار السيد ستيفان دي مستورا ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق المرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في مكتبه بالنجف الأشرف(1) حيث طلب السيد دي مستورا الاستئناس برأي المرجعية فيما يخص موضوع انتخابات مجالس المحافظات، وقال سماحة الشيخ (دام ظله): إنني لا أؤمن بالحلول الجزئية لهذه المشكلة أو تلك لأنها تبقى ترقيعات مؤقتة لا تلبث أن تنفجر مشاكل غيرها وإنما نريد حلا ً جذريا لمجمل الوضع الخانق والمزري الذي تمر به البلاد.
إن الخلاف الذي شهده البرلمان حول قانون انتخابات مجالس المحافظات يبين عمق الشرخ بين الكتل الحاكمة المستبدة بالسلطة وبين الكتل المقصاة إلى حد التصفية وان هذه الأزمة ليست هي المشكلةالوحيدة التي تعاني منها العملية السياسية بل الملاحظ وجود عدة مشاكل تطفو على السطح بين فترة وأخرى وهذا يدفعنا إلى التفكير في إيجاد حل جذري لمجمل هذه المشاكل والحل كما نراه هو بتطبيق الشعار المرفوع والذي نسمع به ولا نلمس له أثراً وهو (المصالحة الوطنية) أي أن تجلس الكتل السياسية جلسة مصارحة وشفافية وتتناقش فيما بينها لحل هذه المشاكل التي لن تنتهي من دون ذلك، والشاهد على عمق هذا الشرخ وانه هو السبب الحقيقي لهذه الأزمات أن بعض الكتل التي صوتت على المادة
ص: 529
(24)(1)
ليس لها قرار أو موقف من هذه المادة بالذات أو من الفريق العارض لها وإنما الذي دفعهم إلى ذلك هو شعورهم بالإقصاء ووجودهم في غير خندق الحكومة، فتجد هذه الكتل انه من الطبيعي أن لا تصوت على مشاريع الحكومة التي لا تنظر فيها الأحزاب الحاكمة إلا إلى مصالحها.
وهذه من وجهة نظري مظاهر وتداعيات للمشكلة التي أشرنا إليها.
وفي معرض إجابته على سؤال توجه بها السفير دي مستورا عن توقعات سماحة الشيخ اليعقوبي للفصل التشريعي القادم لمجلس النواب والاحتمالات الواردة، قال سماحته (دام ظله): إن المبادرة بيد الأحزاب الحاكمة التي عليها أن تجلس مع الكتل المعارضة وتتفاهم معها فإن عدد النواب الذين لم يصوتوا على مشاريع الحكومة بدأ بالتزايد إلى أن شكلوا أغلبية(2) في يوم 22 تموز، ولا بد أن تتفهم وجهات نظرهم والاستماع لهم فإن العملية السياسية الناجحة تُبنى على الشراكة , ومع شديد الأسف إن الواقع لا يشير إلى وجود هذه التوجهات لدى أحزاب السلطة، وقد أسلفنا في لقاء سابق معكم أن العملية السياسية برمتها تحتاج إلى عاملين، عامل مساعد وهو وجود الأمم المتحدة ووساطتها الايجابية في حل المشاكل وتقريب وجهات النظر وعامل ضاغط وهو التغيير المستمر في اصطفافات الكتل السياسية لتجبر الخارج عن الإرادة الوطنية على الرجوع إلى الصف الوطني وإلا فإنه يهدد بالتغيير، لكن هذه الطريقة المتبعة لدى كل
ص: 530
الديمقراطيات المتحضرة في العالم لإجبار الحاكم على العودة إلى المسار الصحيح غير موجودة بسبب الإرادة الأمريكية التي ترى من مصلحتها أن يبقى الوضع السياسي كما هو عليه (ربما لحسابات انتخابية أو غيرها) فهي تحول دون تشكيل أي تحالف أو تكتل سياسي يعمل على تغيير الوضع الحالي وإصلاحه.
إن هذه المبادرة وكل ما يساعد على إصلاح الوضع يجب أن ينفذ سريعا لكي تتمكن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات من إجرائها هذا العام؛ لأن التغيير أصبح مطلباً عاما للشعب، وأن الجميع يرغبون أن يشاركوا في العملية السياسية ويأخذوا دورهم الطبيعي وليظهر كل كيان بحجمه، والوقت ضيق وان أيتأخير يخدم مصالح الكتل المهيمنة التي تريد استمرار هيمنتها غير المشروعة وتجعل هذه المشاكل وسيلة للتغطية على مرادها الحقيقي.
وفي نهاية اللقاء طلب السفير دي مستورا نصيحة من سماحة الشيخ، فقال سماحته: أوصيكم بما قلته في لقاءنا السابق وهو التعامل بموضوعية وحيادية والابتعاد عن المجاملات، وان تكون شجاعا باتخاذ القرار التي تعتقد بأنها صحيحة لأن التاريخ سوف يسجل هذه المرحلة المهمة من تاريخ العراق، ونرجوا أن لا يسجل إلا شيئاً ايجابياً عن السيد دي مستورا.
ص: 531
الاتفاقية الأمنية : حولت الانسحاب المحتوم إلى نصرٍ استراتيجي(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
[وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ، مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ] (الصافات24-25)
نعبّر عن خيبة أملنا لإصرار عدد من الكتل البرلمانية على المضيّ قدماً حتى التوقيع على المعاهدة الإستراتيجية والاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية دون الأخذ بنظر الاعتبار وجهات النظرالوطنية المخلصة التي قُدّمت لهم، ولم تلتزم بكل الشروط التي وضعتها المرجعية الدينية في النجف الأشرف للتوقيع عليها وهي:
أولاً: عدم الإخلال بالسيادة العراقية والتفريط بمصالح أجياله. فقد تضمنت الاتفاقية انتهاكات خطيرة للسيادة من حيث إقامة القواعد وحصانة الجنود الأجانب وعدم ولاية القضاء العراقي على الجرائم التي ترتكب على أرضه وضد شعبه، وعدم تفتيش الخارج والداخل إلى القوات الأجنبية والسيطرة على الأجواء العراقية، والإذن بالقيام بما يلزمه الدفاع عن النفس
ص: 532
وهو عنوان مطاط يمكن أن يبرر الكثير من الجرائم. بل قد يدخلنا في مشاكل مع دول الجوار بضرب عمقها تحت هذا العنوان.
ثانياً: تحقق الإجماع الوطني، وهو ما لم يتحقق في جلسة التصويت إذ لم يوافق إلا أكثر من نصف أعضاء البرلمان بقليل وهي أغلبية لا تحقق توافقاً وطنياً في مثل هذه القضايا المصيرية التي ترهن مستقبل الأجيال، وأود هنا تصحيح معنى الإجماع الوطني، فانه لا يكفي في تحقيقه توافق عدد من الكتل الكبيرة التي تنتسب إلى مكونات الشعب العراقي الرئيسية، بل لا بد لتحقق معنى الإجماع الوطني أن يكون هذا التوافق مستندا إلى المصالح الوطنية العليا وليس إلى الصفقات المتبادلة والمصالح الحزبية والفئوية. وقد اتضح للقاصي والداني أن التوافق بُني على مثل هذه الصفقات قبل التصويت.
ثالثاً: الشفافية، وقد كانت غائبة عن مجريات المفاوضات حيث لم يعلم أعضاء البرلمان فضلاً عن الشعب بنص الاتفاقية إلا قبل التصويت بأيام وأُعلموا بأن النص نهائي ولا يمكن التغيير فيه، ولقد أخفيت النسخة الانكليزية التي قال عنها خبراء أمريكيون إن فقراتها تفرّغ الأجزاء المهمة من الاتفاقية من محتواها وأظهروها مباشرة بعد مصادقة البرلمان وقالوا في سبب الإخفاء (لأنها تعقّد حوار الكتل السياسية).
رابعاً: تهيئة الظروف الموضوعية والمناخات السياسية الملائمة للدخول في مثل هذه المفاوضات المعقدة مع دولة كبرى مثل الولايات المتحدة، بأن تتوفر عملية سياسية رصينة مستندة إلى قاعدة شعبية واسعة ليكون المفاوض العراقي في وضع قوي يمكنه من تضمين الاتفاقية كل ما
ص: 533
ينسجم مع مصالحه، لكن الذي حصل أن الأيام التي سبقت التصويت على الاتفاقية شهدت تشظياً وتشتتاً بين أطراف العملية السياسية بلغ الذروة، ووصلت الاتهامات المتبادلة بين الأحزاب الحاكمة إلى حد الجرائم الكبرى كاتخاذ مكاتب الأحزاب مقرات للقتل والتعذيب وانتهاك الدستور ومقاتلة قوات الحكومة وتشكيل الميلشيات والدكتاتورية وصرف المال العام للدعاية الانتخابية ووصلت إلى التهديد بالانقلاب وانقسمت المؤسسات الدستورية على نفسها حيث وصل التخندق إلى ما بين مجلس رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة.وقد استغل الطرف الآخر هذه الانقسامات ليرمي إليهم النسخة التي يريد ويغلق باب التعديل ويطلب منهم المصادقة وإلا فالتهديد بالويل والثبور.
لقد أصرّ البعض على توقيع الاتفاقية لا لقناعة بها وإنما لحرصه على التمسك بالمغانم التي حصل عليها ولم يستطيعوا إقناع المواطن بايجابيات فيها إلا قضية جدولة الانسحاب، وهو كما يعلم الجميع مطلب أمريكي قبل أن يكون عراقياً للضغط الداخلي الذي يواجهونه بسبب الصعوبات والخسائر التي أصابتهم ولحاجتهم لنقل القوات المقاتلة إلى منطقة أخرى , وبذلك فقد حولت الاتفاقية انسحاب المهزوم والمضغوط عليه إلى نصر استراتيجي.وقد منحتهم الاتفاقية مدة (36) شهراً وهي أطول مما وعد به الرئيس الأمريكي الجديد(1)،
مضافاً إلى عدم كون هذه المدة ملزمة لهم
ص: 534
لان قادتهم السياسيين والعسكريين صرحوا بأن الانسحاب مرهون بالوضع على الأرض.
ومع ذلك فقد حاول هذا البعض تسويقها بخلط الأوراق وإخفاء الحقائق وأجروا تعديلات لذر الرماد في العيون كتبديل اسمها من (الاتفاقية الأمنية) إلى (اتفاقية الانسحاب) وهو ليس انسحاباً بل إعادة انتشار وتحوّل من الاحتلال العسكري الظاهر إلى الهيمنة على مقدّرات الأمور، وإن الانسحاب لا يحتاج إلى اتفاقية بل يحصل تلقائياً بمجرد انتهاء التفويض الأممي نهاية هذا العام(1) وحينئذٍ يفترض حصول الانسحاب فيه بلا قيد ولا شرط سوى ما تتطلبه العملية لوجستياً ويمكن حينئذ أي بعد الانسحاب قيام حكومة وطنية حرة بتوقيع أي اتفاقية تراعي مصالح الدولتين.
ومما حاولوه ضمن عملية التسويق حصر الكتل السياسية بين خيارين: أما توقيع الاتفاقية أو تمديد الاحتلال ولا أحد شريف حر يرضى بوجود الاحتلال فيكون ملزماً بالخيار الأول.
لكن هذا الانحصار شيء فعلوه هم بتضييق الوقت وتضييعه وقد أفهمناهم بوجود خيار ثالث وهو تصحيح العملية السياسية وتحقيق شراكة حقيقية لتقف الكتل السياسية صفاً واحداً ومن خلفهم المرجعية الدينية والشعب كافة أمام الطرف الآخر - أي الأمريكان- وتقول بلسان واحد
ص: 535
هذهمطالبنا وهذه شروطنا وسوف لا يجد الطرف الآخر بُداً من الإذعان. لكنهم لم يصغوا لهذه النصائح ومضوا منفردين فاستضعفهم الآخر.
ثم هددوا بان البرلمان إذا لم يوافق فأنهم سوف لا يطلبون تمديد وجود القوات الأمريكية وسيتوجه العراق نحو المجهول وهو خيار خطير وهذا الكلام منهم فيه تضليل كبير لأن القوات الأمريكية تحتاج لوجستياً إلى ما لا يقل عن (16) شهراً لكي تنسحب لو طلب منها الانسحاب فوراً، فقد احتاجت سنة للانسحاب عام1991 مع أنها كانت تحتفظ بأقل مما تمتلكه اليوم على ارض العراق بكثير.
على السياسيين أن يتذكروا أنهم لم يتبوؤا هذه المواقع إلا بدعم المرجعية الدينية للانتخابات ومجمل العملية السياسية وان الشعب لم ينتخبهم بأشخاصهم لان القوائم كانت مغلقة وإنما أعطى صوته لقضية ائتمنهم عليها فإذا لم يفوا للمرجعية وللشعب فإنهم يصبحون فاقدين للشرعية، ولينتظروا الانتخابات المقبلة لينتخبهم الشعب بأسمائهم في قوائم مفتوحة.
إن كلمتنا هذه سواء أدّت إلى نتيجة ايجابية أو لم تؤدِ فإنها شهادة ندلي بها أمام الله تبارك وتعالى وأمام شعبنا الكريم وأمام التاريخ. وان الفرصة لم تفت إذ يمكن للكتل السياسية أن تصحح المسيرة وتطالب بصوت واحد بتعديل الاتفاقية بما ينسجم مع المصالح الوطنية العليا.
ص: 536
بسم الله الرحمن الرحيم
استقبل سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) السيد نائب رئيس الجمهورية الدكتور عادل عبد المهدي(1) وقال في حديثه:إن الطريقة الطبيعية لإصلاح أوضاع البلاد أن تبدأ العملية من القاعدة وتتدرج لتفرز في النهاية حكومة صالحة خادمة للشعب، لكن الذي حصل في العراق هو العكس فأقيمت الحكومة من دون بناء قواعد صحيحة ورصينة لاختيار عناصرها ومن دون بناء ثقافة الإصلاح والعمل من أجل الناس.
وكان يمكن لهذه الحكومة أن تؤسس لخلق تلك الثقافة في المجتمع بأن تسير سيرة صالحة عادلة ليتأسى بها الشعب ويشعر الجميع بواجبه اتجاه دولة القانون، لكن الذي حصل أن الأحزاب الحاكمة كرسّت حالة الاستئثار والاستبداد والأنانية والتنازع والصراع وتبعاً لها فقد انقسم الشعب وتخندق وتمزّق وتفّشت فيه الصراعات ودفع ثمناً غالياً من أرواح الناس وتدمير الاقتصاد وتخريب المؤسسات.
ص: 537
ولذا باءت كل محاولات الإصلاح السياسي والمصالحة الوطنية بالفشل لأن طريقة الأحزاب الحاكمة في إدارة البلاد لا تساعد على نجاح الإصلاح المصالحة ولا تؤدي إليها، لذا فإن التغيير لا بد أن يبدأ من الحكومة فإصلاح العملية السياسية وتحقيق المصالحة الوطنية يكون عبر إجراء تغيير شامل في الحكومة وبنائها على أسس الشراكة واعتماد الكفاءة والمهنية والوطنية.
ولا تجوز مجاملة المعترضين على إجراء هذا التغيير ما دام هو رغبة الأكثرية وتتحقق به مصلحة الشعب.
إن التغيير وتحقيق المصالحة قد يبدو أمراً معقداً وبعيد المنال ولكنه في نفس الوقت سهل التحقيق لأنه لا يحتاج إلى أكثر من إرادة صادقة ونكران للذات. فعلى الكتل السياسية الفاعلة أن تقدم مصلحة الشعب على مصالحها الفئوية التي ستحقق هي أيضاً عندما يكون العراق وشعبه بخير فإن جميع المكونات ستكون بخير.
ص: 538
ضرورة وجود هيئات استشارية ومراكز دراسات ترفد الأحزاب السياسية (1)
أكّد سماحة الشيخ اليعقوبي على ضرورة وجود هيئات تضم متخصصين في مختلف شؤون الحياة وقضايا الأمة إلى جنب الكيانات السياسية لرفد عملها بعدة اتجاهات.
1- تحديد المصالح العليا والأهداف التي يجب العمل من أجل تحقيقها.
2- تشخيص المشاكل الموجودة ووضع الآليات لمعالجتها.
3- صقل المواهب وصنع الكفاءات وتأهيلها لتكون قادرة على إدارة البلاد وتحمّل المسؤوليات.
4- تقييم عمل الكيانات السياسية وتقويم مسيرتها.
جاء ذلك خلال لقاء سماحته بعدد من أعضاء الهيئة الاستشارية لحزب الفضيلة الإسلامي.
كما أكّد سماحته على ضرورة وجود مراكز بحوث ودراسات تقدّم للسياسيين كل ما يرتبط بعملهم، فالذي يراقب مجريات العملية السياسية يجد الجهل والتخبط والارتجال وعدم التخطيط واضحاً فيها بسبب عدم الإلمام الكافي بالقضايا التي يناقشونها والقرارات التي تعرض على البرلمان وغيره من مؤسسات القرار، وهي متنوعة ففيها الاقتصاد والسياسة والاجتماع
ص: 539
والتنمية والتخطيط والمشاريع الفنية وغيرها كثير مما لا يعقل خوض شخص واحد فيها من دون إحاطته الجيدة بالموضوع من خلال رفد المؤسسات البحثية والاستشارية له.
وبارك سماحته المؤتمر الذي عقدته الجامعة المستنصرية بالاشتراك مع جامعة بغداد وعدد من السياسيين لوضع آلية لاستفادة السياسيين من الأكاديميين.
وأثنى سماحته في هذا المجال على مركز أضواء للبحوث والدراسات الإستراتيجية الذي يقدّم الكثير مما ينفع رغم حداثة تأسيسه، وشملت دراسات مهمة في الدين والأخلاق والاقتصاد والإدارة والسياسة والاجتماع والأمن والدفاع مما لا يستغني عنه المهتمون بقضايا البلد والشعب.
ص: 540
فقدان ثقة الشعب بالأجهزة القضائية والرقابية في تحقيق العدالة والنزاهة(1)
أثنى سماحة الشيخ اليعقوبي على شجاعة القاضي السيد جعفر الموسوي رئيس هيئة الادعاء العام في محكمة الجنايات الكبرى لمواجهته طاغية العصر المقبور صدام أثناء محاكمته كما أشاد بمهنيته العالية لإتقانه جمع الأدلة والوثائق وترتيبها وحسن عرضها.
وعبّر سماحته خلال استقباله(2)
السيد الموسوي عن فقدان ثقته وثقة الشعب بقدرة الأجهزة القضائية والرقابية على مكافحة الفساد الذي نخر بكيان الدولة لعدم استقلاليتها ووقوعها في قبضة الحكومة والأحزاب المهيمنة على السلطة وهم مضطرون للانسياق وراء رغبات وقرارات السلطة التنفيذية لأن أمر نصبهم وعزلهم بيد الحكومة، وبمجرد أن يلوّح أحد من هيئة النزاهة أو المفتشين العموميين أو أي سلطة رقابية أو محاسبية أو تفتيشية بشيء من الفساد فإنه يُعزل ويهان إن لم تتم تصفيته..
ولا زال الخلل في الهيكلية الإدارية للمفتشين العموميين قائماً فإن المفتش العام للوزارة مرتبط بالوزير فلا يستطيع محاسبته و حاشيته ولا زال رئيس هيئة النزاهة بالوكالة حتى يكون وضعه غير مستقر ومهدد لذا فانه
ص: 541
يعجز عن فعل أي شيء.
لذا فقد قدّمنا مشروعاً لإصلاح نظام المراقبة والتفتيش والمحاسبة وهيئة النزاهة وتضمن عدة نقاط.
منها: تأسيس ديوان للتفتيش العام يكون رئيسه بدرجة وزير يرتبط به المفتشون العموميون في الوزارات ويُعيّن بمصادقة البرلمان..ومنها: أن يكون المسؤولون في هذه الأجهزة مستقلين حقاً عن السلطة التنفيذية ويكون ترشيحهم من قبل الكتل البرلمانية غير المشاركة في الحكومة وبذلك نضمن استقلالهم عنها ونساهم في خلق ديمقراطية حقيقية ونمكنهم من أداء دورهم في محاسبة المسؤولين وتدقيق عملهم ومكافحة الفساد.
وأشار سماحته إلى الوضع المحرج لقضاة محكمة الجنايات الكبرى بسبب أداء السياسيين والقادة العسكريين وهم يشاهدونهم يرتكبون نفس أفعال هؤلاء الجناة الموجودين في قفص الاتهام كالاعتقال العشوائي وتصفية المعارضين السياسيين وهدر أو سرقة المال العام وانتهاك حقوق الإنسان وتخريب مؤسسات الدولة واستباحة المدن وقتل الأبرياء الآمنين لوجود عناصر خارجة عن القانون في تلك المدن وهي نفس الأعذار التي يردّدها الجناة، لذا أصبح العمل في هذه المحكمة لا يشرّف أحداً لأن عليه أن يعمل بازدواجية وهذه خيانة لشرف المهنة.
وتفاءل سماحته بأننا يحدونا الأمل الكبير بوصول الكفوئين المخلصين الوطنيين الأحرار من أبناء هذا الشعب المنجب إلى مواقع الإدارة والسلطة في البلاد لنبني عراقاً حراً كريماً مزدهراً.
ص: 542
لقد أثبتت توجهات الناس في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة(1) نجاح المشروع الوطني ومبادئ الإصلاح السياسي التي عرضتها المرجعية الرشيدة خلال السنوات الماضية في خطاباتها وأحاديثها، وجاهدت من أجل توعية الناس بها وتثبيتها كمعايير لتقييم المتصدين لإدارة البلاد، ولم تثنها عن المضي في طريق الأنبياء والأئمة (علیهم السلام) الإغراءات ولا ما لاقته بسبب ذلك من العنت والمشقة والتسقيط والتشويه، كما تعرّض أتباعها إلى الحرمان والإقصاء والتصفية. لأن مصالح البعض كانت مبنية على إبقاء العقد والأزمات والتناحر والضعف والتشتت.
واليوم يرى جميع المراقبين كيف تحولت تلك الأفكار والمشاريع إلى ثقافة عامة حتى أن الذين سخروا من تلك المبادئ حين عرضها وقاوموها بكل ما أوتوا من سلطة وإعلام وأموال تبنّوها اليوم وأصبحتمادتهم في الدعاية الانتخابية وأصبحت هي الفيصل في كسب أصوات الناخبين ففاز في الانتخابات من تبنّاها، وخسر من بقي على ثوبه القديم.
وسنذكّركم بجملة من تلك المبادئ والآليات العملية وتجدون تفصيلاتها في خطابات المرحلة والأحاديث والخطوات العملية التي أعلنتها
ص: 543
المرجعية الرشيدة خصوصاً تلك التي أعقبت اشتعال الفتنة الطائفية مطلع عام 2006 حتى اليوم ومنها:
1- نبذ الطائفية والخروج من التخندق الطائفي وتفكيك الائتلافات المكوّنة على أساس طائفي أو عرقي وتشكيل الكتل على أسس الوطنية والبرامج الصالحة.
2- صيانة وحدة العراق ورفض كل أشكال التقسيم. وتأجيل النظر في تطبيق الفيدرالية.
3- تقوية الحكومة المركزية مع إدارة لا مركزية للمحافظات لتقويتها وتنمية كوادرها وإصلاح شؤونها.
4- إقامة دولة القانون وحكومة ملتزمة به وليس حكومة أحزاب.
5- حل الميلشيات والقضاء على الإرهاب والجماعات المسلحة وحصر السلاح بيد السلطة الشرعية.
6- الجدّية في إجراء المصالحة الوطنية ومعالجة كل القرارات الخاطئة التي صدرت في الفترة السابقة كحل الجيش والتوظيف السياسي لقانون الاجتثاث ونحوها.
7- بناء قوات مسلحة قوية وقادرة على حفظ أمن البلاد وحماية حدوده وسيادته تمهيداً للانسحاب الكامل للقوات الأجنبية.
8- التوزيع العادل للثروة فإنها ملك الشعب وضمان الحياة الكريمة للإنسان.
9- تعديل الدستور ومعالجة كل الفقرات التي تسبب الاحتقان وتبقى قنابل موقوتة تثير التوترات باستمرار.
ص: 544
10- مكافحة الفساد المالي والإداري.
11- جعل معايير التقييم وتقلّد المناصب هي الكفاءة والنزاهة والوطنية والإخلاص للشعب، وأن يكون معيار نجاح المسؤول هو مقدار خدمته للناس وإسعادهم.
12- إعطاء العشائر دورها الذي تستحقه في المساعدة على استتباب الأمن والإعمار.
13- تنشيط القطاع الخاص وإصلاح الواقع الزراعي والصناعي والتعليمي لأنها الثروة الحقيقية والبنية التحتية للبلد.
14- عدم المتاجرة بالدين وتوظيفه للأغراض السياسية.
15- تحسين الخدمات ليشعر المواطن بالتغيير خصوصاً في الصحة والكهرباء والماء والمجاري والتعليم.إننا حينما نذكر هذه النقاط نستهدف:
1- إنها أمانة تاريخية أن تحفظ الحقوق لأهلها.
2- ليجعل الشعب نصب عينيه هذا البرنامج حتى يحاسب المتصدين في المرحلة الجديدة على تنفيذهم لهذه الوعود.
3- لألفات نظر الناس خصوصاً الواعين إلى أن يميّزوا (فأن من طلب الحق فأخطأه ليس كمن طلب الباطل فأدركه) على تعبير أمير المؤمنين (علیه السلام).
نسأل الله تعالى أن يسدد خطى ولاة الأمور لما فيه مرضاته وصلاح العباد والبلاد.
ص: 545
أشاد سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) بجهود الحكومة وكل الجهات الأخرى القائمة على إجراء عملية انتخاب مجالس المحافظات(1) ووصف العملية بأنها إنجاز ونجاح خصوصاً في مثل الظروف التي يعيشها العراق.
وعبّر سماحته لدى استقباله دولة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي عن أمله ببروز حكومات محلية منسجمة فيما بينها ومع الحكومة المركزية
لتقديم خدمات أفضل للمواطنين لأن هذه العلاقة شابها الكثير من التقاطعات والتنافرات خلال المرحلة السابقة.
وقال سماحته خلال اللقاء(2) الذي جرى في مكتبه في النجف الأشرف: إن هذه العلاقة الرصينة ستسهم في خلق جو سياسي أكثر استقراراً يساعد على تسريع انسحاب القوات الأجنبية مضافاً إلى ماستسهم به الانتخابات العامة مطلع العام الجديد وإن الاستقرار السياسي هو أساسا استتباب الأمن وتوفير الخدمات وخلق فرص التقدم والازدهار.
وتمنى سماحته على الكتل السياسية أن تعمل بروح الفريق الواحد لتسير السفينة إلى شاطئ الأمان والسلام.
ص: 546
أشاد المرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بالتقدم الحاصل في أداء وزارة الداخلية ومهنيتها ووطنيتها وقدرتها على إدارة فعاليات ضخمة كالانتخابات والزيارات الدينية.
وقال سماحته: إن الهاجس الأمني هو أهم ما يشغل بال الدولة والمواطن على حد سواء لأنه أساس الانطلاق في كل قطاعات الحياة الأخرى.
وحذّر سماحته لدى استقباله(1) للسيد جواد البولاني وزير الداخلية من الإغراق بالتفاؤل ونشوة النصر وان الاحتفال بالقضاء على أسباب العنف والتوتر لم يحن بعد، ولا بد من النظر بجدّية إلى ما يقال من أن الأمن هش ويمكن أن ينتكس _ والعياذ بالله_ في أي لحظة، لذا على الجميع أن يشخّص بدقة الأسباب التي أدّت إلى هذا التحسن الأمني لكي نعمل على إدامتها واستثمارها وليس بأن نخلّفها وراء ظهورنا بعد أن تحققت النتائج. لأنه من المعلوم لدى ذوي الاختصاص أن التقدم الأمني لم يحصل بسبب تحسّن أداء الأجهزة الأمنية وزيادة عددها وتطور معداتها فقط وإنما كانت وراءه اتفاقات سياسية وتفاهمات داخلية وخارجية.
ص: 547
وأشار سماحته أن الأمن منظومة متكاملة من الجهود التي تقوم بها مختلف الوزارات مما يؤدي إلى امتصاص البطالة وتحسين خدمات الصحة والتعليم والكهرباء والبلديات وتنشيط القطاع الخاص والزراعة والصناعة، فلا بد أن تعمل الحكومة كالفريق الواحد وتتخلى الكتل السياسية عن أنانياتها والنظر إلى مصالحها الخاصة مما يؤدي إلى تقاطعات وتوترات تنعكس سلباً على الواقع الأمني.وضرب سماحته مثلاً بأن الولايات المتحدة كانت تصرف مليارات الدولارات على الجهد العسكري لفرض الأمن في محافظة الأنبار ولم تستطع أن تحقق شيئاً بل ازدادت أخطاؤها وكثر أعداؤها لكنها لما غيرت خطتها وخصصت عشر تلك المبالغ لاحتواء العشائر وتأسست مجالس الصحوات وأقامت بعض المشاريع فإن أبناء العشائر الغيارى حققوا ما لم تحققه الجيوش الأمريكية وعادت المدن الساخنة إلى أهلها وإدارة أبنائها.
فوفّروا على أنفسهم المبالغ الضخمة وحصدوا النتائج الايجابية.
هذا وحضر اللقاء اللواء الركن عبد الكريم خلف مدير عمليات الوزارة والسيد مدير علاقات الوزارة والعميد مدير مكافحة الإرهاب واللواء عبد الكريم العامري قائد شرطة النجف الأشرف.
ص: 548
شدّد المرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على ضرورة تفعيل دور (مجلس النواب) لأداء وظيفتيه الرئيسيتين التشريعية والرقابية بما ينسجم مع التوجهات التي تخدم الشعب والبلد.
جاء ذلك لدى استقبال(1)
سماحته الدكتور قاسم داوود رئيس كتلة التضامن في مجلس النواب في مكتبه في النجف الأشرف.
وقال المرجع اليعقوبي: إن القرار البرلماني أصبح رهينة بيد الكتل السياسية المهيمنة على السلطة وأداة لتسويق مشاريعها وتحقيق مصالحها، بسبب سوء تصرف هيئة الرئاسة وعدم موضوعيتها، وهذا لا يتسق مع المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق ممثلي الشعب بحيث يرى المراقبون أن العراق تحكمه حكومةأحزاب وليس حكومة دولة وقانون ومؤسسات لذا يعزف الكثير عن التعاطي مع مشاريع الاستثمار وغيرها في العراق.
و دعا الكتل السياسية إلى مراجعة أداءها وخطابها السياسي بما يتلاءم مع المصلحة الوطنية العليا للبلاد مشيراً إلى ما أفرزته نتائج انتخابات مجالس المحافظات حيث كشفت عن تطلّع الشعب إلى التغيير في كل المحافظات حتى التي تحكمها القوائم الفائزة.
ص: 549
هذا وحضر اللقاء النائب عن كتلة الفضيلة البرلمانية د. باسم شريف.
ص: 550
قال سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله): (بعد تحديد موعد إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة مطلع العام القادم وبدء العد التنازلي سريعا لتلك الفعالية التي يُعوَّل عليها لإجراء إصلاحات في الوضع السياسي القائم وتصحيح بعض الأخطاء السابقة في العملية السياسية، نلفت عناية السادة أعضاء البرلمان لإجراء مراجعة لمجمل العملية الانتخابية ومراحلها ابتداءً من قانون الانتخابات إلى عملية العد والفرز وتوزيع المقاعد على الكتل الفائزة).وقال سماحته لدى استقباله(1) عدداً من البرلمانيين ورؤساء الأحزاب السياسية والأكاديميين (أكتفي بالإشارة هنا إلى نقطة واحدة وهي كيفية توزيع المقاعد المتبقية بعد تطبيق القاسم الانتخابي وتعيين عدد المقاعد الصحيحة للكتل الفائزة، فإن الطريقة التي اتبعت سابقا هي توزيعها على الكتل الفائزة نفسها بحسب نسبة الأصوات التي حازتها، وهذه الآلية أفرزت نتائج سلبية منها:
1- مخالفة إرادة الناخبين بمنح أصواتهم إلى كتل لم يصوّتوا لها.
2- إهمال عدد كبير من أصوات الناخبين وهي الأصوات التي حصلت عليها الكتل التي لم تصل إلى القاسم الانتخابي ولو كانت بحاجة
ص: 551
إلى أصوات بعدد الأصابع.
3- عدم الإنصاف والموضوعية إذ قد يعطى مقعد لشخص حصل على عدد قليل من الأصوات كمائة صوت من الأصوات التي حصلت عليها كتلته ويحرم من المقعد شخص حصل على عشرة آلاف صوت أو أكثر لكنه لم يصل إلى القاسم الانتخابي.
4- تضييق المشاركة في العملية السياسية وحصرها بالكتل الكبيرة وحرمان الأكثر مما يؤدي إلى سعة قاعدة عدم التأييد للعملية السياسية وضعف دعمها من الشعب).
وأضاف سماحته (إذا أردنا أن نعبر عن هذه النقاط بأرقام من النتائج التي أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عن انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة، فقد كان عدد المشاركين في الانتخابات هو نصف عدد من يحق لهم التصويت، حيث صوّت (7.143.656) ناخباً، حصلت الكتل الفائزة - بحسب أرقام المفوضية- على (4.897.334) صوتاً، وبذلك فقد أهملت (2.246.322) صوتاً أي ما نسبته 31.5% من المشاركين مضافا إلى نصف من يحق لهم التصويت لم يشاركوا أصلاً، مما يعني هشاشة القاعدة التي تستند إليها العملية السياسية).
ونبّه سماحته إلى (إن مشكلة قد تحصل لا يحلّها القانون وهي عندما لا تتجاوز أي كتلة القاسم الانتخابي في المحافظة أو تجتاز القاسم الانتخابي قائمة لشخص منفرد وليس لكتلة من مرشحين وبالتالي فلا يمكن تطبيق القانون الحالي بمنح المقاعد المتبقية إلى الكتلة الفائزة، ونذكر مثالا على ذلك ما حصل في محافظة كربلاء، فلو فرضنا حصول الكتل المشاركة
ص: 552
في الانتخابات البرلمانية المقبلة على نفس عدد الأصوات، ومشاركة نفس العدد من الناخبين فإنها جميعا لا تتجاوز القاسم الانتخابي للمقاعد البرلمانية الذي سيكون حوالي (30-35) ألف صوت للمقعد إلاّ قائمة السيد يوسفالحبوبي التي حصلت على (37.846) صوتاً وهي قائمة مفردة، فلمن تمنح المقاعد الباقية؟ واقرب قائمة أليها وهي (أمل الرافدين) حصلت على (26.967) صوتاً فلا تصل إلى القاسم الانتخابي).
وقدم سماحته مقترحاً قال عنه (انه يحل هذه العقد ويعالج المشاكل من دون إلغاء القاسم الانتخابي كما طالب البعض لان وجوده كأساس للتقييم ضروري، ويتضمن المقترح عدة خطوات:
1- تحديد القاسم الانتخابي بنفس الآلية أي بقسمة مجموع عدد المشاركين على عدد المقاعد المخصصة.
2- تعيين أعداد المقاعد الصحيحة للكتل الفائزة بقسمة عدد الأصوات التي حصلت عليها على القاسم الانتخابي وتعيين العدد المتبقي من المقاعد المخصصة.
3- ترتيب الكسور المتبقية للكتل الفائزة مع كسور النسب التي حصلت عليها الكتل غير الفائزة تنازليا ومنح المقاعد المتبقية للكتل ذات الكسور الأعلى في الترتيب بحسب عدد المقاعد المتبقية بغض النظر عن كون الكسور للكتل الفائزة وغير الفائزة).
ثم أشار سماحته إلى النتائج الايجابية التي يمكن أن تتحقق بتطبيق هذه الآلية فقال ((وبذلك سنحقق:
1- توسيع دائرة المشاركة في العملية السياسية لعدد اكبر من الكيانات
ص: 553
لإنعاش العملية الديمقراطية وتحقيق المصالحة الوطنية.
2- تخليص قرار البرلمان من اسر وهيمنة الكتل الكبيرة. الذي أدى في المرحلة السابقة إلى ما يقرب من تعطيل الكثير من دوره.
3- إيجاد ديناميكية في عمل البرلمان يحدثها ذوو المقاعد القليلة الذين سوف لا يكونون ساكنين، وإنما يتحركون في تحالفاتهم ومواقفهم.
4- احترام إرادة الناخبين وعدم إهمال أصواتهم إلا بمقدار ضئيل.
5- تحقيق الإنصاف والعدالة بمقدار كبير، إذ سوف لا تحصل الكتل الفائزة على أزيد من مقعد إضافي ويحوز الباقي ذوو الكسور الكبيرة من الكتل التي لم تتجاوز القاسم الانتخابي (يلاحظ هنا من باب المثال إن قائمتي ائتلاف دولة القانون وأمل الرافدين حصلتا على مقعدين صحيحين لكل منهما في محافظة كربلاء ثم أضيفت لهما سبعة مقاعد بإعادة توزيع المقاعد الشاغرة ليصبح لكل منهما تسعة مقاعد !! وفي محافظة واسط حصلت ائتلاف دولة القانون على أربعة مقاعد صحيحة وقائمة شهيد المحراب على مقعدين صحيحين فأضيف إلى الأولى تسعة مقاعد لتصبح حصتها ثلاثة عشر مقعداً وأضيفت أربعة إلى الثانية لتصبح ستة مقاعد).
6- تجاوز المشاكل المتوقع حدوثها لدى تطبيق القانون الانتخابي كالذي اشرنا إليه من قبل)).وفي ختام حديثه عبر سماحة المرجع اليعقوبي عن أمله بأن يغلّب السادة أعضاء البرلمان المصالح الوطنية العليا عند النظر في هذه الأمور لننقذ بلدنا وشعبنا من الكوارث التي دمرته وأنهكته.
ص: 554
أكد المرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على أهمية تعاون جميع أبناء البلد المخلصين ووحدتهم وألفتهم لإخراج البلد من الأزمات التي يمر بها.
جاء ذلك لدى استقباله السيد علي بابان وزير التخطيط والتعاون الإنمائي والوفد المرافق له(1) في مكتبه في النجف الأشرف والذي أشاد بدور المرجع اليعقوبي في تقويم العملية السياسية من خلال مواقفه الوطنية وتسديده الدائم للمسؤولين، ونصحه لهم في تغليب مصلحة الوطن والمواطن على كل المصالح، مستشهداً بدعوة سماحته إلى تفكيك الائتلافات الطائفية والتي دعا إليها في عام 2006.(2)
وقال المرجع اليعقوبي: لقد كنا وما نزال في موضع الحاجة إلى اندماج أبناء البلد وانصهار توجهاتهم في بوتقة الوطن، وهو الأمر الذي يدعم مسيرة العملية السياسية في مسارها الصحيح، فقد شهدنا عبر التاريخ تشكيل كيانات ذات صبغة طائفية معينة وهذا ليس عيباً أو خلةً، إنما العيب والخلل في الانغلاق على الطائفة وعدم الانفتاح على الآخرين،
ولربما
ص: 555
يصل الأمر إلى معاداتهم وقضم استحقاقاتهم، وكان المفروض أن تتفق هذه الكتل وتتوحد رؤاها وتذوب خلافاتها في سبيل المصالح الوطنية العليا لتؤسس إلى توحيد عراق ما بعد السقوط وآمل أن تنتج انتخابات عام 2010 خارطة سياسية مختلفة عن تلك التي أنتجتها انتخابات عام 2005 وإذا لم يحصل مثل هذا التغيير فإن دوامة العنف وكل الإفرازات الكارثية للمسيرة الخاطئة للعملية السياسية ستبقى، والعياذ بالله.وأضاف سماحته أن للإسلام القدرة ليس فقط على ردع مشاريع الغزو والاحتلال والفساد وإنما له القدرة على التأثير في الغزاة والمحتلين وإقناع الكثير منهم بالإسلام كما حصل للمغول حينما غزوا بغداد وسرعان ما اعتنقوا الإسلام ودعوا إليه. لكن هذه النتائج الكبيرة مشروطة بالعمل الدؤوب المخلص وبالترفع عن الأنانيات والمصالح الشخصية والفئوية.
هذا وحضر اللقاء السيد مهدي العلاق وكيل وزير التخطيط والدكتور عبد الرزاق شريف نائب محافظ النجف الأشرف.
ص: 556
مبادرة للإسراع بتشكيل الحكومة(1)
مرت ستة أشهر على إجراء الانتخابات البرلمانية العامة التي وقف فيها الشعب بشجاعة وأدلى بصوته أملاً في حياة ملؤها الأمل والاستقرار والرفاه.
لكن أماله تتبدد كلما طال أمد تشكيل الحكومة حتى بلغت هذه المدة القياسية ولازال البرلمان الجديد في إجازة مفتوحة، لا يستطيع لمّ شمله، مما يشكل خرقا دستورياً فاضحاً.إن المرجعية الرشيدة في النجف الأشرف - وهي تراقب مجريات العملية السياسية – لا تستطيع الصبر طويلاً على أنّات الشعب ومطالباته، وهي ترى عجز الكتل السياسية عن حسم الموضوع حتى صار البعض يدعو إلى إعادة الانتخابات وهو أمر لا فائدة فيه، ولا يحل المشكلة، مضافاً إلى الصعوبات الإجرائية وغيرها.
لذا فإننا نتقدم بحل نعتقده فاعلاً وسريعاً، وذلك بان تحال قضية اختيار رئيس الحكومة إلى الشعب لحسمها، وليتحمل مسؤولية من يختار وذلك بأجراء انتخابات عامة لاختيار رئيس الوزراء من بين مرشحي الكتل البرلمانية التي فازت بمقعد فما فوق، ولا يترك باب الترشيح مفتوحاً لآي
ص: 557
احد حتى تكون العملية أكثر منطقية، وكأننا نجعل شرطاً في المرشح أن تكون له قاعدة لا تقل (100) ألف عراقي باعتبار ما يمثله المقعد الواحد.
إن هذا المقترح يحلّ المشكلة اليوم وغداً لأننا نتوقع حصولها بعد كل انتخابات برلمانية عامة وفق معطيات تركيبة الشعب العراقي التي لا تفرز كتلة فائزة بنصف مقاعد البرلمان حتى تستطيع تحقيق الأغلبية المطلقة.
ولما كان الدستور الحالي لا يتضمن مثل هذه المادة، فأننا ندعو إلى استثمار الخطوة الايجابية لفخامة السيد رئيس الجمهورية بدعوة البرلمان الجديد للانعقاد اليوم الأحد 2010/9/19 ليسنّ هذه المادة ويلغي ما ينافيها، لان الدستور وضع لمصلحة الشعب وحل مشاكله وتحقيق الازدهار للبلد وليس لخلق الأزمات والفتن، وعلى السادة المحترمين ممثلي الشعب أن يصلّحوا كل مادة لا تصب في الأهداف المرجوّة.
إن مثل هذه الخطوة ستفرز رئيس حكومة قوي، يتمتع بثقة الشعب مباشرةً، وسيعمل فعلاً على إسعاد الشعب الذي انتخبه، ويتحرر بدرجة ما من ضغط الصفقات والمحاصصات مع المحافظة على استحقاقات الكتل السياسية في تشكيل الحكومة لأنه يحتاج إلى نيل ثقتها في البرلمان،وإذا استطاع السادة قادة الكتل الخروج من هذه الأزمة سريعاً فإن هذه المبادرة ستكون مشروعا مقترحاً أمام البرلمان لاحقاً، ليكون المرجعية في كل حالة تمرّ المدة القانونية ، وهي شهر واحد على انعقاد أول جلسة للبرلمان من دون التوصل إلى اختيار رئيس للحكومة.
وقد خولت جناب النائب حسن الشمري بشرح تفاصيل المبادرة إلى الزعماء السياسيين في البلد ووسائل الإعلام مع دعائي للجميع بالتأييد
ص: 558
والتسديد وحسن الخاتمة.
[وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ] (التوبة:105).10
شوال 1431ه_ الموافق 19/ 09/ 2010
ص: 559
حذر المرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مما يتردد في وسائل الإعلام من السعي لتشكيل حكومة أغلبية سياسية، لأن ذلك لا يساهم في حل المشاكل وإزالة العقد التي يعاني منها البلد بل يزيدها تعقيداً.
وبيّن سماحته لدى استقباله(1) السيد آد ميلكرت رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق: إن التنوع السياسي بالعراق ليس مبنياً على أساس البرامج السياسية حتى يمكن لبرنامج الأغلبية أن يحكم ويبقىالبرنامج الأخر في المعارضة، وإنما بنيت الأحزاب في العراق وشاركت في العملية السياسية على أساس انتماءاتها الطائفية والقومية والاجتماعية مما يعني أن عزل أي حزب أو كيان يعني عزل المكون الذي يمثله وهذا يؤدي إلى خلل في توازن التمثيل لمكونات الشعب.
واستدرك سماحته: بأن ذلك يجب أن لا يكون مبرراً لبعض القوى لكي تعرقل تقدم العملية السياسية اطمئناناً إلى عدم إمكان تجاهل وجودها في تشكيل الحكومة، بل على جميع القوى السياسية أن تنضم إلى مشروع الحكومة الذي يحقق أغلبية الأصوات.
ص: 560
إن الشعب يطمح إلى تشكيل حكومة توفر له الأمن والاستقرار والرفاه والتقدم وتعالج مشاكله الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الكثيرة كالجهل والمرض والفقر والتصحّر وقلة المياه والتدخلات الخارجية والخروقات الأمنية والفساد المالي والإداري وتلكؤ عملية الإعمار والنهوض، والمرجعية تعبّر عن إرادة الشعب هذه وتريد من القوى السياسية أن تسعى لتحقيقها.
إن دور بعثة الأمم المتحدة مهم وفاعل لأنها وسيط يحظى بقبول الجميع، ونحن نرى أن دور البعثة كلما ضعف وتراجع فإنه يَبرز بقوة التدخلات الإقليمية التي تزيد الصراعات والتقاطعات، وكلما أخذت بعثة الأمم دورها الايجابي والفاعل تراجع تأثير تلك التدخلات واستطاعت لملمة شتات الفرقاء السياسيين.
أما المرجعية فإنها تعاني من تناقض الآخرين في التعاطي معها فهم من جهة يطالبونها بالتدخل لفك العقد وحل الأزمات وتحريك الأمور الراكدة، ولما تؤدّي وظيفتها يقولون إن المرجعية لا ينبغي أن تتدخل في السياسة.
لقد قدمنا المشروع تلو المشروع لحل الأزمة الحالية إلا أنها لم تلق استجابة لأن كل فصيل يريد تفصيل الحل على مقاسه، ولازلنا نعتقد بأن الكتل الفائزة إذا اجتمعت على طاولة مستديرة وبحضور وسيط مرضي لدى الأطراف كممثل الأمين العام للأمم المتحدة وتبادلت وجهات النظر فإنها ستخرج بآلية للخروج من الأزمة وهو المشروع الذي قدمناه في وقت مبكر من الأزمة وستكون المرجعية داعمة لكل جهد مبارك يصب في مصلحة الشعب العراقي.
القلق من الدعوات لتشكيل الأقاليم
ص: 561
لقد انتابنا القلق إثر دعوة جمع من أعضاء مجلس محافظة صلاح الدين إلى إعلان المحافظة إقليماً، خوفاً على وحدة العراق أرضاً وشعباً، التي سعى الكثير من أعداء العراق وشعبه الأصيل الكريم لتمزيقها وتفتيتها بعناوين متعددة كالطائفية وتشكيل الأقاليم وأمثالها.
وقد حذّرنا من خطورة مشروع تشكيل الأقاليم منذ اللحظات الأولى، أي منذ كتابة الدستور عام 2005 والذي لم نصوّت عليه لما فيه من المواد التي اعترضنا عليها آنذاك واعتبرناها قنابل موقوتة وفخوخاً أُريد لها تفجير الوضع في العراق وإدامة الصراع بين أبنائه ومسخ هويته، لكننا عملنا على تثبيت مادة تعطي الحق للشعب في تشكيل الأقاليم حينما تتوفر الظروف الموضوعية لذلك بحيث تصب في مصلحة الشعب والبلد.
وحينما تحمّست بعض القوى المهيمنة على البرلمان لإقرار قانون تشكيل الأقاليم عام 2008 عارضناها بقوة وأبطلنا حججهم؛ لأننا كنا نعتقد أن سنّ القانون يعطي الضوء الأخضر في تشكيل الأقاليم وهو أمر سابق لأوانه، وكنا دائماً نكرّر أن الحل في منح صلاحيات واسعة على نحو الإدارة اللامركزية للمحافظات لتخطط لنفسها المشاريع التي تقدّر الحكومات المحلية أولويتها والحاجة إليها لأنها أعرف بذلك، وكل ذلك مثبت في بياناتنا وخطاباتنا للمرحلة السابقة.
لكن التخبط وسوء التخطيط وافتقاد الرؤية الصحيحة الدقيقة لدى المتصدين من القيادات وغلبة المصالح الخاصة وعدم الاستماع إلى النصيحة وانعدام روح المواطنة كانت هي السائدة في المرحلة السابقة والتي أفرزت وضعاً مزرياً يصعب إصلاحه كلما امتد الزمن، وبدأ البعض يصحو
ص: 562
من غروره وهوسه بالسلطة وجمع الغنائم وبدأ الجميع يتحدثون عن ضرورة تعديل الدستور ومعالجة القنابل الموقوتة فيه ونحو ذلك من الإصلاحات السياسية التي نادينا بها ووجهناها لهم ولجميع الأمة خلال السنوات السابقة.
ولا سلوة لنا ونحن ننظر بألم إلى ما آلت إليه الأمور إلا المواقف النبيلة والوطنية المخلصة التي تصدر من عدد من عشائرنا الغيورة وبعض النخب الواعية التي لم يُغرها بريق المطامع ولم تثنها التهديدات وبقيت مصرّة على وحدة العراق واللحمة الوطنية التي تشد أبناءه.
وأخص بالذكر المؤتمر العام لعشائر الجبور الذي عقد اليوم في مدينة القيارة في محافظة نينوى واجتماع شيوخ عشائر الأنبار وعدد من تصريحات السياسيين والمثقفين المدركين لخطورة هذه المشاريع على مستقبل العراق ووحدة أهله.
إننا نقدِّر المعاناة التي حلَّت بالمحافظات وعدم تحقق إنجازات تذكر لإخواننا من أبنائها لكن الحل ليس في ابتعاد العراقيين عن بعضهم وانفراد كل منهم بأموره، ولا بد أن يكون الحل مناسباًللمشكلة، ويمكن أن تُحَلَّ هذه المشاكل بتوسيع صلاحيات الحكومات المحلية وسن القوانين الواضحة التي تضمن ذلك ووجود حوار بنّاء ومشاورات لاتخاذ القرارات بينها وبين الحكومات المركزية .
إن قوة الدولة وعزة شعبها وكرامتها منوطة بوجود نظام سياسي قوي أمين في العاصمة، فأعيذ إخواني في المحافظات التي نادى بعض أبنائها بالأقاليم أن يكونوا ممن يعمل على إضعاف العراق وتفتيت شعبه.
ص: 563
وبدوري فقد سعيت لتقريب وجهات النظر ودعوة كبار المسؤولين في الحكومة المركزية للاستماع إلى إخواننا في تلك المحافظات وتفهّم طلباتهم وزيارتهم للاطلاع عن كثب على معاناتهم وتأكيد الوحدة الوطنية بين الجميع(1)، ورأيت خلال الأيام السابقة حركة محمودة في هذا الاتجاه، نرجو أن تتحقق ثمراتها الإيجابية في القريب العاجل.
نسأل الله تعالى أن ينوّر بصائر الجميع ويهديهم إلى ما فيه صلاح الأمة وسعادة وازدهار هذا البلد الكريم.
محمد اليعقوبي- النجف الأشرف
15/ذي الحجة/1432- 12 / 11 / 2011
ص: 564
المرجع اليعقوبي يقلّل من تأثير الانسحاب الأمريكي على حل مشاكل البلاد(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
أكد المرجع الديني سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) قلقه من أجواء عدم الثقة والصراع التي تسود الكتل السياسية وانشغالهم بإدارة هذه الصراعات لإزاحة الأخر بدلاً من انشغالهم بإدارة البلد بحكمة وإخلاص ونزاهة ومهنية، لتحقيق الازدهار للعراق والرفاه للشعب.
جاء ذلك في معرض إجابة سماحته على سؤال رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق (مارتن كوبلر) عن تقييمه لقرار سحب القوات الأمريكية من العراق وتداعياته على مجمل الحياة وقال سماحته لدى استقباله له في مكتبه في النجف الأشرف:
إن هذه المشكلة أصل كل معاناة الشعب والتعقيدات التي تكتنف المشهد السياسي، فكلما تجدد الأمل بحلِ مشكلةٍ ما، تستجدُ أخرى أكثر منها خطورة وفي ضوء ذلك قلّل سماحته من تأثير قرار سحب القوات على حل المشكلات التي يعاني منها البلد وعلى تقدّم البلاد وازدهارها ما دام الزعماء السياسيون غير مكترثين بحلها بل هم الأصل فيها وسبب وقوعها، وهمُّهم الأكبر تحقيق مغانمهم الخاصة.
وضرب سماحته مثلاً في دعوة مجلس محافظة صلاح الدين لإقامة إقليم للمحافظة(2)،
فانه لم يكن قراراً ناشئاً من قناعةٍ راسخةٍ مدروسةٍ، وإنما
ص: 565
جاء كردِ فعلٍ على بعض الإجراءات، فلو استطعنا فك تلك العقد والاحتقانات لتبددّتْ هذه المخاوف.واستغرب سماحته من دعم البعض للمشاريع المؤدية إلى التقسيم عاجلاً أو آجلاً مع أن العالم يتجه إلى التكتلات وتوحيد الدول كالاتحاد الأوروبي الذي وحّد العملة وألغى سمة الدخول بين دوله.
وفي ضوء هذا التجذّر للمشاكل قلّل سماحته من تأثير قرار سحب القوات الأمريكية على حل المشكلات التي يعاني منها البلد، وعلى تقدّم البلاد وازدهارها.
ووصف سماحته قرار الانسحاب بأنه أمريكي مبني على حسابات سياسية ومالية تتعلق بالداخل الأمريكي وعلى حسابات إستراتيجية اقتضتها التغييرات الجارية في المنطقة وإعادة ترتيب الأوراق فيها.
ولم يجد سماحته فرقاً بين وجود القوات الأمريكية في البصرة أو العمارة وبين انتشارها في الدول المجاورة للعراق خصوصاً مع وجود النفوذ السياسي والاقتصادي في القرار العراقي.
وتمنى سماحته أن لو كان شكل العلاقة بين العراق والقوى المتقدمة على غير النهج الذي سارت عليه في السنوات السابقة، ليستفيد من
ص: 566
إمكانياتها المتطورة وتجاربها في بناء بلد مزدهر وهو ينهض من ركام الخراب والدمار الذي خلفه النظام البائد، بدلاً من الحالة التي عشناها طيلة السنوات العجاف التي تركت البلاد نهباً لكل طامع وساحة لكل مجرم قاتل حاقد.
كما أكد سماحته على مقبولية بعثة الأمم المتحدة لدى جميع الجهات، مما يجعلها قادرة على لعب دور العامل المساعد المقرّب بين الأطراف المتنازعة، وتقديم المشورة ومشاريع القوانين التي تُسهِم في إيجاد الحلول. وإن كنّا نعتقد أن العامل المساعد وحده لا يكفي ما لم تتوفر النية الصادقة والجادة لحل المشكلات وهذا ما يتطلب وجود جهة أو حالة ضاغطة تدفعهم إلى الجلوس على طاولة الحل والتقدم.
وقد شكرَ المبعوث الأممي سماحة المرجع اليعقوبي على حسن استقباله وتشخيصه الدقيق لأساس المشاكل وتقديمه جملة من الحلول والمقترحات، وأعرب عن حرصه على زيارة المرجعية الدينية والاستماع إلى توجيهاتها وهو في بداية عمله في العراق.
وعرض مساعدة الأمم المتحدة في معالجة جملة من مشاكل العراقيين كانتشار البطالة بين الشباب (نصف سكان العراق دون سن 19 سنة) والأزمة مع الكويت حيث عرض قيامه بزيارتها قريباً للمساعدة في تقريب وجهات النظر.
كما ناقش الطرفان قضية تعطل مشاريع الاستثمار في العراق، وكيفية اعتماد العراقيين على أنفسهم، وقرب إتمام سحب القوات الأمريكية من العراق وتداعيات ذلك على الوضع فيه.
ص: 567
وطلب سماحة الشيخ تكثيف البعثة الدولية للندوات والدورات التي تقام للشباب كي يتطلعوا لبناء مستقبل متحضر بعيداً عن العقد والاحتقانات، التي خلّفها النظام المقبور وبنى عليه عدد من السياسيين الموجودين الآن، كي يتجدد الأمل بمستقبل أفضل يبنيه هؤلاء الشباب.
ص: 568
المرجع اليعقوبي يحذر من خطورة إطلاق منح الجنسية العراقية لمن كان أحد والديه عراقياً(1)
حذّر سماحة المرجع اليعقوبي من خطورة قرار المحكمة الاتحادية بإمكانية منح الجنسية العراقية لمن كان أحد والديه عراقياً على الهوية العراقية، وسيكون منفذاً لاختراق أمن العراق وثقافته وقيمه.ووصف سماحته القرار بأنه غير دستوري؛ لأن الدستور اشترط في تطبيق هذه المادة منه أن ينظم ذلك بقانون، وهو ما لم يحصل إلى الآن، فلا يجوز العمل بهذه المادة وأضاف سماحته في تعليق إعلامي له حول القرار: إن القرار غير شرعي أصلاً لان النسب والنسبة تكون بلحاظ الأب لا بلحاظ الأم، قال تعالى (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ ) الأحزاب5.فهذا القرار غريب على ثقافتنا ومبادئنا.
وذكّر سماحته بموقفه من التصويت على الدستور حيث لم يوافق عليه لوجود ثغرات فيه، ومنها هذه المادة وكانت المادة مطلقة فأضافوا إليها فقرة (وينظم ذلك بقانون) لمعالجتها واستمر سماحته برفضها.
وكان رئيس المحكمة الاتحادية قد عقد مؤتمراً صحفياً يوم 4/تموز قال فيه (أن المحكمة الاتحادية العليا أصدرت العديد من القرارات بمنح الجنسية العراقية لمن كان احد والديه عراقياً ) مؤكداً (إن القرار جاء بعد أن امتنعت الجهات المختصة عن ذلك) مضيفاً (أن القرار لم يبتعد عن
ص: 569
الدستور والقانون العراقي كون ابن العراقي وابن العراقية هما عراقيان ويجب أن يتمتعا بحق المواطنة).
وتنص المادة 18 من الفرع الأول للحقوق المدنية والسياسية في الدستور العراقي على (أن الجنسية العراقية حق لكل عراقي، وهي أساس مواطنته، ويُعَّد عراقياً كل من ولد لأب عراقي أو لام عراقية، وينظم ذلك بقانون).
ص: 570
تعديل قانون الانتخابات(1)
الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
من أجل توسيع قاعدة المشاركة في العملية السياسية.
ولتحقيق الديمقراطية المرجوّة من خلال أفضل تمثيل لأصوات الناخبين.
وللوصول إلى تفسير أدق وتطبيق أعدل للقاسم الانتخابي.
وبمناسبة قرب مناقشة البرلمان لقانون الانتخابات، نبيّن كيفية توزيع المقاعد المتبقية بعد منح المقاعد الصحيحة للكتل الفائزة بها، حيث تُرتَّب الكسور المتبقية للكتل الفائزة والتي حصلت على جزء مقعد، تنازلياً من الكسر الأعلى إلى الأقل على عدد المقاعد المتبقية، ويمنح مقعد كامل لمن يقع ضمن الترتيب.
ونطبق هذا التفسير –كمثال- على نتائج محافظة البصرة في انتخابات مجالس المحافظات التي جرت عام 2009 مع مقارنتها بنتائج التفسير الذي عُمِل به حينئذٍ.
ص: 571
بسمه تعالى
محافظة البصرة
عدد المقاعد: 34 (زائداً مقعد واحد للأقليات)
عدد المصوتين: 645.447
القاسم الانتخابي: 18.984
الصورة
ص: 572
الصورة
ص: 573
الصورة
ص: 574
الصورة
ملاحظات:
1- يقلل هذا التفسير بدرجة كبيرة من الأصوات المهملة التي بلغت في الانتخابات السابقة حوالي ثلث الأصوات في مجموع العراق، وتجاوزت نسبتها نصف الأصوات في بعض المحافظات كواسط وكربلاء وبابل.
ص: 575
2- يعطي هذا التفسير الدور الصحيح للقاسم الانتخابي وهو حساب عدد المقاعد الصحيحة وكسر المقعد، وليس ما كان معمولاً به وهو تحديد العتبة وإهمال من لم يصلها فإن فيه إجحافاً بكثير من الكتل وحقوقها ومنح أصوات الناخبين لغير من صوّتوا لهم خلافاً لإرادتهم ولما يقتضيه الدستور وحقوق الإنسان.
14 رجب 1433
2012/6/5
ص: 576
إننا مع الهدف المعلن لقرار الحكومة الاخير بتعويض المواطن عن مفردات البطاقة التموينية بمبلغ نقدي لمكافحة الفساد في هذا الملف وتحسين حال المواطن العراقي، وندعو الى تعميم هذه الحركة الى كل الملفات الاخرى اذا حققت الهدف المرجو منها.
الا ان هذا الهدف يبقى نظريا وحبراً على ورق ما لم يقترن بوضع آليات عملية وواقعية ومقدور عليها لتنفيذ هذا البرنامج الواسع والخطير.
وحينئذ تبرز امامنا عدة تساؤلات مثيرة للقلق: كيف سيتم إيصال هذه المبالغ الى شعب تعداده (34) مليون انسان وفي راس كل شهر؟
وما الذي يضمن عدم حصول الفساد في هذه الخطوة أيضا؟
وهل للمصارف القدرة على القيام بهذه العملية؟
وهل الحكومة قادرة على ضبط اسعار المواد الغذائية الاساسية في السوق وكبح جماح التجار والحد من جشعهم وتحكمهم في قوت المواطنين؟
وهل التجار قادرون على تلبية حاجة السوق؟
واذا كان البلد يشكو من تضخم بسبب حجم الكتلة النقدية المتداولة منذ سنين ولم تتم معالجة هذه المشكلة، فإلى أي مدى سيتفاقم الوضع بسبب ضخ نصف تريليون دينار من العملة شهريا الى السوق؟
ص: 577
وغير ذلك من التساؤلات المقلقة حقيقة وامامنا شواهد تشير الى عدم نجاح مثل هذه التجارب كالعيدية التي قررتها الحكومة للمواطنين او الوجبة الاضافية من الحبوب التي لم تصل حتى بعد العيد اللاحق، وبين ايدينا قرار منح الطلبة الجامعيين معونة دراسية وقد مرَّ عليه أشهر من دون ايجاد آلية للتوزيع مع أن عددهم لا يبلغ 1% من مجموع السكان.
إن الشعب قد تعوّد في مثل هكذا حالات أن يدفع ضريبة القرار من دون أن يصله ما وُعد به فترتفع الاسعار وتشح المواد وهو لم يقبض شيئا.
واذكر لذلك مثالا بسيطا الا انه طريف فقد كانت لجامعة الكوفة حافلات تنقل الطلبة من الباب الرئيسي الى كلياتهم ومؤسساتهم مجاناً، فلما صدر قرار المنحة فرضوا أجورا على الطلبة الذين مرّت عليهم أشهر ولم يستلموا شيئا.
فلابد اذن قبل تحديد موعد لتطبيق القرار مفاتحة كل الجهات المعنية حتى تقدّم تقارير حول قدرتها على التنفيذ، ولا مانع من تأجيل تطبيق القرار شهرين أو اكثر لاعطاء فرصة اوسع لتهيئة ظروف النجاح للتطبيق حتى يطمئن المواطن بأن القرار لصالحه، خصوصا وان الموعد المحدد 2012/3/1 يأتي بعدمدة قصيرة من انتهاء شهري محرم وصفر اللذين يستهلكان في شعائرهما مخزون الدولة من المواد الغذائية.
ونقدّم هنا بعض الافكار لإنجاح العملية:
اولا:- استثناء مادة الطحين من القرار ويبقى توزيعه بالبطاقات المعينة وبالسعر المقرر حاليا من دون تقليل مبلغ التعويض، لان الخبز اساس حياة الانسان وتوزيع الطحين لم يعاني من المشاكل التي عانت منها مفردات
ص: 578
البطاقة الاخرى ولم تتعثر انسيابية توزيعه طيلة هذه السنين الماضية، وان الانتاج المحلي من الحنطة والشعير يغطّي اكثر من حاجة المواطنين، فتحمل الدولة لهذه المادة عن كاهل المواطنين شيء اساسي.
ثانيا:- مفاتحة المصارف لوضع آلية لفتح حسابات مصرفية لكل مواطن بحسب الرقعة الجغرافية لبطاقته التموينية ويوضع مبلع التعويض النقدي تلقائيا كل شهر في حساب المواطن، وبذلك سنتجنب الفساد في توزيع المبالغ، ونخفف من زخم المواطنين، ونتخلص من ضخ كتلة نقدية كبيرة الى السوق.
ثالثا:- وضع ضوابط اسعار السوق وتقديم التسهيلات للتجار، وارشادهم الى القيام بكل ما ينفع المواطن.
رابعا:- تهيئة المؤسسات الحكومية المعنية للقيام بدورها في الدخول الى السوق كمنافس قوي للحد من الاحتكار ورفع الاسعار فوق السعر الدولي المحدد، ولو بدعم بعض البضائع وتجهيز السوق بكميات كبيرة منها.
خامسا:- الاعلان عن اعتبار الموعد المعلن 1/3 غير نهائي وانه قابل للتمديد اذا لم تتم الاستعدادات الكاملة لانجاح العملية، وهذا الاعلان سيخفف الاحتقان والمخاوف والهلع، ويعطي مرونة في الاجراءات(1).
والله ولي التوفيق
ص: 579
محمد اليعقوبي _النجف الاشرف
23/ذ.ح/ 2012/11/14338
ص: 580
المشاريع الشيطانية التي أعدّت للمنطقة الإسلامية العربية(1)
يوماً بعد يوم تنكشف وتتّضح الخطة الشيطانية التي أُعدّت للمنطقة الإسلامية والعربية ضمن مشروع شرق الأوسط الكبير، والّتي تستهدف تمزيق وحدتها ونسيجها الاجتماعي وتفتيت دولها إلى دويلات وأقاليم ضعيفة ويبقى فقط الكيان الصهيوني(2)
القوّة المهيمنة في المنطقة لاستمرار السيطرة عليها بعد ان احترقت ورقة تركيع الشعوب والتحكم بثوراتها من خلال أنظمة ديكتاتورية تعتمد سياسة البطش والقسوة والتسلّط بالحديد والنار.
وقد استخدموا لتنفيذ هذه الخطّة وسائل عديدة على رأسها القوة العسكرية وأموال دول البترودولار والالتفاف على حركة الشعوب ومصادرة ثوراته التي سُمّيت بالربيع العربي حتّى أخضعوها لإرادتهم وبدأوا يتحكّمون بها من خلال الأنظمة العميلة في المنطقة.ومن أقذر الوسائل وأخبثها وأخطرها إشعال الحرب الطائفية وإثارة الفتن بين المسلمين وتغذية التعصّب واستفزاز المشاعر والعواطف الدينية بالأفعال الدنيئة التي لا يقوم بها حتى أشد الوحوش ضراوة وبطشاً، وكان
ص: 581
آخرها نبش قبر الصحابي الجليل الشهيد حُجر بن عدي الكندي في ريف دمشق يوم الخميس (2013/5/2) ومحاولة نقل رفاته إلى جهة مجهولة، لكنهم لم يفلحوا حتى أدركهم الموالون.
إنّ المواقف الضعيفة المنهزمة التي تتّخذها القيادات الدينية والسياسية لا قيمة لها وهي لوحدها لا تقيم حقاً ولا تزهق باطلاً، بل لابد من تحرّك المراجع الدينية والسياسية العليا للتأثير على منظمة المؤتمر الإسلامي والأمم المتّحدة والاتحاد الأوروبي حتى تضغط على الدول الراعية والساندة لتلك الجماعات الضالة المفسدة والتي تتحكم في حركتها حتّى تلزمها بمعايير النبل والقيم الإنسانية، وإذا أرادت القتال فلتقاتل بشرف وشهامة.
ولابد من فضح هذه الجرائم وتعريف الدول الغربية التي تدعمهم إعلامياً وسياسياً ومالياً وتنوي تسليحهم بأنّهم يتعاملون مع من لا يعرف للموتى حرمة ونبش القبور فكيف يحفظ حقوق الأحياء ويحترم تنوّعهم، كيف يطمئنون إلى مستقبل العلاقة مع مثل هذه العصابات؟، ومن الذي يضبط حركة هذه القنابل الموقوتة التي ليس لها كابح ولا ناظم ولا بوصلة أمينة، وإذا اعتقدت تلك الدول الغربية إنّ دعم هؤلاء يصبّ في مصالحها، فإنّ ذلك وهم وعمره قصير حتّى ينقلب السحر على الساحر، ولا يعرفون حينئذٍ كيف الخلاص، فلتراجع هذه الدول سياستها الداعمة لهؤلاء قبل أن تتورّط في المزيد.
إنّ هذه الأحداث المؤلمة والمقلقة لا يصح أن نتعامل معها كمفردات جزئية غير مترابطة، بل علينا أن نضع كلاً منها في مكانها من منظومة المشاريع الإستراتيجية والخطط التكتيكية، وهذا ما يجب أن تنتبه إليه
ص: 582
شعوب المنطقة وخصوصاً الشعب العراقي الممتحن الصابر الذي يراد له أن يكون وقود هذه الخطة الشيطانية، منذ حلّ الاحتلال الغاشم أرضه عام 2003 مروراً بتفجير الروضة العسكرية عام 2006 والحرب الطائفية الشرسة الّتي تلته، والصراعات السياسية على السلطة والمغانم التي تلبس ثوب الطائفتَين زوراً وبهتاناً حتّى الأحداث التي شهدتها محافظاتنا الحبيبة خلال الأشهر الماضية.
على شعوبنا:
1- أن تكون واعية وتتحلّى بالصبر وضبط النفس وأن تبتعد عن الانفعالات والاستفزازات وردود الفعل العاطفية.
2- وأن تراجع في كل أفعالها إلى القيادات الحكيمة الرشيدة العارفة بملابسات الزمان والمكان.
3- وعليها أيضاً أن تتمسّك بالروح الوطنية التي تؤلّف بين أبناء الوطن الواحد وتتجنّب التعصّب بكل اتجاهاته، وترفض مشاريع التقسيم والتجزئة والدويلات الضعيفة المتناحرة.4- وأن تعتمد الحوار لتحصيل حقوقها، وعلى الحكومات أن تحترم شعوبها وتعمل بصدق وإخلاص لإسعاد شعوبها وتعاملهم جميعاً على أساسٍ واحد وهي المواطنة وأن تصغي بصدق وشفافية للمطالب المشروعة لشعوبها.
5- وبنفس الوقت عليها أن تكون مستعدّة لكل الاحتمالات، لأنّ أغلب اللاعبين على الساحة ليسوا من العقلاء فيحتمل منهم كلّ سيء.
ص: 583
أجارنا الله تعالى وإيّاكم من مظلات الفتن ومن شرّ شياطين الجنّ والإنس وأعاد كيدهم إلى نحورهم.
23/ ج2/ 1434
4 / 5 / 2013
ص: 584
قانونا المحكمة الجعفرية والأحوال الشخصية الجعفري نصرة لمدرسة أهل البيت (علیهم السلام) وتحقيق للعدالة الاجتماعية(1)
أشاد المرجع الديني سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بالخطوة المبدئية والشجاعة التي أقدم عليها وزير العدل العراقي بتقديم مشروع قانوني المحكمة الجعفرية والأحوال الشخصية إلى الحكومة لغرض التصويت عليها قبل عدة أيام.
ودعا سماحته الجهات ذات العلاقة - وكل من يشعر بمسؤوليته تجاه بلده - إلى الثناء على هذا الموقف ودعمه وحشد الرأي العام باتجاه إقراره وإنفاذه وقال سماحته في كلمة ألقاها أمام حشد من الوفود الزائرة لمكتبه في النجف الاشرف: إن المطالبة بسن مثل هذه القوانين مطالب مشروعة وحق كفله الدستور العراقي الذي يمنع من سنّ أي قانون يخالف ثوابت الإسلام وليس فيه تعد على حق احد باعتباره لا يلغي العمل بالقانون الوضعي الساري او تجاوز على حرية احد، بل ان من مقتضيات وجود المجتمعات المدنية المتحضرة هو توفير فرصة للمواطنين لان يمارسوا سلوكياتهم الشخصية ويتقاضوا لدى الجهات القضائية التي تتفق مع معتقداتهم الدينية والمذهبية والتي اقرها الدستور من دون تجاوز على حقوق الآخرين.
ص: 585
وأضاف سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله): إن قانون الأحوال الشخصية الوضعي المدني النافذ الآن يتضمن عدة مواد مخالفة للشريعة الإسلامية وهي قضايا ترتبط (بعقود النكاح، والطلاق، والوصايا، والقيمومة، والإرث) فوجود مخالفات صريحة للشريعة السمحاء فيها يؤدي الى وقوع الناس في مخالفات شرعية مالية وشبهات نسبية وغيرها، وهذا فيه سلب للحريات وتجاوز على المعتقدات.
وأكد سماحته على ضرورة الالتفات إلى أن توفير فرص متكافئة للمواطنين في اختيار احد القانونين (المدني الوضعي أو الشرعي الجعفري) ليحتكموا إليه في دعاواهم ليس فيه تجاوز على الحرية والديمقراطية المدعاة ولا على وحدة النسيج العراقي المتنوع في الأديان والطوائف، إذ ليس فيه إلغاء للقوانين الأخرى أو منع من الترافع لدى المحاكم المدنية، والناس مخيرون في ذلك فلا (إكراه فيالدين) كما جاء في الآية الشريفة فكما لا نكره الآخرين على شيء من معتقداتهم وسلوكياتهم كذلك لا نرضى أن يكرهونا على شيء من ذلك، والله تبارك وتعالى هو المتكفل بحساب عباده فيما اختاروا.
ص: 586
المرجعية الدينية وقانونا الأحوال الشخصية والمحكمة العليا الجعفرية(1)
استقبل(2)
سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (مد ظله) معالي وزير العدل السيد حسن الشمري، وقدم له عرضا موجزا عن نتائج جولته على أصحاب السماحة والفضيلة مراجع الدين والعلماء الإعلام في النجف الاشرف وكربلاء المقدسة، من اجل الوقوف على ملاحظات وتوجيهات ومواقف المرجعية الدينية والحوزة العلمية من قانوني الأحوال الشخصية ومجلس القضاء الجعفريين، وكان الموقف الغالب هو التأييد والثناء إلى حد الحماس والاندفاع لسنّ القانونين وتنفيذهما ، وحضر اللقاء عدد من مستشاري مجلس شورى الدولة .
وقد استمع سماحته من معالي الوزير للخطوات اللاحقة بعد موافقة مجلس شورى الدولة على صياغة القانونين وتقديمهما إلى الحكومة لتحصيل موافقتها ومن ثم عرضها على البرلمان للتصويت عليهما.
كما بيّن معاليه المعوقات والمشاكل ووجهات نظر المعترضين على طرح القانونين.
ص: 587
كما استقبل(1)
سماحته وزيرة الدولة لشؤون المرأة الدكتورة ابتهال الزيدي لمناقشة بعض المشاكل التي تواجهها المرأة العراقية وكيفية معالجتها والاطلاع مباشرة على رأي المرجعية في القانونين الجعفريين قبل عرضهما في اجتماع الحكومة الأسبوع المقبل، ونقلت السيدة الوزيرة إلى سماحة المرجع جملة من هواجس ومخاوف المعترضين، التي أطلع سماحته على جملة منها من خلال وسائل الإعلام وما نشر على المواقع الالكترونية ولخص سماحته أجوبته عليها في النقاط التالية:ان قانون الأحوال الشخصية ينظم الحياة الشخصية للإنسان كالزواج والطلاق والميراث والنفقة والمعاشرة والحضانة والقيمومة ، وما دامت اموراَ شخصية فمن حق الإنسان ان يتعاطى معها بالطريقة التي يؤمن بها ويعتقد بصحتها ولا يمكن اكراهه على شيئا منها ، وليست هي من الأمور العامة التي يشترك بها جميع المواطنين حتى يسنّ لها قانون عام ملزم للجميع، وقد كفل الدستور هذا الحق الشخصي.
عُرِف عن شيعة اهل البيت(علیهم السلام) انهم ملتزمون بفتاوى مرجعياتهم الدينية التي تتواصل مع مستجدات الحياة من خلال الاجتهاد واستنباط الاحكام الشرعية للحوادث الواقعة
ص: 588
من القرآن الكريم والسنة الشريفة، ولا يمكن الزامهم لحكم مخالف للشريعة لان المسألة لا تقبل المساومة والصفقات، اما الاخرون فلا توجد عندهم هذه المشكلة .
لقد سجلّت المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف متمثلة بالمرحوم السيد محسن الحكيم (e) اعتراضها على قانون الأحوال الشخصية منذ صدوره عام 1959 وعقدت المهرجانات لرفضه وبعثت الوفود لإبلاغ الحكومة ذلك، وألّف فضلاء الحوزة كتبا ذكروا فيها موارد مخالفة القانون للشريعة ومنهم فضيلة السيد محمد بحر العلوم وهو شاهد حي، وكان الغاء القانون شرط السيد الحكيم لاستقبال الزعيم عبد الكريم قاسم ، فالمرجعية الشيعية واتباعها غير ملزمين بمواد القانون المخالفة للشريعة ، وكانوا ولا زالوا يعتبرون قرارات محكمة الاحوال الشخصية المستندة الى مواد مخالفة للشريعة في الميراث والتفريق بين الزوجين وغيرها باطلة وحبراَ على ورق ولا يرتبون عليها اي اثر وانما يستصدرونها لأجل تمشية بعض المعاملات الرسمية، - وهذا معروف لدى الجميع- ويطبقون واقعا ما يفتي مراجعهم الا من بعض الجاهلين بأحكام الشريعة، ولمّا التفتوا بعد انتشار الصحوة الدينية بفضل الله تبارك وتعالى
ص: 589
وجدوا انفسهم متورطين بامور عديدة ، فهذا قد حرمت عليه زوجته مؤبداَ وذاك قد أكل اموال الغير بغير حق وهذا الحق نسباَ بطريقة غير شرعية وهكذا ، واصبح من العسير حلّ هذه المشاكل.
إن الطوائف الاسلامية الاخرى والاديان غير الاسلامية لم تعترض على القانون وعملت بموجبه بل اعتبرته ملزماً كما صرح به احد مرجعيات اهل السنة من بعض الاعلام المعاصرين في بيانه الاخير عندما سجّل اعتراضه على خطوة وزير العدل الاخيرة، فليس من حق احد غير الشيعة الجعفرية ان يطالب بقانون خاص به لأنه الزم نفسه بالقانون الموجود وهذا الاشكال الذي يسوقه البعض لا اصل له.
لا مانع لدينا من تسمية القانون بالإسلامي او الشرعي لأننا نعتقد فعلا ان منهج اهل البيت (علیهم السلام) هو الاسلام الاصيل، ولكن يجب ان لا يتسبب هذا العنوان في سن مواد تخالف فقه اهل البيت (علیهم السلام) .
ان الطائفية التي يُخشى منها على تمزيق النسيج الاجتماعي ووحدة البلد سببها سياسات وأجندات تنفذها
ص: 590
جهات معروفة ولا زالت تعمل عليها منذ عشرات السنين وكان ضحيتها الشيعة بأبشعالجرائم ، فتشريع هذين القانونين ليس سببا لإيجادها، بل بالعكس فان اعطاء هذه الطائفة حقها يشعرها بكرامتها ومواطنتها وحفظ استحقاقاتها ، وحولنا تجارب بلدان عديدة في المنطقة فيها اقلية شيعية وحفظت لهم هذه الحقوق بقوانين خاصة مما ساهم في دمجهم في النسيج الاجتماعي ولم تكن سببا للفرقة والتمزيق، فلماذا يُحرم الشيعة في العراق من هذا الحق وهم أغلبية ؟
إن إعداد هذا القانون استغرق اكثر من عام ونصف العام بحسب ما ذكر معالي وزير العدل وقد أوصل مسودته الى جميع مراجع الدين والعلماء الاعلام في النجف الاشرف وكربلاء المقدسة منذ عام تقريبا لإبداء ملاحظاتهم عليها ، فليس المشروع وليد هذه الساعة حتى يقال بانه دعاية انتخابية ونحو ذلك.
اما مقترح تعديل القانون الحالي واصلاح الفقرات المخالفة فيه فهو كلام وجيه لأول وهلة ، ولكنه في الحقيقة لا يجدي لأنه تسويف في تحصيل هذا الحق لاستغراقه مدة طويلة
ص: 591
في الاتفاق على تحديد موارد اختلاف القانون مع الشريعة (وان كانت هي مثبّته في كتبٍ مطبوعة كما اشرنا في النقطة الثالثة) ونحتاج مدة اخرى للاتفاق على تعديل كل فقرة من هذه وسوف لا نصل الى نتيجة لان الاعتراضات ستبقى كما هي، باعتبار ان الرافضين يصرّون على عدم تغيير المواد الحالية ، واذا كانوا جادّين في مقترحهم هذا فأن سن قانون شرعي في موازاة القانون المدني الحالي من دون الغائه هو أحفظ لمراد الجميع بدلاً من فرض مادة معينة بالتعديل وهم لا يرضون بها . ولهذا كله فان مقترح التعديل لا جدوى منه.
يثير البعض إشكالية اختلاف مراجع الدين في بعض الفتاوى فكيف يتم التعاطي مع المتخاصمين اذا كانوا مختلفين في مرجعيتهم الدينية ونحو ذلك من الاشكاليات؟ ،والجواب ان هذه ليست من وظيفة المعترضين على القانون بل هي من شأن العلماء الذين يشرفون على وضع الصيغ النهائية للقوانين، وعندهم اكثر من آلية للمعالجة كالتصالح بين المتخاصمين او تفويض القاضي بالحكم وفق مادة محددة من موارد الاختلاف تكون ملزمة للطرفين لان حكم الحاكم الشرعي نافذ على الخصمين وان لم يرجعا اليه بالتقليد، وغير
ص: 592
ذلك من المعالجات التي يعرفها أهلها ، فلا يحمل المعترضون على هذين القانونين هذا الهم.
ص: 593
نعيب زماننا والعيب فينا (1) رزية يوم الثلاثاء نموذجاً
ابدأ حديثي بحكاية لا تخلو من درس وموعظة ملخصها أنّ رجلاً انزعج من وضع زوجته؛ حيث ضاق ذرعاً من عدم إنصاتها له وتجاهلها حديثه.
قرر استشارة أحد الأطباء في وضع زوجته، فنصحه بأن يعمل تجربة للتأكُّد من مستوى صمم زوجته مقترحاً عليه بأن يبتعد عن زوجته 30 متر ثم يكلمها بصوت عادي، وفي حال عدم تجاوبها يقلل المسافة إلى 20 متر، وفي حال عدم تجاوبها يقترب أكثر ولتكن المسافة 10متر فقط.
وبالفعل.. عاد الزوج إلى المنزل وكانت زوجته منشغلة بإعداد طعام العشاء في المطبخ.. وقدر المسافة بينهما ب30متر وتحدث إليها بصوت عادي بحسب نصيحة الطبيب: ماذا أعددت يا حبيبتي لنا على العشاء؟ ولكنها لم ترد! اقترب منها إلى مسافة 20متر وكرّر نفس الجملة، ولكنها أيضاً لم ترد! اقترب أكثر إلى 10متر، ولكنها ظلت على تجاهلها، ولم يملك إلا أن اقترب أكثر حتى كاد أن يلتصق بها، عندها ردّت الزوجة بغضب: أقول لك للمرة الرابعة إن عشاءنا اليوم شوربة خضار!!!
أقول: إلى هنا انتهت الحكاية ونتيجتها اكتشاف الزوج أن التقصير عنده وأنّ الزوجة كانت تؤدي واجبها لكنّه كان يحمّلها المسؤولية بغير حق.
ص: 594
فالدرس الذي نستفيده إننا حينما نتعرض لمشكلة أو خلاف بين زوجين أو اخوة أو جيران وغير ذلك علينا أن نراجع أنفسنا طويلاً قبل أن نلقي اللوم على الآخرين فلعل السبب فينا ونحنُ لا نعلم، ولو تعاملنا مع مشاكلنا بهذه الطريقة لاستطعنا تجاوز الكثير منها، لأنّنا سنكتشف أننا مسؤولون عنها فنحنلسنا معصومين وحينئذ نعالج السبب، كما أن الطرف الآخر حينما يراك تتهّم نفسك بكل تواضع ونكران ذات ولا تتعرض له فإنّه سيقابلك بنفس الشعور ويتنازل عمّا يشعر به من التشنّج والانفعال والعصبية.
وهذا مما يفسّر وصايا المعصومين (علیهم السلام) بأن ننسى إساءة الآخرين إلينا ونذكر إساءتنا للآخرين بمعنى أنّه حتى لو أساءَ الآخر إليك فتغافل عنها وتناساها وفتّش عن عيوبك أنت وتقصيراتك، وهذا السلوك وإن كان صعباً ويحتاج إلى شجاعة إلاّ أنّه مقدور ويتّبعه ثواب عظيم ومنزلة رفيعة عند الله تعالى وعند عباده الصالحين.
والذي يؤسف له أنّ السلوك الجاري في المجتمع عكس هذا الأدب النبوي الشريف، إذ ما إن تحصل مشكلة حتّى يبدأ كل طرف بالبحث والتنقيب عن كل عيب أو نقيصة يلصقها بالآخر ليبرّئ نفسه ويبرّر موقفه، فتتعاظم المشكلة وتتحوّل إلى صراع وتنقطع سبل الوئام، وهذا ما نشاهده كثيراً في المشاكل الزوجية إذ تبدأ بخلاف بسيط فيركبهما العناد ثمّ تتطوّر إلى ما هو أسوأ حتى تصل إلى الطلاق والنزاع بين أهلَي الزوجين وهكذا، والأرقام التي تعلنها المحاكم عن حالات الطلاق الواقعة مرعبة فعلاً ولو تحرّيت عن الأسباب لوجدت أن بداياتها ليست ذات أهميّة لكنّهما لم
ص: 595
يحسنا معالجة الخلاف وهو في بدايته أي عبور النهر مادام ضيّقاً كما يُقال في المثل.
وهنا أبيات في الحكمة مرويّة عن أبي الأسود الدؤلي أحفظها منذ صغري:
يا
أيها الرجل المعلم غيره
هلا
لنفسك كان ذا التعليم
تصف
الدواء لذي السقام وذي الضنى
كيما
يصحَّ به و أنت سقيم
و
أراك تصلح بالرشاد عقولنا
نصحا
و أنت من الرشاد عديم
ابدأ
بنفسك فانهها عن غيّها
فإذا
انتهت عنه فأنت حكيم
لا
تنه عن خلق و تأتي مثله
عار
عليك إذا فعلت عظيم
ومن هذا الدرس ننتقل إلى آخر أوسع منه يتعلّق بوظيفتنا في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى وإصلاح الأمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي هي أهداف الإمام الحسين (علیه السلام) من خروجه العظيم، إذ أننا نشخّص في المجتمع الكثير من الانحرافات والمنكرات التي تقشعّر منها الأبدان أحياناً، ونلقي باللوم على الناس بأنّهم لا تنفع معهم النصح والموعظة والإرشاد وتارة نلوم الزمان ونتأفّف من الدهر والظروف التي لا تُساعد على عملية الإصلاح.
ولو راجعنا أنفسنا –كحوزة علمية ومبلغين وخطباء- لوجدنا أنّ التقصير عندنا واللوم علينا، الناس يستجيبون بدرجة كبيرة للموعظة الحسنة والتوجيه المخلص لذا تأثّروا بالعلماء الربّانيين العاملين كالسيدالخميني والشهيدين الصدرين (قدس الله أرواحهم جميعاً) الذين أيقظوا الأمّة وحرّكوها فاستجابت، وقد نقل لي بعض الأخوة المبلّغين في السجون أن عدداً كبيراً
ص: 596
منهم عاد إلى رشده والتزم بالصلاة والفرائض الأخرى وانخرطوا في دورات لتعلّم الفقه والقرآن وساهموا في فعاليات مثمرة، هذا في السجون التي تؤوي بين نزلائها القتلة والمجرمين والمنحرفين، فالعمل مع غيرهم أيسر.
أما الظروف والزمان والأيام فلا ذنب لها ولا تقصير حتى نلومها ونعاتبها، فإنّ الأفلاك وجميع المخلوقات مطيعة لله تبارك وتعالى سائرة بدقة على القوانين التي وضعها الله تعالى لها ولم تتخلف لحظة عن السير عليها (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (الإسراء/44) (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) (النور/41) والإنسان وحده الذي يتمرّد ويعصي ويجادل ويستكبر عن طاعة ربّه.
توجد أبيات مشهورة لا يعرف الكثير أنّها لشيبة الحمد عبد المطلب الذي تفرّعت منه النبوة والإمامة، فقد روى الريّان بن الصلت قال: أنشد لي الرضا (علیه السلام) لعبد المطّلب:
يعيب
الناس كلهم زماناً
وما
لزماننا عيب سوانا
نعيب
زماننا والعيب فينا
ولو
نطق الزمان بنا هجانا
وإن
الذئب يترك لحم ذئب
ويأكل
بعضنا بعضا عيانا
لبسنا
للخداع مسوك طيب
فويل
للغريب إذا أتانا(1)
وتوجد هنا كلمات للمعصومين (علیهم السلام) تنهى عن عتاب الزمان ولومه، فقد روي عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قوله (من تشاغل بالزمان شغله) وعنه
ص: 597
* قال (من عتب على الزمان طالت معتبته)(1) وهذه النتيجة أكيدة لأن التشاغل بالعتب على الزمان ولومه عمل عبثي لا طائل وراءه ولا يصل إلى نتيجة.
وعن الإمام الصادق عن أبيه (C) قال: (قال رسول الله (2): (لا تسبّوا الأيام ولا الليالي فتأثموا وترجع عليكم)(2) ، وروى الصقر بن أبي دلف حواراً له مع الإمام علي الهادي (علیه السلام) جاء فيه: (قلتُ ياسيّدي حديث يروى عن النبي (2) لا أعرف معناه، قال ما هو؟ فقلتُ: قوله: لا تعادوا الأيام فتعاديكم؟ قال (علیه السلام): نعم).(3) إلى آخر الحديث.
فإلقاء اللوم هنا وهناك على هذه الجهة أو تلك إنّما هو هروب من واقع التقصير والتقاعس الذي تتّصف به الحوزات العلمية –الرجالية والنسائية- إلاّ من وفّقهم الله تعالى ولطف بهم فاصطفاهم لإعلاء كلمته ونشر تعاليم أهل البيت (علیهم السلام) النقيّة.
وأحدث مثال على ذلك ما حصل في اجتماع الحكومة يوم الثلاثاء الماضي (29 محرم 1435 المصادف 2013/12/3) حين ناقشوا القانونين اللّذين قدّمهما وزير العدل لتنظيم الأحوال الشخصية وفق الأحكام الشرعية وإنشاء المحكمة الشرعية العليا التي تُدير العمل بهذا القانون لتخليص الناس
ص: 598
المتشرّعين من المخالفات للشريعة التي يتورّطون بها بسبب إكراه المحاكم الرسمية على العمل بالقانون الوضعي الحالي، علماً بأنّ هذه المحاكم الشرعية التي نطالب بها كانت موجودة في العراق إلى أن ألغاها عبد الكريم قاسم وأصدر القانون الوضعي الحالي عام 1959، والشيعة يتمتّعون بهذا الحق في عدد من دول المنطقة كالسعودية والبحرين ولبنان وأفغانستان مع أنّهم أقليّة في تلك البلدان ومضطهدون في بعضها فمن الطبيعي مطالبتهم بهذا الحق في العراق وهم أغلبية والسلطة بأيديهم ومع وجود النفوذ الكبير للمرجعية الدينية.
وكانت الأجواء مساعدة داخل الحكومة على تمريرهما بعد أن حصل الوزير على وعود بالموافقة أو عدم الممانعة من الوزراء غير الشيعة لتفهّمهم عقيدة الشيعة وتعاملها مع القوانين الوضعية وما تسبّبه لهم من حرج، حتّى أن وزيراً مسيحياً صوّت لصالحهما.
لكن الذي حصل أن وزيرة الدولة لشؤون المرأة نقلت إلى الوزراء رسالة من معتمد المرجعية التي يصفونها بالعليا في كربلاء المقدّسة والذي يوصل عادة آراء المرجعية ومواقفها، ومفاد الرسالة عدم رغبة المرجعية في تمرير القانونين، مما دفع البعض إلى تغيير موقفه كما قاطع عدد آخر الجلسة لأن الانتخابات مقبلة على الأبواب وهم بحاجة إلى مغازلة مكتب المرجعية فصوّتوا على تأجيل النظر في القانونَين إلى ما بعد الانتخابات وموافقة المرجعية العليا بحسب وصفهم، وهو إلغاء عملي للقانونين لأنّه لا يعلم إلاّ الله تعالى متى ستشكل الحكومة المقبلة بعد الانتخابات؟ وكيف سيكون وضعها؟ وهل تكون مؤهّلة للنظر في مثل هذه القوانين.
ص: 599
وتعليقها على موافقة المرجعية العليا هو تمييع للطلب بل إلغاء له لأنّ مكتبها وجّه بعدم تمرير القانونَين علماً أنّ الوزير أوصل مسودة القانونين إلى مكتبها منذ أكثر من عام ولم يصل الرد والتعليق فماذا نتوقّع منها غير ذلك؟ وهي ليست قضية سياسية حتى يتذرّع مكتبه بعدم استقبال السياسيين.
وهكذا أجهض هذا المطلب الشرعي الذي فيه رضا الله تبارك وتعالى ورسوله (2) وأمير المؤمنين (علیه السلام) وفيه نصرة للحسين (علیه السلام) وتحقيق لأهدافه في الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكنّهم أبوا إلاّ خذلان الحسين (علیه السلام) والتمادي في توريط الناس بالمخالفات الشرعية في زواجهم وطلاقهم وأنسابهم ومواريثهم.
لقد أضاعوا بذلك على الأمة فرصة كبيرة لإصلاح جانب مهم من حياة الناس وهي الأحوال الشخصية، وأهدروا جهدا قام بها قانونيون وفضلاء حوزويون لأكثر من عام لمدة في إعداد القانونين وصياغتهما حتى أجازهما مجلس شورى الدولة .
أليس من الخداع و التدليس تظاهر البعض بشكليات الشعائر الحسينية وهم يخذلون أهداف الإمام الحسين (علیه السلام) ويعرقلون عملية الإصلاح و التمهيد لدولة الإمام المهدي (علیه السلام)؟ لا لشيء إلا أنهم يعيشون عقداً نفسية وهزيمة باطنية وخوفا على المصالح و الامتيازات، ويجاملون الفسّاق والأراذل على حساب شريعة الله تعالى ونهج أهل البيت (علیهم السلام) قال تعالى: (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ) (الأحزاب/37).
(وما أشبه الليلة بالبارحة) حينما آلى أمير المؤمنين (علیه السلام) على نفسه أن لا يلبس رداءه ولا يخرج من بيته حتى يجمع القرآن ويبيّن محكمه من
ص: 600
متشابهه وناسخه من منسوخه ومجمله من مبينّه ومكيّه من مدنيّه وعامّه من خاصّه، حتى أنجز العمل بعد ستة أشهر وقدّمه إلى الصحابة في المسجد، فماذا كان جوابهم؟ قالوا : لا حاجة لنا فيك ولا في قرآنك لأنهم لا يريدون لشريعة الله أن تقوم وتنهض كما ينبغي لأن ذلك يكشف عوراتهم ونقصهم وعدم أهليتهم وبروز من هو أهل للقيام بهذه الوظيفة الشريفة .
هذا ما حصل يوم الثلاثاء بغطاء نُسب إلى المرجعية، وكانت وزيرة المرأة كبش الفداء، وقد وصفتُ في بعض أحاديثي ما جرى بأنها (رزية يوم الثلاثاء) فتضاف إلى رزية يوم الخميس ونظائرهما مما مرَّ به أهل البيت (علیهم السلام) وشيعتهم، لأنّهم شرعنوا بهذا الموقف القوانين الوضعية الّتي صنعها البشر خلافاً لشريعة الله تعالى (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة/44) (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (المائدة/45) (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (المائدة/47).لقد حاولوا ان يستروا عوراتهم بكلمات ومبررات تافهة مبنيّة على المكر والخداع وعدم الشعور بالمسؤولية، فكانت (عذرا أقبح من فعل) وهكذا يستمرون في عنادهم ولجاجهم بدل العمل على تدارك الأمر وإصلاح ما فسد(1).
ص: 601
إن وظيفة القادة خصوصا من يكون في موقع القيادة الدينية أن يصنع فرص الصلاح و الإصلاح ويزيد من أبواب الطاعة للأمة، وان عجزوا فلا اقل من استثمار الفرص التي تتهيأ.
أتكون المرجعية التي هي امتداد للإمامة ونيابة عنها وتملك في تاريخها وأسلافها هذا الرصيد الضخم من القادة الكاملين كرسول الله (صل الله عليه واله) وأمير المؤمنين (علیه السلام) والأئمة الطاهرين (علیهم السلام) وعندها مواقف لعظماء تنهل منها الإنسانية جميعا كنهضة الإمام الحسين (علیه السلام)، عاجزة عن توفير ابسط الحقوق لأتباعها.
رأيتم كيف حزن العالم ونكسّ الإعلام لوفاة نيلسون مانديلا الثائر الفذ(1) قبل يومين ومحرّر شعبه الأسود في جنوب إفريقيا من سلطة الأقليّة البيضاء وهو مزارع بسيط لا يمتلك الرصيد الذي ذكرناه للمرجعية فهلاَّ تعلمت الدروس منه ومن أمثاله؟
والحديث ذو شجون (وفي العين قذى وفي الحلق شجى) ولعل الله تعالى يحدث بعد ذلك أمرا.
ص: 602
يجب علينا أن لا نشعر بالإحباط و اليأس وان نستمر ببذل الجهود لإحقاق الحق وفضح الباطل وقد وعد الله تعالى عباده العاملين المخلصين بالفتح و التمكين
(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) (الحج/ 40)
(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) (يوسف/ 21)(إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد/ 7)
والله ولي التوفيق.
ص: 603
ماذا بعد رزية الثلاثاء(1)
بعد الذي حصل من عدم تمرير قانونَي الأحوال الشخصية و المحكمة العليا الجعفريّين بسبب تدخل جهات دينية وسياسية، كثر التساؤل عن الخطوات التالية لان السكوت والتوقّف غير مقبول عند الله تعالى وعند النبي (J) وآله الأطهار (علیهم السلام) ولا يحق لنا ان نقعد عن حقنا بل نسعى بحسب ما ييسّره الله تعالى لتهيئة البيئة المناسبة للعمل بهذين القانونين، وإيجاد البديل الذي يضمن إجراء الأحكام الشرعية في هذه المعاملات.
ونحن نذكر بعض الإجراءات العملية التي ترتبط بوظيفتكم الشريفة في إعلاء كلمة الله تعالى وإقامة شريعة الله تعالى والإصلاح في أُمة رسول الله (J) والأمر بالمعروف و النهي عن المنكر وهي أهداف الإمام الحسين(j) في خروجه كما أعلنها (j) صرخة مدوية إلى يوم القيامة.
فنصرته (j) تتحقق بالسعي لتحقيق أهدافه المباركة، وخذلانه (j) بالتنصل من هذه المسؤولية.
ومن تلك الإجراءات:تعريف المجتمع بما حصل من ملابسات رفض القانونين والجهات التي أجهضت هذه الحركة المباركة وبطلان الدعاوى التي تذرّعوا بها .
ص: 604
توعية المجتمع بالمخالفات الشرعية التي يرتكبها القضاة بسبب عملهم بالقانون الوضعي الحالي وعدم أهليتّهم وفق الشروط الشرعية للقاضي، مما أدّى إلى بطلان الكثير من حالات الزواج و الطلاق و الميراث بغير حق واشتباه الأنساب ونحو ذلك، وهذه التوعية تساهم في خلق رأي عام ضاغط لإقرار القانونين.
الاهتمام بتدريس الكتب الفقهية التي ترتبط بعمل القاضي ككتاب القضاء و الشهادات و الديّات والطلاق والنكاح والوصية والوقف والميراث ونحو ذلك في مرحلتَي السطوح الأولية والمتوسطة (الشرائع واللمعة) لوجود إعراض كبير عن تدريس هذه الكتب.
تدريس الكتب المذكورة أعلاه على بعض المتون الاستدلالية في مرحلة السطوح العليا (المكاسب) ككتاب الرياض أو مستند الشيعة أو مباني تكملة المنهاج للسيد الخوئي (H) ونحوها لتعميق النظر في أدلة هذه الكتب و تفريعاتها .
بعث الوفود إلى جمهورية إيران الإسلامية ولبنان للاطلاع على تجربتهم العريقة في ميدان القضاء و الاستفادة منها.
جمع بيانات عن فضلاء الحوزة العلمية الذين يحملون شهادة البكالوريوس في القانون لانضمامهم إلى معهد القضاء العالي حتى يمارسوا مهنة القضاء بشكل رسمي ومحاولة شمول خريجي كليات الفقه و الشريعة.
ص: 605
وربما توجد إجراءات عملية أخرى نبيّنها لاحقا بأذن الله تعالى.
ص: 606
جواب المعترضين على القانون الجعفري (1)
نقلت وسائل الإعلام خلال اليومين الماضيين أخبار اجتماع العشرات من النسوة في بغداد بمناسبة يوم المرأة العالمي للاعتراض على تمرير مجلس الوزراء(2)
قانون الأحوال الشخصية الجعفري إلى البرلمان، ومن قبل تصدى للاعتراض أيضا بعض السياسيين ورجال الدين .ونحن نرحب بالنقد البناء والحوار والنصح لان ذلك يساعد على إنضاج القانون وسدّ ما يمكن ان يقع من الثغرات وإصلاح ما يمكن أن يوجد من
ص: 607
أخطاء، فلا أحد منّا يدّعي العصمة من الخطأ والغفلة والنسيان، وهو أدب تعلّمناه من أئمتنا (علیهم السلام) قال أمير المؤمنين (علیه السلام) (امخضوا الرأي مخض السقاء، ينتج سديد الآراء)(1)،
وقال (علیه السلام) لولده الحسن (علیه السلام) من وصية له بعد أن ذكر أنه نظر في تجارب الأولين والآخرين وقلّب أمورهم (فاستخلصت لك من كل أمر نخيله، وتوخيت لك جميله).(2)
وهذا ما قام به وزير العدل قبل تقديمه القانون بأكثر من عام حيث عرضه على مراجع الدين والعلماء والقانونيين واستفاد من توجيهاتهم وملاحظاتهم.
فلو كان هؤلاء المعترضون مخلصين في عملهم وصادقين في نواياهم لقاموا بتقويم القانون خلال مناقشاته في أروقة البرلمان لأنه سيعرض على اللجان المختصة ويقرأ مواده واحدة واحدة قراءة أولى ثم يقرأ قراءة ثانية قبل التصويت عليه، وأن البرلمان يضم كل مكونات الشعب العراقي وطوائفه وأديانه وأعراقه وسوف يقول كل واحد رأيه بكل حرية، أما مجلس الوزراء فهو نافذة لتمرير القوانين إلى البرلمان.
فالفرصة إذن مفتوحة على مصراعيها أمام الجميع للقبول والرفض، فإذن لماذا هذا الصخب والضجيج الذي تثيره عدد من الفضائيات والمؤسسات التي تغرّر بالنسوة وترفع شعارات استفزازية مثل (لا لبيع الجواري) و (المرأة
ص: 608
ليست سلعة للاستمتاع) (وأبعدوا شذوذكم عن بناتنا) ونحو ذلك و أوهموهنّ أن القانون يصادر حقوق المرأة ويعيدها إلى أزمنة التخلف ويجعلها سلعة بيد الرجل ونحو ذلك من الشعارات التي تجافي الحقيقة لأن الإسلام قدّم أرقى قانون لتكريم المرأة وصون شرفها وكرامتها وكثرت الوصايا في النصوص الشرعية بإكرام المرأة وحسن معاشرتها (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء/19) (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم/21) (ما أكرمهن إلاّ كريم وما أهانهنّ إلا لئيم) (اتقوا الله في الضعيفين المرأة واليتيم) (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).
وعلى العكس مما يدعي هؤلاء فإنهم هم الذين يمتهنون المرأة ويحوّلون جسدها إلى سلعة رخيصة في دعاياتهم وإعلاناتهم، لذا لم نستغرب هذه المواقف منهم لأنّ بعض رموز هذه الحملة طالبنَ منذ الأيامالأولى للتغيير عام 2003 بإباحة زواج المثليين والشذوذ الجنسي وتعدّد الأزواج للمرأة الواحدة واتخاذ العشيق والخدين خارج رباط الزوجية ونحو ذلك، ويتباكون على تزويج البنات بعمر مبكّر بعد البلوغ ويريدون أن يتأخّر الزواج إلى ما بعد الثلاثين لتقضي سنين صباها وشبابها في أحضان الرجال الأجانب والإحصائيات في الغرب تؤكد عدم وجود فتاة باكر عند التزويج بها، لأنّ اعرافهم تقضي أنّه من المعيب أن تبلغ الفتاة وهي غير مرتبطة بعشيق.
فهم إذن يتخفّون ببعض الشعارات ليمرّروا أجنداتهم الشيطانية في إيصال المجتمع إلى حالة من الانفلات والانحلال والانغماس في الرذائل
ص: 609
والشهوات لذلك جرّدوا المرأة من لباس الحياء والشرف وأقحموها في كلّ ميدان لإشباع شهواتهم الحيوانية فتارة باسم الفن وأخرى باسم الرياضة وثالثة باسم مسابقات الأزياء وملكات الجمال وفي إعلانات كل المنتجات حتى الرخيصة منها، وعندما يقضون وطرهم منها يرمونها على قارعة الطريق لتتسوّل أو تمتهن البغاء ثمّ تنتحر لأنّها لا تجد فرصة للحياة الكريمة. فمن الطبيعي أن يقفوا في وجه كلّ من يريد وضع ضوابط أخلاقية واجتماعية وشرعية وعندهم عقد نفسية متأصّلة تجاه كل ما يمت إلى الدين بصلة، وقد كانوا يريدون للمجتمع العراقي أن يقع في هذا الانحطاط والعودة إلى الجاهلية الأولى لولا يقظة هذا الشعب –رجالاً ونساءاً- وتمسكه بدينه وجهود علمائه العاملين وأبنائه المخلصين وتردي الوضع الأمني الذي دعا كثيراً منهم إلى الرجوع من حيث أتوا (يَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال/30).
إن طبيعة المعترضات والمؤسسات التي تقف خلفهم وتكوينهم الثقافي والأخلاقي يكشف أنّ ما زعموه من خوف الطائفية والتخندق المذهبي خُدعة، إذ لم نجد القائم بالإعتراض من الطائفة الأخرى بل من رافضي الدين والالتزام الديني ودعاة الإنحلال والإباحية، مما يكشف عن الوجه الحقيقي لطبيعة المعركة بانها بين المعروف والمنكر وبين الاستقامة والانحراف وبين الهدى والضلال، بل ليعلم هؤلاء أنّ إجبار الأغلبية على العمل بالقانون المخالف لعقيدتهم هو الذي يخلق الطائفية ويهدّد وحدة النسيج الاجتماعي لشعورهم بالظلم والاضطهاد والحرمان من الحقوق،
ص: 610
وتجربة دول الخليج (بما فيها السعودية وقطر) ماثلة أمامنا حيث أعطت هذا الحق لمواطنيها من الشيعة فاحتوتهم.
لقد ركّزوا في ضجيجهم على مسألة تزويج البنت بعمر صغير واعتراضهم يكشف عن جهلهم أيضاً بالقوانين الوضعية المعمول بها في العراق، فإنّ قانون الأحوال الشخصية النافذ المرقّم 188 لسنة 1959 المعدّل وان اشترط إكمال الثامنة عشرة لإجراء عقد الزواج (الفقرة/1 من المادة السابعة) إلاّ أنّه أجازه لمن أكمل الخامسة عشرة بموافقة وليّه وإذن القاضي في التعديل رقم 21 لسنة 1978 مراعياً ((الأوضاع الاجتماعية حيث يكثر الزواج في سنّ مبكرة ومتوخّياً تقليل حالات الزواج التي تقع خارج المحكمة))ثم أجاز قرار ما كان يُعرف بمجلس قيادة الثورة المرقّم 697 لسنة 1978 قبل الخامسة عشر إذا ظهرت علامات البلوغ لمصالح ذكرها ككونها يتيمة لا عائل لها، أو أنها تعرّضت للإغتصاب ليطلب عقد زواجها على مغتصبها وفق أحكام المادة 398 من قانون العقوبات متذرّعين بمنع وقوع الاعتداء على البنت أو الفاعل، مع أنّ الفقه الجعفري لا يبيح الزواج (بمعنى ممارسة الجنس) إلاّ بعد البلوغ الذي له علاماته السيكولوجية والفسيولوجية ويختلف في الإناث بحسب ظروف عديدة ذاتية وبيئية ولكن الشرع المقدّس حكم بأنّه لا بلوغ قبل إكمال التاسعة فشرط التزويج هو البلوغ أمّا العمر الذي تبلغ به الأنثى فهو بعد إكمال التاسعة حتماً لكنّه غير محدّد وقد يستمر إلى الثالثة عشرة مضافاً إلى اشتراط إذن ولي أمرها بالتزويج وهو أولى من يراعي مصلحتها، فما هو وجه اعتراضهم إلاّ سوء الفهم إذا أردنا أن نحملهم على الصحة، ثمّ أليس التزويج في سنٍّ مبكر فيه
ص: 611
فوائد عديدة(1)
كتحصين البنت من الانحراف وإشعارها بكرامتها وأنها أصبحت فرداً كاملاً في المجتمع؟ فالمعترضون يريدون سحق كرامتها وإبقاءها سلعة مبتذلة بيد الرجال وتضييع زهرة شبابها بالفسق والفجور والعلاقات غير المشروعة.
ولنفترض أنّ مادة أو مادتين في القانون الجعفري تحتاج إلى معالجة فهل يوجب هذا إلغاء كل القانون المكوّن من (256) مادة؟ أليس الدستور مثار جدل عند كل مكوّنات المجتمع والجميع لديهم اعتراضات عليه ويعتبرون الكثير من مواده سبباً لاستمرار الصراعات وأنّها كالقنابل الموقوتة التي تنفجر باستمرار وتثير معها الفتن والتناحرات، فهل هذا مسوِّغ لإلغاء الدستور كلياً؟ (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (الصافات/154).
ثم أنّ القانون لم يُكتب لهذه الحفنة من المعترضات والمعترضين حتى يُبدوا رأيهم فيه، وإنما للمتديّنين الذين يريدون أن ينظّموا أحوالهم الشخصية على طبق العقيدة التي يؤمنون بها، وكلّ مواطن مخيّربالرجوع إلى القانون الذي يريد، فمادامت هي أحوال شخصية فمن حق كلّ أحد أن
ص: 612
يعمل وفق القانون الذي يعتقد بشرعيته وليس هو قانون عقوبات أو قانون مدني ونحو ذلك من القوانين التي تنظّم الشؤون العامة للناس(1)،
ولذلك فإنّ الدول المتحضرة سواء في المنطقة او العالم تعطي المجال للأقليات الدينية والطائفية أن تنظم أحوالها الشخصية وفق معتقداتها فلماذا يحرم شيعة العراق وهم أغلبية من هذا الحق؟
فإذا كان هؤلاء يعتقدون بصلاح القانون الوضعي المعمول به فليرجعوا إليه ونطالب نحن بتوفير الفرصة المماثلة لنا لننظّم أحوالنا الشخصية على طبق ما نعتقد، وهذا يُقدّم نموذجاً حضارياً للمجتمع الذي تُحترم فيه إرادة المواطنين جميعاً ويمارسون شؤونهم الخاصة بكلّ حرية كما هو شأن الأمم المتمدّنة اليوم في الغرب حيث يتيحون الفرصة للأقليات الدينية أن تعمل وفق عقائدها.
ومن هنا نجيب على من يزعم أن تشريع القانون ينافي ما ورد في الدستور من أنّ العراقيين متساوون أمام القانون، فإنّ تساويهم يعني أنهم كلهم خاضعون للقوانين السارية في البلاد وتحت طائلة المسؤولية ولا يوجد أحد فوق القانون، ولا يعني وحدة القوانين التي يعملون على طبقها، لذا فإن التفاوت في رواتب الموظفين لا ينافي تساويهم أمام القانون، ولذا لم يعترض البرلمانيون والوزراء على تميزهم عن طبقات الشعب برواتب فاحشة ولا يعتبرون ذلك منافياً لتساوي العراقيين أمام القانون!!
ص: 613
أما إشكالهم بأنّ القانون سيسبّب مشاكل لأنّ أحد الطرفين قد يكون جعفرياً والآخر ليس كذلك أو أنّ أحدهما يريد التحاكم إلى القانون الشرعي والآخر إلى القانون الوضعي فكيف نتصرّف؟ ونجيب بأنّ هذه تفاصيل يمكن أن تُضاف إلى القانون خلال المناقشات ولا يخلو قانون من تعديلات وتذييل وملحق وبيان ونحو ذلك، مضافاً إلى أنّ هذه المشكلة قائمة الآن فعلاً، إذ أنّ القانون الوضعي يصدر أحكاماً تخالف الشريعة كطلاق الغائب أو توريث من لا يستحق أو منح حقّ الحضانة إلى من لا يستحق وهكذا، والطرف الآخر لا يعترف بشرعية هذه الأحكام فتحصل ازدواجية ونزاعات.
إنّ وجود المخالفات الشرعية في هذا القانون تدفع الكثيرين إلى تمشية أمورهم خارج المحكمة القانونية ثم يصطدمون بالمخالفات الرسمية ويضطرّ القضاة –كما اعترفوا بذلك- إلى تطبيع هذه الأمور ومنحهم الوثائق الرسمية وإغماض النظر عن بعض الشروط والتفاصيل، رضوخاً للأمر الواقع، فيأتي القانونالجعفري ليقنّن هذه التصرّفات ويجعلها ضمن الشرعية الرسمية والقانونية، وفي هذا حماية للمواطنين وحفظ لحقوقهم.
لقد مرّت ثلاثة أشهر على تقديم القانون إلى الحكومة وتعرّضه للجدل، فلماذا تعالت أصوات هذه النسوة اليوم؟ لقد تجرأنّ على مهاجمة الدين والمتدينين لأن بعض أهل العمائم(1)
التي تدعي لنفسها عناوين شريفة كبيرة
ص: 614
هم أهون وأقلّ من أن يرتقوا إليها هم الذين وصفوا قانون جعفر الصادق (علیه السلام) المأخوذ من الرسائل العملية للفقهاء بأن فيه شطحات وأنه لا يقول به فقيه، فإذا كان من تحتّم عليهم العناوين التي يدّعونها أن يكونوا حماة الدين والأمناء على الحلال والحرام يتجرؤون بهذا الكلام على القانون، فماذا تتوقع من اللادينيين ودعاة الإباحة الجنسية وفوضى الشهوات؟ فتلك العمائم هي التي فتحت باب الشر على قانون أهل البيت (علیهم السلام)، وهي التي دفعت أولئك إلى التجري والتمرد حتى وصل الأمر برئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق أن يقول عن القانون بأنه مثير للقلق ويفتت النسيج الاجتماعي العراقي.
ثم أليس القانون قد عرض على هذا المعمّم لأكثر من عام ثم زاره وزير العدل واستمع إليه وطلب منه النصح والتوجيه والترشيد فسمع منه كلمات الثناء والتأييد والدعم، فلماذا لم يقدّم قائمة بالشطحات للوزير حتى يتداركها، أليست وظيفة علماء الدين ترشيد القوانين وإصلاح أمور الناس؟ فلماذا لم يبيّن له شيئاً من ذلك، ثم يرفع عقيرته بعد أن وافق مجلس الوزراء على تمريره إلى البرلمان؟ هل كان ذلك مجاملة أم مداهنة أم نفاقاً أم ماذا؟ وهل يمكن أن نحمله بعد هذا على محمل حسن أو نحتمل أنه أراد بذلك صلاح الأمة ورفعة الدين وإعلاء كلمة الله تعالى كما يرجى من أهل المواقع الشريفة؟ أم أن وراء الأكمه ما وراءها.
قد كان ما كان ممّا لستُ أذكره
فظنّ خيراً ولا تسأل عن الخبرِ
ص: 615
وتأتي عمامة أخرى(1) لتجعل من القانون منافياً للتمدن وأنه لا يرضى بإكراه الناس على رؤية فقهية معيّنة!! سبحان الله كيف يقلبون الحقائق، فمن الذين يُكره من؟ أليسوا هم الذين يُكرهوننا على العمل بقانون وضعي مخالف للشريعة ويجمع الفقهاء على عدم جواز التحاكم إليه؟! بينما لا نريد نحن إلاّ إعطاءنا الفرصة لنحتكم إلى القانون الشرعي وفي خصوص أحوالنا الشخصية وليعمل بالقانون المدني من يشاء، فنحن نطالب بإعطاء حرية الاختيار للناس وهم الذين يريدون إكراهنا على قانون يخالف الدين الحنيف.
أما المدنية والتحضر فإن الإسلام هو الذي وهبها للبشرية ورفع مستواها بما قدّم لها من قوانين ونظم وسلوكيات وعقائد وأخلاق، وقدّم أرقى نموذج حضاري لا زالت أوربا إلى اليوم تعترف بأنها مدينة لحضارة الإسلام بازدهارها اليوم، فكيف يأتي هؤلاء المحسوبون على رجال الدين ويرون أن قوانين الإسلام تنافي المدنية.
فهنيئاً لهذه العمائم اصطفافها مع أهل الفسق والفجور وتشجعيهم أعداء الدين على مهاجمته والانتقاص منه وتشويه صورته و (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) (الفجر/14)، وحينما يجمع الله تعالى البشر للحساب يوم القيامة (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) (الإسراء/71) سيرى بعض الناس إمامه على هيئة ثعلب
ص: 616
ماكر أو ذئب أو خنزير أو قرد أو وزغ أو حمار يحمل أسفاراً ولا يستفيد منها ونحو ذلك بحسب حقائق أفعالهم التي كانوا يقومون بها.
ثم التحقت بهم بعض الكتل السياسية التي تدّعي التشيع(1)
وقربها من المرجعية ودفاعها عنها، وإذا بها تهاجم قانون الإمام الصادق (علیه السلام) لحسابات سياسية دنيوية ولمناغمة أمريكا ودول الغرب حتى تمكّنهم من المواقع القيادية في البلد (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ) (الأحزاب/37) (فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ) (المائدة/3) (فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ) (التوبة/13).أمام هذه الهجمة التي تستهدف الدين وتريد إلغائه من حياة الناس لابد من موقف لنصرة الدين وقادته العظام (صلوات الله عليهم أجمعين) وفضح خدع الماكرين والمنافقين، ولكلٍّ دوره في هذه الوقفة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ) (الصف/14) وأخصّ بالذكر الأخوات المؤمنات الرساليات (كأفراد وكمؤسسات ومدارس دينية ومنظمات مجتمع مدني) فليستثمرن المناسبة الفاطمية القريبة ليقلن للعالم أن هذه الحفنة من النساء المتحللات لا يمثلن حرائر العراق ولن يتمكنَّ من خداعهن عن دينهن، واستنكار فعل كل من يريد سلب هذا الحق من المؤمنين الموالين لأهل البيت (علیهم السلام)، وإن شرف المرأة وعزّتها وكرامتها لم يصنها أحد كما
ص: 617
حفظها الإسلام، ولم تتحقق كرامة المرأة إلا في ظل شريعة الله ونبيه الكريم (2) والأئمة المعصومين (علیهم السلام)(1).
إن نساء العراق شريفات عفيفات كريمات عزيزات ليست ممتهنات ومستأجرات لمؤسسات الفسق والفجور والشهوات المنفلتة التي تتاجر بحقوق المرأة من دون أن تقدّم للمرأة شيئاً ولا قدّمت حلولاً لمشكلاتها رغم مرور (11) سنة على التغيير ورغم وجود أكثر من (80) امرأة في البرلمان وتوجد وزارة باسم المرأة، ولم نر حضوراً ولا حماساً لتلك المؤسسات إلا ضد الدين في هذه المرة، وقبل مدة حينما صدرت قرارات لوضع ضوابط لفوضى انتشار الملاهي وحانات الخمور في بغداد على نحو يهدّد البنية الأخلاقية والاجتماعية والعقائدية للعائلة العراقية فسارعوا(2)
إلى شارع المتنبي ليستنكروا ويطالبوا بإطلاق الحرية المنفلتة، ولا يهمهم بعد ذلك المشاكل الكبيرة التي تُعاني منها النساء بسبب الكوارث التي مرّ بها العراق، ككثرة العوانس والأرامل والمطلقات والأيتام وفقدان الكفيل والاضطرار إلى ممارسة المهن التي لا تناسبهنّ.
ص: 618
فإنّا لله وإنا إليه راجعون والله المستعان على ما تصفون والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
ص: 619
الاغلبية الشيعية (1)
2014/3/9، استنكر سماحة المرجع اليعقوبي تعّدي رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق ميلادينوف على حق الأغلبية الشيعية في العراق في العمل بما يعتقدون بخصوص الأحوال الشخصية .
وقال سماحته في كلمة ألقاها أمام حشد كبير من فضلاء وأساتذة الحوزة العلمية الذين يحضرون بحثه الشريف أن تصريح ميلادينوف هذا مريب وغريب حيث يصطف مع أفراد قلائل من الذين عندهم مشكلة مع الدين والتدين ويدير ظهره لمطلب الملايين من أتباع المذهب الجعفري .
وذّكر سماحته ميلادينوف بما أوصاه حينما زاره العام الماضي عقيب تسلّمه لعمله في العراق وطلبه النصح من سماحة المرجع فقال له: أن العراق يعاني من مشاكل وخلافات كثيرة وان دور بعثة الأمم المتحدة هو المساعدة على إيجاد الحلول وليس الاصطفاف مع طرف ضد آخر، أي أن يكون جزءاً من الحل لا جزءاً من المشكلة، لكنه نسي اليوم هذا التوجيه وأصبح طرفا في النزاع .
وحذّر سماحته ميلادينوف من مثل هذه المواقف التي تجعل وجوده غير مرّحب به وتعجّل بقضية إبعاده من العراق .
ص: 620
وكان ميلادينوف قد وصف أمس قانون الأحوال الشخصية الجعفري بانه مثير للقلق ويوجب تفتت النسيج الاجتماعي العراقي .
ص: 621
تجمعات نسوية حاشدة نصرة للقانون الجعفري(1)
تزامناً مع ذكرى استشهاد فخر النساء الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (علیها السلام)، ونصرة للإمام جعفر الصادق (علیه السلام) ودفاعاً عن قانونه الشريف، وردّاً على التصرفات الشائنة لبعض النساء المتحللاّت، نفّذَ الآلاف من الأخوات المؤمنات الرساليات تجمعات واعتصامات في عدة مدن عراقية بدأت من النجف الأشرف يوم الأربعاء 10/ج1/1435 المصادف 2014/3/12 وامتد إلى المدن الأخرى خلال الأيام التالية.
وقد رفعن شعارات التمسك بالإسلام ونهج السيدة فاطمة الزهراء (علیها السلام) ورفض التحلل والفساد والانحراف، واستنكار تعدي بعثة الأمم المتحدة ومنظمة حقوق الإنسان الدولية على حقوق الأغلبية في العراق، وان نساء العراق العفيفات الشريفات لا تمثلهن حفنة من المأجورات للماسونية العالمية والمؤسسات المعادية للإسلام التي تكاتفت لوأد القانون.
ص: 622
وواجب شرعي(1)كلما اقتربنا من العملية الانتخابية يكثر السؤال حول لزوم المشاركة في الانتخابات، وهل يجب علينا ذلك ام لا، وإذا أردنا قراءة ما بين السطور لهذا السؤال فإنّه يعبّر عن الشعور بالإحباط لدى المواطن والامتعاض من أداء الكتل السياسية الحاكمة وفشلها في تحقيق تطلّعات المواطنين وتقديم الخدمات لهم وتوفير الأمن والرفاه والكرامة والازدهار ولو بالحد الأدنى منها، وإلاّ لو كان الأداء مقنعاً ومقبولاً لاندفع المواطن إلى الإدلاء بصوته ليديم هذه الحالة الإيجابية، ولا مبرّر حينئذٍ لهذا السؤال .
وجواب السؤال باختصار إنّ المشاركة في الانتخابات استحقاق انساني ووطني وواجب شرعي.
أما كونها استحقاقاً، فمن جهتين:
الإنسانية: فإنّ أثمن ما وهب الله تعالى للإنسان هو حقّ الحرية بكل مواردها، حرية الاعتقاد، حرية السلوك، حرية التعبير عن الرأي، حرية الاختيار، ومنها حرية اختيار من نفوضه في إدارة شؤوننا وولاية أمورنا وحفظ النظام الاجتماعي العام ونحو ذلك، وهذا الحق ثبّته الله تعالى في القرآن الكريم (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (البلد/10) (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ
ص: 623
وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ) (الأنفال/42) (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (البقرة/256) وفي الأحاديث الشريفة التي مضمونها (ما لكم استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً).
المواطنة: فإنّ كلّ مواطنٍ يحمل جنسية البلد يبلغ السن القانوني يكون من حقّه المشاركة في الانتخابات، ففي هذه المشاركة إثبات للمواطنة وإعلان للانتماء والهوية الوطنية، لذلك تجد الفرحة والزهو في وجوه العراقيين المغتربين أكثر عند الإدلاء بأصواتهم لأنّ هذه الفعّالية تمثّل لهم فرصة للإحساس بمواطنتهم وهويتهم وعراقيتهم، وكذلك يوجد نفس الإحساس لدى الذين يدلون بأصواتهم لأوّل مرة لبلوغهم السن القانوني لأنهم يشعرون باكتمال شخصيتهم وهويتهم.
فالمشاركة في الانتخابات استحقاق إنساني ووطني، ونحن نعلم أنّ استيفاء الحقّ والأخذ به شيء يستحسنه العقلاء ويستقبحون إهماله وتضييعه والتفريط به كما لو كان من حقّ المواطن تملّك دار سكنيّة أو منحة مالية أو امتيازات أخرى فلم يسعَ لتحصيلها فإنّه يستقبح فعله ويستهجن لدى العقلاء،كيف والحق عظيم وهو حرية اختيار من يدير شؤون البلاد ويلي أمور العباد وتجري على يديه مصالح الناس وأمنهم وأرزاقهم وحقوقهم العامة، وتحصيل هذا الحقّ من أهم ما تسعى إليه الشعوب وتقوم بالثورات العارمة وتقدّم آلاف وملايين الضحايا على مدى التأريخ من أجل انتزاع هذا الحق الذي يسلبه الطواغيت والفراعنة والمستبدون ويعطون لأنفسهم تفويضا إلهياً للتفرد بالسلطة والحكم، فالعقلاء لا يرضون بتفويت
ص: 624
هذا الحق وإهماله وقد اُتيحت الفرصة لممارسته بلا مؤونة .
وأما كون المشاركة واجباً فلعدة وجوه:
الحديث النبوي الشريف المشهور لدى الفريقين (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه ليس وراء ذلك شيء من الإيمان)(1)،
وقد شخّص كلّ مواطن عراقي المفاسد والمظالم والتقصيرات التي تُرتكب في العملية السياسية والتي يدفع ثمنها المواطن العراقي من أمنه وصحّته ورزقه ومستقبله، فلابد من قيام الكل بواجبهم في التغيير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنّ التغيير باليد مستطاع اليوم من خلال الإدلاء بالصوت ولا نحتاج إلى التغيير بالقوة والعنف كما كان تكليف الأمة من قبل.
قوله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) (البقرة/143) فمن خصائص هذه الأمة وتكاليفها أن تكون أمة شاهدة فتشير إلى هذا الفعل بأنّه حسن يجب القيام به، وإلى ذاك الفعل بأنّه قبيح يجب اجتنابه، وتشهد على هذا الشخص بأنّه صالح مؤهل لوضعه في الموقع المناسب، وذاك الشخص سيء لا يجوز له التصدي لشيء من أمور الأمة.
ص: 625
وأداء هذه الشهادة واجب على الأمة و {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [البقرة : 283] وهي ليست كأي شهادة واجبة أخرى في قضايا الناس ودعاواهم، لأنّها تتعلق بحقوق الأمة، قال أمير المؤمنين (أفظع الخيانة خيانة الأمة)(1)،
فإذا تقاعست الأمة ولم تدلي بشهادتها للمؤهلين لقيادة البلاد فإنها تفسح المجال للمفسدين أن يعودوا إلى مواقعهم، والخيانة الأفظع والأسوأ أن يجدد إعطاء صوته ويمنح الثقة لنفس الذي ظلموه وغصبوه حقوقه وسرقوا ثرواته، ولم يرَ منهم خيراً إلاّ الصراعات وكان المواطن يقول سأقطع إصبعي الملوّن بالبنفسجي لما يرى من مفاسدهمومظالمهم ولا مبالاتهم ثم يعود فينتخبهم فهذه شهادة زور على خلاف الواقع ويحاسب صاحبها ولعله يكون مشمولاً بعقوبة شاهد الزور والعياذ بالله تعالى.
ما ذهب إليه مشهور علماء الإمامية من وجوب نصرة الأمة للفقيه الجامع للشرائط القائل بالولاية حتى يمكّن له في الأرض ويفعّل ولايته ويقيم شرع الله تعالى بمقدار ما يتيسّر له أي لتحقيق الآية الشريفة (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ) (الحج/41) ونصرته تكون بنصرة أتباعه الذين يعملون بتوجيهاته وينفذون مشاريعه على ارض الواقع، ولهذا المطلب تفصيل نتعرض له في بحث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن شاء الله تعالى.
ص: 626
السيرة العقلائية البالغة حد الضرورة الاجتماعية بحسب تعبير أمير المؤمنين (علیه السلام) بقوله: (لابد للناس من أمير برٍ أو فاجر يعمل في أمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الآجال، ويجمع به الفيء ويقاتل به العدو وتؤمن به السبل ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح بر ويستراح من فاجر).(1)
فاختيار السلطة التي تتولى إدارة الحكم في البلاد ضرورة عقلائية ولابد من المشاركة فيها لضمان وصول الصالحين النزيهين الكفوئين الذين يستحقون منح الثقة بهم في هذا المجال وتبرأ الذمة بانتخابهم.
ولكن لا يكفي التحري والبحث عن المرشح الذي تتوفر فيه الشروط المذكورة، بل لابد من توفرها في القائمة أيضاً المتمثلة برئيس الكيان أو الكتلة وبرنامجها وسلوكها في العملية السياسية، لأنّ المرشّح قد يكون مؤهلاً إلا أنه في قائمة ليست كذلك، وحينئذ إن فاز بمقعد في البرلمان فإنّ وجوده سيذوب في وجود الكتلة ومواقفها، لأنّنا نعلم أن القرارات يديرها رؤساء الكتل في ما يسمونه بالمطبخ السياسي أمّا الأعضاء فليس لهم إلاّ التصويت ولا تأثير للأصوات المستقلة.
وإن لم يفز فإنّ أصواته ستذهب لمرشحين آخرين في نفس القائمة وسيكون المصوّتون لهذا المرشّح مشاركين في تمكين المرشّح الآخر ويتحملون مسؤولية فساده وظلمه.
ص: 627
ويوجد شرط آخر وهو وجود راعي وضامن للكتلة يكون مسؤولاً عنها ويحاسب على تصرفاتها وقد سُئل أحدهم لماذا انتخبت قائمة الفضيلة قال لأنّ لهم (كبير) يحاسبهم وهذا التعبير العامي يعني وجود رأس لهم يستطيع الناس الوصول إليه ولا يحتاجون إلى طرق بابه لأنِّ بابه وقلبه مفتوح لهم ليؤدي التزاماته أمامهم ويجدون عنده القلب الكبير والتواضع وحسن الإنصات لهم والتفاعل مع همومهم وآلامهم وتطلّعاتهم، إذ ليس من الإنصاف أن تلتزم الأمة بالتصويت للمرشحين ولا يوجد من يضمن لهم التزامالمرشّح أمامهم بالبرامج والوعود، روي عن الامام الصادق (علیه السلام) قوله (ما قُدِّست أمة لم يؤخذ لضعيفها من قويّها غير مُتَعتَع) (1) فلا بد من مراعاة وجود من ينتصر للمظلوم وينتصف له .
وفي النظام السياسي المعتمد حالياً في البلاد فإن الضامن الكبير هو المرجع الديني الجامع لشروط ولاية الفقيه من الاجتهاد والعدالة والخبرة بشؤون الناس والتفاني في العمل لإعلاء كلمة الله تعالى والنهوض بواقع الأمة والعالم بالظروف والملابسات ويمتلك الكياسة والفطنة حتى لا تهجم عليه اللوابس وأن يتصرف بحكمة ونحو ذلك.
فالولي الفقيه والمرجع الجامع لشروط القيادة ليس جزءاً من السلطة التنفيذية في الدولة، ولا هو رئيس كيان سياسي وإنما هو الراعي لها كما يرعى كل المشاريع الإصلاحية في الأمة سواء كانت دينية أو اجتماعية أو
ص: 628
أخلاقية أو ثقافية وما هو أوسع من ذلك؛ لأنّ موقع المرجعية ووظائف المرجع أوسع من هذا بكثير بسعة متطلبات المشروع الإسلامي الذي يجب أن يقود الأمة.
ويمكن تلخيص بعض مسؤولياته تجاه العملية السياسية بنقاط:
ترشيد عمل السياسيين وتسديدهم على طبق القوانين الإسلامية وتقديم الأفكار والمشاريع التي تحقق الأغراض المرجوة.
تصحيح الأخطاء والانحرافات ومعالجتها بحزم.
غربلة المرشحين لمواقع الإدارة والسلطة وتأييد الصالح منهم.
إعطاء الشرعية للقوانين والمصادقة على نتائج الفعاليات لتكون شرعية.
الاحتكام اليه اذا اُشكلت الامور وأعيتهم الحيل والتدابير .
وعلى هذا فقد سجّلت اعتراضي على المقولة المتداولة على ألسنة بعض المتصدين (إن المرجعية تقف على مسافة واحدة من الجميع) فهذا موقف المداهن والمجامل على حساب الحق ويخالف المبادئ القرآنية (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ) (السجدة/18) (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (الزمر/9) (أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى) (يونس/35) .
ص: 629
فلابد أن تمتلك المرجعية الدينية من الشعور بالمسؤولية والشجاعة وقوة القلب ما يكفيها لتحمل المسؤولية وإرشاد الناس لما فيه صلاحهم، أمّا دفع الناس إلى الانتخابات من دون الإشارة إلى البديلالصالح فهذا مكر بهم وظلم لهم إذ أنهم يؤدّون ما عليهم ويدلون بأصواتهم استجابة لنداء المرجعية من دون أن تعطيهم الالتزام المقابل والضمان بل تتنصّل من المسؤولية وتلقيها عليهم وتقول لهم أنّهم لم يحسنوا التصويت، وان شرائح كثيرة من الشعب لا تمتلك الرؤية الناضجة والتحليل الدقيق ازاء هذه القضايا المعقدة، لانشغالهم بمعيشتهم وهمومهم اليومية والأزمات المحيطة بهم من كل جانب فالشعب عليه الغرم بلا غُنم وزعماؤه لهم الغُنم بلا غرم و (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى) (النجم/22) ومخالفة للقاعدة العقلائية (من كان له الغنم فعليه الغُرم).
ونحن لا ندعي ان المرجعية قادرة على حل كل المشاكل ومعالجة كل المفاسد وتحقيق كل المطالب فهذا فوق الطاعة، ولكن المطلوب منها ان تبذل وسعها في اداء وظائفها والباقي على الله تعالى، وهذا يشبه المسؤولية عن الاهل، ففي الرواية عن الامام الصادق (علیه السلام) ( لما نزلت هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم : 6] جلس رجل من المؤمنين يبكي وقال أنا عجزت عن نفسي وكُلِّفتُ أهلي، فقال رسول الله (2): حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك وتنهاهم عما تنهى عنه نفسك(1).
ص: 630
ص: 631
بيع السلاح إلى جهات مجهولة(1)
أكّدت لنا مصادر متطابقة أن مدن وسط وجنوب العراق وأريافها وعشائرها تشهد طلباً مفاجئاً وواسعاً على شراء السلاح الخفيف والمتوسط وبأسعار مغرية تتجاوز المعدل المتعارف بكثير، مما ولّد مخاوف من هذه الحركة المحمومة وأهدافها وأغراضها.
ومما زاد في هذه المخاوف مجهولية الجهات التي تقف وراءها والمستفيدة من هذه الأسلحة، ولكن المؤكّد أنها فئات ضالة ترتبط بأجندات خارجية هدّامة، و جهات معادية لهذا الشعب المظلوم الذي لا زالت جراحه تنزف، ولهذا البلد الكريم الذي تعبث به أيدي الفساد والقتل والتخريب، وهذه الجهات اللئيمة هي من تريد أن تجهز على هذا الشعب بما تجمعه من هذا السلاح.
إن الحكم الشرعي من هذه الحالة واضح ومجمع عليه وهو تحريم بيع السلاح وان المال المأخوذ ثمناً هو سحت يأكله الآخذون في بطونهم ناراً.
إننا إذ نستغرب اغترار بعض أبناء العشائر بالمال المدفوع إليهم فيمكّنون العدو الداخلي والخارجي من أنفسهم ويعطونه ما يقتلهم به ويذهب عزّتهم
ص: 632
وشرفهم، ندعو جميع الغيارى والمخلصين من أبناء الشعب إلى وأد هذه الفتنة والوقوف في وجه كل من تسوِّل له نفسه هذه المتاجرة المشؤومة(1).
وعلى الجهات الحكومية المختصة أن تقف بحزم وقوة من هذه المؤامرة الخفيّة وتعمل على حيازة السلاح في اليد الشرعية والقانونية فقط.
كما نلزم كل الخطباء والمبلغين وأئمة الجمعة والجماعة والكتّاب والإعلاميين وصنّاع الرأي العام كافة أن لا يدخروا جهداً في بيان خطورة هذه العملية والحرمة المؤكدة لهذا الفعل المؤدي إلى القتلوالخراب. قال تعالى (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الأنفال/25).
محمد اليعقوبي - النجف الأشرف
8/شوال/1433ه 2012/8/27
ص: 633
المقاعد الشاغرة(1)
رحّبَ سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) باستجابة المحكمة الاتحادية العليا(2)
لبيان سماحة المرجع في عدم عدالة توزيع المقاعد في الانتخابات والجهد الذي قام به اتباع المرجعية في اقناع الكتل السياسية والجهات الدولية الفاعلة في العراق فأصدرت قرارها القاضي بعدم دستورية الفقرة (خامساً) من المادة (13) من قانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية والنواحي رقم (36) لسنة 2008 والذي كان يمنح المقاعد الشاغرة للكتل التي تجاوزت القاسم الانتخابي خلافاً لإرادة الناخبين.
وأيّد سماحته لنفس السبب ردّ المحكمة الشقّ الثاني من دعوى المعترضين الذي تضمّن المطالبة لمنح تلك المقاعد للكتل التي حصلت على أعلى الأصوات دون القاسم الانتخابي والتي تُسمّى بالخاسرة.
وقد كلّفت المحكمة السادة والسيدات أعضاء البرلمان بتشريع نص يؤمّن تطبيق الدستور يكون بديلاً عن الفقرة المذكورة.
ص: 634
وقال سماحته في تعليق على قرار المحكمة المذكور بأن التوزيع العادل للمقاعد المتبقية هو لصاحب الكسر الأعلى سواء كان من القوائم التي تجاوزت القاسم الانتخابي أو لم تتجاوزه، وهذا هو مقتضى قاعدة العدل والإنصاف وسيرة العقلاء في توزيع الأشياء غير القابلة للانكسار فلو حصلتالقائمة (أ) على (3.9) مقعداً والقائمة (ب) على (3.7) مقعداً والقائمة (ج) على (1.2) مقعداً والقائمة (د) على (0.8) مقعداً، وبعد توزيع الأعداد الصحيحة من المقاعد، كانت المتبقية مقعدين أُعطي أحدهما للقائمة (أ) لأنّ كسرها المتبقي بعد اعطاء المقاعد الصحيحة (0.9)، واعطي الثاني للقائمة (د) لأنّ كسرها (0.8).
وإذا كانت المقاعد المتبقية ثلاثة اعطي الثالث للقائمة (ب) لأن كسرها (0.7)، ويُضاف هذا المقعد الممنوح للعدد الصحيح من المقاعد الذي حازته القائمة أصلاً.
وقد أوضحنا ذلك بالتفصيل والأمثلة في البيان الذي أصدرناه بتاريخ2012/6/5 والذي أوجد هذه الحركة للاعتراض على هذه الفقرة من قانون انتخابات مجالس المحافظات.
فيرجى من السادة أعضاء مجلس شورى الدولة تقديم المشورة بهذه الصيغة إلى أعضاء مجلس البرلمان ليتخذوا قرارهم الموافق للدستور والحامي لأصوات الناخبين وإرادتهم، والذي يصب في بناء ديمقراطية سليمة، ويكون خطوة على طريق الإصلاح السياسي، والله الموفق.
ص: 635
ويهمل ضحايا صدام
استقبل(1) سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله) الشهيد الحي السيد جبار الغالبي أحد الناجين من المقابر الجماعية التي أنشأها صدام المقبور عقب الانتفاضة الشعبانية عام 1991 والذي يظهر في كثير من الصور يقوده أزلام صدام ويضربونه ويركلونه بأمر المقبورين علي الكيمياوي ومحمد حمزة الزبيدي، فكان السيد الغالبي من الشهود النوادر على تلك الجريمة البشعة بحق الإنسانية.
وقد تحدّث جناب السيد عن ظروف اعتقاله في ضواحي مدينته الغراف عندما اجتاحت قوات الحرس الجمهوري المدن المنتفضة في وسط وجنوب العراق ثم اقتيدوا إلى معتقل الرضوانية الرهيب في بغدادمع الآلاف من أبناء الشعب العراقي الأبيّ، وكانت المجاميع تلو المجاميع تساق إلى التعذيب والإعدام أمام عينه.
وبعد (54) يوماً قضاها في الاعتقال قيّض الله تعالى له ضابطاً من أبناء الموصل عرف انه من نسل رسول الله (2) فأمّن له طريقاً للهروب من المعتقل هو وثلاثة من زملائه إلى البساتين المحيطة بالمنطقة، أراد بذلك أن
ص: 636
يكرّم رسول الله (2) في ذريته، ثم قضى تلك السنين العجاف متخفياً ومتنقلاً بين المدن والقرى.
وبعد سقوط صدام اللعين ظنّ أن النظام الجديد الذي قام على دعاوى مظلومية الشعب العراقي سينصفه ويضمن له حياة كريمة تعوضه عن السير مما لاقاه من بطش النظام، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحصل، وباءت محاولاته بالفشل ولم يحصل على شيء لأنه لا يحتفظ ب_ (مقتبس حكم) ونحوها من التبريرات، مع أن الأفلام التي توثق اعتداء أزلام النظام على الأبرياء في الناصرية بقيادة المقبورين علي حسن المجيد الكيمياوي ومحمد حمزة الزبيدي، يظهر فيها السيد الغالبي وهو يتعرض للاعتداء والضرب.
وبعد أن رحب سماحة الشيخ بضيفه واستقبله بحفاوة بالغة: عبّر عن ألمه وخيبة أمله بهذا النظام السياسي الجديد الذي تسلّق السلطة رافعاً لواء المظالم التي تعرّض لها الشعب العراقي خصوصاً ضحايا المقابر الجماعية، وما إن ترسخت قدمه حتى أدار ظهره للمحرومين والمظلومين الذين عاشوا تلك المحنة التي أهلكت الحرث والنسل.
وقال سماحته: ان العقلاء والأمم المتحضرة تحتفظ بأي أثر لتاريخها وأحداثها فتجعل متحفاً لثياب هذا وأدوات ذاك حتى الحذاء الذي كان يلبسه، وتحتفل برموزها وتحيطهم بالرعاية الكاملة، وتوظف أقلامها وكتبها لتسجيل إفادة الشهود على العصر وتدوينها لأنها لا تمثل تاريخ شخص معين بل تاريخ أمة بكاملها خصوصاً مثل هذه الأحداث التي عاشها السيد الغالبي والتي تمثل نكسة وانحطاطاً كبيرين، سوّدا تاريخ الإنسانية.
ص: 637
واستغرب سماحته من المفارقات التي نعيشها في ظل النظام السياسي الجديد، فبينما يقدم ضابط (سني) من أبناء الموصل الحدباء كان في خدمة صدام على إطلاق سراح (شيعة) وهو يعلم أن أقل عقوبة ستصيبه هي الإعدام بالأساليب الوحشية، لا لشيء إلا للتقرب إلى الله تعالى ورسوله، لكن النظام الجديد الذي يتزعمه الشيعة يمتنع عن توفير أبسط استحقاقات هؤلاء المحرومين.
وبينما تصدر القرارات تلو القرارات ل_ (إنصاف) أزلام النظام البائد من رواتب تقاعدية ضخمة ورتب رفيعة وتعويض عن المدة من السقوط إلى الآن باسم المصالحة الوطنية وهم يقيمون في الدول المجاورةللتآمر على العراق وشعبه، ويمنحون الوظائف العسكرية والمدنية المهمة في الدولة وهم يستغلون وجودهم فيها لتخريب البلد وسرقة المال العام وإهانة الشعب وسحق كرامته.
وفي مقابل ذلك يحرم الشرفاء المضحون الذين أبوا الخضوع لصدام وانتفضوا لمواجهة بطشه وظلمه من أبسط حقوقهم، وعندما يراجعون الدوائر يسألون بسخرية: لماذا لم يعدمكم صدّام.
هذا هو الوضع البائس الذي نعيشهِ، والذي يضاعف علينا مسؤولية السعي لإصلاحه وإعادته إلى الوضع الطبيعي الذي يرضي الله ورسوله (2) وأمير المؤمنين (علیه السلام)، وان ابراز مثل هذه المظالم تخلق الحوافز لدى الشعب ليعي دوره وواجبه في اختيار المخلصين المتفانين في خدمته.
ص: 638
وفي ختام اللقاء وعد سماحة المرجع ببذل الوسع في تحصيل ما يمكن من حقوقه، وتشكّر الضيف من تعاطف سماحة المرجع معه واهتمامه بأمره والحفاوة التي استقبله بها.
ص: 639
والأمم المتحدة في العراق(1)بمناسبة تسلّمه لعمله الجديد كرئيس لبعثة الامم المتحدة في العراق، قام السيد نيكولا ميلادينوف(2)
بزيارة مراجع الدين في النجف الاشرف ومنهم سماحة المرجع الشيخ محمد اليعقوبي (مد ظله) للاستماع الى توجيهاتهم ونصائحهم.
وبعد الترحيب بالضيف تحدّث سماحة المرجع اليعقوبي عن الدور المهم والبنّاء لممثل الامم المتحدة في العراق كوسيط بين الفرقاء السياسيين الذين يعانون من ازمة ثقة كبيرة فيما بينهم ويساعد على تقريب وجهات النظر وحلحلة المواقف الخلافية، وكعامل ضاغط لجلب الكتل النافذة الى الحلول الوطنية والانسانية التي تراعي مصلحة البلد والشعب
ص: 640
لانشغال تلك الكتل بحسابات مصالحها الخاصة وتغليبها على المصالح الوطنية العامة، كما ان للأمم المتحدة وعموم المجتمع الدولي دوراً بناءاً في عملية التنمية التي يشهدها العراق الجديد من اجل تحقيق التقدم والازدهار باستقدام الخبراء وعقد المؤتمرات والندوات والمساهمة في وضع الخطط الادارية والاستراتيجية .
وذكر سماحة المرجع ضمن توجيهاته عدة نقاط (منها) مراعاة خصوصيات الشعب العراقي والظروف التي يعيشها عند تبني بعض المواقف (ومنها) التأكيد على الوحدة الوطنية وحفظ النسيج الاجتماعي ورفض كل مشاريع التقسيم والتناحر (ومنها) المساعدة على اتخاذ القرارات التي تحفظ حقوق الشعب جميعاً على اساس المواطنة وتحقق العدالة الاجتماعية (ومنها) التروي في النظر للقضايا الخلافية وعدم التعجل في اتخاذ مواقف بإزائها لتكون البعثة جزءاً من الحل لا جزءاً من المشكلة (ومنها) المساهمة الفاعلة في عملية التنمية والقضاء على الظواهر التي يعاني منها الشعب العراقي والدولة العراقية كالفساد والفقر والأمية والصراعات المتنوعة والتخلف في جميع المجالات.وأثنى سماحة المرجع على جملة من الانجازات التي حققتها البعثة في عدة مجالات ومنها المساعدة في اقرار قانون الانتخابات البرلمانية مؤخراً.
ثم بدأ السيد الضيف بطرح اسئلته التي كان يعبّر من خلالها عن القلق من عدة مخاطر حالية او مستقبلية تحيط بالعراق، كالانزلاق بالحرب الطائفية وإمكان قيام الشيعة بردود افعال واسعة رداً على ما يتعرضون له من تفجيرات وقتل او التصعيد وتفجّر الاوضاع قُبيل الانتخابات ومساهمة اقرار
ص: 641
بعض القوانين في استقرار الوضع في العراق وحل مشاكله كالمجلس الاتحادي وقانون الاحزاب، وماذا علينا ان نعمل لإصلاح الاوضاع في العراق.
واجاب سماحته عن احتمال الحرب الطائفية بأن الشيعة متدينون وملتزمون بأحكام ربهم، والله تعالى يقول : (ولا تزرُ وازرةٌ وزرَ أخرى) فلا يؤاخذون البريء بجريرة المجرم ولا يمكن معاقبة اي واحد من ابناء السنة لمجرد ان حثالة من القتلة والمجرمين يقومون بأفعال وحشية ويدّعون انتسابهم الى هذه الطائفة، والشواهد على ذلك كثيرة كالذي حصل بعد سقوط نظام صدام الذي قتل وعذّب مئات الاف الشيعة الا ان احداً منهم لم يجعل ذلك مبرراً للانتقام أو تصفية الحسابات وكانت المرجعية حازمة وواضحة في بيان هذا الموقف ومرّت تلك الفترة بهدوء وسلام ووئام .
لكن هذا الموقف العام والثابت للمرجعية واتباعها لا يغلق الباب نهائياً لاحتمال قيام البعض بردود افعال انتقامية نتيجة الالام التي يعانونها او بدفع وتحريض من بعض الجهات .
وان الصراعات والنزاعات التي يشهدها العراق هي سياسية بامتياز - نتيجة تقاطع المصالح واصطدام الارادات وتدخل الدول الخارجية – وانما تغلف بأطر طائفية وقومية لتسويقها على الناس وتحشيد اكبر عدد منهم كوقود لهذه الصراعات، وشهد تأريخ العراق بعدم وجود مشكلة طائفية تمزّق النسيج الاجتماعي ولكن صراعات السياسيين والمتطرفين من الطوائف والاعراق كافة وتأجيجهم وتحريضهم عبر وسائل الاعلام هو الذي يهدد هذا النسيج ويقطع حبال المودة .
ص: 642
كما ان تدخل القوى الخارجية ومحاولتها تسيير الاحداث وتوجيه مؤيديها بما يخدم مصالحها ويعزز نفوذها وهيمنتها في العراق ، يصب الزيت على النار ويزيد هذه الصراعات اشتعالاً ، وان كثيرا من العنف والصراع الذي يجري بالعراق هو قتال بالنيابة عن مصالح تلك الدول وتصفية للحسابات بينها، وقد ارتضى عدد من قيادات البلاد ان يقبل بهذا العمل الدنيء ويلحق بنفسه الذل والهوان .
وامام هذه المشكلة التي نواجهها فأن سن القوانين مهما كانت صالحة بذاتها ونافعة في اصلاح الاوضاع الا انها اما لا تمرّر اصلا ككثير من القوانين المفيدة للشعب والتي اهملت في ادراج الحكومة والبرلمان ، او تُقرّ الا انها تبقى حبرا على ورق لأنها لا تحقق المصالح الضيقة للأحزاب والشخصيات المهيمنةعلى القرار ، او ان العمل بها بكون انتقائياً وبمكيالين كالدستور الذي يفصّله كل كيان على مقاس مصالحه وتصفية خصومه وإضعافهم .
وحينئذ يتضح الدور المشترك للمرجعية الدينية والأمم المتحدة في إيجاد الحلول لإنقاذ العراق وشعبه من الازمات الخانقة التي تعصف به وتزيد من آلامه وجروحه وخسائره ، ومن تلك الخطوات العملية:
إلزام قادة البلاد بمسؤولياتهم امام الشعب التي اقسموا عليها، والضغط عليهم لإقرار كل القوانين التي تنصف كل شرائح الشعب العراقي وتعطي كل ذي حق حقه فان هذا وحده الذي يجعل كل مواطن يحس بالانتماء الى وطنه ودولته ويدافع عنها ويزيل الاحتقانات ويحاصر
ص: 643
الإرهابيين والمتطرفين ويقضي عليهم ، وهو بنفس الوقت يؤدي إلى تحسين العلاقات مع الدول المجاورة وإزالة سوء الظن والاتهامات التي تعكر صفوها .
اجراء الانتخابات في موعدها المحدد وبكل شفافية وصدق ومهنية ، ويضمن قانونها فرصة مناسبة لصعود قوى جديدة مؤثرة يمكن ان يكون لها دور مهم في تحريك التوازنات وتغيير المعادلات وضمان مشاركة اوسع بالعملية السياسية كالذي حصل في انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة ، وقد قدّمنا مقترحات وقمنا بحركة دؤوبة لتعديل القانون بما يحقق ذلك وهو ما حصل فعلا بفضل الله تعالى .
تشجيع الحوار والتواصل بين كل مكونات الشعب وفعالياته السياسية والاجتماعية والدينية والاستماع الى كل الاطراف لجمعهم على قواسم وطنية مشتركة .
احداث نهضة تنموية تستقطب كفاءات البلد وطاقاته وايديه العاملة وإجراء اصلاح اداري شامل وفق التقنيات الحديثة لمكافحة الفساد و المحسوبية وهيمنة الاحزاب المتنفذة .
التحرك على الدول التي تمارس دوراً سلبياً في العراق لتحذيرهم من مغبّة اللعب بالنار ، لأنها اذا اشتعلت فإنها سوف لا تبقى داخل الحدود
ص: 644
العراقية وانما تحرق اولئك ايضا، فليقوموا بدور ايجابي وليساعدوا العراق على مداواة جراحه واستعادة عافيته .
ص: 645
لا يزال الشعب العراقي المظلوم يعاني من الأزمة تلو الأزمة، ولا تُعالج مشاكله بالحلول الناجعة وإنما بالترحيل و الهروب إلى الأمام أي باستحداث مشاكل جديدة أفظع من سابقتها لتشغله عن المطالبة بها، فمن نقص الخدمات إلى تعطّل مشاريع التنمية التي تستثمر موارده البشرية والاقتصادية إلى الصراعات السياسية والاستبداد والاستئثار وهدر المال العام إلى التدهور الأمني الذي يزداد سوءاً حتى تمكّنَ نفر ضال همجي وحشي من بسط سيطرتهم على مدننا الحبيبة العزيزة على قلوبنا كالموصل وبعض نواحي كركوك وصلاح الدين وغيرها، فاحتلوا مؤسسات الدولة وأرعبوا أهلها وهجّروهم بحيث لا يعلمون إلى أين يذهبون فازدادوا بلاءً الى بلائهم , ومعاناة إلى معاناتهم.
إنّ هذا الانهيار الذي حصل ليس وليد الساعة ولا هو بسبب قوة العدو أو تفوّق امكانياته فإنّ أفراد قواتنا المسلّحة معروفون بالشجاعة والتضحية والتفاني من أجل الدين والوطن ولا يعرفون التحزّب ولا الفئوية ولا الشخصنة، ومواقفهم في ذلك مشهودة وكثيرة، أليسوا هم من يحتضن الانتحاريين العفنين ويتفجرون معهم وتتناثر أجسادهم ليحموا الآخرين من هذه الوحوش، فليس عند أبطالنا المقاتلين تقصير، وإنما حصل الذي حصل
ص: 646
نتيجةً لتلك الأخطاء المتراكمة وتخلّي أغلب الكتل السياسية الحاكمة وغير الحاكمة عن أخلاقيات المهنة والشعور بمسؤولية المواقع التي ائتمنهم الشعب عليها، وعدم مهنية وإخلاص الكثير من القادة العسكريين، ولا يمكن أن تحلّ المشاكل والعقد إلاّ بحلول جذرية استراتيجية يطمئن إليها الشعب بكل مكوّناته ويشعر انه بأيدٍ أمينة رؤوفة كريمة شفيقة كفوءة قادرة على أداء المسؤوليات المكلّفة بها.
إنّ هذه الحلول الاستراتيجية لا يمكن الخوض فيها الآن ونحن نتعرّض لهذه الهجمة الوحشية الشرسة، إذ أنّ الوضع الراهن يحتاج إلى موقف حازم وحكيم من خلال تكاتف الجميع من علماء الدين والقادة السياسيين وزعماء العشائر وأبناء الشعب كافة لطرد الهمج الرعاع واستئصال وجودهم الخبيث وحمايةأهلنا ومدننا ومقدّساتنا من غزو البرابرة، لتكون هذه الوحدة وهذا التكاتف حافزاً لبدء مرحلة جديدة تسودها الأخوّة والمودّة والشفافيّة والثقة المتبادلة لحل مشاكل البلاد وفكّ العقد المستعصية.
وإننا نثق بقدرة قواتنا المسلّحة على فرض الأمن في ربوع الوطن ولكننا نرى إنّ التحدّيات الراهنة تستدعي تشكيل جيش رديف للقوات المسلّحة وساندٍ لها في عملياتها، يكون له قادة مهنيون وأكفاء ويزوّد
ص: 647
بتجهيزات متطوّرة ويحظى بتدريب عالٍ ويستوعب الشباب العقائديين المتحمسين للدفاع عن أهلهم ووطنهم ومقدّساتهم ويوفّر لهم البديل عن الانخراط في الميليشيات والمجاميع المسلّحة التي تريد الدفاع عن مقدساتها ولكن وجودها خارج إطار الدولة ومجهولية قادتها وتنظيماتها يجعل احتمال الخطركبيراً. ويُكلَّف هذا الجيش بحماية المراكز الحيوية ويشارك مع القوات المسلّحة في العمليات الساخنة وسيحظى هذا الجيش بتأييد كل فئات الشعب، وينحلّ حالة تحقيق الأغراض المرجوّة من تشكيله.
نرجو من المؤمنين والمؤمنات أن يدعوا الله تعالى لمقاتلينا المرابطين في ساحات المواجهة مع الأعداء بدعاء الإمام السجاد (علیه السلام) للمرابطين في ثغور المسلمين , ونسأل الله تعالى الرحمة لشهدائنا الأبرار، والصحة والعافية للجرحى والمصابين والعودة الآمنة للمهجّرين، وزوال هذه البلاءات عن أهلنا وعراقنا الحبيب (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) (الروم/4).
محمد اليعقوبي _ النجف الأشرف
12 شعبان 1435 - 11/ 6/ 2014
ص: 648
بسم الله الرحمن الرحيم
حسناً فعلت المحكمة الاتحادية العليا والهيئة القضائية المكلفة بالنظر في الطعون حينما كثّفت جهودها للإسراع في المصادقة على نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وقد تمت المصادقة اليوم.
إن المصادقة على النتائج يمكن جعلها منعطفاً تاريخياً في حياة العراق وشعبه ووجودهما بأن نجعل منهما تحولاً في الحالة السياسية فننقلها من حالة التشرذم والانقسام والصراع التي أوصلتنا الى الوضع الكارثي الذي يمر به البلد، الى حالة الانسجام والشراكة الحقيقية والانصاف والمروءة في نيل المواطنينبكل أديانهم وطوائفهم وقومياتهم وأجناسهم وأيديولوجياتهم حقوقهم كاملة غير منقوصة على اساس المواطنة فقط دون ملاحظة أي اعتبار.
ويتحقق ذلك ببدء حوار شفاف بين الكتل السياسية الممثلة لفئات الشعب وفق الخارطة الجديدة التي صودق عليها، وان يقبل الجميع بكل التنازلات التي يتطلبها إنقاذ العراق وشعبه من محنتهما، مهما كانت تلك التنازلات صعبة من وجهة نظر أصحابها.
ص: 649
وان الجهة الكفيلة برعاية هذا الحوار وتحقيق حالة العدالة والانصاف في مطالب المتحاورين وإدارة خلافاتهم هي المرجعية الدينية بأبويتها وحكمتها وشعورها العالي بمسؤوليتها وثقة الجميع بها، وبمساعدة بعثة الامم المتحدة بموضوعيتها وحيادتها وخبرتها وان يبدأ هذا الحوار عاجلاً، لأن كل تأخير يعني مزيداً من الدماء والخراب.
لقد جرّب الجميع – وان كانت المسألة لا تحتاج الى تجربة لإجماع العقلاء على معرفة النتائج- ان حالة الاحتراب وتجييش كل فئة لشارعها لا يخدم احداً من هذا البلد وهو يحقق مآرب اعداء العراق والطامعين فيه والساعين لتمزيقه واضعافه وقد استُخدِمتْ التنظيمات الارهابية المعادية للحياة والانسانية كأداة لتنفيذ تلك الاجندات والسيناريوهات المؤلمة.
إن تطويق ودحر الارهاب وإفشال المخططات المعادية للعراق وشعبه لا يتم إلا بتوحيد صفوفنا والانتقال بالعملية السياسية الى الحالة التي يطمئن اليها كل مكونات الشعب ويشعر فيها بكرامته والعيش بسلام وأمن وحرية, وهذا استحقاق انساني ووطني لكل مواطن , ويجب على الجميع السعي لتحقيقه ولا يمثل هدفاً صعب المنال مع تحقق الارادة الجدّية والاخلاص وحب الشعب والبلد الكريم.
ص: 650
نسأل الله تعالى ان يوفق الجميع لما يحب ويرضى.
محمد اليعقوبي – النجف الاشرف
17 شعبان المعظم 1435 ه_
16 /6/2014
ص: 651
بسمه تعالى
رفع جمع من العراقيين في عدة دول منها بريطانيا، ألمانيا، السويد، النرويج، اوكرانيا، بلجيكيا، الاستفتاء التالي إلى المرجع اليعقوبي ونحن ننشره في الصحيفة مع جوابه لتعميم النفع.
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ }الحج39.
سماحة المرجع المفدى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله الشريف)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
في ظل التطورات المتسارعة التي يعيشها بلدنا الغالي العراق الحبيب بلد الأئمة الأطهار
وعاصمة الإمام المهدي (أرواحنا له الفداء)، تعتصر قلوبنا ألماً لما نراه من تقطّع أوصال الوطن تنهشها وحوش القفار والوديان. ونستبشر خيراً في نفس الوقت لتكاتف الأيدي وتلاحم علمائنا ومراجعنا بدعم جيش العراق الباسل وتطوّع الآلاف من الشباب المؤمن دفاعاً عن المقدّسات والحرمات.
ص: 652
وبعد الاطلاع على بيانكم المبارك شيخنا الحبيب وقائدنا المفدى ارتأينا تجديد العهد لقيادتكم الشرعية ورعايتكم الأبوية ونحن طوع أمركم وتوجيهاتكم، وكلما نملك من مال ونفس هي طوع أمركم.
وفي نفس الوقت نودّ أن نعلم تكليفنا الشرعي وتوجيهكم لنا كعراقيين بصورة خاصة وكشيعة بصورة عامة في أوروبا، فهل علينا الرجوع للعراق للدفاع عن المقدسات أم ننتظر في بلادنا أم ماذا يجب علينا أن نفعل؟ وبماذا تنصحوننا أن نفعل ونحن نعيش بعيدين عن العراق جغرافياً؟
بسمه تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
تقبّل الله تعالى منكم هذه النصرة فإنّما الأعمال بالنيّات ولا يقتضي تكليفكم العودة إلى العراق لأنّكم مرابطون في الثغور، والمطلوب منكم نشر مذهب أهل البيت (علیهم السلام) وإرشاد الناس إلى تعاليم دينهم، وتعريف الناس بحقيقة ما يجري في العراق وإيصال صوت المرجعية وشرح بياناتها ومواقفها وتوجيهاتها مضافاًإلى بذلكم الوسع في إظهار الصورة الحسنة للمسلمين في سلوككم ومن خلال انجازاتكم وابداعاتكم في مجال الدراسة والعمل والله الموفِّق.
محمد اليعقوبي
22 شعبان 1435
ص: 653
شدّد سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على ضرورة البدء بمعالجات فورية ناجعة للمشاكل التي يعاني منها البلد والإسراع بإقرار القوانين المعطلة، وذلك باستثمار الوضع السياسي الجديد وانتخاب رئاسة مجلس النواب للسير باتجاه الحل في أسرع وقتٍ ممكن من دون انتظار حسم موضوع بقية الرئاسات.
وقال سماحته لدى استقباله((1) لممثل الامين العام للأمم المتحدة السيد ميلادينوف بمكتبه في النجف الأشرف:
ان الحل السياسي المطروح ينبغي ان يكون مساوقاً الى القيام بإجراءات مطمئنة للأطراف المعتدلة من ابناء المحافظات التي تشهد عمليات عسكرية ويرزح بعضها تحت سيطرة التنظيمات الارهابية من داعش وغيرها، وذلك بالنظر بجدية الى مطالبهم المعقولة والمشروعة والاسراع بحل مشاكلهم من اجل تقديم حوافز وخلق بيئة مضادة لهذه التنظيمات وعزلها عن حواضنها مما يسهل القضاء عليها او طردها من العراق .
وأكد سماحته على الحاجة الى وجود جهة تحظى بثقة جميع الاطراف تقرب وجهات النظر وتقلل من حالة الانقسام والتشرذم والتقاطع في ظل ازمة الثقة بين الاطراف السياسية والتي يعاني منها البلد ،من خلال
ص: 654
ادامة الحوارات واللقاءات السياسية وتفعيل دور مجلس النواب الجديد وهو ما تقوم به بعثةالامم المتحدة بشخص رئيسها ميلادينوف، لافتاً الى الدور المحوري والاساسي والمؤثر للمرجعية الدينية ((1).
وابدى سماحته قلقه من الأوضاع والظروف الصعبة التي يعاني منها المهجرون والنازحون وأكد على ضرورة التكاتف الجهود الرسمية وغيرها لرعايتهم وإيجاد حلول سريعة لمعاناتهم.
ورفض سماحته ما تقوم به الجماعات المسلحة التي تدّعي الاسلام من مصادرة للحريات الشخصية وفرض قوانين متخلفة وشاذة وقسرٍ وإكراه للأقليات وتهديدهم للمسيحيين باعتناق الاسلام أو مغادرة أراضيهم ومصادرة ممتلكاتهم وهذه جريمة كبرى ومخالفة للشريعة ولسيرة النبي (صلی الله علیه و آله) وائمة الاسلام إذ يقول القران الكريم (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) البقرة :256.
ص: 655
ص: 656
توجيهات الحوزة إلى الشعب أثناء حرب إسقاط النظام 7
الشعب العراقي إيجابيات ومسؤوليات 9
حوار عن الخطاب السياسي العراقي الشيعي 26
حكم التعامل مع الأمريكان 31
تنظيم تظاهرات ضد قرار سلطة الاحتلال 38
تكليفنا في هذه المرحلة 43
هل لأمريكا الفضل في حصول التغيير 51
المشروع السياسي المقترح من الحوزة 57
الموقف من تشكيل مجلس الحكم 67
بيان باسم الجماهير للاعتراض على تأسيس مجلس الحكم 73
استطلاع وتثقيف الرأي العام حول فقرات الدستور 77
نتائج استطلاع الرأي العام الأول الذي أجرته
الحوزة الشريفة عن بعض قضايا الحكم والدستور 87
قانونان ضد مصلحة الشعب العراقي في أسبوع واحد 94
رسالة إلى العراقيين بمناسبة شهر رمضان 98
دعوة إلى المصالحة الوطنية 102
تعليقات على الاتفاق لإدارة المرحلة الانتقالية 105
محاولات بائسة لاستنقاذ صدام حسين 114
ضرورة مشاركة العراقيين في العملية السياسية 118
الخطاب السياسي الشيعي في العراق: 121
ص: 657
حكم الانتماء إلى الأحزاب 125
رسالة إلى العراقيين
بمناسبة حلول شهر ذي الحجة الحرام
ووضع قانون إدارة العراق للمرحلة الانتقالية 128
رسالة مفتوحة إلى مسؤول الإدارة المدنية لقوات الاحتلال في العراق 137
رسالة إلى أعضاء مجلس الحكم المؤقت في العراق
قبل التوقيع على قانون إدارة المرحلة الانتقالية 141
موقف الشعب
من قانون إدارة العراق للمرحلة الانتقالية 143
إنجازات ترتبت على
تفعيل دور المثقفين وطلبة الجامعات 152
صور من معاناة الشعب العراقي 158
بيانات حول المواجهات الشعبية مع قوات الاحتلال 165
بيان رقم (1) 165
بيان رقم (2) 167
بيان رقم (3) 170
توجيهات إلى الأمة صدرت أثناء الأحداث الشعبية 174
رسالة مفتوحة إلى
مسؤول الإدارة المدنية للعراق بول بريمر 176
مجلس الحكم وحل الأزمة الراهنة 180
ما هو تكليفنا في المرحلة الراهنة 182
ص: 658
ملاحظات بين يدي الحكومة المؤقتة الجديدة 186
الموقف من المواجهات الشعبية الثانية 189
رسالة للمؤتمر الوطني العراقي 192
معاً يداً بيد لنبني عراق السلام والازدهار 194
حوارات في الفكر السياسي الإسلامي 197
الفقيه وقيادة الأمة 197
الشيخ اليعقوبي يحذر من الأساليب الخاطئة في
الدعاية الانتخابية 205
حوارات سياسية المرجعية والعملية السياسية 208
مشاعر في يوم الانتخابات 212
سماحة الشيخ يهنئ أبناء الفضيلة
على فوزهم بثقة الشعب في البرلمان 218
ماذا بعد الانتخابات 222
حضور الملايين وطلبة الجامعات 230
في زيارة الأربعين أفضل رد على عرقلة العملية السياسية
مراعاة الانتماءات والخصوصيات لمكونات الشعب العراقي ليست من الطائفية المقيتة 235
حوارات في الفكر السياسي الإسلامي 237
قضايا سياسية واجتماعية 237
عراق ما بعد صدام حسين: 237
المرجعية وولادة العراق الجديد: 238
الشعب والدستور: 238
ص: 659
التجربة العراقية أسوة لشعوب المنطقة: 240
الحوار لإزالة التوترات السياسية: 241
الدول الإقليمية والفتنة الطائفية: 242
دور العشائر في بناء العراق الجديد: 243
دور المرأة: 244
النظرة إلى المستقبل: 245
النقد الذاتي فيما يتعلق بعمل الحكومة 247
شقشقة أبناء الوسط والجنوب هدرت ولم تقر 250
المرجعية الرشيدة تثني على إضراب القطاع
النفطي في البصرة 252
الوضع الأمني والفيدرالية 254
ما هي تقصيرات الحكومة
التي أوجبت استياء المرجعية الشريفة والجماهير 256
ثقافة دستورية/ ح1 258
ثقافة دستورية/ ح2 262
المرجعية تطالب بإصلاح بعض فقرات الدستور
قبل أن نقول له (نعم) 268
الشعب العراقي مدعو إلى صنع مستقبله في الانتخابات المقبلة ووضع النقاط على الحروف 272
الموقف من الانتخابات 277
حوارات سياسية
عن مبررات وجوب المشاركة في الانتخابات 284
ص: 660
الانقلاب السياسي والانقلاب العسكري 296
برنامج عمل الحكومة الجديدة 298
الأكراد يؤكدون تحالفهم الاستراتيجي
مع الائتلاف العراقي الموحد 301
ماذا بقي من الحرب الطائفية 303
لقاء سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع السيد أشرف قاضي رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق 312
ثمرات تلاحم الجماهير المؤمنة والمرجعية الرشيدة 320
المرجعية الرشيدة تحذر الائتلاف من الانحراف عن أهدافه 324
كيف نستعيد دور العشائر في بناء العراق الجديد 328
أداء الائتلاف محرج للمرجعية الرشيدة أمام الجماهير 332
إذا لم يحترق السياسيون بالنار فإنهم لا يحلّون مشاكل البلاد 338
من يقف وراء مسلسل التفجيرات في كركوك 341
شلل البرلمان أعجزه عن ممارسة دوره 344
وأدخل البلاد في هذه الدّوامة .. 344
البصرة رائدة الإصلاح الوطني 347
البصرة رائدة الإصلاح الوطني 348
موقفنا من فدرالية الأقاليم 353
معالجات لمشكلة الفساد الإداري والمالي 357
الآمال معلقة بوثيقة مكة المكرمة لإنهاء العنف في العراق 362
ماذا علينا أن نستفيد من تجربة سنتين من 370
العملية السياسية() 370
ص: 661
سماحة الشيخ يستقبل سماحة السيد الحكيم 374
ويناقش معه قضايا الشعب والانتخابات 374
سماحة الشيخ يشيد بنتائج مؤتمر الوفاق الوطني العراقي 376
مناقشة تشكيل الحكومة الجديدة 377
وجود الائتلاف حاجة ستراتيجية 379
على أعضاء البرلمان أن يمثلوا الشعب وليس أحزابهم 380
صدق نبوءة الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره)
على الائتلاف 382
الحاجة إلى كيان ظل للائتلاف 384
الانسحاب من الحكومة لا يعني الانسحاب من الدولة 386
إشكالية الكيانات السياسية 387
الأمن والخدمات معيار نجاح الحكومة وفشلها 390
التوجيه الوطني والأخلاقي لعناصر الأمن 392
سير محاكمة صدام سبب للتدهور الأمني 394
وزارة الداخلية عنوان نجاح عمل الحكومة 397
مشروع المرجعية لمعالجة للفساد الإداري يحظى
باهتمام كبير 398
الموقف الصحيح من صدور حكم الإعدام في حق
صدام حسين 399
القيادة الحكيمة تضع أصابعها على العلة وتصف العلاج 402
خلاصة السيرة الذاتية لسماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي: 403
ص: 662
كان مشروع حزب الفضيلة الإسلامي في ذهني قبل سقوط صدام لعلمي بانهيار النظام 406
كيف يمكن تفادي الحرب الأهلية 407
أنا أرفض حالة الاحتلال جملة وتفصيلاً ويشاركني في هذا الموقف كل حر شريف 410
نظام الحكم الذي ينبغي أن يسود في العراق 413
التعديل الحكومي المرتقب إذا كان حقيقياً فسنساهم فيه 414
يوجد عتب كبير لدى شعوب العالم على الشعب الأمريكي لأنه لا يؤثر على حكومته لتغيير سياساتها الظالمة: 416
إذا كانت الحكومة جادة في المصالحة الوطنية 419
فلتتصالح مع الشعب أولاً 419
استئثار السلطة والعنف السياسي 422
رقابة المرجعية على ميزانية 2007
سلّطت الأضواء على فساد المتسلطين 429
تجربة البصرة في المصالحة الوطنية والازدهار ... 433
الجامعيون وقيادة المشروع الوطني 439
المرجعية الشاهدة تدين ردود أفعال كتلة الائتلاف 444
المشروع الوطني للإصلاح السياسي 449
تخبّط قوى الاحتلال والسياسيين بسبب إهمال 455
دور العشائر وعراقيي الداخل 455
أعداء الشعب ثلاثة: الاحتلال ، الإرهاب ، فساد الحكومة 461
العجز عن حل مشاكل العراق
ص: 663
بسبب عدم وجود رمز كبير يفرض الحل على السياسيين 466
لا بدّ من إصلاح فوري في العملية السياسية 470
في ذكرى استشهاد الإمام الهادي (علیه السلام): تجمع مؤسسات المجتمع المدني في بغداد للمطالبة بحكومة جديدة 476
السياسيون يفتقدون الإرادة الجدّية للحل 480
العيد والمصالحة الحقيقية 483
حوارات سياسية: موعظة للإعلاميين 493
الامتيازات الإضافية للبرلمانيين 496
حل مشكلة كركوك، والفدرالية والدكتاتورية 498
تأييد مطلب العشائر بتأسيس مكاتب إسناد القانون 500
حل مشاكل العراق بيد العراقيين أنفسهم 503
حوارات سياسية
في الذكرى الخامسة لسقوط صدام المقبور 507
المطلوب تغيير الظلم وليس الظالم فقط. 507
الشيء الذي تحقق هو الأمل لغدٍ أفضل 508
موقف المرجعية إبان الغزو عام 2003 509
توجهات المرجعية قبل بدء الحرب وأثناءها. 512
العلاقة التكاملية بين عراقيي الداخل والخارج 513
دور المرجعية في منع الفوضى وسرقة المال العام 514
مسؤوليات ما بعد السقوط 515
العلماء والعمل السياسي: 516
التوظيف السيء للدين 517
ص: 664
القداسة المزيفة لبعض رجال الدين 518
الشعب غير معذور إذا لم يختر الكفوئين المخلصين 520
حوارات سياسية 525
الشعب يطالب بالتغيير 525
أغراض أمريكا من عدم تغيير الخارطة السياسية 526
الشك في نزاهة الانتخابات 528
الحل الجذري لأزمة قانون الانتخابات وغيرها 529
بإصلاح مجمل العملية السياسية 529
الاتفاقية الأمنية :
حولت الانسحاب المحتوم إلى نصرٍ استراتيجي 532
تحقيق المصالحة الوطنية
يكون من خلال التغيير الشامل للحكومة 537
ضرورة وجود هيئات استشارية ومراكز دراسات
ترفد الأحزاب السياسية 539
فقدان ثقة الشعب بالأجهزة القضائية والرقابية 541
توجهات الناخبين أثبتت انتصار مشروع المرجعية 543
وجود فرصة جيدة لتسريع سحب القوات الأجنبية 546
رئاسة البرلمان أداة لتمرير مشاريع
الأحزاب الحاكمة وتحقيق مصالحها 549
دعوة السادة أعضاء البرلمان لمراجعة قانون الانتخابات 551
تغيير الخارطة السياسية في الانتخابات القادمة،
يساهم في القضاء على دوامة العنف 555
ص: 665
مبادرة للإسراع بتشكيل الحكومة 557
التحذير من عدم تشكيل حكومة شراكة وطنية 560
المرجع اليعقوبي يقلّل من تأثير الانسحاب الأمريكي
على حل مشاكل البلاد 565
المرجع اليعقوبي يحذر من خطورة إطلاق
منح الجنسية العراقية لمن كان أحد والديه عراقياً 569
تعديل قانون الانتخابات 571
حول قرار الحكومة الاخير بالتعويض بمبلغ نقدي عن مفردات البطاقة التموينية 577
المشاريع الشيطانية التي أعدّت للمنطقة الإسلامية والعربية 581
قانونا المحكمة الجعفرية والأحوال الشخصية الجعفري نصرة لمدرسة أهل البيت (علیهم السلام) وتحقيق للعدالة الاجتماعية 585
المرجعية الدينية وقانونا الأحوال الشخصية والمحكمة العليا الجعفرية 587
نعيب زماننا والعيب فينا
رزية يوم الثلاثاء نموذجاً 594
ماذا بعد رزية الثلاثاء 604
جواب المعترضين على القانون الجعفري 607
المرجع اليعقوبي يستنكر تعّدي ميلادينوف على حق
الاغلبية الشيعية 620
تجمعات نسوية حاشدة نصرة للقانون الجعفري 622
المشاركة في الانتخابات: استحقاق إنساني ووطني
ص: 666
وواجب شرعي 623
بيع السلاح إلى جهات مجهولة 632
تعليق على قرار المحكمة الاتحادية حول توزيع
المقاعد الشاغرة 634
النظام السياسي الجديد يكرّم القتلة المجرمين
ويهمل ضحايا صدام 636
آفاق العمل المشترك بين المرجعية الدينية
والأمم المتحدة في العراق 640
رُبَّ ضارة نافعة.. سقوط الموصل 646
لا بديل عن الحوار والقبول بالتنازلات العادلة 649
م/ تكليف العراقيين المغتربين 652
المرجع اليعقوبي يدعو الى حلول سياسية فورية ويحذر من عمليات التطهير العرقي والاكراه الديني 654
ص: 667