نبراس الأحکام: الشفعه المجلد 3

هویة الکتاب

سرشناسه:حسینی شیرازی، سیدجعفر، 1349 -

عنوان و نام پديدآور: نبراس الاحکام/ تقریرا لابحاث السیدجعفر الحسینی الشیرازی.

مشخصات نشر:تهران: دلیل ما، 1439 ق.= 2018 م.= 1397 -

مشخصات ظاهری:3ج.

شابک:دوره 978-600-442-080-8 : ؛ 200000 ریال: ج.1 978-600-442-079-2 : ؛ 200000 ریال: ج.2 978-600-442-181-2 : ؛ ج.3 : 978-964-204-665-2

وضعیت فهرست نویسی:فاپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:جلد دوم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.

يادداشت:ج.3. چاپ اول: 1443ق. = 1400. ( فیپا)

یادداشت:کتابنامه.

مندرجات:ج.1. الصید والذباحه، الاطعمه والاشربه.- ج.2. الغصب

موضوع:اصول فقه شیعه

* Islamic law, Shiites -- Interpretation and construction

رده بندی کنگره:BP159/8/ح525ن16 1397

رده بندی دیویی:297/312

شماره کتابشناسی ملی:5204455

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا

ص: 1

اشارة

سرشناسه:حسینی شیرازی، سیدجعفر، 1349 -

عنوان و نام پديدآور:نبراس الاحکام/ تقریرا لابحاث السیدجعفر الحسینی الشیرازی.

مشخصات نشر:تهران: دلیل ما، 1439 ق.= 2018 م.= 1397 -

مشخصات ظاهری:3ج.

شابک:دوره 978-600-442-080-8 : ؛ 200000 ریال: ج.1 978-600-442-079-2 : ؛ 200000 ریال: ج.2 978-600-442-181-2 : ؛ ج.3 : 978-964-204-665-2

وضعیت فهرست نویسی:فاپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:جلد دوم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.

يادداشت:ج.3. چاپ اول: 1443ق. = 1400. ( فیپا)

یادداشت:کتابنامه.

مندرجات:ج.1. الصید والذباحه، الاطعمه والاشربه.- ج.2. الغصب

موضوع:اصول فقه شیعه

* Islamic law, Shiites -- Interpretation and construction

رده بندی کنگره:BP159/8/ح525ن16 1397

رده بندی دیویی:297/312

شماره کتابشناسی ملی:5204455

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين

ص: 3

ص: 4

الشفعه

ص: 5

ص: 6

بحوث تمهيدية

1- وجه تعقب كتاب الشفعة لكتاب الغصب

وإنّما بحثها صاحب الشرائع(1) في هذا المقام مع أن المفروض إلحاقها بباب البيع؛ لاختصاصها به، كما سيأتي: «تنبيهاً على أن ذلك كالمستثنى من حرمة أخذ مال الغير قهراً» - كما في الجواهر(2) - حيث لا يجوز أخذ مال الغير قهراً، ويستثنى من ذلك الشفعة، حيث يتم أخذ ماله بلا رضاه، كما سيأتي في تعريفه، مضافاً إلى أنها من الإيقاعات.

2- في معناها اللغوي والاصطلاحي

أمّا المعنى اللغوي: فالشفعة مأخوذة من الشفع في مقابل الوتر(3)، فمادة الشفع بمعنى إخراج الشيء عن الفردية إلى الزوجية، وإنّما سميت الشفاعة بالشفاعة لانضمام الشفيع إلى المذنب.

وفي الشفعة أيضاً كذلك، حيث يَضم الشريك الحصة المباعة إلىملكه.

وأمّا المعنى الفقهي: فقد عُرفت بتعاريف متعددة كلها من قبيل التعريف

ص: 7


1- شرائع الإسلام 4: 776.
2- جواهر الكلام 38: 359 (37: 237 ط ق).
3- العين 1: 260؛ الصحاح 3: 1238؛ معجم مقاييس اللغة 3: 201.

اللفظي أو من قبيل شرح الاسم، فما يورد عليها من النقض طرداً وعكساً لا وجه له.

فإن الغرض معرفة المعنى الإجمالي ليكون فارقاً بينها وبين غيرها، فلا يلزم الانطباق الكامل ليدخل كل الأفراد ويخرج كل الأغيار.

وأحسن التعاريف ما في الغنية ثم الشرائع.

قال في الغنية: «استحقاق الشريك المخصوص على المشتري تسليم المبيع بمثل ما بذل فيه أو قميته»(1).

وقيد (المخصوص) لدفع بعض موارد العكس والطرد كما سيأتي، فلا يشمل كل شريك، بل الشريك المخصوص.

وقيد (على المشتري) لإخراج البائع، حيث إنه إن لم يبعْ فلا يحق له الاستيلاء، وحيث باع خرج عن ملكه فلا يرتبط به.

إلّا أن الشريك يستحق على المشتري تسليم المبيع بمثل ما بذل فيه، وإن لم يكن له مثل أو كان البائع قد أخذ مثله فبالقيمة.

وقال في الشرائع: «استحقاق أحد الشريكين حصة شريكه بسببانتقالها بالبيع»(2).

وقيد ال-(استحقاق) لإخراج الفعلية.

وقيد (البيع) لإخراج المنتقل بالإرث أو المهر أو سائر المعاملات حيث

ص: 8


1- غنية النزوع: 232.
2- شرائع الإسلام 4: 776.

لا شفعة فيها.

3- حكمة تشريع الشفعة

وأمّا الحكمة من تشريع الشفعة فقد تكون لأجل الإرفاق بالشريك من دون تحميل الضرر على أحد، فإن البائع قد باع حصته واستوفى حقه، فلا يفرق عنده بين أن تكون بيد المشتري أو الشريك، والمشتري يتسلّم الثمن كاملاً فلا ضرر عليهما، والمتضرر هو الشريك حيث يدخل الغريب في ملكه، ولأجل دفع الضرر عنه شُرعت الشفعة، وغير خفي أن الحكم لا يدور مدار الحكمة فيحق الأخذ بالشفعة حتى مع عدمها.

4- الشفعة حكم

ثم إن الشفعة حكم لا حق، فلا يقبل الإسقاط، لكن لو اشترط عدم الأخذ بحقه لم يكن به بأس، فشرط عدم الشفعة باطل، أمّا شرط عدم الأخذ بها فصحيح.

ص: 9

فصل: في موارد ثبوت الشفعة

اشارة

ونذكر هنا عدة مسائل ترتبط بالبحث:

المسألة الأولى: ثبوت الشفعة في المنقول وغيره

اشارة

ثم إنّه قد وقع الخلاف بين الفقهاء في اختصاص متعلّق الشفعة بغير المنقول أو شمولها للمنقول أيضاً، كالعبد والثوب.

وقيل: إن مستند القولين اختلاف الروايات حيث يستفاد من بعضها الإطلاق ومن بعضها الاختصاص، ولا يخفى أن القولين مشهوران، وربما الأشهر عند القدماء الإطلاق، والأشهر عند المتأخرين الاختصاص.

ولا يمكن حمل إحدى الطائفتين على التقية؛ لذهاب العامة إلى القولين أيضاً، كما لا يمكن الجمع الدلالي بحمل الروايات الدالة على عدم الصحة في المنقول على الكراهة؛ لأنها آبية عن الجمع المذكور، حيث لم تتضمن النهي، بالإضافة إلى أنه لا قائل به.

فالتعارض محكم فلا بدّ من ملاحظة السند، والمعتبر منها يقوّي جانب الإطلاق، وأمّا المخصصة بغير المنقول فبين ما لا دلالة له وما لا سند له.وبيان ذلك بذكر القولين مع الأدلة.

القول الأوّل: شمول الشفعة للمنقول وغيره

ودليله الروايات، والمعتبرة منها ثلاثة وغيرها أكثر.

ص: 10

الرواية الأولى: صحيحة(1) عبد اللّه بن سنان: «قال: قلت لأبي عبد اللّه(علیه السلام): المملوك يكون بين شركاء فباع أحدهم نصيبه، فقال أحدهم: أنا أحق به أ له ذلك؟ قال: نعم، إذا كان واحداً»(2).

ولم يقل أحد بالتفصيل في المنقول بين المملوك وغيره.

الرواية الثانية: صحيحة الحلبي(3) بالنص السابق نفسه، إلّا أن في تتمتها: «قيل له في الحيوان شفعة؟ قال: لا»(4).

ولأجلها أسقطه بعض الفقهاء عن الاعتبار؛ لكونه خلاف الإجماع المركب، حيث قال: إن ثبتت الشفعة في المنقول فلا بدّ من ثبوته في العبد والحيوان، وإن لم تثبت فلا يثبت فيهما.

وقد أجاب الشيخ الطوسي(5) عن ذلك بأن المراد من النفي ما لو كانالشريك متعدداً.

ولا يرد عليه بكونه جمعاً تبرعياً؛ لورود التفصيل المذكور في بعض الروايات، فيكون قرينة على ذلك حيث يحتمل سقوطه عن ذيل صحيحة الحلبي.

ص: 11


1- الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن عبد اللّه بن سنان... .
2- تهذيب الأحكام 7: 165؛ وسائل الشيعة 25: 403.
3- الشيخ الطوسي بإسناده عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام) ... .
4- تهذيب الأحكام 7: 166؛ وسائل الشيعة 25: 402.
5- تهذيب الأحكام 7: 166.

ففي صحيحة(1) عبد اللّه بن سنان عن الصادق(علیه السلام): «لا شفعة في حيوان إلّا أن يكون الشريك فيه واحداً»(2).

الرواية الثالثة: مرسلة يونس الدالة على ثبوت الشفعة في غير المنقولات أيضاً، ففي الكافي عن الصادق(علیه السلام): «... الشفعة جائزة في كل شيء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشيء بين شريكين لا غيرهما، فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره، وإن زاد على الاثنين فلا شفعة لأحد منهم»(3).

ورواه الصدوق أيضاً إلّا أن فيه(4): «واجبة» بمعنى ثابتة.

ولا إشكال في دلالتها، ولا يضر إرسالها لكون المرسل من أصحاب الإجماع على المبنى، وقد عمل بها مشهور القدماء أيضاً.

القول الثاني: اختصاص الشفعة بغير المنقول

واستدل له بالأصل وبعض الروايات في المقام، وبعض الروايات الدالة على اختصاص الشفعة بما يقسّم.

1- أمّا الأصل فالمراد منه قاعدة السلطنة، فإن الأصل عدم التسلط على مال الغير إلّا بطيب نفسه، وقد خرج عنه الشفعة في غير المنقول بالإجماع، ويبقى المنقول في دائرة الأصل المذكور، حيث لا إجماع فيه.

2- وأمّا الروايات، فمنها: ما دل على عدم الشفعة في الحيوان، كصحيحة

ص: 12


1- الشيخ الصدوق بإسناده عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد اللّه بن سنان... .
2- من لا يحضره الفقيه 3: 80؛ وسائل الشيعة 25: 404.
3- الكافي 5: 281؛ وسائل الشيعة 25: 402.
4- من لا يحضره الفقيه 3: 79.

الحلبي(1)، حيث لا فرق بين الحيوان وغيره.

ومنها: ما عن جابر عن النبي|: «لا شفعة إلّا في ربع(2) أو حائط»(3).

ومنها: مرسلة الكليني: «وروي أيضاً: أن الشفعة لا تكون إلّا في الأرضين والدور فقط»(4).

3- وأمّا الروايات الدالة على اختصاص الشفعة بما يُقسم فيختص بغير المنقول، فسيأتي الكلام فيها.

وفي الأدلة المذكورة نظر.أمّا الأوّل: فإنه تصل النوبة إلى الأصل مع وجود الروايات التي تخصص القاعدة المذكورة.

وأمّا الثاني: فلأنّ الروايات بين ما لا دلالة له؛ لأنه من مفهوم اللقب أو الوصف، وما لا سند له.

أمّا الثالث: فسيأتي الكلام في أصل المطلب، هذا أوّلاً.

وثانياً: فإن ما يُقسّم أعم، فإن بعض المنقولات قابلة للتقسيم أيضاً، كما أن غير المنقول قد يُقسّم وقد لا يُقسّم، فالدليل لا يرتبط بالمدعى.

المسألة الثانية: ثبوت الشفعة في الشجر والبناء

اشارة

قال في الشرائع: «أمّا الشجر والنخل والأبنية فتثبت فيها الشفعة تبعاً

ص: 13


1- مرّت آنفاً.
2- أي: العرصة.
3- عوالي اللئالي 3: 476.
4- الكافي 5: 281، رواه آخر الحديث الثامن.

للأرض»(1).

وقد اختلف الفقهاء في ثبوت الشفعة في المنقولات أيضاً.

وفي المقام فروع:

الفرع الأوّل: حكم بيع الأرض

لو باع أرضاً كانت مشمولة للشفعة قطعاً على كل الأقوال، فلو كان عليها شيئاً ثابتاً أو غير ثابت فعلى القول بثبوت الشفعة في كل شيء فالحكم واضح، وأمّا على القول باختصاص الشفعة ببعض الأشياء -كالأراضي والأبنية - فهل الشجر والحائط يكون مشمولاً للحكم أم لا؟

يمكن أن يقال: إن الشجرة داخلة في البستان على كلا القولين، فتشملها أدلة الشفعة بلا خلاف فيه، بالإضافة إلى شمول النصوص المطلقة لها، كخبر الغنوي، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام) قال: «سألته عن الشفعة في الدور أشيء واجب للشريك ويعرض على الجار فهو أحق بها من غيره؟ فقال: الشفعة في البيوع إذا كان شريكاً فهو أحق بها بالثمن»(2)، وخبر عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّه(علیه السلام): «قضى رسول اللّه| بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن، وقال لا ضرر ولا ضرار»(3)، وفي خبر آخر: «الشفعة في كل

ص: 14


1- شرائع الإسلام 4: 776.
2- الكافي 5: 281؛ وسائل الشيعة 25: 396، محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن يزيد بن إسحاق شعر، عن هارون بن حمزة الغنوي، ولا يبعد اعتبار السند؛ لتوثيق العلامة ليزيد بن إسحاق، وباقي السند ثقاة (السيد الأستاذ).
3- الكافي 5: 280؛ وسائل الشيعة 25: 400.

مشترك ربع أو حائط»(1)، وعن الصادق(علیه السلام): «الشفعة في كل عقار، والعقار: النخل والأرضون والدور»(2).

وهذه الروايات قد عمل المشهور بها وذلك جابر لأسنادها.

ورجح صاحب الجواهر(3) عدم إطلاق دليل الشفعة للبناء الذي لايدخل تحت اسم المسكن والدار، فلو بنى حائطاً في بستان ليستظل به مثلاً لم تشمله الشفعة، فيدخل في القاعدة العامة، وهي عدم جواز التصرف في ملك الغير إلّا بطيب نفسه.

وبناءً على ما ذكره فإن الشفعة لا تشمل مفاتيح الأبواب حيث لا دليل عليها.

إلّا أن المشهور(4) ذهبوا إلى شمول أدلة الشفعة للشجر والمفتاح وسائر ما يكون عرفاً من متعلّقات وتوابع المسكن.

ثم قال في الجواهر: «والتبعية الجعلية في البيع لا تجدي، بل قد عرفت أن التبعية العرفية كذلك ما لم تدخل في المسمى على وجه تكون من أجزاء الدار عرفاً»(5).

وحاصله: إنه لو أطلق على الشيء المنزل أو المسكن أو جزؤهما فلا كلام؛ لأن المسكن مركب من أجزاء، وحيث إن الشفعة تشمل المركب فهي

ص: 15


1- عوالي اللئالي 3: 475.
2- مستدرك الوسائل 17: 101.
3- جواهر الكلام 38: 375 (37: 247 ط ق).
4- جواهر الكلام 38: 374 (37: 247 ط ق).
5- جواهر الكلام 38: 379 (37: 249 ط ق).

تشمل الأجزاء أيضاً، وأمّا لو لم يُطلق عليه ذلك فلا يمكن التمسك بالتبعية، حيث لا دليل على سراية الحكم من المتبوع إلى التابع، كما لو باع الشاة فإن تبعية ولدها لا يجعله ضمن المبيع، وفي كلمة واحدة، أوّلاً: نشك في أصل التبعية والإطلاق، وثانياً: على فرض التبعيةفلا دليل على سراية الحكم.

وأشكل عليه السيد الوالد في الفقه(1) بما حاصله: إنّه وإن صح عدم كفاية التبعية لسراية الحكم إلى التابع إلّا أنه لو فهم - عرفاً - من الأدلة أن الحكم شامل للتابع كما هو شامل للمتبوع كفى ذلك في الجريان، وإلّا لكان على الشارع بيان الاستثناء، فلو حكم بالشفعة في المسكن فهم العرف من نفس الدليل شمولها للشجر والمفتاح، وإن لم يعتبرا جزءاً له، وليس ذلك من باب شمول لفظ المسكن لهما، بل من باب التبعية، فإن فَهْم العرف من الدليل حجة، ولا يراد سراية الحكم من المتبوع إلى التابع حتى يشكل بعدم الدليل عليه، بل إن الحكم الوارد يفهم منه العرف شموله للتابع، أي: إن العرف يفهم عموم الحكم، ولو لم يكن ذلك مراداً للشارع لكان عليه البيان وإلّا كان من الإغراء بالجهل.

ويبدو للنظر عدم البعد في إطلاق اللفظ عليه؛ لأنه مركب اعتباري، وإلّا فما ذكره الجواهر تام إلّا أن يفهم العرف التعميم.

الفرع الثاني: حكم الحاجز بين الطابقين

إن أرض الطابق الثاني - والذي هو سقف للطابق الأوّل - لها حالات

ص: 16


1- الفقه 79: 23-24.

ثلاث: إمّا أن يشترك فيها مالكا الطابقين، وإمّا أن يملكهامالك الطابق الأوّل، ويكون لمالك الطابق الثاني حق الاستفادة منها، وإمّا العكس وهذه الصورة نادرة.

فلو باع مالك الطابق الأوّل طابقه، فهل يحق لمالك الطابق الثاني الأخذ بالشفعة في الحاجز بين الطابقين بناء على تعميم الشفعة لمثل ذلك؟

أمّا في الحالة الثانية والثالثة: فلو باع صاحب الحق طابقه، فالأقرب ثبوت الشفعة للمالك؛ لأنه شريك في الحق أيضاً، وذلك لأن الحق مما يباع فتشمله أدلة الشفعة، ويؤيده الخبر(1) في الأرض المحبوسة أو الموقوفة حيث يتكفل شريكان بناءها، فإن حق الاستفادة من الأرض قابل للبيع وتشمله الشفعة أيضاً، والحاصل كما أن الملك قابل للشفعة كذلك الحق.

وأمّا الحالة الأولى - بأن كانا شريكين في ملك الحاجز - فلو باع أحدهما فهل يحق للآخر أخذ الحاجز بالشفعة دون سائر البناء حيث لا يملكه؟ لا يبعد ثبوت الشفعة، وعليه فإن للمشتري خيار تبعض الصفقة، فتأمل.

الفرع الثالث: لو بيع البناء والغرس منفرداً

قال في الشرائع: «ولو أفرد بالبيع نزل على القولين»(2).فلو باع شجرة واحدة أو باع بناءً بلا أرض فثبوت الشفعة تابعة للقولين.

لكنه محل تأمل؛ لدخول البناء في بعض الإطلاقات، فلا يختص الحكم بالأرض، فحتى على القول بعدم الإطلاق تثبت في الدور وهو يشمل الدار،

ص: 17


1- مستدرك الوسائل 17: 106.
2- شرائع الإسلام 4: 776.

سواء أكانت مع الأرض أم بلا أرض.

ويستفاد ذلك من بعض الأخبار، كقوله: «قضى رسول اللّه| بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن»(1).

والعطف يقتضي المغايرة، فما ذكر صاحب مفتاح الكرامة(2) من أنّه من ذكر الخاص بعد العام، غير تام لكون النسبة بينهما العموم من وجه، فهنالك أرض بلا بناء وبناء بلا أرض.

نعم، لم ترد رواية في خصوص الشجرة والنخل، فإن موردها الحائط، ولا يطلق على الشجرة مفردة، وهنا يأتي ما ذكره من أن الحكم تابع للقولين.

المسألة الثالثة: في ثبوت الشفعة فيما لا ينقسم

اشارة

هل الشفعة ثابتة فيما لا يقبل القسمة، كالطريق الضيق وحجر الرحي وما أشبه؟ مما لو قُسّم لم يمكن الانتفاع به، فيه خلاف.

قال في الشرائع: «وفي ثبوتها في النهر والطريق والحمام وما تضرقسمته تردد، أشبهه أنها لا تثبت، ونعني بالضرر ألا ينتفع به بعد قسمته، فالمتضرر لا يجبر على القسمة، ولو كان الحمام أو الطريق أو النهر مما لا يبطل منفعته بعد القسمة أجبر الممتنع وثبتت الشفعة»(3).

وإنّما اقتصر صاحب الشرائع على الأمثلة الثلاثة لورودها في الروايات.

والمراد مما لا يقبل القسمة ورود الضرر المعتنى به بسبب القسمة.

ص: 18


1- الكافي 5: 280؛ وسائل الشيعة 25: 400.
2- مفتاح الكرامة 18: 413.
3- شرائع الإسلام 4: 776.

وفي المسألة قولان:

القول الأوّل: ثبوت الشفعة فيه؛ لإطلاق الأدلة حيث إنها تشمل ما يقبل القسمة وما لا يقبلها.

القول الثاني: عدمه، واستدل له بأدلة، منها:

الدليل الأوّل: أصالة(1) بقاء الملك على مالكه، فيستصحب بقاء ملكية المشتري بعد الأخذ بالشفعة.

وهو محل تأمل؛ حيث لا تصل النوبة إلى الأصل مع الإطلاقات.

الدليل الثاني(2): إن علة الشفعة هي دفع الضرر عن الشريك الذي لم يبعْ حصته، كما صرح بها في هذا الحديث: «قضى رسول اللّه| بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقال: لا ضررولا ضرار»(3)، فإن الظاهر أن قوله|: «لا ضرر» إنّما هو سبب الشفعة، ولذا تعقب قوله: «قضى»... .

والعلة المذكورة منتفية فيما لا يقسّم، وحيث لا ضرر فلا شفعة.

وفيه نظر من جهتين:

أوّلاً: إن (لا ضرر) حكمة لا علة فلا يدور مداره الحكم، ويشهد له فيما لو لم يكن الشريك متضرراً من البيع حيث يحق له الأخذ بالشفعة، وكذا فيما لو كانوا شركاء ثلاثة وتضرروا حيث لا حق في الشفعة.

ص: 19


1- جواهر الكلام 38: 383 (37: 252 ط ق)؛ مسالك الأفهام 12: 266.
2- جامع المقاصد 6: 354.
3- الكافي 5: 280؛ وسائل الشيعة 25: 400.

وثانياً: إن الضرر قد يكون أشد فيما لا يقبل القسمة، فإنه إن أمكنت القسمة أمكن بها التخلص من الشركة الموجبة للضرر، وأمّا حيث لا طريق للتخلص من الشركة - فيما لا يقبل القسمة لسقوطه عن القيمة - لم يكن طريق للتخلص من ضرر الشراكة إلّا بالشفعة، فلو كانت العلة هي الضرر فهي ثابتة بنحو أشد فيما لا يقبل القسمة.

الدليل الثالث: الروايات الواردة في المقام.

منها: موثقة طلحة بن زيد(1)،

عن الصادق(علیه السلام)، عن أبيه: «أن رسولاللّه| قضى بالشفعة ما لم تؤرّف(2)، يعني: تقسّم»(3)، وقريب منها موثقة أبي العباس(4) عن أبي عبد اللّه(علیه السلام) قال: «الشفعة لا تكون إلّا لشريك لم يقاسم»(5).

ومنها: خبر جابر: «إنّما جعل رسول اللّه| الشفعة في كل ما لم

ص: 20


1- الشيخ الطوسي بإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن يحيى، عن طلحة بن زيد، والأقوى وثاقة طلحة لقول الشيخ الطوسي: «إلّا أن كتابه معتمد» [الفهرست: 149].
2- قال في الصحاح 4: 1330: «أرف: الأرفة: الحد، والجمع أرف، مثال غرفة وغرف، وهي معالم الحدود بين الأرضين». وقال في لسان العرب 9: 4: «أرف: الأُرْفةُ: الحَدُّ وفَصْلُ ما بين الدُّورِ والضِّياع... وأَرَّفَ الدارَ والأَرض: قسَمَها وحَدَّها».
3- تهذيب الأحكام 7: 167؛ وسائل الشيعة 25: 398.
4- الكليني عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن أبان، عن أبي العباس وعبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن الصادق(علیه السلام).
5- الكافي 5: 282؛ وسائل الشيعة 25: 397.

يقسّم»(1).

ووجه الاستدلال به: إنّ (لم) تفيد نفي الماضي ولا تستعمل إلّا فيما أمكن المدخول؛ ولذا لا يقال: (السيف لم يقسّم) لعدم إمكان القسمة فيه، بل يقال: (السيف لا يقسّم) فإن الشيء غير القابل للقسمة لا يستخدم فيه (لم) بل (لا).

و(إنّما) تفيد الحصر، فيكون المعنى: إن الشفعة خاصة بما له قابلية القسمة.ومنها: مرسلة جميل: «الشفعة لكل شريك لم يقاسم»(2)، وهي مشعرة بالحصر.

ويرد على الاستدلال، أوّلاً: بأنه لا حصر في الروايات المذكورة إلّا في خبر جابر، وهو خبر عامي.

وثانياً: إن المقصود منه أن الشفعة ثابتة فيما إذا بقي الشريكان على الشراكة حتى باع أحدهما، بخلاف ما إذا فسخا الشراكة وأخذ كل واحد سهمه، ثم باع أحدهما ملكه حيث لا شفعة حينئذٍ، ويؤيد ذلك الروايات الصريحة أو الظاهرة في هذا المعنى، كصحيحة(3) ابن سنان عن الصادق(علیه السلام): «لا تكون الشفعة إلّا لشريكين ما لم يتقاسما»(4)، وموثقة

ص: 21


1- مستدرك الوسائل 17: 99.
2- الكافي 5: 280؛ وسائل الشيعة 25: 397.
3- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام) ... .
4- الكافي 5: 281؛ وسائل الشيعة 25: 396.

السكوني - على الأصح - : «لا شفعة إلّا لشريك غير مقاسم»(1)، فالمعنى أنه لو قُسّم الشيء بين الشريكين انتفت الشفعة، فلا يرتبط بما يقبل القسمة وما لا يقبل.

الدليل الرابع: الروايات المصرّحة بعدم الشفعة في بعض الأشياء والتي يجمعها أنها غير قابلة للقسمة، كموثقة(2) السكوني عن الصادق(علیه السلام):«قال رسول اللّه|: لا شفعة في سفينة ولا في نهر ولا في طريق»(3).

وليس المراد مطلق النهر أو الطريق للإجماع على ثبوت الشفعة فيها فيما لو كان واسعاً فيتمّ تقييد النهر والطريق بغير الواسع للإجماع، ولا فرق بينهما وبين غيرهما مما لا يقبل القسمة بالإجماع المركب.

فتدل الرواية بضميمة الإجماعين على عدم الشفعة فيما لا يقبل القسمة.

وفيه تأمل: لأنه معارض بخبرين أحدهما صحيح والأخر حسن، وربما هو خبر واحد بسندين، فالصحيح منه ما روي عن منصور بن حازم(4): «عن دار فيها دور وطريقهم واحد في عرصة الدار، فباع بعضهم منزله من رجل هل لشركائه في الطريق أن يأخذوا بالشفعة؟ فقال: إن كان باع الدار وحوّل بابها إلى طريق غير ذلك فلا شفعة، وإن باع الطريق مع الدار فلهم

ص: 22


1- الكافي 5: 281؛ وسائل الشيعة 25: 396.
2- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام)... .
3- الكافي 5: 282؛ وسائل الشيعة 25: 404.
4- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد اللّه(علیه السلام) ... .

الشفعة»(1).

فيتعارض الصحيح المثبت للشفعة في الطريق مع الموثقة النافية لهاعنها.

إن قلت: إن الصحيحة تثبت الشفعة للشركاء مع أنها خاصة بالشريكين عندنا؛ ولذا حملها الشيخ الطوسي(2) على التقية، فإن العامة يثبتونها بين الشركاء أيضاً.

قلت: إن الحمل المذكور مشكل؛ لورود القولين عن العامة أيضاً، فلا بدّ من التأويل بأن المراد الشريكان، وإلّا فلا بدّ من القول بالإعراض عن هذا المقطع، وهو غير ضار بحجية سائر الرواية، حيث قد يصدر بعض الرواية تقية، ثم يذهب من يتقى منه فيكون الباقي من دون تقية، كما هو الحال في كثير من الروايات المعتبرة، فقد عمل الفقهاء ببعضها حيث لا معارض له ولم يعملوا ببعضها لوجود المعارض، فالمعارض الأقوى لمقطع من الرواية لا يسبب سقوط الرواية عن الاعتبار بالكلية.

والحاصل: إن رواية السكوني تعارض صحيح منصور وحسنته(3)، فتسقط رواية السكوني عن الاعتبار؛ لأن صحيح منصور أقوى سنداً،وعلى فرض

ص: 23


1- الكافي 5: 280؛ الاستبصار 3: 117؛ وسائل الشيعة 25: 398.
2- الاستبصار 3: 117.
3- الاستبصار 3: 117، وفيه: أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن الكاهلي، عن منصور بن حازم قال: «قلت لأبي عبد اللّه(علیه السلام) دار بين قوم اقتسموها وأخذ كل واحد منهم قطعة فبناها وتركوا بينهم ساحة فيها ممرهم فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم أله ذلك؟ قال: نعم، ولكن يسد بابه ويفتح بابا إلى الطريق أو ينزل من فوق البيت ويسد بابه، وإن أراد صاحب الطريق بيعه فإنهم أحق به، وإلّا فهو على طريقه يجيء ويجلس على ذلك الباب».

التكافؤ والتساقط تبقى الإطلاقات بحالها.

والنتيجة: إن الشفعة لا تختص بالأرض والبيت من غير المنقولات، وإنّما هي في كل شيء، المنقول وغير المنقول، وهي في كل شيء سواء قبل القسمة أم لا.

وهنا فروع:

الفرع الأوّل: جريان الشفعة في البئر

هل الشفعة تجري في البئر، وهي غير قابلة للقسمة، فيما لو باع أرضاً فيها بئر أم هي خاصة بالأرض فقط، فيحق للشريك الأخذ بالشفعة في الأرض، ويصبح شريكاً للمشتري في البئر؟

الأقوى أن البئر تابعة للأرض ويؤيده بعض الأخبار(1) فتجري فيها الشفعة.

نعم، لو قيل بعدم تابعيتها للأرض فلا بدّ من القول بعدم الشفعة فيها بناءً على عدم جريانها فيما لا يقسّم، بل بناء عليه يمكن القول بعدم الشفعة فيها حتى لو قلنا بتبعيتها؛ وذلك لأن مجرد التبعية لا تكون مخصصة للدليل العام.

نعم، ينتفي هذا الفرع عند القائل بجريان الشفعة فيما لا يقسّم أيضاً.

الفرع الثاني: ثبوت الشفعة في الأرض المقسومة بالاشتراك في الطريق ونحوه

قال في الشرائع: «وتثبت في الأرض المقسومة بالاشتراك في الطريق أو الشرب إذا بيع معها، ولو أفردت الأرض المقسومة بالبيع لم تثبت الشفعة

ص: 24


1- مستدرك الوسائل 17: 104.

في الأرض»(1).

فلو قُسّمت الأرض المشتركة وجُعل بينها طريقاً مشتركاً، وباع أحدهم سهمه، فإن باعه مع ما يملكه من الطريق كان للشريك حق الشفعة في الجميع حتى الأرض التي لم يكن شريكاً فيها؛ إذ المفروض فسخ الشركة وتقسيم الأرض.

وإن باعه من دون الطريق فلا حق للشريك في الشفعة.

واستدل على الشق الأوّل بالنص(2) والإجماع(3).

إلّا أن المحقق الكركي أشكل على الإجماع قائلاً: «لأن ضم غير المشفوع إلى المشفوع لا يوجب ثبوت الشفعة في غير المشفوع اتفاقاً»(4).ولذا لو باع شيئين في صفقة واحدة، وكان له شريك في أحدهما لم يكن للشريك حق الشفعة في الثاني، فإنه وإن كان البيع واحداً إلّا أن متعلّقه شيئان، وكذلك المقام، وعليه لا معنى للقول بثبوت الشفعة في الأرض المقسومة.

وأمّا النص الوارد في المقام فهو معارض بالروايات المستفيضة المعتبرة التي تنص على أنه: «لا شفعة إلّا لشريك غير مقاسم»(5)، فيتساقطان،

ص: 25


1- شرائع الإسلام 4: 777.
2- الكافي 5: 280؛ الاستبصار 3: 117؛ وسائل الشيعة 25: 398-399.
3- مسالك الأفهام 12: 269؛ جواهر الكلام 38: 392 (37: 258 ط ق).
4- جامع المقاصد 6: 351.
5- تهذيب الأحكام 7: 167؛ وسائل الشيعة 25: 398.

ويكون المرجع هو الأصل الأوّلي وهو عدم ثبوت الشفعة.

واستغرب صاحب المسالك(1) من ذلك حيث لا تعارض، فإن الروايات المذكورة عامة فيخصصها النص الوارد في المقام، فهو يثبت الشفعة في الشريك المقاسم في مورد واحد فقط.

ولا يخفى أن مورد النص والإجماع الطريق، إلّا أن الفقهاء ألحقوا الشرب أيضاً مع خلو النص عنه، وعدم ثبوت الإجماع فيه، إلّا أن عليه الشهرة العظيمة، فمقتضى القاعدة اختصاص الحكم بالطريق وعدم شموله للنهر والشرب، إلّا أن يفهم الملاك من النص ليشمل النهر أيضاً ولو بمعونة فهم المشهور.كما أن النص خاص بالبيت، إلّا أن الإجماع قائم على شمول الحكم للبستان أيضاً.

ولمعرفة الحق في المسألة لا بدّ من ملاحظة دلالة النص والإجماع.

أمّا النص فهنالك روايات فيها صحيحتان:

الأولى: صحيحة منصور بن حازم(2) قال: «سألت أبا عبد اللّه(علیه السلام) عن دار فيها دور وطريقهم واحد في عرصة الدار، فباع بعضهم منزله من رجل هل لشركائه في الطريق أن يأخذوا بالشفعة؟ فقال: إن كان باع الدار وحول بابها إلى طريق غير ذلك فلا شفعة لهم، وإن باع الطريق مع الدار فلهم

ص: 26


1- مسالك الأفهام 12: 272.
2- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن منصور بن حازم... .

الشفعة»(1).

إلّا أنها لا تدل على المطلوب، فهي مجملة لا تدل على ثبوت الشفعة في الدار، والقدر المسلم ثبوتها في الطريق.

الثانية: حسنة الكاهلي(2) عن منصور بن حازم قال: «قلت لأبي عبداللّه(علیه السلام): دار بين قوم اقتسموها فأخذ كل واحد منهم قطعة وبناها، وتركوا بينهم ساحة فيها ممرهم، فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم أله ذلك؟ قال: نعم، ولكن يسد بابه ويفتح باباً إلى الطريق، أو ينزل من فوق البيت ويسد

ص: 27


1- الكافي 5: 280؛ الاستبصار 3: 117.
2- الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن الكاهلي، والشيخ الطوسي بإسناده عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن محمّد بن زياد، عن الكاهلي. وعبد اللّه بن يحيى الكاهلي وهو حسن على المشهور وصحيح على الأصح؛ لتعبير النجاشي [رجال النجاشي: 221] عنه بأنه كان وجهاً عند أبي الحسن(علیه السلام)، ومثل هذ التعبير يدل على ما هو أعظم من الوثاقة، بل الصحة في أعلى درجاتها، ثم يتطرق النجاشي إلى رواية لا تدل على المطلوب إلّا أنها تكشف عن أهميته عند الإمام(علیه السلام)، حيث قال(علیه السلام) لعلي بن يقطين: «اضمن لي الكاهلي وعياله اضمن لك الجنة» [رجال النجاشي: 222] (السيد الأستاذ). أقول ربما يقال: إن الرواية المذكورة لا تدل حتى على الوثاقة، بل مجرد الأهمية؛ وذلك قد يكون لأسباب متعددة منها الوثاقة، ومنها قد يكون شيخاً لعشيرة يرعى جمعاً غفيراً من المستضعفين، فأراد الإمام(علیه السلام) أن لا يضيعوا فأمر علياً بضمانه، وامتثاله لأمر الإمام(علیه السلام) يوجب له الجنة، ومنها قد يكون التجأ إلى الإمام(علیه السلام) ومثله لا يرد الملتجئ وإن كان كافراً، ومنها لغير ذلك. وإن أبيت إلّا عن دلالته على الوثاقة فلا بدّ من القول بوثاقة عياله أيضاً. وهو بعيد (المقرر).

بابه، فإن أراد صاحب الطريق بيعه فإنهم أحق به، وإلّا فهو طريقه يجيء حتى يجلس على ذلك الباب»(1)، وفي التهذيب: «وإن أراد يجيء حتى يقعد على الباب المسدود الذي باعه لم يكن لهم أن يمنعوه»(2).

ويرد عليهما: أوّلاً: بعدم دلالتهما على المطلوب، أمّا الرواية الأولى فهي مجملة لا تدل على ثبوت الشفعة في الدار، والقدر المسلّم هو ثبوتهافي الطريق، وأمّا الرواية الثانية فإن دلالتها على أنه لو باع الطريق كان للشركاء حق الشفعة فيها، أمّا البيت فقد باعه من قبل وسد بابه في الطريق المشترك، ولا دلالة فيها على ثبوت حق الشفعة في الاثنين فيما لو باع البيت والطريق معاً.

وثانياً: ما ذكره الشيخ الطوسي(3) من أن الحكم عندنا ثبوت الشفعة في الشريكين دون الشركاء، فلا بدّ من حمل الروايتين على التقية؛ لاشتمالها على (الشركاء) و(القوم) ولا يطلق القوم على أقل من عشرة أشخاص.

فإن قلت: إن حمل بعض الرواية على التقية لا يوجب سقوط بعضه الآخر عن الحجية.

قلنا: إنّما يصح ذلك فيما لو اشتملت الرواية على حكمين فصاعداً، لكن في المقام الروايتان تتضمنان حكماً واحداً فقط، وهو في الأولى ثبوت الشفعة للشركاء في الأرض المقسومة التي لم يقسّم طريقها، وفي الثانية

ص: 28


1- الكافي 5: 281؛ وسائل الشيعة 25: 399.
2- تهذيب الأحكام 7: 167.
3- الاستبصار 3: 117.

ثبوت الأحقية.

نعم، السؤال متضمن لقيود متعددة وتعدد القيود لا يوجب تعدد الحكم، فلا بدّ من العمل بالرواية أو الإعراض عنها، وحيث أراد بعضالفقهاء عدم الإعراض حمل الشركاء على الشريكين(1)، أو يقال: إنهما عامتان وروايات الشريكين خاصة فتخصصهما.

ويمكن أن يقال: إن الأدلة العامة تدل على حكمين، أحدهما: عدم الشفعة عما لا شركة فيه وهاتان الروايتان تخصصانها حيث تثبتان الشفعة في الدار التي لا شراكة فيها، كما احتمله السيد الوالد في الفقه(2)، والآخر: ثبوت الشفعة للشريكين فقط، وهاتان الروايتان تخصصانها، حيث تثبتان الشفعة للشركاء في البيت المقسّم مع الطريق المشترك.

والحاصل: إن مقتضى القاعدة أن يقال: إن هاتين الروايتين خصصتا حكمين عامين، هما: عدم الشفعة في غير الملك، وثبوت الشفعة للشريكين فقط.

إلّا أنه لم يذهب إلى ذلك أحد، فلا يمكن الالتزام به.

وقيل: إن جواب الإمام(علیه السلام) عام، وهو ملاك الحكم لا خصوص سؤال السائل.

لكنه ضعيف، فالجواب المذكور مبتنٍ على السؤال، ويتضمن التعريف ويحتمل العهد، وتمام الكلام فيه في صحيحة زرارة في الاستصحاب.

ص: 29


1- جامع المقاصد 6: 348-349.
2- الفقه 79: 46.

فتحصّل: أن الدليل الوحيد في المقام هو الإجماع، ويقتصر على المتيقن منه. فلو لم يكونا شريكين أصلاً لكن كان الطريق مشتركاً لم تشمله الروايتان، إلّا أن المشهور لم يفرقوا بين المسألتين لوحدة الملاك، فلو فهمناه فهو، وإلّا كان الحكم بذلك مشكلاً.

الفرع الثالث: الاشتراك في البيت وفي الطريق

لو اشترك نفران في بيت وثلاثة في الطريق، فباع أحدهم سهمه فهل للشريك في البيت حق الشفعة؟ وهل للشريك في الطريق حق الشفعة في البيت؟

احتمل في مفتاح الكرامة(1) - إن كان مورد كلامه هذا الفرع - احتمالين:

الاحتمال الأوّل: عدم الشفعة لا للشريك في الطريق؛ وذلك لأن الشركاء ثلاثة والشفعة خاصة بالشريكين، ولا للشريك في البيت؛ وذلك لأن الطريق داخل في مفهوم الدار عرفاً، فالطريق جزء من البيت، ففي الواقع هنالك شركاء ثلاثة في بعض البيت، والقدر المتيقن من ثبوت الشفعة تفرد الشريكين في المبيع، ومع الشك في شمول الدليل للمورد تصل النوبة إلى الأصل وهو عدم الشفعة.

الاحتمال الثاني: ثبوت الشفعة لجريان العلة في المقام، كما مرّفي خبر عقبة حيث علل الإمام(علیه السلام) الشفعة ب-(لا ضرر ولا ضرار)، هذا أوّلاً.

وثانياً: شمول إطلاق (لا شفعة إلّا لشريك غير مقاسم) للمقام، حيث

ص: 30


1- مفتاح الكرامة 18: 429.

منطوقه يثبت الشفعة للشريك غير المقاسم.

وقد مرّ الجواب عن العلة، وأمّا التمسك بالإطلاق المذكور فضعيف، فإن أدلة اختصاص الشفعة بالشريكين تخصصه، ولذا لا شفعة للشركاء وإن كانوا غير مقاسمين.

الفرع الرابع: لو بيعت حصتان في معاملتين

لو كانت الشركة في الطريق فقط دون الدار، فلو باع البيت في معاملة والطريق في معاملة أخرى، فلا شفعة في الدار؛ لأنه بيع مستقل لشيء لا شركة فيه، وأمّا في الطريق فإن كانا شريكين فقط ففيه الشفعة، وإن كانوا شركاء فلا شفعة فيه.

نعم، لو كانت معاملة واحدة بأن باع الدار مع الطريق، ففي ثبوت الشفعة في الدار وفي الطريق البحث السابق.

ولا يخفى أن الحكم المذكور خاص بالطريق والأرض، ولا يجري في سائر الأشياء، كما مثل له العلامة في التذكرة(1) بالبئر والعين، كما لو باع البستان غير المشترك مع وجود بئر أو عين مشتركة فيه حيث لا شفعة.

نعم، الشفعة ثابتة في النهر للإجماع - إن ثبت - ، كما مرّ الكلام فيه.ومن أمثلة المقام الجدار المشترك الفاصل بين البيتين، أو أساس الجدار، فلا شفعة في ذلك مع أن الأمثلة المذكورة لا تختلف عن البيت والأرض إلّا أن الحكم خلاف القاعدة، ولا مناط قطعيّ ليشملها.

ص: 31


1- تذكرة الفقهاء 12: 206.

والحاصل: لو باع أرضه مع حصته من البئر فلا حق للشفعة في الأرض وله حق الشفعة في البئر؛ لأنه باع شيئاً مشتركاً وإن كان منضماً إلى غير مشترك.

وهنا فروع أُخر تطلب من مظانها.

ص: 32

فصل: من شروط الشفعة

اشارة

فمضافاً إلى الشروط العامة هناك شروط أخرى منها:

الشرط الأوّل: الانتقال بالبيع

اشارة

من شرائط الشفعة أن يكون الانتقال بالبيع حصراً، فلو انتقل بغيره، كسائر العقود أو بالإيقاع أو ضماناً أو مهراً أو قهراً، فلا شفعة.

قال في الشرائع: «ويشترط انتقال الشقص بالبيع، فلو جعله صداقاً أو صدقة أو هبة أو صلحاً فلا شفعة»(1).

وفي المسألة قولان:

القول الأوّل: ما ذكره في الشرائع وهو المشهور المدعى عليه الإجماع(2).

واستدل له بأدلة:الدليل الأوّل: الأصل(3)، أي: قاعدة الناس مسلطون على أموالهم، استثني منه الشفعة في البيع، ولا دليل على استثناء غيره، لا أقل من سكوت الأخبار عنه.

ص: 33


1- شرائع الإسلام 4: 777.
2- تذكرة الفقهاء 12: 222؛ جامع المقاصد 6: 357؛ مسالك الأفهام 12: 273؛ الحدائق الناضرة 20: 299؛ جواهر الكلام 38: 404 (37: 266 ط ق).
3- الفقه 79: 53.

الثاني: الإجماع المدعى في السرائر(1) والتذكرة(2) وجامع المقاصد(3) وادعاه الشيخ الطوسي(4) في موارد خاصة كالمهر، وأمّا مخالفة مثل ابن الجنيد(5) فغير ضارة.

الثالث: الأخبار الدالة على اختصاصها بالبيع.

إلّا أنها لا تدل على المطلوب، بل تثبتها في البيع، وإثبات شيء لا ينفي ما عداه، فهو من مفهوم اللقب، وما فهم منه مفهوم الشرط غير تام.

منها: حسنة(6) الغنوي، قال(علیه السلام): «الشفعة في البيوع...»(7).

ومنها: صحيحة(8) أبي بصير عن الباقر(علیه السلام): «سألته عن رجل تزوج امرأةعلى بيت في دار وله في تلك الدار شركاء، قال: جائز له ولها ولا شفعة لأحد من الشركاء عليها»(9).

ص: 34


1- السرائر 2: 386.
2- تذكرة الفقهاء 12: 222.
3- جامع المقاصد 6: 358.
4- المبسوط 3: 111.
5- مختلف الشيعة 5: 339، وفيه: «وقال ابن الجنيد: إذا زال ملك الشريك عنه بهبة منه بعوض شرط يعوضه إياه أو غير عوض كان للشفيع شفعة فيه، فإن حبس ملكه أو أسكنه لم يكن للشفيع شفعة»؛ الدروس الشرعية 3: 358.
6- الكليني، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن يزيد بن إسحاق شعر، عن هارون بن أبي حمزة الغنوي... .
7- الكافي 5: 281؛ وسائل الشيعة 25: 396.
8- الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي بصير... .
9- تهذيب الأحكام 7: 167؛ وسائل الشيعة 25: 407.

ولا فرق بين الصداق وسائر الأشياء؛ لعدم القول بالفصل.

لكنها مجملة، فإن نفي الشفعة قد يكون لعدم كونه بيعاً، وقد يكون لتعدد الشركاء، وإن قيل بإطلاق الشركاء على الشريكين مجازاً، إلّا أنه غير نافع في المقام لانتهائه إلى ثلاثة أحدهم المتزوج.

مضافاً إلى أن الرواية لا تثبت الشركة في البيت، بل الدار التي يملك كل واحد منهم بيتاً منها، فيكون نفي الشفعة إمّا لتقسيم البيوت وإمّا لعدم كونه بيعاً، فتكون الرواية مجملة أيضاً.

ومنها: مرسلة يونس بن عبد الرحمن، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام): «... إذا كان الشيء بين شريكين لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره»(1).

ووجه الاستدلال - كما في فقه الصادق(علیه السلام)(2)- : أن مفهوم الشرط نافٍ للشفعة عن غير البيع، فهنا شرطان، وهما (بين الشريكين) و (باع)، وانتفاءأحدهما مستلزم لنفي الجزاء.

والكلام في اختصاص مفهوم الشرط بالشرط الواحد أو شموله للشرطين وترتب الجزاء عليهما وانتفائه بانتفاء أحدهما موكول إلى الأصول.

لكنه محل تأمل؛ حيث لا مفهوم للشرط الثاني، بل هو محقق للموضوع، حيث يظهر من الرواية أنه لو لم يكن بيع لم يكن انتقال أصلاً، فلا وجه

ص: 35


1- الكافي 5: 281؛ وسائل الشيعة 25: 402.
2- فقه الصادق(علیه السلام) 18: 336.

للشفعة(1)، فلا مفهوم للرواية أصلاً حتى يُتمسك به لنفي الشفعة عن غير البيع؛ فإن الشرط قد يكون صفة لشيء موجود ك-(إن جاء زيد...) فزيد قد يتصف بالمجيئ وقد لا يتصف، وقد يكون محققاً لنفس الموضوع ك-(إن رزقت ولداً) حيث إن لم يرزق كان من السالبة بانتفاء الموضوع، والمفهوم للأوّل دون الثاني.

والحاصل: إنه لا دلالة في الروايات على اختصاص الشفعة بالبيع، وإنّما الدليل منحصر بالوجه الأوّل بالإضافة إلى الإجماع إن تم.

القول الثاني: ما عن ابن الجنيد(2) في ثبوتها في غير البيع فيالجملة، كالهبة المعوضة دون السكنى والعمرى، واستدل بدليلين:

الأوّل: عدم الدليل على التخصيص بالبيع.

وفيه نظر: حيث لا حاجة إلى عدم الدليل، بل لا بدّ من إقامة الدليل على التعميم حين يكون الأمر خلاف القاعدة.

الثاني: العلة الواردة في مرسلة يونس الشاملة لغير البيع أيضاً، حيث نقل عنه العلامة ما نصه: «... الحكمة الباعثة لإيجاب الشفعة في صورة توجيه البيع موجودة في غيره من عقود المعاملات، فلا اعتبار في خصوصية العقود

ص: 36


1- وإن كان نفي البيع أعم من عدم الانتقال أصلاً أو انتقاله بالهبة، هذا ما نفاه السيد الأستاذ في الدرس، لكن الظاهر أن النفي المذكور غير تام، فليس الشرط محققاً للموضوع، بل هو من قبيل نفي الصفة، فقد ينتقل بالبيع وقد ينتقل بغيره، ولا ظهور للرواية في الشرط المحقق للموضوع، فيثبت المفهوم (المقرر).
2- مختلف الشيعة 5: 339.

في ذلك في نظر الشرع، فإمّا أن يثبت الحكم في الجميع أو ينتفي عن الجميع، فإثباته عن البعض دون بعض ترجيح من غير مرجح»(1).

فالاستدلال بعموم العلة أو تنقيح المناط.

وفيه ما مضى من كونها حكمة، وأمّا المناط فغير قطعي وهو أشبه بالقياس.

فمقتضى القاعدة ما ذهب إليه المشهور.

ولا يخفى أن الشفعة جارية في كل أنواع البيوع، سواء أكان شخصياً أم كلياً في المعين أم مشاعاً، وأمّا ما روي بأنه: «لا شفعة إلّا فيمشاع»(2) النافي لغيره، فيرد عليه - مضافاً إلى ضعف السند - : أن الفرق بين المشاع والكلي في المعين اصطلاح فقهائي، وأمّا في العرف - المنزل عليه الرواية - فإن المشاع في مقابل المقسوم الشامل للكلي في المعين أيضاً.

مسألة: حكم الشفعة في الوقف

لو كان شريكاً مع الوقف، فلو باع أحدهما فهل للآخر حق الشفعة؟

قال في الشرائع: «ولو كانت الدار وقفاً وبعضها طلقاً، فبيع الطلق لم يكن للموقوف عليه شفعة ولو كان واحد؛ لأنه ليس مالكاً للرقبة على الخصوص وقال المرتضى: تثبت الشفعة»(3).

وفي المسألة صورتان:

ص: 37


1- مختلف الشيعة 5: 339.
2- مستدرك الوسائل 17: 99.
3- شرائع الإسلام 4: 777.

الأولى: أن يبيع مالك الطلق، فهل لصاحب الوقف حق الشفعة؟

الثانية: أن يبيع صاحب الوقف بمسوغ من مسوغات البيع، فهل لشريكه حق الشفعة؟

أمّا الصورة الأولى ففيها قولان: ما اختاره في الشرائع(1) من عدمثبوت الشفعة وهو الأشهر، وما ذهب إليه السيد المرتضى(2) من ثبوتها.

واستدل لثبوتها بأدلة ثلاثة:

الدليل الأوّل: شمول إطلاقات أدلة الشفعة له، حيث إن صاحب الوقف مالك(3).

وأشكل عليه أوّلاً: بأن المالك محجور عليه، فلا يحق له التصرف في الأموال، والأخذ بالشفعة نوع من أنواع التصرف.

وفيه: إنه مالك غير مقاسم فيشمله إطلاق الأدلة، وعليه أن يعمل في العين الموقوفة بأحكام الوقف، وأخذ الحصة بالشفعة ليس مخالفاً للوقف، وهذا شأن كل محجور عليه حيث يمكنه - مثلاً - من سكنى الدار والتصرف فيها بخلاف بيعها وإتلافها.

وثانياً: من شروط الشفعة أن تكون بين شريكين، والموقوف عليه قد يتعدد في المستقبل كالوقف الذري.

ص: 38


1- شرائع الإسلام 4: 777.
2- الانتصار: 457.
3- الدروس الشرعية 3: 358؛ رياض المسائل 12: 308؛ مفتاح الكرامة 18: 446؛ الفقه 79: 56.

وفيه: عدم كون الأمر التقديري والمستقبلي ملاكاً للحكم الفعلي، وإلّا كان جارياً في كل شريكين، حيث قد يتعدد الشركاء بموت أحد الشريكين.وثالثاً - وهو العمدة - : إن شرط الشفعة الشراكة في الملك وفي كون صاحب الوقف مالكاً أقوال:

منها: إن الوقف يبقى على ملك الواقف لكنه محجور عن التصرف فيه.

ومنها: إن الموقوف عليه هو المالك.

ومنها: التفصيل بين الوقف الخاص فهو ملك والعام فلا ملك.

ومنها: لا مالك للوقف الخاص والعام.

فبناءً على القول بعدم ملكية الوقف فلا شفعة.

إن قلت: إن المال مشترك فكيف يخلو من الشريك المالك.

قلت: إن العنوان هو المالك لا الشخص وملكية العنوان عقلائية، فتكون ممضاة بعدم الردع، أو لا مالك أصلاً - كما يقال: في المسجد - وحيث لم يملك الشخص فلا شفعة.

والحاصل: إن صاحب الوقف ليس مالكاً فلا يكون شريكاً فلا تشمله أدلة الشفعة.

نعم، لو قلنا بملكية صاحب الوقف شملته الأدلة، اللّهم إلّا أن يقال بانصراف النصوص إلى المشترك بين الفردين لا الفرد والجهة، والانصراف غير بعيد.الدليل الثاني: الإجماع، حيث ادعاه السيد المرتضى(1)، بل قال إنه

ص: 39


1- الانتصار: 457.

من متفردات الإمامية ولم يقل به أحد من العامة.

قال: «إن لإمام المسلمين وخلفائه المطالبة بشفعة الوقوف التي ينظرون فيها على المساكين أو على المساجد أو على مصالح المسلمين، وكذلك كل ناظر بحق في وقف من وصي وولي له أن يطالب بشفعته»(1).

وفيه: إنه لم يذهب إليه من قبله ومن بعده، وهو الوحيد المتفرد في ذلك، ونسب أيضاً إلى آخر لكن عبارته غير صريحة في ذلك.

فمن المعلوم عدم تحقق الإجماع، لا أقل من الشهرة العظيمة على عدم الشفعة، بل ادعى الشيخ الطوسي عدم الخلاف فيه(2).

الدليل الثالث: استفادة المناط وهو دفع الضرر، فقد احتج السيد المرتضى على العامّة بجريان الملاك بطريق أولى، قال: بل أولى لأن حقوق الفقراء ووجوه القربات أولى بالحفظ من الضرر(3).

وفيه: إنها حكمة لا علة، لا أقل من عدم العلم بكونها علة فيكون قياساً.وأمّا الصورة الثانية(4) فقد ذهب المشهور(5) إلى ثبوت الشفعة، لوجود المقتضي وهو إطلاق الأدلة، وانتفاء المانع وهو المقيدات.

ص: 40


1- الانتصار: 457.
2- المبسوط 3: 145.
3- راجع الانتصار: 457.
4- وهي: أن يبيع صاحب الوقف بمسوغ من مسوغات البيع، فهل لشريكه حق الشفعة؟
5- الدروس الشرعية 3: 359؛ مسالك الأفهام 12: 274؛ تحرير الأحكام 4: 559؛ جامع المقاصد 6: 359.

لكن صاحب الجواهر أشكل - بعد نقل عبارة المسالك(1) وجامع المقاصد(2)- بعدم تحقق المقتضي لتعدد الشركاء في الوقف عادة(3).

وهو غريب، فإن المفروض في الكلام تحقق سائر الشرائط، حيث لا تكرر الشروط في كل فرع، فالمراد من وجود المقتضي إنّما هو مع توفر سائر الشرائط.

الشرط الثاني: كونها بين اثنين

اشارة

من شرائط الشفعة أن تكون الشركة بين اثنين، فلو تجاوز ذلك فلا شفعة، هذا هو المشهور.

والأقوال في المسألة ثلاثة(4):الأوّل: ما هو المشهور، وهو ثبوت الشفعة إذا كانت الشركة بين اثنين.

الثاني: ثبوتها في الأرض حتى مع تعدد الشركاء، دون العبد.

الثالث: ثبوتها مطلقاً، وإن كثر الشركاء كما في الشركات الكبرى.

قال في الشرائع: «وهل يثبت لما زاد عن شفيع واحد؟ فيه أقوال، أحدها: نعم، وتثبت مطلقاً على عدد الرؤوس. والثاني: تثبت في الأرض مع الكثرة

ص: 41


1- مسالك الأفهام 12: 274، وفيه: «... فلا إشكال في ثبوت الشفعة لصاحب الطلق؛ لوجود المقتضي وانتفاء المانع».
2- جامع المقاصد 6: 359، وفيه: «فرع: لو بيع الوقف في صورة الجواز تثبت للآخر الشفعة».
3- جواهر الكلام 38: 409 (37: 269 ط ق).
4- مفتاح الكرامة 18: 459.

ولا تثبت في العبد إلّا للواحد، والثالث: لا تثبت في شيء مع الزيادة عن الواحد وهو أظهر»(1).

ومنشأ الأقوال اختلاف الروايات، فلا بدّ من تحقيقها وملاحظة وجه الجمع العرفي بينها، وإلّا فالترجيح وإلّا فالتساقط؛ للتعارض والرجوع إلى الأصل العام المنتهي إلى نفيها.

أمّا القول الأوّل، فقد استدل له(2) بمجموعة من الروايات وفيها الصحاح، بالإضافة إلى عمل المشهور، ومنها:

الرواية الأولى: صحيحة(3) عبد اللّه بن سنان، عن الصادق(علیه السلام) قال:«لا تكون الشفعة إلّا لشريكين ما لم يتقاسما، فإذا صاروا ثلاثة فليس لواحد منهم شفعة»(4).

وسندها تام ودلالتها واضحة صدراً ومنتهى(5).

لكن في المسالك(6) أشكل على الدلالة بعد إقراره بكون الإشكال خلاف الظاهر، وحاصله: أن صحيحة عبد اللّه بن سنان تعارض الروايات التي

ص: 42


1- شرائع الإسلام 4: 777.
2- مسالك الأفهام 12: 280؛ جواهر الكلام 38: 414 (37: 272 ط ق).
3- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد اللّه بن سنان... .
4- الكافي 5: 281؛ تهذيب الأحكام 7: 164؛ وسائل الشيعة 25: 402.
5- الأفضل عدم التعبير عن نهاية الرواية ب-(الذيل) كما هو المتعارف، ولذا عبّرنا بالمنتهى (المقرر).
6- مسالك الأفهام 12: 282.

تمسّك بها غير المشهور، والترجيح مع الطائفة الثانية فلا بدّ من تأويل الصحيحة.

وحاصل تأويله: أن الصحيحة تنص على نفي الشفعة لشريكين ولا تنفيه بين الشريكين، فلو كانا شريكين فإن الشفعة لأحدهما لا لكليهما، حيث لا معنى لثبوتها للبائع، فلو كانوا ثلاثة وباع أحدهم ثبتت للشريكين.

قال: «... حيث إنه أثبت الشفعة للشريكين باللام المفيدة للاستحقاق أو ما في معناه، والمطلوب لا يتم إلّا إذا أريد ثبوتها بين الشريكين لا لهما»(1).ثم يشكل على نفسه بأن الاحتمال المذكور قد يتم في الصدر، أمّا المنتهى فصريح في نفي الشفعة عن الثلاثة، لكنه قابل للتوجيه أيضاً، حيث قد يكون المراد إثبات الشفعة للاثنين لا لواحد فقط، وإلّا فلا بدّ من القول بتعارض الصدر والمنتهى فتكون مجملة.

ثم يقول: إن التأويل المذكور خلاف الظاهر(2)، وإنّما صار إليه درءاً لطرح الرواية، وإلّا فلا بدّ من طرحها والتمسك بروايات غير المشهور لكثرة عددها وأصحية سندها.

واستغرب صاحب الجواهر(3) من التأويل المذكور، فإن الجمع إنّما يكون فيما لو كان عرفياً، وما ذكره خلاف ظاهر الرواية ولا يفهمه العرف، منتهى الأمر رد علمها إلى أهلها لمعارض أقوى.

ص: 43


1- مسالك الأفهام 12: 282.
2- مسالك الأفهام 12: 282.
3- جواهر الكلام 38: 420 (37: 275 ط ق).

لكن الرواية واضحة الدلالة على ما ذهب إليه المشهور، فقد استعمل الإمام(علیه السلام) (اللام) بدل (بين) لبيان الحكم الكلي، فلو باع الأوّل كان للثاني حق الشفعة وبالعكس، فتكون الشفعة ثابتة للشريكين.

ومعنى «فليس لواحد منهم» نفي الشفعة عن كلهم، وليس الواحد في قبل الاثنين حتى يثبت لهما.لكنه اختار في شرح اللمعة(1) ما هو المشهور.

الرواية الثانية: مرسلة يونس: «إذا كان الشيء بين شريكين لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره، وإن زاد على الاثنين فلا شفعة لأحد منهم»(2).

وهي معتبرة على المبنى وعليها عمل المشهور، بل كاد أن يكون إجماعاً(3).

كما استدل على ذلك بالإجماع وبالأصل(4)، وقد خرج منه الشريكان ويبقى الأكثر تحت قاعدة السلطنة.

وأمّا القول الثاني: وهو لغير المشهور، منهم ابن الجنيد(5)، وقد استدل له بروايات:

ص: 44


1- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4: 397.
2- الكافي 5: 281؛ وسائل الشيعة 25: 402.
3- مفتاح الكرامة 18: 457.
4- جواهر الكلام 38: 417 (37: 273-274 ط ق).
5- مسالك الأفهام 12: 281.

منها: معتبرة السكوني وطلحة بن زيد(1) عن الإمام الصادق عنآبائه عن أمير المؤمنين^: «الشفعة على عدد الرجال»(2).

لكنهما لا يعارضان الصحيحة والمرسلة للإعراض عنهما، وحتى لو فرض عدم الإعراض فالصحيحة أقوى سنداً فالترجيح لها، ويمكن حملها على قاعدة الإلزام، كما سيأتي.

الرواية الثانية: خبر عقبة بن خالد: «قضى رسول اللّه| بالشفعة بين الشركاء»(3).

وظاهره الثلاثة فما فوق وإن أطلق على الاثنين مجازاً.

وفي دلالته إشكال؛ إذ ليس المقصود البيع الواحد الذي فيه شركاء، بل ظاهره أن مجموع الشركاء لهم حق الشفعة في مجموع البيوع كما تقول: باع القوم أمتعتهم، أي: باع كل واحد متاعه، وأمّا من حيث الشريكين أو الشركاء في البيع الواحد فهو مجمل، يُرفع إجماله بالروايات التي تمسّك بها المشهور، وعلى فرض الدلالة فهو مرسل لا يعارض الصحيحة المعمول بها.

الرواية الثالثة والرابعة: صحيحة منصور بن حازم وحسنته في الشركاء في

ص: 45


1- الشيخ الطوسي بإسناده عن محمّد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمّد، عن البرقي، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر(علیه السلام) عن أبيه عن آبائه عن علي^. ورواها الشيخ الصدوق بإسناده عن طلحة بن زيد وهو موثق كما مرّ، والطريق إليه صحيح، وكلا السندين معتبر كما مرّ.
2- تهذيب الأحكام 7: 166؛ وسائل الشيعة 25: 403.
3- الكافي 5: 280؛ تهذيب الأحكام 7: 164؛ وسائل الشيعة 25: 400.

الطريق كما مرّ.

إلّا أنهما معرض عنهما ومحمولان على التقية كما مرّ.وعلى فرض عدم مسقطية الإعراض وعدم الحمل على التقية فلا بدّ من القول بالتخصيص؛ فإن مفاد الصحيحة والمرسلة عدم الشفعة بين الشركاء، ومفاد الصحيحتين ثبوتها في الأرض والطريق المشترك بين الشركاء، وهو يقرب من القول الثاني.

والحاصل: إن مقتضى القاعدة عدم ثبوت الشفعة بين الشركاء.

وهنا فروع:

الفرع الأوّل: أن تكون الشركة قبل البيع

إن شرط الشريكين إنّما هو قبل البيع، أمّا تعدد الشركاء بعد البيع فلا يخل بالشفعة - كما في مفتاح الكرامة(1) - فلو باع أحد الشريكين سهمه لنفرين فأصبحوا شركاء حق للشريك الأوّل الأخذ بالشفعة، وكذا العكس فيما لو كانوا شركاء ثلاثة قبل البيع فأصبحوا شريكين بعد البيع، بأن باع اثنين سهمهما لواحد، حيث لا يحق الأخذ بالشفعة؛ وذلك لأن إطلاق الأدلة والمتبادر من فتوى الفقهاء لزوم تحقق الشرط قبل البيع، ويؤيده عدم فتوى أحد الفقهاء بكون البيع لنفرين من مسقطات الشفعة.

الفرع الثاني: كون الشفعة على عدد الرؤوس أو على قدر الأسهم

على القول بثبوت الشفعة بين الشركاء فهل تكون على عدد الرؤوس

ص: 46


1- مفتاح الكرامة 18: 462.

ليقسّم المباع بين الشركاء بالتساوي، أو على قدر السهامليقسّم بينهم بالنسبة؟

في المسألة احتمالان ذكرهما واستدل لهما في المسالك(1) من دون ترجيح دليل أحدهما على الآخر.

أمّا الاحتمال الأوّل: فقد استدل له أوّلاً بروايات الشفعة، ومنها: رواية طلحة والسكوني: «الشفعة على عدد الرجال»، حيث لم يقيد بالسهام، ولا وجه للقول بكون المراد على عدد الرجال بقدر سهامهم؛ للزوم التصريح به لو أريد، بالإضافة إلى ظهوره في التساوي بين الرجال، فلا يقال: إنها في مقام بيان أصل حكم الشفعة دون كيفية التقسيم.

وثانياً: في الشريكين إذا اختلفت نسبة سهمهما، فباع أحدهما حُق للثاني الأخذ بالشفعة في كل السهم المباع، ولو كان على قدر السهام للزم الأخذ بنسبة حقه، هذا مما لا شك فيه، كذلك المقام.

وفيه نظر: فإن وجه التشبيه - على فرض الأخذ به - إنّما يكون هكذا: إطلاق الأدلة في الشريكين يثبت حقه في كل المباع، وكذلك في المقام يثبت الحق للشريكين أو الشركاء الأخر في كل المباع، وأمّا كيفية التقسيم فهو قياس مع الفارق.

أمّا الاحتمال الثاني: فقد استدل له: بأن «المقتضي للشفعة هوالشركة، والمعلول يتزايد بتزايد علته وينقص بنقصها(2) إذا كانت قابلة للقوة

ص: 47


1- مسالك الأفهام 12: 283-284.
2- والتعبير المذكور عرفي مسامحي، والأصح التعبير بالأقوى والأضعف، فإن كانت العلة أقوى كان المعلول أقوى وإلّا فأضعف (السيد الأستاذ).

والضعف»(1).

فالشركة علة الشفعة فلو زادت زادت، ولو نقصت نقصت.

وفيه نظر: فإن الشركة في السهام المختلفة علة شيء واحد وهو ثبوت أصل الشفعة، وأمّا متعلّق الشفعة فزيادته ونقصانه لا يرتبط بقوة العلة وضعفها.

وبعبارة أخرى: إن إصل الشركة - سواء بنسبة قليلة أم كثيرة - موجب لتولد حق الشفعة، والمعلول لا قوة ولا ضعف فيه، بل إمّا هو موجود أو لا. نعم، متعلّقه إمّا قليل أو كثير، وهو أجنبي عن العلة. هذا، مضافاً إلى كونه مجرد استحسان، وأن قوة وضعف العلة المؤثرة في المعلول قوة وضعفاً مسألة تكوينية، والشفعة وأمثالها قضايا اعتبارية يلاحظ فيها الدليل، وهو يدل على أصل الشفعة دون كيفيتها، فيتمسّك بإطلاقها إن كان، وإلّا فيكون مجملاً لا على قدر السهام.

وعليه فمقتضى القاعدة تمامية الاحتمال الأوّل.

الفرع الثالث: عدم الفرق بين بيع كل الحصة وبعضها

لا فرق بين بيع الشريك كل حصته أو بعضها لإطلاق الأدلة، وعليه فيختلف الحكم باختلاف الصور، كما لو باع نصف سهمه ثم وهب النصف الآخر أو بالعكس أو في آن واحد.

أمّا الصورة الأولى فيحق للشريك الأخذ بالشفعة في المباع دون

ص: 48


1- مسالك الأفهام 12: 284.

الموهوب؛ لأن الشفعة في البيع دون الهبة.

وأمّا الصورة الثانية فلا حق للشفعة أصلاً؛ لأنهم أصبحوا شركاء بعد الهبة.

وأمّا في الصورة الثالثة فله حق الشفعة في المبيع؛ لكونهما شريكين قبل البيع، وإن أصبحوا شركاء بعد البيع والهبة؛ لما مضى من لزوم شركة اثنين فقط قبل البيع.

الفرع الرابع: لو باع أحدهم حصته لأحد الشركاء

لو كان الشركاء ثلاثة فباع أحدهم حصته لأحد الشركاء، فأصبحا شريكين لم تثبت الشفعة؛ لكون الملاك الاثنينية قبل البيع.

الفرع الخامس: في اختلاف الشركاء اجتهاداً وتقليداً

لو اختلف الشركاء اجتهاداً وتقليداً في مسألة شرط الاثنينية، فلا بدّ من مراجعة حاكم آخر ينفذ حكمه عليهما، كما هو الحال في نظائره الكثيرة في الفقه، والمسألة من الأبواب المهمة في القضاء؛ وذلك لأن ترجيح تقليد أو اجتهاد أحدهما بلا مرجح، وقد جعل القاضي لحلالمنازعات(1).

تتمة

لو كان البائع والمشتري عاميين يريان ثبوتها في الشركاء، فهل للمؤمن

ص: 49


1- لو أدى الاختلاف المذكور إلى النزاع والترافع كان ما ذكر تاماً، وإلّا أمكن القول بأن يعمل كل واحد على حسب وظيفته الشرعية، فيأخذ الشريك بالشفعة ويستولي قهراً على مال المشتري، فإن تمكن المشتري من تخليص ماله فعل وكان جائزاً له حسب ما يراه من بطلان الأخذ بالشفعة، وإلّا فإن استسلم فبها، وإلّا كان التنازع والرجوع إلى القاضي (المقرر).

التابع للمشهور حق الشفعة؟

المسألة تابعة لمدى دلالة قاعدة الإلزام.

وأمّا لو كان البائع عامياً والمشتري مؤمناً أشكل الأخذ بالشفعة.

كما أنّه يمكن أن تكون روايتا السكوني وطلحة لقاعدة الإلزام لا للتقية، كما في الفقه(1).

ص: 50


1- الفقه 79: 72.

فصل: في مبطلات الشفعة

اشارة

قال في الشرائع: «وتبطل الشفعة بعجز الشفيع عن الثمن وبالمماطلة، وكذا لو هرب، ولو ادعى غيبة الثمن أجّل ثلاثة أيام، فإن لم يحضره بطلت شفعته، فإن ذكر أن المال في بلد آخر أجِّل بمقدار وصوله إليه وزيادة ثلاثة أيام ما لم يتضرر المشتري»(1).

وهنا مسائل:

المسألة الأولى: العجز عن دفع الثمن

وهو مبطل للشفعة، واستدل له بأربع أدلة(2): وهي الإجماع المدعى أو عدم الخلاف، وانصراف أدلة الشفعة إلى القادر، وأمّا غيره فيبقى في دائرة قاعدة: لا يحل مال امرئ إلّا بطيبة نفسه، وبدليل لا ضرر؛ حيث استدل الفقهاء على الخيار وعلى فوريته في العيب والغبن بلا ضرر، ومع جريانه فيهما جرى في المقام بلا فرق، وبصحيحة علي بن مهزيار(3)،قال: «سألت

ص: 51


1- شرائع الإسلام 4: 778.
2- جواهر الكلام 38: 426 (37: 280 ط ق)؛ الفقه 79: 74.
3- الشيخ الطوسي بإسناده عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفار، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي، عن علي بن مهزيار...، والنهدي حَسَن عند المشهور إلّا أن الأقوى كونه صحيحاً لكونه من مشايخ ابن أبي عمير (السيد الأستاذ).

أبا جعفر الثاني(علیه السلام) عن رجل طلب شفعة أرض فذهب على أن يحضر المال فلم ينض(1)، فكيف يصنع صاحب الأرض إذا أراد بيعها؟ أيبيعها أو ينتظر مجيء شريكه صاحب الشفعة؟ قال(علیه السلام): إن كان معه بالمصر فلينتظر به ثلاثة أيام، فإن أتاه بالمال وإلّا فليبع وبطلت شفعته في الأرض»(2).

فإن مفهومها نفي الشفعة عن غير القادر، أو يفهم ذلك بالمناط والأولوية، فمن لا مال له فلا شفعة له بطريق أولى، بل يفهم الحكم المذكور بعد ثلاثة أيام بمنطوقها.

وأشكل على ذلك صاحب الحدائق(3) بكون الرواية أجنبية عن المقام، فإن الشفعة إنّما تكون بعد البيع ومورد الرواية قبل البيع، فإن الشريك يعرض سهمه على شريكه قبل أن يبيع، فإن جاء بالثمن خلال ثلاثة أيام فهو أولى به.

لكنه غير وارد لقرائن وهي أوّلاً: إن طلب شفعة الأرض لا يشمل قبل البيع، حيث لا شفعة، فهو من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع، فمعنىالرواية أن الشريك باع سهمه فأخذ الآخر أو يريد أن يأخذ بالشفعة.

وثانياً: بقرينة الشفعة يعلم أن المقصود من صاحب الأرض المشتري لا الشريك، فالمراد أن المشتري الذي أصبح صاحب الأرض إن أراد بيع أرضه فهل يحق له ذلك فوراً أم عليه انتظار الشريك ثلاثة أيام.

وثالثاً: قوله: «بطلت شفعته» غير متحقق فيما لو كان عاجزاً قبل البيع،

ص: 52


1- نضّ بمعنى تيسّر، راجع معجم مقاييس اللغة 5: 357.
2- تهذيب الأحكام 7: 167؛ وسائل الشيعة 25: 406.
3- الحدائق الناضرة 20: 308.

حيث لا بيع أصلاً فلا شفعة حتى تبطل، فالمعنى أنه قد تحقق البيع وتولد حق الشفعة، فإن لم يأت بالثمن بطلت.

هذا ما في الجواهر(1)، وأضاف في الفقه جواباً آخر، وهو أنه على فرض ظهور الرواية فيما ذكره صاحب الحدائق من كون المراد البطلان قبل البيع فنقول: يثبت البطلان بعده بطريق أولى أو للمناط(2).

ثم إن المحقق الأردبيلي(3) أشكل على تقييد الفقهاء الرواية بالضرر؛ فإن النص مطلق فيجب عليه الانتظار سواء كان هنالك ضرر أم لا، فلا بدّ من التمسّك بإطلاقها أو الإعراض عنها، ثم رجّح الأوّل لعدم تخصيص الأدلة بالضرر، كما يشاهد في موارد كثيرة في الفقه.

ويرد عليه: إن (لا ضرر) من الأحكام الثانوية التي تقدم على العناوينالأوّلية بالحكومة، وعليه فلا بدّ من العمل بإطلاق الرواية إلّا في مورد الضرر.

وأضاف في الحدائق(4) عدم وجود موارد كثيرة للضرر في الفقه إلّا فيما كان المورد ضررياً.

ثم إن طريق معرفة عجزه اعترافه به.

وأمّا الإعسار ففيه وجهان، اختار الشهيد الثاني أن أجودهما عدم بطلان

ص: 53


1- جواهر الكلام 38: 426 (37: 279 ط ق).
2- الفقه 79: 74.
3- مجمع الفائدة والبرهان 9: 21.
4- الحدائق الناضرة 20: 308.

الشفعة به(1)، فإن الفقير قد يمكنه تحصيل الثمن ولو بالقرض، فلا تبطل الشفعة بمجرد الإعسار، ولا بأس به.

ثم إن هنا فرعين:

الأوّل: لو أخذ بالشفعة ثم ادعى الإعسار لم يسمع منه إلّا ببينة، كما لو أخذ الأرض بالشفعة ثم تنزلت قيمتها مما يشتبه أنه يدعي الإعسار فراراً عن دفع الثمن، فيؤخذ منه الثمن قهراً إن أمكن، وإن لم يمكن حُق للمشتري إبطال الشفعة.

الثاني: لو ادعى اليسار ليأخذ بالشفعة، وعلم بعدم قدرته، قيل: لم ينفع ذلك في أخذه بالشفعة، وقيل: لو أخذ بها ولم يتمكن من تسديد الثمن ورضي المشتري بالصبر أو بأخذ رهن أو عوض فهو؛ لأن الحق لايعدوهما.

المسألة الثانية: المماطلة في الأداء

اشارة

ولا يخفى أن فورية الأخذ بالشفعة - كما سيأتي الكلام عنه - غير مماطلة الأداء، فلا بدّ من تنقيح موضوع المماطلة، ثم بيان دليل بطلانها بها.

قال في المسالك: «والمراد بالمماطل القادر على الأداء ولا يؤدّي»(2)؛ وذلك بأن يكون قد أخذ بالشفعة لكن يماطل في دفع الثمن، أمّا القادر المريد للأداء لكن يمنعه مانع فسيأتي حكمه، حيث يمهل ثلاثة أيام. وأمّا العاجز عن الأداء فلا شفعة له أصلاً.

وحيث لم تنقح العناوين الثلاثة عند البعض اضطربت آراؤهم.

ص: 54


1- مسالك الأفهام 12: 284.
2- مسالك الأفهام 12: 284.

والكلام في وجه بطلان شفعة المتمكن المماطل من دون مانع، فقد ادعى الجواهر على ذلك الاتفاق(1)، هذا أوّلاً.

وثانياً: إن حق الشفعة خلاف القاعدة فيتمسّك بما دل عليه الدليل، وهو يشمل المماطل في الآن الأوّل دون ما بعده.

لكنه محل تأمل؛ لأن إطلاق الدليل المخصص لقاعدة (لا يحل مال امرئ) مقدم على الأصل.وثالثاً: دليل (لا ضرر) فإن المماطلة ضرر، فتبطل الشفعة لرفع الضرر عن المشتري.

لكنه أخص من المدعى، فقد لا يكون ضرراً عليه كما في التأخير ساعة، وكما لو اشتراه نسيئة من البائع فمع المماطلة لا يترتب ضرر على المشتري(2).

ثم إنه لا وجه لانحصار رفع الضرر بإبطال الشفعة، بل يرفع الضرر بإثبات حق الفسخ أيضاً، والترجيح مع الثاني ليكتفى بأقل ما يوجب رفع الضرر، كما في إثبات حق الفسخ في خيار العيب والغبن، دون إبطال البيع.

والحاصل: إن مقتضى القاعدة ثبوت حق الفسخ للمشتري دون إبطال حق الشفعة بالمماطلة، فتأمل.

ص: 55


1- جواهر الكلام 38: 428 (37: 281 ط ق).
2- وفيه نظر: لما ذكر في (لا ضرر) أنه يرفع ما من شأنه الضرر بغض النظر عن المتضرر، ولذا فإن الضرر اليسير مرفوع وإن كان درهماً، سواء كان المتضرر فقيراً أم غنياً لا يعبأ بمثله (المقرر).

وهنا فروع:

الفرع الأوّل: حق إبطال شفعة المماطل على الفور أم التراخي؟

لو ماطل في الأداء، حق للمشتري إبطال الشفعة، فهل هذا الحق على الفور؟مقتضى القاعدة كونه فورياً، كما في خيار الغبن والعيب؛ فإن حق الفسخ خلاف الدليل العام من وجوب الوفاء، ففي الآن الأوّل يخصص الدليل العام، وأمّا بعده فيجري الدليل، وهو أمارة ولا مجال لاستصحاب الخاص لأنه أصل، كما أنه استصحاب مسببي. وإن أبيت إلّا التمسّك بالخاص فهو من التمسّك به في الشبهة المصداقية، فتكون النتيجة خروج ما خصص قطعاً ويبقى الباقي تحت دائرة العام، وفي المقام لو ماطل الشريك كان للمشتري الخيار، فإن صبر سقط خياره، وعليه أن يراجع الحاكم الشرعي لأخذ حقه من الشفيع.

إن قلت: حددت صحيحة ابن مهزيار المهلة بثلاثة أيام.

قلت: المقام يختلف عن مورد الصحيحة فإن موردها غير المماطل، وتعديته إلى المقام مع الفارق، إلّا أن يقال بالأولوية، فمن يريد الأداء ويمنعه مانع فلا حق له أكثر من ثلاثة أيام، فالمماطل لا حق له بطريق أولى(1).

ص: 56


1- وفيه نظر: فإن الكلام ليس فيما بعد الثلاثة، بل في الآن الثاني، فلا وجه للأولوية المذكورة بالنسبة إليه، فمن يريد الأداء مع وجود مانع قد يُمهل ثلاثة أيام، وأمّا المماطل فقد لا يمهل حتى ساعة واحدة (المقرر).

ثم ذكر في مفتاح الكرامة(1) أنه لو علم بمماطلته - كما لو كان دأبه ذلك - فلا يسقط حقه في الشفعة بالعلم المذكور، فإن المماطلة منالمسقطات لا العلم بها.

وبعبارة أخرى: إن الوجود الخارجي للشيء مانع لا العلم بتحققه مستقبلاً.

ثم إنه لا فرق بين المماطلة في كل الثمن أو بعضه لإطلاق الدليل، فكما يتحقق الضرر بالكل يتحقق بالبعض.

ثم إنّه لو كانت المماطلة بحق - كما لو منعه عن حقه مقابل منعه عن حقه على القول بجواز ذلك أو ماطل ليدفع الظالم عنه - فقد يقال: إن الأمر مرتهن بالضرر فيكون الحكم تابعاً له، إلّا أن يخرج عنه موضوعاً، وعليه لو صدق الضرر لم يفرق بين كون المماطلة بحق أو بباطل.

الفرع الثاني: الهارب وأمثاله ممن لا يستطيع الأخذ بالشفعة

يقع الكلام في الهارب وأمثاله ممن لا يستطيع دفع الثمن، فهل يسقط حقه فيها؟

وفيه تفصيل: فإن فرّ قبل الأخذ بالشفعة فلا شفعة له، ل-(لا ضرر).

أمّا لو أخذ بها ثم فرّ ولم يؤد الثمن حُق للمشتري أخذ الثمن قهراً تقاصاً، وإن لم يمكنه كان له الفسخ ل-(لا ضرر) إن لم يكن هنالك إجماع على البطلان رأساً.

ص: 57


1- مفتاح الكرامة 18: 466.

ثم ذكر العلامة في التذكرة(1) خلافاً للقواعد(2) والتحرير(3) أنالحاكم هو هو الذي يفسخ ولا يحق للمشتري الفسخ رأساً، ولم يستدل له، ولم نجد له دليلاً إلّا أن الحاكم ولي الممتنع والقاصر، والفار غائب فيعد قاصراً.

لكنه غير تام؛ لأن الفسخ من طرف المشتري وهو حاضر فلا ولاية عليه، وهو متضرر فله حق الفسخ ب-(لا ضرر) كما هو الحال في سائر موارد الفسخ، حيث لم يجعل الفقهاء حق الفسخ للحاكم، بل للمتضرر الحق من دون مراجعة الحاكم، والمقام غير مستثنى منها، وتقييد دليل الفسخ بلزوم مراجعة الحاكم قيد زائد ينفى بالأصل.

ثم أشكل السيد الوالد في الفقه(4) بوجه آخر، وهو: إن الفسخ ليس من شؤون القاضي العرفي إلّا إذا رجعوا إليه، فلا يكون من شأن القاضي الشرعي أيضاً، كما ذكر تفصيله في كتاب القضاء في مباحث صلاحيات القاضي الشرعي.

المسألة الثالثة: في غيبة الثمن

قال في الشرائع: «ولو ادعى غيبة الثمن أجّل ثلاثة أيام، فإن لم يحضره بطلت شفعته، فإن ذكر أن المال في بلد آخر أجّل بمقدار وصوله إليهوزيادة

ص: 58


1- تذكرة الفقهاء 12: 322.
2- قواعد الأحكام 2: 250.
3- تحرير الأحكام 4: 560.
4- الفقه 101: 161.

ثلاثة أيام ما لم يتضرر المشتري»(1).

قيل: في العبارة قصور إذ المراد بمقدار وصوله إليه ورجوعه عنه وزيادة الثلاثة(2).

وعلى أيّ حال، فإن الدليل على المهلة المذكورة صحيحة ابن مهزيار(3) حيث قال(علیه السلام): «وإن طلب الأجل إلى أن يحمل المال من بلد آخر فلينتظر به مقدار ما يسافر الرجل إلى تلك البلدة وينصرف وزيادة ثلاثة أيام إذا قدم»(4)، والدليل على تقييده بعدم ضرر المشتري هو حكومة (لا ضرر) على العناوين الأوّلية، فمع عدم الضرر فالمحكّم إطلاق الرواية.

والمهلة المذكورة مشروطة بعدم صدق المماطلة لما في الصحيحة بكون المال غير ميسور، أمّا مع كونه ميسوراً فهو من المماطلة التي مضى الكلام عنها.

ثم إذا كان بدء الآخذ بالشفعة في الفجر كانت المهلة ثلاثة أيام وليلتين. نعم، في الملفق - كما لو بدأت المهلة في وسط النهار حيث يلزمإكماله من اليوم الرابع - تدخل الليلة الثالثة أيضاً، والظاهر أن اليوم عرفاً هو النهار ولا يشمل الليل، وإن أطلق عليه، لكنه إطلاق توسعي مجازي. نعم، تدخل

ص: 59


1- شرائع الإسلام 4: 778.
2- راجع مسالك الأفهام 12: 285. لكن يمكن أن يقال: إن الضمير في (وصوله) عائد إلى (المال) وفي (إليه) عائد إلى الشفيع. نعم، لو عاد الضمير الأوّل إلى الشفيع والثاني إلى المال لكان القصور بيناً، لكن لا وجه لذلك (المقرر).
3- مرّ ذكر سندها.
4- تهذيب الأحكام 7: 167؛ وسائل الشيعة 25: 406.

الليالي المتوسطة حيث لا معنى لإخراجها منه.

وتفصيل الكلام في ذلك في العدة والحيض وإقامة المسافر.

ثم إنه لو كان المال في بلد آخر لم يلزم عليه المشي سريعاً، كما لا يكفي المشي البطيء الأقل من المتعارف، ولو انتظر الرفقة بحيث كان خروجه قبلهم خطراً حُسب من المهلة ولم يمكن مماطلة.

ولو استلزم تحصيل الرفقة دفع المال لهم ليعجلوا الذهاب لم يلزم، فإن ظاهر الدليل الذهاب والإياب المتعارف.

ثم إن وصل المال إليه لم يحق له تأخير الأداء إلى نهاية الثلاثة، فإن ظاهر التحديد كونها نهاية مدة حق الشفعة ليحق له الفسخ لا أن معناه جواز التأخير عمداً، فإن قوله(علیه السلام) (لم ينض) أي: لم يتيسر، فيمهل ثلاثة أيام ليتيسر فيلزم عليه الأداء متى تيسر، ومع عدمه دخل في المماطلة.

ص: 60

فصل: في من يحق له الشفعة

اشارة

قال في الشرائع: «وتثبت الشفعة للغائب والسفيه وكذا للمجنون والصبي...»(1).

وهنا مسائل:

المسألة الأولى: في ثبوت الشفعة للغائب ونحوه

اشارة

ولا يختص الحكم بالغائب، فالحاضر الجاهل بالبيع أيضاً له حق الشفعة وإن مضت مدة مديدة، فمتى ما حضر الغائب أو علم الحاضر حُق له الأخذ بها.

واستدل له بالإجماع(2) المستفيض نقله، والروايات(3) ومنها معتبرة السكوني عن الصادق(علیه السلام) عن أمير المؤمنين(علیه السلام): «... وللغائب شفعة»(4).

وهو مطلق يشمل جميع الصور إلّا فيما انصرف النص عنه.وأمّا الحاضر الجاهل فيشمله إطلاق أدلة الشفعة، بعد عدم شمول أدلة

ص: 61


1- شرائع الإسلام 4: 778.
2- الخلاف 3: 431؛ تذكرة الفقهاء 12: 283؛ مفتاح الكرامة 18: 484؛ جواهر الكلام 38: 434 (37: 286 ط ق).
3- مفتاح الكرامة 18: 484؛ جواهر الكلام 38: 435 (37: 286 ط ق).
4- الكافي 5: 281؛ وسائل الشيعة 25: 401.

فورية الأخذ بالشفعة له.

نعم، قيد صاحب الجواهر الحكم في الغائب بما إذا لم يتمكن من الأخذ بنفسه أو وكيله، وإلّا فإن أخّر مع إمكان المطالبة كذلك بطلت شفعته(1).

فللغائب حق الشفعة إذا كان غير قادر على الأخذ بالشفعة إنشاءً أو عملاً بنفسه أو بوكيله لعدم علمه، أو لأيّ جهة أخرى، أمّا مع القدرة فالدليل منصرف عنه.

كما أن السيد الوالد(2) استثنى المدة الطويلة، فلو علم بعد نصف قرن - مثلاً - لم يكن له حق الشفعة؛ لانصراف الدليل عنه.

فإن تمّ الانصراف فبها، ومع الشك - حيث إن فهم الانصراف وجداني لا برهاني - شمله إطلاق الدليل، فلا فرق بين المدة الطويلة والقصيرة كما في الجواهر(3).

ثم إن الوكيل العام له حق الأخذ بالشفعة مع المصلحة، فإن مقتضى الوكالة العامة الأخذ بالحقوق أيضاً شريطة ملاحظة مصلحة الموكّل، مندون إلزام؛ فإن الوكالة العامة لا توجب عليه شيئاً وإنّما تجوز له ذلك(4).

لكنه على إطلاقه محل تأمل، فقد يشترط الموكّل العمل بالمصلحة وقد

ص: 62


1- جواهر الكلام 38: 435 (37: 286 ط ق).
2- الفقه 79: 87.
3- جواهر الكلام 38: 435 (37: 286 ط ق).
4- إن قبل الوكالة كان عليه مراعاة مصلحة الموكل فيلزم عليه الأخذ بالشفعة إن كانت مصلحة ملزمة وإلّا جاز (المقرر).

يُطلق، فالمنصرف منه العمل حسب المصلحة، وقد يصرح بالعمل وإن كانت مضرة، فقيد مصلحة الموكّل إنّما هو قيد غالبي.

ولو لم يأخذ الوكيل بالشفعة جوازاً أو عصياناً - على فرض الوجوب - لم يسقط حق الموكّل؛ لإطلاق الأدلة.

أمّا الوكيل في مجرد أخذ المال فعليه الأخذ وإن لم تكن مصلحة، بل كانت بضرر الموكّل، حيث إنه أقدم بنفسه على الضرر.

ثم إن الميزان فيها المصلحة الظاهرية، وإن كانت الألفاظ موضوعة للمعاني الحقيقية الواقعية لانصرافها إليها، حيث لا نص على المصلحة في الروايات، بل العنوان متصيّد من مختلف الأدلة فلا ندور مدارها، بل الملاك العرف، والعمل بالمصلحة عندهم هو المصلحة الظاهرية، فلو تنزلت القيمة بعد الشراء فتبين أنه خلاف المصلحة الواقعية لم يعتبر مخالفاً للمصلحة عرفاً؛ لأن اللفظ ملقى إليهم والملاك عندهم الظاهر. نعم، مع العلم بالمصلحة الواقعية كان ملزماً بها.

ثم قال العلامة في التحرير: «لو ترك هذا الوكيل الأخذ كان للغائبالمطالبة بها مع قدومه، سواء ترك الوكيل لمصلحة أو لا»(1).

فلو لم يأخذ الوكيل بالشفعة - لعدم علمه أو لعدم المصلحة أو لأيّ سبب آخر - فللموكّل عند قدومه حق الشفعة على كل التقادير، فإن حق الوكيل لا يكون سبباً لإسقاط حق الموكّل؛ لأن إطلاق دليل حق الغائب يشمل هذه الصورة أيضاً.

ص: 63


1- تحرير الأحكام 4: 561.

ثم إن للوكيل العام حق إسقاط الشفعة إن كان وكيلاً عاماً بما يشمل إسقاط الحقوق أيضاً، فلو أسقطها لم يبق للموكّل الحق. نعم، لو لم تكن وكالته كذلك كان إسقاطه لغواً.

ثم إن صاحب الجواهر قسّم الشفعة إلى قولي وعملي، فلو وصل خبر البيع إلى الغائب فلا قدرة له على الأخذ بالشفعة عملاً، حيث لا يمكنه التسليم والتسلم لكن له القدرة على الأخذ القولي، فهل يلزم عليه ذلك بحيث إن لم يأخذ سقط حقه؟

قال: «أمّا لو ترك الطلب، بمعنى إنشاء الأخذ قولاً بعد علمه بالحال، وعدم تمكنه من المسير والتوكيل في دفع الثمن، فلم أجد لهم تصريحاً فيه، ولكن ينساق من فحواه(1) عدم بطلان الشفعة؛ لعدم ثبوت الفوريةعلى الوجه المزبور، والأصل بقاؤها»(2).

فإن دليل فورية الشفعة لا يشمل الأخذ القولي، ولو شك يستصحب(3).

لكن يبدو للنظر أن أدلة الفور - كما ستأتي - تشمله أيضاً، فلو لم يأخذ قولاً سقط حقه؛ وذلك لأن حق الشفعة غير منحصر في الأخذ العملي، بل هو

ص: 64


1- أي: فحوى الدليل.
2- جواهر الكلام 38: 436 (37: 286-287 ط ق).
3- لا مجال للاستصحاب، فإنه أصل عملي وبعد شمول العام (لا يحل مال امرئ إلّا بطيبة نفسه) للآن الثاني لم يبق مجال للاستصحاب. وبعبارة أخرى: خرج من عدم جواز التصرف في مال الغير الآن الأوّل بدليل الشفعة، وأمّا الآن الثاني، حيث يشك أن الخاص شمله أم لا، كان دليل العام جارياً، فلا مجال للاستصحاب، كما مضى نظيره من السيد الأستاذ في غير موضع، فراجع (المقرر).

كسائر الحقوق في العقود، فكما أنه بالعقد ينتقل الملك وإن لم يتم التسليم والتسلم، كذلك في الإيقاع، فإن بمجرد الأخذ بالشفعة قولاً ينتقل الملك من المشتري إلى الشفيع، فلو لم يسلمه الثمن كان للمشتري حق الفسخ.

ولو أخذ بالشفعة قولاً فتضرر المشتري أبطلها ب-(لا ضرر) حتى يحضر، فإن حضر فله الأخذ بالشفعة عملاً، فإن الأخذ القولي لا يسبب سقوط حقه العملي.

وتظهر الثمرة في المدة المتخللة، فإنه مع الإبطال يكون النماء للمشتري ومعه عدمه فللشفيع.

وهنا فروع:

الفرع الأوّل: عدم اعتبار إشهاد الغائب حين الأخذ بالشفعة

لو أخذ الغائب بالشفعة لم يلزم عليه الإشهاد، كما لا يلزم في سائر العقود والإيقاعات إلّا في مثل الطلاق.

قال في الجواهر: «لا تسقط شفعته بترك الإشهاد وإن تمكن منه فضلاً عما لو عجز عنه، أو قدر على إشهاد مَن لا يُقبل قوله، أو على مَن لم يقدم معه، أو مَن يحتاج إلى التزكية»(1)؛ وذلك لعدم أخذ الشهود في دليل الشفعة.

الفرع الثاني: حكم المسجون والمريض العاجز

هل يُلحق المسجون أو المريض العاجز أو الحاضر الذي لا يعلم بالبيع

ص: 65


1- جواهر الكلام 38: 436 (37: 286 ط ق)

بالغائب في الحكم، فلا يسقط حقه في الشفعة بمرور الزمن، فله الحق بالأخذ بمجرد العلم والقدرة؟

قال في الجواهر: «وكذا المريض الذي لا يتمكن من المطالبة بنفسه ولا بوكيله، ونحوهما المحبوس ظلماً أو بحق يعجز عنه، أمّا إذا كان محبوساً بحق يقدر عليه فهو كالمطلق»(1).

وإنّما يسقط حقه لإمكان أخذه بالشفعة بالقدرة على المقدمة، حيث يمكنه الخروج من السجن بإعطاء الدين لكنه يماطل.وأشكل الوالد(2) على ذلك بأن سقوط حق الشفعة وعدمه لا يدور مدار الحبس بحق أو بظلم، وإنّما يدور مدار قدرته على إنقاذ نفسه أو عدمها، فمن حبس ظلماً وتمكن من إنقاذ نفسه لكنه أهمل ذلك سقط حقه في الشفعة، فإنه قادر ولو بالقدرة على المقدمة، ومَن لم يمكنه ذلك لم يسقط حقه، سواء حبس بحق أم بظلم.

وأمّا الدليل على إلحاق الحاضر غير المتمكن بالغائب في عدم سقوط حقه بعد عدم النص على ذلك أمور:

أوّلاً: شمول إطلاقات أدلة الشفعة له بعد انصراف أدلة الفور عنه.

ثانياً: شمول ملاك الغائب له؛ لعدم خصوصيته، وتخصيصه بالذكر في كلمات الفقهاء تبعاً للروايات؛ لأنه المورد الغالب، فالأمر يدور مدار عدم التمكن كما ذكره الفقهاء.

ص: 66


1- جواهر الكلام 38: 436-437 (37: 287 ط ق).
2- الفقه 79: 88 .

ثالثاً: المريض والمحبوس من مصاديق الغائب توسعة للّفظ.

لكنه خلاف الظاهر والتوسعة مجاز ولا قرينة عليها.

وقيل: إن إطلاق بعض الروايات تنفي الشفعة عنه، كصحيحة ابن مهزيار(1): «إن كان معه بالمصر فلينتظر به ثلاثة أيام، فإنأتاه بالمال وإلّا فليبع وبطلت شفعته في الأرض»(2)، فقوله(علیه السلام): «إن كان معه بمصر» مطلق يشمل الجاهل والمحبوس والمريض وغيرهم، وهو يخصص أدلة الشفعة.

وفيه نظر: فإنها ليست في مقام البيان من هذه الجهة، بل في مقام بيان حكم الحاضر المتمكن الذي ذهب ليحضر ماله، حيث يُمهل ثلاثة أيام، فالرواية غير ناظرة إلى غير المتمكن لمرض أو جهل، فلا تقيد الأدلة العامة.

الفرع الثالث: في ثبوت الشفعة للمغمى عليه

لا يسقط حق شفعة المغمى عليه، قال في الجواهر: «ينتظر إفاقته وإن تطاول الإغماء»(3).

ولا يقوم بذلك وليّه؛ إذ لا ولاية لأحد عليه، ولا وكيله بناءً على بطلان الوكالات بالإغماء، فينتظر إلى أن يفيق لشمول أدلة الشفعة له.

وقد يقال: إن قوله تعالى: {وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ}(4) يدل على ولاية الأب والجد عليه بعد خروج سائر الأرحام عن الولاية على الصبي

ص: 67


1- مرّ ذكر سندها.
2- تهذيب الأحكام 7: 167؛ وسائل الشيعة 25: 406.
3- جواهر الكلام 38: 438 (37: 288 ط ق).
4- سورة الأنفال، الآية: 75؛ سورة الأحزاب، الآية: 6.

فيخرجون عن الولاية على المغمى عليه بطريق أولى، وأيضاًللملاك في الصبي والمجنون، ولو فرض عدم ولايتهما عليه فالحاكم ولي عليه؛ لأنه وليّ الغائب والممتنع والقاصر ونحوهم، والمغمى عليه أحدهم.

لكن الالتزام بذلك مشكل؛ فإن الأولوية المذكورة في الآيتين فسّرت في الروايات الشريفة بالإمرة والخلافة في إحداهما، وبالإرث(1) في الأخرى على نحو المورد لا أحد المصاديق، لا أقل من الشك في إطلاقهما.

وأمّا شمول ملاك أدلة الصبي والمجنون للمغمى عليه فتابع للقطع به، وإلّا فهو أشبه بالقياس.

الفرع الرابع: في ثبوت الشفعة للسكران

هل الشفعة ثابتة للسكران فيما لو طال سكره؟ وهل أخذه بالشفعة في حال سكره معتبر؟

يمكن أن يقال: إن طول مدة السكر لا يسبب سقوط حقه في الشفعة؛ لنفس الدليل في الغائب والمريض، فإنه وإن كان سكره حراماً لكنه ليس مسوغاً لضياع حقه، حيث لا تلازم بين حرمة شيء وسقوط الحق عن شيء آخر.

وأمّا لو أخذ بالشفعة في حال سكره فإن كان مسلوب الإدراك فلااعتبار بأقواله وأفعاله، وما ورد من صحة عقد السكرى(2) أعرض عنه المشهور، بالإضافة إلى ضعف سنده، وعلى فرض الاعتبار فخاص بمورده.

ص: 68


1- راجع البرهان في تفسير القرآن 2: 721-722؛ و4: 412-413.
2- عوالي اللئالي 3: 313.

وإن كان غير مسلوب الإدراك، كالسكر الخفيف غير المانع عن الشعور والإدراك، فيصح الأخذ بالشفعة معه بشرط تحقق القصد منه.

المسألة الثانية: الإكراه على الأخذ بالشفعة

إن المكره لو أجبر على الأخذ بالشفعة فإن لم يقصد الألفاظ، بل نطقها لقلقة كان لفظه لغواً، وإن قصد اللفظ لكن كان منشؤه الإكراه والخوف بحيث لو لم يكن إكراه لم يأخذ شمله دليل رفع الإكراه.

ثم هل معناه إمكان الإبطال أو البطلان؟

قد يقال: إن الرفع إنّما هو رفع للإلزام في العقود، لا في الإيقاعات، وتفصيل البحث في المكاسب(1).

وأمّا الإكراه على عدم أخذ الشفعة، فحيث لم يتحقق الإنشاء ولو بسبب الإكراه فلا شفعة. نعم، لو ارتفع الإكراه حُق له الأخذ لنفس دليل الغائب.

المسألة الثالثة: في ثبوت الشفعة للسفيه

اشارة

أمّا السفيه فهو لغة(2) القليل العقل، وله مظاهر فقد يكون قليل العقل في كل الجوانب، وقد يكون في جانب واحد، وقد يكون عاقلاً في كل الموارد إلّا في التصرفات المالية.

والمراد منه في الفقه(3) من لا يحسن التصرف عقلائياً في أمواله، كلاً أو

ص: 69


1- راجع حاشية المكاسب، للإيرواني 1: 47؛ والمكاسب، للشيخ الأعظم 3: 308، وغيرهما.
2- الصحاح 6: 2234؛ معجم مقاييس اللغة 3: 79.
3- المختصر النافع: 141؛ تحرير الأحكام 2: 535.

غالباً، ومثله يحجر عليه فلا يحق له التصرف في أمواله فيتصرف الولي عنه.

وللسفيه حق الشفعة لإطلاق أدلتها، فليس السفه مانعاً عنه، لكنه ممنوع عن الأخذ بها، ويكون الأمر لوليه حسب الأدلة التي ذكرت في محلها(1).

واشترط المشهور(2) أن يكون تصرّف الولي حسب مصلحة المولى عليه، وهو الأصح، وأفتى جمع من الفقهاء(3) بكفاية عدم المفسدة، وعن المحقق النائيني(4) جوازه حتى مع المفسدة بشرط أن يقدم على مثله العقلاء، كما في بيع البيت بأقل من قيمته لذي رحم.وذهب في الجواهر(5) إلى احتمال الصحة من دون حاجة إلى الولي فيما لو رضي المشتري بالبقاء في ذمته أو إبرائها له وإن كان خلاف ظاهر الأصحاب.

لكنه محل تأمل؛ لظهور الأدلة في الحجر عليه في جميع تصرفاته المالية حتى فيما كانت لمصلحته. نعم، قد يقال: بأنه حيث لا يلزم مباشرة الولي للتصرف أمكنه التوكيل لمن يقوم بالعمل وإن كان السفيه نفسه؛ لعموم أدلة الوكالة، كما يحق للصبي أن يشتري بإذن أو وكالة الولي، وعليه السيرة في المعاملات، فتأمل.

ص: 70


1- جواهر الكلام 38: 439 (37: 289 ط ق).
2- قواعد الأحكام 3: 69؛ مستند الشيعة 16: 169.
3- مفتاح الكرامة 18: 477.
4- كتاب المكاسب والبيع 2: 331؛ منية الطالب 2: 226.
5- جواهر الكلام 38: 440 (37: 289 ط ق).

فرع: لو أصبح السفيه عاقلاً

لو لم يأخذ الولي بالشفعة فأصبح السفيه عاقلاً، فهل يمكنه الأخذ بالشفعة؟

فيه صور ثلاث:

الصورة الأولى: أن يكون الولي قد قصّر في مصلحة المولّى عليه، فظاهر الأمر أن تقصيره لا يوجب سقوط حق المولى عليه؛ لإطلاق أدلة الشفعة وعدم شمول أدلة الفور له، كما سيأتي تفصيله.

وأشكل عليه بأن ظاهر أدلة الشفعة ثبوتها من حين العقد، فلا يمكن القول بثبوتها من حين الكمال.وفيه: لا نقول بتولد حق الشفعة من حين الكمال، بل من حين العقد، وإنّما له الحق بالأخذ بها من حين الكمال.

الصورة الثانية: أن يكون عدم أخذه بالشفعة رعاية للمصلحة، ثم كمل المولى عليه وأراد الأخذ بالشفعة لمصلحة متولدة أو خلافاً للمصلحة، وفيه احتمالان:

الأوّل: سقوط حق المولى عليه كما ذكره العلامة في القواعد حيث قال: «وتثبت للصغير والمجنون ويتولى الأخذ عنهما الولي مع المصلحة، فلو ترك فلهما بعد الكمال المطالبة، إلّا أن يكون الترك أصلح»(1).

وهو الأقرب لشمول أدلة الفور له من دون انصراف.

الثاني: عدم سقوطه لإطلاق أدلة الشفعة(2).

ص: 71


1- قواعد الأحكام 2: 244.
2- مفتاح الكرامة 18: 477.

ويضعف بما ذكر من تقييد أدلتها بدليل الفور، وحيث كان عدم أخذ الولي لمصلحته شملته أدلة الفور من دون انصراف.

الصورة الثالثة: أن يسقط الولي حق الشفعة، لكن حيث يلزم أن تكون تصرفاته في إطار المصلحة يكون إسقاطه لغواً لا أثر له.

ووجه ذلك أن الأخذ بالشفعة إن كان مصلحة فلا حق له في إسقاطه، بل الإسقاط مفسدة، وإن كان مفسدة فهو ساقط تلقائياً، فيكون إسقاطه لغواً.

ولو قلنا ببقاء حق الشفعة للمولّى عليه حتى مع عدم أخذ الولي وعدم المصلحة، فلا وجه لإسقاطه أيضاً؛ لإمكان إرادة المولّى عليه الأخذ بها بعد الكمال.

فعلى كل التقادير لا وجه متصوّر لإسقاط الحق، فلا يحق للولي إسقاطه مطلقاً، سواء كان الأخذ بالشفعة لمصلحته أم بمفسدته(1).

المسألة الرابعة: في ثبوت الشفعة للصبي والمجنون

اشارة

يشترك الصبي والمجنون مع السفيه في غالب المسائل، وهنا فروع أخرى، ومنها:

الفرع الأوّل: لو تدارك الولي المفسدة

في جواز أخذ الولي بالشفعة فيما لو كان مفسدة يتداركها هو فتنقلب مصلحة، أو تخرج عن كونها مفسدة على المبنى بحيث لا يتضرر المولّى

ص: 72


1- قد يتصور وجه لإسقاط حق الشفعة، وذلك بأن يكون الإسقاط حسب مصلحة ملزمة للمولّى عليه بحيث لو تركه سبب ضرراً عليه، كما لو كان المشتري ظالماً يطالب بإسقاط حق الشفعة وإلّا أضر المولّى عليه (المقرر).

عليه، احتمالات، كما لو باع الشريك حصته بأضعاف قيمتها الحقيقية فأخذ الولي بالشفعة وتدارك الفارق من نفسه، والمسألة عامة في كل تصرفات الولي، وهذه الاحتمالات هي:الاحتمال الأوّل: الجواز؛ لعدم المفسدة، والمفسدة التقديرية غير ضارة، فإن الألفاظ وضعت للمعاني الحقيقية لا التقديرية، وبعبارة أخرى: ما فيه التدارك لا مفسدة فيه أصلاً، فهو سالبة بانتفاء الموضوع، فيكون جائزاً، وهذا هو الأقرب.

الاحتمال الثاني: عدم الجواز لكونها مفسدة وإن كانت متداركة، فيشملها إطلاق الدليل الدال على عدم جواز تصرف الولي فيما هو مفسدة، إلّا أن يقال بعدم إطلاقها؛ لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة أو انصرافها.

الاحتمال الثالث: التفصيل بين التدارك قبل الفعل أو حينه أو بعده مباشرة، فقد لا يطلق عليه المفسدة أصلاً، وبين التدارك بفصل بأن يسدد الثمن من مال المولّى عليه ثم يتداركه أو يضمنه في ذمته، فقد يطلق عليه المفسدة.

الفرع الثاني: في وجوب منع الضرر عن المولّى عليه وعدمه

لو كان الأخذ بالشفعة مصلحة وعدمه مفسدة، فهل يجب على الولي ذلك؟ وبعبارة أخرى: هل يجب على الولي منع الضرر عن المولّى عليه؟ والمسألة عامة في كل تصرفات الولي، فيه احتمالان:

الاحتمال الأوّل: ما ذكره في مفتاح الكرامة(1) من عدم الوجوب،فإن

ص: 73


1- مفتاح الكرامة 18: 478.

الولي ممنوع عن فعل المفسدة ويجوز له فعل المصلحة، لكن لا يجب عليه دفع المفسدة وذلك للأصل، ولذا ورد في تعبير الفقهاء (فللولي) دون (فعلى الولي)، ويشهد له أنه لم يصرح أحدهم بالوجوب.

اللّهم إلّا مع انطباق عنوان ثانوي، كما لو استلزم تركه تلف مال كثير يجب حفظه، فلا يختص ذلك بالولي.

الاحتمال الثاني: ما ذكره السيد الوالد في الفقه(1) من التفصيل بين كون الإهمال موجباً للمفسدة في أموال المولّى عليه فيجب على الولي دفعها، وبين ما لو كان إهماله موجباً لفوات مصلحة فلا يجب، حيث لا تلازم بين المصلحة والمفسدة فعلاً وتركاً، فمع كون الأخذ بالشفعة مصلحة، فإن كان تركه مفسدة وجب الأخذ، وإن لم يكن في تركه مفسدة، بل مجرد فوات المنفعة لم يجب.

وقد بحث في قاعدة (لا ضرر) أن عدم النفع ليس ضرراً وإن أطلق عليه الضرر توسعاً.

ويدل على ذلك وجوب تحصيل غرض المولى من نصب الولي وهو درء المفسدة عن أموال المولّى عليه.

والبحث في وجوب تحصيل غرض المولى موكول إلى الأصول.

الفرع الثالث: لو قصّر الولي في الأخذ بالشفعة

لو قصّر الولي في الأخذ بالشفعة مع كونه مصلحة أو تركه مفسدة لم

ص: 74


1- الفقه 79: 98-99.

يسقط حق المولّى عليه في الشفعة بعد كماله؛ لعدم شمول أدلة الفور لما كان صاحب الحق قاصراً لغيبة أو جنون أو صغر أو حبس أو ما أشبه، بعد شمول أدلة الشفعة له.

ثم إنه يحق للولي الأخذ بالشفعة بعد الإهمال، ولا يكون تأخيره سبباً لسقوطه؛ لثبوت الحق للمولّى عليه، وحق الولي تابع لحقه. نعم، لو سقط حق المولّى عليه سقطت ولايته.

أمّا لو كانت الفترة طويلة بحيث سببت ضرراً للمشتري فقد يقال بحكومة (لا ضرر) على إطلاق دليل الشفعة.

ولصاحب الجواهر(1) كلام مشعر بعدم سقوط الحق حتى مع الضرر، وربما كان قصده من ذلك خصوص ما لو أقدم المشتري على الضرر، حيث اشترى ما فيه حق القاصر، فلا يشمله دليل (لا ضرر).

لكنه محل تأمل؛ لأنه أقدم على النفع لا الضرر كما مضى الكلام فيه في كتاب الغصب فراجع، بالإضافة إلى كونه أخص من المدعى، فقد لا يعلم المشتري بذلك فلا يكون إقداماً على الضرر.

الفرع الرابع: إذا لم يأخذ الولي بالشفعة وجاء ولي جديد

لو لم يأخذ الولي بالشفعة لعدم المصلحة، ثم جاء ولي جديد، لم يكن لهحق الأخذ بالشفعة، بناءً على سقوط حق الشفعة من دون حاجة إلى الإسقاط؛ وذلك لعدم ثبوته للمولّى عليه. وأمّا لو لم يأخذه إهمالاً فالحق ثابت.

ص: 75


1- جواهر الكلام 38: 443 (37: 291 ط ق).

ولو شك في أنه كان إهمالاً أو لا فمقتضى حمل الفعل على الصحة عدم الإهمال، فإن الحمل على الصحة أعم من الفعل والترك، فإنه وإن وردت في الروايات كلمة الفعل ولا يطلق الفعل على الترك، إلّا أن الملاك واحد، أو الظهور العرفي يوسع دائرة الفعل ليشمل الترك أيضاً.

الفرع الخامس: لو أخذ بالشفعة ثم تجددت المفسدة

لو أخذ الولي بالشفعة تبعاً للمصلحة ثم تجددت المفسدة لم يكن فيه إشكال، حيث لا يطلق عليه العمل بالمفسدة. نعم، لو علم بذلك لم يصح، وهذا واضح.

لكن لو أخذ بالشفعة مفسدة ثم انقلبت مصلحة فمقتضى القاعدة البطلان؛ لبطلان تصرفه حين العمل، حيث لا ولاية له في مثل هذا التصرف، فإن حدودها المصلحة أو عدم المفسدة حسب المبنى، وتجدد المصلحة لا يصحح ما وقع باطلاً.

الفرع السادس: لو باع الأب أو الجد حصته المشتركة مع المولّى عليه

قال في الشرائع: «إذا باع الأب أو الجد عن اليتيم(1) شقصه(2) المشترك معه(3) جاز أن يشفعه(4) وترتفع التهمة؛ لأنه لا يزيد عن بيع ماله من

ص: 76


1- وجه التقييد باليتيم هو أن الولاية للجد بعد موت الأب خلافاً للمشهور من ولايتهما العرضية (السيد الأستاذ).
2- أي: حصة نفسه لا اليتيم.
3- أي: مع اليتيم.
4- أي: لليتيم.

نفسه»(1).

وحاصل المسألة بفرعيها أنه لو كان الولي - أباً أو جدّاً - شريكاً مع الصبي، فباع سهم نفسه أو سهم الصبي فهل له الأخذ بالشفعة لنفسه أو للصبي، فيه أقوال ثلاثة، ثالثها: التفصيل بين الأب والجد وبين الوصي.

القول الأوّل: ما اختاره في الشرائع وهو المشهور شهرة عظيمة(2)، من ثبوت حق الشفعة للولي سواء أكان الولي هو الشريك أم غيره؛ وذلك لإطلاق أدلة الشفعة والولاية.

وأضاف البعض(3) دليلاً آخر، وهو أن الرضا بالسبب - أي: البيع - كاشف عن الرضا بالمسبب - أي: الشفعة - ؛ فإن الرضا بالعقد رضا بالأحكام المترتبة عليه، ولا يمكن أن يكون السبب مسقطاً لمسببه، فإن العلة لا تنفي معلولها.وفيه نظر: فإنه وإن كان السبب تكويناً أو تشريعاً مستتبعاً للمسبب، لكن الرضا بالسبب لا يلازم الرضا بالمسبب، حيث قد يغفل الإنسان عن المسبب، وحتى لو قلنا إن البيع سبب للشفعة إلّا أن المسقط ليس البيع حتى يقال بعدم الإمكان المذكور، بل المسقط هو الرضا.

القول الثاني: عدم الحق وذلك لأدلة أربعة(4):

الدليل الأوّل: التهمة، فإن الولي يعمل كذلك ليستولي على حصة الصبي

ص: 77


1- شرائع الإسلام 4: 778.
2- جواهر الكلام 38: 448 (37: 294 ط ق).
3- مسالك الأفهام 12: 288.
4- جواهر الكلام 38: 450 (37: 295 ط ق).

لمصلحة نفسه، أو ليتخلص من حصة نفسه فيبيعها لثالث ثم يأخذ الشفعة للصبي.

ويرد عليه: أوّلاً: إنه أخص من المدعى، فقد لا تكون تهمة، كما لو شخّص أهل الخبرة أن البيع لمصلحة الصبي، أو باع بأرخص من ثمنه ثم أخذ بالشفعة للصبي.

وثانياً: إنه مؤتمن شرعاً، فما لم تثبت خيانته أو إهماله لم يمكن اتهامه، بل يحمل فعله على الصحة.

وثالثاً: النقض ببيع مال الصبي لنفسه، أو بيع ماله للصبي، حيث لم يفتِ أحد بالبطلان، والمقام لا يزيد عليه، بل يصح بطريق أولى.

ورابعاً: لا يرفع اليد عن إطلاق دليل الشفعة، حتى مع احتمال مراعاة مصلحة نفسه دون الصبي، فإن مثله لا يصلح للتقييد، فإنه بحاجة إلىدليل معتبر.

الدليل الثاني: إن حق الشفعة نوع من تسلط الصبي على الولي، مع أن الأدلة تدل على أنه موهوب له.

ويرد عليه - بعد اختصاصه بأحد فرعي المسألة - :

أوّلاً: انتفاء السلطة رأساً، فإن الصبي مسلط على المشتري لا الولي.

وثانياً: على فرض ثبوتها، فإن الولي هو القائم بها، فيكون هو المسلط لا الصبي.

وثالثاً: لا دليل على نفي سلطة الصبي على الولي، بل هو مجرد استحسان، وهل تنفى الشفعة للولد الكبير على أبيه لذلك؟ وأمّا قوله|:

ص: 78

«أنت ومالك لأبيك»(1) فحكم أخلاقي لا قانون مالي.

الدليل الثالث: مناط عدم قصاص الوالد لجنايته على الولد.

وفيه نظر: حيث لا مناط أصلاً، وعلى فرضه فهو مع الفارق؛ لأن السلطة متحققة في القصاص دون الشفعة.

الدليل الرابع - وهو عمدة الأدلة - : إن بيع الولي لحصته أو حصة الصبي دال على الرضا بالبيع وهو مسقط للشفعة.

ويرد عليه: أوّلاً: الإسقاط إنشاء وهو بحاجة إلى أسبابه، والرضا أمر قلبي لا يحصل الإنشاء به، بل هو من مقدمات صحة العقد والإيقاع.وثانياً: ليس معنى الرضا بالعقد الرضا بإسقاط حق الشفعة، فقد يرضى بالبيع ولا يرضى بالإسقاط، كما في خيار المجلس، حيث إن البيع لا يلازم إسقاط الخيار.

وثالثاً: الدليل المذكور إن كان تاماً فهو خاص بأحد فرعي المسألة، وهو ما لو باع حصة الصبي وأخذ بالشفعة لنفسه، وأمّا الفرع الثاني، وهو ما لو باع حصة نفسه، فليس الملاك في إسقاط حق شفعة الصبي الرضا وعدمه، بل المصلحة وعدمها، فإنه مع عدم المصلحة لا يسقط حق الطفل في الشفعة، بل لو أسقطه كان لغواً؛ لعدم حقه فيما هو خلاف مصلحة الصبي.

تتمة: في بيان المراد من المصلحة

تتمة ذكرها السيد الوالد في الفقه(2) في المراد من المصلحة، فقد

ص: 79


1- الكافي 5: 135؛ وسائل الشيعة 17: 265.
2- الفقه 79: 109.

تلاحظ المصلحة في خصوص المعاملة، وقد تلاحظ المصلحة الكلية، كما لو بيعت الحصة بضعف قيمتها حيث لا مصلحة في خصوصها، لكن الأخذ بالشفعة سبب لارتفاع قيمة المجموع بأضعاف، فقوله تعالى: {إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ}(1) كما يشمل خصوص المورد يشمل المصلحة العامة، فلا بدّ من ملاحظة الأمرين معاً، والأخذ بالمتحصلمنهما عند العرف والعقلاء.

المسألة الخامسة: في ثبوت حق الشفعة للكافر والمخالف

اشارة

قال في الشرائع: «وتثبت الشفعة للكافر على مثله، ولا تثبت له على المسلم ولو اشتراه من ذمي، وتثبت للمسلم على المسلم والكافر»(2).

وقد استدل على عدم ثبوت حق الشفعة للكافر في الجملة بوجوه(3)، منها:

الدليل الأوّل: الإجماع المحكي مستفيضاً.

الدليل الثاني: الروايات الواردة في المقام، منها: معتبرة السكوني، عن الصادق(علیه السلام): «ليس لليهودي والنصراني شفعة»(4).

ومنها: موثقة طلحة بن زيد: «ليس لليهودي ولا للنصراني شفعة»(5).

ومنها: خبر دعائم الإسلام: «الشفعة لليهود و النصارى فيما بينهم، وليس

ص: 80


1- سورة الإسراء، الآية: 34.
2- شرائع الإسلام 4: 778.
3- مسالك الأفهام 12: 278؛ جواهر الكلام 38: 447-448 (37: 293 ط ق).
4- الكافي 5: 281؛ وسائل الشيعة 25: 401.
5- من لا يحضره الفقيه 3: 45؛ وسائل الشيعة 25: 401.

لأحد منهم على مسلم شفعة»(1).الدليل الثالث: قوله تعالى: {وَلَن يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لِلۡكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ سَبِيلًا}(2)، وقول النبي|: «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه»(3).

حيث تدل الآية والحديث على أنه لم يجعل اللّه حكماً تشريعياً لسيطرة الكفار على المؤمنين.

ووجه الاستدلال بهما في المقام أنه لو كان للشريك الكافر حق الشفعة كان مسلطاً على المسلم ينتزع ملكه منه قهراً.

وفيه نظر لوجوه ثلاثة:

الوجه الأوّل: إن المراد من السبيل والعلو السلطة والقهر، والمقام ليس من ذلك، بل من باب جعل حكم على مسلم يجب عليه الالتزام به، كما في اقتراض المسلم من الكافر، وإيجاره نفسه منه، والزواج من الذمية، فليس هنالك تشريع للسلطة على المسلم وقهره، بل حكم الشارع بوجوب إرجاع الدين والالتزام بعقد الإيجار ودفع النفقة.

والحاصل: إن الشفعة ليست سبيلاً ولا علواً موضوعاً.

لكن الجواب المذكور بهذا المقدار غير وافٍ؛ إذ يمكن اعتبار سائر الموارد المنفية بالآية والرواية كذلك، فإن سلطة الحاكم على المحكوم إنّما هي مجموعة من التكاليف التي جعلها الشارع على المحكوم.

ص: 81


1- دعائم الإسلام 2: 92.
2- سورة النساء، الآية: 141.
3- من لا يحضره الفقيه 4: 334؛ وسائل الشيعة 26: 14.

الوجه الثاني: إن المراد من السبيل والعلو عموم الولاية لشخص أو جمع على شخص أو جمع، كما في ولاية الزوج؛ ولذا لم يشرع زواج المسلمة من كافر، وكذا ولاية الأب؛ ولذا لم يشرع ولاية الأب الكافر على ابنه المسلم.

وأمّا خصوص مورد خاص، كما في تسلط المؤجر على الأجير، أو تسلط الزوجة الكافرة على الزوج المسلم في خصوص النفقة، فليس مصداقاً للسبيل والعلو.

وهذا الوجه أيضاً لا يخلو عن تأمل.

الوجه الثالث: إن السبيل والعلو المنفي إنّما هو فيما لو كانت السلطة مباشرة كما في الزوج والأب، حيث يعمل ولايته من دون مراجعة الحاكم، وأمّا في مثل الإجارة فلا يحق للكافر الإجبار مباشرة، بل عليه مراجعة الحاكم، فيكون السبيل والعلو للحاكم لا للكافر، وكذا في الزوجة الكافرة في مطالبة النفقة من الزوج المسلم، وكذا في المديون، ولذا لا يجوز التقاص إلّا بعد استئذان الحاكم الشرعي.

وما نحن فيه من هذا القبيل؛ إذ لو أخذ الكافر بالشفعة لم يحق له الانتزاع من المشتري المسلم مباشرة، بل عليه مراجعة الحاكم الشرعي، فلا يصح الاستدلال بالآية والرواية لنفي شفعة الكافر.

ولا يخفى أن مدى دلالتهما وحدودها بحاجة إلى مزيد من البحثوالتنقيح.

ثم إن ما ذكره في الشرائع صوراً أربع، فلا بدّ من بيان الدليل عليها:

ص: 82

الصورة الأولى: أن يكونا(1) كافرين، فإن كان من دينهما الشفعة فهو، سواء أكانت دائرة الشفعة عندهم أوسع مما نقول كما في ثبوتها عندهم بين الشركاء أم أضيق كما في خصوص الأرض مثلاً، ويدل عليه قاعدة الإلزام.

ثم إنه لا يختص الحكم بالذمي، بل يشمل الحربي أيضاً كما في مفتاح الكرامة(2)، فليس معنى عدم احترام مال الحربي عدم ملكيته أو سقوط حقوقه المالية، بل معناه جواز استملاك المسلم لأمواله.

ووجه تخصيص الذكر في الروايات بالذمي ندرة تحقق الشفعة للحربي في البلاد الإسلامية، فاقتصر فيها على ما هو المتعارف.

الصورة الثانية: أن يكونا مسلمين، وفيه فروع مختلفة حسب اختلاف المذاهب والاجتهاد والتقليد.

فإن كانا يعتقدان بالشفعة أو عدمها فلا كلام. إنّما الكلام فيما لو اختلفا، كما لو كان المخالف يرى الشفعة بين الشركاء وينفيها المؤمن، ففيهاحتمالان:

الاحتمال الأوّل: إن الأمر تابع للحكم الواقعي حيث يشترك الكل فيه، حتى أن الكفار والمخالفين مكلفون بالفروع كتكليفهم بالأصول، وقد مرّ الكلام فيه فراجع، وفي المقام لو كان حكم الشارع ثبوت الشفعة فهي ثابتة حتى بحق مَن ينفيها.

ص: 83


1- أي: المشتري والشريك، ولا مدخلية للبائع في المسائل المذكورة، حيث يجوز له البيع لأيّ إنسان، سواء أكان البائع كافراً أم مسلماً والمشتري كافراً أم مسلماً، فينقطع ارتباطه بالمبيع بمجرد البيع (السيد الأستاذ).
2- مفتاح الكرامة 18: 473.

لكن هذا الاحتمال على إطلاقه محل تأمل، فإنه وإن ثبتت قاعدة الاشتراك في التكليف، إلّا أنها محكومة بقاعدة الإلزام، وهي ثانوية على تفصيل حاصله: أن الإلزام قد يكون من الطرفين فتجري في حقهما، وقد يتعارض الطرفان فيتساقطان ويبقى الدليل الواقعي على حاله، كما أنه لا تجري القاعدة في إلزام المؤمن بما يراه المخالف أو الكافر، حيث إن دلالتها إلزامهم لا إلزام أنفسكم، وفي ما نحن فيه لا تدل قاعدة الإلزام على إلزام المؤمن بالشفعة للمخالف.

الاحتمال الثاني: عدم جريانها وإن ثبتت واقعاً؛ وذلك لقاعدة الإلزام، ولا فرق بين كونه له أو عليه.

والأقوى في مفروض المسألة - وهي فيما كانت الشفعة في مذهب المخالف دون المؤمن - أنه لا شفعة على المؤمن ولا له.

أمّا عدم الشفعة عليه فلعدم جريان قانون الإلزام عليه، حيث لا دليل على إلزام المؤمن بما يراه المخالف، لا لمجرد الانصراف، بل لعدمشمول اللفظ له أصلاً.

وأمّا عدم الشفعة للمؤمن وإن كان يراها المخالف؛ فلأنّ خطاب نفي الشفعة موجّه للمؤمن على تفصيل يطلب من موضعه.

نعم، لو قلنا بقاعدة المقابلة بالمثل - كما في إرث العصبة - وكان المخالفون يأخذون بالشفعة فحينئذٍ يحق للمؤمن ذلك أيضاً.

ولو كانا غير مؤمنين واختلفا فيتعارض قانون الإلزام في حقهما ويتساقط، فيكون المرجع الحكم الواقعي، ولو جرى قانون الإلزام في أحدهما كان هو

ص: 84

المتبع.

ولو اختلف المؤمنان - اجتهاداً أو تقليداً - كان المرجع المجتهد الثالث ويكون حكمه نافذاً؛ لأن القاضي وضع لفض المنازعات وتفصيله في القضاء.

الصورة الثالثة: أن يكون الشريك مسلماً والمشتري كافراً، فهل يحق للمسلم الأخذ بالشفعة؟ فيه حالات ثلاث يعلم حكم بعضها مما سبق.

الحالة الأولى: أن يتفقا على ثبوت الشفعة فلا إشكال في ذلك؛ لأنه الحكم الواقعي شرعاً ويثبته الكافر في دينه أيضاً، فلا وجه لنفيه.

الحالة الثانية: أن يثبته المسلم وينفيه الكافر في دينه من أصله أو في خصوص المورد، فلا إشكال في ثبوت حق الشفعة للمسلم؛ لإطلاق أدلةالشفعة، وعدم جريان دليل الإلزام حيث لا يلزم المسلم بما يراه الكافر، بل يلزم الكافر بدينه، فإن الإلزام إقرار للكافر على ما هو عليه لا منع المسلم من أحكام شرعه لأجل دين الكافر، فلا مورد لقانون الإلزام، فاحتمال منع المسلم عن حقه ضعيف.

الحالة الثالثة: عكس الثانية، والأقرب عدم ثبوت حقه؛ لإطلاق أدلة عدم الشفعة وعدم جريان قانون الإلزام، فلا وجه لرفع اليد عن الحكم الأوّلي؛ وذلك لأن الحكم قد يتوجه إلى الكافر فيجري القانون ويترتب آثاره على المسلم، وقد يتوجه إلى المسلم فلا يجري، وفي المقام حكم الشفعة موجه للمسلم.

الصورة الرابعة: أن يكون الشريك كافراً والمشتري مسلماً، ولا يحق

ص: 85

للكافر الأخذ بالشفعة من المسلم للروايات التي مضى الكلام فيها، وفيها معتبرتان كما مرّ، وقد عمل المشهور شهرة عظيمة بها، بالإضافة إلى الإجماع المدّعى.

ثبوت الشفعة للمخالف

ثم إن صاحب الحدائق(1) ذهب إلى عدم ثبوت حق الشفعة للمخالف على المؤمن، لما في الرضوي: «لا شفعة ليهودي ولا نصراني ولامخالف»(2).

واستدل بها على كفرهم حيث قال: «فيه رد على من حكم بإسلام المخالفين من أصحابنا (رضوان اللّه عليهم) فإن الظاهر منهم - بناءً على حكمهم بإسلام المخالفين - هو ثبوت الشفعة لهم»(3).

وفيه نظر: للإعراض عنه، مع قطع النظر عن البحث السندي؛ فإن المشهور شهرة عظيمة جريان أحكام الإسلام على المخالفين، فالإعراض محقق.

المسألة السادسة: في ثبوت حق الشفعة للوصي

قال في الشرائع: «وهل ذلك للوصي؟ قال الشيخ: لا، لمكان التهمة، ولو قيل بالجواز كان أشبه»(4).

ص: 86


1- الحدائق الناضرة 20: 311.
2- فقه الرضا(علیه السلام): 264.
3- الحدائق الناضرة 20: 311.
4- شرائع الإسلام 4: 778.

والمشهور(1) أن للوصي حق الشفعة وادعي عليه الإجماع(2)، ولا فرق في ذلك بين صورتي المسألة بأن يأخذ لنفسه الشفعة من حصة الصبي، أو يأخذ الشفعة للصبي من حصة نفسه.

وخالف في ذلك الشيخ الطوسي في المبسوط(3) واستدل له بالتهمة،حيث يمكن أن يبيع حصة الصبي بثمن بخس ليأخذ الشفعة لنفسه.

ويرد عليه: أوّلاً: إن مفروض الكلام في البيع الجامع للشرائط، وقد مرّ أن الدليل المذكور أخص من المدعى، حيث تنتفي التهمة فيما لو كان أميناً.

وثانياً: إطلاقات وعمومات أدلة الشفعة وعدم ما يصلح لتقييدها، ومجرد احتمال التهمة - لو فرض - غير صالح لتقييدها.

وثالثاً: ما روي من: «أن الوالد يقوم بالشفعة لولده الصغير، والوصي لليتيم، والقاضي لمَن لا وصي له إذا كان ذلك من النظر إليه»(4)، وضعفه مجبور بعمل المشهور.

لكن الظاهر أن مورده الشفعة للصبي لا للوصي. إلّا أن يقال بعدم الفرق، فلو جاز بيع حصته ليأخذ الشفعة للصبي جاز عكسه لعدم الفرق بينهما، لكنه محل نظر.

وفي المسألة فروع:

ص: 87


1- مفتاح الكرامة 18: 474.
2- مختلف الشيعة 5: 361.
3- المبسوط 3: 158.
4- دعائم الإسلام 2: 92.

الفرع الأوّل: لو بلغ وادّعى أن الوصي عمل خلاف المصلحة لم تسمع دعواه؛ لأن فعل الوصي محمول على الصحة، بل عدم فعله أيضاً كذلك كما مرّ.

نعم، لو أثبت ذلك بطلت الشفعة؛ لأن دليل الوصاية كالولاية منحصربالمصلحة أو عدم المفسدة، فهي في حدود معينة فلا وصاية مع المفسدة. فالمأخوذ شفعة باقٍ على ملك المشتري، فيرجع إليه مع وجوده، وإن فقد أمكنه أخذ حصته تقاصاً، وكذا لو كان موجوداً لكنه لا يملك المال ليرجع الثمن.

الفرع الثاني: لو كانت حصة المشتري المأخوذة تقاصاً أكثر من القيمة لزم إرجاع الفارق إليه إن وجد، وإلّا فإلى الحاكم، وإن كانت الحصة أقل ضمنه الوصي؛ لما مضى من الأدلة في كتاب الغصب، ومنه: (من أتلف مال الغير) ول-(لا ضرر).

الفرع الثالث: لو تصرف الوصيان فأخذ أحدهما بالشفعة وأسقطها الآخر - بناء على جواز إسقاطه وقد مرّ الكلام فيه - ، وكان فعلهما مصلحة حيث قد تتعدد وجوه المصلحة، والأمر أوضح بناءً على اشتراط عدم المفسدة، فحينئذٍ...

إن سبق أحدهما كان نافذاً؛ وذلك لأن السابق أخذاً أو إسقاطاً لا يدع موضوعاً للّاحق.

وإن تقارنا فلا وجه لتقديم أحدهما على الآخر فيرجع إلى الأصل العام، وهو إمّا عدم جواز انتزاع مال الغير بغير رضاه، ونتيجته عدم الشفعة، وإمّا

ص: 88

ثبوت الشفعة في بيع كل شريك وهذا غير استصحاب الشفعة فإنها في مورد الشك، ونتيجته ثبوت الشفعة للوصي وللصبي.

المسألة السابعة: في ثبوت حق الشفعة للوكيل

والمراد به الوكيل المفوّض، لا الوكيل في خصوص البيع والشراء؛ فإن هذا لا حق له في الشفعة.

ويدل عليه إطلاقات أدلة الشفعة والوكالة، بل ادّعي عليه الإجماع.

وخالف الشيخ الطوسي في المبسوط(1) والعلامة في المختلف(2)، وذلك للتهمة، وقد مرّ الجواب عنه.

فرع: في كون الكافر وكيلاً للمسلم والعكس

لو كان الكافر وكيلاً للمسلم فهل له الأخذ بالشفعة وكالة من المشتري المسلم؟

ذهب بعض الفقهاء إلى عدم الجواز لكونه سبيلاً، وهو منفي بالآية الكريمة.

لكن ظهر ضعفه فيما سبق، حيث قلنا: إنّه ليس سبيلاً، وعلى فرضه فإن الوكيل يقوم بمجرد الإنشاء دون الاستيلاء قهراً، والسبيل إنّما هو في الاستيلاء الخارجي دون الإنشاء.

وإن أبيت فهل يمكن الالتزام في سائر الموارد بعدم الجواز للسبيل، كما لو بعث المسلم وكيله الكافر ليأخذ دَينه من المسلم المديون، أوبعثت

ص: 89


1- المبسوط 3: 142.
2- مختلف الشيعة 5: 361.

المحكمة شرطياً كافراً لجلب المسلم المحكوم؟

وعلى فرض التسليم نقول: إن الآية منصرفة عن مثل هذه الموارد التي يكون الحق فيها للمسلم وكان الكافر مجرد وسيط لإيصال الحق.

وقد أشكل(1) على الاستدلال بأن المراد من السبيل الحجة، كما فسرت في رواية(2)، حيث إن حُجة الإسلام غالبة دائماً.

لكنه غير تام؛ فإنه تفسير بالمصداق، فإن السبيل إمّا تكويني وإمّا تشريعي وإمّا بمعنى الحجة، والأوّل غير مراد قطعاً؛ لتحققه خارجاً حتى في زمن النبي|، ويبقى الآخران، وذكر الثالث في الرواية ليس حصراً فيه، بل بيان بعض المصاديق، ومثله كثير، ويؤيده خلوّها من أداة الحصر.

ولو كان المسلم وكيلاً للكافر لم يحق له الأخذ بالشفعة من المشتري المسلم، للروايات التي سبقت، والوكيل إنّما هو وكيل فيما يحق للموكّل، فلا شفعة أصلاً حتى يأخذها الوكيل، فهو من السالبة بانتفاء الموضوع.

المسألة الثامنة: حكم الشفعة فيما لو باع العامل في القراض شقصاً

اشارة

قال في الشرائع: «ولو ابتاع العامل في القراض شقصاً وصاحب المال شفيعه، فقد ملكه بالشراء لا بالشفعة، ولا اعتراض للعامل إن لم يكن ظهرفيه ربح، وله المطالبة بأجرة عمله»(3).

وأصل المسألة ترتبط بكتاب المضاربة، نكتفي منها بما يرتبط بالمقام في

ص: 90


1- الحدائق الناضرة 20: 310.
2- عيون أخبار الرضا(علیه السلام) 2: 204.
3- شرائع الإسلام 4: 778-779.

فرعين:

الفرع الأوّل: فيما لو اشترى العامل حصة الشريك بمال المالك

لو اشترى العامل في المضاربة حصة الشريك بمال المالك فلا شفعة للمالك؛ لأنه ملكه بالشراء.

لكن نسب إلى المحقق الكركي جريان الشفعة؛ وذلك لأن العلل الشرعية جعلية - أو معرّفات حسب تعبيره - لا حقيقية، ولا يمتنع اجتماع علتين على معلول واحد في الأمور الاعتبارية؛ لأنها بيد المعتبر وهي خفيف المؤونة، فيجعل الملكية بسببين، أي: بالشراء وبالشفعة، حيث لا إشكال في اجتماع سببين على مسبب اعتباري واحد، وإنّما الممتنع ذلك في الأمور التكوينية، حيث يصبح كل واحد منهما جزء العلة.

قال: «من أنه لا يمتنع أن يستحق الملك بالشراء ثم بالشفعة؛ إذ لا يمتنع اجتماع العلتين على معلول واحد؛ لأن علل الشرع معرّفات»(1).

ويرد عليه: أوّلاً: إنه تحصيل للحاصل، فإن الشفعة بعد البيع وقد ملكهبالبيع، فلا معنى للقول بملكيته مجدداً بالشفعة، وهذا أمر لا يرتبط بالاعتبار. نعم، لو تحقق السببان معاً في زمان واحد أمكن أن يكون كل واحد منهما جزءاً للسبب كما في التكوينيات.

ولو فرض عدم استحالته - حيث إن الاعتبار خفيف المؤونة - كان الاعتبار

ص: 91


1- جواهر الكلام 38: 452 (37: 296 ط ق). وفيه: «فما عن الكركي في بعض حواشيه المكتوبة بخطه على جامع المقاصد: من أنه لا يمتنع أن يستحق الملك بالشراء ثم بالشفعة...».

الثاني لغواً ينزّه عنه الشارع.

وثانياً: ولو سلمنا أنهما سببان معاً نقول الملكية اعتبار إمّا بيد الشارع أو بيد العرف ممضاة من قبل الشارع، ولا دليل على ذلك في المقام.

وثالثاً: ما في الجواهر من اختصاص روايات الشفعة بالبيع لغير الشريك(1).

لكنه محل تأمل؛ فإنه وإن كان صريح الروايات أن المشتري غير الشفيع، إلّا أنه من خصوص المورد ومثله لا يخصص الوارد.

والحاصل: إنه لا شفعة أصلاً، بل الحصة تملك بمجرد شراء العامل.

الفرع الثاني: لو اتفقا على كون ربح العامل من الأرض

لو كان الاتفاق على أن يكون ربح العامل من الأرض فهل لصاحب المال حق الشفعة؟ فيه صور متعددة:

الصورة الأولى: أن لا يظهر ربح أصلاً، فللعامل حق الأجرة بعدانتهاء المدة أو الفسخ، كما يظهر من عبارة الشرائع(2)، لكن المتأخرين(3)، بل المشهور أنه لا أجرة له؛ لأنّه أقدم على عدمها فلا احترام لعمله، بل له نسبة من الربح وهو منتفٍ، ولو كانت خسارة فالأمر أوضح، فإن لم يفرط العامل كان الضرر على صاحب المال.

الصورة الثانية: أن يظهر ربح، وفي هذه الصورة قولان في المضاربة:

ص: 92


1- جواهر الكلام 38: 453 (37: 297 ط ق).
2- شرائع الإسلام 4: 778.
3- مفتاح الكرامة 18: 489؛ الفقه 79: 117.

الأوّل: أن لا يستحق العامل شيئاً من العين، بل يأخذ حقه بعد بيع العين وصيرورتها نقداً، وفي المقام لو اشترى العامل حصة الشريك من الأرض لم يصبح شريكاً بنسبة ربحه في الأرض، وعليه فلا مجال للشفعة؛ لأن الأرض كلها لصاحب المال. نعم، لو بيعت الأرض أو فسخت المضاربة وجب على المالك إعطاء حقه إليه نقداً.

الثاني: أن يكون العامل شريكاً في العين بمجرد شرائها بنسبة سهمه في الربح، وفي هذه الصورة لا يحق للمالك الشفعة أيضاً، لما سبق من أن الشفعة إنّما هي في التملك بالبيع دون سائر المملكات كالإرث والهبة، والعامل في المقام لم يملكه بالبيع، بل بالربح.وأمّا ما ذكره الشرائع(1) في تتمة كلامه من حق العامل بالمطالبة بأجرة عمله، ففيه تفصيل، حاصله: إنه لو فسخت المضاربة فإن لم يظهر ربح فلا حق للعامل في الأجرة، ولو ظهر ربح وكان المبنى عدم حقه في العين لزم صاحب المال إعطاء ربحه إليه، وإن كان المبنى كون الربح في العين وفسخت بقي العامل شريكاً في العين، ولا يحق لصاحب المال إعطاء بدله إليه، كما لا يحق للعامل مطالبة البدل؛ لأنه شريك في العين، وفسخ المضاربة إنّما هو بعد ملكية العامل، ولا وجه لخروج حقه في العين عن ملكه بعد الفسخ.

نعم، لو فسخ قبل ظهور الربح ثم ربح كان العامل أجنبياً عن الربح، وأمكنه مطالبة الأجرة أو بدل الربح.

ص: 93


1- شرائع الإسلام 4: 779.

المسألة التاسعة: في حق الشفعة للحمل

قال العلامة في القواعد: «ولو بيع شقص في شركة حمل لم يكن لوليه الأخذ بالشفعة، إلّا بعد أن يولد حياً»(1).

توضيحه: أنه لو كانت الشركة مع جنين لم يكن لوليه الأخذ بالشفعة ما دام جنيناً، فإن ولد حيّاً حُق له ذلك، كما لو مات أب وورثه ولداه، وكان أحدهما جنيناً، فباع الثاني حصته لم يحق لولي الجنين الأخذ بالشفعة إلّابعد أن يولد حيّاً. وكذا لو كانا شريكين فمات أحدهما فورثه جنينه، فباع الآخر حصته.

ووجه ذلك أن الجنين ليس مالكاً والشفعة تابعة للملك، ويظهر ذلك بملاحظة الموارد المختلفة في الفقه.

ومنها: الإرث حيث تفرز حصة واحدة للجنين أو حصتين حسب الاحتمال، فإن ولد حيّاً أخذها وإلّا كان لسائر الورثة.

مثلاً: إن مات الرجل وكان وارثه زوجته وجنينها، ثم مات الجنين ورثت الزوجة الربع وكان الباقي للطبقة الثانية. مع أنه لو كان الجنين مالكاً ورثت الزوجة الثمن والباقي للجنين، فترثه أمه فيكون كل المال للزوجة.

وكذا في باب الوصية وغيرها من الموارد التي من مجموعها يستفاد عدم ملكية الجنين.

وفي ما نحن فيه لا يحق لولي الجنين الأخذ بالشفعة؛ لعدم كونه مالكاً إلّا بعد أن يولد حيّاً فيملك فيحق لوليه الأخذ بالشفعة.

ص: 94


1- قواعد الأحكام 2: 245.

لكنه محل نظر؛ لأنه حين الولادة لا شركة حتى يأخذ بالشفعة، فإن المالك الآخر قد باع حصته قبل ولادة الجنين فأصبحت ملكاً للمشتري من دون شريك ليكون شفيعاً، وهذا نظير ما لو باع أحد الشريكين حصته ثم وهب الآخر حصته للثالث، حيث لا حق للثالث في الشفعة؛ لأن ملكيته بعد البيع.إن قلت: حيث إن نسبة موت الأجنة قليلة فيظن بولادته حيّاً فيرتب عليه آثار الملكية.

قلنا: حتى لو علم قطعاً بولادته حيّاً لم ينفع؛ لأن المبنى عدم ملكية الجنين فلا معنى للشفعة، فلا مجال للبحث في حجية الظن أو الاستصحاب أو ما أشبه؛ لأنها سالبة بانتفاء الموضوع.

ص: 95

فصل: في الشركاء المتعددين

اشارة

وهنا مسائل متعددة بناءً على القول بثبوت الشفعة للشركاء، بل في الجواهر(1) أنّها لا تختص بالمبنى المذكور، بل يمكن فرض تعدد الشركاء حتى بناءً على اختصاص الشفعة بالشريكين، كما لو باع أحد الشريكين ومات الآخر قبل أن يأخذ بالشفعة فورثها جماعة، بناءً على توارث حق الشفعة كسائر الأموال والحقوق.

المسألة الأولى: لو أسقط أحدهم حقه في الأخذ بالشفعة

قال في الشرائع: «لو كان الشفعاء(2) أربعة، فباع أحدهما وعفا آخر، فللآخرين أخذ المبيع، ولو اقتصرا في الأخذ على حقهما لم يكن لهما؛ لأن الشفعة لإزالة الضرر، وبأخذ البعض يتأكد»(3).

وفي المسألة أقوال:

القول الأوّل: ما اختاره في الشرائع وحاصله: إن أخذ الشركاء بالشفعة جميعاً أو أسقطوها فلا كلام، ولكن إن أخذ بعضهم فاللازم أن يأخذ كلالحصص ولا يقتصر على حصته فقط؛ وذلك لأن تشريع الشفعة لرفع الضرر عن الشركاء،

ص: 96


1- جواهر الكلام 38: 461 (37: 303 ط ق).
2- أي: الشركاء.
3- شرائع الإسلام 4: 779.

ومع أخذ البعض شفعة لم يرفع الضرر عنهم، كما أنه قد يتضرر المشتري أيضاً، حيث لا ينفعه المتبقي له بعد الشفعة، كما قد يتضرر البائع أيضاً لتبعض الصفقة على المشتري الموجب لفسخه ورجوع بعض المبيع إليه.

وفيه نظر: أوّلاً: إنّه قد سبق أن الضرر حكمة لا علة لتشريع الشفعة؛ ولذا حتى لو لم يكن ضرر لأحدها جازت، وقد يكون ضرر ولا شفعة، كما في غير البيع.

وثانياً: ما ذكر من الإضرار على الأطراف غير تام في تمام الموارد أو بعضها، أمّا في الشريكين فإن أخذهما بنسبة الشفعة إقدام منهما على الضرر مع قدرتهما على أخذ الكل. نعم، لو سلب منهما حق أخذ الكل أمكن القول بالضرر في بعض الموارد، لكنهما مخيران بين الكل والبعض.

وأمّا في المشتري فقد يتضرر وقد لا يتضرر، كما لو كانت الأرض كبيرة جداً، بحيث لا يضره الأخذ بالنسبة، كما أنه لو أقدم على المعاملة مع علمه بالشفعة فقد أقدم على الضرر.

وأمّا في البائع فإن تبعض الصفقة منتفٍ؛ لعدم حق المشتري في الفسخ، لأنها لم تنشأ من البيع، بل من حكم آخر، فمثلاً: لو باع الأرضثم استولى على بعضها الحاكم الشرعي ليسدد دين المشتري لم يكن له حق الفسخ لتبعض الصفقة؛ لأنه لم يرتبط بالبائع، وحق الفسخ إنّما يكون فيما لو كان منشؤ التبعض البيع أو البائع.

وفي ما نحن فيه تم البيع كاملاً، فلو أخذ نصفه الشريك بالشفعة لم يرتبط الأمر بالبيع أو البائع، بل بحكم شرعي يضمن للشفيع الشفعة، وإن

ص: 97

كان إطلاق ما ذكرناه محل تأمل.

هذا بالإضافة إلى تولد إشكال عقلي من تشريع تبعض الصفقة، حيث يستلزم من وجود الشيء عدمه، فإن حكم الشارع بالشفعة مستلزم لتبعض الصفقة المستلزم للفسخ الموجب لانتفاء البيع فتنتفي الشفعة، فيستلزم جعل الشفعة رفعها، وما يستلزم المحال ولو في بعض الصور باطل، وفيه تأمل سيأتي بيانه(1).

وأشكل على هذا القول في الجواهر(2) بإشكالات أربعة:

الإشكال الأوّل: إن القول بتضرر المشتري غير مجدٍ؛ لأنه أقدم على الضرر بإقدامه على شراء ما هو مشترك، فلا يكون مشمولاً ل-(لا ضرر).

وفيه نظر: لأنه أخص من المدعى، فقد لا يعلم بأصل الشركة، أوبتعدد الشركاء أو يجهل حكم الشفعة، أو يرى عدم الشفعة للشركاء اجتهاداً أو تقليداً، بالإضافة إلى ما سبق من أنه أقدم على النفع لا الضرر، مضافاً إلى أن الضرر حكمة كما مرّ.

الإشكال الثاني: مركب من مقدمتين:

الأولى: إن الشفعة حق مالي قابل للتقسيط والانقسام، فإن الحقوق مالية وغير مالية، والمالية إمّا قابلة للتقسيط كالنفقة أو لا كالإرث(3) وغير المالي

ص: 98


1- في المسألة الثانية من فصل في كيفية الأخذ بالشفعة، الصفحة 127.
2- جواهر الكلام 38: 462 (37: 303 ط ق).
3- حيث لا يمكنه أن يجعل نفسه نصف وارث. نعم، بعد استلام الإرث يمكنه أن يتصرف فيه كما يشاء.

كالفراش، فللشفيع أن يقسط حقه برضى المشتري، فإن الحق لا يعدوهما، بالإضافة إلى شمول إطلاق أدلة الشفعة له.

الثانية: إن المستفاد من ظاهر رواية: «الشفعة على عدد الرجال»(1) أن لكل واحد من الشركاء حق الشفعة بنسبة حصته، ومعناه تقسيم الشفعة بينهم، ومقتضاه أنه لو أسقط أحدهم حقه لم تكن شفعة في حصته.

وفيه نظر: فإن الرواية مجملة، لوجود احتمال آخر في معناها، وهو إن الشفعة للجميع فلا يحق لأحد أن ينفرد بها، فلو سبق أحدهم إليها لم يسقط حق الباقين، وهذا المعنى هو الأقرب.الإشكال الثالث: إن إسقاط أحد الشركاء حقه في الشفعة موجب لاستقرار ملك المشتري بنسبته، فلا يمكن لسائر الشركاء أخذه.

وفيه نظر: حيث إنه مجرد دعوى، فلا دليل على استقرار الملك بذلك، بل يبقى متزلزلاً وإن أسقط البعض حقه بنسبة حصته وإنّما يستقر بأخذ جميعه بالشفعة.

الإشكال الرابع: الروايات التي ذكرها السيد المرتضى(2)، ومفادها استقرار ملك المشتري بإسقاط البعض، فتخصص أدلة الشفعة في الكل.

وفيه نظر: لأنها مرسلة لم يعمل بها المشهور، فلا يمكنها التخصيص والتقدم على (لا ضرر).

ص: 99


1- تهذيب الأحكام 7: 166؛ وسائل الشيعة 25: 403.
2- الانتصار: 451.

القول الثاني(1): ثبوت حق الشفعة للآخرين بنسبة حصصهم، ويظهر دليله من ثنايا كلمات الجواهر، وقد تمّ الإشكال عليها.

القول الثالث: سقوط حق شفعة الجميع بإسقاط أحدهم حقه، واستدل له: أوّلاً: بأنه حق واحد غير قابل للتقسيم، ينتقل من المورث إلى الورثة، فمع إسقاط أحدهم، يسقط حق الجميع وكأنه أسقطه المورث.

وأشكل عليه في المسالك(2) بعدم الدليل على كونه غير قابل للتقسيم،ولا دليل على أن إسقاط أحدهم موجب لإسقاط حق الآخرين، بل هو خلاف مقتضى السلطنة، بالإضافة إلى استصحاب بقاء الحق عند الشك.

وثانياً: ما يستفاد من كلام صاحب الحدائق(3) من أن أصل الشفعة خلاف قاعدة السلطنة، فكل ما شك في جريان الشفعة فيه شمله إطلاق دليله إن كان، وإلّا فأصل السلطنة، وفي المقام لو أسقط أحدهم حقه لم يعلم شمول إطلاق دليل الشفعة للآخرين(4).

القول الرابع: ثبوت الشفعة إلّا أن يسقطها الجميع، فلو أسقطه أحدهم لم

ص: 100


1- تذكرة الفقهاء 12: 285؛ مسالك الأفهام 12: 291؛ جواهر الكلام 38: 462-463 (37: 304 ط ق).
2- مسالك الأفهام 12: 292.
3- الحدائق الناضرة 20: 305.
4- وفيه تأمل: فإن حق الشفعة كان ثابتاً للجميع قبل إسقاط أحدهم فمع الشك يستصحب الحق، هذا أوّلاً. وثانياً: إن دليل السلطنة يشمل سلطنة الآخرين على حقهم في الشفعة، فكما يشمل حق المشتري في سلطنته على ما اشتراه كذلك يشمل حق الشركاء في الشفعة، ولا وجه للقول بعدم إطلاق دليلها في المقام (المقرر).

يسقط حتى حق نفسه، احتمله في المسالك أيضاً(1)؛ وذلك لأن حق الشفعة غير قابل للتبعيض، فمع الاختلاف يقدم جانب الإيجاب على السلب.

وفيه نظر: فإنه دعوى من غير دليل، بل الدليل قائم على تسلط كل إنسان على حقه أخذاً وعطاءً.

المسألة الثانية: لو كان بعض الشفعاء غائبين

قال في الشرائع: «ولو كان الشفعاء غُيّباً فالشفعة لهم، فإذا حضر واحد وطالب فإمّا أن يأخذ الجميع أو يترك؛ لأنه لا شفيع الآن غيره، ولو حضر آخر أخذ من الآخر النصف أو ترك، فإن حضر الثالث أخذ الثلث أو ترك، فإن حضر الرابع أخذ الربع أو ترك»(2).

ويرد عليه: أوّلاً: ما في المسالك(3): من أن لزوم أخذ الكل دون البعض إنّما هو لدفع الضرر على المشتري، وهو يجري في الشفيع الأوّل دون الثاني، فلا وجه لأخذه النصف من الأوّل، بل له الأخذ بمقدار حصته.

وثانياً: بناءً على القول بأن لكل واحد من الشركاء حق الشفعة بنسبة حصته فقط(4): إن أخذ الأوّل الكل إنّما هو لعدم تبعض الصفقة على المشتري، أو لدفع الضرر عنه، لكن ذلك لا يكون دليلاً على أخذ أحدهم

ص: 101


1- مسالك الأفهام 12: 292؛ جواهر الكلام 38: 464 (37: 305 ط ق).
2- شرائع الإسلام 4: 779.
3- مسالك الأفهام 12: 292-293.
4- معنى (الشفعة على عدد الرجال) أن لكل واحد من الشركاء حق الشفعة بنسبة حصته، ومعناه تقسيم الشفعة بينهم، ومقتضاه أنه لو أسقط أحدهم حقه لم تكن شفعة في حصته.

أكثر من حقه.

ثم بناءً على جواز أخذ الأوّل لكل الحصص في الشفعة، فقد ذكر في المسالك كلاماً(1) وتوضيحه بالمثال الآتي وهو: أنه لو كان الشفعاء ثلاثةفأخذ الأوّل كل الحصص، كان الثاني مخيراً بين أخذ نصفه منه وبين أخذ حقه فقط وهو الثلث، والثالث يمكنه أخذ الثلث من الأوّل؛ لأنه حقه كما يمكنه التنصيف حيث لا أولوية للأوّل بالاستفراد بالحصص، وهذا لا إشكال فيه، وإنّما المشكل في كلامه أنه يحق للثالث مطالبة الثاني بثلث ما عنده؛ لأن الحصص مشاعة، ثم يضيفها إلى ما عند الأوّل ليقتسماه نصفين.

فيكون فرض المسألة هكذا، لو اشترى المشتري ثمانية عشر حصة، فجاء الشفيع الأوّل وأخذها كلها، ثم اختار الثاني حقه فقط وهو ست حصص، والثالث يمكنه أخذ النصف من الأوّل أي: ست حصص، كما يمكنه أن يطالب الثاني بحصتين فيضيفها إلى ما بيد الأوّل، فيصير المجموع أربع عشرة حصة، ثم يقسّم بينهما نصفين فيملك كل واحد من الأوّل والثالث سبع حصص والثاني أربع حصص. ولا يحق للثاني مطالبة بقية حصته من الأوّل؛ لأنه أسقط حقه حين لم يطلب من الأوّل نصف المجموع، بل اكتفى بحصته وهي الست.

والوجه في ذلك: أن الثالث شريك في كل الحصص، ولم يسقط حقه فيما أخذه الثاني لفرض كونه مشاعاً، ولا يحق للثاني الرجوع إلى الأوّل لمكان العفو.

ص: 102


1- مسالك الأفهام 12: 292-293.

ويرد عليه: أوّلاً: إن الشفيع الثالث ليس شريكاً في الستحصص، بل له حق الشفعة وهو غير الشراكة، أي: يمكنه أخذها فيصير شريكاً، وحين أخذ الثاني ست حصص لم يعف عن حصته في الباقي - أي: اثني عشرة - حصة، بل يجمع كل حصصه في هذه الست.

وبعبارة أخرى: إنه يشترط إهمال حقه الموجود في الاثني عشر مقابل أخذ حقه من الست، فيكون عفوه مشروطاً ينتفي بانتفاء الشرط.

وثانياً: إن حق الشفيع الثالث هو ست، فلو أخذ من الثاني اثنان لم يكن هنالك وجه لضمهما إلى الاثني عشر، حيث لا حق للأوّل فيهما، كما لا وجه لمطالبة الثالث ستة سهام من الأوّل؛ لأن حقه لا يتجاوز الست، وقد أخذ سهمين من الثاني، كما أن الثاني قد وهب سهمين إلى الأوّل فلا يكون الثالث شريكاً فيها، فيكون حق الثالث ست، أربع منها من الأوّل واثنان من الثاني، ويكون حاصل التقسيم: ثمانية أسهم للأوّل، و أربعة سهام للثاني، وستة سهام للثالث.

فما ذكره من ضم الاثنين إلى الاثني عشر ثم تقسيمها بين الأوّل والثالث محل نظر.

المسألة الثالثة: حكم ما لو أخذ أحد الشركاء بالشفعة ثم حضر الآخر

اشارة

قال في الشرائع: «إذا حضر أحد الشركاء فأخذ بالشفعة وقاسم، ثم حضر الآخر فطالب فسخ القسمة وشارك الأوّل، وكذا لو رده الشفيع الأوّلبعيب ثم حضر الآخر كان له الأخذ؛ لأن الرد كالعفو»(1).

ص: 103


1- شرائع الإسلام 4: 779.

وتتضمن العبارة فرعين: الأوّل: في القسمة، والثاني: في الرد.

الفرع الأوّل: لو حضر الغائب بعد القسمة

والظاهر أن مراده من (قاسم) ميّز ما أخذ بالشفعة عن سائر المال، فمع غياب الشركاء لا يحل لأحدهم تقسيم المشاع لشراكتهم في كل جزء جزء. وليس معناه فرز السهام ثم بيع أحدهم سهمه، فإنه لو كان كذلك لم تكن هنالك شفعة أصلاً؛ لانتفاء الشركة، وقد مرّ أنه لا شفعة بعد التقسيم.

ويؤيد ذلك أن العلامة في القواعد ذكر نفس هذه المسألة حيث قال: «ولو حضر الثاني بعد أخذ الأوّل فأخذ النصف وقاسم، ثم حضر الآخر وطالب فسخت القسمة»(1).

وما ذكر في الشرائع واضح البرهان؛ لأنهم شركاء في كل جزء على نحو الإشاعة، وتعيين ما باعه المالك بحاجة إلى اتفاقهم جميعاً، فلو جاء الشفيع وقسّم مع البائع أو المشتري من دون إذن سائر الشركاء حق لهم إبطاله.

لكن في المسالك تفسير قوله: (قاسم) بغير ما ذكرناه، قال: «إذا حضرأحد الشركاء فأخذ بالشفعة فله مقاسمة وكلاء الغائبين؛ لأن الحق الآن مختص به، فإذا قدم الغائب فإن عفا استقرت القسمة، وإن أخذ فله فسخ القسمة والمشاركة؛ لأن حقه شائع في المأخوذ وفي باقي السهام»(2).

فيكون معنى (قاسم) تقسيم ما أخذه شفعة مع وكلاء الشركاء الغائبين،

ص: 104


1- قواعد الأحكام 2: 249.
2- مسالك الأفهام 12: 294.

بخلاف ما فسّرناه من تقسيم الشفيع مع المشتري أو البائع. فلو كانت الأرض لشركاء فباع أحدهم سهمه، وأخذ الآخر الحاضر بالشفعة ثم قسّمت الأرض مع وكلاء الآخرين، فيكون له ما أفرز من سهمه مع ما أخذه شفعة حتى يقرر الباقون.

لكن هذا التفسير خلاف ظاهر عبارة الشرائع، فإن ظاهر (قاسم) تحقق القسمة مع المشتري أو المالك لا وكلاء الشركاء الغائبين، وخاصة أنه لم يذكرهم في عبارته، بالإضافة إلى وضوح عبارة القواعد في القسمة بين الشريك الأوّل والثاني.

ويرد عليه: أنه لو قاسم الشفيع الأوّل وكلاء الغائبين فإن كانوا وكلاء كان عملهم كعمل الموكلين، فلا يحق لهم الفسخ فيما عينه الوكلاء من الحصص. نعم، لو ضم الشفيع الأوّل حصته إلى ما أخذه شفعة حُق للآخرين دعوى الشركة في مقدار حقهم من الشفعة، هذا إذا كانامنضمّين، وإن كانت الأرض مقسّمة بينهم وكان مال الشفعة مفرزاً أيضاً، كان مال الشفعة للشفيع الأوّل حتى يأتي سائر الشركاء فيشتركوا فيه إن أخذوا بالشفعة، ولا يحق لهم فسخ القسمة التي أجراها وكلاؤهم.

ولا يرد الإشكال المذكور على المعنى الذي رجّحناه وهو ظاهر عبارة الشرائع؛ فإن الشفيع الأوّل قسّم مال الشفعة بينه وبين البائع أو المشتري، ويحق لسائر الوكلاء إبطاله.

الفرع الثاني: فيما لو رد الشفيع الأوّل بعيب

وهو ما ذكره صاحب الشرائع بقوله: «وكذا لو رده الشفيع الأوّل

ص: 105

بعيب...»(1).

فلو كانت الأرض معيبة فباع أحد الشركاء، فأخذ الثاني بالشفعة وهو لا يعلم بالعيب، ثم علم به حُق له الفسخ، فإن خيار العيب لا يختص بالبيع، حيث يجري دليله في غيره من المعاملات والإيقاعات ومنها الشفعة، فترجع حصة الشفيع إلى المشتري، ولا يحق له الفسخ لعلمه أو رضاه بالعيب، فلو جاء الشفيع الثاني فهل يحق له الأخذ بالشفعة؟

احتمل بعض الفقهاء سقوط الشفعة لاختصاصها بالبيع، وفي المقام المشتري ملك بالبيع ابتداء ثم خرج عن ملكه بالشفعة ثم عاد إلى ملكه بخيار العيب وهو سبب جديد ليس بيعاً فلا تجري الشفعة فيه.قال العلامة: «ويحتمل سقوط حقه من المردود؛ لأن الأوّل لم يعف، بل رد بالعيب، فكان كما لو رجع إلى المشتري ببيع أو هبة»(2).

وفي ما احتمله العلامة إشكالان:

الأوّل: إن الرد بالعيب ليس إحداث ملك جديد، وإنّما يبطل ملكية الشفيع، يعني يرجع المملوك إلى ما كان عليه، فالفسخ جعل السبب كالعدم.

الثاني: انتقال المال من المشتري لا يبطل حق الشفيع، كما لو اشترى الحصة فأهداها لآخر فأمهرها لزوجته فورثها ورثتها، لم يبطل حق الشفعة؛ لسبقه على النقل والانتقال المتعاقب.

ص: 106


1- شرائع الإسلام 4: 779.
2- قواعد الأحكام 2: 249.

وفي المقام كذلك، فإن الشفيع الثاني تولّد له حق الشفعة بمجرد البيع، فلو فرض أن الشفيع الأوّل باعه أو أهداه لم يسقط حق الشفيع الثاني؛ لأن حقه قبل البيع والإهداء، وكذا الفسخ.

المسألة الرابعة: لو استغلها الأوّل ثم حضر الثاني

قال في الشرائع: «لو استغلها الأوّل ثم حضر الثاني شاركه في الشقص دون الغلة»(1).

وحاصله: إنه لو كان الثاني غائباً فأخذ الأوّل بالشفعة كان النماءالمتولد له؛ لأنه ملكه وإن كان متزلزلاً، كما هو الحال في سائر المعاملات المتزلزلة، فلو جاء الثاني وأخذ بالشفعة لم يشاركه في النماء السابق.

وأضاف السيد الوالد في الفقه(2): بأنه لا فرق في اختصاص ملكية النماء بالشفيع الأوّل بين كون النماء منفصلاً، كما لو أخذ الأرض شفعة فزرعها وحصد الزرع، أو متصلاً كما لو نمت الفسيلة أو سمنت الشاة، كل ذلك لحدوث النماء في ملك الشفيع الأوّل دون الثاني.

أمّا كيفية تمييز حق الأوّل عن الثاني في النماء المنفصل فواضح، وأمّا في المتصل فيقدر نصف الأصل قبل حدوث النماء، فلو كان ثمن الشاة ألفاً وأصبح بعد النماء عشرة آلاف شاركه بنسبة الواحد إلى العشرين، أي: خمسمأة، فإن التسعة آلاف ملك الشفيع الأوّل وينصف الألف بينهما.

وفي عكس المسألة، كما لو كانت الشاة سمينة فهزلت فنقصت قيمتها

ص: 107


1- شرائع الإسلام 4: 779.
2- الفقه 79: 139.

إلى النصف لم يحق للثاني مطالبة كل الشاة، باعتبار نصف سهمه من السمينة الموافق لكل ثمن الهزيلة؛ وذلك لأن الأوّل تصرف في ملكه ولا ضمان في مثله، وإنّما الضمان في التصرف في مال الغير. وكذا لو أوجد الشفيع الأوّل النقص فيها، كما لو قطع الأشجار.

وأضاف في مفتاح الكرامة أن الشفيع الأوّل لو أخذ الشفعة أصالة عننفسه ووكالة عن الثاني كان النماء بينهما(1)، وهو واضح.

المسألة الخامسة: لو لم يأخذ الحاضر بالشفعة حتى يحضر الغائب

قال في الشرائع: «ولو قال الحاضر: لا آخذ حتى يحضر الغائب لم تبطل شفعته؛ لأن التأخير لغرض لا يتضمن الترك، وفيه تردد»(2).

وحاصله بقاء حق شفعة الحاضر مع التأخير في أخذها، طلباً للمهلة ليحضر الغائب فيتفقان معاً.

ووجه التردد ما ذهب إليه جمع من الفقهاء(3) من الفورية، استثني منه المعذور، كالغائب وشبهه، والمقام ليس منه، فإن انتظار الشريك ليس عذراً مقبولاً.

كما لا يمكن دفع الضرر عن الشفيع(4) بإلقائه على المشتري(5)، فيبقى ملكه معلّقاً حتى يحضر الغائب.

ص: 108


1- مفتاح الكرامة 18: 489.
2- شرائع الإسلام 4: 779.
3- جامع الخلاف والوفاق: 283؛ تذكرة الفقهاء 12: 312؛ مفتاح الكرامة 18: 550.
4- حيث لا يمكنه دفع كل الثمن فينتظر الشريك ليقتسماه.
5- أقول: المشتري متضرر على كل حال لبقاء ملكيته معلّقة إلى أن يحضر الشفيع الثاني (المقرر).

بالإضافة إلى أصل عدم الشفعة، فإن مقتضى القاعدة الأوّلية عدم جواز التسلط على ملك الغير بلا رضاه، وبعبارة أخرى: كلما شك في عموم العام أو وجود المخصص استصحب عمومه.وأمّا وجه بقاء الحق فهو ضعف دليل الفور، فإن رواياته عامية، غير مجبورة، وربما مشهور القدماء(1) على عدم الفور، بالإضافة إلى عدم معلومية جبر الشهرة للروايات العامية، وكل ما استدل به محل إشكال كما سيأتي تفصيله، وعلى فرض التسليم فلا يعلم شموله للمقام، فالمرجع إطلاق أدلة الشفعة وعدم تمامية المقيد بالفور.

ويتفرع عليه: انتظار الشفيع الثاني لمجيء الثالث(2)، حيث يحتمل جريان نفس الملاك، والأقرب عدم تمامية الدليل على الفور في المقام وإن قلنا بتماميته في الفرع السابق.

المسألة السادسة: لو ظهر الشقص مستحقاً للغير بعد الأخذ بالشفعة

قال في الشرائع: «لو أخذ الحاضر ودفع الثمن ثم حضر الغائب فشاركه ودفع إليه النصف مما دفع إليه البائع، ثم خرج الشقص مستحقاً، كان دركه على المشتري دون الشفيع الأوّل؛ لأنه كالنائب عنه في الأخذ»(3).

ص: 109


1- السرائر 2: 388؛ ونسبه في مختلف الشيعة 5: 341 إلى ابن الجنيد.
2- والفرق بينهما أنه في الفرع السابق الشفيع الأوّل يطلب المهلة من المشتري، وفي الفرع الثاني، الأوّل يأخذ كل المبيع من المشتري، والثاني يطلب المهلة لحضور الثالث لأخذ حقهما من الأوّل.
3- شرائع الإسلام 4: 780.

وفي المسألة أقوال ثلاثة:القول الأوّل: ما في الشرائع وهو المشهور(1): من رجوع الشفيع الثاني إلى المشتري دون الشفيع الأوّل، فاللاحق لا يرجع إلى السابق وإن سلّمه الثمن، وإنّما كل الأيادي ترجع إلى المشتري في عرض واحد.

القول الثاني(2): رجوع اللاحق إلى السابق كما في الغصب.

القول الثالث: ما اعتمده العلامة(3) واستحسنه في المسالك(4) ورضيه المحقق الثاني(5): من التفصيل بين الثمن فكل لاحق يرجع إلى سابقه، وبين سائر الغرامات كالإجارة فالكل مخيّر بين أن يرجع إلى المشتري أو البائع.

واستدل للقول الأوّل(6): بأن الشركاء يستحقون الشفعة في عرض واحد، فالحاضر يأخذ بالشفعة لنفسه بمقدار حصته، وللآخرين نيابة عنهم بمقدار حصصهم، فكأن الشفيع الثاني أخذه من المشتري رأساً، فلا يستحقه على الشفيع الأوّل.

وفيه نظر لإشكالات ثلاثة ذكرها في المسالك(7):

ص: 110


1- مسالك الأفهام 12: 296؛ مفتاح الكرامة 18: 527؛ جواهر الكلام 38: 472 (37: 311 ط ق).
2- الفقه 79: 142.
3- تذكرة الفقهاء 12: 340-341.
4- مسالك الأفهام 12: 297.
5- جامع المقاصد 6: 391.
6- جواهر الكلام 38: 472 (37: 311 ط ق).
7- مسالك الأفهام 12: 296-297.

الأوّل: إن أخذ الشفيع الأوّل لا يجعل الثاني شريكاً في الشقص، بل عليه الأخذ إن شاء، ولو كان كالنائب لكان الثاني شريكاً في الشقص من دون حاجة إلى الأخذ مجدداً.

الثاني: إن الشفيع الأوّل يملك كل الشقص، ولذا يكون النماء ملكاً له، فإن أخذ الثاني بالشفعة أصبح شريكاً من حينه، فلا يشاركه في النماء السابق، فيدل على أن الثاني لم يستلم من المشتري رأساً وإنّما من الشفيع الأوّل.

الثالث: إن المشتري استلم الثمن من الشفيع الأوّل دون الثاني، فلا وجه لضمانه له، حيث لا دليل على لزوم إعطاء المال لمَن لم يأخذ منه شيئاً.

واستدل للقول الثاني(1): بترتب الأيدي مع عدم تحقق النيابة، وظاهر: «على اليد ما أخذت»(2) اليد المباشرة لا السابقة.

ونستدل للقول الثالث: بتماميّة دليل القول الثاني في الثمن فقط، فإن مال الشفيع الثاني لم يصل إلى المشتري حتى يطالبه به، فالضمان على الشفيع الأوّل حيث أخذ الثمن منه، وأمّا بالنسبة إلى سائر الغرامات فإن الشفيع الثاني حيث سكن الأرض - مثلاً - فعليه إعطاء الأجرة للمالكالأصلي، فإن جهله باستحقاقها لا يرفع الضمان، ولا وجه لرجوعه في ذلك إلى الشفيع الأوّل، فإنه لم يكن سبباً لسكناه حتى يستدل ب-(المغرور يرجع إلى من غرّه)، بل أخذها منه بحقه الشرعي، أي: الشفعة قهراً، ويكون الضمان على

ص: 111


1- الفقه 79: 142-143.
2- عوالي اللئالي 1: 389.

المسبب الأصلي، وهو الشريك الذي باعها ثم تبين استحقاقها.

ومن هذا البيان يظهر الإشكال على ما في الجواهر حيث قال: «ضرورة كون المفروض مع ملاحظة ملك كل منهم من الآخر حقيقة يكون كترتب المشترين بعضهم من بعض، من غير فرق بين الثمن وغيره، وإلّا كان كالنائب فيهما»(1).

فإن السابق إن كان نائباً فلا يرجع اللاحق إليه في الثمن والغرامة، وإن كان ليس بنائبٍ فيرجع فيهما إليه.

وهو ابتعاد عمّا يرتبط بالبحث، فإن وجه التفصيل لعدم الضمان عدم التسبيب كما بيناه.

ويظهر من ذلك الإشكال على كلام العلامة والشهيد حيث جعلاً قرار الغرامات - غير الثمن - على المشتري، فإن الحق كون القرار على البائع، فإن المشتري لم يكن سبباً، كما أوضحناه.

المسألة السابعة: فيما لو باع أحد الشركاء حصّته لشريكه

قال في الشرائع: «لو كانت الدار بين ثلاثة فباع أحدهم من شريكه استحق الشفعة الثالث دون المشتري؛ لأنه لا يستحق شيئاً على نفسه، وقيل: يكون بينهما، ولعله أقرب»(2).

بيانه: إنه لو باع أحد الشركاء الثلاثة حصّته للثاني فهل للثالث حق الشفعة عليه؟

ص: 112


1- جواهر الكلام 38: 473 (37: 312 ط ق).
2- شرائع الإسلام 4: 280.

في المسألة قولان(1):

الأوّل: ثبوت الشفعة للثالث، فيأخذ كل الحصة من الثاني.

الثاني: يحق للثالث أخذ نصف الشقص لا كله، فما اشتراه الثاني يقسّم بينه وبين الثالث.

واستدل للقول الأوّل بأدلة ثلاثة:

الدليل الأوّل: ما ذكره في الجواهر(2) من ظهور الأدلة في عدم حق الشفعة للمشتري، فتختص بالثالث، ومنها قول الصادق(علیه السلام): «الشفعة في البيوع إذا كان شريكاً فهو أحق بها من غيره بالثمن»(3). فكلمة «غيره» كالصريح في غير المشتري.وفيه نظر لوجوه:

الأوّل: فإنه وإن أمكن رجوع الضمير في «غيره» إلى المشتري، إلّا أن صدر الرواية (الشريك) ينطبق عليه؛ لأن المشتري شريكه أيضاً، فيتناقض الصدر مع التتمة، فتكون الرواية مجملة فلا يمكن الاستدلال بها على نفي الشفعة.

الثاني: خروج مورد البحث عن الرواية، فإن الظاهر أن ضمير «غيره» عائد إلى غير الشريك، فيكون المعنى أن الشريك أحق من غير الشريك،

ص: 113


1- الخلاف 3: 447؛ المبسوط 3: 138؛ مسالك الأفهام 12: 297.
2- جواهر الكلام 38: 474 (37: 313 ط ق).
3- تهذيب الأحكام 7: 164، والرواية مروية في الكافي من دون كلمة (من غيره) في كلام الإمام(علیه السلام).

والمشتري هو الشريك ولا يوجد غيره، فتنطبق الرواية على الشريكين فقط.

الثالث: يمكن دعوى انصرافها إلى مورد الغالب، وهو الشريكان، لا لبيان الضابطة العامة، فكلامه(علیه السلام) بيان للمصداق لا حصر للمورد.

الدليل الثاني: لو كان الشريك هو المشتري كان معناه ثبوت حق الشفعة له على نفسه، وهو غير معقول، فإنه قد اشتراه فملكه فكيف يعقل أن يتملك ملكه بالشفعة؟ فإنه تحصيل للحاصل، قال في المسالك: «لإن الشفعة للإنسان على نفسه غير معقولة؛ لامتناع أن يستحق الإنسان تملّك ملكه بها»(1)، وفي الجواهر: «لأنّه لا يعقل أن يستحق الإنسان شيئاً علىنفسه»(2).

ويمكن أن يقال: ليس المقصود شفعة المشتري على نفسه، بل حصر شفعة الشريك الثالث في نصف ما اشتراه الشريك الثاني، فتأمل.

الدليل الثالث(3): انصراف أدلة الشفعة عن المورد.

فإن ثبت الانصراف فهو، إلّا أن الظاهر عدم ثبوته.

القول الثاني: يكون الشقص بينهما(4)، وقد رجحه في الشرائع(5) واختاره العلامة(6) في بعض كتبه، وهو الأصح على تأمل.

ص: 114


1- مسالك الأفهام 12: 297.
2- جواهر الكلام 38: 474 (37: 313 ط ق).
3- الفقه 79: 148.
4- المبسوط 3: 138؛ مسالك الأفهام 12: 297.
5- شرائع الإسلام 4: 780.
6- تذكرة الفقهاء 12: 344.

واستدل(1) له أوّلاً: باشتراكهما في العلة الموجبة للاستحقاق، فلا فرق بين البيع للغريب أو للشريك، وعدم إمكان استحقاق تملك ملكه مدفوع بكون الأسباب الشرعية معرّفات، فيمكن اجتماع علتين منها على معلول واحد، فيكون الشريك مالكاً لنصف الشقص من جهتين: بالشراء وبالشفعة.

لكنه بهذا المقدار غير وافٍ بالمطلوب، فإنه وإن أمكن اجتماع علتينعلى معلول واحد في عرض واحد تكويناً وتشريعاً، حيث ينقلب كل واحد منهما إلى جزء العلة، إلّا أنهما في المقام ليسا عرضيين، فإن الشريك ملك الشقص بالشراء أوّلاً، وحق الشفعة ليس سبباً للملك وإنّما الأخذ بها سبب له، وهو متأخر عن الشراء، فلا تكون العلتان في عرض واحد حتى يكون كل واحد منهما جزء العلة، فيكون الأخذ بالشفعة موجباً لتحصيل الحاصل.

وثانياً(2): إن أخذ الشفعة سبب لشيئين، فإن كان أحدهما محالاً بقي الآخر على حاله، وهما: زوال ملك المشتري وحدوث ملك للشفيع، وفي المقام فإن الأخذ بها موجب لزوال الملك السابق وحدوث ملك جديد، فلا يكون طلباً للحاصل، ولا يرد عليه أنه لغو؛ لثبوت الأثر لذلك، وهو منع الشريك من تملك نصف ما اشتراه، فتكون فائدة ثبوت حق الشفعة عدم استملاك الشريك الثالث للكل.

لكنه لا يخلو من تأمل، وإن لم يمنع منه مانع عقلي، فيمكن التمسك بإطلاق أدلة الشفعة، فقول الشرائع: «لعله اقرب» هو الأقرب.

ص: 115


1- مسالك الأفهام 12: 297؛ جواهر الكلام 38: 475-476 (37: 314 ط ق).
2- مسالك الأفهام 12: 297.

المسألة الثامنة: لو باع شريكان لثلاثة صفقة

قال في الشرائع: «لو باع اثنان من ثلاثة صفقة فللشفيع أخذ الجميع، وأن يأخذ من اثنين ومن واحد؛ لأن هذه الصفقة بمنزلة عقود متعددة، ولوكان البائع واحداً من اثنين كان له أن يأخذ منهما ومن أحدهما، ولو باع اثنان من اثنين كان ذلك بمنزلة عقود أربعة، فللشفيع أن يأخذ الكل وأن يعفو، وأن يأخذ الرابع أو النصف أو ثلاثة الأرباع»(1).

والصور أربع، وقد ذكر اثنتين منهما، وبما أن أحكامها مختلفة في بعض مصاديقها فلا بدّ من بيان الصور الأربع، وهي:

الأولى: اتحاد البائع والمشتري، بأن يبيع أحد الشركاء إلى شخص واحد.

الثانية: وحدة البائع وتعدد المشتري، بأن يبيع أحد الشركاء لأكثر من مشترٍ.

الثالثة: وحدة المشتري وتعدد البائع، بأن يبيع شريكان لمشترٍ واحد.

الرابعة: تعددهما، بأن يبيع شريكان لمشتريين.

والقاعدة العامة الجارية في جميع الموارد لزوم عدم تبعض الصفقة على المشتري، فلو أخذ الشفيع نصف الحصة تبعضت الصفقة على المشتري، فعليه أن يأخذ الكل أو يترك الكل.

نعم ذهب السيد الوالد(2) إلى أن المستفاد من الأدلة جريان الشفعة حتى مع تبعض الصفقة، لكن بشرط رضا المشتري، فإن مقتضى الجمعبين

ص: 116


1- شرائع الإسلام 4: 780.
2- الفقه 79: 148.

إطلاق أدلة الشفعة، ودليل نفي تبعض الصفقة هو عدم الإشكال مع رضا المشتري.

وفي ما نحن فيه: الأصل أن لا تتبعض الصفقة على المشتري، فلو كان البيع واحداً تبعّضت الصفقة، أمّا البيع لنفرين فهو في الحقيقة بيعان، فمع أخذ الشفعة من أحدهما لا يكون هنالك تبعض للصفقة، وكذا لو باعا لمشترٍ واحد، فإن واقعه بيعان وإن كانا بلفظ واحد، فإن اللفظ لا يغير الواقع، كما في تزويج بنتين لزوجين بعقد واحد، حيث إنه نكاحان.

ولو باع حصّته في مرحلتين، كما لو باع نصف حصّته للمشتري ثم باع النصف الآخر له فهنا أيضاً معاملتان، فيحق للشريك أخذ أحدهما شفعة وليس ذلك من تبعض الصفقة.

هذا هو الأصل في المسألة ذكره في المسالك والجواهر والفقه(1)، وحاصله: ثبوت حق الشفعة ما لم يستلزم تبعض الصفقة، وأمّا ما استلزم التبعض فلا حق للشفعة فيه أصلاً، أو مع عدم رضا المشتري.

وأمّا صور المسألة، فمنها:

الصورة الأولى: وحدة البائع والمشتري، كما لو باع حصته أو بعضها لشخص واحد، أو باع بعضها ثم البعض الآخر لمشترٍ واحد.ويظهر الحكم فيه من القاعدة العامة التي ذكرناها، فلو باع الحصة صفقة واحدة لم يحق للشفيع أخذ بعض الحصة للتبعض، لكن لو باعه في

ص: 117


1- مسالك الأفهام 12: 299؛ جواهر الكلام 38: 478 (37: 316 ط ق)؛ الفقه 79: 148.

مرحلتين حُق للشفيع أخذ أحدهما، وليس من تبعض الصفقة؛ لكونها معاملتين.

مثال آخر: لو كانا شريكين في منزلين فباع الأوّل حصته من المنزلين لمشترٍ في معاملة واحدة، فهنا وإن كان العقد واحداً إلّا أنهما معاملتان في حقيقة الأمر؛ لتعدد متعلّق العقد، كما هو المشهور، فيحق للشريك أخذ أحدهما بالشفعة دون الآخر؛ لعدم تبعض الصفقة عرفاً.

نعم، لو استظهر كونه تبعضاً للصفقة - كما يبدو للنظر - لم يحق له ذلك.

الصورة الثانية: وحدة البائع وتعدد المشتري، وفيها فرضان:

الأوّل: أن يجري البيع دفعة واحدة، فللشفيع حق الشفعة على الجميع أو البعض، أمّا الجميع فواضح، وأمّا البعض فلكون المعاملة متعددة في واقعها، فيكون لكل واحدة منها شفعة خاصة، وأمّا سائر المشترين فليس لهم حق الشفعة؛ لتساوي الآخذ والمأخوذ منه، حيث لم يكونوا شركاء عند البيع.

الثاني: أن يجري عقوداً متعددة، ويأتي الكلام في ثبوت حق الشفعة له من عدمه.ولهذه الصورة - أي: الثانية - أربعة فروض كما في الشرائع، حيث قال: «ولو باع الشريك حصته من ثلاثة في عقود متعاقبة، فله أن يأخذ الكل، وأن يعفو، وأن يأخذ من البعض، فإن أخذ من الأوّل لم يشاركه الثاني والثالث، وكذا لو أخذ من الأوّل والثاني لم يشاركه الثالث، ولو عفا عن الأوّل وأخذ من الثاني شاركه الأوّل، وكذا لو أخذ من الثالث شاركه الأوّل والثاني

ص: 118

لاستقرار ملكهما بالعفو»(1).

الفرض الأوّل: أن يبيع الشريك حصته لثلاثة متعاقباً، فيأخذ الشريك الأصلي كل الحصة منهم، وحينئذٍ لا شفعة للنفر الأوّل على الآخرين؛ لأنها تابعة للملك، ولا ملك له بعد أخذه منه شفعة، هذا هو المشهور.

واحتمل العلامة(2) ثبوت الشفعة للأوّل؛ لأنه ملك ملكاً صحيحاً فأصبح شريكاً مع المالكين الأصليين، وحيث ملك يشمله إطلاق أدلة الشفعة، فيمكنه الأخذ شفعة من الثاني. فهنا دليلان:

الأوّل: إن الشريك الأصلي يمكنه انتزاع الحصة من المشتري الأوّل.

الثاني: إن المشتري الأوّل حيث أصبح شريكاً له حق الشفعة علىالمشتري الثاني، فإنه وإن سلب ملكه بحق الشفعة للشريك الأصلي، إلّا أنه يبقى حقه في الشفعة - كما لو باع أحد الشريكين ثم باع الشريك الآخر فلا يسقط حق شفعة الثاني، بعد ثبوت حق الشفعة له بالبيع الأوّل، ولا وجه لسقوطه ببيعه، ومع الشك يستصحب حق الشفعة - فالخروج عن الملك لا ينافي ثبوت حق الشفعة.

قال العلامة: «ويحتمل مشاركة الأوّل الشفيع في شفعة الثاني، ومشاركة الشفيع الأوّل والثاني في شفعة الثالث؛ لأنّه كان ملكاً صحيحاً حال شراء الثالث؛ ولهذا يستحق لو عفا عنه، فكذا إذا لم يعف؛ لأنه استحق الشفعة

ص: 119


1- شرائع الإسلام 4: 780، وفي بعض النسخ سقط من العبارة والصحيح ما نقلناه.
2- قواعد الأحكام 2: 247.

بالملك، لا بالعفو كما لو باع الشفيع قبل علمه»(1).

لكن صاحب الجواهر(2) والسيد الوالد(3) ضعفا الاحتمال المذكور، إلّا أنّه احتمال وارد لولا انصراف أدلة الشفعة عنه وهو غير بعيد، فمن تبطل شركته يسقط حقه في الشفعة للانصراف، أو لعدم الضرر إن كان الضرر ملاك الحكم بالشفعة.

الفرض الثاني: أن يترك كلها.

الفرض الثالث: أن يأخذ الشريك الأصلي من الأوّل، فلا يشاركهالثاني والثالث في الشفعة؛ لأن ملكهما متأخر عن ملكه.

الفرض الرابع: أن يأخذ الشريك الأصلي حقه في الشفعة من المشتري الثاني و الثالث، ويعفو عن المشتري الأوّل، فهل للأوّل حق الشفعة عليهما باعتبار ثبوت ملكه بعد العفو عنه؟

فيه احتمالان:

الاحتمال الأوّل: وهو الأقرب، أن له حق الشفعة لإطلاق دليلها، فإن الثاني حين اشترى كان الأوّل مالكاً، وتكون النتيجة تنصيف ما اشتراه الثاني بين الشريك الأصلي والمشتري الأوّل.

الاحتمال الثاني: لا حق للأوّل على الثاني؛ لتزلزل ملكه حين اشتراه، لثبوت حق الشفعة للشريك الأصلي، ولا يكون الملك المتزلزل سبباً

ص: 120


1- قواعد الأحكام 2: 247.
2- جواهر الكلام 38: 481 (37: 318 ط ق).
3- الفقه 79: 151.

لاستحقاق الشفعة.

وفيه نظر: فإنه مجرد استحسان، فإن الأوّل شريك بمجرد الشراء، وإن كان ملكه متزلزلاً إلّا أن إطلاقات أدلة الشفعة تشمله.

وفي المقام فروع أخر يظهر حكمها من خلال المسائل السابقة.

ص: 121

فصل: في كيفية الأخذ بالشفعة

اشارة

وفيه مسائل:

المسألة الأولى: في وقت ثبوت استحقاق الشفعة

اشارة

قال الشرائع: «ويستحق الشفيع الأخذ بالعقد وانقضاء الخيار؛ لأنه وقت اللزوم، وقيل: بنفس العقد وإن لم ينقض الخيار، بناءً على أن الانتقال يحصل بالعقد، وهو أشبه»(1).

فلو باع الحيوان فهل يستحق الشفعة بعد الثلاثة أو من حين العقد؟ وكذا لو كان له خيار العيب أو الشرط فهل يستحقها بعد انقضاء الخيار أو بمجرد العقد؟

ولا يخفى أن الخيار إمّا للبائع أو المشتري أو كليهما، فلا بدّ من بحث المسألة مع ملاحظة هذه الحيثية.

وقد استدل للقول الأوّل بأدلة ثلاثة(2):

الدليل الأوّل: فيما لو كان الخيار للبائع دون المشتري، فإن ملكالشريك لم ينتقل إلى المشتري حتى يؤخذ منه شفعة. نعم، لو كان الخيار للمشتري

ص: 122


1- شرائع الإسلام 4: 281.
2- جواهر الكلام 38: 485 (37: 320-321 ط ق).

حصل النقل فثبتت الشفعة.

وفيه إشكالان:

الأوّل: مبنائي، فإن الخيار لا يمنع من النقل والانتقال، سواء أكان للبائع أم للمشتري أم لكليهما، على ما هو المشهور شهرة عظيمة، وتظهر الثمرة في النماء.

الثاني: بنائي، فعلى كون الفرض عدم تحقق ملك المشتري ما دام الخيار إلّا أنه لا دليل على عدم الشفعة بعد إطلاق أدلتها، فإن أدلة الشفعة تحكم بثبوتها للشريك بمجرد البيع، سواء انتقل إلى المشتري فوراً أم ينتظر انقضاء الخيار، حيث لم تؤخذ ملكية المشتري في تلك الأدلة.

وتظهر الثمرة فيما لو أخذ بالشفعة فوراً، فإنه يملك بمجرد انقضاء الخيار رأساً من دون حاجة إلى أخذها مجدداً، ولذا قال في الجواهر: «إذ لعل تهيؤ ذلك له كافٍ في ثبوتها»(1)، ومن الثمار أنه لو أخذ بالشفعة ثم ندم لم يكن له رجوع.

الدليل الثاني: إن أخذ الشفيع بحقه موجب لإسقاط حق البائع في الخيار. نعم، لو كان الخيار للمشتري فقط لم يستلزم سقوط حق البائع، حيث لا يفرق عنده بين إرجاع ما اشتراه إلى البائع مع الفسخ أو إلىالشفيع، مع الشفعة.

وفيه نظر: فإن تعاقب المعاملات المتزلزلة لا يوجب سقوط الخيار، فالفاسخ يأخذ المتاع ممن بيده، وكل لاحق يرجع إلى سابقه.

ص: 123


1- جواهر الكلام 38: 485 (37: 321 ط ق).

الدليل الثالث: عدم الفائدة في الأخذ بالشفعة قبل انتهاء الخيار، فيكون تشريعها لغواً.

وفيه نظر لجهتين:

الأولى: تحقق الفائدة، فإن النماء يكون للمشتري لا البائع، ومع الأخذ بالشفعة يكون النماء للشفيع، ومع فسخه يرجع إليه الأصل دون النماء.

الثانية: حصول الخلط بين لغوية التشريع وعدم تحقق الفائدة للمتعاملين، والقبيح هو الأوّل دون الثاني، فلو لم ينتفع المتعاملان من بيع أصلاً لم يكن تشريعه لغواً.

وفي ما نحن فيه ليس أصل تشريع حكم الشفعة لغواً، فإن لم يستفد منه الشفيع في مورد لم يكن سبباً لنفي حق الشفعة.

واستدل للقول الثاني(1) بما يظهر من رد القول الأوّل: بمقتضى الجمع بين أدلة الخيار وبين أدلة الشفعة، فالأوّل قاضٍ بثبوت خيار البائع وإن أخذ الشفيع بالشفعة، والثاني قاضٍ بثبوت حق الشفعة وإن وجد خيار،وبالإطلاقين يحفظ الحقان، فلا وجه لسقوط الخيار ولا لنفي حق الشفعة.

ووجه عدم سقوط حق البائع في الخيار بعد الأخذ بالشفعة هو أنه حق متأخر فلا يسقط الحق المتقدم به. هذا فيما كان الخيار للبائع.

أمّا لو كان الخيار للمشتري، أي: باع الشريك بشرط الخيار للمشتري لستة أشهر مثلاً، ثم أخذ الشفيع بحق الشفعة فهل يبقى حق المشتري في الفسخ؟ فيه قولان:

ص: 124


1- جواهر الكلام 38: 486 (37: 321 ط ق).

القول الأوّل: لا حق له في الفسخ لسقوط خياره؛ لأنه سالبة بانتفاء الموضوع، واستدل له بدليلين:

الدليل الأوّل: إن الخيار تابع للملك وقد انتقل عنه.

وفيه نظر: لعدم كون الانتقال سبباً لسقوط الخيار، كما لو تصرف البائع في الثمن لم يسقط خيار المشتري مع تحقق الانتقال، وكما لو باع المشتري لشخص ثالث لم يسقط خيار البائع، وكما لو جعل الخيار للأجنبي ثم تحقق الانتقال لم يسقط خيار الأجنبي.

الدليل الثاني: لغوية الفسخ، حيث لا ينتفع المشتري به، فإنّه يأخذ الثمن على كل تقدير، إمّا من البائع أو من الشفيع.

وفيه نظر: فإن ثبوت الخيار لا يرتبط بالنفع، فيحق له الأخذ به وإن تضرر، كما يمكن فرض النفع له فيما لو لم يرد أخذ ثمنه من الشفيع، أو أراد استرجاع عين الثمن من البائع، كما لو كان الثمن داراً له، ولو شكفي الأمر فالاستصحاب قاضٍ ببقاء حقه في الفسخ.

والحاصل: إن الخيار لا يسقط بسبب الشفعة، سواء كان للبائع أم للمشتري أم للثالث؛ وذلك لإطلاق أدلة الخيار، وخروجه عن ملك أحدهما ليس سبباً لسقوطه؛ لأن حقه أسبق منه، كما لو باع الشيء مشروطاً بالخيار مدة سنة، ثم تعاقبت البيوع عليه فإن خياره باقٍ.

فرع: سقوط خيار العيب بالانتقال وعدمه

ومن الفروع في المقام سقوط خيار العيب بالانتقال وعدمه، وقد اختلف فيه حتى من ذهب إلى عدم سقوط الخيار بالانتقال.

ص: 125

فلو باعه معيباً فأخذه الشفيع، فهل يسقط خيار العيب للمشتري؟

فيه احتمالات ثلاث: سقوطه مع بقاء حق الأرش، وسقوطهما وثبوتهما معاً.

أمّا وجه سقوطهما معاً فلأنّ المشتري يأخذ الثمن كاملاً من الشفيع، وقد انتقل الملك عنه، فإنه وإن كان معيوباً إلّا أنه أصبح ملك الشفيع فلا تسلط له على فسخه، حيث لا تسلط له على إبطال الشفعة.

وأمّا عدم الأرش فلعدم تضرره، فإنه يأخذ الثمن الذي أعطاه للبائع من الشفيع، قال في الجواهر: «ولكن الأصل براءة الذمة منه هنا بعد أخذ الشفيع بالثمن الذي اشتراه، فلم يلحقه منه ضرر»(1).نعم، لو التفت الشفيع إلى العيب وأبطل الشفعة بخياره حُق للمشتري إرجاعه للبائع، لكن لو رضي الشفيع بالعيب أو كان عالماً به وأخذ بالشفعة لم يحق للمشتري الفسخ والأرش.

وأمّا وجه ثبوتهما معاً، وهو ما رجّحه السيد الوالد في الفقه(2) فهو ما يلي:

أمّا الخيار فلإطلاق أدلته، فلا فرق بين خيار العيب وسائر الخيارات، ولا وجه للتفريق بإثباتها دونه.

فإن قلت: إن دليل خيار العيب هو الضرر المنتفي في المقام، وهو السبب الفارق بينهما.

قلت: كما أن الضرر هو من أدلة خيار العيب كذلك هو من أدلة بعض

ص: 126


1- جواهر الكلام 38: 489 (37: 323 ط ق).
2- الفقه 79: 161.

الخيارات الأخر، فلا فرق، مع عدم انحصار دليل خيار العيب بالضرر، فله أدلة أخرى أيضاً، هذا مع قطع النظر عن أن الضرر ليس شخصياً، بل يلاحظ فيه أصل المعاملة، فلا يسقط خيار العيب حتى وإن لم يكن ضرر في مورد معين بلحاظ شخصه، ويضاف إليه أيضاً بأنه تضرر من المعاملة، وإن ارتفع الضرر بخروجه عن ملكه بالشفعة.

وأمّا الأرش فلا يسقط بالأصل؛ فإنه لا يعارض الدليل الاجتهادي.

إن قلت: إنه لم يتضرر.قلت: جبر ضرره بالشفعة لا يلازم سقوط حقه في الأرش، كما لو اشترى معيباً ثم باعه فرضي المشتري الثاني بالعيب، فإنه غير مسقط لحق المشتري الأوّل في أخذ الأرش من البائع، وكما لو زال العيب بنفسه بعد المعاملة. فمقتضى القاعدة كون الشفيع مخيراً بين الفسخ والأرش.

المسألة الثانية: حكم التبعيض في الشفعة

هل يصح التبعيض في الشفعة؟

ذهب المشهور(1) إلى عدم جواز التبعيض، قال في الشرائع: «وليس للشفيع تبعيض حقه، بل يأخذ الجميع أو يدع»(2).

واستدل له بخمسة أدلة(3):

ص: 127


1- المبسوط 3: 114؛ تذكرة الفقهاء 12: 334؛ مسالك الأفهام 12: 310؛ جامع المقاصد 6: 399؛ جواهر الكلام 38: 491 (37: 325 ط ق).
2- شرائع الإسلام 4: 781.
3- مسالك الأفهام 12: 310؛ جواهر الكلام 38: 492-493 (37: 325-326 ط ق).

الدليل الأوّل: ما في المسالك قال: «لأن حقه هو المجموع من حيث هو مجموع»(1).

أي: إن حق الشفيع شمولي لا يُجزأ، فإن بعض الحقوق قابلة للتجزئة وبعضها لا تقبل، ويمثل لهما بالمكاتبة، فقد تكون مشروطة وقد تكونمطلقة، ومثل له بالقصاص، فلو كسر سِنّه فلا يحق له القصاص بكسر بعض سِنّه.

وفيه نظر: حيث إن منشأ قابليته للتبعيض وعدمها أحد شيئين: إمّا كونه غير قابل للتبعيض في ذاته خارجاً، وحينئذٍ لا يعقل فيه التبعيض شرعاً، وإمّا كونه غير قابل للتبعيض شرعاً مع إمكانه عقلاً وخارجاً، وحينئذٍ لا بدّ من ملاحظة الدليل الشرعي فيه، ويعرف بتصريح الشارع أو إمضائه.

وما نحن فيه لا محذور للتبعيض في حق الشفعة عقلاً وخارجاً، ولم يصرّح الشارع بعدمه، بل العرف يرى التجزئة في الماليات وسكوت الشارع عنه إمضاؤه. هذا أوّلاً.

وثانياً: ينقض عليه بأن المشهور مع نفيهم للتبعيض في المقام ذهبوا إلى التبعيض فيما لو اشتركا في منزلين باع أحدهما حصتيه منهما، فيحق للشفيع أخذ إحداهما شفعة، فلو لم يكن قابلاً للتبعيض للزم الحكم بلزوم أخذهما أو تركهما.

وما مرّ من أنه معاملتان باعتبار تعدد المتعلّق لا يضرّ هنا؛ لأن التعدد في البضاعة لا يسبب تعدد المعاملة.

ص: 128


1- مسالك الأفهام 12: 310.

الدليل الثاني: إنه مستلزم لتبعض الصفقة على المشتري، وهو ضرر عليه.

قال في المسالك: «ولا يناسب بناء الأخذ الذي شرع لدفع الإضرارعلى الإضرار»(1)؛ فإن بناء الشفعة على دفع الضرر، فلا معنى لتشريعه في المورد الضرري.

وفيه نظر: أوّلاً: إنه أخص من المدعى، حيث قد لا يكون ضرراً على المشتري.

وثانياً: إن الضرر متدارك بالخيار، كما لو تبيّن بطلان نصف المعاملة، حيث يتدارك تبعض الصفقة بالخيار.

وما مرّ من الإشكال: بأن الخيار إن كان بمعنى إبطال الشفعة فلا وجه له؛ لأنه حق جعله الشارع للشريك، ولا دخل للمشتري فيه، وإن كان بمعنى إبطال البيع وإرجاعه للبائع كانت نتيجته إبطال الشفعة، فيستلزم من وجود حق الشفعة عدمه.

غير تام لدى التأمل؛ لأن الاستلزام المذكور إن كان تلقائياً أمكن القول بكون تشريعه محالاً، لأنه يستلزم من وجوده عدمه، لكن المشتري قد لا يأخذ بالخيار فلا يكون جعل حق الشفعة محالاً ولا لغواً؛ لثبوت الأثر له في بعض الصور، وهو كافٍ في نفي الاستحالة واللغوية.

الدليل الثالث: ما اختاره في الحدائق(2): من أن الشفعة على خلاف

ص: 129


1- مسالك الأفهام 12: 310.
2- الحدائق الناضرة 20: 316.

الأصل العقلي والنقلي؛ لأنه استيلاء على ملك الغير بلارضاه، ومورد أخبار الشفعة على كثرتها اعتبار المجموع، وأمّا التجزئة فليست مورداً لها، فيتمسك بالأصل العام في المورد المشكوك.

وفيه تأمل: أوّلاً: لا يصح القول بكونه أصلاً عقلياً ثم يستثنى منه، فإنه لو كان كذلك لم يعقل تخصيصه، وإنّما يحرم التصرف في مال الغير؛ لأنه مصداق الظلم القبيح عقلاً، والشفعة خروج موضوعي عنه؛ لأن مالك الملوك سبحانه أجاز ذلك، مع أنه يلزم إعطاء المشتري الثمن فلا يكون ظلماً.

وثانياً: يتمسك بإطلاق أخبار الشفعة، وإن كان موردها الأخذ بالكل، فكيف وكثير منها ساكتة عن هذه الجهة، ومع الإطلاق المذكور لا مجال للتمسك بالأصل العام.

الدليل الرابع(1): خبر الدعائم عن أبي عبد اللّه(علیه السلام): «إنه سئل عن البيع يقع على المشاع والمقسوم صفقة واحدة، هل للشفيع أن يأخذ المشاع بقيمته دون المقسوم؟ قال: لا، إنّما له الصفقة بكمالها، ما كان فيها من مشاع ومقسوم، فإن أراد أخذهما معاً، وإلا يسلمهما معاً»(2).

والعبرة بعموم الجواب وإن كان المورد خارجاً عن محل الكلام.وفيه: إنها مُعرض عنها في موردها حيث ذهب المشهور إلى ثبوت الشفعة في المشترك فقط، واستثني منه مورد واحد للنص، كما مرّ في

ص: 130


1- النجعة في شرح اللمعة 8: 183؛ الفقه 79: 165.
2- دعائم الإسلام 2: 91.

الأرض المقسومة مع كون الطريق مشتركاً.

ثم بناءً على المشهور من عدم صحة التبعيض، فما هو الحكم فيما لو أخذ الشفيع بالبعض؟ الأقوال فيه ثلاثة:

القول الأوّل: ما هو المشهور من بطلان حقه في الشفعة، فلا يمكنه أخذ الكل مجدداً.

القول الثاني: لو عفا عن الباقي بطلت شفعته، ولو لم يعفُ أمكنه أخذ الباقي مجدداً.

القول الثالث: إن أخذ البعض موجب لأخذ الكل تلقائياً.

وجه القول الأوّل: إن ما أخذه باطل لعدم صحة التبعيض، ولا يمكنه أخذ الباقي مجدداً لانتفاء الفور.

ووجه القول الثاني: إن أخذ النصف الثاني مجدداً لا ينافي الفور؛ لأنه عرفي، ولا يضر التأخير بهذا المقدار - وسياتي البحث في شرط الفور - . نعم، لو عفا لم يمكنه الأخذ مجدداً؛ لسقوط حقه ولا يعود الحق الساقط إلّا بدليل، وهو مفقود في المقام.

ووجه القول الثالث: إن أخذ البعض ملازم لأخذ الكل؛ لأنه حق واحد.وفيه نظر: حيث إن أخذ الكل مرتبط بقصده ولم يقصد ذلك، والعقود تابعة للقصود، مع أن الشارع لم يعتبر أخذ البعض ملازماً لأخذ الكل، كما اعتبر مثله في عتق بعض العبد الملازم لعتق كله، فلا دليل على انقلاب قصده البعض إلى الكل، كما ينقلب العقد المؤقت إلى الدائم مع عدم ذكر المدة.

ص: 131

والأرجح من الأقوال هو القول الثاني.

المسألة الثالثة: الثمن الذي يأخذ به الشفيع

اشارة

قال في الشرائع: «ويأخذ بالثمن الذي وقع عليه العقد، وإن كانت قيمة الشقص أكثر أو أقل، ولا يلزمه ما يغرم المشتري من دلالة أو وكالة أو غير ذلك من المؤن. ولو زاد المشتري في الثمن بعد العقد وانقضاء الخيار لم تلحق الزيادة، بل كانت هبة، لا يجب على الشفيع دفعها...»(1).

والعبارة المذكورة تتضمن فروعاً كلها تتعلّق بالثمن لا بدّ من بيان أدلتها.

الفرع الأوّل: الأخذ بالثمن الذي وقع عليه العقد

ويدل عليه: بالإضافة إلى الإجماع(2) صحيحة الغنوي عن الصادق(علیه السلام) قال: «سألته عن الشفعة في الدور أشيء واجب للشريك ويعرض علىالجار، وهو أحق بها من غيره؟ قال: الشفعة في البيوع إذا كان شريكاً فهو أحق بها من غيره بالثمن»(3)، وقد مرّ بيان صحة الخبر المذكور.

والإمام(علیه السلام) في الخبر المذكور أعرض عن السؤال وأجاب عن القاعدة الكلية المنطبقة على المقام.

الفرع الثاني: الأخذ بالثمن وإن كانت قيمة الشقص أقل أو أكثر

يؤخذ الثمن المتفق عليه في العقد وإن كانت قيمة الشقص أقل أو أكثر؛ لإطلاق النص والفتوى، ولا يخفى أن التمسك بإطلاق الفتوى بحاجة إلى

ص: 132


1- شرائع الإسلام 4: 781.
2- مفتاح الكرامة 18: 569؛ جواهر الكلام 38: 493 (37: 326 ط ق).
3- تهذيب الأحكام 7: 164.

مراجعة كلماتهم وملاحظة معقد الإجماع، وإلّا فلا يمكن التمسك بإطلاقها.

ويضاف إلى ذلك أصل عدم الزيادة فيما لو كان المبلغ أقل.

واستثنى السيد الوالد في الفقه(1) عن ذلك فيما لو كان البيع محاباتياً، سواء كان لمصلحة أم لا، فقد يُدعى انصراف النص والفتوى عن مثله، فنظر الفقهاء إلى المعاملات المتعارفة التي قد تزيد وتنقص قليلاً، وأمّا المحاباتية التي تزيد وتنقص كثيراً لجهة ما فلا.

وأمّا من ضعّف الدليل - خبراً وإجماعاً - فمقتضى القاعدة أن يذهبإلى لزوم القيمة السوقية، فإن أدلة الشفعة لم تتضمن القيمة، وما كان مالياً فهو من الإمضائيات، والعقلاء يرون فيها القيمة السوقية. نعم، لو رأى العقلاء لزوم دفع الثمن المعطى للبائع طابق فتوى المشهور، لكن عن طريق آخر.

الفرع الثالث: في حكم غرامة المشتري للدلال والوكيل

لا يلزم الشفيع ما يغرمه المشتري من دلالة أو وكالة أو غير ذلك من المؤون.

ويدل عليه: إنها من توابع الثمن لا نفسه، وقد دل النص والفتوى على الثمن لا غير، والأصل براءة الذمة.

لكن احتمل السيد الوالد في الفقه(2) لزوم دفع كل المؤون وهو الأقرب حسب القواعد، و لا تضر مخالفة المشهور؛ لكونها شهرة فتوائية،

ص: 133


1- الفقه 79: 170.
2- الفقه 79: 169.

وذلك لأن الثمن عرفاً هو الأعم، فإن القيمة تشمل المتفرقات أيضاً، وإن وقع العقد على الثمن دون التوابع، إلّا أن العرف يحسب التوابع من الثمن. نعم، مع الشك تجري البراءة؛ لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

وأمّا الاستدلال لذلك بدليل (لا ضرر) فيرد عليه الإشكال مبنىً بعدم كونه مثبتاً للحكم، وأمّا الإشكال بناءً بأنه أقدم على الضرر، فقد مضتالمناقشة فيه بأنه قد يكون جاهلاً بأصل الشركة، أو بالمؤون، أو بأنه أقدم على النفع فالدليل أخص من المدعى.

الفرع الرابع: في دفع الشفيع زيادة المشتري وعدمه

لو زاد المشتري من الثمن بعد العقد وانقضاء الخيار لم تلحق الزيادة بالثمن، بل كانت هبة، فلا يجب على الشفيع دفعها؛ وذلك لوجهين:

الأوّل: ما في دعائم الإسلام: عن الصادق(علیه السلام): «إذا وضع البائع عن المشتري بعد عقد الشراء ما يوضع مثله بين المتبائعين، وضع مثل ذلك من الشفيع، وإن كان الذي وضع ما لا يوضع مثله فإنّما هو هبة للمشتري، وليس يوضع ذلك عن الشفيع»(1). وهو مجبور بعمل المشهور.

ففي الصورة الأولى: الثمن المتفق عليه صوري، وما يقلل منه هو المقصود، فيوضع عن الشفيع، أمّا غير ذلك فهو هبة للمشتري، فلا يوضع عن الشفيع.

الثاني: صحيحة الغنوي التي مرّت، بالإضافة إلى الإجماع(2) من لزوم

ص: 134


1- دعائم الإسلام 2: 92.
2- مفتاح الكرامة 18: 579.

دفع الثمن، وهو ما قبل الوضع، وأمّا ما وضع منه فهو هبة أو إبراء أو ما اشبه ذلك، ولا يعتبر ضمن الثمن. وكذا في الزيادة بأن اشترى ألفاً ودفعمائة زيادة.

الفرع الخامس: كون زيادة الثمن في زمن الخيار

قال في الشرائع: «ولو كانت الزيادة في زمان الخيار، قال الشيخ(1): يلحق بالعقد؛ لأنّها بمنزلة ما يفعل في العقد، وهو يشكل على القول بانتقال الملك بالعقد، وكذا لو حطّ البائع من الثمن لم يلحق بالعقد»(2).

وأمّا ما ذكره الشيخ فهو مخالف للقواعد، وأمّا ما ذكره الشرائع فلا يبنى على القول بانتقال الملك بالعقد، بل هو تام حتى على مبنى انتقال الملك بانتهاء الخيار الذي هو قول شاذ؛ وذلك لأن الزيادة والنقيصة في فترة الخيار لا تعتبر من الثمن، بل هي هبة أو ما أشبه ذلك، والثمن هو المقدار الذي تعين بالعقد وإن لم ينتقل الملك بعد. نعم، يمكنه الفسخ ثم تغيير الثمن، وأمّا مجرد الزيادة والنقيصة من دون فسخ فليس مبطلاً للعقد ولا مغيّراً للثمن. فاللازم على الشفيع أداء الثمن المتفق عليه في العقد إن كانت الزيادة والنقيصة من دون إبطال العقد السابق.

الفرع السادس: في كون القيمة المتفق عليها أكثر من القيمة السوقية

ولو كانت القيمة المتفق عليها أكثر من القيمة السوقية جاز للشفيع أنيأخذ بالشفعة من دون ملاحظة المصلحة لنفسه أو للمشتري فيما لو كانا

ص: 135


1- المبسوط 3: 108.
2- شرائع الإسلام 4: 781.

كبيرين، أمّا لو كانا صغيرين فلولي الصغير أن يأخذ الشفعة له إذا كان لمصلحته، ولا يلزم مراعاة مصلحة المشتري الصغير؛ لعدم ثبوت حق له، فإن مطالبة الحق ممن عليه الحق جائز وإن كان بضرره كبيراً كان أو صغيراً، فلا يلزم في استيفاء الحق من الصغير مراعاة مصلحته؛ لأن جعل الحق مطلقٌ، سواء كان لمصلحة من عليه الحق أم بضرره، وهذا بخلاف الولاية، فإن الصغير هو ذو الحق فلا بدّ من أخذ حقه إن كانت مصلحة له؛ لأن الولاية مقيدة بحدود المصلحة.

نعم، لو جعله مصلحة بأن دفع فارق القيمة من نفسه جاز.

المسألة الرابعة: التقابض في الشفعة

اشارة

اتفقت كلمة الفقهاء في المعاملات على أنه لا أولوية لأحدهما على الآخر في التسلم أوّلاً، ولكن في الشفعة قولان(1):

القول الأوّل: على الشفيع أوّلاً أن يسلم الثمن ثم يستحق المبيع، وهو المشهور.

القول الثاني: حكم الشفعة كسائر المعاوضات، وهو الأقرب.

واستدل للأوّل بأدلة أربعة(2):الدليل الأوّل: إن طرفي المعاملة في المعاوضات مختاران في التعامل، فليس أحدهما أولى من الآخر في التسلم أوّلاً، بخلاف الشفعة حيث إنها

ص: 136


1- مسالك الأفهام 12: 312؛ مفتاح الكرامة 18: 546.
2- قواعد الأحكام 2: 251؛ مسالك الأفهام 12: 312؛ جامع المقاصد 6: 399؛ جواهر الكلام 38: 496 (37: 328 ط ق)؛ الفقه 79: 171.

قهرية على المشتري فيجبر ذلك بتسلمه الثمن أوّلاً.

وفيه: إنه نوع من الاستحسان ولا دليل عليه.

الدليل الثاني: المستفاد من صحيحة الغنوي لزوم إعطاء الثمن أوّلاً، حيث قال(علیه السلام): «فهو أحق بها من غيره بالثمن»(1).

فإن (الباء) في (بالثمن) بمعنى السببية، أي: إن الشفيع أحق من المشتري بسبب الثمن الذي دفعه إليه، وإنّما يكون أحق فيما لو دفع الثمن أوّلاً.

وفيه نظر: لأن ظاهر (الباء) هو المقابلة لا السببية، أي: إنه أحق بها في مقابل الثمن، ولا أقل من الشك فيكون مجملاً.

الدليل الثالث: أن المستفاد من الرواية أن الشفيع لا يملك المبيع بمجرد الأخذ بالشفعة(2)، وحيث لم يملك لا يكون هنالك وجه ملزمللمشتري بتسليم المبيع. نعم، حين دفعه للثمن يصبح مالكاً فعلى المشتري التسليم، والنتيجة إن على الشفيع أن يدفع الثمن أوّلاً.

ووجه ذلك ما استفيد من قوله(علیه السلام): «فهو أحق بها من غيره بالثمن»، ومفادها إنه إنّما تثبت له الأحقية بالثمن، وحيث لا ثمن فلا أحقية، فيستفاد منه مدخلية دفع الثمن في حصول الملك، أو في استحقاق الأخذ بالشفعة،

ص: 137


1- تهذيب الأحكام 7: 164.
2- لا يخفى أن في زمان تحقق الملك في الشفعة قولان: الأوّل: ما هو المشهور من أنه يملك بمجرد الأخذ بالشفعة كسائر العقود والإيقاعات، حيث يحصل النقل والانتقال للملك بالعقد، ولا يشترط فيه القبض، ويستثنى من ذلك بعض المعاملات التي لا يحصل فيها الملك بمجرد العقد، بل يشترط فيه القبض حتى يتم النقل كبيع الصرف، الثاني: ما ذكر في المتن (السيد الأستاذ).

ومن دونه يكون الأخذ لغواً.

وفيه نظر: لاعتماد المفاد المذكور على تفسير (الباء) بالسببية، وقد قلنا: إنها ليست للسببية بل للمقابلة، وأمّا زمان تسليم الثمن فلم يتطرق إليه في الحديث.

الدليل الرابع: الأصل(1) عدم حق الشفعة من دون إعطاء الثمن أوّلاً، فيقتصر على القدر المتيقن.

وفيه نظر: فإن إطلاق الأدلة لا يُبقي مجالاً للأصل، فإنّه يثبت حق الشفعة، وبإطلاقها تشمل ما لو سلم الثمن أوّلاً أو لم يسلم، فإن الحق ثابت له، والقدر المتيقن إنّما يخل بالإطلاق فيما لو كان في مقام التخاطب، أمّا القدر المتيقن الوجودي فغير ضارٍ.

ثم ذهب في الجواهر(2) إلى أن الشفعة ليست من المعاوضاتالمحتاجة إلى التقابض، بل من الحقوق كالخيار، فإنه وإن انتقل المال بسبب الأخذ بالخيار إلّا أنه ليس من مبادلة مال بمال، بل إبطال للمعاوضة. فما يدل على لزوم التقابض في المعاملات غير جارٍ في الشفعة.

ويؤيّد كونها حقاً كالخيار مما يستفاد منه لزوم تسديد الثمن أوّلاً مؤيّدان:

المؤيّد الأوّل: إنه لو أخذ الشفيع بالشفعة قبل أن يقبضه المشتري لم يلزم عليه أن يقبضه من البائع ليسلمه له؛ وذلك لأن الشفيع أخذه قهراً فعليه أن يستلمه من البائع، ولا دليل على تكليف المشتري بالقبض من البائع،

ص: 138


1- راجع جامع المقاصد 6: 399.
2- جواهر الكلام 38: 500 (37: 330 ط ق).

بخلاف المعاوضات، فلو اشترى شيئاً ولم يقبضه ثم باعه كان عليه أن يقبضه ليسلمه للمشتري الثاني. وهذا الفرق كاشف عن أن الشفعة حق، فلا يكون مصداقاً لأدلة اشتراط التقابض في المعاملات.

المؤيّد الثاني: ما ورد في الرواية من قوله: «أحق به من غيره». وكلمة (أحق) لا يطلق على المعاملات؛ ولذا فالمتّجه حصوله وإسقاطه بالفعل والقول على نحو الخيار.

فيحصل الأخذ بالشفعة بالأخذ العملي للمتاع بقصد الامتلاك، كما يحصل بالأخذ القولي، وكذا إسقاطها.

ويرد عليه إشكالات:الأوّل: الشفعة تختلف عن الخيار في جهات، منها: إن الأخذ بالخيار موجب لإبطال المعاملة السابقة، وإن ندم صاحب الخيار، فلا مجال للرجوع بعد فسخ العقد، بخلاف الشفعة، فإنه إن أخذ بها ثم لم يقبض الثمن حُق للمشتري إبطالها(1)، ومنها: إنه لو أعطى الثمن أمكنه الإقالة في الشفعة بخلاف الخيار، فلا يمكن قياس الشفعة بالخيار(2).

الثاني: حصول الخلط في المقام بين الرتبتين المتقدمة والمتأخرة، فالمعاوضة عقد في رتبة متقدمة ومما يترتب عليها وجوب التقابض لا أن

ص: 139


1- لصحيحة ابن مهزيار أو حسنته: «إذا لم يأتِ بالمال ثلاثة أيام باع وبطلت شفعته في الأرض» (السيد الأستاذ).
2- وفيه نظر: إذ ليس المراد التشبيه من كل الجهات، بل المراد فهم الملاك الحاكم على كليهما؛ لكونهما حقين لا معاملتين (المقرر).

قوامها التقابض، فلو تحققت المعاوضة حصل النقل والانتقال بالعقد، سواء تقابضا أم لا، وكذلك الخيار، ولا فرق بينهما من هذه الجهة، فلو أخذ بالخيار لزم التقابض وهذا القبض في مرتبة متأخرة عن المعاوضة وعن الخيار، بل يمكن القول بلزوم التقابض في آنٍ واحدٍ حتى في الخيار.

الثالث: إن الحصول والإسقاط بالفعل والقول متحقق في الخيار والمعاوضات والإيقاعات، وما أراد إثباته من الفرق بين الخيار وسائر المعاوضات غير تامٍ، فالبيع يحصل بالقول وبالمعاطاة والفسخ كذلك.الرابع: إن كلمة (الحق) تُطلق على الملك كما تطلق على الخيار، كما أنها تُطلق على الأخف منهما، كما لو سبق إلى الجلوس في المسجد فهو أحق به، فيصح إطلاق الحق على الخيارات والإيقاعات والمعاملات، فلا يمكن استظهار عدم كونه ملكاً أو لا يصير ملكاً، أو لا يكون إيقاعاً أو معاملة من كلمة الحق؛ لصحة إطلاقها على الجميع.

والحاصل: أن الأقرب هو أن الشفيع يستحق الشقص بمجرد أخذه بالشفعة، وحينئذٍ يلزم التقابض كسائر المعاملات، فإن رفض المشتري التسليم راجع الشفيع الحاكم الشرعي، وإن لم يأت الشفيع بالثمن إلى ثلاثة أيام بطلت شفعته ولا دليل على إلزام الشفيع بإعطاء الثمن أوّلاً، بل الأقوى لزوم التقابض.

فرع: في حصول الملك بمجرد التقابض أو بمجرد الأخذ بالشفعة

هل يتوقف الملك في الشفعة على التقابض أو يملك بمجرد الأخذ بها؟

فيه احتمالان:

ص: 140

الأوّل: ما رجحه في المسالك(1) من أنّه متوقف على القبض، وفي كونه ناقلاً أو كاشفاً احتمالان، كما في إجازة الفضولي.

الثاني: مقتضى القاعدة العامة عدم توقف الملك على القبض فيالمعاملات والإيقاعات، واستثناء فرد - كالصرف - بحاجة إلى دليل، وهو مفقود في الشفعة، ويكون القبض واجباً آخر، ومع عدم حصوله يحق له الفسخ.

وتظهر ثمرة القولين في أنه على الثاني تكون الثمار للشفيع إلى حصول القبض، وعلى الأوّل فالثمار للشفيع بناءً على الكشف، وللمشتري بناءً على النقل.

المسألة الخامسة: لو اشترى شقصاً وعرضاً صفقة

اشارة

قال في الشرائع: «ولو اشترى شقصاً وعرضاً في صفقة أخذ الشقص بحصته من الثمن، ولا يثبت بذلك للمشتري خيار»(2)، قال في الجواهر بعد ذكر كلام الشرائع: «لإقدامه»(3).

فلو كان يملك أراضي متعددة له شركاء في بعضها، فباع ما لا شريك له فيه وما له شريك فيه في صفقة واحدة، فللشريك حق الشفعة في خصوص المال المشترك بينهما دون غيره(4)؛ وذلك لإطلاق أدلة الشفعة الشامل لما

ص: 141


1- مسالك الأفهام 12: 313.
2- شرائع الإسلام 4: 781.
3- جواهر الكلام 38: 502 (37: 332 ط ق).
4- واستثني من ذلك ما مرّ سابقاً من بيع الدار والطريق للنص الخاص (السيد الأستاذ).

لو انحصر المبيع بالمال المشترك، أو كان معه ماله الخاص أيضاً في صفقة واحدة، مضافاً إلى عدم الخلاف، بل الإجماعبقسيمه كما في الجواهر(1).

ثم إنّه لا يحق للمشتري دعوى تبعّض الصفقة على البائع؛ وذلك لدليلين:

الأوّل: الإقدام - فيما لو علم المشتري بذلك - حيث أقدم على مثل هذه المعاملة الموجبة لتبعض الصفقة، كما لو أقدم على شراء المملوك وغيره فضولة حيث لو لم يجزِ المالك تبعضت الصفقة، ولا خيار له لعلمه بإمكان التبعض.

هذا فيما لو علم بالموضوع (اشتراك المبيع) والحكم (حكم الشفعة).

وقد مرّ بعض الكلام في ترتب اللوازم مع الجهل وعدمه، وفيه تفصيل يراجع في محله من القصاص والضمانات وغيرها.

الثاني: إنّما يكون تبعض الصفقة موجباً للخيار إذا كان منشؤه قبل البيع أو حينه، فيكون البائع هو السبب، كبيع ما يملك وما لا يملك، وأمّا بعد البيع فلا يوجب الخيار، كما لو اشترى شيئاً ثم حلّت رأس سنته الخمسية، حيث يخرج خمسه عن ملكه، فلا خيار له لتبعض الصفقة عليه بعد البيع.

وفي المقام، قبل البيع لا حق للشريك في الشفعة، وإنّما يتولد حقالشفعة بعد البيع، فمنشؤ التبعض بعد البيع فلا يشمله دليل خيار تبعض الصفقة، ولذا قال في الجواهر: «ولأن استحقاق الشفعة تجدد في ملك

ص: 142


1- جواهر الكلام 38: 502 (37: 332 ط ق).

المشتري، فلم يحصل شرط خيار تبعيض الصفقة، الذي هو كون التبعيض في العقد نفسه»(1)، وتفصيل الكلام فيه في مباحث الخيارات.

وعليه لا خيار للمشتري سواء كان عالماً أم جاهلاً، فلا وجه للقول بثبوت الخيار مع جهله، كما ذكره المحقق الاردبيلي(2). نعم، مع الغبن أو العيب فهو بحث آخر.

فرع: لو كان الانضمام دخيلاً في القيمة

لو اشترى المشترك وغيره، وكانت للهيئة الاجتماعية مدخلية في القيمة، فمع أخذ الشريك للشفعة تنخفض القيمة أو ترتفع، فما هو المقدار الذي يضمنه الشفيع للمشتري؟

فيه صور متعددة ذكر السيد الوالد ثلاثة منها(3):

الصورة الأولى: أن يكون الانفكاك بين الشقص والعرض موجباً لتقليل قيمة كل منهما. كما لو اشترى أرضا كبيرة، وكانت القيمة ترتفعمع اتحادها وتنخفض مع انفكاكها، وفيه احتمالات ثلاثة:

الأوّل: يضمن الشفيع ثمن ما يأخذه من المشتري، وهو الأقل.

الثاني: يقسّم الضرر بينهما؛ فإن منشأ الضرر هو الحكم الشرعي، ولا وجه لتحمل المشتري أو الشفيع له فيقسّم بينهما؛ لقاعدة العدل والإنصاف.

الثالث: يضمن الشفيع كل الضرر؛ لكونه سبب الضرر على المشتري،

ص: 143


1- جواهر الكلام 38: 502 (37: 332 ط ق).
2- مجمع الفائدة والبرهان 9: 29.
3- الفقه 79: 177-178.

وقاعدة (لا ضرر) واردة على قاعدة العدل.

ويشكل عليه بأن الضرر بحكم الشارع فلا وجه لتحمل الشفيع ذلك، فإنه أخذ بحقه المشروع.

والأرجح هو الاحتمال الثاني: للجمع بين دليلي الشفعة والعدل، مع عدم التنافي بينهما، فإن دليل الشفعة قاضٍ بالثمن، ودليل العدل قاضٍ بالتقسيم.

الصورة الثانية: أن يكون الانفكاك بين الشقص والعرض موجباً لزيادة قيمة العرض دون الشقص، كما لو كانت قيمة واجهة الأرض - والتي هي ملك طلق - مرتفعة، وقيمة خلفها - والتي يشتركان فيها - منخفضة، وحين ينضمان تقسّم القيمة على جميع الأرض، فيكون سبباً لانخفاض قيمة الواجهة، وارتفاع قيمة الخلف، وحين يأخذ الشفيع حقه ترتفع قيمة الواجهة مجدداً.وفي هذه الصورة على الشفيع أن يعطي قيمة الشقص فقط؛ لقيام الدليل على أن الشفيع أحق به من غيره بالثمن، فالأرض التي أخذها الشفيع قيمتها دينار مثلاً، ولو انضمت إلى الواجهة كانت قيمتها دينار ونصف، وحين الانفكاك ترجع إلى قيمتها الحقيقية، ولا وجه لإعطاء الشفيع القيمة الأعلى للمشتري، والتي تسبب الضرر عليه.

الصورة الثالثة: أن يكون الانفكاك سبباً لزيادة قيمة الشقص دون العرض، كما لو كانت واجهة الأرض مشتركة دون خلفها، فيأخذ الشفيع حصته من الواجهة ويبقى ما خلفها للمشتري، فهل للمشتري طلب الزيادة؟ فيه

ص: 144

احتمالان:

الأوّل: على الشفيع إعطاء الثمن لا الزيادة الحاصلة بعد الانفكاك.

الثاني: على الشفيع إعطاء الزيادة إلى المشتري، فإنه وإن كان ثمنه منضماً - هو الأقل - إلّا أنه مع الانفكاك ترتفع القيمة، فالقيمة الحقيقية هي الزائدة، وهذا هو الأرجح.

المسألة السادسة: لو كان الثمن مثلياً أو قيميّاً

قال في الشرائع: «ويدفع الشفيع مثل الثمن إن كان مثلياً، كالذهب والفضة، وإن لم يكن له مثل كالحيوان والثوب والجوهر قيل: تسقط لتعذر المثلية، ولرواية علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه(علیه السلام). وقيل: يأخذهابقيمة العرض وقت العقد وهو أشبه»(1).

وهنا صورتان:

الصورة الأولى: لو كان الثمن مثلياً، فيجب على الشفيع أن يعطي المثل، ويدل عليه ثلاثة أدلة(2):

الدليل الأوّل: الإجماع القطعي، وقد نقل متواتراً، كما في الجواهر(3).

الدليل الثاني: الشفعة من المعاملات وهي إمضائيات فتؤخذ من العرف، والعرف يرى المثلية في المقام، ولم يردع عنه الشارع.

الدليل الثالث: إن المثل هو المستظهر من الروايات.

ص: 145


1- شرائع الإسلام 4: 781.
2- مسالك الأفهام 12: 314؛ جواهر الكلام 38: 503 (37: 333 ط ق).
3- جواهر الكلام 38: 503 (37: 333 ط ق).

فليس المراد من قوله(علیه السلام): «فهو أحق به من غيره بالثمن» عين ما أعطاه المشتري إلى البائع، بل المراد عرفاً مثل الثمن، والمماثلة عرفية، والخصوصيات المائزة بين العين والمثل إن لم تكن عرفية فلا اعتبار بها، ولذا قال في مفتاح الكرامة: «فالمراد المثل لمساواته لما دفعه المشتري في غالب الأوصاف والخواص»(1).وبعبارة الفقه: «وأمّا الأخبار، فقد تقدم قوله(علیه السلام) بالثمن، مما ظاهره أنّه بمثل الثمن، لكن حيث إن العرفية وظاهر الخبر المستفاد عند العرف منه ليس أكثر من المماثلة العرفية، فلا خصوصية لخصوصيات الثمن إذا لم تكن خصوصية عرفية، مثلاً: اشتراها بمائة دينار في دنانير فردية، فإنه يحق للشفيع أن يعطيه دنانير أمهات العشرة أو ما أشبه ذلك. نعم، إذا كان العرف يفرق بين القسمين لم يكن له التبديل، كما إذا كان الفرق بين الدنانير الذهبية والدراهم الفضية فيما لو كانتا رائجتين»(2).

الصورة الثانية: لو كان الثمن قيمياً، وفيه أقوال:

القول الأوّل: ثبوت الشفعة فيها بالقيمة، واختاره صاحب الشرائع وغالب المتأخرين(3).

القول الثاني: سقوط الشفعة، وهو المشهور بين المتقدمين(4).

ص: 146


1- مفتاح الكرامة 18: 570.
2- الفقه 79: 180-181.
3- شرائع الإسلام 4: 781؛ تذكرة الفقهاء 12: 257؛ مسالك الأفهام 12: 315.
4- الخلاف 3: 432؛ الوسيلة: 258؛ مختلف الشيعة 5: 337؛ جامع المقاصد 6: 405.

القول الثالث: إنه لو جاء بعين الثمن - كأن يأخذ الثمن من البائع بأيّ طريقة - فله حق الشفعة، وإلّا فلا شفعة، وهذا القول لأبي علي(1).أمّا القول الثالث فهو متروك ولا دليل عليه، فيبقى الكلام في القولين الأوّلين.

أمّا القول الأوّل(2) فاستدل له بدليلين ومؤيّدين:

الأوّل: الإطلاق اللفظي، من غير ثبوت مقيد، فيشمل ما لو كان الثمن قيمياً.

الثاني: الإطلاق المقامي، وحاصله: إنه كان من المتعارف في زمن التشريع المعاملات العينية، بتبديل بضاعة بأخرى، ولو كانت الشفعة خاصة بالمثلية لزم بيان التفصيل.

الثالث: إن العلة من الشفعة دفع الضرر، ولا فرق فيه بين المثلي والقيمي، لكن مضى أنها حكمة لا علة.

الرابع: ما في المقنعة(3) للشيخ المفيد، وقد قيل: بأن كتابه متن نصوص الروايات، ولا يضر إرساله بعد عمل المشهور، بل إن بعض الفقهاء ممن لا يعمل بالظن ويشترط القطع بالروايات أفتى بالشفعة في المقام.

وأمّا أدلة القول الثاني(4)، فهي:

ص: 147


1- مفتاح الكرامة 18: 573.
2- مفتاح الكرامة 18: 573.
3- المقنعة: 619.
4- مفتاح الكرامة 18: 573.

الدليل الأوّل: تعذر المثلية المعتبرة في الشفعة.

وفيه: إنه مصادرة، فاعتبار المثلية أوّل الكلام.

الدليل الثاني: أصالة عدم الشفعة في مورد الشك، فيتمسك بالأصل العام، وهو عدم جواز التصرف في حق الغير.

وفيه: إنه لا مجال للشك ثم التمسك بالأصل العام مع إطلاق دليل الشفعة.

الدليل الثالث: وهو عمدة الأدلة الروايات الواردة في المقام، وهي:

الرواية الأولى: «فهو أحق بها من غيره بالثمن»(1) ومعناه مثل الثمن لا قيمته.

وفيه: إن الثمن أعم من المثل والقيمة، ومن الواضح أنه ليس المراد من الثمن عين ما أعطي للبائع، فإنه أصبح ملكاً له، بل المراد شبيهه، وهو صادق على المثل في المثلي، وعلى القيمة في القيمي، وفي المسالك(2): أنه لا يراد المعنى الحقيقي، بل المعنى المجازي، ويؤخذ الأقرب إلى الذهن عرفاً مع تعددها واختلافها، وأقرب المجازات في المثلي المثل، وفي القيمي القيمة، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر.بل ذهب السيد الوالد(3) إلى أنّه ليس معنى مجازياً أصلاً، فإن الثمن يطلق حقيقة على المثل وعلى القمية.

ص: 148


1- تهذيب الأحكام 7: 164.
2- مسالك الأفهام 12: 315.
3- الفقه 79: 183.

الرواية الثانية: في جواب مسألة حاصلها: أنه لو باع حصته من الدار في غياب الشريك، فهدم السيل الدار ثم حضر المسافر وأراد الأخذ بالشفعة بإعطاء ثمن الأرض دون البناء، فوقع(علیه السلام): «ليس له إلّا الشراء والبيع الأوّل إن شاء اللّه»(1)، فإن ظاهره مثل الثمن لا قيمته.

وفيه نظر: حيث لا يدل على المثلية فقط، بل يشمل القيمة أيضاً.

الرواية الثالثة - وهي العمدة - : صحيحة(2) علي بن رئاب، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام): «في رجل اشترى داراً برقيق ومتاع وبز(3) وجوهر(4)، قال: ليس لأحد فيها شفعة»(5).

ووجه نفي الشفعة عدم كون الثمن مثلياً.

وأشكل عليه بإشكالات منها:الإشكال الأوّل: ما في المسالك: من ضعف السند، قال: «أمّا الأوّل ففي طريقه الحسن بن سماعة(6)، وهو واقفي، والعجب من دعوى العلامة في

ص: 149


1- تهذيب الأحكام 7: 192؛ وسائل الشيعة 25: 405.
2- الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب... .
3- العين 7: 353، وفيه: «البز: ضرب من الثياب... والبزازة: حرفة البزاز، والبز أيضاً: ضرب من المتاع».
4- الأثمان المذكورة كلها قيمية.
5- تهذيب الأحكام 7: 167؛ وسائل الشيعة 25: 406.
6- والسند في تهذيب الأحكام: الحسن بن محمّد بن سماعة، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب... .

التحرير صحته مع ذلك»(1).

وفيه نظر: لأن الراوي هو الحسن بن محمّد بن سماعة، وهو وإن كان واقفياً لكن صرح النجاشي بوثاقته(2)، بالإضافة إلى روايتها بسند آخر صحيح بلا إشكال، وهو ما رواه الحميري في قرب الإسناد(3)، فقد يكون العلامة ناظراً إلى هذا السند، وإن كان السند الأوّل معتبراً أيضاً.

الإشكال الثاني(4): اضطراب النسخ، فقد رواه الفاضل الآبي في كشف الرموز بهذا النص: «من اشترى داراً - دراهم - برقيق...»(5)، فلا يصح التمسك بإحدى النسختين؛ لاحتمال الخطأ.

وقد مرّ الكلام في حكم شفعة الحيوان وما لا ينقسم، فقد يكون مفاد الرواية شراء الرقيق والبز والجوهر في مقابل الدراهم، فلا شفعة من هذهالحيثية (كونه حيواناً أو ما لا ينقسم) - وإن كان المختار ثبوت الشفعة فيها - فيخرج عن محل البحث من كون الثمن قيماً، فإن الثمن في النسخة المذكورة الدراهم.

وفيه نظر: لترجيح المجاميع المشهورة - كالتهذيب ومن لا يحضره الفقيه

ص: 150


1- مسالك الأفهام 12: 315.
2- فهرست أسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي): 40.
3- قرب الإسناد: 165، والسند: الحميري عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب.
4- الفقه 79: 185.
5- كشف الرموز 2: 394.

وقرب الإسناد(1) - على كشف الرموز، فإنه كتاب فقهي متأخر عن تلك الكتب الروائية.

الإشكال الثالث(2): عدم دلالتها على المراد؛ لوجود احتمالات عديدة في نفي الشفعة، ولا ترجيح لأحدها على الآخر، منها: إن الثمن قيمي، ومنها: توهم ثبوت الشفعة للجار - كما يراه العامة - حيث لم يصرح بشراء الشقص أو وجود الشركة في الدار، بل السؤال عن شراء الدار، قال في المسالك: «نفي الشفعة أعم من كونه بسبب كون الثمن قيمياً أو غيره؛ إذ لم يذكر أن في الدار شريكاً، فجاز نفي الشفعة لذلك عن الجار وغيره»(3)، فهنا ظهوران:

الأوّل: إنّه اشترى كل الدار، لا شريك فيها.

الثاني: تعدد ذكر الثمن القيمي، والمستفاد من الأوّل السؤال عنشفعة الجار، كما عليه على العامة، والمستفاد من الثاني السؤال عن الشفعة فيما لو كان الثمن قيمياً، ولا يستظهر من جواب الإمام(علیه السلام) ترجيح أحد الظهورين وسبب نفي الشفعة، فتكون الرواية مجملة لا يمكن الاستدلال بها.

الإشكال الرابع: إن إطلاقات أدلة الشفعة تشمل الثمن القيمي والمثلي، والصحيحة المذكورة تخصصها في خصوص موردها، وهو الأربعة(4)

ص: 151


1- من لا يحضره الفقيه 3: 80؛ تهذيب الأحكام 7: 167؛ قرب الإسناد: 165.
2- مسالك الأفهام 12: 315؛ الفقه 79: 184.
3- مسالك الأفهام 12: 315.
4- أي: الرقيق والمتاع والبز والجوهر.

مجتمعاً.

وفيه نظر: إذ لا مجال للتمسك بخصوص المورد؛ فإن الرواية الخاصة تخصص المطلقات، ولا خصوصية للأربعة المذكورة، بل ظاهرها كون الثمن قيمياً سبب المنع، فترجح على المطلقات، بالإضافة إلى أنه خلاف الإجماع المركب.

الإشكال الخامس: الصحيحة المذكورة مطابقة لفتوى العامة فلا بدّ من حملها على التقية.

وفيه نظر: فللعامة في المسألة قولان، كلاهما كان رائجاً في زمن الإمام الصادق(علیه السلام)، فلا وجه لحملها على التقية بعد إمكان بيان الحكم الواقعي المطابق لأحد رأيي العامة، فإن التقية إنّما هي فيما لو اتفقت كلمةالعامة، أو كان الرائج في زمن الصدور هو الحكم المخالف للواقع ونحو ذلك.

بالإضافة إلى أن الحمل على التقية إنّما هو مع تعارض الروايات عندنا، وليس المقام كذلك فلا معارض للرواية الخاصة، وإنّما المشهور تمسكوا بالإطلاقات.

الإشكال السادس(1): إن الرواية مخالفة للشهرة القدمائية وإعراضهم مسقط لحجيتها.

إن قلت: إن شهرة المتأخرين على العكس من ذلك.

قلت: إن إعراض المتقدمين عنها مع كونها بيدهم يسقطها عن الاعتبار، وعمل المتأخرين لا يعيد إليها الاعتبار، خاصة أن المتقدمين أقرب إلى

ص: 152


1- الفقه 79: 186.

عصر الحضور، وكانت بيدهم المجاميع مما لم يصل بيدنا، والقول بأدقية المتأخرين غير معلوم، بل فهم المتقدمين للروايات أجود.

والحاصل: تمامية بعض هذه الإشكالات، فتكون النتيجة عدم تمامية دليل سقوط الشفعة في القيمي، فتشمله إطلاقات أدلتها.

المسألة السابعة: هل الشفعة فورية أم على التراخي

اشارة

قال في الشرائع: «وتبطل بترك المطالبة مع العلم وعدم العذر، وقيل: لاتبطل إلّا أن يصرح بالإسقاط ولو تطاولت المدة، والأوّل أظهر»(1).

وفي المسألة أقوال ثلاثة، ثالثها: التراخي ما لم يتضرر المشتري.

واستدل للقول بالفور بسبعة أدلة(2):

الدليل الأوّل(3): روايتان عن النبي| حيث قال: «الشفعة لمن واثبها»(4) من الوثوب بمعنى القفز، وظاهره السرعة والعجلة، وقال|: «الشفعة كحل العقال»(5)، تشبيه للشفعة بحل عقال الجمل حيث يتحقق سريعاً.

وفيه نظر سنداً ودلالة.

أمّا سنداً: فإنهما عاميتان، حيث لم ترويا في الكتب الخاصة، ومن

ص: 153


1- شرائع الإسلام 4: 788.
2- تذكرة الفقهاء 12: 312؛ مسالك الأفهام 12: 359؛ الفقه 79: 192.
3- مسالك الأفهام 12: 359؛ الفقه 79: 192.
4- نقله العلامة في تذكرة الفقهاء 12: 312؛ عن كتاب بدائع الصنائع 5: 17؛ والمغني 5: 478.
5- نقله في مسالك الأفهام 12: 359؛ عن سنن ابن ماجة 2: 835.

رواهما صرح بعاميتهما.

إن قلت: بعد ورودهما في كتب الأصحاب وعمل المشهور بهما يجبر ضعف سندهما.

قلت: إن عمل المشهور مع ورودهما في كتبنا ونسبتهما إلى الخاصة أو السكوت جابر لضعف السند، أمّا مع التصريح بعاميتهما فلا؛ ونظيرهتصريح كثير من الفقهاء باختصاص قاعدة التسامح بما في كتبنا، فلا تشمل روايات العامة الواردة في كتبهم، بل صرح العامة بأن الخبرين المذكورين ضعيفان حتى على مبناهم، كما في الجواهر(1).

وأمّا دلالة: فإن الروايتين المذكورتين لا تدلان على الفور، أمّا الأولى: فإن «واثبها» ليس بمعنى السرعة بل هو بمعنى الاستعلاء والقفز، فالمقصود أن الشفيع مستعلٍ على المشتري وإن لم يرضَ.

وأمّا الثانية: فليس المراد قصر المدة، وإنّما ظاهرها أن الشفعة تحل العقد كحلّ العقال. لا أقل من الإجمال في الروايتين، فلا يمكن الاستدلال بهما.

الدليل الثاني(2): حسنة ابن مهزيار، بل صحيحته، والتي مرّت من إمهال الشفيع ثلاثة أيام إذا لم يكن الثمن حاضراً(3)؛ إذ لو كانت على التراخي لم تبطل بعد الثلاثة - كما قرره في المسالك(4)- .

ص: 154


1- جواهر الكلام 38: 638 (37: 425 ط ق).
2- مسالك الأفهام 12: 359؛ الفقه 79: 192.
3- تهذيب الأحكام 7: 167؛ وسائل الشيعة 25: 406.
4- مسالك الأفهام 12: 359.

وفيه نظر: فإن موردها الإمهال بعد الأخذ بالشفعة، وقد اتفق القائلون بالفور والتراخي على الإمهال، والمقام في إهمال الشفعة، فهما مسألتان، هذا أوّلاً.وثانياً: إن الصحيحة على عكس المطلوب أدل، فإن القائل بالفور يرى الفور دون المدة المذكورة.

الدليل الثالث(1): قاعدة (لا ضرر) بل روايات الشفعة المصرحة بعدم الضرر، والتأخير موجب للضرر على المشتري.

وفيه نظر: فقد لا يكون التأخير ضرراً على المشتري، بل في المعاملات الخطيرة قد لا يعتبر التأخير لمدة شهر - مثلاً - ضرراً، إلّا أن تطول المدة. هذا أوّلاً.

وثانياً: مع علم المشتري وإقدامه على ذلك يكون قد أقدم على الضرر، والقاعدة لا تشمل موارد الإقدام، وقد مرّ الكلام في المبنى والبناء.

وثالثاً: إن الضرر المتدارك غير مشمول للقاعدة، فالشفيع يضمن قيمة الزرع - مثلاً - أو يشترك في البناء مع المشتري، فالمراد من نفي الضرر الضرر غير المتدارك، وهذا كلام مبنائي يبحث في محله وإن كان محل تأمل.

الدليل الرابع: ما ورد من قوله(علیه السلام): «للغائب شفعة»(2)، فإن تعليقالحكم

ص: 155


1- مسالك الأفهام 12: 359؛ الفقه 79: 192.
2- الكافي 5: 281؛ وسائل الشيعة 25: 401؛ وورد في جواهر الكلام 38: 638 (37: 425 ط ق): «الغائب على شفعته».

- الشفعة - على الوصف - الغيبة - مشعر بالعلية، وأن الغيبة هي جهة بقاء الشفعة لا جهة التراخي، ولو كانت الشفعة على التراخي لكان الكلام المذكور لغواً، بل لزم القول بثبوت الشفعة سواء كان غائباً أم حاضراً.

وفيه: أن مفهوم اللقب غير حجة. هذا أوّلاً.

وثانياً: إن الحديث مطلق يشمل الغائب عالماً أو جاهلاً، متمكناً من الحضور أو لا، متمكناً من التوكيل أو لا، مع أن القائلين بالفور يرون لزوم التوكيل للغائب المتمكن وإلّا بطلت شفعته، فالحديث دال على التراخي بمقتضى إطلاقه.

وأمّا وجه اختصاصه بالغائب فلأن الحاضر غالباً إمّا يأخذ بالشفعة أو يسقطها، وحالة السكوت الطويل نادرة، بخلاف الغائب حيث يكون مثار السؤال عنه عادة، وعليه فلا فرق بين الغائب وغيره، ويؤيده ما عن أمير المؤمنين(علیه السلام): «الشفعة للغائب والصغير كما هي لغيرهما، إذا قدم الغائب وبلغ الصغير»(1)، فتدل على عدم الفرق بين الغائب وغيره، واختصاصه بالغائب لخصوصية السؤال أو المورد، أو دفع توهم نفي الشفعة عنه.

الدليل الخامس: دعوى الشيخ في الخلاف الإجماع علىالفور(2).

وفيه: أنه موهون بدعوى السيد الإجماع على عكسه(3)، بالإضافة إلى أن غالب القدماء ذهبوا إلى التراخي، فيكون دعوى الإجماع على الفور موهونة

ص: 156


1- دعائم الإسلام 2: 89.
2- الخلاف 3: 430-431.
3- الانتصار: 454 ؛ الفقه 79: 194.

خارجاً أيضاً، ولذا قال ابن إدريس: «وهذا هو الأظهر بين الطائفة»(1)، بالإضافة إلى أنه محتمل الاستناد.

الدليل السادس: إنه مقتضى الأصل الأوّلي؛ إذ (لا يحل مال امرئ مسلم إلّا بطيبة نفسه)، والقدر المتيقن من تخصيصه الشفعة على الفور، وأمّا غير ذلك فمشكوك يرجع فيه إلى الأصل.

وفيه: أن المعتمد إطلاقات أدلة الشفعة، بعد عدم تقييدها بالفور أو التراخي، فلا مجال للأصل الأوّلي.

وأمّا معارضة هذا الأصل بالاستصحاب فهو بحث مبنائي في تقدم عموم العام على استصحاب الخاص فيما لو شك في الزمان الثاني.

الدليل السابع: إن القول بالتراخي مذهب العامة والرشد في خلافهم.

وفيه: أن مورده صورة التعارض بين أحاديثنا، ولا يجري في قولينمستنبطين من العمومات، ويؤيده اتفاق العامة مع الخاصة في كثير من الأحكام، ولا يشملها الرشد في خلافهم، مضافاً إلى أن ذلك إنّما يجري فيما لو اتفق العامة على رأي، أمّا لو اختلفوا فلا، حيث يوافق أحد أقوالهم قول الخاصة، وقد نقل أنه في المقام للعامة أقوال عديدة، فللشافعي خمسة أقوال ولأبي حنيفة ثلاثة.

والحاصل: إن الأدلة السبعة التي سيقت للفور كلها محل إشكال.

فمقتضى القاعدة القول بالتراخي، واستدل له بالإطلاقات، وهي عمدة أدلتها.

ص: 157


1- السرائر 2: 388.

وأمّا سائر ما استدل به للتراخي، كالاستصحاب والأصل العقلائي بعدم مسقطية السكوت للحق، فهي محل تأمل، فإن الاستصحاب محكوم بجريان العام في المقام - على المبنى - ، والأصل المذكور إنّما يتم بعد ثبوت الحق، والكلام في أصل ثبوته في الآن الثاني.

نعم، لا بدّ من تقييد المطلقات بعدم الضرر على المشتري؛ لتقدم (لا ضرر) عليها فيتولد قول ثالث في المقام.

موارد مستثناة من القول بالفور

ثم إنّه بناءً على القول بالفور هنالك موارد مستثناة:

المورد الأوّل(1): ما لا ينافي الفور العرفي وإن نافاه دقّة، كما لوكان في طريقه للذهاب إلى الصلاة فسمع بالبيع، فإن الأخذ بالشفعة بعد إتمام الصلاة لا ينافي الفور.

واستدل(2) له بأن دليل الفور إن كان المطلقات فالمستفاد منها أن الفور عرفي، فإن الألفاظ تُحمل على الأمور المتعارفة دون غيرها، والفور الدقّي غير متعارف، فلو قيل للشفيع باع شريكك فالمتعارف أن يفكر ويستشير أوّلاً ثم يأخذ بالشفعة.

وإن كان دليل الفور الأصل العملي، فإن أدلة الاستصحاب والأصول العملية لا تشمل الفور الدقي.

المورد الثاني: الجهل بأصل البيع، أو بحقه في الشفعة، أو بجهة أخرى،

ص: 158


1- مسالك الأفهام 12: 361؛ الفقه 79: 199.
2- الفقه 79: 200.

كما لو أخبر بأن الشريك باع بثمن خطير لا يمكنه أن يؤدّيه فلم يأخذ بالشفعة، ثم تبين خلاف ذلك.

أمّا الجهل بأصل البيع فموضع اتفاق، وأمّا الجهل بحقه فإطلاقه محل تأمل، فإن الجهل عن تقصير ليس بعذر، وعن القصور ففيه احتمالان: من سقوط حقه؛ لأنه حكم وضعي وهو لا ينافي الجهل، ومن عدمه لانصراف أدلة الفور عنه.

وأمّا الجهل من جهة أخرى فلا بدّ من معرفة سبب الجهل، فإن كان حجة شرعية - كالبينة - فالعذر مقبول، وإلّا فلا.والحاصل: إن الضابط في ذلك أن الجهل بأصل البيع عذر مقبول سواء كان قاصراً أو مقصراً، وأمّا الجهل بالحكم فعذر مقبول للقاصر، وأمّا الجهل بغير ذلك فإن كان منشؤه حجة فعذر مقبول وإلّا فلا.

قال الشيخ في المبسوط: «وجملته أن الشفيع متى بلغته الشفعة فلم يأخذ لغرض صحيح ثم بان خلاف ذلك لم يسقط شفعته»(1)، فملاك الضابط المذكور الغرض الصحيح وإن كان عالماً، فيدخل الجهل فيه بطريق أولى.

وقال في المسالك: «... التأخير لغرض صحيح أو عذر مقبول لا يخل بالفورية المعتبرة»(2)، فيدخل فيه الجهل وغيره وجميع الأعذار، فالأوّل يرافق العلم غالباً، كما لو خاف الشفيع من الظالم فلم يأخذ بالشفعة، والثاني يشمل الجهل، وكل ذلك لانصراف دليل الفور عنه.

ص: 159


1- المبسوط 3: 153.
2- مسالك الأفهام 12: 336.

المورد الثالث: الغائب أو المحبوس وما أشبههما.

وقد مرّ الكلام في أن الغيبة قد تكون عذراً وقد لا تكون، وأن المحبوس قد يكون محبوساً بباطل، كما لو حبسه ظالم، فهو عذر، وقد يكون بحق يمكنه خلاص نفسه، كما لو حبس لعدم أداء الدين ويمكنه الأداء، فلا يعتبر عذراً.ثم إن المسالك(1) فرق بين الأعذار بين الحاضر والغائب، فإن كان حاضراً أمكنه الأخذ بالشفعة قولاً، ثم يسدد الثمن، فلو لم يفعل سقط حقه حيث لا يعتبر عذراً، وإن كان غائباً اعتبر عذراً حيث لا ينفع قوله أخذت بالشفعة.

وقيل: إن الشفعة متوقفة على القول مع إعطاء الثمن - من غير فرق بين كون الدفع جزء السبب أو شرط الأخذ بالشفعة - أمّا القول المجرد فلا ينفع، بل كلام الفقهاء كالصريح في عدم وجوب المبادرة إلى القول المذكور؛ لأن ما ذكر كونه عذراً لا يعتبر عذراً مع إمكان القول، حيث لا ينافيه حبس ولا غيره.

أقول: الأقرب ما في المسالك، فإن الإطلاقات لم تتعرض إلى الثمن، لا شرطاً ولا جزءاً، وعدم الدليل الخاص عليهما ينفيهما، فمقتضى القاعدة أن الشفعة لا تتوقف على دفع الثمن.

نعم، بعد الأخذ بالشفعة وانتقال الملك إليه يتولد التكليف بلزوم دفع الثمن، كما في دفع الثمن في البيع، حيث إن الدفع ليس جزءاً ولا شرطاً،

ص: 160


1- مسالك الأفهام 12: 319.

ولو لم يؤدهِ صح البيع ويتولد حق خيار التأخير.

المورد الرابع: لو أخبر المشتري الشفيع بالثمن، فرأى عدم استطاعته في الأخذ بالشفعة ثم تبين كذب المشتري، أو أخبره بذلكشخص ثالث، أو توهم الشفيع ذلك، أو أخبر الشفيع بأن المبيع نصف الشقص - مثلاً - لا جميعه، فرأى عدم الفائدة في أخذها ثم تبين أن المبيع كل الشقص.

واستدل على ذلك بدليلين:

الدليل الأوّل: ما في المسالك(1) بظهور الغرر(2) وقد نهى النبي| عن الغرر، والنهي المذكور وضعي يفيد البطلان بالإضافة إلى أنه تكليفي، وحيث إنه غرر فلا يسقط حقه في الشفعة.

وفيه إشكالان:

الأوّل: إنّه أخص من المدعى، فلو كان ذلك بسبب المشتري صدق الغرر، لكن لو توهم الشفيع ذلك فلا، وكذلك لو كان بسبب شخص ثالث حيث لا يرتبط الأمر بالمشتري.

الثاني: لا بدّ من التحقيق في حدود إطلاق نهي النبي| عن الغرر، فإن من شرائط الإطلاق كون المولى في مقام البيان من هذه الجهة، وإلّا فلا إطلاق، كما في حكم الأكل من موضع عض الكلب، فإن الآية(3)

ص: 161


1- مسالك الأفهام 12: 335.
2- والغرور - على الأقوى - بمعنى الجهالة التي يرافقها الخدعة (السيد الأستاذ).
3- سورة المائدة، الآية: 4، وهي قوله تعالى: {يَسَۡٔلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمۡۖ قُلۡ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُ وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُۖ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمۡسَكۡنَ عَلَيۡكُمۡ}.

في مقام بيان حلية اللحم لا طهارة موضع العض. فالغرر الرافع للحكم لا يشمل موارد عديدة، منها: ما لو طمع في زوجة الغير فخدعه ليطلقها فطلقها فتزوج بها، فبالغرر المذكور لا يبطل الطلاق - وإن فعل محرماً - لعدم شمول الغرر المنهي عنه له.

ومنها: لو خدعه بقدوم ضيوف فاشترى الطعام لهم، فلم يحضروا فليس الغرر المذكور سبباً لفسخ المعاملة.

والحاصل: إن الغرر على الداعي للعقد أو الإيقاع غير مشمول للنهي عن الغرر.

ومنها: ما لو أراد حيازة أرض فغرره بكونها مملوكة فلم يأخذها، ثم تبين عدمه بعد أن حازها الغار، فلا إطلاق للنهي عن الغرر ليشمل ما لو ترك حقه بسبب الغرر.

وفي المقام: إن تأخير الشفيع في الأخذ بالشفعة لأجل الغرر موجب لسقوط حقه - بناء على الفور - ولا يشمله دليل النهي عن الغرر. وإن شك في الأمر فالانصراف محكّم، فتأمل.

ولتفصيل حدود الغرر حكماً وموضوعاً ينبغي مراجعة المكاسب.

الدليل الثاني: عدم شمول أدلة الفور للمقام لانصرافها عنه، فتشملهإطلاق أدلة الشفعة. ويتفرع على ذلك لزوم التحقيق على الشفيع. وفيه صور ثلاث:

الأولى: أن يخبره المشتري أو البائع، ولا يلزم التحقيق؛ لحمل قول المسلم على الصحة، خاصة فيما يرتبط بنفسه، فما جعله الشارع حجة لا

ص: 162

يلزم التحقيق فيه.

الثانية: أن يخبره الثقة، فكذلك بناءً على كفاية إخبار الثقة.

الثالثة: أن يخبره غير الثقة، أو توهم ذلك من دون إخبار أحد، وفي سقوط حقه في الشفعة - بناءً على الفور - احتمالان:

الأوّل: سقوط حق الشفعة لإطلاق أدلة الفور، وعدم انصرافها عمّا لو اعتمد على ما ليس بحجة شرعاً.

الثاني: بقاء حق الشفعة لإطلاق أدلتها.

ويظهر ضعف الاحتمال الثاني بما ذكر في الأوّل، فإن أدلة الفور قيدت الإطلاق ولا انصراف لها عن المورد.

ثم إن صاحب الجواهر(1) قيّد الحكم بعدم سقوط حق الشفعة بما لو كان عدم أخذه بها مستنداً إلى الخبر، أمّا لو لم يستند إليه بأن لم يكن يريد الأخذ بالشفعة من الأساس، ووافقه الخبر، فإنه يسقط حقه فيها، وهو تام لعدم انصراف أدلة الفور عنه.ثم إنه لو اختلف المشتري والشفيع في الاستناد فعلى المشتري البينة؛ لأنّه مدعٍ. ويدفع القول بالتداعي بأنه لا يعرف إلّا من قبله.

نعم، لو أقام المشتري الشهود على أن الشفيع لم يكن يريد الأخذ بالشفعة أصلاً رجح على دعوى الشفيع.

ثم إن هنالك قاعدة عامة وهي: إنه متى احتمل العذر لوجود الغرض المعتد به عند العقلاء، وأمكن استناد الترك إليه كفى في استصحاب بقائها.

ص: 163


1- جواهر الكلام 38: 572 (37: 379 ط ق).

لكن ليس الحكم ببقاء حق الشفعة لأجل استصحاب الشفعة، بل لجريان دليلها.

ثم إنّه لو مات الشفيع وجهل مستند تركه للأخذ بالشفعة استصحب بقاء الحق للورثة - بناءً على التوارث في مثله - لثبوت حق الشفعة بالبيع والشك في بقائه بسبب الشك في المستند، فإن كان لأجل الخبر فالحق باقٍ، وإن كان لعدم إرادة الأخذ فالحق ساقط، فيستصحب، وللمشتري حق تحليف الوارث على عدم العلم.

وكذلك لو غاب الشفيع ولم يعلم الوكيل مستند الترك.

فروع تترتب على القول بالفور

ثم إن هنا فروعاً تترتب على القول بفورية حق الأخذ بالشفعة، ومنها:

الفرع الأوّل: لزوم التوكيل للغائب وغيره

في لزوم التوكيل لمثل الغائب والمحبوس وعدمه، فلو لم يفعل بطلت الشفعة على الأوّل دون الثاني.

ذهب في المسالك(1) إلى أن العذر في التأخير على نوعين:

الأوّل: ما ينتظر زواله عن قرب، أي: انشغال يزول بسرعة، كالاشتغال بالصلاة والطعام ونحوهما، فلا يجب فيه التوكيل، بل ينتظر زوال العذر؛ لما مرّ من عدم منافاة هذا المقدار للفور العرفي.

الثاني: ما لا ينتظر زواله عن قرب كالسفر والحبس، فمع عدم التوكيل

ص: 164


1- مسالك الأفهام 12: 320.

يكون التأخير منافياً للفور.

ويمكن أن يقال: لو لم يرجع المسافر، لغرض عقلائي صحيح، ومع ذلك لم يوكّل أحداً للأخذ بالشفعة؛ لعدم القدرة عليه، لم يسقط حقه في الشفعة، حتى وإن أمكنه الرجوع من السفر؛ لأنه عذر ولا ينافي الفور.

ويشمله إطلاق موثقة السكوني: «للغائب الشفعة»(1)؛ فإن مقتضى الجمع بين دليل الفور ودليل ثبوت الشفعة للغائب هو لزوم الفور، إلّا فيما كان هنالك عذر عقلائي للتأخير.

الفرع الثاني: لو لم يملك الثمن نقداً وإنّما بضاعة

لو أمكنه دفع الثمن لكن لا يملك نقداً وإنّما يريد بيع بضاعة له حتىيمكنه ذلك، روعي في ذلك الفور العرفي، فلو كان يتأخر كثيراً؛ لعدم وجود مشترٍ - مثلاً - سقط حقه في الشفعة وإن كان معذوراً في عدم أخذه بالشفعة؛ لأن دليل الفور منصرف عن مثله.

ويؤيّده مهلة ثلاثة أيام الواردة في الرواية، وإن اختلف موردها عما نحن فيه.

الفرع الثالث: فيما لو ادعى العذر

لو تأخر في الأخذ بالشفعة ثم ادعى العذر في ذلك فالأقرب قبول دعواه لدليلين:

الأوّل: إطلاق دليل الشفعة شامل له، وقد خرج منه مورد لزوم الفور، وهو

ص: 165


1- الكافي 5: 281؛ وسائل الشيعة 25: 401.

ما لو تأخر بلا عذر، وحيث لا نعلم أن له عذراً أم لا، ولا طريق لكشف صحة دعواه، فيكون شمول المطلق له معلوماً، ودخوله في المقيد غير معلوم، وليس هذا من باب التمسك بالعام في الشبهة المصداقية؛ إذ شمول المطلق له معلوم، بل القول بدخوله في المقيد يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

الثاني: أصالة الصحة في قول المسلم، ومفادها قبول قوله في العذر.

إن قلت: إنه أصل مثبت، فإن لازم صحة قوله هو ثبوت العذر.

قلت: إن أصالة الصحة أمارة، فتكون لوازمها حجة، وعلى فرض كونها أصلاً، فإن ثبوت العذر ليس لازم صحة قوله، بل مفادها، فإن أصالةالصحة تحكم بصحة قوله: (أنا معذور) فليس من المثبت.

إلّا إذا أثبت المشتري كذبه أو خطأه، فإن الشك موضوع الحمل على الصحة أو ظرفه، ومع قيام الدليل على عكسه لا مجال لأصالة الصحة، فإنه من السالبة بانتفاء الموضوع؛ لأن الدليل وارد عليه.

ولو لم يتمكن المشتري من إثبات ذلك، فهل يحل له مطالبة الشفيع بالحلف على كونه معذوراً؟

إن الحكم في ذلك متوقف على القول بإطلاق حق التحليف في مطلق المنازعات حتى لمن معه الأصل أو القاعدة، فإن مَن له الحق تارة يكون منكراً، فهو مشمول لقوله: «واليمين على من أنكر»(1)، إذا لم يكن للمدعي بينة، وتارة مَن له الحق يدعي العذر ويقبل قوله بأصالة الصحة، فلا وجه لتحليفه إلّا بناءً

ص: 166


1- وسائل الشيعة 27: 293.

على الإطلاق، وإلّا فالمسألة مشكلة، ومحل بحثها في القضاء.

وقد ذهب جمع من الفقهاء(1) إلى قبول دعوى الشفيع للعذر مطلقاً، سواء كان ممن لا يعرف إلّا من قبله أم لا، فإن حمل قول المسلم على الصحة مطلق يشمل الصورتين، إلّا إذا أثبت المشتري خلاف دعواه بالبينة مثلاً.

الفرع الرابع: لو قصّر الوكيل في أخذ الشفعة

لو لم يأخذ الوكيل بالشفعة تقصيراً أو قصوراً لم يعد تقصيراً من الموكّل إن لم يعلم بحاله، كما في المسالك(2).

نعم، لو كان التأخير عن العذر سبباً للضرر على المشتري سقط حق الشفعة؛ لتقدم نفي الضرر على العنوان الأوّلي.

وإن كان ذلك موجباً للضرر على الشفيع فيتعارض الضرران ويتساقطان، بمعنى عدم جريانهما، فيكون المرجع الدليل الأوّلي، وهو ثبوت حق الشفعة.

الفرع الخامس: في لزوم الإشهاد وعدمه

هل يلزم على الشفيع الإشهاد على عدم إمكان الأخذ بالشفعة بنفسه أو وكيله؟ فيه قولان:

القول الأوّل: عدم وجوب الإشهاد، وهو الأرجح واستدل(3) له بأدلة ثلاثة:

الأوّل: إن حق الشفعة ثابت بمجرد البيع ويستصحب الحق المذكور وإن

ص: 167


1- جواهر الكلام 38: 518 (37: 342 ط ق).
2- مسالك الأفهام 12: 320.
3- مسالك الأفهام 12: 320؛ جواهر الكلام 38: 518-519 (37: 343 ط ق).

لم يشهد.وأشكل(1) عليه بأن حق الفور ثابت في الآن الأوّل، والكلام في أصل ثبوت الحق في الآن الثاني، وحيث يشك فيه يكون عموم العام محكماً(2).

الثاني: إن الإشهاد لغو، فقد مضى قبول دعواه العذر للحمل على الصحة، فلو كان قوله حجة وإن لم يشهد كان وجوب الإشهاد لغواً.

الثالث: إطلاق أدلة الشفعة تشمل حتى صورة عدم الإشهاد، ويشك في شمول دليل الفور له.

القول الثاني: وجوب الإشهاد، فإن لم يشهد بطل حقه في الشفعة، واستدل(3) له بأدلة ثلاثة:

الأوّل: الإشهاد قائم مقام الطلب، فتركه كتركه.

وفيه: إنه أوّل الكلام، فبأيّ دليل أنه قائم مقامه؟!

الثاني: إن الترك أعم من أن يكون لعذر أو لا لعذر، ولا يعلم إلّا بالإشهاد.

وفيه: إنه لا ينحصر طريق العلم بالإشهاد، فقد يقر المشتري بذلك أو بالقرائن، فلا يكون ترك الإشهاد سبباً لضياع الحق مطلقاً، مضافاً إلى أنقوله: (الترك أعم) في مرحلة الثبوت، وأمّا في مرحلة الإثبات فأصالة الصحة جارية.

الثالث: الشفعة خلاف الأصل فيؤخذ بالقدر المتيقن منه، وهو صورة

ص: 168


1- جامع المقاصد 6: 438.
2- أقول: هذا هو معنى الاستصحاب، حيث يعلم بثبوت شيء في الآن الأوّل ويشك في أصل ثبوته في الآن الثاني فيستصحب (المقرر).
3- إيضاح الفوائد 2: 218؛ جواهر الكلام 38: 519 (37: 343 ط ق).

الإشهاد.

وفيه: إنه مع إطلاق أدلتها لا وجه للتمسك بالقدر المتيقن الوجودي.

فتحصل من جميع ذلك أن دليل الفور لا يشمل مَن لا يمكنه الحضور بنفسه ولا التوكيل، بل الروايات تثبت بقاء حقه مثل: «للغائب الشفعة».

وصرف ادّعاء عدم الإمكان كافٍ، ولا يلزم الإشهاد، وفي لزوم الحلف يلاحظ المبنى.

الفرع السادس: الاضطرار والإكراه من الأعذار

ثم إنّه من الأعذار الموجبة لعدم سقوط حق الشفيع في الشفعة مع التأخير: الإكراه على عدم الحضور، أو الاضطرار لكونه مبتلى بمسألة أهم - مثلاً - ، كمعالجة مريض أو ما أشبه، مما يعد اضطراراً عرفاً، وإن أمكنه الحضور حيث إن القدرة العقلية متحققة.

واستدل(1) لذلك بدليلين:الأوّل: إن أدلة الفور لا تشمل موارد العذر المقبولة عرفاً، أو أنها منصرفة عنها، ومع عدم جريانها يبقى الإطلاق على حاله.

الثاني: إن دليل الرفع يقتضي رفع الحكم بالفور عند الإكراه والاضطرار، فتثبت الشفعة بإطلاقات أدلتها.

ومن الأعذار منع القانون الوضعي عن الأخذ بالشفعة، فلو التزم المشتري

ص: 169


1- الفقه 79: 213-214.

به لم يسقط حق الشفيع في الشفعة، وإن طالت المدة وتضرر المشتري بذلك؛ لأن الضرر بسوء اختياره، فلا تشمله قاعدة نفي الضرر، ولو كان متشرعاً لم يلتزم بالقانون الوضعي الباطل.

نعم، لو لم يمتنع المشتري، لكن لم يأخذ الشفيع بحقه بملاحظة القانون الوضعي، لم يكن المشتري مُقدِماً على الضرر، وحينئذٍ فإن تغيّر القانون وأمكن الأخذ بالشفعة، فإن كان ضرراً على المشتري دون الشفيع لم يحق له الأخذ بها، وإن كان الأخذ ضرراً على المشتري وكان تركه ضرراً على الشفيع تعارض الضرران، فيكون المرجع عموم أدلة الشفعة.

الفرع السابع: في تسليم الشفيع الثمن وامتناع المشتري

لو أراد الشفيع تسليم الثمن فلم يتسلمه المشتري(1)، فإن كان تسليمه متعارفاً ومع ذلك امتنع المشتري سلّمه للحاكم الشرعي؛ لأنه وليالممتنع.

وإن كان تسليمه غير متعارف - كما لو أراد تسليم مال كثير له في صحراء يتعرض فيها للصوص - كان من حق المشتري الامتناع، ويبقى المال في ذمة الشفيع ديناً، وليس بقاؤه في ذمته خلاف سلطنته على ذمته، حيث يريد براءتها، فإنه يلزم ملاحظة دليل السلطنة مع دليل لزوم التسليم المنصرف إلى المتعارف، فتقيد الأوّل بالثاني(2).

ص: 170


1- على مبنى كون تسليم الثمن لازم حق الشفعة لا جزءاً من سببها، كما مر تفصيل الكلام فيه (السيد الأستاذ).
2- كما مرّ نظير الكلام في الغصب، فإذا غصب الثلج في الصيف ثم أراد إرجاع عينه في الشتاء حُق له الامتناع عن التسلم؛ لأنه لا يعتبر رداً، وإن كان عين ماله؛ وذلك لملاحظة خصوصيات الزمان والمكان وما أشبه ذلك في صدق الرد، وحينئذٍ يحق له مطالبة القيمة أو الانتظار للصيف (السيد الأستاذ).

الفرع الثامن: فيما لو اشغل المشتري الأرض بالزرع وغيره

قال في الشرائع: «إذا كانت الأرض مشغولة بزرعٍ يجب تبقيته، فالشفيع بالخيار بين الأخذ بالشفعة في الحال وبين الصبر حتى يحصد... وفي جواز التأخير مع بقاء الشفعة تردد»(1).

أي: ليس زرعاً عدوانياً فلا يحق للشفيع قلعه، كما لو كان الزرع بإذن الشفيع، بأن استأذن الشريك الشفيع في الزرع في سهمه فزرعه ثم باع الشريك الشقص مع الزرع، فإن حق الشفيع ثابت في الشقص دون الزرع، وبعد الأخذ بالشفعة لا يحق للشفيع إزالة الزرع؛ لأنّه زرع غير عدواني، بلزرع بإجازته. نعم، عليه الحق في الشقص، فعليه الصبر حتى يتم الحصاد ولا ينافي ذلك الفور.

وفي المسألة قولان:

القول الأوّل: إن الشفيع مخيّر بين الأخذ بالشفعة فوراً والصبر إلى حين الحصاد، وبين عدم الأخذ بالشفعة إلى حين الحصاد ثم الأخذ بها.

واستدل له بأدلة(2):

الدليل الأوّل: إن الزرع تصرف بحق، وله أمد ينتظر، فهو كالمنفعة المستوفاة للمشتري، فكما أنه حين اشترى الشقص كان يحق له التصرف وكانت المنافع له، وأن حق الشفيع لم يمنعه من التصرف وتملك المنافع،

ص: 171


1- شرائع الإسلام 4: 784.
2- مسالك الأفهام 12: 337؛ مفتاح الكرامة 18: 644؛ جواهر الكلام 38: 578 (37: 383-384 ط ق).

فإن الزرع في المدة القصيرة كذلك. بخلاف المدة الطويلة، كالبناء وزرع الأشجار، حيث لا مدة ينتظر فيها، فعليه إمّا الأخذ بالشفعة فوراً وإلّا سقط حقه.

وفيه نظر: أوّلاً: إن التشبيه المذكور قياس، فإن المشتري قبل الأخذ بالشفعة مالك للشقص، وكان يحق له التصرف فيه فتكون المنافع له، وبعد الأخذ بالشفعة صار ملكاً للشفيع، فلا حق للمالك السابق، أي: المشتري التصرف فيه.وإن شئت قلت: إن كان الزرع بحق والمنافع بعد الأخذ بالشفعة للمشتري فلا فرق بين المدة الطويلة والقصيرة، وإن لم تكن للمشتري فلا حق له في المدة القصيرة أيضاً.

وثانياً: نقضاً بما لو اشترى الشقص فأجره ثم أخذ الشفيع بالشفعة، حيث يحق له فسخ الإجارة، ولا فرق بين الزرع والإجارة.

لكن فرق في مفتاح الكرامة(1) بينهما بأن إجارة الشقص مانعة من انتفاع الشفيع بشقصه حيث يريد الأرض مثلاً، وإن استلم ثمن الإجارة، بخلاف الزرع حيث ينتهي أمره بسرعة ولا يمنع الشفيع من الانتفاع به، وبأنه يمكن فسخ الإجارة مع عدم تضرر أحد، حيث يستلم الشفيع الأرض ويسترجع المستأجر الثمن، بخلاف الزرع حيث يفسد بقلعه، فبينهما فرق، فلا يمكن نقض أحدهما بالآخر.

ص: 172


1- مفتاح الكرامة 18: 645.

لكنه غير تام، حيث لا فرق بينهما فيما لو كانت الإجارة قليلة المدة، ثم إن القول بعدم تضرر الأطراف بسبب فسخ الإجارة بخلاف الزرع غير تام؛ لما مرّ من عدم التضرر في الزرع أيضاً، حيث على الشفيع أداء الأرش للمشتري بسبب القلع.

الدليل الثاني: مع إلزام الشفيع بأخذ الشفعة فوراً يلزم عليه تسديدالثمن، وعليه الانتظار إلى الحصاد؛ وذلك مستلزم لعدم انتفاع الشفيع لا بالثمن ولا بالمثمن وانتفاع المشتري بكليهما، فلا بدّ من إلغاء الفور في الشفعة حتى يمكنه الانتفاع بالثمن إلى حين الحصاد، لينتفع كل منهما بما في يده.

قال الشرائع: «لأن له في ذلك غرضاً وهو الانتفاع بالمال، وتعذر الانتفاع بالأرض المشغولة»(1).

وفيه تأمل: فإنه مجرد استحسان، بل في الشرع موارد دلّ الدليل على اجتماع الانتفاعين لشخص واحد كما في النسيئة والسلم.

وفي ما نحن فيه كذلك، حيث دل الدليل على فورية الشفعة. هذا أوّلاً.

وثانياً: مرّ الكلام في اشتراط التقابض في المعاملات، فيحق لكل منهما أن يمتنع عن التسليم ما امتنع الآخر، وفي المقام بعد الأخذ بالشفعة حيث يمتنع المشتري من تسليم الأرض المزروعة يحق للشفيع الامتناع عن أداء الثمن حتى الحصاد وتسليم الأرض.

لكنه أخص من المدعى، حيث قد يُسلِّم المشتري الأرض مع بقاء الزرع عليها، ولا يحق للشفيع قلعه.

ص: 173


1- شرائع الإسلام 4: 784.

نعم، بناءً على ما سبق من أنّه يحق للشفيع قلع الزرع وأداء الأرشلا يتم الدليل المذكور.

الدليل الثالث: مرّ سابقاً من أن تأخير الأخذ بالشفعة لغرضٍ عذر مجوز لسقوط الفور، وعليه لا تسقط الشفعة، وفي المقام العذر في التأخير عقلائي؛ لحكمهم بأنه لا وجه لدفع الثمن من دون الانتفاع بالمثمن، وعليه يجوز للشفيع التأخير إلى حين الحصاد.

وفيه نظر: لأن الأعذار المذكورة لجواز التأخير مبنية على عدم العلم أو ما بحكمه كالسفر أو لثبوت دليل خاص، بخلاف المقام حيث لا جهل ولا دليل خاص، فدليل الفور شامل له وإن كان له غرض الانتفاع.

القول الثاني: يلزم الأخذ بالشفعة فوراً وإلّا سقط حقه.

واستدل(1) له بإطلاق أدلة الفور، وعدم إمكان الانتفاع ليس عذراً مجوزاً للتأخير لا شرعاً ولا عقلاً، كما لو باع الأرض في الشتاء فهل يحق للشفيع أن يقول: حيث لا يمكنني الانتفاع بها الآن أمكنني تأخير الشفعة إلى الصيف؟

ثم إنه لو أخذ بالشفعة فمقتضى الجمع بين الحقين المحترمين جواز أخذ الأرض وقلع الزرع مع أداء الأرش، حيث إنه تمسك بدليل الفور مع احترام ملكية الشفيع وزرع المشتري، ويكون من الجمع بين الأدلة من دون إسقاط دليل الفور.وفي المقام فروع أخرى يمكن معرفة حكمها مما سبق، فراجع الجواهر والفقه وغيرهما.

ص: 174


1- مسالك الأفهام 12: 337.

المسألة الثامنة: في أعذار المشتري

ثم إنّه قد يمتنع المشتري عن تسلّم الثمن إمّا تقصيراً أو قصوراً.

فإن كان مقصراً سقط دليل الفور، فتشمله إطلاقات أدلة الشفعة، ويبقى الثمن في ذمة الشفيع كسائر المديونين.

لكن قال بعض الفقهاء(1) بلزوم تسليمه إلى الحاكم الشرعي، ولا إشكال في جواز ذلك؛ لأن الحاكم ولي الممتنع، إنّما الكلام في وجوبه، فقد استدل على عدمه بأنّ قاعدة (الحاكم ولي الممتنع) لا تدل على أكثر من جواز الرجوع إليه، فإن ظاهرها ذلك بخلاف أدلة الولاية على الصغير والمجنون، حيث ظاهرها الوجوب، فلو كان مديناً لهما فكما يجب الإيصال إليهما فوراً كذلك يجب الإيصال إلى وليهما. والفارق بين الدليلين الظهور العرفي، وإن كان سياقهما واحداً.

فإن تمّ ما ذكر فهو، وإلّا يمكن إثبات المطلوب عبر سقوط دليل الفور، وكون الأصل عدم وجوب التسليم إلى الحاكم، وتمام الكلام في محله في البيع والحجر، فليراجع.وإن لم يكن مقصراً بأن كان مسافراً أو سجيناً حيث لا يمكنه استلام الثمن، فإن كان التأخير ضرراً على المشتري أمكنه مراجعة الحاكم الشرعي؛ لأنه ولي الغائب، وبعد التسليم إليه يتصرف فيه الحاكم لمصلحته كالتجارة أو ما أشبه، وإن لم يمكن مراجعته؛ لعدم وجوده أو لعدم كونه مبسوط اليد

ص: 175


1- الفقه 79: 208.

مثلاً، وكان الأخذ بالشفعة ضرراً على المشتري وعدمه ضرراً على الشفيع تساقط الضرران، ويبقى إطلاق أدلة الشفعة محكماً.

وإن لم يكن التأخير ضرراً على المشتري، كما لو كان قد اشتراه ديناً أو بالأقساط مثلاً، بقي الثمن في ذمة الشفيع، وتشعر عبارة التذكرة(1) والمبسوط(2) على لزوم مراجعة الحاكم الشرعي، لكن الأصل عدمه بعد عدم الدليل عليه. نعم، يحتمل جوازه من باب أنه ولي الغائب.

وهنا فروع عديدة تطلب من الفقه والجواهر.

المسألة التاسعة: عدم سقوط الشفعة بتقايل المتبايعين

اشارة

قال في الشرائع: «ولا تسقط الشفعة بتقايل المتبايعين»(3).

فلو باع ثم فسخت المعاملة لم يسقط حق شفعة الشفيع، واستدل لهبدليل واحد بعبارات متعددة.

ففي الشرائع: «لأن الاستحقاق حصل بالعقد فليس للمتبايعين إسقاطه»(4)، أي إن حق الشفيع ثبت بمجرد المعاملة، ولا دليل على سقوطه بمجرد الفسخ.

وفي مفتاح الكرامة: «لسبق حق الشفيع على حق البائع»(5)، أي إن حق الشفيع في الشفعة أسبق من حق البائع في الفسخ.

ص: 176


1- تذكرة الفقهاء 12: 321.
2- المبسوط 3: 156.
3- شرائع الإسلام 4: 782.
4- شرائع الإسلام 4: 782.
5- مفتاح الكرامة 18: 601.

لكن التعبير المذكور محل تأمل؛ لعدم ثبوت التقدم والتأخر بينهما، فإنهما يتولدان معاً بالعقد، ولأجل ذلك أكمل العبارة حيث قال: «من حيث إن الشفعة استحقت بالشراء والتقايل لاحق للعقد فتقدم الشفعة»(1).

وهذا أيضاً محل تأمل؛ فإنه قد لوحظ الحقان بميزانين، حيث لوحظت الشفعة حقاً، ولوحظ التقايل بالفعلية، لكنها في عرض واحد من حيث كونهما حقاً، وأمّا من حيث الإعمال فقد تتقدم الشفعة وقد تتأخر، فعبارة الشرائع أدق.

والحاصل: إنه لا منافاة بين حق الشفعة والتقايل فكل ذي حق يأخذبحقه، وهو مقتضى الجمع بين دليلهما.

ثم إن الدليل على حق الفسخ المذكور إنّما هو إطلاق أدلة الإقالة الشاملة لما كان هنالك حق شفعة أم لا.

وهنا فروع:

الفرع الأوّل: في بيان حقيقة الفسخ والإقالة لو أخذ الشفيع بالشفعة

ثم إنه لو أخذ الشفيع بالشفعة ففي حقيقة الفسخ والإقالة قولان:

القول الأوّل: ما ذكره في جامع القاصد(2) من الكشف عن بطلان الإقالة من الأصل لأسبقية حق الشفعة، وبناءً عليه تكون منافع العين للمشتري.

ووجهه في المسالك(3) - بما قد يؤوّل إلى القول الثاني وإن كان خلاف

ص: 177


1- مفتاح الكرامة 18: 601.
2- جامع المقاصد 6: 414.
3- مسالك الأفهام 12: 321.

ظاهر كلامه - بأن المراد ثبوت حقين للشفيع فإنه يبطل الإقالة أوّلاً فيعود الثمن إلى البائع، ثم يأخذ بالشفعة، ويكون نماء الثمن المتخلل بين الأخذ بالحقين للبائع.

وأشكل على التوجيه المذكور في الفقه(1) بأن الثابت للشفيع حق واحد فقط وهو حق الشفعة، ولا دليل على حقه في إبطال الإقالة. نعم،حين يأخذ بالشفعة تتحقق الإقالة آناً ما، فتعود العين إلى المشتري ليأخذها الشفيع، لا أن له حقين تتخلل الفترة بينهما ليبحث عن حكم النماء في تلك الفترة، وإلّا فهل يمكن للشفيع أن يأخذ بحقه في الإقالة دون حقه في الشفعة؟

القول الثاني: ما اختاره في المسالك ومفتاح الكرامة(2) من أن الأخذ بالشفعة يبطل الإقالة من حينه، فالعين ترجع إلى المشتري عند الأخذ بالشفعة، ثم إلى الشفيع، فنماء العين من حين الإقالة إلى حين الشفعة للبائع.

وهذا القول هو الصحيح الموافق للمشهور؛ لأن تأثير الفسخ في السابق خلاف الأصل، فإن الأصل - الموافق لظاهر الدليل الذي مفاده العلية - تأثير كل علّة من حينها، وبتعبير آخر: كان من الممكن حكم الشارع ببطلان الإقالة من الأصل، وأن الأخذ بالشفعة يكشف عن ذلك، لكنه خلاف الظاهر، وإن كان معقولاً في حد ذاته. نعم، لا يعقل تأثير المتأخر في المتقدم بأن يكون الأخذ بالشفعة سبباً لإبطال الإقالة من الأصل لا على نحو الكشف.

ص: 178


1- الفقه 79: 218.
2- مسالك الأفهام 12: 321؛ مفتاح الكرامة 18: 602.

ويؤيّد ذلك سائر الموارد في الفقه - لا على نحو القياس وإنّما لمعرفة الأشباه والنظائر التي تكشف للفقيه موارد الحكم - التي يكونالفسخ فيها مؤثراً من حينه.

منها: فسخ النكاح، وتظهر الثمرة في حرمة أم الزوجة أبداً، بخلاف ما لو كشف عن فسخه من أصله حيث لا نكاح أصلاً، فلا حرمة.

ومنها: في عيوب الزوج، كالعنين، حيث ينتظر سنة، ثم يحق لها الفسخ، وخلال السنة تكون محللة عليه وتجب نفقتها، مع أنه لو كان على نحو الكشف لم تحل له حتى يتبين أمره.

ومنها: في نكاح الصغير بإذن الولي، حيث يحق له الفسخ بعد البلوغ، ويبطل من حينه لا من أصله؛ ولذا يجري عليه جميع أحكام المصاهرة.

ومنها: في خيار الشرط، ثم فسخ في المدة المعينة، حيث يكون النماء للمشتري مما يدل على أن الفسخ من حينه لا من أصله.

الفرع الثاني: في بقاء الدرك على المشتري

قال في الشرائع: «والدرك باقٍ على المشتري»(1).

أي مع الإقالة يطلب الشفيع الشقص من المشتري، ولو لم يكن بيده لزمه مطالبته من البائع، وإن لم يمكن فعليه المثل أو القيمة.

ووجهه في الجواهر(2): بأن الشقص يعود إلى المشتري بمجرد فسخ الإقالة بسبب الأخذ بالشفعة، فيكون هو المطالب به، وهو المشهور وربمالا

ص: 179


1- شرائع الإسلام 4: 782.
2- جواهر الكلام 38: 528 (37: 349 ط ق).

خلاف فيه.

لكن احتمل في مفتاح الكرامة(1) عدم كون الدرك على المشتري، بل على البائع؛ لأن البائع حين قبوله الإقالة استرجع الشقص، فيكون قد أقدم على استحقاق الأخذ منه، مع التفاته إلى أن حق الشفعة لا يزول بالإقالة، فجعل نفسه ضامناً لإرجاعه إلى الشفيع عند الشفعة.

إن قلت: وهل يعقل أن يكون البائع هو الضامن في الشفعة.

قلت: نعم، حيث له نظائر في الفقه، كما لو أقر البائع بالبيع وأنكره المشتري، فهو إقرار منه بثبوت الشفعة للشفيع وحيث لا شاهد لزمه الالتزام بمفاد إقراره وإعطاء الشفيع حقه.

وكما لو اختلف البائع والمشتري في الثمن، بأن ادعى البائع أنه باعه بألف وادعى المشتري بخمسمائة، فهو من التداعي، فيحلفان، فلا يثبت شيء، ثم يأخذ الشفيع الشقص من المشتري ويعطيه الثمن الذي ادعاه المشتري، ويعطي بقية الثمن للبائع، كما ذهب إليه جمع من الفقهاء(2)، وإن كان فيه تاملاً؛ لعدم كونه من التداعي، بل البائع مدعٍ وعلى المشتري اليمين.

والحاصل: إن رجوع الشفيع إلى البائع ليس بمستغرب.ثم إن السيد الوالد في الفقه(3) ذكر كلاماً قد يستنبط منه عدم المنافاة

ص: 180


1- مفتاح الكرامة 18: 601.
2- قواعد الأحكام 2: 253.
3- الفقه 79: 223.

بين كلام الجواهر ومفتاح الكرامة، وإن النزاع بينهما أشبه بالنزاع اللفظي؛ حيث إن كلاً منهما ينظر إلى الأمر من جهة.

وحاصله: إن مقتضى القاعدة رجوع الملك إلى المشتري بسبب الأخذ بالشفعة، ومنه إلى الشفيع. هذا مفاد كلام الجواهر.

وأمّا مراد المفتاح فهو: إن الشقص يصبح ملك الشفيع بعد أخذه بالشفعة، وحيث يرى ملكه بيد البائع لم يلزمه أن يطلبه من المشتري، بل يمكنه أخذه ممن بيده وهو البائع. وعليه فالشفيع مخيّر بين أن يطلب حقه من المشتري باعتبار ترتب يده على ملكه، وبين أن يطلبه من البائع باعتبار وجود عينه في يده.

ثم إنه لو تلف الشقص بعد الأخذ بالشفعة أو نقص أو عيب، كان للشفيع مطالبة المشتري وإن لم يكن هو السبب، فإن رجع إليه رجع المشتري إلى السبب لأن استقرار الضمان عليه. هذا حسب ظاهر عبارة الشرائع حيث قال: «والدرك باقٍ على المشتري»(1).

لكنه محل تأمل؛ لأن المعاملة كانت صحيحة شرعاً، فأصبح المشتري مالكاً، والإقالة أيضاً صحيحة، فيكون تسليمه للشقص إلى لبائع بحكمالشارع، فمع الأخذ بالشفعة يدخل الشقص إلى ملك المشتري آناً ما ليعود إلى الشفيع، لكن لا دليل على كون ضمانه عليه؛ لعدم كون يده عدوانية ولم يتلفِ الشقص في يده، بل لم يستلم العين بيده أصلاً في بعض الصور، كما لو تمّ البيع من دون قبض ثم فسخ بالإقالة، فلا وجه لضمانه، بل الضمان

ص: 181


1- شرائع الإسلام 4: 782.

على البائع لدليل (على اليد ما أخذت) وغيره.

نعم، يصح إثبات كون الدرك على المشتري، بمعنى مطالبة الشفيع من المشتري أخذ الشقص من البائع ليسلمه إياه، كما يمكنه مطالبة البائع رأساً.

الفرع الثالث: فيما لو رضي الشفيع بالبيع ثم تقايلا

ثم قال في الشرائع: «نعم، لو رضي بالبيع ثم تقايلا لم يكن له شفعة؛ لأنها فسخ وليست بيعاً»(1).

فلو تمت المعاملة فرضي الشفيع، ثم فسخا فرجع الشقص إلى البائع فأصبح شريكاً مجدداً للشفيع لم يحق له الأخذ بالشفعة؛ لأن الإقالة ليست بيعاً.

نعم، لو باع المشتري الشقص للبائع تولد حق الشفعة مجدداً للشفيع.

لكن قد ذهب بعض العامة(2) إلى أن الإقالة بيع؛ لاتحاد الأثر وهورجوع الملك إلى مالكه، لكنه غير تام، حيث إنها ليست بيعاً شرعاً ولغة وعرفاً، واتحاد الأثر غير مجدٍ، إلّا أن تتحد جميع الآثار فيمكن القول بذلك، والإقالة ليست كذلك.

المسألة العاشرة: لو باع المشتري كان للشفيع فسخ البيع

ثم قال في الشرائع: «ولو باع المشتري كان للشفيع فسخ البيع والأخذ من المشتري الأوّل، وله أن يأخذ من الثاني»(3).

ص: 182


1- شرائع الإسلام 4: 782.
2- نقله في تذكرة الفقهاء 12: 231.
3- شرائع الإسلام 4: 782.

وفرض المسألة فيما لو تعاقبت البيوع على الشقص فاشتراه المشتري، ثم باعه للثاني وهو للثالث وهكذا، ثم علم الشفيع بذلك فيحق له إبطال البيع الأوّل، ويترتب عليه بطلان جميع البيوع اللاحقة، فيأخذ الشقص من الأوّل.

كما يحق له إجازة أحد البيوع فتبطل البيوع اللاحقة؛ وذلك لأنه بالبيع الأوّل تولّد له حق الشفعة فيمكنه أخذ الشفعة كما يمكنه الإمضاء، فلو أمضى كان معناه إبطال حقه في الشفعة فيصبح المشتري شريكه، فلو باع المشتري حق له أخذ الشفعة من الثاني، فيكون البيع الأوّل صحيحاً ويفسخ البيع الثاني بالشفعة وتظهر الثمرة في تفاوت القيم.

فلو كان ثمن البيع الأوّل عشرة والثاني عشرين والثالث ثلاثين، فمع الأخذ بالشفعة الأولى يعطي للمشتري عشرة، ولو أمضى البيع الأوّل أصبحشريكاً للمشتري الأوّل، فباع للثاني بعشرين، فلو أخذه شفعة لزمه إعطاء العشرين، ولذا يمكن للشفيع الأخذ بالشفعة في أرخص الأثمان، فتصح البيوع السابقة وتبطل اللاحقة.

وقيد الحكم المذكور في الفقه(1) - مع أن الفقهاء أطلقوا ذلك - بما لو كان المشتري في كل بيع شخصاً واحداً، فإنه لو كان أكثر من واحد حُق للشفيع إبطاله، لكن لو أمضاه صاروا شركاء فلا يكون له حق الشفعة في البيوع اللاحقة؛ لما سبق من عدمها عند تعدد الشركاء. إلّا أن يلتزم بثبوت حق الشفعة حتى عند تعدد الشركاء.

ص: 183


1- الفقه 79: 226.

وإنّما لم يقيد الفقهاء الفرع بالقيد المذكور لعدم لزوم بيان الشروط في كل فرع، فإن الفروع تكون مبنية على الشروط المفروغة المبحوث عنها سابقاً.

المسألة الحادية عشرة: الشفيع يأخذ من المشتري ودركه عليه

اشارة

قال في الشرائع: «والشفيع يأخذ من المشتري ودركه عليه، ولا يأخذ من البائع»(1).

أمّا الشق الأوّل: فقد مضى أن الشفعة لا تعني إبطال البيع، والنماء في الفترة المتخللة إنّما هو للمشتري، وبعد الأخذ بالشفعة ينتقل الشقص منالمشتري إلى الشفيع، ويكون البائع أجنبياً بالنسبة إلى الشفيع، ولو كان البيع باطلاً لم تتولد الشفعة أصلاً؛ لأنه لم يصبح ملكاً للمشتري حتى يأخذه شفعة.

فلو باع الشقص بمعاملة ربوية، أو باع فضولة ولم يجز المالك بطلت ولا شفعة، وعليه لا بدّ من كون البيع صحيحاً حتى يحق الأخذ بالشفعة.

وأمّا الشق الثاني: بكون درك الشقص على المشتري ففيه إشكال؛ إذ هنالك أربعة احتمالات كلها غير ملائمة للعبارة:

الاحتمال الأوّل: المقصود أن على المشتري تسليم الشقص إلى الشفيع.

وفيه: إنه لا يختص بالمشتري، فكل من بيده العين - كيفما وصلت بيده غصباً أو خطأ أو بيعاً باطلاً أو غيره - عليه أن يسلمها لمالكها، أي: الشفيع،

ص: 184


1- شرائع الإسلام 4: 782.

أو لا أقل من رفع المانع من وصول الملك إلى مالكه.

الاحتمال الثاني: المقصود أن يستلمه المشتري من البائع ويسلمه للشفيع، ويتصور فيما لو أخذ الشفيع بالشفعة ولمّا يستلم المشتري الشقص.

وفيه: إنه لا دليل عليه، بل صرّح في الشرائع(1) أنه ليس بواجب على المشتري.نعم، في العقود التي يجريها الإنسان يجب عليه الإقباض، فلو باع المشتري ما اشتراه قبل أن يقبضه وجب عليه أن يَقبضه ليُقبضه، ولا يحق له إحالة المشتري الثاني إلى البائع الأوّل، إذ الإقباض من لوازم البيع.

بخلاف المقام، فالشفعة إيقاع من دون رضا المشتري، فلا دليل على لزوم تسلمه من البائع ليسلمه للشفيع، والأصل براءة ذمته.

الاحتمال الثالث: المقصود الضمان، أي: ضمان المشتري للشقص الذي بيده.

وفيه: أوّلاً: لا فرق بين المشتري وغيره، فلو كان هنالك ضمان فهو ثابت على كل من بيده الشقص، سواء أكان مشترياً أم بائعاً أم شخصاً ثالثاً.

وثانياً: لم تكن يد المشتري عدوانية - على فرض ترتب يده عليه - حتى يقال بضمانه ولو انتقل إلى غيره، وحتى مع بقاء العين بيده لا معنى للضمان؛ لأن يد المشتري يد أمانية بعد الأخذ بالشفعة فلا ضمان فيها فيما لو تلفت من دون تقصير.

ص: 185


1- شرائع الإسلام 4: 782.

الاحتمال الرابع - وربما هو المراد - : إن الشفيع لو أخذ بالشفعة وسلّم الثمن للمشتري، فخرج الشقص مستحقاً، أي: تبين أن البائع لم يكن مالكاً، وظهر بطلان البيع لزم على الشفيع إرجاع العين لمالكها، وهو شريكه الواقعي، وهنا يلزم على المشتري - الذي قبضالثمن من الشفيع - إرجاع الثمن إلى الشفيع، ولا يحق له إحالة الشفيع إلى البائع؛ وذلك لأن المشتري قبض الثمن من الشفيع وهو لا يستحقه واقعاً، وإن توهم الاستحقاق، فترتبت يده عليه وهو ضامن له.

ولا يقال: إنه استلمه برضاه؛ لأنه يقال: إن الرضا بذلك كان في مقابل الشقص لا من دون مقابل حتى يكون هدية أو أمانة.

وهذا الكلام تام، لكن العبارة قاصرة عن إيصال هذا المفاد.

وهنا فروع:

الفرع الأوّل: كون الشقص بيد البائع ولم يسلمه للمشتري

لو كان الشقص بيد البائع ولم يسلّمه للمشتري أو سلمه لكن فسخ فرجع إليه، ثم أخذ الشفيع بالشفعة، واستلم الشقص من البائع كان قبضه منه كقبضه من المشتري.

بيانه: إن هنالك أحكاماً تترتب على البيع، وأحكاماً تترتب على القبض، فلو قبض الشفيع من البائع ترتبت أحكام القبض من المشتري؛ لأن مآله حقيقة إلى القبض عن ملك المشتري، حيث يصبح ملكه آناً ما، ثم يصير ملك الشفيع.

فلو اشترى الشقص ولم يسلم الثمن ولا استلم المثمن، ثم أخذ الشفيع

ص: 186

بالشفعة وقبض الشقص من البائع، وجب على المشتري تسليم الثمن للبائع ثم استلامه من الشفيع؛ وذلك لأن قبض الشفيع بحكمقبض المشتري فتترتب الأحكام، ومنها: لزوم دفع البدل للبائع.

وبعبارة أخرى: حين اشترى الشقص أصبح ملكه، وحين الأخذ بالشفعة انتقل من المشتري إلى الشفيع، وهنا كان على البائع تسليمه للمشتري لتترتب أحكام القبض، لكن الشفيع استلمه من البائع فتترتب عليه جميع أحكام قبض المشتري.

ولا وجه لإلزام المشتري بالاستلام من البائع ليسلمه للشفيع؛ لأنه لم يكن السبب في النقل والانتقال، بل السبب هو الشفيع، فعليه أن يستلمه من البائع مباشرة، ولا يحق للبائع الامتناع من التسليم للشفيع إلّا إذا لم يستلم الثمن من المشتري؛ لأنه يقبض العين بشرط أن يقبض الثمن.

الفرع الثاني: في عصيان البائع وعدم استلام الثمن

لو عصى البائع وأراد التسليم للمشتري فقط، فهل المشتري مكلف باستلامه ليسلمه للشفيع؟

فيه احتمالان:

الأوّل: ما رجح السيد الوالد في الفقه(1) من وجوب ذلك عليه؛ لأنه هو الذي يدخل الثمن في كيسه فيكون مكلفاً بإيصال المثمن.

الثاني: ما في الجواهر(2) من عدم الوجوب؛ لعدم تولّد تكليفنحوه؛

ص: 187


1- الفقه 79: 233.
2- جواهر الكلام 38: 539 (37: 356 ط ق).

وذلك لعدم قيام الدليل على وجوب تحصيل الشقص وإيصاله للشفيع.

وقد قام الدليل في المعاملات على ذلك بخلاف ما نحن فيه، حيث لم يكن للمشتري دور في النقل والانتقال، والبائع هو العاصي، فعلى الشفيع مراجعة الحاكم الشرعي أو البحث عن طريق آخر.

وهذا هو الأقرب؛ حيث لا يجب على المشتري تسلّم العين وإن امتنع البائع من تسليمه للشفيع، كما لا يلزم على الشفيع أن يسلّم الثمن للمشتري ما لم يستلم الشقص، لكن تبقى ذمته مشغولة للمشتري ويجب عليه إبراؤها عند استلام الشقص.

الفرع الثالث: ليس للشفيع فسخ البيع والأخذ من البائع

وليس للشفيع فسخ البيع، ولو نوى الفسخ والأخذ من البائع لم يصح، فإن حق الشفيع ثابت في الشفعة فحسب، ولا يحق له إبطال البيع؛ لأنه لم يكن طرف العقد، فلا وجه لتسلطه على فسخه بغير سبب شرعي يوجبه.

ثم بعد الأخذ بالشفعة ينتقل المبيع من المشتري إلى الشفيع.

وهنا فروع عديدة يعرف حكمها مما مضى.

ومن الفروع: ما لو أوقف المشتري الشقص؛ فإن الأخذ بالشفعة يبطل الوقف، وحين يبطل يبطل من أصله، وبما أن الفرع يرتبط بكتاب الوقففنوكل بحثه إلى محله.

المسألة الثانية عشرة: لو انهدم المبيع أو عاب

اشارة

قال في الشرائع: «ولو انهدم المبيع أو عاب فإن كان بغير فعل المشتري أو

ص: 188

بفعله قبل مطالبة الشفيع، فهو بالخيار بين الأخذ بكل الثمن أو الترك»(1).

وفي المسألة قولان:

القول الأوّل: ما هو المشهور(2) من أنّه لا ضمان على المشتري، سواء كان بفعله أم بآفة سماوية.

القول الثاني: المشتري ضامن إن كان بفعله(3)، وإلّا فلا ضمان عليه.

واستدل للقول الأوّل(4) بخمسة أدلة قد تكون متداخلة:

الدليل الأوّل: إن المشتري تصرف في ملكه تصرفاً سابقاً على ملك الشفيع فلا يكون مضموناً عليه، وملك الشفيع إنّما هو من حين الأخذ بالشفعة لا من الأصل حتى يقال: إنه تصرف في ملك الغير.الدليل الثاني: إن الفائت لا يقابل بشيء من الثمن فلا يستحق الشفيع في مقابله شيئاً، كما لو باع شيئاً بألف دينار وحدث فيه عيب قبل القبض، فإن المشتري بالخيار بين الفسخ والإمضاء بالثمن، ولا يحق له الأرش؛ لأن الفائت لم يكن في مقابله شيء من الثمن.

الدليل الثالث: حسنة أو صحيحة الغنوي السابقة: «فهو أحق بها من غيره بالثمن»(5)، فإن مفادها أن الشفيع أحق بالمتاع بنفس الثمن الذي أعطاه

ص: 189


1- شرائع الإسلام 4: 782.
2- مسالك الأفهام 12: 325؛ جواهر الكلام 38: 541 (37: 357 ط ق)؛ الفقه 79: 236.
3- مسالك الأفهام 12: 324.
4- جواهر الكلام 38: 541-542 (37: 358 ط ق).
5- تهذيب الأحكام 7: 164.

للبائع لا بثمن آخر، وهي مطلقة تشمل ما إذا عاب أو انهدم بفعل المشتري، أو بآفة سماوية أو لا، وحتى لو أورد العيب أجنبي، فإن على الشفيع أن يدفع كل الثمن ليكون أحق بالعين، ثم يطالب الأرش من الأجنبي.

الدليل الرابع(1): مرسلة ابن محبوب المنجبرة بعمل المشهور قال: «كتبت إلى الفقيه(علیه السلام) في رجل اشترى من رجل نصف دار مشاعاً غير مقسوم، وكان شريكه الذي له النصف الآخر غائباً، فلما قبضها، وتحول عنها تهدمت الدار، وجاء سيل جارف فهدمها وذهب بها، فجاء شريكه الغائب فطلب الشفعة من هذا، فأعطاه الشفعة على أن يعطيه ماله كملاًالذي نقد في ثمنها، فقال له: ضع عني قيمة البناء، فإن البناء قد تهدّم وذهب به السيل، ما الذي يجب في ذلك؟ فوقع(علیه السلام): ليس له إلّا الشراء والبيع الأوّل إن شاء اللّه»(2).

ووجه الاستدلال أن المشتري لا يضمن الهدم، وعلى الشفيع أن يدفع كل الثمن أو يترك الشفعة.

الدليل الخامس: أصالة عدم الضمان، حيث لا سبب له، فإن تصرف الإنسان في ملكه ليس من أدلة الضمان، فالأصل عدمه، فلا تشتغل ذمة المشتري بشيء.

لكن الأدلة المذكورة محل نظر:

أمّا الأوّل: فلأن المشتري إنّما تصرف في ملك نفسه المتعلّق به حق الغير، والقول بعدم الضمان تضييع لذلك الحق. نعم، لو لم يتعلّق بملكه

ص: 190


1- مفتاح الكرامة 18: 617؛ رياض المسائل 12: 330؛ الفقه 79: 236.
2- تهذيب الأحكام 7: 192؛ وسائل الشيعة 25: 405.

حق الغير لم يكن لتصرفات المالك ضمان.

وأمّا التنظير بالرهن لو تصرف الراهن في العين المرهونة حيث يضمن مع أن العين ملكه، ففيه إشكال؛ حيث لا معنى للضمان، فإنّه لو أدى الدين استرجعت عين الرهينة فلا ضمان، وإن لم يؤده استملكت الرهينة أو بيعت، فإن كان ثمنها مساوياً للدين فلا شيء، وإن كان أكثر لزمه إرجاع الزيادة، وإن كان أقل لزمه الفارق، سواء كان معيباً أم لا،فلا معنى للضمان هنا.

وبغض النظر عن المثال فإن أصل الإشكال تام؛ لأن الإنسان لا يضمن مال نفسه إلّا إذا تعلّق به حق الغير، حيث تشمله إطلاقات أدلة الضمان.

وأمّا الثاني: فإنه قد يكون في مقابل الفائت جزء من الثمن، كما لو هدمت الدار فإن جزء الثمن في مقابل الأرض وجزؤه في مقابل الدار، فالقول بعدم المقابلة بلا وجه. نعم، لو كان الهدم غير مؤثر في القيمة لم يكن ضمان وإن فرض كونه عصياناً؛ لأن الضمان في مورد تحقق الخسارة ولا خسارة حسب الفرض.

وأمّا سبب نقصان القيمة عند العيب فلمدخلية الأوصاف والأعيان في المتاع، وتحسب القيمة من حيث المجموع، فلا يمكن القول بإطلاق عدم مدخليتها في القيمة. نعم، قد لا تكون لها مدخلية، كما في حشيش الأرض بحيث إن قلعه لا يسبب نقصان الثمن.

وأمّا الثالث: فإن المنصرف من العبارة المذكورة أنه أحق بالثمن فيما لو سلم العين من دون زيادة أو نقصان، ولا إطلاق لها.

ص: 191

وأمّا الرابع: فإن مورد الرواية العيب الحادث بآفة سماوية، وهو الموافق لمفاد القول الثاني بالتفصيل. نعم، مع القول بعدم جبر الإرسال فلا فرق بين العيب السماوي وغيره.

وأمّا الخامس: فمع جريان أدلة الضمان لا مجال للتمسك بالأصل.فتحصل من ذلك: أن الأدلة المذكورة للقول الأوّل كلها محل نظر، فيتعين القول الثاني وهو التفصيل بين كون العيب بآفة سماوية أو بفعل المشتري، وقد ارتضاه الطوسي في بعض كتبه(1)، واختاره في جامع المقاصد(2)، ومال إليه في المسالك(3)، وقبله السيد الوالد في الفقه(4).

وهنا فروع:

الفرع الأوّل: حدوث العيب بفعل أجنبي

لو حدث العيب بفعل أجنبي عمداً أو سهواً(5) فلو كان ذلك بعد الأخذ بالشفعة لم يرتبط الأمر بالمشتري، وعلى الشفيع أن يعطي له كل الثمن. وأمّا لو كان ذلك قبل الأخذ بالشفعة ففيه احتمالان(6):

ص: 192


1- المبسوط 3: 116.
2- جامع المقاصد 6: 421.
3- مسالك الأفهام 12: 326.
4- الفقه 79: 238.
5- حيث لا فرق في الضمان بين العمد والسهو، فإن الحكم الوضعي يشملهما (السيد الأستاذ).
6- الفقه 79: 238.

الأوّل: على الشفيع أن يعطي حصته من الثمن، وعلى المشتري مطالبة الأجنبي بالفارق، فيكون الأجنبي مديوناً للمشتري؛ وذلك لأن العيب حصل في ملك المشتري.الثاني: على الشفيع أداء كل الثمن ثم مطالبة الفارق من الأجنبي؛ لتعلّق حق الشفيع في المعيب فيكون الأجنبي مديوناً للشفيع.

والأقرب هو الأوّل، فإنه لو لم يأخذ الشفيع بالشفعة لكان العيب وارداً على ملك المشتري، والشفيع يعطي المشتري ما يستلمه منه بحصته من الثمن بمقتضى إطلاقات أدلة الشفعة.

الفرع الثاني: لو لم يضر الهدم بالعين

لو لم يضر الهدم أو العيب بالعين أو صار سبباً لارتفاع القيمة، كقلع حشيش البستان، فلا ضمان على السبب، سواء المشتري أم الأجنبي؛ لأن الضمان إنّما هو فيما لو تلفت العين أو نقصت قيمته.

الفرع الثالث: لو نقصت القيمة السوقية أو زادت

لو نقصت أو زادت القيمة السوقية، فهل على الشفيع أداء الثمن أو القيمة السوقية؟

ففي الفقه(1): إن قوله(علیه السلام): «فهو أحق بغيره من الثمن» منصرف إلى ما لو ثبتت القيمة السوقية؛ لأن الاعتبار في الأمور المالية ليس بالحجم وإنّما بالواقع، والحجم واسطة للواقع.

ص: 193


1- الفقه 79: 239.

وهذه المسألة مستحدثة فلا بدّ من بحثها واستنباط حكمها من الإطلاقات الواردة في مختلف الأبواب، ويوكّل الحكم فيها إلى محله.

المسألة الثالثة عشرة: لو غرس المشتري أو بنى فطالب الشفيع بحقه

اشارة

قال في الشرائع: «لو غرس المشتري أو بنى فطالب الشفيع بحقه، فإن رضي المشتري بقلع غراسه أو بنائه فله ذلك»(1).

وللمسألة ثلاث صور: هي لو رضي المشتري بأخذ غرسه وبنائه، أو لم يرضَ بذلك، أو أعرض عنهما.

الصورة الأولى: لو أراد المشتري الإزالة

وقد قيّد صاحب المسالك(2) تصرف المشتري بما إذا لم يكن ظلماً، فلو قسّم المشتري الشقص مع الشفيع ثم زرع أو بنى حصته لم يكن تصرفه ظلماً، فلو علم الشفيع بذلك وأخذ بالشفعة لم يمنع المشتري من أخذ زرعه وبنائه إن أراد.

ولا بدّ من تصوير ذلك بما لا ينافي فورية الشفعة - على رأي المشهور - فإنه لو قسّمه معه مع علمه بذلك سقط حقه في الشفعة، فلا يتحقق مفروض المسألة.

ويمكن تصوير ذلك بوجوه عديدة أنهاها في المسالك(3) إلى عشرةتقريباً، ومنها: ما لو لم يخبر المشتري الشفيع بأنه اشتراه فيظنه وكيلاً لشريكه

ص: 194


1- شرائع الإسلام 4: 783.
2- مسالك الأفهام 12: 327.
3- مسالك الأفهام 12: 327.

- أي البائع - ثم رضي بالقسمة، وبعد مرور فترة يعلم بأنه قسّمه مع المشتري لا مع شريكه، وبذلك لا يسقط حقه في الشفعة، أو كان الشفيع غائباً والمشتري قسّمه مع وكيل الشفيع، حيث لا يسقط حق الموكل، أو جعل المشتري البائع وكيلاً عنه للتقسيم مع الشفيع، فهذه الصور لا يكون التقسيم منافياً للفور، وحاصلها جهل الشفيع بالبيع.

وأشكل على القيد المذكور بإشكالين:

الإشكال الأوّل: إنه لا وجه للقيد المذكور، فإن المشتري يملك الشقص بعد شرائه ولا يكون تصرفه ظلماً، وإن كان الملك متزلزلاً، كما في سائر الموارد كالهبة أو البيع بشرط الخيار، حيث يمكن التصرف، فإن التزلزل لا يمنع جواز التصرف.

لكنه غير وارد؛ لأن وجه القيد المذكور أنه لا يحق لأحد الشريكين التصرف في الملك المشاع إلّا بإذن الآخر، فلا بدّ من الاستئذان، فإن التصرف في المشاع من دون إذن الشريك غير جائز. نعم، لو كان الشريك متعنتاً قسّمه الحاكم قهراً.

الإشكال الثاني: إنه لا فرق بين الظالم وغيره، فما نحن فيه ليس بأسوء من الغصب، فلو غصب الأرض وزرعها أو بنى فيها، فقد مرّ الكلام أن الزرع والبناء ملك الغاصب، وإن فعل حراماً؛ لتصرفه في ملك الغير،فالحكم الوضعي ثابت حتى مع العصيان، فالقيد المذكور زائد؛ لعدم الاختلاف بين الظلم وغيره في الحكم الوضعي.

وهنا فرعان:

ص: 195

الفرع الأوّل: في استئذان الشفيع في الإزالة

علّق في الجواهر على ما في الشرائع (فله ذلك) بقوله: «من غير حاجة إلى استئذان الشفيع وإن صارت الأرض ملكاً له؛ إذ هو ملكه، وله إزالته عن المكان المزبور، بل هو كتفريغ المبيع للمشتري»(1).

فإنّه لا يجوز التصرف في ملك الغير إلّا بإذنه أو إذن الشارع، وقد أجاز الشارع الدخول في البيت المباع، حيث إن اللازم العرفي للأمر بإخلاء البيت من المتاع هو الإذن في الدخول، وكذلك المقام.

لكن أشكل عليه السيد الوالد(2) في المقيس والمقيس عليه.

أمّا المقيس: فإنه وإن كان ملكه إلّا أن الملكين إذا اختلطا لا يكون لأحدهما التصرف في ملك الآخر بغير إجازته.

ويضاف عليه: أنه لا منافاة بين الدليلين حيث يمكن العمل بهما معاً، فإن اللازم العرفي لدليل التفريغ هو جواز الدخول مع عدم إمكان الاستئذان، أو مع عدم قيام القرائن الحالية الدالة على الرضا، بل قد يشكلفي كونه لازماً عرفياً، مع العلم بتحقق الرضا عادة.

أمّا المقيس عليه: فكذلك، فلا دليل على حق البائع في التصرف في الدار المباعة التي سلّمها للمشتري ولو لأجل التفريغ. نعم، يجب عليه التفريغ كما يجب عليه الاستئذان، إلّا مع العلم برضا المشتري عادة.

ص: 196


1- جواهر الكلام 38: 553 (37: 366 ط ق).
2- الفقه 79: 247.

الفرع الثاني: لو أدى قلع الزرع أو هدم الدار لفساد الأرض

اشارة

لو كان قلع الزرع أو هدم الدار مستلزماً لفساد الأرض، فهل على المشتري ضمان إصلاحها. فيه قولان:

القول الأوّل: ما اختاره في الشرائع حيث قال: «ولا يجب إصلاح الأرض»(1).

واستدل له بدليلين(2):

الدليل الأوّل: إن العيب الحاصل في الأرض إنّما هو نتاج تصرف المشتري في ملك نفسه، فلا يضمنه لمَن يملكه من بعده، كما لو زرع الإنسان أرض نفسه ثم باعها، فوجد المشتري أن الزرع يضره فقطعه فاستلزم فساد الأرض.

لكنه محل تأمل؛ لما سبق من أنه وإن كان تصرفاً في ملك نفسه لكنه متعلّق حق الغير.الدليل الثاني: إن نقض البناء وقلع الشجر إنّما هو لمصلحة الشفيع لأجل تفريغ الشقص، وحين يكون لمصلحته فلا معنى للضمان له.

وفيه تأمل: لأنه مجرد استحسان، فلا بدّ من ملاحظة أدلة الضمان الشاملة لما كان بنفعه أيضاً، كما لو قطع شجر دار الغير ظناً منه أنه داره، فهو ضامن وإن كان ذلك لمصلحة صاحب الدار. نعم، لا يكون عدواناً مع جهله بذلك.

ص: 197


1- شرائع الإسلام 4: 783.
2- جواهر الكلام 38: 553-554 (37: 366 ط ق).

القول الثاني: ما في القواعد من احتمال وجوبه(1).

واستدل له بدليلين(2):

الدليل الأوّل: إنّه بتخليص ملك نفسه سبب نقصاً في ملك الشفيع، فعليه الضمان.

وفيه تأمل: لأن النقص المذكور إنّما حصل بحكم الشارع فلا معنى للضمان، فإن عدم الضمان اللازم العرفي للأمر به.

لا يقال: إن الحكم التكليفي لا ينافي الحكم الوضعي.

فإنّه يقال: لا يراد الاستدلال بالتلازم بحيث يكون الأمر التكليفي رافعاً للحكم الوضعي، بل المراد الاستدلال بالظهور العرفي، فإن أمر الشارع ظاهر عرفاً في عدم الضمان.الدليل الثاني: إن تشريع الشفعة إنّما هو لدفع الضرر عن الشفيع، كما ورد النص بذلك، فلو قلنا بعدم ضمان المشتري لزم تضرر الشفيع، حيث قد لا يأخذ بالشفعة، لما يرى من الأضرار الناتجة عن تخليص الأرض من البناء والزرع.

وفيه تأمل: لما سبق من كون دفع الضرر حكمة الشفعة، فلا يدور مدارها الحكم، كما لا مانع من اتخاذ الطرق الشرعية كي لا يتمكن الشريك من الأخذ بالشفعة، مع أن ذلك قد يكون ضرراً، فيمنعه من عليه، كما لو أخذها

ص: 198


1- قواعد الأحكام 2: 254.
2- جامع المقاصد 6: 423؛ مفتاح الكرامة 18: 634؛ جواهر الكلام 38: 554 (37: 366-367 ط ق).

من الشريك هبة معوضة لا بيعاً، حيث يسقط حق الشفيع في الشفعة لاختصاصها بالبيع.

وبعد عدم تمامية دليلي القولين تصل النوبة إلى الأصل وهو عدم الضمان.

الصورة الثانية: ما لو لم يردِ المشتري إزالة زرعه أو بنائه

قال جمع من الفقهاء(1): أجبر على الإزالة، واستدل له بدليلين:

الدليل الأوّل: لأنّه طريق خلاص ملك الشفيع.

لكنه مجرد دعوى، حيث لم يستدل على لزوم تخليص ملك الشفيع، فيكون أشبه بالمصادرة.الدليل الثاني: إن الدليل الدال على النقل والانتقال في العقود والإيقاعات يدل على لزوم تسليم العوضين من دون وجود مانع، حيث إن التسليم المتعارف - وهو الخالص من ملك المنتقل عنه - هو المنصرف من الدليل.

لا يقال: قد يتضرر المشتري بإزالة البناء أو قلع الشجر.

لأنه يقال: أوّلاً: إن الإزالة ضرر على المشتري والبقاء ضرر على الشفيع، فإن لم يمكن الجمع بين دليلي (لا ضرر) الشامل لهما تساقطا، وأمّا لو أمكن الجمع بينهما لزم الجمع، وفي المقام يمكن الجمع فيشملهما، وكيفية الجمع هو عبر جبران الضرر بأن يضمن الشفيع الأرش للمشتري.

ص: 199


1- جامع المقاصد 6: 423؛ مسالك الأفهام 12: 329؛ مفتاح الكرامة 18: 634.

وثانياً: إن دليل الشفعة أخص من دليل (لا ضرر).

وبعبارة أخرى: إن دليل الشفعة إنّما هو في مورد الضرر، وما كان كذلك لا يرفع ب-(لا ضرر) كالخمس والزكاة والجهاد.

والشفعة جعلت في مورد الضرر، حيث يُسلب ملك المشتري من دون رضاه. كما أن المشتري أقدم على الضرر، حيث بنى أو زرع فيما هو متعلّق حق الغير، فلا يشمله دليل (لا ضرر).

وفيه نظر: فإن أصل الشفعة جعل في مورد الضرر دون تفاصيلها، فيجري دليل (لا ضرر) في الثاني دون الأوّل، كما أن (لا ضرر) لا يجريفي أصل الخمس، أمّا في التفاصيل فيمكن جريانه، كما لو كان أداء الخمس بطريقة معينة ضررية دون طريقة أخرى، حيث ترفع الكيفية الضررية ب-(لا ضرر) وفي المقام أصل الشفعة لا ترفع ب-(لا ضرر) أمّا التفاصيل فيمكن رفعها به، فإزالة البناء والزرع من التفاصيل الضررية التي ترفع ب-(لا ضرر) وتجبر بالأرش.

ثم إنه قد مرّ في كتاب الغصب ما احتمله السيد الوالد من الشراكة بين الغاصب والمالك - خلافاً للمشهور - وبناءً عليه تثبت الشراكة بين المشتري والشفيع بطريق أولى، فيؤجر الدار - مثلاً - وتقسّم الأجرة بينهما بنسبة حق كل منهما في الشراكة حسب رأي أهل الخبرة، فتأمل.

الصورة الثالثة: في ما لو أعرض المشتري عن النماء والزرع

لو أعرض المشتري عن البناء والزرع فهل يُلزم برفعها بناءً على كون الإعراض مسقطاً للملك - لا مجرد الإباحة للغير مع بقاء الملك للمعرض -؟

ص: 200

فيه حالتان:

الأولى: أن يتملكها الشفيع، ولا كلام فيه؛ لأنه خرج عن ملك المشتري بالإعراض ودخل في ملك الشفيع بالتملك.

الثانية: أن لا يريدها الشفيع، وفي هذه الصورة يحق للشفيع إجبار المشتري برفعها؛ وذلك لأنه لا يحق للإنسان أن يترك ما يملكه في ملك الغير ولو بالإعراض، فإنه وإن لم يكن ملكه بعد الإعراض إلّا أنه هوالسبب في بقاء ما كان ملكه في ملك الغير فعليه الإفراغ.

المسألة الرابعة عشرة: ما يدخل في الشفعة تبعاً

قال في الشرائع: «وإذا زاد ما يدخل في الشفعة تبعا كالودي(1) المتباع مع الأرض فيصير نخلة أو الغرس من الشجر يعظم فالزيادة للشفيع، أمّا النماء المنفصل كسكنى الدار وثمرة النخل فهو للمشتري»(2).

إن النماء المتخلل بين البيع والأخذ بالشفعة إمّا منفصل أو متصل، أمّا المنفصل فلا كلام في أنه للمشتري لحدوثه في ملكه، فلا يلزم تسليمه للشفع أو إعطاء أجرته له، فإنه وإن كان متعلّق حق الغير لكن الغير ليس مالكاً له، بل له حق أن يملك، كما هو الحال في أموال المفلس، حيث إنها له وإن كانت متعلّق حق الديان، فيحق لهم أن يملكوها لا أنها ملك لهم، فالحكم الوضعي - وهو الملك - ثابت، لكن يتغير بعض الأحكام التكليفية كمنعه من البيع، والمقام كذلك، فللمشتري كل آثار الملك، ومنها: عدم

ص: 201


1- الودي على وزن الغني بمعنى فسيل النخل.
2- شرائع الإسلام 4: 783.

جواز أخذه منه قهراً، لكن هذا الأثر يرفع بالشفعة. فالنماء حاصل في ملك المشتري فهو له، وأمّا ملك الشفيع فيبدأ من حين الأخذ بالشفعة، فلا يشمل النماء الحاصل قبله.

وأمّا النماء المتصل - كما لو كان فسيلاً حين اشتراه المشتري وبعد أنأصبح نخلاً أخذ الشفيع بالشفعة - ففيه قولان:

القول الأوّل: إنه للشفيع، واستدل له بدليلين:

الدليل الأوّل: عدم الخلاف أو الإجماع.

لكنه محل تأمل: فأقصى ما يمكن القول به هو الشهرة الفتوائية، وليست بحجة وإنّما الحجة الشهرة الروائية.

الدليل الثاني: ما في الجواهر(1) أنّها تابعة للعين التي أخذها الشفيع.

وفيه: أنه مصادرة وتكرار المدعى.

القول الثاني: إنه للمشتري حيث لا يختلف حكمه عن النماء المنفصل.

واستدل له(2): بأن المشتري مالك للعين والزيادة حاصلة في ملكه، والمالك لشيء مالك لنمائه، وإن كان الملك متزلزلاً وتم فسخه، وفيه روايات متعددة.

ثم إن السيد الوالد(3) ذكر في المقام كلاماً يرجع إلى تشخيص الموضوع، قال: الزيادة قد تكون محسوسة كالفسيل يصبح نخلاً، فتكون

ص: 202


1- جواهر الكلام 38: 565 (37: 374 ط ق).
2- مسالك الأفهام 12: 330.
3- الفقه 79: 274.

الزيادة للمشتري، وقد لا تكون محسوسة كنمو الفسيل يوماًواحداً، حيث هي زيادة دقة لا عرفاً، فيكون سالبة بانتفاء الموضوع، فتكون الزيادة للشفيع.

وليس ذلك من باب الرجوع إلى العرف في تشخيص المصداق حتى لا يكون حجة، وإنّما لنفي الموضوع، أي: العرف لا يراه زيادة، ونفي الموضوع أو إثباته عرفاً حجة، وهو غير تشخيص المصداق.

المسألة الخامسة عشرة: فيما لو حمل النخل بعد الابتياع

قال في الشرائع: «ولو حمل النخل بعد الابتياع، وأخذ الشفيع قبل التأبير قال الشيخ(1): الطلع للشفيع؛ لأنّه بحكم السعف، والأشبه اختصاص هذا الحكم بالبيع»(2).

إذ الرواية(3) واردة في البيع وإلحاق الشفعة به قياس.

وحاصل المسألة: إنه لو اشترى بستاناً ثم أثمر طلعاً، فهل يعتبر الطلع نماءً منفصلاً ليكون للمشتري أم متصلاً ليكون للشفيع بناءً على الفرق بينهما؟فصّل جمع من الفقهاء(4) بين التأبير وعدمه، فإن أبّره المشتري فهو له،

ص: 203


1- المبسوط 3: 119.
2- شرائع الإسلام 4: 783.
3- تهذيب الأحكام 7: 87، وفيه: الحسن بن محمّد بن سماعة، عن غير واحد، عن أبان عثمان، عن يحيى بن أبي العلاء قال: قال أبو عبد اللّه(علیه السلام): «من باع نخلاً قد لقح فالثمرة للبائع إلّا أن يشترط المبتاع، قضى رسول اللّه| بذلك».
4- تذكرة الفقهاء 12: 275؛ مسالك الأفهام 12: 331.

وإلّا فللشفيع.

لكن آخرون(1) حكموا بكون الطلع للمشتري حتى قبل التأبير؛ لأنّه نماء حصل في ملكه، فلا فرق بين التأبير وغيره.

والأقرب أنه للمشتري؛ لأن الطلع ظهر ونما في ملكه من غير فرق بين التأبير وعدمه. نعم، لو كان الطلع في بدايته بحيث لا يعتبر طلعاً عرفاً، فهو للشفيع.

ثم إنّه لو كان الطلع للمشتري والنخل للشفيع فهل يؤمر المشتري بأخذ طلعه أو ينتظر ليصبح فاكهة في ملك الشفيع ثم يأخذه المشتري؟

ذهب جامع المقاصد(2) إلى لزوم تسعير النخل من دون الطلع ومع الطلع، ثم يعطي الشفيع زيادة القيمة للمشتري.

وفيه إشكالان:

الأوّل: إن إعطاء التفاوت المذكور إنّما هو فيما لم ترتفع القيمة بسبب الهيئة المجموعية، وأمّا مع لحاظ ارتفاعها كذلك - كما في مصراعي الباب والقفل والمفتاح - فلا بدّ من تقسيم الارتفاع بينهمابالنسبة حسب تشخيص أهل الخبرة.

الثاني: قد لا يريد المشتري بيع طلعه للشفيع فلا وجه لإجباره على ذلك.

فمقتضى القاعدة ما ذكرناه سابقاً من التوافق على القيمة أوّلاً، وإلّا فلا

ص: 204


1- مسالك الأفهام 12: 331.
2- جامع المقاصد 6: 428.

دليل على إجبار الشفيع على إعطاء القيمة، ولا دليل على إجبار المشتري على بيعها، فلا بدّ من أن يأخذ المشتري طلعه، وإن أبى أجبره الحاكم.

المسألة السادسة عشرة: فيما لو بان الثمن في البيع مستحقاً للغير

اشارة

قال في الشرائع: «ولو بان الثمن مستحقاً فإن كان الشراء بالعين فلا شفعة؛ لتحقق البطلان، وإن كان في الذمة تثبت الشفعة؛ لثبوت الابتياع»(1).

وحاصل المسألة: إنه لو اشترى الشقص وأدى الثمن من مال الغير فهل يصح الأخذ بالشفعة؟ فيه صورتان:

الأولى: أن يكون الثمن معيناً ولا يملكه المشتري، فالبيع باطل، فتكون الشفعة سالبة بانتفاء الموضوع، فإن المعاملة متقومة بالثمن والمثمن، فإن لم يملك أحدهما كان الثاني من دون مقابل، فلا يصير ملكاً للمشتري فلا موضوع للشفعة.الثانية: أن يكون الثمن كلياً في الذمة، لكن كان الأداء من مال الغير، كما هو الحال في بيع النسيئة، فالبيع صحيح ويصبح المثمن ملك المشتري، وعليه أداء الثمن مجدداً، فيصح الأخذ بالشفعة لتحقق موضوعها.

وهنا فروع:

الفرع الأوّل: فيما لو أجاز مالك الثمن البيع

ولو أجاز مالك الثمن البيع فهل يصح البيع فتصح الشفعة تبعاً أم لا؟

ذهب صاحب مفتاح الكرامة إلى الصحة(2).

ص: 205


1- شرائع الإسلام 4: 783.
2- مفتاح الكرامة 18: 649.

لكن المسألة ترتبط بالمبنى فلا بدّ من التفصيل ففيه صورتان:

الصورة الأولى: أن يجيز مالك الثمن المعاملة لنفسه، وفيه قولان:

الأوّل: الصحة؛ لأنه مصداق من مصاديق البيع الفضولي، فيملك الشقص، ويكون للشفيع حق الشفعة عليه.

الثاني: البطلان سواء أقلنا إنه ليس من مصاديقه أو أنه من مصاديقه؛ وذلك لأن العقود تابعة للقصود، والمشتري اشترى الشقص لنفسه بينما الإجازة تحول الشقص إلى مالك الثمن، فهو خلاف ما وقع عليه القصد، فيكون باطلاً؛ لأن ما وقع لم يقصد فتكون المعاملة باطلة.

الصورة الثانية: أن يجيز مالك الثمن المعاملة للفضولي بأن يكونالشقص للمشتري، وقد ذهب المشهور(1) إلى بطلانه؛ لاشتراط دخول المثمن في ملك مَن خرج الثمن من عنده، فلا يصح دخول المثمن في ملك شخص ثالث غير الذي خرج منه الثمن، كما لو أعطى الخباز الثمن ليعطي الخبز للفقير، إلّا على نحو الوكالة في الأخذ والهبة.

لكن ذهب جمع من الفقهاء(2) منهم السيد الوالد(3) إلى الصحة؛ لأنها معاملة عقلائية ولم يردع عنها الشارع.

وفي المقام مالك الثمن أجاز المعاملة للمشتري فأصبحت الأطراف ثلاثة، فعلى البطلان تكون الشفعة منتفية.

ص: 206


1- المبسوط 3: 126؛ تذكرة الفقهاء 12: 278؛ مسالك الأفهام 12: 332.
2- مفتاح الكرامة 18: 649.
3- الفقه 79: 279.

الفرع الثاني: فيما لو انتقل الثمن المستحق للغير للمشتري

لو انتقل الثمن المستحق للغير إلى المشتري، كما لو اشترى الابن الشقص بمال أبيه ثم ورثه منه، ففي حكم البيع ثم الشفعة أقوال ثلاثة(1):

القول الأوّل: بطلان البيع من الأساس، ولا يصح ما وقع باطلاً، وإن ملك العين فيما بعد، وهو قول شاذ.

القول الثاني: تصح المعاملة بمجرد انتقال العين إلى الفضوليفتصح الشفعة.

القول الثالث: إن صحتها متوقفة على الإجازة، فالعقد كان فضولياً متوقفاً على إجازة المالك، ثم أصبح الفضولي مالكاً فعليه الإجازة لتصحيح بيعه السابق وإلّا بطل.

وقد ذهب المشهور(2) إلى القول الثاني وهو الصحيح؛ إذ الإشكال في بيع الفضولي في عدم ملكيته وقد ارتفع بعد تملكه، فلا حاجة إلى رضاه مجدداً بعد تحقق الرضا منه عند العقد.

الفرع الثالث: لو كان الثمن مما لا يُملك أو لم يقدر المشتري على الأداء

ثم إن السيد الوالد(3) ذكر صورتين أخريين:

الأولى: لو كان البيع بما لا يملك، بأن اشترى الشقص بالخمر أو الخنزير، فلا شفعة لبطلان البيع.

ص: 207


1- الفقه 79: 279-280.
2- جواهر الكلام 38: 569 (37: 376 ط ق).
3- الفقه 79: 280.

الثانية: لو علم المشتري عدم قدرته على أداء الثمن إلى آخر عمره، وقد كانت المعاملة على نحو الكلي في الذمة فالمشهور على صحتها ويبقى مديناً إلى آخر عمره، فيؤدّي عنه وارثه من تركته ثم الحاكم الشرعي.وهنالك قول بالبطلان؛ لأن قوام المعاملة بالعوضين، وأحدهما منتفٍ بعينه وببدله.

لكنه غير تام، حيث لا يلزم وجود العوض في الخارج، بل يكفي وجوده على نحو الكلي في الذمة، وهو المصحح للمعاملة، وأمّا الحكم بوجوب الأداء بنفسه أو بوارثه أو بالحاكم فحكم آخر لا يرتبط بصحة العقد. بالإضافة إلى عدم تحقق العلم بعدم تمكن الأداء إلى آخر العمر غالباً.

نعم، لو قطع بعدم الإمكان أمكن القول بعدم تحقق الرضا من البائع فتبطل المعاملة(1).

المسألة السابعة عشرة: لو دفع الشفيع الثمن فبان مستحقاً

قال في الشرائع: «ولو دفع الشفيع الثمن فبان مستحقاً لم تبطل شفعته على التقديرين(2)»(3).

وذلك لصحة البيع والشفعة فيكون الشفيع مالكاً، وعليه أن يؤدّيالثمن

ص: 208


1- وفيه نظر: فإن الرضا الفعلي هو الشرط وقد تحقق، دون الرضا التقديري، وإلّا لزم القول ببطلان كثير من المعاملات، كما لو باع لزيد ثم تبين أنه وكيل لعمرو، ولو علم البائع أن المبيع ينتقل إلى عمرو لم يكن راضياً، وهكذا في موارد كثيرة (المقرر).
2- والمقصود من التقديرين: كون الثمن الذي أداه المشتري معيناً أو مطلقاً، أو كون الثمن الذي أداه الشفيع عيناً مستحقة أو كلياً، فأدى مما هو مستحق.
3- شرائع الإسلام 4: 783.

مجدداً.

لكن أشكل الشهيد في الدروس(1) على ذلك بأنه منافٍ للفور، فتبطل الشفعة.

ووجهه في المسالك(2) بكونه باطلاً على مبناه، وإلّا فعلى مبنى المشهور لا تبطل؛ لعدم منافاتها للفور.

وقد مرّ تفصيل الكلام في المبنيين، حيث ذهب الشهيد(3) إلى أن الشفعة تتحقق بالقول وأداء الثمن، وعليه يكون الأداء من مال الغير غير محقق للشفعة، فيكون الأداء مجدداً منافياً للفور فتبطل الشفعة.

بينما ذهب المشهور إلى أن الشفعة تتحقق بالقول فقط، وبعده يتولد التكليف بالأداء، فلو أدى من مال الغير فعليه الأداء مجدداً، ولا ينافي ذلك الفور؛ لتحقق الشفعة بالقول.

المسألة الثامنة عشرة: اعتبار العلم بالثمن في الأخذ بالشفعة

اشارة

قال في الشرائع: «إذا بلغه البيع فقال: أخذت بالشفعة فإن كان عالماً بالثمن صح، وإن كان جاهلاً لم يصح، وكذا لو قال: أخذت بالثمن بالغاً ما بلغ لم يصح مع الجهالة تفصياً من الغرر»(4).ولا يختص الأمر بالعلم بالثمن، فإن من شروط الأخذ بالشفعة العلم

ص: 209


1- الدروس الشرعية 3: 367.
2- مسالك الأفهام 12: 333.
3- الدروس الشرعية 3: 360.
4- شرائع الإسلام 4: 784.

بالثمن والمثمن وسائر الخصوصيات التي تراعى في المعاملات عادة، فلو أخذ بها مع الجهل بطل، ولو قال: أخذت بالشفعة مهما كان الثمن أو المبيع كان باطلاً.

واستدل لذلك بأدلة أربعة(1):

الدليل الأوّل: وهو العمدة: عموم نهي النبي| عن الغرر، وضعف سندها منجبر بعمل المشهور، والشفعة إيقاع لعدم اشتراط رضا المشتري بها؛ لكنها كالمعاملة للزوم أداء الثمن، فالجهل بخصوصياتها نوع من أنواع الغرر المنهي عنه.

إن قلت: لو أقدم على الغرر متقبلاً للضرر فما هو الوجه في البطلان؟

قلت: إن تحمّله غير رافع لموضوع الغرر، فإن الجهالة لا تتبدل إلى العلم، ولو كان بانياً على تحمل الغرر فلا يرتفع حكمه.

ولا يخفى أن ظاهر النهي المولوية إلّا في باب المعاملات، فإنه ظاهر في الإرشاد، أي: البطلان فقط، إلّا إذا قام دليل عليهما معاً كالربا.

وأشكل عليه بإشكالات:

الإشكال الأوّل: ما ذكره المحقق الأردبيلي(2): من أنه لا دليلعلى بطلان المعاملة الغررية من عقل ولا نقل إلّا أن يكون إجماعاً؛ ولذا نشاهد إقدام العقلاء على المعاملات المجهولة كاليانصيب وما أشبه.

وكأن إشكاله ينصب على إرسال الرواية وعدم ورودها في المجاميع

ص: 210


1- مسالك الأفهام 12: 335؛ جواهر الكلام 38: 573-575 (37: 380-382 ط ق).
2- مجمع الفائدة والبرهان 9: 38.

الروائية، الدال على أنها رواية عامية.

وفيه نظر: فقد ذكرنا فيما مضى مفصلاً أنه لا فرق بين الكتب الروائية والفقهية، فأيّ فرق بين أن يذكر الشيخ الطوسي الرواية في التهذيب أو المبسوط، بل يقوى كون الرواية من الخاصة فيما لو وردت في المصادر الفقهية موضع استدلال وفتوى، مع العلم بعدم اعتقادهم بروايات العامة وعدم اعتمادهم عليها، وعدم الفتوى على ضوئها، الكاشف عن أنها ليست عامية بل هي من مرويات الخاصة.

وأمّا المرسلة المذكورة فهي محل اعتماد الفقهاء في مختلف أبواب الفقه، وقد استدلوا بها وعمل المشهور موجب لجبر الضعف، بل هي متسالم عليها مما يوجب القطع بها.

بالإضافة إلى أن النهي عن الغرر مسألة إجماعية، إلّا أن يشكل عليه بمعلومية الاستناد.

الإشكال الثاني: ما في الجواهر: من «عدم ثبوت كونها معاوضةينافيها الغرر»(1).

فإن الشفعة إيقاع لا معاوضة، ولا يعلم منافاة الغرر لها، ومع الشك في اشتراط عدمه في الشفعة تجري أصالة عدم الاشتراط.

وفيه تأمل: لإطلاق الرواية وعدم اختصاصها بالمعاملة، فتشمل الإيقاعات أيضاً.

ص: 211


1- جواهر الكلام 38: 575 (37: 381 ط ق).

الإشكال الثالث(1): إن إطلاق أدلة الشفعة ترفع اشتراط عدم الغرر، وإن كان إطلاق (لا غرر) يشمل الإيقاعات أيضاً، ففي المقام إطلاقان: إطلاق أدلة الشفعة وإطلاق لا غرر، والأوّل أخص من الثاني؛ لجريان الثاني في سائر المعاملات.

وفيه نظر: حيث لا إطلاق لأدلة المعاملات والإيقاعات لنفي الشرائط العامة كالبلوغ والعقل ونفي الضرر والغرر، فهل يلتزم بعدم اشتراط العقل والبلوغ بالتمسك بإطلاق دليل الشفعة؟! وذلك لحكومة أدلة الشرائط العامة على إطلاقات أدلة العبادات والمعاملات.

وإن أبيت عن الحكومة في المقام، فنقول: إن قول الشارع: {أَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ}(2) مثلاً ليس في مقام البيان من جهة الشرائط العامة، بل في مقام بيانتقابله مع الربا، كذلك في المقام، فأدلة الشفعة ليست في مقام بيان اشتراط البلوغ والعقل ونفي الضرر والغرر فلا إطلاق لها، فيجري إطلاق نفي الغرر، فتأمل.

الدليل الثاني: ما في الجواهر(3): من أن الشفعة خلاف الأصل، والمتيقن منها بل الظاهر من الأدلة هو حال العلم، ولا يعلم جريان أدلة الشفعة في صورة الجهل، فالمرجع الإطلاقات الأوّلية الدالة على عدم حل مال الغير.

وفيه تأمل: لما مرّ من إطلاق أدلة الشفعة المخصصة للإطلاقات الأوّلية.

ص: 212


1- جواهر الكلام 38: 575 (37: 381 ط ق)؛ الفقه 79: 287.
2- سورة البقرة، الآية: 275.
3- جواهر الكلام 38: 575 (37: 381 ط ق).

الدليل الثالث: ما في الجواهر(1) أيضاً: من أن قوله(علیه السلام): «فهو أحق بها من غيره بالثمن»(2) للعهد، أي: الثمن المعين الذي بيع الشقص به، وكذا قوله(علیه السلام): «ليس له إلّا الشراء والبيع الأوّل» الظاهر في لزوم العلم بالقيمة.

وفيه تأمل: لعدم دلالتهما على العلم، بل على لزوم دفع الثمن وإن كان جاهلاً بمقداره.الدليل الرابع(3): إن الشفعة متوقفة على القول وتسليم الثمن، على مبنى الشهيد الأوّل(4)، ولا يمكن تسليمه مع الجهل به.

وفيه نظر حتى المبنى المذكور، حيث يمكن تسليم الثمن من دون علم بمقداره، كما لو كان الثمن في كيس وهو يجهل مقداره، فيقول للمشتري خذ حقك منه، أو يعطيه الصك الأبيض ليكتب مقدار الثمن، بالإضافة إلى التأمل في أصل المبنى كما مرّ.

والحاصل: إن لزوم العلم ثابت بالدليل الأوّل، أمّا سائر الأدلة فغير ناهضة لإثبات الشرط المذكور.

وبناءً على الفور يلزم الشفيع التحقيق فوراً لتحصيل العلم بالخصوصيات.

فرع: في اختلاف المشتري والشفيع

لو اختلف المشتري والشفيع في العلم وعدمه فالأصل الجهل؛ لأن

ص: 213


1- جواهر الكلام 38: 575 (37: 381 ط ق).
2- تهذيب الأحكام 7: 164.
3- جواهر الكلام 38: 575 (37: 380 ط ق).
4- الدروس الشرعية 3: 360.

العلم حادث، ومع الشك فيه يستصحب الجهل، وقبل الاستصحاب يمكن التمسّك بأنه من مصاديق ما لا يعرف إلّا من قبله.

نعم، لو قام الدليل الشرعي - كالبينة - على العلم، كما لو شهدا على أن المشتري أخبره بالثمن ألزم الشفيع بذلك.ولو ادّعى الشفيع النسيان، فهل يستصحب العلم فيسقط حقه في الشفعة أو لا؛ لكونه مما لا يعرف إلّا من قبله، وهو وارد على الاستصحاب؛ لأنّه ينفي موضوعه وهو الشك، لحكم الشارع بتصديقه فيما لا يعرف إلّا من قبله؟

لكن لا بدّ من التحقيق في حدود القاعدة سعة وضيقاً، حيث لا تشمل موارد عديدة، كما لو ادعى الإكراه حين المعاملة، أو المزاح وهو ما لا يعرف إلّا من قبله؛ وذلك لجريان أصول عقلائية أخرى، كأصالة الجد وأصالة عدم النسيان فلا يبقى مجال لها.

المسألة التاسعة عشرة: لو طلب البائع الإقالة من الشفيع

قال في الشرائع: «إذا سأل البائع من الشفيع الإقالة فأقاله لم يصح؛ لأنها إنّما تصح من المتعاقدين»(1).

وفي المقام صورتان:

الصورة الأولى: لا تصح الإقالة بين البائع والشفيع؛ لعدم وجود معاملة بينهما، فلا معنى للإقالة. نعم، يصح إجراء معاملة جديدة بينهما، لكن لا

ص: 214


1- شرائع الإسلام 4: 784.

ربط له بمحل البحث، كما يصح أن يطلب البائع من الشفيع الإقالة بينه وبين المشتري، ثم يطلب من المشتري الإقالة له؛ لأن البيعبينهما، وليس من شروط الإقالة عدم تعاقب المعاملات.

الصورة الثانية: تصح الإقالة بين المشتري والشفيع بشرط الرضا، فإن فسخ أيّة معاملة أو إيقاع بحاجة إلى رضا الطرفين(1)؛ لأنّه تصرف في مال الغير وذمته، إلّا فيما صرّح الشارع بعدم لزوم الرضا كالشفعة، وأمّا إقالة الشفعة فلا دليل على صحتها من دون رضا.

وللمسالك(2) كلام يوهم عدم صحة الإقالة بين المشتري والشفيع، والظاهر أن مراده عدم صحة إبطالهما البيع؛ لعدم كون الشفيع طرفاً في المعاملة، فإنه وإن كان ظاهر كلامه في الشفعة لكن ظاهر دليله في البيع، فإن أراد الأوّل فغير تام، وإن أراد الثاني فهو تام، فراجع.

المسألة العشرون: لو بيع الشقص بالثمن المؤجل

اشارة

ولو بيع الشقص بالثمن المؤجل ثم أخذت الشفعة، فهل على الشفيع أداء الثمن معجلاً أو يجوز له أداؤه مؤجلاً، أو يحق له تأخير الشفعة إلى أن يحين وقت أداء الثمن للبائع؟ فيه أقوال ثلاثة(3):

ص: 215


1- إلّا فيما جعل الشارع له سبباً خاصاً للفسخ كالطلاق، حيث لا يحق للزوجين الفسخ إلّا في موارد خاصة كالتدليس والعيوب (السيد الأستاذ).
2- مسالك الأفهام 12: 338.
3- كشف الرموز 2: 396؛ المهذب البارع 4: 273؛ مسالك الأفهام 12: 338؛ جواهر الكلام 38: 582-583 (37: 386-387 ط ق).

القول الأوّل: ما هو المشهور من لزوم الأخذ بالشفعة فوراً،وأداء الثمن حسب الأجل المقرر بين البائع والمشتري.

القول الثاني: تخيير الشفيع بين الأخذ بالشفعة وأداء ثمنها فوراً، وبين عدم الأخذ بالشفعة إلى حين الأجل المقرر.

القول الثالث: تخيير الشفيع بين الأخذ بالشفعة وأداء ثمنها فوراً، وبين الأخذ بالشفعة فوراً وأداء ثمنها مؤجلاً، وبين تأخير الشفعة إلى حين الأجل.

قال في الشرائع: «إذا اشترى بثمن مؤجل، قال في المبسوط: للشفيع أخذه بالثمن عاجلاً، وله التأخير وأخذه بالثمن في محله، وفي النهاية: يأخذه عاجلاً ويكون الثمن عليه مؤجلاً، ويلزم كفيلاً بالمال إن لم يكن ملياً، وهو أشبه»(1).

ووجه الكفالة في الفقير أنه لو لم يمكنه أداء الثمن أدّاه الكفيل، بخلاف الثري حيث يجبره الحاكم على الأداء فلا حاجة إلى الكفيل.

واستدل للقول الأوّل: بأن دليل الفور يشمل المقام أيضاً، فلا وجه لتأخير الشفعة، وكون الثمن مؤجلاً لا ينافي الفورية.

وأمّا تأجيل الثمن فلأن ظاهر أدلة الشفعة أداء الشفيع الثمن إلى المشتري بمثل ما يؤدّيه المشتري إلى البائع، مع ملاحظة جميع الخصوصيات ككونه ذهباً أو فضة، وكونه مثلياً أو قيمياً، ومن ذلك كونهمعجلاً أو مؤجلاً؛ وذلك لمكان العهد في قوله(علیه السلام): «بالثمن»(2)، فإن الثمن في المقام مؤجل،

ص: 216


1- شرائع الإسلام 4: 785.
2- الكافي 5: 281؛ وسائل الشيعة 25: 396.

والمعجل ليس كالمؤجل، وكذا قوله(علیه السلام): «ليس للشفيع إلّا الشراء والبيع الأوّل»(1)، وليس بين البائع والمشتري إلّا البيع المؤجل ثمنه.

لكن أشكل صاحب الجواهر(2) على مختار المشهور بإشكالات:

الإشكال الأوّل: إن ما ذهب إليه المشهور هنا منافٍ لما ذهبوا إليه سابقاً من لزوم أداء الثمن أوّلاً ثم تسلم الشقص(3)، خاصة في من يرى أن الثمن جزء مملك أو شرط كاشف.

وفيه تأمل: لأن مصب كلامهم هناك في البيع النقدي وإن لم يصرحوا به، إذ المعاملة تنصرف إلى النقد، كما هو الأصل في المعاملات، وأمّا النسيئة والسلم فلا بدّ من التصريح بهما، فلا منافاة بين الكلامين.

الإشكال الثاني: إن أدلة الشفعة تدل على لزوم دفع الثمن فوراً وهي مطلقة، من دون التطرق إلى كيفية المعاملة بين البائع والمشتري.

وفيه تأمل: إذ فهنالك فرق بين ثبوت حق الشفعة مطلقاً، بأيّ نحو من الأنحاء وقعت المعاملة، وبين كيفية أداء الثمن حيث لا إطلاق فيها، فقدظهر مما سبق أن قوله(علیه السلام): «أحق بها من غيره بالثمن» للعهد، أي: الثمن الذي كان بين البائع والمشتري مؤجلاً أو معجلاً، ولا إطلاق لكيفية أداء الثمن وأوصافه مع وجود العهد، وكذا في قوله(علیه السلام): «ليس للشفيع إلّا الشراء والبيع الأوّل».

ص: 217


1- تهذيب الأحكام 7: 192؛ وسائل الشيعة 25: 405.
2- جواهر الكلام 38: 584-585 (37: 388-389 ط ق).
3- وإن أشكلنا عليه بلزوم التقابض، فراجع (السيد الأستاذ).

الإشكال الثالث: إن رواية(1) علي بن مهزيار(2) السابقة تدل على الانتظار ثلاثة أيام فقط أو مع مراعاة الطريق لأداء الثمن، وإلّا فللمشتري الحق في إبطال الشفعة.

وفيه تأمل: فإن مقتضى الجمع بين الأدلة تخصيص الرواية بالمعاملة نقداً، فإنها وإن كانت مطلقة لكن الجمع بينها وبين رواية: (فهو أحق بها من غيره بالثمن) الدالة على كيفية أداء الثمن، يقتضي ذلك.

الإشكال الرابع: إن روايات الشفعة تدل على كونها بكيفية واحدة، بينما نتيجة كلام المشهور أن التملك بالشفعة على أنحاء، فتارة يكون ذلك معجلاً وتارة مؤجلاً.

وفيه تأمل: فإن الكيفية واحدة في الصورتين، واختلاف كيفية أداء الثمن لا يجعل أصل الشفعة - وهو حصول النقل والانتقال - بكيفيتين، وإنّما هو تكليف يتوجه للشفيع بعد الأخذ بالشفعة، وعلى فرض ذلك فلامحذور منه عقلاً ولا شرعاً بعد أن يكون ذلك مقتضى الجمع بين الأدلة.

الإشكال الخامس: لو تمّ ما ذكره المشهور - من كون (الثمن) للعهد - فجميع الخصوصيات التي كانت بين البائع والمشتري - من التسليم في مكان معين أو أخذ كفيل أو أداء رهن أو ما أشبه - يلزم مراعاتها بين المشتري والشفيع، ولا يمكن الالتزام بمثل ذلك.

وفيه تأمل: حيث لا مانع من الالتزام بذلك، فلو أخذ البائع رهناً من

ص: 218


1- وهي قوله(علیه السلام): «هو أحق بها من غيره بالثمن».
2- وقد مرّ اعتبارها وإن عبر عنها في الجواهر بالخبر (السيد الأستاذ).

المشتري حُق للمشتري أخذ الرهن من الشفيع، وكذا في سائر الخصوصيات لدلالة (بالثمن) على ذلك، أي: الثمن بخصوصياته.

الإشكال على لزوم أخذ الكفيل

ثم إن صاحب الجواهر(1) أشكل على لزوم أخذ الكفيل بإشكالات:

الإشكال الأوّل: إنّه قام الدليل على ثبوت حق الشفعة وتأخير الثمن فحسب، ولا دليل على لزوم أخذ الكفيل.

وأجيب عنه بأن الكفيل من باب الاستيثاق والضمان للمشتري حيث ينتزع منه ملكه، ولا ضمان على أداء الثمن عند حلول الأجل.

لكنه غير تام؛ فإنه تخصيص من غير مخصص حيث لا ينحصر الاستيثاق في الكفيل، فهنالك طرق أخرى كأخذ الرهن، بالإضافة إلى عدم قيام الدليل على لزومه، كما أنه يمكن حفظ حق المشتري منالضياع بثبوت حقه في الفسخ إن امتنع الشفيع عن أداء الثمن عند الأجل، كما هو الحال في سائر المعاملات.

الإشكال الثاني: ما مرّ في روايات الشفعة من أنّها جعلت إرفاقاً بالشفيع، ودفعاً للضرر عنه، فإجباره على الكفيل منافٍ لهما، خاصة إذا لم يجد من يكفله.

وفيه تأمل: فإنه أخص من المدعى، بالإضافة إلى لزوم مراعاة الإرفاق بالمشتري أيضاً، مضافاً إلى أنها حكمة لا علة ليدور مدارها الحكم.

ص: 219


1- جواهر الكلام 38: 585 (37: 388-389 ط ق).

الإشكال الثالث: إن الشفعة خلاف الأصل، والقدر المتيقن منه أداء الثمن حالاً، وأمّا مؤجلاً مع الكفالة فليس من القدر المتيقن فلا يشمله الدليل.

وفيه تأمل: لما مرّ من جريان إطلاقات أدلة الشفعة فلا مجال للأصل الأوّلي.

الإشكال الرابع: إنّه لا وجه لحصر الأمر في أداء الثمن مؤجلاً مع الكفالة كما ذهب إليه المشهور، وإنّما يحق للشفيع تعجيل الثمن من دون الكفالة. ولا يصح قياس المقام بالسلم والنسيئة والدين، حيث يمنع التعجيل مع عدم قبول الآخر؛ لأنها معاملة بين اثنين مع وجود أجل معين، وهنا إيقاع يؤخذ قهراً ولا أجل بين الشفيع والمشتري، وإنّما الأجل بين البائع والمشتري.وفيه تأمل: لما مرّ من العهد في قوله: (بالثمن) فلا بدّ من مراعاة الخصوصيات، بالإضافة إلى أن الشفعة وإن كانت إيقاعاّ إلّا أنها مبنية على المعاملة الأولى، فلا يحق للشفيع إجبار المشتري على استلام الثمن فوراً، خاصة فيما لو كان ضرراً عليه، كما لو كان وقت أخذ الضرائب منه، فإن الحق بينهما ولا يجوز لأحدهما إجبار الآخر على القبول في غير الأجل المحدد، كما في النسيئة والسف والدين المؤجل. نعم، لو كان الحق من طرف واحد - كالدية - أمكنه الإسقاط سواء قبل الجاني أم لا.

والحاصل: إن الشفعة في المقام فورية بناءً على تمامية أدلة الفور، والثمن بحسب الأجل، ولا لزوم للكفيل.

القول الثاني: ما اختاره في المبسوط(1) من أن الشفيع مخيّر بين الأخذ

ص: 220


1- المبسوط 3: 112؛ الخلاف 3: 434.

بالشفعة وأداء الثمن فوراً، أو يؤخرهما إلى حين الأجل.

واستدل(1) له باختلاف الذمم، وأن التأخير لا ينافي الفور؛ لمكان الغرض العقلائي.

والمراد باختلاف الذمم هو عدم لزوم اتحاد ما في الذمم المتعددة، فلو اقترض ديناراً بأجل فقد ثبت في ذمته الدينار مؤجلاً، فلو اشترى به خبزاً فقد ثبت في ذمته الدينار معجلاً، ففي ذمته أداء الدينار لهذا مؤجلاًولذاك معجلاً، ولا تنافي بينهما، وكذلك لو اشترى نسيئة بسنة ثم باعه نسيئة بسنيتن، وعليه لا يلزم تطابق الذمم، ففي المقام: الثابت بين البائع والمشتري معاملة مؤجلة الثمن، وبين المشتري والشفيع المعاملة(2) نقداً، فذمة المشتري مشغولة للبائع نسيئة، وذمة الشفيع مشغولة للمشتري نقداً، ولا محذور فيه، فإن اختلاف الذمم سبب لعدم لزوم اتحاد الذمة الثانية بالذمة الأولى.

ويرد عليه إشكالات:

الإشكال الأوّل: إن اختلاف الذمم لا يوجب تخصيص أدلة الفور، فلا منافاة بين الدليلين حتى تلاحظ النسبة بينهما، كما أن العذر العقلائي للتأخير لا يوجب رفع اليد عن الدليل، إلّا إذا تبين عدم الإطلاق أو سبب الانصراف. وإنّما يمضى عمل العقلاء فيما لم يدل نص على خلاف عملهم، وإلّا فلا؛ فإن عملهم لا يخصص العام، كما هو الحال في تعاطيهم

ص: 221


1- الخلاف 3: 434؛ مسالك الأفهام 12: 339.
2- بالمعنى الأعم.

بالربا وإجراء المعاملات المجهولة.

وفي المقام: إن لم يدل الدليل على الفور لكان تأخير العقلاء لوجود العذر ممضى من قبل الشارع، لكن لو قيل بتمامية دليل الفور لا يبقى موضوع لإمضاء عمل العقلاء.

الإشكال الثاني: إنه إلزام للشفيع بزيادة لا موجب لها، فإنالمشتري اشترى الشقص بثمن مؤجل، والشفيع يؤدّي الثمن معجلاً، فيأخذ المشتري الثمن بلا موجب ولا دليل عليه.

وأمّا القول الثالث فيُعلم دليله والإشكال عليه مما سبق.

المسألة الواحدة والعشرون: في توريث الشفعة

اشارة

في توريث الشفعة قولان:

قال في الشرائع: «قال المفيد والمرتضى(1) قدس اللّه روحهما: الشفعة تورث، وقال الشيخ(2) رحمه اللّه: لا تورث تعويلاً على رواية طلحة بن زيد وهو بتري، والأوّل أشبه تمسكاً بعموم الآية»(3).

ولا يخفى أن للشيخ فتويين في المسألة: ما ذُكر هنا، وما ذكره في بيع الخلاف(4) من أنها تورث، وهو المشهور، بل كاد أن يكون إجماعاً(5).

ص: 222


1- المقنعة: 619؛ الانتصار: 451.
2- النهاية: 425؛ الخلاف 3: 436.
3- شرائع الإسلام 4: 785.
4- الخلاف 3: 27.
5- جواهر الكلام 38: 589 (37: 391 ط ق).

واستدل للقول الأوّل - بالإرث - بأدلّة(1):

الدليل الأوّل: عمومات أدلة الإرث، كقوله تعالى: {إِن

تَرَكَ خَيۡرًا ٱلۡوَصِيَّةُ لِلۡوَٰلِدَيۡنِ}(2)، وما تركه الميت لا يختص بالأعيان، بل يشمل الحقوقوما في ذمة الناس وغير ذلك؛ لأنها تركة بالمعنى الحقيقي، ولذا اتفق الفقهاء على توارث الخيارات مع أنّها من الحقوق، وكذلك حق القذف وما أشبه، فكل حق للميت يورث.

وعليه لا وجه لما ذكره المحقق الأردبيلي(3) من كون ظاهر الآية الأموال فلا تشمل حق الشفعة؛ لأن المال أحد مصاديق (ما ترك)، والحق مصداق آخر له، كما يشمله (خيراً) أيضاً، وبعد شمول اللفظ له عرفاً لا وجه لعدم التوارث، بالإضافة إلى فهم الفقهاء في سائر الموارد.

الدليل الثاني: ما في المسالك عن النبي|: «ما ترك الميت من حق فلوارثه»(4).

ولا إشكال في دلالتها، فهي إمّا نص على المطلوب أو في أعلى درجات الظهور، لكن الإشكال في إرسالها ففي هامش المسالك: «لم نجد بهذا اللفظ في الجوامع الحديثية للعامة والخاصة»(5)، فيحتمل حصول الاشتباه

ص: 223


1- جامع المقاصد 6: 447؛ مسالك الأفهام 12: 341؛ جواهر الكلام 38: 589 (37: 391 ط ق).
2- سورة البقرة، الآية: 180.
3- مجمع الفائدة والبرهان 9: 12.
4- مسالك الأفهام 12: 341.
5- مسالك الأفهام 12: 341، هامش رقم: (4).

عند الشهيد، أو الاشتباه في بعض نسخ المجاميع التي كانت بيده، كما يحتمل عدم الاشتباه وإنّما وردت في أحد المجاميع الروائية التي وصلت إليه، ثم فقدت كمدينة العلم.وأمّا جبرها بعمل المشهور فإن اكتفينا بتطابقها مع فتواهم فيتم، وإن اشترطنا استنادهم إليها فلم يستند إليها أحد قبل الشهيد. نعم، مضمونها مطابق لفتوى المشهور، وفي كفايته لجبر الضعف نظر، وبحثه في محله.

الدليل الثالث(1): إن الشفعة حق يتوارث عرفاً، ولم يردع عنه الشارع فهو إمضاء.

لكنه بحاجة إلى مزيد من التأمل، فلا بدّ من كون الفعل معاملة حتى يشمله الدليل الشرعي ك- : {أَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ}(2)، و{تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٖ}(3) فيؤخذ موضوعه من العرف، وذلك جارٍ في العقود والإيقاعات، أمّا الإرث فليس عقداً ولا إيقاعاً، بل هو حكم، ولا دليل على إمضاء الشارع لما يراه العرف من الأحكام.

والحاصل: إن كان مراد هذا الدليل أنه حق تركه الميت فتشمله أدلة الإرث فهو رجوع إلى الدليل الأوّل، وإن كان المراد إمضاء الشارع له لأنّه يتوارث عرفاً ففيه إشكال.

ص: 224


1- مفاتيح الشرائع 3: 82؛ الأنوار اللوامع 11: 489؛ تحرير المجلة 3: 191.
2- سورة البقرة، الآية: 275.
3- سورة النساء، الآية: 29.

واستدل للقول الثاني بعدة أدلة(1):

الدليل الأوّل: موثقة طلحة بن زيد(2) عن أمير المؤمنين(علیه السلام): «لا تورث الشفعة»(3).

ولا إشكال في السند والدلالة، أمّا الدلالة فواضحة، وأمّا السند فإنّه وإن كان طلحة عامياً: «إلّا أن كتابه معتمد» كما قال الشيخ الطوسي(4)، وهو دليل الوثاقة لا أقل من الحسن؛ للزوم صدق اللهجة في الاعتبار بغض النظر عن المذهب.

لكن المشهور شهرة عظيمة أعرضوا عنها(5)، بل كاد أن يكون إجماعاً، بل الشيخ بنفسه أفتى بخلافها في الخلاف(6)، فلا يمكن التمسك بها.

ووجهها بعض الفقهاء(7) بأن النفي المذكور في الرواية غالبي؛ لفوات الفور المشترط في الشفعة حين تقسيم الإرث، والذي يرافقه غالباً الكلام والمناقشة، بل النزاع عادة، فالمقصود عدم الإرث لفوت الفور.لكنه توجيه ضعيف، فإن ظهورها في عدم قابلية الشفعة للإرث واضح.

ص: 225


1- مسالك الأفهام 12: 341.
2- الشيخ الطوسي بإسناده عن ابن محبوب، عن محمّد بن يحيى الخثعمي، عن طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه، عن علي^... .
3- تهذيب الأحكام 7: 167؛ وسائل الشيعة 25: 407.
4- الفهرست: 149.
5- مفتاح الكرامة 18: 704.
6- الخلاف 3: 27.
7- مفتاح الكرامة 18: 705.

كما أن حملها على التقية(1) لكون مفادها مطابق لمذهب بعض العامة والرواي منهم ضعيف أيضاً؛ لأن الحمل على التقية إنّما هو في صورة تعارض الأخبار ولا معارض في المقام، ولذا تمسك المشهور بالعمومات، ومجرد مطابقة الرواية مع مذهب العامة لا يوجب حملها على التقية، فإن الكثير من الأحكام الشرعية متطابقة، فراجع التعادل والتراجيح.

الدليل الثاني: إن ملك الوارث متأخر عن الشراء فلا يستحق الشفعة، وقد مرّ سابقاً أنه لا بدّ وأن يكون الشفيع مالكاً حين المعاملة.

وفيه نظر: لأنّه ليس الكلام في تولّد حق الشفعة للوارث بالملك، وإنّما بالتوارث ممن له حق الشفعة، فليس الملك سبباً للشفعة وإنّما حق المورث انتقل إليه.

وهنا فروع:

الفرع الأوّل: في اختلاف الوارث والمورث في الاعتقاد بها

مثل أن يرى المورث عدم الشفعة، ويراها الوارث أو بالعكس، كما في الشركاء، أو ما لا يقبل القسمة، لاختلاف الاجتهاد والتقليد أو لاختلاف المذهب والدين، فهنا حالات مختلفة:منها: ما لو كان الوارث والمورّث من المخالفين أو الكفار فحكم الشفعة تابع لما يرونه، وذلك لقاعدة الإلزام.

ومنها: ما لو كان المشتري مسلماً والشفيع وورثته كفاراً، فإن لم يرَ

ص: 226


1- مفتاح الكرامة 18: 705.

المسلم الشفعة وهم يرونها فلا شفعة لهم؛ لما سبق من أن قاعدة الإلزام لا تلزم المسلم بما يراه الكافر أو المخالف، إلّا فيما لو ألزم الكافر أو المخالف بشيء وترتب عليه أثر، حيث يمكن للمسلم العمل بذلك الأثر، كما لو طلق زوجته ثلاثاً حيث يلزم بالانفصال، ويترتب عليه الأثر للمسلم من جواز التزويج بها، وهو نتيجة الحكم بالإلزام.

ومنها: العكس بأن لم يكن في دينهم الشفعة، وأرادوا العمل بديننا فلا بدّ من ملاحظة أدلة الإلزام وأنّها عزيمة أم رخصة، فإن دلّت على العزيمة ألزم بدينه شاء أم أبى، وإن دلت على الرخصة فله خياران، والمسألة مشكلة، فلا بدّ من مزيد التحقيق والتأمل في معنى (ألزموهم) فإن كان معناه إلزام الكافر بدينه الذي يعتقد به، سواء أراد العمل به أم لا، فيكون عزيمة، وإن كان معناه إلزام الكافر بما يريد العمل به فهو رخصة، وخاصة فيما لو كان راغباً للعمل بالحق.

والحاصل: يكون الإلزام حاكماً على سائر الأدلة مع كونه عزيمة، وأمّا لو كان رخصة أمكن جريان سائر الأدلة في المقام من دون الإلزام.

الفرع الثاني: في إرث الزوجة من شفعة الأرض

لو كان المبيع أرضاً فهل ترث الزوجة حق الشفعة؟ فيه قولان:

القول الأوّل: عدم الإرث؛ لأنها لا ترث من العقار، فكيف ترث من الفرع دون الأصل؟ خصوصاً مع ملاحظة حكمة منعها من الأرض الواردة في الروايات من أنها: «إنّما جعل للمرأة قيمة الخشب والطوب لئلّا تتزوج فتدخل عليهم من يفسد مواريثهم»(1)، فمع ثبوت حق الشفعة لها يكون

ص: 227


1- من لا يحضره الفقيه 4: 348؛ وسائل الشيعة 26: 209.

ذلك نقضاً للحكمة المذكورة.

وفيه: أنه استحسان لا يمكن تخصيص أدلة الإرث العامة به، فإنّه لا مانع من ثبوت الحق مع عدم الملك، كما في جعل الخيار للأجنبي فإنه لو فسخ لم يملك شيئاً، وإنّما الملك للمتعاقدين.

القول الثاني: إرثها لحق الشفعة؛ لإطلاق أدلتها، وعليه فإن أخذت بالشفعة ففي ملكيتها احتمالان:

الاحتمال الأوّل(1)- وهو الأصح - : إنها تملك، فإن الزوجة تمنع من الإرث وليس هذا إرثاً، فإن الشقص لا ينتقل إلى الميت ثم إلى الورثة حتى يقال: إنها لا ترث من الأرض، بل إلى الورثة رأساً فتملكه؛ لأنّه استملاك بالشفعة لا بالإرث.الاحتمال الثاني(2): إنّها لا تملك؛ وذلك لأن الحصة تنتقل إلى الميت آناً ما ومنه إلى الورثة، والزوجة تمنع من الأرض، فإنّها وإن كان لها حق الشفعة لكن لا تملك بعد الأخذ بها.

ويرد عليه: أوّلاً: أن الميت لا يملك لا بالاعتبار الشرعي ولا بالاعتبار العقلائي. نعم، قد يعتبره الشارع مالكاً لغرض، لكنه بحاجة إلى نص خاص، أو كان مقتضى الجمع بين الأدلة، وكلاهما مفقود في المقام.

وثانياً: استلزامه المحذور في بعض الصور، كما لو أخذت الزوجة بالشفعة دون سائر الورثة، فالأرض تصبح معلّقة لا تملكها الزوجة؛ لأنها لا

ص: 228


1- قواعد الأحكام 2: 258؛ الدروس الشرعية 3: 374؛ جامع المقاصد 6: 448.
2- مفتاح الكرامة 18: 705.

ترث العقار ولا يملكها سائر الورثة؛ لأنهم لم يأخذوا بالشفعة.

لكن يمكن لهذا القائل أن يجيب بأن الورثة يملكون ما أخذته الزوجة بالشفعة، حيث إنه يرجع إلى الميت آناً ما ومنه إلى ورثته.

ثم بناءً على عدم ملكية الزوجة، فلو أخذ الآخرون بالشفعة وصل الشقص إلى الميت ومنه إلى الورثة ويؤدى ثمنه من التركة وحينئذٍ تحرم الزوجة من الشقص ومن ثمنه من التركة.

الفرع الثالث: كيفية تقسيم الشقص على الورثة

حق الورثة في الشفعة هل يحسب على النصيب أو الرؤوس؟

مقتضى كون الحقوق كالأموال أن يقسّم مثله فكل واحد يأخذ نصيبه،فإن الشارع حكم بالسدس للأب إن كان ولد - مثلاً - ، ولا فرق في ذلك بين المال والحق، وعليه يكون للأب سدس حق الشفعة، ثم إن ذلك يقتضي بالملازمة العرفية ملكيته سدس الشقص، فإن سدس الحق ملازم عرفاً لسدس متعلّق الحق.

وإن أبيت عن ذلك فلا بدّ من تقسيم الشقص بالسوية، أو يرجع أمره إلى الحاكم الشرعي فيقسّمه كيف شاء.

الفرع الرابع: لو عفا أحد الوراث عن نصيبه

قال في الشرائع: «ولو عفا أحد الوراث عن نصيبه لم يسقط، وكان لمن لم يعفُ أن يأخذ الجميع، وفيه تردد ضعيف»(1).

ص: 229


1- شرائع الإسلام 4: 785.

فلو تعدد وراث الشفعة فإن أخذ الجميع بالشفعة أو تركها الجميع فلا كلام، وإنّما الكلام في عفو بعض دون بعض، وفيه حكمان:

الأوّل: عدم سقوط حق الشفعة مع عفو بعض الوراث.

الثاني: مَن لم يعفُ من الورثة يحق له أخذ كل الشقص.

أمّا الحكم الأوّل: فلإطلاق دليل الشفعة ودليل الإرث الشامل للمقام.

إن قلت: إن الحق واحد فكيف يقبل التبعض؟ فلو تمّ إسقاطه سقط كله وإلّا ثبت كله، فإنه بسيط لا يقبل التقسيم، كما هو الحال في بعض الحقوق كالقذف، حيث لا يمكن لذي الحق مطالبة إجراء نصف الحد،وكذا لورثته.

قلت: إن الحق وإن كان واحداً إلّا أنه قد يتعدد بتعدد الورثة وينقسم حسب السهام، ولا إشكال فيه عقلاً، ويقتضيه إطلاق الأدلة أيضاً، ولا دليل على عدم قبوله لذلك، مثله مثل المال، فإن الملكية وإن كانت واحدة إلّا أنها تتعدد بتعدد الورثة، وذلك باعتبار المعتبر، وكذلك الشفعة الواحدة، فدعوى كونها حقاً واحداً غير قابل للتقسيم بلا وجه، بل إطلاق أدلة الشفعة يدل على قابليتها للتقسيم. هذا أوّلاً.

وثانياً: على فرض كونها حقاً واحداً، إلّا أن من يمكنه الاستيفاء متعدد، أي: إن الحق الواحد يملكه أكثر من واحد وهو ممكن؛ لأنّه أمر اعتباري، ولا دليل على إلزامه بإعمال الحق كله، بل الحق الواحد يمكن الأخذ به في بعض الشقص دون بعضه.

وقد مرّ الكلام في نظيره، ومحذوره بتبعض حق المشتري مدفوع بتولد حق الخيار له، فللورثة حق واحد يُعمله كل واحد بقدر سهمه من دون

ص: 230

وجود محذور عقلي، بل إطلاق دليل الشفعة والإرث شامل له. كما هو الحال في حق الزوجة في القسم، فهو وإن كان حقاً واحداً إلّا أنه ذو أجزاء، فيمكن للزوجة أن تهب نصف متعلّق الحق.

وأمّا الحكم الثاني: فهل لمن لم يعفُ أن يأخذ الجميع؟

فيه خلاف، وقد مضى شبهه سابقاً في الشركاء، وقد ذهب فيالشرائع(1) إلى أن الوارث الذي لم يعفُ يأخذ نصيب من عفا، لكن في التذكرة(2) أن حق العافي للمشتري والوارث يأخذ بمقدار نصيبه من الشفعة فقط.

واستدل للأوّل: بأن عفوه إنّما يسقط استحقاق نفسه لا الشفعة عن مقدار حقه، لما عرفت من عدم تبعض الصفقة، فإن الشفعة غير قابلة للتبعيض، فلو أسقط أحد الورثة عن نفسه لم يسقط عن الآخر، فله أن يأخذ الجميع.

وحتى بناءً على تعدد الشفعة فإن مصدر الشفعة في المقام هو الميت، فهو حق واحد انتقل إلى الورثة، فلو عفا أحدهم لم تسقط؛ لأنها ليست إلّا شفعة واحدة وإن تكثر المستحق لها، وحاصله: إن مَن يسقط حقه إنّما أسقط حقه في الشفعة لا متعلّق حقه؛ لأن الشفعة واحدة.

ويظهر ضعفه مما سبق، فإن الشفعة الموروثة قابلة للتبعيض لإطلاق أدلة الشفعة والإرث، بمعنى تعدد الشفعة أو تقسيم الشفعة الواحدة، كما لا دليل على أن سهم العافي يضاف إلى سائر الورثة.

ثم إنّه لو أخذ بعض الورثة بالشفعة دون بعض فبناءً على المختار أخذ

ص: 231


1- شرائع الإسلام 4: 785.
2- تذكرة الفقهاء 12: 285.

الآخذ بقدر نصيبه، ويحق للمشتري الفسخ بخيار تبعضالصفقة.

إن قلت: الوارث العافي عن حقه سبب سقوط حق غيره؛ إذ بخيار تبعّض الصفقة يسقط حق سائر الورثة.

قلت: إنّه مقتضى الجمع بين الأدلة: دليل أخذ الشفعة بمقدار حقه ودليل خيار التبعّض، ونظيره لو أعتق سهمه من العبد أعتق العبد كاملاً، حيث إن عتق سهمه سبب لعتق سهام الآخرين.

واستدل للثاني(1): بأن الورثة لو عفوا كان الشقص للمشتري، فكذا إذا عفا أحدهم، بخلاف حد القذف فإنه وضع للزجر، فللّه تعالى فيه حق، فأمره يدور بين أخذه أو تركه جميعاً.

وهو تام لما قلناه من كونه مقتضى الجمع بين الأدلة. نعم، ما ذكره في القذف، محل تأمل.

الفرع الخامس: لو عفا أحد الورثة عن حقه ومات الآخر

لو عفا أحد الوارثين - مثلاً - عن حقه في الشفعة الموروثة، ثم مات الوارث الآخر، وورثه الأوّل كان له الأخذ بالشفعة من سهمه؛ لأنّه إنّما عفا عن سهم نفسه لا عن سهم الآخر، فهنالك حقان عفا الأوّل عن حقه، وليس معناه عفوه عن الثاني فيما لو ورثه.ويجري الخلاف السابق في أن له الحق في أخذ الكل بناءً على ما اختاره المحقق، أو أخذ سهم الوارث الميت فقط بناءً على مختار العلامة.

ص: 232


1- تذكرة الفقهاء 12: 285-286؛ جواهر الكلام 38: 596 (37: 396 ط ق).

ويجري نظير ذلك في القصاص أيضاً، فيما لو عفا الوارث الأوّل ثم مات الوارث الثاني وورثه الأوّل، حيث له حق القصاص؛ لأنّه عفا عن حصته لا عن حصة الثاني.

الفرع السادس: لو عفا عن حقه وعن الحق الذي سيرثه

لو عفا عن حقه وعن كل شفعة يرثها مستقبلاً، كما لو كان الأخ الثاني في فراش الموت فقال الأوّل: عفوت عن حقي وعن الحق الذي سأرثه، سقط حقه في نفسه دون الحق الذي سيرثه؛ لأنّه من إسقاط ما لم يجب وهو باطل، إلّا فيما دل الدليل عليه، كبراءة الطبيب.

ثم إن هنالك فروعاً في إرث الشفعة ذكرها العلامة في القواعد(1) وشرحها مفصلاً في مفتاح الكرامة(2)، ومنها:

لو لم يكن للميت وارث ورث الإمام شفعته، وليس ذلك حكماً ولائياً، بل حسب الإرث بمقتضى القواعد الشرعية.

ولو ماتت المرأة ولا وارث لها غير الزوج ورث نصفها بالفرض ونصفهابالرد.

ولو مات الزوج ولا وارث له غير الزوجة ورثت الزوجة ربعها بالفرض والباقي للإمام.

المسألة الثانية والعشرون: حال المفلس في الشفعة

اشارة

حال المفلس حال غيره في الشفعة يأخذ ويؤخذ منه.

ص: 233


1- قواعد الأحكام 2: 258-259.
2- مفتاح الكرامة 18: 708-712.

فللمفلس حق الشفعة لإطلاقات أدلتها، إلّا أنه محجور عليه، فلا يمكنه إعمال حقه بالأخذ بالشفعة وإن كان مالكاً؛ لأنّه نوع من التصرف في ماله، ويجب على الحاكم الأخذ بالشفعة إن كان بمصلحة الديان، كما لو باع الشريك سهمه بأقل من قيمته. وإنّما كان ذلك واجباً لأن الحاكم إنّما وضع لمصلحة المسلمين، فعليه مراعاة مصلحة الديان.

كما يحق لشريك المفلس الأخذ بالشفعة، فيما لو باع الحاكم سهم المفلس لأداء دينه؛ لإطلاقات أدلتها.

ويجري ذلك في كل مورد باع الحاكم شيئاً، كما في الجناية، حيث لا يؤدّي الجاني الدية فيقوم الحاكم ببيع أرضه المشتركة - مثلاً - لأداء دية جنايته، فلا فرق في الشفعة بين أن يكون البائع المالك أو الولي أو الحاكم أو غيرهم.

فرع: لو مات المفلس فباع شريكه شقصه

لو مات المفلس ثم باع شريكه سهمه فلمَن تكون الشفعة؟وللإجابة على السؤال لا بدّ من ملاحظة المبنى في تركة المفلس فهنالك قولان:

الأوّل: إن التركة تنتقل إلى الورثة.

الثاني: إنها تبقى في ملك الميت اعتباراً ولا محذور فيه إلّا اللغوية المنتفية في المقام؛ لمكان الغرض العقلائي فيه، وهو الانتقال إلى الديان من الميت.

وتظهر الثمرة في العين، فعلى الأوّل هي للورثة وعليهم أداء ديون الميت

ص: 234

من العين أو القيمة، وعلى الثاني فإن الحاكم الشرعي يبيع العين لأداء الديون.

وقد يشكل على ثبوت الشفعة للميت، وعلى فرض ثبوتها لا تنتقل إلى الورثة(1).

ولعلّ دليل الأوّل: الانصراف، فإن أدلة الشفعة تنصرف إلى الشريك الحي، ثم أشكل عليه بعدمه، حيث لا فرق بين الحي والميت في ذلك إلّا الغلبة، ومثله لا يسبب الانصراف، فإن قلة الوجود إذا كان منشأً للانصراف فهو بدوي يزول بالتأمل، بالإضافة إلى موارد كثيرة ثبتت ملكية الميت فيها، كما لو لم تقسّم التركة بعد، حيث يبقى الميت مالكاً إلى حين التقسيم؛ ولذا لو مات مسلم وكان من بين الورثة كافر فإن قسّمالإرث ثم أسلم لم يرث، وإن أسلم قبل التقسيم ورث؛ وذلك لأن التركة قبل التقسيم ملك للميت، وأمّا لو كان للميت وارثان، أحدهما كافر ثم أسلم لم يرث شيئاً؛ لأنّه بمجرد الموت تصل التركة إلى المسلم حيث لا قسمة، بخلاف ما لو كانوا ثلاثة، مسلمان وكافر فإن الكافر لو أسلم قبل التقسيم ورث.

وفي ما نحن فيه التركة للميت وله حق الشفعة لإطلاقات أدلتها من غير انصراف.

ولعل دليل الثاني: إن ما يملكه الميت بعد موته لا يرثه الوارث، كما لو جُني عليه بعد الموت بقطع رأسه فإن الدية للحاكم.

ص: 235


1- الفقه 79: 315.

لكن الإطلاقات لا تفرق في الملك بين كون الميت مالكاً قبل الموت أو بعده، وهو الأقرب، والمثال المذكور إنّما هو للنص الخاص.

ثم إنّه استدل في مفتاح الكرامة(1) على انتقال تركة المفلس إلى ورثته بثبوت آثار الملك لهم من موارد مختلفة، كما لو اختلف الديان فإن مرجعهم الورثة، فإن لم يرثوا شيئاً لم يكن وجه لذلك، بل كان المرجع الحاكم، والوارث كالأجنبي.

وكما لو ادعى الوارث وجود دائن آخر وأنكره سائر الديان، حيث يقبل قوله مع شاهد ويمين، ولو كان أجنبياً لم يكن وجه لذلك.وفي المصداقين المذكورين كلام، لكن أصل المطلب - وهو ملكية الوارث - تام.

فالمتحصل: إن الميت يملك حق الشفعة ومنه يصل إلى الورثة.

المسألة الثالثة والعشرون: في وصية المشتري بالشقص

اشارة

قال العلامة في القواعد: «ولو اشترى شقصاً مشفوعاً ووصى به ثم مات فللشفيع أخذه بالشفعة لسبق حقه، ويدفع الثمن إلى الورثة، وبطلت الوصية؛ لتعلقها بالعين لا البدل»(2).

فلو اشترى شقصاً وأوصى به، ثم مات كان حق الشفيع أسبق من الوصية، كما مرّ نظيره فيما لو اشترى ثم باع أو وقف حيث يبطل بيعه ووقفه بأخذ الشفيع بحقه، وكذلك الوصية، وحيث بطلت الوصية فعلى الشفيع أن يأخذ

ص: 236


1- مفتاح الكرامة 38: 712.
2- قواعد الأحكام 2: 259.

الشقص من الورثة ويدفع الثمن إليهم ليقسّم بينهم تقسيم الإرث.

ويمكن أن يقال: إنه وإن كان حق الشفعة أسبق فلا تنفذ الوصية في عين المال، لكن الملاك في رجوع الثمن إلى الورثة أو صرفه في مورد الوصية هو ارتكاز الموصي، كما هو الحال في النذر وأمثاله، حيث قد يكون الارتكاز على الأعم وتعيين الفرد باعتبار كونه أحد المصاديق.

ومع الشك في الارتكاز تستصحب ملكية الورثة، فإن الوصية حيث لمتنفذ في الأصل - أي: العين - فلا يعلم نفوذها في الفرع - أي: الثمن - .

ولو أشكل بأنه لا حالة سابقة للثمن فلا مجال للاستصحاب، قلنا الشك في شمول الوصية للثمن فيستصحب العدم، وبعبارة أخرى: إن الثمن ليس متعلّق الوصية فيكون للورثة، وليس ذلك من المثبت فإن لازمه الشرعي ثبوته للورثة لا العقلي أو العادي.

وهنا فرعان:

الفرع الأوّل: لو أوصى بشقص فباع الشريك

قال في القواعد: «ولو أوصى لإنسان بشقص فباع الشريك بعد الموت قبل القبول استحق الشفعة الورثة، ويحتمل الموصى له إن قلنا: إنه يملك بالموت»(1).

فلو أوصى أحد الشريكين بحصته لزيد، فنفوذها متوقف على قبوله وإلّا بطلت، فإن هذه الوصية هي من العقود، فلو مات الموصي ثم باع الشريك

ص: 237


1- قواعد الأحكام 2: 259.

الثاني حصته ثم قبل الموصى له الوصية، فهل الشفعة للورثة أو الموصى له؟

فيه احتمالان مبنيان على كون القبول كاشفاً أو ناقلاً.

فبناءً على النقل فإن العين تنتقل إلى الورثة، ومنهم إلى الموصى له، فيكون حق الشفعة للورثة، وأمّا الموصى له فتكون ملكيته بعد بيع شريكهفلا شفعة له.

وبناءً على الكشف فإن العين تدخل في ملك الموصى له بمجرد موت الموصي، فيكون حق الشفعة له.

وتظهر الثمرة فيما لو أخذ الورثة بالشفعة حيث يملكون ما باعه الشريك، وأمّا ما أوصاه الميت فهو للموصى له، فيصبح الورثة شركاء له.

وقد ذهب المشهور(1) إلى أن القبول كاشف.

ثم قال في القواعد: «فإذا قبل الوصية استحق المطالبة، لأنا تبينا أن الملك كان له، ولا يستحق المطالبة قبل القبول، ولا الوارث؛ لأنا لا نعلم أن الملك له قبل الرد، ويحتمل مطالبة الوارث؛ لأن الأصل عدم القبول وبقاء الحق»(2).

فلو أوصى بالشقص لزيد - مثلاً - ومات، ثم باع الشريك الآخر حصته، توقف الأمر في صحة الشفعة على القبول أو الرد، وأمّا قبله فالأخذ بالشفعة باطل، سواء أخذ بها الموصى له أم الورثة؛ وذلك لأن المالك مجهول، إذ مع القبول يكون المالك هو الموصى له بناءً على الكشف، ومع الرد تبطل

ص: 238


1- مفتاح الكرامة 18: 714.
2- قواعد الأحكام 2: 259.

الوصية ويكون المالك هو الوارث.

مع احتمال ثبوت حق الشفعة للوارث، فإن ردّ الموصى له صح أخذه،وإن قبل بطل؛ وذلك لأن الأصل عدم القبول، فيحق لهم الأخذ بالشفعة.

ويرد عليه: أوّلاً: في أصل كلامه، فإنه وإن جهل المالك إلّا أنه معلوم واقعاً، والجهل به لا ينافي الأخذ بالشفعة، وليس ذلك من التعليق المبطل للعقود والإيقاعات، بل صورة التعليق، كما لو أجرى معاملة لا يعلم بصحتها ثم تبين توفر الشروط فيها، فليس من شروط صحة المعاملة العلم بصحتها.

وفي المقام: إن أخذ الموصى له بالشفعة ثم قبل الوصية صح، حيث يتبين أنه كان مالكاً واقعاً، وإلّا كان باطلاً، وإن أخذ الورثة بالشفعة ثم رد الموصى له الوصية صحت شفعتهم وإلّا فلا؛ وذلك لأن الأمر مرتبط بالواقع لا العلم.

وثانياً: في فرع كلامه، فإن الاستصحاب الاستقبالي - حيث لا يعلم قبوله في المستقبل فيستصحب ذلك للحال - ليس بحجة؛ لعدم إحراز شمول أدلة الاستصحاب له(1).

بالإضافة إلى كونه مثبتاً، فإن استصحاب عدم قبوله ينفي الملك عنه ليثبته للورثة.وعلى فرض تمامية الاستصحاب إلّا أنه معارض، فالأصل عدم قبوله

ص: 239


1- وفيه تأمل: فليس مقصود العلامة الاستصحاب الاستقبالي، بل العدم الأزلي، حيث لم يقبل فيما مضى ولو قبل الوصية من باب العدم الأزلي (المقرر).

معارض بأصل عدم الرد، ولازم الأوّل ملكية الورثة، ولازم الثاني ملكية الموصى له(1). فكلا الأمرين - قبولاً ورداً - أمران وجوديان، فلو جرى الاستصحاب فيهما تعارضا، فلا يجريان من الأساس.

والحاصل: إن قلنا بكون الملك باقياً في عهدة الميت إلى أن يقرر الموصى له، لم يكن شفعة لأحد لا للوارث ولا للموصى له، لكنه خلاف المشهور بعدم ملكية الميت.

وإن قبل الموصى له الوصية ثبت حقه في الشفعة من حين الموت؛ لأن قبوله كاشف عن ملكيته بمجرد الموت.

وإن رد ثبت حق الورثة في الشفعة من حين الموت، بناءً على الكشف أيضاً.

وأمّا بناءً على النقل فحق الشفعة للورثة، فإن العين تنتقل إلى الورثة بمجرد الموت، فيكون بيع الشريك واقعاً في ملكهم، ولو قبل الموصى له كان قبوله ناقلاً فيصبح مالكاً من حينه.

وتظهر الثمرة في النماء المتخلل، فعلى الكشف يكون النماء للموصىله وعلى النقل للورثة، وأمّا بناءً على ملكية الميت فالنماء يكون له ثم يحتمل أن لا يصير إلى الورثة؛ لأنّه ملكه بعد موته، فلا بدّ من صرفه في شؤون الخير بثوابه.

ص: 240


1- وفيه تأمل: لأن الأثر الشرعي مرتب على القبول، فلو قبل الموصى له الوصية ملك، ولا يترتب أثر شرعي على الرد، فإن ملكية الورثة لا تتوقف على رده وإنّما على موت المورث (المقرر).

الفرع الثاني: في نسيان الموصى له قبول الوصية أو ردها

لو نسي الموصى إليه أنه قبل الوصية أو ردها، أو مات ولم يعلم ذلك - بناءً على عدم توارث هذا الحق - فعمومات دليل الإرث(1) تدل على أن الشفعة للوراث. نعم، خرج منها ما لو قبل الموصى إليه، وأمّا مع عدم العلم بقبوله فهو من الشك في الخاص، ومجراه عموم العام، وليس ذلك من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية؛ وذلك للعلم بدخوله في دائرة العام والشك في تخصيصه، والأصل عدمه.

المسألة الرابعة والعشرون: لو باع الشفيع نصيبه بعد العلم بالشفعة

اشارة

قال في الشرائع: «إذا باع الشفيع نصيبه بعد العلم بالشفعة، قال الشيخ(2): سقطت شفعته؛ لأن الاستحقاق بسبب النصيب، أمّا لو باع قبل العلم لم تسقط؛ لأن الاستحقاق سابق على البيع، ولو قيل: ليس له الأخذفي الصورتين كان حسناً»(3).

إذا باع الشريك حصته وتولد حق الشفعة للآخر، ثم باع الشفيع حصته، فهل يسقط حقه في الشفعة أم لا؟

فيه صور ثلاث:

الصورة الأولى: أن يعلم الشفيع ببيع الشريك، مع القول بفورية الشفعة

ص: 241


1- كقوله تعالى: {إِن تَرَكَ خَيۡرًا ٱلۡوَصِيَّةُ لِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ} [سورة البقرة، الآية: 180]، وفي الروايات: «من ترك مالاً فللوارث» [وسائل الشيعة 26: 251].
2- المبسوط 3: 123.
3- شرائع الإسلام 4: 785.

وتحقق شرائط الفور، ثم يبيع الشفيع، وفي هذه الصورة لا شك في سقوط حقه في الشفعة لمنافاة بيعه للفور.

الصورة الثانية: أن يعلم الشفيع ببيع الشريك مع عدم القول بالفور، أو بناءً على القول بالفور لكن لم تتحقق شرائطه، كما لو جهل بالثمن، ثم يبيع الشفيع حصته.

الصورة الثالثة: عدم علم الشفيع ببيع الشريك، فيبيع حصته.

وفي الصورتين الثانية والثالثة أقوال ثلاثة:

القول الأوّل: ما ذهب إليه في الشرائع من سقوط حق الشفيع.

واستدل له بأدلة ثلاث(1):

الدليل الأوّل: إن البيع بعد العلم يؤذن بالإعراض عنها، والإعراض من مسقطات حق الشفعة.ويرد عليه: أوّلاً: إنه اخص من المدعى، فإنه خاص بالصورة الثانية.

ثانياً: إن البيع لا يؤذن بالإعراض عن حق الشفعة، فقد يبيع الشفيع سهمه ومع ذلك يأخذ بالشفعة لغرضٍ، كقلّة ثمن الشقص المباع، ليربح ببيعها بثمنها الحقيقي.

ثالثاً: على فرض كون البيع مشعر بالإعراض لكن لا دليل على أن الإشعار من المسقطات.

الدليل الثاني: إنّما شرعت الشفعة لدفع الضرر عن الشفيع، فمع بيع سهمه تنتفي العلة.

ص: 242


1- جواهر الكلام 38: 600 (37: 398-399 ط ق).

وقد مرّ الجواب عنه بكونه حكمة لا علة، فلا يدور الحكم مداره.

الدليل الثالث: ما ورد في الروايات، ومنها: «لا شفعة إلّا لشريك غير مقاسم»(1) المعتبرة، وقد حصرت الشفعة في الشريك، وفي المقام لا يكون الشفيع شريكاً بعد بيعه؛ لخروجه عن ملكه، والرواية ظاهرة في لزوم وجود الشركة حال الشفعة وإلّا لثبت لغير الشريك.

وفيه نظر: فإن العلة المحدثة كافية في المقام، فإنه حين البيع كان شريكاً، ولا يشترط استمرارها إلى حين الأخذ بالشفعة، ولا دليل علىسقوط الحق الثابت، والغالب كون العلل في الشرع محدثة، فلو تحققت استمر المعلول على نحو تبادل العلل.

وبعبارة أخرى: إن الشركة جزء من سبب حدوث الشفعة، والجزء الآخر (غير مقاسم)، وهما علتا حدوثها لا دوامها، والروايات الواردة إنّما هي في مقام بيان موضوع استحقاق الشفعة لا بيان زمان الأخذ بها.

ومن هذا البيان يظهر دليل القول الثاني والثالث.

القول الثاني: عدم سقوط الشفعة في الصورة الثانية والثالثة، سواء كان عالماً أم جاهلاً، فقد استدل له بثبوت الشفعة بمجرد البيع ولا دليل على سقوطها، وبيعه لحصته ليس دليلاً على سقوطها، فإن سبب الشفعة هو بيع الشريك، وليس من أسبابها استمرار الشراكة، والسبب باقٍ وإن باع الشفيع حصته.

ص: 243


1- الكافي 5: 281؛ وسائل الشيعة 25: 396.

وبعبارة أخرى: إن المقتضي للشفعة هو المعاملة بين الشريك والمشتري، وهي مستمرة فالشفعة مستمرة، بل ولو فسخا بقيت الشفعة لإطلاق الأدلة، ومعه لا مجال للاستصحاب الذي استند إليه في المسالك(1)، فإن أدلة الشفعة لفظية، ومعها لا تصل النوبة إلى الأصول العملية.نعم، لو شك في الأدلة اللفظية تم ذلك.

وهذا القول تام وهو الأرجح.ويظهر من ذلك دليل القول الثالث وهو التفصيل بين العلم وعدمه، فلو علم ببيع الشريك ثم باع الشفيع سهمه فهو إعراض عن الشفعة ويسقط حقه، وإلّا فلا.

ومن رد دليل القول الأوّل يظهر رده أيضاً، فإن البيع ليس دليل الإعراض، ولو فرض ذلك فليس ذلك مطلقاً.

وهنا فرعان:

الفرع الأوّل: لو نسي الشفيع أنه كان عالماً أو جاهلاً

بناءً على القول بالتفصيل: لو نسي الشفيع أنه كان عالماً أو جاهلاً، أو وقع الخلاف في علمه وجهله بينه وبين المشتري فهنا أصلان: أصل عدم العلم وأصل عدم سقوط حق الشفعة، وإن كان الأوّل مثبتاً إلّا أن الثاني جارٍ بلا محذور.

نعم، لو أقام المشتري البينة على العلم أخذ بها، وأمّا مع عدمها فيؤخذ

ص: 244


1- مسالك الأفهام 12: 344.

بقول الشفيع مع يمينه، ولو ادعى الجهل أو مات ووراثه جاهل حلف على عدم العلم.

الفرع الثاني: لو باع الشريك بخيار

لو باع الشريك بخيار، فالمشهور(1) أنّه يدخل في ملك المشتريمتزلزلاً(2)، فيكون للشفيع حق الشفعة، ثم لو باع الشفيع حصته وأخذ بالشفعة انتقلت حصة المشتري إلى الشفيع، فإن فسخ البائع رجعت الحصة إليه.

ولو أسقط الشفيع حقه في الشفعة تولّد للمشتري الأوّل حق الشفعة بالنسبة إلى المشتري من الشفيع.

فلو أسقط الشفيع حقه في الشفعة وأخذ المشتري الأوّل بالشفعة من المشتري الثاني، ثم فسخ البائع لم يكن للبائع حق الشفعة؛ وذلك لأنّه حين بيع الشفيع لم يكن شريكاً مالكاً، بل كان له مجرد حق الفسخ، فلا يحق له الأخذ بالشفعة من مشتري الشفيع.

المسألة الخامسة والعشرون: فيما لو باع شقصاً في مرض الموت

قال في الشرائع: «لو باع شقصاً في مرض الموت من وارث وحابى فيه، فإن خرج من الثلث صح، وكان للشريك أخذه بالشفعة، وإن لم يخرج صح

ص: 245


1- تحرير الأحكام 4: 590؛ جامع المقاصد 6: 359؛ مسالك الأفهام 12: 345؛ مفتاح الكرامة 18: 447؛ جواهر الكلام 38: 603 (37: 400-401 ط ق).
2- وهنالك قولان آخران: الأوّل: إنه يبقى في ملك البائع ما دام الخيار، والثاني: إنه يبقى في ملك البائع إن كان الخيار له، وإن كان الخيار للمشتري فيخرج من ملك البائع ولا يدخل في ملك المشتري، بل يظل عالقاً، وقد مضى تفصيل الأقوال (السيد الأستاذ).

منه ما قابل الثمن، وما يحتمله الثلث من المحاباة إن لم تجز الورثة، وقيل: يمضي في الجميع من الأصل، ويأخذه الشفيع بناءًعلى أن منجزات المريض ماضية من الأصل»(1).

ولا بدّ من بحث أصل المسألة في كتابي الإرث والوصية، وإنّما نذكر هنا ما يرتبط بالشفعة، وحاصلها: إنه لو مرض ومات في مرضه، ففي صحة جميع تصرفاته المالية أو صحتها إلى الثلث خلاف.

وفي ما نحن فيه: لو باع حصته من مال الشركة بقيمتها صح ولا إشكال فيه؛ لأنّه وإن أعطى العين في مرض موته لكنه أخذ الثمن، وكذلك لو باع كل ما يملك حيث لا يضر الورثة شيئاً.

لكن لو باع حصته محاباة، أي: أقل من قيمتها، فمع القول بكون منجزات المريض من أصل ماله صح ولا كلام فيه، وللشريك حق الشفعة، وإنّما الكلام فيما لو قلنا بكون منجزات المريض إلى حد الثلث. فلو باع حصته من الأرض التي سعرها ألف دينار بنصفه، فلا إشكال في نصف ما باعه؛ لأنّه قبض ثمنه، فيكون نصف المبيع مقابل الثمن، وأمّا النصف الثاني - حيث أعطي مجاناً - فهو نافذ إلى حد ثلثه من التركة، فإن كان بمقدار الثلث أو أقل منه صح كل البيع؛ لأنّه أخذ ثمن نصف المبيع ونصفه الثاني خرج من ثلثه، وللشفيع حق الشفعة.

وأمّا لو كان النصف الثاني أكثر من الثلث فلو أجاز الورثة فلا كلامفيه،

ص: 246


1- شرائع الإسلام 4: 786.

وأمّا مع عدم إجازتهم فيصح البيع في النصف الثاني بمقدار ثلث كل التركة ويبطل فيما زاد، فلو كان يملك أرضاً بألف دينار فقط فباعها بخمسمائة صح البيع في خمسة أسداسها وبطل في السدس؛ وذلك لأنّه يصح البيع في نصفها - أي: ثلاثة أسداس - حيث أخذ ثمنها، وله حق في ثلث الأرض - أي: سدسان - فالمجموع خمسة أسداس، وللشفيع حق الشفعة حيث لا يلزم في الشفعة بيع كل الحصة؛ لإطلاق أدلتها.

والثمن الذي يؤدّيه الشفيع فيما لو أخذ الخمسة أسداس فيه قولان:

الأوّل: أن عليه أداء كل الثمن، ففي المثال المذكور على الشفيع أداء خمسمائة دينار وإن بطل سدس المعاملة.

الثاني: يقسّم الثمن على المبيع فيعطي الشفيع ثمن خمسة أسداس فقط.

واستدل للقول الأوّل: إن الأصل لزوم البيع، وعلى المتبايعين أداء الكل ثمناً ومثمناً، وقد خرج بالدليل الخاص ما في المقام من عدم نفوذ السدس من جهة البائع، ولا وجه للقول بكون المشتري كذلك، فالأصل تبادل الكل بالكل، فلو استثني مورد بالدليل لا وجه لاستثناء المورد الآخر.

ويظهر ضعفه بما استدل به للقول الثاني: من أن مقتضى البيع مقابلة كل جزء من الثمن بكل جزء من المبيع، وهو أمر عقلائي، ولم يرد منالشارع حكم على خلافه فيكون ممضى، بل قد أيده الشارع في موارد، كما لو باع فتلف نصفه قبل التسليم، فإن للمشتري خيار تبعض الصفقة، أو نقص القيمة بمقدار التلف.

والمقام كذلك، حيث يسلم البائع خمسة أسداس ويستلم بمقداره من

ص: 247

الثمن.

قال في الجواهر: «ثم لا يخفى أنه لا فائدة في تخصيص المصنف الحكم بالوارث إلّا ما قيل: من التنبيه على خلاف العامة في المحاباة معه... لكن كان الأولى أن يقول: (وارث أو غيره) لا الاقتصار عليه خاصة»(1).

وقد يشكل باستلزام ما ذكر الربا أحياناً بناءً على نفوذ منجزات المريض إلى حد الثلث، كما لو باع المريض ألف كيلو حنطة جيدة قيمتها ألف دينار (وهي كل تركته) بألف كيلو حنطة رديئة قيمتها خمسمائة دينار على سبيل المحاباة، حيث أعطى ما قيمته أكثر مقابل ما قيمته أقل، ثم مات، حيث يصح خمسة أسداس المبيع، فإن نصف المعاملة - أي: خمسمائة كيلو من الحنطة الجيدة - يكون مقابل ألف كيلو من الحنطة الردئية لتساويهما في القيمة، وللميت حق الثلث أيضاً، أي: 3/3331 كيلو تقريباً، فيعطى للمشتري 3/8331 كيلو في مقابل ألفكيلو وهو ربا، هذا بناءً على القول المشهور، وكذلك الأمر بناءً على القول الثاني، فإنه على الورثة إعطاء 3/8331 كيلواً للمشتري ويأخذون منه 3/6662 كيلواً.

ولدفع الربا لا بدّ من المطابقة بين العوضين في المقدار مع إيصال قدر العوض والثلث للمشتري، وبعبارة أخرى: لا بدّ من إعطاء المشتري ما قيمته 3/8331، ويعطى له ما قيمته 3/1661، أي: يؤخذ منه ثلث الحنطة الجيدة ويرجع إليه ثلث الحنطة الرديئة، فيتطابق الوزن ويصل للمشتري خمسة أسداس حقه، ولم يتضرر الوارث، حيث لم يؤخذ من التركة أكثر من

ص: 248


1- جواهر الكلام 38: 606-607 (37: 403 ط ق).

الثلث، ويكون للمشتري خيار تبعض الصفقة.

وهنا أورد صاحب المسالك(1) إشكالاً بالدور، وأجاب عنه السيد الوالد بالجبر والمقابلة في الحساب فراجع الفقه(2).

المسألة السادسة والعشرون: فيما لو صالح الشفيع على ترك الشفعة

اشارة

قال في الشرائع: «إذا صالح الشفيع على ترك الشفعة صح وبطلت الشفعة؛ لأنّه حق مالي، فينفذ فيه الصلح»(3).

لا يخفى أن ما ذكر صورة من صور الصلح، وأضاف إليه في الجواهرصورتين(4)، وفي الفقه(5) صورة رابعة وهي:

الصورة الأولى: أن يصالح الشفيع على إسقاط حق الشفعة.

الصورة الثانية: أن يصالحه على إيجاد سبب إسقاط حق الشفعة.

الصورة الثالثة: أن يكون متعلّق الصلح عدم الأخذ بالشفعة، فيكون الحق باقياً لكنه لا يأخذ به.

الصورة الرابعة: أن يكون متعلّق الصلح تصديق معاملات المشتري ولازمه سقوط حق الشفعة، كما لو وقف المشتري ما اشتراه، فيصالح الشفيع على إمضاء ذلك مما يلزم منه سقوط حق الشفعة؛ لتقدمه على الوقف.

ص: 249


1- مسالك الأفهام 12: 346.
2- الفقه 79: 329-330.
3- شرائع الإسلام 4: 786.
4- جواهر الكلام 38: 609 (37: 405 ط ق).
5- الفقه 79: 332.

ويدل على كل ذلك إطلاقات أدلة الصلح.

وأشكل على ذلك بإشكالات(1) مما يلزم منها - إن تمت - بطلان الصلح، وعدم سقوط حق الشفعة.

الإشكال الأوّل: لا يمكن التمسك بإطلاق الحكم لإثبات موضوعه، فإن متعلّق الحكم في مرتبة متقدمة، ولا يمكن للمتأخر مرتبة إثباته، فهو باطل.وفي المقام تمّ التمسك ب-{خَيۡرٞۗ}(2) في الآية، و(جائز)(3) في أحاديث الصلح لإثبات كون الصلح على الشفعة صلحاً، فهو إثبات للموضوع عن طريق إطلاق الحكم، والحكم لا يتكفّل موضوعه.

وفيه نظر: حيث لا يراد ذلك، بل يُتمسك بإطلاق موضوع الصلح الشامل لكل أنواعه، ومن مصاديقه - عرفاً - الصلح على إسقاط حق الشفعة، فيشمله الحكم.

الإشكال الثاني: إن أدلة الصلح مجملة لا إطلاق لها، فلا يمكن التمسك بها لإسقاط حق الشفعة، بل لا بدّ من ملاحظة دليله لكل مورد؛ وذلك لعدم صحة الصلح في موارد كثيرة من دون وجود دليل خاص، مما يكشف عن عدم إطلاق دليله، ومنه الصلح على الطلاق والنكاح والوقف والعتق، حيث لا يصح الصلح عليها من دون إجراء صيغة العقد أو الإيقاع.

وفيه نظر: فإن روايات الصلح مطلقة ومقدمات الحكمة فيها تامة،

ص: 250


1- جواهر الكلام 38: 609 (37: 405 ط ق).
2- سورة النساء، الآية: 128.
3- الكافي 5: 259؛ وسائل الشيعة 18: 443.

ولا ينافي ذلك تقييدها بالموارد المذكورة، فكل عام ومطلق مخصص ومقيد، حتى اشتهر: (ما من عام إلّا وقد خص)، ولذا فهم الفقهاءالإطلاق وحكموا بصحة الصلح في كل الموارد إلّا ما استثني، كما لو لزمت صيغة معينة فيه بالإجماع كالطلاق والنكاح مثلاً. نعم، اختلفوا في اختصاص الصلح بالموارد المالية أو ثبوته للأعم.

ثم إن القياس مع الفارق، ففي الموارد المذكورة عقد أو إيقاع، والمقام إسقاط حق مالي، ولا شك في صحة الصلح على الماليات للدليل الخاص الشامل للمقام.

الإشكال الثالث(1): إنه ينافي الفور؛ لأن التوافق على الصلح موجب للتأخير، فيكون الصلح على إسقاط حق الشفعة صلحاً على ما قد حصل، فهو تحصيل للحاصل.

وفيه: إنه أخص من المدعى، فقد لا ينافي الفور، كما في موارد جواز التأخير التي مرّت، كتأخير الوكيل الذي لا يسقط حق الموكّل في الشفعة، أو عدم علم الشفيع بالثمن، فليس الصلح منافياً للفور دائماً.

الإشكال الرابع: إن اشتراط عدم الأخذ بالشفعة شرط مخالف للكتاب والسنة فيكون باطلاً.

لكنه ضعيف حيث لا يراد نفي حق الشفعة ليكون مخالفاً، وإنّما عدم الأخذ بالحق أو إسقاطه وهو لا يخالفهما. نعم، لو شرط عدم الشفعة أصلاً كان باطلاً؛ لأن الشارع جعل له الحق.

ص: 251


1- مسالك الأفهام 12: 348.

كما لو شرط عدم الإرث فإنه باطل، لكن لو شرط أن يتصدق بكل ما ورثه كان صحيحاً، فإن إبطال أصل الاستحقاق منافٍ للكتاب والسنة، وأمّا إسقاط الحق فهو جائز في نفسه، ويصبح لازماً في ضمن عقد الصلح.

ويؤيّده الحديث التالي، حيث سئل الإمام الكاظم(علیه السلام): «إن رجلاً من مواليك تزوج امرأة ثم طلقها فبانت منه، فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلّا أن يجعل للّه عليه أن لا يطلقها ولا يتزوج عليها ذلك، ثم بدا له في التزويج بعد ذلك فكيف يصنع؟ قال: بئس ما صنع، وما كان يدريه ما يقع في قلبه في الليل والنهار، قل له فليف للمرأة بشرطها فإن رسول اللّه| قال: المؤمنون عند شروطهم»(1).

وهنا فرعان:

الفرع الأوّل: لو صالح على إسقاط حق ثم خالف

ولو صالح على إسقاط حقه أو عدم أخذه لكنه خالف وأخذ بالشفعة لم ينفذ؛ لأن الشرط يثبت الحكم الوضعي كما هو الظاهر في المعاملات، فلو شرط الوكالة في ضمن البيع لا يحق له عزله وإن كانت الوكالة جائزة في حد ذاتها، فلو خالف الشرط وعزله لم ينفذ.

الفرع الثاني: في نقل الحق أو إرثه أو إسقاطه بالصلح

هل يمكن نقل الحق أو إرثه أو إسقاطه بالصلح؟

وحيث إن الحكم لا يثبت موضوعه لم يمكن إثبات كونه صلحاً

ص: 252


1- الاستبصار 3: 233؛ وسائل الشيعة 21: 276.

بالتمسك بأدلة الصلح، فلا بدّ من مراجعة العرف، فإن رأى العرف أن الموارد الثلاثة من مصاديق الصلح جرى عليه حكمه.

نعم، قد يشكل عليه بأنه خلاف الكتاب والسنة؛ لأن ظاهرهما ثبوت حق الشفعة للشريك لا غيره، فنقله منه إلى غيره مخالف لهما. نعم، يصح ذلك بالوكالة.

المسألة السابعة والعشرون: لو ضمن الشفيع الدرك عن أحدهما أو شرط له الخيار أو كان وكيلاً لأحدهما

قال في الشرائع: «إذا تبايعا شقصاً فضمن الشفيع الدرك عن البائع أو عن المشتري، أو شرط المتبايعان الخيار للشفيع لم يسقط بذلك الشفعة، وكذا لو كان وكيلاً لأحدهما، وفيه تردد، لما فيه من أمارة الرضا بالبيع»(1).

وأضاف في القواعد موارد أُخر قال: «أو شهد على البيع، أو بارك لأحدهما في عقده، أو أذن للمشتري في الشراء، أو ضمن العهدة للمشتري، أو شرطا له الخيار فاختار الإمضاء»(2).الصورة الأولى: إذا تبايعا شقصاً فضمن الشفيع الدرك عن البائع أو عن المشتري.

وقد اختلف الفقهاء في سقوط حق شفعة الشفيع بذلك.

واستدل(3) للسقوط بأن عمله كاشف عن الرضا بالبيع، ومثله مسقط لحق

ص: 253


1- شرائع الإسلام 4: 786.
2- قواعد الأحكام 2: 257.
3- مختلف الشيعة 5: 352.

الشفعة؛ لأن مفاده عدم إرادة الأخذ بها.

وأشكل عليه(1): بأن الرضا بالبيع ليس إسقاطاً لحق الشفعة، كما لو رضي الدائن بإسقاط الدين، فإن مجرد الرضا القلبي ليس سبباً لتحقق العقد أو الإيقاع أو السقوط أو فسخ العقد أو ما أشبه، فإن كل ذلك بحاجة إلى إنشاء.

وفي المقام على فرض دلالة ذلك على الرضا بالبيع فإنه ليس سبباً لسقوط حقه في الشفعة ما لم يبرز ذلك. هذا أوّلاً.

وثانياً: ليس معنى الرضا بالبيع إسقاط حق الشفعة، بل قد يرضى بذلك ليأخذ بالشفعة، فيجعل البيع طريقاً لأخذ شقص شريكه بها؛ ولذا قال في المسالك: «لأن مطلق الرضا بالبيع لا يدل على إسقاط الشفعة، فإنّها مترتبة على صحته، فكيف يكون الرضا به إسقاطاً لها؟»(2).نعم، لو نافى ذلك الفور سقط حقه لا من باب الرضا بالبيع، بل من باب الخلل بشرط الفور بناءً عليه.

ولا يخفى أن المثال الذي مثّله في المسالك محل إشكال، حيث قال: «والحق أنه إن نافى الفورية حيث نعتبرها، بأن علم بمقدار الثمن فاشتغل بذلك بطلت للتراخي، لا من حيث الرضا بالبيع، وإن لم ينافِ، كما لو ضمن الثمن قبل علمه بمقداره - فإن العلم به غير معتبر في صحة الضمان - لم تبطل الشفعة؛ لعدم المقتضي للبطلان»(3).

ص: 254


1- مسالك الأفهام 12: 349؛ جواهر الكلام 38: 612 (37: 407 ط ق).
2- مسالك الأفهام 12: 349.
3- مسالك الأفهام 12: 349.

ووجه الإشكال: إن الضمان نوع من العقد شرعاً أو عرفاً(1)، ومع الجهل بالمبلغ يكون غرراً يشمله نهي النبي|.

الصورة الثانية: ما لو شرط المتبايعان الخيار للشفيع.

ولا بدّ من تقييده بصورة قبول الشفيع، وقد مرّ أن الملك ينتقل بمجرد البيع متزلزلاً، فيكون للشفيع حق الشفعة، فإن أمضى أو فسخ البيع بقي حقه في الشفعة إن لم ينافِ الفور؛ وذلك لأنّه إن أمضى ثبتت المعاملةفيكون له حق الشفعة، ورضاه بالبيع لا يلازم إسقاط حق الشفعة.

وإن فسخ فكذلك، لما مرّ من ثبوت حق الشفعة بمجرد البيع، سواء كان لازماً أم جائزاً، فسخ أم أقيل أم لا، منتهى الأمر أنه مع الإمضاء يلزم أداء الثمن للمشتري، والمشتري يؤدّيه إلى البائع، ومع الفسخ فإن المشتري لا يؤدّي شيئاً للبائع لفسخ المعاملة، وإنّما على الشفيع أداء الثمن للبائع.

الصورة الثالثة: ما لو كان الشفيع وكيلاً لأحدهما.

كما لو جعل المشتري الشفيع وكيلاً لشراء سهم شريكه، فإنه لا يسقط حق شفعة الشفيع بذلك.

وقد يشكل عليه بأن الشفيع متهم في الشراء، فقد يشتريه بأقل من سعره

ص: 255


1- والفرق بينهما أنه في الضمان الشرعي لا يطلب الدائن دينه من المديون، وإنّما يطالب الضامن والضامن يطالب المديون، وأمّا الضمان العرفي فالدائن يطالب المديون فإن لم يؤده طالب الضامن، وقد حكم بعض الفقهاء ببطلان الضمان العرفي، لكن بعض المتأخرين ذهبوا إلى صحته وإن لم يدل عليه دليل من الشرع؛ وذلك لأنه معاملة عرفية لم يردع عنها الشارع (السيد الأستاذ).

ليأخذ بالشفعة ثم يؤدّي الثمن القليل، كما مرّ نظير الاتهام المذكور فيما لو كان الولي شريكاً للصبي.

وفيه نظر: لما مرّ من عدم الاتهام في كثير من الموارد كما لو اشتراه بقيمته السوقية، أو كان وكيلاً للمشتري حيث لا تهمة أصلاً، فإنه وإن ساوم البائع على أقل القيم ليأخذ بالشفعة، إلّا أن البائع هو الذي رضي ببيع متاعه بأقل من قيمته السوقية، فهو فاعل مختار، فلا وجه للاتهام.

نعم، لو كان الشفيع وكيلاً للبائع فعليه أن يبيعه بالقيمة المتعارفة، وإلّا أمكنت التهمة لو باعه بالأقل دون ما لو باعه بالأكثر أو المساوي.ثم إنّه على فرض الاتهام فإن ذلك ليس سبباً لإبطال المعاملة. نعم، للموكّل حق الخيار للغبن إن ثبت ذلك.

لكن أشكل(1) عليه بأنه لا خيار للموكّل مع فرض كون الوكيل مفوضاً، فإن الوكيل كالأصيل.

والكلام فيه يرتبط بكتاب الوكالة، ولكن باختصار: إن تمّ بيع الوكيل في حدود وكالته فبها وإلّا كان فضولياً، ومع تصريح الموكّل بالبيع - ولو بأقل من القيمة - لم يكن هنالك خيار.

وأمّا الوكالة من دون تصريح بذلك فهنا دليلان:

أحدهما: يحكم بصحة البيع؛ لأنّه وكيل، وليس كالفضولي الموقوف على الإجازة فإذا لم يجزْ انكشف البطلان.

ص: 256


1- منية الطالب 3: 123.

ثانيهما: دليل الغبن الحاكم بثبوت حق الفسخ للمغبون، ولا تعارض بينهما، وكون الوكيل كالموكّل لا يخصص أدلة الغبن إلّا مع التصريح، حيث لا يجري دليل الغبن معه.

وقد يتأمل في ذلك بأن جريان دليل الغبن إنّما هو مع عدم إطلاق دليل الوكالة، بحيث لو علم الموكّل بالقيمة أبدى اعتراضه عليه، مما يكشف عن عدم سعة الوكالة لذلك فيكون فضولياً، والوكيل المفوض إنّما هو فيضمن الضوابط العقلائية.

نعم، لو لم ينصرف الأمر إلى ذلك فلا يكون له حق الخيار؛ لأن الوكيل كالأصيل.

والحاصل: إن التنافي ثابت بين الدليلين، حيث إنه إمّا وكيل مطلق ولو بالبيع بأقل من قيمته فلا حق للفسخ؛ لأنّه عمل بمقتضى الوكالة، وإن كان له حق الفسخ كان معناه أنه لم يكن وكيلاً بهذه السعة - وإن كان لفظه مطلقاً - فيكون فضولياً، فمع الرد لا بيع فلا شفعة.

وأمّا الصور التي ذكرها في القواعد فمقتضى القاعدة عدم سقوط حق الشفعة لا بالرضا بالبيع، ولا بالرضا بإسقاط حق الشفعة.

المسألة الثامنة والعشرون: إذا أخذ بالشفعة فوجد فيه عيباً سابقاً على العقد

اشارة

لو تبين وجود العيب في الشقص بعد الأخذ بالشفعة فهل للمشتري والشفيع حق الفسخ مطلقاً أو بشرط عدم التصرف؟

قال في الشرائع: «إذا أخذ بالشفعة فوجد فيه عيباً سابقاً على البيع، فإن كان الشفيع والمشتري عالمين فلا خيار لأحدهما، وإن كانا جاهلين فإن رده

ص: 257

الشفيع كان المشتري بالخيار بين الرد والأرش، وإن اختار الأخذ لم يكن للمشتري الفسخ؛ لخروج الشقص عن يده، قال الشيخ: وليس للمشتري المطالبة بالأرش، ولو قيل: له الأرش كان حسناً، وكذا لوعلم الشفيع بالعيب دون المشتري، ولو علم المشتري دون الشفيع كان للشفيع الرد»(1).

ففي المسألة صور أربع(2):

الصورة الأولى: أن يكون المشتري والشفيع عالمين بالعيب، فلا حق لهما لا في الفسخ ولا في الأرش؛ وذلك لإقدامهما على الضرر، فلا يشملهما دليل رفع الضرر، فإن المستفاد هو أن الخيار لجبران الضرر، ولا يجري ذلك مع العلم بالعيب والإقدام.

نعم، لو ظهر العيب أكثر مما أقدم عليه، أو ظهر عيب آخر غير ما أقدم عليه، كما لو ظن العبد أخرس فأقدم على شرائه فتبين أنه أعمى كان له الخيار؛ لعدم انصراف دليل رفع الضرر عنه، حيث إنه لم يقدم على شراء الأعمى، بل الأخرس، والأغراض مختلفة.

الصورة الثانية: أن يكونا جاهلين واتفقا على أن يرد الشفيع للمشتري والمشتري للبائع، فلا بحث، كما أنه لو اتفقا على أن لا يأخذا الأرش لا الشفيع من المشتري ولا المشتري من البائع فلا بحث أيضاً.

إنّما الكلام في الثمن الذي على الشفيع أن يؤدّيه إلى المشتري، فهل عليه أداؤه كاملاً أو ينقص منه بمقدار الأرش، بعد أن أدى المشتريإلى

ص: 258


1- شرائع الإسلام 4: 786.
2- الفقه 79: 344-351.

البائع الثمن الكامل؟ مثلاً: لو كان الثمن المتفق عليه للشقص السالم ألف دينار ولما ظهر العيب تبين أنه يسوى خمسمائة دينار، فهل على الشفيع أن يؤدّي إلى المشتري الألف أو الخمسمائة؟ - فيه احتمالان:

الأوّل: ما ذكره في الجواهر(1) من أن الأرش لا يرتبط بالثمن، بل هو حكم شرعي مستقل، فالثمن في المعاملة ألف دينار والأرش جبر لضرر لا أنّه ينقص من الثمن، فعلى الشفيع أن يؤدّي الثمن كاملاً أو يفسخ، وأمّا أن يقبل بالمعاملة ويقلل منه بمقدار الأرش فلا، فإن أدلة الشفعة تحكم بلزوم أداء ثمن المعاملة كاملاً وهو الألف.

والدليل على كون الأرش غير الثمن بأن الأرش لو كان جزء الثمن للزم فسخ ما يقابله قهراً، كما في التلف، فلو باع شيئاً فتلف نصفه انفسخ ما يقابله قهراً، وكذلك لو تبين كونه غير مملوك للبائع.

بخلاف خيار العيب، حيث لا ينفسخ ما يقابله بالعيب، بل المشتري مخير بين رد المعاملة أو القبول مع الأرش أو بلا أرش، مما يدل على أنه ليس في مقابل الصفة التالفة شيء من الثمن، بل الثمن كاملاً في قبال المعيب، فإنه لو كان في مقابله جزء من الثمن للزم الفسخ بمقدارهتلقائياً.

الثاني: إن على الشفيع أداء قيمة المعيب فقط، أي: الخمسمائة، فإنه وإن تمت المعاملة على الألف إلّا أن الثمن الحقيقي عرفاً هو المتبقي بعد نقص الأرش؛ إذ البائع أخذ مقدار الأرش زيادة على الثمن، والشارع لم يتصرف

ص: 259


1- جواهر الكلام 38: 615-616 (37: 409 ط ق).

فيما يراه العرف فيكون ممضى من قبله، ثم المشتري يأخذ الأرش من البائع أو يترك، وهذا الاحتمال موضع الاتفاق.

ويرد الاحتمال الأوّل أن الفسخ التلقائي للمقابلة المذكورة ليس قاعدة كلية، حيث لا دليل يثبت بشكل عام أنه كلما بطل جزء من الثمن بطل ما يقابله من المثمن، وإنّما هو تابع للدليل في كل مورد مورد، كما في خيار تبعض الصفقة أو تلف المبيع كلاً أو بعضاً، وهذه الموارد الجزئية لا تثبت قاعدة عامة إلّا إذا فهم الملاك.

وفي ما نحن فيه: قام الدليل على أن وصف الصحة يقابله جزء من الثمن وهو كذلك عرفاً؛ ولذا ترتفع القيمة بملاحظة وصف الصحة، ومع ذلك حكم الشارع بالتخيير بين الفسخ والأرش وعدمه.

والحاصل: إنه مع جهلهما، إن رد الشفيع كان المشتري مخيراً بين الرد إلى البائع أو القبول مع الأرش أو بدونه، وإن قبل الشفيع كان عليه أداء القيمة بعد نقص الأرش منه.

الصورة الثالثة: أن يكون المشتري جاهلاً بالعيب، ولكن الشفيععالم به حين أخذه بالشفعة.

وقد ذهب الشيخ الطوسي(1) إلى أنّه لا يحق للمشتري المطالبة بالأرش؛ لعدم تضرره واقعاً، حيث يأخذ ما أداه للبائع من الشفيع.

وقد يستدل له أوّلاً: بأن الأرش لاستدراك ظلامة المشتري، وقد قام

ص: 260


1- المبسوط 3: 125-126؛ مسالك الأفهام 12: 351؛ مفتاح الكرامة 18: 662.

الشفيع بأداء الثمن له، فلا وجه لمطالبته بالأرش.

وفيه نظر: حيث لا يختص الأرش باستدراك الظلامة؛ إذ لا ينحصر فيه الغرض، فهنالك أغراض عقلائية أخرى أيضاً، كتأديب البائع المخادع حتى يكف عن تغرير الناس، وقد يكون من الأغراض الربح لتغير القيمة السوقية، كما لو اشترى المعيب واستعدّ ثالث أن يؤدّي التفاوت، ومع ذلك لا يسقط حقه في مطالبة الأرش من البائع، بالإضافة إلى أنه حكمة لا علة فلا يدور الحكم مداره.

وثانياً: إن المشتري كالنائب والوكيل عن الشفيع بالشراء، كما لو اشترى الوكيل معيباً ورضي الموكل بذلك حيث لا يستحق الوكيل الأرش.

وفيه نظر: لأنهما معاملتان، والمشتري قد اشترى لنفسه لا للشفيع، ولذا تكون المنافع له، ويجري عليه جميع أحكام المشتري لا الوكيل.والحاصل: إن مقتضى القاعدة أنه لا حق للشفيع في الفسخ لعلمه بالعيب، ويحق للمشتري الفسخ والأرش.

الصورة الرابعة: أن يعلم المشتري بالعيب دون الشفيع، ولا حق للمشتري في الرد والارش؛ لأنّه عالم بالعيب، والخيار مختص بالجاهل، أمّا الشفيع فيحق له الإرجاع دون الأرش، أمّا الرد فللعموم أدلته، وأمّا الأرش فلا يستحقه على البائع؛ لأنّه لم يشتره منه فلا حق له عليه، ولا يستحقه على المشتري أيضاً؛ لأن الدليل دل على كون الشفعة بالثمن الأوّل، والثمن هو المتفق عليه بين البائع والمشتري من دون نقص الأرش؛ لمكان علم المشتري بالعيب.

وهنا فروع:

ص: 261

الفرع الأوّل: لو تصرّف الشفيع في المعيب

قد ذكر في باب خيار العيب أنه لو اشترى معيباً وتصرف فيه سقط خياره في الرد وله حق الأرش فقط.

وعليه: فلو أخذ بالشفعة جاهلاً بالعيب ثم تصرف بما يسقط معه الخيار كالوطء ثم علم بالعيب، فلا يحق له الفسخ، وأمّا الأرش فقد قيل بأنه يسقط أيضاً؛ وذلك لأنّه لا يستحق الشفيع الأرش من البائع حيث لم يشتره منه، وإنّما يستحق المشتري على البائع الأرش فإن أخذه منه أخذه الشفيع، وإن أسقطه عنه لم يستحق الشفيع على المشتري الأرش أيضاًللأصل.

وفيه تأمل: لأن عفو المشتري الأرش عن البائع لا يكون سبباً لكون الثمن ما هو المتفق عليه، بل الثمن هو المتبقي بعد نقص الأرش، فإن لم يرد المشتري استرجاع حقه كان ذلك باختياره، ولا يوجب كون القيمة الأكثر.

الفرع الثاني: لو تحقق العيب عند المشتري

لو لم يكن الشقص معيباً، ثم تحقق العيب عند المشتري لم يحق له الفسخ لحصول العيب في ملكه، وأمّا الشفيع فهل عليه أداء الثمن كاملاً، أو يمكنه أن ينقص منه بمقدار العيب؟

مقتضى القاعدة الثاني؛ لأن دليل خيار العيب عام يشمل كل العقود والإيقاعات ومنها الشفعة، فحيث أخذ الشفيع الشقص معيباً كان عليه أداء قيمة المعيب لا أكثر.

فإن قلت: إن روايات الشفعة تحكم بالثمن كما مرّ.

قلنا: إنه بعد نقص الأرش يكون هو الثمن للمعيب.

ص: 262

لكنه محل تأمل؛ لما مرّ من رواية السيل(1) الذي هدم الدار وأراد الشفيع أداء ثمن الأرض فقط، حيث حكم الإمام(علیه السلام) بثمن البيع الأوّل، أي: الأرض والدار، وملاكها جارٍ فيما نحن فيه. نعم، يحق للشفيع الفسخ.

الفرع الثالث: لو زال العيب في يد المشتري

ولو كان الشقص معيباً، فاشتراه جاهلاً بالعيب وأخذ أرشه، فزال العيب في يد المشتري ثم أخذه الشفيع بالشفعة، فهل على الشفيع أداء الثمن المتفق عليه في المعاملة، أو ينقص منه بمقدار الأرش.

مقتضى القاعدة أن عليه أداء الثمن كاملاً، فإنّه وإن قلنا سابقاً: إن أرش العيب الذي كان قبل البيع ينقص من أصل الثمن، لكن مرّ أن النماء المنفصل للمشتري وكذا المتصل على خلاف فيه، فعلى الشفيع أداء ثمن النماء المتصل بالإضافة إلى الثمن ناقصاً الأرش، فلو اشترى الشقص بألف واسترجع الأرش بمائة كان الثمن تسعمائة، وحين ارتفع العيب فإن وصف الصحة نماء متصل حصل في ملك المشتري، فعلى الشفيع أداء التسعمائة بالإضافة إلى قيمة وصف الصحة، فتأمل.

الفرع الرابع: لو فسخ الشفيع ورد الشقص إلى المشتري

ولو فسخ الشفيع بالعيب ورد الشقص إلى المشتري فهل يحق للمشتري رده إلى البائع؟

ذهب بعض الفقهاء إلى ثبوت الأرش فقط دون الفسخ؛ وذلك لأن

ص: 263


1- تهذيب الأحكام 7: 192؛ وسائل الشيعة 25: 405.

التصرف الناقل موجب لسقوط الفسخ، وإن رجع إليه العين بعد التصرف.

وفيه نظر: لأن التصرف الاختياري موجب لسقوط الفسخ، وفي المقاملم يتصرف المشتري وإنّما أخذ منه بالشفعة قهراً.

الفرع الخامس: لو رضي الشفيع بالعيب

لو علما بالعيب بعد الأخذ بالشفعة، لكن رضي الشفيع بالعيب من دون فسخ أو أرش فهل للمشتري حق الفسخ أو الأرش؟

ذهب بعض الفقهاء إلى العدم؛ لأن المشتري ليس بيده شيء حتى يفسخ، ولم يتضرر حتى يأخذ الأرش، فإنه وإن اشترى المعيب الذي قيمته تسعمائة بألف دينار مثلاً إلّا أنه استلم الثمن كاملاً فلم يتضرر، وفي الواقع الشفيع هو الذي تنازل عن حقه، وفي الجواهر: «والأصل فيه اللزوم»(1).

لكن احتمل السيد الوالد(2) في الفقه ثبوت حق الفسخ والأرش له؛ لتولدهما له حين الشراء، وجهله بهما لا ينفي ثبوت حقه، فإن حقه ثبت بالبيع ولا مدخلية للعلم والجهل في ذلك، ولا دليل على سقوط ذلك الحق.

فإن قلت: كيف يفسخ مع عدم وجود عين المال بيده.

قلت: مع فقد العين ينتقل إلى البدل، وتنازل الشفيع عن حقه لا يرتبط بمعاملة البائع والمشتري الثابت فيها الأرش.نعم، على المشتري أن يؤدّي الأرش إلى الشفيع فلم يستفد شيئاً؛ لأنّه كان على الشفيع أن يؤدّي الثمن باستثناء الأرش.

ص: 264


1- جواهر الكلام 38: 616 (37: 410 ط ق).
2- الفقه 79: 348.

والحاصل: إنه لو ردّ المشتري كان عليه أداء بدل العين للبائع واسترداد ثمنه، وإن طالب بالأرش أخذه من البائع وأداه للشفيع؛ لأنّه بعد أخذه يكون الثمن هو ما اتفق عليه باستثناء الأرش.

إن قلت: فما فائدة ذلك للمشتري حينئذٍ؟

قلت: قد يكون له غرض في الثمن الذي أداه إلى البائع فيسترجعه، كجوهرة ثمينة جعلها ثمناً للأرض، وحين أخذت الأرض منه شفعة استردها، وقد تكون هنالك أغراض عقلائية، كانخفاض قيمة الأرض، فيفسخ فيؤدّي بدلها ويسترجع ثمنه.

وأمّا بالنسبة إلى الأرش، فلو فرض عدم الفائدة للمشتري في أخذه فإن ذلك لا ينفي حقه فيه، فحق الفسخ ثابت وإن تضرر صاحب الحق به، كما لو ارتفعت قيمة المعيب، فعدم المنفعة المادية لا توجب زوال الحق.

الفرع السادس: فيما لو باعه وتبرأ من العيوب

لو باعه على البراءة من العيوب صح الشرط، ثم إن أخذه الشفيع مع علمه بالشرط لم يحق للمشتري الأرش أو الرد؛ لإقدامه على الشرط المذكور، و(المؤمنون عند شروطهم)، وأمّا الشفيع فقد ذهب العلامة فيالقواعد(1) إلى أنه كالمشتري لعلمه بشرط البراءة.

لكن أشكل عليه في الجواهر(2) بثبوت الحق له في ذلك؛ لأن الشرط إنّما هو بين البائع والمشتري ولا وجه لسرايته إلى الشفيع، بعد شمول إطلاقات

ص: 265


1- قواعد الأحكام 2: 256-257.
2- جواهر الكلام 38: 619 (37: 412 ط ق).

أدلة الخيار له.

وفيه تأمل: لما مرّ سابقاً من كون الثمن إنّما هو الثمن الأوّل، فيشمل جميع خصوصيات الثمن المتفق عليه بما فيه شرط البراءة.

هذا تمام الكلام في عيب المثمن.

الفرع السابع: العيب في الثمن

لو كان الثمن معيباً حق للبائع الفسخ، فلو أخذ الشفيع بالشفعة ثم علم البائع بالعيب فهل فسخه موجب لإبطال الشفعة؟ فيه احتمالات ثلاثة:

الأوّل: بطلان الشفعة ورجوع الشقص إلى البائع.

الثاني: صحة الشفعة لكن لا حق للشفيع في العين وإنّما على المشتري أن يدفع له بدل الشقص، وتظهر الثمرة في تفاوت القيمة عن الثمن.

الثالث: الترجيح مع الأسبق فلو فسخ البائع أوّلاً فلا شفعة، ولو أخذ الشفيع بالشفعة أوّلاً ثم فسخ أخذ البائع البدل من المشتري وكانت العينللشفيع.

المسألة التاسعة والعشرون: بيع الشقص بعوض معين فظهر عيب في الثمن

اشارة

قال في الشرائع: «إذا باع الشقص بعوض معيّن لا مثل له كالعبد، فان قلنا لا شفعة فلا بحث، وإن أوجبنا الشفعة بالقيمة فأخذ الشفيع وظهر في الثمن عيب كان للبائع رده، والمطالبة بقيمة الشقص إذا لم يحدث عنده ما يمنع الرد، ولا يرتجع الشقص؛ لأن الفسخ المتعقب للبيع الصحيح لا يبطل الشفعة»(1).

ص: 266


1- شرائع الإسلام 4: 787.

وإنّما قيّده بالمعين لأنّه لو كان كلياً لم يكن له حق الفسخ، بل يستبدل المعيب.

وأمّا التقييد ب-(لا مثل له) فلا وجه له، فإنّه لو كان معيناً فظهر العيب حُق له الفسخ حتى وإن كان له مثل، فليس الثمن كلياً حتى يستبدل.

وفي المسألة أقوال ثلاثة:

القول الأوّل: ما اختاره في الشرائع وهو المشهور(1): من تغليب حق الشفيع على حق البائع في العين، واستدل له بخمسة أدلة(2):الدليل الأوّل: إن حق الشفعة قبل حق الفسخ، والمتأخر لا يبطل الحق المتقدم، قال في المسالك: «لأن استحقاق الفسخ فرع دخول المبيع في ملك المشتري، المقتضي لصحة العقد، المقتضي لثبوت الشفعة بمجرد العقد»(3).

وحاصله: إن حق الشفعة أسبق، فبمجرد تحقق العقد يحصل شيئان معاً، وهما: انتقال العين إلى ملك المشتري، وحق الشفعة، وأمّا حق الفسخ فهو متأخر عن الانتقال؛ لأن انتقال المال سبب لتولد حق الفسخ للبائع فيما لو كان الثمن معيباً، فتكون الشفعة في مرتبة سبب حق الفسخ، ويكون حق الفسخ في مرتبة المسبب، وما هو في مرتبة السبب مقدم على ما هو في مرتبة المسبب؛ لتقدم رتبة العلة على المعلول.

ص: 267


1- جواهر الكلام 38: 620 (37: 412 ط ق).
2- مسالك الأفهام 12: 352؛ جواهر الكلام 38: 620 (37: 413 ط ق).
3- مسالك الأفهام 12: 352.

وفيه تأمل: لاتحاد العلة والمعلول في الزمان - وإن اختلفا في الرتبة - لأنها لا تنفك عنه، والملاك في الأسبقية هو الزمان، فيكون زمن تولد الخيار نفس زمن تولد الشفعة، فلا أسبقية لأحدهما على الآخر.

هذا بالإضافة إلى الإشكال على المبنى، فإن البيع هو علة لتولد الأمور الثلاثة معاً، وهي: النقل والشفعة والخيار، لا أن البيع علة النقل والنقل علة الخيار.

الدليل الثاني: عموم أدلة الشفعة للشريك، فيشمل صورة الفسخبالخيار.

وفيه تأمل: لإطلاق دليل العيب أيضاً، سواء كان هنالك شفعة أم لا، فالدليلان عامان من وجه يجتمعان في المقام فيتعارضان.

الدليل الثالث: الاستصحاب، حيث يتولد حق الشفعة بالبيع، فلو شك في سقوطه بسبب الفسخ بالعيب استصحب.

وفيه إشكال؛ لاستصحاب خيار العيب والفسخ أيضاً، فالاستصحابان متعارضان.

الدليل الرابع: مقتضى الجمع بين الدليلين هو الحكم بصحة الشفعة وأخذ البائع قيمة الثمن، وهو أولى من الطرح.

وفيه إشكال؛ لعدم انحصار الجمع بين الحقين في ذلك، فقد يجمع بين الدليلين بعكسه، بأن يأخذ الشفيع القيمة والبائع العين ولا ترجيح لأحدهما.

القول الثاني: ما رجحه العلامة(1) من تقديم حق البائع على الشفيع، فلو

ص: 268


1- تحرير الأحكام 4: 581.

فسخ استرجع البائع الشقص وبطلت الشفعة.

واستدل له بدليلين(1):

الدليل الأوّل: إن حق الفسخ أسبق من حق الشفعة؛ لأن العيبمقارن للعقد وهو سبب الفسخ والشفعة متأخرة عنه، ومن تقدم حقه زماناً مقدم على من تأخر.

وفيه تأمل: حيث إن الفسخ دائر مدار الخيار الذي منشؤه العيب لا العيب نفسه، وهو يتولد بمجرد تحقق العقد، فالعقد علة الخيار والشفعة معاً، فلا أسبقية.

نعم، نفس العيب كان قبل العقد ومعه وبعده لكنه ليس سبب الخيار وإنّما جزء السبب، فسبب خيار العيب هو العيب والعقد معاً، وبعبارة أخرى: العيب جزء علة الخيار وبالجزء لا يتولد المعلول.

الدليل الثاني: إن الشفيع منزل منزلة المشتري لو كان في ملكه، فلو لم يأخذ الشفيع بحقه كان للبائع الفسخ وأخذ العين من المشتري، وهكذا لو أخذ الشفيع بالشفعة حيث إنه يأخذ العين من المشتري، فكما يحق للبائع أخذ العين من المشتري يحق له أخذها من الشفيع.

وفيه نظر: لعدم الدليل على هذه المنزلة، فالتعدي منه إليه قياس.

القول الثالث - وهو مجرد احتمال وربما لا قائل له - : إن الحق لمن سبق، حيث لا وجه لتقدم أحدهما على الآخر؛ لأنهما حقان تولدا معاً، فلو

ص: 269


1- تحرير الأحكام 4: 581؛ مسالك الأفهام 12: 353.

سبق أحدهما لم يبقَ للثاني موضوع، كسائر الحقوق، مثل الأسبقية في الجلوس في المسجد أو الانتفاع بالوقف، وإنّما أفتى الفقهاء بها في تلك الموارد لأن حق كل واحد في عرض حق الآخر، والدليليشملهما معاً، فمن سبق سقط حق الآخر؛ لعدم بقاء موضوع له، والمقام من ذلك، فلو فسخ البائع أوّلاً لم يبقَ الملك بيد المشتري ليأخذ الشفيع بحقه، ولو سبق الشفيع كانت العين كالتالف، فلا حق للبائع فيها، بل له الأرش فقط، كما لا حق له في الرد ومطالبة القيمة للزوم تضرر المشتري، حيث قد يكون اشتراه بأقل من قيمته، فيكون أداء القيمة ضرراً عليه(1).

ويدل عليه ما ذكروه من تقدم خيار الشرط على الشفعة، ولا فرق بين الشرط والعيب حتى يتقدم حق الشفعة على العيب ويتأخر عن الشرط، مع عدم وجود نص خاص في المقام، فحكمهم بتقدم الشرط على الشفعة موجب لتقدم العيب عليها أيضاً.

وقد يوجه الفرق بين خيار الشرط وسائر الخيارات بأن الخيار على نوعين، فقد يهدم المعاملة من حينه، وقد يهدمها من أصلها.

وللتوضيح مثل له في الفقه(2) بعيوب النكاح، وتظهر الثمرة في ترتب أحكام المحرمات والمصاهرة والنفقة، فإن كان العيب موجباً للفسخ من أصله بطل أصل النكاح، فلا تترتب الأحكام وإلّا ترتبت.

ص: 270


1- وفيه نظر: لأن الدليل أخص من المدعى، فإن لم يدل دليل على عدم جواز ذلك لكان مقتضى القاعدة الحكم بجواز البدل إلّا فيما لو تضرر (المقرر).
2- الفقه 79: 355.

وفي المقام: الأخذ بخيار الشرط موجب لبطلان المعاملة منأصلها، فكأن لم يكن هنالك بيع أصلاً، فلا شفعة؛ لأنها تابعة له، بخلاف خيار العيب، فإن المعاملة صحيحة من أصلها وتبطل من حين الفسخ، فيكون حق الشفعة مقدماً.

لكن في التوجيه المذكور تأملاً؛ لعدم الفرق بين الشرط وسائر الخيارات، ولذا ذهب أغلب الفقهاء(1) إلى أن خيار الشرط موجب لفسخ العقد من حينه لا من أصله، ولذا يكون النماء للمشتري قبل الفسخ، فالتفريق بين الشرط والعيب في المقام بتقدم حق الشفعة على العيب دون الشرط لا وجه له.

والحاصل: إن الاحتمال الثالث هو المطابق للقواعد إن لم يثبت إجماع على القول الأوّل، ولم يثبت.

ثم الكلام في أمور:

الأمر الأوّل: لو رجعت العين إلى المشتري بعد الشفعة

ذكرنا أنه لو ظهر في الثمن المعيّن عيب ففسخ البائع فلا حق له في الشقص لسبق حق الشفيع، لكن ما هو الحكم لو عاد الشقص إلى المشتري؟

قال في الشرائع: «ولو عاد الشقص إلى المشتري بملك مستأنف،كالهبة أو الميراث، لم يملك رده على البائع، ولو طلبه البائع لم يجب على المشتري إجابته»(2).

ص: 271


1- تذكرة الفقهاء 11: 138؛ الدروس الشرعية 3: 243؛ مسالك الأفهام 3: 288؛ مفتاح الكرامة 14: 438؛ كتاب المكاسب 5: 38.
2- شرائع الإسلام 4: 787.

ووجه التقييد بملك مستأنف لإخراج ما لو بطلت الشفعة، حيث يعود حق البائع في العين؛ لأن الشفعة تكون كالعدم.

وفي المسألة قولان:

القول الأوّل(1): للبائع الحق في مطالبة العين؛ لأن حقه في العين بالأصالة، وإنّما انتقل إلى القيمة لتعذرها حيث تكون بيد الشفيع، فلو ارتفع التعذر برجوعها إلى المشتري لم يمنع البائع شيء من وصول حقه إليه، فإن علة الانتقال إلى البدل هو التعذر وقد انتفت، فلا وجه لإلزامه بالبدل.

ويؤيّده بدل الحيلولة، حيث يضمن البدل للحيلولة بين المالك وملكه(2)، فلو استرجعت العين حُق للمالك مطالبتها وإرجاع البدل.

القول الثاني: ما اختاره في الشرائع: من عدم لزوم رد العين، فيسقط حق البائع في العين وله الأرش أو البدل؛ وذلك لسبق حكمالشارع بوجوب أداء البدل مع تعذرها، كما في المسالك(3)، فمع أدائه تبرأ ذمة المشتري، ولا دليل على اشتغال ذمته مجدداً بالرجوع، ومع الشك يستصحب.

إن قلت: حكم الشارع بالبدل إنّما هو لتعذر العين وقد زال، فلا وجه لبقاء الحكم السابق مع انتفاء علته، ولا فرق بين المقام وبين بدل الحيلولة.

قلت: إن المبدل منه في الحيلولة لم يخرج عن ملك مالكه، والبدل ليس

ص: 272


1- المبسوط 3: 132.
2- وقد يستثنى من ذلك ما لو انقطعت العلقة بين المالك وملكه عرفاً، كما لو سقط في البحر ومرّت فترة طويلة، فإن الملك مجرد اعتبار، وفي مثله لا اعتبار للملكية (المقرر).
3- مسالك الأفهام 12: 353-354.

بدلاً عن العين وإنّما لأجل الحيلولة، ولذا كلما عثر عليه كان لمالكه.

بخلاف المقام فإن الأخذ بالشفعة موجب لخروج الملك عن يد المشتري، والقيمة التي يؤدّيها المشتري إنّما هي قيمة الذي هو بحكم التالف، ولا دليل على لزوم إرجاع العين حين رجوعها إليه.

ولو تم هذا الوجه تم ما ذكره صاحب الشرائع.

الأمر الثاني: ماذا يطالب البائع؟

ثم إنّه بعد أن فسخ البائع وأرجع الثمن المعيب إلى المشتري، ولم يمكنه استرجاع الشقص؛ لتقدم حق الشفيع فيه على المشهور، فهليطالب البائع المشتري بقيمة الشقص أو بدل الثمن؟

اختار في الشرائع والمسالك والجواهر(1) الأوّل، ورجح السيد الوالد الثاني(2).

استدل للقول الأوّل(3): بأن على المشتري أداء الشقص عند الفسخ، وحيث تعذر فعليه أداء بدله، وهو القيمة فيما لا مثل له، فإن مقتضى القاعدة أن الذمة مشتغلة بالعين فلا بدّ من أدائها، فإن تعذرت انتقل إلى بدلها.

واستدل للثاني: بقاعدة (ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده) مثلاً: لا ضمان على المهدى إليه في

ص: 273


1- شرائع الإسلام 4: 787؛ مسالك الأفهام 12: 354؛ جواهر الكلام 38: 625 (37: 416 ط ق).
2- الفقه 79: 362.
3- جواهر الكلام 38: 625 (37: 416 ط ق).

الهدية الصحيحة، فكذا لو تبين فسادها لعدم توفرها على شرائط الصحة، ويثبت ضمان الثمن على المشتري في المعاملة الصحيحة فكذا لو تبين فسادها.

وفي المقام المشتري ضامن للعبد الصحيح في المعاملة، ولمّا ظهر العيب فيه كان عليه قيمته.

إلّا أن التطبيق المذكور محل تأمل؛ لأن القاعدة إنّما تجري في نفسالمعاملة لا في الثمن الصحيح والفاسد، وهي تثبت أصل الضمان لا متعلّقه الذي هو مقدار الضمان، وأمّا المقدار فيثبت بدليل آخر وهو ما ذكر في دليل القول الأوّل.

الأمر الثالث: لو تفاوتت القيمة

ثم إنّه بناءً على القول الأوّل(1) قد يتفاوت ما أداه الشفيع للمشتري، وما أداه المشتري للبائع، كما لو كانت قيمة الشقص خمسة دنانير وقيمة العبد عشرة، حيث يتضرر الشفيع؛ إذ أدى المشتري للبائع خمسة وأخذ من الشفيع عشرة، أو بالعكس حيث يتضرر المشتري. نعم، لو تساوت قيمة الشقص مع قيمة العبد فلا كلام.

قال في الشرائع: «ولو كانت قيمة الشقص والحال هذه أقل من قيمة العبد، هل يرجع الشفيع بالتفاوت؟ فيه تردد، والأشبه: لا؛ لأنّه الثمن الذي

ص: 274


1- ولا يظهر التفاوت على القول الثاني؛ لأن المشتري أخذ قيمة العبد من الشفيع وأداه للبائع، فينتفي الفرع المذكور (السيد الأستاذ).

اقتضاه العقد»(1).

ووجهه في المسالك(2): بأن ما يؤدّيه المشتري للبائع - وهو قيمة الشقص، أي: خمسة دنانير - ليس ثمناً، بل هو غرامة حيث أمره الشارع بأداء الشقص، فإن تعذر فقيمته، والثمن هو العبد وقيمته عشرة، وقد مرّأنه ليس للشفيع إلّا (البيع والشراء الأوّل) و (بالثمن).

وقال في الجواهر: «وإنّما هو شيء استحقه البائع على المشتري بالفسخ حال انتقال العين عن ملكه الحاصل بالسبب المزبور»(3).

وكذا الكلام في عكسه، كما لو كانت قيمة العبد أقل من الشقص، فيكون المشتري أخذ الأقل من الشفيع وأدى الأكثر للبائع، ومع ذلك لا يستحق شيئاً على البائع لنفس الدليل.

ثم هل على المشتري أداء قيمة الشقص يوم العقد أو الفسخ أو الأداء؟

مقتضى القاعدة أن يؤدّي قيمة يوم الأداء؛ وذلك لأن يوم العقد كان عليه أداء العبد لا القيمة، ويوم الفسخ عليه أداء الشقص لا القيمة، وأمّا حين الأداء - حيث يتعذر الشقص - فعليه أداء قيمته، اللّهم إلّا أن يقال: إن عليه أداء قيمة يوم الفسخ؛ لأنّه لو أمره الشارع بأداء الشقص استلزم التناقض في حكمه، فإنه يحكم بكون العين للشفيع من جهة، ومع ذلك يأمر المشتري بأدائه إلى البائع، وهذا هو الأرجح.

ص: 275


1- شرائع الإسلام 4: 787.
2- مسالك الأفهام 12: 354.
3- جواهر الكلام 38: 625 (37: 416 ط ق).

وأمّا الشفيع فهل عليه أداء قيمة العبد إلى المشتري يوم العقد أو يوم الأخذ بالشفعة أو يوم الأداء؟ مقتضى القاعدة أن عليه أداء قيمة يوم الأخذ بالشفعة؛ وذلك لأنّه عند البيع لم تشتغل ذمة الشفيع بشيء، وإنّما دخلت قيمة العبد في ذمته عند الأخذ بالشفعة.وهنالك قول آخر بلزوم أداء قيمة يوم البيع لكن يظهر ضعفه مما بيناه.

المسألة الثلاثون: لو بيع شقص الغائب بادعاء إذنه

اشارة

قال في الشرائع: «لو كانت داراً لحاضر وغائب، وحصة الغائب في يد آخر، فباع الحصة وادعى أن ذلك بإذن الغائب قال في الخلاف: ثبتت الشفعة، ولعل المنع أشبه؛ لأن الشفعة تابعة لثبوت البيع»(1).

في المسألة قولان:

القول الأوّل: ما اختاره الشيخ الطوسي(2) من ثبوت الشفعة.

واستدل له: بحجية قوله بالنسبة إلى ما في يده للسيرة، وإطلاق دليل ذي اليد، حيث لا يختص بادعاء الملكية، فإن الطريق إلى ثبوت إذن المالك إمّا العلم أو البينة أو دعوى ذي اليد، بخلاف دعوى الغير حيث لا تسمع إلّا بالبينة.

نعم، لو انكشف الخلاف - كما لو جاء مالك الحصة ونفى إذنه في ذلك - بطل؛ إذ لو انكشف خلاف الأحكام الظاهرية وجب ترتيب الأثر حسب الواقع.

ص: 276


1- شرائع الإسلام 4: 787.
2- المبسوط 3: 145.

ولا فرق بين دعوى ذي اليد وبين قيام شاهدين عادلين على إذن المالك ببيع الحصة، فكلاهما حكم ظاهري.ويدل على ثبوت حق الشفعة أن من بيده حصة الغائب يصح بيعه والشراء منه، وكذا إجارته وهبته، ولا وجه للتفكيك بينها وبين الشفعة.

القول الثاني: ما اختاره في الشرائع من عدم ثبوت الشفعة إلّا مع قول المالك، أو ثبوت إذنه بطريق شرعي، واستدل له بدليلين:

الدليل الأوّل: إن الشفعة تابعة لثبوت بيع الشريك ولم يثبت، فلا يترتب عليه الحكم، وفي الجواهر: «إن عنوان الشفعة - نصاً وفتوىً - تحقق صدق (باع الشريك) وهو غير متحقق هنا، فلا تثبت الشفعة على وجهٍ إن لم يبادر إليها تبطل بناء على الفور، وجواز أخذ المشتري منه لا يحقق الصدق المزبور، فليس للشفيع الأخذ لعدم تحقق عنوان ثبوت الشفعة، بخلاف جواز الشراء ظاهراً منه، فإنه لا عنوان له على الوجه المزبور»(1).

وفيه تأمل لأمرين:

الأوّل: كما أن موضوع الشفعة (بيع الشريك) كذلك موضوع البيع (إذن المالك) فإن إذن تحقق وإلّا فلا، وأصل العدم جارٍ في كليهما.

الثاني: إن موضوع الشفعة متحقق في المقام لجريان قاعدة ذي اليد، وسماع دعواه في الإذن؛ ولذا يجوز الشراء منه، وكذلك تثبت الشفعةلتحقق (بيع الشريك)، وإذا لم يكن قوله مسموعاً لزم بطلان بيعه.

ص: 277


1- جواهر الكلام 38: 629 (37: 419 ط ق).

الدليل الثاني: أن السيرة دليل لبّي، وهي عمدة الأدلة على صحة بيعه، والقدر المتيقن منها صحة التصرفات المنوطة بإذن المالك، وليست الشفعة منها.

وفيه تأمل: أوّلاً: لعدم انحصار الدليل بالسيرة، وإطلاقات أدلة ذي اليد ليست لبية.

ثانياً: إن سيرة المتشرعة على حجية قول من بيده المال مطلقاً، في أيّ نوع من أنواع التصرفات.

وثالثاً: الدليل أجنبي عن المقام، فإن ذي اليد يريد البيع وبعد البيع يخرج المال عن ملكية المالك، والتصرف القهري إنّما هو بين الشفيع والمشتري لا المالك.

والحاصل: إن مقتضى القاعدة تبعية الشفعة للبيع، فتصح حيث يصح.

ثم إنّه لجامع المقاصد(1) عبارة يظهر مقصوده بالدقة فيها، وحاصلها صورتان:

الأولى: إنه لا تثبت الشفعة للشريك بمجرد دعواه بيع شريكه؛ وذلك للزوم ثبوت البيع أوّلاً لتثبت الشفعة، ولا يثبت بمجرد الدعوى، فإنه إقرارعلى الغير، وهذا مما لا خلاف فيه.

الثانية: لو ادعى مَن بيده الشقص أنه اشتراه أو باعه كان للشريك حق الشفعة؛ لحجية قول ذي اليد، فكلامه مسموع ويحق للشريك الشفعة، ثم لو تبين كذب المدعي صار البيع فضولياً؛ لأن قبول قوله إنّما هو حكم

ص: 278


1- جامع المقاصد 6: 479-480.

ظاهري، كما لو تبين اشتباه البينة أو تعمدها الكذب. فلو رد المالك بطلت الشفعة؛ لأنّها فرع البيع، ولو أجاز فإن كانت الإجازة كاشفة صحت الشفعة، وإن كانت ناقلة بطلت، وعلى الشفيع أخذها مجدداً إن توفرت شروط الشفعة، وإلّا فلا يمكنه الأخذ.

فروع ثمانية

ثم إن هنا فروعاً ثمانية - بناءً على ثبوت الشفعة في المقام(1)- ذكر الخمسة الأولى صاحب الشرائع حيث قال: «فلو قضي بها وحضر الغائب فإن صدّقه فلا بحث، وإن أنكر فالقول قوله مع يمينه وينتزع الشقص، وله أجرته من حين قبضه إلى حين رده، ويرجع بالأجرة على البائع إن شاء؛ لأنّه سبب الإتلاف، أو على الشفيع لأنّه المباشر للإتلاف، فإن رجع على مدعي الوكالة لم يرجع الوكيل على الشفيع، وإن رجع على الشفيع رجع الشفيع على الوكيل لأنّه غرّه، وفيه قول آخر. هذا أشبه»(2).الفرع الأوّل: لو أنكر المالك الوكالة فالقول قوله مع يمينه لأنّه منكر، فيؤخذ الشقص من الشفيع ويرجع إلى المالك؛ لأن الشفعة فرع البيع وبانتفائه تنتفي. نعم، لو أقام البائع البينة رجحت.

الفرع الثاني: يحق للمالك المطالبة بالأجرة؛ لأدلة الضمان، فإن مَن يملك شيئاً يملك منافعه، فلو استوفاها غيره من غير إذنه عمداً أو سهواً كان

ص: 279


1- فيما لو كان أحد الشريكين غائباً فباع الثاني شقصه مدعياً الوكالة، فأخذ الشفيع بالشفعة ثم حضر الغائب وأنكر الوكالة.
2- شرائع الإسلام 4: 787.

عليه الضمان، وبعد إبطال الشفعة تكون المنافع للمالك وله أجرتها.

الفرع الثالث: يحق للمالك مطالبة الأجرة من البائع أو الشفيع؛ وذلك لأن الأيادي المترتبة على الشقص ثلاثة: يد البائع والمشتري والشفيع، وقد مرّ الكلام في تعاقب الأيدي في كتاب الغصب، فيحق للمالك مطالبة البائع؛ لأنّه سبب الإتلاف والمشتري لترتب يده عليه، والشفيع لاستيفائه المنافع.

ولم يتطرق صاحب الشرائع إلى المشتري وذكره الجواهر(1) مطلقاً، لكن في الإطلاق نظر؛ حيث لا بدّ من تقييده بما لو ترتبت يد المشتري عليه ليشمله دليل (على اليد) وأمّا مع عدم قبضه - بأن أخذه الشفيع من البائع مباشرة - فلا، كما أنه تضمن المنافع من يوم القبض لا قبله.

الفرع الرابع: إن قرار الضمان على البائع، فلو رجع المالك إلىالبائع لم يحق له الرجوع إلى الشفيع؛ وذلك لأن البائع إمّا أن يكذب المالك أو يخطؤه، فمفاد دعواه أن تصرف الشفيع إنّما هو بحق، والمالك يأخذ الأجرة منه ظلماً، فلو كان الأمر كذلك فلا وجه لرجوع البائع إلى الشفيع، قال في المسالك: «لاعترافه(2) بأن المنافع حقه(3)، وأنّه(4) ظالم له في الرجوع عليه(5)، والمظلوم لا يرجع على غير ظالمه»(6).

ص: 280


1- جواهر الكلام 38: 632 (37: 421 ط ق).
2- أي: الوكيل.
3- أي: للشفيع.
4- أي: مالك الشقص.
5- أي: بأخذ الأجرة منه.
6- مسالك الأفهام 12: 357.

نعم، حيث لا طريق لإثبات حقه شرعاً فيجب عليه أداء الأجرة إلى المالك، وإمّا أن يعترف بكذبه دعوى الوكالة، وأنه باعه من دون إذن، ومفاد ذلك استحقاق المالك عليه الأجرة، فلا يحق له الرجوع إلى الشفيع؛ لأنه غرّه.

الفرع الخامس: لو رجع المالك إلى الشفيع حُق له الرجوع إلى البائع؛ لأن المغرور يرجع على مَن غرّه.

وقيّده في الجواهر(1) بقيدين:

الأوّل: ما لو كان الشفيع جاهلاً، وأمّا مع علمه بالبيع من دون الوكالة فلا؛ لعدم الغرور.الثاني: ما لو ادعى الشفيع صحة الوكالة وكذب المالك في إنكارها، فلا يحق له الرجوع إلى البائع؛ لأن أدائه الأجرة للمالك ظلم بإقراره، فلا وجه لرجوعه إلى البائع، فإن المظلوم لا يرجع إلى غير من ظلمه.

هذا وقد أفتى الشيخ الطوسي(2) بعكس ذلك، فلو رجع المالك إلى الشفيع لم يحق له الرجوع إلى البائع، ولو رجع إلى البائع حُق له الرجو ع إلى الشفيع؛ وذلك لاستقرار التلف في يده فعليه الضمان.

وفيه تأمل: لأن دليل (من أتلف) خصص بدليل (الغرور)، وإن لم تكن النسبة بينهما العموم المطلق أمكن القول بتخالفهما موضوعاً، فلا يتعارضان في مورد الاجتماع، كالسواد والحلاوة، فالشفيع ضامن بمقتضى الدليل

ص: 281


1- جواهر الكلام 38: 633 (37: 421 ط ق).
2- المبسوط 3: 146.

الأوّل، ومغرور يرجع إلى مَن غرّه بمقتضى الدليل الثاني، ولا منافاة بينهما.

الفرع السادس: لو كذب ذو اليد المدعي للوكالة نفسه بعد البيع وأنكر الوكالة لم يسمع كلامه.

وليس ذلك لأجل كونه إنكاراً بعد إقرار؛ إذ لم يكن قبول قوله - في دعواه الوكالة - لأجل إقراره، إذ هو إقرار على الغير، وليس بحجة، بل كان السماع لأجل كونه ذا اليد فلا ينفع إنكاره بعد ذلك.

الفرع السابع: لو باعه فضولة وأخبر المشتري بذلك، ثم ادعىالوكالة أمكن القول بأنه إنكار بعد الإقرار فلا يكون مسموعاً.

وهنالك وجه آخر وهو تصديقه في قوله لأنّه كان ذا اليد، وببيعه الفضولي لم يخرج عن يده، وإن سلم المبيع بيد المشتري، إلّا أنه يبقى ذا اليد شرعاً؛ لعدم صحة تسليمه، فإن معنى كونه ذا اليد أنه يحق له التصرف في الملك شرعاً، وإن لم تكن يده عليه. ولا يعلم أن المالك يجيز المعاملة لاحقاً حتى يحكم بخروجه عن يده من حين البيع، وحيث يشك فتستصحب اليد.

لكنه محل تأمل؛ لأن الإقرار دليل حاكم على اليد، كما لو أقر ببيع داره ثم أنكر؛ لأن إقراره أخرجه عن ملكه، فليس بذي يد فلا يقبل قوله، وحتى لو صدق عليه ذو اليد فإن الأدلة لا تشمله.

وتظهر الثمرة في أنه لو كان فضولياً لم يحق لهما التصرف بالتسليم والتسلم من دون إذن المالك بذلك حتى وإن أجاز المعاملة، كما لا يجوز للمشتري أداء الثمن إلى الفضولي، بل إلى المالك إن إذن، بخلاف ما لو كان كان وكيلاً.

ص: 282

الفرع الثامن: لو باع فضولة ثم انتقل إليه بإرث ونحوه ففيه أقوال:

الأوّل: فساد البيع بموت المالك؛ إذ صحته كانت متوقفة على إجازته، فهو سالبة بانتفاء الموضوع.الثاني: صحة البيع مع الإجازة ثانياً من المالك الجديد.

الثالث: صحة البيع مطلقاً لرضاه بالبيع من قبل.

والأقرب الثالث، وقد مضى الكلام في الأقوال المذكورة.

ص: 283

فصل: في مسقطات الشفعة

اشارة

يقع الكلام في مسقطات حق الشفعة، وهي:

المسقط الأوّل: التراخي

بناءً على القول بالفور، وقد مضى الكلام فيه.

المسقط الثاني: إسقاط الشفعة قبل البيع

قال في الشرائع: «ولو نزل عن الشفعة قبل البيع لم تبطل مع البيع؛ لأنه إسقاط ما لم يثبت، وفيه تردد»(1).

وفي المسألة قولان:

القول الأوّل(2): عدم سقوط حقه في الشفعة بذلك.

واستدل له(3): بأنه من إسقاط ما لم يجب، وحيث لا بيع فلا حق للشفعة، والمشهور أنه لا يصح ذلك إلّا بدليل خاص، كبراءة الطبيبوضمان إلقاء المتاع في البحر، وهو مفقود في المقام.

ص: 284


1- شرائع الإسلام 4: 788.
2- المبسوط 3: 140؛ جامع المقاصد 6: 440؛ مسالك الأفهام 12: 361.
3- كنز الفوائد في حل مشكلات القواعد 1: 698؛ جامع المقاصد 6: 440؛ الفقه 79: 378.

وأمّا كونه إسقاط ما لم يجب فلأنّ مفاد الأخبار ثبوت حق الشفعة بعد البيع فلا حق قبله حتى يسقط، كما في فاء التفريع من قوله(علیه السلام): «إذا كان الشيء بين شريكين لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره»(1)، أي: بعد البيع يكون أحق بالعين من المشتري، وكذا غيره.

القول الثاني(2): سقوط حقه بذلك، واستدل له بأدلة(3):

الأوّل: الأصل(4)، فكلما شك في الشفعة فالأصل عدمها، فإن الأصل العام عدم جواز التصرف في مال الغير من دون إذنه، وقد خرج منه بالدليل الشفعة، والقدر المتيقن منها ما لو لم يسقط حقه قبل البيع، ولا يعلم خروج غيره فيتمسك بالأصل.

ص: 285


1- الكافي 5: 281؛ وسائل الشيعة 25: 402.
2- غاية المراد 2: 167؛ مجمع الفائدة والبرهان 9: 44؛ الدروس الشرعية 3: 368؛ الفقه 79: 379.
3- الفقه 79: 379.
4- مجمع الفائدة والبرهان 9: 44؛ جواهر الكلام 38: 645 (37: 429 ط ق).

وفيه تأمل: لما مرّ من أنه مع إطلاق أدلة الشفعة لا تصل النوبة إلى الأصل المخصص بها.الثاني(1): ما صرح به في الروايات من أن الشفعة إنّما شرعت لدفع الضرر، ولا ضرر في المقام، حيث عرض عليه البيع فأبى، فإن ندم أو تضرر فقد أقدم على الضرر.

وفيه تأمل: لما مرّ من أنه حكمة لا علة، فلا يدور الحكم مداره.

الثالث: ظهور الروايات في السقوط بذلك، منها: ما في النهاية - وهو يتضمن نص الأحاديث الشريفة - «ومتى عرض البائع الشيء على صاحب الشفعة بثمن معلوم فلم يرده، فباعه من غيره بذلك الثمن أو زائداً عليه لم يكن لصاحب الشفعة المطالبة بها»(2) لأنّه قبل البيع أسقط حق شفعته(3). نعم، لو عرضه على الشريك فامتنع لغلائه - مثلاً - فباعه أرخص بقي حق شفعته.

ومنها: خبر جابر عن النبي| قال: «لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه فيأخذ أو يدع»(4)، فإن ظاهر يدع أنه لا يحق له الأخذ بالشفعة فيما بعد، وقد مضى عدم الفرق بين الكتب الفقهية والروائية في نقل الأحاديث، فلا يصح تضعيفها بالعامية؛ لعدم ورودها فيكتب الأخبار.

ومنها: ما نسب إلى النبي| في الكتب الفقهية أيضاً: «لا يحل أن يبيع حتى يستأذن شريكه، فإن باع ولم يؤذنه فهو أحق به»(5)، ومفهومه: فإن باع وقد إذن فلا حق له.

ص: 286


1- الفقه 79: 380.
2- النهاية: 425.
3- وفيه نظر حيث لا تلازم بين عدم إرادة أخذ الشقص وبين سقوط الحق، خاصة مع اختلاف الزمانين، فلو لم يرد الإنسان أخذ المباحات التي يحق له تملكها بالأخذ فهل يسقط حقه بذلك؟ (المقرر).
4- تذكرة الفقهاء 12: 327.
5- غاية المراد 2: 167.

والحاصل: إن صريح الأولى وإشعار الثانية ومفهوم الثالثة تدل على سقوطها لو أسقطها قبل البيع.

وفيه نظر: فإنها روايات مرسلة وليست مشهورة ليجبر ضعفها، بالإضافة إلى معارضتها بما هو أقوى منها، كرواية القول الأوّل.

الرابع: ما في مجمع الفائدة والبرهان(1): إنّه وعد وقد دلت روايات عديدة على وجوب الوفاء بالوعد؛ لكنها محمولة على الاستحباب للإجماع، ولولا خوف خرق الإجماع لكان القول بوجوب الإيفاء متوجها، وهو دليل لبي، فلا يشمل المقام، للخلاف بين الفقهاء في وجوب الوفاء بالوعد في الشفعة لو أسقطه قبل البيع، فلا يكون المصداق مشمولاً للإجماع فيشمله ظهور روايات وجوب الوفاء بالوعد، فلا حق له في الأخذ بالشفعة.

وفيه نظر لأمور:أوّلاً: إن مفاد الوعد فعل شيء في المستقبل أو تركه، وليس المقام منه، وإنّما هو إسقاط للحق، وهنالك فرق واضح بين الإسقاط الذي هو إنشاء، وبين الوعد لعمل مستقبلي الذي هو إنشاء من نوع آخر، والكلام في الأوّل والدليل المذكور للثاني.

ثانياً: على فرض وجوبه فهو حكم تكليفي والكلام في الحكم الوضعي، ولا تلازم بينهما، وليس معنى وجوب الوفاء بالوعد ترتب الأحكام الوضعية عليه، كما لو وعده أن يهديه هدية، فلو لم يفِ به - على فرض وجوب الوفاء - لم يملكه الموعود له، منتهى الأمر أنه فعل حراماً، وفي المقام على فرض

ص: 287


1- مجمع الفائدة والبرهان 9: 44.

كونه وعداً بالإسقاط ولم يفِ به فهو مجرد حرام لكن لا يلازمه سقوط حقه.

ثالثاً: للإجماع المذكور - على فرض ثبوته - معقد، وهو (وجوب الوفاء بالوعد) ومثله مطلق يشمل المقام أيضاً.

ثم إنه قد أشار في الجواهر(1) إلى لزوم عدم الخلط بين أمرين في المقام.

الأوّل: «إنشاء إسقاطها قبل حصول متعلّقها، فلا ريب في أن الأصح عدم السقوط، بل لا يتصور تأثير الإنشاء قبل حصول متعلّقه مع فرض عدم دليل شرعي».والمعنى أن الحق لا يسقط لعدم تحقق الموضوع، بل هو محال؛ لأن السقوط عرض ومحال تحقق العرض من دون تحقق المعروض، فإن العرض بحاجة إلى الجوهر ليتعلق به، وفي المقام الإنشاء إيجاد ويستحيل انفكاك الإيجاد عن الوجود؛ لأنهما شيء واحد ينسب إلى الفاعل فيكون إيجاداً، وإلى القابل فيكون موجداً، والإيجاد من دون الوجود محال.

الثاني: «الإذن القابل للاستمرار فعلاً أو حكماً حتى يتم العقد على مقتضاه فالمتّجه حينئذٍ الصحة».

أي إذنه في البيع مع استمراره، فلا محذور في الصحة، ونتيجته رضاه بالبيع مما يستلزم سقوط حقه في الشفعة.

وفي كلا الأمرين تأمل.

أمّا الأوّل: لما أجيب في محله مفصلاً، وأن القائل بعدمه إنّما يقول بذلك لعدم الدليل عليه، وإلّا فلا محذور فيه، مما يكشف عن عدم استحالته، وأنه

ص: 288


1- جواهر الكلام 38: 647 (37: 430 ط ق).

ليس من انفكاك الإنشاء عن المنشأ؛ لأنّه اعتبار خفيف المؤونة، فالمولى يفرض حقاً وإن لم يكن موجوداً في الخارج، فلو أسقطه صاحب الحق - وهو في وعاء الفرض - اعتبره المولى ساقطاً عند وجوده.

وأمّا الثاني: فإن كان المراد بالإذن الإذن بالشفعة أو عدمه فلا معنى له، فإنه ليس محلاً لتعلّق الإذن، بل هو حق للشفيع، والإذن يتعلّق بفعلالآخر بأن يأذن أن يقوم بالعمل أو لا، ولا مدخلية له بالحق الشرعي الذي لا يرتبط بفعله.

وإن كان المراد الإذن بالبيع فإن الشريك له الحق في البيع إذن أو لم يأذن، وحتى لو أذن بالبيع فلا معنى لاستمراره بعد تحقق متعلّقه وهو البيع.

والحاصل: إن الأدلة المذكورة لا تنهض لإثبات المدعى؛ ولذا يبقى حقه في الشفعة بعد البيع. نعم، ربما يكون ذلك خلاف المروءة.

المسقط الثالث: لو بلغه البيع ولم يطالب بالشفعة

ومرجعه إلى المسقط الأوّل لكن ذكره في الشرائع مستقلاً وتبعه الفقهاء على ذلك.

قال: «ولو بلغه البيع بما يمكن إثباته به، كالتواتر أو شهادة شاهدي عدل، فلم يطالب وقال: لم أصدق، بطلت شفعته ولم يقبل عذره، ولو أخبره صبي أو فاسق لم تبطل وصدّق، وكذا لو أخبره واحد عدل لم تبطل شفعته وقبل عذره؛ لأن الواحد ليس حجة»(1).

ص: 289


1- شرائع الإسلام 4: 788.

ولكن الأقرب أن الملاك في الواقع علمه وجهله، فلو لم يطمئن إلى البيع - وإن تمت الحجة الشرعية كالتواتر - لم يكن وجه لسقوط شفعته؛ لإطلاقات أدلة الشفعة وعدم جريان أدلة الفور، فإنها لا تشملالمعذور.

نعم، لا بدّ من العمل بالظاهر - حيث لا طريق إلى الواقع - فلو تواتر بيع الشريك وادعى الشفيع عدم التصديق لم يقبل قوله، وحكم بسقوط حقه - وإن لم يسقط واقعاً - . وليس هذا من قبيل ما لا يعرف إلّا من قبله؛ لأن الظاهر حجة.

نعم، لو ثبت أنه شكّاك لا يُصدّق المتواتر، أو علمنا من طريق آخر أنه لم يُصدّق حصول البيع كان ذلك عذراً، ولا يسقط حقه في الشفعة.

ولا فرق في كون الجهل عذراً بين قيام الحجة الشرعية وعدمه؛ لجريان الأدلة التي ذكرناها سابقاً في معذروية عدم العلم.

ثم لو ادعى المشتري على الشفيع العلم بالبيع فأنكر، ففي إلزامه باليمين وجهان:

الأوّل: إن الشفيع أعرف بنية نفسه، وهذا مما لا يعرف إلّا من قبله، فيصدق من دون يمين.

الثاني: إنه عليه الحلف؛ وذلك لأنه منكر، ولا تجري قاعدة ما لا يعرف إلّا من قبله مع الدعوى عليه، فإنها تختص فيما لم يكن هنالك دعوى. كما لو ادعت انتهاء عدتها، حيث يقبل منها، إلّا أنه لو ادعى زوجها بقاءها في العدة ليرجع إليها فلا بدّ من يمينها؛ إذ دليل (لا يعرف إلّا من قبله) يخصَّص بأدلة باب الدعوى، فعليها اليمين.

ص: 290

وفي المقام: الظاهر أن النسبة بين الدليلين العموم من وجه، فيتعارضان في مورد الاجتماع، فإن لم يمكن الجمع الدلالي فالترجيح بالأقوى سنداً، ودليل (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) أقوى سنداً، بل قد يقال: إن (ما لا يعرف إلّا من قبله) دليل لبيّ، لكنه بحاجة إلى مزيد من التحقيق.

المسقط الرابع: جهل الشفيع والمشتري بالثمن

قال في الشرائع: «ولو جهلا قدر الثمن بطلت الشفعة؛ لتعذر تسليم الثمن»(1).

ويتصور جهل المشتري بما لو كان وكيله قد اشتراه، أو نسي الثمن.

وقد مرّ أن العلم بالثمن شرط صحة الشفعة أو شرط تملك العين، فلا يمكن الأخذ بها ما دام الشفيع جاهلاً بالثمن لأنّه غرر، والمشروط عدم عند عدم شرطه.

واستثنى في المسالك(2) من ذلك ما لو بذل الشفيع أكثر من الثمن قطعاً، واعتبر الزائد عن الثمن الواقعي تبرعاً، ورضي المشتري بذلك. فإن لم يرضَ بالتبرع بطلت؛ لعدم إمكان تسليم الثمن.لكن للسيد الوالد رأي آخر في الفقه(3) حاصله: إن تسليم الثمن مترتب على الأخذ بالشفعة لا أنه شرط في صحتها أو التملك.

كما لو أجريت المعاملة، حيث يتحقق النقل والانتقال ويترتب عليه

ص: 291


1- شرائع الإسلام 4: 788.
2- مسالك الأفهام 12: 364.
3- الفقه 79: 391.

تكليف في ذمة المتعاملين، وهو لزوم تسليم الثمن والمثمن، فلو تخلف أحد المتعاملين لم يبطل البيع وإنّما للآخر الخيار. وكذا في الشفعة، فبالأخذ بها يملك الشفيع ويثبت في ذمته الثمن للمشتري، والجهل بمقداره لا يسبب بطلانها؛ لأنّه تكليف آخر، فيلزم الرجوع في تعيينه إلى سائر القواعد، كما لو نسي الثمن في البيع، حيث يتم تعيينه بالقرعة أو قاعدة العدل والإنصاف، أو يرجع إلى ثمن المثل أو نحو ذلك.

ولا يشكل عليه بالغرر للجهل بالثمن حين الأخذ بالشفعة؛ لأنّه قد يحكم بثمن المثل، أو يعين مقداره الحاكم الشرعي، أو يقرع أوّلاً، وبذلك يتعيّن الثمن فيأخذ بالشفعة.

والحاصل: إنّه لا وجه للخلط بين الأخذ بالشفعة وبين تسليم الثمن.

المسقط الخامس: لو أخّر المطالبة توقعاً لوصول المبيع

قال في الشرائع: «ولو كان المبيع في بلد ناءٍ فأخّر المطالبة توقعاً للوصول بطلت الشفعة»(1).واستدل له في الجواهر(2) باستلزامه التراخي - بناءً على اشتراط الفور - ولا يعلم أنّه عذر حتى يتم تخصيص أدلة الفور. نعم، لو ثبت كونه عذراً فلا كلام.

فعلى الشفيع الأخذ بالشفعة بمجرد علمه بالبيع فيملك الشقص، فإن قلنا

ص: 292


1- شرائع الإسلام 4: 788.
2- جواهر الكلام 38: 655 (37: 436 ط ق).

بلزوم أداء الثمن أوّلاً فعليه ذلك، ثم بعد ذلك يتسلّم المثمن، وإن قلنا بالتقابض انتظر المثمن حتى يسلم الثمن.

تتمة: في مسائل متفرقة

المسألة الأولى: جواز الأخذ بالشفعة في غير بلد البيع

قال في التذكرة: «لا يجب الطلب في بلد المبايعة»(1).

أي: لا يلزم أن يكون الطلب في مدينة البيع، بل أين التقى الشفيع بالمشتري أمكنه الأخذ بالشفعة، فلو لم يأخذ بطل حقه بناءً على الفور.

لكن ليست الملاقاة شرطاً في الأخذ بالشفعة، فكلما سمع بالبيع أخذ بها وإن لم يكن المشتري موجوداً، وقد مرّ الكلام في حكم أخذ الشاهد، فراجع.

ثم إنّه بناءً على اشتراط الملاقاة فهل يجب على الشفيع أن يذهب إلى بلد المشتري أو يرسل وكيله لياخذ بالشفعة أو يمكنه الانتظار؟قد يقال(2): إنّه لو كان ذلك عذراً لم يجب الذهاب؛ لتخصيص أدلة الفور بالأعذار، وإلّا سقط حقه في الشفعة، ولكن الظاهر أنّه عذر، فالتأخير لا ينافي الفور(3).

ص: 293


1- تذكرة الفقهاء 12: 322.
2- مفتاح الكرامة 18: 686.
3- لكن قد يقال باختلاف الموارد، فإن كان الذهاب إلى المشتري أو إرسال الوكيل إليه عسراً أو مضراً بحاله كان التاخير عذراً لا يسقط حقه في الشفعة، وإلّا لم يعتبر عذراً (المقرر).

المسألة الثانية: لو بان الثمن مستحقاً

قال في الشرائع: «ولو بأن الثمن مستحقاً بطلت الشفعة لبطلان العقد»(1).

وذلك لأن الشفعة فرع البيع، فلو لم يكن بيع فلا شفعة؛ لأنّه سالبة بانتفاء الموضوع، فإنه وإن قلنا: إن المعاملات وضعت للأعم من الصحيح والباطل إلّا أن الآثار الشرعية تترتب على الصحيح منها فقط، وفي المقام الشفعة لا تترتب على اسم البيع وإنّما على البيع الصحيح.

وفي إطلاقه تأمل؛ حيث لا تبطل الشفعة في بعض الصور وإن كان الثمن مستحقاً؛ وذلك لأنّه تارة يكون العقد على الثمن الكلي وقد أداه من مال مغصوب فهنا لا يبطل البيع، ويبقى الثمن في ذمته، فيجب عليه تسليم مصداق آخر.وتارة يكون الثمن معيناً أو كلياً في المعين وتبين استحقاقه، فلو لم يجز المالك بطل البيع وتتبعه الشفعة، ولو أجاز المالك ففيه صورتان:

الأولى: فقد يجيز ذلك للمشتري فتصبح المعاملة ذات أطراف ثلاثة، حيث خرج الثمن من كيس المالك ودخل المثمن في كيس المشتري، ويرى بعض الفقهاء بطلانها - إلّا على نحو الوكالة - فتبطل الشفعة.

الثانية: وقد يجير ذلك لنفسه فيكون كالبيع الفضولي صحيحاً وتصح الشفعة.

وقد يشكل بأن ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع، حيث قصد المعاملة لنفسه فوقع للمالك، فلا بدّ من الحكم ببطلان البيع.

ص: 294


1- شرائع الإسلام 4: 788.

لكنه غير وارد؛ لأن الغاصب قصد أصل المعاملة، وكان الداعي أن يكون لنفسه، وتخلف الداعي لا يوجب بطلان المعاملة، وتفصيل الكلام في البيع.

المسألة الثالثة: لو تلف الثمن المعين

قال في الشرائع: «وكذا لو تلف الثمن المتعين قبل قبضه؛ لتحقق البطلان على تردد في هذا»(1).

فلو كان الثمن معيناً وتلف قبل تسليمه بطلت الشفعة؛ لأن العوضوالمعوض ركنان في البيع، فلو تلف أحدهما بطل؛ لأن التلف قبل القبض من مال مالكه.

وأمّا الشفعة ففيها أقوال ثلاثة:

القول الأوّل(2): البطلان؛ لأن سببها البيع وببطلانه تكون الشفعة سالبة بانتفاء الموضوع، فإن البيع هو عنوان الشفعة.

وفيه تأمل يظهر من بيان دليل القول الثاني.

القول الثاني(3): عدم البطلان؛ وذلك لأن حق الشفعة ثابت بالبيع، وتلف الثمن قبل القبض موجب لفسخ البيع من حينه لا من أصله، وقد مرّ بقاء الشفعة وإن فسخ ذو الخيار، وعليه فالشقص للشفيع وعليه أداء الثمن للبائع رأساً أو للمشتري. ويكون النماء بين البيع والتلف للمشتري.

ص: 295


1- شرائع الإسلام 4: 788.
2- المبسوط 3: 133؛ تذكرة الفقهاء 12: 222؛ جواهر الكلام 38: 657 (37: 437 ط ق).
3- مختلف الشيعة 5: 359؛ قواعد الأحكام 2: 256؛ مسالك الأفهام 12: 366.

القول الثالث: التفصيل بين الأخذ بالشفعة قبل تلف الثمن أو بعده، كما في الجواهر(1).

فعلى الأوّل: يملك الشفيع الشقص بالشفعة، فيتلف الثمن حين يكون الشقص ملكه، وأمّا الثمن فقد تلف قبل قبضه فتجري فيه قاعدة:(تلف المبيع قبل قبضه من مال مالكه) وبطلان البيع لا يكون سبباً لخروج الشقص عن ملك الشفيع.

وعلى الثاني: لا يبقى موضوع للشفعة وهو (بالثمن) الوارد في الروايات، حيث يبطل البيع بتلف الثمن ويرجع الشقص إلى البائع، ولا ثمن للبائع على المشتري، فكيف يأخذ الشقص من البائع؟

وفيه تأمل: أمّا الشق الأوّل فلا إشكال فيه، وأمّا الثاني فقد مرّ الكلام في أن الشفيع لا يؤدّي عين الثمن للمشتري؛ لأنّه بيد البائع، بل مثله أو قيمته، وهما المراد من (بالثمن) وذلك ممكن فيما لو تلف بعض الثمن في المقام، وحتى لو أخذ بالشفعة قبل التلف لم يمكنه أداء عين الثمن.

والحاصل: إن إطلاق أدلة الشفعة يشمل المقام، سواء أخذ بالشفعة قبل تلف الثمن أم بعده.

المسألة الرابعة: لو تلف المثمن

لو تلف المثمن - أي: الشقص - تلفاً حقيقياً أو حكمياً(2)، كما لو كان

ص: 296


1- جواهر الكلام 38: 658-659 (37: 438 ط ق).
2- الحقيقي: كما لو مات العبد، والحكمي: كما لو سقط المتاع في البحر ولم يمكن إخراجه (السيد الأستاذ).

عبداً - بناءً على جريان الشفعة فيه - فباع أحدهما حصته منه، وقبل تسليمه مات العبد فهل للشفيع حق الشفعة؟

للمسألة صورتان:الأولى: لو أخذ بالشفعة قبل التلف صح، وكان التلف من الشفيع لكونه في ملكه.

اللّهم إلّا أن يقال: إنّه ما لم يقبض لم يذهب من كيسه، فإن التلف قبل القبض من مال مالكه، فلو لم يسلمه البائع بعد ذهب من كيسه، لا من الشفيع ولا من المشتري، ولو سلمه للمشتري ذهب من كيسه لا من البائع؛ لأنّه باع وسلم، ولا من الشفيع؛ لأنّه لم يقبضه، والتلف قبل القبض من مال مالكه وهو المشتري. هذا إن عممنا القاعدة لتشمل الشفعة.

الثانية: لو أخذ بالشفعة بعد التلف فهو سالبة بانتفاء الموضوع؛ فإن الأخذ بالشفعة إنّما هو لتملك مال الشركة وهو مفقود(1).

المسألة الخامسة: في الطرق الشرعية لإسقاط الشفعة

الكلام في الطرق الشرعية بين البائع والمشتري لإسقاط حق الشفيع موضوعاً وحكماً.

أمّا موضوعاً: فقد مثل له في الشرائع بأمثله:

قال: «أن يبيع بزيادة عن الثمن ويدفع بالثمن عوضاً قليلاً، فإن أخذ الشفيع لزمه الثمن الذي تضمنه العقد، وكذا لو باع بثمن زائد فقبض بعضاً

ص: 297


1- وفيه نظر: لأنه لو كان من حقه ذلك فإن كانت العين موجودة أخذها، وإن فقدت أخذ بدلها، كما مرّ نظير ذلك في بعض البحوث السابقة (المقرر).

وأبرأه من الباقي، وكذا لو نقل الشقص بغير البيع كالهبة أوالصلح»(1).

وأضاف في المسالك(2) أمثلة أخرى:

منها: ما لو باع بعضه بأضعاف القيمة وأهدى له البعض الآخر.

ومنها: ما لو أوكل الشريك في بيع حصته، حيث يرى بعض الفقهاء سقوط حقه في الشفعة لو كان الشريك وكيلاً في البيع، وإن كان فيه تأمل كما مرّ في البحوث السابقة.

ومنها: أن يبيع عشر الشقص - مثلاً - بتسعة أعشار الثمن، ثم يبيع تسعة أعشاره بعشر الثمن، فلا يتمكن الشريك الأوّل من الشفعة؛ لزيادة القيمة في الأوّل، وكثرة الشركاء في الثاني.

ومنها: لو كان الثمن مجهولاً فتبطل الشفعة؛ لأن شرطها معلومية الثمن، كأن يبيع حصته بمليون وخاتم مجهول الثمن، ثم يتلف الخاتم حتى لا تتعين القيمة، فيكون الثمن مجهولاً فيبطل حقه، ولكن قد مرّ الإشكال عليه سابقاً.

وأمّا حكماً: فهو جائز؛ لأنّه من تبديل الموضوع فيتغير به الحكم، ولا دليل على حرمته. نعم، قد يقال بكراهة ذلك، وقد يستدل لهبروايات(3) يستظهر منها ذلك، كقوله(علیه السلام): «ومن دخل مداخل السوء اتهم»(4)، والحيل الشرعية تجعل الإنسان في موضع التهمة. ولا يخفى أن الكراهة إنّما هي

ص: 298


1- شرائع الإسلام 4: 789.
2- مسالك الأفهام 12: 367.
3- الفقه 79: 400.
4- نهج البلاغة، الحكم: 349.

فيما لو جعلته موضعاً للتهمة، لا مطلقاً.

المسألة السادسة: لو ادعى المشتري نسيان الثمن

قال في الشرائع: «ولو ادعى عليه الابتياع فصدقه وقال: أنسيت الثمن، فالقول قوله مع يمينه، فإذا حلف بطلت الشفعة»(1).

وحاصله: إنّه لو ادعى المشتري نسيان الثمن قُبلت دعواه مع يمنيه، وبه تبطل الشفعة.

واستدل له في المسالك(2) بدليلين:

الدليل الأوّل: إنه لا يعلم إلّا من قبله، حيث لا طريق لمعرفة كونه ناسياً أم لا إلّا هو، ومثله يصدق.

الدليل الثاني: إن تكذيبه مستلزم لتخليده في السجن، كالمديون المماطل، فإن السجن جزاء الممتنع عن أداء الحقوق المالية، وفي المقام الحق المالي للشفيع متوقف على معرفة الثمن، فمع عدم تصديق نسيانه يسجن حتى يعترف بمقدار الثمن، وحيث إنه ناسٍ واقعاً يحبس إلى آخرعمره، وهذا مما لا يمكن الالتزام به.

وفيه تأمل: أوّلاً: مبنىً، حيث مرّ أن الجهل بالثمن لا يوجب سقوط حق الشفعة لإطلاق أدلتها.

بل يمكن تعيين الثمن بقيمة المثل ونحوه كما مرّ، بل لو كان الثمن مردداً بين الأقل والأكثر احتمل جريان أصالة عدم الزيادة، وليس من الأصل

ص: 299


1- شرائع الإسلام 4: 789.
2- مسالك الأفهام 12: 369.

المثبت؛ لأن ذمته لم تكن مشغولة بالزيادة قبل الأخذ بالشفعة، فيستصحب براءة ذمته منها بعدها، هذا إن صح الأخذ بالشفعة قبل تعيين الثمن. نعم، إن لزم تعيين الثمن أوّلاً فلا يجري الأصل للعلم بعدم انشغال الذمة بشيء فلا معنى لاستصحاب عدم انشغالها، وعدم انشغالها لا يلازم تعيين الثمن في الأقل أو الأكثر.

وثانياً: لا دليل على التخليد في الحبس فيما نحن فيه، فإنه خاص بالمديون المماطل، وفي المقام حتى لو كان يعلم بالثمن وامتنع لم يشمله دليله، فمَن يضيع حق الغير إمّا أن يغرم إن كان مالياً، أو يعزر إن كان من مورده.

بالإضافة إلى ضعف دليل التخليد في الحبس، فإن الرواية وردت في الوسائل هكذا: «لي الواجد بالدين يحل عرضه وعقوبته»(1)، من دون (حبسه) إلّا أنه حيث أفتى الفقهاء بالحبس فهو خاص بالموردالذي عملوا به، وهو الحق المالي الثابت في ذمته الممتنع عن أدائه، فلا يشمل المانع لحق الغير، فأصل الحكم بالحبس محل نظر، فكيف بالتخليد فيه. وعلى فرض إطلاق الدليل فهو منصرف عن مثل هذه الموارد.

إن قلت: نصت الرواية السابقة على أن الشفعة إنّما هي (بالثمن)، فكيف يتحقق (بالثمن) مع الجهل به؟

قلت: حين الجهل يصبح قيمة المثل هو مصداق (بالثمن)(2)، وإن أبيت

ص: 300


1- وسائل الشيعة 18: 333.
2- وذلك من باب الحكومة، فإن التعيين الشرعي للثمن في ظرف الجهالة بالقرعة أو بقيمة المثل هو مصداق للثمن، ولكنه بحكم الشرع لا بحسب اتفاق المتعاقدين (المقرر).

إلّا عن كون (بالثمن) للمعهود بين المتعاقدين فلا مناص عن تقييد الرواية بما لو كان الثمن معلوماً؛ وذلك كي لا يضيع حق الشفيع، وبعبارة أخرى: يتقدم إطلاق أدلة الشفعة على إطلاق (بالثمن).

ثم بناءً على لزوم اليمين، فإذا نكل، فإن قضينا بالنكول فهو، وإلّا رد اليمين إلى الشفيع، فلو كان يعلم بالثمن حلف عليه وثبتت شفعته، ولكن إن جهل الشفيع بالثمن وكان المشتري ناسياً ففيه احتمالان، كما في المسالك(1):

الأوّل: سقوط المرافعة؛ لعدم إثبات الحق حيث لا بينة للشفيعوالمشتري ممتنع عن اليمين.

الثاني: أن يحلف الشفيع لإثبات دعواه(2)، فإن حلف ثبت وحكم على المشتري بالسجن على تأمل مرّ الكلام فيه.

وإن لم يعلم الشفيع أن المشتري جاهل أو عالم فالدعوى ساقطة، فلا حق للشفعة. هذا كله إن لم نقل بقيمة المثل وإلّا كانت الشفعة بحسبها.

ثم قال في الشرائع: «أمّا لو قال: لم أكن أعلم كمية الثمن لم يكن جواباً صحيحاً، وكلف جواباً غيره، وقال الشيخ: ترد اليمين على الشفيع»(3).

وذلك لأن في قوله المذكور احتمالين:

ص: 301


1- مسالك الأفهام 12: 369.
2- أي: كذب المشتري.
3- شرائع الإسلام 4: 789.

الأوّل: أن يكون جاهلاً بالثمن في أصل البيع ومؤداه إلى بطلان البيع(1)، فكلامه غير مسموع لما سيأتي.

الثاني: أن يكون الثمن قيمياً - كخاتم - ولا يعلم قيمته، فالبيع صحيح وكلامه مسموع.

وحيث يوجد احتمالان فعليه البيان، فلو بيّن المراد وكان قيمياً يجهلثمنه فعليه الحلف، فتسقط الشفعة على المشهور.

ص: 302


1- لا وجه للحكم بالبطلان على إطلاقه، فقد يكون الوكيل هو طرف العقد فالمشتري جاهل بالثمن في أصل البيع والمعاملة صحيحة (المقرر).

فصل: في التنازع

اشارة

يقع البحث في هذا الفصل في بيان مسائل التنازع بين البائع والمشتري، أو بين البائع والشفيع، أو بين المشتري والشفيع، أو مع الأجنبي والكلام في مقامات ثلاث:

المقام الأوّل: اختلاف المشتري والشفيع

اشارة

لو اختلف المشتري والشفيع في الثمن فلا بدّ من تعيين المدعي والمنكر ليتضح الحكم.

ذهب المشهور(1) إلى أن المشتري منكر فالقول قوله مع يمينه، لكن ذهب ابن الجنيد(2) إلى أن الشفيع منكر وتبعه في المسالك(3)، ورجحه السيد الوالد(4)، وفصّل المحقق السبزواري في الكفاية(5) بأنّه لو كان قبل الأخذ بالشفعة فكالمشهور، وإن كان بعده فكالثاني.

ص: 303


1- المبسوط 3: 110؛ الكافي في الفقه: 362؛ تذكرة الفقهاء 12: 292؛ جواهر الكلام 38: 668 (37: 444 ط ق).
2- مختلف الشيعة 5: 347.
3- مسالك الأفهام 12: 371.
4- الفقه 79: 408.
5- كفاية الأحكام 1: 550.

واستدل للمشهور بأدلة(1):

الدليل الأوّل: لأنّه أعلم بالعقد، فيرجح قوله، أمّا الشفيع فهو أجنبي عنه، وإنّما له مجرد حق.

وفيه تأمل: أوّلاً: قد يكون الشفيع أعلم لحضوره في مجلس العقد دون المشتري، كما لو حضر وكيله، أو كان الشفيع وكيلاً عن المشتري في إجراء العقد.

ثانياً: على فرض كونه أعلم فلا دليل على ترجيح قوله، فلو جرى العقد بين البائع ووكيل المشتري ثم اختلف مع المشتري في الثمن فالقول قول المشتري إجماعاً؛ لأنّه منكر الزيادة مع أن البائع أعلم بالثمن لحضوره في العقد والمشتري غائب.

ثالثاً: ليس النزاع في أصل العقد حتى يسمع قول الأعلم به، فلا اختلاف في العقد ومنشأيته للشفعة، وكونه أعلم من غيره لا يؤثر في الشفعة، وإنّما الاختلاف في كمية الثمن الذي يؤدى للمشتري، والأصل مع مدعي الأقل وهو الشفيع(2).

الدليل الثاني: ما في الشرائع، حيث قال: «لأنّه الذي ينتزع الشيءمن يده»(3).

ص: 304


1- مسالك الأفهام 12: 370-371؛ جواهر الكلام 38: 668-669 (37: 444-445 ط ق).
2- الدليل المذكور ناظر إلى الأعلمية بالثمن باعتبار كونه أعلم بالعقد، فلا يرد عليه الوجه الثالث (المقرر).
3- شرائع الإسلام 4: 789.

فالمشتري بيده الشقص ويراد انتزاعه منه، فلا يرفع عنه يده إلّا بدليل.

وبعبارة أخرى: - وقد ذكره البعض دليلاً مستقلاً - بأنه ذو اليد فيكون قوله مسموعاً.

وفيه تأمل: أمّا كبرىً: فلا دليل على إزالة ملك المالك إلّا بما يدعيه، وحدود قاعدة اليد هو ملكية من بيده الشيء وسماع إقراره به، أمّا لو تعلّق حق الغير بما في يده فادعى أن ثمنه كذا فلا دليل على شمول القاعدة له، كالمفلس المحجور عليه لو ادعى أن متاعه المعروض للبيع بألف دينار وادعى الدائن أنّه خمسمائة، فإنه من التداعي.

وأمّا صغرىً: فإنه بمجرد الأخذ بالشفعة يصبح الشفيع مالكاً، فلا يكون المشتري ذا اليد، وإن كان الشقص بيده، وقاعدة ذي اليد إنّما تجري مع الجهل، فلو علم أنه غير مالك فلا تجري وإن كان بيده.

الدليل الثالث: إن المدعي هو من إذا ترك ترك، وهذه القاعدة تنطبق على الشفيع؛ لأنّه لو ترك الشقص ترك، وكما في المسالك: «وبأن المشتري لا دعوى له على الشفيع؛ إذ لا يدعي شيئاً في ذمته ولا تحت يده، وإنّما الشفيع يدعي استحقاق ملكه بالشفعة بالقدر الذي يعترف بهالشفيع والمشتري ينكره»(1).

ولكنه محل تأمل، أمّا كبرىً: فإن التعريف المذكور للمدعي أوّل الكلام، حيث لم تدل عليه رواية وإنّما هو من كلام الفقهاء، ولتفصيل الكلام في ذلك راجع الفقه.

ص: 305


1- مسالك الأفهام 12: 371.

وأمّا صغرىً: فالقاعدة تنطبق على المشتري، فإنه قبل الأخذ بالشفعة ليس الشفيع مطالباً بالأخذ بها، فلا ادعاء أصلاً(1)، وأمّا بعدها فلا خلاف بينهما في الأقل وإنّما المشتري يطالب بالزيادة، فلو سكت تُرك، وحيث لم يسكت ويطالب بالزيادة فهو مدعٍ.

من هذا البيان يظهر دليل التفصيل، فإن القول قول المشتري قبل الأخذ بالشفعة وقول الشفيع بعده؛ لأنّه وإن ترك كان عليه اليمين ببراءة ذمته من الزائد.

وفيه نظر: إذ مع عدم الأخذ بالشفعة فلا نزاع، وإنّما النزاع بعد الأخذ بها والاختلاف في الثمن، فالتفصيل المذكور خارج عن الموضوع.

الدليل الرابع: إن المشتري هو الغارم فالقول قوله، فلو كان المشتري قد اشتراه بالأكثر لتضرر بأخذ الأقل.وفيه نظر: أمّا كبرى: حيث لا دليل على كون الغارم هو المشتري ليكون منكراً إلّا الاستحسان، بل هو مخالف للأدلة.

وأمّا صغرى: فإن الشفيع أيضاً غارم حيث يؤدّي الأكثر إلى المشتري، فلا يعلم أيهما المتضرر إن أعطى الأقل تضرر المشتري، وإن أعطى الأكثر تضرر الشفيع، فكما يمكن أن يكون المشتري غارماً كذلك يمكن أن يكون الشفيع.

ص: 306


1- وفيه نظر: فإن النزاع متصور قبل الأخذ بالشفعة، فإن الشفيع يريد معرفة الثمن ليأخذ بالشفعة أو يترك، فيدعي أن الثمن هو الأقل والمشتري يدعي أنه الأكثر، فيحصل النزاع (المقرر).

وبعد ضعف الأدلة المذكورة لا يبقى للمشهور إلّا الإجماع المدعى والشهرة.

أمّا الأوّل فلم يثبت بالإضافة إلى استناده، والثاني ليس بحجة لكونها شهرة فتوائية.

ومن خلال المباحث السابقة يظهر دليل القول الآخر، وهو كون المشتري مدعياً للزيادة فعليه البينة، وإلّا حلف الشفيع.

ولو أقاما بينة قبلت بينة المدعي على المشهور ولا يتعارضان؛ لأن حجيتهما خاصة بباب التداعي، وليست من وظيفة المنكر إقامة البينة. فإطلاق قول الشرائع: «وإن أقام أحدهما بينة قضي له»(1)، محل إشكال.

ولو حلف المدعي لم يقبل منه لنفس العلة.

وهنا فرعان:

الفرع الأوّل: شهادة البائع للمشتري أو الشفيع

هل شهادة البائع لنفع المشتري أو الشفيع مسموعة؟

فيه أقوال ثلاثة(2)، ثالثها: التفصيل بين ما لو قبض الثمن فتسمع لنفع المشتري، وبين ما لو لم يقبض فتسمع لنفع الشفيع.

القول الأوّل: لا تسمع شهادة البائع مطلقاً، واستدل له بدليلين(3):

الدليل الأوّل: إن البائع متهم لأنه يجر النفع إلى نفسه، سواء شهد لنفع

ص: 307


1- شرائع الإسلام 4: 789.
2- مسالك الأفهام 12: 374-375؛ جواهر الكلام 38: 379 (37: 452 ط ق).
3- جامع المقاصد 6: 463؛ مسالك الأفهام 12: 374-375.

المشتري أم الشفيع، وشهادة المتهم مردودة.

ووجه جرّه النفع لنفسه - فيما لو شهد للمشتري - يظهر من خلال موارد عديدة:

منها: إنه لو شهد بنفع المشتري فيثبت الثمن الأكثر، فيلزم على المشتري أن يؤدّي الأكثر للبائع. وإن كان قد قبض الثمن فيتصور نفعه بما لو تبين كون الثمن مستحقاً، فعلى المشتري تسديده مجدداً، فسواء كان قد قبض البائع الثمن أم لا فهو ذو نفع.

ومنها: إنّه لو ثبت الثمن الأكثر فقد لا يأخذ الشفيع بالشفعة لكثرته، فتعود العين إلى البائع، فيما لو ظهر عيب أو غبن ففسخ، بخلاف ما لوأخذ الشفيع بالشفعة، حيث لا تعود العين إليه وإنّما بدلها، فبالشهادة لنفع المشتري ينفّر البائع الشفيع ليعود إليه العين بعد الفسخ.

ويتصور نفع البائع - فيما لو شهد للشفيع - في موارد أيضاً:

ومنها: لو ثبت كون الثمن هو الأكثر تبين غبن المشتري فيكون له حق الفسخ، فيشهد البائع لنفع الشفيع ليثبت أن الثمن هو الأقل فلا يثبت الغبن، فلا يحق للمشتري الفسخ.

ومنها: لو ظهرت العين معيبة وفيها الأرش، فمع كون الثمن هو الأكثر لزاد الأرش على البائع، فيشهد بالثمن الأقل ليؤدّي أرشاً أقل.

والحاصل: إن البائع متهم بأنه يشهد لأحدهما لينتفع فلا تقبل شهادته.

وفيه نظر: أمّا صغرىً: فقد يكون هنالك نفع للبائع في الصور المذكورة على رغم الإشكال في بعضها، إلّا أنه ليس الأمر كذلك دائماً، فقد لا ينتفع

ص: 308

البائع من الشهادة أبداً، كما لو كان يريد التخلص من المبيع ولم يكن هنالك عيب ولا غبن، ولم يكن قد قبض الثمن من المشتري فشهد بنفع الشفيع، فلا بدّ من القول بقبول شهادته لعدم التهمة. والحاصل: إن الدليل أخص من المدعى.

وأمّا كبرىً: فلا دليل على رد شهادة كل ذي نفع إن كان ثقة عادلاً، ولذا لم يفتِ بذلك الفقهاء في شهادة الزوج لزوجته أو الابن لأبيه أوبالعكس، بل إطلاق أدلة الشهادات جارية.

الدليل الثاني: ما عن الشيخ الطوسي(1): من أنّه شهادة على فعل نفسه؛ وذلك لأن مفاد اختلاف الشفيع والمشتري على الثمن هو اختلافهما فيما اتفق عليه البائع والمشتري، فشهادة البائع شهادة على فعل نفسه، والمنساق من إطلاق الأدلة عدم قبول شهادة الإنسان على فعل نفسه، بل إنّما تكون الشهادة على فعل الغير.

وفيه تأمل: فإن المهم في الشهادة عدالة الشاهد، وأن لا يتحد الشاهد مع المدعي، كما لو اختلف زيد وعمرو في أنه أيهما اشترى الكتاب، فشهد البائع أنه باعه لزيد، حيث تشمله أدلة الشاهد من غير انصراف، بل قد تكون شهادته أقوى من غيره؛ لأنّه بائع فيكون أعرف بمن اشترى منه. فدعوى انصراف أدلة الشهادات عن فعل الإنسان نفسه بلا وجه.

نعم، لو كان مدعياً وشهد على فعل نفسه لم يقبل؛ لإطلاق المدعي عليه دون الشاهد عرفاً، وأدلة الشهادات منصرفة عنه.

ص: 309


1- المبسوط 3: 110.

القول الثاني(1): شهادة البائع مسموعة وقد رجحه السيد الوالد(2).واستدل له بعموم أدلة الشهادات، ولا وجه لرد قول الثقة الذي هو حجة لمجرد التهمة المحتملة كما في مفتاح الكرامة(3).

نعم، يشترط أن يشهد للمدعي لأنّه عليه البينة، وأمّا لو شهد للمنكر فلا يسمع؛ لأن وظيفة المنكر اليمين لا إقامة البينة.

ومن ذلك يظهر دليل القول بالتفصيل؛ وذلك لأنّه لو كان قد قبض الثمن فشهادته بنفع المشتري مقبولة حيث لا تهمة أصلاً؛ لوصول حقه إليه، بل شهادته للمشتري متضمنة للضرر عليه؛ لتضمنه الإقرار على أنه لو كان فيه عيب أو نقص فعليه أن يؤدّي أرشاً أكثر، أو كان غبن فعليه الدرك الأكثر.

وأمّا قبل قبض الثمن فشهادته بنفع الشفيع مقبولة حيث الثمن الأقل، فتكون بضرر البائع، وشهادته بنفع المشتري غير مسموعة؛ لأنها شهادة لنفع نفسه.

وفيه نظر: لما ذكرناه في المبنى بالإضافة إلى أن الاحتمالات المذكورة مما لا يعتني بها العقلاء.

الفرع الثاني: لو اختلف المشتري والشفيع في الزرع ونحوه

لو كان في الشقص المأخوذ شفعة زرع أو بناء فاختلفا، فقال الشفيع: إنها كانت من قبل فتدخل في الشفعة، وقال المشتري: إنه أحدثها بعدالشراء،

ص: 310


1- قواعد الأحكام 2: 261؛ مفتاح الكرامة 18: 741.
2- الفقه 38: 412.
3- مفتاح الكرامة 18: 741-742.

كان القول قول المشتري؛ لأنّه ذو اليد، وكلامه مسموع من دون حاجة إلى بينة.

وللتوضيح: إن الأرض مال الشركة وفيها حق الشفعة، وأمّا الزرع والبناء فلم يثبت أنّهما ضمن مال الشركة فثبوت الشفعة فيهما بحاجة إلى دليل، والتمسك بدليل الشفعة تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، وبعد عدم جريان دليل الشفعة فيهما يجري دليل اليد بلا إشكال، إلّا أن يقيم الشفيع البينة.

المقام الثاني: اختلاف البائع والمشتري

اشارة

إذا لم يكن الشفيع طرف النزاع - وإنّما كان النزاع بين البائع والمشتري - فما الذي يؤدّيه الشفيع للمشتري؟

قال في الشرائع: «ولو كان الاختلاف بين المتبايعين ولأحدهما بينة حكم بها، ولو كان لكل منهما بينة قال الشيخ: الحكم فيها بالقرعة، وفيه إشكال؛ لاختصاص القرعة بموضع اشتباه الحكم، ولا اشتباه مع الفتوى بأن القول قول البائع مع يمينه مع بقاء السلعة، فتكون البينة بينة المشتري»(1).

وللمسألة صور ثلاثة: إمّا أن يكون لهما بينة أو لأحدهما أو لا بينة لهما.ولتوضيح الحكم لا بدّ من تشخيص المدعي من المنكر أوّلاً، ثم ملاحظة الأدلة الخاصة في المقام.

فنقول: من الواضح أن المدعي هو البائع؛ لأنّه يطلب الزيادة، والمشتري منكر لها، فمقتضى القاعدة أن البينة على البائع، فإن لم تكن له بينة حلف

ص: 311


1- شرائع الإسلام 4: 789.

المشتري.

ولو أقام المشتري بينة أو أقاما بينة لم تسمع بينة المشتري لأنّه منكر، هذا حسب القواعد العامة.

لكن هنالك رواية خاصة في سندها سهل بن زياد، كما في الكافي(1)، والمشهور ضعفه(2)، لكن في التهذيب(3) سند آخر خال عن سهل، وهو الشيخ الطوسي بسنده عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، وطريقه إليه صحيح، وهو من أصحاب الإجماع، إلّا أنها مرسلة، لكن يمكن اعتبارها على مباني ثلاثة نرتضيها:

أوّلاً: اعتبار مشايخ الثلاثة الذين لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة.

ثانياً: اعتبار روايات أصحاب الإجماع.وثالثاً: اعتبار الضعيف المنجبر بعمل المشهور، وكل المباني تنطبق عليها، فعن أبي عبد اللّه(علیه السلام): «في الرجل يبيع الشيء فيقول المشتري هو بكذا وكذا بأقل مما قال البائع، قال: قال: القول قول البائع إذا كان الشيء قائماً بعينه مع يمينه»(4).

ص: 312


1- الكافي 5: 174، وفيه: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد محمّد بن أبي نصر، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام)... .
2- فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 185؛ الفهرست: 142؛ رجال ابن داود: 249؛ نقد الرجال 2: 81.
3- عنه، عن معاوية بن حكيم، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن رجل، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام)... .
4- تهذيب الأحكام 7: 230.

ومفهومه أنه مع تلف العين ليس القول قول البائع، وبه أفتى صاحب الشرائع(1).

ويأتي هنا بحث في إقامتهما للبينة، حيث ذهب الكثير إلى أن البينة على المشتري؛ لأن مفاد القول قول البائع مع يمينه هو ذلك، فإن البينة على المدعي قاعدة عامة، وهنالك قاعدة أخرى هي: إن البينة لطرف الذي يكون القول قوله مع يمينه.

وبعبارة أخرى: إن البينة للخارج وإن كان منكراً، ولا تقبل بينة الداخل، لكن القول قوله مع يمينه.

مثلاً: لو اختلفا في طفل بيد أحدهما سمع قول مَن بيده الطفل مع اليمين، مع أنهما مدعيان، وعلى الثاني إقامة البينة، ولو أقاما بينة لم تسمع بينة الداخل؛ لأنّه ليس من وظيفته إقامة البينة. هذا ما ذكره جمع منالفقهاء(2).

وأمّا تطبيق القاعدة على المقام: فالبائع يدعي الزيادة والمشتري منكر، وحيث إن العين موجودة فالقول قول البائع، بمعنى أنه داخل، وأمّا المشتري فهو خارج وعليه البينة وإن كان منكراً. فلو أقاما البينة لم تسمع بينة البائع وإن كان مدعياً؛ لأن الداخل وظيفته اليمين لا البينة، والمشتري وإن كان منكراً إلّا أن عليه البينة.

وفيه تأمل: فإن قاعدة البينة على المدعي قاعدة كلية خصصت بما لو

ص: 313


1- شرائع الإسلام 4: 789.
2- الفقه 79: 453.

اختلف المتبايعان مع بقاء العين ليكون القول قول البائع مع يمينه إذا لم يكن للمشتري بينة، فلا بدّ من تخصيص القاعدة بهذا المقدار فقط، أمّا صورة وجود البينة للمشتري فالمخصص ساكت عنها، فتشملها القاعدة العامة، فإن العام المخصص يرفع اليد عنه في مورد الخاص فقط لا غيره.

وفي المقام: البائع مدعٍ فتسمع بينته دون المشتري عكس ما ذهب إليه في الشرائع.

وبعبارة أخرى: دل الدليل الخاص على سماع قول الداخل مع يمينه، لكن لم يدلْ على عدم سماع بينته.

نعم، في صورة واحدة تسمع بينة المشتري إن لم يكن للبائع بينة؛وذلك لأن البائع يدعي الزيادة فالقول قوله للنص الخاص، فوظيفة المشتري إقامة البينة، فإن أقامها لم تصل النوبة إلى يمين البائع، فمورد الرواية إذا لم يكن لهما بينة ليكون القول قول البائع، وفي غير هذا المورد لو أقام المشتري البينة سمعت، ولو أقاماها سمعت بينة البائع؛ لأن المشتري منكر تشمله القاعدة العامة.

وأمّا ما ذهب إليه الشيخ الطوسي من القرعة(1) فعلى مبناه صحيح؛ لأن مورد الرواية فقدان البينة، وحيث أقاما البينة تعارضا وتساقطا فتكون القرعة؛ لأنها لكل أمر مشكل. وأمّا على مبنى الشرائع فالبينة على المشتري فلا قرعة، وأمّا على المختار فتسمع بينة البائع فلا قرعة أيضاً.

ص: 314


1- المبسوط 3: 110.

والحاصل: لو لم يكن هنالك بينة كان القول قول البائع، ولو أقام المشتري البينة سمعت، ولو أقاما البينة سمعت بينة البائع؛ لأنّه مدعٍ.

ثم إنّه لو حكم الحاكم لأحدهما - على أيّ مبنى كان - فما هي وظيفة الشفيع؟

فإن حكم بنفع المشتري وثبت كون الثمن هو الأقل أعطى الشفيع الأقل وأخذ العين بالشفعة، وإن حكم بنفع البائع وثبت كون الثمن هو الأكثر أعطى الشفيع الأقل أيضاً؛ لإقرار المشتري بعدم استحقاقه أكثر منذلك، وأن البائع يأخذ الزيادة منه ظلماً أو بالحكم الظاهري، فلا معنى لإعطائه الزيادة للمشتري على ما رجحه جمع من الفقهاء منهم العلامة والشهيد الثاني(1).

وذهب(2) آخرون إلى لزوم إعطاء الأكثر لأنّه الثابت شرعاً.

لكن لا وجه له؛ لأن الثابت شرعاً هو حكم ظاهري، ولا يكون سبباً للعمل بخلاف الواقع لمَن يعلمه، كما لو رأى الهلال وشهد عند الحاكم لكن لم تكتمل الشهادة بشاهد آخر مثلاً، فحكم الحاكم بكونه من شهر رمضان، ومع ذلك يحرم على الشاهد الصيام؛ لأنّه يعلم بالواقع وحكم الحاكم ظاهري، وقد مضى بعض الأمثلة لذلك من الفقه، فراجع.

وقد استدل في الإيضاح(3) بدليل آخر على لزوم أداء الشفيع للمشتري ما أثبته الحاكم الشرعي بين المتبايعين، وهو: لزوم عدم التضاد بين الأحكام،

ص: 315


1- مسالك الأفهام 12: 375؛ تذكرة الفقهاء 12: 294؛ الفقه 79: 415.
2- جواهر الكلام 38: 686 (37: 456 ط ق).
3- إيضاح الفوائد 2: 224.

فلو أدى الأقل حسب إقرار المشتري لزم التضاد، فمن جهة يحكم الحاكم بكون الثمن بين المتبايعين هو الأكثر، ومن جهة على الشفيع أن يؤدّي الأقل، وهذا تضاد.

وأوضحه في مفتاح الكرامة(1) بأنّه دل الدليل على أنه لا يحكم فيقضية واحدة بحكمين مختلفين، وكما في الفصول(2) فإن القضية الواحدة لا تتحمل اجتهادين.

وفي المقام القضية الواحدة هي مقدار الثمن، فإن قلنا: إن على المشتري أن يؤدّي إلى البائع الأكثر حسب ادعائه، وإن على الشفيع أن يؤدّي إلى المشتري الأقل حسب إقراره صار حكمان في قضية واحدة.

وتفصيل البحث في مباحث الإجزاء، وله مصاديق كثيرة، وهي محل الابتلاء، كما لو قلّدا مَن يفتي بنشر الحرمة بخمسة عشر رضعة فتزوجا لأنهما ارتضعا عشرة رضعات، ثم مات المرجع فقلدا مَن يفتي بنشر الحرمة بعشرة، فالقضية الواحدة لا تتحمل اجتهادين بأن نقول: لم تنشر الحرمة أوّلاً ثم نشرت، وكذلك موارد كثيرة أخر في التقليد.

وفيه نظر لوجهين:

الأوّل: صغروياً بما في مفتاح الكرامة(3): من أنهما قضيتان لا قضية واحدة، إحداهما أن على المشتري أن يؤدّي إلى البائع الأكثر، والأخرى أن

ص: 316


1- مفتاح الكرامة 18: 748.
2- نقله عنه: أجود التقريرات 1: 205.
3- مفتاح الكرامة 18: 745.

على الشفيع أن يؤدّي للمشتري الأقل، وقد ثبتت الأولى بالبينة - مثلاً - والثانية بإقرار المشتري.

ولذا فكك الفقهاء كثيراً في جريان الأصول العملية لأنهما قضيتان،كما في وضع اليد النجسة في الماء المشكوك كريته، حيث يحكم بطهارة الماء ونجاسة اليد، مع أنه إن كان كراً كانا طاهرين، وإن كان قليلاً كانا نجسين، فيفكك بينهما باستصحاب نجاسة اليد وطهارة الماء.

الثاني: كبروياً: بأنه لا دليل على أنّه لا يحكم في قضية واحدة بحكمين مختلفين، حيث إنّها رواية عامية(1) خاصة مع ثبوت عدم صحة الأوّل، كما لو ادعى أنّه ملكه وأقام البينة فحكم له، ثم تبين بطلانها فيسترجع، بل دلت الآية الكريمة على ثبوت حكمين في قضية واحدة فيما لو ثبت عدم صحة الأولى حيث قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَٰدَةُ بَيۡنِكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ حِينَ ٱلۡوَصِيَّةِ ٱثۡنَانِ ذَوَا عَدۡلٖ مِّنكُمۡ أَوۡ ءَاخَرَانِ مِنۡ غَيۡرِكُمۡ إِنۡ أَنتُمۡ ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَأَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةُ ٱلۡمَوۡتِۚ تَحۡبِسُونَهُمَا مِنۢ بَعۡدِ ٱلصَّلَوٰةِ فَيُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ لَا نَشۡتَرِي بِهِۦ ثَمَنٗا وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰ وَلَا نَكۡتُمُ شَهَٰدَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذٗا لَّمِنَ ٱلۡأٓثِمِينَ ٭ فَإِنۡ عُثِرَ عَلَىٰٓ أَنَّهُمَا ٱسۡتَحَقَّآ إِثۡمٗا فََٔاخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَٱسۡتَحَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَوۡلَيَٰنِ فَيُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَٰدَتُنَآ أَحَقُّ مِن شَهَٰدَتِهِمَا وَمَا ٱعۡتَدَيۡنَآ إِنَّآ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ٭ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِٱلشَّهَٰدَةِ عَلَىٰ وَجۡهِهَآ أَوۡ يَخَافُوٓاْ أَن تُرَدَّ أَيۡمَٰنُۢ بَعۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡمَعُواْۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ}(2)، وعليه لو ثبت خلاف الحكم الظاهري

ص: 317


1- راجع هامش جواهر الكلام 38: 685.
2- سورة المائدة، الآية: 106-108.

بالعلم أو القرينة الشرعية تبدل الحكم.

فرع: في اختلاف المتابعين في قيمة الثمن

لو كان الثمن قيمياً وحصل الخلاف بين المتبايعين في قيمته، فإن كان قد تلف أو كان بحكمه فالكلام كالكلام السابق، والمختار أن القول قول منكر الزيادة.

وإن كانت العين موجودة سئل عنها أهل الخبرة إن كان من موارد الرجوع إليهم، وعلى الشفيع أداء ما يعينه أهل الخبرة، سواء طابق مدعى البائع أم المشتري أم لا، فإنه عليه أداء القيمة الواقعية لا ما يدعيه أحدهما. فإن لم يكن هنالك خبير أو لم يعرف الخبير قيمته، فقد قال العلامة: «لو اختلفا في قيمة العوض المجعول ثمناً عُرض على المقومين، فإن تعذر قدم قول المشتري على إشكال»(1).

وقد أشكل عليه المحقق الكركي بإشكالين:

أوّلاً: قال: «لا معنى للاختلاف في القيمة مع وجود العين وإمكان استعلام قيمتها»(2)، فإن الاختلاف إنّما هو مع عدم إمكان تعيين القيمة، فلو اختلفا في قيمة كتاب مع وجود الخبير في تعيين أسعار الكتب لم يسمَّ اختلافاً.

وفيه تأمل: لأن المتبايعين لو اتفقا على القيمة فلا وجه لمراجعة الخبير؛ لأن الحق لا يعدوهما، وإنّما يراجع الخبير مع عدم العلم بالقيمةمن دون اختلاف أو مع الاختلاف، والثاني اختلافٌ حقيقةً وإن أمكن رفعه بسهولة.

ص: 318


1- قواعد الأحكام 2: 261.
2- جامع المقاصد 6: 465.

بالإضافة إلى أن الوصول إلى المقوّم قد يكون بحاجة إلى زمان ومؤونة، كما لو كان في بلد آخر، كما في مفتاح الكرامة(1).

ثانياً(2): لا فرق بين هذه المسألة وما سبقها، فلو اختلف المشتري مع الشفيع في الثمن النقد حكم العلامة بأن القول قول المشتري، لكنه أشكل فيما لو اختلفا في قيمة القيمي، مع أنّهما من وادٍ واحدٍ، فإمّا أن يكون القول قول المشتري، أو يكون القول قول البائع في كليهما.

إلّا أن البعض(3) وجه كلام العلامة بأن المشتري حيث انتزع منه الملك قهراً، فلا يقهر ثانياً بتقديم قول الشفيع عليه في تعيين القيمة.

وفيه نظر: فإنه لا يدفع الإشكال المذكور ويجري في المسألة السابقة أيضاً، حيث إن الثمن نقد، هذا أوّلاً.

ثانياً: إنّه مجرد استحسان، فلو دل الدليل على قهره أكثر من مرة اتّبع، وقد دل الدليل في المقام مرة لأدلة الشفعة، ومرة أخرى لدليل اليمين على من أنكر.

المقام الثالث: لو ادعى البيع لأجنبي فأنكر الأجنبي

اشارة

قال في الشرائع: «قال في الخلاف: إذا ادعى أنه باع نصيبه من أجنبي فأنكر الأجنبي، قضي بالشفعة للشريك بظاهر الإقرار، وفيه تردد، من حيث وقوف الشفعة على ثبوت الابتياع، ولعل الأوّل أشبه»(4).

ص: 319


1- مفتاح الكرامة 18: 752.
2- جامع المقاصد 6: 466.
3- كنز الفوائد في حل مشكلات القواعد 1: 705.
4- شرائع الإسلام 4: 789.

بيانه: إنه لو ادعى أحد الشريكين أنه باع حصته، لكن أنكره المشتري فهل لشريكه حق الشفعة؟ فيه قولان:

القول الأوّل: ما ذهب إليه الشيخ الطوسي في الخلاف(1) من ثبوت حق الشفعة.

واستدل(2) له بأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز، وللبائع إقراران: إقرار في حق المشتري بالبيع له، فلو أنكره المشتري لم يثبت عليه آثار الشراء، كلزوم دفع الثمن، وإقرار آخر في حق الشفيع بأن له حق الشفعة ويمكنه أخذ الشقص. فلو ألغي أحد الإقرارين شرعاً فلا وجه لإلغاء الثاني، وليس الحكمان متلازمين حتى يقال بلزوم ثبوت البيع أوّلاً حتى تثبت الشفعة.

وبعبارة أخرى: إن الشفعة تابعة للبيع ثبوتاً، والطريق إلى معرفة الواقع هو الثبوت الشرعي للبيع بإقرار المتبايعين؛ لأن الحق لا يعدوهما، أو البينةأو إقرار أحدهما، لكن حيث أنكره المشتري فلا يمكن إثبات شيء على ذمته، فهو إقرار على النفس وعلى الغير، فيثبت ما كان على النفس ويترتب عليه آثاره ومنها الشفعة.

القول الثاني: ما ذهب إليه ابن إدريس وجمع من الفقهاء(3): من عدم ثبوت حق الشفعة.

ص: 320


1- الخلاف 3: 451.
2- مسالك الأفهام 12: 378؛ إيضاح الفوائد 2: 225؛ جواهر الكلام 38: 688 (37: 457 ط ق)؛ الفقه 79: 421.
3- السرائر 2: 394؛ جواهر الكلام 38: 689 (37: 458 ط ق).

واستدل له بأربع أدلة(1):

الدليل الأوّل: إن الشفعة لا تستحق إلّا بعد ثبوت البيع، ولم يقع البيع ظاهراً، ولم يحكم به الحاكم.

وفيه إشكالات ثلاث:

الأوّل: إن الشفعة متوقفة على البيع واقعاً لا على ثبوته، فلو باع ثم أنكر ظاهراً ثبتت الشفعة؛ وذلك لما بحث في الأصول من أن الآثار مرتبطة بالواقع لا الظاهر. نعم، لا طريق لإثباتها، فلو كان الشفيع يعلم بالبيع لكونه حاضراً في مجلس العقد مثلاً، والبائع مقر به، فلِمَ لا تثبت الشفعة؟

الثاني: سلمنا أن الشفعة ترتبط بثبوت البيع، إلّا أنّها في المقام ثابتة في حق البائع لإقراره، وهو من مثبتات الحقوق، وإن لم تثبت في حقالمشتري، ولا إشكال في التفكيك في الأحكام الظاهرية(2).

الثالث: إن عدم حكم الحاكم بالبيع أوّل الكلام، بل عليه الحكم بذلك، وترتيب كل آثار البيع من جهة البائع، ولا محذور في التفكيك.

الدليل الثاني: إن الشفيع يتلقى الشقص من المشتري وحيث ينكره فلا

ص: 321


1- جواهر الكلام 38: 689 (37: 458 ط ق).
2- ولا يخفى أن دليل «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» رواية مرسلة في عوالي اللئالي [1: 223]، والبحث في اعتبار الكتاب ومؤلفه في محله، إلّا أن كثرة استناد الفقهاء إليها في كتبهم الفقهية وفتواهم بها يجعلها معتبرة، فهي مرسلة مجبورة بعمل المشهور، بل كاد أن يكون إجماعاً، حتى أن صاحب الوسائل ذكرها في الوسائل [23: 184] قال: وروى جماعة من علمائنا في كتب الاستدلال عن النبي| أنه قال: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»، مع أنّه التزم عدم نقل النبويات الواردة في الكتب الفقهية لخوف كونها عامية! (السيد الأستاذ).

بدّ وأن يتلقاه من البائع، وهو خلاف الإجماع.

وفيه نظر: فقد مرّ أن المشتري لو امتنع عن الأداء أو كان غائباً أو لم يتسلّمه من البائع جاز للشفيع أن يتلقاه حيث وجده ولو عند البائع، كما هو الحال في كل مالك، فإنه يأخذ ملكه حيث وجده، والشفيع مالك بمجرد الأخذ بالشفعة.

الدليل الثالث: إن الأصل عدم ثبوت الشفعة لكون الناس مسلطون على أموالهم، وقد خرج منه بالدليل الخاص موارد الشفعة، وحيث يشك أن المقام منه يرجع إلى الأصل الأوّلي.

وفيه نظر: لتخصيص الأصل بإطلاقات أدلة الشفعة الشامل للمقام،وليست الشبهة مصداقية فلا مجال للتمسك بالأصل الأوّلي.

الدليل الرابع: إن الإقرار لا يُثبت الموضوع الخارجي المترتب عليه حكم شرعي، وإنّما هو حجة على المقر فحسب، وفي المقام الإقرار المذكور لا يثبت البيع المترتب عليه الشفعة، بل هو حجة على البائع، وأقصى ما يثبته أن عليه أداء الشقص إلى المشتري، وحيث يمتنع فيكون مجهول المالك.

وفيه نظر: أوّلاً: لو كان الإقرار حجة على المقر فلازمه ثبوت كل موضوع يترتب على الإقرار بالدلالة الالتزامية العرفية، فيترتب عليه أحكامه، فلو أقر أنّه أوقف أرضه مسجداً فهو إقرار بأنّه ليس ملكاً له، ويثبت به الموضوع الخارجي، وهو المسجدية وتترتب عليه أحكامه.

وفي المقام كذلك، فحيث يقر على أنه باع فيثبت عدم ملكيته له ووجوب تسليمه، ويثبت الموضوع الخارجي وهو البيع، ويترتب عليه أحكام البيع

ص: 322

ومنها الشفعة، لكن حيث ينكر المشتري ذلك يثبت البيع بالنسبة إلى البائع دون المشتري.

وثانياً: لو كان الحق بين نفرين ولم يخرج منهما واعترفا به ثبت الحق، فيكون الشقص إمّا ملكاً للبائع أو للشفيع، وأمّا المشتري المنكر فهو خارج عن الموضع.

ثم إنّه بعد ثبوت حق الشفعة يعطى الثمن للحاكم الشرعي لكونهمجهول المالك إن أقر البائع بأنّه أخذه من المشتري.

وأمّا إن لم يقر بذلك فعلى الشفيع أن يؤدّيه للبائع، على احتمال ذكره في المسالك(1) وذلك من باب التقاص، لكنه بحاجة إلى تأمل؛ فإن إقرار البائع مسموع على نفسه، وأمّا عدم استلامه للثمن فإقرار على الغير.

إلّا أن يوجه ذلك بأن المشتري حيث ينكر البيع فهو منكر لإعطاء ثمنه للبائع أيضاً، والبائع ينكر ذلك والحق لا يعدوهما، فيثبت عدم استلام البائع للثمن، فيكون الثمن الذي بيد الشفيع إمّا للمشتري أو لا، فإن كان للمشتري فلا بدّ وأن يصل إلى البائع، وإن لم يكن للمشتري فحيث يأخذ الشفيع الشقص من البائع يؤدّي الثمن إليه.

والحاصل: إنّه إمّا وقع البيع خارجاً أو لا، وفي كلا الصورتين على الشفيع أداء الثمن للبائع؛ لأنّه على الأوّل الثمن للمشتري وقد اعترف بأنه لم يسلم شيئاً للبائع، فلا بدّ من تسليمه للبائع، وعلى الثاني فالشفيع يستلم المبيع من البائع فيؤدّي إليه ثمنه، فأخذ البائع للثمن حق على كل حال.

ص: 323


1- مسالك الأفهام 12: 378.

من مسائل التنازع

المسألة الأولى: لو ادعى أن شريكه اشتراه بعده فأنكره

اشارة

قال في الشرائع: «إذا ادعى أن شريكه ابتاع بعده فأنكر، فالقول قول المنكر مع يمينه، فإن حلف أنّه لا يستحق عليه شفعة جاز، ولا يكلفاليمين بأنّه لم يشتر بعده»(1).

وفي المسألة فروع:

الفرع الأوّل: لو ادعى الشريك سبق شراكته

لو ادعى أحد الشريكين أن له حق الشفعة على شريكه؛ لأنّه سبقه في الشراء، وأنكر الثاني، فإن أقام بينة حكم له، وإلّا كان القول قول المنكر؛ وذلك للزوم إحراز شرط الشفعة وهو بيع الشريك، وهو مشكوك في المقام، لاحتمال بيع المالك لهما معاً أو للآخر قبله، والمشروط عدم عند عدم شرطه أو الشك فيه.

ولا يجري في المقام استصحاب عدم تأخر بيع المالك للثاني؛ لأنّه معارض باستصحاب عدم التقدم أو التقارن، بالإضافة إلى أنه أصل مثبت؛ لأن أصل عدم تأخره مثبت لتحقق شرط الشفعة وهي الشراكة، فتثبت الشفعة بالواسطة.

ولا فرق في ذلك بين أن يكونا مجهولي التاريخ، أو يكون أحدهما معلوم التاريخ؛ للشك في تحقق الشرط في الصورتين؛ وذلك لأنّه لو باع للأوّل في

ص: 324


1- شرائع الإسلام 4: 790.

الجمعة فإن باع للثاني قبله فللأوّل الشفعة، وأن تقارنا أو تأخر فلا شفعة.

وأمّا جريان استصحاب المجهول إلى ما بعد المعلوم فمحل خلاف،وله آثار كثيرة في الفقه، وهو موكول إلى مباحث أصول الفقه.

الفرع الثاني: في كيفية الحلف

هل يكفي حلف المنكر على أنه لا حق لشريكه في الشفعة، أم يلزم الحلف على عدم تأخر شرائه عنه؟ وبعبارة أخرى: هل يكفي الحلف على نفي الأعم مع كون دعواه الأخص أم لا(1)؟

واستدل له بأن الحلف على الأعم مشمول لقوله|: «واليمين على من أنكر»(2)؛ لأن نفي الأعم مستلزم لنفي الأخص، كما لو ادعى عدم وجود فرس في الدار ثم حلف على عدم وجود الحيوان فيه، بخلاف عكسه، فإن نفي الأخص ليس نفياً للأعم، والتفصيل في كتاب القضاء.

الفرع الثالث: لو ادعى الشريكان استحقاق الشفعة

قال في الشرائع: «ولو قال كل منهما: أنا أسبق فلي الشفعة فكل منهما مدعٍ، ومع عدم البينة يحلف كل واحد منهما لصاحبه ويثبت الدار بينهما»(3).

بيانه: لو اختلف المشتريان فادعى كل منهما أنّه الأسبق في الشراءليكون

ص: 325


1- قد يحلف بالأعم لو كان لشريكه حق الشفعة لكنه أسقطه مثلاً، فلو أقرّ بأنه اشتراه من بعده لكنه أسقط حقه أصبح مدعياً، وكان عليه الإثبات، وحيث لا يمكنه الإثبات؛ لعدم الشهود يحكم عليه، ولأجل ذلك يحلف على نفي الأعم.
2- وسائل الشيعة 27: 293.
3- شرائع الإسلام 4: 790.

له حق الشفعة، فهل هذه دعوى واحدة لتكون البينة على المدعي فقط أو دعويان؟

والصحيح أن كل واحد منهما يدعي أسبقيته في الشراء وينكر أسبقية الثاني فهنا دعويان، فإن أقاما البينة تساقطتا، وكذا لو حلفا، فتنتفي الشفعة؛ لعدم إمكان إثباتها.

نعم، لو لم يرد أحدهما الأخذ بالشفعة فلم يدع شيئاً صار منكراً لدعوى الثاني، فإنه وإن كان في المآل مدعياً لأسبقيته إلّا أنه لم يرفع دعواه للحاكم، وقد ثبت في القضاء أن الملاك في المدعي والمنكر مصب الادعاء لا مآله.

وأمّا في الصورة الأولى حيث كلاهما مدعيان، فقد اختلف الفقهاء(1) في حكمها، فإمّا أن يسمع بينة المتقدم فيحكم له وتسقط بينة المتأخر، أو تتساقط البينتان واليمينان فالقرعة، أو يحكم للذي يجلس عن يمين صاحبه احتمالات، والمشهور هو الثاني، فلا وجه للحكم بمجرد أسبقية أحدهما في إقامة البينة، وسائر الاحتمالات ضعيفة.

الفرع الرابع: لو كان لأحدهما بينة بالشراء

قال في الشرائع: «ولو كان لأحدهما بينة بالشراء مطلقاً لم يحكم بها؛إذ لا فائدة فيها»(2).

بيانه: لو تداعيا، لكن أقام أحدهما البينة على أنّه اشترى، ولم يعلم أنّه اشترى قبل صاحبه أو بعده أو معه لم تنفع البينة؛ لأن النزاع ليس في الشراء

ص: 326


1- جواهر الكلام 38: 694 (37: 461 ط ق).
2- شرائع الإسلام 4: 790.

من المالك الأصلي، وإنّما في الأسبقية ليثبت له حق الشفعة، أمّا في أصل الشراء فلا خلاف فتكون البينة لغواً.

الفرع الخامس: لو شهدت البينة لأحدهما بالتقدم

قال في الشرائع: «ولو شهدت لأحدهما بالتقدم على صاحبه قضي بها»(1).

بيانه: إنّه لو شهدت البينة على أن زيداً اشترى قبل عمرو قضي بها؛ لأنّه مدعٍ وقد أقام البينة، فيشمله البينة على المدعي، وعمرو وإن كان مدعياً أيضاً لكنه لم يقم البينة؛ لذا يحكم بالبينة لصالح زيد فله حق الشفعة، فيأخذ حصة عمرو.

لكن أشكل عليه بأمرين:

الأوّل: ثبوت شراء زيد قبل عمرو، وهو موضع الشهادة، لكنه لا ينفع لإثبات الشفعة؛ لأنّه أعم منها، حيث يمكن فقد سائر الشرائط، فإن مجرد الأسبقية لا تنفع لإثبات حق الشفعة بعد عدم العلم بتحقق سائرشروطها، أو رفع موانعها.

الثاني: يلزم على البينة الشهادة على محل النزاع، وهو ثبوت حق الشفعة لزيد لا ثبوت التقدم له.

وفيهما تأمل: لأن المفروض اتفاق الطرفين على تحقق شروط الشفعة، والاختلاف إنّما هو في التقدم والتأخر، حيث يدعي كل واحد منهما التقدم.

وعلى فرض الاختلاف في ثبوت الشفعة، بأن ادعى أحدهما ثبوت حق

ص: 327


1- شرائع الإسلام 4: 790.

الشفعة له وادعى الآخر عدم تحقق شروطها، فشهدت البينة بالأسبقية للأوّل، ثبتت له الشفعة، حيث يلزم على صاحبه إثبات فقد شروط الشفعة؛ لأنّه مدعٍ وإلّا حلف صاحبه، ولا يقال بأصالة عدم تحقق الشروط، فإنه لو صح البيع ترتبت الأحكام ومنها الشفعة، ومنكر الشروط بحاجة إلى الإثبات.

الفرع السادس: لو كان لهما بينتان بالشراء

قال في الشرائع: «ولو كان لهما بينتان بالابتياع مطلقاً أو تاريخ واحد فلا ترجيح»(1).

بيانه: لو أقام الطرفان البينة فلا بدّ من ملاحظة متعلّق شهادتهما، فلوكان متعلّقها أصل الشراء لم ينفع؛ لما مرّ في الفرع السابق، فليس النزاع في أصل الشراء حيث يتفقان عليه، والشهادة على موضع الاتفاق لغو، وإنّما دعوى كل واحد منهما حق الشفعة على صاحبه.

ولو شهدتا بالعقد في تاريخ واحد فلا ترجيح؛ وذلك لتصديقهما معاً، ومعناه أن البيع لم يتحقق في ملك الآخر، وشرط الشفعة شراء أحدهما حين يكون الآخر مالكاً، فحيث ملكا معاً لم يتحقق شرط الشرط.

ولايخفى المسامحة في عبارة صاحب الشرائع؛ إذ في الشق الأوّل لا بدّ من القول بلغوية البينة، وإن كان لازم اللغوية عدم العمل بهما، فإن كلمة الترجيح إنّما تستخدم فيما لو صلحت البينتان في حد نفسهما، أمّا مع

ص: 328


1- شرائع الإسلام 4: 790.

اللغوية فلا صلاحية، وكذلك في الشق الثاني - فيما لو اتحد تاريخ الشهادتين - لأنّه يؤدّي إلى قبول الشهادتين، ونتيجته عدم ثبوت حق الشفعة.

بل لو رجح أحدهما لم ينفع أيضاً؛ لأنّه يؤدّي إلى كون أحدهما معلوم التاريخ والآخر مجهولاً لرد شهادته - مثلاً - ، فلا يستصحب المجهول كما مضى.

الفرع السابع: لو شهدت بينة كل منها بالتقدم

قال في الشرائع: «ولو شهدت بينة كل واحد منهما بالتقدم، قيل:يُستعمل القرعة، وقيل: سقطتا وبقي الملك على الشركة»(1).

بيانه: لو شهدت البينتان بتقدم كل واحد منهما فالعمل بإحداهما ترجيح بلا مرجح، فلا بدّ من القول بالقرعة على قول(2)، أو سقوط البينتين على قول آخر(3)، فيبقى الملك على الشركة.

أمّا القول الأوّل: فقد ذهب جامع المقاصد(4) إلى القرعة، ورجحه جمع من الفقهاء(5)؛ وذلك لتعارض البينتين وتساقطهما، فإن شمول الدليل لإحداهما ليس بأولى من شموله للأخرى، وكلما تساوى الدليلان الشرعيان وتعارضا حكم العقل بتساقطهما، بغض النظر عن الأدلة الخاصة من الروايات.

ص: 329


1- شرائع الإسلام 4: 790.
2- المبسوط 3: 135؛ مسالك الأفهام 12: 380؛ جامع المقاصد 6: 469.
3- مسالك الأفهام 12: 381؛ قال في جواهر الكلام 38: 698 (37: 464 ط ق): «ولكن لم نجد القائل به منّا».
4- جامع المقاصد 6: 469.
5- جواهر الكلام 38: 699.

لكن قد يقال باليمين، فإن نكل أحدهما قُضي لصاحبه، إلّا أنّه غير تام، فإن ظاهر دليل لزوم إقامة البينة عدم وصول النوبة إلى اليمين مع وجودها.

والحاصل: إنّه لا وجه لترجيح إحدى البينتين كما لا مورد للقسم،فيكون الأمر مشكلاً، والقرعة لكل أمر مشكل.

لكنه محل تأمل من جهتين:

الأولى: لا وجه لنفي اليمين بعد تساقطهما ومؤداه عدم وجودهما، كما هو الحال في التمسك بالأصول العملية بعد تساقط الدليلين المتعارضين، ولا يقال بعدم وصول النوبة إلى الأصول لوجود الدليل وهو الروايات المتعارضة؛ لأنها ساقطة عن الحجية فهي كالعدم، وكما هو الحال فيما لو أقام بينة فاسقة، حيث يصل الدور إلى اليمين؛ لأن البينة غير مجدية حينئذٍ وذلك لاشتراط العدالة.

وفي المقام كذلك، فإن شرط حجية البينة عدم معارضتها، ومع المعارضة يكون وجودها كالعدم، فتصل النوبة إلى اليمين.

الثانية: ما قيل: من ضعف سند روايات القرعة(1)، وإنّما يعمل بها في المورد الذي عمل المشهور بها فيه، وليس المقام منه.

لا يقال: إن عمل المشهور يجبر ضعف السند والدلالة، فتصبح القرعة حجة في جميع الموارد.

فإنه يقال: إن ما ذكر تام فيما لو كان عملهم بنحو الموجبة الكلية، فيجبر ضعف السند بشكل مطلق، أمّا في القرعة فإن عملهم بنحوالموجبة

ص: 330


1- لكن قد يقال: بصحة بعض أسنادها، وتحقيق ذلك في محلّه (السيد الأستاذ).

الجزئية؛ فإنه وإن كانت الرواية عامة إلّا أنهم رفعوا اليد عن عمومها، فتكون مجبورة بنحو جزئي.

القول الثاني(1): بقاء الملك على الشركة؛ لأنهما دعويان، ولا يمكن إثبات إحداهما بعد تساقط البينتين مع عدم وصول النوبة إلى اليمين، ولا مجال للقرعة.

وفيه نظر يظهر من خلال رد القول الأوّل.

فالأرجح ما اختاره صاحب المسالك(2) من جريان اليمين فيؤمران بالحلف، فإن حلف أحدهما ثبت له الحق.

لا يقال: إن متعلّق الإنكار هو أسبقية الآخر، وثبوت عدم أسبقيته لا يثبت الحق للأوّل، وإنّما يثبت مجرد عدم الأسبقية، وإثبات الحق للأوّل متوقف على إثبات الأسبقية له.

وبعبارة واضحة: إن الأوّل مدعٍ لأسبقيته ومنكر لأسبقية الثاني، فلو لم يثبت دعواه لتعارضت البينتان ووصل الدور إلى اليمين، فإنه يحلف على عدم أسبقية الثاني فيسقط دعوى الثاني فقط، فكيف يثبت حق الشفعة للأوّل بمجرد سقوط دعوى أسبقية الثاني؟

فإنّه يقال: بعد اتفاق الطرفين على أسبقية أحدهما، فإن لازم حلفأحدهما على عدم أسبقية الآخر ثبوت الأسبقية له لاتفاقهما على عدم التقارن، وليس ذلك من الأصل المثبت؛ لأن البينة والقسم ليسا من الأصول

ص: 331


1- مسالك الأفهام 12: 381.
2- مسالك الأفهام 12: 381.

العملية حتى ينفى حجية لازمها، بل هما من الحجج الشرعية التي يثبت بها متعلّقه ولوازمه.

نعم، لو حلفا معاً تساقطا، فلا طريق لإثبات الشفعة لأحدهما فتستمر ملكيتهما، وكذا لو نكلا عن الحلف.

المسألة الثانية: لو اختلفا بين البيع والإرث

اشارة

قال في الشرائع: «إذا ادعى الابتياع وزعم الشريك أنه ورث، وأقاما بينة قال الشيخ: يقرع بينهما لتحقق التعارض»(1).

وقد مرّ سابقاً اختصاص الشفعة بالبيع دون غيره من الأسباب المملكة، فلو تنازع الطرفان في سبب الملكية فقال أحدهما: إن صاحبه اشتراه وقال الآخر، بل ورثه فمع فرض تشخيص المدعي تكون البينة عليه، ولا تسمع بينة الثاني، ومع فرض التداعي كانت وظيفة الطرفين إقامة البينة، فلو أقاماها سقطتا، وانتقل الأمر إلى القرعة. وفي المسألة قولان:

القول الأوّل: إن المدعي هو من يدعي الشفعة فتسمع بينته دون الآخر.

واستدل له بأدلة:الدليل الأوّل: ما ذكره الفقهاء كالشيخ الطوسي(2) وغيره من أنّه على مدعي الوراثة اليمين فيكون القول قوله، مما يكشف أنّه منكر، وليس الأمر من باب التداعي.

وفيه: إنّه أوّل الكلام فلا بدّ من التمسك بدليل آخر.

ص: 332


1- شرائع الإسلام 4: 790.
2- المبسوط 3: 129.

الدليل الثاني: انطباق قاعدة (المدعي إذا ترك ترك) على مدعي البيع والشفعة، فإنّه لو ترك دعواه انتهى النزاع بخلاف مدعي الإرث.

وفيه: ما مرّ سابقاً من عدم الدليل على القاعدة المذكورة، وإنّما هي مجرد قاعدة مصطيدة تنطبق على مواردها غالباً لا دائماً، وتفصيل الكلام في القضاء.

الدليل الثالث(1): إن مدعي البيع يطلب انتزاع ملك صاحبه بدعوى الشفعة، فيكون مدعياً دون مدعي الإرث، حيث ينكر ثبوت حق الانتزاع لصاحبه.

وفيه: ما مرّ من ملاحظة مصب الدعوى دون المآل، وفي المقام ليس المصب انتزاع الملك وعدمه وإنّما المصب البيع لا الإرث أو الإرث لا البيع. نعم، نتيجة ذلك أنّه لو ثبت البيع ثبتت الشفعة، ولو ثبت الإرث لمتثبت الشفعة.

الدليل الرابع(2): قد لا تتعارض البينتان، حيث تشهد بينة الإرث بظاهر الحال من ملكية المورث واستصحابها إلى موته فيكون إرثاً، بينما تشهد بينة البيع بعلمها بانتقاله إلى الوارث بالبيع قبل موت المورث، ولا منافاة بينهما، فإن الأولى عملت بالظاهر والثانية بالواقع، وهما في مرحلتين، وبذلك يثبت بينة البيع لا الإرث، ولذا قال في جامع المقاصد: «ولأنّه ربما لم يكن بين البينتين تعارض في بعض الصور؛ إذ بينة الإرث ربما عولت على أصالة بقاء الملك إلى حين الموت فانتقل بالإرث؛ لعدم علمها بصدور البيع، فإن

ص: 333


1- جواهر الكلام 38: 699-700 (37: 465 ط ق).
2- جامع المقاصد 6: 470؛ مسالك الأفهام 12: 382.

استنادها في ذلك إلى الاستصحاب كافٍ، فبينة الشراء مطلقة على أمر زائد لم يكن للأخرى علم به»(1).

وفيه: إنه يثبت به الحكم في بعض الموارد على نحو الموجبة الجزئية، لكن قد تدعي بينة الإرث العلم بعدم البيع فيحصل التعارض.

الدليل الخامس: تطبيق قاعدة بينة الداخل والخارج، فالأرض بيد الوارث فيكون بينته بينة الداخل، والشريك يدعي البيع ويريد انتزاعها منه فبينته بينة الخارج.

وفيه: ما مرّ من أن ترجيح بينة الخارج إنّما هو قاعدة مصطيدة منموارد مختلفة، لكن لم يدل عليها دليل، ومنشؤها إرجاع الخارج إلى كونه مدعياً، والداخل إلى كونه منكراً، لكن قد ينعكس الأمر خارجاً، فيكون الداخل مدعياً.

والحاصل: إنّه لا دليل لإثبات كون مدعي الشفعة مدعياً ومدعي الإرث منكراً، بل هو من مصاديق التداعي، فتتعارض البينتان وتتساقطا. فيأتي دور القرعة، كما ذهب إليها الشيخ الطوسي(2)؛ لأنها لكل أمر مشكل.

إلّا لو ضعّفنا دليلها واشترطنا في جريانها عمل الفقهاء، وحيث لم يتحقق الشرط في المقام فلا يمكن المصير إليها.

كما لا تجري قاعدة العدل؛ لأن أمر الشفعة بين النفي والإثبات، ولا تجري في نصف الأرض دون نصفها حيث لا تقبل الشفعة التبعيض، فإنّه

ص: 334


1- جامع المقاصد 6: 470.
2- المبسوط 3: 129.

وإن كانت النتيجة حقاً مالياً إلّا أن الشفعة إمّا تثبت فيعطى له كل الشقص، أو ينفى فلا يعطى له شيء(1)، فتصل النوبة إلى الأصول العملية،والأصل عدم ثبوت حق الشفعة، ولا يراد منه أصل عدم البيع؛ لأنّه يتعارض مع أصل عدم الإرث، بل المقصود أصل عدم تحقق شرط البيع، أو تجري أصالة البراءة في الحكم، حيث يشك في ثبوت حكم الشفعة فيكون الأصل عدمه.

هذا وقد يقال: بلزوم ملاحظة مصب الدعوى، وبه يختلف الأمر، فيصبح مدعي الإرث مدعياً تارة منكراً تارة أخرى، ولا بأس به.

مثلاً: لو قال مدعي الشفعة: إن صاحبه اشتراه، فقال الوارث: لم اشتر، كان مصب الدعوى الشراء وعدمه، فيظهر المدعي من المنكر، وأمّا لو قال: ورثت كان من التداعي.

فرع: لو صدق البائع الشفيع

قال العلامة في القواعد: «ولو صدّق البائع الشفيع لم تثبت»(2).

بيانه: إنّه لو صدّق مالك الأرض الشفيع بأن قال: بعت سهماً لزيد ثم بعت سهماً ثانياً لعمرو، لا أنني بعته لزيد وعمرو معاً، ثم مات عمرو فورثه ابنه، لم يؤخذ بقوله ولم تثبت الشفعة؛ وذلك لأنّه شهادة على فعل نفسه،

ص: 335


1- لا وجه لعدم جريان قاعدة العدل والإنصاف - بناءً على شمولية القاعدة لجميع الموارد المالية - فإن المقام من الموارد المالية، فيمكن التنصيف من حيث المآل فيأخذ مدعي البيع بالشفعة ثم يسلم له نصف الأرض؛ وذلك لأنه بعد أخذه بالشفعة المشكوكة يحصل الشك بأن الأرض هل هي للوارث إن لم تصح الشفعة، أو للشفيع إن صحت؟ فيكون من قبل المال المردد بين مالكين فيقسم بينهما (المقرر).
2- قواعد الأحكام 2: 262.

وهي غير مقبولة؛ ولأنه مورد التهمة، ولأنه إقرار على الغير.

وقد مرّت المناقشة في هذه الوجوه حيث قلنا: إنّه من باب الشهادة لا الإقرار فيقبل منه مع توفر شروطها، ومجرد التهمة لا تقيد إطلاق دليلالشهادة، كما أن دليل الشهادة شامل للشهادة على فعل النفس لو كان متعلّق حق الغير.

والحاصل: لا مانع من قبول قوله بعنوان أحد الشاهدين.

وقال في الجواهر: «وليست الشفعة من حقوق العقد التي يقبل فيها قول البائع باعتبار كونه إقراراً في حق نفسه، وإنّما الشفعة حق ثابت بالاستقلال للشريك بسبب البيع»(1).

بيانه: هنالك حقوق ترتبط بالعقد يقبل إقرار البائع فيها، كما لو قال: خطوت بعد العقد خطوات مما يستلزم سقوط خيار المجلس، أمّا لو قال: بعته لعمرو مما يستلزم ثبوت حق الشفعة لم يقبل إقراره؛ لأنها حكم شرعي مستقل للشريك، فيكون إقراراً على الغير ولا يرتبط بحقوق البائع.

ولا يخفى أنه لا بدّ من إضافة قيد ليتم الحكم المذكور في الجواهر، وهو الحقوق الثابتة للبائع لا مطلق الحقوق المتعلّقة بالعقد.

المسألة الثالثة: لو تنازعا في بطلان البيع

لو كان الثمن معيناً(2)، ثم ادعى بعضهم أنّه مغصوب، فلو ثبت بطل

ص: 336


1- جواهر الكلام 38: 701 (37: 466 ط ق).
2- بخلاف ما لو كان الثمن كلياً فأدى مصداقاً مغصوباً، حيث يبطل المصداق الذي أداه دون البيع، وعليه أن يؤدّي مصداقاً آخر.

البيع؛ لأنّه متقوم بالثمن والمثمن، وقد وقع البيع على الجزئيالشخصي.

وللتنازع المذكور صور ثلاث:

الأولى: أن يدعي المتبايعان ذلك وينكره الشفيع.

الثانية: أن يدعي الشفيع والمشتري ذلك وينكره البائع.

الثالثة: أن يدعي الشفيع والبائع ذلك وينكره المشتري.

أمّا الصورة الأولى فقد قال في الشرائع: «إذا تصادق البائع والمشتري أن الثمن غصب، وأنكر الشفيع فالقول قوله، ولا يمين عليه إلّا أن يُدّعى عليه العلم»(1).

وفي المسألة قولان:

القول الأوّل: ما في الشرائع من ترجيح قول الشفيع، واستدل(2) له بعدم نفوذ الإقرار على الغير، فإقرارهما نافذ في حق نفسيهما لا الشفيع فلا يثبت إلّا بالبينة.

ولا وجه لحلف الشفيع لعدم كونه منكراً حيث لا ادعاء عليه، بل دعواهما على بطلان البيع فقط. نعم، لو ادعيا علم الشفيع ببطلان البيع كان عليه اليمين.وقد يستدل بالاستصحاب(3) أيضاً، حيث ثبتت الشفعة له بظاهر الشرع فتستصحب.

ص: 337


1- شرائع الإسلام 4: 790.
2- الفقه 79: 444.
3- جواهر الكلام 38: 706 (37: 469 ط ق)؛ الفقه 79: 444.

ولكنه غير تام؛ لكونه مصداق قاعدة اليقين لا الاستصحاب، والأدلة لا تشملها، والكلام في محله.

القول الثاني(1): التفصيل بين ما لو أخبرا ببطلان البيع رأساً، وبين ما لو اعترفا بصحته ثم ادعيا بطلانه.

بيانه: تارة يخبر أحد الشريكين صاحبه بأنه باع الشقص بيعاً باطلاً لتبين كون الثمن مغصوباً، فهنا حيث لا علم بوقوع البيع إلّا عن طريق الشريك وبيانه، فلا إقرار بتحقق البيع أصلاً، بل إخبار بوقوعه باطلاً. وتارة يخبره بتحقق البيع ثم بعد ساعة يخبر ببطلانه، فهنا يتم الإقرار ثم ينفى.

ويمكن إرجاع هذا القول إلى القول الأوّل بأن يقال: إن مراد القائل بالقول الأوّل هو الشق الثاني من التفصيل المذكور، وعليه فلا منافاة بين القولين.

ثم إنّه بعد إقرارهما ببطلان البيع حُق للشفيع الأخذ بالشفعة؛ لعدم نفوذ إقرارهما في حقه، وفي أداء ثمنها احتمالان:الاحتمال الأوّل: ما رجحه السيد الوالد في الفقه(2) وهو الأقرب: من أن الشفيع يؤدّي الثمن للشريك لا المشتري.

أمّا وجه عدم أدائه للمشتري مع أنه لا بدّ من أداء ثمن الشفعة إلى المشتري هو إقراره بعدم استحقاقه للثمن، فلا وجه لإدائه له، وأمّا وجه أدائه للشريك هو أن الشفيع يقبض الشقص منه، فإن البائع يرجع الثمن المغصوب إلى صاحبه، وحيث يؤخذ منه الشقص قهراً بحكم الشرع أخذ

ص: 338


1- الفقه 79: 444.
2- الفقه 79: 445.

الثمن من الشفيع مقاصة لا بعنوان الشفعة.

الاحتمال الثاني: ما ذكره في المسالك وأيده في الجواهر(1) بزيادة شرط قد يكون مرجعه إلى الاحتمال الأوّل مع شيء من التفاوت، وهو: أداء الثمن إلى المشتري وهو يؤدّيه إلى البائع مقاصة.

وأشكل عليه في الجواهر(2) بأن المشتري لو رضي بذلك فلا بأس به، أمّا مع عدم رضاه فلا وجه لإجباره، فإنه مع بطلان البيع لا يكون المشتري مالكاً، ولا يأخذ الشفيع الشقص منه فبأيّ وجه يلزم على أخذ الثمن لإيصاله إلى البائع.

ثم إنّه قد يتفاوت الثمن مع قيمة الشقص، كما لو باعه بأقل أو بأكثرمن قيمته، فلا بدّ من ملاحظة قيمة الشقص بناءً على المقاصة، أو الثمن بناءً على ثبوت الشفعة، فهنا صورتان:

الأولى: أن يكون الثمن أكثر من القيمة، فعلى الشفيع أن يؤدّي الأكثر؛ لصحة البيع عنده بظاهر الشرع وقد أخذ الشقص شفعة، وأمّا البائع فلا يحق له أخذ الأكثر، وإنّما يأخذ الأقل مقاصة.

وأمّا حكم التفاوت فمحله الحاكم الشرعي؛ لأنّه مال لا يدعيه أحد كما في المسالك(3)، لكن أشكل عليه في الفقه(4) بعدم إطلاق القاعدة المذكورة

ص: 339


1- مسالك الأفهام 12: 386؛ جواهر الكلام 38: 706 (37: 469-470 ط ق).
2- جواهر الكلام 38: 706 (37: 470 ط ق).
3- مسالك الأفهام 12: 386.
4- الفقه 79: 445.

مع العلم الأجمالي بكونه لأحدهما، فلا تصل النوبة إلى الحاكم، فإنه محل للأموال العامة لا المعلوم مالكها تفصيلاً أو إجمالاً، فلا بدّ من تقسيمه بين الشفيع والبائع لقاعدة العدل والإنصاف؛ لأنّه إن صح البيع فالتفاوت للبائع، وإن لم يصح فللشفيع، فهو مردد بينهما فينصف.

الثانية: أن تكون القيمة أكثر من الثمن، فعلى الشفيع أداء الأقل حسب الثمن المتفق عليه، ولا يحق للبائع التقاص من الشفيع؛ لأن الشفعة ثبتت بالحكم الشرعي، ولا يحق إبطال حكم الحاكم وإن علم بطلانه، ودعوى البائع لا تثبت شيئاً في ذمة الشفيع، فتأمل.هذا كله في الصورة الأولى.

أمّا الصورة الثانية والثالثة: فهي بأن يتفق الشفيع مع المشتري أو مع البائع على غصبية الثمن، فلا يحق له الأخذ بالشفعة لإقراره ببطلان البيع.

ويفرق بين الصورتين من جهة أخرى، وهي: إنّه لو اتفق الشفيع مع المشتري فعلى المشتري أداء الثمن إلى مالكه، ولا يحق له مطالبة الثمن الذي يدّعى غصبيته من البائع؛ لأنّه منكر للغصبية فلا شيء عليه.

ولو اتفق الشفيع مع البائع على الغصب فعلى البائع أداء الثمن إلى مالكه المغصوب منه حسب كلام البائع كما عليه أداء الشقص إلى المشتري، ولا يحق له منعه منه؛ لأنّه إقرار في حق الغير.

المسألة الرابعة: فيما لو قال اشتريته لفلان

قال العلامة في القواعد: «فإن قال الخصم: اشتريته لفلان سئل، فإن صدق ثبتت الشفعة عليه... وإن كان المنسوب إليه غائباً انتزعه الحاكم

ص: 340

ودفعه إلى الشفيع إلى أن يحضر الغائب، ويكون على حجته إذا قدم»(1).

وحاصلها: إنّه إذا ادعى المشتري أنّه لم يشترِ الشقص لنفسه وإنّما اشتراه لزيد، فإن كان زيد حاضراً سأله الحاكم، فإن صدّقه ثبت للشفيعحق الشفعة، وإن كان غائباً فللشفيع حق الشفعة إلى أن يرجع الغائب. وفي المسألة أقوال ثلاثة:

القول الأوّل: ما ذكره العلامة(2) واستدل له بأمور:

الدليل الأوّل(3): إن الغائب إمّا مصدّق أو مكذّب، وعلى الأوّل يثبت الشراء له، ولا فرق في الشفعة بين أن يكون الشراء لنفسه أو لغيره، وعلى الثاني فإن البيع تام بظاهر الشرع، وتكذيب الوكالة لا يضر به؛ لعدم تقوّم البيع بالوكالة حين العقد، ودعوى المشتري الوكالة مع تكذيب الموكّل إقرار على الغير ولا يسمع.

وبناءً على هذا الدليل لا وجه للتفصيل المذكور بين الحاضر والغائب، فإن الشفعة ثابتة على كل حال، سواء صدق أم كذب، بخلاف المطلوب حيث إن مفهوم كلام العلامة عدم ثبوت الشفعة مع التكذيب.

الدليل الثاني(4): إن التأخير حتى حضور الغائب مستلزم لسقوط حق كل شفيع، حيث يمكن لكل مشترٍ أن يدعي الوكالة عن شخص غير موجود

ص: 341


1- قواعد الأحكام 2: 263.
2- قواعد الأحكام 2: 263.
3- تذكرة الفقهاء 12: 301؛ مفتاح الكرامة 18: 774.
4- تذكرة الفقهاء 12: 301.

للفرار عن الشفعة، فيحق له التصرف حتى يحضر فيضيع الحق.وفيه: إن هذا الدليل متقوم بمقدمتين:

الأولى: إن التأخير مسقط للشفعة.

الثانية: إن الحق يضيع بسبب التأخير.

أمّا الأولى فلا وجه لها؛ لما مرّ من التأمل في شرط الفور، بالإضافة إلى أنّه عذر فلا يسقط به الشفعة.

وأمّا الثانية: فإن إمكان الدعوى المذكورة متأتٍ في سائر المقامات، فلا يختص بما ذكر، حيث يمكن لكل مشترٍ أن يدعي كونه هبة معوضة مثلاً، فيسقط به الحق، فقد مرّ اختصاص الشفعة بالبيع دون غيره، بالإضافة إلى عدم التفات الكثير من المشترين إلى ذلك.

الدليل الثالث(1): إن انتظار الغائب مستلزم لضياع حق الشفيع؛ لتأخر شفعته إلى حضوره بخلاف الحاضر.

وفيه: أوّلاً: بالضرر في عكسه، فيما لو انتزعت الشفعة فحضر الغائب وأثبت عدم حق الشفعة، فيكون انتزاع ملك الغائب ضرراً عليه، فكما يمكن القول بالضرر على الشفيع في التأخير لاحتمال وجود الشفعة، كذلك يمكن القول بالضرر على المشتري في التعجيل لاحتمال عدم وجود الشفعة.

وثانياً: لا بدّ من إثبات الشفعة أوّلاً حتى يقال: إن تأخير الأخذ بهاموجب للضرر، وفي المقام أصل حق الشفعة غير ثابت، فلا معنى للقول بكون التأخير موجباً للضرر.

ص: 342


1- جامع المقاصد 6: 478.

وبعد رد الدليل الثاني والثالث وتمامية الدليل الأوّل تثبت الشفعة، وإمكان وجود عذر يبطل الشفعة منفي بإطلاقات أدلة الشفعة.

القول الثاني(1): عدم إمكان الأخذ بالشفعة ما دام الموكّل غائباً.

ويظهر دليله من خلال القول الأوّل وهو: إمكان وجود حجة يسقط بها الشفعة.

وقد ظهر ضعفه مما سبق من أن الإمكان المذكور لا يقيد إطلاقات أدلة الشفعة.

القول الثالث(2): التفصيل بين البيع الفضولي والبيع وكالة أو ولاية.

أمّا على الأوّل فالبيع الفضولي ليس ثابتاً حتى تثبت الشفعة لأنها فرعه، ويتوقف على حضور الغائب، فإن أجاز ثبت فثبتت، أمّا على كون الإجازة ناقلة فلا بحث؛ لتحققه من حينها فتثبت الشفعة، وأمّا بناءً على كونها كاشفة فيكشف عن صحة البيع من الأوّل، ولا يسقط حق الشفعة بالتأخير؛ لكونه عذراً.

وأمّا على الثاني فقد ذهب بعض الفقهاء(3) إلى ثبوت الشفعة لثبوتالبيع، وذهب بعض(4) إلى عدم ثبوت الوكالة حتى يحضر الغائب، حيث لا يثبت شيء بمجرد الدعوى، فلا يعلم كونه بيعاً فضولة أو وكالة وولاية،

ص: 343


1- تحرير الأحكام 4: 583.
2- الفقه 79: 450.
3- مجمع الفائدة والبرهان 9: 42.
4- الفقه 79: 450.

وحيث إن أصل البيع غير معلوم فلا شفعة لتوقفها عليه.

ويمكن الجمع بين الأقوال بهذا البيان: إنّه تارة يدّعى حين البيع أنّه فضولي أو وكيل فلا شفعة في الأوّل؛ لعدم ثبوت البيع، وعلى الثاني إن ثبتت الوكالة ثبتت الشفعة وإلّا فلا؛ لعدم العلم بثبوت البيع.

وتارة لم يدّعِ حين البيع أنه فضولي أو وكيل ثم ادعى ذلك، فتثبت الشفعة على كل تقدير؛ لما مضى من صحة البيع بظاهر الشرع، وعدم سماع دعواه بعد ذلك.

المسألة الخامسة: لو ادعى الشراء للمولّى عليه

لو ادعى الشراء للمولّى عليه، فهل يثبت للشريك حق الشفعة بإقراره؟

للمسألة صورتان:

الأولى: أن تكون دعوى الشراء وكونه للمولّى عليه في إقرار واحد.

الثانية: أن يدعي أوّلاً أن ما بيده للمولّى عليه ثم يدعي أنه اشتراه.

أمّا الصورة الأولى: فقد احتمل العلامة في القواعد فيها احتمالين، حيث قال: «وإن قال اشتريته للطفل وله عليه ولاية، احتملثبوت الشفعة؛ لأنّه يملك الشراء له فيملك إقراره فيه، والعدم لثبوت الملك للطفل»(1):

أمّا الاحتمال الأوّل: فهو إن من حق الولي الشراء لمصلحة الطفل، فله كل الحقوق المرتبطة بالشراء ومنها الإقرار، فتثبت الشفعة.

وأمّا الحكم بحقه في الشراء دون حقه في الإقرار به فهو تفكيك بين

ص: 344


1- قواعد الأحكام 2: 263.

اللازم والملزوم(1).

وأمّا الاحتمال الثاني: فهو إن الإقرار نافذ في حق نفسه لا غيره، فالإقرار بكون ما بيده للطفل إقرار على النفس فيسمع، وأمّا إقراره بالشراء له مما يستلزم الشفعة عليه فإقرار على الغير فلا يسمع.

والترجيح مع الأوّل، فإن المستند في المقام ليس الإقرار حتى يقال بعدم نفوذه في حق الغير، وإنّما المستند اليد وقول ذي اليد حجة، فيثبت كل ادعاء له فيما بيده.

ثم إن السيد الوالد في الفقه(2) ذكر أن قيد (وله عليه ولاية) مستغنى عنه، فإن ذا اليد لا تثبت ولايته بمجرد الدعوى، بل عليه البينة، إلّا أنّه إقراره على ما في يده حجة، فتثبت ملكية الطفل.وأمّا الصورة الثانية: فهي أن يقر أوّلاً أن ما بيده إنّما هو للطفل ثم يقر بأنه اشتراه له، وفي هذه الصورة قال العلامة: «فإن اعترف - بعد إقراره بالملكية للغائب أو للطفل - بالشراء لم تثبت الشفعة»(3).

واستدل(4) له: بأن الإقرار الأوّل على نفسه فيسمع، أمّا الثاني فعلى الغير فلا يسمع.

ص: 345


1- لكن لا مانع من التفكيك بين المتلازمين في الأحكام الشرعية، كما ثبت في الفقه والأصول وله أمثلة متعددة، فراجع (المقرر).
2- الفقه 79: 453.
3- قواعد الأحكام 2: 263.
4- إيضاح الفوائد 2: 229؛ جامع المقاصد 6: 479؛ مفتاح الكرامة 18: 778.

إن قلت: لا فرق بين الإقرارين، سواء كانا بصيغة واحدة أم بصيغتين، فإن اليد إن كانت حجة نفعت في الصورتين، فإن إطلاقات حجتيها تثبت صحة كل دعوى تتعلّق بما في اليد.

قلت: حجية اليد إنّما هي في ظرف الشك وعدم العلم، فيثبت كل دعوى بلحاظ أن صاحبها هو المالك، أمّا لو علم بأنه ليس مالكاً بإقراره فلا، كما لو اعترف أن ما بيده ملك لزيد ثم قال باعه زيد لعمرو فلا يثبت البيع؛ لأن إقراره في حق غيره، وقد علم أن ما بيده ليس له، فتأمل.

المسألة السادسة: لو أنكر المشتري شراكة الشفيع

لو أنكر المشتري شراكة الشفيع بأن أراد الشريك الأخذ بالشفعة فادعى المشتري أنه ليس مالكاً وإنّما غاصب فلا تثبت الشفعة؛ للزوم إثباتالشراكة أوّلاً.

قال العلامة في القواعد: «ولو أنكر المشتري ملكية الشفيع افتقر إلى بينة، وفي القضاء له باليد إشكال»(1).

واستدل(2) له بضعف دلالة اليد على الملكية؛ ولذا ترجح البينة عليها، فإن وجود الشيء باليد أعم من الملك، فقد يكون إجارة أو عارية أو غصباً، فيقتصر في حجية اليد على موردين:

الأوّل: عدم انتزاعه من ذي اليد بمجرّد الدعوى عليه.

ص: 346


1- قواعد الأحكام 2: 263.
2- كنز الفوائد 1: 709؛ إيضاح الفوائد 2: 228؛ جامع المقاصد 6: 481؛ مفتاح الكرامة 18: 782.

الثاني: عدم مطالبته بالبينة.

والحاصل: لا يثبت باليد انتزاع ملك الغير قهراً الذي هو يخالف الأصل.

وفيه تأمل: لأن دليل اليد مطلق يثبت به الملك فيثبت كل لوازمه، فيصح بيعه وإجارته، كما يرثه الوارث ولو أفلس باعه الحاكم، والحاصل: إن كل آثار الملك جارية.

نعم، عند تعارض الأدلة قد يكون بعضها أقوى من بعض فيرجح، وليس معنى ذلك عدم جريان أحكامه عند عدم التعارض.والحاصل: مَن يدعي أن ذا اليد غاصب عليه البينة، وإلّا ثبت حقه في الشفعة؛ لثبوت يده الدالة على ملكه، فإشكال العلامة محل تأمل.

نعم، يحق للمدعي مطالبته بالحلف، فإن القضية ترتبط به حيث يدّعي انتزاع ملكه منه.

المسألة السابعة: لو ادعى المشتري على أحد وارثي الشفعة العفو

اشارة

قال العلامة في القواعد: «ولو ادعى على أحد وارثي الشفعة العفو فشهد له الآخر لم يقبل، فإن عفا وأعاد الشهادة لم تقبل؛ لأنها ردت بالتهمة، ولو شهد ابتداء بعد العفو قبلت»(1).

بيانها: إنّه لو مات الشفيع فورثه اثنان، فادعى المشتري أن أحد الوارثين وهب حق شفعته، وشهد له الوارث الثاني منضماً إلى شاهد آخر أو يمين.

وهنا فروع:

ص: 347


1- قواعد الأحكام 2: 264.
الفرع الأوّل: أن يشهد أحد الوارثين على الآخر

وفيه صور ثلاث:

الصورة الأولى: أن يشهد على عفو أخيه من دون أن يعفو هو عن حقه، فترد شهادته؛ وذلك لأنّه متهم بجر النفع إلى نفسه، حيث ذهب المشهور - كما مرّ - أن كل حق الشفعة يصبح للوارث الآخر لو عفا الوارث الأوّل، وبعبارة أخرى: يصبح الوارث الثاني مدعياً لكل الشفعة لاشاهداً.

وفيه تأمل مبنىً: بشمول إطلاقات أدلة الشهادة للشاهد وإن كان منتفعاً بطريقة غير مباشرة، مع توفر شروط الشهادة فيه، هذا أوّلاً.

وثانياً: ما مرّ لا دليل على انتقال حق أحد الوراث إلى الآخر فيما لو عفا، ونظيره فيما لو أعرض أحد الوراث عن سهمه من التركة فيصبح مباحاً أصلياً، ولا دليل على انتقال حصته إلى الآخرين، فمقتضى القاعدة أن كل وارث له حق الشفعة بمقدار سهمه فقط.

وثالثاً: قد لا يكون هنالك نفع للوارث الشاهد أصلاً، كما لو كان فقيراً لا يمكنه الأخذ بالشفعة، فالدليل أخص من المدعى.

ثم إنّه لو ادعى المشتري عفو الوارثين فإن أقام بينة وإلّا حلفا على العدم، فإن حلفا ثبتت الشفعة، وإن نكلا فإن قضينا بالنكول فهو، وإلّا رد اليمين على المدعي، فإن حلف سقطت الشفعة، وإلّا ثبتت لعدم الدليل على سقوطها.

ولو حلف أحدهما ونكل الآخر ثبتت الشفعة للحالف، وأعيد يمين الثاني إلى المشتري بناءً على عدم القضاء بالنكول.

ص: 348

وقد يقال(1): بعدم رد اليمين إلى المشتري لكونه لغواً لا يترتب عليه أثر؛ وذلك لأن الوارث الثاني يستولي على كل الشفعة على المشهور،فلا ينتفع المشتري بشيء. نعم، بناءً على غير المشهور من تبعّض حق الشفعة ثبت النفع للمشتري، حيث إن حلفه موجب لبقاء نصف الشقص بيده، ويحق له إبطال النصف الآخر بتبعّض الصفقة.

وأشكل عليه بأن المشتري ذو نفع حتى على مبنى المشهور، حيث لا تنحصر الفائدة فيما ذكره، فمثلاً: لو لم يحلف المشتري ثبت حق الشفعة للوارثين، أمّا مَن حلف فلحلفه، وأمّا مَن نكل فلبقاء حقه في الشفعة بعد عدم حلف المشتري، فيأخذ المشتري الثمن منهما، ولو حلف المشتري صار كل الشفعة للوارث الأوّل، فيأخذ المشتري كل الثمن منه، وعليه فإن حلف المشتري وإن لم يسبب سقوط الشفعة إلّا أن فائدته تسهيل الأمر عليه في أخذ الثمن.

الصورة الثانية: أن يعفو الوارث عن حقه أوّلاً ثم يشهد على عفو أخيه، وهنا تقبل شهادته على القولين؛ لعدم التهمة بجر النفع إلى نفسه فلا تبطل الشهادة.

الصورة الثالثة: أن يشهد الوارث بعفو أخيه أوّلاً ثم يعفو عن حقه، ثم يشهد ثانية فترد شهادته أيضاً مع خلوها من التهمة؛ وذلك لأن الشهادة المردودة لا تقبل ثانية بالاستصحاب(2).

ص: 349


1- جامع المقاصد 6: 488.
2- جامع المقاصد 6: 487.

لكنه ضعيف؛ لتبدل الموضوع بغض النظر عن المبنى، فلو شهدغير البالغ ثم بلغ وشهد ردت الأولى وقبلت الثانية، ولا وجه لاستصحاب الرد بعد تبدل الموضوع، بالإضافة إلى تعدد الشهادة.

والمقام كذلك، فالشهادة الأولى ترد للتهمة - على المبنى - ، أمّا الثانية حيث لا نفع فيها فلا وجه لردها، فتشملها إطلاقات أدلة الشهادة.

الفرع الثاني: أن يشهد الأجنبي بعفو أحدهما

قال في القواعد: «وإن شهد أجنبي بعفو أحدهما، فإن حلف بعد عفو الآخر بطلت الشفعة، وإلّا أخذ الآخر الجميع»(1).

بيانه: لو قال أحد الوارثين: أسقطت حقي وادعى المشتري أن الثاني أيضاً أسقط حقه، فشهد له الأجنبي مع ضم القسم إليه؛ لعدم كفاية الشاهد الواحد بطلت الشفعة كاملاً، نصفه بإقرار صاحب الحق ونصفه الآخر بشاهد ويمين.

الفرع الثالث: أن يشهد المشتري بعفو أحدهما

لو ادعى المشتري بأن أحدهما أسقط حقه وشهد له شاهد مع اليمين بطل حقه بنسبته، وبقي حق الآخر لعدم الإقرار ولا بينة، فيصير كل الشفعة للآخر على المشهور، وتتبعّض الشفعة على غير المشهور، ويكون للمشتري خيار تبعض الصفقة، ولو شهد البائع بعفو الشفيع قبلت.لكن أشكل عليه في جامع المقاصد(2) بأنّه متهم لجر النفع إلى نفسه؛

ص: 350


1- قواعد الأحكام 2: 264.
2- جامع المقاصد 6: 490.

وذلك لأن البائع إمّا قد استلم الثمن من المشتري فلا نفع له في الشهادة، وإمّا لم يستلم فيكون إبطال الشفعة بنفعه، حيث يجب على المشتري إعطاء الثمن للبائع، وقد يكون مفلساً فيحق للبائع فسخه، وأمّا لو ثبتت الشفعة فالشفعاء يؤدون الثمن للمشتري، وهو يؤدّيه للبائع.

ويشكل عليه بأنه أخص من المدعى، فقد يكون المشتري ثرياً، بالإضافة إلى ما مرّ من عدم رد شهادة كل من يجر النفع إلى نفسه.

المسألة الثامنة: لو أنكر المشتري شرط الشفعة

ذكر السيد الوالد في الفقه(1) أنّه لو أنكر المشتري اتحاد الشريك أو إسلامه أو بلوغه أو عقله، مما يستلزم عدم حق الشفعة له كان على الشفيع إثبات الوحدة؛ لأن شرط الشفعة ذلك، فعليه إثبات تحقق الشرط ولو عن طريق اليد بأن كانت يده على كل الشقص.

أمّا لو أنكر إسلامه فيكفي في إثباته قوله وإقراره، أمّا لو كان الشفيع ميتاً وادعى الورثة إسلامه فعليهم الإثبات.

ثم إن اللازم ثبوت إسلامه حين البيع لتثبت الشفعة، أمّا بعده فلا ينفع، إلّا أن يدعي الإسلام من قبل فيقبل منه؛ لأنّه لا يعرف إلّا من قبله.أمّا لو أنكر بلوغه فعليه إثباته؛ لأن الأصل عدم البلوغ، إلّا أن يثبت شرعاً، كتحقق علائمه.

أمّا لو أنكر عقله فأصالة الصحة هي المثبتة له، كما أن عليه بناء العقلاء،

ص: 351


1- الفقه 79: 459.

والظاهر عدم اتحادهما، فإن أصالة الصحة في الأفعال، فلو كان عاقلاً حمل على الصحة، فليس معنى الحمل على الصحة ثبوت عقله، بل لازمه ذلك.

كما أن الجنون بحاجة إلى دليل، فإن وجود العقل طبق الأصل ولا يحتاج إلى إثبات، وفي المقام أخذه بالشفعة يحمل على الصحة.

ص: 352

خاتمة

اشارة

فيها مسائل:

المسألة الأولى: تحديد الشقص

قال العلامة في القواعد: «ويطالب مدعي الشفعة بالتحرير، بأن يحدد مكان الشقص ويذكر قدره وكميته الثمن»(1).

وفي جامع المقاصد(2) بيان المراد بأنه لا بدّ من ذكر ما يميز محل الشفعة من غيرها حتى يكون واضحاً للحاكم، لا ذكر كل الخصوصيات.

والمسألة من مفردات ما ذكر في القضاء من أن على المدعي تحديد محل الدعوى، وإلّا فلا يسمع منه مع الجهل به.

أمّا الشقص الحاضر فالحكم متيسر عليه؛ لأن حضوره يميزه عن غيره بأعلى أنواع التمييز، أمّا لو كان المال غائباً فلا بدّ من تمييزه بما يسهل الحكم عليه.

لكن قد يقال: إن إطلاقات أدلة المرافعات شاملة للمجمل أيضاً، كما لو ادعى أن شريكه باع حصته من إحدى الأراضي التي هم شركاء فيها،فلا وجه لعدم استماع دعواه بعد إمكان إحضار المدعى عليه وطرح الدعوى

ص: 353


1- قواعد الأحكام 2: 262.
2- جامع المقاصد 6: 476.

عليه، فأن أقر بها وإلّا فعلى المدعي البينة، فإن أقامها - ولو بشهادة إجمالية بأصل البيع دون الخصوصيات - أجبر الحاكم المدعى عليه على التمييز، وإلّا فعلى المنكر اليمين.

وبعبارة أخرى: تارة لا يمكن تحرير محل الدعوى أصلاً حتى للحاكم فالاستماع إلى الدعوى لغو، وتارة يمكن ذلك باستدعاء الشريك، فلا وجه لعدم الاستماع.

وقال في مفتاح الكرامة(1): ويطالب مدعي الشفعة بالتحرير، ودعواه مسموعة إن كان لها وجه صحيح، وإلّا لم يسمع لأنّه باطل.

كما لو ادعى الشفعة على الجار من دون أن يكون شريكاً للبائع.

المسألة الثانية: لو أخذ بالشفعة لم يحق له إبطالها

لو أخذ بالشفعة لم يحق له إبطالها إلّا أن يرضى المشتري فتكون إقالة، كما في سائر الحقوق، إلّا فيما جعل الشارع لفسخه طريقاً خاصاً كالنكاح، وفي المقام لو ندم الشفيع ففسخ ولم يرضَ المشتري لم يمكن إدخال الشقص في ملكه إلّا برضاه؛ لأن الشفعة إيقاع لازم.

المسألة الثالثة: لو لم يسلم المشتري الشقص للشفيع

لو لم يسلم المشتري الشقص للشفيع(2)، فان أمكن إجباره عبر الحاكم الشرعي فهو، وإن صبر فله ذلك، وإلّا ففيه احتمالان:

ص: 354


1- مفتاح الكرامة 18: 772.
2- تم بحث عكس المسألة سابقاً، وهو أن الشفيع لم يؤد الثمن فيكون للمشتري حق الفسخ إلى ثلاثة أيام في المدينة، ومع احتساب الطريق في غيرها.

الأوّل: التقاص؛ لأن الثمن الذي هو ملك المشتري بيد الشفيع فيأخذه تقاصاً. وفي التقاص لا يراعى الثمن وإنّما القيمة، فلو كانت قيمة الشقص أكثر من الثمن أخذ الشفيع الثمن وطالبه بالزيادة. ولو كان الثمن أكثر من قيمة الشقص لزم على الشفيع إرجاع التفاوت إلى المشتري، إلّا أن يقال بتضرر الشفيع فيستحق كل الثمن.

الثاني: فسخ الشفعة. لكن الفسخ مع عصيان أحد المتعاملين بحاجة إلى دليل، فهل أن مجرد عدم تسليم الشقص مسوّغ للفسخ؟

إلّا أن يقال بتحقق ملاك الرضا؛ لأن معنى عصيان المشتري هو عدم قبوله للشفعة مما تكون نتيجته الرضا بالفسخ، فتأمل.

ثم لو تمّ التقاص أو الفسخ بعد عصيان المشتري، ثم تمكن الشفيع من أخذ الشقص ولو بإجبار الحاكم، فقد يقال: إن له إبطال التقاص أو الفسخ؛ لأنّه أقدم عليهما اضطراراً، ولم تطب نفسه بذلك مطلقاً، وإنّما مقيداً بعدم إمكان استلام الشقص، وحيث أمكنه الوصول إلى حقه حُق لهالإبطال.

المسألة الرابعة: لو أوقف المشتري الشقص ثم أخذ الشفيع بالشفعة

لو أوقف المشتري الشقص ثم أخذ الشفيع بالشفعة بطل الوقف لأسبقية حق الشفعة كما مرّ، وأمّا الثمن فهل يملكه المشتري أو يلزم تبدليه إلى وقف، كما ذكر الفقهاء(1) أن الوقف لو هدم وصار طريقاً وجب تبديله إلى وقف آخر، حيث لا فرق بين خراب الوقف أو إبطاله؟

ص: 355


1- جامع المقاصد 9: 54.

احتمل بعض الفقهاء(1) عدم لزوم ذلك؛ لبطلان نفس الوقف في الشفعة؛ لأنّه لاحق على حق الشفعة، بخلاف الهدم حيث لا يبطل أصله، وإنّما يخرج عن حيز الانتفاع.

إن قلت: لا فرق بين الهدم والإبطال، فلا بدّ من وجود متعلّق للوقف، وحيث ينهدم المتعلّق يبطل الوقف.

قلت: الفرق بينهما واضح، فإن هدم الوقف - كالمسجد - لا يبطل أصل الوقف وإنّما يبطل استمراره، بخلاف الأخذ بالشفعة فإنه يبطله من أصله، فكأن لم يكن هنالك وقف أصلاً.انتهى والحمد للّه رب العالمين، في 5 صفر الخير 1442ه في كربلاء المقدّسة بجوار ضريح سيد الشهداء(علیه السلام).

وأهدي هذا الجهد المتواضع لسيدي ومولاي الإمام الحسين(علیه السلام) وعزيزته السيدة رقية، حيث يصادف إتمام التقرير ذكرى استشهادها.

واللّه الموفق المستعان

ص: 356


1- المهذب 2: 92-93؛ مسالك الأفهام 5: 346؛ الحدائق الناضرة 22: 218.

فهرس المصادر

* القرآن الكريم.

* نهج البلاغة.

أجود التقريرات، تقرير بحث الشيخ محمّد حسين النائيني، الناشر: منشورات مصطفوي، قم، الطبعة: الثانية، 1368ش.

الاحتجاج، تأليف: الشيخ أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، طبع في مطابع النعمان النجف الأشرف، 1386ه .

إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان، تأليف: العلامة الحلي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة: الأولى، 1410ه .

الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، تأليف: الشيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، الناشر: دار الكتب الإسلامية طهران، 1363ه .

الأصول العامة للفقه المقارن، تأليف: السيد محمّد تقي الحكيم، الناشر: مؤسسة آل البيت^، للطباعة والنشر، قم، الطبعة: الثانية، 1979م.

الانتصار، تأليف: السيد المرتضى، تحقيق ونشر: مؤسسة النشرالإسلامي، قم، 1415ه .

الأنوار اللوامع في شرح مفاتيح الشرائع، تأليف: الشيخ حسين آل

ص: 357

عصفور البحراني، إصدار مجمع البحوث العلمية.

إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد، تأليف: فخر المحققين، الطبعة: الأولى، 1387ه .

بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، تأليف: الشيخ محمّد باقر المجلسي، الناشر: مؤسسة الوفاء بيروت، 1403ه .

تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية، تأليف: العلاّمة الحلّي، الطبعة: الأُولى، 1420ه .

تحرير المجلة، تأليف: الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء، مطبوعات مكتبة النجاح، طهران ومكتبة الفيروزآبادي قم، المكتبة المرتضوية وبطبعتها الحيدرية. النجف الأشرف، 1359ه .

تذكرة الفقهاء، تأليف: العلامة الحلي، تحقيق مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم، 1414ه .

تهذيب الأحكام، تأليف: الشيخ الطوسي، الطبعة: الثالثة، 1364ش، الناشر: دار الكتب الإسلامية، طهران.

جامع المدارك في شرح المختصر النافع، تأليف: السيد أحمد الخوانساري، الناشر: مكتبة الصدوق، طهران، الطبعة: الثانية، 1355ش.جامع المقاصد في شرح القواعد، تأليف: الشيخ علي بن الحسين الكركي، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم، الطبعة: الأولى، 1408ه .

ص: 358

جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، تأليف: الشيخ محمّد حسن النجفي، الطبعة: الأولى، 1433ه ، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، تأليف: الشيخ محمّد حسن النجفي، الطبعة: الثالثة، 1367ش، الناشر: دار الكتب الإسلامية.

حاشية المكاسب، تأليف: الشيخ ميرزا علي الإيرواني الغروي، الطبعة الثانية، مطبعة رشدية بطهران، 1379ش.

الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، تأليف: الشيخ يوسف البحراني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، تأليف: العلامة الحلي، الطبعة: الأولى، 1417ه ، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة.

الخلاف، تأليف: الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1407ه .

الدروس الشرعية في فقه الإمامية، تأليف: الشهيد الأوّل، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة: الثانية، 1417ه .

دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام، تأليف:القاضي نعمان، نشر: دار المعارف، القاهرة، 1383ه .

رجال ابن داود، تأليف: ابن داود الحلي، 1392ه .، الناشر: منشورات مطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، منشورات الرضي، قم.

رسائل فقهية، تأليف: الشيخ مرتضى الأنصاري، إعداد لجنة تحقيق

ص: 359

تراث الشيخ الأعظم، تحقيق: لجنة التحقيق، الطبعة: الأولى، 1414ه .

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، تأليف: الشهيد الثاني، الطبعة: الثانية، 1398ه .

رياض المسائل، تأليف: السيد علي الطباطبائي، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة: الأولى، 1412ه .

السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، تأليف: الشيخ ابن إدريس الحلي، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة: الثانية، 1410ه .

شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، تأليف: المحقق الحلي، الناشر: انتشارات استقلال، طهران، الطبعة: الثانية، 1409ه .

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تأليف: إسماعيل بن حمّاد الجوهري، الناشر: دار العلم للملايين لبنان، 1376ه .

الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم، تأليف: الشيخ علي بن يونس العاملي النباطي البياضي، نشر: المكتبة المرتضوية لإحياء الآثارالجعفرية، الطبعة الأولى: 1384ه .

عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية، تأليف: الشيخ محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور، الطبعة الأولى: 1403ه .

العين، تأليف: الخليل بن أحمد الفراهيدي، الناشر: مؤسسة دار الهجرة، الطبعة: الثانية، 1409ه .

عيون أخبار الرضا(علیه السلام)، تأليف: الشيخ الصدوق، محمّد بن علي بن

ص: 360

الحسين بن بابويه القمي، الناشر: مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1404ه .

غاية المراد في شرح نكت الإرشاد، تأليف: الشهيد الأوّل محمّد بن مكي العاملي، حاشية الإرشاد، للشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي، تحقيق ونشر: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية - قم، الطبعة: الأولى، 1414ه .

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام، تأليف: الشيخ المفلح الصميري البحراني، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1420ه . الناشر: دار الهادي.

غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع، تأليف: السيد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي، الطبعة: الأولى، 1417ه .

فقه الصادق(علیه السلام)، تأليف: السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني، الناشر: مدرسة الإمام الصادق(علیه السلام)، الطبعة: الثالثة، 1412ه .الفقه المنسوب للإمام الرضا(علیه السلام)، والمشتهر ب-(فقه الرضا) تحقيق مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم، الطبعة: الأولى، 1406ه .

الفقه، موسوعة استدلالية في الفقه الإسلامي، تأليف: السيد محمّد الحسيني الشيرازي، الناشر: دار العلوم للتحقيق والنشر، الطبعة: الأولى، 1417ه ، بيروت.

فهرس أسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي)، تأليف: الشيخ أحمد بن علي النجاشي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

الفهرست، تأليف: الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي، طبع ونشر: مؤسسة نشر الفقاهة، الطبعة: الأولى، 1417ه .

ص: 361

قرب الإسناد، تأليف: الشيخ أبي العباس عبد اللّه الحميري، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم، الطبعة: الأولى، 1413ه .

قواعد الأحكام، تأليف: الحسن بن يوسف بن المطهر (العلامة الحلي)، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة: الأولى، 1413ه .

الكافي، تأليف: الشيخ محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي، الناشر: دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة: الثالثة، 1388ه .

كشف الرموز في شرح المختصر النافع، تأليف: الشيخ الحسن بن أبي طالب اليوسفي، الفاضل الآبي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، قم،1408ه .

كفاية الفقه المشتهر ب-(كفاية الأحكام)، تأليف: الشيخ محمّد باقر السبزواري، طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة: الأولى، التاريخ: 1423ه .

كنز الفوائد في حل مشكلات القواعد، تأليف: السيد عميد الدين عبد المطّلب بن محمّد الأعرج، التحقيق والناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة: الأولى، 1416ه .

لسان العرب، تأليف: محمّد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري، نشر أدب الحوزة، قم، 1363ش.

المبسوط في فقه الإمامية، تأليف: الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي،

ص: 362

الناشر: المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية.

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، تأليف: الشيخ أحمد الأردبيلي، منشورات: جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم.

مختلف الشيعة، تأليف: الشيخ الحسن بن يوسف بن المطهر (العلامة الحلي)، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة: الأولى، 1412ه .

مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، تأليف: الشهيد الثاني، تحقيق ونشر: مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، الطبعة: الأولى 1413ه .

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، تأليف: الشيخ حسين النوريالطبرسي، تحقيق مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم، الطبعة: الأولى 1408ه .

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، تأليف: الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، مشهد المقدسة، الطبعة: الأولى، 1415ه .

معجم مقاييس اللغة، تأليف: أحمد بن فارس بن زكريّا، مطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة: الأولى، 1399ه .

مفاتيح الشرائع، تأليف: محمّد محسن الفيض الكاشاني، الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية، طبع: مطبعة الخيام، قم، 1401ه .

مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة، تأليف: السيد محمّد جواد الحسيني العاملي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة: الأولى، 1419ه .

ص: 363

المقنع، تأليف: الشيخ الصدوق محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، الناشر: مؤسسة الإمام الهادي(علیه السلام)، 1415ه .

المقنعة، تأليف: الشيخ المفيد، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة: الثانية، 1410ه .

المكاسب والبيع، تقرير بحث الشيخ محمّد حسين النائيني، بقلم الشيخ محمّد تقي الآملي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، قم.المكاسب، تأليف: الشيخ مرتضى الأنصاري، إعداد: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الناشر: مجمع الفكر الإسلامي، الطبعة: الثالثة، 1420ه .

من لا يحضره الفقيه، تأليف: الشيخ الصدوق، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة، الطبعة: الثانية.

منية الطالب في شرح المكاسب، تقرير بحث الشيخ محمّد حسين النائيني، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة: الأولى، التاريخ: 1418ه .

المهذب البارع في شرح المختصر النافع، تأليف: الشيخ أحمد بن محمّد بن فهد الحلي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1407ه .

النجعة في شرح اللمعة، تأليف: الشيخ محمّد تقي التستري، الناشر: مكتبة الصدوق، طهران، 1364ش، الطبعة: الأولى.

نقد الرجال، تأليف: السيد مصطفى بن الحسين الحسيني التفرشي، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم، الطبعة: الأولى،

ص: 364

1418ه .

النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، تأليف: الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي، الناشر: انتشارات قدس محمّدي، قم.

وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تأليف: الشيخ محمّد بنالحسن الحر العاملي، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم، الطبعة: الثانية 1414ه .

الوسيلة إلى نيل الفضيلة، تأليف: الشيخ محمّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة، نشر: مكتبة السيد المرعشي النجفي، قم، 1408ه .

ص: 365

ص: 366

فهرس المحتويات

كتاب الشفعة

بحوث تمهيدية 7

1- وجه تعقب كتاب الشفعة لكتاب الغصب 7

2- في معناها اللغوي والاصطلاحي 7

3- حكمة تشريع الشفعة 9

4- الشفعة حكم 9

فصل: في موارد ثبوت الشفعة 10

المسألة الأولى: ثبوت الشفعة في المنقول وغيره 10

القول الأوّل: شمول الشفعة للمنقول وغيره 10

القول الثاني: اختصاص الشفعة بغير المنقول 12

المسألة الثانية: ثبوت الشفعة في الشجر والبناء 13

الفرع الأوّل: حكم بيع الأرض 14

الفرع الثاني: حكم الحاجز بين الطابقين 16

الفرع الثالث: لو بيع البناء والغرس منفرداً 17

المسألة الثالثة: في ثبوت الشفعة فيما لا ينقسم 18

الفرع الأوّل: جريان الشفعة في البئر 24

الفرع الثاني: الشفعة في الأرض مع الاشتراك في الطريق 24

الفرع الثالث: الاشتراك في البيت وفي الطريق 30

ص: 367

الفرع الرابع: لو بيعت حصتان في معاملتين 31

فصل: من شروط الشفعة 33

الشرط الأوّل: الانتقال بالبيع 33

مسألة: حكم الشفعة في الوقف 37

الشرط الثاني: كونها بين اثنين 41

الفرع الأوّل: أن تكون الشركة قبل البيع 46

الفرع الثاني: كون الشفعة على عدد الرؤوس أو على قدر الأسهم 46

الفرع الثالث: عدم الفرق بين بيع كل الحصة وبعضها 48

الفرع الرابع: لو باع أحدهم حصته لأحد الشركاء 49

الفرع الخامس: في اختلاف الشركاء اجتهاداً وتقليداً 49

تتمة: لو كان البائع أو المشتري غير مؤمن 49

فصل: في مبطلات الشفعة 51

المسألة الأولى: العجز عن دفع الثمن 51

المسألة الثانية: المماطلة في الأداء 54

الفرع الأوّل: حق إبطال شفعة المماطل على الفور أم التراخي؟ 56

الفرع الثاني: الهارب وأمثاله ممن لا يستطيع الأخذ بالشفعة 57

المسألة الثالثة: في غيبة الثمن 58

فصل: في من يحق له الشفعة 61

المسألة الأولى: في ثبوت الشفعة للغائب ونحوه 61

الفرع الأوّل: عدم اعتبار إشهاد الغائب حين الأخذ بالشفعة 65

الفرع الثاني: حكم المسجون والمريض العاجز 65

ص: 368

الفرع الثالث: في ثبوت الشفعة للمغمى عليه 67

الفرع الرابع: في ثبوت الشفعة للسكران 68

المسألة الثانية: الإكراه على الأخذ بالشفعة 69

المسألة الثالثة: في ثبوت الشفعة للسفيه 69

فرع: لو أصبح السفيه عاقلاً 71

المسألة الرابعة: في ثبوت الشفعة للصبي والمجنون 72

الفرع الأوّل: لو تدارك الولي المفسدة 72

الفرع الثاني: في وجوب منع الضرر عن المولّى عليه وعدمه 73

الفرع الثالث: لو قصّر الولي في الأخذ بالشفعة 74

الفرع الرابع: إذا لم يأخذ الولي بالشفعة وجاء ولي جديد 75

الفرع الخامس: لو أخذ بالشفعة ثم تجددت المفسدة 76

الفرع السادس: لو باع الأب أو الجد حصته المشتركة مع المولّى عليه 76

تتمة: في بيان المراد من المصلحة 79

المسألة الخامسة: في ثبوت حق الشفعة للكافر والمخالف 80

ثبوت الشفعة للمخالف 86

المسألة السادسة: في ثبوت حق الشفعة للوصي 86

المسألة السابعة: في ثبوت حق الشفعة للوكيل 89

فرع: في كون الكافر وكيلاً للمسلم والعكس 89

المسألة الثامنة: حكم الشفعة فيما لو باع العامل في القراض شقصاً 90

الفرع الأوّل: فيما لو اشترى العامل حصة الشريك بمال المالك 91

الفرع الثاني: لو اتفقا على كون ربح العامل من الأرض 92

المسألة التاسعة: في حق الشفعة للحمل 94

ص: 369

فصل: في الشركاء المتعددين 96

المسألة الأولى: لو أسقط أحدهم حقه في الأخذ بالشفعة 96

المسألة الثانية: لو كان بعض الشفعاء غائبين 101

المسألة الثالثة: حكم ما لو أخذ أحد الشركاء بالشفعة ثم حضر الآخر 103

الفرع الأوّل: لو حضر الغائب بعد القسمة 104

الفرع الثاني: فيما لو رد الشفيع الأوّل بعيب 105

المسألة الرابعة: لو استغلها الأوّل ثم حضر الثاني 107

المسألة الخامسة: لو لم يأخذ الحاضر بالشفعة حتى يحضر الغائب 108

المسألة السادسة: لو ظهر الشقص مستحقاً للغير بعد الأخذ بالشفعة 109

المسألة السابعة: فيما لو باع أحد الشركاء حصّته لشريكه 112

المسألة الثامنة: لو باع شريكان لثلاثة صفقة 116

فصل: في كيفية الأخذ بالشفعة 122

المسألة الأولى: في وقت ثبوت استحقاق الشفعة 122

فرع: سقوط خيار العيب بالانتقال وعدمه 125

المسألة الثانية: حكم التبعيض في الشفعة 127

المسألة الثالثة: الثمن الذي يأخذ به الشفيع 132

الفرع الأوّل: الأخذ بالثمن الذي وقع عليه العقد 132

الفرع الثاني: الأخذ بالثمن وإن كانت قيمة الشقص أقل أو أكثر 132

الفرع الثالث: في حكم غرامة المشتري للدلال والوكيل 133

الفرع الرابع: في دفع الشفيع زيادة المشتري وعدمه 134

الفرع الخامس: كون زيادة الثمن في زمن الخيار 135

الفرع السادس: في كون القيمة المتفق عليها أكثر من القيمة السوقية 135

ص: 370

المسألة الرابعة: التقابض في الشفعة 136

فرع: في حصول الملك بمجرد التقابض أو بمجرد الأخذ بالشفعة 140

المسألة الخامسة: لو اشترى شقصاً وعرضاً صفقة 141

فرع: لو كان الانضمام دخيلاً في القيمة 143

المسألة السادسة: لو كان الثمن مثلياً أو قيميّاً 145

المسألة السابعة: هل الشفعة فورية أم على التراخي 153

موارد مستثناة من القول بالفور 158

فروع تترتب على القول بالفور 164

الفرع الأوّل: لزوم التوكيل للغائب وغيره 164

الفرع الثاني: لو لم يملك الثمن نقداً وإنّما بضاعة 165

الفرع الثالث: فيما لو ادعى العذر 165

الفرع الرابع: لو قصّر الوكيل في أخذ الشفعة 167

الفرع الخامس: في لزوم الإشهاد وعدمه 167

الفرع السادس: الاضطرار والإكراه من الأعذار 169

الفرع السابع: في تسليم الشفيع الثمن وامتناع المشتري 170

الفرع الثامن: فيما لو اشغل المشتري الأرض بالزرع وغيره 171

المسألة الثامنة: في أعذار المشتري 175

المسألة التاسعة: عدم سقوط الشفعة بتقايل المتبايعين 176

الفرع الأوّل: في بيان حقيقة الفسخ والإقالة لو أخذ الشفيع بالشفعة 177

الفرع الثاني: في بقاء الدرك على المشتري 179

الفرع الثالث: فيما لو رضي الشفيع بالبيع ثم تقايلا 182

المسألة العاشرة: لو باع المشتري كان للشفيع فسخ البيع 182

المسألة الحادية عشرة: الشفيع يأخذ من المشتري ودركه عليه 184

ص: 371

الفرع الأوّل: كون الشقص بيد البائع ولم يسلمه للمشتري 186

الفرع الثاني: في عصيان البائع وعدم استلام الثمن 187

الفرع الثالث: ليس للشفيع فسخ البيع والأخذ من البائع 188

المسألة الثانية عشرة: لو انهدم المبيع أو عاب 188

الفرع الأوّل: حدوث العيب بفعل أجنبي 192

الفرع الثاني: لو لم يضر الهدم بالعين 193

الفرع الثالث: لو نقصت القيمة السوقية أو زادت 193

المسألة الثالثة عشرة: لو غرس المشتري أو بنى فطالب الشفيع بحقه 194

الصورة الأولى: لو أراد المشتري الإزالة 194

الفرع الأوّل: في استئذان الشفيع في الإزالة 196

الفرع الثاني: لو أدى قلع الزرع أو هدم الدار لفساد الأرض 197

الصورة الثانية: ما لو لم يردِ المشتري إزالة زرعه أو بنائه 199

الصورة الثالثة: في ما لو أعرض المشتري عن النماء والزرع 200

المسألة الرابعة عشرة: ما يدخل في الشفعة تبعاً 201

المسألة الخامسة عشرة: فيما لو حمل النخل بعد الابتياع 203

المسألة السادسة عشرة: فيما لو بان الثمن في البيع مستحقاً للغير 205

الفرع الأوّل: فيما لو أجاز مالك الثمن البيع 205

الفرع الثاني: فيما لو انتقل الثمن المستحق للغير للمشتري 207

الفرع الثالث: الثمن الذي لا يُملك أو لم يُقدر على أدائه 207

المسألة السابعة عشرة: لو دفع الشفيع الثمن فبان مستحقاً 208

المسألة الثامنة عشرة: اعتبار العلم بالثمن في الأخذ بالشفعة 209

فرع: في اختلاف المشتري والشفيع 213

المسألة التاسعة عشرة: لو طلب البائع الإقالة من الشفيع 214

ص: 372

المسألة العشرون: لو بيع الشقص بالثمن المؤجل 215

الإشكال على لزوم أخذ الكفيل 219

المسألة الواحدة والعشرون: في توريث الشفعة 222

الفرع الأوّل: في اختلاف الوارث والمورث في الاعتقاد بها 226

الفرع الثاني: في إرث الزوجة من شفعة الأرض 227

الفرع الثالث: كيفية تقسيم الشقص على الورثة 229

الفرع الرابع: لو عفا أحد الوراث عن نصيبه 229

الفرع الخامس: لو عفا أحد الورثة عن حقه ومات الآخر 232

الفرع السادس: لو عفا عن حقه وعن الحق الذي سيرثه 233

المسألة الثانية والعشرون: حال المفلس في الشفعة 233

فرع: لو مات المفلس فباع شريكه شقصه 234

المسألة الثالثة والعشرون: في وصية المشتري بالشقص 236

الفرع الأوّل: لو أوصى بشقص فباع الشريك 237

الفرع الثاني: في نسيان الموصى له قبول الوصية أو ردها 241

المسألة الرابعة والعشرون: لو باع الشفيع نصيبه بعد العلم بالشفعة 241

الفرع الأوّل: لو نسي الشفيع أنه كان عالماً أو جاهلاً 244

الفرع الثاني: لو باع الشريك بخيار 245

المسألة الخامسة والعشرون: فيما لو باع شقصاً في مرض الموت 245

المسألة السادسة والعشرون: فيما لو صالح الشفيع على ترك الشفعة 249

الفرع الأوّل: لو صالح على إسقاط حق ثم خالف 252

الفرع الثاني: في نقل الحق أو إرثه أو إسقاطه بالصلح 252

المسألة السابعة والعشرون: لو ضمن الشفيع الدرك عن أحدهما أو شرط له الخيار أو كان وكيلاً لأحدهما 253

ص: 373

المسألة الثامنة والعشرون: لو وجد فيه عيباً سابقاً على العقد 257

الفرع الأوّل: لو تصرّف الشفيع في المعيب 262

الفرع الثاني: لو تحقق العيب عند المشتري 262

الفرع الثالث: لو زال العيب في يد المشتري 263

الفرع الرابع: لو فسخ الشفيع ورد الشقص إلى المشتري 263

الفرع الخامس: لو رضي الشفيع بالعيب 264

الفرع السادس: فيما لو باعه وتبرأ من العيوب 265

الفرع السابع: العيب في الثمن 266

المسألة التاسعة والعشرون: لو ظهر عيب في الثمن 266

الأمر الأوّل: لو رجعت العين إلى المشتري بعد الشفعة 271

الأمر الثاني: ماذا يطالب البائع؟ 273

الأمر الثالث: لو تفاوتت القيمة 274

المسألة الثلاثون: لو بيع شقص الغائب بادعاء إذنه 276

فروع ثمانية 279

فصل: في مسقطات الشفعة 284

المسقط الأوّل: التراخي 284

المسقط الثاني: إسقاط الشفعة قبل البيع 284

المسقط الثالث: لو بلغه البيع ولم يطالب بالشفعة 289

المسقط الرابع: جهل الشفيع والمشتري بالثمن 291

المسقط الخامس: لو أخّر المطالبة توقعاً لوصول المبيع 292

تتمة: في مسائل متفرقة 293

المسألة الأولى: جواز الأخذ بالشفعة في غير بلد البيع 293

ص: 374

المسألة الثانية: لو بان الثمن مستحقاً 294

المسألة الثالثة: لو تلف الثمن المعين 295

المسألة الرابعة: لو تلف المثمن 296

المسألة الخامسة: في الطرق الشرعية لإسقاط الشفعة 297

المسألة السادسة: لو ادعى المشتري نسيان الثمن 299

فصل: في التنازع 303

المقام الأوّل: اختلاف المشتري والشفيع 303

الفرع الأوّل: شهادة البائع للمشتري أو الشفيع 307

الفرع الثاني: لو اختلف المشتري والشفيع في الزرع ونحوه 310

المقام الثاني: اختلاف البائع والمشتري 311

فرع: في اختلاف المتابعين في قيمة الثمن 318

المقام الثالث: لو ادعى البيع لأجنبي فأنكر الأجنبي 319

من مسائل التنازع 324

المسألة الأولى: لو ادعى أن شريكه اشتراه بعده فأنكره 324

الفرع الأوّل: لو ادعى الشريك سبق شراكته 324

الفرع الثاني: في كيفية الحلف 325

الفرع الثالث: لو ادعى الشريكان استحقاق الشفعة 325

الفرع الرابع: لو كان لأحدهما بينة بالشراء 326

الفرع الخامس: لو شهدت البينة لأحدهما بالتقدم 327

الفرع السادس: لو كان لهما بينتان بالشراء 328

الفرع السابع: لو شهدت بينة كل منها بالتقدم 329

المسألة الثانية: لو اختلفا بين البيع والإرث 332

ص: 375

فرع: لو صدق البائع الشفيع 335

المسألة الثالثة: لو تنازعا في بطلان البيع 336

المسألة الرابعة: فيما لو قال اشتريته لفلان 340

المسألة الخامسة: لو ادعى الشراء للمولّى عليه 344

المسألة السادسة: لو أنكر المشتري شراكة الشفيع 346

المسألة السابعة: لو ادعى المشتري على أحد وارثي الشفعة العفو 347

الفرع الأوّل: أن يشهد أحد الوارثين على الآخر 348

الفرع الثاني: أن يشهد الأجنبي بعفو أحدهما 350

الفرع الثالث: أن يشهد المشتري بعفو أحدهما 350

المسألة الثامنة: لو أنكر المشتري شرط الشفعة 351

خاتمة: فيها مسائل 353

المسألة الأولى: تحديد الشقص 353

المسألة الثانية: لو أخذ بالشفعة لم يحق له إبطالها 354

المسألة الثالثة: لو لم يسلم المشتري الشقص للشفيع 354

المسألة الرابعة: لو أوقف المشتري الشقص ثم أخذ الشفيع بالشفعة 355

فهرس المصادر 357

فهرس المحتويات 367

ص: 376

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.